أشرقت الشمس وأنتشر شعاعها ..
فأضاءت الشوارع والمساكن ..
بعد أن تنفس الصبح ..
وعبر نسيمه كل قطرٍ من ذلك الحي الذي إليه أنتمي ..
وكعادتي كل يوم ..
أصحا عند بزوغ الفجر .. فيبدأ روتيني المعتاد
الصلاة ثم وجبت الإفطار وبعدها تناول جرعة غثاء لا بأس بها
من الصحف .. مع كم رشفة من الأخبار " إياها "
[ قُصفً القطاع الـ ... ، تم القُبضً على... ، حدث تفجير في .... ]
يا له من روتين ممل..
يلازمني منذ ثلاث سنوات ...
أسف... أتراجع عما قلت ..!!
فللأمانة منذ سنتين و343 يوماً و 7 ساعات وبضع من الدقائق لم أحصيها بعد ..!
هكذا هو حالي منذ تخرجي من كلية اللغات ..
عندما ربطني القدر بقسم اللغة الفرنسية ..
ظننت عند تخرجي أن المسألة هنا انتهت ..
وكل ما يلزمني الآن ..هو وظيفة ارتب نفسي عليها .. وأكمل معها المسير
طرقت كل الأبواب .. للحصول على غايتي
فلم أجد سوى الوعود الزائفة المغطاة بنوع من اللباقة أحياناً .. وأحياناً بالبجاحة ..!!
هكذا كنت أعيش .. لا هم ولا هدف سوى الوظيفة
لم أتصور في لحظة من اللحظات ...
بأنه سيأتي اليوم الذي أجد فيه غاية وهدف أسمى من طموحي الذي بداخله أُسرت ..
فاسمحوا لي يا أخوان ..
بأن أفتح لكم أول صفحات حياتي لأروي عليكم ..
قصة بدايتي الحقيقة ...
لكن حذارِ بأن تطلقوا العنان بعيداً .. وتعتقدون بأني سأرجعُ بكم
إلى أول يوم لي في هذه الدنيا .. حيث ولدتني أمي ... !!
فهذا شيء وما قصدته شيء آخر .. ففي قرارة نفسي ...
بأني لم أستشعر طعم الحياة وأفهم معانيها إلا منذ ثلاث أسابيع فقط ... !!
الساعة الآن تشير إلى الواحدة ظهراً من يوم الجمعة ...
وكعادتي أحس بأن هذا اليوم هو أفضل أيام الأسبوع لدي ...
ليس لكون نبينا محمد عليه الصلاة والسلام أشعرنا بذلك
وما يحمله هذا اليوم من فضلٍ عظيم..
أنما ..
لكونه اليوم الوحيد الذي أحس فيه بفائدة وجودي في هذه الحياة .. !!
[(1/1)
أستغفر الله العظيم على جهلي وتقصيري]
حيث جرت العادة بأن اصطحب ناصر أبن عمي كل جمعة
لأحد الأحياء التي تصنف من الطبقة العليا حيث لا يعرفنا فيها أحد ..
لنقف عند أحد الجوامع .. و " نبسط " بما لذ وطاب من صناديق الخضار..
قرب يا ولد .. قررررررررب
قرب ياولد .. الزين عندنا .. لايفوتك الزين يا ولد
أشترى صندوقين طماط .. نعطيك حبة مجاناً ..!!
هذا صوت ناصر يهتف للمارة ..
ها هو كما عرفته لا يفرق بين المزح والجد ..
دائماً يوقعني في شر أعماله ..
همست في أذنه بصوت خافت مصحوب بفحيح لكي لا يشعر بي أحد ..
- ناصر والي يرحم والديك أجَل استهبالاتك هذه لا صرنا في الملحق لحالنا ماله داعي نرجع البيت مشي ..!!
التفت على بكل برود
- أبشر .. بس لا تنفخ ...!!
كنت أعلم أن ما بداخله أصفى مما ظهر منه ... لذلك اخترته رفيق دربي دون سواه ..
بعدما فرغنا من البيع .. حملنا ما تبقى للعودة إلى حيث أتينا ..
في أثناء الطريق وكالمعتاد ... يبدأ ناصر بصولاته وجولاته بالحديث ...
وأنا تارة معه وأخرى مع أفكاري ...
أحسست بهز خفيف مريب في فخذي ..
كاد بسببه أن تتوقف نبضات قلبي.. و تيبس عروق دمي .. تتجمد أطرافي الأربعة ..
كنت قبل يومين قد قرأت عن مرض الرعاش في احد الصحف ...
فسرعان ما شخصت حالتي ..
ونسبت ما يحدث لي الآن لذلك المرض ... سترك يا رب ...!
أنزلت يدي قليلاً لأتحسس المنطقة ..
و فجاءه اكتشفت أني .. أحمق وكعادتي .. نظرتي قاصرة فيما يدور من حولي
فكل هذه الضجة والهزات بسبب رنة الجوال ...!!
الذي قد نسيت تغير وضعيته.. بعد خروجي من الصلاة ..
أخرجت الجوال لأرد على المكالمة الصادرة من خالي ..
وبداخلي أحمد الله على خيبت ظني .. وعلى انشغال ناصر عني ..
وإلا لكنت حديث الساعة لمجالسه ...!!
فتحت السماعة لأجد خالي يقول :
- الو ... السلام عليكم .. هلا ساري ... كيفك ..؟
- وعليكم السلام .. نحمد الله ونشكره ...(1/2)
- ساري أسمعني جبت لك شغله تسترزق الله من ورآها..
مدتها أقل من شهر لكن ..
لو اشتغلت بيديك ورجليك في هالمدة ما راح تحصل نص اللي بيجيك من ورآها ..
معقووولة ...!!
طيب وش هالشغلة ...؟
باختصار ... اليوم مدير الشركة اللي أنا أشتغل فيها وكلني في مهمة البحث عن مرافق يجيد اللغة الفرنسية ... لرجل أعمال فرنسي يملك ثروة تقاس بالملايين ..
بـ يزور السعودية بكرة أن شاء الله ... وراح يقيم هنا 25 يوم ...
وراح يكون المقابل 5000 دولار ... لمن يرافقه ويترجم له ..
هااااه وش قلت ...؟
لحظتها أنعقد لساني لا أدري بماذا أجيب ..
العرض مغري لكن هل أنا أنفع لمثل هذا ...؟
وقعت في حيرة .. لم أستطع أخذ القرار المناسب ...
ولا يوجد هناك وقت كافي لتفكير ...
سكت برهة ... فأجبته ..
- نعم أنا موافق ..
هكذا لساني نطقها ... لا أدري لماذا كان هذا جوابي ..
أهو من قناعه أو خوفاً من ملامة ..
لم أكن أعلم ..
أن وراء قبولي خير عظيم لا يعلمه إلا هو سبحانه .. فالحمد لله الذي يسيرنا ولا يخيرنا ...
أقفل خالي السماعة بعد أن أخبرني ..
أن موعد قدومه سيكون غدا عند الساعة العاشرة صباحاً...
ويجب علي أن أكون هناك قبل هذا الوقت بساعة على الأقل ..
وباقي التفاصيل ستصلني برسالة خاصة عبر الجوال لاحقاً ...
لم أستطع كتمان الخبر في نفسي لحين حدوثه ...
ففي الحال أخبرت ناصر بهذا العرض ...
فأجابني بكل برود :
- والله عرض ممتاز بس شكلك نسيت اللغة ...!!
نظرت إليه وكلي حسرة على حالي ..
- والله إلي مثل حالي حتى العربي نساها ... بس أن شاء الله ربك يعين
بعدين أنت تدري أن أغلب الكلمات اللي حنا نقولها أصلها فرنسي ...
يعني مثل ..( بالطو ، أوتبيس ، بالون ، أمبير ، أسانسير ) .. كلها من
أصل فرنسي ...
قال ناصر بعد أن غطى الحماس معالم وجهه ..
- صدقت والله ... حتى ذاك البرغل إلي يحط مع التبولة ...أصله فرنسي
-ههههههههه..(1/3)
الله يخلف على من جابك و رباك ... برغل كلمة فارسية موب فرنسية يا تنكة ...!!
- نفس الشيء .. سعيد أخو مبارك ...
قالها وجهه كصندوق الطماطم الذي باعه قبل قليل ...!
وصلت إلى البيت بعدما وضعت ناصر في بيتهم ... وذهني مازال يبحر بالأفكار ...
عندما دخلت إلى البيت قابلتني خالتي بدرية التي جرت العادة أن تزورنا في هذا الوقت ...
قالت وهي مبتسمة :
- مبروك يا ساري .. لأوصيك أزهم على خويك الفرنسي
وقلة يجيب لي معه
كم علبة كحل من ماركة لانكوم ... يقولون رخيصة عندهم ...
- خويي ...!!
إلا أقول خالتي ما ودك أقوله يجيب لك معه كوفيرة مرة وحدة...!!
صوت أمي يعلو ..
- ساري لا تنام زي عوايدك ... ترى الغداء جاهز ...
أنام .. غداء ...!!
لا أعتقد أن هذا مطلبي وتلك غايتي ...
أريد أن أختلي بنفسي والانعزال بها لو للحظات ..
تمتمت بهذه الكلمات في داخل أضلع صدري .. فالبوح بها استثقلت تنفيذه ..
صعدت إلى غرفتي وضللت أفكر بلقاء ذلك الزائر..
لماذا أتى هنا ..؟
ماذا يريد ..؟
أقضيت ما تبقى من يومي على هذه الحال .. حتى أتى الصبح ...
تك .. تك .. تك
يا لكِ من مزعجه .. عجوز مخذرفة
ساعات العالم جميعها تشير للسادسة وأنت ما زلتي في بحر الثانية تدورين ...!!
ويحك ... هل كتب علي أن أضع لك مع مولد كل يوم جديد .. بطارية ..!!
