سادساً: أنه أراد سبحانه وتعالى إهلاك أعدائه فقيظ لهم الأسباب التي يستوجبون بها ذلك من كفرهم وبغيهم وطغيانهم في أذى أوليائه فمحّص بذلك ذنوب المؤمنين ومحق بذلك الكافرين. ولاشك أن هناك فوائد أخرى ولكن هذه بعض الفوائد التي ذكرها الإمام ابن القيّم رحمه الله تبارك وتعالى.
بعث الرجيع:
في السنة الرابعة من الهجرة قدم على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قوم من والقارة وذكروا أن فيهم إسلاماً وسألوا أن يبعث معهم من يعلمهم الدين ويُقرؤهم القرآن فبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم معهم عشرة من أصحابه وأمّر عليهم عاصم بن ثابت وقيل أمّر مرثد بن أبي مرثد ولكن المشهور أنه أمّر عليهم عاصم بن ثابت فذهبوا معهم فلما وصلوا إلى مكان يقال له الرجيع استصرخوا عليهم (أي طلبوا مساعدتهم) حياً من هذيل يقال لهم بنو لحيان فتبعوهم بقرب من مائة رام من بني لحيان فلحقوهم وأحاطوا بهم ثم لجأوا إلى مكان يصدهم عن الأعداء فقال لهم أعداؤهم لكم العهد والميثاق إن نزلتم إلينا أن لا نقتل منكم رجلاً. فأبى عاصم أن ينزل وقاتلهم مع أصحابه فقتل منهم سبعة وأما خبيب بن عدي وزيد بن الدثنة ورجل آخر فأعطوهم العهد والميثاق مرة أخرى فنزلوا إليهم لأنهم أكثر من مائة مقابل خمسة وليس معهم سلاح ولكنهم غدروا بهم فربطوهم بأوتار قسيّهم (بأحبال النبل) فقال الرجل الثالث هذا أول الغدر صالحتمونا ثمّ تربطوننا فأبى أن يستسلم لهم فقاتلوه وقتلوه وأخذوا خبيب بن عدي وزيد بن دثنة فباعوهما بمكة وكانا قتلا من رؤوسهم يوم بدر فأما خبيب فمكث عندهم مسجوناً ثم أجمعوا على قتله وخبيب رضي الله تبارك وتعالى عنه أنه لما أسر وقعت له حادثتان:
الحادثة الأولى: ذكروا أن لديه طعام ولم يعطه أحد.
الحادثة الثانية: أنه طلب الموسى حتى يحلق الشعر الذي في جسده فأرسلت امرأة الموس مع ولدها فلما أتاه الولد بالموس تذكرت المرأة فكيف ترسل الموس مع ولدها وهذا الرجل مقتول قد يقتل ولدها مقابل نفسه لينتقم فجاءت مسرعة فلما رأى خبيب المرأة والولد عنده والموس معه قال لها: أخشيت أن أقتله؟! ثم أخذ خبيب رضي الله تبارك وتعالى عنه إلى التنعيم خارج مكة أي إلى الحِل لأنهم كانوا يستحرمون القتل داخل الحرم وهنا غدر ولكن يستبيحونه فتحريمهم وتحليلهم هوى وليس تبع دين وإنما أهواء يحرمون أحياناً ويحللون أحياناً فلما أجمعوا على صلبه قال: دعوني حتى أركع ركعتين فتركوه فصلاهما فلما قضى قال: والله لولا أن تقولوا إنما بي جزع لزدته (أي خشيت أن تقولوا جزع من الموت فأطال في الصلاة حتى هذه ما أعطاهم إياها وإنه في نيته أن يصلي لله سبحانه وتعالى ويريد أن يطيل لله تبارك وتعالى ولكن خشي أن يفهموا أنه إذا أطال في الصلاة أنه خائف من الموت فقال حتى هذه لا أعطيهم إياه فصلى صلاة قصيرة وهي ركعتان وقال أهل العلم سنة القتل سنهما خبيب رضي الله تبارك وتعالى عنه). ثم قال خبيب: اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تبقِ منهم أحدا ثم قال أبياتاً من الشعر:
لقد أجمع الأحزاب حولي وألّبوا ،،،،،،،،، قبائلهم واستجمعوا كل مجمع
وقد قربوا أبناءهم ونساءهم ،،،،،،،،،،،، وقربت من جذع طويل ممنّع
إلى الله اشكو غربتي بعد كربتي ،،،،،،،،، وما جمع الأحزاب لي عند مضجعي
فذا العرش صبرني على ما يراد بي ،،،،،،، فقد بضعوا لحمي وقد بؤس مطمع
وقد خيروني الكفر والموت دونه ،،،،،،،، فقد ذرفت عيناي من غير مدمع
ولست أبالي حين أقتل مسلما ،،،،،،،،،، على أي شق كان في الله مضجع
وذلك في ذات الإله وإن يشأ ،،،،،،،،،، يبارك على أوصال شلوٍ ممزع
فالتفت إليه أبو سفيان وقال له: يا خبيب أيسرك أن محمداً عندنا تضرب عنقه وأنك في أهلك؟ فماذا كان جواب المؤمن المحب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: لا والله ما يسرني أني في أهلي وأن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم في مكانه الذي هو فيه يصاب بشوكة تؤذيه كانوا صادقين في حبهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم صلبوه رضي الله عنه ووكّلوا به من يحرس جثته فجاء عمرو بن أمية الضمري فاحتمله بالليل خديعة دون أن يراه أحد فذهب به ودفنه ويقال أن الذي قتل أو باشر قتل خبيب بن عدي هو عقبة بن الحارث . قال معاوية رضي الله تبارك وتعالى عنه قبل أن يسلم وكان موجوداً في مكة في هذا الوقت قال: كنت فيمن حضر قتل خبيب فلقد رأيت أبا سفيان (يعني والده) يلقيني إلى الأرض فرقاً (أي خوفاً) من دعوة خبيب وكانوا يقولون إن الرجل إذا دعي عليه فاضطجع زلت عنه الدعوة (يعني لم تصبه) فكانوا يعتقدون أنه مظلوم وأن دعوته حق وكان كذلك ممن حضر قتل خبيب بن عدي سعيد بن عامر. وسعيد بن عامر قصته عجيبة وذلك أن عمر قد جعله والياً على الشام بعد إسلامه فسأل عمر رضي الله تبارك وتعالى عنه الناس في الشام وقال: كيف حال واليكم؟ فقالوا: لا ننقم عليه إلا ثلاثة أشياء قال عمر: وما هي؟ قالوا: في يوم من الأسبوع لا يخرج إلينا والثانية أنه كل ليلة لا يخرج إلينا وقال: والثالثة قالوا: أحياناً وهو جالس معنا تصيبه غشية ويقع فناداه عمر فقال: يا سعيد ما هذا الذي يحدث الناس؟ قال: وما ذاك يا أمير المؤمنين قال: يقولون إنك في يوم من الأسبوع لا تخرج إليهم قال: يا أمير المؤمنين هذا اليوم أغسل فيه ثوبي وليس عندي ثوب غيره هل أخرج لهم بدون ثوب؟! فإني أبقى حتى يجف الثوب ثم أخرج إليهم قال: إنهم يقولون إنك لا تخرج إليهم في الليل دائماً قال يا أمير المؤمنين النهار لهم والليل لربي قال: وما هذه الغشية التي تصيبك فبكى وقال: يا أمير المؤمنين إني حضرت قتل خبيب بن عدي وإني كلما تذكرت دعوته وقتله أغمي علي من الخوف من الله تبارك وتعالى. وأما عاصم بن ثابت رضي الله تبارك وتعالى عنه فإنه امتنع عن النزول إليهم ولم يستسلم فقاتلهم حتى قتلوه ولكن سبحان الله البغض والحقد الذي في قلوب المشركين عظيم وذلك أن قريشاً بعثت لمن يأتي لهم بجسد عاصم حتى يتأكدوا أن عاصماً قد قتل وتشفى قلوبهم من الغل الذي فيها فبعث الله تبارك وتعالى مثل الظُلة من الدُبُر نوع من الحشرات كالبعوض فحمته من الرسل فلم تستطع أن تصل إليه وكان عاصماً قد أعطى الله تبارك وتعالى عهداً أن لا يمسه مشرك وذلك لبغضه للمشركين فوفاه الله تبارك وتعالى عهده حتى بعد موته. ولذلك لما قيل لعمر ذلك قال: يحفظ الله العبد المؤمن بعد وفاته كما يحفظه في حياته. هذه مأساة آذت النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
بئر معونة: وتبعتها في نفس الشهر هذه المأساة، قدم عامر بن مالك ملاعب الأسنة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة فقال له الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: أسلم تسلم فأظهر ليناً وأظهر نوع استجابة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولكنه لم يسلم ثم قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا رسول الله لو بعثت أصحابك إلى أهل نجد يدعونهم إلى دينك لرجوت أن يجيبوهم فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إني أخاف عليهم أهل نجد أخاف أن يُقتَلوا فقال أبو البراء: أنا جار لهم فبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم معه سبعين رجلاً وأمّر عليهم المنذر بن عمرو أحد بني ساعدة وكان هؤلاء السبعون من خيار المسلمين ذهبوا ينشرون دين الله تبارك وتعالى في أهل نجد فساروا يتدارسون القرآن ويصلون بالليل حتى نزلوا مكاناً يقال له بئر معونة ثم بعثوا حرام بن ملحان خال أنس بن مالك رضي الله عنه بكتاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى عدو الله عامر بن الطفيل فقال له: هذا كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرمى بالكتاب قبل أن يقرأه ثم أمر رجلاً فطعن حرام بن ملحان بظهره رضي الله عنه فلما نفذ السيف أو الرمح (بحسب ما طعن به) في ظهره قال: الله أكبر فزت ورب الكعبة (هكذا يرون أن هذا نصر وفوز لأنه نال الشهادة في سبيل الله). ثم قام عامر بن الطفيل واستنفر الناس وقال: القتال القتال فامتنع عنه كثير من الناس لجوار أبي البراء ملاعب الأسنة لأنه قال أنهم في جواري ولكن هذا الخبيث عامر بن الطفيل خان جوار أبي البراء وصار يستنفر الناس ويقول قوموا نقتلهم فرصة مهيأة وغنيمة باردة وقام معه رجال من عصية ورعل وذكوان قبائل عربية فجاؤا وأحاطوا بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقاتلوا حتى قتلوا عن آخرهم فلم ينجُ منهم إلا ثلاثة كعب بن زيد وذلك أنه سقط مع القتلى ولكنه لم يمت فبقيت فيه الروح قتركوه ومشوا ثم هرب رضي الله عنه وعمرو بن أمية الضمري والمنذر بن عقبة وهما كانا بعيدين عن القتال لأنهما كانا مع خيل وأغراض المسلمين فلم يكونا معهم ولكنهما رأيا الطير تحوم من بعيد فلما اقتربا وجدا المشركين قد قتلوا أصحابهم فقام المنذر وصار يقاتل المشركين فقتلوه رضي الله عنه أما عمرو بن أمية فأُسِر ثم تركه عامر بن الطفيل لأن على أمه عتق رقبة فهذه رقبة أعتقها فرجع عمرو إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخبره بهذه النكبة وبقتل هؤلاء السبعين من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفي الطريق وقعت حادثة صغيرة لعمرو بن أمية رضي الله عنه وذلك أنه في الطريق نزل في ظل شجرة فجاءه رجلان من بني كلاب فنزلا معه فلما ناما أخذ السيف وقتلهما كان يظن أنهما ممن شارك في قتل أصحابه رضي الله عنه فلما قتلهما وجد معهما كتاباً فيه عهد من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقدم وأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما فعل فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لقد قتلت قتيلين لأدينّهما (أي أدفع الدية من مالي) وانشغل بجمع ديّاتهما صلوات الله وسلامه عليه فجمع من أصحابه وطلب من بني النضير وذلك في صلب المعاهدة بينهم وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنهم يشاركون في الديات القتل الخطأ فكانت بعد ذلك سبباً لغزوة بني النضير. إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تألم جداً لهذه المأساة والتي قبلها الرجيع وصار يدعو على أولئك القوم في الصلاة شهراً كاملاً يقنت ويدعو عليهم اللهم عليك برعل وذكوان وعصية فإنها عصت ربها وكان يلعنهم صلوات الله وسلامه عليه في صلاته حتى أنزل الله تبارك وتعالى "ليس لك من الأمر شيئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون" فترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم القنوت عليهم وقال عن القتلى أنهم قالوا: بلّغوا قومنا أنا لقِينا ربنا فرضيَ عنّا ورضينا عنه وترك الدعاء عليهم.
غزوة بني النضير:(110/4)
اليهود وإن كان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلح ومعاهدات إلا أنهم كما هو معلوم أهل غدر وكما ذكرنا من غدر بني قينقاع والآن نذكر غدر بني النضير وبعدهم نذكر غدر بني قريظة حتى يُعلم أنهم من عادتهم الغدر وإنهم لا يوفون بوعودهم. خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في نفر من أصحابه إلى اليهود وكلمهم أن يعينوه في دية الكلابيين الذين قتلهما عمرو بن أمية فقالوا: نفعل يا أبا القاسم اجلس ها هنا حتى نقضي حاجتك فجلس صلوات الله وسلامه عليه إلى جانب جدار من بيوتهم ينتظر وفاءهم ومعه بعض أصحابه منهم أبو بكر وعمر فاجتمع اليهود وقالوا: اقتلوه هذه فرصتكم فاتفقوا على أن يصعد أحدهم إلى أعلى البيت الذي بجانبه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ويلقي عليه حجراً فيقتله فقام رجل يقال له عمرو بن جحاّش فقال: أنا أفعلها فقال سلاّم بن مشكم: فوالله ليخبرنّه بما هممتم به، (سبحان الله يعلمون أنه صادق)، وإنه لنقض للعهد الذي بيننا وبينه فقالوا: دعنا عنك فنزل جبريل من عند رب العالمين على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليعلمه بما هموا به فقام صلوات الله وسلامه عليه مسرعاً من مكانه وذهب إلى المدينة ولحقه أصحابه وقالوا له: يا رسول الله نهضت بدون أن تعلمنا السبب فأخبرهم أن اليهود قد عزموا على قتله صلوات الله وسلامه عليه فأرسل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم محمد بن مسلمة إلى بني النضير لهم اخرجوا من المدينة ولا تساكنوني بها وقد أجلتكم عشراً (أي عشرة أيام) فمن وجدت بعد ذلك بها ضربت عنقه ولم يجد اليهود مناصاً من الخروج فقاموا أياماً يتجهزون للرحيل ولكن عبدالله بن أبي بن سلول بعث إليهم وقال لماذا تخرجون؟ اثبتوا وتمنعوا ولا تخرجوا من دياركم فإن معي ألفين يدخلون معكم حصنكم فيموتون دونكم وتنصركم قريظة وينصركم حلفاؤكم من غطفان فلماذا تخافون من محمد؟! اثبتوا فأعاد إليهم ثقتهم بأنفسهم فأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم لن نخرج فاصنع ما شئت فلما بلغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم جواب سيدهم حيي بن أخطب كبّر صلوات الله وسلامه عليه وكبّر أصحابه ثمّ نهض صلوات الله وسلامه عليه لمناجزة القوم وجعل على المدينة عبدالله بن أم مكتوم وجعل اللواء مع على بن أبي طالب وفرض عليهم الحصار ثم أمر بقطع النخيل فقالوا محمد يفسد في الأرض فقال الله تبارك وتعالى:" ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله " فهذا ليس بفساد فلما رأوا حصار النبي صلى الله عليه وآله وسلم اعتزلتهم قريظة وقالوا لا شأن لنا نحن بيننا وبين محمد عهد واعتزلهم عبدالله بن أبي بن سلول وخانتهم غطفان وظلوا وحدهم، قال عبدالله بن عباس: إن سورة الحشر نزلت فيهم وفيها قصة عبدالله بن أبي بن سلول "ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجنّ معكم ولا نطيع فيكم أحداً أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون" فامتنعوا عن نصرهم وخذلوهم وخذلتهم غطفان فقال الله تبارك وتعالى:" كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين" ولم يطل الحصار بقي ست ليال وقيل أكثر من ذلك فقذف الله تبارك وتعالى في قلوبهم الرعب فقالوا: يا محمد نخرج عن المدينة بشرط أن يخرج معنا ذرارينا وما حملت إبلنا من السلاح فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا إلا السلاح لكم ما حملت الإبل إلا السلاح فنزلوا على رأي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصاروا يخربون بيوتهم حتى لا يسكنها المسلمون وأخذ بعضهم حتى الشبابيك والأوتاد وغيرها معهم وحملوا النساء والصبيان على ستمائة بعير ورحل أكثرهم كحيي وسلاّم بن أبي الحقيق كلهم ذهبوا إلى خيبر فخرجوا من مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. وقبض النبي صلى الله عليه وآله وسلم سلاحهم واستولى على أرضهم فوجد من السلاح خمسين درعاً وثلاثمائة وأربعين سيفاً.
غزوة الأحزاب:
غزوة الأحزاب في آخر السنة الرابعة وقيل في بداية السنة الخامسة وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن طرد بني النضير وكان قد طرد قبلهم بني قينقاع لم يبق في المدينة إلا بنو قريظة والمنافقون طبعاً موجودون في المدينة وسبب الغزوة أنه خرج عشرون رجلاً من بني قريظة ومعهم آخرون من بني النضير إلى مكة وأخذوا يحرضون أهل مكة على قتال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويقولون نحن معكم ننصركم من الداخل ومن الخارج وذهبوا إلى غطفان وقالوا انصروا قريشاً على محمد وذهبوا إلى قبائل العرب يحرضونهم على قتال النبي صلى الله عليه وآله وسلم فخرجت قريش وكنانة وخرج غطفان واليهود وتجمعوا حول مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بعشرة آلاف واتفقوا على قتال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، علِم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن قريشاً مع غطفان وكنانة واليهود تحالفوا عليه فاستشار أصحابه فأشار عليه سلمان الفارسي رضي الله عنه أن يحفر خندقاً وقال هكذا كان يفعل الفرس إذا تضايقوا فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحفر الخندق حول المدينة من جهة الشمال لأن الجهات الأخرى كلها محصورة بالجبال فلا يستطيع أحد أن يأتي منها فصاروا يحفرون بجد ونشاط والرسول صلى الله عليه وآله وسلم يشاركهم قال صحابي: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الخندق وهم يحفرون ونحن ننقل التراب على ظهورنا فقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للمهاجرين والأنصار، وفي رواية فاغفر للأنصار والمهاجرة وعن أنس قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الخندق فإذا المهاجرين والأنصار يحفرون في غداة باردة فلم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم فلما رأى ما بهم من النصب والجوع قال صلوات الله وسلامه عليه: اللهم إن العيش عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة فقالوا له:
نحن الذين بايعوا محمدا ،،،على الجهاد ما بقينا أبدا
وُدّ متبادل بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه وعن البراء قال: رأيته صلوات الله وسلامه عليه ينقل من تراب الخندق حتى وارى عني الغبار جلدة بطنه (أي من كثرة الغبار ما أرى بطن النبي صلى الله عليه وآله وسلم) فسمعته يرتجز بكلمات عبدالله بن رواحه وهي:
اللهم لولا أنت ما اهتدينا ،،،،،،، ولاتصدقنا وما صلينا
فأنزلن سكينة علينا ،،،،،،،،،،،، وثبت الأقدام إن لاقينا
إن الأُلى قد بغوا علينا ،،،،،،،،، وإن أرادوا فتنة أبينا
ويعيدها إن الأُلى قد بغوا علينا ،،،،،،،،، وإن أرادوا فتنة أبينا
قال أبو طلحة: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الجوع ومن شدة الشكوى رفعنا القمص عن بطوننا نري النبي صلى الله عليه وآله وسلم أننا نربط الحجر على بطوننا من شدة الجوع فرفع النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن بطنه وإذا هو قد ربط حجرين أي أن جوعه أشد من جوعهم صلوات الله وسلامه عليه فاطمئنوا وهكذا يطمئن الناس إذا كان قائدهم مثل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يشعر بشعورهم يجوع كما يجوعون ويعطش كما يعطشون ويعمل كما يعملون ويهتم كما يهتمون ما يكون في برج عاجي بعيد عن الناس وإنما يشاركهم ويخالطهم فإذا رأوا ذلك علموا أنهم ليسوا فقط الذين يعملون حتى قائدهم معهم بشاركهم بل أكثر منهم صلوات الله وسلامه عليه. وهذه كرامة أعطاها الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم ولأصحابه رضي الله تبارك وتعالى عنهم وأرضاهم قال جابر: إنّا يوم الخندق نحفر فعرضت كدية شديدة (يعني صخرة عظيمة) ما استطعنا تكسيرها فجئنا إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فقلنا: يا رسول الله هذه كدية عرضت في الخندق ما نستطيع عليها فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنا نازل لها ثم قام وبطنه معصوب بحجر صلوات الله وسلامه عليه وكنا قد مضت علينا ثلاثة أيام لم نذق طعاماً فأخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم المعول فضربه فعاد كثيباً أهيل (بفتح الهاء) أو أهيم (بفتح الهاء) أي لما ضرب النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحجر صار كالرمل تفتت من قوة ضرب النبي صلى الله عليه وآله وسلم
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ عثمان الخميس
عدد القراء : 2632
تاريخ الموضوع: 03 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(110/5)
كنوز السيرة للشيخ عثمان الخميس - 5
الشيخ عثمان الخميس
أن الله تبارك وتعالى يأمره بالهجرة فذهب النبي في الهاجرة (أي قبيل الظهر) إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه ليبرم معه مراحل الهجرة تقول عائشة بينما نحن جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة قال قائل لأبي بكر هذا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم متقنعاً وذلك في ساعة لم يكن يأتينا فيها فقال أبو بكر فداء له أبي وأمي والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر (أي إلا أمر مهم) فجاء رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فاستأذن فأذن له فدخل فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأبي بكر أخرج من عندك (يعني أريد أن أخبرك بأمر مهم سري لا يجوز أن يطلع عليه كل أحد) فقال أبو بكر إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عند ذلك إني قد أذن لي في الخروج فقال أبو بكر الصحبة بأبي أنت يا رسول الله فقال له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نعم فبقي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى عتمة الليل وإذا كفار مكة عند باب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ساهرون يريدون قتله وفيه أنزل الله تبارك وتعالى "وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين" هذا مكرهم وهو أن اجتمعوا على قتل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأن يقتله شباب أقوياء فيتفرق دم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في القبائل فيقبل بنو عبد مناف الدية ولننظر إلى مكر الله تبارك وتعالى كيف صنع الله بهم كما قال جل وعلا "ويكيدون كيدا وأكيد كيدا فمهل الكافرين أمهلهم رويدا " قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعلي بن أبي طالب نم على فراشي وتسجّى ببردي فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم وهذا تطمين من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعلي رضي الله عنه وقد أبقى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم علياً في مكة حتى يرد الأمانات التي عنده لأهل مكة. ونريد أن ننبه إلى أمرين اثنين نرى إنهما من أهم الأمور:
أولهما: هو أن كفار مكة كانوا يقولون عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كاذب ساحر شاعر مجنون وغير ذلك من الصفات التي اتهموه بها وهم في هذا كاذبون فهم لا يصدقون ما يقولون ولذلك كانوا يضعون أماناتهم عند النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهل يجوز أن يعطي عاقل الأمانة إلى رجل يرى أنه كذاب أو مجنون وأنه ساحر أو شاعر هذا لا يمكن أبدا فدل هذا على أنهم لا يكذبونه كما قال الله تبارك وتعالى "فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون " وأما الأمر الثاني فهو أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان أميناً لما أرادوا قتله ما قال أنا آخذ أموالهم لأنهم يريدون قتلي فأنا استحقها أبداً ولذلك قال صلوات الله وسلامه عليه أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك (أي وإن خان هو فأنت لا تخون المؤمن لا يخون أبداً) فتبقى أخلاق المؤمن شامخة عالية ظاهرة وإن غدر من غدر من الكافرين. إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما عزم على الخروج من مكة أو لنقل من بيته صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأولئك الشبان الأقوياء المسلحون ينتظرون عند باب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يريدون خروجه ليقتلوه ألقى الله تبارك وتعالى عليهم
النوم جميعاً وخرج إليهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأخذ حفنة من البطحاء (يعني من الرمال) فجعل يذره على رؤوسهم وكان الله قد أخذ أبصارهم فلا يرونه والنبي صلوات الله وسلامه عليه يتلو" وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون " فلم يبق منهم رجل إلا وضع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على رأسه تراباً ومضى إلى بيت أبي بكر فخرجا من خوخة في دار أبي بكر ليلاً (والخوخة الباب الصغير) حتى لحقا بغار ثور اتجاه اليمن، هم مكروا وكيف الله جل وعلا مكر لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبقوا هكذا واقفين حتى جاءهم رجل ممن لم يكن معهم ورآهم واقفين عند الباب فقال لهم: ماذا تنتظرون؟ قالوا: محمداً قال: خبتم وخسرتم قد والله مرّ بكم وذرّ على رؤوسكم التراب وانطلق لحاجته فوضعوا أيديهم على رؤوسهم فوجدوا التراب فقاموا ينفضونه وقالوا: والله ما أبصرناه ثمّ نظروا داخل البيت فرأوا علياً قالوا: هذا والله محمد إنه نائم فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا وقام علي عن الفراش فسُقط في أيديهم وقالوا له: أين محمد؟ قال: لا علم لي ولما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعلم أن قريشاً ستجد في الطلب وأن الطريق الذي ستتجه إليه الأنظار هو المدينة كان من ذكائه صلوات الله وسلامه عليه أن سلك طريقاً آخر يضاده تماماً وهو طريق اليمن مشى خمسة أميال في اتجاه اليمن والأنظار كلها والعقول كلها تقول إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سيهاجر إلى المدينة وهكذا كان صلاة الله وسلمه عليه ولكنه أراد أن يعمّي عليهم الأمر فذهب إلى جهة اليمن ومكث في مكان يقال له جبل ثور ثلاثة أيام صلوات الله وسلامه عليه وكان يمشي متجهاً إلى غار ثور على أطراف قدميه وذلك أن الطريق كان وعراً فحفيت قدماه صلوات الله وسلامه عليه وطفق يشتد به الأمر حتى انتهى إلى الغار في قمة الجبل وهو يسمى الآن بغار ثور معروف في جهة مكة من جهة اليمن خلف منطقة العزيزية هناك ولما انتهيا إلى الغار قال: أبو بكر والله ما تدخله يا رسول الله حتى أدخله قبلك فإن كان فيه شيء أصابني دونك فدخل أبو بكر فكسحه (أي نظفه) ووجد في جانبه ثقباً فشق إزاره وسده به وبقي ثقبان آخران فألقمهما رجليه ثمّ قال لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ادخل فدخل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ووضع رأسه في حجر أبي بكر ونام فلدغ أبو بكر في رجله من الجحر فلم يتحرك مخافة أن ينتبه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فسقطت دموعه من شدة الألم على وجه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال رسول الله: له ما لك يا أبا بكر؟ قال: لدغت فداك أبي وأمي فتفل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في مكان اللدغة فذهب ما يجده من ألم. وهذا أيضاً يبين لنا أمرين اثنين:
الأول: شدة محبتهم للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى إنه يلدغ فلا يتحرك حتى لا يؤذي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو نائم.
الثاني: بركة دعاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكيف أنه مجرد تفل في جرحه أذهب الله جل وعلا عنه ما يجده.(111/1)
النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبو بكر في غار ثور: وظلا في الغار ثلاث ليال ليلة الجمعة وليلة السبت وليلة الأحد وكان عبدالله بن أبي بكر يبيت عندهما قالت عائشة وهو غلام شاب ثقف لقن فيدلج من عندهما بسحَر (أي في آخر الليل) فيصبح مع قريش بمكة كبائت فيها فلا يسمع أمراً يكتادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام يعني عبدالله بن أبي بكر الصديق كان يجلس مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبي بكر إلى السحَر أي قريب الفجر ثمّ يرجع إلى مكة فإذا أصبح فأصبح مع الناس فيسمع كلام الناس ماذا يقولون لأن ما عندهم حديث إلا خروج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم إذا صار الليل ذهب إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبي بكر وأخبرهما الخبر وكان يرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر من غنم فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء فيبيتان في رسل (يعني أن عامر بن فهيرة يأتيهما باللبن قبل أن يناما) وكان يفعل ذلك كل ليلة من تلك الليالي وكان يأتي إلى أثر عبدالله بن أبي بكر وهو راجع وهو ذاهب فيمشي بالغنم حتى يذهب أثره وأما قريش فقد جنّ جنونها حينما تأكد لديها أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد أفلت في صبيحة الليلة التي قد عزموا فيها على قتله وحاولوا في علي بن أبي طالب رضي الله عنه و آذوه حتى يعلمهم مكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلم يعلمهم بشيء حتى إذا يأسوا منه ذهب أبو جهل إلى بيت أبي بكر الصديق فخرجت إليه أسماء بنت أبي بكر فقال لها: أين أبوك؟ قالت: لا أدري والله أين أبي فرفع أبو جهل يده فلطم خدّها لطمة طرح منها قرطها أي ما يكون في الأذن مما تتزين به النساء وجعلت قريش مكافأة قدرها مائة ناقة لكل من يدلها على مكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سواء كان حياً أو ميتاً وَجدّت الفرسان والمشاة وقصّاص الأثر في الطلب لأن مائة ناقة شيء عظيم وانتشروا في الجبال والوديان يبحثون عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولكن دون فائدة. روى البخاري عن أنس عن أبي بكر قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الغار فرفعت رأسي فإذا أنا بأقدام القوم فقلت: يا نبي الله لو أن بعضهم طأطأ بصره رآنا فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: اسكت يا أبا بكر اثنان الله ثالثهما وفي لفظ ما ظنّك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما ولما هدأت قريش في الطلب تهيأ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للخروج من الغار واتجه إلى المدينة وذلك أن عبدالله بن أبي بكر كما قلنا كان يأتيهما بالأخبار وكان مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رجل أجير وهو عبدالله بن أريقط وهذا كان دليلاً للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبي بكر يدلهما الطريق إلى المدينة وكان كافراً ومع هذا استعان به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولذلك قال أهل العلم تجوز الاستعانة بالكافر عند الحاجة إليه وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد أعطى عبدالله بن أريقط الراحلتين وواعده في غار ثور بعد ثلاث ليال والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم استأمنه وهو كافر وكان من الممكن أن يخبر قريشاً بمكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبي بكر ويأخذ المائة ناقة ولكنه ما استأمنه إلا إنه كان أميناً فلما كانت ليلة الاثنين جاءهما عبدالله بن أريقط بالراحلتين وكانتا لأبي بكر فقال أبو بكر للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: بأبي أنت وأمي يا رسول الله خذ إحدى راحلتي هاتين يعني لك وقرّب إليه أفضلهما فقال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالثمن وأتتهما أسماء بنت أبي بكر بسُفرتهما (يعني الطعام) ونسيت أن تجعل لها عصاماً (يعني شيئاً تربط به) فلما ارتحلا ذهبت تعلق السُفرة فإذا ليس لها عصام فشقت نطاقها قسمين فعلقت السُفرة بأحد هذين القسمين وانتطقت بالآخر ولذلك سميت بذات النطاقين (والنطاق هو ما يُربط على البطن). روى البخاري عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال أسرينا ليلتنا ومن الغد حتى قام قائم الظهيرة وخلى الطريق لا يمر فيه أحد فرفعت لنا صخرة طويلة لها ظل لم تأتِ عليها الشمس فنزلنا عندها وسويت للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مكاناً بيدي ينام عليه وبسطت عليه فروة وقلت: نم يا رسول الله وأنا انفض لك ما حولك فنام وخرجت أنفض ما حوله (أي ينظر إلى الطريق) فإذا أنا براعٍ مقبل إلى الصخرة يريد منها مثل الذي أردنا (يعني يريد أن ينام تحتها) فقلت له: لمن أنت يا غلام؟ فقال: لرجل من أهل المدينة أو مكة قلت: أفي غنمك لبن؟ قال: نعم قلت أفتحلب؟ قال: نعم، فأخذ شاة فقلت: انفض الضرع من التراب والشعر والقذى فحلب في كعب كثبة من لبن (يعني إناءً صغيراً) ومعي إداوة حملتها للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يرتوي منها يشرب ويتوضأ فأتيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فكرهت أن أوقظه فوافقت حين استيقظ (يعني انتظرت حتى استيقظ) فصببت من الماء على اللبن حتى برد أسفله فقلت اشرب يا رسول الله فشرب حتى رضيت ثمّ قال: ألم يئن الرحيل؟ قلت: بلى قال: فارتحلنا.
سُراقة بن مالك يبحث عن مكافأة:
وتابع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبا بكر رجل يقال له سُراقة بن مالك بن جعشم قال سراقة: بينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج أقبل رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس فقال: يا سراقة إنّي رأيت آنفاً أسودة بالساحل أراهما محمداً وأصحابه قال سراقة: وعرفت أنهم هم فقلت له: إنهم ليسوا بهم ولكنك رأيت فلاناً وفلاناً انطلقوا بأعيننا يعني غبى عليه الأمر ثمّ لبثت في المجلس ساعة ثمّ قمت فدخلت فأمرت جاريتي أن تخرج فرسي وهي من وراءِ أكمة فتحبسها عليّ (يعني حتى لا يراها الناس) فأخذت رمحي فخرجت به من ظهر البيت فخططت بزجه الأرض وخفضت عاليه حتى أتيت فرسي (يعني اختبأ حتى لا يراه أحد) فخررت عليها فقمت فأهويت بيدي إلى كنانتي فاستخرجت منها الأزلام فاستقسمت بها أضرهم أم لا (وهذا من جهلهم) فخرج الذي أكره فركبت فرسي وعصيت الأزلام حتى إذا اقتربت من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبي بكر سمعت قراءة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو لا يلتفت وأبو بكر يكثر الالتفات أي خوفاً على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أن يأتيه أحد فساخت يدا فرسي في الأرض (أي غرقت في الأرض) حتى بلغتا الركبتين فخررت عنها ثمّ زجرتها فنهضت فلم تكد تخرج يديها فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها غبار ساطع في السماء مثل الدخان فاستقسمت بالأزلام مرة ثانية فخرج الذي أكره أي تقول لا تتبعهما فناديتهم بالأمان يعني ناديت أبا بكر والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الأمان الأمان فوقفوا فركبت فرسي حتى جئتهم ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم كيف أن فرسي امتنعت أن سيظهر أمر الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقلت له: إن قومك قد جعلوا فيك الدية، وعرضت عليه الزاد والمتاع فلم يرزآني (أي فلم يقبلا مني) ولم يسألاني إلى أن قال: اخفِ عنّا فسألته أن يكتب لي كتاب أمن فأمر عامر بن فهيرة فكتب لي في رقعة من أدم ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ورجع سراقة بن مالك ووجد الناس في الطلب فجعل يقول لهم قد استبرأت لكم الخبر قد كفيتكم ما هاهنا، سبحان الله في أول الأمر يريد قتلهما ويريد مسكهما يريد الدية أو الثمن الذي جعله أهل مكة لهما وفي آخر النهار جعل يدافع عنهما ويخفي أمرهما فهذا من الله تبارك وتعالى كيف أنه يحفظ نبيه صلوات الله وسلامه عليه.
خيمة أم معبد:
ومرّ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في مسيره ذلك حتى أتى خيمة امرأة يقال لها أم معبد فسألها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبو بكر هل عندك شيء؟ قالت: والله ما عندنا شيء ما أعوزكم وكانت سنة شهباء فنظر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى شاة في كسر الخيمة (يعني في مؤخرة الخيمة) فقال: ما هذه الشاة يا أم معبد؟ قالت: شاة خلفها الجهد عن الغنم يعني (ضعيفة ما تصلح حتى أن تسير مع الغنم) فقال: هل بها من لبن؟ قالت: هي أجهد من ذلك فقال: أتأذنين أن أحلبها قالت: نعم بأبي وأمي إن رأيت بها حلباً فاحلبها فمسح رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بيده ضرعها وسمى الله ودعا فتفاجت عليه ودرّت فدعى بإناء لها فحلب فيه حتى علته الرغوة (أي كثر اللبن) فسقاها فشربت حتى رويت وسقى أصحابه أبا بكر وعامر وعبدالله بن أريقط حتى رووا ثمّ شرب وحلب ثانية حتى ملأ الإناء ثمّ أعطاه إياها وغادر صلوات الله وسلامه عليه بعد ذلك جاء زوج أم معبد يسوق أعنزاً عجافاً ما فيها لبن فلما رأى اللبن عجب فقال: من أين لك هذا والشاة عازب ولا حلوبة في البيت؟ فقالت: والله إلا أنه مرّ بنا رجل مبارك كان من حديثه كيت وكيت ومن حاله كذا وكذا فذكرت له ما وقع فقال زوجها: إني والله أرى أنه صاحب قريش الذي تطلبه، صفيه لي يا أم معبد فوصفته بصفات فقال لها: هذا والله من يبحث عنه أهل مكة وسمعت أشعار يقال إنها للجن:
جزى الله رب العرش خير جزائه ،،،،،،،،،، رفيقين حلا خيمتي أم معبد
هما نزلا بالبر وارتحلا به ،،،،،،،،،،،،،،،،،،، وأفلح من أمسى رفيق محمد
فيا لقصي مازوا الله عنكم ،،،،،،،،،،،،،،،،، به من فعال لا يجازى وسؤدد
ليهنا بنو كعب مكان فتاتهم ،،،،،،،،،،،،،،، ومقعدها للمؤمنين بمرصد
سلوا أختكم عن شاتها وإنائها ،،،،،،،،،،،،، فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد
الوصول إلى المدينة:(111/2)
وفي يوم الاثنين الثامن من ربيع الأول من السنة الرابعة عشرة من مبعث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصل إلى قباء وقال عروة بن الزبير: سمع المسلمون بالمدينة بمخرج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من مكة فكانوا يغدون كل غداة إلى الحَرة (وهي مكان بين مكة والمدينة) فينتظرونه حتى يردهم حر الظهيرة، فانقلبوا يوماً بعدما أطالوا انتظارهم فلما أووا إلى بيوتهم أوفى رجل من يهود على أطم من آطامهم (وهو المكان المرتفع) فبصر بالرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب (يعني يراهم من بعيد) فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته يا معاشر العرب هذا جدكم الذي تنتظرون فثار المسلمون إلى السلاح فتلقوا الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأول فقام أبو بكر للناس وجلس رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم صامتاً فطفق من جاء من الأنصار ممن لم يروا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يجيئوا أبا بكر يظنون أنه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى أصابت الشمس رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأقبل أبو بكر حتى ظلل على نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بردائه فعرف الناس أن هذا هو الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبقي علي بن أبي طالب ثلاثة أيام حتى أدى الأمانات عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثمّ هاجر ماشياً على قدميه حتى أدرك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المدينة أقام الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقباء أربعة أيام على المشهور الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس وأسس مسجد قباء وصلى فيه وهو أول مسجد أسس على التقوى ولما كان اليوم الخامس وهو يوم الجمعة ركب الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأمر الله له وأردف أبا بكر وأرسل إلى بني النجار وهم أخوال جده عبد المطلب فجاؤا متقلدين سيوفهم فسار جهة المدينة فأدركته الجمعة في قرية لبني سالم بن عوف فجمّع بهم في المسجد الذي في بطن الوادي وهذه أول جمعة صلاها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المدينة وبعد أن صلى الجمعة انطلق إلى داخل المدينة فكان لا يمر بدار من دور الأنصار إلا أخذوا خطام راحلته هلمّ إلى العدد والعدة والسلاح والمنعة فكان يقول لهم خلّوا سبيلها فإنها مأمورة فلم تزل سائرة به حتى وصلت إلى موضع المسجد النبوي فبركت فلم ينزل عنها حتى نهضت وسارت قليلاً ثمّ التفتت ورجعت فبركت في موضعها الأول فنزل عنها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في بني النجار وكان من توفيق الله لها فإنه أحب أن ينزل على أخواله وذلك ليكرمهم بذلك وهذه من صلة الرحم. فجعل الناس يكلمون الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم في النزول إليهم فكل واحد منهم يأتي إلى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويقول يا رسول الله انزل عندي، اسكن عندي، فقام أبو أيوب الأنصاري وأخذ رحل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم دخل به إلى بيته فالتفت إليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال المرء مع رحله فجاء أسعد بن زرارة لما رأى هذا الأمر من أبي أيوب الأنصاري فأخذ بزمام راحلة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال والراحلة عندي يعني أخدمها لك فكانت عنده. وبعد أيام وصلت زوج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سوْدة وابنتاه فاطمة وأم كلثوم وكذلك أسامة بن زيد وأم أيمن وكل أولئك خرج معهم عبدالله بن أبي بكر ومعه كذلك أولاد أبي بكر الصديق وبقيت زينب بنت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عند أبي العاص بن الربيع لم تستطع أن تهاجر معه وذلك أنه كان على دين قومه. بعد أن استقر بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المقام قام ببناء المسجد النبوي في المكان الذي بركت فيه الناقة وكان المكان لغلامين يتيمين فاشتراه وبناه المسلمون وشارك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في البناء بيديه الكريمتين صلوات الله وسلامه عليه وكان يقول وهو يبني معهم اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة. فكان الأنصار يعملون مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويقولون: لإن قعدنا والنبي يعمل،،،،، لذاك منا العمل المضلل. وكانت في ذلك المكان (أي الذي أراد أن يبني فيه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم المسجد) قبور للمشركين وكان فيه خِرب ونخل فأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالقبور فنبشت والخِرب فسويت وبالنخل فقطعت وصفت في قبلة المسجد وكانت القبلة في ذلك الوقت إلى الآن إلى بيت المقدس لم يؤمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالتوجه إلى مكة وبنى بجانب هذا المسجد بيوتاً وهي الحُجر أي بيوت أزواجه صلوات الله وسلامه عليه وبعد أن تكامل البنيان انتقل صلوات الله وسلامه عليه إلى تلك البيوت ثمّ آخى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم بين المهاجرين والأنصار وذلك في دار أنس بن مالك وكانوا تسعين رجلاً نصفهم من المهاجرين ونصفهم من الأنصار آخى بينهم على المواساة وأنهم يتوارثون بعد الموت دون ذوي الأرحام وذلك إلى أن أنزل الله تبارك وتعالى بعد بدر "وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض " فرجع التوارث إلى الأقارب. ومعنى هذا الإخاء أن تذوب عصبيات الجاهلية فلا حمية إلا للإسلام وأن تسقط فوارق النسب واللون والوطن فالقضية قضية تقوى واتباع. روى البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما قدم المدينة آخى بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع فقال سعد لعبد الرحمن بن عوف إني أكثر الأنصار مالاً فأقسم مالي نصفين ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك فسمّها لأطلقها فإذا انقضت عدتها تزوجها فقال عبد الرحمن بن عوف بارك الله في أهلك ومالك أين سوقكم فدلوه على سوق بني قينقاع فما انقلب إلا ومعه فضل من إقط وسمن ثم تابع الغدو (أي من غد) ثمّ جاء يوماً وبه أثر صُفرة فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: مهيم؟ (أي ما حدث) قال: تزوجت قال: كم سُقت إليها؟ قال: نواة من ذهب. وروى أيضاً البخاري عن أبي هريرة قال: قالت الأنصار للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل فقال: لا فقالوا: فتكفونا المؤنة ونشرككم في الثمرة قالوا نعم سمعنا وأطعنا وهذا يدلنا على أمرين اثنين أيضاً:
أولاً: سخاء الأنصار كما قال الله تبارك وتعالى " والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ".
ثانياً: يظهر لنا كذلك موقف المهاجرين وذلك أنهم لم يستغلوا طيبة الأنصار ولذلك لم يقبل عبد الرحمن بن عوف عرض سعد بن الربيع ولم يقبل المهاجرون عرض الأنصار أن يقاسموهم نخيلهم.
وبعد ذلك عقد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المعاهدات مع اليهود الذين كانوا يعيشون في المدينة وهم لم يدخلوا في الإسلام فعقد معهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم معاهدة ترك لهم فيها مطلق الحرية في الدين والمال ولم يتجه إلى سياسة الإبعاد من المدينة بل تركهم فيها صلوات الله وسلامه عليه. في هذه الفترة أرسلت قريش إلى المسلمين تقول لا يغرنكم أنكم أفلتم منّا إلى يثرب فسنأتيكم ونستأصلكم ونبيد خُضْراءكم في عقر داركم. وذلك أنه روى الإمام مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: سهر الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم مقدمه المدينة ليلة فقال: ليت رجلاً صالحاً من أصحابي يحرسني قالت: فبينما نحن كذلك سمعنا خشخشة سلاح (أي صوت سلاح) فقال: من هذا؟ قال: سعد بن أبي وقاص، فقال النبي: ما جاء بك؟ فقال: وقع في نفسي خوف على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فجئت أحرسه فدعا له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثمّ نام وهذا من توفيق الله تبارك وتعالى له.
بدء السرايا:
وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يحرس (بضم الياء) ليلاً حتى أنزل الله تبارك وتعالى "والله يعصمك من الناس " فأخرج الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأسه من القبة فقال يا أيها الناس انصرفوا عني فقد عصمني الله عز وجل وهذا يبين شدّة اليقين بالله جل وعلا حتى أذن الله تبارك وتعالى بالقتال والدفاع بقوله جل وعلا " أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير". بعد هذا الإذن من الله تبارك وتعالى بالقتال بدأت السرايا وكان من هذه السرايا سرية نخلة وذلك في السنة الثانية من الهجرة بعث الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم عبدالله بن جحش الأسدي إلى مكان يقال له نخلة في اثني عشر رجلاً من المهاجرين كل اثنين يعتقبان على بعير (للفقر) وكان الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم كتب له كتاباً وأمره ألا ينظر فيه حتى يسير يومين ثمّ ينظر فيه فسار عبدالله بن جحش ثمّ قرأ الكتاب بعد يومين إذا فيه إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف فترصد بها عير قريش (العير هي القافلة المحملة) وتعلم لنا من أخبارهم فقال عبدالله بن جحش عندما قرأ الكتاب: سمعاً وطاعة (يحدّث نفسه بذلك) ثمّ أخبر أصحابه في ذلك أنه لا يستكرههم فمن أحب الشهادة فلينهض ومن كره الموت فليرجع وأما أنا فناهض فنهضوا كلهم ولكن في أثناء الطريق أضل سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيراً لهما كانا يعتقبانه فتخلفا في طلبه وسار عبدالله بن جحش حتى نزل بنخلة فمرت عير لقريش تحمل زبيباً وهو العنب وأدماً (وهو الطعام) وتجارة وفيها عمرو بن الحضرمي وعثمان ونوفل ابنا عبدالله بن المغيرة والحكم بن كيسان فتشاور المسلمون وقالوا نحن في آخر يوم من رجب الشهر الحرام فإن قاتلناهم انتهكنا الشهر الحرام وإن تركناهم دخلوا الحرم والأشهر الحرم أربعة ثلاثة سرد وواحد فرد والثلاثة السرد هي ذو القعدة وذو الحجة ومحرم والواحد الفرد رجب هذه أشهر محرمة منذ أن خلق الله السماوات والأرض إلى يومنا هذا وهناك عندنا أماكن محرمة في السابق كانت مكة والآن يعني بعد أن هاجر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى المدينة فحرم المدينة كما حرّم الله تبارك وتعالى مكة فعندنا حرمان مكة والمدينة المهم أنهم وقعوا في مشكلة وذلك أنهم أدركوا هذه العير في آخر يوم من رجب ورجب من أشهر الحرم إذا أتوا إلى العير وقتلوهم وأخذوا ما عندهم من مال فقد قاتلوا في الشهر الحرام وإن تركوهم دخلوا إلى البلد الحرام (مكة) فوقعوا في مشكلة يعني هم بين ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن يقاتلوهم في الشهر الحرام.
الحالة الثانية: أن يتركوهم حتى يدخلوا مكة ويقاتلونهم غداً في الأشهر الحلال ولكن في المكان الحرام.(111/3)
الحالة الثالثة: وهي أن لا يقاتلوهم في الشهر الحرام ولا يقاتلوهم في البلد الحرام ولكن تفلت العير وتدخل إلى مكة وتنجو. وكانت مكة كما هو معلوم قد أخذت أموال المسلمين بل وأخذت كما ذكرنا نساءهم وأخذت دورهم وأخذت أبناءهم وآذت من آذت وقتلت من قتلت فكان أخذ العير نوع من رد بعض الحقوق وللإنسان أن يرد حقه ممن ظلمه ولو وصل الأمر إلى القتال. فتشاور المسلمون ثمّ اجتمعوا على اللقاء (يعني القتال) فرمى أحدهم عمرو بن الحضرمي فقتله وأسروا عثمان والحكم بن كيسان وأفلت منهم نوفل وقدموا بالعير والأسيرين إلى مدينة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد عزلوا من ذلك الخمس وذلك كان أول خمس (يعني في الغنيمة) وهذان كانا أول أسيرين وذاك كان أول قتيل في الإسلام. فلما وصلوا إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأخبروه بما حدث أنكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما فعلوه وقال ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام ثمّ أوقف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أي تصرف في العير والأسيرين أما قريش فوجدت في هذه فرصة فبدأوا يتكلمون في النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه وقالوا إنه أحل ما حرم الله وأكثروا في القيل والقال حتى أنزل الله تبارك وتعالى الوحي يدافع به عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه قال الله تبارك وتعالى (( يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير (أي من الكبائر) وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل…… )) الله أكبر، يقول الله تبارك وتعالى للمشركين أنتم تنكرون على المسلمين أن قتلوا رجلاً في الشهر الحرام ونحن نوافقكم هذا العمل لا يجوز ولكن أنتم يا من تعيبونهم في هذا انظروا ماذا تفعلون يقول لله تبارك وتعالى "وصد عن سبيل الله" أي الذي تفعلونه "وكفر به " أي الذي تفعلونه يا كفار مكة "والمسجد الحرام" أي وصد عن المسجد الحرام "وإخراج أهله منه " وهو طرد المسلمين من مكة وإخراجهم بالتهديد وبالتعذيب "أكبر عند الله والفتنة" أي فتنة الناس عن دينهم أكبر من قتلهم فكانت هذه الآية مما طيب الله تبارك وتعالى بها قلوب المؤمنين فكأن الله جل وعلا يقول لهم ليس هؤلاء من لهم أن يعيبوا عليكم ذلك لأن فعلهم أكبر من فعلكم بكثير. عند ذلك أطلق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سراح الأسيرين وأدى الدية عن المقتول إلى أوليائه. وفي السنة الثانية من الهجرة في شهر شعبان أمر الله تبارك وتعالى بتحويل القبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام بقوله "قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينّك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره" فحولت القبلة والمشهور أنه حوّلت القبلة في صلاة الظهر أو في صلاة العصر والأكثر على أنها في صلاة العصر. يُذكر أنه أول من صلى إلى مكة البراء بن معرور لما خرجوا إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في بيعة العقبة الثانية وذلك أنهم خرجوا إلى مكة فلما وصلوا إليها أو قبل ذلك أدركتهم الصلاة فأرادوا أن يصلوا والمدينة معلوم موقعها بين مكة وبيت المقدس فمن أراد أن يصلي إلى بيت المقدس فلابد أن يعطي مكة ظهره ومن أراد أن يصلي إلى مكة لابد أن يعطي بيت المقدس ظهره فصلوا إلى بيت المقدس أما البراء بن معرور رضي الله عنه فصلى إلى مكة فاستغرب أصحابه منه فلما قضى من الصلاة قالوا: ويحك ماذا فعلت؟ قال: والله إني كرهت أن أجعل هذه البُنية في ظهري فقالوا: ويحك إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي إلى بيت المقدس قال لا أدري فتركوه فلما وصلوا إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبروه فالتفت إليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال قد كنت على قبلة لو صبرت يعني كان المفروض أن تصلي إلى بيت المقدس لو صبرت قليلاً وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتمنى أن تكون مكة هي القبلة وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي إليها فيصلي خلف الكعبة باتجاه بيت المقدس صلوات الله وسلامه عليه.
معركة بدر الكبرى :
بعد تحويل القبلة كانت معركة بدر الكبرى وذلك أن عيراً لقريش جاءت من الشام بقيادة أبي سفيان ولما قرب رجوعها بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد ليقوما باكتشاف خبرها فوصلا إلى مكان يقال له الحوراء فمكثا حتى مر بهما أبو سفيان بالعير فأسرعا إلى المدينة وأخبرا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالخبر بأن العير فعلاً قادمة بقيادة أبي سفيان وأخبراه بالعدد وأخبراه بما في هذه العير من خير عند ذلك أعلن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المسلمين قائلاً هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها (أي يعطيكم الله تبارك وتعالى تلك الأموال) ولم يعزم على أحد (أي ما أمر أحداً بالخروج) واستعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للخروج وخرج معه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً ولم يتخذوا أهبة كاملة (أي لم يستعدوا استعداداً كاملاً) ولكنهم خرج معهم فارسان بفرسين هما الزبير بن العوام والمقداد بن الأسود وكان معهم سبعون بعيراً كل اثنين أو ثلاثة على بعير وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلي بن أبي طالب ومرثد بن أبي مرثد على بعير واحد كل فترة يركب أحدهم وينزل اثنان وأعطى النبي صلى الله عليه وآله وسلم لواء القيادة لمصعب بن عمير القرشي رضي الله تبارك وتعالى عنه وأعطى كتيبة المهاجرين أعطى علمها لعلي بن أبي طالب وأعطى كتيبة الأنصار لسعد بن معاذ وجعل قيادة الميمنة للزبير وعلى الميسرة المقداد بن عمرو والقيادة العامة بيد النبي صلى الله عليه وآله وسلم. أبو سفيان كان يتحسس الأخبار ويخاف بعد وقعة ابن الحضرمي وأخذ الأسيرين فعلم أن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم قد خرج لملاقاة العير فاستأجر رجلاً يقال له ضمضم بن عمرو مستصرخاً لقريش بالنفير ليمنعوه من محمد وأصحابه فخرج ضمضم إلى مكة سريعاً فصرخ ببطن الوادي وجدع أنف البعير (وهذه كانت من عاداتهم) وحوّل رحله وشق قميصه (أي كل هذه الأشياء للإثارة كانت تستخدمها العرب في السابق لكي يبين أن الأمر جلل ولذلك كانت العرب تقول أنا النذير العريان يعني أن المسألة وصلت إلى حد لا يحتمل التسامح أو لا يحتمل التراخي بل لابد من السرعة ولابد من التجهز وغير ذلك من الأمور) وقال يا معشر قريش اللطيمة اللطيمة أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه لا أرى أن تدركوها الغوث الغوث فتحفّز الناس سراعاً وقالوا أيظن محمد وأصحابه أن تكون كعير ابن الحضرمي كلا والله ليعلمنّ غير ذلك فكانوا بين رجلين أي أهل مكة كلهم إما خارج وإما باعث مكانه رجلاً وأوعبوا في الخروج (أي استعدوا) فلم يتخلف من أشرافهم أحد سوى أبي لهب عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتى برجل عليه دين فقال أسقط عنك ديني واخرج بدلي وحشدوا من حولهم من قبائل العرب ولم يتخلف من بطون قريش إلا بنو عدي فإنهم لم يخرجوا معهم وكان هذا الجيش نحو ألف وثلاثمائة مقاتل معهم ستمائة فرس ولو عملنا مقارنة لوجدنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن معه ثلاثمائة وبضعة عشر (يعني سبعة عشر أو خمسة عشر أو ستة عشر) والمشركون ألف وثلاثمائة المسلمون معهم فرسان بقائدين المشركون ستمائة فرس فهذا عدد المسلمين وعدتهم وذاك عدد المشركين وعدتهم المسلمون خرجوا للعير الكفار خرجوا للقتال حتى الاستعداد النفسي. إذاً الآن المشركون متفوقون في ثلاثة أمور:
أولاً: العدد
ثانياً: العدة
ثالثاً: الاستعداد النفسي(111/4)
وكانت قيادة المشركين لأبي جهل (عمرو بن هشام) وخرجوا من ديارهم كما قال تبارك وتعالى بطراً ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله واستطاع أبو سفيان أن ينجو بالعير وذلك أنه لما سمع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد خرج غير طريقه عن الشام وقصة تغيير طريقه تدل على ذكائه وذلك أن أبا سفيان كان يسير على الطريق الرئيسي المعروف من الشام إلى مكة ولكنه كان حذراً متيقظاً ولما اقترب من بدر تقدم أبو سفيان حتى لقي مجدي بن عمرو وسأله عن جيش المدينة لأن هذا الرجل يعيش في ذاك المكان قال له: هل مرّ بك جيش؟ فقال مجدي بن عمرو: ما رأيت أحداً أنكره إلا إني رأيت راكبَين أناخا على هذا التل ثمّ استقيا في شن لهما (أي ماءاً) ثمّ انطلقا فذهب أبو سفيان إلى مكان الراحلتين وأخذ من أبعار بعيرهما (والبعر هو خروج البعير) ففته فإذا فيه النواة فقال: هذه والله علائف يثرب (يعنى النواة من تمر يثرب) فرجع وغير طريقه ونجى بالعير فأرسل إلى أهل مكة أن ارجعوا فقد نجت العير وإنكم إنما خرجتم لتحرزوا أموالكم وعيركم فإنها قد نجت فقام طاغية قريش أبو جهل فقال: والله لا نرجع حتى نرد بدراً فنقيم بها ثلاثاً فننحر الجزور ونطعم الطعام ونسقي الخمر وتعزف لنا القيان وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا فلا يزالون يهابوننا أبدا فقام الأخنس بن شريق فأمر بالرجوع فعصوه فقال: أما أنا فراجع فرجع الأخنس بن شريق ورجع معه بنو زهرة وكانوا قريباً من ثلاثمائة فبقي كفار مكة بألف رجل واجتمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما سمع بخروج أهل مكة بأصحابه يستشيرهم صلوات الله وسلامه عليه فقال هؤلاء أهل مكة قد خرجوا فماذا ترون فقام أبو بكر الصديق فقال وأحسن رضي الله عنه فقام عمر فقال وأحسن ثمّ قام المقداد فقال وأحسن وكان من مقولة المقداد بن عمرو رضي الله عنه يا رسول الله امض لما أراك الله فنحن معك والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ولكن نقول اذهب أنت وربك فقاتلا إن معكما مقاتلون فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد (أي مكاناً في الجزيرة) لجالدنا معك مَنْ دونه حتى تبلغه فقال له الرسول: خيراً ودعا له بخير قال عبدالله بن مسعود: والله لتمنيت أن لي موقف المقداد هذا لما رأى من فرح النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتلك الكلمات ولكن ما زال النبي صلى الله عليه وآله وسلم يريد غيرها وذلك أن أبا بكر وعمر والمقداد كل هؤلاء من المهاجرين والنبي صلى الله عليه وآله وسلم أراد كلمة من الأنصار لماذا؟ لأن الأنصار إنما بايعوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أنهم يدافعون عنه في المدينة وينصرونه في المدينة ولم يبايعوه على القتال خارج المدينة فأراد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم منهم كلمة هل هم موافقون وراضون؟ أو إنهم مصرون على ما هم عليه وهو أنهم يدافعون عنه في المدينة فقط؟ فقال: أشيروا علي أيها الناس فتكلم سعد بن معاذ وكان قائد الأنصار في هذه المعركة وهو صاحب اللواء فقال: كأنك تريدنا يا رسول الله؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أجل أريدكم أن تتكلموا ولا أريد أن أجبركم على قتال ولا أريد أن أكرهكم عليه فقال سعد بن معاذ مقولة أفرحت وأثلجت صدر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما أردت فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدوا غدا إنّا لصُبر في الحرب صُدُق في اللقاء ولعل الله يريك منا ما تقرّ به عينك فسر بنا على بركة الله. وفي رواية أن سعد بن معاذ قال للرسول صلى الله عليه وآله وسلم: لعلك تخشى أن تكون الأنصار ترى حقاً عليها أن لا تنصرك إلا في ديارهم وإني أقول عن الأنصار وأجيب عنهم فاظعن حيث شئت وصل حبل من شئت واقطع حبل من شئت وخذ من أموالنا ما شئت وأعطنا ما شئت وما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركت وما أمرت فيه من أمر فأمرنا تبع لأمرك فوالله لأن سرت بنا حتى تبلغ البرك من غمدان لنسيرن معك فوالله لأن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك. فسُرّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقول سعد ونشط لذلك ثمّ قال سيروا وأبشروا فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني الآن انظر إلى مصارع القوم ثمّ ارتحل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ونزل قريباً من بدر. وهذه قصة طريفة وبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم علي بن أبى طالب والزبير بن عوام وسعد بن أبي وقاص في نفر إلى ماء بدر فوجدوا غلامين يستقيان لجيش مكة فقبضوا عليهما وجاؤا بهما إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وكان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يصلي فسألوا الرجلين: من أنتم؟ قالا: نحن سقاة قريش بعثونا نسقي لهم من الماء فكَرِه القوم ذلك ورجوا أن يكونا لأبي سفيان (يعني هم خرجوا للعير) وسمعوا بخروج قريش ثمّ وجدوا رجلين أخذوهما لمن أنتما؟ قالا: من أهل مكة وهم يتمنون أن يكونا لأبي سفيان حتى ينالوا العير فضربوهما حتى يعترفا أنهما لأبي سفيان ولما زاد الضرب قال الغلامان: نحن لأبي سفيان فتركوهما فلما فرغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الصلاة التفت إلى أصحابه وقال: إذا صداقاكم ضربتموهما وإذا كذباكم تركتموهما صدقا والله إنهما لقريش ثمّ التفت إلى الغلامين وقال: أخبراني عن قريش؟ قالا: هم وراء هذا الكثيب وأشارا إلى مكان فقال لهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم: كم القوم؟ (أي كم عددهم) قالا: كثير قال: ما عدتهم؟ قالا: لا ندري قال: كم ينحرون كل يوم؟ قال:ا يوماً تسعاً ويوماً عشراً (يعني من الإبل) فقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: القوم فيما بين التسعمائة إلى الألف ثمّ قال لهم: فمن فيهم من أشراف قريش؟ قالا: فيهم عتبة وشيبة ابنا ربيعة وفيهم أبو البختري بن هشام وحكيم بن حزام ونوفل بن خويلد والحارث بن عامر وطعيمة بن عدي والنضر وزمعة وأبو جهل وأمية بن خلف وسموا له رجالاً من مكة فأقبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الناس وقال هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها ثمّ اقترح سعد بن معاذ على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يكون في عريش بعيداً عن المعركة حتى يكون هذا أحفظ للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم يا نبي الله ألا نبني لك عريشاً تكون فيه ونعدّ عندك ركائبك ثمّ نلقى عدونا فإن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا وإن كانت الأخرى أي انتصرت قريش علينا جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا من قومنا فإنه قد تخلف عنك أقوام يا نبي الله ما نحن بأشد لك حباً منهم ولو ظنوا أنك تلقى حرباً ما تخلفوا عنك فأثنى النبي صلى الله عليه وآله وسلم على رأيه خيراً وكان في العريش صلوات الله وسلامه عليه ثم عبأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم جيشه ومشى في موضع المعركة وجعل يشير بيده صلوات الله وسلامه عليه هذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان يشير إلى الأماكن التي سيقتلون فيها وبات المسلمون تلك الليلة هادئي الأنفس. قال الله تبارك وتعالى "إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماءاً ليطهركم به ويذهب عنكم رجس الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام" الأرض التي نزل بها المسلمون كانت قاسية فأنزل الله تبارك وتعالى عليها المطر فصارت لينة والأرض التي نزل فيها المشركون كانت لينة فأنزل الله عليها المطر فأصبحت قيلة (أي لا يستطيعون الوقوف عليها من الزلق) وكان ذلك في السابع عشر من رمضان في السنة الثانية من الهجرة. واستعدت قريش للقتال واستعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم للقتال وأرسلت قريش عمير بن وهب يتجسس للتعرف على مدى قوة المسلمين فدار عمير بفرسه حول عسكر المسلمين ثمّ رجع إليهم فقال ثلاثمائة رجل يزيدون قليلاً أو ينقصون قليلاً ولكن أمهلوني حتى أنظر هل للقوم كمين أو مدد فضرب في الوادي حتى أبعد فلم ير شيئاً فرجع إليهم فقال ما وجدت شيئاً يعني ولكن يا معشر قريش لقد رأيت البلايا تحمل المنايا نواضح يثرب تحمل الموت الناقع قوم ليس لهم منعة ولا لهم ملجأ إلا سيوفهم والله ما أرى أن يُقتل رجل منهم حتى يُقتل رجل منكم أبداً فإذا أصابوا أعدادكم (يعني إذا قتلوا منكم ثلاثمائة كما أن عددهم ثلاثمائة) فما خير العيش بعد ذلك. وقامت معارضة بقيادة أبي جهل فأنكر عليه قوله وأمر الناس بالقتال والجَلَد والصبر فأطاعوا أبوجهل. وعدّل النبي صلى الله عليه وآله وسلم الصفوف وبينما هو يعدلها وقع أمر عجيب فقد كان في يده قدح يعدل به الصفوف صلى الله عليه وآله وسلم وكان السواد بن الغزية متقدماً على الصف فجاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم وضربه بالقدح على بطنه يقول له: ارجع استوِ يا سواد فقال سواد: يا رسول الله أوجعتني فأقدني (يعني النفس بالنفس والعين بالعين والسن بالسن والأنف بالأنف والجروح قصاص أي ضربتني أضربك) فكشف النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن بطنه حتى يستقيد فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: استقد فقام سواد واعتنق النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبّل بطنه فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما حملك على هذا يا سواد؟ فقال: يا رسول الله فقد حضر ما ترى (يعني الموت) فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك فدعا له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. واصطف المسلمون واصطف المشركون ثلاثمائة وبضعة عشر مقابل ألف من المشركين فخرج من أهل مكة ثلاثة عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة فانفصلوا من صف المشركين وطلبوا المبارزة قالوا: من يبارزنا؟ وهذا نوع من الإحماء للقتال كانت تستخدمه العرب فخرج إليهم ثلاثة من الأنصار عوف ومعوّذ ابنا الحارث وعبدالله بن رواحة فلما التقوا قال المشركون عتبة وشيبة والوليد للمسلمين: من أنتم؟ قالوا: رهط من الأنصار فقالوا لهم: أكفاء كرام ما لنا بكم حاجة إنما نريد بني عمنا ثمّ نادى مناديهم يا محمد أخرج لنا أكفاءنا من قومنا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قم يا عبيدة بن الحارث ابن عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم يلتقي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في عبد مناف هو من أبناء المطلب بن عبد مناف والنبي من أبناء هاشم بن عبد مناف قم يا حمزة وقم يا علي فأختار أقاربه صلوات الله وسلامه عليه فلما قاموا ودنوا منهم قالوا لهم: من أنتم فأخبروهم علي وحمزة وعبيدة بن الحارث فقالوا: أنتم أكفاء كرام فتبارز عبيدة بن الحارث مع عتبة بن ربيعة وحمزة تبارز مع شيبة وعلي تبارز مع الوليد بن عتبة فأما حمزة فقتل صاحبه وأما علي فقتل صاحبه وأما عبيدة فاختلف هو وقرنه في ضربتين فكل واحد ضرب الثاني ضربة ثمّ كرّ علي وحمزة على عتبة فقتلاه واحتملا عبيدة بن الحارث وهو مصاب وقد قطعت رجله ومات بعد ذلك بثلاثة أيام رضي الله تبارك وتعالى عنه وأرضاه وانتهت هذه المبارزة فغضبت قريش عند ذلك وكرّوا على المسلمين كرة رجل واحد فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم يناشد ربه تعالى فقال: اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم(111/5)
لا تُعبد، اللهم إن شئت لم تُعبد بعد اليوم أبدا وبالغ في الابتهال ورفع يديه حتى سقط رداؤه عن منكبيه فردّه عليه أبو بكر الصديق وقال حسبك يا رسول الله ألححت على ربك عند ذلك أوحى الله تبارك وتعالى إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب وأوحى الله تبارك وتعالى إلى رسوله أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين أي أنهم ردف لكم يساعدونكم فأغفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إغفاءة واحدة فقال أبشر يا أبا بكر هذا جبريل على ثناياه النقع (أي الغبار) ثمّ خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من باب العريش وهو يثب في الدرع ويقول سيهزم الجمع ويولون الدبر ثمّ أخذ حفنة من الحصباء (أي الحصى) فاستقبل بها قريشاً فقال شاهت الوجوه ورمى بها صلوات الله وسلامه عليه فما من أحد إلا وأصابه ما رماه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وفي هذا قول الله تبارك وتعالى "وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى" وشدّ المسلمون على الكفار فكان النصر. ولا بأس أن نذكر هنا بعض الحكايات منها ما وقع لعمير بن الحمام رضي الله عنه وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج إليهم وقال: والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر إلا أدخله الله الجنة وكان يقول قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض فقام عمير بن الحمام فقال: يا رسول الله بخ، بخ (أي كأنه يقول طيب، طيب أو شيء جيد) فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: ما يحملك على قولك بخ، بخ؟ فقال: لا والله يا رسول الله إلا رجائي أن أكون من أهلها فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم مبشراً له: فإنك من أهلها فأخرج تمرات رضي الله عنه وأرضاه فجعل يأكل منها ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة فرمى التمرات ودخل وقاتل حتى قُتل رضي الله تبارك وتعالى عنه وأرضاه. قال ابن عباس رضي الله عنهما بينما رجل من المسلمين يشتد في اثر رجل من المشركين أمامه (يعني يجري خلفه) إذ سمع ضربة في السوط فوقه وصوت الفارس أقدم حيزوم فنظر إلى المشرك أمامه(أي خر صريعاً) فجاء الأنصاري فحدّث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: صدقت ذلك من مدد السماء الثالثة وقال أبو داود المازني رضي الله عنه إني لأتبع رجلاً من المشركين لأضربه إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي فعرفت أنه قد قتله غيري وجاء رجل من الأنصار بالعباس بن عبد المطلب أسيراً والعباس خرج مع المشركين وكان كارهاً فأسر قال: يا رسول الله أسرت العباس فقال العباس: لا والله ما هذا أسرني لقد أسرني رجل أجلح من أحسن الناس وجهاً على فرس أبلق (أي أبيض) وما أراه في القوم فقال الأنصاري أنا أسرته يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اسكت فقد أيدك الله بملك كريم وفي نهاية المعركة وهزيمة المشركين أخذ المشركون يفرون وقتل منهم من قتل وكان ممن قتل أبو جهل. قال عبد الرحمن بن عوف إني لفي الصف يوم بدر إذ التفت فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السن إذ قالا لي: يا عم أرنا أبا جهل فقال: فما تصنعان به؟ قالا: أخبرنا أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انظروا إلى الغيرة على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم شابان صغيران يغاران على عرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال عبد الرحمن بن عوف: والذي نفسي بيده لئن رأيته لأخبرنكما فقال أحدهما: والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا فتعجبت لذلك فلم أنشب أن رأيت أبا جهل يجول في الناس فقلت: ألا تريان؟ هذا صاحبكما الذي تسألان عنه فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أيكما قتله؟ فقال كل واحد منهما أنا قتلته فقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: هل مسحتما سيفيكما؟ فقالا: لا فنظر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى السيفين فقال: كلاكما قتله. فلما سقط أبو جهل جاءه عبد الله بن مسعود رضي الله تبارك وتعالى عنه فقال له: قد أخزاك الله يا عدو الله قال أبو جهل: (على ما كان من كفره وعناده إلا إنه كان من شجعان العرب)قال: هل فوق رجل قتلتموه ثمّ قال أبو جهل لعبد الله بن مسعود: أخبرني لمن الدائرة اليوم؟ قال: لله ولرسوله فقام عبدالله بن مسعود ووضع رجله على عنق أبي جهل فقال أبو جهل لعبد الله بن مسعود: لقد ارتقيت مرتقاً صعباً يا رويعي الغنم (يعني أنت تضع قدمك علي)قال ابن مسعود فاحتززت رأسه عند ذلك ثمّ ذهب به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما رآه النبي صلى الله عليه وآله وسلم (أي لما رأى الرأس) قال هذا فرعون هذه الأمة. وكان عبد الرحمن بن عوف رضي الله تبارك وتعالى عنه صديقاً لأمية بن خلف في مكة فلما كان يوم بدر مرّ عبد الرحمن بن عوف بأمية بن خلف وهو واقف مع ابنه آخذاً بيده ومع عبد الرحمن بن عوف أدراع قد استلبها وهو يحملها فلما رآها قال: هل لك في؟ فأنا خير من هذه الأدراع التي معك أي خذني أسيراً معك ما رأيتك اليوم قط أما لكم حاجة في اللبن (يريد أن من أسره يفتدي هو عن نفسه بإبل كثيرة) فطرح عبد الرحمن بن عوف الأدراع وأخذهما يمشي بهما وقال أمية لعبد الرحمن: من الرجل منكم المعلم بريشة النعامة في صدره؟ قلت: ذاك حمزة بن عبد المطلب قال: ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل قال عبد الرحمن: فوالله إني لأقودهما إذ رآه بلالاً معي وكان أمية هو الذي يعذب بلال في مكة فقال بلال: رأس الكفر أمية بن خلف لا نجوت إن نجا فقال عبد الرحمن بن عوف: أي بلال أسيري قال: لا نجوت إن نجا ثمّ صرخ بأعلى صوته يا أنصار الله رأس الكفر أمية بن خلف لا نجوت إن نجا قال عبد الرحمن بن عوف فأحاطوا بنا حتى جعلونا في مثل المسكة وأنا أذب عنه فأخلف رجل السيف فضرب رجل ابنه فوقع وصاح أمية صيحة ما سمعت مثلها قط فقلت انجُ بنفسك ولا نجاء لك فوالله ما أغني عنك شيئاً قال فهبروهما بأسيافهم حتى فرغوا منهما فكان عبد الرحمن بن عوف يقول يرحم الله بلالاً ذهبت أدراعي وفجعني بأسيري وله ذلك وقد استشهد من المسلمين من هذه المعركة أربعة عشر رجلاً ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار أما كفار مكة فقتل منهم سبعون وأسر مثلهم وعامتهم من القادة والزعماء وعن أبي طلحة أن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلاً من صناديد قريش فقذفوا في بئر يقال لها بدر ثم مشى صلوات الله وسلامه عليه في اليوم الثالث وجاء إلى بدر حتى قام على شفّة الركا (أي على وجه البئر) فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم يا فلان بن فلان، يا فلان بن فلان أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله فإنّا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ فقال عمر: يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح لها؟ قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكن لا يجيبون وهذا الحديث متفق عليه والنبي صلى الله عليه وآله وسلم أحيا الله له أولئك القوم وأسمعهم كلامه وإلا فالمشهور عند أهل العلم أن الميت لا يسمع كلام الحي إلا كما أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله إنه ليسمع قرع نعالهم أما بعد ذلك فإنه مشغول بنفسه. قال ابن إسحاق وكان أول من قدم بمصاب قريش رجل يقال له الحيسمان بن عبدالله الخزاعي فقالوا له: ما وراءك؟ فقال: قتل عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو الحكم بن هشام (أي أبا جهل) وأمية بن خلف في رجال من الزعماء سمّاهم فلما أخذ يعدّ أشراف قريش قال صفوان بن أمية وهو عند الحِجر: والله إن يعقل هذا فاسألوه عني قالوا: ما فعل صفوان بن أمية؟ قال: هاهو ذا جالس في الحجر قد والله رأيت أباه وأخاه حين قتلا. وهكذا تلقت مكة أنباء الهزيمة الساحقة في ميدان بدر ومن الطرائف أن رجلا يقال له الأسود بن المطلب أصيب ثلاثة من أبنائه يوم بدر وكان يحب أن يبكي عليهم وكان ضرير البصر فسمع ليلاً صوت نائحة فبعث غلامه وقال: انظر هل أحل النحيب؟ (يريد أن يبكي وكان عندهم ممنوع هذا الأمر حتى لا يذكّر الناس بهذه المصيبة) لَعَلّي أبكي على أبي حكيمة (يعني ابنه) فإن جوفي قد احترق فرجع الغلام فقال إنما هي امرأة تبكي على بعير لها أضلته فقال الأسود بن المطلب:
أتبكي أن يضل لها بعير،،،،،،،،، ويمنعها من النوم السهود
فلا تبكي على بكر ولكن،،،،،،، على بدر تقاصرت الجدود
على بدر سرات بني هصيص،،،،، ومخزوم ورهط أبي الوليد
وبكّي إن بكيت على عقيل،،،،، وبكّي حارثاً أسد الأسود
وبكّيهم ولا تسمي جميعاً،،،،،،، وما لأبي حكيمة من نديد
ألا قد ساد بعدهم رجال،،،،،،،، ولولا يوم بدر لم يسودوا
قال أسامة بن زيد أتانا الخبر حين سوينا التراب على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان النبي خلفني عليها مع عثمان (يعني خبر انتصار المسلمين في بدر) رضي الله عنهما من دفن رقية بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وزوجة عثمان. ولما وصل النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة استشار أصحابه في الأسرى فقال أبو بكر: يا رسول الله هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية فيكون ما أخذناه قوة لنا على الكفار وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لنا عضدا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما ترى يا ابن الخطاب؟ قال: قلت والله ما أرى ما رأى أبو بكر ولكن أرى أن تمكنني من فلان ذكر قريباً له فأضرب عنقه وتمكن علياً من عقيل بن أبي طالب فيضرب عنقه وتمكن حمزة من فلان فيضرب عنقه حتى يعلم الله تبارك وتعالى أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين وهؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم فهوى النبي صلى الله عليه وآله وسلم (أي اختار) ما قال أبو بكر وأخذ منهم الفداء فلما كان من الغد قال عمر: غدوت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر فإذا هما يبكيان فقلت: يا رسول الله أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاءاً بكيت وإن لم أجد بكاءاً تباكيت لبكائكما فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: للذي عُرض علي من أصحابك من أخذ الفداء لقد عُرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة وأشار إلى شجرة قريبة وأنزل الله جل وعلا "ما كان للنبي أي يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم" أي لكي يثخن في الأرض وأما الكتاب الذي سبق من الله تبارك وتعالى فهو قول الله جل وعلا "فإما منّاً بعد وإما فداءا ".
وذلك أن قائد الجيش إذا أسر المشركين فهو مخير بين أربعة أمور:
أولا: إما أن يقتلهم
ثانياً: وإما أن يفاديهم أي بمال أو مقابل أسرى أو ما شابه ذلك
ثالثاً: وإما أن يعفو عنهم يمن عليهم بدون مقابل
رابعاً: وإما أن يسترقهم أي يصيرون عبيداً عند المسلمين(111/6)
فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل الفداء من بعضهم ومنّ على بعضهم صلوات الله وسلامه عليه. وفي هذه السنة أي الثانية من الهجرة فرض الله تبارك وتعالى صيام رمضان في قول الله جل وعلا "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون، أياماً معدودات فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خير فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون، شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه " ففرض الله تبارك وتعالى الصيام في هذه السنة.
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ عثمان الخميس
عدد القراء : 2411
تاريخ الموضوع: 03 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(111/7)
كنوز السيرة للشيخ عثمان الخميس - 4
الشيخ عثمان الخميس
وهكذا يجب على الداعية إلى الله تبارك وتعالى أن ينظر إلى العصاة وإلى الصادين النادين عن أمر الله تبارك وتعالى نظرة المشفق عليهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال بل أرجو أن يخرج الله عز وجل من أصلابهم من يعبد الله عز وجل وحده لا يشرك به شيئا،ً وسلاه الله تبارك وتعالى بأمر آخر وهو أنه خلال إقامته بعث الله إليه نفراً من الجن والجن كالإنس مكلفون مأمورون بالإيمان منهيون عن الكفر من أطاع منهم دخل الجنة ومن عصى دخل النار فبعث الله إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جماعة من الجن ذكرهم الله تبارك وتعالى فقال "وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا إنّا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى مصدقاً لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم" هكذا أرسل الله تبارك وتعالى نفراً من الجن كأنه يقول لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم إن كان أحزنك كفر أهل مكة وكفر أهل الطائف. إيذاؤهم لك فقد أرسل الله تبارك وتعالى إليك من آمن بك من الجن وهذه لا شك تفرح النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتسعده وسار رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
>حتى إذا دنى من مكة مكث بحراء وبعث رجلاً من خزاعة إلى الأخنس بن شريق ليجيره يعني يريد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الآن أن يدخل إلى مكة ولكن يريد الجوار يريد أحداً يدافع عنه حتى لا يؤذى بعد وفاة عمه أبي طالب فقال الأخنس بن شريق أنا حليف أي لست من أهل مكة والحليف لا يجير فبعث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى سهيل بن عمرو يطلب منه الجوار فقال سهيل إن بني عامر لا تجير على بني كعب أي لا أستطيع أن أجيرك عن كل أهل مكة فبعث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى المطعم بن عدي فقال المطعم نعم يعني قبل أن يجير النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثمّ تسلّح ودعا بنيه وقومه فقال البسوا السلاح وكونوا عند أركان البيت فإني قد أجرت محمداً ثمّ بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن ادخل فدخل الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومعه زيد بن حارثة حتى انتهى إلى المسجد الحرام فقام المطعم بن عدي على راحلته فنادى يا معشر قريش إنّي قد أجرت محمدا فلا يهجه منكم أحد وانتهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى الركن فاستلمه وصلى ركعتين ثمّ انصرف إلى بيته والمطعم بن عدي وأولاده محدقون به بالسلاح حتى دخل بيته وقام أبو جهل إلى المطعم بن عدي فقال أمجير أنت أم متابع يعني أنت مجير لمحمد أم دخلت في دينه قال بل مجير فقال أبو جهل قد أجرنا من أجرت. هذا التصرف من المطعم بن عدي يظهر لنا أمراً مهماً يجب علينا أن نقف عنده قليلاً. إن الله تبارك وتعالى لما بعث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنما بعثه من العرب وما الحكمة التي من أجلها اختار العرب دون غيرهم من سائر البشر ؟ ذكر أهل العلم في ذلك حكماً كثيرة فمن أعظم هذه الحكم أن العرب لهم من الصفات ما ليس لغيرهم فنجد أن العربيّ كريم بل ويضرب في كرمه المثل وشجاع لا يهاب شيئاً ثم كذلك نراه في قضية الجيرة يحافظ على حق الجار ألم يقل عنترة ذاك الجاهلي:
وأغض طرفي ما بدت لي جارتي ،،،،،،،،،، حتى يواري جارتي مثواها
ثم كذلك هم أهل صدق باللسان وسيأتينا في قصة أبي سفيان مع هرقل قول أبي سفيان والله لولا أن العرب تحسب عليّ كذبة لكذبت يقول هذا وهو في جاهليته، ثمّ عندهم كذلك الجوار هذا الذي قام به المطعم بن عدي وعندهم الأنفة وعندهم الأخوة وعندهم الأمانة يموت الرجل في سبيل أن يدافع عن أمانته و قصة السموئل مع امرؤ القيس مشهورة جداً لما جعل عنده ابنته أمانة مات في سبيل الدفاع عنها، وصفات أخرى كذلك للعرب لأجلها جميعاً ولغير ذلك من الحكم اختار الله تبارك وتعالى العرب دون غيرهم. فهذا المطعم بن عدي على الشرك متابع لقومه معاد للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يبغض دينه قاطع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع من قاطع مع هذا كله يأتيه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أجرني حتى أدخل إلى بلدي فيقول نعم ثمّ ماذا يفعل؟ يأمر أولاده أن يتسلحوا دفاعاً عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأنه أجاره فيدخل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في جوار المطعم بن عدي ثمّ هذا أبو جهل يسأل المطعم بن عدي أمجير أم متابع؟ قال بل مجير ماذا قال أبو جهل؟ قال قد أجرنا من أجرت كما قال ابن خلدون رحمه الله تبارك وتعالى إن العرب قد اجتمعت فيهم صفات كثيرة من الحسن (بضم الحاء) وإنما كانوا يحتاجون إلى دين يربطهم ويقوم من سلوكهم أ.هـ.
فبعث الله تبارك وتعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم بهذه الشريعة السمحة وبهذا الدين القيم فلما اختارت العرب هذا الدين كيف نصر الله بهم الدين ونشره في المعمورة وحق (بضم الحاء) لهم ذلك. إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما نسي هذا للمطعم بن عدي في غزوة بدر كما سيأتي أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قضية الأسرى لما خيّر (بضم الخاء) بين القتل والمنّ والفداء قال لو كان المطعم بن عدي حياً ثمّ سألني أولئك النتنى لأعطيتهم إياه أو لتركتهم له. دخل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى بلده مرة ثانية إلى مكة إلى بكة إلى البيت الحرام إلى مصدر النور الذي ابتدأه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى حيث قومه ودعوته في ابتدائها رجع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى مكة فلما جاء موسم الحج في السنة الحادية عشرة من النبوة مر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بمنى فسمع أصوات رجال من الحجاج وكانوا ستة نفر من أهل يثرب (أهل المدينة) وكلهم من الخزرج وهم أسعد بن زرارة وعوف بن الحارث ورافع بن مالك وقطبة بن عامر وعقبة بن عامر وجابر بن عبدالله وكان من سعادتهم أنهم كانوا يسمعون من حلفائهم من اليهود أن نبياً مبعوث في هذا الزمان كانت اليهود دائماً تقول للأنصار (الأوس والخزرج وهم في المدينة) هذا أوان خروج نبي وسنتابعه ونقتلكم شر قتلة (بكسر القاف) وهكذا يهددونهم ويخوفونهم بهذا النبي فلما جاءهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لهم: من أنتم؟ قالوا: من الخزرج قال: من موالي اليهود؟ (يعني بينكم وبين اليهود حلف) قالوا: نعم قال: أفلا تجلسون أكلمكم؟ قالوا: بلى فجلسوا معه فذكر لهم دعوته والدين الذي يدعو إليه وقرأ عليهم بعض آيات من كتاب الله تبارك وتعالى فقال بعضهم لبعض تعلمون والله يا قوم إنه للنبي الذي توعدكم به يهود فلا تسبقنّكم إليه فأسرعوا إلى إجابته وأسلموا فأسلموا وتابعوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وفي هذه السنة تزوج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من السيدة عائشة رضي الله عنها ابنة أبي بكر واختلف أهل العلم في سودة فقيل تزوجها قبل عائشة وقيل بعد عائشة رضي الله تبارك وتعالى عنهما جميعاً.
