مِنَّةُ الرَّحْمَنِ
فِي نَصِيحَةِ الإِخْوَانِ
(نصيحة في العقيدة والعمل والسلوك)
تأليف فضيلة الشيخ الدكتور:
ياسِر بُرهامِيّ
غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين
(
مقدمة
إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( [آل عمران:102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً( [النساء:1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً( [الأحزاب:70، 71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله , وأحسن الهدي هدي محمد(, وشر الأمور محدثاتها وكل محدثةٍ بدعة, وكل بدعةٍ ضلالة وكل ضلالةٍ في النار.
أما بعد، فقد قال رسول الله(: "الدين النصيحة", قلنا: لمن؟، قال : "لله ولكتابه, ولرسوله, ولأئمة المسلمين وعامتهم"1.(1/1)
والنصيحة في أمر الآخرة تشمل أنواع النصيحة كلها, فهي نصيحة لله ببيان توحيده, ومعرفته, ومحبته، وحقوقه على عباده. ونصيحة لكتابه: بتصديقه، وتعظيمه، والأمر بتحليل حلاله, وتحريم حرامه. ونصيحة لرسوله( بتوضيح معاني اتباعه ولوازمها, ونصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم ببيان أسباب سعادتهم في الدنيا والآخرة, فإن رسول الله( بُعث بصلاح الدين وصلاح الدنيا, والتزام المنهج الإسلامي الصحيح هو طريق النجاة للفرد, وصلاح الأمة, وهو سبب التمكين في الأرض والنصر على الأعداء.
(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً( [النور: من الآية55].
كما أنه هو الطريق لوحدة الدعاة ومن ثم وحدة المسلمين التي ينشدها كل مخلص, فإنما اجتمع سلفنا الصالح من الصحابة فمن بعدهم عليه, ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.(1/2)
ولما كثر -بحمد الله- من ينتسب للإسلام ويرغب في الالتزام به, ولكن قل -ولا حول ولا قوة إلا بالله- من يعرف أصول المنهج الإسلامي الصافي النقي, منهج أهل السنة والجماعة في العقيدة والعمل والسلوك والدعوة, فضلاً عمن يعمل به بعد معرفته - أحببت أن أنال نصيباً من هذا الأمر العظيم, أمر النصيحة, الذي جعله الرسول( هو الدين, بأن أجمع ما تفرق في كتب أهل العلم في صورة مختصرة مع الدليل من الكتاب والسنة والإجماع لتكون تذكرة لنفسي, ثم لإخواني الأحباء, لنبصر بذلك طريقنا وسط المتناقضات والتصورات المختلفة والحروب الشعواء ضد الالتزام بمنهج الإسلام ولنعرف ما يميز المسلم الصادق -في الالتزام بالإسلام الصحيح- عن أهل البدع والجهل في أمر التوحيد وأصول الإيمان الذي هو أصل كل الأمور , وفي اتباع رسول الله(, وفي العمل الصالح وتزكية النفس والسلوك الحسن مع الناس.
وأرجو من الله أن يجعل ذلك خالصاً لوجهه الكريم نافعاً لعباده المسلمين, حجة لنا عند لقاء رب العالمين.
أولاً: التوحيد وأصول الإيمان:
وهو يشمل:
1. الإيمان بالأسماء والصفات.
2. توحيد الربوبية والألوهية.
3. توحيد الله بالحكم والتشريع.
4. الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين والبراء من الشرك وأهله.
5. الإيمان بالملائكة والكتب والرسل.
6. الإيمان باليوم الآخر.
7. الإيمان بالقضاء والقدر.
8. قضية الإيمان والكفر.
9. عقيدتنا في صحابة رسول الله( (، وخلفائه, ومسألة الإمامة والولاية.
ثانياً: في الاتباع ومناهج الاستدلال.
ثالثاً: التزكية والعمل الصالح.
أولاً: التوحيد وأصول الإيمان
1. الإيمان بالأسماء والصفات
(أ) أهمية الإيمان بالأسماء والصفات:(1/3)
معرفة الله أصل الدين, وركن التوحيد و أول الواجبات, لما بعث النبي( معاذاً إلى نحو أهل اليمن قال له: "فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى فإذا عرفوا ذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات"2، الحديث صدر به البخاري كتاب التوحيد من صحيحه, وآيات الصفات لها فضل خاص كما في صحيح مسلم أن أعظم آية في كتاب الله آية الكرسي وكلها أسماء وصفات, وحب الآيات والسور المتضمنة لها سبب لدخول الجنة كما في حديث البخاري في الصحابي الذي كان في سرية وكان يقرأ لأصحابه في صلاة فيختم بـ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ( [الإخلاص:1]، فلما أتاهم النبي( أخبروه الخبر, فقال: "يا فلان، ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك, وما يحملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة؟"، فقال: أني أُحبها، فقال: "حُبُّك إياها أدخلك الجنة"3.
ولقد أمرنا الله بدعائه بأسمائه وصفاته فقال: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ( [الأعراف:180].
وقال النبي(: "إن لله تسعةً وتسعين اسماً مائةً إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة"4، (أحصاها: حفظها, أطاقها: تعبد لله بها).
والفرق بين المسلمين وبين اليهود هو في الأسماء والصفات إذ نسبوا إليه الفقر والتعب وغل اليدين والعجز -نعوذ بالله من ذلك-.
والفرق بين المسلمين وبين النصارى هو في الأسماء والصفات إذ نسبوا إليه الصاحبة والولد والموت والبكاء وسائر صفات المخلوقين حين قالوا: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ( [المائدة: من الآية17].(1/4)
وظن الجاهلية في صفات الله مهلك والعياذ بالله, فقد قال فيمن شك في صفة السمع والعلم لله تعالى: (وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ، وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ( [فصلت:22، 23].
ومعرفة الله بأسمائه وصفاته ومحبته ودعاؤه بها والتعبد له بمقتضاها هي جنة الدنيا التي من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة, وأجمع المسلمون على فضل هذا العلم وشرفه, فمن قلل من شأنه أو قال عنه: إنه (ترف عقلي) أو (إنه انشغال بما غيره أولى منه) فهو ضال مبتدع.
(ب) العقيدة الصحيحة - عقيدة السلف :
(نؤمن بكل ما وصف الله به نفسه, وبما وصفه به رسوله(, من غير تعطيل5 ولا تحريف، ومن غير تكييف ولا تمثيل).
لم يختلف الصحابة ولا الذين يلونهم ولا الذين يلونهم في هذا الاعتقاد أبداً, وإجماعهم حجة على من بعدهم فيجب الإيمان (بكل) ما وصف الله به نفسه ووصفه به رسوله(.
فليس هناك فرق بين بعض الصفات وبعضها, وليست صفات الله مقتصرة على سبع كما يعتقد الأشاعرة أو غيرها, بل كل ما ورد في الكتاب والسنة يجب الإيمان به, كالحياة, والسمع, والبصر, والقدرة, والإرادة, والعلم, والكلام, والرحمة, والمحبة, والرضا على المؤمنين, والسخط على الكافرين, والفرح بتوبة العبد حين يتوب إليه, والضحك لرجلين يقتل أحدهما الآخر فيدخلان الجنة, واليدين والقَدَم, كل ذلك على ما يليق بعظمة الله وجلاله.
والسنة أصل في ذلك, فالحديث الصحيح حجة بنفسه في العقائد, ومنها إثبات صفات الله تعالى.(1/5)
ويدخل في التحريف: التأويل المذموم, الذي ابتدعه بعض الخلف لشبهات عقلية فاسدة كمن يؤول الاستواء بالاستيلاء, ومن يؤول اليدين بالقدرة، والحب والرضا والغضب بالإرادة مع نفي هذه الصفات واعتقاد أن ظاهرها لا يليق بالله, وقد أجمع السلف على الكف عن هذا التأويل, ولم يفسروا آيات القرآن ولا أحاديث الرسول( بهذه التأويلات البعيدة بل قالوا : (أمرُّوها كما جاءت) أي دالة على معانيها اللائقة بجلال الله, والإقرار بجهل الكيف, وعدم قدرة المخلوقين على الإحاطة به والحذر كل الحذر من التشبيه.
(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ( [الإخلاص:1-4].
(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ( [الشورى: من الآية 11].
وكما قالت أم سلمة والإمام مالك : (الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة).
ولذا فقد اتفق السلف على ذم الفلسفة وعلم الكلام, و أنه ليس مصدراً لمعرفة العقيدة ولذا كانت بدعة الجهمية في نفي الأسماء والصفات وتعطيلها وبدعة المعتزلة في نفي الصفات من شر البدع.
(جـ) هل آيات الصفات وأحاديثها من المتشابه؟:
قال ابن عباس رضي الله عنهما لمن أنكر شيئاً من أحاديث الصفات: (ما فرق هؤلاء يجدون رقة عند محكمه ويهلكون عند متشابهه)، فهي تشتبه على أهل الزيغ والضلال, وأما أهل العلم فهم الذين آمنوا بالكتاب كله, فردوا المتشابه إلى المحكم, فاتسق الكتاب كله, وعلموا الحق من الإيمان بصفات الله, بمعرفة معناها وجهل كيفيتها, فالتشابه الذي لا يعلمه إلا الله من ذلك هو حقيقة الصفات وكيفيتها, وأما المعنى فهو مما قال الله فيه: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ( [ص:29]،لم يستثن متشابهاً ولا غيره.(1/6)
فتفويض السلف تفويض كيف لا تفويض معنى، ومن نسب إليه أنهم يعتقدون نفي معاني الصفات وأنها حروف لا تؤدي معنى كالكلام الأعجمي, أو الحروف المقطعة في أوائل السور فقد جمع بين التعطيل وبين الجهل بعقيدة السلف والكذب عليهم, (التفويض هنا معناه رد العلم إلى الله والإقرار بجهل العباد في هذا الأمر).
(د) التعبد بالأسماء والصفات حقيقة التوحيد:
وذلك بأن يمتلئ القلب بأجلِّ المعارف باستحضار معاني الأسماء الحسنى والصفات العلى, ويتأثر القلب بآثارها ومقتضياتها ويدعو الله بها, فمثلاً:
أسماء (العظيم) و(الكبير) و(المتعال) و(المجيد) و(الجليل) تملأ القلب تعظيماً لله وإجلالاً له.
وأسماء (البر) و(الكريم) و(الجواد) و(المنان) و(الرحيم) و(الجميل) و(الودود) تملأ القلب حباً له وشوقاً إليه وحمداً له وشكراً.
وأسماء (العزيز) و(شديد العقاب) و(الجبار) و(القدير) تملأ القلب خضوعاً وانكساراً وذلاً وخوفاً ورهبةً منه سبحانه.
و أسماء (العليم) و(الخبير) و(السميع) و(البصير) و(الشهيد) و(الرقيب) و(الحسيب) تملأ القلب مراقبةً لله في الحركات والسكنات، وتؤدي بالعبد إلى أن يعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإنه يراه.
وأسماء (الغني) و(الغفور) و(التواب) و(المجيب) و(اللطيف) تملأ القلب افتقاراً إلى فضله ورجاءً لرحمته ورغبةً في منته.
نسأل الله أن يفتح لنا وللمسلمين أبواب هذا الخير الذي لا يوصف والسعادة التي لا تقارن, فإن ذلك لا يُنال إلا بفضله ورحمته.
2. توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية
الإيمان بالله رباً يعني اعتقاد انفراده سبحانه:
(أ) بالخلق، والرزق، والتدبير، والإحياء، والإماتة، والضر، والنفع, قال تعالى:(1/7)
(قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ، فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ( [يونس:31، 32].
(ب) وبالمِلك والمُلك التام: (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ( [المؤمنون:88، 89].
(تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ( [الملك:1].
(ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ( [فاطر: من الآية13].
(جـ) وبالأمر، والنهي، والتشريع، والسيادة: (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ( [الأعراف: من الآية54].
(اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ( [التوبة: من الآية31]
(أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ( [الشورى: من الآية21].
ومن مظاهر الشرك في الربوبية أن يعتقد مع الله أو من دونه سبحانه رازقاً أو ضاراً نافعاً كالاعتقاد في أصحاب القبور أنهم يقضون الحاجات ويسمعون الدعوات.
