مكفرات الذنوب
في القرآن والسنة
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنَّة
علي بن نايف الشحود
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله غافر الذنوب، وكاشف الكروب، وساتر العيوب، وقابل التوب، أحمده وأشكره وأستغفره، وإليه من كل حوبٍ أتوب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له علاَّم الغيوب، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله ، خير نبي مرسل وأكرم شافع مفضل ، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه البدور الكمَّل وسلَّم تسليماً كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد: فإن الله تعالى وعد عباده المؤمنين مغفرته في كتابه المبين، وعلى لسان رسوله الصادق الأمين فقال سبحانه وتعالى :{ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (53) سورة الزمر.
وبشر النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته بالمغفرة في أحاديث كثيرة منها: عن أَنَسَ بْنِ مَالِكٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ :« قَالَ اللَّهُ يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِى وَرَجَوْتَنِى غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِى يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِى غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِى يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِى بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِى لاَ تُشْرِكُ بِى شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً ». رواه الترمذي(1).
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: « إِنَّ إِبْلِيسَ قَالَ لِرَبِّهِ بِعِزَّتِكَ وَجَلاَلِكَ لاَ أَبْرَحُ أُغْوِى بَنِى آدَمَ مَا دَامَتِ الأَرْوَاحُ فِيهِمْ. فَقَالَ اللَّهُ فَبِعِزَّتِى وَجَلاَلِى لاَ أَبْرَحُ أَغْفِرُ لَهُمْ مَا اسْتَغْفَرُونِى »(2).
وهذا الكتاب قد جمعت فيه الآيات والأحاديث المقبولة التي تتعلق بمغفرة الذنوب ، التي يقع بها الإنسان ، وما أكثرها ، وقد قسمته إلى بابين:
الباب الأول- آيات المغفرة في القرآن الكريم :
وفيه الفصول التالية :
الفصل الأول-عدم مغفرة ذنوب الأصناف التالية
الفصل الثاني-مضاعفة الحسنات دون السيئات
الفصل الثالث-أسباب تخلف الوعيد ...
الفصل الرابع-الحث على التوبة
الفصل الخامس-مغفرة الذنوب
الباب الثاني- كفارات الذنوب في السنة النبوية
وفيه فصلان
الفصل الأول- في الأفعال والأقوال المحصلة للمغفرة إن شاء الله تعالى
الفصل الثاني- فيما ورد من أحاديث فيها نجاة من أو عتق من النار ...
وأما طريقتي في العمل فهي كما يلي :
بالنسبة للآيات فهي مشكلة ، معزوة لمظانها في القرآن الكريم ، بالرسم العادي.
وقد قمت بشرحها بشكل موجز ، بما يوضح معناها ، ويبين مرماها .
وأما بالنسبة للأحاديث فقد استقصيت الأحاديث الصحيحة والحسنة بشقيها ، وبعض الأحاديث الضعيفة المتممة لها وهي مما يستحبُّ العمل به في فضائل الأعمال بشروطها(3).
وحكمت على الأحاديث صحة وضعفاً وفق المنهج الوسط الذي سار عليه علماء الجرح والتعديل .
وصنتهُ من الأحاديث المنكرة والواهية والساقطة ، وما دونها ، حيث إن غالب الكتب المؤلفة في هذا الموضوع مليئة بالمناكير والواهيات ، بل وبعض الموضوعات أحياناً .
ولم أفصِّل في التخريج ، بل أوجزت ليكون كتابا لعامة الناس ، وليس للباحثين، إذ لكلِّ مقامٍ مقالٌ.
وقد شرحت بعض الكلمات الغريبة ، ووضحت بعض الأمكنة ولا سيما التوبة ونحوها من أجل التوضيح أو إزالة لبس .
وقد ذكرت المصادر الهامة بنهايته .
وقد فصلت القول في مقدمة كتابي (( الخصال الموجبة لدخول الجنة في القرآن والسنة )) حول الحساب والجزاء يوم القيامة .
والخلاصة أن من مات موحدا لا يخلدُ في النار - إن دخلها - وسيعود للجنة ولو بعد حين بإذن الله تعالى ، ومن تاب تاب الله عليه مهما كانت ذنوبه ، وأن من زادت حسناته على سيئاته يوم القيامة لا يدخلُ النار أصلا ويذهب به إلى الجنة مباشرة ، ولا من تساوت أيضاً ، ولو أخِّرَ عن الدخول قليلاً ، وهم أهل الأعراف.
ولا يحتمُ بدخول النار إلا من مات على الكفر أو الشرك أو النفاق العقدي ، وما سواه قابلٌ للمغفرة قال تعالى : { إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا } (48) سورة النساء.
وعَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ ، قَالَ: أَوْصَانِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِتِسْعٍ : لاَ تُشْرِكْ بِاللهِ شَيْئًا ، وَإِنْ قُطِّعْتَ أَوْ حُرِّقْتَ ، وَلاَ تَتْرُكَنَّ الصَلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ مُتَعَمِّدًا ، وَمَنْ تَرَكَهَا مُتَعَمِّدًا ، بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ ، وَلاَ تَشْرَبَنَّ الْخَمْرَ ، فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ ، وَأَطِعْ وَالِدَيْكَ ، وَإِنْ أَمَرَاكَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ دُنْيَاكَ ، فَاخْرُجْ لَهُمَا ، وَلاَ تُنَازِعَنَّ وَلاَةَ الأَمْرِ ، وَإِنْ رَأَيْتَ أَنَّكَ أَنْتَ ، وَلاَ تَفْرِرْ مِنَ الزَّحْفِ ، وَإِنْ هَلَكْتَ وَفَرَّ أَصْحَابُكَ ، وَأَنْفِقْ مِنْ طَوْلِكَ عَلَى أَهْلِكَ ، وَلاَ تَرْفَعْ عَصَاكَ عَلَى أَهْلِكَ ، وَأَخِفْهُمْ فِي اللهِ ، عَزَّ وَجَلَّ.(4)
أسأل الله تعالى أن ينفع به كاتبه وقارئه والدالُّ عليه وناشره في الدارين آمين .
وكتبه
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
في 27 جمادى الآخرة لعام 1429 هـ الموافق ل 1/7/2008 م
- - - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - -
- - - - - -
- - -
-
الباب الأول
آيات المغفرة في القرآن الكريم
الفصل الأول
عدم مغفرة ذنوب الأصناف التالية
الله لا يغفر الشرك الأكبر
قال تعالى : {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا } (48) سورة النساء
يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى العِبَادَ بِأَنَّهُ لاَ يَغْفِرُ لِعَبْدٍ جَاءَ اللهُ مُشْرِكاً بِعِبَادَتِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ ، وَأَنَّهُ يَغْفِرُ مَا دُونَ الشِّرْكِ مِنَ الذُّنُوبِ ، لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ، وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ ارْتَكَبَ ذَنْباً عَظِيماً ، لاَ يَسْتَحِقُّ مَعَهُ الغُفْرَانَ .
وَالشِّرْكُ ضَرْبَانِ :
- شِرْكٌ فِي الأُلُوهِيَّةِ - وَهُوَ الشُّعُورُ بِسْلَطَةٍ وَرَاءَ الأسْبَابِ وَالسُّنَنِ الكَوْنِيَّةِ لِغَيْرِ اللهِ .
- شِرْكٌ فِي الرّبُوبِيَّةِ - وَهُوَ الأَخْذُ بِشَيءٍ مِنْ أَحْكَامِ الدِّينِ بِالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ عَنْ بَعْضِ البَشَرِ دُونَ الوَحْي .
--------------
وقال تعالى : {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا } (116) سورة النساء
إنَّ اللهَ تَعَالَى لاَ يَغْفِرُ ذَنْبَ مَنْ يُشْرِكُ مَعَهُ فِي العِبَادَةِ سِوَاهُ ، أمَّا مَا دُونَ ذَلِكَ مِنَ الذُّنُوبِ فَإنَّ اللهَ قَدْ يَغْفِرُهُ لِمَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ؛ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ شَيْئاً فَقَدْ سَلَكَ غَيْرَ طَرِيقِ الحَقِّ ، وَضَلَّ عَنِ الهُدَى ، وَابْتَعَدَ عَنِ الصَّوَابِ ، وَأهْلَكَ نَفْسَهُ ، وَخَسِرَهَا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ .
إن الشرك انقطاع ما بين الله والعباد . فلا يبقى لهم معه أمل في مغفرة . إذا خرجوا من هذه الدنيا وهم مشركون . مقطوعو الصلة بالله رب العالمين . وما تشرك النفس بالله ، وتبقى على هذا الشرك حتى تخرج من الدنيا - وأمامها دلائل التوحيد في صفحة الكون وفي هداية الرسل - ما تفعل النفس هذا وفيها عنصر من عناصر الخير والصلاحية .
إنما تفعله وقد فسدت فساداً لا رجعة فيه! وتلفت فطرتها التي برأها الله عليها ، وارتدت أسفل سافلين ، وتهيأت بذاتها لحياة الجحيم!
أما ما وراء هذا الإثم المبين الواضح الظاهر ، والظلم العظيم الوقح الجاهر . . أما ما وراء ذلك من الذنوب - والكبائر - فإن الله يغفره - لمن يشاء - فهو داخل في حدود المغفرة - بتوبة أو من غير توبة كما تقول بعض الروايات المأثورة الواردة - ما دام العبد يشعر بالله؛ ويرجو مغفرته؛ ويستيقن أنه قادر على أن يغفر له؛ وأن عفوه لا يقصر عن ذنبه . . وهذا منتهى الأمد في تصوير الرحمة التي لا تنفد ولا تحد؛ والمغفرة التي لا يوصد لها باب؛ ولا يقف عليها بوّاب!
ــــــــــــــ
__________
(1) - سنن الترمذى برقم(3885 ) وأحمد برقم(22089 و22125) والطبراني برقم(12177 ) من طرق وهو حسن لغيره - عنان : السحاب القُراب : قراب الأرض أى بما يقارب ملأها
(2) - مسند أحمد برقم(11548) وهو حديث حسن
(3) - انظر إن شئت كتابي ((الخلاصة في أحكام العمل بالحديث الضعيف ))
(4) - أخرجه البخاري في الأدب المفرد( 18) والمسند الجامع - (ج 14 / ص 609)(10976) من طرق عنه وعن غيره وهو حديث حسن
الذمة والذمام : العَهْد، والأمَانِ، والضَّمان، والحُرمَة، والحقِّ -الزحف : الجهاد ولقاء العدو في الحرب - الطول : السعة(1/1)
من كفر بعد إيمانه ومات كافراً لا يغفر له
قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً} (137) سورة النساء
الإِيمَانُ إِذْعَانٌ مُطْلَقٌ ، وَعَمٌَ مُسْتَمِرٌّ بِالحَقِّ ، فَالمُتَرَدِّدُونَ المُضْطَرِبُونَ لَيْسُوا بِمُؤْمِنِينَ ، لِذَلِكَ يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى أنَّ مَنْ دَخَلَ فِي الإِيمَانِ ، ثُمَّ عَادَ فَكَفَرَ ، ثُمَّ آمَنَ ، ثُمَّ عَادَ فَكَفَرَ ، ثُمَّ ازْدَادَ كُفْراً ، فَإِنَّهُ يَكُونُ قَدْ فَقَدَ الاسْتِعْدَادَ لِفَهْمِ حَقِيقَةِ الإِيمَانِ ، وَإدْرَاكِ مَزَايَاهُ وَفَضَائِلَهُ ، وَمِثْلُهُ لاَ يُرْجَى لَهُ - بِحَسَبِ سُنَنِ اللهِ فِي خَلْقِهِ - أنْ يَهْتَدِيَ إلَى الخَيْرِ ، وَلاَ أنْ يَرْشُدُ إلَى مَا يَنْفَعُهُ ، وَلاَ أَنْ يَسْلُكَ سَبِيلَ اللهِ ، فَجَدِيرٌ بِهِ أَنْ يَمْنَعَ اللهُ عَنْهُ رَحْمَتِهِ وَرِضْوَانَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَإِحْسَانَهُ ، لأنَّ رُوحَهُ تَكُونُ قَدْ تَدَنَّسَتْ ، وَقَلْبَهُ قَدْ عَمِيَ ، فَلاَ يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ أَهْلاً لِلْمَغْفِرَةِ ، وَلاَ لِلْرَجَاءِ فِي ثَوَابِ اللهِ .
إن الكفر الذي يسبق الإيمان يغفره الإيمان ويمحوه . فالذي لم يشهد النور معذور إذا هو أدلج في الظلام . . فأما الكفر بعد الإيمان . مرة ومرة . . فهو الكبيرة التي لا مغفرة لها ولا معذرة . . إن الكفر حجاب فمتى سقط فقد اتصلت الفطرة بالخالق .
واتصل الشارد بالركب . واتصلت النبتة بالنبع . وذاقت الروح تلك الحلاوة التي لا تنسى . . حلاوة الإيمان . . فالذين يرتدون بعد الإيمان مرة ومرة ، إنما يفترون على الفطرة ، عن معرفة . ويلجون في الغواية عن عمد . ويذهبون مختارين إلى التيه الشارد والضلال البعيد . .فعدل ألا يغفر الله لهم؛ وعدل ألا يهديهم سبيلاً؛ لأنهم هم الذين أضاعوا السبيل بعد ما عرفوه وسلكوه . وهم الذين اختاروا السيئة والعمى ، بعد ما هدوا إلى المثابة والنور . .
وإذا لم تتجرد النفس لله ، لم تتحرر أبداً من ضغط القيم والأوضاع ، والضرورات والمصالح ، والحرص والشح . ولم ترتفع أبداً على المصالح والمغانم ، والمطامع والمطامح . ولم تستشعر أبداً تلك الطلاقة والكرامة والاستعلاء التي يحسها القلب المملوء بالله ، أمام القيم والأوضاع ، وأمام الأشخاص والأحداث ، وأمام القوى الأرضية والسلطان وأصحاب السلطان . .
ومن هنا تبذر بذرة النفاق . . وما النفاق في حقيقته إلا الضعف عن الإصرار على الحق في مواجهة الباطل . وهذا الضعف هو ثمرة الخوف والطمع ، وتعليقهما بغير الله؛ وثمرة التقيد بملابسات الأرض ومواضعات الناس ، في عزلة عن منهج الله للحياة .
ــــــــــــــ(1/2)
الرِّدَّةُ
قال تعالى : {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (217) سورة البقرة
بَعَثَ الرَّسُولُ - صلى الله عليه وسلم - عَبْدَ اللهِ بْنَ جَحْشٍ عَلَى سَرِيَّةٍ وَأَمَرَهَا بِأَمْرٍ ، فَلَقِيَتِ السَّرِيَّةُ ابْنَ الحَضْرَمِيِّ فَقَتَلَتْهُ ، وَلَمْ يَعْرِفْ رِجَالُ السَّرِيَّةِ إِنْ كَانَ ذلِكَ اليَوْمُ مِنْ رَجَبٍ أَوْ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ ، فَقَالَ المُشْرِكُونَ لِلْمُسْلِمِينَ : قَتَلْتُمْ فِي الشَّهْرِ الحَرَامِ ، فَأَنْزَلَ اللهُ هذِهِ الآيَةَ . وَفِيهَا يَقُولُ سُبْحَانَهُ لِلْمُشْرِكِينَ : إِنَّ القِتَالَ فِي الشَّهرِ الحَرَامِ أَمْرٌ كَبِيرُ فِي نَفْسِهِ ، وَجُرْمٌ عَظِيمٌ ، وَلكِنَّهُ إِذا ارتُكِبَ لإِزَالَةِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ ، كَانَ لَهُ مَا يُبَرِّرُهُ ، وَإِنَّ مَا فَعَلَهُ المُشْرِكُونَ مِنَ الكُفْرِ بِاللهِ ، وَالصَّدِّ عَنْ سَبِيلِهِ ، وَمُحَاوَلَةِ فتْنَةِ المُسْلِمِينَ عَنْ دِينِهِمْ بِالتَّعْذِيبِ وَالتَّهْدِيدِ ، وَإِخراجِ المُسْلِمِينَ مِنْ مَكَّةَ . كُلُّ ذلِكَ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ مِنَ القِتَالِ فِي الشَّهْرِ الحَرَامِ .
وَقَدْ كَانَ المُشْرِكُونَ يَفْتِنُونَ المُسْلِمِينَ عَنْ دِينِهِمْ بِالتَّعْذِيبِ وَالإِخَافَةِ ليَرُدُّوهُمْ إِلى الكُفْرِ ، وَهذا أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ مِنَ القَتْلِ ، وَهُمْ مَا زَالُوا مُقِيمِينَ عَلَى الكُفْرِ ، وَعَلَى مُحَاوَلَةِ فِتْنَةِ المُسْلِمِينَ لِيَرُدُّوهُمْ عَنْ دِينِهِمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ، وَعَلَى مُحَاوَلَةِ مَنْعِ الإِسْلاَمِ مِنَ الانْتِشَارِ وَالقَضَاءَ عَلَيهِ ، إِنْ أَمْكَنَهُم ذلِكَ ، لاسْتِحْكَامِ عَدَاوَتِهِمْ للمُسْلِمِينَ . وَيُهَدِّدُ اللهُ مِنْ يَضْعُفُ مِنَ المُسْلِمِينَ أَمَامَ هَجَمَاتِهِمْ ، وَمُحَاوَلاتِهِمْ وَإِغْراءَاتِهِمْ فَيَرْتَدُّ عَنْ دِينِهِ ، ثُمَّ يَمُوتُ وَهُوَ كَافِرٌ ، بِالعَذَابِ الأَلِيمِ الأَبَدِيِّ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ، وَبِحُبُوطِ عَمَلِهِ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ .
قال الشافعيّ : إن من ارتد ثم عاد إلى الإسلام لم يَحبط عمله ولا حَجَّه الذي فرغ منه؛ بل إن مات على الردّة فحينئذ تَحبط أعماله . وقال مالك : تحبط بنفس الردّة؛ ويظهر الخلاف في المسلم إذا حج ثم ارتد ثم أسلم؛ فقال مالك : يلزمه الحج ، لأن الأوّل قد حبط بالردّة . وقال الشافعيّ : لا إعادة عليه ، لأن عمله باق . واستظهر علماؤنا بقوله تعالى : { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } [ الزمر : 65 ] . قالوا : وهو خطاب للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - والمراد أُمته؛ لأنه عليه السلام يستحيل منه الردّة شرعاً . وقال أصحاب الشافعيّ : بل هو خطاب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - على طريق التغليظ على الأُمة ، وبيان أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - على شرف منزلته لو أشرك لحبط عمله؛ فكيف أنتم! لكنه لا يشرك لفضل مرتبته؛ كما قال : { يا نسآء النبي مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا العذاب ضِعْفَيْنِ } [ الأحزاب : 30 ] وذلك لشرف منزلتهنّ؛ وإلا فلا يتصوّر إتيان منهنّ صيانة لزوجهنّ المُكَرّم المُعَظَّم؛ ابن العربي . وقال علماؤنا : إنما ذكر الله الموافاة شرطاً هاهنا لأنه علّق عليها الخلود في النار جزاء؛ فمن وافَى على الكفر خلّده الله في النار بهذه الآية ، ومن أشرك حَبط عمله بالآية الأُخرى ، فهما آيتان مفيدتان لمعنيين وحكمين متغايرين . وما خوطب به عليه السلام فهو لأُمته حتى يثبت اختصاصه ، وما ورد في أزواجه فإنما قيل ذلك فيهنّ ليُبيِّن أنه لو تُصوّر لكان هَتْكان أحدهما لحُرْمة الدِّين ، والثاني لحرمة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، ولكلِّ هَتْكِ حُرْمَةٍ عقابٌ؛ وينزّل ذلك منزلة من عصى في الشهر الحرام أو في البلد الحرام أو في المسجد الحرام ، يضاعف عليه العذاب بعدد ما هتك من الحرمات . والله أعلم .(1)
ــــــــــــــ
__________
(1) - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - (ج 1 / ص 629) ، انظر التفاصيل في الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 22 / ص 180-201)(1/3)
الكفرُ
قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (22) } [آل عمران/21، 22]
يَذُمُّ اللهُ تَعَالَى أَهْلَ الكِتَابِ الذِينَ ارْتَكَبُوا المَآثِمَ وَالمَحَارِمَ بِكُفْرِهُمْ بِاللهِ وَآيَاتِهِ ، وَقَتَلُوا الأَنْبِيَاءَ وَالصَّالِحِينَ الذِينَ يَدُعُونَ إلى اللهِ وَإِلى اتِّبَاعِ الحَقِّ . وَالمَقْصُودُونَ فِي هَذِهِ الآيَةِ هُمُ اليَهُودُ بَنُو إِسْرَائِيلَ ، الذِينَ قَتَلُوا عَدَداً مِن أنْبِياءِ اللهِ فِي يَومٍ وَاحِدٍ اسْتِكْباراً ، فَعَاقَبَهُمُ اللهُ عَلَى ذَلِكَ بِالذِّلَّةِ وَالصَّغَارِ فِي الدُّنْيا ، وَبَشَّرَهُمْ بِعَذَابٍ أليمٍ مُهِينٍ فِي الآخِرةِ ، لأنَّ هَذَا هُوَ جَزَاءُ جُرْمِهِمْ وَصَنِيعِهِمْ .
قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لأبي عُبَيْدَةَ بْنِ الجَرَّاحِ : " يَا أبَا عُبَيْدَةَ قَتَلَتْ بَنُو إسْرائيل ثَلاَثَةً وَأرْبَعينَ نَبِياً أوَّلَ النَّهَارِ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ . فَقَامَ مِئَةٌ وَسَبْعُونَ رَجُلاً مِنْ عُبَّادِ بَني إسْرَائيلَ فَأمَروا القَتَلَةَ بِالمَعْرُوفِ ، وَنَهَوْهُمْ عَنِ المُنْكَرِ ، فَقُتِلُوا جَمِيعاً مِنْ أخِرِ ذَلِكَ اليَوْمِ فَهُمْ الذِينَ ذَكَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ " ( أخْرَجَهُ ابْنُ أبي حَاتِمٍ ) .
وَيَقُولُ تَعَالَى إنَّ الذِينَ يَرْتَكِبُونَ هَذِهِ المُنْكَرَاتِ يُهْلِكُ اللهُ أعْمَالَهُمْ وَيُبْطِلُها فِي الدُّنْيا ، فَلاَ يَنَالُونَ عَليها حَمْداً ، وَلا ثَنَاءً مِنَ النَّاس . وَقَدْ لَعَنَهُمُ اللهُ ، وَهَتَكَ أسْتَارَهُمْ وَأبْدَى مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبَائِحِ أعْمَالِهِمْ ، عَلَى ألْسِنَةِ أنْبِيائِهِ وَرُسُلِهِ . وَقَدْ أعَدَّ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ ، العَذَابَ الألِيمَ وَالخُلُودَ فِي جَهَنَّمَ ، وَلَنْ يَجِدُوا لَهُمْ مَنْ يَنْصُرُهُمْ مِنْ بَأسِ اللهِ .
وقال تعالى : { وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (147)} [الأعراف/147 ]
وَالذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ ، وَكُتُبِهِ ، المُنَزَّلَةِ بِالحَقِّ وَالهُدَى ، عَلَى رُسُلِهِ ، فَلَمْ يُؤْمِنُوا بِهَا ، وَلَمْ يَهْتَدُوا ، وَكَذَّبُوا بِمَا يَكُونُ فِي الآخِرَةِ مِنَ الجَزَاءِ عَلَى الأَعْمَالِ : مِنْ ثَوَابٍ عَلَى الخَيْرِ ، وَعِقَابٍ عَلَى الشَّرِّ . . فَإِنَّ أَعْمَالَهُمْ تَهْلَكُ وَتَتَلاَشَى وَتَذْهَبُ سُدًى ( تَحْبَطُ ) ، لأَنَّهُمْ عَمِلُوا لِغَيْرِ اللهِ ، وَأَتْعَبُوا أَنْفُسَهُمْ فِي غَيْرِ مَا يُرْضِي اللهَ ، فَتَصِيرُ أَعْمَالُهُمْ وَبَالاً عَلَيْهِمْ ، وَلاَ يُجْزَوْنَ إلاَّ عَلَى الأَعْمَالِ التِي قَامُوا بِهَا مِنَ الكُفْرِ وَالمَعَاصِي ، وَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ اللهِ بِأَنْ جَعَلَ الجَزَاءَ فِي الآخِرَةِ أَثَراً لِلْعَمَلِ فِي الدُّنْيا ، وَلاَ يَظْلِمُ اللهُ تَعَالَى أَحَداً مِنْ خَلْقِهِ أَبَداً .
----------------
وقال تعالى : { مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17)} [التوبة/17]
لا يَنْبَغِي لِلمُشْرِكِينَ بِاللهِ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللهِ التِي بُنِيَتْ عَلَى اسْمِهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ - وَمِنْهَا المَسْجِدُ الحَرَامِ - بِالإِقَامَةِ فِيهَا لِلعِبَادَةِ ، أَوْ لِلخِدْمَةِ أَوْ لِلوِلاَيَةِ عَلَيْهَا ، وَلاَ يَزُورُوا المَسْجِدَ الحَرَامَ حُجَّاجاً وَمُعْتَمِرِينَ ، وَقَدْ شَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالكُفْرِ ، قَوْلاً وَعَمَلاً ، بِعِبَادَتِهِم الأصْنَامَ ، والاسْتِشْفَاع بِهَا ، وَالسُّجُودِ لِمَا وَضَعُوهُ مِنْهَا فِي الكَعْبَةِ عَقِبَ كُلِّ شَوْطٍ مِنْ طَوَافِهِمْ ، إِذْ أنَّ عَمَلهُمْ هَذا يُعْتَبَرُ جَمْعاً لِلنَّقِيضَينِ ، فَإنَّ عِمَارَةَ المَسْجِدِ الحَرَامِ الحِسِّيَّةِ إِنَّمَا تَكُونُ بِعِمَارَتِهِ المَعْنَوِيَّةِ بِالعِبَادَةِ للهِ وَحْدَهُ ، وَذَلِكَ لا يَقَعُ إلا مِنَ المُؤْمِنِ المُوَحِّدِ . أمَّا المُشْرِكُونَ فَإنهُمْ يُشْرِكُونَ بِالعِبَادَةِ مَعَ اللهِ غَيْرَهُ ، وَيُسَاوُونَ اللهَ بِبَعْضِ خَلْقِهِ فِي العِبَادَةِ ، وَهَؤُلاَءِ المُشْرِكُونَ بِاللهِ ، وَالكَافِرُونَ بِهِ ، هَلَكَتْ أَعْمَالُهُمْ التِي يَفْخَرُونَ بِهَا : مِنْ عِمَارَةِ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَسِقَايَةِ الحُجَّاجِ ، وَقِرَى الضَّيفِ ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ ، . . . بِسَبَبِ شِرْكِهِمْ ، وَسَيَكُونُونَ فِي جَهَنَّمَ خَالِدِينَ أَبَداً .
----------------
وقال تعالى : { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آَيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (106)} [الكهف/103-106]
قُلْ ، أَيُّهَا الرَّسُولُ لِهَؤُلاَءِ الَّذِينَ يُجَادِلُونَكَ بِالبَاطِلِ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ : هَلْ تُرِيدُونَ أَنْ أُخْبِرَكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً؟ إِنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ عَبَدُوا اللهَ عَلَى غَيْرِ طَرِيقَةٍ يَرْضَاهَا تَعَالَى ، وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُصِيبُونَ فِيهَا ، وَأَنَّ عَمَلَهُمْ مَقْبُولٌ . وَهُمْ فِي الحَقِيقَةِ مُخْطِئُونَ وَاهِمُونَ ، وَعَمَلُهُمْ مَرْدُودٌ .
يُفَسِّرُ اللهُ تَعَالَى هُنَا مَعْنَى ( الأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً ) ، وَيَدُلٌّ عَلَيْهِمْ ، فَيَقُولُ : إِنَّهُمُ الَّذِينَ عَمِلُوا أَعْمَالاً بَاطِلَةً عَلَى غَيْرِ شَرِيعَتِهِ ، وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيءٍ مِنَ الهُدَى وَالصَّوَابِ ، وَأَنَّهُمْ مَقْبُولُونَ وَمَحْبُوبُونَ ، وَأَنَّ أَعْمَالَهُمْ حَسَنَةٌ يَقْبَلُهَا اللهُ تَعَالَى .
وَهَؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ ، وَكَفَرُوا بِهَا فِي الدُّنْيَا ، وَكَفَرُوا بِحُجَجِ رَبِّهِمْ وَبَرَاهِينِهِ وَدَلاَئِلِهِ التِي أَقَامَهَا عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ ، وَصِدْقِ رُسُلِهِ ، وَكَذَّبُوا بِالآخِرَةِ وَالحِسَابِ ، فَهَلَكَتْ أَعْمَالُهُمْ وَبَطَلَتْ ( حَبِطَتْ ) ، فَلاَ تَزِنُ أَعْمَالُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ شَيْئاً ، وَلاَ يَكُونُ فِي كَفَّةِ أَعْمَالِهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ عَمَلٌ صَالِحٌ يُرَجِّحُهَا ، لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ خَالِيَةٌ مِنْ عَمَلِ خَيْرٍ ، وَالمَوَازِينُ لاَ تَرْجَحُ وَلاَ تَثْقُلُ إِلاَّ بِالعَمَلِ الصَّالِحِ .
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « إِنَّهُ لَيَأْتِى الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ وَقَالَ اقْرَءُوا ( فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ) »(1).
وَيَكُونُ جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ اللهِ عَلَى أَعْمَالِهِمْ ، العَذَابَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ، وَقَدْ جَازَاهُمُ اللهُ بِهَذا الجَزَاءِ بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ ، وَاتِّخَاذِهِمْ ، آيَاتِ اللهِ وَرُسُلِهِ وَنُذُرِهِ هُزْواً ، فَاسْتَهْزَؤُوا وَكَذَّبُوا الرُّسُلَ أَشَدَّ التَّكْذِيبِ .
ــــــــــــــ
__________
(1) - صحيح البخارى(4729 ) ومسلم (7222 )(1/4)
مَنْ كفرَ وظلمَ
قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (168) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (169) } [النساء/168-169]
يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى عَنْ حُكْمِهِ عَلَى الكَافِرِينَ بِكِتَابِهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - ، الظَّالِمِينَ أَنْفُسَهمْ بِذَلِكَ ، وَبِالصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ، وَبِارْتِكَابِ المَآثِمِ ، وَانْتِهَاكِ مَحَارِمِ اللهِ ، بِأنَّهُمْ لاَ يَغْفِرُ اللهُ لَهُمْ ، وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً إلَى الخَيْرِ وَالرَّشَادِ( طَرِيقاً ) وَيُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى : أنَّهُ لَنْ يَهْدِيَهُمْ إلى طَرِيقٍ غَيْرِ الطَّرِيقِ التِي تُوصِلُهُمْ إلى جَهَنَّمَ ، لِيَبْقَوْا فِيهَا خَالِدِينَ أَبَداً ، وَذَلِكَ أَمْرٌ يَسِيرٌ عَلَى اللهِ .
ــــــــــــــ(1/5)
المنافقون لن يغفر الله لهم
قال تعالى : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146) } [النساء/145-146]
يَقُولُ تَعَالَى إنَّ المُنَافِقِينَ سَيَكُونُ مَصِيرُهُمْ فِي أَسْفَلِ طَبَقَاتِ ( دَرَكَاتِ ) نَارِ جَهَنَّمَ ، وَلَنْ يَنْصُرَهُمْ أَحَدٌ مِنْ عَذَابِ اللهِ .
الدَّرْكِ - الطَّبَقَةِ تَكُونُ أَسْفَلَ مِنَ الأُخْرَى . وَالنَّارُ سَبْعُ دَرَكَاتٍ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لأنَّهَا مُتَدَارِكَةٌ مُتَتَابِعَةٌ.
أمَّا الذِينَ يَتُوبُونَ مِنَ المُنَافِقِينَ ، وَيُقْلِعُونَ عَنِ النِّفَاقِ وَالكُفْرِ ، وَيُخْلِصُونَ دِينَهُمْ وَعَمَلَهُمْ ، فَإِنَّهُمْ يُصْبِحُونَ مَعَ المُؤْمِنِينَ ، وَسَيَنَالُهُمُ الأَجْرَ العَظِيمَ الذِي وَعَدَ اللهُ بِهِ عِبَادَهُ المُتَّقِينَ .
---------------
وقال تعالى : { وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (78) الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79) اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80)} [التوبة/75-80]
وَمِنَ المُنَافِقِينَ مَنْ أَعْطَى اللهَ عَهْدَهُ وَمِيثَاقَهُ لَئِنْ أَغْنَاهُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ، وَأَعْطَاهُ مَالاً وَثَرْوَةً لَيَشْكُرَنَّ اللهَ عَلَى نِعْمَتِهِ بِالصَّدَقَةِ مِنْهَا ، وَلَيَعْمَلَنَّ عَمَلَ أَهْلِ الصَّلاَحِ ، مِنَ صِلَةِ الرَّحِمِ وَالإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللهِ .
فَلَمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ ، وَأَعْطَاهُمْ مَا طَلَبُوا ، لَمْ يُوفُوا بِالعَهْدِ ، وَبَخِلُوا بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ، وَأَمْسَكُوهُ فَلَمْ يَتَصَدَّقُوا مِنْهُ بِشَيءٍ . وَتَوَلَّوْا وَانْصَرَفُوا عَنِ الاسْتِعَانَةِ بِهِ عَلَى الطَّاعَةِ وَالصَّلاَحِ ، وَإِصْلاَحِ حَالِهِمْ وَحَالِ أُمَّتِهِمْ ، كَمَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ .
فَكَانَتْ عَاقِبَةُ ذَلِكَ البُخْلِ وَالتَّوَلِي بَعْدَ العَهْدِ وَالْمِيثَاقِ أَنْ تَمَكَّنَ النِّفَاقُ مِنْ قُلُوبِهِمْ ، وَلاَزَمَهَا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ، لأَنَّهُمْ لاَ رَجَاءَ لَهُمْ مَعْ هَذَا النِّفَاقِ فِي التَّوْبَةِ ، وَذَلِكَ لِتَمَكُّنِ صِفَتَيْنِ مِنْ صِفَاتِ أَهْلِ النِّفَاقِ فِي قُلُوبِهِمْ وَهُمَا : الكَذِبَ فِي اليَمِينِ ، وَإِخْلاَفُ الْعَهْدِ .
يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى النَّاسَ أَنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَ وَالنَّجْوَى ، وَأَنَّهُ أَعْلَمُ بِضَمَائِرِ هَؤُلاَءِ المُنَافِقِينَ الذِينَ يُسِرُّونَ غَيْرَ مَا يُعْلِنُونَ ، وَإِنْ أَظْهَرُوا لِلنَّاسِ أَنَّهُمْ إِنْ حَصَلَ لَهُمْ مَالٌ تَصَدَّقُوا وَشَكَرُوا عَلَيْهِ ، فَاللهُ أَعْلَمُ بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، لأَنَّهُ تَعَالَى عَلاَّمُ الغُيُوبِ ، فَكَيْفَ يَكْذِبُونَ عَلَى اللهِ بِمَا يُعَاهِدُونَهُ عَلَيْهِ؟
وَمِنْ صِفَاتِ هَؤُلاَءِ المُنَافِقِينَ أَيْضاً أَنَّهُمْ لاَ يَسْلَمُ أَحَدٌ مِنْ عَيْبِهِمْ ، وَلَمْزِهِمْ فِي جَمِيعِ الأَحْوَالِ . إِنْ جَاءَ أَحَدٌ يَتَصَدَّقُ بِمَالٍ جَزِيلٍ قَالُوا : هَذَا مُرَاءٍ . وَإِنْ جَاءَ بِشَيءٍ يَسِيرٍ ، قَالُوا : إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنْ صَدَقَةِ هَذَا .
فعَنْ أَبِى مَسْعُودٍ قَالَ لَمَّا أُمِرْنَا بِالصَّدَقَةِ كُنَّا نَتَحَامَلُ فَجَاءَ أَبُو عَقِيلٍ بِنِصْفِ صَاعٍ ، وَجَاءَ إِنْسَانٌ بِأَكْثَرَ مِنْهُ ، فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِىٌّ عَنْ صَدَقَةِ هَذَا ، وَمَا فَعَلَ هَذَا الآخَرُ إِلاَّ رِئَاءً . فَنَزَلَتْ {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (79)(1)سورة التوبة.
وَسَخِرَ المُنَافِقُونَ مِنْ فُقَرَاءِ المُسْلِمِينَ الذِينَ اجْتَهَدُوا فِي التَّصَدُّقِ قَدْرَ طَاقَتِهِمْ ، فَرَدَّ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ قَائِلاً : إِنَّهُ جَازَاهُمْ بِمِثْلِ ذَنْبِهِمْ ، فَجَعَلَهُمْ سُخْرِيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ ، وَلِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ ، بِفَضِيحَتِهِمْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ بِبَيَانِ مَخَازِيهِمْ وَعُيُوبٍِهِمْ ، وَادَّخَرَ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً يَوْمَ القِيَامَةِ .
يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ - صلى الله عليه وسلم - بِأَنَّ هَؤُلاَءِ المُنَافِقِينَ لَيْسُوا أَهْلاً لِلاسْتِغْفَارِ ، وَأَنَّهُ لَوِ اسْتَغْفَرَ لَهُم النَّبِيُّ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ، وَذَلِكَ لإِصْرَارِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ وَجُحُودِهِمْ بِوَاحْدَانِيًّةِ اللهِ ، وَوَحْيهِ لِرَسُولِهِ ، وَلِشَكِّهِمْ فِي أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ السِّرَّ وَالنَّجْوَى ، وَغَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ »(2).
----------------
وقال تعالى :{ وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63) يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66)} [التوبة/61-66]
وَمِنَ المُنَافِقِينَ قَوْمٌ يُؤْذًُونَ رَسُولَ اللهِ بِالكَلاَمِ فِيهِ ، وَيَقُولُونَ : هُوَ أُذُنٌ يَسْمَعُ مِنْ كُلِّ أَحٍَ ، وَمَنْ قَالَ لَهُ شَيْئاً صَدَّقَهُ ، وَمَنْ حَدَّثَهُ بِشَيْءٍ صَدَّقَهُ ، فَإِذَا جِئْنَا وَحَدَّثْنَاهُ وَحَلَفْنَا لَهُ صَدَّقَنَا .
فَقُلْ لَهُمْ : هُوَ أُذُنُ خَيْرٍ يَعْرِفُ الصَّادِقَ مِنَ الكَاذِبِ ، وَلاَ يَقْبَلُ مِمَّا يَسْمَعُ إِلاَّ مَا يَعُدُّه حَقّاًُ ، وَفِيهِ مَصْلَحَةُ الخَلْقِ ، وَلَيْسَ هُوَ بِأُذُنٍ فِي سَمَاعِ البَاطِلِ وَالكَذِبِ وَالنَّمِيمَةِ ، إِنَّهُ يُؤْمِنُ بِاللهِ ، وَيُصَدِّقُ المُؤْمِنِينَ الذِينَ يَثِقُ بِدِينِهِمْ وَإِيمَانِهِمْ ، وَهُوَ رَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا ، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الكَافِرِينَ . وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ بِالقَوْلِ أَوْ بِالعَمَلِ قَدْ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً فِي الآخِرَةِ .
قَالَ رَجُلٌ مِنَ المُنَافِقِينَ عَنْ رُؤَسَاءِ المُنَافِقِينَ ، الذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ ، فَنَزَلَ فِيهِمْ مَا نَزَلَ مِنَ القُرْآنِ : ( إِنَّ هَؤُلاَءِ لَخِيَارُنَا وَأَشْرَافُنَا ، وَإِذَا كَانَ مَا يَقُولُهُ مُحَمَّدٌ حَقّاً ، لَهُمْ شَرٌّ مِنَ الْحَمِيرِ ) . فَسَمِعَهُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ فَقَالَ : إِنَّ مُحَمَّداً لاَ يَقُولُ إِلاَّ حَقّاً ، وَلأَنْتَ شَرٌّ مِنَ الحِمَارِ ) . ثُمَّ ذَهَبَ المُسْلِمُ إِلَى رَسُولِ اللهِ يُحَدِّثُهُ بِمَا جَرَى . فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ إِلَى المُنَافِقِ وَسَأَلَهُ ، وَقَالَ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا قُلْتَ؟ فَأَخَذَ المُنَافِقُ يَحْلِفُ بِاللهِ إِنَّهُ مَا قَالَ ذَلِكَ . وَقَالَ الرَّجُلُ المُسْلِمُ : اللَّهُمَّ صَدِّقِ الصَّادِقَ ، وَكَذِّبْ الكَاذِبَ . فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ الْكَرِيمَةَ .
فَهَؤُلاَءِ المُنَافِقُونَ يَحْلِفُونَ لَكُمْ عَلَى أَنَّهُمْ مَا قَالُوا مَا نُقِلَ عَنْهُمْ مِمَّا يُورِثُ أَذَى النَّبِيِّ لِيُرْضُوكُمْ ، فَلاَ تُخْبِرُوا النَّبِيَّ ، مَعْ أَنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ أَحَقُّ بِالإِرْضَاءِ مِنَ المُؤْمِنِينَ ، لأنَّ اللهَ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ ، وَيَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ . وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ .
أَلاَ يَعْلَمُ هَؤُلاَءِ المُنَافِقُونَ أَنَّ مَن شَاقَّ اللهَ وَرَسُولَهُ بِتَعَدِّي حُدُودِ مَا أَنْزَلَ اللهُ ، وَحَارَبَهُمَا وَخَالَفَهُمَا ، وَلَمَزَ رَسُولَ اللهِ فِي أَعْمَالِهِ وَأَخْلاَقِهِ ، فَإِنَّهُ سَيَصْلَى نَارَ جَهَنَّمَ ، وَيَبْقَى خَالِداً فِيهَا ، وَهَذا هُوَ الذُّلُ العَظِيمُ ، وَالشَّقَاءُ الكَبِيرُ .
كَانَ المُنَافِقُونَ يَقُولُونَ القَوْلَ بَيْنَهُمْ ، ثُمَّ يَقُولُونَ عَسَى اللهُ أَنْ لاَ يَفْشِي عَلَيْنَا سِرَّنَا هَذَا بِإِنْزَالِ آيَةٍ عَلَى رَسُولِهِ ، تَفْضَحُ مَا قُلْنَاهُ .
وَيَرُدُّ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ قَائِلاً : إِنَّهُ سَيُخْرِجُ مَا يَحْذَرُونَ لِيَعْلَمَهُ الرَّسُولُ وَالمُؤْمِنُونَ ، فَلْيَسْتَهْزِئُوا مَا شَاؤُوا .وَخَوْفُ المُنَافِقِينَ مِنَ الْفَضِيحَةِ ، وَمِنْ كَشْفِ عَوْرَاتِهِمْ لِلْمُؤْمِنِينَ ، همُاَ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ الشَّكِّ وَالارْتِيَابِ ، لأَنَّهُمْ مُذَبْذَبُونَ ، لاَ هُمْ مَعَ المُؤْمِنِينَ الْمُوقِنِينَ ، وَلاَ هُمْ بِالكَافِرِينَ الجَازِمِينَ بِصِحَّةِ الكُفْرِ
حِينَمَا كَانَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم مُنْطَلِقاً فِي الطَّرِيقِ إِلَى غَزْوَةِ تَبُوكَ قَالَ بَعْضُ المُنَافِقِينَ لِبَعْضٍ: أَتَحْسَبُونَ جَلاَدَ بَنِي الأَصْفَر ( يَعْنِي الرُّوم ) كَقِتَالِ العَرَبِ بَعْضِهِمْ بَعْضاً ، وَاللهِ لَكَأَنَّنَا بِكُمْ غَداً مُقْرَّنِينَ فِي الحِبَالِ؟ وَكَانَ هَؤُلاَءِ يَقُولُونَ هَذَا القَوْلَ إِرْجَافاً ، وَتَرْهِيباً لِلْمُسْلِمِينَ . فَقَالَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ لِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ : أَدْرِكِ القَوْمَ فَقَدِ احْتَرَقُوا ، فَاسْأَلْهُمْ عَمَّا قَالُوا ، فَإِنْ أَنْكَرُوا فَقُلْ بَلَى قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا . . فَقَالَ لَهُمْ عَمَّارُ ذَلِكَ فَأَتَوْا إِلَى رَسُولِ اللهِ يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ ، وَقَالَ أَحَدُهُمْ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّمَا كَنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ . أَيْ إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا جَادِّينَ فِيمَا يَقُولُونَ ، وَإِنَّمَا قَالُوا مَا قَالُوا لِلتَّسَلِّيِ وَالتَّلَهِّي ، وَفِي ظَنِّهِمْ أَنَّ هَذَا عُذْرٌ مَقْبُولٌ ، وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اتِخَاذَ الدِّينِ هَزْواً وَلِعِباً كُفْرٌ مَحْضٌ ، لأنَّ الخَوْضَ وَالَّلعِبَ فِي صِفَاتِ اللهِ ، وَشَرْعِهِ وَآيَاتِهِ ، المُنْزَّلَةِ هُوَ اسْتِهْزَاءٌ بِهَا .
يَقُولُ اللهُ تَعَالَى لِهَؤُلاَءِ المُنَافِقِينَ : لاَ تَعْتَذِرُوا عَمَّا قُلْتُمْ ، فَقَدْ كَفَرْتُمْ بِهَذَا القَوْلِ الذِي اسْتَهْزَأْتُمْ بِهِ بِآيَاتِ اللهِ . وَاعْتِذَارُكُمْ هُوَ إِقْرَارٌ بِذَنْبِكُمْ ، فَإنْ يَعْفُ اللهُ تَعَالَى عَنْ بَعْضِكُمْ لِتَوْبَتِهِمْ ، فَإِنَّهُ سَيُعَذِّبُ بَعْضاً آخَرَ لأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ بِهَذِهِ المَقَالَة الفَاجِرَةِ ، وَلأَنَّهُمْ ظَلُّوا مُصِرِّينَ عَلَى نِفَاقِهِمْ .
ــــــــــــــ
__________
(1) - صحيح البخارى(4668)
(2) - صحيح البخارى(34) ومسلم (219 )(1/6)
مَنْ كفرَ وصدَّ عن سبيل الله
قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ قَدْ ضَلُّواْ ضَلاَلاً بَعِيدًا } (167) سورة النساء
الذِينَ كَفَرُوا بِاللهِ ، وَرَفَضُوا اتِّبَاعَ الحَقِّ ، وَسَعَوْا فِي صَدِّ النَّاسِ عَنِ الهُدَى وَالإِيْمَانِ ، قَدْ خَرَجُوا عَنِ الحَقِّ ، وَضَلُّوا عَنْهُ ، وَبَعُدُوا عَنْهُ بُعداً عَظِيماً .
--------------
وقال تعالى : {الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ} (88) سورة النحل
أَمَّا الذِينَ كَفَرُوا بِاللهِ ، وَقَامُوا بِصَدِّ النَّاسِ عَنِ الإِيمَانِ بِاللهِ ، وَاتِّبَاعِ الرُّسُلِ فَيَزِيدُهُمُ اللهُ تَعَالَى عَذَاباً ، يُعَذِّبُهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ ، وَيُعَذِّبُهُمْ عَلَى صَدِّ النَّاسِ عَنِ الإِيمَانِ ، وَعَلَى الإِفْسَادِ فِي الأَرْضِ .
--------------
وقال تعالى : {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} (1) سورة محمد
الذِينَ كَفَرُوا بِاللهِ ، وبآيَاتِهِ ، وبِكُتُبِه ، وَرُسُلِهِ ، وَعَبَدُوا غَيْرَهُ ، وَصَدُّوا النَّاسَ عَنِ الدُّخُولِ في دِينِ الإِسْلاَمِ ، أَبْطَلَ اللهُ أَعْمَالَهُمْ ، وَأهْلَكَها وَجَعَلَها تَسِيرُ عَلَى غَيْرِ هُدًى .
-----------------
وقال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ} (32) سورة محمد
إنَّ الذِينَ كَفَرُوا باللهِ ، وَارتَدُّوا عَنِ الإِسْلاَم وَخَالَفُوا الرَّسُولَ ، وَوَقَفُوا في وَجْهِ الحَقِّ أنْ يَبْلغَ النَّاسَ ، وَصَدُّوا النَّاسَ عنِ الدُّخُولِ في الإِسْلامِ بالقُّوَّةِ وبِالمَالِ وَبالخِدَاعِ ، وَشَاقُّوا الرَّسُولَ بِمُحَارَبتِهِ في حَيَاتِهِ ، وَبِمُحَارَبةِ دِينِهِ أَوْ شَرِيعَتِهِ بَعْدَ مَماتِهِ .
إنَّ الذِينَ يُقْدِمُونَ عَلَى شَيءٍ مِنْ ذَلِكَ ، بَعْدَ أنْ تَبَيَّنَ لَهُمْ أنَّهُ هُوَ الحَقُّ ، فَإنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيئاً ، لأنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ، وَنَاصِرُ رَسُولِهِ وَمُظْهِرُ دِينِهِ عَلَى الدِّينِ كُلِّه ، وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ ، وَسَيُحْبِطُ اللهُ أعْمَالَهَم ، فَتَنْتَهِي إلى الخَيْبَةِ والدَّمَارِ .
وقال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} (34) سورة محمد
إن الذِينَ كَفَرُوا باللهِ وَكُتُبِهِ ، وَرُسُلِهِ ، وَصَدُّوا النَّاسَ عن الدُّخُولِ في الإِسْلامِ ، ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كَفّارٌ ، فإنَّ اللهَ لَنْ يَغْفِرَ لَهُمْ ، وَلَنْ يَعْفُوَ عَنْ سَيِّئَاتِهِم ، لأنَّ بَابَ التَّوبَةِ يَظَلُّ مَفْتَوحاً لِلكَافِرِ وَالعَاصِي حَتَّى تَبْلُغَ رُوحُهُ الحُلْقُومَ ، فَإِذا بَلَغَتْهُ فَلا تَوْبَةَ وَلاَ مَغْفِرَةَ .
ــــــــــــــ(1/7)
الفصل الثاني
مضاعفة الحسنات دون السيئات
قال تعالى : { مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)} [البقرة/261]
يَحُثُّ اللهُ المُؤْمِنِينَ عَلَى إِنْفَاقِ أمْوالِهِمْ فِي سَبيلِ اللهِ ، وَابْتِغاءِ مَرْضَاتِهِ ( فِي الحَجِّ وفِي الجِهَادِ وَفِي الزَّكَاةِ وَالصَّدَقَاتِ ) وَيَضْرِبُ لَهُمُ الزَّرْعَ مَثَلاً عَلَى تَنْمِيَتِهِ ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، الأعْمَالَ الصَّالِحَةَ لأِصْحَابِها ، فَكَمَا يَنْمُو الزَّرْعُ لِمَنْ بَذَرَهُ ، كَذَلِكَ يَتَضَاعَفُ العَمَلُ الصَّالِحُ عَنْدَ اللهِ ، وَاللهُ يُضَاعِفُ الأجْرَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ، فَيَزِيدُهُ زِيَادَةً لا حَصْرَ لَهَا بِحَسَبِ إخْلاصِ العَبْدِ فِي عَمَلِهِ ، وَاللهُ وَاسِعُ الفَضْلِ لاَ يَنْحَصِرُ فَضْلُهُ ، وَلا يُحَدُّ عَطَاؤُهُ ، وَهُوَ عَلِيمٌ بِمَنْ يَسْتَحِقُّ هَذِهِ المُضَاعَفَةَ وَبِمَنْ لاَ يَسْتَحِقُّهَا
---------------
وقال تعالى { وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) } [البقرة/265]
أمّا المُؤْمِنُونَ الذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُم طَلَباً لِمَرْضَاةِ اللهِ عَنْهُمْ ، وَهُمْ مُتَحَقِّقُونَ مِنْ أَنَّ الله سَيَجْزِيهِمْ عَلَى ذَلِكَ ، فَمَثَلُهُمْ كَمَثَلِ بُسْتَانٍ ( جَنَّةٍ ) بِرَبْوَةٍ مُرْتَفِعَةٍ عَنِ الأَرْضِ ، فَأَصَابَهَا مَطَرٌ شَدِيدٌ ( وَابِلٌ ) ، فَأَثْمَرَتْ ضِعْفَيْنِ مِمَّا أَثْمَرَتْهُ غَيْرُها مِنَ الجِنَانِ ( أَوْ ضِعْفَينِ مِمَّا كَانَتَ تُثْمِرُهُ قَبْلاً ) فَإنْ لَمْ يُصِبْهَا المَطَرُ الشَّدِيدُ ، أصَابَهَا مَطَرٌ خَفِيفٌ يَكْفِيها لِجَوْدَةِ تُرْبَتِها ، وَحُسْنِ مَوْقِعِها ، فَهِي لاَ تُمْحِلُ أَبَداً . وَكَذَلِكَ عَمَلُ المُؤْمِنِ لا يَبُورُ أبداً ، بَلْ يَتَقَبَّلُهُ اللهُ وَيُكَثِّرَهُ وَيُنَمِّيهِ .
وَاللهُ لا يَخْفَى عَلَيهِ شَيْءٌ مِنْ أعْمَالِ العِبَادِ .
----------------
وقال تعالى : { مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (160) } [الأنعام/160]
مَنْ جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ رَبَّهُ بِخَصْلَةٍ حَسَنَةٍ ، مِنْ خِصَالِ الطَّاعَاتِ ، جَزَاهُ اللهُ بِعَشْرَةِ أَمْثَالِهَا ، مِنْ عَطَاءِ اللهِ غَيْرِ المَحْدُودِ . وَمَنْ جَاءَ بِسَيِّئَةٍ ، فَلا يُجَازَى إلاَّ بِعُقُوبَةٍ سَيِّئَةٍ ، مِثْلِهَا ، وَاللهُ لاَ يَظْلِمُ أَحَداً مِنْ خَلْقِهِ عَمَلاً عَمِلَهُ ، فَلاَ يَزِيدُ فِي ذَنْبِ المُسِيءِ ، وَلاَ يَبْخَسُهُ شَيْئاً مِنْ أَعْمَالِهِ الحَسَنَةِ .
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَعَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ وَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ »(1).
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا رَوَى عَنْ رَبِّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رَحِيمٌ مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْراً إِلَى سَبْعِمِائَةٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ وَاحِدَةً أَوْ يَمْحُوهَا اللَّهُ وَلاَ يَهْلِكُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى إِلاَّ هَالِكٌ »(2).
----------------
وقال تعالى : { مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آَمِنُونَ (89) وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90) } [النمل/89، 90]
وَمَنْ جَاءَ في ذَلِكَ اليَومِ رَبَّهُ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ في الدُّنيا ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالى يُدْخِلُهُ الجَنَّةَ ، وَيُجَنِّبُهُ الفَزَعَ الأَكبرَ الذي يُصِيبُ المُجرِمينَ الأَشقِياءَ في ذلكَ اليومِ.
وَمَنْ جَاءَ رَبَّهُ في ذلِكَ اليَومِ قَدْ أَشْرَكَ به وَعَصَاهُ ، وَمَاتَ عَلى ذَلِكَ ، فَهِؤُلاَءِ يَكُبُّهُمْ اللهُ تَعَالَى عَلَى وُجُوهِهِمْ في نَارِ جَهَنَّمْ ، واللهُ يَجْزِيِهِمْ بِأَعْمَالِهِمْ ، وَيُنزِلُ بِهِمْ مَا يَسْتَحِقُّونَهُ مِنَ الجَزَاءِ عَلَى أَعْمَالِهِم السَّيِّئَةِ .
---------------
وقال تعالى : { مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (84) } [القصص/84]
مَنْ جَاءَ يَومَ القِيَامَةِ وَلَهُ حَسَناتٌ اكْتَسَبَها في الدُّنيا ، ضَاعَفَ الله ثَوابَهُ ، فَضْلاً منهُ وكَرماً ، ومَنْ جَاءَ بالسَّّيَئَةِ فَلاَ يُجزَى إِلاَّ مِثْلَها ، عَدلاً مِنَ اللهِ وَرَحْمَةً .
----------------
وقال تعالى { وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (27) } [يونس/27]
أَمَّا المُجْرِمُونَ الذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا ، وَكَفَرُوا بِرَبِّهِمْ ، فَإِنَّهُ تَعَالَى سَيَجْزِيهِمْ عَلَى السَّيِّئَةِ بِمِثْلِهَا مِنْ عِقَابٍ فِي الآخِرَةِ ، دُونَ زِيَادَةٍ أَوْ مُضَاعَفَةٍ ، وَتَعْتَرِيهِمْ ( تَرْهَقُهُمْ ) ذِلَّةٌ مِنْ مَعَاصِيهِمْ ، وَيَعْلُوهُمُ الخَوْفُ مِنْهَا ، وَلَنْ يَجِدُوا ، فِي ذَلِكَ اليَوْمِ ، مَنْ يَعْصِمُهُمْ مِنْ عَذَابِ اللهِ ، وَتُصْبِحُ وُجُوهُهُمْ سُوداً مِنَ الغَمِّ وَالكَآبَةِ ، كَأَنَّمَا عَلَتْهَا قِطَعٌ مِنْ ظَلاَمِ الَّلْيِل الحَالِكِ ، وَهَؤُلاَءِ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ يَدْخُلُونَهَا وَيَخْلُدُونَ فِيهَا أَبَداً .
----------------
وقال تعالى : { مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40) } [غافر/40]
فَمَنْ عَمِلَ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا عَمَلاً سَيَّئاً ، أَوِ اجْتَرَحَ إِثْماً فَإِنَّهُ لاَ يُعَاقَبُ إِلاَّ بِمِقْدَارِ عَمَلِهِ ، دُونَ مُضَاعَفَةٍ لِلْعِقَابِ . وَمَنْ عَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً ، ذَكَراً كَانَ أَوْ أُنْثَى ، وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، دَخَلَ الجَنَّةَ ، وَتَمَتَّعَ بِمَا فِيهَا مِنْ رِزْقٍ كَرِيمٍ ، وَنَعِيمٍِ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلاَ تَحْدِيدٍ .
-----------------
وقال تعالى : { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)} [الشورى/40 ]
وَجَزَاءُ مَا يَفْعَلُهُ المُسِيءُ مِنَ السُّوءِ هُوَ أَنْ يُعَاقَبَ وَفْقَ مَا شَرَعَهُ اللهُ مِنْ عُقُوبَةٍ لِجُرْمِهِ ، وَقَدْ سمى اللهُ تَعَالَى العُقُوَبَةَ سَيِّئَةً لأَنَّهَا تَسُوءُ مَنْ تَنْزِلُ بِهِ . فَمَنْ عَفَا عَنْ مُسِيءٍ ، وَأَصْلَحَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ عَادَاهُ بِالعَفُو عَنْهُ ، وَبِالصَّفْحِ عَنْ ذَنْبِهِ ، فَإِنَّ اللهَ يَجْزِيهِ عَلَى فِعْلِهِ أَعْظَمَ الجَزَاءِ ، وَاللهُ لاَ يُجِبُّ الظَّالمِينَ ، المُتَجَاوِزِينَ للحُدُودِ ، المُعْتَدِينَ عَلَى العِبَادِ .
- - - - - - - - - - - - - -
الفصل الثالث
قضاء الواجبات كالنذور وغيرها(3)
أولا
نَذْرُ طَاعَةٍ لاَ يُطِيقُهَا النَّاذِرُ أَوْ عَجَزَ عَنْهَا بَعْدَ قُدْرَتِهِ
مَنْ نَذَرَ طَاعَةً فَلَمْ يُطِقْ أَدَاءَهَا ابْتِدَاءً ، أَوْ عَجَزَ عَنْ أَدَائِهَا بَعْدَ أَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهَا ، اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ مَا نَذَرَهُ ، وَمَا يَلْزَمُهُ بِهَذَا النَّذْرِ عَلَى أَرْبَعَةِ مَذَاهِبَ :
الْمَذْهَبُ الأَْوَّل : يَرَى أَصْحَابُهُ أَنَّ مَنْ نَذَرَ مَا لاَ يُطِيقُ أَبَدًا فَلاَ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِهَذَا النَّذْرِ ، وَكَذَلِكَ مَنْ نَذَرَ نَذْرًا فِي وَقْتٍ مُحَدَّدٍ فَجَاءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ وَهُوَ لاَ يُطِيقُ أَدَاءَ مَا نَذَرَ ، فَإِنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَلاَ بَعْدَ ذَلِكَ وَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ(4)
وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ..} (286) سورة البقرة ،وَبِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَال : « مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلاَ يَعْصِهِ »(5).
الْمَذْهَبُ الثَّانِي : يَرَى مَنْ ذَهَبَ إِلَيْهِ أَنَّ مَنْ نَذَرَ مَا لاَ يُطِيقُ الْوَفَاءَ بِهِ ، أَوْ يَعْجِزُ عَنِ الْوَفَاءِ بِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ تَقْدِيرًا بِأَدَاءِ خَلَفِهِ ، إِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ ، وَيَرَوْنَ أَنَّ مَنْ نَذَرَ صِيَامًا فَعَجَزَ عَنْهُ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ عَمَّا نَذَرَهُ مِنْهُ(6)وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ الْتِزَامَ النَّاذِرِ مَا لاَ يُطِيقُ بِالنَّذْرِ مَعْصِيَةٌ ؛ لأَِنَّ الْوَفَاءَ بِهِ قَدْ يُؤَدِّي إِلَى إِهْلاَكِ النَّاذِرِ ، وَمِثْل هَذَا لاَ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ(7)وَبِأَنَّ الْوَفَاءَ بِعَيْنِ الْمَنْذُورِ إِنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ إِمْكَانِ الْوَفَاءِ بِهِ ، فَأَمَّا عِنْدُ التَّعَذُّرِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ تَقْدِيرًا ، وَذَلِكَ بِأَدَاءِ خَلَفِهِ ؛ لأَِنَّ الْخَلَفَ يَقُومُ مَقَامَ الأَْصْل ، كَمَا هُوَ الْحَال فِي اسْتِعْمَال التُّرَابِ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ فِي الطَّهَارَةِ ، وَالأَْشْهُرِ عِنْدَ عَدَمِ الأَْقْرَاءِ فِي الْعِدَّةِ(8).
الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ : ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ ، وَيَرَوْنَ أَنَّ مَنْ نَذَرَ صَلاَةً أَوْ صَوْمًا أَوِ اعْتِكَافًا فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ فَعَجَزَ عَنْ أَدَاءِ هَذِهِ الْقُرَبِ فِيهِ ، لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَلاَ تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ لِلتَّأْخِيرِ عَنْ هَذَا الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ ، وَإِنْ نَذَرَ صَدَقَةً فَأَعْسَرَ بِهَا سَقَطَ عَنْهُ النَّذْرُ مَا دَامَ مُعْسِرًا فَإِذَا أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَجَبَ أَدَاؤُهَا ، وَإِنْ نَذَرَ حَجًّا فِي سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَمَنَعَهُ مَرَضٌ أَوْ نَحْوُهُ قَبْل الإِْحْرَامِ ، فَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ لاَ قَضَاءَ لَوْ كَانَ مَعْضُوبًا وَقْتَ النَّذْرِ أَوْ طَرَأَ الْعَضْبُ ، وَلَمْ يَجِدِ الْمَال حَتَّى مَضَتِ السَّنَةُ الْمُعَيَّنَةُ ، فَإِنْ مَنَعَهُ الْمَرَضُ بَعْدَ الإِْحْرَامِ فَالْمَذْهَبُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وُجُوبُ الْقَضَاءِ ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إِذَا امْتَنَعَ الْحَجُّ فِي ذَلِكَ الْعَامِ بَعْدَ الاِسْتِطَاعَةِ(9)وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ الصَّوْمَ وَالصَّلاَةَ يَجِبَانِ شَرْعًا مَعَ الْعَجْزِ ، وَالْوَاجِبُ بِالنَّذْرِ كَالْوَاجِبِ بِالشَّرْعِ ، فَلاَ أَثَرَ لِعَجْزِ النَّاذِرِ عَنْهُمَا فِي وُجُوبِهِمَا عَلَيْهِ ، وَلِهَذَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُمَا إِنْ عَيَّنَ وَقْتًا لِلأَْدَاءِ ، بِخِلاَفِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ لاَ يَجِبُ إِلاَّ عِنْدَ وُجُودِ الاِسْتِطَاعَةِ ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ حَجَّةُ الإِْسْلاَمِ أَوِ الْحَجَّةُ الْمَنْذُورَةُ ، فَمَنِ اسْتَطَاعَهُ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ ، إِنْ مَنَعَ ذَلِكَ مَانِعٌ بَعْدَ تَمَكُّنِهِ مِنْ أَدَائِهِ ؛ لاِسْتِقْرَارِهِ فِي ذِمَّتِهِ بِتَمَكُّنِهِ هَذَا ، بِخِلاَفِ مَا إِذَا لَمْ يَتَمَكَّنِ النَّاذِرُ مِنْ أَدَائِهِ ، بِأَنْ عَرَضَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَبْل تَمَكُّنِهِ مِنَ الأَْدَاءِ مَا يَمْنَعُهُ مِنْهُ ، لأَِنَّ الْمَنْذُورَ نُسُكٌ فِي ذَلِكَ الْعَامِ ، وَلَمْ يَتَمَكَّنِ النَّاذِرُ مِنْهُ(10)
الْمَذْهَبُ الرَّابِعُ : يَرَى مَنْ ذَهَبَ إِلَيْهِ - وَهُمُ الْحَنَابِلَةُ - أَنَّ مَنْ نَذَرَ أَدَاءَ الصِّيَامِ أَوِ الصَّلاَةِ أَوِ الاِعْتِكَافِ أَوِ الطَّوَافِ أَوْ نَحْوِهَا ، فَلَمْ يُطِقْ أَدَاءَهَا أَوْ عَجَزَ عَنْهُ عَجْزًا لاَ يُرْجَى زَوَالُهُ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ، وَإِذَا كَانَ عَجْزُهُ عَنْ ذَلِكَ مَرْجُوَّ الزَّوَال ، انْتَظَرَ زَوَالَهُ ، وَأَدَّى مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِالنَّذْرِ ، وَلاَ تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ، فَإِنْ نَذَرَ حَجًّا لَزِمَهُ صَحِيحًا كَانَ أَوْ مَعْضُوبًا ، إِلاَّ أَنَّهُ يُنِيبُ عَنْهُ فِي حَال الْعَضْبِ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ ، وَإِنْ أَطَاقَ الْبَعْضَ أَتَى بِهِ وَكَفَّرَ لِلْبَاقِي .
وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ نَذَرَ صِيَامًا فَعَجَزَ عَنْهُ ، وَعَمَّا إِذَا كَانَ يَلْزَمُهُ مَعَ كَفَّارَةِ النَّذْرِ إِطْعَامٌ عَنْ كُل يَوْمٍ مَنْذُورٍ صِيَامُهُ أَمْ لاَ ؟
فَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ النَّاذِرَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُطْعِمَ عَنْ كُل يَوْمٍ نَذَرَ صِيَامَهُ مِسْكِينًا ، كَمَا هُوَ الْحَال فِيمَنْ عَجَزَ عَنْ صِيَامِ رَمَضَانَ ، وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْمَذْهَبُ ، وَذَلِكَ لأَِنَّ الْمُطْلَقَ مِنْ كَلاَمِ الآْدَمِيِّينَ يُحْمَل عَلَى الْمَعْهُودِ شَرْعًا ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عَنْهُ : أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُ النَّاذِرَ شَيْءٌ غَيْرُ الْكَفَّارَةِ ، لأَِنَّهُ نَذْرٌ عَجَزَ عَنِ الْوَفَاءِ بِهِ ، فَكَانَ الْوَاجِبُ فِيهِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ ، كَسَائِرِ النُّذُورِ ، وَلأَِنَّ مُوجِبَ النَّذْرِ مُوجِبُ الْيَمِينِ إِلاَّ مَعَ إِمْكَانِ الْوَفَاءِ بِهِ إِذَا كَانَ قُرْبَةً(11)وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ سَأَل النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أُخْتٍ لَهُ نَذَرَتْ أَنْ تَمْشِيَ حَافِيَةً غَيْرَ مُخْتَمِرَةٍ ، فَقَال لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : " مُرْهَا فَلْتَخْتَمِرْ وَلْتَرْكَبْ وَلْتَصُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ "(12)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُخْتِى نَذَرَتْ - يَعْنِى - أَنْ تَحُجَّ مَاشِيَةً. فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - : « إِنَّ اللَّهَ لاَ يَصْنَعُ بِشَقَاءِ أُخْتِكَ شَيْئًا فَلْتَحُجَّ رَاكِبَةً وَلْتُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهَا »(13).
وَبِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:مَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يُسَمِّهِ، فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا لا يُطِيقُهُ، فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا يُطِيقُهُ فَلْيَفِ(14). وَقَالُوا : إِنَّ النَّذْرَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْيَمِينِ ، وَمُوجِبُ النَّذْرِ هُوَ مُوجِبُ الْيَمِينِ ، إِلاَّ مَعَ إِمْكَانِ الْوَفَاءِ بِهِ إِذَا كَانَ قُرْبَةً ، فَإِنْ كَانَ مَعْجُوزًا عَنْهُ فَيَلْزَمُ فِيهِ مَا يَلْزَمُ عِنْدَ الْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ(15)
ــــــــــــــ
__________
(1) - صحيح مسلم(354 )
(2) - مسند أحمد(2568) صحيح
(3) - انظر الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 40 / ص 208) فما بعد
(4) - المقدمات الممهدات 1 / 404 ، ومواهب الجليل 3 / 320 .
(5) - صحيح البخارى(6696 )
(6) - رد المحتار 3 / 70 ، وبدائع الصنائع 6 / 2885 .
(7) - رد المحتار 3 / 70 ، وبدائع الصنائع 6 / 2864 .
(8) - بدائع الصنائع 6 / 2885 .
(9) - روضة الطالبين 3 / 322 ، ونهاية المحتاج وحاشية الشبراملسي عليه 8 / 231 ، وزاد المحتاج 4 / 505 .
(10) - رَوْضَةُ الطَّالِبِينَ 3 / 322 ، وَنِهَايَةُ الْمُحْتَاجِ 8 / 231 ، وَزَادُ الْمُحْتَاجِ 4 / 505 .
(11) - الْمُغْنِي 9 / 9 - 11 ، وَالْكَافِي 4 / 428 - 429 ، وَكَشَّافُ الْقِنَاعِ 6 / 282 .
(12) - سنن النسائى (3831 ) صحيح دون ذكر الصيام ، وبهذا اللفظ ضعيف
(13) - سنن أبى داود(3297 ) حسن
(14) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 10 / ص 104)(12003 ) وسنن أبى داود (3324) ومصنف ابن أبي شيبة (ج 3 / ص 404)(12313) مرفوعاً وموقوفاً حسن
(15) - الْمُغْنِي 9 / 10 ، وَالْكَافِي 4 / 428 .(1/8)
ثانيا
الْمَوْتُ قَبْل فِعْل الطَّاعَةِ الْمَنْذُورَةِ
مَنْ نَذَرَ طَاعَةً لِلَّهِ تَعَالَى وَمَاتَ قَبْل فِعْلِهَا ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَا نَذَرَهُ حَجًّا أَوْ صِيَامًا أَوِ اعْتِكَافًا أَوْ صَلاَةً أَوْ صَدَقَةً ، أَوْ غَيْرَهَا ، وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِيمَا يَلِي :
أَوَّلاً : مَوْتُ مَنْ نَذَرَ الْحَجَّ قَبْل أَدَائِهِ :
مَنْ نَذَرَ الْحَجَّ وَمَاتَ قَبْل أَدَائِهِ ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَوْتُهُ قَبْل تَمَكُّنِهِ مِنْ أَدَاءِ الْحَجِّ ، أَوْ بَعْدَ تَمَكُّنِهِ مِنْ أَدَائِهِ وَلَمْ يُؤَدِّهِ .
أ - مَوْتُ مَنْ نَذَرَ الْحَجَّ قَبْل تَمَكُّنِهِ مِنْ أَدَائِهِ :
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ مَنْ مَاتَ قَبْل تَمَكُّنِهِ مِنْ أَدَاءِ الْحَجِّ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ بِالنَّذْرِ ، بِأَنْ مَاتَ قَبْل حَجِّ النَّاسِ مِنْ سَنَةِ الْوُجُوبِ ، وَذَلِكَ عَلَى اتِّجَاهَيْنِ : الاِتِّجَاهُ الأَْوَّل : يَرَى أَصْحَابُهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ أَدَاءِ الْحَجِّ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ بِالنَّذْرِ حَتَّى مَاتَ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ ، وَلاَ يُؤَدَّى عَنْهُ إِلاَّ إِذَا أَوْصَى بِهِ ، فَإِنْ وَصَّى بِهِ حُجَّ عَنْهُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ ، وَلاَ تَجِبُ عَلَى الْوَارِثِ أَوِ الْوَلِيِّ أَنْ يَأْمُرَ بِالْحَجِّ عَنْهُ بِمَالِهِ ( أَيْ بِمَال الْوَارِثِ أَوِ الْوَلِيِّ ) . قَال بِهِ : ابْنُ سِيرِينَ ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ ، وَحُمَيْدٌ الطَّوِيل ، وَالشَّعْبِيُّ ، وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ ، وَالْمَالِكِيَّةُ عَلَى الْمَشْهُورِ ، وَالشَّافِعِيَّةُ(1).
َاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ بِالنَّذْرِ قَدْ مَاتَ قَبْل التَّمَكُّنِ مِنَ الأَْدَاءِ ، فَسَقَطَ عَنْهُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ ، كَمَا لَوْ هَلَكَ النِّصَابُ قَبْل التَّمَكُّنِ مِنْ إِخْرَاجِ الزَّكَاةِ مِنْهُ(2)وَبِأَنَّ الْحَجَّ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ ، فَتَسْقُطُ بِمَوْتِ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَالصَّلاَةِ(3)وَبِأَنَّ الْحَجَّ عِبَادَةٌ ، وَكُل مَا كَانَ كَذَلِكَ فَلاَ بُدَّ فِيهِ مِنَ الاِخْتِيَارِ ، وَذَلِكَ فِي الإِْيصَاءِ دُونَ الْوِرَاثَةِ ، لأَِنَّهَا جَبْرِيَّةٌ ، وَالإِْيصَاءَ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً ، وَلأَِنَّ الْحَجَّ فِعْلٌ مُكَلَّفٌ بِهِ ، وَقَدْ سَقَطَتِ الأَْفْعَال بِالْمَوْتِ ، فَصَارَ الْحَجُّ كَأَنَّهُ سَقَطَ فِي حَقِّ الدُّنْيَا ، فَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ بِمَا يُحَجُّ بِهِ عَنْهُ تَبَرُّعًا ، وَهَذِهِ الْوَصِيَّةُ تُعْتَبَرُ مِنَ الثُّلُثِ(4).
الاِتِّجَاهُ الثَّانِي : يَرَى مَنْ ذَهَبَ إِلَيْهِ أَنَّ مَنْ نَذَرَ الْحَجَّ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ أَدَائِهِ حَتَّى مَاتَ ، فَإِنَّهُ يُخْرَجُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ مَا يُحَجُّ بِهِ عَنْهُ ، إِنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَتَطَوَّعُ بِالْحَجِّ عَنْهُ ، سَوَاءٌ أَوْصَى بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يُوصِ بِهِ ، رُوِيَ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَهُوَ قَوْل سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، وَعَطَاءٍ ، وَطَاوُسٍ ، وَالضَّحَّاكِ ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ، وَالثَّوْرِيِّ ، وَالأَْوْزَاعِيِّ ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى ، وَإِسْحَاقَ ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ(5).
وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا} (11) سورة النساء ، بِمَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَال : أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَال لَهُ : إِنَّ أُخْتِي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ وَإِنَّهَا مَاتَتْ ، فَقَال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيهِ ؟ قَال : نَعَمْ ، قَال : فَاقْضِ اللَّهَ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ(6)،وَبِمَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ جَاءَتْ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ إِنَّ أُمِّى نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ ، فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا قَالَ « نَعَمْ . حُجِّى عَنْهَا ، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَةً اقْضُوا اللَّهَ ، فَاللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ »(7)
وَقَالُوا : إِنَّ الْحَجَّ الَّذِي وَجَبَ عَلَى هَذَا النَّاذِرِ ، حَتَّى اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ ، فَلاَ يَسْقُطُ بِمَوْتِهِ كَالدَّيْنِ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ ، وَبِأَنَّ هَذَا الْحَجَّ الْمَنْذُورَ دَيْنٌ اسْتَقَرَّ فِي ذِمَّةِ النَّاذِرِ وَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ فَكَانَ مِنْ جَمِيعِ مَا تَرَكَ كَدَيْنِ الآْدَمِيِّ(8)
ب - مَوْتُ مَنْ نَذَرَ الْحَجَّ بَعْدَ تَمَكُّنِهِ مِنْ أَدَائِهِ وَلَمْ يُؤَدِّهِ حَتَّى مَاتَ :
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ مَنْ مَاتَ بَعْدَ أَنْ تَمَكَّنَ مِنْ أَدَاءِ الْحَجِّ الَّذِي أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِالنَّذْرِ ، إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّهِ حَتَّى مَاتَ ، وَذَلِكَ عَلَى مَذْهَبَيْنِ : الْمَذْهَبُ الأَْوَّل : يَرَى أَصْحَابُهُ أَنَّ مَنْ مَاتَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ أَدَاءِ الْحَجِّ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ بِالنَّذْرِ ، فَإِنَّهُ يُقْضَى عَنْهُ مِنْ تَرِكَتِهِ ، بِأَنْ يُخْرَجَ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ مَا يُؤَدَّى بِهِ ذَلِكَ عَنْهُ ، سَوَاءٌ أَوْصَى بِهِ أَوْ لَمْ يُوصِ ، وَلاَ يَسْقُطُ عَنْهُ بِمَوْتِهِ ، رُوِيَ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ، وَقَال بِهِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ ، وَطَاوُسٌ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَالأَْوْزَاعِيُّ ، وَالضَّحَّاكُ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى ، وَإِسْحَاقُ ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ ، وَعَطَاءٌ ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ ، وَيَرَوْنَ أَنَّ الْمَيِّتَ إِنْ لَمْ يُخَلِّفْ مَالاً يُحَجُّ مِنْهُ النَّذْرُ ، فَلاَ يَلْزَمُ الْوَارِثَ الْحَجُّ عَنْهُ ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَدَاؤُهُ عَنْهُ ، فَإِنْ حَجَّ عَنْهُ الْوَارِثُ بِنَفْسِهِ أَوِ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ أَجْزَأَ عَنِ الْحَجِّ الْوَاجِبِ عَلَى الْمَيِّتِ ، وَإِلَى هَذَا الْمَذْهَبِ ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ(9).
َاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12) } [النساء/12] ، بِمَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ اسْتَفْتَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ الأَنْصَارِىُّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى نَذْرٍ كَانَ عَلَى أُمِّهِ ، تُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « اقْضِهِ عَنْهَا »(10)
وَبِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ جَاءَتْ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ إِنَّ أُمِّى نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ ، فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا قَالَ « نَعَمْ . حُجِّى عَنْهَا ، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَةً اقْضُوا اللَّهَ ، فَاللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ »(11).
وَبِمَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ أَتَى رَجُلٌ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لَهُ إِنَّ أُخْتِى نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ وَإِنَّهَا مَاتَتْ . فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ » . قَالَ نَعَمْ . قَالَ « فَاقْضِ اللَّهَ ، فَهْوَ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ »(12).
وَبِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ امْرَأَةً أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا حَجٌّ ، فَقَالَ : حُجِّي عَنْ أُمِّكِ ، قَالَتْ : إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمٌ , فَقَالَ : صُوْمِي عَنْ أُمَّكِ قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي قَدْ تُوُفِّيَتْ ، وَكُنْتُ تَصَدَّقْتُ عَلَيْهَا بِجَارِيَةٍ ، فَقَالَ : آجَرَكِ اللَّهُ وَرَدَّ عَلَيْكِ الْمِيرَاثَ(13).
وَبِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَال : "إذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرٌ قَضَى عَنْهُ وَلِيُّهُ. "(14)
وَقَالُوا : إِنَّ الْحَجَّ الَّذِي أَوْجَبَهُ النَّاذِرُ عَلَى نَفْسِهِ حَقٌّ لَزِمَهُ فِي حَال الْحَيَاةِ وَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ ، وَهُوَ مِمَّا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِمَوْتِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ كَدَيْنِ الآْدَمِيِّ(15)
وَاسْتَدَلُّوا كَذَلِكَ بِأَنَّ هَذَا الْحَجَّ الَّذِي اسْتَقَرَّ فِي ذِمَّةِ النَّاذِرِ دَيْنٌ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ ، فَكَانَ مِنْ رَأْسِ مَال تَرِكَتِهِ ، كَدَيْنِ الآْدَمِيِّ(16)
الْمَذْهَبُ الثَّانِي : يَرَى مَنْ ذَهَبَ إِلَيْهِ أَنَّ مَنْ مَاتَ بَعْدَ أَنْ تَمَكَّنَ مِنَ الْحَجِّ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ بِالنَّذْرِ وَلَمْ يُؤَدِّهِ حَتَّى مَاتَ ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ بِمَوْتِهِ ، إِلاَّ أَنْ يُوصِيَ بِأَدَائِهِ عَنْهُ ، فَإِنْ أَوْصَى بِهِ حُجَّ عَنْهُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ ، وَلاَ يَجِبُ عَلَى وَلِيِّهِ أَنْ يَأْمُرَ بِالْحَجِّ عَنْهُ مِنْ مَال نَفْسِهِ ، قَال بِهِ الشَّعْبِيُّ ، وَالنَّخَعِيُّ ، وَابْنُ سِيرِينَ ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ ، وَحُمَيْدٌ الطَّوِيل ، وَدَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ ، وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ ، وَالْمَالِكِيَّةُ(17).
وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوي عْن ابن عمر، قال: لا يصليَنَّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَا يَصُومَنَّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَكِنْ إنْ كُنْتَ فَاعِلًا تَصَدَّقْتَ عَنْهُ، أَوْ أَهْدَيْتَ"(18)
وَبِأَنَّ الْحَجَّ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ فَتَسْقُطُ بِمَوْتِ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَالصَّلاَةِ(19)وَبِأَنَّ النِّيَّةَ شَرْطُ إِجْزَاءِ الْعِبَادَةِ ، لِيَتَحَقَّقَ أَدَاءُ الْمُكَلَّفِ لَهَا اخْتِيَارًا مِنْهُ ، فَيَظْهَرُ اخْتِيَارُهُ الطَّاعَةَ مِنِ اخْتِيَارِهِ الْمَعْصِيَةَ ، الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ التَّكْلِيفِ ، وَفِعْل الْوَارِثِ مِنْ غَيْرِ أَمْرِ الْمُبْتَلَى بِالأَْمْرِ وَالنَّهْيِ لاَ يُحَقِّقُ اخْتِيَارَهُ ، بَل إِنَّهُ لَمَّا مَاتَ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ وَلاَ أَمْرٍ فَقَدْ تَحَقَّقَ عِصْيَانُهُ ، بِخُرُوجِهِ مِنْ دَارِ التَّكْلِيفِ بِغَيْرِ امْتِثَالٍ لِمَا كُلِّفَ بِهِ ، وَهَذَا يُقَرِّرُ عَلَيْهِ مُوجِبَ الْعِصْيَانِ ، فَلَيْسَ فِعْل الْوَارِثِ الْفِعْل الْمَأْمُورَ بِهِ ، فَلاَ يَسْقُطُ بِهِ الْوَاجِبُ كَمَا لَوْ تَبَرَّعَ بِهِ حَال حَيَاتِهِ ، وَمِنْ ثَمَّ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّمَا هِيَ الأَْفْعَال ، لأَِنَّهَا الَّتِي تُظْهِرُ الطَّاعَةَ وَالاِمْتِثَال ، وَقَدْ سَقَطَتِ الأَْفْعَال كُلُّهَا بِالْمَوْتِ ، لِتَعَذُّرِ ظُهُورِ طَاعَتِهِ بِهَا فِي دَارِ التَّكْلِيفِ ، فَكَانَ الإِْيصَاءُ بِالْمَال الَّذِي هُوَ مُتَعَلَّقُ الأَْفْعَال تَبَرُّعًا مِنَ الْمَيِّتِ ابْتِدَاءً فَيُعْتَبَرُ مِنَ الثُّلُثِ(20).
-------------------
ثَانِيًا : مَوْتُ مَنْ نَذَرَ الصِّيَامَ قَبْل أَدَائِهِ :
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِالنَّذْرِ وَلَمْ يُؤَدِّهِ حَتَّى مَاتَ ، وَعَمَّا إِذَا كَانَ يُصَامُ عَنْهُ أَوْ يُطْعَمُ عَلَى مَذْهَبَيْنِ : الْمَذْهَبُ الأَْوَّل : يَرَى أَصْحَابُهُ أَنَّ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ مَنْذُورٌ فَلاَ يُصَامُ عَنْهُ وَإِنَّمَا يُطْعِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ مَكَانَ كُل يَوْمٍ مِسْكِينًا ، رُوِيَ هَذَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ ، وَهُوَ قَوْل الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ، وَالزُّهْرِيِّ ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِذَا أَوْصَى النَّاذِرُ بِهِ ، وَتُخْرَجُ فِدْيَةُ الصِّيَامِ الْمَنْذُورِ مِنْ ثُلُثِ التَّرِكَةِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ ، فَإِنْ لَمْ يُوصِ بِهِ فَلاَ يَلْزَمُ الْوَارِثَ إِخْرَاجُ الْفِدْيَةِ عَنْهُ ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ فَقَطْ ، فَإِنْ تَبَرَّعَ وَلِيُّهُ بِهَا عَنْهُ جَازَ وَأَجْزَأَهُ ، وَهَذَا إِذَا كَانَ النَّاذِرُ لِلصِّيَامِ صَحِيحًا مُقِيمًا عِنْدَ النَّذْرِ ، فَإِنْ نَذَرَ الصِّيَامَ فِي أَثْنَاءِ مَرَضِهِ أَوْ سَفَرِهِ وَاسْتَمَرَّ مَرَضُهُ أَوْ سَفَرُهُ إِلَى أَنْ مَاتَ ، فَلاَ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ، لأَِنَّ الْمَرِيضَ لَيْسَتْ لَهُ ذِمَّةٌ صَحِيحَةٌ فِي الْتِزَامِ أَدَاءِ الصَّوْمِ حَتَّى يَبْرَأَ ، وَكَذَلِكَ الْمُسَافِرُ لاَ يَلْتَزِمُ بِالصِّيَامِ حَتَّى يُقِيمَ ، فَإِنْ بَرَأَ الْمَرِيضُ يَوْمًا وَاحِدًا ، أَوْ أَقَامَ الْمُسَافِرُ وَلَوْ لِيَوْمٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يَصُمْ أَيٌّ مِنْهُمَا فَقَدْ لَزِمَهُ جَمِيعُ مَا أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ فِي قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ، لأَِنَّهُ بَعْدَ الْبُرْءِ أَوِ الإِْقَامَةِ يَصِيرُ كَالْمُجَدِّدِ لِلنَّذْرِ ، إِذِ الصَّحِيحُ لَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ فَمَاتَ بَعْدَ يَوْمٍ لَزِمَهُ صَوْمُ جَمِيعِ الشَّهْرِ .
وَقَال مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : يَلْزَمُهُ مِنَ الصِّيَامِ الْمَنْذُورِ بِقَدْرِ مَا صَحَّ وَأَقَامَ مِنْ أَيَّامٍ ، لأَِنَّهُ أَدْرَكَ مِنَ الأَْيَّامِ مَا يُمْكِنُهُ الْوَفَاءُ فِيهِ بِمَا نَذَرَ ، وَلاَ يَلْزَمُهُ مِنْ ذَلِكَ إِلاَّ بِمِقْدَارِ مَا أَدْرَكَ ، فَيُخْرِجُ الْوَلِيُّ الْفِدْيَةَ عَلَى كِلاَ الْقَوْلَيْنِ إِنْ أَوْصَى النَّاذِرُ بِذَلِكَ ، وَيُجْبَرُ عَلَى إِخْرَاجِهَا مِنْ ثُلُثِ التَّرِكَةِ .
وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ مَنْ مَاتَ قَبْل أَنْ يَصُومَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِالنَّذْرِ ، أَطْعَمَ عَنْهُ وَلِيُّهُ مِنْ ثُلُثِ تَرِكَتِهِ ، إِنْ كَانَ لَهُ تَرِكَةٌ ، إِذَا أَوْصَى أَنْ يُوَفَّى عَنْهُ ، وَالْقَوْل بِالإِْطْعَامِ عَمَّنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ مَنْذُورٌ هُوَ قَوْل الشَّافِعِيِّ فِي مَذْهَبِهِ الْجَدِيدِ ، وَهُوَ أَشْهَرُ قَوْلَيْهِ وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ جُمْهُورِ أَصْحَابِهِ ، سَوَاءٌ أَوْصَى بِهِ أَوْ لَمْ يُوصِ بِهِ ، هَذَا إِذَا كَانَ قَدْ مَاتَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنَ الصِّيَامِ وَلَمْ يَصُمْ حَتَّى مَاتَ ، فَأَمَّا إِذَا مَاتَ قَبْل التَّمَكُّنِ مِنَ الصِّيَامِ فَلاَ يُصَامُ وَلاَ يُطْعَمُ عَنْهُ(21).
وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَال : لاَ يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ ، وَلاَ يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ ، وَلَكِنْ يُطْعِمُ عَنْهُ مَكَانَ كُل يَوْمٍ مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ(22)، وَحَكَى الإِْمَامُ مَالِكٌ وَالْمَاوَرْدِيُّ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُصَامُ عَنِ الْمَيِّتِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنَ الصِّيَامِ ، وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُمْ ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَال : " لاَ يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ ، وَلاَ يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ " ، بَعْدَ أَنْ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثَ قَالَ جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّى مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا قَالَ « أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ أَكَانَ يُؤَدِّى ذَلِكِ عَنْهَا ». قَالَتْ نَعَمْ. قَالَ « فَصُومِى عَنْ أُمِّكِ »(23). ، وَمِنْهُمْ أَيْضًا عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ : " لاَ وَأَطْعِمُوا لاَ تَصُومُوا عَنْ مَوْتَاكُمْ وَأَطْعِمُوا عَنْهُمْ.(24)،
__________
(1) - الْبَحْرُ الرَّائِقُ 3 / 72 - 74 ، تُحْفَةُ الْفُقَهَاءِ لِلسَّمَرْقَنْدِيِّ 1 / 650 ، وَشَرْحُ مِنَحِ الْجَلِيل 1 / 450 - 451 ، وَمَوَاهِبُ الْجَلِيل وَالتَّاجُ وَالإِْكْلِيل 3 / 3 ، وَالْمَجْمُوعُ 2 / 494 ، 7 / 109 ، 8 / 497 ، وَالْمُغْنِي 3 / 242 ، الْمُنْتَقَى لِلْبَاجِيِّ 2 / 271 .
(2) - الْمَجْمُوعُ 7 / 109 .
(3) - الْمُغْنِي 3 / 242 .
(4) - الْعِنَايَةُ عَلَى الْهِدَايَةِ 2 / 84 .
(5) - الْمُغْنِي 3 / 242 ، وَكَشَّافُ الْقِنَاعِ 2 / 336 ، 393 .
(6) - صحيح البخارى(6699 )
(7) - صحيح البخارى(1852 )
(8) - الْمُغْنِي 3 / 243 ، وَكَشَّافُ الْقِنَاعِ 2 / 336 .
(9) - الْمَجْمُوعُ 7 / 109 ، 112 ، 114 ، 116 ، 8 / 494 ، وَزَادُ الْمُحْتَاجِ 4 / 505 ، وَالْمُغْنِي 3 / 242 ، 244 ، 9 / 30 ، 31 ، وَالْكَافِي 4 / 430 ، وَكَشَّافُ الْقِنَاعِ 2 / 336 ، 393 .
(10) - صحيح البخارى(6959 )
(11) - صحيح البخارى(1852 )
(12) - صحيح البخارى(6699)
(13) - مسند الشاميين(2446) حسن
(14) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 3 / ص 463)(12739) صحيح
(15) - الْمَجْمُوعُ 7 / 109 ، وَالْمُغْنِي 3 / 243 .
(16) - الْمَجْمُوعِ 7 / 109 .
(17) - رَدُّ الْمُحْتَارِ 2 / 119 ، 239 ، وَفَتْحُ الْقَدِيرِ 2 / 320 ، تُحْفَةُ الْفُقَهَاءِ1 / 650 - 651 ، وَشَرْحُ الْخِرَشِيِّ 2 / 296 ، وَشَرْحُ مِنَحِ الْجَلِيل 1 / 450 ، وَمَوَاهِبُ الْجَلِيل وَالتَّاجُ وَالإِْكْلِيل 3 / 3 ، وَالْمَجْمُوعُ 7 / 112 ، 116 ، وَالْمُنْتَقَى 2 / 270 .
(18) - مصنف عبد الرزاق(16347) و نصب الراية - (ج 2 / ص 463) صحيح لغيره موقوف
(19) - الْمُغْنِي 3 / 242 .
(20) - فَتْحُ الْقَدِيرِ 2 / 85 .
(21) - رَدُّ الْمُحْتَارِ عَلَى الدُّرِّ الْمُخْتَارِ 2 / 118 - 119 ، وَالْهِدَايَةُ وَالْعِنَايَةُ وَفَتْحُ الْقَدِيرِ 2 / 357 ، وَالْمَبْسُوطُ لِلسَّرَخْسِيِّ 3 / 90 - 91 ، وَالْفُرُوقُ 3 / 187 ، وَالشَّرْحُ الْكَبِيرُ وَحَاشِيَةُ الدُّسُوقِيِّ عَلَيْهِ 1 / 53 ، 2 / 18 ، وَالْحَطَّابُ 6 / 408 ، وَالْمَجْمُوعُ 8 / 497 ، وَرَوْضَةُ الطَّالِبِينَ 3 / 333 ، وَمُغْنِي الْمُحْتَاجِ 1 / 439 ، وَزَادُ الْمُحْتَاجِ 1 / 526 ، وَعُمْدَةُ الْقَارِي 11 / 59 ، وَشَرْحُ النَّوَوِيِّ عَلَى صَحِيحِ مُسْلِمٍ 8 / 26 ، وَالْمُنْتَقَى 2 / 62 - 63 .
(22) - السنن الكبرى للإمام النسائي (2930) صحيح موقوف
قال البيهقي : وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أَصْحَابِنَا يُضَعِّفُ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : لاَ يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَيُطْعِمُ عَنْهُ.السنن الكبرى للبيهقي (ج 4 / ص 256)
(23) - صحيح مسلم(2752)
(24) - قال البيهقي : كَيْفَ وَقَدْ رُوِىَ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ النَّصُّ فِى جَوَازِ الصَّوْمِ عَنِ الْمَيِّتِ ، وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أَصْحَابِنَا يُضَعِّفُ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمَا رُوِىَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ حَجَّاجٍ الأَحْوَلِ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : لاَ يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَيُطْعِمُ عَنْهُ.
وَبِمَا رُوِّينَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : فِى الإِطْعَامِ عَنْ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ ، وَصِيَامُ شَهْرِ نَذْرٍ. وَفِى رِوَايَةِ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَرِوَايَةِ أَبِى حَصِينٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِى صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ : أَطْعَمَ عَنْهُ وَفِى النَّذْرِ قَضَى عَنْهُ وَلِيُّهُ ، وَرِوَايَةُ مَيْمُونٍ وَسَعِيدٍ تُوَافِقُ الرِّوَايَةَ عَنْهُ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فِى النَّذْرِ إِلاَّ أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ تُخَالِفَانِهَا ، وَرَأَيْتُ بَعْضَهُمْ ضَعَّفَ حَدِيثَ عَائِشَةَ بِمَا رُوِىَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنِ امْرَأَةٍ عَنْ عَائِشَةَ فِى امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَعَلَيْهَا الصَّوْمُ قَالَتْ : يُطْعَمُ عَنْهَا ، وَرُوِىَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ : لاَ تَصُومُوا عَنْ مَوْتَاكُمْ وَأَطْعِمُوا عَنْهُمْ. وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرُوا مَا يُوجِبُ لِلْحَدِيثِ ضِعْفًا فَمَنْ يُجَوِّزُ الصِّيَامَ عَنِ الْمَيِّتِ يُجَوِّزُ الإِطْعَامَ عَنْهُ ، وَفِيمَا رُوِىَ عَنْهُمَا فِى النَّهْىِ عَنِ الصَّوْمِ عَنِ الْمَيِّتِ نَظَرٌ وَالأَحَادِيثُ الْمَرْفُوعَةُ أَصَحُّ إِسْنَادًا وَأَشْهَرُ رِجَالاً وَقَدْ أَوْدَعَهَا صَاحِبَا الصَّحِيحِ كِتَابَيْهِمَا وَلَوْ وَقَفَ الشَّافِعِىُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى جَمِيعِ طُرُقِهَا وَتَظَاهُرِهَا لَمْ يُخَالِفْهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ. وَمِمَّنْ رَأَى جَوَازَ الصِّيَامِ عَنِ الْمَيِّتِ طَاوُسٌ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِىُّ وَالزُّهْرِىُّ وَقَتَادَةُ "السنن الكبرى للبيهقي (ج 4 / ص 256)(8492)(1/9)
بَعْدَ أَنْ رَوَتْ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثَ الصَّوْمِ عَنِ الْمَيِّتِ وَهُوَ أَنَّهُ قَال : مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ(1)، وَفَتْوَى الرَّاوِي عَلَى خِلاَفِ مَرْوِيِّهِ بِمَنْزِلَةِ رِوَايَتِهِ لِلنَّاسِخِ وَنَسْخُ الْحُكْمِ يَدُل عَلَى إِخْرَاجِ الْمَنَاطِ عَنْ الاِعْتِبَارِ ، وَلِهَذَا فَقَدِ اشْتُرِطَ فِي الْقِيَاسِ : أَنْ لاَ يَكُونَ حُكْمُ الأَْصْل مَنْسُوخًا ، لأَِنَّ التَّعْدِيَةَ بِالْجَامِعِ ، وَنَسْخُ الْحُكْمِ يَسْتَلْزِمُ إِبْطَال اعْتِبَارِهِ ، إِذْ لَوْ كَانَ مُعْتَبَرًا لاَسْتَمَرَّ تَرْتِيبُ الْحُكْمِ عَلَى وَفْقِهِ ، وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ مِثْل ذَلِكَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ(2)- قَال الإِْمَامُ مَالِكٌ : لَمْ أَسْمَعْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَوِ التَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِالْمَدِينَةِ ، أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ أَمَرَ أَحَدًا أَنْ يَصُومَ عَنْ أَحَدٍ ، أَوْ يُصَلِّيَ عَنْ أَحَدٍ ، وَهَذَا مِمَّا يُؤَيِّدُ النَّسْخَ وَأَنَّهُ الأَْمْرُ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الشَّرْعُ آخِرًا(3)وَأَضَافُوا : إِنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ لاَ تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ فِي حَال الْحَيَاةِ ، فَكَذَلِكَ لاَ تَدْخُلُهَا بَعْدَ الْمَوْتِ كَالصَّلاَةِ ، وَهَذَا لأَِنَّ الْمَعْنَى فِي الْعِبَادَةِ كَوْنُهَا شَاقَّةً عَلَى بَدَنِهِ ، وَلاَ يَحْصُل ذَلِكَ بِأَدَاءِ نَائِبِهِ عَنْهُ ، وَلَكِنْ يُطْعِمُ عَنْهُ لِكُل يَوْمٍ مِسْكِينًا ، لأَِنَّهُ وَقَعَ الْيَأْسُ عَنْ أَدَاءِ الصَّوْمِ فِي حَقِّهِ ، فَتَقُومُ الْفِدْيَةُ مَقَامَهُ ، كَمَا فِي حَقِّ الشَّيْخِ الْفَانِي(4)وَقَالُوا كَذَلِكَ : إِنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ ، وَكُل مَا كَانَ كَذَلِكَ فَلاَ بُدَّ فِيهِ مِنْ الاِخْتِيَارِ ، وَذَلِكَ فِي الإِْيصَاءِ دُونَ الْوِرَاثَةِ ، لأَِنَّهَا جَبْرِيَّةٌ ، ثُمَّ هُوَ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً ، لأَِنَّ الصَّوْمَ فِعْلٌ مُكَلَّفٌ بِهِ ، وَقَدْ سَقَطَتِ الأَْفْعَال بِالْمَوْتِ ، فَصَارَ الصَّوْمُ كَأَنَّهُ سَقَطَ فِي حَقِّ الدُّنْيَا ، فَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ بِأَدَاءِ الْفِدْيَةِ تَبَرُّعًا(5)
الْمَذْهَبُ الثَّانِي : يَرَى مَنْ ذَهَبَ إِلَيْهِ أَنَّ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ مَنْذُورٌ ، فَإِنَّ وَلِيَّهُ يَصُومُهُ عَنْهُ ، سَوَاءٌ أَوْصَى بِهِ أَوْ لَمْ يُوصِ بِهِ ، رُوِيَ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، وَهُوَ قَوْل اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ، وَأَبِي عُبَيْدٍ ، وَالزُّهْرِيِّ ، وَإِسْحَاقَ ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، وَطَاوُسٍ ، وَقَتَادَةَ ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ فِي مَذْهَبِهِ الْقَدِيمِ جَزَمَ النَّوَوِيُّ بِصِحَّتِهِ ، وَتَابَعَهُ فِي الْقَوْل بِصِحَّتِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ مُحَقِّقِي أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ، إِلاَّ أَنَّ النَّوَوِيَّ قَال : إِنَّمَا يُصَامُ عَنِ النَّاذِرِ إِذَا مَاتَ بَعْدَ أَنْ تَمَكَّنَ مِنَ الصِّيَامِ وَلَمْ يَصُمْ ، فَأَمَّا إِذَا مَاتَ قَبْل إِمْكَانِ الصِّيَامِ فَلاَ يُصَامُ وَلاَ يُطْعَمُ عَنْهُ ، وَقَال : مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْوَارِثَ لاَ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ النَّذْرِ الْوَاجِبِ عَلَى الْمَيِّتِ إِذَا كَانَ غَيْرَ مَالِيٍّ ، أَوْ كَانَ مَالِيًّا وَلَمْ يَتْرُكِ الْمَيِّتُ مَالاً يُقْضَى مِنْهُ النَّذْرُ ، إِلاَّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْوَارِثِ قَضَاؤُهُ عَنْهُ .
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ ، وَيَرَوْنَ أَنَّهُ لاَ يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يَصُومَ عَنِ الْمَيِّتِ إِنْ لَمْ يُخَلِّفْ تَرِكَةً ، إِلاَّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ عَلَى سَبِيل الصِّلَةِ لَهُ وَالْمَعْرُوفِ لِتَفْرَغَ ذِمَّتُهُ مِنْهُ ، وَالأَْوْلَى - كَمَا قَال ابْنُ قُدَامَةَ - أَنْ يَقْضِيَ النَّذْرَ عَنْهُ وَارِثُهُ ، فَإِنْ قَضَاهُ عَنْهُ غَيْرُهُ أَجْزَأَ عَنْهُ ، كَمَا لَوْ قَضَى عَنْهُ دَيْنَهُ ، فَإِنْ خَلَّفَ تَرِكَةً وَجَبَ صِيَامُ النَّذْرِ عَنْهُ ، كَقَضَاءِ الدَّيْنِ ، وَيُسْتَحَبُّ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَصُومَ عَنِ الْمَيِّتِ بِنَفْسِهِ ، لأَِنَّهُ أَحْوَطُ لِبَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْمَيِّتِ ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَل وَجَبَ أَنْ يَدْفَعَ مِنْ تَرِكَتِهِ إِلَى مَنْ يَصُومُ عَنْهُ عَنْ كُل يَوْمٍ طَعَامَ مِسْكِينٍ ، لأَِنَّ ذَلِكَ فِدْيَةٌ ، وَيُجْزِئُ صَوْمُ غَيْرِ الْوَلِيِّ سَوَاءٌ أَذِنَ فِيهِ الْوَلِيُّ أَمْ لَمْ يَأْذَنْ(6).
وَاسْتَدَلُّوا بِمَا وَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَال : مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ(7)،وَبِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَال : جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ : يَا رَسُول اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ ، أَفَأَصُومُ عَنْهَا ؟ قَال : أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ أَكَانَ يُؤَدِّي ذَلِكَ عَنْهَا ؟ قَالَتْ : نَعَمْ ، قَال : فَصُومِي عَنْ أُمِّكِ(8)،وَبِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَال : إِنَّ امْرَأَةً نَذَرَتْ وَهِيَ فِي الْبَحْرِ ، إِنْ نَجَّاهَا اللَّهُ أَنْ تَصُومَ شَهْرًا ، فَأَنْجَاهَا اللَّهُ ، وَمَاتَتْ قَبْل أَنْ تَصُومَ ، فَجَاءَتْ ذَاتُ قُرَابَةٍ لَهَا إِمَّا أُخْتُهَا أَوِ ابْنَتُهَا إِلَى رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرَتْهُ ، فَقَال : صُومِي عَنْهَا"(9).
وَبِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّى مَاتَتْ ، وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ ، أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا؟ قَالَ: « نَعَمْ - قَالَ - فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى »(10).
وَبِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَال : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَال : يَا رَسُول اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ ، أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا ؟ فَقَال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكَ دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ عَنْهَا ؟ قَال : نَعَمْ ، قَال : فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى"(11).
وَبِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عَنْهُما سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرٌ ، فَقَالَ : يُصَامُ عَنْهُ النَّذْرُ(12).
وَبِأَنَّ الصَّوْمَ مِنَ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ الَّتِي لاَ تَقْبَل النِّيَابَةَ ، إِلاَّ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ النَّذْرِ وَغَيْرِهِ ، أَنَّ النِّيَابَةَ تَدْخُل الْعِبَادَةَ بِحَسَبِ خِفَّتِهَا ، وَالنَّذْرُ أَخَفُّ حُكْمًا مِنَ الْوَاجِبِ بِأَصْل الشَّرْعِ ، لِكَوْنِ النَّذْرِ لَمْ يَجِبْ بِأَصْل الشَّرْعِ ، وَإِنَّمَا أَوْجَبَهُ النَّاذِرُ عَلَى نَفْسِهِ(13).
-------------------
ثَالِثًا : مَوْتُ مَنْ نَذَرَ الاِعْتِكَافَ قَبْل فِعْلِهِ :
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ اعْتِكَافٌ مَنْذُورٌ لَمْ يَفْعَلْهُ حَتَّى مَاتَ ، وَذَلِكَ عَلَى اتِّجَاهَاتٍ ثَلاَثَةٍ : الاِتِّجَاهُ الأَْوَّل : يَرَى أَصْحَابُهُ أَنَّ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ اعْتِكَافٌ مَنْذُورٌ فَإِنَّ وَلِيَّهُ يَعْتَكِفُ عَنْهُ ، رُوِيَ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَقَال بِهِ الأَْوْزَاعِيُّ ، وَإِسْحَاقُ ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ ، إِلاَّ أَنَّ اعْتِكَافَ الْوَلِيِّ عَنِ الْمَيِّتِ لَيْسَ وَاجِبًا عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ لَهُ فِعْلُهُ عَنْهُ عَلَى سَبِيل الصِّلَةِ لَهُ ، وَالأَْوْلَى أَنْ يَقْضِيَهُ عَنْهُ وَارِثُهُ ، فَإِنْ قَضَاهُ عَنْهُ غَيْرُ الْوَارِثِ أَجْزَأَ النَّاذِرَ ، كَمَا لَوْ قَضَى عَنْهُ دَيْنَهُ ، إِذِ النَّذْرُ شَبِيهٌ بِالدَّيْنِ ، وَلأَِنَّ مَا يَقْضِيهِ الْوَارِثُ تَبَرُّعٌ مِنْهُ ، وَغَيْرُهُ مِثْلُهُ فِي التَّبَرُّعِ(14).
وَاسْتَدَلُّوا بِمَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ اسْتَفْتَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : إِنَّ أُمِّى مَاتَتْ وَعَلَيْهَا نَذْرٌ لَمْ تَقْضِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « اقْضِهِ عَنْهَا »(15). .
وَبِمَا رُوِيَ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ ؛ أَنَّ أُمَّهُ نَذَرَتْ أَنْ تَعْتَكِفَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ ، فَمَاتَتْ وَلَمْ تَعْتَكِفْ ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : اعْتَكِفْ عَنْ أُمِّك.(16)
وَأَنَّهُ لَمَّا جَازَ الصِّيَامُ عَنِ الْمَيِّتِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِالنَّذْرِ ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ الاِعْتِكَافُ عَنْهُ كَذَلِكَ ، وَذَلِكَ لأَِنَّ كُلًّا مِنَ الصِّيَامِ وَالاِعْتِكَافِ كَفٌّ وَمَنْعٌ(17).
الاِتِّجَاهُ الثَّانِي : يَرَى مَنْ ذَهَبَ إِلَيْهِ أَنَّ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ اعْتِكَافٌ مَنْذُورٌ يُطْعَمُ عَنْهُ ، وَلاَ يُعْتَكَفُ عَنْهُ ، وَهُوَ قَوْل الثَّوْرِيِّ ، وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ يُطْعَمُ عَنْهُ لِكُل يَوْمٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ إِنْ أَوْصَى النَّاذِرُ بِذَلِكَ ، وَيُجْبَرُ الْوَارِثُ عَلَى إِخْرَاجِ الْفِدْيَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مِنْ ثُلُثِ التَّرِكَةِ ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ فَلاَ يُجْبَرُ عَلَيْهِ الْوَارِثُ ، وَهَذَا إِذَا كَانَ إِيجَابُ الاِعْتِكَافِ عَلَيْهِ بِالنَّذْرِ فِي حَال الصِّحَّةِ .
وَأَمَّا إِذَا كَانَ مَرِيضًا حِينَ نَذَرَ الاِعْتِكَافَ ، وَلَمْ يَبْرَأْ حَتَّى مَاتَ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ ، لأَِنَّ الْمَرِيضَ لَيْسَ لَهُ ذِمَّةٌ صَحِيحَةٌ فِي وُجُوبِ أَدَاءِ الاِعْتِكَافِ ، وَإِنْ صَحَّ يَوْمًا ثُمَّ مَاتَ أُطْعِمَ عَنْهُ عَنْ جَمِيعِ الأَْيَّامِ الَّتِي نَذَرَ الاِعْتِكَافَ فِيهَا فِي قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ، وَقَال مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : يُطْعَمُ عَنْهُ بِعَدَدِ مَا صَحَّ مِنْ أَيَّامٍ ، وَهُوَ قِيَاسُ مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الإِْمَامِ الشَّافِعِيِّ ، وَيُطْعِمُ الْوَلِيُّ وَفْقًا لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنِ اعْتِكَافِ يَوْمٍ بِلَيْلَتِهِ مُدًّا(18)وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ الاِعْتِكَافَ فَرْعٌ عَنِ الصَّوْمِ ، وَلَمَّا كَانَ الصَّوْمُ الَّذِي وَجَبَ عَلَى الْمَيِّتِ بِالنَّذْرِ تُجْزِئُ فِيهِ الْفِدْيَةُ ، فَكَذَلِكَ الاِعْتِكَافُ يُجْزِئُ فِيهِ ذَلِكَ إِذَا أَوْصَى بِهِ(19). وَبِأَنَّ الاِعْتِكَافَ عِبَادَةٌ ، وَكُل مَا كَانَ كَذَلِكَ فَلاَ بُدَّ فِيهِ مِنْ الاِخْتِيَارِ ، وَهَذَا يَظْهَرُ فِي الإِْيصَاءِ دُونَ الْوِرَاثَةِ ، لأَِنَّهَا جَبْرِيَّةٌ ، وَلأَِنَّ الاِعْتِكَافَ عَنِ الْمَيِّتِ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً ، لأَِنَّهُ فِعْلٌ مُكَلَّفٌ بِهِ ، وَقَدْ سَقَطَتِ الأَْفْعَال كُلُّهَا بِمَوْتِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ ، فَصَارَ الاِعْتِكَافُ كَأَنَّهُ سَقَطَ فِي حَقِّ الدُّنْيَا ، فَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ بِأَدَاءِ الْفِدْيَةِ عَنْهُ تَبَرُّعًا ، فَيُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِ التَّرِكَةِ(20).
الاِتِّجَاهُ الثَّالِثُ : يَرَى أَصْحَابُهُ أَنَّ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ اعْتِكَافٌ مَنْذُورٌ ، فَلاَ يُعْتَكَفُ عَنْهُ ، وَلاَ يُجْزِئُهُ ذَلِكَ ، وَلاَ يُطْعَمُ عَنْهُ وَلاَ يَسْقُطُ عَنْهُ الاِعْتِكَافُ بِالْفِدْيَةِ ، وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ ، وَالْمَعْرُوفُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ فِي الأُْمِّ وَغَيْرِهِ(21).
وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ عَنِ الشَّارِعِ مَا يُفِيدُ جَوَازَ الاِعْتِكَافِ عَمَّنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ اعْتِكَافٌ مَنْذُورٌ ، وَلاَ تُجْزِئُهُ الْفِدْيَةُ عَنْ هَذَا الاِعْتِكَافِ ، لِعَدَمِ وُرُودِ مَا يَدُل عَلَى إِجْزَاءِ الْفِدْيَةِ عَنْهُ(22).
----------------
رَابِعًا : مَوْتُ مَنْ نَذَرَ الصَّلاَةَ قَبْل أَدَائِهَا :
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَلاَةٌ مَنْذُورَةٌ ، لَمْ يُؤَدِّهَا حَتَّى مَاتَ ، وَذَلِكَ عَلَى اتِّجَاهَيْنِ : الاِتِّجَاهُ الأَْوَّل : يَرَى أَصْحَابُهُ أَنَّهُ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَلاَةٌ مَنْذُورَةٌ فَلاَ يَجُوزُ لِوَلِيِّهِ أَوْ غَيْرِهِ فِعْلُهَا عَنْهُ ، وَلاَ تَسْقُطُ عَنْهُ بِالْفِدْيَةِ ، بِاسْتِثْنَاءِ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ ، فَإِنَّهُمَا تُصَلَّيَانِ عَنِ الْمَيِّتِ الَّذِي يُحَجُّ أَوْ يُعْتَمَرُ عَنْهُ إِنْ قِيل بِجَوَازِ النِّيَابَةِ عَنْهُ فِيهِمَا ، إِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ ، وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ ، وَلاَ تُنَفَّذُ عِنْدَهُمْ وَصِيَّتُهُ بِالاِسْتِئْجَارِ عَلَيْهَا ، وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ ، وَقَدْ حَكَى الْعَيْنِيُّ إِجْمَاعَ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ ، وَنَقَل الْقَاضِي عِيَاضٌ الإِْجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُصَلَّى عَنِ الْمَيِّتِ ، وَقَال الْقَرَافِيُّ : حُكِيَ فِي الصَّلاَةِ الإِْجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُصَلَّى عَنِ الْمَيِّتِ ، وَنَقَل ابْنُ بَطَّالٍ إِجْمَاعَ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ فَرْضًا وَلاَ سُنَّةً ، لاَ عَنْ حَيٍّ وَلاَ عَنْ مَيِّتٍ(23).
وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - " لاَ يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلاَ يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ "(24)
وَبِمَا رُوِيَ عَنِ الإِْمَامِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَال : لَمْ أَسْمَعْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلاَ مِنَ التَّابِعِينَ بِالْمَدِينَةِ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ أَمَرَ أَحَدًا أَنْ يَصُومَ عَنْ أَحَدٍ أَوْ يُصَلِّيَ عَنْ أَحَدٍ(25).
وَبِأَنَّ الصَّلاَةَ عِبَادَةٌ لاَ تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ فِي حَال الْحَيَاةِ ، فَلاَ تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ(26).
وَبِأَنَّ الصَّلاَةَ لاَ بَدَل لَهَا بِحَالٍ ، فَلاَ يَقُومُ فِيهَا فِعْل النَّائِبِ مَقَامَ فِعْل الْمَنُوبِ عَنْهُ(27).
وَبِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ التَّكَالِيفِ الشَّرْعِيَّةِ الاِبْتِلاَءُ وَالْمَشَقَّةُ ، وَهَذَا يَتَحَقَّقُ فِي الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ بِإِتْعَابِ النَّفْسِ وَالْجَوَارِحِ بِالأَْفْعَال الْمَخْصُوصَةِ ، وَبِفِعْل النَّائِبِ لاَ تَتَحَقَّقُ الْمَشَقَّةُ عَلَى نَفْسِ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ ، فَلَمْ تَجُزِ النِّيَابَةُ فِيهَا مُطْلَقًا(28).
الاِتِّجَاهُ الثَّانِي : يَرَى مَنْ ذَهَبَ إِلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَلاَةٌ مَنْذُورَةٌ أَدَّاهَا وَلِيُّهُ عَنْهُ ، رُوِيَ هَذَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ، وَقَال بِهِ الأَْوْزَاعِيُّ وَعَطَاءٌ وَإِسْحَاقُ ، وَقَال مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ : يَجُوزُ أَنْ يُسْتَأْجَرَ عَنِ الْمَيِّتِ مَنْ يُصَلِّي عَنْهُ مَا فَاتَهُ مِنَ الصَّلَوَاتِ ، وَذَهَبَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْوَارِثَ يُصَلِّي عَنِ الْمَيِّتِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ ، وَمَشْهُورُ مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِوَلِيِّ الْمَيِّتِ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ مَا فَاتَهُ مِنْ صَلاَةٍ نَذَرَ أَدَاءَهَا وَلَمْ يُؤَدِّهَا حَتَّى مَاتَ ، وَذَلِكَ صِلَةٌ لَهُ وَإِبْرَاءٌ لِذِمَّتِهِ مِنْهَا(29).
وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ اسْتَفْتَى رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ إِنَّ أُمِّى مَاتَتْ وَعَلَيْهَا نَذْرٌ وَلَمْ تَقْضِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اقْضِهِ عَنْهَا »(30). ، فَكَانَتْ سُنَّةً بَعْدَهُ .
وَاسْتَدَلُّوا كَذَلِكَ بِالأَْحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى جَوَازِ الْحَجِّ عَنِ الْمَيِّتِ ، وَالصِّيَامِ عَنْهُ وَنَحْوِهَا ، إِذْ جَاءَ فِيهَا قَوْل رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَاقْضُوا اللَّهَ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ(31)، وَهَذِهِ الصَّلاَةُ الَّتِي أَوْجَبَهَا النَّاذِرُ عَلَى نَفْسِهِ هِيَ دَيْنُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ ، وَقَدْ مَاتَ قَبْل أَدَائِهِ ، فَيُجْزِئُهُ قَضَاءُ وَلِيِّهِ عَنْهُ ذَلِكَ.
وَبِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - " أَنَّهُ أَمَرَ امْرَأَةً جَعَلَتْ أُمُّهَا عَلَى نَفْسِهَا صَلاَةً بِقُبَاءَ ، فَقَال : صَلِّي عَنْهَا "(32).
__________
(1) - صحيح البخارى(1952 ) ومسلم (2748 )
(2) - فَتْحُ الْقَدِيرِ 2 / 84 .
(3) - الْمَصْدَرُ السَّابِقُ .
(4) - الْمَبْسُوطِ 3 / 89 ، وَالْفُرُوقِ 3 / 187 ، وَمُغْنِي الْمُحْتَاجِ 1 / 439 ، وَالْمُغْنِي 3 / 143 ، وَكَشَّافُ الْقِنَاعِ 2 / 334 ، وَالْمُنْتَقَى 2 / 63 .
(5) - الْعِنَايَةُ 2 / 84 .
(6) - الْمَجْمُوعُ 6 / 370 - 373 ، 8 / 497 ، وَمُغْنِي الْمُحْتَاجِ 1 / 439 ، وَزَادُ الْمُحْتَاجِ 1 / 526 ، وَالْمُغْنِي 3 / 143 ، 9 / 30 ، وَكَشَّافُ الْقِنَاعِ 2 / 335 ، وَعُمْدَةُ الْقَارِي 11 / 59 ، وَشَرْحُ النَّوَوِيِّ عَلَى صَحِيحِ مُسْلِمٍ 8 / 25 ، 11 / 97 .
(7) - مر تخريجه قبل قليل
(8) - صحيح مسلم(2752 )
(9) - السنن الكبرى للبيهقي (ج 4 / ص 256)(8489) صحيح
(10) - صحيح البخارى(1953)
(11) - صحيح مسلم(2750 )
(12) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 3 / ص 463)(12738) صحيح
(13) - الْمُغْنِي 3 / 144 ، وَكَشَّافُ الْقِنَاعِ 2 / 335 .
(14) - الْمَجْمُوعُ 6 / 372 ، 541 ، وَمُغْنِي الْمُحْتَاجِ 1 / 439 ، وَزَادُ الْمُحْتَاجِ 1 / 527 ، وَالْمُغْنِي 9 / 30 ، 32 ، وَكَشَّافُ الْقِنَاعِ 2 / 335 ، 336 .
(15) - سنن أبى داود (3309 ) وسنن الترمذى(1632) صحيح
(16) - مصنف ابن أبي شيبة(ج 3 / ص 94)(9787) صحيح
(17) - مُغْنِي الْمُحْتَاجِ 1 / 439 ، وَزَادُ الْمُحْتَاجِ 1 / 527 ، وَكَشَّافُ الْقِنَاعِ 2 / 336 .
(18) - الدُّرُّ الْمُخْتَارُ 2 / 119 ، وَالْمَبْسُوطُ 3 / 123 - 124 ، وَالْمَجْمُوعُ 6 / 372 ، 541 ، وَالْمُنْتَقَى 3 / 230 .
(19) - الْمَبْسُوطُ 3 / 123 - 124 .
(20) - الْعِنَايَةُ 2 / 84 .
(21) - الْمَجْمُوعُ 6 / 372 ، وَمُغْنِي الْمُحْتَاجِ 1 / 439 ، وَزَادُ الْمُحْتَاجِ 1 / 257 .
(22) - مُغْنِي الْمُحْتَاجِ 1 / 439 ، وَزَادُ الْمُحْتَاجِ 1 / 527 .
(23) - الْهِدَايَةُ وَالْعِنَايَةُ وَفَتْحُ الْقَدِيرِ 2 / 85 ، وَرَدُّ الْمُحْتَارِ 2 / 118 ، وَالْفُرُوقُ 3 / 187 ، وَتَهْذِيبُ الْفُرُوقِ لاِبْنِ الشَّاطِّ 3 / 219 ، وَمَوَاهِبُ الْجَلِيل 2 / 543 ، 544 ، وَالْمَجْمُوعُ 6 / 372 ، وَمُغْنِي الْمُحْتَاجِ 1 / 439 ، وَزَادُ الْمُحْتَاجِ 1 / 527 ، وَالْمُغْنِي 9 / 30 - 31 ، وَالْكَافِي 4 / 430 ، وَكَشَّافُ الْقِنَاعِ 2 / 336 ، وَعُمْدَةُ الْقَارِي 11 / 60 ، 23 / 210 .
(24) - سبق تخريجه
(25) - فَتْحُ الْقَدِيرِ 2 / 84 .
(26) - الْمُهَذَّبُ مَعَ شَرْحِهِ الْمَجْمُوعِ 6 / 367 ، وَالْكَافِي 4 / 430 .
(27) - الْمُغْنِي 9 / 30 .
(28) - الْبَحْرُ الرَّائِقُ 3 / 65 .
(29) - مَوَاهِبُ الْجَلِيل 2 / 543 ، وَإِعَانَةُ الطَّالِبِينَ 2 / 244 ، وَالْمُغْنِي 9 / 30 ، وَالْكَافِي 4 / 430 ، وَكَشَّافُ الْقِنَاعِ 2 / 336 ، وَعُمْدَةُ الْقَارِي 23 / 210 ، وَشَرْحُ النَّوَوِيِّ عَلَى صَحِيحِ مُسْلِمٍ 1 / 90 .
(30) - موطأ مالك(1012 ) صحيح
(31) - سبق تخريجه
(32) - صحيح البخارى معلقاً بصيغة الجزم - (ج 22 / ص 155)30 - باب مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرٌ . ( 30 ) وَأَمَرَ ابْنُ عُمَرَ امْرَأَةً جَعَلَتْ أُمُّهَا عَلَى نَفْسِهَا صَلاَةً بِقُبَاءٍ فَقَالَ صَلِّى عَنْهَا . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ .(1/10)
وقد رودت روايات أخرى مخالفة لها عنه وعن ابن عباس رضي الله عنهم ، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " وَيُمْكِن الْجَمْع بِحَمْلِ الْإِثْبَات فِي حَقّ مَنْ مَاتَ وَالنَّفْي فِي حَقّ الْحَيّ ، ثُمَّ وَجَدْت عَنْهُ مَا يَدُلّ عَلَى تَخْصِيصه فِي حَقّ الْمَيِّت بِمَا إِذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ شَيْءٌ وَاجِبٌ فَعِنْد اِبْن أَبِي شَيْبَة بِسَنَدٍ صَحِيحٍ : سُئِلَ اِبْن عَبَّاس عَنْ رَجُل مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْر فَقَالَ : يُصَام عَنْهُ النَّذْر ، وَقَالَ اِبْن الْمُنِير : يَحْتَمِل أَنْ يَكُون اِبْن عُمَر أَرَادَ بِقَوْلِهِ " صَلَّى عَنْهَا " الْعَمَل بِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - " إِذَا مَاتَ اِبْن آدَم اِنْقَطَعَ عَمَله إِلَّا مِنْ ثَلَاث " فَعَدَّ مِنْهَا الْوَلَد، لِأَنَّ الْوَلَد مِنْ كَسْبه فَأَعْمَاله الصَّالِحَة مَكْتُوبَة لِلْوَالِدِ مِنْ غَيْر أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْره ، فَمَعْنَى صَلَّى عَنْهَا أَنَّ صَلَاتَك مُكْتَتَبَةٌ لَهَا وَلَوْ كُنْت إِنَّمَا تَنْوِي عَنْ نَفْسك ، كَذَا قَالَ ، وَلَا يَخْفَى تَكَلُّفُهُ . وَحَاصِل كَلَامِهِ تَخْصِيص الْجَوَاز بِالْوَلَدِ ، وَإِلَى ذَلِكَ جَنَحَ اِبْن وَهْب وَأَبُو مُصْعَب مِنْ أَصْحَاب الْإِمَام مَالِك ، وَفِيهِ تَعَقُّب عَلَى اِبْن بَطَّال حَيْثُ نَقَلَ الْإِجْمَاع أَنَّهُ لَا يُصَلِّي أَحَد عَنْ أَحَد لَا فَرْضًا وَلَا سُنَّة لَا عَنْ حَيّ وَلَا عَنْ مَيِّت ، وَنُقِلَ عَنِ الْمُهَلَّب أَنَّ ذَلِكَ لَوْ جَازَ لَجَازَ فِي جَمِيع الْعِبَادَات الْبَدَنِيَّة ،وَلَكَانَ الشَّارِعُ أَحَقّ بِذَلِكَ أَنْ يَفْعَلهُ عَنْ أَبَوَيْهِ ، وَلَمَا نُهِيَ عَنِ الِاسْتِغْفَار لِعَمِّهِ ، وَلَبَطَلَ مَعْنَى قَوْله :{ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا ..} (164) سورة الأنعام اِنْتَهَى .
وَجَمِيع مَا قَالَ لَا يَخْفَى وَجْهُ تَعَقُّبه خُصُوصًا مَا ذَكَرَهُ فِي حَقّ الشَّارِع ، وَأَمَّا الْآيَة فَعُمُومهَا مَخْصُوص اِتِّفَاقًا وَاَللَّه أَعْلَم ."(1)
وَأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ قَضَاءُ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ عَنِ الْمَيِّتِ بِالنَّصِّ ، فَيَجُوزُ قَضَاءُ الصَّلاَةِ عَنْهُ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ عَلَيْهِمَا ، لأَِنَّ كُلًّا مِنْهَا عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ ، وَلأَِنَّ كُلًّا مِنْهَا دَيْنٌ وَجَبَ عَلَى الْمَيِّتِ ، فَيُقْضَى عَنْهُ كَبَقِيَّةِ دُيُونِهِ وَيُجْزِئُهُ ذَلِكَ(2).
--------------
خَامِسًا : مَوْتُ مَنْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ قَبْل أَدَائِهَا :
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ مَنْ نَذَرَ صَدَقَةً وَمَاتَ قَبْل أَدَائِهَا ، عَلَى اتِّجَاهَيْنِ : الاِتِّجَاهُ الأَْوَّل : يَرَى أَصْحَابُهُ أَنَّ مَنْ نَذَرَ صَدَقَةً وَمَاتَ قَبْل أَدَائِهَا أَدَّاهَا وَلِيُّهُ عَنْهُ مِنَ التَّرِكَةِ ، سَوَاءٌ أَوْصَى بِهَا أَوْ لَمْ يُوصِ بِهَا ، إِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ(3)، وَقَالُوا : إِنَّ أَدَاءَ الْوَلِيِّ هَذَا النَّذْرَ مُسْتَحَبٌّ عَلَى سَبِيل الصِّلَةِ وَالْمَعْرُوفِ ، وَتَبْرِئَةً لِذِمَّةِ الْمَيِّتِ عَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ .
وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ } (11) سورة النساء .
وَبِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ رَجُلاً قَال لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا ، وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ ، فَهَل لَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا ؟ قَال : نَعَمْ(4).
وَبِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ الْعَاصَ بْنَ وَائِلٍ أَوْصَى أَنْ يُعْتَقَ عَنْهُ مِائَةُ رَقَبَةٍ ، فَأَعْتَقَ ابْنُهُ هِشَامٌ خَمْسِينَ رَقَبَةً ، فَأَرَادَ ابْنُهُ عَمْرٌو أَنْ يُعْتِقَ عَنْهُ الْخَمْسِينَ الْبَاقِيَةَ فَقَال : حَتَّى أَسْأَل رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَال : يَا رَسُول اللَّهِ ، إِنَّ أَبِي أَوْصَى بِعِتْقِ مِائَةِ رَقَبَةٍ ، وَإِنَّ هِشَامًا أَعْتَقَ عَنْهُ خَمْسِينَ ، وَبَقِيَتْ عَلَيْهِ خَمْسُونَ رَقَبَةً ، أَفَأُعْتِقُ عَنْهُ ؟ فَقَال رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّهُ لَوْ كَانَ مُسْلِمًا فَأَعْتَقْتُمْ عَنْهُ أَوْ تَصَدَّقْتُمْ عَنْهُ أَوْ حَجَجْتُمْ عَنْهُ بَلَغَهُ ذَلِكَ "(5).
وَبِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ،أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، اسْتَفْتَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ: إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ، وَعَلَيْهَا نَذْرٌ لَمْ تَقْضِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : اقْضِهِ عَنْهَا"(6).
وقال ابن حزم :" وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرُ اعْتِكَافٍ : قَضَاهُ عَنْهُ وَلِيُّهُ , أَوْ اُسْتُؤْجِرَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ مَنْ يَقْضِيهِ عَنْهُ , لاَ بُدَّ مِنْ ذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ? مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ. وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكَ دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ عَنْهَا فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى. وَلِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ اسْتَفْتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا نَذْرٌ لَمْ تَقْضِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : اقْضِهِ عَنْهَا " وَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ نَذْرِ طَاعَةٍ , فَلاَ يَحِلُّ لاَِحَدٍ خِلاَفُهُ.وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي بَابِ هَلْ عَلَى الْمُعْتَكِفِ صِيَامٌ أَمْ لاَ , قَبْلَ فُتْيَا ابْنِ عَبَّاسٍ بِقَضَاءِ نَذْرِ الاِعْتِكَافِ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ : حدثنا أَبُو الأَحْوَصِ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُهَاجِرٍ ، عَنْ عَامِرِ بْنِ مُصْعَبٍ قَالَ : " اعْتَكَفَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ ، عَنْ أَخِيهَا بَعْدَ مَا مَاتَ " وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ : مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ اعْتِكَافٌ : اعْتَكَفَ عَنْهُ وَلِيُّهُ ،وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ : يَعْتَكِفُ عَنْهُ وَلِيُّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يُطْعِمُ ، قَالَ : وَمَنْ نَذَرَ صَلاَةً فَمَاتَ : صَلاَّهَا عَنْهُ وَلِيُّهُ ، قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ : يَعْتَكِفُ عَنْهُ وَلِيُّهُ وَيُصَلِّي عَنْهُ وَلِيُّهُ إذَا نَذَرَ صَلاَةً أَوْ اعْتِكَافًا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ ذَلِكَ "(7).
