من مفاهيم ثقافتنا الإسلامية
د. علي بن حسن علي القرني
عضو هيئة تدريس بكلية القيادة والأركان - الرياض
ملخص البحث
هذا البحث المتعلق ببعض مفاهيم الثقافة الإسلامية قد حاولت من خلاله تأكيد أهمية الثقافة الإسلامية في تحقيق وبروز الشخصية الإسلامية سواء على مستوى الفرد أو الأمة بمجموعها وقد جعلته في خمسة فصول ، ومقدمة ، وخاتمة . في المقدمة تحدثت عن ضرورة تحصين المسلم بتحصيلٍ أكبر من معين ثقافته الإسلامية الأصيلة كما أوضحت أهمية دراسة علم الثقافة ومدى الحاجة إلى ذلك من خلال نقاط محددة . أما في الفصل الأول فجاء الحديث فيه عن مفهوم الثقافة من خلال التعريف في اللغة والاصطلاح وعن أهمية الثقافة للفرد وللمجتمع وللتربية ، وأن أمة بدون ثقافة هي أمة بدون هوية ينطبق ذلك على الأفراد كما ينطبق على المجتمعات وأن الوسيلة المثلى للحفاظ على ثقافة الأمة هي التربية وأن العلاقة بين الثقافة والتربية علاقة تأثير وتأثر ، وحددت نقاط معينة تبين فوائد علم الثقافة كذلك تضمّن الفصل الحديث عن أهداف الثقافة الإسلامية التي تصب جميعها في اتجاه الرفع من مستوى المسلم الفكري فيما يتعلق بفهمه لدينه ومن ثم تطبيقه تطبيقاً صحيحاً . أما في الفصل الثاني فكان الحديث عن نشأة علم الثقافة وبداية التأليف فيه والمجالات التي يشملها هذا العلم ويبحث فيها وكذا منهج العلم ومكانته بين العلوم الشرعية الأخرى . وجاء الحديث في الفصل الثالث عن سمات ومميزات الثقافة الإسلامية والتي تزيد تلك الأهمية للثقافة وضوحاً وتأكيداً كان من أبرز هذه السمات للثقافة الإسلامية بأنها ثقافة ربانية، وإنسانية جاء الخطاب فيها لكل البشر دون استثناء ، وأن فيها الوحدة ، وفيها الشمول ، والتوازن ، والإيجابية وتتميز أيضاً بالثبات في مبادئها والتطور في أساليبها ووسائلها . أما أسس ومرتكزات الثقافة الإسلامية فكانت عنواناً للفصل الرابع تحدثت فيها عن ثلاثة أسس الأساس(1/1)
الأول : مصادر الثقافة الإسلامية وهي القرآن والسنة والتراث الإسلامي . والأساس الثاني : غرس الوازع الديني في النفوس والأساس الثالث : عالمية ودعوة الثقافة الإسلامية وهو تأكيد على ما سبقت الإشارة إليه في سمات الثقافة الإسلامية . أما الفصل الخامس وفيه كان الحديث عن العلاقة بين الثقافة والحضارة والعلم وحاولت أن أناقش هذه العلاقة من وجهة النظر الإسلامية كما ركزت على مفهوم الحضارة في التصور الإسلامي .
ثم ختمت الفصل بنقطة مهمة جداً ألا وهي أصول الحضارة في ذلك التصور . أما الخاتمة فقد أعدت فيها التأكيد على أهمية دراسة الثقافة الإسلامية وتحصيلها . والله الموفق ،،،
المقدمة :
الحمد لله رب العالمين ، علمني ما لا أعلم ، ووفقني إلى هذا العمل وأصلي وأسلم على من دلنا إلى كل خير محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين الأول … وبعد :(1/2)
فإذا كانت دراسة أي علم من العلوم تؤدي إلى ترقية مشاعر الفرد ، وتنمي مداركه ، وتفتح أحاسيسه وتصقل مواهبه ، وتزيد في حركته ونشاطه الفكري ، فيؤدي كل ذلك إلى إحداث تفاعل ذاتي داخل النفس التي تتلقى هذا العلم وتقوم بتلك الدراسة مما يجعلها تنطلق إلى آفاق جديدة ، وتحصل على معارف وحقائق علمية لم تكن قد عرفتها من قبل . نقول : إذا كان هذا كله يمكن أن يطبق على أي علم يتلقاه الإنسان ، فكيف به إذا كان هذا العلم المتلقى وهذه الدراسة التي يقوم بها تتعلق بعلم وثيق الصلة بكيان الفرد وشخصيته الإسلامية، وماضيه المجيد ، وتراثه التليد ؟ كعلم الثقافة الإسلامية . هذه الثقافة التي هي في حقيقتها الصورة الحية للأمة المسلمة ، فهي التي تحدد ملامح شخصيتها وبها قيام وجودها ، وهي التي تضبط سيرها في الحياة . تلك الثقافة التي تستمد منها أسس عقيدتها وعناوين مبادئها التي تحرص على التحلي بها والمفاخرة بها بين الأمم ، إن الثقافة الإسلامية هي التي تحدد نظام الحياة داخل المجتمع المسلم وتحث على التزامه وفيها تراث الأمة الذي تخشى عليه من الضياع والاندثار ، وفكرها الذي تحب له الذيوع والانتشار .(1/3)
ومن هذا كله برزت أهمية دراسة علم الثقافة الإسلامية ، هذا العلم الذي هو أثير النفس المسلمة إذ به تتم الصلة بين كل جوانح الإنسان المسلم عقله وقلبه وفكره ، وبه يربط المسلم بين ماضيه الزاهر وحاضره القلق ، ومستقبله المنشود . إنه (1) في أقرب أهدافه الكثيرة يزود العقول بالحقائق الناصعة عن هذا الدين ، وسط ضباب كثيف من أباطيل وشبه الخصوم ، ويربى في المسلم ملكة النقد الصحيح التي تقوم المبادئ والنظم تقويماً صحيحاً وتجعل المسلم يميز في نزعات الفكر والسلوك بين الغث والسمين فيأخذ النافع الخير ويطرح الفاسد الضار ملتزماً في ذلك بالتوجيه النبوي الكريم ( الحكمة ضالة المؤمن حيث وجدها فهو أحق بها ) (2) . وعلى هذا فإننا نقول : إذا كانت سائر العلوم الأخرى يعتبر تحصيلها ضرباً من الاستزادة من المعارف ، فتلك غاية تنحصر في حدود المعرفة العقلية البحتة ، لكن علم الثقافة الإسلامية يتجاوز ذلك لينفذ إلى القلب فيحرك المشاعر كما تقدم ويفجر في روح المؤمن تلك الطاقة من المشاعر الفياضة التي تشده شداً قوياً إلى عقيدته ، وتراث أمته ، وتعمق فيه روح الولاء لأمته الرائدة التي أكرمها الله بهذه الرسالة الهادية .
وتتجلى أهمية دراسة الثقافة الإسلامية في النقاط التالية (3) :
توضيح الأساسيات التي تقوم عليها الثقافة الإسلامية .
تأثير الثقافة الإسلامية في العرب .
تفاعل المسلم مع مبادئه وقيمه .
بيان الازدهار الحضاري للأمة الإسلامية .
بيان الأدواء التي حلت بالأمة الإسلامية .
بيان دور الثقافة الإسلامية في العصر الحديث وما تقدمه للإنسان المعاصر .(1/4)
وعلى ما تقدم فإننا نؤكد القول بأنه إن لم تقم دراسة الثقافة الإسلامية بشكل جاد ودقيق فسيكون ذلك سبباً في اهتزاز صورة الأمة في نظر الآخرين ، بل سيمتد الأمر إلى أن تتخلى الأمة عمّا يميزها ، ويزيل سماتها التي تتميز بها بين الأمم والثقافات الأخرى ، فيجعلها تابعة بعد أن كانت قائدة ، بل سيصل الأمر بالأمة إن لم تهتم بثقافتها وتتعلمها وتعلمها بالشكل الصحيح والدقيق إلى الاضمحلال ثم الزوال لا سمح الله ، وهذه هي الكارثة التي تخشى كل أمة حية أن تحل بها .
إن الثقافة الإسلامية التي نحن بصدد الحديث عنها في هذا الكتاب وبيان أهميتها ومدى الحاجة إليها في تكوين شخصية المسلم المتميز هي في حقيقتها لا تعني علماً بعينه من العلوم الإسلامية . ولكنها تعني علوم الإسلام كلها في عرض واضح وإيجاز بليغ
ولذلك نقول إن الثقافة الإسلامية قد خلَّفت تراثاً ضخماً في مختلف فروع المعرفة على المسلم أن يكون ملماً بهذه المعارف التي كونتها وخلفتها الحياة الإسلامية على مدى قرون عديدة ، والتي دبجت ضمن سلسلة من الكتب التي تتناول هذه المعارف في مجالات الدراسات الإنسانية أو العلمية عرضاً لهذه الثقافة أو إشادة بتأثيرها الحضاري .
خطة البحث :
سيشتمل البحث على خمسة فصول تناولها سيكون على النحو التالي :
الفصل الأول : ... ماهية وأهمية وأهداف الثقافة الإسلامية وسيكون مدخلاً للقارئ لمعرفة الأساسيات في علم الثقافة الإسلامية .
الفصل الثاني : ... نشأة علم الثقافة ومجالاته . وفيه سيتبين لنا متى بدأ التدوين في هذا العلم . وما هو المنهج الذي قام عليه ذلك التدوين والمجالات التي يبحثها ، ومكانة هذا العلم بين العلوم والمجالات الشرعية الأخرى .
الفصل الثالث : سمات ومميزات الثقافة الإسلامية وفيه سنحدد صفاتَ تظهر تميز هذه الثقافة عن غيرها من الثقافات الكونية الأخرى .(1/5)
الفصل الرابع : أسس ومرتكزات الثقافة الإسلامية ويتبين لنا فيه الأسس التي يقوم عليها علم الثقافة والتي ستكون في مصادرها المتمثلة في مصادر الدين الإسلامي الأساسية وهي القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والتراث الإسلامي المجيد ، وكذلك يتمثل في غرس الوازع الديني في النفوس . وسيكون أيضاً من تلك الأسس عالمية دعوة الثقافة الإسلامية .
الفصل الخامس : العلاقة بين الثقافة والحضارة والعلم : وسنبين فيه تلك العلاقة الوثيقة بين هذه المسميات الثلاثة من خلال المفهوم الإسلامي للحضارة .
الفصل الأول : ماهية وأهمية وأهداف الثقافة الإسلامية
تمهيد :
لاشك أن عالمنا اليوم يموج بموجات فكرية شتى ويزخر بتيارات ثقافية عديدة ومما لاشك فيه أيضاً أن كل ثقافة لها منهجها الخاص بها وهدفها الذي تسعى لتحقيقه وأتباعها الداعون إليها ، الأمر الذي يجعل الإنسان قبل أن يتبع أو ينحى منحى ثقافة معينة تنتابه الحيرة والتردد أمام كثرة الثقافات مختلفة المشارب والنوازع والتي تتميز بالتضارب في مناهجها وتوجهاتها . وتبدأ تتوارد في الذهن أسئلة كثيرة ، أي ثقافة من هذه الثقافات صحيح ؟ أيها منحرف وغير صالح حتى أتجنبه ؟ أيها يروي ظمئي الفكري ويسد حاجتي العلمية ؟ ثم أيها أحق بالإتباع وأيها أولى بالابتعاد ؟ هل أنا مأمون الجانب إذا ما اخترت واحدة من هذه الثقافات من المزالق والإنحراف عن جادة الطريق فيما يصلح ديني ودنياي ؟ إلى غير ذلك من التساؤلات .
وفي هذا البحث الذي بين أيدينا سنعرض لأهم هذه الثقافات المطروحة في الساحة ، ألا وهي الثقافة الإسلامية والتي تجمع لمنتهجيها والعامل فيها أطراف علوم الدين الإسلامي ، ونظمه والمفاهيم المتعلقة بتلك النظم وتجعل التابع لهذا الدين على وعي وقدرة في مجابهة أعدائه ونحن سنحاول أن نبرز بنزاهة أهمية هذه الثقافة وأنها الثقافة الأصلح والآمن لحياة سعيدة في الدنيا والآخرة .(1/6)
ومن خلال ما يأتي من مباحث ومسائل يتبين كل ذلك ، وأولها المفهوم الذي سيكون المدخل إلى هذا العلم . ويتضمن تعاريف الثقافة بصفة عامة والثقافة الإسلامية بصفة خاصة من حيث اللغة والإصطلاح .
مفهوم الثقافة
إن في عقولنا جميعاً مفهوماً مشتركاً عن الثقافة يخالطنا في كل لحظة من لحظات التفكير التي يأتي فيها ذكر الثقافة . ولكن قد يستعصي على الحد الجامع المانع كما يقول المناطقه لأننا لا نستطيع أن نُميِّز بسهولة بين ما هو من الثقافة وما ليس منها دون أن نستخدم مقياساً معيناً يكون سابقاً على البحث نصطنعه أو نصنعه (1) .
وإن كلمة ثقافة هي من الكلمات التي دار حول معناها الجدل كثيراً إذ أن هذه الكلمة لم تُعرف بهذا المسمى إلا في العصور المتأخرة سواء في التراث الإسلامي أو التراث الغربي الذي أخذت الكلمة عنه مع اختلاف المدلول بيننا وبينهم ، وقبل أن نثبت ما دلت عليه الكلمة في معاجمنا العربية وما تدل عليه في اصطلاح تراثنا الإسلامي ، نقف وقفة سريعة على معنى كلمة ( ثقافة ) في اللاتينية إذ تعني (CULTRE ) فالمعنى يختلف عن المفهوم العربي للكلمة إذ هي تشتق من الكلمة ( CULTUR )
أو ( CULTUS ) ومن الأصل ( CULTIVARE ) وتحمل الكلمة أساساً معنى زراعة ( CULTIVATION ) وإن اتسع المعنى والمفهوم بعد ليشير إلى معان أخرى كالتدريب
( TRAINING MENTAL ) والرضاعة ( FOSTERING ) والزخرفة
( ADORMENT ) والعبادة ( WORSHIP ) والعقيدة ( CULT ) وإن كانت كل هذه الاصطلاحات والمعاني سواء ما استخدم فيها بمعنى وصفي أو وظيفي إنما تُعبِّر عن تهذيب شئ ما وتحسينه أو تنميته ويرى أحد الكتاب الغربيين وهو ( كهلر )
( KOHLER ) أن مفهوم الكلمة الذي يشير إلى زراعة إنما يرجع إلى العصر الوسيط حين كانت توصف عبادة الله بأنها بمثابة زراعة في أرض الله ، أو لله تؤدي إنتاجها في الآخرة (2) .(1/7)
ولكن مالك بن نبي المفكر الإسلامي والكاتب المعروف يرى أن مفهوم ثقافة ( CULTURE ) إنما هو ثمرة من ثمار عصر النهضة ظهر عندما شهدت أوروبا في القرن السادس عشر الميلادي فجر عصر جديد من الإنتاج في القيم وفي الفكر والأدب والفن وأن علينا أن نترجم ظاهرة الثقافة تلك في ضوء العقلية الأوروبية بعامة والفرنسية بخاصة ، لأن الأوروبي والفرنسي بالذات في رأيه أن ( المثقف ) هو إنسان الأرض وأن حضارة أوروبا في جوهرها هي حضارة الزراعة ، وأن عمليات الزراعة من إستنبات ، وحرث ، وري ، وبذر ، وحصد ذات دور هام في صياغة نفسية الأوروبي ورموز حضارته . مما جعله يطلقها – أي الزراعة – إطلاقاً مجازياً على الفكر حين يتعاظم إنتاجه في فترة ما ، ولهذا فإن هذه الإستعارة أُطلقت على واقع إجتماعي فخلقت مفهوماً جديداً هو مفهوم الثقافة (1) .
وإذا كان علماء القرن التاسع عشر يميلون إلى ربط مفهومهم للثقافة بالمسلمات الفلسفية التي راجت في ذلك العصر حيث كانوا غالباً ما يتحدثون عن الثقافة كشيء منفصل عن الأشكال الخارجية التي تنظم هذا المفهوم . فإن علم الإجتماع الحديث يرى أن الثقافة ينبغي النظر إليها كجزء لا ينفصل عن الواقع الإجتماعي الذي يعيشه الناس في ذلك المجتمع في صوره المختلفة .
التعريف اللغوي للثقافة :(1/8)
بعد هذا الإستعراض المقتضب لكلمة ثقافة ( مجردة ) في المفاهيم غير العربية نحاول أن نستشف معنى هذه الكلمة من المعاجم العربية للغة فنجد أنها من باب ( ثقف ) وقد ورد هذا الفعل في القرآن الكريم في قوله تعالى ( واقتلوهم حيث ثقفتموهم ) (1) أي وجدتموهم أو أدركتموهم ، وهنا ثقف من باب تعب وثقف تمكن من فهم الشيء أو العثور عليه ، وبما أن العثور على الشيء تمكن منه فأصلهما واحد ، وفي حديث الهجرة ( هو غلام لقن ثقف ) أي ذو فطنة وذكاء ، والمراد أنه ثابت المعرفة بما يحتاج إليه ، وقد جاء في أساس البلاغة للزمخشري ، ( ثقفناه في مكان كذا أي أدركناه ) ، وثقفت العلم والصناعة في أقصر مدة إذا أسرعت أخذه، وثاقفه مثاقفة أي لاعبه بالسلاح(2) وفي لسان العرب لا يختلف التعريف عن هذا المعنى ( يقال ثقف الشيء ) وهو سرعة التعلم ، وثقفت الشيء حذقته ، ويقول صاحب كتاب الرائد ثقف يثقف ثقفاً وثقافة أي صار حاذقاً ماهراً ، وثقف يثقف وثقافة وثقوفة الشيء تعلمه سريعاً ووردت أيضاً ثقف يثقفُ ثُقفاً ، أدركه أو وصل إليه الشيء وظفر به ومنها قوله تعالى ( وإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم ) (3) ومنها ثقف الرمح أي قومه وسواه أو هذبه وعلمه (4) وإلى نفس المعنى تشير دائرة معارف القرن العشرين لفريد وجدي ( المجلد الثاني ) ثقف يثقف ثقافة فطن وحذق ، وثقف العلم في أسرع مدة أي أسرع أخذه ، ويؤكد صاحب المنجد في اللغة المعاني السابقة ويقول ( الثقاف من النساء الفطنة ، وثقف الرمح أو الولد ، وقومه وسواه فتثقف أي هذبه وعلمه فتهذب وتعلم فهو مثقف وهي مثقفة ) (5) .