ومن مظاهره كذلك اعتقاد أن الإنسان يملك نفسه فهو حر مع أوامر ربه إن شاء قبلها وإن شاء ردها حتى جعلوا حرية الكفر والطعن في الدين من أساسيات حقوق الإنسان بزعمهم.
والإيمان بالله إلهاً لا إله إلا هو لا شريك له في ألوهيته:(1/8)
يعني توجه العبد بكل عبادته وأفعاله الظاهرة والباطنة لله وحده, والكفر بكل ما يُعبد من دونه من الطواغيت, فالإله هو المعبود والمطاع, والذي تميل إليه القلوب وتشتاق إليه: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى( [البقرة: من الآية256].
(قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ( [الأنعام:162، 163].
والشرك الأكبر الذي لا يغفره الله هو:
صرف أي عبادة من العبادات لغير الله: سواء كان ملكاً أو رسولاً أو ولياً فضلاً عما دون ذلك من الأحجار والأشجار والقبور حتى ولو على سبيل التوسل.
ومن ذلك الدعاء والاستغاثة وطلب المدد من الأموات والغائبين:
(وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ، وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ( [الأحقاف:5، 6].
(وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ، وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ( [يونس:106، 107]
ومن ذلك الذبح لغير الله، قال تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ( [الكوثر:2].
وقال النبي(: "لعن الله من ذبح لغير الله"6.
ومن ذلك النذر للقبور والصالحين: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ( [البقرة:270]، فالنذر عبادة و صرفها لغير الله شرك.(1/9)
ومن ذلك نسبة علم مفاتح الغيب إلي الأنبياء أو الأولياء أو الكهان أو العرافين أو المنجمين، واعتقاد أنهم يُصَرِّفون الكون, قال تعالى: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ( [الأنعام: من الآية59].
(إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ( [لقمان:34].
وهذا شرك في الربوبية, وإذا أضاف إليه اللجوء إليهم ودعاءهم ليضروا أو ينفعوا فقد زاد فيه شركاً في الألوهية, كمن يأتي السحرة والكهان ليسحروا له ويخبروه عن مستقبله, قال تعالى: (وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ(، إلي قوله تعالى: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ( [البقرة: من الآية102].
وسبب البلاء: الغلو في الصالحين, وبناء المشاهد والقباب والمساجد على قبورهم, والتمسح بها, والطواف حولها, وقد سد النبي( هذا الباب بقوله: "ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك"7، وقال: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" يحذر ما صنعوا8, وأمر بهدم كل قبر مشرف (مرتفع)، فالمسلم الحريص على التوحيد يتجنب الصلاة في المساجد التي بنيت على القبور سداً لذريعة الشرك.
والشرك الأصغر هو:
كل ذريعة وسبب يؤدي إلي الشرك الأكبر: كتعليق الخيوط، والحلق، وحدوة الحصان، والخرز، والودع، والتمائم، والأحجبة علي أنها أسباب لدفع العين والحسد والشر, أما لو اعتقد أنها بذاتها تنفع أو تضر فهذا شرك أكبر في الربوبية.(1/10)
قال النبي(: "ومن تعلَّق تميمة فلا أتم له، ومن تعلق ودعة فلا ودع له الله".
وحديث: "من تعلَّق تميمة فقد أشرك"9.
ومن ذلك التطير (التشاؤم والتفاؤل بالطيور أو غيرها) لقول النبي(: "الطيرة شرك"10.
ومنه التوسل البدعي: بأن يقول للميت: (ادع الله لي) أو (استغفر لي)، أما لو قال له: (أغثني) أو (اغفر لي) فهو شرك أكبر وهو توسل شركي.
3. الحكم بما أنزل الله
من خصائص الربوبية اعتقاد انفراد الله بحق الحكم والتشريع:
(أَلا لَهُ الْحُكْمُ( [الأنعام: من الآية62].
(إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ( [يوسف: من الآية4].
وقال: (وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً( [الكهف: من الآية26].
ومن العبادة التي يجب صرفها لله دون من سواه: التحاكم إلي شرعه, وقبول حكمه, والرضا به: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا( [النور: من الآية51].
(فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً( [النساء:65].
ومن مظاهر الشرك التحاكم إلى الطاغوت:
و هو كل من يحكم بغير ما أنزل الله (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً( [النساء:60].
والحكم بغير ما أنزل الله من أصول الكفر :
قال تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ( [المائدة: من الآية44].
و هو ينقسم إلى كفر أكبر وكفر أصغر:
والكفر الأكبر أنواع:(1/11)
1. أن يجحد شريعة الله المعلومة من الدين بالضرورة، كمن يقول: "أنه لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين"، ويعتقد أن الدين شعائر فقط، وينكر أحكام الله في الحدود، والمعاملات، والأموال، والدماء وغيرها، مثل إنكار قطع يد السارق، وجلد الزاني، وحرمة الربا، والقول بأن هذه الأمور ليست من الدين، وهذا كله كفر بالإجماع.
قال تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ( [الأنعام: من الآية21].
فإنكار المعلوم من الدين بالضرورة تكذيب لله(، وتكذيب لرسله وكتبه.
2. أن يعتقد ثبوت الشرع في ذلك لكنه يقول: إن القوانين الوضعية أفضل وأكثر مناسبة لزماننا من شرائع مضى عليها أربعة عشر قرناً ونحو ذلك، وهذا بالإجماع كفر أكبر؛ إذ يفضل حكم المخلوق على الخالق: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ( [المائدة:50].
3. أن يعتقد أن القوانين الوضعية مساوية لحكم الله: فهو ممن يصرخ في النار يوم القيامة: (تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ، إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ( [الشعراء:97، 98].
4. أن يعتقد أن شريعة الله أفضل ولكنها غير واجبة, بل ويجوز مخالفتها وتركها إلى ما يراه هو عدلاً ومصلحة, نقل الإجماع على كفره شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره؛ إذ من المعلوم من الدين بالضرورة وجوب تنفيذ أحكام الله.(1/12)
5. وهذا من أعظمها وأشملها وأظهرها معاندة للشرع ومكابرة لأحكامه ومشاقة لله ولرسوله, وذلك بإلزام الناس في التشريع العام بأحكام وقوانين تخالف الشرع وذلك بمضاهاة القوانين الوضعية بالمحاكم الشرعية, فكما أن للمحاكم الشرعية مراجع ومستندات مرجعها كلها إلى كتاب الله وسنة رسوله(, فلهذه المحاكم مراجع هي القانون الملفق من شرائع شتى وقوانين كثيرة كالفرنسي والأمريكي والروماني وغيرها, مع تأصيل أن الحكم ليس بالشرع وإنما بهذه القوانين وإلزام الناس بذلك وتحتيمه عليهم (أهـ) بتصرف من فتوى الشيخ محمد بن إبراهيم [تحكيم القوانين], وانظر تعليق الشيخ أحمد شاكر على نقل ابن كثير الإجماع على كفر من تحاكم إلى الياسق11 من التتار في [عمدة التفاسير], وكلام الشيخ الشنقيطي في [أضواء البيان] عن قوله: (وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً( [الكهف: من الآية26]، وغير ذلك كثير.
6. ما يحكم به كثير من رؤساء العشائر والقبائل من البوادي, وغيرهم من حكايات تلقوها عن آبائهم وأجدادهم يعلمون مخالفتها للشرع ويقدمونها في الحكم على شرع الله إعراضاً عن حكم الله12.
ملاحظة: هذا بالنسبة للحكم العام، وأما الفتوى بكفر شخص معين أو ردته فإنه اجتهاد لأهل العلم تبعاً لثبوت شرائط التكفير أو انتفائها.
وأما القسم الثاني وهو الكفر الأصغر:
وهو الذي لا يخرج من الملة, وهو الذي وصف ابن عباس رضي الله عنهما وغيره من التابعين حال حكم حكام زمانهم به، وذلك أن تحمله شهوته أو هواه أو الرشوة أو غيرها على الحكم في قضية، أو قضايا ولو كثرت، بغير ما أنزل الله مع إقراره واعتقاده أن حكم الله ورسوله هو الحق، وأنه الأصل الذي يحكم به، ويعترف على نفسه بالخطأ والظلم، فهذا كفر دون كفر13.
والواجب على كل مسلم:(1/13)
في أي نزاع أن يطلب من خصمه التحاكم إلى من يحكم بينهما بالشرع من أهل العلم، ولا يحل له أبداً أن يطلب التحاكم إلى المحاكم الوضعية التي تحكم بالقوانين التي وضعها الرجال بآرائهم، وإن اضطر إلى الوقوف أمامها لنيل الحق، فلا يطال إلا بما يعطيه له الشرع، ويأمرهم بأن يعطوه حقه بشرع الله حتى لو كان شرعهم يُعطيه أكثر أو أقل، وهذا عند الاضطرار، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
4. الولاء والبراء
قال تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ، وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ( [المائدة:55، 56].
وقال: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ( [الممتحنة: من الآية4].
(أ) معاني الولاء:
الحب, والرضا, والنصرة, والطاعة, والمتابعة, والمعاونة والقيام بالأمر, والصداقة, ولوازم هذه الأمور كالتشبه والركون إليهم وإظهار مودتهم.
وهذه المعاني يجب صرفها لله ولرسوله وللمؤمنين, فيحب الله ورسوله( والمؤمنين, ويرضى بطريقتهم, وينصر دين الله بكل ممكن ومستطاع، وينصر السنة، وينصر كل مؤمن ظالم -بأن يمنعه من الظلم- أو مظلوم, ويطيع الله ورسوله وأولي الأمر من المؤمنين (العلماء والأمراء الذين يقودون الناس بكتاب الله)، ويتابع طريقة المؤمنين، ويتشبه بهم، ويهتم بشأنهم، ويعاونهم على البر والتقوى, ويتخذ منهم دون غيرهم الأصدقاء والأخلاء.
(ب) أما من أحب الكافرين:(1/14)
على ما هم عليه من الكفر, ورضي بملتهم وطريقتهم, ورأى أنها حق كما أن الإسلام حق وكله سواء فهو كافر مثلهم: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ( [المجادلة: من الآية22].
(جـ) ومن نصر الكفار:
بأن خرج في صفوفهم ضد المسلمين مع الكفار فهو مثلهم، قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً( [النساء:97].
نزلت فيمن خرج مع المشركين ببدر إرضاءً لآبائهم, ومثلها قول الله: (فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا( [النساء: من الآية88].
(د) ومن أطاع الكافرين في كفرهم:
واتبعهم عليه ودخل في طاعتهم فهو مثلهم: (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً( [الإنسان:24].
(وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً( [النساء:115].
(ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ( [محمد: من الآية26].
وأما من أطاعهم في المعاصي وهو يقر بمعصيته، أو تشبه بهم مع علمه بخطئه فله نصيب من الشرك الأصغر، إذ قال النبي(: "من تشبه بقوم فهو منهم"14.
(هـ) ومن اتخذهم أصدقاء وأخلاء:(1/15)
فهو يقول يوم القيامة: (يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً، لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً( [الفرقان:28، 29].
وكذا من نصح لهم وعاونهم على باطلهم ومنكرهم قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ( [المائدة:51].
ومن هذا مشاركتهم في أعيادهم وتهنئتهم بها أو بمظاهر الشرك التي يفعلونها, ولقد ثبت نهي النبي( للأنصار عن اللعب في يومين من أعياد الجاهلية, وقال: "إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما, الأضحى ويوم الفطر"15.
(و) وليس من الموالاة:
البيع والشراء والإجارة مع الكفار فيما يحل مثله بين المسلمين, من غير مهانة للمسلم, وكذلك البر والإقساط لمن لم يقاتلنا في الدين, وهناك فرق بين البر والصلة والعدل معهم بشرع الله وبين المحبة والموالاة التي هي من أعمال القلب أصلاً, ومن هذا أيضاً قبول الهبة منهم وإهداؤهم تأليفاً لهم أو دفعاً لمفسدتهم أو لمصلحة أخرى راجحة, ومثله عيادة مريضهم لدعوته إلى الإسلام وزواج الكتابية مع بغضها على دينها, وكذا الاستعانة بهم في مصالح المسلمين دون أن يكون لهم سلطان على المسلمين, فكل ذلك قد فعله النبي( وصحابته(.