الاِتِّجَاهُ الثَّانِي : يَرَى مَنْ ذَهَبَ إِلَيْهِ أَنَّ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ مَنْذُورَةٌ ، فَلاَ تُؤَدَّى عَنْهُ إِلاَّ إِذَا أَوْصَى بِذَلِكَ ، وَكَانَتْ لَهُ تَرِكَةٌ تُؤَدَّى مِنْهَا ، فَإِنْ أَوْصَى بِإِخْرَاجِهَا كَانَتْ وَصِيَّةً وَأُخْرِجَتْ مِنْ ثُلُثِ تَرِكَتِهِ مُقَدَّمَةً عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِهَا سَقَطَتْ عَنْهُ بِمَوْتِهِ ، وَلاَ يَجِبُ عَلَى الْوَارِثِ أَدَاؤُهَا مِنْ مَالِهِ الْخَاصِّ أَوْ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ ، إِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ(8).
وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ التَّكَالِيفِ الاِبْتِلاَءُ وَالْمَشَقَّةُ ، وَهَذَا يَتَأَتَّى فِي الْعِبَادَاتِ الْمَالِيَّةِ بِتَنْقِيصِ الْمَال الْمَحْبُوبِ لِلنَّفْسِ بِإِيصَالِهِ إِلَى الْفَقِيرِ ، وَهَذَا الْمَال مُتَعَلِّقٌ بِفِعْل الْمُكَلَّفِ بِهِ ، وَقَدْ سَقَطَتِ الأَْفْعَال كُلُّهَا بِالْمَوْتِ ، لِتَعَذُّرِ ظُهُورِ طَاعَتِهِ بِهَا فِي دَارِ التَّكْلِيفِ ، فَكَانَ الإِْيصَاءُ بِالْمَال الَّذِي هُوَ مُتَعَلَّقُهَا تَبَرُّعًا مِنَ الْمَيِّتِ ابْتِدَاءً ، فَيُعْتَبَرُ مِنَ الثُّلُثِ(9).
- - - - - - - - - - - - - - -
الفصل الرابع
أسبابُ تخلف الوعيد
قَدْ دَلَّتْ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ : عَلَى أَنَّ عُقُوبَةَ الذُّنُوبِ تَزُولُ عَنِ الْعَبْدِ بِنَحْوِ عَشَرَةِ أَسْبَابٍ(10):
" أَحَدُهَا " التَّوْبَةُ :
وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ تَعَالَى : {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (53) سورة الزمر ، وَقَالَ تَعَالَى : {أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (104) سورة التوبة . وَقَالَ تَعَالَى : {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} (25) سورة الشورى ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ.
إنها الرحمة الواسعة التي تسع كل معصية . كائنة ما كانت وإنها الدعوة للأوبة . دعوة العصاة المسرفين الشاردين المبعدين في تيه الضلال . دعوتهم إلى الأمل والرجاء والثقة بعفو الله . إن الله رحيم بعباده . وهو يعلم ضعفهم وعجزهم . ويعلم العوامل المسلطة عليهم من داخل كيانهم ومن خارجه . ويعلم أن الشيطان يقعد لهم كل مرصد . ويأخذ عليهم كل طريق . ويجلب عليهم بخيله ورجله . وأنه جاد كل الجد في عمله الخبيث! ويعلم أن بناء هذا المخلوق الإنساني بناء واه . وأنه مسكين سرعان ما يسقط إذا أفلت من يده الحبل الذي يربطه والعروة التي تشده . وأن ما ركب في كيانه من وظائف ومن ميول ومن شهوات سرعان ما ينحرف عن التوازن فيشط به هنا أو هناك؛ ويوقعه في المعصية وهو ضعيف عن الاحتفاظ بالتوازن السليم . .
يعلم الله سبحانه عن هذا المخلوق كل هذا فيمد له في العون؛ ويوسع له في الرحمة؛ ولا يأخذه بمعصيته حتى يهيء له جميع الوسائل ليصلح خطأه ويقيم خطاه على الصراط . وبعد أن يلج في المعصية ، ويسرف في الذنب ، ويحسب أنه قد طرد وانتهى أمره ، ولم يعد يقبل ولا يستقبل . في هذه اللحظة لحظة اليأس والقنوط ، يسمع نداء الرحمة الندي اللطيف : { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله . إن الله يغفر الذنوب جميعاً . إنه هو الغفور الرحيم } . .
وليس بينه وقد أسرف في المعصية ، ولج في الذنب ، وأبق عن الحمى ، وشرد عن الطريق ليس بينه وبين الرحمة الندية الرخية ، وظلالها السمحة المحيية . ليس بينه وبين هذا كله إلا التوبة . التوبة وحدها . الأوبة إلى الباب المفتوح الذي ليس عليه بواب يمنع ، والذي لا يحتاج من يلج فيه إلى استئذان ،أى : ألم يعلم هؤلاء التائبون من ذنوبهم ، أن الله - تعالى - وحده ، هو الذى يقبل التوبة الصادقة من عباده المخلصين ، وأنه - سبحانه - هو الذى " يأخذ الصدقات " .
أى : يتقبلها من أصحابها قبول من يأخذ شيئا ليؤدى بدله : فالتعبير بالأخذ للترغيب فى بذل الصدقات ، ودفعها للفقراء . والاستفهام للتقرير والتحضيض على تجديد التوبة وبذل الصدقة .
وقوله : { وَأَنَّ الله هُوَ التواب الرحيم } تذييل قصد به تقرير ما قبله وتأكيده .
أى : وأن الله وحده هو الذى يقل توبة المرة بعد الأخرى ، وأنه هو الواسع الرحمة بهم ، الكثير المغفرة لهم :
قال ابن كثير : قوله : { أَلَمْ يعلموا أَنَّ الله هُوَ يَقْبَلُ التوبة عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصدقات } هذا تهييج إلى التوبة والصدقة اللتين كل منهما يحط الذنوب ويمحقها ، وأخبر - تعالى - أن كل من تاب إليه تاب عليه ، ومن تصدق بصدقة من كسب حلال فإن الله يتقبلها بيمينه ، فيربيها لصاحبها حتى تصير الثمرة مثل أحد ، كل جاء بذلك الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
فعن أبى هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه فيربيها لأحدكم كما يربى أحدكم مهره ، حتى إن اللقمة لتكون مثل أحد " وتصديق ذلك فى كتاب الله قوله : { أَلَمْ يعلموا أَنَّ الله هُوَ يَقْبَلُ التوبة عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصدقات } . وقوله : { يَمْحَقُ الله الربا وَيُرْبِي الصدقات } وعن عبد الله بن مسعود قال : إن الصدقة تقع فى يد الله - تعالى - قبل أن تقع فى يد السائل ، ثم قرأ هذه الآية{ أَلَمْ يعلموا أَنَّ الله هُوَ يَقْبَلُ التوبة عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصدقات. }(11)
تعريف التوبة :
التَّوْبَةُ فِي اللُّغَةِ الْعَوْدُ وَالرُّجُوعُ ، يُقَال : تَابَ إِذَا رَجَعَ عَنْ ذَنْبِهِ وَأَقْلَعَ عَنْهُ . وَإِذَا أُسْنِدَ فِعْلُهَا إِلَى الْعَبْدِ يُرَادُ بِهِ رُجُوعُهُ مِنَ الزَّلَّةِ إِلَى النَّدَمِ ، يُقَال : تَابَ إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً وَمَتَابًا : أَنَابَ وَرَجَعَ عَنِ الْمَعْصِيَةِ ، وَإِذَا أُسْنِدَ فِعْلُهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى يُسْتَعْمَل مَعَ صِلَةِ ( عَلَى ) يُرَادُ بِهِ رُجُوعُ لُطْفِهِ وَنِعْمَتِهِ عَلَى الْعَبْدِ وَالْمَغْفِرَةِ لَهُ ، يُقَال : تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ : غَفَرَ لَهُ وَأَنْقَذَهُ مِنَ الْمَعَاصِي(12). قَال اللَّهُ تَعَالَى : {وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (118) سورة التوبة.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ التَّوْبَةُ هِيَ : النَّدَمُ وَالإِْقْلاَعُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ مَعْصِيَةٌ لاَ ؛ لأَِنَّ فِيهَا ضَرَرًا لِبَدَنِهِ وَمَالِهِ ، وَالْعَزْمُ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ إِلَيْهَا إِذَا قَدَرَ(13).
وَعَرَّفَهَا بَعْضُهُمْ بِأَنَّهَا الرُّجُوعُ عَنِ الطَّرِيقِ الْمُعْوَجِّ إِلَى الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ(14).
وَعَرَّفَهَا الْغَزَالِيُّ بِأَنَّهَا : الْعِلْمُ بِعَظَمَةِ الذُّنُوبِ ، وَالنَّدَمُ وَالْعَزْمُ عَلَى التَّرْكِ فِي الْحَال وَالاِسْتِقْبَال وَالتَّلاَفِي لِلْمَاضِي ، وَهَذِهِ التَّعْرِيفَاتُ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ لَفْظًا هِيَ مُتَّحِدَةٌ مَعْنًى . وَقَدْ تُطْلَقُ التَّوْبَةُ عَلَى النَّدَمِ وَحْدَهُ إِذْ لاَ يَخْلُو عَنْ عِلْمٍ أَوْجَبَهُ وَأَثْمَرَهُ وَعَنْ عَزْمٍ يَتْبَعُهُ(15)، وَلِهَذَا قَال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : النَّدَمُ تَوْبَةٌ(16)، وَالنَّدَمُ تَوَجُّعُ الْقَلْبِ وَتَحَزُّنُهُ لِمَا فَعَل وَتَمَنِّي كَوْنَهُ لَمْ يَفْعَل(17).
قَال ابْنُ قَيِّمٍ الْجَوْزِيَّةَ : التَّوْبَةُ فِي كَلاَمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ كَمَا تَتَضَمَّنُ الإِْقْلاَعَ عَنِ الذَّنْبِ فِي الْحَال وَالنَّدَمَ عَلَيْهِ فِي الْمَاضِي وَالْعَزْمَ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ فِي الْمُسْتَقْبَل ، تَتَضَمَّنُ أَيْضًا الْعَزْمَ عَلَى فِعْل الْمَأْمُورِ وَالْتِزَامِهِ ، فَحَقِيقَةُ التَّوْبَةِ : الرُّجُوعُ إِلَى اللَّهِ بِالْتِزَامِ فِعْل مَا يَجِبُ وَتَرْكِ مَا يَكْرَهُ ؛ وَلِهَذَا عَلَّقَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْفَلاَحَ الْمُطْلَقَ عَلَى التَّوْبَةِ(18)حَيْثُ قَال : { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (31) سورة النور.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ :
أ - الاِعْتِذَارُ :
الاِعْتِذَارُ فِي اللُّغَةِ مَصْدَرُ اعْتَذَرَ أَصْلُهُ مِنَ الْعُذْرِ ، وَأَصْل الْعُذْرِ إِزَالَةُ الشَّيْءِ عَنْ جِهَتِهِ يُقَال : اعْتَذَرَ عَنْ فِعْلِهِ أَيْ أَظْهَرَ عُذْرَهُ ، وَاعْتَذَرَ إِلَيَّ أَيْ طَلَبَ قَبُول مَعْذِرَتِهِ ، وَاعْتَذَرَ إِلَى فُلاَنٍ فَعَذَرَهُ أَيْ : أَزَال مَا كَانَ فِي نَفْسِهِ عَلَيْهِ فِي الْحَقِيقَةِ أَوْ فِي الظَّاهِرِ . وَفِي الاِصْطِلاَحِ : الاِعْتِذَارُ إِظْهَارُ نَدَمٍ عَلَى ذَنْبٍ تُقِرُّ بِأَنَّ لَك فِي إِتْيَانِهِ عُذْرًا ، وَالتَّوْبَةُ هِيَ النَّدَمُ عَلَى ذَنْبٍ تُقِرُّ بِأَنَّهُ لاَ عُذْرَ لَك فِي إِتْيَانِهِ فَكُل تَوْبَةٍ نَدَمٌ وَلاَ عَكْسَ . وَقَدْ يَكُونُ الْمُعْتَذِرُ مُحِقًّا فِيمَا فَعَلَهُ ، بِخِلاَفِ التَّائِبِ مِنَ الذَّنْبِ(19).
ب - الاِسْتِغْفَارُ :
الاِسْتِغْفَارُ فِي اللُّغَةِ طَلَبُ الْمَغْفِرَةِ ، وَأَصْل الْغَفْرِ التَّغْطِيَةُ وَالسَّتْرُ ، يُقَال : غَفَرَ اللَّهُ ذُنُوبَهُ أَيْ سَتَرَهَا . وَفِي الاِصْطِلاَحِ طَلَبُ الْمَغْفِرَةِ بِالدُّعَاءِ وَالتَّوْبَةِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنَ الطَّاعَةِ(20).
قَال ابْنُ الْقَيِّمِ : الاِسْتِغْفَارُ إِذَا ذُكِرَ مُفْرَدًا يُرَادُ بِهِ التَّوْبَةُ مَعَ طَلَبِ الْمَغْفِرَةِ مِنَ اللَّهِ ، وَهُوَ مَحْوُ الذَّنْبِ وَإِزَالَةُ أَثَرِهِ وَوِقَايَةُ شَرِّهِ ، وَالسَّتْرُ لاَزِمٌ لِهَذَا الْمَعْنَى ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى : {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} (10) سورة نوح
فَالاِسْتِغْفَارُ بِهَذَا الْمَعْنَى يَتَضَمَّنُ التَّوْبَةَ ،أَمَّا عِنْدَ اقْتِرَانِ إِحْدَى اللَّفْظَتَيْنِ بِالأُْخْرَى فَالاِسْتِغْفَارُ طَلَبُ وِقَايَةِ شَرِّ مَا مَضَى ، وَالتَّوْبَةُ الرُّجُوعُ وَطَلَبُ وِقَايَةِ شَرِّ مَا يَخَافُهُ فِي الْمُسْتَقْبَل مِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِهِ(21)، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى : { وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3) [هود/3] } .
أَرْكَانُ وَشُرُوطُ التَّوْبَةِ :
ذَكَرَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَالْمُفَسِّرِينَ أَنَّ لِلتَّوْبَةِ أَرْبَعَةَ شُرُوطٍ : الإِْقْلاَعَ عَنِ الْمَعْصِيَةِ حَالاً ، وَالنَّدَمَ عَلَى فِعْلِهَا فِي الْمَاضِي ، وَالْعَزْمَ عَزْمًا جَازِمًا أَنْ لاَ يَعُودَ إِلَى مِثْلِهَا أَبَدًا . وَإِنْ كَانَتِ الْمَعْصِيَةُ تَتَعَلَّقُ بِحَقِّ آدَمِيٍّ ، فَيُشْتَرَطُ فِيهَا رَدُّ الْمَظَالِمِ إِلَى أَهْلِهَا أَوْ تَحْصِيل الْبَرَاءَةِ مِنْهُمْ(22).
وَصَرَّحُوا كَذَلِكَ بِأَنَّ النَّدَمَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ ؛ وَلِقُبْحِهَا شَرْعًا . وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ : النَّدَامَةُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ لِكَوْنِهَا مَعْصِيَةً " ؛ لأَِنَّ النَّدَامَةَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ لإِِضْرَارِهَا بِبَدَنِهِ ، وَإِخْلاَلِهَا بِعِرْضِهِ أَوْ مَالِهِ ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لاَ تَكُونُ تَوْبَةً ، فَلَوْ نَدِمَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ وَالزِّنَا لِلصُّدَاعِ ، وَخِفَّةِ الْعَقْل ، وَزَوَال الْمَال ، وَخَدْشِ الْعِرْضِ لاَ يَكُونُ تَائِبًا .
وَالنَّدَمُ لِخَوْفِ النَّارِ أَوْ طَمَعِ الْجَنَّةِ يُعْتَبَرُ تَوْبَةٌ(23).
__________
(1) - فتح الباري لابن حجر - (ج 19 / ص 69) وانظر نيل الأوطار - (ج 13 / ص 286-287)
(2) - الْكَافِي 4 / 430 وانظر فتاوى الأزهر - (ج 8 / ص 314) قضاء الواجبات عن الأموات و(ج 8 / ص 318) الصلاة عن الميت و (ج 9 / ص 34) قضاء الصلاة عن الميت وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 4 / ص 4593) رقم الفتوى 24584 من مات وعليه نذر
(3) - مُغْنِي الْمُحْتَاجِ 1 / 411 ، وَالْمُغْنِي 9 / 30 - 31 ، وَالْكَافِي 4 / 430 ، وَكَشَّافُ الْقِنَاعِ 2 / 335 ، وَشَرْحُ النَّوَوِيِّ عَلَى صَحِيحِ مُسْلِمٍ 11 / 84 ، 96 .
(4) - صحيح البخارى(1388 )
(5) - سنن أبى داود(2885 ) صحيح
(6) - مسند أبي عوانة (4702) صحيح
(7) - المحلى لابن حزم - (ج 2 / ص 245) مَسْأَلَةٌ (635 ) ونيل الأوطار - (ج 13 / ص 287)
(8) - فَتْحُ الْقَدِيرِ 2 / 85 ، وَالْبَحْرُ الرَّائِقُ 3 / 64 ، 65 ، وَتُحْفَةُ الْفُقَهَاءِ 1 / 482 ، وَالْمُنْتَقَى 2 / 62 ، 63 .
(9) - فَتْحُ الْقَدِيرِ 2 / 85 ، وَالْبَحْرُ الرَّائِقُ 3 / 65 .
(10) - مجموع الفتاوى - (ج 7 / ص 487) فما بعدها
(11) - الوسيط لسيد طنطاوي - (ج 1 / ص 2039)
(12) - المصباح المنير ولسان العرب وتاج العروس مادة " توب " ودستور العلماء 1 / 362 ، 363 .
(13) - تفسير روح المعاني للألوسي 28 / 158 ، وبلغة السالك 4 / 738 ، والفواكه الدواني 1 / 88 ، والكليات لأبي البقاء 2 / 96 ، والجمل 5 / 387 ، وكشاف القناع 1 / 418 ، والمغني 9 / 200 .
(14) - القليوبي 4 / 201 ، والآداب الشرعية 1 / 98 .
(15) - إحياء علوم الدين للغزالي 4 / 3 .
(16) - سنن ابن ماجه(4393) صحيح
(17) - تفسير الألوسي 28 / 158 ، والجمل 5 / 387 ، والإحياء للغزالي 4 / 3 .
(18) - مدارج السالكين 1 / 305 .
(19) - المصباح مادة : " عذر " ، والكليات لأبي البقاء 2 / 96 ، والفروق في اللغة ص229 ، ومدارج السالكين 1 / 182 .
(20) - المصباح ولسان العرب مادة : " غفر " ، والفروق في اللغة ص229 .
(21) - مدارج السالكين 1 / 307 ، 309 .
(22) - البدائع 7 / 96 ، والفواكه الدواني 1 / 88 ، 89 ، وحاشية القليوبي 4 / 201 ، والمغني 9 / 201 ، والآداب الشرعية 1 / 100 ، وتفسير الألوسي 28 / 159 .
(23) - تفسير الألوسي 28 / 158 ، وبلغة السالك 4 / 738 ، ودستور العلماء 1 / 362 ، والفواكه الدواني 1 / 88 ، والجمل على شرح المنهج 5 / 387 ، وكشاف القناع 6 / 425 .(1/11)
وَاعْتَبَرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ هَذِهِ الشُّرُوطَ أَوْ أَكْثَرَهَا مِنْ أَرْكَانِ التَّوْبَةِ فَقَالُوا : التَّوْبَةُ النَّدَمُ مَعَ الإِْقْلاَعِ وَالْعَزْمِ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ ، وَرَدِّ الْمَظَالِمِ ، وَقَال بَعْضُهُمْ : النَّدَمُ رُكْنٌ مِنَ التَّوْبَةِ ، وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ الإِْقْلاَعَ عَنِ الذَّنْبِ وَالْعَزْمَ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدَةِ ، وَأَمَّا رَدُّ الْمَظَالِمِ لأَِهْلِهَا فَوَاجِبٌ مُسْتَقِلٌّ لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ التَّوْبَةِ(1). وَيُؤَيِّدُ هَذَا الرَّأْيَ مَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال : النَّدَمُ تَوْبَةٌ(2).
وَعَلَى جَمِيعِ الاِعْتِبَارَاتِ لاَ بُدَّ مِنَ التَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ الإِْقْلاَعَ عَنِ الذَّنْبِ لاَ يَتِمُّ إِلاَّ بِرَدِّ الْحُقُوقِ إِلَى أَهْلِهَا ، أَوْ بِاسْتِحْلاَلِهِمْ مِنْهَا فِي حَالَةِ الْقُدْرَةِ ، وَهَذَا كَمَا يَلْزَمُ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ يَلْزَمُ كَذَلِكَ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى ، كَدَفْعِ الزَّكَوَاتِ ، وَالْكَفَّارَاتِ إِلَى مُسْتَحِقِّيهَا(3).
وَرَدُّ الْحُقُوقِ يَكُونُ حَسَبَ إِمْكَانِهِ ، فَإِنْ كَانَ الْمَسْرُوقُ أَوِ الْمَغْصُوبُ مَوْجُودًا رَدَّهُ بِعَيْنِهِ ، وَإِلاَّ يَرُدُّ الْمِثْل إِنْ كَانَا مِثْلِيَّيْنِ وَالْقِيمَةَ إِنْ كَانَا قِيَمِيَّيْنِ ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ نَوَى رَدَّهُ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهِ ، وَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ بِنِيَّةِ الضَّمَانِ لَهُ إِنْ وَجَدَهُ . فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ فِيهَا حَقٌّ ، فَإِنْ كَانَ حَقًّا لآِدَمِيٍّ كَالْقِصَاصِ اشْتَرَطَ فِي التَّوْبَةِ التَّمْكِينَ مِنْ نَفْسِهِ وَبَذْلَهَا لِلْمُسْتَحِقِّ ، وَإِنْ كَانَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ الزِّنَى وَشُرْبِ الْخَمْرِ فَتَوْبَتُهُ بِالنَّدَمِ وَالْعَزْمِ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ ، وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي آثَارِ التَّوْبَةِ(4).
إِعْلاَنُ التَّوْبَةِ :
قَال ابْنُ قُدَامَةَ : التَّوْبَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ بَاطِنَةٍ وَحُكْمِيَّةٍ ، فَأَمَّا الْبَاطِنَةُ : فَهِيَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ تَعَالَى ، فَإِنْ كَانَتِ الْمَعْصِيَةُ لاَ تُوجِبُ حَقًّا عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ كَقُبْلَةِ أَجْنَبِيَّةٍ أَوِ الْخَلْوَةِ بِهَا ، وَشُرْبِ مُسْكِرٍ ، أَوْ كَذِبٍ ، فَالتَّوْبَةُ مِنْهُ النَّدَمُ وَالْعَزْمُ عَلَى أَنْ لاَ يَعُودَ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَال :النَّدَمُ تَوْبَةٌ ،وَقِيل : التَّوْبَةُ النَّصُوحُ تَجْمَعُ أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ ، النَّدَمَ بِالْقَلْبِ ، وَالاِسْتِغْفَارَ بِاللِّسَانِ ، وَإِضْمَارَ أَنْ لاَ يَعُودَ ، وَمُجَانَبَةَ خُلَطَاءِ السُّوءِ ، وَإِنْ كَانَتْ تُوجِبُ عَلَيْهِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لآِدَمِيٍّ كَمَنْعِ الزَّكَاةِ وَالْغَصْبِ ، فَالتَّوْبَةُ مِنْهُ بِمَا ذَكَرْنَا ، وَتَرْكُ الْمَظْلِمَةِ حَسَبَ إِمْكَانِهِ بِأَنْ يُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ وَيَرُدَّ الْمَغْصُوبَ أَوْ مِثْلَهُ إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا ، وَإِلاَّ قِيمَتَهُ . وَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ نَوَى رَدَّهُ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهِ ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ فِيهَا حَقٌّ فِي الْبَدَنِ ، فَإِنْ كَانَ حَقًّا لآِدَمِيٍّ كَالْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ اشْتَرَطَ فِي التَّوْبَةِ التَّمْكِينَ مِنْ نَفْسِهِ وَبَذْلَهَا لِلْمُسْتَحِقِّ ، وَإِنْ كَانَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ الزِّنَى ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ فَتَوْبَتُهُ أَيْضًا بِالنَّدَمِ ، وَالْعَزْمِ عَلَى تَرْكِ الْعَوْدِ وَلاَ يُشْتَرَطُ الإِْقْرَارُ بِهِ ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ يَشْتَهِرْ عَنْهُ فَالأَْوْلَى لَهُ سَتْرُ نَفْسِهِ ، وَالتَّوْبَةُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَامَ بَعْدَ أَنْ رَجَمَ الأَسْلَمِيَّ ، فَقَالَ : اجْتَنِبُوا هَذِهِ الْقَاذُورَةَ الَّتِي نَهَى اللَّهُ عَنْهَا ، فَمَنْ أَلَمَّ فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ ، وَلْيُتُبْ إِلَى اللَّهِ ، فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِلْنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.(5)
فَإِنَّ الْغَامِدِيَّةَ حِينَ أَقَرَّتْ بِالزِّنَى لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذَلِكَ(6)، وَإِنْ كَانَتْ مَعْصِيَةً مَشْهُورَةً فَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ الأَْوْلَى الإِْقْرَارُ بِهِ لِيُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ ؛ لأَِنَّهُ إِذَا كَانَ مَشْهُورًا فَلاَ فَائِدَةَ فِي تَرْكِ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ تَرْكَ الإِْقْرَارِ أَوْلَى ؛ لأَِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَّضَ لِلْمُقِرِّ عِنْدَهُ بِالرُّجُوعِ عَنِ الإِْقْرَارِ فَعَرَّضَ لِمَاعِزٍ(7)، وَلِلْمُقِرِّ عِنْدَهُ بِالسَّرِقَةِ(8)بِالرُّجُوعِ مَعَ اشْتِهَارِهِ عَنْهُ بِإِقْرَارِهِ ، وَكَرِهَ الإِْقْرَارَ حَتَّى إِنَّهُ قِيل لَمَّا قُطِعَ السَّارِقُ كَأَنَّمَا أَسِفَ وَجْهُهُ رَمَادًا ، وَلَمْ يَرِدِ الأَْمْرُ بِالإِْقْرَارِ وَلاَ الْحَثُّ عَلَيْهِ فِي كِتَابٍ وَلاَ سُنَّةٍ ، وَلاَ يَصِحُّ لَهُ قِيَاسٌ . إِنَّمَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِالسَّتْرِ وَالاِسْتِتَارِ وَالتَّعْرِيضِ لِلْمُقِرِّ بِالرُّجُوعِ عَنِ الإِْقْرَارِ ، وَقَال لِهُزَالٍ وَكَانَ هُوَ الَّذِي أَمَرَ مَاعِزًا بِالإِْقْرَارِ يَا هُزَال لَوْ سَتَرْته بِثَوْبِك كَانَ خَيْرًا لَك(9).
وَقَال أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ : تَوْبَةُ هَذَا إِقْرَارُهُ لِيُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِمَا ذَكَرْنَا ؛ وَلأَِنَّ التَّوْبَةَ تُوجَدُ حَقِيقَتُهَا بِدُونِ الإِْقْرَارِ وَهِيَ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا ، كَمَا وَرَدَ فِي الأَْخْبَارِ مَعَ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الآْيَاتُ فِي مَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ بِالاِسْتِغْفَارِ وَتَرْكِ الإِْصْرَارِ . وَأَمَّا الْبِدْعَةُ فَالتَّوْبَةُ مِنْهَا بِالاِعْتِرَافِ بِهَا ، وَالرُّجُوعِ عَنْهَا ، وَاعْتِقَادِ ضِدِّ مَا كَانَ يَعْتَقِدُ مِنْهَا(10).
عَدَمُ الْعَوْدِ :
لاَ يُشْتَرَطُ فِي التَّوْبَةِ عَدَمُ الْعَوْدِ إِلَى الذَّنْبِ الَّذِي تَابَ مِنْهُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ ، وَإِنَّمَا تَتَوَقَّفُ التَّوْبَةُ عَلَى الإِْقْلاَعِ عَنِ الذَّنْبِ وَالنَّدَمِ عَلَيْهِ وَالْعَزْمِ الْجَازِمِ عَلَى تَرْكِ مُعَاوَدَتِهِ ، فَإِنْ عَاوَدَهُ مَعَ عَزْمِهِ حَال التَّوْبَةِ عَلَى أَنْ لاَ يُعَاوِدَهُ صَارَ كَمَنْ ابْتَدَأَ الْمَعْصِيَةَ ، وَلَمْ تَبْطُل تَوْبَتُهُ الْمُتَقَدِّمَةُ ، وَلاَ يَعُودُ إِلَيْهِ إِثْمُ الذَّنْبِ الَّذِي ارْتَفَعَ بِالتَّوْبَةِ ، وَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَذَلِكَ بِنَصِّ الْحَدِيثِ : التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ(11).
وَقَال بَعْضُهُمْ يَعُودُ إِلَيْهِ إِثْمُ الذَّنْبِ الأَْوَّل ؛ لأَِنَّ التَّوْبَةَ مِنَ الذَّنْبِ بِمَنْزِلَةِ الإِْسْلاَمِ مِنَ الْكُفْرِ ، وَالْكَافِرُ إِذَا أَسْلَمَ هَدَمَ إِسْلاَمُهُ مَا قَبْلَهُ مِنْ إِثْمِ الْكُفْرِ وَتَوَابِعِهِ ، فَإِذَا ارْتَدَّ عَادَ إِلَيْهِ الإِْثْمُ الأَْوَّل مَعَ الرِّدَّةِ .
وَالْحَقُّ أَنَّ عَدَمَ مُعَاوَدَةِ الذَّنْبِ وَاسْتِمْرَارَ التَّوْبَةِ شَرْطٌ فِي كَمَال التَّوْبَةِ وَنَفْعِهَا الْكَامِل لاَ فِي صِحَّةِ مَا مَضَى مِنْهَا .
هَذَا وَاشْتَرَطَ الشَّافِعِيَّةُ فِي ثُبُوتِ بَعْضِ أَحْكَامِ التَّوْبَةِ إِصْلاَحَ الْعَمَل ، فَلاَ تَكْفِي التَّوْبَةُ حَتَّى تَمْضِيَ عَلَيْهِ مُدَّةٌ تَظْهَرُ فِيهَا آثَارُ التَّوْبَةِ وَيَتَبَيَّنُ فِيهَا صَلاَحُهُ عَلَى تَفْصِيلٍ يَأْتِي فِي آثَارِ التَّوْبَةِ(12).
التَّوْبَةُ مِنْ بَعْضِ الذُّنُوبِ :
تَصِحُّ التَّوْبَةُ مِنْ ذَنْبٍ مَعَ الإِْصْرَارِ عَلَى غَيْرِهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ ، فَالتَّوْبَةُ تَتَبَعَّضُ كَالْمَعْصِيَةِ وَتَتَفَاضَل فِي كَمِّيَّتِهَا كَمَا تَتَفَاضَل فِي كَيْفِيَّتِهَا ، فَكُل ذَنْبٍ لَهُ تَوْبَةٌ تَخُصُّهُ ، وَلاَ تَتَوَقَّفُ التَّوْبَةُ مِنْ ذَنْبٍ عَلَى التَّوْبَةِ مِنْ بَقِيَّةِ الذُّنُوبِ ، كَمَا لاَ يَتَعَلَّقُ أَحَدُ الذَّنْبَيْنِ بِالآْخَرِ ، وَكَمَا يَصِحُّ إِيمَانُ الْكَافِرِ مَعَ إِدَامَتِهِ شُرْبَ الْخَمْرِ وَالزِّنَى تَصِحُّ التَّوْبَةُ عَنْ ذَنْبٍ مَعَ الإِْصْرَارِ عَلَى آخَرَ(13).
وَنَقَل ابْنُ الْقَيِّمِ قَوْلاً بِعَدَمِ قَبُول التَّوْبَةِ مِنْ ذَنْبٍ مَعَ الإِْصْرَارِ عَلَى غَيْرِهِ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ ثُمَّ قَال: وَاَلَّذِي عِنْدِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ التَّوْبَةَ لاَ تَصِحُّ مِنْ ذَنْبٍ مَعَ الإِْصْرَارِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ نَوْعِهِ ، وَأَمَّا التَّوْبَةُ مِنْ ذَنْبٍ مَعَ مُبَاشَرَةِ ذَنْبٍ آخَرَ لاَ تَعَلُّقَ لَهُ بِهِ وَلاَ هُوَ مِنْ نَوْعِهِ فَتَصِحُّ ، كَمَا إِذَا تَابَ مِنَ الرِّبَا ، وَلَمْ يَتُبْ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ مَثَلاً فَإِنَّ تَوْبَتَهُ مِنَ الرِّبَا صَحِيحَةٌ ، وَأَمَّا إِذَا تَابَ مِنْ رِبَا الْفَضْل وَلَمْ يَتُبْ مِنْ رِبَا النَّسِيئَةِ أَوْ بِالْعَكْسِ ، أَوْ تَابَ مِنْ تَنَاوُل الْحَشِيشَةِ وَأَصَرَّ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ بِالْعَكْسِ فَهَذَا لاَ تَصِحُّ تَوْبَتُهُ ، كَمَنْ يَتُوبُ عَنْ زِنَى بِامْرَأَةٍ وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى الزِّنَى بِغَيْرِهَا(14).
أَقْسَامُ التَّوْبَةِ :
صَرَّحَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّ التَّوْبَةَ نَوْعَانِ : تَوْبَةٌ فِي الْبَاطِنِ ، وَتَوْبَةٌ فِي الظَّاهِرِ .
فَأَمَّا التَّوْبَةُ فِي الْبَاطِنِ : فَهِيَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَل ، فَيُنْظَرُ فِي الْمَعْصِيَةِ فَإِنْ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِهَا مَظْلَمَةٌ لآِدَمِيٍّ ، وَلاَ حَدٌّ لِلَّهِ تَعَالَى ، كَالاِسْتِمْتَاعِ بِالأَْجْنَبِيَّةِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ ، فَالتَّوْبَةُ مِنْهَا أَنْ يُقْلِعَ عَنْهَا وَيَنْدَمَ عَلَى فِعْل مَا فَعَل ، وَيَعْزِمَ عَلَى أَنْ لاَ يَعُودَ إِلَى مِثْلِهَا . وَالدَّلِيل عَلَى ، ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (135) سورة آل عمران .
وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ آدَمِيٍّ ، فَالتَّوْبَةُ مِنْهَا أَنْ يُقْلِعَ عَنْهَا ، وَيَنْدَمَ عَلَى مَا فَعَل ، وَيَعْزِمَ عَلَى أَنْ لاَ يَعُودَ إِلَى مِثْلِهَا ، وَأَنْ يَبْرَأَ مِنْ حَقِّ الآْدَمِيِّ ، إِمَّا بِأَنْ يُؤَدِّيَهُ أَوْ يَسْأَلَهُ حَتَّى يُبْرِئَهُ مِنْهُ ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى صَاحِبِ الْحَقِّ نَوَى أَنَّهُ إِنْ قَدَرَ أَوْفَاهُ حَقَّهُ .
وَإِنْ تَعَلَّقَ بِالْمَعْصِيَةِ حَدٌّ لِلَّهِ ، كَحَدِّ الزِّنَى وَالشُّرْبِ ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ ، فَالأَْوْلَى أَنْ يَسْتُرَهُ عَلَى نَفْسِهِ(15)لِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ أَصَابَ مِنْكُمْ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَةِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِ لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ(16).
وَأَمَّا التَّوْبَةُ فِي الظَّاهِرِ - وَهِيَ الَّتِي تَعُودُ بِهَا الْعَدَالَةُ وَالْوِلاَيَةُ وَقَبُول الشَّهَادَةِ ، فَإِنْ كَانَتِ الْمَعْصِيَةُ فِعْلاً كَالزِّنَى وَالسَّرِقَةِ لَمْ يَحْكُمْ بِصِحَّةِ التَّوْبَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ حَتَّى يَصْلُحَ عَمَلُهُ ، وَقَدَّرُوهَا بِسَنَةٍ أَوْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ، أَوْ حَتَّى ظُهُورِ عَلاَمَاتِ الصَّلاَحِ عَلَى اخْتِلاَفِ أَقْوَالِهِمْ خِلاَفًا لِجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَشْتَرِطُوا إِصْلاَحَ الْعَمَل بَعْدَ التَّوْبَةِ ، وَإِنْ كَانَتِ الْمَعْصِيَةُ قَذْفًا أَوْ شَهَادَةَ زُورٍ فَلاَ بُدَّ مِنْ إِكْذَابِ نَفْسِهِ كَمَا سَيَأْتِي(17).
التَّوْبَةُ النَّصُوحُ :
أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ بِالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ لِيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ فَقَال : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (8) سورة التحريم.
وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْعُلَمَاءِ فِيهَا ، وَأَشْهَرُهَا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، أَنَّ التَّوْبَةَ النَّصُوحَ هِيَ الَّتِي لاَ عَوْدَةَ بَعْدَهَا للذنبِ(18). وَقِيل : هِيَ النَّدَمُ بِالْقَلْبِ ، وَالاِسْتِغْفَارُ بِاللِّسَانِ ، وَالإِْقْلاَعُ عَنِ الذَّنْبِ ، وَالاِطْمِئْنَانُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَعُودُ(19).
وقَالَ حَاتِمٌ الْأَصَمُّ : " التَّوْبَةُ أَنْ تَتَنَبَّهَ مِنَ الغَفْلَةِ وَتَذْكُرَ الذَّنْبَ وَتَذْكُرَ لُطْفَ اللَّهِ وَحُكْمَ اللَّهِ وَسِتْرَ اللَّهِ إِذَا أَذْنَبْتَ لَمْ تَأْمَنِ الْأَرْضَ وَالسَّمَاءَ أَنْ يَأْخُذَاكَ , فَإِذَا رَأَيْتَ حُكْمَهَ رَأَيْتَ أَنْ تَرْجِعَ مِنَ الذُّنُوبِ مِثْلَ اللَّبَنِ إِذَا خَرَجَ مِنَ الضَّرْعِ لَا يَعُودُ إِلَيْهِ فَلَا تَعُدْ إِلَى الذَّنْبِ كَمَا لَا يَعُودُ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ , وَفِعْلُ التَّائِبِ فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ أَنْ تَحْفَظَ اللِّسَانَ مِنَ وَالْكَذِبِ وَالْحَسَدِ , وَالثَّانِي أَنْ تُفَارِقَ أَصْحَابَ السُّوءِ , وَالثَّالِثُ إِذَا ذُكِرَ الذَّنْبُ مِنَ اللَّهِ , وَالرَّابِعُ تَسْتَعِدُ لِلْمَوْتِ . وَعَلَامَةُ الِاسْتِعْدَادِ أَنْ لَا تَكُونَ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ غَيْرَ رَاضٍ مِنَ اللَّهِ فَإِذَا كَانَ التَّائِبُ هَكَذَا يُعْطِيهِ اللَّهُ أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ أَوْلُهَا يُحِبُّهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى ثُمَّ يَخْرُجُ مِنَ الذَّنْبِ كَأَنَّهُ لَمْ يُذْنِبْ قَطُّ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ " وَالثَّالِثُ يَحْفَظْهُ مِنَ الشَّيْطَانِ لَا يَكُونُ لَهُ عَلَيْهِ سَبِيلٌ وَالرَّابِعُ يُؤَمِّنُهُ مِنَ النَّارِ قَبْلَ الْمَوْتِ كَمَا قَالَ تَعَالَى، وَيَجِبُ عَلَى الْخَلْقِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ : يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُحِبُّوا هَذَا التَّائِبَ كَمَا يُحِبُّهُ اللَّهُ تَعَالَى , وَيَدَعُوا لَهُ بِالْحِفْظِ وَيَسْتَغْفِرُوا لَهُ كَمَا تَسْتَغْفِرُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَخْ وَيَكْرَهُوا لَهُ مَا يَكْرَهُونَ لِأَنْفُسِهِمْ . وَالرَّابِعُ أَنْ يَنْصَحُوا لِلتَّائِبِ كَمَا يَنْصَحُونَ لِأَنْفُسِهِمْ "(20)
حُكْمُ التَّوْبَةِ :
التَّوْبَةُ مِنَ الْمَعْصِيَةِ وَاجِبَةٌ شَرْعًا عَلَى الْفَوْرِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ ؛ لأَِنَّهَا مِنْ أُصُول الإِْسْلاَمِ الْمُهِمَّةِ وَقَوَاعِدِ الدِّينِ ، وَأَوَّل مَنَازِل السَّالِكِينَ(21)، قَال اللَّهُ تَعَالَى : { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (31) سورة النور .
وَقْتُ التَّوْبَةِ :
إِذَا أَخَّرَ الْمُذْنِبُ التَّوْبَةَ إِلَى آخِرِ حَيَاتِهِ ، فَإِنْ ظَل آمِلاً فِي الْحَيَاةِ غَيْرَ يَائِسٍ بِحَيْثُ لاَ يَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ الْمَوْتَ يُدْرِكُهُ لاَ مَحَالَةَ فَتَوْبَتُهُ مَقْبُولَةٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ ، وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا مِنَ الْمَوْتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} (25) سورة الشورى، وَلِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ اللَّهَ يَقْبَل تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ(22).
وَإِنْ قَطَعَ الأَْمَل مِنَ الْحَيَاةِ وَكَانَ فِي حَالَةِ الْيَأْسِ ( مُشَاهَدَةُ دَلاَئِل الْمَوْتِ ) فَاخْتَلَفُوا فِيهِ :
قَال الْمَالِكِيَّةُ - وَهُوَ قَوْل بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ : وَوَجْهٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ ، وَرَأْيٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ، وَنُسِبَ إِلَى مَذْهَبِ الأَْشَاعِرَةِ : إِنَّهُ لاَ تُقْبَل تَوْبَةُ الْيَائِسِ الَّذِي يُشَاهِدُ دَلاَئِل الْمَوْتِ ، بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى : {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (18) سورة النساء .
قَالُوا : إِنَّ الآْيَةَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يَرْتَكِبُونَ الذُّنُوبَ وَيُؤَخِّرُونَ التَّوْبَةَ إِلَى وَقْتِ الْغَرْغَرَةِ ، بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى بَعْدَهُ : { وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ } لأَِنَّهُ تَعَالَى جَمَعَ بَيْنَ مَنْ أَخَّرَ التَّوْبَةَ إِلَى حُضُورِ الْمَوْتِ مِنَ الْفَسَقَةِ وَبَيْنَ مَنْ يَمُوتُ وَهُوَ كَافِرٌ ، فَلاَ تُقْبَل تَوْبَةُ الْيَائِسِ كَمَا لاَ يُقْبَل إِيمَانُهُ . وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّهَ يَقْبَل التَّوْبَةَ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ وَهَذَا يَدُل عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطْ لِصِحَّةِ التَّوْبَةِ صُدُورُهَا قَبْل الْغَرْغَرَةِ ، وَهِيَ حَالَةُ الْيَأْسِ وَبُلُوغُ الرُّوحِ الْحُلْقُومَ(23).
وَعِنْدَ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ - وَهُوَ وَجْهٌ آخَرُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - وَعَزَاهُ بَعْضُهُمْ إِلَى مَذْهَبِ الْمَاتُرِيدِيَّةِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ الْعَاصِيَ تُقْبَل تَوْبَتُهُ وَلَوْ فِي حَالَةِ الْغَرْغَرَةِ ، بِخِلاَفِ إِيمَانِ الْيَائِسِ فَإِنَّهُ لاَ يُقْبَل ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْكَافِرَ غَيْرُ عَارِفٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى ، وَيَبْدَأُ إِيمَانًا وَعِرْفَانًا ، وَالْفَاسِقُ عَارِفٌ وَحَالُهُ حَال الْبَقَاءِ ، وَالْبَقَاءُ أَسْهَل مِنَ الاِبْتِدَاءِ(24)وَلإِِطْلاَقِ قَوْله تَعَالَى : { وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} (25) سورة الشورى .
وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي عَدَمِ قَبُول تَوْبَةِ الْكَافِرِ بِإِسْلاَمِهِ فِي حَالَةِ الْيَأْسِ(25)بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ حَال فِرْعَوْنَ : { حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (90) سورة يونس .
مَنْ تُقْبَل تَوْبَتُهُمْ وَمَنْ لاَ تُقْبَل :
__________
(1) - المراجع السابقة .
(2) - مر تخريجه
(3) - تفسير الألوسي 28 / 159 ، وحاشية العدوي 1 / 67 ، والروضة 11 / 245 ، وحاشية القليوبي 4 / 201 ، ومدارج السالكين لابن القيم 1 / 305 .
(4) - الفواكه الدواني 1 / 89 ، والروضة 11 / 245 ، والمغني 9 / 201 .
(5) - المستدرك للحاكم (7615) والسنن الكبرى للبيهقي (ج 8 / ص 326)(18029) صحيح
(6) - صحيح مسلم (4527)
(7) - صحيح مسلم(4527)
(8) - سنن أبى داود(4382 ) وسنن النسائى(4894 ) صحيح لغيره
(9) - مسند أحمد(22532) صحيح لغيره
(10) - ابن عابدين ( 3 / 140 ، 4 / 379 ، والمغني 9 / 200 ، 201 ، وكشاف القناع 1 / 99 ، والفواكه الدواني 1 / 89 ، والوجيز للغزالي 2 / 271 ، والجمل 5 / 387 ، 389 .
(11) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 8 / ص 490)(10128 ) والسنن الكبرى للبيهقي(ج 10 / ص 154)(21070) حسن لغيره
(12) - تفسير الألوسي 28 / 159 ، والفواكه الدواني 1 / 189 ، والروضة 11 / 249 ، 250 ، والجمل 5 / 387 ، 389 ، وكشاف القناع 1 / 425 ، ومدارج السالكين 1 / 276 ، والمغني لابن قدامة 9 / 202 ، والمهذب 2 / 332 .
(13) - تفسير الألوسي 28 / 159 ، وبلغة السالك 4 / 738 ، والفواكه الدواني 1 / 89 ، والروضة 11 / 249 ، ومدارج السالكين 1 / 273 ، 274 ، والآداب الشرعية 1 / 65 ، 66 .
(14) - مدارج السالكين 1 / 275 .
(15) - المهذب للشيرازي 2 / 332 ، والمغني لابن قدامة 9 / 200 ، 201 .
(16) - السنن الكبرى للبيهقي (ج 8 / ص 326)(18029) صحيح لغيره
(17) - تفسير الألوسي 28 / 159 ، والفواكه الدواني 1 / 89 ، والمهذب للشيرازي 2 / 332 ، والمغني 9 / 201 .
(18) - تفسير الطبري - (ج 23 / ص 493) وتفسير ابن كثير - (ج 8 / ص 168) والدر المنثور - (ج 2 / ص 33)
(19) - تفسير الألوسي 28 / 157 ، والقرطبي 18 / 197 ، والآداب الشرعية 1 / 101 ، 105 ، ومدارج السالكين 1 / 309 ، 310 ، والمغني 9 / 201 .
(20) - حِلْيَةُ الْأَوْلِيَاءِ (11583 )
(21) - الكليات لأبي البقاء 2 / 96 ، وتفسير الألوسي 28 / 159 ، والفواكه الدواني 1 / 89 ، ونهاية المحتاج 2 / 424 ، والروضة 11 / 249 ، وكشاف القناع 2 / 81 ، وبلغة السالك 4 / 738 .
(22) - سنن الترمذى(3880) صحيح لغيره
(23) - ابن عابدين 1 / 571 ، 3 / 289 ، والفواكه الدواني 1 / 90 ، وتفسير الماوردي 1 / 372 ، والآداب الشرعية لابن مفلح 1 / 127 .
(24) - المراجع السابقة .
(25) - تفسير الطبري 8 / 96 ، 97 ، وانظر أيضا تفسير الماوردي 1 / 372 ، 373 .(1/12)
تَقَدَّمَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقْبَل التَّوْبَةَ مِنَ الْكَافِرِ وَالْمُسْلِمِ الْعَاصِي بِفَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ كَمَا وَعَدَ فِي كِتَابِهِ الْمَجِيدِ حَيْثُ قَال : {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} (25) سورة الشورى، لَكِنْ هُنَاكَ بَعْضُ الْحَالاَتِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي قَبُول التَّوْبَةِ فِيهَا نَظَرًا لِلأَْدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ الْخَاصَّةِ بِهَا وَمِنْ هَذِهِ الْحَالاَتِ :
أ - تَوْبَةُ الزِّنْدِيقِ :
الزِّنْدِيقُ هُوَ الَّذِي لاَ يَتَمَسَّكُ بِشَرِيعَةٍ وَلاَ يَتَدَيَّنُ بِدِينٍ(1).
وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ ، ( الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَرَأْيٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ) عَلَى أَنَّهُ لاَ تُقْبَل تَوْبَةُ الزِّنْدِيقِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (160) سورة البقرة.
وَالزِّنْدِيقُ لاَ يَظْهَرُ مِنْهُ بِالتَّوْبَةِ خِلاَفُ مَا كَانَ عَلَيْهِ ؛ لأَِنَّهُ كَانَ يُظْهِرُ الإِْسْلاَمَ مُسِرًّا بِالْكُفْرِ ؛ وَلأَِنَّ التَّوْبَةَ عِنْدَ الْخَوْفِ عَيْنُ الزَّنْدَقَةِ . لَكِنِ الْمَالِكِيَّةُ صَرَّحُوا بِقَبُول التَّوْبَةِ مِنَ الزِّنْدِيقِ إِذَا أَظْهَرَهَا قَبْل الاِطِّلاَعِ عَلَيْهِ(2).
وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَهِيَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّ الزِّنْدِيقَ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّ فَتُقْبَل تَوْبَتُهُ بِشُرُوطِهَا ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ} (38) سورة الأنفال .
وَأَلْحَقَ الشَّافِعِيَّةُ بِالزَّنَادِقَةِ الْبَاطِنِيَّةَ بِمُخْتَلَفِ فِرَقِهِمْ(3)، كَمَا أَلْحَقَ بِهِمِ الْحَنَابِلَةُ الْحُلُولِيَّةَ وَالإِْبَاحِيَّةَ وَسَائِرَ الطَّوَائِفِ الْمَارِقِينَ مِنَ الدِّينِ(4).
ب - تَوْبَةُ مَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ :
صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ - وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَنُسِبَ إِلَى مَالِكٍ بِأَنَّهُ لاَ تُقْبَل تَوْبَةُ مَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً} (137) سورة النساء . وَلِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ} (90) سورة آل عمران، وَالاِزْدِيَادُ يَقْتَضِي كُفْرًا جَدِيدًا لاَ بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِ إِيمَانٍ عَلَيْهِ .
وَلِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُتِيَ بِرَجُلٍ فَقَال لَهُ : إِنَّهُ أُتِيَ بِك مَرَّةً فَزَعَمْتَ أَنَّك تُبْتَ وَأَرَاكَ قَدْ عُدْتَ فَقَتَلَهُ . وَلأَِنَّ تَكْرَارَ الرِّدَّةِ مِنْهُ يَدُل عَلَى فَسَادِ عَقِيدَتِهِ وَقِلَّةِ مُبَالاَتِهِ بِالدِّينِ فَيُقْتَل(5).
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ : إِنَّهُ تُقْبَل تَوْبَةُ الْمُرْتَدِّ وَلَوْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ ؛ لإِِطْلاَقِ قَوْله تَعَالَى : {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ} (38) سورة الأنفال, وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : أُمِرْت أَنْ أُقَاتِل النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، فَإِذَا قَالُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ(6). لَكِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمُرْتَدَّ الْمُتَكَرِّرَةُ مِنْهُ الرِّدَّةُ إِذَا تَابَ ثَانِيًا عُزِّرَ بِالضَّرْبِ أَوْ بِالْحَبْسِ وَلاَ يُقْتَل ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ : إِذَا ارْتَدَّ ثَانِيًا ثُمَّ تَابَ ضَرَبَهُ الإِْمَامُ وَخَلَّى سَبِيلَهُ ، وَإِنِ ارْتَدَّ ثَالِثًا ثُمَّ تَابَ ضَرَبَهُ ضَرْبًا وَجِيعًا وَحَبَسَهُ حَتَّى تَظْهَرَ عَلَيْهِ آثَارُ التَّوْبَةِ وَيَرَى أَنَّهُ مُخْلِصٌ ثُمَّ خَلَّى سَبِيلَهُ ، فَإِنْ عَادَ فَعَل بِهِ هَكَذَا أَبَدًا مَا دَامَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الإِْسْلاَمِ ،وَقَدْ جَاءَ مِثْل هَذَا عَنِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ(7).
ج - تَوْبَةُ السَّاحِرِ :
السِّحْرُ عِلْمٌ يُسْتَفَادُ مِنْهُ حُصُول مَلَكَةٍ نَفْسَانِيَّةٍ يَقْتَدِرُ بِهَا عَلَى أَفْعَالٍ غَرِيبَةٍ بِأَسْبَابٍ خَفِيَّةٍ .
وَعَرَّفَهُ ابْنُ خَلْدُونٍ بِأَنَّهُ عِلْمٌ بِكَيْفِيَّةِ اسْتِعْدَادَاتٍ تَقْتَدِرُ النُّفُوسُ الْبَشَرِيَّةُ بِهَا عَلَى التَّأْثِيرَاتِ فِي عَالَمِ الْعَنَاصِرِ بِغَيْرِ مُعَيَّنٍ .
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ تَعْلِيمَهُ وَتَعَلُّمَهُ حَرَامٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : {وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} (102) سورة البقرة، فَذَمَّهُمْ عَلَى تَعْلِيمِهِ ؛ وَلأَِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدَّهُ مِنَ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ . قَال ابْنُ قُدَامَةَ لاَ نَعْلَمُ فِيهِ خِلاَفًا بَيْنَ أَهْل الْعِلْمِ .
وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ لاَ تُقْبَل تَوْبَةُ السَّاحِرِ فَيَجِبُ قَتْلُهُ وَلاَ يُسْتَتَابُ ، وَذَلِكَ لِسَعْيِهِ بِالْفَسَادِ وَلاَ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ كُفْرِهِ مُطْلَقًا عَدَمُ قَتْلِهِ ؛ لأَِنَّ قَتْلَهُ بِسَبَبِ سَعْيِهِ بِالْفَسَادِ ، فَإِذَا ثَبَتَ ضَرَرُهُ وَلَوْ بِغَيْرِ مُكَفِّرٍ يُقْتَل دَفْعًا لِشَرِّهِ كَالْخَنَّاقِ وَقَطَّاعِ الطَّرِيقِ . وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ .
وَحَدُّ السَّاحِرِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ الْقَتْل وَيَكْفُرُ بِتَعَلُّمِهِ وَفِعْلِهِ سَوَاءٌ اعْتَقَدَ تَحْرِيمَهُ أَوْ إِبَاحَتَهُ
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُل عَلَى أَنَّهُ لاَ يَكْفُرُ(8).
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ : إِذَا حُكِمَ بِكُفْرِهِ فَإِنْ كَانَ مُجَاهِرًا بِهِ يُقْتَل إِلاَّ أَنْ يَتُوبَ فَتُقْبَل تَوْبَتُهُ ، وَإِنْ كَانَ يُخْفِيهِ فَهُوَ كَالزِّنْدِيقِ لاَ تُقْبَل تَوْبَتُهُ(9).
وَالدَّلِيل عَلَى عَدَمِ قَبُول تَوْبَةِ السَّاحِرِ حَدِيثُ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَال : قَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ(10)، فَسَمَّاهُ حَدًّا وَالْحَدُّ بَعْدَ ثُبُوتِ سَبَبِهِ لاَ يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ . وَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : إِنَّ السَّاحِرَةَ سَأَلَتْ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمْ مُتَوَافِرُونَ - هَل لَهَا مِنْ تَوْبَةٍ ؟ فَمَا أَفْتَاهَا أَحَدٌ(11)، وَلأَِنَّهُ لاَ طَرِيقَ لَنَا إِلَى إِخْلاَصِهِ فِي تَوْبَتِهِ لأَِنَّهُ يُضْمِرُ السِّحْرَ وَلاَ يَجْهَرُ بِهِ ، فَيَكُونُ إِظْهَارُ الإِْسْلاَمِ وَالتَّوْبَةِ خَوْفًا مِنَ الْقَتْل مَعَ بَقَائِهِ عَلَى تِلْكَ الْمَفْسَدَةِ(12).
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ : إِنْ عَلَّمَ أَوْ تَعَلَّمَ السِّحْرَ وَاعْتَقَدَ تَحْرِيمَهُ لَمْ يَكْفُرْ ، وَإِنِ اعْتَقَدَ إِبَاحَتَهُ مَعَ الْعِلْمِ بِتَحْرِيمِهِ كَفَرَ ؛ لأَِنَّهُ كَذَّبَ اللَّهَ تَعَالَى فِي خَبَرِهِ وَيُقْتَل كَمَا يُقْتَل الْمُرْتَدُّ(13).
فَالظَّاهِرُ مِنْ كَلاَمِهِمْ أَنَّهُ تُقْبَل تَوْبَةُ السَّاحِرِ كَمَا تُقْبَل تَوْبَةُ الْمُرْتَدِّ . وَهَذَا مَا قَرَّرَهُ الْحَنَابِلَةُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عِنْدَهُمْ حَيْثُ قَالُوا : إِنَّ السَّاحِرَ إِنْ تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ ؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ بِأَعْظَمَ مِنَ الشِّرْكِ ، وَالْمُشْرِكُ يُسْتَتَابُ وَمَعْرِفَةُ السِّحْرِ لاَ تَمْنَعُ قَبُول تَوْبَتِهِ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَبِل تَوْبَةَ سَحَرَةِ فِرْعَوْنَ(14).
وَفِي الْجُمْلَةِ ، فَالْخِلاَفُ فِي قَبُول تَوْبَةِ هَذِهِ الطَّوَائِفِ ، إِنَّمَا هُوَ فِي الظَّاهِرِ مِنْ أَحْكَامِ الدُّنْيَا مِنْ تَرْكِ قَتْلِهِمْ وَثُبُوتِ أَحْكَامِ الإِْسْلاَمِ فِي حَقِّهِمْ ، وَأَمَّا قَبُول اللَّهِ لَهَا فِي الْبَاطِنِ وَغُفْرَانُهُ لِمَنْ تَابَ وَأَقْلَعَ ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا فَلاَ خِلاَفَ فِيهِ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَسُدَّ بَابَ التَّوْبَةِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ(15)، وَقَدْ قَال فِي الْمُنَافِقِينَ : {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} (146) سورة النساء.
آثَارُ التَّوْبَةِ :
أَوَّلاً : فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ :
التَّوْبَةُ بِمَعْنَى النَّدَمِ عَلَى مَا مَضَى وَالْعَزْمِ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ لِمِثْلِهِ لاَ تَكْفِي لإِِسْقَاطِ حَقٍّ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ . فَمَنْ سَرَقَ مَال أَحَدٍ أَوْ غَصَبَهُ أَوْ أَسَاءَ إِلَيْهِ بِطَرِيقَةٍ أُخْرَى لاَ يَتَخَلَّصُ مِنَ الْمُسَائِلَةِ بِمُجَرَّدِ النَّدَمِ وَالإِْقْلاَعِ عَنِ الذَّنْبِ وَالْعَزْمِ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ ، بَل لاَ بُدَّ مِنْ رَدِّ الْمَظَالِمِ ، وَهَذَا الأَْصْل مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ(16).
قَال النَّوَوِيُّ : إِنْ كَانَتِ الْمَعْصِيَةُ قَدْ تَعَلَّقَ بِهَا حَقٌّ مَالِيٌّ كَمَنْعِ الزَّكَاةِ وَالْغَصْبِ وَالْجِنَايَاتِ ، فِي أَمْوَال النَّاسِ وَجَبَ مَعَ ذَلِكَ تَبْرِئَةُ الذِّمَّةِ عَنْهُ بِأَنْ يُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ ، وَيَرُدَّ أَمْوَال النَّاسِ إِنْ بَقِيَتْ ، وَيَغْرَمَ بَدَلَهَا إِنْ لَمْ تَبْقَ ، أَوْ يَسْتَحِل الْمُسْتَحِقَّ فَيُبَرِّئَهُ ، وَيَجِبُ أَنْ يُعْلِمَ الْمُسْتَحِقُّ إِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْحَقِّ وَأَنْ يُوَصِّلَهُ إِلَيْهِ إِنْ كَانَ غَائِبًا إِنْ كَانَ غَصَبَهُ هُنَاكَ . فَإِنْ مَاتَ سَلَّمَهُ إِلَى وَارِثِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ رَفَعَهُ إِلَى قَاضٍ تُرْضَى سِيرَتُهُ وَدِيَانَتُهُ ، فَإِنْ تَعَذَّرَ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ بِنِيَّةِ الضَّمَانِ لَهُ إِنْ وَجَدَهُ .
وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا نَوَى الضَّمَانَ إِذَا قَدَرَ . فَإِنْ مَاتَ قَبْل الْقُدْرَةِ فَالْمَرْجُوُّ مِنْ فَضْل اللَّهِ تَعَالَى الْمَغْفِرَةُ ،وَإِنْ كَانَ حَقًّا لِلْعِبَادِ لَيْسَ بِمَالِيٍّ كَالْقِصَاصِ وَحَقِّ الْقَذْفِ فَيَأْتِي الْمُسْتَحِقَّ وَيُمَكِّنُهُ مِنَ الاِسْتِيفَاءِ ، فَإِنْ شَاءَ اقْتَصَّ وَإِنْ شَاءَ عَفَا(17).
وَمِثْلُهُ مَا ذَكَرَهُ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ مَعَ تَفْصِيلٍ فِي بَعْضِ الْفُرُوعِ حَسَبَ نَوْعِيَّةِ الْمَعْصِيَةِ وَتَنَاسُبِ التَّوْبَةِ مَعَهَا كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي مَوَاضِعِهَا(18).
ثَانِيًا : فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى :
حُقُوقُ اللَّهِ الْمَالِيَّةُ كَالزَّكَوَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ لاَ تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ ، بَل يَجِبُ مَعَ التَّوْبَةِ تَبْرِئَةُ الذِّمَّةِ بِأَدَائِهَا كَمَا تَقَدَّمَ(19).
أَمَّا حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرُ الْمَالِيَّةِ كَالْحُدُودِ مَثَلاً فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ جَرِيمَةَ قَطْعِ الطَّرِيقِ ( الْحِرَابَةُ ) تَسْقُطُ بِتَوْبَةِ الْقَاطِعِ قَبْل أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (34) سورة المائدة .
فَدَلَّتْ هَذِهِ الآْيَةُ عَلَى أَنَّ قَاطِعَ الطَّرِيقِ إِذَا تَابَ قَبْل أَنْ يُظْفَرَ بِهِ سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ ، وَالْمُرَادُ بِمَا قَبْل الْقُدْرَةِ فِي الآْيَةِ أَنْ لاَ تَمْتَدَّ إِلَيْهِمْ يَدُ الإِْمَامِ بِهَرَبٍ أَوِ اسْتِخْفَاءٍ أَوِ امْتِنَاعٍ ،وَتَوْبَتُهُ بِرَدِّ الْمَال إِلَى صَاحِبِهِ إِذَا كَانَ قَدْ أَخَذَ الْمَال لاَ غَيْرُ ، مَعَ الْعَزْمِ عَلَى أَنْ لاَ يَعُودَ لِمِثْلِهِ فِي الْمُسْتَقْبَل . فَيَسْقُطُ عَنْهُ الْقَطْعُ أَصْلاً ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْقَتْل حَدًّا ، وَكَذَلِكَ إِنْ أَخَذَ الْمَال وَقَتَل حَتَّى لَمْ يَكُنْ لِلإِْمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُ حَدًّا ، وَلَكِنْ يَدْفَعَهُ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُول يَقْتُلُونَهُ قِصَاصًا إِذَا تَحَقَّقَتْ شُرُوطُهُ . وَإِنْ لَمْ يَأْخُذِ الْمَال وَلَمْ يَقْتُل فَتَوْبَتُهُ النَّدَمُ عَلَى مَا فَعَل وَالْعَزْمُ عَلَى التَّرْكِ فِي الْمُسْتَقْبَل(20).
وَلاَ يَسْقُطُ عَنِ الْمُحَارِبِ حَدُّ الزِّنَى وَالشُّرْبِ وَالسَّرِقَةِ إِذَا ارْتَكَبَهَا حَال الْحِرَابَةِ ثُمَّ تَابَ قَبْل الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الأَْظْهَرِ ، وَهُوَ احْتِمَالٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ ، وَمَفْهُومُ إِطْلاَقِ الْحَنَفِيَّةِ فِي هَذِهِ الْحُدُودِ .
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ خِلاَفُ الأَْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهَا تَسْقُطُ عَنِ الْمُحَارِبِ إِذَا تَابَ قَبْل الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ لِعُمُومِ الآْيَةِ .
أَمَّا حَدُّ الْقَذْفِ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ حُقُوقِ الآْدَمِيِّينَ مِنَ الأَْمْوَال وَالْجِرَاحِ فَلاَ تَسْقُطُ عَنِ الْمُحَارِبِ كَغَيْرِ الْمُحَارِبِ إِلاَّ أَنْ يُعْفَى لَهُ عَنْهَا(21).
أَمَّا فِي غَيْرِ الْمُحَارَبَةِ فَإِنَّ الْحُدُودَ الْمُخْتَصَّةَ بِاَللَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ الزِّنَى وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ فَلاَ تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ ، وَالأَْظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ، وَرِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ} (2) سورة النور، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ : {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } (38) سورة المائدة، وَهَذَا عَامٌّ فِي التَّائِبِينَ وَغَيْرِهِمْ ؛ وَلأَِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمَ مَاعِزًا وَالْغَامِدِيَّةَ ، وَقَطَعَ الَّذِي أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ ، وَقَدْ جَاءُوا تَائِبِينَ يَطْلُبُونَ التَّطْهِيرَ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ ، وَقَدْ سَمَّى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِعْلَهُمْ تَوْبَةً فَقَال فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ : لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِّمَتْ عَلَى سَبْعِينَ مِنْ أَهْل الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ(22)
وَالرَّأْيُ الثَّانِي وَهُوَ خِلاَفُ الأَْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَرَأْيٌ لِبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ إِنْ تَابَ مَنْ عَلَيْهِ حَدٌّ مِنْ غَيْرِ الْمُحَارِبِينَ يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : {وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا } (16) سورة النساء
وَذَكَرَ حَدَّ السَّارِقِ ثُمَّ قَال : {فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (39) سورة المائدة.
عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ فَرَّقُوا بَيْنَ التَّوْبَةِ مِنْ هَذِهِ الْجَرَائِمِ قَبْل الرَّفْعِ لِلإِْمَامِ وَبَعْدَهُ فَيَقُولُونَ بِإِسْقَاطِ التَّوْبَةِ لَهَا قَبْل الرَّفْعِ لاَ بَعْدَهُ(23). كَمَا فُصِّل فِي مُصْطَلَحَاتِهَا ،
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ عُقُوبَةَ الرِّدَّةِ تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ قَبْل الرَّفْعِ وَبَعْدَهُ ..
ثَالِثًا : فِي التَّعْزِيرَاتِ :
يَسْقُطُ التَّعْزِيرُ بِالتَّوْبَةِ عِنْدَ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ ، كَتَرْكِ الصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ مَثَلاً ؛ لأَِنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ التَّعْزِيرِ التَّأْدِيبُ وَالإِْصْلاَحُ ، وَقَدْ ثَبَتَ بِالتَّوْبَةِ ، بِخِلاَفِ حُقُوقِ الْعِبَادِ كَالضَّرْبِ وَالشَّتْمِ ؛ لأَِنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُشَاحَّةِ كَمَا مَرَّ(24).
رَابِعًا : فِي قَبُول الشَّهَادَةِ :
يُشْتَرَطُ فِي قَبُول الشَّهَادَةِ الْعَدَالَةُ ، فَمَنْ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً أَوْ أَصَرَّ عَلَى صَغِيرَةٍ سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ وَلاَ تُقْبَل شَهَادَتُهُ إِذَا لَمْ يَتُبْ ، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ(25).
وَإِذَا تَابَ عَنِ الْمَعْصِيَةِ وَقِيل بِقَبُول تَوْبَتِهِ تُقْبَل شَهَادَتُهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْمَعْصِيَةُ مِنَ الْحُدُودِ أَمْ مِنَ التَّعْزِيرَاتِ ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْحُدُودِ أَمْ قَبْلَهُ .
وَاخْتَلَفُوا فِي قَبُول شَهَادَةِ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ بَعْدَ التَّوْبَةِ :
__________
(1) - ابن عابدين 3 / 296 ، وحاشية القليوبي 4 / 177 ، وكشاف القناع 6 / 176 ، 178 .
(2) - ابن عابدين 1 / 31 ، و3 / 290 ، 296 ، والحطاب 6 / 282 ، وجواهر الإكليل 2 / 279 ، والقليوبي 4 / 177 ، والمغني 6 / 298 ، وكشاف القناع 6 / 177 ، 178 .
(3) - الباطنية هم القائلون بأن للقرآن باطنا وظاهرا ، والباطن هو المراد منه دون ظاهره . ( قليوبي 4 / 177 ) .
(4) - المراجع السابقة .
(5) - المغني 8 / 126 ، 127 ، وكشاف القناع 6 / 177 .
(6) - صحيح البخارى(25) ومسلم (133) متواتر
(7) - ابن عابدين 3 / 286 ، والحطاب 6 / 282 ، وأسنى المطالب 4 / 122 ، والجمل على شرح المنهج 5 / 126 .
(8) - ابن عابدين 1 / 31 ، المغني 8 / 154 ، والمقدمة 496 ط دار التراث .
(9) - الخرشي 8 / 63 ، والجواهر 2 / 281 .
(10) - سنن الترمذى (1532) وصحح وقفه
(11) - أورده المغني ( 8 / 153 ط مكتبة الرياض ) . ولم نعثر عليه في كتب الحديث التي بين أيدينا .
(12) - ابن عابدين 1 / 31 ، و3 / 286 ، وفتح القدير 4 / 408 .
(13) - المهذب 2 / 225 .
(14) - المغني 8 / 154 .
(15) - المغني 8 / 128 .
(16) - ابن عابدين 3 / 323 ، والفواكه 1 / 88 ، 89 ، والروضة 11 / 245 ، 246 ، ونهاية المحتاج 8 / 6 ، والمغني 9 / 200 ، 201 .
(17) - روضة الطالبين 11 / 246 .
(18) - المراجع السابقة للمذاهب .
(19) - الروضة 11 / 246 ، وكشاف القناع 2 / 257 .
(20) - البدائع 7 / 96 ، ابن عابدين 3 / 140 ، وجواهر الإكليل 2 / 295 ، والفروق للقرافي 4 / 181 ، ونهاية المحتاج 8 / 6 ، والمغني 8 / 296 ، 297 ، والقليوبي 4 / 201 .
(21) - المراجع السابقة ، والدسوقي 4 / 2050 ، وكشاف القناع 6 / 153 ، وابن عابدين 4 / 479 ، ومسلم الثبوت 1 / 328 ، والوجيز 2 / 251 ، ونهاية المحتاج 8 / 6 ، والقليوبي 4 / 201 ، ومغني المحتاج 4 / 184 ، والفواكه الدواني 2 / 281 ، والمغني 8 / 296 .
(22) - صحيح مسلم (4529)
(23) - البدائع 7 / 96 ، وبلغة السالك 4 / 489 ، وحاشية الجمل 2 / 130 ، ونهاية المحتاج 8 / 6 ، والمغني 8 / 297 ، وكشاف القناع 6 / 154 .
(24) - ابن عابدين 1 / 31 ، و3 / 191 ، والفروق للقرافي 4 / 181 ، ونهاية المحتاج 7 / 398 ، وجواهر الإكليل 2 / 265 ، وكشاف القناع 6 / 153 ، والمغني 10 / 316 .
(25) - الزيلعي 4 / 226 ، وروضة الطالبين 11 / 225 ، وجواهر الإكليل 2 / 233 ، والمغني 9 / 167 - 170 .(1/13)
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ ( الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ ) إِلَى أَنَّهُ إِذَا تَابَ الْمَحْدُودُ فِي قَذْفٍ تُقْبَل شَهَادَتُهُ ، وَتَوْبَتُهُ بِتَكْذِيبِ نَفْسِهِ فِيمَا قَذَفَ بِهِ ، وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَال : {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (4) سورة النور ، فَاسْتَثْنَى التَّائِبِينَ بِقَوْلِهِ : { إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا } وَالاِسْتِثْنَاءُ مِنَ النَّفْيِ إِثْبَاتٌ ، فَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ { إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا } فَاقْبَلُوا شَهَادَتَهُمْ وَلَيْسُوا بِفَاسِقِينَ ؛ لأَِنَّ الْجُمَل الْمَعْطُوفَةَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ بِالْوَاوِ ، وَالْوَاوُ لِلْجَمْعِ فَتُجْعَل الْجُمَل كُلُّهَا كَالْجُمْلَةِ الْوَاحِدَةِ ، فَيَعُودُ الاِسْتِثْنَاءُ إِلَى جَمِيعِهَا(1).
وَلأَِنَّ الْقَاذِفَ لَوْ تَابَ قَبْل إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ تُقْبَل شَهَادَتُهُ عِنْدَ الْجَمِيعِ ، وَلاَ جَائِزَ أَنْ تَكُونَ إِقَامَةُ الْحَدِّ عَلَيْهِ هِيَ الْمُوجِبَةُ لِرَدِّ الشَّهَادَةِ ؛ لأَِنَّهُ فِعْل الْغَيْرِ وَهُوَ مُطَهِّرٌ أَيْضًا . وَلأَِنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ تُقْبَل شَهَادَتُهُ فَهَذَا أَوْلَى(2).
وَلِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُول لأَِبِي بَكْرَةَ حِينَ شَهِدَ عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ : تُبْ أَقْبَل شَهَادَتَك . وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ مُنْكِرٌ(3)، فَكَانَ إِجْمَاعًا . وَقَال سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ شَهِدَ عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ثَلاَثَةُ رِجَالٍ ، أَبُو بَكْرَةَ ، وَنَافِعُ بْنُ الْحَارِثِ ، وَشِبْل بْنُ مَعْبَدٍ ، وَنَكَل زِيَادٌ ، فَجَلَدَ عُمَرُ الثَّلاَثَةَ وَقَال لَهُمْ : تُوبُوا تُقْبَل شَهَادَتُكُمْ ، فَتَابَ رَجُلاَنِ وَقَبِل عُمَرُ شَهَادَتَهُمَا وَأَبَى أَبُو بَكْرَةَ فَلَمْ تُقْبَل شَهَادَتُهُ(4).
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ : لاَ تُقْبَل شَهَادَةُ الْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ وَإِنْ تَابَ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (4) سورة النور ، وَوَجْهُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَدَّ شَهَادَتَهُ عَلَى التَّأْبِيدِ نَصًّا ، فَمَنْ قَال هُوَ مُؤَقَّتٌ إِلَى وُجُودِ التَّوْبَةِ يَكُونُ رَدًّا لِمَا اقْتَضَاهُ النَّصُّ فَيَكُونُ مَرْدُودًا . وَالْقِيَاسُ عَلَى الْكُفْرِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْجَرَائِمِ لاَ يَجُوزُ ؛ لأَِنَّ الْقِيَاسَ الْمُخَالِفَ لِلنَّصِّ لاَ يَصِحُّ . وَلأَِنَّ رَدَّ الشَّهَادَةِ مَعْطُوفٌ عَلَى الْجُمْلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ إِلَى { فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } وَهِيَ حَدٌّ فَكَذَا هَذَا ، فَصَارَ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ ؛ وَلِهَذَا أَمَرَ الأَْئِمَّةُ بِهِ ، وَالْحَدُّ لاَ يَرْتَفِعُ بِالتَّوْبَةِ .
وقَوْله تَعَالَى : { وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } لَيْسَ بِحَدٍّ ؛ لأَِنَّ الْحَدَّ يَقَعُ بِفِعْل الأَْئِمَّةِ ، ( أَيِ الْحُكَّامِ ) ، وَالْفِسْقُ وَصْفٌ قَائِمٌ بِالذَّاتِ ، فَيَكُونُ مُنْقَطِعًا عَنِ الأَْوَّل ، فَيَنْصَرِفُ الاِسْتِثْنَاءُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا } إِلَى مَا يَلِيهِ ضَرُورَةً ، لاَ إِلَى الْجَمِيعِ . فَالْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ إِذَا تَابَ لاَ يُسَمَّى فَاسِقًا لَكِنَّهُ لاَ تُقْبَل شَهَادَتُهُ وَذَلِكَ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ(5).
خامساً. أَنْوَاعُ الْعِبَادَاتِ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُ الْقَضَاءِ بِهَا(6):
الْعِبَادَاتُ مُنْقَسِمَةٌ إِلَى مَا يُقْضَى فِي جَمِيعِ الأَْوْقَاتِ ، وَمَا لاَ يُقْضَى إِلاَّ فِي مِثْل وَقْتِهِ ، وَإِلَى مَا يَقْبَل الأَْدَاءَ وَالْقَضَاءَ ، وَمَا يَتَعَذَّرُ وَقْتُ قَضَائِهِ مَعَ قَبُولِهِ لِلتَّأْخِيرِ ، وَإِلَى مَا يَكُونُ قَضَاؤُهُ مُتَرَاخِيًا ، وَمَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ عَلَى الْفَوْرِ(7)، وَإِلَى مَا يَكُونُ قَضَاؤُهُ بِمِثْلٍ مَعْقُولٍ وَمَا يَكُونُ قَضَاؤُهُ بِمِثْلٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ(8).
فَأَمَّا مَا يُقْضَى فِي جَمِيعِ الأَْوْقَاتِ ، فَكَالضَّحَايَا وَالْهَدَايَا الْمَنْذُورَاتِ ، وَأَمَّا مَا لاَ يُقْضَى إِلاَّ فِي مِثْل وَقْتِهِ فَهُوَ كَالْحَجِّ .
وَأَمَّا مَا يَقْبَل الأَْدَاءَ وَالْقَضَاءَ فَكَالْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ(9)، فَإِنَّ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ هِيَ مُخْتَصَّةُ الأَْدَاءِ بِالأَْوْقَاتِ الْمَعْرُوفَةِ جَائِزَةُ الْقَضَاءِ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِ الأَْدَاءِ ، كَمَا أَنَّ الصِّيَامَ الْوَاجِبَ هُوَ مَخْصُوصٌ بِشَهْرِ رَمَضَانَ قَابِلٌ لِلْقَضَاءِ(10).
وَأَمَّا مَا يَقْبَل الأَْدَاءَ وَلاَ يَقْبَل الْقَضَاءَ فَكَالْجُمُعَاتِ ، فَإِنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِوَقْتِ الظُّهْرِ لاَ تَقْبَل الْقَضَاءَ(11).
وَأَمَّا مَا لاَ يُوصَفُ بِقَضَاءٍ وَلاَ أَدَاءٍ مِنَ النَّوَافِل الْمُبْتَدَآتِ الَّتِي لاَ أَسْبَابَ لَهَا ، فَكَالصِّيَامِ ، وَالصَّلاَةِ الَّتِي لاَ أَسْبَابَ لَهَا وَلاَ أَوْقَاتَ ، وَكَذَا الْجِهَادُ لاَ يُتَصَوَّرُ قَضَاؤُهُ ، لأَِنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مَضْرُوبٌ لاَ يَزِيدُ وَلاَ يَنْقُصُ ، وَالْحُكْمُ وَالْفُتْيَا لاَ يُوصَفَانِ بِقَضَاءٍ وَلاَ أَدَاءٍ ، وَالأَْمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَكَذَلِكَ افْتِتَاحُ الصَّلاَةِ ، وَالأَْذْكَارُ الْمَشْرُوعَاتُ فِي غَيْرِ الصَّلاَةِ .
وَأَمَّا مَا يَتَعَذَّرُ وَقْتُ قَضَائِهِ مَعَ قَبُولِهِ لِلتَّأْخِيرِ . فَكَصَوْمِ رَمَضَانَ ، لَكِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لاَ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ إِلَى دُخُول رَمَضَانَ ثَانٍ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مَعَ جَوَازِ قَضَائِهِ مَعَ قَضَاءِ رَمَضَانَ آخَرَ .
وَأَمَّا مَا يَكُونُ قَضَاؤُهُ مُتَرَاخِيًا ، فَكَقَضَاءِ صَوْمِ رَمَضَانَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ، وَصَلاَةِ النَّاسِي وَالنَّائِمِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ .
وَأَمَّا مَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ عَلَى الْفَوْرِ ، فَكَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إِذَا فَسَدَا أَوْ فَاتَا(12).
وَأَمَّا مَا يَكُونُ قَضَاؤُهُ بِمِثْلٍ مَعْقُولٍ ، فَكَقَضَاءِ الصَّوْمِ بِالصَّوْمِ ، وَأَمَّا مَا يَكُونُ قَضَاؤُهُ بِمِثْلٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ فَمِثْل الْفِدْيَةِ فِي الصَّوْمِ ، وَثَوَابِ النَّفَقَةِ فِي الْحَجِّ بِإِحْجَاجِ النَّائِبِ ، لأَِنَّا لاَ نَعْقِل الْمُمَاثَلَةَ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْفِدْيَةِ ، لاَ صُورَةً وَلاَ مَعْنًى ، فَلَمْ يَكُنْ مِثْلاً قِيَاسًا(13).
مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ :
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ قَضَاءِ الصَّلاَةِ الْفَائِتَةِ عَلَى النَّاسِي وَالنَّائِمِ(14)، كَمَا يَرَى الْفُقَهَاءُ وُجُوبَ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ عَلَى السَّكْرَانِ بِالْمُحَرَّمِ(15).
وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّهُ لاَ يَجِبُ قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْكَافِرِ الأَْصْلِيِّ إِذَا أَسْلَمَ(16)
وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى تَارِكِ الصَّلاَةِ عَمْدًا ، وَالْمُرْتَدِّ ، وَالْمَجْنُونِ بَعْدَ الإِْفَاقَةِ ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ ، وَالصَّبِيِّ إِذَا بَلَغَ فِي الْوَقْتِ ، وَمَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ ، وَفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ .
فَأَمَّا الْمُتَعَمِّدُ فِي التَّرْكِ ، فَيَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْفَوَائِتِ ، وَمِمَّا يَدُل عَلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يَنْتِفُ شَعَرَ رَأْسِهِ وَيَدُقُّ صَدْرَهُ وَيَقُولُ : هَلَكَ الأَبْعَدُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« هَلاَكًا مَاذَا ». قَالَ : إِنِّى وَقَعْتُ عَلَى أَهْلِى الْيَوْمَ وَذَلِكَ فِى رَمَضَانَ قَالَ :« هَلْ عِنْدِكَ رَقَبَةٌ تُعْتِقُهَا ». قَالَ : لاَ. فَقَالَ :« فَهَلْ تَسْتَطِيعُ صِيَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ». قَالَ : لاَ. قَالَ :« فَهَلْ تَسْتَطِيعُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا ». قَالَ : لاَ ، ثُمَّ انْصَرَفَ الرَّجُلُ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ النَّاسِ بِعَرَقٍ عَظِيمٍ فِيهِ صَدَقَةُ مَالِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« أَيْنَ السَّائِلُ؟ ». قَالُوا : قَدِ انْصَرَفَ قَالَ :« عَلَىَّ بِهِ ». فَجَاءَهُ الرَّجُلُ فَقَالَ :« خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ كَفَّارَةً لِمَا صَنَعْتَ ». قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعَلَى أَحْوَجَ مِنِّى وَأَهْلِ بَيْتِى وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا أَحْوَجُ مِنِّى وَمِنْ أَهْلِ بَيْتِى قَالَ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ قَالَ :« فَكُلْ وَأَطْعِمْ أَهْلَ بَيْتِكَ وَاقْضِ يَوْمًا مَكَانَهُ »(17).
أَيْ بَدَل الْيَوْمِ الَّذِي أَفْسَدَهُ بِالْجِمَاعِ عَمْدًا ، وَلأَِنَّهُ إِذَا وَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَى التَّارِكِ نَاسِيًا فَالْعَامِدُ أَوْلَى(18).
وَيَرَى بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَدَمَ وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى الْمُتَعَمِّدِ فِي التَّرْكِ ، قَال عِيَاضٌ : وَلاَ يَصِحُّ عِنْدَ أَحَدٍ سِوَى دَاوُدَ وَابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّافِعِيِّ(19).
قلت : فالذي ترك الصلاة لمدة عمدا أو كسلاً ، بناء على قولهم لا يجب عليه القضاء ، فالتوبة كافية ، وهي المشتملة على الندم على ما وقع منه والاستقامة على الصلاة والعزم الصادق ألا يعود إلى تركها لقول الله عز وجل : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (8) سورة التحريم، وقوله تعالى : { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (31) سورة النور ، ولقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : « التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ »(20).
قال ابن القيم رحمه الله : " وإنما الشأنُ في طريق توبته وتحقيقها هل يتعين لها القضاء أم يستأنف العمل ويصير ما مضى لا له ولا عليه ويكون حكمه حكم الكافر إذا أسلم في استئناف العمل وقبول التوبة فإن ترك فريضة من فراض الإسلام لا يزيد على ترك الإسلام بجملته وفرائضه فإذا كانت توبة تارك الإسلام مقبولة صحيحة لا يشترط في صحتها إعادة ما فاته في حال إسلامه أصليا كان أو مرتدا كما أجمع عليه الصحابة في ترك أمر المرتدين لما رجعوا إلى الإسلام بالقضاء فقبول توبة تارك الصلاة وعدم توقفها على القضاء أولى والله أعلم."(21)
قلتُ : فإنْ كان قويَّ الإيمان والإرادة أفتينا له بقول الجمهور ، وإن خفنا عليه أن يترك الصلاة أو يفتتن في دينه ، فنقول له : التوبة تجب ما قبلها ، فواظب على الصلاة في وقتها ، وعليك بالإكثار من النوافل(22).
وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ عَدَمَ وُجُوبِ قَضَاءِ الصَّلاَةِ الَّتِي تَرَكَهَا أَثْنَاءَ رِدَّتِهِ ، لأَِنَّهُ كَانَ كَافِرًا وَإِيمَانُهُ يَجُبُّهَا(23).
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ بَعْدَ إِسْلاَمِهِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ ، وَلأَِنَّهُ الْتَزَمَهَا بِالإِْسْلاَمِ فَلاَ تَسْقُطُ عَنْهُ بِالْجُحُودِ كَحَقِّ الآْدَمِيِّ(24).
وَذَكَرَ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقِلاَ عَنْ أَحْمَدَ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى الْمُرْتَدِّ رِوَايَتَيْنِ :
إِحْدَاهُمَا : لاَ يَلْزَمُهُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلاَمِ الْخِرَقِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، فَعَلَى هَذَا لاَ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا تَرَكَ فِي حَال كُفْرِهِ ، وَلاَ فِي حَال إِسْلاَمِهِ قَبْل رِدَّتِهِ ، وَلَوْ كَانَ قَدْ حَجَّ لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهُ ، لأَِنَّ عَمَلَهُ قَدْ حَبِطَ بِكُفْرِهِ .
وَالثَّانِيَةُ : يَلْزَمُ قَضَاءُ مَا تَرَكَ مِنَ الْعِبَادَاتِ فِي حَال رِدَّتِهِ وَإِسْلاَمِهِ قَبْل رِدَّتِهِ ، وَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ إِعَادَةُ الْحَجِّ ، لأَِنَّ الْعَمَل إِنَّمَا يَحْبَطُ بِالإِْشْرَاكِ مَعَ الْمَوْتِ(25).
وَفِي الإِْنْصَافِ : وَإِنْ كَانَ مُرْتَدًّا فَالصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَقْضِي مَا تَرَكَهُ قَبْل رِدَّتِهِ ، وَلاَ يَقْضِي مَا فَاتَهُ زَمَنَ رِدَّتِهِ(26).
وَأَمَّا الْمَجْنُونُ فَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ بِأَدَاءِ الصَّلاَةِ فِي حَال جُنُونِهِ .
وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ بَعْدَ الإِْفَاقَةِ :
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ قَضَاءَ عَلَى مَجْنُونٍ حَالَةَ جُنُونِهِ لِمَا فَاتَهُ فِي حَالَةِ عَقْلِهِ ، كَمَا لاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ فِي حَالَةِ عَقْلِهِ لِمَا فَاتَهُ حَالَةَ جُنُونِهِ ، هَذَا إِذَا اسْتَمَرَّ جُنُونُهُ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِ صَلَوَاتٍ لِلْحَرَجِ ، وَإِلاَّ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ(27).
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ إِنْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ وَقَدْ بَقِيَ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ خَمْسُ رَكَعَاتٍ فِي الْحَضَرِ وَثَلاَثٌ فِي السَّفَرِ ، وَجَبَتْ عَلَيْهِ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ ، وَإِنْ بَقِيَ أَقَل مِنْ ذَلِكَ إِلَى رَكْعَةٍ وَجَبَتِ الْعَصْرُ وَحْدَهَا ، وَإِنْ بَقِيَ أَقَل مِنْ رَكْعَةٍ سَقَطَتِ الصَّلاَتَانِ ، وَفِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ إِنْ بَقِيَ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الْجُنُونِ خَمْسُ رَكَعَاتٍ وَجَبَتِ الصَّلاَتَانِ ، وَإِنْ بَقِيَ ثَلاَثًا سَقَطَتِ الْمَغْرِبُ ، وَإِنْ بَقِيَ أَرْبَعٌ فَقِيل : تَسْقُطُ الْمَغْرِبُ ، لأَِنَّهُ أَدْرَكَ قَدْرَ الْعِشَاءِ خَاصَّةً ، وَقِيل : تَجِبُ الصَّلاَتَانِ ، لأَِنَّهُ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ كَامِلَةً وَيُدْرِكُ الْعِشَاءَ بِرَكْعَةٍ(28).
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ قَضَاءَ عَلَى ذِي جُنُونٍ غَيْرِ مُتَعَدٍّ فِيهِ ، وَيُسَنُّ لَهُ الْقَضَاءُ ، أَمَّا الْمُتَعَدِّي فَعَلَيْهِ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ مِنَ الصَّلَوَاتِ زَمَنَ ذَلِكَ لِتَعَدِّيهِ(29).
وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ الْمَجْنُونَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ ، وَلاَ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا تَرَكَ فِي حَال جُنُونِهِ ، إِلاَّ أَنْ يُفِيقَ فِي وَقْتِ الصَّلاَةِ ، لأَِنَّ مُدَّتَهُ تَطُول غَالِبًا ، فَوُجُوبُ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ يَشُقُّ ، فَعُفِيَ عَنْهُ(30).
وَأَمَّا الْمُغْمَى عَلَيْهِ ، فَلاَ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الصَّلاَةِ إِلاَّ أَنْ يُفِيقَ فِي جُزْءٍ مِنْ وَقْتِهَا وَلَمْ يُؤَدِّهَا ، وَهَذَا قَوْل الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ .
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْمُتَعَدِّيَ بِإِغْمَائِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ(31).
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى مُغْمًى عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ إِذَا زَادَتْ الْفَوَائِتُ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ(32).
وَيَقُول الْحَنَابِلَةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ : إِنَّ الْمُغْمَى عَلَيْهِ حُكْمُهُ حُكْمُ النَّائِمِ ، لاَ يَسْقُطُ عَنْهُ قَضَاءُ شَيْءٍ مِنَ الْوَاجِبَاتِ الَّتِي يَجِبُ قَضَاؤُهَا عَلَى النَّائِمِ كَالصَّلاَةِ وَالصِّيَامِ(33).
وَأَمَّا الصَّبِيُّ ، فَلاَ تَجِبُ الصَّلاَةُ عَلَيْهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ(34)، وَلَكِنَّهُ يُؤْمَرُ بِهَا إِذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ ، وَيُضْرَبُ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ(35)، وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ الصَّبِيَّ لَوْ كَانَ مُمَيِّزًا فَتَرَكَهَا ثُمَّ بَلَغَ أُمِرَ بِالْقَضَاءِ بَعْدَ الْبُلُوغِ نَدْبًا ، كَمَا كَانَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَدَاؤُهَا(36).
وَفِي أَوْجَهِ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يُضْرَبُ عَلَى الْقَضَاءِ(37).
وَفِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ تَجِبُ الصَّلاَةُ عَلَى الصَّبِيِّ الْعَاقِل(38).
وَبِنَاءً عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَلْزَمُ الصَّبِيَّ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ مِنَ الصَّلَوَاتِ .
وَعَنْ أَحْمَدَ : إِنَّ الصَّلاَةَ تَجِبُ عَلَى مَنْ بَلَغَ عَشْرًا ، وَعَنْهُ تَجِبُ عَلَى الْمُرَاهِقِ ، وَعَنْهُ تَجِبُ عَلَى الْمُمَيِّزِ(39).
وَعَلَى قَوْل الْجُمْهُورِ إِذَا بَلَغَ فِي أَثْنَائِهَا أَوْ بَعْدَهَا فِي الْوَقْتِ فَعَلَيْهِ إِعَادَتُهَا(40).
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِذَا صَلَّى الصَّبِيُّ وَظِيفَةَ الْوَقْتِ ، ثُمَّ بَلَغَ قَبْل خُرُوجِ الْوَقْتِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُعِيدَهَا ، وَلاَ تَجِبُ الإِْعَادَةُ عَلَى الصَّحِيحِ(41).
أَمَّا مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَتَرَكَ صَلَوَاتٍ أَوْ صِيَامًا لاَ يَعْلَمُ وُجُوبَهُ ، لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ ، وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلاَمِ الشَّافِعِيَّةِ وَإِطْلاَقَاتِ الْمَالِكِيَّةِ(42).
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ يُعْذَرُ مَنْ أَسْلَمَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَلَمْ يَصُمْ وَلَمْ يُصَل وَلَمْ يُزَكِّ وَهَكَذَا ، لِجَهْلِهِ الشَّرَائِعَ(43)، جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ : لاَ قَضَاءَ عَلَى مُسْلِمٍ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُصَل مُدَّةً لِجَهْلِهِ بِوُجُوبِهَا(44).
وَأَمَّا فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ ، فَقَدْ قَال الْمَالِكِيَّةُ : لاَ تَجِبُ الصَّلاَةُ عَلَى فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ أَوِ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِمَا كَالْمُكْرَهِ وَالْمَرْبُوطِ ، وَلاَ يَقْضِيهَا عَلَى الْمَشْهُورِ إِنْ تَمَكَّنَ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ(45).
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْضَ فَقَطْ .
__________
(1) - التاج والإكليل للمواق 6 / 161 ، والوجيز للغزالي 2 / 251 ، والمغني لابن قدامة 9 / 197 ، 199 .
(2) - تبيين الحقائق للزيلعي في سرد أدلة الشافعية 4 / 218 .
(3) - فتح الباري لابن حجر - (ج 8 / ص 155) والبدر المنير - (ج 9 / ص 674)
(4) - التلخيص الحبير - (ج 4 / ص 176) والبدر المنير - (ج 8 / ص 645)
(5) - تبيين الحقائق للزيلعي 4 / 218 ، 219 ، 226 ، وابن عابدين 4 / 479 .
(6) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 34 / ص 25)
(7) - قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام 1 / 205 .
(8) - أصول البزدوي مع كشف الأسرار 1 / 149 .
(9) - قواعد الأحكام 1 / 216 .
(10) - قواعد الأحكام 1 / 202 .
(11) - قواعد الأحكام 1 / 202 ، 216
(12) - قواعد الأحكام 1 / 216 - 217 .
(13) - أصول البزدوي مع كشف الأسرار 1 / 149 - 150 .
(14) - بداية المجتهد 1 / 182 ط . دار المعرفة .
(15) - ابن عابدين 1 / 512 ، وحاشية الدسوقي 1 / 184 ، ومغني المحتاج 1 / 131 ، والمهذب 1 / 58 ، وروضة الطالبين 1 / 190 ، وفتح الغفار 3 / 107 ، المغني 1 / 401 .
(16) - الفتاوى الهندية 1 / 121 ، والاختيار 1 / 27 - 28 ، والشرح الصغير 1 / 364 ، والمهذب 1 / 57 - 58 ، والمغني 1 / 398 .
(17) - السنن الكبرى للبيهقي (ج 4 / ص 226)(8311-8313) ومسند الشاميين(2403) حسن لغيره
(18) - البناية 2 / 623 ، والمجموع 3 / 71 ، والشرح الصغير 1 / 496 ، والمغني 1 / 613 ط . مكتبة ابن تيمية .
(19) - الشرح الصغير 1 / 364 ، وانظر البناية 2 / 623 ، والقوانين الفقهية ص ( 72 ) .
(20) - سنن ابن ماجه(4391 ) صحيح لغيره
(21) - مدارج السالكين - (ج 1 / ص 386)
(22) - انظر فتاوى يسألونك - (ج 1 / ص 13) قضاء الصلاة وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 3 / ص 1454) رقم الفتوى 12700 القضاء أم لا... لتارك الصلاة والصيام بدون عذر و(ج 8 / ص 993) رقم الفتوى 51257 قول الجمهور في باب قضاء الصلاة أبرأ للذمة ومجموع فتاوى و مقالات ابن باز - (ج 10 / ص 208) كيف يقضي المسلم ما فاته من الصلاة و مدارج السالكين - (ج 1 / ص 374-386) وفتاوى الأزهر - (ج 8 / ص 493) قضاء الصلاة
(23) - الفتاوى الهندية 1 / 121 ، والشرح الصغير 1 / 364 ، والخرشي 8 / 68 .
(24) - مغني المحتاج 1 / 130 .
(25) - المغني 1 / 398 - 399 .
(26) - الإنصاف 1 / 391 .
(27) - الفتاوى الهندية 1 / 121 ، وحاشية ابن عابدين 1 / 512 .
(28) - القوانين الفقهية ص51 ط . دار الكتاب العربي .
(29) - مغني المحتاج 1 / 131 .
(30) - المغني 1 / 400 ، وكشاف القناع 2 / 259 .
(31) - الشرح الصغير 1 / 364 ، ومغني المحتاج 1 / 131 ، والإنصاف 1 / 390 .
(32) - الفتاوى الهندية 1 / 121 .
(33) - المغني 1 / 400 ، والإنصاف 1 / 390 .
(34) - ابن عابدين 1 / 234 - 235 ، والشرح الصغير 1 / 259 ، وروضة الطالبين 1 / 110 ، والمغني 1 / 398 ، والإنصاف 1 / 396 .
(35) - المراجع السابقة .
(36) - المنثور في القواعد 3 / 70 .
(37) - أسنى المطالب 1 / 121 ، وحاشية الجمل 1 / 288 .
(38) - المغني 1 / 399 .
(39) - الإنصاف 1 / 396 ، والمغني 1 / 399 .
(40) - المغني 1 / 399 ، وروضة الطالبين 1 / 188 .
(41) - روضة الطالبين 1 / 188 .
(42) - حاشية الدسوقي 1 / 183 ، وحاشية الجمل 1 / 286 ، والمغني 1 / 615 .
(43) - مراقي الفلاح ص243 .
(44) - الفتاوى الهندية 1 / 121 .
(45) - الشرح الصغير 1 / 262 .(1/14)
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَتَشَبَّهُ بِالْمُصَلِّينَ احْتِرَامًا لِلْوَقْتِ ، فَيَرْكَعُ وَيَسْجُدُ إِنْ وَجَدَ مَكَانًا يَابِسًا ، وَإِلاَّ فَيُومِئُ قَائِمًا ، وَيُعِيدُ الصَّلاَةَ بَعْدَ ذَلِكَ ..
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ مَنْ زَال عَقْلُهُ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ يُقَاسُ عَلَى الْمَجْنُونِ ، فَلاَ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ مِنَ الصَّلَوَاتِ(1).
ــــــــــــــ
__________
(1) - ابن عابدين 1 / 512 ، والشرح الصغير 1 / 364 ، والمهذب 1 / 58 .(1/15)
" السَّبَبُ الثَّانِي " الِاسْتِغْفَارُ :
كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِى عَمْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « إِنَّ عَبْدًا أَصَابَ ذَنْبًا - وَرُبَّمَا قَالَ أَذْنَبَ ذَنْبًا - فَقَالَ رَبِّ أَذْنَبْتُ - وَرُبَّمَا قَالَ أَصَبْتُ - فَاغْفِرْ لِى فَقَالَ رَبُّهُ أَعَلِمَ عَبْدِى أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِى . ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا أَوْ أَذْنَبَ ذَنْبًا ، فَقَالَ رَبِّ أَذْنَبْتُ - أَوْ أَصَبْتُ - آخَرَ فَاغْفِرْهُ . فَقَالَ أَعَلِمَ عَبْدِى أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِى ، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا - وَرُبَّمَا قَالَ أَصَابَ ذَنْبًا - قَالَ قَالَ رَبِّ أَصَبْتُ - أَوْ أَذْنَبْتُ - آخَرَ فَاغْفِرْهُ لِى . فَقَالَ أَعَلِمَ عَبْدِى أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِى - ثَلاَثًا - فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ »(1)
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ »(2).
فالاِسْتِغْفَارُ فِي اللُّغَةِ : طَلَبُ الْمَغْفِرَةِ بِالْمَقَال وَالْفِعَال(3).
وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ : سُؤَال الْمَغْفِرَةِ كَذَلِكَ ، وَالْمَغْفِرَةُ فِي الأَْصْل : السَّتْرُ ، وَيُرَادُ بِهَا التَّجَاوُزُ عَنِ الذَّنْبِ وَعَدَمُ الْمُؤَاخَذَةِ بِهِ ، وَأَضَافَ بَعْضُهُمْ : إِمَّا بِتَرْكِ التَّوْبِيخِ وَالْعِقَابِ رَأْسًا ، أَوْ بَعْدَ التَّقْرِيرِ بِهِ فِيمَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ(4).
وَيَأْتِي الاِسْتِغْفَارُ بِمَعْنَى الإِْسْلاَمِ . قَال اللَّهُ تَعَالَى : {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (33) سورة الأنفال
الأَْصْل فِي الاِسْتِغْفَارِ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ(5)، لِقَوْل اللَّهِ سُبْحَانَهُ .{ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (سورة المزمل / 20)، يُحْمَل عَلَى النَّدْبِ ، لأَِنَّهُ قَدْ يَكُونُ مِنْ غَيْرِ مَعْصِيَةٍ ، لَكِنَّهُ قَدْ يَخْرُجُ عَنِ النَّدْبِ إِلَى الْوُجُوبِ(6)؛ كَاسْتِغْفَارِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَكَالاِسْتِغْفَارِ مِنَ الْمَعْصِيَةِ(7)، وَقَدْ يَخْرُجُ إِلَى الْكَرَاهَةِ كَالاِسْتِغْفَارِ لِلْمَيِّتِ خَلْفَ الْجِنَازَةِ ، صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ ،وَقَدْ يَخْرُجُ إِلَى الْحُرْمَةِ ، كَالاِسْتِغْفَارِ لِلْكُفَّارِ(8)
الاِسْتِغْفَارُ الْمَطْلُوبُ هُوَ الَّذِي يُحِل عُقْدَةَ الإِْصْرَارِ ، وَيَثْبُتُ مَعْنَاهُ فِي الْجَنَانِ ، لاَ التَّلَفُّظُ بِاللِّسَانِ ، فَإِنْ كَانَ بِاللِّسَانِ - وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى الْمَعْصِيَةِ - فَإِنَّهُ ذَنْبٌ يَحْتَاجُ إِلَى اسْتِغْفَارٍ(9)، كَمَا رُوِيَ : التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ ، كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ ، وَالْمُسْتَغْفِرُ مِنَ الذَّنْبِ وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَيْهِ كَالْمُسْتَهْزِئِ بِرَبِّهِ(10)، وَيُطْلَبُ لِلْمُسْتَغْفِرِ بِلِسَانِهِ أَنْ يَكُونَ مُلاَحِظًا لِهَذِهِ الْمَعَانِي بِجِنَانِهِ ، لِيَفُوزَ بِنَتَائِجِ الاِسْتِغْفَارِ ، فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ ذَلِكَ فَيَسْتَغْفِرُ بِلِسَانِهِ ، وَيُجَاهِدُ نَفْسَهُ عَلَى مَا هُنَالِكَ ، فَالْمَيْسُورُ لاَ يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ(11)
فَإِنِ انْتَفَى الإِْصْرَارُ ، وَكَانَ الاِسْتِغْفَارُ بِاللِّسَانِ مَعَ غَفْلَةِ الْقَلْبِ ، فَفِيهِ رَأْيَانِ :
الأَْوَّل : وَصْفُهُ بِأَنَّهُ تَوْبَةُ الْكَذَّابِينَ ، وَهُوَ قَوْل الْمَالِكِيَّةِ ، وَقَوْلٌ لِلْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ ، إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ جَعَلُوهُ مَعْصِيَةً لاَحِقَةً بِالْكَبَائِرِ ، وَقَال الآْخَرُونَ : بِأَنَّهُ لاَ جَدْوَى مِنْهُ فَقَطْ(12).
الثَّانِي : اعْتِبَارُهُ حَسَنَةً وَهُوَ قَوْل الْحَنَابِلَةِ ، وَقَوْلٌ لِلْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ ، لأَِنَّ الاِسْتِغْفَارَ عَنْ غَفْلَةٍ خَيْرٌ مِنَ الصَّمْتِ وَإِنِ احْتَاجَ إِلَى اسْتِغْفَارٍ ، لأَِنَّ اللِّسَانَ إِذَا أَلِفَ ذِكْرًا يُوشِكُ أَنْ يَأْلَفَهُ الْقَلْبُ فَيُوَافِقُهُ عَلَيْهِ ، وَتَرْكُ الْعَمَل لِلْخَوْفِ مِنْهُ مِنْ مَكَايِدِ الشَّيْطَانِ(13).
وقال ابن تيمية رحمه الله : "وَأَمَّا قَوْلُ السَّائِلِ : هَلِ الِاعْتِرَافُ بِالْخَطِيئَةِ بِمُجَرَّدِهِ مَعَ التَّوْحِيدِ مُوجِبٌ لِغُفْرَانِهَا وَكَشْفِ الْكُرْبَةِ الصَّادِرَةِ عَنْهَا ؛ أَمْ يَحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ آخَرَ ؟
فَجَوَابُهُ : أَنَّ الْمُوجِبَ لِلْغُفْرَانِ مَعَ التَّوْحِيدِ هُوَ التَّوْبَةُ الْمَأْمُورُ بِهَا ؛ فَإِنَّ الشِّرْكَ لَا يَغْفِرُهُ اللَّهُ إلَّا بِتَوْبَةٍ ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا } (48) سورة النساء، فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ الْقُرْآنِ وَمَا دُونَ الشِّرْكِ فَهُوَ مَعَ التَّوْبَةِ مَغْفُورٌ ؛ وَبِدُونِ التَّوْبَةِ مُعَلَّقٌ بِالْمَشِيئَةِ ،كَمَا قَالَ تَعَالَى : {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }(53) سورة الزمر، فَهَذَا فِي حَقِّ التَّائِبِينَ ، وَلِهَذَا عَمَّمَ وَأَطْلَقَ ، وَخَتَمَ أَنَّهُ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ، وَقَالَ فِي تِلْكَ الْآيَةِ : { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } فَخَصَّ مَا دُونَ الشِّرْكِ وَعَلَّقَهُ بِالْمَشِيئَةِ، فَإِذَا كَانَ الشِّرْكُ لَا يُغْفَرُ إلَّا بِتَوْبَةٍ ؛ وَأَمَّا مَا دُونَهُ فَيَغْفِرُهُ اللَّهُ لِلتَّائِبِ ؛ وَقَدْ يَغْفِرُهُ بِدُونِ التَّوْبَةِ لِمَنْ يَشَاءُ .
فَالِاعْتِرَافُ بِالْخَطِيئَةِ مَعَ التَّوْحِيدِ إنْ كَانَ مُتَضَمِّنًا لِلتَّوْبَةِ أَوْجَبَ الْمَغْفِرَةَ ؛ وَإِذَا غُفِرَ الذَّنْبُ زَالَتْ عُقُوبَتُهُ ؛ فَإِنَّ الْمَغْفِرَةَ هِيَ وِقَايَةُ شَرِّ الذَّنْبِ .
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ الْغَفْرُ السِّتْرُ ، وَيَقُولُ : إنَّمَا سُمِّيَ الْمَغْفِرَةَ وَالْغَفَّارَ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى السِّتْرِ ، وَتَفْسِيرُ اسْمِ اللَّهِ الْغَفَّارِ بِأَنَّهُ السَّتَّارُ وَهَذَا تَقْصِيرٌ فِي مَعْنَى الْغَفْرِ ؛ فَإِنَّ الْمَغْفِرَةَ مَعْنَاهَا وِقَايَةُ شَرِّ الذَّنْبِ بِحَيْثُ لَا يُعَاقَبُ عَلَى الذَّنْبِ فَمَنْ غُفِرَ ذَنْبُهُ لَمْ يُعَاقَبْ عَلَيْهِ .
وَأَمَّا مُجَرَّدُ سِتْرِهِ فَقَدْ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ فِي الْبَاطِنِ ، وَمَنْ عُوقِبَ عَلَى الذَّنْبِ بَاطِنًا أَوْ ظَاهِرًا فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ غُفْرَانُ الذَّنْبِ إذَا لَمْ يُعَاقَبْ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ الْمُسْتَحَقَّةَ بِالذَّنْبِ .
وَأَمَّا إذَا اُبْتُلِيَ مَعَ ذَلِكَ بِمَا يَكُونُ سَبَبًا فِي حَقِّهِ لِزِيَادَةِ أَجْرِهِ فَهَذَا لَا يُنَافِي الْمَغْفِرَةَ .
وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مِنْ تَمَامِ التَّوْبَةِ أَنْ يَأْتِيَ بِحَسَنَاتِ يَفْعَلُهَا فَإِنَّ مَنْ يُشْتَرَطُ فِي التَّوْبَةِ مِنْ تَمَامِ التَّوْبَةِ ؛ وَقَدْ يَظُنُّ الظَّانُّ أَنَّهُ تَائِبٌ وَلَا يَكُونُ تَائِبًا بَلْ يَكُونُ تَارِكًا ، وَالتَّارِكُ غَيْرُ التَّائِبِ .
فَإِنَّهُ قَدْ يُعْرِضُ عَنِ الذَّنْبِ لِعَدَمِ خُطُورِهِ بِبَالِهِ أَوْ الْمُقْتَضَى لِعَجْزِهِ عَنْهُ ، أَوْ تَنْتَفِي إرَادَتُهُ لَهُ بِسَبَبٍ غَيْرِ دِينِيِّ ، وَهَذَا لَيْسَ بِتَوْبَةٍ ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ سَيِّئَةٌ وَيَكْرَهُ فِعْلَهُ لِنَهْيِ اللَّهِ عَنْهُ وَيَدَعُهُ لِلَّهِ تَعَالَى : لَا لِرَغْبَةِ مَخْلُوقٍ وَلَا لِرَهْبَةِ مَخْلُوقٍ ؛ فَإِنَّ التَّوْبَةَ مِنْ أَعْظَمِ الْحَسَنَاتِ ؛ وَالْحَسَنَاتُ كُلُّهَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْإِخْلَاصُ لِلَّهِ وَمُوَافَقَةُ أَمْرِهِ ، كَمَا قَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ ، فِي قَوْلِهِ : { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } قَالَ : أَخَلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ ، قَالُوا : يَا أَبَا عَلِيٍّ مَا أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ ؟ قَالَ : إنَّ الْعَمَلَ إذَا كَانَ خَالِصًا وَلَمْ يَكُنْ صَوَابًا لَمْ يُقْبَلْ ،وَإِذَا كَانَ صَوَابًا وَلَمْ يَكُنْ خَالِصًا لَمْ يُقْبَلْ ؛ حَتَّى يَكُونَ خَالِصًا صَوَابًا ،وَالْخَالِصُ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ ، وَالصَّوَابُ أَنْ يَكُونَ عَلَى السُّنَّةِ .
وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ : اللَّهُمَّ اجْعَلْ عَمَلِي كُلَّهُ صَالِحًا ، وَاجْعَلْهُ لِوَجْهِك خَالِصًا ، وَلَا تَجْعَلْ لِأَحَدٍ فِيهِ شَيْئًا .
وَأَمَّا الِاعْتِرَافُ بِالذَّنْبِ عَلَى وَجْهِ الْخُضُوعِ لِلَّهِ مِنْ غَيْرِ إقْلَاعٍ عَنْهُ فَهَذَا فِي نَفْسِ الِاسْتِغْفَارِ الْمُجَرَّدِ الَّذِي لَا تَوْبَةَ مَعَهُ .
وَهُوَ كَاَلَّذِي يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَغْفِرَ لَهُ الذَّنْبَ مَعَ كَوْنِهِ لَمْ يَتُبْ مِنْهُ ، وَهَذَا يَأْسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ، وَلَا يَقْطَعُ بِالْمَغْفِرَةِ لَهُ فَإِنَّهُ دَاعٍ دَعْوَةً مُجَرَّدَةً .
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ قَالَ نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمَ وَلا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلاَّ أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إحْدَى ثَلاثٍ : إمَّا أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ دَعْوَتَهُ ، وَإِمَّا يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الآخِرَةِ ، وَإِمَّا أَنْ يَكْشِفَ عَنهُ من السُّوءَ بِمِثْلِهَا ، قَالُوا : إذًا نُكْثِرُ يَا نبي الله ، قَالَ : اللَّهُ أَكْثَرُ(14).
فَمِثْلُ هَذَا الدُّعَاءِ قَدْ تَحْصُلُ مَعَهُ الْمَغْفِرَةُ وَإِذَا لَمْ تَحْصُلْ ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَحْصُلَ مَعَهُ صَرْفُ شَرٍّ آخَرَ أَوْ حُصُولُ خَيْرٍ آخَرَ ، فَهُوَ نَافِعٌ كَمَا يَنْفَعُ كُلَّ دُعَاءٍ .
فَإِنَّ هَذَا الِاسْتِغْفَارَ إذَا كَانَ مَعَ التَّوْبَةِ مِمَّا يُحْكَمُ بِهِ عَامٌّ فِي كُلِّ تَائِبٍ وقد « قَالَ اللَّهُ يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِى وَرَجَوْتَنِى غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِى يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِى غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِى يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِى بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِى لاَ تُشْرِكُ بِى شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً »(15).
،وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ التَّوْبَةِ فَيَكُونُ فِي حَقِّ بَعْضِ الْمُسْتَغْفِرِينَ الَّذِينَ قَدْ يَحْصُلُ لَهُمْ عِنْدَ الِاسْتِغْفَارِ مِنَ الْخَشْيَةِ وَالْإِنَابَةِ مَا يَمْحُو الذُّنُوبَ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبِطَاقَةِ فعَنْ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَعَافِرِىِّ ثُمَّ الْحُبُلِىِّ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ اللَّهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِى عَلَى رُءُوسِ الْخَلاَئِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلاًّ كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ الْبَصَرِ ثُمَّ يَقُولُ أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا أَظَلَمَكَ كَتَبَتِى الْحَافِظُونَ فَيَقُولُ لاَ يَا رَبِّ. فَيَقُولُ أَفَلَكَ عُذْرٌ فَيَقُولُ لاَ يَا رَبِّ. فَيَقُولُ بَلَى إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً فَإِنَّهُ لاَ ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ فَتَخْرُجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَيَقُولُ احْضُرْ وَزْنَكَ فَيَقُولُ يَا رَبِّ مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلاَّتِ فَقَالَ إِنَّكَ لاَ تُظْلَمُ. قَالَ فَتُوضَعُ السِّجِلاَّتُ فِى كِفَّةٍ وَالْبِطَاقَةُ فِى كِفَّةٍ فَطَاشَتِ السِّجِلاَّتُ وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ فَلاَ يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَىْءٌ »(16).
بِأَنَّ قَوْلَ : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ثَقُلَتْ بِتِلْكَ السَّيِّئَاتِ ؛ لَمَّا قَالَهَا بِنَوْعِ مِنْ الصِّدْقِ وَالْإِخْلَاصِ الَّذِي يَمْحُو السَّيِّئَاتِ ، وَكَمَا غَفَرَ لِلْبَغِيِّ بِسَقْيِ الْكَلْبِ لِمَا حَصَلَ فِي قَلْبِهَا إذْ ذَاكَ مِنْ الْإِيمَانِ ،وَأَمْثَالُ ذَلِكَ كَثِيرٌ
وَقَوْلُ مَنْ قَالَ مِنَ الْعُلَمَاءِ : الِاسْتِغْفَارُ مَعَ الْإِصْرَارِ تَوْبَةُ الْكَذَّابِينَ ، فَهَذَا إذَا كَانَ الْمُسْتَغْفِرُ يَقُولُهُ عَلَى وَجْهِ التَّوْبَةِ أَوْ يَدَّعِي أَنَّ اسْتِغْفَارَهُ تَوْبَةٌ ، وَأَنَّهُ تَائِبٌ بِهَذَا الِاسْتِغْفَارِ فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ مَعَ الْإِصْرَارِ لَا يَكُونُ تَائِبًا ، فَإِنَّ التَّوْبَةَ وَالْإِصْرَارَ ضِدَّانِ : الْإِصْرَارُ يُضَادُّ التَّوْبَةَ ، لَكِنْ لَا يُضَادُّ الِاسْتِغْفَارُ بِدُونِ التَّوْبَةِ(17).
ــــــــــــــ
__________
(1) - صحيح البخارى برقم(7507 ) ومسلم برقم(7162 )
(2) - صحيح مسلم برقم(7141 )
(3) - مفردات الراغب الأصفهاني ( غفر ) .
(4) - البحر المحيط 5 / 201 ط السعادة ، والفتوحات الربانية 7 / 267 - 273 ط المكتبة الإسلامية .
(5) - القرطبي 4 / 39 دار الكتب المصرية ، والشرح الصغير 4 / 765 ط . دار المعارف ، والفتوحات الربانية 7 / 272 ، وشرح ثلاثيات مسند أحمد 2 / 902 ، وإتحاف السادة المتقين شرح إحياء علوم الدين 5 / 56 ط الميمنية .
(6) - الفخر الرازي 5 / 199 ط عبد الرحمن محمد ، والفواكه الدواني 2 / 396 ط الحلبي ، وإتحاف السادة المتقين 8 / 511 .
(7) - منح الجليل 1 / 306 ط ليبيا .
(8) - ابن عابدين 1 / 301 ط بولاق ، والفروق 4 / 260 ط دار إحياء الكتب العربية ، ونهاية المحتاج مع حاشية الشبراملسي عليها 2 / 484 ط الحلبي ، والمغني مع الشرح الكبير 2 / 357 .
(9) - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 3 / 460 ، 485 ، وتنبيه الغافلين ص 197 ط المشهد الحسيني ، والفتوحات الربانية شرح الأذكار النووية 7 / 267 ، وشرح ثلاثيات مسند أحمد 2 / 903 .
(10) - شعب الإيمان للبيهقي (6920) ضعيف
(11) - شرح الأذكار 7 / 268 .
(12) - إتحاف السادة المتقين شرح إحياء علوم الدين 8 / 604 ، 605 ، والفتوحات الربانية 7 / 268 ، والفواكه الدواني 2 / 396 ط الحلبي ، ومرقاة المفاتيح 3 / 460 .
(13) - شرح ثلاثيات مسند أحمد 2 / 903 ، وإتحاف السادة المتقين 8 / 607 ، ومرقاة المفاتيح 3 / 810 ط المكتبة الإسلامية ، والفتوحات الربانية 7 / 292 ، واليواقيت والجواهر شرح بيان عقائد الأكابر 2 / 104 ط دار المعرفة .
(14) - مصنف ابن أبي شيبة(ج 10 / ص 201)(29780) صحيح
(15) - سنن الترمذى(3885 ) والصحيحة (1951) وصحيح الجامع (4338) صحيح لغيره
(16) - أخرجه الترمذى برقم( 2850 ) وهو صحيح
(17) - انظر الفتاوى الكبرى - (ج 7 / ص 407) ومجموع الفتاوى - (ج 10 / ص 316)(1/16)
" السَّبَبُ الثَّالِثُ " : الْحَسَنَاتُ الْمَاحِيَةُ :
كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ } (114) سورة هود .
وَقَالَ - صلى الله عليه وسلم - « الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ »(1).
مَعْنَاهُ أَنَّ الذُّنُوبَ كُلَّهَا تُغْفَرُ إِلَّا الْكَبَائِرَ، فَإِنَّهَا لَا تُغْفَرُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الذُّنُوبَ تُغْفَرُ مَا لَمْ تَكُنْ كَبِيرَةً فَإِنْ كَانَتْ لَا يُغْفَرُ شَيْءٌ مِنَ الصَّغَائِرِ ، فَإِنَّ هَذَا وَإِنْ كَانَ مُحْتَمِلًا فَسِيَاقُ الْحَدِيثِ يَأْبَاهُ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ :هَذَا الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ مِنْ غَفْرِ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يُؤْتَ كَبِيرَةٌ هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَنَّ الْكَبَائِرَ إِنَّمَا يُكَفِّرُهَا التَّوْبَةُ أَوْ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَفَضْلُهُ ، وَقَالَ الْقَارِي فِي الْمِرْقَاةِ: إِنَّ الْكَبِيرَةَ لَا يُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَكَذَا الْحَجُّ ،وَإِنَّمَا يُكَفِّرُهَا التَّوْبَةُ الصَّحِيحَةُ لَا غَيْرُهَا ، نَقَلَ اِبْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ بَعْدَمَا حَكَى فِي تَمْهِيدِهِ عَنْ بَعْضِ مُعَاصِرِيهِ أَنَّ الْكَبَائِرَ لَا يُكَفِّرُهَا غَيْرُ التَّوْبَةِ ، ثُمَّ قَالَ وَهَذَا جَهْلٌ وَمُوَافَقَةٌ لِلْمُرْجِئَةِ فِي قَوْلِهِمْ إِنَّهُ لَا يَضُرُّ مَعَ الْإِيمَانِ ذَنْبٌ ، وَهُوَ مَذْهَبٌ بَاطِلٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ اِنْتَهَى ، قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ طَاهِرٍ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ: مَا لَفْظُهُ فِي تَعْلِيقِي : لِلتِّرْمِذِيِّ لَا بُدَّ فِي حُقُوقِ النَّاسِ مِنْ الْقِصَاصِ وَلَوْ صَغِيرَةً وَفِي الْكَبَائِرِ مِنَ التَّوْبَةِ ، ثُمَّ وَرَدَ وَعْدُ الْمَغْفِرَةِ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالْجُمُعَةِ وَرَمَضَانَ فَإِذَا تَكَرَّرَ يُغْفَرُ بِأَوَّلِهَا الصَّغَائِرُ وَبِالْبَوَاقِي يُخَفَّفُ عَنِ الْكَبَائِرِ وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً يُرْفَعُ بِهَا الدَّرَجَاتُ اِنْتَهَى(2)
وَقَالَ - صلى الله عليه وسلم - : « فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِى أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ وَالصَّوْمُ وَالصَّدَقَةُ وَالأَمْرُ وَالنَّهْىُ »(3). وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَأَمْثَالُهَا فِي الكتب الستة وغيرها .
وَقَالَ - صلى الله عليه وسلم - : « الصَّلَاةُ نُورٌ ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ ، وَالْحَسَدُ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ »(4).
هل الحسناتُ تكفِّرُ الصغائر والكبائر ؟
وَسُؤَالُهُمْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَنْ يَقُولُوا الْحَسَنَاتُ إنَّمَا تُكَفِّرُ الصَّغَائِرَ فَقَطْ ، فَأَمَّا الْكَبَائِرُ فَلَا تُغْفَرُ إلَّا بِالتَّوْبَةِ كَمَا قَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ : " مَا اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِرُ "
فَيُجَابُ عَنْ هَذَا بِوُجُوهِ :
أَحَدُهَا : أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ جَاءَ فِي الْفَرَائِضِ . كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالْجُمُعَةِ وَصِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : { إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31) [النساء/31] }، فَالْفَرَائِضُ مَعَ تَرْكِ الْكَبَائِرِ مُقْتَضِيَةٌ لِتَكْفِيرِ السَّيِّئَاتِ ،وَأَمَّا الْأَعْمَالُ الزَّائِدَةُ مِنَ التَّطَوُّعَاتِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهَا ثَوَابٌ آخَرُ ،فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ : { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) سورة الزلزلة } .
( الثَّانِي ) : أَنَّهُ قَدْ جَاءَ التَّصْرِيحُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّ الْمَغْفِرَةَ قَدْ تَكُونُ مَعَ الْكَبَائِرِ، فعن بِلاَلِ بْنِ يَسَارِ بْنِ زَيْدٍ مَوْلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ سَمِعْتُ أَبِى يُحَدِّثُنِيهِ عَنْ جَدِّى أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : « مَنْ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِى لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ »(5).
وَفِي السُّنَنِ عَنِ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ :قَالَ أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى صَاحِبٍ لَنَا أَوْجَبَ - يَعْنِى - النَّارَ بِالْقَتْلِ فَقَالَ « أَعْتِقُوا عَنْهُ يُعْتِقِ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ »(6).
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِى ذَرٍّ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَتَانِى آتٍ مِنْ رَبِّى فَأَخْبَرَنِى أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِى لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ » . قُلْتُ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ: « وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ »(7).
عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ ، قَالَ : أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَسَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ ، يَقُولُ : كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِحَرَّةِ الْمَدِينَةِ مُمْسِيًا ، فَاسْتَقْبَلَنَا أُحُدٌ ، فَقَالَ : يَا أَبَا ذَرٍّ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي أُحُدًا ذَهَبًا أُمْسِي ثَالِثَةً وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ إِلاَّ دِينَارٌ أَرْصُدُهُ لِدَيْنٍ ، إِلاَّ أَنْ أَقُولَ بِهِ فِي عِبَادِ اللهِ هَكَذَا وَهَكَذَا - يَعْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ، وَمِنْ خَلْفِهِ ، وَعَنْ يَمِينِهِ ، وَعَنْ شِمَالِهِ ، ثُمَّ قَالَ : يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّ الْمُكْثِرِينَ هُمُ الأَقَلُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، ثُمَّ قَالَ لِي : لاَ تَبْرَحْ حَتَّى آتِيَكَ ، فَانْطَلَقَ ، ثُمَّ جَاءَ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ ، فَسَمِعْتُ صَوْتًا ، فَخَشِيتُ أَنْ يَكُونَ ضِرَارَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَهَمَمْتُ أَنْ أَنْطَلِقَ ، ثُمَّ ذَكَرْتُ قَوْلَهُ ، فَجَلَسْتُ حَتَّى جَاءَ ، فَقُلْتُ لَهُ : إِنِّي أَرَدْتُ أَنْ آتِيَكَ يَا رَسُولَ اللهِ ، ثُمَّ ذَكَرْتُ قَوْلَكَ لِي ، وَسَمِعْتُ صَوْتًا ، قَالَ : ذَاكَ جِبْرِيلُ جَاءَنِي ، فَأَخْبَرَنِي أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ ، فَقُلْتُ وَإِنْ زَنَى ، وَإِنْ سَرَقَ ، فَقَالَ : وَإِنْ زَنَى ، وَإِنْ سَرَقَ.(8)
( الثَّالِثُ ) : أَنَّ قَوْلَهُ لِأَهْلِ بَدْرٍ وَنَحْوِهِمْ : { اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْت لَكُمْ }(9)إنْ حُمِلَ عَلَى الصَّغَائِرِ أَوْ عَلَى الْمَغْفِرَةِ مَعَ التَّوْبَةِ لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ .
فَكَمَا لَا يَجُوزُ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى الْكُفْرِ لِمَا قَدْ عُلِمَ أَنَّ الْكُفْرَ لَا يُغْفَرُ إلَّا بِالتَّوْبَةِ، فعَنِ ابْنِ شِمَاسَةَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ لَمَّا أَلْقَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِى قَلْبِى الإِسْلاَمَ - قَالَ - أَتَيْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - لِيُبَايِعَنِى فَبَسَطَ يَدَهُ إِلَىَّ فَقُلْتُ لاَ أُبَايِعُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَتَّى تَغْفِرَ لِى مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِى. قَالَ فَقَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَا عَمْرُو أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْهِجْرَةَ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ يَا عَمْرُو أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الإِسْلاَمَ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الذُّنُوبِ »(10)
وعَنْ أَبِى عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ »(11)
لَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى مُجَرَّدِ الصَّغَائِرِ الْمُكَفَّرَةِ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ .
( الرَّابِعُ ) : أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ أَنَّ « أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الصَّلاَةُ فَإِنْ كَانَ أَكْمَلَهَا كُتِبَتْ لَهُ كَامِلَةً وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَكْمَلَهَا قَالَ لِلْمَلاَئِكَةِ انْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ لِعَبْدِى مِنْ تَطَوُّعٍ فَأَكْمِلُوا بِهَا مَا ضَيَّعَ مِنْ فَرِيضَةٍ ثُمَّ الزَّكَاةُ ثُمَّ تُؤْخَذُ الأَعْمَالُ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ »(12).
وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ النَّقْصَ الْمُكَمِّلَ لَا يَكُونُ لِتَرْكِ مُسْتَحَبٍّ ؛ فَإِنَّ تَرْكَ الْمُسْتَحَبِّ لَا يَحْتَاجُ إلَى جبران وَلِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ الْمُسْتَحَبِّ الْمَتْرُوكِ وَالْمَفْعُولِ ،فَعُلِمَ أَنَّهُ يَكْمُلُ نَقْصُ الْفَرَائِضِ مِنْ التَّطَوُّعَاتِ .
وَهَذَا لَا يُنَافِي مِنْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ النَّافِلَةَ حَتَّى تُؤَدَّى الْفَرِيضَةُ مَعَ أَنَّ هَذَا لَوْ كَانَ مُعَارِضًا لِلْأَوَّلِ لَوَجَبَ تَقْدِيمُ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ وَأَشْهَرُ ،وَهَذَا غَرِيبٌ رَفْعُهُ وَإِنَّمَا الْمَعْرُوفُ أَنَّهُ فِي وَصِيَّةِ أَبِي بَكْر لِعُمَرِ ؛ فعَنْ زُبَيْدٍ ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَسْتَخْلِفُهُ ، فَقَالَ النَّاسُ : " تَسْتَخْلِفُ عَلَيْنَا عُمَرَ فَظًّا غَلِيظًا ، فَلَوْ قَدْ وَلِيَنَا كَانَ أَفَظَّ وَأَغْلَظَ ، فَمَاذَا تَقُولُ لِرَبِّكَ إِذَا لَقِيتَهُ ، وَقَدِ اسْتَخْلَفْتَ عَلَيْنَا عُمَرَ ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : " أَبِرَبِّي تُخَوِّفُونِي ؟ أَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْهِمْ خَيْرَ أَهْلِكَ " ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ ، فَقَالَ : إِنِّي مُوصِيكَ بِوَصِيَّةٍ ، إِنْ أَنْتَ حَفِظْتَهَا ، إِنَّ لِلَّهِ حَقًّا بِالنَّهَارِ لَا يَقْبَلُهُ بِاللَّيْلِ ، وَإِنَّ لِلَّهِ حَقًّا بِاللَّيْلِ لَا يَقْبَلُهُ بِالنَّهَارِ ، وَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ نَافِلَةً حَتَّى تُؤَدَّى الْفَرِيضَةُ ، وَإِنَّمَا ثَقُلَتْ مَوَازِينُ مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِاتِّبَاعِهِمْ فِي الدُّنْيَا الْحَقَّ ، وَثِقَلِهِ عَلَيْهِمْ ، وَحَقٌّ لِمِيزَانٍ لَا يُوضَعُ فِيهِ إِلَّا الْحَقُّ أَنْ يَكُونَ ثَقِيلًا ، وَإِنَّمَا خَفَّتْ مَوَازِينُ مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِاتِّبَاعِهِمُ الْبَاطِلَ فِي الدُّنْيَا ، وَخِفَّتِهِ عَلَيْهِمْ ، وَحَقٌّ لِمِيزَانٍ أَنْ لَا يُوضَعَ فِيهِ إِلَّا الْبَاطِلُ أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا ، وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ذَكَرَ أَهْلَ الْجَنَّةِ بِأَصْلَحَ مَا عَمِلُوا ، وَأَنَّهُ يَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فَيَقُولُ قَائِلٌ : لَا أَبْلَغُ هَؤُلَاءِ ، وَذَكَرَ أَهْلَ النَّارِ بِأَسْوَأِ الَّذِي عَمِلُوا ، وَأَنَّهُ رَدَّ عَلَيْهِمْ صَالِحَ مَا عَمِلُوا ، فَيَقُولُ الْقَائِلُ : أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ ، وَذَكَرَ آيَةَ الرَّحْمَةِ وَآيَةَ الْعَذَابِ ، لِيَكُونَ الْمُؤْمِنُ رَاغِبًا زَاهِدًا ، وَلَا يَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ غَيْرَهُ ، وَلَا يُلْقِي بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ ، فَإِنْ أَنْتَ حَفِظْتَ وَصِيَّتِي لَمْ يَكُنْ غَائِبٌ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنَ الْمَوْتِ ، وَلَا بُدَّ لَكَ مِنْهُ ، وَإِنْ أَنْتَ ضَيَّعْتَ وَصِيَّتِي لَمْ يَكُنْ غَائِبٌ أَبْغَضَ إِلَيْكَ مِنَ الْمَوْتِ ، وَلَنْ تُعْجِزَهُ "(13)
وَذَلِكَ لِأَنَّ قَبُولَ النَّافِلَةِ يُرَادُ بِهِ الثَّوَابُ عَلَيْهَا . وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يُثَابُ عَلَى النَّافِلَةِ حَتَّى تُؤَدَّى الْفَرِيضَةُ ،فَإِنَّهُ إذَا فَعَلَ النَّافِلَةَ مَعَ نَقْصِ الْفَرِيضَةِ كَانَتْ جَبْرًا لَهَا وَإِكْمَالًا لَهَا . فَلَمْ يَكُنْ فِيهَا ثَوَابُ نَافِلَةٍ ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : النَّافِلَةُ لَا تَكُونُ إلَّا لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ وَغَيْرُهُ يَحْتَاجُ إلَى الْمَغْفِرَةِ . وَتَأَوَّلَ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ : {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} (79) سورة الإسراء ، وَلَيْسَ إذَا فَعَلَ نَافِلَةً وَضَيَّعَ فَرِيضَةً تَقُومُ النَّافِلَةُ مَقَامَ الْفَرِيضَةِ مُطْلَقًا؛ بَلْ قَدْ تَكُونُ عُقُوبَتُهُ عَلَى تَرْكِ الْفَرِيضَةِ أَعْظَمَ مِنْ ثَوَابِ النَّافِلَةِ .