صبرك علي .. بإذن ربي لأجعلنك حطاماً منسيا
هو آخر شئ تمتمته في صدري قبل أن أغط في شخير
أفزعتني رنة الجوال ..
فسرقت عيني لتلك العجوز لمعرفة الوقت
لطفك يا رب ..!
أنها تشير للعاشرة صباحاً .. هذا بتوقيتها
أما بتوقيت العالم فهي عند الثانية ظهراً استقرت .. !
أصابني شيء من الهلع والخوف لا يكاد يفارقني ...
عندما فتحت السماعة وأنا أبتلع ريقي رويداً رويدا ..
سمعت صوت خالي ..
بعدما امتلأت موجات صوته بحرارة ارتفاع ضغطه ..!!
- نايم ... نومت أهل الكهف إن شاء الله ..
الله يفشلك يا شيخ زي ما فشلتني ..(1/4)
يوم انك منتب قد المسؤولية .. ليش تطق صدرك وتقول أنا لها
- خالي أنا .....
قاطعني كقطع السيوف للأعناق قائلاً :
- اقطع ولا كلمة ... إذا فيك خير خلص نفسك من المشكلة
ورح حلها مع هـ الفرنسي إلي لطعته أربع ساعات في دهاليز المطار ..
وفك نفسك من الشكوى إلي رفعها عليك في مجلس الأمن ..
ووصى كندا ليزا رايس
تتابع الموضوع بنفسها ...
أقفل السماعة بعد أن أقفل الدنيا في وجهي عند سماع ذلك الاسم
(لا والله إلي صرنا طعام جحوش .. )
1. ...
تجمدت أطرافي وأصبحت كالحجارة بعد هذه الفاجعة ..
فأردت أن أحرك ما تجمد مني .. لأنهض من فراشي
فوقعت على الأرض مستقبله بوجهي ..
ولكن كانت هذه(الطيحه) على قلبي أحلى .. من لعق العسل ...
لأن ما حدث كان مجرد أضغاث أتى بها ذلك اللعين .. الشيطان الرجيم
فالساعة مازالت ولله الحمد عند الثامنة إلا ست دقائق صباحاً ...
خرجت من المنزل .. بعد أن لبست أحسن الثياب عندي ...
والابتسامة كادت أنت [ تشق ] وجهي ..
بعدما قذفت بتلك المخذرفة في حوض القمامة ..
مودعها بما اُستقبلت به من ( تشويت .. وترجيف ) ...
فبادرت ..
بـ قراءة الرسالة التي أرسلها لي خالي قبل نصف ساعة من استيقاظي ..
والتي تنص بالتعليمات .. لكي أطبقها جيداً..
1- مر الشركة وعرف بنفسك عند المدير عشان تأخذ سيارة كشخه لتوصيله..
2- رح للمطار فوراً عشان تستقبله .. ويا ويلك يا سواد ليلك إذا سعست منا ولا منا ( قلت في نفسي .. ما يحتاج توصي.. الدعوى فيها كندا ليزا رايس ( !!
3- بعد ما تأخذه من المطار وده لفندق ( ــ ) مباشرة وراح تلقى له حجز باسمك
4- وأنت راجع تكفى مر ولدي راكان في المدرسة وجبه معك .
أسمه ألكسندر بيت ... لا تنسى ..!!
في أقل من ساعة نفذت البند الأول وأتبعته بالثاني ..
بعد أن انطلقت بالسيارة التي لم أحلم بها من قبل ..
والتي قيمت [ جنطها ] يساوي قيمة [ قرمبعي ] التي معي ..
وها أنا أقف على أطراف ذلك السياج ..(1/5)
ممسكاً بورقة كُتب عليها أسمه .. منتظراً قدومه ...
أترقب وأرقب كل وجه يمر من أمامي ..
فتلك امرأة تسارع بتعديل عباءتها ووضع [ اللثام ] ... قبل المرور من أمامنا ..
وكأنهما لا يستخدمان إلا لسعوديين فقط.. !!
وهذا شاب مطأطأ الرأس شاحب الوجه ..
بعد أن أفلس من كل شي حتى من الفأس الذي سيقع فوق رأسه .. !!
وذاك رجل يسير في أول الركب للحاق بـ سوق [ الهوامير ] قبل التداول ..!
تاركاً صغاره وزوجته .. يعدون ورائه ...وكأنهُ ) خلفهم ونساهم( ..!!
أعجب وأتعجب من تلك المناظر المثيرة لدهشة ... لدرجة أني نسيت لماذا أنا هنا ...!
شممت رائحة من أورع العطور الباريسية
فعرفت أنها إليه تنتمي ..
فهي تصدر من ذلك الرجل ..
المتهندم بتلك البدلة الراقية .. ذات اللون الأسود والـ [ كرفته ] الحمراء ..
يحمل ملاحم أوربية ...
أبيض الشعر والوجه ...
ممتلئ الجسم .. عريض المنكبين ..
قلت في نفسي ( يا حليلة أبيض ودب ...!
ما درى أن عندنا شمس تخلي القمر كفر و العنب زبيب ..! )
أبتسم عندما رأي أسمه على الورقة .. فعرف أني أنا المرافق ...
أقبل إلي و أقبلت إليه متبادلان عبارات الترحيب الساخنة ...
فتوجهنا جميعاً إلى السيارة ...
عندما غادرت حدود المطار ...
أخبرته بأني سأذهب به الآن إلى الفندق لكي يأخذ
قسطاً من الراحة ...
وغداً في الصباح الباكر ... سأصطحبه إلى الشركة للقاء بمديرها
و أنجاز المهام التي بينهم ...
لم يبادرني برفض أو قبول ... فسرت به على نهج الخطة المرسومة
وقبل مغادرتي لغرفته ... وعند باب الغرفة بالتحديد ..
أردت أن أعطيه رقم جوالي لكي يحدثني متى ما شاء ...
فلم أجد سوى ورقة صغيرة في جيبي العلوي ..
كتبت الرقم على ظهرها وسلمتُها له ..
دون أن أعرف ما بداخلها .. فالشعور بالنوم قد سلب مني التركيز ...
فعدت إلى البيت .. وخلدت فوراً إلى النوم ...
و هكذا انتهى هم اللقاء ... بعد أن [ طنشت ] البند الرابع ..(1/6)
مرت الأيام .. بسرعة جريان الدم في العروق
كانت علاقتي به.. كعلاقة الموظف الجديد ..
مع الجميع في أول يومٍ من دوامه .. [رسميات لأبعد الحدود ..]
كان قليل التحدث معي .. و مع الآخرين .. أيضاً
فهو لا يخرج إلى في الصباح فقط .. لعمل زيارة خاطفة لتلك الشركة
و من ثم يعود للفندق .. ليكمل باقي يومه هناك ...
بعد مرور .. ثلاثة عشر يوماً من قدومه ...
تفا جئت باتصاله بي عند العاشرة مساءً ..
فيه طلب مقابلتي في الحال ..
[يطلب مقابلتي .. وفي الليل ] .. تعجبت من طلبه هذا ..!
لا أنكر أني كنت مشغولاً بارتباطات عائلية ... في تلك اللحظة
لكن يجب علي أن أستجيب لدعوته ... فقد يتسبب رفضي لطلبه
بمشاكل عدة .. أولها أخلالي لبند من بنود عملي معه..
ومن ثم إفلاسي من حلم المكافئة ..!
هذا ما كنت أفكر به وأنا في الطريق إليه ..
مررت عليه في الفندق ...
فطلب مني أن أذهب به إلى أي مكان عام
فهي يريد أن يرى الناس كيف يعيشون في مجتمعنا ..
بصراحة طلبه هذا جعلني في حيرة ... إلى أين أذهب به ..؟
إلى[ البطحاء ] ... مثلاً ...؟
فهناك سيجد أصناف وأشكال من البشر على كل الهيئات ...!
أم إلى مهجة فؤادي [ النسيم ] .. وهي فرصة ليتعرف على مقر أقامتي
فقررت أن أتصل على رفيق دربي ناصر ..
لعلي أجد عنده المكان المناسب ..
اتصلت به وأخبرته بكل شيء وطلبت الاستشارة منه ..
فرد علي بكل ثقة ..
- أنا أرى أنك تخليه يعين من الله خير الليلة وينام في فندقه..
وإذا جاء بكره الفجر .. وده لسوق الغنم .. والله يا هو بـ يلقى أشكال يحبها قلبه ..
- سوق الغنم ...!!
أقول الشرهة ميب عليك ..الشرهة على إلى خسر 45 هللة في مكالمة معك ..!
أنهيت المكالمة على الفور ..
فبعد أن قضيت فترة في الأخذ والرد مع نفسي .. دون الحاجة لذلك الثقيل ..!
قررت أن أذهب به إلى شارع [ التحلية ] ...
لنحتسي القهوة في أحدى المقاهي ...
لا أدري لماذا اخترت تلك المنطقة بالذات ... ؟(1/7)
لعل السبب يعود لنفس المقهى الذي جلسنا فيه ..
لأني منذ فترة وأنا أرغب في الجلوس فيه ...
أعجبتني أضاءته وديكوره الخارجي ... هذا ما يشدنا نحن الشباب ..
والمانع معروف [ من يدفع الحساب ..؟! ]
عندما وصلنا جلسنا في أحد الجلسات الخارجية ...
تنفيذاً لرغبته ..
مر قرابة الربع ساعة على جلوسنا ...
لم نتحدث خلالها لأنه مشغول .. بمراقبة تحركات المارة
حيث كانت عيناه شاخصة على ذلك الشارع ..
وكأنه لم يرى من قبل مثل هذه المناظر في بلاده ..!
ألتفت إلي وقال ...
- جميل .. لم أكن أتوقع أنكم بهذا القدر من الحضارة والانفتاح ..
- حضارة ..!!
قلتها بعد أن كادت أن تتحول معالم وجهي إلى ..
علامة تعجب من هول ما سمعت منه ..!
أي حضارة يقصد ...؟
هل نفخ الشعور وفردها بعد الصبغ .. أصبح حضارة ..!!