قصة الإسراء والمعراج:(112/1)
ثمّ بعد ذلك قيل في السنة الثانية عشر من البعثة وقيل غير ذلك ولكن هذا هو المشهور أنه قبل هجرته بسنة وشهرين يعني في السنة ثانية عشر من النبوة وقع الإسراء والمعرج وذلك في يوم الاثنين من شهر ربيع الأول قال صلوات الله وسلامه عليه مبيناً حادثة الإسراء التي وقعت له أنه بينما كان نائماً في الحطيم بين النائم واليقضان عند البيت (والحطيم هو الحجر(بكسر الحاء)) إذ سمع قائلاً أحد الثلاثة بين الرجلين وذلك بعدما صلى لأصحابه صلاة العتمة (الليل) بمكة قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإذا جبريل وهو أقرب الناس شبهاً بدحية بن خليفة الكلبي فأخذوني وانطلقوا بي إلى زمزم فلم يكلموني حتى وضعوني عند بئر زمزم وأتاني جبريل ففرج صدري (أي شقه) فشق ما بين هذه إلى هذه (يعني من ثغرة نحره إلى شعرته (بكسر الشين وتسكين العين)) إلى مراقي البطن (أي إلى آخر البطن) حتى فرغ من صدره وجوفه فغسله بماء زمزم بيده حتى أنقى جوفه فاستخرج قلبي فغسل بماء زمزم ثم أتيت (بضم الألف) بطست من ذهب فيه تور من ذهب (يعني إناء من ذهب) مملوءة حكمة وإيماناً فأفرغه في صدري فغسل قلبي ثمّ حشا به صدري ولغاديدي، (اللغاديد ما بين الحنك إلى العنق)، ثمّ أطبقه وقال قلب وكيع (يعني شديد) فيه أذنان سميعتان وعينان بصيرتان محمد رسول الله المقفّي الحاشر، خلقك قيّم ولسانك صادق ونفسك مطمئنة قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثمّ أتيت بالبراق (وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل) يضع حافره عند منتهى طرفه فركبته (بكسر الكاف) حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي يربط بها الأنبياء ثمّ دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثمّ أخذ بيدي (يعني جبريل) فانطلق بي حتى أتى السماء الدنيا فضرب باباً من أبوابها فاستفتح، قيل من هذا؟ قال: جبريل؟ قيل من معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم، قيل وقد أرسل (بضم الألف) إليه؟ قال: نعم، قيل مرحباً به وأهلاً به فنعم المجيء جاء يستبشر به أهل السماء لا يعلم أهل السماء بما يريد الله به في الأرض حتى يعلمهم (بضم الياء وكسر اللام) ففتح لنا (بضم الفاء الثانية) فلما خلصت علوت من السماء الدنيا فإذا فيها آدم رجل قاعد على يمينه أسودة (بكسر الواو) وعلى يساره أسودة (يعني مجموعة) إذا نظر قبل (بكسر القاف) يمينه ضحك وإذا نظر قبل يساره بكى قلت لجبريل: من هذا؟ قال: هذا أبوك آدم صلى الله عليه وسلم وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم (بفتح النون) بنيه (يعني أرواح بنيه) فأهل اليمين منهم أهل الجنة والأسودة التي عن شماله أهل النار فإذا نظر عن يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى فسلّم عليه فسلمت عليه فرد السلام فقال: مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح نعم الابن أنت ودعا لي بخير ثمّ صعد بي حتى أتى السماء الثانية فاستفتح فقال لخادمها: افتح فقالت الملائكة له مثل ما قالت له في السماء الأولى يعني من أنت؟ من معك؟ أوقد أرسل إليه؟ وهكذا فلما خلصت يعني إلى السماء الثانية إذا بيحيى وعيسى وهما ابنا خالة وذلك أن مريم عليها السلام وأم يحيى زوجة زكريا أختان فقلت: من هذا؟ قال: هذا يحيى وعيسى فسلّم عليهما فسلّمت عليهما فردا السلام ثمّ قالا: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح ودعوا لي بخير ثمّ صعد بي إلى السماء الثالثة فاستفتح فقالوا له مثل ما قالوا في الأولى والثانية فلما خلصت إذا أنا بيوسف صلى الله عليه وسلم وإذا هو قد أُعطي (بضم الألف) شطر الحسن (أي نصف الجمال وهذا هو مصداق قول الله تبارك وتعالى "فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشر إن هذا إلا ملك كريم") فقال لي: هذا يوسف فسلّم عليه فسلّمت عليه فرد السلام ثمّ قال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح ودعا لي بخير ثمّ صعد بي حتى أتى السماء الرابعة فاستفتح فقالوا له مثل ذلك فلما خلصت إذا إدريس قلت: من هذا؟ قال: هذا إدريس فسلّم عليه فسلّمت عليه فرد عليّ ثمّ قال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح ودعا لي بخير قال الله تعالى " ورفعناه مكاناً علياً " (يعني إدريس صلى الله عليه وسلم) ثمّ صعد بي حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح فقالوا له مثل ذلك فلما خلصت فإذا أنا بهارون صلى الله عليه وسلم قال: هذا هارون فسلّم عليه فسلّمت عليه فرد ثمّ قال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح ودعا لي بخير قال ثمّ صعد بي حتى أتى السماء السادسة فاستفتح فقالوا له مثل ذلك فلما خلصت فإذا أنا بموسى صلى الله عليه وسلم وذلك بتفضيل كلام الله له فقال موسى رب لم أظن أن يرفع علي أحد قلت: من هذا؟ قال: موسى فسلّم عليه فسلّمت عليه فرد ثمّ قال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح ودعا لي بخير فلما تجاوزت بكى قيل له: ما يبكيك قال: أبكي لأن غلاماً بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتي (وهذا يبين لنا أن كل نبي حريص على أمته) ثمّ صعد بي حتى أتى السماء السابعة فاستفتح فقالوا له مثل ذلك فلما خلصت فإذا أنا بإبراهيم صلى الله عليه وسلم مسنداً ظهره إلى البيت المعمور (والبيت المعمور هذا في السماء السابعة لو سقط لسقط على بيت الله الحرام أي الكعبة) شيخ جليل مهيب قلت: من هذا؟ قال: هذا أبوك إبراهيم صلى الله عليه وسلم فسلّم عليه فسلّمت عليه فرد السلام ثمّ قال: مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح ثمّ رفع لي البيت المعمور في السماء السابعة والذي يقال له الضراح (بضم الضاء) وهو بحيال الكعبة فوقها حرمته في السماء كحرمة البيت في الأرض فقلت: يا جبريل ما هذا؟ قال: هذا البيت المعمور يدخله كل يوم يصلي فيه سبعون ألف ملك إذا خرجوا منه لم يعودوا فيه أبدا (وهذا يدلنا على أن عدد الملائكة عظيم جداً سبعون ألف ملك كل يوم يخلقهم الله تعالى يطوفون في البيت المعمور وذلك حتى تقوم الساعة) ثمّ علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله عز وجل حتى جاء سدرة المنتهى قال ثمّ رفعت لي سدرة المنتهى وهي في السماء السابعة إليها ينتهي ما يعرج (بضم الياء) به من الأرض فيقبض (بضم الياء) منها وإليها ينتهي ما يهبط (بضم الياء) به من فوقها فيقبض منها (بضم الياء) فإذا نبقها مثل قلال هجر، (النبق هو ثمر السدر، والقلال هي القلة (بضم القاف) التي يحمل فيها الماء) وإذا ورقها مثل آذان الفيلة يسير الراكب في ظل الفنن منها، (والفنن هو الغصن)، مائة سنة يستظل بالفنن منها مائة راكب، فقال: هذه سدرة المنتهى وإذا أربعة أنهار تخرج من أصلها نهران باطنان ونهران ظاهران قلت ما هذان يا جبريل قال أما النهران الباطنان فنهران في الجنة وأما النهران الظاهران فالنيل والفرات ثمّ أتيت (بضم الألف) بإناء من خمر وإناء من لبن وأناء من عسل فأخذت اللبن فقال أصبت أصاب الله بك الفطرة التي أنت عليها وأمتك ثمّ أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ (يعني قبب من اللؤلؤ) وإذا ترابها المسك فسمع من جانبها وجساً (الوجس هو الصوت الخفي) قال: يا جبريل ما هذا؟ قال: هذا بلال قال: فسمعت خشفة (والخشفة هي الحركة الخفيفة) فقلت: ما هذه الخشفة؟ فقيل هذه الرميصاء بنت ملحان امرأة أبي طلحة قال: بينما أنا أسير في الجنة إذا أنا بقصر أبيض فقلت: لمن هذا يا جبريل؟ ورجوت أن يكون لي فقال: لعمر بن الخطاب ثمّ سرت هنيهة فرأيت قصراً هو أحسن من القصر الأول من ذهب مربع يسمع فيه ضوضاء بفنائه جارية تتوضأ إلى جانب القصر فقلت: لمن هذا القصر يا جبريل؟ ورجوت أن يكون لي فقال: هو لرجل من أمة محمد قلت: فأنا محمد لمن هذا القصر؟ قالوا: لرجل من العرب قلت: أنا عربي لمن هذا القصر؟ قالوا: لشاب من قريش قال: فظنت أني أنا هو فقلت: أنا قرشي لمن هذا القصر؟ قالوا: لعمر بن الخطاب وإذا فيه من الحور العين فأردت أن أدخله فأنظر إليه فذكرت غيرته فوليت مدبرا (أي تركته). وإذا بنهر أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربك فضرب بيده فإذا طينه مسك أذفر (أي طيب الرائحة) فضربت بيدي إلى تربته في مجرى الماء فإذا مسكة مدّفرة فإذا حصاه لؤلؤ ومّر برائحة طيبة فقال: ما هذه الرائحة يا جبريل؟ قال: هذه رائحة ماشطة بنت فرعون وأولادها قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل وما شأنها؟ قال: بينما هي تمشط ابنة فرعون إذ سقطت المدرى من يدها (والمدرى مثل المشط) فقالت: بسم الله فقالت لها بنت فرعون: أبي؟ (لأن فرعون كان يدعي أنه هو الله) فقالت لها الماشطة: لا، ولكن ربي وربك ورب أبيك قالت: أولك رب غير أبي؟ قالت: نعم ربي وربك ورب أبيك الله قالت: أقول له إذاً قالت: قولي له فدعاها فقال لها: يا فلانة أولك رب غيري؟ قالت: نعم ربي وربك الله عز وجل الذي في السماء قال جبريل: فأمر ببقرة من نحاس (أي مصنوعة من النحاس) فأحميت (بضم الألف) ثمّ أمر (بضم الألف) بها لتلقى هي وأولادها فيها فقالت له الماشطة: إن لي إليك حاجة قال: وما هي؟ قالت: أن تجمع عظامي وعظام ولدي في ثوب واحد وتدفننا قال: ذلك لك علينا لما لك علينا من الحق فأمر بأولادها فألقوا في البقرة بين يديها واحداً واحدا إلى أن انتهى ذلك إلى صبي لها مرضع (بفتح الضاء) (أي رضيع) وكأنها تقاعست من أجله (يعني خافت عليه) فتكلم الرضيع بإذن الله تبارك وتعالى وقال لها: يا أمه قعي ولا تقاعسي اصبري فإنك على الحق اقتحمي فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ثم ألقيت مع ولدها. (فكان هذا من الأربعة الذين تكلموا وهم صبيان وهم عيسى عليه الصلاة والسلام، وابن ماشطة بنت فرعون، وصاحب جريج الذي تكلم في المهد، وولد المرأة التي ألقيت في الأخدود في قصة أصحاب الأخدود)، فنظر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في النار فإذا قوم يأكلون الجيف (بفتح الياء) فقال: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ورأى رجلاً أحمر أزرق جعداً شعثاً إذا رأيته قلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا عاقر الناقة أي ناقة صالح عليه الصلاة والسلام، ولمّا عرج (بضم العين) بالرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليلة أسري به مرّ على قوم تقرض (بضم التاء) شفاههم وألسنتهم بمقاريض من نار فقال: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء خطباء أمّتك الذين يقولون ما لا يفعلون الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون، وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: لمّا عرج بي ربي عزّ وجل مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم وقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم ورأى صلى الله عليه وعلى آله وسلم الجنّة والنّار ووعد الآخرة أجمع ثمّ عرج (بضم العين) حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام ومررت بالملأ الأعلى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى فلمّا غشيها من أمر الله ما غشي تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها عليها السندس والإستبرق وغشيها الملائكة فراش من ذهب وتحولت ياقوتاً أو زمرداً أو نحو ذلك وألوان ما أدري ما هي؟ ثمّ فرضت عليً الصلاة خمسين صلاةً كل يوم فأوحى الله إلي ما أوحى ثم رفع جبريل رأسه ورأيته في خلقه الذي خلق (بضم(112/2)
الخاء) عليه عند سدرة المنتهى في صورته (أي حقيقية) له ستمائة جناح في حلة (بضم الحاء) من رفرف قد سدّ الأفق ينفض من ريشه من التهاويل والدرّ والياقوت ما الله به عليم. (هذا خلق الله تبارك وتعالى) ووجد صلى الله عليه وعلى آله وسلم اسمه مكتوباً في السماء محمد رسول الله قال: فنزلت أي من السماء السابعة فرجعت فمررت على موسى صلى الله عليه وسلم فاحتبسه موسى فقال: يا محمد بما أمرت؟ قلت: أمرت بخمسين صلاة في اليوم والليلة فقال له موسى صلى الله عليه وسلم: إنّي عالجت بني إسرائيل قبلك وإن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة في اليوم والليلة (أي لا تؤديها) وإني والله قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشدّ المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فالتفت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى جبريل كأنه يستشيره في ذلك (يعني أرجع أو لا أرجع) فأشار إليه جبريل أن نعم إن شئت فرجع به جبريل إلى ربه تبارك وتعالى فقلت: يا رب خفف على أمتي فإن أمتي لا تستطيع فحطّ عني خمسا فرجعت إلى موسى فقلت: حطّ عني خمسا فقال موسى: إن أمتك لا تستطيع فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف وما زال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بين ربه وموسى حتى أمره الله تبارك وتعالى بخمس صلوات قال: فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم قال: يا محمد قال لبيك وسعديك إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر (أي من الحسنات) فذلك خمسون صلاة هي خمس وهي خمسون لا يبدل القول لديّ. (وهنا لابد أن نقف فلو نظرنا الآن إلى أحوال المسلمين وكيف أنهم يتثاقلون عن هذه الصلوات الخمس كيف لو كان الأمر كما كان في أوله؟ كيف لو كانت خمسين صلاة؟ من سيؤديها؟ من سيحرص عليها؟ لاشك أن موسى صلوات الله وسلامه عليه كان حكيماً عندما أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يرجع إلى ربه ويسأله التخفيف، وكان الله تبارك وتعالى يعلم أن موسى سيطلب من محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يرجع إلى ربه ولذلك فإن الله تبارك وتعالى لرحمته جعلها خمساً في العمل ولكنه أبقى الأجر على خمسين فلله الحمد والمنة). وقال الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومن همّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشرا ومن همّ بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئا فإن عملها كتبت سيئة واحدة قال فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فقال: بم أمرت؟ قلت خفف عنّا أعطانا بكل حسنة عشرة أمثالها أمرت (بضم الألف) بخمس صلوات كل يوم فقال: إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم وإني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فقلت: سألت ربي حتى استحييت ولكن أرضى وأسلم فلما جاوزت نادى مناد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي وجعلت الحسنة بعشرة أمثالها ثمّ نزل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من السماء إلى الأرض بعد ذلك يقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثمّ أتيت (بضم الألف) بدابة دون البغل وفوق الحمار الذي هو البراق مسرجاً ملجماً لأركبه يسخر (بضم الياء) للأنبياء قبلي فاستصعب حين أراد أن يركبه فقال له جبريل: ما يحملك على هذا؟ أبمحمد تفعل هذا؟ فوالله ما ركبك أحد قط أكرم على الله عز وجل منه فارفض عرقاً (أي صار تصبب عرقاً) قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: فحملت عليه حتى أتينا أرضاً ذات نخل فأنزلني فقال صل فصليت ثمّ ركبنا فقال: أتدري أين صليت؟ قلت: الله أعلم قال: صليت بيثرب صليت بطيبة وإليها المهاجر (بفتح الجيم) فانطلقت تهوي بنا (أي البراق) يقع حافرها حيث أدرك طرفها (بسكون الراء) يقع الحافر يعني خطوتها بامتداد نظرها حتى بلغنا أرضاً فقال أنزل فنزلت ثمّ قال: صل فصليت ثمّ ركبنا فقال: أتدري أين صليت؟ قلت: الله أعلم قال: صليت عند شجرة موسى عليه السلام حيث كلّم الله موسى قال ثمّ انطلقت تهوي بنا يقع حافرها حيث أدرك طرفها فقال: انزل فنزلت ثمّ قال: صل فصليت ثمّ ركبنا فقال: أتدري أين صليت؟ قلت: الله أعلم قال: صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى عليه السلام فركبته فسار حيث أتيت بيت المقدس فقال جبريل بإصبعه فخرق بها الحجر وشدّ به البراق فربطته بالحلقة التي يربط بها الأنبياء ثمّ دخلت المسجد حيث وضعت قدمي حيث توضع أقدام الأنبياء من بيت المقدس فرأيتني في جماعة من الأنبياء فإذا موسى بن عمران عليه السلام قائم يصلي فإذا رجل آدم (يعني أسمر) طوال أسحم (يعني أسمر) كثير الشعر شديد الخلق (بفتح الخاء وسكون اللام) كأنه من رجال شنوءة (قبيلة من العرب) وإذا عيسى بن مريم عليه السلام قائم يصلي فإذا ربعة أحمر (الربعة الذي هو لا طويل ولا قصير) مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط (بفتح السين وسكون الباء) الرأس (يعني ناعم) كأنه خرج من ديماس (سكون الياء) (أي من مكان الاستحمام) أقرب الناس شبهاً به عروة بن مسعود الثقفي وإذا إبراهيم عليه السلام قائم يصلي أشبه الناس به صاحبكم يعني نفسه صلوات الله وسلامه عليه فقال له أن إبراهيم يا محمد أقرئ أمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء أرضها واسعة وأنها قيعان غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله (واجتماع الأنبياء مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هنا الله أعلم كيف كان ولكننا نؤمن به وليس ذلك على الله بعزيز) قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: فحانت الصلاة فأذن مؤذن فأممتهم فتقدمت إلى القبلة فصليت فيه ركعتين فالتفت فإذا النبيون أجمعون يصلون فلما فرغت من الصلاة رأيت من حائط بيت المقدس الشرقي جهنم في الوادي الذي بالمدينة ورأيت ملكاً يقلب جمراً كالقطف (بكسر القاف وسكون الطاء) وإذا جهنم تنكشف مثل الزرابي قال جبريل: يا محمد هذا مالك صاحب النار فسلّم عليه فالتفت إليه فإذا رجل عابس يعرف (بضم الياء) الغضب في وجهه فبدأني بالسلام فسلمت عليه فأري (بضم الألف وكسر الراء) مالكاً خازن النار والدجال في آيات أراهن الله إياه ورأى الدجال في صورته ليس رؤيا منام ولكنها رؤيا عين فيلمانياً (والفيلماني هو عظيم الجثة) ضخم أقمر حجاناً (يعني أبيض) إحدى عينيه قائمة كأنها كوكب دريّ كأن شعر رأسه أغصان شجرة وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم ورأيت عموداً أبيض كأنه لؤلؤ تحمله الملائكة قلت: ما تحملون؟ قالوا: هذا عمود الإسلام أمرنا أن نضعه بالشام قال: ثم خرجت فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل فشربت اللبن فقال لي جبريل: اخترت الفطرة التي هداك الله تبارك وتعالى إليها أما إنك لو أخذت الخمرة غوت أمتك ثم انصرف بي فمررنا بعير (بكسر الباء والعين) لقريش بمكان كذا وكذا فنفرت (أي بعض عيرهم) فقالوا: يا هؤلاء ما هذا؟ (أي مر عليهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بسرعة من فوق البراق خطوه بمد النظر) قالوا: ما نرى شيئاً إلا ريحاً فأضلوا بعيراً لهم فجمعه فلان. فهذه قصة الإسراء والمعراج أما الإسراء فكان من مكة إلى بيت المقدس وأما المعراج فهو من بيت المقدس إلى السماء صلوات الله وسلامه عليه. والمعراج من العروج وهو الصعود والإسراء وهو السري وهو المشي ليلاً.(112/3)
فلما أصبح النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في مكة فضع (بضم الفاء) بأمره يعني اشتد عليه الأمر كيف يخبرهم وكيف سيصدقونه، وارتد ناس مما كانوا آمنوا به وصدقوه بعد أن سمعوا أخبار إسرائه ومعراجه صلوات الله وسلامه عليه وسعى الناس بذلك إلى أبي بكر فقالوا له هل لك إلى صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس وما ذكر لهم أنه عرج به إلى السماء ذكر لهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه أسري به فاستكبروا ذلك واستعظموه فقال لهم أبو بكر أو (بفتح الواو) قال ذلك؟ يعني أخشى أنكم تكذبون عليه ، قالوا: نعم. قال: لئن كان قد قال ذلك فقد صدق قالوا: أتصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح؟ قال: نعم إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة. وقعد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم معتزلاً حزيناً فمرّ به أبو جهل فجاء حتى جلس إليه فقال له كالمستهزء هل كان من شيء؟ فقال له صلوات الله وسلامه عليه: نعم. قال أبو جهل: وما هو؟ فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إني أسري بي الليلة قال أبو جهل: إلى أين؟ قال: إلى بيت المقدس قال أبو جهل: ثم أصبحت بين ظهرانينا قال: نعم. فقال أبو جهل وكأنه يرى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يكذبه بعد ذلك وخاف أن يجحده فقال: أرأيت إن دعوت قومك أتحدثهم بما حدثتني؟ قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: نعم. فقال أبو جهل: هيا يا معشر بني كعب بن لؤي هلم (أي اجتمعوا) فانتفضت إليه المجالس وجاؤا حتى جلسوا إليهما (أي إلى أبي جهل وسيده وسيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم) فقال أبو جهل لرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: حدّث قومك بما حدثتني فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إني أسري بي الليلة فقالوا: إلى أين؟ قال: إلى بيت المقدس قالوا: ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ قال نعم فمن بين مصفق ومن بين واضع يده على رأسه متعجباً قالوا: وتستطيع أن تنعت لنا المسجد؟ (أراد أهل مكة أن يختبروا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وذلك أن بعض أهل مكة قد وصلوا إلى بيت المقدس ورأوه والنبي يعلمون أنه ما سافر إلى بيت المقدس أبداً فأرادوا أن يتأكدوا من صدقه صلوات الله وسلامه عليه) فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: فلما كذبتني قريش ذهبت أنعت لهم فما زلت أنعت حتى سألوني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها يعني وصفت لهم بيت المقدس ولكن صاروا يسألون عن أشياء دقيقة ما انتبهت إليها خلال مسراي فكربت كربة ما كربت مثلها قط يعني اشتد الأمر علي فأثنيت على ربي وسألته أن يمثل لي بيت المقدس (وهنا المؤمن إذا اشتد به الأمر لا ملجأ إليه إلا إلى الله لجأ إلى الله جلّ وعلا فماذا فعل الله به) قال: فجلّى الله لي بيت المقدس (فكان الله معه وهكذا المؤمن إذا التجأ إلى الله تبارك وتعالى في صدق فإن الله لا يضيعه أبداً سبحانه وتعالى) فرفّعه إليّ أنظر إليه حتى وضع دون دار عقيل يعني قريباً جداً أراه ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه فقال القوم أما النعت فوالله لقد أصاب (يعني الوصف دقيق جداً) فقال لهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لهم وإن من آيتي (أي من علامة صدقي فيما أقول لكم) أني مررت بعير لكم (والعير هي القافلة) بمكان كذا وكذا قد أضلوا بعيراً لهم جمعه فلان وإن مسيرهم ينزلون بكذا ثم بكذا ويأتونكم يوم كذا وكذا (هذا أيضاً دليل على صدقه صلى الله عليه وعلى آله وسلم) يقدمهم جمل آدم عليه مسح أسود وغرارتان سوداوان فلما كان اليوم الذي أشرف فيه الناس ينتظرون حتى كان قريباً من نصف النهار حتى أقبلت العير يقدمهم ذلك الجمل الذي وصفه رسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال ناس نحن لا نصدق محمداً بما فارتدوا كفاراً فضرب الله رقابهم مع أبي جهل (وهذا يبين لنا أنهم معاندون للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإلا بعد هذا الوصف الدقيق من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد هذا كله يصرون على استكبارهم وعلى ضلالهم والعياذ بالله). وهذا الإسراء الذي وقع للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم له حكم كثيرة فمن حكمه:
1) أن الله تبارك وتعالى أتاح لرسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الاطلاع على المظاهر الكبرى بقدرته سبحانه وتعالى حتى يزداد ثقة بالله تبارك وتعالى.
2) وكذلك في قصة الإسراء والمعراج تظهر أواصر القربى بين الأنبياء إذ أن الأنبياء جميعاً دينهم واحد كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنّا معاشر الأنبياء إخوة لعلاّت أبونا واحد وأمهاتنا شتى. يعني الدين واحد لكن الشرائع هي التي تختلف. إن الأنبياء بينهم من المودة الشيء العظيم وهذا ما وقع للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع إخوانه الأنبياء، في كل سماء يأتيها يرحب به أنبياء السماء ف ون له مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح أو مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح. وهذا مصداق قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مثلي ومثل الأنبياء قبلي كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة في زاوية من زواياه فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون هلاّ وضعت هذه اللبنة حتى يكتمل البناء ؟ فأنا تلك اللبنة وأنا خاتم النبيين. وهذا الحديث متفق عليه.
3) وكذلك في الإسراء تحقق أن هذا الدين هو دين الفطرة كقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فاخترت اللبن فقيل لي اخترت الفطرة.
انشقاق القمر:
ثمّ بعد هذه الحادثة وقعت حادثة أخرى للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهي حادثة عجيبة ذكرت بالتواتر ألا وهي انشقاق القمر وذلك أن قريشاً طلبت من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم علامة أو دلالة على صدقه صلوات الله وسلامه عليه وكأنه ما أتاهم بشيء من ذلك فطلبوا منه صلوات الله سلامه عليه أن يشق القمر نصفين فقال أرأيتم لو شق الله لكم القمر نصفين أتؤمنون؟ قالوا وما لنا لا نؤمن فدعى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ربه تبارك وتعالى فشق الله لهم القمر نصفين فلما نظروا إلى القمر وهو نصفين بينهما أي بين الشقين جبل أبي قبيس قالوا لقد جاء بسحر فقال قائل منهم إن كان قد سحركم فلا يستطيع أن يسحر الناس جميعاً فانتظروا السفّار (بضم السين) إذا جاؤا فلما جاء السفّارة أي المسافرون قالوا لهم ما أعجب ما رأيتم قالوا في ليلة كذا رأينا القمر فلقتين قالوا لقد جاء بسحر عظيم سحر الناس أجمعين. وهذا مصداق قول الله تبارك وتعالى في سورة القمر "اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يقولوا سحر مستمر" أي سحر قوي.
بعد هاتين الحادثتين حادثة الإسراء وحادثة انشقاق القمر استمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يدعو إلى الله تبارك وتعالى.
بيعة العقبة الأولى:
قد مرّ بنا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم دعا بعض أهل المدينة وأنهم آمنوا به وتابعوه صلوات الله وسلامه عليه فلما كان في الموسم الثاني وهو موسم الحج وذلك في السنة الثانية عشرة من بعثة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جاء الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبايعوه والذين بايعوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هم معاذ بن الحارث وابن عبد القيس وعبادة بن الصامت ويزيد بن ثعلبة والعباس بن عبادة وأبو الهيثم بن التيهان وعويم بن ساعدة، أبو الهيثم وعويم من الأوس والبقية كلهم من الخزرج بايعوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بيعة النساء (وبيعة النساء هي التي ذكرها الله تبارك وتعالى في قوله جل وعلا "يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على ألا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله". هكذا كان يبايع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الرجال) قال عبادة بن الصامت: إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: تعالوا بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان لتفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوني في معروف فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب في الدنيا فهو له كفارة ومن أصاب من ذلك شيئاً فستره الله فأمره إلى الله إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه قال فبايعناه على ذلك هذا الحديث رواه الإمام البخاري في صحيحه. ثم بعد ذلك أرسل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مصعب بن عمير يدعوهم إلى الإسلام ونجح مصعب بن عمير نجاحاً باهراً في دعوتهم إلى الله تبارك وتعالى.(112/4)
وهاتان قصتان لرجلين أسلما على يد مصعب بن عمير فكان في إسلامهما خير عظيم لهذا الدين العظيم. وذلك أن أسعد بن زرارة خرج يوماً مع مصعب بن عمير يريد دار بني عبد الأشهل ودار بني ظفر (بضم الظاء) فدخلا في حائط من حوائط بني ظفر وجلسا على بئر يقال لها بئر مرق واجتمع إليهما رجال من المسلمين. وسعد بن معاذ وأسيد بن حضير كانا سيدي قومهما من بني عبد الأشهل وكانا على الشرك فلما سمعا بذلك قال سعد بن معاذ لأسيد بن حضير اذهب إلى هذين، يعني أسعد بن زرارة ومصعب بن عمير، الذين قد أتيا يسفهان ضعفاءنا فازجرهما وأنههما عن أن يأتيا دارنا فإن أسعد بن زرارة ابن خالتي ولولا ذلك لكفيتك هذا. فأخذ أسيد حربته وأقبل إليهما فلما رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب بن عمير هذا سيد قومه قد جاءك فاصدق الله فيه قال مصعب إن يجلس أكلمه فجاء أسيد فوقف عليهما متشتماً (أي يسبهما) وقال ما جاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءنا اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة فقال له مصعب أو تجلس فتسمع فإن رضيت أمراً قبلته وإن كرهته كفّ (بضم الكاف) عنك ما تكره فقال أنصفت ثمّ ركز حربته وجلس فكلمه مصعب وتلا عليه القرآن وبيّن له دين الله تبارك وتعالى وكيف أن الله تبارك وتعالى بعث محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليخرج الناس من الظلمات إلى النور من عبادة الأصنام إلى عبادة رب العباد سبحانه وتعالى فوالله لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم وذلك في إشراقه وتهلله ثمّ قال لهم أسيد ما أحسن ذلك وأجمله كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين؟ قال له: اغتسل وطهر ثوبك ثمّ تشهّد شهادة الحق ثمّ تصلي ركعتين فقام واغتسل وطهّر ثوبه وتشهد وصلى ركعتين ثمّ قال إن ورائي رجلا إن تبعكما لم يتخلف أحد من قومه (يعني سعد بن معاذ) ثمّ أخذ حربته وانصرف إلى سعد في قومه وهم جلوس فقال سعد احلف بالله لقد جاءكم بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم فلما وقف أسيد على قومه قال له سعد: ما فعلت؟ قال: كلّمت الرجلين فوالله ما رأيت بهما بأساً وقد نهيتهما فقالا: نفعل إن أحببت وقد حدثت (بضم الحاء) أن بني حارث خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه، (بنو حارثة لن يقتلوا أسعد بن زرارة ولكن هكذا تصرف أسيد بن حضير رضي الله عنه ليثير سعد بن معاذ يقوم ويدافع عن ابن خالته أسعد بن زرارة) فقام سعد مغضباً للذي ذكر له فأخذ حربته وخرج إليهما فلما رآهما مطمئنين عرف أن أسيداً إنما أراد منه أن يسمع منهما كما عرف أنه لا أحد سيقتل أسعد ولا شيء فوقف عليهما متشتماً أي كما فعل أسيد بن حضير ثمّ قال: لأسعد بن زرارة والله يا أبا أمامة لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت (بضم الراء) هذا مني تغشانا في دارنا بما نكره! قال مصعب لسعد بن معاذ: أو تقعد فتسمع إن رضيت أمراً قبلته و إن كرهته عزلنا عنك ما تكره قال أنصفت ثمّ ركز حربته وجلس فعرض عليه الإسلام وقرأ عليه القرآن، قال: فعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم ثم قال: كيف تصنعون إذا أسلمتم؟ فقالا له كما قالا لأسيد ففعل كما فعل أسيد، فلما رجع إلى قومه قال يا بني عبد الأشهل كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا: سيدنا وأفضلنا رأياً وأيمننا نقيبة قال فإن كلام رجالكم ونسائكم علىّ حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله فما أمسى فيهم رجل ولا امرأة إلا مسلم ومسلمة إلا رجل واحد يقال له الأصيرم وهو قد أسلم يوم أحد. وقام مصعب في بيت أسعد بن زرارة يدعو الناس إلى الإسلام حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون.
بيعة العقبة الثانية(الكبرى):
ثم كانت بيعة العقبة الثانية وذلك في السنة الثالثة عشرة من بعثة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فحج من المسلمين من أهل المدينة بضع وسبعون نفساً من المسلمين ضمن حجاج قومهم من المشركين لأن المدينة مازال إلى الآن فيها مشركون وفيها مسلمون، وكان المسلمون يقولون حتى متى نترك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يطرد في جبال مكة ويخوف صلوات الله وسلامه عليه. قال كعب بن مالك: خرجنا إلى الحج وواعدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالعقبة من أوسط أيام التشريق (أي في الثاني عشر من ذي الحجة) وكانت الليلة التي واعدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لها ومعنا عبدالله بن عمرو بن حرام سيد من ساداتنا وشريف من أشرافنا (وهذا والد جابر بن عبدالله الصحابي) أخذناه معنا وكنا نكتم من معنا من قومنا من المشركين أمرنا (أي لا نظهر لهم أننا مسلمون أو أننا مواعدون للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم) فكلمنا عبدالله بن عمرو بن حرام وقلنا له يا أبا جابر إنك سيد من ساداتنا وشريف من أشرافنا وإنّا نرغب بك عما أنت فيه أن تكون حطباً للنار غدا ثمّ دعوناه إلى الإسلام وأخبرناه بموعد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأسلم وشهد معنا العقبة وكان نقيباً من النقباء. قال كعب فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا حتى مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نتسلل تسلل القطا مستخفين (والقطا هي طير الحمام)، حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة ونحن ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان من نسائنا نسيبة بنت كعب وهي أم عمارة وأسماء بنت عمرو من بني سلمة فاجتمعنا ننتظر الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى جاءنا ومعه عمه العباس بن عبد المطلب والعباس يومئذ على دين قومه إلا إنه عم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأراد أن يعرف ماذا هم صانعون بابن أخيه، فلما اجتمع بهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان أول المتكلمين عم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم العباس بن عبد المطلب فقال: يا معشر الخزرج (قال الخزرج لأن عددهم أكثر من الأوس والعرب كانت تسمي الأوس والخزرج بالخزرج لكثرتهم) قال: إن محمداً منّا حيث قد علمتم (أي من النسب والمكانة والمحبة) وقد منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا فيه (يعني من الكفر) فهو في عزَ من قومه ومنعة في بلده وإنه قد أبى إلا الانحياز لكم واللحوق بكم فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه ومانعوه ممن خالفه فأنتم وما تحملتم من ذلك وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الآن فدعوه فإنه في عز ومنعة من قومه وبلده (يعني يريد أن يطمئن على ما سيكون لابن أخيه صلوات الله وسلامه عليه) فقال كعب: قلنا له قد سمعنا ما قلت تكلم يا رسول الله فخذ لنفسك ولربك ما أحببت فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: تبايعوني فقالوا: يا رسول الله نبايعك على ماذا؟ قال: على السمع والطاعة في النشاط والكسل وعلى النفقة في العسر واليسر وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى أن تقوموا في الله لا تأخذكم في الله لومة لائم وعلى أن تنصروني إذا قدمت إليكم وتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة. قال كعب: وتلا القرآن ودعا إلى الله ورغّب في الإسلام ثمّ قام البراء بن معرور فأخذ بيده ثمّ قال للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: والذي بعثك بالحق نبيا لنمنعنّك مما نمنع أزرنا (بضم أول حرفين) منه فبايعنا يا رسول الله فنحن والله أبناء الحرب وأهل الحلقة (أي السلاح) ورثناها كابراً عن كابر فقام أبو الهيثم ابن التيّهان قال: يا رسول الله إن بيننا وبين الرجال حبالاً (يعني اليهود عهود بيننا وبينهم) وإنّا قاطعوها فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك؟ ثمّ أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا (يعني ترجع إلى مكة وتدعنا) فتبسّم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال بل الدم الدم والهدم الهدم أنا منكم وأنتم مني أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم وفي رواية أن جابراً قال: فقمنا نبايع الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأخذ بيده أسعد بن زرارة فقال رويداً يا أهل يثرب إنّا لم نضرب إليه أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله وأنّ إخراجه اليوم مفارقة للعرب كافة وفيه قتل خياركم وأن تعضكم السيوف فإن أنتم تصبرون على ذلك فخذوه وأجركم على الله وإمّا أنتم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه فهو أعذر لكم عند الله (يريد أسعد بن زرارة أن يثير فيهم محبتهم للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم) فقالوا: يا أسعد أمط عنّا يدك فوالله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها. فبايعهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصافحهم إلا المرأتين (فإنه ما صافح امرأة قط صلوات الله وسلامه عليه). ثمّ جعل عليهم اثني عشر نقيباً تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس أما نقباء الخزرج فأسعد بن زرارة وسعد بن الربيع وعبدالله بن رواحة ورافع بن مالك والبراء بن معرور وعبدالله بن عمرو بن حرام وعبادة بن الصامت وسعد بن عبادة والمنذر بن عمرو وأما نقباء الأوس فأسيد بن حضير وسعد بن خيثمة ورفاعة بن عبد المنذر.
بعد أن تمت هذه البيعة بين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والمسلمين الذين بايعوه صاح الشيطان وقال يا أهل الأخاشب (يعني يا أهل المنازل) هل لكم في محمد والصباة (بضم الصاد) قد اجتمعوا على حربكم فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم هذا أزب (بفتح الألف) العقبة (يعني الشيطان) أما والله يا عدو الله لأتفرغن لك ثمّ أمرهم أن يرجعوا إلى رحالهم. لماّ سمعت قريش هذا الصوت جاءت إلى أهل يثرب فقالت لهم يا معشر الخزرج إنه قد بلغنا أنكم قد جئتم إلى صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرنا وتبايعونه على حربنا وإنه والله ما من حي من العرب أبغض إلينا من أن ننشب معه الحرب منكم فقام مشركو أهل يثرب فقالوا والله ما وقع شيء من هذا ولا تمّ شيء من هذا وصاروا يحلفون بالله ما وقع شيء من هذا فأتى الناس عبدالله بن أبيّ بن سلول كان سيدا من سادات الخزرج فجعل يقول هذا باطل وما كان هذا وما كان قومي يفعلوا مثل هذا إلا وأخبروني فاستمرت قريش تبحث وتستقصي الأخبار حتى تأكد لديهم إن الخبر صحيح والبيعة قد تمت فلما نفر الحجيج سارع فرسانهم إلى أهل يثرب ولكن بعد فوات الأوان ولكنهم تمكنوا من رؤية سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو فطاردوهما وفرّ منهم وأعجزهم المنذر وأمسكوا سعد بن عبادة فربطوا يديه إلى عنقه وجعلوا يضربونه ويجرون شعره حتى أدخلوه مكة فجاء المطعم بن عدي والحارث بن حرب فخلصاه من أيديهم وذلك أن سعد بن عبادة من سادات أهل المدينة.
هجرة أبي سلمة رضي الله تبارك وتعالى عنه:(112/5)
بدأ المسلمون يهاجرون وحاول المشركون صدهم عن الهجرة وكان أول المهاجرين أبو سلمة هاجر قبل العقبة الكبرى بسنة على ما ذكره ابن إسحاق وغيره وأخذ معه زوجته وابنه (أي أخذ أم سلمة وولدهما سلمة) فجاءه أصهاره (أي أهل زوجته) فقالوا له: أما نفسك فلا نستطيعها أرأيت صاحبتنا هذه على ما نتركك تسير بها في البلاد فوالله لا ندعها معك فأخذوا منه زوجته ومن الطبيعي جداً أن ولده سلمة الصغير رجع مع أمه فغضب آل أبي سلمة كيف تأخذون من الرجل زوجته فقالوا إذا فعلتم ذلك فنحن نأخذ ابننا فأخذوا سلمة من أمه فتشتت أمر هذه العائلة الصغيرة أبو سلمة هاجر وأم سلمة أخذها قومها وسلمة أخذه قوم أبيه. وهاجر أبو سلمة وحده إلى المدينة وكانت أم سلمة بعد ذهاب زوجها وأخذ ابنها منها تخرج إلى الأبطح تبكي حتى تمسي واستمرت على ذلك الأمر سنة كاملة وهي تبكي فراق ابنها وزوجها فرقّ لها أحد ذويها وقال ألا تخرجون هذه المسكينة فرّقتم بنها وبين زوجها وولدها فقالوا لها الحقي بزوجك إن شئت فذهبت إلى أهل زوجها فأعطوها ولدها ثمّ هاجرت خلف زوجها إلى المدينة ولكنها لما خرجت لم يكن معها أحد فلقيها في الطريق عثمان بن طلحة وبعد أن عرف حالها شيعها (أي تابعها وسار معها) يجاريها في السير حتى وصل بها إلى المدينة وهو على الشرك ولكنها أخلاق العرب فلما وصل إلى المدينة قال زوجك في هذه القرية ادخليها على بركة الله ثمّ انصرف إلى مكة. هذه صورة من صور المهاجرين وكيف عانوا عند خروجهم من مكة إلى المدينة.
هجرة صهيب بن سنان الرومي (أبي يحي) رضي الله تبارك وتعالى عنه:
وذلك أنه لما أراد الهجرة جاءه كفار مكة وقالوا أتيتنا صعلوكاً فقيراً فكثر مالك عندنا وبلغت الذي بلغت (أي من الغنى) ثمّ تريد أن تخرج بمالك ونفسك والله لا يكون ذلك، (سبحان الله ما سرق مالهم ولا غشهم ولا راباهم وإنما اشتغل بعرق جبينه ومع هذا قالوا له ما تخرج أنت ومالك أبداً) فقال لهم صهيب: أرأيتم إن جعلت لكم مالي أتخلّون سبيلي؟ قالوا: نعم. قال: فإني قد جعلت لكم مالي فبلغ هذا الأمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال ربح البيع ربح البيع. وذكر بعض أهل العلم أن قول الله تبارك وتعالى "ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد" أنها نزلت في صهيب الرومي رضي الله عنه وأرضاه.
هجرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
وفي شهر صفر من السنة الرابعة عشرة من مبعث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اجتمع أهل مكة على أمر عظيم ما اجتمعوا على مثله قط وذلك أنهم اجتمعوا في دار الندوة وتعاقدوا على قتل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهذا الرأي كان رأي أبي جهل رأس قريش في ذلك الوقت فقال أبو جهل والله إن لي فيه رأياً ما أراكم وقعتم عليه بعد قالوا وما هو يا أبا الحكم قال أرى أن نأخذ من كل قبيلة فتىً شاباً جلداً نسيباً وسيطاً فينا ثمّ نعطي كل فتىً منهم سيفاً صارماً ثم يعمدوا إليه أي إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيضربونه بها ضربة رجل واحد فيقتلونه ونستريح منه فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعاً فلم يقد بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعاً فيرضون منّا بالعقل فعقلناه لهم (أي ندفع الدية بعد ذلك)، بعد هذا الاجتماع الخطير أرسل الله تبارك وتعالى جبريل عليه السلام وأخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن الله تبارك وتعالى يأمره بالهجرة فذهب النبي في الهاجرة (أي قبيل الظهر) إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه ليبرم معه مراحل الهجرة تقول عائشة بينما نحن جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة قال قائل لأبي بكر هذا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم متقنعاً وذلك في ساعة لم يكن يأتينا فيها فقال أبو بكر فداء له أبي وأمي والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر (أي إلا أمر مهم) فجاء رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فاستأذن فأذن له فدخل فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأبي بكر أخرج من عندك (يعني أريد أن أخبرك بأمر مهم سري لا يجوز أن يطلع عليه كل أحد) فقال أبو بكر إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عند ذلك إني قد أذن لي في الخروج فقال أبو بكر الصحبة بأبي أنت يا رسول الله فقال له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نعم فبقي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى عتمة الليل وإذا كفار مكة عند باب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ساهرون يريدون قتله وفيه أنزل الله تبارك وتعالى "وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين" هذا مكرهم وهو أن اجتمعوا على قتل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأن يقتله شباب أقوياء فيتفرق دم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في القبائل فيقبل بنو عبد مناف الدية ولننظر إلى مكر الله تبارك وتعالى كيف صنع الله بهم كما قال جل وعلا "ويكيدون كيدا وأكيد كيدا فمهل الكافرين أمهلهم رويدا " قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعلي بن أبي طالب نم على فراشي وتسجّى ببردي فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم وهذا تطمين من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعلي رضي الله عنه وقد أبقى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم علياً في مكة حتى يرد الأمانات التي عنده لأهل مكة. ونريد أن ننبه إلى أمرين اثنين نرى إنهما من أهم الأمور:
أولهما: هو أن كفار مكة كانوا يقولون عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كاذب ساحر شاعر مجنون وغير ذلك من الصفات التي اتهموه بها وهم في هذا كاذبون فهم لا يصدقون ما يقولون ولذلك كانوا يضعون أماناتهم عند النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهل يجوز أن يعطي عاقل الأمانة إلى رجل يرى أنه كذاب أو مجنون وأنه ساحر أو شاعر هذا لا يمكن أبدا فدل هذا على أنهم لا يكذبونه كما قال الله تبارك وتعالى "فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون " وأما الأمر الثاني فهو أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان أميناً لما أرادوا قتله ما قال أنا آخذ أموالهم لأنهم يريدون قتلي فأنا استحقها أبداً ولذلك قال صلوات الله وسلامه عليه أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك (أي وإن خان هو فأنت لا تخون المؤمن لا يخون أبداً) فتبقى أخلاق المؤمن شامخة عالية ظاهرة وإن غدر من غدر من الكافرين. إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما عزم على الخروج من مكة أو لنقل من بيته صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأولئك الشبان الأقوياء المسلحون ينتظرون عند باب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يريدون خروجه ليقتلوه ألقى الله تبارك وتعالى عليهم النوم جميعاً وخرج إليهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأخذ حفنة من البطحاء (يعني من الرمال) فجعل يذره على رؤوسهم
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ عثمان الخميس
عدد القراء : 3212
تاريخ الموضوع: 03 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(112/6)
كنوز السيرة للشيخ عثمان الخميس - 3
الشيخ عثمان الخميس
وا ثكل(بضم الثاء) أمي والله إني لرجل لبيب شاعر ما يخفى عليّ الحسن من القبيح فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول فإن كان الذي يأتي به حسناً قبلته وإن كان قبيحاً تركته فمكثت حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى بيته فدخلت عليه وقلت يا محمد إن قومك قالوا لي كذا وكذا فوالله ما برحوا بي يخوفوني أمرك حتى سددت أذني بكرسف لئلا أسمع قولك ثمّ أبى الله إلا أن يسمعني قولك فسمعت قولاً حسناً فاعرض عليّ أمرك فعرض عليّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الإسلام وتلا عليّ القرآن فلا والله ما سمعت قولاً قط أحسن منه ولا أمراً أعدل منه فأسلمت وشهدت شهادة الحق وقلت يا نبي الله إني امرؤ مطاع في قومي وإني راجع إليهم وداعيهم إلى الإسلام فادع الله أن يجعل لي آية تكون لي عوناً عليهم فيما أدعوهم إليه قال فقال اللهم اجعل له آية قال فخرجت إلى قومي حتى إذا كنت بثنية تطلعني على الحاضر (أي مكان مرتفع) وقع بين عيني نور مثل المصباح فقلت اللهم في غير وجهي فإني أخشى أن يظن (بضم الياء) بها مثلة (بضم الميم وتسكين الثاء) (يعني أخاف أن يقولوا دعوة الآلهة عليك) فتحول فوقع في رأس سوطي (أي النور) فجعل الحاضرون يتراءون ذلك النور من رأس سوطي كالقنديل يضيء، وأنا أتهبط عليهم من الثنية (أي أنزل عليهم من مكان مرتفع) حتى جئتهم فأصبحت فيهم فلما نزلت أتاني أبي وكان شيخاً كبيراً فقلت إليك عني يا أبة فلست منك ولست مني قال: لم يا بني؟ قلت أسلمت وتابعت دين محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: أي بني فدينك ديني قلت فاذهب فاغتسل وطهر ثيابك ثمّ ائتني حتى أعلمك مما علّمت (بضم العين) فذهب فاغتسل وطهر ثيابه ثمّ جاء فعرضت عليه الإسلام فأسلم. ثم أتتني صاحبتي (أي زوجته) فقلت إليك عني فلست منك ولست مني قالت: ولم بأبي أنت وأمي؟ قلت فرّق بيني وبينك الإسلام وتابعت دين محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم قالت: فديني دينك فقلت فاذهبي إلى حمى ذي الشرا ، وتطهري منه، (ذو الشرا
هذا صنم لدوس وكان الحمى الذي حموه حوله به وشل من ماء يهبط من جبل، أي نقاط من ماء تهبط من جبل) قالت: بأبي أنت وأمي أتخشى على الصبية من ذي الشرا شيئاً؟ قلت: لا، أنا ضامن لذلك قال فذهبت فاغتسلت ثمّ جاءت فعرضت عليها الإسلام فأسلمت. ثمّ دعوت دوساً (أي قبيلته) إلى الإسلام فأبطأوا عليه (أي تأخروا في القبول وذلك أنه ليس كل الناس سواء فأبو ذر أسلم قومه وتابعوه والطفيل بن عمرو لم يسلم قومه مباشرة ولكن تمنعوا عليه) قال: ثمّ جئت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بمكة فقلت يا رسول الله أبطأوا عليّ فادع عليهم فقال صلوات الله وسلامه عليه اللهم اهد دوساً ارجع إلى قومك وادعهم وارفق بهم قال فلم أزل بأرض دوس أدعوهم إلى الإسلام حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى المدينة ومضى بدر وأحد والخندق ثمّ قدمت على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بمن أسلم معي من قومي ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بخبير فأسهم لنا مع المسلمين صلوات الله وسلامه عليه.
الجهر بالدعوة:(113/1)
لما نزل قول الله تبارك وتعالى "يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر ولا تمنن تستكثر ولربك فاصبر" جهر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وذلك أن الله تبارك وتعالى انتزعه من النوم والتدثر والدفء إلى الجهاد والكفاح والمشقة فقال " يا أيها المدثر قم فأنذر " كأنه قيل له إن الذي يعيش لنفسه قد يعيش مستريحاً وأما أنت الذي تحمل هذا العبء الكبير فما لك والنوم وما لك والراحة وما لك والفراش الدافئ قم للأمر العظيم الذي ينتظرك والعبء الثقيل المهيأ لك قم للجهد (بفتح الجيم) والنصب (بفتح النون والصاد) والكد والتعب قد مضى وقت النوم والراحة وما عاد منذ اليوم إلا السهر المتواصل والجهاد الطويل الشاق قم فتهيأ لهذا الأمر واستعد . هكذا أمر الله تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يقوم ويجهر بالدعوة إلى الله تبارك وتعالى. وقد روى لنا أبو هريرة رضي الله تبارك وتعالى عنه بداية دعوة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجهره بها صلوات الله وسلامه عليه قال أبو هريرة لما أنزلت هذه الآية "وأنذر عشيرتك الأقربين" دعا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قريشاً فاجتمعوا فعمّ وخصّ فقال يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار يا بني مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار يا فاطمة أنقذي نفسك من النار فإني لا أملك لكم من الله شيئاً غير أن لكم رحماً سأبلّها ببلاها، رواه الإمام مسلم في صحيحه. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لمّا نزلت هذه الآية "وأنذر عشيرتك الأقربين"خرج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى صعد الصفا (جبل الصفا) فهتف يا صباحاه (وهذه جملة كان يستعملها الناس في ذلك الوقت للمناداة ينادون الناس اجتمعوا الأمر مهم) فقالوا من هذا الذي يهتف؟ قالوا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم فاجتمعوا إليه فقال يا بني فلان يا بني فلان يا بني فلان يا بني عبد مناف يا بني عبد المطلب فاجتمعوا إليه فقال أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي وفي رواية لو حدثتكم أن خلف هذا الوادي جيش مصبّحكم (أي سيدخل عليكم صباحاً) أكنتم مصدقي؟ (والله لو قالوا له نصدقك لكفى ولكن أبى الله تبارك وتعالى إلا أن يشهدوا بالحق وإلا أن يقولوا الكلمة التي تكون شاهدة عليهم وعلى تكبرهم وعنادهم وإعراضهم عن الحق الذي عرفوه، ماذا قالوا؟) قالوا ما جرّبنا عليك كذباً قط، (هكذا يشهد أهل مكة للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على المشهور بعد ثلاث وأربعين سنة بأنهم ما جرّبوا عليه الكذب أبداً ولذلك سيأتينا من قصة أبي سفيان لمّا يسأله هرقل وذلك في بداية السنة السابعة من الهجرة بعد صلح الحديبية هل كان يكذب قبل أن يقول ما قال فقال لا وهكذا هي صفة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يكذب أبداً صلوات الله وسلامه عليه) قالوا ما جربنا عليك كذباً قط فقال إنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد فقام عم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أبو لهب فقال تباً لك أما جمعتنا إلا لهذا؟ ثمّ قام فأنزل الله تبارك وتعالى آيات يدافع فيها عن نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال سبحانه وتعالى "تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب سيصلى ناراً ذات لهب وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد". ثمّ كانت بعد ذلك الدعوة الجهرية قال ابن إسحاق ثمّ أمر الله تبارك وتعالى رسوله بعد ثلاث سنين من البعثة بأن يصدع بما أمر (بضم الألف) وأن يصبر على أذى المشركين وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا صلوا ذهبوا في الشعاب استخفوا بصلاتهم من قومهم فبينا سعد بن أبي وقاص في نفر يصلون في شعاب مكة إذ ظهر عليهم بعض المشركين فناكروهم (أي أنكروا عليهم وعابوا عليهم ما يصنعون) حتى قاتلوهم فضرب سعد بن أبي وقاص رجلاً من المشركين بلحى جمل (أي عظم جمل) فشجّه فكان أول دم أهريق في الإسلام. وبدأ الناس يدخلون في دين الله تبارك وتعالى وكان قد أسلم أبو بكر وعلي وزيد وبلال وخديجة ثمّ أسلم عمّار بن ياسر وأسلم كذلك عثمان والزبير وابن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله ثمّ أسلم أبو عبيدة وأبو سلمة بن عبد الأسد والأرقم بن أبي الأرقم وعثمان بن مظعون وسعيد بن زيد وخباب بن الأرت و عبد الله بن مسعود وفاطمة بنت الخطاب وكل هؤلاء كان إسلامهم سراً (أي كانوا يسرون بإسلامهم خوفاً من أهل مكة). فبعد أن أنزل الله قوله جلّ وعلا " فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين" قام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ينكر خرافات الشرك وترّهاته ويذكر حقائق الأصنام وحقائق عبدتها وأنها لا تستحق العبادة ولا تستحق أن يسجد لها وأن تعبد من دون الله تبارك وتعالى وبدأ يسفّه الأحلام ويبين الضلال صلوات الله وسلامه عليه. عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال كنت رجلاً قيناً (أي عبداً) وكان لي على العاص بن وائل دين فأتيته أتقاضاه فقال لا والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقلت لا والله لا أكفر بمحمد حتى تموت ثمّ تبعث قال فإني إذا مت ثمّ بعثت (بضم الباء) جئتني ولي ثمّ (بفتح الثاء) مال وولد فأعطيك فأنزل الله تبارك وتعالى " أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالاً وولدا … إلى قوله تعالى ويأتينا فردا " أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما. وعن خباب قال أتيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو متوسد ببردة وهو في ظل الكعبة أي مستند على برده (وهي العباءة) وهو في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدّة فقلت ألا تدعو الله فقعد وهو محمر الوجه فقال قد كان من كان قبلكم ليمشط بأمشاط الحديد. ولما بدأ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالدعوة إلى الله تبارك وتعالى مشى رجال من أشراف مكة إلى أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالوا يا أبا طالب إن ابن أخيك قد سبّ آلهتنا وسفّه أحلامنا وعاب ديننا وضلل آباءنا فإما أن تكفه عنا وإما أن تخلي بيننا وبينه فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه فنكفيكه فقال لهم أبو طالب قولاً رقيقاً وردهم رداً جميلاً فانصرفوا عنه ومضى أبو طالب إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يكلمه وينصحه واستمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على ما هو عليه صلوات الله وسلامه عليه. ولما قرب موسم الحج والحجاج سيأتون إلى بيت الله تبارك وتعالى ولا شك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سيجدها فرصة سانحة للدعوة إلى الله تبارك وتعالى، اجتمع كفار مكة وكبراؤها إلى الوليد بن المغيرة وقالوا ما نقول إذا جاء الناس فقال لهم الوليد اجمعوا فيه رأياً واحداً ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضاً ويرد قولكم بعضه بعضاً (يعني لا ينبغي أن يقول أحدكم ساحر والآخر يقول كاهن والثالث يقول مجنون والرابع يقول كذاب وهكذا يكذبكم الناس جميعاً أجمعوا قولاً واحداً فيصدقكم الناس على ما تقولون) فقالوا له بل أنت قل ونسمع قال لا قولوا أنتم وأنا أسمع قالوا نقول كاهن قال لا والله ما هو بكاهن لقد رأينا الكهان فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه قالوا نقول مجنون قال ما هو بمجنون لقد رأينا الجنون وعرفناه ما هو بخنقه ولا تخالجه ولا وسوسته قالوا فنقول شاعر قال ما هو بشاعر لقد عرفنا الشعر كله وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه فما هو بالشعر قالوا فنقول ساحر قال ما هو بساحر لقد رأينا السحّار وسحرهم فما هو بنفثهم ولا عقدهم قالوا فما نقول فقال لهم والله إن لقوله لحلاوة وإن أصله لعذق وإن فرعه لجناة وما أنتم بقائلين شيئاً إلا عرف (بضم العين) أنه باطل وإن أقرب القول فيه لأن تقولوا ساحر، سبحان الله هو يقول لهم ما هو بساحر وهم يعرفون انه ليس بساحر ولكنه الكبر (بكسر الكاف) والعياذ بالله قال قولوا ساحر جاء بقول هو سحر يفرق بين المرء وأبيه وبين المرء وأخيه وبين المرء وزوجه وعشيرته فتفرقوا عنه بذلك ولكن هل بقي الأمر هكذا؟ لا لقد دافع الله تبارك وتعالى عن نبيه فقال عن الوليد بن المغيرة ومن معه ذرني ومن خلقت وحيدا وجعلت له مالاً ممدودا وبنين شهودا ومهدت له تمهيدا … إلى قوله فقال إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر سأصليه سقر". واتبعت قريش أساليب عدة في محاربة دعوة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فمن هذه الأساليب التي استخدموها مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
أولاً: السخرية والاحتقار: رمي (بضم الراء) النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصحابته بتهم وشتائم وتألفت جماعات للاستهزاء بالإسلام ورجاله فرسولهم ينادى بالجنون قال تعالى" وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون" ووصم بالسحر والكذب قال تعالى " وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب " وكذلك صاروا ينظرون إليه نظراً يريدون بهذا النظر أن يزلقوه بأبصارهم أي يوقعوه في مهلكة من حسدهم قال الله تعالى "وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون" وسخروا أيضاً من أصحابه قال الله تعالى " إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون وإذا مروا بهم يتغامزون وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضآلون وما أرسلوا عليهم حافظين". وقالوا عن القرآن الكريم أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا وقالوا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون وأرادوا لجهلهم أن يعارضوا القرآن الكريم بأساطير الأولين وذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا حدّث الناس ودعاهم إلى الله تبارك وتعالى وقرأ عليهم القرآن ثمّ قام جاء النضر بن الحارث فجلس مجلس النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثمّ يقول والله ما محمد بأحسن حديثاً منّي ثمّ يحدثهم عن ملوك فارس ثمّ يقول بماذا محمد أحسن حديثاً منّي وحاولوا المساومة كما قال الله تبارك وتعالى " فلا تطع المكذبين ودوا لو تدهن فيدهنون".
ثانياً: الإيذاء: وهو نوعان:(113/2)
النوع الأول: الإيذاء النفسي: فأول هذا الإيذاء ما وقع من أبي لهب قبّحه الله وذلك أنه قد زوّج ولديه عتبة وعتيبة من بنتي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رقية وأم كلثوم قبل البعثة فلما بعث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ودعا إلى الله تبارك وتعالى وجهر بالدعوة أمر أبو لهب ولديه أن يطلقا بنتي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فطلقاهما. وكانت امرأة أبي لهب أم جميل (أروى بنت حرب) لا تقل عن زوجها في عداوة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقد كانت تحمل الشوك وتضعه في طريق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعلى بابه ليلاً وكانت امرأة سليطة اللسان ولما سمعت ما نزل فيها وفي زوجها من القرآن (أي قول الله تعالى (تبت يدا أبي لهب وتب …إلى آخر السورة) أتت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو جالس في المسجد عند الكعبة ومعه أبو بكر وفي يدها حجارة فوقفت عليهما فأخذ الله بصرها فلم تر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم تر إلا أبا بكر فقالت يا أبا بكر أين صاحبك ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم جالس جنبها مع أبي بكر فقالت قد بلغني أنه يهجوني والله لو وجدته لضربت بهذا الفهر فاه (أي الحجر) أما والله إني لشاعرة ثمّ قالت:
مذمماً عصينا ،،،، ودينه قلينا
ثمّ انصرفت فقال أبو بكر يا رسول الله أما تراها رأتك فقال ما رأتني فقد أخذ الله ببصرها عني. وازداد الأمر وذلك أن عقبة بن أبى معيط كما حدّث عبدالله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
النوع الثاني: الإيذاء الجسدي: عن عبدالله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحابه جلوس إذ قال بعضهم لبعض أيكم يأتي بسلا جزور بني فلان فيضعه على ظهر محمد إذا سجد، (سلا الجزور هو بيت الولد أي المكان الذي يكون فيه الولد وهي المشيمة بالنسبة للإنسان ويقصدون بذلك سلا ناقة ميتة) فانبعث أشقى القوم وهو عقبة بن أبي معيط فجاء به فنظر (أي انتظر) حتى إذا سجد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وضعه على ظهره بين كتفيه يقول عبدالله وأنا أنظر لا أغني شيئاً لو كانت لي منعة (لأنه ليس من قريش) قال فجعلوا يضحكون ويحيل بعضهم على بعض (أي يتمايلون على بعضهم) ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ساجد لا يرفع رأسه حتى جاءته فاطمة (أي بنت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم) فطرحته عن ظهره فرفع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثمّ قال اللهم عليك بقريش ثلاث مرات يدعو عليهم فشق ذلك عليهم إذ دعا عليهم وكانوا يرون أن الدعوة في ذلك البلد مستجابة، كيف وهم يعلمون أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صادق وأنه نبي حقاً صلوات الله وسلامه عليه كما قال الله تبارك وتعالى "قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون" قال اللهم عليك بأبي جهل اللهم عليك بعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط وعد السابع يقول عبد الله ولم أحفظه والذي نفسي بيده لقد رأيت الذي عدّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم صرعى في القليب قليب بدر (أي في معركة بدر كلهم قد صرعوا)، أخرجه مسلم. وكذلك أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو جهل يعفّر محمد وجهه بين أظهركم؟ (يعني يسجد بين أظهركم وأنتم سكوت) قالوا نعم قال واللات والعزى لإن رأيته لأطأنّ على رقبته ولأعفرنّ وجهه (أي لأجعلنّ وجهه في التراب) فأتى أبو جهل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يصلي زعم ليطأ رقبته فما فجأهم إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقيه بيديه. (أي أدار ظهره وصار يجري ويرفع يديه ليتقي ليدفع عن نفسه) فقال له الناس ما لك يا أبا الحكم؟ ما الذي حدث؟ (أبو جهل كان يكنى بأبي الحكم لما يرونه من رجاحة عقله) قال: إن بيني وبينه لخندقاً من نار وهؤلاء أجنحة. يقول أبو هريرة فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضواً عضوا. وروى البخاري في صحيحه عن عروة بن الزبير قال سألت عبدالله بن عمرو بن العاص أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال عبدالله بينما النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي في حجر الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فوضع ثوبه في عنقه فخنقه خنقاً شديداً فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبيه (أي بمنكبي عقبة) ودفعه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يقول أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله.
هذا ما وقع للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأما ما وقع لأصحابه:
عثمان بن عفان: كان عمّه يلفه في حصير من أوراق النخيل ثم يدخنه من تحته،
مصعب بن عمير: لما علمت أمه بإسلامه طردته من بيتها وأجاعته وكان من أنعم الناس عيشاً في قري،
بلال بن رباح: فكان أمية بن خلف يخرجه إذا حميت الظهيرة فيطرحه في بطحاء مكة (أي في أرض مكة ثمّ يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ثمّ يقول لا والله لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتعبد اللات والعزى فيقول بلال أحد، أحد. هذا عذاب أمية لبلال وأمّا أمية فكان ينال عذاباً أكثر من هذا العذاب وهو بقول بلال أحد، أحد فكانت أشد على أمية من عذاب بلال رضي الله عنه وأرضاه فمر به أبو بكر يوماً وهم يصنعون ذلك به فاشتراه رضي الله عنه وأرضاه وقيل أن أبا بكر لما جاء ليشتريه قال بكم تبيعونه؟ قالوا قل أنت، قال: تبيعونه بخمسمائة، قال أمية: بعتك فاشتراه أبو بكر فقال أمية لو دفعت أقل من هذا لأعطيناكاه يعني بعناك بلال بأقل من هذا السعر فقال أبو بكر يظهر قيمة بلال عند الله تبارك وتعالى لو طلبت أكثر من هذا لدفعت،
عمار بن ياسر وأمه وأبيه: كذلك وقع العذاب عليهم، فكانوا يخرجونهم إلى البطحاء ويعذبونهم فكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يمر بهم ويقول صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة فمات ياسر وماتت سمية أم عمار في العذاب وهي كما يقال أول شهيدة في الإسلام . وبلغ الاضطهاد أشدّه حتى إن خباب بن الأرت يقول أتيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو متوسد ببردة في ظل الكعبة (أي مستند على عباءة) وقد لقينا من المشركين أشده فقلت ألا تدعو الله فقعد وهو محمر وجهه وقال قد كان من كان قبلكم ليمشط بأمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم وعظم وعصب ما يصرفه ذلك عن دينه ويوضع المنشار على مفرق رأسه يشق باثنتين ما يصرفه ذلك عن دينه وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله عز وجل والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون، رواه الإمام البخاري في صحيحه. ومع هذه الاضطهادات كلها كان الله تبارك وتعالى مع أوليائه سبحانه وتعالى كما قال " إن الله يدافع عن الذين آمنوا".
عودة إلى الدعوة السرية:
ولما اشتدت الدعوة وزاد الإيذاء رجع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى الدعوة السرية صلوات الله وسلامه عليه وذلك في دار الأرقم بن أبي الأرقم. وكانت دار الأرقم على الصفا وكانت بمعزل عن أعين الطغاة ومجالسهم فاختارها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لتكون مكاناً لاجتماعه باتباعه صلوات الله وسلامه عليه وقد كانت هذه الاضطهادات في بداية السنة الرابعة من دعوة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
الهجرة إلى الحبشة:
وكان من حرص النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على أصحابه أنه لما رأى كثرة الاضطهاد أمرهم بالهجرة إلى الحبشة وكان ملك الحبشة حينئذ رجلاً يقال له أصحمة وقد ذكر بالعدل فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لبعض المسلمين اذهبوا إلى أصحمة فإنه ملك عادل لا يظلم (بضم الياء وتسكين الظاء) عنده أحد. وكانت الهجرة الأولى وذلك سنة خمس من النبوة فهاجر اثنا عشر رجلاً وأربع نسوة إلى الحبشة وكان رئيسهم عثمان بن عفان رضي الله تبارك وتعالى عنه ومعه بنت النبي رقية رضي الله تبارك وتعالى عنها. ووقعت حادثة غريبة في تلك السنة في رمضان وذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خرج إلى الحرم وهناك جمع كبير من قريش في نواديهم كما هي عادتهم فقام فيهم وأخذ يتلو سورة النجم "والنجم إذا هوى …هذه السورة بما احتوته من معان وألفاظ عجيبة لم يسمعوا مثلها أبداً فلما وصل صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى هذه الآية "فاسجدوا لله واعبدوا" سجد صلوات الله وسلامه عليه فلم يتمالك أحد منهم حتى خرّ ساجداً فسجدت كل مكة وذلك أن روعة هذه الآيات أخذت بألبابهم وجعلتهم يسجدون مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولما بلغ هذا الخبر وهو سجود أهل مكة مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ظن بعض الناس أنهم آمنوا وأنهم تابعوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ووصل هذا الخبر إلى أهل الحبشة ظنوا أن قريشاً كلها دخلت في الإسلام فرجعوا إلى مكة مرة ثانية في السنة نفسها في شوال فلما وصلوا إلى مكة تبين لهم أن الأمر ليس كذلك وأن ذلك السجود إنما وقع منهم اعترافاً وإقراراً من داخل نفوسهم بصحة نسبة هذا القرآن إلى الله تبارك وتعالى.
قصة الغرانيق:
جاء في بعض الروايات قصة يقال لها قصة الغرانيق وهذه القصة مجملها أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما قرأ سورة النجم بلغ قول الله تبارك وتعالى" أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذاً قسمة ضيزى إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان " تذكر بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما قرأ "أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى" سمعت قريش قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد ذلك يقول تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى فتكون هكذا أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى سجد أهل مكة الكفار منهم مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأنه مدح أصنامهم وأثنى عليها. وهذه القصة باطلة ليس لها سند صحيح وإن ذكرها بعض أهل العلم والدليل على بطلانها:
أولاً: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يمكن أبداً أن يقول مثل هذا الكلام وذلك أن هذا الكلام كفر كيف يثني النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على اللات والعزى.
ثانياً: هذه الرواية تخالف رواية صحيحة في البخاري والتي ذكرناها قبل قليل أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنما قرأ سورة النجم كاملة فسجدت قريش لهذه السورة لا لأجل ما ذكر أنهم سمعوه وهو تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى.
ثالثاً: ذكر بعض الرواة أن الشيطان ألقاها أي هذه الكلمات على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يشعر وهذا باطل إذ أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يمكن أبداً أن يخلط بين قول الله وقول الشيطان،(113/3)
رابعاً: سند هذه القصة ضعيف، فلا شك إن هذه الدلائل كلها تدل على بطلان هذه القصة. وعلى فرض صحتها وأنها وقعت كذلك فإنما يكون الشيطان هو الذي قال هذا لكفار مكة ولم يسمعوا ذلك من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيكون النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنما قرأ أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى فقام الشيطان وقال تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى، فظن أهل مكة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو الذي مدح آلهتهم وليس الأمر كذلك. وذلك أن الشيطان قلد صوت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
الهجرة الثانية إلى الحبشة:
لما رجع المهاجرون من الحبشة إلى مكة ورأوا حقيقة الأمر وجليته وهو أن كفار مكة ما دخلوا في الإسلام وأن تلك كانت إشاعة فهاجروا مرة ثانية إلى الحبشة ولم يهاجر الجميع وإنما بعضهم بقي كعثمان رضي الله عنه وبعضهم هاجر مرة ثانية وتبعهم آخرون فكانت الهجرة الثانية وكان فيها ثلاث وثمانون رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وثماني عشرة أو تسع عشرة. عند ذلك ذهب سادات قريش إلى أبي طالب عم الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالوا له يا أبا طالب إن لك سناً وشرفاً ومنزلة فينا وإنّا قد استنهيناك من ابن أخيك ولم تنهه، (أي طلبنا منك أن تنهاه فلم تنهه) وإنّا والله لا نصبر على هذا يأتي ويقرأ القرآن بين أظهرنا هذا ما لا نتحمله أبداً ومن شتم آبائنا وتسفيه أحلامنا وعيب آلهتنا حتى تكفه عنا أو ننازله وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين وهذا تهديد قوي من قريش إلى أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلما رأى أبو طالب هذا الأمر قد اشتد بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال له: يا ابن أخي إن قومك قد جاؤوني وقالوا لي كذا وكذا وذكر له ما قالوا فأبق علي وعلى نفسك ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق فظن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن عمه سيخذله وأنه ضعف عن نصرته فقال صلوات الله وسلامه عليه يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه ما تركته ثمّ استعبر صلوات الله وسلامه عليه وبكى وقام وترك أبا طالب عمه واجماً من هذا الكلام الذي قاله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وهذه الرواية وإن كانت لا تصح سنداً وهي قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه ما تركته لكن كما ذكر أهل العلم أن السيرة يتسامح بها ولا بأس بذكرها لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثبت أنه لم يتنازل ولكن هل قال هذه الكلمة بذاتها أو قال غيرها العلم عند الله تبارك وتعالى. فلما مشى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وترك أبا طالب واجماً انتبه أبو طالب ثمّ نادى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فرجع إليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال له أبو طالب اذهب يا ابن أخي فقل ما أحببت والله لا أسلمك لشيء أبدا وذكر أبياتاً طيبة يبين فيها صدقه مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإنه ناصره وإنه لن يسلمه إلى كفار مكة أبداً قال:
والله لن يصلوا إليك بجمعهم ،،،،،،،،،، حتى أٌوَسّد في التراب دفينا
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة ،،،، وابشر وقَرّ بذاك منك عيونا
ودعوتني وزعمت إنك ناصحي ،،،،، فلقد صدقت وكنت قبل أمينا
وعرضت ديناً قد عرفتُ بأنه ،،،،،،،،،،، من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذاري سبة ،،،،،،،،، لوجدتني سمحاً بذاك مبينا
قال هذه الأبيات فانصرف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فرحاً بما سمع من أبيات ومن كلام أثلج صدره من عمه أبي طالب فلما رأت قريش أن أبا طالب قد أبى أن يخذل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأنه مجمع على فراقهم ذهبوا إلى عمارة بن الوليد بن المغيرة وقالوا له يا عمارة نعطيك أبا طالب فتكون ولداً له ونأخذ محمدا بدلك ثم نقتله وجاؤا أبا طالب وقالوا يا أبا طالب إن هذا الفتى (أي عمارة بن الوليد بن المغيرة أنهد فتى في قريش وأجمله فخذه لك عقله ونصره، (والعقل يعني ما تتحمله العاقلة في القتل وما شابه ذلك وهم الأقارب)، واتخذه ولداً فهو لك وأسلم إلينا ابن أخيك هذا الذي خالف دينك ودين آبائك وفرّق جماعة قومك وسفه أحلامهم فنقتله فإنما هو رجل برجل فقال أبو طالب والله لبئس ما تسومونني أتعطونني ابنكم اغذوه لكم وأعطيكم ابني تقتلونه؟! هذا والله ما لا يكون أبدا. والملاحظ من موقف أبي طالب من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومن كفار مكة يستغرب كيف أن أبا طالب لم يسلم ولم يتابع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولو وقفنا مع قول أبي طالب لولا الملامة أو حذاري (بضم الحاء) سبة (بضم السين) لوجدتني سمحاً بذاك مبينا هذا الذي منع أبا طالب من اتباع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو يعلم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حق ولذلك قال الله تبارك وتعالى "قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون" فهم يعلمون الحق ويعلمون أن ما جاء به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حق وإنه رسول من عند الله وأن الذي يتلوه ليس شعراً ولا سحراً ولا كهانة ولكنه الكبر والعياذ بالله تعالى.
إسلام حمزة :
ثمّ جاء بعد ذلك النصر من الله تبارك وتعالى بإسلام رجلين أما الأول فهو حمزة عم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأخوه من الرضاعة (أرضعتهما ثويبة مولاة أبي لهب) وسبب إسلامه أن أبا جهل عدو الله مرّ برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو عند الصفا فآذاه وسبه ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ساكت لا يكلمه ثمّ قام أبو جهل فحمل حجراً فضرب به رأس النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فشجه حتى نزف منه الدم ثمّ انصرف عنه إلى نادي قريش يعني مكان جلوسهم فجلس معهم وكانت مولاة (أي أمة) لعبد الله بن جدعان رأت ذلك فلما أقبل حمزة من القنص (أي صيد الطيور) متوشحاً قوسه جاءته هذه الأمة فأخبرته بما رأت وماذا فعل أبو جهل بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فغضب حمزة رضي الله عنه وأرضاه وكان رجلاً شديداً وكان في عنفوان شبابه وكان من أشجع قريش في ذلك الوقت رضي الله عنه وأرضاه ومحمد ابن أخيه فخرج يسعى ثمّ جاء لأبي جهل فلما دخل قام على رأسه وقال له تشتم ابن أخي وأنا على دينه ثمّ قام وسبه ثمّ ضربه بالقوس وشجّ وجهه شجة منكرة فثار رجال من بني مخزوم (يعني من قوم أبي جهل) وثار رجال من بني هاشم لحمزة حتى كادت أن تكون معركة بين الحيين فقال أبو جهل دعوا أبو عمارة فإني سببت ابن أخيه سباً قبيحا. قال حمزة رضي الله عنه: فلما خرجت فكرت في الأمر فقلت كيف قلت أنا على دينه وأنا لم أسلم بعد فما هو إلا أن شرح الله تبارك وتعالى صدري للإسلام وذلك أنه ذهب للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: يا ابن أخي إني قلت كذا وكذا فماذا أصنع فدعا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يشرح الله تبارك وتعالى صدره للإسلام فشرح الله جل وعلا صدره للإسلام وأسلم وكان إسلامه نصراً للمؤمنين.
إسلام عمر:
وأما إسلام عمر وهو النصر الثاني فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد ثبت عنه أنه قال اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام . وقصة إسلامه فيها أكثر من رواية ولكن أقرب الروايات إلى الصحة هي أن عمر رضي الله عنه قال: خرجت يوماً إلى البيت (البيت الحرام) فدخلت في ستر الكعبة والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قائم يصلي وقد استفتح سورة الحاقة فجعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقرأ وأنا استمع وأعجب من تأليفه (أي من تأليف هذا القرآن) فقلت في نفسي هذا والله شاعر كما قالت قريش فكانت قراءة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد وصلت إلى هذا الموضع "إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون" فقلت في نفسي كاهن فقرأ "ولا بقول كاهن قليلاً ما تذكرون تنزيل من رب العالمين" فوقع الإسلام في قلبي. ولما أسلم عمر جاء إلى رجل يقال له جميل بن معمر وهذا الرجل نقالة للحديث لا يستطيع أن يسكت أبداً فقال له أريد أن أخبرك شيئاً قال وما هو؟ فقال له: أسلمت فقام هذا الرجل (جميل بن معمر) فنادى بأعلى صوته إن ابن الخطاب قد صبأ إن ابن الخطاب قد صبأ ويسير فيها إن ابن الخطاب قد صبأ وعمر بن الخطاب يجري خلفه ويقول كذب ولكني أسلمت فقاموا إلى عمر رضي الله عنه فصاروا يقاتلونه (أي يضربونه وهو يضربهم ويضربونه هكذا حتى ارتفعت الشمس وذكرت بعض الروايات أنهم ضربوه حتى سقط مغشياً عليه من شدة ضربهم. عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: ما كنا نقدر أن نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر وقال كذلك مازلنا أعزة منذ أسلم عمر.
عتبة بن ربيعة يحاول مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم:(113/4)
كان عتبة بن ربيعة في نادي قريش ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المسجد وحده فقال عتبة يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد وأكلمه وأعرض عليه أموراً لعله يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء ويكف عنّا؟ وذلك بعد إسلام حمزة وعمر ورأت قريش أن أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يزيدون فقالوا له بلى يا أبا الوليد قم إليه فكلمه فقام إليه عتبة فجلس إليه فقال يا ابن أخي إنك منّا حيث قد علمت (يعني المنزلة والمكانة) وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم وسفهت به أحلامهم وعبت به آلهتهم ودينهم وكفّرت من مضى من آبائهم فاسمع مني أعرض عليك أموراً فانظر فيها لعلك تقبل منها بعضها فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يا أبا الوليد قل أسمع قال يا ابن أخي إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً وإن كنت تريد شرفاً سودناك علينا (أي جعلناك سيداً) فينا حتى لا نقطع أمراً دونك وإن كنت تريد به ملكاً ملكناك علينا وإن كان هذا الذي يأتيك رئياً (بكسر الراء) تراه لا تستطيع ردّه عن نفسك (أي مرضاً) طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه فإنه ربما غلب التابع على الرجل (يعني الجني فيكون فيك صرع وجنون) حتى يداوى منه فصار يتكلم أبو الوليد والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ساكت لا يتكلم فلما فرغ قال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم، قال: فاسمع أنت مني، قال: أفعل، فقام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون بشيراً ونذيراً فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون وقالوا قلوبنا في أكنّة مما تدعوننا إليه" فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقرأ وعتبة يسمع فلما وصل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى موضع السجدة في سورة فصلت سجد صلوات الله وسلامه عليه ثمّ رفع رأسه فقال قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك. هذا الذي عندي ما تكلم صلوات الله وسلامه عليه من كلام البشر أبداً وإنما قرأ عليه كلام رب البشر سبحانه وتعالى وفي بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما بلغ "فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود" فقام عتبة ووضع يده على فم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال أنشدك الله والرحم يعني لا تفعل لا تدع الله علينا أن يأتينا بصاعقة. فقام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض وهم يرونه قادماً نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به فلما جلس إليهم قالوا ما وراءك يا أبا الوليد قال ورائي أني سمعت قولاً والله ما سمعت مثله قط والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها فيّ وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم (أي تقتله العرب فليس لكم ذنب) وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم وكنتم أسعد الناس به قالوا سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه قال هذا رأي فاصنعوا ما بدا لكم .
المقاطعة:
بعد أن خرج عتبة بن ربيعة من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال ما قال رأت قريش أنه لا بد من حل لهذه المشكلة التي وقعت لهم فرأوا أن تكون المقاطعة التامة لبني هاشم وذلك انهم اجتمعوا فتحالفوا على بني هاشم وعلى بني المطلب أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يجالسوهم ولا يخالطوهم ولا يدخلوا بيوتهم ولا يكلموهم حتى يسلموا (بضم الياء وسكون السين) إليهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكتبوا بذلك صحيفة فيها عهود ومواثيق أن لا يقبلوا من بني هاشم صلحاً أبدا ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموا لهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيقتلوه وتمّ هذا الميثاق وعلقت الصحيفة في جوف الكعبة فانحاز بنو هاشم مؤمنهم وكافرهم وبنو المطلب مؤمنهم وكافرهم إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقي أبو لهب عم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبعض بني المطلب أمّا باقي أهل مكة فكلهم بقوا على تلك المعاهدة الظالمة الجائرة فخرج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى الشعب (بكسر الشين) يقال له شعب أبي طالب فخرج إليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجميع من أسلم معه وجميع بني هاشم عدا أبى لهب وجميع بني المطلب عدا ثلاثة أو أربعة فقط واستمرت هذه المقاطعة ثلاثة أعوام اشتد الحصار على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومن معه حتى بلغهم الجهد (بفتح الجيم) والتجئوا إلى أكل الأوراق والجلود والغريب في هذه المقاطعة أن كفار بني هاشم وكفار بني المطلب خرجوا مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهذا يبين لنا أن الحمية العربية كانت قوية ومؤثرة ولو قال قائل خرج بنو هاشم مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأنهم من أبناء عمومته فما بال بنو المطلب ولم لم يخرج بنو عبد شمس وبنو نوفل لأن عبد شمس ونوفلاً وهاشماً والمطلب كل هؤلاء أخوة فلماذا خرج بنو المطلب وبنو هاشم دون بني نوفل وبني عبد شمس ؟ إن الأمر الذي يبين هذا هو أن بني المطلب وبني هاشم علاقتهما مع بعضهما أقوى من علاقة بني هاشم مع بني عبد شمس أو بني نوفل وكذلك من علاقة بني المطلب مع عبد شمس أو نوفل وهذا من قديم ولذلك جاءت رواية عن عثمان بن عفان رضي الله عنه و جبير بن مطعم (بضم الميم) قال جبير بن مطعم لما كان يوم خيبر وضع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سهم ذوي القربى في بني هاشم وبني المطلب وترك بني نوفل وبني عبد شمس فأتيت أنا وعثمان بن عفان لأن جبير بن مطعم من بني نوفل وعثمان بن عفان من بني عبد شمس رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقلنا يا رسول الله هؤلاء بنو هاشم لا ننكر فضلهم بالموضع الذي وضعك الله به منهم فما بال إخواننا من بني المطلب أعطيتهم وتركتنا وقرابتنا واحدة فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنّا (أي بنو هاشم وبنو المطلب) لم نفترق في جاهلية ولا إسلام إنما نحن وهم شيء واحد و شبك بين أصابعه صلوات الله وسلامه عليه، وهذا الحديث أخرجه البخاري في صحيحه. ولذلك كانت العرب في السابق في الجاهلية قبل الإسلام بل وقبل مولد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كانوا يقولون عن هاشم والمطلب البدران ويقولون عن عبد شمس ونوفل الأبهران فعلاقة بني المطلب مع بني هاشم أقوى من علاقة غيرهم بهم. وكان أبو طالب خلال هذه السنوات الثلاث يخاف على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الاغتيال فكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا أراد أن ينام تركه أبو طالب فترة ثمّ أيقظه وغير مكانه لينام غيره مكانه.