فَإِنْ قِيلَ : الْعَبْدُ إذَا نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَهَا إذَا ذَكَرَهَا بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ . فَلَوْ كَانَ لَهَا بَدَلٌ مِنْ التَّطَوُّعَاتِ لَمْ يَجِبْ الْقَضَاءُ .
قِيلَ : هَذَا خَطَأٌ .فَإِنْ قِيلَ هَذَا يُقَالُ فِي جَمِيعِ مُسْقِطَاتِ الْعِقَابِ .
فَيُقَالُ : إذَا كَانَ الْعَبْدُ يُمْكِنُهُ رَفْعُ الْعُقُوبَةِ بِالتَّوْبَةِ لَمْ يَنْهَ عَنِ الْفِعْلِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعَبْدَ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ الْمَأْمُورَ وَيَتْرُكَ الْمَحْظُورَ ؛ لِأَنَّ الْإِخْلَالَ بِذَلِكَ سَبَبٌ لِلذَّمِّ وَالْعِقَابِ وَإِنْ جَازَ مَعَ إخْلَالِهِ أَنْ يَرْتَفِعَ الْعِقَابُ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ، كَمَا عَلَيْهِ أَنْ يَحْتَمِيَ مِنَ السُّمُومِ الْقَاتِلَةِ وَإِنْ كَانَ مَعَ تَنَاوُلِهِ لَهَا يُمْكِنُ رَفْعُ ضَرَرِهَا بِأَسْبَابِ مِنَ الْأَدْوِيَةِ .
وَاَللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ رَحِيمٌ - أَمَرَهُمْ بِمَا يُصْلِحُهُمْ وَنَهَاهُمْ عَمَّا يُفْسِدُهُمْ ثُمَّ إذَا وَقَعُوا فِي أَسْبَابِ الْهَلَاكِ لَمْ يؤيسهم مِنْ رَحْمَتِهِ بَلْ جَعَلَ لَهُمْ أَسْبَابًا يَتَوَصَّلُونَ بِهَا إلَى رَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمْ ،وَلِهَذَا قِيلَ : إنَّ الْفَقِيهَ كُلُّ الْفَقِيهِ الَّذِي لَا يُؤَيِّسُ النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَلَا يُجَرِّئُهُمْ عَلَى مَعَاصِي اللَّهِ .
وَلِهَذَا يُؤْمَرُ الْعَبْدُ بِالتَّوْبَةِ كُلَّمَا أَذْنَبَ قَالَ بَعْضُهُمْ لِشَيْخِهِ : إنِّي أُذْنِبُ قَالَ : تُبْ قَالَ : ثُمَّ أَعُودُ ، قَالَ : تُبْ قَالَ : ثُمَّ أَعُودُ ، قَالَ : تُبْ قَالَ : إلَى مَتَى قَالَ : إلَى أَنْ تُحْزِنَ الشَّيْطَانَ . وَفِي الْمُسْنَدِ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ : « إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ الْمُفَتَّنَ التَّوَّابَ »(14).
وَأَيْضًا فَإِنَّ مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَصَلَاتُهُ إذَا اسْتَيْقَظَ أَوْ ذَكَرَهَا كَفَّارَةً لَهَا تَبْرَأُ بِهَا الذِّمَّةُ مِنَ الْمُطَالَبَةِ ،وَيَرْتَفِعُ عَنْهُ الذَّمُّ وَالْعِقَابُ وَيَسْتَوْجِبُ بِذَلِكَ الْمَدْحَ وَالثَّوَابَ ،وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ مِنَ التَّطَوُّعَاتِ فَلَا نَعْلَمُ الْقَدْرَ الَّذِي يَقُومُ ثَوَابُهُ مَقَامَ ذَلِكَ وَلَوْ عُلِمَ فَقَدْ لَا يُمْكِنُ فِعْلُهُ مَعَ سَائِرِ الْوَاجِبَاتِ، ثُمَّ إذَا قَدَّرَ أَنَّهُ أُمِرَ بِمَا يَقُومُ مَقَامَ ذَلِكَ صَارَ وَاجِبًا فَلَا يَكُونُ تَطَوُّعًا، وَالتَّطَوُّعَاتُ شُرِعَتْ لِمَزِيدِ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِى وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِى بِشَىْءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِى يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِى يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِى يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِى يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِى يَمْشِى بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِى لأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِى لأُعِيذَنَّهُ ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَىْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِى عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ »(15).
فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ قَدْ أَدَّى الْفَرَائِضَ كَمَا أُمِرَ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مَقْصُودُ النَّوَافِلِ، وَلَا يَظْلِمُهُ اللَّهُ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ بَلْ يُقِيمُهَا مَقَامَ نَظِيرِهَا مِنَ الْفَرَائِضِ، كَمَنْ عَلَيْهِ دُيُونٌ لِأُنَاسِ يُرِيدُ أَنْ يَتَطَوَّعَ لَهُمْ بِأَشْيَاءَ : فَإِنْ وَفَّاهُمْ وَتَطَوَّعَ لَهُمْ كَانَ عَادِلًا مُحْسِنًا . وَإِنْ وَفَّاهُمْ وَلَمْ يَتَطَوَّعْ كَانَ عَادِلًا ، وَإِنْ أَعْطَاهُمْ مَا يَقُومُ مَقَامَ دِينِهِمْ وَجَعَلَ ذَلِكَ تَطَوُّعًا كَانَ غالطا فِي جَعْلِهِ ؛ بَلْ يَكُونُ مِنَ الْوَاجِبِ الَّذِي يَسْتَحِقُّونَهُ .
(
__________
(1) - صحيح مسلم برقم( 573 و574)
(2) - .تحفة الأحوذي - (ج 1 / ص 247)
(3) - صحيح البخارى برقم(525 )
(4) - شُعَبُ الْإِيمَانِ لِلْبَيْهَقِيِّ برقم(6335 ) وهو حسن لغيره
(5) - سنن أبى داود برقم(1519 ) وهو صحيح .
(6) - سنن أبى داود برقم(3966 ) وهو حسن لغيره
(7) - صحيح البخارى برقم(1237 ) وصحيح مسلم برقم(282)
(8) - صحيح ابن حبان - (ج 8 / ص 118)(3326) صحيح
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أُضْمِرَ فِي هَذَا الْخَبَرِ شَرْطَانِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ مَنْ مَاتَ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ إِنْ تَفَضَّلُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلاَ عَلَيْهِ بِالْعَفْوِ عَنْ جِنَايَاتِهِ الَّتِي لَهُ فِي دَارِ الدُّنْيَا ، لأَنَّ الْمَرْءَ لاَ يَخْلُو مِنَ ارْتِكَابِ بَعْضِ مَا حُظِرَ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا ، أُضْمِرَ فِي الْخَبَرِ هَذَا الشَّرْطُ.
وَالشَّرْطُ الثَّانِي : مَنْ مَاتَ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ ، يُرِيدُ بَعْدَ تَعْذِيبِهِ إِيَّاهُ فِي النَّارِ ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْهَا ، إِنْ لَمْ يَتَفَضَّلْ عَلَيْهِ بِالْعَفْوِ قَبْلَ ذَلِكَ ، لِئَلاَّ يَبْقَى فِي النَّارِ مَعَ مَنْ أَشْرَكَ بِهِ فِي الدُّنْيَا.
فَهَذَانِ الشَّرْطَانِ مُضْمَرَانِ فِي هَذَا الْخَبَرِ ، لاَ أَنَّ كُلَّ مَنْ مَاتَ وَلاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ لاَ مَحَالَةَ.
(9) - صحيح البخارى برقم(3007 ) وصحيح مسلم برقم( 6557)
(10) - مسند أحمد برقم(18304) وهو حديث صحيح.
(11) - سنن ابن ماجه برقم(4391 ) وهو صحيح لغيره.
(12) - مسند أحمد برقم(17417) وسنن الترمذى برقم(415 ) وهو صحيح
(13) - السُّنَّةُ لِأَبِي بَكْرِ بْنِ الْخَلَّالِ - جَامِعُ أَمْرِ الْخِلَافَةِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - برقم(345 ) وهو صحيح غيره
(14) - مسند أحمد برقم(615) والدولابى 2/62 والفضائل ( 1191) والحلية 3/178 -179 وبنحوه الشعب ( 7120 و 7121 و 7122) مرفوعاً وموقوفاً والإتحاف 8/595 وهو حسن لغيره -المفتن : الممتحن يمتحنه الله بالذنب ثم يتوب
(15) - صحيح البخارى برقم(6502 )(1/17)
الْخَامِسُ ) : أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شَيْئًا يُحْبِطُ جَمِيعَ الْحَسَنَاتِ إلَّا الْكُفْرَ، كَمَا أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ شَيْئًا يُحْبِطُ جَمِيعَ السَّيِّئَاتِ إلَّا التَّوْبَةَ . وَ "الْمُعْتَزِلَةُ مَعَ الْخَوَارِجِ " يَجْعَلُونَ الْكَبَائِرَ مُحْبِطَةً لِجَمِيعِ الْحَسَنَاتِ حَتَّى الْإِيمَانِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (217) سورة البقرة ، فَعَلَّقَ الْحُبُوطَ بِالْمَوْتِ عَلَى الْكُفْرِ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِكَافِرِ وَالْمُعَلَّقُ بِشَرْطِ يَعْدَمُ عِنْدَ عَدَمِهِ . وَقَالَ تَعَالَى :{.. وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (5) سورة المائدة ،وَقَالَ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ الْأَنْبِيَاءَ : { وَمِنْ آَبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87) ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88)} [الأنعام/87-88] ، وَقَالَ : {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (65) سورة الزمر، مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى :{إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا } (48) سورة النساء. فَإِنَّ الْإِشْرَاكَ إذَا لَمْ يُغْفَرْ وَأَنَّهُ مُوجِبٌ لِلْخُلُودِ فِي النَّارِ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ حُبُوطُ حَسَنَاتِ صَاحِبِهِ ، وَلَمَّا ذَكَرَ سَائِرَ الذُّنُوبِ غَيْرَ الْكُفْرِ لَمْ يُعَلِّقْ بِهَا حُبُوطَ جَمِيعِ الْأَعْمَالِ ، وَقَوْلُهُ : {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} (28) سورة محمد. لِأَنَّ ذَلِكَ كُفْرٌ ، وقَوْله تَعَالَى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} (2) سورة الحجرات، لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَتَضَمَّنُ الْكُفْرَ فَيَقْتَضِي الْحُبُوطَ وَصَاحِبُهُ لَا يَدْرِي كَرَاهِيَةَ أَنْ يُحْبَطَ أَوْ خَشْيَةَ أَنْ يُحْبَطَ فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ ،لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْكُفْرِ الْمُقْتَضِي لِلْحُبُوطِ . وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْمَعْصِيَةَ قَدْ تَكُونُ سَبَبًا لِلْكُفْرِ كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ الْمَعَاصِي بَرِيدُ الْكُفْرِ ؛ فَيَنْهَى عَنْهَا خَشْيَةَ أَنْ تُفْضِيَ إلَى الْكُفْرِ الْمُحْبِطِ ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ } - وَهِيَ الْكُفْرُ - { أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (63) سورة النور ، وَإِبْلِيسُ خَالَفَ أَمْرَ اللَّهِ فَصَارَ كَافِرًا ؛ وَغَيْرُهُ أَصَابَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ . وَقَدْ احْتَجَّتْ الْخَوَارِجُ وَالْمُعْتَزِلَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} (27) سورة المائدة، قَالُوا : فَصَاحِبُ الْكَبِيرَةِ لَيْسَ مِنْ الْمُتَّقِينَ فَلَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْهُ عَمَلًا فَلَا يَكُونُ لَهُ حَسَنَةٌ ،وَأَعْظَمُ الْحَسَنَاتِ الْإِيمَانُ فَلَا يَكُونُ مَعَهُ إيمَانٌ فَيَسْتَحِقُّ الْخُلُودَ فِي النَّارِ.
وَقَدْ أَجَابَتْهُمْ الْمُرْجِئَةُ : بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُتَّقِينَ مَنْ يَتَّقِي الْكُفْرَ فَقَالُوا لَهُمْ : اسْمُ الْمُتَّقِينَ فِي الْقُرْآنِ يَتَنَاوَلُ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلثَّوَابِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55) }، وَأَيْضًا فَابْنَا آدَمَ حِينَ قَرَّبَا قُرْبَانًا لَمْ يَكُنْ الْمُقَرِّبُ الْمَرْدُودُ قُرْبَانُهُ حِينَئِذٍ كَافِرًا وَإِنَّمَا كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ ؛ إذْ لَوْ كَانَ كَافِرًا لَمْ يَتَقَرَّبْ ، وَأَيْضًا فَمَا زَالَ السَّلَفُ يَخَافُونَ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ ،وَلَوْ أُرِيدَ بِهَا مَنْ يَتَّقِي الْكُفْرَ لَمْ يَخَافُوا وَأَيْضًا فَإِطْلَاقُ لَفْظِ الْمُتَّقِينَ وَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ لَيْسَ بِكَافِرِ لَا أَصْلَ لَهُ فِي خِطَابِ الشَّارِعِ فَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَيْهِ .
وَ " الْجَوَابُ الصَّحِيحُ " : أَنَّ الْمُرَادَ مَنِ اتَّقَى اللَّهَ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ كَمَا قَالَ الفضيل بْنُ عِيَاضٍ فِي قَوْله تَعَالَى : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) [الملك:2] قَالَ : أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ قِيلَ : يَا أَبَا عَلِيٍّ مَا أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ قَالَ : إنَّ الْعَمَلَ إذَا كَانَ خَالِصًا وَلَمْ يَكُنْ صَوَابًا لَمْ يُقْبَلْ وَإِذَا كَانَ صَوَابًا وَلَمْ يَكُنْ خَالِصًا لَمْ يُقْبَلْ حَتَّى يَكُونَ خَالِصًا صَوَابًا وَالْخَالِصُ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ وَالصَّوَابُ أَنْ يَكُونَ عَلَى السُّنَّةِ، فَمَنْ عَمِلَ لِغَيْرِ اللَّهِ - كَأَهْلِ الرِّيَاءِ - لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ذَلِكَ . كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ « قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِى غَيْرِى تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ »(1)..
وَقَالَ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : « لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاَةً بِغَيْرِ طُهُورٍ وَلاَ صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ »(2).
وَقَالَ - صلى الله عليه وسلم - : « لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاَةَ حَائِضٍ إِلاَّ بِخِمَارٍ »(3).
وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : « مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا ، فَهْوَ رَدٌّ »(4).
أَيْ فَهُوَ مَرْدُودٌ غَيْرُ مَقْبُولٍ . فَمَنْ اتَّقَى الْكُفْرَ وَعَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ وَإِنْ صَلَّى بِغَيْرِ وُضُوءٍ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُتَّقِيًا فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ وَإِنْ كَانَ مُتَّقِيًا لِلشِّرْكِ . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} (60) سورة المؤمنون ، وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ (الَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا أَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) أَهُوَ الرَّجُلُ يَزْنِى وَيَسْرِقُ وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ قَالَ « لاَ يَا بِنْتَ أَبِى بَكْرٍ أَوْ لاَ يا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُ الرَّجُلُ يَصُومُ وَيُصَلِّى وَيَتَصَدَّقُ وَهُوَ يَخَافُ أَنْ لا يُقْبَلَ مِنْهُ »(5)..
وَخَوْفُ مَنْ خَافَ مِنْ السَّلَفِ أَنْ لَا يُتَقَبَّلَ مِنْهُ لِخَوْفِهِ أَنْ لَا يَكُونَ أَتَى بِالْعَمَلِ عَلَى وَجْهِهِ الْمَأْمُورِ : وَهَذَا أَظْهَرُ الْوُجُوهِ فِي اسْتِثْنَاءِ مَنْ اسْتَثْنَى مِنْهُمْ فِي الْإِيمَانِ وَفِي أَعْمَالِ الْإِيمَانِ كَقَوْلِ أَحَدِهِمْ : أَنَا مُؤْمِنٌ " إنْ شَاءَ اللَّهُ " - وَصَلَّيْت - إنْ شَاءَ اللَّهُ - لِخَوْفِ أَنْ لَا يَكُونَ آتَى بِالْوَاجِبِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ بِهِ لَا عَلَى جِهَةِ الشَّكِّ فِيمَا بِقَلْبِهِ مِنْ التَّصْدِيقِ ؛ لَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْآيَةِ : إنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ الْعَمَلَ إلَّا مِمَّنْ يَتَّقِي الذُّنُوبَ كُلَّهَا، لِأَنَّ الْكَافِرَ وَالْفَاسِقَ حِينَ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ لَيْسَ مُتَّقِيًا فَإِنْ كَانَ قَبُولُ الْعَمَلِ مَشْرُوطًا بِكَوْنِ الْفَاعِلِ حِينَ فِعْلِهِ لَا ذَنْبَ لَهُ امْتَنَعَ قَبُولُ التَّوْبَةِ . بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَطَ التَّقْوَى فِي الْعَمَلِ ، فَإِنَّ التَّائِبَ حِينَ يَتُوبُ يَأْتِي بِالتَّوْبَةِ الْوَاجِبَةِ وَهُوَ حِينَ شُرُوعِهِ فِي التَّوْبَةِ مُنْتَقِلٌ مِنَ الشَّرِّ إلَى الْخَيْرِ لَمْ يَخْلُصْ مِنَ الذَّنْبِ بَلْ هُوَ مُتَّقٍ فِي حَالِ تَخَلُّصِهِ مِنْهُ .
وَ " أَيْضًا " فَلَوْ أَتَى الْإِنْسَانُ بِأَعْمَالِ الْبِرِّ وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى كَبِيرَةٍ ثُمَّ تَابَ لَوَجَبَ أَنْ تَسْقُطَ سَيِّئَاتُهُ بِالتَّوْبَةِ وَتُقْبَلُ مِنْهُ تِلْكَ الْحَسَنَاتُ وَهُوَ حِينَ أَتَى بِهَا كَانَ فَاسِقًا .
وَ " أَيْضًا " فَالْكَافِرُ إذَا أَسْلَمَ وَعَلَيْهِ لِلنَّاسِ مَظَالِمُ مِنْ قَتْلٍ وَغَصْبٍ وَقَذْفٍ - وَكَذَلِكَ الذِّمِّيُّ إذَا أَسْلَمَ - قَبْلَ إسْلَامِهِ مَعَ بَقَاءِ مَظَالِمِ الْعِبَادِ عَلَيْهِ ؛ فَلَوْ كَانَ الْعَمَلُ لَا يُقْبَلُ إلَّا مِمَّنْ لَا كَبِيرَةَ عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ إسْلَامُ الذِّمِّيِّ حَتَّى يَتُوبَ مِنَ الْفَوَاحِشِ وَالْمَظَالِمِ ؛ بَلْ يَكُونُ مَعَ إسْلَامِهِ مُخَلَّدًا وَقَدْ كَانَ النَّاسُ مُسْلِمِينَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلَهُمْ ذُنُوبٌ مَعْرُوفَةٌ وَعَلَيْهِمْ تَبِعَاتٌ فَيُقْبَلُ إسْلَامُهُمْ وَيَتُوبُونَ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ مِنَ التَّبِعَاتِ .
كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ لَمَّا أَسْلَمَ وَكَانَ قَدْ رَافَقَ قَوْمًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَغَدَرَ بِهِمْ وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ وَجَاءَ فَأَسْلَمَ فَلَمَّا جَاءَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ وَالْمُغِيرَةُ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِالسَّيْفِ دَفَعَهُ الْمُغِيرَةُ بِالسَّيْفِ فَقَالَ : مَنْ هَذَا فَقَالُوا : ابْنُ أُخْتِك الْمُغِيرَةُ فَقَالَ يَا غدر أَلَسْت أَسْعَى فِي غُدْرَتِكَ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَّا الْإِسْلَامُ فَأَقْبَلُهُ وَأَمَّا الْمَالُ فَلَسْت مِنْهُ فِي شَيْءٍ }(6)، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : {وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} (52) سورة الأنعام ، وَقَالُوا لِنُوحِ : { قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111) قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (112) إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (113) وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (114) إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (115) [الشعراء] } . وَلَا نَعْرِفُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ جَاءَهُ ذِمِّيٌّ يُسْلِمُ فَقَالَ لَهُ: لَا يَصِحُّ إسْلَامُك حَتَّى لَا يَكُونَ عَلَيْك ذَنْبٌ وَكَذَلِكَ سَائِرُ أَعْمَالِ الْبِرِّ مِنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ .(7)
ــــــــــــــ
__________
(1) - صحيح مسلم برقم(7666 )
(2) - سنن النسائى برقم(140 ) صحيح
(3) - سنن أبى داود برقم(641 ) وهو صحيح
(4) - صحيح مسلم برقم(4590 )
(5) - مسند أحمد برقم(26453) حديث حسن
(6) - صحيح البخارى(2731 و2732 ) مطولا
(7) - وانظر تحقيقا مطولا في جامع العلوم والحكم - (ج 19 / ص 40)(1/18)
( السَّبَبُ الرَّابِعُ الدَّافِعُ لِلْعِقَابِ ) : دُعَاءُ الْمُؤْمِنِينَ لِلْمُؤْمِنِ :
مِثْلُ صَلَاتِهِمْ عَلَى جِنَازَتِهِ، فَعَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَا مِنْ مَيِّتٍ يُصَلِّى عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِائَةً كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُ إِلاَّ شُفِّعُوا فِيهِ »(1).
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ مَاتَ ابْنٌ لَهُ بِقُدَيْدٍ أَوْ بِعُسْفَانَ فَقَالَ يَا كُرَيْبُ انْظُرْ مَا اجْتَمَعَ لَهُ مِنَ النَّاسِ. قَالَ فَخَرَجْتُ فَإِذَا نَاسٌ قَدِ اجْتَمَعُوا لَهُ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ تَقُولُ هُمْ أَرْبَعُونَ قَالَ نَعَمْ. قَالَ أَخْرِجُوهُ فَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلاً لاَ يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلاَّ شَفَّعَهُمُ اللَّهُ فِيهِ »(2). .
وَهَذَا دُعَاءٌ لَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ . فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُحْمَلَ الْمَغْفِرَةُ عَلَى الْمُؤْمِنِ التَّقِيِّ الَّذِي اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ وَكُفِّرَتْ عَنْهُ الصَّغَائِرُ وَحْدَهُ ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مَغْفُورٌ لَهُ عِنْدَ الْمُتَنَازِعِينَ . فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا الدُّعَاءَ مِنْ أَسْبَابِ الْمَغْفِرَةِ لِلْمَيِّتِ ،فعَنْ مُعَاذٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لَنْ يَنْفَعَ حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ وَلَكِنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ فَعَلَيْكُمْ بِالدُّعَاءِ عِبَادَ اللَّهِ »(3)
ــــــــــــــ
__________
(1) - صحيح مسلم برقم(2241 )
(2) - صحيح مسلم برقم(2242 )
(3) - مسند أحمد برقم(22694) وهو حديث حسن لغيره.(1/19)
( السَّبَبُ الْخَامِسُ ) : مَا يُعْمَلُ لِلْمَيِّتِ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ :
كَالصَّدَقَةِ وَنَحْوِهَا فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ »(1).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ ، أَوْ بَيْتًا لاِبْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ ، يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ.(2)
فَإِنَّ هَذَا يَنْتَفِعُ بِهِ بِنُصُوصِ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ وَاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ وَالْحَجُّ . فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ أَنَّهُ أَتَى النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ إِنَّ أُمِّى مَاتَتْ وَعَلَيْهَا نَذْرٌ أَفَيُجْزِئُ عَنْهَا أَنْ أَعْتِقَ عَنْهَا قَالَ « أَعْتِقْ عَنْ أُمِّكَ »(3)
وعَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّى بِجَارِيَةٍ فَمَاتَتْ أُمِّى وَبَقِيَتِ الْجَارِيَةُ. فَقَالَ « قَدْ وَجَبَ أَجْرُكِ وَرَجَعَتْ إِلَيْكِ فِى الْمِيرَاثِ ». قَالَتْ فَإِنَّهُ كَانَ عَلَى أُمِّى صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا قَالَ « نَعَمْ ». قَالَتْ فَإِنَّ أُمِّى لَمْ تَحُجَّ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا قَالَ « حُجِّى عَنْ أُمِّكِ »(4)
بَلْ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ »(5).
وَثَبَتَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ صَوْمِ النَّذْرِ مِنْ وُجُوهٍ أُخْرَى،فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ جَاءَتْ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ إِنَّ أُمِّى نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ ، فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا قَالَ « نَعَمْ . حُجِّى عَنْهَا ، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَةً اقْضُوا اللَّهَ ، فَاللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ » .(6)
وَلَا يَجُوزُ أَنَّ يُعَارَضَ هَذَا بِقَوْلِهِ : {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} (39) سورة النجم ،لِوَجْهَيْنِ :
( أَحَدُهُمَا ) أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِالنُّصُوصِ الْمُتَوَاتِرَةِ وَإِجْمَاعِ سَلَفِ الْأُمَّةِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَنْتَفِعُ بِمَا لَيْسَ مِنْ سَعْيِهِ كَدُعَاءِ الْمَلَائِكَةِ وَاسْتِغْفَارِهِمْ لَهُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى :{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} (7) سورة غافر. وَدُعَاءُ النَّبِيِّينَ وَالْمُؤْمِنِينَ وَاسْتِغْفَارُهُمْ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى :{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (103) سورة التوبة }، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ : {وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (99) سورة التوبة ،وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} (19) سورة محمد، كَدُعَاءِ الْمُصَلِّينَ لِلْمَيِّتِ وَلِمَنْ زَارُوا قَبْرَهُ - مِنَ الْمُؤْمِنِينَ - فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كُلَّمَا كَانَ لَيْلَتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْرُجُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ إِلَى الْبَقِيعِ فَيَقُولُ « السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَأَتَاكُمْ مَا تُوعَدُونَ غَدًا مُؤَجَّلُونَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاَحِقُونَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَهْلِ بَقِيعِ الْغَرْقَدِ ».(7)
( الثَّانِي ) : أَنَّ الْآيَةَ لَيْسَتْ فِي ظَاهِرِهَا إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا سَعْيُهُ ،وَهَذَا حَقٌّ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ وَلَا يَسْتَحِقُّ إلَّا سَعْيَ نَفْسِهِ، وَأَمَّا سَعْيُ غَيْرِهِ فَلَا يَمْلِكُهُ وَلَا يَسْتَحِقُّهُ ؛ لَكِنْ هَذَا لَا يَمْنَعُ أَنْ يَنْفَعَهُ اللَّهُ وَيَرْحَمُهُ بِهِ ؛ كَمَا أَنَّهُ دَائِمًا يَرْحَمُ عِبَادَهُ بِأَسْبَابِ خَارِجَةٍ عَنْ مَقْدُورِهِمْ . وَهُوَ سُبْحَانَهُ بِحِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ يَرْحَمُ الْعِبَادَ بِأَسْبَابِ يَفْعَلُهَا الْعِبَادُ لِيُثِيبَ أُولَئِكَ عَلَى تِلْكَ الْأَسْبَابِ فَيَرْحَمُ الْجَمِيعَ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْهُ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ : « مَنْ دَعَا لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ »(8).
وَكَمَا ثَبَتَ عَنْهُ - صلى الله عليه وسلم - فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ : « مَنْ صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ فَلَهُ قِيرَاطٌ فَإِنْ شَهِدَ دَفْنَهَا فَلَهُ قِيرَاطَانِ الْقِيرَاطُ مِثْلُ أُحُدٍ »(9).فَهُوَ قَدْ يَرْحَمُ الْمُصَلِّيَ عَلَى الْمَيِّتِ بِدُعَائِهِ لَهُ وَيَرْحَمُ الْمَيِّتَ أَيْضًا بِدُعَاءِ هَذَا الْحَيِّ لَهُ .
ــــــــــــــ
__________
(1) - صحيح مسلم برقم(4310 )
(2) - سنن ابن ماجه (249 ) حسن
[ ش ( ورثه ) أي تركه إرثا . ( في صحته وحياته ) أي أخرجها في زمان كمال حاله ووفور افتقاره إلى ماله وتمكنه من الانتفاع به ]
(3) - سنن النسائى برقم(3671 ) وهو صحيح .
(4) - مسند أحمد برقم(23734) صحيح .
(5) - صحيح البخارى(1952 ) ومسلم (2748 )
(6) - صحيح البخارى برقم(1852 )
(7) - صحيح مسلم برقم(2299 )
(8) - صحيح مسلم برقم(7104)
(9) - صحيح مسلم برقم(2237 ) وبرقم( 2239)(1/20)
( السَّبَبُ السَّادِسُ ) : شَفَاعَةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَغَيْرُهُ فِي أَهْلِ الذُّنُوبِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ:
كَمَا قَدْ تَوَاتَرَتْ عَنْهُ أَحَادِيثُ الشَّفَاعَةِ مِثْلَ قَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : « شَفَاعَتِى لأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِى »(1)
وَقَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - :« خُيِّرْتُ بَيْنَ الشَّفَاعَةِ أَوْ يَدْخُلَ نِصْفُ أُمَّتِى الْجَنَّةَ فَاخْتَرْتُ الشَّفَاعَةَ لأَنَّهَا أَعَمُّ وَأَكْفَى أَتَرَوْنَهَا لِلْمُنَقَّيْنَ لاَ وَلَكِنَّهَا لِلْمُتَلَوِّثِينَ الْخَطَّاءُونَ »(2)
وعَنْ أَبِى مُوسَى أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَحْرُسُهُ أَصْحَابُهُ فَقُمْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَلَمْ أَرَهُ فِى مَنَامِهِ فَأَخَذَنِى مَا قَدُمَ وَمَا حَدَثَ فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ فَإِذَا أَنَا بِمُعَاذٍ قَدْ لَقِىَ الَّذِى لَقِيتُ فَسَمِعْنَا صَوْتاً مِثْلَ هَزِيزِ الرَّحَا فَوَقَفْنَا عَلَى مَكَانِهِمَا فَجَاءَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ قِبَلِ الصَوْتِ فَقَالَ « هَلْ تَدْرُونَ أَيْنَ كُنْتُ وَفِيمَ كُنْتُ أَتَانِى آتٍ مِنْ رَبِّى عَزَّ وَجَلَّ فَخَيَّرَنِى بَيْنَ أَنْ يَدْخُلَ نِصْفُ أُمَّتِى الْجَنَّةَ وَبَيْنَ الشَّفَاعَةِ فَاخْتَرْتُ الشَّفَاعَةَ ». فَقَالاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَجْعَلَنَا فِى شَفَاعَتِكَ. فَقَالَ « أَنْتُمْ وَمَنْ مَاتَ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئاً فِى شَفَاعَتِى »(3)
والشَّفَاعَةُ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ :
[ أَوَّلُهَا ] : مُخْتَصَّةٌ بِنَبِيِّنَا - صلى الله عليه وسلم - ؛ وَهِيَ الْإِرَاحَةُ مِنْ هَوْلِ الْمَوْقِفِ وَتَعْجِيلِ الْحِسَابِ .
[ الثَّانِيَةُ ] : فِي إِدْخَالِ قَوْمٍ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ ، وَهَذِهِ أَيْضًا وَرَدَتْ لِنَبِيِّنَا - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ .
[ الثَّالِثَةُ ] : الشَّفَاعَةُ لِقَوْمٍ اِسْتَوْجَبُوا النَّارَ فَيَشْفَعُ فِيهِمْ نَبِيُّنَا - صلى الله عليه وسلم - وَمَنْ يَشَاءُ اللَّهُ تَعَالَى.
[ الرَّابِعَةُ ] : فِي مَنْ دَخَلَ النَّارَ مِنَ الْمُذْنِبِينَ ، فَقَدْ جَاءَتْ الْأَحَادِيثُ بِإِخْرَاجِهِمْ مِنَ النَّارِ بِشَفَاعَةِ نَبِيِّنَا - صلى الله عليه وسلم - وَالْمَلَائِكَةِ وَإِخْوَانِهِمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ يُخْرِجُ اللَّهُ تَعَالَى كُلَّ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ : لَا يَبْقَى فِيهَا إِلَّا الْكَافِرُونَ .
[ الْخَامِسَةُ ] : الشَّفَاعَةُ فِي زِيَادَةِ الدَّرَجَاتِ فِي الْجَنَّةِ لِأَهْلِهَا اِنْتَهَى(4).
ــــــــــــــ
__________
(1) - سنن أبى داود برقم(4741 ) صحيح
(2) - مسند أحمد برقم( 5581)عن ابن عمر وسنن ابن ماجه برقم( 4453 ) عن أبي موسى وهو صحيح لغيره
(3) - مسند أحمد برقم(20145) َ صحيح
(4) - تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 227)(1/21)
( السَّبَبُ السَّابِعُ ) : الْمَصَائِبُ الَّتِي يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهَا الْخَطَايَا فِي الدُّنْيَا:
عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ وَعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا ، إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ »(1)
وعَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - زَوْجَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ الْمُسْلِمَ إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا »(2).
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الْخَامَةِ مِنَ الزَّرْعِ مِنْ حَيْثُ أَتَتْهَا الرِّيحُ كَفَأَتْهَا ، فَإِذَا اعْتَدَلَتْ تَكَفَّأُ بِالْبَلاَءِ ، وَالْفَاجِرُ كَالأَرْزَةِ صَمَّاءَ مُعْتَدِلَةً حَتَّى يَقْصِمَهَا اللَّهُ إِذَا شَاءَ » .(3)
وعن أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ » .(4)
قال كثير من أهل التأويل فى قوله تعالى: {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا} (123) سورة النساء ، معناه أن المسلم يجزى بمصائب الدنيا فتكون له كفارة، روى هذا أبي بن كعب وعائشة ومجاهد، وروي عن الحسن وابن زيد أنه في الكفار خاصة، وحديث عائشة وأبي سعيد وأبي هريرة يشهد بصحة القول الأول، وروى عن ابن مسعود أنه قال: الوجع لا يكتب به الأجر ولكن تكفر به الخطيئة.
فإن قيل: إن ظاهرة هذه الآثار يدل على أن المريض إنما يحط عنه بمرضه السيئات فقط دون زيادة. وقد ذكر البخارى فى كتاب الجهاد فى باب يكتب للمسافر ماكان يعمل فى الإقامة فى حديث أبى موسى عن النبى عليه السلام أنه قال: « إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا » وظاهره مخالف لآثار هذا الباب لأن في حديث أبي موسى أنه يزاد على التكفير. قيل له: ليس ذلك بخلاف وإنما هو زيادة بيان على آثار هذا الباب التي جاءت بتكفير الخطايا بالوجع لكل مؤمن لقوله عليه السلام: « مايصيب المؤمن من وصب ولا نصب فعم جميع المؤمنين » .
وفى حديث أبى موسى معنى آخر وهو أنه من كانت له عادة من عمل صالح ومنعه الله منه بالمرض أو السفر وكانت نبيته لو كان صحيحًا أو مقيمًا أن يدوم عليه ولايقطعه، فإن الله تعالى يتفضل عليه بأن يكتب له ثوابه، فأما من لم له تنفل ولاعمل صالح فلا يدخل في معنى الحديث لأنه لم يكن يعمل في صحته أو لإقامته مايكتب له فى مرضه وسفره، فحديث أبي موسى المراد به الخصوص، وأحاديث هذا الباب المراد بها العموم، وكل واحد منهما يفيد معنى غير معنى صاحبه، فلا خلاف في شيء منها.(5)
ــــــــــــــ
__________
(1) - صحيح البخارى برقم(5641 ) ومسلم برقم(6733 )- النَّصب : التعب الوصب : الألم والسقم الدائم
(2) - صحيح البخارى (5640 )
(3) - صحيح البخارى (5644 )
(4) - صحيح البخارى (5645)
(5) - شرح ابن بطال - (ج 17 / ص 464)(1/22)
( السَّبَبُ الثَّامِنُ ) : مَا يَحْصُلُ فِي الْقَبْرِ مِنْ الْفِتْنَةِ وَالضَّغْطَةِ وَالرَّوْعَةِ :
فعَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِى بَكْرٍ - رضى الله عنهما - تَقُولُ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَطِيبًا فَذَكَرَ فِتْنَةَ الْقَبْرِ الَّتِى يَفْتَتِنُ فِيهَا الْمَرْءُ ، فَلَمَّا ذَكَرَ ذَلِكَ ضَجَّ الْمُسْلِمُونَ ضَجَّةً .(1)
وعَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ خَالَتِهِ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَتَعَوَّذُ « اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْغِنَى ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْفَقْرِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ »(2)
وعَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ : " إنَّ لِلْقَبْرِ لَضَغْطَةً لَوْ كَانَ أَحَدٌ نَاجِيًا مِنْهَا نَجَا مِنْهَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ "(3)
وعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى جِنَازَةٍ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْقَبْرِ، وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرَ، وَهُوَ يُلْحَدُ لَهُ، فَقَالَ: "أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، ثَلاَثَ مِرَارٍ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِى إِقْبَالٍ مِنَ الآخِرَةِ، وَانْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا، تَنَزَّلَتْ إِلَيْهِ الْمَلاَئِكَةُ كَأَنَّ عَلَى وُجُوهِهِمُ الشَّمْسَ، مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مَنْهُم كَفَنٌ وَحَنُوطٌ فَجَلَسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، حَتَّى إِذَا خَرَجَ رُوحُهُ صَلَّى عَلَيْهِ كُلُّ مَلَكٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَكُلُّ مَلَكٍ فِى السَّمَاءِ، وَفُتِحَتْ [لَهُ] أَبْوَابُ السَّمَاءِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَابٍ إِلاَّ وَهُمْ يَدْعُونَ اللَّهَ أَنْ يُعْرَجَ بِرُوحِهِ مِنْ قِبَلِهِمْ، فَإِذَا عُرِجَ بِرُوحِهِ، قَالُوا: رَبِّ عَبْدُكَ فُلانٌ، فَيَقُولُ: أَرْجِعُوهُ فَإِنِّى عَهِدْتُ إِلَيْهِمْ أَنِّى مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ، وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ، وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى، قَالَ: فَإِنَّهُ يَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِ أَصْحَابِهِ إِذَا وَلَّوْا عَنْهُ، فَيَأْتِيهِ آتٍ فَيَقُولُ: مَنْ رَبُّكَ؟ مَا دِينُكَ؟ مَنْ نَبِيُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّىَ اللَّهُ، وَدِينِىَ الإِسْلاَمُ، وَنَبِيِّى مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - ، فَيَنْتَهِرُهُ، فَيَقُولُ: مَنْ رَبُّكَ؟ مَا دِينُكَ؟ مَنْ نَبِيُّكَ؟ وَهِىَ آخِرُ فِتْنَةٍ تُعْرَضُ عَلَى الْمُؤْمِنِ، فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِى الآخِرَةِ}، فَيَقُولُ: رَبِّىَ اللَّهُ، وَدِينِىَ الإِسْلاَمُ، وَنَبِيِّى مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - ، فَيَقُولُ لَهُ: صَدَقْتَ، ثُمَّ يَأْتِيهِ آتٍ حَسَنُ الْوَجْهِ طَيِّبُ الرِّيحِ حَسَنُ الثِّيَابِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِكَرَامَةٍ مِنَ اللَّهِ، وَنَعِيمٍ مُقِيمٍ، فَيَقُولُ: وَأَنْتَ فَبَشَّرَكَ اللَّهُ بِخَيْرٍ، مَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ، كُنْتَ وَاللَّهِ سَرِيعًا فِى طَاعَةِ اللَّهِ، بَطِيئًا عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَجَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ مِنَ الْجَنَّةِ، وَبَابٌ مِنَ النَّارِ، فَيُقَالُ: هَذَا كَانَ مَنْزِلَكَ لَوْ عَصَيْتَ اللَّهَ، أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ هَذَا، فَإِذَا رَأَى مَا فِى الْجَنَّةِ، قَالَ: رَبِّ عَجِّلْ قِيَامَ السَّاعَةِ كَيْمَا أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِى وَمَالِى، فَيُقَالُ لَهُ: اسْكُنْ. وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِى انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا، وَإِقْبَالٍ مِنَ الآخِرَةِ، نَزَلَتْ عَلَيْهِ مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ، فَانْتَزَعُوا رُوحَهُ كَمَا يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ الْكَثِيرُ الشِّعْبِ مِنَ الصُّوفِ الْمُبْتَلِّ، وَتُنْزَعُ نَفْسُهُ مَعَ الْعُرُوقِ، فَيَلْعَنُهُ كُلُّ مَلَكٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَكُلُّ مَلَكٍ فِى السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، لَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَابٍ إِلاَّ وَهُمْ يَدْعُونَ اللَّهَ أَنْ لا تَعْرُجَ رُوحُهُ مِنْ قِبَلِهِمْ، فَإِذَا عُرِجَ بِرُوحِهِ، قَالُوا: رَبِّ فُلانُ بْنُ فُلانٍ، عَبْدُكَ، قَالَ: أَرْجِعُوهُ، فَإِنِّى عَهِدْتُ إِلَيْهِمْ أَنِّى مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ، وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ، وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى، قَالَ: فَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِ أَصْحَابِهِ إِذَا وَلَّوْا عَنْهُ، قَال:َ فَيَأْتِيهِ آتٍ، فَيَقُولُ: مَنْ رَبُّكَ؟ مَا دِينُكَ؟ مَنْ نَبِيُّكَ؟ فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِى، فَيَقُولُ: لاَ دَرَيْتَ، وَلاَ تَلَوْتَ، وَيَأْتِيهِ آتٍ قَبِيحُ الْوَجْهِ، قَبِيحُ الثِّيَابِ، مُنْتِنُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِهَوَانٍ مِنَ اللَّهِ، وَعَذَابٍ مُقِيمٍ، فَيَقُولُ: وَأَنْتَ، فَبَشَّرَكَ اللَّهُ بِالشَّرِّ، مَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ، كُنْتَ بَطِيئًا عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ، سَرِيعًا فِى مَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَجَزَاكَ اللَّهُ شَرًّا، ثُمَّ يُقَيَّضُ لَهُ أَعْمَى أَصَمُّ أَبْكَمُ فِى يَدِهِ مِرْزَبَةٌ، لَوْ ضُرِبَ بِهَا جَبَلٌ كَانَ تُرَابًا، فَيَضْرِبُهُ ضَرْبَةً حَتَّى يَصِيرَ تُرَابًا، ثُمَّ يُعِيدُهُ اللَّهُ كَمَا كَانَ، فَيَضْرِبُهُ ضَرْبَةً أُخْرَى، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهُ كُلُّ شَىْءٍ إِلاَّ الثَّقَلَيْنِ.
قَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ: ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ مِنَ النَّارِ، وَيُمَهَّدُ مِنْ فُرُشِ النَّارِ.(4)
وعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ، مَاجَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ ، فَيَأْتُونَ آدَمَ ، فَيَقُولُونَ لَهُ : اشْفَعْ لِذُرِّيَّتِكَ ، فَيَقُولُ : لَسْتُ لَهَا ، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِإِبْرَاهِيمَ ، عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، فَإِنَّهُ خَلِيلُ اللهِ ، فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ ، فَيَقُولُ : لَسْتُ لَهَا ، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُوسَى ، عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، فَإِنَّهُ كَلِيمُ اللهِ ، فَيُؤْتَى مُوسَى ، فَيَقُولُ : لَسْتُ لَهَا ، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِعِيسَى ، عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، فَإِنَّهُ رُوحُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ ، فَيُؤْتَى عِيسَى ، فَيَقُولُ : لَسْتُ لَهَا ، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - ، فَأُوتَى ، فَأَقُولُ : أَنَا لَهَا ، فَأَنْطَلِقُ فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي ، فَيُؤْذَنُ لِي ، فَأَقُومُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَأَحْمَدُهُ بِمَحَامِدَ لاَ أَقْدِرُ عَلَيْهِ الآنَ ، يُلْهِمُنِيهِ اللهُ ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا ، فَيُقَالُ لِيَ : يَا مُحَمَّدُ ، ارْفَعْ رَأْسَكَ ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ ، وَسَلْ تُعْطَهْ ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ ، فَأَقُولُ : رَبِّ ، أُمَّتِي ، أُمَّتِي ، فَيُقَالُ : انْطَلِقْ ، فَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ بُرَّةٍ ، أَوْ شَعِيرَةٍ ، مِنْ إِيمَانٍ ، فَأَخْرِجْهُ مِنْهَا ، فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ ، ثُمَّ أَرْجِعُ إِلَى رَبِّي ، فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا ، فَيُقَالُ لِيَ : يَا مُحَمَّدُ ، ارْفَعْ رَأْسَكَ ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ ، وَسَلْ تُعْطَهْ ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ ، فَأَقُولُ : أُمَّتِي ، أُمَّتِي ، فَيُقَالُ لِيَ : انْطَلِقْ ، فَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ ، مِنْ إِيمَانٍ ، فَأَخْرِجْهُ مِنْهَا ، فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ ، ثُمَّ أَعُودُ إِلَى رَبِّي ، فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا ، فَيُقَالُ لِيَ : يَا مُحَمَّدُ ، ارْفَعْ رَأْسَكَ ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ ، وَسَلْ تُعْطَهْ ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ ، فَأَقُولُ : يَا رَبِّ ، أُمَّتِي ، أُمَّتِي ، فَيُقَالُ لِيَ : انْطَلِقْ ، فَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى أَدْنَى مِنْ مِثْقَالِ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ ، مِنْ إِيمَانٍ، فَأَخْرِجْهُ مِنَ النَّارِ ، فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ.
ثُمَّ أَرْجِعُ إِلَى رَبِّي فِي الرَّابِعَةِ ، فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا ، فَيُقَالُ لِي : يَا مُحَمَّدُ ، ارْفَعْ رَأْسَكَ ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ ، وَسَلْ تُعْطَ ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ ، فَأَقُولُ : يَا رَبِّ ، ائْذَنْ لِي فِيمَنْ قَالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، قَالَ : لَيْسَ ذَاكَ لَكَ ، أَوْ قَالَ : لَيْسَ ذَاكَ إِلَيْكَ ، وَلَكِنْ وَعِزَّتِي وَكِبْرِيَائِي ، وَعَظَمَتِي وَجِبْرِيَائِي ، لأُخْرِجَنَّ مَنْ قَالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ.(5)
ــــــــــــــ
__________
(1) - صحيح البخارى برقم(1373)
(2) - صحيح البخارى برقم(6376 )
(3) - مشكل الآثار برقم( 234 ) وهو صحيح
(4) - مسند أحمد برقم(19121) وهو صحيح
تلوت : قرأت الحنوط : ما يخلط من الطيب بأكفان الموتى السفود : حديدة ذات شعب معقفة
(5) - صحيح البخارى برقم(7510 )(1/23)
( السَّبَبُ التَّاسِعُ ) : أَهْوَالُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَكَرْبُهَا وَشَدَائِدُهَا .
عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ مَاجَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ فِى بَعْضٍ فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ . فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِإِبْرَاهِيمَ فَإِنَّهُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ . فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُوسَى فَإِنَّهُ كَلِيمُ اللَّهِ . فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِعِيسَى فَإِنَّهُ رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ . فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - فَيَأْتُونِى فَأَقُولُ أَنَا لَهَا . فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّى فَيُؤْذَنُ لِى وَيُلْهِمُنِى مَحَامِدَ أَحْمَدُهُ بِهَا لاَ تَحْضُرُنِى الآنَ ، فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ وَأَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ ، وَسَلْ تُعْطَ ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ . فَأَقُولُ يَا رَبِّ أُمَّتِى أُمَّتِى . فَيُقَالُ انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ شَعِيرَةٍ مِنْ إِيمَانٍ . فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ ثُمَّ أَعُودُ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ ، وَسَلْ تُعْطَ ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ ، فَأَقُولُ يَا رَبِّ أُمَّتِى أُمَّتِى . فَيُقَالُ انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مِنْهَا مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ أَوْ خَرْدَلَةٍ مِنْ إِيمَانٍ . فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ ثُمَّ أَعُودُ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ ، وَسَلْ تُعْطَ ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ . فَأَقُولُ يَا رَبِّ أُمَّتِى أُمَّتِى . فَيَقُولُ انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى أَدْنَى مِثْقَالِ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ ، فَأَخْرِجْهُ مِنَ النَّارِ . فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ » . فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ أَنَسٍ قُلْتُ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا لَوْ مَرَرْنَا بِالْحَسَنِ وَهْوَ مُتَوَارٍ فِى مَنْزِلِ أَبِى خَلِيفَةَ فَحَدَّثَنَا بِمَا حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ، فَأَتَيْنَاهُ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَأَذِنَ لَنَا فَقُلْنَا لَهُ يَا أَبَا سَعِيدٍ جِئْنَاكَ مِنْ عِنْدِ أَخِيكَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَلَمْ نَرَ مِثْلَ مَا حَدَّثَنَا فِى الشَّفَاعَةِ ، فَقَالَ هِيهِ ، فَحَدَّثْنَاهُ بِالْحَدِيثِ فَانْتَهَى إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ فَقَالَ هِيهِ ، فَقُلْنَا لَمْ يَزِدْ لَنَا عَلَى هَذَا . فَقَالَ لَقَدْ حَدَّثَنِى وَهْوَ جَمِيعٌ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً فَلاَ أَدْرِى أَنَسِىَ أَمْ كَرِهَ أَنْ تَتَّكِلُوا . قُلْنَا يَا أَبَا سَعِيدٍ فَحَدِّثْنَا ، فَضَحِكَ وَقَالَ خُلِقَ الإِنْسَانُ عَجُولاً مَا ذَكَرْتُهُ إِلاَّ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُحَدِّثَكُمْ حَدَّثَنِى كَمَا حَدَّثَكُمْ بِهِ قَالَ « ثُمَّ أَعُودُ الرَّابِعَةَ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ يُسْمَعْ ، وَسَلْ تُعْطَهْ ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ . فَأَقُولُ:يَا رَبِّ ائْذَنْ لِى فِيمَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ . فَيَقُولُ:وَعِزَّتِى وَجَلاَلِى وَكِبْرِيَائِى وَعَظَمَتِى لأُخْرِجَنَّ مِنْهَا مَنْ قَالَ:لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ »(1)
وعَنْ أَبِى نَضْرَةَ قَالَ خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى مِنْبَرِ الْبَصْرَةِ فَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِىٌّ إِلاَّ لَهُ دَعْوَةٌ قَدْ تَنَجَّزَهَا فِى الدُّنْيَا وَإِنِّى قَدِ اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِى شَفَاعَةً لأُمَّتِى وَأَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ فَخْرَ وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ وَلاَ فَخْرَ وَبِيَدِى لِوَاءُ الْحَمْدِ وَلاَ فَخْرَ آدَمُ فَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِى وَلاَ فَخْرَ وَيَطُولُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ عَلَى النَّاسِ فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ انْطَلِقُوا بِنَا إِلَى آدَمَ أَبِى الْبَشَرِ فَلْيَشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا فَيَأْتُونَ آدَمَ -صلى الله عليه وسلم- فَيَقُولُونَ يَا آدَمُ أَنْتَ الَّذِى خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَأَسْكَنَكَ جَنَّتَهُ وَأَسْجَدَ لَكَ مَلاَئِكَتَهُ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا. فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا. فَيَقُولُ إِنِّى لَسْتُ هُنَاكُمْ إِنِّى قَدْ أُخْرِجْتُ مِنَ الْجَنَّةِ بِخَطِيئَتِى وَإِنَّهُ لاَ يُهِمُّنِى الْيَوْمَ إِلاَّ نَفْسِى وَلَكِنِ ائْتُوا نُوحاً رَأْسَ النَّبِيِّينَ. فَيَأْتُونَ نُوحاٌ فَيَقُولُونَ يَا نُوحُ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا. فَيَقُولُ إِنِّى لَسْتُ هُنَاكُمْ إِنِّى دَعَوْتُ بِدَعْوَةٍ أَغْرَقَتْ أَهْلَ الأَرْضِ وَإِنَّهُ لاَ يُهِمُّنِى الْيَوْمَ إِلاَّ نَفْسِى وَلَكِنِ ائْتُوا إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ اللَّهِ. فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُونَ يَا إِبْرَاهِيمُ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا . فَيَقُولُ إِنِّى لَسْتُ هُنَاكُمْ إِنِّى كَذَبْتُ فِى الإِسْلاَمِ ثَلاَثَ كِذْبَاتٍ - وَاللَّهِ إِنْ جَادَلَ بِهِنَّ إِلاَّ عَنْ دِينِ اللَّهِ قَوْلُهُ (إِنِّى سَقِيمٌ) وَقَوْلُهُ ( بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانَُوا يَنْطِقُونَ) وَقَوْلُهُ لاِمْرَأَتِهِ حِينَ أَتَى عَلَى الْمَلِكِ أُخْتِى - وَإِنَّهُ لاَ يُهِمُّنِى الْيَوْمَ إِلاَّ نَفْسِى وَلَكِنِ ائْتُوا مُوسَى الَّذِى اصْطَفَاهُ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَكَلاَمِهِ. فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُونَ يَا مُوسَى أَنْتَ الَّذِى اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَكَلَّمَكَ فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا. فَيَقُولُ لَسْتُ هُنَاكُمْ إِنِّى قَتَلْتُ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ وَإِنَّهُ لاَ يُهِمُّنِى الْيَوْمَ إِلاَّ نَفْسِى وَلَكِنِ ائْتُوا عِيسَى رُوحَ اللَّهِ وَكَلِمَتَهُ. فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا. فَيَقُولُ إِنِّى لَسْتُ هُنَاكُمْ إِنِّى اتُّخِذْتُ إِلَهاً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَإِنَّهُ لاَ يُهِمُّنِى الْيَوْمَ إِلاَّ نَفْسِى وَلَكِنْ أَرَأَيْتُمْ لَوْ كَانَ مَتَاعٌ فِى وِعَاءٍ مَخْتُومٍ عَلَيْهِ أَكَانَ يُقْدَرُ عَلَى مَا فِى جَوْفِهِ حَتَّى يُفَضَّ الْخَاتَمُ قَالَ فَيَقُولُونَ لاَ. قَالَ فَيَقُولُ إِنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَقَدْ حَضَرَ الْيَوْمَ وَقَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ ». قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « فَيَأْتُونِى فَيَقُولُونَ يَا مُحَمَّدُ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا. فَأَقُولُ أَنَا لَهَا حَتَّى يَأْذَنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يَصْدَعَ بَيْنَ خَلْقِهِ نَادَى مُنَادٍ أَيْنَ أَحْمَدُ وَأُمَّتُهُ فَنَحْنُ الآخِرُونَ الأَوَّلُونَ نَحْنُ آخِرُ الأُمَمِ وَأَوَّلُ مَنْ يُحَاسَبُ فَتُفْرِجُ لَنَا الأُمَمُ عَنْ طَرِيقِنَا فَنَمْضِى غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الطُّهُورِ فَتَقُولُ الأُمَمُ كَادَتْ هَذِهِ الأُمَّةُ أَنْ تَكُونَ أَنْبِيَاءَ كُلُّهَا. فَآتِى بَابَ الْجَنَّةِ فَآخُذُ بِحَلْقَةِ الْبَابِ فَأَقْرَعُ الْبَابَ فَيُقَالُ مَنْ أَنْتَ فَأَقُولُ أَنَا مُحَمَّدٌ. فَيُفْتَحُ لِى فَآتِى رَبِّى عَزَّ وَجَلَّ عَلَى كُرْسِيِّهِ - أَوْ سَرِيرِهِ شَكَّ حَمَّادٌ - فَأَخِرُّ لَهُ سَاجِداً فَأَحْمَدُهُ بِمَحَامِدَ لَمْ يَحْمَدْهُ بِهَا أَحَدٌ كَانَ قَبْلِى وَلَيْسَ يَحْمَدُهُ بِهَا أَحَدٌ بَعْدِى فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَسَلْ تُعْطَهْ وَقُلْ تُسْمَعْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَرْفَعُ رَأْسِى فَأَقُولُ أَىْ رَبِّ أُمَّتِى أُمَّتِى. فَيَقُولُ أَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ كَذَا وَكَذَا - لَمْ يَحْفَظْ حَمَّادٌ - ثُمَّ أَعُودُ فَأَسْجُدُ فَأَقُولُ مَا قُلْتُ فَيُقَالُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ تُسْمَعْ وَسَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَقُولُ أَىْ رَبِّ أُمَّتِى أُمَّتِى. فَيَقُولُ أَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ كَذَا وَكَذَا دُونَ الأَوَّلِ ثُمَّ أَعُودُ فَأَسْجُدُ فَأَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ فَيُقَالُ لِى ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ تَسْمَعْ وَسَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَقُولُ أَىْ رَبِّ أُمَّتِى أُمَّتِى فَيُقَالُ أَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ كَذَا وَكَذَا دُونَ ذَلِكَ »(2)
ــــــــــــــ
__________
(1) - - صحيح البخارى برقم(7510 )
(2) - مسند أحمد برقم(2595)ٍ حديث حسن . المحجل : أبيض مواضع الوضوء من اليدين -الغر : جمع الأغر وهو أبيض الوجه(1/24)
( السَّبَبُ الْعَاشِرُ ) : رَحْمَةُ اللَّهِ وَعَفْوُهُ وَمَغْفِرَتُهُ بِلَا سَبَبٍ مِنَ الْعِبَادِ(1).
فالله تعالى من صفاته أنه الرحمن الرحيم ،و{ الرحمن الرحيم } صفتان مشتقتان من الرحمة . والرحمة فى أصل اللغة : رقة في القلب تقتضى الإِحسان ، وهذا المعنى لا يليق أن يكون وصفًا لله - تعالى- ، ولذا فسرها بعض العلماء بإرادة الإِحسان . وفسرها آخرون بالإِحسان نفسه .
والموافق لمذهب السلف أن يقال : هي صفة قائمة بذاته - تعالى - لا نعرف حقيقتها ، وإنما نعرف أثرها الذي هو الإِحسان .
وقد كثرت أقوال المفسرين في العلاقة بين هاتين الصفتين ، فبعضهم يرى أن { الرحمن } هو المنعم على جميع الخلق . وأن { الرحيم } هو المنعم على المؤمنين خاصة . ويرى آخرون أن { الرحمن } هو المنعم بجلائل النعم ، وأن { الرحيم } هو المنعم بدقائقها .
ويرى فريق ثالث أن الوصفين بمعنى واحد وأن الثاني منهما تأكيد للأول . والذي يراه المحققون من العلماء أن الصفتين ليستا بمعنى واحد ، بل روعي في كل منهما معنى لم يراع في الآخر ، فالرحمن بمعنى عظيم الرحمة ، لأن فعلان صيغة مبالغة في كثرة الشيء وعظمته ، ويلزم منه الدوام كغضبان وسكران . والرحيم بمعنى دائم الرحمة ، لأن صيغته فعيل تستعمل في الصفات الدائمة ككريم وظريف . فكأنه قيل : العظيم الرحمة الدائمة .
أو أن { الرحمن } صفة ذاتية هي مبدأ الرحمة والإِحسان . و{ الرحيم } صفة فعل تدلُّ على وصول الرحمة والإِحسان وتعديهما إلى المنعم عليه .
ولعل مما يؤيد ذلك أن لفظ الرحمن لم يذكر في القرآن إلا مجرى عليه الصفات كما هو الشأنِ في أسماء الذات . قال - تعالى- : { الرحمن عَلَّمَ القرآن } و{ الرحمن عَلَى العرش استوى } { قُلِ ادعوا الله أَوِ ادعوا الرحمن } وهكذا . . .
أمَّا لفظ الرحيم فقد كثر في القرآن استعماله وصفًا فعليًا ، وجاء في الغالب بأسلوب التعدية والتعلق بالمنعم عليه . قال - تعالى - { إِنَّ الله بالناس لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ } { وَكَانَ بالمؤمنين رَحِيماً } { إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً } إلخ .
قال بعض العلماء " وهذا الرأي في نظرنا هو أقوى الآراء ، فإن تخصيص أحد الوصفين بدقائق النعم أو ببعض المنعم عليهم لا دليل عليه ، كما أنه ليس مستساغاً أن يقال في القرآن : إن كلمة ذكرت بعد أخرى لمجرد تأكيد المعنى المستفاد منها "(2).
إنها صلة الرحمة والرعاية التي تستجيش الحمد والثناء . إنها الصلة التي تقوم على الطمأنينة وتنبض بالمودة ، فالحمد هو الاستجابة الفطرية للرحمة الندية .
إن الربَّ الإله في الإسلام لا يطارد عباده مطاردة الخصوم والأعداء كآلهة الأولمب في نزواتها وثوراتها كما تصورها أساطير الإغريق . ولا يدبر لهم المكائد الانتقامية كما تزعم الأساطير المزورة في « العهد القديم » كالذي جاء في أسطورة برج بابل في الإصحاح الحادي عشر من سفر التكوين .(3)
------------------
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : " إِنَّ اللَّهَ لَمَّا قَضَى الخَلْقَ ، كَتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ : إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي "(4).
وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضى الله عنه - قَدِمَ عَلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - سَبْىٌ ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْىِ قَدْ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِى ، إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِى السَّبْىِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ ، فَقَالَ لَنَا النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « أَتَرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِى النَّارِ » . قُلْنَا لاَ وَهْىَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لاَ تَطْرَحَهُ . فَقَالَ « اللَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا »(5).
وعَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : كَانَ صَبِيٌّ عَلَى ظَهْرِ الطَّرِيقِ فَمَرَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَمَعَهُ نَاسٌ فَلَمَّا رَأَتْ أُمُّ الصَّبِيِّ الْقَوْمَ خَشِيَتْ أَنْ يُوطَأَ ابْنُهَا فَسَمِعَتْ فَحَمَلَتْهُ ، فَقَالَتِ : ابْنِي ، ابْنِي ، قَالَ الْقَوْمُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا كَانَتْ هَذِهِ لِيُلْقَى ابْنُهَا فِي النَّارِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : وَلا اللَّهُ يُلْقِي حَبِيبَهُ فِي النَّارِ"(6)
وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، أَنَّهُ قَالَ : قَدِمَ سَبْيٌ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَإِذَا بِامْرَأَةٍ فِي السَّبْيِ تَحْلِبُ ثَدْيَهَا كُلَّمَا أَوْ إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ ؟ قُلْنَا : لاَ وَاللَّهِ وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لاَ تَطْرَحَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : اللَّهُ أَرْحَمُ بِعَبْدِهِ مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ بِوَلَدِهَا قَالَ : وَبَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَسِيرُونَ ، إِذْ أَخَذُوا فَرْخَ طَيْرٍ ، فَأَقْبَلَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ حَتَّى سَقَطَ فِي أَيْدِي الَّذِي أَخَذَ الْفَرْخَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : أَلا تَعْجَبُونَ لِهَذَا الطَّيْرِ أُخِذَ فَرْخُهُ فَأَقْبَلَ حَتَّى سَقَطَ فِي أَيْدِيهِمْ ، وَاللَّهِ لَلَّهُ أَرْحَمُ بِخَلْقِهِ مِنْ هَذَا الطَّيْرِ بِفَرْخِهِ.(7)
------------------
وقال تعالى : { وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} (11) سورة يونس
يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى عَنْ حِلْمِهِ وَلُطْفِهِ بِعِبَادِهِ ، وَيَقُولُ إِنَّهُ لاَ يَسْتَجِيبُ لَهُمْ إِذَا دَعُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَوْلاَدِهِمْ بِالشَّرِّ فِي حَاَل ضَجَرِهِمْ وَغَضَبِهِمْ ، لأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ لاَ يُرِيدُونَ ذَلِكَ ، فَلِذَلِكَ لاَ يَسْتَجِيبُ لَهُمْ لُطْفاً مِنْهُ ، وَرَحْمَةً بِهِمْ .
أَمَّا إِذَا دَعَوا لأَنْفُسِهِمْ وَأَوْلاَدِهِمْ بِالخَيْرِ وَالبَرَكَةِ فَإِنَّهُ يَسْتَجِيبُ لَهُمْ . وَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَوِ اسْتَجَابَ لَهُمْ فِي كُلِّ دَعْوَةٍ تَجْرِي عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ لأَهْلَكَهُمْ . وَيَتْرُكُ اللهُ تَعَالَى الذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ ، وَلاَ يَرْجُونَ لِقَاءَهُ فِي الآخِرَةِ ، سَادِرِينَ فِي غَيِّهِمْ ، مُسْتَمِرِّينَ فِي طُغْيَانِهِمْ ، مُتَحَيِّرِينَ لاَ يَهْتَدُونَ إِلَى الخُرُوجِ مِمَّا هُمْ فِيهِ ، حَتَّى يَجِيءَ اليَوْمُ الذِي وَعَدَهُمُ اللهُ بِهِ .
---------------------
وقال تعالى : {وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً} (11) سورة الإسراء
يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى عَنْ عَجَلَةِ الإِنْسَانِ ، وَدُعَائِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ فِي بَعْضِ الأَحْيَانِ بِالشَّرِّ حِينَ الغَضَبِ ، كَمَا يُسَارِعُ إِلَى الدُّعَاءِ فِي الخَيْرِ ، فَلَوِ اسْتَجَابَ اللهُ لَهُ لأَهْلَكَهُ وَأَهْلَكَ أَهْلَهُ . وَالَّذِي يَحْمِلُ الإِنْسَانَ عَلَى ذلِكَ هُوَ قَلَقُهُ ، وَعَجَلَتُهُ ، وَقِلَّةُ صَبْرِهِ .
-------------------
وقال تعالى : {وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} (156) سورة الأعراف
وَأَثْبِتْ لَنَا ، بِرَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ { واكتب لَنَا } حَيَاةً طَيِّبَةً فِي هذِهِ الدُّنيا ، مِنْ عَافِيةٍ وَبَسْطَةٍ في الرِّزْقِ ، وَتَوْفِيقٍ لِطَاعَةِ ، وَمَثُوبَةٍ حَسَنَةٍ فِي الآخِرَةِ بِدُخُولِ الجَنَّةِ ، وَنَيْلِ رِضْوَانِكَ ، إِنَّنَا تُبْنَا إِلَيْكَ { هُدْنَآ إِلَيْكَ } مِمَّا فَرَطَ مِنْ سُفَهَائِنَا مِنْ عِبَادَةِ العِجْلِ ، وَمِنْ تَقْصِيرِ العُقَلاءِ مِنّا فِي نَهْيِهِمْ وَالإِنْكَارِ عَلَيهِمْ .
وَرَدَّ اللهُ تَعَالَى عَلَى دُعَاءِ مُوسَى قَائِلاً : لَقَدْ أَوْجَبْتُ أَنْ يَكُونَ عَذَابِي خَاصّاً أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ مِنَ الكُفَّارِ وَالعُصَاةِ ، الذِينَ لَمْ يَتُوبُوا ، أَمَّا رَحْمَتِي فَقَدْ وَسِعْتَ كُلَّ شَيءٍ ، وَسَأُثْبِتُ رَحْمَتِي بِمَشِيئَتِي لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ الكُفْرَ وَالمَعَاصِيَ ، وَيُؤَدُّونَ الزَّكَاةَ المَفْرُوضَةَ ، وَيُؤْتُونَ الصَّدَقَاتِ التِي تَتَزَكَّى بِهَا نُفُوسُهُمْ ، وَلِلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ وَيُصَدِّقُونَ بِجَمِيعِ آيَاتِي الدَّالَّةِ عَلَى الوحْدَانِيَّةِ ، وَيُصَدِّقُونَ رُسُلِي ، وَمَا جَاؤُوهُمْ بِهِ
------------------
وقال تعالى : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57) وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا (58) [الكهف/57-59]}
وَلاَ أَحَدَ مِنْ خَلْقِ اللهِ أَكْثَرُ ظُلْماً مِمَّنْ وُعِظَ بِآيَاتِ اللهِ ، وَدَلَّ بِهَا عَلَى سَبِيلِ الهُدَى وَالرَّشَادِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَلَمْ يَتَدَبَّرْهَا ، وَلَمْ يَكْتَرِثْ بِهَا ، وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِي عَوَاقِبِ مَا ارْتَكَبَهُ مِنَ الظُّلْمِ ، وَالكُفْرِ ، وَالمَعَاصِي ( نَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ) ، فَلَمْ يُنِبْ إِلَى اللهِ ، وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِ تَائِباً مُسْتَغْفِراً .
وَقَدْ كَانَ إِعْرَاضُ الكَافِرِينَ عَمَّا ذَكَرُوا لأَنَّ اللهَ جَعَلَ عَلَى قُلُوبِهِمْ أَغْطِيَةً وَأَغْلِفَةً لِكَيْلاَ يَفْقَهُوا مَا يُذَكَّرُونَ بِهِ ( أَكْنَّةً ) وَلأَنَّهُ جَعَلَ فِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَثِقَلاً لِكَيْلاَ يَسْمَعُوهُ . وَلِذَلِكَ فَإِنَّ دَعْوَتَكَ إِيَّاهُمْ يَا مُحَمَّدُ إِلَى الهُدَى وَالإِيمَانِ بِاللهِ وَبِمَا أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِهِ ، لَنْ تُؤَثِّرَ فِيهِمْ ، وَلَنْ يَسْتَجِيبُوا لَهَا أَبَداً .
وَرَبُّكَ هُوَ اللهُ الغَفُورُ الرَّحِيمُ ، يُمْهِلُ النَّاسَ لَعَلَّهُمْ يَتُوبُونَ وَيُؤْمِنُونَ ، وَيَسْتَغْفِرُونَ رَبَّهُمْ ، فَيَتُوبَ عَلَيْهِمْ ، وَيَرْحَمَهُمْ وَيَتَجَاوَزَ عَنْ ذُنُوبِهِمْ ، وَلَوْ أَنَّهُ آخَذَهُمْ بِذُنُوبِهِمْ ، لَعَجَّلَ لَهُمُ العُقُوبَةَ وَلأَهْلَكَهُمْ ، وَلَكِنَّهُ جَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً مُعَيَّناً لاَ مَهْرَبَ لَهُمْ مِنْهُ ، وَلاَ مُحِيدَ لَهُمْ عَنْهُ .
--------------------
وقال تعالى :{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58) } [يونس/57-59]
يَمْتَنُّ اللهُ تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ بِإِنْزَالِهِ القُرْآنَ عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدُ صلى الله عليه وسلم وَفِيهِ زَاجِرٌ عَنِ الغَيِّ ، وَعَنِ الفَوَاحِشِ ، وَفِيهِ شِفَاءٌ لِلصُّدُورِ مِنَ الشُّكُوكِ وَالرِّيَبِ ، وَالقُرْآنُ يَهْدِي المُؤْمِنِينَ الذِينَ يَأْخُذُونَ بِهِ ، وَيُؤَدِّي بِهُمْ إِلَى إِدْخَالِهِمْ فِي رَحْمَةِ اللهِ .
يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم بِأَنْ يُبَلِّغَ المُؤْمِنِينَ ، بِأَنَّهُ يَحُقُّ لَهُمْ أَنْ يَفْرَحُوا بِفَضْلِ اللهِ عَلَيْهِمْ ، وَبِنِعْمَةِ الإِيمَانِ ، وَبِالرَّحْمَةِ الخَاصَّةِ بِهِمْ ، وَبِمَا جَاءَهُمْ مِنَ الهُدَى وَدِينِ الحَقِّ ، فَذَلِكَ أَوْلَى بِهِمْ أَنْ يَفْرَحُوا بِهِ ، وَهُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُهُ النَّاسُ مِنْ حُطَامِ الدُّنْيا الزَّائِلَةِ الفَانِيَةِ .
---------------------
وقال تعالى : { وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآَنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32) وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (34) وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (35) } [الزخرف/31-35]
وَقَالُوا كَالمُعْتَرِضِينَ عَلَى اخْتِيَارِ اللهِ رَسُولَهُ الكَرِيمَ : إِنَّ مَنْصِبَ الرِّسَالَةِ مَنْصِبٌ شَرِيفٌ ، فَلاَ يَلِيقُ إِلاَّ بِرَجُلٍ شَرِيفٍ عَظِيمِ الجَاهِ كَثِيرِ الثَّرَاءِ مِنْ أَهْلِ مَكَةَ أَوْ مِنْ أهْلِ الطَّائِفِ ( القَرْيَتِينِ ) لأَنَّ مُحَمَّداً لَيْسَ بِذَلِكَ الغَنيِّ العَظِيمِ الجَاهِ .
يُنْكِرُ اللهُ تَعَالَى عَلَى المُشْرِكِينَ مَا قَالُوا رَدّاً عَلَى اعْتِرَاضِهِمْ هَذَا : إِنَّ أَمْرَ اخْتِيَارِ الأَنْبِيَاءِ لَيْسَ مَرْدُوداً إِلَيْهِم حَتَّى يَقْتَرِحُوا عَلَى اللهِ مَنْ يَخْتَارُونَهُ هُمْ ، وَلَكِنَّ الأَمْرَ للهِ ، وَحْدَهُ ، وَهُوَ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَته ، فَهُوَ لاَ يُنَزِّلُهَا إِلاَّ عَلَى أَزْكَى الخَلْقِ قَلْباً وَنَفْساً ، وَأَشْرَفِهِمْ بَيْتاً ، وَأَطْهَرِهِمْ أَصْلاً .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : إِنَّهُ فَضَّلَ بَعْضَ العِبَادِ عَلَى بَعْضٍ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا : فِي القُوَّةِ والغِنَى وَالشُّهْرَةِ والنَّشَاطِ ، لأَنَّهُ لَوْ سَوَّى بَيْنَهُمْ جَمِيعاً فِي شُرُوطِ الحَيَاةِ لَمْ يَخْدُمْ بَعْضُهُمْ بَعْضاً ، وَلَمْ يَسْتَخْدِمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَحْداً ، فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ فَسَادُ نِظَامِ الحَيَاةِ .
وَرَحْمَةُ اللهِ بِخَلْقِهِ خَيْرٌ لَهُمْ مِمَّا يَجْمَعُونَهُ مِنَ الأَمْوَالِ ، والمَتَاعِ فِي الحِيَاةِ الدُّنْيَا .
وَلَوْلاَ أَنْ يَعْتَقِدَ كَثِيرٌ مِنَ الجَهَلَةِ أَنَّ عَطَاءَ اللهِ المَالَ للنَّاسِ دَلِيلٌ عَلَى مَحَبَّتِهِ تَعَالَى لِمَنْ يُعْطِيهِ فَيَجْتَمِعُوا عَلَى الكُفْرِ لأَجْلِ المَالِ ، وَيَرْغَبُوا فِيهِ إِذَا رَأَوْا سعَةَ الرِّزْقِ ، لَجَعَلَ اللهُ لِبُيُوتِ مَنْ يَكْفرُ بِهِ سُقُوفاً مِنْ فَضَّةٍ ، وَسَلاَلَم مِنْ فِضَّةٍ يَصْعَدُونَ عَلَيْهَا ، وَذَلِكَ لِهَوَانِ الدُّنْيَا عَلَى اللهِ .
وَلَجَعَلَ لِبُيوتِهِمْ أَبْوَاباً مِنْ فِضَّةٍ وَسُرُراً مِنْ فِضَّةٍ ، يَتَّكِئُونَ عَلَيْهَا .
وَلَجَعَلَ اللهُ تَعَالَى لِبُيوتِهِمْ زَخَارِفَ وَزِينَةً فِي كُلِّ مَا يُرْتَفَقُ بِهِ مِنْ شُؤُونِ الحَيَاةِ ، وَلَكِنَّ كُلَّ ذَلِكَ لَيْسَ إِلاَّ مَتَاعٌ قَصِيرٌ زَائِلٌ ، وَالآخِرَةُ بِمَا فِيهَا مِنْ نَعِيمٍ لاَ يُحِيطُ بِهِ وَصْفٌ هِيَ خَالِصَةٌ لِلْمُتَّقِينَ الذِينَ يَخَافُونَ رَبَّهُم لاَ يُشَارِكُهُمْ فِيهَا أَحَدٌ غَيْرهُمْ .
- - - - - - - - - - - - - - - -
الفصل الخامس
الحث على التوبة
التوبة من كتمان الآيات
قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) }[البقرة/159، 160]
يُهَدِّدُ اللهُ تَعَالَى بِاللَّعْنَةِ الذِينَ يَكْتُمُونَ الحَقَّ وَمَا أَنْزَلَ اللهُ إِلى النَّاسِ فِي كُتُبِهِ مِنَ الدِّينِ الصَّحِيحِ ، وَالهُدَى النَّافِعِ ، وَيَقْصُدُ بِهِمْ أَهْلَ الكِتَابِ ، الذِينَ كَتَمُوا صِفَةَ النَّبِيِّ التِي وَرَدَتْ في كُتُبِهِمْ ، وَمَا بَشَّرَتْ بِهِ هذِهِ الكُتُبُ مِنْ قُربِ مَبْعَثِ نَبِيٍّ عَرَبيٍّ ، يُؤْمِنُ بِاللهِ ، وَيُؤْمِنُ لِلمُؤْمِنينَ . فَهؤُلاءِ الذِينَ يَكْتُمُونَ دِينَ اللهِ وَأَوامِرَهُ عَنِ النَّاسِ لِيُضِلُّوهُمْ ، وَيَصْرِفُوهُمْ عَنِ الحَقِّ ، فَإِنَّ الله يَلعَنُهُمُ ، وَتَلْعَنُهُمُ المَلاَئِكَةُ والمُؤْمِنُونَ ( الَّلاعِنُونَ ) .
( وحُكْمُ هذِهِ الآيةِ يَشْمَلُ كُلَّ مَنْ كَتَمَ عِلْماً فَرَضَ اللهُ بَيَانَهُ لِلناسِ ، وَلِذلِكَ قَالَ الأَئِمَّةُ : إِنَّ الذِي يَرَى حُرُمَاتِ اللهِ تُنْتَهَكُ أَمَامَ عَيْنَيْهِ ، وَالدِّينَ يُداسُ جَهَاراً بَيْنَ يَدَيهِ ، وَالضَّلاَلَ يَغْشَى الهُدَى ، ثُمَّ هُوَ لاَ يَنْتَصِرُ لِدِينِ اللهِ يَكُونُ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّونَ وَعِيدَ اللهِ ) .
وَيَسْتَثْنِي اللهُ تَعَالى مِنَ الَّلعْنَةِ الذِينَ تَابُوا وَأَحْسَنُوا العَمَلَ ، وَرَجَعُوا عَنْ كِتْمَانِ مَا أَنْزَلَ اللهُ ، وَأَظْهَرُوا لِلنَّاسِ مَا عَلِمُوهُ مِنْ أَمْرِ الرَّسُولِ وَالرِّسَالَةِ ، وَيَقُولُ تَعَالَى إِنَّهُ يَتَقَبَّلُ تَوْبَتَهُمْ ، وَيَعْفُو عَنْهُمْ ، وَيَمْحُو ذُنُوبَهُمْ .
ــــــــــــــ
__________
(1) - - انظر فتاوى الإسلام سؤال وجواب - (ج 1 / ص 1186) وفتاوى الإسلام سؤال وجواب - (ج 1 / ص 2446) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 8 / ص 983) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 10 / ص 686)
(2) - الوسيط لسيد طنطاوي - (ج 1 / ص 1)
(3) - في ظلال القرآن - (ج 1 / ص 4)
(4) - صحيح البخارى(7422 )
(5) - صحيح البخارى(5999 )
(6) - المستدرك للحاكم (194) صحيح
(7) - مسند البزار (287) صحيح(1/25)
الذين كفروا بعد إيمانهم إذا تابوا قبل فوات الأوان
قال تعالى : { كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (88) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (89) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (90) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (91) } [آل عمران/86-91]
أَسْلَمَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ ثُمَّ ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِالشِّرْكِ ، ثُمَّ نَدِمَ فَأَرْسَلَ إلَى قَوْمِهِ أنْ اسْأَلُوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - هَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ وَمَا بَعْدَهَا فَعَادَ إلى الإِسْلاَمِ .
فَالذِينَ يَرْتَدُّونَ عَنِ الإِسْلاَمِ بَعْدَ أنَ تَبَّينَ لَهُمْ هُدَاهُ ، وَقَامَتَ لَدَيْهِمِ البَرَاهِينُ عَلَى صِدْقِهِ ، وَصِدْقِ مَا جَاءَهُمْ بِهِ الرَّسُولُ ، كَيْفَ يَسْتَحِقُونَ الهِدَايَةَ؟ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : إِنَّهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَالِمِينَ أنْفُسَهُمْ ، الجَانِينَ عَلَيهَا ، لأَنَّهُمْ تَنَكَّبُوا عَنِ الطَّرِيقِ القَوِيمِ ، وَتَرَكُوا هِدَايَةَ العَقْلِ ، بَعْدَ أنْ ظَهَرَ نُورُ النُّبُوَّةِ ، وَعَرَفُوهُ بِالبَيِّنَاتِ .
وَهَؤُلاَءِ يَسْتَحِقُونَ سَخَطَ اللهِ وَغَضَبَهُ ، وَسَخَطَ المَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ جَمِيعاً ، إِذْ أَنَّهُمْ مَتَى عَرَفُوا حَقِيقَةَ حَالِهِمْ لَعَنُوهُمْ .
وَمَنْ لَعَنَهُمُ اللهُ تَعَالَى كَانَ جَزَاؤُهُمُ العَذَابَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ فِي الآخِرَةِ ، وَيَبْقَوْنَ خَالِدِينَ فِي اللَّعْنَةِ وَالعَذَابِ مَسْخُوطاً عَلَيْهِمْ إلَى الأبَدِ . وَلاَ يُفَتَّر عَنْهُمُ العَذَابُ ، وَلاَ يُخَفَّفُ سَاعَةً وَاحِدَةً ، وَلاَ يُمْهَلُونَ لِمَعْذِرَةٍ يَعْتَذِرُونَ بِهَا .
وَمِنْ لُطْفِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ أنَّ مَنْ تَابَ إِلَيهِ مِنْ عِبَادِهِ ، تَابَ اللهُ عَلَيْهِ ، فَاسْتَثْنَى ، اللهُ تَعَالَى مِنْ حُكْمِ المُرْتَدِّينَ ، الذِين تَابُوا مِنْ ذُنُوبِهِمْ ، وَأَنَابُوا إلَى رَبِهِمْ ، وَتَرَكُوا الكُفْرَ الذِي دَنَّسُوا بِهِ أنْفُسَهُمْ ، نَادِمِينَ عَلَى مَا أصَابُوا مِنْهُ ، وَأصْلَحُوا أَنْفُسَهُمْ بِصَالِحِ الأَعْمَالِ ، فَإنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيهِمْ ، وَيَقْبَلُ تَوْبَتَهُمْ ، وَيَغْفِرُ لَهُمْ لأنَّهُ تَعَالَى هُوَ الغَفُوُرُ الرَّحِيمُ .
وَقَبُولُ التَّوبَةِ مُنوطٌ بالاسْتِمْرَارِ عَلَى الإيمَانِ ، فَالذِينَ يَكْفُرُونَ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ، وَيَزْدَادُونَ فِي كُفْرِهِمْ طُغْيَاناً وَفَسَاداً ، وَإِيذَاءً لِلْمُؤْمِنِينَ ، وَيَسْتَمِرُّونَ فِي ذَلِكَ حَتَّى مَمَاتِهِمْ فإنَّ اللهَ لَنْ يَقْبَلَ التَّوْبَةَ التِي يُحْدِثُونَها وَقْتَ المَوْتِ لأَنَّها لَيْسَتْ تَوْبَةً خَالِصَةً ، وَهُؤلاءِ هُمْ أَهْلُ الضَّلاَلَةِ .
ــــــــــــــ(1/26)
التوبة من إتيان الفاحشة
قال تعالى : { وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15) وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآَذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا (16) }[النساء/15-16]
كَانَ الحُكْمُ فِي ابْتِدَاءِ الإِسْلاَمِ أنَّ المَرْأَةَ إذَا زَنَتْ ، وَثَبَتَ زِنَاهَا بِالبَيِّنَةِ العَادِلَةِ ، وَهِيَ شَهَادَةُ أَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ مِنَ الرِّجَالِ العُدُولِ ، حُبِسَتْ فِي بَيْتٍ فَلاَ تُمَكَّنُ مِنَ الخُرُوجِ حَتَّى تَمُوتَ . وَبَقِيَ الحُكْمُ كَذَلِكَ حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى آيَةَ النُّورِ فَنَسَخَهَا بِالجَلْدِ لِلْبِكْرِ ، وَبِالرَّجْمِ لِلثَّيِّبِ ، وَفْقاً لِمَا جَاءَ فِي السُنَّةِ ، فَكَانَتْ هِيَ السَّبِيلُ التِي يَجْعَلُهَا اللهُ لِلْمَرْأَةِ الزَّانِيَةِ فِي قَوْلِهِ ( أَوْ يَجْعَل اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً ) .
نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي الرَّجُلَينِ إذَا فَعَلاَ اللّوَاطَةَ ، وَكَانَ الحُكْمُ أنَّهُ إذَا ثَبَتَ الفِعْلُ عَلَى الرَّجُلينِ آذَاهُما المُسْلِمُونَ بِالضَّرْبِ وَالشَّتْمِ وَالتَّعْيِيرِ ، وَهَذا العِقَابُ يُنْزَلُ بِهِما إذا لَمْ يَتُوبا وَيُصْلِحَا ، فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحا عَمَلَهُمَا وَغَيَّرا أَحْوَالَهما ، بِالإِقْبَالِ عَلَى الطَّاعَاتِ ، وَتَزْكِيَةِ النَّفْسِ مِنْ أدْرَانِ المَعَاصِي التِي فَرَطَتْ مِنْهُما ، فَيَأمُرُ اللهُ تَعَالَى بِالكَفِّ عَن إِيْذَائِهِمَا بِالقَوْلِ وَالفِعْلِ ، لأنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَى العَبْدِ التَّائِبِ ، وَهُوَ وَاسِعُ الرَّحْمَةِ .
وَبَقِيَ الحُكْمُ كَذَلِكَ حَتَّى نَسَخَ بِآيَةِ الجَلْدِ مِنْ سُورَةِ النُّور ، وَبِالسُّنَّةِ فِي رَجْمِ المُحْصَنِ ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - " مَنْ رَأَيْتُمُوهُ يَعْمَلْ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الفَاعِلَ وَالمَفْعُولِ بِهِ "(1)
ــــــــــــــ
__________
(1) - سنن أبى داود(4464) صحيح(1/27)
وقت قبول التوبة
قال تعالى : { إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18)} [النساء/17-19]
إنَّ التَوْبَةَ التِي أَوْجَبَ اللهُ تَعَالَى عَلى نَفْسِهِ الكَرِيمَةِ قُبُولَها بِوَعْدِهِ كَرَماً مِنْهُ وَتَفْضُّلاً ، لَيْسَت إلاَّ لَِمَنْ يَجْتَرِحَ السَّيِّئَاتِ بِجَهَالةٍ تُلاَبِسُ النَّفْسَ مِنْ ثَوْرَةِ غَضَبٍ ، أوْ تَغَلُّبِ شَهْوَةٍ ، ثُمَّ لاَ يَلْبَثُ أنْ يَنْدَمَ عَلَى مَا فَرًَّطَ مِنْهُ ، وَيُنِيبُ إلى رَبِّهِ ، وَيَتُوبُ وَيُقْلِعَ عَنْهَا . فَأولَئِكَ الذِينَ فَعَلُوا الذُّنُوبَ بِجَهَالَةٍ وَتَابُوا بَعْدَ زَمَنٍ قَلِيلٍ ، يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِم ، لأنَّ الذُنُوبَ لَمْ تَتَرَسَّخُ فِي نُفُوسِهِمْ وَلَم يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ.
وَاللهُ تَعَالَى عَلِيمٌ بِضَعْفِ عِبَادِهِ ، وَأَنَّهُم لاَ يَسْلَمُونَ مِنْ عَمَلِ السُّوءِ ، فَشَرَعَ بِحِكْمَتِهِ قَبولَ التَّوْبَةِ ، فَفَتَحَ لَهُمْ بَابَ الفَضِيلةِ ، وَهَدَاهُمْ الى مَحْوِ السَّيِّئَةِ .
أمَّا الذِينَ يَفْعَلُونَ السَّيِّئَاتِ ، وَيَسْتَمِرُّونَ فِي فِعْلِهَا وَهُمْ مُصِرُّونَ عَلَيها ، وَلاَ يَتُوبُونَ حَتَّى آخِرِ لَحْظَةٍ مِنْ حَيَاتِهِم ، أيْ حَتَّى يَحْضُرُهُمْ مَلَكُ المَوْتِ ، فَيَقُولُونَ : تُبْنَا الآنَ ، وَالذِين يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ، فَهَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ يَتَوَعَّدُهُمُ اللهُ تَعَالَى بِالعَذَابِ الأَلِيمِ المُوجِعِ الذِي أَعَدَّهُ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ . ( وَجَعَلَ اللهُ تَوْبَةَ التَّائِبِ وَهُوَ عَلى فِرَاشِ المَوْتِ غَيْرَ مَقْبُولَةٍ ) .
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ »(1).
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِىِّ قَالَ اجْتَمَعَ أَرْبَعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ أَحَدُهُمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِيَوْمٍ ». فَقَالَ الثَّانِى أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ َعَمْ. قَالَ َأَنَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِنِصْفِ يَوْمٍ ». فَقَالَ الثَّالِثُ نْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ نَعَمْ. قَالَ وَأَنَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِضَحْوَةٍ ». قَالَ الرَّابِعُ أنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ نَعَمْ. قَالَ َأَنَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ بِنَفْسِهِ »(2).
وعن أَيُّوبَ قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو ، يَقُولُ : مَنْ تَابَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِعَامٍ تِيبَ عَلَيْهِ ، وَمَنْ تَابَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِيَوْمٍ تِيبَ عَلَيْهِ ، وَمَنْ تَابَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَاعَةٍ تِيبَ عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ : إِنَّمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً} (17) سورة النساء , قَالَ : إِنَّمَا أُحَدِّثُكَ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - .(3)
وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ سَلْمَانَ ، أَنَّ أَبَا ذَرٍّ ، حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ عَبْدِهِ مَا لَمْ يَقَعِ الْحِجَابُ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا وقُوعُ الْحِجَابِ ؟ قَالَ : أَنْ تَمُوتَ النَّفْسُ وَهِيَ مُشْرِكَةٌ.(4)
ــــــــــــــ
__________
(1) - سنن الترمذى(3880) صحيح لغيره -يغرغر : تبلغ روحه الحلقوم
(2) - مسند أحمد (15898) و تفسير ابن أبي حاتم(5045) حسن لغيره
(3) - مسند الطيالسي(2398) حسن لغيره
(4) - مسند الشاميين(195) ومسند البزار(4055) حسن(1/28)
كفارة قتل المؤمن خطأ
قال تعالى : {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92) } [النساء/92]
يَقُولُ اللهُ تَعَالَى : لاَ يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِن ، وَلاَ يَجُوزُ لَهُ ، أَنْ يَقْتُلَ أخَاهُ المُؤْمِنَ مُتَعَمِّداً ، لأنَّ الإِيمَانَ يَمْنَعُهُ مِنِ اجْتِراحِ هَذِهِ الكَبِيرَةِ ، لَكِنْ قَدْ يَقَعُ القَتْلُ مِنْهُ عَنْ خَطأ دُونَ قَصْدِ إِزْهَاقِ الرُّوحِ ، وَقَدْ يَقَعُ مِنْهُ ذَلِكَ أَيْضاً عَن تَهَاوُنٍ أَوْ عَدَمِ عِنَايَةٍ أَوْ نِسْيَانٍ . . . فَإِذا قَتَلَ مُؤْمِنٌ مُؤْمِناً خَطَأ ، كَأنْ أَرَادَ رَمْيَ صَيْدٍ فَأَصَابَ شَخْصاً فَقَتَلَهُ فَحُكْمُهُ كَالآتِي :
- إذا قَتَلَ المُؤْمِنُ مُؤْمِناً خَطَأً فَعَلَيهِ أَنْ يَدْفَعَ الدِيَةَ إلَى أَهْلِ القَتِيلِ ، إلاَّ أنْ يَعْفُوَ عَنْهُ هَؤُلاَءِ ، وَيَتَصَدَّقُوا عَلَيهِ بِهَا ، وَعَلَيهِ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً .
- إذَا كَانَ المَقْتُولُ مُؤْمِناً وَلَكِنَّهُ مِنْ قَوْمٍ أَعْدَاءٍ ، فَعَلَى القَاتِلِ أنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً كَفَّارَةَ عَمَلِهِ ، وَلاَ تُدْفَعُ لأَهْلِهِ دِيَةٌ لِكَيْلاَ يَسْتَعِينُوا بِهَا عَلَى قِتَالِ المُسْلِمِينَ .
- إذَا كَانَ المَقْتُولُ مُؤْمِناً مِنْ قَومٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ قَوْمِ القَاتِلِ مِيثَاقٌ ، وَعَهْدٌ عَلَى عَدَمِ القِتَالِ ، فَعَلَيهِ أَنْ يَدْفَعَ إليهِم الدِيَةَ ، وَعَلَيهِ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً .
فَإذا لَمْ يَجِدِ القَاتِلُ الدِيَةَ ، وَلَمْ يَسْتَطِعْ تَحْرِيرَ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ لِعَجْزِهِ عَنْ دَفْعِ قِيمَتِهَا ، أَوْ لِعَدَمِ اسْتِطَاعَتِهِ إِيجَادَ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ يَشْتَرِيها . . فَعَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ شَهْرِينِ مُتَتَابِعَيْنِ ، لاَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا إِفْطَارٌ بِدُونِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ ، فَإِنْ أَفْطَرَ بِدُونِ عُذْرٍ كَانَ مَا صَامَهُ قَبْلاً بَاطِلاً ، وَعَلَيهِ أنْ يُعِيدَ الصِّيَامَ مِنْ جَدِيدٍ حَتَّى يُتِمَّ شَهْرَينِ مُتَتَابِعَينِ . وَذَلِكَ تَكْفِيرٌ مِنْهُ عَنْ ذَنْبِهِ .
وَكَانَ اللهُ عَليماَ بِمَا يَفْعَلُهُ العِبَادُ ، حَكِيماً فِي شَرْعِهِ لَهُمْ مَا يُصْلِحُهُمْ .
ــــــــــــــ(1/29)
توبة السارق والسارقة
قال تعالى : {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39)} [المائدة/38، 39]
يَأمُرُ اللهُ تَعَالَى بِقَطْعِ يَدِ السَّارِقِ وَالسَّارِقَةِ ، وَكَانَ القَطْعُ مَعْمَولاً بِهِ فِي الجَاهِلِيَّةِ ، فَقَرَّرَهُ الإِسْلاَمُ ، وَجُعِلَتْ لَهُ شُرُوطٌ .
- الإِمامُ مَالِكٌ جَعَلَ النِّصَابَ الذِي يَسْتَوجِبُ قَطْعَ اليَدِ ثَباثَةَ دَرَاهِمَ ، مَتَى سَرَقَهَا أوْ سَرَقَ مَا يَبْلُغُهَا ثَمَناً وَجَبَ القَطْعُ .
- الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ جَعَلَ النِّصَابَ رُبعَ دِينارٍ أوْ مَا يَسَاوِيهِ .
- الإِمَامِ أحْمَدُ يَرَى أنَّ كلاً مِنَ الدَّرَاهِمِ الثَّلاثَةِ وَرُبْعِ الدِّينَارِ مَرَدٌّ شَرْعِيٌّ فَمَنْ سَرَقَ وَاحداً مِنْهُمَا أوْ مَا يُسَاوِيهِ قُطِعَ .
- الإِمَامُ أبُو حَنيفَةَ وَزُفَرٌ جَعَلاَ النِّصَابَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مَضْرُوبَةٍ غَيْرَ مَغْشُوشَةٍ لأنَّ التَرْسَ التِي قَطَعَ النَّبيُّ يَدَ سَارِقِها كَانَ ثَمَنُهَا عَشرةَ دَرَاهِمَ . وَجَعَلَ اللهُ عُقُوبَةَ القَطْعِ وَسِيلَةً تَرْدَعُ مَنْ فَكَّرَ فِي السَّرِقَةِ عَنِ الإقْدَامِ عَلَيْهَا ( نَكَالاً مِنَ اللهِ ) ، وَجَزَاءً لِلسَّارِقِ عَلَى ارْتِكَابِ فِعْلِ السَّرِقَةِ . وَاللهُ عَزِيزٌ فِي انْتِقَامِهِ ، حَكِيمٌ فِي أمْرِهِ وَنَهْيهِ وَشَرْعِهِ وَقَدَرِهِ ، فَمَا أمَرَ بِأَمْرٍ إِلاَّ وَهُوَ صَلاحٌ ، وَلاَ نَهَى عَنْ أَمْرٍ إِلا وَهُوَ فَسَادٌ
فَمَنْ تَابَ مِنَ السَّارِقِينَ ، بَعْدَ سَرِقَتِهِ ، وَأنَابَ إلى اللهِ ، فَإنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ . . . أمَّا أمْوَالُ النَّاسِ فَلاَ بُدَّ مِنْ رَدِّهَا إلَيْهِمْ ، أَوْ رَدِّ بَدَلِهَا .وَيَقُولُ أبو حَنِيفَةَ : مَتَى قُطِعَتْ يَدُ السَّارِقِ ، فَإنَّهُ لاَ يَرُدُّ بَدَلَ المَالِ المَسْرُوقِ إلى صَاحِبِهِ إذا هَلَكَ المَسْرُوقُ فِي يَدِهِ .وَتَثْبُتُ السَّرِقَةِ بِالإِقْرَارِ أوِ البَيِّنَةِ ، وَيَسْقُطُ الحَدَّ بِالعَفْوِ عَنِ السَّارِقِ قَبْلَ رَفْعِ أمْرِهِ إلَى الإِمَامِ .
ــــــــــــــ(1/30)
دعوة المشركين إلى التوبة من الشرك
قال تعالى : {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76) }[المائدة/73-76]
يُؤَكِّدُ اللهُ تَعَالَى أنَّ الذِينَ قَالُوا إنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ هُمْ كُفَّارٌ ، وَأنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ إلاَّ إلَه وَاحِدٌ ، وَهُوَ رَبُّ جَمِيعِ الكَائِنَاتِ وَإلهُهَا . وَيَتَوعَدُ اللهُ القَائِلِينَ ( إنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ مِنَ الأَقَانِيمِ ) ، وَيَتَهَدَّدُهُمْ بِأَنَّهُمْ إنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَهُ مِنَ الكَذِبِ وَالافْتِرَاءِ ، لَيَمَسَّنَّ الذِينَ كَفُرُوا مِنْهُمْ ، عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدَّارِ الآخِرَةِ .
يَقُولُ تَعَالَى كَيْفَ يَسْمَعُ هَؤُلاَءِ مَا ذُكِرَ مِنَ التَّفْنِيدِ لأَقْوَالِهِمْ ، وَالوَعِيدِ عَلَيْهَا ، ثُمَّ لاَ يَحْمِلُهُمْ ذَلِكَ عَلَى التَّوْبَةِ وَالرُّجُوعِ إلَى التَّوْحِيدِ ، وَعَلَى اسْتِغْفَارِ اللهِ عَمَّا فَرَّطَ مِنْهُمْ؟ ثُمَّ يَحُثُهُمْ تَعَالَى عَلَى طَلَبِ المَغْفِرَةِ مِنَ اللهِ لِيَتُوبَ عَلَيْهِم سُبْحَانَهُ ، وَهُوَ الجَوَادُ الكَرِيمُ .
المَسيحُ عَبْدٌ مِنْ عِبَادِ اللهِ ، أنْعَمَ اللهُ عَلَيهِ بِالرِّسَالَةِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْهُ رُسُلٌ مِنَ اللهِ ، وَلَهُ أسْوَةٌ بِهِمْ . وَأمُّهُ مُؤْمِنَةٌ مٌصَدِّقَةٌ لَهُ ( صِدِّيقَةٌ - وَهَذا أعْلَى مَقَامَاتِهَا فَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى أنَّها لَيْسَتْ نَبِيّةً ) ، وَكَانَ المَسِيحُ وَأمُّهُ يَحْتَاجَانِ إلى الطَّعَامِ وَالغِذاءِ ، وَمَا يَسْتَتْبِعُ الطَّعَامَ وَالغِذَاءَ ، فَهُمَا مَخْلُوقَانِ مِنَ البَشَرِ ، وَلاَ يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا إلهاً خَالِقاً ، وَلاَ رَبّاً مَعْبُوداً . فَانْظُرْ يَا مُحَمَّدٌ كَيْفَ نُوَضِّحُ لَهُمُ الآيَاتِ وَنُظْهِرُهَا ، ثُمَّ انْظُرْ ، بَعْدَ ذَلِكَ التَّوْضِيحِ ، أيْنَ يَذْهَبُونَ ، وَبأيِّ قَوْلٍ يَتَمَسَّكُونَ ، وَكَيْفَ يُصْرَفُونَ عَنِ الحَقِّ؟
يُنْكِرُ اللهُ تَعَالَى عَلَى الذِينَ يَعْبُدُونَ الأَصْنَامَ وَالأنْدَادَ وَالأوْثَانَ وَالمَخْلُوقَاتِ ، ضَلاَلَهُمْ وَكُفْرَهُمْ وَعِبَادَتَهُمْ مَا لاَ يَضُرُّ وَلاَ يَنْفَعُ ، فَيَقُولُ لِنَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - : قُلْ لِهَؤُلاَءِ النَّصَارَى وَأَمْثَالِهِمْ مِمَّنْ عَبَدُوا غَيْرَ اللهِ : أَتَتْرُكُونَ عِبَادَةَ اللهِ الوَاحِدِ الأحَدِ ، وَهُوَ القَوِيُّ القَادِرُ ، الخَالِقُ السَّمِيعُ العَلِيمُ ، وَتَعْبدُونَ مَا لا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ وَلاَ لِغَيْرِهِ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً؟ وَلاَ حَيَاةً وَلاَ نُشُوزاً ، مِنْ بَشَرٍ وَصَنَمٍ وَأنْدَادٍ؟
ــــــــــــــ(1/31)
الأمر بجهاد المنافقين إلا إذا تابوا
قال تعالى :{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (74) } [التوبة/73-74]
يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم - بِأَنْ يَبْذُلَ الْجَهْدَ فِي مُقَاوَمَةِ الكُفَّارِ وَالمُنَافِقِينَ ، الذِينَ يَعِيشُونَ بَيْنَ ظَهْراني المُسْلِمِينَ ، مِثْلَما تَبْذُلُهُ هَاتَانِ الطَّائِفَتَانِ فِي عَدَاوَةِ الرَّسُولِ وَالمُسْلِمِينَ ، كَمَا يَأْمُرُهُ بِمُعَامَلَتِهِمَا بِالشِّدَّةِ وَالغَلْظَةِ لِتَرْتَدِعَا ، وَيَرْتَدِعَ مَنْ خَلْفَهُمَا . وَمُجَاهَدَةُ الْكُفَّارِ تَكُونُ بِِالسَّيْفِ ، وَمُجَاهَدَةِ المُنَافِقِينَ تَكُونُ بِالْحُجَّةِ وَالْبُرْهَانِ ، وَسَيَكُونُ مَصِيرُ الكُفَّارِ وَالمُنَافِقِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ، وَيَخْلُدُونَ فِيهَا أَبداً ، وَبِذَلِكَ يَجْتَمِعُ لَهُمْ خِزْيُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ .
نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ بِحَقِّ رَئِيسِ المُنَافِقِينَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ ، فَقَدِ اخْتَصَمَ غُلاَمٌ مِنْ جُهَيْنَةَ ، وَغُلاَمٌ مِنَ الأَنْصَارِ وَهُمَا عَلَى المَاءِ فِي بَعْضِ الغَزَوَاتِ ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ لِلأَنْصَارِ : أَلاَ تَنْصُرُونَ أَخَاكُمْ؟ وَاللهِ مَا مَثَلُنَا وَمَثَلٍ مُحَمَّدٍ إِلاَّ كَمَا قَالَ القَائِلُ : سَمِّنْ كَلْبَكَ يَأْكُلْكَ . وَقَالَ : ( وَاللهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعْزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ ) .
فَسَعَى بِهَا غُلاَمٌ اسْمُهُ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ إَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ إَلَى عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ ، فَجَعَلَ يَحْلُفُ بِاللهِ مَا قَالَهُ ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ تَكْذِيباً لَهُ . وَفِيهَا عَدَّ اللهُ تَعَالَى المُنَافِقِينَ قَدْ كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ . كَمَا أَنَّ بَعْضَهُمْ قَدْ هَمَّ بِالفَتْكِ بِرَسُولِ اللهِ وَهُوَ مُنْصَرِفٌ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَنَالُوا ذَلِكَ لأَنَّ اللهَ قَدْ عَصَمَهُ مِنَ النَّاسِ ، وَلَيْسَ لِلْرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ ذَنْبٍ عِنْدَ هَؤُلاَءِ المُنَافِقِينَ يَقْتَضِي مِنْهُمْ هَذِهِ الكَرَاهِيَةَ لِمُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - وَالإِسْلاَمِ ، وَهَذِهِ الرَّغْبَةَ فِي الانْتِقَامِ ، إِلاَّ أَنَّ اللهَ قَدْ أَغْنَاهُمْ بِبَرَكَةِ رَسُولِهِ الكَرِيمِ ، وَيُمْنِ سَعَادَتِهِ بِمَا أَصَابُوا مِنَ الغَنَائِمِ . ثُمَّ دَعَاهُمُ اللهُ تَعَالَى إِلَى التَّوْبَةِ مِنَ النِّفَاقِ ، وَمَا يَصْدُرُ عَنْهُمْ مِنْ سَيءِ الأَقْوَالِ وَالأَفْعَالِ ، لأنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ لَهُمْ . أَمَّا إِذَا أَصَرُّوا عَلَى مَسْلَكِهِمْ ، وَرَفَضُوا التَّوْبَةَ فَإِنَّ اللهَ سَيُعَذِّبَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيَا بِالقَتْلِ وَالهَمِّ وَالغَمِّ ، وَيُعَذِّبُهُمْ فِي الآخِرَةِ بِالنَّكَالِ وَالهَوَانِ وَالصَّغَارِ وَالعَذَابِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ، وَلَيْسَ فِي الأَرْضِ مَنْ يَسْتَطِيعُ إِنْجَادَهُمْ وَنَصْرَهُمْ مِنْ بَأْسِ اللهِ وَعَذَابِهِ ، وَدَفْعِ السُّوءِ وَالمَذَلَّةِ عَنْهُمْ .
ــــــــــــــ(1/32)
من خلط عملا صالحا بعمل سيء واعترف بذنبه يتوب الله عليه
قال تعالى :{ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102)} [التوبة/101-102]
يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى أَنَّ فِي أَحْيَاءِ العَرَبِ ، مِمَّنْ هُمْ حَوْلَ المَدِينَةِ ، مُنَافِقِينَ ، كَمَا يُوجَدُ مُنَافِقُونَ بَيْنَ أَهْلِ المَدِينَةِ ، وَقَدْ تَمَرَّنُوا عَلَى النِّفَاقِ ، وَحَذَقُوهُ ، حَتَّى بَلَغُوا بِهِ الغَايَةَ فِي إِتْقَانِهِ ، وَأَصْبَحَ مِنَ الصَّعْبِ العَسِيرِ كَشْفُهُمْ وَمَعْرِفَتُهُمْ ( مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ ) ، وَأَنْتَ يَا مُحَمَّدُ لاَ تَعْرِفُهُمْ ، وَلَكِنَّ اللهَ يَعْرِفُهُمْ ، وَسَيُعَذِّبُهُمْ فِي الدًُّنْيَا مَرَّتِينِ :
أُولاهُمَا : - فِيمَا يُصِيبُهُمْ مِنَ المَصَائِبِ وَالخَوْفِ مِنَ الفَضِيحَةِ بِهَتْكِ أَسْتَارِهِمْ .
وَثَانِيَتَهما - فِي آلاَمِ المَوْتِ ، وَضَرْبِ المَلاَئِكَةِ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ حِينَ قَبْضِ أَرْوَاحِهِمْ .
بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى حَالَ المُتَخَلِفِينَ عَنِ الجِهَادِ تَكْذِيباً وَشكّاً ، شَرَعَ فِي بَيَانِ حَالِ المُتَخَلِّفِينَ عَنِ الجِهَادِ كَسَلاً ، مَعَ إِيمَانِهِمْ وَتَصْدِيقِهِمْ بِالحَقِّ ، فَقَالَ : وَهُنَاكَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ ، وَأَقرُّوا بِهَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَبِّهِمْ ، لَهُمْ أَعْمَالٌ صَالِحَةٌ خَلَطُوا بِهَا أَعْمَالاً سَيِّئَةً ، هِيَ تَقَاعُسُهُمْ عَنِ الخُرُوجِ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَتِهِ ، وَقُعُودُهُمْ عَنِ الخُرُوجِ مَعَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ ، فَهَؤُلاَءِ تَحْتَ عَفْوِ اللهِ وَغُفْرَانِهِ ، وَقَدْ يُوَفِّقُهُمْ إلى التَّوْبَةِ الصَّحِيحَةِ ، فَيَغْفِرُ لَهُمْ لأنَّهُ تَعَالَى هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ .
( وَرُوِيَ أَنَّ هَذِه ِالآيَةَ نَزَلَتْ فِي أَبِي لُبَابَةَ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ، تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ ، فَلَمَّا رَجَعَ الرَّسُولُ مِنْ غَزْوَتِهِ ، رَبَطُوا أَنْفُسَهُمْ بِسَوارِي المَسْجِدِ ، وَحَلَفُوا لاَ يَحُلُّهُمْ إِلاَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَة أَطْلَقَهُمْ رَسُولُ اللهِ ، وَعَفَا عَنْهُمْ )(1).
وعن سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ - رضي الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَنَا « أَتَانِى اللَّيْلَةَ آتِيَانِ فَابْتَعَثَانِى ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى مَدِينَةٍ مَبْنِيَّةٍ بِلَبِنِ ذَهَبٍ وَلَبِنِ فِضَّةٍ ، فَتَلَقَّانَا رِجَالٌ شَطْرٌ مِنْ خَلْقِهِمْ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ ، وَشَطْرٌ كَأَقْبَحِ مَا أَنْتَ رَاءٍ قَالاَ لَهُمُ اذْهَبُوا فَقَعُوا فِى ذَلِكَ النَّهْرِ . فَوَقَعُوا فِيهِ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَيْنَا قَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ السُّوءُ عَنْهُمْ ، فَصَارُوا فِى أَحْسَنِ صُورَةٍ قَالاَ لِى هَذِهِ جَنَّةُ عَدْنٍ ، وَهَذَاكَ مَنْزِلُكَ قَالاَ أَمَّا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَانُوا شَطْرٌ مِنْهُمْ حَسَنٌ وَشَطْرٌ مِنْهُمْ قَبِيحٌ فَإِنَّهُمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُمْ »(2).
ــــــــــــــ
__________
(1) - انظر تفسير ابن كثير - (ج 6 / ص 466)
(2) - صحيح البخارى (4674 )(1/33)
الصدقةُ تكفِّر الذنوب والآثام
قال تعالى : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104) } [التوبة/103-104]
يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم - بِأَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَمْوَالِ الذِينَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ ، صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ مِنْ دَنَسِ البُخْلِ ، وَالطَّمَعِ ، وَالقَسْوَةِ عَلَى الفُقَرَاءِ ، وَتُزَكِّي بِهَا أَنْفُسَهُمْ ، وَتَرْفَعُهُمْ إِلَى مَنَازِلِ الأَبْرَارِ بِفِعْلِ الخَيْرَاتِ حَتَّى يَكُونُوا أَهْلاً لِلسَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ . ثُمَّ أَمَرَ اللهُ رَسُولَهُ بِأَنْ يَدْعُوَ لَهُمْ ، وَيَسْتَغْفِرَ لَهُمْ ( وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ) ، لأنًّ صَلاَةَ الرَّسُولِ رَحْمَةٌ بِهِمْ ، وَرَاحَةٌ لأَنْفُسِهِمْ ، وَاللهُ سَمِيعٌ لاعْتِرَافِهِمْ بِذُنُوبِهِمْ ، وَسَمِيعٌ لِدُعَاءِ الرَّسُولِ لَهُمْ ، عَلِيمٌ بِإِخْلاَصِهِمْ فِي تَوْبَتِهِمْ ، وَنَدَمِهِمْ مِن هَذِهِ الذُّنُوبِ.
يَحُثُّ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ عَلَى التَّصَدُّقِ ، وَعَلَى التَّوْبَةِ ، وَهُمَا الوَسِيلَتَانِ الَّلتَانِ يَحُطُّ بِهِمَا الذُّنُوبَ عَنْ عِبَادِهِ ، وَيُخْبِرُ اللهُ أَنَّهُ هُوَ وَحْدَهُ الذِي يَقْبَلُ تَوْبَةَ عِبَادِهِ ، وَأَنَّ مَنْ تَابَ إَلَى اللهِ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ ، وَمَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ مِنْ كَسْبٍ حَلاَلٍ فَإِنَّهُ يَتَقَبَّلُها بِيَمِينِهِ ، فَيُرَبِّيها لِصَاحِبِهَا حَتَّى تُصْبِحَ التَّمْرَةُ مِثْلَ جَبَلِ أُحُدٍ .
ــــــــــــــ(1/34)
التوبة على الثلاثة الذين خلِّفوا عن غزوة تبوك
قال تعالى :{ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) } [التوبة/117-118]
نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ التِي كَانَتْ فِي سَنَةِ جَدْبٍ ، وَوَقْتَ حَرٍّ شَديدٍ ، وَعُسْرٍ فِي الزَّادِ وَالمَاءِ ، وَقَدْ أَكْرَمَ اللهَ تَعَالَى المَهُاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ الذِينَ اتَّبَعُوا رَسُولَ اللهِ فِي وَقْتِ عُسْرَةٍ مِنَ النَّفَقَةِ وَالظَّهْرِ وَالزَّادِ ، بِالتَّوْبَةِ عَلَيْهِمْ لِصِدْقِ إِيمَانِهِمْ بِاللهِ ، وَلاسْتِجَابَتِهِمْ لِدَعْوَةِ رَسُولِهِ الكَرِيمِ ، بَعْدَ أَنْ كَادَتْ تَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنَ المُسْلِمِينَ عَنِ الحَقِّ ، وَهُمُ الذِينَ تَخَلَّفُوا لِغَيْرِ عِلَّةِ النِّفَاقِ مِمَّنْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً ، وَاعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ ، لِعِظَمِ مَا نَالَهُمْ مِنَ المَشَقَّةِ وَالشِّدَّةِ فِي سَفَرِهِمْ وَغَزْوِهِمْ . ثُمَّ رَزَقَهُمُ اللهُ الإِنَابَةَ إِلَيْهِ ، وَالرُّجُوعَ وَالثَّبَاتَ عَلَى دِينِهِ ، فَتَابَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَإِنَّهُ تَعَالَى رَؤُوفٌ رَحِيمٌ بِهِمْ .
الثَّلاَثَةُ هُمْ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ ، وَمَرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ ، وَهِلاَلُ بْنُ أُمَيَّةَ الوَاقِفِي ، وَهَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ تَخَلَّفُوا عَنْ غَزْوَةِ تَبُوك ، وَاعْتَرَفُوا لِلرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُمْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ أَعْذَارٌ ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " قُومُوا حَتَّى يَقْضِي اللهُ فِي أَمْرِكُمْ " وأَمْر الرَّسُولُ النَّاسَ أَنْ لاَ يُكَلِّمُوهُمْ ، فَفَعَلُوا حَتَّى ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ عَلَى رَحْبِهَا وَسَعَتِهَا ، وَضَاقَتْ أَنْفُسُهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ، لِمَا كَانُوا يَشْعُرُونَ بِهِ مِنْ ضِيقِ صُدُورِهِمْ بِامْتِلاَئِهَا بِالهَمِّ وَالغَمِّ ، وَلَبِثُوا فِي ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً ، ثُمَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ، وَفِيهَا التَّوْبَةُ عَلَيهِمْ .
وَقَالَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الآيَةِ : إِنَّهُ عَطَفَ عَلَيْهِمْ ، وَأَنْزَلَ قبُولَ تَوْبَتِهِمْ لِيَتُوبُوا وَيَرْجِعُوا إِلَيْهِ ، بَعْدَ أَنْ قَصَّرُوا فِي اتِّبَاعِ رَسُولِهِ إِلَى الغَزَاةِ ، فَكَانَ عَاقِبَةُ صِدْقِهِمْ خَيْراً لَهُمْ ، وَتَوْبَةً عَلَيْهِمْ .
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ - وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَمِىَ - قَالَ سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ قِصَّةِ تَبُوكَ قَالَ كَعْبٌ لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى غَزْوَةٍ غَزَاهَا إِلاَّ فِى غَزْوَةِ تَبُوكَ ، غَيْرَ أَنِّى كُنْتُ تَخَلَّفْتُ فِى غَزْوَةِ بَدْرٍ ، وَلَمْ يُعَاتِبْ أَحَدًا تَخَلَّفَ ، عَنْهَا إِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ ، حَتَّى جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ وَلَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ حِينَ تَوَاثَقْنَا عَلَى الإِسْلاَمِ ، وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِى بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ ، وَإِنْ كَانَتْ بَدْرٌ أَذْكَرَ فِى النَّاسِ مِنْهَا ، كَانَ مِنْ خَبَرِى أَنِّى لَمْ أَكُنْ قَطُّ أَقْوَى وَلاَ أَيْسَرَ حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْهُ فِى تِلْكَ الْغَزْوَةِ ، وَاللَّهِ مَا اجْتَمَعَتْ عِنْدِى قَبْلَهُ رَاحِلَتَانِ قَطُّ حَتَّى جَمَعْتُهُمَا فِى تِلْكَ الْغَزْوَةِ ، وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُرِيدُ غَزْوَةً إِلاَّ وَرَّى بِغَيْرِهَا ، حَتَّى كَانَتْ تِلْكَ الْغَزْوَةُ ، غَزَاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى حَرٍّ شَدِيدٍ ، وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا وَمَفَازًا وَعَدُوًّا كَثِيرًا ، فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ ، فَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الَّذِى يُرِيدُ ، وَالْمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَثِيرٌ ، وَلاَ يَجْمَعُهُمْ كِتَابٌ حَافِظٌ - يُرِيدُ الدِّيوَانَ - قَالَ كَعْبٌ فَمَا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَتَغَيَّبَ إِلاَّ ظَنَّ أَنْ سَيَخْفَى لَهُ مَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ وَحْىُ اللَّهِ ، وَغَزَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تِلْكَ الْغَزْوَةَ حِينَ طَابَتِ الثِّمَارُ وَالظِّلاَلُ ، وَتَجَهَّزَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ ، فَطَفِقْتُ أَغْدُو لِكَىْ أَتَجَهَّزَ مَعَهُمْ فَأَرْجِعُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا ، فَأَقُولُ فِى نَفْسِى أَنَا قَادِرٌ عَلَيْهِ . فَلَمْ يَزَلْ يَتَمَادَى بِى حَتَّى اشْتَدَّ بِالنَّاسِ الْجِدُّ ، فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ وَلَمْ أَقْضِ مِنْ جَهَازِى شَيْئًا ، فَقُلْتُ أَتَجَهَّزُ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ أَلْحَقُهُمْ ، فَغَدَوْتُ بَعْدَ أَنْ فَصَلُوا لأَتَجَهَّزَ ، فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا ، ثُمَّ غَدَوْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا ، فَلَمْ يَزَلْ بِى حَتَّى أَسْرَعُوا وَتَفَارَطَ الْغَزْوُ ، وَهَمَمْتُ أَنْ أَرْتَحِلَ فَأُدْرِكَهُمْ ، وَلَيْتَنِى فَعَلْتُ ، فَلَمْ يُقَدَّرْ لِى ذَلِكَ ، فَكُنْتُ إِذَا خَرَجْتُ فِى النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَطُفْتُ فِيهِمْ ، أَحْزَنَنِى أَنِّى لاَ أَرَى إِلاَّ رَجُلاً مَغْمُوصًا عَلَيْهِ النِّفَاقُ أَوْ رَجُلاً مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ مِنَ الضُّعَفَاءِ ، وَلَمْ يَذْكُرْنِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ ، فَقَالَ وَهْوَ جَالِسٌ فِى الْقَوْمِ بِتَبُوكَ « مَا فَعَلَ كَعْبٌ » . فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِى سَلِمَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، حَبَسَهُ بُرْدَاهُ وَنَظَرُهُ فِى عِطْفِهِ . فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ بِئْسَ مَا قُلْتَ ، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إِلاَّ خَيْرًا . فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فَلَمَّا بَلَغَنِى أَنَّهُ تَوَجَّهَ قَافِلاً حَضَرَنِى هَمِّى ، وَطَفِقْتُ أَتَذَكَّرُ الْكَذِبَ وَأَقُولُ بِمَاذَا أَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ غَدًا وَاسْتَعَنْتُ عَلَى ذَلِكَ بِكُلِّ ذِى رَأْىٍ مِنْ أَهْلِى ، فَلَمَّا قِيلَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أَظَلَّ قَادِمًا زَاحَ عَنِّى الْبَاطِلُ ، وَعَرَفْتُ أَنِّى لَنْ أَخْرُجَ مِنْهُ أَبَدًا بِشَىْءٍ فِيهِ كَذِبٌ ، فَأَجْمَعْتُ صِدْقَهُ ، وَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَادِمًا ، وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَيَرْكَعُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ ، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ جَاءَهُ الْمُخَلَّفُونَ ، فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ ، وَيَحْلِفُونَ لَهُ ، وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلاً فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلاَنِيَتَهُمْ ، وَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ ، وَوَكَلَ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ ، فَجِئْتُهُ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ ، ثُمَّ قَالَ « تَعَالَ » . فَجِئْتُ أَمْشِى حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَقَالَ لِى « مَا خَلَّفَكَ أَلَمْ تَكُنْ قَدِ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ » . فَقُلْتُ بَلَى ، إِنِّى وَاللَّهِ لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ، لَرَأَيْتُ أَنْ سَأَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ ، وَلَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلاً ، وَلَكِنِّى وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى بِهِ عَنِّى لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يُسْخِطَكَ عَلَىَّ ، وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ عَلَىَّ فِيهِ إِنِّى لأَرْجُو فِيهِ عَفْوَ اللَّهِ ، لاَ وَاللَّهِ مَا كَانَ لِى مِنْ عُذْرٍ ، وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى وَلاَ أَيْسَرَ مِنِّى حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ ، فَقُمْ حَتَّى يَقْضِىَ اللَّهُ فِيكَ » . فَقُمْتُ وَثَارَ رِجَالٌ مِنْ بَنِى سَلِمَةَ فَاتَّبَعُونِى ، فَقَالُوا لِى وَاللَّهِ مَا عَلِمْنَاكَ كُنْتَ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا قَبْلَ هَذَا ، وَلَقَدْ عَجَزْتَ أَنْ لاَ تَكُونَ اعْتَذَرْتَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمَا اعْتَذَرَ إِلَيْهِ الْمُتَخَلِّفُونَ ، قَدْ كَانَ كَافِيَكَ ذَنْبَكَ اسْتِغْفَارُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَكَ ، فَوَاللَّهِ مَا زَالُوا يُؤَنِّبُونِى حَتَّى أَرَدْتُ أَنْ أَرْجِعَ فَأُكَذِّبُ نَفْسِى ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ هَلْ لَقِىَ هَذَا مَعِى أَحَدٌ قَالُوا نَعَمْ ، رَجُلاَنِ قَالاَ مِثْلَ مَا قُلْتَ ، فَقِيلَ لَهُمَا مِثْلُ مَا قِيلَ لَكَ . فَقُلْتُ مَنْ هُمَا قَالُوا مُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ الْعَمْرِىُّ وَهِلاَلُ بْنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِىُّ . فَذَكَرُوا لِى رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا فِيهِمَا إِسْوَةٌ ، فَمَضَيْتُ حِينَ ذَكَرُوهُمَا لِى ، وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلاَمِنَا أَيُّهَا الثَّلاَثَةُ مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ ، فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ وَتَغَيَّرُوا لَنَا حَتَّى تَنَكَّرَتْ فِى نَفْسِى الأَرْضُ ، فَمَا هِىَ الَّتِى أَعْرِفُ ، فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً ، فَأَمَّا صَاحِبَاىَ فَاسْتَكَانَا وَقَعَدَا فِى بُيُوتِهِمَا يَبْكِيَانِ ، وَأَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أَشَبَّ الْقَوْمِ وَأَجْلَدَهُمْ ، فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَشْهَدُ الصَّلاَةَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَأَطُوفُ فِى الأَسْوَاقِ ، وَلاَ يُكَلِّمُنِى أَحَدٌ ، وَآتِى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَهْوَ فِى مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلاَةِ ، فَأَقُولُ فِى نَفْسِى هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلاَمِ عَلَىَّ أَمْ لاَ ثُمَّ أُصَلِّى قَرِيبًا مِنْهُ فَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ ، فَإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صَلاَتِى أَقْبَلَ إِلَىَّ ، وَإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنِّى ، حَتَّى إِذَا طَالَ عَلَىَّ ذَلِكَ مِنْ جَفْوَةِ النَّاسِ مَشَيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حَائِطِ أَبِى قَتَادَةَ وَهْوَ ابْنُ عَمِّى وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَىَّ ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، فَوَاللَّهِ مَا رَدَّ عَلَىَّ السَّلاَمَ ، فَقُلْتُ يَا أَبَا قَتَادَةَ ، أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُنِى أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَسَكَتَ ، فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ فَسَكَتَ ، فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ . فَقَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . فَفَاضَتْ عَيْنَاىَ وَتَوَلَّيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ الْجِدَارَ ، قَالَ فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِى بِسُوقِ الْمَدِينَةِ إِذَا نَبَطِىٌّ مِنْ أَنْبَاطِ أَهْلِ الشَّأْمِ مِمَّنْ قَدِمَ بِالطَّعَامِ يَبِيعُهُ بِالْمَدِينَةِ يَقُولُ مَنْ يَدُلُّ عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ ، حَتَّى إِذَا جَاءَنِى دَفَعَ إِلَىَّ كِتَابًا مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ ، فَإِذَا فِيهِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِى أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ ، وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللَّهُ بِدَارِ هَوَانٍ وَلاَ مَضْيَعَةٍ ، فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ . فَقُلْتُ لَمَّا قَرَأْتُهَا وَهَذَا أَيْضًا مِنَ الْبَلاَءِ . فَتَيَمَّمْتُ بِهَا التَّنُّورَ فَسَجَرْتُهُ بِهَا ، حَتَّى إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً مِنَ الْخَمْسِينَ إِذَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْتِينِى فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ فَقُلْتُ أُطَلِّقُهَا أَمْ مَاذَا أَفْعَلُ قَالَ لاَ بَلِ اعْتَزِلْهَا وَلاَ تَقْرَبْهَا . وَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبَىَّ مِثْلَ ذَلِكَ ، فَقُلْتُ لاِمْرَأَتِى الْحَقِى بِأَهْلِكِ فَتَكُونِى عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِىَ اللَّهُ فِى هَذَا الأَمْرِ . قَالَ كَعْبٌ فَجَاءَتِ امْرَأَةُ هِلاَلِ بْنِ أُمَيَّةَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ هِلاَلَ بْنَ أُمَيَّةَ شَيْخٌ ضَائِعٌ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ فَهَلْ تَكْرَهُ أَنْ أَخْدُمَهُ قَالَ « لاَ وَلَكِنْ لاَ يَقْرَبْكِ » . قَالَتْ إِنَّهُ وَاللَّهِ مَا بِهِ حَرَكَةٌ إِلَى شَىْءٍ ، وَاللَّهِ مَا زَالَ يَبْكِى مُنْذُ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ إِلَى يَوْمِهِ هَذَا . فَقَالَ لِى بَعْضُ أَهْلِى لَوِ اسْتَأْذَنْتَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى امْرَأَتِكَ كَمَا أَذِنَ لاِمْرَأَةِ هِلاَلِ بْنِ أُمَيَّةَ أَنْ تَخْدُمَهُ فَقُلْتُ وَاللَّهِ لاَ أَسْتَأْذِنُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَا يُدْرِينِى مَا يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا اسْتَأْذَنْتُهُ فِيهَا وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ فَلَبِثْتُ بَعْدَ ذَلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ حَتَّى كَمَلَتْ لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ كَلاَمِنَا ، فَلَمَّا صَلَّيْتُ صَلاَةَ الْفَجْرِ صُبْحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً ، وَأَنَا عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِى ذَكَرَ اللَّهُ ، قَدْ ضَاقَتْ عَلَىَّ نَفْسِى ، وَضَاقَتْ عَلَىَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ، سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أَوْفَى عَلَى جَبَلِ سَلْعٍ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ ، أَبْشِرْ . قَالَ فَخَرَرْتُ سَاجِدًا ، وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ ، وَآذَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلاَةَ الْفَجْرِ ، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا ، وَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَىَّ مُبَشِّرُونَ ، وَرَكَضَ إِلَىَّ رَجُلٌ فَرَسًا ، وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ فَأَوْفَى عَلَى الْجَبَلِ وَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنَ الْفَرَسِ ، فَلَمَّا جَاءَنِى الَّذِى سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِى نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَىَّ ، فَكَسَوْتُهُ إِيَّاهُمَا بِبُشْرَاهُ ، وَاللَّهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ ، وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا ، وَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَيَتَلَقَّانِى النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهَنُّونِى بِالتَّوْبَةِ ، يَقُولُونَ لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ . قَالَ كَعْبٌ حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جَالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ فَقَامَ إِلَىَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِى وَهَنَّانِى ، وَاللَّهِ مَا قَامَ إِلَىَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرُهُ ، وَلاَ أَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ ، قَالَ كَعْبٌ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ « أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ » . قَالَ قُلْتُ أَمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ قَالَ « لاَ ، بَلْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ » . وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ ، وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ ، فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ مِنْ تَوْبَتِى أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِى صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِ اللَّهِ . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ » . قُلْتُ فَإِنِّى أُمْسِكُ سَهْمِى الَّذِى بِخَيْبَرَ ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا نَجَّانِى بِالصِّدْقِ ، وَإِنَّ مِنْ تَوْبَتِى أَنْ لاَ أُحَدِّثَ إِلاَّ صِدْقًا مَا بَقِيتُ ، فَوَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَبْلاَهُ اللَّهُ فِى صِدْقِ الْحَدِيثِ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلاَنِى ، مَا تَعَمَّدْتُ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى يَوْمِى هَذَا كَذِبًا ، وَإِنِّى لأَرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِى اللَّهُ فِيمَا بَقِيتُ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - ( لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِىِّ وَالْمُهَاجِرِينَ ) إِلَى قَوْلِهِ ( وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) فَوَاللَّهِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَىَّ مِنْ نِعْمَةٍ قَطُّ بَعْدَ أَنْ هَدَانِى لِلإِسْلاَمِ أَعْظَمَ فِى نَفْسِى مِنْ صِدْقِى لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ لاَ أَكُونَ كَذَبْتُهُ ، فَأَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا ، فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ لِلَّذِينَ كَذَبُوا حِينَ أَنْزَلَ الْوَحْىَ شَرَّ مَا قَالَ لأَحَدٍ ، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ( سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ ) إِلَى قَوْلِهِ ( فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ) . قَالَ كَعْبٌ وَكُنَّا تَخَلَّفْنَا أَيُّهَا الثَّلاَثَةُ عَنْ أَمْرِ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ حَلَفُوا لَهُ ، فَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَأَرْجَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمْرَنَا حَتَّى قَضَى اللَّهُ فِيهِ ، فَبِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ ( وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا ) وَلَيْسَ الَّذِى ذَكَرَ اللَّهُ مِمَّا خُلِّفْنَا عَنِ الْغَزْوِ إِنَّمَا هُوَ تَخْلِيفُهُ إِيَّانَا وَإِرْجَاؤُهُ أَمْرَنَا عَمَّنْ حَلَفَ لَهُ وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ ، فَقَبِلَ مِنْهُ(1).