5. الإيمان بالملائكة والكتب والرسل
(1) الملائكة عباد لله مخلوقون ليسوا آلهة:(1/16)
كما يعتقد النصارى في الروح القدس, ولا بنات الله كما كان يعتقد مشركو العرب, قال تعالى: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ، لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ، يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ( [الأنبياء:26- 28].
(2) قد خلقهم الله من نور:
قال النبي(: "خُلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخُلق آدم مما وصف لكم"16.
(3) وهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون:
منهم: جبريل الموكل بالوحي, وميكائيل الموكل بالقطر, وإسرافيل الموكل بالنفخ في الصور, ومنهم ملك الموت وأعوانه, ومنكر نكير الموكلين بسؤال القبر وعذابه, ومالك خازن النار, ورضوان خازن الجنة, والكرام الكاتبين الذين يحصون على العباد أعمالهم وغيرهم كثير: (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ( [المدثر: من الآية31].
(4) والرسل بشر من البشر:
جعلهم الله واسطة بينه وبين خلقه في إبلاغ شرعه, عباد الله لا يُعبدون, وهم معصومون من ارتكاب المعاصي, قال النبي(: "فمن يطع الله إن عصيتُه"17، ولذا جعلهم الله قدوة لعباده: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ( [الأنعام: من الآية90].
يجب الإيمان بهم جميعاً، ومن كفر بواحد منهم فقد كفر بهم جميعاً وكفر بالذي أرسلهم: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً، أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً( [النساء:150، 151].(1/17)
ومعنى عدم التفريق بين أحد من رسله هو الإيمان بهم جميعاً وإن كان بعضهم أفضل من بعض: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ( [البقرة: من الآية253].
وأفضلهم على الإطلاق محمد( ثم إبراهيم(, قال النبي(: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة"18، وقال عن إبراهيم(: "إنه خير البرية"19.
(5) ويجب الإيمان بالخمسة وعشرين نبياً المذكورين بأسمائهم في القرآن:
أولهم آدم, ونوح, وإبراهيم, وموسى, وعيسى (وهؤلاء الأربعة مع محمد( هم أولو العزم من الرسل), وإسحاق, ويعقوب, وداود, وسليمان, وأيوب, ويوسف, وهارون, وزكريا, ويحيى, وإلياس, وإسماعيل, واليسع, ويونس, ولوط, وهود, وصالح, وشعيب, وذو الكفل, وإدريس صلى الله عليهم وسلم أجمعين, وهناك رسل غيرهم لم يذكرهم القرآن بأسمائهم: (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ( [النساء: من الآية164].
(6) واتباع محمد( فرض:
على كل مكلف من الإنس والجن إلى يوم القيامة إذا بلغته رسالته، لا يقبل الله من أحد صرفاً ولا عدلاً إلا بالإيمان به قال تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً( [الأعراف: من الآية158].
وقال النبي(: "والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني, ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار"20.
(7) والمسلمون هم أتباع كل الأنبياء:
لأن دين الأنبياء واحد وهو الإسلام والدعوة إلى التوحيد (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ( [آل عمران: من الآية19]، (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ( [النحل: من الآية36].
(8) ومن اعتقد أنه يسوغ لأحد أن يكون مع محمد(:(1/18)
كما كان الخضر مع موسى لا يلتزم بشريعته لأن له شريعة أخرى فهو كافر بالإجماع, فقد قال النبي(: "لو كان موسى بن عمران حياً لما وسعه إلا اتباعي"21.
(9) وكل من ادعى النبوة بعد النبي( فهو كافر ومن صدقه فهو كافر:
لقوله تعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ( [الأحزاب: من الآية40].
وقال(: "لا نبي بعدي"22، فطوائف البابية والبهائية والقاديانية وما شابهها كلها خارجة عن ملة الإسلام تجري عليهم أحكام المرتدين.
(10) والله قد أنزل كتباً على رسله ضمنها كلامه:
ذكر منها في القرآن التوراة على موسى(، والإنجيل على عيسى(، والقرآن على محمد(، والزبور على داود, وصحف إبراهيم وموسى عليهم السلام, وهذه الكتب التي أنزلها الله هي كلامه, وفيها شرعه, حفظ الله منها القرآن: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ( [الحجر:9]، وجعله مهيمناً على ما قبله مصدقاً لما فيها من الحق شاهداً على ما زاده أهل الملل السابقة عليها مما ليس منها, وعلى ما نقصوه وبدلوه وحرفوه.
(11) وما بأيدي أهل الكتاب اليوم من كتب هي مما وقع فيه التحريف بنص القرآن، وهو أنواع:
أ. تحريف كتاب: قال تعالى: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ( [البقرة:79].
ب. وتحريف لسان: (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ( [آل عمران:78].(1/19)
جـ. تحريف معاني: (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ( [المائدة: من الآية41].
(12) وما في هذه الكتب من الشرائع مما يخالف شريعة القرآن فهو منسوخ , لا يجوز العمل به.
(13) والقرآن كلام الله حقيقة حروفه ومعانيه, غير مخلوق, منه بدأ وإليه يعود قبل يوم القيامة.
6. الإيمان باليوم الآخر
(1) يجب الإيمان بوجود الجنة والنار:
وأنهما مخلوقتان الآن, وأنهما لا تفنيان أبداً23، والدليل قوله تعالى عن الجنة: (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ( [آل عمران: من الآية133].
وعن النار: (أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ( [البقرة: من الآية24].
وقال عن النار: (كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً( [الإسراء: من الآية97].
وقال عن أهلها: (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً، خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً( [الأحزاب: 64، 65].
وقال عن الجنة وأهلها: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً( [النساء:57].
(2) ومن الإيمان بالجنة والنار:
الإيمان بأنواع النعيم في الجنة: الحسي والمعنوي, وبأنواع العذاب في النار: الحسي والمعنوي, قال سعد بن أبي وقاص(: "أما النصارى فكفروا بالجنة، فقالوا ليس فيها طعام ولا شراب"، وقد أخبر الله بتفاصيل كل ذلك في كتابه: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً( [النساء: من الآية122].
وإن كانت كيفية النعيم والعذاب من الغيب الذي لا تقدر عقول البشر على علمه والإحاطة به.
وأعظم نعيم أهل الجنة النظر بأبصارهم إلى وجه الله الكريم: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ( [القيامة:22، 23].
(3) ويجب الإيمان بالحوض, والصراط, والميزان, والكتب, والشفاعة مما استفاضت به الأحاديث.
(4) ومن الإيمان باليوم الآخر:(1/20)
الإيمان بعذاب القبر ونعيمه بعد سؤال الملكين, وقد استفاضت الأحاديث بذلك, ومنها أمر النبي( أصحابه: "تعوذوا بالله من عذاب القبر"24، ومن شك في ذلك، أو جعله مما لا فائدة فيه، أو أن الكلام فيه لا ينبغي فهو ضال.
(5) ومن الإيمان باليوم الآخر: الإيمان بأشراط الساعة ومنها:
ظهور المهدي, وظهور المسيح الدجال, ونزول عيسى بن مريم عليه السلام ليقتله, ويكسر الصليب, ويقتل الخنزير, ويضع الجزية (أي: لا يقبلها، بل لا يقبل إلا الإسلام)، وخروج يأجوج ومأجوج, والخسف, والدخان, والدابة, وطلوع الشمس من مغربها, وغيرها وكل هذا قد تواترت به الأحاديث.
والتكذيب بشيء منها ضلال وبدعة, ولا خلاف عند أهل السنة في ذلك.
(6) ولا يعلم وقت الساعة ملك مقرب ولا نبي مرسل:
لا يعلمها إلا الله وحده (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ( [لقمان: من الآية34].
7. الإيمان بالقضاء والقدر
الركن السادس من أركان الإيمان, قال ابن عمر رضي الله عنهما: "والذي نفسي بيده لو أن لأحدهم مثل أحد ذهباً فأنفقه, ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر"25.
والإيمان به على أربع مراتب:
(1) الإيمان بعلم الله تعالى:
فالله قد علم بعلمه القديم الموصوف به أزلاً ما الخلق عاملون قبل أن يخلقهم, قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً( [النساء: من الآية32].
وقال: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ( [الأنعام:59].
وقال: (وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً( [الطلاق: من الآية12].
والله علم ما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون, قال تعالى عن الكفار: (وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ( [الأنعام: من الآية28].(1/21)
فالكفار لا يُردون إلى الدنيا بعد دخولهم النار, والله علم أنهم لو رجعوا إلى الدنيا لعادوا إلى التكذيب, وهذا أمر لم يكن ولكن علم الله قد أحاط به.
وهذا العلم السابق لا يحاسب الله العباد عليه بل يحاسبهم على علمه بما وقع منهم من أفعالهم التي فعلوها باختيارهم كما قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ( [محمد: من الآية31]، وقال أهل العلم بالتفسير: يعلم علماً يحاسبهم عليه.
(2) الإيمان بكتابة المقادير في اللوح المحفوظ:
قال تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا( [الحديد: من الآية22]، أي: نخلقها, والهاء تعود على المصيبة أو الأرض أو النفوس أو الخليقة كلها.
وفي حديث البخاري مرفوعاً: "إن أول ما خلق الله القلم, فقال له: اكتب، فقال: ما أكتب؟، قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة"26، وفي صحيح مسلم: "كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة"27، وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما في السنن: "رفعت الأقلام وجفت الصحف"28، قال الله تعالى: (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ( [الرعد:39].
واللوح المحفوظ هو أم الكتاب, قال ابن عباس: "الكتاب كتابان: كتاب يمحو الله منه ما يشاء ويثبت، وعنده أم الكتاب"29.
ويتبع هذه الكتابة كتابات وتقديرات أخرى:
أ. فمنها التقدير يوم القبضتين:
"إذ قبض الله قبضة من ظهر آدم بيمينه، وقال: هؤلاء في الجنة ولا أبالي، وقبض قبضة بشماله، وقال: هؤلاء في النار ولا أبالي"، فقال الناس: فعلام العمل يا رسول الله ؟، قال: "على مواقع القدر"30.
ب. ومنها الكتابة والإنسان جنين في بطن أمه:(1/22)
كما في حديث حذيفة بن أسيد( مرفوعاً: "إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة, بعث الله إليها ملكاً، فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها، ثم قال: يا رب أذكر أم أنثى؟، فيقضي ربك ما شاء، ويكتب الملك، ثم يقول: يا رب أجله؟، فيقول ربك ما شاء، ويكتب الملك، ثم يقول: يا رب رزقه؟، فيقضي ربك ما شاء، ويكتب الملك"31 فهذه كتابة عند الأربعين.
وهناك كتابة أخرى عند نفخ الروح كما في حديث ابن مسعود( مرفوعاً: "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه, وأجله, وعمله, وشقي أو سعيد، فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها"32.
جـ. ومنه التقدير السنوي في ليلة القدر:
(فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ( [الدخان:4].
د. ومنها التقدير اليومي:
(كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ( [الرحمن: من الآية29].
يغفر ذنباً, يفرج كرباً, ويميت ويحيي, ويسعد ويشقي، ويفعل ما يشاء سبحانه.
والعباد يحاسَبون على ما كتبته الملائكة من أعمالهم، فكتاب الأعمال الذي يوضع في موازينهم -وإن كان نسخة من الكتاب الأول- إلا أنهم هم الذين أملوه بأعمالهم, وإنما يحاسبون على هذه الأعمال: (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً، اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً( [الإسراء:13، 14].
أما منكرو هاتين الدرجتين (العلم والكتابة) فهم غلاة القدرية كفرهم الصحابة رضوان الله عليهم.
(3) الإيمان بمشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة:(1/23)
فما في الكون حركة ولا سكون ولا خير ولا شر ولا أفعال اضطرارية33 ولا اختيارية34 للمخلوقين إلا بمشيئة الله وقدرته وإرادته, فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن, قال تعالى: (مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ( [الأنعام: من الآية39].
وقال: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ( [الأنعام: من الآية125].
(وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ( [يونس:99].
(وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ( [يونس: من الآية100].
(وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ( [البقرة: من الآية253].
(وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ( [البقرة: من الآية284].
(وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى، وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا( [النجم:43، 44].