هل لبس [ البرمودا والبدي والكت ] للشباب .. أصبح حضارة ..!!
هل الهز و التغنج على نغمات الموسيقى .. أصبح حضارة ...!!
شعرت بالندم لأني أتيت به لأسوء مكان .. في الوجود ..!
فيه تنفجر طاقات الفساد لتغطي الأفق برائحتها المنتنة ..!!
يا ربي أصلح حال شباب المسلمين وردهم إليك رداً جميل ...
لم ينقطع سرحاني في حال أبناء جلدتي ...
إلى عندما حدثني قائلاً ..
- عزيزي ساري ...
قد تتساءل لماذا أنا هنا ..
ولماذا قررت البقاء هذه المدة الطويلة بينكم
مع أني قضيت حاجتي وانتهيت منها ..
وما سر بقائي في الفندق خلال الفترة الماضية ..
أحسست وهو يتحدث وكأنه يقرأ أفكاري ..
فكل هذه التساؤلات كانت [ تسرح وتمرح ] في مخيلتي
أجبته بكل برود ... لكي لا يحس بأني مشفق على معرفة الحقيقة ...
- إذا كانت لديك الرغبة للحديث عن ذلك .. فكلي أذان صاغية ..
- من المعلوم لدى الجميع أني أتيت إلى هنا ..
لكي أنهي بعض العقود مع تلك الشركة ..
والتي من المفترض أن ترسل عدد من موظفيها إلى فرنسا ..
والقيام بهذه المهمة هناك ..(1/8)
لكني عرضت عليهم رغبتي بالقدوم إليهم بنفسي ..
رغبة مني في قضاء فترة استجمام في بلدكم ...
هكذا أبديت لهم السبب ..
فردوا علي بالموافقة والترحيب ..
ولكن في الحقيقة لي غاية وهدف من أجلهما أتيت ...
غير ما ذكرت ..
لكن قبل أن أفصح عنها ..
أريدك أن تعدني بأن تساعدني فيها ..
والمقابل ...
زيادة مكافئتك إلى عشر أضعاف ماهي عليه الآن ...
ماذا قلت ..؟
أخرجت جوالي بعد أن نفخت الأوساخ التي تراكمت على شاشته ..
لمعرفة ناتج هذا العرض ..
سالت لعابي و أحسست بعدها بالدوار عندما رأيت النتيجة ...
50 ألف دولار ... أي ما يقارب 180 ألف ريال ...!
رأي في عيناي نوع من القبول المبدئي ... فالعرض مغيري جداً جداً جداً ومن الصعب التفريط فيه .. إلا إذا كنت غبي .. !
هكذا حدثتني نفسي ...!
قالي لي بكل ثقة ...
- هل أنت موافق ..
أجبته على الفور ...
- مبدئيا.. نعم .. [ فكلمة الـ لا صعب نطقها في مثل هذه الظروف ..! ]
- إذا اسمع ما سوف أقوله لك جيداً ..
وأتمنى أن نبدأ من اليوم بتنفيذه ...
اعتدلت في جلستي ووضعت يداً على يد .. مشبكاً أصابعي ..
فهذه الوضعية من الجلوس .. لا أستخدمها إلا إذا أردت أن أركز فيما يقال ..
- أسمع يا ساري ...
أنا بصدد تحضير كتاب عن الإسلام والمسلمين
وعن الضلال الذي يعيشون فيه .. والتخلف والرجعية التي يتقوقعون بداخلها
فوجدت أن أنسب مكان لجمع مادتي هو هذا المكان ..
فمن أجل هذا أتيت إلى هنا ..
لأجلب أكبر قدر ممكن من الأسرار والخفايا التي لا يعرفها أحد سواكم ..
والتي لم يطلع عليها أحد من قبلي ...
أريد منك أن تدلني على نقاط ضعف دينكم ..
عن نظرتكم الحقيقة له والتخلف الذي أوصلكم هو إليه ..
عن الظلم الذي تعيشونهُ بسببه ...
عن الأخطاء والمفاسد التي ينتجها لكم ..
عن كل شي ... يمكن أن يخدمني في هذا الكتاب ..
إذا تحقق هدفي هذا فسأحقق شهرة لم أكن أحلم بها من قبل ..(1/9)
كل حرفٍ نطقه تحول الى مسمعي كالصعقة ... !
حاولت أن أتدارك نفسي عن الانفجار في وجهه ..
فوجدت على طرف لساني ..
أقوى عبارات السب والشتم التي تبكم الناطق من شدتها ...
هو يشرح لي ويخبرني عن نواياه السيئة وأنا أفكر بطريقة لرد كيده في نحره ... !
ما أقسى تلك اللحظات التي مررت بها ...
رغم أني أعترف بتقصيري تجاه ديني ..
واني لست حريص على أقامة شعائره ..
إلا أن هناك مواقف تمر علينا فتشعل نار الغيرة ..بداخلنا
نعم .. نار الغيرة على الدين التي انطفأت في قلوب الملايين منا .. !
في ختام حديثه ..
بين لي أنه أتى إلى هنا .. ولن يرجع لبلاده إلا بعد أن يحصل
على غايته ويحقق أهدافه .. وأن لم أساعده أنا في ذلك .. فسيجد غيري
ممن تغريهم المادة ...
أم أنا فلن أظفر حتى بالـ 5000 و التي من أجلها أنا معه ..!!
عم السكوت كلا الطرفين ... وكأنه عم الكون بأسره ..
[ أوى بعد هذا الحديث حديثاً .. حديثُ يسر الخواطر وحديث يجليها ...! ]
نظر إلي وهو يرى الفجيعة في عيني ... فقال ..
- ماذا قلت .. إذا لم يعجبك المقابل فأنا مستعد لزيادة ..
قالها بكل ثقة..
فهو يعلم بأني شاب عاطل يجري وراء شهواته وهمه الأول والأخير الحصول على المادة ..
لذلك أراد الضغط علي بما أوتي من قوة .. والدخول علي من هذا الباب
لم أبادرة بالإجابة .. من هول ما سمعت ...
فالموقف أصعب من أن يتخيله العقل البشري ...!
فطلب مني أن أقضى وقت مع نفسي لتفكير في العرض جيداً
ولنا لقاء في الغد ... لأخذ الرد ..
وحذرني وكرر علي التنبيه .. إلم أوافق فسيجد غيري الكثير ...!
ألتفت إلى العامل الذي يقف بالقرب منا ليناوله الحساب ..
مددت يدي بسرعة إلى جيبي لأدفع الحساب قبله..
ثم وقفت وقلت له بعد أن أخذت نفس عميق ...
- أنا أنتظرك في السيارة ..
هذه أول كلمة نطقتها منذ بداية العرض ..
العرض الذي خفت أن تقعي على السماء بعرضها ..
فوق رأسي من شدت ما سمعت أُذناي ..!(1/10)
العرض الذي لو قُدمت لي كنوز الأرض ظاهرة ً كانت أم باطنه ..
مقابلاً له
لما كان لي منقذاً من نار جهنم .. يوم لا ينفع فيها مال ولا بنون ...
35 ريال .. هو ذلك المبلغ الذي قمت بدفعه لعامل المقهى
بعد أن أصبح جيبي خالي .. حتى من الهلل ..!
لم أشعر بالحسرة أو حتى بالندم لما فعلت ...
صحيح أن سأبقى خالي الجيب و اليدين ... حتى إشعار آخر ..!
لكن ذلك والله عندي أشرف من أن أٌدخل في جوفي لقمة دفعت من مال حرام
وصلت للبيت ... بعد أن وضعته في الفندق ..
حيث كانت الساعة تشير إلى الواحدة ليلاً ...
هل ......؟
كيف .....؟
لماذا ....؟
أين ....؟
ألف سؤال وسؤال دار في مخيلتي ...
كدت أن أصاب بالتشنج من كثرت التفكير المتواصل ... الذي لم ينفصل عني لو للحظة ..
أهل بيتي كلهم ناموا ... وأنا جسدي على الفراش وعقلي مبحر في أعماق فكري
لو لم أنفذ له طلبه ... ماذا سيحدث...؟
سأفقد مبالغ طائلة تعينني على الحياة وأعبائها ..
سأريح عقلي و نفسي من كابوس البحث عن وظيفة ... لو لقترة من الوقت ..
فما سوف أجنيه من وراءه .. كافي لعمل مشروع صغير
يدر على بالمال الوفير الذي يكفيني ويغنيني عن الذل المعيشة ...
و ألم أقبل به أنا ... فسيقبل به غيري ... كما قال ...
لعنة الله على إبليس ... الذي مازال يصر ويلح علي
للوقوع في تلك المؤامرة الخبيثة ...
إذا ما الذي يجب علي فعله ..؟
أاتصل عليه لأخبره بأنه
اخطأ العنوان ...
وأن أموت مسلماً فقيراً ..
أحب علي من أن أعيش متنعماً وأنا كافراً بما أنعمه الله على من نعمة الإسلام ..!
ولكنه سيذهب لغيري .. وسيقع المحظور ...
يا ربي ما العمل ..؟
خاطبتني نفسي قائلة :
لماذا كل هذا الخوف ..وكأنك مقبل على معركة في جوف حرب مدبرة ..؟
رددت لها السؤال ...
_وهل من جوابٍ لديك فـ به ..
أُطمئن فؤادي..
وأريح عقلي ..
وأغمض عيني ..
قالت ...
- لماذا لا ترفع يديك لرب الخلق .. وتشكو همك لصاحب الفرج(1/11)
لملك عطوف رحيم .. غفور مجيب .. للهم فارج و للصدر شارح و للأمر ميسر ..
أيقنت لحظتها بأنها على حق .. فلا ملجأ ولا منجى منه إلى إليه ..
رفعت يدي إليه أشكو لهو همي وأسأله العون في إثبات الحق
فلتهج لساني بالدعوات وعيني بالدمعات ...