فهذا كعب بن مالك - وزميلاه - يتخلفون عن ركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ساعة العسرة . يدركهم الضعف البشري الذي يحبب إليهم الظل والراحة ، فيؤثرونها على الحر والشدة والسفر الطويل والكد الناصب .
ولكن كعباً ما يلبث بعد خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يحسَّ ما فعل ، يشعره به كل ما حوله : « فَطَفِقْتُ ، إِذَا خَرَجْتُ فِي النَّاسِ ، بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، يَحْزُنُنِي أَنِّي لاَ أَرَى لِي أُسْوَةً ، إِلاَّ رَجُلاً مَغْمُوصًا عَلَيْهِ فِي النِّفَاقِ ، أَوْ رَجُلاً مِمَّنْ عَذَرَ اللهُ مِنَ الضُّعَفَاءِ ،» - يعني بمن عذر الله الضعفاء والمرضى والذين لا يجدون ما ينفقون .
فالعسرة لم تقعد بالمسلمين عن تلبية دعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الغزوة البعيدة الشقة . لم يقعد إلا المطعون فيهم المظنون بهم النفاق ، وإلا العاجزون الذين عذرهم الله . أما القاعدة الصلبة للجماعة المسلمة فكانت أقوى روحاً من العسرة ، وأصلب عوداً من الشدة . .هذه واحدة .
والثانية هي التقوى . التقوى التي تلجئ المخطئ إلى الصدق والإقرار . والأمر بعد ذلك لله : « قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنِّي ، وَاللهِ لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ،لَرَأَيْتُ أَنِّي سَأَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ ، وَلَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلاً ، وَلَكِنِّي ، وَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُ ، لَئِنْ حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى بِهِ عَنِّى ، لَيُوشِكَنَّ اللهُ أَنْ يُسْخِطَكَ عَلَيَّ ، وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ ، إِنِّي لأَرْجُو فِيهِ عُقْبَى اللهِ ، وَاللهِ مَا كَانَ لِي عُذْرٌ ، وَاللهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى وَلاَ أَيْسَرَ مِنِّي ، حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ » .
فالله حاضر في ضمير المؤمن المخطئ . ومع حرصه البالغ على رضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذا الرضى يومئذ يعزُّ ويذل ويرفع ويخفض ويترك المسلم مرموقاً بالأنظار أو مهملاً لا ينظر إليه إنسان - مع هذا فإن مراقبة الله أقوى وتقوى الله أعمق؛ والرجاء في الله أوثق .
«
__________
(1) - صحيح البخارى(4418 , 2757 ، 2947 ، 2948 ، 2949 ، 2950 ، 3088 ، 3556 ، 3889 ، 3951 ، 4673 ، 4676 ، 4677 ، 4678 ، 6255 ، 6690 ، 7225 )
التنور : الفرن -سجر : أحرق -المغموص : المتهم بالنفاق -المفاز : الصحراء البعيدة عن العمار والماء تفاؤلا من الفوز بالنجاة منها(1/35)
قَالَ : وَنَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلاَمِنَا ، أَيُّهَا الثَّلاَثَةُ ،مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ ، قَالَ : فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ ، وَقَالَ : تَغَيَّرُوا لَنَا ، حَتَّى تَنَكَّرَتْ لِي فِي نَفْسِيَ الأَرْضُ ، فَمَا هِيَ بِالأَرْضِ الَّتِى أَعْرِفُ ، فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً ، فَأَمَّا صَاحِبَايَ فَاسْتَكَانَا ، وَقَعَدَا فِي بُيُوتِهِمَا يَبْكِيَانِ ، وَأَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أَشَبَّ الْقَوْمِ وَأَجْلَدَهُمْ ، فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَشْهَدُ الصَّلاَةَ ، وَأَطُوفُ فِي الأَسْوَاقِ ، وَلاَ يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ ، وَآتِي رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ ، وَهُوَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلاَةِ ، فَأَقُولُ فِي نَفْسِي : هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلاَمِ ، أَمْ لاَ ؟ ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ ، وَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ ، فَإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صَلاَتِي نَظَرَ إِلَيَّ ، وَإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنِّي ، حَتَّى إِذَا طَالَ ذَلِكَ عَلَيَّ مِنْ جَفْوَةِ الْمُسْلِمِينَ ، مَشَيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حَائِطِ أَبِي قَتَادَةَ ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّي ، وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، فَوَاللهِ مَا رَدَّ عَلَيَّ السَّلاَمَ ، فَقُلْتُ لَهُ : يَا أَبَا قَتَادَةَ ، أَنْشُدُكَ بِاللهِ ، هَلْ تَعْلَمَنَّ أَنِّي أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ ؟ قَالَ: فَسَكَتَ ، فَعُدْتُ فَنَاشَدْتُهُ ، فَسَكَتَ ، فَعُدْتُ فَنَاشَدْتُهُ ، فَقَالَ : اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، فَفَاضَتْ عَيْنَايَ ، وَتَوَلَّيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ الْجِدَارَ» .
هكذا كان الضبط ، وهكذا كانت الطاعة في الجماعة المسلمة - على الرغم من كل ما وقع من خلخلة بعد الفتح ومن بلبلة في ساعة العسرة - . . نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا أيها الثلاثة . فلا مخلوق يفتح فمه بكلمة ، ولا مخلوق يلقى كعباً بأنس ، ولا مخلوق يأخذ منه أو يعطي . حتى ابن عمه وأحب الناس إليه ، وقد تسور عليه داره ، لا يرد عليه السلام ، ولا يجيبه عن سؤال . فإذا أجاب بعد الإلحاح لم يطمئن لهفته ولم يسكن قلقه ، إنما قال :« الله ورسوله أعلم » .
وكعب في لهفته - وقد تنكرت له الأرض فلم تعد الأرض التي كان يعرف - يتلمس حركة من بين شفتي الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويخالسه النظر لعله يعلم أن رسول الله قد ألقى إليه بنظرة يحيا على الأمل فيها ، ويطمئن إلى أنه لم يقطع من تلك الشجرة ، ولم يكتب له الذبول والجفاف!
وبينما هو طريد شريد ، لا يلقي إليه مخلوق من قومه بكلمة - ولو على سبيل الصدقة - يجيئه من قبل ملك غسان كتاب يمنيه بالعزة والكرامة والمجد والجاه . . ولكنه بحركة واحدة يعرض عن هذا كله ، وما يزيد على أن يلقي بالكتاب إلى النار ، ويعد هذا بقية من البلاء ، ويصبر على الابتلاء .
وتمتد المقاطعة فتعزل عنه زوجه . لتدعه فريداً طريداً من الأنس كله ، مخلفاً بين الأرض والسماء . فيخجل أن يراجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في امرأته ، لأنه لا يدري كيف يكون الجواب .
هذه صفحة . والصفحة الأخرى هي صفحة البشرى . بشرى القبول . بشرى العودة إلى الصف . بشرى التوبة من الذنب . بشرى البعث والعودة إلى الحياة . . فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِى ذَكَرَ اللهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، مِنَّا ، قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي ، وَضَاقَتْ عَلَيَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ، سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أَوْفَى عَلَى سَلْعٍ ، يَقُولُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ : يَا كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ ، أَبْشِرْ ، قَالَ : فَخَرَرْتُ سَاجِدًا ، وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ ، قَالَ : فَآذَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ بِتَوْبَةِ اللهِ عَلَيْنَا ، حِينَ صَلَّى صَلاَةَ الْفَجْرِ ، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا ، فَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مُبَشِّرُونَ ، وَرَكَضَ رَجُلٌ إِلَيَّ فَرَسًا ، وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ قِبَلِي ، وَأَوْفَى الْجَبَلَ ، فَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنَ الْفَرَسِ ، فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي، فَنَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ فَكَسَوْتُهُمَا إِيَّاهُ بِبِشَارَتِهِ ، وَاللهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ ، وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا ، فَانْطَلَقْتُ أَتَأَمَّمُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، يَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا ، يُهَنِّئُونِي بِالتَّوْبَةِ ، وَيَقُولُونَ : لِتَهْنِئْكَ تَوْبَةُ اللهِ عَلَيْكَ ، حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ ، وَحَوْلَهُ النَّاسُ ، فَقَامَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ يُهَرْوِلُ ، حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّأَنِي ، وَاللهِ مَا قَامَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرُهُ ، قَالَ : فَكَانَ كَعْبٌ لاَ يَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ ،. .
هكذا كانت الأحداث تقدر وتقوّم في هذه الجماعة . وهكذا كانت توبة مقبولة تستقبل وتعظم؛ كانت بشرى يركض بها الفارس إلى صاحبها ، ويهتف بها راكب الجبل ليكون أسرع بشارة . وكانت التهنئة بها والاحتفاء بصاحبها جميلاً لا ينساه الطريد الذي ردَّ إلى الجماعة واتصلت بها وشائجه ، قَالَ كَعْبٌ : فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ : وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ ، وَيَقُولُ : أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ ، قَالَ : فَقُلْتُ : أَمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ اللهِ ، أَمْ مِنْ عِنْدِ اللهِ ؟ فَقَالَ : لاَ ، بَلْ مِنْ عِنْدِ اللهِ ، فهذا القلب الكبير الكريم الرحيم قد فاض به السرور أن تقبل الله توبة ثلاثة من أصحابه وردهم مكرمين إلى جماعته .
تلك هي قصة الثلاثة الذين خلفوا ثم تاب الله عليهم ، وهذه هي بعض لمحات دلالتها الواضحة على حياة الجماعة الإسلامية ، وعلى القيم التي كانت تعيش بها .
والقصة كما رواها أحد أصحابها ، تقرب إلى نفوسنا معنى الآية : {وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (118) سورة التوبة
{ ضاقت عليهم الأرض بما رحبت } . . فما الأرض؟ إن هي إلا بأهلها . إن هي إلا بالقيم السائدة فيها . إن هي إلا بالوشائج والعلاقات بين أصحابها . فالتعبير صادق في مدلوله الواقعي فوق صدقه في جماله الفني ، الذي يرسم هذه الأرض تضيق بالثلاثة المخلفين ، وتتقاصر أطرافها ، وتنكمش رقعتها ، فهم منها في حرج وضيق .
{ وضاقت عليهم أنفسهم } . .فكأنما هي وعاء لهم تضيق بهم ولا تسعهم ، وتضغطهم فيتكرب أنفاسهم .
{ وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه } . .وليس هناك ملجأ من الله لأحد ، وهو آخذ بأقطار الأرض والسماوات . ولكن ذكر هذه الحقيقة هنا في هذا الجو المكروب يخلع على المشهد ظلاً من الكربة واليأس والضيق ، لا مخرج منه إلا بالالتجاء إلى الله مفرج الكروب . .
ثم يجيء الفرج . . { ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم } .تاب عليهم من هذا الذنب الخاص ، ليتوبوا توبة عامة عن كل ما مضى ، ولينيبوا إلى الله إنابة كاملة في كل ما سيأتي . ومصداق هذا في قول كعب : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَا لِي صَدَقَةً إِلَى اللهِ ، وَإِلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : أَمْسِكْ بَعْضَ مَالِكَ ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ ، قَالَ : فَقُلْتُ : فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِيَ الَّذِي بِخَيْبَرَ ، قَالَ : وَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّ اللهَ إِنَّمَا أَنْجَانِي بِالصِّدْقِ ، وَإِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ لاَ أُحَدِّثَ إِلاَّ صِدْقًا مَا بَقِيتُ ، قَالَ : فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَبْلاَهُ اللهُ ، فِي صِدْقِ الْحَدِيثِ ، مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى يَوْمِي هَذَا ، أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلاَنِي اللهُ بِهِ ، وَاللهِ ، مَا تَعَمَّدْتُ كَذْبَةً مُنْذُ قُلْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى يَوْمِي هَذَا ، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِيَ اللهُ فِيمَا بَقِيَ .
ــــــــــــــ(1/36)
دعوة الكفار للتوبة والاستغفار
قال تعالى :{ الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3)} [هود/1-3]
هَذَا كِتَابٌ عَظِيمُ الشَّأْنِ جُعِلَتْ آيَاتُهُ مُحْكَمَةَ النَّظْمِ ، مُتْقَنَةَ البُنْيَانِ وَالتَّأْلِيفِ ، وَاضِحَةَ المَعَانِي ، وَجُعِلَتْ فُصُولاً مُتَفَرِّقَةً فِي سُوَرِهِ ، ثُمَّ فُصِلَّتْ أَحْكَامُها ، وَقَدْ أُنْزِلَتْ مِنْ عِنْدِ آلهٍ حَكِيمٍ يُقَدِّرُ حَاجَةَ العَبِيدِ ، خَبِيرٌ يَضَعُ الأُمُورَ فِي مَوَاضِعِهَا .أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ - نُظِمَتْ نَظْماً مُحْكَماً رَصِيناً .
وَأَمَرَكُمْ رَبُّكُمْ ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، فِي كِتَابِهِ الكَرِيمِ ، بِأَنْ لاَ تَعْبُدُوا غَيْرَهُ آلهاً ، وَبِأَنْْ لاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً . وَقُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلنَّاسِ : إِنَّ اللهَ أَرْسَلَنِي نَذِيراً مِنَ العَذَابِ إِنْ خَالَفْتُمُوهُ ، وَبَشِيراً بِالثَّوَابِ إِنْ أَطَعْتُمُوهُ.
وَاسْأَلُوا رَبَّكُمْ مُتَضَرِّعِينَ إِلَيْهِ أَنْ يَغْفِرَ لَكُمْ مَا كَانَ مِنْكُمْ مِنْ أَعْمَالِ الشِّرْكِ وَالكُفْرِ وَالإِجْرَامِ ، ثُمَّ ارْجِعُوا إِلَيْهِ بِالتَّوْبَةِ ، وَبِإِخْلاَصِ العِبَادَةِ لَهُ وَحْدَهُ دُونَ سِوَاهُ ، فَإِنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ ، وَاسْتَغْفَرْتُمْ رَبَّكُمْ ، وَتُبْتُمْ إِلَيْهِ ، فَإِنَّهُ يُمَتِّعُكُمْ فِي الدُّنْيا مَتَاعاً حَسَناً ، وَيَرْزُقُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ ، وَيَنْسَأُ لَكُمْ فِي آجَالِكُمْ إلَى الوَقْتِ الذِي قَضَى عَلَيْكُمْ فِيهِ بِالمَوْتِ ، وَيَجْعَلُكُمْ خَيْرَ الأُمَمِ نِعْمَةً وَقُوَّةً وَعِزَّةً ، وَيُعْطِي كُلَّ ذِي فَضْلٍ ، مِنْ عِلْمٍ وَعَمَلٍ ، جَزَاءَ فَضْلِهِ . أَمَّا إِنْ تَوَلَّيْتُمْ وَأَعْرَضْتُمْ عَمَّا دَعَوْتُكُمْ إِلَيْهِ فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرِ الهَوْلِ ، شَدِيدِ البَأْسِ .
-----------------
وقال تعالى : { وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (50) يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ (51) وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52) } [هود/50-52]
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا هُوداً عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَى قَوْمِ عَادٍ ، وَهُوَ مِنْهُمْ ( أَخَاهُمْ ) لِيَأْمُرَهُمْ بِعِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَتَرْكِ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ التِي افْتَرُوهَا كَذِباً ، وَاخْتَلَقُوا لَهَا الأَسْمَاءَ الإِلَهِيَّةَ .
وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لاَ يُرِيدُ مِنْهُمْ أَجْراً عَلَى نُصْحِهِ لَهُمْ وَإِبَلاَغِهِ إِيَّاهُمْ رِسَالَةَ رَبِّهِمِ ، وَإِنَّمَا يَبْغِي الثَّوَابَ مِنَ اللهِ ، الذِي خَلَقَهُ عَلَى الفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ ، مُبَرَّأٌ مِنَ البِدَعِ .
ثُمَّ قَالَ لَهُمْ : أَفَلاَ تَعْقِلُونَ مَا يُقَالُ لَكُمْ فُتُمَيِّزُونَ بَيْنَ ما يَضُرُّ وَمَا يَنْفَعُ ، وَأَنَّ مَنْ يَدْعُوكُمْ إِلَى مَا يُصْلِحُكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ مِنْ غَيْرِ أُجْرَةٍ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ كَاذِباً .
وَأَمَرَ هُودٌ قَوْمَهُ بِاسْتِغْفَارِ رَبِّهِمْ مِنَ الشِّرْكِ ، وَمِمَّا أَسْلَفُوا مِنْ ذُنُوبِهِمْ ، وَبِإِخْلاَصِ التَّوْبَةِ إِلَيْهِ عَمَّا يَسْتَقْبِلُونَهُ ، وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ مَنْ تَابَ إِلَى رَبِّهِ وَاسْتَغْفَرَهُ ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ رِزْقَهُ ، وَسَهَّلَ عَلَيْهِ أَمْرَهُ ، وَحَفِظَ شَأْنَهُ ، وَأَرْسَلَ السَّمَاءَ عَلَيْهِ بِالمَطَرِ المُتَتَابِعِ ، وَالإِسَاءَةِ إلى النَّاسِ .
-----------------
وقال تعالى :{ وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61)} [هود/61]
يَقُولُ تَعَالَى : إِنَّهُ بَعَثَ إِلَى قَوْمِ ثَمُودَ رَسُولاً مِنْهُمْ هُوَ صَالِحٌ ( وَهُمْ قَوْمٌ كَانُوا يَسْكُنُونَ مَدَائِنَ الحِجْر بَيْنَ تَبُوكَ وَالمَدِينةِ ، وَكَانُوا بَعْدَ قَوْمِ عَادٍ فَأَمَرهُمْ صَالِحٌ بِعِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَقَالَ لَهُمْ إِنَّ اللهَ هُوَ الذِي خَلَقَ أَبَاكُمْ آدَمَ مِنْ تُرابٍ ، وَجَعَلَكُمْ تُعَمِّرُونَ الأَرْضَ ، وَتَسْتَغِلُّونَهَا ، فَاسسْتَغْفِرُوهُ عَمَّا سَلَفَ مِنْكُمْ مِنْ ذُنَوبٍ ، وَتُوبُوا إِلَيهِ فِيمَا تَسْتَقْبِلُونَه ، فَإِنَّ رَبِّي قَريبٌ ، يَسْمَعُ دَعْوَةَ مَنْ دَعَاهُ ، وَيُجِيبُهُ إذا كَانَ مُؤْمِناً ، مُخْلِصاً فِي دَعْوَتِهِ .
-----------------
وقال تعالى على لسان النبي شعيب عليه السلام: { وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (89) وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90)} [هود/89، 90]
وَتَابَعَ شُعَيْبٌ حَدِيثَهُ مَعَ قَوْمِهِ فَقَالَ لَهُمْ : يَا قَوْمِ لاَ يَحْمِلَنَّكُمْ بُغْضِي وَعَدَاوَتِي عَلَى الإِصْرَارِ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الكُفْرِ وَالفَسَادِ ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ مِنْ غَرَقٍ ، وَقَوْمَ هُودٍ ، مِنْ عَذَابِ الرَّيِحِ العَقِيمِ ، وَقَوْمَ صَالِحٌ مِنْ عَذَابَ يَوْمَ الظُلَّةِ ، وَقَوْمَ لُوطٍ المُجَاوِرِينَ لَكُمْ مِنْ هَلاكٍ شَامِلٍ وَعَذَابٍ ، بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ بِرَبِّهِمْ ، وَعُتُوِّهِمْ عَنْ أَمْرِهِ ، وَتَكْذِيبِهِمْ رُسُلَهُ .
وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ رَبَّكُمْ مِمَّا أَسْلَفْتُمْ مِنْ ذُنُوبٍ ، وَتُوبُوا إِلَيهِ فِيمَا تَسْتَقْبِلُونَهُ مِنْ أَيَّامِكُمْ عَنِ الأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ ، إِنَّ رَبِّي وَدُودٌ ، كَثِيرُ الرَّحْمَةِ لِمَنْ أَخْلَصَ التَّوْبَةَ إِلَيْهِ .
ــــــــــــــ(1/37)
التوبة فيها فلاح في الدارين
قال تعالى : { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) } [النور/30، 31]
يَأْمُرُ اللهُ عِبَادَه المُؤْمِنِيِنَ بِأَنْ يَغُضُوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ عَنِ النَّظَرِ إِلَى مَا حَرَّمَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِم ، فَإِذَا اتَّفَقَ أَنْ وَقَعَ البَصَرُ عَلَى مُحَرِّم عَلَيْهِمْ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَعَلى المُؤْمِن أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ بَصَرَهُ سَرِيعاً ، كَمَا يَأَمُرُ اللهُ المُؤْمِنِينَ بِحِفْظِ فُرُوجِهم عَنِ الزِّنَى ، وبِحِفْظِها مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهَا ، فَذَلِكَ أَطْهَرُ لِقُلُوبِهِمْ وَأَزَكَى لِدِيِنهِم .
وَفِي الحَدِيثِ ، " احْفَظْ عَوْرَتَكَ إٍِلاَّ مِنْ زَوْجِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ " أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ (صحيح) .
وَقُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلمُؤْمِنَاتِ أَنْ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبَصَارِهِنَّ عَنِ النَّظَرِ إِلَى مَا لاَ يَحِلُّ لَهُنَّ النَّظَرُ إِلَيْهِ مِنْ عَوْرَاتِ الرِّجَالِ والنِّسَاءِ ، وأَنْ يَغْضُضْنَ بَصَرَهُنَّ عَنِ النَّظَرِ إِلى الرِّجَالِ الأَجَانِبِ عَنْهُنَّ ، لأَنَّهُ أَوَلى بِهِنَّ وَأَلْيَقُ ، وَأَنْ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ عَنْ الفَوَاحِشِ ، وَعَمَّا لاَ يَحِلُّ لَهُنَّ ، وَعَنْ أن ، ْ يَراهُنَّ ، أَحَدٌ ، وَأَنْ لاَ يُظْهِرْنَ شَيئْاً مِنَ الزِّينَةِ للأَجَانِبِ إِلاَّ مَا لاَ يُمْكِنُ إِخْفَاؤُهُ كالرِّدَاءِ والثِّيَابِ والخلخَالِ ( وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ : الوَجْهِ والكَفَّيْنِ والخَاتَمِ ) ، وأَنْ يُلْقِينَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى فَتْحَاتِ ثِيَابِهِنَّ عِنْدَ الصُّدُورِ ( جُيُوبِهِنَّ ) لِيَسْتُرْنَ بِذَلِكَ شُعُورَهُنَّ وَأَعْنَاقُهُنَّ وَصُدُورَهُنَّ حَتَّى لاَ يُرى مِنْهَا شَيءٌ ، وَأَنْ لاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ( كالسِّوارِ والخَاتَمِ والكُحْلِ والخِصَابِ . . . ) إِلاَّ للأَزْوَاجِ وآبَاءِ الأَزْوَاجِ والإخْوَةِ وأَبْنَائِهِمْ ، وَأبْنَاءِ الأَخَوَاتِ ، وأَبْنَاءِ الأَزْوَاجِ ، وَبَقِيةِ المَحَارِمِ الذينَ عَدَّدهُمْ اللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الآيَةِ ، أو لِلنِّسَاءِ المُسْلِمَاتِ ( نِسَائِهِنَّ - وَقِيلَ إِنَّ نِسَاءَهُنَّ تَعْنِي النِّسَاءَ المَخْتَصَّاتِ بِصُحْبَتِهِنَّ وخِدْمَتِهِنَّ ) ، أو لِمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ مِنْ عَبِيدَ مُسْلِمِينَ ( وَقِيلَ حَتَّى لِغَيْرِ المُسْلِمِينَ ) ، أو الأتْبَاعِ المُغَفَّلِينَ وَفِي عُقُولِهِمْ وَلَهٌ ، وَلاَ يَشْتَهُونَ النِّسَاءَ ( وَهُمْ التَّابِعُونَ غَيْرُ أوْلِي الإِرْبَةِ مِن الرِّجَالِ ) ، أو لِلأَطْفَالِ الصِّغَارِ الذين لاَ يَفْهَمُونَ أَحْوَالَ النِّسَاءِ وَعَوْرَاتِهِنَّ ، أَمَّا إذَا كانَ الطِّفْلُ مُرَاهِقاً أَوْ قَرِيباً مِنْهُ ، يَعْرِفُ ذَلِكَ وَيَدْرِيهِ ، وَيُفَرِّقُ بَيْنَ الشَّوْهَاءِ والحَسْنَاءِ فَلاَ يُسْمَحُ لَهُ بالدُّخُولِ عَلَى النِّسَاءِ ) .
كَمَا أَمَرَهُنَّ بِأَنْ لاَ يَمْشِينَ فِي الطُّرُقَاتِ وَفِي أَرْجُلِهِنَّ الخَلاَخِيلُ فَيَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ الأَرْضَ ليُسمَعَ صَوْتُ مِشْيَتِهِنَّ ، وَلِتَلْتَفِتَ الأَنْظَارُ إِلَيْهِنَّ ، كَمَا كَانَتْ تَفْعَلُ نِسَاءُ الجَاهِلِيَّةِ .
وَفِي الحَدِيثِ " الرَّافِلَةُ فِي الزَّيِنَةِ فِي غَيْرِ أَهْلِهَا كَمِثْلِ ظُلْمَةِ يَوْمِ القِيَامَةِ " .أَخْرَجَهُ الترْمَذِي(1).
وارْجِعُوا تَائِبينَ إِلَى طَاعَةِ اللهِ يا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ ، وافْعَلُوا مَا أَمَرَكُمْ بِهِ ربُّكُم مِنَ التَّخَلُّقِ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الجَمِيلَةِ والأَخْلاقِ الحَمِيدَةِ ، واتْرُكُوا مَا كَانَ عَلَيْهِ أهلُ الجَاهِلِيَّةِ مِنَ الصِّفَاتِ والأْخْلاقِ الذَّمِيمَةِ ، فإِنَّ الفَلاَحَ فِي فِعْلِ ما أَمَرَ اللهَ وَرَسُولُه بِهِ ، وَتَرْكِ مَا نَهَيا عَنْهُ .
ــــــــــــــ
__________
(1) - سنن الترمذى (1200) ضعيف(1/38)
تبديلُ سيئات التائبين حسنات
قال تعالى في بيان صفات عباد الرحمن : { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) }[الفرقان/68-71]
وهمْ مُخْلِصُون في عِبادَتِهِم للهِ تَعالى وحدَهُ ، لا يُشْرِكُون بهِ شَيئاً ، ولا يَدْعُونَ معهُ أحَداً ، ولا يَعْبُدُونَ سِوَاهُ ولا يقْتُلُونَ النَّفْسَ التي حَرَّمَ اللهُ قَتْلَها إِلا بِحَقِّها ، وَفْقاً لما شَرَعَهُ اللهُ تَعالى ، ولا يَرْتَكِبُون الزِّنى ، ولا يَأْتُونَ ما حَرَّمَ اللهُ من الفُروجِ . ومَنْ يَرْتَكِبْ هَذِهِ الكبائرَ فإِنَّهُ يَلْقَى عَذاباً ألِيماً يومَ القيامةِ ، جَزَاءً لَهُ على ما ارْتَكَبَ .
وَيُزَادُ في عذابهِ يومَ القيامةِ ، ويُغْلَظُ لهُ فيهِ ، وَيخْلُدُ في جهنمَ مُهَاناً ذَلِيلاً حَقِيراً ، جَزَاءً لهُ على ما ارْتَكَبَ من الأعمالِ المُنْكَرَةِ .
إلا مَنْ تَابَ في الدُّنْيا ، وأخْلَصَ التوبةَ وهو مُؤْمنٌ ، وقدْ عَمِلَ الصالحاتِ ، ورجَعَ إلى رَبِّهِ مُسْتَغْفِراً مُنِيباً ، فإنَّ اللهَ تَعالى يتوبُ عليه ، ويُحْسِنُ عاقِبَتَهُ ، ( وفي ذلك دَلالةٌ على صِحَّةِ توبةِ القَاتل ) ، وهؤلاءِ هُمُ المُؤمنون ، كانُوا قبلَ إيْمَانِهِمْ يَعْمَلُونَ السَّيّئاتِ ، فَحَوَّلَهُمُ اللهُ تَعالى إلى الحَسَناتِ ، وأبْدَلَهُمْ مَكَانَ السَّيئاتِ الحَسَنَاتِ ، واللهُ غفورٌ لذُنُوبِ عِبادِه ، رَحيمٌ بِهمْ .
ويَعِدُ اللهُ التَّائِبينَ إليهِ وَعْدَاً جَميلاً ، فيقولُ تَعالى : إنَّهُ مَنْ تَاب عَنِ المَعَاصي التي عَمِلَها ونَدِمَ على ما فَرَطَ منهُ ، وأكْمَلَ نفسَهُ بصَالِحِ الأعْْمَالِ ، فإِنَّهُ يتوبُ إلى اللهِ تَوبةً نَصُوحاً مَقْبُولَة لَدَيْهِ ، ماحِيةً للعِقَابِ ، مُحَصِّلَةً لِجَزِيلِ الثوابِ .
وقال ابن كثير : وَقَوْله تَعَالَى " إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا" أَيْ جَزَاؤُهُ عَلَى مَا فَعَلَ مِنْ هَذِهِ الصِّفَات الْقَبِيحَة مَا ذُكِرَ " إِلَّا مَنْ تَابَ " أَيْ فِي الدُّنْيَا إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مِنْ جَمِيع ذَلِكَ فَإِنَّ اللَّه يَتُوب عَلَيْهِ وَفِي ذَلِكَ دَلَالَة عَلَى صِحَّة تَوْبَة الْقَاتِل وَلَا تَعَارُض بَيْن هَذِهِ وَبَيْن آيَة النِّسَاء " وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا" الْآيَة فَإِنَّ هَذِهِ وَإِنْ كَانَتْ مَدَنِيَّة إِلَّا أَنَّهَا مُطْلَقَة فَتُحْمَل عَلَى مَنْ لَمْ يَتُبْ لِأَنَّ هَذِهِ مُقَيَّدَة بِالتَّوْبَةِ ثُمَّ قَدْ قَالَ تَعَالَى " إِنَّ اللَّه لَا يَغْفِر أَنْ يُشْرَك بِهِ " الْآيَة قَدْ ثَبَتَتْ السُّنَّة الصَّحِيحَة عَنْ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بِصِحَّةِ تَوْبَة الْقَاتِل كَمَا ذُكِرَ مُقَرَّرًا مِنْ قِصَّة الَّذِي قَتَلَ مِائَة رَجُل ثُمَّ تَابَ فَقَبِلَ اللَّه تَوْبَته ، فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « كَانَ فِى بَنِى إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ إِنْسَانًا ثُمَّ خَرَجَ يَسْأَلُ ، فَأَتَى رَاهِبًا فَسَأَلَهُ ، فَقَالَ لَهُ هَلْ مِنْ تَوْبَةٍ قَالَ لاَ . فَقَتَلَهُ ، فَجَعَلَ يَسْأَلُ ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ ائْتِ قَرْيَةَ كَذَا وَكَذَا . فَأَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَنَاءَ بِصَدْرِهِ نَحْوَهَا ، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَقَرَّبِى . وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَبَاعَدِى . وَقَالَ قِيسُوا مَا بَيْنَهُمَا . فَوُجِدَ إِلَى هَذِهِ أَقْرَبُ بِشِبْرٍ ، فَغُفِرَ لَهُ »(1).
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّ نَبِىَّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ فَأَتَاهُ فَقَالَ إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَهَلْ لَهُ مِنَ تَوْبَةٍ فَقَالَ لاَ. فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ فَقَالَ إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ فَقَالَ نَعَمْ وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُدِ اللَّهَ مَعَهُمْ وَلاَ تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ. فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ فَقَالَتْ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلاً بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ. وَقَالَتْ مَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ. فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِى صُورَةِ آدَمِىٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ فَقَالَ قِيسُوا مَا بَيْنَ الأَرْضَيْنِ فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ. فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الأَرْضِ الَّتِى أَرَادَ فَقَبَضَتْهُ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ »(2).
وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيث وَقَوْله تَعَالَى " فَأُولَئِكَ يُبَدِّل اللَّه سَيِّئَاتهمْ حَسَنَات وَكَانَ اللَّه غَفُورًا رَحِيمًا " فِي مَعْنَى قَوْله " يُبَدِّل اللَّه سَيِّئَاتهمْ حَسَنَات " قَوْلَانِ :
أَحَدهمَا أَنَّهُمْ بُدِّلُوا مَكَان عَمَل السَّيِّئَات بِعَمَلِ الْحَسَنَات، قَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: هُمُ الْمُؤْمِنُونَ كَانُوا مِنْ قَبْل إِيمَانهمْ عَلَى السَّيِّئَات فَرَغِبَ اللَّه بِهِمْ عَنْ السَّيِّئَات فَحَوَّلَهُمْ إِلَى الْحَسَنَات فَأَبْدَلَهُمْ مَكَان السَّيِّئَات الْحَسَنَات وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِد عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يُنْشِد عِنْد هَذِهِ الْآيَة :
بُدِّلْنَ بَعْد حَرّه خَرِيفًا ... وَبَعْد طُول النَّفَس الْوَجِيفَا
يَعْنِي تَغَيَّرَتْ تِلْكَ الْأَحْوَال إِلَى غَيْرهَا , وَقَالَ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح : هَذَا فِي الدُّنْيَا يَكُون الرَّجُل عَلَى صِفَة قَبِيحَة ثُمَّ يُبْدِلهُ اللَّه بِهَا خَيْرًا ،وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر :أَبْدَلَهُمْ اللَّه بِعِبَادِةِ الْأَوْثَان عِبَادَة الرَّحْمَن وَأَبْدَلَهُمْ بِقِتَالِ الْمُسْلِمِينَ قِتَال الْمُشْرِكِينَ وَأَبْدَلَهُمْ بِنِكَاحِ الْمُشْرِكَات نِكَاح الْمُؤْمِنَات ،وَقَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ :أَبْدَلَهُمْ اللَّه بِالْعَمَلِ السَّيِّئ الْعَمَل الصَّالِح وَأَبْدَلَهُمْ بِالشِّرْكِ إِخْلَاصًا وَأَبْدَلَهُمْ بِالْفُجُورِ إِحْصَانًا وَبِالْكُفْرِ إِسْلَامًا ،وَهَذَا قَوْل أَبِي الْعَالِيَة وَقَتَادَة وَجَمَاعَة آخَرِينَ .
" وَالْقَوْل الثَّانِي " أَنَّ تِلْكَ السَّيِّئَات الْمَاضِيَة تَنْقَلِبُ بِنَفْسِ التَّوْبَة النَّصُوح حَسَنَات وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّهُ كُلَّمَا تَذَكَّرَ مَا مَضَى نَدِمَ وَاسْتَرْجَعَ وَاسْتَغْفَرَ فَيَنْقَلِبُ الذَّنْبُ طَاعَةً بِهَذَا الِاعْتِبَار فَيَوْم الْقِيَامَة ،وَإِنْ وَجَدَهُ مَكْتُوبًا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرّهُ وَيَنْقَلِب حَسَنَة فِي صَحِيفَته كَمَا ثَبَتَتْ السُّنَّة بِذَلِكَ وَصَحَّتْ بِهِ الْآثَار الْمَرْوِيَّة عَنِ السَّلَف رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ، فعَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنِّى لأَعْرِفُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجاً مِنَ النَّارِ وَآخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً الْجَنَّةَ يُؤْتَى بِرَجُلٍ فَيَقُولُ نَحُّوا كِبَارَ ذُنُوبِهِ وَسَلُوهُ عَنْ صِغَارِهَا - قَالَ - فَيُقَالُ لَهُ عَمِلْتَ كَذَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا وَعَمِلْتَ كَذَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا. قَالَ فَيَقُولُ يَا رَبِّ لَقَدْ عَمِلْتُ أَشْيَاءَ لَمْ أَرَهَا هُنَا »،قَالَ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ. قَالَ : « فَيُقَالُ لَهُ فَإِنَّ لَكَ مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً »(3).
وعَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِذَا نَامَ ابْنُ آدَمَ قَالَ الْمَلَكُ لِلشَّيْطَانِ : أعْطِنِي صَحِيفَتَكَ ، فَيُعْطِيهِ إِيَّاهَا ، فَمَا وَجَدَ فِي صَحِيفَتِهِ مِنْ حَسَنَةٍ مَحَا بِهَا عَشْرَ سَيِّئَاتٍ مِنْ صَحِيفَةِ الشَّيْطَانِ وَكَتَبَهُنَّ حَسَنَاتٍ ، فَإِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَنَامَ فَلْيُكَبِّرْ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ تَكْبِيرَةً ، وَيُحَمِّدْ أَرْبَعًا وَثَلاثِينَ تَحْمِيدَةً ، وَيُسَبِّحْ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ تَسْبِيحَةً ، فَتِلْكَ مِائَةٌ "(4).
وعَنْ سَلْمَان قَالَ: "يُعْطَى الرَّجُل يَوْم الْقِيَامَة صَحِيفَته فَيَقْرَأ أَعْلَاهَا فَإِذَا سَيِّئَاته فَإِذَا كَادَ يَسُوء ظَنّه نَظَرَ فِي أَسْفَلهَا فَإِذَا حَسَنَاته ثُمَّ يَنْظُر فِي أَعْلَاهَا فَإِذَا هِيَ قَدْ بُدِّلَتْ حَسَنَات"(5)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : لَيَأْتِيَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِأُنَاسٍ يَوْم الْقِيَامَة رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ اِسْتَكْثَرُوا مِنْ السَّيِّئَات قِيلَ مَنْ هُمْ يَا أَبَا هُرَيْرَة ؟ قَالَ الَّذِينَ يُبَدِّل اللَّه سَيِّئَاتهمْ حَسَنَات"(6).
وعن ابن جَابِر أَنَّهُ سَمِعَ مَكْحُولًا يُحَدِّث قَالَ : جَاءَ شَيْخ كَبِير هَرِم قَدْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ فَقَالَ يَا رَسُول اللَّه رَجُل غَدَرَ وَفَجَرَ وَلَمْ يَدَع حَاجَة وَلَا دَاجَة إِلَّا اِقْتَطَفَهَا بِيَمِينِهِ لَوْ قُسِّمَتْ خَطِيئَته بَيْن أَهْل الْأَرْض لَأَوْبَقَتْهُمْ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَة ؟ فَقَالَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - " أَأَسْلَمْت ؟ " فَقَالَ أَمَّا أَنَا فَأَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْده وَرَسُوله فَقَالَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - " فَإِنَّ اللَّه غَافِر لَك مَا كُنْت كَذَلِكَ وَمُبَدِّل سَيِّئَاتك حَسَنَات " فَقَالَ يَا رَسُول اللَّه وَغَدَرَاتِي وَفَجَرَاتِي ؟ فَقَالَ " وَغَدَرَاتك وَفَجَرَاتك " فَوَلَّى الرَّجُل يُكَبِّر وَيُهَلِّل"(7)
وعَنْ أَبِي طَوِيلٍ شَطَبٍ الْمَمْدُودِ، أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: أَرَأَيْتَ رَجُلا عَمِلَ الذُّنُوبَ كُلَّهَا، فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهَا شَيْئًا، وَهُوَ فِي ذَلِكَ لَمْ يَتْرُكْ حَاجَةً وَلا دَاجَةً إِلا أَتَاهَا، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ:"فَهَلْ أَسْلَمْتَ؟"قَالَ: أَمَّا أَنَا فَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ:"نَعَمْ , تَفْعَلُ الْخَيْرَاتِ، وَتَتْرُكُ السَّيِّئَاتِ، فَيَجْعَلُهُنَّ اللَّهُ لَكَ خَيْرَاتٍ كُلَّهُنَّ"، قَالَ: وَغَدَرَاتِي وَفَجَرَاتِي؟ قَالَ:"نَعَمْ"، قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، فَمَا زَالَ يُكَبِّرُ حَتَّى تَوَارَى.(8)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : جَاءَتْنِي اِمْرَأَة فَقَالَتْ هَلْ لِي مِنْ تَوْبَة ؟ إِنِّي زَنَيْت وَوَلَدْت وَقَتَلْته فَقُلْت لَا وَلَا نِعْمَتْ الْعَيْن وَلَا كَرَامَة فَقَامَتْ وَهِيَ تَدْعُو بِالْحَسْرَةِ ثُمَّ صَلَّيْت مَعَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - الصُّبْح فَقَصَصْت عَلَيْهِ مَا قَالَتْ الْمَرْأَة وَمَا قُلْت لَهَا فَقَالَ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - " بِئْسَمَا قُلْت أَمَا كُنْت تَقْرَأ هَذِهِ الْآيَة ؟ " " وَاَلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّه إِلَهًا آخَر - إِلَى قَوْله - " إِلَّا مَنْ تَابَ " الْآيَة فَقَرَأْتهَا عَلَيْهَا فَخَرَّتْ سَاجِدَة وَقَالَتْ الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ لِي مَخْرَجًا "(9)
وعن أبي هريرة، قال: "صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العَتَمة، ثم انصرفت فإذا امرأة عند بابي، ثم سلمت، ففتحت ودخلت، فبينا أنا في مسجدي أصلي، إذ نقرت الباب، فأذنت لها، فدخلت فقالت: إني جئتك أسألك عن عمل عملت، هل لي من توبة؟ فقالت: إني زنيت وولدت، فقتلته، فقلت : ولا لا نعمت العين ولا كرامة، فقامت وهي تدعو بالحسرة تقول: يا حسرتاه، أخُلق هذا الحسن للنار؟ قال: ثم صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصبح من تلك الليلة، ثم جلسنا ننتظر الإذن عليه، فأذن لنا، فدخلنا، ثم خرج من كان معي، وتخلفت، فقال: مَا لَكَ يا أبا هُرَيْرَةَ، ألَكَ حَاجَة؟ فقلت له: يا رسول الله صليت معك البارحة ثم انصرفت. وقصصت عليه ما قالت المرأة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ما قُلْت لَهَا؟ قال: قلت لها: لا والله، ولا نعمت العين ولا كرامة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "بِئسَ مَا قُلتَ، أمَا كُنْتَ تَقْرَأ هذِهِ الآية( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ) ... الآية( إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا ) فقال أبو هريرة: فخرجت، فلم أترك بالمدينة حصنا ولا دارًا إلا وقفت عليه، فقلت: إن تكن فيكم المرأة التي جاءت أبا هريرة الليلة، فلتأتني ولتبشر; فلما صليت مع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - العشاء، فإذا هي عند بابي، فقلت: أبشري، فإني دخلت على النبيّ، فذكرت له ما قلت لي، وما قلت لك، فقال: وبئس ما قلت لها، أما كنت تقرأ هذه الآية؟ فقرأتها عليها، فخرّت ساجدة، فقالت: الحمد لله الذي جعل مخرجًا وتوبة مما عملت، إن هذه الجارية وابنها حرَّان لوجه الله، وإني قد تبت مما عملت".(10)
ــــــــــــــ
__________
(1) - صحيح البخارى(3470 )
(2) - صحيح مسلم (7184)
(3) - مسند أحمد (22109) صحيح -النواجذ : جمع ناجذ وهو أقصى الأضراس
(4) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 3 / ص 476)(3373) ضعيف
(5) - تفسير ابن أبي حاتم(14391 ) صحيح موقوف ومثله لا يقال بالرأي
(6) - تفسير ابن أبي حاتم(14380) ضعيف
(7) - تفسير ابن أبي حاتم (14396) صحيح مرسل
(8) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 6 / ص 475)(7085 ) والآحاد والمثاني (2718) حسن
(9) - تفسير ابن أبي حاتم (14395 ) ضعيف
(10) - تفسير الطبري - (ج 19 / ص 306) ضعيف ، وانظر تفسير ابن كثير - (ج 11 / ص 163) فما بعدها(1/39)
من صفات الله تعالى مغفرة الذنوب وقبول التوبة
قال تعالى :{ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) } [غافر/3 ]
وَاللهُ تَعَالَى مُنَزِّلُ القُرْآنِ هُوَ الذِي يَغْفِرُ مَا سَلَفَ مِنَ الذَّنْبِ ، وَيَقْبَلُ التَّوْبَةَ مِمَّنْ تَابَ وَأَنَابَ ، وَأَخْلَصَ فِي التَّوْبَةِ والعَمَلِ ، وَهُوَ شَدِيدُ العِقَابِ لِمَنْ تَمَرَّدَ وَطَغَى ، وَعَتَا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ، وَهُوَ المَتَفَضِّلُ عَلَى عِبَادِهِ ، وَهُوَ ذُو المَنِّ والطَّوْلِ والخَيْرِ الكَثِيرِ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ ، وَلاَ مَعْبُودَ سِوَاهُ ، وَإِلَيِهِ تَعَالَى المَرْجِعُ والمَصِيرُ والمَنْقَلَبُ
وعن يزيد بن الأصم قال: كان رجل من أهل الشام ذو بأس، وكان يفد إلى عمر بن الخطاب [رضي الله عنه] ففقده عمر فقال: ما فعل فلان بن فلان؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين، يتابع في هذا الشراب. قال: فدعا عمر كاتبه، فقال: اكتب: "من عمر بن الخطاب إلى فلان ابن فلان، سلام عليك، [أما بعد] : فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، غافر الذنب وقابل التوب، شديد العقاب، ذي الطول، لا إله إلا هو إليه المصير". ثم قال لأصحابه: ادعوا الله لأخيكم أن يُقْبِل بقلبه، وأن يتوب الله عليه . فلما بلغ الرجل كتابُ عمر جعل يقرؤه ويردده، ويقول: غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، قد حذرني عقوبته ووعدني أن يغفر لي .(1)
وعن يزيد بن الأصم: أن رجلاً كان ذا بأس وكان يوفد على عمر لبأسه وكان من أهل الشام، وأن عمر فقده فسأل عنه فقيل له: تتابع في هذا الشراب! فدعا كاتبه فقال اكتب: من عمر بن الخطاب إلى فلان، سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير، ثم دعا وأمن من عنده ودعوا له أن يقبل الله بقلبه وأن يتوب عليه، فلما أتت الصحيفة الرجل جعل يقرأ ويقول: غافر الذنب قد وعدني الله أن يفغر لي، وقابل التوب شديد العقاب. قد حذرني الله عقابه، ذي الطول والطول الخير الكثير، لا إله إلا هو إليه المصير، فلم يزل يرددها على نفسه ثم بكى ثم نزع فاحسن النزع، فلما بلغ عمر أمره، قال: هكذا فاصنعوا إذا رأيتم أخاً لكم زل فسددوه ووفقوه وادعوا الله أن يتوب عليه.(2)
وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ:"إِذَا رَأَيْتُمْ أَخَاكُمْ قَارَفَ ذَنْبًا فَلا تَكُونُوا أَعْوَانًا لِلْشَيَطِانِ عَلَيْهِ تَقُولُوا: اللَّهُمَّ اخْزِهِ، اللَّهُمَّ الْعَنْهُ، وَلَكِنْ سَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَإِنَّا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - كُنَّا لا نَقُولُ فِي أَحَدٍ شَيْئًا حَتَّى نَعْلَمَ عَلَى مَا يَمُوتُ، فَإِنْ خُتِمَ لَهُ بِخَيْرٍ عَلِمْنَا أَنَّهُ قَدْ أَصَابَ خَيْرًا، وَإِنْ خُتِمَ لَهُ بِشَرٍّ خِفْنَا عَلَيْهِ عَمَلَهُ".(3)
ــــــــــــــ
__________
(1) - تفسير ابن كثير - (ج 7 / ص 128) فيه انقطاع
(2) - حلية الأولياء - (ج 2 / ص 118) فيه انقطاع
(3) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 8 / ص 9)(8495 ) حسن(1/40)
الله تعالى يقبلُ التوبة ويعفو عن السيئات
قال تعالى : { وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25)} [الشورى/25]
يَمْتَنُّ اللهُ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ بِأَنَّهُ مِنْ كَرَمِهِ وَحِلْمِهِ يَقْبَلُ تَوْبَتهمْ فِي المُسْتَقْبَلِ ، إِذَا تَابُوا وَرَجَعُوا إِلَيْهِ ، وَيَعْفُوا عَمَّا فَعَلُوا ، مِنَ السِّيِئَاتِ فِيمَا سَلَفَ ، وَهُوَ عَالِمٌ بِجَمِيعِ مَا يَفْعَلُونَ وَمَا يَقُولُونَ .
وقال ابن كثير(1): يقول تعالى ممتنا على عباده بقبول توبتهم إليه إذا تابوا ورجعوا إليه: أنه من كرمه وحلمه أنه يعفو ويصفح ويستر ويغفر، كقوله: { وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا } [النساء:110] وقد ثبت في صحيح مسلم،عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ أَعُودُهُ وَهُوَ مَرِيضٌ فَحَدَّثَنَا بِحَدِيثَيْنِ حَدِيثًا عَنْ نَفْسِهِ وَحَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ مِنْ رَجُلٍ فِى أَرْضٍ دَوِيَّةٍ مَهْلَكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ فَطَلَبَهَا حَتَّى أَدْرَكَهُ الْعَطَشُ ثُمَّ قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِى الَّذِى كُنْتُ فِيهِ فَأَنَامُ حَتَّى أَمُوتَ. فَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى سَاعِدِهِ لِيَمُوتَ فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَاحِلَتُهُ وَعَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَاللَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ وَزَادِهِ »(2).
وعَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَخْنَسِ , عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قرَأْت مِنَ اللَّيْلِ {حم عسق} فَمَرَرْت بِهَذِهِ الآيَةِ : {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ , عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو , عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} فَغَدَوْت إلَى عَبْدِ اللهِ أَسْأَلُهُ عَنْهَا فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ , عَنِ الرَّجُلِ يَفْجُرُ بِالْمَرْأَةِ ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا فَقَرَأَ عَبْدُ اللهِ : {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ , عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو , عَنِ السَّيِّئَاتِ}(3).
ــــــــــــــ
__________
(1) - تفسير ابن كثير - (ج 7 / ص 204)
(2) - صحيح مسلم(7131)- الدوية : الصحراء التى لا نبات بها
(3) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 4 / ص 248)(17048) حسن لغيره(1/41)
التوبةُ النصوح تكفِّر الذنوب
قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8) } [التحريم/8 ]
يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ بِأَنْ يَتُوبُوا تَوْبَةً صَادِقَةً جَازِمَةً تَمْحُو مَا سَبَقَهَا مِنَ السَّيِّئَاتِ .
" وَسُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ التَّوْبَةِ النَّصُوحِ فَقَالَ : هُوَ النَّدَمُ عَلَى الذَّنْبِ حِينَ يَفْرُطُ مِنْكَ ، فَتَسْتَغْفِرُ الله بِنَدَامَتِكَ مِنْهُ عِنْدَ الحَاضِرِ ، ثُمَّ لاَ تَعُودُ إِليهِ أَبداً " ( أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ) .
ثُمَّ يُبَيِّنُ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُمْ إِنْ تَابُوا تَوْبَةً نَصُوحاً تَابَ اللهُ عَليهِمْ ، وَغَفَرَ لَهُمْ ، وَأَدخَلَهُمْ بِرَحْمَتِهِ جَنَّاتٍ تَجْرِي الأَنْهَارُ فِي جَنَبَاتِهَا فِي يَوْمِ القِيَامَةِ . وَهُوَ اليومُ الذِي يَرْفَعُ الله فِيهِ قَدْرَ رَسُولِهِ الكَرِيمِ ، وَقَدْرَ المُؤْمِنينَ مَعَهُ . وَيَجْعَلُ نُورَهُمْ فِي ذَلِكَ اليَومِ يَسْعَى بَينَ أَيْدِيهِمْ ، حِينَ يَمْشُونَ وَكُتُبُهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ ، وَيَسْأَلُونَ رَبَّهُمْ أَنْ يُبْقِي لَهُمْ نُورَهُمْ ، فَلا يَطْفِئُهُ حَتَّى يجُوزُوا الصِّرَاطَ بِهِ ، وَيَسْتَغْفِرُونَ رَبَّهُمْ مِنْ ذُنُوبِهِم السَّالِفَةِ ، وََيَقُولُونَ : رَبَّنَا العَظِيمَ إِنَّكَ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ، وَلاَ يُعْجِزُكَ شَيءٌ .
وقال القرطبي : " اختلفت عبارة العلماء وأرباب القلوب في التوبة النصوح على ثلاثة وعشرين قولا؛ فقيل : هي التي لا عَوْدة بعدها كما لا يعود اللّبن إلى الضَّرع؛ وروي عن عمر وابن مسعود وأُبَيّ بن كعب ومعاذ بن جبل رضي الله عنهم . ورفعه مُعاذ إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - . وقال قتادة : النَّصُوح الصادقة الناصحة . وقيل الخالصة؛ يقال : نصح أي أخلص له القول . وقال الحسن : النَّصُوح أن يُبْغِض الذنب الذي أحبّه ويستغفر منه إذا ذكره . وقيل : هي التي لا يثق بقبولها ويكون على وَجَل منها . وقيل : هي التي لا يحتاج معها إلى توبة . وقال الكلبيّ : التوبة النصوح النّدم بالقلب ، والاستغفار باللسان ، والإقلاع عن الذنب ، والاطمئنان على أنه لا يعود . وقال سعيد بن جُبير : هي التوبة المقبولة؛ ولا تقبل ما لم يكن فيها ثلاثة شروط : خوف ألا تقبل ، ورجاء أن تقبل ، وإدمان الطاعات . وقال سعيد بن المسيّب : توبة تنصحون بها أنفسكم . وقال القرظي : يجمعها أربعة أشياء : الاستغفار باللسان ، والإقلاع بالأبدان ، وإضمار ترك العَوْد بالجنَان ، ومهاجرة سيء الخِلان . وقال سفيان الثَّوْري : علامة التوبة بالنصوح أربعة : القِلّة والعِلة والذِّلّة والغُرْبة . وقال الفُضَيل ابن عياض : هو أن يكون الذنب بين عينيه ، فلا يزال كأنه ينظر إليه . ونحوه عن ابن السّماك : أن تَنصِب الذنب الذي أقللت فيه الحياء من الله أمام عينك وتستعدّ لمنتظرك . وقال أبو بكر الوَرَّاق : هو أن تضيق عليك الأرض بما رحُبَت ، وتضيق عليك نفسك؛ كالثلاثة الذين خُلِّفوا . وقال أبو بكر الواسطي : هي توبة لا لفقد عِوض؛ لأن من أذنب في الدنيا لرَفَاهِية نفسه ثم تاب طلباً لرفاهيتها في الآخرة؛ فتوبته على حفظ نفسه لا لله . وقال أبو بكر الدَّقاق المصري : التوبة النصوح هي ردّ المظالم ، واستحلال الخصوم ، وإدمان الطاعات . وقال رُوَيْم : هو أن تكون لله وجهاً بلا قَفَا ، كما كنت له عند المعصية قَفاً بلا وجه . وقال ذو النُّون : علامة التوبة النصوح ثلاث : قِلّة الكلام ، وقِلّة الطعام ، وقِلّة المنام . وقال شقيق : هو أن يكثر صاحبها لنفسه الملامة ، ولا ينفك من الندامة؛ لينجوَ من آفاتها بالسلامة . وقال سَرِيّ السَّقَطِيّ : لا تصلح التوبة النصوح إلا بنصيحة النفس والمؤمنين؛ لأن من صحب توبته أحبّ أن يكون الناس مثله . وقال الجُنَيْد : التوبة النصوح هو أن ينسى الذنب فلا يذكره أبداً؛ لأن من صحّت توبته صار مُحباً لله ، ومن أحبّ الله نَسِيَ ما دون الله .
وقال ذو الأُذَنَيْن : هو أن يكون لصاحبها دمعٌ مسفوح ، وقلبٌ عن المعاصي جَمُوح . وقال فتح المَوْصِليّ : علامتها ثلاث : مخالفة الهوى ، وكثرة البكاء ، ومكابدة الجوع والظمأ . وقال سهل بن عبد الله التُّسْتَرِيّ : هي التوبة لأهل السنة والجماعة؛ لأن المبتدع لا توبة له؛ بدليل :
قوله - صلى الله عليه وسلم - : " حجب الله على كل صاحب بدعة أن يتوب " وعن حُذَيْفَة : بحسب الرجل من الشر أن يتوب من الذنب ثم يعود فيه . وأصل التوبة النصوح من الخلوص؛ يقال : هذا عَسَلٌ ناصح إذا خَلَص من الشَّمْع . وقيل : هي مأخوذة من النَّصاحة وهي الخياطة . وفي أخذها منها وجهان : أحدهما لأنها توبة قد أحكمت طاعته وأوثقتها كما يحكم الخيّاط الثوب بخياطته ويوثقه . والثاني لأنها قد جمعت بينه وبين أولياء الله وألصقته بهم؛ كما يجمع الخياط الثوب ويُلصق بعضه ببعض . وقراءة العامة «نَصُوحاً» بفتح النون ، على نعت التوبة ، مثل امرأة صبور ، أي توبة بالغة في النصح . وقرأ الحسن وخارجة وأبو بكر عن عاصم بالضم؛ وتأويله على هذه القراءة : توبةُ نصح لأنفسكم . وقيل : يجوز أن يكون «نُصُوحاً» ، جمع نُصح ، وأن يكون مصدراً ، يقال : نصح نصاحة ونُصُوحا . وقد يتفق فعالة وفعول في المصادر ، نحو الذِّهاب والذُّهوب . وقال المبرّد : أراد توبة ذات نُصح ، يقال : نصحت نصحاً ونَصاحة ونُصوحاً .
الثانية : في الأشياء التي يُتاب منها وكيف التّوبة منها . قال العلماء : الذنب الذي تكون منه التوبة لا يخلو ، إما أن يكون حقاً لله أو للآدميين . فإن كان حقاً لله كترك صلاة فإن التوبة لا تصح منه حتى ينضم إلى الندم قضاءُ ما فات منها . وهكذا إن كان ترك صوم أو تفريطاً في الزكاة . وإن كان ذلك قتلَ نفس بغير حق فأن يُمَكِّن من القصاص إن كان عليه وكان مطلوباً به . وإن كان قذفاً يوجب الحدّ فيبذل ظهره للجلد إن كان مطلوباً به . فإن عُفِيَ عنه كفاه الندم والعزم على ترك العود بالإخلاص . وكذلك إن عُفيَ عنه في القتل بمال فعليه أن يؤدِّيه إن كان واجداً له ، قال الله تعالى : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فاتباع بالمعروف وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ } [ البقرة : 178 ] . وإن كان ذلك حداً من حدود الله كائناً ما كان فإنه إذا تاب إلى الله تعالى بالندم الصحيح سقط عنه . وقد نصّ الله تعالى على سقوط الحدّ عن المحاربين إذا تابوا قبل القدرة عليهم . وفي ذلك دليل على أنها لا تسقط عنهم إذا تابوا بعد القدرة عليهم؛ حسب ما تقدم بيانه . وكذلك الشُّرّاب والسُّراق والزُّناة إذا أصلحوا وتابوا وعُرف ذلك منهم ، ثم رفعوا إلى الإمام فلا ينبغي له أن يحدّهم . وإن رُفُعوا إليه فقالوا : تُبْنا ، لم يتركوا ، وهم في هذه الحالة كالمحاربين إذا غُلبوا ."(1)
- - - - - - - - - - - - - - - -
الدعاء مع الرجاء
فإن الدعاء مأمور به وموعود عليه بالإجابة كما قال تعالى : {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (60) سورة غافر
يَحُثُّ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ عَلَى دُعَائِهِ ، وَتَكَفَّلَ لَهُمْ بِالإِجَابَةِ عَلَى دُعَائِهِمْ؛ وَدُعَاءُ العَبْدِ رَبِّهُ دَلِيلٌ عَلَى إِيْمَانِهِ بِرَبِّهِ ، وَخَوْفِهِ مِنْهُ ، وَطَمَعِهِ فِي ثَوَابِهِ وَكَرَمِهِ ، وَرَحْمَتِهِ ، وَمَنْ اسْتَكْبَرَ عَنْ عِبَادَةِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ لاَ يَهْتَمُّ بِإِجَابَةِ دُعَائِهِ لأَنَّهُ لاَ يُؤْمِنُ بِاللهِ ، وَأَنَّهُ وَاحِدٌ لا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى مَعْرِفَةِ أَحْوَالِ الخَلاَئِقِ ، وَتَصْرِيفِ شُؤُونِهِمْ ، وَإحْصَاءِ أَعْمَالِهِمْ ، وَإِعَادَةِ بَعْثِهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ لِيُحَاسِبَهُمْ عَلَيْهَا ، وَيَجْزِيَهُمْ بِهَا
وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى : إِنَّ الذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ فَإِنَّهُ سَيُدْخِلُهُمُ النَّارَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَهُمْ أَذِلاءُ صَاغِرُونَ .
وقال تعالى : {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (186) سورة البقرة
وإذا سألك -أيها النبي- عبادي عني فقل لهم: إني قريب منهم، أُجيب دعوة الداعي إذا دعاني، فليطيعوني فيما أمرتهم به ونهيتهم عنه، وليؤمنوا بي، لعلهم يهتدون إلى مصالح دينهم ودنياهم. وفي هذه الآية إخبار منه سبحانه عن قربه من عباده، القرب اللائق بجلاله.
وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ ». ثُمَّ قَرَأَ {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (غافر/60)(2).
وعن عبد الله بن عمر ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " مَنْ أُذِنَ لَهُ بِالدُّعَاءِ مِنْكُمْ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ ، وَمَا يُسْأَلُ اللَّهُ شَيْئًا قَطُّ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ الْعَفْوَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ "(3)
وقال الكلاباذي : " فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَعْظِيمُ قَدْرِ الدُّعَاءِ ، وَالتَّنْبِيهِ لِعَظِيمِ الْمِنَّةِ ، وَشَرَفِ الْمَنْزِلَةِ أَعْطَى الْعَبْدَ مَا سُئِلَ أَوْ مَنَعَ ، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ أُذِنَ لَهُ بِالدُّعَاءِ فَقَدْ جَذَبَهُ الْحَقُّ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ ، وَصَرَفَهُ عَنْ غَيْرِهِ ، وَأَلْجَأَهُ إِلَى كَنَفِهِ ، وَضَمَّهُ إِلَيْهِ ، وَاخْتَصَّهُ بِهِ ، وَشَغَلَهُ بِهِ عَمَّنْ سِوَاهُ ؛ لِأَنَّهُ صَرَّفَ قَلْبَهُ بِالرَّغْبَةِ إِلَيْهِ ، وَشَغَلَ لِسَانَهُ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ، وَذَمَّ جَوَارِحَهُ بِالْمُثُولِ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَمَا تَدْرِي مَا صَنَعَ عِنْدَمَا أَعْطَى فُلَانًا ، أُعْطِيَ الْمُلْكَ كُلَّهُ لِمَكَانٍ مَا ، أُعْطِيَ فِي الدُّعَاءِ أَكْثَرَ ، عَلَى أَنَّ الدَّاعِيَ لَا شَكَّ يُجَابُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ، هَذِهِ سِينُ التَّوْكِيدِ ، وَهُوَ يَقُومُ مَقَامَ الْقَسَمِ عِنْدَ أَصْحَابِ الْمَعَانِي ، وَقَوْلُهُ فِيهِ إِضْمَارٌ : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُجِيبُهُ لَا غَيْرُهُ ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ ، فَإِذَا دُعِيَ بِأَسْمَائِهِ وَأُثْنِيَ عَلَيْهِ بِصِفَاتِهِ ، لَا بُدَّ أَنْ يُجِيبَهُ ، لِأَنَّ فِي تَرْكِ الْإِجَابَةِ رُجُوعَ الْعِلَّةِ إِلَيْهِ جَلَّ وَعَلَا ، لَا إِلَى الْعَبْدِ ، وَيَتَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا ، وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " مَنْ أُعْطِيَ الدُّعَاءَ لَمْ يُحْرَمِ الْإِجَابَةَ " ، وَكَيْفَ لَا يُجِيبُهُ ؟ وَهُوَ يُحِبُّ صَوْتَهُ ، وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا فَتَحَ عَلَيْهِ الدُّعَاءَ لَهُ . وَالْإِجَابَةُ نَوْعَانِ : قَدْ يَكُونُ بِالْمُرَادِ ، وَقَدْ لَا يَكُونُ ، وَالِاسْتِجَابَةُ لَيْسَ إِلَّا إِجَابَةٌ عَنِ الْمُرَادِ ".
وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ أَعْطَى أَرْبَعًا أُعْطِيَ أَرْبَعًا ، وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ : مَنْ أَعْطَى الذِّكْرَ ذَكَرَهُ اللهُ ، لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ، يَقُولُ : فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ، وَمَنْ أَعْطَى الدُّعَاءَ أُعْطِيَ الإِجَابَةَ ، لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ، يَقُولُ : ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ، وَمَنْ أَعْطَى الشُّكْرَ أُعْطِيَ الزِّيَادَةَ ، لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ، يَقُولُ : لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ،وَمَنْ أَعْطَى الاسْتِغْفَارَ أُعْطِيَ الْمَغْفِرَةَ ، لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ، يَقُولُ :{اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا}(4).
قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ:وَقَدِ افْتَتَنَ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ لا عِلْمَ لَهُمْ بِأَنْ يَقُولُوا : نَدْعُو فَلا يُسْتَجَابُ لَنَا ، وَهَذَا رَدٌّ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، لأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ وَقَوْلُهُ الْحَقُّ:{ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}
وَقَالَ :{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} ، وَلِهَذَا مَعْنًى لا يَعْرِفُهُ إِلَّاأَهْلُ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ ، وَقَدْ فَسَّرَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ،رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ إِلَّااسْتَجَابَ لَهُ ، فَهُوَ مِنْ دَعْوَتِهِ عَلَى إِحْدَى ثَلاثٍ : إِمَّا أَنْ يُعَجَّلَ لَهُ فِي الدُّنْيَا ، وَإِمَّا أَنْ تُدَّخَرَ ، يُؤَخَّرَ ، فِي الآخِرَةِ ، وَإِمَّا أَنْ يُدْفَعَ عَنْهُ مِنَ الْبَلاءِ مِثْلُهَا "(5)
وعَنْ أنس بن مالك قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : " مَا كَانَ اللَّهُ لِيَفْتَحَ لِعَبْدٍ بَابَ الدُّعَاءِ وَيُغْلِقَ عَنْهُ بَابَ الْإِجَابَةِ اللَّهُ أَكْرَمُ مِنْ ذَلِكَ "(6)
وعَنْ عَنْ قتادة ، أَنَّ أن أبا الدرداء ، قَالَ " مَنْ يُكْثِرْ قَرْعَ الْبَابِ ، بَابِ الْمَلِكِ ، يُوشِكْ أَنْ يُفْتَحَ لَهُ ، وَمَنْ يُكْثِرِ الدُّعَاءَ يُوشِكْ أَنْ يُسْتَجَابَ لَهُ "(7)
لكن الدعاء سببٌ مقتضٍ للإجابة معَ استكمال شرائطه ، وانتفاء موانعه ، وقد تتخلَّف إجابته ، لانتفاءِ بعض شروطه ، أو وجود بعض موانعه .
من أعظم شرائطه حضور القلب ورجاء الإجابة من الله تعالى :
فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لاَهٍ »(8).
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :« الْقُلُوبُ أَوْعِيَةٌ وَبَعْضُهَا أَوْعَى مِنْ بَعْضٍ فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَيُّهَا النَّاسُ فَاسْأَلُوهُ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَجِيبُ لِعَبْدٍ دَعَاهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ غَافِلٍ »(9).
ولهذا نهي العبد أن يقول في دعائه: « اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى إِنْ شِئْتَ ، ارْحَمْنِى إِنْ شِئْتَ ، ارْزُقْنِى إِنْ شِئْتَ ، وَلْيَعْزِمْ مَسْأَلَتَهُ ، إِنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ، لاَ مُكْرِهَ لَهُ »(10).
ونُهي أنْ يستعجل ، ويتركَ الدعاء لاستبطاء الإجابة ، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ يَقُولُ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِى »(11).
وجعل ذلك من موانع الإجابة حتّى لا يقطع العبدُ رجاءه من إجابة دُعائه ولو طالت المدة ، فإنَّه سبحانه يُحبُّ المُلحِّين في الدعاء، فعَنْ عَائِشَة مَرْفُوعًا " إِنَّ اللَّه يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاء "(12)
وعَنْ جَابِرٍ أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ إِنَّ جِبْرِيلَ مُوَكَّلٌ بِحَاجَاتِ الْعِبَادِ فَإِذَا دَعَاهُ عَبْدُهُ الْمُؤْمِنُ قَالَ لَهُ يَا جِبْرِيلُ احْبِسْ حَاجَةَ عَبْدِي هَذَا فَإِنِّي أُحِبُّهُ وَأُحِبُّ صَوْتَهُ ، وَإِذَا دَعَاهُ الْكَافِرُ قَالَ يَا جِبْرِيلُ اقْضِ حَاجَةَ عَبْدِي هَذَا فَإِنِّي أُبْغِضُهُ وَأَبْغَضُ صَوْتَهُ"(13)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ تَعَالَى عَبْدًا صَبَّ عَلَيْهِ الْبَلَاءَ صَبًّا ، وَسَحَبَهُ عَلَيْهِ سَحْبًا ، فَإِذَا دَعَا ، قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ : صَوْتٌ مَعْرُوفٌ ، وَقَالَ جِبْرِيلُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : يَا رَبِّ عَبْدُكَ فُلَانٌ ، اقْضِ لَهُ حَاجَتَهُ ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : دَعُوا عَبْدِي ، فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَ صَوْتَهُ ، فَإِذَا قَالَ : يَا رَبِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : لَبَّيْكَ عَبْدِي ، وَسَعْدَيْكَ ، لَا تَدْعُونِي بشَيْءٍ إِلَّا اسْتَجَبْتُ لَكَ ، وَلَا تَسْأَلُنِي شَيْئًا إِلَّا أَعْطَيْتُكَ ، إِمَّا أَنْ أُعَجِّلَ لَكَ مَا سَأَلْتَ ، وَإِمَّا أَنْ أَدَّخِرَ لَكَ عِنْدِي أَفْضَلَ مِنْهُ ، وَإِمَّا أَنْ أَدْفَعَ عَنْكَ مِنَ الْبَلَاءِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ " قَالَ فِي الْحَدِيثِ : " لَا تَدْعُونِي لشَيْءٍ إِلَّا اسْتَجَبْتُ لَكَ " ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ.
وَقَالَ بَعْضُ عُلَمَاءِ اللُّغَةِ : الْإِجَابَةُ نَوْعَانِ ، قَدْ يَكُونُ بِالْمُرَادِ ، وَقَدْ لَا يَكُونُ ، وَالِاسْتِجَابَةُ لَيْسَ إِلَّا إِجَابَةٌ عَنِ الْمُرَادِ ، فَقَدْ صَحَّ قَوْلُ أَصْحَابِ الْمَعَانِي : أَنَّ هَذِهِ السِّينَ تَقُومُ مَقَامَ الْقَسَمِ ، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ، فَمَا ظَنُّكَ إِذَا أَكَّدَ بِالْقَسَمِ ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ : " أَنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَى دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ قُلْ لِظَلَمَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ : لَا تَدْعُونِي ، فَإِنِّي آلَيْتُ عَلَى نَفْسِي أَنْ لَا يَدْعُونِي أَحَدٌ إِلَّا أَجَبْتُهُ ، وَإِنَّهُمْ إِنْ دَعَوْنِي أَجَبْتُهُمْ بِاللَّعْنَةِ " هَذَا مَعْنَى الرَّاوِيَةِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِلَفْظِهِ ، فَقَدْ أَخْبَرَ أَنْهُ يُجِيبُ مَنْ دَعَاهُ ، وَكَفَى بِهِ شَرَفًا أَنْ تَدَعُوَهُ فَيُجِيبَكَ ، فَأَمَّا السُّؤَالُ فَقَدْ شَرَطَ الِاخْتِيَارَ لَكَ ، كَمَا قَالَ : " إِمَّا أَنْ أُعَجِّلَ لَكَ ، أَوْ أَدَّخِرَ ، أَوْ أَدْفَعَ عَنْكَ " ، فَحَسْبُكَ شَرَفًا أَنْ يَخْتَارَ لَكَ مَوْلَاكَ عَزَّ وَجَلَّ ، وَلَأَنْ تُمْنَعَ مَا سَأَلْتَ أَعْظَمُ وَأَشْرَفُ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ : " أَوْ أَدَّخِرَ لَكَ عِنْدِي " هَاهْ لَوْ عَلِمْتَ قَوْلَهُ : " عِنْدِي " لَهَانَ عَلَيْكَ أَنْ يُسْلَخَ جِلْدُكَ وَأَنْتَ حَيٌّ ، فَكَيْفَ بِمَا صَرَفَ عَنْكَ . وَأَمَّا قَوْلُهُ : " مَا يُسْأَلُ اللَّهُ شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا " ، أَمَّا الْعَفْوُ : فَأَنْ يَخْتَصَّكَ لِنَفْسِهِ ، وَيُسِرَّكَ عَنْ غَيْرِهِ ، فَيُعَفَّى عَلَى أَثَرِكَ ، فَلَا يُفْطَنَ بِكَ ، وَلَا يُعْرَفَ مَذْهَبُكَ ، فَيَفُوتَ عَدُوُّكَ إِنْ أَرَادَكَ وَسَائِرُ الْخَلْقِ أَنْ يَفْتِنُوكَ ، وَنَفْسُكَ أَنْ يُطَالِبَكَ بِحُظُوظِهَا . وَالْعَافِيَةُ أَنْ يَعْصِمَكَ عَمَّا سِوَاهُ ، فَلَا يَكُونُ لَكَ إِلَى غَيْرِهِ رُجُوعٌ ، وَلَا إِلَى سِوَاهُ نَظَرٌ ، قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ : الدُّعَاءُ مِثْلُ قَوْلِهِ : يَا اللَّهُ ، يَا رَحْمَنُ ، فَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا دَعَاهُ ، وَوَصَفَهُ كَمَا هُوَ لَمْ يُحْرَمِ الْإِجَابَةَ ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ، وَأَمَّا الْكُفَّارُ إِذَا دَعَوْا فَلَمْ يَصِفُوهُ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ ، فَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِجَابَةَ تَكُونُ اللَّعْنَةَ ، وَلِلْمُؤْمِنِينَ لَبَّيْكَ . وَقَوْلُهُ : " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي " ، لَا يَكُونُ دُعَاءً ، وَإِنَّمَا هُوَ سُؤَالٌ ، وَالسُّؤَالُ غَيْرُ الدُّعَاءِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ " .(14)
وقال تعالى : {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} (56) سورة الأعراف.
فما دام العبدُ يُلحُّ في الدُّعاء ، ويَطمعُ في الإجابة من غير قطع الرّجاء ، فهو قريبٌ من الإجابة ، ومَنْ أَدمن قرعَ الباب ، يُوشك أنْ يُفتح له ، فعَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : لاَ تَعْجِزُوا فِي الدُّعَاءِ ، فَإِنَّهُ لَنْ يَهْلِكَ مَعَ الدُّعَاءِ أَحَدٌ.(15)
__________
(1) - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - (ج 1 / ص 5700)
(2) - مسند أحمد (18849) صحيح
(3) - بَحْرُ الْفَوَائِدِ الْمُسَمَّى بِمَعَانِي الْأَخْيَارِ لِلْكَلَابَاذِيِّ (18 ) ضعيف
(4) - المعجم الصغير للطبراني(1022) ضعيف والصواب إرساله
(5) - المعجم الصغير للطبراني - (ج 2 / ص 199) (1022) حسن
(6) - الضعفاء الكبير للعقيلي(383 ) عنه، والترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك لابن شاهين (153) عن أبي هريرة . ضعيف
(7) - شعب الإيمان للبيهقي(1150 ) و جَامِعُ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ (242) فيه انقطاع
(8) - سنن الترمذى (3816 ) حسن -موقنون : واثقون متأكدون -اللاهي : الغافل
(9) - مسند أحمد(6815) حسن
(10) - صحيح البخارى(7477 )
(11) - صحيح البخارى(6340 )
(12) - الدعاء للطبراني -العلمية - (ج 1 / ص 28)( 20 ) وفتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 55) رِجَاله ثِقَات إِلَّا أَنَّ فِيهِ عَنْعَنَة بَقِيَّة (ضعيف)
(13) - بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث (1068) ضعيف
(14) - بَحْرُ الْفَوَائِدِ الْمُسَمَّى بِمَعَانِي الْأَخْيَارِ لِلْكَلَابَاذِيِّ (19 ) ضعيف
(15) - صحيح ابن حبان - (ج 3 / ص 151)(871) صحيح(1/42)
ومن أهمِّ ما يسألُ العبد ربَّه مغفرةُ ذنوبه ، أو ما يستلزم ذلك كالنجاة من النار ، ودخول الجنة ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِرَجُلٍ : مَا تَقُولُ فِي الصَّلاَةِ ؟ فَقَالَ : أَتَشَهَّدُ ثُمَّ أَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ. أَنَا وَاللَّهِ مَا أُحْسِنُ دَنْدَنَتَكَ وَلاَ دَنْدَنَةَ مُعَاذٍ ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : حَوْلَهَا نُدَنْدِنُ.(1)
وعَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاتِكَةِ ، يُخَبَرٍ أَنَّ أَبَا مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيَّ ، وَذَكَرُوا لَهُ مَا يُسْتَجَابُ لَهُ مِنْ دُعَائِهِ قَالَ : مَا عُرِضَتْ لِي دَعْوَةٌ قَطُّ إِلَّا ذَكَرْتُ جَهَنَّمَ فَصَرَفْتُ دَعْوَتِي إِلَى الِاسْتِعَاذَةِ مِنْهَا .(2)
ومن رحمة الله تعالى بعبده أنَّ العبدَ يدعوه بحاجةٍ من الدنيا ، فيصرفها عنه ، ويعوِّضه خيراً منها ، إما أنْ يَصرِفَ عنه بذلك سوءاً ، أو أنْ يدَّخِرَها له في الآخرة ، أو يَغفِر له بها ذنباً ، فعَنْ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « مَا مِنْ أَحَدٍ يَدْعُو بِدُعَاءٍ إِلاَّ آتَاهُ اللَّهُ مَا سَأَلَ أَوْ كَفَّ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهُ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ »(3).
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ، لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ، وَلاَ قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلاَّ أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلاَثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِى الآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا، قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ؟ قَالَ: اللَّهُ أَكْثَرُ.(4)
وبكلِّ حالٍ ، فالإلحاحُ بالدعاء بالمغفرة مع رجاء الله تعالى موجبٌ للمغفرة ، والله تعالى يقول : أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِى بِى وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِى"(5)
وعَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي ، فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ.(6)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : " أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي فَإِنْ ظَنَّ بِي خَيْرًا فَلَهُ الْخَيْرُ فَلَا تَظُنُّوا بِاللَّهِ إِلَّا خَيْرًا "(7)
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ : قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ : حَدِّثْنِي حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " يَأْتِي اللَّهُ بِالْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَجْعَلَهُ فِي حِجَابِهِ فَيَقُولُ لَهُ : اقْرَأْ صَحِيفَتَكَ ، فَيَقْرَأُ وَيُقَرِّرُهُ بِذَنْبٍ ذَنْبٍ ، وَيَقُولُ : أَتَعْرِفُ ؟ أَتَعْرِفُ ؟ فَيَقُولُ : نَعَمْ يَا رَبِّ ، فَيَقْرَأُ ، فَيَلْتَفِتُ يَمْنَةً وَيَسْرَةً ، فَيَقُولُ : لَا بَأْسَ عَلَيْكَ يَا عَبْدِي ، إِنَّكَ فِي سِتْرِي ، لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى ذُنُوبِكَ غَيْرِي ، اذْهَبْ فَقَدْ غَفَرْتُهَا لَكَ . فَيُقَالُ لَهُ : ادْخُلِ الْجَنَّةَ . وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُقَالُ عَلَى رُؤُوسِ الْأَشْهَادِ : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ "(8). ،
فمن أعظم أسباب المغفرة أنَّ العبد إذا أذنب ذنباً لم يرج مغفرته من غير ربِّه ، ويعلم أنه لا يغفر الذنوبَ ويأخذ بها غيرُه ، فعَنْ أَبِى ذَرٍّ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ قَالَ :« يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِى وَرَجَوْتَنِى غَفَرْتُ لَكَ مَا كَانَ فِيكَ ، ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ إِنْ تَلْقَانِى بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا لَقِيتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً بَعْدَ أَنْ لاَ تُشْرِكَ بِى شَيْئاً ، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ إِنْ تُذْنِبْ حَتَّى يَبْلُغَ ذَنْبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ تَسْتَغْفِرُنِى أَغْفِرْ لَكَ وَلاَ أُبَالِى ».(9)
وقوله : " إنَّك ما دعوتني ورجوتني ، غفرتُ لك على ما كان منك ولا أُبالي " يعني : على كثرة ذنوبك وخطاياك ، ولا يتعاظمني ذلك ، ولا أستكثره ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلْيُعْظِمِ الرَّغْبَةَ ، فَإِنَّهُ لاَ يَتَعَاظَمُ عَلَى اللهِ شَيْءٌ.(10)
فذنوب العباد وإنْ عظُمَت فإنَّ عفو الله ومغفرته أعظم منها وأعظم ، فهي صغيرةٌ في جنب عفوِ الله ومغفرته . فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : وَاذُنُوبَاهُ وَاذُنُوبَاهُ ، فَقَالَ هَذَا الْقَوْلَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : قُلِ : اللَّهُمَّ مَغْفِرَتِكَ أَوْسَعُ مِنْ ذُنُوبِي وَرَحْمَتَكَ أَرْجَى عِنْدِي مِنْ عَمَلِي فَقَالَهَا ، ثُمَّ قَالَ : عُدْ فَعَادَ ، ثُمَّ قَالَ : عُدْ فَعَادَ ، فَقَالَ : قُمْ فَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ"(11)
وفي هذا يقول بعضهم :
يا كَبير الذَّنب عفوُ الـ ـلَّه مِن ذنبك أكبرُ
أعظَمُ الأشياء في جَنب عفوِ الله يَصغُرُ(12)
وقال آخر(13):
يا ربِّ إن عَظُمَت ذُنوني كَثرةً فلقَد علِمتُ بأنَّ عَفوكَ أعظَمُ
إن كان لا يرجوك إلا مُحسنٌ فمَن الذي يَرجو ويدعُو المُجرمُ
مالي إليك وسيلةٌ إلاَّ الرجا وجَميلُ عفوك ثم إنِّي مُسلِمُ
وقال آخر :
ولما قسى قلبي وضاقتْ مذاهبي جعلتُ رجائي نحو عفوك سُلماً
تعاظمني ذنبي فلما قرنتُهُ بعفوكَ ربي كانَ عفوك أعضما
- - - - - - - - - - - - - -
الفصل السادس
مغفرة الذنوب
التوحيدُ(14)
من أسباب المغفرة : التوحيدُ ، وهو السببُ الأعظم ، فمن فقده ، فَقَدَ المغفرة ، ومن جاء به ، فقد أتى بأعظم أسباب المغفرة ، قال تعالى : {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا } (48) سورة النساء.
فمن جاء مع التوحيد بقُراب الأرض - وهو ملؤها أو ما يُقارب ملأها - خطايا ، لقيه الله بقُرابها مغفرة ، لكنَّ هذا مع مشيئة الله - عز وجل - ، فإنْ شاء غَفَرَ له ، وإنْ شاء أخذه بذنوبه ، ثم كان عاقبته أنْ لا يُخلَّد في النار ، بل يخرج منها ، ثم يدخل الجنَّة .
قال بعضُهم : الموحِّد لا يُلقى في النار كما يُلقى الكفار ، ولا يَلقى فيها ما يَلقى الكفار ، ولا يبقى فيها كما يبقى الكفار ، فإنْ كمُلَ توحيدُ العبد وإخلاصُه لله فيه ، وقام بشروطه كلِّها بقلبه ولسانه وجوارحه ، أو بقلبه ولسانه عندَ الموت ، أوجبَ ذلك مغفرة ما سلف من الذنوب كلِّها ، ومنعه من دخول النَّار بالكلية .
فمن تحقَّق بكلمة التوحيد قَلبُه ، أخرجت منه كلَّ ما سوى الله محبةً وتعظيماً وإجلالاً ومهابةً ، وخشيةً ، ورجاءً وتوكُّلاً ، وحينئذ تُحْرَقُ ذنوبه وخطاياه كلُّها ولو كانت مِثلَ زبد البحر ، وربما قلبتها حسناتٍ ، فإنَّ هذا التوحيدَ هو الإكسيرُ الأعظمُ ، فلو وضع ذرَّة منها على جبالِ الذنوب والخطايا ، لقلبها حسناتٍ ،فعَنْ أُمِّ هَانِئٍ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ لاَ يَسْبِقُهَا عَمَلٌ وَلاَ تَتْرُكُ ذَنْبًا »(15)
( لا يسبقها عمل ) أي في الفضل . أي هي أفضل الأعمال البدنية . وأما التصديق فهو من عمل القلب .
وعَنْ يَعْلَى بْنِ شَدَّادٍ، حَدَّثَنِى أَبِى شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ، وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ حَاضِرٌ يُصَدِّقُهُ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: هَلْ فِيكُمْ غَرِيبٌ، يَعْنِى أَهْلَ الْكِتَابِ، فَقُلْنَا: لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَمَرَ بِغَلْقِ الْبَابِ، وَقَالَ: ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ وَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَرَفَعْنَا أَيْدِيَنَا سَاعَةً، ثُمَّ وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ، ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، اللَّهُمَّ بَعَثْتَنِى بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ، وَأَمَرْتَنِى بِهَا، وَوَعَدْتَنِى عَلَيْهَا الْجَنَّةَ، وَإِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ، ثُمَّ قَالَ: أَلاَ أَبْشِرُوا، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكُمْ.(16)
وعَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ ، أَنَّ أَبَا ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، أَنَّهُ قَالَ : الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا ، أَوْ أَزِيدُ ، وَالسَّيِّئَةُ وَاحِدَةٌ ، أَوْ أَغْفِرُهَا ، وَلَوْ لَقِيتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا مَا لَمْ تُشْرِكٍ بِي ، لَقِيتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً "(17)
وعن أَنَس قَالَ: ذُكِرَ لِى أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِمُعَاذٍ: « مَنْ لَقِىَ اللَّهَ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ » . قَالَ أَلاَ أُبَشِّرُ النَّاسَ قَالَ: « لاَ ، إِنِّى أَخَافُ أَنْ يَتَّكِلُوا »(18).
وعَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : « مَنْ لَقِىَ اللَّهَ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ ، وَمَنْ لَقِيَهُ يُشْرِكُ بِهِ دَخَلَ النَّارِ »(19)
وعَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيَّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُول: قَالَ اللَّهُ : يَا ابْنَ آدَمَ ، إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي ، غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِي ، يَا ابْنَ آدَمَ ، لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ، ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي ، غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِي ، يَا ابْنَ آدَمَ ، إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ، ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا ، لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً.(20)
وعن عَطَاءَ بْنِ أَبِي مَرْوَانَ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ ، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِي ذَرٍّ فِي رِجَالٍ مِنْ أَسْلَمَ ، فِيهِمْ رَجُلٌ مِنْ جُهَيْنَةَ ، فَسَأَلَهُمْ أَبُو ذَرٍّ مَا جَاءَ بِكُمْ ؟ قَالُوا : جِئْنَاكَ لِنُسْلِمَ عَلَيْكَ وَنَسْمَعَ مِنْكَ ، قَالَ : أَفَلا أُبَشِّرُكُمْ ؟ قَالُوا : بَلَى ، قَالَ : مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا غُفِرَ لَهُ ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ مِلْءُ الأَرْضِ ذَنُوبًا ، فَقَالَ الْجُهَنِيُّ : أَنْتَ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَسَبَّحَ أَبُو ذَرٍّ ، ثُمَّ قَالَ : أَوَ يَنْبَغِي لامْرِئٍ مُسْلِمٍ أَنْ يَقُولَ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا لَمْ يَقُلْ ، ثُمَّ قَالَ : السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَنَهَضَ.(21)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:ابْنَ آدَمَ , إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ , وَلَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا لَقِيتُكَ عَلَى الأَرْضِ مَغْفِرَةً مَا لَمْ تُشْرِكْ بِي , وَلَوْ بَلَغَتْ خَطَايَاكَ عَنَانَ السَّمَاءِ , ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي لَغَفَرْتُ لَكَ(22).
وعَنْ أبي ذر، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ ، قَالَ : " قَالَ رَبُّكُمُ : ابْنَ آدَمَ إِنْ دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ ، ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ إِنْ تَلْقَنِي الْأَرْضِ خَطَايَا أَلْقَكَ مَغْفِرَةً ، بَعْدَ أَنْ لَا تُشْرِكَ بِي شَيْئًا ، ابْنَ آدَمَ إِنْ أَذْنَبْتَ حَتَّى تَبْلُغَ ذُنُوبُكَ السَّمَاءِ ثُمَّ تَسْتَغْفِرُنِي ، أَغْفِرُ لَكَ وَلَا "(23).
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ الأَنْصَارِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةٍ ، فَأَصَابَ النَّاسَ مَخْمَصَةٌ شَدِيدَةٌ ، فَاسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي نَحْرِ بَعْضِ ظَهْرِهِمْ ، فَقَالَ عُمَرُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، فَكَيْفَ بِنَا إِذَا لَقِينَا عَدُوَّنَا جِيَاعًا رَجَّالَةً ؟ وَلَكِنْ إِنْ رَأَيْتَ يَا رَسُولَ اللهِ أَنْ تَدْعُوَ النَّاسَ بِبَقِيَّةِ أَزْوِدَتِهِمْ. فَجَاؤُوا بِهِ ، يَجِيءُ الرَّجُلُ بِالْحِفْنَةِ مِنَ الطَّعَامِ وَفَوْقَ ذَلِكَ ، وَكَانَ أَعْلاَهُمُ الَّذِي جَاءَ بِالصَّاعِ مِنَ التَّمْرِ ، فَجَمَعَهُ عَلَى نِطَعٍ ، ثُمَّ دَعَا اللَّهَ بِمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوَ ، ثُمَّ دَعَا النَّاسَ بِأَوْعِيَتِهِمْ ، فَمَا بَقِيَ فِي الْجَيْشِ وِعَاءٌ إِلاَّ مَمْلُوءٌ وَبَقِيَ مِثْلُهُ ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ، ثُمَّ قَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَأَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ ، وَأَشْهَدُ عِنْدَ اللهِ لاَ يَلْقَاهُ عَبْدٌ مُؤْمِنٌ بِهِمَا إِلاَّ حَجَبَتَاهُ عَنِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"(24).
وعَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - شَيْخٌ كَبِيرٌ يَدَّعِمُ عَلَى عَصًا لَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِى غَدَرَاتٍ وَفَجَرَاتٍ فَهَلْ يُغْفَرُ لِى؟ قَالَ: "أَلَسْتَ تَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ؟ قَالَ: بَلَى، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: "قَدْ غُفِرَ لَكَ غَدَرَاتُكَ وَفَجَرَاتُكَ.(25).
وعن عبد الله بن عمرو قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ ، وَلَمْ يَضُرَّهُ مَعَهُ خَطِيئَةٌ ، كَمَا لَوْ لَقِيَهُ وَهُوَ يُشْرِكُ بِهِ دَخَلَ النَّارَ ، وَلَمْ يَنْفَعْهُ مَعَهُ عَمَلٌ "(26).
قال الشِّبلي : من ركن إلى الدنيا أحرقته بنارها ، فصار رماداً تذروه الرياحُ ، ومن ركن إلى الآخرة أحرقته بنورها ، فصار ذهباً أحمر يُنتفع به ، ومن ركن إلى الله ، أحرقه نورُ التوحيد ، فصار جوهراً لا قيمة له ،إذا علِقت نارُ المحبة بالقلب أحرقت منه كلَّ ما سوى الربِّ - عز وجل - ، فطهُرَ القلبُ حينئذ من الأغيار ، وصلح عرشاً للتوحيد
غصَّنِي الشوقُ إليهم بريقي فَوَا حَريقي في الهوى وا حريقي
قَد رماني الحُبُّ في لُجِّ بَحرٍ فخُذوا باللهِ كفَّ الغريق
حلَّ عندي حُبُّكم في شِغافي حلَّ مِنِّي كُلَّ عَقدٍ وَثِيقِ
ــــــــــــــ
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (ج 3 / ص 149)(868) صحيح
(2) - الزُّهْدُ أَبِي دَاوُدَ (481 ) فيه لين
(3) - سنن الترمذى(3709 ) حسن
(4) - مسند أحمد (11432) وغاية المقصد فى زوائد المسند(4678 ) صحيح
(5) - صحيح مسلم (7005 ) وصحيح البخارى(7505 )
(6) - صحيح ابن حبان - (ج 2 / ص 401)(633) صحيح
(7) - حُسْنُ الظَّنِّ بِاللَّهِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (84 ) حسن
(8) - رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مجمع الزوائد( 11077 ) وفتح الباري لابن حجر - (ج 17 / ص 239) وسكت عليه (ضعيف)
(9) - سنن الدارمى(2844) حسن - القُراب : قراب الأرض أى بما يقارب ملأها
(10) - صحيح ابن حبان - (ج 3 / ص 177)(896) صحيح
(11) - المستدرك للحاكم(1993) حسن
(12) - انظر : ديوان أبي نؤاس : 620 .
(13) - انظر : ديوان أبي نؤاس : 618 .
(14) - انظر جامع العلوم والحكم محقق - (ج 44 / ص 18) فما بعدها
(15) - سنن ابن ماجه(3929 ) ضعيف
(16) - غاية المقصد فى زوائد المسند (4582 ) ومسند أحمد(17586) حسن
(17) - المستدرك للحاكم(7605) صحيح
(18) - صحيح البخارى(129 )
(19) - صحيح مسلم (280 )
(20) - سنن الترمذى(3885 ) صحيح لغيره
(21) - مسند البزار (4046) صحيح
(22) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 10 / ص 165)(12177 ) صحيح لغيره
(23) - تهذيب الآثار للطبري(1940 ) صحيح لغيره - قُراب الأرض : ما يقارب ملأها - المبالاة : الاهتمام والاحتفال بالأمر
(24) - صحيح ابن حبان - (ج 1 / ص 454) (221) وغاية المقصد فى زوائد المسند (17 ) حسن
(25) - مسند أحمد (19960) صحيح لغيره
(26) - تَهْذِيبُ الْآثَارِ لِلطَّبَرِيِّ (1938 ) صحيح لغيره(1/43)
الله غفَّارٌ الذنوب
قال تعالى : {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} (82) سورة طه
وَكُلُّ مَنْ تَابَ إِلَى اللهِ ، وَرَجَعَ عَمَّا كَانَ فِيهِ مِنَ الكُفْرِ وَالشِّرْكِ وَالمَعْصِيَّةِ وَالنِّفَاقِ . . . وَآمَنَ بِقَلْبِهِ ، وَعَمِلَ صَالِحاً بِجَوَارِحِهِ ، وَاسْتَقَامَ عَلَى السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ ، وَلَمْ يُشَكِّكَ ، فَإِنَّ اللهَ يَغْفِرُ لَهُ ذُنُوبَهُ وَيَتُوبُ عَلَيْهِ .
وقال ابن كثير : "وَقَوْله " وَإِنِّي لَغَفَّار لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا " أَيْ كُلّ مَنْ تَابَ إِلَيَّ تُبْت عَلَيْهِ مِنْ أَيّ ذَنْب كَانَ حَتَّى إِنَّهُ تَابَ تَعَالَى عَلَى مَنْ عَبَدَ الْعِجْل مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل وَقَوْله تَعَالَى " تَابَ " أَيْ رَجَعَ عَمَّا كَانَ فِيهِ مِنْ كُفْر أَوْ شِرْك أَوْ مَعْصِيَة أَوْ نِفَاق وَقَوْله " وَآمَنَ " أَيْ بِقَلْبِهِ " وَعَمِلَ صَالِحًا " أَيْ بِجَوَارِحِهِ وَقَوْله " ثُمَّ اِهْتَدَى " قَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْ ثُمَّ لَمْ يُشَكِّك، وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر " ثُمَّ اِهْتَدَى " أَيْ اِسْتَقَامَ عَلَى السُّنَّة وَالْجَمَاعَة، وَرُوِيَ نَحْوه عَنْ مُجَاهِد وَالضَّحَّاك وَغَيْر وَاحِد مِنْ السَّلَف، وَقَالَ قَتَادَة " ثُمَّ اِهْتَدَى " أَيْ لَزِمَ الْإِسْلَام حَتَّى يَمُوت ،وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ " ثُمَّ اِهْتَدَى " أَيْ عَلِمَ أَنَّ لِهَذَا ثَوَابًا.(1)
----------------
وقال تعالى : {قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (65) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (66)} [ص/65-66]
قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلاَءِ المُكَذِّبِينَ مِنْ مُشْرِكِي مَكَّةَ : إِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُرْسَلٌ مِنَ اللهِ إِلَيْكُمْ لأُحَذِّرَكُمْ مُخَالَفَةَ أوَامِرِهِ حَتَّى لاَ يَحْلَّ بِكُمُ العَذَابُ مِثْلَمَا حَلَّ بِالأُمَمِ السَّابِقَةِ مِنْ قَبْلِكُمْ كَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ لُوطٍ . . وَلَسْتُ بِالسَّاحِرِ وَلاَ بِالكَذَّابِ ، حِينَمَا أقُولُ لَكُمْ : إِنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ الوَاحِدُ الذِي لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَلاَ مُعِينَ وَلاَ صَاحِبَةَ وَلاَ وَلَدَ ، وَقَدْ قَهَرَ كُلَّ شَيءٍ وَغَلَبَهُ بِعِزَّتِهِ وَجَبَرُوتِهِ .
وَهُوَ خَالِقُ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّهُمَا وَمَالِكُهُمَا ، وَهُوَ العَزِيزُ الذِي لاَ يُغَالَبُ ، الغَفُورُ الذِي يَتَجَاوَزُ عَنْ ذُنُوبِ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ ، إِذَا تَابَ إِلَيْهِ وَأصْلَحَ وأَنَابَ .
---------------------
وقال تعالى : { خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5) } [الزمر/5]
خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ والأَرْضَ وَمَا فِيهِما عَلَى أَكْمَلِ وَجْهٍ ، وَأَبْدَعِ نِظَامٍ ، وَجَعَلَهَا قَائِمَةً عَلَى الحَقِّ والصَّوَابِ ، وَالحِكَمِ وَالمَصَالِحِ ، يُتْبِعُ اللَّيْلَ النَّهَارَ ، وَيُتْبعُ النَّهَارَ اللَّيْلَ ، فَهُمَا مُتَعَاقِبَانِ مُتَلاَزِمَانِ لاَ يَفْتَرِقَانِ ، وَجَعَل الشَّمْسَ والقَمَرَ يَجْرِيَانِ فِي مَدَارَيِهِمَا بِنِظَامٍ لاَ يَخْرُجَانِ عَنْهُ ، وَجَعَلَهُمَا مُسَخَّرَين مُذَلَّلَيْنِ لإِرَادَةِ اللهَ تَعَالَى ، وَيَسْتَمِرَّانِ فِي دَوَرَانِهِمَا إِلَى أَجَلٍ عَيَّنَهُ اللهُ لَهُمَا ، هُوَ يَوْمُ القِيَامَةِ ، ثُمَّ يَنْتَهِي أَمْرُهُمَا . وَاللهُ هُوَ العَزِيزُ القَادِرُ عَلَى الانْتِقَامِ مِمَّنَ عَادَاهُ ، وَهُوَ الغَفَّارُ الكَثِيرُ الغُفْرَانِ الذِي يَصْفَحُ عَنْ ذُنُوبِ مَنْ تَابَ إِلَيهِ ، وَرَجَعَ إِلَيهِ مُنيباً مُسْتَغْفِراً .
-----------------
وقال تعالى : {وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) } [غافر/41-42]
ثُمَّ كَشَفَ هَذَا المُؤْمِنُ عَنْ إِيْمَانِهِ ، فَأَعْلَنَهُ لِقَوْمِهِ ، وَقَالَ لَهُمْ : أَخْبِرُونِي لِمَاذَا أَدْعُوكُمْ أَنَا إِلَى النَّجَاةِ مِنْ عَذَابِ اللهِ ، بِالإِيْمَانِ بِاللهِ ، وَتَصْدِيقِ رُسُلِهِ ، وَتَدْعُونَنِي أَنْتُمْ لأَكُونَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ بِالبِقَاءِ عَلَى الكُفْرِ ، والعَمَلِ السَّيِّئِ .
فَأَنْتُمْ تَدْعُونَنِي إِلَى الكُفِرِ بِاللهِ والإِشْرَاكِ بِهِ مَنْ دُونَهُ ، بِغَيْرِ بُرْهَانٍ وَلاَ دَلِيلٍ عَلَى صِحَّةِ مَا تَدْعُونَنِي إِلَيهِ ، وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى عِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ خَالِقِ كُلِّ شَيءٍ ، وَقَاهِرِ كُلِّ شَيءٍ ، وَهُوَ الغَفَّارُ لِذُنُوبِ عِبَادِهِ إِذَا اسْتَغْفَرُوهُ وَأَنَابُوا إِلَيهِ .
ــــــــــــــ
__________
(1) - تفسير ابن كثير - (ج 9 / ص 487)(1/44)
اللهُ يدعو للجنة والمغفرة
قال تعالى : { وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221) } [البقرة/221]
يُحَرِّمُ اللهُ تَعَالَى عَلَى المُؤْمِنينَ أَنْ يَتَزَوَّجُوا المُشْرِكَاتِ الْلَوَاتي لاَ كِتَابَ لَهُنَّ ، طَمَعاً فِي مَالِهِنَّ وَجَمَالِهِنَّ وَحَسَبِهِنَّ ، مَا دًمْنَ عَلَى شِرْكِهِنَّ ، لأنَّ المُشْرِكَةَ لاَ دِينَ لَهَا يُحَرِّمُ عَلَيهَا الخِيَانَةَ ، وَيَأْمُرُهَا بِالخَيْرِ ، وَيَنْهَاهَا عَنِ الشَّرِّ ، وَقَدْ تُفسِدُ عَقِيدَةَ أَوْلاَدِها . وَقيلَ : إنَّ هذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللهِ بْنِ رَواحَة ، الأنْصَارِيِّ ، فَقَدْ كَانَتْ عِنْدَهُ أمَةٌ سَوْدَاءُ فَغَضِبَ عَلَيهَا يَوْماً فَلَطَمَهَا ، ثًمَّ جَاءَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَعْتَذِرُ ، ثُمَّ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : وَالذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ لأُعْتِقَنَّها وَلأَتَزَوَّجَنَّها . فَعَابَ عَلَيهِ أنَاسٌ مِنَ المُسْلِمِينَ ذلِكَ . وَقَالُوا : نَكَحَ أَمَتَهُ . وَكَانُوا يُفَضِلُونَ نِكَاحَ المُشْرِكَاتِ ، وَإنكَاحَ المُشْرِكِينَ بَنَاتِهِمْ طَمَعاً فِي أَحْسَابِهِمْ . فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هذِهِ الآيَةَ .
وَكَذَلِكَ مَنَعَ اللهُ المُسْلِمينَ مِنْ أَنْ يُزوِّجُوا بَنَاتِهِمْ مِنَ المُشْرِكِينَ مَا دَامُوا مُقِيمِينَ عَلَى شِرْكِهِمْ .
أَمّا زَوَاجُ الكِتَابِيِّ بِمُسْلِمَةٍ فَحَرَامٌ بِنَصِّ السُّنَّةِ ، وإجماعِ المُسْلِمِينَ عَلَى ذلِكَ ، إِذْ يُخْشَى أنْ يُزيغَها عَنْ دِينِها بِمَا لَهُ عَلَيهَا مِنْ سُلْطانٍ . وَقَالَ تَعَالَى : إِنَّ مُعَاشَرَةَ المُشْرِكِينَ تَدْعُو إلى حُبِّ الدُّنْيَا وَالافْتِتَانِ بِها ، وَإلى التَّقْصِيرِ في أدَاءِ الوَاجِبَاتِ الدِّينِيةِ ، وَعَاقِبةُ ذلِكَ وَخَيمَةٌ . وَاللهُ يَدْعُو إِلَى المَغْفِرَةِ بِمَا أمَرَ بِهِ فِي شَرْعِهِ ، وَبِمَا نَهَى عَنْهُ . وَهُوَ يُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَ صَلاحَهُمْ وَرَشَادَهُمْ .
الدعوة إلى دار السلام
قال تعالى : {وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126) لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (127)} [الأنعام/126، 127]
وَدِينُ الإِسْلاَمِ الذِي شَرَعْنَاهُ لَكَ يَا مُحَمَّدُ ، بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا القُرْآنَ ، هُوَ صِرَاطُ اللهِ المُسْتَقِيمُ ، وَقَدْ وَضَّحْنَا الآيَاتِ وَبَيَّنَّاهَا ، لِقَوْمٍ يَفْهَمُونَ وَيَعْقِلُونَ وَيَعُونَ .
وَلِهَؤُلاَءِ المُتَّبَعِينَ صِرَاطَ رَبِّهِم المُسْتَقِيمَ الجَنَّةُ ، عِنْدَ رَبِّهِمْ ، يَوْمَ القِيَامَةِ ، وَاللهُ حَافِظُهُمْ وَنَاصِرُهُمْ وَمُؤَيِّدُهُمْ ، فَجَزَاءً لَهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِم الصَّالِحَةِ ، تَوَلاَّهُمُ اللهُ ، وَأَثَابَهُمُ الجَنَّةَ بِمِنَّهِ وَكَرَمِهِ .
وقال تعالى : { إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25) } [يونس/24، 25]
ضَرَبَ اللهُ تَعَالَى مَثَلاً لِلْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي جَمَالِهَا وَبَهْجَتِهَا ، ثُمَّ فِي سُرْعَةِ فَنَائِهَا ، بِالنَّبَاتِ الذِي أَخْرَجَهُ اللهُ تَعَالَى مِنَ الأَرْضِ بِمَا أَنْزَلَهُ عَلَيْهَا مِنَ المَطَرِ ، مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ مِنْ زُرُوعٍ وَثِمَارٍ عَلَى اخْتِلاَفِ أَنْوَاعِهَا وَأَصْنَافِهَا ، وَمِمَّا تَأْكُلُ الحَيَوَانَاتُ ( الأَنْعَامُ ) حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الأَرْضُ زِينَتَهَا الفَانِيَةَ ( زُخْرُفَها) وَازَّيَّنَتْ بِمَا خَرَجَ فِي رُبَاهَا مِنْ زُهُورٍ نَضِرَةٍ مُخْتَلِفَةِ الأَشْكَالِ وَالأَلْوَانِ ، كَمَا تَتَزَيَّنُ العَرُوسُ لَيْلَةَ زَفَافِهَا ، وَظَنَّ أَهْلُهَا ، الذِينَ زَرَعُوهَا وَغَرَسُوهَا ، أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَى جَزَازِهَا وَحَصَادِهَا ، وَجَنْيِ ثِمَارِهَا ، وَالتَّمَتُّعِ بِهَا ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَأْمُلُونَ ذَلِكَ إِذْ جَاءَتْهَا صَاعِقَةٌ ، أَوْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ بَارِدَةٌ فَأَيْبَسَتْ أَوْرَاقَها ، وَأَتْلَفَتْ ثِمَارَها ، فَأَصْبَحَتْ كَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ حِيناً قَبْلَ ذَلِكَ ، وَهَكَذا يُبَيَّنُ اللهُ الحُجَجَ وَالآيَاتِ ، لِقَومٍ يَتَفَكَّرُونَ ، فَيَعْتَبِرُونَ بِهَذَا المَثَلِ ، فِي زَوَالِ الدُّنْيَا عَنْ أَهْلِهَا سَرِيعاً ، مَعَ اغْتِرَارِهِمْ بِهَا .
لَمَّا ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى الدُّنْيا وَسُرْعَةِ زَوَالِهَا ، رَغَّبَ فِي الجَنَّةِ ، وَدَعَا إِلَيْهَا ، وَسَمَّاهَا دَارَ السَّلاَمِ ، لِسَلاَمَتِهَا مِنَ الآفَاتِ وَالنَّقَائِصِ وَالنَّكَبَاتِ ، وَلِشُعُورِ مَنْ يَدْخُلُونَهَا بِالاطْمِئْنَانِ وَالسَّلاَمَةِ ، وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى الطَّرِيقِ المُوصِلِ إِلَيْهَا مِنْ أَقْصَرِ الطُّرُقِ ، وَهُوَ الطَّرِيقُ المُسْتَقِيمُ .
ــــــــــــــ(1/45)
عملُ الحسنات بعد السيئات يكفرها
قال تعالى : {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ } (114) سورة هود
وَأَدِّ الصَّلاَةَ عَلَى الوَجْهِ القَوِيمِ ، وَأَدِمْهَا فِي طَرَفَي النَّهَارِ مِنْ كُلِّ يَوْمٍ ، فِي الغَدَاةِ وَالعَشِيِّ ، وَفِي أَوَائِلِ الليْلِ ، لأَنَّ الأَعْمَالَ الحَسَنَةَ تُزَكِّى النُّفُوسَ وَتُصْلِحُها ، وَتُذْهِبُ السَّيِّئَاتِ المُؤَاخَذَ عَنْهَا .
وَفِي الوَصَايَا التِي أَوْصَاكَ اللهُ بِهَا مِنَ الاسْتِقَامَةِ ، وَالنَّهْيِ عَنِ الطُّغْيَانِ ، وَإِقَامَةِ الصَّلاَةِ . . . عِبْرَةٌ لِلْمُعْتَبِرِينَ ، الذِينَ يُرَاقِبُونَ اللهَ ، وَلاَ يَنْسَوْنَهُ .
وَعَنِ الْحَارِثِ مَوْلَى عُثْمَانَ قَالَ : جَلَسَ عُثْمَانُ يَوْمًا وَجَلَسْنَا مَعَهُ ، فَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ فَدَعَا بِمَاءٍ فِي إِنَاءٍ - أَظُنُّهُ يَكُونُ فِيهِ مُدٌّ - فَتَوَضَّأَ ثُمَّ قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَوَضَّأُ وُضُوئِي هَذَا ، ثُمَّ قَالَ : " مَنْ تَوَضَّأَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى صَلَاةَ الظُّهْرِ - غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصُّبْحِ ، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ صَلَاةِ الظُّهْرِ ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَصْرِ ، ثُمَّ صَلَّى الْعَشَاءَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيَّنَهَا وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ ، ثُمَّ لَعَلَّهُ يَبِيتُ يَتَمَرَّغُ لَيْلَتَهُ ، ثُمَّ إِنْ قَامَ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى الصُّبْحَ - غُفِرَ لَهُ مَا بَيَّنَهَا وَبَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ، وَهُنَّ الْحَسَنَاتُ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ " . قَالُوا : هَذِهِ الْحَسَنَاتُ ، فَمَا الْبَاقِيَاتُ يَا عُثْمَانُ ؟ قَالَ : هُنَّ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ .(1)
وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَجُلاً أَصَابَ مِنَ امْرَأَةٍ قُبْلَةً ، فَأَتَى النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرَهُ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ( أَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَىِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ) . فَقَالَ الرَّجُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِى هَذَا قَالَ « لِجَمِيعِ أُمَّتِى كُلِّهِمْ »(2).
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : يَا نَبِيَّ اللهِ ، إِنِّي أَخَذْتُ امْرَأَةً فِي الْبُسْتَانِ ، فَفَعَلْتُ بِهَا كُلَّ شَيْءٍ ، غَيْرَ أَنِّي لَمْ أُجَامِعْهَا ، قَبَّلْتُهَا ، وَلَزِمْتُهَا ، وَلَمْ أَفْعَلْ غَيْرَ ذَلِكَ ، فَافْعَلْ بِي مَا شِئْتَ ، فَلَمْ يَقُلْ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَيْئًا ، فَذَهَبَ الرَّجُلُ ، فَقَالَ عُمَرُ : لَقَدْ سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، لَوْ سَتَرَ عَلَى نَفْسِهِ ، قَالَ : فَأَتْبَعَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَصَرَهُ ، فَقَالَ : رَدُّوهُ عَلَيَّ ، فَرَدُّوهُ عَلَيْهِ ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ : " أَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ : أَلَهُ وَحْدَهُ ، أَمْ لِلنَّاسِ كَافَّةً ، يَا نَبِيَّ اللهِ ؟ فَقَالَ : بَلْ لِلنَّاسِ كَافَّةً.(3)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ اللَّهَ قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَخْلاَقَكُمْ ، كَمَا قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَرْزَاقَكُمْ , وَإِنَّ اللَّهَ , عَزَّ وَجَلَّ , يُعْطِي الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ ، وَمَنْ لاَ يُحِبُّ , وَلاَ يُعْطِي الدِّينَ إِلاَّ لِمَنْ أَحَبَّ , فَمَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ الدِّينَ فَقَدْ أَحَبَّهُ , وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ , لاَ يُسْلِمُ عَبْدٌ , حَتَّى يُسْلِمَ قَلْبُهُ وَلِسَانُهُ ، وَلاَ يُؤْمِنُ ، حَتَّى يَأْمَنَ جَارُهُ بَوَائِقَهُ , قَالُوا : وَمَا بَوَائِقُهُ , يَا نَبِيَّ اللهِ ؟ِ قَالَ : غَشْمُهُ , وَظُلْمُهُ , وَلاَ يَكْسِبُ عَبْدٌ مَالاً مِنْ حَرَامٍ , فَيُنْفِقَ مِنْهُ , فَيُبَارَكَ لَهُ فِيهِ , وَلاَ يَتَصَدَّقَ بِهِ فَيُقْبَلَ مِنْهُ , وَلاَ يَتْرُكَ خَلْفَ ظَهْرِهِ , إِلاَّ كَانَ زَادَهُ إِلَى النَّارِ , إِنَّ اللَّهَ , عَزَّ وَجَلَّ , لاَ يَمْحُو السَّيِّئَ بِالسَّيِّئِ , وَلَكِنْ يَمْحُو السَّيِّئَ بِالْحَسَنِ , إِنَّ الْخَبِيثَ لاَ يَمْحُو الْخَبِيثَ.(4)
وعن إبراهيم قال: جاء فُلانُ بن معتِّب رجل من الأنصار ، فقال: يا رسول الله دخلت عليّ امرأة، فنلتُ منها ما ينالُ الرجل من أهله، إلا أني لم أواقعها ؟ فلم يدر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يجيبه ، حتى نزلت هذه الآية:(أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات)، الآية، فدعاه فقرأها عليه.(5)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَجُلاً أَتَى عُمَرَ فَقَالَ: امْرَأَةٌ جَاءَتْ تُبَايِعُهُ فَأَدْخَلْتُهَا الدَّوْلَجَ فَأَصَبْتُ مِنْهَا مَا دُونَ الْجِمَاعِ، فَقَالَ: وَيْحَكَ لَعَلَّهَا مُغِيبٌ فِى سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ: أَجَلْ، قَالَ: فَأْتِ أَبَا بَكْرٍ فَاسْأَلْهُ، فَقَالَ: لَعَلَّهَا مُغِيبٌ فِى سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ: فَقَالَ مِثْلَ قَوْلِ عُمَرَ، ثُمَّ أَتَى النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ: فَلَعَلَّهَا مُغِيبٌ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَنَزَلَ الْقُرْآنُ: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَىِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} إِلَى آخِرِ الآيَةِ. قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِى خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً؟ فَضَرَبَ [عُمَرُ صَدْرَهُ] بِيَدِهِ وَقَالَ: لاَ، وَلاَ نَعْمَةَ عَيْنٍ بَلْ لِلنَّاسِ عَامَّةً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : صَدَقَ عُمَرُ.(6)
وعن أبي اليَسَرِ (كعب بن عمرو الأنصاري) قال: (أتتني امرأة تبتاع مني بدرهم تمرًا، فقلت إن في البيت تمرًا أجود من هذا، فدخلتْ فأهويتُ إليها فقبَّلتُهاُ فأتيتُ أبا بكر، فقال: استر على نفسك، وتب واستغفر الله. فأتيت رسول الله فقال: "أَخَلَفْتَ رَجُلًا غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللهِ فِي أَهْلِهِ بِمِثْلِ هَذَا؟". حتى ظننت أني من أهل النار، حتى تمنيت أني أسلمت ساعتئذ، قال: فأطرق رسول الله ساعة، فنزل جبرئيل، فقال: "أين أبو اليَسَرِ؟". فجئت فقرأ علي: (وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ)[هود: 114]. قال إنسانٌ له: يا رسول الله، خاصة أم للناس عامة؟ قال: "لِلنَّاسِ عَامَّةً".(7)
وعن يحيى بن جعدة: أن رجلا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر امرأة وهو جالسٌ مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فاستأذنه لحاجة، فأذن له، فذهب يطلبها فلم يجدها. فأقبل الرجل يريد أن يُبَشّر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمطر، فوجد المرأة جالسةً على غديرٍ، فدفع في صدرها وجلس بين رجليها، فصار ذكره مثل الهُدْبة، فقام نادمًا حتى أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بما صنع، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : استغفر ربَّك وصلّ أربع ركعات : قال: وتلا عليه:(أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل) ، الآية(8).
وعَنْ مُعَاذِ بن جَبَلٍ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَجَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَجُلٌ أَصَابَ مِنِ امْرَأَةٍ لا تَحِلُّ لَهُ، فَلَمْ يَدَعْ شَيْئًا يُصِيبُهُ الرَّجُلُ مِنِ امْرَأَتِهِ إِلا أَتَاهُ، إِلا إِنَّهُ لَمْ يُجَامِعْهَا؟ فَقَالَ:"تَوَضَّأْ وُضُوءًا حَسَنًا، ثُمَّ قُمْ فَصَلِّ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الآيَةَ:"أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ"[هود آية 114] ، فَقَالَ مُعَاذٌ: هِيَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ خَاصَّةً، أَمْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً؟ قَالَ:"لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً".(9)
وعَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا أُمَامَةَ ، يَقُولُ : إِنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقِمْ فِيَّ حَدَّ اللَّهِ ، مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنٍ ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ ، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الصَّلاَةِ قَالَ : أَيْنَ الْقَائِلُ أَقِمْ فِيَّ حَدَّ اللَّهِ ؟ قَالَ : أَنَا ذَا ، قَالَ : هَلْ كُنْتَ أَتْمَمْتَ الْوضُوءَ وَصَلَّيْتَ مَعَنَا آنِفًا ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَإِنَّكَ مِنْ خَطِيئَتِكَ كَمَا وَلَدَتْكَ أُمُّكَ وَلاَ تَعُدْ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَئِذٍ : {أَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} .(10)
وعَنْ أَبِى عُثْمَانَ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ سَلْمَانَ الْفَارِسِىِّ تَحْتَ شَجَرَةٍ، وَأَخَذَ مِنْهَا غُصْنًا يَابِسًا فَهَزَّهُ حَتَّى تَحَاتَّ وَرَقُهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا عُثْمَانَ، أَلاَ تَسْأَلُنِى لِمَ أَفْعَلُ هَذَا؟ قُلْتُ: وَلِمَ تَفْعَلُهُ؟ فَقَالَ: هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا مَعَهُ تَحْتَ شَجَرَةٍ، فَأَخَذَ مِنْهَا غُصْنًا يَابِسًا، فَهَزَّهُ حَتَّى تَحَاتَّ وَرَقُهُ، فَقَالَ: "يَا سَلْمَانُ، أَلاَ تَسْأَلُنِى لِمَ أَفْعَلُ هَذَا؟ فَقُلْتُ: وَلِمَ تَفْعَلُهُ؟ قَالَ: "إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ صَلَّى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ تَحَاتَّتْ خَطَايَاهُ كَمَا يَتَحَاتُّ هَذَا الْوَرَقُ، وَقَالَ: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَىِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114].(11)
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَوْصِنِي ، قَالَ : " إِذَا عَمِلْتَ سَيِّئَةً فَأَتْبِعْهَا حَسَنَةً تَمْحُهَا " . قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَمِنَ الْحَسَنَاتِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ؟ قَالَ : " هِيَ أَفْضَلُ الْحَسَنَاتِ " .(12)
وعَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَا قَالَ عَبْدٌ : لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فِي سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ إِلا طُمِسَتْ مَا فِي صَحِيفَتِهِ مِنَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى يَسْكُنَ إِلَى مِثْلِهَا مِنَ الْحَسَنَاتِ"(13)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا تَرَكْتُ مِنْ حَاجَةٍ وَلاَ دَاجَةٍ إِلَّا أَتَيْتُ عَلَيْهَا ، قَالَ : أَلَيْسَ تَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَإِنَّ هَذَا يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ.(14)
الإنفاقُ من طبيات ما كسبنا
قال تعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268) } [البقرة/267-268]
يَأمُرُ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ المُؤْمِنينَ بِالإِنْفَاقِ مِنْ أَطْيَبِ المَالِ وَأَجْوَدِهِ ، وَيَنْهَاهُمْ عَنِ التَّصَدُّقِ بِأرْذَلِ المَالِ وَأخَسِّهِ . لأنَّ اللهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إلاّ طَيِّباً . وَيَقُولُ لَهُمْ لاَ تَقْصُدُوا المَالَ الخَبِيثَ لِتُنْفِقُوا مِنْهُ ، وَهَذا المَالُ الخَبِيثُ لَو أنَّهُ أُعْطِيَ إِلَيْكُمْ لَمَا أخَذْتُمُوهُ ، إِلاَّ عَنْ إِغْمَاضٍ وَحَيَاءٍ . وَلْيَعْلَمِ المُؤْمِنُونَ أنَّ اللهَ وَإِنْ أمَرَهُمْ بِالصَّدَقَاتِ فَإِنَّهُ غَنِيٌّ عَنْهُمْ وَعَنْ صَدَقَاتِهِمْ ، وَهُوَ إنمَّا يَحُثُّهُمْ عَلَى التَّصَدُّقِ وَالإِنْفَاقِ لِيسَاوِيَ بَيْنَ الغَنِيِّ وَالفَقِيرِ ، وَاللهُ حَمِيدٌ فِي جَميعِ أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ وَشَرْعِهِ وَقَدرِهِ ، عَنِ الْبَرَاءِ ؛ (وَلاَ تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) قَالَ : نَزَلَتْ فِينَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ ، كُنَّا أَصْحَابَ نَخْلٍ ، فَكَانَ الرَّجُلُ يَأْتِي مِنْ نَخْلِهِ عَلَى قَدْرِ كَثْرَتِهِ وَقِلَّتِهِ ، وَكَانَ الرَّجُلُ يَأْتِي بِالْقِنْوِ وَالْقِنْوَيْنِ ، فَيُعَلِّقُهُ فِي الْمَسْجِدِ ، وَكَانَ أَهْلُ الصُّفَّةِ لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ ، فَكَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا جَاعَ أَتَى الْقِنْوَ فَضَرَبَهُ بِعَصَاهُ ، فَيَسْقُطُ مِنَ الْبُسْرِ وَالتَّمْرِ ، فَيَأْكُلُ ، وَكَانَ نَاسٌ مِمَّنْ لاَ يَرْغَبُ فِي الْخَيْرِ ، يَأْتِى الرَّجُلُ بِالْقِنْوِ فِيهِ الشِّيصُ وَالْحَشَفُ ، وَبِالْقِنْوِ قَدِ انْكَسَرَ ، فَيُعَلِّقُهُ ، فَأَنْزَلَ اللهُ ، تَعَالَى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) قَالُوا : لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أُهْدِيَ إِلَيْهِ مِثْلُ مَا أَعْطَاهُ ، لَمْ يَأْخُذْهُ إِلاَّ عَلَى إِغْمَاضٍ وَحَيَاءٍ ، قَالَ : فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ يَأْتِي أَحَدُنَا بِصَالِحِ مَا عِنْدَهُ.(15)
وعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِزَكَاةِ الْفِطْرِ ، بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ ، فَجَاءَ رَجُلٌ بِتَمْرٍ رَدِيءٍ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ : لاَ تَخْرُصْ هَذَا التَّمْرَ ، فَنَزَلَ الْقُرْآنُ : يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ(16)
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ بن سَهْلِ بن حُنَيْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ بِكَبَائِسَ مِنْ هَذَا السَّخْلِ،فَوَضَعَهُ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:"مَنْ جَاءَ بِهَذَا؟"، فَكَانَ لا يَجِيءُ أَحَدٌ إِلا صَبَّ الَّذِي جَاءَ بِهِ، فَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267]، وَنَهَى يَوْمَئِذٍ عَنِ الْجُعْرُورِ، وَلَوْنِ ابْنِ الْحُبَيْقِ، أَنْ يُؤْخَذَ فِي الصَّدَقَةِ". قَالَ الزُّهْرِيُّ:"صِنْفَانِ مِنْ تَمْرِ الْمَدِينَةِ"،(17)
الشَّيطَانُ يُخَوّفُ المُتَصَدِّقِينَ مِنْكُمْ مِنَ الفَقْرِ ، لِتمْسِكُوا مَا بِأيدِيكُمْ ، وَلا تُنْفِقُوهُ فِي سَبِيلِ مَرْضَاةِ اللهِ ، وَيَأمُرُكُمْ بِارْتِكَابِ المَعَاصِي وَالمَآثِمِ ، وَمُخَالَفَةِ الأَخْلاَقِ ، وَاللهُ يَعِدُكُمْ بِالخَيْرِ وَالمَغْفِرَةِ وَالرِّزْقِ ، عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ ، وَبِمَا أَوْدَعَهُ اللهُ فِي الفِطَرِ السَّلِيمَةِ مِنْ حُبِّ الخَيْرِ .
وَاللهُ وَاسعُ الرِّزْقِ وَالعَطَاءِ وَالمَغْفِرَةِ . عَليمٌ بِأحْوَالِكُمْ وَمَا فِيهِ خَيْرُكُمْ .
ــــــــــــــ
__________
(1) - مسند أحمد(523) حسن
(2) - صحيح البخارى(526) ومسلم (7177)
(3) - مسند أحمد (4378) صحيح
(4) - مسند أحمد(3744) مرفوعاً وموقوفاً والصواب وقفه
(5) - تفسير الطبري - (ج 15 / ص 519)(18675) صحيح لغيره
(6) - مسند أحمد (2244) صحيح لغيره
(7) - تفسير الطبري - (ج 15 / ص 523)(18684) حسن
(8) - تفسير الطبري - (ج 15 / ص 523)(18683) صحيح لغيره
(9) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 15 / ص 54)(16698 ) صحيح لغيره
(10) - مسند الشاميين( 1840) صحيح
(11) - غاية المقصد فى زوائد المسند (458) ومسند أحمد (24428) حسن
(12) - مسند أحمد(22104) حسن لغيره
(13) - مسند أبي يعلى الموصلي(3611) ضعيف
(14) - المعجم الصغير للطبراني (1025) حسن
(15) - سنن الترمذى(3255 ) صحيح
(16) - المستدرك للحاكم (3122) صحيح
(17) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 5 / ص 327)(5433) حسن(1/46)
المسارعةُ إلى طلب المغفرة
قال تعالى : { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) [آل عمران/133-137] وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) } [آل عمران/133-136]
وَيَنْدُبُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ إلَى القِيَامِ بِالأَعْمِالِ الصَّالِحَةِ ، وَإلى المُسَارَعَةِ فِي فِعْلِ الخَيْرَاتِ ، لِيَنَالُوا مَغْفِرَةَ اللهِ وَرِضْوَانَهُ ، وَجَنَّتَهُ الوَاسِعَةَ العَرِيضَةَ التِي أَعَدَّهَا اللهُ لِعِبَادِهِ المُتَّقِينَ ، الذِينَ يَمْتَثِلُونَ أَمْرَهُ .
يَذْكُرُ اللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الآيَةِ صِفَاتِ أهْلِ الجَنَّةِ فَيَقُولُ : إِنَّهُمُ الذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ مَرْضَاةِ اللهِ ، فِي الرَّخَاءِ ( السَّرَاءِ ) ، وَفِي الشِّدَّةِ ( الضَرَّاءِ ) ، وَفِي الصِّحَّةِ وَالمَرَضِ ، وَفِي جَمِيعِ الأَحْوَالِ ، لاَ يَشْغَلُهُمْ أَمْرٌ عَنْ طَاعَةِ اللهِ ، وَالإِنْفَاقِ فِي سَبيلِ مَرْضَاتِهِ ، وَإِنَّهُمْ يَكْتُمُونَ غَيْظَهُمْ إذَا ثَارَ ، وَيَعْفُونَ عَمَّنْ أَسَاءَ إِلَيهِمْ . وَاللهُ يُحِبُّ الذِينَ يَتَفَضَّلُونَ عَلَى عِبَادِهِ البَائِسِينَ ، وَيُوَاسُونَهُمْ شُكْراً للهِ عَلَى جَزِيلِ نِعَمِهِ عَلَيْهِمْ . وَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « مَنْ كَظَمَ غَيظَهُ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَنْتَصِرَ دَعَاهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى رُءُوسِ الْخَلاَئِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ فِى حُورِ الْعِينِ أَيَّتَهُنَّ شَاءَ وَمَنْ تَرَكَ أَنْ يَلْبَسَ صَالِحَ الثِّيَابِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ تَوَاضُعاً لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى دَعَاهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى رُءُوسِ الْخَلاَئِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ فِى حُلَلِ الإِيمَانِ أَيَّتَهُنَّ شَاءَ »(1).
وَمِنْ صِفَاتِ أَهْلِ الجَنَّةِ أَنَّهُمْ إذَا صَدَرَ عَنْهُمْ فِعْلَ قَبيحٌ يَتَعَدَّى أثرُهُ إلَى غَيْرِهِمْ ( كَغَيبَةِ إِنْسَانٍ ) ، أَو صَدَرَ عَنْهُمْ ذَنْبٌ يَكُونُ مُقْتَصِراً عَلَيْهِمْ ( كَشُرْبِ خَمْرٍ وَنَحْوَهُ ) ، ذَكَرُوا اللهَ تَعَالَى وَوَعِيدَهُ ، وَعَظَمَتَهُ وَجَلاَلَهُ ، فَرَجَعُوا إلَى اللهِ تَائِبِينَ ، طَالِبِينَ مَغْفِرَتَهُ ، وَلَمْ يُقِيمُوا عَلى القَبِيحِ مِنْ غَيْرِ اسْتِغْفَارٍ ، لِعِلْمِهِمْ أنَّ اللهَ هُوَ الذِي يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ، وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى الذَّنْبِ ، لأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أنَّ مَنْ تَابَ إلَى اللهِ ، تَابَ اللهُ عَلَيهِ ، وَغَفَرَ لَهُ .