وبهذا المفهوم اللغوي لكلمة ثقافة . لا يبعد المعنى المتداول على الألسنة في المجتمع العربي حين يشير الناس عادة إلى معنى ( الثقافة ) على أنه الفهم والحذق أو الخبرة بالشيء وفهمه وإدراك معانيه .
تعريف مختار :(1/9)
... ونختم هذه التعاريف بتعريف مختار هو ( الثقافة في اللغة هي الفهم وسرعة التعلم وضبط المعرفة المكتسبة في مهارة وحذق وفطنة .
تعريف الثقافة في الاصطلاح :
... قبل أن نحدد مفهوماً إصطلاحياً للثقافة الإسلامية أرى أن نثبت هنا بعض التعاريف الإصطلاحية للثقافة عند غير المسلمين فنجد أن أحد الكُتاب الغربيين يحدد ذلك المفهوم وهو ( هنري لاوست ) بقوله ( إن الثقافة هي مجموعة الأفكار والعادات الموروثة التي يتكون فيها مبدأ خلقي لأمة ما ، ويؤمن أصحابها بصحتها وتنشأ منها عقلية خاصة بتلك الأمة تمتاز عن سواها ) (1) .
ويُعرف ( آرنست باركر ) الثقافة بأنها ( ذخيرة مشتركة لأمة من الأمم تجمعت لها وانتقلت من جيل إلى جيل خلال تاريخ طويل ، وتغلب عليها بوجه عام عقيدة دينية هي جزء من تلك الذخيرة المشتركة والأفكار والمشاعر واللغة )(2) وفي اصطلاح مجموعة من الباحثين : أن الثقافة هي ( مجموعة المعارف والجوانب الروحية الأصيلة من حياة الأمة ممثلة في تعاليمها الدينية وتقاليدها وأدبها وفنها وفلسفتها وأنظمة تفكيرها في الحياة والسلوك ) (3) .
هذه بعض من تعاريف كثيرة ومختلفة في جانبها الإصطلاحي لكن نريد أن نستعرض بعض التعاريف التي عُرِّفت بها الثقافة الإسلامية إصطلاحاً ثم نحاول أن نختار أحدها على إعتبار أنه جامع مانع .
يقول أحد الكتاب المسلمين عندما حاول أن يعرف الثقافة الإسلامية : ( إن ما نعنيه بالثقافة الإسلامية هي تلك المعارف والسبل التي تصوغ الفرد والمجتمع ( لاسيما الشباب ) صياغة إسلامية تسمح لهم بصياغة الواقع الذي يعيشونه وفق الرؤية الإسلامية للحياة على أنها ليست مجرد مجموعة المعلومات النظرية بل هي في إطار أنها إسلامية – تعني – تحويل الواقع العقلي والوجداني بطريقة تتمكن من أن يكون العقل والوجدان قادرين على تكييف الواقع الخارجي تكييفاً إسلامياً ) (4) .(1/10)
ويرى البعض أنه لا ينبغي أن نجاري الغرب في تعريفاتهم للثقافة وأن علينا أن نُعرفها تعريفاً إسلامياً مستقلاً لا نكون فيه تابعين ولا مقلدين ولا آخذين من تعريفاتهم إذ يقول في تعريفها ( في رأينا أن مفهوم الثقافة يجب أن ينال تحديداً بصبغة إسلامية بحتة – وهذا المفهوم الذي يعطي الثقافة الإسلامية تلك الصبغة الخاصة بها والمميزة لها وهو أن نعرفها بأنها ( الحكمة ) وذلك كما ورد في القرآن الكريم عن مفهوم الحكمة ، فإن الحكمة كما فسرها به علماء الإسلام والسلف تشمل معاني كثيرة منها العلم والعمل وإتباع السنة ، فالسنة تفسير وتطبيق للقرآن ، والمعرفة بالقرآن ، والتفقه في الدين ومعرفة الحلال والحرام وما يترتب على ذلك كله من خشية الله فإنه من المعلوم أن هذه المعاني جميعاً تلتقي في النهاية على معنى واحد وهو العلم بالإسلام والعمل به يقول ابن عباس في تفسير قوله تعالى ( ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً ) (1) .
يعني بالحكمة المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ومقدمه ومؤخره وحلاله وحرامه وأمثاله ) (2) .
ويقول الإمام مالك رحمه الله ( وإنه ليقع في قلبي أن الحكمة هي الفقه في الدين ) (3) .
التعريف المختار للثقافة الإسلامية :
يقول أحد المتخصصين في علم الثقافة الإسلامية وبعد استعراض منه أيضاً من التعاريف المختلفة ( أرى أن الثقافة مصطلحاً يعني العلم الذي يبحث كليات الدين في مختلف شئون الحياة فإذا وصفت بدين معين إختصت بكليات ذلك الدين وعليه ( والكلام له ) فالثقافة الإسلامية هي ( علم كليات الإسلام في نظم الحياة كلها بترابطها ) (4) .
ولأن هذا التعريف أعتبره جامعاً مانعاً ويتبين كونه جامعاً مانعاً من خلال فدلكة هذا التعريف وهذا ما اختاره وأميل إليه .
فقولنا : ( علم ) يخرج به المفهوم العام للثقافة الذي يعني النشاط الأدبي والفني .(1/11)
وقولنا ( كليات الإسلام ) : يعني أصوله ومقوماته في جميع نظمه فيخرج به فروع الإسلام في نظمه المتعددة لأن هذا من شأن العلوم المتخصصة كالعقيدة في النظام العقدي والعبادات ، والمعاملات في الفقه ، وهكذا بقية النظم الأخرى .
وقولنا ( في نظم الحياة ) : شمول واستقصاء لسائر نظم الحياة البشرية وهذه النظم هي العقيدة ، العبادة ، الدعوة والحسبة ، الأخلاق ، الاجتماع ، السياسة ، الاقتصاد ، العلم والمعرفة .
وقولنا ( كلها ) : تخرج به العلوم الشرعية المتخصصة بنظام واحد أو بعض تلك النظم ، حيث تدرس أصول هذا النظام وفروعه كعلم الفقه مثلاً ، أما علم الثقافة فيبحث في نظم الإسلام كلها جميعاً دون تعمق في فروعه كماسبق .
وقولنا ( بترابطها ) : تخرج به البحوث الإسلامية الموسوعية التي تجمع العلوم الإسلامية في مؤلف واحد لكن في إستقلالها التخصصي وإنفصالها ، أما علم الثقافة فيبحث إرتباط هذه النظم ببعضها وأثر كل منها على غيره .
وفي نهاية هذا المفهوم للثقافة بصفة عامة والثقافة الإسلامية بصفة خاصة أحب أن أشير إلى أن الفصول القادمة ستبين معنى الثقافة الإسلامية بشكل أكبر وأوضح وستزيد القارئ معرفة بأهمية هذا العلم وحاجة المسلم إليه .
أهمية الثقافة :
الثقافة هي عنوان الأمة بين الأمم الأخرى ، فإذا ما أردت أن تُقيِّم أمة من الأمم فعن طريق ثقافتها ، فالعلاقة وثيقة بين الأمة وثقافتها لدرجة أن بعض المفكرين والكتاب لا يجد وسيلة لتعريف الأمة أو الجماعة إلا من خلال ثقافتها فكلما كانت خصائص الثقافة قوية ومتميزة كلما انعكس ذلك على شخصية وسمعة الأمة وتقدمها ، وثقافتنا الإسلامية بما سنعرفه في فصل قادم عن خصائصها متميزة ، كيف لا وهي ذات المصدر الرباني ، ثقافة منهجها الدين الخاتم ( إن الدين عند الله الإسلام ) (1) ، ( ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) (2) .(1/12)
ولقد أدركت الدول المعاصرة أن ثقافتها هي هويتها وأهم عناصر شخصيتها. لذا حرصت على حماية ثقافاتها بكل الوسائل التي توفر لها الأمن الثقافي من كل غزو فكري معادٍ حيث شاع في نظام الدول المعاصرة ما يعرف بالأمن الثقافي كل ذلك من أجل حماية الثقافة من كل ما يصادمها إذ لم يعد الغزو كما كان في الماضي عسكرياً أقصى ما يحقق إحداث تدميرٍ مادي محدودٍ بينما الغزو الفكري يضرب الأمة في الصميم ( أي في شخصيتها وهويتها ) . فماذا يبقى إذا ذهبت شخصية الأمة ؟ بقدر ما تخترق ثقافة ما ثقافة أخرى وتصيبها في ثوابتها الثقافية بقدر ما تكون الأخيرة تابعة لها . وهذا بداية الانهزام ثم الانهيار كلياً وهنا تكون الكارثة ومن ثم ضياع الأمة لتحل محلها أمة أخرى من خلال ثقافة جديدة مغايرة ويمكن أن تبرز أهمية الثقافة من خلال رصد دورها في حياة الفرد وضرورتها للمجتمع وأهميتها للتربية وهذا بالنسبة للثقافة أي ثقافة . فكيف بالثقافة الإسلامية التي تعلم الفرد المسلم كيف يقوم بمهمته التي خلق من أجلها وتبصره كيف يعبد ربه على علم ونور وبصيرة . لاشك أن الأثر والأهمية أكبر .
أهمية الثقافة للفرد :(1/13)
ينمو الفرد بيولوجياً سواءً عاش داخل مجتمع إنساني أو معزولاً عنه . لكن شخصية الفرد وتميزه وتكامل تلك الشخصية الإنسانية لا تتم ولا تنمو إلا في إطار إجتماعي إنساني ، لذا يحق لنا أن نقول أنه لا شخصية للفرد بدون مجتمع ولا مجتمع بدون ثقافة ، فالثقافة إذن هي الوسط الذي تنمو فيه شخصية الفرد ، بمعنى أنها الوسيلة التي تُشكل أفكار الفرد ، ومعتقداته ، وخبراته ، ودوافعه ، وطرق تعبيره وإنفعالاته ، كما أن الثقافة هي التي تحدد له المعايير والقيم التي يسترشد بها في سلوكه ، وتفرض عليه العادات والتقاليد التي يتمسك بها ، ومن هنا يؤكد علماء الإجتماع أن طابع الشخصية له علاقة وثيقة بنمط الثقافة الذي تعيش فيه هذه الشخصية ، ومن هنا أمكن أن نقول إن شخصية الفرد صورة للثقافة التي نشأ فيها .
أهمية الثقافة للمجتمع :
يقول أحد الكتاب المسلمين في شأن هذه الأهمية للثقافة بالنسبة للمجتمع ( إن هناك من يعتقد أن ثقافة المجتمع تتكون من مجموع ثقافات أفراده ، وآخرون يعتقدون أن الفرد ليس إلا وحدة من تلك الوحدات العديدة التي تشكل فيها ثقافة المجتمع ، وأياً كان الأمر فإن إمتلاك أفراد المجتمع لثقافة مشتركة أمر حيوي لشعور أعضاء هذا المجتمع بالوحدة وتسهيل سبل المعيشة والعمل المشترك ، فالثقافة تحقق للمجتمع مجموعة من الوظائف الحيوية التي تُمكنه من تحقيق أهدافه المنشودة وثقافة المجتمع ترادف الشخصية القومية التي تحدد السمات العامة للأنماط السلوكية ) (1) .
( وبهذا تختلف الشعوب عن بعضها وهذا الإختلاف يعزى في أساسه إلى إختلاف العقيدة والتقاليد والقيم والإتجاهات الفكرية ومجموعة المعاني والرموز التي تسود ثقافة المجتمع ، فالشخصية القومية هي التي تستمد مقوماتها من خلال تربية المجتمع لأبنائه تربية يتشرب بها الصغار من الكبار الأنماط الثقافية المختلفة .(1/14)
والثقافة تهيئ للأفراد وسائل التفاعل داخل الجماعة وهذا التفاعل بدوره يحقق مزيداً من الوحدة والتماسك بين أفراد المجتمع ويمنعهم من الوقوع في أي نوع من أنواع الصراعات المختلفة ) (1) .
ولا يمكن في غمرة تأكيدنا على أن الأمة تحرص على ثقافتها وتحميها من أي إختراق من الثقافات الأخرى ، لا يمكن بحال أن يعني ذلك بأن نقول إن الثقافة لا يمكن أن تتصل بالثقافات الأخرى وتتفاعل معها ، فإن ذلك في الحقيقة يصادم تنمية هذه الثقافة ويمنع إيصال رسالتها إلى الأمم الأخرى ، فإذا نمّت هذه الثقافة ذاتها من الداخل وحافظت على ميزاتها وخصوصياتها فلا يمنع أن تتصل بعد ذلك وتتواصل مع أي ثقافة أخرى يمكن أن تفيد منها ، سواءً على مستوى الأفراد أو الجماعة .
أهمية الثقافة للتربية :
التربية لا تتم إلا على أساس من ثقافة معينة محددة المعالم ، والعلاقة بين الثقافة والتربية هي علاقة تأثير وتأثر ، إذ تتأثر التربية بالنمط الثقافي الذي يسود المجتمع فهو الذي يحدد أهداف التربية ويرسم سياستها ويُشكل أساليبها وممارستها ( والتربية بدورها تمكن الثقافة من الإستمرار والتطور ، فالتربية ليست عملية ثقافية لأنها تشتق مادتها وتنسج أهدافها من واقع حياة المجتمع بثقافته ، كما أن الثقافة لا تستمر إلا باكتساب الأفراد لأنماطها ومعانيها وهذه وتلك لا تتم إلا من خلال عمليات تربوية ) (2) .
وإذا كانت الثقافة مكتسبة فإنها لا تعتمد على التربية في إكتسابها ، فعن طريق التربية يتم دمج الناشئين في ثقافة المجتمع وإذا كانت الثقافة تبقى وتُستمد عن طريق عن طريق ما يتوارثه وينقله الأفراد من جيل إلى جيل ، فإن التربية وحدها هي وسيلة النقل الثقافي في كل زمان ومكان ، ومن هنا إكتسبت التربية تلك الأهمية بالنسبة للثقافة .
فائدة علم الثقافة الإسلامية :
إن علم الثقافة الإسلامية له فوائد عديدة ولعل من أبرزها :(1/15)
1 . عرض نظم الإسلام الكثيرة بترابطها ليأخذ طالب العلم دين الله بشموليته التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم في الكتاب والسنة ، وتلقاها صحابته رضوان الله عليهم ثم نقلوها لمن بعدهم .
2 . تأصيل المفاهيم المتعلقة بالإسلام وبيان معانيها الصحيحة ورد المفاهيم الخاطئة التي راجت في عصور التخلف أو أدخلت على المسلمين من أديان ومذاهب أخرى .
3 . نقض ، ودحض ، وتفنيد المفتريات التي حيكت ضد الإسلام من مختلف التيارات المحاربة له قديماً وحديثاً .
4 . بيان نجاح مبادئ الإسلام في تحقيق سعادة الحال والمآل مقارنة بالإخفاق الذي يحيق بالمذاهب البشرية الأخرى من خلال نقد مبادئها ومناهجها المصادمة لمراد الله من خلقه .
5 . يعمل هذا العلم من خلال ما ورد في الفقرة ( 3 ) أعلاه ، على جعل المهتم بهذا العلم على إطلاع دائم بثقافات عصره .
6 . بعلم الثقافة يمكن المحافظة على الربط بين كليات الإسلام في نظمه وشرائعه .
أهداف الثقافة الإسلامية :
إن للثقافة الإسلامية أهدافاً نبيلة وعظيمة وكثيرة تصب جميعها في إتجاه الرفع من مستوى المسلم الفكري فيما يتعلق بفهمه لدينه ، ومن ثم تطبيقه تطبيقاً صحيحاً يضمن به القبول عند الله عز وجل ، ولعل من أبرز هذه الأهداف للثقافة الإسلامية ما يلي:
1 . تكوين الشخصية الإسلامية المتميزة على مستوى الفرد والأمة ، وإعطاء الهوية الإسلامية المتميزة والمستقلة الأصيلة لكل مسلم بحيث لا تختلط عليه المفاهيم والطروحات التي قد تصادفه في حياته بمختلف وجوهها ، وتحصنه من أي غزو فكري قد يوجه له بقصد زعزعة عقيدته في نفسه .(1/16)
2 . تؤهل المسلم لأن يكون قادراً وفعالاً في عرض عقيدته على غير المسلمين فيحقق بذلك غاية نبيلة وهدفاً سامياً ألا وهو الدعوة إلى الله عز وجل الذي هو مطلوب من كل مسلم بحسبه ( أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ) (1) ، ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) (2) .
3 . إيجاد الوعي العلمي الصحيح بحقيقة الإسلام وشموله لكافة متطلبات الحياة وأن هذا الدين هو منهج حياة يتلمسه المسلم في كل شأن من شئونه وفي كل خطوة يخطوها في حياته وسيره إلى الله عز وجل .
4 . المساهمة في إيجاد المسلم القوي الصالح الذي يَعمُر هذا الكون وفق ما شرع الله تعالى .
5 . تنمية شعور الولاء للأمة الإسلامية ، والإلحاح على أهميتها ومكانتها ورسالتها العظيمة في الحياة ، وأن كل فرد فيها يسعى من ناحيته لتحقيق هذه الرسالة وبدون هذه الثقافة الإسلامية لا تتضح هذه الرؤية في ذهن المسلم .
6 . تصحيح الأفكار الخاطئة التي أثارها وأشاعها أعداء الإسلام في شأن المقولة التي تقول إن سبب إنحطاط وتأخر المسلمين مرجعه إلى تمسكهم بدينهم ، وإثبات أن العكس هو الصحيح في أن سبب تأخر المسلمين إنما هو بسبب نكوصهم عن تعاليم هذا الدين ، وتفريطهم في الإلتزام بهديه وتوجيهاته الخاصة والعامة والتي تحث على العلم والأخذ بأسباب التقدم .
7 . تحصين المسلم ضد المبادئ والعقائد الهدامة المنتشرة فيما حوله من المجتمعات التي لا تؤمن بالله رباً ولا بالإسلام ديناً ولا بمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً .
8 . إيجاد الأرضية العلمية القادرة على تربية النشء وتوجيههم نحو التمسك بدينهم بطريقة تضمن إستقامتهم وسيرهم بعيداً عن الإنحرافات والضلالات .