قصة نقض الصحيفة:(113/5)
وبعد ثلاث سنوات نقضت (بضم النون) هذه الصحيفة وجميلة جداً قصة نقض الصحيفة والذي أشعل فتيل نقضها رجل يقال له هشام بن عمرو من بني عامر بن لؤي وكان هذا الرجل يصل بني هاشم في الشعب (يوصل إليهم بعض الأطعمة) فذهب إلى زهير بن أبي أمية وزهير هذا أمه عاتكة بنت عبد المطلب يعني أن بني هاشم أخواله وعاتكة عمة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو ابن عمة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال له: يا زهير أرضيت أن تأكل الطعام وتشرب الشراب وأخوالك بحيث تعلم؟ فقال: ويحك فما اصنع وأنا رجل واحد قال أما والله لو كان معي رجل آخر. قال: قد وجدت لك رجلاً آخر، قال: فمن؟ قال: أنا قال له زهير أبغنا رجلاً ثالثاً (أي حتى يتقويا) فذهب هشام بن عمرو إلى المطعم بن عدي والمطعم هذا من بني المطلب فجاءه وذكره أرحام بني هاشم وبني المطلب ولامه على موافقته لقريش على هذا الظلم فقال المطعم: ويحك ماذا أصنع إنما أنا رجل واحد؟ قال: قد وجدت ثانياً، قال: من هو؟ قال: أنا، قال: أبغنا ثالثاً، قال: فعلت، قال: من؟ قال: زهير بن أبي أمية قال: أبغنا رابعاً، فذهب هشام بن عمرو إلى أبي البختري بن هشام فقال له نحواً مما قاله للمطعم فقال: فهل من أحد يعين على هذا؟ قال: نعم، قال: من هو؟ قال: زهير بن أبي أمية والمطعم بن عدي وأنا معك قال أبغنا خامساً، وهذا يبين لنا أن الكثيرين ما كانوا يرضون بهذا ولكنها سلطة الكبار اتخذ القرار أبو جهل وعتبة وأبو سفيان وأبو لهب والوليد بن المغيرة وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط وغيرهم اتخذوا هذا القرار وكان على الجميع السمع والطاعة، فذهب هشام بن عمرو إلى زمعة بن الأسود بن المطلب وهذا زمعة يقال أنه والد سودة بنت زمعة أم المؤمنين ويقال إنه أخوها والظاهر أنه أبوها لأنها هي سودة بنت زمعة بن الأسود وهو زمعة بن الأسود فكلمه وذكر له قرابتهم وحقهم فقال له زمعة: وهل على هذا الأمر الذي تدعوني إليه من أحد؟ قال: نعم، قال: من؟ قال: زهير بن أبي أمية والمطعم بن عدي و أبو البختري بن هشام وأنا، فقال زمعة بن الأسود: وأنا معكم فاجتمعوا وتعاقدوا على القيام بنقض الصحيفة ولكن كيف؟ وكبار قريش هم الذين كتبوها وهم الذين اتفقوا عليها، كيف يستطيع هؤلاء الخمسة أن ينقضوا تلك الصحيفة؟ قال زهير: أنا أبدأكم فأكون أول من يتكلم فوافقوا على ذلك فلما أصبحوا غدوا إلى أنديتهم (أي إلى أماكن اجتماعاتهم) حول الكعبة وغدا زهير فطاف بالبيت سبعاً ثمّ أقبل على الناس وقال: يا أهل مكة أنأكل الطعام ونلبس الثياب وبنو هاشم هلكى لا يباعون ولا يبتاعون منهم والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة فقام أبو جهل وقال: كذبت والله لا تشق. هنا قام زمعة بن الأسود فقال لأبي جهل: أنت والله أكذب ما رضينا كتابتها حين كتبت فقام أبو البختري فقال: صدق زمعة لا نرضى ما كتب فيها ولا نقر به فقام المطعم بن عدي فقال: صدقتما وكذب من قال غير ذلك نبرأ إلى الله منها ومما كتب فيها فقام هشام بن عمرو فقال: صدقتم وكذب من قال غير ذلك نبرأ إلى الله منها، عندما تكلم هؤلاء الخمسة بهذه الصورة أمام الناس جميعاً وكما قلت كثير من الناس لا يرضون بهذا ولكن الكبار هم الذين قرروا وسطروا واجتمعوا على تلك الصحيفة فقام أبو جهل فقال هذا أمر قضي بليل تشوور (بضم التاء والشين) فيه بغير هذا المكان يعني أن أبا جهل فهم القضية وعرف أن هؤلاء الخمسة ما قاموا حمية بمجرد أن قام زهير وإنما قضية متفق عليها وكان أبو طالب موجوداً في ذلك الوقت فقام وقال: إن الله قد أخبر رسوله على أمر الصحيفة وقد أخبرني ابن أخي أن الله أرسل عليها الأرضة (وهي الدود التي تأكل الورق وغيره) فأكلت جميع ما فيها من جور وقطيعة وظلم إلا ما فيه حق (يعني كل شيء باطل في هذه الصحيفة أكل (بضم الألف)) وما بقي في هذه الصحيفة إلا الحق فإن كان ابن أخي صادقاً فتنهوا هذه المقاطعة وإن كان كاذباً خلينا بينكم وبينه (أي افعلوا ما شيء تم به قالوا أنصفت فقام المطعم بن عدي إلى الصحيفة فوجدها قد أكلت (بضم الألف) ما بقي فيها إلا قولهم باسمك اللهم وما كان فيه اسم الله تبارك وتعالى فإنها لم تأكله وما كان غير ذلك قد أكل كله فرجع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ورجع من معه إلى مكة مرة ثانية. ورجع مرة أخرى إلى الدعوة إلى الله تبارك وتعالى فقام أهل مكة إلى أبي طالب مرة ثانية وقالوا له ليكف عنا ابن أخيك لسانه الصحيفة ونقضناها ورجعتم كما كنتم ليترك الدعوة إذاً فجاء أبو طالب وجاء معه بعض نفر من قريش فكلموا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقالوا له: ماذا تريد منا؟ قال: أريد كلمة تعطونها تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم، قالوا: كلمة، قال: كلمة فقام أبو جهل وقال: وأبيك أعطيك مائة كلمة (إذا كانت القضية مجرد كلمة أعطيك مائة كلمة) فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: قولوا لا إله إلا الله فقال أبو جهل: أما هذه فلا. هذه الكلمة لا نعطيكها أبداً، أتريد أن تجعل الآلهة إلهاً واحداً يا محمد؟ فأنزل الله تبارك وتعالى " بسم الله الرحمن الرحيم، ص، والقرآن ذي الذكر، بل الذين كفروا في عزة وشقاق، كم أهلكنا من قبلهم من قرن ونادوا ولات حين مناص، وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب، أجعل الآلهة إلهاً واحداً إنّ هذا لشيء عجاب، وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إنّ هذا لشيء يراد ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق". نرى أن كفار مكة امتنعوا عن قول لا إله إلا الله فلم لم يقولوا للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا إله إلا الله ثمّ بعد ذلك يبقون على دينهم الذي هم عليه؟ لماذا؟ لأن أبا جهل وعتبة و عقبة بن أبي معيط والوليد بن مغيرة وأبا لهب وغيرهم كثير كل هؤلاء يعلمون علم اليقين معنى لا إله إلا الله وملايين المسلمين الآن في زماننا هذا لا يعرفون معنى هذا الكلمة أبو جهل يعلم أنه إذا قال لا إله إلا الله إنه سيلتزم بهذه الكلمة وأنه سيترك جميع الأصنام وإنه لن يدعو إلا الله ولن يذبح إلا لله ولن ينذر إلا لله ولن يخاف إلا من الله يعني الخوف الشرعي ولن يستغيث إلا بالله ولن يصلي إلا لله ولن يطوف إلا لله ويطيع رسول الله يعلم ما يترتب على هذه الكلمة ولكن الكثير من المسلمين الآن يقولون لا إله إلا الله ولكنهم يذبحون لغير الله وينذرون لغير الله ويخافون من غير الله ويستغيثون بغير الله ويسألون غير الله تبارك وتعالى وهذا كله بسبب الجهل .
وفاة أبو طالب:
بعد هذا الكلام سكتت قريش عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فترة من الزمن ثمّ كانت وفاة أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وذلك سنة عشر من النبوة (أي بعد خروجهم من الشعب بستة أشهر). عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه عن أبيه المسيب رضي الله عنه أن أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعنده أبو جهل وعبدالله بن أبي أمية (أخو أم سلمة أم المؤمنين هند بنت أبي أمية) فقال نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعمه أبي طالب أي عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله فقال أبو جهل وعبدالله بن أبي أمية يا أبا طالب أترغب عن ملّة عبد المطلب فعاد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عليه وهم يعيدان والنبي يعيد وهم يعيدان فلم يزالا به حتى قال آخر كلمة هو على ملة عبد المطلب ثمّ مات بعد ذلك فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لاستغفرن لك ما لم أنه (بسكون النون والهاء) عنك فنزل قول الله تبارك وتعالى " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم" ونزل كذلك قول الله تبارك وتعالى "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء" سبحانه وتعالى.
وفي هذه القصة من الفوائد الشيء الكثير منها أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان حريصاً على إسلام أبي طالب، ووالله لو قال أبو طالب تلك الكلمة لنفعته وذلك انه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في البخاري وغيره أنه دخل على غلام يهودي وهو على فراش الموت فقال له قل لا إله إلا الله فالتفت الغلام إلى أبيه فقال له أبوه أطع أبا القاسم فقال الغلام أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ثمّ مات فخرج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يقول الحمد لله الذي نجاه من النار فوالله لو قالها أبو طالب لنجاه الله من النار ووالله لتمنينا جميعاً أن يكون أبو طالب قالها والله ما حزنا أبداً ولن نحزن أبداً لو آمن أبو طالب بل نتمنى ذلك، ونتمنى أن يؤمن جميع الناس ولكننا مع النصوص وهو أن أبا طالب عم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يسلم ولم يتابع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. مع أنه ناصره و دافع عنه وحماه وخرج معه إلى الشعب بل ورباه في صغره ومع هذا كله يموت على الشرك. قال ابن كثير رحمه الله تعالى كان أبو طالب يصد الناس عن أذية رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه بكل ما يقدر عليه من فعال ومقال ونفس ومال ولكن مع هذا لم يقدر الله تبارك وتعالى له الإيمان لما له تعالى من الحكمة العظيمة والحجة القاطعة البالغة الدامغة التي يجب الإيمان بها والتسليم لها ولولا ما نهانا الله عنه من الاستغفار للمشركين لاستغفرنا لأبي طلب وترحمنا عليه.
والغريب في هذه القضية أن عبدالله بن أبي أمية الذي شارك أبا جهل في منع أبي طالب من الاستجابة لأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أسلم عام الفتح وذكروا أنه استشهد في حنين وقد ثبت أن العباس بن عبد المطلب قال للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما أغنيت عن عمك (أي أبا طالب) فإنه كان يحوطك ويغضب لك فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو في ضحضاح من نار ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل في النار نسأل الله تبارك وتعالى الهداية والعافية.
وفاة خديجة رضي الله عنها:
بعد أن حزن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على موت عمه أبي طالب جاءته الصدمة الثانية بخبر موت خديجة أم المؤمنين رضي الله تبارك وتعالى عنها وأرضاها فتوفيت بعد عمه أبي طالب بأشهر وقد ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال أتى جبريل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال يا رسول الله هذه خديجة قد أتت (يعني قبل موتها) معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب.
الدعوة إلى الطائف:(113/6)
بعد وفاة أبي طالب وفاة خديجة رضي الله تبارك وتعالى عنها وأرضاها خرج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من مكة إلى الطائف يدعو إلى الله تبارك وتعالى وذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جلس تلك السنوات العشر في مكة يدعو إلى الله تبارك وتعالى ثمّ رأى صلوات الله وسلامه عليه أن يخرج من مكة ويبدأ بالدعوة إلى الله تبارك وتعالى خارج نطاق مكة فأول ما فكر صلوات الله وسلامه عليه بالطائف فخرج مشياً على قدميه إلى الطائف معه زيد بن حارثة مولاه وخادمه وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد تبناه في أول الأمر فكان يسمى بزيد بن محمد حتى نزل قول الله تبارك وتعالى "ادعوهم لآبائهم" فصار ينادى بعد ذلك بزيد بن حارثة.
لما وصل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى الطائف عمد إلى ثلاثة أخوة من رؤساء ثقيف وهم عبد ياليل ومسعود وحبيب أبنا عمرو بن عمير الثقفي ودعاهم إلى الله وإلى نصرة دينه فقال أحدهم عن نفسه إنه يمزق ثياب الكعبة إن كان الله أرسل محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال الآخر لنبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أما وجد الله أحداً غيرك، وقال الثالث والله لا أكلمك أبداً إن كنت رسولاً لأنت أعظم خطراً من أن أرد عليك الكلام ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي أن أكلمك، هكذا عامل هؤلاء الثلاثة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بتلك القسوة وذلك الاستهزاء وهو قد خرج من بلده ودخل إلى بلد هو غريب فيها يدعو إلى الله تبارك وتعالى ولكنه ووجه بهذه الكلمات التي ملؤها الاستهزاء والسخرية . وليت الأمر بقي على ذلك ولكن الأمر زاد وذلك أنهم جاؤوا فقالوا له أخرج من بلادنا ثمّ أغروا به سفهاءهم فلما أراد الخروج تبعه السفهاء والعبيد والصبيان يسبونه ويصيحون به حتى اجتمع عليه الناس أي على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فوقفوا صفين وجعلوا يرمونه بالحجارة وبكلمات من السفه. ورموه حتى أصابوا عراقيبه (أي قدميه) صلوات الله وسلامه عليه حتى اختضب النعال بالدم وكان زيد رضي الله عنه يقي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بنفسه حتى أصابه شجاج في رأسه فصار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يمشي وهؤلاء يضربونه صلوات الله وسلامه عليه حتى التجأ إلى حائط لعتبة وشيبة ابني ربيعة في الطائف، فدخل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الحائط فجاء إلى حبلة من عنب (يعني شجرة صغيرة) فجلس تحت ظلها إلى جدار فلما جلس واطمأن دعا بدعاء ملؤه اللجوء والرغبة بما عند الله تبارك وتعالى والذي من خلاله يظهر للمؤمن كيف أنه يجب عليه دائماً أن يصدق مع الله وأن يلتجأ إلى الله وأن يرجع إليه في كل أمره فقال صلوات الله وسلامه عليه:&
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ عثمان الخميس
عدد القراء : 2553
تاريخ الموضوع: 03 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(113/7)
كنوز السيرة للشيخ عثمان الخميس - 2
الشيخ عثمان الخميس
الليالي ذوات العدد، قبل أن ينزع إلى أهله، (أي قبل أن يرجع إلى أهله ويتزود لذلك، من الطعام والشراب وما شابه ذلك)، ثمّ يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها وهكذا حتى جاءه الحق، (والحق هنا يحتمل أن يكون جبريل ويحتمل أن يكون الأمر الحق أي وهو البعثة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم) فقال: اقرأ ،فقال صلوات الله وسلامه عليه: ما أنا بقارئ، (أي لا أعرف القراءة وذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمّي لا يستطيع القراءة ولا يعرفها صلوات الله وسلامه عليه وقد أخبر الله تبارك وتعالى عنه في قوله الذين يتبعون الرسول النبي الأمي، وأخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن نفسه فقال: إنّا أمّة أمّية لا نكتب ولا نحسب، رواه البخاري ومسلم). فقال له: اقرأ ،فقال: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطنّي (أي ضمّني ضمّاً شديداً) حتى بلغ منّي الجهد (بفتح الجيم) (أي التعب) ثمّ أرسلني فقال: اقرأ قلت: ما أنا بقارئ فأخذني فغطنّي الثانية حتى بلغ منّي الجهد ثمّ أرسلني فقال: اقرأ قلت: ما أنا بقارئ فأخذني فغطنّي الثالثة ثمّ أرسلني فقال: "اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم". فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يرجف فؤاده (أي من الخوف) صلوات الله وسلامه عليه. أمر غريب يأتيه الملك في هذا المكان الموحش المظلم في الليل ويضمّه هذا الضم الشديد فأوقع هذا في قلب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الخوف وهذا خوف فطري لا يضره شيئاً. فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال: زملوني، زملوني، وذلك أن الخائف يشعر بالبرد والرعشة فيحتاج إلى أن يتلحّف ويتغطى حتى يذهب عنه ما يجد من الرجفة فزمّلوه حتى ذهب عنه الروع. فقال لخديجة بعد أن أخبرها الخبر لقد خشيت على نفسي قالت خديجة: وهي المثبّتة وهي التي اختارها الله لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم كلا والله ما يخزيك الله أبداً. هذا الكلام من خديجة تبدأه بالنفي ثمّ بالقسم والله ما يخزيك الله أبداً وتؤكده بقولها أبداً كل هذا دليل على ثقة هذه المرأة بربها تبارك وتعالى ومعرفتها الحقّة بمحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم والسبب الذي من أجله بنت هذا الكلام هو ما ذكرته بعد ذلك. قالت: إنك لتصل الرحم وتحمل الكل، والكل هو الذي لا يستطيع أن يستقل بأمره (يعني يساعده)، وتكسب (بضم التاء) المعدوم، (أي الذي ما عنده شيء تعطيه)، وتقري الضيف، (أي تكرم الضيف)، وتعين على نوائب الحق، (أي على مصائب الدنيا)، كأنها تقول للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من كانت هذه صفاته لا يمكن أن يقع الخزي من الله عليه أبداً لأن هذه الصفات صفات كمال، ثمّ انطلقت به حتى أتت به ورقة بن نوفل وهو ابن عم لها وقيل هو عمها وكان قد تنصّر في الجاهلية، (يعني اتخذ النصرانية ديناً)، وذلك أن قريشاً كانت على الشرك والوثنية، وكان هناك بعض النصارى وهم أقرب الناس إلى الحق في ذلك الوقت، قالت: وكان يكتب الكتاب العبراني، (يعني التوراة والإنجيل، وسميت اللغة باللغة العبرانية نسبة إلى عبورهم النهر)، ما شاء الله أن يكتب وكان شيخاً كبيراً قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عم اسمع من ابن أخيك. فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى فأخبره رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم خبر ما رأى فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزله الله على موسى (أي هذا الشيء هو الذي أنزله الله تبارك وتعالى على موسى صلوات الله وسلامه عليه) يا ليتني فيها جذعاً (أي شاباً قوياً)، ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك، عندها استبعد الرسول أن يخرجه قومه وذلك أنه يرى أن قومه يحبونه حباً شديداً ولا يسمونه إلا الصادق الأمين صلوات الله وسلامه عليه قال: أو (بفتح الواو) مخرجي هم؟ قال: نعم لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي. (وهذه قاعدة مهمة وأصل عظيم بنى عليه ورقة بن نوفل رأيه وذلك أن كل الأنبياء أوذوا وعودوا فمنهم من قتل ومن من طرد ومنهم من أوذي ومنهم من خوّف وهذا كثير) وأن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزرا ثمّ لم ينشب ورقة أن توفي. وفتر الوحي بعد ذلك (أي انقطع الوحي) مدة طويلة. وهذه المدة قدرها أهل العلم بستة أشهر وقال بعضهم: إنها بلغت ثلاث سنين. وورقة بن نوفل رحمه الله تبارك وتعالى ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه بشره بالجنة أو أخبر أنه من أهل الجنة. ولكن هل كان صحابياً؟ الصحيح أنه لم يكن صحابياً وذلك أنه لم يدرك الرسالة لأنه مات بعد مبعث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقبل تبليغه صلوات الله وسلامه عليه.
أنواع الوحي:
أنواع الوحي ستة كما قال أهل العلم:
أولاً: الرؤيا الصادقة، وهي كانت مبدأ الوحي للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يذكر.
ثانياً: ما كان يلقيه الملك في روع النبي وقلبه صلى الله عليه وعلى آله وسلم. كقوله صلوات الله وسلامه عليه إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب.
ثالثاً: أنه كان يتمثل الملك رجلاً فيخاطب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى يعي عنه كما في حديث جبريل لما جاء للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو بين أصحابه.
رابعاً: أنه كان يأتيه كمثل صلصلة الجرس وكان هذا أشده عليه حتى إن جبين الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليتفصّد عرقاً في اليوم الشديد البرد.
خامساً: أن يرى الملك في صورته التي خلقه الله تبارك وتعالى عليها فيوحي إليه ما شاء.
سادساً: ما يوحيه الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم مباشرة بدون واسطة ملك.
كيف وصل الشرك إلى مكة؟
كانت خزاعة هم ولاة البيت الحرام قبل قريش وكانوا يتوارثون الولاية على البيت كابراً عن كابر واستمرت على ولاية البيت (أي خزاعة) ثلاثمائة سنة وقيل خمسمائة سنة وفي زمانهم جلبت الأوثان إلى مكة على يد زعيمهم عمرو بن لحي (بضم اللام) وكان قوله فيهم كالشرع المتبع لمكانته عندهم وكان عمرو بن لحي هذا قد خرج إلى الشام فرأى أهل الشام يعبدون الأصنام فقال: ما هذه الأصنام التي تعبدون قالوا: هذه أصنام نعبدها نستمطرها فتمطرنا ونستنصرها فتنصرنا فقال: ألا تعطوني منها صنماً أسير به إلى أرض العرب فيعبدونه فأعطوه صنماً يقال له هبل فقدم به مكة فنصبه وأمر الناس بعبادته فأطاعوه قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه في النار أي يجر أمعاءه في النار، رواه الإمام البخاري والإمام مسلم في صحيحيهما. وقد كانت العرب على دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام ولكن لطول العهد نسوا كثيراً من تفاصيل الشرع واستمر هذا الأمر وهو رئاسة خزاعة على البيت الحرام حتى قام قصي بن كلاب بالزواج من ابنة رئيس خزاعة ثمّ بعد ذلك استعان بالعرب على قتال خزاعة فهزمهم وأجلاهم عن مكة وتسلم قصي الرئاسة وقصي كما هو معلوم من قريش. وكان مما بقي عند العرب من العبادات التي كانت على دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام الحج فكانوا يطوفون ويسعون ويقفون في عرفات ومزدلفة ويهدون البدن ولكنهم صاروا يقولون في تلبيتهم بعد بعد (بضم الباء وكسر الدال) العهد لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك ملكته وما ملك. قال ابن عباس رضي الله عنهما: إذا سرّك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين ومائة من سورة الأنعام قال تعالى: "قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفهاً بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراءاً على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين" قال ابن كثير: من ذلك ما كانوا ابتدعوه من الشرائع الباطلة الفاسدة التي ظنها كبيرهم عمرو بن لحي قبحه الله مصلحة ورحمة بالدواب والبهائم وهو كاذب مفتر في ذلك ومع هذا الجهل والضلال اتبعه هؤلاء الجهلة الطغام قال الله تبارك وتعالى: "ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام" والبحيرة هي التي كانوا يبحرون أذنها أي يشقونها ويجعلون لبنها للطواغيت ويمنعون الناس منها، وأما السائبة فهي البعير يسيب فلا يحبس عن رعي ولا ماء ولا يركبه أحد ويكون للآلهة، وأما الوصيلة فهي الناقة إذا ولدت أنثى بعد أنثى فتكون لها وإن ولدت ذكراً فهي للآلهة، وأما الحام فهو الفحل إذا انتج من ظهره عشرة ترك فلا يركب (بضم الياء) ولا يمنع (بضم الياء) من رعي، وتابعه أهل مكة على ذلك وزيادة، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تبارك وتعالى: بل قد تابعوه في ما هو أطمّ من ذلك وأعظم بكثير وهو عبادة الأوثان مع الله عز وجل وبدلوا ما كان الله بعث به إبراهيم خليله من الدين القويم والصراط المستقيم من توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له وتحريم الشرك وغيروا شعائر الحج ومعالم الدين بغير علم ولا برهان ولا دليل صحيح ولا ضعيف واتبعوا في ذلك من كان قبلهم من أمم المشركين. انتهى كلامه رحمه الله تعالى. وقد كانت العرب اتخذت مع الكعبة طواغيت تعظمها كتعظيم الكعبة لها سدنة وهم الخدم وحجّاب يذبح لها ويطاف حولها ومع هذا كله يعرفون فضل الكعبة. أمّا تلك الآلهة فكانت لقريش العزى وهبل وكانت اللات لثقيف وكانت مناة للأوس والخزرج، وكان ذو الخلصة (بضم الخاء واللام) لدوس.
بدء الدعوة:(114/1)
بعد أن أوحي (بضم الألف) للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبشر (بضم الباء) صلوات الله وسلامه عليه وبعد انقطاع الوحي الفترة التي ذكرناها، عاد إليه مرة ثانية وصار صلوات الله وسلامه عليه يدعو المقربين إلى دين الله تبارك وتعالى فكان أول من اسلم مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من النساء خديجة ومن الموالي زيد بن حارثة ومن الغلمان علي بن أبي طالب ومن الرجال الأحرار أبو بكر الصديق ومن العبيد بلال بن رباح. جاء في صحيح البخاري من حديث همّام بن الحارث عن عمّار بن ياسر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وما معه إلا خمسة أعبد وامرأتان وأبو بكر وأسلم على يدي أبي بكر الصديق الزبير بن العوام وعثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي الوقاص وعبد الرحمن بن عوف رضي الله تبارك وتعالى عنهم أجمعين. وجاء كذلك في صحيح مسلم حديث أبي أمامة عن عمرو بن عبسة السلمي رضي الله تبارك وتعالى عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في أول ما بعث وهو في مكة وهو حينئذ مستخف فقلت: ما أنت قال: أنا نبي قلت: وما النبي قال: رسول الله قلت: آ الله أرسلك قال: نعم قلت: بم أرسلك قال: بأن تعبد الله وحده لا شريك له وتكسر الأصنام وتصل الأرحام قال: قلت: نعم (بكسر النون) ما أرسلك به فمن اتبعك على هذا قال: حر وعبد يعني أبا بكر وبلالاً قال: فكان عمرو بعد ذلك يقول: لقد رأيتني وأنا ربع الإسلام قال: فأسلمت قلت: فأتبعك يا رسول الله قال: لا ولكن الحق بقومك فإذا أخبرت أني قد خرجت فاتبعني. وروى أبو داود الطيالسي عن ابن مسعود رضي الله تبارك وتعالى عنه قال: كنت غلاماً يافعاً أرعى غنماً لعقبة بن أبي معيط بمكة فأتى عليّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبو بكر وقد فرا من المشركين فقالا: عندك يا غلام لبن تسقينا قلت إني مؤتمن ولست بساقيكما فقال: هل عندك من جذعه (بفتح الجيم والذال) لم ينز عليها الفحل بعد (أي لم يجامعها الفحل) بعد قلت نعم فأتيتهما بها (يعني ائتنا بجذعه ليس فيها لبن) فاعتقلها أبو بكر وأخذ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الضرع ودعا فحفل الضرع وأتاه أبو بكر بصخرة متقعرة فحلب فيها ثمّ شرب هو وأبو بكر ثمّ سقياني ثمّ قال: للضرع أقلص فقلص (أي رجع) كما كان فلما كان بعد أتيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقلت علمني من هذا القول الطيب (يعني القرآن) فقال: إنك غلام معلّم (بفتح اللام) فأخذت من فيه (أي من فمه) سبعين سورة ما ينازعني فيها أحد.
إسلام أبي ذر الغفاري :
وكذلك ممن أسلم في أول الأمر أبو ذر الغفاري وقصته كما يأتي: أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي ذر الغفاري قال: خرجنا من قومنا غفار وهم يحلون (بضم الياء) الشهر الحرام وخرجت أنا وأخي أنيس (بضم الألف وفتح النون) وأمنا فنزلنا على خال لنا فأكرمنا خالنا وأحسن إلينا فحسدنا قومه فقالوا: إنك إذا خرجت عن أهلك خالف إليهم أنيس (يعني أنه يخونه في أهله) فجاء خالنا فنثى علينا الذي قيل له (يعني قال لنا وذكر لنا ما قيل له) فقلت له: أما ما مضى من معروفك فقد كدرته (أي بتصديقك هذه الأخبار) ولا جماع لك فيما بعد فقربنا صرمتنا (بكسر الصاد) (أي ناقتنا) فاحتملنا عليها فتركنا خالنا وسرنا فتغطى خالنا ثوبه فجعل يبكي فانطلقنا حتى نزلنا بحضرة مكة (أي قريباً من مكة) فنافر أنيس عن صرمتنا وعن مثلها فأتيا الكاهنة فخيّر أنيساً فأتانا أنيس بصرمتنا ومثلها معها (يعني أن أنيساً كان شاعراً فجاء إلى قريب من مكة ففاخر الناس بالشعر ثمّ احتكموا على ناقة مقابل ناقة ثمّ احتكموا إلى الكاهن فحكم لأنيس أنه أشعر فأخذ الصرمة الثانية أي الناقة الثانية) قال أبو ذر للراوي عنه عبدالله بن الصامت: وقد صليت يا ابن أخي قبل أن ألقى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بثلاث سنين قلت (يعني عبدالله بن الصامت) لمن؟ قلت: لله. قلت: فأين توجهت؟ (أي إلى أي قبلة) قلت: أتوجه حيث يوجهني ربي أصلي عشاءاً حتى إذا كان من آخر الليل ألقيت كأني خفاء حتى تعلوني الشمس (يعني كأني كساء أو ثوب من ضعفي وتعبي سقطت ونمت لا حركة في)، قال أبو ذر: فقال لنا أخي أنيس: إن لي حاجة بمكة فاكفني (أي ابق) مع أمي حتى اذهب وأرجع فانطلق أنيس حتى أتى مكة فراث علي (أي تأخر) ثمّ جاء فقلت ما صنعت قال: لقيت بمكة رجلاً على دينك يزعم أن الله أرسله قال أبو ذر: فقلت: فما يقول الناس قال: يقولون شاعر كاهن ساحر وكان أنيس أحد الشعراء قال أنيس: لقد سمعت قول الكهنة فما هو بقولهم ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر (أي على أنواع الشعر وأوزانه) فما يلتئم على لسان أحد بعدي أنه شعر (أي ليس بشعر) والله إنه لصادق وإنهم لكاذبون قال أبو ذر: قلت لأنيس: فاكفني حتى أذهب فأنظر فأتيت مكة فتضعّفت رجلاً منهم (أي ذهبت إلى رجل أرى إنه ضعيف فيهم) فقلت: أين هذا الذي تدعونه الصابئ (يعني النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم) فأشار إليّ وقال: الصابئ، الصابئ (يعني يشير عليّ بأني أنا الصابئ) فمال علي أهل الوادي بكل مدرة وعظم، (المدرة هي حجارة من الطين)، حتى خررت مغشياً عليّ من الضرب فارتفعت حين ارتفعت كأني نصب أحمر، (أي عندما وعيت من هذا الضرب وقفت كأني علامة حمراء من كثرة الدماء التي على جسدي) فأتيت زمزم فغسلت عني الدماء وشربت من مائها ولقد لبثت يا ابن أخي (يقول لعبد الله بن الصامت) ثلاثين بين ليلة ويوم ما كان لي طعام إلا ماء زمزم (ما كانوا يطعمونه لأنهم يتهمونه بأنه صابئ)، فسمنت حتى تكسرت عكن (بضم العين وفتح الكاف) بطني (يعني لحم البطن صار على بعضه)، وما وجدت على كبدي سخفة (بضم السين) جوع (أي ما شعرت بالضعف بسبب الجوع لأنه جلس شهراً كاملاً ما يشرب إلا ماء زمزم)، فبينا أهل مكة في ليلة قمراء أضحيان (يعني مضيئة) إذ ضرب (بضم الضاد) على أصمختهم (أي آذانهم)، فما يطوف بالبيت أحد (يعني الناس كلهم نيام) و امرأتين تدعوان إسافاً ونائلة (أي رأيت امرأتان تدعوان إسافاً ونائلة)، (وإساف صنم وكذلك نائلة)، فأتتا عليّ وهما في طوافهما فقلت أنكحا أحدهما الآخر (يعني يستهزأ بآلهتهما) فما تناهتا عن قولهما ثمّ انطلقتا تولولان وتقولان لو كان هاهنا أحد من أنفارنا (أي لو كان أحد هنا يقوم فيدافع عنّا) فاستقبلهما رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبو بكر وهما هابطان قال: ما لكما؟ قالتا الصابئ بين الكعبة وأستارها قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ما قال لكما؟ قالا: إنه قال لنا كلمة تملأ الفم (أي عظيمة) فجاء رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى استلم الحجر وطاف بالبيت هو وصاحبه ثمّ صلى فلما قضى صلاته صلوات الله وسلامه عليه فكنت أنا أول من حياه بتحية الإسلام فقلت له السلام عليك يا رسول الله فقال: وعليك ورحمة الله ثمّ قال: من أنت؟ قلت من غفار قال فأهوى بيده فوضع أصابعه على جبهته فقلت: في نفسي كره أن انتميت إلى غفار فذهبت آخذ بيده (أي أرفع يده) عن جبهته فقدعني صاحبه (أي منعني ودفعني صاحبه) وكان أعلم به مني ثمّ رفع رأسه (أي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم) ثمّ قال: متى كنت هاهنا؟ قلت قد كنت هاهنا منذ ثلاثين بين ليلة ويوم قال: فمن كان يطعمك؟ قلت ما كان لي طعام إلا ماء زمزم فسمنت حتى تكسرت عكن (بضم العين وفتح الكاف) بطني وما أجد على كبدي سخفة (يضم السين) جوع فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إنها مباركة إنها طعام طعم (بضم الطاء) فقال أبو بكر: يا رسول الله ائذن لي في إطعامه الليلة فانطلق رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبو بكر وانطلقت معهما ففتح أبو بكر باباً فجعل يقبض لنا من زبيب الطائف (والزبيب هو العنب) وكان ذلك أول طعام أكلته بها ثمّ غبرت (بفتح الغين والباء وتسكين الراء) (أي بقيت ما بقيت) ثمّ أتيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: إني قد وجهت لي أرض ذات نخل لا أراها إلا يثرب (أي أني أسافر إلى يثرب) أهاجر إليها صلوات الله وسلامه عليه فهل أنت مبلّغ عني قومك؟ عسى الله أن ينفعهم بك ويأجرك فيهم فأتيت أنيساً فقال لي: ما صنعت قلت صنعت أني قد أسلمت وصدقت قال: ما بي رغبة عن دينك فإني قد أسلمت وصدقت فأتيت أمنا فقالت: ما بي رغبة عن دينكما فإني قد أسلمت وصدقت فاحتملنا (أي ارتحلنا) حتى أتينا قومنا غفارا فأسلم نصفهم وكان يؤمهم إماء بن رحضة الغفاري وكان سيدهم وقال: نصفهم إذا قدم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم المدينة أسلمنا فقدم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم المدينة فأسلم نصفهم الباقي (أي أسلمت غفار) كلّها يقول وجاءت أسلم (أي قبيلة أسلم) فقالوا: يا رسول الله إخوتنا نسلم على الذي أسلموا عليه فأسلموا فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: غفار غفر الله لها وأسلم سالمها الله.
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ عثمان الخميس
عدد القراء : 2110
تاريخ الموضوع: 01 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(114/2)
كنوز السيرة للشيخ عثمان الخميس - 1
الشيخ عثمان الخميس
اسمه ونسبه:
هو محمد بن عبدالله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر. وفهر هذا هو قريش فكل قرشي فهري وهو صلى الله عليه وعلى آله وسلم مضري أي يرجع نسبه إلى مضر ثمّ إلى عدنان من ولد إسماعيل عليه الصلاة والسلام. قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفي قريشاً من كنانة واصطفي من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم، رواه الإمام مسلم في صحيحه. وجد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الخامس عبد مناف،كان على المشهور له أربعة من الولد وهم هاشم، والمطلب، وعبد شمس ونوفل فرسولنا صلى الله عليه وعلى آله وسلم يرجع نسبه إلى هاشم هو محمد بن عبدالله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وهاشم هذا اسمه عمرو ولقب بهاشم لأنه كان يهشم الخبز أي يكسره ويقطعه ويقدمه للحجاج. وهو أول من أطعم الثريد للحجاج، والثريد هو الخبز مع اللحم، وهو كذلك أول من سنّ الرحلتين لقريش رحلة الشتاء والصيف ولذلك قال الشاعر:
عمرو الذي هشم الثريد لقومه ورجال مكة مسنتون عجاف
سُنتْْ إليه الرحلتان كلاهما سفر الشتاء ورحلة الأصياف
وكان لهاشم ولدان أحدهما عبد المطلب والثاني أسد وعبد المطلب لقب (بفتح اللام والقاف) كذلك واسمه شيبة الحمد وإنما لقب بعبد المطلب لأنه كان عند أخواله بني النجار في المدينة لما توفي والده وذلك أن هاشماً كان متزوجاً من بني النجار من أهل المدينة وترك ولده شيبة الحمد عند أخواله ومات هاشم وشيبة الحمد ولده عند أخواله وبعد موته ذهب المطلب أخو هاشم وعم شيبة الحمد إلى المدينة وأتى بابن أخيه ليكون عند أعمامه فلما دخل به مكة ظن أهل مكة أنه عبد اشتراه المطلب فقالوا: هذا عبد المطلب فقال لهم المطلب: لا، إنما هو ابن أخي هاشم ولكن غلب عليه ذلك اللقب وصار لا يسمى إلا بعبد المطلب.
وعبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقعت في زمنه واقعتان لم يغفلهما التاريخ.
الأولى: حفر زمزم، وذلك كما هو معلوم أن الله تبارك وتعالى قد امتن على هاجر أم إسماعيل وولدها إسماعيل عليه الصلاة والسلام بأن أوجد لهما زمزم، ثم مرت السنون تلو السنين حتى خفيت معالم زمزم، وقد ذكر أن عبد المطلب كان نائماً يوماً ما فرأى في المنام أنه يؤمر بحفر زمزم ودلّ على مكانها في النوم فقام إلى المكان الذي أمر في المنام بحفره فحفره ووجد الماء، ثمّ أقام بعد ذلك سقاية الحاج.
الثانية: مجيء أبرهة الحبشي لهدم الكعبة، و قصة أبرهة كما ذكرها أهل العلم هي: وذلك أن أبرهة الحبشي بنى كنيسة عظيمة بصنعاء، لم ير في زمانها مثلها، وكتب إلى النجاشي إني قد بنيت لك كنيسة لم يُبْن (بضم الياء) مثلها لملك قبلك ولست بمنته حتى أصرف إليها حج العرب، (يعني يريد أن يضاهي بها مكة) فلما تحدث العرب بكتاب أبرهة إلى النجاشي، غضب رجل من كنانة فخرج حتى دخل الكنيسة في وقت لم يره فيه أحد، فجاء وقعد وأحدث في الكنيسة، تبرز داخل هذه الكنيسة، فلما أخبر (بضم الألف) أبرهة بذلك، قال: من صنع هذا؟ فقيل له: صنعه رجل من أهل هذا البيت الذي تحجه العرب بمكة، لما سمع بقولك إنك تريد أن تصرف حج العرب إلى بيتك هذا فغضب غضباً شديداً. وهنا لابد من التنبيه على نقطة مهمة: لاشك أن هذا الرجل سمع بمنكر وهو أن أبرهة أراد أن يصرف حج العرب من مكة إلى هذه الكنيسة فغضب لأجل هذا الأمر فأنكر ذلك المنكر بأن لطخ الكنيسة بالعذرة. وهذا في مقابله أوجد عند أبرهة غضباً شديداً وهو أنه عزم بعد ذلك على هدم الكعبة. وهذا الذي نص عليه أهل العلم وهو أنه لا يجوز إنكار المنكر بإيقاع منكر أعظم منه، بل لابد أن يكون إنكار المنكر بحيث أن لا يقع بعد ذلك أو على إثره منكر أعظم منه. غضب أبرهة لهذا الفعل وحلف ليسيرنّ إلى البيت حتى يهدمه، ثمّ أمر الحبشة فتهيأت وتجهزت. ثمّ سار بستين ألف وأخرج معه الفيلة والعرب لا تعرف الفيلة في ذلك الوقت. فخرج بالفيلة ويذكر أن رئيس الفيلة فيل يسمونه محموداً. فلما تجهز وسار سمع العرب بذلك فأعظموه وفظعوا به ورأوا جهاده حقاً عليهم، وذلك أنهم وإن كانوا على الشرك ولكنهم كانوا يعظمون بيت الله تبارك وتعالى. فكان ممن قابله رجل من أهل اليمن يقال له ذو نفر فدعا قومه ومن أجابه من العرب إلى حرب أبرهة ولكن أبرهة هزم ذا نفر وأصحابه وأسره معه ثمّ مرّ بالطائف فخرج إليه مسعود بن معتّب الثقفي فقال له: أيها الملك إنما نحن عبيدك سامعون لك مطيعون ليس عندنا لك خلاف وليس بيتنا هذا الذي تريد (يعنون اللات) إنما تريد البيت الذي بمكة ونحن نبعث معك من يدلك عليه، فبعثوا معه رجلاً يقال له أبو رغال يدله على الطريق، فخرج أبرهة ومعه أبو رغال (بضم الراء أو بكسرها) حتى نزل بالمغمّس مكان قريب من مكة فلما أنزله به مات أبو رغال هناك، فبعد ذلك رجم العرب قبر أبي رغال وذلك أنهم يرون أن هذا الرجل كان رجل سوء لأنه كان دليلاً لأبرهة إلى هدم بيت الله الحرام، ولذلك يقول جرير عن الفرزدق لأنهما كانا دائماً يتهاجيان وبينهما نفرة (بضم النون) يقول جرير:
إذا مات الفرزدق فارجموه كرجمكم لقبر أبي رغال
قال ابن إسحاق: فلما نزل أبرهة بالمغمّس بعث رجلاً من الحبشة يقال له الأسود على خيل له حتى أتى مكة فساق إليه أموال تهامة من قريش وغيرهم وأصاب فيها مائتي بعير لعبد المطلب وهو يومئذ كبير قريش وسيدها فهمّت قريش وكنانة وهذيل ومن كان بذلك الحرم لقتاله ثمّ عرفوا لا طاقة لهم لقتال أبرهة، وبعث أبرهة رجلاً يقال له حناطة إلى مكة وقال: سل عن سيد أهل هذا البلد وشريفهم ثمّ قل له إن الملك يقول: إني لم آت لحربكم وإنما جئت لهدم هذا البيت، فإن لم تعرضوا لنا دونه فلا حاجة لي بدمائكم فإن هو لم يرد حربي فأتني به. فجاء حناطة وكلّم قريشاً بما قال أبرهة وخرج معه عبد المطلب لأنه سيد قريش في ذلك الزمن فلما دخل عبد المطلب على أبرهة احتار أبرهة ماذا يفعل؟ وذلك أنه أراد أن يكرم عبد المطلب، قال: إن أجلسته معي على عرشي كان في هذا منقصة لي، وإن تركته وأنا على العرش كان في ذلك منقصة له. فنزل عن عرشه وجلس مع عبد المطلب على الأرض. فأول ما كلمه قال لعبد المطلب: ماذا تريد؟ قال: لقد أخذتم مائتين من الإبل لي فأعيدوها، فغضب أبرهة وقال: لقد ظننتك أكبر من هذا وأعظم من هذا ثمّ جئتني تسألني عن إبلك ولا تطلب مني أن أرجع عن البيت وألاّ أهدمه. فقال عبد المطلب قولة كانت في وقتها حساسة جداً وصارت بعد ذلك مضرباً للأمثال قال عبد المطلب: أنا رب الإبل وللبيت رب يحميه. فقال أبرهة: ما كان ليمتنع منّي. قال: أنت وذاك. فقال أبرهة: ردوا عليه إبله. فلما رجع عبد المطلب إلى قريش أخبرهم الخبر وقال لهم: اخرجوا من مكة فلا طاقة لكم لقتال أبرهة. وخرجوا إلى الجبال، ثمّ قام عبد المطلب وأخذ بحلقة الباب (باب الكعبة) وقام معه نفر من قريش يدعون الله، ويستنصرونه على أبرهة وجنده وقال عبد المطلب:
لا همّ إن العبد يمنع رحله ،،،،، فامنع رحالك
لا يغلبنّ صليبهم ومحالهم ،،،،، غدواً محالك
إن كنت تاركهم وقبلتنا ،،،،، فأمر ما بدا لك
ثمّ أرسل عبد المطلب حلقة الباب وانطلق ومن معه إلى الجبال يتحرزون فيها ينتظرون ماذا يفعل أبرهة. فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة وهيأ فيله وعبأ جيشه فلما وجهوا الفيل إلى مكة برك ولم يمش معهم فقال بعضهم: ما منع الفيل؟ قالوا: لا ندري. قال: اضربوه، فضربوا الفيل فأبى فوجهوه إلى اليمن فقام، ووجهوه إلى الشام فقام، ووجهوه إلى المشرق فقام، فلما وجهوه إلى مكة برك، ثمّ بعد ذلك فوجئوا بأن أرسل الله تبارك وتعالى عليهم الطير الأبابيل كما قال الله تبارك وتعالى: بسم الله الرحمن الرحيم، ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل، ألم يجعل كيدهم في تضليل، وأرسل عليهم طيراً أبابيل، ترميهم بحجارة من سجيل، فجعلهم كعصف مأكول. نعم هكذا أرسل الله تبارك وتعالى الطير الأبابيل، ورمت أبرهة ومن معه بحجارة من سجيل فأهلكهم الله تبارك وتعالى جميعاً. وقيل إنه بقي بعضهم حتى يخبروا قومهم بما فعل الله تبارك وتعالى بهم. هذه هي الحادثة الثانية التي كانت في زمن عبد المطلب.
أعمامه :
يذكر أن عبد المطلب كان له عشرة من الولد وهم: حمزة والعباس وهذان أسلما رضي الله عنهما وكان له كذلك من الولد أبو طالب و أبو لهب وهذان لم يسلما، وعنده من الولد كذلك الحارث والزبير والغيداق والمقوّم وصفّار وعبد الله وهو والد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهؤلاء لم يدركوا بعثة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فأولاد عبد المطلب ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: قسم أدرك الإسلام ودخل فيه، وهما حمزة والعباس. وقسم أدرك الإسلام ولم يدخل فيه، وهما أبو طالب و أبو لهب، وقسم لم يدرك الإسلام وهم بقية أولاد عبد المطلب.
عماته:
البيضاء ويقال لها أم حكيم، وصفية وعاتكة وبرة وأروى وأميمة.
وعلى المشهور أن عبد المطلب كان قد نذر لإن رزقه الله تبارك وتعالى عشرة من الولد ليذبحنّ أحدهم، قربى لله تعالى وذلك انه لما حفر زمزم منعته قريش من أخذها له فلم يكن له ولد يمنعه، فغضب لأجل هذا وقال: لإن رزقني الله عشرة من الولد لأذبحنّ أحدهم، فرزقه الله تبارك وتعالى أولئك الأولاد فأراد أن يوفي بنذره فعمل قرعة فوقعت القرعة على ولده عبدالله والد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلما أراد ذبحه قامت إليه قريش ومنعته، فقال عبد المطلب: فكيف أصنع بنذري؟ فأشاروا عليه بأن يأتي العرافة فيسألها فجاءها وسألها فأمرته أن يقرع بين ولده عبدالله وعشرة من الإبل فقرع فوقعت القرعة على عبد الله فقالت له: زد عشرة، فزاد عشرة من الإبل فوقعت القرعة على عبد الله فقالت له: زد عشرة، وهكذا كلما زاد عشرة من الإبل كانت تقع القرعة على ولده عبد الله حتى بلغت الإبل مائة، فعمل القرعة فوقعت القرعة على الإبل. عند ذلك قام عبد المطلب فنحر الإبل ثمّ تركها لا يرد عنها أحداً من البشر أو السباع. وكانت الدية عند العرب في ذلك الوقت عشراً من الإبل فبعد هذه الحادثة صارت الدية عند العرب مائة من الإبل، والإسلام أقرها. فالدية الآن في دين الله تبارك وتعالى مائة من الإبل.(115/1)
ولادة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ثبت عن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنه قال: يوم الاثنين يوم ولدت فيه. في شهر ربيع الأول على المشهور امتن الله تبارك وتعالى على البشرية بولادة سيد المرسلين وإمام المتقين وقائد الغر المحجّلين، وذلك بعد حادثة الفيل بأشهر في مكة المكرمة، وولد يتيم الأب وذلك أن أباه مات وأمه حامل به، وكانت ولادته صلوات الله وسلامه عليه ولادة معتادة لم يتمكن المؤرخون كما يذكر أهل العلم من تحديد يوم مولده وشهره على وجه الدقة، أما يوم المولد من أيام الأسبوع فهو يوم الاثنين كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ولكن في أي اثنين الله أعلم. قيل في التاسع من ربيع الأول، وقيل في الثاني عشر وقيل غير ذلك وقيل في رمضان ولكن المشهور أنه في الثاني عشر من ربيع الأول. وتحديد يوم ميلاده صلوات الله وسلامه عليه لا يرتبط فيه شيء من الناحية الشرعية وأما ما يقوم به كثير من الناس في كثير من بلاد المسلمين من الاحتفال بيوم مولد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنه عمل غير صالح، وذلك لأمور منها:
أولاً: إنه لا يعرف مولده على الدقة صلوات الله وسلامه عليه.
ثانياً: لم يحتفل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بيوم مولده في حياته أبداً مع أنه عاش ثلاثاً وستين سنة صلوات الله وسلامه عليه.
ثالثاً: لم يحتفل الصحابة ولا التابعون ولا الأئمة المتبوعون وغيرهم من العلماء بيوم مولده ولو كان خيراً لسبقونا إليه.
رابعاً: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يأمرنا بذلك مع أنه قال: ما تركت خيراً يقربكم إلى الله والجنة إلا وقد أمرتكم به. فما لم يأمرنا به صلوات الله وسلامه عليه فليس بخير فالخير كل الخير في الاتباع والشر كل الشر في الابتداع ولذلك قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد أي مردود على صاحبه.
مرضعته:
لما ولد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أرضعته أول ما أرضعته ثويبة وهي مولاة عمه أبي لهب وكانت قد أرضعت قبل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عمه حمزة ولذلك حمزة رضي الله عنه يكون أخاً للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الرضاعة أمهما جميعاً ثويبة مولاة أبي لهب. ولم يدم هذا الأمر طويلاً وذلك أنه كان من عادة العرب أنهم يلتمسون المراضع لأولادهم أي المرضعات فكان العرب يحبون أن تأتي المرضعة من خارج مكة فتأخذ الوليد فترضعه لمدة سنتين ثمّ تفطمه وتعيده إلى أمه. ونترك حليمة السعدية تذكر لنا قصتها مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، تقول حليمة السعدية إنها خرجت من بلدها مع زوجها وابن لها صغير ترضعه في نسوة من بني سعد بن بكر تلتمس الرضعاء، وذلك في سنة شهباء لم تبق لنا شيئاً، (والشهباء يعني لا زرع ولا ماء)، فخرجت على أتان لي قمراء، (الأتان هو الحمار والقمراء يعني بيضاء)، معنا شارف لنا، (والشارف هي الناقة) والله ما تبض بقطرة، (يعني ما فيها حليب أبداً)، وما ننام ليلنا أجمع من صبيّنا الذي معنا من بكائه من الجوع، والله ما في ثديي ما يغنيه وما في شارفنا ما يغذيه، ولكن كنا نرجو الغيث والفرج، فخرجت على أتاني تلك حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء، فما منّا امرأة إلاّ وقد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فتأباه وذلك إذا قيل لها إنه يتيم وذلك أن كنا نرجو المعروف من أبي الصبي فكنّا نقول يتيم وما عسى أن تصنع أمه وجدّه فكنّا نكرهه لذلك. فما بقيت امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعاً غيري فلمّا أجمعنا الانطلاق (يعني عزمنا على الرجوع) قلت لصاحبي أي زوجها والله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي ولم آخذ رضيعاً والله لأذهبنّ إلى ذلك اليتيم فلآخذنه قال: لا عليك أن تفعلي عسى الله أن يجعل فيه بركة. سبحان الله، (هذه المسكينة حليمة السعدية لا تدري أن الخير والبركة كلها عند هذا اليتيم صلوات الله وسلامه عليه ). فرجعت إليه فأخذته وما حملني على أخذه إلا أني لم أجد غيره فلمّا أخذته رجعت به إلى رحلي فلمّا وضعته في حجري أقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن فشرب حتى روي وشرب معه أخوه (أي ولدها) حتى روي ثمّ ناما، وما كنّا ننام معه قبل ذلك من بكاء الولد، وقام زوجي إلى شارفنا تلك (أي الناقة) فإذا هي حافل أي مملوءة لبنا، فحلب منها ما شرب وشربت معه حتى انتهينا رياً وشبعاً، فبتنا بخير ليلة، فقال لي صاحبي (أي زوجها) حين أصبحنا: تعلمي والله يا حليمة لقد أخذت نسمة مباركة. فقلت: والله إني لأرجو ذلك. ثمّ خرجنا وركبت أنا أتاني وحملته عليها معي، (أي حملت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم) فوالله لقطعت بالركب ما لا يقدر عليه شيء من حمرهم (أي سبقتهم في المسير) حتى إن صواحبي ليقلن لي يا ابنة أبي ذؤيب ويحك أربعي علينا، (أي لا تسرعي)، أليست هذه أتانك التي كنت خرجت عليها؟ فأقول لهن بلى والله إنها لهي هي فيقلن والله إن لها شأناً، ثمّ قدمنا منازلنا من بلاد بني سعد، وما أعلم أرضاً من أرض الله أجدب منها، (يعني قاحلة ليس فيها زرع ولا ماء)، فكانت غنمي تروح علي حين قدمنا بها معنا شباعاً لبنا، فنحلب ونشرب وما يحلب إنساناً قطرة لبن لأن الأرض جدباء ، حتى كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانهم ويلكم اسرحوا حيث يسرح راعي بنت أبي ذؤيب فتروح أغنامهم جياعاً ما تبض بقطرة لبن وتروح غنمي شباعاً لبنا، فلم نزل نتعرف من الله زيادة والخير حتى مضت سنة وفصلته، (أي فطمته)، وكان يشب شباباً لا يشبه الغلمان فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلاماً جفراً ، (يعني قوياً)، فقدمنا به على أمه (لأن بينهم وبين أمه وعداً بعد سنتين يعيدان إليها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم) فقدمنا به على أمه ونحن أحرص على مكثه فينا، لما كنا نرى من بركته فكلمنا أمه وقلت لها لو تركت ابني عندي حتى يغلظ فإني أخشى عليه وباء مكة، فلم نزل بها حتى ردته معنا. (فهي لا تخشى عليه الوباء ولكنها تريده لما رأت من الخير عند مجيئه صلوات الله وسلامه عليه)، فما زلت بها حتى ردته معنا.
طفولته:
وهكذا بقي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في بني سعد حتى إذا كانت السنة الرابعة من عمره أو الخامسة وقع حادث عجيب. وذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرج القلب واستخرج منه علقة فقال: هذا حظ الشيطان منك ثمّ غسله أي القلب في طست من ذهب بماء زمزم ثمّ لأمه (أي أعاده إلى مكانه) وجاء الغلمان يسعون إلى أمّه ، أي حليمة، فقالوا إن محمداً قد قتل، لأنهم رأوا الملك جاء إليه وشق صدره وأخرج قلبه، فخرجت حليمة مع زوجها ينظرون إلى مقتل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فوجدوه قائماً صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولكنه ممتقع اللون لأن هذا الأمر غريب بالنسبة إليه صلوات الله وسلامه عليه، وهذه آية من آيات الله تبارك وتعالى، والله جلّ وعلا على كل شيء قدير سبحانه وتعالى، عند ذلك خافت حليمة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فردته إلى أمه.
وفاة أمّه:
لما بلغ السادسة من عمره خرجت أمه به لتزور قبر والده في طريق المدينة فزارت قبر أبيه وكان معها في سفرها هذا جده عبد المطلب وخادمتها أم أيمن فبعد أن زارت قبر والده ورجعت إلى مكة وهم في الطريق إلى مكة ماتت أمّه صلوات الله وسلامه عليه في مكان بين مكة والمدينة يقال له الأبواء. فبعد أن كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتيم الأب صار صلوات الله وسلامه عليه في السادسة من عمره يتيم الأب والأم بأبي هو وأمي.
وفاة جدّه:
كفله جدّه ورباه ولما بلغ الثامنة من عمره مات جدّه عبد المطلب.
احتضان عمّه له:
عند ذلك احتضنه عمه أبو طالب ورباه بعد ذلك حتى بلغ سن الرجال صلوات الله وسلامه عليه وقد قام أبو طالب بحق سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم خير قيام، وكان ربما قدّمه على ولده.
حادثة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع الراهب بحيرى:
ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم اثنتي عشرة سنة خرج مع عمه أبي طالب إلى الشام في التجارة ووقعت له هناك حادثة غريبة وهذه الحادثة تتمثل في أن أبا طالب عم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مرّ على راهب يقال له بحيرى في مكان يقال له بصرى وهذا الراهب اسمه جرجيس ولما نزل به أبو طالب ومن معه أكرم ضيافتهم ثمّ قال: من معكم؟ قالوا: نحن قال: ما معكم أحد آخر؟ قالوا: معنا صبي عند متاعنا قال: ائتوني به فلما جاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ورآه بحيرى الراهب نظر في وجهه وكان يعرف أن هذا الوقت وقت خروج نبي ثمّ بحث فوجد خاتم النبوة. وخاتم النبوة هذا عبارة عن ورمة في كتف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من خلف في قدر البيضة فقال بحيرى لأبي طالب: إنكم حينما أشرفتم من العقبة لم يبق حجر ولا شجر إلا وخرّ ساجداً للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا تسجد هذه إلا لنبي وإني أعرفه بخاتم النبوة في أسفل غضروف كتفه، مثل التفاحة إن وجدناه في كتبنا ارجع به فإني أخاف عليه اليهود (أي في الشام)، فرجع به إلى مكة.
حلف الفضول:
وحضر صلوات الله وسلامه عليه حلف الفضول وذلك حين بلغ الخامسة عشرة من عمره. وهذا الحلف تداعت إليه بنو هاشم وبنو المطلب وبنو أسد وبنو زهرة وبنو تيم، اجتمعوا في دار عبدالله بن جدعان التيمي وذلك لسنه وشرفه وتعاقدوا على ألاّ يجدوا مظلوماً بمكة سواءً كان من أهلها أو من غيرهم إلا نصروه وأخذوا له حقه. وكان النبي صلوات الله وسلامه عليه يقول بعد ذلك حضرت حلف الفضول ولو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت وما أحب أن لي به حمر النعم، (هي الإبل الحمراء التي تشتاق إليها نفوس العرب وتحبها).
قبل البعثة:
كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في تلك الفترة يرعى الغنم مقابل قراريط أي أموال قليلة لأهل مكة عن جابر قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بمر الظهران، مكان قريب من مكة، ونحن نجني الكباث، (الكباث ثمر الأراك وهو السواك)، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: عليكم بالأسود منه قال: فقلنا يا رسول الله كأنك رعيت الغنم، قال: نعم، رواه الإمام مسلم في صحيحه. وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم فقال أصحابه: وأنت قال: نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة، رواه الإمام البخاري في صحيحه. قال أهل العلم لعل الحكمة من إلهام الأنبياء من رعي الغنم قبل النبوة أن يحصل لهم التمرن برعيها على ما يتلقونه من القيام بأمر أمتهم في مخالطتها ، (أي الغنم)، ما يحصل لهم الحلم والشفقة لأنهم إذا صبروا على رعيها وجمعها بعد تفرقها في المرعى ودفع عدوها عنها ألفوا من ذلك الصبر على الأمة وخصّ الغنم بذلك لكونها أضعف من غيرها ولأن تفرقها أكثر من تفرق الإبل والبقر. وبعد رعي الغنم اشتغل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالتجارة.
زواجه:(115/2)
بلغ خديجة بنت خويلد ما وصف به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من كريم الأخلاق والأمانة فبعثت إليه وعرضت عليه أن يخرج في مال لها إلى الشام. وخديجة من أشراف قومها من بني مخزوم وأرسلت معه غلاماً لها يقال له ميسرة فوافق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وخرج بمالها وتاجر لها ولما رجع إلى مكة أخبرها ميسرة بما وقع من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من كريم خلقه وحسن تعامله وما كانت من بركة وقعت له صلوات الله وسلامه عليه كل هذا جعلها تعجب به فتحدثت عن إعجابها به مع صديقاتها وكان ممن تحدثت معها صديقة لها يقال لها نفيسة فذهبت نفيسة إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعرضت عليه أن يتزوج خديجة فقبل صلوات الله وسلامه عليه وذهب مع أعمامه إلى عم خديجة وتمّ الزواج. وكانت سنها على المشهور أربعين سنة وكان سن النبي صلوات الله وسلامه عليه الخامسة والعشرين. وقد أحبها النبي صلوات الله وسلامه عليه حباً شديداً ولم يتزوج عليها في حياتها أبداً.
أولاده من خديجة:
رزقه الله تبارك وتعالى من خديجة الولد فولدت له عبدالله والقاسم وفاطمة وزينب ورقية وأم كلثوم رضي الله تبارك وتعالى عنهم أجمعين.
إعادة بناء الكعبة:
لما بلغ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الخامسة والثلاثين من عمره وقع أمر مهم وهو أن قريشاً قررت إعادة بناء الكعبة وذلك أن الكعبة قد تساقطت بعض حجارتها وكان قد جاءها سيل شديد أثر في بنيانها كثيراً، واختلفوا هل يرممون البيت أو يهدمونه من جديد؟ فمن قائل يهدم ويبنى من جديد ومن قائل بل يرمم وذلك أنهم خشوا إذا هدموا البيت أن يصابوا بأذى وذلك أن ما حدث لأبرهة قريب جداً وكثير منهم قد عاصروا ونظروا ما وقع لأبرهة وجيشه حين أردوا ذلك البيت المقدس عند الله تبارك وتعالى. فقام الوليد بن المغيرة وقال: والله لنهدمنّه ولنبنينّه من جديد فقالوا: إنّا نخاف أن نصاب بأذى فقال: وأي أذى وأنتم إنما أردتم الخير قالوا: فابدأ أنت قال: نعم فجاء الوليد إلى الكعبة ورفع الفأس وقال: اللهم لن ترع (يعني لا تخف يا رب لا نريد إيذاءك وإنما نريد الخير وهذا لا شك يدل على جهلهم بالله تبارك وتعالى). فضرب ثمّ انتظر فلم يصب بأذى فقال: أيها الناس اهدموا فقالوا: لا، حتى تصبح وأنت سليم. قال: نعم فلما أصبح وإذ لم يصب بأذى فقاموا جميعاً فهدموا بيت الله الحرام. ولكنهم لما هدموا البيت وأرادوا إعادة بنائه قالوا: لا يدخل في بنائه إلا مال طيب فلا يقبل مال ربا ولا ميسر ولا مهر بغي ولا مال مسروق وهذا شيء عجيب هم على كفرهم يعرفون المال الحلال من المال الحرام . وقدّر الله أن المال الحلال الذي جمعوه كان قليلاً لم يكف لبناء الكعبة فبنوا الكعبة على ما هي عليه الآن ثمّ جعلوا هذا السور أو هذا القوس الذي نراه والذي يسميه كثير من الناس حجر (بكسر الحاء وتسكين الجيم) إسماعيل وليس لإسماعيل عليه الصلاة والسلام حجر. بل هو الحجر أو الجدر (بفتح الجيم وتسكين الدال) كما كان يسميه أهل مكة، وهذا الحجر ستة أذرع منه تعتبر من الكعبة (يعني نصفه تقريباً) ولذلك إذا أردنا أن نطوف حول الكعبة لا يجوز لنا أن نطوف من داخل الحجر لأننا مطالبون أن نطوف من حول الكعبة لا أن نطوف في الكعبة. وكان للكعبة بابان فجعلوا لها باباً واحداً وكان الباب ملاصقاً للأرض فرفعوه حتى يدخلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا وقد سألت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الجدر أمن البيت هو؟ قال: نعم. قالت: فما لهم لم يدخلوه في البيت؟ قال: إنّ قومك قصّرت بهم النفقة، قالت: فما شأن بابه مرتفعاً؟ قال: فعل ذلك قومك ليدخلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا ولولا أن قومك حديثو عهد بالجاهلية فأخاف أن تنكر قلوبهم أن أدخل الجدر في البيت وأن ألصق بابه بالأرض، رواه الإمام البخاري والإمام مسلم في صحيحيهما. وذلك من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عين الحكمة إذ أن قريشاً ستقول انظروا إلى محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم يدّعي أنه مرسل من الله أول ما فتح مكة هدم بيت الله ولذا رأى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الحكمة أن يؤخر هذا الأمر.
ولكن هل تأخر هذا الأمر كثيراً؟ إنه لم يتأخر كثيرا وذلك أنهم في خلافة أمير المؤمنين عبدالله بن الزبير رضي الله تبارك وتعالى عنه سنة خمس وستين من هجرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو سنة أربع وستين قام عبدالله بن الزبير فأدخل الحجر في الكعبة ووسع الكعبة وأطال بنيانها وأنزل الباب إلى الأرض وجعل للكعبة بابين كل ذلك كما أراده النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رواه الإمام مسلم في صحيحه. قال عطاء: إن عبدالله بن الزبير جمع الناس فقال: يا أيها الناس أشيروا عليّ في الكعبة أنقضها ثمّ ابني بناءها أو أصلح ما وهي (بفتح الواو وكسر الهاء) منها فقال ابن عباس: فإني قد فرق ( بضم الفاء) لي رأي فيها أرى أن تصلح ما وهي منها، وتدع بيتاً أسلم الناس عليه وأحجاراً أسلم الناس عليها وبعث عليها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم . فابن عباس كان رأيه أن تترك الكعبة ولا يدخل الحجر فيها وأن ترمم فقط فقال ابن الزبير: لو كان أحدكم احترق بيته ما رضي حتى يجدّه أي يجدده من جديد فكيف بيت ربكم إني مستخير ربي ثلاثاً ثمّ عازم على أمري فلما مضى الثلاث أجمع رأيه على أن ينقضها فتحاماه الناس أن ينزل بأول الناس يصعد إليها أمر من السماء أيضاً خشوا أن يقع أمر من السماء إذا أراد أحد أن يهدم الكعبة. فصعد رجل وألقى من البيت حجارة فلما لم يره الناس أصابه شيء تتابعوا فنقضوا البيت حتى بلغوا به الأرض فجعل ابن الزبير أعمدة فستر عليها الستور حتى ارتفع بناؤه وقال ابن الزبير: إني سمعت عائشة رضي الله عنها تقول إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: لولا أن الناس حديث عهدهم بكفر وليس عندي من النفقة ما يقوى على بنائه لكنت أدخلت فيه من الحجر خمسة أذرع ولجعلت لها باباً يدخل الناس منه وباباً يخرجون منه قال عبدالله بن الزبير: فأنا اليوم أجد ما أنفق ولست أخاف الناس قال: فزاد فيه خمسة أذرع كما أراد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الحجر حتى أبدى أسّاً (بضم الألف) نظر الناس إليه (يعني الأساس) أساس إبراهيم عليه الصلاة والسلام فبنى عليه البناء وكان طول الكعبة ثماني عشر ذراعاً فلما زاد فيه استقصره فزاد في طوله عشرة أذرع فابن الزبير زادها طولاً وعرضاً رضي الله عنه وأرضاه وجعل للكعبة بابين أحدهما يدخل منه والآخر يخرج منه فلما قتل (بضم القاف) ابن الزبير وذلك سنة ثلاث وسبعين من الهجرة على يد الحجاج بن يوسف الثقفي كتب الحجاج إلى عبد الملك بن مروان يخبره بذلك (أي بما فعل ابن الزبير ببيت الله تبارك وتعالى) ويخبره أن ابن الزبير قد وضع البناء على أس (أي على أساس) نظر إليه العدول من أهل مكة فكتب إليه عبد الملك إنّا لسنا من تلطيخ ابن الزبير في شيء أما ما زاد من طوله فأقره (أي من ارتفاع الكعبة) وأما ما زاد فيه من الحجر فردّه إلى بنائه وسد الباب الذي فتحه. فنقضه وأعاده إلى بنائه. وهذا أمر عجيب عبدالله بن الزبير رضي الله عنه نفذ وصية النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. عبدالملك بن مروان لما استخلف ظن أن عبدالله بن الزبير إنما زاد هذا من عند نفسه فأمر بنقضه وأعاد الكعبة كما كانت زمن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ عثمان الخميس
عدد القراء : 3749
تاريخ الموضوع: 01 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(115/3)
الشيعة والقرآن للشيخ: عثمان الخميس
الشيخ عثمان الخميس
أن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلله فلن تجد له ولياً مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد،
فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وإن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إن من جسيم ما خص الله به أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الفضيلة وشرفهم به على سائر الأمم من المنازل الرفيعة ما حفظه عليهم من وحيه وتنزيله، الذي جعله على حقيقة نبوة نبيهم دلالة، وعلى ما خصه به من الكرامة علامة، الذي لو اجتمع جميع من بين أقطارها من جنّها وإنسها وصغيرها وكبيرها، على أن يأتوا بسورة من مثله، لم يأتوا ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا. أنزله الله تبارك وتعالى ساطعاً تبيانه قاطعاً برهانه، قرآناً عربياً غير ذي عوج. نزل به أمين السماء إلى أمين الأرض معجزاً باقياً دون كل معجزٍ على وجه كل زمان، أنزله الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ففتح الله به أعيناً عميا، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، أخرج به الناس من الظلمات إلى النور. قال علي بن أبي طالب رضي الله تبارك وتعالى عنه: كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، من قال به صدق، ومن عمل به أُجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم. ولقد أنزل الله تبارك وتعالى التوراة والإنجيل وغيرهما من الكتب وعهد إلى الناس حفظها، قال تعالى:" إنّا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبييون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء". ولكنهم لم يحفظوها بل حرفوها، كما قال تبارك وتعالى:" فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه". فلما أنزل الله تبارك وتعالى القرآن تعهّد سبحانه وتعالى بحفظه، قال جلّ ذكره:" إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون"، وقال:" لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد".
فمن قال بأن في القرآن نقصاً أو تحريفاً فلاشك أنه ليس من أهل القبلة، وليس من الإسلام في شيء، ولسنا نحن الآن في مقام الدفاع عن كتاب الله تبارك وتعالى، فإن أولئك الأقزام لم ولن يستطيعوا الوصول إلى الطعن في كتاب الله تبارك وتعالى، قال جلّ ذكره:" قل لئن اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا". وكما قيل: ما ضر السحاب نبح الكلاب، وقيل: ولو كل كلب عوى ألقمته حجراً لكان مثقال أحجار بدينار.
وفي ثبوت القول بتحريف القرآن لأي طائفة تنتسب إلى الإسلام أكبر فضيحة، تهدم بنيانهم من الأساس، وهذا الموضوع الشائك الخطير، سالت فيه وللأسف أقلام أئمة الشيعة، متقدميهم ومتأخريهم، وخاضوا فيه إلى مستوى لا يكاد يصدقه مؤمن. إنه لا يمكن أبداً أن يكون هناك تقارب لنا مع من يطعنون في القرآن الكريم، وذلك أن دعوى تحريف القرآن محاولة يائسة من أعداء الإسلام لضرب الإسلام وأهله، يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
ولاشك أن من يقول بالتحريف كافر، ومن لم يُكَفّر من يقول بالتحريف لا يصح له أبداً أن يكفر أحداً من الناس، وذلك أن حفظ القرآن من التحريف والزيادة والنقصان أمر معلوم من الدين بالضرورة، ولنا أن نسأل: متى يكفر الإنسان؟ متى يحكم عليه بالردة؟
إن الصلاة والزكاة والحج والصيام وجميع الواجبات بل وجميع المحرمات إنما تُعْلَم من الكتاب والسنة. والكتاب ثبوته أقوى من ثبوت السنة، لأنه يشترط فيه التواتر. فمن أنكر الصلاة والصيام والزكاة والحج لا يكفر إذاً على زعمهم لاحتمال أن الأمر بها من المحرّف، ومن فعل المحرمات كذلك لا يكفر لاحتمال أن النهي عنها من المحرّف. بل إن منكر الرسول صلى الله عليه وسلم يلزمهم كذلك انه لا يكفر لأننا ما علمنا صدق الرسول صلى الله عليه وسلم إلا من كتاب الله جلّ وعلا ومن سيرته صلوات الله وسلامه عليه.
أما السنة فإن الشيعة لا يؤمنون بكتبنا كالبخاري ومسلم وسنن أبي داود والترمذي ومسند أحمد وغيرها من الكتب، ونحن كذلك لا نعتبر كتبهم ولا نؤمن بها كالكافي والاستبصار والتهذيب ومن لا يحضره الفقيه ومستدرك الوسائل والوسائل وغيرها من الكتب. والأمر كما قال الإمام الذهبي لما تكلّم عن محي الدين بن عربي، وذكر كلاماً عنه وصار يعتذر له، يقول: ولعله أراد كذا ولعله أراد كذا، فلما وصل إلى بعض كلامه الذي لا يحتمل فقال: فوالله إن لم يكن هذا الكلام كفراً، فليس في الدنيا كفر أبداً. ونحن كذلك نقول: إن لم يكن القول بتحريف القرآن كفراً فليس في الدنيا كفر أبداً. بل لاشك ولا ريب أن القول بتحريف القرآن هو من أعظم الكفر الذي عرفه الناس. إن أقصى ما يقوله علماء الشيعة عن أئمتهم القائلين بالتحريف كلمة مخطئين، هذا إذا ألجئوا إليها، وإلا فهم ينكرون ذلك، ويتهمون من ينسب القول بالتحريف إليهم بالكذب والتجنّي أو غير ذلك من الألفاظ. وهل كلمة مخطئ تكفي إذا قالوها عمن قال بتحريف القرآن؟ إن الذي يخالف في مسألة اجتهادية فقهية يقال له مخطئ، أما من ينكر أمراً معلوماً من الدين بالضرورة فهذا أقل ما يقال فيه كافر أو ملحد أو زنديق أو منافق أو طاغوت أو مرتد أو ما شابه هذه الألفاظ.
والغريب في هذه المسألة (مسألة القول بتحريف القرآن) أن أهل السنة يتشددون فيها كثيراً حتى قالوا بكفر من زعم أن القرآن زيد فيه حرف أو أُنقص، بينما الشيعة يميعون هذه المسألة ويرون أن الخلاف فيها سائغ وأن أقصى ما يقال في مدعي التحريف إنهم مخطئون. وضوح تام عند أهل السنة، بينما الشيعة مضطربون، مرة ينفون، ومرة يقرون، مرة يعللون، ومرة يخَطّئون. وحتى أولئك الذين يقولون بأفواههم والله تبارك وتعالى أعلم بما في قلوبهم يقولون مخطئين وهذا الكلام غير صحيح، ولكن تبقى مع ذلك الكتب التي روت التحريف، وجاهرت بهذه الزندقة، وكذا الشيوخ الذين لهجوا بهذا الكفر يبقون جميعاً موضع احترام وتقدير من الشيعة كلهم. وهذا الشيء غريب ويثير كثيراً من الشك، بل ويدع عندنا علامات استفهام كثيرة.
أما موقف أهل السنة من القائلين بتحريف القرآن الكريم فهو موقف متشدد لا يتسامحون فيه مع أحد أبداً. قال القاضي أبو يعلى الفراء: والقرآن ما غُيِّر ولا بُدّل ولا نقص منه ولا زيد فيه خلافاً للرافضة القائلين أن القرآن قد غيّر وبدّل وخولف بين نظمه وترتيبه. وقال ابن حزم: وأما قولهم في دعوى الروافض تبديل القرآن، فإن الروافض ليسوا من المسلمين. وقال: القول بأن بين اللوحين تبديلاً كفرٌ صريح، وتكذيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: الحكم بكفر من زعم منهم أن القرآن نقص منه آيات وكتمت. وقال ابن قدامة: ولا خلاف بين المسلمين في أن من جحد من القرآن سورة أو آية أو كلمة أو حرفاً متفقاً عليه أنه كافر. وقال أبو عثمان الحداد: جميع من ينتحل التوحيد متفقون على أن الجحد لحرف من التنزيل كفر. وقال عبد القاهر البغدادي: وأكفر أهل السنة من زعم من الرافضة أنه لا حجة اليوم في القرآن والسنة بدعواه أن الصحابة غيروا بعض القرآن وحرفوا بعضه.
إن منزلة القرآن عند الشيعة تظهر منها علامات تعجب كثيرة يراها المسلم ويقف عندها حائراً:
أولاً: فإنهم يعتقدون أن القرآن ليس حجة في نفسه، فعن منصور بن حازم أنه قال لأبي عبدالله (جعفر الصادق): إن القرآن لا يكون حجة إلا بقيّم، فأقرّه أبو عبدالله. والله تبارك وتعالى يقول:" أولم يكفهم أن أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم". وقولهم هذا يعني أن الحجة في قول الإمام لا في القرآن لأنه الأقدر على البيان، ولذلك يروون عن علي أنه قال: هذا كتاب الله الصامت، وأنا كتاب الله الناطق.
قلت: والله تبارك وتعالى يقول:" إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم".
ولاشك أن تلك الروايات من وضع عدو حاقد يريد أن يصد الشيعة عن كتاب الله تبارك وتعالى، وذلك أنهم ربطوا حجية القرآن بوجود القيّم وهو علي، ثم الحسن، ثم الحسين، وهكذا حتى يصل الأمر إلى المنتظر الغائب، وذلك منذ ما يزيد على خمسين ومئة سنة بعد الألف، لم نر هذا المنتظر الذي يزعمون. ولاشك أنها مؤامرة أرادت إبعاد الشيعة عن كتاب الله تبارك وتعالى. وإلا كيف تُفَسّر هذه الروايات؟ عن أبي جعفر قال: إن رسول الله فسّر القرآن لرجل واحد، وفسّر للأمة شأن ذلك الرجل وهو علي بن أبي طالب. وهذا إنما هو لصد الناس عن التدبر في كتاب الله تعالى والتأمل في معانيه، قال الله تبارك وتعالى:" إنّا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون"، وقال جلّ ذكره:" هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين".
وقالوا كذلك: إن قول الإمام ينسخ القرآن ويخصص عامه ويقيد مطلقه. قال محمد حسين آل كاشف الغطاء: إن حكمة التدريج اقتضت بيان جملة من الأحكام وكتمان جملة منها، ولكنه أودعها عند أوصيائه كل وصي يعهد به إلى الآخر لينشره في الوقت لمناسب له حسب الحكمة من عام مخصص أو مطلق مقيد أو مجمل مبين إلى أمثال ذلك، فقد يذكر النبي صلى الله عليه وسلم عاماً ويذكر مخصصه بعد برهة من حياته وقد لا يذكره أصلاً بل يودعه عند وصيه إلى وقته.
قلت: جعلوا الأئمة يخصصون القرآن برواياتهم، ويقيدون مطلقه وهذه لاشك طامة كبرى. هذا مع قول الله تبارك وتعالى:" اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا".
أما عبثهم في تأويل القرآن فمنها أنهم قالوا:
قول الله تبارك وتعالى:" مرج البحرين يلتقيان"، قالوا: هما علي وفاطمة،
وقول الله تبارك وتعالى:" بينهما برزخ لا يبغيان"، قالوا: هو النبي،
وقول الله تبارك وتعالى:" يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان"، قالوا: هما الحسن والحسين.
وقالوا عن قوله تعالى:" لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد"، قالوا: لا تتخذوا إمامين إنما هو إمام واحد.
وقالوا عن قوله تعالى:" ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم وكان الكافر على ربه ظهيرا"، قال القمّي: الكافر الثاني (أي عمر بن الخطاب)، وكان علي أمير المؤمنين ظهيراً، أي وكان عمر على ربه يعني علياً ظهيراً.
وقالوا كذلك عن قول الله تبارك وتعالى:" وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد"، قالوا: يعني الأئمة.(116/1)
من الذي قال بالتحريف من علماء الشيعة؟
إن علماء الشيعة الذين قالوا بالتحريف كثر، ولا يسع المجال لذكر أقوالهم جميعاً، ولكننا سنقتصر على ذكر أقوال بعضهم ثم نذكر الباقين سرداً دون ذكر أقوالهم:
أولهم: علي بن إبراهيم القمّي صاحب التفسير، قال في مقدمة تفسيره: وأما ما هو على خلاف ما أنزل الله، فهو قوله:" كنتم خير أمة أخرجت للناس" ثم ذكر أنها نزلت "كنتم خير أئمة أخرجت للناس". وقد ذكر علماء الشيعة إن القمّي يقول بالتحريف وقالوا: عنده فيه غلو.
الثاني: محمد بن يعقوب الكليني، وقد نسب إليه القول بالتحريف جمع من علماء الشيعة، لأنه ذكر في مقدمة كتابه: أن كل ما فيه صحيح عنده، وقد ملأ كتابه بروايات التحريف، بل بوّب باباً بعنوان لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة. ونسبه إلى القول بالتحريف كل من الكاشاني والأصفهاني والنوري الطبرسي والجزائري والمجلسي وغيرهم من علماء الشيعة كلهم قالوا: إن الكليني ممن يقول بالتحريف.
الثالث: محمد بن صالح المازندراني، وهو شارح الكافي، وقد توفي في القرن الحادي عشر، قال: وإسقاط بعض القرآن وتحريفه ثبت من طرقنا بالتواتر معنى، كما يظهر لمن تأمل في كتب الأحاديث من أولها إلى آخرها.
الرابع: أبو الحسن العاملي، قال: اعلم أن الحق الذي لا محيص عنه بحسب الأخبار المتواترة الآتية وغيرها أن هذا القرآن الذي في أيدينا قد وقع فيه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء من التغييرات، وأسقط الذين جمعوه بعده كثيراً من الكلمات والآيات.
الخامس: المفيد قال: إن الذي بين الدفتين (أي جلدتي المصحف) من القرآن، جميعه كلام الله وتنزيله وليس فيه شيء من كلام البشر، وهو جمهور المنزل والباقي مما أنزله الله قرآناً عند المستحفظ للشريعة (أي المهدي المنتظر)، المستودع للأحكام (أي المهدي المنتظر)، لم يضع منه شيء. وقال أيضاً: إن الأخبار قد جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمد باختلاف القرآن، وما أحدثه الظالمون فيه من الحذف والنقصان.
السادس: محمد بن باقر المجلسي، المتوفى في القرن الثاني عشر، قال: لا يخفى أن هذا الخبر (أي يريد الخبر الذي فيه أن القرآن نزل سبع عشرة ألف آية) وكثيراً من الأخبار في هذا الباب متواترة معنى وطرح جميعها يوجب رفع الاعتماد على الأخبار رأساً بل ظني أن الأخبار في هذا الباب لا تقصر عن أخبار الإمامة فكيف يثبتونها بالخبر؟ (أي كيف يثبتون الإمامة بالخبر وينكرون تحريف القرآن الذي جاء به الخبر).
السابع: سلطان محمد الجنابذي الملقب بسلطان شاه علي، قال: اعلم أنه قد استفاضت الأخبار عن الأئمة الأطهار ، بوقوع الزيادة والنقيصة والتحريف والتغيير فيه، بحيث لا يكاد يقع شك في صدور بعضها منهم.
الثامن: ميرزا حبيب الله الهاشمي الخوئي، قال: القسم الثالث الأدلة الدالة على وجود النقصان فقط (أي في القرآن) وهي كثيرة، ثم ضرب أمثلة وذكر آيات كثيرة رسمها برسم المصحف وقال: قوله تعالى:" يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك في شأن علي"، وقوله تعالى:" إنما أنت منذر وعلي لكل قوم هاد"، وقوله تعالى:" ومن يطع الله ورسوله في ولاية علي والأئمة من بعده فقد فاز فوزاً عظيما"، ثم قال بعد ذلك: وفيما ذكرناه كفاية لمن طلب الحق لأنها على اختلاف مؤدياتها متفقة على الدلالة على النقيصة في الكتاب، فيحصل منها العلم الضروري بها والأخبار بلغت حد التواتر.
التاسع: يوسف البحراني، قال: لا يخفى ما في هذه الأخبار (يعني أخبار التحريف) من الدلالة الصريحة، والمقالة الفصيحة، على ما اخترناه ووضوح ما قلناه، ولو تطرّق الطعن إلى هذه الأخبار على كثرتها وانتشارها، لأمكن الطعن إلى أخبار الشريعة كاملاً، كما لا يخفى إذ الأصول واحدة وكذا الطرق والرواة والمشايخ والنقلة. ولعمري، إن القول بعدم التغيير والتبديل لا يخرج عن حسن الظن بأئمة الجوْر (يريد الصحابة)، وأنهم لم يخونوا في الأمانة الكبرى (أي القرآن) مع ظهور خيانتهم في الأمانة الأخرى (يريد خلافة علي) التي هي أشد ضرراً على الدين.
العاشر: نعمة الله الجزائري، الذي توفي في القرن الثاني عشر، قال عن القراءات السبع: إن تسليم تواترها عن الوحي الإلهي، وكون الكل قد نزل به الروح الأمين، يفضي إلى طرح الأخبار المستفيضة بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن كلاماً ومادة وإعراباً.