وَالمُتَّقُونَ المُتَمَتِّعُونَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ سَيَجْزِيهِمْ رَبُّهُمْ عَلَيهَا بِالمَغْفِرَةِ ، وَبِالأَمْرِ مِنَ العِقَابِ ، وَلَهُمْ ثَوَابٌ عَظِيمٌ فِي جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ، وَهُمْ مُخَلَّدُونَ فِيهَا أَبَداً ، وَالجَنَّةُ خَيْرُ مَا يُكَافَأُ بِهِ المُؤْمِنُونَ العَامِلُونَ عَلَى أَعْمَالِهِمْ الصَّالِحَاتِ .
إن هذا الدين ليدرك ضعف هذا المخلوق البشري الذي تهبط به ثقلة الجسد أحياناً إلى درك الفاحشة وتهيج به فورة اللحم والدم فينزو نزوة الحيوان في حمى الشهوة وتدفعه نزواته وشهواته وأطماعه ورغباته إلى المخالفة عن أمر الله في حمى الاندفاع . يدرك ضعفه هذا فلا يقسو عليه ولا يبادر إلى طرده من رحمة الله حين يظلم نفسه . حين يرتكب الفاحشة . . المعصية الكبيرة . . وحسبه أن شعلة الإيمان ما تزال في روحه لم تنطفئ وأن نداوة الإيمان ما تزال في قلبه لم تجف، وأن صلته بالله ما تزال حية لم تذبل وأنه يعرف أنه عبد يخطئ وأن له رباً يغفر . . وإذن فما يزال هذا المخلوق الضعيف الخاطئ المذنب بخير . . إنه سائر في الدرب لم ينقطع به الطريق ممسك بالعروة لم ينقطع به الحبل فليعثر ما شاء له ضعفه أن يعثر . فهو واصل في النهاية ما دامت الشعلة معه والحبل في يده . ما دام يذكر الله ولا ينساه ويستغفره ويقر بالعبودية له ولا يتبجح بمعصيته .
إنه لا يغلق في وجه هذا المخلوق الضعيف الضال باب التوبة ولا يلقيه منبوذاً حائراً في التيه! ولا يدعه مطروداً خائفاً من المآب . .
إنه يطمعه في المغفرة ويدلُّه على الطريق ويأخذ بيده المرتعشة ويسند خطوته المتعثرة وينير له الطريق ليفيء إلى الحمى الآمن ويثوب إلى الكنف الأمين .
شيء واحد يتطلبه : ألا يجف قلبه وتظلم روحه فينسى الله . . وما دام يذكر الله . ما دام في روحه ذلك المشعل الهادي . ما دام في ضميره ذلك الهاتف الحادي . ما دام في قلبه ذلك الندى البليل . . فسيطلع النور في روحه من جديد وسيؤوب إلى الحمى الآمن من جديد وستنبت البذرة الهامدة من جديد .
إن طفلك الذي يخطئ ويعرف أن السوط - لا سواه - في الدار . . سيروح آبقاً شارداً لا يثوب إلى الدار أبداً . فأما إذا كان يعلم أن إلى جانب السوط يداً حانية تربت على ضعفه حين يعتذر من الذنب وتقبل عذره حين يستغفر من الخطيئة . . فإنه سيعود!
وهكذا يأخذ الإسلام هذا المخلوق البشري الضعيف في لحظات ضعفه . . فإنه يعلم أن فيه بجانب الضعف قوة وبجانب الثقلة رفرفة وبجانب النزوة الحيوانية أشواقاً ربانية . . فهو يعطف عليه في لحظة الضعف ليأخذ بيده إلى مراقي الصعود ويربت عليه في لحظة العثرة ليحلق به إلى الأفق من جديد . ما دام يذكر الله ولا ينساه ولا يصرُّ على الخطيئة وهو يعلم أنها الخطيئة! والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول : « ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة »
والإسلام لا يدعو - بهذا - إلى الترخص ولا يمجد العاثر الهابط ولا يهتف له بجمال المستنقع! كما تهتف « الواقعية »! إنما هو يقيل عثرة الضعف ليستجيش في النفس الإنسانية الرجاء كما يستجيش فيها الحياء!
فالمغفرة من الله - ومن يغفر الذنوب إلا الله؟ - تخجل ولا تطمع وتثير الاستغفار ولا تثير الاستهتار
فأما الذين يستهترون ويصرون فهم هنالك خارج الأسوار موصدة في وجوههم الأسوار!
وهكذا يجمع الإسلام بين الهتاف للبشرية إلى الآفاق العلَى والرحمة بهذه البشرية التي يعلم طاقتها . ويفتح أمامها باب الرجاء أبداً ويأخذ بيدها إلى أقصى طاقتها .
ــــــــــــــ
__________
(1) - مسند أحمد (16024) حسن(1/47)
القتلُ في سبيل الله كفارة للذنوب
قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) } [آل عمران/156، 157]
يَنْهَى اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ عَنْ مُشَابَهَةِ المُنَافِقِينَ ( الكَافِرِينَ ) فِي اعْتِقَادِهِمُ الفَاسِدِ ، إذْ يَقُولُونَ عَنْ إِخْوَانِهِمِ الذِينَ قُتِلُوا فِي الحُرُوبِ ( كَانُوا غُزًّى ) ، أوْ مَاتُوا وَهُمْ فِي أَسْفَارِهِمْ سَعْياً وَرَاءَ الرِّزْقِ فِي التِّجَارَةِ ( ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ ) : لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا أَقَامُوا ، وَتَرَكُوا ذَلِكَ لَمَا أَصَابَهُمْ مَا أَصَابَهُمْ ، وَقَدْ جَعَلَ اللهُ تَعَالَى هَذَا الاعْتِقَادِ فِي نُفُوسِهِمْ لِيَزْدَادُوا أَلَماً وَحَسْرَةً عَلَى مَوْتَاهُمْ ، يَزيدَانِهِم ضَعْفاً ، وَيُورِثَانِهُم نَدَماً عَلَى تَمكِينِهِمْ إيَّاهُمْ مِنَ التَّعَرُّضِ لِمَا ظَنُّوهُ سَبَباً ضَرُورِياً لِلْمَوتِ .
وَيَرُدُّ اللهُ تَعَالى عَلَيهِمْ قَائِلاً : إنَّ المَوْتَ وَالحَيَاةَ بِيَدِ اللهِ ، وَإلَيهِ يَرْجِعُ الأمْرُ ، وَعِلْمُهُ وَبَصَرُهُ نَافِذَانِ فِي جَمِيعِ خَلْقِهِ ، فَعَلَى المُؤْمِنِينَ أنْ لاَ يَكُونُوا مِثْلَ هَؤُلاءِ فِي قَوْلِهِمْ وَاعْتِقَادِهِمْ ، وَإلاَّ أَصَابَهُمُ الضَّعْفُ وَالوَهَنُ وَالفَشَلُ؛ وَالإيمَانُ الصَّادِقُ يَزِيدُ صَاحِبَهُ إيقَاناً وَتَسْلِيماً بِكُلِّ مَا يَجْرِي بِهِ القَضَاءُ ، وَأنَّ مَا وَقَعَ كَانَ لاَ بُدَّ لَهُ مِنَ أنْ يَقَعَ .
فَالَّذِينَ يُقْتَلُونَ وَهُمْ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ إِعْلاَءِ كَلِمَةِ اللهِ ، وَنَصْرِ دِينِهِ ، أَوْ يَمُوتُونَ فِي أَثْنَاءِ الجِهَادِ ، سَيَجِدُونَ عِنْدَ رَبِهِمْ مَغْفِرَةً تَمْحُو مَا كَانَ مْنْ ذُنُوبِهِمْ ، وَرَحْمَةً وَرِضْوَاناً خَيْراً مِنْ جَمِيعِ مَا يَتَمَتَّعُ بِهِ الكُفَّارُ مِنَ المَالِ وَالمَتَاعِ فِي هَذِهِ الدُّنيا الفَانِيةِ ، فَهَذَا ظِلٌّ زَائِلٌ ، وَذَاكَ نَعِيمٌ خَالِدٌ .
ــــــــــــــ(1/48)
جزاءُ المجاهدين في سبيل الله
قال تعالى : { لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (96) } [النساء/95، 96]
يُبَيِّنُ اللهُ تَعَالَى لِلنَّاسِ مَا لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبيلِ اللهِ ، بِأمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ، مِنْ عَظِيمِ الأجْرِ وَالمَغْفِرَةِ وَالدَّرَجَاتِ الكَرِيمَةِ عِنْدَ رَبِّهِمْ ، فَقَالَ تَعَالَى : إنَّ القَاعِدِينَ عَنِ الجِهَادِ - إذا كَانُوا غَيْرَ مَعْذُورِينَ ، وَغَيْرَ ذَوِي عِلَّةٍ وَضَرَرٍ - لاَ يَسْتَوُونَ مَعَ المُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ، وَإنَّ اللهَ فَضَّلَ المُجَاهِدِينَ عَلَى القَاعِدِينَ ، وَخَصَّهُمْ بِدَرَجَاتٍ عَظِيمةٍ ، وَأَجْرٍ كَبير ، وَإنْ كَانَ تَعَالَى قَدْ وَعَدَ القَاعِدِينَ عَنِ الجِهَادِ عَجْزاً ، مَعَ تَمَنِّي القُدْرَةِ عَليهِ ، كَمَا وَعَدَ المُجَاهِدِينَ ، بِالخَيْرِ وَالمَثُوبَةِ وَالعَفْوِ وَالمَغْفِرَةِ لأنَّ كُلاً مِنْهُمْ كَامِلُ الإِيمَانِ ، مُخْلِصٌ للهِ فِي العَمَلِ .
وَهَذَا الأَجْرُ العَظِيمُ الذِي وَعَدَ اللهُ بِهِ المُجَاهِدِينَ ، وَفَضَّلَهُمْ بِهِ عَلَى القَاعِدِينَ مِنْ ذَوي الأعْذَارِ ، هُوَ دَرَجَاتٌ مِنْهُ ، وَمَنَازِلُ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ مِنَ الكَرَامَةِ ، وَالمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ ، وَكَانَ اللهُ غَفُوراً لِذُنُوبِ أَوْلِيَائِهِ الذِينَ يَسْتَحِقُّونَ المَغْفِرَةَ ، رَحِيماً بِأَهْلِ طَاعَتِهِ .
ــــــــــــــ(1/49)
الشهادةُ بالقِسط لله
قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9) } [المائدة/8، 9]
يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لِيَكُنْ هَمَّكُمْ وَدَأبُكُمُ التِزَامَ الحَقِّ فِي أَنْفُسِكُمْ ( بِدُونِ اعْتِدَاءٍ عَلَى أَحَدٍ ) ، وَفِي غَيْرِكُمْ ( بِالأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنِ المُنْكَرِ ابْتَغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ وَحْدَهُ ، لاَ لأجْلِ إِرْضَاءِ النَّاسِ ، وَاكْتِسَابِ السُّمْعَةِ الحَسَنَةِ عِنْدَهُمْ ) ، وَكُونُوا شُهَدَاءَ بِالعَدْلِ ( القِسْطِ ) ، دُونَ مُحَابَاةٍ لِمَشْهُودٍ لَهُ ، وَلاَ لِمَشْهُودٍ عَلَيهِ ، فَالعَدْلُ مِيزَانُ الحُقُوقِ ، وَمَتَى وَقعَ الجُورُ فِي أُمًّةٍ ، زَالَتِ الثِّقَةُ مِنْ نُفُوسِ النَّاسِ ، وَانْتَشَرَتِ المُفَاسِدُ ، وَتَقَطَّعَتْ رَوَابِطُ المُجْتَمَعِ . وَلاَ تَحْمِلَنَّكُمْ عَدَاوَتُكُمُ الشَّدِيدَةُ لِقَوْمٍ ، وَبُغْضُكُمْ لَهُمْ عَلَى عَدَمِ العَدْلِ فِي أَمْرِ الشَّهَادَةِ لَهُمْ بِحَقِّهِمْ إذَا كَانُوا أَصْحَابَ حَقٍّ ، أَوْ عَلَى عَدَمِ الحُكْمِ لَهُمْ بِذَلِكَ ، فَالمُؤْمِنُ يُؤْثِرُ العَدْلَ علَى الجُورِ وَالمُحَابَاةِ . ثُمَّ يُؤَكِّدُ اللهُ تَعَالَى أَمْرَهُ السَّابِقَ بِضَرُورَةِ إِقَامَةِ العَدْلِ ، وَأَدَاءِ الشَّهَادَةِ بِالقِسْطِ فَيَقُولُ : اعْدِلُوا لأنَّ العَدْلَ أَقْرَبُ لِتَقْوَى اللهِ ، وَأبْعَدُ عَنْ سَخْطِهِ ، وَاتَّقُوا سَخَطَ اللهِ وَعِقَابَهُ لأنَّهُ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيءٌ مِنْ أَعْمَالِكُمْ ظَاهِرَهَا وَبَاطِنَهَا ، وَاحْذَرُوا أنْ يُجَازِيَكُمْ بِالعَدْلِ عَلَى تَرْكِكُمُ القِيَامَ بِالعَدْلِ .
وَعَدَ اللهُ الذِينَ آمَنُوا بِهِ وَبِكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ . . وَعَمِلُوا الأعْمَالَ الصَّالِحَةَ التِي يَرْضَاهَا رَبُّهُمْ ( مِثْلَ العَدْلِ ، وَالأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ ، وَالنَّهِي عنِ المُنْكَرِ ، وَمُرَاعَاةِ جَانِبِ اللهِ فِي أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ ، فِي أَنْفُسِهِمْ وَفِي رَوَابِطِهِم الاجْتِمَاعِيَّةِ ) ، بِأنَّهُ سَيَغْفِرُ لَهُمْ ذُنُوبَهُمْ ، وَيَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ ، وَيُثِيبُهُمْ بِالأَجْرِ العَظِيمِ ، وَهُوَ الجَزَاءُ المُضَاعَفُ عَلى الإِيمَانِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ ، فَضْلاً مِنْهُ وَرَحْمَةً مِنْ لَدُنْهُ .
ــــــــــــــ(1/50)
جزاء المؤمنين حقًّا
قال تعالى : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) } [الأنفال/2-4]
يُعَرِّفُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ بِأَنَّهُمُ : الذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ فَزِعَتْ قُلُوبُهُمْ وَخَافَتْ ( وَجِلَتْ ) ، وَعَمِلَتْ بِمَا أَمَرَ اللهُ ، وَتَرَكَتْ مَا نَهَى عَنْهُ . فَالمُؤْمِنُونَ إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَهُمُّوا بِمَعْصِيَةٍ أَوْ يَظْلِمُوا ، وَقِيلَ لَهُمْ : اتَّقُوا اللهَ ، ارْتَدَعُوا عَمَّا هَمُّوا بِهِ خَوْفاً مِنَ اللهِ . وَإِذَا قُرِئَ القُرْآنُ عَلَيْهِمْ رَسَّخَ الإِيمَانَ فِي قُلُوبِهِمْ وَزَادَ فِيهِ ، وَهُمْ يَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ ، لاَ يَرْجُونَ سِوَاهُ ، وَلاَ يَلُوذُونَ إِلاَّ بِجَناَبِهِ ، وَلاَ يَسْأَلُونَ غَيْرَهُ .
وَبَعْدَ أَنْ بَيَّنَ تَعَالَى إِيمَانَ المُؤْمِنِينَ وَاعْتِقَادَهُم ، أَشَارَ هُنَا إلَى أعْمَالِهِمْ ، فَقَالَ : إِنَّهُمْ يُؤَدُّونَ الصَّلاَةَ حَقَّ أَدَائِها ، بِخُشُوعٍ وَحُضُورِ قُلُوبٍ ، وَيُنْفِقُونَ مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ فِيمَا أَمَرَهُمْ بِهِ رَبُّهُمْ مِنْ جِهَادٍ ، وَزَكَاةٍ ، وَصَدَقَاتٍ ، وَيَفْعَلُونَ الخَيْرَاتِ كُلَّهَا .
وَالمُتَّصِفُونَ بِهَذِهِ الصَّفَاتِ هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقَّ الإِيمَانِ ، لَهُمْ دَرَجَاتٌ مِنَ الكَرَامَةِ وَالزُّلْفَى عِنْدَ رَبِّهِمْ ، وَلَهُمْ مَنَازِلُ وَمَقَامَاتٌ فِي الجَنَّاتِ ، وَيَغْفِرُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ ، وَيَشْكُرُ لَهُمْ حَسَنَاتِهِمْ ، وَيَرْزُقُهُمْ رِزْقاً طَيِّباً وَافِراً كَرِيماً .
-----------------
وقال تعالى :{وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74) } [الأنفال/74]
فِي الايَاتِ السَّابِقَةِ ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى حُكْمَ المُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيا ، ثُمَّ عَطَفَ فِي هَذِهِ الآيَةِ عَلَى ذِكْرِ مَا لَهُمْ فِي الآخِرَةِ فَأَخْبَرَ عَنْهُمْ بِحَقِيقَةِ الإِيمَانِ ، وَأَنَّهُ تَعَالَى سَيَجْزِيهِمْ بِالصَّفْحِ وَالمَغْفِرَةِ عَنِ الذُّنُوبِ ، وَبِالرِّزْقِ الكَرِيمِ الحَسَنِ الطَّيِّبِ ، الذِي لاَ يَنْقَطِعُ وَلاَ يَنْقَضِي ، وَلاَ يُسْأَمُ وَلاَ يُمَلُّ حُسْنُهُ .
ــــــــــــــ(1/51)
صفات المفلحين
قال تعالى : { الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) } [البقرة/1-5]
لاَ شَكَّ في أَنَّ هَذَا القُرآنَ ( الكِتَابُ ) مُنْزَلٌ مِنْ عِندِ اللهِ ، وَهُوَ هُدًى وَنُورٌ يَهتَدِي بِهِ المُتَّقُونَ ، الذِينَ يَجتَهِدُونَ في العَمَلِ بِطَاعَةِ اللهِ ، وَيَتَّقُونَ الشِّرْكَ وَأَسْبَابَ العِقَابِ .
وَهؤلاءِ المُتَّقُونَ هُمُ الذينَ يُصَدِّقُونَ بِحَزمٍ وَإيمانٍ وإِذعَانٍ بما لاَ يَقَعُ تَحْتَ حَواسِّهِمْ ( الغَيْبِ ) فَيُؤْمِنُونَ بِاللهِ ، وَبِمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَجَنَّتِهِ وَلِقَائِهِ ، وَبِالحَيَاةِ بَعْدَ المَوْتِ . وَهُمْ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ، وَيُؤَدُّونَها حَقَّ أَدَائِهَا وَيُتِمُّونَ - بِخُشُوعٍ تَامٍّ ، وَحُضُورِ قَلْبٍ - رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا وَتِلاوَتَهَا ، وَيُنْفِقُونَ ممَّا رَزَقَهُمُ اللهُ في وُجُوهِ الخَيرِ ، وَيُؤَدُّونَ زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ .
وَهؤلاءِ المُتَّقُونَ هُمُ الذينَ يُصَدِّقُونَ بما جِئْتَ بِهِ يَا مُحَمَّدُ مِنْ عِنْدِ اللهِ ، وَبمَا أُنزِلَ عَلَى مَنْ قَبْلَكَ مِنَ المُرْسَلِينَ ، لا يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمْ ، وَلا يَجْحَدُونَ بما جَاؤُوهُمْ بِهِ مِنْ رَبِّهِمْ ، وَهُمْ يَعْتَقِدُونَ بِصِدْقِ مَا جَاءَتْهُمْ بِهِ النُّبُوَّاتُ مِنَ البَعْثِ وَالحِسَابِ في الآخِرَةِ .
فَهؤُلاءِ المُتَّصِفُونَ بالصِّفَاتِ المُتَقَدِّمَةِ : مِنْ إِيمَانٍ باللهِ ، وَإِيمَانٍ بِالبَعْثِ وَالحِسَابِ ، وَإِقَامَةِ الصَّلاَةِ ، وَتَأْدِيةِ الزَّكَاةِ . . . هُمْ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَنُورٍ وَبَصِيرَةٍ ، وَهُمُ المُفْلِحُونَ الفَائِزُونَ الذِينَ أَدْرَكُوا مَا طَلَبُوهُ بعدَ السَّعيِ الحَثِيثِ فِي الحُصُولِ عَليهِ ، وَنَجَوْا مِنْ شَرِّ مَا اجْتَنَبُوهُ .
----------------
وقال تعالى { الم (1) تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (2) هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) } [لقمان/1-5]
هذِهِ هِيَ آياتُ القُرآنِ الحَكِيمِ بَيَاناً وَتَفْصِيلاً .
وَهِيَ تَهدِي مِنَ الزِّيغِ الذينَ أَحْسَنُوا العَمَلَ واتَّبَعُوا الشَّرِيعَةَ ، وتَشْفِيهِمْ من الشَّكِ والضَّلاَلَةِ .
ثُمَّ يُعَرَّفُ اللهُ تَعَالى هؤُلاءِ الذينَ يُحْسِنُونَ العَمَلَ ، وَيَهْتَدُونَ بالقُرآن ، فَيَقُولُ : إِنَّهُم الذِينَ يَقِيمُونَ الصَّلاَةَ عَلَى وَجْهِهَا الأَكْمَلِ ، ويُتِمُونَّها بِخُشُوعِها وَرُكُوعِها وَسُجُودِها ، وَيُؤدُّونَ الزَّكَاةَ المَفْرُوضَةَ عَلى أَموالِهِم ، وَيُؤْمِنُونَ إيماناً ثَابِتاً رَاسِخاً بِأَنَّ اللهَ سَيَْعَثُ الخَلاَئِقَ في الآخِرَة ، وأَنَّهُ سَيُحَاسِبُهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ ، وأَنَهُ سَيَجْزِي كُلَّ عَامِلٍ بِعَمَلِهِ ،وَهَؤُلاءِ الذينَ اتَّصَفُوا بالصِّفَاتِ المُتَقَدِّمَةِ ، هُمْ عَلَى بَيِِّنَةٍ ونُورٍ مِنْ رَبِّهِمْ ، وَهؤُلاءِ هُمُ الفَائِزُونَ بِمَا أَمَّلُوا مِنْ ثَوابِ اللهِ يومَ القِيَامَةِ ، فَرَبَحَتْ صَفْقَتُهُمْ .
ــــــــــــــ(1/52)
الذين صبروا وعملوا الصالحات
قال تعالى : { وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10) إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11) } [هود/9-11]
يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى عَمَّا فِي نُفُوسِ البَشَرِ مِنَ الصِّفَاتِ الذَمِيمَةِ ، إِلاَّ مَنْ رَحِمَ اللهُ ، فَإِذَا أَصَابَتْهُمْ شِدَّةٍ بَعْدَ نِعْمَةٍ ، اعْتَرَاهُمُ اليَأْسُ وَالقُنُوطُ مِنْ أَنْ يُفْرِّجَ اللهُ عَنْهُمْ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ شِدَّةٍ فِي المُسْتَقْبَلِ ، وَكَفَرُوا بِنِعَمِ اللهِ وَفَضْلِهِ .
وَكَذَلِكَ الحَالُ إِذَا أَصَابَتْهُمْ نِعْمَةٌ ، بَعْدَ نَقْمَةٍ وَشِدَّةٍ ، فَسَيَقُولُونَ : لَنْ يُصِيبَنَا بَعْدَ هذَا ضَيْمٌ وَلاَ سُوءٌ ، وَيَحْمِلُهُمْ ذَلِكَ عَلَى الفَرَحِ بِمَتَاعِ الدُّنْيَا ، وَعَلَى المُبَالَغَةِ فِي التَّفَاخُرِ عَلَى النَّاسِ ، فَيَنْشَغِلَ قَلْبُهُمْ عَنْ شُكْرِ رَبِّهِمْ عَلَى نِعَمِهِ عَلَيْهِمْ .
وَيَسْتَثْنِي اللهُ تَعَالَى مِنَ الأُنَاسِ اللَّجُوجِينَ القَنُوطِينَ ، المُؤْمِنِينَ الذِينَ صَبَرُوا عَلَى الشَّدَائِدِ وَالمَكَارِهِ ، إِيمَاناً بِاللهِ ، وَاحْتِسَاباً ، وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي الرَّخَاءِ وَالشِّدَّةِ ، فَهؤُلاَءِ سَيَغْفُرُ اللهُ لَهُمْ بِمَا يُصِيبُهُمْ مِنَ الضَّرَّاءِ ، وَسَيَجْزِيهِمْ أَجْراً كَبِيراً بِمَا أَسْلَفُوا فِي زَمَنِ الرَّخَاءِ مِنْ صَالِحِ الأَعْمَالِ .
ــــــــــــــ(1/53)
الله تعالى ذو مغفرة
قال تعالى : {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ (6) } [الرعد/6]
وَهؤلاءِ الذِينَ يُكَذِّبُونَ بِالحَشْرِ وَالمَعَادِ ، يَسْتَعْجِلُونَكَ بِأَنْ تُنْزِلَ عَلَيْهِمْ العَذَابَ الذِي هُدِّدوا بِهِ إِذا مَا أَصَرُّوا عَلَى كُفْرِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ ، وَهُمْ يُبَادِرُونَ إِلَى هَذَا التَّكْذِيبِ وَالاسْتِهْزَاءِ بِالعُقُوبَةِ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلُوا الثَّوَابَ وَالحَسَنَةَ وَالسَّلاَمَةَ مِنَ العُقُوبَةِ ، مَعْ أَنَّ كَثِيراً مِنَ الأَمْثِلَةِ سَبَقَتْ عَلَى إِنْزَالِ اللهِ تَعَالَى العَذَابَ وَالعِقَابَ بِالأُمَمِ الخَالِيَةِ ، التِي كَذَّبَتْ رُسُلَهَا ، وَاسْتَهْزَأَتْ بِهِمْ ، وَجَعَلَهُ إِيَّاهُمْ عِظَةً لِمَنِ اتَّعَظَ بِهِمْ . وَلَوْلاَ حِلْمُ اللهِ تَعَالَى وَعَفْوُهُ لَعَاجَلَهُمْ بِالعُقُوةَ ِحَالَ اجْتِرَاحِهِمْ الذُّنُوبَ ، وَاكْتِسَابِهِم المَعَاصِيَ ، وَلَكِنَّهُ تَعَالَى يَغْفِرُ لِلنَّاسِ ذُنُوبَهُمْ وَتَجَاوُزَهُم إِذَا تَابُوا إِلَيْهِ وَأَصْلَحُوا ، وَهُوَ شَدِيدُ العِقَابِ لِمَنْ أَصَرَّ عَلَى كُفْرِهِ وَعِنَادِهِ وَتَمَادَى فِي غَيِّهِ .
وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعِدُهُمْ بِأَنَّهُمْ إِذَا آمَنُوا ، وَأَقْلَعُوا عَنْ كُفْرِهِمْ وَعِصْيَانِهِمْ وَسُخْرِيَتِهِمْ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ ، فَإِنَّ اللهَ سَيُكَفِّرُ سَيِّئَاتِهِمْ ، وَسَيُدْخِلُهُمْ جَنّاتِ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ .
ــــــــــــــ(1/54)
الإيمانُ والعملُ الصالح
قال تعالى : { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (49) فَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (51) } لا[الحج/49-51]
حِينَما اسْتَعْجَلَ الكُفَّارُ وَقُوعَ العَذَابِ بِهٍِمْ ، قَالَ اللهُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - : قُلْ لَهُمْ : إِنَّمًَا أَنَا رَسُولٌ مِنْ رَبِّي أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ نَذِيراً بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ، وَلَيْسَ عَلَيَّ مِنْ حِسَابِكُمْ مِنْ شَيءٍ ، وَإِنَّمَا أَمْرُكُمْ إِلَى الله إِنْ عَجَّلَ لَكُمُ العَذَابَ ، وإِنْ شَاءَ أَخَّرَهُ عَنْكُم ، وَإِنْ شَاءَ تَابَ عَلَى مَنْ يَتُوبُ إِلَيْهِ .
والذينَ آمَنَتْ قُلُوبُهم ، وَصَدَّقُوا إِيَمَانَهُمْ بِأَعْمَالِهِم ، فَإِنَّ الله تَعَالَى يَغْفِرُ لَهُمْ مَا سَلَفَ من سَيِّئَاتِهِمْ ، وَتَقْصِيرِهِم ، وَيُجَازِيهِم بالحُسْنَى عَلَى حَسَنَاتِهِمْ ، وَيُدْخِلُهُم الجَنَّةَ ، وَلَهُمْ فِيهَا رِزْقٌ كَرِيمٌ .
أَمَّا الذينَ بَذَلُوا جُهْدَهُم فِي ررَدِّ دَعْوَةِ اللهِ ، والتَكْذِيبِ بِها ، وَسَعَوْا فِي صَدِّ النَّاسِ عَنِ الدُّخُولِ فِي الإِسْلاَمِ ، وَسَعَوْا فِي تَعْطِيلِ آيَاتِ اللهِ ، وَمَنْعِها مِنْ أَنْ تَفْعَلَ مَفْعُولَها فِي القُلُوبِ ، فَأُولَئِكَ أَهْلُ الجَحِيمِ ، وإِنْ ظَنُّوا أَنَّهُمْ يُعْجِزُونَ الله وَيَفوتُونَه هَرَباً .
---------------
وقال تعالى :{ الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7)} [فاطر/7]
والذينَ كَفَرُوا باللهِ وَرُسُلِهِ وَأَطَاعُوا الشَّيطَانَ ، وَعَصَوْا الرَّحْمَنَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ يومَ القِيَامَةِ ، أَمّا الذِينَ آمنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ، وَعَمِلُوا الأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ التِي تُرْضِي اللهِ ، فَإِنَّ اللهَ يَعِدُهُمْ بِأَنْ يَغْفِرَ لَهُمْ ذُنُوبَهُمْ وَيثُيِبَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الثَّوَابَ العَظِيمِ .
-----------------
وقال تعالى : {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (29) سورة الفتح
إِن مُحمداً - صلى الله عليه وسلم - رَسُولُ اللهِ حَقّاً وَصِدْقاً ، بِلاَ شَكٍّ وَلاَ رَيبٍ ، وَإِنَّ أصْحَابَهُ يَتَّصِفُونَ بالصِّفَاتِ الجَمِيلةِ الحَسَنةِ ، فَهُمْ أشِدَّاءٌ غِلاَظُ القُلُوبِ عَلَى الكُفارِ ، وَهُمْ رُحَماءُ مُتَوَادُّونَ فيما بَيْنَهم يَرَاهُم النَّاظِرُ إليهِمْ دَائِبينَ عَلَى أدَاءِ الصَّلاةِ ، مُخْلِصِينَ فيها للهِ ، مُحْتَسِبينَ أجْرَهَا عِنْدَ اللهِ ، يَبْتَغُونَ بِصَلاتِهِمْ رِضَا اللهِ وَرِضْوَانَهُ ، تَتْرُكُ نُفُوسُهُمُ المُطْمَئِنَّةُ أَثَراً عَلَى وُجُوهِهِمْ ، فَهِي هَادِئَةٌ مُطْمَئِنَّةٌ مَسْتَبْشِرَةٌ ، وَهَذِهِ هِيَ صِفَاتُ المُؤمِنينَ المُخْلِصِينَ في التورَاةِ . وَجَاءَ وَصْفُهُمْ في الإِنجيلِ أَنَّ أتْبَاعَ مُحَمَّدٍ سَيَكُونُونَ قَليلينَ ثُمَّ يَزْدَادُونَ وَيكْثُرُونَ وَيَسْتَغْلظُونَ كَزَرْعٍ أخْرَجَ مُحَمَّدٍ سَيَكُونُونَ قَلِيلينَ ثُمَّ يَزْدَادُونَ وَيَكْثُرُونَ وَيَسْتَغْلظُونَ كَزَرْعٍ أخْرَجَ فُروعَهُ ( شَطْأهُ ) التي تَتَفَرَّعُ مِنْهُ عَلَى جَوَانِبِهِ ، فَيَقْوى وَيَتَحَوَّلُ من الدِّقَّةِ إِلى الغِلْظَةِ ، وَيَسْتَقيمُ عَلَى أصُولِهِ فَيُعْجَبُ بِهِ الزَّراعِ لِخِصْبِهِ ، وَقُوَّتِهِ ، وَحُسْنِ مَظْهَرِهِ ، وَقَدْ نَمَّاهُمُ اللهُ وأكْثَرَ عَدَدَهُم لِيَغِيظَ بهم الكُفَّارَ ، وَقَدْ وَعَدَ اللهُ المُؤْمِنينَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ ، العَامِلِينَ للصَّالِحَاتِ ، بأن يَغْفِرَ لَهُمْ ذُنُوبَهمْ ، وَأنْ يُجْزِلَ لَهُمُ الأجْرَ والعَطَاءَ ، وبِأنْ يُدْخِلَهُمْ جَنَّاتِهِ ، وَاللهُ لاَ يُخْلِفَ وَعْدَهُ أبَداً
ــــــــــــــ(1/55)
الطيبون والطيبات مغفورة ذنوبهم
قال تعالى : { الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26) } [النور/26]
النِّسَاءُ الخَبِيثَاتُ يَكُنَّ للرِّجَالِ الخَبِيِثِينَ ، والخَبِيثُونَ مِنَ الرِّجَالِ يَكُونُونُ لِلخَبِيثَاتِ مِنَ النِّسَاءِ ، والطَّيِّبُونَ مِنَ الرِّجَالِ يَكُونُونَ للطِّيِّبَاتِ مِنَ النِّسَاءِ ، والطَّيِّبَاتُ مِنَ النِّسَاءِ يَكُنَّ للطِّيِّبِينَ مِنَ الرِّجَالِ ، لأَنَّ المُجَانِسَةَ مِنْ دَوَاعِي الالْفَةِ ، فَمَا كَانَ اللهُ تَعَالَى لِيَجْعَلَ عَائِشَةَ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهَا ، إِلاَّ وَهِيَ طَيِّبَةٌ ، لأَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - أَطْيَبُ خَلْقِ اللهِ ، وَلَوْ كَانَتْ خَبِيثَةً لمَا صَلَحَتْ لَهُ شَرْعاً وَلاَ قَدَراً .
والطَّيِّبُونَ والطَّيِّبَاتُ بِعِيدُونَ عَمَّا يَقُولُه أَهْلُ الإِفْكِ ، مُبَرَّؤونَ مِنَ التُّهَمِ التي يَصِفُهُمْ بِهَا الخَبِيثُونَ ، وَلَهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ بِسَبَبِ مَا قِيلَ فِيهِمْ مِنَ الكَذِبِ ، وَلَهُمْ عِنْدَ اللهِ جَنَّاتُ النَّعِيمِ ، والرِّزْقُ الكَرِيمُ
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ : إِنَّ الخَبِيثَاتِ مِنَ الكَلِمَاتِ والأًقْوَالِ لاَئِقَاتٌ بالخَبِيثينَ مِنَ الرِّجَالِ الذينَ يَتَفَوَّهُونَ بِهَا
ــــــــــــــ(1/56)
صفاتُ المسلمين والمسلمات
قال تعالى :{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (35) سورة الأحزاب
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَنَا لاَ نُذْكَرُ فِى الْقُرْآنِ كَمَا يُذْكَرُ الرِّجَالُ، قَالَتْ فَلَمْ يَرُعْنِى مِنْهُ يَوْماً إِلاَّ وَنِدَاؤُهُ عَلَى الْمِنْبَرِ: « يَا أَيُّهَا النَّاسُ ». قَالَتْ وَأَنَا أُسَرِّحُ رَأْسِى فَلَفَفْتُ شَعْرِى ثُمَّ دَنَوْتُ مِنَ الْبَابِ فَجَعَلْتُ سَمْعِى عِنْدَ الْجَرِيدِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ والْمُؤْمِنَاتِ ) » هَذِهِ الآيَةَ. (أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً )(1).
وعَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ:أَتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - امْرَأَةٌ يُقَالُ لَهَا أُمُّ عُمَارَةَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يَنْزِلُ الْقُرْآنُ إِلا فِي الرِّجَالِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ: "إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ"[الأحزاب آية 35](2).
وَقَدْ مَيَّزَ اللهُ تَعَالى بينَ الإِسلامِ وَالإِيمَانِ وَجَعَلَ الإِيمَانَ أَخَصَّ مِنَ الإِسْلامِ . وَقَالَ تَعَالى : { قَالتِ الأعرابُ آمَنَّا : قُلْ : لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِيْ قُلُوبِكُمْ . } وَجَاءَ فِي الصَّحِيحَين : " لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ " فَالزَّانِي حِينَ يَزْنِي تُنْتَزَعُ عَنْهُ صِفَةُ الإِيمَانِ ، وَلِكنَّهُ لا يُعْتَبَرُ كَافِراً ، وَلا تُنْتَزَعُ عَنْهُ صِفَةُ الإِسلامِ بِإِجْمَاعِ المُسْلِمينَ .
وَفِي هذهِ الآيةِ يَذْكُرُ اللهُ تَعَالى الصِّفَاتِ التِي يَسْتَحِقُّ بِها عِبَادَهُ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ، وَأَنْ يَمْحُو عَنْهُمْ زَلاَّتِهِمْ ، وَيَثُيِبَهُمْ بالنّعِيمِ المُقِيمِ ، وَهَذِهِ الأَوْصَافُ هِيََ :
- إِسْلاَمُ الظَّاهِرِ بالانْقِيَادِ لأَحْكَامِ الدِّينِ بِالقَوْلِ وَالعَمَلِ .
- إِسْلاَمُ البَاطِِ ( الإِيمَانُ ) بِالتَّصْدِيقِ التَّامِ والإِذْغَانِ لِمَا فَرَضَ الدِّينُ مِنْ أَحْكَامٍ .
- القُنُوتُ وَهُوَ دَوَامُ العَمَلِ فِي هُدُوءٍ وَطُمَأْنِينَةٍ .
- الصِّدْقُ فِي الأَقْوَالِ والأَعْمَالِ وَهُوَ عَلاَمَةٌ عَلى الإِيمانِ كَمَا أَنَّ الكَذِبَ عَلاَمَةٌ عَلَى النِّفَاقِ .
- الصَّبْرُ عَلَى المَكَارِهِ وَتَحَمُّلِ المَشَاقِّ في أَدَاءِ العِبَادَاتِ وَتَرْكِ الشَّهَوَاتِ .
- الخُشُوعُ والتَّواضُعُ لله تَعَالى بِالقَلْبِ والجَوَارِحِ ، ابْتِغَاءَ ثَوَابِ اللهِ ، وَخَوْفَ عِقَابِهِ
- التَّصَدُّقُ بِالمَالِ والإِحْسَانُ إٍلى المُحْتَاجِينَ الذِينَ لاَ كَسْبَ لَهُمْ .
- الصَّوْمُ فإِنَّهُ مُعِينٌ عَلَى كَسْرِ حِدَّةِ الشَّهْوَةِ .
وهذه الصفات الكثيرة التي جمعت في هذه الآية تتعاون في تكوين النفس المسلمة . فهي الإسلام ، والإيمان ، والقنوت ، والصدق ، والصبر ، والخشوع ، والتصدق ، والصوم ، وحفظ الفروج ، وذكر الله كثيراً . . ولكل منها قيمته في بناء الشخصية المسلمة .
والإسلام : الاستسلام ، والإيمان التصديق . وبينهما صلة وثيقة أو أن أحدهما هو الوجه الثاني للآخر . فالاستسلام إنما هو مقتضى التصديق . والتصديق الحق ينشأ عنه الاستسلام .
والقنوت : الطاعة الناشئة من الإسلام والإيمان ، عن رضى داخلي لا عن إكراه خارجي .
والصدق : هو الصفة التي يخرج من لا يتصف بها من صفوف الأمة المسلمة لقوله تعالى : { إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله } فالكاذب مطرود من الصف . صف هذه الأمة الصادقة
والصبر : هو الصفة التي لا يستطيع المسلم حمل عقيدته والقيام بتكاليفها إلا بها . وهي تحتاج إلى الصبر في كل خطوة من خطواتها . الصبر على شهوات النفس ، وعلى مشاق الدعوة ، وعلى أذى الناس . وعلى التواء النفوس وضعفها وانحرافها وتلونها . وعلى الابتلاء والامتحان والفتنة . وعلى السراء والضراء ، والصبر على كلتيهما شاق عسر .
والخشوع : صفة القلب والجوارح ، الدالة على تأثر القلب بجلال الله ، واستشعار هيبته وتقواه .
والتصدق : وهو دلالة التطهر من شح النفس ، والشعور بمرحمة الناس ، والتكافل في الجماعة المسلمة . والوفاء بحق المال . وشكر المنعم على العطاء .
والصوم : والنص يجعله صفة من الصفات إشارة إلى اطراده وانتظامه . وهو استعلاء على الضرورات ، وصبر عن الحاجات الأولية للحياة ،وتقرير للإرادة , وتوكيد لغلبة الإنسان في هذا الكائن البشري على الحيوان .
وحفظ الفرج: وما فيه من تطهر , وضبط لأعنف ميل وأعمقه في تركيب كيان الإنسان , وسيطرة على الدفعة التي لا يسيطر عليها إلا تقي يدركه عون الله . وتنظيم للعلاقات , واستهداف لما هو أرفع من فورة اللحم والدم في التقاء الرجل والمرأة , وإخضاع هذا الالتقاء لشريعة الله , وللحكمة العليا من خلق الجنسين في عمارة الأرض وترقية الحياة .
وذكر الله كثيرا:وهو حلقة الاتصال بين نشاط الإنسان كله وعقيدته في الله . واستشعار القلب لله في كل لحظة ; فلا ينفصل بخاطر ولا حركة عن العروة الوثقى . وإشراق القلب ببشاشة الذكر , الذي يسكب فيه النور والحياة .
هؤلاء الذين تتجمع فيهم هذه الصفات , المتعاونة في بناء الشخصية المسلمة الكاملة . . هؤلاء (أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما) . .
وهكذا يعمم النص في الحديث عن صفة المسلم والمسلمة ومقومات شخصيتهما ,وتذكر المرأة في الآية بجانب الرجل كطرف من عمل الإسلام في رفع قيمة المرأة , وترقية النظرة إليها في المجتمع , وإعطائها مكانها إلى جانب الرجل فيما هما فيه سواء من العلاقة بالله ; ومن تكاليف هذه العقيدة في التطهر والعبادة والسلوك القويم في الحياة(3). .
ــــــــــــــ
__________
(1) - مسند أحمد( 27334) صحيح
(2) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 18 / ص 209)(20575 ) صحيح لغيره
(3) - في ظلال القرآن - (ج 6 / ص 81)(1/57)
من اتبع الذكر وخشي الرحمن
قال تعالى : {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11)} [يس/11]
إِنَّمَا يَنْتَفِعُ بإِنْذَارِكَ الذِينَ يَتَّبِعُونَ القُرْآنَ ، وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ فِي أَعْمَالِهِمْ ، حِينَ لاَ يَطَّلِعُ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ ، اعْتِقَاداً مِنْهُمْ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يَرَاهُمْ ، وَيُرَاقِبُ أَعْمَالَهُمْ ( بالغَيْبِ ) ، فَبَشِّر هَؤُلاَءِ المتَّبِعِينَ أَحْكَامَ الدِّين ، الخَائِفِينَ مِنْ عِقَابِ اللهِ ، بِمَغْفِرَةٍ مِنْ عِقَابِ اللهِ ، بِمَغْفِرَةٍ ، وَعَفْوٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ لِذُنُوبِهِمْ ، وَأَجرٍ وَاسِعٍ كَرِيمٍ مِنَ اللهِ .
ــــــــــــــ(1/58)
غضُّ الصوت عند النبي - صلى الله عليه وسلم -
قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} (3) سورة الحجرات
والذِينَ يَخْفِضُونَ أصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَهُمْ يَتَكَلَّمُونَ في حَضْرَتِهِ إِجْلالاً واحتِراماً ، هُمُ الذِينَ ابتْلَى اللهُ قُلُوبَهم بالمِحَنِ والتَّكَالِيفِ الشَّاقَّةِ ، حَتَّى تَطَهَّرَتْ وَصَفَتْ بِما كَابَدَتْهُ مِنَ الصَّبْرِ عَلَى المَشَاقِّ ، وَهَؤُلاءِ لَهُم مَغْفِرةٌ مِنْ رَبِّهمْ لذُنُوبِهمْ ، وَلَهُم ثَوَابٌ عَظِيمٌ عَلَى غَضِّهم أصْواتَهم عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - احتِراماً مِنْهُمْ لَهُ ، وَتَعْظِيماً لِقَدْرِهِ .
ــــــــــــــ(1/59)
اجتنابُ كبائر الإثم
قال تعالى : { وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32) } [النجم/31، 32]
يُخْبِرُ اللهُ تَعَالى عِبَادَه بِأَنَّه خَالِقُ السَّماواتِ وَالأَرضِ وَمَا فِيهما ، وَأَنَّ جَميعَ مَا فِي الوُجُودِ مُلْكُهُ وَتَحْتَ قَهْرِهِ وَسُلْطَانِهِ ، وَهُوَ يَعْلَمُ بِما في النُّفُوسِ والصًُّدُورِ ، وَقَدْ خَلَقَ الخَلْقَ بِالحقِّ وَالعَدْلِ ، وَأَمَرَ الخَلقَ بعبادَتِهِ وَالإِخلاصِ فِيها ، وَنَهَاهُم عَنِ الكُفْرِ وَالمَعَاصِي ، وَهُوَ لَنْ يُهمِلَ أَمْرَ الخَلق ، وَسَيُجَازي كُلَّ وَاحِدٍ بِعَمَلِهِ : السَّيِّئ عَلَى إِسَاءَتِهِ وَالمُحْسِنَ عَلَى إِحْسَانِهِ .
يُبَيِّنُ اللهُ تَعَالى في هذِهِ الآيةِ الكَريمةِ أَوْصَافَ المُحْسِنينَ الذينَ يَجْزِيهِمْ في الآخِرَةِ بالحُسْنى فَيَقُولُ : مِنْ صِفَاتِ هؤُلاءِ المُحْسِنينَ أنَّهم يَبْتَعِدُونَ عَنْ كَبَائِرِ الإِثْمِ ، وَعَنِ الفَوَاحِشِ ، وَلا يَجْتَرِحُونَ السَّيِّئاتِ ، وَلاَ يَرْتَكِبُونَ المُحرَّمَاتِ وَالكَبَائِرَ ( كَالقَتْلِ وَالزِّنا وَأكْلِ الرِّبا وَأَكلِ مَالِ اليَتِيمِ ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ ، وَقَذْفِ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاتِ ) .
وَإِذا وَقَعَتْ مِنْهُمْ بَعْضُ صَغَائِرِ الذُّنُوبِ فَإِنَّ اللهَ تَعَالى وَاسعُ المَغْفِرَةِ يَغْفِرُها لَهُم لِقَولِهِ تَعَالى { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ } . وَاللهُ تَعَالى بَصِيرٌ بأَحْوالِ العِبَادِ ، عَلِيمٌ بِأَقْوالِهِمْ وَأَفْعَالِهم ، وَحِينَ ابتَدأ اللهُ تَعَالى خَلْقَهُمْ وَهُمْ أَجِنَّةٌ في بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ علمَ مَا سَيَكُونَ مُسِيئاً .
ثُمَّ أَمَرَ اللهُ العِبَادَ بألاَّ يُزَكُّوا ، أَنْفُسَهُم ، وَلا يُثْنُوا عَلَيها ، وَلاَ يَمْدَحُوها ، لأنَّ اللهَ تَعَالى وَحْدَهُ العَالِمُ مَنْ هُوَ البَرُّ التَّقِيُّ الصَّالحُ ، وَمَنْ هُوَ الفَاجِرُ الشَّقِيُّ السَّيِّئُ .
" وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَمْدَحَ أَحَدٌ صَاحِبَهُ أمَامَ آخَرِينَ ، وَأَنْ يَكْتَفِي بِالقَوْلِ : أَحْسَبُ أَنَّ فُلاناً واللهُ حَسِيبُهُ ، وَلا أُزكِّي أَحَداً عَلَى اللهِ ، أَحْسَبُه كَذا وَكَذَا إِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ "
ــــــــــــــ(1/60)
المغفرة والرضوان لمن جعل الدنيا في يده لا في قلبه
قال تعالى : { اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20) }[الحديد/20]
اعْلَمُوا يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنَّ الحَيَاةَ الدُّنْيَا لَيْسَتْ إِلاَّ مَتَاعاً لِلَّهْوِ وَاللَّعِبِ ، وَالزِّينَةِ والتَّفَاخُرِ وَالمُبَاهَاةِ بِكَثْرَةِ الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ ، وَمَا مَثَلُهَا فِي نَضْرَتِهَا ، وَسُرْعَةِ زَوَالَهَا ، وَانْقِضَائِهَا إِلاَّ مَثَلُ أَرْضٍ أَصَابَهَا مَطَرٌ غَزِيرٌ فَأَخْرَجَتْ مِنَ النَّبَاتَاتِ مَا أَعْجَبَ الزُّرَّاعَ وَسَرَّهُمْ ، وَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى تِلْكَ الحَالِ إِذْ بِهَذَا النَّبَاتِ قَدْ صَوَّحَ واصْفَرَّ وَأَخَذَ فِي اليَبَسِ وَالجِفَافِ ، ثُمَّ يَصِيرُ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ . وَفِي الآخِرَةِ يَجِدُ النَّاسُ أَمَامَهُمْ إِمَّا عَذَاباً أَلِيماً جَزَاءً عَلَى أَعْمَالِهِمْ ، إِنْ كَانُوا قَدْ آثَرُوا الدُّنْيَا ، وَعَمِلُوا لَهَا ، وَانْهَمَكُوا فِي مَلَذَّاتِهَا ، وَإِمَّا ثَوَاباً كَرِيماً ، وَرِضْوَانا مِنَ اللهِ ، إِنْ كَانُوا قَدْ أَعْرَضُوا عَنِ الدُّنْيَا ، وَعمِلُوا فِي دُنْيَاهُمْ لآخِرَتِهِمْ ، وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتَاعٌ زَائِلٌ خَادِعٌ يَغُرُّ مَنْ رَكَنَ إِلَيْهِ ، وَاعْتَقَدَ أَنَّهُ لاَ دَارَ سِوى هَذِهِ الدَّارِ الدُّنْيا .
ــــــــــــــ(1/61)
المسابقة إلى طلب مغفرة الذنوب
قال تعالى : { سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) } [الحديد/21 ]
سَابِقُوا يَا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ أَقْرَانَكُمْ فِي مِضْمَارِ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ ، وَقُومُوا بِمَا كَلَّفَكُمْ بِهِ رَبَّكُمْ مِنَ الوَاجِبَاتِ ، يُدْخِلْكُمْ رَبُّكُمْ جَنَّةً وَاسِعَةً عَرْضُها كَعَرْضِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ، وَقَدْ أَعَدَّهَا اللهُ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِهِ ، وَصَدَّقُوا رُسُلَهُ فِيمَا جَاؤُوهُمْ بِهِ ، وَهَذَا الذِي أَهَّلَهُمُ اللهُ لَهُ هُوَ مِنْ فَضْلِهِ عَلَيْهِمْ ، وَإِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ ، وَاللهُ وَاسِعُ الفَضْلِ كَثِيرُ العَطَاءِ ، فَيُعْطِي مَنْ يَشَاءُ مَا شَاءَ كَرَماً وَتَفُضُّلاً .
فليس السباق إلى إحراز اللهو واللعب والتفاخر والتكاثر بسباق يليق بمن شبوا عن الطوق ، وتركوا عالم اللهو واللعب للأطفال والصغار إنما السباق إلى ذلك الأفق ، وإلى ذلك الهدف ، وإلى ذلك الملك العريض : { جنة عرضها كعرض السماء والأرض } . .
وربما كان بعضهم في الزمن الخالي - قبل أن تكشف بعض الحقائق عن سعة هذا الكون - يميل إلى حمل مثل هذه الآية على المجاز ، وكذلك حمل بعض الأحاديث النبوية . فأما اليوم ومراصد البشر الصغيرة تكشف عن الأبعاد الكونية الهائلة التي ليس لها حدود ، فإن الحديث عن عرض الجنة ، والحديث عن تراءي الغرف من بعيد ، يقع قطعاً موقع الحقيقة القريبة البسيطة المشهودة ، ولا يحتاج إلى حمله على المجاز إطلاقاً!
فإن ما بين الأرض والشمس مثلاً لا يبلغ أن يكون شيئاً في أبعاد الكون يقاس!
وذلك الملك العريض في الجنة يبلغه كل من أراد ، ويسابق إليه كل من يشاء . وعربونه : الأيمان بالله ورسله . { ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء } . . { والله ذو الفضل العظيم } . . وفضل الله غير محجوز ولا محجور . فهو مباح متاح للراغبين والسابقين . وفي هذا فليتسابق المتسابقون ، لا في رقعة الأرض المحدودة الأجل المحدودة الأركان!
ولا بد لصاحب العقيدة أن يتعامل مع هذا الوجود الكبير؛ ولا يحصر نفسه ونظره وتصوره واهتمامه ومشاعره في عالم الأرض الضيق الصغير . . لا بد له من هذا ليؤدي دوره اللائق بصاحب العقيدة . هذا الدور الشاق الذي يصطدم بحقارات الناس وأطماعهم ، كما يصطدم بضلال القلوب والتواء النفوس . ويعاني من مقاومة الباطل وتشبثه بموضعه من الأرض ما لا يصبر عليه إلا من يتعامل مع وجود أكبر من هذه الحياة ، وأوسع من هذه الأرض ، وأبقى من ذلك الفناء . .
ــــــــــــــ(1/62)
خشية الله بالغيب
قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12) } [الملك/12 ]
إِنَّ الذِينَ يَخَافُونَ مَقَامَ رَبِّهِمْ فَيَكُفُّونَ أَنْفُسَهُمْ عَنِ المَعَاصِي ، وَيَقُومُونَ بِالطَّاعَاتِ وَهُمْ بَعِيدُونَ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ إِذْ لاَ تَرَاهُمْ عَيْنٌ غَيْرُ عَيْنِ اللهِ تَعَالَى ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يَعِدُهُمْ بِأَنْ يُجْزِلَ لَهُمْ الثَّوَابَ عَلَى حَسَنَاتهِمْ ، وَيُدْخِلَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ .
ووصل القلب بالله في السر والخفية ، وبالغيب الذي لا تطلع عليه العيون ، هو ميزان الحساسية في القلب البشري وضمانة الحياة للضمير . . فعَن أَنَسٍ ، قال : قالوا : يارسول الله إنا نكون عندك على حال فإذا فارقناك كنا على غيره قال : كيف أنتم وربكم ؟ قالوا : الله ربنا في السر والعلانية قال : ليس ذلكم النفاق.»(1).
فالصلة بالله هي الأصل . فمتى انعقدت في القلب فهو مؤمن صادق موصول .
-----------------
وقال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61) } [المؤمنون/57-61]
إٍِِنَّ الذينَ هُمْ ، مَعَ حَسَنَاتِهِمْ ، وَإِيْمَانِهِمْ ، وَعَمَلِهم الصَّالِحِ ، مُشْفِقُونَ خَائِفُونَ مِنَ اللهِ ، وَجِلُونَ مِنْ مَكْرِهِ بِهِمْ .
وَههُمْ يُؤْمِنُونَ بِآيَات رَبِّهمْ التِي نَصَبَها فِي الكَوْنِ ، فِي الأَنْفُسِ وَالآفَاقِ ، وَبِآيَاتِهِ التِي نَزَّلَهَا عَلَى رُسُلِهِ ، وَيُوقِنُونَ بِهَا ، لاَ يَعْتِرِيهِم شَكَ فِيهَا ، كَمَا يُوقِنُونَ بِأنَّ مَا كَانَ إِنَّمَا هُوَ عَنْ قَدَرِ اللهِ وَقَضَائِهِ .وَهُمْ يَعْبَدُونَ رَبَّهُمْ وَحْدَهُ ، وَلاَ يُشْرِكُونَ بِهِ شَيْئاً ، وَيُنَزِّهُونَه عَنِ الشِّرْكِ وَعَنِ الصَّاحِبَةِ والوَلَدِ .
وَهُمْ يَنْهَضُونَ بِالتَّكَالِيفِ والوَاجِبَاتِ المَفْرُوضَةِ عَلَيْهِمْ ، وَيُؤَدُّونَ الطَّاعَاتِ والنَّوَافِلَ ، وَيَشْعُرُونَ أَنَّهُمْ مُقَصِّرُونَ فِي جَانِبِ اللهِ تَعَالَى وَيَسْتَقِلَّونَ كُلَّ طَاعَةٍ إِلى جَانِبِ آلاَءِ اللهِ وَنِعَمِهِ ، وَيَخَافُونَ أَنْ لاَ تُقْبَلَ طَاعَاتُهُم لِخَوْفِهِمْ مِنَ أَنْ يَكُونُوا قَصَّرُوا فِي شُرُوطِ أَدَائِها ، لأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أنَّهُم رَاجِعُونَ إِِلَى رَبِهِّم ، وَسَيُحَاسِبُهُمْ وَسَيُحَاسِبُ جَمِيعَ الخَلْقِ عَلَى جَميعِ أًعْمَالِهمْ .
وَهَؤُلاءِ الذينَ جَمَعُوا هَذِهِ المَحَاسِنَ ، يَرْغَبُونَ فِي الطَّاعَاتِ أَشَدَّ الرَّغْبَةِ ، فَيُبَادرُونَهَا لِئلاَّ تَفُوتَهم إِذَا هُمْ مَاتُوا ، وَيَتَعَجَّلُونَ فِي الدَّنْيَا وُجُوهَ الخَيْرَاتِ العَاجِلَةِ التي وُعِدُوا بِهَا عَلَى الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ ، وَهُمْ يَرْغَبُونَ فِي الطَّاعَاتِ ، وَهُمْ لأَجْلِهَا سَابِقُونَ النَّاسَ إِلى الثَّوَابِ
وقال تعالى : {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35)} [المعارج/19-35]
إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ سَرِيعَ الانْفِعَالِ والتَّأَثُّرِ ، فَهُوَ شَدِيدُ الجَزَعِ ، إِذَا مَسَّهُ مَكْرُوهٌ ، كَثِيرُ المَنْعِ ، إِذَا نَزَلَتْ بِهِ نِعْمَةٌ .
ثُمَّ فَسَّرَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ والتِي بَعْدَهَا مَعْنَى قَوْلِهِ ( هَلُوعاً ) ، فَقَالَ : إِنَّ الإِنْسَانَ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ والضُّرُّ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ الحُزْنُ ، وَانْخَلَعَ قَلْبُهُ مِنْ شِدَّةِ الرُّعْبِ ، وَيَئِسَ مِنْ أَنْ يَصِلَ إِلَيهِ خَيْرٌ بَعْدَهَا أَبَداً .
وَإِذَا حَصَلَتْ لَهُ نِعْمَةٌ مِنَ اللهِ بَخِلَ بِهَا عَلَى غَيْرِهِ ، وَمَنَعَ حَقَّ اللهِ فِيهَا .
وَلاَ يَسْتَثْنِي اللهُ تَعَالَى مِنْ صِفَاتِ الإِنْسَانِ الذَمِيمَةِ ، التِي تَتَمَثَّلُ بِالهَلَعِ وَالجَزَعِ وَالمَنْعِ ، إِلاَّ المُؤْمِنِينَ الذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ إِلَى الخَيْرِ ، وَهُمْ المُصَلُّونَ .
الذِينَ يُحَافِظُونَ عَلَى أَدَاءِ الصَّلَوَاتِ فِي أَوْقَاتِهَا ، لاَ يَشْغَلُهُمْ عَنْهَا شَاغِلٌ ، وَفِي هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى فَضْلِ المُدَاوَمَةِ عَلَى العِبَادَةِ .
وَالذِينَ يَجْعَلُونَ فِي أَمْوَالِهِمْ نَصِيباً مُعَيَّناً يُنْفِقُونَهُ تَقَرُّباً مِنَ اللهِ ، وَطَلَباً لِمْرَضَاتِهِ .
يُنْفِقُونَهُ عَلَى ذَوِي الحَاجَاتِ والبَائِسِينَ الذِينَ يَسْأَلُونَهُمُ العَوْنَ .
وَالذِينَ يُؤْمِنُونَ بِيَوْمِ المَعَادِ وَالحِسَابِ فَيَعْمَلُونَ لَهُ وَتَظْهَرُ آثَارُ ذَلِكَ فِي أَفْعَالِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ وَتَصَرُّفَاتِهِمْ .
وَالذِينَ هُمْ خَائِفُونَ وَجِلُونَ مِنْ تَرْكِهِم الفُرُوضَ وَالوَاجِبَاتِ ، وَمِنِ ارْتِكَابِ المَحْظُورَاتِ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَباً فِي حِرْصِهِمْ عَلَى أَدَاءِ .
وَلاَ يَنْبَغِي لِعَاقِلِ أَنْ يَأَمَنَ عَذَابَ اللهِ ، وَإِنْ زَادَ فِي الطَّاعَاتِ ، وَلاَ يَأْمَنُهُ أَحَدٌ إِلاَّ بِأَمَانٍ مِنَ اللهِ .
والذِينَ يَكُفُّونَ أَنْفُسَهُمْ عَمَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النِّسَاءِ ، وَيَحْرِصُونَ عَلَى أَلاَّ يُقَارِفُوا مُحَرَّماً لَمْ يُبِحْهُ اللهُ لَهُمْ .
وَلاَ يَقْرَبُونَ إِلاَّ مَا أَحَلَّهُ اللهُ مِنْ أَزْوَاجٍ ، أَوْ مِنْ إِمَاءٍ يَمْلِكُونَهُنَّ ، فَإِنَّهُمْ لاَ يَأْثَمُونَ ، وَلاَ يُلاَمُونَ إِذَا أَتَوا نِسَاءَهُمْ وَإِمَاءَهُمْ .
وَمَنْ سَعَى إِلَى مُوَاقَعَةِ غَيْرِ مَنْ أَحَلَّهُنَّ اللهُ لَهُ مِنَ الأَزْوَاجِ وَالإِمَاءِ ، فَهُوَ مُعْتَدٍ عَلَى حُرُمَاتِ اللهِ ، مُتَجَاوِزٌ حُدُودَهُ .
وَالذِينَ إِذَا ائْتُمِنُوا عَلَى أَمَانَةٍ رَدُّوهَا إِلَى أَصْحَابِهَا ، وَلَمْ يَخُونُوا ، والذِينَ إٍِذَا عَاهُدُوا عَهْداً رَاعَوْهُ وَوَفَوْا بِهِ ، وَلَمْ يَغْدِرُوا ، وَلَمْ يَتَأَوَّلُوا .
وَالذِينَ يُؤَدُّونَ الشَّهَادَةَ ، إِذَا دُعُوا إِلَى أَدَائِهَا عِنْدَ الحُكَّامِ ، وَلاَ يَكْتمُونَهَا وَلاَ يُغَيِّرُونَهَا ، والشَّهَادَةُ أَمَانَةٌ مِنَ الأَمَانَاتِ التِي أَمَرَ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ بِأَدَائِهَا عَلَى الوَجْهِ الأَكْمَلِ والصَّحِيحِ .
والذِينَ يُحَافِظُونَ عَلَى أَدَاءِ صَلَواتِهِمْ فِي أَوْقَاتِهَا ، يُؤَدُّونَهَا حَقَّ أَدَائِهَا ، وَيُتمُّونَهَا بِرُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا ، وَخُشُوعِهَا ، وَيَجْتِهِدُونَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلاَةِ أَنْ يَسْتَبْعِدوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُلْهِيَهُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ ، وَفَهْمِ مَا يَقْرَؤُونَ مِنَ القُرْآنِ وَإِدْرَاكِ مَا يَفْعَلُونَ مِنْ ذِكْرِ اللهِ ، وَمِنْ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ .
وَهَؤُلاَءِ الذِينَ يَتَمَتَّعُونَ بِالصِّفَاتِ السَّالِفَةِ وَيَقُومُونَ بِالعِبَادَاتِ عَلَى الوَجْهِ الأَكْمَلِ كَمَا أَمَرَ اللهُ تَعَالَى يُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي جَنَّتِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ ، وَيُؤَمِّنُهُمْ مِنْ هَوْلِ الفَزَعِ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ ، وَيُكْرِمُهُمْ بِفَيْضٍِ مِنَ الكَرَامَاتِ التِي اخْتَصَّ اللهُ بِهَا عِبَادَهُ الصَّالِحِينَ المُخْلِصِينَ .
-----------------
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِى ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ الإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِى عِبَادَةِ رَبِّهِ ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِى الْمَسَاجِدِ ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِى اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّى أَخَافُ اللَّهَ . وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ »(2).
ــــــــــــــ
__________
(1) - مسند البزار(6904) حسن
(2) - صحيح البخارى(660 )(1/63)
اللهُ يغفر الذنوب
قال تعالى : { لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284) آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286) } [البقرة/284-286]
يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ أنَّهُ مَالِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ ، لا شَرِيكَ لَهُ فِي شَيءٍ مِنْهُنَّ ، وَأنَّهُ مُطَّلِعٌ عَلَى مَا فِيهنَّ ، لاَ تَخْفَى عَليهِ السَّرَائِرُ وَلاَ الظَّوَاهِرُ ، وَأنَّهُ سَيُحَاسِبُ عِبَادَهُ عَلَى مَا فَعَلُوهُ ، وَمَا أَخْفَوْهُ فِي صُدُورِهِمْ ، فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ ، وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَيءٍ ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .
يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِأنَّهُ صَدَّقَ بِمَا جَاءَهُ مِنَ الوَحْي ، وَآمَنَ بِمَا أَنْزَلَ إِليهِ مِنْ رَبِّهِ . وَالمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ كَذَلِكَ بِوُجُودِ اللهِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ وَتَمَامِ حِكْمَتِهِ فِي نِظَامِ خَلِيقَتِهِ ، وَيْؤْمِنُونَ بِوُجُودِ مَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ، وَيُصَدِّقُونَ بِجَميعِ الأَنْبياءِ وَالرُّسُلِ وَالكُتُبِ المُنَزَّلَةِ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى المُرْسَلِينَ وَالأنبِياءِ ، لا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الرُّسُلِ وَالأنبياءِ ، وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ جَمِيعاً صَادِقُونَ ، هَادُونَ إلى سَبيلِ الخَيْرِ ، وَإنْ كَانَ بَعْضُهُمْ يَنْسَخُ شَرِيعَةَ بَعْضٍ بِإذْنِ اللهِ . وَقَالُوا : سَمِعْنَا قَوْلَكَ يَا رَبَّنَا وَفَهِمْنَاهُ ، وَامْتَثَلْنَا لِلْعَملِ بِمُقْتَضَاهُ ، نَسْألُكَ المَغْفِرَةَ وَالرَّحْمَةَ وَإليكَ نَحْنُ صَائِرُونَ .
لاَ يُكَلِّفُ اللهُ أحَداً فَوْقَ طَاقَتِهِ ، وَهذا مِنْ لُطْفِ اللهِ بِخَلْقِهِ . وَللنَّفْسِ مَا كَسَبَتْ مِنْ خَيْرٍ . وَعَلَيهَا مَا اكْتَسَبَتْ مِنْ شَرٍّ ، مِنْ قَوْلٍ أوْ فِعْلٍ . وَأرْشَدَ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ إِلى دُعَائِهِ وَاسْتِرْحَامِهِ ، وَالضَّرَاعَةِ إليهِ ، وَذَلِكَ بِأنْ يَقُولُوا : رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إنْ تَرَكْنا فَرْضَنَا وَنَحْنُ نَاسُونَ أوِ ارْتَكَبْنَا مُحَرَّماً وَنَحْنُ نَاسُونَ أوْ مُخْطِئُونَ ، أوْ عَنْ جَهْلٍ بِوَجْهِهِ الشَّرْعِيِّ ، رَبَّنا وَلا تُكَلِّفْنا مِنَ الأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ وَإنْ أَطَقْنَاهَا ، كَمَا شَرَّعْتَهُ لِلأمَمِ السَّالِفَةِ مِنَ الأغْلاَلِ وَالآصَارِ ، رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ مِنَ التَّكْلِيفِ وَالمَصَائِبِ وَالبَلاَءِ ، وَاعْفُ عَنَّا فِيمَا بَيْنَنا وَبَيْنَكَ وَاغْفِرْ لَنَا فِيمَا بَيْنَنا وَبَيْنَ العِبَادِ ، فَلاَ تُظْهِرْهُمْ عَلَى أَعْمَالِنا القَبِيحَةِ وَمَسَاوئِنا ، وَارْحَمْنَا لِكَيْلاَ نَقَعَ مُسْتَقْبَلاً فِي ذَنبِ ، أنْتَ وَلِيُّنا وَمَوْلاَنا ، فَانْصُرْنا عَلَى القَوْمِ الذِينَ كَفَرُوا بِكَ ، وَجَحَدُوا دِينك .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (للهِ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى صَحَابَةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَأَتَوْا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، ثُمَّ جَثَوْا عَلَى الرُّكَبِ ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، كُلِّفْنَا مِنَ الأَعْمَالِ مَا نُطِيقُ ، الصَّلاَةَ ، وَالصِّيَامَ ، وَالجِهَادَ ، وَالصَّدَقَةَ ، وَقَدْ أُنْزِلَ عَلَيْكَ هَذِهِ الآيَةُ وَلاَ نُطِيقُهَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْلِكُمْ : سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا ؟ بَلْ قُولُوا : (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) فَقَالُوا : (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) فَلَمَّا أَقَرَّ بِهَا الْقَوْمُ ، وَذَلَّتْ بِهَا أَلْسِنَتُهُمْ ، أَنْزَلَ اللهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، فِي إِثْرِهَا : (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) (قَالَ عَفَّانُ : قَرَأَهَا سَلاَّمٌ أَبُو الْمُنْذِرِ : يُفَرِّقُ) ، وَقَالُوا : (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ نَسَخَهَا اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِقَوْلِهِ : (لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) فَصَارَ لَهُ مَا كَسَبَتْ مِنْ خَيْرٍ ، وَعَلَيْهِ مَا اكْتَسَبَتْ مِنْ شَرٍّ ، فَسَّرَ الْعَلاَءُ هَذَا ، (رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) قَالَ : نَعَمْ (رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا) قَالَ : نَعَمْ (رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ) قَالَ : نَعَمْ (وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلاَنَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)(1).
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِى أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) قَالَ دَخَلَ قُلُوبَهُمْ مِنْهَا شَىْءٌ لَمْ يَدْخُلْ قُلُوبَهُمْ مِنْ شَىْءٍ فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « قُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَسَلَّمْنَا ». قَالَ فَأَلْقَى اللَّهُ الإِيمَانَ فِى قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ( لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) قَالَ قَدْ فَعَلْتُ (رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا) - قَالَ قَدْ فَعَلْتُ (وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلاَنَا) قَالَ قَدْ فَعَلْتُ(2).
ــــــــــــــ
__________
(1) - صحيح مسلم (344 )
(2) - صحيح مسلم(345 )(1/64)
تقوى الله
قال تعالى : {يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (29) سورة الأنفال
يُخْبِرُ تَعَالَى النَّاسَ أَنَّهُمْ إِذَا آمَنُوا بِهِ وَاتَّقُوا ، فَاتَّبَعُوا أَوَامِرَهُ ، وَانْتَهُوا عَنْ زَوَاجِرِهِ ، جَعَلَ لَهُمْ مِنْ أَمْرِهِمْ فَرَجاً ، وَمِنْ ضِيقِهِمْ مَخْرَجاً ، وَجَعَلَ لَهُمْ نُوراً وَهُدًى ( فُرْقَاناً ) يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ ، وَبَيْنَ الخَيْرِ وَالشَّرِّ ، وَكَفَّر عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ ، وَغَفَرَ ذُنُوبَهُمْ ، وَاللهُ عَظِيمُ الفَضْلِ وَالإِحْسَانِ ، جَزِيلُ الثَّوَابِ ، يُثيبُ عَلَى القَلِيلِ ، وَيَتَجَاوَزُ عَنِ الكَثِيرِ .
ــــــــــــــ(1/65)
إذا انتهى الكفار عن كفرهم
قال تعالى : {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ} (38) سورة الأنفال
قُلْ ، أيُّها الرَّسُولُ ، لِهَؤُلاَءِ الكَافِرِينَ : إِنَّهُمْ إِنْ يَنْتَهُوا عَنْ أَعْمَالِهِمِ السَّيِّئَةِ ، وَعَما هُمْ فِيهِ مِنَ الكُفْرِ وَالمُشَاقَّةِ وَالعِنَادِ ، وَيَدْخُلُوا فِي الإِسْلاَمِ وَالطَّاعَةِ ، يَغْفِرِ اللهُ مَا قَدْ سَلَفَ مِنْ كُفْرِهِمْ وَذُنُوبِهِمْ وَخَطَايَاهُمْ ، أمَّا إذا اسْتَمَرُّوا عَلَى مَا هُمْ فِيهِ ، وَعَادُوا إلى المُشَاقَّةِ وَالحَرْبِ وَالخِصَامِ ، فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ اللهِ فِي الكُفَّارِ مِنْ قُرَيْشٍ وَمَنْ سَبَقَهُمْ مِنَ الأُمَمِ بِأنَّ مَصِيرَهُمْ سَيَكُونُ إلى الدَّمَارِ وَالخِذْلانِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيا ، وَبَعْدَ ذَلِكَ يَصِيرُونَ إلى نَارِ جَهَنَّمَ ، وَإِلَى الذُّلِّ وَالصَّغَارِ فِي الآخِرَةِ .
ــــــــــــــ(1/66)
وعد أسرى بدر إذا كانوا مسلمين حقًّا بمغفرة ذنوبهم
قال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (70) وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (71) } [الأنفال/70، 71]
وَقَعَ العَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ أَسِيراً فِي أَيْدِي أُنَاسٍ مِنَ الأَنْصَارِ ، فَتَوَعَّدُوهُ بِالقَتْلِ . فَحَزِنَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِذَلِكَ . فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ أَأَذْهَبُ إِلَيْهِمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ : نَعَمْ . فَذَهَبَ عُمَرُ إِلَيْهِم ، وَلَكِنَّهُمْ رَفَضُوا تَسْلِيمَهُ إِلَيهِ ، فَقَالَ لَهُمْ أَوَلَوْ كَانَ لِرَسُولِ اللهِ رِضاً فِي ذَلِكَ؟ فَقَالُوا : إِنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَضِيَ فَخُذْهُ . فَعَرَضَ عَلَيْهِ الرَّسُولُ أَنْ يَفْدِي نَفْسَهُ ، وَيَفْدِي ابْنَيْ أَخِيْهِ نَوْفَلاً وَعَقِيلاً ، وَحَلِيفاً لَهُ . فَتَعَلَّلَ العبَّاسُ بِأَنَّهُ لاَ يَمْلِكُ مَا يَكْفِي مِنَ المَالِ .
فَقَالَ لَهُ الرَّسُولُ - صلى الله عليه وسلم - : أَلَمْ تَتْرُكْ عِنْدَ زَوْجَتِكَ أُمَّ الفَضْلِ مَالاً دَفَنْتُمَاهُ فِي الأَرْضِ؟ قَالَ نَعَمْ . وَإِنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ . فَدَفَعَ عِشْرِينَ أُوْقِيَّةً مِنَ الذَّهَبِ . وَقَالَ لِلرَّسُولِ كُنْتُ مسلماً . فَقَالَ لَهُ الرَّسُولُ : اللهَ أَعْلَمُ بِإِسْلاَمِكَ ، فَإِنْ يَكُنْ كَمَا تَقُولُ ، فَإِنَّ اللهَ يَجْزِيكَ . فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ . وَيَقُولُ العَبَّاسُ : إِنَّ اللهَ آتَاهُ خَيْراً مِمَّا أَخَذَ مِنْهُ مِئَةَ ضِعْفٍ ، وَإِنَّهُ لَيَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ غَفَرَ لَهُ .
وَمَعْنَى الآيَةِ : إِنْ يَكُنْ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرٌ يَعْلَمُهُ اللهُ ، يُعَوِّضْكُمْ خَيراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ ، وَيَغْفِرْ مَا كَانَ مِنْكُمْ مِنَ الشِّرْكِ وَالسَيِّئَاتِ .
وَقَالَ بَعْضَ أُسْرَى بَدْرٍ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : آمَنَّا بِمَا جِئْتَ بِهِ وَنَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ ، وَلَنَنْصَحَنَّ لَكَ عَلَى قَوْمِنَا . فَقَالَ اللهُ تَعَالَى لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : إنْ كَانُوا يُرِيدُونَ خِيَانَتَكَ فِيمَا أَظْهَرُوهُ لَكَ مِنَ الأَقْوَالِ ، فَقَدْ خَانُوا اللهَ قَبْلَ بَدْرٍ بِكُفْرِهِمْ بِهِ ، فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ ، وَأَظْفَرَكُمْ بِهِمْ ، وَجَعَلَهُمْ فِي جُمْلَةِ الأَسْرَى ، وَاللهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُ ، حَكِيمٌ فِيهِ .
ــــــــــــــ(1/67)
الإيمان يكفِّرُ الذنوب والآثام
قال تعالى : { فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70) قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71) قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73) إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (76) } [طه/70-76]
وَلَمَّا عَايَنَ السَّحَرَةُ ذَلِكَ وَشَاهَدُوهُ ، وَهُمْ أَصْحَابُ الخِبْرَةِ بِفُنُونِ السِّحْرِ ، وَطُرُقِهِ ، عَلِمُوا عِلْمَ اليَقِينِ أَنَّ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ السِّحْرِ وَالحِيَلِ ، وَأَنَّهُ حَقٌّ لاَ مِرْيَةَ فِيهِ ، وَلاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ غَيْرُ اللهِ وَحْدَهُ ، وَحِينَئِذٍ وَقَعُوا سَاجِدِينَ للهِ ، وَقَالُوا : آمَنَّا بِرَبِّ العَالَمِينَ ، رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ .
وَلَمَّا صَالَ عَلَيْهِمْ فِرْعَوْنُ وَتَوَعَّدَهُمْ ، هَانَتْ عَلَيْهِمْ نُفُوسُهُمْ فِي اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَقَالُوا لَهُ : لَنْ نَخْتَارَكَ عَلَى رَبِّنَا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ، وَخَالِقُنَا وَخَالِقُ كُلِّ شَيءٍ مِنْ عَدَمٍ ، فَهُوَ المُسْتَحِقُّ وَحْدَهُ العِبَادَةَ لاَ أَنْتَ ، فَافْعَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ لاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَفْعَلَ شَيْئاً إِلاَّ فِي هَذِهِ الدَّارُ الدُّنْيَا ، وَهِيَ دَارٌ زَائِلَةٌ فَانِيَةٌ ، وَنَحْنُ قَدْ رَغْبِنَا فِي دَارِ القَرَارِ ، الدَّارِ الأخِرَةِ .
وَتَابَعَ السَّحَرَةُ وَعْظَهُمْ لِفِرْعَوْنَ وَهُمْ يُحَذِّرُونَهُ مِنْ نَقْمَةِ اللهِ ، وَعَذَابِهِ الدَّائِمِ ، وَيُرَغِّبُونَهُ فِي ثَوَابِهِ الأَبَدِيِّ المُخَلَّدِ ، فَقَالُوا لَهُ : إِنَّهُ مَنْ يَأْتِي رَبَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ ، وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ ، فَإِنَّ اللهَ قَدْ أَعَدَّ لَهُ نَارُ جَهَنَّمَ جَزَاءً لَهُ ، وَكَانَ مُخَلَّداً فِيهَا ، وَلاَ يَمُوتُ فِيهَا مِيتَةً مُرِيحَةً فَيَرْتَاحُ " ، وَلاَ يَحْيَا حَيَاةً مُمْتِعَةً يُسَرُّ بِهَا .
وَهَذِهِ الدَّرَجَاتُ العُلاَ ، هِيَ جَنَّاتُ إِقَامَةٍ ( عَدْنٍ ) ، تَنْسَابُ فِيهَا الأَنْهَارُ ، وَيَبْقَوْنَ فِيهَا مَاكِثِينَ أَبَداً ، وَهَذا جَزَاءُ مَنْ طَهَّرَ نَفْسَهُ مِنَ الدَّنَسِ وَالخُبْثِ وَالشِّرْكِ ، وَعَبَدَ اللهَ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَاتَّبَعَ المُرْسَلِينَ فِيمَا جَاؤُوا بِهِ .
----------------
وقال تعالى : { فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46) قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48) قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49) قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (50) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (51)} [الشعراء/46-51]
وعَلِمَ السَّحَرَةُ أنَّ مَا أتَى بهِ مُوسَى لَيْسَ سِحْراً ، لأنَّهُ لوَ كانَ سِحْراً لَما غَلَبَهُمْ ، وهُمْ جُمُوعٌ من السَّحَرةِ ، لهمْ بالسحْرِ علمٌ وَمَعْرِفَةٌ ، وأيْقَنُوا أَنَّ أتَى بهِ مُوسى هوَ الحَقُّ من عندِ اللهِ تَعالى فَخَرُّوا على وُجُوهِهِمْ سَاجِدينَ للهِ ربِّ العالَمينَ ، تَائِبينَ مُسْتَغفرينَ رَبَّهُمْ على مَا كَانَ مِنْهُمْ مِنْ سِحرٍ وكُفْرٍ ، ورَغْبَةٍ في مُعَارَضَةِ الحَقِّ مِنْ عندِ اللهِ بِسْحْرِهِمْ .
وقالُوا : آمَنَّا بربِّ العالِمين الذيْ دَعا موسَى فِرعَونَ إلى عبادَتِهِ حينَما جاءَهُ ، وأعْلَنُوا إيْمَانَهُمْ أمامَ فرعونَ ومَلئِهِ .
ثمَّ بَيَّنُوا أنَّ ربَّ العالمينَ الذيْ آمنُوا بهِ هوَ ربُّ مُوسَى وهَارُونَ ، ومؤيِّدُهُما بنصْرِهِ .
فشعَرَ فرعَونُ أنُه غُلِبَ عَلَى أمْرِه غَلْباً كَبيراً أمامَ شَعْبِهِ ومَلَئِهِ وسَحَرَتِهِ ، فَعَدَلَ إلى المُكَابَرَة والعِنَادِ ، ودَعْوَى الباطِلِ ، فشرَعَ يَتَهَدَّدُ السحرةَ وَيَتَوَعَّدُهُمْ ، ويقولُ لَهُمْ : إنَّ مُوسى هو كبيرُهُم ، وهو الذي عَلَّمَهُمُ السِّحْرَ ، وإنهُمْ تَوَاطُؤوا معهُ ليظْهَرَ عليهمْ أمامَ النَّاسِ فيتَّبِعُوه .
وقالَ لَهُمْ فرعونُ : كيفَ تؤمنونَ لهُ قبلَ أن تسْتَأذنُونِي في ذلكَ؟ وقبلَ أنْ أسْمَحَ لكُمْ بهِ؟ ثمّ تَوَعَّدَهمْ بقطعِ أيدِيهمْ وأَرجُلهمْ بصُورةٍ مُتَخَالِفةٍ فإِذا قَطَعَ اليدَ اليُمنى قطعَ الرجلَ اليسرى ، وبأَنَّهُ سَيَصْلِبُهُم جَميعاً على جُذوع النَّخلِ .
فقالُوا لهُ : لا حَرَجَ علينا ولا بأسَ في ذلك ، وهوَ لا يَضُرُّنا ولا نُبالي بِهِ ، فإنَّنا راجِعُون إلى ربِّنا ، وهو تَعالى لا يُضيعُ أجرَ المُحْسنين ، لا ضَيْرَ علينا - لا ضَرَرَ علينا فيما يُصِيبُنا .
وإنَّنا نَطمعُ في أَنْ يَغفِرَ لنا رَبُّنا ذنُوبَنَا وما اقْتَرفْنَاه في حياتِنَا الماضيةِ من الخَطَايا ، وما أكْرَهْتَنَا عليه من السِّحرِ ، إذْ كُنَّا أولَ من آمنَ من قومِك بمُوسى ورسالَتِه انْقِياداً للحقِّ ، وإعْرَاضاً عن زُخْرُفِ الدُّنيا وزينَتِها .
وعَنْ رَاشِدٍ مَوْلَى حَبِيبِ بْنِ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ قَالَ : حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ مِنْ فِيهِ إِلَى فِيَّ قَالَ : لَمَّا انْصَرَفْنَا مِنَ الْأَحْزَابِ عَنِ الْخَنْدَقِ ، جَمَعْتُ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ كَانُوا يَرَوْنَ مَكَانِي وَيَسْمَعُونَ مِنِّي ، فَقُلْتُ لَهُمْ : تَعْلَمُونَ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَى أَمْرَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْلُو الْأُمُورَ عُلُوًّا كَبِيرًا مُنْكَرًا ، وَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ أَمْرًا فَمَا تَرَوْنَ فِيهِ ؟ قَالُوا : وَمَا رَأَيْتَ ؟ قُلْتُ : رَأَيْتُ أَنْ نَلْحَقَ بِالنَّجَاشِيِّ فَنَكُونَ عِنْدَهُ ، فَإِنْ ظَهَرَ مُحَمَّدٌ عَلَى قَوْمِنَا كُنَّا عِنْدَ النَّجَاشِيِّ ، فَإِنَّا أَنْ نَكُونَ تَحْتَ يَدَيْهِ أَحَبَّ إِلَيْنَا مِنْ أَنْ نَكُونَ تَحْتَ يَدَيْ مُحَمَّدٍ ، وَإِنْ ظَهَرَ قَوْمُنَا فَنَحْنُ مَنْ قَدْ عُرِفُوا ، فَلَنْ يَأْتِيَنَا مِنْهُمْ إِلَّا خَيْرٌ . قَالُوا : إِنَّ هَذَا الرَّأْيُ . قَالَ : قُلْتُ لَهُمْ : فَاجْمَعُوا لِي مَا يُهْدَى ، وَكَانَ أَحَبُّ مَا يُهْدَى إِلَيْهِ مِنْ أَرْضِنَا الْأَدَمَ ، فَجَمَعْنَا لَهُ أَدَمًا كَثِيرًا ، ثُمَّ خَرَجْنَا حَتَّى قَدِمْنَا عَلَيْهِ ، فَوَاللَّهِ إِنَّا لَعِنْدَهَ إِذْ جَاءَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمَرِيُّ ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ بَعَثَهُ إِلَيْهِ فِي شَأْنِ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ ، فَلَمَّا دَخَلَ إِلَيْهِ وَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ : فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي : هَذَا عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ لَوْ قَدْ دَخَلْتُ عَلَى النَّجَاشِيِّ وَسَأَلْتُهُ إِيَّاهُ فَأَعْطَانِيهِ ، فَضَرَبْتُ عُنُقَهُ ، فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنِّي قَدْ أَجْزَأْتُ عَنْهَا حِينَ قَتَلْتُ رَسُولَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . قَالَ : فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَسَجَدْتُ لَهُ كَمَا كُنْتُ أَصْنَعُ ، فَقَالَ : مَرْحَبًا بِصَدِيقِي ، أَهْدَيْتَ لِي مِنْ بِلَادِكَ شَيْئًا ؟ قَالَ : قُلْتُ : نَعَمْ ، أَيُّهَا الْمَلِكُ ثُمَّ قُلْتُ : أَيُّهَا الْمَلِكُ لَقَدْ أَهْدَيْتُ لَكَ أُدْمًا كَثِيرًا ، ثُمَّ قَدَّمْتُهُ إِلَيْهِ ، فَأَعْجَبَهُ وَاشْتَهَاهُ ثُمَّ قُلْتُ : أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنِّي رَأَيْتُ رَجُلًا خَرَجَ مِنْ عِنْدِكَ وَهُوَ رَسُولُ رَجُلٍ عَدُوٍّ لَنَا ، فَأَعْطِنِيهِ فَأَقْتُلَهُ ; فَإِنَّهُ قَدْ أَصَابَ مِنْ أَشْرَافِنَا وَخِيَارِنَا . قَالَ : فَغَضِبَ ، وَمَدَّ يَدَهُ وَضَرَبَ بِهَا أَنْفَهُ ضَرْبَةً ظَنَنْتُ أَنَّهُ قَدْ كَسَرَهُ ، فَلَوِ انْشَقَّتْ لِيَ الْأَرْضُ لَدَخَلْتُ فِيهَا فَرَقًا مِنْهُ . ثُمَّ قُلْتُ : أَيُّهَا الْمَلِكُ ، وَاللَّهِ لَوْ ظَنَنْتُ أَنَّكَ تَكْرَهُ هَذَا مَا سَأَلْتُهُ . قَالَ : تَسْأَلُنِي أَنْ أُعْطِيَكَ رَسُولَ رَجُلٍ يَأْتِيهِ النَّامُوسُ الْأَكْبَرُ الَّذِي كَانَ يَأْتِي مُوسَى لِتَقْتُلَهُ ؟ قَالَ : قُلْتُ : أَيُّهَا الْمَلِكُ ، أَكَذَاكَ هُوَ ؟ قَالَ : وَيْحَكَ يَا عَمْرُو ! أَطِعْنِي وَاتَّبِعْهُ; فَإِنَّهُ وَاللَّهِ لَعَلَى الْحَقِّ ، وَلَيَظْهَرَنَّ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ كَمَا ظَهَرَ مُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ . قَالَ : فَتُبَايِعُنِي لَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَبَسَطَ يَدَهُ ، وَبَايَعَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ . ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى أَصْحَابِي وَقَدْ حَالَ رَأْيِي عَمَّا كُنْتُ عَلَيْهِ ، وَكَتَمْتُ أَصْحَابِي إِسْلَامِي ، ثُمَّ خَرَجْتُ عَامِدًا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَقِيتُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَكَانَ قُبَيْلَ الْفَتْحِ وَهُوَ مُقْبِلٌ مِنْ مَكَّةَ ، فَقُلْتُ : يَا أَبَا سُلَيْمَانَ قَالَ : وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَقَامَ الْمَيْسَمُ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ نَبِيٌّ ، اذْهَبْ فَأَسْلِمْ ، فَحَتَّى مَتَى ؟ قَالَ : قُلْتُ : وَاللَّهِ مَا جِئْتُ إِلَّا لِأُسْلِمَ قَالَ : فَقَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَقَدَّمَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَأَسْلَمَ وَبَايَعَ ، ثُمَّ دَنَوْتُ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي أُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ تَغْفِرَ لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي وَلَا أَذْكُرُ مَا تَأَخَّرَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " يَا عَمْرُو ، بَايِعْ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ ، وَإِنَّ الْهِجْرَةَ تَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهَا " . قَالَ : فَبَايَعْتُهُ ثُمَّ انْصَرَفْتُ . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ : وَقَدْ حَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ : أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ بْنَ أَبِي طَلْحَةَ كَانَ مَعَهُمَا أَسْلَمَ حِينَ أَسْلَمَا . رَوَاهُ أَحْمَدُ(1).
ــــــــــــــ
__________
(1) - مسند أحمد(18251و18288 و18304) حسن(1/68)
العفو والصفح يغفر الذنوب
قال تعالى : {وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (22) سورة النور
وَلاَ يَحْلِفِ القَادِرُونَ مِنْكُم عَلَى الإِنْفَاقِ والإِحْسَانِ ( أُولُوا الفَضْلِ ) ، والذينَ يَجِدُونَ سَعَةً فِي الرِّزْقِ ، عَلَى أَنْ لاَ يَصِلُوا أَقْرَبَاءَهُمْ المَسَاكِينَ والمَهَاجِرِينَ ، وَلَيَصْفَحُوا عَنْهُم ، وَلْيَعْفُوا عَمَّا تَقَدَّمَ مِنْهُمْ مِنْ الإِسَاءَةِ والأَذَى ، فَاللهُ تَعَالَى يَجْزِيهِمْ بِصَفْحِهِمْ عَنْ أَذَى ذَوِي قُرْبَاهُمْ المَسَاكِينَ ، وَعَلَى إِحْسَانِهِمْ إِلَيْهِمْ ، بالعَفُوِ والمَغْفِرَةِ . فَإِذَا كُنْتُمْ تُحِبُّونَ أَنْ يَعَفُو رَبُّكُم عَنْ سَيِّئَاتِكُم ، فَافْعَلُوا مَعَ المُسِيءِ إِلَيْكُم مِثْلَمَا تُحِبُّونَ أَنْ يَفْعَلَ بِكُمْ رَبُّكُم ، وَتَأَدَّبُوا بِأَدَبِهِ تَعَالَى ، فَهُوَ وَاسِعُ المَغْفِرَةِ والرَّحْمَةِ .
نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ حِينَمَا أَقْسَمَ عَلَى أَنْ لاَ يُنْفِقَ عَلَى ابنِ خَالَتِهِ مِسْطَحِ بنِ أُثَاثَةَ ، وَهُوَ مِنْ فُقَرَاءِ المُهاجِرِينَ لِمَا خَاضَ فِيهِ مِنْ حَدِيثِ الإِفْكِ ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ :( بَلَى وَاللهِ إِنَّا نُحِبُّ أًَنْ تَغْفِرَ لَنَا يَا رَبّ) . ثُمَّ عَادَ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِنْفَاقِ عَلَى مِسْطَحٍ )(1).
ــــــــــــــ
__________
(1) - تفسير الطبري - (ج 19 / ص 127) وتفسير ابن كثير - (ج 6 / ص 23) وصحيح البخارى (4750)(1/69)
تقوى الله والقول السديد
قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) } [الأحزاب/70-71]
يَا أَيُّها الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلاَ تَعْصُوهُ ، وَقُولُوا فِي المُؤْمِنينَ قَوْلاً حَقّاً لاَ بَاطِلَ فيهِ ، وَلا جَوْرَ عَنِ الصَوَابِ .
وَمَنْ يُؤْمِنْ باللهِ وَيَتَّقِهِ ، وَيَقُلِ القَوْلَ المُنْصِفَ السَّديدَ ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالى يُوفِّقُهُ إِلى صَالِحِ الأَعْمَالِ ، وَيُسَدِّدُ خُطَاهُ فِي مَسِيرَتِهِ ، وَيَغْفِرُ لَهُ ذُنُوبَهُ . وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَيَعْمَلْ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ ، وَيَنْتَهِ عَمَّا نَهَاهُ عَنْهُ ، فَقَدْ ظَفِرَ بِالمَثُوبَةِ والكَرَامَةِ يومَ الحِسَابِ { فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } .
والطاعة بذاتها فوز عظيم . فهي استقامة على نهج الله . والاستقامة على نهج الله مريحة مطمئنة . والاهتداء إلى الطريق المستقيم الواضح سعادة بذاته ، ولو لم يكن وراءه جزاء سواه . وليس الذي يسير في الطريق الممهود المنير وكل ما حوله من خلق الله يتجاوب معه ويتعاون كالذي يسير في الطريق المقلقل المظلم وكل ما حوله من خلق الله يعاديه ويصادمه ويؤذيه!
فطاعة الله ورسوله تحمل جزاءها في ذاتها؛ وهي الفوز العظيم ، قبل يوم الحساب وقبل الفوز بالنعيم . أما نعيم الآخرة فهو فضل زائد على جزاء الطاعة . فضل من كرم الله وفيضه بلا مقابل . والله يرزق من يشاء بغير حساب(1).
ــــــــــــــ
__________
(1) - في ظلال القرآن - (ج 6 / ص 102)(1/70)
أرجى آية للمذنبين
قال تعالى : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) } [الزمر/53-56]
يَدْعُو اللهُ تَعَالَى العُصَاةَ والكَفَرَةَ والمُسْرِفِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِتَجَاوَزِ حُدُودِ مَا شَرَعَ اللهُ ، إِلَى التَّوْبَةِ والإِنَابَةِ إِلَيهِ تَعَالَى ، وَيُخْبِرُهُمْ بِأَنَّهُ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً لِمَنْ تَابَ وَأَنَابَ ، وَرَجَعَ عَمَّا كَانَ فِيهِ مِنَ الكُفْرِ والعِصْيَانِ والإِسْرَافِ فِي الأَمْرِ ، إِلَى الإِيْمَانِ والطَّاعَةِ لأَنَّ اللهَ تَعَالَى هُوَ الغَفُورُ وَهُوَ الرَّحِيمُ .
وَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَجَاءَ اللهُ تَعَالَى بِقَومٍ يُذْنِبُونَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ " . أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ(1)
وعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَكَرُوا الذُّنُوبَ وَمَا يُقَارِفُونَ مِنْهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّكُمْ أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَجَاءَ اللَّهُ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ ثُمَّ يَغْفِرُ لَهُمْ "(2)
وعَنْ أَبِي أَيُّوبَ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : لَوْلا أَنَّكُمْ تُذْنِبُونَ ، لَخَلَقَ اللَّهُ خَلْقًا يُذْنِبُونَ يَغْفِرُ لَهُمْ .وفي رواية : لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَجَاءَ اللَّهُ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ وَيَغْفِرُ لَهُمْ(3).
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : لَوْ أَنَّ الْعِبَادَ لَمْ يُذْنِبُوا ، لَخَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَلْقًا يُذْنِبُونَ ، ثُمَّ يَغْفِرُ لَهُمْ ، وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ"(4).
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَخْطَأْتُمْ حَتَّى تَمْلأَ خَطَايَاكُمْ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ، ثُمَّ اسْتَغْفَرْتُمُ اللَّهَ يَغْفِرُ لَكُمْ ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُخْطِئُوا لَجَاءَ اللَّهُ بِقَوْمٍ يُخْطِئُونَ ثُمَّ يَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ"(5).
وَيَسْتَحِثُّ اللهُ تَعَالَى الذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ إِلَى المُسَارَعَةِ إِلَى التَّوْبَةِ ، وَيَقُولُ لَهُم : ارْجِعُوا إِلَى رَبِّكُمْ بِالتَّوْبَةِ ، والعَمَلِ الصَّالِحِ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ بِكُمْ نِقَمُهُ ، وَقَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ بِكُمُ العَذَابُ ، وَحِينَئِذٍ لاَ تَجِدُونَ مَن ْيَنْصُرُكُمْ مِنْ بَأَسِ الله . وَلاَ مَنْ يَدْفَعُ عَنْكُمْ عَذَابَهُ .
ثُمَّ يَأَمُرُ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِاتِّبَاعِ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ ( وَهُوَ أَحْسَنُ مَا أَنْزَلَ اللهُ إِلَى عِبَادِهِ ) ، وَبِاجْتِنَابِ مَا نَهَاهُمْ عَنْهُ ، مِنْ قَبلِ أَنْ يَنْزِلَ بِهِم العَذَاب فَجْأَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ، وَلاَ يَنْتَظِرُونَ وَقُوعَهُ حِينَ يَغْشَاهُمْ
يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِالإِيمَانِ وبِالرُّجُوعِ إِلَيهِ تَعَالَى لِكَيلاَ يَأْتِيَ يَومُ القَيَامَةِ ، فَتَقُولَ بَعْضُ الأَنْفُسِ حِينَ تَرَى صِدْقَ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلَ : يَا حَسْرَتِي عَلَى تَقْصِيرِي فِي طَاعَةِ اللهِ تَعَالَى ، وَعَلى سُخْرِيتِي وَاسْتِهْزَائِي بِرَسُولِ اللهِ ، وَبَمَا جَاءَنِي بِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ .
إنها الرحمة الواسعة التي تسع كل معصية . كائنة ما كانت وإنها الدعوة للأوبة . دعوة العصاة المسرفين الشاردين المبعدين في تيه الضلال . دعوتهم إلى الأمل والرجاء والثقة بعفو الله . إن الله رحيم بعباده . وهو يعلم ضعفهم وعجزهم . ويعلم العوامل المسلطة عليهم من داخل كيانهم ومن خارجه . ويعلم أن الشيطان يقعد لهم كل مرصد . ويأخذ عليهم كل طريق . ويجلب عليهم بخيله ورجله . وأنه جاد كل الجد في عمله الخبيث! ويعلم أن بناء هذا المخلوق الإنساني بناء واه . وأنه مسكين سرعان ما يسقط إذا أفلت من يده الحبل الذي يربطه والعروة التي تشده . وأن ما ركب في كيانه من وظائف ومن ميول ومن شهوات سرعان ما ينحرف عن التوازن فيشط به هنا أو هناك؛ ويوقعه في المعصية وهو ضعيف عن الاحتفاظ بالتوازن السليم . .
يعلم الله سبحانه عن هذا المخلوق كل هذا فيمد له في العون؛ ويوسع له في الرحمة؛ ولا يأخذه بمعصيته حتى يهيء له جميع الوسائل ليصلح خطأه ويقيم خطاه على الصراط . وبعد أن يلج في المعصية ، ويسرف في الذنب ، ويحسب أنه قد طرد وانتهى أمره ، ولم يعد يقبل ولا يستقبل . في هذه اللحظة لحظة اليأس والقنوط ، يسمع نداء الرحمة الندي اللطيف : { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله . إن الله يغفر الذنوب جميعاً . إنه هو الغفور الرحيم } . .
وليس بينه وقد أسرف في المعصية ، ولج في الذنب ، وأبق عن الحمى ، وشرد عن الطريق ليس بينه وبين الرحمة الندية الرخية ، وظلالها السمحة المحيية . ليس بينه وبين هذا كله إلا التوبة . التوبة وحدها . الأوبة إلى الباب المفتوح الذي ليس عليه بواب يمنع ، والذي لا يحتاج من يلج فيه إلى استئذان : { وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون .
الإنابة . والإسلام . والعودة إلى أفياء الطاعة وظلال الاستسلام . . هذا هو كل شيء . بلا طقوس ولا مراسم ولا حواجز ولا وسطاء ولا شفعاء !
إنه حساب مباشر بين العبد والرب . وصلة مباشرة بين المخلوق والخالق . من أراد الأوبة من الشاردين فليؤب . ومن أراد الإنابة من الضالين , فلينب . ومن أراد الاستسلام من العصاة فليستسلم . وليأت . . ليأت وليدخل فالباب مفتوح . والفيء والظل والندى والرخاء:كله وراء الباب لا حاجب دونه ولا حسيب !
وهيا . هيا قبل فوات الأوان . هيا (من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون) . . فما هنالك من نصير . هيا فالوقت غير مضمون . وقد يفصل في الأمر وتغلق الأبواب في أية لحظة من لحظات الليل والنهار . هيا .
ــــــــــــــ
__________
(1) - مسند أحمد(2675) ومصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 180)(35342) صحيح لغيره
(2) - الدعاء للطبراني -العلمية - (ج 1 / ص 509)( 1803 ) حسن لغيره
(3) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 4 / ص 212)(3893) صحيح لغيره
(4) - المستدرك للحاكم(7623) صحيح لغيره
(5) -مسند أبي يعلى الموصلي (4226) والصحيحة (1951) صحيح لغيره(1/71)
إجابة داعي الله
قال تعالى : {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (31) سورة الأحقاف
وَتَابَعَ النَّفْرُ مِنَ الجِنِّ نُصْحَهُمْ لِقَومِهِمْ فَقَالُوا : يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا رَسُولَ اللهِ مُحَمَّداً الذِي يَدْعُوكُم إِلى الإِيمَانِ بِرَبِّكُمْ ، والإِخْلاَصِ في طَاعَتِهِ ، وَصَدِّقُوه فِيما جَاءَ بِهِ مِنْ أَمْرٍ وَنَهْيٍ ، يَغْفِرْ لَكُمْ رَبًُّكُمْ مَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيَقِكُمْ مِنْ عَذَابِهِ الأَلِيمِ .
وَمَنْ لَمْ يَسْتَجِبْ إِلى مَا يَدْعُو إِليهِ رَسُولُ اللهِ مِنَ الإِيمَانِ باللهِ وَحْدَه لا شرِيكَ لَهُ ، وَالإِخلاصِ في العَمَلِ ، فَإِنَّهُ لا يَسْتَطِيعُ الإِفلاتَ مِنْ عِقَابِ رَبِّهِ إِذا أَرَادَ عُقُوبَتَهُ ، وَلاَ يَجدُ لهُ مَنْ يَنْصُرُهُ مِنْ بَأسِ اللهِ ، وَلاَ مَنْ يَدْفَعُ عَنْهُ سُوءَ العَذَابِ .
والذِينَ لا يَسْتَجِيبُونَ للهِ وَللرَّسُولِ يَكُونُونَ في ضَلالٍ وَاضِحٍ بَيِّنٍ ، وَيَسْتَحِقُّونَ العِقَابَ الشَّديدَ مِنَ اللهِ تَعَالى .
ــــــــــــــ(1/72)
تقوى الله والإيمان بالرسول
قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (28) سورة الحديد
يَحُثُّ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ ، مِنَ اليَهُودِ والنَّصَارَى ، عَلَى تَقْوى اللهِ ، وَاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ ، وَيَأْمُرُهُمْ بِالإِيْمَانِ بِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - ، وَيَعِدُهُمْ إِنْ هُمْ آمَنُوا بِمُحَمَّدٍ ، وَاتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا العَمَلَ بِأنَّهُ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أَجْرَهُمْ ضِعْفَيْنِ جَزَاءً لَهُمْ عَلَى إِيْمَانِهِمْ بِنَبِّيهِمْ وَبِالأَنْبِيَاءِ السَّابِقِينَ قَبْلَهُ ، وَأَجْراً آخَرَ لإِيْمَانِهِمْ بِمُحَمَّدٍ ، وَأَنَّهُ سَيَجْعَلُ لَهُمْ هُدى وَنُوراً يَمْشُونَ بِهِ فَيُجِنِّبُهُمْ العَمَى وَالضَّلاَلَةَ ، وَأَنَّهُ سَوْفَ يَغْفِرُ لَهُمْ مَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبِهِمْ ، وَيُعْلِمُهُمْ بِأَنَّ اللهَ وَاسِعُ المَغْفِرَةِ لِمَنْ شَاءَ ، رَحِيمٌ بِعِبَادِهِ ، يَقْبَلُ إِنْ أَحْسَنُوا التَّوْبَةَ إِلَيهِ .
وعن أبي بُرْدَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « ثَلاَثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ الرَّجُلُ تَكُونُ لَهُ الأَمَةُ فَيُعَلِّمُهَا فَيُحْسِنُ تَعْلِيمَهَا ، وَيُؤَدِّبُهَا فَيُحْسِنُ أَدَبَهَا ، ثُمَّ يُعْتِقُهَا فَيَتَزَوَّجُهَا ، فَلَهُ أَجْرَانِ ، وَمُؤْمِنُ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِى كَانَ مُؤْمِنًا ، ثُمَّ آمَنَ بِالنَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَهُ أَجْرَانِ ، وَالْعَبْدُ الَّذِى يُؤَدِّى حَقَّ اللَّهِ وَيَنْصَحُ لِسَيِّدِهِ »(1).
ــــــــــــــ
__________
(1) - صحيح البخارى(3011)(1/73)
الإيمان والجهاد
قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13) } [الصف/10-13]
يَا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ بِاللهِ ، وَالمُصَدِّقُونَ بِرُسُلِهِ وَكُتُبِهِ وَآيَاتِهِ ، أَلاَ تُرِيدُونَ أَنْ أَدُلِّكُمْ عَلَى صَفَقَةٍ رَابِحَةٍ ، وَتِجَارَةٍ نَافِعَةٍ ، تَفُوزُونَ فِيهَا بِالرِّبْحِ العَظِيمِ ، وَتْنْقِذُكُمْ مِنْ عَذَابِ اللهِ الأَلِيمِ يَوْمَ القِيَامَةِ؟
وَهِذِهِ الصَّفَقَةُ هِيَ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَتَعْبُدُوهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَتَصَدِّقُوا بِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ ، وَمَا أَنْزَلَهَ عَلَيْهِ مِنَ القُرْآنِ وَتُجَاهِدُوا فِي سَبِيلِ رَفْعِ كَلِمَةِ اللهِ ، وَعِزَّةِ دِينِهِ ، بِأَنْفُسِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ ، فَإِنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ ، كَانَ ذَلِكَ خَيْراً لَكُمْ مِنْ كُلِّ شَيءٍ فِي الدُّنْيَا : مِنَ النَّفْسِ وَالمَالِ وَالزَّوْجِ وَالوَلَدِ ، هَذَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ مَا أَعَدَّهُ اللهَ لِعِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ المُخْلِصِينَ المُجَاهِدِينَ فِي الآخِرَةِ مِنْ جَزِيلِ الثَّوَابِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ .
وَإِنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ سَتَرَ اللهُ ذُنُوبِكُمْ وَمَحَاهَا ، وَأَدْخَلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي الأَنْهَارُ فِي جَنَبَاتِهَا ، وَأَسْكَنَكُمْ مَسَاكِنَ طَيِبةً تَقَرُّ بِهَا العُيُونَ ، وَهَذا هُوَ مُنْتَهَى ما تَصْبُوا إِليهِ النُّفُوسُ ، وَهُوَ الفَوْزُ الذِي لاَ فَوْزَ أَعْظَمَ مِنْهُ .
وَلَكُمْ يَا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ المُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ تَعَالَى ، مَعَ الفَوْزِ فِي الآخِرَةِ ، الذِي وَعَدَكُمْ اللهُ بِهِ ، نِعْمَةٌ أُخْرَى تُحِبُّونَها ، وَهِيَ نَصْرٌ مِنَ اللهِ ، وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ، تَجْنُونَ مَغَانِمَهُ ، وَبَشِّرْ يَا مُحَمَّدُ المُؤْمِنينَ بِهَذَا الجَزَاءِ .
ــــــــــــــ(1/74)
القرضُ الحَسن
قال تعالى :{إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ} (17) سورة التغابن
مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ مَالٍ فِي طَاعَةِ اللهِ ، وَتَقَرُّباً إِليهِ ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يَعُدُّ ذَلِكَ الإِنْفَاقَ مُقَدَّماً إِلَيه تَعَالَى ، وَهُوَ يُخْلفُهُ وَيَرُدُّهُ إِلَى المُنْفقِينَ - أَضْعَافاً كَثِيرَةً - الحَسَنَةُ بِعَشْرَةِ أَمْثَالِها إِلَى سَبْعِمِئَةِ ضِعْفٍ - وَيَمْحُو عَنْكُمْ بِها سَيِّئَاتِكُمْ ، وَيَسْتُرُهَا عَلَيْكُمْ ، وَاللهُ شكُورٌ يَجْزِي عَلَى القَلِيل بِالكَثِيرِ ، وَهُوَ كَثِيرُ الحِلْمِ وَالمَغْفِرَةِ ، يَغْفِرُ وَيَسْتُرُ ، وَلاَ يُعَاجِلُ بِالعُقُوبَةِ عِبَادَهُ عَلَى الذُّنُوبِ وَالأَخْطَاءِ لَعَلَّهُمْ يَتُوبُونَ وَيَرْجِعُونَ مُسْتَغْفِرْينَ .
ــــــــــــــ(1/75)
الفصل السابع
كفارات ترك بعض الواجبات أو ارتكاب بعض المحرمات
أولا
عدم المؤاخذة على يمين اللغو
قال تعالى : {لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} (225) سورة البقرة
بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ - مَا يَجْرِي عَلَى الِلسَانِ مِمّا لاَ يُقْصَدُ بِهِ اليَمِينُ .
لا يُؤَاخِذُ اللهُ المُؤْمِنينَ وَلا يُعَاقِبُهُمْ عَمَّا صَدَرَ عَنْهُمْ مِنْ أيمَانٍ لاَغِيَةٍ لَمْ يُقْصَدْ بِها الحَلْفُ وَعَقْدُ اليَمِينِ ، وَإِنَّمَا جَرَتْ عَلَى ألْسِنَتِهِمْ عَادَةً مِنْ غيرِ عَقْدٍ وَلاَ تَوْكِيدٍ ( كَقَولِ الرَّجُلِ بَلَى وَاللهِ ، وَلا وَاللهِ ، فَذَلِكَ لاَ إِثْمَ فِيهَ وَلا كَفَّارَةَ ) وَلكِنَّ اللهَ تَعَالَى يُؤَاخِذُ الذِي يَحْلِفُ عَلَى الشَّيءِ وَهُوَ يَقْصُدُ عَقْدَ اليَمِين ، وَيَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ ، وَاللهُ غَفُورٌ لِعِبَادِهِ التَّائِبينَ ، حَليمٌ عَلَيهِمْ(1).
وَالْيَمِينُ اللَّغْوُ : اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهَا أَيْضًا ، فَقَال الْحَنَفِيَّةُ : هِيَ الْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ خَطَأً أَوْ غَلَطًا فِي الْمَاضِي أَوْ فِي الْحَال ، وَهِيَ : أَنْ يُخْبِرَ إِنْسَانٌ عَنِ الْمَاضِي أَوْ عَنِ الْحَال عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْمُخْبَرَ بِهِ كَمَا أَخْبَرَ ، وَهُوَ بِخِلاَفِهِ ، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ فِي النَّفْيِ أَمْ فِي الإِْثْبَاتِ ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ إِقْسَامًا بِاللَّهِ تَعَالَى أَمْ تَعْلِيقًا لِلْكُفْرِ ، كَقَوْلِهِ : وَاللَّهِ مَا كَلَّمْتُ زَيْدًا ، وَفِي ظَنِّهِ أَنَّهُ لَمْ يُكَلِّمْهُ ، وَالْوَاقِعُ أَنَّهُ كَلَّمَهُ .
هَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ ، وَهُوَ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ الْمُتُونِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ .
وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ اللَّغْوَ : مَا يَجْرِي بَيْنَ النَّاسِ مِنْ قَوْلِهِمْ لاَ وَاللَّهِ وَبَلَى وَاللَّهِ ، أَيْ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ الْيَمِينِ .
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ نَوْعًا آخَرَ مِنَ اللَّغْوِ ، فَيَكُونُ اللَّغْوُ عِنْدَهُمْ نَوْعَيْنِ وَكِلاَهُمَا فِي الْمَاضِي وَالْحَاضِرِ دُونَ الْمُسْتَقْبَل .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ : إِنَّ اللَّغْوَ هُوَ الْحَلِفُ بِاللَّهِ عَلَى شَيْءٍ يَعْتَقِدُهُ عَلَى سَبِيل الْجَزْمِ أَوِ الظَّنِّ الْقَوِيِّ فَيَظْهَرُ خِلاَفُهُ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ إِثْبَاتًا أَمْ نَفْيًا ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ مَاضِيًا أَمْ حَاضِرًا أَمْ مُسْتَقْبَلاً(2).
وَيُلاَحَظُ أَنَّهُمْ مَثَّلُوا بِالْمُسْتَقْبَل بِمَا لَوْ قَال " وَاللَّهِ لأََفْعَلَنَّ كَذَا " مَعَ الْجَزْمِ أَوِ الظَّنِّ الْقَوِيِّ بِفِعْلِهِ ثُمَّ لَمْ يَفْعَلْهُ .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ : الْيَمِينُ اللَّغْوُ هِيَ الَّتِي يُسْبَقُ اللِّسَانُ إِلَى لَفْظِهَا بِلاَ قَصْدٍ لِمَعْنَاهَا ، كَقَوْلِهِمْ " لاَ وَاللَّهِ " " وَبَلَى وَاللَّهِ " فِي نَحْوِ صِلَةِ كَلاَمٍ أَوْ غَضَبٍ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ فِي الْمَاضِي أَمِ الْحَال أَمِ الْمُسْتَقْبَل .
وَهُمْ يُخَالِفُونَ الْحَنَفِيَّةَ فِي هَذَا الأَْخِيرِ ، وَهُوَ مَا كَانَ فِي الْمُسْتَقْبَل .(3)
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ لَغْوَ الْيَمِينِ كَمَا يَقُول الشَّافِعِيَّةُ ، وَوَافَقُوهُمْ أَيْضًا فِي أَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى مَاضٍ كَاذِبًا جَاهِلاً صَدَّقَ نَفْسَهُ ، أَوْ ظَانًّا صِدْقَ نَفْسِهِ ، فَتَبَيَّنَ خِلاَفُهُ لاَ تَنْعَقِدُ يَمِينُهُ ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَا يُسَمِّيهِ الْحَنَفِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ لَغْوًا يُوَافِقُهُمُ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى حُكْمِهِ ، وَإِنْ لَمْ يُسَمُّوهُ لَغْوًا . وَنَقَل صَاحِبُ غَايَةِ الْمُنْتَهَى عَنِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ ظَانًّا صِدْقَ نَفْسِهِ فَتَبَيَّنَ بِخِلاَفِهِ لاَ تَنْعَقِدُ يَمِينُهُ ، وَكَذَا مَنْ حَلَفَ عَلَى غَيْرِهِ ظَانًّا أَنَّهُ يُطِيعُهُ فَلَمْ يَفْعَل فَلاَ كَفَّارَةَ فِيهِ أَيْضًا ؛ لأَِنَّهُ لَغْوٌ ، ثُمَّ قَال : وَالْمَذْهَبُ خِلاَفُهُ .(4)
ثُمَّ مِنْ هَؤُلاَءِ مَنْ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الآْيَةِ :{لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (89) سورة المائدة , أَيْ حَلَفْتُمْ وَحَنِثْتُمْ .
وَمِنْهُمْ مَنْ لاَ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ لِمَا يَأْتِي فِي بَيَانِ حُكْمِ الْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى .
وَوَجْهُ قَوْل الشَّافِعِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ : مَا ثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -أنها قالت : أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ( لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِى أَيْمَانِكُمْ ) فِى قَوْلِ الرَّجُلِ لاَ وَاللَّهِ ، وَبَلَى وَاللَّهِ .(5)
وَمَعْلُومٌ أَنَّ السَّيِّدَةَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا شَهِدَتِ التَّنْزِيل، وَقَدْ جَزَمَتْ بِأَنَّ الآْيَةَ نَزَلَتْ فِي هَذَا الْمَعْنَى ، قَال الشَّوْكَانِيُّ فِي نَيْل الأَْوْطَارِ : إِنَّ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ قَدْ دَل عَلَى عَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ فِي يَمِينِ اللَّغْوِ ، وَذَلِكَ يَعُمُّ الإِْثْمَ وَالْكَفَّارَةَ ، فَلاَ يَجِبَانِ ، وَالْمُتَوَجَّهُ الرُّجُوعُ فِي مَعْرِفَةِ مَعْنَى اللَّغْوِ إِلَى اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ ، وَأَهْل عَصْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْرَفُ النَّاسِ بِمَعَانِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لأَِنَّهُمْ مَعَ كَوْنِهِمْ مِنْ أَهْل اللُّغَةِ قَدْ كَانُوا مِنْ أَهْل الشَّرْعِ وَمِنَ الْمُشَاهِدِينَ لِلرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحَاضِرِينَ فِي أَيَّامِ النُّزُول ، فَإِذَا صَحَّ عَنْ أَحَدِهِمْ تَفْسِيرٌ لَمْ يُعَارِضْهُ مَا يُرَجَّحُ عَلَيْهِ أَوْ يُسَاوِيهِ وَجَبَ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْ مَا نَقَلَهُ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ اللَّفْظِ ؛ لأَِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى الَّذِي نَقَلَهُ إِلَيْهِ شَرْعِيًّا لاَ لُغَوِيًّا ، وَالشَّرْعِيُّ مُقَدَّمٌ عَلَى اللُّغَوِيِّ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الأُْصُول ، فَكَانَ الْحَقُّ فِيمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ ، هُوَ أَنَّ اللَّغْوَ مَا قَالَتْهُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا .(6)
فَثَبَتَ أَنَّ الْيَمِينَ اللَّغْوَ هِيَ الَّتِي لاَ يَقْصِدُهَا الْحَالِفُ ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ .
وَأَيْضًا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَابَل الْيَمِينَ اللَّغْوَ بِالْيَمِينِ الْمَكْسُوبَةِ بِالْقَلْبِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَل : {لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} (225) سورة البقرة.
وَالْمَكْسُوبَةُ هِيَ الْمَقْصُودَةُ ، فَكَانَتْ غَيْرُ الْمَقْصُودَةِ دَاخِلَةً فِي قِسْمِ اللَّغْوِ بِلاَ فَصْلٍ بَيْنَ مَاضِيهِ وَحَالِهِ وَمُسْتَقْبَلِهِ تَحْقِيقًا لِلْمُقَابَلَةِ .
وَوَجْهُ قَوْل الْحَنَفِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ : أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَل قَابَل اللَّغْوَ بِالْمَعْقُودَةِ ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِالْمُؤَاخَذَةِ وَنَفْيِهَا ، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ اللَّغْوُ غَيْرَ الْمَعْقُودَةِ تَحْقِيقًا لِلْمُقَابَلَةِ ، وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُسْتَقْبَل مَعْقُودَةٌ سَوَاءٌ أَكَانَتْ مَقْصُودَةً أَمْ لاَ ، فَلاَ تَكُونُ لَغْوًا .(7)
وَأَيْضًا اللَّغْوُ فِي اللُّغَةِ : اسْمٌ لِلشَّيْءِ الَّذِي لاَ حَقِيقَةَ لَهُ ، قَال اللَّهُ تَعَالَى : {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا} (25) سورة الواقعة، أَيْ بَاطِلاً ، وَقَال عَزَّ وَجَل خَبَرًا عَنِ الْكَفَرَةِ :{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} (26) سورة فصلت، وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ فِي الْحَلِفِ عَلَى ظَنٍّ مِنَ الْحَالِفِ أَنَّ الأَْمْرَ كَمَا حَلَفَ عَلَيْهِ ، وَالْحَقِيقَةُ بِخِلاَفِهِ ، وَكَذَا مَا يَجْرِي عَلَى اللِّسَانِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لَكِنْ فِي الْمَاضِي أَوِ الْحَال .(8)فَهُوَ مَا لاَ حَقِيقَةَ لَهُ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَال : اللَّغْوُ أَنْ يَحْلِفَ الرَّجُل عَلَى الشَّيْءِ يَرَاهُ حَقًّا وَلَيْسَ بِحَقٍّ(9).
وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْل عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : أَنَّ اللَّغْوَ فِي الأَْيْمَانِ قَوْل الرَّجُل لاَ وَاللَّهِ وَبَلَى وَاللَّهِ ، إِنَّمَا أَرَدْتُ بِهِ التَّمْثِيل لاَ الْحَصْرَ ، وَأَيْضًا إِنَّهُ خَاصٌّ بِالْمَاضِي وَالْحَاضِرِ لِيَكُونَ النَّوْعَانِ مُتَمَاثِلَيْنِ .(10)
وقال ابن حزم : " وَلَغْوُ الْيَمِينِ لاَ كَفَّارَةَ فِيهِ , وَلاَ إثْمَ , وَهُوَ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : مَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْمَرْءُ وَهُوَ لاَ يَشُكُّ فِي أَنَّهُ كَمَا حَلَفَ عَلَيْهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ بِخِلاَفِ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَمَالِكٍ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ.
وَالثَّانِي : مَا جَرَى بِهِ لِسَانُ الْمَرْءِ فِي خِلاَلِ كَلاَمِهِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ فَيَقُولُ فِي أَثْنَاءِ كَلاَمِهِ : لاَ وَاَللَّهِ , وَأَيْ وَاَللَّهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لاَ يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ. وَصَحَّ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : رُبَّمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ لِبَعْضِ بَنِيهِ : لَقَدْ حَفِظْت عَلَيْك فِي هَذَا الْمَجْلِسِ أَحَدَ عَشَرَ يَمِينًا , وَلاَ يَأْمُرُهُ بِكَفَّارَةٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَا عَطَاءً أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ وَقَدْ سَأَلَهَا عُبَيْدُ بْنَ عُمَيْرٍ ، عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لاَ يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ قَالَتْ : هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ لاَ وَاَللَّهِ , وَبَلَى وَاَللَّهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ فِي اللَّغْوِ : هُوَ قَوْلُ الْقَوْمِ يَتَدَارَءُونَ فِي الأَمْرِ يَقُولُ هَذَا : لاَ وَاَللَّهِ , وَبَلَى وَاَللَّهِ , وَكَلاَ وَاَللَّهِ , وَلاَ تَعْقِدُ عَلَيْهِ قُلُوبُهُمْ.
وَهُوَ قَوْلُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ , وَعَطَاءٍ , وَإِبْرَاهِيمَ , وَالشَّعْبِيِّ , وَعِكْرِمَةَ , وَمُجَاهِدٍ , وطَاوُوس , وَالْحَسَنِ , وَالزُّهْرِيِّ , وَأَبِي قِلاَبَةَ , وَغَيْرِهِمْ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَلاَ يَصِحُّ عَنْهُ ; لأََنَّهُ مِنْ طَرِيقِ الْكَلْبِيِّ : لَغْوُ الْيَمِينِ هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ هَذَا وَاَللَّهِ فُلاَنٌ , وَلَيْسَ بِفُلاَنٍ. وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ الْحَسَنِ , وَإِبْرَاهِيمَ , وَالشَّعْبِيِّ , وَمُجَاهِدٍ , وَقَتَادَةَ , وَزُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ , وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , وَالأَوْزَاعِيِّ , وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ , وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ , وَغَيْرِهِمْ.
قال أبو محمد رحمه الله : أَمَّا قَوْلُ الْمَرْءِ : لاَ وَاَللَّهِ , وَأَيْ وَاَللَّهِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ , فَأَمْرُهُ ظَاهِرٌ لاَ إشْكَالَ فِيهِ ; لأََنَّهُ نَصُّ الْقُرْآنِ , كَمَا قَالَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ ، رضي الله عنها ،.
وَأَمَّا مَنْ أَقْسَمَ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ يَرَى , وَلاَ يَشُكُّ فِي أَنَّهُ كَمَا حَلَفَ عَلَيْهِ , فَإِنَّهُ لَمْ يَعْمِدْ الْحِنْثَ , وَلاَ قَصَدَ لَهُ , وَلاَ حِنْثَ إِلاَّ عَلَى مَنْ قَصَدَ إلَيْهِ "(11)
ــــــــــــــ
__________
(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (ج 1 / ص 232)
(2) - الشرح الصغير بحاشية الصاوي 1 / 331 .
(3) - أسنى المطالب 4 / 241 ، وتحفة المحتاج 8 / 216 ، ونهاية المحتاج 8 / 169 - 170 ، والبجيرمي على المنهاج 4 / 316 ، والباجوري على ابن قاسم 2 / 324 .
(4) - مطالب أولي النهى 6 / 367 - 368 .
(5) - صحيح البخارى(4613 )
(6) - نيل الأوطار 8 / 236 .
(7) - هكذا في البدائع 33 / 4 ، وقد يقال : لا دليل على كون اليمين المعقودة تشمل غير المقصودة ، وقد يجاب بأن المعقودة هي التي علقت على أمر ، فيتمكن الحالف من البر والحنث فيها ، فإذا كانت غير مقصودة لم ينسد على الحالف باب البر فيها ، بخلاف الماضية والحاضرة فليتأمل
(8) - قوله لكن في الماضي والحال . كذا في البدائع . وتجري فيه المناقشة والجواب السابقان .
(9) - تفسير الطبري - (ج 4 / ص 432)(4403 ) وفيه ضعف
وروى ابن جرير أيضا آثارا تشبهه عن أبي هريرة وسليمان ابن يسار والحسن البصري ومجاهد وابن أبي نجيح وإبراهيم النخعي وأبي مالك وقتادة وزرارة بن أوفى والسدي ويحيى بن أبي سعيد وابن أبي طلحة ومكحول رحمهم الله .
(10) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 7 / ص 283)
(11) - المحلى لابن حزم - (ج 3 / ص 486)(1/76)
ثانيا
كفارة اليمين المنعقدة
قال تعالى : {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (89) سورة المائدة
وَاللَّغْوُ فِي اليَمِينِ هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ : لاَ وَاللهِ ، وَبَلَى وَاللهِ ( وَقِيلَ : إِنَّها اليَمِينُ عِنْدَ الهَزْلِ ، وَقِيلَ إنَّها فِي غَلَبَةِ الظَّنِّ ، وَقِيلَ إنَّهَا اليَمِينُ عِنْدَ الغَضَبِ ) .
فَاللهُ تَعَالَى لاَ يُؤَاخِذُكُمْ ، أيُّها المُؤْمِنُونَ ، بِاللَّغْوِ فِي أيْمَانِكُمْ ، وَلَكِنَّهُ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا صَمَّمْتُمْ عَلَيْهِ وَقَصَدْتُمُوهُ ، فَإِذَا حَنِثَ المُؤْمِنُ بِيَمِينِهِ التِي قَصَدَهَا وَعَقَدَهَا ، فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشْرَةِ مَسَاكِينَ مُحَتْاجِينَ مِنَ الفُقَرَاءِ الذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يَكْفِيهِمْ ، أكْلَةً وَاحِدَةً ، أَوْ يَوْماً وَاحِداً . ثُمَّ يُبَيِّنُ اللهُ تَعَالَى نَوْعُ الطَّعَامِ الذِي يُقَدِّمُ لِهَؤُلاءِ المَسَاكِينِ ، فَقَالَ إنَّهُ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ عِيَالَكُمْ فِي القِلَّةِ وَالكَثْرَةِ ، أَوْ كِسْوَتُهُمْ ( عَلَى خِلاَفٍ فِي مِقْدَارِ هَذِهِ الكُسْوَةِ ) ، أَوْ إعتَاقُ رَقَبَةٍ مِنَ الرِّقِّ . وَإذَا لَمْ يَقْدِرُ المُكَلَّفُ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الخَيَارَاتِ الثَّلاَثَةِ كَفَّرَ عَنْ حَنْثِهِ بِيَمِينِهِ بِصِيَامِ ثَلاَثَةِ أَيْامٍ مُتَتَابِعَاتٍ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ . وَهَذِهِ هِيَ كَفَّارَةُ اليَمِينِ التِي يَحْلِفُهَا المُؤْمِنُ بِاللهِ أوْ بِأحَدِ أسْمَائِهِ ، إنْ حَنَثَ بِهَا ، أَوْ أَرَادَ أنْ يَحْنُثَ بِهَا . يَقُولُ تَعَالَى : لاَ تَتْرُكُوا أَيْمَانَكُمْ المَحْنُوثَ بِهَا دُونَ كَفَّارَةٍ . وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ - وَقِيلَ إنَّ مَعْنَى وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ - هُوَ لاَ تَبْذُلُوهَا فِي أتْفَهِ الأُمُورِ وَأحْقَرِهَا ، وَلاَ تُكْثِرُوا مِنَ الأَيْمَانِ الصَّادِقَةِ ) ، كَذَلِكَ يُوَضِّحُ اللهُ آيَاتِهِ وَيُبَيِّنُهَا لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ إذَا اتَّقَيْتُمْ وَأطَعْتُمُ اللهَ .
وَيَجُوزُ الحَنَثُ لِمَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ مَعَ التَّكْفِيرِ قَبْلَ الحَنَثِ . وَفِي الحَدِيثِ الصحيح: " إذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأيتَ غَيْرَها خَيْراً مِنْهَا ، فَأتِ الذِي هُوَ خَيْرٌ ، وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينكَ "(1).
وقدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الإِْطْعَامِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى إِذَا حَنِثَ فِيهَا عَلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكِسْوَةِ وَتَحْرِيرِ الرَّقَبَةِ ، فَإِنْ عَجَزَ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ،(2)لِقَوْلِهِ تَعَالَى : {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (89) سورة المائدة(3).
ــــــــــــــ
ثالثا
كفارة اليمين الغموس(4)
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ عَلَى قَوْلَيْنِ :
الْقَوْل الأَْوَّل : عَدَمُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ . وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ : الْحَنَفِيَّةُ ، وَالْمَالِكِيَّةُ ، وَالْحَنَابِلَةُ(5)، وَهُوَ قَوْل سُفْيَانِ الثَّوْرِيِّ وَأَهْل الْعِرَاقِ ، وَأَبِي ثَوْرٍ ، وَأَبِي عُبَيْدٍ وَإِسْحَاقَ وَأَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَالأَْوْزَاعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَهْل الشَّامِ(6).
الْقَوْل الثَّانِي : وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ . وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَكَمُ وَعَطَاءٌ وَمَعْمَرٌ(7).
وَسَبَبُ اخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ مُعَارَضَةُ عُمُومِ الْكِتَابِ لِلأَْثَرِ ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (89) سورة المائدة ، تُوجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ كَفَّارَةٌ لِكَوْنِهَا مِنَ الأَْيْمَانِ الْمُنْعَقِدَةِ .
وَ عَنْ أَبِى أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ». فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ »(8).
يُوجِبُ أَنَّ الْيَمِينَ الْغَمُوسَ لَيْسَ فِيهَا كَفَّارَةٌ(9).
وَقَدِ اسْتَدَل كُل فَرِيقٍ بِأَدِلَّةٍ تُؤَيِّدُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ .
فَاسْتَدَل الْجُمْهُورُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (77) سورة آل عمران ، فَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَل فِيهَا جَزَاءَ الْيَمِينِ الْغَمُوسِ بِالْوَعِيدِ فِي الآْخِرَةِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ كَفَّارَةً ، فَلَوْ كَانَتِ الْكَفَّارَةُ فِيهَا وَاجِبَةً لَكَانَ الأَْوْلَى بَيَانَهَا ، وَلأَِنَّ الْكَفَّارَةَ لَوْ وَجَبَتْ إِنَّمَا تَجِبُ لِرَفْعِ هَذَا الْوَعِيدِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي الآْيَةِ فَيَسْقُطُ جُرْمُهُ ، وَيَلْقَى اللَّهَ - تَعَالَى - وَهُوَ عَنْهُ رَاضٍ ، وَلَمْ يَسْتَحِقَّ الْوَعِيدَ الْمُتَوَعَّدَ عَلَيْهِ ، وَهُوَ مَا لاَ يَقُول بِهِ أَحَدٌ(10).
قَال القرطبي : وَكَيْفَ لاَ يَكُونُ ذَلِكَ ، وَقَدْ جَمَعَ هَذَا الْحَالِفُ : الْكَذِبَ ، وَاسْتِحْلاَل مَال الْغَيْرِ ، وَالاِسْتِخْفَافَ بِالْيَمِينِ بِاللَّهِ - تَعَالَى - وَالتَّهَاوُنَ بِهَا وَتَعْظِيمَ الدُّنْيَا ؟ فَأَهَانَ مَا عَظَّمَهُ اللَّهُ ، وَعَظَّمَ مَا حَقَّرَهُ اللَّهُ ، وَحَسْبُكَ . وَلِهَذَا قِيل : إِنَّمَا سُمِّيَتِ الْيَمِينُ غَمُوسًا لأَِنَّهَا تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي النَّارِ(11).
وَقَدْ رَوَى سَحْنُونٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي هَذِهِ الآْيَةِ قَال : فَهَذِهِ الْيَمِينُ فِي الْكَذِبِ وَاقْتِطَاعِ الْحُقُوقِ ، فَهِيَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تَكُونَ فِيهَا كَفَّارَةٌ .
وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ السَّكْسَكِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ فَقَال : وَاللَّهِ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا كَذَا وَكَذَا ، وَلَمْ يُعْطَ ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآْيَةُ : { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً }(12).
وَاسْتَدَل الْجُمْهُورُ كَذَلِكَ بِمَا وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ لَقِيَ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، وَأَدَّى زَكَاةَ مَالِهِ طَيِّبًا بِهَا نَفْسُهُ مُحْتَسِبًا ، وَسَمِعَ وَأَطَاعَ ; فَلَهُ الْجَنَّةُ - أَوْ دَخَلَ الْجَنَّةَ - . وَخَمْسٌ لَيْسَ لَهُنَّ كَفَّارَةٌ : الشِّرْكُ بِاللَّهِ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ ، وَبَهْتُ مُؤْمِنٍ ، وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ ، وَيَمِينٌ فَاجِرَةٌ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالًا بِغَيْرِ حَقٍّ "(13).
وَبِحَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ : جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ مَا الْكَبَائِرُ ؟ قَالَ : الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ قَالَ : ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : ثُمَّ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ قَالَ : ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : ثُمَّ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ قُلْتُ لِعَامِرٍ : مَا الْيَمِينُ الْغَمُوسُ ؟ قَالَ : الَّذِي يَقْتَطِعُ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينٍ صَبْرٍ ، وَهُوَ فِيهَا كَاذِبٌ..(14)
فَفِي الْحَدِيثَيْنِ دَلاَلَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ الْغَمُوسَ لَيْسَ فِيهَا كَفَّارَةٌ لأَِنَّ الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدَّهَا مِنَ الْكَبَائِرِ ، وَالْكَبَائِرُ لاَ كَفَّارَةَ فِيهَا ، فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الشِّرْكَ وَعُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ لاَ كَفَّارَةَ فِيهَا ، وَإِنَّمَا كَفَّارَتُهَا التَّوْبَةُ مِنْهَا ، فَكَذَلِكَ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ حُكْمُهَا حُكْمُ مَا ذُكِرَتْ مَعَهُ(15). وَاسْتَدَل الْجُمْهُورُ كَذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ مُخَالِفٍ ، فَقَدْ رَوَى آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ فِي مُسْنَدِ شُعْبَةَ ، وَإِسْمَاعِيل الْقَاضِي فِي الأَْحْكَامِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كُنَّا نَعُدُّ الذَّنْبَ الَّذِي لاَ كَفَّارَةَ لَهُ الْيَمِينَ الْغَمُوسَ ، أَنْ يَحْلِفَ الرَّجُل عَلَى مَال أَخِيهِ كَاذِبًا لِيَقْتَطِعَهُ قَال : وَلاَ مُخَالِفَ لَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ(16).
وَقَالُوا : إِنَّ الْغَمُوسَ مَحْظُورٌ مَحْضٌ ، فَلاَ يَصْلُحُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ لِكَوْنِهَا أَعْظَمَ مِنْ أَنْ تُكَفَّرَ ، كَالزِّنَا وَالرِّدَّةِ(17).
وَاسْتَدَل الشَّافِعِيَّةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ عَلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : {لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} (225) سورة البقرة ، مَعَ قَوْله تَعَالَى : {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (89) سورة المائدة .
وَوَجْهُ الدَّلاَلَةِ مِنْ هَاتَيْنِ الآْيَتَيْنِ : أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَل نَفَى الْمُؤَاخَذَةَ عَنِ الْيَمِينِ اللَّغْوِ ، وَهِيَ الْيَمِينُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ ، وَأَثْبَتَ الْمُؤَاخَذَةَ لِلْيَمِينِ الْمَقْصُودَةِ بِقَوْلِهِ : { بِمَا عَقَّدْتُمُ } أَيْ قَصَدْتُمْ وَصَمَّمْتُمْ ، وَلاَ شَكَّ أَنَّ الْيَمِينَ الْغَمُوسَ مَقْصُودَةٌ فَتَجِبُ فِيهَا الْكَفَّارَةُ(18). وَبِمَا رويَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ تَسْأَلِ الإِمَارَةَ ، فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا ، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا ، وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا ، فَأْتِ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ ، وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ »(19).
وَقَالُوا : إِنَّ الْحَالِفَ كَذِبًا أَحْوَجُ لِلْكَفَّارَةِ مِنْ غَيْرِهِ ، كَمَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ لاَ تَزِيدُهُ إِلاَّ خَيْرًا ، وَالَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ إِلَى الْحَقِّ وَرَدُّ الْمَظْلِمَةِ ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَل وَكَفَّرَ ، فَالْكَفَّارَةُ لاَ تَرْفَعُ عَنْهُ حُكْمَ التَّعَدِّي بَل تَنْفَعُهُ فِي الْجُمْلَةِ(20).
ــــــــــــــ
__________
(1) - صحيح البخارى(6722 )
(2) - ابن عابدين 3 / 60 ، والاختيار 4 / 84 ، وجواهر الإكليل 1 / 228 ط المعرفة ، وقليوبي 4 / 274 ، والمغني 8 / 749 .
(3) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 5 / ص 116)
(4) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 35 / ص 41)
(5) - البحر الرائق 4 / 301 ، 302 ، 303 ، 304 ، وبدائع الصنائع وترتيب الشرائع للكاساني 3 / 3 طبع دار الكتب العلمية - بيروت ، التاج والإكليل لمختصر خليل مطبوع بهامش مواهب الجليل للحطاب 3 / 266 ، وكشاف القناع 6 / 235 .
(6) - الجامع لأحكام القرآن 6 / 266 ، 267 ، وفتح الباري 11 / 566 .
(7) - روضة الطالبين 11 / 3 ، وفتح الباري 11 / 566 .
(8) - صحيح مسلم(370 ) -الأراك : جمع أراكة وهى شجرة يستاك بقضبانها
(9) - بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد 1 / 349 طبع المكتبة التجارية الكبرى .
(10) - المبسوط 8 / 128 ، والجامع لأحكام القرآن 6 / 268 ، ومواهب الجليل والتاج والإكليل 3 / 266 .
(11) - الجامع لأحكام القرآن 6 / 268 .
(12) - المدونة الكبرى 3 / 100 ، 101 ، والآية من سورة آل عمران / 77 .
(13) - مسند أحمد(8971) ومسند الشاميين (1161و1184) حسن لغيره
(14) - صحيح ابن حبان - (ج 12 / ص 373)(5562) صحيح
(15) - فتح الباري 11 / 566 .
(16) - فتح الباري 11 / 566
(17) - المبسوط للسرخسي 8 / 128 .
(18) - تفسير ابن كثير 1 / 267 ، 268 طبع دار المنار ، وحاشية الشرقاوي على التحرير 2 / 476
(19) - صحيح البخارى(6722 )
(20) - فتح الباري 11 / 557 ط . دار المعرفة .(1/77)
رابعاً
كَفَّارَةُ الظِّهَارِ
قال تعالى : { الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4) } [المجادلة/2- 4]
الذِينَ يَقَعُ مِنْهُم الظِّهَارُ مِنْ نِسَائِهِمْ ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمْ لامْرَأَتِهِ : ( أَنْتِ عَليَّ كَظَهْرِ أُمِّي ) ، وَهُوَ يُريدُ بِذَلِكَ تَحْرِيمَهَا عَلَى نَفْسِهِ ، كَمَا تَحْرُمُ الأُمُّ عَلَى ابْنِهَا ، هُمْ مُخْطِئونَ فِيمَا يَصْنَعُونَ ، فَزَوْجَةُ المَرءِ لَيْسَتْ أُمَّهُ ، لأَنَّ أُمَّهُ هِيَ التِي وَلَدَتْهُ دُونَ غَيِرِهَا مِنَ النِّسَاءِ ، فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يُشَبِّهَ المَرْءُ أُمَّهُ بِغَيِرِهَا مِنَ النِّسَاءِ . وَهَؤُلاَءِ الذِينَ يَقُولُونَ هَذَا القَوْلَ ، وَيُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِم ، يَقُولُونَ قَوْلاً نُكراً لاَ يُجِيزُهُ الشَّرْعُ وَيَقُولُونَ كَذِباً وَزُوراً وَبَاطِلاً ، لأَنَّ رَابِطَةَ الزَّوْجَةِ بِزَوْجِهَا هِيَ رَابِطَةٌ وَاسِعَةٌ خَاصَّةٌ ، لَيْسَ مِثْلَهَا رَابِطَةُ الأُمِّ بِابْنِهَا ، لأنَّهَا رَابَطةٌ تَقُومُ عَلَى الاحْتِرَامِ وَالإِجْلاَلِ .
وَاللهُ كَثِيرُ العَفْوِ وَالغُفْرَانِ لِذُنُوبِ مِنْ تَابَ إِلَيهِ مِمَا قَالَ ، وَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ تَائِباً مُنِيبا . ً
وَالذِينَ يَقُولُونَ هَذَا القَوْلَ المُنْكَرَ ثُمَّ يَرْجِعُونَ عَمَّا قَالُوا ، وَيُرِيدُونَ مُوَاقَعَةَ نِسَائِهِمْ ، فَعَلَيْهِمْ إِعْتَاقُ رَقَبَةٍ قَبْلَ التَّمَاسِّ ، إِنْ كَانَ ذَلِكَ الإِعْتَاقُ فِي طَوْقِهِمْ وَقُدْرَتِهِمْ ، وَقَدْ شَرَعَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الكَفَّارَةَ لِيَكُونَ ذَلِكَ عِظَةً لِلْمُتَسَرِّعِينَ ، وَرَادِعاً لَهُمْ عَنْ أَنْ يَقَعُوا فِيهِ ، وَاللهُ خَبِيرٌ بِأْعْمَالِ العِبَادِ ، لاَ تَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُمْ خَافِيَةٌ .
فَمَنْ لَمْ يَجِدْ رَقَبَةً يُعْتِقُهَا ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ فِي قُدْرَتِهِ أَنْ يَشتَرِيَ رَقَبَةً يُعْتِقُهَا ، فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ شَهْرَينِ مُتَتَابِعَينِ ، قَبْلَ التَّمَاسِّ ، فَإِنْ أَفْطَرَ يَوْماً وَاحِداً مِنَ الشَّهْرَينِ ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الإِفْطَارُ لِعُذْرٍ أَوْ سَفَرٍ ، لِزَمَهُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ الصِّيَامَ مِنْ جَدِيدٍ لِزَوَالِ التَّتَابُعِ .
وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ هَذَا الصَّوْمَ ، لِكِبَرِ سِنِّهِ ، أَوْ لِمَرَضٍ أَصَابَهُ ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِيناً ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصْفُ صَاعٍ مِنَ الحِنْطَةِ ، أَوْ صَاعٌ مِنَ الشَّعِيرِ ، قَبْلَ أَنْ يَتِمَّ التَّمَاسُّ بَيْنَهُمَا؛ وَقَدْ فَرَضَ اللهُ تَعَالَى عَلَى المُؤْمِنِينَ هَذِهِ الكَفَّارَةَ لِيُقِرُّوا بِوَحْدَانِيَّتِهِ تَعَالَى ، وَيُصَدِّقُوا بِرَسُولِهِ ، وَيَتَقَيَّدُوا بِحُدُودِ مَا فَرَضَ اللهُ ، وَلاَ يَتَجَاوَزُوهَا ، وَلِلْكَافِرِينَ بِفَرَائِضِ اللهِ وَحُدُودِهِ ، عَذَابٌ أَلِيمٌ .
وقال الفقهاء : " إِذَا ظَاهَرَ الرَّجُل مِنِ امْرَأَتِهِ بِأَنْ قَال لَهَا : أَنْتِ كَظَهْرِ أُمِّي ، لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ بِالْعَوْدِ . وَمِنْ أَنْوَاعِهَا الإِْطْعَامُ عِنْدَ عَدَمِ اسْتِطَاعَتِهِ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ أَوْ صِيَامُ شَهْرَيْنِ ، عَلَى هَذَا اتَّفَقَ أَهْل الْعِلْمِ ، فَلاَ يُجْزِئُ إِلاَّ هَذَا التَّرْتِيبُ(1)، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْل أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاَللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْل أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا . . } (سورة المجادلة / 3 - 4 .)
مِقْدَارُ الإِْطْعَامِ الْوَاجِبِ فِي الْكَفَّارَةِ :
قَال الْحَنَفِيَّةُ : يَجِبُ لِكُل فَقِيرٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ ، أَوْ صَاعٌ كَامِلٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ . وَالدَّقِيقُ مِنَ الْبُرِّ أَوِ الشَّعِيرِ بِمَنْزِلَةِ أَصْلِهِ ، وَكَذَا السَّوِيقُ ، وَهَل يُعْتَبَرُ تَمَامُ الْكَيْل أَوِ الْقِيمَةِ فِي كُلٍّ مِنَ الدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ ؟ . فِي ذَلِكَ رَأْيَانِ .(2)
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ : يَجِبُ لِكُل فَقِيرٍ مُدٌّ مِنْ بُرٍّ ، أَوْ مِقْدَارُ مَا يَصْلُحُ لِلإِْشْبَاعِ مِنْ بَقِيَّةِ الأَْقْوَاتِ التِّسْعَةِ ، وَهِيَ الْقَمْحُ وَالشَّعِيرُ وَالسُّلْتُ ،(3)وَالذُّرَةُ ، وَالدُّخْنُ ، وَالأَْرُزُّ ، وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ ، وَالأَْقِطُ .(4)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ : يَجِبُ لِكُل فَقِيرٍ مُدٌّ وَاحِدٌ مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ مِمَّا ذُكِرَ مِنَ الأَْصْنَافِ السَّابِقَةِ أَوْ غَيْرِهَا(5).
وَقَال الْحَنَابِلَةُ : يَجِبُ لِكُل مِسْكِينٍ مُدٌّ مِنْ بُرٍّ أَوْ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ أَوْ تَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ أَقِطٍ ، وَيُجْزِئُ دَقِيقٌ وَسَوِيقٌ بِوَزْنِ الْحَبِّ ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ قُوتِ الْبَلَدِ أَوْ لاَ ، وَقَال أَبُو الْخَطَّابِ مِنْهُمْ : يُجْزِئُ كُل أَقْوَاتِ الْبَلَدِ ، وَالأَْفْضَل عِنْدَهُمْ إِخْرَاجُ الْحَبِّ .(6)
ــــــــــــــ
__________
(1) - الاختيار 3 / 163 ، وابن عابدين 2 / 578 ، 582 ، وجواهر الإكليل 1 / 378 ، وقليوبي وعميرة 4 / 21 ، والمغني 7 / 359 ط السعودية .
(2) - ابن عابدين 2 / 582 .
(3) - السلت : بضم السين ، قال الأزهري : حب بين الحنطة والشعير ولا قشر له . المصباح المنير مادة ( سلت ) .
(4) - جواهر الإكليل 1 / 228 ، والأقط : قال الزهري : يتخذ من اللبن المخيض ، يطبخ ثم يترك حتى يمصل . المصباح المنير مادة ( أقط ) .
(5) - قليوبي وعميرة 4 / 27 ، 274 .
(6) - المغني 7 / 369 ، 370 ، 375 .(1/78)
خامساًً
كفارة قتل الصيد للمحرم
قال تعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} (95) سورة المائدة
حَرَّمَ اللهُ صَيْدَ البَرِّ فِي حَالِ الإِحْرَامِ ، وَنَهَى المُؤْمِنُ عَنْ تَنَاولِهِ فِيهِ ، وَمَنْ قَتَلَ الصَّيْدَ مُتَعَمِّداً ، وَهُوَ مُحْرِمٌ ، يَجِبُ عَليهِ جَزَاءٌ مِنْ مِثْلِ الحَيَوانِ الذِي قَتَلَهُ ( إنْ كَانَ لِلْحَيَوانِ مِثْلٌ فِي الحَيَوانَاتِ الألِيفَةِ ) ، يَحْكُمُ بِهِ رَجُلانِ عَادِلاَنِ مِنْ المُسْلِمِينَ ( وَقَدْ حَكَمَ بَعْضُهُمْ بِنَحْرِ تَيْسٍ فِي جَزَاءٍ عَنْ قَتْلِ ظَبْيٍ ) ، وَعَلَى مَنْ وَقَعَ عَليهِ الجَزَاءُ انْ يَأتِيَ بِالمِثْلِ الذِي سَيَذْبَحُهُ إلى الكَعْبَةِ ، لِيَكُونَ هَدْياً لَهَا ، فَيُذْبَحُ هُنَاكَ ، وَيُوَزَّعُ لَحْمُهُ عَلَى فُقَرَاءِ أهْلِ الحَرَمِ . فَإذَا لَمْ يَجِدِ المُحْرِمُ مِثْلَ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ، أوْ لَمْ يَكنِ الصَّيْدُ المَقْتُولُ مِنْ ذَوَاتِ الأمْثَالِ فَيُخَيَّرُ المُحْرِمُ بَيْنَ أمُورٍ :
أ - أنْ يُقَوَّمَ الصَّيْدُ المَقْتُولُ ، وَيُقَوَّمَ مِثْلُهُ مِنَ النَّعَمِ ، لَوْ كَانَ مَوْجُوداً ، فِي المَكَانِ الذِي تَمَّ فِيهِ الصَّيْدُ ، أَوْ فِي أَقْرَبِ مَكَانٍ إلَيْهِ ، ثُمَّ يَشْتَرِي المُحْرِمُ المُخَالِفُ بِثَمَنِهِ طَعَاماً فَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى فُقَرَاءِ الحَرَمِ .
ب- أَوْ يُطْعِمَ مَسَاكِينَ . وَيَخْتِلِفُ عَدَدُهُمْ بِحَسَبِ أهْمِّيَّةِ الصَّيْدِ المَقْتُولِ : فَقِيلَ إنَّ مَنْ قَتَلَ ظَبْياً فَعَلَيهِ ذَبْحُ شَاةٍ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ ثَلاَثَةَ أيَّامٍ . وَإذَا قَتَلَ نَعَامَةً أَوْ حِمَارَ وَحْشٍ ، فَعَلَيْهِ ذَبْحُ بَدَنَةٍ ( نَاقَةٍ أَوْ بَعيرٍ ) ، فَإنْ لَمْ يَجِدْ أطْعَمَ ثَلاَثِينَ مِسْكِيناً .
ج- وَإذا لَمْ يَجِدْ مَا يَطْعِمُ بِهِ المَسَاكينَ صَامَ أيَّاماً عَنْ ذَلِكَ .
وَتَتَرَاوَحُ مُدَّةُ الصَّوْمِ مِنْ ثَلاَثَةِ أيَّامٍ ، فِي قَتْلِ ظَبْيٍ ، إلى ثَلاثِينَ يَوْماً ، فِي قَتْلِ نَعَامَةٍ أوْ حِمَارِ وَحْشٍ . ( يَصُومُ يَوْماً عَنْ إِطْعَامِ كُلِّ مِسْكِينٍ ) .
وَيَذْكُرُ اللهُ تَعَالَى : أنَّهُ أَوْجَبَ الكَفَّارَةَ لِيَذُوقَ المُتَجَاوِزُ العُقُوبَةَ عَنِ الفِعْلِ الذِي ارْتَكَبَ فِيهِ المَخَالَفَةَ ( وَبَالَ أمْرِهِ ) .
وَقَدْ ألْحِقَتِ السُّنَّةُ قَتْلَ الصَّيْدِ خَطَأً بِقَتْلِهِ عَمْداً ، فِي وُجُوبِ الكَفَّارَةِ . وَلَكِنْ دُونَ أنْ يَكُونَ عَلَى المُخْطِىءِ إِثْمٌ .
وَقَدْ عَفَا اللهُ تَعَالَى عَمَّا سَلَفَ مِنْ قَتْلِ الصَّيْدِ فِي حَالَةِ الإحْرَامِ ، الذِي تَمَّ قَبْلَ هذا التَّحْرِيمِ ، وَقَبْلَ بُلُوغِ الحُكْمِ الشَّرْعِيِّ لِلنَّاسِ . وَمَنْ عَادَ فِي الإِسْلاَمِ إلى فِعْلِ ذَلِكَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ ، واللهُ عَزيزٌ مَنيعُ الجَانِبِ . قَادِرٌ عَلَى أنْ يَنْتَقِمَ مِمَّنْ عَصَاهُ .(1)
ــــــــــــــ
__________
(1) - انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - (ج 1 / ص 1809)(1/79)
سادساً
كفارة القتل الخطأ
قال تعالى : {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} (92) سورة النساء
يَقُولُ اللهُ تَعَالَى : لاَ يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِن ، وَلاَ يَجُوزُ لَهُ ، أَنْ يَقْتُلَ أخَاهُ المُؤْمِنَ مُتَعَمِّداً ، لأنَّ الإِيمَانَ يَمْنَعُهُ مِنِ اجْتِراحِ هَذِهِ الكَبِيرَةِ ، لَكِنْ قَدْ يَقَعُ القَتْلُ مِنْهُ عَنْ خَطأ دُونَ قَصْدِ إِزْهَاقِ الرُّوحِ ، وَقَدْ يَقَعُ مِنْهُ ذَلِكَ أَيْضاً عَن تَهَاوُنٍ أَوْ عَدَمِ عِنَايَةٍ أَوْ نِسْيَانٍ . . . فَإِذا قَتَلَ مُؤْمِنٌ مُؤْمِناً خَطَأ ، كَأنْ أَرَادَ رَمْيَ صَيْدٍ فَأَصَابَ شَخْصاً فَقَتَلَهُ فَحُكْمُهُ كَالآتِي :
- إذا قَتَلَ المُؤْمِنُ مُؤْمِناً خَطَأً فَعَلَيهِ أَنْ يَدْفَعَ الدِيَةَ إلَى أَهْلِ القَتِيلِ ، إلاَّ أنْ يَعْفُوَ عَنْهُ هَؤُلاَءِ ، وَيَتَصَدَّقُوا عَلَيهِ بِهَا ، وَعَلَيهِ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً .
- إذَا كَانَ المَقْتُولُ مُؤْمِناً وَلَكِنَّهُ مِنْ قَوْمٍ أَعْدَاءٍ ، فَعَلَى القَاتِلِ أنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً كَفَّارَةَ عَمَلِهِ ، وَلاَ تُدْفَعُ لأَهْلِهِ دِيَةٌ لِكَيْلاَ يَسْتَعِينُوا بِهَا عَلَى قِتَالِ المُسْلِمِينَ .
- إذَا كَانَ المَقْتُولُ مُؤْمِناً مِنْ قَومٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ قَوْمِ القَاتِلِ مِيثَاقٌ ، وَعَهْدٌ عَلَى عَدَمِ القِتَالِ ، فَعَلَيهِ أَنْ يَدْفَعَ إليهِم الدِيَةَ ، وَعَلَيهِ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً .
فَإذا لَمْ يَجِدِ القَاتِلُ الدِيَةَ ، وَلَمْ يَسْتَطِعْ تَحْرِيرَ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ لِعَجْزِهِ عَنْ دَفْعِ قِيمَتِهَا ، أَوْ لِعَدَمِ اسْتِطَاعَتِهِ إِيجَادَ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ يَشْتَرِيها . . فَعَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ شَهْرِينِ مُتَتَابِعَيْنِ ، لاَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا إِفْطَارٌ بِدُونِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ ، فَإِنْ أَفْطَرَ بِدُونِ عُذْرٍ كَانَ مَا صَامَهُ قَبْلاً بَاطِلاً ، وَعَلَيهِ أنْ يُعِيدَ الصِّيَامَ مِنْ جَدِيدٍ حَتَّى يُتِمَّ شَهْرَينِ مُتَتَابِعَينِ . وَذَلِكَ تَكْفِيرٌ مِنْهُ عَنْ ذَنْبِهِ .
وَكَانَ اللهُ عَليماَ بِمَا يَفْعَلُهُ العِبَادُ ، حَكِيماً فِي شَرْعِهِ لَهُمْ مَا يُصْلِحُهُمْ .(1)
ــــــــــــــ
__________
(1) - انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - (ج 1 / ص 1459)(1/80)
سابعاً
كفارة المجامع أهله في نهار رمضان
عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - تَقُولُ إِنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ إِنَّهُ احْتَرَقَ . قَالَ « مَالَكَ » . قَالَ أَصَبْتُ أَهْلِى فِى رَمَضَانَ . فَأُتِىَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - بِمِكْتَلٍ ، يُدْعَى الْعَرَقَ فَقَالَ « أَيْنَ الْمُحْتَرِقُ » . قَالَ أَنَا . قَالَ « تَصَدَّقْ بِهَذَا »(1)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ أَتَى النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ فَقَالَ هَلَكْتُ . قَالَ « وَلِمَ » . قَالَ وَقَعْتُ عَلَى أَهْلِى فِى رَمَضَانَ . قَالَ « فَأَعْتِقْ رَقَبَةً » . قَالَ لَيْسَ عِنْدِى . قَالَ « فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ » . قَالَ لاَ أَسْتَطِيعُ . قَالَ « فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا » . قَالَ لاَ أَجِدُ . فَأُتِىَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ فَقَالَ « أَيْنَ السَّائِلُ » . قَالَ هَا أَنَا ذَا . قَالَ « تَصَدَّقْ بِهَذَا » . قَالَ عَلَى أَحْوَجَ مِنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ مِنَّا فَضَحِكَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ قَالَ « فَأَنْتُمْ إِذًا »(2)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ يَلْطِمُ وَجْهَهُ وَيَنْتِفُ شَعَرَهُ وَيَقُولُ مَا أُرَانِى إِلاَّ قَدْ هَلَكْتُ.
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « وَمَا أَهْلَكَكَ ». قَالَ أَصَبْتُ أَهْلِى فِى رَمَضَانَ. قَالَ « أَتَسْتَطِيعُ أَنْ تُعْتِقَ رَقَبَةً ». قَالَ لاَ. قَالَ « أَتَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ». قَالَ لاَ. قَالَ « أَتَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِيناً ». قَالَ لاَ. وَذَكَرَ الْحَاجَةَ قَالَ فَأُتِىَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِزِنْبِيلٍ - وَهُوَ الْمِكْتَلُ - فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعاً - أَحْسَبُهُ تَمْراً - قَالَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- « أَيْنَ الرَّجُلُ ». قَالَ « أَطْعِمْ هَذَا ». قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا أَحَدٌ أَحْوَجُ مِنَّا أَهْلَ بَيْتٍ. قَالَ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ قَالَ « أَطْعِمْ أَهْلَكَ »(3).
وعَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَجُلا جَاءَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ ، قَالَ : وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ : وَاقَعْتُ أَهْلِي فِي رَمَضَانَ ، قَالَ : أَتَجِدُ رَقَبَةً ؟ قَالَ : لا ، قَالَ : أَتَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ؟ قَالَ : لا ، قَالَ : فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا ، قَالَ : لا أَجِدُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : فَأَتَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ ، وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ ، قَالَ : اذْهَبْ فَتَصَدَّقْ بِهَذَا ، قَالَ : أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّي ؟ فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بَالْحَقِّ ، مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ مِنِّي ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، ثُمَّ قَالَ : اذْهَبْ بِهِ إِلَى أَهْلِكَ ، قَالَ الزُّهْرِيُّ : وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا رُخْصَةً لِلرَّجُلِ خَاصَّةً ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلا فَعَلَ ذَلِكَ الْيَوْمَ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنَ التَّكْفِيرِ(4).
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنِ الصِّيَامِ فِي أَدَاءِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ ، وَكَفَّارَةِ الْجِمَاعِ فِي رَمَضَانَ ، لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنَ الأَْعْذَارِ ، كَفَّرَ بِإِطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا(5)فَالإِْطْعَامُ قَدْ يَكُونُ لَسِتِّينَ مِسْكِينًا كَمَا فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ(3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4) } سورة المجادلة .
وَكَذَلِكَ كَفَّارَةُ الْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا عَلَى اخْتِلاَفِ الأَْقْوَال .
- - - - - - - - - - - - - - -
الباب الثاني
كفارات الذنوب في السُّنَّة النبوية
الفصل الأول
في الأفعال والأقوال المحصلة للمغفرة إن شاء الله تعالى
إسباغ الوضوء من أسباب المغفرة
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ - أَوِ الْمُؤْمِنُ - فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ - أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ - فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ - أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ - فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلاَهُ مَعَ الْمَاءِ - أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ - حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ ».(6)
وعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ »(7).
وعَنْ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ قَالَ: أَتَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ نَاسًا يَتَحَدَّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحَادِيثَ لاَ أَدْرِى مَا هِىَ إِلاَّ أَنِّى رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تَوَضَّأَ مِثْلَ وُضُوئِى هَذَا ثُمَّ قَالَ: « مَنْ تَوَضَّأَ هَكَذَا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَكَانَتْ صَلاَتُهُ وَمَشْيُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ نَافِلَةً »(8).
وعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ »(9).
وعَنْ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ جَلَسَ عَلَى الْمَقَاعِدِ فَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ فَآذَنَهُ بِصَلاَةِ الْعَصْرِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ قَالَ وَاللَّهِ لأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثًا لَوْلاَ أَنَّهُ فِى كِتَابِ اللَّهِ مَا حَدَّثْتُكُمُوهُ ثُمَّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « مَا مِنِ امْرِئٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ ثُمَّ يُصَلِّى الصَّلاَةَ إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلاَةِ الأُخْرَى حَتَّى يُصَلِّيَهَا ».(10)
وعَنْ أَبِي صَخْرَةَ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ : سَمِعْتُ حُمْرَانَ بْنَ أَبَانَ ، يُحَدِّثُ أَبَا بُرْدَةَ فِي مَسْجِدِ الْبَصْرَةِ وَأَنَا قَائِمٌ ، مَعَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عُثْمَانَ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " مَنْ أَتَمَّ الْوُضُوءَ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، فَالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ كَفَّارَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ "(11)
وعن جَامِعَ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ سَمِعْتُ حُمْرَانَ بْنَ أَبَانَ يُحَدِّثُ أَبَا بُرْدَةَ فِى مَسْجِدِ الْبِصْرَةِ وَأَنَا قَائِمٌ مَعَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ « مَنْ أَتَمَّ الْوُضُوءَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ ».(12)
وعَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَبَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ رَأَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ تَوَضَّأَ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ ثَلاَثًا فَغَسَلَهُمَا ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا وَغَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْمِرْفَقِ ثَلاَثًا ثُمَّ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ غَسَلَ قَدَمَهُ الْيُمْنَى ثَلاَثًا ثُمَّ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تَوَضَّأَ مِثْلَ وُضُوئِى هَذَا ثُمَّ قَالَ « مَنْ تَوَضَّأَ مِثْلَ وُضُوئِى هَذَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ».(13)
وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْقُرَشِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى مُعَاذُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ ابْنَ أَبَانَ أَخْبَرَهُ قَالَ أَتَيْتُ عُثْمَانَ بِطَهُورٍ وَهْوَ جَالِسٌ عَلَى الْمَقَاعِدِ ، فَتَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - تَوَضَّأَ وَهْوَ فِى هَذَا الْمَجْلِسِ ، فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ قَالَ « مَنْ تَوَضَّأَ مِثْلَ هَذَا الْوُضُوءِ ، ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ جَلَسَ ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ » . قَالَ وَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ تَغْتَرُّوا »(14).
وعن حُمْرَانَ ، قَالَ : دَعَا عُثْمَانُ بِوَضُوءٍ ، وَهُوَ يُرِيدُ الْخُرُوجَ إِلَى الصَّلاةِ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فَجِئْتُهُ بِمَاءٍ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ، فَقُلْتُ : حَسْبُكَ قَدْ أَسْبَغْتَ الْوُضُوءَ ، وَاللَّيْلَةُ شَدِيدَةٌ الْبَرْدِ فَقَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يَقُولُ : لاَ يُسْبِغُ عَبْدٌ الْوُضُوءَ إِلاَّ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ.(15)
ــــــــــــــ
__________
(1) - صحيح البخارى(1935 )
(2) - صحيح البخارى(5368 ) -العرق : مكتل يسع ثلاثين صاعا
(3) - مسند أحمد (10973) صحيح -اللابة : أرض ذات حجارة سود كثيرة والمدينة بين لابتين
(4) - مصنف عبد الرزاق (7458) صحيح
(5) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 37 / ص 298) و لاختيار 3 / 165 ، ونيل المآرب 2 / 262 ، والقوانين الفقهية 248 ، وروضة الطالبين 8 / 305 ، 306 .
(6) - صحيح مسلم (600 )
(7) - صحيح مسلم(601 )
(8) - صحيح مسلم(566 )
(9) - صحيح مسلم (601)
(10) - موطأ مالك (60 ) صحيح
(11) - مُسْنَدُ ابْنِ الْجَعْدِ(409 ) صحيح
(12) - مسند أحمد (483) صحيح
(13) - سنن أبى داود(106) صحيح
(14) - صحيح البخارى(6433 )
(15) - مسند البزار (422) و الآحاد والمثاني (150) صحيح لغيره(1/81)
الوضوء يكفر الذنوب
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ - قَالَ عِكْرِمَةُ ، وَلَقِيَ شَدَّادٌ أَبَا أُمَامَةَ ، وَوَاثِلَةَ ، وَصَحِبَ أَنَسًا إِلَى الشَّامِ وَأَثْنَى عَلَيْهِ فَضْلًا وَخَيْرًا - عَنْ أَبِي أُمَامَةَ ، قَالَ : قَالَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ السُّلَمِيُّ : كُنْتُ وَأَنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَظُنُّ أَنَّ النَّاسَ عَلَى ضَلَالَةٍ ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ ، فَسَمِعْتُ بِرَجُلٍ بِمَكَّةَ يُخْبِرُ أَخْبَارًا ، فَقَعَدْتُ عَلَى رَاحِلَتِي ، فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مُسْتَخْفِيًا جُرَءَاءُ عَلَيْهِ قَوْمُهُ ، فَتَلَطَّفْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِ بِمَكَّةَ ، فَقُلْتُ لَهُ : مَا أَنْتَ ؟ قَالَ : " أَنَا نَبِيٌّ " ، فَقُلْتُ : وَمَا نَبِيٌّ ؟ قَالَ : " أَرْسَلَنِي اللَّهُ " ، فَقُلْتُ : وَبِأَيِّ شَيْءٍ أَرْسَلَكَ ، قَالَ : " أَرْسَلَنِي بِصِلَةِ الْأَرْحَامِ ، وَكَسْرِ الْأَوْثَانِ ، وَأَنْ يُوَحَّدَ اللَّهُ لَا يُشْرَكُ بِهِ شَيْءٌ " ، قُلْتُ لَهُ : فَمَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا ؟ قَالَ : " حُرٌّ ، وَعَبْدٌ " ، قَالَ : وَمَعَهُ يَوْمَئِذٍ أَبُو بَكْرٍ ، وَبِلَالٌ مِمَّنْ آمَنَ بِهِ ، فَقُلْتُ : إِنِّي مُتَّبِعُكَ ، قَالَ : " إِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ يَوْمَكَ هَذَا ، أَلَا تَرَى حَالِي وَحَالَ النَّاسِ ، وَلَكِنِ ارْجِعْ إِلَى أَهْلِكَ فَإِذَا سَمِعْتَ بِي قَدْ ظَهَرْتُ فَأْتِنِي " ، قَالَ : فَذَهَبْتُ إِلَى أَهْلِي وَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ ، وَكُنْتُ فِي أَهْلِي فَجَعَلْتُ أَتَخَبَّرُ الْأَخْبَارَ ، وَأَسْأَلُ النَّاسَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ ، حَتَّى قَدِمَ عَلَيَّ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ يَثْرِبَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةَ ، فَقُلْتُ : مَا فَعَلَ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي قَدِمَ الْمَدِينَةَ ؟ فَقَالُوا النَّاسُ : إِلَيْهِ سِرَاعٌ وَقَدْ أَرَادَ قَوْمُهُ قَتْلَهُ فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا ذَلِكَ ، فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَعْرِفُنِي ؟ قَالَ : " نَعَمْ ، أَنْتَ الَّذِي لَقِيتَنِي بِمَكَّةَ " ، قَالَ : فَقُلْتُ : بَلَى " فَقُلْتُ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ وَأَجْهَلُهُ ، أَخْبِرْنِي عَنِ الصَّلَاةِ ، قَالَ : " صَلِّ صَلَاةَ الصُّبْحِ ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ ، ثُمَّ صَلِّ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ ، فَإِنَّ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ ، فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيْءُ فَصَلِّ ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ ، فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ "
قَالَ : فَقُلْتُ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَالْوُضُوءَ حَدِّثْنِي عَنْهُ ، قَالَ : " مَا مِنْكُمْ رَجُلٌ يُقَرِّبُ وَضُوءَهُ فَيَتَمَضْمَضُ ، وَيَسْتَنْشِقُ فَيَنْتَثِرُ إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ ، وَفِيهِ وَخَيَاشِيمِهِ ، ثُمَّ إِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ ، إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ مِنْ أَطْرَافِ لِحْيَتِهِ مَعَ الْمَاءِ ، ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ، إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا يَدَيْهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ ، ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ ، إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا رَأْسِهِ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهِ مَعَ الْمَاءِ ، ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ، إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا رِجْلَيْهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ ، فَإِنْ هُوَ قَامَ فَصَلَّى ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَمَجَّدَهُ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ ، وَفَرَّغَ قَلْبَهُ لِلَّهِ ، إِلَّا انْصَرَفَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ " . فَحَدَّثَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَبَا أُمَامَةَ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ لَهُ أَبُو أُمَامَةَ : " يَا عَمْرَو بْنَ عَبَسَةَ ، انْظُرْ مَا تَقُولُ فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ يُعْطَى هَذَا الرَّجُلُ " ، فَقَالَ عَمْرٌو : " يَا أَبَا أُمَامَةَ ، لَقَدْ كَبِرَتْ سِنِّي ، وَرَقَّ عَظْمِي ، وَاقْتَرَبَ أَجَلِي ، وَمَا بِي حَاجَةٌ أَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ وَلَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ، لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَّا مَرَّةً ، أَوْ مَرَّتَيْنِ ، أَوْ ثَلَاثًا حَتَّى عَدَّ سَبْعَ مَرَّاتٍ ، مَا حَدَّثْتُ بِهِ أَبَدًا ، وَلَكِنِّي سَمِعْتُهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ "(1)
وعَنْ حُمْرَانَ رَأَيْتُ عُثْمَانَ - رضى الله عنه - تَوَضَّأَ ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ ثَلاَثًا ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْمَرْفِقِ ثَلاَثًا ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى إِلَى الْمَرْفِقِ ثَلاَثًا ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى ثَلاَثًا ، ثُمَّ الْيُسْرَى ثَلاَثًا ، ثُمَّ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِى هَذَا ، ثُمَّ قَالَ « مَنْ تَوَضَّأَ وُضُوئِى هَذَا ، ثُمَّ يُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ ، لاَ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ فِيهِمَا بِشَىْءٍ ، إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ »(2).
وعَنْ حُمْرَانَ ، أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ دَعَا بِوَضُوءٍ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدِهِ مِنْ إِنَائِهِ فَغَسَلَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الْوَضُوءِ فَتَمَضْمَضَ ، وَاسْتَنْشَقَ ، وَاسْتَنْثَرَ ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا ، وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ ، ثُمَّ غَسَلَ كُلَّ رَجُلٍ مِنْ رِجْلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَوَضَّأُ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ، ثُمَّ قَالَ : " مَنْ تَوَضَّأَ مِثْلَ وُضُوئِي هَذَا ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ "(3)
ــــــــــــــ
__________
(1) - صحيح مسلم(1967 )
(2) - صحيح البخارى(1934 )
(3) - السنن الكبرى للإمام النسائي الرسالة (103) صحيح(1/82)
الوضوء يكفر ما قبله ثم تصير الصلاة نافلة
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إذَا تَوَضَّأَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ خَرَجَتْ ذُنُوبُهُ مِنْ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ ، فَإِنْ جَلَسَ جَلَسَ مَغْفُورًا لَهُ.(1)
وعَنْ أَبِى أُمَامَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا تَوَضَّأَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ خَرَجَتْ ذُنُوبُهُ مِنْ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَإِنْ قَعَدَ قَعَدَ مَغْفُوراً لَهُ »(2).
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَرْفَعُ اللَّهُ بِهِ الدَّرَجَاتِ وَيُكَفِّرُ بِهِ الْخَطَايَا إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ فِى الْمَكَارِهِ وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ ».(3)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ ». قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ ».(4)
وعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ ، وَإِعْمَالُ الأَقْدَامِ إِلَى الْمَسَاجِدِ ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ يَغْسِلُ الْخَطَايَا غَسْلا "(5)
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَزِيدُ بِهِ فِى الْحَسَنَاتِ ». قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ »(6).
وعَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلامٍ قَالَ : أَتَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ ، فَقَالَ لِي : مَا أَعْمَلَكَ وَمَنْ عَنَاكَ إِلَيْنَا ، فَقُلْتُ : مَا أَعْمَلَنِي وَلا عَنَانِي إِلا صِلَةَ مَا كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ وَالِدِي عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلامٍ قَالَ : افْتَحُوا الْبَابَ ، فَدَخَلَ النَّاسُ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : خُذْ بِيَدِي فَأَقْعِدْنِي ، فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَأَقْعَدْتُهُ ، فَقَالَ : لَيْسَ سَاعَةُ الْكَذِبِ هَذِهِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يَقُولُ : مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، أَوْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ مَكْتُوبَةٍ أَوْ غَيْرِ مَكْتُوبَةٍ يُحْسِنُ فِيهَا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ ، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ".(7)
وعن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ، أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا يُحَدِّثُ أَصْحَابَهُ ، فَقَالَ : مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَفَّرْنَ خَطَايَاهُ ، وَكَانَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ قَالَ عُقْبَةُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَزَقَنِي أَنْ أَسْمَعَ هَذَا الْحَدِيثَ ، فَقَالَ عُمَرُ وَهُوَ جَالِسٌ : أَتَعْجَبُ مِنْ هَذَا فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَبْلَ هَذَا أَكْثَرَ مِنْ هَذَا ، قَدْ قَالَ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَ ، فَقُلْتُ لِعُمَرَ : مَاذَا قَالَ ؟ فَقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ، ثُمَّ رَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ ، فَقَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فُتِحَتْ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ.(8)
وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، أنه قال: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خُدَّامَ أَنْفُسِنَا نَتَنَاوَبُ رِعَايَةَ إِبِلِنَا، فَرَوَّحْتُهَا بِعَشِيٍّ، فَأَدْرَكْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ النَّاسَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ يُقْبِلُ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَبِوَجْهِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ، فَقُلْتُ: بَخٍ بَخٍ مَا أَجْوَدَ هَذِهِ ! فَقَالَ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيَّ: الَّتِي قَبْلَهَا أَجْوَدُ، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا هِيَ يَا أَبَا حَفْصٍ؟ قَالَ: إِنَّهُ قَالَ آنِفًا قَبْلَ أَنْ تَجِيءَ: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ، ثُمَّ يَقُولُ حِينَ يَفْرُغُ مِنَ الْوُضُوءِ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ أَلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إِلا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ"(9)
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " " أَتَانِي رَبِّي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، قُلْتُ : لَبَّيْكَ رَبِّي وَسَعْدَيْكَ ، قَالَ : فِيمَ يَخْتَصِمُ المَلَأُ الأَعْلَى ؟ قُلْتُ : رَبِّ لَا أَدْرِي ، فَوَضَعَ يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ فَوَجَدْتُ بَرْدَهَا بَيْنَ ثَدْيَيَّ فَعَلِمْتُ مَا بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، فَقُلْتُ : لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ ، قَالَ : فِيمَ يَخْتَصِمُ المَلَأُ الأَعْلَى ؟ قُلْتُ : فِي الدَّرَجَاتِ وَالكَفَّارَاتِ ، وَفِي نَقْلِ الأَقْدَامِ إِلَى الجَمَاعَاتِ ، وَإِسْبَاغِ الوُضُوءِ فِي المَكْرُوهَاتِ ، وَانْتِظَارِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ ، وَمَنْ يُحَافِظْ عَلَيْهِنَّ عَاشَ بِخَيْرٍ وَمَاتَ بِخَيْرٍ ، وَكَانَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ "(10)
ــــــــــــــ
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 1 / ص 6)(39) صحيح لغيره
(2) - مسند أحمد(22863) صحيح لغيره
(3) - مسند أحمد(7410) صحيح
(4) - صحيح مسلم (610 )
(5) - المستدرك للحاكم(456) ومسند البزار(528) صحيح
(6) - سنن ابن ماجه (462 ) حسن
(7) - الآحاد والمثاني(2040) حسن
(8) - مسند البزار(242و243) صحيح لغيره
(9) - مسند أبي عوانة (465 ) صحيح
(10) - سنن الترمذى (3542) حسن(1/83)
الصلوات الخمس تمحو الخطايا
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ ، يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا ، مَا تَقُولُ ذَلِكَ يُبْقِى مِنْ دَرَنِهِ » . قَالُوا لاَ يُبْقِى مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا . قَالَ « فَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ ، يَمْحُو اللَّهُ بِهَا الْخَطَايَا »(1).
وعن عَامِرَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ يَقُولُ قَالَ عُثْمَانُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: « أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ بِفِنَاءِ أَحَدِكُمْ نَهْرٌ يَجْرِى يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ مَا كَانَ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ » قَالَ لاَ شَىْءَ. قَالَ :« فَإِنَّ الصَّلاَةَ تُذْهِبُ الذُّنُوبَ كَمَا يُذْهِبُ الْمَاءُ الدَّرَنَ »(2).
وعَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ مَثَلَ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ كَمَثَلِ نَهَرٍ جَارٍ عَلَى بَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ فَمَا يُبْقِى ذَلِكَ مِنَ الدَّنَسِ »(3).
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ كَفَّارَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ »(4).
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ :« الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ »(5).
وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ : " إِنَّ كُلَّ صَلَاةٍ تَحُطُّ مَا بَيْنَ يَدَيْهَا مِنْ خَطِيئَةٍ " .
وعَنْ أَبِي مَالِك الْأَشْعَرِيّ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - " جُعِلَتِ الصَّلَوَات كَفَّارَات لِمَا بَيْنهنَّ فَإِنَّ اللَّه قَالَ " إِنَّ الْحَسَنَات يُذْهِبْنَ السَّيِّئَات "(6).
فضل العلم والعلماء
عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَكَمِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْعُلَمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : إِنِّي لَمْ أَجْعَلْ حُكْمِي وَعِلْمِي فِيكُمْ إِلَّا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَغْفِرَ لَكُمْ عَلَى مَا كَانَ فِيكُمْ وَلَا أُبَالِي "
وعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يَبْعَثُ اللَّهُ الْعِبَادَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، ثُمَّ يُمَيِّزُ الْعُلَمَاءَ فَيَقُولُ : يَا مَعْشَرَ الْعُلَمَاءِ ، إِنِّي لَمْ أَضَعْ فِيكُمْ عِلْمِي لِأُعَذِّبَكُمْ ، اذْهَبُوا فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ "(7).
وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَاوُدَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو الصَّنْعَانِيَّ وَهُوَ يَقُولُ : إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ عُزِلَتِ الْعُلَمَاءُ فَإِذْ فَرَغَ مِنَ الْحِسَابِ ، قَالَ : لَمْ أَجْعَلْ حُكْمِي فِيكُمْ إِلَّا خَيْرًا أُرِيدُهُ فِيكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا فِيكُمْ "(8).
وعَنْ كَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ ، قَالَ : كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ ، فَقَالَ : يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ : إِنِّي جِئْتُكَ مِنْ مَدِينَةِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - لِحَدِيثٍ بَلَغَنِي ، أَنَّكَ تُحَدِّثُهُ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا جِئْتُ لِحَاجَةٍ ، قَالَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ ، وَمَنْ فِي الْأَرْضِ ، وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ ، كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا ، وَلَا دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ "(9)
ــــــــــــــ
__________
(1) - صحيح البخارى(528 ) ومسلم (1554 )
(2) - سنن ابن ماجه(1461 ) صحيح - الدرن : الوسخ
(3) - مسند أحمد(15234) صحيح
(4) - صحيح مسلم( 573 )
(5) - صحيح مسلم(574)
(6) - تفسير الطبري - (ج 15 / ص 513)(18665) ضعيف
(7) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 20 / ص 199)(1647) حسن لغيره
(8) - الْمَدْخَلُ إِلَى السُّنَنِ الْكُبْرَى لِلْبَيْهَقِيِّ(460) صحيح مرسل لأن مثله لا يقال بالرأي
(9) - سنن أبى داود (3643 ) صحيح(1/84)
المؤذن أهلٌ لمغفرة الله
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ مِنْ فِى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « الْمُؤَذِّنُ يُغْفَرُ لَهُ مَدَّ صَوْتِهِ وَيَسْتَغْفِرُ لَهُ كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ وَشَاهِدُ الصَّلاَةِ يُكْتَبُ لَهُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ حَسَنَةً وَيُكَفَّرُ عَنْهُ مَا بَيْنَهُمَا ».(1)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يَغْفِرُ اللَّهُ لِلْمُؤَذِّنِ مَدَّ صَوْتِهِ وَيَشْهَدُ لَهُ كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ سَمِعَ صَوْتَهُ ».(2)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« الْمُؤَذِّنُ يُغْفَرُ لَهُ مَدَى صَوْتَهُ ، وَيَشْهَدُ لَهُ كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ سَمِعَهُ ».(3)
وعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ نَبِىَّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ وَالْمُؤَذِّنُ يُغْفَرُ لَهُ مَدَّ صَوْتِهِ وَيُصَدِّقُهُ مَنْ سَمِعَهُ مِنْ رَطْبٍ وَيَابِسٍ وَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ صَلَّى مَعَهُ ».(4)
وعَنْ مُوسَى بْنِ أَبِى عُثْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « الْمُؤَذِّنُ يُغْفَرُ لَهُ مَدَّ صَوْتِهِ وَيَشْهَدُ لَهُ كُلُّ رَطْبٍ ويَابِسٍ وَشَاهِدُ الصَّلاَةِ يُكْتَبُ لَهُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ حَسَنَةً وَيُكَفَّرُ عَنْهُ مَا بَيْنَهُمَا »(5).
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « الإِمَامُ ضَامِنٌ وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ اللَّهُمَّ أَرْشِدِ الأَئِمَّةَ وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ »(6).
ــــــــــــــ
__________
(1) - سنن ابن ماجه(773 ) صحيح لغيره
(2) - مسند أحمد (6345) صحيح
(3) - السنن الكبرى للبيهقي (ج 1 / ص 431)(2111) صحيح
(4) - مسند أحمد (19006) صحيح
(5) - مسند أحمد(9567) صحيح
(6) - سنن أبى داود(517 ) والترمذي (207 ) صحيح(1/85)
ما يقول بعد الأذان
عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ:« مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا. غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ »(1).
وعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ، قَالَ: وَقَالَ ابْنُ عَامِرٍ مَنْ قَالَ: حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، وَقَالَ ابْنُ عَامِرٍ: رَسُولا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا سَعْدُ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، وَقَالَ ابْنُ عَامِرٍ: فَقِيلَ لَهُ يَا سَعْدُ: مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: هَكَذَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ"(2)
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ : اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ ، وَالصَّلاَةِ القَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الوَسِيلَةَ وَالفَضِيلَةَ ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ "(3)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ ، لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ "(4)
ــــــــــــــ
__________
(1) - صحيح مسلم (877)
(2) - مسند أبي عوانة(771) صحيح
(3) - صحيح البخارى(614)
(4) - صحيح مسلم(875 )(1/86)
السعي إلى المساجد من أسباب المغفرة
عن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " صَلاَةُ الرَّجُلِ فِي الجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلاَتِهِ فِي بَيْتِهِ ، وَفِي سُوقِهِ ، خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا ، وَذَلِكَ أَنَّهُ : إِذَا تَوَضَّأَ ، فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى المَسْجِدِ ، لاَ يُخْرِجُهُ إِلَّا الصَّلاَةُ ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً ، إِلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ ، فَإِذَا صَلَّى ، لَمْ تَزَلِ المَلاَئِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ ، مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ ، وَلاَ يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلاَةَ "(1).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ ، وَصَلَاتِهِ فِي سُوقِهِ ، بِضْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً ، وَذَلِكَ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ، ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ لَا يَنْهَزُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ ، لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ ، فَلَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفِعَ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ ، حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ ، فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَانَ فِي الصَّلَاةِ مَا كَانَتِ الصَّلَاةُ هِيَ تَحْبِسُهُ ، وَالْمَلَائِكَةُ يُصَلُّونَ عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ ، يَقُولُونَ : اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ ، اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ ، مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ ".(2)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : " مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا ، فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ ، فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ - صلى الله عليه وسلم - سُنَنَ الْهُدَى ، وَإِنَّهُنَّ مَنْ سُنَنَ الْهُدَى ، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ ، لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ، ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ ، إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً ، وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً ، وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ "(3)
وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى الْمَسْجِدِ كُتِبَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا عَشْرُ حَسَنَاتٍ وَالْقَاعِدُ فِى الْمَسْجِد يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ كَالْقَانِتِ وَيُكْتَبُ مِنَ الْمُصَلِّينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى بَيْتِهِ »(4).
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مِنْ حِينِ يَخْرُجُ أَحَدُكُمْ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى مَسْجِدِهِ فَرِجْلٌ تَكْتُبُ حَسَنَةً وَالأُخْرَى تَمْحُو سَيِّئَةً »(5).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : " مِنْ حِينِ يَخْرُجُ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنْزِلِهِ إِلَى مَسْجِدِي ، فَرِجْلٌ تَكْتُبُ لَهُ حَسَنَةً ، وَرِجْلٌ تَحُطُّ عَنْهُ سَيِّئَةً حَتَّى يَرْجِعَ "(6)
وعن حُيَىِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ أَبَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِى يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ رَاحَ إِلَى مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ فَخَطْوَةٌ تَمْحُو سَيِّئَةً وَخَطْوَةٌ تُكْتَبُ لَهُ حَسَنَةٌ ذَاهِباً وَرَاجِعاً ».(7)
وعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ ، أَنَّهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يَقُولُ : مَنْ تَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ ، ثُمَّ مَشَى إِلَى صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ فَصَلاهَا مَعَ الإِمَامِ ، غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ"(8)
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ حَضَرَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ الْمَوْتُ فَقَالَ إِنِّى مُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا مَا أُحَدِّثُكُمُوهُ إِلاَّ احْتِسَابًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ لَمْ يَرْفَعْ قَدَمَهُ الْيُمْنَى إِلاَّ كَتَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ حَسَنَةً وَلَمْ يَضَعْ قَدَمَهُ الْيُسْرَى إِلاَّ حَطَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ سَيِّئَةً فَلْيُقَرِّبْ أَحَدُكُمْ أَوْ لِيُبَعِّدْ فَإِنْ أَتَى الْمَسْجِدَ فَصَلَّى فِى جَمَاعَةٍ غُفِرَ لَهُ فَإِنْ أَتَى الْمَسْجِدَ وَقَدْ صَلَّوْا بَعْضًا وَبَقِىَ بَعْضٌ صَلَّى مَا أَدْرَكَ وَأَتَمَّ مَا بَقِىَ كَانَ كَذَلِكَ فَإِنْ أَتَى الْمَسْجِدَ وَقَدْ صَلَّوْا فَأَتَمَّ الصَّلاَةَ كَانَ كَذَلِكَ ».(9)
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ زَمَنَ الشِّتَاءِ وَالْوَرَقُ يَتَهَافَتُ ، فَأَخَذَ بِغُصْنَيْنِ مِنْ شَجَرَةٍ ، قَالَ : فَجَعَلَ ذَلِكَ الْوَرَقُ يَتَهَافَتُ ، قَالَ : فَقَالَ : " يَا أَبَا ذَرٍّ " قُلْتُ : لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : " إِنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ لَيُصَلِّي الصَّلَاةَ يُرِيدُ بِهَا وَجْهَ اللَّهِ ، فَتَهَافَتُ عَنْهُ ذُنُوبُهُ كَمَا يَتَهَافَتُ هَذَا الْوَرَقُ عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ "(10)
ــــــــــــــ
__________
(1) - صحيح البخارى(647 )
(2) - صحيح مسلم(1538) -ينهز : يحفز ويدفع
(3) - صحيح مسلم(1520)
(4) - مسند أحمد(17922) صحيح لغيره
(5) - مسند أحمد(8480) صحيح
(6) - صحيح ابن حبان - (ج 4 / ص 502)(1622)
(7) - مسند أحمد (6758) صحيح لغيره
(8) - صحيح ابن خزيمة (1409) صحيح
(9) - سنن أبى داود (563 ) صحيح
(10) - مسند أحمد(22177) حسن لغيره(1/87)
كثرة السجود معين على دخول الجنة
عن مَعْدَانَ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ الْيَعْمَرِىِّ قَالَ : لَقِيتُ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقُلْتُ : أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ أَعْمَلُهُ يُدْخِلُنِي اللَّهُ بِهِ الْجَنَّةَ ؟ أَوْ قَالَ قُلْتُ : بِأَحَبِّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ ، فَسَكَتَ . ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَسَكَتَ . ثُمَّ سَأَلْتُهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ : سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : " عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ ، فَإِنَّكَ لَا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً ، إِلَّا رَفَعَكَ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً ، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً " قَالَ مَعْدَانُ : ثُمَّ لَقِيتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ لِي : مِثْلَ مَا قَالَ لِي : ثَوْبَانُ" ... (1)
وعَنْ كَثِيرِ بن مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا فَاطِمَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :اسْتَكْثِرُوا مِنَ السُّجُودِ فَإِنَّهُ مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً إِلا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً.(2)
وعَنْ عَاصِمِ بْنِ سُفْيَانَ الثَّقَفِىِّ أَنَّهُمْ غَزَوْا غَزْوَةَ السَّلاَسِلِ فَفَاتَهُمُ الْغَزْوُ فَرَابَطُوا ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى مُعَاوِيَةَ وَعِنْدَهُ أَبُو أَيُّوبَ وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ فَقَالَ عَاصِمٌ يَا أَبَا أَيُّوبَ فَاتَنَا الْغَزْوُ الْعَامَ وَقَدْ أُخْبِرْنَا أَنَّهُ مَنْ صَلَّى فِى الْمَسَاجِدِ الأَرْبَعَةِ غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ. فَقَالَ يَا ابْنَ أَخِى أَدُلُّكَ عَلَى أَيْسَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « مَنْ تَوَضَّأَ كَمَا أُمِرَ وَصَلَّى كَمَا أُمِرَ غُفِرَ لَهُ مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلٍ ». أَكَذَلِكَ يَا عُقْبَةُ قَالَ نَعَمْ.(3)
وعَنْ عَمْرِو بن مَيْمُونٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَكَانَ قَلِيلَ الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ تَوَضَّأَ كَمَا أُمِرَ ، وَصَلَّى كَمَا أُمِرَ ، خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ.(4)
وعَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " " مَنْ صَلَّى الغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ " " ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ"(5).
وعَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ " مَنْ قَعَدَ فِي مُصَلَّاهُ حِينَ يَنْصَرِفُ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ ، حَتَّى يُسَبِّحَ رَكْعَتَيِ الضُّحَى ، لَا يَقُولُ إِلَّا خَيْرًا ، غُفِرَ لَهُ خَطَايَاهُ ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ زَبَدِ الْبَحْرِ "(6)
وعَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ : " مَنْ قَعَدَ فِي مُصَلَّاهُ حِينَ يُصَلِّي الصُّبْحَ حَتَّى يُسَبِّحَ الضُّحَى ، لَا يَقُولُ إِلَّا خَيْرًا غُفِرَتْ لَهُ خَطَايَاهُ ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ زَبَدِ الْبَحْرِ "(7)
ــــــــــــــ
__________
(1) - صحيح مسلم(1121 )
(2) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 16 / ص 183)(18258) حسن
(3) - سنن النسائى (145 ) صحيح
(4) - المعجم الكبير للطبراني (147) صحيح لغيره
(5) - سنن الترمذى(589) صحيح لغيره
(6) - سنن أبى داود(1289) حسن لغيره
(7) - مسند أحمد(16028) حسن لغيره(1/88)
جزاء الذاكرين في أدبار الصلوات
عن طِيبَ بْنِ سَلْمَانَ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَمْرَةَ ، تَقُولُ سَمِعْتُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ ، تَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : مَنْ صَلَّى الْفَجْرَ أَوْ قَالَ : الْغَدَاةَ فَقَعَدَ فِي مَقْعَدِهِ فَلَمْ يَلْغُ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا ، وَيَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى يُصَلِّيَ الضُّحَى أَرْبَعَ ، رَكَعَاتٍ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ لا ذَنْبَ لَهُ"(1).
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " " مَنْ قَالَ فِي دُبُرِ صَلَاةِ الفَجْرِ وَهُوَ ثَانٍ رِجْلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ عَشْرَ مَرَّاتٍ ، كُتِبَتْ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ ، وَمُحِيَ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ ، وَرُفِعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ ، وَكَانَ يَوْمَهُ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي حِرْزٍ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ ، وَحُرِسَ مِنَ الشَّيْطَانِ ، وَلَمْ يَنْبَغِ لِذَنْبٍ أَنْ يُدْرِكَهُ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ إِلَّا الشِّرْكَ بِاللَّهِ "(2)
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ قَالَ دُبُرَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَهُوَ ثَانِي رِجْلِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ، يُحْيِي وَيُمِيتُ ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ عَشْرَ مَرَّاتٍ ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ قَالَهَا مِنْهُنَّ حَسَنَةً ، وَمَحَى عَنْهُ سَيِّئَةً ، وَرُفِعَ بِهَا دَرَجَةً ، وَكَانَ لَهُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ قَالَهَا عَتَقُ رَقَبَةٍ ، وَكَانَ يَوْمَهُ ذَلِكَ فِي حِرْزٍ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ ، وَحُرِسَ مِنَ الشَّيْطَانِ ، وَلَمْ يَنْبَغِ لِذَنْبٍ أَنْ يُدْرِكَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إِلَّا الشِّرْكُ بِاللَّهِ "(3)
وعَنْ مُعَاذٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ قَالَ حِينَ يَنْصَرِفُ مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ عَشْرَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَكَلَّمَ ، كُتِبَ لَهُ بِهِنَّ عَشْرُ حَسَنَاتٍ ، وَمُحِيَ عَنْهُ بِهِنَّ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ ، وَرُفِعَ بِهِنَّ عَشْرَ دَرَجَاتٍ ، وَكُنَّ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ نَسَمَاتٍ ، وَكُنَّ لَهُ حَرَسًا مِنَ الشَّيْطَانِ ، وَحِرْزًا مِنَ الْمَكْرُوهِ ، وَلَمْ يَلْحَقْهُ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ ذَنْبُ إِلَّا الشِّرْكُ بِاللَّهِ ، وَمَنْ قَالَهُنَّ حِينَ يَنْصَرِفُ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ أُعْطِيَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي لَيْلَتِهِ "(4)
وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ قَالَ حِينَ يَنْصَرِفُ مَنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ عَشَرَ مَرَّاتٍ ، أُعْطِيَ بِهِنَّ سَبْعًا كُتِبَ لَهُ بِهِنَّ عَشَرُ حَسَنَاتٍ ، وَمُحِيَ عَنْهُ بِهِنَّ عَشَرُ سَيِّئَاتٍ ، وَرُفِعَ لَهُ بِهِنَّ عَشَرُ دَرَجَاتٍ ، وَكُنَّ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ نَسَمَاتٍ ، وَكُنَّ لَهُ حِفْظًا مِنَ الشَّيْطَانِ ، وَحِرْزًا مِنَ الْمَكْرُوهِ ، وَلَمْ يَلْحَقْهُ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ ذَنْبٌ إِلَّا الشِّرْكَ بِاللَّهِ ، وَمَنْ قَالَهُنَّ حِينَ يَنْصَرِفُ مِنْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ أُعْطِيَ مِثْلَ ذَلِكَ لِثُلُثِهِ "(5)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ سَبَّحَ فِي دُبُرِ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ ، وَهَلَّلَ مِائَةَ تَهْلِيلَةٍ ، غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ ، وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ"(6)
وعَنْ عُمَارَةَ بْنِ شَبِيبٍ السَّبَئِيِّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " " مَنْ قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ ، يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ عَشْرَ مَرَّاتٍ عَلَى إِثْرِ المَغْرِبِ بَعَثَ اللَّهُ لَهُ مَسْلَحَةً يَحْفَظُونَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ حَتَّى يُصْبِحَ ، وَكَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا عَشْرَ حَسَنَاتٍ مُوجِبَاتٍ ، وَمَحَا عَنْهُ عَشْرَ سَيِّئَاتٍ مُوبِقَاتٍ ، وَكَانَتْ لَهُ بِعَدْلِ عَشْرِ رِقَابٍ مُؤْمِنَاتٍ "(7)
وعَنْ أَبِي أَيُّوبَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ قَالَ إِذَا أَصْبَحَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، عَشْرَ مَرَّاتٍ ، كُتِبَ لَهُ بِهِنَّ عَشْرُ حَسَنَاتٍ ، وَمُحِيَ بِهِنَّ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ ، وَرُفِعَ لَهُ بِهِنَّ عَشْرُ دَرَجَاتٍ ، وَكُنَّ لَهُ عَدْلَ عَتَاقَةِ أَرْبَعِ رِقَابٍ ، وَكُنَّ لَهُ حَرَسًا مِنَ الشَّيْطَانِ حَتَّى يُمْسِيَ ، وَمَنْ قَالَهُنَّ إِذَا صَلَّى الْمَغْرِبَ دُبُرَ صَلاَتِهِ فَمِثْلُ ذَلِكَ حَتَّى يُصْبِحَ.(8)
وعَنْ أَبِي أَيُّوبَ ، أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ فِي أَرْضِ الرُّومِ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " مَنْ قَالَ غُدْوَةً : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ عَشْرَ مَرَّاتٍ ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ ، وَمَحَا عَنْهُ عَشْرَ سَيِّئَاتٍ ، وَكُنَّ لَهُ بِقَدْرِ عَشْرِ رِقَابٍ ، وَأَجَارَهُ اللَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ ، وَمَنْ قَالَهَا عَشِيَّةً كَانَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ "(9)
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ : " مَنْ قَالَ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ وَيَثْنِيَ رِجْلَهُ مِنْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ ، وَالصُّبْحِ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ ، يُحْيِي وَيُمِيتُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ عَشْرَ مَرَّاتٍ ، كُتِبَ لَهُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ ، وَرُفِعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ ، وَكَانَتْ حِرْزًا مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ ، وَحِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ، وَلَمْ يَحِلَّ لِذَنْبٍ يُدْرِكُهُ إِلَّا الشِّرْكَ ، وَكَانَ مِنْ أَفْضَلِ النَّاسِ عَمَلًا ، إِلَّا رَجُلًا يَفْضُلُهُ ، يَقُولُ : أَفْضَلَ مِمَّا قَالَ "(10)
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : مَنْ قَالَ فِي دُبُرِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَهُوَ ثَانِيَ رِجْلَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ ، وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ بِيَدِهِ الْخَيْرِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ عَشْرَ مَرَّاتٍ ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ عَشْرُ حَسَنَاتٍ ، وَمُحِيَ عَنْهُ بِهَا عَشْرُ سَيِّئَاتٍ ، وَرُفِعَ لَهُ بِهَا عَشْرُ دَرَجَاتٍ ، وَكَانَ لَهُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ عِدْلُ رَقَبَةٍ ، وَكَانَ يَوْمُهُ ذَلِكَ فِي حِرْزٍ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ مِنَ الشَّيْطَانِ وَلَمْ يُتْبَعْ بِذَنْبٍ يُدْرِكُهُ إِلاَّ الشِّرْكُ"(11).
وعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ : " مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ، يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، عَشْرَ مَرَّاتٍ ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ قَالَهَا عَشْرَ حَسَنَاتٍ ، وَحَطَّ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا عَشْرَ سَيِّئَاتٍ ، وَرَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا عَشْرَ دَرَجَاتٍ ، وَكُنَّ لَهُ كَعَشْرِ رِقَابٍ ، وَكُنَّ لَهُ مَسْلَحَةً مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إِلَى آخِرِهِ ، وَلَمْ يَعْمَلْ يَوْمَئِذٍ عَمَلًا يَقْهَرُهُنَّ ، فَإِنْ قَالَ حِينَ يُمْسِي ، فَمِثْلُ ذَلِكَ "(12)
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ ،عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ : " مَنْ قَالَ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ وَيَثْنِيَ رِجْلَهُ مِنْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ ، وَالصُّبْحِ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ ، يُحْيِي وَيُمِيتُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ عَشْرَ مَرَّاتٍ ، كُتِبَ لَهُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ ، وَرُفِعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ ، وَكَانَتْ حِرْزًا مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ ، وَحِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ، وَلَمْ يَحِلَّ لِذَنْبٍ يُدْرِكُهُ إِلَّا الشِّرْكَ ، وَكَانَ مِنْ أَفْضَلِ النَّاسِ عَمَلًا ، إِلَّا رَجُلًا يَفْضُلُهُ ، يَقُولُ : أَفْضَلَ مِمَّا قَالَ "(13)
وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " مَنْ قَالَ مِائَةَ مَرَّةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ , سُبْحَانَ اللَّهِ , وَمِائَةً قَبْلَ غُرُوبِهَا كَانَ أَفْضَلَ مِنْ مِائَةِ بَدَنَةٍ , وَمَنْ قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ مِائَةَ مَرَّةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ , وَمِائَةً قَبْلَ غُرُوبِهَا كَانَ أَفْضَلَ مِنْ حُمْلَانِ مِائَةِ فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ , وَمَنْ قَالَ : اللَّهُ أَكْبَرُ مِائَةِ مَرَّةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَمِائَةً قَبْلَ غُرُوبِهَا لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَوْمَئِذٍ بِعَمَلٍ أَفْضَلَ مِنْ عَمَلِهِ وَكَانَ أَفْضَلَ النَّاسِ عَمَلًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ , إِلَّا مَنْ جَاءَ بِمِثْلِ قَوْلِهِ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ "(14)
وعَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ ، حَدَّثَنِي مُعَاذٌ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " مَنْ قَالَ بَعْدَ الْفَجْرِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ : أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ ، كُفِّرَتْ عَنْهُ ذُنُوبُهُ ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ "(15)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، وَكَبَّرَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، فَتْلِكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ ، وَقَالَ : تَمَامَ الْمِائَةِ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ"(16)
وعن أبي أمامة قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ فِي كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إِلَّا أَنْ يَمُوتَ "(17)
وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إِلَّا أَنْ يَمُوتَ "(18).
ــــــــــــــ
__________
(1) - مسند أبي يعلى الموصلي(4365) حسن
(2) - سنن الترمذي(3396) حسن
(3) - السُّنَنُ الْكُبْرَى لِلنَّسَائِي( 9878) حسن
(4) - السنن الكبرى للإمام النسائي(9877) حسن لغيره
(5) - الْمُعْجَمُ الْكَبِيرُ لِلطَّبَرَانِيِّ (15935 ) حسن
(6) - سنن النسائى (1362) صحيح
(7) - سنن الترمذى (3877) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ حَدِيثِ لَيْثِ بْنِ سَعْدٍ. وَلاَ نَعْرِفُ لِعُمَارَةَ بْنِ شَبِيبٍ سَمَاعًا عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم-.
(8) - صحيح ابن حبان - (ج 5 / ص 369)(2023) صحيح
(9) - السنن الكبرى للإمام النسائي (9768) صحيح لغيره
(10) - مسند أحمد(18475) حسن
(11) - مسند البزار(4050) حسن
(12) - مسند أحمد(24284) صحيح
(13) - مسند أحمد(18475) حسن
(14) - مُسْنَدُ الشَّامِيِّينَ لِلطَّبَرَانِيّ(502 ) حسن
(15) - عَمَلُ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ لِابْنِ السُّنِّيِّ (126) و مُصَنَّفُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الصَّنْعَانِيِّ ( 3194) حسن لغيره
(16) - موطأ مالك (494) ومسلم (1380)
(17) - السنن الكبرى للإمام النسائي الرسالة(9848) حسن
(18) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 7 / ص 122)(7408) حسن(1/89)
الصلاةُ في الصف الأول من أسباب المغفرة
عَنِ العِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَسْتَغْفِرُ لِلصَّفِّ الْمُقَدَّمِ ثَلاَثاً وَلِلثَّانِى مَرَّةً.(1)
وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ ، أَنَّ خَالِدَ بْنَ مَعْدَانَ حَدَّثَهُ ، أَنَّ جُبَيْرَ بْنَ نُفَيْرٍ حَدَّثَهُ ، أَنَّ الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ حَدَّثَهُ ، وَكَانَ الْعِرْبَاضُ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ ، قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي عَلَى الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ ثَلاَثًا ، وَعَلَى الثَّانِي وَاحِدَةً.(2)
وعَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصَّفِّ الأَوَّلِ »(3).
وعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ مَنَحَ مِنْحَةَ وَرِقٍ أَوْ مَنَحَ وَرِقاً أَوْ هَدَى زُقَاقاً أَوْ سَقَى لَبَناً كَانَ لَهُ عَدْلُ رَقَبَةٍ أَوْ نَسَمَةٍ وَمَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ عَشْرَ مَرَّاتٍ كَانَ لَهُ كَعَدْلِ رَقَبَةٍ أَوْ نَسَمَةٍ ». قَالَ وَكَانَ يَأْتِينَا إِذَا قُمْنَا إِلَى الصَّلاَةِ فَيَمْسَحُ عَوَاتِقَنَا أَوْ صُدُورَنَا وَكَانَ يَقُولُ « لاَ تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ ». وَكَانَ يَقُولُ « إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصَّفِّ الأَوَّلِ أَوِ الصُّفُوفِ الأُوَلِ »(4).
وعَنْ أَبِى أُمَامَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصَّفِّ الأَوَّلِ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلَى الثَّانِى قَالَ « إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصَّفِّ الأَوَّلِ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلَى الثَّانِى قَالَ « وَعَلَى الثَّانِى ». قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « سَوُّوا صُفُوفَكُمْ وَحَاذُوا بَيْنَ مَنَاكِبِكُمْ وَلِينُوا فِى أَيْدِى إِخْوَانِكُمْ وَسُدُّوا الْخَلَلَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ فِيمَا بَيْنَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْحَذَفِ ». يَعْنِى أَوْلاَدَ الضَّأْنِ الصِّغَارَ(5).
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى مَيَامِنِ الصُّفُوفِ ».(6)
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الَّذِينَ يَصِلُونَ الصُّفُوفَ، وَمَنْ سَدَّ فُرْجَةً رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً »(7).
وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ سَدَّ فُرْجَةً فِي صَفٍّ رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً وَبَنَى لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ "(8).
وَعَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " مَنْ سَدَّ فُرْجَةً فِي الصَّفِّ غُفِرَ لَهُ "(9).
ــــــــــــــ
__________
(1) - مسند أحمد (17605) صحيح
(2) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 1 / ص 379)(3833) صحيح
(3) - سنن ابن ماجه(1052 ) صحيح لغيره
(4) - مسند أحمد (19021) صحيح - الزقاق : الطريق والمراد من دل الضال على طريقه -النَّسمة : النفس والروح أى ذا روح ويريد الناس - الورق : الفضة
(5) - مسند أحمد (22923) صحيح لغيره - الحذف : جمع حذفة وهى الغنم الصغار الحجازية
(6) - سنن أبى داود (676 ) صحيح لغيره
(7) - سنن ابن ماجه (1048 ) صحيح لغيره
(8) - المعجم الأوسط للطبراني(5959) حسن
(9) - مسند البزار(4232) حسن(1/90)
التأمين خلف الإمام من مفاتيح الجنة
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِذَا قَالَ الإِمَامُ ( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ) فَقُولُوا آمِينَ . فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ »(1).
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِذَا قَالَ أَحَدُكُمْ آمِينَ . وَقَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ فِى السَّمَاءِ آمِينَ . فَوَافَقَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ »(2)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُعَلِّمُنَا أَنْ لاَ نُبَادِرَ الإِمَامَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ « وَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا وَإِذَا قَالَ (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ) فَقُولُوا آمِينَ فَإِذَا وَافَقَ كَلاَمَ الْمَلاَئِكَةِ غُفِرَ لِمَنْ فِى الْمَسْجِدِ وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ »(3).
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « إِذَا قَالَ أَحَدُكُمْ آمِينَ . وَقَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ فِى السَّمَاءِ آمِينَ . فَوَافَقَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ »(4).
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « إِذَا أَمَّنَ الإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ »(5)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِذَا قَالَ الإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ . فَقُولُوا اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ . فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ »(6).
ــــــــــــــ
__________
(1) - صحيح البخارى(782)
(2) - صحيح البخارى(781 )
(3) - مسند أحمد (9933) صحيح
(4) - صحيح البخارى(781 )
(5) - صحيح البخارى(780 )
(6) - صحيح البخارى(796 )(1/91)
كلمات تقال عند النوم تجلب المغفرة
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : مَنْ قَالَ حِينَ يَأْوِي إلَى فِرَاشِهِ ، لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ ، لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ الحَمدُ لله ، لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ ، اللَّهُ أَكْبَرُ ، غُفِرْت ذُنُوبُهُ ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ.(1)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : مَنْ قَالَ حِينَ يَأْوِي إِلَى فِرَاشِهِ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ ، سُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ ، غَفَرَ اللَّهُ ذُنُوبَهُ أَوْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ(2).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : " مَنْ قَالَ عِنْدَ مَنَامِهِ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ ، غُفِرَتْ ذُنُوبُهُ وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ زَبَدِ الْبَحْرِ "(3)
وعَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ : مَنْ قَالَ إذَا أَوى إِلَى فِرَاشِهِ : أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ غُفِرَ لَهُ ذُنُوبُهُ ، وَإِنْ كَانَتْ طِفَاحَ الأَرْضِ.(4)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " مَنْ قَالَ حِينَ يَأْوِي إِلَى فِرَاشِهِ : أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الحَيَّ القَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، غَفَرَ اللَّهُ ذُنُوبَهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ ، وَإِنْ كَانَتْ عَدَدَ وَرَقِ الشَّجَرِ ، وَإِنْ كَانَتْ عَدَدَ رَمْلِ عَالِجٍ ، وَإِنْ كَانَتْ عَدَدَ أَيَّامِ الدُّنْيَا "(5).
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ قَالَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَفَانِي وَآوَانِي ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعِمْنِي وَسَقَانِي ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي مَنَّ عَلَيَّ فَأَفْضَلَ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِعِزَّتِكَ أَنْ تُنَجِّيَنِي مِنَ النَّارِ ، فَقَدْ حَمِدَ اللَّهَ بِجَمِيعِ مَحَامِدِ الْخَلْقِ كُلِّهِمْ" .(6)
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"مَنْ قَالَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَلا فَقَهَرَ، وَبَطَنَ فَخَبَرَ، وَمَلَكَ فَقَدَرَ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ".(7)
وعَنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ، يُحْيِي وَيُمِيتُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، سُبْحَانَ اللَّهِ ، وَالْحَمْدُ للَّهِ ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ، ثُمَّ قَالَ : رَبِّ اغْفِرْ لِي غُفِرَ لَهُ ، أَوْ قَالَ : فَدَعَا ، اسْتُجِيبَ لَهُ ، فَإِنْ هُوَ عَزَمَ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ "(8)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " مَنْ قَالَ حِينَ يَتَحَرَّكُ مِنَ اللَّيْلِ : بِسْمِ اللَّهِ عَشْرَ مَرَّاتٍ ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَشْرًا ، آمَنْتُ بِاللَّهِ ، وَكَفَرْتُ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ عَشْرًا ، وَفِي كُلِّ شَيْءٍ يَتَخَوَّفُهُ ، وَلَمْ يَنْبَغِ لِذَنْبٍ أَنْ يُدْرِكَهُ إِلَى مِثْلِهَا "(9)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، أَنَّهُ قَالَ : " مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ ، فَقَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ رَبِّ ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ، خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَمَا تَخْرُجُ الْحَيَّةُ مِنْ سَلْخِهَا "(10)
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأَبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ ، وَهُوَ قُرْبَةٌ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ ، وَمُكَفِّرٌ لِلسَّيِّئَاتِ ، وَمَنْهَاةٌ عَنِ الإِثْمِ"(11)
ــــــــــــــ
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 9 / ص 73)(27058) صحيح
(2) - صحيح ابن حبان - (ج 12 / ص 338)(5528) صحيح
(3) - لسنن الكبرى للإمام النسائي(10578) صحيح
(4) - مصنف ابن أبي شيبة(ج 10 / ص 250)(29920) حسن مرسل ، ومثله لا يقال بالرأي
(5) - مسند أحمد(11372) وفيه ضعف -الزبد : الرغوة
(6) - المستدرك للحاكم (2001) صحيح -أوى وآوى : ضم وانضم ، وجمع ، حمى ، ورجع ، ورَدَّ ، ولجأ ، واعتصم ، ووَارَى ، وأسكن ، ويستخدم كل من الفعلين لازما ومتعديا ويعطي كل منهما معنى الآخر - كفاه : أغناه عن الحاجة - المن : الإحسان والإنعام
(7) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 20 / ص 270)(1789) وفيه ضعف
(8) - صحيح البخارى(1154 ) و حِلْيَةُ الْأَوْلِيَاءِ (6975) - تعار : أرق واستيقظ
(9) - المعجم الأوسط للطبراني(11071 ) ضعيف
(10) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 10 / ص 223)(29848) حسن لغيره
(11) - المستدرك للحاكم(1156) صحيح لغيره(1/92)
ذاكر الله بعد النوم مغفور له
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِى وَجْهِهَا الْمَاءَ رَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِى وَجْهِهِ الْمَاءَ ».(1)
عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَا مِنْ رَجُلٍ يَسْتَيْقِظُ مِنَ اللَّيْلِ فَيُوقِظُ امْرَأَتَهُ ، فَإِنْ غَلَبَهَا النَّوْمُ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا مِنَ الْمَاءِ ، فَيَقُومَانِ فِي بَيْتِهِمَا فَيَذْكُرَانِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ سَاعَةً مِنَ اللَّيْلِ إِلا غُفِرَ لَهُمَا ".(2)
ــــــــــــــ
__________
(1) - سنن أبى داود (1310 ) صحيح
(2) - المعجم الكبير للطبراني(3370) حسن لغيره(1/93)
أذكار الصباح والمساء
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : مَنْ قَالَ إِذَا أَصْبَحَ مِائَةَ مَرَّةٍ ، وَإِذَا أَمْسَى مِئَةَ مَرَّةٍ : سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ غُفِرَتْ ذُنُوبُهُ ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ زَبَدِ الْبَحْرِ"(1)
وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ مِائَةَ مَرَّةٍ إِذَا أَصْبَحَ ، وَمِائَةَ مَرَّةٍ إِذَا أَمْسَى ، لَمْ يَجِئْ أَحَدٌ بِمِثْلِ عَمَلِهِ إِلَّا مَنْ قَالَ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ "(2)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : " مَنْ قَالَ : لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ ، إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ "(3)
وعَنِ أبي عياش قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ كَانَ لَهُ كَعَدْلِ رَقَبَةٍ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ ، وَكُتِبَ لَهُ بها عَشْرُ حَسَنَاتٍ ، وَحُطَّ عَنهُ بِهَا عَشْرُ سَيِّئَاتٍ ، وَرُفِعَتْ لَهُ بِهَا عَشْرُ دَرَجَاتٍ ، وَكَانَ فِي حِرْزٍ مِنَ الشَّيْطَانِ حَتَّى يُمْسِيَ ، وَإِذَا أَمْسَى مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى يُصْبِحَ.(4)
وعَنْ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ : لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ كَانَ لَهُ كَعَدْلِ رَقَبَةٍ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ ، وَكُتِبَتْ لَهُ بِهَا عَشْرُ حَسَنَاتٍ ، وَحُطَّتْ بِهَا عَنهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ ، وَرُفِعَتْ لَهُ بِهَا عَشْرُ دَرَجَاتٍ ، وَكَانَ فِي حِرْزٍ مِنَ الشَّيْطَانِ حَتَّى يُمْسِيَ ، وَإِذَا أَمْسَى مِثْلُ ذَلِكَ حَتَّى يُصْبِحَ.(5)
وعَنْ أَبِي أَيُّوبَ ، أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ فِي أَرْضِ الرُّومِ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " مَنْ قَالَ غُدْوَةً : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ عَشْرَ مَرَّاتٍ ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ ، وَمَحَا عَنْهُ عَشْرَ سَيِّئَاتٍ ، وَكُنَّ لَهُ بِقَدْرِ عَشْرِ رِقَابٍ ، وَأَجَارَهُ اللَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ ، وَمَنْ قَالَهَا عَشِيَّةً كَانَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ "(6)
وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ : " مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ، يُحْيِي وَيُمِيتُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، عَشْرَ مَرَّاتٍ ; كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ قَالَهَا عَشْرَ حَسَنَاتٍ ، وَمَحَا عَنْهُ بِهَا عَشْرَ سَيِّئَاتٍ ، وَرَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا عَشْرَ دَرَجَاتٍ ، وَكُنَّ لَهُ كَعَشْرِ رِقَابٍ ، وَكُنَّ لَهُ مَسْلَمَةً مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إِلَى آخِرِهِ ، وَلَمْ يَعْمَلْ يَوْمَئِذٍ عَمَلًا يَقْهَرُهُنَّ ; فَإِنْ قَالَهَا حِينَ يُمْسِي فَمِثْلُ ذَلِكَ "(7)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِى سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ. لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلاَّ أَحَدٌ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ ».(8)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : " مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ أَوْ يُمْسِي : اللَّهُمَّ إِنِّي أَصْبَحْتُ أُشْهِدُكَ وَأُشْهِدُ حَمَلَةَ عَرْشِكَ وَمَلَائِكَتَكَ ، وَجَمِيعَ خَلْقِكَ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ أَعْتَقَ اللَّهُ رُبُعَهُ مِنَ النَّارِ ، فَمَنْ قَالَهَا مَرَّتَيْنِ أَعْتَقَ اللَّهُ نِصْفَهُ ، وَمَنْ قَالَهَا ثَلَاثًا أَعْتَقَ اللَّهُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ ، فَإِنْ قَالَهَا أَرْبَعًا أَعْتَقَهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ "(9)
وعَنْ مُسْلِمِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ : سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ : اللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ ، وَأُشْهِدُ حَمَلَةَ عَرْشِكَ ، وَمَلَائِكَتَكَ ، وَجَمِيعَ خَلْقِكَ ، بِأَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ، وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ ، إِلَّا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا أَصَابَ مِنْ ذَنْبٍ ، وَإنْ هُوَ قَالَهَا حِينَ يُمْسِي غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا أَصَابَهُ ، يَعْنِي تِلْكَ اللَّيْلَةَ "(10)
وعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ : اللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ ، وَأُشْهِدُ حَمَلَةَ عَرْشِكَ ، وَمَلَائِكَتَكَ ، وَجَمِيعَ خَلْقِكَ إِنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ، وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ ، أَعْتَقَ اللَّهُ رُبُعَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ مِنَ النَّارِ ، فَإِنْ قَالَهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَعْتَقَهُ اللَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ مِنَ النَّارِ "(11)
ــــــــــــــ
__________
(1) - المستدرك للحاكم (1906) صحيح
(2) - الدُّعَاءُ لِلطَّبَرَانِيِّ (300) صحيح
(3) - صحيح البخارى(3293 )
(4) - مصنف ابن أبي شيبة(ج 9 / ص 79)(27077) صحيح
(5) - مصنف ابن أبي شيبة(ج 10 / ص 244)(29902) صحيح
(6) - السنن الكبرى للإمام النسائي (9768) صحيح
(7) - مسند أحمد(24284) صحيح
(8) - صحيح مسلم (7019 )
(9) - سنن أبى داود(5071 ) حسن
(10) - السنن الكبرى للإمام النسائي الرسالة( 9754) حسن
(11) - السنن الكبرى للإمام النسائي الرسالة(9753) حسن(1/94)
صلوات يغفر لمن أداها
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ حَافَظَ عَلَى شُفْعَةِ الضُّحَى غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ.(1)
وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ ، أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ ، فَجَلَسَ يَوْمًا يُحَدِّثُ أَصْحَابَهُ ، فَقَالَ : " مَنْ قَامَ إِذَا اسْتَقَلَّتِ الشَّمْسُ فَتَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ غُفِرَتْ لَهُ خَطَايَاهُ وَكَانَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ " . قَالَ عُقْبَةُ : فَقُلْتُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَزَقَنِي أَنْ أَسْمَعَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لِي عُمَرُ وَكَانَ جَالِسًا تُجَاهِي : أَتَعْجَبُ مِنْ هَذَا ، فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَعْجَبَ مِنْ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَ ، فَقُلْتُ : وَمَاذَا بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ؟ فَقَالَ عُمَرُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ رَفَعَ بَصَرَهُ أَوْ نَظَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فُتِحَتْ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ مِنَ الْجَنَّةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيَّتِهَا شَاءَ ".(2)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ : " يَا عَبَّاسُ ، يَا عَمَّاهُ ، أَلَا أُعْطِيكَ ، أَلَا أَمْنَحُكَ ، أَلَا أَحْبُوكَ ، أَلَا أَفْعَلُ بِكَ عَشْرَ خِصَالٍ ، إِذَا أَنْتَ فَعَلْتَ ذَلِكَ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ ذَنْبَكَ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ ، قَدِيمَهُ وَحَدِيثَهُ ، خَطَأَهُ وَعَمْدَهُ ، صَغِيرَهُ وَكَبِيرَهُ ، سِرَّهُ وَعَلَانِيَتَهُ ، عَشْرَ خِصَالٍ : أَنْ تُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ تَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً ، فَإِذَا فَرَغْتَ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ وَأَنْتَ قَائِمٌ ، قُلْتَ : سُبْحَانَ اللَّهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ ، خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً ، ثُمَّ تَرْكَعُ ، فَتَقُولُهَا وَأَنْتَ رَاكِعٌ عَشْرًا ، ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ مِنَ الرُّكُوعِ ، فَتَقُولُهَا عَشْرًا ، ثُمَّ تَهْوِي سَاجِدًا ، فَتَقُولُهَا وَأَنْتَ سَاجِدٌ عَشْرًا ، ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ مِنَ السُّجُودِ فَتَقُولُهَا عَشْرًا ، ثُمَّ تَسْجُدُ ، فَتَقُولُهَا عَشْرًا ، ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ ، فَتَقُولُهَا عَشْرًا ، فَذَلِكَ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ ، فِي كُلِّ رَكْعَةٍ تَفْعَلُ ذَلِكَ فِي أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ ، إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تُصَلِّيَهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً فَافْعَلْ ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّةً ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ ، فَفِي عُمُرِكَ مَرَّةً "(3)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ : " يَا عَبَّاسُ يَا عَمَّاهُ أَلَا أُعْطِيكَ ؟ أَلَا أَمْنَحُكَ ؟ أَلَا أَحْبُوكَ ؟ أَلَا أَفْعَلُ لَكَ عَشْرَ خِصَالٍ إِذَا أَنْتَ فَعَلْتَ ذَلِكَ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ ذَنْبَكَ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ ، قَدِيمَهُ وَحَدِيثَهُ ، خَطَأَهُ وَعَمْدَهُ ، صَغِيرَهُ وَكَبِيرَهُ ، سِرَّهُ وَعَلَانِيَتَهُ ؟ عَشْرُ خِصَالٍ : أَنْ تُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ، تَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ ، فَإِذَا فَرَغْتَ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ وَأَنْتَ قَائِمٌ قُلْتَ : سُبْحَانَ اللَّهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً ، ثُمَّ تَرْكَعُ فَتَقُولُهَا وَأَنْتَ رَاكِعٌ عَشْرًا ، ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ مِنَ الرُّكُوعِ فَتَقُولُهَا عَشْرًا ، ثُمَّ تَسْجُدُ فَتَقُولُهَا عَشْرًا ، ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ مِنَ السُّجُودِ فَتَقُولُهَا عَشْرًا ، ثُمَّ تَسْجُدُ فَتَقُولُهَا عَشْرًا ، ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ فَتَقُولُهَا عَشْرًا ، فَذَلِكَ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ فِي رَكْعَةٍ تَفْعَلُ ذَلِكَ فِي أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ ، إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تُصَلِّيَهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً فَافْعَلْ ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّةً ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي عُمُرِكَ مَرَّةً "(4)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهُ : " يَا غُلَامُ أَلَا أَحْبُوكَ ؟ أَلَا أُنْحِلُكَ ؟ أَلَا أُعْطِيكَ ؟ قَالَ : قُلْتُ : بَلَى ، بِأَبِي وَأُمِّي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : فَظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيَقْطَعُ لِي قِطْعَةً مِنْ مَالٍ ، فَقَالَ : " أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ تُصَلِّيهِنَّ ، فِي كُلِّ يَوْمٍ ، فَإِنْ لَمِ تَسْتَطِعْ فَفِي كُلِّ جُمُعَةٍ ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَفِي كُلِّ شَهْرٍ ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَفِي كُلِّ سَنَةٍ ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَفِي دَهْرِكَ مَرَّةً : تُكَبِّرُ ، فَتَقْرَأُ أُمَّ الْقُرْآنِ وَسُورَةً ، ثُمَّ تَقُولُ : سُبْحَانَ اللَّهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً ، ثُمَّ تَرْكَعُ ، فَتَقُولُهَا عَشْرًا ، ثُمَّ تَرْفَعُ ، فَتَقُولُهَا عَشْرًا ، ثُمَّ تَسْجُدُ فَتَقُولُهَا عَشْرًا ، ثُمَّ تَرْفَعُ فَتَقُولُهَا عَشْرًا ، ثُمَّ تَسْجُدُ ، فَتَقُولُهَا عَشْرًا ، ثُمَّ تَرْفَعُ ، فَتَقُولُهَا عَشْرًا ، ثُمَّ تَفْعَلُ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا مِثْلَ ذَلِكَ ، فَإِذَا فَرَغْتَ قُلْتَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَقَبْلَ التَّسْلِيمِ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ تَوْفِيقَ أَهْلِ الْهُدَى ، وَأَعْمَالَ أَهْلِ الْيَقِينِ ، وَمُنَاصَحَةَ أَهْلِ التَّوْبَةِ ، وَعَزْمَ أَهْلِ الصَّبْرِ ، وَجِدَّ أَهْلِ الْحِسْبَةِ ، وَطَلَبَ أَهْلِ الرَّغْبَةِ ، وَتَعَبُّدَ أَهْلِ الْوَرَعِ ، وعِرْفَانَ أَهْلِ الْعِلْمِ حَتَّى أَخَافَكَ ، اللَّهُمَّ أَسْأَلُكَ مَخَافَةً تَحْجِزُنِي عَنْ مَعَاصِيكَ ، حَتَّى أَعْمَلَ بِطَاعَتِكَ عَمَلًا أَسْتَحِقُّ بِهِ رِضَاكَ ، وَحَتَّى أُنَاصِحَكَ فِي التَّوْبَةِ خَوْفًا مِنْكَ ، وَحَتَّى أُخْلِصَ لَكَ النَّصِيحَةَ حُبًّا لَكَ ، وَحَتَّى أَتَوَكَّلَ عَلَيْكَ فِي الْأُمُورِ حُسْنَ ظَنٍّ بِكَ ، سُبْحَانَ خَالِقِ النَّارِ ، فَإِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ يَا ابْنَ عَبَّاسِ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ ذُنُوبَكَ صَغِيرَهَا وكَبِيرَهَا ، وقَدِيمَهَا وحَدِيثَهَا ، وسِرَّهَا وَعَلَانِيَتَهَا ، وعَمْدَهَا وخَطَأَهَا "(5)
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَا مِنْ حَافِظَيْنِ يَرْفَعَانِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا حَفِظَا مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فَيَجِدُ اللَّهُ فِي أَوَّلِ الصَّحِيفَةِ وَفِي آخِرِهَا خَيْرًا " إِلَّا قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ : أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي مَا بَيْنَ طَرَفَيِ الصَّحِيفَةِ " وَفِي رِوَايَةِ الدَّهَّانِ " مَا حَفِظَا فَيَرَى اللَّهُ فِي أَوَّلِ صَحِيْفَتِهِمَا خَيْرًا وَآخِرِهَا خَيْرًا ، إِلَّا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : أُشْهِدُكُمْ مَلَائِكَتِي أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُ مَا بَيْنَ طَرَفَيِ الصَّحِيفَةِ "(6)
ــــــــــــــ
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 2 / ص 406)(7868) ضعيف
(2) - حَدِيثُ أَبِي مُحَمَّدٍ الْفَاكِهِيِّ (237 ) صحيح
(3) سنن أبى داود(1299) صحيح
(4) - التَّرْغِيبُ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَثَوَابُ ذَلِكَ لِابْنِ شَاهِين(105 ) صحيح
(5) - المعجم الأوسط للطبراني(2408) حسن لغيره
(6) - سنن الترمذى(997 ) وشعب الإيمان للبيهقي(6791 ) ضعيف(1/95)
الاستغفارُ
الاستغفار ، ولو عظُمت الذُّنوب ، وبلغت الكثرة عَنان السماء ، وهو السَّحاب . وقيل : ما انتهى إليه البصر منها ، فعن أَخْشَنَ السَّدُوسِىَّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ أَوْ [قَالَ]: وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ أَخْطَأْتُمْ حَتَّى تَمْلأَ خَطَايَاكُمْ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرْتُمُ اللَّهَ لَغَفَرَ لَكُمْ، وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، أَوْ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُخْطِئُوا لَجَاءَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، بِقَوْمٍ يُخْطِئُونَ، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ، فَيَغْفِرُ لَهُمْ.(1)
والاستغفارُ : طلبُ المغفرة ، والمغفرة : هي وقاية شرِّ الذنوب مع سترها .
وقد كثر في القرآن ذكرُ الاستغفار ، فتارةً يؤمر به ، كقوله تعالى : { وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } (البقرة : 199 ) ، وقوله : { وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ } (هود : 3 ) .
وتارةً يمدحُ أهلَه ، كقوله : { وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ } (آل عمران : 17) ، وقوله :
{ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } (الذاريات : 18 ) ، وقوله : { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ } (آل عمران : 135) .
وتارةً يذكر أن الله يغفر لمن استغفره ، كقوله تعالى : { وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً } (النساء : 110 ) .
وكثيراً ما يُقرن الاستغفارُ بذكر التوبة ، فيكون الاستغفارُ حينئذٍ عبارةً عن طلب المغفرة باللسان ، والتوبة عبارة عن الإقلاع عن الذنوب بالقلوب والجوارح .
وتارة يفرد الاستغفار ، ويُرتب عليه المغفرة ، كما ذكر في هذا الحديث وما أشبهه ، فقد قيل : إنَّه أريد به الاستغفارُ المقترن بالتوبة ، وقيل : إنَّ نصوص الاستغفار المفردة كلّها مطلقة تُقيَّدُ بما ذكر في آية (( آل عمران )) من عدم الإصرار ؛ فإنَّ الله وعد فيها المغفرة لمن استغفره من ذنوبه ولم يُصر على فعله ، فتُحْمَلُ النُّصوص المطلقة في الاستغفار كلّها على هذا المقيد ، ومجرَّدُ قولِ القائل : اللهمَّ اغفر لي ، طلبٌ منه للمغفرة ودعاءٌ بها ، فيكون حكمه حكمَ سائرِ الدعاء ، فإنْ شاء الله أجابه وغفر لصاحبه ، لاسيما إذا خرج عن قلبٍ منكسرٍ بالذنب أو صادف ساعةً من ساعات الإجابة كالأسحار وأدبار الصلوات .
قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ : " يَا بُنَيَّ أَكْثِرْ مِنْ قَوْلِ : رَبِّ اغْفِرْ لِي ، فَإِنَّ لِلَّهِ سَاعَاتٍ لَا يُرَدُّ فِيهَا سَائِلٌ "(2)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ الْحَسَنَ ، يَقُولُ : " أَكْثِرُوا مِنَ الِاسْتِغْفَارِ فِي بُيُوتِكُمْ ، وَعَلَى مَوَائِدِكُمْ ، وَفِي طُرُقِكُمْ ، وَفِي أَسْوَاقِكُمْ ، وَفِي مَجَالِسِكُمْ ، أَيْنَمَا كُنْتُمْ فَإِنَّكُمْ مَا تَدْرُونَ مَتَى تَنْزِلُ الْمَغْفِرَةُ "(3)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " بَيْنَا رَجُلٌ مُسْتَلْقٍ إِذْ نَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ وَإِلَى النُّجُومِ فَقَالَ : إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّ لَكِ رَبًّا وَخَلَّاقًا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ "(4)
وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : جَاءَ حَبِيبُ بْنُ الْحَارِثِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي رَجُلٌ مِقْرَافٌ . قَالَ : " فَتُبْ إِلَى اللَّهِ يَا حَبِيبُ " . قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي أَتُوبُ ثُمَّ أَعُودُ . قَالَ : " فَكُلَّمَا أَذْنَبْتَ فَتُبْ " . قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِذًا تَكْثُرُ ذُنُوبِي ، قَالَ : " عَفْوُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ ذُنُوبِكَ يَا حَبِيبُ بْنَ الْحَارِثِ "(5).
وعن خالد بن أبي عزة أن عليا أَتَاهُ رَجُلٌ , فَقَالَ : مَا تَرَى فِي رَجُلٍ أَذْنَبَ ذَنْبًا قَالَ : " يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَتُوبُ إِلَيْهِ " قَالَ : قَدْ فَعَلَ , ثُمَّ عَادَ . قَالَ : " يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَتُوبُ إِلَيْهِ . قَالَ : قَدْ فَعَلَ , ثُمَّ عَادَ . قَالَ :" يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ , ثُمَّ يَتُوبُ إِلَيْهِ " , فَقَالَ لَهُ فِي الرَّابِعَةِ : قَدْ فَعَلَ , ثُمَّ عَادَ , فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : حَتَّى مَتَى "، ثُمَّ قَالَ : " يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَتُوبُ إِلَيْهِ وَلَا يَمَلُّ حَتَّى يَكُونَ الشَّيْطَانُ هُوَ الْمَحْسُورُ "(6)
وعَنْ مُوَرِّقٍ ، قَالَ : " كَانَ رَجُلٌ يَعْمَلُ السَّيِّئَاتِ ، وَإِنَّهُ خَرَجَ إِلَى الْبَرِيَّةِ فَجَمَعَ تُرَابًا فَاضْطَجَعَ عَلَيْهِ مُسْتَلْقِيًا فَقَالَ : يَا رَبِّ ، اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي فَقَالَ : إِنَّ هَذَا لِيَعْرِفُ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ وَيُعَذِّبُ فَغَفَرَ لَهُ "(7)
وعَنْ مُغِيثِ بْنِ سُمَيٍّ ، قَالَ : " بَيْنَمَا رَجُلٌ خَبِيثٌ فَتَذْكُرَ يَوْمًا إِذْ قَالَ : اللَّهُمَّ غُفْرَانَكَ اللَّهُمَّ غُفْرَانَكَ فَغُفِرَ لَهُ "(8)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا يَحْكِى عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ « أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى ذَنْبِى. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَذْنَبَ عَبْدِى ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ أَىْ رَبِّ اغْفِرْ لِى ذَنْبِى. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَبْدِى أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ أَىْ رَبِّ اغْفِرْ لِى ذَنْبِى. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَذْنَبَ عَبْدِى ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ »(9).
وعن أبي هُرَيْرَةَ قالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: « إِنَّ عَبْدًا أَذْنَبَ ذَنْبًا ». وَذَكَرَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ: « أَذْنَبَ ذَنْبًا ». وَفِى الثَّالِثَةِ :« قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِى فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ ».(10)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : أَنَّ رَجُلاً أَذْنَبَ ذَنْبًا ، فقَالَ : أَيْ رَبِّ ، أَذْنَبْتُ ذَنْبًا أَوْ قَالَ : عَمِلْتُ عَمَلاً فَاغْفِرْ لِي ، فقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : عَبْدِي عَمِلَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ، وَيَأْخُذُ بِهِ ، قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ، ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا آخَرَ أَوْ ، قَالَ : عَمِلَ ذَنْبًا آخَرَ ، قَالَ : رَبِّ إِنِّي عَمِلْتُ ذَنْبًا فَاغْفِرْ لِي ، فقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ، ثُمَّ عَمِلَ ذَنْبًا آخَرَ أَوْ أَذْنَبَ ذَنْبًا آخَرَ ، فقَالَ : رَبِّ إِنِّي عَمِلْتُ ذَنْبًا فَاغْفِرْ لِي ، فقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ.(11)
وعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، قَالَ : كَانَ قَاصٌّ بِالْمَدِينَةِ ، يُقَالُ لَهُ : عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يَقُولُ : إِنَّ عَبْدًا أَصَابَ ذَنْبًا ، فَقَالَ : يَا رَبِّ ، أَذْنَبْتُ ذَنْبًا ، فَاغْفِرْ لِي ، فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ : عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ، وَيَأْخُذُ بِهِ ، فَغَفَرَ لَهُ ، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا آخَرَ ، فَقَالَ : يَا رَبِّ ، أَذْنَبْتُ ذَنْبًا فَاغْفِرْهُ لِي ، فَقَالَ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ : عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ، وَيَأْخُذُ بِهِ ، قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ، فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ ذَنْبًا ، فَقَالَ : رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي ، فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا ، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ ، اعْمَلْ مَا شِئْتَ ، قَدْ غَفَرْتُ لَكَ"(12)
والمعنى : ما دام على هذا الحال كلَّما أذنب استغفر . والظاهر أنَّ مرادهُ الاستغفارُ المقرون بعدم الإصرار ، فعَنْ أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« مَا أَصَرَّ مَنِ اسْتَغْفَرَ وَإِنْ عَادَ فِى الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً »(13).
وأمّا استغفارُ اللسان مع إصرار القلب على الذنب ، فهو دُعاء مجرَّد إنْ شاء الله أجابه ، وإنْ شاء ردَّه، وقد يكون الإصرار مانعاً من الإجابة ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو ابْنِ الْعَاصِ، عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: ارْحَمُوا تُرْحَمُوا، وَاغْفِرُوا يَغْفِرِ اللَّهُ لَكُمْ، وَيْلٌ لأَقْمَاعِ الْقَوْلِ، وَيْلٌ لِلْمُصِرِّينَ الَّذِينَ يُصِرُّونَ عَلَى مَا فَعَلُوا، وَهُمْ يَعْلَمُونَ.(14)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ ، وَالْمُسْتَغْفِرُ مِنَ الذَّنْبِ وَهُوَ مُقِيمٌ كَالْمُسْتَهْزِئِ بِرَبِّهِ ، وَمَنْ أَذَى مُسْلِمًا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ كَذَا وَكَذَا " ذَكَرَ شَيْئًا "(15)
وعَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ : " ثَلَاثَةٌ لَا يَسْمَعُ اللَّهُ لَهُمْ دُعَاءً : رَجُلٌ مَعَهُ امْرَأَةُ زِنَا كُلَّمَا قَضَى شَهْوَتَهُ مِنْهَا قَالَ : رَبِّ اغْفِرْ لِي ، فَيَقُولُ الرَّبُّ : تَحَوَّلْ عَنْهَا وَأَنَا أَغْفِرُ لَكَ وَإِلَّا فَلَا ، وَرَجُلٌ بَاعَ بَيْعًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَلَمْ يُشْهِدْ وَلَمْ يَكْتُبْ فَكَابَرَهُ الرَّجُلُ بِمَالِهِ , فَيَقُولُ : يَا رَبِّ , كَابَرَنِي بِمَالِي , فَيَقُولُ الرَّبُّ : لَا آجُرُكَ وَلَا أُنْجِيكَ إِنِّي أَمَرْتُكَ بِالْكِتَابِ وَالشُّهُودِ فَعَصَيْتَنِي ، وَرَجُلٌ يَأْكُلُ مَالَ قَوْمٍ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ , وَيَقُولُ : يَا رَبِّ , اغْفِرْ لِي مَا أَكَلْتُ مِنْ مَالِهِمْ , فَيَقُولُ الرَّبُّ : رُدَّ إِلَيْهِمْ مَالَهُمْ فَأَغْفِرَ لَكَ وَإِلَّا فَلَا "(16)
وقول القائل : أستغفر الله ، معناه : أطلبُ مغفرته ، فهو كقوله : اللهمَّ اغفر لي ، فالاستغفارُ التامُّ الموجبُ للمغفرة : هو ما قارن عدمَ الإصرار ، كما مدح الله أهله ، ووعدهم المغفرة ، قال بعض العارفين : من لم يكن ثمرةُ استغفاره تصحيح توبته ، فهو كاذب في استغفاره ، وكان بعضُهم يقول : استغفارُنا هذا يحتاج إلى استغفارٍ كثير ، وفي ذلك يقولُ بعضهم :
أستغْفِرُ الله مِنْ أستغفرُ الله من لَفظةٍ بَدَرَتْ خالفْتُ معناها
وكيفَ أرجو إجاباتِ الدُّعاء وقد سَدَدْتُ بالذَّنب عندَ الله مَجراها
فأفضل الاستغفار ما اقترن به تركُ الإصرار ، وهو حينئذ توبةٌ نصوح ، وإنْ قال بلسانه : أستغفر الله وهو غيرُ مقلع بقلبه ، فهو داعٍ لله بالمغفرة ، كما يقول : اللهمَّ اغفر لي ، وهو حسن وقد يُرجى له الإجابة ، وأما من قال : توبةُ الكذابين ، فمرادُه أنَّه ليس بتوبة ، كما يعتقده بعضُ الناس ، وهذا حقٌّ ، فإنَّ التَّوبةَ لا تكون مَعَ الإصرار .
وإن قال : أستغفر الله وأتوبُ إليه فله حالتان :
إحداهما : أن يكونَ مصرّاً بقلبه على المعصية ، فهذا كاذب في قوله :(( وأتوب إليه )) لأنَّه غيرُ تائبٍ ، فلا يجوزُ له أن يخبر عن نفسه بأنَّه تائبٌ وهو غير تائب .
والثانية : أنْ يكون مقلعاً عن المعصية بقلبه ، فاختلف الناس في جوازِ قوله : وأتوب إليه ، فكرهه طائفةٌ من السَّلف ، وهو قولُ أصحاب أبي حنيفة حكاه عنهم الطحاوي ، وقال الربيع بن خثيم : يكونُ قولُه : (( وأتوب إليه )) كذبةً وذنباً ، ولكن ليقل : اللهمَّ تُبْ عليَّ ، أو يقول : اللهمَّ إنِّي أستغفرك فتُب عليَّ ، وهذا قد يُحمل على من لم يقلع بقلبه وهو بحاله أشبه . وكان محمد بن سوقة يقول في استغفاره : استغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحيّ القيوم وأسأله توبة نصوحاً .
فعَنْ سُلَيْمٍ الْعَامِرِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ ، يَقُولُ : بِحَسْبِ الْمَرْءِ مِنَ الْعِلْمِ أَنْ يَخْشَى اللَّهَ ، وَبِحَسْبِهِ مِنَ الْكَذِبِ أَنْ يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ ثُمَّ يَعُودُ(17).
وعَنِ الْجَرِيرِيِّ قَالَ : سَمِعَ مُطَرِّفٌ رَجُلًا يَقُولُ : أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ قَالَ : " فَلَعَلَّكَ لَا تَفْعَلُ "(18).
وهذا ظاهره يدلُّ على أنَّه إنَّما كره أنْ يقول : وأتوب إليه ؛ لأنَّ التوبة النصوحَ أنْ لا يعودَ إلى الذنب أبداً ، فمتى عاد إليه ، كان كاذباً في قوله : (( أتوب إليه )).
وكذلك سُئِل محمدُ بن كعب القُرظِيُّ عمَّن عاهد الله أنْ لا يعود إلى معصية أبداً ، فقال : من أعظم منه إثماً يتألَّي على الله أنْ لا ينفذ فيه قضاؤه ، ورجَّح قوله في هذا أبو الفرج ابنُ الجوزي ، ورُوي عن سُفيان بن عُيينة نحو ذلك .(19)
وجمهورُ العلماء على جواز أنْ يقول التائب : أتوبُ إلى الله ، وأنْ يُعاهِدَ العبدُ ربَّه على أنْ لا يعود إلى المعصية ، فإنَّ العزم على ذلك واجبٌ عليه ، فهو مخبر بما عزم عليه في الحال ، لهذا قال : " ما أصرَّ من استغفر ، ولو عاد في اليوم سبعين مرة "(20). وقال في المعاود للذنب : " قد غفرتُ لعبدي ، فليعمل ما شاء "(21).
وفي حديث كفارة المجلس : "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ."(22)، وعَنْ أَبِى أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِىِّ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - أُتِىَ بِلِصٍّ قَدِ اعْتَرَفَ اعْتِرَافًا وَلَمْ يُوجَدْ مَعَهُ مَتَاعٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« مَا إِخَالُكَ سَرَقْتَ ». قَالَ: بَلَى. فَأَعَادَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا فَأَمَرَ بِهِ فَقُطِعَ وَجِىءَ بِهِ فَقَالَ: « اسْتَغْفِرِ اللَّهَ وَتُبْ إِلَيْهِ ». فَقَالَ : أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ: « اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ ». ثَلاَثًا(23).
واستحبَّ جماعة من السَّلف الزيادة على قوله : " أستغفر الله وأتوب إليه " فعن يزيد بن الأصم قَالَ : سَمِعَ عمرُ بنُ الخطاب رَجُلًا يَقُولُ : أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ : " أَتْبِعْهَا أُخْتَهَا : فَاغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي "(24)
وسئل الأوزاعيُّ عن الاستغفار : أيقول : أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحيّ القيوم وأتوبُ إليه ، فقال : إنَّ هذا لحسن ، ولكن يقول : ربِّ اغفر لي حتى يتمَّ الاستغفار .(25)
وأفضل أنواع الاستغفار : أنْ يبدأ العبدُ بالثَّناء على ربِّه ، ثم يثني بالاعتراف بذنبه ، ثم يسأل الله المغفرة، فعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : سَيِّدُ الاِسْتِغْفَارِ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ : اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي ، وَأَنَا عَبْدُكَ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ ، أَصْبَحْتُ عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ ، وَأَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذُنُوبِي ، فَاغْفِرْ لِي ، إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ.(26)
وفي الصحيحين عَنْ أبِي بَكْرٍ الصِّديقِ , رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ؛ أنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : عَلِّمْنِي دُعاءً أدْعُو بِهِ فِي صَلاَتي ، قَالَ : قُلِ : اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا ، وَلاَ يَغْفِرُ الْذُّنُوبَ إِلا أنْتَ ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ ، وَارْحَمْنِي ، إِنَّكَ أنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ..(27)
ومن أنواع الاستغفار أنْ يقولَ العبدُ : " أستغفرُ الله الذي لا إله إلا هو الحيّ القيُّوم وأتوب إليه " فعن زَيْدٍ مَوْلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: « مَنْ قَالَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِى لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ »(28).
وعَنْ خَبَّاب بن الأرتِّ ، قَالَ : سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَيْفَ أَسْتَغْفِرُ ؟ قَالَ : " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ، وَتُبْ عَلَيْنَا ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ "(29)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ : أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.(30)
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : كَانَ الْمُصْطَفَى - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَغْفِرُ رَبَّهُ جَلَّ وَعَلاَ فِي الأَحْوَالِ عَلَى حَسَبِ مَا وَصَفْنَاهُ ، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ ، وَلاِسْتِغْفَارِهِ - صلى الله عليه وسلم - مَعْنَيَانِ :
أَحَدُهُمَا أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلاَ بَعَثَهُ مُعَلِّمًا لِخَلْقِهِ قَوْلاً وَفِعْلاً ، فَكَانَ يُعَلِّمُ أُمَّتَهُ الاِسْتِغْفَارَ وَالدَّوَامَ عَلَيْهِ ، لِمَا عَلِمَ مِنْ مُقَارَفَتِهَا الْمَآثِمَ فِي الأَحَايِينِ بِاسْتِعْمَالِ الاِسْتِغْفَارِ . ...
وَالْمَعْنَى الثَّانِي : أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَسْتَغْفِرُ لِنَفْسِهِ عَنْ تَقْصِيرِ الطَّاعَاتِ لاَ الذُّنُوبِ ، لأَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلاَ عَصَمَهُ مِنْ بَيْنِ خَلْقِهِ ، وَاسْتَجَابَ لَهُ دُعَاءَهُ عَلَى شَيْطَانِهِ حَتَّى أَسْلَمَ ، وَذَاكَ أَنَّ مِنْ خُلُقِ الْمُصْطَفَى - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا أَتَى بِطَاعَةٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ دَاوَمَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَقْطَعْهَا ، فَرُبَّمَا شُغِلَ بِطَاعَةٍ عَنْ طَاعَةٍ حَتَّى فَاتَتْهُ إِحْدَاهُمَا ، كَمَا شُغِلَ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ بِوَفْدِ تَمِيمٍ ، حَيْثُ كَانَ يَقْسِمُ فِيهِمْ وَيَحْمِلُهُمْ حَتَّى فَاتَتْهُ الرَّكْعَتَانِ اللَّتَانِ بَعْدَ الظُّهْرِ ، فَصَلاَّهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ ، ثُمَّ دَاوَمَ عَلَيْهِمَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فِيمَا بَعْدُ ، فَكَانَ اسْتِغْفَارُهُ - صلى الله عليه وسلم - لِتَقْصِيرِ طَاعَةٍ أَنْ أَخَّرَهَا عَنْ وَقْتِهَا مِنَ النَّوَافِلِ لاِشْتِغَالِهِ بِمِثْلِهَا مِنَ الطَّاعَاتِ الَّتِي كَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَوْلَى مِنْ تِلْكَ الَّتِي كَانَ يُوَاظِبُ عَلَيْهَا ، لاَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْتَغْفِرُ مِنْ ذُنُوبٍ يَرْتَكِبُهَا.
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : رُبَّمَا أَعُدُّ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ : رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ "(31)
__________
(1) - غاية المقصد فى زوائد المسند(4798 ) صحيح
(2) - شُعَبُ الْإِيمَانِ لِلْبَيْهَقِيِّ (1167)
(3) - التَّوْبَةُ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (151 ) حسن
(4) - حُسْنُ الظَّنِّ بِاللَّهِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا(107 ) ضعيف
(5) - المعجم الأوسط للطبراني(5415 ) ضعيف
(6) - الزهد لهناد بن السري(904 ) ومسند البزار(6913) حسن
(7) - حُسْنُ الظَّنِّ بِاللَّهِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (108 ) صحيح مقطوع
(8) - حُسْنُ الظَّنِّ بِاللَّهِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (109 ) صحيح مقطوع
(9) - صحيح مسلم(7162 )
(10) - صحيح مسلم(7164 )
(11) - صحيح ابن حبان - (ج 2 / ص 390)(622) صحيح
(12) - المستدرك للحاكم(7608) صحيح
(13) - السنن الكبرى للبيهقي (ج 10 / ص 188)(21284) والدعاء للطبراني -العلمية - (ج 1 / ص 507)( 1797 ) عن ابن عباس حسن لغيره
(14) - مسند أحمد (6698) وغاية المقصد فى زوائد المسند(4755 ) حسن
الأقماع : جمع قمع وهو الإناء الذى يترك فى رءوس الظروف لتملأ بالمائعات
(15) - التَّوْبَةُ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (85 ) ورجح ابن رجب وقفه
(16) - الزُّهْدُ لِهَنَّادِ بْنِ السَّرِيِّ (898 ) ضعيف
(17) - الزُّهْدُ أَبِي دَاوُدَ (269 ) حسن
(18) - زُهْدُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ (1341 ) صحيح
(19) - جامع العلوم والحكم محقق - (ج 44 / ص 12)
(20) - مر تخريجه
(21) - مر تخريجه
(22) - سنن أبى داود(4859 ) صحيح
(23) - سنن أبى داود (4382 ) حسن
(24) - الزهد لهناد بن السري(924) وفيه انقطاع
ويْح : كَلمةُ تَرَحُّمٍ وتَوَجُّعٍ، تقالُ لمن وَقَع في هَلَكةٍ لا يَسْتَحِقُّها. وقد يقال بمعنى المدح والتَّعجُّب
(25) - جامع العلوم والحكم محقق - (ج 44 / ص 13)
(26) - صحيح ابن حبان - (ج 3 / ص 212)(932) وهو في البخاري 8/83 ( 6306 ) و8/88 ( 6323 )
(27) - صحيح البخارى(834 ) ومسلم (7044 )
(28) - سنن أبى داود(1519) صحيح
(29) - السنن الكبرى للإمام النسائي الرسالة - (ج 6 / ص 273)(10224) حسن
(30) - صحيح ابن حبان - (ج 3 / ص 207)(928) صحيح
(31) - صحيح البخارى(6307 )(1/96)
وعَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : « وَاللَّهِ إِنِّى لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِى الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً »(1).
وعَنِ الأَغَرِّ الْمُزَنِىِّ - وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِى وَإِنِّى لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِى الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ ».(2).
وعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ كَانَ فِى لِسَانِى ذَرَبٌ عَلَى أَهْلِى لَمْ أَعْدُهُ إِلَى غَيْرِهِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « أَيْنَ أَنْتَ مِنَ الاِسْتِغْفَارِ يَا حُذَيْفَةُ إِنِّى لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ »(3).
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي امْرُؤٌ ذَرِبُ اللِّسَانِ ، وَأَكْثَرُ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِي ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " أَيْنَ أَنْتَ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ ؟ ! إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مِائَةَ مَرَّةٍ "(4).
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « مَنْ أَكْثَرَ مِنَ الاِسْتِغْفَارِ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجاً وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجاً وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ »(5).
وعن عكرمة ، قَالَ : قال أبو هريرة : إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ مَرَّةَ ، وَذَلِكَ عَلَى قَدْرِ دِيَتِي "(6).
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ فِي صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفَارًا.(7).
وعَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ قَالَ : " مَا جَاوَرَ عَبْدٌ فِي قَبْرِهِ مِنْ جَارٍ خَيْرٍ مِنَ اسْتِغْفَارٍ كَثِيرٍ "(8)
وبالجملة فدواءُ الذنوب الاستغفارُ ،فعن سلام بن مسكين قال : سمعت قتادة ، يقول : "إنَّ هذا القرآن يدلُّكم على دائكم ودوائكم ، فأما داؤكم : فالذُّنوب ، وأما دواؤكم : فالاستغفار "(9)
قال بعضهم : إنَّما مُعوَّلُ المذنبين البكاء والاستغفار ، فمن أهمته ذنوبه ، أكثر لها من الاستغفار .
وقَالَ رِيَاحُ بْنُ عَمْرٍو الْقَيْسِيُّ: لِي نَيِّفٌ وَأَرْبَعُونَ ذَنْبًا قَدِ اسْتَغْفَرْتُ لِكُلِّ ذَنْبٍ مِائَةَ أَلْفِ مَرَّةٍ ""(10)
وحاسب بعضهم نفسه من وقت بلوغه ، فإذا زلاتُه لا تُجاوز ستاً وثلاثين زلةً ، فاستغفر الله لكل زلةٍ مئة ألف مرّة ، وصلَّى لكلِّ زلَّة ألف ركعة ، ختم في كلِّ ركعة منها ختمة ، قال : ومع ذلك ، فإنّي غير آمن سطوة ربي أنْ يأخذني بها ، وأنا على خطرٍ من قَبولِ التوبة .
ومن زاد اهتمامُه بذنوبه ، فربما تعلَّق بأذيالِ من قَلَّت ذنوبُه ، فالتمس منه الاستغفار . وكان عمر يطلب من الصبيان الاستغفار ، ويقول : إنَّكم لم تُذنبوا ، وكان أبو هريرة يقول لغلمان الكُتّاب : قولوا اللهمَّ اغفر لأبي هُريرة ، فيؤمن على دعائهم .
قال بكرٌ المزني : لو كان رجلٌ يطوف على الأبواب كما يطوف المسكين يقول : استغفروا لي ، لكان نوله أنْ يفعل .(11)
ومن كَثُرت ذنوبه وسيئاته حتى فاتت العدَّ والإحصاء ، فليستغفر الله مما علم الله ، فإنَّ الله قد علم كل شيءٍ وأحصاه ، كما قال تعالى : {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللهُ وَنَسُوهُ } (المجادلة : 6) ، وعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ بَدْرِيًّا ، قَالَ : بَيْنَمَا هُمْ فِي سَفَرٍ إِذْ نَزَلَ الْقَوْمُ يَتَصَبَّحُونَ ، فَقَالَ شَدَّادٌ : ادْنُوا هَذِهِ السُّفْرَةَ لُفِّيتُ بِهَا ، ثُمَّ قَالَ : أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مَا تَكَلَّمْتُ بِكَلِمَةٍ مُنْذُ أَسْلَمْتُ إِلاَّ وَأَنَا أَزُمُّهَا ، وَأَخْطِمُهَا قَبْلَ كَلِمَتِي هَذِهِ لَيْسَ كَذَلِكَ ، قَالَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم : وَلَكِنْ قُلْ يَا شَدَّادُ ، إِذَا رَأَيْتَ النَّاسَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ، فَاكْنِزْ هَؤُلاءِ الْكَلِمَاتِ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ التَّثْبِيتَ فِي الأُمُورِ ، وَعَزِيمَةَ الرُّشْدِ ، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ ، وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ ، وَأَسْأَلُكَ قَلْبًا سَلِيمًا ، وَلِسَانًا صَادِقًا ، وَخُلُقًا مُسْتَقِيمًا ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ ، إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ"(12)
وفي هذا يقول بعضهم :
أستغفِرُ الله ممّا يَعلمُ الله إنَّ الشَّقيَّ لَمَن لا يَرحَمُ اللهُ
ما أحلمَ الله عمن لا يُراقبُه كُلٌّ مُسيءٌ ولكن يَحلمُ اللهُ
فاسْتَغفِرُ الله مما كان من زَللٍ طُوبى لمن كَفَّ عما يَكرهُ اللهُ
طُوبى لمَن حَسُنَت فيه سَريرتُه طُوبى لمَن يَنتهي عمَّا نهى اللهُ
ــــــــــــــ
__________
(1) - صحيح البخارى(6307 )
(2) - صحيح مسلم (7033 ) -يغان : يغطى
(3) - مسند أحمد(24045) حسن لغيره -الذرب : الفحش
(4) - المعجم الأوسط للطبراني(3301 ) ومجمع الزوائد( 17586 ) ضعيف
(5) - مسند أحمد (2273) حسن
(6) - معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني(4246 ) صحيح
الدية : مال يعطى لولي المقتول مقابل النفس أو مال يعطى للمصاب مقابل إصابة أو تلف عضو من الجسم
(7) - مسند البزار(3508) صحيح
(8) - زُهْدُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ (1954 ) صحيح
(9) - شعب الإيمان للبيهقي(6883 ) صحيح
(10) - التَّوْبَةُ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (173 ) وحِلْيَةُ الْأَوْلِيَاءِ (8534 ) - النيف : ما زاد على العَقْدِ من واحد إلى ثلاثة
(11) - جامع العلوم والحكم محقق - (ج 44 / ص 17)
(12) - المستدرك للحاكم(1872) صحيح(1/97)
من أذنب ذنبا وتوضأ وصلى ركعتين واستغفر الله غفر له
وعَنْ أَسْمَاءَ بْنِ الحَكَمِ الفَزَارِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَلِيًّا ، يَقُولُ : إِنِّي كُنْتُ رَجُلًا إِذَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثًا نَفَعَنِي اللَّهُ مِنْهُ بِمَا شَاءَ أَنْ يَنْفَعَنِي بِهِ ، وَإِذَا حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ اسْتَحْلَفْتُهُ فَإِذَا حَلَفَ لِي صَدَّقْتُهُ ، وَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ ، وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " " مَا مِنْ رَجُلٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَتَطَهَّرُ ، ثُمَّ يُصَلِّي ، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ، إِلَّا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ " " ، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ : {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (135) سورة آل عمران(1)
وعَنِ الْحَسَنِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَا أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا ثُمَّ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوضُوءَ ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى بِرَازٍ مِنَ الْأَرْضِ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ، وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ مِنْ ذَلِكَ الذَّنْبِ إِلَّا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ "(2)
ــــــــــــــ
__________
(1) - سنن الترمذى (408و3276) حسن
(2) - شُعَبُ الْإِيمَانِ لِلْبَيْهَقِيِّ (6816 ) حسن مرسل(1/98)
من أذنب ذنبا ثم قرأ آيتين من كتاب الله غفرت ذنوبه
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : إِنَّ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَآيَتَيْنِ ، مَا أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فَقَرَأَهُمَا وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ إِلَّا غَفَرَ لَهُ : {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (135) سورة آل عمران ، {وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا} (110) سورة النساء.(1)
وعَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ"إِنَّ فِي الْقُرْآَنِ لآيَتَيْنِ مَا أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا، ثُمَّ تَلاهُمَا، وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ إِلا غُفِرَ لَهُ"، فَسَأَلُوهُ عَنْهُمَا، فَلَمْ يُخْبِرْهُمْ، فَقَالَ عَلْقَمَةُ، وَالأَسْوَدُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: قُمْ بنا، فَقَامَا إِلَى الْمَنْزِلِ، فَأَخَذَا الْمُصْحَفَ فَتَصَفَّحَا الْبَقَرَةَ، فَقَالا: مَا رَأَيْنَاهُمَا، ثُمَّ أَخَذَا فِي النِّسَاءِ حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى هَذِهِ الآيَةِ: "وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ، ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا" [النساء: 110]، فَقَالَ: هَذِهِ وَاحِدَةٌ، ثُمَّ تَصَفَّحَا آلَ عِمْرَانَ حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى قَوْلِهِ: "وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا" [آل عمران: 135]، قَالا: هَذِهِ أُخْرَى، ثُمَّ طَبَّقَا الْمُصْحَفَ، ثُمَّ أَتَيَا عَبْدَ اللَّهِ فَقَالا: هُمَا هَاتَانِ الآيَتَانِ؟ قَالَ: نَعَمْ.(2)
وعَنْ مَعْنِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ:"إِنَّ فِي النِّسَاءِ لَخَمْسُ آيَاتٍ مَا يَسُرُّنِي بِهِنَّ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ الْعُلَمَاءَ إِذَا مَرُّوا بِهَا يَعْرِفُونَهَا "إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلا كَرِيمًا" [النساء: 31]، وَقَوْلُهُ: "إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ، وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا، وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا" [النساء: 40]، وَ "إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ، وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ" [النساء: 48]، "وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا" [النساء: 64]، "وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا" [النساء: 110]".(3)
ــــــــــــــ
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 8 / ص 136)(8940) صحيح
(2) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 8 / ص 146)(8972 ) فيه انقطاع
(3) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 8 / ص 145)(8971) صحيح(1/99)
أشياء تعمل يوم الجمعة
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ وَزِيَادَةُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا »(1).
وعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بن الْجَرَّاحِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَا مِنَ الصَّلَوَاتِ صَلاةٌ أَفْضَلُ مِنْ صَلاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الْجَمَاعَةِ ، وَمَا أَحْسَبُ مَنْ شَهِدَهَا مِنْكُمْ إِلا مَغْفُورًا لَهُ.(2)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ كَفَّارَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ »(3).
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ « الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ ».(4)
وعَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِىِّ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ ، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ ، أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ ، فَلاَ يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ ، ثُمَّ يُصَلِّى مَا كُتِبَ لَهُ ، ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الإِمَامُ ، إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى »(5).
وَعَنْ عَتِيقٍ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَا : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كُفِّرَتْ عَنْهُ ذُنُوبُهُ وَخَطَايَاهُ ، فَإِذَا أَخَذَ فِي الْمَشْيِ كُتِبَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عِشْرُونَ حَسَنَةٌ، فَإِذَا انْصَرَفَ مِنَ الصَّلَاةِ أُجِيزُ بِعَمَلِ مِائَتَيْ سَنَةٍ "(6).
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَيْسَ بِتَارِكٍ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَّا غَفَرَ لَهُ "(7).
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " إِنَّ الْغُسْلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَيَسْتَلُّ الْخَطَايَا مِنْ أُصُولِ الشَّعْرِ اسْتِلَالاً "(8).
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : إِنَّ مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ ".(9)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " مَنْ قَالَ صَبِيحَةَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ قَبْلَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ : أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، غَفَرَ اللَّهُ ذُنُوبَهُ وَلَوْ كَانَتْ ذُنُوبُهُ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ "
والشهور عدم ربطه بالجمعة ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ قَالَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ ، غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ مُوَلِّيًا مِنَ الصَّفِّ "(10)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّهُ قَالَ : " مَنْ قَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ ، غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ " قَالَ : فَقَالَ مُعَاذٌ : " أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ أَهْوَنُ مِنْ ذَلِكَ ؟ مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ : أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ إِلَّا غُفِرَتْ ذُنُوبُهُ وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ".(11)
ــــــــــــــ
__________
(1) - صحيح مسلم (2025 )
(2) - المعجم الكبير للطبراني (370) ضعيف
(3) - صحيح مسلم (573 )
(4) - صحيح مسلم(574 )
(5) - صحيح البخارى (883 )
(6) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 13 / ص 25)(14708 ) و الْمَطَالِبُ الْعَالِيَةُ لِلْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيِّ(707) ضعيف
(7) - المعجم الأوسط للطبراني(4973 ) و أَخْبَارُ أَصْبَهَانَ لِأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبهَانِيِّ(1160 ) حسن
(8) - مجمع الزوائد ( 3063 ) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ والْمُعْجَمُ الْكَبِيرُ لِلطَّبَرَانِيِّ(7924) وفيه ضعف
(9) - المستدرك للحاكم (3392) وشعب الإيمان للبيهقي(2345 و2902) مرفوعاً وموقوفاً صحيح
(10) - مُعْجَمُ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ (767 ) ضعيف
(11) - حِلْيَةُ الْأَوْلِيَاءِ (6442 ) ضعيف(1/100)
رمضان شهر الرحمة والمغفرة
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ »(1).
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا ، غُفِرَ لَهُ مَا مَضَى مِنْ عَمَلِهِ.(2)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " مَنْ صَامَ شَهْرَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ، وَمَا تَأَخَّرَ وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ "(3)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ »(4)وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ، وَعَرَفَ حُدُودَهُ ، وَتَحَفَّظَ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَحَفَّظَ ، كَفَّرَ مَا قَبْلَهُ.(5)
وعَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ : خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - آخِرَ يَوْمٍ فِي شَعْبَانَ أَوْ أَوَّلَ يَوْمٍ فِي رَمَضَانَ , فَقَالَ : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ , قَدْ أَظَلَّكُمْ شَهْرٌ عَظِيمٌ شَهْرٌ مُبَارَكٌ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ , افْتَرَضَ اللَّهُ صِيَامَهُ , وَجَعَلَ قِيَامَهُ تَطَوُّعًا , فَمَنْ تَطَوَّعَ فِيهِ خَيْرًا فَحَظُّهُ مِنْ ذَلِكَ الْخَيْرِ كَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ , وَمَنْ أَدَّى فِيهِ فَرِيضَةً كَانَ كَمَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً وَهُوَ شَهْرُ الصَّبْرِ وَالْمُوَاسَاةِ , وَيُزَادُ فِي رِزْقِ الْمُؤْمِنِ فِيهِ , وَمَنْ فَطَّرَ فِيهِ صَائِمًا كَانَ لَهُ كَعِتْقِ رَقَبَةٍ وَمَغْفِرَةٍ لِذُنُوبِهِ , وَسَقَاهُ اللَّهُ مِنْ حَوْضِي شَرْبَةً لَا يَظْمَأُ بَعْدَهَا أَبَدًا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ " قَالَ : قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ , لَيْسَ كُلُّنَا نَجِدُ مَا يُفَطِّرُ الصَّائِمَ , فَقَالَ : " يُعْطِي اللَّهُ الثَّوَابَ مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا عَلَى مَذْقَةِ لَبَنٍ أَوْ تَمْرَةٍ أَوْ أَشْبَعَ جَائِعًا سَقَاهُ اللَّهُ مِنْ حَوْضِي شَرْبَةً لَا يَظْمَأُ بَعْدَهَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ , وَمَنْ خَفَّفَ عَنْ مَمْلُوكِهِ فِيهِ أَعْتَقَهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ , وَهُوَ شَهْرٌ أَوَّلُهُ رَحْمَةٌ , وَأَوْسَطُهُ مَغْفِرَةٌ , وَآخِرَهُ عِتْقٌ مِنَ النَّارِ وَهُوَ شَهْرٌ لَا غَنَاءَ بِكُمْ عَنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ : خَصْلَتَانِ تَرْضَوْنَ بِهَا رَبَّكُمْ , وَخَصْلَتَانِ لَا غَنَاءَ بِكُمْ عَنْهُمَا , فَأَمَّا الْخَصْلَتَانِ اللَّتَانِ تُرْضُونَ بِهِمَا رَبَّكُمْ : فَشَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ , وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ , وَأَمَّا الْخَصْلَتَانِ اللَّتَانِ لَا غَنَاءَ بِكُمْ عَنْهُمَا : تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَتَسْتَعِيذُونَ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ "(6)
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ " اللَّهَ فَرَضَ صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ ، وَسَنَنْتُ لَكُمْ قِيَامَهُ فَمَنْ صَامَهُ ، وَقَامَهُ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا ، خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ "(7)
ــــــــــــــ
__________
(1) - صحيح البخارى (38 )
(2) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 3 / ص 3)(8969) صحيح
(3) - السنن الكبرى للإمام النسائي(3405) و معجم ابن المقرئ(606 ) صحيح ، ولا عبرة بقول من اعتبر وما تأخر شاذة لأن كرم الله واسع وهى زيادة ثقة غير منافية
(4) - صحيح البخارى(37 )
(5) - صحيح ابن حبان - (ج 8 / ص 219)(3433) حسن لغيره
(6) - صَحِيحُ ابْنِ خُزَيْمَةَ (1780) و شُعَبُ الْإِيمَانِ لِلْبَيْهَقِيِّ (3455 ) وأَمَالِي الْمَحَامِلِيِّ (287 ) حسن
(7) - كِتَابُ الصِّيَامِ لِلْفِرْيَابِيِّ (134 ) ومصنف ابن أبي شيبة (ج 2 / ص 395)(7787) وسنن النسائى (2222 ) وفيه انقطاع(1/101)
ثواب صيام التطوع
عَنْ سَهْلِ بن سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"مَنْ صَامَ يَوْمَ عَرَفَةَ غُفِرَ لَهُ ذَنْبُ سَنَتَيْنِ مُتَتابِعَتَيْنِ"(1).
وعَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عَنْ صَوْمِهِ ؟ قَالَ : فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا ، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا ، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا ، وَبِبَيْعَتِنَا بَيْعَةً . قَالَ : فَسُئِلَ عَنْ صِيَامِ الدَّهْرِ ؟ فَقَالَ : " لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ - أَوْ مَا صَامَ وَمَا أَفْطَرَ - " قَالَ : فَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمَيْنِ وَإِفْطَارِ يَوْمٍ ؟ قَالَ : " وَمَنْ يُطِيقُ ذَلِكَ ؟ " قَالَ : وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمٍ ، وَإِفْطَارِ يَوْمَيْنِ ؟ قَالَ : " لَيْتَ أَنَّ اللَّهَ قَوَّانَا لِذَلِكَ " قَالَ : وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمٍ ، وَإِفْطَارِ يَوْمٍ ؟ قَالَ : " ذَاكَ صَوْمُ أَخِي دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلَام - " قَالَ : وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ ؟ قَالَ : " ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ - أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ - " قَالَ : فَقَالَ : " صَوْمُ ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ، وَرَمَضَانَ إِلَى رَمَضَانَ ، صَوْمُ الدَّهْرِ " قَالَ : وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ ؟ فَقَالَ : " يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ " قَالَ : وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ ؟ فَقَالَ : " يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ "(2)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - " كَانَ يَصُومُ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسَ ، فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تَصُومُ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسَ ؟ فَقَالَ : " إِنَّ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسَ يَغْفِرُ اللَّهُ فِيهِمَا لِكُلِّ مُسْلِمٍ ، إِلَّا مُتَهَاجِرَيْنِ ، يَقُولُ : دَعْهُمَا حَتَّى يَصْطَلِحَا ".(3)
وعَنْ آمِنَةَ بنتِ عُمَرَ بن عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ مَيْمُونَةَ بنتِ سَعْدٍ، أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفْتِنَا عَنِ الصَّوْمِ. فَقَالَ:مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَصُومَهُنَّ، فَإِنَّ كُلَّ يَوْمٍ يُكَفِّرُ عَشْرَ سَيِّئَاتٍ، وَإِنَّهُ يُنَقِّي مِنَ الإِثْمِ، كَمَا يُنَقِّي الْمَاءُ الثَّوْبَ(4).
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : مَنْ صَامَ الأَرْبِعَاءَ وَالْخَمِيسَ وَالْجُمُعَةَ كَانَ لَهُ كَعِتْقِ رَقَبَةٍ" .(5)
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ صَامَ الْأَرْبِعَاءَ وَالْخَمِيسَ وَالْجُمُعَةَ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ يُرَى ظَاهِرُهُ مِنْ بَاطِنِهِ وَبَاطِنُهُ مِنْ ظَاهِرِهِ "(6)
وعَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ « مَنْ كَانَ صَائِماً وَعَادَ مَرِيضاً وَشَهِدَ جَنَازَةً غَُفِرَ لَهُ مِنْ بَأْسٍ إِلاَّ أَنْ يُحْدِثَ مِنْ بَعْدُ».(7)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : " مَنْ أَصْبَحَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَائِمًا ، وَعَادَ مَرِيضًا ، وَشَهِدَ جِنَازَةً ، وَتَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَقَدْ أَوْجَبَ "(8)
ــــــــــــــ
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 5 / ص 468)(5790) وتهذيب الآثار للطبري(847 ) صحيح
(2) - صحيح مسلم (2804 )
(3) - سُنَنُ ابْنِ مَاجَهْ (1812 ) صحيح لغيره
[ ش ( إلا متهاجرين ) أي متقاطعين لأمر لا يقتضي ذلك . وإلا فالتقاطع للدين ولتأديب الأهل جائز ] .
(4) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 18 / ص 211)(20582 ) ضعيف
(5) - مسند الشاميين (1136و1137) صحيح لغيره
(6) - المعجم الأوسط للطبراني(258 ) الْمَطَالِبُ الْعَالِيَةُ لِلْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيِّ (1160) حسن لغيره
(7) - مسند أحمد (16047) حسن لغيره
(8) - شُعَبُ الْإِيمَانِ لِلْبَيْهَقِيِّ (3706 ) حسن لغيره(1/102)
ليلة النصف من شعبان
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : يَطْلُعُ اللَّهُ إِلَى خَلْقِهِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلاَّ لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ.(1)
وعَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ فِى لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلاَّ لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ »(2).
وذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى نَدْبِ إِحْيَاءِ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ للحديث السابق(3)
وجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى كَرَاهَةِ الاِجْتِمَاعِ لإِِحْيَاءِ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ ، وَصَرَّحُوا بِأَنَّ الاِجْتِمَاعَ عَلَيْهَا بِدْعَةٌ وَعَلَى الأَْئِمَّةِ الْمَنْعُ مِنْهُ(4). وَهُوَ قَوْل عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ . وَذَهَبَ الأَْوْزَاعِيُّ إِلَى كَرَاهَةِ الاِجْتِمَاعِ لَهَا فِي الْمَسَاجِدِ لِلصَّلاَةِ ؛ لأَِنَّ الاِجْتِمَاعَ عَلَى إِحْيَاءِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ لَمْ يُنْقَل عَنِ الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - وَلاَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ . وَذَهَبَ خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ وَلُقْمَانُ بْنُ عَامِرٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ إِلَى اسْتِحْبَابِ إِحْيَائِهَا فِي جَمَاعَةٍ(5).
ــــــــــــــ
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (ج 12 / ص 481)(5665) صحيح لغيره - المشاحن : المعادي والمخاصم على ضغينة
(2) - سنن ابن ماجه (1453 ) حسن لغيره
(3) - البحر الرائق 2 / 56 ، وحاشية ابن عابدين 1 / 460 ومراقي الفلاح ص 219 ، وشرح الإحياء للزبيدي 3 / 425 ، ومواهب الجليل 1 / 74 ، والخرشي 1 / 366 ، والفروع 1 / 440 والموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 2 / ص 235)
(4) - مواهب الجليل 1 / 74 دار الفكر بيروت ) والخرشي 1 / 366
(5) - مراقي الفلاح ص 219 - 220(1/103)
فضلُ السُّحور
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " السَّحُورُ أَكْلُهُ بَرَكَةٌ ، فَلَا تَدَعُوهُ ، وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جُرْعَةً مِنْ مَاءٍ ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ"(1).
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ.(2)
ــــــــــــــ
__________
(1) - مسند أحمد (11384) صحيح لغيره
(2) - صحيح ابن حبان - (ج 8 / ص 245)(3467) صحيح(1/104)
فضلُ الأضحية
عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : يَا فَاطِمَةُ ، قَوْمِي إِلَى أُضْحِيَّتِكَ فَاشْهَدِيهَا ، فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَكِ عِنْدَ أَوَّلِ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ دَمِهَا كُلُّ ذَنْبٍ عَمِلْتِهِ ، وَقُولِي : إِنَّ صَلاتِي ، وَنُسُكِي ، وَمَحْيَايَ ، وَمَمَاتِي ، لِلَّهُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ عِمْرَانُ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَذَا لَكَ وَلأَهْلِ بَيْتِكِ خَاصَّةً ، فَأَهَلَّ ذَاكَ أَنْتُمْ ، أَمْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً ؟ قَالَ : لاَ ، بَلْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً" .(1)
وعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِفَاطِمَةَ : " يَا فَاطِمَةُ قُومِي فَاشْهَدِي أُضْحِيَّتَكِ , أَمَا إِنَّ لَكِ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ دَمِهَا مَغْفِرَةً لِكُلِّ ذَنْبٍ , أَمَا إِنَّهُ يُجَاءُ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلُحُومِهَا وَدِمَائِهَا سَبْعِينَ ضِعْفًا حَتَّى تُوضَعَ فِي مِيزَانِكِ " . فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَهَذِهِ لِآلِ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً فَهُمْ أَهْلٌ لِمَا خُصُّوا بِهِ مِنْ خَيْرٍ , أَوْ لِآلِ مُحَمَّدٍ وَالنَّاسِ عَامَّةً ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " بَلْ هِيَ لِآلِ مُحَمَّدٍ وَالنَّاسِ عَامَّةً "(2)
ــــــــــــــ
__________
(1) - المستدرك للحاكم (7524) حسن لغيره
(2) السُّنَنُ الْكُبْرَى لِلْبَيْهقِيِّ (17589) ضعيف(1/105)
فضلُ الحج والعمرة
عن أبي هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ :سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: « مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ »(1).
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا ، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ »(2).
وعَنْ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ ، كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، وَلَيْسَ لِحَجَّةٍ ْمَبْرُورَةٍ جزاءٌ إلاَّ الْجَنَّةِ(3).
وعَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِى الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ ».(4)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْحَجِّ ، فَقَالَ : " إِذَا خَرَجْتَ عَلَى دَابَّتِكَ فَلَا تَرْفَعُ حَافِرًا وَلَا تَضَعُهُ إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَكَ بِهِ حَسَنَةً وَمَحَا عَنْكَ سَيِّئَةً "(5)
وقَالَ صَالِحُ بْنُ دِرْهَمٍ : خَرَجْتُ إِلَى مَكَّةَ ، فَتَلَقَّانَا أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَالَ : سَمِعْتُ خَلِيلِي أَبَا الْقَاسِمِ ، - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ يَؤُمُّ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ ، فَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ ، لَمْ تَرْفَعْ رَاحِلَتُهُ خُفًّا وَلَمْ تَضَعْ خُفًّا إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا أَجْرًا . ثُمَّ قَالَ : هَلُمَّ اسْتَأْنِفِ الْعَمَلَ "(6)
وعَنْ سَلْمَانَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ : " مَنْ مَاتَ فِي أَحَدِ الْحَرَمَيْنِ اسْتَوْجَبَ شَفَاعَتِي ، وَجَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْآمِنِينَ "(7)
وعَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ مَاتَ فِي أَحَدِ الْحَرَمَيْنِ بُعِثَ آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ".(8)
وقال إِبْرَاهِيمُ بْنُ صَالِحِ بْنِ دِرْهَمٍ الْبَاهِلِيُّ : سَمِعْتُ أَبِي ، يَقُولُ : سَافَرْنَا إِلَى مَكَّةَ ، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى الْبَطْحَاءِ إِذَا رَجُلٌ يَسْتَقْبِلُ الْحَاجَّ ، فَقَالَ لَنَا : مَنْ أَنْتُمْ ؟ ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : نَحْنُ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ ، قَالَ : مِنْ أَيِّ الْعِرَاقِ أَنْتُمْ ؟ ، قُلْنَا : مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ ، قَالَ : مَا جَاءَ بِكُمْ ؟ ، قَالَ : قُلْنَا : جِئْنَا نَؤُمُّ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ ، قَالَ : فَمَا جَاءَ بِكُمْ حَاجَةٌ غَيْرُهَا أَوْ تِجَارَةٌ ، قَالَ : قُلْنَا : لَا ، قَالَ : فَأَبْشِرُوا فَإِنِّي سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " مَنْ جَاءَ يَؤُمُّ الْبَيْتَ الْحَرَامَ ، وَرَكِبَ بَعِيرَهُ فَمَا يَرْفَعُ الْبَعِيرُ خُفًّا وَلَا يَضَعُ خُفًّا إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا حَسَنَةً ، وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً وَرَفَعَ لَهُ بِهَا دَرَجَةً حَتَّى إِذَا انْتَهَى إِلَى الْبَيْتِ فَطَافَ بِهِ وَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا ، وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ إِلَّا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ " ، فَهَلُمَّ نَسْتَأْنِفُ الْعَمَلَ ".(9)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ خَمْسِينَ مَرَّةً خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ».(10)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْحَاجِّ ، وَلِمَنِ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ".(11)
وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ مِنَ الْمَسْجِدِ الأَقْصَى إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِه وَمَا تَأَخَّرَ أَوْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ». شَكَّ عَبْدُ اللَّهِ أَيَّتَهُمَا قَالَ..(12)
وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ، قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ غُفِرَ لَهُ.(13)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُولُ لاِبْنِ عُمَرَ مَا لِى لاَ أَرَاكَ تَسْتَلِمُ إلاَّ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ الْحَجَرَ الأَسْوَدَ وَالْرُكْنَ الْيَمَانِىَ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ إِنْ أَفْعَلْ فَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « إِنَّ اسْتِلامَهُمَا يَحُطُّ الْخَطَايَا ». قَالَ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ « مَنْ طَافَ أُسْبُوعاً يُحْصِيهِ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَ لَهُ كَعِدْلِ رَقَبَةٍ ». قَالَ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ « مَا رَفَعَ رَجُلٌ قَدَماً وَلاَ وَضَعَهَا إلا كُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ وَحُطَّ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ وَرُفِعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ ».(14)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ مَسْحَ الرُّكْنِ الْيَمَانِىِّ وَالرُّكْنِ الأَسْوَدِ يَحُطُّ الْخَطَايَا حَطًّا ».(15)
وعن جابر ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « من طاف بالبيت أسبوعا يحصيه ثم أتى مقام إبراهيم فركع عنده ركعتين ، ثم أتى زمزم فشرب من مائها ؛ أخرجه الله من ذنوبه كيوم ولدته أمه »(16)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ دَخَلَ الْبَيْتَ دَخَلَ فِي حَسَنَةٍ ، وَخَرَجَ مِنْ سَيِّئَةٍ مَغْفُورًا لَهُ "(17)
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ قَضَى نُسُكَهُ ، وَسَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ.(18)
وعَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِى بِهِمُ الْمَلاَئِكَةَ فَيَقُولُ مَا أَرَادَ هَؤُلاَءِ ».(19)
وعَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يَقُولُ : إِنَّ اللَّهَ تَطَوَّلَ عَلَى أَهْلِ عَرَفَاتٍ ، يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلائِكَةَ ، يَقُولُ : يَا مَلائِكَتِي ، انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي شُعْثًا غُبْرًا ، أَقْبَلُوا يَضْرِبُونَ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ، فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَجَبْتُ دُعَاءَهُمْ ، وَشَفَعْتُ رَغْبَتَهُمْ ، وَوَهَبْتُ مُسِيئَهُمْ لِمُحْسِنِهِمْ ، وَأَعْطَيْتُ مُحْسِنِيهِمْ جَمِيعَ مَا سَأَلُونِي غَيْرَ التَّبِعَاتِ الَّتِي بَيْنَهُمْ ، فَإِذَا أَفَاضَ الْقَوْمُ إِلَى جَمْعٍ وَوَقَفُوا وَعَادُوا فِي الرَّغْبَةِ وَالطَّلَبِ إِلَى اللَّهِ ، يَقُولُ : يَا مَلائِكَتِي ، عِبَادِي وَقَفُوا فَعَادُوا فِي الرَّغْبَةِ وَالطَّلَبِ ، فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَجَبْتُ دُعَاءَهُمْ ، وَشَفَعْتُ رَغْبَتَهُمْ ، وَوَهَبْتُ مُسِيئَهُمْ لِمُحْسِنِهِمْ ، وَأَعْطَيْتُ مُحْسِنَهُمْ جَمِيعَ مَا سَأَلَنِي ، وَكَفَلْتُ عَنْهُمُ التَّبِعَاتِ الَّتِي بَيْنَهُمْ"(20).
وعَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَا مِنْ أَيَّامٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللهِ مِنْ أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ ، قَالَ : فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللهِ ، هُنَّ أَفْضَلُ أَمْ عِدَّتُهُنَّ جِهَادًا فِي سَبِيلِ اللهِ ، قَالَ : هُنَّ أَفْضَلُ مِنْ عِدَّتِهِنَّ جِهَادًا فِي سَبِيلِ اللهِ ، وَمَا مِنْ يوْمٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللهِ مِنْ يوْمِ عَرَفَةَ يَنْزِلُ اللَّهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيُبَاهِي بِأَهْلِ الأَرْضِ أَهْلَ السَّمَاءِ ، فَيَقُولُ : انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي شُعْثًا غُبْرًا ضَاحِينَ جَاؤُوا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ يَرْجُونَ رَحْمَتِي ، وَلَمْ يَرَوْا عَذَابِي ، فَلَمْ يُرَ يَوْمٌ أَكْثَرُ عِتْقًا مِنَ النَّارِ مِنْ يوْمِ عَرَفَةَ.(21)" .
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ : وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَفَةَ يَوْمَ عَرَفَةَ ، وَكَادَتِ الشَّمْسُ أَنْ تَغْرُبَ ، فَقَالَ : " يَا بِلَالُ ، أَنْصِتْ لِيَ النَّاسَ " فَقَامَ بِلَالٌ فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ النَّاسِ ، أَنْصِتُوا ، فَقَالَ : " أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ آنِفًا فَأَقْرَأَنِي مِنْ رَبِّي السَّلَامَ وَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لِأَهْلِ عَرَفَاتٍ مَا خَلَا التَّبِعَاتِ ، أَفِيضُوا بِسْمِ اللَّهِ "(22)
وعَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، أَنَّهُ كَانَ رِدْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَشِيَّةَ عَرَفَةَ ، وَكَانَ الْفَتَى يُلَاحِظُ النِّسَاءَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِبَصَرِهِ ، فَصَرَفَهُ عَنْهُ ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : " يَا ابْنَ أَخِي ، إِنَّ هَذَا يَوْمٌ مَنْ مَلَكَ سَمْعَهُ إِلَّا مِنْ حَقٍّ ، وَبَصَرَهُ إِلَّا مِنْ حَقٍّ ، وَلِسَانَهُ إِلَّا مِنْ حَقٍّ غُفِرَ لَهُ "(23)
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَقِفُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِالْمَوْقِفِ فَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ بِوَجْهِهِ ، ثُمَّ يَقُولُ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ مِائَةَ مَرَّةٍ ، ثُمَّ يَقْرَأُ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدُ مِائَةَ مَرَّةٍ ، ثُمَّ يَقُولُ : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ، وَعَلَيْنَا مَعَهُمْ مِائَةَ مَرَّةٍ إِلَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : يَا مَلَائِكَتِي مَا جَزَاءُ عَبْدِي هَذَا ؟ ، سَبَّحَنِي ، وَهَلَّلَنِي ، وَكَبَّرَنِي ، وَعَظَّمَنِي ، وَعَرَفَنِي ، وَأَثْنَى عَلَيَّ ، وَصَلَّى عَلَى نَبِيِّي ، اشْهَدُوا مَلَائِكَتِي أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُ ، وَشَفَّعْتُهُ فِي نَفْسِهِ ، وَلَوْ سَأَلَنِي عَبْدِي هَذَا لَشَفَّعْتُهُ فِي أَهْلِ الْمَوْقِفِ كُلِّهِمْ "(24).
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ » . قَالُوا وَلِلْمُقَصِّرِينَ . قَالَ « اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ » . قَالُوا وَلِلْمُقَصِّرِينَ . قَالَهَا ثَلاَثًا . قَالَ « وَلِلْمُقَصِّرِينَ »(25)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ , - صلى الله عليه وسلم - , , فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ ، فَجَاءَهُ رَجُلَانِ : أَحَدُهُمَا أَنْصَارِيٌّ ، وَالْآخَرُ ثَقَفِيٌّ ، فَسَلَّمَا عَلَيْهِ وَدَعَوَا لَهُ , فَقَالَا : جِئْنَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِنَسْأَلَكَ ، فَقَالَ : " إِنْ شِئْتُمَا أَخْبَرْتُكُمَا بِمَا جِئْتُمَا تَسْأَلَانِ عَنْهُ فَعَلْتُ ، وَإِنْ شِئْتُمَا أَسْكُتُ فَتَسْأَلَانِ فَعَلْتُ " ، فَقَالَا : أَخْبِرْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ نَزْدَدْ إِيمَانًا أَوْ يَقِينًا , يَشُكُّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ نَافِعٍ ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ لِلثَّقَفِيِّ : سَلْ رَسُولَ اللَّهِ , - صلى الله عليه وسلم - , , فَقَالَ الثَّقَفِيُّ : بَلْ أَنْتَ فَاسْأَلْهُ فَإِنِّي أَعْرِفُ لَكَ حَقَّكَ قَالَ : أَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : جِئْتَنِي تَسْأَلُنِي عَنْ مَخْرَجِكَ مِنْ بَيْتِكَ تَؤُمُّ الْبَيْتَ الْحَرَامَ وَمَا لَكَ فِيهِ ، وَعَنْ طَوَافِكَ بالْبَيْتَ وَمَا لَكَ فِيهِ ، وَعَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الطَّوَافِ وَمَا لَكَ فِيهِمَا ، وَعَنْ طَوَافِكَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَمَا لَكَ فِيهِ ، وَعَنْ مَوْقِفِكَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ وَمَا لَكَ فِيهِ ، وَعَنْ رَمْيِكَ الْجِمَارَ وَمَا لَكَ فِيهِ ، وَعَنْ نَحْرِكَ وَمَا لَكَ فِيهِ ، وَعَنْ حَلْقِكَ رَأْسَكَ وَمَا لَكَ فِيهِ ، وَعَنْ طَوَافِكَ بِالْبَيْتِ بَعْدَ ذَلِكَ وَمَا لَكَ فِيهِ ، قَالَ : أَيْ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِيًّا إِنَّهُ الَّذِي جِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنْهُ قَالَ , - صلى الله عليه وسلم - , : فَإِنَّكَ إِذَا خَرَجْتَ مِنْ بَيْتِكَ تَؤُمُّ الْبَيْتَ الْحَرَامَ مَا تَضَعُ نَاقَتُكَ خُفًّا وَلَا تَرْفَعُهُ إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَكَ بِذَلِكَ حَسَنَةً , وَمَحَا عَنْكَ بِهِ خَطِيئَةً , وَرَفَعَ لَكَ بِهِ دَرَجَةً ، وَأَمَّا طَوَافُكَ بِالْبَيْتِ فَإِنَّكَ لَا تَضَعُ رِجْلًا وَلَا تَرْفَعُهَا إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَكَ بِهِ حَسَنَةً , وَمَحَا بِهِ عَنْكَ خَطِيئَةً ، وَرَفَعَ لَكَ دَرَجَةً , وَأَمَّا رَكْعَتَاكَ بَعْدَ الطَّوَافِ فَعَدَلُ سَبْعِينَ رَقَبَةٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ ، وَأَمَّا طَوَافُكَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَكَعَدْلِ رَقَبَةٍ ، وَأَمَّا وُقُوفُكَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَهْبِطُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ثُمَّ يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلَائِكَةَ , وَيَقُولُ : " هَؤُلَاءِ عِبَادِي جَاءُونِي شُعْثًا غُبْرًا , مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ , يَرْجُونَ رَحْمَتِي , فَلَوْ كَانَتْ ذُنُوبُهُمْ عَدَدَ الرَّمْلِ , أَوْ عَدَدَ الْقَطْرِ , أَوْ زَبَدَ الْبَحْرِ , لَغَفَرْتُهَا , أَفِيضُوا , فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ وَلِمَنْ شَفَعْتُمْ لَهُ " وَأَمَّا رَمْيُكَ الْجِمَارَ فَلَكَ بِكُلِّ رَمْيَةٍ كَبِيرَةً مِنَ الْكَبَائِرِ الْمُوبِقَاتِ الْمُوجِبَاتِ ، وَأَمَّا نَحْرُكَ فَمَذْخُورٌ لَكَ عِنْدَ رَبِّكَ وَأَمَّا حِلَاقُكَ رَأْسَكَ فَلَكَ بِكُلِّ شَعْرَةٍ حَلَقْتَهَا حَسَنَةً ، وَيُمْحَى عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةٌ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَتِ الذُّنُوبُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ ؟ قَالَ : يُذْخَرُ لَكَ فِي حَسَنَاتِكَ , وَأَمَّا طَوَافُكَ بِالْبَيْتِ بَعْدَ ذَلِكَ , فَإِنَّكَ تَطُوفُ وَلَا ذَنْبَ لَكَ ، يَأْتِي مَلَكٌ حَتَّى يَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ كَتِفَيْكَ فَيَقُولُ : لَكَ اعْمَلْ فِيمَا يُسْتَقْبَلْ ، فَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا مَضَى وقَالَ الثَّقَفِيُّ : أَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : جِئْتَنِي تَسْأَلُنِي عَنِ الصَّلَاةِ قَالَ : أَيْ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِيًّا لِعِلْمِهَا جِئْتُ أَسْأَلُكَ قَالَ : إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغِ الْوُضُوءَ ، فَإِنَّكَ إِذَا تَمَضْمَضْتَ انْتَثَرَتِ الذُّنُوبُ مِنْ شَفَتَيْكَ ، وَإِذَا اسْتَنْشَقْتَ انْتَثَرَتِ الذُّنُوبُ مِنْ مَنْخِرَيْكَ ، وَإِذَا غَسَلْتَ وَجْهَكَ انْتَثَرَتِ الذُّنُوبُ مِنْ أَشْفَارِ عَيْنَيْكَ , وَإِذَا غَسَلْتَ يَدَيْكَ انْتَثَرَتِ الذُّنُوبُ مِنْ أَظْفَارِ يَدَيْكَ ، فَإِذَا مَسَحْتَ رَأْسَكَ انْتَثَرَتِ الذُّنُوبُ مِنْ رَأْسِكَ , فَإِذَا غَسَلْتَ قَدَمَيْكَ انْتَثَرَتِ الذُّنُوبُ مِنْ أَظْفَارِ قَدَمَيْكَ ، فَإِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ ، فَاقْرَأْ مِنَ الْقُرْآنِ مَا تَيَسَّرَ ، فَإِذَا رَكَعْتَ فَأَمْكِنْ يَدَيْكَ عَلَى رُكْبَتَيْكَ , وَافْرِقْ بَيْنَ أَصَابِعِكَ وَاطْمَأِنَّ رَاكِعًا فَإِذَا سَجَدْتَ فَأَمْكِنْ رَأْسَكَ مِنَ السُّجُودِ حَتَّى يَطْمَئِنَّ سُجُودُكَ , وَصَلِّ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ وَآخِرِهِ ، قَالَ : فَإِنْ صَلَّيْتُ اللَّيْلَ كُلَّهُ ، قَالَ : فَأَنْتَ إِذًا أَنْتَ " .(26)
__________
(1) - صحيح البخارى(1521)
(2) - صحيح البخارى(1773 )
(3) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 3 / ص 472)(12780) صحيح
(4) - سنن النسائى(2642 ) صحيح
(5) - التَّرْغِيبُ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَثَوَابُ ذَلِكَ لِابْنِ شَاهِينَ (319 ) حسن
(6) - التَّرْغِيبُ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَثَوَابُ ذَلِكَ لِابْنِ شَاهِينَ (320 ) ضعيف -أم : أراد وقصد -الراحلة : البَعيرُ القويّ على الأسفار والأحمال، ويَقَعُ على الذكر والأنثى-هلم : اسم فعل بمعنى تعال أو أقبل أو هات
(7) - التَّرْغِيبُ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَثَوَابُ ذَلِكَ لِابْنِ شَاهِينَ (321 ) حسن لغيره
(8) - المعجم الصغير للطبراني(827) حسن لغيره
(9) - شعب الإيمان للبيهقي (3959 ) ضعيف
(10) - سنن الترمذى(876 ) مرفوعاً وصحح وقفه على ابن عباس لكن مثله لا يقال بالرأى
(11) - المستدرك للحاكم (1612) ،وفي سنده شريك بن عبد الله النخعى وروايته عن أهل الكوفة مستقيمة وهذا منها فهو عن منصور فهو صحيح على شرط مسلم
(12) - سنن الدارقطنى (2743) والسنن الكبرى للبيهقي (ج 5 / ص 30)(9192) حسن
(13) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 3 / ص 480)(12837) حسن
(14) - مسند أحمد (4555) حسن
(15) - مسند أحمد(5754) صحيح
(16) - الترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك لابن شاهين(333 )حسن لغيره
(17) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 9 / ص 401)(11328) ومسند البزار (5205) وصحيح ابن خزيمة(2780) حسن ،فيه عبد الله بن المؤمل مختلف فيه التهذيب 6/46
(18) - المسند الجامع - (ج 4 / ص 24)(2400) والضعفاء الكبير للعقيلي (959) ومسند عبد بن حميد (1153) حسن لغيره
(19) - صحيح مسلم(3354 )
(20) - مسند أبي يعلى الموصلي (4106) ضعيف
(21) - صحيح ابن خزيمة مشكل - (ج 4 / ص 118) وشعب الإيمان للبيهقي (3908 ) وأخبار مكة للفاكهي(2683 ) وصحيح ابن حبان - (ج 9 / ص 164)(3853) صحيح
- الشُعْث : جمع أسعث وهو من تغير شعره وتلبد من قلة تعهده بالدهن -غبرا : جمع أغبر وهو ما علاه الغبار -الفج : الطريق الواسع البعيد
(22) - صحيح الترغيب والترهيب( 1151) و الضُّعَفَاءُ الْكَبِيرِ لِلْعُقَيْلِيِّ (802 ) وقال : قَدْ رُوِيَ فِي ، هَذَا الْمَعْنَى بِخِلَافِ هَذَا اللَّفْظِ حَدِيثُ الْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ ، وَحَدِيثٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ ، وَأَسَانِيدُهَا لَيِّنَةٌ ، وَفِيهِ عَنْ عَائِشَةَ وَجَابِرٍ إِسْنَادَانِ صَالِحَانِ ( صحيح لغيره )
(23) - شعب الإيمان للبيهقي (3913 ) والفوائد الشهير بالغيلانيات لأبي بكر الشافعي (413 ) والصَّمْتُ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (670 ) صحيح لغيره - الرديف : الراكب خلف قائد الدابة
(24) - شعب الإيمان للبيهقي (3916 ) ضعيف - قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ : " هَذَا مَتْنٌ غَرِيبٌ وَلَيْسَ فِي إِسْنَادِهِ مَنْ يُنْسَبُ إِلَى الْوَضْعِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ " .
(25) - صحيح البخارى(1728 ) وصحيح مسلم (3208)
(26) - أَخْبَارُ مَكَّةَ لِلْأَزْرَقِيِّ (514 ) ودلائل النبوة (2553) حسن لغيره
وهذا من أحاديث الصفات التى يجب الإيمان بها مع تنزيه الله تعالى عن كل صفات المحدثين والهبوط والنزول وما يشبهها لا يقصد منها المعنى الحسى ، فهو مستحيل على الله تعالى(1/106)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : كُنْتُ جَالِسًا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَسْجِدِ مِنًى ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ وَرَجُلٌ مِنْ ثَقِيفٍ فَسَلَّمَا ، ثُمَّ قَالَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، جِئْنَا نَسْأَلُكَ . فَقَالَ : " إِنْ شِئْتُمَا أَخْبَرْتُكُمَا بِمَا جِئْتُمَا تَسْأَلَانِي عَنْهُ فَعَلْتُ ، وَإِنْ شِئْتُمَا أَنْ أُمْسِكَ فَعَلْتُ ؟ " . فَقَالَا : أَخْبِرْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ الثَّقَفِيُّ لِلْأَنْصَارِيِّ : سَلْ . فَقَالَ : أَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ ! ! فَقَالَ : " جِئْتَنِي تَسْأَلُنِي عَنْ مَخْرَجِكَ مِنْ بَيْتِكَ تَؤُمُّ الْبَيْتَ الْحَرَامَ وَمَا لَكَ فِيهِ ؟ وَعَنْ رَكْعَتَيْكَ بَعْدَ الطَّوَافِ وَمَا لَكَ فِيهِمَا ؟ وَعَنْ طَوَافِكَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَمَا لَكَ فِيهِ ؟ وَعَنْ وُقُوفِكَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ وَمَا لَكَ فِيهِ ؟ وَعَنْ رَمْيِكَ الْجِمَارَ وَمَا لَكَ فِيهِ ؟ وَعَنْ نَحْرِكَ وَمَا لَكَ فِيهِ ؟ وَعَنْ حَلْقِكَ رَأَسَكَ وَمَا لَكَ فِيهِ ؟ وَعَنْ طَوَافِكَ بِالْبَيْتِ بَعْدَ ذَلِكَ وَمَا لَكَ فِيهِ ؟ مَعَ الْإِفَاضَةِ ؟ " . فَقَالَ : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَعَنْ هَذَا جِئْتُ أَسْأَلُكَ . قَالَ : " فَإِنَّكَ إِذَا خَرَجْتَ مِنْ بَيْتِكَ تَؤُمُّ الْبَيْتَ الْحَرَامَ لَا تَضَعُ نَاقَتُكَ خُفًّا وَلَا تَرْفَعُهُ إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَكَ بِهِ حَسَنَةً ، وَمَحَا عَنْكَ خَطِيئَةً ، وَأَمَّا رَكْعَتَاكَ بَعْدَ الطَّوَافِ كَعِتْقِ رَقَبَةٍ مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ ، وَأَمَّا طَوَافُكَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ بَعْدَ ذَلِكَ كَعِتْقِ سَبْعِينَ رَقَبَةً ، وَأَمَّا وُقُوفُكَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَهْبِطُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيُبَاهِي بِكُمُ الْمَلَائِكَةَ يَقُولُ : عِبَادِي جَاءُونِي شُعْثًا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ يَرْجُونَ جَنَّتِي ، فَلَوْ كَانَتْ ذُنُوبُكُمْ كَعَدَدِ الرَّمْلِ أَوْ كَقَطْرِ الْمَطَرِ أَوْ كَزَبَدِ الْبَحْرِ لَغَفَرَهَا - أَوْ لَغَفَرْتُهَا - أَفِيضُوا عِبَادِي مَغْفُورًا لَكُمْ وَلِمَنْ شَفَعْتُمْ لَهُ . وَأَمَّا رَمْيُكَ الْجِمَارَ فَلَكَ بِكُلِّ حَصَاةٍ رَمَيْتَهَا كَبِيرَةٌ مِنَ الْمُوبِقَاتِ . وَأَمَّا نَحْرُكَ فَمَذْخُورٌ لَكَ عِنْدَ رَبِّكَ . وَأَمَّا حِلَاقُكَ رَأْسَكَ فَلَكَ بِكُلِّ شَعْرَةٍ حَلَقْتَهَا حَسَنَةٌ وَتُمْحَى عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةٌ . وَأَمَّا طَوَافُكَ بِالْبَيْتِ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّكَ تَطُوفُ وَلَا ذَنْبَ لَكَ يَأْتِي مَلَكٌ حَتَّى يَضَعَ يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفِكَ فَيَقُولُ : اعْمَلْ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ فَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا مَضَى "(1)
ــــــــــــــ
__________
(1) - مسند البزار (6177 ) حسن لغيره - قال البزار : وهذا الكلام قد روي عَن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه ، ولا نعلم له طريقا أحسن من هذا الطريق وقد روى عطاف بن خالد ، عَن إسماعيل بن رافع ، عَن أنس ، عَن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الكلام وحديث ابن عُمَر نحوه.(1/107)
سورٌ مباركاتٌ يغفر لمن قرأها
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : بَيْنَمَا جِبْرِيلُ قَاعِدٌ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، سَمِعَ نَقِيضًا مِنْ فَوْقِهِ ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ ، فَقَالَ : " هَذَا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ الْيَوْمَ لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ ، فَنَزَلَ مِنْهُ مَلَكٌ ، فَقَالَ : هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ ، فَسَلَّمَ ، وَقَالَ : أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ : فَاتِحَةُ الْكِتَابِ ، وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ، لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهُمَا إِلَّا أُعْطِيتَهُ "(1)
وعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " الْبَقَرَةُ سَنَامُ الْقُرْآنِ وَذُرْوَتُهُ ، وَنَزَلَ مَعَ كُلِّ آيَةٍ مِنْهَا ثَمَانُونَ مَلَكًا ، وَاسْتُخْرِجَتِ : اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ فَوُصِلَ بِهَا - أَوْ وُصِلَتْ - بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ ، وَ يس قَلْبُ الْقُرْآنِ ، لَا يَقْرَأُهَا رَجُلٌ يُرِيدُ اللَّهَ وَالدَّارَ وَالْآخِرَةَ إِلَّا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ، واقْرَؤُوهَا عَلَى مَوْتَاكُمْ "(2)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"مَنْ قَرَأَ يس فِي يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ غُفِرَ لَهُ"(3)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ قَرَأَ يس فِي لَيْلَةٍ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ، غُفِرَ لَهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ "(4)
وعَنْ جُنْدُبٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ قَرَأَ يس فِي لَيْلَةٍ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ غُفِرَ لَهُ.(5)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " " إِنَّ سُورَةً مِنَ القُرْآنِ ثَلَاثُونَ آيَةً شَفَعَتْ لِرَجُلٍ حَتَّى غُفِرَ لَهُ ، وَهِيَ سُورَةُ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلْكُ "(6)
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : ضَرَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - خِبَاءَهُ عَلَى قَبْرٍ وَهُوَ لَا يَحْسِبُ أَنَّهُ قَبْرٌ ، فَإِذَا فِيهِ إِنْسَانٌ يَقْرَأُ سُورَةَ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلْكُ حَتَّى خَتَمَهَا ، فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي ضَرَبْتُ خِبَائِي عَلَى قَبْرٍ وَأَنَا لَا أَحْسِبُ أَنَّهُ قَبْرٌ ، فَإِذَا فِيهِ إِنْسَانٌ يَقْرَأُ سُورَةَ تَبَارَكَ المُلْكِ حَتَّى خَتَمَهَا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " هِيَ المَانِعَةُ ، هِيَ المُنْجِيَةُ ، تُنْجِيهِ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ "(7)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ كَمَا أُنْزِلَتْ كَانَتْ لَهُ نُورًا مِنْ مَقَامِهِ إِلَى مَكَّةَ ، وَمَنْ قَرَأَ بِعَشْرِ آيَاتٍ مِنْ آخِرِهَا فَخَرَجَ الدَّجَّالُ لَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِ "(8)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ كَمَا أُنْزِلَتْ كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ "(9).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الدُّخَانِ فِي لَيْلَةِ جُمُعَةٍ أَصْبَحَ مَغْفُورًا لَهُ "(10)
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ قَالَ : مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ تُوِّجَ بِهَا تَاجاً فِى الْجَنَّةِ.(11)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ كَمَا أُنْزِلَتْ كَانَتْ لَهُ نُورًا مِنْ حَيْثُ قَرَأَهَا إِلَى مَكَّةَ ، وَمَنْ قَالَ إِذَا تَوَضَّأَ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ ، طُبِعَ بِطَابَعٍ ، ثُمَّ جُعِلَتْ تَحْتَ الْعَرْشِ حَتَّى يُؤْتَى بِصَاحِبِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ "(12)
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " مَنْ قَرَأَ ثَلَاثَمِائَةِ آيَةٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَلَائِكَتِهِ : يَا مَلَائِكَتِي ، نَصَبَ عَبْدِي ، أُشْهِدُكُمْ يَا مَلَائِكَتِي أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُ "(13)
الذاكرون أهل مغفرة الله
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسِيرُ فِى طَرِيقِ مَكَّةَ فَمَرَّ عَلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ جُمْدَانُ فَقَالَ « سِيرُوا هَذَا جُمْدَانُ سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ ». قَالُوا وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ ».(14)
فَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذَّاكِرُ هُوَ الْمُفْرِدُ الَّذِي لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ ، فَذَاكِرُ اللَّهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ مَنْ لَا يَذْكُرُ مَعَ اللَّهِ غَيْرَ اللَّهِ ، وَحَوَائِجَهُ غَيْرَ اللَّهِ . قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخَزَّازُ : بَيْنَا أَنَا عَشِيَّةَ عَرَفَةَ ، قَطَعَنِي قُرْبُ اللَّهِ عَنِ رَسُولَ الْلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ نَازَعَتْنِي نَفْسِي بِأَنْ أَسْأَلَ ، فَسَمِعْتُ هَاتِفًا يَقُولُ : أَبَعْدَ وُجُودِ اللَّهِ تَسْأَلُ اللَّهَ غَيْرَ اللَّهِ . فَمَنْ شُغِلَ عَنْهَا بِشُهُودِ اللَّهِ أَعْطَاهُ اللَّهُ عِنْدَ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا حَقَّ مَعْرِفَتِهِ ، وَصَرَفَهُ عَمَّنْ سِوَاهُ ، وَأَدْنَاهُ مِنْهُ ، فَكَانَ جَلِيسَهُ ، فَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : " أَنَا جَلِيسُ مَنْ ذَكَرَنِي " ، وَرَفَعَ الْحُجُبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ ، فَكَانَ كَأَنَّهُ يَرَاهُ ، وَأَعْطَاهُ فِي الْآخِرَةِ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ، وَأَحَلَّهُ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ يَقْبَلُ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ نَاضِرٍ ، وَيَنْظُرُ إِلَيْهِ بِبَصَرِهِ نَاظِرٌ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ ، فَلَوْلَا رَبٌّ رَحِيمٌ ، وَيُجِيبُهُ إِلَيْهِ بَرٌّ كَرِيمٌ . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ : " مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي " أَيْ : مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرُ اللَّهِ لَهُ ، مَعْنَاهُ مَنْ شَغَلَهُ شُهُودُهُ ذِكْرَ اللَّهِ لَهُ قَبْلَ إِيجَادِهِ إِيَّاهُ ، وَخَلْقِهِ لَهُ ، فَجَعَلَهُ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ لَهُ ، الْمُؤْمِنِينَ بِهِ ، الْمُثْنِينَ عَلَيْهِ ، نَقَلَهُ مِنْ صُلْبٍ إِلَى رَحِمٍ ، حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنْ أُمَّةٍ هِيَ خَيْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ، فِيمَنْ يَأْتِيهَا أَنْبِيَائُهُ وَرُسُلُهُ ، ثُمَّ أَلْهَمَهُ ذِكْرَهُ ، وَعَلَّمَهُ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ ، وَأَلْزَمَهُ كَلِمَةَ التَّقْوَى ، وَجَعَلَهُ مِنْ أُولِي النُّهَى ، فَكَانَ مَذْكُورَهُ بِالِاخْتِبَاءِ حِينَ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا ، فَقَامَ لَهُ بِحَوَائِجِهِ قَبْلَ حَاجَتِهِ إِلَيْهَا ، فَأَعْطَاهُ مَصَالِحَهُ قَبْلَ هِدَايَتِهِ لَهَا ، وَأَعْطَاهُ قَبْلَ سُؤَالِهِ أَجْزَلَ الْعَطَايَا ، وَوَهَبَ لَهُ أَنْفَسَ الرَّغَائِبِ وَأَحْسَنَ الْهَدَايَا ، وَتَكَفَّلَ لَهُ مَا يُصْلِحُهُ لِلدِّينِ وَالدُّنْيَا ، فَمَنْ عَرَفَ ذَلِكَ مِنْ رَبِّهِ بِهِ وَسَيِّدِهِ إِلَيْهِ اسْتَغْرَقَ فِي بَحْرِ مِنَنِهِ ، فَشَغَلَهُ عَنْ سُؤَالِ مَعْرِفَةٍ مِنْهُ بِعِلْمِهِ بِحَالِهِ ، فَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ، وَفَوَّضَ أَمْرَهُ إِلَيْهِ ثِقَةً بِهِ وَمَعْرِفَةً بِنَظَرِهِ لَهُ ، فَيُعْطِيهِ اللَّهُ أَفْضَلَ مَا يُعْطِي السَّائِلِينَ ، وَيَخْتَارُ لَهُ فِي حِينِ وُجُودِهِ مَا هُوَ أَصْلَحُ لَهُ ، كَمَا اخْتَارَ لَهُ فِي عَدَمٍ مَا هُوَ أَرْفَعُ لَهُ وَأَزْيَنُ بِهِ ، فَهُوَ يُعْطِيهِ عَلَى قَدْرِ الرُّبُوبِيَّةِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَالسَّائِلُونَ يَسْأَلُونَ عَلَى قَدْرِ الْعُبُودِيَّةِ ، وَهِمَمُ الْعَبْدِ لَا يُجَاوِزُ قَدْرَهُ ، وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى ، وَاللَّهُ جَوَادٌ كَرِيمٌ . وَالذَّاكِرُونَ عَلَى طَبَقَاتٍ ثَلَاثٍ : فَذَاكِرٌ بِلِسَانِهِ تَسْبِيحًا وَتَحْمِيدًا وَتكبيرا وَتَمْجِيدًا ، يَدْعُوهُ بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى ، وَيُثْنِي عَلَيْهِ بِصِفَاتِهِ الْعُلَى ، انْشَرَحَ صَدْرُهُ بِنُورِهِ ، وَاطْمَأَنَّ قَلْبُهُ بِذِكْرِهِ ، وَشَهِدَ مَذْكُورَهُ بِسِرِّهِ ، فَذِكْرُهُ لَهُ أَنِيسٌ ، وَهُوَ لِرَبِّهِ جَلِيسٌ ، تَلَذَّذَ بِذِكْرِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ، فَيَسْتَغْنِي عَنْ سُؤَالِهِ ، وَالطَّلَبِ إِلَيْهِ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ : ذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ قَدْرًا فِي الْقَلْبِ الذَّاكِرِ مِنْ أَنْ يَرْجِعَ مِنْهُ إِلَى حُظُوظِ نَفْسِهِ وَسُؤَالِ حَاجَاتِهِ ، فَيُعْطِيهِ اللَّهُ أَفْضَلَ مَا يُعْطِي السَّائِلِينَ إِلَى مَا وَعَدَ لَهُمْ ، إِذِ السَّائِلُونَ يَسْأَلُونَ مُحْدَثًا مَخْلُوقًا ، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَ الذَّاكِرِينَ لَهُ مَا لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ وَلَا مُحْدَثٍ ، وَهُوَ ذِكْرُهُ ، لِأَنَّ ذِكْرَهُ صِفَةٌ ، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِصِفَاتِهِ قَدِيمٌ ، وَيُبَاهِي بِهِمْ مَلَائِكَتَهُ ، وَيَرْفَعُ أَقْدَارَهُمْ بَيْنَ خَلِيقَتِهِ ، وَيُنَوِّهُ بِأَسْمَائِهِمْ فِي مَلَكُوتِهِ ، وَذَاكرٌ بِقَلْبِهِ مُعَظِّمٌ لِرَبِّهِ مُشَاهِدٌ بِهِ ، لَمْ يَذْكُرْهُ عَنْ نِسْيَانٍ حِينَ يَجْرِي بِذِكْرِهِ اللِّسَانُ ، فَكَانَ كَمَا قَالَ : ذَكَرْنَا وَمَا كُنَّا لِنَنْسَى فَنَذْكُرَ . وَلَكِنْ شِيَمُ الْعَرَبِ يَبْدُو فِيهِنَّ أَسْكَنَتْهُ هَيْبَتُهُ ، وَأَخْرَسَتْهُ خَشْيَتُهُ ، أَجَلَّ الْحَقَّ أَنْ يَذْكُرَهُ بِلِسَانِهِ ، وَلَمْ يَغِبْ عَنْ ذِكْرِهِ لَحْظَةً بِجَنَانِهِ ، يَرَى ذِكْرَهُ لَهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ غَفْلَةٌ وَثَنَاءَهُ عَلَيْهِ بِصِفَةِ نَفْسِهِ زَلَّةً ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ، قَالَ بَعْضُ الْكُبَرَاءِ : ذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يَجْرِي بِهِ الْإِنْسُ عَلَى مَا يَسْتَحِقُّهُ ، أَوْ تَبْلَغَهُ الْأَوْهَامُ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ ، أَوْ تَحْوِيهِ الْعُقُولُ عَلَى قَدْرِ قَدْرِهِ . قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ " ، فَهَؤُلَاءِ أَخْفُوا ذِكْرَهُ عَنِ الْأَخْبَارِ وَالرُّسُومِ ، فَأَخْفَى ثَوَابَهُمْ عَنِ الْمَعَارِفِ وَالْفُهُومِ فَقَالَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ . قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِوَايَةً عَنِ اللَّهِ تَعَالَى : " أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ " وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِوَايَةً أَيْضًا : " مَنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي " غَارُوا عَلَى أَذْكَارِهِ ، فَغَارَ عَلَى أَوْصَافِهِمْ ، فَهُمْ خَبَايَاهُ فِي غَيْبِهِ ، وَأَسْرَارُهُ فِي خَلْقِهِ ، وَآخِرُ شَاهِدٌ ذِكْرُ رَبِّهِ لَهُ حَيْثُ لَا رُسُومَ وَلَا فُهُومَ وَلَا عِلْمَ وَلَا مَعْلُومَ ، كَانُوا مَوْجُودِينَ لَهُ عِلْمًا إِذْ كَانُوا مَعْدُومِينَ رَسْمًا ، فَكَانُوا مَذْكُورِينَ ، وَلَا ذِكْرَ لَهُمْ ، وَمَعْلُومِينَ وَلَا عِلْمَ لَهُمْ ، وَمُرَادِينَ وَلَا إِرَادَةَ لَهُمْ ، وَمَطْلُوبِينَ وَلَا طَلَبَ لَهُمْ ، وَمُخْتَارِينَ وَلَا اخْتِيَارَ لَهُمْ ، لَمَّا شَاهَدُوا هَذِهِ الْأَحْوَالَ سَقَطُوا عَنِ الطَّلَبِ وَالسُّؤَالِ ، فَكَانُوا فِي حِينِ وُجُودِهِمْ كَمَا كَانُوا فِي عَدَمِهِمْ ، تَسْلِيمًا لَأَمْرِهِ وَتَرْكًا لِلِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ . فَالطَّبَقَةُ الْأُولَى مُتَذَكِّرُونَ ، وَالثَّانِيَةُ ذَاكِرُونَ ، وَالثَّالِثَةُ مَذْكُورُونَ ، وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ(15)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « سَبَقَ الْمُفْرِدُونَ ».
قَالُوا وَمَا الْمُفْرِدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « الْمُسْتَهْتَرُونَ فِى ذِكْرِ اللَّهِ يَضَعُ الذِّكْرُ عَنْهُمْ أَثْقَالَهُمْ فَيَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِفَافًا »(16).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ لِلَّهِ مَلاَئِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا : هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ " قَالَ : " فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا " قَالَ : " فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ ، وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ ، مَا يَقُولُ عِبَادِي ؟ قَالُوا : يَقُولُونَ : يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ " قَالَ : " فَيَقُولُ : هَلْ رَأَوْنِي ؟ " قَالَ : " فَيَقُولُونَ : لاَ وَاللَّهِ مَا رَأَوْكَ ؟ " قَالَ : " فَيَقُولُ : وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي ؟ " قَالَ : " يَقُولُونَ : لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً ، وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا وَتَحْمِيدًا ، وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا " قَالَ : " يَقُولُ : فَمَا يَسْأَلُونِي ؟ " قَالَ : " يَسْأَلُونَكَ الجَنَّةَ " قَالَ : " يَقُولُ : وَهَلْ رَأَوْهَا ؟ " قَالَ : " يَقُولُونَ : لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا " قَالَ : " يَقُولُ : فَكَيْفَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا ؟ " قَالَ : " يَقُولُونَ : لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا ، وَأَشَدَّ لَهَا طَلَبًا ، وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً ، قَالَ : فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ ؟ " قَالَ : " يَقُولُونَ : مِنَ النَّارِ " قَالَ : " يَقُولُ : وَهَلْ رَأَوْهَا ؟ " قَالَ : " يَقُولُونَ : لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا " قَالَ : " يَقُولُ : فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا ؟ " قَالَ : " يَقُولُونَ : لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرَارًا ، وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً " قَالَ : " فَيَقُولُ : فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ " قَالَ : " يَقُولُ مَلَكٌ مِنَ المَلاَئِكَةِ : فِيهِمْ فُلاَنٌ لَيْسَ مِنْهُمْ ، إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ . قَالَ : هُمُ الجُلَسَاءُ لاَ يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ "(17)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : " إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً فُضُلًا عَنْ كُتَّابِ النَّاسِ ، يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ ، يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا : هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ ، فَيَحُفُّونَ بِهِمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ ، فَيَقُولُ : مَا يَقُولُ عِبَادِي ؟ فَيَقُولُونَ : يُكَبِّرُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ وَيُسَبِّحُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ ، فَيَقُولُ : هَلْ رَأَوْنِي ؟ فَيَقُولُونَ : لَا ، فَيَقُولُ : فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي ؟ فَيَقُولُونَ : لَوْ رَأَوْكَ لَكَانُوا لَكَ أَشَدَّ عِبَادَةً وَأَكْثَرَ تَسْبِيحًا وَتَحْمِيدًا وَتَمْجِيدًا ، فَيَقُولُ : وَمَا يَسْأَلُونِي ؟ ، قَالَ : فَيَقُولُونَ : يَسْأَلُونَكَ الْجَنَّةَ ، فَيَقُولُ : فَهَلْ رَأَوْهَا ؟ فَيَقُولُونَ : لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ ، فَيَقُولُ : فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا ؟ فَيَقُولُونَ : لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا عَلَيْهَا أَشَدَّ حِرْصًا وَأَشَدَّ طَلَبًا ، وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً ، فَيَقُولُ : وَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ ؟ فَيَقُولُونَ : مِنَ النَّارِ ، فَيَقُولُ : وَهَلْ رَأَوْهَا ؟ فَيَقُولُونَ : لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ ، فَيَقُولُ : فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا ؟ فَيَقُولُونَ : لَوْ رَأَوْهَا لَكَانُوا مِنْهَا أَشَدَّ فِرَارًا ، وَأَشَدَّ هَرَبًا ، وَأَشَدَّ خَوْفًا ، فَيَقُولُ اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ : أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ . ، قَالَ : ، فَقَالَ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ : إِنَّ فِيهِمْ فُلَانًا لَيْسَ مِنْهُمْ إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ ، قَالَ : فَهُمُ الْجُلَسَاءُ لَا يَشْقَى جَلِيسُهُمْ "(18)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : " إِنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَلَائِكَةً سَيَّارَةً ، فُضُلًا يَتَتَبَّعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ ، فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِسًا فِيهِ ذِكْرٌ قَعَدُوا مَعَهُمْ ، وَحَفَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِأَجْنِحَتِهِمْ ، حَتَّى يَمْلَئُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، فَإِذَا تَفَرَّقُوا عَرَجُوا وَصَعِدُوا إِلَى السَّمَاءِ ، قَالَ : فَيَسْأَلُهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ : مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : جِئْنَا مِنْ عِنْدِ عِبَادٍ لَكَ فِي الْأَرْضِ ، يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيُهَلِّلُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيَسْأَلُونَكَ ، قَالَ : وَمَاذَا يَسْأَلُونِي ؟ قَالُوا : يَسْأَلُونَكَ جَنَّتَكَ ، قَالَ : وَهَلْ رَأَوْا جَنَّتِي ؟ قَالُوا : لَا ، أَيْ رَبِّ قَالَ : فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا جَنَّتِي ؟ قَالُوا : وَيَسْتَجِيرُونَكَ ، قَالَ : وَمِمَّ يَسْتَجِيرُونَنِي ؟ قَالُوا : مِنْ نَارِكَ يَا رَبِّ ، قَالَ : وَهَلْ رَأَوْا نَارِي ؟ قَالُوا : لَا ، قَالَ : فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا نَارِي ؟ قَالُوا : وَيَسْتَغْفِرُونَكَ ، قَالَ : فَيَقُولُ : قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ فَأَعْطَيْتُهُمْ مَا سَأَلُوا ، وَأَجَرْتُهُمْ مِمَّا اسْتَجَارُوا ، قَالَ : فَيَقُولُونَ : رَبِّ فِيهِمْ فُلَانٌ عَبْدٌ خَطَّاءٌ ، إِنَّمَا مَرَّ فَجَلَسَ مَعَهُمْ ، قَالَ : فَيَقُولُ : وَلَهُ غَفَرْتُ هُمُ الْقَوْمُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ ".(19)
وعَن سُهَيْلِ بْنِ حَنْظَلَةَ الْعَبْشَمِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ : مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ قط يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ نَادَى مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ : قُومُوا مَغْفُورًا لَكُمْ ، قَدْ بُدِّلَتْ سَيِّئَاتُكُمْ حَسَنَاتٍ.(20)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَا مِنْ قَوْمٍ اجْتَمَعُوا يَذْكُرُونَ اللَّهَ لاَ يُرِيدُونَ بِذَلِكَ إِلاَّ وَجْهَهُ إِلاَّ نَادَاهُمْ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنْ قُومُوا مَغْفُوراً لَكُمْ قَدْ بُدِّلَتْ سَيِّآتُكُمْ حَسَنَاتٍ »(21).
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " قَالَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - : يَا رَبِّ ، عَلِّمْنِي شَيْئًا أَذْكُرُكَ وَأَدْعُوكَ بِهِ ، قَالَ : قُلْ يَا مُوسَى : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، قَالَ : كُلُّ عِبَادِكَ يَقُولُ هَذَا ! قَالَ : قُلْ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ، إِنَّمَا أُرِيدُ شَيْئًا تَخُصُّنِي بِهِ ، قَالَ : يَا مُوسَى ، لَوْ أَنَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ وَعَامِرَهُنَّ غَيْرِي وَالْأَرَضِينَ السَّبْعَ فِي كِفَّةٍ ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فِي كِفَّةٍ ، مَالَتْ بِهِنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ "(22).
__________
(1) - صحيح مسلم(1913 )
(2) - مسند أحمد (20836) و الْمُعْجَمُ الْكَبِيرُ لِلطَّبَرَانِيِّ (16300 ) فيه مبهم - السنام : الذروة
(3) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 19 / ص 62)(145 ) حسن لغيره
(4) - سنن الدارمى (3478) صحيح لغيره
(5) - صحيح ابن حبان - (ج 6 / ص 312)(2574) صحيح لغيره
(6) - سنن الترمذى(3134 ) وصحيح الجامع ( 2091) صحيح لغيره
(7) - سُنَنُ التِّرْمِذِيِّ ( 3133) والصحيحة (1140) صحيح لغيره
(8) - السنن الكبرى للإمام النسائي الرسالة(10722) مرفوعاً وموقوفاً صحيح
(9) - شعب الإيمان للبيهقي(2346 ) صحيح
(10) - شعب الإيمان للبيهقي (2374 ) ومسند أبي يعلى الموصلي(6232) وقِيَامُ اللَّيْلِ لِمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ (197) والمعجم الكبير للطبراني(7952 ) حسن لغيره
(11) - سنن الدارمى(3441) صحيح مرسل ، ومثله لا يقال بالرأي
(12) - المعجم الأوسط للطبراني(1511 ) وشُعَبُ الْإِيمَانِ لِلْبَيْهَقِيِّ ( 2636 ) صحيح ، ولا يضر وقفه .
(13) - عَمَلُ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ لِابْنِ السُّنِّيِّ(699 ) فيه انقطاع
(14) - صحيح مسلم(6984 ) - المفردون : الذاكرون الله كثيرا والمفرد الذى انفرد بأمر وجعله شغله الشاغل
(15) - بَحْرُ الْفَوَائِدِ الْمُسَمَّى بِمَعَانِي الْأَخْيَارِ لِلْكَلَابَاذِيِّ(201 )
(16) - سنن الترمذى (3945) حسن -المستهتر : المولع بالشىء والمفرط فيه
(17) - البخاري (6408 )
(18) - صَحِيحُ ابْنِ حِبَّانَ (858) صحيح
(19) - صحيح مسلم(7015 ) -الفُضل : ملائكة زائدون على الحفظة وغيرهم
(20) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 10 / ص 308)(30091) صحيح
(21) - مسند أحمد (12788) صحيح لغيره
(22) - مسند أبي يعلى الموصلي(1393) حسن(1/108)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ . فِى يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ »(1).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : " مَنْ قَالَ : لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ ، إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ "(2)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ ، إِلَّا امْرُؤٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ، وَمَنْ قَالَ فِي يَوْمٍ : سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ ، حُطَّتْ خَطَايَاهُ ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ "(3).
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : " مَنْ قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ كَثِيرًا ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ، كُفِّرَتْ خَطَايَاهُ وَإنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ زَبَدِ الْبَحْرِ "(4)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالُوا : ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى ، وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ ، فَقَالَ : " وَمَا ذَاكَ ؟ " قَالُوا : يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي ، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ ، وَيَتَصَدَّقُونَ وَلَا نَتَصَدَّقُ ، وَيُعْتِقُونَ وَلَا نُعْتِقُ ، فَقَالَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَفَلَا أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ ؟ وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ إِلَّا مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ " قَالُوا : بَلَى ، يَا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ : " تُسَبِّحُونَ ، وَتُكَبِّرُونَ ، وَتَحْمَدُونَ ، دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً " قَالَ أَبُو صَالِحٍ : فَرَجَعَ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالُوا : سَمِعَ إِخْوَانُنَا أَهْلُ الْأَمْوَالِ بِمَا فَعَلْنَا ، فَفَعَلُوا مِثْلَهُ ، فَقَالَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ "(5)
وعن مُحَمَّدَ بْنِ أَبِي عَائِشَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ أَبُو ذَرٍّ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ذَهَبَ أَصْحَابُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي ، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ ، وَلَهُمْ فُضُولُ أَمْوَالٍ يَتَصَدَّقُونَ بِهَا ، وَلَيْسَ لَنَا مَالٌ نَتَصَدَّقُ بِهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يَا أَبَا ذَرٍّ ، أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ تُدْرِكُ بِهِنَّ مَنْ سَبَقَكَ ، وَلَا يَلْحَقُكَ مَنْ خَلْفَكَ إِلَّا مَنْ أَخَذَ بِمِثْلِ عَمَلِكَ ؟ " قَالَ : بَلَى ، يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : " تُكَبِّرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ، ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، وَتَحْمَدُهُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، وَتُسَبِّحُهُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، وَتَخْتِمُهَا بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ ، وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ "(6)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " " مَا عَلَى الأَرْضِ أَحَدٌ يَقُولُ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ، إِلَّا كُفِّرَتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ "(7).
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ ».(8)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ قَالَ فِي يَوْمٍ مِئَة مَرَّةٍ سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ.(9)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " اذْكُرُوا عِبَادَ اللَّهِ ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا قَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا عَشْرًا ، وَمِنْ عَشْرٍ إِلَى مِائَةٍ ، وَمِنْ مِائَةٍ إِلَى أَلْفٍ ، فَمَنْ زَادَ زَادَ اللَّهُ لَهُ ، وَمَنِ اسْتَغْفَرَ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ "(10)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " اذْكُرُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ ، فَإِنْ قَالَ الْعَبْدُ : سُبْحَانَ اللَّهِ بِحَمْدِهِ ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا عَشْرًا ، وَمِنْ عَشْرٍ إِلَى مِائَةٍ ، وَمِنْ مِائَةٍ إِلَى أَلْفٍ ، وَمَنْ زَادَ زَادَهُ اللَّهُ ، وَمَنِ اسْتَغْفَرَ غُفِرَ لَهُ ، وَمَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ فِي مُلْكِهِ ، وَمَنْ أَعَانَ عَلَى خُصُومَةٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَقَدْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ ، وَمَنْ قَذَفَ مُؤْمِنًا أَوْ مُؤْمِنَةً حَبَسَهُ اللَّهُ فِي رَدْغَةِ الْخَبَالِ حَتَّى يَأْتِيَ بِالْمَخْرَجِ ، وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ اقْتُصَّ مِنْ حَسَنَاتِهِ ، لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ "(11)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، يَرْفَعُ الْحَدِيثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " مَنْ قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ، يَعْقِدُهُنَّ خَمْسًا بِأَصَابِعِهِ ، ثُمَّ قَالَ : مَنْ قَالَهُنَّ فِي يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ أَوْ فِي شَهْرٍ ثُمَّ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ ، أَوْ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ ، أَوْ فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ ، غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ " .(12)
ــــــــــــــ
__________
(1) - صحيح البخارى(6405 ) وصحيح مسلم (7018 )
(2) - صحيح البخارى(3293 )
(3) - مسند أحمد (9108) صحيح
(4) - السنن الكبري للنسائي ( 9874) صحيح
(5) - صَحِيحُ مُسْلِمٍ (1375 )
(6) - سنن أبى داود (1506 ) صحيح - الدثور : جمع دثر وهو المال العظيم
(7) - سنن الترمذى (3794 ) مسند أحمد(7146) صحيح لغيره
(8) - سنن الترمذى (3802 ) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
(9) - مصنف ابن أبي شيبة(ج 10 / ص 290)(30030) صحيح
(10) - السنن الكبرى للإمام النسائي الرسالة(9914) صحيح
(11) - مُعْجَمُ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ(284) والسنن الكبرى للبيهقي (ج 8 / ص 332)(18073) خسن
(12) - السنن الكبرى للإمام النسائي(9773) حسن(1/109)
أدعية من أراد المغفرة والرحمة
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا كَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ، فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ: سُبْحَانَكَ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ، كَانَ كَفَّارَةٌ لَمَّا كَانَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ".(1)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ جَلَسَ فِى مَجْلِسٍ فَكَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ. إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ فِى مَجْلِسِهِ ذَلِكَ »(2).
وعَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا جَلَسَ مَجْلِسًا أَوْ صَلَّى تَكَلَّمَ بِكَلِمَاتٍ ، فَسَأَلَتْهُ عَائِشَةُ عَنِ الْكَلِمَاتِ ، فَقَالَ : " إِنْ تَكَلَّمَ بِخَيْرٍ كَانَ طَابِعًا عَلَيْهِنَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَإِنْ تَكَلَّمَ بِغَيْرِ ذَلِكَ كَانَ كَفَّارَةً لَهُ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ "(3)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى عَمُودًا مِنْ نُورٍ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ اهْتَزَّ ذَلِكَ الْعَمُودُ ، فَيَقُولُ الرَّبُّ جَلَّ جَلَالُهُ : اسْكُنْ ، فَيَقُولُ : كَيْفَ أَسْكُنُ وَلَمْ تَغْفِرْ لَهُ ؟ فَيَقُولُ : اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : إِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُ ، فَيَسْكُنُ "(4)
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : وَاذُنُوبَاهُ وَاذُنُوبَاهُ ، فَقَالَ هَذَا الْقَوْلَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " قُلِ اللَّهُمَّ مَغْفِرَتِكَ أَوْسَعُ مِنْ ذُنُوبِي وَرَحْمَتَكَ أَرْجَى عِنْدِي مِنْ عَمَلِي " . فَقَالَهَا ثُمَّ قَالَ : " عُدْ " فَعَادَ ثُمَّ ، قَالَ : " عُدْ " فَعَادَ ، فَقَالَ : " قُمْ فَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ "(5)
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ إِذَا دَعَوْتَ بِهِنَّ ثُمَّ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ صَيْرٍ ذُنُوبٌ غُفِرَ لَكَ بِهِنَّ " قَالَ : نَعَمْ ، يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : " أَنْ تَقُولَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ ، سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ أَنْ تَغْفِرَ لِي "(6)
وعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : يَا عَلِيُّ ، أَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ إِذَا قُلْتَهُنَّ ، غُفِرَ لَكَ ، مَعَ أَنَّهُ مَغْفُورٌ لَكَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ ، سُبْحَانَ اللهِ رَبِّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.(7)
ــــــــــــــ
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 19 / ص 271)(663 ) صحيح لغيره
(2) - سنن الترمذى(3762 ) صحيح -اللغط : الأصوات المختلفة التى لا تفهم
(3) - سنن النسائى(1352 ) صحيح
(4) - حِلْيَةُ الْأَوْلِيَاءِ (3751 ) والتَّرْغِيبُ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَثَوَابُ ذَلِكَ لِابْنِ شَاهِينَ (1 و2) ضعيف
(5) - المستدرك للحاكم (1993) ضعيف
(6) - الدُّعَاءُ لِلطَّبَرَانِيِّ(943 ) فيه جهالة
(7) - صحيح ابن حبان - (ج 15 / ص 371)(6928) صحيح لغيره(1/110)
كيف تكسب في اليوم ألف حسنة؟
عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ حَدَّثَنِى أَبِى قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: « أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكْسِبَ كُلَّ يَوْمٍ أَلْفَ حَسَنَةٍ ». فَسَأَلَهُ سَائِلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ كَيْفَ يَكْسِبُ أَحَدُنَا أَلْفَ حَسَنَةٍ؟ قَالَ: « يُسَبِّحُ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ فَيُكْتَبُ لَهُ أَلْفُ حَسَنَةٍ أَوْ يُحَطُّ عَنْهُ أَلْفُ خَطِيئَةٍ ».(1)
وعَنْ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِى طَالِبٍ قَالَ قَالَتْ : مَرَّ بِي ذَاتَ يَوْمٍ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ : إِنِّي قَدْ كَبِرْتُ وَضَعُفْتُ ، أَوْ كَمَا قَالَتْ ، فَمُرْنِي بِعَمَلٍ أَعْمَلُهُ وَأَنَا جَالِسَةٌ ، قَالَ : " سَبِّحِي اللَّهَ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ ، فَإِنَّهَا تَعْدِلُ لَكِ مِائَةَ رَقَبَةٍ تُعْتِقِينَهَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ ، وَاحْمَدِي اللَّهَ مِائَةَ تَحْمِيدَةٍ ، تَعْدِلُ لَكِ مِائَةَ فَرَسٍ ، تَحْمِلِينَ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَكَبِّرِي اللَّهَ مِائَةَ تَكْبِيرَةٍ ، فَإِنَّهَا تَعْدِلُ لَكِ مِائَةَ ، اللَّهَ مِائَةَ ، قَالَ ابْنُ خَلَفٍ : أَحْسِبُهُ قَالَ ، تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، وَلَا يُرْفَعُ يَوْمَئِذٍ لِأَحَدٍ مِثْلُ عَمَلِكَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِ مَا أَتَيْتِ بِهِ "(2)
وعَنْ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ قَالَتْ : جِئْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي امْرَأَةٌ قَدْ ثَقُلْتُ ، فَعَلِّمْنِي شَيْئًا أَقُولُهُ وَأَنَا جَالِسَةٌ ، قَالَ : " قُولِي : اللَّهُ أَكْبَرُ مِائَةَ مَرَّةٍ ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكِ مِنْ مِائَةِ بَدَنَةٍ مُجَلَّلَةٍ مُتَقَبَّلَةٍ ، وَقُولِي : الْحَمْدُ لِلَّهِ مِائَةَ مَرَّةٍ ، فَإِنَّهُ خَيْرٌ لَكِ مِنْ مِائَةِ فَرَسٍ مُسْرَجَةٍ مُلْجَمَةٍ حَمَلْتِيهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَقُولِي : سُبْحَانَ اللَّهِ مِائَةَ مَرَّةٍ ، هُوَ خَيْرٌ لَكِ مِنْ مِائَةِ رَقَبَةٍ مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ تُعْتِقِينَهُنَّ ، وَقُولِي : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مِائَةَ مَرَّةٍ ، لَا تَذَرُ ذَنْبًا وَلَا يَسْبِقُهُ الْعَمَلُ "
وعَنْ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : قُلْتُ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي امْرَأَةٌ قَدْ كَبِرْتُ وَضَعُفْتُ فَدُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ ، قَالَ : " كَبِّرِي اللَّهَ مِائَةَ مَرَّةٍ ، وَاحْمَدِي اللَّهَ مِائَةَ مَرَّةٍ ، وَسَبِّحِي اللَّهَ مِائَةَ مَرَّةٍ ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكِ مِنْ مِائَةِ بَدَنَةٍ مُتَقَبَّلَةٍ ، وَخَيْرٌ مِنْ مِائَةِ فَرَسٍ مُسْرَجٍ مُلْجَمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَخَيْرٌ مِنْ مِائَةِ رَقَبَةٍ مُتَقَبَّلَةٍ ، وَقَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لَا يَتْرُكُ ذَنْبًا ، وَلَا يُشْبِهُهَا عَمَلٌ "(3)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى مِنَ الْكَلَامِ أَرْبَعًا : سُبْحَانَ اللَّهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ ، فَمَنْ قَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ عِشْرِينَ حَسَنَةً ، أَوْ حَطَّ عَنْهُ عِشْرِينَ سَيِّئَةً ، وَمَنْ قَالَ : اللَّهُ أَكْبَرُ ، فَمِثْلُ ذَلِكَ ، وَمَنْ قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، فَمِثْلُ ذَلِكَ ، وَمَنْ قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ ، كُتِبَتْ لَهُ ثَلَاثُونَ حَسَنَةً ، أَوْ حُطَّ عَنْهُ ثَلَاثُونَ سَيِّئَةً "(4)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى مِنَ الْكَلَامِ سُبْحَانَ اللَّهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ ، مَنْ قَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ كُتِبَ لَهُ عِشْرُونَ حَسَنَةً ، وَمُحِيَ عَنْهُ عِشْرُونَ سَيِّئَةً ، وَمَنْ قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ فَهِيَ ثَنَاءُ اللَّهِ كُتِبَ لَهُ ثَلَاثُونَ حَسَنَةً وَحُطَّ عَنْهُ ثَلَاثُونَ سَيِّئَةً ، وَمَنْ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي لَيْلَةٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ ، وَمَنْ قَرَأَ مِائَةَ آيَةٍ فِي لَيْلَةٍ كُتِبَ مِنَ الْقَانِتِينَ ، وَمَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ اللَّهِ فَقَدْ بَرِئَ مِنَ النِّفَاقِ "(5)
وعَنْ سَلْمَى أُمِّ بَنِي أَبِي رَافِعٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِكَلِمَاتٍ وَلَا تُكْثِرْ عَلَيَّ ، قَالَ : " قُولِي اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ عَشْرَ مَرَّاتٍ ، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : هَذَا لِي ، وَقُولِي : سُبْحَانَ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَشْرَ مَرَّاتٍ ، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : هَذَا لِي ، وَقُولِي : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي عَشْرَ مَرَّاتٍ ، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : قَدْ فَعَلْتُ "(6)
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَكْثَرُوا مِنْ قَوْلِ سُبْحَانَ اللَّهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ، فَإِنَّهُنَّ مِنَ الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ ، وَهُنَّ يَحْطُطْنَ الْخَطَايَا كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا ، وَهُنَّ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ "(7)
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " قُلْهُنَّ قَبْلَ أَنْ يُحَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُنَّ ، فَإِنَّهُنَّ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ وَإِنَّهُنَّ كَنْزُ الْجَنَّةِ " فَقُلْتُ : وَمَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " سُبْحَانَ اللَّهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ "(8)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : " مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ ، وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ ، كُفِّرَتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ ، وَإِنْ كُنَّ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ "(9)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " " مَا عَلَى الأَرْضِ أَحَدٌ يَقُولُ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ، إِلَّا كُفِّرَتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ "(10)
وعَنْ أَبِي الْمُنْذِرِ الْجُهَنِيِّ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ عَلِّمْنِي أَفْضَلَ الْكَلَامِ ، فَقَالَ : " يَا أَبَا الْمُنْذِرِ ، قُلْ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ ، وَلَهُ الْحَمْدُ ، يُحْيِي وَيُمِيتُ ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، مِائَةَ مَرَّةٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ ، فَأَنْتَ يَوْمَئِذٍ أَفْضَلُ النَّاسِ عَمَلًا ، إِلَّا مَنْ قَالَ مِثْلَ مَا قُلْتَ ، وَأَكْثِرْ مِنْ : سُبْحَانَ اللَّهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ، وَلَا تَنْسَيَنَّ الِاسْتِغْفَارَ فِي صَلَاتِكَ ، فَإِنَّهَا مَمْحَاةٌ لِلْخَطَايَا بِرَحْمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ "(11)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ قَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ خَمْسِينَ مَرَّةً ، غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ذُنُوبَ خَمْسِينَ سَنَةً "(12)
ــــــــــــــ
__________
(1) - صحيح مسلم (7027 )
(2) - مسند أحمد (27670) حسن لغيره
(3) - الْمُسْتَدْرَكُ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ لِلْحَاكِمِ(1847) حسن لغيره
(4) - مسند أحمد(8233) صحيح
(5) - شُعَبُ الْإِيمَانِ لِلْبَيْهَقِيِّ (601 ) صحيح
(6) - الدُّعَاءُ لِلطَّبَرَانِيِّ(1625 ) صحيح
(7) - أَمْثَالُ الْحَدِيثِ لِلرَّامَهُرْمِزِيِّ ( 96 ) حسن لغيره
(8) - الدُّعَاءُ لِلطَّبَرَانِيِّ (1593 ) حسن لغيره
(9) - مُسْنَدُ ابْنِ الْجَعْدِ (471 ) صحيح
(10) - سنن الترمذى(3794 ) صحيح لغيره
(11) - مَعْرِفَةُ الصِّحَابَةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيِّ (6390) ضعيف
(12) - قِيَامُ اللَّيْلِ لِمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ (182 ) والدارمي (3501) فيه ضعف(1/111)
الخوف من الله باب من أبواب المغفرة
وعَنْ أُمِّ كُلْثُومَ بِنْتِ الْعَبَّاسِ ، عَنْ أَبِيهَا ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِذَا اقْشَعَرَّ جِلْدُ الْعَبْدِ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ ، تَحَاتَّتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ كَمَا تَحَاتُّ عَنِ الشَّجَرَةِ الْبَالِيَةِ وَرَقُهَا.(1)
وعَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ : كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تَحْتَ شَجَرَةٍ فَهَاجَتِ الرِّيحُ فَوَقَعَ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ وَرَقٍ نَخِرٍ ، وَبَقِيَ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ وَرَقٍ أَخْضَرَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَا مَثَلُ هَذِهِ الشَّجَرَةِ ؟ " قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ : " مَثَلُهَا مَثَلُ الْمُؤْمِنِ إِذَا اقْشَعَرَّ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَقَعَتْ عَنْهُ ذُنُوبُهُ وَبَقِيَتَ لَهُ حَسَنَاتُهُ "(2)
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ مُذْنِبٌ إِلَّا مَنْ عَافَيْتُ ، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ ، وَمَنْ عَلِمَ أَنِّي أَقْدِرُ عَلَى الْمَغْفِرَةِ فَاسْتَغْفَرَنِي بِقُدْرَتِي غَفَرْتُ لَهُ ، وَلَا أُبَالِي ، وَكُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُ ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ ، وَكُلُّكُمْ فَقِيرٌ إِلَّا مَنْ أَغْنَيْتُ ، فَاسْأَلُونِي أُغْنِكُمْ . وَلَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ ، وَحَيَّكُمْ وَمَيِّتَكُمْ ، وَرَطْبَكُمْ وَيَابِسَكُمْ ، اجْتَمَعُوا عَلَى أَشْقَى قَلْبٍ مِنْ قُلُوبِ عِبَادِي ، مَا نَقَصَ فِي مُلْكِي جَنَاحَ بَعُوضَةٍ ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ عَبْدٍ مِنْ عِبَادِي ، مَا زَادَ فِي مُلْكِي جَنَاحَ بَعُوضَةٍ ، وَلَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ ، وَحَيَّكُمْ وَمَيِّتَكُمْ ، وَرَطْبَكُمْ وَيَابِسَكُمْ ، اجْتَمَعُوا ، فَسَأَلَنِي كُلُّ سَائِلٍ مِنْهُمْ مَا بَلَغَتْ أُمْنِيَّتُهُ ، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ سَائِلٍ مِنْهُمْ مَا سَأَلَ ، مَا نَقَصَنِي ، كَمَا لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ مَرَّ بِشَفَةِ الْبَحْرِ فَغَمَسَ فِيهِ إِبْرَةً ثُمَّ انْتَزَعَهَا ، كَذَلِكَ لَا يَنْقُصُ مِنْ مُلْكِي ، ذَلِكَ بِأَنِّي جَوَادٌ مَاجِدٌ صَمَدٌ ، عَطَائِي كَلَامٌ ، وَعَذَابِي كَلَامٌ ، إِذَا أَرَدْتُ شَيْئًا فَإِنَّمَا أَقُولُ لَهُ : كُنْ ، فَيَكُونُ "(3)
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ : " يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي ، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا ، فَلَا تَظَالَمُوا ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ ، إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ ، إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي ، فَتَنْفَعُونِي ، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا ، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا ، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ ، يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا ، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا ، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ ، فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ "(4)
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَأَزِيدُ ، وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَجَزَاؤُهُ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا أَوْ أَغْفِرُ وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا ، وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا ، وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ، وَمَنْ لَقِيَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطِيئَةً لَا يُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَقِيتُهُ بِمِثْلِهَا مَغْفِرَةً "(5)
ــــــــــــــ
__________
(1) - مسند البزار(1322) حسن لغيره
(2) - الْمَطَالِبُ الْعَالِيَةُ لِلْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيِّ (3391 ) حسن لغيره
(3) - مسند أحمد(21976) ومسند البزار(3995) صحيح لغيره
(4) - مسلم (6737)
(5) - مسلم (7009 )(1/112)
الاستغفارُ موصل للجنة
عن أَنَسَ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " " قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي ، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ ، وَلَا أُبَالِي ، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً "(1)
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، - أَوْ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ - لَوْ أَخْطَأْتُمْ حَتَّى تَبْلُغَ خَطَايَاكُمْ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، ثُمَّ اسْتَغْفَرْتُمُ اللَّهَ لَغَفَرَ لَكُمْ . وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ - أَوْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ - لَوْ لَمْ تُخْطِئُوا ; لَجَاءَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - بِقَوْمٍ يُخْطِئُونَ ، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُونَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ "(2).
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ قَالَ : " ابْنَ آدَمَ ، إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ ، ابْنَ آدَمَ ، إِنْ تَلْقَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا لَقِيتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً بَعْدَ أَنْ لَا تُشْرِكَ بِي شَيْئًا ، ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ إِنْ تُذْنِبْ حَتَّى يَبْلُغَ ذَنْبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ، ثُمَّ تَسْتَغْفِرُنِي أَغْفِرْ لَكَ وَلَا أُبَالِي ".(3)
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ ، قَالَ : " قَالَ رَبُّكُمُ : ابْنَ آدَمَ إِنْ دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ ، ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ إِنْ تَلْقَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا أَلْقَكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً ، بَعْدَ أَنْ لَا تُشْرِكَ بِي شَيْئًا ، ابْنَ آدَمَ إِنْ أَذْنَبْتَ حَتَّى تَبْلُغَ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ تَسْتَغْفِرُنِي ، أَغْفِرُ لَكَ وَلَا أُبَالِي "(4)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : إِنَّ الشَّيْطَانَ قَالَ : وَعِزَّتِكَ يَا رَبِّ ، لاَ أَبْرَحُ أُغْوِي عِبَادَكَ ، مَا دَامَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ ، فَقَالَ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : وَعِزَّتِي وَجَلالِي ، لاَ أَزَالُ أَغْفِرُ لَهُمْ ، مَا اسْتَغْفَرُونِي".(5)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : اسْتَغْفِرُوا " فَاسْتَغْفَرُوا ، فَقَالَ : " أَكْمِلُوا سَبْعِينَ مَرَّةً " فَأَكْمَلْنَاهَا ، فَقَالَ : " مَنِ اسْتَغْفَرَ سَبْعِينَ مَرَّةً غَفَرَ اللَّهُ لَهُ سَبْعمِائَةَ ذَنْبٍ وَقَدْ خَابَ عَبْدٌ وَخَسِرَ أَذْنَبَ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعمِائَةِ ذَنْبٍ "(6)
وعَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَسِيرٍ فَقَالَ : " اسْتَغْفِرُوا " فَاسْتَغْفَرْنَا . قَالَ : " فَأَتِمُّوهَا سَبْعِينَ مَرَّةً " . قَالَ : فَأَتْمَمْنَاهَا . قَالَ : فَقَالَ : " مَا مِنْ عَبْدٍ ، وَلَا أَمَةٍ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً إِلَّا غَفَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ سَبْعَمِائَةِ ذَنْبٍ ، وَقَدْ خَابَ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ عَمِلَ فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَمِائَةِ ذَنْبٍ ".(7)
وعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ : اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي ، لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي ، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ . إِذَا قَالَ حِينَ يُمْسِي فَمَاتَ دَخَلَ الجَنَّةَ - أَوْ : كَانَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ - وَإِذَا قَالَ حِينَ يُصْبِحُ فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ مِثْلَهُ "(8)
وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ قَالَ : أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ ، ثَلَاثًا ، غُفِرَتْ ذُنُوبُهُ وَإِنْ كَانَ فَارًّا مِنَ الزَّحْفِ "(9)
ــــــــــــــ
__________
(1) - سنن الترمذى (3885 ) حسن
(2) - غاية المقصد فى زوائد المسند (4798 ) صحيح
(3) - أحمد (22089 ) حسن لغيره
(4) - تَهْذِيبُ الْآثَارِ لِلطَّبَرِيِّ(1940 ) حسن
(5) - مسند أحمد(11541) والمستدرك للحاكم(7672) حسن
(6) - الدُّعَاءُ لِلطَّبَرَانِيِّ (1730 ) حسن لغيره
(7) - أَمَالِي ابْنِ بِشْرَانَ (201 ) حسن لغيره
(8) - صحيح البخارى(6306)
(9) - الدَّعَوَاتُ الْكَبِيرُ ( 132 ) حسن ، الزحف : الجهاد ولقاء العدو في الحرب(1/113)
من فضائل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -
عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُمَيْرٍ الأَنْصَارِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، وَكَانَ بَدْرِيًّا ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ صَلَّى عَلَيَّ مِنْ أُمَّتِي صَلاَةً ، مُخْلِصًا مِنْ قَلْبِهِ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرَ صَلَوَاتٍ ، وَرَفَعَهُ بِهَا عَشْرَ دَرَجَاتٍ ، وَكَتَبَ لَهُ بِهَا عَشْرَ حَسَنَاتٍ ، وَمَحَا عَنْهُ عَشْرَ سَيِّئَاتٍ.(1)
وعَنِ الطُّفَيْلِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا ذَهَبَ رُبْعُ اللَّيْلِ قَامَ ، فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، اذْكُرُوا اللَّهَ ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، اذْكُرُوا اللَّهَ ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، اذْكُرُوا اللَّهَ ، جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ ، فَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلاةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْهَا ؟ قَالَ : مَا شِئْتَ ، قَالَ : الرُّبُعُ ؟ قَالَ : مَا شِئْتَ ، وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ ، قَالَ : النِّصْفُ ؟ قَالَ : مَا شِئْتَ ، وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ ، قَالَ : الثُّلُثَيْنِ ؟ قَالَ : مَا شِئْتَ ، وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ ، قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَجْعَلُهَا كُلَّهَا لَكَ ؟ قَالَ : إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ "(2).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا "(3)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ وَالْبِشْرُ يُرَى فِي وَجْهِهِ ، فَقَالَ : " إِنَّهُ جَاءَنِي جِبْرِيلُ ، فَقَالَ : إِنَّ رَبِّكَ ، يَقُولُ : أَمَا يُرْضِيكَ يَا مُحَمَّدُ ، أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْكَ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِكَ إِلَّا صَلَّيْتُ عَلَيْهِ عَشْرًا ، وَلَا يُسَلِّمُ عَلَيْكَ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِكَ إِلَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ عَشْرًا "(4)
وعَنْ أَنَسِ بن مَالِكٍ ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَسَارِيرُ وَجْهِهِ تَبْرُقُ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , مَا رَأَيْتُكَ أَطْيَبَ نَفْسًا وَلا أَظْهَرَ بِشْرًا مِنْكَ فِي يَوْمِكَ هَذَا ، فَقَالَ : وَمَا لِي لا تَطَيبُ نَفْسِي وَلا يَظْهَرُ بِشْرِي ، وَإِنَّمَا فَارَقَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ السَّاعَةَ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ مَنْ صَلَّى عَلَيْكَ مِنْ أُمَّتِكَ صَلاةً كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا عَشْرَ حَسَنَاتٍ وَمَحَا عَنْهُ عَشْرَ سَيِّئَاتٍ "(5).
وعن أَنَسَ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ ، وَحُطَّتْ عَنْهُ عَشْرُ خَطِيئَاتٍ ، وَرُفِعَتْ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ "(6)
وعَنْ أَبِي طَلْحَةَ ، قَالَ : أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَهُوَ يَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ مُسْتَبْشِرًا فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّكَ لَعَلَى حَالٍ مَا رَأَيْتُكَ عَلَى مِثْلِهَا ، قَالَ : " وَمَا يَمْنَعُنِي ، وَقَدْ أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ آنِفًا ، فَقَالَ : بَشِّرْ أُمَّتَكَ ، أَنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيْكَ صَلَاةً ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا عَشْرَ حَسَنَاتٍ ، وَكَفَّرَ عَنْهُ عَشْرَ سَيِّئَاتٍ وَرَفَعَ لَهُ بِهَا عَشْرَ دَرَجَاتٍ ، وَرَدَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ مِثْلَ قَوْلِهِ ، وَعُرِضَتْ عَلَيَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ "(7)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيَّ عَشْرًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ مِائَةً ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيَّ مِائَةً كَتَبَ اللَّهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ : بَرَاءَةً مِنَ النِّفَاقِ ، وَبَرَاءَةً مِنَ النَّارِ ، وأَسْكَنَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ الشُّهَدَاءِ "(8)
ــــــــــــــ
__________
(1) - السنن الكبرى للإمام النسائي(9809) حسن
(2) - المستدرك للحاكم (3578) حسن
(3) - مسلم (939)
(4) - السنن الكبرى للإمام النسائي (1219) صحيح
(5) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 4 / ص 500)( 4587) صحيح
(6) - السنن الكبرى للإمام النسائي (1221) صحيح
(7) - التَّرْغِيبُ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَثَوَابُ ذَلِكَ لِابْنِ شَاهِينَ(18 ) صحيح
(8) - الْمُعْجَمُ الْأَوْسَطُ لِلطَّبَرَانِيِّ (7442 ) ضعيف(1/114)
التصافح مجلبة لمغفرة الله
عَنْ أَنَسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : مَا مِنْ عَبْدَيْنِ مُتَحَابَّيْنِ فِي اللَّهِ يَسْتَقْبِلُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَيُصَافِحُهُ ، وَيُصَلِّيَانِ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلا لَمْ يَفْتَرِقَا حَتَّى تُغْفَرَ ذُنُوبُهُمَا."(1).
وعَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إِلاَّ غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا ».(2)
ــــــــــــــ
__________
(1) - مسند أبي يعلى الموصلي(2960) حسن لغيره
(2) - سنن أبى داود(5214 ) صحيح(1/115)
من أمسى كالا من عمل يده
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " مَنْ أَمْسَى كالًّا مِنْ عَمَلِ يَدَيْهِ أَمْسَى مَغْفُورًا لَهُ "(1)
وقال تعالى حاثا على السعي والعمل : {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ } (15) سورة الملك
وَاللهُ تَعَالَى هُوَ الذِي سَخَّرَ الأَرْضَ لِلْعِبَادِ ، وَجَعَلَهَا مُذَلَّلَةً سَاكِنَةً ، وَأَرْسَاهَا بِالجِبَالِ لِكَيْلاَ تَضْطَرِبِ وَتَمِيدَ بِمَنْ عَلَيهَا مِنَ الخَلاَئِقِ ، وَأَخْرَجَ مِنْهَا المِيَاهَ ، وَسَلَكَهَا فِي الأَرْضِ جَدَاوِلَ وَأَنْهَاراً ، لِيَنْتَفِعَ بِهَا الخَلْقُ فِي الشُّرْبِ ، وَفِي رَيِّ زُرُوعِهِمْ وَأَنْعَامِهِمْ ، وَجَعَلَ فِي الأَرْضِ سُبُلاً ، فَسَافِرُوا يَا أَيُّهَا النَّاسُ فِي أَرْجَائِهَا حَيْثُ شِئْتُمُ ، وَتَرَدَّدُوا فِي أَرْجَائِهَا وَأَقَالِيمِهَا طَلَباً لِلرِّزْقِ وَالتِّجَارَةِ ، وَكُلُوا مِمَّا أَخْرَجَهُ لَكُمْ مِنْهَا مِنَ الرِّزْقِ ، وَإِلَى اللهِ مَرْجِعُ الأَمْرِ ، وَإِليهِ يَصِيرُ الخَلْقُ يَوْمَ القِيَامَةِ لِيُحَاسِبَهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ جَمِيعاً
والمَخْلُوقَاتُ تَسْعَى فِي الرِّزْقِ وَفْقَ الأَسْبَابِ اللاَزِمَةِ لَهً وَلَكِنَّ سَعْيَهَا وَحْدَهُ لاَ يَكْفِي ، وَلاَ يُجْدِي عَلَيْهَا نفعاً إِلاَّ أَنْ يُيَسِّرَهُ اللهُ لَهَا ، فَالسَّعْيُ فِي السَّببِ لاَ يُنَافِي التَّوَكُلَ .
وقال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) } [الجمعة/9-10]
يَحُثَّ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنينَ عَلَى تَرْكِ البَيْعِ وَالشِّرَاءِ ، وَعَلَى السَّعْيِ بِسَكِينَةٍ وَوِقَارٍ إِلَى المَسَاجِدِ ، حِينَما يُؤَذِّنُ المُؤَذِّنُ لِصَلاَةِ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمِ الجُمْعَةِ ، لِلاسْتِمَاعِ إِلَى مَوَاعِظِ الخُطَبَاءِ ، وَلأَداءِ الصِّلاَةِ مَعَ الجَمَاعَةِ . وَذِلكَ السَّعْيُ إِلَى الصَّلاَةِ خَيْرٌ لِلمُؤْمِنِينَ وَأَبْقَى مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا الفَانِيَةِ ، هَذَا إِنْ كَانَ المُخَاطَبُونَ مِنْ ذَوِي العِلْمِ الصَّحِيحِ بِمَا يَذِرُّ وَيْنْفُعُ .
وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ فَلاَ تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ ( أَيْ تُسْرِعُونَ ) وَأَتُوهَا وَأَنْتُمْ تَمْشُونَ وَعَلَيكُمُ السَّكِينَةُ وَالوَقَارُ ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا ، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا " . ( رَوَاهُ الشّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة ) .
فَإِذَا أَدَّيْتُمُ الصَّلاَةَ فَتَفَرَّقُوا لِمُبَاشَرَةِ مَصَالِحِكُمْ الذُّنْيَوِيَّةِ ، وَاسْأَلُوا اللهَ الرِّزْقَ الحَلاَلَ ، واذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً أَثْنَاءَ بَيْعِكُمْ وَشِرَائِكُمْ ، وَلاَ تَتْركُوا الدُّنْيَا تَشْغَلُكُمْ عَمَّا يَنْفَعُكُمْ فِي الآخِرَةِ ، لَعَلَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ تُفْلِحُونَ ، وَتَفُوزُونَ بِرِضَا اللهِ ، وَحُسْنِ ثَوَابِهِ .
وهذا هو التوازن الذي يتسم به المنهج الإسلامي . والتوازن بين مقتضيات الحياة في الأرض ، من عمل وكد ونشاط وكسب . وبين عزلة الروح فترة عن هذا الجو وانقطاع القلب وتجرده للذكر . وهي ضرورة لحياة القلب لا يصلح بدونها للاتصال والتلقي والنهوض بتكاليف الأمانة الكبرى . وذكر الله لا بد منه في أثناء ابتغاء المعاش ، والشعور بالله فيه هو الذي يحول نشاط المعاش إلى عبادة . ولكنه مع هذا لا بد من فترة للذكر الخالص ، والانقطاع الكامل ، والتجرد الممحض . كما توحي هاتان الآيتان .
ــــــــــــــ
__________
(1) - الْمُعْجَمُ الْأَوْسَطُ لِلطَّبَرَانِيِّ (7733 ) والإتحاف 6/9 وعسا كر 14 / 10 والفتح 4/306 حسن لغيره(1/116)
ذكرُ الله في السوق
عَنْ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " مَنْ دَخَلَ السُّوقَ ، فَقَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ ، وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ ، بِيَدِهِ الخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ ، وَمَحَا عَنْهُ أَلْفَ أَلْفِ سَيِّئَةٍ ، وَرَفَعَ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ دَرَجَةٍ "(1)
وعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ مَرَّ بِسُوقٍ مِنْ هَذِهِ الْأَسْوَاقِ فَقَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ , بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ , كَتَبَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ , وَمَحَا عَنْهُ أَلْفَ أَلْفِ سَيِّئَةٍ , وَبَنَى لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ "(2)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " ذَاكِرُ اللَّهِ فِي الْغَافِلِينَ كَالْمُقَاتِلِ عَنِ الْفَارِّينَ ، وَذَاكِرُ اللَّهِ فِي الْغَافِلِينَ كَالْمِصْبَاحِ فِي الْبَيْتِ الْمُظْلِمِ ، وَذَاكِرُ اللَّهِ فِي الْغَافِلِينَ يُعَرِّفُهُ اللَّهُ مَقْعَدَهُ وَلَا يُعَذَّبُ بَعْدَهُ ، وَذَاكِرُ اللَّهِ فِي الْغَافِلِينَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ بِعَدَدِ كُلِّ فَصِيحٍ فِي السُّوقِ وَأَعْجَمِيٍّ ، وَذَاكِرُ اللَّهِ فِي الْغَافِلِينَ يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِ نَظْرَةً لَا يُعَذِّبُهُ اللَّهُ بَعْدَهَا أَبَدًا ، وَذَاكِرُ اللَّهِ فِي السُّوقِ لَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ نُورٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَلْقَى اللَّهَ "(3)
ــــــــــــــ
__________
(1) - سنن الترمذى (3756 ) وصحيح الجامع (6231) حسن لغيره
(2) - الْأَسْمَاءُ وَالصِّفَاتُ لِلْبَيْهَقِيِّ (211) حسن لغيره
(3) -شُعَبُ الْإِيمَانِ لِلْبَيْهَقِيِّ (592 ) والتَّرْغِيبُ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَثَوَابُ ذَلِكَ لِابْنِ شَاهِينَ (168 ) وحِلْيَةُ الْأَوْلِيَاءِ (8488) ضعيف(1/117)
ذكر الله في الغافلين
عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " ذَاكِرُ اللَّهِ فِي الْغَافِلِينَ كَالَّذِي يُقَاتِلُ عَنِ الْفَارِّينَ ، وَذَاكِرُ اللَّهِ فِي الْغَافِلِينَ مِثْلُ الْمِصْبَاحِ فِي الْبَيْتِ الْمُظْلِمِ ، وَذَاكِرُ اللَّهِ فِي الْغَافِلِينَ كَالشَّجَرَةِ الْخَضْرَاءِ فِي وَسَطِ الشَّجَرِ الْيَابِسِ ، وَذَاكِرُ اللَّهِ فِي الْغَافِلِينَ يُعَرِّفُهُ اللَّهُ مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَذَاكِرُ اللَّهِ فِي الْغَافِلِينَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَهُ بِعَدَدِ كُلِّ فَصِيحٍ وَأَعْجَمِيٍّ ، فَالْفَصِيحُ بَنُو آدَمَ ، وَالْأَعْجَمِيُّ الْبَهَائِمُ "(1)
ــــــــــــــ
__________
(1) - التَّرْغِيبُ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَثَوَابُ ذَلِكَ لِابْنِ شَاهِينَ (168 ) وحِلْيَةُ الْأَوْلِيَاءِ (8488) حسن لغيره(1/118)
السماحة في البيع والشراء
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً سَمْحًا إِذَا بَاعَ ، وَإِذَا اشْتَرَى ، وَإِذَا اقْتَضَى »(1).
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ ، سَمْحًا إِذَا اشْتَرَى ، سَمْحًا إِذَا اقْتَضَى ، سَمْحًا إِذَا قَضَى.(2)
وعَنْ جَابِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " " غَفَرَ اللَّهُ لِرَجُلٍ كَانَ قَبْلَكُمْ ، كَانَ سَهْلًا إِذَا بَاعَ ، سَهْلًا إِذَا اشْتَرَى ، سَهْلًا إِذَا اقْتَضَى "(3)
ــــــــــــــ
__________
(1) - صحيح البخارى(2076 )
(2) - صحيح ابن حبان - (ج 11 / ص 267)(4903) صحيح
(3) - سنن الترمذى(1369 ) صحيح(1/119)
حمد الله وشكره بعد النعم
عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ أَكَلَ طَعَامًا ثُمَّ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَطْعَمَنِى هَذَا الطَّعَامَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّى وَلاَ قُوَّةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ وَمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى كَسَانِى هَذَا الثَّوْبَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّى وَلاَ قُوَّةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ »(1).
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً فَعَلِمَ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِلاَّ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ شُكْرَهَا قَبْلَ أَنْ يَحْمَدَهُ عَلَيْهَا ، وَمَا أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فَنَدِمَ عَلَيْهِ إِلاَّ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مَغْفِرَةً قَبْلَ أَنْ يَسْتَغْفِرَهُ ، وَمَا اشْتَرَى عَبْدٌ ثَوْبًا بِدِينَارٍ ، أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ ، فَلَبِسَهُ فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَيْهِ إِلاَّ لَمْ يَبْلُغْ رُكْبَتَيْهِ حَتَّى يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُ "(2)
وعَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، قَالَ : تَعَشَّيْتُ مَعَ أَبِي بُرْدَةَ ، فَقَالَ : أَلا أُحَدِّثُكَ مَا حَدَّثَنِي بِهِ أَبِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ أَكَلَ فَشَبِعَ ، وَشَرِبَ فَرَوِيَ ، فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنِي وَأَشْبَعَنِي ، وَسَقَانِي وَأَرْوَانِي ، خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ"(3).
ــــــــــــــ
__________
(1) - سنن أبى داود(4025 ) حسن
(2) - المستدرك للحاكم(1894) فيه ضعف
(3) - مسند أبي يعلى الموصلي(7246) فيه ضعف(1/120)
من شاب شيبة في الإسلام
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ تَنْتِفُوا الشَّيْبَ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَشِيبُ شَيْبَةً فِى الإِسْلاَمِ ،إِلاَّ كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». أو إِلاَّ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا حَسَنَةً وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً »(1).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : لاَ تَنْتِفُوا الشَّيْبَ فَإِنَّهُ نُورٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي الإِسْلاَمِ كُتِبَ لَهُ بِهَا حَسَنَةٌ ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ ، وَرُفِعَ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ.(2)
ــــــــــــــ
__________
(1) - سنن أبى داود (4204 ) صحيح
(2) - صحيح ابن حبان - (ج 7 / ص 253)(2985) صحيح(1/121)
العفو عن الناس
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِى عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ « ارْحَمُوا تُرْحَمُوا وَاغْفِرُوا يَغْفِرِ اللَّهُ لَكُمْ وَيْلٌ لأَقْمَاعِ الْقَوْلِ وَيْلٌ لِلْمُصِرِّينَ الَّذِينَ يُصِرُّونَ عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ »(1).
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو يَبْلُغُ بِهِ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - « الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا أَهْلَ الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِى السَّمَاءِ »(2).
وعَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ ، قَالَ : هَشَمَ رَجُلٌ فَمَ رَجُلٍ عَلَى عَهْدِ مُعَاوِيَةَ ، فَأُعْطِي دِيَتَهُ ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ حَتَّى أُعْطِيَ ثَلاثًا ، فَقَالَ رَجُلٌ : إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يَقُولُ : مَنْ تَصَدَّقَ بِدَمٍ أَوْ دُونَهُ ، كَانَ كَفَّارَةً لَهُ مِنْ يَوْمِ وُلِدَ إِلَى يَوْمِ تَصَدَّقَ" .(3)
وعَنِ الشَّعْبِىِّ أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « مَا مِنْ رَجُلٍ يُجْرَحُ فِى جَسَدِهِ جِرَاحَةً فَيَتَصَدَّقُ بِهَا إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ عَنْهُ مِثْلَ مَا تَصَدَّقَ بِهِ »(4).
وعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُشْرِفَ لَهُ الْبُنْيَانُ ، وَتُرْفَعَ لَهُ الدَّرَجَاتُ ، فَلْيَعْفُ عَمَّنْ ظَلَمَهُ ، وَلْيُعْطِ مَنْ حَرَّمَهُ وَيَصِلْ مَنْ قَطَعَهُ "(5).
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، أَنَّهُ قَالَ : قيلَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ ، قَالَ : الصَّبْرُ وَالسَّمَاحَةُ ، قِيلَ : أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْمَلُ إيمَانًا ، قَالَ أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا.(6)
ــــــــــــــ
__________
(1) - مسند أحمد(6698) حسن - الأقماع : جمع قمع وهو الإناء الذى يترك فى رءوس الظروف لتملأ بالمائعات
(2) - سنن أبى داود(4943 ) صحيح
(3) - مسند أبي يعلى الموصلي (6869) فيه ضعف
(4) - مسند أحمد(23369) صحيح
(5) - المستدرك للحاكم(3161) ضعيف
(6) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 11 / ص 33)(31032) صحيح لغيره(1/122)
فضل قضاء الحوائج للمسلمين
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ فِى عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِى عَوْنِ أَخِيهِ وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ ».(1)
وعَنْ أَبِي سَلَّامٍ قَالَ : قَالَ أَبُو ذَرٍّ : عَلَى كُلِّ نَفْسٍ كُلَّ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ صَدَقَةٌ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مِنْ أَيْنَ نَتَصَدَّقُ وَلَيْسَ لَنَا أَمْوَالٌ ؟ قَالَ : " إِنَّ مِنْ أَبْوَابِ الصَّدَقَةِ التَّكْبِيرُ ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ، وَتَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ ، وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَتَعْزِلُ الشَّوْكَةَ عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ وَالْعَظْمَ وَالْحَجَرَ ، وَتَهْدِي الْأَعْمَى ، وَتُسْمِعُ الْأَصَمَّ وَالْأَبْكَمَ حَتَّى يَفْقَهَ ، وَتُدِلُّ الْمُسْتَدِلَّ عَلَى حَاجَةٍ لَهُ قَدْ عَلِمْتَ مَكَانَهَا ، وَتَرْفَعُ بِشِدَّةِ ذِرَاعَيْكَ مَعَ الضَّعِيفِ ، وَتَسْعَى بِشِدَّةِ سَاقَيْكَ إِلَى اللَّهْفَانِ الْمُسْتَغِيثِ ، كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَبْوَابِ الصَّدَقَةِ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ ، وَلَكَ فِي جِمَاعِ زَوْجَتِكَ أَجْرٌ " قَالَ أَبُو ذَرٍّ : كَيْفَ يَكُونُ لِي أَجْرٌ فِي شَهْوَتِي ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ وَلَدٌ فَأَدْرَكَ وَرَجَوْتَ أَجْرَهُ ، ثُمَّ مَاتَ أَكُنْتَ تَحْتَسِبُهُ ؟ " قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : " أَفَأَنْتَ خَلَقْتَهُ ؟ " قَالَ : قُلْتُ : بَلِ اللَّهُ خَلَقَهُ قَالَ : " أَفَأَنْتَ هَدَيْتَهُ ؟ " قَالَ : قُلْتُ : بَلِ اللَّهُ هَدَاهُ قَالَ : " أَفَأَنْتَ كُنْتَ تَرْزُقُهُ ؟ " قَالَ : قُلْتُ : بَلِ اللَّهُ يَرْزُقُهُ قَالَ : " فَكَذَلِكَ يَضَعُهُ فِي حَلَالِهِ وَجَنَّبَهُ حَرَامَهُ ، فَإِنْ شَاءَ اللَّهُ أَحْيَاهُ وَإِنْ شَاءَ أَمَاتَهُ ، وَلَكَ أَجْرُهُ "(2)
وعَنِ الحسن بن علي بن أبي طالب ، أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : " إِنَّ مِنْ وَاجِبِ الْمَغْفِرَةِ إِدْخَالَكَ السُّرُورَ عَلَى أَخِيكَ الْمُسْلِمِ "(3).
ــــــــــــــ
__________
(1) - صحيح مسلم(7028)
(2) - الْآدَابِ لِلْبَيْهَقِيِّ (96 ) حسن
(3) - المعجم الكبير للطبراني(2672) حسن لغيره(1/123)
الخلق الحسن
عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُ مَا كُنْتَ ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا ، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ(1).
وعَنْ أَبِى ذَرٍّ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ وَإِذَا عَمِلْتَ سَيِّئَةً فَاعْمَلْ حَسَنَةً تَمْحُهَا ».(2)
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " الْخُلُقُ الْحَسَنُ يُذِيبُ الْخَطَايَا كَمَا يُذِيبُ الْمَاءُ الْجَلِيدَ ، وَالْخُلُقُ السُّوءُ يُفْسِدُ الْعَمَلُ كَمَا يُفْسِدُ الْخَلُّ الْعَسَلَ "(3).
وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَحَبِّكُمْ إِلَىَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّى مَجْلِساً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». فَسَكَتَ الْقَوْمُ فَأَعَادَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثاً قَالَ الْقَوْمُ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « أَحْسَنُكُمْ خُلُقاً »(4).
ــــــــــــــ
__________
(1) - مسند البزار(4022) صحيح لغيره
(2) - مسند أحمد (22157) صحيح لغيره
(3) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 9 / ص 196)(10626) وفوائد تمام (301 ) حسن لغيره
(4) - مسند أحمد(6906) صحيح(1/124)
الحياء من الإيمان
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « الْحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ وَالإِيمَانُ فِى الْجَنَّةِ وَالْبَذَاءُ مِنَ الْجَفَاءِ وَالْجَفَاءُ فِى النَّارِ »(1).
وعن عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : «اسْتحْيُوا مَنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَياءِ ، قُلنا : إنَّا لَنسْتَحيي من اللَّه يا رسولَ اللَّه ، والحمدُ للَّه ، قال : لَيس ذَلِكَ ، ولكنَّ الاسْتِحياءَ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَياءِ : أنْ تَحْفَظ الرَّأْسَ ومَا وَعى ، والْبَطْنَ ومَا حَوى ، وتذْكْرَ المَوتَ والبلى ، وَمنْ أرادَ الآخِرَةَ تَرَك زِينَةَ الدُّنيا ، وآثَرَ الآخِرَةَ عَلى الأُولى ، فَمنْ فَعلَ ذِلكَ فَقَدِ اسْتَحْي من اللَّه حقَّ الحياءِ».(2).
ــــــــــــــ
__________
(1) - سنن الترمذى (2140) صحيح - البذاء : الفحش
(2) - سنن الترمذى (2646 ) حسن لغيره
البطن وما حوى والرأس وما وعى : يعني «بما حوى» المأكول والمشروب ، و«بما وعى» السمع والبصر واللسان ، والمراد به الحث على الحلال من الرزق ، واستعمال هذه الجوارح فيما يُرضي الله تعالى.(1/125)
البلاء يجلب المغفرة ويحط الخطايا
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ يُوعَكُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا . قَالَ « أَجَلْ إِنِّى أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلاَنِ مِنْكُمْ » . قُلْتُ ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ قَالَ « أَجَلْ ذَلِكَ كَذَلِكَ ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى شَوْكَةٌ فَمَا فَوْقَهَا ، إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا سَيِّئَاتِهِ ، كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا »(1).
وعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَىُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاَءً قَالَ « الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الصَّالِحُونَ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ مِنَ النَّاسِ يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَإِنْ كَانَ فِى دِينِهِ صَلاَبَةٌ زِيدَ فِى بَلاَئِهِ وَإِنَ كَانَ فِى دِينِه رِقَّةٌ خُفِّفَ عَنْهُ وَمَا يَزَالُ الْبَلاَءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَمْشِىَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ لَيْسَ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ »(2).
وعَنْ أَبِى سُخَيْلَةَ قَالَ قَالَ عَلِىٌّ أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلِ آيَةٍ فِى كِتَاب ِاللَّهِ تَعَالَى حَدَّثَنَا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « (مَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوعن كَثِيرٍ) وَسَأُفَسِّرُهَا لَكَ يَا عَلِىُّ مَا أَصَابَكُمْ مِنْ مَرِضٍ أَوْ عُقُوبَةٍ أَوْ بَلاَءٍ فِى الدُّنْيَا فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَاللَّهُ تَعَالَى أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُثَنِّىَ عَلَيْهِمُ الْعُقُوبَةَ فِى الآخِرَةِ وَمَا عَفَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِى الدُّنْيَا فَاللَّهُ تَعَالَى أَحْلَمُ مِنْ أَنْ يَعُودَ بَعْدَ عَفْوِهِ »(3).
وعن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : دَخَلَ عَلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِهِ ، وَقَدِ ابْتُلِيَ فِي جَسَدِهِ فَقَالَ لَهُ بَعْضُهُمْ : إِنَّا لَنَبْتَئِسُ لَكَ لِمَا نَزَلَ فِيكَ . قَالَ : فَلَا تَبْتَئِسْ لِمَا تَرَى ، فَإِنَّمَا نَزَلَ بِذَنْبٍ وَمَا يَعْفُو اللَّهُ عَنْهُ أَكْثَرُ ، قَالَ : " ثُمَّ تَلَا عِمْرَانُ هَذِهِ الْآيَةَ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عن كَثِيرٍ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ "(4)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكَيْنِ فَيَقُولُ : انْظُرَا مَاذَا يَقُولُ لِعُوَّادِهِ ، فَإِنْ هُوَ إِذَا دَخَلُوا عَلَيْهِ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ رَفَعَا ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ أَعْلَمُ ، فَيَقُولُ : لِعَبْدِي عَلَيَّ إِنْ أَنَا تَوَفَّيْتُهُ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ ، وَإِنْ أَنَا أَشْفَيْتُهُ أَنْ أُبَدِّلَهُ لَحْمًا خَيْرًا مِنْ لَحْمِهِ ، وَدَمًا خَيْرًا مِنْ دَمِهِ ، وَأَنْ أُكَفِّرَ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ " .(5)
وعن أَنَسٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " إِذَا ابْتَلَى اللَّهُ الْعَبْدَ بِالْبَلَاءِ فِي الدُّنْيَا قَالَ اللَّهُ لِصَاحِبِ الْيَسَارِ : لَا تَكْتُبْ عَلَى عَبْدِي خَطِيئَةً وَاحِدَةً . وَقَالَ لِصَاحِبِ الْيَمِينِ : اكْتُبْ لِعَبْدِي كَأَحْسَنِ مَا كَانَ يَعْمَلُ فِي صِحَّتِهِ حَتَّى أَقْبِضَهُ إِلَيَّ أَوْ أُطْلِقَهُ مِنْ وَثَاقِي "(6)
وعَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَا مِنْ مُسْلِمٍ وَلاَ مُسْلِمَةٍ وَلاَ مُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ يَمْرَضُ مَرَضاً إِلاَّ حَطَّ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ خَطَايَاهُ »(7).
وعَنْ عِمْرَانَ أَبِى بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِى عَطَاءُ بْنُ أَبِى رَبَاحٍ قَالَ قَالَ لِى ابْنُ عَبَّاسٍ أَلاَ أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ قُلْتُ بَلَى . قَالَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ أَتَتِ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ إِنِّى أُصْرَعُ ، وَإِنِّى أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِى . قَالَ « إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ » . فَقَالَتْ أَصْبِرُ . فَقَالَتْ إِنِّى أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ لاَ أَتَكَشَّفَ ، فَدَعَا لَهَا .(8)
وعَنْ مُسْلِمٍ مَوْلَى آلِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بن إِيَاسِ بن أَبِي فَاطِمَةَ الضَّمْرِيِّ فَحَدَّثَنِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ:كُنْتُ جَالِسًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا، فَقَالَ: مَنْ يُحِبُّ أَنْ يُصْبِحَ فَلا يَسْقَمُ؟ فَابْتَدَأَنْاهُ فَقُلْنَا: نَحْنُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَعَرَفْنَاهَا فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ: أَتُحِبُّونَ أَنْ تَكُونُوا كَالْحَمِيرِ الصِّيالَةِ؟ قَالُوا: لا، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَلا تُحِبُّونَ أَنْ تَكُونُوا أَصْحَابَ بَلاءٍ، وَأَصْحَابَ كَفَّارَاتٍ؟ فَوَالَّذِي نَفْسُ أَبِي الْقَاسِمِ بِيَدِهِ إِنَّ اللَّهَ لَيَبْتَلِيَ الْمُؤْمِنَ الْبَلاءَ وَمَا يَبْتَلِيهِ بِهِ إِلا لِكَرَامَتِهِ عَلَيْهِ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَنْزَلَهُ مَنْزِلَةً لَمْ يَبْلُغْهَا بِشَيْءٍ مِنْ عَمَلِهِ فَيَبْتَلِيهِ مِنَ الْبَلاءِ مَا يُبَلِّغُهُ تِلْكَ الدَّرَجَةَ.(9)
وعَنْ أَبِى الأَشْعَثِ الصَّنْعَانِىِّ أَنَّهُ رَاحَ إِلَى مَسْجِدِ دِمَشْقَ وَهَجَّرَ بِالرَّوَاحِ فَلَقِىَ شَدَّادَ بْنَ أَوْسٍ وَالصُّنَابِحِىُّ مَعَهُ فَقُلْتُ أَيْنَ تُرِيدَانِ يَرْحَمُكُمَا اللَّهُ قَالا نُرِيدُ هَا هُنَا إِلَى أَخٍ لَنَا مَرِيضٍ نَعُودُهُ. فَانْطَلَقْتُ مَعَهُمَا حَتَّى دَخَلاَ عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ فَقَالاَ لَهُ كَيْفَ أَصْبَحْتَ قَالَ أَصْبَحْتُ بِنِعْمَةٍ. فَقَالَ لَهُ شَدَّادٌ أَبْشِرْ بِكَفَّارَاتِ السَّيِّئَاتِ وَحَطِّ الْخَطَايَا فَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ ِنِّى إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْداً مِنْ عِبَادِى مُؤْمِناً فَحَمِدَنِى عَلَى مَا ابْتَلَيْتُهُ فَإِنَّهُ يَقُومُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ مِنَ الْخَطَايَا وَيَقُولُ الرَبُّ عَزَّ وَجَلَّ أَنَا قَيَّدْتُ عَبْدِى وَابْتَلَيْتُهُ وَأَجْرُوا لَهُ كَمَا كُنْتُمْ تُجْرُونَ لَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ »(10).
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ وَعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا ، إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ »(11)
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « مَا مِنْ شَىْءٍ يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ حَتَّى الشَّوْكَةِ تُصِيبُهُ إِلاَّ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا حَسَنَةً أَوْ حُطَّتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ »(12).
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ رضى الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَا مِنْ شَىْءٍ يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ حَزَنٍ وَلاَ وَصَبٍ حَتَّى الْهَمُّ يَهُمُّهُ إِلاَّ يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهِ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ »(13).
وعَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « مَا مِنْ شَىْءٍ يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ فِى جَسَدِهِ يُؤْذِيهِ إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ عَنْهُ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ »(14).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَا يَزَالُ الْبَلاَءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي جَسَدِهِ ، وَفِي مَالِهِ وَوَلَدِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ خَطِيئَةٍ.(15)
وعن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « من وعك ليلة فصبر ، ورضي بها عن الله عز وجل خرج من ذنوبه كهيئته يوم ولدته أمه »(16)
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ بِمَالِهِ ، أَوْ فِي نَفْسِهِ فَكَتَمَهَا ، وَلَمْ يَشْكُهَا إِلَى النَّاسِ ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ "(17).
وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " إِذَا كَثُرَتْ ذُنُوبُ الْعَبْدِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يُكَفِّرُهَا ابْتَلَاهُ اللَّهُ بِالْحُزْنِ لِيُكَفِّرَهَا عَنْهُ "(18)
وَعَنْهَا قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " مَا ضَرَبَ عَلَى مُؤْمِنٍ عِرْقٌ قَطُّ إِلَّا حَطَّ اللَّهُ عَنْهُ خَطِيئَةً وَكَتَبَ لَهُ حَسَنَةً وَرَفَعَ لَهُ دَرَجَةً "(19).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَا مِنْ عَبْدٍ يَمْرَضُ مَرَضًا ، إِلا أَمَرَ اللَّهُ حَافِظَهُ أَنَّ مَا عَمِلَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَلا يَكْتُبُهَا ، وَمَا عَمِلَ مِنْ حَسَنَةٍ أَنْ يَكْتُبَهَا لَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ ، وَأَنْ يَكْتُبَ لَهُ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ كَمَا كَانَ يَعْمَلُ ، وَهُوَ صَحِيحٌ ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ"(20).
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِى الْمُؤْمِنَ فَلَمْ يَشْكُنِى إِلَى عُوَّادِهِ أَطْلَقْتُهُ مِنْ إِسَارِى ثُمَّ أَبْدَلْتُهُ لَحْمًا خَيْرًا مِنْ لَحْمِهِ وَدَمًا خَيْرًا مِنْ دَمِهِ ، ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الْعَمَلَ »(21).
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ صُدِعَ رَأْسُهُ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاحْتَسَبْ ، غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ ذَنْبٍ.(22)
قال الطبرى: فى هذه الآثار من الفقه أن الرغبة إلى الله فى عافية فى الجسم أفضل للعبد وأصلح له من الرغبة اليه فى البلاء، وذلك أنه عليه السلام كان يدعو للمرضى بالشفاء من عللهم.
فإن قال قائل: ماوجه دعائه عليه السلام لسعد بالشفاء، وقد تظاهرت الأخبار عنه عليه السلام أنه قال يومًا لأصحابه: من أحب أن يصح ولايسقم؟ فقالوا: نحن يارسول الله. فقال: أتحبون أن تكونوا مثل الحمر الصيالة؟ وتغير وجه النبى عليه السلام ثم قال: ألا تحبون أن تكونوا أصحاب بلاء وأصحاب كفارات؟ قالوا: بلى يارسول الله. قال: فوالذى نفس أبى القاسم بيده إن الله تعالى ليبتلى المؤمن، ومايبتليه إلا لكرمته عليه، وإلا أن له عنده منزلة لا يبلغها شىء من عمله دون أن يبلغ من البلاء ما يبلغه تلك المنزلة. من حديث أبى عقيل مسلم بن عقيل، عن عبد الله بن إياس بن أبى فاطمة، عن أبيه، عن جده، عن النبى - صلى الله عليه وسلم - .
وروى زيد بن أبى أنيسة، عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن المسيب، عن أبى هريرة قال: « جاء رجل مصح إلى النبى عليه السلام فقال له رسول الله: أصابتك أم ملدم قط؟ قال له: لا يارسول الله. فلما ولى الرجل قال لهم رسول الله: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى هذا » .
وروى الليث عن يزيد أبى حبيب، عن سعد بن يسار عن أنس بن مالك، عن النبى عليه السلام أنه قال: « إن أعظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضى فله الرضا، ومن سخط فله السخط » مع كثرة من كان يؤثر العلل والأسقام من السلف.
قيل: ليس شىء من هذه الآثار يعارض أحاديث هذا الباب ولكل حديث منها وجه مفهوم وذلك أن العلل والأمراض كفارات لأهل الإيمان وعقويات يمحص الله بها عمن شاء منهم فى الدنيا ليلقوه مطهرين من دنس الذنوب، كما روى أيوب، عن أبى قلابة، عن أنس قال: « كان أبو بكر الصديق يأكل مع النبى فنزلت هذه الآية: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره) فرفع أبو بكر يده فقال: يارسول الله، إنى أجزى بما عملت من مثقال ذرة من شر؟ فقال: ياأبا بكر، مارأيت فى الدنيا مما تكره فبمثقال ذر الشر ويدخر لك مثاقيل الخير حتى توفاه يومه القيامة » .