والإرادة نوعان:
أ. إرادة كونية:
أي بها تكون الأشياء (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ( [يس:82].
وهذه تشمل كل الموجودات, خيرها وشرها, ما أحب الله منها وما أبغضه, ما مدحه وما ذمه, فهو الذي أراد وجود إبليس, وأبي لهب, وفرعون، ووجود الشر, وهو يبغض كل ذلك, كما أنه الذي أراد وجود الملائكة, والأنبياء, والمؤمنين, وكل الخير, وهو يحب ذلك, وخلق كلاً لحكمة يعلمها، وقد يُطلع بعض خلقه على بعضها, كما قال: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ( [آل عمران: من الآية140].(1/24)
وقال النبي(: "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم, ولجاء بقوم يذنبون, فيستغفرون الله فيَغفر لهم"35.
ب. إرادة شرعية:
أي ما يأمر الله به من الطاعات, وما ينهى عنه من المعاصي: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ( [البقرة: من الآية185].
(وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ( [النساء: من الآية27].
وهذه تشمل كل ما يحبه الله ويرضاه سواء وجد أو لم يوجد, والحساب, والثواب, والمدح, والذم, والحب، والبغض.
ودخول الجنة والنار بناء على هذه الإرادة، فمن وافقها وعمل بشرع الله كان من أهل الجنة ومن خالفها فهو من أهل النار.
والإرادة الشرعية والكونية يجتمعان في إيمان المؤمن: فهو مؤمن بتوفيق الله له ومشيئته له الإيمان، وهو يعمل بطاعة الله وما أراد الله منه.
ويفترقان في كفر الكافر: فهو كافر بمشيئة الله ليس قهراً على الله, وهو مخالف لما أراد الله منه (الإرادة الشرعية).
(4) الإيمان بخلق أفعال العباد ولقدرتهم ومشيئتهم خيرها وشرها:
قال تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ( [الصافات:96].
وقال: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ( [الرعد: من الآية16].
وقال: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا( [الأنعام: من الآية123].
وقال: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ( [الأنعام: من الآية112]، فهو جعلهم وخلقهم كذلك.
قال: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا( [الأنبياء: من الآية73].
وقال النبي(: "ما من قلب إلا بين إصبعين من أصابع الرحمن, إن شاء أن يقيمه أقامه, وإن شاء أن يزيغه أزاغه"36، وقال(: "اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك"37.
* وللعباد قدرة ومشيئة بها تقع أفعالهم: (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ( [فصلت: من الآية40].(1/25)
والله خالقهم وخالق مشيئتهم, وهم لا يشاءون إلا أن يشاء الله.
* وخلق أفعال العباد ومشيئتهم لا يعني إلغاء هذه المشيئة بل هي موجودة مخلوقة ولكن مشيئة الله فوق ذلك, ومشيئته سبحانه تنفذ فيهم من خلال ما يفعلون بأنفسهم ومشيئتهم.
* ومشيئة العباد لها أثر في أفعالهم, بها تقع تلك الأفعال وهذا هو الكسب: (لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ( [البقرة: من الآية286].
وليس الكسب اقتران الإرادة البشرية بالفعل من غير أثر كما يقول الأشاعرة38.
* والإنسان ميسر لما خلق له, ليس مسيراً بمعنى لا إرادة له ولا اختيار, وليس بمخير بمعنى مطلق الاختيار لا سلطان لله على قلبه ومشيئته, بل كلاً من الجبر والاختيار المطلق باطل.
فالجبر طعن في التشريع, ونفي مشيئة الله طعن في التوحيد: "واعملوا، فكل ميسر لما خلق له"39.
* والأخذ بالأسباب واجب والاعتقاد فيها شرك: "احرص على ما ينفعك واستعن بالله".
* والعبد فاعل ومنفعل أي: هو يفعل فعله, ويخلق الله فيها ما أراد, فمثلاً العبد مهتد والله هداه, والعبد مصلي وصائم والله أقامه بين يديه ووفقه للصوم طاعة له, وفرعون خرج في طلب موسى عليه السلام وبني إسرائيل, والله أخرجه كما قال: (فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ( [الشعراء:57].
* والله لا يظلم عباده أبداً, بل لا يحاسبهم إلا على ما صدر منهم, ولا يهلكون إلا بذنوبهم, ولو عذب أهل سماواته وأرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم, ولو رحمهم لكانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم: (وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ( [القصص: من الآية59].
(وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً( [الإسراء:16].
(إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ( [النساء: من الآية40].
والله من أسمائه الحكم والعدل.(1/26)
* والقدر يحتج به في المصائب لا في المعائب والذنوب, والذنب بعد التوبة النصوح كالمصائب, إذ لا طاقة للعبد على رده بعد وقوعه إلا بالتوبة وقد فعلها, كما في حديث احتجاج آدم وموسى عليهما السلام في الصحيحين: "قال آدم: فبكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن يخلقني, قال: بأربعين سنة, قال: فهل وجدت فيها (وعصى آدم ربه فغوى؟) قال: نعم، قال: كيف تلومني على أمر كتبه الله عليّ قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟!"، قال النبي(: "فحج آدم موسى -أي غلبه في الحجة-" ثلاثاً40، وموسى( قد لامه على الذنب والمصيبة معاً وهي الإخراج من الجنة، والذنب تاب منه, والمصيبة لا قدرة له عليها, فصح احتجاجه بالقدر, أما من يحتج به قبل التوبة ويرفض التزام الشرع هي كلمة حق يراد بها باطل وهو تابع لإبليس إذ قال: (فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي( [الأعراف: من الآية16]، وللمشركين القائلين: (لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا( [الأنعام: من الآية148]، والله أبطل حجتهم ولم يقبلها في الدنيا ولا في الآخرة.
* والخوض في القدر بالعقل دون الشرع منهي عنه مذموم, والواجب بيان العقيدة.
* والله (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ( [الأنبياء:23]، إذ لا يفعل شيئاً إلا بحكمة, وعلم, وقدرة, ومشيئته سبحانه وتعالى.
8. مسائل الإيمان والكفر
1. الإيمان قول وعمل يزيد وينقص:
قول القلب: وهو اعتقاده، وتصديقه، ومعرفته بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله واليوم الآخر، والقدر خيره وشره.
وقول اللسان: وهو النطق بالشهادتين.
وعمل القلب: وهو الإخلاص، والحب، والخوف، والرجاء، والذل، والانقياد والتوكل، والشكر، والصبر، والشوق، ونحو ذلك.
وعمل اللسان والجوارح: من صلاة، وزكاة، وصيام، وحج، وجهاد، وبر وصلة، وإحسان إلى الخلق، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر.(1/27)
وزيادة قول القلب: بالكمية كلما علم الإنسان شيئاً من الشرع فصدق بما لم يكن يعلمه ولا يصدق به، وبالكيفية بزيادة اليقين بتظاهر الأدلة، قال تعالى: (قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي( [البقرة: من الآية260].
وزيادة قول اللسان: في الشهادتين في حق من بلغه خبر الرسول صلى الله عليه وسلم، فشهد له بالرسالة بلسانه فهو أكمل إيماناً ممن لم يبلغه خبره فنطق بلا إله إلا الله فقط وكذا في كل تفصيل يبلغ العبد من الشرع فيقر به لسانه يزداد به إيماناً، قال تعالى: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُون( [البقرة:136].
أما تفاوت أعمال القلوب من الحب، والإخلاص، والشكر، والخوف، والرجاء وغيرها فظاهر جداً، قال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ( [البقرة: من الآية165]، وكذا أعمال اللسان والجوارح.
والدليل على تسمية أعمال الجوارح إيماناً قوله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ( [البقرة: من الآية143]، أي صلاتكم إلى بيت المقدس, فسمى الصلاة إيماناً.
وقال النبي( لوفد بني عبد قيس: "آمركم بالإيمان بالله وحده، أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن تؤدوا خمس ما غنمتم"41.
وقال(: "الإيمان بضع وستون شعبة فأفضلها لا إله إلا الله, وأدناها إماطة الأذى عن الطريق"42.
وقال تعالى: (لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ( [الفتح: من الآية4].
وأصل عمل القلب شرط في أصل الإيمان, كأصل اليقين والانقياد القلبي, والمحبة ولو ضعفت.(1/28)
2. من مات على التوحيد دخل الجنة يوماً من الدهر أصابه قبل هذا اليوم ما أصابه:
قال النبي(: "يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه مثقال ذرة من إيمان"، وفي رواية أخرى: "ولم يعمل خيراً قط" وفي حديث آخر: "على ما كان من العمل"، وكلها في الصحيح43.
3. من مات على الشرك بعد بلوغ الرسالة فهو مخلد فى النار أبداً:
قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء( [النساء: من الآية48].
وفي أحاديث الشفاعة: "لا يبقى في النار إلا من حبسه القرآن"44 أي وجب عليه الخلود.
وأما من لم تبلغهم الرسالة فهم من أهل الامتحان في عرصات القيامة, كما ثبت في الحديث عن النبي(: "أربعة يحتجون يوم القيامة: رجل أصم لا يسمع شيئاً, ورجل أحمق, ورجل هرم, ورجل مات في الفترة, فأما الأصم فيقول: رب لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئاً, وأما الأحمق فيقول: رب لقد جاء الإسلام ولم أعقل شيئاً والصبيان يقذفونني بالبعر, وأما الهرم فيقول: رب لقد جاءني الإسلام وما أعقل شيئاً, وأما الذي مات في الفترة فيقول: رب ما أتاني لك من رسول، فيأخذ مواثيقهم ليطيعنَّه, فيُرسل إليهم أن ادخلوا النار, فمن دخلها كانت عليه برداً وسلاماً, ومن لم يدخلها سحب إليها"45.
4. والمسلم الذي يرتكب الكبائر ويصر عليها:
(أي: لا يتوب منها) لا يكفر بفعلها, ولا يخلد في النار لو دخلها في الآخرة ما لم يستحلها, لقوله تعالى: (وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء( [النساء: من الآية48].
وهذه الآية في غير التائب لأن التائب من الشرك مغفور له, وقد قال تعالى في هذه الآية: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ( [النساء: من الآية48].
فهي إذن في من مات على ذلك, ولقول النبي(: "ما من عبد قال: لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة، وإن زنى وإن سرق"46.(1/29)
ولكن ينقص إيمانه بمعصيته وفسقه: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن"47 والنفي هنا ليس لأصل الإيمان، ولكن لكماله الواجب.
5. ومن رجحت حسناته عن سيئاته بواحدة دخل الجنة لأول وهلة:
ومن تساوت حسناته وسيئاته، فهو من أصحاب الأعراف مآلهم إلى الجنة, ومن رجحت سيئاته على حسناته استحق دخول النار.
6. من استحق دخول النار من عصاة الموحدين في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له:
كما في أحاديث الشفاعة على الصراط: "ودعوى الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم"، فمن الناس من يستحق الوقوع فلا يقع، كما دل عليه هذا الحديث وكذا حديث: "ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله فهو إلى الله: إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه"48 ومنهم من يدخل النار بلا شك ولكنه لا يخلد فيها كما دلت عليه أحاديث الشفاعة المتواترة.
7. لا يختلف أهل السنة في أن تارك النطق بالشهادتين مع القدرة عليها كافر مخلد في النار:
حتى لو اعتقد صحتها بقلبه دون نطق، لقول النبي(: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوا: لا إله إلا الله، عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله"49، وقوله(: "يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله"50.
8. والخلاف فيمن ترك الأركان الأربعة متكاسلاً لا جحوداً وهي: الصلاة والصوم والزكاة والحج:
من مسائل الاجتهاد عند أهل السنة لا يبدع المخالف فيها، ولا يُفَسَّق، وليست كمسألة مرتكب الكبيرة, فمن كفَّر مرتكب الكبيرة كالزنا، والسرقة، أو حكم بخلوده في النار -كالخوارج والمعتزلة- فهو مبتدع, وأما من كفر تارك الصلاة -وهى أشهرها- فهو مجتهد مأجور على أية حال, وكذا من لم يكفره كفراً ينقل عن الملة فهو مجتهد, وهذه المسألة مما يسوغ فيها الخلاف عند أهل السنة، وإن كان جمهور فقهائهم يقولون عنه: كفر دون كفر.