حتى نادى المؤذن لصلاة ..
لا أدري شعرت بأن الخير قادم
وأني سأنتصر بإذن ربي لا محالة ...
يا ربي أجعل إحساسي حقيقة ... قلتها وأنا أضع راسي على الوسادة
كسرني النعاس وذبلت كل أطرافي ... فالشعور بالنوم قد أسرها ..
أعلم أن وراء هذا كُله .. هو ذاك اللعين .. الشيطان الرجيم
ولكني بعد فضل من ربي استطعت التغلب عليه وأدائها مع الجماعة
وكأنها المرة الأولى .. التي أصلي فيها
شعرت لحظتها بانشراح في صدري لم أعهده من قبل ..
ما أرحمك يا ربي .. ما أرحمك ..
إحساسي هذا جعلني أشعر بأن هذه هي بداية الانتصار ...
لكن ..
كيف سيكون الانتصار... ؟
عند الساعة الواحد ظهراً ...
وبعد تلك الليلة المشؤمة التي قضيتها بين المد والجزر مع نفسي ..
أتصل بي ناصر ...كعادته ..
لتزويدي بأخر الأخبار .. وكأننا لا نملك تلفزيون في البيت ..!
[عزيزي ناصر ... أنت الوحيد الذي أستطيع مصارحته بكل شي .. ]
قلتها في نفسي ...
وهو مشغول بالحديث عن ما قاله أحد خبراء الأسهم عن الحمى التي لازمت
السوق وهذا النزف الذي يتعرض له ... قاطعته قائلاً
- ناصر ممكن أشوفك الآن ...؟
- تشوفني ...!!
غريبة موب من عوايدك .. بالعادة أنا إلي أطارد ورآك ..
- ناصر .. أبيك بموضوع جداً ضروري ...
بس يا ليت قبل ما تجي .. تحط قلبك البارد
في الفرن شوي ... عشان ما تغثني ببرودك ...
ترى الموضوع جاد...!
- طيب جاي ... بشرط تأخذ بي لفة بالسيارة ..
و ذكرني قبل ما اطلع أمر الفرن وأخذ قلبي ...
أقفلت السماعة .. على الفور لأني لو بقيت معه على هذا المنوال
لانتهى الأمر بي في مستشفى الأمراض العقلية ...!
وأدخلت السيارة في[ الكراج ] ... !(1/12)
لكي يجعل تركيزه معي .. وينسى أمرها ..
عند قدومه .. وبعد الأخذ والعطاء ..
أوقفت الجدال حولها ..
لأخبره بما حدث بين وبين ذلك الرجل .. بدون حذف أو تحريف ..
ووصفت له الحالة التي أمر بها الآن ..
والحيرة التي تُقيدني .. وتمنعني من اتخاذ أي قرار ..
سكت قليلاً .. ثم قال ...
- ساري..
بقولك كلمتين مع أني متوقع أنك بـ تضحك علي ..
لكن مو مهم ... أهم شي اسمع وش بقول ..
- قل ..
بس قسم بالله أن قمت تستخف دمك .. لا اشق وجهك بشقوق ما تخيط ..
[ لغة التهديد هذه .. كانت الأولى من نوعها بالنسبة لي ..
ولعل السبب يعود للحالة التي أمر بها ]
- الله يكفينا شرك ..!
أجل أسمع ..
زمان كنا ندرس مادة التاريخ ..
وكان المدرس يشرح لنا حال الرسول علية الصلاة والسلام والصحابة من بعده
في نشر الإسلام ... وكيف كانوا يعانون ...
ويواجهون من منغصات ومغريات ..
الين أنتشر الإسلام ووصل جميع الأقطار المعمورة ...
وكان المقابل أرواحهم و أموالهم وأولادهم ..
وحنا الحين ولله الحمد نعيش ثمرة ما قاموا به بالأمس ...
كنا دائماً نردد ونقول أن إسلام رجل على يدينا خير من حمر النعم ..
ولكن ..
لما تجينا الفرصة لحد عندنا .. نفوتها ونقول صعب تطبيقها ...!
وهذا حالنا جميعاً ..إلا من رحم ربي ..
يااااااااااهـ ... يا ناصر ...
صدقت والله ... فما أبعدني عن ذلك والله إلا الغفلة والعياذ بالله..
قال كلمات لا توزن بمناجم الذهب والماس ..
كنت بالأمس أعتقد أن ناصر مجرد شخص يعيش ليضحك فقط ...!!
كان يرسل لي رسائل بالجوال ...
تحمل بيت أو بيتين للأمام الشافعي ..
تحمل في طياتها حكم ..
من يعمل بها في زماننا هذا يكون حكيماً نادر الوجود ...
كنت أظن بأنهُ [ لاطشها ] من أحد الكتب .. بدون ما يعرف معناها ..!
فأقوم بالرد عليه بكلمة .. [ لا يكثر ] ..!
لم أكن أعلم أنه يحمل بداخله عقل .. أُسّس على أسس قوية وسليمة ..(1/13)
هكذا أنا دائماً أحكم على الأشياء بظواهرها متناسين جوهرها ..
قلت له بعد أن شعرت وللمرة الأولى أن من أمامي ..
أهلاً للمشورة ... سديداً الرأي .. حكيم بالأمور ..
- طيب يا ناصر ... وش الحل في نظرك ..؟
- الحل بسيط بإذن الله ... وافق على طلبه ..
وخله يشوف حقيقة الإسلام إلي هو يبي يعرفها ...
هو شخص ما يُلام ... لأن الإعلام صور لهم الإسلام بأبشع الصور ..
جعلوه دين يفرخ الأجرام .. ومنبع للإرهاب ..
الحقوق فيه مسلوبة ... و الإنسانية معدومة ..
لكن لو عاشر أهله بطبيعتهم ... لعرف الحقيقة
وزال الغشاء إلي يغطى عيونه وعيون الملايين إلي زيه ...
هذا البداية طبعاً ...
وبعد كذا نخليه يقابل شخص نحسبه من أهل الخير ولا نزكي على الله أحد و نخليه يحاوره ... وغالباً هم يحبون هذا النوع من الحوارات ...
- صدقت يا ناصر ... وربي انك أحكم من ألف حكيم ..
قمت من مكاني وأمسكت برأسه لأقبل جبينه ..
ذلك الجبين الذي طالما كنت أتهم ..
بأنه وكر للغباء وملجأ لسذاجة ..!
لكنه سرعان ما فر من يدي .. ظنن منه بأني سأنفذ تهديدي ..!
[ له الحق بأن يخاف .. فهو يحمل عقل
.. الحكمة فيه تفوق ما يحمله عقلي فلا يلام على ما فعل]
أخذت ما قاله ناصر بعين الاعتبار ..
فعند الخامسة عصراً .. بدأت بالتنفيذ ..
فاتصلت بألكسندر وأخبرته بموافقتي ..
سُرّ كثيراً بهذا الخبر .. فطلب مني أن نبدأ الآن ...
مررت عليه في الفندق ...
فكانت نقطة البداية هناك في حي النسيم .. لمعرفتي به جيداً
كنت أتجول به في الشوارع والحواري ..
وهو شاخص البصر .. لا يتحدث ...
كل المناظر لا توحي بشي مما كان يتوقع رؤيته ..
الناس يعيشون ببساطة تربط بينهم روابط متينة ..
رغم بساطة الحياة التي يعيشونها ..
المرأة تمشي بعزة ..
بعد أن غطت كامل جسدها ولبست لباس الحشمة ..
الكل من حولها يفسح لها الطريق ... لتمشي كالملكة ..
كنت كل ما أمر على شخص في الحارة ..(1/14)
أبادره بالسلام فيرد السلام على مع ابتسامة مشرقة تعلو محياه ..
الأطفال يلعبون في الشوارع بأمان ..
معالم السرور بانت على الصغير قبل الكبير ...
أستغرب من تلك المشاهد ...
لم يكن يتوقع أن يرى مثل هذه المناظر ..
في أثناء تجوالنا بين الشوارع .. اتصلت بي الغالية ... أمي ...
لتطلب مني أن أخذ[ أسطوانة الغاز] ..
لبيت جارنا صالح ...
لان أبوهم غائب عن البيت وهم بحاجة ملحة لها الآن ..
كنت قريباً من البيت فاتجهت فورا إليه ...
طلبت الأذن منه دقائق لأدخل البيت...
كانت معالم الاندهاش لا تفارقه لو للحظة ...
عندما عدت سألني ...
- ساري .. أتعيشون جميعاً فهذا البيت ..؟
- نعم ... نعيش كأسرة واحدة من والدي إلى أخي الأصغر ريان ذو ثلاث أعوام ...
حتى أخوالي وأعمامي ... دائماً على اتصال بنا .. هذا الم يستطيعوا الزيارة هكذا أمرنا الإسلام أن نكون ...
مررت على بيت جارنا الذي يسكن في أخر الشارع ...
فطرقت الباب وسلمت على أهله واستأذنتهم بالدخول لوضع [ أسطوانة الغاز ] كان يرقب تحركاتي ... لم يصبر فبادرني بالسؤال عند ركوبي السيارة ...
- ماذا فعلت ..؟
أخبرته أن الإسلام هكذا أمرنا ... وأوصنا على الجار ... وإعانة المحتاج ..
كان لا يهدئ عندما يرى مني تصرف غريب عليه ..
فكان يبادرني بالسؤال فوراً عن ذلك ...
فتكون إجابتي ..... [ هكذا أمرنا الإسلام أن نكون ] ..
لم يكن يتوقع أن الإسلام دين أُلفا ومحبة وترابط ...
فلذلك تفاجأ .. مما رأى .. من مواقف ..
عندما حان وقت صلاة المغرب ...
وقفت أمام مسجد الحارة .. واستأذنته لأداء الصلاة ..
وطلبت منه الانتظار في السيارة حتى أعود ..