الفصل الثاني : نشأة علم الثقافة الإسلامية ومجالاته
البدايات :(1/17)
إن نشوء علم الثقافة الإسلامية لم يكن بدعاً ولم يكن حديثاً وإنما قام على منهج الكتاب والسنة في عرض رسالة الإسلام في جوانبها المختلفة ، من إيمانية وعبادية وخلقية وإجتماعية وبدأ هذا العلم يأخذ طابع التخصص حيثما ظهرت الحاجة إلى ذلك ، فإنه وعندما إتسعت العلوم الشرعية وتفرعت إلى تخصصات مختلفة حيث إقتضى الأمر ذلك التخصص في علوم الشريعة ليُتمكن من كل علم على حدة ، أصولاً وفروعاً ، ولكن ومع نشوء هذا التخصص فإن ذلك لم يصرف كبار العلماء عن التأليف في شمولية الإسلام ، في العصور الأولى للتأليف ، لكن وبعد أن جاءت العصور التي طغى فيها ذلك التخصص حتى أصبح العالم في كل علم من العلوم يستغرق في دراسته دقائق وتفصيلات ذلك العلم منصرفاً عن العلوم الأخرى ظهرت الحاجة إلى وجود ذلك التأليف الشمولي وتأصيله . فقد وجد أن أئمة العلم في الزمن الماضي كانوا حتى مع تخصص أحدهم في بعض فنون العلم يؤسسون علمهم على علم سابق بأصول الإسلام في نظم الحياة جميعها في ترابطها الشامل (1) .
وفي العصر الحاضر حينما سهل الإتصال بين الناس وتيسرت وسائل المعرفة جهد أصحاب المذاهب الباطلة في نشر مبادئهم فيما يسمى ( بالأيدولوجيا ) أي الأصول العامة في الوجود والكون والإنسان ونظم الحياة المختلفة ، فأصبح من السهل على الإنسان أن يأخذ تصوراً متكاملاً عن مذهب ما من تلك المذاهب من خلال كتاب واحد يجمع أصوله في كل النظم (2) .
فاتجه بعض علماء المسلمين غَيرةً على دين الله ودعوة إليه وتقديماً للبديل الصحيح المتمثل في الأخذ بالإسلام والإغتناء به عن تلك المذاهب إلى الدراسة الشمولية للإسلام (3) . في نظمه المترابطة وكليته تحت إسم الثقافة الإسلامية فخرجت لنا عشرات الكتب في هذا الجانب الهام وهذا العلم هذا الكتاب أحدها .
منهج علم الثقافة الإسلامية :
إن من أبرز القواعد المنهجية لهذا العلم ما يلي :(1/18)
1 . الكلية : فالثقافة تبحث في الاسلام – في نظمه المتعددة – بصفته كلا مترابطاً ، ووحدة متكاملة وتؤكد التداخل بين نظمه من أجل أن
يعطي هذا العلم آخذه تصوراً متكاملاً عن الإسلام متقياً الصورة المجزأة للإسلام.
2 . المقارنة : وهي من دعائم منهج هذا العلم لأن هذا العصر عصر صراع فكري بين المذاهب ، ولأن تلك المذاهب غزت بلاد المسلمين وزاحمت المسلمين في حياتهم فكانت المقارنة خاصة بالثقافة الغربية بفرعيها الديموقراطي والإشتراكي من قواعد علم الثقافة في الإسلام ، ولا ينحصر منهج المقارنة بتيارات الفكر الغابرة ، وشبه الزنادقة القدماء بل يركز على تيارات هذا العصر وقضاياه وإن لم يغفل ما سبق .
3 . التأصيل : مع أن علم الثقافة علم مقارنة إلا أن منهج هذه المقارنة تابع لمنهج التأصيل . والتأصيل في هذا المقام هو بحث النظم في الإسلام من خلال الكتاب والسنة ، وفهم السلف ، وإجتهاد أئمة العلم المسلمين دون تأثر في ذلك بأصول المبادئ الأخرى ، أو ما كتبه أعداء الإسلام من شبه في مسائل تلك النظم .
4 . النقد : يتجاوز هذا العلم المقارنة المُبينة لفضل الإسلام على المذاهب الأخرى إلى النقد العلمي لها ، سواء تمثلت في مذاهب ونظريات لها مناهجها في الوجود والكون والإنسان كالإشتراكية والتطورية ، أو تمثلت في تيارات تحارب الإسلام ونظمه كالإستشراق والتنصير .
فيم يبحث علم الثقافة الإسلامية ؟
إن علم الثقافة الإسلامية يبحث في العديد من نظم الدين الإسلامي ومفاهيمها ومناهجها وآراء خصوم الإسلام تجاه هذه النظم وكذا بعض النظريات المصادمة لهذه النظم ومن أبرز ما يبحث فيه ما يلي :
1 . نظم الدين الإسلامي كلها بترابطها :
ومن أبرز هذه النظم :
أ . نظام العقيدة : الألوهية ، الوجود ، والإنسان – أصلاً ومصيراً وحكمة وجوده والكون أصلاً وحكمة ونهاية والحياة دنيا وأخرى .(1/19)
ب . نظام العبادة : مفهومها ، ومقامها في الدين ، ومجالاتها ، وآثارها وشروطها ، وشعائرها الكبرى .
جـ . نظام الدعوة والحسبة : حكم الدعوة ، ومنهجها ، وأهدافها وحركاتها التجديدية .
د . النظام العلمي : مقام العلم ، وحِكمِه ، ومصادره ، ومناهجه ، وأقسامه ، وكليات الدين في التعليم والتربية .
هـ . النظام الخلقي : الشعور الخُلُقي ، ومعيار القيم ، ومصدر الإلزام الخُلُقي ، وأصول الأخلاق الإسلامية .
و . النظام العائلي : الزوجية ، والطفولة ، والآباء ، والأبناء ، والأرحام .
ز . النظام الإقتصادي : العمل ، والملكية ، والتضامن والتكافل الإجتماعي والمادي ، ومنها الزكاة .
ح . النظام السياسي : الحكم ، والسلطة ، والإدارة ، وحقوق الإنسان ، وحقوق الحاكم والمحكوم وواجبات كل منهما .
هذه النظم يبحثها علم الثقافة من حيث مصادرها ، وأسسها ، وخصائصها، وأهدافها ، وآثارها ووسائلها الكبرى ، أما تفضيلات كل نظام ودقائقه فمن شأن المتخصصين في هذه النظم .
2 . المفاهيم المتعلقة بنظم الإسلام ومنهجه :
تأصيلاً على أساس الكتاب والسنة ، وفهم السلف ، ودفعاً للمفاهيم الخاطئة التي انحرفت عن ذلك الأصل .
ومن أمثلة تلك المفاهيم الحرية ، والتسامح الديني ، والتوكل ، والعبادة الإسلامية ، والسلفية ، والعلم ، والتجديد في مجال الدين والموضوعية ، والبطولة …
3 . القوى المعادية للإسلام وأهله :
يبحث هذا العلم شبههاً حول الإسلام ومناهجها في محاربته ودوافع تلك الحرب وآثارها من أجل رد الشبه ومواجهة تلك الحرب وكشف حقائق تلك القوى وضررها على الإسلام وأهله وسبل وقايتهم منها .
ومن هذه القوى الإستشراق ، والتنصير ، والماسونية ، والصهيونية .
4 . المذاهب والنظريات الحديثة :(1/20)
لبيان ما يتفق منها مع الإسلام ، أو يختلف ، ونقد مبادئها الفاسدة وبيان إخفاقها في الواقع البشري مقابل نجاح مبادئ الإسلام في تحقيق السعادة . ومن تلك المذاهب الرأسمالية والإشتراكية وبعض الأديان القائمة .
ومن النظريات :
التطورية ، والعلمانية ، والوجودية ، والفرويدية ، والوضعية ، والنظريات الإجتماعية الضالة .
وهذه الموضوعات الأربعة مرتبطة فيما بينها ، ووجه الإرتباط أن تلك القوى والمذاهب التي تسعى إلى زحزحة الإسلام ومنهجه عن حياة التابعين له ووقف مده عن من لم تصلهم دعوته ، هو بما تثيره من شبه حوله أو بما تقدمه من نظم بديلة . ومن هنا كان مقتضى بحث أصول الإسلام في نظم الحياة البشرية هو بيان بطلان تلك النظم المقابلة خاصة أن الإختلاف في تلك الأصول بين الإسلام وبينها عظيم جداً وإليك توضيحاً لبعض من تلك الأصول :
الإيمان بعالم الغيب أساس الإسلام ( وهو منكر الإعتبار في الثقافة المادية ) بما فيه وجود الله عز وجل والقضاء والقدر ..
الدنيا مرحلة إلى الآخرة ومن ثم فالعمل يقوم على هذا الأساس في الإسلام أما في تلك الثقافة المادية فالحياة المعتبرة هي هذه الحياة الدنيا ولا إعتبار لسواها .
الوحي مصدر المعرفة اليقينية في الإسلام ولا إعتبار له في تلك الثقافة بصفته مصدراً للمعرفة ..
الإسلام يقوم على حقائق ثابتة في العقيدة والأخلاق وفي تلك الثقافات المادية جميع الأشياء متطورة حتى العقيدة والأخلاق .
المُشرع في الإسلام هو الله وحق التشريع في تلك الثقافات للبشر .
الربا حرام في الإسلام ، وهو الأساس الذي يقوم عليه الإقتصاد في تلك الثقافات .
التضامن الأخوي أساس المجتمع في الإسلام ، وفي غيره تقوم العلاقات على القومية ، والعرقية ، والتفرقة العنصرية والمصلحة الآنية أحياناً .
أمثلة لمجال البحث في علم الثقافة الإسلامية :(1/21)
لا ريب أنه بتحدد معنى الثقافة وموضوعاتها يتحدد إطار التأليف في هذا العلم ومجال البحث فيه سواء في رسائل الماجستير أو الدكتوراه أو بحوث المرحلة الجامعية أو غيرها .
وقد يقول متسائل : بما أن الثقافة علم كليات فهل كل بحث فيها لابد له من الشمولية ؟
والجواب : أن ذلك ليس لازماً فقد يتناول البحث قضية من قضايا أحد النظم الإسلامية ، لكنها قضية أصولية في هذا النظام ، ولها صلة بجوانب الإسلام الأخرى ، وإذا كان قد سبق ذكر أمثلة لهذا النوع من البحوث عند الكلام عن المجال الذي يبحث فيه علم الثقافة فإني هنا سأذكر أمثلة مفسرة . فمثلاً :
1 . موضوع ( مصادر المعرفة ) من أصول نظام العلم والمعرفة في الإسلام : الذي يتناول العقيدة حينما يبحث في ( الوحي ) بصفته مصدراً للمعرفة ويتناول أصول الفقه لدى بحثه مهمة العقل في المعرفة وخاصة في ميدان التشريع .
وموضوع ( منهج الإسلام في بناء الجماعة ورعايتها ) من أصول النظام الإجتماعي ولكن متعلقاته كثيرة في العقيدة ، والأخلاق وبعض الجوانب الفقهية .
وموضوع ( قضية الحضارة في ضوء الإسلام ) يتناول في بنية الحضارة العقيدة والعلم والتشريع بصفتها أسساً لها ، كما أنه يُقوِّم الحضارة القائمة على هذه الجوانب .
2 . كليات النظم الإسلامية : سواء كان ذلك لنظام واحد أو أكثر وفي هذا المجال تدخل موضوعات مصادر النظام وأسسه وخصائصه وأهدافه وآثاره وتطبيقاته ومسائله الكلية .
فمثلاً – من كليات النظام الخلقي فطرية الشعور الخلقي لدى الإنسان ومعيار القيم ومصدر الإلزام في الأخلاق والمذاهب الوضعية في هذا الشأن .
ومن كليات نظم العلم والمعرفة ( مقام العلم ، وعلاقته بالعمل ونظرية المعرفة بمباحثها ، ومناهج العلوم ، وأقسام العلوم وضوابط المعرفة وفلسفة العلوم .. ) .(1/22)
3 . القضايا الفكرية في المجتمع المعاصر : مثل ( الحرية ، الإختلاط ، العنصرية ، القومية ، الحوار بين الأديان ، التطور والثبات ، والتجديد في الدين ، التراث ، الموضوعية والشك ) .
وتخصص الثقافة لا يتناول من القضايا المثارة إلا الفكرية العامة ، أما التخصصية الجزئية فهي لتخصصات أخرى كما سبق ذكره من قبل .
فقضية الولاء والبراء – مثلاً – من موضوعات تخصص العقيدة وقضية الإجتهاد في إستنباط الأحكام ، البحث في وجوبه أو جوازه ، أو منعه مثار الآن وهو من تخصص أصول الفقه .
وقضية النسب في أطفال الأنابيب قضية فقهية … الخ .
4 . الثقافات البشرية :
أ . مذاهبها الفكرية ونظرياتها ( أصولها ووسائلها ومناهجها ، وموقف الإسلام منها ) .
والمتخصص في الثقافة يدرس مذهبية تلك المذاهب أما مرتكزها العقدي ( كالقول بأن المادة هي الموجود الأزلي الأوحد ) لدى الماركسية فمن شأن المتخصص في العقيدة وليس الثقافة .
ب . تياراتها المعادية للإسلام ( أصول تلك التيارات ، وأهدافها ووسائلها ومناهجها في حرب الإسلام ، ومجالات طعونها ، وآثار عدائها ، والشبه المثارة من قبلها ، وتطورها ، ونقدها إسلامياً ) .
علم الثقافة الإسلامية بين العلوم الشرعية الأخرى :
أبرز العلوم الشرعية _ سوى علم الثقافة :
1 . علوم القرآن وأبرزها علم التفسير المختص بالبحث عن مراد الله في آياته حسب الطاقة .
2 . علوم الحديث التي تبحث في الأحاديث النبوية من حيث المتن والسند صحة وضعفاً .
3 . علم العقيدة أو التوحيد الذي يبحث في قضايا الألهيات والنبوات السمعيات .
4 . علم الفقه وهو معرفة أحكام الشريعة بأدلتها التفصيلية في الجانب العملي من حياة الإنسان .
5 . علم أصول الفقه وهو العلم الذي يبحث عن أدلة الفقه الإجمالية ، ومنهج الإجتهاد ، وأحوال المجتهد .
6 . علم السلوك وهو علم يبحث في أعمال القلوب وآفات النفوس .(1/23)
هذه هي العلوم الشرعية التي يمثل كل منها تخصصاً مستقلاً محدد المعالم ولكنها رغم ذلك ذات تلازم لأن الشريعة التي قامت لخدمتها لا تتجزأ ، وعليه فلابد للمتخصص في أي علم منها أن يركن تخصصه على معرفةٍ كلية بهذه العلوم ، ولكن هذه المعرفة الكلية للمتخصص في أي واحد منها لا تغني عن الحاجة إلى متخصص بالدراسة الكلية إستقلالاً (1) ، لأن المتخصص الجزئي سيعود إلى تخصصه تدريساً وقراءة وتأليفاً ومعالجة ، بحيث يستغرق فكرة هذا التخصص ومن ثم يغفل عن رعاية الجانب الكلي وعن الإرتباط الحيوي بين كليات النظم الشرعية ، والواقع ماضياً وحاضراً يدل على ذلك ..
وقد يقال إن هذا جار على عدم إمكانية وجود العالم المتمكن من كليات العلوم الشرعية وتفصيلاتها جميعاً وفي هذا شئ من المصادرة .
وهنا أقول إن الحق – كما أرى – هو ما سبق تقريره ، إنه وإن كان هذا ممكناً بل متحققاً للصحابة والأئمة السابقين من بعدهم إلا انه أصبح صعباً بعد توسع العلوم وكثرة تفريعاتها وتشعب مناهجها ، وإن تَحقق شئ من ذلك فلقلة من فحول العلماء معدودين كابن تيمية ، وابن القيم وأمثالهما من ذوي الملكات الشمولية والموسوعية (2) . وقد يُقِّيض الله من أبناء الأمة الإسلامية من يملك مثل قدرات هذين الإمامين الجليلين .
من ذلك تتبين ضرورة وجود متخصص يبحث الكليات في نظم الإسلام وترابطها ، وما إلى ذلك من متعلقات .
ويكون مثاله كالفيلسوف بين علماء الطبيعة ، إذ لكل علم مجاله الخاص منهجاً ، وموضوعاً ، فالرياضيات مجالها الكم ، والطبيعيات مجالها الحركة والتغير وعلم النفس مجاله الظواهر النفسية والسلوك … الخ .
والفيلسوف هو الذي يدرس موضوعات هذه العلوم في نظرة جامعة ، ويعمل على الجمع بين عمومياتها ، لينتج فلسفة موحدة ولهذا سماه ( أوجست كونت ) ( ضابط الإتصال بين مختلف العلوم ) (3) .(1/24)
إذا يتبيَّن هذا فإن موقع علم الثقافة بين العلوم الشرعية المشار إليها يتجلى من خلال ما يلي :
1 . أنه علم متميز بين هذه العلوم، ليس واحداً منها وليس جمعاً لها.
2 . أنه لا يغني وجودها الجزئي المتخصص عنه ، كما أنه رغم شموليته لا يغني عنها في تخصصاتها الدقيقة .
3 . أن مقامه بين العلوم الشرعية عظيم ، لجلالة موضوعه ، وهو علم الكليات التي هي الأصل للجزئيات .
4 . له صلة بكل علم منها ، وهذا جار في كل علم من علوم الشريعة ، لا يمكن الفصل بينهما تماماً .
فعلما التفسير والحديث مستندة في أخذ موضوعاتهما من المصدرين الشريفين كالعلوم الأخرى ، أما العلوم الأخرى فإنها تبحث في الجزئيات التي تبحث في كلياتها ، كما أن كلاً منها يبحث في كلياته المتعلقة بتخصص ذلك الكل .
وبهذه المقتطفات نكون وقفنا على جانب مهم مما يتعلق بنشأة هذا العلم والمجالات التي يمكن أن يغطيها من العلوم الإسلامية وسنقف على ما يزيد فهمنا لهذا العلم ويبين لنا أهميته ألا وهو الخصائص والسمات التي يتميز بها علم الثقافة الإسلامية .