أما تاركها جحوداً فكفره معلوم من الدين بالضرورة.(1/30)
9. ومثله الخلاف في تكفير بعض طوائف أهل البدع مما ليس فيه إجماع عند أهل السنة:
بل هو من مسائل الاجتهاد كالخوارج، ومتأخري القدرية، والمعتزلة والروافض, والجمهور على عدم تكفيرهم بالعموم، بل يكفر من قال ببعض أقوال الكفر.
10. لا يكفر مسلم معين ثبت له حكم الإسلام إلا بعد بلوغ الحجة التي يكفر المخالف لها:
نقل الإجماع عليه ابن حزم، وأقره شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في منهاج السنة، سواء كان خلافه في الأصول أو في الفروع.
11. يثبت حكم الإسلام ظاهراً بالنطق بالشهادتين:
كما في حديث أسامة(: "أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟"51، والإجماع نقله ابن رجب في جامع العلوم والحكم, بل قال: معلوم بالضرورة, وكذا بالولادة لأبوين أحدهما مسلم52، لحديث: "كل مولود يولد على الفطرة"53 ومن توقف في الحكم بالإسلام لمن نطق الشهادتين، أو وُلد مسلماً ولم يعلم عنه شرك ولا ردة, فهو مبتدع54، لخلافه إجماع السلف الصالح على ذلك ولا يستثنى من ذلك إلا من يقولها حال كفره؛ فلابد من نطقها على البراءة من الكفر.
12. استمرار العصمة لمن دخل في الإسلام متوقف على التزامه الصلاة والزكاة وسائر حق الإسلام:
كما في الحديث: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويُؤتوا الزكاة"55.
13. يجب الحذر في الجملة من تكفير من قد علم إسلامه إلا بيقين جازم:
لقول النبي(: "أيما امرئ قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا رجعت إليه"، وقال(: "لعن المؤمن كقتله"56.
9. العقيدة في الصحابة والخلافة والإمامة
1. قال تعالى:
(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ( [التوبة: من الآية100].(1/31)
وقال النبي(: "خير الناس قرني, ثم الذين يلونهم, ثم الذين يلونهم"57, وقال(: "لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً, ما أدرك مُد أحدهم ولا نصيفه"58.
فالواجب على كل مسلم حب الصحابة( وتوليهم ومعرفة فضلهم, وخصوصاً أفضلهم أبا بكر, ثم عمر, ثم عثمان, ثم علي, ثم باقي العشرة المبشرين بالجنة, وأهل بدر, وأهل بيعة الرضوان, ومن أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا, وكلاً وعد الله الحسنى, وكذا أزواجه(, والإيمان بأنهن أزواجه في الجنة, وحب أهل بيته كما أوصانا النبي(.
2. والخلفاء بعد الرسول(:
أبو بكر, ثم عمر, ثم عثمان, ثم علي( لإجماع الصحابة على ذلك، وإجماعهم حجة ملزمة, ومن طعن في خلافة واحد منهم فهو أضل من حمار أهله.
3. ومن قدم علياً على أبي بكر وعمر في الفضل أو الخلافة فهو ضال مبتدع:
كما ثبت عن علي( لما سأله ابنه محمد بن الحنفية: "قلت لأبي: أي الناس خير بعد رسول الله(؟، قال: أبو بكر، قلت: ثم من؟، قال: ثم عمر"59.
4. ومن قدم علياً على عثمان في الفضل لا في الخلافة فهو مخطئ:
ولكن لا يفسق ولا يبدع وهي مسألة يعذر فيها المخالف, وكان من أهل السنة من يقولها قديماً ثم انعقد الإجماع على تقديم عثمان( في الفضل والخلافة معاً لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: "كنا في زمن النبي( لا نعدل بأبي بكر أحداً, ثم عمر, ثم عثمان, ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم"60.
5. يجب الإمساك عما شجر بين الصحابة بعد قتل عثمان من خلاف وقتال:
لأنه زيد فيه ونقص منه وغير عن وجهه، وكثير مما يروى كذب وزور عليهم, وأكثر أهل السنة على أن المجتهد المصيب علي( والمخطئ من خالفه, وكلاهما مجتهد مأجور, والمخطئ مرفوع عنه الإثم معذور في خطئه لقول النبي(: "تقتل عماراً الفئة الباغية"61، وقوله عن الخوارج: "يقتلها أولى الطائفتين بالحق"62 وقد قاتلهم علي(.(1/32)
وسب الصحابة من عظائم الذنوب: سواء علي ومن معه أو طلحة أو الزبير أو معاوية ومن معهم(، بل هم جميعاً ممن قال الله فيهم: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ( [الحجر:47].
6. ولا عصمة لأحد بعد النبي(:
لا لصحابي ولا إمام ولا ولي، بل الجميع يجوز عليهم الكبائر والصغائر, لكن للصحابة( مزية على من بعدهم للسبق للإسلام والصحبة والجهاد في سبيل الله.
7. وأولياء الله هم المؤمنون المتقون:
في كل زمان ومكان من أهل السنة والجماعة, لهم الكرامات والفضائل في الدنيا والآخرة ما يوجب حبهم وتوليهم, ولكن يجب الحذر من الغلو فيهم أو عبادتهم من دون الله.
8. ومن اعتقد في أحد منهم أو من غيرهم الألوهية:
(كالنصيرية العلويين في علي(, والدروز في الحاكم بأمر الله, والباطنية في إمامهم), أو النبوة (كطوائف الشيعة والبهائية)، أو اعتقد أنهم أفضل من الأنبياء (كطوائف من الروافض)، أو اعتقد تحريف القرآن أو خطأ الوحي فهو كافر بلا خلاف عند أهل السنة, ولا يختلف أهل السنة في عدم تكفير الشيعة المفضلة (الزيدية)63.
9. وإقامة الخلافة التي بها تجتمع كلمة المسلمين فرض وواجب على المسلمين:
وعودتها على منهاج النبوة مما بشر به النبي(.
ثانياً : في الاتباع ومناهج الاستدلال
قال تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا( [الحشر: من الآية7].
وقال: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً( [الأحزاب:36].
وقال: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ( [الأحزاب: من الآية6].
وقال: (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا( [النور: من الآية54].(1/33)
فحب رسول الله( وتوقيره واتباعه من أعظم واجبات الدين بعد التوحيد, بل لا يصح التوحيد أصلاً إلا باتباعه والإيمان به ومحبته, ومحبته واجبة فوق محبة الأهل والمال والولد والنفس, "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين"64.
ويجب تقديم قول النبي( على قول كل أحد, وهديه على هدي كل أحد, قال ابن عباس رضي الله عنهما لعروة: "يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء, أقول لكم قال رسول الله( وتقولون: قال أبو بكر وعمر؟!".
* واتباع السنة واجب في الأصول والفروع, وفي العقيدة والعمل, وفي الظاهر والباطن لعموم الأدلة وإجماع الأمة, قال الشافعي: "أجمع العلماء على أن من استبانت له السنة لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس" ومن فرق الدين فجعل بعض مسائله يرجع فيها للسنة وبعضها لا يلزم, أو زادت جرأته حتى قال عنها: تافهة, فقد ضل وخالف الإجماع.
ومن مقتضى هذه الأدلة في طاعة الرسول( يجب تقديم الحديث الصحيح على العقل إذا خالفه, ونعني بـ (تقديم النقل على العقل) تقديم النقل الصحيح على العقل المخطئ, فالعقل يخطئ ويصيب, والشرع لا يأتي بما يناقض العقول, ولكن بما لا تعلمه العقول, والعقل الصريح يوافق النقل الصحيح.
* ويجب تقديم الحديث على الرأي, والقياس, والعرف, والمصلحة المرسلة, وأقوال العلماء, وإمام المذهب, وعمل بعض الأئمة.
وأهل السنة لا يختلفون في ذلك كأصل وإنما يقع خلافهم في تطبيقه كثبوت الحديث صحة وضعفاً, وعمومه أو خصوصه, وإطلاقه أو تقييده, لكن لا يقدم عند أحد منهم قول أحد على قول النبي( وكلهم قال: "إن صح الحديث فهو مذهبي" أو نحوها.
* والتعصب المذهبي مذموم لم يعرف عن القرون الثلاثة الأولى، ونعني به: أن يتمسك بالمذهب بعد وضوح السنة في خلافه, وأما التعلم من كتب المذاهب مع الالتزام بأصل الاتباع, فعليه جرى عمل الأئمة والعلماء فالمذهب جائز وليس بلازم وجوازه مشروط بعدم التعصب.(1/34)
* والسنة وحي من عند الله, قال تعالى: (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً( [النساء: من الآية113].
ولذا لا يجوز الاستغناء عنها بزعم الاكتفاء بالقرآن، بل من علم القرآن وجد فيه السنة: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا( [الحشر: من الآية7]، وهي تبين القرآن: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ( [النحل: من الآية44].
ويستحيل تعارض القرآن مع السنة الصحيحة كما لا تتعارض السنة مع السنة بغير إمكان الجمع بتخصيص أو تقييد أو نسخ أو غير ذلك.
والكتاب والسنة بمنزلة واحدة من جهة التشريع، وإن كان القرآن يقدم تشريفاً وتعظيماً وفضلاً, فهو كلام الله.
وتفسير القرآن: بالقرآن, ثم بالسنة, ثم بأقوال الصحابة(, ثم بأقوال التابعين, ثم بعد ذلك بما تحتمله اللغة العربية مع رد التأويلات الكلامية, وبهذا يتحقق فهم الكتاب والسنة بفهم أعلم الناس بالكتاب والسنة (السلف الصالح).
* ومصادر أدلة الأحكام: الكتاب والسنة والإجماع والقياس, وهذه متفق عليها عند أهل السنة, وما سوى ذلك فمحل اجتهاد بينهم, مثل: قول الصحابي, والمصالح المرسلة, والاستصحاب وغيرها.
والبدع كلها مذمومة يجب حربها, إذ هي سبب تفرق الأمة: "وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة"65.
وسواء كانت هذه البدع في العقيدة, كبدع الجهمية، والمعتزلة, والخوارج, والشيعة, والمرجئة, والجبرية, والقدرية, أو في العبادات: كالأذكار المبتدعة, والصلوات المبتدعة, أو في المعاملات: كتأسيس القواعد المخالفة للسنة: "ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل"66.(1/35)
وسواء كانت بدعة حقيقية: وهي ما ليس له أصل في الدين, أو إضافية: وهي ما له أصل في الدين, والبدع كلها مذمومة الحقيقية منها والإضافية, فكل ذلك داخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد"67، وإن كان بعضه أشد خطراً من بعض.
وما كان من خلاف بين أهل العلم في هذا الباب فكسائر مسائل الخلاف يجب رد النزاع إلى الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة.
ثالثاً: التزكية والعمل الصالح
قال تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ( [الجمعة:2].
وقال النبي( فيما يرويه عن ربه عز وجل: "من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه, وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه, فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به, وبصره الذي يبصر به, ويده التي يبطش بها, ورجله التي يمشي بها, وإن سألني لأعطينه، وإن استعاذني لأعيذنه"68.
وقال النبي( عن أكثر ما يُدخل الناس الجنة: "تقوى الله, وحسن الخلق"69.
وقال(: "اتق الله حيثما كنت, وأتبع السيئة الحسنة تمحها, وخالق الناس بخلق حسن"70.
فأصل تزكية النفس وتطهيرها يحصل بأداء الفرائض ثم النوافل ومعاملة الخلق بالأخلاق الفاضلة، وأما تعذيب النفس والفناء والمقامات التي آخرها وحدة الوجود فهي طريقة أهل البدع والزندقة نعوذ بالله منها.
وإليك أخي بعض الأمور من الفرائض والنوافل -لم أقصد ترتيبها- تعينك على تحصيل التزكية, مع التضرع إلى الله بما تضرع به النبي(: "اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها"71.
1. المحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها:(1/36)
في المسجد جماعة خاصة الفجر, والحرص على الخشوع فيها, قال تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ( [هود:114].
وقال: (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً( [الإسراء: من الآية78].
وقال النبي(: "صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة"72.