الحادي عشر: عدنان البحراني، المتوفى في القرن الرابع عشر، قال: إلى غير ذلك من الأخبار التي لا تحصى كثرة، وقد تجاوزت حد التواتر، ولا في نقلها كثير فائدة بعد شيوع القول بالتحريف والتغيير بين الفريقين (أي السنة والشيعة)، وكونه من المسلّمَات عند الصحابة والتابعين بل وإجماع الفرقة المحقّة (أي الشيعة على إن القرآن محرّف)، وكونه من ضروريات مذهبهم وبه تضافرت أخبارهم.
أما علماء الشيعة الذين نسب إليهم القول بالتحريف ولن نذكر أقوالهم منهم: محسن الكاظمي، محمد بن الحسن الصفار، محمد بن إبراهيم النعماني، سعد بن عبدالله القمّي، محمد بن مسعود العياشي، محمد بن العباس المهيار، فرات بن إبراهيم الكوفي، أبو سهل بن نوبخت، حسن بن موسى، إبراهيم بن نوبخت، أبو القاسم النوبختي، حاجب بن الليث، فضل بن شاذان، علي بن عبد العالي، علي بن طاوس. ثم كذلك محمد بن حسين أصفهاني. أحمد بن منصور الطبرسي، الميثم البحراني، الأردبيلي، ودلدار علي، وسلطان الخراساني.
أما كبيرهم الذي تولى كِبْر هذا الأمر وتولى نشره فهو النوري الطبرسي، وهذا جمع روايات الشيعة في تحريف القرآن في كتاب واحد سماه فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب.
ولكن ترى ماذا كان رد فعل علماء الشيعة اتجاه هذا الكتاب والمؤلف؟ هل قتل المؤلف مرتداً؟ هل طردوه من البلاد؟ هل أحرقوا الكتاب؟ لا. بل جعلوا أحد كتبه وهو مستدرك الوسائل ثامن كتاب معتبر عندهم، ودفنوا المؤلف في مكان مقدس عندهم، يتمنى جل الشيعة أي يدفنوا هناك ولو ليوم واحد، لقد دفن في بناء المشهد الرضوي بالنجف.
أما مكانة هذا الرجل عند الشيعة، فقال آغا بزرك الطهراني: هو إمام أئمة الحديث والرجال في الأعصار المتأخرة، ومن أعاظم علماء الشيعة، وكبار رجال الإسلام في هذا القرن. وقال كذلك: ارتعش القلم بيدي عندما كتبت هذا الاسم (أي النوري الطبرسي)، واستوقفني الفكر عندما رأيت نفسي عازماً على ترجمة أستاذي النوري، وتمثل لي بهيئته المعهودة بعد أن مضى على فراقنا خمس وخمسون سنة، فخشعت إجلالاً لمقامه، ودهشت هيبة لها، ولا غرابة فلو كان المترجم له غيره لهان الأمر، ولكن كيف بي؟ وهو من أولئك الأبطال غير المحدودة حياتهم وأعمالهم.
وقال محمد بن حسين آل كاشف الغطاء عن النوري الطبرسي: هو حجة الله على العالمين، معجب الملائكة بتقواه، من لو تجلى الله لخلقه لقال هذا نوري، مولانا ثقة الإسلام حسين النوري.
وقال عباس القمّي عن النوري الطبرسي: شيخ الإسلام والمسلمين، مروج علوم الأنبياء والمرسلين، الثقة الجليل، والعالم النبيل، المتبحر الخبير، والمحدث الناقد البصير، ناشر الآثار، وجامع شمل الأخبار.
هذا الرجل الذي ألف هذا الكتاب الخطير وهو فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب، حاول بعض علماء الشيعة أن يعتذروا له. فهذا تلميذه البار به آغا بزرك الطهراني قال: قال شيخنا النوري في آخر أيامه: أخطأت في تسمية الكتاب، وكان الأجدر أن يسمى فصل الخطاب في عدم تحريف الكتاب، لأني أثبت فيه أن كتاب الإسلام القرآن الموجود بين الدفتين المنتشر في بقاع العالم، وحي إلهي بجميع سوره وآياته وجمله، لم يطرأ عليه تبديل أو تغيير، ولا زيادة ولا نقصان، ولاشك لأحد من الإمامية فيه.
هكذا اعتذر له تلميذه آغا بزرك الطهراني، ولاشك أن هذا الكلام باطل بل كذب، ولكن ترى من هو الكذاب؟ أهو النوري الطبرسي أو آغا بزرك الطهراني؟ لا يهم، فهو علم لا ينفع وجهل لا يضر.
وهذه بعض نصوص النوري في كتابه تناقض هذا الكلام، قال النوري الطبرسي: هذا كتاب لطيف، وسِفْر شريف، عملته في إثبات تحريف القرآن، وفضائح أهل الجور والعدوان، وهذا قال في الصفحة الثانية من الكتاب. وقال كذلك: كما يصدق على القرآن اختلاف المعنى، وتناقضه، كنفيه مرة، إثباته أخرى، وعلى اختلاف النظم كفصاحة بعض فقراتها البالغة حد الإعجاز وسخافة بعضها الأخرى، وهذا قاله في صفحة 211. وقال كذلك: إنه كان لعلي قرآن خاص به، جمعه بنفسه وكان عند ولده يتوارثونه إمام عن إمام، وهو عند الحُجّة (أي المهدي المنظر)، وهو مخالف لهذا القرآن الموجود، من حيث التأليف وترتيب السور والآيات بل والكلمات أيضاً، من جهة الزيادة والنقيصة، ففي القرآن الموجود تغيير من جهتين.
بعض المعاصرين من الشيعة زعم أن أحداً لم يقل بالتحريف، بعد كل هؤلاء الذين ذكرناهم ممن صرّح بالتحريف، ومن زعم أن إجماع الشيعة على ذلك، ومن زعم أنه متواتر، يأتي بعض علماء الشيعة المعاصرين ليقولوا لنا: لم يقل أحد من الشيعة بالتحريف.
قلت: ضحك على من؟ وكذب على من؟ هذا القول يصح قبل أن تطبع كتبهم، وقبل أن يراها أهل السنة، كانوا يظنون أن أهل السنة لا يقرءون كتبهم، ولذلك جاز لهم أن يكذبوا ويدعوا مثل هذه الادعاءات، ولكن بعد ظهور كتبهم ، وقراءة أهل السنة لها، تبين كذب مدّعاهم.
فهذا الأميني (القرن الرابع عشر) نقل كلام ابن حزم أن الشيعة كلهم يقولون بالتحريف إلا المرتضى فقط، ويقول الأميني للرد على ابن حزم: ليت هذا المجترأ (أي ابن حزم) أشار إلى مصدر فريته من كتاب للشيعة موثوق به أو حكاية عن عالم من علمائهم تقيم له الجامعة وزنا، أو طالب من رواد علومهم ولو لم يعرفه أكثرهم بل نتنازل معه إلى قول جاهل من جهالهم أو قروي من بسطائهم أو ثرثار كمثل هذا الرجل يرمي القول على عواهنه.
قلت: سبحان الله جرأة عجيبة جداً، كل هؤلاء الذين نقلنا كلامهم بالجزء والصفحة، يقولون بالتحريف ثم يأتي هذا وينكر هذا الإنكار العجيب ويقول: ولا ثرثار شيعي قال ذلك، ولا عالم، ولا طالب علم، ولا قروي، وكل أولئك من علمائهم الكبار قالوا بالتحريف.
يقول الأميني مكملاً: لكن القارئ إذا فحّص ونقّب لا يجد في طليعة الإمامية إلا نفاة هذه الفرية كالشيخ الصدوق في عقايده، والشيخ المفيد، وعلم الهدى الشريف المرتضى الذي اعترف له الرجل بنفسه (أي ابن حزم)، وليس بمتفرد عن قومه في رأيه كما حسبه المغفل (أي ابن حزم)، وهو قول شيخ الطائفة الطوسي في التبيان، وأمين الإسلام الطبرسي في مجمع البيان وغيرهم، فهؤلاء أعلام الأمامية وحملة علومهم الكالئين لنواميسهم، وعقائدهم، قديماً وحديثاً، يوقفونك على ميْن (أي كذب) الرجل فيما يقول. وهذه فرق الشيعة في مقدمهم الأمامية مجمعة على أن ما بين الدفتين هو ذلك الكتاب الذي لا ريب فيه، وهو المحكوم بأحكامه ليس إلا.
قلت: ولاشك أن ما سبق يدل على صدق ابن حزم، وعلى كذب الأميني.(116/2)
وهذا التيجاني المعاصر يقول: قال لي منعم (صديق له شيعي): هل تعرف أن كل الفرق الإسلامية على اختلاف مذاهبها متفقة على القرآن الكريم. وقال كذلك: وما ينسب إلى الشيعة من القول بالتحريف هو مجرد تشنيع وتهويل وليس له في معتقدات الشيعة وجود، وإذا ما قرأنا عقيدة الشيعة في القرآن الكريم، فسوف نجد إجماعهم على تنزيه الكتاب من كل تحريف.
قلت: وله من كتابه هذا كثير من الكذب من أمثال هذه الكذبة فقد بيناها في كتاب كشف الجاني من أراد الرجوع إليه.
وهذا عبد الحسين شرف الدين الموسوي يقول عن موسى جار الله: نسب إلى الشيعة القول بالتحريف بإسقاط كلمات وآيات، قال عبد الحسين الموسوي: نعوذ بالله من هذا القول، ونبرأ إلى الله من هذا الجهل، وكل من نسب هذا الرأي إلينا جاهل بمذهبنا، أو مفتر علينا، فإن القرآن متواتر من طرقنا بجميع آياته وكلماته.
قلت: وأنا أسأل جميع الشيعة من يستطيع منهم أن يثبت تواتر القرآن من طرقهم؟
وهذا جعفر النجفي قال: إن اعتقادنا في جملة القرآن الذي أوحى الله به تعالى إلى نبيه محمد وهو كل ما يحويه هذا المصحف المتداول بين الناس لا أكثر، وأما من ينسب إلينا الاعتقاد بأن القرآن أكثر من هذا، فهو كاذب كفّار .
قال مهدي السويّج معلقاً على كلام جعفر النجفي: وعلى هذا تقارير كل علماء الشيعة الأعلام قديماً وحديثاً.
أليس يزعم كثير من الشيعة أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة أو أكثر بحسب اختلاف رواياتهم في ذلك؟ فمن أين لهم تواتر القرآن الكريم؟ إنني أطلب من كل شيعي يريد الحق أن يطلب من علمائه ومشايخه أن يثبتوا له تواتر القرآن من طرقهم الخاصة بهم، ولن يستطيعوا ذلك أبداً، لأن تواتر القرآن إنما يثبته وينقله أهل السنة فقط. فهم النقلة، وهم الحفظة، وهم المدافعون عن كتاب الله تبارك وتقدس، أما الشيعة فالقرآن عندهم رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم علي رضي الله عنه وعن علي ابنه الحسن وابنه الحسين رضي الله عنهما وهكذا إلى المهدي فأين التواتر؟ إن التواتر هو رواية جمع عن جمع تحيل العادة تواطؤهم عن الكذب. وقد ذكر أهل العلم إن أقل طبقة من طبقات التواتر يكون فيها عشرة. فهل يستطع الشيعة أن يثبتوا هذا؟ وهذا التواتر إنما ينقله أهل السنة في كتبهم، ويثبتونه فإن كان أهل السنة ثقاة في نقلهم وجب قبول قولهم في غيره، وإن كانوا غير ثقاة وجب رد روايتهم للقرآن. وليبحث الشيعة بعد ذلك لهم عن قرآن آخر ودين آخر. وهذا هو الذي دفع كثيراً من علماء الشيعة إلى القول بتحريف القرآن كالبحراني، والجزائري، والنوري الطبرسي، وهو عدم الثقة بالنقلة أصلاً. ولذلك قال يوسف البحراني: ولعمري إن القول بعدم التغيير والتبديل لا يخرج عن حسن الظن بأئمة الجوْر (يريد الصحابة)، وأنهم لم يخونوا في الأمانة الكبرى (أي القرآن) مع ظهور خيانتهم في الأمانة الأخرى (يريد الإمامة). وهذا النوري الطبرسي قال: والحاصل أن من وقف على شطر قليل من حال القوم (أي الصحابة)، وكيفية تواطئهم على إخفاء الحق، وسترهم ما هو أحق بالنشر مما ذكر، كيف يستغرب منهم بعد ذلك ما ورد من ارتدادهم، ورجوعهم إلى قواعد الجاهلية أكثر مما يخفى.
فإذا كان الشيعة الاثنا عشرية يزعمون أن الصحابة كلهم قد ارتدوا إلا ثلاثة وهم: أبو ذر والمقداد وسلمان، ثم زادوا بعد ذلك عماراً وغيره فكل هؤلاء ليسوا من نقلة القرآن، بل نقلة القرآن هم المرتدون في نظر الشيعة الإمامية.
وهاأنا ذا أنقل تواتر القرآن عند أهل السنة، ولينقل الشيعة تواتر القرآن من طرقهم. إن القرآن الكريم كما هو معلوم يرجع جمعه إلى سبعة قرّاء المعروفون بالقراء السبعة وهم: نافع المدني، وعبدالله بن كثير، وأبو عمرو بن العلاء، وعبدالله بن عامر، وعاصم بن بهدلة، وحمزة الزيات، والكسائي.
كيف وصل القرآن إلى هؤلاء القراء السبعة؟ وهؤلاء تواتر عنهم القرآن بنقل الكافة عن الكافة. ولكن الآن نتكلم عن هؤلاء السبعة وكيف وصل القرآن إليهم؟
أما نافع المدني: وصله القرآن الكريم من طريق مسلم بن جندب، وشيبة بن نصاح، وعبد الرحمن بن هرمز، ويزيد بن القعقاع، وهؤلاء أخذوا القرآن عن ابن عباس وأبي هريرة، وابن عباس أخذه عن أبي بن كعب وعلي بن أبي طالب وعثمان بن عفان، وأبو هريرة أخذه عن علي وأبي بن كعب.
عبدالله بن كثير: أخذ القرآن عن درباس وعن مجاهد، ومجاهد أخذه عن ابن عباس وعن عبدالله بن السائب، وابن عباس أخذه عن أبي بن كعب وعلي بن أبي طالب وعثمان ابن عفان، وابن السائب أخذه عن أبي بن كعب وعلي بن أبي طالب، ودرباس أخذه عن ابن عباس.
أبو عمرو بن العلاء: أخذ القرآن عن ابن كثير، ومجاهد، وعطاء بن أبي رباح، ونصر بن عاصم، وعكرمة، ونصر بن عاصم أخذه عن عمرو بن شرحبيل، ومجاهد أخذه عن ابن عباس وعبدالله بن السائب، وعكرمة أخذه عن أبي هريرة وابن عباس وعطاء عن أبي هريرة، وعمرو بن شرحبيل أخذه عن عمر وعلي وابن مسعود.
عبدالله بن عامر: أخذ القرآن عن عثمان بن عفان وعن أبي درداء.
عاصم بن بهدلة: أخذ القرآن عن أبي عبد الرحمن السلمي، وعن زر بن حبيش، وأبو عبد الرحمن السلمي أخذه عن عثمان وعلي وأبي وزيد وابن مسعود، وزر بن حبيش أخذه عن عثمان وعلي وابن مسعود.
حمزة الزيات: أخذه عن الأعمش، وحمران بن أعين، وابن أبي ليلى، وجعفر بن محمد، والأعمش أخذه عن يحي بن وثّاب، ويحي أخذه عن زر بن حبيش، وزر بن حبيش أخذه عن عثمان وعلي وابن مسعود، وحمران أخذه عن أبي الأسود الدؤلي، وأبو الأسود أخذه عن عثمان وعلي، وابن أبي ليلى أخذه عن المنهال والمنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وجعفر بن محمد أخذه عن أبيه محمد بن علي، ومحمد عن علي بن الحسين، وعلي بن الحسين عن حسين بن علي، والحسين عن علي بن أبي طالب.
الكسائي: أخذه عن حمزة الزيات وطرق حمزة هي طرق الكسائي.
هؤلاء هم القراء السبعة، وهذا تواتر القرآن عندنا، وهؤلاء السبعة لهم رواة وكل واحد له راويان مشهوران:
أما نافع المدني: أخذ القرآن عنه ورش وقالون.
عبدالله بن كثير: أخذ القرآن عنه قنبل والبزي.
أبو عمرو بن العلاء: أخذ القرآن عنه الدوري والسوسي.
عبدالله بن عامر: أخذ القرآن عنه هشام بن عمار وعبدالله بن ذكوان.
عاصم بن بهدلة: أخذ القرآن عنه حفص وشعبة.
حمزة الزيات: أخذ القرآن عنه خلاّد وخلف.
الكسائي: أخذ القرآن عنه حفص والليث.
هذا تواتر القرآن عندنا، فهل يستطيع الشيعة أن يثبتوا تواتر القرآن من طرقهم؟ يعجزون عن ذلك. السنة هم الذين يحفظون القرآن، وهم الذين ينقلون تواتره، والشيعة لا تواتر للقرآن عندهم، بل المتواتر عندهم روايات التحريف التي تزعم أن القرآن محرّف. وحتى نكون أمينين في نقلنا، وهذه عادتنا، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يديمها علينا، نذكر من قال بعدم التحريف من علماء الشيعة حتى لا نظلم الجميع، نحن أنصف لقومهم منهم، قال الله تبارك وتعالى:" يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون"، هذه الآية هي ميزاننا.
إن هناك من علماء الشيعة من تبرأ من القول بالتحريف:
الأول: ابن بابويه الصدوق، روى التحريف في كتابه وسكت عنه. روى في كتابه عن أبي عبدالله قال: إن سورة الأحزاب فضحت نساء قريش من العرب، وكانت أطول من سورة البقرة ولكن نقصوها وحرفوها. وفي رواية قال: يجيء يوم القيامة ثلاثة يشكون إلى الله عز وجل المصحف والمسجد والعترة، يقول المصحف: يا رب حرقوني ومزقوني، وفي بحار الأنوار نفس الرواية ولكن يقول المصحف: يا رب حرفوني ومزقوني.
الثاني: المفيد، وقد مرّ كلامه في التحريف.
الثالث: المرتضى
الرابع: أبو جعفر الطوسي، هذّب كتاب رجال الكشي، وهذا الكتاب مطبوع وموجود حالياً ويسمى برجال الكشي، هو من تهذيب الطوسي الذي يقول بعدم التحريف، والكتاب مليء بروايات التحريف فلم يتكلم عليه بشي بل أثبتها وسكت عنها، منها رواية عن أبي الحسن الأول قال: لا تأخذن دينك من غير شيعتنا، فإنك إن تعديتهم أخذت دينك عن الخائنين الذين خانوا الله ورسوله وخانوا آماناتهم، إنهم ائتمنوا على كتاب الله فحرفوه وبدلوه.
الخامس: أبو علي الطبرسي
السادس: ابن طاوس، في القرن السابع، قال: إن رأي الإمامية هو عدم التحريف. وهذا الله أعلم بنقله، لأن المشهور عن ابن طاوس إنه يقول بالتحريف كما سيأتي.
الخوئي: (يقول القول بتحريف القرآن قول خرافة لم يقل به أحد) وقال عن تفسير القمّي المليء بالتحريف: إن روايات تفسيره كلها ثابتة عن المعصومين، وصادرة عنهم لأنها انتهت إليه بواسطة المشايخ الثقة. كما قال الخوئي عن روايات التحريف: إن كثرت الروايات تورث القطع بصدور بعضها عن المعصومين ولا أقل من الاطمئنان بذلك وفيها ما روي بطريق معتبر. ثم هو كذلك من الموثقين لدعاء صنمي قريش، وفي هذا الدعاء "اللهم العن صنمي قريش (يريدون أبا بكر وعمر) وجبتيها وطاغوتيها وابنتيهما الذيْن حرفا كتابك وقلبا دينك"، فهذه عليها توقيع الخوئي أنها موافقة لفتواه. ولا يخفى أن ابنتيهما هما السيدتان عائشة وحفصة رضي الله عنهما.
وشارك الخوئي في هذا التوثيق كل من الخميني، وشريعة مداري، ومحسن الحكيم، وحسين البروجردي الطباطبائي.
وابن طاوس نقل عنه رسول جعفريان في كتابه القرآن ودعوى التحريف أنه يقول: إن رأي الإمامية هو عدم التحريف. بينما النوري الطبرسي ينقل عن ابن طاوس أنه قال في رده على أبي محمد الجبّائي لما اتهم الشيعة بالقول بنقصان القرآن: كلما ذكرته من طعن وقدح على من يذكر أن القرآن وقع فيه تبديل وتغيير، فهو متوجه على سيدك عثمان بن عفان، لأن المسلمين أطبقوا أنه جمع الناس على هذا المصحف الشريف، وحرّق ماعداه من المصاحف، فلولا اعتراف عثمان بأنه وقع تبديل وتغيير من الصحابة، لما كان هناك صحف تحرّق.(116/3)
كما رأيتم تضارب بين أقوال الشيعة، القمّي يقول بالتحريف ويجاهر به وله فيه غلو، وكذا تلميذه الكليني يحشو كتابه بروايات التحريف ثم يقول: كل ما فيه صحيح عندي. ثم يأتي ابن بابويه فيقول: من نسب إلى الشيعة مثل هذا القول فهو كاذب. فيأتي تلميذه المفيد فيقول: باستفاضة الروايات (أي كثرتها). فيرد عليه تلميذه المرتضى يقول: هذه الروايات لا يعتد بها. ويوافقه على هذا الطوسي. ثم يأتي الطبرسي صاحب التفسير وينكر القول بالتحريف. بينما يثبته معاصره الطبرسي الآخر صاحب كتاب الاحتجاج، وتأتي الدولة الصفوية فيعلن كثير من كبارها كالمجلسي، والجزائري، والفتوني العاملي، ويوسف البحراني، والمازندراني هذا الكفر بل ويزعم بعضهم أنه من ضروريات المذهب. ويزعم آخرون أنه إجماع الشيعة حتى جاء كبيرهم النوري الطبرسي وألقاها كالقنبلة بجمع الكفر الذي تناثر في كتبهم في كتاب واحد وسماه فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب. ثم جاءنا المعاصرون الآن كالأميني والتيجاني وجعفر النجفي والموسوي عبد الحسين ومغنية والآصفي فأنكروا أن يكون أحد من الشيعة قال بالتحريف. فمن نصدق؟ مع هذا التناقض والتضارب بين أقوالهم. هل يريدون أن يظهروا للناس بوجهين؟ هل هي تقية؟ هل يراعون الظروف والمناسبات؟ هل هناك كتب للخاصة وكتب للعامة وأهل السنة؟ هل هناك اختلاف حقيقي بين علمائهم؟ إذا كان الكذب يمكن أن يكون متواتراً عندهم كما زعموا في تحريف القرآن فلا ثقة بسائر أخبارهم، وهذا ما صرّح به البحراني. إن الأمر كما قلت: عجيب جداً.
إن مئات الروايات عن المعصومين تثبت أن الشيعة يقولوا بالتحريف، وإن القول بأن أسانيد هذه الروايات ضعيفة لا يمكن أن يقبل لأمور منها:
أولاً: عدم اعتبار الشيعة للأسانيد، وعلم الرجال عندهم مضطرب جداً.
ثانياً: روايات التحريف متواترة عندهم أو قريبة من التواتر، وما كان حاله كذلك لا ينظر إلى سنده.
ثالثاً: هناك من علماء الشيعة من صحح أسانيد روايات التحريف.
رابعاً: يلزم من رد الروايات الكثيرة في التحريف التي بلغت قريباً من ألفي رواية يلزمه أن يرد روايات الإمامة وروايات الرجعة والبداء والعصمة لأنه كما قال شيخهم العلامة يوسف البحراني: لو تطرق الطعن إلى هذه الأخبار (أي أخبار التحريف) على كثرتها وانتشارها لأمكن الطعن إلى أخبار الشريعة كما لا يخفى. إذ الأصول واحدة وكذا الطرق والرواة والمشايخ والنقلة.
إن روايات التحريف التي عند الشيعة منقولة عن الأئمة الاثني عشر الذين يعتقدون عصمتهم بينما كل من ينقلون عنه عدم التحريف هم العلماء لا من الأئمة. لا ينقلون عن الأئمة ولا رواية واحدة تقول بعدم التحريف بل ينقلون ألفي رواية عن الأئمة تقول بالتحريف،والذين ينقلون عنهم القول بعدم التحريف هم علماء يصيبون ويخطؤن غير معصومين أما المعصومون عندهم فنقلوا عنهم القول بالتحريف، فيلزم الشيعة الأخذ بكلام المعصومين دون كلام غيرهم.
قال نعمة الله الجزائري: إن الأخبار الدالة على التحريف تزيد على ألفي حديث، ثم قال: إنه لم يقف على حديث واحد يشعر بخلاف ذلك.
قال يوسف البحراني: على أن هذه الأخبار لا معارض لها كما عرفت سوى مجرد الدعوى العارية عن الدليل، لا يخرج عن مجرد القيل والقال.
وهنا يأتي سؤال: لماذا قال علماء الشيعة بالتحريف (أي الذين صرحوا بالتحريف)؟ والذين اتقوا (أي قالوا بالتحريف ونفوه تقية) لماذا قالوا بالتحريف؟
1- روت كتب الشيعة روايات كثيرة جداً عن الأئمة حتى وصلوا بالإمامة إلى مكانة فوق مكانة الصلاة والزكاة والحج والصوم، ولما لم يلق هذا الكلام قبولاً عند كثير من الناس، خاصة وأنهم لا يجدون ولا آية واحدة تنص على الإمامة في مقابل الآيات الكثيرة التي ذكرت الصلاة والزكاة وغيرهما. وذلك أن الصلاة ذكرت في القرآن قريباً من مائة مرة، والزكاة ذكرت أكثر من ثلاثين مرة، بينما الولاية لم تذكر ولا مرة واحدة. فكانت هذه محاولة لإقناع الأتباع بصحة المذهب بعد أن ضجوا من خلو كتاب الله من ذكر أئمتهم وعقائدهم.
وهذه بعض الروايات في الإمامة:
عن محمد بن علي الباقر قال: بني الإسلام على خمس على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ولم ينادى بشيء كما نودي بالولاية.
وعن أبي عبدالله قال: إن الله قد افترض على أمة محمد خمس فرائض الصلاة والزكاة والصيام والحج وولايتنا فرخص لهم في أشياء من الفرائض الأربع ولم يرخص لأحد في واحدة (أي الولاية).
وعن أبي عبدالله قال: أثافي (الأحجار التي توضع تحت القدر) الإسلام ثلاثة: الصلاة والزكاة والولاية.
وعن أبي جعفر قال: بني الإسلام على خمسة أشياء على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية، قال زرارة: قلت: وأي شيء من ذلك أفضل قال: الولاية أفضل.
وعن علي بن أبي طالب قال: لو أن عبداً عبد الله ألف سنة لا يقبل الله منه حتى يعرف ولايتنا أهل البيت، ولو أن عبداً عبد الله ألف سنة وجاء بعمل اثنين وسبعين نبياً ما يقبل الله منه حتى يعرف ولايتنا أهل البيت وإلا أكبّه الله على منخريه في نار جهنم.
2- ثناء الله على صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أن ثناء الله على الصحابة أثار حفيظة الشيعة، وهم يعلنون الليل والنهار لشيعتهم أن هؤلاء الصحابة منافقون متسترون بالإسلام فلم يكن من بد للخروج من هذه المعضلة إلا باللجوء إلى هذا الكفر ألا وهو القول بتحريف القرآن. قال الله تبارك وتعالى:" لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى"، وقال جلّ ذكره:" لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً" وكانوا قريباً من ألف وخمسمائة والشيعة يقولون ارتدوا كلهم إلا ثلاثة. وقوله تعالى:" محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضوان سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيما"، وقال جل ذكره:" للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضوان وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون".
كل هذا الثناء من الله على الصحابة ثم يأتي أولئك القوم فيقولون: هم كفار، ومنافقون، ومرتدون. ماذا عن القرآن؟ قالوا: محرّف، زيد فيه نقص منه كل المثالب التي طعن عليهم بها أزالوها من القرآن، كل المدح الذي تجدونه في القرآن إنما مما أضافوها.
3- عدم تعرض القرآن الكريم لذكر أسماء الأئمة وفضائلهم ومعجزاتهم، دفع علماء الشيعة الذين رووا في كتبهم معجزات للأئمة تفوق معجزات كثير من الأنبياء، كل هذا دفعهم إلى القول بتحريف القرآن، إذ لا يعقل أن لا يتطرق القرآن لبيان مثل هذا الأمر المهم، مما جاء في كتبهم عن أئمتهم قال الخميني: فإن للإمام مقاماً محموداً ودرجة سامية وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً محموداً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل.
وأما مروياتهم في ذلك:
أولاً: ما رواه الكليني في كتابه قال: للإمام عشر علامات: يولد مطهراً مختونا، وإذا وقع على الأرض وقع على راحته (أي على يديه) رافعاً صوته بالشهادتين، لا يجنب، تنام عينه ولا ينام قلبه، لا يتثاءب، لا يتمطى، يرى من خلفه كما يرى من أمامه، نجوه (أي البراز) كرائحة المسك، والأرض موكلة بستره وابتلاعه، وإذا لبس درع رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت عليه وفقاً، وإذا لبسها غيرهم من الناس طويلهم وقصيرهم زادت عليه شبرا، وهو محدّث إلى أن تنقضي أيامه.
وقد بوب الكليني والمجلسي في كتابيهما أبواباً تغنينا عناوينها عن ذكر ما تحويه من الروايات، أما الكافي فمن أبوابه:
باب: الأئمة هم أركان الأرض.
باب: الأئمة عندهم جميع الكتب التي نزلت من عند الله.
باب: يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملائكة والأنبياء والمرسلين.
باب: يعلمون علم ما كان وما يكون وأنه لا يخفى عليهم شيء.
أما بحار الأنوار:
باب: يعلمون جميع الألسن واللغات ويتكلمون بها.
باب: أعلم من الأنبياء.
باب: تفضيلهم على الأنبياء وأن أولي العزم إنما صاروا أولي العزم بحبهم.
باب: يقدرون على أحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص وجميع معجزات الأنبياء.
بعض الشيعة يعتذر للقائلين بالتحريف يقولون إن التحريف في التفسير وليس في القرآن، أي أن الصحابة حرفوا في التفسير.
قلت: وهذا القول باطل لأمور منها:
بعض الروايات لا تحتمل، وذلك لصراحتها وقد مر ذكر بعضها.
نص كثير من علماء الشيعة على القول بالتحريف بل ادعى بعضهم الإجماع وادعى آخرون أنه من ضروريات المذهب.
لو كان التحريف إنما هو في التفسير لما كانت هذه الضجة، لأن التفاسير تخضع لميول البشر واتجاهاتهم.
تحريف الشيعة في التفسير أمر متفق عليه عندهم كما مر في الكلام عن تلاعبهم في تفسير القرآن.
رواية أن القرآن الذي نزل على محمد سبعة عشر ألف آية لا تحتمل هذا، قد صححها علماؤهم كالمجلسي والكليني وغيرهما.
ادعاء بعض علماء الشيعة نقص سور بأكملها يأبى هذا التأويل، كما زعم النوري والمجلسي وغيرهما نقص سورتي النورين والولاية.
لاشك أن بعض علماء السنة كالشيخ إحسان الظهير رحمه الله تعالى وغيره قالوا: إن جميع علماء الشيعة يقولون بالتحريف، ما الذي دفع علماء السنة إلى هذا الزعم؟ لقد ذكرنا قبل قليل أن بعض علماء الشيعة تبرأ من هذا فكيف وقع بعض علماء السنة في هذا وزعم أن جميع الشيعة يقولون بالتحريف؟
لاشك أن هناك أسباباً منها:
ثناء علماء الشيعة على من قال بالتحريف، كما نقلنا قولهم في النوري الطبرسي، فمن أراد أن يرجع إلى تراجمهم فليرجع إلى كتاب الشيعة الاثنا عشرية وتحريف القرآن لعبد الرحمن السيف.
تمييع الشيعة للمسألة.
وجود التقية، وهي معروفة عند الشيعة وكما يقولون هي تسعة أعشار الدين، ولا دين لمن لا تقية له.
علماء الشيعة القائلون بالتحريف مثل الجزائري، النوري الطبرسي، عدنان البحراني، المجلسي كل هؤلاء قالوا علماء الشيعة الذين قالوا بعدم التحريف قالوه تقية، هم اتهموا بعضهم بهذا.
وُجدت روايات التحريف في كتب المنكرين، كما مر قبل قليل.
نقل بعض علماء الشيعة الإجماع والاتفاق بل وبعضهم نقل أنه من ضروريات المذهب، أي لا يمكن أن يكون شيعياً حتى يقول بالتحريف.
عدم صراحة الشيعة المنكرين عند مناقشة هذه القضية، ولقد ذكرنا كلام الأميني والتيجاني وجعفر النجفي وغيرهم من الشيعة وهم غير واضحين، عندما يأتي ويتكلم في هذه القضية يقول: لم يقل أحد بهذا، فأنتم تكذبون علينا ما قلنا بالتحريف ولا شيعي قال بالتحريف فلماذا هذا اللف والدوران؟ كن صريحاً، قل فلان وفلان قالوا بالتحريف وهم كفار وليسوا منا ولا نحن منهم وانتهى الأمر.(116/4)
كذلك إقدام المنكرين للتحريف على طبع كتب القائلين بالتحريف ونشرها بل والتقديم لها.
يلزم جميع الشيعة أن يقولوا بالتحريف اتباعاً للأئمة المعصومين وبالتالي يخرجون من الإسلام، أو يجب عليهم أن يتركوا التشيع الذي يشيع هذا الباطل.
مع ملاحظة أن هذا كله مكذوب على الأئمة الاثني عشر رحمهم الله وهم بريؤون من هذه الروايات كبراءة الذئب من دم يوسف عليه السلام.
شبهات للشيعة على أهل السنة:
قال الشيعة الإثنا عشرية:
السنة يقولون بالتحريف، بدليل أن السنة يقولون بنسخ التلاوة، ونسخ التلاوة تحريف.
السنة يقولون بالقراءات، والقراءات معناها تحريف، لأن الشيعة لا يعترفون بالقراءات يقولون إنه واحد نزل من عند واحد.
اختلاف السنة بالبسملة، دليل على أنها من المحرّف.
قول السنة آمين في الصلاة، هذه زادوها في كتاب الله تبارك وتعالى.
إن علماء الشيعة المعاصرين، لما لم يجدوا مخرجاً من الفضيحة الكبرى التي هزت أركان مذهبهم بل هدّتها، ألا وهي القول بتحريف القرآن الكريم، لجأوا إلى اتهام أهل السنة بالتحريف، وذلك لأن أهل السنة يقولون بنسخ التلاوة، واجتهد الشيعة في ترويج هذا الباطل، وركبوا فيه أخشن المراكب.
أولاً: ما النسخ؟ النسخ في اللغة يأتي على معنيين:
1-1) إما إزالة الشيء كما قال الله تبارك وتعالى:" وما أرسلنا من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته"، فهنا ينسخ أي يزيل. ومنه قولهم: نسخت الشمس الظل أي أزالته.
1-2) والمعنى الآخر للنسخ في اللغة: نقل الشيء، قال الله تبارك وتعالى:" إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون"، أي ننقله. ومن قولك نسخت الكتاب أي نقلته.
النسخ لا يتناول العقائد، ولا الأخبار، وإنما يتناول النسخ الأحكام فقط.
قال الخوئي: إن القول بنسخ التلاوة هو بعينه القول بالتحريف، والإسقاط، إن القول بالتحريف هو مذهب أكثر علماء أهل السنة، لأنهم يقولون بجواز نسخ التلاوة. هكذا يلبسون على الناس، وصار الآن كثير من الشيعة يلهجون بهذا الكلام، ولاشك أن هذا الكلام باطل من وجوه:
إن نسخ التلاوة ثابت بالكتاب والسنة كما سيأتي تفصيله.
نسخ التلاوة ثابت في الكتب السماوية الأخرى كالتوراة والإنجيل، فأين التوراة؟ وأين الإنجيل؟ نسخت أحكامها وتلاوتها.
جلّ علماء الشيعة الذين أنكروا التحريف، والذي يتظاهر أكثر الشيعة باتباعهم، يقولون بنسخ التلاوة وهم المرتضى، والطبرسي، والطوسي. فعلى القول بأن نسخ التلاوة تحريف، فجميع الشيعة يقولون بالتحريف.
وهذه نقطة مهمة، وشهادة لا نعتز بها، شهادة علماء الشيعة للسنة بأنهم لا يقولون بالتحريف، ولكن شهادة ترد عليهم. قال المفيد الذي زعم بعضهم أنه آية الله وركن الإسلام: اتفقوا (أي الإمامية) على إن أئمة الضلال، خالفوا في كثير من تأليف القرآن، وعدلوا فيه عن موجب التنزيل وسنة النبي، وأجمعت المعتزلة، والخوارج، والزيدية، والمرجئة، وأصحاب الحديث على خلاف الإمامية. وهذه شهادة من هذا المفيد أن السنة لا يقولون بالتحريف.
وهذا التيجاني نقل عن الخوئي أنه قال: فالمسلمون أخوة، سواء كانوا شيعة أو سنة، فهم يعبدون الله وحده، ولا يشركون به شيئاً، وقرآنهم واحد ونبيهم واحد. هنا برأ الخوئي أهل السنة من القول بالتحريف مع أنهم جميعاً يقولون بنسخ التلاوة، وهو الذي قال: قيل ذلك إن النسخ تحريف. فهل قال هذا تقية؟ أو التيجاني كذب عليه؟ لا يهم، علم لا ينفع وجهل لا يضر.
وهذا كذلك محمد عبد الحفيظ قال: إنما يعرف بالمذهب الجعفري، أو المذهب المالكي، أوالشافعي والحنبلي والإباظي والزيدي والحنفي بالإضافة إلى المذاهب البائدة كمذهب الأوزاعي والجريري (أي ابن جرير الطبري) والظاهري وغيرهم، وهذه المذاهب تتفق على الكعبة هي القبلة، والقرآن هو الدستور، وهو المنزل من الله على نبيه دون نقص أو زيادة وهو الموجود بين أيدي الناس بلا زيادة ولا نقصان.
قلت: وشهد شاهد من أهلها.
أهل السنة أي علماءهم يصرحون بلا تردد بأن من قال: بتحريف القرآن ولو بتغيير حرف أنه كافر ولا يترددون في هذا أبداً، ولا تجد نقلاً واحداً عن عالم معتبر من علماء أهل السنة يقول: القرآن محرّف. كما يصرح بهذا مئات العلماء من الشيعة.
قد يقول قائل: الأميني، يقول: ولا شيعي قال بالتحريف، ولا ثرثار ولا عالم ولا قروي ولا طالب علم، وأنت الآن تقول ولا سني قال بالتحريف فصار كلامك ككلامه.
قلت: لا، نحن أثبتنا أن كلامه باطل، بنقلنا عن علمائهم فليثبتوا أن كلامي باطل بنقلهم عن علمائنا.
أما الأدلة على نسخ التلاوة:
قول الله تبارك وتعالى:" ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير".
وقوله تعالى:" وإذا بدلنا آية مكان آية".
وقوله تعالى:" يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب".
وقوله تعالى:" ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك".
قلت: آيات صريحة بأن الله تعالى يبدل ما شاء جلّ وعلا.
والنسخ له ثلاثة أحوال:
نسخ للحكم
نسخ للتلاوة
نسخ للتلاوة والحكم
الشيعة يوافقوننا على جواز نسخ الحكم، حتى الذين يقولون بالتحريف، ولكن ينكرون نسخ التلاوة، ويزعمون أن أهل السنة يقولون بالتحريف لأنهم يقولون بنسخ التلاوة. ولاشك أن هذا تحكم، فالله تعالى يقول:" ما ننسخ من آية أو ننسها"، كما قال:" وإذا بدلنا آية مكان آية" فيقولون هذا الحكم دون التلاوة فهذا تحكم. ما الذي جعله في الحكم دون التلاوة؟ لو جاء شخص وقال: فهو في التلاوة دون الحكم، فهذا تحكم أيضاً. ولذلك قال الجصاص: إن عموم اللفظ يقتضي الأمرين (أي الحكم والتلاوة)، ومن حمله على أحد الوجهين دون الآخر بغير دليل فهو متحكم وقائل بغير علم.
من قال بنسخ التلاوة من علماء الشيعة؟
النوري الطبرسي: اعلم أنهم اختلفوا في نسخ التلاوة (أي الشيعة)، فالمنقول عن جمهور الأصوليين هو الجواز (أي جواز نسخ التلاوة)، بل في نهاية العلاّمة ذهب إليه أكثر العلماء، ونسب الخلاف إلى شاذ من المعتزلة.
أبو علي الطبرسي صاحب التفسير(الذي ينكر التحريف) قال: النسخ في القرآن على ضروب منها ما يرتفع اللفظ ويثبت الحكم كآية الرجم.
أبو جعفر الطوسي (الذي ينكر التحريف) قال: النسخ في القرآن من أقسام ثلاثة منها ما نسخ لفظه دون حكمه كآية الرجم وهي قوله:" والشيخ والشيخة إذا زنيا". وقال كذلك: فصل في جواز نسخ الحكم دون التلاوة، ونسخ التلاوة دون الحكم، جميع ما ذكرناه، جائز دخول النسخ فيه.
العتائقي الحلّي قال: المنسوخ على ثلاث (هكذا مكتوبة ثلاث بدلاً من ثلاثة) ضروب منها ما نسخ خطه وبقي حكمه، فما روي من قوله:" والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة".
الفيض الكاشاني قال:" ما ننسخ من آية" بأن نرفع حكمها "أو ننسها" بأن نرفع رسمها.
العلاّمة المحقق الثاني: قال النوري: وذهب العلامة في النهاية والمحقق الثاني في جامع المقاصد، وصاحب القوانين إلى الوقوع (أي نسخ التلاوة) وهو ظاهر بعض الفقهاء. وقال النوري كذلك: وقال العلامة في النهاية في مقام إثبات نسخ التلاوة، لنا العقل والنقل، أما العقل فلأن التلاوة حكم شرعي، وأما النقل في ما ورد من نسخ التلاوة خاصة فما روي من قوله سبحانه:" والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة"، وأما نسخهما (أي الحكم والتلاوة) فما روي أن سورة الأحزاب كانت تعدل البقرة.
المرتضى (الذي ينكر التحريف والوحيد الذي لم يثبت عنه) قال: فصل في جواز نسخ الحكم دون التلاوة، ونسخ التلاوة دونه.
محمد جواد مغنيه قال في قوله تعالى:" ما ننسخ من آية" أي نزيلها "أو ننسها" نمحو حفظها من القلوب.
أمثلة من الآيات المنسوخة تلاوتها:
آية الرجم، لقوله تعالى أو ما ذكر فيها:" والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة"، هذه أولاً قراءة آحادية شاذة، لم تثبت قرآناً، وهذه ذكرها الكليني، وقال المحقق هي من منسوخ التلاوة، وذكرها الطوسي شيخ الطائفة وضربها مثالاً لنسخ التلاوة، وذكرها العتائقي الحلّي أيضاً.
آية "لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم" ذكرها الطبرسي والطوسي مثالاً لنسخ التلاوة.
سورة الأحزاب، ذكرها الطبرسي والطوسي مثالاً لنسخ التلاوة.
ثانياً: أما إنكار بعض علماء الشيعة للقراءات، كقراءة ورش، وقالون، والدوري، فهذه لا يسعنى أن أقول إلا إنهم يهرفون بما لا يعرفون، ويقولون ما لا يعلمون. وهذا من أبطل الباطل، ومن الضلال المبين، فإن القراءات السبع ثابتة ومتواترة من طرقنا نحن أيضاً، وإلا طرقهم فلا يستطيعون أن يثبتوا القرآن ولو من طريق واحد، والمصاحف المتداولة الآن مصحف حفص في الخليج والجزيرة، ورش في المغرب وتونس، قالون في الجزائر وليبيا الدوري متداولة في تشاد. فهذه القراءات ثابتة ومتواترة ومصاحفها موجودة، إلا أن يقولوا إن أهل الجزائر والمغرب العربي عموماً الذين يقرءون لقالون وورش قرآنهم محرّف، فهذه طامة كبرى تعود عليهم بالخروج من دين الله تبارك وتعالى.
وقد بوب الصدوق باب نزل القرآن على سبعة أحرف.
ثالثاً: البسملة، لا خلاف بين أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم في بداية قراءته لبعض سور القرآن، ولكن الخلاف الذي وقع بينهم هل قرأها النبي صلى الله عليه وسلم على أنها آية من القرآن أو قرأها للتبرك أو وضعت في المصحف للفصل بين السور؟
قال الشوكاني: واعلم أن الأمة أجمعت أنه لا يكفر من أثبتها ولا من نفاها لاختلاف العلماء فيها بخلاف ما لو نفى حرفاً مجمعاً عليه وأثبت ما لم يقل به أحد، فإنه يكفر بالإجماع. ولا خلاف في إثباتها خطاً في أوائل السور في المصحف إلا في أول سورة براءة.
والشيعة ينكرون على أهل السنة فيقولون لماذا لا تقولون بسم الله الرحمن الرحيم؟ وقد أتيتم بآمين وقلتموها جهراً وهي ليست من القرآن. للرد على ذلك:
أنتم أيضاً حذفتم البسملة، فهذا محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبدالله عن الرجل يكون إماماً يستفتح بالحمد ولا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، قال: لا يضره ولا بأس عليه.
وعن مسمع البصري قال: صليت مع أبي عبدالله عليه السلام فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، ثم قرأ السورة التي بعد الحمد ولم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قام في الثانية وقرأ الحمد ولم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم.
وعن محمد بن علي الحلبي أن أبا عبدالله سئل عن من يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم حين يريد يقرأ فاتحة الكتاب، قال: نعم، إن شاء سراً وإن شاء جهراً، فقيل: أفيقرأها مع سورة أخرى قال: لا.
وقال الحر العاملي: ذكر الشيخ (أي الطوسي) وغيره أن هذه الأحاديث محمولة على التقية.
قلت: وانتهت المشكلة، وهكذا كالعادة إسناد ضعيف، أو تقية، وهذا لاشك من أبطل الباطل. لماذا؟ لأن التقية لا تجوز في البسملة عندهم. عن جعفر بن محمد قال: التقية ديني ودين آبائي إلا في ثلاثة: في شرب المسكر، وفي مسح الخفين، وفي ترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم.(116/5)
والصحيح في كلمة بسم الله الرحمن الرحيم أنها وقع الاختلاف فيها بسبب اختلاف القراءات ففي قراءة حفص عن عاصم جعلت في البسملة آية رقم (1)، وفي قراءة قالون عن نافع جعلت الحمد لله رب العالمين آية رقم (1) ومن جعل الحمد لله رب العالمين آية رقم (1) جعل صراط الذين أنعمت عليهم آية رقم (6) وغير المغضوب عليهم ولا الضالين آية رقم (7).
رابعاً: أما كلمة آمين، فكلمة آمين معناها اللهم استجب، ولم يقل أحد من أهل العلم إنها من القرآن الكريم، فهي من سنن الصلاة وليس من الفاتحة، كالتكبير. ولذلك ولو قرأ الإنسان القرآن فإنه لا يقول آمين بعد قراءة الفاتحة، ولكن لما تضمنت الفاتحة بعض الآيات التي فيها الدعاء وهي قوله:" اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضآلين" ناسب أن يقول آمين لمعناها اللهم استجب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول آمين.
وأخيراً نقول: لماذا الكذب؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً.
وإن صاحب الدعوة الصحيحة لا يكذب، وإن صاحب الباطل لا يصدق، فيحيا من حي عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة.
والصدق يألفه الكريم المرتجى،،، والكذب يألفه الدنيء الأخيب
وأخيراً نقول: تعالوا إلى كلمة سواء، إن خلافنا مع الشيعة ليس في أمور فقهية فقط، كما يدعي بعض الجهلة، بقوله : إن الفرق بين الشيعة والسنة كالفرق بين المذاهب الأربعة عند السنة. إن خلافنا مع الشيعة في أس الإسلام وأصله في القرآن الكريم أولاً، ثم تأتي بعد ذلك مسائل عقائدية كثيرة كالقول بالرجعة، والبداء، وتكفير جل الصحابة، واتهام أهل السنة بأنهم أولاد زنا، والطلب من الأموات، والغلو في أهل البيت، وعبادة القبور، وغير ذلك كثير ليس هذا مجال حصره. إن أهل السنة اليوم يطالبون الشيعة بوقفة جريئة شجاعة ضد هؤلاء الذين يطعنون بكتاب ربهم، وأن يعلنوا البراءة منهم، وأن يعلنوا كفرهم، والبراءة من إفكهم على كتاب الله تبارك وتعالى.
وأخيراً نقول لإخواننا الشيعة الذين لم ينزلقوا في هذا المنزلق الخطير، نقول لهم ما قاله الله تبارك وتعالى لأهل الكتاب، وهم على كفرهم نقوله نحن للشيعة وهم على إسلامهم (أعني الذين لم يقولوا بالتحريف) تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون.. والله أعلى وأعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ عثمان الخميس
عدد القراء : 6895
تاريخ الموضوع: 14 - مايو - 2003 ميلادية
(116/6)
برجاء تشغيل الjavascript فى متصفحك(117/1)
صلاة الجماعة
سبيل المؤمنين
سلسة رسائل علمية عقائدية تهدف إلى نشر الوعي الإسلامي الصحيح على ضوء الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة رحمهم الله تعالى . يصدرها مجموعة من طلبة العلم . بإشراف : الشيخ عثمان الخميس حفظه الله تعالى .
سبيل المؤمنين
(رسالة شهرية )
العدد (1) جمادى الآخرة 1422
صلاة الجماعة
الصلاة لغة : هي الدعاء .
اصطلاحا : عبارة عن أركان مخصوصة وأذكار معلومة بشرائط محصورة في أوقات مقدرة (القاموس الفقهي صفحة 216).
صلاة الجماعة : تأدية الصلاة جماعة وهي تنعقد باثنين فأكثر .
فضل صلاة الجماعة :
عن عبد الله بن عمر أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال : (( صلاة الرجل في الجماعة تزيد على صلاته وحده سبعا وعشرين )) متفق عليه .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : (( صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه بضعا وعشرين درجة وذلك أن أحدكم إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى إلى المسجد لا ينهزه إلا الصلاة لا يريد إلا الصلاة فلم يخط خطوة إلا رفع له بها درجة وحط عنه خطيئة حتى يدخل المسجد ، فإذا دخل المسجد كان في الصلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه يقولون اللهم ارحمه اللهم اغفر له اللهم تب عليه ما لم يؤذ فيه ما لم يحدث فيه )) متفق عليه واللفظ لمسلم .
الترهيب في ترك صلاة الجماعة بدون عذر :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا – يعني : ( حبو الصغير على يديه ورجليه ) – لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا فيصلي بالناس ثم أنطلق برجال معي إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار )) متفق عليه .
حكم صلاة الجماعة :
اختلف العلماء على أربعة أقوال :
فرض كفاية :
قال ابن حجر : (( وظاهر نص الشافعي أنها فرض كفاية وعليه جمهور المتقدمين من أصحابه وقال به كثير من الحنفية والمالكية )) . (الفتح 2/165).
سنة مؤكدة :
وهو المشهور عند الحنفية والمالكية . قال القسطلاني (( وقال أبو حنيفة ومالك : أنها سنة مؤكدة وهو وجه عند الشافعية )) . (إرشاد الساري 2/287) .
أن صلاة الجماعة شرط لصحة الصلاة :
وهو قول الظاهرية ورواية عن الإمام أحمد وغيره من الحنابلة وابن حزم ( الصلاة حكم تاركه لابن القيم ص 88-89 )
فرض عين :
قال ابن حجر (( وإلى القول بأنها فرض عين ذهب عطاء والأوزاعي وأحمد وجماعة من محدثي الشافعية كأبي ثور وابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان )) . ( الفتح 2/165 ) .
القول الراجح :
والقول الراجح هو ما ذهب إليه أصحاب القول الرابع من أن صلاة الجماعة فرض عين على من تجب عليه الصلاة وهو الرجل الحر غير المعذور بعذر الخوف أو المرض ، وأدلة ذلك ما يأتي :
قال الله تعالى ((وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ اللّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً(( النساء102
قال ابن قدامة ( لو لم تكن واجبة لرخص فيها حالة الخوف ولم يجز الإخلال بواجبات الصلاة من أجلها ) . ( المغني 3/5 )
قال الله تعالى : ((وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ)) (البقرة 43)
قال ابن كثير رحمه الله تعالى " واستدل كثير من العلماء بهذه الآية على وجوب صلاة الجماعة " (تفسير القرآن العظيم 1/246)
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : (( إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا ، لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا فيصلي بالناس ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار )) متفق عليه .
قال ابن حجر (( وأما حديث الباب الظاهر في كونها فرض عين ، لأنها لو كانت سنة لم يهدد تاركها بالتحريق المذكور ، ولا يمكن أن يقع في حق تاركي فرض الكفاية كمشروعية تاركي فرض الكفاية . وفيه نظر : لأن الذي قد يفضي إلى القتل أخص من المقاتلة ، ولأن المقاتلة إنما تشرع فيما إذا تمالأ الجميع على الترك )) (الفتح 2/165).
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أتى النبي (صلى الله عليه وسلم) رجل أعمى ، فقال : يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فسأله أن يرخص له أن يصلي في بيته ، فرخص له ، فلما ولى دعاه ، فقال : (( أتسمع النداء بالصلاة ؟)) قال : نعم . قال (( فأجب )) . (رواه مسلم) . قال ابن قدامة (( وإذا لم يرخص للأعمى الذي لا يجد قائدا ، فغيره أولى )) . (المغني3/6).
إجماع الصحابة على وجوب صلاة الجماعة كما ذكر ذلك ابن القيم عن غير واحد من الصحابة كعلي وعبد الله بن مسعود وأبي هريرة وابن عباس وأبي موسى الأشعري ، ولم ينقل عن صحابي واحد خلاف ذلك ، ( الصلاة وحكم تاركها ص 87-88).
مكان تأدية صلاة الجماعة :
اختلف العلماء رحمهم الله تعالى إلى قولين في مكان تأدية صلاة الجماعة :
يجوز أن تؤدى في المسجد وغيره .
يجب أن تكون في المسجد ولا يجوز أن تؤدى في غيره إلا لعذر .
والقول الثاني هو الأظهر والأرجح لموافقته النصوص من الكتاب والسنة منها ما ذكر آنفا في وجوب صلاة الجماعة ثم إن الأصل فيها أن تقام في المساجد . قال تعالى ((فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ)) (النور 36-38)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى " ومن تأمل السنة حق التأمل تبين له أن فعلها في المسجد فرض على الأعيان إلا لعارض يجوز معه ترك الجمعة والجماعة ، فترك حضور المسجد لغير عذر كترك أصل الجماعة لغير عذر وبهذا تتفق جمبع الأحاديث والآثار " . (الصلاة وحكم تاركه ص 95 ) .
فنسأل الله تعالى أن يرد المسلمين إلى دينه ردا جميلا إنه جواد كريم وبالإجابة جدير ، وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
ملاحظة : إخوانكم القائمون على هذه الرسالة الشهرية يرحبون بملاحظاتكم واقتراحاتكم عن طريق البريد الإلكتروني.
ملاحظة من إدارة الموقع : سيتم نشر باقي الأعداد التي صدرت تباعا إن شاء الله.
القسم: التصنيف الرئيسي » سبيل المؤمنين
عدد القراء : 4159
تاريخ الموضوع: 14 - يونيو - 2003 ميلادية
(118/1)
فضائل معاوية
الأخ الفاضل سعود الزمانان
…الحمد لله الواحد القهار مكورِ الليلِ على النهار ، الذي أوجب علينا تعظيم أصحاب نبيه المصطفيْن الأخيار ، برأهم الله من كل وصمة وعار ، وسقطة وعثار .
…وأشهد أن لا إله وحده لا شريك له ، الكريم الغفار ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله النبي المختار ، وأصلي وأسلم عليه وعلى آله وأصحابه صلاة وسلاماً متلازمين ما تعاقب الليل والنهار .
…فله الحمد على أن هدانا للإسلام ، شرح صدورنا للإيمان ، وجعل قلوبنا مملوءة حبا وتقديرا وإجلالا وتعظيماً لصحابة نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – قال تعالى { والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤف رحيم } .
روى الشيخان عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - :" لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه " .
وروى الإمام أحمد في الفضائل عن عبد الله بن عمر :" لا تسبوا أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فلمقام أحدهم ساعة – يعني مع النبي – خير من عمل أحدكم أربعين سنة " .
وفي صحيح مسلم عن جابر قال :" قيل لعائشة أن ناساً يتناولون أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حتى أبا بكر وعمر قالت : وما تعجبون من هذا انقطع عنهم العمل فأحب الله أن لا ينقطع عنهم الأجر " .
- قال أبو زرعة :" إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فاعلم أنه زنديق "
وقال الإمام أحمد :" إذا رأيت الرجل يذكر أحداً من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بسوء فاتهمه على الإسلام "
…قال الطحاوي : " ونحب أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم ولا نفرط في حب أحد منهم ولا نتبرأ من أحدهم ، ونبغض من يبغضهم وبغير الحق يذكرهم ، ولا نذكرهم إلا بخير ،وحبهم دين وإيمان وإحسان ، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان "
دع ما جرى بين الصحابة في الوغى بسيوفهم يوم التقى الجمعان
فقتيلهم وقاتلهم لهم…وكلاهما في الحشر مرحومان والله يوم الحشر ينزع كلما……تحوي صدورهم من الأضغان
…أما بعد فهذه كلمات في فضل سيدنا أبي عبد الرحمن أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان الأموي – رضي الله عنه وأرضاه - ، في مناقبه وحروبه ، وفي الجوانب عن بعض الشبه التي استباح بسببها كثير من أهل البدع والأهواء ، جهلا واستهتارا بما جاء عن نبيهم – صلى الله عليه وسلم – في التحذير عن سب أو انتقاص أحد من أصحابه ، لا سيما أصهاره وكتاب وحيه ومن بشّره بأنه سيملك أمته ، ودعا له أن يكون هاديا مهديا .
…ولا شك ولا ريب أن معاوية من أكابر الصحابة نسبا وقرباً من النبي – صلى الله عليه وسلم - ، وعلماً وحلماً ، فاجتمع لمعاوية شرف الصحبة وشرف النسب ، وشرف مصاهرته للنبي – صلى الله عليه وسلم – وشرف العلم والحلم والإمارة ، ثم الخلافة ، وبواحدة مما ذكرنا تتأكد المحبة لأجلها فكيف إذا اجتمعت ؟ وهذا كاف لمن في قلبه أدنى إصغاء للحق ، وإذعان للصدق .
وقبل أن نتكلم عن هذا الموضوع ينبغي الإشارة إلى أن المبتدعة وخاصة الروافض يجادلون في المتشابه من القرآن أو السنة ،فإنهم هم أهل الزيغ، فهم يتركون الفضائل الثابتة في فضائل أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – ويأخذون بالمتشابه ، وفي صحيح مسلم عن عائشة – رضي الله عنها قالت : تلا رسول الله – صلى الله عليه وسلم - { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب } قالت : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - :" إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم " ح ( 2665) .
قال الإمام النووي في شرح الحديث :" وفي هذا الحديث التحذير من مخالطة أهل الزيغ وأهل البدع ،ومن يتبع المشكلات للفتنة ، فأما من سأل عما أشكل عليه منها للاسترشاد وتلطف في ذلك فلا بأس عليه ،وجوابه واجب ، وأما الأول فلا يجاب بل يزجر ويعزر كما عزر عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – صَبِيغ بن عَسْل حين كان يتبع المتشابه ".
فهؤلاء المبتدعة الكلام معهم لغو فأعرض عنهم أيها السني ، وابذل جهدك فيما ينفعك الله به في الدنيا والآخرة .
- الأدلة على عدالة الصحابة من القرآن :
- { محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كمثل زرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً }.
- { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم } .
- { للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون * والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون * والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم }
- { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً } .
- { لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى } ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) ، ( إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ) .
- { والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آمنوا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقاً لهم مغفرة ورزق كريم } .
- { لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوبُ فريقٍ منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم } .
- { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله } .
- { وكذلك جعلناكم أمة وسطاً }
هو معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي القرشي الأموي أبو عبد الرحمن خال المؤمنين وكاتب وحي رسول رب العالمين .
…وأمه هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس .
…أسلم معاوية عام الفتح .
…قال ابن كثير رحمه الله :" كان أبوه من سادات قريش ، وتفرد بالسؤدد بعد يوم بدر ، ثم لما أسلم بعد ذلك حسن إسلامه ، وكان له مواقف شريفة ، وآثار محمودة في يوم اليرموك وما قبله وما بعده ، وصحب معاوية رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، وكتب الوحي بين يديه مع الكتاب ، وروى عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرها من السنن والمسانيد ، وروى عنه جماعة من الصحابة والتابعين " ( 8/55 ) .
دعاء النبي – صلى الله عليه وسلم – لمعاوية :
…صح عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال لمعاوية :" اللهم اجعله هاديا مهديا واهد به " .
كان أحد من كتبوا للنبي – صلى الله عليه وسلم –
أن أبا سفيان قال للنبي صلى الله عليه وسلم :" يا نبي الله ثلاث أعطنيهن قال نعم قال عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها قال نعم قال ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك قال نعم قال وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين قال نعم "
…
في عهده فتحت قبرص وقاتل المسلمون أهل القسطنطينية :
أخرج البخاري في صحيحه :" أم حرام أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا قالت أم حرام قلت يا رسول الله أنا فيهم قال أنت فيهم ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم فقلت أنا فيهم يا رسول الله قال لا " .
قال سعيد بن عبد العزيز :" لما قتل عثمان ووقع الاختلاف لم يكن للناس غزو حتى اجتمعوا على معاوية ، فأغزاهم مرات ، ثم أغزى ابنه في جماعة من الصحابة براً وبحراً حتى أجاز بهم الخليج ، وقاتلوا أهل القسطنطينية على بابها ، ثم قفل " سير أعلام النبلاء 3/15 .
شهادة ابن عباس له بالفقه :
في صحيح البخاري :" قيل لابن عباس : هل لك في أمير المؤمنين معاوية فإنه ما أوتر إلا بواحدة ، قال إنه فقيه " .
وكان ابن عباس – رضي الله عنه – من فضلاء الصحابة ، ومن آل بيت النبي – صلى الله عليه وسلم – ويلقب : ( البحر ) ، لسعة علمه ، ويلقب ( بحبر الأمة ) و ( بترجمان القرآن ) ، وقد دعا له النبي – صلى الله عليه وسلم – بالعلم والحكمة والتأويل فاستجيب له، فإذا شهد مثله لمعاوية بأنه مجتهد فقيه ، فلا ريب أنها شهادة لا تضاهيها شهادة ،
قال ابن حجر :" هذه شهادة من حبر الأمة بفضله " .
ثناء ابن عمر – رضي الله عنه - على معاوية :
قال ابن عمر – رضي الله عنه :" ما رأيت بعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أسود من معاوية ، قيل : ولا عمر ؟ قال : كان عمر خيراً منه ، وكان هو أسود من عمر " رواه الخلال في السنة بسند صحيح . ومعنى أسود قيل : أسخى وأعطى للمال ، وقيل : أحكم منه .
وذكر القاضي عياض – رحمه الله – : " أن رجلا قال : للمعافى بن عمران ، عمر بن عبد العزيز أفضل من معاوية ، فغضب وقال : لا يقاس أحد بأصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم - ، معاوية صاحبه وصهره وكاتبه وأمينه على وحي الله عز وجل " .
حرصه على اتباع السنة وكان يأمر الناس بالحديث وينهاهم عن مخالفته :
- قال ابن حجر – رحمه الله - :" كان إذا أتى المدينة وأُسمع من فقهائها شيئاً يخالف السنة ، قال لأهل المدينة : أين علماؤكم ؟ سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول : كذا أو رأيته يفعل كذا " .
- وأخرج البخاري عنه قال :" إنكم لتصلون صلاة لقد صحبنا النبي – صلى الله عليه وسلم – فما رأيناه يصليها ولقد نهى عنها يعني الركعتين بعد العصر "
- وأخرج مسلم عن عمرو بن عطاء قال : " إن نافع بن جبير أرسله إلى السائب يسأله عن شيء رآه من معاوية في الصلاة فقال : نعم صليت معه الجمعة في المقصورة ، فلما سلم قمت في مقامي فصليت فلما دخل أرسل إليّ فقال : لا تعد لما فعلت إذا صليت الجمعة فلا تَصِلْها بصلاة حتى تتكلم أو تخرج " .
من فضائله استخلاف عمر – رضي الله عنه – معاوية على الشام :(119/1)
…إن استخلاف عمر معاوية رضي الله عنهما على الشام ، لاشك منقبة لمعاوية ، لأن عمر كان شديد التحري في اختيار واصطفاء الأمراء الصالحين ، وأقره على استخلافه عثمان بن عفان – رضي الله عنهم – فلم ينزله ولم يعزله .
قال الذهبي :" وقال خليفة : ثم جمع عمر الشام كلها لمعاوية ، وأقره عثمان . قلت : حسبك بمن يُؤمِّره عمر ، ثم عثمان على إقليم – وهو ثغر – فيضبطه ، ويقوم به أتم قيام ، ويرضى الناس بسخائه وحلمه ... فهذا الرجل ساد وساس العالم بكمال عقله ، وفرط حلمه وسعة نفسه وقوة دهائه ورأيه ... ، وكان محببا إلى رعيته ، عمل نيابة الشام عشرين سنة ، والخلافة عشرين سنة ، ولم يهجه أحد في دولته ، بل دانت له الأمم وحكم على العرب والعجم ، وكان ملكه على الحرمين ومصر والشام والعراق ، وخراسان وفارس والجزيرة واليمن والمغرب وغير ذلك " سير أعلام النبلاء 3/133 .
من فضائله تسليم الحسن بن علي الخلافة إليه :
…مما لا شك فيه أن تسليم الحسن بن علي الخلافة إليه مع أن أكثر من أربعين ألفاً بايعوا الحسن على الموت ، فلم يكن أهلاً لها لمّا سلمها السبط الطيب إليه ،ولحاربه كما حاربه أبوه – رضي الله عنهم أجمعين – وعن أولادهم .
…
حلمه وسؤدده :
…عندما ولي معاوية الشام كانت سياسته مع رعيته من أفضل السياسات ، وكانت رعيته تحبه ويحبهم ، قال قبيصة بن جابر :" ما رأيت أحداً أعظم حلماً ولا أكثر سؤدداً ولا أبعد أناة ولا ألين مخرجا ولا أرحب باعاً بالمعروف من معاوية "
…
وقال بعضهم :" أسمع رجلٌ معاويةَ كلاماً سيئاً شديداً ، فقيل له لو سطوت عليه ، فقال إني لأستحي من الله أن يضيق حلمي عن ذنب أحد رعيتي " .
الشبه التي أثارها المبتدعة في حق معاوية :
· قالت الرافضة : معاوية خرج عن الحاكم وقاتل عليا يريد أن يستأثر بالخلافة وأن قتاله لعلي كفر وقد قتال النبي – صلى الله عليه وسلم – عن عمار " تقتله الفئة الباغية " :
الجواب : الرد على ذلك من عدة وجوه :
أولاً : إن الكلام عما شجر بين الصحابة ليس هو الأصل ، بل الأصل الاعتقادي عند أهل السنة والجماعة هو الكف والإمساك عما شجر بين الصحابة ، وهذا مبسوط في عامة كتب أهل السنة في العقيدة ، كالسنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل ، والسنة لابن أبي عاصم ، وعقيدة أصحاب الحديث للصابوني ، والإبانة لابن بطة ، والطحاوية ، وغيرها .
ويتأكد هذا الإمساك عند من يخشى عليه الالتباس والتشويش والفتنة ، وذلك بتعارض ذلك بما في ذهنه عن الصحابة وفضلهم ومنزلتهم وعدالتهم وعدم إدراك مثله ، لصغر سنه أو لحداثة عهده بالدين . . . لحقيقة ما حصل بين الصحابة ، واختلاف اجتهادهم في ذلك ، فيقع في الفتنة بانتقاصه للصحابة من حيث لا يعلم .
وهذا مبني على قاعدة تربوية تعليمية مقررة عند السلف ، وهي إلا يعرض على الناس من مسائل العلم إلا ما تبلغه عقولهم .
قال الإمام البخاري رحمه الله : (( باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية ألا يفهموا )) . وقال علي رضي الله عنه : (( حدثوا الناس بما يعرفون ، أتحبون أن يكذب الله ورسوله )) .
وقال الحافظ في الفتح تعليقا على ذلك : (( وفيه دليل على ان المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند العامة . ومثله قول ابن مسعود : ( ما أنت محدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة ) . ( رواه مسلم ) .
دع ما جرى بين الصحابة في الوغى……بسيوفهم يوم التقى الجمعان
فقتيلهم وقاتلهم لهم……وكلاهما في الحشر مرحومان والله يوم الحشر ينزع كلما……تحوي صدورهم من الأضغان
قال عبد الله بن الإمام أحمد : " حدثنا أبي ، حدثنا إسماعيل بن علية ،حدثنا أيوب السختياني، عن محمد بن سيرين، قال:" هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف ، فما حضرها منهم مائة ، بل لم يبلغوا ثلاثين " .
قال ابن تيمية : " وهذا الإسناد من اصح إسناد على وجه الأرض ، ومحمد بن سيرين من أورع الناس في منطقته ، ومراسيله من أصح المراسيل " . ( منهاج السنة 6 / 236 ) .
ثانياً : الخلاف بين علي ومعاوية هو مقتل عثمان وليس من أجل الخلافة ، كما يدعي الرافضة :
…لما انتهى علي – رضي الله عنه – من أهل الجمل فقال : لا بد أن يبايع الآن معاوية ، وجهز الجيش لمقاتلة معاوية أو يبايع ، وكان معاوية قد رفض البيعة .
…فخرج علي بجيش قوامه 100 ألف في صفين .
…ومعاوية لم يطالب الحكم ، فعن أبي مسلم الخولاني :" أنه دخل على معاوية فقال له : أنت تنازع علياً أأنت مثله ؟ فقال معاوية : لا والله إني لأعلم أن علياً أفضل وأحق ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوماً ؟ وأنا ابن عمه وأنا أطلب بدمه فأتوا علياً فقولوا له فليدفع إليّ قتلة عثمان وأُسلِّم له الأمور ، فَأَتوا عليا فكلموه فأبى عليهم ولم يدفع القتلة ". ( وهذه الرواية إسنادها صحيح كما في تاريخ الإسلام للذهبي ) .
فهذا يؤكد على أن الخلاف بين علي ومعاوية هو مقتل عثمان وليس من أجل الخلافة ، كما يدعي الرافضة ، والقضية اجتهادية ،فلم يقل معاوية إنه خليفة ولم ينازع عليا الخلافة أبداً .
ثانياً : معاوية كان متأولاً وقد استند إلى النصوص الشرعية ، والتي تظهر أن عثمان يقتل مظلوماً ويصف الخارجين عليه بالمنافقين ، وهو ما رواه الترمذي وابن ماجه عن عائشة قالت : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - :" يا عثمان ! إن ولاك الله هذا الأمر يوما ، فأرادك المنافقون أن تخلع قميصك الذي قمصك الله فلا تخلعه – قالها ثلاث مرات - :" …وكان معاوية يقول إن ابن عمي قتل ظلماً وأنا كفيله والله يقول { ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً }.
ثالثاً : المتأول المخطئ مغفور له بالكتاب وبالسنة ، قال تعالى { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } وثبت في الصحيح أن الله عز وجل
قال :" قد فعلت " ( مسلم ) .وقال – صلى الله عليه وسلم - :" إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان " رواه ابن ماجه وصححه الألباني .
رابعاً : تناقض الرافضة فهم يعظمون من قاتل مع علي – رضي الله عنه - ، ويمدحون من قتل عثمان ، مع أن الذم والإثم لمن قتل عثمان أعظم من الذم والإثم لمن قاتل عليا ، فإن عثمان كان خليفة اجتمع الناس عليه ، ولم يقتل مسلما .
خامساً :كان الصواب أن لا يكون فتالاً ، وكان ترك القتال خير للطائفتين ، فليس في الاقتتال صواب ، ولكن علي – رضي الله عنه – كان أقرب للصواب إلى الحق من معاوية ، والقتال فتنة ليس بواجب ولا مستحب ، وكان ترك القتال خيرا للطائفتين ، ومع أن علياً كان أولى بالحق ، وهذا القول هو قول الإمام أحمد وأكثر أهل الحديث وأئمة الفقهاء ، وهو قول أكابر الصحابة – كما نقل ذلك شيخ الإسلام في المنهاج – وهو قول عمران بن حصين – رضي الله عنه – وكان ينهى عن بيع السلاح في ذلك القتال ، ويقول :" هو بيع السلاح في الفتنة " وهو قول أسامة بن زيد ، ومحمد بن مسلمة ، وسعد بن أبي وقاص ، وأكثر من بقي من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار – رضي الله عنهم - .
سادساً : لذلك كان مذهب أهل السنة الإمساك عما شجر بين الصحابة ، فإنه قد ثبتت فضائلهم ، ووجبت موالاتهم ومحبتهم ، وما وقع منه ما يكون لهم فيه عذر يخفى على الإنسان ، ومنه ما تاب صاحبه منه ، ومنه ما يكون مفغورا ، فالخوض فيما شجر يوقع في نفوس كثير من الناس بغضا وذما ،ويكون هو في ذلك مخطئا بل عاصيا فيضر نفسه .
سابعاً : هذا القتال قتال فتنة ، قال الزهري – رحمه الله - :" وقعت الفتنة وأصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – متوافرون ، فأجمعوا أن كل دم أو مال أو فرج أصيب بتأويل القرآن فإنه هدر " .
ثامناً : الكتاب والسنة دلت على أن الطائفتين مسلمون ، وأن ترك القتال كان خيراً من وجوده قال تعالى { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين } فسماهم الله مؤمنين إخوة مع وجود الاقتتال والبغي .
- ( يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى النار ) :
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية : و جماهير أهل السنة متفقون على أن علياً أفضل من طلحة و الزبير فضلاً عن معاوية وغيره . المنهاج (4/358 ) .
- و قال رحمه الله عند الكلام على حديث " ويح عمار تقتله الفئة الباغية ، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار " . حديث صحيح متفق عليه و اللفظ للبخاري .
- قال : " و هذا أيضاً يدل على صحة إمامة علي و وجوب طاعته و إن الداعي إلى طاعته داع إلى الجنة ، وأن الداعي إلى مقاتلته داع إلى النار ، و هو دليل على أنه لم يكن يجوز قتال علي ، و على هذا فمقاتله مخطئ وإن كان متأولاً أو باغ بلا تأويل و هو أصح القولين لأصحابنا ، و هو الحكم بتخطئة من قاتل علياً و هو مذهب الأئمة والفقهاء الذين فرعوا على ذلك قتال البغاة المتأولين " . مجموع الفتاوى 4/437.
- وقال رحمه الله :" ثبت بالكتاب و السنة إجماع السلف(119/2)
المروءة
الدكتور أسامة الكندري
لعل خلق المروءة من أعظم الأخلاق التي سها عنها المسلمون في زماننا عموماً، والدعاة إلى الله خصوصاً، ولذا رأيت من الواجب أن أكتب عنها كلمة أذكر العارف، وأعرف الجاهل بها، وأبين عظيم قدرها للمستهين بها، فقد كنت في مجلس فذكر أحد الحضور أن الشيخ الفلاني يزعم أن ما ذكره العلماء من خوارم المروءة لا تعتبر شيئاً في زماننا، وذلك كالمشي حاسر الرأس، والأكل بالأسواق، والجري بين الناس بلا حاجة، وغيرها من الأمور التي كانت تخدش مروءة الرجل في السابق، والأمر أخطر بكثير مما ذكر، ولذا فسأذكر في مقالتي هذه ما يلي:
- معنى المروءة لغةً واصطلاحاً.
- مجالات المروءة ومواطنها.
- المروءة والأحكام الشرعية.
- أمثلة على ذلك.
- ضوابط.
- نتيجة مهمة.
أولاً: معنى المروءة لغةً واصطلاحاً
أ- المروءة لغة: هي الإنسانية، أي الأمور التي تكمل إنسانيتك بها، فمما هو معروف أن الإنسان يشترك مع الحيوان في أمور كثيرة كالأكل والشراب والتناسل والغضب والتنازع وغيرها، ويتميز عنها بأمور كثيرة أيضا كالعقل والخلق والتمكين والسمو، والمروءة من الأمور التي تكمل بها إنسانية الإنسان ويتميز بها عن غيره من المخلوقات تميزاً كبيراً.
ب- المروءة اصطلاحاً: آداب نفسانية تحمل مراعاتها الإنسان على الوقوف عند محاسن الأخلاق وجميل العادات، أو هي كمال الرجولية.(1)[1]
وأقف في هذا التعريف عند قول أهل الفن (هي كمال الرجولية)
إي والله المروءة كمال الرجولية، فهي خلق تسمو بالإنسان إلى أن يصل إلى الكمال في رجولته، والكمال غاية البشر جميعاً، وإليها يسعون ظاهراً وباطناً، حقيقةً أو ادعاءاً.
ولذلك نرى المروءة خلقاً عاماً عند الناس جميعاً، مع تفاوتهم واختلافهم الشديد في الاهتمام بها وما يرون أنه من المروءة أو ليس له تعلق بالمروءة، وانفرد العرب باهتمامهم الشديد بالمروءة ، حتى صارت من أخلاقهم التي يقيسون بها الرجال وعقولهم، ولذا فقد امتلأ تراثهم بالقصص الكثيرة التي تدل على اهتمامهم بهذا الخلق العظيم.
ثانيا: مجالات المروءة
الناظر في أقوال أهل العلم والفضل عموماً – والسلف رحمهم الله تعالى خصوصاً - يجد أن المروءة عندهم استغرقت مجالات الحياة جميعا ، وإليك طرفا من أقوالهم:
قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- : حسب المرء دينه، وكرمه تقواه، ومروءته عقله.(2)[2]
فانظر كيف جعل عمر – رضي الله عنه – العقل من مروءة الإنسان، فالإنسان الأحمق تجده قليل المروءة أو عديمها، ولذلك قالوا ( عدو عاقل خير من صديق جاهل ).
وقال عبدالله بن عمر – رضي الله عنهما – : المروءة حفظ الرجل نفسه، وإحرازه دينه، وحسن قيامه بصنعته، وحسن المنازعة، وإفشاء السلام.
المروءة حفظ الرجل نفسه: أي من كل ما يعيبه في نظر الناس ولو كان حلالاً، وإحرازه دينه بفعل المأمورات وترك المحظورات، وحسن قيامه بصنعته وهو أمر يغفل عنه كثير من الناس وهو الإتقان في الصناعة والتدبير يعتبره ابن عمر - رضي الله عنهما- من المروءة، لأن المتقن محمود، والأخرق الذي لا يتقن شيئاً مذموم عند الناس.
وحسن المنازعة: فالمؤمن كريم حتى في الخصومة ، وآية المنافق أنه إذا خاصم فجر ، فالكرم في المخاصمات والمنازعات لا يتأتى إلا من رجل ذي مروءة تامة.
وإفشاء السلام جعله ابن عمر –رضي الله عنهما- من المروءات لأنه يؤدي إلى المحبة وتقدير الناس لك.
وقال الإمام الزهري: المروءة اجتناب الريب، وإصلاح المال، والقيام بحوائج الأهل.
وقال مرة: الفصاحة من المروءة.
فاجتناب الريب: من أعظم ما يدل على مروءة الإنسان، لأن الإنسان الذي يقتحم أماكن الريبة والفساد متهم عند الناس، وهو بهذا التصرف يستبيح عرضه للناس وللقيل و القال، وهذا ما لا يرضاه عاقل لنفسه.
وإصلاح المال: وهو من أعظم ما تركه المسلمون في زماننا، فإصلاح المال والقيام على ممتلكاتك بالرعاية والاهتمام والاستثمار أمر من أمور المروءة، وذلك حتى يكون الإنسان عزيزاً لا تذله الحاجة فيريق ماء وجهه بالطلب من الآخرين.
والقيام بحوائج الأهل: وهذا باب لا يحتاج لشرح، حيث إن كثيراً من الرجال اليوم قد ألقوا بمسئوليات المنزل وطلبات الأولاد على الزوجات والخدم، فالزوجة هي التي تشتري للبيت طعامه وشرابه، وهي التي تشتري الملابس للأولاد، وهي التي تقوم بتدريسهم، وهي التي تحل مشاكلهم، والأب قد ترك ذلك كله لأنه اشترى لها سيارة وأعطاها المعاش، أما هو فمشغول بالدواوين واللهو البرئ وغير البرئ ، وهذا لعمر الله هو انعدام المروءة أو قلتها وهو أمر قد شاع في زماننا.
والاهتمام بالفصاحة واللغة من المروءات لأن الرجل الذي يلحن ويخطئ يتعرض للسخرية والإيذاء، وهو أمر معروف بين الناس، والعامة تقول (فلان راعي بدليات) أي صاحب أخطاء لغوية، وهو دليل عجمته.
وعلى العموم فالمروءة تعني باختصار أمراً واحداً وهو ألا ترضى بما يعيبك ويشينك في أعين الناس والمجتمع الذي يعيش فيه، ولذا أختم هذه الحلقة بقول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى الذي يدل على عظيم رجولته وكمال إنسانيته واهتمامه بالمروءة اهتماماً بالغاً فيقول:
والله لو كان الماء البارد ينقص من مروءتي لشربته حاراً.
لله درك ، ورحمك الله تعالى رحمة واسعة ، أي نفس كانت تسمو بين جنبيك ، وأي كمال بشري كنت تسعى إليه، كمال لا يسعى الناس في زماننا إلى عشرها أو أقل من عشرها.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين
---
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الدكتور أسامة الكندري
عدد القراء : 2166
تاريخ الموضوع: 30 - يونيو - 2003 ميلادية
__________
(1) المعجم الوسيط ( 2/860)
(2) الحسب ما تعده من مفاخر آبائك أو مفاخر الأفعال.(120/1)
أفعال وألفاظ مبتدعة
سبيل المؤمنين
سلسة رسائل علمية عقائدية تهدف إلى نشر الوعي الإسلامي الصحيح على ضوء الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة رحمهم الله تعالى . يصدرها مجموعة من طلبة العلم . بإشراف : الشيخ عثمان الخميس حفظه الله تعالى .
سبيل المؤمنين
(رسالة شهرية )
العدد (2) رجب وشعبان 1422
أفعال وألفاظ مبتدعة
لو كان خيرا لسبقونا إليه
أولا البدع الفعلية :
بدعة الاحتفال بالمولد النبوي:
يقوم بعض المسلمين بالاحتفال بالمولد النبوي ، وليس لديهم دليل من الكتاب أوالسنة ولا من عمل الصحابة من بعدهم ، وأما ما جاء في صحيح مسلم (( أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سئل عن صوم يوم الاثنين فقال : فيه ولدت وفيه انزل علي )) فلا يجوز الاستدلال به على جواز الاحتفال بالمولد النبوي لأمور :
أن النبي (صلى الله عليه وسلم) سئل عن صيام يوم الاثنين ولم يسأل عن مولده .
أن تحديد تاريخ مولده عليه الصلاة والسلام غير معروف ، وقد ذكر أهل السير خمسة أقوال في تاريخ مولده .
لو كان الاحتفال بيوم مولده جائزا ومشروعا فضلا عن أنه مستحب لبينه عليه الصلاة والسلام بيانا واضحا لا غموض فيه ، كما في صيام يوم عاشوراء ويوم عرفة وليلة القدر وغيرها .
أن هذه البدعة لم تكن على عهد الصحابة رضوان الله عليهم الذين هم أشد حبا للنبي (صلى الله عليه وسلم) ، بل ما عرفت إلا في القرن الثالث في زمن الدولة الفاطيمة .
لم يقل أحد من العلماء الذين شرحوا صحيح مسلم ، أن هذا الحديث دليلا على الاحتفال بمولده عليه الصلاة والسلام ، بل على العكس من ذلك ، نص بعضهم على بدعية هذا الأمر . انظر كتاب (( السراج الوهاج شرح مختصر مسلم بن حجاج ، منحة المنعم شرح صحيح مسلم )) .
بدعة الاحتفال بليلة النصف من شعبان:
ومما ابتدعه بعض الناس تخصيص ليلة النصف من شعبان بعادات معينة مثل : قيام ليلة النصف من شعبان وصيام يوم خمسة عشر من شعبان ، ولا يوجد دليل من الكتاب أو السنة الصحيحة ما يحث على ذلك . أما حديث علي بن أي طالب قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : (( إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها ، فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا ، فيقول ألا من مستغفر فاغقر له ، ألا من مسترزق فأرزقه ، ألا من مبتلى فأعطيه ، ألا كذا ألا كذا ، حتى يطلع الفجر ) رواه ابم ماجة وسنده ضعيف جدا . فيه ابن أبي سبرة ، قال أحمد وابن معين : يضع الحديث . وحديث ( من صلى ليلة النصف من شعبان ثنتي عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة قل هو الله أحد ثلاثين مرة لم يخرج حتى يرى مقعده من الجنة ..... ) الحديث (الموضوعات(2/50))
ذكر الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في صحيح الترغيب والترهيب (( عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يطلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان ، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك ، أو مشاحن )) رواه الطبراني وابن حبان في صحيحه ، وقال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى حديث صحيح (صحيح الترغيب والترهيب499) قلت لا يوجد في هذا الحديث أي دليل على مشروعية الاحتفال بهذه الليلة .