الفصل الثالث : سمات ومميزات الثقافة الإسلامية
إذا ما أريد لبيان الشيء زيادة على تعريفه فإن الوقوف على سماته ومميزاته وخصائصه ، وتزيد الأمر وضوحاً ، وبين أيدينا هنا عدد من الخصائص التي تثبت تَميز الثقافة الإسلامية على غيرها من الثقافات في كل زمان ومكان ، كيف لا وهي(1/25)
( ثقافة عابدة تفرد الله بالعبودية ومن ثم بالحاكمية ، فهي ثقافة حرة لأنها تحرر الإنسان من العبودية لغير الله وهي ثقافة عادلة ) (1) وعدلها مأخوذ ومنبثق من كونها ربانية في أساس مادتها وسيأتي في تعداد سماتها وخصائصها أنها إنسانية ، وعالمية ، فهي ليست قومية ولا محلية ولا إقليمية ، ومن ثم فهي تكره الإحتكار والإستغلال والظلم في كل زمان ومكان ومن أي شخص كان في كافة السلوك الإنساني حتى ولو كان هذا السلوك صادراً من الأنبياء ، والآيات التي تثبت ذلك في القرآن كثيرة ومنها قوله تعالى لنبيه داوود ( يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله … ) (2) وهي ثقافة متعادلة فيها التوازن والوسطية في كل شئ لأن الإسلام كما تشير النصوص وسط في كل أحواله .
ومن خلال ما يأتي من الخصائص والسمات ندرك ذلك التميز وتلك الصفات الفريدة للثقافة الإسلامية والخصائص هي :(1/26)
1 . ثقافة ربانية : وتبرز هذه الخاصية والسمة من خلال ظاهرة الوحي الذي حدد الإطار العام للثقافة الإسلامية ، وجعل منها ثقافة إنتماء إلى عقيدة التوحيد ، فالمسلم في عقيدته تلك يعتقد أن الله هو الذي خلق هذا الكون وسخر ما في هذا الوجود لمصلحة الإنسان ، وهذا التصور من المسلم يجعله ينظر للحياة بمنظار يختلف فيه عن الآخرين فهو يعلم أنه مستخلف عن الله في هذه الأرض وأن هذه الحياة ليست غاية وأن الغاية الأساسية هي الوصول إلى سعادة الآخرة وأن ذلك لا يتأتى إلا بسلوك الطريق الذي يرضي الحق سبحانه وتعالى ، ويتلمس مكان تلك المرضاة في كل شان من شئون حياته ، وهكذا ينظر الإنسان في هذا الكون فيرى فيه قدرة الباري سبحانه وعظمته وسلطانه فيسير في هذه الحياة على وفق السنن التي بثها الله فيه لا يخرج عنها ، بل يكون المسلم وهو في أوج قوته وسلطته مؤمناً بربه خاضعاً له لا يداخله الغرور الذي داخل غيره عندما تَمكن من بعض أسباب الحياة كما عند الأوروبيين وغيرهم الذين غرهم تمكنهم من بعض تلك الأسباب .
ومع كون المصدرية لهذه الثقافة ربانية تحدد الإطار الذي يسير فيه الإنسان في الحياة ، فإنها في الوقت نفسه لا تلغي حركة الإنسان وتفكيره وإختياراته ، من خلال دور العقل البشري في التفسير والتجديد .(1/27)
2 . فيها التوازن : إن ما نعنيه بالتوازن كسمة من سمات الثقافة الإسلامية هو التوازن بين ما يدركه الإنسان فيسلم به ، وبين ما يتلقاه عن الوحي فيبحث عن علله وبراهينه وغاياته التي تزيد في إيمانه وتقوي عقيدة الغيب في نفسه ، وفيها التوازن بين مجال المشيئة الألهية المطلقة ومجال المشيئة الإنسانية المحدودة ، ومن هذا التوازن أيضاً ببين عبودية الإنسان المطلقة لله عز وجل وبين مقام الإنسان المكرم في هذا الكون ( وفيها التوازن بين مصادر المعرفة وبين التلقي عن الوحي والنص ، والتلقي من الكون والحياة ، وفيها توازن بين حاجات الإنسان الروحية والمادية والإجتماعية ) (1) .
من هنا فإن الثقافة الإسلامية القائمة على هذا التوازن بين كل هذه الجوانب دون أن يطغى جانب على آخر قد استطاعت أن تستجيب لطبيعة الإنسان ونزعاته الفطرية والغرائزية ، ولو لم يكن ذلك لاختل التوازن الذي أراده القرآن ، وهذا التوازن مرجعه إلى وسطية هذا الدين في كل أمر إذ لا تفريط ولا إفراط .
3 . ثقافة إنسانية : يقول تعالى ( وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً
ونذيراً ) (2) إن الثقافة الإسلامية ليست عنصرية ولا ثقافة أمة متميزة بإنتماء نسبي أو عرقي أو لغوي وإنما هي ثقافة إنتماء إلى عقيدة رسم الوحي الإلهي معالمها وحدد أطرها ودعائمها ، لا تفرق الثقافة الإسلامية التي مصدرها القرآن والسنة بين شعب وشعب في اللون أو اللغة أو الإنتماء العرقي ، فالثقافة الإسلامية تخاطب الجنس البشري دون إستثناء يقول الحق تبارك وتعالى
( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) (3) . فميزان التفاضل هو التقوى ، لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى .(1/28)
ولو كانت الثقافة الإسلامية ذات إنتماء عرقي أو رباط نسبي لما أسهمت الأمم الأخرى التي دخلت في الإسلام في بناء صرحها ، ولما شعرت بالإعتزاز بها ، ولما جعلت منها ثقافتها الوطنية فالثقافة الإسلامية ثقافة تجمع ولا تفرق تدعو للترابط وتنبذ الفرقة والتناحر والسبب في ذلك كما قدمنا هو الإنتماء إلى عقيدة واحدة ، من مقاصدها قوله صلى الله عليه وسلم ( مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ) (1) فهي تدعوه إلى الوحدة .
4 . فيها الوحدة : إن عقيدة التوحيد التي هي الدعامة الأولى للثقافة الإسلامية تتلخص في أن الله واحد لا معبود بحق سواه ، وأنه خالق الكون وواهب الحياة ، وعليهما نشأة ووحدة الخلق أي الوحدة التي تجمع بين المادة والروح ووحدة العلم والإيمان ووحدة الإنسانية لا تفرقها الألوان ولا الأجناس والأقاليم ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء ) (2) ويقول الحق أيضاً ( يا ايها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون ) (3) .
( ومن هنا كانت تعاليم الإسلام التي هي مادة الثقافة الإسلامية تدعو إلى توفير المبادئ الإنسانية في مجالات العلاقات على الصعيد الفردي والإجتماعي والدولي وتحذر من مغبة العنصرية البغيضة ) (4) حتى تكون الأهداف الإنسانية التي من أبرزها تحقيق العبودية لله تعالى ، هي الغاية التي يتطلع إليها الإنسان ويسعى نحوها ( ولعل أهم معاناة يعانيها الإنسان خارج دائرة الإسلام هي شعوره بالتمزق ، وبأنه ليس شخصية واحدة تتجه نحو هدف واحد ، فهو يرى أنه أشتات كل منها يرتبط بهدف لا علاقة له بالأهداف الأخرى ، وبأنه أنفس عديدة لا نفس واحدة ، وبأنه بعيد عن مصيره لا متوحد معه ) (5) .(1/29)
وهذه الوحدة تنطلق وتتعانق مع خصيصة أخرى للثقافة الإسلامية ألا وهي الشمول .
5 . الشمول : إن النصوص الإسلامية عامة مطلقة في كل شأن من شئون الحياة ( ويتمثل ذلك في التصور الشامل الذي يبدأ مع الحقيقة الألهية التي يصدر عنها الوجود كله ، وتتناول الحياة وطبيعتها والوجود ومكانة الإنسان فيه ، وما يربط بين الله والكون والإنسان من وشائج ) (1) .
فالثقافة الإسلامية تأخذ من الإسلام شموله وسعته ، لذلك فهي تعرض الحياة متصلة متناسقة محكومة كلها بقانون واحد كبير ، في حين أن بعض الثقافات الأخرى تعرضها مقطعة الأوصال فتفقدها معناها الشامل ومغزاها العميق ، وذلك لأن بعض أعلام الفكر والثقافة من غير المسلمين قد إختلفت النسب في نفوسهم فلا يرون الحياة إلا من خلال جزئية واحدة من بين جزئياتها إما من خلال الجنس أو من خلال الصراع الطبقي أو من خلال التفسير المادي للتاريخ أو غير ذلك .
ومن هنا حصل الخلل وعدم الإيجابية لتلك الثقافات غير الثقافة الإسلامية التي تميزت نظرتها بالشمول لكل مناحي الحياة ، وهذا من أسباب إيجابيتها .
6 . الإيجابية : المتتبع للنصوص التي جاءت تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر في القرآن والسنة يدرك تماماً هذه الإيجابية التي كانت ولازالت للثقافة
الإسلامية ، فالنصوص الشرعية الإسلامية ليست قاصرة على درء المفاسد ، بمعنى أنها ليست رد فعل لما يقدمه الناس فحسب ، بل هي تملك زمام المبادرة أيضاً ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) (2) .(1/30)
ومن هذه الإيجابية أيضاً أنها لا تكلف الإنسان في شأن الأمر أو النهي أكثر من طاقته ( فاتقوا الله ما استطعتم ) (1) ( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ) (2) وهي في الوقت نفسه تحذره من التواكل فهي تحثه على العمل وتدفعه إليه وتشجعه ( فبناء المجتمع المسلم والإهتمام بقضايا المسلمين هي مسئولية الجميع والمسلم العامل بهذه الثقافة الإسلامية لا يهدأ له بال حتى يرى راية الإسلام خفاقة عزيزة ) (3) وأنه لا يشعر بالراحة والطمأنينة حتى يرى شريعة الله تطبق بين خلقه في أرضه ، وهذا الشعور من المسلم هو غاية الإيجابية لما يخدم مصالح الإنسانية جمعاء ، لأن البشر إذا طبقوا ما تدعو إليه هذه الثقافة سعدوا في الدنيا والآخرة .
7 . الثبات والتطور : الثبات والتطور سمة بارزة في الثقافة والشريعة الإسلامية فالأصول والمبادئ ثابتة لا تتغير ولا تتبدل ، ولكن ما يدخله التطور هو التطبيق لهذه الأصول والقواعد الإسلامية ، فالإيمان ، والتقوى ، والبر ، والمعروف ، والإخاء ، والمساواة ، والعدالة ، والحرية ، والحب ن والإحسان وغيرها من القيم الإسلامية ، قيم لا يدخلها التغيير كما قلت ، ولكن العمل بها وأساليب تطبيقها هي التي يمكن أن يدخلها التطور حتى تكون صالحة لكل زمان ومكان .
وبهذا الاستعراض المختصر لبعض وليس لكل خصائص وسمات الثقافة الإسلامية نكون قد عرفنا عُلُو كعب هذه الثقافة بين سائر الثقافات الأخرى ، وأن لا مقارنة ، ولكن إثباتها هنا هو فقط لزيادة توضيح مفهوم الثقافة الإسلامية التي أصولها ربانية ومصدرها الوحي ( القرآن والسنة ) .(1/31)
وخاتمة القول بأن الثقافة الإسلامية التي تعتمد على هذين المصدرين هي بذلك تعتبر ثقافة عالمية إنسانية ، لا تحدها الحدود الجغرافية والخرائط الإنسانية أو تخوم الأرض ، وإنما حدودها هي حدود فكرتها ، فالإنسان المسلم والجماعة المسلمة يجب أن تمارس حياتها وأن توجه حركتها ونشاطها وفقاً لمنهج الله في كل زمان ومكان (1) ، هذا المنهج الذي لا يخرج بحال عن ما جاء في القرآن والسنة وهما المصدران الأساسيان للثقافة الإسلامية .
الفصل الرابع : أسس ومرتكزات الثقافة الإسلامية
وقفنا في الفصل السابق على ما يميز الثقافة الإسلامية عن غيرها من الثقافات من خلال السمات والخصائص ، وفي هذا الفصل سنقف على ما يقوي ذلك التميز ألا وهو أصالة الثقافة الإسلامية من خلال الإطلاع على مصادرها والآفاق والأبعاد التي تقوم عليها ، فإن أصالة الثقافة الإسلامية طبيعة لا اصطناعية ، وذاتية لا مكتسبة ، وموافقة لا مخالفة لفطرة الإنسان ، كل ذلك لأن منبعها الإسلام ولعل ما كتبه أحد الكتاب (2) المسلمين عن هذه الأسس في مؤلفه عن نظم الإسلام وثقافته مصدر مناسب لإقتباس مادة هذا الفصل فبالوقوف على تلك الأسس الثلاثة تتضح لنا أصالة الثقافة الإسلامية فالأساس الأول من مصادر الثقافة الإسلامية الكتاب والسنة والتراث ، والأساس الثاني هو غرس الوازع الذاتي في النفوس وهو هدف سام للثقافة الإسلامية ، والأساس الثالث يتمثل في عالمية الدعوة والتي تبرز لنا أهمية الثقافة الإسلامية وأنها المفتاح الذي يقود الإنسان إلى سعادة الدارين ( الحال والمآل ) .
الأساس الأول : هو مصادر الثقافة الإسلامية : والتي تتمثل في :
... أ . ... القرآن الكريم :(1/32)
تتسم الثقافة الإسلامية بالأصالة لأنها مستمدة من النبع السماوي الإلهي الصافي ألا وهو القرآن الكريم ، ذلك الكتاب الذي هيأ أصول الثقافة البشرية وأمر أفرادها أن يغترفوا من أنهار العلم وينابيع المعرفة ، ويتجلى هذا في إشادة القرآن بالعقل ، ودعوة الناس إلى أعماله تفكيراً فيما خلق الله من شئ وتأملاً فيما أبدع الله من خلق ، كما يتجلى أيضاً في إشادة القرآن بوسيلة العلم وأداته متمثلين في القراءة والكتابة بالقلم .. ثم يتجلى حث القرآن على العلم ، كذلك في تقديره وتكريمه لطائفة العلماء قال تعالى : ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ، والله بما تعملون خبير ) (1) .
هذا وقد أشار القرآن الكريم إلى حقائق تتعلق بعدد من فروع العلم وجزئيات المعرفة ، إشارة تدل على إهتمام القرآن الكريم بكافة العلوم النظرية والتجريبية والمعارف الفكرية والعملية .. وإذا كان إهتمام القرآن بالعلوم النظرية أمراً لا يحتاج إلى تبيين فالأمر على العكس من ذلك فيما يتعلق باهتمام القرآن بالعلوم التجريبية العملية ومن ثم وجب علينا أن نلفت الأنظار إلى ما اشتمل عليه القرآن الكريم من إشارات إلى حقائق تتعلق بعدد من فروع العلم التجريبي .
ففي قوله تعالى : ( وأنبتنا فيها من كل شئ موزون ) (2) . وقوله تعالى :
( إنا كل شئ خلقناه بقدر ) (3) يشير القرآن إلى حقيقة تتعلق بعلم الكيمياء وهو ذلك الذي يقرر أن العناصر الداخلية في تركيب الأجسام من نسب معينة وموازين مقدرة .(1/33)
وفي قوله تعالى : ( وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ) (1) . يشير القرآن إلى حقيقة تتعلق بعلم الأحياء أو ما يعرف بالتاريخ الطبيعي .. وذلك الذي يقرر إشتمال الحيوانات على الأجهزة العضوية الموجودة في الإنسان من مثل الجهاز العصبي والجهاز التنفسي ، وفي قوله تعالى ( هو الذي جعل الشمس ضياءاً والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ) (2) فالقرآن يشير هنا إلى علم الميقات الذي هو فرع من علم الفلك ، والذي تدور عليه مصالح الناس ومواقيتهم ، وفي قوله تعالى : ( كلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يجب المسرفين ) (3) .
يشير القرآن إلى مبدأ هام من مبادئ علم الصحة الغذائي . وفي قوله تعالى : ( حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ) (4) يشير القرآن إلى ما يسمى بالطب الوقائي . وفي قوله تعالى ( ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً ) (5) يشير إلى مبدأ هام من مبادئ الطب النفسي .
والمتتبع يجد الإشارات القرآنية الكثيرة التي تشير إلى حقائق (6) كثير من العلوم والمعارف وهي إشارات توجب علينا أن نقرر بإزائها أن القرآن الكريم مع إشتماله عليها فهو كتاب عقيدة ، وليس كتاب فن من الفنون أو علم من العلوم المتعارف على أسمائها بين الناس ، من مثل علم الكيمياء ، أو الطبيعة ، أو الأحياء أو غير ذلك ، إن القرآن كتاب عقيدة وحسب .. كتاب عقيدة لا يطلب منه أن يطابق مسائل ونظريات العلم التي تخرج عبره أجيال البشر المتتابعة ، كما لا يطلب من المؤمنين به أن يستخرجوا منه تفصيلات تلك العلوم، كما تعرض عليهم في معامل التجربة والدراسة لأن هذه التفصيلات تتوقف على محاولات الإنسان وجهوده ، كما تتوقف على حاجاته وأحوال زمانه (7) .
إن القرآن كتاب عقيدة يهدف في كل ما اشتمل عليه من إشارات إلى أمرين اثنين :(1/34)
أحدهما : ربط مختلف العلوم والمعارف والفنون بالإيمان والعقيدة .
والآخر : حث الإنسان على التفكير السليم والنظر الصحيح إلى ما يزخر به عالم النفس وآفاق الكون من الآيات من غير أن يتضمن القرآن الكريم حكماً من الأحكام يشل حركة العقل من تفكيره ، أو أن يحول بينه وبين الإستزادة من العلوم ما استطاع حيثما استطاع .
وبعد فالقرآن كلمات الله وهي كلمات لا تنفذ معانيها ولا تنتهي مدلولاتها ولا تنقضي عجائبها ومن ثم تكون الثقافة النابعة منه ثقافة تتسم بالأصالة والرسوخ والثبات وهي الثقافة الحق ، والثقافة الخالدة .