2. الحرص على إدراك تكبيرة الإحرام:
قال النبي(: "من صلى لله أربعين يوماً في جماعة يدرك التكبيرة الأولى, كُتبت له براءتان: براءة من النار وبراءة من النفاق"73.
3. التبكير إلى الجمعة, وإلى الصلوات كلها بعد الاغتسال أو التطهر في المنزل, والإنصات إلى الإمام, والذهاب ماشياً:
قال النبي(: "من بكر وابتكر, وغسل واغتسل, ومشي ولم يركب, ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغُ كانت له بكل خطوة أجر سنة صيامها وقيامها"74.
4. المداومة على التسبيح والأذكار قبل طلوع الشمس وقبل غروبها, والمكث في المصلى إلى الضحى:
قال تعالى: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا( [طه: من الآية130].
والمحافظة على ذكر الله مطلقاً، وقال النبي(: "من قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده, مائة مرة, لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به، إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه"75.
وقال: "من صلى الغداة في جماعة, ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين, كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة"76.
5. المداومة على حزب يومي من القرآن:
قال النبي( لعبد الله بن عمرو: "اقرأ القرآن في كل شهر".
6. المحافظة على اثنتي عشرة ركعة من النوافل الراتبة كل يوم:(1/37)
قال النبي(: "ما من مسلم يصلي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير فريضة إلا بنى الله له بيتاً في الجنة"77، وفي رواية الترمذي: "أربعاً قبل الظهر وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الغداة".
7. حضور مجالس العلم والذكر والحذر من الإعراض عنها:
قال النبي(: "ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله تعالى ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة, وغشيتهم الرحمة, وحفتهم الملائكة, وذكرهم الله فيمن عنده"78.
وقال عمن ترك مجلس العلم: "وأما الثالث فأعرض فأعرض الله عنه".
8. محاسبة النفس كل يوم وليلة قبل النوم أو في أي وقت آخر:
ومراجعة النية والإخلاص, والحذر من أمراض القلب ومن أخطرها:
الرياء, وطلب المدح من الناس, والكبر, والإعجاب بالنفس, والغفلة, والانشغال بالأسباب عن التوكل, وطلب الجاه والرياسة, وحب الدنيا وتقديمها على الآخرة, والحسد, والشحناء، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ( [الحشر:18].
وقال النبي(: "إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم", وفي رواية: "وأعمالكم"79.
9. الانتباه إلى تعاقب الليل والنهار, ومرور الوقت وتقصير الأمل والحذر من الكسل:
قال النبي(: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ"80.
10. النظر في خلق السماوات والأرض مع التفكر والاهتمام بالعبادات القلبية:
كحب الله, والخوف منه, ورجاء رحمته, والشوق إليه, والتفكر في آثار أسمائه وصفاته, وحسن التوكل عليه, والتضرع والذل والانكسار بين يديه.(1/38)
قال تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ( [آل عمران:190، 191].
11. بر الوالدين وصلة الأرحام والإحسان إلى الجيران:
قال النبي( لما سئل أي الأعمال أفضل؟، قال: "الصلاة على وقتها", قيل: ثم أي؟، قال: "بر الوالدين", قيل: ثم أي؟، قال: "الجهاد في سبيل الله"81.
وقال تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ( [محمد:22].
وقال النبي(: "مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننتُ أنه سيورثه"82.
12. غض البصر, وحفظ الفرج, وستر العورة, والحذر من الاختلاط ولمس الأجنبيات, والحديث معهن فيما لا حاجة فيه:
قال تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ( [النور: من الآية30].
وقال النبي(: "احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك"83.
وقال(: "لئن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له"84.
وقال(: "لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم"85.
وقال(: "فزنى العينين النظر, وزنى اللسان النطق, والنفس تتمنى وتشتهي, والفرج يصدق ذلك أو يكذبه"86.
13. زيارة القبور واتباع الجنائز:
قال النبي(: "إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور, فزوروها فإنها تذكر الآخرة"، وقال(: "زوروا القبور فإنها تذكر الموت"87.
14. أداء الزكاة المفروضة بحسابها الشرعي, والإكثار من الصدقة:
قال النبي(: "والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار"88.
15. صوم رمضان إيماناً واحتساباً:(1/39)
والمداومة على صيام ثلاثة أيام تطوعاً من كل شهر, أو صوم الإثنين والخميس, أو صوم يوم وإفطار يوم, قال أبو هريرة(: "أوصاني خليلي( بثلاث لا أدعهن في سفر ولا حضر: ركعتي الضحى, وصوم ثلاثة أيام من الشهر, وأن لا أنام إلا على وتر"89.
16. قلة الكلام إلا في الخير:
والحذر من كثير الضحك والمزاح, والحذر من آفات اللسان, قال النبي(: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت"90.
17. الاعتزال عن الشر وقرناء السوء والخلوة مع النفس بين حين وآخر:
قال تعالى عن إبراهيم(: (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيّاً( [مريم:48].
18. المحافظة على قيام الليل خصوصاً الوتر:
قال النبي( لمعاذ(: "ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة, والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار, وصلاة الرجل في جوف الليل"، ثم تلا قوله: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ، فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ( [السجدة:16، 17].
19. كثرة الدعاء والإلحاح فيه مع اليقين بالإجابة, وعدم الاستعجال:
قال النبي(: "الدعاء هو العبادة"91، قال الله تعالى: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ( [غافر: من الآية60].
20. المداومة على الاستغفار خاصة في السحر:
قال تعالى: (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ( [آل عمران: من الآية17].
وقال النبي(: "يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب في اليوم مائة مرة"92.
21. الوضوء قبل النوم, والمحافظة على أذكار النوم وآدابه والذكر والدعاء عند الاستيقاظ.
22. التعاون على الطاعة والاجتماع عليها:(1/40)
قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ( [المائدة: من الآية2].
23. حفظ القرآن وتعاهده والحذر من تعريضه للنسيان:
قال النبي(: "إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب"93.
24. قراءة كتب العلم:
خاصة: الحديث, والتفسير, والفقه, والرقائق, والتوحيد: "طلب العلم فريضة على كل مسلم"94.
25. التعجيل بالحج والمتابعة بينه وبين العمرة:
قال النبي(: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة"95.
26. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
خاصة ما ظهر منه بحسب القواعد الشرعية من العلم, والبدء بالرفق ما أمكن, والصبر واحتمال الأذى ومراعاة المصلحة والمفسدة بالضوابط الشرعية، ومراعاة القدرة والاستطاعة: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان"96.
27. السعي في الكسب الحلال والعمل الحلال وإطابة المطعم:
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ( [البقرة: من الآية172].
وترك الحرام كالربا والرشوة والغش والغصب والسرقة وغيرها.
وأما الخلق الحسن:
فهو يتحقق بالقيام بحقوق الأخوة الإيمانية التي تربط المسلم بجميع إخوانه المسلمين فعلاً وتركاً وهي تبلغ أكثر من سبعين حقاً، فتأملها أخي الكريم وزن نفسك بها لترى هل سلوكك يتفق مع السلوك الذي أراده الشرع منا, والذي طبقه الصحابة ومن بعدهم من السلف(.
الحقوق الفعلية:
منها الواجب ومنها المستحب:
1. النصيحة, ومنها تعليم الجاهل, وإرشاد الزائغ, وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر.
2. الرحمة والتعاطف والتواد والتماسك.
3. الرفق معهم والسماحة في البيع والشراء والقضاء.
4. الإصلاح بينهم.
5. إفشاء السلام.
6. تشميت العاطس.
7. عيادة المريض.
8. تشييع الميت.
9. إبرار المقسم.
10. إجابة الدعوة.(1/41)
11. المصافحة عند اللقاء.
12. المعانقة عند القدوم من سفر أو طول غياب.
13. الزيارة في الله.
14. تفقد الغائب وتفقد أحوال المسلمين والسؤال عنها.
15. إغاثة الملهوف.
16. التبشير بما يسر.
17. التهنئة عند الفرح, مع الفرح لفرحهم.
18. الحزن لحزنهم والتعزية عند المصيبة.
19. الشفاعة فيهم عند ذي السلطان لقضاء حوائجهم المباحة.
20. تفريج المكروب والتنفيس عنه, وإقراضه إذا طلب.
21. الوضع عن المعسر أو إنظاره، والتيسير على الموسر.
22. السلامة من لسانك ويدك.
23. ستر عوراتهم الظاهرة والباطنة.
24. بذل الفضل لهم.
25. الدعاء له بظهر الغيب.
26. المجالسة في الله, والصحبة فيه والتباذل فيه.
27. طلاقة الوجه عند اللقاء والتبسم في وجه أخيك.
28. إزالة الأذى من طريق المسلمين.
29. حفظ من غاب منهم في أهله وماله.
30. إذا أحب أحداً من إخوانه فليخبره أنه يحبه.
31. قضاء حاجة إخوانه.
32. الإيثار على النفس ولو مع الخصاصة.
33. إنشاد الضالة حتى يجدها صاحبها أو يمر حول تعريفها.
34. نصر الأخ ظالماً (بمنعه من ظلمه)، أو مظلوماً (برفع الظلم عنه).
35. العفو عنهم والصفح عن زلاتهم وقبول معذرتهم.
36. مهادتهم وقبول هديتهم.
37. التواضع وخفض الجناح والذلة على المؤمنين.
38. رد الغيبة وعدم تصديق النميمة.
39. مداعبة صبيانه وبناته الصغار والمزاح معهم بغير تفريط أو كذب.
40. رحمة الصغير وتوقير الكبير واحترام العالم.
41. مراعاة راحته في بيته بالتأدب بآداب الاستئذان والجلوس والزيارة والضيافة.
ما يشرع تركه ويحرم فعله أو يكره:
42. التباغض.
43. التحاسد.
44. الشحناء والغل.
45. الهجر وترك إلقاء السلام.
46. التدابر والتقاطع.
47. البيع على بيع المسلم والسوم على سومه.
48. الخطبة على خطبته.
49. الإشارة إليه بالسلاح ولو مازحاً.
50. أخذ متاعه ولو لاعباً.
51. ظلمه وإيذائه باليد أو باللسان أو بالظن في دمه أو عرضه أو ماله.(1/42)
52. الاحتقار والازدراء والتكبر عليهم.
53. إظهار الشماتة في مسلم أو إضمارها.
54. الغدر والخيانة.
55. الغش والخداع.
56. التقاتل على الدنيا وسفك الدماء.
57. الكذب عليه.
58. الغيبة وسماعها.
59. النميمة وتصديقها.
60. التجسس والتحسس (لنفسك أو لغيرك) وكشف عوراته.
61. إفشاء السر وتضييع الأمانة.
62. التنافس على أمور الدنيا.
63. السب واللعن والبذاءة.
64. المن بالعطية والهبة.
65. الرجوع في الهبة أو الصدقة بعد إمضائها.
66. البغي والاعتداء.
67. الضرب بغير حق, والضرب على الوجه خصوصاً.
68. الافتخار عليه وتناجي اثنين دون الثالث.
69. الطعن في نسبه أو عرضه أو قذفه أو قذف أهله.
70. ترويع المسلم وإخافته.
71. تسليمه لأعدائه وخذلانه.
فهذه جملة من الحقوق يستحقها كل مسلم على أخيه المسلم, فعلاً وتركاً.
نسأل الله أن يوفقنا للقيام بحقوق إخواننا ومراعاة حرمتهم, آمين.
خاتمة
وبعد فهذه جملة ما أردنا بيانه للأخوة الأحباب في طريق النجاة, أدعو الله أن ينفعني وأهلي وإخوتي بسلوكه, والعمل به, وأن يجمعنا وأهلينا وإخواننا المسلمين في جنته.
وإني سائل أخاً كريماً انتفع بشيء مما قرأ أن يدعو لمن جمعها بالقبول والمغفرة والرحمة وأن يجعلنا من رفقاء نبيه صلى الله عليه وسلم: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً، ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيماً( [النساء:69، 70].