بدعة الاحتفال بليلة بليلة الإسراء والمعراج:
لا ريب أن الإسراء والمعراج آية من من آيات الله عز وجل قال تعالى : ((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ )) الإسراء 1.
ولكن الاحتفال بهذه المناسبة وتخصيصها بعبادة معينة فهذه بدعة منكرة لأمور :
- لم يأت في الأحاديث الصحيحة تعيين هذه الليلة لا في رجب ولا غيره وكل ما ورد في تعيينهافهو غير ثابت .
- على فرض تعيينها لم يجز للمسلمين الاحتفال بها لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت عنه الاحتفال بها .
- لم ينقل عن الصحابة والتابعين وأئمة الهدى أنهم احتفلوا بها ولو ثبت أنهم احتفلوا بها لنقلوه إلينا ، حيث أنهم نقلوا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم كل شيء تحتاجه الأمة ولم يفرطوا في شيء من الدين بل هم السابقون إلى كل خير .
بدعة صلاة الرغائب في رجب:
ومن البدع المحدثة في شهر رجب ما يعرف بصلاة الرغائب ، وهي ما يفعله بعض الناس في أول ليلة جمعة من رجب بين صلاتي المغرب والعشاء يسبقها صيام الخميس الذي هو أول خميس في رجب . وهي بدعة منكرة حيث لا دليل لها من الشرع بل الأصل فيها حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم . (الموضوعات 2/48)
ثانيا البدع اللفظية:
هي عبارة عن ألفاظ اشتهرت على ألسنة بعض الناس وقد نهى الشرع عنها .
الله ما يضرب بعصى:
قال الشيخ بكر بوزيد حفظه الله تعالى (( هذه من الألفاظ الدارجة على ألسنة بعض العامة ، عند المغالبة والمشادة ، ويظهر أن المراد : أن الله - سبحانه - حكم قسط (( وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً )) ، لكن التعبير بها سوء ادب ، فتجتنب وينهى عنها من يتلفظ بها )) . (معجم المناهي اللفظية 119)
أنا بالله وبك وأنا متوكل على الله وعليك أو لولا الله وفلان:
هذه ألفاظ نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (( لا تقولوا ما شاء الله وفلان ، ولكن قولوا ما شاء الله ، ثم شاء فلان)) رواه أبو داود وصححه الألباني . والصواب في هذه الألفاظ أن يأتي بقول ((ثم)) ومثال ذلك ((توكلت على الله ثم عليك )) . (معجم المناهي اللفظية 153 بتصرف)
الله ورسوله أعلم:
قال الشيخ بكر بوزيد حفظه الله تعالى : (( الأصل أن يقال الله سبحانه وتعالى أعلم ، وأما قول الصحابة رضي الله عنهم (( الله ورسوله أعلم )) فذلك من حسن أدبهم في التعلم ، وكذلك أنه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم . أما بعد وفاته فلم يكن من هدي الصحابة رضوان الله عليهم إذا سئلوا عن شيء ان يقولوا الله أعلم . كما جاء في صحيح البخاري (( أن عمر بن الخطاب سأل الصحابة عن سبب نزول آية في القرآن الكريم فقالوا الله أعلم )) . (معجم المناهي اللفظية 128)
وكذلك يقال الله ورسوله أعلم في أمور الدين أما في امور الدنيا يقال الله أعلم لقوله عليه الصلاة والسلام (أنتم أعلم بأمور دنياكم) .
الله لا يغفر لفلان:
قال عليه الصلاة والسلام (( قال رجل ، والله لا يغفر الله لفلان ، فقال الله عز وجل ، من ذا الذي يتألى على أن لا أغفر لفلان ، إني غفرت له وأحبطت عملك )) رواه مسلم .
وكذلك تعيين شخص بعينه أنه من أهل النار أو من أهل الجنة ، فهذا لا يجوز لأنه من علم الغيب ، ومعتقد أهل السنة والجماعة أنهم لا يشهدون لأحد بجنة أو نار إلا ما شهد الله تعالى له أو رسوله صلى الله عليه وسلم.
صدق الله العظيم:
قال الشيخ بكر بوزيد حفظه الله تعالى : نعم صدق الله العظيم (( وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً )) النساء 122 (( وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثاً)) النساء 87. وقول القائل صدق الله العظيم ، فتقييده بزمان أو مكان ، أو حال من الأحوال ، لا بد من دليل ، إذ الأذكار المقيدة لا تكزن إلا بدليل ، وعليه :
فإن التزام هذا بعد قراءة القرآن ، لا دليل عليه ، فيكون غير مشروع والتعبد بما لم يشرع من البدع ، فالتزامها والحال هذه بدعة . والله أعلم . (معجم المناهي اللفظية 336 ). ولكن لو قالها إنسان بعد وقوع أثر ما وكان في القرآن ما يوافقه فإنه يقول صدق الله كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم .
صدق الله العظيم:
قال الشيخ بكر بوزيد حفظه الله تعالى : (( عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( المؤمن القوي خير واحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير ، احرص على ما ينفعك ، واستعن بالله ، ولا تعجز ، وإن أصابك شيء فلا تقل : لو أني فعلت كذا لكان كذا ، ولكن قل : قدر الله وما شاء فعل ، فإن لو تفتح عمل الشيطان )) رواه مسلم . ومن كمال التوحيد الاستسلام لقضاء الله وقدره ، واللو : تحسر يوحي بمنازعة للقدر ، والله المستعان . واستثنى العلماء من ذلك جواز (لو) في المور الشرعية التي تمكنه ، لأنه من باب تمني الخير وفعله ، وعليه عقد البخاري في ((الصحيح )) : ( باب ما يجوز من اللو ) . وجوازها فيما يستقبل مثل : لو اشتريت كذا فانا شريكك . (معجم المناهي اللفظية 476 ).
نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يوفق المسلمين للعمل بالسنة والتمسك بها وأن يجنبهم البدع في الدين إنه جواد كريم .
القسم: التصنيف الرئيسي » سبيل المؤمنين
عدد القراء : 4002
تاريخ الموضوع: 01 - يوليو - 2003 ميلادية
(121/1)
تدوين السنة بقلم / منى ناصر الطيار
بحوث علمية
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم
الإسلام دين عظيم اهتم بكل جوانب الحياة الإنسانية ، ومنها أنه حث على طلب العلم والتزود منه ، ولم يحدد سناً معينة أو زمناً يتوقف عنده المرؤ عن طلب العلم، ولم يفرق بين المرأة والرجل ، وبهذه الدعوة تقع على كل مسلم مسؤولية تبليغ هذا الدين، ودعوة الناس كافة لاعتناقه ، مستخدماً في ذلك ما وهبه الله من علم شرعي ، وفهم صحيح لهذا الدين وقدرة على توصيل ذلك إلى الآخرين ، سواء بالقدوة والممارسة العملية لما يدعو إليه ، أو بالنصح والموعظة والإقناع مع عدم إغفال جانب القدوة . وهكذا نحمل جميعاً أمانة تبليغ هذا الدين ونشره بين الناس لكن بالحسنى !
. ومن صور تبليغ هذا الدين :-
- تعريف المسلمين بالسنة النبوية وتاريخها والمراحل التي مرت بها قبل التدوين.
- بدايات التدوين وجهود الصحابة والتابعين وعلماء المسلمين في حفظ السنة وجمعها .
- إظهار مدى حرص الصحابة وتابعيهم على السنة تلقيا وأداء ، وبيان أثرهم في ذلك .
ولا يفوتنا بيان أهمية السنة ومنزلتها في التشريع الإسلامي ، فهي الشارحة للقرآن الكريم والمبينة له ، وفيها يتمثل التفسير النظري والتطبيق العملي لكتاب الله تعالى ، الذي هو المصدر الأصلي للعقيدة والأخلاق والأحكام ، وبالتالي تكون السنة النبوية المصدر الثاني للشريعة الإسلامية من حيث الثبوت عند المسلمين لا من حيث الالتزام.
وقد حرصت على الالتزام بالأحاديث المقبولة ، وابتعدت عن الأحاديث الضعيفة والواهية ، وقد كان من العسير بمكان أن أحصر أهم الجوانب في تاريخ السنة وأطوارها وتلخيصها في هذه الصفحات حيث لا مجال لإشباع بعض الموضوعات وإعطائها حقها بذكر تفاصيلها .
وأسأل الله العلي القدير أن يتقبل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم ، وأن يعينني على خدمة كتابه وسنة نبيه ، هو ولي ذلك والقادر عليه ، وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
---
الفصل الأول
معنى السنة
معنى السنة
السنة في اللغة :
هي الطريقة (1) والسيرة حسنة كانت أو سيئة ، وعند الإطلاق تنصرف إلى السنة الحميدة ومنه قوله تعالى { يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }[النساء:26] قال الإمام الحافظ ابن كثير في معنى الآية : يعني يهديكم طرائقهم الحميدة ، واتباع شرائعه التي يحبها ويرضاها . (2)
وقال تعالى {سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً } [الإسراء:77] قال ابن كثير : أي هكذا عادتنا في الذين كفروا برسلنا . (3)
يستخلص من هذه النصوص القرآنية أن الكلمة استعملت في القرآن الكريم بمعنى الطريقة والعادة .
و في الحديث النبوي جاءت بمعنى الطريقة والسيرة ، ومنه ما أخرجه مسلم بسنده عن جرير بن عبدالله البجلي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ " . (4)
ومنه ما رواه الشيخان – البخاري ومسلم – عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى قَالَ فَمَنْ " (5)
السنة في الاصطلاح :
السنة في الاصطلاح يختلف معناها باختلاف مناهج العلماء .
السنة عند المحدثين :
هي أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله وتقريراته ، وصفاته الخِلْقية والخُلُقية ، وسيرته ومغازيه ، سواء كان ذلك قبل البعثة مثل تحنثه (6) في غار حراء ، وحسن سيرته ، وأنه كان أمياً لا يقرأ ، وما إلى ذلك من صفات الخير ، أو بعد البعثة . (7)
وتعريفهم هذا مبني على عنايتهم بإثبات وتصحيح كل ما يتصل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - من أقوال، أو أفعال،أو تقريرات،وخلق وسيرة وشمائل،وأخبار، سواء أثبتت أحكاماً شرعية أم لا . (8)
مثال القول :
ما تحدث به النبي - صلى الله عليه وسلم - في مختلف المناسبات والأغراض بما يتعلق بتشريع الأحكام ، كقوله عليه الصلاة والسلام :" إِنَّمَا الأعْمَالُ بِالنِّياتَِ " (9) وقوله
: " الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا " (10)
مثال الفعل :
ما نقله الصحابة – رضوان الله عليهم – إلينا من أفعاله - صلى الله عليه وسلم - في شؤون العبادة وغيرها ،كأداء الصلوات الخمس وأركانها وكيفيتها ، ومناسك الحج ، وآداب الصيام ، وقضائه - صلى الله عليه وسلم - بالشاهد واليمين وما إلى ذلك .
مثال التقرير :
ما أقره الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أفعال صدرت من بعض أصحابه بسكوت منه ، مع دلالة الرضا ، أو بإظهار استحسان وتأييد ، فيعتبر ما صدر عنهم بهذا الإقرار والموافقة صادراً عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
مثال الأول : سكوت مع دلالة الرضا :
إقراره - صلى الله عليه وسلم - لاجتهاد الصحابة رضوان الله عليهم من أمر صلاة العصر،في غزوة بني قريظة حين قال لهم:" لا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إَِّلا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ " (11)
فقد فهم بعض الصحابة هذا النهي على حقيقته فأخرها إلى ما بعد المغرب ، وفهمه البعض الآخر على أن المقصود حث الصحابة على الإسراع فصلاها في وقتها، وبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - ما فعل الفريقان فأقرهما ، ولم ينكر على أحدهما ما فعل .
مثال الثاني : إظهار استحسانه وتأييده :
ما جاء عن خالد بن الوليد - رضي الله عنه - أنه أكل ضباً قُدِّم عند النبي - صلى الله عليه وسلم - بينما امتنع
النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أكله، فقال بعض الصحابة : أويحرم أكله يا رسول الله ؟ فقال : :" لا وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ " (12)
مثال الصفات الخلْقية :
ما أخرجه البخاري عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه قال:" كَانَ رَسُولُ - صلى الله عليه وسلم - لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلا بِالْقَصِيرِ وَلَيْسَ بِالأبْيَضِ الأمْهَق(13) ِ وَلَيْسَ بِالأدَمِ(14) وَلَيْسَ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ(15) وَلا بِالسَّبْطِ(16) " (17)
مثال عن الصفات الخُلُقية :
ما أخرجه البخاري عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال :" لَمْ يَكُنْ سَبَّابًا وَلا فَحَّاشًا وَلا لَعَّانًا كَانَ يَقُولُ لأحَدِنَا عِنْدَ الْمَعْتِبَةِ مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ " (18)
السنة في اصطلاح الفقهاء :
هي كل ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير افتراض ولا وجوب ، ويقابل الواجب وغيره من الأحكام الخمسة . (19)
ويمكن تعريفها أيضاً بأنها الطريقة المسلوكة في الدين من غير افتراض ولا وجوب (20) ، بمعنى النافلة والمندوب ، مثل الرواتب ، وصيام الاثنين والخميس وغيرها .
وتعريفهم هذا مبني على عنايتهم بالحكم . (21)
السنة عند الأصوليين :
ما صدر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - غير القرآن من الأقوال والأفعال والتقرير.(22)
وتعريفهم هذا مبني على عنايتهم بالدليل ومنه السنة التي أمرنا باتباعها .(23)
السنة عند علماء العقيدة والوعظ والإرشاد :
ما وافقت الكتاب والحديث وإجماع سلف الأمة من الاعتقادات والعبادات وتقابلها البدعة ومن هنا استعمل الاصطلاح المشهور ((أهل السنة)) . (24)
وتعريفهم هنا مبني على عنايتهم بالأعمال التعبدية وموافقتها للدليل ، وردّ ما خالف ذلك .
وهكذا نرى أن أوسع الإطلاقات هو إطلاق المحدثين الذين يقصدون بالسنة : كل أثر عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خُلقية أو خِلقية ، أو سيرة سواء كان ذلك قبل البعثة أو بعدها ، وسواء أثبتت حكماً شرعياً أم لا .
---
القسم: التصنيف الرئيسي » بحوث علمية
عدد القراء : 3204
تاريخ الموضوع: 15 - يوليو - 2003 ميلادية
__________
(1) انظر مادة سنن في النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير ، ولسان العرب لابن منظور ، والهادي إلى لغة العرب لحسن سعيد الكرمي .
(2) تفسير القرآن العظيم لابن كثير : 1/ 479 .
(3) تفسير ابن كثير: 3/53 .
(4) أخرجه مسلم في كتاب الزكاة ح69 – (1017) .
(5) أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة : باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لتتبعن سنن من كان قبلكم ح7320 ، ومسلم في كتابه العلم ح6- (2669) .
(6) تحنثه : تعبده . انظر النهاية واللسان والهادي .
(7) الحديث والمحدثون : 10 ، السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي : 47 .
(8) المستشرقون والسنة : 26 .
(9) أخرجه البخاري في كتاب بدء الوحي باب كيف كان بدء الوحي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ح7 ، ومسلم في كتاب الإمارة ح155 – (1907) .
(10) أخرجه البخاري في كتاب البيوع باب إذا بيّن البيعان ولم يكتما .. ج 2079 ، ومسلم في كتاب البيوع ح47 – (1532) .
(11) أخرجه البخاري في كتاب المغازي باب مرجع النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأحزاب ... ح 4119 ، ومسلم في كتاب الجهاد والسير ح69 – (1770) .
(12) أخرجه مسلم في كتاب الصيد والذبائح ح43 – (1945) .
(13) الأمهق : شديد البياض كلون الجص . انظر النهاية واللسان والهادي .
(14) الآدم : الأسمر . انظر النهاية واللسان والهادي .
(15) القطط : جعد الشعر كشعر الزنجي . انظر النهاية واللسان والهادي .
(16) السبط : المنبسط المسترسل لا جعودة فيه . انظر النهاية واللسان والهادي .
(17) أخرجه البخاري في كتاب اللباس باب الجعد ح5900 ، ومسلم في كتاب الفضائل ح93 – (2337) بمعناه و ح94 – (2338) بمعناه .
(18) أخرجه البخاري في كتاب الأدب باب لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - فاحشاً ولا متفاحشاً ح6031 ، ومسلم في كتاب الفضائل ح68 – (2321) بمعناه .
(19) السنة ومكانتها في التشريع : 48 .
(20) الحديث والمحدثون : 10 .
(21) المستشرقون والسنة : 27 .
(22) الحديث والمحدثون : 9 .
(23) المستشرقون والسنة : 27 .
(24) الحديث والمحدثون : 10 .(122/1)
شبهةٌ تعري النبي صلى الله عليه وسلم أثناء بناءِ الكعبةِ كتبهُ أبو عبد العزيز سعود الزمانان
الأخ الفاضل سعود الزمانان
في الصحيحين من جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يُحَدِّثُ:" أَنَّ رَسُولَ اللّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَنْقُلُ مَعَهُمُ الْحِجَارَةَ لِلْكَعْبَةِ، وَعَلَيْهِ إِزَارُهُ. فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ، عَمَّهُ: يَا ابْنَ أَخِي! لَوْ حَلَلْتَ إِزَارَكَ، فَجَعَلْتَهُ عَلَى مَنْكِبِكَ، دُونَ الْحِجَارَة.قَالَ: فَحَلَّهُ، فَجَعَلَهُ عَلَى مَنْكِبِهِ، فَسَقَطَ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ.قَالَ فَمَا رُؤيَ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ عُرْيَاناً" .
وبدأ أهل البدع يشنعون كيف تعرى النبي – صلى الله عليه وسلم – فهذا كذب على النبي – صلى الله عليه وسلم – كما يزعمون والرد على هؤلاء يكون بما يأتي :
أولا : هذا الحديث صحيح الإسناد لا غبار عليه فقد أخرجه الإمام البخاري في صحيحه (364) كتاب الصلاة – باب كراهية التعري في الصلاة وغيرها .
فهذا الحديث قبل بعثة النبي – صلى الله عليه وسلم – وقال الزهري – رحمه الله - :" لما بنت قريش الكعبة لم يبلغ النبي عليه الصلاة والسلام الحلم .
ثانياً : التعري عند أهل العلم يجوز إن كان لمصلحة شرعية راجحة ، كجواز التعري أثناء العلاج بل لا خلاف على جواز أن ينظر الطبيب إلى موضع المرض من المرأة عند الحاجة ضمن ضوابط شرعية مع تقوى الله وصلاح النية ، والضرورات تقدر بقدرها ، فتعري النبي – صلى الله عليه وسلم – كان قبل البعثة أولا وثانياً كان لمصلحة لكي يضع ثوبه على عاتقه لكي يتقوى بها على حمل الحجارة وعلى قربة يتقرب بها لله جل وعلا وهي بناء الكعبة .
كما حدث لنبي الله موسى عليه السلام لما اتهمه قومه برجولته فبرأه الله مما قالوا وهذا كما أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه - قال: كَانَو بَنُو إِسْرَائِيلَ يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى سوأة بَعْضٍ وَكَانَ مُوسَى يَغْتَسِلُ وَحْدَهُ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا يَمْنَعُ مُوسَى أَنْ يَغْتَسِلَ مَعَنَا إِلا أَنَّهُ آدَرُ(أي ذو فتق) قال: فَذَهَبَ مَرَّةً يَغْتَسِلُ فَوَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى حَجَرٍ فَفَرَّ الْحَجَرُ بِثَوْبِهِ! فَجَمعَ مُوسَى فِي إِثْرِهِ يَقُول:ُ ثَوْبِي حَجَرُ! ثَوْبِي حَجَرُ!حَتَّى نَظَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى سوأة مُوسَى فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا بِمُوسَى مِنْ بَأْسٍ فقام الحجر بعد حتىنظرإليه فأخذ مُوسَى فطفق ثَوْبَهُ بِالْحَجَرِضرباً؟ فوالله إِنَّ بِالْحَجَرَِنَدَباً سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ (1) .
وقد ثبت هذا الحديث عند الرافضة و رواه إمامهم ووصيهم السادس المعصوم كما يزعمون ، وقد أخرجه مفسرو الشيعة في تفاسيرهم أيضا .
- ففي تفسير القمي عن أبي بصير، عن أبي عبدالله(ع):" أن بني اسرئيل كانوا يقولون ليس لموسى ما للرجال وكان موسى إذا أراد الإغتسال ذهب إلى موضع لايراه فيه أحد من الناس فكان يوماً يغتسل على شط نهر وقد وضع ثيابه على صخرة فأمرالله الصخرة فتباعدت عنه حتى نظر بنو اسرائيل إليه فعلموا أنه ليس كما قالوا أنزل الله : " يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ ءَاذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قَالُواْ وَكَانَ عِندَاللهِ وَجِيهًا " [ الأحزاب/69 ] (2) .
ثم أن مفسرهم الطبرسي في مجمع البيان أثبت هذا الحديث فقال :" أن موسى عليه السلام كان حيياً ستيراً يغتسل وحده فقال ما يتستر منّا إلا لعيب بجلده أما برص وأما أدرة فذهب مرة يغتسل فوضع ثوبه علىحجر فمر الحجر بثوبه فطلبه موسى عليه السلام فرآه بنو اسرئيل عرياناً كأحسن الرجال خلقا فبرأه الله مما قالوا " (3) .
قال رئيس علمائهم نعمة الله الجزائري في قصصه(ص 250) : " قال جماعة من أهل الحديث لا استبعاد فيه بعد ورود الخبر الصحيح وإن رؤيتهم له على ذلك الوضع لم يتعمده موسى عليه السلام ولم يعلم إن أحد ينظر إليه أم لا وأن مشيه عرياناً لتحصيل ثيابه مضافاً إلى تبعيده عما نسبوه إليه ، ليس من المنفرات ".
ثالثاً : ونقول نحن كذلك أهل السنة والجماعة كما قال : لا استبعاد فيه بعد ورود الخبر الصحيح وإن رؤيته له على ذلك الوضع لم يتعمده النبي – صلى الله عليه وسلم - فليس ذلك من المنفرات .
رابعاً : ليس في الحديث أنه تعرى أمام الناس – صلوات ربي وسلامه عليه – فالتعري أمام الناس متعمداً من خوارم المروءة ، فأين الدليل أن النبي – صلى الله عليه وسلم – مشى أمام الناس عارياً لا لشيء وإنما من أجل التعري فقط وأن الكل ينظر إليه !! .
فليس في هذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مشى وتعرى أمام الناس ، وهذا القول له شاهد عند الطبراني في كما ذكر ذلك الحافظ في " الفتح " : " لما بنت قريش الكعبة انفردت رجلين رجلين ينقلون الحجارة ، فكنت أنا وابن أخي ، جعلنا نأخذ أزرنا فنضعها على مناكبنا ونجعل عليها الحجارة ، فإذا دنونا من الناس لبسنا أزرنا ، فبينما هو أمامي إذ صرع فسعيت وهو شاخص ببصره إلى السماء قال فقلت لابن أخي : ما شأنك ؟ قال : نهيت أن أمشي عريانا قال فكتمته حتى أظهر الله نبوته " .
خامساً : على افتراض أن التعري لمصلحة ظهرت لمن تعرى أنه ذنب ، ولكنه ليس من الكبائر ، وعقيدتنا أن الأنبياء معصومون من كبائر الذنوب ومن خوارم المروءة ، لذلك حينما تعرى أمام عمه فقط لم يقر على ذلك وأغشي عليه وما رؤي عريانا بعد ذلك .
سادساً : نقول للرافضة ما شأنكم وشأن كشف العورات ؟؟ فدينكم دين جنس ودعوة للتعري والفاحشة وهذه حقيقة وسأذكر بعض الأمور التي تؤكد هذا الادعاء :
1 - يتهمون النبي بأنه كان ينظر إلى عورات النساء ويخون المؤمنين ، وينظر إلى امرأة رجل مسلم وهي تغتسل عريانة !!!
ففي بحار الأنوار (22/217) : " قال الرضا : إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قصد دار زيد بن حارثة في أمر أراده فرأى امرأته تغتسل فقال لها : " سبحان الذي خلقك " .
2 - يروون عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال : " كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لا ينام حتى يضع وجهه بين ثديي فاطمة " وفاطمة امرأة كبيرة بالغة فكيف يضع النبي – صلى الله عليه وسلم – وجهه بين ثدييها – رضي الله عنها - .
3 - يزعمون أن إمامهم المعصوم الثاني عشر الغائب لما يظهر أنه سيكون عارياً بدون ثياب !! وهذا ما رواه الشيخ الطوسي والنعماني عن الإمام الرضا : " أن من علامات ظهور المهدي أنه سيظهر عارياً أمام قرص الشمس " حق اليقين (ص 347) .
4 - الرافضة عندهم الدبر ليس من العورة وهذا ما رواه الكليني في الكافي ( 6/512) عن أبي الحسن عليه السلام قال : " العورة عورتان القبل والدبر ، فأما الدبر مستور بالإليتين فإذا سترت القضيب والبيضتين فقد سترت العورة " .
5 - جواز النظر إلى العورات من غير المسلمين فعن جعفر الصادق قال : " النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل نظرك إلى عورة الحمار " الكافي (6/512) .
6 - يزعمون أن إمامهم المعصوم الخامس محمد الباقر كان يدخل الحمام ويكشف عورته أمام الناس ، فعن عبيد الله الدابقي قال : " دخلت حماما بالمدينة ... فقلت : لمن هذا الحمام ؟ فقال لأبي جعفر محمد بن علي عليه السلام فقلت : كان يدخله ؟ قال : نعم فقلت : كيف كان يصنع ؟ قال كان يدخل يبدأ فيطلي عانته وما يليها ثم يلف على طرف إحليله ويدعوني فأطلي سائر بدنه ، فقلت له يوماً من الأيام : الذي تكره أن أراه قد رأيته " - يقصد عورته المغلظة - .( الكافي 6/508) .
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الأخ الفاضل سعود الزمانان
عدد القراء : 2530
تاريخ الموضوع: 15 - يوليو - 2003 ميلادية
(123/1)
ثم وجدت بارقة الأمل...لقاء خاص مع شيعي سابقاً (الجزء الأول)
بحوث علمية
ثم وجدت بارقة الأمل...لقاء خاص مع شيعي سابقاً
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين الذي ميز طريق الهداية عن متاهات الغواية والصلاة والسلام على نبينا محمد ، صلى الله عليه وآله وسلم ، الدال على طرق السعادة ، وعلى آله أهل السيادة والريادة ، وعلى صحابته مصابيح الهداية .
أما بعد فلا شك أن نعمة الهداية هي من أعظم نعم الله علينا نحن معاشر المسلمين ، وعلينا أن نعرف قدر هذه النعمة ونؤدي حق شكرها علينا، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
ولن تعرف قدر هذه النعمة عليك أيها المسلم نعمة الهداية حتى تتأمل حال المحرومين منها, كيف يعيشون في ضلال فكري وخواء نفسي وانحراف في التصورات وما يترتب على ذلك من اضطراب في الحياة ومن ضنك وشقاء وكبد في هذه الحياة, فإنهم يعيشون في شقاء داخلي شقاء في داخل النفس وكبد وتعب ونصب في داخل النفس والروح, فماذا يفيدهم حينئذ تنعم الجسد؟ إنهم محرومون يعيشون في شقاء وفي نصب وفي كبد، لن تعرف قدر نعمة الله عليك نعمة الهادية حتى تتأمل حال هؤلاء.
هذا وإن ممن أنعم الله عليهم بالهداية وارشدهم إلي الطريق السوي الأخ الفاضل / جميل أبو محمد ـ نسأل الله أن يثبته ويوفقه لكل خير وصلاح وهدى وفلاح. وهذا لقاء خاص مع هذا الأخ المبارك للعبرة والإعتبار ، ولعل بعض الأخوة من عوام الشيعة يجدون في هذه القصة دليل خير لهم وبارقة أمل تحدو بهم إلي طرق باب الهداية ومن جدَّ وجدْ ومن طرقَ الباب ولج. ومما يجرد التنبيه عليه بعض الموانع التي تمنع الإنسان من الهداية فمن موانع الهداية: ضعف المعرفة: فإن كمال العبد في أمرين: معرفة الحق من الباطل، وإيثار الحق على الباطل، فإن من الناس من يعرف الحق لكن إيثاره على الباطل قد يكون عنده ضعيفا، والجاهل إذا عرف كان قريب الانقياد والاتباع، وبهذا يكون قد قطع نصف الطريق إلى الحق وما بقي عليه إلا قوة العزيمة على الرشد " اللهم أسألك العزيمة على الرشد " رواه أحمد وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً [الكهف:68]، وهذا السبب هو الذي حال بين كثير من الكفار وبين الإسلام، فإنهم لا يعرفون عنه شيئا، ومع ذلك يكرهونه، وكما قيل: الناس أعداء لما جهلوا. ومنها :مانع محبة الأهل والأقارب والعشيرة: فيرى أنه إذا اتبع الحق وخالفهم أبعدوه وطردوه عنهم، وهذا سبب بقاء خلق كثير على الضلال. ومنها ما اعرضنا عن ذكره خشية الإطالة. أما أسباب الهداية فهي كثيرة جداُ، منها: الدعاء والقرآن وبصائر العقول، فكما أن للشفاء من المرض أسباباً، فكذلك للهداية أسباب، فالمريض إذا مرض يذهب إلى الطبيب ويبذل السبب من أجل طلب الشفاء والعافية، وكذا الأمر بالنسبة للهداية وهي مبذولة ولا يمنع منها إلا هذه الأسباب التي تعمى على القلوب وإن كانت لا تعمى الأبصار. ندعكم الآن مع قصة أخٍ لكم في الله ذاق طعم الهداية بعد أن كان بعيدا عنها. "اللهم لك الحمد حتى ترضى .... ولك الحمد إذا رضيت .... ولك الحمد بعد الرضى اللهم لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك ... اللهم لك الحمد حمد الشاكرين ... وأستعين بك ولا استعين بغيرك اللهم خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت .. أعوذ بك من شر ما صنعت ... أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فأنه لا يغفر الذنوب إلا انت .
----------------------------------------------
[ الهداية ... ما أحلاها الهداية ... نعمة وما أعظمها من نعمة الهداية ... فوز بالجنة ونجاة من النار الهداية ... صلاة وصوم ... وعمرة ... ما أحلى هذا الدين الهداية ... ذكر لله كثيراً ... وأي شيء هو أحلى من ذكر الله تبارك وتعالى
صورٌ من أيام الطفولة
كيف يتربى الطفل الشيعي ... ما هي الأفكار التي يتغذى بها إن أهم ما في الطفولة الدينية إن صحت التسمية هو بالطبع ( الحسينية ) لكن ماذا يفعل الطفل الشيعي في الحسينية
1- يقوم بتوزيع التبغ ( الدخان ) على الضالين المساكين ...
2- يتغذى بالحقد والكره على صحابة خاتم الأنبياء والرسل صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم
3- يتخذى بالحقد والكره على أهل السنة والجماعة ( لأنهم هم من قتل الحسين وأنهم أحفاد بني أمية الذين ظلموا آل البيت... هذا ما كان يصوره لنا الضالين المضلين ) .....
4- يتعلم فنون الشرك والبدع والخرافات ( ويصور لنا أصحاب العمائم أن أهل البيت بيدهم النفع والضر ) .......
5- طبعاً وكان أحلى شيء نفعله هو اللطم والرادود .... (( أهذا هو دين الإسلام ))
(( أهذه رسالة محمد صلى الله عليه وسلم للبشرية )) ------------------------- كيف يتعلم الطفل الشيعي الصلاة وأين يتعلم الطفل الشيعي الصلاة عند المعلمة أو المعلم ( أو ما يسمى بالكتاب أو الكتاتيب ) ... إن أهم شيء في الصلاة هو التربة الحسينية ( لذا أرتبطت قلوبنا بالقبور ) لأننا نسجد على تربة مأخوذة من قبر ... طبعاً ناهيك عن الصور التي عليها والكتابات ... ونقدس التربة بشكل كبير جداً .... ويأتي بعد ذلك في الأهمية تعلم أسماء الأئمة الأثني عشر ( لأن ذلك من أذكار الصلاة عندنا ) وكنا نقولها على النحو التالي: الله ربي ... محمد نبيي ... على إمامي ... الحسن بن علي إمامي ... الحسين بن علي إمامي .... علي بن الحسين بن علي إمامي ...... ألخ وكنا نصليها في البيوت لا المساجد أو في المسجد ولكن فرادى ... ( لأنها عندنا ليست بواجبة أن تكون جماعة ) (( دين مبني على الأبتعاد عن الله عز وجل ))
(( إذا صلاتنا ليست لله خالصة )) وهناك بعض المساجد وهي قليلة جداً ... تقام فيها صلاة الجماعة ... ولا نسمع من الشيخ الذي يصلي بنا ... إلا الفاتحة وسورة الإخلاص .... وأحياناً بعض السور القصيرة من أواخر جزء عم (( لا يحبون كتاب الله عز وجل ولا يهتمون به ... لأن فيه هدى ونور ... وهم لا يريدون للناس أن يروا نور الله عز وجل )) لا نصلي صلاة الجمعة .... لذا أرتبطت قلوبنا أكثر وأكثر بالحسينية .... لأنها ملئت علينا الفراغ الذي تركته صلاة الجمعة .... (( هدم لدين الله )) أما عن حالنا مع كتاب الله عز وجل ( القرآن الكريم ) .... فالقرآن في وادي ونحن في وادي سؤال للعقلاء من الشيعة ((( أهذا هو دين الإسلام ؟؟؟ !!! )))
التطبيق العملي لما نتعلمه من شرك بالله
قصة حلال المشاكل ... كنا نقرأها كل يوم جمعة وبعد الإنتهاء من قرائتها نقوم بتوزيع الحلويات (( دين كله شرك وبدع وخرافات )) والذي لا يعرف هذه القصة هي باختصار شديد :
تسمى قصة عبد الله الحطاب .. وهو رجل ألمت به مصيبة وحلت عليه المشاكل فلجأ إلى علي بن أبي طالب وناداه بهذين البيتن
نادي علي مظهر العجائب ...... تجده عونا لك في النوائب
كل هم وغم سنيجلي ...... وبولايتك يا علي يا علي يا علي
(( شرك صريح )) فأخرجه علي بن أبي طالب من كل مشاكله .... وفرج عنه كل مصائبه ..
وهذه القصة وغيرها كثير من كتبهم ما ألفها مألفوها إلا لإبعاد الناس عن الحق المبين ... إبعاد الناس عن الله سبحانه وتعالى ... وعن سنة الهادي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وفي منزلنا كنتُ أنا من يقرأ لهم هذه القصة كل يوم جمعة ( كنت حينها في السنة الرابعة الأبتدائية ) ..... وكان أهلي يدللون على صحة هذه القصة .. بقصص أخرى يتناقلونها في ما بينهم ( بأن أناس كان ذاهبين للحج – مثلاً – فتعطلت سيارتهم في الصحراء .. فخرج لهم فارس أضاء الدنيا .. حيث كانوا في الليل .. وعلى فرس أبيض يشع منه النور .. فمسح بيده على سيارتهم فأصبحت كالجديدة .. ثم ناموا ورأوا في المنام أن الذي أتى إليهم هو علي بن أبي طالب )
إذاً علي بن أبي طالب يزيل الهم والغم ويفرج الكرب ( عياذاً بالله ) التطبيق العملي :
كان يوماً من أيام الأختبارات ... وكنت مذاكراً دروسي جيدا ... إلا إنني لا أعلم ما حصل لعقلي توقف فجأة ... نسيت كل شيء ... أحاول أن أحل أي سؤال من أسئلة الأمتحانات لا أستطيع عجزت عن كتابة كلمة واحدة ........ تذكرتُ القصة ... والقصص الأخرى
فما كان لي أن أنادي علي بن أبي طالب ليفرج لي همي وغمي وحزني .. فأخذت أنادي علي بن أبي طالب بالبيتين السالفين ساعة كاملة تقريباً وأنا أنادي علي ليفرج لي الهم والغم إنتظرت ...... وإنتظرت ......... لكن لا مجيب ناديت مرة ثانية .... وثالثة ........ ورابعة .......... إنتظرت ...... وإنتظرت ......... لكن لا مجيب
ما بقي إلا القليل من الوقت وتسحب الأوراق .. ماذا أفعل ... يأستُ من علي بن أبي طالب ... لم يفرج لي همي ولم يحل لي المشكلة ... أين هو حلال المشاكل ثم بعد ذلك قلتُ كلمة واحدة فقط .... لم أزد عليها
قلت ....... يا الله يارب
فإذا بالمعلومات تعود وأكتب ما أستطيع أن أكتبه ... فله الحمد كله وله الشكر كله .. وحده لا شريك له .... كلمة أخيرة أوجهها لعقلاء الشيعة
( علي رضي الله عنه وأرضاه .. بريء من هذا كله )
هكذا تربيت هكذا نشأت
القصة السالفة .. حدثت لي وأني صغير ( وهي صحيحة 100% والذي رفع السماء بلا عمد ترونها .. وكيف لا تكون صحيحة .. أليس الله هو مفرج الهم والكرب بلى والله هو كاشف الغم سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيرا ) ولكن لحداثة سني لم ألتفت إليها كثيراً .. فما زلتُ أعيش في بيئة رافضية ... تشرك بالله ليل نهار .. قياماً وقعودا .. تنذر لغير الله .. تذبح لغير الله ......... ألخ لذا أشبه تربتي بهذا الحوار ( الذي هو لسان حال ... وليس لسان مقال ) الولد : أبي ... من هو الله سبحانه وتعالى ؟
الأب : الله هو الذي خلقنا وخلق السماوات وخلق الأرض وهو الذي يرزقنا وهو الذي خلق كل شيء !!!
وهذا هو توحيد الربوبية وكل الكفرة أقرّوا به - ولا ينفع توحيد الربوبية بدون توحيد الألوهية. الولد : أبي ... قال لنا اليوم الأستاذ ... أن لا إله إلا الله معناها هو .......... ؟
الأب : ما عليك يا بني هؤلاء وهابيون لا يعرفون الإسلام .... الأئمة الإثني عشر سوف يشفعون لنا يوم القيامة ... ننذر لهم ... ونذبح لهم ... ونستعين بهم ... ونستغيث بهم ... ونبكي مصابهم ... ونتقرب إلى الله بهم وبذكرهم !!!
موحدين توحيد الربوبية ومشركين بالألوهية الولد : يعني نعبدهم ... أبي ؟
الأب : لا .. يا ولدي ... كيف تقول هذا الكلام ... نحن لا نعبدهم ... ولكن يقربونا إلى الله زلفا ... هم واسطة بيننا وبين الله ... فقط !!!(124/1)
وهذا ما قاله الله عز وجل على لسان المشركين ( في سورة الزمر آية 3 ) الولد : لكن يا أبي الأستاذ إذا شرح لنا الدرس ... يقول .. قال الله وقال الرسول ؟ (( وأي حجة هي أقوى من قال الله وقال الرسول ))
الأب : بني ... مدرسكم هذا وهابي ... لا يعرف شيء عن الدين ... أذهب الى الحسينية يا بني وهناك الملا او الشيخ سوف يعلمانك الدين ... يقولون قال الخميني وقال الخوئي ... وقال زيد وقال عبيد ... وقال التاريخ !!!
وأن أوهن البيوت لبيت العنكبوت .... وأن أضعف الحجج لحجة الرافضة الولد : حسناً أبي ... ولكن من هو النبي محمد ؟
الأب : النبي محمد (( وبدون أن يصلي عليه )) ،، هو آخر نبي أرسله الله. ( لا زيادة ) !!!
هذا كل ما يعرفوه عن النبي صلى الله عليه وسلم .. وحتى الرسالة التي بلغها للناس هي ولاية علي رضي الله عنه ( لذلك لا تجد عندهم مؤلفات في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ... وعلى العكس من ذلك تجد مؤلفات كثيرة جدا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ) الولد : أبي .. ومن هو علي بن أبي طالب ؟
الأب : آهٌ يا بني ... على بن أبي طالب (( سلام الله عليه وعلى أولاده المعصومين )).... هذا يا بني هو الإمام الأول ... هو حلال المشاكل ... هو مفرج الهم والغم ... هو مظهر العجائب... هو كاشف الكرب ... هو المظلوم أبو المظلومين ... وهو عانى كثيراً في سبيل الإسلام .. وفعل وفعل وفعل وفعل وفعل وفعل .................... !!! حتى ظننتُ أنه هو الله ( أستغفر الله وأتوب إليه ) أو هو النبي لا محمد ابن عبدالله صلى الله عليه وسلم .... ويأتي بعده في درجة الغلو الفاحش إبنه الحسين رضي الله عنهما الولد : أبي ... قال لنا اليوم الأستاذ أن أبو بكر هو الصديق وأن عمر هو الفاروق رضي الله عنهما ؟
الأب مقاطعاً أبنه فوراً : أسكت أسكت لا تتكلم عن أبو بكر ولا عن عمر .... وأخذ ينهال بالشتم واللعن والسب !!! ----------------
الولد : أبي .... إرتكبتُ اليوم ذنباً ... ماذا أفعل ؟
الأب : لا عليك يا بني ... قم واغتسل ... أو توضأ ... ثم توجه نحوه الشمال لزيارة الأئمة في العراق ... لعلك تطهر من ذلك الذنب !!!
(( تناقض واضح )) الولد : لكن يا أبي ... الكعبة المشرفة سوف تكون على يساري ؟
الأب : لا يهم ... لا يهم يا بني !!! الولد : فعلت لكن لا فائدة ... يا أبي ... عدت وارتكبته مرة أخرة ... ماذا أفعل ؟
الأب : إذا جرب يا بني هذه المرة نحو الشرق ... فهناك بعض شفعائنا عند الله ... !!! الولد : ولكن يا أبي ... الكعبة المشرفة سوف تكون خلفي ؟
الأب : لا يهم ... لا يهم يا بني !!!
(( من تعلق قلبه بالقبور .. فهل تهمه قدسية الكعبة المشرفة )) الولد : أبي ... الأستاذ قال لنا اليوم ... اقرأوا القرآن ... فيه مواعظ وعبر ؟!
الأب : أما قلتُ لك هؤلاء وهابيون ... يريدون أن يثنوك عن دين آباءك وأجدادك !!! الولد : لكن يا أبي القرآن هو رسالة ... أرسلها الله إلى الناس كافة ... بلغها وأداها وبينها رسوله وحبيبه وصفيه من الخلق ... محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ؟
الأب : لكن يا بني مقلدنا أو سيدنا أو شيخنا أو ملانا ... لا يحثوننا على قراءة القرآن ... ربما لشيء لا يريدون لنا معرفته ... فهم أعرف منا بالدين !!!
(( كيف يحثوننا على قراءة القرآن .. وهم يعتقدون بأنه محرف .. وإن قالوا غير ذلك فهم يكذبون علينا )) الولد : لكن يا أبي ما تخلصت من إرتكاب الذنوب ... أريد التخلص منها يا أبي ... سئمتها؟
الأب : يجب عليك أن تُخلص في حبك ... وولائك للأئمة عليهم السلام !!!
(( يا سبحان الله ... يعتقدون أن ما يفعلونه من عبادة لآل البيت هو حب .. أي حب هذا )) الولد : أبي .. لماذا لا نجرب صلاة الجمعة ... ليعظنا فيها الشيخ أو الملا ... لعلي أترك الذنوب ؟
الأب : لن نصلي الجمعة أبدا ما دمنا في بلد يحكمه أهل السنة ... ثم يكفينا عشرة أيام في السنة ... يبدو أنك يا بني لا تبكي ولا تلطم كثيراً فيها على مصاب الحسين !!! الولد : بكيت وتباكيت ... نحتُ ولطمت كثيراً ... لكن لا فائدة ما زلتُ أرتكب المعاصي ... أريد رادعاً يردعني بصدقٍ يا أبي ... أقول لك سئمت المعاصي سئمت البعد عن ربنا تبارك وتعالى؟
الأب : لا أعلم يا بني ماذا أفعل لك ... خمس أموالك للسيد ... أو ألزم الحسينية ... أو أكثر من سماع الرادود واللطميات ... أو زر قبور شفعائنا عند الله ... إنذر لهم ... إذبح لهم ... إستعن بهم ... أو ... أو ... أو ... أو
--------------- هراء في هراء ... ضياع في ضياع ... تيه وتخبط ... وطريق الخروج منه واضح وقريب منا كثيراً ... لكن شياطين الإنس عليهم لعائن الله ... زادونا تيها وضياع ... وأغواهم الشيطان الرجيم ( نعوذ بالله منه ) ------------------ ظلمات بعضها فوق بعض ... إذا أخرج يده لم يكد يراها ... ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور ___________
أنتهى الجزء الأول (( الجاهلية التي كنتُ أعيش فيها ))
وإلى الجزء الثاني إنشاء الله (( بداية رؤية النور ))
صرخة ألم ... في دجى الليل والناس نيام !!!
بسم الله الرحمن الرحيم .. والحمد لله رب العالمين .. والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وأصحابه الغر الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أخوتي وأحبتي في الله ( حفظكم الله جميعاً ورعاكم وبارك فيكم ونفع بكم ) كنتُ رافضياً متعصباً لمذهبي ... وما ذاك إلا لأنني لا أعرف الكثير عن حقيقته ... و قبل تسنني بسنتين صاحبت اثنين ( أصحاب عمائم ) من الذين درسوا المذهب في حوزات إيران وسوريا ... وكان ذلك سنة 1406 و 1407 هـ صحيح أنه قبل معرفتي بهم كنت أمارس المذهب الرافضي بكل ما فيه من شرك وبدع وكره للصحابة رضي الله نعهم أجمعين كما تعلمت من أهلي والحسينية ... إلا أنني تعلمت منهما كيف يكون الغلو الفاحش في آل البيت على أصوله ... والحقد الدفين على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ... ورضي الله عن أصحابه الذين أغاظ الله بهم الكفار
(( ولست أرى أحداً غير الرافضة مغتاظ من الصحابة رضي الله عنهم ))
وتعلمت منهم الشيء الكثير عن المذهب الرافضي .... لكن شيء ما كان يصرخ في داخلي ... ربما ما حدث لي وأنا في السنة الرابعة الدراسية كان له أثر في نفسيتي ... لا أعلم .. لكن هناك شيء ما ... !!! من الناحية الخلقية كنت ولله الحمد محافظاً ... ولكن لعدم وجود وازعاً دينيا قوياً ... فقد أرتكبتُ ذنباً أخلاقياً هز كياني ؟ وليس بعد الكفر ذنب و بعد منتصف ليل نفس اليوم ... حل ظلام في داخلي ... نام الناس ... لكن في داخلي شيءٌ بدأ يستيقظ ... شيءٌ أسمه الندم ... يا ألهي ... ما هذا الذي فعلته ... كيف فعلته ... ولماذا فعلته دمعة صغيرة جداً بدأت تسقط من عيني ... لكن أبت عيني إلا أن تساير ندمي ... أخذ الدمع يزداد ويزداد ... إلى أن وصلتُ إلى حالة البكاء ... لكنني والله الذي لا إله غيره ... هذه أول مرة في حياتي أبكي بهذه الصورة ... كصراخ طفل تاه عن أمه في ظلمة الليل في زحمة الغزاة أبكي وأردد ... اللهم اهدني ... ياربي اهدني ... اللهم اهدني ... ياربي اهدني ... اللهم أخرجني من هذه الحياة أقسم بالله العظيم .. أنني ما كنت أقصد إعتناق مذهب أهل السنة والجماعة (( الذي هو دين الإسلام ... هو دين الحق ... هو دين الله .... هو الدين الذي هداني الله إليه ... هو رسالة محمد صلى الله عليه وسلم إلى البشرية ... هي الهداية التي من الله بها علي .. هي الهداية التي أخرجني الله عز وجل بها من الظلمات إلى النور .. كنتُ أظنها ( الهداية ) ... ربما الإعتكاف في أحدى الحسينيات ... أو ربما زيارة قبور أحد الأئمة ... أو الذهاب إلى قم المنجسة ... ولكن لله الحمد والمنة على هدايته ... اللهم إني أسئلك الثبات حتى الممات
صراع يدور في داخلي ( بداية رؤية النور )
في سنة 1407 هـ
بينما ... كنا ننقل عفش أحد أقاربي ... فإذا بين كتبه ، كتاب لفت نظري ... على غلاف الكتاب صورة إيران تشتعل فيها النيران ... عنوان الكتاب ( وجاء دور المجوس ) ولأن قريبي متعصبٌ جداً للدين الشيعي الرافضي ،، لذلك ظننتُ أن الكتاب هو مدح لإيران ... فاستعرته منه ... ووافق متخوفاً ... أعتكفتُ على قرائته من الغلاف إلى الغلاف ... قرأته وكلي أسى وحزن وغضب على ما يقوله عن إيران وعن مذهبي .... ما أن أنتهيت من قرائته إلا وبدأ صراع في داخلي ... تارةً أقول : لايمكن أن يكونَ صادقاً في ما يقوله ... أكيد يكذب ... ماذا أفعل ... لالا لالالا لا يمكن ...
وتارةً : حسناً لماذا لا أتأكد من صدقه بنفسي ... لماذا لا أبحث عن مصادره التي يدعي أنها من كتبنا ... لالالالا لا يمكن ...
وتارةً : لالالالا... مذهبي هو الصحيح ... هو مذهب أهل البيت عليه السلام ... فكيف يكون غير صحيح لالا لا يمكن لا يمكن ...
وتارةً : أين أنتم يا أهل البيت ... لتخبرونني إن كان هذا هو فعلا دينكم ومذهبكم ... لماذا لا يكون حقاً هذا المذهب كله كذب في كذب ... آه لو أنكم أحياء لتخبرونني لتريحونني من هذا الصراع الذي يعصف بي ( لكنكم ميتون ) ..................... خمسة أيام تقريباً وأنا أعيش في صراع مع نفسي.... أخيراً فتح الله على قلبي لأتقبل فكرة البحث إن كان ما يقوله هذا الكتاب صحيح أو لا ... وبدأتُ أبحث عن مصادره ...ولكن لا أخفيكم ... كنتُ أبحث وأنا أتمنى أن يكونَ كاذباً ملفقاً مدلساً حاقداً علينا وعلى آل البيت ... لكن الحقيقة غير ذلك تماماً... هو صااااادق في ما يقول ... بدأ الظلام ينقشع ... والصبح يسفر ... وضحضحت الشمس وأشرقت بنور ربها .... وبدأ نور الحق يدق قلبي ... وبدأ قلبي يفتح له أبوابا ... عرفت أن مذهبي مذهبٌ باطل ... دعاته دعاة باطل ... شيوخه شيوخ ظلمات ... علمائه علماء ضلال ......... لكن كل هذا ما زال مخفياً في قلبي ... لم أظهره ... ولم أجاهر به بعد ... كنتُ أظن التسنن أمر سهل على أهلي وعلى المجتمع ... وأنني لن أواجه كل هذا .... فما الذي فعلتُه ... أنا ما كفرتُ بربي ... وإنما عبدته مخلصاً له ديني ... ما أشركتُ به ... ما طفتُ حول القبور ... ما فعلتُ أشياء ما أنزل الله بها من سلطان ... ما ابتدعتُ في دين الله ما ليس منه .....
(( لأنني تسننت )) فلماذا كل هذا الذي يحصل لي .................... حسبي الله لا إله إلا هو ... عليه توكلت وهو رب العرش العظيم ......
اللهم أنت حسبي ونعم الوكيل .... اللهم أنت حسبي ونعم الوكيل .... اللهم أنت حسبي ونعم الوكيل ......
لا وألفُ ألفُ لا ....يا روافض يا أصحاب العمائم النجسة ( صرخة من القلب )(124/2)
http://www.majedpage.com/flash/friend.asp بدأت والله أكره كل ما يمت لهم بصلة كرهت أذانهم وصلاتهم وصيامهم... وكرهتُ شركهم بالله ... كرهت البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان ............... أريد أن أصرخ .... وأصرح بما في داخلي ....... حان الموعد ... حيث كنتُ في سيارة أحدهم ... ولا يعلم ما في قلبي ... إذ به يضع شريط كاست لأحد مشايخ أهل السنة والجماعة ... أعطاه إياه أحد زملائه في العمل لعله يرى النور ويهتدي ... ولكن كانت فائدته لي ... كان الشيخ يتكلم عن الرافضة وعقائدهم ... إلى أن وصل إلى القرآن الكريم كتاب الله ... وأن الشيعة تعتقد بأنه محرف …...... فرد صاحبي قائلاً :
إذا كان من جمعه الصحابة المرتدين ... فلا بد أن يكون محرفاً وانتهزتُ الفرصة .... لأعلنها وأقول:
لا وألفُ ألفُ لا ... يا روافض يا أصحاب العمائم النجسة ... كتاب ربي ليس محرفاً ... سنيٌ أنا سنيٌ أنا سنيٌ أنا سنيٌ أنا سنيٌ سنيٌ سنيٌ سنيٌ سنيٌ سنيٌ سنيٌ سنيٌ سنيٌ سنيٌ سنيٌ سنيٌ سنيٌ سنيٌ سنيٌ سنيٌ سنيٌ سنيٌ سنيٌ سنيٌ سنيٌ لستُ والله أنا منكم ... لا وألفُ ألفُ لا أنا لستُ منكم قال : ماذا تقول .. أجننت ....
قلت : لا والله بل عقلت ... ولست منكم إن كنتم تدعون أن كتاب الله محرف قال : من قال لك أننا نقول بأن كتاب الله محرف .. أنا ما كنتُ أقصدُ ما قلتُه لك
قلت : تقصد أو ما تقصد لا يهمني ... كل الذي يهمني هل ( القرآن الكريم ) محرف في مذهبنا .. وعند علمائنا .. وفي أمهات كتبنا .. أم لا ...... فهذا هو كل الذي يهمني ................ أخذ يلف ويدور كعادتهم .. دوماً وأبدا .. إلى أن اعترف قائلاً وهو غضبان .. نعم يوجد لدينا أحاديث كثيرة بأنه محرف .. ويوجد من علمائنا من قال بالتحريف .....
قلت : نعم ... هذا الذي أريده (( الصراحة )) فقط لا غير ... مازلتُُ أعيش بينهم ... والنسبة إلى أهلي كانوا لا يزالون لا يعلمون بأمري ... اللهم لك الحمد حتى ترضى ... لك الحمد إذا رضيت .... لك الحمد بعد الرضى .... لك الحمد كله يارب ....
اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت .....
أعوذ بك من شر ما صنعت .. أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فأنه لا يغفر الذنوب إلا أنت .......
نورٌ على الدرب ( وأول خطوة ) بدأت الدراسة ( في الكلية ) سنة 1408 هـ كان هناك يجلس على أحد الكراسي ...... وجهه كالقمر ...... لحيته طويلةٌ ولا أروع ...... ثوبه قصيرٌ ولا أجمل ...... اسمه عبدالله ...... فيه شموخ ..... فيه عزة .... لا يسلم على الرافضة ...... وإذا سلموا عليه ....... رد بِ وعليكم ...... ( نعم لا عزة لنا إلا بالإسلام ) ..... أحاول التقرب منه فيبتعد ...... أحببته في الله ..... كنتُ أبتسم عندما كنتُ أنظر إليه ...... انتهت المحاضرة .... وخرجنا من القاعة ..... يحاول الإبتعاد عني لكنني أقترب منه أكثر فأكثر ....... كنتُ بأشد الحاجة إلى من يأخذ بيدي ..... إلى هذا الدين العظيم ..... وكان هو خير من فعل..... في ذلك اليوم كنا متجهين إلى السكن ( فترة التوقف لصلاة الظهر ) .... ألقيتُ عليه السلام .... وكعادته لا يرد إلا بوعليكم ...... أبتسمتُ أنا ..... إستغرب هو ..... فبدأته الكلام
قلت : أنتم تكرهون الشيعة .... أليس كذلك ؟
قال : الحقيقة أنتم من جعلنا نكرهكم ..... بسبب سبكم لأصحاب نبيكم ... وغلوكم في أهل البيت قلت : لا تقل أنتم بارك الله فيك ...... وقل هم ؟
قال : أولستَ منهم ........ قلت : هاه .... اه .... لا أدري .... لكنني لستُ مقتنعاً بدينهم ؟
قال : كيف قلت : لا أدري .. لكن لا أريد أن أكون شيعياً
قال : ديننا هو دين الإسلام ..... تعال وصلي معنا قلت : أصلي ! معكم ! كيف ! أنا لا أعرف كيف تصلون ..... لا أعرف كيف صلى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم .....
قال : لا بأس سأعلمك نعم علمني ... علمني الصلاة ... علمني الوضوء ... علمني قراءة القرآن ... علمني التجويد .... علمني التوحيد ... علمني الإستماع إلى إذاعة القرآن ( كان يحب برنامج نور على الدرب ) كان يأخذني معه إلى الصلاة قبل الأذان أو مع الأذان ..... فنجلس بعد الركعتين ...... نقرأ القرآن في بيتٍ أذن الله أن يرفع ويذكر فيه اسمه وحده لا شريك له ..... وعلمني عادات كثيرة في منتهى الروعة .... كان يصوم الأثنين والخميس ... فكان يتسحر على الأسودان ... ويفطر عليهما ... أتظنوني أزكيه لأنني أحبه فقط ... لا والله .. لقد كان بالفعل كما قلتُ .... غفر الله له وجمعني وإياه في مستقر رحمته .... ما أحلى أولائك الذين يقال لهم .. المطاوعة ( المتدينين ) .. أو الوهابيون على رأي مخالفيهم ... نعم والله ما أحلاهم ..... سكنتُ معه في السكن الداخلي للكلية .. في غرفة واحدة .. فكنا كالأسرة الواحدة (( أخوة في الله )) ما أحلاك أخي عبد الله ... وأنت تقوم الليل .... كنتُ أراقبكَ .... وأنت لا تدري .... ما أحلى ركوعك لله .... ما أحلى سجودك لله ...... لأنك تقلد محمد بن عبدالله ( صلى الله عليه وسلم )
ولدتُ من جديد ... هو شعور حقيقي ... أنني ولدتُ من جديد هذا والله ما شعرتُ به
ليلة ... وما أروعها من ليلة ... ليلة وليست ككل الليالي ........
وكان من بين الساكنين في سكن الكلية .. روافض ولا أخبث .. كان أخي عبد الله يزور أهله في بعض نهايات الأسبوع .. وأبقى أنا في سكن الكلية ... فكان روافض السكن يستغلون هذه الفرصة لبث سمومهم ....... وما أروع تلك الليلة التي حاولوا فيها جاهدين تشكيكي في مذهب أهل السنة والجماعة .... نعم .. ثم نعم .. ثم نعم ... نعم والله ما أروعها من ليلة ....... صليتُ العشاء جماعة في بيتٍ من البيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها أسمه وحده سبحانه .. في مسجد الكلية ...... وبعد أن تعشيتُ ولله الحمد والمنة .. توجهتُ إلى الغرفة ..... وبعد دقائق أتوا لبث السموم ... ولكن هذه المرة - والله أعلم - يبدو أنهم كانوا مصممين على تشكيكي في دين الله ....... أقول لهم : لا فائدة خلاص أنا مقتنع بمذهب أهل السنة والجماعة
يقولون لي : لا .. لا يمكن .. ترى ما راح ينفعك يوم القيامة إلا الإمام علي عليه السلام .... أقول لهم : يا جماعة ... والله العظيم خلاص .. الموضوع بالنسبة أنتهى ... حسم الأمر
يقولون لي : لا .. لا يمكن ... ترى مذهب السنة فيه بدعة .. وهي صلاة التراويح أقول لهم : يا سبحان الله ... صلاة .. هي لله خالصة ... يسجدون فيها لله ... يركعون فيها لله ... يقومون فيها لله ... هي والله ليست بدعة ... بل أنتم أهل البدع .. أنتم ملوك البدع .... أفي اللطم قربة لله ... أفي طوافكم حول القبور قربة لله .... تباً لكم والله .. وألف تب .... آلموني والله ... ضقتُ بهم ذرعا ... ضاق صدري بما يقولون .... أحسست بشيء من القهر ... أحاول صرفهم .. فلا ينصرفوا ....... ماذا أفعل لهم ..... سكتُ طوييييييييلا .... أستمروا في الكلام حتى الساعة الثانية صباحاً ثم أخيراً خرجوا .... بعدها وقبل أن أخلد إلى النوم ... بكيت كثيرا .... بكيت حتى أمتلئت وسادتي بالدموع .... ثم نمت بعد بكاء مرير ....... أخوتي في الله ... رأيت المصطفى في المنام ... نعم والله ثم والله ثم والله ... والله الذي لا إله إلا هو ... رأيت محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ... رأيته .... وما أحلاها من رؤية ... ما رأيتُ رؤية هي أحلى منها في حياتي .... هي نعمة أخرى يمن الله سبحانه بها على عبده الفقير إليه .... نعم والله رأيته ... فله الحمد كله وله الشكر كله وله الفضل كله .... كان عليه الصلاة والسلام يدافع عني ... وكنت خلفه محتميً به ... كان يزجرهم .. بأبي هو وأمي .. كان يزجرهم ويقول لهم : (( مذهب أهل السنة والجماعة نزيه عما في مذهبكم )) كررها ثلاثاً إستيقظتُ من النوم .. تملئني السعادة .. وتغمرني الفرحة ...الدنيا بأسرها لم تكن تسعني من السعادة ... هناك غيري كثيييير رأوا الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام ... لكنني شعرتُ أنه لا يوجد أحد في الدنيا أكثر مني سعادة ... مضت أيام .. ومازال أهلي لا يعلمون بأمري ......
زائر في نهاية الإجازة الصيفية
أغلقت الكلية أبوابها .. ليبدأ فصل جديد من حياتي جائني زائر شيعي لم يكن يخطر على بالي أبداً .. مثقف على أعلى مستوى ( دكتور ) .. خرجنا سوياً ... حاورني فحاورته .. جادلني فجادلته .. ثم عدتُ إلى المنزل .. بدون تقدم له ولا تأخر لي .. إستغربَ أهلي من هذا الزائر ( لماذا يزورنا ) ... سألوني : ماذا يريد منك
أجبتهم : لا شيء .. فقط يريد التعرف علي قالوا : هي والله نعم المعرفة ... لكن لا يوجد بينك وبينه سابق معرفة البتة ... فلماذا الآن
أحترتُ ماذا أجيبهم فقلت ُ : لا أعلم فمازالوا مستغربين .. وخصوصاً والدتي واستمر يزورني ولكن بلا فائدة له .. ولا خسارة لي . حتى بداية السنة الدراسية الجديدة أي سنة 1409 هـ بدأت الدراسة .. وبعد ذلك بأسبوعين تقريباً أو ثلاثة .. علموا أهلي بأمري .. عن طريق أحد أعمامي .. وكان قد أخبره أحد زملائه في العمل له قريب رافضي يدرس معنا في الكلية .. ثم بدأت مرحلة جديدة من حياتي .. فيها من الجراح ما فيها .. وفيها من الآلام ما فيها .. وفيها من الآهات ما فيها .. اللهم أنت الرحمن الرحيم .. أنت الحي القيوم .. أنت الرزاق الكريم .. أنت علام الغيوب .. أنت المنجي من الكروب .. أنت مفرج الهموم .. بك أستعين .. بك أستغيث .. وإليك ألجأ .. ورحمتك أدعوا .. وعفوك أرجوا .. أنت الشافي المعافي .. أدعوك ولا أدعوا سواك .. اللهم إني أسئلك الثبات حتى الممات
هكذا طردني أهلي من البيت الذي عشت فيه كل مراحل حياتي حتى اللحظة التي طردتُ فيها
عدتُ من الكلية إلى المنزل في نهاية الأسبوع .. وكنتُ أحسبُ أهلي ما زالوا لا يعلمون بأمري دار جدال بيني وبين والدتي ثم بيني وبين أخوتي ثم بيني وبين بقية أقاربي ثم بعد ذلك كل ما زرتهم في أحد نهايات الأسبوع : هذا يشتم .. وذاك يتهمني بالردة عن دين الله .. وآخر يبصق .. وآخر يقول : لقد أخجلتنا بين الناس .. وآخر : لست منا ولا نعرفك إن لم ترجع عن ما أنت عليه تطور الأمر ذات مرة إلى حد الاشتباك بالأيدي .. بيني وبين أحد أعمامي طلبت مني والدتي .. أن أذهب إلى أحد مشايخهم الضالين المضلين .. ففعلت وذهبتُ إلى الشيخ الأعلى مكانة عندهم كان يظن ذلك الضال المضل أن الذي جاءه يسئله ساجذ مثله .. ( اللهم لك الحمد على نعمة العقل والتمييز ) سألته : لماذا نقول يا علي في قيامنا وقعودنا وكل حركاتنا .. بل لماذا هذه الجملة يا علي أعني .. أليس هذا شرك أكبر
أجاب فضيلته : لا أبداً هذا ليس من الشرك في شيء سألته : وكيف لا يكون شرك .. إستعانة بغير الله وليست شرك .. عجباً !؟
أجاب بكل غباء : لو أنني قلت لأحمد ( أحد الحاضرين في مجلسه آن ذاك ) يا أحمد أعطني دلة ( براد ) الشاي .. فسيعطيني أحمد الدلة .. ومن غير المعقول أن أقول يا الله أعطني دلة الشاي(124/3)
(( أي غباء هذا .. أي فهم عقيم سقيم لدين الله هذا )) أم مثل هذا المعتوه يكون شيخاً ذا مكانة مرموقة عندهم .. الجواب : نعم يكون لأنه يحفظ أشعار كثيرة تبكيهم .. على طريقة الأفلام الهندية .. فهذا كل ما يهم القوم . طردوني أهلي عدة مرات .. لكنني كنت أعود لهم خططوا لتزوجي .. فخططت لنفسي زواج غيره .. فتزوجت في النصف الثاني من السنة الدراسية لسنة 1409 هـ بعد زواجي طردوني أهلي شر طردة .. طردوني بالضرب .. طردوني بالسب والشتم واللعن .. لأن التي تزوجتها لا تؤمن بخرافاتهم ولو كان الأمر متعلق بأهلي فقط لهان الأمر ... اللهم إني أسئلك الثبات حتى الممات __________________
لا أهل ... لا أصحاب ... ولا معين إلا المعين الذي لا إله إلا هو
بدأتُ عش الزوجية في شقة صغيرة أستأجرتها من عند أهل زوجتي .. وطردنا منها بعد أقل من شهرين .. والسبب هو : خلاف بين زوجتي وأحد شيوخهم وإليكم القصة .. كان زواج أخوها الأكبر بعد زواجنا بأقل من شهرين قام هذا الشيخ بمنع زوجتي من الدخول إلى أخيها وزوجته ونساء أخريات في غرفة الزوج حيث ستجرى الطقوس التي ما أنزل الله بها من سلطان .. وكان هذا المضل من أقارب زوجتي .. فعندما منعها من الدخول .. قامت بتسفيهه وتسفيه مذهبهم وعاداتهم وطقوسهم .. فما كان من هذا الوغد إلا أن لطمها .. فقامت زوجتي بسحب عبائته .. ورمي عمامته من رأسه خرجت بعدها زوجتي من عندهم – حيث الجميع هاجمها – وتوجهت مباشرة إلى شقتنا السكنية.. سقطت على الأرض من شدة الأرهاق العصبي مباشرة بعد دخولها فسئلتها ما بك .. فردت بصوت بالكاد يسمع وقالت : إنه الشيخ ضربني .. شعرت وكأن غمامة سوداء غطت عيني .. خرجت على الفور كالمجنون متوجها إلى منزلهم ( كان على بعد خطوات من شقتنا ) فإذا به راكب سيارته يريد الرحيل .. جريت خلفه كالمجنون .. أستوقفته بالضرب على سيارته .. فتوقف على الفور قلت له : بأي حق تمد يدك على أهلي رد قائلاً : أنا مثل أخوها .. وأردتُ فقط أن أنصحها .. لكنها رفعت صوتها .. وهذه قلة أدب أسودت الدنيا أمامي لم أعد أرى شيئاً .. نزعتُ عمامته من على رأسه .. وألقيتُ بها في القمامة إشتبكنا بالأيدي .. ثم أحاط بي أخوته من كل جانب .. هذا يضربني .. وآخر يسحبني .. وآخر يشدني .. إلا أن تدخل النساء لفض الإشتباك توجهت إلى مركز الشرطة فاشتكيته .. فتم إستدعائه .. أخذت أقواله وأقوالي وأقوال زوجتي . جائني في المركز عديلي ( زوج أخت زوجتي ) وطلب من التنازل عن الدعوى .. وسيكون مقابل التنازل إعتذار يقدمه الشيخ الضال لنا أنا وزوجتي فرفضتُ عرضه ثم أعاد علي العرض مرة أخرى .. بزيادة أنه سيكون أمام الناس .. حلف لي بالله أنه سيفعل وأنه أتفق مع الشيخ على هذا فقلتُ في نفسي هذا إذلال له .. فعرضته على زوجتي .. رفضت في البداية ثم أقنعتها فوافقت تنازلنا عن الدعوى .. فماذا كانت النتيجة طردونا من الشقة .. وأعطونا مهلة لمدة أسبوع واحد فقط فأصبحنا بعد مساء
لا أهل ... لا أصحاب ... ولا معين إلا المعين الذي لا إله إلا هو اللهم إني أسئلك الثبات حتى الممات
القسم: التصنيف الرئيسي » بحوث علمية
عدد القراء : 5534
تاريخ الموضوع: 06 - أغسطس - 2003 ميلادية
(124/4)
ثم وجدت بارقة الأمل...لقاء خاص مع شيعي سابقاً (الجزء الثاني)
بحوث علمية
سنيٌ وحيد في الفرع .. لا .. عفوا شيعي متسنن فالأمر مختلف
وفي غضون إسبوع استأجرت شقة أخرى في نفس البلدة ( حيث الغالبية الشيعية هناك .. وأقلية سنية من جنسيات متعددة ) .. شقتي الجديدة كانت في مبنى كله جنسيات عربية يعملون في مستشفى البلدة ( أطباء وممرضون وفنيوا أشعة ) وكان أقربهم لنا تواصلاً طبيب وزوجته طبيبة سودانيا الجنسية في منتهى الطيبة والأخلاق الحسنة . كانت زوجتي طالبة في معهد التمريض النسائي وكانوا يصرفون لها راتب متدربة فكنا نعيش على هذا الراتب ومكافئة الكلية .. حيث لم يبقى على تخرجي سوى الفصل الصيفي .. إلا إنني بحثت عن وظيفة ولو براتب بسيط إلا أن أتخرج .. وفي أوائل سنة 1410 هـ
حصلت على وظيفة في مصلحة حكومية في البلدة التي تربيت وترعرعتُ فيها وكان كل الموظفين رافضة من أهل البلدة حتى مدير الفرع .. وكنتُ أنا الوحيد السني بينهم .. عفواً أقصد الشيعي المتسنن فالأمر مختلف أحد الصحابة رضي الله عنهم لم يكن يفارق مخيلتي وأنا أعمل في هذا الوسط الرافضي .. وحتى المراجعين كانوا من الرافضة .. فنادراً جداً ما يأتينا مراجع من أهل السنة والجماعة .. هذا الصحابي الذي لم يكن يفارق مخيلتي هو بلال بن رباح رضي الله عنه وهو يردد : أحد أحد .. أحد أحد .. فكان كلما تعبت أعصابي من سخريتهم واستهزائهم وسبهم وشتمهم .. أخذت أردد أحد أحد .. أحد أحد .. فأحس بالراحة حينها كانت تزداد سخريتهم عليّ وقت صلاة الظهر .. لأنني كنت أُأَذن قبل أن أصلي .. وكنت أأذن بصوتٍ يدوي الفرع كله عن بكرة أبيه نعم والله الذي لا إله إلا هو ما كنت أشعر بقوة (( الله أكبر )) إلا إذا أحسست أن (( الله أكبر )) تزلزل جدران الفرع كله عن بكرة أبيه وما كنت أشعر بالراحة إلا إذا فعلتُ ذلك .. حتى مدير الفرع الرافضي كان يخرج من مكتبه ليشاركهم في السخرية .. كنت أقول في نفسي هذا وقتي لأرد على إستهزائهم علي طلبتُ من الإدارة العامة نقلي من هذا الفرع لأن أعصابي لم تعد تحتمل ... فردوا علي بأن حاجتنا لك في هذا الفرع واستمر هذا الوضع المحتوم قرابة سنة كاملة .. سبع ساعات يومياً سخرية واستهزاء وسب وشتم وما كان لي أنيس إلا كتاب الله تبارك وتعالى ( القرآن الكريم ) اللهم أنت حسبي ونعم الوكيل
اللهم إني أسئلك الثبات حتى الممات
كنيتي التي سرقت ( أبو عبد الرحمن )
مرور سريع على بقية أحداث سنة 1410هـ بالنسبة لزوجتي قامت بزيارة أهلها بعد قرابة شهرين منذ أن طردونا .. استقبلوها بجفاء .. إلا أخوتها الصغار فكانت علاقتهم بها جيدة . طردت بعد ذلك مرات ومرات لكنها لا تفتأ أن تعود .. بل أحياناً إذا عادت تطرد في الحال .. لكنها لا تستجيب لطردهم إلا إذا كان مغلظاً .. وأطول فترة لم تستطع أن تزورهم كانت قرابة السنتين 1413هـ 1414هـ .. وبطبيعة الحال كان الطرد في كل مرة يشملني أما بالنسبة لي .. فقد حاولتُ زيارة أهلي بعد آخر مرة طردوني فيها طرداً مغلظاً .. ولكن دون جدوى .. لم يستقبلوني ولم يسمحوا لي بدخول المنزل الذي عشت فيه حياتي كلها . فانقطعت عنهم اربع سنوات .. لم أرهم ولم يروني .. رزقنا الله أول مولود في تاريخ 3/8/1410هـ كم كنت أتمنى أن أكنى بأبي عبد الرحمن .. لكن ( أخوة ) لي من أهل السنة والجماعة من مدينة الدمام تعرفتُ عليهم أو هم تعرفوا علي .. نصحوني أن لا أسميه عبد الرحمن .. بحجة أنني لو اسميته عبد الرحمن فلن يكون بمقدوري عودة العلاقة بيني وبين أهلي ( لأن الشيعة يكرهون اسم عبد الرحمن ) ولم تكن مجرد نصيحة بل ألحوا عليّ أن لا اسميه .. استجبتُ لنصيحتهم ولكن أصابتني الحسرة على الكنية التي لطالما أنتظرتها .. فتخيرتُ له أسم ( محمد ) كانت أمنية عظيمة لي أن أكنى بأبي عبد الرحمن
وأهم الأسباب التي جعلتني أحب اسم عبد الرحمن :
1- أختار الله هذا الأسم ليبدأ به كل سور القرآن ( بسم الله الرحمن الرحيم )
2- سورة من القرآن أسمها سورة الرحمن
3- حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم ( أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن ) أو كما قال عليه الصلاة والسلام
ويعلم الله أنني ما اخترت هذا الأسم لأن الشيعة تكرهه .. ولا عنادا لهم .. فلماذا سرقت مني هذه الكنية .. لعل أحداً يسئل من سرقها .. رزقني الله بمولود آخر سنة 1418هـ واسميته عبد الرحمن ولله الحمد .. أما الكنية فقد ذهبت ولن تعود .. نعم أسم ( محمد ) هو بلا شك اسم عزيز على كل مسلم وكنية أبو محمد هي كنية غالية عندي ... ولكني كنت أنتظر على أحر من الجمر أن أكنى بأبي عبد الرحمن .. فلماذا سرقت مني هذه الكنية . حسبي الله ونعم الوكيل اللهم إني أسئلك الثبات حتى الممات
1411هـ .. وبداية الجراح الجرح الأول : وبعون الله وحده سبحانه .. حصلت على وظيفة في مؤسسة حكومية أخرى وبنفس الميزات ولكن في مدينة الدمام هذه المرة في الشهر الأخير من سنة 1410هـ ولكن ........ ومطلع سنة 1411هـ بدأت أتعرف على أخوة حقيقيين لي من أهل السنة والجماعة من رأس تنورة وآخرون من نفس البلدة التي كنت فيها كان أكثرهم مصريون ... محمد الغامدي من رأس تنورة كان أخاً حقاً وصدقاً فجزاه الله كل الخير وبينما كنت في طريقي إلى العمل حصل لي حادث مروري خرجتُ منه ولله الحمد والمنة سليماً معافا .. أما السيارة فقد أصبحت غير صالحة للأستعمال .. لن أحدثكم عن معاناتي في ذهابي إلى العمل وإيابي منه فربما حتى لو حدثتكم عنه لن تشعروا به ( عذراً ) .. بقيتُ قرابة ثلاثة أشهر بدون وسيلة مواصلات ( سيارة ) .. أشفق علي عمي والد زوجتي وأعطاني أحدى سياراته لمدة ثلاثة أيام فقط .. أخذها مني عندما رآها عند مسجد أهل السنة والجماعة في بلدتنا .. طلبت زوجتي من أهلها مبلغ من المال ( دين ) حيث كانوا ميسورين الحال .. فرفض الطلب رفضاً قاطعاً ... بعدها أتى إلي الأخ الفاضل محمد الغامدي بمبلغ من المال وكان بعد العسر يسرين ولله الحمد والمنة .. ما آلمني قد آلمني ... وما جرحني قد جرحني ..
فربما آلم يزول .. وربما جرح يلتأم اللهم إني أسئلك الثبات حتى الممات
إلى كل من يقرأ قصتي هذه
إلى كل من يقرأ قصتي هذه من أولها لآخرها .. لا يتبادر إلى ذهنك أخي الحبيب أنها شيء من الخيال .. لا وألف لا .. لا والله الذي لا إله غيره .. إنها ليست شيء من الخيال .. بل هي والله حقيقة .. وأعوذ بالله أن أزكي نفسي بشيء .. ولا أدعي أن هذا إبتلاء لا يبتلى به أحد غيري لا والله .. بل أنا أعلم يقينا ولله الحمد والمنة أن هناك من هم مبتلون بأشد الابتلاء مني .. وإن ابتليت أنا بشيء فما ذاك إلا لكثرة ذنوبي التي أرجو الله عز وجل أن يغفرها لي وأن يشملني الله بعفوه ورحمته سبحانه وتعالى . فأن قرأتم أو ستقرؤون فيما تبقى منها ما يضجركم أخوتي وأحبتي .. فتجاوزوه تجاوز الله عني وعنكم .. فما أنا إلا أخطو أولى خطواتي نحو ما عندكم من فضيلة وعلم .. وما أنا إلا قزم بين عمالقة . أسئله عز وجل أن يعلمني ما ينفعني وينفعني بما علمني .. وأن يرزقني وإياكم العلم النافع والعمل الصالح .. اللهم آمين
اللهم إني أسئلك الثبات حتى الممات
لا أم ولا أب .. لا أخ ولا أخت .. ولا شافي إلا الله الذي لا إله إلا هو
بعد منتصف سنة 1411هـ عدت من المسجد بعد صلاة المغرب وإذا بدوار أول مرة أشعر به .. قلت لعل ضغطي منخفض .. أو ربما صداع يزول بحبة بندول .. أو ربما هو دوار عرضي ثم يزول .. لا يهم إذا وصلتُ بإذن الله سأجد له علاجاً .. وواصلتُ السير حتى وصلت .. دخلتُ المنزل .. ازداد الدوار إلى أن سقطت على الأرض فلم أستطع الوقوف .. أخذتُ سماعة الهاتف واتصلت وأنتظرت لكن لم يأتي أحد . لا أم ولا أب .. لا أخ ولا أخت .. لا عم ولا ابن عم .. لا جار ولا صديق .. لا أحد لا أحد .. إلا الواحد الاحد وكفى به سبحانه شافياً معافياً .. معيناً مغيثا .. أحسست بالموت .. فقلت الموت حق علينا .. ولكن زوجتي وولدي من يرعاهما بعدي .. فقلتُ الله لن يضيعهم .. أأستسلم للموت .. لا والله لن أستسلم فربما ليست ساعة الأجل .. ولن أعتمد إلا على الواحد الأحد الفرد الصمد .. سأخرج ولو زحفاً نعم خرجتُ زاحفاً .. خرجتُ زاحفاً بعد أن يئستُ من أن ياتي أحد أو لا يأتي .. وصلتُ إلى باب المنزل المؤدي إلى الطريق .. فإذا بأحد المارة ( باكستاني الجنسية ) .. توقف بسيارته ثم أتى إليّ فحملني ووضعني في سيارته وأخذني إلى المستشفى مغماً عليّ .. أتى إلى المستشفى أحد أخوتي في الله من مدينة رأس تنورة ( محمد الغامدي ).. استيقظت في المستشفى على صوته
أسمعه يقول لهم أعملوا له غسيل معدة ..
ردوا عليه : نحن لا نعلم ما به بعد فكيف نعمل له غسيل معدة ..
أصر عليهم بعمل غسيل معدة .. قاموا بعد ذلك بعمل غسيل للمعدة ..
فبرأت بحمد الله وفضله ومنه وكرمه ورحمته ولطفه وعفوه وحده سبحانه .. اللهم إني أسئلك الثبات حتى الممات
عائشة .. عائشة هذا هو اسمها رضي من رضي وغضب من غضب
بدأت معاملة أهل البلدة لي تزداد سوءاً يوماً بعد يوم .. ولن أحدثكم عنها الآن .. فهذا موضوع عائشة وهو موضوع ذا شجون بالنسبة لي .. فسبحان من يغير ولا يتغير
وسبحان مقلب القلوب .. يقلبها كيف يشاء ( اللهم ثبت قلوبنا على دينك )
وسبحان من يبدل الكره حباً والحب كرها .. نعم أخوتي وأحبتي .. نعم والله كنتُ أكره أم المؤمنين عائشة الطاهرة المطهرة الصديقة ابنة الصديق ( اللهم أغفر لي يارب ما كان مني ) ..
فبدل الله الكره حباً لأنني عرفتُ سيرتها العطرة .. نعم عرفت أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يكن لها حباً عظيماً .. إلى درجة أنه عليه الصلاة والسلام اختار أن يتوفاه الله في بيتها .. بل وفي حجرها .. بل ورأسه الشريف عليه الصلاة والسلام بين سحرها ونحرها .. بل وجمع الله بين ريقه وريقها .. ومات ودفن صلى الله عليه وآله وسلم في بيتها رضي الله عنها وارضاها
( والله إن هذا لهو أروع الأمثلة في حب الزوج لزوجته )
___________________________________ أتانا ضيف جديد .. وما أحلى هذا الضيف .. إنها عائشة ابنتي الغالية وكان ذلك في تاريخ 8/5/1412 هـ سألوني : ماذا نويت أن تسميها ..
قلت : عائشة قالوا مستغربين .. عائشة !
قلت : نعم والله إنها عائشة وليس لها اسم غيره قالوا : طيب سمها ( أسماء )
قلت : نعم الأسم هو ذات النطاقين .. ولكن ابنتي اسمها عائشة قالوا : سوف يكون هذا فراق بينك وبين اهلك
قلت : افعلوا ما بدا لكم وحاولوا كل جهدكم .. ابنتي اسمها عائشة وليس لها اسم غيره قالوا : أهل زوجتك لن يرضوا بهذا الأسم(125/1)
قلت : فلتغضب الدنيا بأسرها .. ابنتي هي عائشة هذا اسمها قالوا : لا تصر على مجرد اسم
قلت : والله لن أغيره فلا ترهقوا أنفسكم معي .. أما كفاكم اسم عبد الرحمن وحرمانكم لي من كنية أبو عبد الرحمن .. والله لن أغير رأيي ابنتي أسمها عائشة وليس لها اسم غيره في اعتقادي والله اعلم أن الله إذا بدل الكره حباً .. يكون الحب حينها حباً قوياً ..
نعم أسميتها عائشة لأنني أحببت زوج النبي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها ..