فإذا كانت العلل والأوجاع إنما هى عقوبات على التبعات ثبت أنه النبى عليه السلام إنما دعا بالشفاء من الأمراض لمن لا كبائر له، ومن سلم من الذنوب الموجبة للعقوبات وبرىء من مظالم العباد وكره اختيار الصحة على البلاء فى هذه الأحاديث الأخر لأهل الإجرام ولمن اقترف على نفسه الآثام، فكره له أن يختار لنفسه لقاء ربه بآثمه وموافاته بإجرامه غير متحمص ولا متطهر من الأدناس، فليس شىء من الأخبار خلاف لصاحبه، والله الموفق.(23)
ــــــــــــــ
__________
(1) - صحيح البخارى برقم (5648 )
(2) - مسند أحمد برقم (1498) صحيح
(3) - مسند أحمد برقم (659) والحاكم برقم (3664 و3665) والترمذي برقم (3561) نحوه فالحديث حسن لغيره
(4) - الحاكم برقم (3623 ) صحيح
(5) - التَّرْغِيبُ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَثَوَابُ ذَلِكَ لِابْنِ شَاهِينَ برقم (396 ) صحيح
(6) - الترغيب في فضائل الأعمال برقم (399 ) صحيح لغيره
(7) - مسند أحمد برقم (15536) صحيح
(8) - صحيح البخارى برقم (5652 ) ومسلم برقم (6736 )
وفي فتح الباري لابن حجر - (ج 16 / ص 144)
وَفِي الْحَدِيث فَضْل مَنْ يُصْرَع ، وَأَنَّ الصَّبْر عَلَى بَلَايَا الدُّنْيَا يُورِث الْجَنَّة ، وَأَنَّ الْأَخْذ بِالشِّدَّةِ أَفْضَل مِنْ الْأَخْذ بِالرُّخْصَةِ لِمَنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسه الطَّاقَة وَلَمْ يَضْعُف عَنْ اِلْتِزَام الشِّدَّة ، وَفِيهِ دَلِيل عَلَى جَوَاز تَرْك التَّدَاوِي ، وَفِيهِ أَنَّ عِلَاج الْأَمْرَاض كُلّهَا بِالدُّعَاءِ وَالِالْتِجَاء إِلَى اللَّه أَنْجَع وَأَنْفَع مِنْ الْعِلَاج بِالْعَقَاقِيرِ ، وَأَنَّ تَأْثِير ذَلِكَ وَانْفِعَال الْبَدَن عَنْهُ أَعْظَم مِنْ تَأْثِير الْأَدْوِيَة الْبَدَنِيَّة ، وَلَكِنْ إِنَّمَا يَنْجَع بِأَمْرَيْنِ : أَحَدهمَا مِنْ جِهَة الْعَلِيل وَهُوَ صِدْق الْقَصْد ، وَالْآخَر مِنْ جِهَة الْمُدَاوِي وَهُوَ قُوَّة تَوَجُّهه وَقُوَّة قَلْبه بِالتَّقْوَى وَالتَّوَكُّل ، وَاَللَّه أَعْلَم .
(9) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 16 / ص 183) برقم (18260 ) ، (حسن لغير ه )
(10) - مسند أحمد برقم (17583) صحيح لغيره
(11) - صحيح البخارى (5641 ) - النَّصب : التعب -الوصب : الألم والسقم الدائم
(12) - صحيح مسلم (6732)
(13) - سنن الترمذى(981 ) صحيح لغيره -النَّصب : التعب -الوصب : الألم والسقم الدائم
(14) - مسند أحمد (17362) صحيح
(15) - صحيح ابن حبان - (ج 7 / ص 187)(2924) صحيح
(16) - شعب الإيمان للبيهقي(9520) فيه ضعف
(17) - المعجم الأوسط للطبراني(748 ) حسن
(18) - مسند أحمد(25978) حسن
أعله بعضهم بليث بن أبي سليم وأنه مدلس وقد عنعنه ، وفي التقريب : صدوق اختلط جداً ولم يتميز حديثه فترك (5685) وفي هذا الكلام تجنٍّ كبير على هذا الرجل . وقد قال عنه الإمام الذهبي في الكاشف : (4761) : فيه ضعف يسير من سوء حفظه كان ذا صلاة وصيام وعلم كثير ، وبعضهم احتج به ا هـ .
وقال عنه في ديوان الضعفاء (3503) حسن الحديث ومن ضعفه ، فإنما ضعفه لاختلاطه بآخره اهـ .
وقال ابن عدي : له من الحديث أحاديث صالحة غير ماذكرت وقد روى عنه شعبة والثوري وغيرهما من ثقات الناس ، ومع الضعف الذي فيه يكتب حديثه اهـ الكامل 6/90 وانظر التهذيب 8/465 - 468 فالرجل حسن الحديث له أحاديث خلط فيها بآخره ترد ، ولم يصفه أحد بالتدليس .
(19) - المعجم الأوسط للطبراني(2555 ) والمستدرك للحاكم (1284) حسن لغيره - حط : أسقط ومحا
(20) - مسند أبي يعلى الموصلي(6638) ضعيف
(21) - السنن الكبرى للبيهقي (ج 3 / ص 375)(6786) صحيح
(22) - مسند البزار (2437) حسن
(23) -
شرح ابن بطال - (ج 17 / ص 490)(1/126)
عيادة المريض
عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَزَلْ فِى خُرْفَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ »(1).
وعَنْ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا عَادَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ لَمْ يَزَلْ فِى خُرْفَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ »(2).
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَزَلْ يَخُوضُ فِي الرَّحْمَةِ حَتَّى يَجْلِسَ فَإِذَا جَلَسَ اغْتَمَسَ فِيهَا.(3)
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى ، قَالَ : جَاءَ أَبُو مُوسَى إلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ يَعُودُهُ وَكَانَ شَاكِيًا ، فَقَالَ لَهُ : عَلِيٌّ : عَائِدًا جِئْت أَمْ شَامِتًا ؟ فَقَالَ : لاَ بَلْ عَائِدًا ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ أَمَا إذْ جِئْت عَائِدًا فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : مَنْ أَتَى أَخَاهُ الْمُسْلِمَ يَعُودُهُ مَشَى فِي خَرَافَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَجْلِسَ فَإِذَا جَلَسَ غَمَرَتْهُ الرَّحْمَةُ ، وَإِنْ كَانَ غدوة صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ ، وَإِنْ كَانَ مَسَاءً صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ.(4)
وعَنْ عَلِيٍّ ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: مَنْ عَادَ مَرِيضًا مَشَى فِي خِرَافِ الْجَنَّةِ ، فَإِذَا جَلَسَ عِنْدَهُ اسْتَنْقَعَ فِي الرَّحْمَةِ ، فَإِذَا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ ، وُكِّلَ بِهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ(5).
وعن عَبْدِ الله بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : مَنْ عَادَ مَرِيضًا لاَ يَزَالُ يَخُوضُ فِي الرَّحْمَةِ حَتَّى إِذَا قَعَدَ اسْتَنْقَعَ فِيهَا ، ثُمَّ إِذَا رَجَعَ لاَ يَزَالُ يَخُوضُ فِيهَا حَتَّى يَرْجِعَ مِنْ حَيْثُ جَاءَ(6).
ــــــــــــــ
__________
(1) - صحيح مسلم(6717 ) -الخرفة : أى اجتناء ثمر الجنة
(2) - صحيح مسلم (6718 )
(3) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 3 / ص 234)(10939) صحيح
(4) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 3 / ص 234)(10940) صحيح
(5) - مسند أحمد (1178) والشعب ( 9171 و9172 و 9173 و 9174 و 9175 ) صحيح لغيره
(6) - اتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة - (ج 4 / ص 133)([3857] حسن(1/127)
تغسيل الميت من أبواب المغفرة
عَنْ أَبِي رَافِعٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - َ:« مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَكَتَمَ عَلَيْهِ غُفِرَ لَهُ أَرْبَعِينَ مَرَّةً ، وَمَنْ كَفَّنَ مَيِّتًا كَسَاهُ اللَّهُ مِنَ السُّنْدُسِ ، وَإِسْتَبْرَقِ الْجَنَّةِ ، وَمَنْ حَفَرَ لِمَيِّتٍ قَبْرًا فَأَجَنَّهُ فِيهِ أُجْرِيَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ كَأَجْرِ مَسْكَنٍ أُسْكِنَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ »(1)
وعَنْ عَلِىٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا وَكَفَّنَهُ وَحَنَّطَهُ وَحَمَلَهُ وَصَلَّى عَلَيْهِ وَلَمْ يُفْشِ عَلَيْهِ مَا رَأَى خَرَجَ مِنْ خَطِيئَتِهِ مِثْلَ يَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ »(2).
وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَأَدَّى فِيهِ الْأَمَانَةَ وَلَمْ يُفْشِ عَلَيْهِ مَا يَكُونُ مِنْهُ عِنْدَ ذَلِكَ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ "(3)
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ حَفَرَ قَبْرًا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ ، وَمَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ، وَمَنْ كَفَّنَ مَيِّتًا كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ حُلَلِ الْجَنَّةِ ، وَمَنْ عَزَّى حَزِينًا أَلْبَسَهُ اللَّهُ التَّقْوَى ، وَصَلَّى عَلَى رُوحِهِ فِي الْأَرْوَاحِ ، وَمَنْ عَزَّى مُصَابًا كَسَاهُ اللَّهُ حُلَّتَيْنِ مَنْ حُلَلِ الْجَنَّةِ لَا تَقُومُ لَهُمَا الدُّنْيَا ، وَمَنِ اتَّبَعَ جِنَازَةً حَتَّى يُقْضَى دَفْنُهَا كُتِبَ لَهُ ثَلَاثَةُ قَرَارِيطَ ، الْقِيرَاطُ مِنْهَا أَعْظَمُ مِنْ جَبَلِ أُحُدٍ ، وَمَنْ كَفَلَ يَتِيمًا أَوْ أَرْمَلَةً أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ وَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ "(4)
ــــــــــــــ
__________
(1) - الحاكم 1/354 و 362 (1307 و1340) والطبراني (924 و8004) وهب(8962 و8964) وصحيح الترغيب (3492) والمجمع 3/21 وهو حديث صحيح.
والمقصود من الكتمان عدم ذكر ما يمكن أن يلاحظه الغاسل من اسوداد الوجه مثلا ونتن الرائحة، ونحو ذلك مما يوحي بأن المرء ليس من أهل الخير.
قال النووي: فيه أنه يسن إذا رأى الغاسل ما يعجبه أن يذكره وإذا رأى ما يكره لا يحدث به قال: وهكذا أطلقه أصحابنا لكن قال صاحب البيان: لو كان الميت مبتدعاً معلناً ببدعته فينبغي ذكر ما يكره منه زجراً للناس عن البدعة.
(2) - رواه ابن ماجه برقم (1529) وأحمد 6/119 (28017) عن معاوية بن حديج والمجمع 3/ 21 (4070) والترغيب في فضائل الأعمال(414) والحلية 6/192 وهو حديث ضعيف
(3) - مسند أحمد(25652) ضعيف
(4) - المعجم الأوسط للطبراني(11348 ) ضعيف(1/128)
الصلاة على الميت
عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَا مِنْ مَيِّتٍ يُصَلِّى عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِائَةً كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُ إِلاَّ شُفِّعُوا فِيهِ »(1).
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : مَا مِنْ رَجُلٍ يُصَلِّي عَلَيْهِ مِائَةٌ إِلا غُفِرَ لَهُ.(2)
وعَنْ مَالِكِ بْنِ هُبَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيُصَلِّى عَلَيْهِ ثَلاَثَةُ صُفُوفٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلاَّ أَوْجَبَ ». قَالَ فَكَانَ مَالِكٌ إِذَا اسْتَقَلَّ أَهْلَ الْجَنَازَةِ جَزَّأَهُمْ ثَلاَثَةَ صُفُوفٍ لِلْحَدِيثِ.(3)
ــــــــــــــ
__________
(1) - صحيح مسلم(2241 )
(2) - المعجم الكبير للطبراني(505) وصحيح الجامع ( 5716) صحيح
(3) - سنن أبى داود(3168 ) حسن(1/129)
الترغيبُ في تشييع الميت وحضور دفنه
عن أبي هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - َ- « مَنْ شَهِدَ الْجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلِّىَ عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ ، وَمَنْ شَهِدَ حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ » . قِيلَ وَمَا الْقِيرَاطَانِ قَالَ « مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ »(1)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - َ- قَالَ « مَنِ اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا ، وَكَانَ مَعَهُ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا ، وَيَفْرُغَ مِنْ دَفْنِهَا ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ مِنَ الأَجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ ، كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ تُدْفَنَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيرَاطٍ »(2)
ــــــــــــــ
__________
(1) - البخاري 2/11(1325) ومسلم (945) وأحمد 2/401 (9446)،
(2) - أخرجه البخاري برقم (47) وأحمد 2/43 (9798) ونص(5049)(1/130)
الثناء على الميت بخير
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ مُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِىَ عَلَيْهَا خَيْرٌ فَقَالَ نَبِىُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ ». وَمُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِىَ عَلَيْهَا شَرٌّ فَقَالَ نَبِىُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ ». قَالَ عُمَرُ فِدًى لَكَ أَبِى وَأُمِّى مُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِىَ عَلَيْهَا خَيْرًا فَقُلْتَ وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ. وَمُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِىَ عَلَيْهَا شَرٌّ فَقُلْتَ وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَمَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِى الأَرْضِ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِى الأَرْضِ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِى الأَرْضِ »(1).
وعن عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضى الله عنه - يَقُولُ مَرُّوا بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا ، فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « وَجَبَتْ » . ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا فَقَالَ « وَجَبَتْ » . فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضى الله عنه - مَا وَجَبَتْ قَالَ « هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ، وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِى الأَرْضِ »(2)
وعَنْ أَبِى الأَسْوَدِ قَالَ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ وَقَدْ وَقَعَ بِهَا مَرَضٌ ، فَجَلَسْتُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضى الله عنه - فَمَرَّتْ بِهِمْ جَنَازَةٌ فَأُثْنِىَ عَلَى صَاحِبِهَا خَيْرًا فَقَالَ عُمَرُ - رضى الله عنه - وَجَبَتْ . ثُمَّ مُرَّ بِأُخْرَى فَأُثْنِىَ عَلَى صَاحِبِهَا خَيْرًا ، فَقَالَ عُمَرُ - رضى الله عنه - وَجَبَتْ . ثُمَّ مُرَّ بِالثَّالِثَةِ ، فَأُثْنِىَ عَلَى صَاحِبِهَا شَرًّا فَقَالَ وَجَبَتْ . فَقَالَ أَبُو الأَسْوَدِ فَقُلْتُ وَمَا وَجَبَتْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ قُلْتُ كَمَا قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « أَيُّمَا مُسْلِمٍ شَهِدَ لَهُ أَرْبَعَةٌ بِخَيْرٍ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ » . فَقُلْنَا وَثَلاَثَةٌ قَالَ « وَثَلاَثَةٌ » . فَقُلْنَا وَاثْنَانِ قَالَ « وَاثْنَانِ » . ثُمَّ لَمْ نَسْأَلْهُ عَنِ الْوَاحِدِ .(3)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، رَفَعَ الْحَدِيثَ ، قَالَ : الْمَوْلُودُ حَتَّى يَبْلُغَ الْحِنْثَ مَا عَمِلَ مِنْ حَسَنَةٍ كُتِبَ لِوَالِدِهِ أَوْ لِوَالِدَيْهِ ، وَمَا عَمِلَ مِنْ سَيِّئَةٍ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ وَلا عَلَى وَالِدَيْهِ ، فَإِذَا بَلَغَ الْحِنْثَ جَرَى عَلَيْهِ الْقَلَمُ ، أَمَرَ الْمَلَكَانِ اللَّذَانِ مَعَهُ أَنْ يَحْفَظَا وَأَنْ يُشَدِّدَا ، فَإِذَا بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً فِي الإِسْلامِ أَمَّنَهُ اللَّهُ مِنَ الْبَلايَا الثَّلاثَةِ : الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ ، فَإِذَا بَلَغَ الْخَمْسِينَ خَفَّفَ اللَّهُ مِنْ حِسَابِهِ ، فَإِذَا بَلَغَ السِّتِّينَ رَزَقَهُ اللَّهُ الإِنَابَةَ إِلَيْهِ بِمَا يُحِبُّ ، فَإِذَا بَلَغَ السَّبْعِينَ أَحَبَّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ، فَإِذَا بَلَغَ الثَّمَانِينَ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ حَسَنَاتِهِ وَتَجَاوَزَ عَنْ سَيِّئَاتِهِ ، فَإِذَا بَلَغَ التِّسْعِينَ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ ، وَشَفَّعَهُ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ ، وَكَانَ أَسِيرَ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ ، فَإِذَا بَلَغَ أَرْذَلَ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمُ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِثْلَ مَا كَانَ يَعْمَلُ فِي صِحَّتِهِ مِنَ الْخَيْرِ ، فَإِذَا عَمِلَ سَيِّئَةً لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ"(4).
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ « مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَشْهَدُ لَهُ ثَلاَثَةُ أَبْيَاتٍ مِنْ جِيرَانِهِ الأَدْنَيْنَ بِخَيْرٍ إِلاَّ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ قَبِلْتُ شَهَادَةَ عِبَادِى عَلَى مَا عَلِمُوا وَغَفَرْتُ لَهُ مَا أَعْلَمُ »(5).
ــــــــــــــ
__________
(1) - صحيح مسلم(2243)
(2) - صحيح البخارى(1367 )
(3) - صحيح البخارى(1368 )
(4) - مسند أبي يعلى الموصلي(3678) حسن
(5) - مسند أحمد(9225) حسن لغيره(1/131)
إطعامُ الفقراء وكسوتهم
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِى. قَالَ يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ. قَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِى فُلاَنًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِى عِنْدَهُ يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِى. قَالَ يَا رَبِّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ. قَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِى فُلاَنٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِى يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِى. قَالَ يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ اسْتَسْقَاكَ عَبْدِى فُلاَنٌ فَلَمْ تَسْقِهِ أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِى »(1).
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « أَيُّمَا مُسْلِمٍ كَسَا مُسْلِمًا ثَوْبًا عَلَى عُرْىٍ كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ خُضْرِ الْجَنَّةِ وَأَيُّمَا مُسْلِمٍ أَطْعَمَ مُسْلِمًا عَلَى جُوعٍ أَطْعَمَهُ اللَّهُ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ وَأَيُّمَا مُسْلِمٍ سَقَى مُسْلِمًا عَلَى ظَمَإٍ سَقَاهُ اللَّهُ مِنَ الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ ».(2)
وعَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنِ اهْتَمَّ بِجَوْعَةِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ فَأَطْعَمَهُ حَتَّى يَشْبَعَ وَسَقَاهُ حَتَّى يُرْوَى ، غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ".(3)
ــــــــــــــ
__________
(1) - صحيح مسلم (6721)
(2) - سنن أبى داود(1684 ) و شعب الإيمان للبيهقي(3219 ) حسن لغيره
(3) - مسند أبي يعلى الموصلي(3420) حسن لغيره(1/132)
أعمالٌ موصلة إلى مغفرة الله
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ زَارَ قَبْرَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا كُلَّ جُمُعَةٍ غُفِرَ لَهُ وَكُتِبَ بَرًّا "(1)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :مَنْ قَادَ أَعْمَى حَتَّى يُبْلِغَهُ مَأْمَنَهُ غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ أَرْبَعِينَ كَبِيرَةً , وَأَرْبَعَ كَبَائِرَ تُوجِبُ النَّارَ.(2)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : مَنْ قَادَ أَعْمَى أَرْبَعِينَ خُطْوَةً ، وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ "(3).
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِى بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ ، فَغَفَرَ لَهُ »(4).
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ « نَزَعَ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ غُصْنَ شَوْكٍ عَنِ الطَّرِيقِ إِمَّا كَانَ فِى شَجَرَةٍ فَقَطَعَهُ وَأَلْقَاهُ وَإِمَّا كَانَ مَوْضُوعًا فَأَمَاطَهُ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ بِهَا فَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ »(5).
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ امْرَأَةً عُذِّبَتْ فِى هِرَّةٍ أَمْسَكَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ مِنَ الْجُوعِ لَمْ تَكُنْ تُطْعِمُهَا وَلَمْ تُرْسِلْهَا فَتَأْكُلَ مِنْ حَشَرَاتِ الأَرْضِ وَغُفِرَ لِرَجُلٍ نَحَّى غُصْنَ شَوْكٍ عَنِ الطَّرِيقِ »(6).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : غُفِرَ لِرَجُلٍ أَخَذَ غُصْنَ شَوْكٍ عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ ذَنْبُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ، وَمَا تَأَخَّرَ.(7)
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : دَخَلَ عُمَرُ عَلَى سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ فَأَلْقَى لَهُ وِسَادَةً فَقَالَ : مَا هَذَا يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ؟ فَقَالَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْخُلُ عَلَيْهِ أَخُوهُ الْمُسْلِمُ فَيُلْقِي لَهُ وِسَادَةً إِكْرَامًا وَإِعْظَامًا ، إِلَّا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ "(8).
وعَنِ الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: قَالَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يَقُولُ:"إِذَا زَارَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَأَلْقَى لَهُ شَيْئًا يَقِيهِ مِنَ التُّرَابِ، وَقَاهُ اللَّهُ عَذَابَ النَّارِ".(9)
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ بَنَى مَسْجِدًا يَرَاهُ اللَّهُ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ ، فَإِنْ مَاتَ مِنْ يَوْمِهِ غَفَرَ لَهُ ، وَمَنْ حَفَرَ قَبْرًا يَرَاهُ اللَّهُ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ ، وَإِنْ مَاتَ مِنْ يَوْمِهِ غَفَرَ لَهُ "(10).
وعَنْ أَنَسٍ ، أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ أَتَى أَخًا لَهُ يَزُورُهُ فِي اللَّهِ ، إِلا نَادَاهُ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنْ : طِبْتَ ، وَطَابَتْ لَكَ الْجَنَّةُ ، وَإِلا قَالَ اللَّهُ فِي مَلَكُوتِ عَرْشِهِ : زَارَ فِيَّ ، وَعَلَيَّ قِرَاهُ ، فَلَمْ أَرْضَ لَهُ بِقِرًى دُونَ الْجَنَّةِ".(11)
وعَنْ أَنَسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : مَا مِنْ قَوْمٍ اجْتَمَعُوا يَذْكُرُونَ اللَّهَ ، لا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ إِلا وَجْهَهُ ، إِلا نَادَاهُمْ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنْ : قُومُوا مَغْفُورًا لَكُمْ ، قَدْ بَدَّلْتُ سَيِّئَاتِكُمْ حَسَنَاتٍ"(12).
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بُنْيَانِ مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سَأَلَ اللَّهَ حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ ، وَمُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ ، وَلا يَأْتِي هَذَا الْمَسْجِدَ أَحَدٌ لا يُرِيدُ إِلا الصَّلاةَ فِيهِ إِلا خَرَجَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَمَّا اثْنَتَانِ فَقَدْ أُعْطِيَهُمَا ، وَأَنَا أَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ أُعْطِيَ الثَّالِثَةَ "(13).
ــــــــــــــ
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 19 / ص 85)(193) وشعب الإيمان للبيهقي (7661 ) ضعيف
(2) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 10 / ص 362)(12768 ) ضعيف
(3) - مسند أبي يعلى الموصلي(5613) والشعب (7629 و 7630 و 7625 و 7628 و 6726) حسن لغيره
(4) - صحيح البخارى(652 )
(5) - سنن أبى داود (5247 ) صحيح
(6) - مسند أحمد(8066) صحيح
(7) - صحيح ابن حبان - (ج 2 / ص 297)(539) حسن
(8) - المعجم الصغير للطبراني(761) ضعيف
(9) - المعجم الكبير للطبراني(6065) ضعيف
(10) - المعجم الأوسط للطبراني (8711 ) ضعيف
(11) - مسند أبي يعلى الموصلي(4140) حسن
(12) - مسند أبي يعلى الموصلي(4141) صحيح لغيره
(13) - سنن ابن ماجه(1473) حسن(1/133)
مصافحة المسلم لأخيه
عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إِلاَّ غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا »(1).
وعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ فَتَصَافَحَا وَحَمِدَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَاسْتَغْفَرَاهُ غُفِرَ لَهُمَا »(2)
وعن البراء بن عازب ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : لَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَصَافَحْتُهُ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَذَا مِنْ أَخْلَاقِ الْعَجَمِ ، أَوْ هَذَا يُكْرَهُ . فَقَالَ : " إِنَّ الْمُسْلِمَيْنِ إِذَا الْتَقَيَا فَتَصَافَحَا وَتَكَاشَرَا بِوُدٍّ وَنَصِيحَةٍ ، تَنَاثَرَتْ خَطَايَاهُمَا بَيْنَهُمَا "(3)
وعن البراء بن عازب ، " أَنَّهُ سَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَتَوَضَّأُ ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ وُضُوئِهِ رَدَّ عَلَيْهِ ، وَمَدَّ يَدَهُ إِلَيْهِ ، فَصَافَحَهُ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا كُنْتُ أَرَى هَذَا إِلَّا مِنْ أَخْلَاقِ الْأَعَاجِمِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ الْمُسْلِمَيْنِ إِذَا الْتَقَيَا ، ذُنُوبُهُمَا "(4)
وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ الْتَقَيَا ، فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا بِيَدِ صَاحِبِهِ ، إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَحْضُرَ دُعَاءَهُمَا ، وَلَا يُفَرِّقَ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا حَتَّى يَغْفِرَ لَهُمَا "(5)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ الْتَقَيَا فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا بَيَدِ صَاحِبِهِ إِلا كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُجِيبَ دُعَاءَهُمَا وَلا يَرُدَّ أَيْدِيَهُمَا حَتَّى يَغْفِرَ لَهُمَا"(6).
وَعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا لَقِيَ الْمُؤْمِنَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ، وَأَخَذَ بِيَدِهِ فَصَافَحَهُ ، تَنَاثَرَتْ خَطَايَاهُمَا كَمَا يَتَنَاثَرُ وَرَقُ الشَّجَرِ "(7).
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَقِيَ حُذَيْفَةَ ، فَأَرَادَ أَنْ يُصَافِحَهُ ، فَتَنَحَّى حُذَيْفَةُ فَقَالَ لهُ : إِنِّي جُنُبٌ ، فَقَالَ : " إِنَّ الْمُؤمنَ إِذَا صَافَحَ أَخَاهُ تَحَاتَّ خَطَايَاهُمَا ، كَمَا يَتَحَاتُّ وَرَقُ الشَّجَرِ " "(8).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :"إِنَّ الْمُسْلِمَيْنِ إِذَا الْتَقَيَا فَتَصَافَحَا وتَسَاءَلا أَنْزَلَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا مِائَةَ رَحْمَةٍ، تِسْعَةً وَتِسْعِينَ لأَبَشِّهِمَا، وأَطْلَقِهِمَا، وأَبَرِّهِمَا، وأَحْسَنِهِمَا مُسَاءَلَةً بِأَخِيهِ"(9)
وعَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا لَقِيَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ فَأَخَذَ بِيَدِهِ تَحَاتَّتْ عَنْهُمَا ذُنُوبُهُمَا، كَمَا تَتَحَاتُ الْوَرَقُ مِنَ الشَّجَرَةِ الْيَابِسَةِ فِي يَوْمِ رِيحٍ عَاصِفٍ، وَإِلا غُفِرَ لَهُمَا، وَلَوْ كَانَتْ ذُنُوبُهُمَا مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ"(10)
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ:"إِذَا تَصَافَحَ الْمُسْلِمَانِ لَمْ تَفْرُقْ أَكُفُّهُمَا حَتَّى يُغْفَرَ لَهُمْا"(11).
المصافحة : إلْصاق الكَفِّ بالكَفِّ، وإقبال الوجْه على الوجْه - تحات : تساقط ووقع
وعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ ، قَالَ : " كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَامِرٍ ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ جُلَسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَاعْتَنَقَهُ ، وَقَبَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَبِينَ صَاحِبِهِ مَوْضِعَ السُّجُودِ ، وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَنْظُرَ إِلَيْهِمَا مُبْتَسِمًا ، فَقَالَ تَمِيمٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا تَقُولُ فِي الِاعْتِنَاقِ لِلْمُسْلِمِينَ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " نَعَمْ يَا تَمِيمُ ، إِنَّ الْمُسْلِمِينَ إِذَا الْتَقَيَا ، فَتَصَافَحَا ، وَسَلَّمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ ، وَفَعَلَ كَمَا فَعَلَ هَذَانِ تَحَاتَّتْ ذُنُوبُهُمَا عَنْهُمَا ، كَمَا تَحَاتُّ الْوَرَقُ مِنَ الشَّجَرِ يَوْمَ الرِّيحِ الْعَاصِفِ يَا تَمِيمُ ، بَيْنَمَا إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، يَرْعَى غَنَمًا لَهُ فِي جَبَلٍ مِنْ جِبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِذْ هُوَ بِصَوْتِ رَجُلٍ يُسَبِّحُ اللَّهَ وَيُمَجِّدُهُ ، فَذَهَلَ إِبْرَاهِيمُ عَنْ غَنَمِهِ ، وَقَصَدَ الصَّوْتَ ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ طُوَالٍ يُسَمَّى : أَهْلَثُ الْعَابِدُ ، طُولُهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ ، وَقَالَ لَهُ : يَا أَهْلَثُ ، بَعْدَ أَنْ عَرَفَ اسْمَهُ ، هَلْ بَقَيَ مِنْ قَوْمِكَ غَيْرُكَ ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : فَمَنْ رَبُّكَ ؟ قَالَ : رَبُّ السَّمَاءِ ، قَالَ : فَمَنْ رَبُّ السَّمَاءِ ؟ قَالَ : رَبُّ السَّمَاءِ اللَّهُ ، قَالَ : مَا دِينُكَ ؟ قَالَ : الْإِسْلَامُ ، قَالَ : فَأَيْنَ قِبْلَتُكَ ؟ قَالَ : فَأَوْمَى بِيَدِهِ نَحْوَ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ ، فَسُرَّ إِبْرَاهِيمُ بِذَلِكَ ، فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ : فَأَيْنَ مَسْكَنُكَ ؟ فَقَالَ : فِي جَبَلٍ مِنْ جِبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَالَ : فَأُحِبُّ أَنْ أَرَاهُ ، قَالَ : لَنْ تَسْتَطِيعَ ، قَالَ : وَلِمَ ؟ قَالَ : إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَهْرًا مِنْ مَاءٍ ، بَعِيدًا غَوْرُهُ ، كَثِيرًا مَاؤُهُ ، قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ : فَأَيْنَ مَمْشَاكَ ؟ قَالَ : عَلَى ذَلِكَ الْمَاءِ قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ : فَإِنَّ الَّذِي ذَلَّلَهُ لَكَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُسَخِّرَهُ لِي ، فَمَضِيَا يَمْشِيَانِ حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى بَيْتِ أَهْلَثَ ، فَإِذَا قِبْلَتُهُ ، قِبْلَةُ إِبْرَاهِيمَ ، فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ : أَيُّ يَوْمٍ أَشَدُّ عَلَى النَّاسِ يَا أَهْلَثُ ؟ قَالَ : يَوْمُ يَنْزِلُ الْجَبَّارُ جَلَّ جَلَالُهُ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ ، فَتُوضَعُ الْمَوَازِينُ ، وَتُنْشَرُ الدَّوَاوِينُ ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ : صَدَقْتَ يَا أَهْلَثُ إِنَّهُ لِيَوْمٌ عَظِيمٌ ، إِلَّا مَنْ هَوَّنَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ : يَا أَهْلَثُ ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُهَوِّنَ عَلَيْنَا هَوْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ ، قَالَ أَهْلَثُ : هَذَا إِلَيْكَ ، يَرْحَمُكَ اللَّهُ ، إِنَّ لِي عَشَرَ سِنِينَ ، أَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَمْ أَرْ لَهَا إِجَابَةً ، قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ : يَا أَهْلَثُ ، إِنَّ اللَّهُ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا ، وَكَانَ دَعَّاءً ، فَدَعَا : يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : صَوْتٌ أُحِبُّهُ لَا أُنْكِرُهُ ، امْكُثُوا لِقَضَاءِ حَاجَةِ عَبْدِي ، وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ غَيْرَ دَعَّاءٍ ، فَدَعَا ، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : صَوْتٌ أَبْغَضُهُ ، وَأُنْكِرُهُ ، اقْضُوا حَاجَةَ عَبْدِي ، وَمَا كَانَ مِنْ دُعَاءه ، قَالَ : بَيْنَا أَنَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي رَأَيْتُ ، رَأَيْتُ وَجْهًا عَلَيْهِ ذُؤَابَتَانِ تَضْرِبَانِ خُضْرَةً يَرْعَى غَنَمًا حِسَانًا ، وَبَقَرًا سِمَانًا ، فَلَا أَدْرِي أَيُّ الْأَشْيَاءِ أَحْسَنَ ، الْغُلَامُ أَمْ رَعِيَّتُهُ فَإِذَا هُوَ يُسَبِّحُ اللَّهَ ، وَيَحْمَدُهُ ، وَيُهَلِّلُهُ ، وَيُكَبِّرُهُ ، وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ ، قَالَ أَهْلَثُ : فَقُلْتُ : يَا غُلَامُ ، لِمَنْ هَذِهِ الْبَقَرَةِ وَالْغَنَمِ ؟ قَالَ : لِإِبْرَاهِيمَ ، قَالتَ : وَمَنْ إِبْرَاهِيمُ ؟ قَالَ : إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ ، قُلْتُ : وَمَا أَنْتَ مِنْهُ ؟ قَالَ : ابْنُ ابْنِهِ ، وَهُوَ جَدِّي فَأَنَا مُبْتَهِلٌ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ إِنْ كَانَ لَهُ فِي الْأَرْضِ خَلِيلٌ أَنْ يُرِينَهُ قَبْلَ الْمَوْتِ قَالَ : فَتَبَسَّمَ إِبْرَاهِيمُ ، ثُمَّ قَالَ : يَا أَهْلَثُ ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ ، وَالْخَلِيلُ : هُوَ الصَّدِيقُ ، فَقَامَ أَهْلَثُ قَائِمًا يَبْكِي ، فَاعْتَنَقَ إِبْرَاهِيمَ ، وَقَبَّلَ مَوْضِعَ السُّجُودِ ، عِنْدَ ذَلِكَ شَهَقَ أَهْلَثُ شَهْقَةً حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا ، وَتَوَلَّى إِبْرَاهِيمُ أَهْلَثَ حَتَّى أَجَنَّهُ فِي حُفْرَتِهِ هُوَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ وَلَدِهِ "(12)
ــــــــــــــ
__________
(1) - سنن أبى داود(5214 ) صحيح
(2) - سنن أبى داود(5213 ) حسن لغيره
(3) - عمل اليوم والليلة لابن السني (194 ) حسن لغيره -"تكاشرا" : ضحك كل منهما فى وجه الآخر وباسطه .
(4) - مَكَارِمُ الْأَخْلَاقِ لِلْخَرَائِطِيِّ (810) حسن لغيره
(5) - مسند أحمد (12786) صحيح لغيره
(6) - مسند أبي يعلى الموصلي(4139) صحيح لغيره
(7) - المعجم الأوسط للطبراني(250) والصحيحة ( 526) حسن لغيره
(8) - مسند البزار(8335) حسن لغيره
(9) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 19 / ص 274)(671 ) حسن لغيره
(10) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 6 / ص 69)(6027) صحيح لغيره
(11) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 7 / ص 326)(8002) والصحيحة (525) وصحيح الجامع (433) صحيح لغيره
(12) - فُنُونُ الْعَجَائِبِ لِأَبِي سَعِيدٍ النَّقَّاشِ (91 ) ضعيف فيه مجاهيل ، وهو من الإسرائيليات(1/134)
الحدود كفارات للذنوب
عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِى مَجْلِسٍ فَقَالَ :« تُبَايِعُونِى عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلاَ تَزْنُوا وَلاَ تَسْرِقُوا وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَعُوقِبَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ ،وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ »(1).
وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَمَا أَخَذَ عَلَى النِّسَاءِ أَنْ لاَ نُشْرِكَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلاَ نَسْرِقَ وَلاَ نَزْنِىَ وَلاَ نَقْتُلَ أَوْلاَدَنَا وَلاَ يَعْضَهَ بَعْضُنَا بَعْضًا « فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَمَنْ أَتَى مِنْكُمْ حَدًّا فَأُقِيمَ عَلَيْهِ فَهُوَ كَفَّارَتُهُ وَمَنْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ ».(2)
وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رضى الله عنه - قَالَ كُنَّا عِنْدَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فِى مَجْلِسٍ فَقَالَ « بَايِعُونِى عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلاَ تَسْرِقُوا ، وَلاَ تَزْنُوا » . وَقَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ كُلَّهَا « فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ بِهِ ، فَهْوَ كَفَّارَتُهُ ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ، فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ ، إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ »(3).
يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْحَدَّ الْمُقَدَّرَ فِي ذَنْبٍ كَفَّارَةٌ لِذَلِكَ الذَّنْبِ ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ، الْحَدُّ غَيْرُ مُطَهِّرٍ ، بَل الْمُطَهِّرُ التَّوْبَةُ ، فَإِِذَا حُدَّ وَلَمْ يَتُبْ يَبْقَى عَلَيْهِ إِِثْمُ الْمَعْصِيَةِ عِنْدَهُمْ(4)، كَمَا قَال اللَّهُ تَعَالَى فِي حَدِّ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ : {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } (33) سورة المائدة.(5)
ــــــــــــــ
__________
(1) - صحيح مسلم (4558 )
(2) - صحيح مسلم (4560)
(3) - صحيح البخارى(6784 )
(4) - البابرتي المطبوع مع فتح القدير 5 / 3 ط دار إحياء التراث العربي ، وحاشية البجيرمي 4 / 140 ط مصطفى البابي الحلبي ، وفتح الباري 12 / 84 وشرح النووي على مسلم - (ج 6 / ص 133)
(5) - الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 17 / ص 136) وفتاوى الأزهر - (ج 10 / ص 121) -الحدود زواجر أم جوابر(1/135)
كفارة من نام عن صلاة أو نسيها
عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَن بْنَ أَبِي عَلْقَمَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ ، قَالَ : أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ ، فَذَكَرُوا أَنَّهُمْ نَزَلُوا دَهَاسًا مِنَ الأَرْضِ ، يَعْنِي بِالدَّهَاسِ : الرَّمْلَ ، قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : مَنْ يَكْلَؤُنَا ؟ فَقَالَ بِلاَلٌ : أَنَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : إذًا نَنَامُ ، قَالَ : فَنَامُوا حَتَّى طَلَعَتْ عَلَيْهِمَ الشَّمْسُ ، قَالَ : فَاسْتَيْقَظَ نَاسٌ فِيهِمْ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ وَفِيهِمْ عُمَرُ ، فَقُلْنَا : اهْضِبُوا ، يَعْنِي تَكَلَّمُوا ، قَالَ : فَاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : افْعَلُوا كَمَا كُنْتُمْ تَفْعَلُونَ ، قَالَ : فَفَعَلْنَا ، قَالَ : كَذَلِكَ لِمَنْ نَامَ ، أَوْ نَسِيَ.(1)
وعَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرِهِ الَّذِي نَامُوا فِيهِ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ ، ثُمَّ قَالَ : إنَّكُمْ كُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَرَدَّ اللَّهُ إلَيْكُمْ أَرْوَاحَكُمْ ، فَمَنْ نَامَ عَنْ صَلاَةٍ ، أَوْ نَسِيَ صَلاَةً فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا ، وَإِذَا اسْتَيْقَظَ.(2)
وعن قَتَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ نَسِيَ صَلاةً فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا، لا كَفَّارَةَ لَهَا إِلا ذَلِكَ، ثُمَّ قَرَأَ قَتَادَةُ: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي}[سورة طه آية 14 ]،(3)
وعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَرَيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِى غَزَاةٍ أَوْ قَالَ سَرِيَّةٍ فَلَمَّا كَانَ فِى آخِرِ السَّحَرِ عَرَّسْنَا ، فَمَا اسْتَيْقَظْنَا حَتَّى أَيْقَظَنَا حَرُّ الشَّمْسِ ، فَجَعَلَ الْقَوْمُ مِنَّا يَنْتَبِهُ فَزِعًا دَهِشًا ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَمَرَنَا فَارْتَحَلْنَا ، ثُمَّ سِرْنَا حَتَّى ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ ، ثُمَّ نَزَلْنَا فَقَضَى الْقَوْمُ حَوَائِجَهُمْ ، ثُمَّ أَمَرَ بِلاَلاً فَأَذَّنَ ، فَصَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ ، ثُمَّ صَلَّى الْغَدَاةَ فَقُلْنَا يَا نَبِىَّ اللَّهِ أَلاَ نَقْضِيهَا مِنَ الْغَدِ لِوَقْتِهَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الرِّبَا وَيَقْبَلُهُ مِنْكُمْ »(4).
ــــــــــــــ
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 2 / ص 64)(4771) صحيح
(2) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 2 / ص 64)(4773) صحيح
(3) - مسند أبي عوانة(889) وصحيح البخارى (597) ومسلم (1598)
(4) - السنن الكبرى للبيهقي (ج 2 / ص 217)(3299) صحيح(1/136)
كفارة من أفطر في رمضان عامداً
عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ، قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : إنِّي أَفْطَرْت يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : تَصَدَّقْ ، وَاسْتَغْفِرَ اللَّهَ ، وَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ.(1)
وعَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ ، قَالَ : قَالَ لِي عَاصِمٌ : سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ : مَا بَلَغَك فِيمَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ ، مَا عَلَيْهِ ؟ قَالَ : لِيَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ ، وَيَصْنَعُ مَعَ ذَلِكَ مَعْرُوفًا.(2)
وعَنْ إِبْرَاهِيمَ والشَّعْبِيِّ ، قَالاَ : يَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ(3).
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ؛ فِي رَجُلٍ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا ، قَالَ : يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْ ذَلِكَ وَيَتُوبُ إلَيْهِ ، وَيَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ.(4)
وعَنْ عَاصِمٍ ، قَالَ : أَرْسَلَ أَبُو قِلاَبَةَ إلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ يَسْأَلَهُ عَن رَجُلٍ أَفْطَِر يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا ؟ فَقَالَ سَعِيدٌ : يَصُومُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ أَفْطَر شَهْرًا.(5)
ــــــــــــــ
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 3 / ص 104)( 9867) صحيح مرسل
(2) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 3 / ص 104)( 9868) صحيح
(3) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 3 / ص 104)( 9869) صحيح
(4) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 3 / ص 104)( 9871و9872) صحيح
(5) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 3 / ص 104)( 9873و9874) صحيح(1/137)
أعمال منوعة تكفر الذنوب
عَنْ أَبِي ذَرٍّ ، قَالَ : دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، جَالِسٌ وَحْدَهُ ، قَالَ : يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّ لِلْمَسْجِدِ تَحِيَّةً ، وَإِنَّ تَحِيَّتَهُ رَكْعَتَانِ ، فَقُمْ فَارْكَعْهُمَا ، قَالَ : فَقُمْتُ فَرَكَعْتُهُمَا ، ثُمَّ عُدْتُ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّكَ أَمَرْتَنِي بِالصَّلاَةِ ، فَمَا الصَّلاَةُ ؟ قَالَ : خَيْرُ مَوْضُوعٍ ، اسْتَكْثِرْ أَوِ اسْتَقِلَّ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : إِيمَانٌ بِاللَّهِ ، وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللهِ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْمَلُ إِيمَانًا ؟ قَالَ : أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَسْلَمُ ؟ قَالَ : مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، فَأَيُّ الصَّلاَةِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : طُولُ الْقُنُوتِ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، فَأَيُّ الْهِجْرَةِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : مَنْ هَجَرَ السَّيِّئَاتِ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، فَمَا الصِّيَامُ ؟ قَالَ : فَرْضٌ مُجْزِئٌ ، وَعِنْدَ اللهِ أَضْعَافٌ كَثِيرَةٌ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، فَأَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : مَنْ عُقِرَ جَوَادُهُ ، وَأُهْرِيقَ دَمُهُ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : جَهْدُ الْمُقِلِّ يُسَرُّ إِلَى فَقِيرٍ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، فَأَيُّ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ أَعْظَمُ ؟ قَالَ : آيَةُ الْكُرْسِيِّ ثُمَّ ، قَالَ : يَا أَبَا ذَرٍّ ، مَا السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ مَعَ الْكُرْسِيِّ إِلاَّ كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ بِأَرْضٍ فَلاَةٍ وَفَضْلُ الْعَرْشِ عَلَى الْكُرْسِيِّ كَفَضْلِ الْفَلاَةِ عَلَى الْحَلْقَةِ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، كَمِ الأَنْبِيَاءُ ؟ قَالَ : مِائَةُ أَلْفٍ وَعِشْرُونَ أَلْفًا قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، كَمِ الرُّسُلُ مِنْ ذَلِكَ ؟ قَالَ : ثَلاَثُ مِائَةٍ وَثَلاَثَةَ عَشَرَ جَمًّا غَفِيرًا ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَنْ كَانَ أَوَّلُهُمْ ؟ قَالَ : آدَمُ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَنَبِيٌّ مُرْسَلٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، خَلَقَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ ، وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ ، وَكَلَّمَهُ قِبَلاً ثُمَّ ، قَالَ : يَا أَبَا ذَرٍّ أَرْبَعَةٌ سُرْيَانِيُّونَ : آدَمُ ، وَشِيثُ ، وَأَخْنُوخُ وَهُوَ إِدْرِيسُ ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ خَطَّ بِالْقَلَمِ ، وَنُوحٌ وَأَرْبَعَةٌ مِنَ الْعَرَبِ : هُودٌ ، وَشُعَيْبٌ ، وَصَالِحٌ ، وَنَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، كَمْ كِتَابًا أَنْزَلَهُ اللَّهُ ؟ قَالَ : مِائَةُ كِتَابٍ ، وَأَرْبَعَةُ كُتُبٍ ، أُنْزِلَ عَلَى شِيثٍ خَمْسُونَ صَحِيفَةً ، وَأُنْزِلَ عَلَى أَخْنُوخَ ثَلاَثُونَ صَحِيفَةً ، وَأُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ عَشَرُ صَحَائِفَ ، وَأُنْزِلَ عَلَى مُوسَى قَبْلَ التَّوْرَاةِ عَشَرُ صَحَائِفَ ، وَأُنْزِلَ التَّوْرَاةُ وَالإِنْجِيلُ وَالزَّبُورُ وَالْقُرْآنُ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا كَانَتْ صَحِيفَةُ إِبْرَاهِيمَ ؟ قَالَ : كَانَتْ أَمْثَالاً كُلُّهَا : أَيُّهَا الْمَلِكُ الْمُسَلَّطُ الْمُبْتَلَى الْمَغْرُورُ ، إِنِّي لَمْ أَبْعَثْكَ لِتَجْمَعَ الدُّنْيَا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ ، وَلَكِنِّي بَعَثْتُكَ لِتَرُدَّ عَنِّي دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ ، فَإِنِّي لاَ أَرُدُّهَا وَلَوْ كَانَتْ مِنْ كَافِرٍ ، وَعَلَى الْعَاقِلِ مَا لَمْ يَكُنْ مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ أَنْ تَكُونَ لَهُ سَاعَاتٌ : سَاعَةٌ يُنَاجِي فِيهَا رَبَّهُ ، وَسَاعَةٌ يُحَاسِبُ فِيهَا نَفْسَهُ ، وَسَاعَةٌ يَتَفَكَّرُ فِيهَا فِي صُنْعِ اللهِ ، وَسَاعَةٌ يَخْلُو فِيهَا لِحَاجَتِهِ مِنَ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ ، وَعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ لاَ يَكُونَ ظَاعِنًا إِلاَّ لِثَلاَثٍ : تَزَوُّدٍ لِمَعَادٍ ، أَوْ مَرَمَّةٍ لِمَعَاشٍ ، أَوْ لَذَّةٍ فِي غَيْرِ مُحَرَّمٍ ، وَعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا بِزَمَانِهِ ، مُقْبِلاً عَلَى شَأْنِهِ ، حَافِظًا لِلِسَانِهِ ، وَمَنْ حَسَبَ كَلاَمَهُ مِنْ عَمَلِهِ ، قَلَّ كَلاَمُهُ إِلاَّ فِيمَا يَعْنِيهِ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، فَمَا كَانَتْ صُحُفُ مُوسَى ؟ قَالَ : كَانَتْ عِبَرًا كُلُّهَا : عَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْمَوْتِ ، ثُمَّ هُوَ يَفْرَحُ ، وَعَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالنَّارِ ، ثُمَّ هُوَ يَضْحَكُ ، وَعَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْقَدَرِ ثُمَّ هُوَ يَنْصَبُ ، عَجِبْتُ لِمَنْ رَأَى الدُّنْيَا وَتَقَلُّبَهَا بِأَهْلِهَا ، ثُمَّ اطْمَأَنَّ إِلَيْهَا ، وَعَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْحِسَابِ غَدًا ثُمَّ لاَ يَعْمَلُ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَوْصِنِي ، قَالَ : أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللهِ ، فَإِنَّهُ رَأْسُ الأَمْرِ كُلِّهِ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، زِدْنِي ، قَالَ : عَلَيْكَ بِتِلاَوَةِ الْقُرْآنِ ، وَذِكْرِ اللهِ ، فَإِنَّهُ نُورٌ لَكَ فِي الأَرْضِ ، وَذُخْرٌ لَكَ فِي السَّمَاءِ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، زِدْنِي : قَالَ : إِيَّاكَ وَكَثْرَةَ الضَّحِكِ ، فَإِنَّهُ يُمِيتُ الْقَلْبَ ، وَيَذْهَبُ بِنُورِ الْوَجْهِ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، زِدْنِي ، قَالَ : عَلَيْكَ بِالصَّمْتِ إِلاَّ مِنْ خَيْرٍ ، فَإِنَّهُ مَطْرَدَةٌ لِلشَّيْطَانِ عَنْكَ ، وَعَوْنٌ لَكَ عَلَى أَمْرِ دِينِكَ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، زِدْنِي ، قَالَ : عَلَيْكَ بِالْجِهَادِ ، فَإِنَّهُ رَهْبَانِيَّةُ أُمَّتِي قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، زِدْنِي ، قَالَ : أَحِبَّ الْمَسَاكِينَ وَجَالِسْهُمْ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ زِدْنِي ، قَالَ : انْظُرْ إِلَى مَنْ تَحْتَكَ وَلاَ تَنْظُرْ إِلَى مَنْ فَوْقَكَ ، فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ لاَ تُزْدَرَى نِعْمَةُ اللهِ عِنْدَكَ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ زِدْنِي ، قَالَ : قُلِ الْحَقَّ وَإِنْ كَانَ مُرًّا قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ زِدْنِي ، قَالَ : لِيَرُدَّكَ عَنِ النَّاسِ مَا تَعْرِفُ مِنْ نَفْسِكَ وَلاَ تَجِدْ عَلَيْهِمْ فِيمَا تَأْتِي ، وَكَفَى بِكَ عَيْبًا أَنْ تَعْرِفَ مِنَ النَّاسِ مَا تَجْهَلُ مِنْ نَفْسِكَ ، أَوْ تَجِدَ عَلَيْهِمْ فِيمَا تَأْتِي ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى صَدْرِي ، فقَالَ : يَا أَبَا ذَرٍّ لاَ عَقْلَ كَالتَّدْبِيرِ ، وَلاَ وَرَعَ كَالْكَفِّ ، وَلاَ حَسَبَ كَحُسْنِ الْخُلُقِ.(1)
- - - - - - - - - - - - - - - -
الفصل الثاني
فيما ورد من أحاديث فيها نجاة من أو عتق من النار
الأذان سبع سنين
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « مَنْ أَذَّنَ سَبْعَ سِنِينَ مُحْتَسِبًا كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ »(2).
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « مَنْ أَذَّنَ ثِنْتَىْ عَشْرَةَ سَنَةً وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَكُتِبَ لَهُ بِتَأْذِينِهِ فِى كُلِّ يَوْمٍ سِتُّونَ حَسَنَةً وَلِكُلِّ إِقَامَةٍ ثَلاَثُونَ حَسَنَةً ».(3)
ــــــــــــــ
__________
(1) - صحيح ابن حبان - (ج 2 / ص 76)( 361) ومسند الطيالسي(480) وغاية المقصد فى زوائد المسند(3586و 3588) ومسند الشاميين (1979) حسن لغيره
(2) - سنن الترمذى (206 ) حسن لغيره
وضعفه جدا الألباني في ضعيفته (850) لوجود جابر الجعفي فيه 00 اهـ
أقول : قال عنه في التقريب (787) ضعيف رافضي ، وله شاهد نحوه عن ابن عمر
وانظر ترجمته في الكامل 2/119 - 120
(3) - سنن ابن ماجه (777 ) والصحيحة (425) وطس(8733) والميزان(4388) وصحيح الجامع (6002) صحيح(1/138)
الفجرُ في جماعة
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « مَنْ صَلَّى لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِى جَمَاعَةٍ يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الأُولَى كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَتَانِ بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ وَبَرَاءَةٌ مِنَ النِّفَاقِ »(1).
وعن أنس بن مالك ، رفعه - قال : « من صلى الغداة ، والعشاء الآخرة أربعين ليلة في جماعة لا تفوته ركعة كتبت له براءتان ، براءة من النار ، وبراءة من النفاق »(2)
وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ « مَنْ صَلَّى فِى مَسْجِدٍ جَمَاعَةً أَرْبَعِينَ لَيْلَةً لاَ تَفُوتُهُ الرَّكْعَةُ الأُولَى مِنْ صَلاَةِ الْعِشَاءِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا عِتْقًا مِنَ النَّارِ »(3).
وعَنِ أَبِى بَكْرِ بْنِ عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « لَنْ يَلِجَ النَّارَ أَحَدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ». يَعْنِى الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ آنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ نَعَمْ. قَالَ الرَّجُلُ وَأَنَا أَشْهَدُ أَنِّى سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَمِعَتْهُ أُذُنَاىَ وَوَعَاهُ قَلْبِى(4).
وعن العلاء ، وأبي الجهم ، قالا : كان الحسن بن علي جالسا بعد صلاة الصبح في المسجد ، فأتاه رجل فدعاه وجلساءه إلى طعام فأضرب عنه ثم عاد فدعاه ، فقال الحسن لجلسائه : قوموا فما منعني أن أجيبه في المرة الأولى إلا أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : « مَنْ صَلَّى الغَداةَ ثُمَّ ذَكرَ اللهَ حَتَّى تَطلعَ الشَّمسُ ، ثُمَّ قَامَ فَصلَّى رَكعتينِ أَوْ أَربعَ رَكعاتٍ لَمْ تَمسَّ جِلدهُ النارُ» ، وأخذ الحسن بجلده فمده فإذا الذي دعاهم عبد الله بن الزبير فلما وضع الطعام ، قال الحسن : إني صائم ، فقال ابن الزبير : أتحفوه بتحفة ، فأتي بغالية ومجمر ، فطيب وجمَّر(5)
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَّانَ الْكِنَانِىِّ أَنَّ مُسْلِمَ بْنَ الْحَارِثِ التَّمِيمِىَّ حَدَّثَهَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا صَلَّيْتَ الصُّبْحَ فَقُلْ قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمَ أَحَداً مِنَ النَّاسِ اللَّهُمَّ أَجِرْنِى مِنَ النَّارِ سَبْعَ مَرَّاتٍ فَإِنَّكَ إِنْ مِتَّ مِنْ يَوْمِكَ ذَلِكَ كَتَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَكَ جِوَاراً مِنَ النَّارِ وَإِذَا صَلَّيْتَ الْمَغْرِبَ فَقُلْ قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمَ أَحَداً مِنَ النَّاسِ اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ اللَّهُمَّ أَجِرْنِى مِنَ النَّارِ سَبْعَ مَرَّاتٍ فَإِنَّكَ إِنْ مِتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ تِلْكَ كَتَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَكَ جِوَاراً مِنَ النَّارِ ».(6)
وعَنْ مُسْلِمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُسْلِمٍ التَّمِيمِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَرِيَّةٍ ، فَلَمَّا بَلَغْنَا الْمُغَارَ ، اسْتَحْثَثْتُ فَرَسِي ، فَسَبَقْتُ أَصْحَابِي ، فَتَلَقَّانِي الْحَيُّ بِالرَّنِينِ ، فَقُلْتُ : قُولُوا : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تُحَرَّزُوا ، فَقَالُوهَا ، فَلاَمَنِي أَصْحَابِي ، وَقَالُوا : حُرِمْنَا الْغَنِيمَةَ بَعْدَ أَنْ رُدَّتْ بِأَيْدِينَا ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، أَخْبَرُوهُ بِمَا صَنَعْتُ ، فَدَعَانِي ، فَحَسَّنَ لِي مَا صَنَعْتُ ، وَقَالَ : أَمَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ كَتَبَ لَكَ بِكُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ كَذَا وَكَذَا.قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : فَأَنَا نَسِيتُ الثَّوَابَ ، قَالَ : ثُمَّ قَالَ لِي : إِنِّي سَأَكْتُبُ لَكَ كِتَابًا ، وَأُوصِي بِكَ مَنْ يَكُونُ بَعْدِي مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ : فَكَتَبَ لِي كِتَابًا ، وَخَتَمَ عَلَيْهِ ، وَدَفَعَهُ إِلَيَّ وَقَالَ : إِذَا صَلَّيْتَ الْمَغْرِبَ ، فَقُلْ قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمَ أَحَدًا : اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنَ النَّارِ سَبْعَ مَرَّاتٍ ، فَإِنَّكَ إِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ تِلْكَ كَتَبَ اللَّهُ لَكَ جَوَازًا مِنَ النَّارِ ، وَإِذَا صَلَّيْتَ الصُّبْحَ فَقُلْ قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمَ أَحَدًا : اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنَ النَّارِ سَبْعَ مَرَّاتٍ ، فَإِنَّكَ إِنْ مُتَّ مِنْ يَوْمِكَ ذَلِكَ كَتَبَ اللَّهُ لَكَ جَوَازًا مِنَ النَّارِ قَالَ : فَلَمَّا قَبَضَ اللَّهُ رَسُولَهُ ، أَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ بِالْكِتَابِ ، فَفَضَّهُ ، فَقَرَأَهُ وَأَمَرَ لِي بِعَطَاءٍ وَخَتَمَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ عُمَرَ ، فَقَرَأَهُ ، وَأَمَرَ لِي ، وَخَتَمَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ عُثْمَانَ ، فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ.(7)
ــــــــــــــ
__________
(1) - سنن الترمذى(241 ) حسن لغيره
(2) - شعب الإيمان للبيهقي(2747) حسن لغيره
(3) - سنن ابن ماجه (847 ) فيه ضعف
(4) - صحيح مسلم(1468 )
(5) - شعب الإيمان للبيهقي(3797 ) ضعيف
(6) - مسند أحمد (18541) وسنن أبي داود(5081) حسن
في سنده الحارث بن مسلم بن الحارث وثقه ابن حبان ولم يرو عنه سوى واحد من الثقات 6/176 وسكت عليه تخ2/282 وأبو حاتم الجرح 3/87، لكن رواية هؤلاء الأئمة لهذا الحديث وسكوتهم عليه كاف لتقويته.
(7) - صحيح ابن حبان - (ج 5 / ص 366)(2022) حسن(1/139)
أربع ركعات قبل الظهر وأربعا بعدها
عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِى سُفْيَانَ قَالَ سَمِعْتُ أُخْتِى أُمَّ حَبِيبَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - تَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ »(1).
ــــــــــــــ
__________
(1) - سنن الترمذى (430 ) صحيح(1/140)
أربع ركعات قبل العصر
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ : جِئْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَاعِدٌ فِي أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَأَدْرَكْتُ آخِرَ الْحَدِيثِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : " مَنْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْعَصْرِ لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ " ، فَقُلْتُ بِيَدِي هَكَذَا - يُحَرِّكُ بِيَدِهِ أَنَّ هَذَا حَدِيثٌ جَيِّدٌ - فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : لَمَا فَاتَكَ مِنْ صَدْرِ الْحَدِيثِ أَجْوَدُ وَأَجْوَدُ . قُلْتُ : يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ، فَهَاتِ ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " أَنَّهُ مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ "(1).
وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ:مَنْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْعَصْرِ حَرَّمَ اللَّهُ بَدَنَهُ عَلَى النَّارِ".(2)
ــــــــــــــ
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 20 / ص 143)(1530) ضعيف
(2) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 17 / ص 113)(19105 ) ضعيف(1/141)
ما يقول عند الصباح والمساء
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ أَوْ يُمْسِى اللَّهُمَّ إِنِّى أَصْبَحْتُ أُشْهِدُكَ وَأُشْهِدُ حَمَلَةَ عَرْشِكَ وَمَلاَئِكَتَكَ وَجَمِيعَ خَلْقِكَ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ أَعْتَقَ اللَّهُ رُبْعَهُ مِنَ النَّارِ فَمَنْ قَالَهَا مَرَّتَيْنِ أَعْتَقَ اللَّهُ نِصْفَهُ وَمَنْ قَالَهَا ثَلاَثًا أَعْتَقَ اللَّهُ ثَلاَثَةَ أَرْبَاعِهِ فَإِنْ قَالَهَا أَرْبَعًا أَعْتَقَهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ ».(1)
وعَنْ مُسْلِمٍ - يَعْنِى ابْنَ زِيَادٍ - قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ اللَّهُمَّ إِنِّى أَصْبَحْتُ أُشْهِدُكَ وَأُشْهِدُ حَمَلَةَ عَرْشِكَ وَمَلاَئِكَتَكَ وَجَمِيعَ خَلْقِكَ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ وَحْدَكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا أَصَابَ فِى يَوْمِهِ ذَلِكَ مِنْ ذَنْبٍ وَإِنْ قَالَهَا حِينَ يُمْسِى غُفِرَ لَهُ مَا أَصَابَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ ».(2)
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " مَا مِنْ رَجُلٍ يَقُولُ إِذَا أَصْبَحَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَصْبَحْتُ أُشْهِدُكَ ، وَأُشْهِدُ حَمَلَةَ عَرْشِكَ ، وَمَلَائِكَتَكَ ، وَجَمِيعَ خَلْقِكَ ، بِأَنَّكَ أَنْتَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ ; إِلَّا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا أَصَابَ مِنْ ذَنْبٍ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ ، فَإِنْ قَالَهَا إِذَا أَمْسَى غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا أَصَابَ فِي لَيْلَتِهِ تِلْكَ "(3)
ــــــــــــــ
__________
(1) - سنن أبى داود (5071) حسن
(2) - سنن أبى داود(5080 ) حسن
(3) - المعجم الأوسط للطبراني(7409 ) حسن(1/142)
اغبرار القدمين في سبيل الله
عن عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ قَالَ أَدْرَكَنِى أَبُو عَبْسٍ وَأَنَا أَذْهَبُ إِلَى الْجُمُعَةِ فَقَالَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ »(1).
وعن يَزِيدَ بْنِ أَبِى مَرْيَمَ قَالَ: لَحِقَنِى عَبَايَةُ بْنُ رَافِعٍ وَأَنَا مَاشٍ إِلَى الْجُمُعَةِ فَقَالَ أَبْشِرْ فَإِنَّ خُطَاكَ هَذِهِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ سَمِعْتُ أَبَا عَبْسٍ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ حَرَامٌ عَلَى النَّارِ »(2).
وعَنْ مَالِكِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْخَثْعَمِيِّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ.(3)
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَهُمَا حَرَامٌ عَلَى النَّارِ »(4).
وعن ابْنِ جَابِرٍ أَنَّ أَبَا الْمُصَبِّحِ الأَوْزَاعِىَّ حَدَّثَهُمْ قَالَ : بَيْنَا نَسِيرُ فِى دَرْبِ قَلَمْيَةَ إِذْ نَادَى الأَمِيرُ مَالِكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَثْعَمِىُّ رَجُلاً يَقُودُ فَرَسَهُ فِى عِرَاضَ الْجَبَلِ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَلاَ تَرْكَبُ قَالَ إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : « مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ فَهُمَا حَرَامٌ عَلَى النَّارِ »(5).
ــــــــــــــ
__________
(1) - صحيح البخارى(907)
(2) - سنن النسائى(3129) صحيح
(3) - مصنف ابن أبي شيبة(ج 5 / ص 310)(19733) صحيح
(4) - مسند أحمد(15334) صحيح
(5) - مسند أحمد (22605) صحيح(1/143)
اتقاء النار ولو بشق تمرة
عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَعْقِلٍ قَالَ سَمِعْتُ عَدِىَّ بْنَ حَاتِمٍ - رضى الله عنه - قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ »(1)
وعَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَسَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، لَيْسَ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ ، ثُمَّ يَنْظُرُ فَلاَ يَرَى شَيْئًا قُدَّامَهُ ، ثُمَّ يَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَتَسْتَقْبِلُهُ النَّارُ ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَّقِىَ النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ »(2).
وعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَا مِنْكُمْ مِنْ رَجُلٍ ، إِلاَّ سَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ ، ثُمَّ يَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ ، فَلاَ يَرَى شَيْئًا قَدَّمَهُ ، ثُمَّ يَنْظُرُ أَيْسَرَ مِنْهُ ، فَلاَ يَرَى شَيْئًا قَدَّمَهُ ، ثُمَّ يَنْظُرُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ ، فَتَسْتَقْبِلُهُ النَّارُ ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَقِيَ وَجْهَهُ النَّارَ ، وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ.(3)
وعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَجَاءَ إِلَيْهِ رَجُلاَنِ يَشْكُو أَحَدُهُمَا الْعَيْلَةَ ، وَيَشْكُو الآخَرُ قَطْعَ السَّبِيلِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَمَّا قَطْعُ السَّبِيلِ : فَلاَ يَأْتِي عَلَيْكَ إِلاَّ قَلِيلٌ حَتَّى تَخْرُجَ الْعِيرُ مِنَ الْحِيرَةِ إِلَى مَكَّةَ بِغَيْرِ خَفِيرٍ ، وَأَمَّا الْعَيْلَةُ : فَإِنَّ السَّاعَةَ لاَ تَقُومُ حَتَّى يَخْرُجَ الرَّجُلُ بِصَدَقَةِ مَالِهِ ، فَلاَ يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا مِنْهُ ، ثُمَّ لَيَقِفَنَّ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ لَيْسَ بَيْنَهُ ، وَبَيْنَهُ حِجَابٌ يَحْجُبُهُ ، وَلاَ تُرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ لَهُ ، فَيَقُولَنَّ لَهُ : أَلَمْ أُوتِكَ مَالاً ؟ فَلَيَقُولَنَّ : بَلَى ، فَيَقُولُ : أَلَمْ أُرْسِلْ إِلَيْكَ رَسُولاً ؟ فَلَيَقُولَنَّ : بَلَى ، ثُمَّ يَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ ، فَلاَ يَرَى إِلاَّ النَّارَ ، ثُمَّ يَنْظُرُ عَنْ شِمَالِهِ ، فَلاَ يَرَى إِلاَّ النَّارَ ، فَلْيَتَّقِ أَحَدُكُمُ النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ.(4)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لِيَتَّقِ أَحَدُكُمْ وَجْهَهُ النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ »(5).
وعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهَا « يَا عَائِشَةُ اسْتَتِرِى مِنَ النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَإِنَّهَا تَسُدُّ مِنَ الْجَائِعِ مَسَدَّهاَ مِنَ الشَّبْعَانِ »(6).
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ فُلانٍ قَالَ : الْقَاضِي ذَهَبَ عَلَيَّ اسْمُ أَبِيهِ ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ مِخْمَرٍ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : احْتَجِبِي مِنَ النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ"(7).
وعَنْ بَهْزِ بن حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ:"إِنَّ صَدَقَةَ السِّرِّ تُطْفِيءُ غَضَبَ الرَّبِّ"(8)
ــــــــــــــ
__________
(1) - صحيح البخارى(1417)
(2) - صحيح البخارى(6539 )
(3) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 373)(7373) صحيح
(4) - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 374)(7374) صحيح
(5) - مسند أحمد (3751) صحيح
(6) - مسند أحمد(25236) صحيح لغيره
(7) - الآحاد والمثاني (2644) صحيح لغيره
(8) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 14 / ص 355)(16362 ) صحيح لغيره(1/144)
الصوم من أبواب الجنة
عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « الصِّيَامُ جُنَّةٌ ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّى صَائِمٌ . مَرَّتَيْنِ ، وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ ، يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِى ، الصِّيَامُ لِى ، وَأَنَا أَجْزِى بِهِ ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا »(1).
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ رَبَّكُمْ يَقُولُ كُلُّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ وَالصَّوْمُ لِى وَأَنَا أَجْزِى بِهِ الصَّوْمُ جُنَّةٌ مِنَ النَّارِ وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ وَإِنْ جَهِلَ عَلَى أَحَدِكُمْ جَاهِلٌ وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيَقُلْ إِنِّى صَائِمٌ »(2).
وعَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ أَبِى الْعَاصِ فَدَعَا بِلَبَنٍ فَقُلْتُ إِنِّى صَائِمٌ. فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: « الصَّوْمُ جُنَّةٌ مِنَ النَّارِ كَجُنَّةِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْقِتَالِ »(3).
وعَنْ سَلَمَةَ بْنِ قَيْصَرَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : مَنْ صَامَ يَوْمًا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ، بَاعَدَهُ اللَّهُ مِنْ جَهَنَّمَ كَبُعْدِ غُرَابٍ طَارَ وَهُوَ فَرْخٌ حَتَّى مَاتَ هَرَمًا "(4).
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِى سَبِيلِ اللَّهِ إِلاَّ بَاعَدَ اللَّهُ بِذَلِكَ الْيَوْمِ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا »(5).
وعَنْ أَبِى أُمَامَةَ الْبَاهِلِىِّ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ صَامَ يَوْمًا فِى سَبِيلِ اللَّهِ جَعَلَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ خَنْدَقًا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ »(6).
وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ صَامَ يَوْمًا فِى سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بَاعَدَ اللَّهُ مِنْهُ جَهَنَّمَ مَسِيرَةَ مِائَةِ عَامٍ »(7).
وعَنْ مَكْحُولٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ بُوعِدَ مِنَ النَّارِ مِئَة خَرِيفٍ.(8)
وعَنْ عُثَامَةَ بْنِ قَيْسٍ أَبِي عَلِيٍّ ، أَنَّ رَجُلا مِنْ أَسَدٍ حَدَّثَهُمْ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ تَعَالَى بَاعَدْتُ مِنْهُ جَهَنَّمَ مَسِيرَةَ مِئَةِ سَنَةٍ".(9)
وعَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ مُتَطَوِّعًا فِي غَيْرِ رَمَضَانَ ، بَعُدَ مِنَ النَّارِ مِائَةَ عَامٍ سَيْرَ الْمُضَمَّرِ الْمُجِيدِ".(10)
ــــــــــــــ
__________
(1) - صحيح البخارى(1894) - الجنة : الوقاية - الخلوف : تغير ريح الفم
(2) - سنن الترمذى(769 ) حسن -الخلوف : تغير ريح الفم
(3) - سنن النسائى (2243 ) صحيح - الجنة : الوقاية
(4) - مسند أبي يعلى الموصلي(921) ضعيف
(5) - صحيح مسلم (2767 )
(6) - سنن الترمذى (1724 ) والمعجم الأوسط للطبراني (3712 ) حسن لغيره
(7) - سنن النسائى(2266) حسن
(8) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 5 / ص 306)(19721) صحيح مرسل
(9) - الآحاد والمثاني(2742) حسن لغيره
(10) - مسند أبي يعلى الموصلي(1486) فيه ضعف(1/145)
فضل الصلاة في المدينة المنورة و زيارة الرسول - صلى الله عليه وسلم -
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " مَنْ صَلَّى فِي مَسْجِدِي أَرْبَعِينَ صَلَاةً لَا تَفُوتُهُ صَلَاةٌ كُتِبَ لَهُ بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ وَبَرَاءَةٌ مِنَ الْعَذَابِ وَبَرِئَ مِنَ النِّفَاقِ "(1).
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَمُوتَ بِالْمَدِينَةِ ، فَلْيَمُتْ بِالْمَدِينَةَ ، فَإِنِّي أَشْفَعُ لِمَنْ مَاتَ بِهَا.(2)
وعَنِ امْرَأَةٍ يَتِيمَةٍ كَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، مِنْ ثَقِيفٍ ، تُحَدِّثُ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَمُوتَ بِالْمَدِينَةِ ، فَلْيَمُتْ ، فَإِنَّهُ مَنْ مَاتَ بِهَا ، كُنْتُ لَهُ شَهِيدًا ، أَوْ شَفِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ "(3).
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لاَ يَصْبِرُ عَلَى لأْوَاءِ الْمَدِينَةِ وَشِدَّتِهَا أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِى إِلاَّ كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْ شَهِيدًا »(4).
وعَنْ عُمَرَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ :« مَنْ زَارَ قَبْرِى أَوْ قَالَ مَنْ زَارَنِى كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا وَمَنْ مَاتَ فِى أَحَدِ الْحَرَمَيْنِ بَعَثَهُ اللَّهُ فِى الآمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ »(5).
وعن رجل من آل الخطاب : عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « من زارني متعمدا كان في جواري يوم القيامة ، ومن سكن المدينة وصبر على بلائها كنت له شهيدا وشفيعا يوم القيامة ، ومن مات في أحد الحرمين بعثه الله من الآمنين يوم القيامة »(6).
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ زَارَ قَبْرِى وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِى »(7).
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :مَنْ جَاءَنِي زَائِرًا لا يَعْلَمُهُ حَاجَةً إِلا زِيَارَتِي كَانَ حَقًّا عَلَيَّ أَنْ أَكُونَ لَهُ شَفِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ.(8)
ــــــــــــــ
__________
(1) - مسند أحمد (12919) حسن
(2) - صحيح ابن حبان - (ج 9 / ص 57)(3741) صحيح
(3) - الآحاد والمثاني(3214) صحيح
(4) - صحيح مسلم (3413 ) -اللأواء : الشدة وضيق العيش
(5) - السنن الكبرى للبيهقي(ج 5 / ص 245)(10572) فيه جهالة
(6) - شعب الإيمان للبيهقي (3994 ) فيه جهالة
(7) - سنن الدارقطنى (2727) والإتحاف 4/416 و417 و10/363 حسن لغيره
(8) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 10 / ص 432)(12971 ) حسن لغيره(1/146)
عينان لا تمسهما النار
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « عَيْنَانِ لاَ تَمَسُّهُمَا النَّارُ عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ »(1).
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : عَيْنَانِ لا تَمَسُّهُمَا النَّارُ أَبَدًا : عَيْنٌ بَاتَتْ تَكْلأُ الْمُسْلِمِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَعَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ "(2).
وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " ثَلَاثَةٌ لَا تَرَى أَعْيُنُهُمُ النَّارَ : عَيْنٌ حَرَسَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَعَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَعَيْنٌ كَفَّتْ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ "(3)
وعَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ « مَنْ حَرَسَ مِنْ وَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مُتَطَوِّعاً لاَ يَأْخُذُهُ سُلْطَانٌ لَمْ يَرَ النَّارَ بِعَيْنَيْهِ إِلاَّ تَحِلَّةَ الْقَسَمِ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا) »(4).
وعَنْ أَبِي رَيْحَانَةَ ، قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةٍ ، فَأَوْفَيْنَا عَلَى شَرَفٍ ، فَأَصَابَنَا بَرْدٌ شَدِيدٌ ، حَتَّى إِنْ كَانَ أَحَدُنَا يَحْفِرُ الْحَفِيرَ ، ثُمَّ يَدْخُلُ فِيهِ وَيُغَطِّي عَلَيْهِ بِحَجَفَتِهِ ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَلِكَ مِنَ النَّاسِ ، قَالَ : أَلا رَجُلٌ يَحْرُسُنَا اللَّيْلَةَ أَدْعُو اللَّهَ لَهُ بِدُعَاءٍ يُصِيبُ بِهِ فَضْلا ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ ، فَقَالَ : أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَدَعَا لَهُ ، قَالَ أَبُو رَيْحَانَةَ : فَقُلْتُ : أَنَا ، فَدَعَا لِي بِدُعَاءٍ هُوَ دُونَ مَا دَعَا لِلأَنْصَارِيِّ ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : حُرِّمَتِ النَّارُ عَلَى عَيْنٍ دَمَعَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ، حُرِّمَتِ النَّارُ عَلَى عَيْنٍ سَهِرَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، قَالَ : وَنَسِيتُ الثَّالِثَةَ ، قَالَ أَبُو شُرَيْحٍ : وَسَمِعْتُ بَعْدُ أَنَّهُ قَالَ : حُرِّمَتِ النَّارُ عَلَى عَيْنٍ غَضَّتْ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ ، أَوْ عَيْنٍ فُقِئَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ "(5).
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ يَلِجُ النَّارَ رَجُلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ فِى الضَّرْعِ وَلاَ يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ »(6).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَن ْرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : لاَ يَجْتَمِعَانِ فِي النَّارِ اجْتِمَاعًا يَضُرُّ أَحَدُهُمَا الآخَرَ ، مُسْلِمٌ قَتَلَ كَافِرًا ثُمَّ سَدَّدَ الْمُسْلِمُ وَقَارَبَ ، وَلا يَجْتَمِعَانِ فِي جَوْفِ عَبْدٍ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ ، وَلا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ الإِيمَانُ وَالشُّحُّ"(7).
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ يَرْفَعُ الْحَدِيثَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " لَا يَجْمَعُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي جَوْفِ رَجُلٍ غُبَارًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدُخَانَ جَهَنَّمَ ، وَمَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمُاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَ اللَّهُ سَائِرَ جَسَدِهِ عَلَى النَّارِ ، وَمَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَاعَدَ اللَّهُ مِنْهُ النَّارَ مَسِيرَةَ أَلْفِ عَامٍ لِلرَّاكِبِ الْمُسْتَعْجَلِ ، وَمَنْ جُرِحَ جِرَاحَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ خُتِمَ لَهُ بِخَاتَمِ الشُّهَدَاءِ ، لَهُ نُورٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَوْنُهَا مِثْلُ لَوْنِ الزَّعْفَرَانِ وَرِيحُهَا مِثْلُ رِيحِ الْمِسْكِ ، يُعْرِفُهُ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَالْآخَرُونَ يَقُولُونَ : فُلَانٌ عَلَيْهِ طَابَعُ الشُّهَدَاءِ ، وَمَنْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فَوَاقَ نَاقَةٍ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ "(8).
وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ مُكَاتَبًا لَهَا دَخَلَ عَلَيْهَا بِبَقِيَّةِ مُكَاتَبَتِهِ فَقَالَتْ لَهُ : مَا أَنْتَ بِدَاخِلٍ عَلَيَّ غَيْرَ مَرَّتِكَ هَذِهِ ، فَعَلَيْكَ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : "مَا خَالَطَ قَلْبَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ رَهَجٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ "(9)
ــــــــــــــ
__________
(1) - سنن الترمذى (1740 ) حسن
(2) - مسند أبي يعلى الموصلي(4346) صحيح لغيره
(3) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 14 / ص 351)(16347 ) حسن لغيره
(4) - مسند أحمد (16017) ضعيف
(5) - المستدرك للحاكم (2432) حسن
(6) - سنن الترمذى(1733) صحيح
(7) - المستدرك للحاكم (2394) حسن
(8) - مسند أحمد(28267) فيه انقطاع
(9) - مسند أحمد(25285) حسن(1/147)
ذكر الله
عَنْ جَابِرٍ - رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ عَمَلًا أَنْجَى لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى " . قِيلَ : وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟ ! قَالَ : " وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا أَنْ يَضْرِبَ بِسَيْفِهِ حَتَّى يَنْقَطِعَ "(1).
وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّهُ قَالَ دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِى الْمَوْتِ فَبَكَيْتُ فَقَالَ مَهْلاً لِمَ تَبْكِى فَوَاللَّهِ لَئِنِ اسْتُشْهِدْتُ لأَشْهَدَنَّ لَكَ وَلَئِنْ شُفِّعْتُ لأَشْفَعَنَّ لَكَ وَلَئِنِ اسْتَطَعْتُ لأَنْفَعَنَّكَ ثُمَّ قَالَ وَاللَّهِ مَا مِنْ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَكُمْ فِيهِ خَيْرٌ إِلاَّ حَدَّثْتُكُمُوهُ إِلاَّ حَدِيثًا وَاحِدًا وَسَوْفَ أُحَدِّثُكُمُوهُ الْيَوْمَ وَقَدْ أُحِيطَ بِنَفْسِى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ »(2).
وعَنْ قَتَادَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - وَمُعَاذٌ رَدِيفُهُ عَلَى الرَّحْلِ قَالَ « يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ » . قَالَ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ . قَالَ « يَا مُعَاذُ » . قَالَ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ . ثَلاَثًا ،قَالَ « مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ إِلاَّ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ » . قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَفَلاَ أُخْبِرُ بِهِ النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا قَالَ « إِذًا يَتَّكِلُوا » . وَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا(3).
وعَنْ زَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلاَّمٍ يَقُولُ حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ فَرُّوخَ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ تَقُولُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّهُ خُلِقَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَنِى آدَمَ عَلَى سِتِّينَ وَثَلاَثِمَائَةِ مَفْصِلٍ فَمَنْ كَبَّرَ اللَّهَ وَحَمِدَ اللَّهَ وَهَلَّلَ اللَّهَ وَسَبَّحَ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ وَعَزَلَ حَجَرًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ شَوْكَةً أَوْ عَظْمًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ وَأَمَرَ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهَى عَنْ مُنْكَرٍ عَدَدَ تِلْكَ السِّتِّينَ وَالثَّلاَثِمِائَةِ السُّلاَمَى فَإِنَّهُ يَمْشِى يَوْمَئِذٍ وَقَدْ زَحْزَحَ نَفْسَهُ عَنِ النَّارِ »(4).
ــــــــــــــ
__________
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 15 / ص 92)(16765 ) والمعجم الأوسط للطبراني (2387) صحيح لغيره
(2) - صحيح مسلم (151)
(3) - البخاري(128 )
(4) - صحيح مسلم (2377 )(1/148)
الباقيات الصالحات من أعمال الجنة
قال تعالى { الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46)} [الكهف/46]
المَالُ وَالبَنُونَ زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ، وَبَهْجَتُهَا . وَالإِقْبَالُ عَلَى عِبَادَةِ اللهِ ، وَالتَّفَرُّغُ لِلْعَمَلِ بِمَا يُرْضِي اللهَ ، خَيْرٌ مِنَ المَالِ وَمِنَ البَنِينِ ، عِنْدَ اللهِ فِي الآخِرَةِ ، لأَنَّ العَمْلَ الصَّالِحَ يَنْفَعُ الإِنْسَانَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ ، وَالمَالُ وَالبَنُونَ لاَ يَنْفَعُونَهُ فِيهِ شَيْئاً ، وَالعَمَلُ الصَّالِحُ هُوَ خَيْرٌ أَمَلٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ الإِنْسَانُ .
وقال تعالى :{ وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا (76) } [مريم/76]
أَمَّا المُهْتَدُونَ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يَزِيدُهُمْ هُدًى ، عَلَى هُدَاهُمْ ، بِمَا يُنْزِلُ عَلَيْهِمْ مِنَ الآيَاتِ ، وَالطَّاعَاتِ الَّتِي تَنْشَرِحُ لَهَا الصُّدُورُ وَتَسْتَنِيرُ بِهَا القُلُوب ، وَتُوصِلُ إِلَى القُرْبِ مِنَ اللهِ ، وَنَيْلِ رِضْوَانِهِ . . وَهَذِهِ كُلُّها خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ جَزَاءً وَعَاقِبَةً مِمَّا مُتِّعَ بِهِ أُوْلَئِكَ الكَافِرُونَ مِنَ النَّعَمِ الفَانِيَةِ ، الَّتِي يَفْخَرُ بِهَا هَؤُلاَءِ مِنْ مَالٍ وَوَلَدٍ وَجَاهٍ . . . . إِلَخ .
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : " اسْتَكْثِرُوا مِنَ الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ " . قِيلَ : وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " التَّكْبِيرُ ، وَالتَّهْلِيلُ ، وَالتَّحْمِيدُ ، وَالتَّسْبِيحُ ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ "(1).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : خُذُوا جُنَّتَكُمْ ، قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ : مِنْ عَدُوٍّ قَدْ حَضَرَ ؟ قَالَ : لاَ جُنَّتَكُمْ مِنَ النَّارِ ، قُولُوا : سُبْحَانَ اللَّهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ ، فَإِنَّهَا يَأْتِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُنْجِيَاتٍ وَمُقَدَّمَاتٍ وَهُنَّ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ "(2).
ــــــــــــــ
__________
(1) - مسند أحمد (12032) حسن
(2) - المستدرك للحاكم(1985) حسن(1/149)
عتق الرقاب
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُسْلِمَةً ، أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنَ النَّارِ ، حَتَّى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ »(1).
وعن سَعِيدَ بْنِ مَرْجَانَةَ صَاحِبِ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَيُّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا اسْتَنْقَذَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ. قَالَ: فَانْطَلَقْتُ حِينَ سَمِعْتُ الْحَدِيثَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَذَكَرْتُهُ لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، فَأَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ قَدْ أَعْطَاهُ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ عَشَرَةَ آلافٍ أَوْ أَلْفَ دِينَارٍ.(2)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ مِنَ النَّارِ، حَتَّى الْفَرَجَ بِالْفَرَجِ.(3)
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ مَرْجَانَةَ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ إِرَبٍ مِنْهَا إِرَبًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَعْتِقُ الْيَدَ بِالْيَدِ وَالرِّجْلَ بِالرَّجُلِ وَالْفَرْجَ بِالْفَرَجِ. فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ: يَا سَعِيدُ بْنَ مَرْجَانَةَ أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: فَقَالَ: نَعَمْ. هَذَا لَفْظُ الزَّعْفَرَانِيِّ، قَالَ: ادْعُوا لِي أَحَدَ غِلْمَانِي مُطَرِّفًا، فَأَعْتَقَهُ فَلَمَّا قَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ: اذْهَبْ فَأَنْتَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ.(4)
ــــــــــــــ
__________
(1) - صحيح البخارى (6715 ) وصحيح مسلم(3869)
(2) - مسند أبي عوانة ( 3908 ) صحيح
(3) - مسند أبي عوانة ( 3909 ) صحيح
(4) - مسند أبي عوانة ( 3911 ) صحيح(1/150)
الذب عن عرض المسلم
عَنِ ابْنٍ لأَبِي الدَّرْدَاءِ ، أَنَّ رَجُلاً وَقَعَ فِي رَجُلٍ فَرَدَّ عَنْهُ آخَرُ فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ : سَمِعْت رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : مَنْ ذَبَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ كَانَ لَهُ حِجَابًا مِنَ النَّارِ.(1)
وعَنْ أَسْمَاءَ بنتِ يَزِيدَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ:مَنْ ذَبَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ بِالْمَغِيبِ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَعْتِقَهُ مِنَ النَّارِ.(2)
وعَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ رَدَّ اللَّهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ »(3).
ــــــــــــــ
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 8 / ص 388)(26052) حسن لغيره
(2) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 17 / ص 418)(19916 ) حسن
(3) - سنن الترمذى(2056 ) حسن لغيره(1/151)
الحمى حظ أمتي من النار
عَنْ أَبِي رَيْحَانَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : " الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ وَهِيَ نَصِيبُ الْمُؤْمِنِ مِنَ النَّارِ "(1).
وعَنْ أَبِى أُمَامَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « الْحُمَّى كِيرٌ مِنْ جَهَنَّمَ فَمَا أَصَابَ الْمُؤْمِنَ مِنْهَا كَانَ حَظَّهُ مِنْ جَهَنَّمَ ».(2)
وعن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « الْحُمَّى حَظُّ كُلِّ مُؤمنٍ مِنَ النَّارِ يَومَ القِيامةِ»(3)
ــــــــــــــ
__________
(1) - شعب الإيمان للبيهقي(9503 ) حسن
(2) - مسند أحمد (22934) حسن لغيره
(3) - المعجم الأوسط للطبراني(7753 ) صحيح لغيره(1/152)
من قال لا إله إلا الله والله أكبر
عَنِ الأَغَرِّ أَبِى مُسْلِمٍ قَالَ : أشهد على أبي سعيد، وأبي هريرة أَنهما شهِدَا على رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : «من قال: لا إله إِلا الله ، والله أَكبر، صدَّقه ربُّه ، وقال : لا إِله إِلا أَنا ، وأنا أكبر، وإذا قال: لا إِله إلا الله وحده ، قال : يقول الله: لا إِله إِلا أنا وحدي، وإِذا قال : لا إِله إِلا الله وحدَهُ لا شريك له ، قال الله: لا إِله إِلا أَنا وحدي لا شريك لي، وإِذا قال : لا إِله إِلا الله ، له الملك وله الحمد، قال الله تعالى : لا إِله إلا أنا ، ليَ الملك ، وليَ الحمدُ ، وإذا قالَ : لا إِلهَ إِلا اللهُ ، ولا حولَ ولا قُوةَ إِلا باللهِ ، قال الله تعالى : لا إِلَهَ إِلا أنا ، ولا حَولَ ولا قُوةَ إِلا بي ، وكان يقول : من قالها في مرضٍ ، ومات منه لم تَطْعَمْهُ النارُ»(1)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، يَرْفَعُ الْحَدِيثَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: مَنْ قَالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، وَاللهُ أَكْبَرُ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، لَهُ الْمُلْكُ ، وَلَهُ الْحَمْدُ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ ، يَعْقِدُهُنَّ خَمْسًا بِأَصَابِعِهِ ، ثُمَّ قَالَ : مَنْ قَالَهُنَّ فِي يَوْمٍ ، أَوْ لَيْلَةٍ ، أَوْ فِي شَهْرٍ ، ثُمَّ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ ، أَوْ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ ، أَوْ فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ ، غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ.(2)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : خُذُوا جُنَّتَكُمْ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَمِنْ عَدُوٍّ قَدْ حَضَرَ ؟ قَالَ : لا ، وَلَكِنْ جُنَّتُكُمْ مِنَ النَّارِ ، قَوْلُ : سُبْحَانَ اللهِ ، وَالْحَمْدُ ِللهِ ، وَلا إِلَهَ إِلا اللهُ ، وَاللهُ أَكْبَرُ ، فَإِنَّهُنَّ يَأْتِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُجَنِّبَاتٍ وَمُعَقِّبَاتٍ ، وَهُنَّ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ.(3)
وعن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألا أخبرك بأمر هو حق، من تكلم به في أول مضجعه في مرضه نجاه اللّه من النار؟ قال: بلى، بأبي وأمي. قال: اعلم أنك إذا أصبحت لم تمس، وإذا أمسيت لم تصبح، وإنك إذا قلت ذلك في أول مضجعك من مرضك نجاك اللّه به من النار أن تقول: لا إله إلا اللّه يحيي ويميت وهو حي لا يموت سبحان رب العباد والبلاد، الحمد للّه حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه على كل حال، اللّه أكبر، كبرياء ربنا وجلالته وقدرته في كل مكان، اللهم إن كنت أمرضتني لقبض روحي في مرضي هذا فاجعل روحي في أرواح من سبقت لهم منك الحسنى، باعدني من النار كما باعدت أولياءك الذين سبقت لهم الحسنى، فإن مت في مرضك ذلك فإلى رضوان اللّه والجنة، وإن كنت قد اقترفت ذنوباً تاب اللّه عليك".(4)
ــــــــــــــ
__________
(1) - سنن الترمذى(3758 ) حسن
(2) - أخرجه النسائي في "الكبرى"( 9773) و المسند الجامع - (ج 17 / ص 1454)(14329) حسن
(3) - أخرجه النسائي في "الكبرى"( 10617) حسن
(4) - اتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة - (ج 6 / ص 159)[6227] ضعيف(1/153)
تحرم النار على كل هين سهل
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ أَوْ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّارُ عَلَى كُلِّ قَرِيبٍ هَيِّنٍ لَيِّنٍ سَهْلٍ »(1).
وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « حُرِّمَ عَلَى النَّارِ كُلُّ هَيِّنٍ لَيِّنٍ سَهْلٍ قَرِيبٍ مِنَ النَّاسِ ».(2)
وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : إِنَّمَا يُحَرَّمُ عَلَى النَّارِ كُلُّ هَيِّنٍ لَيِّنٍ قَرِيبٍ سَهْلٍ.(3)
ــــــــــــــ
أشياء عديدة تمنع دخول النار
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ : خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : " إِنِّي رَأَيْتُ الْبَارِحَةَ عَجَبًا ، رَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي قَدِ احْتَوَشَتْهُ مَلَائِكَةٌ ، فَجَاءَهُ وُضُوءُهُ فَاسْتَنْقَذَهُ مِنْ ذَلِكَ . وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي قَدْ سُلِّطَ عَلَيْهِ عَذَابُ الْقَبْرِ ، فَجَاءَتْهُ صِلَاتُهُ فَاسْتَنْقَذَتْهُ مِنْ ذَلِكَ . وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي قَدِ احْتَوَشَتْهُ الشَّيَاطِينُ ، فَجَاءَهُ ذِكْرُ اللَّهِ فَخَلَّصَهُ مِنْهُمْ . وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي يَلْهَثُ مِنَ الْعَطَشِ ، فَجَاءَهُ صِيَامُ رَمَضَانَ فَسَقَاهُ . وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ظُلْمَةٌ وَمِنْ خَلْفِهِ ظُلْمَةٌ ، وَعَنْ يَمِينِهِ ظُلْمَةٌ ، وَعَنْ شِمَالِهِ ظُلْمَةٌ ، وَمِنْ فَوْقِهِ ظُلْمَةٌ ، وَمِنْ تَحْتِهِ ظُلْمَةٌ ، فَجَاءَهُ حَجُّهُ ، وَعُمْرَتُهُ ، فَاسْتَخْرَجَاهُ مِنَ الظُّلْمَةِ . وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي جَاءَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ لِيَقْبِضَ رُوحَهُ ، فَجَاءَتْهُ صِلَةُ الرَّحِمِ ، فَقَالَتْ : إِنَّ هَذَا كَانَ وَاصِلًا لِرَحِمِهِ فَكَلَّمَهُمْ ، وَكَلَّمُوهُ وَصَارَ مَعَهُمْ . وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي يَتَّقِي وَهَجَ النَّارِ عَنْ وَجْهِهِ ، فَجَاءَتْهُ صَدَقَتُهُ ، فَصَارَتْ ظِلًّا عَلَى رَأْسِهِ وَسِتْرًا عَنْ وَجْهِهِ . وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي جَاءَتْهُ زَبَانِيَةُ الْعَذَابِ ، فَجَاءَهُ أَمْرُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيُهُ عَنِ الْمُنْكَرِ ، فَاسْتَنْقَذَهُ مِنْ ذَلِكَ . وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي هَوَى فِي النَّارِ ، فَجَاءَتْهُ دُمُوعُهُ الَّتِي بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ فَأَخْرَجَتْهُ مِنَ النَّارِ . وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي قَدْ هَوَتْ صَحِيفَتُهُ إِلَى شِمَالِهِ ، فَجَاءَهُ خَوْفُهُ مِنَ اللَّهِ فَأَخَذَ صَحِيفَتَهُ فِي يَمِينِهِ . وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي قَدْ خَفَّ مِيزَانُهُ ، فَجَاءَهُ إِقْرَاضُهُ فَثَقُلَ مِيزَانُهُ . وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي يُرْعِدُ كَمَا تُرْعِدُ الزَّعْفَةُ ، فَجَاءَهُ حُسْنُ ظَنِّهِ بِاللَّهِ فَسَكَّنَ رِعْدَتَهُ . وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي يَزْحَفُ عَلَى الصِّرَاطِ مَرَّةً وَيَجْثُو مَرَّةً وَيَتَعَلَّقُ مَرَّةً ، فَجَاءَتْهُ صَلَاتُهُ عَلَيَّ فَأَخَذَتْ بِيَدِهِ فَأَقَامَتْهُ عَلَى الصِّرَاطِ حَتَّى جَاوَزَ . وَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي انْتَهَى إِلَى أَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَغُلِّقَتِ الْأَبْوَابُ دُونَهُ ، فَجَاءَتْهُ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَأَخَذَتْ بِيَدِهِ فَأَدْخَلَتْهُ الْجَنَّةَ "(4)
- - - - - - - - - - - - - - - - -
أهم المراجع
1. تفسير الطبري(جَامِعُ الْبَيَانِ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ) الشاملة 2 + موقع التفاسير
2. تفسير ابن كثير الشاملة 2 + موقع التفاسير
3. الجامع لأحكام القرآن للقرطبي الشاملة 2 + موقع التفاسير
4. تفسير الألوسي الشاملة 2 + موقع التفاسير
5. أيسر التفاسير لأسعد حومد الشاملة 2 + موقع التفاسير
6. التفسير الميسر الشاملة 2 + موقع التفاسير
7. تفسير السعدي الشاملة 2 + موقع التفاسير
8. تفسير ابن أبي حاتم الشاملة 2 + موقع التفاسير
9. في ظلال القرآن الشاملة 2 + موقع التفاسير
10. الوسيط لسيد طنطاوي الشاملة 2 + موقع التفاسير
11. اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم ابن تيمية الشاملة 2 دار عالم الكتب
12. تحفة المريد على جوهرة التوحيد
13. شرح العقيدة الواسطية الشاملة 2
14. شرح الطحاوية في العقيدة السلفية الشاملة 2
15. اعتقاد أهل السنة شرح أصحاب الحديث الشاملة 2
16. عقيدة السلف أصحاب الحديث الشاملة 2
17. شروح الطحاوية الشاملة 2
18. الصارم المسلول ابن تيمية الشاملة 2 دار ابن حزم - بيروت
19. مجمل اعتقاد أئمة السلف ابن تيمية الشاملة 2
20. منهاج السنة النبوية ابن تيمية الشاملة 2 محمد رشاد سالم
21. درء التعارض بين العقل والنقل ابن تيمية الشاملة 2 دار الكنوز الأدبية الرياض
22. المنتقى - شرح الموطأ للباجي الشاملة 2+ موقع الإسلام
23. موطأ مالك المكنز
24. صحيح البخارى المكنز
25. صحيح مسلم المكنز
26. مختصر صحيح المسلم للمنذري الشاملة 3 + ت الألباني
27. سنن أبى داود المطنز
28. سنن الترمذى المكنز
29. سنن النسائى المكنز
30. سنن ابن ماجه الكننز
31. مصنف عبد الرزاق المكتب الإسلامي + الشاملة 2
32. مصنف ابن أبي شيبة عوامة + الشاملة 2
33. مسند أحمد الكنز
34. مسند أحمد بن حنبل ( بأحكام شعيب الأرنؤوط) دار صادر
35. أخبار مكة للأزرقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
36. الإبانة الكبرى لابن بطة الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
37. الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
38. لترغيب والترهيب للمنذري الشاملة 2
39. الجهاد في سبيل الله له الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
40. السنن الكبرى للإمام النسائي الرسالة +الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
41. المستدرك للحاكم دار المعرفة + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
42. المعجم الكبير للطبراني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
43. المعجم الأوسط للطبراني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
44. المعجم الصغير للطبراني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
45. تفسير ابن أبي حاتم الشمالة 2 + موقع التفاسير + جامع الحديث النبوي
46. تهذيب الآثار للطبري الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
47. دلائل النبوة للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
48. السنن الكبرى للبيهقي المكنز + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
49. شعب الإيمان للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
50. سنن الدارمى المكنز + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
51. علل الترمذي الشاملة 2
52. شرح علل الترمذي لابن رجب الشاملة 2
53. مسند أبي عوانة الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
54. مسند إسحاق بن راهويه الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
55. مسند البزار 1-14كاملا الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
56. مسند أبي يعلى الموصلي ت حسين الأسد دار المأمون + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
57. مسند الحميدى المكنز + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
58. سنن الدارقطنى المكنز + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
59. صحيح ابن حبان مؤسسة الرسالة + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
60. صحيح ابن خزيمة الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
61. مسند الشاميين للطبراني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
62. مسند الشهاب القضاعي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
63. مسند الطيالسي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
64. مسند عبد بن حميد الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
65. شرح معاني الآثار الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي+ موقع الإسلام
66. مشكل الآثار للطحاوي ، مؤسسة الرسالة + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
67. معرفة السنن والآثار للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
68. السنن الصغرى للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
69. معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
70. موسوعة السنة النبوية - للمؤلف مخطوط
71. الأحاديث المختارة للضياء +الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
72. الْأَرْبَعُونَ حَدِيثًا لِلْآجُرِّيّ الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
73. شرح السنة ـ للإمام البغوى متنا وشرحا مؤسسة الرسالة + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
74. مجمع الزوائد + دار المعرفة + الشاملة 2
75. اتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
76. المسند الجامع مؤسسة الرسالة + الشاملة 2
77. جامع الأصول لابن الأثير ت - عبد القادر الأرناؤوط + الشاملة 2
78. عمل اليوم والليلة للنسائي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
79. عمل اليوم والليلة لابن السني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
80. عشرة النساء للنسائي بتحقيقي
81. مصباح الزجاجة في زائد ابن ماجة البوصيري الشاملة 2
82. أخبار أصبهان الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
83. أمالي ابن بشران الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
84. أمثال الحديث لأبي الشيخ الأصبهاني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
85. الآداب للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
86. الأدب المفرد للبخاري الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
87. الأسماء والصفات للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
88. الاعتقاد للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
89. الترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك لابن شاهين الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
90. التوحيد لابن خزيمة الشاملة 2
91. الدعاء للطبراني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
92. الدعاء للمحاملي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
93. الدعوات الكبير للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
94. الزهد الكبير للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
95. الزهد لأحمد بن حنبل الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
96. الزهد لهناد بن السري الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
97. الزهد والرقائق لابن المبارك الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
98. السنة لأبي بكر بن الخلال الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
99. السنة لابن أبي عاصم الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
100. السنة لعبد الله بن أحمد الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
101. السنة لمحمد بن نصر المروزي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
102. الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
103. الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
104. الكنى والأسماء للدولابي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
105. المحدث الفاصل بين الراوي والواعي للرامهرمزي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
106. المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
107. بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخيار للكلاباذي الشاملة2
108. تعظيم قدر الصلاة لمحمد بن نصر المروزي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
109. جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
110. خَلْقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ لِلْبُخَارِيِّ الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
111. طبقات المحدثين بأصبهان لأبي الشيخ الأصبهاني الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
112. فضائل الأوقات للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
113. فضائل الصحابة لأحمد الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
114. فضائل القرآن للفريابي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
115. ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل للذهبي
116. الوسيط في أصول الحديث د- محمد محمد أبو شهبة
117. فضائل القرآن للقاسم بن سلام الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
118. فضائل القرآن لمحمد بن الضريس الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
119. مختصر قيام الليل لمحمد بن نصر المروزي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
120. معجم الصحابة لابن قانع الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
121. قصر الأمل لابن أبي الدنيا الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
122. المقاصد الحسنة للسخاوي الشاملة 2
123. من تكلم فيه وهو موثق أو صالح الحديث للذهبي الشاملة 2
124. نظم المتناثر للكتاني الشاملة 2
125. نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية للزيلعي الشاملة 2 + موقع الإسلام
126. التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير لابن حجر الشاملة 2 + موقع الإسلام
127. تخريج أحاديث الإحياء للعراقي الشاملة 2
128. هدي الساري (مقدمة الفتح ) لابن حجر الشاملة 2
129. تغليق التعليق لابن حجر الشاملة 2 + المطبوع
130. إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل للألباني الشاملة 2
131. تنزيه الشريعة المرفوعة لابن عراق الشاملة 2
132. الموضوعات لابن الجوزي الشاملة 2
133. إتحاف السادة المتقين للزبيدي دار الفكر
134. تنبيه الهاجد إلى ما وقع من النظر فى كتب الأماجد الشاملة 2
135. علل الحديث لابن أبي حاتم الشاملة 2
136. الضُّعَفَاءُ الْكَبِيرِ لِلْعُقَيْلِيِّ الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
137. العلل المتناهية لابن الجوزي الشاملة 2
138. تاريخ معرفة الثقات لابن شاهين الشاملة 2
139. جرح الرواة وتعديلهم محمود عيدان أحمد الدليمي الشاملة 2
140. مشاهير علماء الأمصار ابن حبان الشاملة 2
141. تحفة المحتاج في تخريج أحاديث المنهاج لابن الملقن + الشاملة 2
142. البدر المنير لابن الملقن + الشاملة 2
143. السلسلة الضعيفة للألباني + الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
144. السلسلة الصحيحة للألباني+ الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
145. رياض الصالحين ت الألباني+ الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
146. مشكاة المصابيح ت الألباني + الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
147. صحيح الترغيب والترهيب + الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
148. صحيح وضعيف سنن أبي داود الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
149. صحيح وضعيف سنن الترمذي الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
150. صحيح وضعيف سنن النسائي الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
151. صحيح وضعيف سنن ابن ماجة الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
152. صحيح وضعيف الجامع الصغير الشاملة 2 + المكتب الإسلامي
153. علل الحديث لابن أبي حاتم الشاملة 2
154. علل الدارقطني الشاملة 2
155. موسوعة أقوال الإمام أحمد في الجرح والتعديل الشاملة 2
156. موسوعة أقوال الدارقطني الشاملة 2
157. التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لابن عبد البر الشاملة 2
158. فتح الباري لابن حجر الشاملة 2 + موقع الإسلام
159. عمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني الشاملة 2
160. شرح البخاري ابن بطال الشاملة 2
161. شرح النووي على مسلم الشاملة 2 + موقع الإسلام
162. عون المعبود للآبادي الشاملة 2 + موقع الإسلام
163. تحفة الأحوذي المباركفوي الشاملة 2 + موقع الإسلام
164. الشَّرِيعَةُ لِلْآجُرِّيِّ الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
165. شُكْرُ اللَّهِ عَلَى نِعَمِهِ لِلْخَرَائِطِيِّ الشاملة 2
166. شرف أصحاب الحديث جامع الحديث النبوي الشاملة 2
167. شرح الأربعين النووية في الأحاديث الصحيحة النبوية الشاملة 2
168. فيض القدير،شرح الجامع الصغير الشاملة 2
169. جامع العلوم والحكم الشاملة 2 + تحقيق الفحل
170. حاشية ابن القيم على سنن أبي داود الشاملة 2+ موقع الإسلام
171. مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح الشاملة 2
172. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين الشاملة 2
173. مختصر منهاج القاصدين نشر دار البيان
174. شرح بلوغ المرام للشيخ عطية محمد سالم الشاملة 2
175. كشف المشكل من حديث الصحيحين الشاملة 2
176. إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام الشاملة 2
177. التحفة الربانية شرح الأربعين النووية الشاملة 2
178. شرح رياض الصالحين لابن عثيمين الشاملة 2
179. فقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري الشاملة 2
180. فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين الشاملة 2
181. مجموع فتاوى ابن تيمية الشاملة 2 + دار الباز
182. الفتاوى الكبرى لابن تيمية الشاملة 2 + موقع الإسلام
183. جواهر الإكليل شرح مختصر خليل الشاملة 2 + موقع الإسلام
184. حاشية الجمل الشاملة 2 + موقع الإسلام
185. القوانين الفقهية لابن جزي الشاملة 2
186. فتاوى الأزهر الشاملة 2
187. الموسوعة الفقهية الكويتية الشاملة 2 + موقع الإسلام + دار السلاسل
188. فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشاملة 2
189. مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين الشاملة 2
190. فتاوى السبكي الشاملة 2
191. فتاوى الرملي الشاملة 2
192. الفتاوى الفقهية الكبرى لابن حجر الهيتمي الشاملة 2 + موقع الإسلام
193. شرح سنن أبي داود ـ عبد المحسن العباد الشاملة 2
194. لقاءات الباب المفتوح الشاملة 2
195. دروس وفتاوى الحرم المدني الشاملة 2
196. فتاوى من موقع الإسلام اليوم الشاملة 2
197. فتاوى الإسلام سؤال وجواب الشاملة 2
198. فتاوى يسألونك الشاملة 2
199. مجموع فتاوى ومقالات ابن باز الشاملة 2
200. مختصر الفتاوى المصرية لابن تيمية الشاملة 2
201. فتاوى الإسلام سؤال وجواب الشاملة 2
202. فتاوى واستشارات الإسلام اليوم الشاملة 2
203. فتاوى الشبكة الإسلامية الشاملة 2
204. الفتاوى الحديثية لابن حجر الهيتمي الشاملة 2
205. الفقه الإسلامي وأدلته الزحيلي الشاملة 2 + دار الفكر
206. الدرر السنية في الأجوبة النجدية - الرقمية الشاملة 2
207. مجلة مجمع الفقه الإسلامي الشاملة 2
208. إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام الشاملة 2
209. طرح التثريب الشاملة 2 + موقع الإسلام
210. الفتوحات الربانية على الأذكار النووية لابن علان دار الفكر
211. نيل الأوطار الشاملة 2 + موقع افسلام
212. السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار - الرقمية الشاملة 2
213. فتاوى الرملي الشاملة 2
214. حاشية رد المحتار الشاملة 2 + موقع الإسلام
215. تكملة حاشية رد المحتار الشاملة 2 + موقع الإسلام
216. المبسوط للسخسي الشاملة 2 + موقع الإسلام
217. الهداية للمرغياني الشاملة 2
218. بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع الشاملة 2 + موقع الإسلام
219. تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق الشاملة 2 + موقع الإسلام
220. فتح القدير لابن الهمام الشاملة 2 + موقع الإسلام
221. البحر الرائق شرح كنز الدقائق الشاملة 2 + موقع الإسلام
222. مراقي الفلاح وحاشية الطحطاوي عليه الشاملة 2
223. رد المحتار على الدر المختار الشاملة 2
224. المحيط البرهاني للإمام برهان الدين ابن مازة الشاملة 2
225. حاشية الطحاوي على المراقي الشاملة 2
226. الشرح الكبير للشيخ الدردير الشاملة 2 + موقع الإسلام
227. الشرح الصغير الشاملة 2
228. التاج والإكليل لمختصر خليل الشاملة 2 + موقع الإسلام
229. مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل الشاملة 2 + موقع الإسلام
230. شرح الزرقاني على مختصر خليل الشاملة 2
231. الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني الشاملة 2 + موقع الإسلام
232. منح الجليل شرح مختصر خليل الشاملة 2 + موقع الإسلام
233. التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة القرطبي الشاملة 2
234. بداية المجتهد ونهاية المقتصد الشاملة 2
235. روضة الطالبين وعمدة المفتين الشاملة 2
236. المهذب في فقه الإمام الشافعي للشيرازي الشاملة 2
237. المجموع شرح المهذب للنووي الشاملة 2 + موقع الإسلام
238. أسنى المطالب بشرح روض الطالب الشاملة 2 + موقع الإسلام
239. شرح البهجة الوردية الشاملة 2 + موقع الإسلام
240. حاشيتا قليوبي - وعميرة الشاملة 2 + موقع الإسلام
241. تحفة المحتاج في شرح المنهاج الشاملة 2 + موقع الإسلام
242. مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج الشاملة 2 + موقع الإسلام
243. نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج الشاملة 2 + موقع الإسلام
244. حاشية البجيرمي على الخطيب الشاملة 2 + موقع الإسلام
245. حاشية البجيرمي على المنهج الشاملة 2 + موقع الإسلام
246. الأم للشافعي الشاملة 2 + موقع الإسلام
247. الرسالة للشافعي الشاملة 2
248. الحاوي في فقه الشافعي - الماوردي الشاملة 2
249. دليل المحتاج شرح المنهاج للإمام النووي الشاملة 2
250. الشرح الكبير لابن قدامة الشاملة 2
251. الفروع لابن مفلح الشاملة 2 + موقع الإسلام
252. الإنصاف الشاملة 2 + موقع الإسلام
253. شرح منتهى الإرادات الشاملة 2 + موقع الإسلام
254. كشاف القناع عن متن الإقناع الشاملة 2 + موقع الإسلام
255. مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى الشاملة 2 + موقع الإسلام
256. المغني لابن قدامة الشاملة 2 + موقع الإسلام
257. المبدع شرح المقنع الشاملة 2
258. الروض المربع بحاشية العنقري على زاد المستنقع الشاملة 2
259. زاد المستقنع في اختصار المقنع الشاملة 2
260. منار السبيل شرح الدليل الشاملة 2
261. شرح زاد المستقنع لابن عثيمين الشاملة 2
262. الشرح الممتع على زاد المستقنع الشاملة 2
263. أصول السرخسي الشاملة 2
264. الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم الشاملة 2
265. الإحكام في أصول الأحكام للآمدي الشاملة 2
266. المستصفى للغزالي الشاملة 2 + موقع الإسلام
267. تهذيب الفروق والقواعد السنية فى الأسرار الفقهية الشاملة 2
268. أنوار البروق في أنواع الفروق الشاملة 2 + موقع الإسلام
269. إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم الشاملة 2 + موقع الإسلام
270. البحر المحيط للزركشي الشاملة 2 + موقع الإسلام
271. التقرير والتحبير لابن أمير الحاج الشاملة 2 + موقع الإسلام
272. شرح الكوكب المنير للفتوحي الشاملة 2 + موقع الإسلام
273. إيقاظ همم أولي الأبصار الشاملة 2
274. حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع الشاملة 2 + موقع الإسلام
275. الفصول في الأصول للرازي الشاملة 2 + موقع الإسلام
276. من أصول الفقه على منهج أهل الحديث - الرقمية الشاملة 2
277. الأصول من علم الأصول - الرقمية الشاملة 2
278. البرهان في أصول الفقه الجويني - الرقمية الشاملة 2
__________
(1) - سنن الترمذى (2676 ) حسن صحيح
(2) - مسند أحمد (4017) صحيح لغيره
(3) - صحيح ابن حبان - (ج 2 / ص 215)(469) صحيح
(4) - مجمع الزوائد ( 11746 ) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادَيْنِ ، فِي أَحَدِهِمَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الْوَاسِطِيُّ ، وَفِي الْآخَرِ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيُّ ، وَكِلَاهُمَا ضَعِيفٌ .(1/154)
279. تلقيح الافهام العلية بشرح القواعد الفقهية الشاملة 2
280. حجة الله البالغة للدهلوي الشاملة 2
281. بحوث في علم أصول الفقه الشاملة 2 الكردي
282. القول المفيد في الاجتهاد والتقليد للشوكاني الشاملة 2
283. الموافقات للشاطبي الشاملة 2
284. إرشاد الفحول لتحقيق الحق من علم الأصول الشاملة 2
285. الإبهاج في شرح المنهاج الشاملة 2
286. الأصول من علم الأصول الشاملة 2 + موقع الإسلام
287. التقرير والتحبير الشاملة 2 + موقع الإسلام
288. المسودة في أصول الفقه الشاملة 2
289. معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة الشاملة 2
290. نهاية السول شرح منهاج الوصول الشاملة 2
291. إحياء علوم الدين دار الفكر + الشاملة 2
292. حلية الأولياء لأبي نعيم الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
293. الأذكار للنووي الشاملة 2
294. أدب الدنيا والدين الماوردي الشاملة 2 + موقع الإسلام
295. المدخل لابن الحاج الشاملة 2 + موقع الإسلام
296. الآداب الشرعية لابن مفلح الشاملة 2 + موقع الإسلام
297. الزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر المكي الشاملة 2 + موقع الإسلام
298. بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية الشاملة 2 + موقع الإسلام
299. غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب السفاريني الشاملة 2 + موقع الإسلام
300. رياض الصالحين للنووي -ت الألباني - الفحل
301. لواقح الأنوار القدسية في بيان العهود المحمدية للشعراني الشاملة 2
302. موسوعة خطب المنبر الشاملة 2
303. منهاج الإصلاح النبوي في حديث: ((لا تحاسدوا...))
304. تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين للشوكاني الشاملة 2
305. الروح لابن القيم الشاملة 2
306. مدارج السالكين لابن القيم الشاملة 2
307. مقدمة ابن الصلاح الشاملة 2
308. معرفة علوم الحديث للحاكم الشاملة 2+ جامع الحديث النبوي
309. الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث الشاملة 2
310. المختصر في أصول الحديث الشاملة 2
311. قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث الشاملة 2
312. الكفاية في علم الرواية الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
313. فتح المغيث بشرح ألفية الحديث السخاوي + الشاملة 2
314. المنهج الإسلامي في الجرح والتعديل فاروق حمادة
315. الاقتراح في فن الاصطلاح للحافظ ابن دقيق العيد الشاملة 2
316. توضيح الأفكار للصنعاني + الشاملة 2
317. قواعد في علوم الحديث للتهانوي ت أبو غدة
318. منهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر - العتر + الشاملة 2
319. تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي + الشاملة 2
320. نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر + الشاملة 2
321. تيسير مصطلح الحديث الطحان + الشاملة 2
322. تحرير علوم الحديث لعبدالله الجديع + الشاملة 2
323. شرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر + الشاملة 2
324. النكت على ابن الصلاح لابن حجر + الشاملة 2
325. الموقظة في علم مصطلح الحديث الذهبي + الشاملة 2
326. شرح الموقطة للذهبي الشاملة 2
327. رسالة في الجرح والتعديل للمنذري الشاملة 2
328. الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح العراقي + الشاملة 2
329. شرح التبصرة والتذكرة العراقي + الشاملة 2 ت الفحل
330. توجيه النظر إلى أصول الأثر الجزائري+ الشاملة 2 + تحقيق أبو غدة
331. نظرات جديدة في علوم الحديث حمزة الميباري + الشاملة 2
332. علوم الحديث في ضوء تطبيقات المحدثين النقاد + الشاملة 2
333. المنهج الحديث في علوم الحديث للشيخ السماحي
334. التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النووي + الشاملة 2
335. الرفع والتكميل في الجرح والتعديل للكنوي + الشاملة 2 أبو غدة
336. قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر القنوجي الشاملة 2
337. زاد المعاد لابن القيم + الشاملة 2+ موقع الإسلام
338. سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد للصالحي+ الشاملة 2
339. الإصابة في معرفة الصحابة للحافظ ابن حجر + الشاملة 2
340. الثقات ابن حبان + الشاملة 2
341. التاريخ الكبير البخاري + الشاملة 2
342. الطبقات الكبرى لابن سعد + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
343. ميزان الاعتدال للذهبي + الشاملة 2 دار المعرفة
344. تاريخ دمشق لابن عساكر + الشاملة 2 دار الفكر
345. الجرح والتعديل لابن أبي حاتم + الشاملة 2
346. الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي + الشاملة 2
347. كشف الإيهام لما تضمنه تحرير التقريب من الأوهام ( للفحل)
348. معرفة الثقات للعجلي + الشاملة 2
349. غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر الشاملة 2
350. ضعفاء العقيلي + الشاملة 2
351. الجامع في الجرح والتعديل + الشاملة 2
352. تهذيب الكمال للمزي+ الشاملة 2 ت عواد بشار مؤسسة الرسالة
353. الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة + الشاملة 2 ت عوامة
354. تقريب التهذيب لابن حجر + الشاملة 2
355. تهذيب التهذيب لابن حجر + الشاملة 2
356. تعجيل المنفعة لابن حجر + الشاملة 2
357. لسان الميزان للحافظ ابن حجر + الشاملة 2
358. معرفة الرواة المتكلم فيه بما لا يوجب الرد للذهبي الشاملة 2
359. سير أعلام النبلاء مؤسسة الرسالة + الشاملة 2
360. تاريخ بغداد للخطيب البغدادي + الشاملة 2
361. البداية والنهاية لابن كثير + الشاملة 2
362. الخلاصة في أحكام الحديث الضعيف للمؤلف
363. تاريخ الإسلام للذهبي + الشاملة 2 ت التدمري
364. الفصل في الملل والنحل لابن حزم مكتبة الخانجي - القاهرة
365. النهاية في غريب الأثر + الشاملة 2
366. تاج العروس للزبيدي + الشاملة 2
367. معجم لسان المحدثين خلف الشاملة 2
368. لسان العرب لابن منظور + الشاملة 2
369. المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية + الشاملة 2
370. مختار الصحاح الرازي الشاملة 2
371. التعقب المتواني على الألباني للسكندري + الشاملة 2
372. معجم المؤلفين كحالة + الشاملة 2
373. سلاح المؤمن في الدعاء والذكر + الشاملة 2
374. المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي + الشاملة 2
375. الحافظ ابن حجر ومنهجه في التقريب - للمؤلف
376. منهج دراسة الأسانيد والحكم عليها للعاني - الأردن
377. الرسالة المستطرفة للكتاني
378. اليواقيت والجواهر شرح بيان عقائد الأكابر ط دار المعرفة
379. الصِّيَامِ لِلْفِرْيَابِيِّ الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي
380. الْفَوَائِدِ الشَّهِيرُ بِالْغَيْلَانِيَّاتِ لِأَبِي بَكْرٍ الشَّافِعِيِّ الشاملة 2
381. شَذَرَاتٌ مِنَ الْمَنْهَجِ الْمَأْمُولِ بِبَيَانِ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ حَجَرٍ مَقْبُولْ / أبو محمد الألفي
382. زاد المعاد لابن القيم الشاملة 2 + موقع الإسلام
383. تحرير التقريب مؤسسة الرسالة
الفهرس العام
الباب الأول ... 5
الباب الأول ... 5
آيات المغفرة في القرآن الكريم ... 5
الفصل الأول ... 5
عدم مغفرة ذنوب الأصناف التالية ... 5
الله لا يغفر الشرك الأكبر ... 5
من كفر بعد إيمانه ومات كافراً لا يغفر له ... 6
الرِّدَّةُ ... 7
الكفرُ ... 8
مَنْ كفرَ وظلمَ ... 10
المنافقون لن يغفر الله لهم ... 10
مَنْ كفرَ وصدَّ عن سبيل الله ... 14
الفصل الثاني ... 15
مضاعفة الحسنات دون السيئات ... 15
الفصل الثالث ... 18
قضاء الواجبات كالنذور وغيرها ... 18
أولا ... 18
نَذْرُ طَاعَةٍ لاَ يُطِيقُهَا النَّاذِرُ أَوْ عَجَزَ عَنْهَا بَعْدَ قُدْرَتِهِ ... 18
الْمَوْتُ قَبْل فِعْل الطَّاعَةِ الْمَنْذُورَةِ ... 21
مَنْ نَذَرَ طَاعَةً لِلَّهِ تَعَالَى وَمَاتَ قَبْل فِعْلِهَا ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَا نَذَرَهُ حَجًّا أَوْ صِيَامًا أَوِ اعْتِكَافًا أَوْ صَلاَةً أَوْ صَدَقَةً ، أَوْ غَيْرَهَا ، وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِيمَا يَلِي : ... 21
أَوَّلاً : مَوْتُ مَنْ نَذَرَ الْحَجَّ قَبْل أَدَائِهِ : ... 21
ثَانِيًا : مَوْتُ مَنْ نَذَرَ الصِّيَامَ قَبْل أَدَائِهِ : ... 24
ثَالِثًا : مَوْتُ مَنْ نَذَرَ الاِعْتِكَافَ قَبْل فِعْلِهِ : ... 28
رَابِعًا : مَوْتُ مَنْ نَذَرَ الصَّلاَةَ قَبْل أَدَائِهَا : ... 29
خَامِسًا : مَوْتُ مَنْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ قَبْل أَدَائِهَا : ... 32
أسبابُ تخلف الوعيد ... 34
" أَحَدُهَا " التَّوْبَةُ : ... 34
تعريف التوبة : ... 35
أَرْكَانُ وَشُرُوطُ التَّوْبَةِ : ... 37
إِعْلاَنُ التَّوْبَةِ : ... 38
عَدَمُ الْعَوْدِ : ... 39
التَّوْبَةُ مِنْ بَعْضِ الذُّنُوبِ : ... 39
أَقْسَامُ التَّوْبَةِ : ... 40
التَّوْبَةُ النَّصُوحُ : ... 41
حُكْمُ التَّوْبَةِ : ... 41
وَقْتُ التَّوْبَةِ : ... 42
مَنْ تُقْبَل تَوْبَتُهُمْ وَمَنْ لاَ تُقْبَل : ... 43
آثَارُ التَّوْبَةِ : ... 46
أَوَّلاً : فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ : ... 46
" السَّبَبُ الثَّانِي " الِاسْتِغْفَارُ : ... 55
" السَّبَبُ الثَّالِثُ " : الْحَسَنَاتُ الْمَاحِيَةُ : ... 59
هل الحسناتُ تكفِّرُ الصغائر والكبائر ؟ ... 60
( السَّبَبُ الرَّابِعُ الدَّافِعُ لِلْعِقَابِ ) : دُعَاءُ الْمُؤْمِنِينَ لِلْمُؤْمِنِ : ... 66
( السَّبَبُ الْخَامِسُ ) : مَا يُعْمَلُ لِلْمَيِّتِ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ : ... 67
( السَّبَبُ السَّادِسُ ) : شَفَاعَةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَغَيْرُهُ فِي أَهْلِ الذُّنُوبِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: ... 69
( السَّبَبُ السَّابِعُ ) : الْمَصَائِبُ الَّتِي يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهَا الْخَطَايَا فِي الدُّنْيَا: ... 69
( السَّبَبُ الثَّامِنُ ) : مَا يَحْصُلُ فِي الْقَبْرِ مِنْ الْفِتْنَةِ وَالضَّغْطَةِ وَالرَّوْعَةِ : ... 71
( السَّبَبُ التَّاسِعُ ) : أَهْوَالُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَكَرْبُهَا وَشَدَائِدُهَا . ... 73
( السَّبَبُ الْعَاشِرُ ) : رَحْمَةُ اللَّهِ وَعَفْوُهُ وَمَغْفِرَتُهُ بِلَا سَبَبٍ مِنَ الْعِبَادِ . ... 75
الفصل الخامس ... 80
الحث على التوبة ... 80
التوبة من كتمان الآيات ... 80
الذين كفروا بعد إيمانهم إذا تابوا قبل فوات الأوان ... 80
التوبة من إتيان الفاحشة ... 81
وقت قبول التوبة ... 82
كفارة قتل المؤمن خطأ ... 83
توبة السارق والسارقة ... 84
دعوة المشركين إلى التوبة من الشرك ... 85
الأمر بجهاد المنافقين إلا إذا تابوا ... 85
من خلط عملا صالحا بعمل سيء واعترف بذنبه يتوب الله عليه ... 86
الصدقةُ تكفِّر الذنوب والآثام ... 87
التوبة على الثلاثة الذين خلِّفوا عن غزوة تبوك ... 88
دعوة الكفار للتوبة والاستغفار ... 95
التوبة فيها فلاح في الدارين ... 97
تبديلُ سيئات التائبين حسنات ... 98
من صفات الله تعالى مغفرة الذنوب وقبول التوبة ... 102
الله تعالى يقبلُ التوبة ويعفو عن السيئات ... 103
التوبةُ النصوح تكفِّر الذنوب ... 104
الدعاء مع الرجاء ... 107
الفصل السادس ... 113
مغفرة الذنوب ... 113
التوحيدُ ... 113
الله غفَّارٌ الذنوب ... 115
اللهُ يدعو للجنة والمغفرة ... 117
الدعوة إلى دار السلام ... 118
عملُ الحسنات بعد السيئات يكفرها ... 118
الإنفاقُ من طبيات ما كسبنا ... 122
المسارعةُ إلى طلب المغفرة ... 123
القتلُ في سبيل الله كفارة للذنوب ... 125
جزاءُ المجاهدين في سبيل الله ... 126
الشهادةُ بالقِسط لله ... 126
جزاء المؤمنين حقًّا ... 127
صفات المفلحين ... 128
الذين صبروا وعملوا الصالحات ... 129
الله تعالى ذو مغفرة ... 129
الإيمانُ والعملُ الصالح ... 130
الطيبون والطيبات مغفورة ذنوبهم ... 131
صفاتُ المسلمين والمسلمات ... 131
من اتبع الذكر وخشي الرحمن ... 134
غضُّ الصوت عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ... 134
اجتنابُ كبائر الإثم ... 134
المغفرة والرضوان لمن جعل الدنيا في يده لا في قلبه ... 135
المسابقة إلى طلب مغفرة الذنوب ... 136
خشية الله بالغيب ... 137
اللهُ يغفر الذنوب ... 139
تقوى الله ... 141
إذا انتهى الكفار عن كفرهم ... 141
وعد أسرى بدر إذا كانوا مسلمين حقًّا بمغفرة ذنوبهم ... 142
الإيمان يكفِّرُ الذنوب والآثام ... 142
العفو والصفح يغفر الذنوب ... 145
تقوى الله والقول السديد ... 146
أرجى آية للمذنبين ... 146
إجابة داعي الله ... 148
تقوى الله والإيمان بالرسول ... 149
الإيمان والجهاد ... 149
القرضُ الحَسن ... 150
الفصل السابع ... 151
كفارات ترك بعض الواجبات أو ارتكاب بعض المحرمات ... 151
أولا ... 151
عدم المؤاخذة على يمين اللغو ... 151
ثانيا ... 155
كفارة اليمين المنعقدة ... 155
ثالثا ... 156
كفارة اليمين الغموس ... 156
رابعاً ... 158
كَفَّارَةُ الظِّهَارِ ... 158
خامساًً ... 160
كفارة قتل الصيد للمحرم ... 160
سادساً ... 161
كفارة القتل الخطأ ... 161
سابعاً ... 162
كفارة المجامع أهله في نهار رمضان ... 162
الباب الثاني ... 164
كفارات الذنوب في السُّنَّة النبوية ... 164
الفصل الأول ... 164
في الأفعال والأقوال المحصلة للمغفرة إن شاء الله تعالى ... 164
إسباغ الوضوء من أسباب المغفرة ... 164
الوضوء يكفر الذنوب ... 165
الوضوء يكفر ما قبله ثم تصير الصلاة نافلة ... 167
الصلوات الخمس تمحو الخطايا ... 169
فضل العلم والعلماء ... 170
المؤذن أهلٌ لمغفرة الله ... 170
ما يقول بعد الأذان ... 171
السعي إلى المساجد من أسباب المغفرة ... 172
كثرة السجود معين على دخول الجنة ... 174
جزاء الذاكرين في أدبار الصلوات ... 175
الصلاةُ في الصف الأول من أسباب المغفرة ... 178
التأمين خلف الإمام من مفاتيح الجنة ... 179
كلمات تقال عند النوم تجلب المغفرة ... 180
ذاكر الله بعد النوم مغفور له ... 182
أذكار الصباح والمساء ... 182
صلوات يغفر لمن أداها ... 184
الاستغفارُ ... 186
من أذنب ذنبا وتوضأ وصلى ركعتين واستغفر الله غفر له ... 194
من أذنب ذنبا ثم قرأ آيتين من كتاب الله غفرت ذنوبه ... 194
أشياء تعمل يوم الجمعة ... 195
رمضان شهر الرحمة والمغفرة ... 197
ثواب صيام التطوع ... 198
ليلة النصف من شعبان ... 199
فضلُ السُّحور ... 200
فضلُ الأضحية ... 200
فضلُ الحج والعمرة ... 201
سورٌ مباركاتٌ يغفر لمن قرأها ... 206
الذاكرون أهل مغفرة الله ... 208
أدعية من أراد المغفرة والرحمة ... 213
كيف تكسب في اليوم ألف حسنة؟ ... 214
الخوف من الله باب من أبواب المغفرة ... 217
الاستغفارُ موصل للجنة ... 218
من فضائل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ... 219
التصافح مجلبة لمغفرة الله ... 221
من أمسى كالا من عمل يده ... 221
ذكرُ الله في السوق ... 222
ذكر الله في الغافلين ... 223
السماحة في البيع والشراء ... 223
حمد الله وشكره بعد النعم ... 224
من شاب شيبة في الإسلام ... 224
العفو عن الناس ... 225
فضل قضاء الحوائج للمسلمين ... 225
الخلق الحسن ... 226
الحياء من الإيمان ... 227
البلاء يجلب المغفرة ويحط الخطايا ... 227
عيادة المريض ... 232
تغسيل الميت من أبواب المغفرة ... 233
الصلاة على الميت ... 233
الترغيبُ في تشييع الميت وحضور دفنه ... 234
الثناء على الميت بخير ... 234
إطعامُ الفقراء وكسوتهم ... 235
أعمالٌ موصلة إلى مغفرة الله ... 236
مصافحة المسلم لأخيه ... 238
الحدود كفارات للذنوب ... 240
كفارة من نام عن صلاة أو نسيها ... 241
كفارة من أفطر في رمضان عامداً ... 242
أعمال منوعة تكفر الذنوب ... 242
الفصل الثاني ... 245
فيما ورد من أحاديث فيها نجاة من أو عتق من النار ... 245
الأذان سبع سنين ... 245
الفجرُ في جماعة ... 245
أربع ركعات قبل الظهر وأربعا بعدها ... 247
أربع ركعات قبل العصر ... 247
ما يقول عند الصباح والمساء ... 247
اغبرار القدمين في سبيل الله ... 248
اتقاء النار ولو بشق تمرة ... 249
الصوم من أبواب الجنة ... 250
فضل الصلاة في المدينة المنورة و زيارة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ... 251
عينان لا تمسهما النار ... 252
ذكر الله ... 253
الباقيات الصالحات من أعمال الجنة ... 254
عتق الرقاب ... 255
الذب عن عرض المسلم ... 256
الحمى حظ أمتي من النار ... 256
من قال لا إله إلا الله والله أكبر ... 256
تحرم النار على كل هين سهل ... 257
أشياء عديدة تمنع دخول النار ... 258
أهم المراجع ... 259
الفهرس العام ... 270(1/155)