وكتبه
ياسر برهامي
الإعداد والتنسيق:
منتدى البراحة www.albraha.com
براحة الصالحين
براحة الدورات الشرعية والبحوث العلمية
تحت إشراف: مراقب القسم الإسلامي بالمنتدى
أبو الفرج المصري
Abou_elfarag@yahoo.com
[نرجو تنبيهنا على أية أخطاء مطبعية في الكتاب بمراسلة مراقب القسم الإسلامي(1/43)
على البريد الإلكتروني السابق، ليتم تصحيحها]
1 رواه مسلم (55/2/48) الإيمان، وأبو داود (4944/3/213) الأدب، والنسائي (4211/3/133) البيعة، والإرواء (1/126)، والإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (4555/7/41)، وأحمد (4/102).
2 قال الإمام البخاري: وحدثني عبد الله بن أبي الأسود، حدثنا الفضل بن العلاء، حدثنا إسماعيل بن أمية، عن يحي بن عبد الله بن صيفي أنه سمع أبا معبد مولى ابن عباس يقول: سمعت ابن عباس يقول: لما بعث النبي( معاذاً إلى نحو أهل اليمن قال له: "إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى فإذا عرفوا ذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا صلوا فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة في أموالهم تؤخذ من غنيهم فترد في فقيرهم فإذا أقروا بذلك فخذ منهم وتوقَّ كرائم أموالهم" رواه البخاري (7372/12/359) التوحيد.
3 رواه البخاري تعليقاً (774/2/298) الآذان، والترمذي (2901/3/160) ثواب القرآن، والتعليق الرغيب (2/244)، وصفة الصلاة (85).
4 رواه البخاري (6410/11/218) الدعوات، ومسلم (2677/17/8) الذكر والدعاء.
5 التعطيل هو النفي، مثل نفي الجهمية لصفات الله كقولهم: "لم يستو على العرش"، "لم يكلم موسى تكليماً"، "لم يتخذ إبراهيم خليلاً".
أما التحريف فمنه:
أ. التحريف اللفظي: كقول بعض المعتزلة "وكلم اللهَ موسى تكليماً" لينفي صفة الكلام عن الله ويجعله من فعل موسى(، وإن كان يعجز عن ذلك في قوله: (وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ( [ الأعراف: من الآية 143] بخاصة، فلا يحتمل ذلك.
ب. التحريف المعنوي: أي تحريف المعنى مع بقاء صورة النظر كقول من قال: "الرحمن على العرش استوى: أي استولى"، ومن قال: "اليد: القدرة"، وكذا في قول النبي(: "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا" بقول أمره أو ملائكته لبعض صفات الرب سبحانه.(1/44)
والتكييف: اعتقاد كيفية معينة لصفات الله سبحانه وقد قال تعالى: (ولا يحيطون به علماً( [طه: من الآية 110]، والمنفي هنا هو إدراك الكيفية فالكيف مجهول، أي: هناك كيفية وحقيقة لصفات الله لكن نحن لا نعلمها، والتكييف أعم من التمثيل الذي هو التشبيه وهو أن يعتقد أن الله يشبه خلقه في صفاته، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
6 رواه مسلم (1978/13/206) الأضاحي، وأحمد (1/108، 118، 152)، والحاكم (4/153) عن علي بن أبي طالب.
7 عن جندب بن عبد الله البجلي أنه سمع النبي( قبل أن يموت بخمس وهو يقول: "قد كان لي فيكم أخوة وأصدقاء وإني أبرأ إلى الله أن يكون لي فيكم خليل، وإن الله عز وجل قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك".
رواه مسلم (2/67، 68)، وأبو عوانة (1/401) والسياق له، والطبراني في الكبير (1/84/2)، ورواه ابن سعد (2/241) مختصراً دون ذكر الآخرة واتخاذ الخليل، وله عنده (2/241) شاهد من حديث أبي أمامة وله شاهد ثان أخرجه الطبراني عن كعب بن مالك بسند لا بأس به كما قال ابن حجر الهيثمي في الزواجر (1/120)، وضعفه الحافظ نور الدين الهيثمي في مجمع الزوائد (9/45).
8 عن أسامة بن زيد أن رسول الله( قال في مرضه الذي مات فيه: "أدخلوا عليَّ أصحابي"، فدخلوا عليه وهو متقنع ببرد، فكشف القناع فقال: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد".
رواه الطيالسي في مسنده (2/113 من ترتيبه)، وأحمد (5/204)، والطبراني في الكبير (ج1 ق22/1)، وسنده حسن في الشواهد، وقال شوكاني في نيل الأوطار (2/114): وسنده جيد، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/27): ورجاله موثقون، وصحيح النسائي (702/1/233) المساجد، والإحسان بترتيب ابن حبان (6585/8/212) التاريخ.(1/45)
9 رواه أبو داود (3883/2/467) الطب، والإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (6058/7/630) الرقاء والتمائم، والصحيحة (492/1/889).
10 رواه أبو داود (3910/2/474) الطب، والترمذي (1614/2/216) السير، وابن ماجه (3064/3/152) الطب، والإحسان بترتيب ابن حبان (6089/7/642) العدوى والطيرة والفأل، والبخاري في صحيح الأدب المفرد (909/337)، والصحيحة (429/1/790).
11 الياسق: هو كتاب أحكام صار شريعة ملزمة عند التتار.
12 والفرق بين هذا والذي قبله: أن هذه أعراف محفوظة وتلك قوانين مكتوبة والحقيقة في الحكم واحدة.
وشروط التكفير منها: العقل والبلوغ وبلوغ الحجة التي يكفر منكرها والقصد المنافي للخطأ والتذكر المنافي للنسيان والاختيار وعدم الإكراه وعدم التأويل المحتمل، ومن موانع التكفير: الجنون والصغر وعدم بلوغ الحجة والخطأ والنسيان والإكراه والتأويل.
13 وللتمثيل للفرق بين هذا النوع وبين الكفر الأكبر نقول:
مثال الكفر الأصغر:
قاضي يقول: "إن الأمر الملزم له في الحكم أن الزنا حرام وأن الزاني يجلد إذا كان غير محصن ويرجم إذا كان محصناً وكذا الزانية"، ولكن يأتيه من يدفع له رشوة أو يكون قريباً له أو صديقاً فيحكم عليه بخلاف الشرع زاعماً مثلاً كذب الشهود وهو يعلم صدقهم، فيحكم عليه بخلاف الشرع أو عدم اكتمال البينة وهو يعلم اكتمالها، ونحو ذلك.
أما الكفر الأكبر:
فهو الذي يؤصل أن القانون الملزم به في الحكم أن الزنا حرية شخصية طالما كان برضا الأطراف المعتبرة، أو أنه إذا ثبت يلزم قيده بعقوبة تخالف الشرع كالحبس شهوراً ويجعله موقوفاً على طلب الزوج ونحو ذلك.
14 رواه أبو داود (4031/3/503) اللباس، والإرواء (1269).
15 رواه أبو داود (1134/1/311) الصلاة، وأحمد (3/245) من حديث أنس، وصححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (4381).
16 رواه مسلم (2996/18/167) الزهد والرقائق، والإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (6122/8/9) التاريخ.(1/46)
17 رواه البخاري (3344/6/433) أحاديث الأنبياء، ومسلم (1064/7/226) الزكاة.
18 رواه مسلم (2278/15/54) الفضائل، وابن ماجه (4384/3/102) الزهد، والترمذي (3148/3/272) تفسير القرآن، والصحيحة (1571/4/99)، والإحسان بترتيب ابن حبان (6431/8/129) التاريخ.
19 رواه مسلم (2369/15/177) الفضائل.
20 رواه مسلم (153/2/245) الإيمان، وأحمد (2/117،350) من حديث أبي هريرة.
21 حسن، رواه أحمد (3/387)، والدارمي (441)، والبزار في كشف الأستار (124)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (ص295) وحسنه الألباني في الإرواء (1589).
22 رواه ابن أبي عاصم في السنة (1061)، وقال الألباني: إسناده صحيح.
23 القول بفناء النار التي أعدت للكافرين الذي ذكره ابن القيم في حادي الأرواح زلة من الزلات وقول باطل مخالف لإجماع أهل السنة.
24 رواه مسلم (2867/17/294) الجنة وصفة نعيمها، وأحمد (5/190)، وابن حبان (موارد 785).
25 رواه مسلم (8/1/213) الإيمان، وأبو داود (4695/3/145) السنة، والترمذي (2610/3/37) الإيمان، وابن ماجه (76/1/42).
26 رواه أبو داود (4700/3/148) السنة، والطحاوية (232)، والمشكاة (94/1/34)، والظلال (102،107)، وأحمد (5/317) الإيمان.
27 رواه مسلم (2653/16/310) القدر، والترمذي (2156/2/450) القدر.
28 رواه الترمذي (2156/2/609) صفة القيامة، والمشكاة (5302/3/1459) الرقاق، وظلال الجنة (316،318)، ورواه ابن أبي عاصم في السنة (216، 217، 218) وأحمد (1/293، 303، 307)، والطبراني في الأوسط (5417)، والحاكم (3/541، 542)، وأبو نعيم في الحلية (1/314) وصححه الألباني رحمه الله.
29 رواه أبو داود (4703/3/149) السنة، والترمذي (2141/2/444) القدر، والمشكاة (96/1/35) القدر، وفي الصحيحة (848/2/503)، والظلال (348).(1/47)
30 رواه أحمد (4/184)، وابن سعد في الطبقات (1/30)، (7/417)، وصححه ابن حبان (338) الإحسان، والحاكم (1/31) ووافقه الذهبي، وقال الهيثمي في المجمع (7/186) رجاله ثقات، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1758)، والصحيحة (50).
31 رواه مسلم (2645/16/297) القدر واللفظ له ، وأحمد (4/6)، وابن أبي عاصم في السنة (177، 179، 180).
32 رواه البخاري (6594/11/486) القدر، ومسلم (2643/16/292) القدر، والترمذي (2137/2/441) القدر.
وهذا الحديث متفق على صحته وتلقته الأمة بالقبول، رواه الأعمش عن زيد بن وهب عن ابن مسعود، ومن طريقه خرجه الشيخان في صحيحيهما.
33 والأفعال الاضطرارية كدق القلب وجريان الدم في العروق وحركة المعدة والأمعاء ونحو ذلك وكذلك ولادة الإنسان وموته ومرضه فهي تسمى أفعالاً مجازاً.
34 أما الأفعال الإختيارية: الصلاة والصيام والطاعة والمعصية والزنا وشرب الخمر والقتل وسائر الحركات الإرادية, وأنت تلحظ من هذا أن مشيئة الله شاملة للنوعين، فالإجابة على سؤال أن الإنسان مسير أم مخير؟ بأنه مسير في الأمور الاضطرارية, ومخير في الاختيارية إجابة باطلة, لأن السؤال لم يكن على الاضطرارية أصلاً، إذ لا ينازع فيها عاقل وإنما على الأمور الاختيارية, فالإجابة بأنه مخير ينفى شمول إرادة الله لأفعاله الاختيارية.
35 رواه مسلم (2749/17/102) التوبة، وصحيح الترغيب (3149/3/220) الترغيب في التوبة، والترمذي (3539/3/454) الدعوات، وفي الصحيحة من ترك كثيره (967،970)، (1963/967،970/2/655)، (1963/4/604).
36 رواه مسلم (2645/16/311) القدر، والترمذي (2140/2/443) القدر، وابن ماجه (7902/3/254) الدعاء.
37 سبق تخريجه.(1/48)
38 ويمكن أن نمثل لأثر إرادة الإنسان وقدرته في فعله عند أهل السنة بمثال الأب والولد، فالأب والأم سبب لوجود الولد ولهما أثر في إيجاده وليسا خالقين له بل الله خالق الثلاثة، ولكنه خلق الولد من أبويه، فكذلك القدرة الإنسانية والإرداة الإنسانية سبب لوجود الفعل، وليستا بخالقتين له، بل الله خالق الثلاثة ولا يمكن لعاقل أن يُنكر أثر القدرة والإرادة في وجود الفعل، كما لا ينكر أثر الوالدين في وجود الولد.
وأما عند الأشاعرة:
فهم يجعلون القدرة والإرداة الإنسانية مع الفعل كالأخ مع أخيه، اقترن وجودهما من غير أن يكون أحدهما سبباً في وجود الآخر.