... ب . السنة النبوية الشريفة :
لم تكن السنة النبوية الشريفة بأقل أثراً من القرآن الكريم في الدعوة إلى العلم والمعرفة وسائر ألوان الثقافة ، لأن صاحب السنة صلى الله عليه وسلم هو المترجم لمعاني القرآن إلى عمل تطبيقي وسلوك واقعي ، وليس أدل على ذلك من هذا الحشد الهائل الضخم من الأحاديث النبوية الشريفة التي جمعها الحفظة والمحققون للسنة الشريفة في كتب الأحاديث العامرة بالروايات الصحيحة ، والدالة فيما تدل عليه على عظم إهتمام السنة بالعلم والمعرفة وذلك من مثل ترغيب النبي صلى الله عليه وسلم في طلب العلم والإرتحال إليه ومن مثل الإشادة بفضل العلم والعلماء والمتعلمين ومن مثل الترغيب في مجالسة العلماء وإكرامهم وتوقيرهم وإليك قبساً من هذه الأمثلة التي ترشد إلى موقف السنة من الثقافة القائمة على العلم والتعلم .(1/35)
لقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين بصريح القول إلى التحلي بفضيلة العلم لما له من آثار طيبة ونتائج حسنة فقال صلى الله عليه وسلم : ( تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية ، وطلبه عبادة ، ومذكراته تسبيح، والبحث عنه جهاد ، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة ، وبذله لأهله قربة .. لأن العلم حياة القلوب من الجهل ومصابيح الأبصار من الظلم .. ويبلغ العبد بالعلم منازل الأخيار ، والدرجات العلى في الدنيا والآخرة .. التفكر فيه يعدل الصيام ومدارسته تعدل القيام ، به تُوصل الأرحام وبه يعرف الحلال والحرام ) (1) .
وفي حديث ثان يبين الرسول صلى الله عليه وسلم مكانة طالب العلم وجزائه ، وفضل العلم ومنزلته فيقول : ( من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا بما يصنع ، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ، وإن العلماء ورثة
الأنبياء . إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر ) (2) .
وفي حديث ثالث يقرر الرسول صلة الله عليه وسلم في مثل يضربه أن موضوع دعوته المبعوث بها يتكون من شقين : أحدهما يتمثل في الهداية والتقوى ، والآخر يتمثل في العلم والمعرفة .. هذان الشقان انقسم الناس حولهما إلى ثلاث طوائف :
1 . طائفة إستجابت قلوبها وتفاعلت عقولها مع ما استجابت له فأنتجت في مجال العلم والإرشاد وهذه هي طائفة أولي الأمر من المشرعين والمفكرين والباحثين المسلمين .
2 . طائفة إستجابت قلوبها لكنها لم تتفاعل بعقولها مع ما استجابت له فلم تنتج في مجال العلم والإرشاد وكانت بذلك بمثابة الأوعية الحافظة لشقيَّ دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأصحاب هذه الطائفة هم عوام المسلمين من المقلدين .(1/36)
3 . طائفة لم تستجب لما جاء به صلى الله عليه وسلم وبالتالي فلم تتفاعل معه وهؤلاء هم الذين وضعوا الأكنَّة على قلوبهم والذين أعرضوا عن التفكير الحق بعقولهم فكانوا بذلك من الخاسرين .
يقول صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف : ( مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث أصاب أرضاً ، فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا ، وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماءاً ولا تنبت كلأ ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به ) (1) .
ونكتفي بهذا القدر من القبسات النبوية لنؤكد علاقة السنة بالعلم وهي علاقة يقول فيها المرحوم الأستاذ البهي الخولي : ( السنة هي المرجع الثاني – بعد القرآن الكريم – لعلوم الدنيا والدين ، وهي نفحات نفس قدسية وهي خلاصة كاملة لتجارب أعظم عقل فهم القرآن وسنن الإجتماع ، وعلل النفوس ، ومشكلات الحياة وضروب الأصلاح .. فإذا أسمعك متحدث : قال صلى الله عليه وسلم فأرهف أذنك واستجمع مواهبك ومشاعرك ، لأنك ستسمع أصدق قول ، وأنفع قول ، وأطهر قول نطق به بشر . وهذه الصفات غنم تتضاءل إلى جانبه الدنيا وما فيها ، غنم عقلي وروحي وإجتماعي وعملي يجد فيه كل باحث ري ظمئه إلى ما يشتهي من خير المنافع ) (2) .
... جـ . ... التراث الإسلامي المجيد :(1/37)
ليس عجباً أن تتسم الثقافة الإسلامية بالأصالة ، لأنها مستمدة من التراث الإسلامي ذي الإتجاهات العلمية المتشبعة والفروع العديدة من المعارف المختلفة فتراثنا الإسلامي تراث مجيد نهضت به الأمة الإسلامية على مدى أربعة عشر قرناً وكانت في طليعة العالم إن لم تكن أرقى أمم الأرض طراً ، كما قامت بهذا التراث الإسلامي نهضة المجتمعات الأوروبية حين انتقل هذا التراث إليها عن طريق بلاد الأندلس ، وعن طريق الحروب الصليبية ، وعلى يد عدد من اليهود الأسبان ، وكثير من عرب صقلية وأفريقية .
ولقد بلغت عظمة التراث الإسلامي وقوته أن كان بالأندلس وحدها – زمن قوة المسلمين – أكثر من سبعين مكتبة عامة كما بلغ تعداد ما في مكتبة الأمراء في الأندلس فقط 600 ألف مجلد وهذا في زمن لم تكن فيه المطابع التي نعرفها اليوم وإنما كان ما كتب بخط اليد كله ، الأمر الذي يدل على أن الثقافة في ظلال دعوة الإسلام لم تكن مقصورة على الطبقات العليا ، وإنما هي أمر مشاع بين الناس كافة (1) .
إن تراثنا الإسلامي تراث تليد حقاً ، لأنه يجمع مع الرقي الكمي والكيفي فضل السبق على الحضارة المادية المعاصرة في شتى أوجه المعرفة ومختلف فروع العلوم .
ففي فرع البصريات المتعلق بعلم الطبيعة أو الفيزياء : نجد أن الحسن بن الهيثم هو أول من وضع علم البصريات منذ حوالي ألف سنة وكان لهذا العلم الأثر العظيم في الحياة المعاصرة ، إذ انه يبحث في سقوط الأشعة والضوء على الأجسام الثقيلة وبهذا العلم اتصلت نظريات الضوء وانفتح الباب أمام مخترعات كثيرة واستحق ابن الهيثم به أعظم التقدير من علماء أوروبا فقد قال عنه ( فباردو ) : ( إن الهيثم هو العربي الذي تعلم منه رجالنا ) (2) .(1/38)
وفي علم الكيمياء : نجد أن جابر بن حيان أسس هذا العلم وهو الإمام في هذا المضمار الذي اتكأت أوروبا بعد نهضتها على كشوفه وابتكاراته فترجمت عن - حاجة - كتابه المسمى بالاستتمام ، ونقلته إلى اللغة اللاتينية سنة 1682م لتتعلم منه ما لم تكن تعلم وقال ( برتيلو ) عن جابر : إن له في الكيمياء ما لأرسطو في المنطق ويتبين بذلك أن جابر ابتكر الكيمياء كما ابتكر أرسطو المنطق (1) .
وفي علم الرياضيات نجد أن محمد بن موسى الخوارزمي هو واضع علم الجبر بأمر المأمون العباسي في القرن التاسع الميلادي ، وعنه أخذت أوروبا ولا زالت تسميه باسمه العربي الجبر . وأولاد موسى وهم : محمد وأحمد والحسن هم الذين وضعوا المعادلات الرياضية وعلى هدى تلك البداية العربية للرياضيات كانت تلك المخترعات الهائلة كالصواريخ والأقمار الصناعية والراديو وسواها كثير(2) .
وفي فن الطب : نجد ابن سينا (3) ، والكندي ، وأبو بكر الرازي ، والكتاني كان لهم باع طويل وأثر عميق في هذا الفن بل إن أول مدرسة طبية أنشئت في قارة أوروبا على نظام محكم هي التي أنشأها العرب في أسبانيا .
ثم ناهيك بعد ذلك بما للمسلمين من يد طولى في مجال بقية المعارف التجريبية من مثل فن الهندسة ، وفن الفلك ، وفي مجال بقية العلوم النظرية والمسماة بالعلوم الإنسانية من مثل علوم الشريعة .. تفسير ، وحديث ، فقه ، وتوحيد ، وعلوم اللغة .. نحو وصرف وبلاغة وأدب ، ثم من مثل علم الفلسفة والمنطق وغير ذلك من ألوان المعرفة والعلوم .
وبَعدُ أفلا يحق لنا أن نقرر في شأن هذا التراث الإسلامي أنه تراث ضخم وفخم ؟ وإن من الجدير بهذا التراث أن تخرج منه الثقافة المتسمة بالأصالة والعمق والثبات وأن يكون هذا التراث زاداً لنا على طريق نهضة الأمة الإسلامية مرة أخرى .
الأساس الثاني : غرس الوازع الديني في النفوس :(1/39)
تتسم الثقافة الإسلامية بالأصالة والرسوخ والثبات لأنها من أبرز الثقافات التي تغرس الوازع الذاتي في النفس البشرية ، ومن ثم يصبح الإنسان في كنف هذه الثقافة كائناً ذا ضمير حي وإحساس مرهف .. يراقب نفسه بنفسه ويحاسب نفسه قبل أن يحاسبه غيره ، يقبل على الطاعات والفضائل إقبال من يتزود بخير الزاد ويبتعد عن المعاصي والرذائل ابتعاد من يريد النجاة من الهلاك.
إن الوازع الذاتي إذا تحقق داخل الإنسان صار الفرد رقيباً على نفسه يفعل الخير لذات الخير بمحض اختياره وإرادته ، ويجتنب الشر لذاته دون خشية من قانون أو خوف من الوقوع تحت طائلته ، وما الوازع الذاتي هذا إلا ثمرة من الثمار النابعة من الدعوة الإسلامية . وإنه لوازع تعجز اللوائح الوضعية والقوانين أن تصل إلى بعض نتائجه إذ اللوائح والقوانين المجردة تعتمد على الوازع الخارجي ومن ثم فهي عاجزة عن إلزام الإنسان بالتحلي بالفضيلة والتخلي عن الرذيلة نتيجة لعجز هذه القوانين عن الملازمة الدائمة للإنسان في مختلف الأوقات ليلاً أو نهاراً سراً أو علانية .
هذا هو شأن القوانين بمفردها ، أما من شأنها حين تنبع من عقيدة صحيحة وحين تحاط بإطار دين الفطرة .. دين الإسلام .. فهو شأن يختلف تماماً عن سابقه لما يتحقق حينئذ من وازع ذاتي به يكون صلاح الفرد والمجتمع ولنضرب المثال ليتضح المقال.
فلو نظرنا في أم الكبائر .. ( رذيلة الخمر ) مقارنين بين مكافحتها بسلاح العقيدة وبين محاربتها بالقوانين المجردة . فسنعرف حينئذٍ الفرق .
لقد كان العرب في جاهليتهم مولعين بالخمر ، شغوفين بشربها ، متسابقين إلى مجالسها فلما جاء الإسلام تدرج في معالجة هذا الداء الخبيث المستحكم وكانت المرحلة الأولى في العلاج أن وضع الإسلام السكر ( المخمَّر ) في مقابل الرزق الحسن فكأن المخمَّر شئ غير حسن قال تعالى ( ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً ) (1) .(1/40)
وكانت المرحلة الثانية أن حرك الإسلام وجدان الإنسان بنص يثير فيه آثام الخمر ويلفت به العقل إلى أن ترك الخمر أولى فإثمها أكبر من نفعها . قال تعالى : ( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ) (1)
وكانت المرحلة الثالثة أن ضيق الإسلام أوقات شرب الخمر حين حرم على المسلم أن يقرب الصلوات الخمس وهو سكران قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ) (2) .
ثم كانت المرحلة الرابعة والأخيرة وقد تهيأت النفوس لها تهيؤاً كاملاً فلم يكن إلا النهي حتى تتبعه الطاعة الفورية ، والإذعان ، فحينما نزلت آية التحريم بقول الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه ) (3) . لم يحتج الأمر إلى أكثر من مناد يمر في نوادي المدينة وسككها ليعلن ( ألا يا قوم إن الخمر قد حرمت ) .. فمن كان في يده كأس حطمها ومن كانت عنده أواني الخمر وجرارها كسرها ، وإنتهى الأمر كأن لم يكن سكر ولا خمر .
وهكذا أقلع المسلمون عن عادتهم الجاهلية وابتعدوا عن الداء الخبيث وتطهروا بمجرد سماعهم حكم القرآن الكريم الذي ربَّى في نفوسهم الوازع الذاتي الممتثل للأوامر والفضائل ، والمجتنب للنواهي والرذائل .
هذا ونستطيع أن نلمس دقة العلاج الإسلامي لمشكلة الخمر حين ننظر في محاولات الغرب والشرق لعلاج المشكلة المذكورة .. حيث أعدت هناك الخطط والدراسات ، وأصدرت القوانين المجردة عن إطار العقيدة كما أصدرت التشريعات واعتمدت الميزانيات والنفقات .. كل ذلك من أجل القضاء على الخمر فماذا كانت النتيجة ؟ لقد كانت فشلاً ذريعاً وخيبة مريرة .(1/41)
ففي أمريكا أرقى مجتمعات الغرب ثارت مشكلة الخمر في الرأي العام الأمريكي عام 1918م وبدأ المسئولون يدقون أجراس الخطر بل الأخطار الناجمة عن انتشار عادة الإدمان بين الأفراد والجماعات ، وفي سنة 1919م دخلت المشكلة في الدستور الأمريكي ، وفي نفس السنة أيد هذا التعديل بأمر حظر ، أطلق عليه التاريخ ( قانون فولستد ) وقد أعدت لتنفيذ هذا التحريم داخل الأراضي الأمريكية كافة وسائل الرقابة الخارجية وهي :
... 1 . الأسطول أجمعه لمراقبة الشواطئ .
... 2 . الطيران لمراقبة الجو .
... 3 . المراقبة العلمية .
فماذا كانت النتيجة ؟ فشل كامل لأمر الحظر ، وسقوط ما قرره التعديل الدستوري الحادي والعشرون الذي صدق عليه الكونجرس عام 1933م .
نقول : هذا هو علاج القانون في الغرب وتلك آثاره ونتائجه .
أما عن علاج الشرق لمشكلة الخمر وبيان نتائجه فأكتفى في هذا الصدد بذكر هذه الواقعة الدالة على إخفاق الشرق الشيوعي في القضاء على هذه المشكلة ، كما أخفق الغرب الرأسمالي من قبل .. يقص باحث مسيحي في كتاب له حواراً حدث بينه وبين واحد من الماركسيين في دولة بولونيا : فكتب يقول :
( قال لي الرفيق ونحن على المائدة : ألك في كأس آخر من الفودكا (1) ؟ وأردف ذلك بقوله : إن الفودكا داء لسنا ندري كيف نتخلص منه . فالعمال ينفقون نصف أجورهم في شربها ويدمنون عليها بل يلاحظ في الغالب كثرة المتغيبين عن مصانعهم في أيام الإثنين بالذات ، إذ يكون هؤلاء المتغيبون لا يزالون متأثرين بما تناولوا يوم الأحد من شراب الفودكا ، وأردف بذلك بقوله : لقد نجحنا في تغيير نظام الحكم ونظام المعيشة ونظام الإقتصاد ، ولكننا لم ننجح في تغيير عقلية الناس .
وابتسمت له ولكنني أقول في دخيلة نفسي أليس ذلك إعترافاً من الرفيق بأن الماركسية إذا كانت قد فرضت سلطانها على كل مظاهر الحياة ، فإنها لم تتغلغل في النفوس والقلوب ) (2) .(1/42)
وفي ختام هذه المقارنة لنا أن نقرر ما يلي : إن جوهر الفرق بين نجاح الإسلام وإخفاق ما عداه في القضاء على داء الخمر هو راجع لما تتمتع به عقيدة الإسلام وحدها من غرس الوازع الذاتي في النفوس ومن ثم فهي لا تحتاج إلى جهاد معنوي أو مادي في منع شئ محرم أو نهي عن إقتراف إثم ، وهذا بخلاف القوانين المعتمدة على الوازع الخارجي الأمر الذي يتبين للباحث في ضوئه لماذا تتصف الثقافة الإسلامية وحدها بالأصالة والرسوخ والعمق .
الأساس الثالث : عالمية دعوة الثقافة الإسلامية :
تتسم الثقافة الإسلامية بالأصالة والرسوخ لأنها نابعة من الدين الإسلامي صاحب الدعوة العالمية .. إن الدعوة الإسلامية هي كلمة السماء الخاتمة ، نبيها هو خاتم الأنبياء والمرسلين ، وكتابها هو المُصدَّق والمتمم لما قبله من الكتب السماوية ، والمهيمن عليها في الوقت نفسه وهذا أهم ما يتفرد به الدين الإسلامي من بين سائر الأديان .
إن أكبر الأديان السماوية السابقة في الوجود على الدين الخاتم هما الدينان اللذين جاء بهما موسى وعيسى تتسم شريعة كل منهما بالخصوص لا بالعموم وبالتوقيت لا بالتأييد ، وبالقومية لا بالعالمية .
فاليهودية في بداية عهدها عصر النبي موسى عليه السلام دين خاص أرسل به الكليم إلى فرعون الطاغية وملئه المستكبرين لدعوته إلى عبادة الله رب العالمين وحده وترك العظمة التي كان يدعيها ذلك الطاغية وتقبلها حاشيته المستكبرة المُغررة .
أيضاً أرسل موسى عليه السلام إلى بني إسرائيل ليُخلص أجسامهم من ذل العبودية للحاكم الطاغية فتنعم بذل العبودية لله تعالى وحده كما يُخلص ويحرر وجدانهم من الوثنية الشائعة آنذاك ، ليغرس في نفوسهم عقيدة التوحيد الخالص لله تعالى .
واليهودية في بداية عهدها أيضاً هي صاحبة التوراة الصحيحة والتي كان العمل بأحكامها مختصاً ببني إسرائيل وحدهم لأن التوراة لم تنزل على نبيهم عليه الصلاة والسلام إلا بعد غرق فرعون وملئه (1) .(1/43)
هذا هو شأن الدين اليهودي في بداية عهده أما شأنه بعد ذلك فهو دين يعلن على سمع الزمان وبصره قوميته وإقليميته ، وذلك أمر نتبينه من إقرار التوراة وإصرارها بعد ما اعتراها التبديل والتحريف على إقليمية الألوهية لله سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً .
ونود أن نشير في هذا المقام إلى أنه من المتعذر أن نستشهد بما يرشد إلى هذه الإقليمية ، لأن عبارات ( إله إبراهيم ، وإله إسحق ، وإله إسرائيل ، وإله العبرانيين ) تشيع بكثرة كثيرة في جميع أسفار التوراة وهذا ما جعل بعض الباحثين يقول : ( إن تعاليم الربانيين كانت قد أقامت على الوعد الذي تلقاه إبراهيم ، وعلى ميزة الإختيار التي كانت ليعقوب عقيدة دينية قومية ، فالله سبحانه وتعالى قد أصبح في تلك العقيدة – وعلى وجه التقريب – ألوهية قومية ) (1) .
وإذا تجاوزنا اليهودية للمسيحية وجدنا أن هذه الثانية لا تختلف عن الأولى في كونها ديانة خاصة إذ أن عيسى عليه السلام قد أرسل إلى بني إسرائيل وحسب وأن بعثته عليه السلام بعثة خاصة ممهدة للبعثة العامة لخاتم الأنبياء قال تعالى : ( وإذ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ، فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين ) (2) .
والمسيحية الحاضرة تذهب إلى بعض ما تقرره هنا فإنجيل ( متى ) ينص على أن رسالة المسيح خاصة لبني إسرائيل يقول الإنجيل على لسان عيسى عليه السلام : ( لم أرسل إلا لخراف بني إسرائيل الضالة ) (3) كما تذهب المسيحية الحاضرة إلى كل ما قررناه من قبل في الديانة اليهودية تلك التي تقول بإقليمية الألوهية ، وليس أدل على هذا من لفظ ( الرب ) فكثيراً ما يأتي في الأناجيل هكذا أي محلى بالألف واللام ثم إذا أضيف فهم لا يضاف إلا إلى إسرائيل أو إلى أحد من ذريته فقط .(1/44)
يقول إنجيل ( لوقا ) في مهام رسالة المسيح عليه السلام : ( ويرد كثيرين من بني إسرائيل إلى الرب إلههم ) (1) .
ويقول إنجيل ( مرقس ) على لسان المسيح : ( أن أول كل الوصايا هي اسمع يا إسرائيل : الرب الهنا ) (2) ويذكر إنجيل ( يوحنا ) أن المسيح قال عقب قيامه من قبره ( ( إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم ) (3) .
نقول : إن هذه النصوص وأمثالها تدل على امتداد تصغير شأن الإله وإقليمية العقيدة من الدين اليهودي إلى الدين المسيحي الأمر الذي يجعلنا نقرر ما يلي :
إن هذه هي حال الدينين الكبيرين السابقين في الوجود على الإسلام ، وهي حال تنطق بالخصوصية والإقليمية كما تنطق من باب أولى بخصوصية الأديان السابقة على الإسلام في الوجود .
إن الإسلام وحده هو الدين الذي يتسم بسمة العالمية وهذا أمر تتضح معالمه بما يتضمنه الإسلام من مقومات عالمية ونظم سامية تغطي كل نواحي الحياة ومن مرونة تجعل الإسلام دين العصور والدهور .
وتتضح معالم عالمية الإسلام أيضاً في المنطوق الحرفي ، والمبنى اللفظي لكلمة الإسلام نفسها إذ أن الكلمة نفسها ( إسلام ) لا تشير إلى شخص معين فليس مثلها مثل البوذية التي تشير إلى ( بوذا ) ولا الكونفوشيوسية التي تشير إلى ( كونفوشيوس ) ولا تشير الكلمة إلى جنس كما تشير اليهودية ، ولا تشير إلى مكان ولا إلى زمن ، إنها كلمة لا يحدها شخص ، ولا جنس ، ولا زمان ، ولا مكان إنها تضعنا بمجرد سماعها وفهم معناها مباشرة في محيط الإطلاق والعموم والشمول ) (4) .(1/45)
وتتضح عالمية الإسلام أيضاً بمعجزته الخالدة .. إن معجزة الإسلام ( لم تكن حادثة تقع وتزول من غير بقاء لها إلا بالخبر ، بل كانت قائمة تخاطب الأجيال : يراها ويقرؤها الناس في كل عصر ، ونقول إنها مناسبة لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم لعمومها في الأجيال ، ولمكانته في الرسل ، ومقامه في هذا الوجود الإنساني إلى يوم القيامة ) (1) . إنها القرآن الكريم الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، الكتاب المهيمن على ما سبقه من الكتب .
ولا يفوتنا ونحن نتحدث عن عالمية الدعوة الإسلامية أن ندحض الغربة التي تدعي أن الإسلام دين إقليمي أو قومي لأن معجزته الخاصة به تقرأ وتكتب باللغة العربية فقط .
ونرد على الادعاء بمقالة الباحث الإسلامي ( المودودي ) .. حيث يقول :
( ليس كما قيل أن القرآن الكريم عربي فتكون دعوته عربية لا عالمية .. إن الدليل المنطقي يقول : الخصائص التي تُميز النظام القومي أو المؤقت ، من النظام العالمي أو الخالد : هي أن الأول إما أن يدعو إلى تفضيل شعب على غيره ويطالب له بحقوق ومميزات خاصة وإما أن يؤمن بنظريات ومبادئ لا تستطيع أن تروج وتزدهر في الشعوب الأخرى وعلى العكس من ذلك يكون النظام الثاني العالمي .. ثم إن النظام المؤقت ينشئ بناءه على قواعد تفقد قابليتها بمرور الأيام بينما النظام العالمي الخالد تنطبق مبادئه على جميع الظروف المتطورة ) (2) .
ويضيف دون تعصب : ( إن الإسلام هو الدين الذي لم يفضل شعباً على غيره وهو الدين الذي لم يأت بمبادئ خاصة وتعاليم محددة لبيئة وزمن معين ، ومن ثم فهو دين عام وعالمي ) . انتهى كلامه .(1/46)
هذا ويعلم أصحاب الفرية المدعين أن الإسلام دين خاص بالعرب ليعلم هؤلاء أنه لا يلزم من قومية اللغة قومية الرسالة وخصوصيتها لأصحاب هذه اللغة .. إن اللغة لون ثقافي ، والثقافة أمر مشاع لبني الإنسان وإذا لم يُسلم هؤلاء بأن عربية المعجزة الإسلامية لا يمنع من عالميتها ، فكيف يُساغ بميزان منطقهم إيمان اليهود والنصارى العرب بالتوراة مع أنها كتبت بالعبرية ؟ وكيف يساغ بميزان منطق المدعين إيمان النصارى من العرب بالأناجيل الأربعة متى ، مرقس ، يوحنا ، لوقا . مع أن هذه الأناجيل قد كتبت بغير العربية (1) .
أليس هذا الأمر كافياً لإثبات أن نزول القرآن باللغة العربية لا يدل أبداً على إختصاص دعوته بالعرب؟ وأن عامل اللغة لا علاقة له ولا تأثير في خصوصية شئ وعموميته ؟
ثم إنه ليكفي في الدلالة على عالمية الإسلام أن دعوته لا توجه إلى جنس من الأجناس ولا إلى قومية من القوميات وإنما توجه دعوته إلى الناس كافة ولذلك لم يؤثر ورود الخطاب بـ ( يا آيها الناس ) .. الخطاب المشير إلى العموم لم يؤثر ورود هذا الخطاب في القرآن الكريم إلا على لسان خاتم الأنبياء .. قال تعالى مخاطباً محمداً صلى الله عليه وسلم : ( قل يا آيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً )(2) وقال سبحانه وتعالى : ( قل يا آيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين)(3).
ومن هنا فإن اختصاص خاتم الأنبياء بهذا النداء بين سائر الرسل ليدل دلالة واضحة على عالمية الدعوة الإسلامية ومن ثم لا يكون هناك أدنى غرابة في إتصاف الثقافة النابعة من هذه الدعوة بالأصالة والرسوخ والدوام والإستمرار .(1/47)
وبهذا نصل إلى القول بأن أسس ومرتكزات الثقافة الإسلامية قامت على أصول وثوابت لا تزعزعها الآراء ، ولا تجرفها الأهواء ، وأنها في ثباتها وقوتها كالجبال الراسية الراسخة ، وأن ثقافةً هذه مرتكزاتها لهي جديرة بأن تكون هي الثقافة الحق الأولى بالإتباع والتبني والأخذ بها وبتعاليمها الداعية إلى عبادة الله وحده . وأن هذه الثقافة هي أس وأساس الحضارة الداعية إلى العلم وإلى ترقية الحياة على وجه الأرض .
الفصل الخامس : العلاقة بين الثقافة والحضارة والعلم
أولاً : العلاقة بين الثقافة والحضارة :
قبل أن أناقش هذه العلاقة من وجهة النظر الإسلامية فإنه يجدر بي أن أُعرج وبشكل مقتضب على ما كتب عن هذه العلاقة والمفارقة بين هذه المسميات بشكل عام فأقول إن الثقافة مرتبطة إرتباطاً وثيقاً بالحضارة ، وإن كان هذا الإرتباط من وجهة نظر الكثيرين ممن كتبوا عن هذه العلاقة إرتباط عموم وخصوص ، وهذا ما أميل إليه فإن الحضارة هي التطبيق المادي للتراث الثقافي وفي في الوقت نفسه ومن ناحية أخرى وليدة هذا التراث في البيئة التي تقوم فيها ، ثم إنها كذلك بمثابة المرآة التي تعكس لنا مقومات ومميزات ثقافة المجتمع التي تنتسب إليه وهي تعبر عن المستوى الذي بلغه هذا المجتمع في فكره وأخلاقه وقيمه وعاداته ووسائل التقنية التي يستخدمها ، ونقول أيضاً أن هذه العلاقة بينما تبرز بوضوح في التأثير والتأثر فيما بينهما فجميع عناصر الحضارة تحمل جانباً ثقافياً كما أن الثقافة في الوقت نفسه تحمل الصفة الخاصة بعناصرها الحضارية وبصفة يمكن القول أن الحضارة تمثل الواجهة الخارجية للثقافة .
وأما الرأي الثاني لبعض من تعرضوا لهذه العلاقة فمفاده ( أن الحضارة هي كل ما أبدعه العقل البشري في مجال الفكر والمعرفة وفي جوانب الحياة المادية أيضاً . بينما يرى آخرون أن الحضارة تختص بالتعبير عن الوسائل والإختراعات والإبتكارات الصناعية والمادية وحدها ) (1) .(1/48)
وفريق رابع يرى أن الثقافة تختص وتتعلق بالجوانب المعنوية والفكرية والحضارة تختص بالجانب المادي ، ورأي خامس يرى أنه لا فرق أبداً بين الكلمتين فكل منهما مرادفة للأخرى .
ثانياً : العلاقة بين الثقافة والعلم :
لقد عرفنا في النقطة السابقة أن هناك علاقة بين الثقافة والحضارة وفي هذه النقطة قد نقدم الفروق قبل التوافق بين الثقافة والعلم ( فبتأمل دقيق في مفهوم كل منهما يتضح لنا أن كلاً منهما معرفة ، ولكن مع ذلك فإن هناك فروقاً جوهرية في كليهما للأمور التالية ) (1) .
أ- ... العلم عبارة عن مجموعة من القواعد التي تؤخذ عن طريق التجربة والملاحظة والإستنتاج مثل العلوم التطبيقية كعلم الكيمياء والطبيعة وسائر العلوم التجريبية الأخرى . أما الثقافة فهي كما سبق مجموعة من المعارف تؤخذ عن طريق الأخبار والتلقي والإستنباط مثل التاريخ واللغة والفقه والأدب والتفسير والفلسفة والفنون كالتصوير والنحت وغيرها ذلك لأن التاريخ هو التفسير الواقعي للحياة والأدب هو التصوير الشعوري لها والفلسفة هي الفكر الأساسي الذي تبنى عليه وجهة النظر فيها والتشريع هو المعالجات العلمية لمشاكل الحياة والأداة التي يقوم عليها تنظيم علاقات الرد والجماعات .
ب . إن العلم عالمي لا وطن له ولا أمة فلا تختص به أمة دون سائر الأمم الأخرى ولا يقتصر على شعب دون آخر ، وإنما هو مشاع مشترك بين الجميع ، أما الثقافة فهي ذاتية تختص بأمة معينة لا توصف بها أمة أخرى إلا إذا انسلخت أمة من ثقافتها وأصبحت تابعة لثقافة أخرى هزمتها واستحوذت عليها فعندئذٍ تدخل المنهزمة في ثقافة الهازمة .
جـ . إن العلم يؤخذ أخذاً عالمياً دون قيود لأنه محصلة إسهام الأمم كلها خلافاً للثقافة .(1/49)
د . إن العلم النظري أكثر منه عملياً ، كما أنه يرمي إلى تنمية الملكات وهو في نهاية المطاف وسيلة وإرادة وقد يستعمل للخير والشر على السواء في حين أن الثقافة سلوك أكثر منها معرفة فهي علم وعمل وفكر وسلوك وإتجاه وعاطفة في وقت واحد.
هـ . إن العلم جزء من الثقافة لأنه لا يتصف بصفة واحدة مميزة كما هو حال الثقافة التي هي أعم وأشمل . فأنت مثلاً تقول الثقافة الإسلامية ، الثقافة الإغريقية ، الثقافة الرومانية وهكذا …
و . مكانة الثقافة من التعليم والتربية مكانة الدرجة الأعلى فالتعليم قاصر على الإعداد المدرسي والدراسي لتكوين العقلية المؤهلة للثقافة أما الثقافة فهي الدرجة الأعلى كما قدمنا لأنها تُكَوِنُ الفرد تكويناً متفوقاً ومتميزاً .
وبهذا يتبين أن الثقافة ليست مرادفة للعلم في معناها وأنه لا يجوز أن نخلط بينهما لأن هذا يؤدي إلى تصور خاطئ يجعل الثقافة محصورة في فئة محدودة من أبناء المجتمع مع العلم بأنها تشمله كله بجميع فئاته وطوائفه وتُعبر عن أفكاره وإتجاهاته .
فالأمي في القراءة والكتابة داخل في ثقافة أمته ، لا نستطيع أن نقول عنه أنه غير مثقف بثقافة أمته في حدود حرفته وديانته وبيئته التي يعيش عليها ، كما أن أهل الثقافة داخل الأمة هم درجات في فهم واستيعاب ثقافة أمتهم والتمثل بها ، فالذي عنده علم لاشك أن تَرقيه في سُلِم ثقافته أكبر ممن ليس عنده علم .
وبهذا نكون عرفنا طرفاً من هذه العلاقة بين الثقافة والحضارة وأيضاً الفروق بين الثقافة والعلم لكن بعد هذه المقدمة البسيطة نريد أن نتعمق قليلاً في مفهوم الثقافة والحضارة من وجهة النظر الإسلامية لأن هذا في الحقيقة هو ما يهمنا في هذا الفصل فإن المفاهيم تختلف وما قدمناه هنا هو مفهوم عام لهذه العلاقة وهذه الفروق في الثقافات الأخرى غير الثقافة الإسلامية .
مفهوم الحضارة في التصور الإسلامي :(1/50)
جدير بنا ونحن نتكلم عن مفهوم الثقافة الإسلامية أن نتطرق للحضارة من وجهة النظر الإسلامية فإن هذا المفهوم للحضارة قد يختلف في بعض جوانبه عن مفهومها الذي قدمنا طرفاً منه في هذا الفصل . فذلك المفهوم مفهوم عام في مختلف الثقافات أما مفهومها في ثقافتنا الإسلامية ( فإن الجانب التطبيقي فيها ترجمة عملية وواقعية صحيحة للجانب المعياري مع إستخدام كل معطيات الإنسان والزمان والمكان وعندها تكون الحضارة وتوجد إذ أن الحضارة هي عمارة الأرض وترقية الحياة على ظهرها إنسانياً وخلقياً وعلمياً وأدبياً وفنياً وإجتماعياً وفق منهج الله وشريعته ) (1) .
( وبناءً على هذا المفهوم فإن المجتمع الإسلامي هو المجتمع المتحضر أما المجتمعات الأخرى التي تنكر وجود الله أصلاً ، أو تجعل له ملكوت السموات وتعزل عنه ملكوت الأرض ، أو لا تطبق شريعته في نظام الحياة ولا تحكم منهجه في حياة البشر ، فهذه كلها مجتمعات جاهلية أو متخلفة ) (2) لأنها لا تدخل في دين الله الذي حدده سبحانه وتعالى في قوله ( إن الحكم إلا لله أمر أن لا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ) (3) وقد أقسم سبحانه وتعالى بنفسه كما يقول ابن القيم على نفي الإيمان عن العباد حتى يُحَكموا رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل ما شجر بينهم ، ولم يكتف بذلك منهم حتى يسلموا تسليماً (4) قال تعالى : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يُحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً ) (5) .
إن من أبرز سمات الحضارة في التصور الإسلامي هي كما يقول الأستاذ محمد أسد ( ذاتية الحضارة الإسلامية ) (6) فالحضارة الإسلامية ليست ثمرة تقاليد متوارثة ولا نتيجة تطويرات فكرية آتية من الماضي وإنما هي إنبعاث ذاتي مباشر من القرآن الكريم ومن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ومن تطبيقها تطبيقاً عملياً صحيحاً في واقع الحياة .
أصول الحضارة في التصور الإسلامي(1/51)
إن الحضارة الإسلامية كما يقول سيد قطب يمكن أن تتخذ أشكالاً متنوعة في تركيبها المادي والتشكيلي ، لكن الأصول والقيم التي تقوم عليها ثابتة لأنها مقومات هذه الحضارة وهذه الأصول والمقومات هي :
1 - أن تكون الحاكمية العليا في المجتمع لشريعة الله .
2 - أن تكون آصرة التجمع الإسلامي الأساسية في المجتمع هي العقيدة .
3 - أن تكون إنسانية الإنسان هي القيمة العليا في المجتمع .
4 - أن تكون الأسرة هي قاعدة البناء الإجتماعي .
5 - أن يقوم الإنسان بالخلافة في الأرض على أساس الإحسان في العمل .
وإليك أخي القارئ تفصيل هذه الأصول :
الأصل الأول : هو أن تكون الحاكمية في المجتمع لله وبذلك يتحرر الإنسان فيه من العبودية لغير الله ( فحين تكون الحاكمية العليا لله وحده متمثلة في سيادة الشريعة الإلهية ، تكون هذه هي الصورة الوحيدة التي يتحرر فيها البشر تحرراً كاملاً وحقيقياً من العبودية للبشر وتكون هذه هي الحضارة الإنسانية الحقة لأن حضارة الإنسان تقتضي قاعدة أساسية من التحرر الحقيقي الكامل للإنسان ومن الكرامة المطلقة لكل فرد في المجتمع ولا حرية في الحقيقة ولا كرامة للإنسان في مجتمع بعضه أرباب يشرعون وبعضه عبيد يطيعون ) (1) .