ذهبت إلى المغاسل التي كانت بالجهة المقابلة للسيارة وشرعت بالوضوء
ثم اتجهت بعدما انتهيت إلى المسجد ..
ونظراته لم تفارقني منذ نزولي من عنده ...
بعد أن أديت الصلاة خرجت من المسجد ...
فوجدته يقف بجانب السيارة وعيناه تحلق في المسجد ...(1/15)
فتارة ينظر للمنارة .. و الهيئة الخارجية للمسجد ..
وتارة ينظر للأفواج التي تخرج منه ..
ركبنا السيارة ...
ونظرت إلى عينيه فوجدتها مليئة بالأسئلة .. كملء السماء بالنجوم
فقلت له ..
- سيد ألكسندر .. أنا أعرف أن لديك أسئلة كثيرة حول ما رأيت ..
فما رأيك بأن تقبل دعوتي لتناول القهوة في منزلنا ...
وهناك أجيب على أي تساؤل تريده ...
أجاب بالموافقة على الفور ...
لأنه يريد نهاية للحيرة التي يعيش فيها ..
اتجهت به إلى البيت وفي أثناء الطريق كان يسألني عن المسجد
وكم مرة نصلى وكيف نصلي ...
وضل يسأل ويسأل حتى دخلنا المجلس ..
أتيت بالقهوة فسألته عن انطباعه حول ما رأى ...
سكت قليلاً فقال ..
- هل هذه حياتكم منذ ولدتكم أمهاتكم ...؟
فأجبته بعد أن مددت له فنجال القهوة ..
- لا ..
بل هذه حياتنا منذ بُعث بها نبينا محمد علية الصلاة والسلام ...
أستغرب .. من جوابي ... هذا ما بان على وجهه
ثم وضع الفنجال بعد أن أرتشفه وقال ...
- هل لي ببضع السكر .. كي أُحليها .. ؟
كتمت الضحكة في صدري .. ولمت نفسي لأني لم أخبره..
أن قهوتنا هكذا تشرب ..
فمددت له التمر .. بديلاً عن السكر ... هكذا أخبرته ..
ابتسم ثم قال ..
مرارة قهوتكم هذه .. تذكرني بمرارة الأيام الصعبة ..
التي تمر بنا دائماً ..
لم أتعجب من كلامه هذا ولم أعلق عليه ..
فمن الطبيعي أن يحس بهذه المرارة ..
لأن اللذة الحقيقة لم يعيشُها فكيف يذقها .. !
نظر إلى جيبه ثم قال ..
- ساري ... تذكرت ..
أنت أعطيتني ورقة قد دونت فيها رقمك ..
عندما وضعتني في الفندق في أول يوم لي هنا ..
عندما انصرفت من عندي ..
فتحت الورقة من الداخل ...
فوجدت فيها كلمات باللغة العربية أعجبني الخط الذي كتب بها ..
فهل من الممكن أن تترجمها لي ...؟
مد إلي الورقة ... بصراحة لم أذكر ما كُتب فيها ...
فعندما فتحتها وجدت فيها قول الله تعالى ..(1/16)
} فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَلَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَِ {
تذكرت ..
هذه الآية وجدتها في ورقة أحد المذكرات الجامعية التي سقطت
في مواقف المطار ...
لا أدري ما الذي أتى بتلك المذكرة إلى المطار ...؟
وما الذي أسقط تلك الورقة هناك ...؟
كل الذي أعرفه هو أني وجدتها مرمية على الأرض..
فاحتفظت بالجزء الذي توجد به الآية في جيبي العلوي ...
وعندما أردت أن أسجل رقمي له ..
أخرجتها من جيبي دون أن أعلم أنها هي تلك الورقة...
نظرت إليه وقلت ..
- هذه آية من آيات القرآن الكريم ..
فيها أجمل معاني الرأفة .. وأصدق مبادئ الرحمة ..
فهذه الآية توضح كيفية التعامل مع الأخر ..
ومنها نستنتج أن القول اللين والتسامح والعفو وحسن اللقاء هو منهاج من سار عليه وصل إلى طريق الصواب .. فهو خطاب وجّه لنبينا عليه أفضل الصلاة والسلام قبل 1400 عام ... وأُمرنا أنتبعه من بعده ..
أندهش مما قلت .. فسألني باستغراب ..:
- من الذي وجه هذا الخطاب .. ؟
- الله .. ربي ورب كل شيء ومليكه ...
أيقنت في هذه اللحظة أن الغشاء الذي يحيط به بدأ بالزوال ...
ولكن يريد من يعينه على ذلك ...
فتأكد من ذلك حينما قال :
- إذا كنت محق فيما تقول ... فلماذا تعيشون في عالمكم وكأنكم وحوش ...؟
- وحوش ...!!
أنت قضيت معنا فترة لا بأس بها من الوقت فهل رأيت هذا بعينك ...؟
سكت قليل وكأنه يسترجع بذاكرة قليلاً .. ثم قال
- لا ..
ولكن هذا ما عرفناه عنكم ...
الإرهاب يولد معكم منذ الصغر ..
القتل والجهل هو شعاركم .. ومبدأكم في الحياة ...
وهذا ما جعلني أخاف الاختلاط معكم في بداية الأمر .. وطلب المساعدة منك الآن ...
- حسننا ..(1/17)
ها أنت قد خرجت بنفسك وتجولت بيننا ورأيت الحقيقة بأم عينك ..
فهل ما زال ذلك التصور الخاطئ ..
الذي رسمتموه عنا بدون وجه حق .. يسكن بداخلك الآن ... ؟
مع كل ما قلت من توضيح وتبرير إلا أن الصمت ما زال يلازمه ..
عرفت أن الخطوة التالية قد حانت .. ويجب المبادرة بها ..
لكن لابد من أخذ موافقته أولاً ..
- سيد ألكسندر ...
ما رأيك بحوار .. به تخرج بكل ما تريد ...
وفيه سيجاب على كل تساؤل تريد ...
أعتقد أنه سينفعك كثيراً .. وسيختصر لك الطريق ..
- حوار ..!!
مع من سيكون ...؟
- مع أمام المسجد الذي رأيته قبل قليل ..
رجل على قدر كافي من العلم ..
فهل سمحت لي .. بتحديد موعد غدا للقاء به ..؟
أجابني على الفور وبدون تردد أو تفكير ..
- نعم ... وأنا على أتم الاستعداد لذلك
اتصلت بالشيخ محمد أمام ذلك المسجد ..
فأخبرته بما دار بيني وبين ألكسندر ..
وعن رغبته في الحوار معه ... فرحب بدعوتي له ..
ووعدني بالحضور في الوقت المحدد ..
وانتهى ذلك اليوم .. بعد أن أنهيت جزء كبر من الخطة.. بنجاح
التي أعدها لي أخي وعزيزي ناصر .. [ سبحان من بدلني من حال إلى حال ]
الرابعة والنصف عصراً لليوم التالي
فهذا هو الموعد قد أتى .. وقد حلت ساعة الحسم ..
و الشعور بالخوف لم يفارقني منذ الأمس ..
كنت خائف من أن أرى نتيجة عكسية لتوقعاتي ... وما خُطط له
فكل دقيقة تمر على كالدهر ... وكأن الساعة قرن ..!!
حضر ألكسندر مبكراً ..
كان يجلس بجانبي على كنب المجلس ..
سارح الذهن ... يفكر فيما سيحدث ...
لم يتكلم منذ أن جلسنا ...
كان بين تارة وأخرى ينظر لساعة منتظراً قدوم الشيخ ..
دقائق فيطرق الباب ...
عرفت أن الطارق هو الشيخ محمد ..
عندما دخل علينا ..
دخل بسكينه وكله وقار ..
دخل ونور الإيمان يشع من وجهه كضوء القمر ..
مكملاً ذلك النور .. لون ثوبه و [ غترته ] .. ناصعا البياض ..
دخل بابتسامته المشرقة ... التي ارتسمت على وجهه كالبدر ..(1/18)
صافح ألكسندر ثم جلس في الجهة المقابلة لنا ...
ثم طلب مني أن أسأله عن أحواله .. وهل هو مرتاح في الإقامة معنا ..
على الفور ترجمت ما قاله الشيخ محمد لـ ألكسندر ..
ولكنه لم ينطق بحرف ..!
يبدو لي أنه عندما رأي الشيخ محمد ..
أنخرس لسانه وتجمدت شفتاه .. وأطرافه ليست من ذلك ببعيد ..
لأن ما رآه من مواصفات ينطبق على مواصفات الإرهابي الذي يزعمون
[ رجل ملتحي قصير الثوب يرتدي عمامة بيضاء .... ولكن أين السلاح ..!!
ولماذا هذا الرجل بادرني بالمصافحة وهو مبتسم وسألني عن أحوالي وكأنه صديقٌ لي ..]
هذا ما دار في ذهنه ..
التفت إلي وقال ...
- هل هذا .. هو الرجل الذي تقول ...؟
- نعم .. هذا هو ...
نظر إلى الشيخ محمد متعجباً وقال ..
- وهل هو على قدر كافي من الثقافة لكي يحاورني ...؟
تبسم الشيخ محمد وكأنه فهم ما قاله ألكسندر ..
فطلب مني أن أحضر المصحف ..
عندما أحضرته له .. أمسكه بيمينه وقال لي ..
- قل له أن علمهم الحديث قد اكتشف من العلوم ما أكتشفه..
وبه قد تفاخروا وتباهوا أمام الشعوب و الأمم ..
لكن ليعلموا أن أي اكتشاف أطلعوا عليه مؤخراً ..
فهو قد نزل عندنا منذ قرون في هذا الكتاب العزيز [ وأشار إلى المصحف]
فبه يعز البشر وبتركه يذلون ..
ولكن..
غفلتنا وتقصيرنا عن قراءته والعمل به وتدبر معانيه ..
هو ما جعلهم يسيرون في أول الركب .. ونحن في أخره ..!!
نقلت له الكلام بالترجمة حرفاً حرف إلا أخر سطرين ...!!