وأما المعتزلة فهم يقولون:(1/49)
إن الإنسان يخلق فعله ومشيئته دون إرادة من الله ولا قدرة له -سبحانه عما يقولون- على أفعال العباد الاختيارية، ومثلوا لذلك بمثال المدرس الذي يعرف مستوى تلامذته وعقد لهم امتحاناً وكتب قبل الامتحان الدرجات التي يتوقع أن يحصلوا عليها، ثم لما امتحنهم كانت درجاتهم موافقة لما كتبه قبل ذلك، وهو مثال باطل ينفي تعلق القدرة الإلهية بأفعال العباد، فالمدرس لا قدرة له على عقول التلاميذ، ولا على توجيه إجاباتهم، وكذلك فهو ينفي الإرداة الكونية لله سبحانه في وجود الخير والشر، فالمدرس لا يريد إلا أن يُجيب الجميع الإجابة الصحيحة الكاملة، ولا يريد أن يجيب الجميع الإجابة الصحيحة الكاملة، ولا يريد لبعضهم التوفيق ولبعضهم الخذلان، والله سبحانه هو الذي أراد أن يوجد الخير والشر، والطاعة والمعصية لحكمة بالغة يستحق عليها الحمد في الأولى= =والآخرة، وهو سبحانه الذي أقدر العباد وجعلهم يشاءون وخلق قدرتهم وأفعالهم ومشيئتهم، وهو يُعذب من يعذب منهم وهو غير ظالم لهم، لأنه أعطاهم القدرة والإرداة وأرس الرسل وأنزل عليهم كتبه، وأقام عليهم الحجة بالشرع، وهم كانوا سبباً في وجود أعمالهم، فلو أن الأب والام ألقوا بابنهم الرضيع في الطريق وقالوا: من خلقه فهو يرزقه، لكانوا -بإجماع العقلاء- مقصرين في عدم تحملهم المسئولية عمن كانوا سبباً في وجوده، مع اليقين بأنهم فعلاً لم يخلقوه ولا يرزقونه، ولكنهم مع ذلك مسئولون عنه، فكذلك الإنسان مسئول عن عمله، وإن كان لم يكن خلقه.
39 رواه البخاري (6596/11/499) القدر، ومسلم (2647/16/302) القدر، والترمذي (2136/2/441) القدر، وابن ماجه (77/1/44) المقدمة.
40 رواه البخاري (6614/11/513) القدر، ومسلم (2655/16/306) القدر.
41 رواه البخاري (53/1/157) الإيمان. أطرافه (87، 523، 1398، 3095، 3510، 4368، 4269، 6176، 7266، 7556)، ومسلم (17/1/251) الإيمان.(1/50)
42 رواه البخاري (9/1/67) الإيمان، ومسلم (35/2/8) الإيمان واللفظ له، والترمذي (2611/3/39) الإيمان، وأبو داود (3692/2/422) الأشربة.
43 رواه البخاري (7410/13/403) التوحيد، ومسلم (193/3/72) الإيمان، وابن ماجه (4388/3/403) الزهد، وظلال الجنة (804-810، 849)، وأحمد (3/116) بلفظ: "يجمع الله الناس يوم القيامة".
44 رواه مسلم (324/3/72) الإيمان.
45 الإحسان بصحيح ابن حبان (7313/9/225)، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في الصحيحة (1434/ 3/418)، ورواه الطبراني (79/2) بسند صحيح عن قتادة عن الأحنف بن قيس عن الأسود بن سريع مرفوعاً، ومن طريقه وطريق أحمد رواه الضياء في المختارة (1/463)، وهو في المسند (4/24)، وأخرجه البغوي في حديث ابن الجعد (ق،9/1)، وأخرجه الديلمي (1/1/171).
46 رواه البخاري (5827/10/294) اللباس، ومسلم (94/2/125) الإيمان، وأحمد (5/166).
47 رواه مسلم (57/2/54) الإيمان، والنسائي (4885/3/315) قطع السارق، وابن ماجه (4007/3/289) الفتن، وأخرجه الدرامي (2/115)، والروض النضير (716)، والصحيحة (3000/6/1269).
48 رواه البخاري (18/1/81) الإيمان.
49 رواه مسلم (22/1/291) الإيمان، وأبو داود (2640/2/133) الجهاد.
50 سبق تخريجه.
51 قال الإمام البخاري: حدثني عمرو بن محمد، حدثنا هشيم، أخبرنا حُصين، أخبرنا أبو ظبيان قال: سمعت أسامة بن زيد رضي الله عنهما يقول: بعثنا رسول الله( إلى الحرقة, فصبَّحنا القوم فهزمناهم, ولحقتُ أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم، فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله، فكفَّ عنه الأنصاري, فطعنته برمحي حتى قتلته، فلما قدمنا بلغ النبي( فقال لي: "يا أسامة أقتلته بعدما قال: لا إله إلا الله؟"، قلت: كان متعوذاً، فما زال يكررها على حتى تمنيتُ أني لم أكن أسلمتُ قبل ذلك اليوم. رواه البخاري (4269/7/590) المغازي, ومسلم (96/2/132) الإيمان, وأبو داود (2643/2/134) الجهاد.(1/51)
قال الحافظ: قال ابن التين: في هذا اللوم تعليم وإبلاغ في الموعظة حتى لا يقدم أحد على قتل من تلفظ بالتوحيد.
52 وكذا إسلام أحد الأبوين والولد دون سن البلوغ، أو أسرُ الصبي أو الصبية دون البلوغ بعيداً عن أبويهم، فيحكم بإسلامهم بإسلام سابيهم من المسلمين، وكذلك اللقيط في بلد أهلها مسلمون.
53 رواه البخاري (6599/11/502) القدر، ومسلم (2658/16/317) القدر.
54 ومن هذه البدعة بدعة تقسيم الناس إلا ثلاثة أقسام: مسلمون بلا شبهة، وكفار بلا شبهة، وطبقة متميعة لا ينبغي الانشغال بالحكم عليهم كما قاله بعض المعاصرين، أو أنهم مجهولي الحكم تقليداً لأصحاب الفكر القطبي.
55 سبق تخريجه.
56 رواه البخاري (6103/10/531) الأدب، ومسلم (60/2/65) الإيمان.
57 رواه البخاري (3650/7/5) فضائل الصحابة، ومسلم (2533/16/127) فضائل الصحابة.
58 رواه البخاري (3673/7/25) فضائل الصحابة، ومسلم (2540/16/138) فضائل الصحابة، وابن ماجه (160/1/70) المقدمة.
59 رواه البخاري (3671/7/24) فضائل الصحابة.
60 رواه البخاري (3697/7/66) فضائل الصحابة، والترمذي (3707/3/519) المناقب.
61 ترتيب أحاديث صحيح الجامع الصغير وزيادته على الأبواب الفقهية (4/146) الملاحم والفتن، والإحسان بترتيب ابن حبان (7036/9/105) مناقب الصحابة.
62 رواه مسلم (1064/7/235) الزكاة.
63 فخلاصة الكلام في الموقف من الشيعة أنهم ثلاث طوائف:
الأولى: غلاة الرافضة المعتقدين الألوهية في الأئمة أو النبوة أو تحريف القرآن فهم كفار نوعاً وعيناً، منهم: العلويين النصيرية والباطنية، ومنهم: الإسماعيلية والدروز والبهرة والقرامطة والعبيديين المسمين بالفاطميين.(1/52)
الثانية: الرافضة وهم الشيعة الإمامية إلى مقربة الاثنا عشرية الذين يسبون الصحابة وربما كفّروهم ويعتقدون بأن الإمامة منصوص عليها لعلي( ثم بقية الاثنى عشر إماماً بزعمهم، وهؤلاء عقائدهم منها ما هو كفر، لكن لا يُكفر العين منهم قبل إقامة الحجة.
الثالثة: الشيعة المفضلة وهم الزيدية وهم لا يكفرون بلا خلاف في هذه المسألة، أعني: مسألة تفضيل عليّ على أبي بكر وعمر(.
64 رواه البخاري (15/1/75) الإيمان، ومسلم (44/2/20) الإيمان.
65 رواه مسلم (867/6/219) الجمعة.
66 رواه البخاري (2168/4/440) البيوع.
67 رواه البخاري (2697/5/355) الصلح، ومسلم (8/17)، وأبو داود (4606/3/118) السنة، وابن ماجه (14/1/22) المقدمة، وأحمد (6/73، 240، 270)، والطيالسي (1422)، وابن أبي عاصم في السنة (52، 53)، والبيهقي (10/119)، وفي الإرواء (88/1/89).
68 ترتيب أحاديث صحيح الجامع الصغير وزيادته على الأبواب الفقهية (2/174) المناقب.
69 رواه البخاري في الأدب المفرد (289/123)، والترمذي (2004/2/379) الأشربة، وابن ماجه (4322/3/382) الزهد، وأحمد (2/291، 392، 442)، وفي الصحيحة (977/2/669).
70 حديث صحيح: روى حديث معاذ الترمذي (1987/2/373) البر، وأحمد (5/236)، ووكيع في الزهد (94)، والطبراني في الأوسط (3779)، وأبو نعيم في الحلية (4/376).
71 رواه مسلم (2722/17/63) الذكر والدعاء.
72 رواه البخاري (645/2/154) الأذان، ومسلم (650/5/213) المساجد.
73 رواه الترمذي (241/1/148) الصلاة، والصحيحة (2652/6/314).
74 رواه أبو داود (345/1/103) الطهارة، وابن ماجه (1096/1/322) الصلاة، والمشكاة (1388/1/437) الصلاة، (والترمذي (496/1/281) الصلاة، والنسائي (1380/1/445) الجمعة.
75 رواه مسلم (2692/17/29) الذكر والدعاء، والترمذي (3466/3/430) الدعوات.
76 رواه الترمذي (586/1/324) الجمعة، والتعليق الرغيب (1/164، 165)، والمشكاة (971/1/306).(1/53)
77 رواه مسلم (728/6/13) صلاة المسافر، وأبو داود (1250/1/343) الصلاة، والنسائي (1797/1/570) قيام الليل.
78 رواه مسلم (2689/17/24) الذكر والدعاء، وأبو داود (1455/1/400) الصلاة.
79 رواه ابن ماجه (4218/3/356) الزهد، وفي الصحيحة (2656/6/328).
80 رواه البخاري (6412/11/233) الرقاق، وابن ماجه (4245/3/364) الزهد.
81 رواه البخاري (26/1/97) الإيمان، ومسلم (83/2/95) الإيمان.
82 رواه البخاري (6014/10/455) الأدب، ومسلم (47/2/23) الإيمان.
83 رواه ابن ماجه (1947/2/141) النكاح، والمشكاة (3117/2/934) النكاح.
84 السلسلة الصحيحة (226/1/447).
85 رواه مسلم (1341/9/155) الحج.
86 رواه البخاري (6612،11/511) القدر، ومسلم (2657/6/315) القدر.
87 رواه مسلم (977/7/65) الجنائز، والترمذي (1054/1/537) الجنائز، والنسائي (2031/2/66) الجنائز، وابن ماجه (1591/2/36) الجنائز.
88 رواه البخاري (1435/3/353) الزكاة، بلفظ: "فتنة الرجل في أهله وولده وجاره تكفرها الصلاة والصدقة والمعروف".
89 رواه أبو داود (1433/1/394) الصلاة.
90 رواه البخاري (6018/10/460) الأدب.
91 رواه الترمذي (2969/3/190) تفسير القرآن، وأبو داود (1479/1/407) الصلاة.
92 رواه مسلم (2702/17/39) الذكر والدعاء، وابن ماجه (3883/3/248) الأدب.
93 الترغيب والترهيب (1444/2/2/173) قراءة القرآن، رواه الحاكم موقوفاً وقال: رفعه بعضهم.
94 رواه ابن ماجه (223/1/92) المقدمة.
95 رواه البخاري (1373/3/698) العمرة، ومسلم (1349/9/167) الحج.
96 رواه مسلم (49/2/27) الإيمان، وأبو داود (1140/1/312) الصلاة، والترمذي (2172/2/460) الفتن، وابن ماجه (1291/1/383) الأذان والسنة فيه.
??
??
??
??
منة الرحمن في نصيحة الأخوان د.ياسر برهامي
2
www.albraha.com(1/54)