إن الشعور بالحرية والكرامة هو الحالة الدائمة التي ينبغي أن يكون عليها المؤمن في تصوره وتقديره للأشياء والأحداث والقيم والأشخاص وإفراد الله بالعبودية ومن ثم إفراده بالحاكمية يؤدي إلى الشعور بالإستعلاء وهو شعور يجب أن تستقر عليه نفس المؤمن إزاء كل شئ وكل وضع وكل قيمة وكل أحد ، وهو إستعلاء بالإيمان وقيمه على جميع القيم المنبثقة من أصل غير أصل الإيمان .(1/52)
لقد تمثل الشعور بالإستعلاء … إستعلاء الإيمان في موقف ربعي بن عامر عندما أرسله سعد ابن أبي وقاص قبل موقعة القادسية رسولاً إلى رستم قائد الجيوش الفارسية وأميرها ، فدخل عليه ربعي وقد جلس رستم على سرير من ذهب في مجلس مزين بالنمارق والزرابي ، وكان رستم يتلألأ في تاجه ويواقيته الثمينة . دخل ربعي بثياب صفيقة وترس وفرس قصيرة لم يزل راكبها حتى داس على طرف البساط ثم نزل وربطها ببعض تلك الوسائد ، وأقبل وعليه سلاحه فقالوا له ضع سلاحك فقال : إني لم آتكم وإنما جئتكم حين دعوتموني فإن تركتموني هكذا وإلا رجعت ، فقال رستم : إئذنوا له فأقبل يتوكأ على رمحه فوق النمارق فخرق عامتها فقال له رستم ما جاء بكم ؟ فقال إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام .
إن هذا الشعور بالحرية والكرامة أو لنقل إستعلاء الإيمان لا يتأتى إلا حين تكون العبودية في المجتمع لله وحده ومن ثم تكون الحاكمية فيه لله وحده فعندئذ فقط يكون هذا المجتمع متحضراً .
أما المجتمع الذي تكون الحاكمية فيه لغير الله فهو مجتمع جاهلي متخلف إذ لا حرية حقيقية ولا كرامة حقيقة للإنسان فيه ، يؤكد هذا المعنى الأستاذ الدكتور/يوسف العش في بحثه عن روح الحضارة الإسلامية إذ يقول : ( إن أبرز إختلاف بين مفهوم الحضارة في الفكر الإسلامي ومفهومها في الفكر الغربي يقوم على تفسير التقدم فالغرب يرى التقدم مادياً خالصاً بينما يرى الإسلام أن التقدم معنوي ومادي وأنه إنساني أصلاً وتوحيدي في أساسه ، فكل تقدم في مفهوم الإسلام يجب أن يقوم على أساس التحرر من عبودية غير الله فلا يؤمن بسلطان غير سلطانه والأصل في الوحدانية هو التحرر من عبودية غير الله ومن كل سلطان غير سلطانه ) (1) .(1/53)
الأصل الثاني : وهو تمثل العقيدة رابطة التجمع الأساسية في المجتمع وبذلك يصبح المجتمع الإسلامي هو المجتمع الوحيد المتحضر لأن العقيدة وحدها تمثل رابطة التجمع الأساسية فيه فالعقيدة هي الجنسية التي تجمع بين الأبيض والأسود والأصفر العربي والفارسي والرومي والحبشي ، فسائر أجناس البشر يجتمعون في أمة واحدة ربها هو الله سبحانه وتعالى ، ومنهجها واحد لأنه من الله سبحانه وتعالى والأتقى فيها هو الأكرم عند الله ، والعقيدة هي الوطن فلا وطن للمسلم إلا الذي تقام فيه شريعة الله فتقوم الروابط بينه وبين سكانه على أساس الإرتباط في الله وبهذا يكون الإرتباط على أساس العقيدة هو الذي يجعل المسلم عضواً في دار الإسلام .
إنه لا قرابة للمسلم بحق إلا تلك التي تنبثق من العقيدة في الله فتصل الوشيجة بينه وبين أهله في الله ، إنه على أساس من العقيدة طرد الإسلام أبا لهب عم الرسول العربي القرشي الهاشمي من الجنسية الإسلامية كما يقول ( الشيخ على الطنطاوي ) بل وجعل سبه عبادة وشتمه صلاة ( تبت يدا أبي لهب وتب ) وعلى عكس ذلك نجد الرسول صلى الله عليه وسلم يضم عبداً فارسياً غير عربي لا إلى الإسلام فقط بل إلى بيت النبوة ( سلمان منَّا أهل البيت ) (1). وعلى أساس العقيدة يفرق الإسلام بين نوح وزوجته ولوط وزوجته ( ضرب الله مثلاً للذين كفروا إمرأة نوح وإمرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل أدخلا النار مع الداخلين )(2) وعلى العكس من ذلك يحدث مع فرعون وامرأته ( وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين ) (3) .(1/54)
أما وشائج اللحم والدم والأرض والطين ، كالجنس واللون والقومية والقرابة والإقليمية … الخ فإن الإسلام يرفع الإنسان عن مستواها والرسول صلى الله عليه وسلم يقول للمهاجرين ( دعوها فإنها منتنة ) (1) . يعني العصبية وهنا نقول إن الآصرة الكبرى والأقوى في الإسلام هي العقيدة ، وهي التي تجعل المنضوين تحتها أخوة ( إنما المؤمنون أخوة ) وبعضهم أولياء بعض ( إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض ) (2)
إن التاريخ الإسلامي يُذكرنا إنه حين انعقدت آصرة العقيدة في نفوس المسلمين تحطمت الهجمات الصليبية عليهم ، فالقادة الذين نسوا الإنتماءات العرقية ووشائج الدم والأرض والقوم قادوا المسلمين إلى النصر ، ومن أولئك صلاح الدين الأيوبي الكردي ونوران شاه ، والظاهر بيبرس ، وسيف الذين قطز ، وغيرهم كثير إن هذه القيادات نسيت القوم والأرض وتمسكت بالعقيدة فانتصرت تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله .
ولآصرة التجمع الأساسية في المجتمع الإسلامي حكمة ربانية بالغة ومن ثم فهي عقلية وعلمية يقول الأستاذ/سيد قطب : ( حين تكون آصرة التجمع الأساسية في مجتمع ما هي العقيدة والتصور والفكرة ومنهج الحياة فإنه يكون ذلك ممثلاً لأعلى ما في إنسانية الإنسان من خصائص ، أما حين تكون آصرة التجمع في مجتمع ما هي الجنس واللون والقوم والأرض وما إلى ذلك من روابط فإنها كلها لا تمثل الخصائص العليا للإنسان .
والخلاصة أن المجتمع الذي يتجمع فيه الناس على أمر يتعلق بإرادتهم الحرة واختيارهم الذاتي الموافق لما شرعه مولاهم المتحضر والمجتمع الذي يجتمع فيه الناس على أمر خارج عن إرادتهم الإنسانية فهو المجتمع المتخلف وفي المصطلح الإسلامي يطلق عليه المجتمع الجاهلي ) (3) .(1/55)
وإذا ما طبقنا هذه القاعدة على أي نظام في المجتمعات غير الإسلامية نجد أن الرأسمالية قد أقامت مجتمعاتها الرأسمالية على أساس قومي وجنسي وجغرافي فكانت النتيجة أن ساد الإحتكار والإستغلال والإذلال لإنسانية الإنسان على يد الإمبراطوريات القديمة والحديثة ، أما في الشيوعية فنجد أنها ترمي إلى إقامة مجتمع على أساس روابط أخرى تتخطى حواجز الجنس والقوم والأرض واللون واللغة ولم تحاول أن تقيمه على قاعدة ( إلهية ) أو حتى إنسانية عامة بل بدلاً من ذلك تحاول إقامته على قاعدة طبقة ( البروليتاريا ) (1) فجاءت صورة هذا التجمع وجهاً آخر للتجمع الروماني القديم الذي كان يقوم على قاعدة طبقة الأشراف ، والنتيجة أن هذا التجمع لا يبرز إلا أسوأ ما في الكائن وهو الحقد الأسود على سائر الطبقات الأخرى . بينما إختفت إرادة الإنسان في التعبير وحريته في عمارة الأرض وترقية الحياة على وجهها الصحيح ، وبهذا وعلى أساسه سقطت الشيوعية . أما الوضع في الإسلام فهو على العكس من ذلك تماماً فلقد كان من النتائج الباهرة إقامة المجتمع على آصرة العقيدة القائمة على الإرادة الحرة والإختيار الحر للإنسان ، وبذلك أصبح المجتمع المسلم مجتمعاً مفتوحاً لجميع الأجناس البشرية وكفاءاتها وطاقاتها بحيث أخرجت حضارة إنسانية رائعة تحوي خلاصة الطاقات البشرية في زمانها مجتمعة ، ولم تكن هذه الحضارة الإسلامية الضخمة يوماً ما عربية وإنما كانت دائماً إسلامية ولم تكن قومية ولكنها كانت عقيدية (2) .(1/56)
الأصل الثالث : إن من الأصول ومقومات الحضارة الإسلامية أن تكون ( إنسانية الإنسان هي القيمة العليا في المجتمع وأن تكون الخصائص الإنسانية هي موضع التكريم والإعتبار ، فعندئذ يكون المجتمع متحضراً أما حين تكون المادة في أي صورة هي القيمة العليا سواء في صورة النظرية كما في التفسير الماركسي للتاريخ أو في صورة الإنتاج المادي كما في سائر المجتمعات التي تعتبر الإنتاج المادي قيمة تهدر في سبيلها القيم والخصائص الإنسانية فإن هذا المجتمع يكون مجتمعاً متخلفاً (1) مهما بلغت درجة تقدمه العلمي وإنتاجه الإقتصادي والصناعي ، وهذا الكلام لا يعني أن المجتمع الإسلامي يحتقر المادة ولكنه فقط لا يعتبرها القيمة العليا التي تهدر في سبيلها خصائص الإنسان ومقوماته ، وتهدر من أجلها حرية الفرد وكرامته ، ويهدم فيها بنيان الأسرة ، وتصادر فيها أخلاق المجتمع وحرماته .
إن المجتمع المتحضر هو الذي تكون فيه القيم الإنسانية والأخلاق الفاضلة في مكان الصدارة لأن هذه القيم هي التي تنمي الخصائص الإنسانية في الإنسان وتميزه عن غيره من سائر المخلوقات وهذه القيم في المجتمع الإسلامي ثابتة وليست متغيرة كما هو الحال عند التقدميين والتطوريين أصحاب التفسير المادي للتاريخ وهذه القيم هي التي قررتها ودعت إلى التخلق بها الشريعة الإسلامية ، وما على الإنسان إلا أن يمضي في بنائها وصيانتها في المجتمعات التي يقيمها .(1/57)
إن الإسلام حين يدخل المجتمعات البدائية ينشئ الحضارة المناسبة لهذا المجتمع حيث ينتقل الناس من عبادة غير الله إلى عبادة الله وحده ، وتكتسي أجسامهم العارية وفقاً لما جاء عن الله ، وينتقلون من الخمول والبلادة إلى النشاط ، والعمل الموجه لإستغلال كنوز الأرض وخيراتها ، ويخرجون من طور القبيلة والعشيرة إلى طور الأمة الإسلامية ، ومن وشيجة الأرض والطين إلى وشيجة العقيدة والدين ، ومن طور الأمية والجهل إلى طور العلم وإعمال العقل فيما يرقي من أمور الحياة وهذه هي الحضارة التي ينقل الإسلام هذه الفئة إليها ، وحين يدخل المجتمعات المتقدمة صناعياً أو زراعياً فإنه يستخدم كل ما لديها من معطيات ويقيم حضارة هذه المجتمعات مستفيداً مما لديها فيما لا يخالف قيمه وتعاليمه ، وهكذا يقيم الإسلام أشكالاً مختلفة ومتنوعة من الحضارات تختلف بإختلاف البيئات التي يدخلها .
إن هذه الصبغة الإنسانية النابعة من العقيدة الإسلامية هي التي تفسر لنا إجتياح الإسلام لفكر الإمبراطوريات التي فتحها وثقافاتها وعاداتها وتقاليدها وصياغتها صياغة جيدة وكأن تلك الثقافات والموروثات التي عاشت عليها تلك المجتمعات قروناً كثيرة كأن لم تكن .
إن مهمة العلم في المجتمع الإسلامي المتحضر ليست قهر الطبيعة أو الإنتصار عليها بل التلطف معها ، والجد في إكتشاف قوانين الله فيها ، فالطبيعة ما خلقها الله لتقهر بل لإستخراج خيراتها ومكنوناتها التي أودعها الله فيها ، وجعلها مسخرة لخدمة الإنسان الذي سخر له الأرض وما فيها وما عليها قال الله تعالى ( وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه ) (1) وقال : ( ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرؤوف رحيم ) (2) .(1/58)
الأصل الرابع : هو أن تكون الأسرة هي قاعدة البناء الإجتماعي وأن تقوم على أساس التخصص بين الزوجين في العمل وأن تكون رعاية الجيل الناشئ هي من أهم وظائف الأسرة فالمجتمع الذي هذا شأنه هو المجتمع المتحضر لأن الأسرة هي البيئة التي تنشأ وتنمى فيها القيم والأخلاق الإنسانية متمثلة في الجيل
الناشئ ، والتي يستحيل أن تنشأ في وحدة أخرى غير هذه الأسرة ، أمَّا أن تكون العلاقات الجنسية ( الحرة كما يسمونها ) والنسل غير الشرعي هو قاعدة المجتمع ، أو حين تقوم العلاقات بين الجنسين على أساس الهوى والنزوة والإنفعال لا على أساس الواجب والتخصص الوظيفي داخل الأسرة ، أو حين تترك هذه المهمة وتفني طاقاتها في الإنتاج المادي وصناعة الأدوات ولا تنفقها في صناعة وتربية الإنسان ، أو حين يكون الإنتاج المادي يومئذ أعز وأغلى وأكرم من الإنتاج الإنساني فعندئذ يكون هذا هو التخلف الحضاري بل الجاهلية بعينها .
إذن فالتخصص الوظيفي في الأسرة التي تقوم ببناء الإنسان هو الأساس في المجتمع المتحضر الإسلامي بحيث يقوم كل بوظيفته داخل الأسرة لقد شاء الله أن يكون ميدان إنشاء العنصر الإنساني وتنشئته هو ميدان عمل المرأة بالدرجة الأولى ، ويقارن الشيخ محمد متولي الشعراوي بين ميدان عمل المرأة هذا وميدان عمل الرجل خارج البيت ، ويرى أن ميدان عمل المرأة هو أهم وأدق من ميدان عمل الرجل .
إذن الرجل بحكم عمله خارج البيت إنما يتعامل في أشياء كلها مسخرة لخدمة الإنسان الذي هو أكرم ما في الوجود بينما المرأة تكون مهمتها هي التعامل مع هذا المخلوق المُكرم الذي هو الإنسان تتعامل معه كزوج فيسكن إليها وتتعامل معه جنيناً في بطنها ووليداً في حضنها ورضيعاً تغذيه وتحنو عليه وطفلاً وصبياً وشاباً تربيه وترعاه (1) .(1/59)
إن ترك المرأة لهذا الميدان الذي هو مجال عملها الأساسي والتي خلقها الله وفطرها لتحسن العمل فيه إلى ميدان آخر لهو مأساة بكل المقاييس لأن استعدادات المرأة بالعاطفة والحنان والرفق وفهم الطفولة هي أدوات لا يصلح لها إلا المرأة الأم ، وهذا هو ميدانها الذي تحسن فيه وليس ميدان الرجال الذي تزاحمهم فيه فإنها ستخربه ولا تصلحه لعدم استعدادها فطرياً ولولا مركب النقص لكان للمرأة فخر وإعتزاز بمملكة البيت وتنشئة جيل المستقبل فيه فإن ذلك لا يقل شأناً عن فخر وإعتزاز الرجل بسياسة الحاضر وحسن القيام على مشكلات المجتمع التي تحتاج إلى جهد وكفاح .
والخلاصة في هذا الأصل أن الإسلام هو الحضارة والمجتمع الإسلامي هو المتحضر لأنه يؤمن أن إعداد جيل يترقى في خصائص الإنسانية ويبتعد عن خصائص الحيوانية لا يمكن أن يتم إلا في محضن أسرة قائمة على أساس الواجب والتخصص ومحوطة بضمانات الأمن والإستقرار العاطفي ، فهذا هو ما يوفر للمجتمع مقومات الترقي على خط التقدم الإنساني ولذلك جعل الله الزوجة شق النفس ومحضن السكينة والأمن والإستقرار ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) (1) .
الأصل الخامس : هو أن يقوم الإنسان بالخلافة في الأرض على أساس الإحسان في العمل ولكن ما المقصود بالعمل في التصور الإسلامي ؟(1/60)
إن العمل صورة من صور العبادة ويتضح ذلك من قوله تعالى : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً ) (1) فالحضارة في التصور الإسلامي لا تقوم على مجرد العمل بل تتطلب ضرورة الإحسان في العمل ، والإحسان في العمل ذو شقين . الشق الأول : هو إستخدام أقصى درجات المهارة والإتقان فيه ويؤكد هذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه ) (2) ولكن هل يكفي الإتقان في العمل والمهارة في أدائه لبناء حضارة حقيقية ؟ الإجابة الصحيحة على هذا أن ذلك بالتأكيد لا يكفي وهنا نصل إلى الشق الثاني لمعنى الإحسان في العمل وهو التوجه بالعمل إلى الله عز وجل ، فالعمل عبادة والإحسان في العمل مرتبط بمفهوم الإحسان في التصور الإسلامي الذي هو المرتبة العليا من مراتب الدين وهو أن تعبد الله كأنك تراه فأن لم تكن تراه فإنه يراك .