لم أستطيع لفظهما .. لعل السبب يعود لكوني أول المقصرين ..
كانت ردت فعل ألكسندر واضحة عليه ..
وكان الفضول يسابق نظراته للقرآن .. وهو يحدثني قائلاً ..
- ماذا يوجد بداخل هذا الكتاب ومن هو المؤلف ..؟
لم أجبه على تساؤله لأن وجود الشيخ حفظه الله
كفيل بأن يجعلني كذلك .. فهو فصيح القول .. قوي الحجة ..
فحولت السؤال على الشيخ في الحال ..
فأجابه بعد أن أعتدل في جلسته ..(1/19)
- هو ملك المؤلفين .. بل هو مالك الملك ..
قوله حق ..
هو الأول والأخر .. هو الظاهر والباطن ..
هو الله تعالى قدره .. ليس كمثله شيء وهو العليم الحكيم ..
أنزل في هذا الكتاب آيات تعجز النفس البشرية عن الإتيان بمثلها ..
فكل كلمة فيه معجز .. تعجز العقول البشرية على ابتكارها ...
فسبحان من يغفر للمذنب خطيئته .. ويرحم العبد برحمته .. ويعلم الإنسان مالا يعلم ..
قل له أني سأتحداه تحدى ..
أن يشأ يجمع فيه لمواجهتي من يشاء ..
علماء كانوا أم حكماء ..
عظماء كانوا أم أسياد ..
مكتشفين كانوا أم مخترعين ..
ملايين كانوا أم بلايين .. من شاء جمعه فليجمعه ..
فإن غلبني فيه ..
فلا أجد ما أقدمه له .. سوى رقبتي .. وله الأمر بعد ذلك ...
و قل له أني سأقف معه في هذا التحدي .. ستة وقفات فقط ..
وهي عبارة عن أسئلة ودلائل ..
وفي نظري أنها كافية لإنطاق الجبال الصامدة ..
وجريان المياه الراكدة ..
أُخبره فيها بأن القرآن مليء بالمعجزات ..
التي أخبرنا الله بها منذ 1400 عام ..
عندما أنزلها على نبينا عليه أفضل الصلاة والتسليم
وهم لم يكتشفوه إلا في عصرنا هذا ..
الدهشة التي كانت على وجه ألكسندر لم تكن غريبة
بل الغريب ما أصبت أنا به من دهشة .. فما قاله الشيخ زلزل شيء بداخلي
وكأني للوهلة الأولى التي أعرف فيها حقيقة هذا الكتاب ..!
أجاب ألكسندر على الفور بالموافقة فهو متشوق لذلك التحدي ..
فتح الشيخ محمد المصحف ليؤكد لألكسندر أن ما سيقوله الآن ذكر في هذا الكتاب
ثم نظر إلى ألكسندر وقال ..
- سأقف وقفتين مع معجزات وجدت في السماء ..
واثنتين في الكرة الأرضية .. ذكرت
واثنتين في أنفسكم ... وأن شئت فلك من ذلك المزيد ...
لم ينطق ألكسندر وأنا أيضا ..
لأننا لا نريد أن نوقفه عن الحديث ..
وما يقوله الآن يجعل حتى الأطفال الرضع يصغون معه ..!
سكت الشيخ محمد قليلاً وبدأ يتمتم في نفسه وكأنه يدعو الله بأن يعينه على ما أقدم عليه ..(1/20)
ثم استعان بالله وقال ..
لنبدأ مع الوقفة الأولى ..
بدأ الشيخ محمد في قلب صفحات المصحف ..
حتى أستقر على صفحة ما ..
ثم بدأ مع الوقفة الأولى و قال ...
- عندما يُطلق صاروخ ..
متجهاً صوب القمر أو إلى كوكب ما ..
فهل يطلق على خط مستقيم حتى يصل إلى السماء ...؟
أجاب ألكسندر بكل ثقة ..
- لا بل ينحني قليلاً ويميل نحو الهدف لكي يستطيع الوصول إليه ..
وذلك تأثرا بجاذبية الأرض والقوة الدافعة له إلى السماء ..
تبسم الشيخ محمد ثم قال ..
- قال الله سبحانه و تعالى في هذا الكتاب ..
}وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا{
ركز على كلمة وما يعرج .. فهي معجزة بحد ذاتها.
وما قلته أنت الآن تفسيرُ لها ..
لأن العروج يعني الميل والانعطاف ..
وهنا كأن الله يخبرنا بأنا لنستطيع الوصول إلى السماء وما يوجد بها من كواكب ..
إلا عندما نجعل المركبة تصير بشكل مائل نحو الأعلى .. أي عن طريق العروج..
أما الصعود لها في خط مستقيم .. لن يجعلنا ندرك ذلك أبداً..
فهذه معجزة قديمة أطلعنا الله عليها منذ سنين وسنين ..
وها أنتم اكتشفتم هذه المعلومة بعد عرضها في هذا الكتاب بقرون ..
فهل السبق لكم ... أم لمن ذكرها أول مرة ...؟
نظر ألكسندر لشيخ محمد بعد ترجمتي لما قال ..
فظل الصمت يلازمه .. والتعجب يخيم عليه ..!
عندما لم يجد الشيخ محمد تعليقاً من ألكسندر ..
أستمر في الحديث قائلاً...
- حسننا .. لننتقل للوقفة الثانية..
أنتم دائماً تتباهون بمعرفتكم بعلم الأرصاد ودراسة الطقس..
وما تم اكتشافه من أقمار صناعية تساعدكم في ذلك ..
ومنها أدعيتم علم كل شيء ..
كاتجاه الرياح ودرجة الحرارة وتحديد الضغط..
لكن الشيء الوحيد الذي أخفقتم فيه ..
هو تحديد نزول المطر والجزم بذلك ..
أي أن نجاحكم ..
كنجاح مقدمين نشرات الأحوال الجوية في تحديد ذلك ...
هل كلامي صحيح ...؟
بعد الترجمة قال ألكسندر ..(1/21)
- كلام صحيح .. ولكن لا تنسى أن العلم يأتي بالتدرج
وسيأتي اليوم الذي نستطيع فيه فعل ذلك ..
ضحك الشيخ محمد .. ضحكة الواثق من حديثه وقال ..
- لم تستطيعوا ولن تستطيعوا ...
لأن الله سبحانه وتعالى قال في هذا الكتاب ...
} إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌِ{
وهذه من الغيبيات التي لم يطلع عليها أحد ..
ولن يطلع عليها أحد .. إلا أن يشاء الله ..
مهما وصلتم له من العلم ..
فأنكم عند هذه النقطة ستقفون ...
مع أنكم أوهمتم الناس بوجود شركات ضخمة..
ذات معدات قوية ترسل فريق عمل إلى إي مكان بالعالم..
لتكوين مناخ كافي لإنزال المطر ..!
وتتكرر محاولاتكم وأساليبكم لفعل ذلك ...!
وبقدر ما تخسرون من الأموال والجهد والوقت في هذا العمل
إلى أنكم تفشلون فشلاً ذريع ..
ومحاكمك تشهد على ما أقول..
فكم من القضايا التي رفعت على تلك الشركات ...
وتراصت ملفاتها فوق بعض ..و أذنت بعودة الأموال لأصحابها ..
وسبب ذلك الفشل يعود إلي أن ..
المعادلة التي ينتج منها المطر..
لا يستطع أحد بالقيام بها .. إلا الله سبحانه وتعالى ...
وهذه آية ذكرت في هذا الكتاب
تبين كيفية حدوث المطر ...
قال تعالى ..
} أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْق َ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِه ِ مَن يَشَاء وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاء يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِِ{
أي باختصار ..
أن الله يزجي .. أي يدفع السحاب المتنافر برفق ثم يجمع بينه..
ويؤلف بينه ليأخذ تنظيماً واحداً بعد أن كان كل منها مستقلاً في تنظيمه وتركيبه ..(1/22)
ثم يركمه ركماً وهنا ينزل المطر بإذنه ..
وأعتقد .. بل أجزم على عجزكم في فعل ذلك .. فهو سبحانه القادر على كل شيء ..
وهنا لو وقفنا وقفت تدبر بالعقل ..
ألا يحق لنا أن نعبد منشئ ومدبر السحاب والكون من حوله ...!
أم نتبع أهوائكم وطواغيتكم ...!
وللتنبيه فقط .. لو جلسنا نتحدث عن باقي المعجزات في هذه الآية بالذات..
لسرقنا الوقت إلى الفجر ونحن لم ننتهي ...
ولهذا سأنتقل إلى الوقفة الثالثة ومع معجزة جديدة من آيات الله ..
بدأ الشيخ محمد يقلب في صفحات المصحف من جديد ..
والدهشة لم تفارق ألكسندر منذ البدء..
حتى أنه لم ينطق بشيء ..
لدفاع عن اعتقاداته التي كان يؤمن بها من قبل..
بل ضل يتأمل أقوال الشيخ محمد بصمت .. وكأنه بدأ بوزن الأمور في عقله..
رفع الشيخ محمد رأسه من المصحف..
بعد أن استقر على أحدى الصفحات وقال :
إذا كنت تدعى الثقافة والعلم .. -
هل تستطيع أن تخبرني أين تقع أخفض نقطة في الأرض ...؟
قال ألكسندر بكل ثقة وصوته مليء بالحشرجة بعد السكوت الذي دام لفترة طويلة..
- - توجد انخفاضات كثيرة ومنتشرة في أنحاء الكرة الأرضية ..
ولكن لعل أخفضها توجد عند بيت المقدس ... أليس هذا صحيح ..؟
عندما قال ألكسندر كلمته الأخيرة عرفت أنه بدأ يلين للحق
وأن كلام الشيخ محمد بدأ مفعوله ..
بعد أجابته ألكسندر ذكر الشيخ محمد هذه الآية ...
}غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَِ{
ثم قال ...