فماذا كانت النتيجة ................ اللهم إني أسئلك الثبات حتى الممات
طردونا وبين ذراعيّ أحمل المولودة عائشة
خرجت أم محمد من المستشفى بعد تنويم دام لثمانية أيام .. حيث كانت الولادة بعملية جراحية ( قيصرية ) وبالطبع نالت أم محمد نصيبها في المستشفى من السخرية والسب واللعن كلما جاء زائر منهم وعلم أن الاسم عائشة .. وعلى الطرف الآخر كان زوارها من أهل السنة والجماعة يدعون لعائشة بالبركة والصلاح وحفظ كتاب الله تبارك وتعالى .... وفي بداية الأمر كانت مجرد تلميحات إلى تغيير الأسم من قبل أهلها وأقاربها .. ثم أصبحت تصريحات علنية .. ثم تهديدات بالطرد خرجنا من المستشفى في اليوم الثامن للولادة .. لا نعلم أين نذهب ألشقتنا وهي بهذه الحالة المرضية السيئة .. أم لبيت أهلها الذين وعدوها بالطرد .. قلتُ لها لا تحزني لن يضيعنا الله .. سنذهب إلى بيت أهلك فإذا رأت أمك ابنتنا عائشةَ سيحن قلبها بإذن الله تعالى فلا تحزني .. وبالفعل توجهنا إلى بيت أهلها .. دخلنا وكان الباب الوحيد الذي اجتزناه هو الباب الرئيسي للمنزل .. وعلى بعد خطوات من الباب الرئيسي استقبلونا بالطرد .. حاولت أن أرقق قلب والدة أم محمد على ابنتها وعلى المولودة الصغيرة عائشة ولكن لا فائدة ردت عليّ قائلة ( الأمر ليس بيدي وإنما بيد والدها وأخوتها ) استمر النقاش والجدال بيننا وبين أهلها قرابة الساعتين حول تغيير الاسم .. كل هذا ونحن على بعد خطوات فقط من الباب الرئيسي للمنزل .. لم يسمح لنا بالدخول حتى للاستراحة خرجنا بعدها متوجهين إلى شقتنا .. وبعد قليل علم جيراننا ( السودانيو الجنسية ) فقاموا على خدمتها .. وفي اليوم التالي علم الأخ الفاضل ( محمد الغامدي ) بالأمر فألحَ عليّ أن أبقي أم محمد عندهم وسوف تقوم زوجته على خدمتها .. ( لكن يجب على الإنسان أحياناً أن يكون عفيف النفس ) .. ولأن أم محمد وجدت من يقوم على خدمتها وهي أخت لجارتنا السودانية تسكن مع اختها وكانت كالأخت الشقيقة لأم محمد فجزاها الله خيراً .. _______________________________________
بعد هذا وبعد سوء معاملة أهل البلدة لي فما الذي يبقيني فيها .. وصل سوء معاملتهم إلى أبعد صوره .. فأصبحت أحظى بالسخرية والاستهزاء والشتم والسب واللعن والهمز واللمز في كل مكان .. لا يتورعون من ذلك حتى لو كانت معي أم محمد ... في شوارع البلدة ... في بقالاتها .. في سوقها حركات صبيانية يقومون بها بسياراتهم كلما رأوني .. حاولوا صدمي بالسيارة عدة مرات .. صدموا سيارتي وهي واقفة عند المبنى ... كل حاجياتي أصبحتُ لا أستطيع شرائها .. فكان يشتري لي حاجياتي أخوتي في الله المصريون .. فلم أعد أستطع شراء شيء .. فأصبحت كالمحبوس في شقتي فكان لا بد لي من قرار مغادرة البلدة .. وبالفعل غادرتها إلى مدينة الدمام وكان ذلك في أواخر شهر جمادى الثاني ( شهر 6 ) من سنة 1412 هـ اللهم إني أسئلك الثبات حتى الممات
أخوتي في الله .. كم بكيت فراقكم
قبل أن أتكلم عن حياتي في مدينة الدمام يجدر بي أتكلم أولاً بعض الشيء عن كيف كانت علاقتي بأصحابي أهل السنة والجماعة في بلدتي .. أولاً : الأخ الفاضل محمد الغامدي من راس تنورة .. لا أبالغ إن قلت أنه كان أخاً حقاً وصدقاً .. لا أبالغ إن قلت أن مجلسه كان مفتوحاً لي في أي وقت .. لا أبالغ إن قلت أنني كنتُ أتناول العشاء معه في بيته بالأسبوع يومياً ( ما أدري إن كان يجدر بي أن أقول هذا الكلام أو لا ) لكنني أريد أن أتعمق قليلاً في وصف العلاقة التي كانت تربطني به حضرت معه الكثير الكثير من المحاضرات الدينية ... أحد الأيام كان في مدينة الخبر مناسبة زواج ... وكان هو مدعو لحضور هذه المناسبة ... جائني يريد اصطحابي ... فقلت : أنا لست مدعواً
قال : إن كنتُ أنا مدعو فأنت مدعو .. فلا تناقش ولا تقل شيئاً .. فقط جهز نفسك كان هذا الزواج لأحد أقارب داعية معروف جداً على مستوى الوطن العربي ..
دخلنا قاعة الاحتفال وجلسنا .. ومن المعروف أن الناس هم الذين يذهبوا ويسلموا على الداعية تقديراً له واحتراماً له .. وليس العكس .. فإن فعل هذا الشيخ الفاضل العكس .. فماذا سيكون شعور ذلك الذي سلم عليه هذا الداعية ... أنا أقول لكم ماذا سيكون شعوره .. سعادة ممزوجة بفرح .. فخر ممزوج بعزة .. سيتولد لديه إحساس أنه عزيز بين أولئك القوم ..
كلما رآه في التلفاز سيقول لأولاده .. تعالوا تعالوا .. هذا هو فضيلة الشيخ الذي قام من مكانه وأتى ليسلم على أبيكم .. وكان أبيكم الوحيد الذي حظي بهذا الشرف من بين الحاضرين رأيته يقوم من مكانه
قلت لعله يريد أن يتفضل علينا بإلقاء كلمة
ثم رأيته يتجه نحو المكان الذي أجلس فيه
فقلت لعله يعرف أحداً يجلس بجانبي
ثم رأيته يسرع نحوي حتى وصل إليّ
فقلتُ في نفسي أهذا الشرف لي أنا
ولسان حاله يقول نعم يا أخي في الله .. لك أنت
وقفت لأستلم التحية .. فمددتُ يدي للمصافحة
فإذا به يعانقني ... ولسان حاله يقول المصافحة لا تكفي .. فإنك ستواجه وستواجه فليكن هذا العناق سلوتك في ما ستواجهه
ولسان حالي يرد عليه قائلاً .. إنني واجهت وانتهيت
قال ليس بعد .. مازلت ستواجه فليغذيك هذا العناق وليكن وقوداً يشعل لك نبراساً كلما أكحلت عليك الدنيا بلياليها نعم عانقني وهمس لي في أذني .. ثبتك الله .. ثبتك الله .. ثبتك الله .. ثم أخرج لي هدية غالية هي كتاب الله ( القرآن الكريم ) ________________________ ثانياً : كان لي أخوة مصريون متدينون سلفيون .. فكنت أقضي معهم أوقات في مذاكرة وتلاوة كتاب الله ( القرآن الكريم ) ذهبنا سوياً مرات كثيرة لحضور المحاضرات الدينية ________________________ ثالثاُ : ذهبت مرات عديدة لقضاء العمرة في رمضان وغير رمضان .. مع زوجتي تارةً .. ومع أصحابي تارة أخرى هذه كانت حياتي قبل الدمام ..... فهل ترانا نلتقي .. أم أنها كانت اللقيا على أرض السرابِ .. ثم ولت وتلاشى ظلها .. واستحالت ذكريات للعذابِ
هكذا يسأل قلبي كلما طالت الأيام من بعد الغيابِ .. فإذا طيفك يرنو باسما .. وكأني في استماع للجوابِ ملاحظة : احترام أهل السنة لمشايخهم ليس كاحترام الشيعة لمضليهم
فليس فيه خضوع ولا خشوع ولا خنوع ولا انكسار
وليس لمجرد لبس عمامة سوداء كانت أو بيضاء اللهم إني أسئلك الثبات حتى الممات
مقدمة عن حياتي في مدينة .............................. الدمام
عندما انتقلت إلى مدينة الدمام انقطعت عن أخوتي في الله في البلدة .. وخصوصاً الأخ الفاضل ( محمد الغامدي ) وذلك بسبب بعد المسافة كان آخر عهدي به هو أنني دخلت المستشفى لإجراء عملية جراحية .. وكانت العقبة في دخولي المستشفى هي أن زوجتي ستبقى بمفردها في شقتنا الجديدة في الدمام .. فأصر عليّ أن اُبقي زوجتي في منزلهم حتى خروجي من المستشفى فكان ذلك .. فجزاه الله الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين .. بعد ذلك أصبحت زياراتي له قليلة جداً .. كذلك الأخوة المصريون في بلدتي بحثت عن البديل في مدينة الدمام .. فهل وجدتُ البديل !!!
لا والله الذي لا إله إلا هو لم أجد البديل .. وهل على أحد ملام !
لا .. لن ألوم إلا نفسي والشيطان ..
لن ألوم جاري خالد .. ولا صديقي خالد .. ولا زميلي في العمل خالد .. ولا الدخيل .. ولا حسين .. ولا علي .. ( أرجو المعذرة منكم أخوتي فربما يكون بعض كلامي مبهم لكني متأكد أنه عند أناس ليس مبهماً البتة ) نعم الأخ عبد الله كعبور جزاه الله كل الخير حاول جهده .. لكنه لم يحل محل الأخ الفاضل محمد أحمد الغامدي ( راس تنورة ) من أنا ؟
من أكون ؟
هل أنا ملك ؟
هل أنا نبي ؟
هل أنا عالم من علماء السنة ؟
هل أنا طالب علم ؟
ما أنا إلا حديث عهد بالإسلام معرض إلى كل ما يتعرض له الناس .. فإن تعرضتُ لشيء فأين الناصح الأمين .. هل أجده بالقرب مني ؟
لا .. هو بعيد .. في راس تنورة .. والبديل غير موجود .. لعل أكبر دليل على ما حصل لي في مدينة الدمام .. هو وجودي في مدينة الرياض الحبيبة
الغالية
العزيزة
الكريمة ..
مدينة التوحيد ..
مدينة العلم والعلماء ..
مدينة الصادقين ..
مدينة المخلصين ..
( ولا أرضى بغيرها مدينة .. لا صفوى ولا الشرقية بأسرها ) الرياض وبس .. وسلامي لكِ يا حبيبتي ( راس تنورة ) عشتُ في الدمام سنة ونصف السنة فقط لا غير
من الممكن أن أخفى هذه الفترة عنكم اخوتي .. ربما أقول كيف بعد هذا كله يكون هذا الذي حصل .. ربما أقول في نفسي إن تحدثت عن هذه الفترة إذاً كل ما حدث لي ليس له قيمة هل الذي حصل لي ردة عن دين الله ( مذهب أهل السنة ) لا وألف مليون لا .. إذا ما الذي حدث ؟!
هل كان مجرد فتور .. لا لم يكن مجرد فتور .. هل هو شيء حدث لي أفقدني بعض صوابي وكانت نتائجه وخيمة ؟ ربما ! اللهم إني أسئلك الثبات حتى الممات
أول لحظات الفتور المخيفة .. وكانها أول لحظات الموت
حصلت على وظيفة للمرة الثالثة وكان ذلك في تاريخ 11/1/1412 هـ في الدمام أيضاً وهو الذي مازلت عليه إلى الآن .. وإن أهم ما يميز هذه الوظيفة هو وجود فرع في العاصمة الرياض الموظفون تقريباً نصفهم شيعة والنصف الآخر من السنة .. ومن كيد الشيعة أنهم إذا لم يروا أحداً من أهل السنة قاموا بمضايقتي بالمجادلة الجوفاء أو بالشتم والسب .. والاتهامات الباطلة تارة .. والاستهزاء والسخرية تارة أخرى .. وإذا رأوا أحداً من أهل السنة بدوا وكأنهم في علاقة حميمة جداً معي ... وحسبي الله ونعم الوكيل فيهم أما الزملاء من أهل السنة فكانت معاملتهم من أروع ما يكون ......................... علماً أنني لم أتسنن لكي اُفرح أحد أو اُغضب أحد وإنما لأفوز برحمة الواحد الأحد وعفوه وغفرانه ( اللهم ارزقني الإخلاص يا رب ) وبعد مضي ثلاثة أو أربعة أشهر على انتقالي إلى السكن في مدينة الدمام بدأ الفتور يخيفني ... وزيادة على ذلك بعدي عن الأخوة الذين تعرفت عليهم في بلدتي .. وزيادة على ذلك بعدي عن الأخ الفاضل محمد الغامدي .. لذا لم أشعر بالراحة في مدينة الدمام .. فطلبت من العمل أن ينقلوني إلى فرع الرياض
فردوا عليّ : عليك أن تكسب أولاً بعض الخبرات في أقسام معينة ..
فقلت لهم : سأفعل لكم كل ما تريدون فقط أنقلوني إلى الرياض
مضى بضعة أشهر ولم أجد تجواب لطلبي النقل إلى الرياض .. فعاودت الطلب مرة أخرى .. فردوا عليّ : أننا لدينا عجز في الدمام ولا نستطيع نقلك إلى الرياض ... فأصابني الهم والغم لردهم هذا ... ولكن ما عسايّ أن أفعل موقف ظريف !!!
استوقفني أحد الجيران ( متدين ) بعد خروجي من الصلاة
قال : من أين الأخ
فذكرتُ له البلدة التي أنا منها
قال : لم نتعرف عليك
فذكرت له اسمي كاملاً(125/2)
قال : لكنهم رافضة
قلت : وأنا كنتُ منهم ومنّ الله عليّ بالهدى
قال : لكن غريبة شيعي يتسنن !!!
قلت : أأغلق الله باب التوبة ؟
قال : لا
قلت : فأنا أسئل الله عز وجل أن يتقبل مني توبتي
قال : لكن لم أسمع في حياتي أن رافضي يتسنن
قلت : أو ما سمعت
قال : ماذا
قلت : عمر بن الخطاب رضي الله عنه
قال : ما به
قلت : كان من المشركين فمنّ الله عليه بالإسلام
قال : أو تشبه نفسك بعمر
قلت : نعم أتشبه به ولا أشبه نفسي به فأين الثريا من الثرى .. وإن لم أتشبه به فبمن أتشبه .. نعم هو قدوتي وكل الصحابة رضي الله عنهم وقبلهم معلمهم خاتم الأنبياء والرسل صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ( اللهم إني اسئلك ذلك يارب ) وكانت أول وآخر مرة يستوقفني إلى أن غادرت الدمام ثم ذهب وكأنه صدق أن الله سبحانه وتعالى يمنُ على من يشاء من عباده بإخراجهم من الظلمات إلى النور ... زاد الفتور من همي وغمي ... وكانت الطامة
اللهم إن ابتعدتُ عنك فردني إليك رداً جميلا اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت .. أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك عليّ وأبوء بذنبي فاغفر لي فأنه لا يغفر الذنوب إلا أنت .................. اللهم إني أسئلك الثبات حتى الممات
اللهم ردني إليك رداً جميلا
وفي أواخر سنة 1413هـ وبالتحديد في شهر ذي القعدة منها.. ولما أصابني ما أصابني ... فكرتُ أن أعود لأهلي وأحاول دعوتهم إلى دين الله ( مذهب أهل السنة والجماعة ) ... حتى لو كان ذلك مقابل بعض التنازلات اتصلت بهم عبر الهاتف ... فلما سمعوا صوتي أقفلوا السماعة ... بعدها اتصلت بأحد أبناء عمي ليتوسط بيني وبين والدي ووالدتي .. وأخبرته أنني أريد أن أرى والدتي ووالدي أعاد عليّ الجواب بأن لهم شروط قلت ما هي
ابن عمي : الشرط الأول أن لا تجاهر بتسننك
قلت له : موافق
ابن عمي : الشرط الثاني لا تحاول تشكيك أي أحد في مذهبنا وخصوصا الأطفال .
قلت له : موافق
ابن عمي : الشرط الثالث أن تحلق لحيتك
قلت له : أريد منك وصفاً لعلي بن أبي طالب .. إن كان ليس له لحية طويلة فسأحلق أنا لحيتي .
ابن عمي : هذا شرطهم وليس لي علاقة .
قلت له : لن أفعل .. هات الشرط الرابع .
ابن عمي : أن لا تلبس ثوب قصير
قلت له : أعطني مواصفات ثوب النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأهل البيت .. إن لم تكن ثيابهم قصيرة فلن ألبس الثياب القصيرة
ابن عمي : ما أنا إلا مجرد واسطة بينك وبينهم
قلت له : لن أفعل .... هات غيره .
ابن عمي : تعال غداً .. وسأحاول معهم لكي يتنازلوا عن الشروط التي لم توافق عليها . وفعلاً ذهبتُ في اليوم التالي .. وتقابلت معه فلما رآني .. أخبرني أنهم مصرون على حلق اللحية وعدم لبس الثوب القصير .... حلقت لحيتي وذهبتُ معه أتعلمون أخوتي عندما كنت ألبس ثوباً قصيراً وكانت لحيتي طويلة .. وكنت أنظر إلى المرآة .. كأنني أنظر إلى قمر – المعذرة لا أقصد مدح نفسي ولكن المرء عندما يطبق سنة الهادي الحبيب صلى الله عليه وسلم يصبح حينها في غاية الجمال – أما بعد أن حلقتُ لحيتي فكنت عندما أنظر إلى نفسي في المرآة كنت أبصق على المرآة ..
وأقول أين ذهب ذاك الجمال ( جمال اللحية ) نعم والله إنها لجمال الرجل وزينته ... دخلتُ معه المنزل ... وكنتُ أظن أن والدتي عندما تراني فسوف تأخذني بالأحضان على الفور ... ولكنها قالت لي : قف مكانك
قلت لها : لبيك يا أمي
والدتي : إن لم تصبح مثلنا .. وتعتنق مذهبنا فلا تسلم علي
قلت لها : اطلبي مني ما أملكه ولا تطلبي ما لا أملكه
والدتي : كيف
قلت لها : هذه يا أماه مسئلة ربانية ... من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ...
والدتي : إذاً تذهب إلى الحسينيات ... لعل الله أن يهديك
قلت لها : لا والله الذي لا إله غيره .... لن أدخل حسينياتكم
والدتي : إذاً تذهب إلى مساجدنا وتصلي مع مشايخنا
قلت لها : لا ورب الكعبة .. لن أصلي خلف أحد من مشايخكم
والدتي : إذاً لا تريد أن تكون منا
قلت لها : أماه أنا أشتقتُ إليكم وأردتُ أن أراكم وليس عوداً للتشيع حاولتُ بعدها بهدوء أن أنهي النقاش ... فقمتُ لها وقبلتُ رأسها وعشتُ بينهم سنيٌ غير مجاهر ... لكنها والله الذي لا إله غيره كانت عيشة ضنك وضيق صدر وكأنني أختنق حتى الموت .. وكان ذلك حتى منتصف سنة 1417 هـ كلمة أوجهها إلى كل شيعي يتسنن
اياك اياك .. اياك اياك .. اياك اياك .. اياك أخي الحبيب المتسنن أن تفعل ما فعلته أنا مهما حدث لك اصبر وصابر ولا تتنازل عن أي شيء من دينك ... لا تحلق لحيتك ... لا تسبل ثوبك... وخصوصاً المجاهرة بالدين ... نعم أخي الحبيب جاهر بدينك الحق ( مذهب أهل السنة والجماعة ) ولا تخشى في الله لومة لائم هناك أناس أخي الحبيب ... قد يخدعوك ويضلوك ويضحكوا عليك ... يقولون أذهب إلى الرافضة واتنا بأخبارهم حتى نتمكن من دعوتهم إلى الله ... أحذرهم أشد الحذر أخي الحبيب ... فأنهم لا يريدون لك الخير ... بل يريدون لك الشر كله أخي الحبيب المتسنن .. احذرهم احذرهم احذرهم ... احذرهم كل الحذر أخي الحبيب المتسنن لا يغروك بمال فالدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة ... حتى لو هددوك بالقتل نعم والله الذي لا إله غيره أخي الحبيب المتسنن حتى لو هددوك بالقتل لا تطيعهم ... تمسك بدينك .. دين التوحيد .. دين النجاة من النار والفوز بجنان الخلد ... تمسك بكتاب الله وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين من بعده أبو بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمان ذي النورين وعلي أبو السبطين وبقية أصحابه النجوم الهداة المهتدين رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين اياك اخي الحبيب أن تنخدع بالأشكال حتى تتأكد من المضمون والمبدأ والإخلاص لله عز وجل
اللهم ردني إليك رداً جميلاً
القسم: التصنيف الرئيسي » بحوث علمية
عدد القراء : 4327
تاريخ الموضوع: 11 - أغسطس - 2003 ميلادية
(125/3)
تدوين السنة (الفصل الثاني)بقلم / منى ناصر الطيار
بحوث علمية
الفصل الثاني
منزلة السنة من الدين
إن لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكانتها بالنسبة إلى القرآن الكريم ، ومكانتها بالنسبة إلى التشريع الإسلامي ، فهي المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن من حيث القوة لا من حيث الالتزام إذ يجب الالتزام بهما جميعاً .
وهي أصل من أصول الدين ، وركن في بنائه القويم ، يجب اتباعها وتحرم مخالفتها ، على ذلك تظافرت الآيات وأجمع المسلمون على وجه لا يدع مجالاً للشك .
مصدر السنة النبوية :
لا يخفى على أحد علاقة السنة بالقرآن الكريم ، فالقرآن الكريم وحي الله تعالى إلى رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - باللفظ والمعنى ، والسنة وحي الله تعالى إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالمعنى أغلبها، أو إقرار الله تعالى لما صدر من الرسول - صلى الله عليه وسلم - باجتهاده من قول أو فعل (1) ؛ فالقرآن والسنة مصدرهما واحد وكلاهما وحي . قال تعالى :( وَمَا يَنطِقُ
عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)[النجم:3-4] (2) ؛ وعن المقدام بن معد يكرب الكندي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" ألا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ ألا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ " (3)
وفي رواية : " ألا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم - مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ " (4)
الوحي وأقسامه
الوحي إعلام بخفاء، لأن الإعلام العادي أن يقول إنسان لإنسان خبراً ما، أو يقرأ الإنسان الخبر؛ أما الإعلام بخفاء فاسمه وحي، والوحي يقتضي "موحي" وهو الله ، و"موحى إليه" وهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، و "موحى به" وهو القرآن الكريم (5) . وكذلك السنة .
إذن الموحى به ينقسم إلى وحي متلو، ووحي غير متلو. والوحي المتلو معروف وهو القرآن وله خصائص ويفارق السنة في أمور كثيرة نجملها في هذا الجدول .
السنة النبوية
القرآن الكريم
منها المتواتر ومنها غير المتواتر فيها الصحيح والضعيف.
1-
نقل إلينا بطريق التواتر .
1-
غير معجز باللفظ .
2-
معجز بلفظه ومعناه .
2-
نزلت بالمعنى دون اللفظ .
3-
نزل باللفظ والمعنى .
3-
غير متعبد بتلاوتها .
4-
متعبد بتلاوته .
4-
تجوز قراءتها دون طهارة .
5-
يحرم على المحدث مسه .
5-
لا يصلّى بها .
6-
متعبد للصلاة به .
6-
يسمى العلم أو السنة أو الحديث .
7-
مسمى بالقرآن .
7-
تجوز روايتها بالمعنى عند من يرى ذلك من العلماء بشروط للعارف بالمعاني والألفاظ .
8-
لا يجوز روايته بالمعنى .
8-
نزلت بطرق الوحي المعروفة في المنام أو اليقظة بواسطة الملك أو غيره . (6)
9-
جميع آياته وسوره نزل به جبريل عليه السلام في اليقظة .
9-
الحكمة في أن ما أوحي إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - منه ما نزل باللفظ ومنه ما نزل بالمعنى :
من آثار رحمة الله تعالى أن جعل شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - من دون الشرائع
السابقة – شريعة باقية خالدة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فأنزل القرآن وحياً يتلى إلى قيام الساعة محفوظاً من التبديل والتغيير.
وأنزل على نبيه الكريم إلى جانب القرآن نوعاً آخر من الوحي وهو السنة ؛ أنزلها عليه بالمعنى وجعل اللفظ إليه في الأعم والأغلب ، إيذاناً بأن في الأمر سعة للأمة ، وتخفيفاً عليها، وأن المقصود هو مضمونها لا ألفاظها .
فأجاز الرواية بالمعنى عدد من المحدثين والعلماء كابن الصلاح (7) ، وابن العربي والماوردي (8) وغيرهم ؛ ولم يجزه آخرون كمالك بن أنس والقاضي عياض (9) ، وغيرهما من المحدثين .
ولعل سبب إجازة الرواية بالمعنى أن سفراء النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الأقوام الأخرين الذين نقلوا أقواله بالمعنى إلى لغات أولئك الأقوام دليل على وقوع ذلك ، حيث أن ترجمة أقواله - صلى الله عليه وسلم - إلى لغة أخرى لا تكون إلا روايتها بالمعنى،ويستحيل ترجمتها باللفظ ؛ فيجوز لصحابته ومن بعدهم أن يبلغوها عنه - صلى الله عليه وسلم - باللفظ النبوي، وهو الأولى والأحوط، ويجوز لهم أن يبلغوها عنه - صلى الله عليه وسلم - بعبارات ينشئونها تفي بالمعنى المقصود،ولا يكون ذلك إلا للماهر في لغة العرب، حتى لا ينشأ عن الرواية بالمعنى خلل يذهب بالغرض المقصود من الحديث، وفي ذلك من الخطر ما فيه ، فإن السنة تبيان للقرآن العزيز ووحي من رب العالمين ، وثاني مصادر التشريع ،
فالخطأ فيها أثره جسيم وخطره عظيم ولذلك يقول - صلى الله عليه وسلم - :" مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ " (10)
وإنك لتلمس آثار رحمة الله وحكمته في أن جعل الوحي على قسمين ،قسم لا تجوز روايته بالمعنى،بل لابد فيه من التزام الألفاظ المنزلة وهو القرآن الكريم ، وقسم تجوز روايته بالمعنى لمن يستطيع ذلك وهو السنة النبوية المطهرة ؛ وفي ذلك صون للشريعة وتخفيف عن الأمة ؛ ولو كان الوحي كله من قبيل القرآن الكريم في التزام أدائه بلفظه،لشق الأمر وعظم الخطب،ولما استطاع الناس أن يقوموا بحمل هذه الأمانة الإلهية .
ولو كان الوحي كله من قبيل السنة في جواز الرواية بالمعنى لكان فيه مجال للريب ، ومثار للشك ومغمز للطاعنين ، ومنفذ للملحدين إذ يقولون لا نأمن خطأ الرواة في أداء الشريعة ، ولا نثق بقول نقلة العقائد والأحكام والآداب ، ولكن الله جلت حكمته صان الشريعة بالقرآن ورفع الإصر (11) عن الأمة بتجويز رواية السنة بالمعنى ،لئلا يكون للناس على الله حجة . (12)
السنة النبوية مبينة للقرآن الكريم
جاء القرآن الكريم بالأصول العامة ولم يتعرض للتفاصيل والجزئيات ، ولم يفرع عليها إلا بالقدر الذي يتفق مع تلك الأصول ، ويكون ثابتاً بثبوتها .
وتكفلت السنة النبوية ببيان القرآن الكريم ، فلولا السنة لظلّت بعض آيات القرآن الكريم نصوصاً يعجز البشر عن فهم معانيها ، وفهم المراد منها غير
موافق ، واستنباط أحكام وشريعة الإسلام منها بتفاصيلها المختلفة . فقد جاء بيان كيفية الصلاة ومواقيتها في قوله تعالى : { وأقيموا الصلاة } في حديث مالك بن الحويرث حين وفد هو وبعض قومه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأقاموا عنده عشرين ليلة يتعلمون منه أمور دينهم ومنها الصلاة فقد قال لهم - صلى الله عليه وسلم - :" وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ " (13) .
وقد جاءت نصوص القرآن تذكر صراحة أن الله تعالى أنزل القرآن وأنزل السنة تبياناًله ، قال تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [النحل:44 (14) وقال تعالى (وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [النحل:64 (15) وقال تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الحشر:7] (16) .
وقد ثبت في عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال : :" لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ (17)[1]وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالنَّامِصَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ(18)[2] وَالْمُتَفَلِّجَات(19)[3]ِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ قَالَ فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ يَعْقُوبَ وَكَانَتْ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَأَتَتْهُ فَقَالَتْ مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ لَعَنْتَ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَمَا لِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ لَوْحَيْ الْمُصْحَفِ فَمَا وَجَدْتُهُ فَقَالَ لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ فَإِنِّي أَرَى شَيْئًا مِنْ هَذَا عَلَى امْرَأَتِكَ الْآنَ قَالَ اذْهَبِي فَانْظُرِي قَالَ فَدَخَلَتْ عَلَى امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ فَلَمْ تَرَ شَيْئًا فَجَاءَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا فَقَالَ أَمَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ نُجَامِعْهَا(20)[4]. " (21)[5]
وعلى هذا فكل أمر أو نهي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرده في الحقيقة إلى الله عز وجل .
وجوب طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - :
كان الصحابة رضوان الله عليهم يعتبرون قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفعله وتقريره حكماً شرعياً ،لا يختلف في ذلك واحد منهم ، ولا يجيز أحدهم لنفسه أن يخالف القرآن ، وتمثل ذلك في قول عبدالله بن مسعود للمرأة : (لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه) قال الله عزوجل { وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا }
والقرآن يثبت أن طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - طاعة لله ، وجمع الطاعتين في آية واحدة قال تعالى (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً)[النساء:80 (22)
وحذر الله تعالى من مخالفة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأقسم سبحانه بنفي الإيمان عمّن يرفض حكم الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، بل على المسلمين الاقتداء به والانقياد له في جميع ما أمر ونهي . قال تعالى : (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً)[النساء:65 (23) وقال سبحانه (لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور:63 (24)(126/1)
ولا غرابة بعد ذلك أن نجد أن الله تبارك وتعالى دعا الذين يدَّعون أنهم يحبون الله أن يعبروا عن حبهم له بطاعة رسوله واتباع سنته - صلى الله عليه وسلم - ، فإن هم فعلوا ذلك أحبهم الله وأحبهم رسوله ، وفازوا بمغفرة الله ورضوانه (1) ، قال سبحانه: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(126/2)
ثم وجدت بارقة الأمل...لقاء خاص مع شيعي سابقاً - الجزء الثالث
بحوث علمية
ثم وجدتُ بارقة الأمل ... نعم ثم وجدتُ بارقة الأمل
ثم وجدتُ بارقة الأمل .. نعم أخي أبو عبد الله الحربي .. ثم وجدتُ بارقة الأمل .. وجدتها في الرياض .. في جاري الغالي محمد الحمد القحطاني .. في الحوار الصريح بعد التراويح حين أعلن الهاشمي عن اسم موقع فضيلة الشيخ عثمان الخميس almanhaj.. نعم وجدت بارقة الأمل هنا .. في منتدى المنهج ........... هل كنتُ ميتاً أنا ؟
نعم والله كنتُ ميتاً ... _____________________________________
كان يوماً من أيام شهر جماد الأول ( شهر 6 ) من سنة 1417 هـ حين استدعاني مدير عام الإدارة التي أعمل بها .. فذهبتُ إليه قال لي : هل ما زالت لديك رغبة في الانتقال إلى مدينة الرياض ؟ ( يعلم الله أنني اختلطت عليّ حينها المشاعر ... فما كنتُ أعرف أأضحك فرحاً بهذا الخبر ... أم أبكي حزناً على نفسي ) ... يااااااااااااااااااااه ... كم تأخرتم بالموافقة ... حمداً لك ربي وغيرك لا يحمد قلتُ له : أفي هذا تسئلني .. نعم والله أرغب ..
( أنقلوني إلى الرياض عاجلاً غير آجل .. أخرجوني من الشرقية أخرجكم الله من النار ... لا أريد العيش في الشرقية ... أبعدوني عنها أبعد الله عنكم كل سوء ) فكَتب قرار النقل ... وانتقلتُ إلى الرياض في شهر رجب ( شهر 7 ) من سنة 1417 هـ وكانت تلك الفترة لها تأثيراً سلبياً جداً على نفسي .. فانتقلتُ إلى الرياض طلباً للعلاج من أشياء كثيرة جداً ... ولا أنكر أن العلاج استغرق وقتاً كبيراً .. لكن أتعلمون ما هو أحلى علاج ... أحلى علاج هو أحد جيراني الأعزاء ... اسمه محمد الحمد القحطاني ذات يوم كنتُ أغير بعض أثاث شقتي .. يعلم الله كم رأيت تعابير الحزن الشديد على وجهه لأنه ظن أنني أغادر السكن .. فقال لي : لماذا يا جميل تغادر السكن هل قصرنا في حقك ... لا تغادر الله يخليك
فقلت له : لا لا يا أخي أنا لا أغادر إنما هو فقط بعض التغيير في أثاث الشقة فحمد الله وأثنى عليه وكأنه خرج من غرق أخي الحبيب محمد الحمد القحطاني كم أحبك في الله _____________________________________ وفي الحقيقة أنا لم أكن ملتزماً نعم سنيٌ أنا بفضل الله ورحمته منذ أن تسننت سنة 1408 هـ
لكن لم أكن ملتزماً فور انتقالي إلى مدينة الرياض الحبيبة .. وما أدري هل كنتُ أنتقم من نفسي ظناً مني انني كنتُ أنتقم من أناس .. أم ماذا !!! ............. ثم كان يوماً آخر .. يومٌ تعدل فيه حياتي بعد أن كانت مقلوبة يوماً يصح فيه الصحيح وكان ذلك في منتصف سنة 1423 هـ وفي هذا اليوم استوقفني أخي الحبيب وجاري الغالي محمد الحمد القحطاني مقدماً لي أغلى نصيحة لا يبتغي بها إلا وجه الله ... نصيحة محب ... نصيحة أخ يخاف على أخيه من نار تلظى لا يصلاها إلى الأشقى الذي كذب وتولى ... ينصحني وكأنه ينصح نفسه ... ينصحني وكأن خوفه على نفسه لا عليّ من النار ... نعم والله رأيت فيه ما لم أرى في كثير من الناس من صدق الناصح الأمين كانت نصيحته لي ليلاً وبدأ التغيير من فجر اليوم التالي ........ اللهم أجعل كل خطوة أخطوها إلى بيت من بيوتك .. وكل ركعة أركعها .. وكل سجدة أسجدها .. وكل تكبيرة أكبرها وكل تهليلة أهللها في موازين حسناته اللهم آمين أما بالنسبة إلى أهلي في صفوى فما زلتُ أزورهم كل حين وحين .. في الشهر أو الشهرين مرة .. وفي عطل الأعياد ... واعتدتُ منهم على نظرات المقت والكره .. وخصوصاً من أعمامي وأغلب بقية أقاربي ... إلى أن أتى شهر رمضان المبارك من سنة 1423 هـ .. وبدأ برنامج الحوار الصريح بعد التراويح ولم أكن أعلم شيء عن هذا البرنامج إلا في أواخر الحلقات .. فنزلتُ لزيارتهم في أول الشهر الكريم فإذا بالنظرات تزداد مقتاً وكرهاً وحقداً ولا أعلم ما هو سبب الزيادة هذه المرة ... إلى أن ذهبتُ لزيارتهم مرة أخرى في أواخر رمضان وكنتُ في زيارة أخو زوجتي فإذا في التلفاز في قناة المستقلة أسدين أحدهما اسمه عثمان الخميس والآخر اسمه أبو منتصر البلوشي .. وكان المتحدث حينها أبو منتصر البلوشي ..
فقال لي نسيبي : كنتُ أتمنى لو أنك أتيتَ أثناء تحدث صاحبنا ( يقصد النجدي أو التيجاني ) ..
فقلتُ له : أنت تعلم أن هذا الأمر بالنسبة لي حسم منذ زمن بعيد .. ولن تغير أو تأثر فيّ مناظرة هنا أو هناك ..... وعرفتُ حينها سبب زيادة حدة نظرات المقت والكره الموجهة لي من أهلي ... وهو برنامج الحوار الصريح الذي ليس لي ولا عليّ فيه شيء ... هل كان السبب فقط لأنني سني والمناظرة بين سنة ورافضة أو ربما كانوا يخشون مني المشاركة فيه .. الله أعلم .. ( ومن أنا لأشارك ) ...
اللهم إني أسئلك الثبات حتى الممات
الخاتمة
اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت .. وما أسررت وما أعلنت .. وما أسرفت .. وما أنت أعلم به مني .. أنت المقدم وأنت المؤخر .. لا إله إلا أنت . ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين [ البقرة 286 ] ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب [ آل عمران 8 ] ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين [ آل عمران 147 ] ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار () ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار () ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد [ آل عمران 192 - 194 ] ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين [ المائدة 83 ] ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين [ الأعراف 23 ] ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء [ إبراهيم 38 ] ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا [ الكهف 10 ] ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين [ المؤمنون 109 ] ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما [ الفرقان 65 ] ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما [ الفرقان 74 ] ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم [ الحشر 10 ] ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير [ الممتحنة 4 ] ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم [ الممتحنة 5 ] ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير [ التحريم 8 ]
اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت .. خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت .. أعوذ بك من شر ما صنعت .. أبوء لك بنعمتك عليّ .. وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربي العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت .. أنت ربي وأنا عبدك .. ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا .. إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت .. اللهم اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت .. واصرف عني سيئها .. لا يصرف عني سيئها إلا أنت لبيك وسعديك والخير كله في يديك .. والشر ليس إليك .. أنا بك وإليك .. تباركت وتعاليت .. أستغفرك وأتوب إليك .. اللهم إني أسألك بعزك وذلي إلا رحمتني . أسألك بقوتك وضعفي ، وبغناك وفقري إليك هذه ناصيتي الكاذبة الخاطئة بين يديك ، عبيدك سواي كثير وليس لي سيد سواك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك ، أسألك مسألة المسكين وابتهل إليك ابتهال الخاضع الذليل ، وأدعوك دعاء الخائف الضرير سؤال من خضعت لك رقبته ورغم لك أنفه وفاضت لك عيناه وذل لك قلبه .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وأصحابه الغر الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين اللهم إني أسئلك الثبات حتى الممات ]
---------------------------------------
اللهم آمين اللهم آمين اللهم آمين لقد اخذتنا في رحلة شيقية أخي الحبيب بين جزر ومد بين حر وبرد ، رحلة فيها من العبر والعظات ما تنوء عن حمله بعض الكتابات والصفحات، لقد استطعت بفضل الله ثم بهمتك وعزيمتك السنية العلية التي جاوزت بها الجبال الشم العوالي تخطي جميع الصعاب والضخور المتعثرة بدربك بين صخرة حادة قد ادمت رجليك وبين صخرة ملساء كدت أن تنزلق لكن ثبت كالرجال لا كأشباه الرجال فلله درك وعلى الله أجرك.
أبو عبدالله الحربي
القسم: التصنيف الرئيسي » بحوث علمية
عدد القراء : 7279
تاريخ الموضوع: 21 - أغسطس - 2003 ميلادية
(127/1)
اختيارات ولطائف للشيخ عبد العزيز العويد - إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان
الشيخ عبد العزيز العويد
1- قال عبد الله بن مسعود رضى الله تعالى عنه : «هلك من لم يكن له قلب يعرف به المعروف وينكر به المنكر». (24)
2- وفى الجهل قبل الموت موت لأهله ... وأجسامهم، قبل القبور، قبور
وأرواحهم فى وحشة من جسومهم ... وليس لهم حتى النشور نشور (26)
3- جزى الله يوم الروع خيرا، فإنهأرانا على علاته أم ثابت
أرانا مصونات الحجاب، ولم نكننراهن إلا عند نعت النواعت (40)
4- قال بعض السلف: من أحب الدنيا فليوطن نفسه على تحمل المصائب. (42)
5- وقد مثل عيسى ابن مريم عليه السلام محب الدنيا بشارب الخمر، كلما ازداد شربا ازداد عطشا . (42)
6- قال النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فى الحديث الذى رواه الترمذى وغيره: «الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه» فذكره: جميع أنواع طاعته، فكل من كان فى طاعته فهو ذاكره، وإن لم يتحرك لسانه بالذكر، وكل من والاه الله فقد أحبه وقربه؛ فاللعنة لا تنال ذلك إلا بوجهه، وهى نائلة كل ما عداه . (45)
7- قال عز وجل: {والله الغنى وأنتم الفقراء} [محمد: 38]. فهم لفقرهم وحاجتهم إنما يحسن بعضهم إلى بعض لحاجته إلى ذلك وانتفاعه به عاجلا أو آجلا. ولولا تصور ذلك النفع لما أحسن إليه. فهو فى الحقيقة إنما أراد الإحسان إلى نفسه، وجعل إحسانه إلى غيره وسيلة وطريقا إلى وصول نفع ذلك الإحسان إليه. فإنه إما أن يحسن إليه لتوقع جزائه فى العاجل، فهو محتاج إلى ذلك الجزاء، أو معاوضة بإحسانه، أو لتوقع حمده وشكره. وهو أيضا إنما يحسن إليه ليحصل منه ما هو محتاج إليه من الثناء والمدح، فهو محسن إلى نفسه بإحسانه إلى الغير. وإما أن يريد الجزاء من الله تعالى فى الآخرة، فهو أيضا محسن إلى نفسه بذلك . (46)
8- وعاد الفتى كالطفل، ليس بقابلسوى المحض شيئا، واستراحت عواذله (52)
9- وكنت متى أرسلت طرفك رائدا لقلبك يوما أتعبتك المناظر
رأيت الذى لا كله أنت قادر عليه، ولا عن بعضه أنت صابر (53)
10- قال أبو شجاع الكرمانى: «من عمر ظاهره باتباع السنة، وباطنه بدوام المراقبة، وكف نفسه عن الشهوات، وغض بصره عن المحارم، واعتاد أكل الحلال لم تخطىء له فراسة» (54)
11- قال بعض السلف: «الناس يطلبون العز بأبواب الملوك ولا يجدونه إلا فى طاعة الله» (55)
12- وقال الحسن: «وإن هملجت بهم البراذين، وطقطقت بهم البغال إن ذل المعصية لفى قلوبهم، أبى الله عز وجل إلا أن يذل من عصاه ، (55)
13- فأما نجاسة الشرك فهى نوعان: نجاسة مغلظة، ونجاسة مخففة، فالمغلظة: الشرك الأكبر الذى لا يغفره الله عز وجل، فإن الله لا يغفر أن يشرك به. والمخففة: الشرك الأصغر، كيسير الرياء، والتصنع للمخلوق، والحلف به وخوفه ورجائه. ونجاسة الشرك عينية. ولهذا جعل سبحانه الشرك نجسا، بفتح الجيم، ولم يقل: إنما المشركون نجس، بالكسر، فإن النجس عين النجاسة، والنجس، بالكسر، هو المتنجس. فالثوب إذا أصابه بول أو خمر نجس. والبول والخمر نجس. فأنجس النجاسة الشرك، كما أنه أظلم الظلم. فإن النجس فى اللغة والشرع هو المستقذر الذى يطلب مباعدته والبعد منه، بحيث لا يلمس ولا يشم ولا يرى، فضلا أن يخالط ويلابس لقذارته، ونفرة الطباع السليمة عنه. وكلما كان الحى أكمل حياة وأصح حياء كان إبعاده لذلك أعظم ونفرته منه أقوى.
فالأعيان النجسة إما أن تؤذى البدن أو القلب، أو تؤذيهما معا. والنجس قد يؤذى برائحته، وقد يؤذى بملابسته، وإن لم تكن له رائحة كريهة .
والمقصود: أن النجاسة تارة تكون محسوسة ظاهرة، وتارة تكون معنوية باطنة فيغلب على الروح والقلب الخبث والنجاسة، حتى إن صاحب القلب الحى ليشم من تلك الروح والقلب رائحة خبيثة يتأذى بها، كما يتأذى من يشم رائحة النتن، ويظهر ذلك كثيرا فى عرقه، حتى ليوجد لرائحة عرقه نتنا. فإن نتن الروح والقلب يتصل بباطن البدن أكثر من ظاهره. والعرق يفيض من الباطن، ولهذا كان الرجل الصالح طيب العرق. وكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أطيب الناس عرقا. قالت أم سليم، وقد سألها رسول الله عليه الصلاة والسلام عنه وهى تلتقطه «هو من أطيب الطيب» فالنفس النجسة الخبيثة يقوى خبثها ونجاستها حتى يبدو على الجسد. والنفس الطيبة بضدها، فإذا تجردت وخرجت من البدن وجد لهذه كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض، ولتلك كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض . (67)
14- قال المسيح عليه السلام فيما رواه الإمام أحمد فى كتاب الزهد: «لا يكون البطالون من الحكماء، ولا يلج الزناة ملكوت السماء». (71)
15- إن الله سبحانه حرم على عبده أن يكون قرنانا ديوثا زوج بغى، فإن الله تعالى فطر الناس على استقباح ذلك واستهجانه، ولهذا إذا بالغوا فى سب الرجل قالوا زوج قحبة، فحرم الله على المسلم أن يكون كذلك . (73)
16- إذا لم يكن بد من الصبر فاصطبرعلى الحق ذاك الصبر تحمد عقباه (74)
17 - سئل إسحاق بن راهويه عن مسألة فأجاب عنه. فقيل له: إن أخاك أحمد ابن حنبل يقول فيها بمثل ذلك. فقال: ما ظننت أن أحدا يوافقنى عليها ولم يستوحش بعد ظهور الصواب له من عدم الموافقة، فإن الحق إذا لاح وتبين لم يحتج إلى شاهد يشهد به والقلب يبصر الحق كما تبصر العين الشمس. فإذا رأى الرائى الشمس لم يحتج فى علمه بها واعتقاده أنها طالعة إلى من يشهد بذلك ويوافقه عليه. (76)
18- فحى على جنات عدن فإنهامنازلك الأولى وفيها المخيم
ولكننا سبى العدو، فهل ترىنعود إلى أوطاننا ونسلم؟ (78)
19- وصف سبحانه النفس فى القرآن بثلاث صفات: المطمئنة، والأمارة بالسوء، واللوامة . فاختلف الناس: هل النفس واحدة، وهذه أوصاف لها؟ أم للعبد ثلاث أنفس؟: نفس مطمئنة، ونفس لوامة، ونفس أمارة .
فالأول قول الفقهاء والمتكلمين وجمهور المفسرين وقول محققى الصوفية.
والثاني قول كثير من أهل التصوف .
والتحقيق: أنه لا نزاع بين الفريقين، فإنها واحدة باعتبار ذاتها، وثلاث باعتبار صفاتها. فإذا اعتبرت بنفسها فهى واحدة، وإن اعتبرت مع كل صفة دون الأخرى فهى متعددة، وما أظنهم يقولون إن لكل أحد ثلاث أنفس قائمة بذاتها مساوية للأخرى فى الحد والحقيقة، وأنه إذا قبض العبد قبضت له ثلاث أنفس، كل واحدة مستقلة بنفسها.
وحيث ذكر سبحانه النفس، وأضافها إلى صاحبها، فإنما ذكرها بلفظ الإفراد، وهكذا فى سائر الأحاديث، ولم يجىء فى موضع واحد «نفوسك» و «نفوسه» ولا «أنفسك» و«أنفسه» وإنما جاءت مجموعة عند إرادة العموم، كقوله:
{وإذا النفوس زوجت} [التكوير: 7]
أو عند إضافتها إلى الجمع، كقوله صلى الله عليه وسلم:
«إنما أنفسنا بيد الله».
ولو كانت فى الإنسان ثلاث أنفس لجاءت مجموعة إذا أضيفت إليه ولو فى موضع واحد. (83)
20- النوع الثانى: محاسبة النفس بعد العمل، وهو ثلاثة أنواع:
أحدها: محاسبتها على طاعة قصرت فيها من حق الله تعالى، فلم توقعها على الوجه الذى ينبغي.
وحق الله تعالى فى الطاعة ستة أمور قد تقدمت، وهى: الإخلاص فى العمل، والنصيحة لله فيه، ومتابعة الرسول فيه، وشهود مشهد الإحسان فيه، وشهود منة الله عليه فيه، وشهود تقصيره فيه بعد ذلك كله.
فيحاسب نفسه: هل وفى هذه المقامات حقها؟ وهل أتى بها فى هذه الطاعة؟.
الثاني: أن يحاسب نفسه على كل عمل كان تركه خيرا له من فعله.
الثالث: أن يحاسب نفسه على أمر مباح، أو معتاد: لم فعله؟ وهل أراد به الله والدار الآخرة؟ فيكون رابحا، أو أراد به الدنيا وعاجلها، فيخسر ذلك الربح ويفوته الظفر به.
وأضر ما عليه الإهمال، وترك المحاسبة والاسترسال، وتسهيل الأمور وتمشيتها، فإن هذا يؤول به إلى الهلاك، وهذه حال أهل الغرور: يغمض عينيه عن العواقب، ويمشى الحال، ويتكل على العفو، فيهمل محاسبة نفسه والنظر فى العاقبة. وإذا فعل ذلك سهل عليه مواقعة الذنوب، وأنس بها، وعسر عليها فطامها، ولو حضره رشده لعلم أن الحمية أسهل من الفطام وترك المألوف والمعتاد.
قال ابن أبى الدنيا: حدثني رجل من قريش، ذكر أنه من ولد طلحة بن عبيد الله قال: «كان توبة بن الصمة بالرقة، وكان محاسبا لنفسه، فحسب يوما، فإذا هو ابن ستين سنة، فحسب أيامها، فإذا هى أحد وعشرون ألف يوم وخمسمائة يوم، فصرخ، وقال: يا ويلتى، ألقى ربي بأحد وعشرين ألف ذنب؟ كيف وفى كل يوم آلاف من الذنوب؟. ثم خرج مغشيا عليه، فإذا هو ميت، فسمعوا قائلا يقول: «يا لك ركضة إلى الفردوس الأعلى»».
وجماع ذلك: أن يحاسب نفسه أولا على الفرائض، فإن تذكر فيها نقصا تداركه، إما بقضاء أو إصلاح. ثم يحاسبها على المناهي، فإن عرف أنه ارتكب منها شيئا تداركه بالتوبة والاستغفار والحسنات الماحية. ثم يحاسب نفسه على الغفلة، فإن كان قد غفل عما خلق له تداركه بالذكر والإقبال على الله تعالى. ثم يحاسبها بما تكلم به، أو مشت إليه رجلاه، أو بطشت يداه، أو سمعته أذناه: ماذا أرادت بهذا؟ ولم فعلته؟ وعلى أي وجه فعلته؟ ويعلم أنه لابد أن ينشر لكل حركة وكلمة منه ديوانان: ديوان لم فعلته؟ وكيف فعلته؟ فالأول سؤال عن الإخلاص، والثانى سؤال عن المتابعة، وقال تعالى:
{فوربك لنسألنهم أجمعين * عما كانوا يعملون} [الحجر: 92 - 93] وقال تعالى {فلنسئلن الذين أرسل إليهم ولنسئلن المرسلين * فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين} [الأعراف: 6 - 7] وقال تعالى {ليسأل الصادقين عن صدقهم} [الأحزاب: 8].
فإذا سئل الصادقون وحوسبوا على صدقهم فما الظن بالكاذبين؟. (91)
21- وقال مطرف بن عبد الله: «لولا ما أعلم من نفسي لقليت الناس».
وقال مصرف فى دعائه بعرفة: «اللهم لا ترد الناس لأجلى».
وقال بكر بن عبد الله المزني: «لما نظرت إلى أهل عرفات ظننت أنهم قد غفر لهم، لولا أني كنت فيهم».
وقال أيوب السختياني: «إذا ذكر الصالحون كنت عنهم بمعزل»
ولما احتضر سفيان الثوري دخل عليه أبو الأشهب، وحماد بن سلمة، فقال له حماد: «يا أبا عبد الله، أليس قد أمنت مما كنت تخافه؟ وتقدم على من ترجوه، وهو أرحم الراحمين، فقال: يا أبا سلمة، أتطمع لمثلي أن ينجو من النار؟ قال: إي والله، إنى لأرجو لك ذلك».(128/1)
وذكر زيد عن مسلم بن سعيد الواسطي قال: أخبرني حماد بن جعفر بن زيد: أن أباه أخبره قال: «خرجنا فى غزاة إلى كابل، وفى الجيش: صلة بن أشيم، فنزل الناس عند العتمة، فصلوا ثم اضطجع فقلت: لأرمقن عمله، فالتمس غفلة الناس، حتى إذا قلت: هدأت العيون وثب فدخل غيضة قريبا منا، فدخلت على أثره، فتوضأ، ثم قام يصلي، وجاء أسد حتى دنا منه، فصعدت فى شجرة فتراه التفت أو عده جروا؟ فلما سجد قلت: الآن يفترسه، فجلس ثم سلم ثم قال: أيها السبع، اطلب الرزق من مكان آخر. فولى وإن له لزئيرا، أقول: تصدع الجبال منه. قال فما زال كذلك يصلي حتى كان عند الصبح جلس، فحمد الله تعالى بمحامد لم أسمع بمثلها، ثم قال: اللهم إنى أسألك أن تجيرني من النار، ومثلى يصغر أن يجترىء أن يسألك الجنة، قال: ثم رجع وأصبح كأنه بات على الحشايا، وأصبحت وبى من الفترة شىء الله به عالم».
وقال يونس بن عبيد: «إنى لأجد مائة خصلة من خصال الخير ما أعلم أن فى نفسي منها واحدة».
وقال محمد بن واسع: «لو كان للذنوب ريح ما قدر أحد يجلس إلى».
وذكر ابن أبى الدنيا عن الخلد بن أيوب قال: «كان راهب فى بنى إسرائيل فى صومعة منذ ستين سنة. فأتى فى منامه. فقيل له: إن فلانا الإسكافي خير منك- ليلة بعد ليلة- فأتى الإسكافي، فسأله عن عمله. فقال: إني رجل لا يكاد يمر بى أحد إلا ظننته أنه فى الجنة وأنا فى النار، ففضل على الراهب بإزرائه على نفسه».
وذكر داود الطائي عند بعض الأمراء؛ فأثنوا عليه فقال: «لو يعلم الناس بعض ما نحن فيه ما ذل لنا لسان بذكر خير أبدا».
وقال أبو حفص: «من لم يتهم نفسه على دوام الأوقات ولم يخالفها فى جميع الأحوال، ولم يجرها إلى مكروهها فى سائر أوقاته، كان مغرورا، ومن نظر إليها باستحسان شىء منها فقد أهلكها».
(94)
22- كن كالكلب يقصيه أهلهولا يأتلى فى نصحهم متبتلا (99)
23- وقال منصور عن مجاهد رحمه الله: «ما من رفقة تخرج إلى مكة إلا جهز معهم إبليس مثل عدتهم» رواه ابن أبي حاتم فى تفسيره ، (103)
24- وقوله: {ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام} [النساء : 119] . البتك: القطع وهو فى هذا الموضع: قطع آذان البحيرة، عن جميع المفسرين، ومن هاهنا كره جمهور أهل العلم تثقيب أذنى الطفل للحلق، ورخص بعضهم فى ذلك للأنثى، دون الذكر، لحاجتها إلى الحلية، واحتجوا بحديث أم زرع، وفيه: «أناس من حلى أذنى»
وقال النبى صلى الله عليه وسلم: «كنت لك كأبى زرع لأم زرع».
ونص أحمد رحمه الله على جواز ذلك فى حق البنت وكراهته فى حق الصبي. (115)
25- {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا} [البقرة: 268].
قيل: {يعدكم الفقر} [البقرة: 268]: يخوفكم به، يقول: إن أنفقتم أموالكم افتقرتم، {ويأمركم بالفحشاء} [البقرة: 268] قالوا: هى البخل فى هذا الموضع خاصة، ويذكر عن مقاتل والكلبى كل فحشاء فى القرآن فهى الزنا إلا فى هذا الموضع فإنها البخل. (116)
26- قال حسان:
دلاهم بغرور، ثم أسلمهمإن الخبيث لمن والاه غرار (117)
27- إذا رؤى الرجل أو المرأة فى منامه مكشوف السوأة يدل على فساد فى دينه، قال الشاعر:
إنى كأنى أرى من لا حياء لهولا أمانة وسط الناس عريانا
فإن الله سبحانه أنزل لباسين: لباسا ظاهرا يوارى العورة ويسترها، ولباسا باطنا من التقوى، يجمل العبد ويستره، فإذا زال عنه هذا اللباس انكشفت عورته الباطنة، كما تنكشف عورته الظاهرة بنزع ما يسترها . (120)
28- قال بعض السلف: «ما أمر الله سبحانه بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان: إما إلى تفريط وتقصير، وإما إلى مجاوزة وغلو. ولا يبالى بأيهما ظفر». (124)
29- ذكر أبو الفرج بن الجوزى عن أبى الوفاء بن عقيل: «أن رجلا قال له: أنغمس فى الماء مرارا كثيرة وأشك: هل صح لى الغسل أم لا؟ فما ترى فى ذلك؟ فقال له الشيخ: اذهب فقد سقطت عنك الصلاة. قال: وكيف؟ قال: لأن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قال:
«رفع القلم عن ثلاثة: المجنون حتى يفيق، والنائم حتى يستيقظ، والصبى حتى يبلغ».
ومن ينغمس فى الماء مرارا ويشك هل أصابه الماء أم لا، فهو مجنون». (142)
30- قال أبن تيمية – قدس الله روحه - : «والبول كاللبن فى الضرع إن تركته قر وإن حلبته در». (153)
31- صلى سلمان وأبو الدرداء رضى الله عنهما فى بيت نصرانية. فقال لها أبو الدرداء: «هل فى بيتك مكان طاهر فنصلى فيه؟» فقالت: طهرا قلوبكما، ثم صليا اين أحببتما. فقال له سلمان: «خذها من غير فقيه». (162)
32- لما قدم عمر رضى الله عنه الشام صنع له أهل الكتاب طعاما فدعوه، فقال: «أين هو؟» قالوا: فى الكنيسة، فكره دخولها، وقال لعلى رضى الله عنه: «اذهب بالناس، فذهب على بالمسلمين». فدخلوا وأكلوا، وجعل على رضى الله عنه: ينظر إلى الصور، وقال: «ما على أمير المؤمنين لو دخل وأكل؟» (166)
33- لما كانت الرافضة من أبعد الناس عن العلم والدين، عمروا المشاهد، وأخربوا المساجد . (204)
34- قال الإمام أبو بكر الطرطوشي : فانظروا رحمكم الله أينما وجدتم سدرة أو شجرة يقصدها الناس، ويعظمونها، ويرجون البرء والشفاء من قبلها، ويضربون بها المسامير والخرق، فهى ذات أنواط، فاقطعوها. (216)
-35 « القلوب إذا اشتغلت بالبدع أعرضت عن السنن » (218)
36- قال سليمان التيمى: «لو أخذت برخصة كل عالم، أو زلة كل عالم، اجتمع فيك الشر كله». (234)
37- ومن أعظم المنكرات: تمكينهم من إقامة هذا الشعار الملعون هو وأهله فى المسجد الأقصى، عشية عرفة. ويقيمونه أيضا فى، مسجد الخيف أيام منى. وقد أخرجناهم منه بالضرب والنفى مرارا، ورأيتهم يقيمون بالمسجد الحرام نفسه والناس فى الطواف، فاستدعيت حزب الله وفرقنا شملهم. ورأيتهم يقيمون بعرفات، والناس فى الدعاء، والتضرع، والابتهال والضجيج إلى الله، وهم فى هذا السماع الملعون باليراع والدف والغناء . (235)
38- ومن الأمر المعلوم عند القوم: أن المرأة إذا استصعبت على الرجل اجتهد أن يسمعها صوت الغناء، فحينئذ تعطى الليان .
وهذا لأن المرأة سريعة الانفعال للأصوات جدا، فإذا كان الصوت بالغناء، صار انفعالها من وجهين: من جهة الصوت، ومن جهة معناه، ولهذا قال النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لأنجشة حادية: «يا أنجشة، رويدك رفقا بالقوارير»: يعنى النساء.
فأما إذا اجتمع إلى هذه الرقية الدف والشبابة، والرقص بالتخنث والتكسر، فلو حبلت المرأة من غناء لحبلت من هذا الغناء.
فلعمر الله، كم من حرة صارت بالغناء من البغايا، وكم من حر أصبح به عبدا للصبيان أو الصبايا، وكم من غيور تبدل به اسما قبيحا بين البرايا، وكم من ذى غنى وثروة أصبح بسببه على الأرض بعد المطارف والحشايا، وكم من معافى تعرض له فأمسى، وقد حلت به أنواع البلايا، وكم أهدى للمشغوف به من أشجان وأحزان، فلم يجد بدا من قبول تلك الهدايا، وكم جرع من غصة وأزال من نعمة، وجلب من نقمة، وذلك منه من إحدى العطايا، وكم خبأ لأهله من آلام منتظرة، وغموم متوقعة، وهموم مستقبلة .
(250)
39- كل متكلم بغير طاعة الله ومصوت بيراع أو مزمار أو دف حرام أو طبل فذلك صوت الشيطان وكل ساع في معصية الله على قدميه فهو من رجله وكل راكب في معصية الله فهو خيالته كذلك قال السلف كما ذكر ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : رجله كل رجل مشت في معصية الله
وقال مجاهد : كل رجل يقاتل في غير طاعة الله فهو من رجله
وقال قتادة : إن له خيلا ورجلا من الجن والإنس . (259)
40- قال الحسن : مسمار نار في حدود الله وهذه التسمية مطابقة للمعنى .
قال شيخ الإسلام : يريد الحسن : أن المسمار هو الذي يثبت الشىء المسمور فكذلك هذا يثبت تلك المرأة لزوجها وقد حرمها الله عليه . (279-280)
41- إذا كان له على رجل دين مؤجل وأراد رب الدين السفر وخاف أن يتوى ماله أو احتاج إليه ولا يمكنه المطالبة قبل الحلول فأراد ان يضع عن الغريم البعض ويعجل له باقيه فقد اختلف السلف والخلف في هذه المسألة
فأجازها ابن عباس وحرمها ابن عمر وعن أحمد فيها روايتان أشهرهما عنه : المنع وهي اختيار جمهور أصحابه والثانية : الجواز حكاها ابن أبي موسى وهي اختيار شيخنا
وحكى ابن عبد البر في الاستذكار ذلك عن الشافعي قولا وأصحابه لا يكادون يعرفون هذا القول ولا يحكونه وأظن أن هذا إن صح عن الشافعي فإنما هو فيما إذا جرى ذلك بغير شرط بل لو عجل له بعض دينه وذلك جائز فأبرأه من الباقي حتى لو كان قد شرط ذلك قبل الوضع والتعجيل ثم فعلاه بناء على الشرط المتقدم صح عنده لأن الشرط المؤثر في مذهبه : هو الشرط المقارن لا السابق وقد صرح بذلك بعض أصحابه والباقون قالوا : لو فعل ذلك من غير شرط جاز ومرادهم الشرط المقارن
وأما مالك فإنه لا يجوزه مع الشرط ولا بدونه سدا للذريعة وأما أحمد فيجوزه في دين الكتابة وفي غيره عنه روايتان . (394)
42- إذا قال لامرأته : إن سألتيني الخلع فأنت طالق ثلاثا إن لم أخلعك وقالت المرأة : كل مملوك لها حر إن لم أسألك الخلع اليوم
فسئل أبو حنيفة عنها فقال للمرأة : سليه الخلع فقالت : أسألك أن تخلعني فقال للزوج : قل خلعتك على ألف درهم فقال ذلك فقال أبو حنيفة للمرأة قولي : لا أقبل فقالت : لا أقبل فقال أبو حنيفة : قومي مع زوجك فقد بر كل منكما في يمينه . (405)
43- من الحيل يتضمن نسبة الشارع إلى العبث وشرع ما لا فائدة فيه إلا زيادة الكلفة والعناء فإن حقيقة الأمر عند أرباب الحيل الباطلة : أن تصير العقود الشرعية عبثا لا فائدة فيها فإنها لم يقصد بها المحتال مقاصدها التي شرعت لها بل لأغراض له في مقاصدها وحقائقها البتة وإنما غرضه التوصل بها إلى ما هو ممنوع منه فجعلها سترة وجنة يتستر بها من ارتكاب ما نهي عنه صرفا فأخرجه في قالب الشرع كما أخرجت الجهمية التعطيل في قالب التنزيه
وأخرج المنافقون النفاق في قالب الإحسان والتوفيق والعقل المعيشي .
وأخرج الظلمة الفجرة الظلم والعدوان في قالب السياسة وعقوبة الجناة وأخرج المكاسون أكل المكوس في قالب إعانة المجاهدين وسد الثغور وعمارة الحصون .
وأخرج الروافض الإلحاد والكفر والقدح في سادات الصحابة وحزب رسول الله وأوليائه وأنصاره في قالب محبة أهل البيت والتعصب لهم وموالاتهم .
وأخرجت الإباحية وفسقة المنتسبين إلى الفقر والتصوف بدعهم وشطحهم في قالب الفقر والزهد والأحوال والمعارف ومحبة الله ونحو ذلك .
وأخرجت الإتحادية أعظم الكفر والإلحاد في قالب التوحيد وأن الوجود واحد لا اثنان وهو الله وحده فليس ههنا وجودان : خالق ومخلوق ولا رب وعبد بل الوجود كله واحد وهو حقيقة الرب .
وأخرجت القدرية إنكار عموم قدرة الله تعالى على جميع الموجودات : أفعالها وأعيانها في قالب العدل وقالوا : لو كان الرب قادرا على أفعال عباده لزم أن يكون ظالما لهم فأخرجوا تكذيبهم بالقدر في قالب العدل .
وأخرجت الجهمية جحدهم لصفات كماله سبحانه في قالب التوحيد وقالوا : لو كان له سبحانه سمع وبصر وقدرة وحياة وإرادة وكلام يقوم به لم يكن واحدا وكان آلهة متعددة .(128/2)
وأخرجت الفسقة والذين يتبعون الشهوات الفسوق والعصيان في قالب الرجاء وحسن الظنع بالله تعالى وعدم إساءة الظن بعفوه وقالوا : تجنب المعاصي والشهوات إزراء بعفو الله تعالى وإساءة للظن به ونسبة له إلى خلاف الجود والكرم والعفو .
وأخرجت الخوارج قتال الأئمة والخروج عليهم بالسيف في قالب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وأخرج أرباب البدع جميعهم بدعهم في قوالب متنوعة بحسب تلك البدع .
وأخرج المشركون شركهم في قالب التعظيم لله وأنه أجل من أن يتقرب إليه بغير وسائط وشفعاء وآلهة تقربهم إليه
فكل صاحب باطل لا يتمكن من ترويج باطله إلا بإخراجه في قالب حق
والمقصود : أن أهل المكر والحيل المحرمة يخرجون الباطل في القوالب الشرعية ويأتون بصور العقود دون حقائقها ومقاصدها . (456)
44- قال هرم بن حيان : ما أقبل عبد بقلبه إلى الله عز وجل إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم . (525)
45- جمع سبحانه بين ذكر الفتنتين (الشبهات والشهوات) في قوله تعالى (كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ)(التوبة: من الآية69) أي تمتعوا بنصيبهم من الدنيا وشهواتها والخلاق هو النصيب المقدر ثم قال : ( وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا)(التوبة: من الآية69) فهذا الخوض بالباطل وهو الشبهات
فأشار سبحانه في هذه الآية إلى ما يحصل به فساد القلوب والأديان من الاستمتاع بالخلاق والخوض بالباطل لأن فساد الدعين إما أن يكون باعتقاد الباطل والتكم به أو بالعمل بخلاف العلم الصحيح
فالأول : هو البدع وما والاها والثاني : فسق الأعمال
فالأول فساد من جهة الشبهات والثاني من جهة الشهوات .
ولهذا كان السلف يقولون : (احذروا من الناس صنفين : صاحب هوى قد فتنه هواه وصاحب دنيا أعمته دنياه)
وكانوا يقولون : احذروا فتنة العالم الفاجر والعابد الجاهل فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون
وأصل كل فتنة إنما هو من تقديم الرأي على الشرع والهوى على العقل
فالأول : أصل فتنة الشبهة والثاني : أصل فتنة الشهوة
ففتنة الشبهات تدفع باليقين وفتنة الشهوات تدفع بالصبر ولذلك جعل سبحانه إمامة الدين منوطة بهذين الأمرين فقال : (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ) (السجدة:24)
فدل على أنه بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين . (535)
- تم بحمد الله -
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الشيخ عبد العزيز العويد
عدد القراء : 2489
تاريخ الموضوع: 26 - سبتمبر - 2003 ميلادية
(128/3)
جدول دروس الشيخ عثمان الخميس حفظه الله
الشيخ عثمان الخميس
جدول دروس الشيخ عثمان الخميس حفظه الله *
اليوم
الفجر
الضحى
المغرب
العشاء
السبت
دليل الطالب
(فقه)
الأحد
دليل الطالب
(فقه)
تفسير ابن كثير
الاثنين
صحيح البخاري
كتاب التوحيد
عمدة الأحكام
الثلاثاء
صحيح البخاري
منار السبيل
(فقه)
منهج السالكين
(فقه)
الأربعاء
بداية المجتهد
(فقه مقارن)
الخميس
الروض المربع
(فقه)
منوع
البال توك - غرفة السرداب
مختصر منهاج السنة
لابن تيمية
اختصار عبد الله الغنيمان
(فرق)
الجمعة
بداية المجتهد
(فقه مقارن)
* بمسجد الحميدة - القطعة الثالثة - مشرف .
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ عثمان الخميس
عدد القراء : 3241
تاريخ الموضوع: 28 - سبتمبر - 2003 ميلادية
(129/1)
اختيارات ولطائف للشيخ عبد العزيز العويد - التحفة العراقية
الشيخ عبد العزيز العويد
التحفة العراقية
1- قال من قال من السلف إن الله جمع الكتب المنزلة في القرآن وجمع علم القرآن في المفصل وجمع علم المفصل في فاتحة الكتاب وجمع علم فاتحة الكتاب في قوله (إياك نعبد وإياك نستعين) . (315)
2- الكرامة لزوم الاستقامة وأن الله لم يكرم عبده بكرامة أعظم من موافقته فيما يحبه ويرضاه وهو طاعته وطاعة رسوله وموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه . (335)
3- قال طائفة من العلماء الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد ومحو الأسباب أن تكون أسبابا نقص في العقل والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع وإنما التوكل المأمور به ما يجتمع فيه مقتضي التوحيد والعقل والشرع. (345)
4- والمؤمن إذا فعل سيئة فإن عقوبته تندفع عنه بعشرة أسباب أن يتوب فيتوب الله عليه فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له أو يستغفر فيغفر له أو يعمل حسنات تمحوها فإن الحسنات يذهبن السيئات أو يدعو له إخوانه المؤمنون ويشفعون له حيا وميتا أو يهدون له من ثواب أعمالهم لينفعه الله به أو يشفع فيه نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أو يبتليه الله في الدنيا بمصائب تكفر عنه أو يبتليه في البرزخ والصعقة فيكفر بها عنه أو يبتليه في عرصات القيامة من أهوالها بما يكفر عنه أو يرحمه أرحم الراحمين فمن أخطأته هذه العشرة فلا يلومن إلا نفسه كما قال تعالى فيما يروى عنه رسوله ( يا عبادي إنما هي أعمالكم احصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه) (366)
5- اليهود كثيراً ما يعدلون الخالق بالمخلوق , ويمثلون به حتى يصفوا الله بالفقر والعجز والبخل , ونحو ذلك من النقائص التي يجب تنزيهه عنها , وهي من صفات خلقه , والنصارى كثيراً ما يعدلون المخلوق بالخالق , حتى يجعلوا في المخلوق من نعوت الربوبية وصفات الإلهية ويجوزون له ما لا يصح إلاّ للخالق سبحانه وتعالى عمّا يقول الظّالمون علوّاً كبيراً . (387)
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الشيخ عبد العزيز العويد
عدد القراء : 1665
تاريخ الموضوع: 28 - سبتمبر - 2003 ميلادية
(130/1)
اختيارات ولطائف للشيخ عبد العزيز العويد - الصارم المسلول على شاتم الرسول
الشيخ عبد العزيز العويد
الصارم المسلول على شاتم الرسول
1- قال الامام اسحاق بن راهويه احد الائمة الاعلام اجمع المسلمون على ان من سب الله او سب رسوله او دفع شيئا مما أنزل الله عز وجل او قتل نبيا من انبياء الله عز وجل انه كافر بذلك وان كان مقرا بكل ما انزل الله . (ص3)
2- قال عبد الله سألت ابي عمن شتم النبي يستتاب قال قد وجب عليه القتل ولا يستتاب خالد بن الوليد قتل رجلا شتم النبي ولم يستتبه . (ص5)
3- ابو حنيفة واصحابه فقالوا لا ينتقض العهد بالسب ولايقتل الذمي بذلك لكن يعزر على اظهار ذلك كما يعزر على اظهار المنكرات التي ليس لهم فعلها من اظهار اصواتهم بكتابهم ونحو ذلك وحكاه الطحاوي عن الثوري ومن اصولهم ان ما لاقتل فيه عندهم مثل القتل بالمثقل والجماع في غير القبل اذا تكرر فللامام ان يقتل فاعله وكذلك له ان يزيد على الحد المقدر اذا رأى المصلحة في ذلك ويحملون ما جاء عن الرسول واصحابه من القتل في مثل هذه الجرائم على انه رأي المصلحة في ذلك ويسمونه القتل سياسة وكان حاصله ان له ان يعزر بالقتل في الجرائم التي تغلظت بالتكرار وشرع القتل في جنسها ولهذا افتى اكثرهم بقتل من اكثر من سب النبي من اهل الذمة وان اسلم بعد اخذه وقالوا يقتل سياسة وهذا متوجه على اصولهم . (ص10)
4- (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ )(المجادلة: من الآية22) قال سفيان يرون انها انزلت فيمن يخالط السلطان . (ص29)
…
5- رجلين اختصما الى النبي فقضى للمحق على المبطل فقال المقضي عليه لا ارضى فقال صاحبه فما تريد قال ان نذهب الى ابي بكر الصديق فذهبا اليه فقال الذي قضي له قد تخاصمنا الى النبي فقضى لي عليه فقال ابو بكر فانتما على ما قضى به النبي فابى صاحبه ان يرضى قال ناتي عمر بن الخطاب فاتياه فقال المقضي له قد اختصمنا الى النبي فقضى لي عليه فابى ان يرضى ثم اتينا ابا بكر الصديق فقال انتما على ما قضى به النبي فابى ان يرضى فساله عمر فقال كذلك فدخل عمر منزله فخرج والسيف بيده قد سله فضرب به راس الذي ابى ان يرضى فقتله فانزل الله تبارك وتعالى (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُم)(النساء: من الآية65) وهذا المرسل له شاهد من وجه اخر يصلح للاعتبار . (ص38)
6- فسر ابن عباس سورة النور فلما اتى على هذه الاية (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (النور:23) قال : هذه في شأن عائشة وازواج النبي خاصة وهي مبهمة ليس فيها توبة ومن قذف امراة مؤمنة فقد جعل الله له توبة ثم قرأ : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء)(النور: من الآية4) إلى قوله (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا)(آل عمران: من الآية89) فجعل لهؤلاء توبة ولم يجعل لاولئك توبة قال فهم رجل ان يقوم فيقبل راسه من حسن ما فسر .
وقال ابو سعيد الاشج ثنا عبد الله بن خراش عن العوام عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضى الله عنهما : (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ) نزلت في عائشه رضى الله عنها خاصة واللعنة في المنافقين عامة . (ص45)
7- قال الامام احمد في رواية الفضل بن زياد نظرت في المصحف فوجدت طاعة الرسول في ثلاثة وثلاثين موضعا ثم جعل يتلوا (فليحذر الذين يخالفون عن امره ان تصيبهم فتنة) الاية وجعل يكررها ويقول وما الفتنة الشرك لعله اذى رد بعض قوله ان يقع في قلبه شئ من الزيغ فيزيغ قلبه فيهلكه وجعل يتلوا هذه الاية (فلا وربك لايؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم) . (ص56)
8- روى الشعبي عن علي ان يهودية كانت تشتم النبي وتقع فيه فخنقها رجل حتى ماتت فابطل رسول الله دمها هكذا رواه ابو داود في سننه وابن بطة في سننه وهو من جملة ما استدل به الامام احمد في رواية ابنه عبد الله وقال ثنى جرير عن مغيرة عن الشعبي قال كان رجل من المسلمين اعني اعمى يؤوي الى امراة يهودية فكانت تطعمه وتحسن اليه فكانت لا تزال تشتم النبي وتؤذيه فلما كان ليلة من الليالي خنقها فماتت فلما اصبح ذكر ذلك للنبي فنشد الناس في امرها فقام الاعمى فذكر له أمرها فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم دمها .
وهذا الحديث جيد فان الشعبي راى علي وروى عنه حديث شراحة الهمدانية وكان على عهد علي قد ناهز العشرين سنة وهو كوفي فقد ثبت لقاؤه عليا فيكون الحديث متصلا ثم ان كان فيه ارسالا لان الشعبي يبعد سماعه من علي فهو حجة وفاقا لان الشعبي عندهم صحيح المراسيل لايعرفون له مرسلا الا صحيحا ثم هو من اعلم الناس بحديث علي واعلمهم بثقات أصحابه
وله شاهد حديث ابن عباس الذي ياتي فان القصة اما ان تكون واحدة او يكون المعنى واحدا وقد عمل به عوام اهل العلم وجاء ما يوافقه عن اصحاب رسول الله ومثل هذا المرسل لم يتردد اللفقهاء في الاحتجاج به . (ص61)
9- الأذى أسم لقليل الشر وخفيف المكروه , بخلاف الضرر . (ص74)
10- الواقدي لا يحتج به اذا انفرد لكن لا ريب في علمه في المغازي واستعلام كثير من تفاصيلها من جهته ولم نذكر عنه الا ما اسندناه عن غيره . (ص75)
11- النبي صلى الله عليه وسلم لم يندب إلى قتل كعب بن الأشرف لكونه ذهب إلى مكة وقال ما قاله هناك وانما ندب الى قتله لما قدم وهجاه كما جاء ذلك مفسرا في حديث جابر المتقدم بقوله : (ثم قدم المدينة معلنا لعداوة النبي) ثم بين ان اول ما قطع به العهد تلك الابيات التي قالها بعد الرجوع وان النبي حينئذ ندب الى قتله وكذلك في حديث موسى بن عقبة من لنا من ابن الاشرف فانه قد استعلن بعداوتنا وهجائنا . (ص80)
12- ان تفضيل دين الكفار على دين المسلمين هو دون سب النبي بلا ريب فان كون الشيء مفضولا احسن حالا من كونه مسبوبا مشتوما فان كان ذلك ناقضا للعهد فالسب بالطريق الاولى . (ص83)
13- الجنس المبيح للدم لا فرق بين قليله وكثيره وغليظه وخفيفه في كونه مبيحا للدم سواء كان قولا او فعلا كالردة والزنى والمحاربة ونحو ذلك وهذا هو قياس الاصول فمن زعم ان من الاقوال او الافعال ما يبيح الدم اذا كثر ولا يبيحه مع القلة فقد خرج عن قياس الاصول وليس له ذلك الا بنص يكون اصلا بنفسه ولا نص يدل على اباحة القتل في الكثير دون القليل وما ذهب اليه المنازع من جواز قتل من كثر منه القتل بالمثقل والفاحشة في الدبر دون من قل انما هو حكاية مذهب والكلام في الجميع واحد . (ص86)
14- قال مروان بن الحكم وهو على المدينة وعنده ابن يامين النظيري كيف كان قتل ابن الاشرف قال ابن يامين كان غدرا ومحمد بن مسلمة جالس شيخ كبير فقال يا مروان ايغدر رسول الله عندك والله ما قتلناه الا بامر رسول الله والله لا يؤويني واياك سقف بيت الا المسجد واما انت ياابن يامين فالله علي ان افلت وقدرت عليك وفي يدي سيف الا ضربت به راسك فكان ابن يامين لا ينزل من بني قريضه حتى يبعث له رسولا ينظر محمد بن مسلمة فإن كان في بعض ضياعه نزل فقضى حاجته ثم صدر والا لم ينزل فبين محمد في جنازة وابن يامين بالبقيع فراى محمد نعشا عليه جرائد رطبة لامراءة جاء فحله فقام اليه الناس فقالوا يا ابا عبد الرحمن ما تصنع نحن نكفيك فقام اليه فلم يزل بضربه بها جريدة جريدة حتى كسر ذلك الجريد على وجهه وراسه حتى لم يترك به مصحا ثم ارسله ولا طباخ به ثم قال والله لو قدرت على السيف لضربتك به . (ص90)
15- ما روى عن علي بن ابي طالب رضى الله عنه قال قال رسول الله (من سب نبيا قتل ومن سب اصحابه جلد) رواه ابو محمد الخلال وابو القاسم الازجي ورواه ابو ذر الهروي ولفظه( من سب نبيا فاقتلوه ومن سب اصحابي فاجلدوه) . وهذا الحديث قد رواه عبد العزيز بن محمد بن الحسن بن وهذا الحديث قد رواه عبد العزيز بن محمد بن الحسن بن زباله قال ثنا عبد الله بن موسى بن جعفر عن علي بن موسى عن ابيه عن جده عن محمد بن علي بن الحسين عن ابيه عن الحسين بن علي عن ابيه وفي القلب منه حزازه فان هذا الاسناد الشريف قد ركب عليه متون منكرة والمحدث به عن اهل البيت ضعيف فان كان محفوظا فهو دليل على وجوب قتل من سب نبيا من الانبياء وظاهره يدل على انه يقتل من غير استتابة وان القتل حد له . (ص92)
16- في قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا ينتطح فيها عنزان) . إنما خص النبي صلى الله عليه وسلم العنز لأن العنز تشام العنز ثم تفارقها وليس كنطاح الكباش وغيرها . (ص97)
17- لا يختلف اثنان ان الواقدي من اعلم الناس بتفاصيل امور المغازي واخبر الناس باحوالها وقد كان الشافعي واحمد وغيرهما يستفيدون علم ذلك من كتبه نعم هذا الباب يدخله خلط الروايات بعضها ببعض حتى يطهر انه سمع مجموع القصة من شيوخه وانما سمع من كل واحد بعضها ولم يميزه , ويدخله اخذ ذلك من الحديث المرسل والمقطوع وربما حدس الراوي بعض الامور لقرائن استفادها من عدة جهات ويكثر من ذلك اكثارا فينسب لاجله الى المجازفة في الرواية وعدم الضبط فلم يمكن الاحتجاج بما ينفرد به فاما الاستشهاد بحديثه والاعتضاد به فمما لايمكن المنازعة فيه لا سيما في قصة تامة يخبر فيها باسم القاتل والمقتول وصورة الحال فان الرجل وامثاله افضل من ان يقعوا في مثل هذا في كذب ووضع على انا لم يثبت قتل الساب بمجرد هذا الحديث وانما ذكرناه للتقوية والتوكيد وهذا يحصل ممن هو دون الواقدي . (ص97)
18- لما حصر المسلمون بني الأصفر في زماننا قالوا كنا نحن نحصر الحصن او المدينة الشهر او اكثر من الشهر وهو ممتنع علينا حتى نكاد نيأس منه حتى إذا تعرض أهله لسب رسول الله والوقيعة في عرضه تعجلنا فتحة وتسير ولم يكد يتأخر إلا يوما أو يومين أو نحو ذلك , ثم يفتح المكان عنوة ويكون فيهم ملحمة عظيمة قالوا حتى ان كنا لنتباشر بتعجيل الفتح اذا سمعناهم يقعون فيه مع إمتلاء القلوب غيظا عليهم بما قالوا فيه وهكذا حدثني بعض أصحابنا الثقات أن
المسلمين من اهل المغرب حالهم مع النصارى كذلك ومن سنة الله ان يعذب اعداءه تارة بعذاب من عنده وتارة بايدي عباده المؤمنين . (ص117)
19- الساب وان ارتد فليس بمنزلة المرتد المحض يقتل قبل الاستتابه ولا يؤخر قتله وذلك دليل على جواز قتله بعد التوبة . (ص136)
20- قال سعيد بن يحيى الاموي في مغازيه حدثني محمد بن سعيد يعني عمه قال قال محمد بن المنكدر انه ذكر له عن ابن عباس انه قال هاتف من الجن على جبل ابي قبيس فقال(131/1)
قبح الله رايكم آل فهر % ما ادق العقول والاحلام
حين تغضي لمن يعيب عليها % دين ابائها الحماة الكرام
حالف الجن جن بصرى عليكم % ورجال النخيل والاطام
توشك الخيل ان تروها نهارا % تقتل القوم في حرام تهام
هل كريم منكم له نفس حر % ماجد الجدتين والاعمام
ضاربا ضربة تكون نكالا % ورواحا من كربه واغتنام
قال ابن عباس فاصبح هذا الشعر حديثا لاهل مكة يتناشدوه بينهم فقال رسول الله هذا شيطان يكلم الناس من الاوثان يقال له مسعر والله مخزيه فمكثوا ثلاثة ايام فاذا هاتف يهتف على الجبل يقول :
نحن قتلنا في ثلاث مسعرا % اذ سفه الحق وسن المنكرا
قنعته سيفا حساما مبترا % بشتمه نبينا المطهرا
فقال رسول الله هذا عفريت من الجن اسمه سمحج امن بي سميته عبد الله اخبرني انه في طلبه منذ ثلاثة ايام فقال علي جزاه الله خيرا يا رسول الله . (ص150)
21- من سنة الله ان من لم يمكن المؤمنين ان يعذبوه من الذين يؤذون الله ورسوله فان الله سبحانه ينتقم منه لرسوله ويكفيه اياه كما قدمنا بعض ذلك في قصة الكتاب المفترى وكما قال سبحانه )فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ(94)إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ) (الحجر:95) والقصة في اهلاك الله واحدا واحدا من هؤلاء المستهزئين معروفة قد ذكرها اهل السير والتفسير وهم على ماقيل نفر من رؤوس قريش منهم الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والاسودان بن المطلب وابن عبد يغوث والحارث بن قيس وقد كتب النبي صلى الله عليه وسلم
كسرى وقيصر وكلاهما لم يسلم لكن قيصر اكرم كتاب رسول الله واكرم رسوله فثبت ملكه فيقال ان الملك باق في ذريته الى اليوم وكسرى مزق كتاب رسول الله واستهزا برسول الله فقتله الله بعد قليل ومزق ملكه كل ممزق ولم يبق للاكاسرة ملك وهذا والله اعلم تحقيق قوله تعالى (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) (الكوثر:3) فكل من شناه او ابغضه وعاداه فان الله تعالى يقطع دابره ويمحق عينه واثره وقد قيل انها نزلت في العاص بن وائل او في عقبة بن ابي معيط او في كعب بن الاشرف وقد رايت صنيع الله بهم ومن الكلام السائر لحوم العلماء مسمومة فكيف بلحوم الأنبياء عليهم السلام . (ص164)
22- قال ابن عقيل عن شيخه ابي الفضل الهمداني مبتدعة الاسلام والكذابون والواضعون للحديث اشد من الملحدين لان الملحدين قصدوا إفساد الدين من خارج وهؤلاء قصدوا إفساده من داخل فهم كاهل بلد سعوا في فساد احواله والملحدون كالمحاصرون من خارج فالدخلاء يفتحون الحصن فهم شر على الاسلام من غير الملابسين له . (ص171)
23- إذا علم الرجل من حال صديقه انه تطيب نفسه بما ياخذ من ماله فله ان ياخذ وان لم يستأذنه نطقا وكان هذا معروفا بين كثير من الصحابة والتابعين كالرجل الذي سال النبي كبة من شعر فقال اما ما كان لي ولبني هاشم فهو لك وعلى هذا فلا حرج عليهم اذا سالوا نصيبهم . (ص195)
24- سب النبي تعلق به عدة حقوق حق الله سبحانه من حيث كفر برسوله وعادى افضل أوليائه وبارزه بالمحاربة ومن حيث طعن في كتابه ودينه فان صحتهما موقوفة على صحة الرسالة ومن حيث طعن في الوهيته فان الطعن في الرسول طعن في المرسل وتكذيبه تكذيب لله تبارك وتعالى وانكار لكلامه وامره وخبره وكثير من صفاته وتعلق به حق جميع المؤمنين من هذه الامة ومن غيرها من الامم فان جميع المؤمنين مؤمنون به خصوصا امته فان قيام امر دنياهم ودينهم واخرتهم به بل عامة الخير الذي يصيبهم في الدنيا والاخرة بواسطته وسفارته فالسب له اعظم عندهم من سب انفسهم واباءهم وابناءهم وسب جميعهم كما انه احب اليهم من انفسهم واولادهم وابائهم والناس اجمعين وتعلق به حق رسول الله من حيث خصوص نفسه فان الانسان تؤذيه الوقيعة في عرضه اكثر مما يؤذيه اخذ ماله واكثر مما يؤذيه الضرب بل ربما كانت عنده اعظم من الجرح ونحوه خصوصا من يجب عليه ان يظهر للناس كمال عرضه وعلو قدره لينتفعوا بذلك في الدنيا والاخرة فان هتك عرضه قد يكون اعظم عنده من قتله فان قتله لا يقدح عند الناس في نبوته ورسالته وعلة قدره كما ان موته لا يقدح في ذلك بخلاف الوقيعة في عرضه فانها قد تؤثر في نفوس بعض الناس من النفره عنه وسوء الظن به ما يفسد عليهم ايمانهم ويوجب لهم خسارة الدنيا والآخرة . (ص293)
25- السب قد يكون غلطا من المسلم لا اعتقادا فاذا تاب منه قبلت توبته اذ هو عثرة لسان وسوء ادب او قلة علم . (ص307)
26- المشهور عن مالك واحمد انه لا سيتتاب ولا تسقط القتل عنه توبته وهو قول الليث بن سعد وذكر القاضي عياض انه المشهور من قول السلف وجمهور العلماء وهو احد الوجهين لاصحاب الشافعي وحكي عن مالك واحمد انه تقبل توبته وهو قول ابي حنيفة واصحابه وهو المشهور من مذهب الشافعي بناء على قبول توبة المرتد فنتكلم اولا في قبول توبته والذي عليه عامة اهل العلم من الصحابة والتابعين انه تقبل توبة المرتد في الجملة وروي عن الحسن البصري انه يقتل وان اسلم جعله كالزاني والسارق وذكر عن اهل الظاهر نحو ذلك ان توبته تنفعه عند الله ولكن لا تدرأ القتل عنه وروي عن احمد ان من ولد في الاسلام قتل ومن كان مشركا فاسلم استتيب وكذلك روي عن عطاء وهو قول اسحاق بن راهوية والمشهور عن عطاء واحمد الاستتابة مطلقا وهو الصواب ووجه عدم قبول التوبة قوله (من بدل دينه فاقتلوه) رواه البخاري ولم يستثن ما اذا تاب وقال لايحل دم امرئ مسلم يشهد ان لا اله الا الله واني رسول الله الا باحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة متفق عليه فاذا كان القاتل والزاني لا يسقط عنهما القتل بالتوبة فكذلك التارك لدينه المفارق للجماعة وعن حكيم بن معاوية عن ابيه ان رسول الله قال لايقبل الله توبة عبد كفر بعد اسلامه رواه الامام احمد ولانه لايقتل لمجرد الكفر والمحاربة لانه لو كان كذلك لما قتل المترهب والشيخ الكبير الاعمى والمقعد والمراة ونحوهم فلما قتل هؤلاء علم ان الردة حد من الحدود والحدود لاتسقط بالتوبة . (ص314)
27- في مراسيل أبي داود عن أبن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (من ضرب أباه فأقتلوه ) . (ص456)
28- صحة التوبة فيما بينه وبين الله وسقوط حق الرسول بما ابدله من الايمان به الموجب لحقوقه لا يمنع ان يقيم عليه حد الرسول اذا ثبت عند السلطان وان اظهر التوبة بعد ذلك كالتوبة من جميع الكبائر الموجبة للعقوبات المشروعة سواء كانت حقا لله او حقا لادمي فان توبة العبد فيما بينه وبين الله بحسب الامكان صحيحة مع انه اذا ظهر عليه اقيم عليه الحد وقد اسلفنا ان سب الرسول فيه حق لله وحق لادمي وانه من كلا الوجهين يجب استيفاؤه اذا رفع الى السلطان وان اظهر الجاني التوبة بعد الشهادة عليه . (ص494)
29- بعض الحمقى
سبوا عليا كما سبوا عتيقكم % كفرا بكفر وايمانا بايمانا
وكما يقول بعض الجهال مقابلة الفاسد بالفاسد وكما قد تحمل بعض جهال المسلمين الحمية على ان يسب عيسى اذا جاهره المحاربون بسب رسول الله وهذا من الموجبات للقتل . ....(ص496)
30- طريقة من فرق بين سب الله وسب رسوله وذلك من وجوه :
احدها ان سب الله حق محض لله وذلك يسقط بالتوبة كالزنى والسرقة وشرب الخمر وسب النبي فيه حقان لله وللعبد فلا يسقط حق الادمي بالتوبة كالقتل في المحاربة هذا فرق القاضي ابي يعلى في خلافه.