إذاً فالإنسان المتحضر والمجتمع المتحضر هو الذي يؤدي العمل بأقصى درجات المهارة والإتقان مع مراعاة الله في أدائه فالعامل المتحضر المسلم يراقب الله في عمله ويؤمن بأن الله يراه فيكون ذلك دافعاً كبيراً له لإحسان عمله والأصل في هذا هو أن الإنسان جعله الله خليفة في الأرض والعمل من أهم وسائل الإنسان لتحقيق مقتضيات الخلافة ألا وهي عمارة الأرض وترقيتها وفق منهج الله عز وجل ، ولن تكون المهارة في العمل على هذا الأساس ، وتصل إلى الغاية المطلوبة إذا إنقطعت صلة الإنسان بالله عز وجل فإنه إذا حصل ذلك فلن يراعي هذا القاطع للصلة بينه وبين الله عز وجل إلا ما يراه في مصلحته الشخصية ومصالح الأولياء عليه مهما كانت وسائل المراقبة ومهما ترتب على ذلك من دمار لمصالح الآخرين ) (3) .(1/61)
وعلى ما تقدم فإن وفرة الإنتاج وحده ، أو الإبداع المادي وحده ، لا يسمى في الإسلام حضارة فقد يكون معه التخلف وتكون معه الجاهلية ( أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين فاتقوا الله وأطيعون واتقوا الذي أمدكم بما تعملون أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ) (1) .
خلاصة القول في هذا الفصل هي أن الثقافة والحضارة في التصور الإسلامي مرتبطتان إرتباطاً عضوياً فعندما يكون الجانب العملي للثقافة مطبقاً تطبيقاً واقعياً وعملياً صحيحاً للجانب المعياري فيهما مع إستخدام كل معطيات الإنسان والزمان والمكان … تكون الحضارة .
لأن الحضارة كما سبق وأن أشرنا هي عمارة الأرض وترقية الحياة على ظهرها إنسانياً وخلقياً وأدبياً وإجتماعياً وفق منهج الله تعالى وشريعته .
وعندما يصل المجتمع المتحضر الإسلامي إلى هذه الدرجة ويظل متمسكاً بمقومات حضارته وهي إفراد الله بالعبادة ومن ثم إفراده بالحاكمية واعتبار العقيدة هي الأساس وهي آصرة المجتمع الرئيسية واعتبار إنسانية الإنسان هي القيمة العليا في المجتمع والنظر إلى الأسرة على أنها قاعدة البناء الإجتماعي وقيام الإنسان بالخلافة في الأرض على أساس الإحسان في العمل عندئذ فقط يتبوأ المجتمع المتحضر الإسلامي مكانته اللائقة به في تربية الإنسانية وقيادتها إلى الحق والعدل ( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ) (2) والقائد المسلم الذي نعنيه في هذا البحث معني بفهم وتدبر هذه المفاهيم للثقافة لتكون له نبراساً في القيام بمسئولياته القيادية وهو يحمل عزة المسلم الفخور بثقافة أمته وتراثها الحضاري والعلمي ويسهم من جانبه في تطوير وتقدم هذه الثقافة التي ينتسب إليها فمن هو يا ترى القائد المسلم ؟ وما هي يا ترى مواصفاته ؟ . هذا ما سنعرفه في بحث آخر بإذن الله تعالى .
• • •
الخاتمة :(1/62)
تم الانتهاء من إعداد هذا البحث المختصر حول بعض مفاهيم ثقافتنا الإسلامية الأصيلة وقد حاولت مجتهداً أن أبرز أهم تلك المفاهيم والتي يقود تحسس أهميتها إلى أن يعود المسلمون وبقوة إلى منبع عزهم ومجدهم الذي أهملوه فضاع صيتهم واندرس تراثهم وذهب بريق تميزهم بين الأمم .
وإني أدعو الله أن يوفق جميع المسلمين إلى ما فيه خيرهم وصلاحهم في الدنيا والآخرة .
أهم نتائج البحث :
من خلال ما جاء في خطة البحث المتقدم ذكرها فلعل من أهم النتائج التي عالجها البحث وأبرزها أنه بيَّن أهمية علم الثقافة الإسلامية وأنه العلم الذي يُحصِّن به المسلم عقيدته وشريعته من معاول الأعداء . كما أنه الأساس في تكوين شخصية المسلم وبروز تلك الشخصية حيث يكون ذلك البروز بتمثل السمات التي تتميز بها الثقافة الإسلامية لأنه تقرر معنا في إستعراض فصول البحث أن ثقافتنا الإسلامية متميّزة من بين سائر الثقافات الأخرى ومرد ذلك التميز أنها ربانية المصدر ، شاملة المنهج ، عالمية الهدف . بل وزيادة على ذلك فإنها ( أي الثقافة الإسلامية ) هي القاعدة وهي الأساس للحضارة الإسلامية التي سادت العالم زمناً طويلاً يوم كان ذلك التمسك القوي بأصول وأسس الثقافة الإسلامية .
فالحضارة وليدة لتراث البيئة التي تقوم فيها ، ثم إنها كذلك بمثابة المرآة التي تعكس لنا مقومات ومميزات ثقافة المجتمع الذي ينتسب إليه ، وهي تعبر بشكل أو بآخر عما بلغه هذا المجتمع الذي تقوم فيه من الرقي ، وهذا كله يؤكد الأهمية الكبيرة لثقافتنا الإسلامية الأصيلة .
الحواشي والتعليقات
أي علم الثقافة .
رواه الترمذي في باب العلم .
أضواء على الثقافة الإسلامية ، د/نادية العمري ، ص44 .
الدكتور/شكري فيصل ، مجلة الإسلام ، العدد ( … ) ، ص26 .
KOHLER, ERICH : CULTRE AND EVOLATION " IN ( ed. ) M. E. ASHLEY MONTAGA MAN’S ADAPTIVE DIMENSION " O.U.P. 1968, P3 .(1/63)
مالك بن نبي مشكلة الثقافة ، الطبعة الثانية ، دار الفكر ، ص30 وما بعدها .
سورة البقرة ، الآية 191 .
أساس البلاغة للزمخشري جار الله أبو القاسم محمود بن عمر ، دار صادر ، بيروت للطباعة والنشر ، 1385هـ ، ص73 – 74 .
سورة النساء ، الآية 91 .
الرائد/جبران مسعود : دار العلم للملايين ، بيروت ، 1964م .
المنجد في اللغة : لويس معلوف ، طبعة سابعة عشر ، بيروت ، ص71 .
الحضارة : دكتور/حسين مؤنس ، ص368 .
المصدر السابق ، ص369 .
مجلة الأزهر ، الجزء العاشر ، القاهرة ، شوال 1371هـ ، المجلد 23 ، ص47 .
فقه التاريخ في ضوء أزمة المسلمين الحضارية : للدكتور/عبدالحليم عويس ، دار الصحوة للنشر والتوزيع ، القاهرة ، 1414هـ ، ص130 .
سورة البقرة ، الآية 269 .
مجلة الأزهر : محاولات لإستكشاف الثقافة الإسلامية ، بقلم د/أحمد عبدالحميد غراب ، جـ10 ، السنة 61 جمادى الآخرة 1409هـ ، ص675 .
المرجع السابق ، ص675 .
مدخل إلى علم الثقافة الإسلامية : د/عبدالرحمن زيد الزنيدي ، ص89 .
سورة آل عمران ، الآية 19 .
سورة آل عمران ، الآية 85 .
أصول التربية الإسلامية للدكتور/محمد شحات الخطيب وآخرون ، ص146 .
المصدر السابق ، ص144 .
المصدر السابق .
سورة النحل ، الآية 125 .
سورة آل عمران ، الآية 104 .
مجلة جامعة الإمام ، العدد الثاني ، 1410هـ ، بقلم الدكتور/عبدالرحمن الزنيدي ، ص93 بتصرف .
المصدر السابق .
أنظر في هذه المنهجية والحاجة إليها ، نظام الإسلام ( العقيدة والعبادة ) لمحمد المبارك ، ص14 .
أي قيام علم ينهض بهذا الجانب وهو علم الثقافة الإسلامية .
المدخل إلى علم الثقافة الإسلامية : د/عبدالرحمن بن زيد الزنيدي ، مصدر سابق ، ص101 .
المصدر السابق ، ص102 .
خصائص التصور الإسلامي ومقوماته : سيد قطب ، ص114 ، ط7 ، دار الشروق ، 1402هـ .
سورة ص ، الآية 26 .
الثقافة والحضارة في التصور الإسلامي : د/علي احمد مدكور ، ص87 – 88 .(1/64)
سورة سبأ ، الآية 28 .
سورة الحجرات ، الآية 13 .
متفق عليه .
سورة النساء ، الآية 1 .
سورة المؤمنون ، الآيتان 51 – 52 .
الإعلام الإسلامي والعلاقات والإنسانية النظرة والتطبيق ، ورقة عمل مقدمة من دار التهامي نقره للقاء الثالث للندوة العالمية للشباب الإسلامي ، الرياض ، 1396هـ ، ص342 .
في النقد الإسلامي المعاصر : عماد الدين خليل ، ص172 ، بيروت ، 1972م ( بتصرف ) .
المصدر السابق .
رواه مسلم والترمذي .
سورة التغابن ، الآية 16 .
سورة البقرة ، الآية 233 .
ملامح الثقافة الإسلامية في الإعلام السعودي المعاصر بقلم : سليمان العيدي ، ص30 .
خصائص التصور الإسلامي ومقوماته : سيد قطب ن ص114 ، ط7 .
مصطفى أحمد أبو سمك : نظرات في نظم الإسلام وثقافته .
سورة المجادلة ، الآية 11 .
سورة الحجر ، الآية 19 .
سورة القمر ، الآية 49 .
سورة الأنعام ، الآية 38 .
سورة يونس ، الآية 5 .
سورة الأعراف ، الآية 31 .
سورة المائدة ، الآية 3 .
سورة النساء ، الآية 110 .
هذا وقد أدرك الصحابة رضوان الله عليهم ما نوهنا عنه وقررناه في هذا المقام ، فيروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : ( إذا أردتم العلم فانثروا القرآن فإن فيه علم الأولين والآخرين . أنظر تاريخ الفقه للشيخ السايس ، ص15 .
انظر الفلسفة القرآنية ، ص17 .
يقول الإمام المنذري في هذا الحديث : ( رواه ابن عبدالبر النمري في كتاب العلم .. وقال : هو حديث حسن ولكن ليس له إسناد قوي وقد رويناه من طرق شتى موقوفاً ، والله اعلم ) . أنظر الترغيب والترهيب ، جـ1 ، ص53 – 54 باختصار .
رواه ابن ماجه ، مقدمة باب فضل العلماء والحث على طلب العلم . رواه أبو داود في باب فضل العلم . صححه الألباني أنظر صحيح الجامع 5/302 ، طبعه المكتب الإسلامي ، ط الثالثة .
صحيح البخاري ، جـ1 ، ص30 .
أنظر تذكرة الدعاة للبهي الخولي ، ص288 – 289 .(1/65)
أنظر : الحضارة الإسلامية ، ص184 . والإسلام بين العلم والمدنية ، ص145 . ومناهج البحث ، ص4 – 5 ( بتصرف ) .
دراسات في الدعوة والدعاة ، ص393 وما بعدها . أنظر أيضاً طبقات الأمم ، ص68 – 70 .
إن جابر بن حيان أول من استحضر حامض الكبريتيك وأول من استحضر ماء الذهب وأول من اكتشف الصودا الكاوية . أنظر مناهج البحث والحضارة ، د/جمال الدين ، ص8 .
مع الله : دراسات في الدعوة والدعاة : للشيخ محمد الغزالي ، مرجع سابق ، ص393 .
ترجم كتاب ابن سيناء في الطب عشرات المرات إلى اللغة اللاتينية وغيرها ، وظلت مؤلفاته أساساً للمباحث الطبية في فرنسا وإيطاليا ستة قرون . أنظر مناهج البحث والمصادر ، ص8 .
سورة النحل ، الآية 67 .
سورة البقرة ، الآية 219 .
سورة النساء ، الآية 43 .
سورة المائدة ، الآية 90 .
اسم من أسماء الخمر المُصنع .
دراسات في المذاهب السياسية ، ص213 – 214 .
راجع تفسير أبي السعود ، جـ2 ، ص206 . وحاشية الجمل ، جـ2 ، ص199 .
الظاهرة القرآنية ، ص229 مالك بن نبي . راجع تاريخ بني إسرائيل من أسفارهم ، جـ1 ، ص92 .
سورة الصف ، الآية 6 .
إنجيل متى ، الإصحاح 15 عدد 21 .
إنجيل لوقا ، إصحاح 1 ، عدد 16 .
إنجيل مرقس ، إصحاح 12 عدد 39 .
إنجيل يوحنا ، إصحاح 20 ، عدد 17 .
دلائل ومعجزة الرسول ، ص117 .
المعجزة الكبرى للشيخ أبو زهرة ، ص11 .
المبادئ الأساسية لفهم القرآن ، ص51 – 55 .
إن الأناجيل الأربعة كتبت باللغة اليونانية وقيل إن بعضها كتب باللغة العبرية .
سورة الأعراف ، الآية 158 .
سورة الحج ، الآية 49 .
أصول التربية الإسلامية ، مرجع سابق ، ص135 .
بحوث في الثقافة الإسلامية ، الأستاذ الدكتور/حسن عيسى عبدالظاهر وآخرون ، بتصرف .
الثقافة والحضارة في التصور الإسلامي : د/أحمد مدكور .
معالم في الطريق : سيد قطب ، 116 – 117 ، ط دار الشروق ، بيروت ، 1403هـ .
سورة يوسف ، الآية 4 .(1/66)
أعلام الموقعين لإبن القيم 1/51 ، دار الجيل ، بيروت .
سورة النساء ، الآية 65 .
الطريق إلى الإسلام ، نقله أنور الجندي في أخطاء المنهج الغربي الوافد ، بيروت ، دار الكتاب ، ص242 .
معالم في الطريق ، مرجع سابق .
الطريق إلى الإسلام ، مرجع سابق ، ص239 .
الشيخ على الطنطاوي ، سووا صفوفكم ، الشرق الأوسط ، العدد 3299 ، في 10/12/1987م ، ص10 .
سورة التحريم ، الآية 10 .
سورة التحريم ، الآية 11 .
متفق عليه .
سورة الأنفال ، الآية 72 .
معالم في الطريق ، مرجع سابق ، ص115 .
طبقة العمال .
المرجع السابق ، ص59 – 60 .
المرجع السابق ، ص121 .
سورة الجاثية ، الآية 13 .
سورة الحج ، الآية 65 .
الأسرة المسلمة والأسرة المعاصرة : عبدالغني عبود ، الكتاب الرابع من سلسلة الإسلام وتحديات العصر ، ط دار الفكر ، 1979م ، ص143 .
سورة الروم ، الآية 21 .
سورة الكهف ، الآية 30 .
أنظر السلسلة الصحيحة للألباني رقم ( 1113 ) .
الثقافة والحضارة في التصور الإسلامي ، مصدر سابق ، ص102 .
سورة الشعراء ، الآيات 128 – 135 .
سورة الأعراف ، الآية 96 .
المصادر والمراجع
أساس البلاغة للزمخشري – جار الله أبو القاسم محمود بن عمر ، طبعة دار صادر ، بيروت 1385هـ .
الأسرة المسلمة والأسرة المعاصرة ، عبدالغني عبود ، الكتاب الرابع ، من سلسلة الإسلام وتحديات العصر ، طبعة دار الفكر ، 1979م .
أصول التربية الإسلامية ، د/محمد شحات الخطيب وآخرون .
أعلام الموقعين ، لابن القيم ، طبعة دار الجيل ، بيروت .
الإعلام الإسلامي والعلاقات الإنسانية ( النظرة والتطبيق ) التهامي نقرة 1396هـ .
الثقافة والحضارة في التصور الإسلامي ، د/علي مدكور .
الحضارة ، للدكتور/حسين مؤنس .
الحضارة الإسلامية ، ………………………
الرائد، لجبران مسعود ، طبعة دار العلم للملايين ، بيروت ، 1964م .
الطريق إلى الإسلام ، نقله أنور الجندي في أخطاء المنهج الغربي الوافد ، طبعة دار الكتاب ، بيروت .(1/67)
الظاهرة القرآنية ، مالك بن نبي .
الفلسفة القرآنية ، عباس محمود العقاد ، ط الثانية ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، 1969م .
المعجزة الكبرى ، لمحمد أبو زهرة .
المنجد في اللغة ، لويس معلوف ، طبعة سابعة عشر ، بيروت .
النقد الإسلامي المعاصر ، عماد الدين خليل ، بيروت ، 1972م .
بحوث في الثقافة للدكتور/حسن عيسى عبدالظاهر وآخرون .
تفسير أبي السعود .
تذكرة الدعاة للبهي الخولي .
خصائص التصور الإسلاميب ومقوماته ، سيد قطب ، طبعة دار الشروق ، 1412هـ .
دراسات في الدعوة والدعاة ………………………..
سنن الترمذي ، لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سوره .
سنن ابن ماجه ، للحافظ أبي عبدالله محمد بن يزيد .
صحيح مسلم ، للإمام أبي الحسين مسلم بن حجاج .
صحيح البخاري ، للإمام أبي عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري .
فقه التاريخ في ضوء أزمة المسلمين الحضارية ، د/عبدالحليم عويس ، طبعة دار الصحوة ، القاهرة ، 1414هـ .
مشكلة الثقافة ، مالك بن نبي ، الطبعة الثانية ، دار الفكر .
مدخل إلى علم الثقافة ، د/عبدالرحمن زيد الزنيدي .
ملامح الثقافة الإسلامية في الإعلام السعودي المعاصر ، سليمان العيدي ، طبعة دار الناشر ، الرياض ، 1413هـ
مناهج البحث والحضارة ، د/جمال الدين .
معالم في الطريق ، لسيد قطب ، طبعة دار الشروق ، بيروت ، 1413هـ .
نظرات في نظم الإسلام وثقافته ، د/مصطفى أحمد أبو سمك .
نظام الإسلام ، لمحمد المبارك .
KOHLEY, ERICH : CULTURE AND EVELATION IN
( ED ) . E ASHLEY MONTAGAMANS ADAPTIVE DIMENSION, U. P. 1968 .
الدوريات
مجلة الإسلام ، بقلم الدكتور/شكري فيصل .
مجلة الأزهر ، الجزء العاشر ، القاهرة ، شوال 1371هـ ، المجلد 23 .
مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، العدد الثاني ، 1410هـ ، بقلم د/عبدالرحمن الزنيدي .
صحيفة الشرق الأوسط ، العدد ( 3299 ) ، في 10/2/1987 ، بقلم الشيخ علي الطنطاوي .(1/68)
http://www.uqu.edu.sa/majalat/shariaramag/mag21/MG-006.htm(1/69)