- ذكر الله سبحانه وتعالى لنا هذه الآية وفيها..
حدد لنا أقصى نقطة على وجه الأرضة .. وهي بيت المقدس..
حيث دارت الحرب بين الروم والفرس وفيها غلبت الروم ..
فسبحان من وضع في كلمة واحدة فقط ..
علم لا يستطيع فهمه إلا العلماء .. بعد أن يشاء الله
بالمناسبة بما أن الحديث يدور عن التحديد...
فما رأيك أن تحدد لي .. منطقة موجودة في جسم الإنسان..
و التي من خلالها تكون مركز القيادة ..(1/23)
ومنها ينطلق خطة الكذب والصدق عند الإنسان ..
لم يرد ألكسندر بل ضل الصمت يسيطر عليه ..
ونظراته متجه في خط مستقيم نحو الشيخ محمد .. متأمل ما يقول ...
لم ينتظر الشيخ إجابته كثيراً بل على الفور قال ...
قرأت في أحد الكتب أن الدكتور كيب مور قال: أنه ثبت لديهم أن المكان الذي
يرسم فيه الكذب وخطة الصدق و خطة الخطيئة وخطة الإحساس ومركز القيادة كله هي الناصية ..
عرفت أن هذا المسكين محروم من خير كثير لأن الله بين لنا هذا منذ مئات السنين .. حيث قال سبحانه ..
} كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15) ِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَة خَاطِئَةٍ{
وهنا بين الله سبحانه أن خط الكذب يوجد في الناصية ...
لأن هو من خلقه وأوجده في هذا المكان ..
فهو أعلم من كيب مور وخمسين مليون من شاكلته ..
الآن ما رأيك بعد ما انتهينا من الوقفة الرابعة أن ننتقل إلى الخامسة ..
في هذه اللحظات بدأ ألكسندر بالصراخ وكأنه مكبوت لسنوات ..
نطق بعد أن سبحت عيناه بالدموع .. وأنفجر بعد ذلك الصمت المريب وقال ..
- يكفي .. يكفي أرجوك إلى هنا قف ..
لا استطيع سماع المزيد ..
أنحنا رأسه من شدت البكاء ..
وبعدها سقط على الأرض
قمت إليه مسرعاً لتهدئته ... لم يستجيب لي بل ضل فترة على هذا الحال ..
قال لي الشيخ محمد ..
- دعه يبكي ولعل هذه الدموع تغسل ما في قلبه ..
فتكون هذه الدمعات خير من ألف ضحكة ..
فقام من مكانه وأتجه نحو ألكسندر..
ثم أنحنى له وأمسك بيمينه وقال ..
- ألكسندر .. ما رأيك أن تطهر نفسك وتزكيها وتريحها مما ألم بها ..
حيث تكون من متبعين ما جاء في هذا الكتاب .. لتنعم بالخير الذي فيه ..؟
بعد أن ترجمت له ما قاله الشيخ ..
رفع رأسه ونظر إلى المصحف .. وبدأ يمسح دموعه بأطراف أصابعه
ونظر إليه وقال ..
لكني لا أعرف العربية ...؟
- ستتعلم بإذن الله ..
في البداية سيترجم لك ساري المعاني إلى الفرنسية(1/24)
وفي نفس الوقت ستتعلم العربية
إذا كنت فعلاً محق برغبتك لقراءة القرآن ..
ولكن هل ستقرئه وأنت كافر بالذي أنزله ...؟
وقف ألكسندر بعد ذلك الانكسار وقال بعد أن كادت العزيمة تنفجر من عينيه ..
- أريد أن أسلم .. دلوني على أسرع طريقة لذلك...
لا أنكر أن الصدمة التي أصابتني وأصابت الشيخ محمد كانت..
قوية من شدت الفرح حتى أن دموعي لم أستطيع حبسها ..
فهل من المعقول أن يسلم بهذه السرعة ...
فسبحان من يهدي من يشاء إلى الطريق المستقيم ..
سألته أن كان صادق في قراره وعازم على أتمامه ..
فقال ..
- عشت 54 عام في فرنسا .. سكنت القصور وتنزهت في كل قطر في هذه الأرض
لم أتمنى شيئاً في يوم من الأيام إلى وتحقق لي قبل طلبه ..
أفخم المحلات في شارع الشانزلزيه بباريس..
يعود جزءٌ كبير منها لملكيتي ... كل الملذات حصلت عليها ..
وكل الشهوات تمتعت بها ...
ولكني لم أرى المتعة الحقيقة الصادقة إلى عندما أتيت إلى هنا ..
رأيتها فقط ولكني لم أذقها ..
وأيقنت الآن أني لن أذقها إلا بعد أن أدخل في صلبها الحقيقي ..
ألا وهو الإسلام .. فأتوسل إليكم لا تحرموني منها ..
أنتهى ذلك الحوار بعد أن أعلن ألكسندر إسلامه ..
ووعد الشيخ محمد .. ألكسندر .. بأن يشرح له أركان الإسلام ..
وأن يوضح له بعض المسائل وكيفية تأدية العبادات ..
ياااااااااهـ
في حياتي لم أكن أتوقع أن أكون سبب لإسلام أحد ..
بصراحة هذا الحوار لم يغير فقط ما بداخل ألكسندر فقط..
بل أيضاً غير ما بداخلي أنا ... كل معجزة كان يذكرها الشيخ محمد
كانت تأثر فيني ..
لم أكن أعلم أن القرآن مليء بهذه المعجزات ..
يا ربي أغفر خطيئتي وعفو عن زلتي ...
بعد أن ذهبنا أنا والشيخ محمد ..
بـ ألكسندر لمكتب الجاليات ليعلن أسلامه وينطق بشهادتين
اتصلت على ناصر أبن عمي لكي أخبره بهذا الخبر ..
ففرح كثيراً .. وطلب مني أن أبلغه سلامه وأنه على أتم الاستعداد(1/25)
لتنفيذ إي طلب يريده .. لم أعهد ناصر هكذا لكن المواقف هي من يبين حقائق غابت عن أعيننا .. هذا درس ثاني تعلمته مع الدرس الذي قبل ..
[ عبد الرحمن ]
...هذا هو الاسم الذي أختاره ألكسندر ..
ليكون بديل لاسمه وما أجمل مختار ..
أسأل الله أن يجعلك كذلك] .. هكذا قلت له عندما عزم على تغير اسمه وأخبرني بذلك [
مرت ستة أيام على تلك الحادثة وعبد الرحمن لم يتهاون عن الصلاة
ولو لفرض واحد ..
بل كان يحرّصني عليها ويطلب مني أن يرافقني في كل فرض..
بل كان يطلب مني أن أذهب به إلى مجالس العلم ..
مع أنه لا يفقه ما يقال فيها إلا بعد أن نخرج من المحاضرة وأترجم له ما قيل
كان يعلل فعله هذا ..بأنه سمع الشيخ محمد يقول..
أن من حضر مجلس علم حفته الملائكة حتى يخرج .. وأنه لا يريد أن يفوت هذا الخير ...!!
يا للعجب ...!
كنت أقول في نفسي عجباً من أمره وما يفعله ..
لم يسلم إلا منذ أسبوع فقط..
فأجده يحافظ على الصلاة أكثر منا..
ويحضر محاضرات وهو لا يفهم ما يدور فيها ..!!
حتى يوم الخميس صامه ..!
ولم ينتظر قليلاً حتى يشتد عوده على ذلك ..!!
يطلب مني دائماً أن أحدثه عن الرسول وعن سنته ..
فكنت أستغرب من كل تصرف يقوم به...
لم أكن أعلم أن العيب والخلل فيني وهو السليم ...!!
عند حلول يوم السبت اتصل فيني وقال ..
- ساري .. أريد أن أذهب إلى مكة ..أريد أن أحج ...
ضحكت من كلامه حتى كاد بطني أن ينفجر من الضحك وقلت ..
- الحج باقي عليه كثير .. تقريبا خمس شهور إذ لم يكن أكثر ..
رد علي بكل حماس وكأنه طفل صغير منع من اللعب ..!
- ولكن الشيخ محمد قال لي أنه باستطاعتي الذهاب إلى مكة في الوقت الحالي والطواف حول الكعبة .. وهذا الكلام قيل وأنت موجودة .. وأنت من وصل تلك المعلومة لي ..!
عرفت أنه يقصد العمرة .. فوضحت له ذلك ..
فضل مصر على رأيه و الذهاب إلى مكة .. وبالتحديد غداً ...
حاولت أن أطلب منه تأجيل ذلك .. يومين أو ثلاثة.. على الأقل..(1/26)
لكي أحضر نفسي وأكون جاهزاَ لها ..
فرفض وأخبرني أنه ملهوف للذهاب لها لأن المدة التي أعد لها من قبل
للبقاء هنا ستنتهي غداً..
ولا يريد أن يعود لبلاده إلى بعد أن يرى الكعبة ويطوف حولها ..
وأن جميع التكاليف السفر سيدفعها هو .. ولا حُجة لي في الرفض ...!
بعد إلحاح وإصرار منه وافقت ..
فطلب مني أن نشترى ملابس الإحرام من هنا .. وفي الحال ..!
حاولت أن أقنعه بأن يؤجل شرائها إلى حين وصولنا ( للسيل الكبير ) ..
فهناك سيجد أشكال وأنواع منها..
فرفض وأخبرني ألّم أرافقه الآن سينزل للبحث على سيارة أجرة..
ويدور في أرجاء الرياض .. حتى يجد محل لبيعها ...!
هنا تأكد أن الأمر أصبح حتميٌ علي ..
فأغلقت السماعة وسرت إلى الفندق في الحال ..
عندما وصلت إلى هناك دخلت عليه في الغرفة فوجدته جالس على طرف السرير..
وبين يديه ورقه قد خط فيها كلمات على شكل خاطرة ..
عندما سألته عنها..
قال لي أنه يريد أن يرسلها بعد الانتهاء منها إلى فرنسا الليلة ..