الثاني ان النبي تلحقه المعرة بالسب لانه مخلوق
الثالث ان النبي انما يسب على وجه الاستخفاف به والاستهانة وللنفوس الكافرة والمنافقة الى ذلك داع من جهة الحسد على ما اتاه الله من فضله ومن جهة المخالفة في دينه ومن جهة الانقهار تحت حكم دينه وشرعه ومن جهة المراغمة لامته .
الرابع ان سب النبي حد وجب لسب ادمي ميت لم يعلم انه عفا عنه وذلك لا يسقط بالتوبة بخلاف سب الله تعالى . (ص496,497,498)
31- وذكر القاضي عن الفقهاء ان ساب النبي ان كان مستحلا كفر وان لم يكن مستحلا فسق ولم يكفر كساب الصحابة وهذا نظير ما يحكى ان بعض الفقهاء من اهل العراق افتى هارون امير المؤمنين فيمن سب النبي ان يجلده حتى انكر ذلك مالك ورد هذه الفتيا وهو نظير ما حكاه ابو محمد ابن حزم ان بعض الناس لم يكفر المستخف به.....................................................
وقد ذكر القاضي عياض بعد ان رد هذه الحكاية عن بعض فقهاء العراق والخلاف الذي ذكره ابن حزم بما نقله من الاجماع عن غير واحد وحمل الحكاية على ان اولئك لم يكونوا ممن شهر بالعلم او لم يكونوا ممن يوثق بفتواه لميل الهوى به او ان الفتيا كانت في كلمة اختلف في كونها سبا او كانت فيمن تاب ذكر ان الساب اذا اقر بالسب ولم يتب منه قتل كفرا لان قوله اما صريح كفر كالتكذيب ونحوه او هو من كلمات الاستهزاء او الذم فاعترافه بها وترك توبته منها دليل على استحلاله لذلك وهو كفر ايضا قال فهذا كافر بلا خلاف . (ص514)
32- ويجب ان يعلم ان القول بان كفر الساب في نفس الامر انما هو لاستحلاله السب زلة منكرة وهفوة عظيمة ويرحم الله القاضي ابا يعلي قد ذكر في غير موضع من كتبه ما يناقض ماقاله هنا وانما اوقع من وقع في هذه المهواة ما تلقوه من كلام طائفة من متاخري المتكلمين وهم الجهمية الاناث الذين ذهبوا مذهب الجهمية الاولى في ان الايمان هو مجرد التصديق الذي في القلب وان لم يقترن به قول اللسان ولم يقتض عملا في القلب ولا في الجوارح وصرح القاضي ابو يعلى بذلك هنا قال عقيب ان ذكر ما حكيناه عنه وعلى هذا لو قال الكافر ان معتقد بقلبي معرفة الله وتوحيده لكني لا اتي بالشهادتين كما لا اتي غيرها من العبادات كسلا لم يحكم باسلامه في الظاهر ويحكم به باطنا قال وقول الامام احمد من قال ان المعرفة تنفع في القلب من غير ان يتلفظ بها فهو جهمي محمول على احد وجهين احدهما انه جهمي في ظاهر الحكم والثاني على انه يمتنع من الشهادتين عنادا لانه احتج احمد في ذلك بان ابليس عرف ربة بقلبه ولم يكن مؤمنا ومعلوم ان ابليس اعتقد انه لا يلزم امتثال امره تعالى بالسجود لادم وقد ذكر القاضي في غير موضع انه لا يكون مؤمنا حتى يصدق بلسانه مع القدرة وبقلبه وان الايمان قول وعمل كما هو مذهب الائمة كلهم مالك وسفيان والاوزاعي والليث والشافعي واحمد واسحاق ومن قبلهم وبعدهم من اعيان الامة . (ص515)
33- قال القاضي عياض جميع من سب النبي او عابه او الحق به نقصا في نفسه او نسبه او دينه او خصلة من خصاله او عرض به او شبهه بشئ على طريق السب له والازراء عليه او البغض منه والعيب له فهو ساب له والحكم فيه حكم الساب يقتل ولا نستثن فصلا من فصول هذا الباب عن هذا المقصد ولا نمتر فيه تصريحا كان او تلويحا وكذلك من لعنه او تمنى مضرة له أو دعا عليه او نسب اليه ما لا يليق بمنصبه على طريق الذم او عيبه في جهته العزيزة بسخف من الكلام وهجر ومنكر من القول وزور او عيره بشئ مما يجري من البلاء والمحنة عليه او غمصه ببعض العوارض البشرية الجائزة والمعهودة لديه قال هذا كله اجماع من العلماء وائمة الفتوى من لدن اصحابه وهلم جرا . (ص525)(131/2)
34- الاسم اذا لم يكن له حد في اللغة كاسم الارض والسماء والبر والبحر والشمس والقمر ولا في الشرع كاسم الصلاة والزكاة والحج والايمان والكفر فانه يرجع في حده الى العرف كالقبض والحرز والبيع والرهن والكرى ونحوها فيجب ان يرجع في حد الاذى والشتم والسب الى العرف فما عده اهل العرف سبا او انتقاصا او عيبا او طعنا ونحو ذلك فهو من السب وما لم يكن كذلك وهو كفر به فيكون كفرا ليس بسب حكم صاحبه حكم المرتد ان كان مظهرا له والا فهو زندقة . (ص531)
35- قال القاضي ابو يعلى من قذف عائشة بما براها الله منه كفر بلا خلاف وقد حكى الاجماع على هذا غير واحد وصرح غير واحد من الائمة بهذا الحكم فروي عن مالك من سب أبا بكر جلد
ومن سب عائشة قتل قيل له لم قال من رماها فقد خالف القران ولان الله تعالى قال )يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (النور:17) . (ص565)
36- قال ابو السائب القاضي كنت يوما بحضرة الحسن بن زيد الداعي بطبرستان وكان يلبس الصوف ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويوجه في كل سنة بعشرين الف دينار الى مدينة السلام يفرق على سائر ولد الصحابة وكان بحضرته رجل ذكر عائشة بذكر قبيح من الفاحشة فقال يا غلام اضرب عنقه فقال له العلويون هذا رجل من شيعتنا فقال معاذ الله هذا رجل طعن على النبي قال الله تعالى (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (النور:26) فان كانت عائشة خبيثة فالنبي خبيث فهو كافر فاضربوا عنقه فضربوا عنقه وانا حاضر رواه اللالكائي . (ص566)
37- عن مجاهد عن أبن عباس قال : (لا تسبوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم , فإن الله قد أمرنا بالإستغفار لهم , وقد علم أنهم سيقتلون) . رواه الإمام أحمد . (ص574)
38- في رواية عن شباك قال بلغ عليا ان ابن السوداء انتقص ابا بكر وعمر قال فدعاه ودعا بالسيف او قال فهم بقتله فكلم فيه فقال لا يساكنني ببلد انا فيه فنفاه الى المدائن وهذا محفوظ عن ابي الاحوص وقد رواه النجاد وابن بطه واللالكائي وغيرهم ومراسيل ابراهيم جياد لا يظهر علي رضي الله عنه انه يريد قتل رجل الا وقتله حلال عنده ويشبه والله اعلم ان يكون انما تركه خوف الفتنه بقتله كما كان النبي يمسك عن قتل بعض المنافقين فان الناس تشتتت قلوبهم عقب فتنة عثمان رضي الله عنه وصار في عسكره من اهل الفتنة اقوام لهم عشائر لو اراد الانتصار منهم لغضبت لهم عشائرهم وبسبب هذا وشبهه كانت فتنة الجمل . (ص584)
39- تفصيل القول في سب الصحابه
اما من اقترن بسبه دعوى ان عليا اله او انه كان هو النبي وانما غلط جبريل في الرسالة فهذا لاشك في كفره بل لاشك في كفر من توقف في تكفيره وكذلك من زعم منهم أن القرآن نقص
منه ايات وكتمت او زعم ان له تأويلات باطنة تسقط الاعمال المشروعة ونحو ذلك وهؤلاء يسمون القرامطة والباطنية ومنهم التناسخية وهؤلاء لا خلاف في كفرهم
واما من سبهم سبا لا يقدح في عدالتهم ولا في دينهم مثل وصف بعضهم بالبخل او الجبن او قلة العلم او عدم الزهد ونحو ذلك فهذا هو الذي يستحق التاديب والتعزير ولا يحكم بكفره بمجرد ذلك وعلى هذا يحمل كلام من لم يكفرهم من العلماء
واما من لعن وقبح مطلقا فهذا محل الخلاف فيهم لتردد الامر بين لعن الغيظ ولعن الاعتقاد
واما من جاوز ذلك الى ان زعم انهم ارتدوا بعد رسول الله الا نفرا قليلا لا يبلغون بضعة عشر نفسا او انهم فسقوا عامتهم فهذا لا ريب ايضا في كفره فانه مكذب لما نصه القران في غير موضع من الرضى عنهم والثناء عليهم بل من يشك في كفر مثل هذا فان كفره متعين فان مضمون هذه المقالة ان نقلة الكتاب والسنة كفار او فساق وان هذه الامة التي هي ( كنتم خير امة اخرجت للناس) وخيرها هو القرن الاول كان عامتهم كفارا او فساقا ومضمونها ان هذه الامة شر الامم وان سابقي هذه الامة هم شرارها وكفر هذا مما يعلم بالاضطرار من دين الاسلام . (ص586) .
- تم بحمد الله -
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الشيخ عبد العزيز العويد
عدد القراء : 3193
تاريخ الموضوع: 01 - أكتوبر - 2003 ميلادية
(131/3)
اختيارات ولطائف للشيخ عبد العزيز العويد - مدارج السالكين
الشيخ عبد العزيز العويد
1- فمن هُدي في هذه الدار إلى صراط الله المستقيم ، الذي أرسل به رسله وأنزل به كتبه ، هُدٍيَ هناك إلى الصراط المستقيم ، الموصل إلى الجنه ودار ثوابه ، وعلى قدر ثبوت قدم العبد على هذا الصراط الذي نصبه الله لعباده في هذه الدار ، يكون ثبوت قدمه على الصراط المنصوب على متن جهنم . وعلى قدر سيره على هذا الصراط يكون سيره على ذاك الصراط . فمنهم من يمر كالبرق ، ومنهم من يمر كالطرف ، ومنهم من يمر كالريح ، ومنهم من يمر كشد الركاب ، ومنهم من يسعى سعياَ ، ومنهم من يمشي مشياَ ، ومنهم من يحبوا حبواَ ، ومنهم المخدوش المسلَّم ، ومنهم المكردس في النار ، فلينظر العبد سيره على ذلك الصراط من سيره على هذا ، حَذْوَ القُذَّه بالقُذَّه جزاءً وفاقا ( هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (النمل:90) (1/16) .
2- الصراط : تارةً يضاف إلى الله ، إذ هو الذي شرعه ونصبه كقوله تعالى : (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً) (الأنعام:153) وقوله : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الشورى:52) وتارةً يضاف إلى العباد كما في سورة الفاتحه . لكونهم أهل سلوكه ، وهو المنسوب لهم ، وهم المارون عليه . (1/17)
3- هل لله على الكافر من نعمه أم لا ؟
فالنعمة المطلقة لأهل الإيمان ، ومطلق النعمة تكون للمؤمن والكافر ، كما قال تعالى : (وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (ابراهيم:34)
والنعمة من جنس الإحسان ، بل هي الإحسان ، والرب تعالى إحسانه على البر والفاجر ، والمؤمن والكافر ، وأما الإحسان المطلق : فللذين أتقوا والذين هم محسنون (1/19)
4- قال الله تعالى : (قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ) (الحجر:41) ، قال الحسن معناه صراط إليَّ مستقيم ، وهذا يحتمل أمرين : أن يكون أراد به أنه من باب إقامة الأدوات بعضها مقام بعض ، فقامت أداة (عليَّ) مقام (إليَّ) والثاني : أنه أراد التفسير على المعنى ، وهو الأشبه بطريق السلف ، أي صراط موصل إليَّ ، وقال مجاهد : الحق يرجع إلى الله ، وعليه طريقه ، لا يعرج على شيء وهذا مثل قول الحسن وأبين منه ، وهو من أصح ما قيل في الآية ، وقيل (عليَّ) فيه للوجوب ، أي على بيانه وتعريفه والدلالة عليه ، والقولان نظير القولين في آية النحل (وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ) (النحل:9) والصحيح فيها كالصحيح في آية الحجر : أن السبيل القاصد – وهو المستقيم المعتدل – يرجع إلى الله ، ويوصل إليه (1/22)
5- قال الله تعالى : (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً) (النساء:164) فذكر في أول الآية وحيه إلى نوح والنبيين من بعده ، ثم خص موسى من بينهم بالإخبار بأنه كَلَّمَهْ ، وهذا يدل على أن التكليم الذي حصل له أخص من مطلق الوحي الذي ذكر في أول الآية ، ثم أكده بالمصدر الحقيقي الذي هو مصدر (كلم) وهو التكليم رفعاً لما يتوهمه المعطله والجهميه والمعتزله وغيرهم من أنه إلهام ، أو إشاره ، أو تعريف للمعنى النفسي بالشيء غير التكليم ، فأكده بالمصدر المفيد تحقيق النسبه ورفع توهم المجاز ، قال الفراء : العرب تسمي مايوصل إلى الإنسان كلام بأي طريق وصل ، ولكن لا تحققه بالمصدر ، فإذا حققته بالمصدر لم يكن إلى حقيقة الكلام كالإراده ، يقال : فلان إراد إراده ، يريدون حقيقة الإرادة ، هذا كلامه وقال تعالى (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) (لأعراف:143) وهذا التكليم غير التكليم الأول الذي أرسله به إلى فرعون ، وفي هذا التكليم الثاني سأل النظر ، لا في الأول ، وفيه أعطى الألواح ، وكان عن مواعده من الله له ، والتكليم الأول لم يكن عن مواعده ، وفيه قال الله تعالى له : (قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي) (لأعراف:144) أي بتكليمي لك بإجماع السلف . (1/47)
6- أما ما يقوله كثير من أصحاب الخيالات والجهالات :(حدثني قلبي عن ربي) فصحيح أن قلبه حدثه ، ولكن عمَّن ؟ عن شيطانه أو عن ربه ؟ فإذا قال :(حدثني قلبي عن ربي) كان مسنداََ الحديث إلى من يعلم أنه حدثه به ، وذلك كذب ، قال : ومحدث الأمة لم يكن يقول ذلك ، ولا تفوه به يوماََ من الدهر ، وقد أعاذه الله من أن يقول ذلك ، بل كتب كتابه يوماًَ (وهذا ما أرى الله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب) فقال (لا أمْحُهُ ، وأكتب : هذا ما رأى عمر بن الخطاب فإن كان صواباً فمن الله ، وإن كان خطأً فمن عمر ، والله ورسوله منه بريء) وقال في الكلالة (أقول فيها برأيي ، فإن يكن صواباً فمن الله ، وإن يكن خطأً فمني ومن الشيطان) فهذا قول المحدث بشهادة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأنت ترى الإتحادي والحلولي والإباحي الشَّطاح والسماعي : مجاهر بالقِحَّةِ والفِرْيَه . يقول (حدثني قلبي عن ربي) فأنظر إلى مابين القائلين والمرتبتين والقولين والحالين وأعط كل ذي حقٍ حقَّه ولا تجعل الزغل والخالص شيئاُ واحداً . (1/50)
7- والتحقيق في هذا أن كل واحد من (الفراسة) و (الإلهام) ينقسم إلى عام وخاص . وخاص كل واحد منهما فوق عام الآخر ، وعام كل واحد قد يقع كثيراً وخاصه قد يقع نادراً ولكن الفرق الصحيح : أنَّ الفراسه قد تتعلق بنوع كسب وتحصيل ، وأمّا الإلهام فموهبه مجرده ، لا تنال بكسب البتَّه (1/53)
8-أصدق الرؤيا : رؤيا الأسحار ، فإنه وقت النزول الإلاهي ، وأقتراب الرحمة والمغفره ، وسكون الشياطين ، وعكسه رؤيا العتمه عند إنتشار الشياطين والأرواح الشيطانيه , وقال عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه (رؤيا المؤمن كلام يكلم به الرب عبده في المنام) وللرؤيا ملك موكل بها يريها العبد في أمثال تناسبه وتشاكله ،فيضربها لكل أحد بحسبه . وقال مالك ( الرؤيا من الوحي وحي) وزجر عن تفسيرها بلا علم ، وقال :(أتتلاعب بوحي الله ؟)
(1/63)
9- كثيراً ما كنت أسمع شيخ الإسلام بن تيمية – قدس الله روحه – يقول (إياك نعبد ) تدفع الرياء ( وإياك نستعين ) تدفع الكبرياء (1/65)
10- هنا أمور ثلاثة : موافقة الدواء للداء ، وبذل الطبيب له ، وقبول طبيعة العليل ، فمتى تخلف واحد منها لم يحصل الشفاء ، وإذا أجتمعت حصل الشفاء ولا بد بإذن الله سبحانه وتعالى . ومن عرف هذا كما ينبغي تبين له أسرار الرقي ، وميز بين النافع منها وغيره ورقى الداء بما يناسبه من الرقي ، وتبين له أن الرقية براقيها وقبول المحل ، كما أن السيف بضاربه مع قبول المحل للقطع ، وهذه إشارة مطلعه على ما ورائها لمن دق نظرة ، وحسن تأمله . والله أعلم .
وأما شهادة التجارب بذلك : فهي أكثر من أن تذكر . وذلك في كل زمان . وقد جربت أنا من ذلك في نفسي وفي غيري أموراً عجيبة ، ولا سيما مدة المقام بمكة . فإنه كان يعرض لي آلام مزعجه ، بحيث تكاد تقطع الحركة مني وذلك في أثناء الطواف وغيره ،فأبادر إلى قرائة الفاتحة ، وأمسح بها على محل الألم فكأنه حصاة تسقط . جربت ذلك مراراً عديدة ، وكنت آخذ قدحاً من ماء زمزم فأقرأ عليه الفاتحة مراراً ، فأشرب به فأجد به من النفع والقوة مالم أعهد مثله في الدواء . والأمر أعظم من ذلك ، ولكن بحسب قوة الإيمان ، وصحة اليقين والله المستعان .. (1/69)
11- الإستدلال بالصنعة كثير ، وأما الإستدلال بالصانع فله شأن ، وهو الذي أشارت إليه الرسل بقولهم (قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ) (ابراهيم:10) أي أيشك في الله حتى يطلب إقامة الدليل على وجوده ؟ وأي دليل أصح وأظهر من هذا المدلول ؟ فكيف يستدل على الأظهر بالأخفى ؟ ثم نبهوا على الدليل بقولهم (فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) (الزمر:46) وسمعت شيخ الإسلام تقي الدين أبن تيمية – قدس الله روحة – يقول : كيف يطلب الدليل على من هو دليل على كل شيءٍ ؟ وكان كثيراً ما يتمثل بهذا البيت :
وَلَيْسَ يَصِحُّ في الَأَذْهانِ شَيءٌ ... إِذا أحْتاجَ النَّهارُ إِلى دَليلٍ
ومعلومٌ أن وجود الرب تعالى أظهر للعقول والفطر من وجود النهار ومن لم ير ذلك في عقله وفطرته فليتهمهما (1/71)
12- فإنه سبحانه يسأله من في السماوات والأرض : يسأله أوليائه وأعدائه ويمد هؤلاء وهؤلاء ، وأبغض خلقة : عدوه إبليس ومع هذا فقد سأله حاجة فأعطاه إياها ، ومتعه بها ، ولكن لما لم تكن عوناً له على مرضاته كانت زيادةً له في شقوته ، وبعده عن الله وطرده عنه ، وهكذا كل من أستعان به على أمرٍ وسأله إياه ، ولم يكن عوناً له على طاعته : كان مبعداً له عن مرضاته ، قاطعاً له عنه ولابد .
وليتأمل العاقل هذا في نفسه وفي غيره ، وليعلم أن إجابة الله لسؤاله ليست لكرامة السائل عليه ، بل يسأله العبد الحاجة فيقضيها له ، وفيها هلاكه وشقوته ، ويكون قضائها له من أوانه عليه ، وسقوطه من عينه ، ويكون منعه منها لكرامته عليه ولمحبته له ، فيمنعه حمايةً وصيانةً وحفظاً لا بخلاً . وهذا إنما يفعله بعبده الذي يريد كرامته ومحبته ، ويعامله بلطفه ، فيظن – بجهله – أن الله لا يحبه ولا يكرمه ، ويراه يقضي حوائج غيره ، فيسيء ظنه بربه ، وهذا حشو قلبه ولا يشعر به ، والمعصوم من عصمه الله، والإنسان على نفسه بصيرة ، وعلامة هذا : حمله على الأقدار ، وعتابه الباطن لها ، كما قيل :
وَعاجِزُ الرّأْيِ مٍضْياعٌ لِفُرْصَتِهِ ... حَتّى إِذا فاتَ أَمْرٌ عاتَبَ القَدَرَ
فوالله لو كشف عن حاصله وسره لرآى هناك معاتبة القدر وأتهامه وأنه قد كان ينبغي أن يكون كذا وكذا ، ولكن ما حيلتي ، والأمر ليس إلي ؟ والعاقل خصم نفسه ، والجاهل خصم أقدار ربه .
فأحذر كل الحذر أن تسأله شيئاً معيناً خيرته وعاقبته ومغيبةً عنك وإذا لم يجد من سؤاله بد ، فعلقه على شرط علمه تعالى فيه الخيرة وقدم بين يدي سؤالك الإستخارة ، ولا تكن إستخارة باللسان بلا معرفة ، بل إستخارة من لا علم له بمصالحه ولا قدرة له عليها ولا أهتداءٌ له إلى تفاصيلها ، ولا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً ، بل إن وكل إلى نفسه هلك كل الهلاك ، وأنفرط عليه أمره . (1/91)
13- من زعم أنه يصل إلى مقام يسقط عنه فيه التعبد ، فهو زنديق كافر بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم ، وإنما وصل إلى مقام الكفر بالله ، والإنسلاخ من دينه . (1/171)(132/1)
14- كذلك الصدق ، والفرق بينه وبين الإخلاص : أن للعبد مطلوباً وطلباً ، فالإخلاص : توحيد مطلوبة ، والصدق : توحيد طلبة ، فالإخلاص : أن لا يكون المطلوب منقسماً ، والصدق : أن لا يكون الطلب منقسماً ، فالصدق بذل الجهد ، والإخلاص إفراد المطلوب . (1/124)
15- (البصيرة) على ثلاث درجات ، من إستكملها فقد إستكمل البصيرة : بصيرةٌ في الأسماءِ والصفات ، وبصيرةٌ في الأمر والنهي ، وبصيرةٌ في الوعد والوعيد (1/139)
16- تجد أضعف الناس بصيرةً أهل الكلام الباطل المذموم الذي ذمه السلف ، لجهلهم بالنصوص ومعانيها ، وتمكن الشبهة الباطلة من قلوبهم ، وإذا تأملت حال العامة – الذين ليسوا مؤمنين عند أكثرهم – رأيتهم أتم بصيرةً منهم ، وأقوى إيماناً ، وأعظم تسليماً للوحي ، وانقياداً للحق . (1/141)
17- لا يسيء الظن بنفسه إلا من عرفها ، ومن أحسن ظنه بنفسه فهو من أجهل الناس بنفسه (1/191)
18- إن العبد بين منةٍ من الله عليه ، وحجةٌ منه عليه ، ولا ينفك عنهما فالحكم الديني متضمنٌ لمنته وحجته ، قال الله تعالى : (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ) (آل عمران:164) وقال: (بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ) (الحجرات:17) وقال: (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ) (الأنعام:149) .
والحكم الكوني أيضاً متضمنٌ لمنته وحجته ، فإذا حكم له كوناً حكماً مصحوباً باتصال الحكم الديني به فهو منةٌ عليه ، وإن لم يصحبه الديني فهو حجةٌ منه عليه .
وكذلك حكمه الديني إذا أتصل به حكمه الكوني ، فتوفيقه للقيام به منةٌ منه عليه ، وإن تجرد عن حكمه الكوني صار حجةٌ منه عليه ، فالمنةُ : باقتران أحد الحكمين بصاحبه ، والحجةُ : في تجرد أحدهما عن الآخر ، وكل علم صحبه عمل يرضي الله سبحانه وتعالى فهو منةٌ ، ، وإلا فهو حجة . وكل قوةٍ ظاهرةٍ وباطنةٍ صحبها تنفيذٌ لمرضاته وأوامره فهي منةٌ ، وإلا فهي حجةٌ ، وكل حالٍ صحبه تأثير في نصرةِ دينه والدعوة إليه فهو منةٌ منه ، وإلا فهو حجة ، وكل مالٍ اقترن به إنفاق في سبيل الله وطاعته ، لا لطلب الجزاء ولا الشكور ، فهو منةٌ من الله عليه ، وإلا فهو حجة . وكل فراغ اقترن به اشتغال بما يريد الرب من عبده فهو منةٌ عليه ، وإلا فهو حجة .
وكل قبول في الناس ، وتعظيم محبةٍ له ، أتصل به خضوع للرب ، وذل وإنكساء ، ومعرفةٌ بعيب النفس والعمل وبذل النصيحه للخلق فهو منةٌ وإلا فهو حجة وكل بصيرةٍ وموعظة ، وتذكير وتعريف من تعريفات الحق سبحانه إلى العبد أتصل به عبرةٌ ومزيد من العقل ، ومعرفةٌ في الإيمان فهي منةٌ ، وإلا فهي حجة . وكل حالٍ مع الله تعالى ، أو مقامٍ اتصل به السير إلى الله ، وإيثار مراده على مراد العبد فهو منةٌ من الله ، وإن صحبة الوقوف عنده والرضى به وإيثار مقتضاه من لذة النفس به وطمأنينتها إليه ، وركونها إليه ، فهو حجةٌ من الله عليه .
فليتأمل العبد هذا الموضع العظيم الخطر ، ويميز بين واقع المنن والمحن والحجج والنعم ، فما أكثر ما يلتبس ذلك على خواطر الناس وأرباب السلوك قال تعالى : (وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (النور:46) (1/192)
19- قال الله تعالى (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ) (آل عمران:17) قال الحسن : مدوا الصلاة إلى السحر . ثم جلسوا يستغفرون الله عز وجل (1/195)
20- ولله در الشيخ أبي مدين حيث يقول : من تحقق بالعبودية نظر أفعاله بعين الرياء ، وأحواله بعين الدعوى ، وأقواله بعين الافتراء ، وكلما عظم المطلوب في قلبك ، صغرت نفسك عندك ، وتضاءلت القيمة التي تبذلها في تحصيله ، وكلما شهدت حقيقة الربوبية وحقيقة العبودية ، وعرفت الله ، وعرفت النفس ، وتبين لك أن ما معك من البضاعة لا يصلح للملك الحق . ولو جئت بعمل الثقلين خشيت عاقبته وإنما يقبله بكرمة وجودة وتفضله
(1/196)
21- يحتمل أن يريد : أن تعييرك لأخيك بذنبه أعظم أثماً من ذنبه وأشد من معصيته ، لما فيه من صَوْلة الطاعة ، وتزكية النفس ، وشكرها والمناداة عليها بالبراء من الذنب ، وأن أخاك باء به ، ولعل كسرته بذنبه وما أحدث له من الذله والخضوع ، والازدراء على نفسه ، والتخلص من مرض الدعوى ، والكبر والعجب ، ووقوفه بين يدي الله ناكس الرأس , خاشع الطرف ، منكس القلب : أنفع له وخير من صولة طاعتك وتكَثُّرِكَ بها والاعتداد بها ، والمنَّة على الله وخلقة بها . فما أقرب هذا العاصي من رحمة الله ! وما أقرب هذا المُذِلُّ من مَقْتِ الله ! فذنب تذل به لديه ، أحب إليه من طاعة تُدِلُّ بها عليه ، وإنك إن تبيت نائماً وتصبح نادماً ، خير من أن تبيت قائماً وتصبح معجباً ، فإن العجب لا يصعد له عمل ، وأنك إن تضحك وأنت معترف ، خير من أن تبكي وأنت مدل ، وأنين المذنبين ، أحب إلى الله من زجل المسبحين المدلين ، ولعل الله أسقاه بهذا الذنب دواء أستخرج به داءً قاتلاً هو فيك ولا تشعر (1/197)
22- الله تعالى : يضيف تزيين الدنيا والمعاصي للشياطين ، كما قال تعالى : (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام:43) وقال : (وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ) (الأنعام:137) وفي الحديث ( بعثت هادياً وداعياً ، وليس إليَّ من الهدايةِ شيء . وبعث إبليس مغوياً ومزيناً وليس إليه من الضلالة شيء ) ولا يناقض هذا قوله تعالى : (كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ) (الأنعام:108) فإن إضافة التزين إليه قضاءً وقدراً ، وإلى الشيطان تسبباً ، مع أن تزيينه تعالى عقوبةً لهم على ركونهم إلى زينه الشيطان لهم فمن عقوبة السيئة : السيئة بعدها ، ومن ثواب الحسنه : الحسنه بعدها (1/204)
23- ولا توجب هذه الزلة من شيخ الإسلام إهدار محاسنه ، وإسائة الظن به فمحله من العلم والإمامة والمعرفة والتقدم في طريق السلوك المحل الذي لا يجهل ، وكل أحد مأخوذ من قوله ومتروك إلا المعصوم : صلوات الله وسلامه عليه – والكامل من عد خطأه ، ولا سيما في مثل هذا المجال الضنك والمعترك الصعب الذي زلت فيه أقدام ، وضلت فيه أفهام ، وأفترقت بالسالكين فيه الطرقات ، وأشرفوا – إلا أقلهم – على أودية الهلكات(1/219)
24- ذكر الجفا في وقت الصفا جفا (1/223)
25- قال شيخنا : تزوجت الحقيقة الكافرة ، بالبدعة الفاجرة ، فتولد بينهما خسران الدنيا والآخرة (1/245)
26- التوبة لا تصح من ذنب ، مع الإصرار على آخر من نوعه ، وأما التوبة من ذنب ، مع مباشرة آخر لا تعلق له به ، وهو من نوعه : فتصح كما إذا تاب من الربا ولم يتب من شرب الخمر مثلاً ، فإن توبته من الربا صحيحه وأما إذا تاب من ربا الفضل ولم يتب من ربا النسيئة وأصر عليه أو بالعكس ، أو تاب من تناول الحشيش وأصر على شرب الخمر أو بالعكس ، فهذا لا تصح توبته وهم كمن يتوب عن الزنا بأمره وهو مصر على زنا بغيرها غير تائب منها ، أو تاب من شرب عصير العنب المسكر ، وهو مصر على شرب غيره من الأشربة المسكرة ، فهذا في الحقيقة لم يتب من الذنب (1/300)
27-نص أحمد على هذا في رواية ، فقال : ينبغي للعبد أن يتزوج إذا خاف على نفسه ، فيستدين ويتزوج ، لا يقع في محظور فيحبط عمله (1/304)
28- لعل عتبك محمود عواقبه ... وربما صحت الأجسام بالعلل (1/320)
29- قال قتادة : أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم – على أن كل ما عصي الله به فهو جهالة (1/322)
30- هذا – والله أعلم – هو السر في استجابة دعوة الثلاثة : المظلوم والمسافر ، والصائم ، للكسرة التي في قلب كل واحد منهم . فإن غربة المسافر وكسرته مما يجده العبد في نفسه : وكذلك الصوم ، فإنه يكسر سورة النفس السبعية الحيوانية ، ويذلها (1/325)
31- قوله تعالى (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (لأنفال:33) فإن الله لا يعذب مستغفراً ، وأما من أصر على الذنب ، وطلب من الله مغفرةً ، فهذا ليس باستغفار مطلق ، ولهذا لا يمنع العذاب ، فالاستغفار يتضمن التوبة ، والتوبة تتضمن الاستغفار ، وكل منهما يدخل في مسمى الآخر عند الإطلاق(1/335)
32- قال محمد بن كعب القرظي : يجمعه أربعة أشياء : الاستغفار باللسان ، والإقلاع بالأبدان ، وإضمار ترك العود بالجنان ، ومهاجرة سيء الأخوان
(1/337)
33- فلأهل الذنوب ثلاثة أنهار عظام يتطهرون بها في الدنيا . فإن لم تفِ بطهرهم طهروا في نهر الجحيم يوم القيامة : نهر التوبة النصوح ، ونهر الحسنات المستغرقة للأوزار المحيطة بها ، ونهر المصائب العظيمة المكفرة ، فإذا أراد الله بعبده خيراً أدخله أحد هذه الأنهار الثلاثة ، فورد القيامة طيباً طاهراً ، فلم يَحْتَجْ إلى التطهير الرابع (1/339)
34- يحكى عن أبي إسحاق الإسفرائيني أنه قال : الذنوب كلها كبائر وليس فيها صغائر ، فليس مراده : أنها مستوية في الإثم ، بحيث يكون أثم النظر المحرم ، كإثم الوطء في الحرام ، وإنما المراد : أنها بالنسبة إلى عظمة من عُصِيَ بها كلها كبائر ، ومع هذا فبعضها أكبر من بعض ، ومع هذا فالأمر في ذلك لفظي لا يرجع إلى معنى (1/342)
35- أعلم أن أشعة (لا إله إلا الله) تبدد من ضباب الذنوب وقيومها بقدر قوة ذلك الشعاع وضعفه ، فلها نور ، وتفاوت أهلها في ذلك النور . قوةً وضعفاً – لا يحصيه إلا الله تعالى .
فمن الناس من نور هذه الكلمة في قلبه كالشمس ، ومنهم من نورها في قلبه كالكوكب الدري ، ومنهم من نورها في قلبه كالمشعل العظيم ، وآخر كالسراج المضيء وآخر كالسراج الضعيف . ولهذا تظهر الأنوار يوم القيامة بإيمانهم ، وبين أيديهم على هذا المقدار ، بحسب ما في قلوبهم من نور هذه الكلمة ، علماً وعملاً ، ومعرفةً وحالاً .
وكلما عظم نور هذه الكلمة وأشتد : أحرق من الشبهات والشهوات بحسب قوته وشدته . حتى إنه ربما وصل إلى حال لا يصادف معها شبهه ولا شهوة ولا ذنباً إلا احرقه وهذا حال الصادق في توحيده ، الذي لم يشرك بالله شيئاً . فأي ذنب أو شهوة أو شبهه دنت من هذا النور أحرقها ، فسماء إيمانه قد حرست بالنجوم من كل سارق لحسناته ، فلا ينال منها السارق إلى على غِرَّةً وغفلة لا بد منها للبشر ، فإذا أستيقظ وعلم ما سرق منه إستنقذه من سارقه أو حصل أضعافه بكسبه ، فهو هكذا أبداً مع لصوص الجن والأنس ، ليس كمن فتح لهم خزانته ، وولى الباب ظهره (1/358)
36- ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا .....) (الحجرات:6) الآية ، و(النبأ) هو الخبر الغائب عن المخبر إذا كان له شأن ، (والتبين) طلب بيان حقيقة والإحاطة بها علماً .(132/2)
وها هنا فائدة لطيفة ، وهي أنه سبحانه لم يأمر برد خبر الفاسق وتكذيبه ورد شهادته جملة ، وإنما أمر التبين ، فإن قامت قرائن وأدلة من خارج تدل على صدقه ، عمل بدليل الصدق ، ولو أخبر به من أخبر ، هكذا ينبغي الاعتماد في رواية الفاسق وشهادته ، وكثير من الفاسقين يصدقون في أخبارهم ورواياتهم وشهاداتهم ، بل كثير منهم يتحرى صدق غاية التحري وفسقه من جهات آخر ، فمثل هذا لا يرد خبره ولا شهادته ، ولو ردت شهادة مثل هذا وروايته لتعطلت أكثر الحقوق ، وبطل كثير من الأخبار الصحيحة ، ولا سيما من فسقه من جهة الاعتقاد والرأي وهو متحرٍ للصدق ، فهذا لا يرد خبره ولا شهادته .
وأما من فسقه من جهة الكذب : فإن كثر منه وتكرر ، بحيث يغلب كذبه على صدقه ، فهذا لا يقبل خبره ولا شهادته ، وإن ندر منه مره ومرتين ففي رد شهادته وخبره بذلك قولان للعلماء . وهما روايتان عن الإمام أحمد – رحمه الله - (1/391)
37- الكذب يراد به أمران : أحدهما : الخبر غير المطابق لمخبره ، وهو نوعان : كذب عمداً ، وكذب خطأ ، فكذب العمد معروف ، وكذلك الخطأ ككذب أبي السنابل بن بعكك في فتواه للمتوفي عنها إذا وضعت حملها (أنها لا تحل حتى تتم أربعة أشهر وعشراً) فقال النبي صلى الله عليه وسلم (كذب أبو السنابل) ومنه قوله صلى الله عليه وسلم (كذب من قالها) لم قال (حبط عمل عامر ، حيث قتل نفسه خطأ) ومنه قول عبادة بن الصامت :( كذب أبو محمد ) حيث قال :(الوتر واجب) فهذا كله من كذب الخطأ ومعناه (أخطأ) قائل ذلك . والثاني من أقسام الكذب : الخبر الذي لا يجوز الأخبار به ، وإن كان خبره مطابقاً لمخبره ، كخبر القاذف المنفرد برؤية الزنا ، والأخبار به فإنه كاذب في حكم الله ، وإن كان خبره مطابقاً لمخبره ، ولهذا قال تعالى (فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ) (النور:13) فحكم الله في مثل هذا : أن يعاقب عقوبة المفتري الكاذب وإن كان خبره مطابقاً ، وعلى هذا فلا تتحقق توبته حتى يعترف بأنه كاذب عند الله ، كما أخبر الله تعالى به عنه ، فإذا لم يعترف بأنه كاذب وجعله الله كاذباً ، فأي توبةٍ له ؟ وهل هذا إلا محض الإصرار والمجاهرة بمخالفة حكم الله الذي حكم به عليه ؟ (1/395)
38- فأما مشهد الحيوانية ، وقضاء الشهوة : فمشهد الجهال ، الذين لا فرق بينهم وبين سائر الحيوان ، إلا في اعتدال القامة ونطق اللسان ، ليس همهم إلا مجرد ميل الشهوة بأي طريق أفضت إليها ، فهؤلاء نفوسهم نفوس حيوانية لم تترق عنها إلا درجة الإنسانية ، فضلاً عن درجة الملائكة , فهؤلاء حالهم أخس من أن تذكر , وهم في أحوالهم متفاوتون بحسب تفاوت الحيوانات التي هم على أخلاقها وطباعها , فمنهم : من نفسه كلبيه ، لو صادف جيفه تشبع ألف كلب لوعه عليها , وحماها من سائر الكلاب , ونبح كل كلب يدنوا منها ، فلا تقربها الكلام إلا على كره منه وغلبه , ولا يسمح لكلب بشيءٍ منها ، وهمه شبع بطنه من أي طعام اتفق : ميته أو مذكى ، خبيث أو طيب ، ولا يستحي من قبيح ، إن تحمل عليه يلحث , إن أطعمته بصبص بِذَنَبِهِ ودار حولك , وإن منعته هرك ونبحك .
ومنهم من نفسه حماريه . لم تخلق إلا للكد والعلف , كلما زيد في علفه زيد في كده ، أبكم الحيوان ، وأقله بصيرة ، ولهذا مثل الله سبحانه وتعالى به من حمله كتابه ، فلم يحمله معرفة ولا فقهاً ولا عملاً ، ومثل بالكلب عالم السوء الذي آتاه الله آياته فأنسلخ منها ، وأخلد إلى الأرض وأتبع هواه ، وفي هذين المثلين أسرار عظيمة ، ليس هذا موضع ذكرها .
ومنهم من نفسه سبعيَّه غضبيَّه ، همته العدوان على الناس ، وقهرهم بما وصلت إليه قدرته ، طبيعته تتقاضى ذلك كتقاضي طبيعة السبع لما يصدر منه .
ومنهم من نفسه فأريَّه ، فاسق بطبعه ، مفسد لما جاوره ، تسبيحه بلسان الحال : سبحان من خلقه للفساد
ومنهم من نفسه على نفوس ذوات السموم والحمّات ، كالحيه والعقرب وغيرهما ، وهذا الضرب هو الذي يؤذي بعينه ، فيُدخِل الرجل القبر والجمل القِدْر ، والعين وحدها لم تفعل شيئاً ، وإنما النفس الخبيثة السُّمِّيَّة تكيّفت بكيفية غضبيه ، مع شدة حسد وإعجاب ، وقابلت المَعِين على غِرَّة منه وغفلة ، هو أعزل من سلاحه ، فلدغته كلدغة الحية التي تنظر إلى موضع مكشوف من بدن الإنسان فتنهشه فإما عطب وإما أذى ، ولذى لا يتوقف أذى العائن على الرؤية والمشاهد ، بل إذا وُصِف له الشيء الغائب عنه وصل إليه أذاه ، والذنب لجهل المعين وغفلته وغِرَّتهُ عن حمل سلاحه كل وقت ، فالعائن لا يؤثر في شاكي السلاح ، كالحية إذا قابلت درعاً سابقاً على جميع البدن ليس فيه موضع مكشوف . فحق على من أراد حفظ نفسه وحمايتها : أن لا يزال متدرعاً متحصناً لابساً أداة الحرب مواظباً على أوراد التعويذات ، والتحصينات النبويه ، التي في القرآن والتي في السنَّه (1/432)
39- فما حصل للعبد حال مكروهه قط إلاّ بذنب ، وما يعفوا الله عنه أكثر قال الله تعالى (َمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) (الشورى:30)
وقال لخيار خلقه وأصحاب نبيه (َوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) (آل عمران:165) وقال (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً) (النساء:79)
والمراد بالحسنة والسيئة هنا : النعم والمصائب التي تصيب العبد من الله . ولهذا قال : (ما أصابك) ولم يقل : (ما أصبت) فكل نقص وبلاء وشر في الدنيا والآخرة فسببه الذنوب ،ومخالفة أوامر الرب فليس في العالم شر قط إلا الذنوب وموجباتها (1/456)
40- كان شيخ الإسلام بن تيمية – رضي الله عنه – يقول : من أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية (1/464)
41- (الإنابة) إنابتان : إنابة لربوبية ، وهي إنابة المخلوقات كلها ، يشترك فيها المؤمن والكافر ، والبر والفاجر ، قال الله تعالى (وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) (الروم:33) فهذا عام في حق كل داعٍ أصابه الضر ، كما هو الواقع. وهذه (الإنابة) لا تستلزم الإسلام بل تجامع الشرك والكفر كما قال تعالى في حق هؤلاء :( ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُون ليكفروا بما آتيناهم ) (الروم:33) فهذا حالهم بعد إنابتهم .
و (الإنابة) الثانية إنابة أوليائه ، وهي إنابة لإلهيته ، إنابة عبودية ومحبة . وهي تتظمن أربعة أمور : محبته ، الخضوع له ، الإقبال عليه ، الإعراض عما سواه ، فلا يستحق أسم (المنيب) إلاّ من اجتمعت فيه هذه الأربع ، وتفسير السلف لهذه اللفظه يدور على ذلك . (1/467)
42- قال : وإنما يستقيم الرجوع إليه إصلاحاً بثلاثة أشياء : بالخروج من التبعات ، التوجُّع للعثرات ، استدراك الفائتات .
والخروج من التبعات : هو بالتوبة من الذنوب التي بين العبد وبين الله ، وأداء الحقوق التي عليه للخلق
التوجع للعثرات يحتمل شيئين
أحدهما : أن يتوجع لعثراته إذا عثر ، فيتوجع قلبه فينصدع ، وهذا دليل على إنابته إلى الله ، بخلاف من لا يتألم قلبه ولا ينصدع من عثرته ، فإنه دليل على فساد قلبه وموته
الثاني : أن يتوجع لعثرة أخيه المؤمن إذا عثر ، حتى كأنه هو الذي عثر بها ولا يشمت به ، فهي دليل على رِقَّةْ قلبه وإنابته
استدراك الفائتات : هو استدراك ما فاته من طاعة وقربة بأمثالها ، أو خير منها ولا سيما في بقية عمره ، عند قرب رحيله إلى الله ، فبقية عمر المؤمن لا قيمة لها ، يستدرك بها ما فات ، ويُحيي بها ما أمات (1/469)
43- فلا إله إلا الله . كم من النفوس من علل وأمراض وحظوظ تمنع الأعمال : أن تكون لله خالصة ، وأن تصل إليه ؟ وإن العبد ليعمل العمل حيث لا يراه بشر البته وهو غير خالص لله ، ويعمل العمل والعيون قد أستدارت عليه نطاقا وهو خالص لوجه الله ، فلا يميز هذا إلا أهل البصائر وأطباء القلوب العالمون بأدوائها وعللها . (1/472)
44- كان شيخ الإسلام بن تيمية – قدس الله روحة – شديد اللهج بها جداً ، وقال لي يوماً : لهذين الإسمين وهما (الحي القيوم) تأثير عظيم في حياة القلب وكان يشير إلى أنهما الإسم الأعظم ، وسمعته يقول : من واظب على أربعين مرة كل يوم بين سنة الفجر وصلاة الفجر (ياحي ياقيوم – لا إله إلا أنت – برحمتك أستغيث ) حصلت له حياة القلب ، ولم يمت قلبه (1/482)
45- مفسدات القلب الخمسة فهي التي أشار إليها : كثرة الخلطة، التمني ، التعلق بغير الله ، الشبع ، المنام ، فهذه الخمسة من أكبر مفسدات القلب .
(1/488)
46- إنه لا نعيم له ولا لذَّة ، ولا ابتهاج ، ولا كمال ، إلا بمعرفة الله ومحبته والطمأنينة بذكره ن والفرح والإبتهاج بقربه ، والشوق إلى لقائه ، فهذه جنته العاجله ، كما أنه لا نعيم له في الآخرة ، ولا فوز إلا بجواره في دار النعيم في الجنة الآجلة ، فله جنتان لا يدخل الثانية منها إن لم يدخل الأولى
وسمعت شيخ الإسلام بن تيمية – قدس الله روحه – يقول : إن في الدنيا جنه من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة
قال بعض العارفين : إنه ليمر بالقلب أوقات . أقول : إن كان أهل الجنه في مثل هذا ، إنهم لفي عيش طيب
وقال بعض المحبين : مساكين أهل الدنيا خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها ، وقالوا : وما أطيب ما فيها ؟ قال : محبة الله ، والأنس به ، والشوق إلى لقائه ، والإقبال عليه ، والإعراض عما سواه – أو نحو هذا الكلام (1/488)
47- قيل للإمام أحمد : أيكون الرجل زاهداً ، ومعه ألف دينار ؟ قال : نعم على شريطة ألاّ يفرح إذا زادت ولا يحزن إذا نقصت ، ولهذا كان الصاحبة أزهد الأمه مع ما بأيديهم من الأموال .
وقيل لسفيان الثوري : أيكون ذو المال زاهداً ؟ قال : نعم إن كان إذا زيد ماله شكر ، وإن نقص شكر وصبر (1/500)
48- ليس من شرط ولي الله العصمة ، وقد تقاتل أولياء الله في صفين بالسيوف ، ولما سار بعضهم إلى بعض كان يقال : سار أهل الجنة إلى أهل الجنة ، وكونُ ولي الله يرتكب المحظور والمكروه متأوِّلاً أو عاصياً لا يمنع ذلك من الإنكار عليه ، ولا يخرجه من أصل ولاية الله . (1/537)
49- أجمع أرباب السلوك : على أن حزن الدنيا غير محمود إلاّ أبا عثمان الحِيِري ، فإنه قال : الحزن بكل وجه فضيلة ، وزيادة للمؤمن ، مالم يكن بسبب معصية ، قال : لأنه إن لم يوجب تخصيصاً ، فإنه يوجب تمحيصاً فيقال: لا ريب أنه محنه وبلاء من الله ، بمنزلة المرض والهم والغم ، وأما إنه من منازل الطريق : فلا والله سبحانه أعلم . (1/544)(132/3)
50-[الوَجَلْ] و [الخَوْفْ] و [الخَشْيَه] و [الرَّهْبَه] ألفاظ متقاربة غير مترادفة ، فقال أبو القاسم الجنيد : الخوف توقع العقوبة على مجاري الأنفاس وقيل : الخوف اضطراب القلب وحركته مع تذكر المخوف وقيل : الخوف قوة العلم بمجاري الأحكام ، وهذا سبب الخوف ، لأنه نفسه وقيل : الخوف هرب القلب من حلول المكروه عند استشعاره و [الخشية] أَخَصَّ من الخوف ، فإن الخشية للعلماء بالله ، وقال الله تعالى (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) (فاطر:28) فهي خوف مقرون بمعرفة ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( إنّي أَتْقاكُم لله ، وأَشدُّكم لَهُ خشية ) فالخوف حركة والخشية انجماع وانقباض وسكون ، فإن الذي يرى العدو والسيل ونحوه ، له حالتان
إحداهما : حركة للهرب منه ، فهو الخوف والثانية : سكونه وقراره في مكان لا يصل إليه فيه ، وهي الخشية ، ومنه : انخش الشيء ، والمضاعف المعتل أخوان ، كتقضي البازي وتقضض . وأما [الرهبة] فهي الإمعان في الهرب من المكروه ، وهي ضد [الرغبة] التي هي سفر القلب إلى طلب المرغوب فيه . بين الرهَبَ والهرب تناسب في اللفظ والمعنى ، يجمعهما الاستشقاق الأوسط الذي هو عقد تقاليب الكلمة على معنى جامع . وأما [الوجل] فرجفان القلب وانصداعه لذكر من يخاف سلطانه وعقوبته ، أو لرؤيته وأما [الهيبة] فخوف مقارن للتعظيم والإجلال ، وأكثر ما يكون مع المحبة والمعرفة ، و [الإجلال] تعظيم مقرون بالحب فالخوف لعامة المؤمنين ، والخشية لعامة العارفين ، والهيبة للمحبين ، والإجلال للمقربين ، وعلى قدر العلم والمعرفة يكون الخوف والخشية كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (إنى لأعلمكم بالله ،وأشدكم له خشية) وفي رواية (خوفاً) وقال ( لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ، ولبكيتم كثيراً ، ولما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى ) (1/549)
51- سمعت شيخ الإسلام بن تيمية – قدس الله روحه – يقول : الخوف المحمود ، ما حجزك عن محارم الله (1/551)
52-كان بعض الصحابة – رضي الله عنهم – وهو حذيفة ، يقول (إياكم وخشوع النفاق ، فقيل له : وما خشوع النفاق ؟ قال : أن ترى الجسد خاشعاً والقلب ليس بخاشع) ورأى أبن الخطاب – رضي الله عنه – رجل طأطأ رقبته في الصلاة فقال : (يا صاحب الرقبه ، إرفع رقبتك ، ليس الخشوع في الرقاب ، إنما الخشوع في القلوب) ورأت عائشة – رضي الله عنها – (شباباً يمشون ويتماوتون في مشيتهم ، فقالت لأصحابها : من هؤلاء ؟ فقالوا : نساك . فقالت : كان عمر بن الخطاب إذا مشى أسرع : وإذا قال أسمع ، وإذا ضرب أوجع ، وإذا أطعم أشبع ، وكان هو الناسك حقاً) ، وقال الفضيل بن عياض ، ، كان يُكره أن يُرِىَ الرجل من الخشوع أكثر مما في قلبه ، وقال حذيفة – رضي الله عنه – ( أول ما تفقدون من دينكم الخشوع ، وأخر ما تفقدون من دينكم الصلاة ، ورب مصلي لا خير فيه ، ويوشك أن تدخل مسجد الجماعه فلا ترى فيه خاشعاً) وقال سهل : من خشع قلبه لم يقرب منه الشيطان (1/559)
53- سمعت شيخ الإسلام أبن تيمية – قدس الله روحه – يقول : العارف لا يرى له على أحد حقاً ، ولا يشهد له على غيره فضلاً ، ولذلك لا يعاتب ، ولا يطالب ، ولا يضارب (1/561)
54- إنما المراد : أنه يخفي أحواله عن الخلق جهده ، كخشوعه وذله وانكساره ، لألا يراها الناس فيعجبه أطلاعهم عليها ، ورؤيتهم لها ، فيفسد عليه وقته وقلبه وحاله مع الله ، وكم قد اقتطع في هذه المفازة من سالك ؟ والمعصوم من عصمة الله ، فلا شيء أنفع للصادق من التحقيق بالمسكنة والفاقه والذل ، وأنه لا شيء ، وأنه ممن لم يصح له بعد الإسلام حتى يدّعي الشرف فيه
ولقد شاهدت من شيخ الإسلام بن تيمية – قدس الله روحة – من ذلك أمراً لم أشاهده من غيره ، وكان يقول كثيراً : مالي شيء ولا من شيء ، ولا في شيء وكان كثيراً ما يتمثل بهذا البيت :
أنا المُكَدّي وأبن المكدي ... وهكذا كان أبي وجدّي
وكان إذا أُثنِيَ عليه في وجهه يقول : والله إني إلى الآن أجدد إسلامي كل وقتٍ وما أسلمت بعد إسلاماً جيداً (1/562)
55-قال بعض السلف : الصلاة كجارية تهدى إلى ملك من الملوك ، فما الظن بمن يهدي إليه جاريه شلّاء ، أو عوراء ، أو عمياء ، أو مقطوعة اليد والرجل ، أو مريضه ، أو دميمة ، أو قبيحة ، حتى يهدي إليه جاريه ميته بلا روح وجاريه قبيحة ، فكيف بالصلاة التي يهديها العبد ، ويتقرب بها إلى الرب تعالى ؟ ، والله طيب لا يقبل إلّا طيباً ، وليس من العمل الطيب : صلاة لا روح فيها كما أنه ليس من العتق الطيّب عتق عبد لا روح فيه (1/564)
56- سمعت شيخ الإسلام أبن تيمية – قدس الله روحه – يقول : الزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة ، والوَرَعْ : ترك ما يخاف ضرره في الآخرة (2/10)
57- حكي عن بعضهم : أنه كان يرد عليه – وهو على بطن إمرأته – حاله يعهدها في غيرها .
ولهذا سبب صحيح ، وهو اجتماع قوى النفس ، وعدم التفاتها حينئذ إلى شيء ، مع ما يحصل لها من السرور والفرح ، والسرور يذكر بالسرور ، واللذة تذكر باللذة ، فتنهض الروح من تلك الفرحة إلى ما لا نسبة بينها وبينها بتلك الجمعية ، والقوة والنشاط ، وقطع أسباب الإلتفاف فيورثه ذلك حالاً عجيبة
ولا تعجل بالإنكار ، وأنظر إلى قلبك عند هجوم أعظم محبوب له عليه في هذه الحال ، كيف تراه ؟ فهكذا حال غيرك . ولا ريب أن النفس إذا نالت حظاً صالحاً من الدنيا قويت به وسرت ، واستجمعت قواها وجمعتها ، وزال تشتتها اللهم أغفر فقد طغى القلم ، وزاد الكلم ، فعياذاً بك اللهم من مقتك (2/19)
58- يقول : إن من صعد على الدرجة الأولى إلى هذه الدرجة من الورع يترك كثيراً مما لا بأس به من المباح ، إبقاء على صيانته ، وخوفاً عليها أن يتكدر صفوها ، ويطفأ نورها ، فإن كثيراً من المباح يكدر صفو الصيانة ، ويذهب بهجتها ، ويطفيء نورها ، ويخلق حسنها وبهجتها .
وقال لي يوماً شيخ الإسلام بن تيمية – قدس الله روحه – في شيء من المباح : هذا ينافي المراتب العالية ، وإن لم يكن تركه شرطاً في النجاة ، أو نحو هذا من الكلام .
والعارف يترك كثيراً من المباح إبقاء على صيانته ، ولا سيما إذا كان ذلك المباح برزخاً بين الحلال والحرام – فإن بينهما برزخاً – فتركه لصاحب هذه الدرجة كالمتعين الذي لا بد منه لمنافاته لدرجته (2/26)
59- (الرجاء) طمع و (الرغبة) طلب ، فإذا قَوٍيَ الطمع صار طلباً (2/58)
60- مراتب العلم والعمل ثلاثة (رواية) وهي مجرد النقل وحمل المروي . و(دراية) وهي فهمه وتعقل معناه ، و(رعاية) وهي العمل بموجب ما علمه ومقتضاه (2/62)
61-أرباب الطريق مجمعون على مراقبة الله تعالى في الخواطر : سبب لحفظها في حركات الظواهر ، فمن راقب الله في سره ، حفظه الله في حركاته في سره وعلانيته (2/69)
62-سمعت شيخ الإسلام بن تيمية – قدس الله روحه – يقول : إذا لم تجد للعمل حلاوة في قلبك وانشراحاً ، فأتهمه ، فإن الرب تعالى شكور ، يعني أنه لا بد أن يثيب العامل على عمله في النيا من حلاوة يجدها في قلبه ، وقوة انشراح وقرة عين فحيث لم يجد ذلك فعمله مدخول (2/70)
63- الاعتراض على ذلك بالسياسات الجائرة ، التي لأرباب الولايات التي قدم
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الشيخ عبد العزيز العويد
عدد القراء : 2447
تاريخ الموضوع: 06 - أكتوبر - 2003 ميلادية
(132/4)
الغنائِمُ في مَعرفةِ أحكامِ وآدابِ الصَائِم للأخ الفاضل عبدالكريم الحربي
الأخ الفاضل عبد الكريم الحربي
وقال جل في علاه وتبارك في عالي سماه"وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا"[ سورة الأحزاب: آية35]
وقال سبحانه"كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ" [ الحاقة:آية 24]
قال وكيع ـ رحمه الله ـ إنها أيام الصوم ، تركوا فيها الأكل والشرب.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "" إذا دخل رمضان فُتِحت أبواب الجنة ، وغُلِّقّتْ أبواب جهنم ، وسُلسِلَت الشياطين""[رواه البخاري1899، ومسلم1079]
وقال صلى الله عليه وسلم"" إنَّ في الجَنَّةِ باباً يُقال له الرَّيان ، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم ، يقال : أين الصائمون؟ فيقومونَ لا يدخل من أحد غيرهم ، فإذا دخلوا أُغْلِقَ فلم يَدخل من أحد""[ رواه البخاري1896،ومسلم1152]
وقيل: الصيام زكاة البدن.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"" الصلوات الخمس ، والجمعة إلي الجمعة ، ورمضان إلي رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتُنِبت الكبائر""[ رواه مسلم233]
وقال صلى الله عليه وسلم :"" من صام رمضان إيماناً واحتسابا غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه"" [رواه البخاري38، ومسلم760]
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: مَنْ عَطَّش نفسه لله في يوم شديد الحر من أيام الدنيا كان حقاً على الله أن يرويه يوم القيامة.
وفضل الصيام غزير عظيم لأن الله خَصَّهُ بالإضافة إليه
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم مُخبرا عن ربَّهِ سبحانه وتعالى:""كلُّ عَمَلِ ابن آدم له إلاَ الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، ولَخَلُوف فَمش الصائمِ أطيبُ عند الله من ريح المسك"" [ البخاري5927، ومسلم1151]
وقد يُكتفى في فضله بهذا الحديث العظيم
على من يجب الصوم؟
يجب الصوم على كل مسلم بالغ عاقل قادر مقيم أدرك أيام شهر رمضان. والمريض مرضاً يُرجَى بُرؤه يُفطر إن شق عليه الصوم، ويقضي بعد بُرئه، والعجز عن الصوم لسبب دائم ـ كالكبير والمريض مرضاً لا يرجى بُرؤه ـ يطعم عن كل يوم مسكيناً ، والحامل والمرضع إذا شَقَ عليها الصوم بسبب الحمل أو الرضا أو خافتا على ولديهما تُفطران ن وتقضيان الصوم إذا سهل عليهما وزال الخوف، والحائض والنفساء لا تصومان حال الحيض والنفاس ، وتقضيان ما فاتهما، والمضطر للفطر كالذي يريد إنقاذ غريق أو حريق يفطر لينقذه ، ثم يقضي ، والمسافر إن شاء صام وإن شاء أفطر ، ويقضي ما أفطره ، سواء كان سفراً عارضاً أو دائماً كسائقي سيارات الأجرة والنقل، فيفطرون إن شاؤوا ما داموا في غير بلدهم.
ويجب تَبْييتُ النية في صوم الفريضة قبل طلوع الفجر ، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم :"" إنما الأعمالُ بالنيات""
ولقوله صلى الله عليه وسلم"" من لم يُجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له"" [ حديث حسن رواه أبو داود 2454، والنسائي في الكبرى2640 وغيرهم]
من غير أن يتلفظ ويقول نويت صيام كذا بل ينوي في قلبه فقط
مفسدات الصوم
1) الأكل والشرب عمداً فإن أكل وشرب ناسياً فيُتم صومه ولا قضاء عليه وصومه صحيح.
2) القئ عمداً فإن غلبه القئ فلا قضاء عليه ولا كفارة فيتم صومه وصومه صحيح.
3) الحيض والنفاس قبل غروب الشمس وعليها القضاء.
4) الحقن الغذائية.
5) الجماع وهو يوجب القضاء والكفارة على الرجل وحده ، وعلى المرأة القضاء فقط، والكفارة على الترتيب: العتق فإن لم يستطع يصوم شهرين متتابعين، فإن لم يستطع يُطعم ستين مسكيناً من أوسط ما يُطعم أهله.
6) الاستمناء.
7) من نوى الفطر في نهار رمضان يبطل صومه وإن لم يتناول مفطراً، لأن النية من أركان الصيام.
حكم من مات وعليه صيام
من مات وعليه صيام فإن كان عاجزاً فلا يُصام عنه لأنه كان معذوراً، وإن تمكن من صيامه ولم يصمه يستحب لوَليِّهِ أن يصوم عنه ، ويبرأ الميت ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما ـ أن رجلاً جاء إلي النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صيام شهر أفأقضيه عنها ؟ فقال صلى الله عليه وسلم :" لو كان على أمِّكَ دينٌ أكنت قاضيه ؟ قال: نعم ،قل " فَدَيْنُ اللهِ أَحَق أن يُقضى" [ البخاري 1953، مسلم واللفظ له1148]
وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى اله عليه وسلم قال:" مَنْ ماتَ وَعَليه صِيامٌ صامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ" [ البخاري1952، ومسلم 1147]
والمراد بالولي على الصحيح هو" كل قريب سواء كان من الورثة أو العصبة" ويصح كذلك أن يقضي عنه الأجنبي ، وذكر الولي لكونه الغالب ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم شبه بالدين والدين لا يختص بالقريب.
ما يستحب للصائم في رمضان
1) السحور لقوله صلى الله عليه وسلم:" تسحروا فإن في السحور بركة"
[ البخاري 1923، ومسلم1095]
وبركته تقوية الصائم فيسهل عليه الصوم . والسحور يتحقق ولو بجرعة ماء لقوله صلى الله عليه وسلم:" السحور أكلُهُ بركة ، فلا تدعوه ولو أن يَجرعَ أحدكم جرعة ماء، فإن الله عز وجل وملائكته يُصلون على المُتسحرين" [ حديث حسن أخرجه أحمد3/12]
ويُستحب أن يتسَحَّرَ تمراً ، لقوله صلى الله عليه وسلم:"نَعمَ سُحورُ المؤمنِ التمرُ" [ حديث صحيح رواه ابو داود 2345، وغيره]
ويستحب تأخيره إلي قبيل الفجر ، فعن أنس رضي الله عنه عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، قال: تسحرنا مع النبي صل الله عليه وسلم، ثم قام إلي الصلاة . قلت: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية"
[ البخاري1957، ومسلم1097]
ولو شك في طلوع الفجر فله أن يأكل ويشرب حتى يستيقن طلوعه ولا يعمل بالشك . قال الإمام أحمد رحمه الله: إذا شك في الفجر يأكل حتى يستيقن طلوعه.
وإذا كان يشرب أو يأكل وسمع الأذان الثاني للفجر فله أن يُكمل شرابه ولقيمته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" إذا سمعَ أحدكم النداء والإناء على يده فلا يَضَعْهُ حتى يقضي حاجته منه" [حديث صحيح رواه ابو داود 235وغيره]
2) تعجيل الفطر: لمخالفة اليهود والنصارى فإنهم يؤخرون حتى تظهر النجوم، قال صلى الله عليه وسلم:" لا يزال الناس بخير ما عَجذَلُوا الفطر"
[ البخاري1957، ومسلم 1098]
3) البدء بالإفطار على الرطب ، فإن لم يجد فعلى التمر ، فإن لم يجد فعلى الماء، فعن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم" يُفطر على رُطبات قبل أن يصلي ، فإن لم تكن فعلى تمرات ، فإن لم تكن حسَا حَسَوات من ماء" [ حديث حسن رواه أحمد 3/164]
4) ويستحب الإفطار قبل صلاة المغرب على ما ذكر ، وبعد الصلاة يكمل حاجته من الطعام ، إلا إذا كان الطعام حاضراً فالمستحب أن يبدأ به قبل الصلاة لأثر الذي ورد عن النبي صلى اله عليه وسلم.
5) الإكثار من الدعاء أثناء الصوم وعند الإفطار قال صلى الله عليه وسلم:"إن للصائم عند فطره لدعوة ما ترد" [ حديث حسن رواه ابن ماجه1753]
6) اجتناب ما يخدش الصوم من السب واللغو والرَّفّث وسائر ما نهى الله عنه ، لقوله صلى الله عليه وسلم:"ليس الصيام من الأكل والشرب إنما الصيام من اللغو ، والرفث، فإن سابَّك أحد ، أو جهل عليك ، فقل إني صائم"[حديث صحيح رواه ابن خزيمة1996]
ولقوله صلى الله عليه وسلم:" الصيام جُنَّة ، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ، ولا يصخب ، فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل : إني امرؤ صائم" [رواه البخاري 1904]
7) السواك: قال صلى الله عليه وسلم :" السواك مطهرةٌ للفم ، مرضاةٌ للرب"[حديث صحيح رواه النسائي4، وابن خزيمة 135]
8) الجود والسخاء والكرم والصدقة والعطاء والبذل وإطعام الطعام وإكرام الجار
9) حضور الدروس وحلق الذكر ومدارسة القرآن وقراءته وحفظه، فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة" [ رواه البخاري 6، ومسلم 2308]
10) الاجتهاد في العبادة وبالأخص في العشر الأواخر ، فعن عائشة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر الأواخر شد مئزره، وأحيا ليله ، وأيقظ أهله"[ رواه البخاري2024، ومسلم1174]
11) تحري ليلة القدر وطلبها في الوتر من العشر الأواخر لأنها أفضل ليلة في السنة كلها والعمل الصالح فيها خير من ألف شهر ليس فيه ليلة القدر ، قال تعالى
ولقوله صلى الله عليه وسلم:" من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"[ رواه البخاري2014،ومسلم760]
وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قلت : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم. أرأيت إن وافقت ليلة القدر، ما أدعو فيها ؟ قال : قولي "الهُمَّ إنكَ عَفُوٌّ تُحبُّ العفوَ فاعفَ عني"[رواه الترمذي3513،وابن ماجه 3850]
12) قيام ليالي رمضان:
قال صلى الله عليه وسلم:" من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفرَ له ما تقدم من ذنبه"[ رواه البخاري37، ومسلم759]
13) الإعتكاف وهو لزوم المسجد والإقامة فيه مدة محددة قليلة أو كثيرة بنية التقرب إلي الله عز وجل وطلباً لثوابه واقتداء بنبيه صلى الله عليه وسلم وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام ، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً [ رواه البخاري 2044]
وللمعتكف أن يقطع اعتكافه متى شاء قبل انقضاء المدة التي نوها ويستحب له قضاءه، وقيل : يجب عليه أن يقضي ، والأفضل أن يعتكف في مسجد تقام فيه الصلوات الخمس والجمعة ن وأفضل وقت للاعتكاف في رمضان العشر الأواخر ومن نوى اعتكفاها فإنه يدخل معتكفه قبل غروب الشمس ويخرج بعد غروب الشمس آخر يوم من الشهر و يستحب أن يبقى في المسجد حتى يخرج إلي صلاة العيد، ويستحب للمعتكف الإكثار من الذكر والنوافل وتلاوة القرآن ، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، والدعاء ، ومن جميع ما يُقرب العبد بربه عز وجل
ويباح للمعتكف ترجيل شعره، ونظافته ، والأكل، والشرب، والنوم في المسجد ، مع المحافظة على نظافة المسجد وصيانته ، ويباح له توديع أهله، والخروج للحاجة التي لا بد منها، فعن عائشة رضي الله عنها ، أنها قالت: "إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لَيُدْخِل عَلَيَّ رأسه وهو في المسجد فأرجِّله، وكان لا يَدْخُلُ البيتَ إلا لحاجة إذا كان معتكفاً" [رواه البخاري2029ومسلم297]
قال ابن المنذر ـ رحمه الله : أجمع العلماء على أن للمعتكف أن يخرج من معتكفه للغائط والبول .(133/1)
لأن هذا مما لا بد منه ، ولا يمكن فعله في المسجد ، وفي معناه الحاجة إلي المأكول والمشروب إذا لم يكن له من يأتيه به فله الخروج إليه ،وإن بغته القيء فله أن يخرج ليقيء خارج المسجد ، وكل ما لا بد منه ولا يمكن فعله في المسجد فله خروجه له
ولا يفسد اعتكافه ما لم يبطل ، ويبطل الإعتكاف بالخروج من المسجد لغير حاجة عمداً وإن قل وقته ، والوطء ، والمس بشهوة تُسبب الإنزال . لقوله تعالى وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا
ويبطل كذلك بالنسبة للمرأة إذا حاضت أو نَفُسَتَ.
ما يباح للصائم
1) الإغتسال والإنغماس في الماء ، فعن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُدركه الفجرُ وهو جُنب من أهله ثم يغتسل ويصوم. [ رواه البخاري ومسلم]
فإن دخل الماء جوف الصائم من غير قصد فصومه صحيح.
2) الإكتحال والقطرة في العين
3) القبلة لمن يقدر على ضبط نفسه ،، فعن عائشة رضي الله عنها ، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يُقبل وه صائم ، وكان أملككم لإربه [ متفق عليه]
4) الحجامة، فقد احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو صائم كما روى ذلك [البخاري 1939]
وسأل ثابتُ البُناني أنساً رضي الله عنه : أكنتم تكرهون الحجامة للصائم ؟ قال : لا ، إلا من أجل الضعف.[البخاري1940]
5) المضمضة والإستنشاق ، ويكره المبالغة فيهما ، لقوله صلى الله عليه وسلم:" بالغ في الإستنشاق ، إلا أن تكون صائماً" [حديث صحيح رواه الترمذي788وابن ماجه407]
6) يباح للصائم أ يتذوق الطعام بلسانه فقط من غير أن يصل إلي جوفه .
7) يباح له ما لا يمكن الاحتراز منه كبلع الريق.
8) شم الروائح الطيبة والتطيب
8) يباح للصائم أن يصبح جُنباً.
9) يباح للصائم أن يأكل ويشرب ويجامع من حين وقت الإفطار وحتى طلوع الفجر . فإن طلع الفجر وهو مجامع فعليه أن ينزع ويصوم وصومه صحيح.
زكاة الفطر
تجب زكاة الفطر على الصغير والكبير ، والذكر والأنثى ، والحر والعبد من المسلمين، لحديث ابن عمر رضي الله عنه : "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمرٍ أو صاعاً من شعيرٍ على العبد والحر ،والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين"[ البخاري 1504، ومسلم984]
قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: "كُنَّا نُخرجُ زكاة الفطر صاعاً من طعام ، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من تمرٍ ، أو صاعاً من إقْطٍ، أو صاعاً من زبيبٍ"[البخاري1506، مسلم985]
والصاع المعتبر هو صاع أهل المدينة ، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الوزن وزن أهل مكة ، والمكيال مكيال أهل المدينة " [ حديث صحيح رواه أبو داود 3340وغيره]
ومقداره اليوم 3كيلوجرام تقريباً
وهي تُدفع للمساكين دون بقية الأصناف الثمانية لحديث ابن عباس رضي الله عنهما" فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طُهرة للصائم من اللغو والرَّفَثِ وطُعمة للمساكين ، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات "[ حديث حسن رواه ابو داود1609، وغيره]
وذهب بعض أهل العلم أنها تصرف للأصناف الثمانية ، وهم الفقراء ، والمساكين، والمؤلفة قلوبهم ، وفي الرقاب ،والغارمين ، وفي سبيل الله ، وابن السبيل.
والله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الأخ الفاضل عبد الكريم الحربي
عدد القراء : 1680
تاريخ الموضوع: 28 - أكتوبر - 2003 ميلادية
(133/2)
الفروق المفحمة بين الزواج الصحيح والمتعة المحرمة
الشيخ عثمان الخميس
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ عثمان الخميس
عدد القراء : 9962
تاريخ الموضوع: 30 - أكتوبر - 2003 ميلادية
(134/1)
أين أنت من ملك الجوارح للشيخ عثمان الخميس
الشيخ عثمان الخميس
قد ثبت في الصحيحين من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الحلال بيّن وإن الحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات فمن اتقى الشبهات فقد استبرء لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب. حديثنا سيكون عن هذا الملك الذي هو القلب، القلب الذي خلقه الله تعالى وسلطه على باقي الجوارح حيث إن صلاحه صلاح للجوارح كلها، والعكس صحيح، وهذا القلب كما أخبر الله تبارك وتعالى، وأخبر نبيه صلى الله عليه وسلم ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
أولاً: قلب صحيح فهو قلب التقي الصالح كما قال الله تبارك وتعالى "يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم" والقلب السليم هو الذي إذا أحب أحب لله وإذا أبغض أبغض لله وإذا أعطى فلله وإذا منع فلله كله لله مرتبط بالله مع أمره ومع نهيه سبحانه وتعالى وكل إنسان يتمنى قلبه كذلك ولكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه وما نيل المطالب بالتمني فالقضية ليست تمني بل لابد أن يسعى الإنسان حتى يصل إلى هذا المراد كما قال تعالى "ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها" فالإنسان لا يتمنى فقط أن يكون قلبه سليما بل لابد أن يعمل حتى يصير قلبه سليما أما مجرد الأماني فهذه كما يقال دابة العاجز يستعيرها ويركبها أما المشمّر الذي يريد فعلاً أن يصل فإنه لا يتمنى الأماني ويجلس في مكانه بل لابد أن يسعى ويسعى حتى يصل إلى هذا المراد
ثانياً: قلب ميت وهو عكس القلب الصحيح، وأعاذنا الله وإياكم وهو قلب الكافر كما قال الله تبارك وتعالى عن الكفار "ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة" وأو هنا للإغراب بمعنى بل فالله يخبر عن تلك القلوب بأنها أشد قسوة من الحجارة يقول تعال "فهي كالحجارة أو أشد قسوة" أي بل أشد قسوة من الحجارة والعياذ بالله ولذلك اتبع الله تبارك وتعالى هذا الكلام ببيان فضل الحجارة على قلوبهم فقال "وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقّق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله" مع إنها حجارة لكنها تهبط خشية لله تبارك وتعالى، يجعل الله فيها شيئاً من الإحساس تخشى الله تبارك وتعالى به، كما قال الله تبارك وتعالى"لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله" وهو جبل ولكنه يجعل الله فيه من الإحساس حيث إنه يخشع لله تبارك وتعالى، وقال الله تبارك وتعالى لموسى صلوات الله وسلامه عليه لما قال "رب أرني انظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخرّ موسى صعقا" مع إنها حجارة ولكن جعل الله فيها من الخشية والله به عليم ولذلك قال الله تعالى "إن عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبينا أن يحملنها وأشفقنا منها" وهي جمادات ولكن الله تبارك وتعالى يجعل فيها من الإحساس ما به تقبل أو ترد، فالحجارة أحسن من قلب الكافر والعياذ بالله، فقلبه بلغت به القسوة أن صار أشد من الحجارة والعياذ بالله. وهذا لا شأن لنا به فنحن إن كنا فرطنا في أوقاتنا في اللهو وغيره كما يفعل غيرنا إلا وفي قلوبنا إيمان وفي قلوبنا خير وتقوى وحب لله تعالى فهل قلوبنا إذاً سليمة؟ فهل تكون كما قال الله تبارك وتعالى "يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي"؟ هل بلغنا نحن هذه المرحلة؟ أو أن الأمر بين بين؟ نعم إن غالب القلوب إنما هي بين بين. لا هي بلغت الصحة التامة بحيث أنها صارت قلوب سليمة ولا هي بلغت بها القسوة حتى تصل إلى قلوب الكفار. إذاً هناك شيء وسط وقلوب وسط وهي القلوب المريضة،
ثالثاً: قلب مريض، وهذه القلوب المريضة قد يكون المرض شديداً، فتكون أقرب إلى الأموات، وقد يكون المرض قليلاً فتكون أقرب على أصحاب القلب السليم، وقد يكون وسطاً والناس يتفاوتون وقس من قلوب الناس ما تشاء فترى هذا أقرب إلى هذا وهذا أقرب إلى هذا وهذا بين بين، هكذا قلوب أكثر الناس من المسلمين مريضة، هذا القلب المريض يضره ما لا يضر القلب الصحيح من الشبهات والشهوات كما أن المريض أحياناً يمنعه الطبيب من أشياء لا يمنع منها الصحيح كمريض الربو مثلاً إذا صار في الجو غبار أو رطوبة يقول له الطبيب لا تخرج الناس كلهم يخرجون ولكن هو يختلف لأنه مريض. إذاً صاحب القلب المريض قد يتعرض لشهوات والشبهات وهي تضره بينما هذه الشبهات نفسها لا تضر صاحب القلب السليم وذلك للمرض الذي فيه. وهذه الأمراض كما بين الله تبارك وتعالى تنقسم إلى قسمين:
أولاً: أمراض شبهات: قال الله تبارك وتعالى عنه "ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين، يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون، في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون" فقول الله تبارك وتعالى " في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا" فهذا هو مرض الشبهة تلك الشبهة التي خالطت قلوبهم حتى إنهم مع هذا المرض لا يستطيعون أن يتبنوا الطريق الصحيح من هذه الشبهات التي أصابتهم.
ثانياً: أمراض شهوات: قال الله تبارك وتعالى عنه "يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض" فهنا مرض الشهوة.
هذان المرضان يعتريان القلب فكلاهما يضر ولكنهما يتفاوتان أحدهما أقوى من الآخر أحدهما يمكن شفاءه أما الثاني يصعب شفاءه وكلاهما يمكن أن يشفى صاحبهما ولكن يختلفان كالأمراض الحسية التي تصيب الناس بعض الأمراض خفيفة تأتي وتذهب ولكن بعضها قد تكون من الصعوبة بمكان بحيث أنه يصعب شفاء الناس منها وكذلك أمراض القلوب ومرض الشبهة أعظم بكثير من مرض الشهوة. لم؟ لأن مريض الشهوة فهو مريض ويدري أنه مريض فهي قضية محسومة فطالما الأمر كذلك فليسعى إلى العلاج قد يضعف في السعي لكنه يدري أنه مريض، كمدمن الخمر ومدمن الزنا، ومدمن غيبة، ومدمن كذب، وغيرها سواء من فعل المحظورات أو ترك المأمورات كترك الصلاة والزكاة والحج وغير ذلك لكن إذا جئته فهو لا يجادل ولا يكابر في الغالب وإنما يدري أنه مخطئ وإنه مقصّر فهذا مريض شهوة ولكنه لا يستطيع تجنبها والعياذ بالله لأنه يحب الخمر والقمار والنوم فلا يقوم إلى الصلاة ولكن إذا جئته وكلمته فيه خير لكن هذه الشهوة غلبته بحيث جعلته يقدم على فعل المعصية أو ترك الطاعة. كيف علاجه؟ هذا قد يتم علاجه عن طريق موقف معين يرى أمامه شخص يموت أمامه أو شخص يصاب بحادث أو موقف معين يؤثر فيه فيرجع إلى الله تبارك وتعالى، أحياناً يكون من سماعه لشريط أو يقرأ كتاب معين أو دعوة صالحة أو كلمة حسنة من شخص ما فتؤثر فيه فيرجع إلى الحق فمرضه وإن كان يرى الناس أنه صعب العلاج ولكن حقيقة الأمر أن صاحب مرض الشهوة سهل علاجه.