عن طريق بريده الإلكتروني ..
إلى أبنته جوليا التي لم يرها منذ خمس سنوات ..
وإلى صديقة روبرت الذي ودعه في المطار..
وإلى جاك .. ذلك الرجل الذي أغراه بالشهرة عندما يعود..
بعد هذا الكلام نظر إلى وهو مبتسم ..وقال :
- ساري .. أشكرك من أعماق قلبي على هذا الجميل العظيم ..
فأنت من أنقذني من الهلاك بعد الله ..
أعتقد أنه من الواجب علي ..
أعطائك نصف ما أملك لكي أرد إليك بعضاً من ذلك الجميل ...
تلعثمت فلم أجد كلاماً لرد عليه..
فهي المرة الأولى التي أقابل فيها أحد يثني علي ..
فطلبت منه أن نذهب الآن للسوق قبل أن تغلق المحلات ..
لعلي أتخلص من ذلك الإحراج ...
وضع الورقة على طرف السرير ..
ثم نزلنا سويا إلى سيارة متجهين نحو حي النسيم ..
وبالتحديد إلى سوق [ حجاب ] ..
لمعرفتي بمحلٍ هناك يبيع الإحرامات ...
دخلنا المحل والبسمة لا تفارقه..
ثم أخذ صاحب المحل مقاسه وأتى بالإحرام المناسب له(1/27)
خرجنا بعد ذلك من المحل متجهين إلى الفندق ... فقال لي بكل براءة ..
- أخبرني الشيخ محمد بأن هناك مكان يدفن فيه الأموات هل لي أن أراه الآن ..؟
قلت في نفسي[ يا الله مساء خير مقابر في هـ الليل ..!!]
ولكني كنت ملزم بتنفيذ رغباته .. فذهبت به إلى هناك ..رغماً عني ..!
دخل المقبرة لوحده.. لم أرافقه .. فلا رغبت لي في ذلك ..
بل جلست أنتظر عودته .. وأنا في السيارة
عندما عاد..
ركب السيارة وهو يتنفس الصعداء .. ثم نظر إلي وقال ..
- أريد غدا أن احضر دفن أحد الأموات بعد الصلاة عليه..
قبل الذهاب إلى مكة ..
ثم سكت فضل سارحاً بذهنه حتى وصلنا إلى الفندق..
وأنا لم أجبه لا بقولٍ ولا برد .. لأني متأكد أن ما قاله سيحدث رغم عني ...!
قبل أن ينزل من عندي قال والحسرة تعلو محياه ..
- كم أغبط الأموات الذين رأيتهم قبل قليل .. ماتوا وهم على الإسلام
ودفنوا في مقابر المسلمين ... يا لهم من سعداء ...
لم أستطع الرد على ما قال ..
أحسست بضعفي على مواساته فوجدت الصمت أفضل وسيلة لرد عليه ...
فما أحمله في صدري من ذل وتهاون يجعلني أحس بحسرة على تفريطي ..
فهذا الرجل الذي لم يسلم إلا منذ أسبوع أقام شعائر الدين أفضل مني أنا ..
الذي ولدت مسلما ً وترعرعت في بلاد المسلمين ..!
عند الغد ..
وقبل أذان العصر بنصف ساعة اتجهت نحو الفندق بعد أن ودعت أهلي ..
وكنت أقول في نفسي ...
[ يا ليته يخلي الصلاة على الميت في وقت ثاني أحسن ..
كذا بنتأخر ..! إذا جيته بـ أقول له الصلاة على الميت في الحرم أفضل ..وأعظم للأجر]
عندما وصلت للفندق نزلت وأنا اشحن نفسي بكلمات وعبارات أرجو من ورائها اقتناعه بتأجيل ..
و فجأة بينما أنا احضر ما سوف أقوله .. سمعت صوت يناديني ...
أخ ساري .. أخ ساري .. لو سمحت وقف دقيقة ..!
التفت إلى مصدر الصوت فوجدت .. إبراهيم .. موظف الاستقبال في الفندق
كنت دائماً أتحدث معه عندما كنت أنتظر نزول ألكسندر من الغرفة ...(1/28)
- إبراهيم .. !
نعم وش فيك ..عسا ما شر ..؟
-ألكسندر ... في المستشفى ....
- أيش ..!!
وش قاعد تقول أنت ... من جدك تكلم .. !
طيب ليش .. وش فيه ..؟!
خرجت مسرعاً إلى المستشفى ونبضات قلبي تسبقني إلى هناك ..
لم أستوعب كلام إبراهيم حينما أخبرني أنه نقل فجر اليوم إلى المستشفى ..
بعد حادث دهس تعرض له ...
عند نزوله من الفندق ليؤدي الصلاة في المسجد القريب...
مشياً على الأقدام ...! حرصاً منه على الأجر ...!
وصلت للمستشفى .. وعلى فور ذهبت للإسعاف لأسأل عنه ..
والشعور بالخوف من معرفة المجهول لم يفارقني ...
- السلام عليكم ..أخوي الله يعافيك البارح نُقل لكم رجل فرنسي .. اسمه ألكسندر بت .. وش صار عليه ..؟
- مدري..
أسأل الموظف إلي هناك .. هو إلي مسئول عن التنويم .. وعن غرف المرضى
تنويم ..! -
إن شاء الله خير ...
ذهبت إلى موظف التنويم كما أشار لي .. ولكني جلست أمامه ما يقارب النصف ساعة
انتظر انتهائه من هوس المكالمات .. فهذا يسأل عن عملية وهذا يسأل عن غرفة مريض وذاك عن حالة ولادة .. والأخر يريد موعد ...!
وكأنه لا يوجد في المستشفى سوى هذا الموظف ..!
عندما وجدت فرصة .. أسرعت بالسؤال .. كي لا تسبقني رنات التليفون عليه ...
- ... أخوي فيه شخص أسمه ألكسندر دخل المستشفى البارح ...
ممكن تفيدني في شأنه ..؟
بدأ يقلب في أوراقة باحثاً عن الاسم الذي ذكرت...
وفجأة خفت حركته في البحث .. عرفت أنه قد وجد مطلبي ..
قرأها فوضعها جانباً ... وقال ..
- هذا توفى قبل ساعة ..
هذه أخر كلمة سمعتها في ذلك المستشفى ..
هي كلمة ولكن كانت كالصعقة الكهربائية .. نفضت قلبي وقطعت أشلائي
نشف دمي منها فلم أستطع الوقوف .. وكأني رجلي تعتذر عن حملي
لتقضي ما تبقى من العمر حداد لهول ما سمعت ..
مات ...
عبد الرحمن .. مات ..!
والعمرة ... ودفن الموتى ...!
معقووووولة ... مات ..!
آهـ... ثم آهـ... ثم آهـ(1/29)
أظلم الكون بأسره في عيني ... لم أستطع الرؤيا..
فعيناي غرقت وتشبعت بالدموع..
من دموعٍ تلونت بلون الدم من شدة آلم الفاجعة ..
يا ربي أحقاً مات عبد الرحمن .. أحقاً مات ولم تتم له أبسط أمانيه ..!
اللهم لا اعتراض على قدرك... ولكن المصيبة تذهل العقول وتذهبها ..
لم أحس بمن حولي أو ما فعلته ..
إلا وأنا واقف عند باب غرفته ..
يااااااااااهـ هنا وقفت أول مرة ...
عندما وصل ...
هنا أعطيته تلك الورقة ...
هنا همسني وقال كم أحبك يا ساري ... أنت من أنار لي الطريق ..
هنا مرت على لحظات ولحظات .. لم أعرف قيمتها إلا الآن .. حين فقدته ..
قلبت بصري فيما حولي ..
لأرى بقايا من بقايا إنسان ... ودع الحياة ..
بعد أن تركني أتجرع مرارة الفراق لوحدِ ...
هكذا ودعته بدون ميعاد .. ودعته وقلبي لا يطيق الوداع ..
فكيف بوداعٍ لا عودة من بعده ..!
ضللت واقفاً وأنا أدير نظري للمرة الأخيرة..
في هذه الغرفة التي فيها عرفته ومنها انطلقت معه وبها انتهى كل شيْ ...
هذه هي الورقة التي لم ينتهي من كتابتها .. انتهى هو قبل أن ينهيها ..
مرمية على طرف السرير ..
أمسكت بها لأقرأ ما سطره فيها ... فوجدت :
دونوها ..،
دونوها للأمم .. دونوها للشعوب
دونوها أن شئتم.. ووصفوني بالجنون ...!
عن خطوة خطوتها ... خطوة ..عن ألف ميل ..
خطوة.. من ظلام الكافرين إلى ظلال المسلمين
خطوة من صحراء الألم إلى بساتين الأمل
سأكتب عهداً على.. لن أتراجع عنها حتى لو قيدت بسلاسل من جحيم ..
مادام في القلب نبضُ .. وفي العروق دمُ .. وفي العمر بقية ُ
أنا سائر عليها حتى يوافيني الأجل ..
سأمـ
[ مـ ... . ] ..
هوأخر حرف كتبه قبل الرحيل ..
ولعله كان يقصدها بها الموت ...!
لا أدري هل أصبت أم انفجاري بالبكاء لحظتها .. جعلني أخمن ذلك ..!
ْ
ْ
ْ
صديقي عبد الرحمن لا أملك لك سوى الدعاء
فأنا مدين لك ..
نعم مدينٌ لك ..
فأنت من حرك تلك الغيرة التي نامت بداخلي ..(1/30)
نعم .. أنت من علمني أن الدين كنز صعب التفريط فيه..
نعم .. أنت السبب في الصحوة من غفلتي ...
نعم .. أنت من جعل لحياتي طعمُ أخر لم أتلذذ به من قبل ...
وداعاً عبد الرحمن ...
وداعاً ألكسندر ...
وداعاً أيها الحبيب ...
بفراقه انتهت الـ 25 يوماً التي قرر بقاءها معنا ...!(1/31)