أما الثاني فهو مرض الشبهة وهذا مصيبته مصيبة لأن مشكلته إنه مريض ولا يدري أنه مريض، فكيف يعالج؟ وهنا تكمن الصعوبة. فإن جئت له وقلت اتق الله واترك ما أنت عليه من بدعة فيقول أنا على سنة وأنت على بدعة ولا يقبل منك قولاً ولا صرفاً ولا عدلاً ولا شيئاً أبداً، لماذا؟ لأنه لا يرى أنه مريض أصلاً وهذا الذي يسمى بالجهل المركب لأن هناك جاهل بسيط وهناك جاهل مركب، فالجاهل البسيط سهل علاجه لأنه جاهل ولكن مستعد أن يتعلم وأن يفهم أما الجاهل المركب هو جاهل ولا يدري أنه جاهل فيرى أنك أنت الجاهل فتحاول أن تعلمه فلا يستجيب لك أصلاً لأنه يرى فيك الجهل وليس في نفسه. ولذلك ينقلون عن حمار يركب عليه رجل يقال له توما ويرى أنه فيلسوف ومن العقلاء فيقول قال حمار الحكيم توما: لو أنصف الدهر كنت أركب (أي أنا الذي أركب على توما وليس العكس) فأنا جاهل بسيط وصاحبي جاهل مركب. ولذلك صاحب مرض الشبهة لا يمكن أبداً أن يترك ما هو عليه إلا أن يشاء الله تبارك وتعالى، ولذلك جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال: إن الله احتجر التوبة عن كل صاحب بدعة. لأن صاحب البدعة لا يتوب وليس المقصود إذا تاب لن تقبل توبته ولكن صعب أن يتوب لأنه لا يرى أنه على خطأ لأن الذي يبحث عن التوبة؟ هو الذي يرى أنه مخطئ.
فهذا المريض تتعبه أقل الأشياء فمريض الشهوة قد ينظر إلى امرأة قد تؤرق عليه حياته، قد يسمع صوتاً قد يؤرق عليه حياته، يرى خمراً قد يدمر عليه حياته، أي شيء يضعفه بحسب ما فيه من المرض فإذا كان المرض شديداً فأي شهوة تثقل كاهله وتتعبه وتقعده وإذا كان المرض أقل فيبدأ شيء من المقاومة لهذه الشهوة، إذاً هذا المرض يزيد وينقص ويؤثر ولا يتأثر.(135/1)
فلننظر إلى قلوبنا الآن ولنقيسها ونعالجها فالقلب الآن لا يحتاج إلى علاج الأطباء وإنما علاجه بيد الشخص نفسه، وهو يستطيع أن يشخّص قلبه هل هو مريض أو غير ذلك؟ هناك لا شك علامات تدل على المرض ولذلك إذا جئت أنت إلى الطبيب يسألك بعض الأسئلة ومن هذه العلامات المعينة يستطيع الطبيب أن يحكم عليها إذا كنت مريض أم لا؟ وهل هذا المرض شديد أو أقل وما شابه ذلك. وكذلك الأمر هنا بالنسبة لمرض القلب أنت تستطيع أن تشخّص قلبك، وتستطيع أن تصل إلى نتيجة إن لم تكن 100% فلا أقل من 90% يعرف من خلالها ما حال قلبه، هل هو مريض؟ أو هل هو صحيح؟ وإن كان مريضاً ما هي درجة هذا المرض؟ هل المرض شديد أو المرض ضعيف أو وسط؟ يستطيع هو أن يقرر ذلك، كيف؟ هذه العلامات أو الدلائل التي من خلالها يعرف الإنسان نفسه يُنظر في تعرضه للفتن هل يحب المعاصي؟ إذا جاءته المعصية هل يُقبل عليها أو إنه ينفر منها؟ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه: تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عوداً عودا فأيّما قلب أُشربها نكتت فيه نُكتة سوداء وأيّما قلب أنكرها نكتت فيه نُكتة بيضاء حتى تصير القلوب إلى قلبين قلب أسود مرباد كالكوز مجخياً لايعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشري من هوى وقلب أبيض مثل الصفا لا تضره فتنة مادامت السماوات والأرض". فالحصير عبارة عن أعواد رُتبت وصُفت هذه الأعواد ثمّ جيء بخيوط فربطت بطريقة معينة فكون لنا هذا الحصير، والنكتة هي نقط. النبي صلى الله عليه وسلم يقول كما أن هذا الحصير جمعته أعواد ثم صار حصيراً كذلك الذنوب بالنسبة للقلوب فهذه النكت أي النقط تُنقط في القلب فيكون القلب عبارة عن صفحة حمراء فيأتي الإنسان إلى معصية والعياذ بالله فيفعلها فتكون نقطة سوداء فإذا فعل معصية أخرى نقطة بجانبها سوداء ثم ثالثة ورابعة وهكذا، ولا يخلو المسلم أبداً من طاعة كأن يصلي ويصوم ويتصدق وينصح ويبر والديه يفعل أي طاعة مما يعرفها الناس مما أمر به الله سبحانه وتعالى أو أمر بها رسوله صلى الله عليه وسلم، فتنقط بالطاعات بالنقط البيضاء إذاً هذا القلب الذي كما قلنا عبارة عن صفيحة أو صحيفة إن شئت قلت حمراء توضع فيها النقط نقطة سوداء بجانبها بيضاء بجانبها سوداء بجانبها سوداء ثم بيضاء وهكذا فالمعصية سوداء والطاعة بيضاء فإذا كانت الطاعات أكثر كانت النقط البيضاء أكثر وإذا كانت المعاصي أكثر كانت النقط السوداء أكثر وقد تكون أحياناً سوداء وأحياناً تكون سوداء داكنة وأحياناً تكون بيضاء وأحياناً تكون بيضاء مضيئة بحسب الطاعة ولذلك أخبر الله تبارك وتعالى عن الحرم قال "ومن يرد فيه بإلحاد بظلم يذقه من عذاب أليم" فالإلحاد في الحرم ليس كالإلحاد في غيره (يعني الذي يعمل معصية هنا ليس كالذي يعمل معصية في الحرم فالمعصية فيه أعظم عند الله تبارك وتعالى) يضاعف له العذاب كما قال الله تبارك وتعالى عن نساء النبي "يضاعف لها العذاب ضعفين" وذلك لأنهن ليس كباقي النساء ولكنهن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم فالأمر يختلف والطاعة كذلك تضاعف فكما أن المعصية تضاعف فهذا عدل عند الله تبارك وتعالى. ففي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم السابق في قوله "حتى تصير القلوب إلى قلبين" الآن ترك النبي صلى الله عليه وسلم القلب المريض ولكن يتكلم عن نهاية المطاف قلب الكافر وقلب المسلم. يقول النبي صلى الله عليه وسلم "قلب أسود" ما هو هذا القلب الأسود؟ هذا الذي النقط التي تأتيه كلها سوداء والعياذ بالله. يقول النبي صلى الله عليه وسلم "قلب أسود مرباد كالكوز مجخياً لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشري من هوى" أسود قذر كالكأس مقلوب، فالكأس المقلوب هل تستطيع أن تضع فيه شيئاً؟ بالطبع لا تستطيع لأن كلما أردت أن تضع فيه شيء يسقط، فالقلب عندها لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً فالقلب لا يقبل شيئاً والعياذ بالله، قال تعالى "في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا" قال تعالى "فلما أزاغوا أزاغ الله قلوبهم" وذلك بفعلهم هم وبإرادتهم.
والقلب الآخر قال النبي صلى الله عليه وسلم "وقلب أبيض مثل الصفا لا تضره فتنة مادامت السماوات والأرض" لماذا لا تضره فتنة؟ لأنه بلغ به الصلاح أعلاه بحيث أن الفتن لا تؤثر به لأن القلب أبيض فلا مجال لهذه الفتن في هذا القلب فبعد أن كانت الصفحة حمراء صارت بيضاء بابتعاده عن الفتن وبكثرة الطاعات ولذلك أخبر الله تبارك وتعالى عن يوسف عليه الصلاة والسلام "وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلّقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي" مباشرة بدون تردد منه صلوات الله وسلامه عليه، لم؟ لأن القلب أبيض مثل الصفا لا تضره فتنة مادامت السماوات والأرض. كل إنسان لاشك يتمنى أن يكون مثل يوسف عليه الصلاة والسلام إذا وقع مثل هذا الموقف ونسأل الله أن لا يقع أحد، فالإنسان معرّض بأن يقع في مثل هذا، ولكن الصد من يوسف عليه الصلاة والسلام ما جاء من فراغ ولكن جاء من تربية من الله عز وجل أولاً ثم إنه كان رجلاً صالحاً، ولذلك قال الله تبارك وتعالى "كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين" أي الذين أخلصهم الله لكن متى أخلصهم الله تبارك وتعالى لنفسه وأختارهم؟ إذاً هو مخلص أخلص لله فأخلصه الله لنفسه سبحانه وتعالى، فالقضية تحتاج إذاً مبادرة منك ثمّ يأتي التوفيق من الله تبارك وتعالى أما إذا لم يبادر الإنسان ثم يقول أسأل الله أن يوفقني، الله على كل شيء قدير القضية عند الله تبارك وتعالى كن فيكون وانتهى الأمر قال الله تبارك وتعالى "إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول كن فيكون" فالأمر ليس عسيراً على الله تبارك وتعالى ولكن الله تبارك وتعالى أرادك أنت أن تفعل وأرادك أنت أن تعمل كما قلنا في أول الكلام قال الله تبارك وتعالى "ونفس وما سواها فألهما فجورها وتقواها قد أفلح من زكّاها وقد خاب من دساها" جعل الأمر بيدك أن تزكي هذه النفس أو تدسها، إذاً إذا أراد الإنسان أن يشخّص نفسه ينظر حاله مع هذه الفتن هل هذه الفتن إذا وقعت أمامه هل تؤثر فيه؟ هل تضره؟
أولاً:إذا كان كذلك إذاً النقط السوداء كثيرة وإذا كانت لا تضره فالنقط البيضاء كثيرة ونسأل الله تبارك وتعالى أن تكون كل الصفحة بيضاء.
ثانياً: يجد الإنسان نفسه مقبل على الطاعة مستسلمة له كانقياد الأغنام بسهولة ويسر. تحب الطاعة ترتاح إليها، إذا قرء القرءان أدمعت عينيه، خشع في الصلاة، وإذا فعل طاعة سرته وهكذا، فهذا دليل على صحة القلب، وعكس ذلك مع المعاصي يجد نفسه يبغض المعاصي ويكرهها فهذه دلالة على سلامة القلب.
ثالثاً: من علامات صحة القلب إنه يحب أهل الخير، ويحب الطائعين وكما قيل: أحب الصالحين ولست منهم، لأته يرى أن هؤلاء أولياء لله تبارك وتعالى يحبهم الله فيحبهم هو، يحب من يحبهم الله ويبغض من يبغضهم الله تبارك وتعالى كما قال الله تبارك وتعالى "لا تجد قوم يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حآد الله ورسوله ولو كان آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم" مهما كانوا ويقول في آية أخرى "يا أيها الذين آمنوا لاتتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين".
رابعاً: إنه يكثر من الطاعات. فإذا وجد الإنسان نفسه مستثقل الوقت الذي ينتظر فيه إقامة الصلاة فهذا دليل على مرض القلب والعكس بالعكس إذا وجد الإنسان نفسه حريصاً على قراءة القرءان قبل إقامة الصلاة مثلاً ويستغل هذا الوقت بالدعاء والتسبيح وبذكر الله تبارك وتعالى هذا دليل على سلامة القلب.
وعكس هذه تماماً علامات مرض القلب:
أولاً: يحب أهل المعاصي، يعاشرهم، يبغض أهل الطاعة، يوالي أعداء الله تبارك وتعالى.
ثانياً: ينأى عن الطاعات، يستثقل الصلاة وغير ذلك من الأمور.
إذاً يستطيع كل واحد منا أن يصلح هذا القلب بعد أن يعرف ما مدى المرض الذي وصل بهذا القلب إن كان به مرض.
ما هي أسباب مرض القلب؟ لعل أعظم الأسباب هي:
أولاً: حب الدنيا، ولا أعني حب الدنيا الحب الطبيعي ولكن حب الدنيا الذي أنساه كل شيء، التعلق الشديد بالدنيا ونسيان الآخرة، أن ينسى الإنسان أن هذه الدنيا دار ممر كما ذُكر عن عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام أنه قال "اعملوا لدار المقر واتركوا دار الممر" فالآخرة هي دار المقر، فإذا تعلق قلب الإنسان بهذه الدنيا بذل كل شيء لهذه الدنيا، بذل الغالي والنفيس لأجل هذه الدنيا فأعطاها أكبر من قدرها، فتعلق الإنسان بهذه الدنيا يفسد عليه قلبه ولذلك لما جاء سليمان بن عبد الملك إلى أحد التابعين يقال له أبو حازم فقال له: يا أبا حازم عظني (أي يعطيه موعظة) قال: أوصيك بتقوى الله قال: يا أبا حازم ما لنا نكره الموت؟ قال: عمرتم الدنيا وخربتم الآخرة فتخافون أن تخرجوا من العمار إلى الدمار قال: وما الحل؟ قال: اعرض نفسك على كتاب الله قال: أين؟ قال: "فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره"قال: أين رحمة الله؟ قال: "إن رحمة الله قريب من المحسنين". ولعل هذا السؤال يطرحه الكثير منا، مع أن العاقل وصاحب الطاعة لو فكر يريد الموت لأنه يريد ما بعد الموت فإنه يريد الجنة التي لحظة في هذه الجنة تعدل سعادة الدنيا كلها ولذلك أخبر النبي صلى الله عليه وسلم "أن رجلاً يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار فيغمس غمسة واحدة في نار جهنم ثم يخرج فيقال له: هل مرّ بك خيراً قط؟ يقول لا والله ما مرّ بي خيراً قط" هذه الغمسة أنسته نعيم الدنيا كلها "ويؤتى بأتعس أهل الدنيا من أهل الجنة فيغمس غمسة واحدة في الجنة ثم يقال له: هل مر بك بؤس قط؟ فيقول لا يارب ما مرّ بي بؤس قط". فالمؤمن الطائع المخلص التقي لا توجد لديه مشكلة في التخلص من حياة الدنيا كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه "يا دنيا يا دنية لاتغريني غرّي غيري طلقتك ثلاثاً طلاقاً لا رجعة فيه".
ثانياً: مخالطة أصدقاء السوء الذين لا يعينون على الطاعة، لذلك الإنسان يحاول أن يحرص على إنسان يعينه على طاعة الله تبارك وتعالى إذا نسي ذكّره وإذا ذكر قوى عزمه، فأصدقاء الخير يعينونه على الطاعة.
ثالثاً: ترك الصلاة في جماعة، وهذه قضية مهمة، فهذه الصلاة كما قال الله تبارك وتعالى "إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر" إذاً إذا حرص الإنسان على أداء هذه الصلاة في جماعة لكانت فعلاً نهته عن الفحشاء والمنكر ولصفا هذا القلب من تلك القاذورات التي تصيبه.
رابعاً: يقول الله تبارك وتعالى "ولذكر الله أكبر" فذكر الله أكبر من الصلاة أيضاً وترك ذكر الله من أسباب مرض القلب.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يطهر قلوبنا وقلوبكم وأن يشافيها ويعافيها ويجعلنا من أصحاب القلوب السليمة، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ عثمان الخميس
عدد القراء : 3176
تاريخ الموضوع: 18 - نوفمبر - 2003 ميلادية
(135/2)
آلُ البَيْتِ للشيخ عثمان الخميس
الشيخ عثمان الخميس
اللهم صل وسلم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد أما بعد:
قال ابن منظور صاحب لسان العرب: أهل البيت سكانه وأهل الرجل أخص الناس به وأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم أزواجه وبناته وصهره، أعني عليا عليه السلام وقيل نساء النبي والرجال الذين هم آله
وقال الراغب الأصفهاني: أهل الرجل من يجمعه وإياهم نسب أو دين أو ما يجري مجراهما من صناعة وبيت وولد. وقيل إن أصل كلمة آل: أهل، ثم قُلبت الهاء إلى همزة فصارت أأل ثم خففت بعد ذلك إلى آل. اهـ. فآل وأهل واحد ، وآل الرجل هم أزواجه وذريته وأقرباؤه كما ذكر أهل اللغة . قال تبارك وتعالى عن امرأة العزيز أنها قالت لزوجها: ] ما جزاء من أراد بأهلك سوءا [ يوسف 25 تريد نفسها وقال الله تبارك وتعالى عن موسى: ] إذ قال موسى لأهله إني آنست ناراً سآتيكم منها بخبر [ . وأهله زوجته التي كانت معه. وقال عن إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه وزوجته ] رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد [ هود 73
أما الأهل والآل في الشرع فعلى أربعة أقوال مشهورة .
القول الأول : إن الآل هم الأزواج والذرية:
واستدلوا على ذلك بآية التطهير ، التي ذكرت نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في قول الله تباك وتعالى ] يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفا ، وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ، واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفاً خبيراً [
[ الأحزاب 33-34 ]
فالآيات في أولها تتكلم عن نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكذلك في آخرها عن نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال لهن في وسط هذه الآية ] إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا [ ، وهنا لا مدخل ولا كلام لمن قال بأن الآل – هنا أو الأهل هنا هم غير نساء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم لأن هذا يخالف سياق الآية كما ترون فالآية ابتدأت بالنساء وختمت بالكلام عن النساء .
وأما قول من يقول: فلم أعرض عن نون النسوة وجاء بدلها بميم الجمع ؟
فقال في بداية الآيات: ] يا نساء النبي لستن [ ، ثم قال: ] وقرن في بيوتكن [ ، ثم قال: ] واذكرن [، ثم قال ] إنما يريد ليذهب عنكم [ ولم يقل عنكن ، والجواب هو أن الأوامر في البداية هي للنساء خاصة، ثم جاء بميم الجمع لدخول رجل مع النساء وهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهو سيد البيت – صلوات الله وسلامه عليه، فإذا دخل الرجل مع مجموع النساء انقلبت نون النسوة إلى ميم الجمع وهذا معلوم ظاهر في اللغة ، ولذلك قال بعدها مباشرة: ] واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة [.
الدليل الثاني: التشهد، وذلك أننا نقول في تشهدنا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد. وجاء في بعض صيغ التشهد عند البخاري تفسير الآل في قوله: اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته. فهذه الصيغة هي تفسير لقوله: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد فحذف الآل، وجاء بدلها بالأزواج والذرية.
وكذلك جاء عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ما شبع آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من خبز بُرٍّ. أخرجه الإمامان البخاري ومسلم . وقول عائشة ما شبع آل رسول الله. تريد نفسها وأزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإنما تريد أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم اللاتي هن تبع له شرعاً.
القول الثاني: هم من حرمت عليهم الزكاة .
وفيمن حرمت عليهم الزكاة قولان:
1) أن الذين حرمت عليهم الزكاة: بنو هاشم وبنو المطلب، وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يرجع نسبه إلى هاشم . فهو محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم. والمطلب أخو هاشم وهو عم عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
بل إن عبد المطلب نسبوه إلى عمه وذلك أن اسمه شيبة الحمد ولكنه تربى عند أخواله من بني النجار من أهل المدينة ، ولذلك ليقال لهم أخوال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وتوفي هاشم وولده شيبة عند أخواله فذهب عمه المطلب فأخذه إلى مكة فظن الناس أن شيبة الحمد عبدٌ للمطلب، فقالوا: هذا عبد المطلب، فقال لهم المطلب: لا، هذا شيبة ابن أخي هاشم، ولكن غلب عليه اللقب حتى ما صار يعرف في مكة إلا بعبد المطلب.
الشاهد أن الذين حرمت عليهم الزكاة على القول الأول بنو هاشم وبنو المطلب .
القول الثاني : أن الذين حرمت عليهم الزكاة بنو هاشم فقط:
وأما الدليل على أن هؤلاء هم أهل بيت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فحديث زيد بن أرقم رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: أذكركم الله أهل بيتي أذكركم الله أهل بيتي، أذكركم الله أهل بيتي، فقيل لزيد من أهل بيته؟ قال أهل بيته من حرم الصدقة. وهم آل علي وآل عقيل وآل العباس وآل جعفر ، فعد هؤلاء الأربعة – أي أقارب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -أخرجه مسلم
وكذلك استدلوا بحديث الحسن بن علي رضي الله عنه أنه أخذ تمرة من الصدقة. فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم : إنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد. متفق عليه
واستدلوا بحديث عبد المطلب أو المطلب بن ربيعة – على اختلاف في اسمه – والفضل بن العباس أنهما ذهبا إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وسألاه أن يستعملهما على الصدقة حتى ينالا الأجر – يعني الأجر المادي – لأنه من الأصناف الذين يستحقون الزكاة . ] والعاملين عليها [ [ التوبة 60 ] فأراد الفضل بن العباس ، وعبد المطلب بن ربيعة أن يكونا من العاملين عليها. فقال لهما النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: إنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد . ومنعهما من ذلك. أخرجه مسلم.
فدل هذا على أن الفضل بن العباس بن عبد المطلب وعبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب لا تحل لهما الزكاة. لأنهما من آل بيت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -.
القول الثالث : أن آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم جميع أمة الاستجابة:
يعني كل مسلم يعتبر من آل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أي من أتباعه. فآل الرجل أتباعه، فكل من تبع رجلا صار من آله . كما قال الله تبارك وتعالى ] أدخلوا آل فرعون أشد العذاب [ [ غافر 46 ] .
أي فرعون ومن تبعه على دينه وكفره والعياذ بالله، ولذلك لما جاء أبرهة الحبشي ليهدم الكعبة قال عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبياتا من الشعر منها:
لا هُمَّ إن العبد يمنع رَحْ لَهُ فامنع رِحالك
لا يَغْلِبَنَّ صليبُهم ومِحا لُهم غدواً مِحالك
وانصر على آل الصَّلي بِ وعابديه اليوم آلك
القول الرابع : علي وفاطمة والحسن والحسين وذريتهما دون غيرهما
واستدلوا بحديث الكساء وهو أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كما روت عائشة رضي الله عنها دخل عليه علي بن أبي طالب – فأدخله تحت كسائه {عبائته} ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء الحسن فأدخله ثم جاء الحسين فأدخله ثم جَلَّلَهم{أي غطاهم} ثم قرأ: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " أخرجه مسلم.
فدل على أن هؤلاء أهل بيت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -.
واستدلوا كذلك بآية المباهلة وهي قوله تبارك وتعالى ] فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين [ .[ آل عمران 61 ] ، فقالوا: دعا النبي – صلى الله عليه وآله وسلم - أقرب الناس إليه وهم آله فكانوا عليا وفاطمة والحسن والحسين. أخرجه البخاري ومسلم. والصحيح من هذه الأقوال أن آل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - هم من حرموا الصدقة . والصحيح أن الذين تحرم عليهم هم بنو هاشم فقط ، أما بنو المطلب فالصحيح أنه لا تحرم عليهم الزكاة . والله أعلم
وأما نساء النبي فهن من آل البيت بالتبعية لا بالأصالة، وذلك أنهن قبل اقترانهن بالنبي لم يكنَّ من آل البيت.
من هم بنو هاشم بن عبد مناف
عبد مناف جد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الخامس له أربعة من الولد كما ذكر أهل العلم. وهم هاشم والمطلب وعبد شمس ونوفل.
عبد شمس ولد له الحكم وأمية والحكم والد مروان وجد عبد الملك مؤسس الدولة المروانية.
وأمية والد بني أمية: ومنهم عثمان بن عفان وأبو سفيان والد معاوية .
ونوفل من نسله مطعم بن عدي وعبد الله بن جبير بن مطعم بن عدي كان قائد الرماة الذين تركوا مكانهم في غزوة أحد.
والمطلب من نسله: ركانة الذي اشتهر أنه صارع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فصرعه النبي.
ومن نسله كذلك: مسطح بن أثاثة الذي تكلم في عائشة - رضي الله عنها – في حادثة الإفك . فجلده النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -.
ومن نسله الإمام الشافعي، ولذلك يقال للإمام الشافعي الأمام المطلبي . ولذلك لما تكلم رجل في علي بن أبي طالب رضي الله عنه عند معاوية رضي الله عنه، رد معاوية على الرجل ودافع عن علي. فاستغرب أحد الحاضرين، خاصة مع القتال الذي كان بين معاوية وعلى، فسافر إلى الكوفة وأخبر عليا – رضي الله عنه – بما وقع فقال له علي: أتدري لم فعل معاوية ذلك؟ قال: لا أدري. قال: لأجل المنافية. .يعني لأجل أنه ابن عمي. يلتقي معي في عبد مناف.
وكذا لما خرج أبو سفيان بعد صلح الحديبية إلى الشام والتقى بهرقل هو والذين معه سألهم هرقل: أيكم أقرب الناس نسبا بمحمد؟ قال أبو سفيان: أنا. لأنه كما قلنا يلتقي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في عبد مناف.
أما هاشم فله ولدان: عبد المطلب الذي هو شيبة الحمد. وأسد وهو والد فاطمة أم علي بن أبي طالب. وله أولاد ذكور ولكن لا يذكر لهم ذرية. والله أعلم
أما عبد المطلب، فقد ذكر أهل التاريخ أن الله رزقه عشرة من الولد. أولاد عبد المطلب:
1) عبد الله: والد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وليس له غير النبي صلى الله عليه وآله وسلم
2) حمزة: ولا عقب له.
3) العباس: وهو أكثرهم ذرية، له ثمانية من الولد: عبد الله البحر الحبر وعبيد الله، وعبد الرحمن، وكثير، وتمام، وقثم، ومعبد، والفضل وبه كان يكنى. وهذان اللذان أسلما من أعمام النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
4) أبو طالب: وله أربعة من الولد: علي، وعقيل، وجعفر، وطالب الذي كان به يكنى.
5) الزبير: ولم يعقب.
6) أبو لهب . وأبو لهب اسمه: عبد العزى: له ثلاثة من الولد: عتبة، وعتيبة، ومعتب.(136/1)
7) الحارث: وله أربعة من الولد: ربيعة، وعبد الله، وأمية، وأبو سفيان وأبو سفيان بن الحارث هو الذي هجا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم بعد ذلك تاب وتابع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان النبي لا يكلمه حتى بعد إسلامه حتى اشتكى إلى علي بن أبي طالب ابن عمه فقال: ما بال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يكلمني؟ قال: أو ما علمت ما قد فعلت. يعني هجوت النبي صلوات الله وسلامه عليه وأنت ابن عمه. ثم قال له: أذهب إليه فقل له كما قال إخوة يوسف ليوسف صلوات الله وسلامه عليه ] تالله لقد آثرك الله علينا وان كنا لخاطئين[ "يوسف91" فجاء أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب . فقال للنبي: ] تالله لقد آثرك الله علينا وان كنا لخاطئين[ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما قال أخوه يوسف صلوات الله وسلامه عليه: ]لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين[ .
8) المقوم 9) الغيداق 10) صفار فهؤلاء ومن جاء من بعدهم من الذرية كلهم آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم
فضل آل البيت ومكانتهم وحقهم الذي لهم:
أولا: نستطيع أن نقسم فضائل أهل البيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى قسمين:
فضائل عامة، وفضائل خاصة
ـ أما الفضائل العامة فمنها حديث زيد وفيه قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أذكركم الله أهل بيتي، أذكركم الله أهل بيتي، أذكركم الله أهل بيتي. وهذا عام في كل أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم
ومن الفضائل ما جاء في آية النساء ] إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا[ وذلك أن نساء النبي من آل البيت كما قدمنا، ودخل علي وفاطمة والحسن والحسين في هذا الفضل بحديث الكساء.
وكذلك حديث الصلاة عليهم في التشهد نقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد. وهذا لفضلهم ومكانتهم عند الله تبارك وتعالى
وكذلك مما يدل على فضلهم حديث زيد بن أرقم، وفيه قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم تركت فيكم ما إن تمسكتم فيه فلن تضلوا بعده أبدا كتاب الله وعترتي وفي رواية عترتي أهل بيتي" وهذا الحديث كنت أقول بحسنه فترة من الزمن ولكن بعد سبر أسانيده وإمعان النظر فيها تبين لي أنه ضعيف والله أعلم.
ـ الفضائل الخاصة :
ـ فرأسهم وسيدهم وأفضلهم علي بن أبي طالب رضي الله وتبارك وتعالى عنه وشهرته أكبر وأظهر من أن ننبه عليها ويكفيه فخرًا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق. رواه مسلم
ـ العباس عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفيه قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم له: عم الرجل صنو أبيه. أي بمكانة أبيه. أخرجه الترمذي
ـ أزواجه وفيهن قول الله تبارك وتعالى ]وأزواجه أمهاتهم[ .
أي أمهات المؤمنين.
ـ فاطمة رضي الله عنها وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لها: فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها. متفق عليه
ـ الحسن والحسين وقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنهما: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة " . أخرجه الترمذي وهو حديث صحيح.
ـ عبد الله بن العباس رضي الله عنهما ودعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم له: اللهم علمه التأويل وفقهه في الدين. رواه أحمد بإسناد صحيح.
ـ المهدي وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : المهدي من عترتي من ولد فاطمة " ، وهذا رواه أبو داود وهو حديث صحيح. .
فهذه بعض فضائلهم رضي الله عنهم وأرضاهم.
موقف السلف من آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
أما موقف السلف الصالح، من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين من آل بيت النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – وتعظيمهم لهم وتوقيرهم إياهم، فمن أمثلة ذلك:
ـ قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: ارقبوا محمدًا في أهل بيته. رواه البخاري في صحيحه .
وقال رضي الله عنه: والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحب إليَّ من أن أصل من قرابتي. أخرجه البخاري كذلك في صحيحه .
ـ وقال الشعبي: صلى زيد بن أرقم على جنازة أمه ثم قربت إليه بغلة ليركبها، فجاء عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فأخذ بركابه – أي يمسك ركاب البغلة لزيد بن ثابت رضي الله عنه، فقال له زيد: خلِّ عنه يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فقال عبد الله بن عباس: هكذا نفعل بعلمائنا، فنزل زيد من على بغلته وقبل يد عبد الله بن العباس، وقال هكذا أمرنا أن نفعل بآل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
ـ عن شريك بن عبد الله وهو من أتباع التابعين قال: لو جاءني أبو بكر وعمر وعلي وسألني كل حاجته لقدمت حاجة علي لقربه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبو بكر وعمر أفضل من علي عند الله ، ولكن قرابة علي من النبي صلى الله عليه وآله وسلم توجب تقديم حاجته على حاجة غيره.
ـ وهذا مالك بن أنس إمام دار الهجرة لما آذاه أبو جعفر المنصور وضربه، قيل له: ألا تدعو عليه. فقال: والله إني لأستحيي أن آتى يوم القيامة فيُعذَّب به هذا الرجل من قرابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بسببي، فتركه لقرابته من النبي صلى الله عليه وآله وسلم
ـ وذكر أن هارون الرشيد جاء إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعه موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، فجاء هارون الرشيد عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم يفتخر على الناس، فقال السلام عليك يا ابن عم. لأنه من نسل العباس بن عبد المطلب. فجاء موسى بن جعفر فقال السلام عليك يا أبت . فالتفت إليه هارون الرشيد وقال: هذا والله الفخر.
وما نقل يبطل قول الجهلة والمغرضين الذين يقولون: إن أهل السنة لا يقومون بحق آل بيت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وهذه فرية قديمة ليست اتهم بها الشيخ / محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، حتى قال عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في الرسالة التي بعثها عام 1218هـ ، ورد فيها على من افترى عليه في أنه لا يرى حقاً لأهل بيت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ فأجاب: سبحانك هذا بهتان عظيم. فمن روى عنا شيئاً من ذلك أو نسبه إلينا فقد كذب علينا وافترى.
فهذه هي مكانة آل بيت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بشكل عام عند أهل السنة والجماعة.
وسأقتصر على ذكر بعض آل بيت النبي – صلى الله عليه وآله وسلم -
وهم الأئمة الاثنا عشر عند الشيعة. وهم:
1ـ علي بن أبي طالب 2 ـ الحسن 3 ـ الحسين 4ـ علي بن الحسين{ زين العابدين} 5 ـ ولده محمد { الباقر } 6ـ ولده جعفر{ الصادق } 7ـ ولده موسى { الكاظم } 8ـ ولده علي { الرضا } 9ـ ولده محمد { الجواد} 10ـ ولده علي { الهادي } 11ـ ولده الحسن {العسكري} 12ـ ولده محمد { المنتظر }
وهؤلاء يمكن أن نقسمهم إلى أربعة أقسام :
القسم الأول : الصحابة منهم وهم علي والحسن والحسين.
القسم الثاني : وهم علماء أتقياء من جملة علماء أهل السنة والجماعة وهم ستة :-
1ـ علي بن الحسين 2ـ محمد الباقر
3ـ جعفر الصادق 4ـ موسى الكاظم
5ـ علي الرضا 6ـ محمد الجواد .
القسم الثالث : من جملة المسلمين لم يُعرف له كبير علم ولا طُعن في دينهم فهم مستورون ويكفيهم فخراً نسبهم إلى النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – وهما اثنان:
1ـ علي الهادي 2ـ الحسن العسكري.
وأنهما ممن يحق لهما أن يأتيا عند قبر النبي – صلى الله عليه وآله وسلم . وأن يقولا: السلام عليك يا أبت.
القسم الرابع : معدوم لم يخلق: وهو واحد وهو المنتظر، محمد بن الحسن أما مكانتهم عند أهل السنة والجماعة، أعني القسمين الأول والثاني: القسم الأول:
ورأسهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وزوج سيدة نساء العالمين فاطمة بن محمد رضي الله عنها، وهو رابع الخلفاء الراشدين وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة،
قال الحسن البصري: قُتل أمير المؤمنين { يعني عثمان بن عفان } مظلوماً، فعمد الناس إلى خيرهم فبايعوه { يعني علي بن أبي طالب }. قال أحمد بن حنبل: من لم يُرَبِّع بعلي { أي بعد أبي بكر وعمر وعثمان } فهو أضل من حمار أهله.
الثاني: الحسن بن علي السبط السيد الإمام ابن الإمام أبو محمد سيد شباب أهل الجنة. قال مساور السعدي: رأيت أبا هريرة قائماً على مسجد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يوم مات الحسن يبكي وينادي بأعلى صوته ويقول: يأيها الناس مات اليوم حِبُّ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فابكوا.
الثالث: الحسين بن علي الشهيد السعيد الإمام ابن الإمام أبو عبد الله سيد شباب أهل الجنة مع أخيه رضي الله عنهما.
القسم الثاني:
أولهم: علي بن الحسين ولقبه زيد العابدين، قال ابن سعد: كان ثقة مأمونا كثير الحديث عالياً ورفيعاً ورعاً.
قال الزهري: ما رأيت قرشياً أفضل من علي بن الحسين.
قال يحي بن سعيد: سمعت على بن الحسين وكان أفضل هاشمي أدركته. قال الذهبي: كان له جلالة عظيمة وحق له والله ذلك، فقد كان أهلاً للإمامة العظمى لشرفه وسؤدده وعلمه وتألهه وكمال عقله .
وقد حج هشام بن عبد الملك قبيل ولايته للخلافة فكان إذا أراد استلام الحجر زحم عليه الناس، فإذا جاء علي بن الحسين ابتعد الناس عن الحجر حتى يأتي ويقبل ثم يكمل باقي الأشواط فغضب هاشم بن عبد الملك نائب الخليفة، وقال: من هذا فما أعرفه؟ وكان بجانبه الشاعر الفرزدق فقال الشاعر:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلهم هذا التقي النقي الطاهر العلم
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ عثمان الخميس
عدد القراء : 2375
تاريخ الموضوع: 08 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(136/2)
مقتل الحسين رضي الله عنه للشيخ عثمان الخميس
الشيخ عثمان الخميس
كثر الكلام حول مقتل الشهيد السعيد السيد السبط الحسين بن علي (عليه السلام) فطلب مني بعض الأخوان أن أذكر القصة الصحيحة التي أثبتها الثقات من أهل العلم ودونوها في كتبهم فأجبتهم ما يلي:
بلغ أهل العراق أن الحسين لم يبايع ليزيد بن معاوية وذلك سنة 60 هـ فأرسلوا إليه الرسل والكتب يدعونه فيها إلى البيعة، وذلك أنهم لا يريدون يزيد ولا أباه ولا عثمان ولا عمر ولا أبا بكر إنهم لا يريدون إلا علياً وأولاده وبلغت الكتب التي وصلت إلى الحسين أكثر من خمسمائة كتاب. عند ذلك أرسل الحسين (عليه السلام) ابن عمه مسلم بن عقيل ليتقصى الأمور ويتعرف على حقيقة البيعة وجليتها، فلما وصل مسلم إلى الكوفة تيقن أن الناس يريدون الحسين فبايعه الناس على بيعة الحسين وذلك في دار هانئ بن عروة ولما بلغ الأمر يزيد بن معاوية في الشام أرسل إلى عبيدالله بن زياد والي البصرة ليعالج هذه القضية ويمنع أهل الكوفة من الخروج عليه مع الحسين (عليه السلام) فدخل عبيدالله بن زياد إلى الكوفة وأخذ يتحرى الأمر ويسأل حتى علم أن دار هانئ بن عروة هي مقر مسلم بن عقيل وفيها تتم المبايعة. فأرسل إلى هانئ بن عروة وسأله عن مسلم بعد أن بيّن له أنه قد علم بكل شيء، قال هانئ بن عروة قولته المشهورة التي تدل على شجاعته وحسن جواره: والله لو كان تحت قدمي هاتين ما رفعتها فضربه عبيدالله بن زياد وأمر بحبسه.
فلما بلغ الخبر مسلم بن عقيل خرج على عبيدالله بن زياد وحاصر قصره بأربعة آلاف من مؤيديه وذلك في الظهيرة.
فقام فيهم عبيد الله بن زياد وخوفهم بجيش من الشام ورغبهم ورهبهم فصاروا ينصرفون عنه حتى لم يبق معه إلا ثلاثون رجلاً فقط. وما غابت الشمس إلا ومسلم بن عقيل وحده ليس معه أحد.
فقبض عليه وأمر عبيد الله بن زياد بقتله فطلب منه مسلم أن يرسل رسالة إلى الحسين فأذن عبيدالله وهذا نص رسالته: ارجع بأهلك ولا يغرنك أهل الكوفة فإن أهل الكوفة قد كذبوك وكذبوني وليس لكاذب رأي.
ثم أمر عبيد الله بقتل مسلم بن عقيل وذلك في يوم عرفة وكان مسلم بن عقيل قد أرسل إلى الحسين (عليه السلام) أن أقدم فخرج الحسين من مكة يوم التروية وحاول منعه كثير من الصحابة ونصحوه بعدم الخروج مثل ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وأبي سعيد الخدري وابن عمرو وأخيه محمد بن الحنفية وغيرهم فهذا أبو سعيد الخدري يقول له: يا أبا عبدالله إني لك ناصح وإني عليكم مشفق قد بلغني أن قد كاتبكم قوم من شيعتكم بالكوفة يدعونك إلى الخروج إليهم فلا تخرج إليهم فإني سمعت أباك يقول في الكوفة: والله قد مللتهم وأبغضتهم وملوني وأبغضوني وما يكون منهم وفاء قط ومن فاز بهم بالسهم الأخيب والله ما لهم من نيات ولا عزم على أمر ولا صبر على سيف. وهذا ابن عمر يقول للحسين: إني محدثك حديثاً: إن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فخيره بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا وإنك بضعة منه والله ما يليها أحد منكم أبدا وما صرفها الله عنكم إلا للذي هو خير لكم فأبى أن يرجع فاعتنقه وبكى وقال: استودعك الله من قتيل.
وجاء الحسين خبر مسلم بن عقيل عن طريق الرسول الذي أرسله مسلم فهمّ الحسين بالرجوع فامتنع أبناء مسلم وقالوا: لا ترجع حتى نأخذ بثأر أبينا فنزل الحسين على رأيهم.
وكان عبيدالله بن زياد قد أرسل كتيبة قوامها ألف رجل بقيادة الحر بن يزيد التميمي ليمنع الحسين من القدوم إلى الكوفة فالتقى الحر مع الحسين في القادسية. وحاول منع الحسين من التقدم فقال له الحسين: ابتعد عني ثكلتك أمك. فقال الحر: والله لو قالها غيرك من العرب لاقتصصت منه ومن أمه ولكن ماذا أقول لك وأمك سيدة نساء العالمين رضي الله عنها.
ولما تقدم الحسين إلى كربلاء وصلت بقية جيش عبيدالله بن زياد وهم أربعة آلاف بقيادة عمر بن سعد فقال الحسين: ما هذا المكان؟ فقالوا له: إنها كربلاء، فقال: كرب وبلاء.
ولما رأى الحسين هذا الجيش العظيم علم أن لا طاقة له بهم وقال: إني أخيّركم بين أمرين:
1- أن تدعوني أرجع.
2- أو تتركوني أذهب إلى يزيد في الشام.
فقال له عمر بن سعد: أرسل إلى يزيد وأرسل أنا إلى عبيد الله فلم يرسل الحسين إلى يزيد. وأرسل عمر إلى عبيد الله فأبى إلا أن يستأسر الحسين له. ولما بلغ الحسين ما قال عبيد الله بن زياد أبى أن يستأسر له، فكان القتال بين ثلاثة وسبعين مقاتلاً مقابل خمسة آلاف وكان قد انضم إلى الحسين من جيش الكوفة ثلاثون رجلاً على رأسهم الحر بن يزيد التميمي ولما عاب عليه قومه ذلك. قال: والله إني أخير نفسي بين الجنة والنار. ولاشك أن المعركة كانت غير متكافئة من حيث العدد فقتل أصحاب الحسين (رضي الله عنه وعنهم) كلهم بين يديه يدافعون عنه حتى بقي وحده وكان كالأسد ولكنها الكثرة وكان كل واحد من جيش الكوفة يتمنى لو غيره كفاه قتل الحسن حتى لا يبتلى بدمه رضي الله عنه حتى قام رجل خبيث يقال له شمّر بن ذي الجوشن فرمى الحسين برمحه فأسقطه أرضاً فاجتمعوا عليه وقتلوه شهيداً سعيداً. ويقال أن شمّر بن ذي الجوشن هو الذي اجتز رأس الحسين وقيل سنان بن أنس النخعي والله أعلم.
وأما قصة منع الماء وأنه مات عطشاً وغير ذلك من الزيادات التي إنما تذكر لدغدغة المشاعر فلا يثبت منها شيء. وما ثبت يغني ولاشك أنها قصة محزنة مؤلمة ، وخاب وخسر من شارك في قتل الحسين ومن معه وباء بغضب من ربه وللشهيد السعيد ومن معه الرحمة والرضوان من الله ومنا الدعاء والترضي.
من قتل مع الحسين في الطف:
من أولاد علي بن أبي طالب: أبوبكر، محمد، عثمان، جعفر، العباس.
من أولاد الحسين: علي الأكبر، عبدالله.
من أولاد الحسن: أبو بكر، عبدالله، القاسم.
من أولاد عقيل: جعفر، عبدالله، عبد الرحمن، عبدالله بن مسلم بن عقيل.
من أولاد عبدالله بن جعفر: عون، محمد.
وأضف إليهم الحسين ومسلم بن عقيل (رضي الله عنهم أجمعين). عن أم سلمة قالت: كان جبريل عن النبي صلى الله عليه وسلم والحسين معي، فبكى الحسين فتركته فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فدنى من النبي صلى الله عليه وسلم، فقال جبريل: أتحبه يا محمد؟ فقال: نعم. قال: إن أمتك ستقتله وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها فأراه إياها فإذا الأرض يقال لها كربلاء.. أخرجه أحمد في فضائل الصحابة بسند حسن. وأما ما روي من أن السماء صارت تمطر دماً وأن الجدر كان يكون عليها الدم أو ما يرفع حجر إلا ويوجد تحته دم أو ما يذبحون جزوراً إلا صار كله دماً فهذه كلها تذكر لإثارة العواطف ليس لها أسانيد صحيحة.
حكم خروج الحسين:
لم يكن في خروج الحسين عليه السلام مصلحة لا في دين ولا دنيا ولذلك نهاه كثير من الصحابة وحاولوا منعه وهو قد هم بالرجوع لولا أولاد مسلم، بل بهذا الخروج نال أولئك الظلمة الطغاة من سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتلوه مظلوماً شهيدا. وكان في خروجه وقتله من الفساد ما لم يكن يحصل لو قعد في بلده ولكنه أمر الله تبارك وتعالى وما قدر الله كان ولو لم يشأ الناس. وقتل الحسين ليس هو بأعظم من قتل الأنبياء وقد قدم رأس يحي عليه السلام مهراً لبغي، وقتل زكريا عليه السلام وكثير من الأنبياء قتلوا كما قال تعالى:" قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين".
وكذلك قتل عمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين.
كيف نتعامل مع هذا الحدث:
لا يجوز لمن يخاف الله إذا تذكر قتل الحسين ومن معه رضي الله عنهم أن يقوم بلطم الخدود وشق الجيوب والنوح وما شابه ذلك، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ليس منا لطم الخدود وشق الجيوب.. أخرجه البخاري. وقال: أنا بريء من الصالقة(1)[1] والحالقة والشاقة.. أخرجه مسلم. وقال: إن النائحة إذا لم تتب فإنها تلبس يوم القيامة درعاً من جرب وسربالاً من قطران.. أخرجه مسلم.
والواجب على المسلم العاقل إذا تذكر مثل هذه المصائب أن يقول كما أمره الله تعالى:" الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون".
وما علم أن علي بن الحسين أو ابنه محمداً أو ابنه جعفراً أو موسى بن جعفر رضي الله عنهم ما عرف عنهم ولا عن غيرهم من أئمة الهدى لأنهم لطموا أو شقوا أو صاحوا فهؤلاء هم قدوتنا.
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم،،،،،، إن التشبه بالكرام فلاح
موقف يزيد من قتل الحسين:
لم يكن ليزيد يد في قتل الحسين ولا نقول هذا دفاعاً عن يزيد ولكن دفاعاً عن الحق فيزيد لا يهمنا من قريب ولا بعيد:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: أن يزيد بن معاوية لم يأمر بقتل الحسين باتفاق أهل النقل ولكن كتب إلى ابن زياد أن يمنعه عن ولاية العراق ولما بلغ يزيد قتل الحسين أظهر التوجع على ذلك وظهر البكاء في داره ولم يسبِ لهم حريماً، بل أكرم أهل بيته وأجازهم حتى ردهم إلى بلادهم، وأما الروايات التي تقول: إنه أهين نساء آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنهن أخذن إلى الشام مسبيات وأهن هناك، هذا كلام باطل، بل كان بنو أمية يعظمون بني هاشم ولذلك لما تزوج الحجاج بن يوسف من فاطمة بنت عبدالله بن جعفر لم يقبل عبد الملك بن مروان هذا الأمر وأمر الحجاج أن يعتزلها وأن يطلقها فهم كانوا يعظمون بني هاشم ولم تسب هاشمية قط. انتهى
رأس الحسين:
لم يثبت أن رأس الحسين أرسل إلى يزيد بالشام بل الصحيح أن الحسين قتل في كربلاء ورأسه أخذ إلى عبيد الله بن زياد في الكوفة، ولا يعلم قبر الحسين ولا يعلم مكان رأسه عليه السلام.
والله تعالى أعلى وأعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
---
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ عثمان الخميس
عدد القراء : 11668
تاريخ الموضوع: 24 - يناير - 2004 ميلادية
__________
(1) الصالقة: هي التي تصيح بصوت مرتفع.(137/1)
فريضة الحج
سبيل المؤمنين
سبيل المؤمنين
(رسالة شهرية (
العدد (4) ذي القعدة 1422
فريضة الحج
فضل عشر ذى الحجة:
· قال تعالى "والفجر وليالى عشر"قال غير واحد من السلف و الخلف:إن المقصود بهذه العشرالعشر من ذى الحجة (انظر تفسير ابن كثير4/651)،ولا شك أن هذا يدل على عظم هذه العشر حيث إن الله تعالى أقسم بها .وعن ابن عباس رضى الله عنه مرفوعا :"ما من أيام العمل الصالح أحب الى الله فيهن من هذه الأيام" يعنى عشر ذى الحجة قالوا: ولا الجهاد فى سبيل الله ؟ قال: ولا الجهاد فى سبيل الله إلا رجلا خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشئ" متفق عليه".
فضل الحج:
· قال عليه الصلاة والسلام" من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه " متفق عليه .وقال عليه السلام "والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" متفق عليه .
وجوب الحج على الفور:
· اختلف أهل العلم على قولين فى وجوب الحج هل هو على الفور أو على التراخى؟
· والصحيح- والله أعلم – أن الحج واجب على الفور لمن استطاع إليه سبيلا ، لقوله تعالى "ولله على الناس حج البيت لمن استطاع إليه سبيلا "ولحديث ابن عباس مرفوعا "تعجلوا الحج –يعنى الفريضة- فإن أحدكم لايدرى ما يعرض له "رواه أحمد وحسنه الألبانى .
صفة الحج :
أولا:الاستعداد للحج:
· التوبة من المعاصى والذنوب.
· إعادة المظالم إلى أهلها .
· إرجاع الديون والودائع إلى أهلها .
· تأمين النفقة لأولاده وأهله إلى حين رجوعه.
· تصحيح النية بأن يبتغى وجه الله تعالى .
ثانيا: أعمال الحج:
· الإ حرام من الميقات وأداء العمرة إذا كان ممتعا.
· الإحرام بالحج يوم التروية (الثامن) ،ثم الذهاب إلى منى والمبيت بها وهو سنة.
· الدفع من منى إلى عرفة بعد صلاة الفجر من اليوم التاسع من ذى الحجة ويبدأ وقت الوقوف بعرفة من زوال الشمس إلى فجر يوم النحر
· الإفاضة من عرفة إلى المزدلفة بعدغروب الشمس ويصلى المغرب والعشاء جمعا .
· المبيت بمزدلفة (وهو واجب )وصلاة الفجر فيها والدفع منها قبل شروق الشمس ويجوز للضعفة الدفع من مزدلفة بعد منتصف الليل .
· أداء أعمال يوم النحر (العيد) وهى:
o رمى جمرة العقبة .
o الذبح لمن عليه هدى .
o الحلق أو التقصير.
o طواف الإفاضة والسعى .
وهذا الترتيب مستحب لفعله عليه السلام، وإن قدم شيئا أو أخر من أعمال يوم النحر جاز لقوله عليه السلام "افعل ولا حرج ".ويتحلل الحاج التحلل الأول بفعل اثنين من ثلاثة (الرمى ، الطواف والسعى ،والحلق أو التقصير) فيحل له كل شئ إلا النساء ، فإذا فعلها كلها حل له كل شئ .
· المبيت ليالى التشريق بمنى وسميت بذلك لأن الناس كانوا يشرقون _ أى يعلقون اللحم فيها _ وهى ليالى (11، 13،12).
· رمى الجمرات أيام التشريق بعد الزوال .
· من أراد التعجل فإنه يخرج من منى قبل غروب شمس ثانى أيام التشريق ،ومن أراد ان يتأخر –وهو أفضل- بقى الى أن يرمى الجمرات ثالث أيام التشريق
· طواف الوداع قبل عودته إلى وطنه ،والحائض والنفساء لا وداع عليهما .
أنساك الحج :
الإفراد :
وهو أن ينوى الإحرام بالحج فقط ويبقى على إحرامه إلى أن يرمى جمرة العقبة يوم العيد.
القران :
وهو أن ينوى الإحرام بالحج والعمرة معا من الميقات وهذا عمله كعمل المفرد إلا أنه يجب عليه الهدى .
التمتع :
وهو أن يحرم بالعمرة من الميقات ثم يتحلل بعد أداء العمرة ثم يحرم بالحج في يوم التروية .
أفضل الأنساك :
اختلف العلماء في هذه المسألة إلى أقوال ثلاثة ، وقد حقق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى الكلام في هذه المسألة أن من اعتمر فى أشهر الحج فإن الأفضل أن يحج مفردا ومن لم يعتمر فى اشهر الحج وساق الهدى فإن الأفضل أن يحج قارنا ومن لم يسق الهدى فإن الأفضل له أن يحج ممتعا (أنظر الفتاوى 26/80) .
أركان الحج :
· الإحرام وهو (نية الدخول فى النسك ).
· الوقوف بعرفة .
· الطواف.
· السعى .
ولو سقط منها ركن لم يصح الحج ولو لعذر.
واجبات الحج :
لو تركها الحج فإن عليه دما يذبح ويوزع على فقراء مكة .
· الإحرام من الميقات.
· المبيت ليالى التشريق بمنى .
· رمى الجمرات بعد زوال أيام التشريق .
· المكث بعرفة إلى الغروب لمن وقف نهارا .
· المبيت بمزدلفة .
· طواف الوداع (غير الحائض والنفساء) .
· الحلق أو التقصير .
محظورات الإحرام :
هى الأمور التى تحرم على المحرم حال إحرامه ومن فعلها متعمدا ذاكرا عالما فعليه الكفارة ، دم أو صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين وهذه المحظورات هى :
· إزالة الشعر من الجسد وتقليم الأظافر .
· تغطية الرأس للرجل ولبس المخيط للرجل.
· استعمال الطيب .
· الصيد البرى الوحشى المأكول .
· الجماع ومقدماته .
· عقد النكاح .
· النقاب والقفازين للمرأة .
أخطاء تقع من بعض الحجاج :
· الإحرام (نية الدخول في النسك) قبل الميقات .
· الاضطباع (جعل الرداء تحت إبطه الأيمن وطرفه على كتفه الأيسر )عند الإحرام ، والصحيح أنه عند الطواف فقط .
· الخروج من مكة للإحرام بعمرة وتكرار ذلك .
· الخروج من المسجد الحرام بعد طواف الوداع على القهقرى ( الرجوع إلى الخلف ) .
· اعتقاد بعض الناس أن وقفة عرفة يوم الجمعة تعدل اثنين وسبعين حجة .
· الزيادة على التكبير عند الرمى كقولهم : رغما للشيطان وحزبه .
· إطلاق لفظ " الحاج " على من زار بيت الله الحرام .
أمور لا يجوز فعلها :
· صلاة ركعتين قبل الخروج إلى الحج .
· الجهر بالتكبير عند توديع الحجاج وعند قدومهم .
· مؤاخاة المرأة للرجل الأجنبى ليصير محرما لها .
· حج المرأة بدون محرم ولو مع مجموعة من النساء الثقات .
· التلفظ بالنية كقولهم (اللهم إنى نويت الحج) ، بخلاف التلبية (لبيك اللهم حجا أو عمرة ممتعا بها إلى الحج ) فهذه يتلفظ بها .
· تخصيص دعاء معين لكل شوط من أشواط الطواف .
· الصعود إلى جبل الرحمة فى عرفات .
· استقبال جبل الرحمة حال الدعاء .
· الاغتسال للمبيت بمزدلفة ، وإحياء هذه الليلة .
· غسل الحصيات (تعبدا ) قبل الرمى .
· عدم ذبح الهدى الواجب والتصدق بثمنه لأنه أنفع للفقراء بزعمهم .
· الطواف بالمساجد التى عند الجمرات .
· ربط الخرق بالمقام والمنبر لقضاء الحاجات .
· تبيض بيت الحاج وتزينه بعد حجه .
· شد الرحال إلى قبر النبى عليه السلام .
· الاغتسال قبل دخول المدينة النبوية .
· التوسل به عليه السلام في الدعاء .
· طلب الشفاعة من النبى عليه الصلاة والسلام .
· التبرك والتمسح بقبره عليه الصلاة والسلام .
· قصد شئ من المساجد والمزارات التى بالمدينة وما حولها إلا مسجد قباء . (مناسك الحج والعمرة للألبانى )
نسأل الله تعالى أن يهدينا سواء السبيل .
القسم: التصنيف الرئيسي » سبيل المؤمنين
عدد القراء : 4960
تاريخ الموضوع: 24 - يناير - 2004 ميلادية
(138/1)
كتاب حقبة من التاريخ (1-2-3-4 .......
الشيخ عثمان الخميس
تم تقسيم الكتاب إلى 5 ملفات
اضغط هنا لتحميل الملف الأول
اضغط هنا لتحميل الملف الثاني
اضغط هنا لتحميل الملف الثالث
اضغط هنا لتحميل الملف الرابع
وقريبا جدا الملف الخامس والأخير
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ عثمان الخميس
عدد القراء : 6905
تاريخ الموضوع: 26 - يناير - 2004 ميلادية
(139/1)
حول الأحداث الجارية
الشيخ عثمان الخميس
بسم الله الرحمن الرحيم
…الحمد لله رب العالمين ، ولي الصالحين ، والصلاة والسلام على آله وصحبه أجمعين .... أما بعد :
…فكم آلمنا وأحزننا ما يبلغنا من أمور جرت على إخواننا في العراق ، نسأل الله جل وعلا أن يجعله تكفيرا للذنوب ورفعا للدرجات ، ونظرا لما تمر به بلدكم من ظروف عصيبة ؛ فقد حرصنا على أن تكون أموركم وأعمالكم تدور في فلك الشريعة السمحاء ، ومبنية على فتاوى أهل العلم المشهود لهم بالفضل والمكانة ، وكم آلمني وأحزنني حين وجهت لي مجموعة من الأسئلة - والتي قد تكون مصيرية - ومن أنا حتى توجه لي مثل هذه الأسئلة ؟ !
…ولذا أقول أحزنني حيث وضع الأمر وأسند إلى غير أهله فالله المستعان . ولذلك ، وبحسب ما تعلمنا من مشايخنا وعلمائنا الذين وجهونا إلى وجوب رد الأمر إلى أهله ؛ اقتداء بقول الله تبارك وتعالى : " وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ " .
…لذلك كله قمنا بأخذ الأسئلة والتوجه بها إلى العلماء من أمثال سماحة المفتي : عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ، وسماحة الشيخ : صالح بن فوزان الفوزان ، وسماحة الشيخ : عبد الله المطلق ، وسماحة الشيخ : محمد بن حسن آل الشيخ ، وفضيلة الشيخ : عبد العزيز السدحان ، فتطابقت إجاباتهم على وجوب التعاون بين جميع المنتسبين لأهل السنة وعلى الدفاع عن النفس والعرض والمال إذا تم التعرض لهم . وعلى كف اليد ما لم تكن هناك راية وما لم تعد العدة .
…وعلى لزوم الدعوة إلى الله ونشر العقيدة الصحيحة بين الناس ، وعلى عدم إثارة أي طرف عليهم ، وعلى أن ينظموا صفوفهم وأن تتحد كلمتهم ، وعلى أن يكونوا حذرين ممن حولهم ولا مانع أن يجعلوا لهم أميرا .
والله أعلى وأعلم
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
……………كتبه /
………………عثمان بن محمد الخميس
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ عثمان الخميس
عدد القراء : 8212
تاريخ الموضوع: 17 - فبراير - 2004 ميلادية
(140/1)
الرد على شبهة أن النبي – صلى الله عليه وسلم - أكل طعاما ذبح على الصنم و النصب :
الأخ الفاضل سعود الزمانان
الرد على شبهة أن النبي – صلى الله عليه وسلم - أكل طعاما ذبح على الصنم و النصب :
- تعريف النصب : هي الأصنام والحجارة التي كان الكفار يذبحون عليها .
أخرج الإمام أحمد (1/190 ) قال : حدثنا يزيد حدثنا المسعودي عن نفيل بن هشام بن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل عن أبيه عن جده قال
:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة هو وزيد بن حارثة فمر بهما زيد بن عمرو بن نفيل فدعواه إلى سفرة لهما فقال يا ابن أخي إني لا آكل مما ذبح على النصب قال فما رئي النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أكل شيئا مما ذبح على النصب قال قلت يا رسول الله إن أبي كان كما قد رأيت وبلغك ولو أدركك لآمن بك واتبعك فاستغفر له قال نعم فأستغفر له فإنه يبعث يوم القيامة أمة واحدة " .
الشبهة :
قال المبتدعة والزنادقة كيف يذبح الرسول على النصب والأصنام ، وكيف يأكل مما ذبح عليها ؟
الرد :
- أولاً :رواية ( إني لا آكل مما تذبحون على أنصابكم ) قال : فما رؤي النبي – صلى الله عليه وسلم – بعد ذلك أكل شيئاً مما ذبح على النصب ) منكرة ولا تصح .
- قال الشيخ الألباني – رحمه الله - :" أخرجه الإمام أحمد ( رقم 5369) من حديث ابن عمر ، وقد رواه أيضا من حديث سعيد بن زيد بن عمرو (1648) وفيه زيادة منكرة ، وهي تتنافى مع التوجيه الحسن الذي وجه به الحديث المؤلف وهي قوله بعد ( إني لا آكل مما تذبحون على أنصابكم ) قال : فما رؤي النبي – صلى الله عليه وسلم – بعد ذلك أكل شيئاً مما ذبح على النصب وعلة هذه الزيادة أنها من رواية المسعودي وكان قد اختلط وراوي هذا الحديث عنه يزيد بن هارون سمع منه بعد اختلاطه ، ولذلك لم يحسن صنعا حضرة الأستاذ الشيخ أحمد محمد شاكر حيث صرح في تعليقه على المسند أن إسناده صحيح ، ثم صرح بعد سطور أنه إنما صححه مع اختلاطه لأنه ثبت معناه من حديث ابن عمر بسند صحيح يعني هذا الذي في الكتاب ، وليس فيه الزيادة المنكرة ، فكان عليه أن ينبه عليها حتى لا يتوهم أحد أن معناها ثابت أيضاً في حديث ابن عمر " .
- ثانياً : حكم على هذه الزيادة بالنكارة الإمام الذهبي أيضا ، فالرواية أخرجها البزار ( 2755) والنسائي في الكبرى (8188) والطبراني (4663) وأبو يعلى (7211) من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة عن أسامة بن زيد عن زيد بن حارثة قال خرجت مع رسول الله ... الحديث .
- قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (1/221-222) :" في سنده محمد – يعني ابن عمرو بن علقمة - لا يحتج به ، وفي بعضه نكارة بينة " .
- ثالثاً : وهذا العبارة منكرة :" شاة ذبحناها لنصب كذا وكذا ... " وهي نكارة بينة كما قال الذهبي ، وهذا نص في أنهم ذبحوها للنصب لا عليه فقط ، وهذه الجملة لا تحتمل ولا تليق بالنبي – صلى الله عليه وسلم – وفي سندها محمد بن عمرو بن علقمة قال فيه الحافظ :" صدوق له أوهام " وقال الجوزجاني وغيره :" ليس بقوي " (1) وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء (1/221-222) :" - لا يحتج به " .
رابعاً : الرواية الصحيحة هي كما جاءت في صحيح البخاري ، قال البخاري ( 5499 ) حدثنا معلَّى بن أسد قال: حدثنا عبد العزيز يعني ابن المختار قال: أخبرنا موسى بن عقبة قال: أخبرني سالم: أنه سمع عبد الله يحدث، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنه لقي زيد بن عمرو بن نُفَيل بأسفل بَلْدَحَ،- ( مكان في طريق التنعيم ، ويقال هو واد ) - وذاك قبل أن يُنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي، فقُدِّم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرة فيها لحم، فأبى أن يأكل منها، ثم قال: إني لا آكل مما تذبحون على أنصابكم، ولا آكل إلا مما ذُكر اسم الله عليه " .
- وقال البخاري ( 3826) حدثني محمد بن أبي بكر قال: حدثنا فضيل بن سليمان قال: حدثنا موسى بن عقبة قال: حدثنا سالم بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:" أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح، قبل أن ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي، فقدمت إلى النبي صلى الله عليه وسلم سفرة، فأبى أن يأكل منها، ثم قال زيد: إني لست آكل مما تذبحون على أنصابكم، ولاآكل إلا ما ذكر اسم الله عليه. وأن زيد بن عمرو كان يعيب على قريش ذبائحهم، ويقول: الشاة خلقها الله، وأنزل لها من السماء الماء، وأنبت لها من الأرض، ثم تذبحونها على غير اسم الله. إنكارا لذلك وإعظاما له" .
- قال ابن بطال – رحمه الله - :" كانت السفرة لقريش فقدموها للنبي – صلى الله عليه وسلم – فأبى أن يأكل منها ، فقدمها النبي – صلى الله عليه وسلم – لزيد بن عمرو ، فأبى أن يأكل منها ، وقال مخاطباً لقريش الذين قدموها أولاً : إنا لا نأكل ما ذبح على أنصابكم " ( عمدة القاري 11/540) .
- خامساً : أين ما يدل في الحديث أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أكل من هذه السفرة ؟ فليس في الحديث أنه – صلى الله عليه وسلم – أكل منها، وإنما غاية ما في الحديث أن السفرة قدمت للنبي – صلى الله عليه وسلم – ولزيد ولم يأكلا منها .
- سادساً : فهذا هو الثابت في الصحيح أن النبي – صلى الله عليه وسلم – عرضت وقدمت له السفرة فامتنع أن يأكل منها ، نعم جاء عند أحمد (2/69) من طريق عفان عن وهيب عن موسى . وأخرجه أحمد (2/90) من طريق يحيى بن آدم عن زهير عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر بلفظ :" فقدم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرة فيها لحم فأبى أن يأكل منها ثم قال إني لا آكل ما تذبحون على أنصابكم ولا آكل إلا مما ذكر اسم الله عليه " .
- فمما سبق بيانه يتضح أن رواية صحيح البخاري أن السفرة قدمت للنبي – صلى الله عليه وسلم – فرفض أن يأكل منها ، ثم قدمت لزيد ولم يأكل منها ، فلا وجه لطعن طاعن أو لمز لامز ولله الحمد .
- ولو افترضنا صحة الرواية التي جاءت عند أحمد ، وأن النبي – صلى الله عليه وسلم – قدم السفرة لزيد ، فكذلك لا يوجد دليل على أنها ذبحت على نصب أو ذبحت لصنم ، وإن كان قد يفهم منها هذا ولكنها ليست صريحة.
- سابعاً : قال الخطابي في " أعلام الحديث " 3/1657 :" امتناع زيد بن عمرو من أكل ما في السفرة إنما كان من أجل خوفه أن يكون اللحم الذي فيها مما ذبح على الأنصاب فتنزه من أكله ، وقد كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لا يأكل من ذبائحهم التي كانوا يذبحونها لأصنامهم ، فأما ذبائحهم لمأكلتهم فإنا لم نجد في شيء من الأخبار أنه كان يتنزه منها ، ولأنه كان لا يرى الذكاة واقعة إلا بفعلهم قبل نزول الوحي عليه ، وقبل تحريم ذبائح أهل الشرك ، فقد كان بين ظهرانيهم ، مقيماً معهم ، ولم يُذكر أنه كان يتميز عنهم إلا في أكل الميتة ، وكانت قريش وقبائل من العرب تتنزه في الجاهلية عن أكل الميتات ، ولعله – صلى الله عليه وسلم – لم يكن يتّسع إذ ذاك لأن يذبح لنفسه الشاة ليأكل منها الشلو أو البضعة ، ولا كان فيما استفاض من أخباره أنه كان يهجر اللحم ولا يأكله ، وإذا لم يكن بحضرته إلا ذكاة أهل الشرك ولا يجد السبيل إلى غيره ، ولم ينزل عليه في تحريم ذبائحهم شيء ، فليس إلا أكل ما يذبحونه لمأكلتهم بعد أن تنزه من الميتات تنزيهاً من الله عز وجل له ، واختياراً من جهة الطبع لتركها استقذاراً لها ، وتقززاً منها ، وبعد أن يجتنب الذبائح لأصنامهم عصمة من الله عز وجل له لئلا يشاركهم في تعظيم الأصنام بها " .
- ثامناً : قال السهيلي :" فإن قيل : فالنبي – صلى الله عليه وسلم – كان أولى من زيد بهذه الفضيلة ، فالجواب أنه ليس في الحديث أنه – صلى الله عليه وسلم – أكل منها ، وعلى تقدير أن يكون أكل ، فزيد إنما كان يفعل ذلك برأي يراه لا بشرع بلغه ، وإنما كان عند أهل الجاهلية بقايا من دين إبراهيم ، وكان في شرع إبراهيم تحريم الميتة ، لا تحريم ما لم يذكر اسم الله عليه ، وإنما نزل تحريم ذلك في الإسلام ، والأصح أن الأشياء قبل الشرع لا توصف بحل ولا بحرمة ، مع أن الذبائح لها اصل في تحليل الشرع واستمر ذلك إلى نزول القرآن ... " .
- وقال القاضي عياض في عصمة الأنبياء قبل النبوة :" إنها كالممتنع ، لأن النواهي إنما تكون بعد تقرير الشرع ، والنبي – صلى الله عليه وسلم – لم يكن متعبداً قبل أن يوحى إليه بشرع من قبله على الصحيح ... " .
- تاسعاً : ومن التوجيهات كذلك كما قال الشيخ الألباني – رحمه الله - :" توهم زيد أن اللحم المقدم إليه من جنس ما حرم الله ، ومن المقطوع به أن بيت محمد – صلى الله عليه وسلم – لا يطعم ذبائح الأصنام ، ولكن أراد الإستيثاق لنفسه والإعلان عن مذهبه ، وقد حفظ محمد له ذلك وسرّ به " (2).
- عاشراً : قال الذهبي – رحمه الله - :" لو افترض أن زيد بن حارثة هو الذي ذبح على النصب فقد فعله من غير أمر النبي – صلى الله عليه وسلم – إلا أنه كان معه ، فنسب ذلك إليه ، لأن زيداً لم كن معه من العصمة والتوفيق ما أعطاه لنبيه ، وكيف يجوز ذلك وهو عليه السلام قد منع زيداً أن يمس صنماً ، وما مسه هو قبل نبوته ، فكيف يرضى أن يذبح للصنم ، هذا محال " .
- وقال أيضا :" أن يكون ذبح لله واتفق ذلك عند صنم كانوا يذبحون عنده "(3)
- نتيجة البحث :
- 1- : ليس في الحديث أن النبي – صلى الله عليه وسلم – ذبح على النصب أو أكل مما ذبح على النصب ، وغاية ما في الحديث أن السفرة قدمت للنبي – صلى الله عليه وسلم – ولزيد ولم يأكلا منها .
- 2 : الرواية التي في صحيح البخاري أن السفرة قدمت للنبي – صلى الله عليه وسلم – فرفض أن يأكل منها ، ثم قدمت لزيد ولم يأكل منها ، فلا وجه لطعن طاعن أو لمز لامز ولله الحمد .
- 3 : جاءت رواية عند أحمد أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قدم السفرة لزيد ، وامتنع زيد أن يأكل منها ، وكذلك لا يوجد أي دليل على الذبح للنصب أو للصنم ، وإن كان يفهم منها هذا ولكنها ليست صريحة .
- 4: امتناع زيد بن عمرو من أكل ما في السفرة إنما كان من أجل خوفه أن يكون اللحم الذي فيها مما ذبح على الأنصاب فتنزه من أكله ، وقد كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لا يأكل من ذبائحهم التي كانوا يذبحونها لأصنامهم .
__________
(2) فقه السيرة ص 82 ) .(141/1)
- 5 : قال الذهبي – رحمه الله - :" لو افترض أن زيد بن حارثة هو الذي ذبح على النصب فقد فعله من غير أمر النبي – صلى الله عليه وسلم – إلا أنه كان معه ، فنسب ذلك إليه ، لأن زيداً لم يكن معه من العصمة والتوفيق ما أعطاه الله لنبيه ، وكيف يجوز ذلك وهو عليه السلام قد منع زيداً أن يمس صنماً ، وما مسه هو قبل نبوته ، فكيف يرضى أن يذبح للصنم ، هذا محال " .
- 6 : أما ما جاء في بعض الروايات التي فيها ( إني لا آكل مما تذبحون على أنصابكم ) قال : فما رؤي النبي – صلى الله عليه وسلم – بعد ذلك أكل شيئاً مما ذبح على النصب ) وهذه الرواية منكرة ، حكم عليها بالنكارة الإمام الذهبي والإمام الألباني – رحمهما الله - .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
كتبه وحرره
سعود الزمانان
4/4/2004
---
(1) المغني في الضعفاء ترجمة رقم 5879 .
(2) ( سير أعلام النبلاء 1/135) .
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الأخ الفاضل سعود الزمانان
عدد القراء : 1860
تاريخ الموضوع: 09 - مايو - 2004 ميلادية
(141/2)
نسخة كاملة من كتاب حقبة من التاريخ
الشيخ عثمان الخميس
نسخة كاملة من كتاب
حقبة من التاريخ
للشيخ : عثمان الخميس حفظه الله
وهي نسخة مصورة من الطبعة الثانية للكتاب
الملف
الرابط
الملف الأول
احفظ
الملف الثاني
احفظ
الملف الثالث
احفظ
الملف الرابع
احفظ
الملف الخامس
احفظ
للحفظ انقر بالزر الأيمن للماوس واختر حفظ الهدف باسم save target as
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ عثمان الخميس
عدد القراء : 7614
تاريخ الموضوع: 31 - مايو - 2004 ميلادية
(142/1)
أولياء الله ... للشيخ عثمان الخميس
الشيخ عثمان الخميس
إن الله تبارك وتعالى نهانا عن تولي الكافرين فقال جل في علاه"يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولّهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين"، وأمر جلّ ذكره بتولي المؤمنين فقال سبحانه وتعالى حاصراً الولاية "إنّما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يُقيمون الصلاة ويُؤتون الزكاة وهم راكعون"، ومدح الله تبارك وتعالى أولياءه فقال: "ألا إنّ أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون"، إن الولاية درجة من الدين عظيمة لا ينالها العبد إلا إذا أخذ بهذا الدين ظاهراً وباطناً، قولاً وعملاً، وللولاية تعلّقات:
1) تعلّقٌ بالله: في أن الله جلّ وعلا يَنصر العبد ويحبه ويثبته على صراطه المستقيم.
2) تعلّق بالعبد: فهي في مصير العبد إلى مرضاة الله تبارك وتعالى قولاً وعملاً.
يقول الحافظ بن الحجر رحمه الله تبارك وتعالى في بيان ولي الله تبارك وتعالى من يكون: ولي الله هو العالِم بالله المخلصُ له المستقيم والمواظب على طاعته، فهذه ثلاث صفات حصر فيها الحافظ ابن حجر رحمه الله تبارك وتعالى. فالله سبحانه وتعالى ما اتّخذ ولياً جاهلاً بل لابد أن يكون الولي عالم بالله تبارك وتعالى، فهو عالماً بالله تبارك وتعالى من وجوه:
1) يعرف ربه تبارك وتعالى في أسمائه وصفاته وأفعاله جلّ وعلا.
2) يعرف الله تبارك وتعالى في أمره ونهيه.
3) يعرف ربه تبارك وتعالى عن طريق رسله وكتبه.
4) يعرف ربه تبارك وتعالى عن طريق مخلوقاته وآياته.
ثم هو المخلص في عبادته الذي لا يريد بطاعته ولا قُرُباته وجوه الناس، لا رياءً ولا سمعة وإنما يريد ما عند الله تبارك وتعالى. ثم هو المواظب على طاعة الله تبارك وتعالى لا يعبد الله تبارك وتعالى كلما اشتهت نفسه فقط، بل في المنْشَط والمكْره، يُقيم على طاعة الله تبارك وتعالى فيما أحب وكره فيما نشطت له النفس وكسلت، مقيم على طاعة الله تبارك وتعالى، وقال أهل العلم: إن أولياء الله تبارك وتعالى ينقسمون إلى قسمين ذكرهم الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز:
القسم الأول: سابقون مُقرّبون. فهؤلاء نالوا المرتبة العليا، ونالوا الفردوس عند الله تبارك وتعالى، ونالوا الزلفى عند الله تبارك وتعالى، نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا وإياكم منهم.
القسم الثاني: أصحاب يمين مقتصدون. فهؤلاء وإن كانوا من أولياء الله تبارك وتعالى لأنهم ليسوا من أعدائه، وإنما هم من أوليائه الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً ولكنهم ما خرجوا من ولاية الله تبارك وتعالى. ولذلك قال أهل العلم: قد يجتمع للمؤمن ولاية من وجه وعداوة من وجه آخر كما يجتمع فيه إيمان وكفر ويجتمع فيه طاعة ومعصية فكذلك يجتمع في المؤمن إيمان وولاَية ومعصية وعداوة نحب فيه طاعته ونبغض فيه معصيته فهؤلاء مقتصدون أصحاب يمين لهم وعليهم.
فيما يلي جدول يبين السابقون وأصحاب اليمين:
السابقون
1-ذواتا أفنان
2-فيهما عينان تجريان
3-فيهما من كل فاكهة زوجان
4-متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وجنى الجنتين دان
5-فيهن قاصرات الطرف كأنهن الياقوت والمرجان
6-لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جآن
أصحاب اليمين
1-مدهامتان
2-نضاختان
3-فيهما فاكهة ونخل ورمان
4-متكئين على رفرف خضر وعبقريٌ حسان
5-فيهن خيرات حسان، حور مقصورات بالخيام
6-لم يطمثهن قبلهم إنس ولا جآن
صفة الولي:
* ولي الله تبارك وتعالى لا يُعرف بين الناس بلباس معين ولا بمشية معينة ولا بأكل معين وإنما هو عبدٌ من عباد الله تبارك وتعالى وإنما الولاية التي ينالها عند الله تبارك وتعالى بما وقر في قلبه من الإيمان والتقوى وكذلك ما ظهر من أعماله مما يظهر للناس ويرونه ولكن ما وقر في القلب أعظم. * وأولياء الله مهما وصلوا من الدرجات العلا عند الله جل وعلا فإنهم لا يصلون أبداً إلى درجة نبي من الأنبياء وذلك أن أنبياء الله هم سادة الأولياء وهم أول الأولياء وبعدهم يأتي أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فنبيٌ واحد خيرٌ من جميع الأولياء.
* وقد يُجري الله بعض الكرامات على أيدي بعض أوليائه وذلك إذا احتاجوا إلى ذلك الأمر كما قال تبارك وتعالى "ومن يتقِ الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب" وقال "إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا" وقد تكون تثبيتاً لهم ولغيرهم ممن يتبعهم أو يقتدي بهم. وهذه الكرامات لا تصل إلى معجزات الأنبياء بل هي دون معجزات الأنبياء فلا يمكن أن تكون كرامة لولي كمثل القرءان الكريم، وعصى موسى، وناقة صالح، بل هم دون الأنبياء كما أن كراماتهم دون كرامات ومعجزات الأنبياء. نعم، قد يُعطي الله تبارك وتعالى كرامة لنبي مثل كرامة وليّ ولكن أصلُ المعجزات أعظم من كرامات الأولياء.
وقد ذكر الله تبارك وتعالى في كتابه وذكر رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته وذكر لنا سلفنا الصالح رحمهم الله تبارك وتعالى في كتبهم بعض الكرامات التي أظهرها الله على أيدي بعض أوليائه، فنذكر منها:
1) قول الله تبارك وتعالى عن سليمان عليه الصلاة و السلام لما قال:" أيّكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقويٌ أمين قال الذي عنده علمٌ من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتدّ إليك طرْفُك فلما رآه مستقراً عنده قال هذا من فضل ربي" نصّ جُلّ علماء التفسير على أن ذلك الرجل كان من الإنس وإنه كان ولياً من أولياء الله تبارك وتعالى دعا الله جلّ جلاله فاستجاب له بقوله "كن فيكون" فكان العرش عند سليمان صلوات الله وسلامه عليه.
2) ومن الكرامات التي نص عليها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ما وقع لجُريْج العابد فكان مخلصاً لله تبارك وتعالى ولكن وقعت منه زلّه فاستجاب الله دعاء أمه عليه ثم نجاه الله تبارك وتعالى من قتلِ قومه له بأن أنطق الصبيّ وهو رضيع
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ عثمان الخميس
عدد القراء : 1939
تاريخ الموضوع: 08 - يونيو - 2004 ميلادية
(143/1)
تعقيبا على حديث ولاية المرأة
الشيخ عدنان عبد القادر
تعقيبا على حديث ولاية المرأة
الأشقر أخطأ في تسع مسائل أصولية وفقهية وحديثية
بقلم: عدنان عبدالقادر
نشرت أخيرا مقالة لفضيلة الشيخ د. محمد الأشقر تكلم فيها عن الحديث الذي رواه البخاري عن ابي بكرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة»، فرده، واحتج على رده بعدة حجج، وعلى الرغم من كون الشيخ عالماً بالاصول متبحراً فيه الا انه قد أخطأ في مسائل عدة اصولية وفقهية وحديثية، وهذا امر مستغرب منه اكثر من استغرابه هو من تصحيح البخاري لروايات أبي بكرة اذ:
1 ـ لم يفرق بين قذف أمهات المؤمنين وسائر المؤمنات.
2 ـ لم يفرق بين العلة المركبة والبسيطة.
3 ـ لم يفرق بين الشهادة والرواية.
4 ـ لم يفرق بين القذف والشهادة عليه.
5 ـ لم يفرق بين من تاب من القذف ومن لم يتب.
6 ـ لم يسبقه احد في تكذيب أبي بكرة ورد رواياته.
7 ـ رد اليقين بالشك والمحتمل.
8 ـ قبول العلماء رواية شاهد القذف.
9 ـ اعتماده على الروايات الضعيفة في رد الصحيحة.
الفرق بين قذف امهات
المؤمنين وسائر المؤمنات
احتج الشيخ على تكذيب ابي بكرة بقوله تعالى: (لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء فإن لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون) وهذه وردت في قذف امهات المؤمنين، وامهات المؤمنين لهن مكانة خاصة في كتاب الله تعالى وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، كقول الله تعالى: «يا نساء النبي لستن كأحد من النساء» وقال سبحانه: «يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين»، وقال سبحانه: «ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحاً نؤتها اجرها مرتين»، لذا قال تعالى فيمن قذف امهات المؤمنين: «لعنوا في الدنيا والآخرة».
وقال شيخ الاسلام ابن تيمية: «وقال القاضي أبويعلى: من قذف عائشة بما برأها الله منه كفر بلا خلاف»ـ
وقد حكى الاجماع على هذا غير واحد، وصرح غير واحد من الأئمة بهذا الحكم، فروي عن مالك: «من سب أبا بكر جلد، ومن سب عائشة قتل. قيل له: لمَ؟ قال: من رماها فقد خالف القرآن».
وقال الحسن بن زيد العلوي فيمن قذف عائشة: قال الله تعالى: «الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات» فان كانت عائشة خبيثة فالنبي صلى الله عليه وسلم خبيث.. فهو كافر فاضربوا عنقه. (رواه اللالكائي).
وقال: «والأصح ان من قذف واحدة من أمهات المؤمنين فهو كقذف عائشة رضي الله عنها، وذلك لأن هذا فيه عار وغضاضة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأذى له أعظم من أذاه بنكاحهن بعده» (الصارم المسلول 567)، ولذا قال الله تعالى: «لعنوا في الدنيا والآخرة».
لم يفرق بين العلة المركبة والبسيطة
تبين لنا ان الآية الواردة في تكذيبه وردت خاصة في أمهات المؤمنين، فعلة الحكم عليه بالكذب هي علة مركبة من:
1 ـ القذف.
2 ـ خصوصية أمهات المؤمنين.
بينما ما ورد في أبي بكرة إن سمي تجاوزاً قذفاً فهو في حق مسلمة ليست من امهات المؤمنين، فالعلة بسيطة، أي مكونة من جزئية واحدة وهي قذف مسلمة، فكيف ينزل عليها حكم العلة المركبة وهي حكم قذف امهات المؤمنين.
فالعلة المركبة اذا انتفى وصف منها انتفت العلة.
لم يبين الفرق بين الشهادة والرواية
ثم الحديث الذي رواه أبوبكرة يسمى رواية للحديث وليس شهادة، كما هو معلوم، وقد فرق علماء الأصول بين الرواية والشهادة.
أبو بكرة لم يقذف أحداً
وأما قول فضيلة د. الأشقر: «ان ابا بكرة قذف المغيرة بن شعبة بالزنى» ثم بنى كل حكمه عليه، فالجواب: ان الرواية الصحيحة لم تقل ذلك، وانما الرواية عن ابي عثمان النهدي قال: «لما شهد ابو بكرة وصاحباه على المغيرة جاء زياد» فذكره الرواية: رواه ابن ابي شيبة.
وفي الرواية الاخرى الصحيحة كذلك قال ابو عثمان: «جاء رجل الى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فشهد على المغيرة فتغير لون عمر، ثم جاء آخر فشهد، ثم جاء آخر فشهد» فذكر الرواية، رواه الطحاوي وصححهما الالباني. (الإرواء 2361).
ورواه البيهقي وابن ابي شيبة عن شامة بن زهير قال: لما كان من شأن ابي بكرة والمغيرة الذي كان - وذكر الحديث قال: فدعا الشهود، فشهد ابو بكرة وشبل بن معبد وابو عبدالرحمن بن نافع) فذكر الرواية وصححه الألباني.
كل الروايات تذكر الشهادة ولم تذكر القذف، إذ القاذف هو الذي يدعي على فلان بالزنى ثم يأتي بالشهود الاربعة فيكون المجموع خمسة. القاذف والشهود الاربعة.
لم يفرق بين القذف والشهادة عليه
وردت الآيات في التغليظ على القاذف لا على الشاهد. لقول الله تعالى: «والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة» واضح ان المراد هو قاذف المحصنات لا من شهد فذكر سبحانه عقوبة القاذف بقوله «ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا واولئك هم الفاسقون».
قال الشيرازي في اللمع: وابو بكرة ومن شهد معه تقبل رواياتهم لانهم اخرجوا الفاظهم مخرج الاخبار، لا مخرج القذف وجلدهم عمر باجتهاده.
قال ابن مفلح عن الشهادة في القذف: «انه ليس من الجرح لانه لم يصرح بالقذف» (شرح الكوكب المنثر 2/386 - 387).
وقال الذهبي كأن ابو بكرة يقول: «لم اقذف المغيرة، وانا شاهد، فجنح الى الفرق بين القاذف والشاهد، اذ نصاب الشهادة لو تم بالرابع لتعين الرجم، ولما سموا قاذفين» (السير3/7).
لذا روى عن احمد والشافعي انه لا يحد (شرح الكوكب 3/387).
والآية تدل علىه، ولكن كما قال الشيرازي بأنه عمر رضي الله عنه جلدهم باجتهاده.
الشهادة على القذف لا تجرح
قال في شرح التحرير: روي عن احمد والشافعي انه لا يحد.
قال ابن مفلح: فيتوجه من هذه الرواية بقاء عدالته وقاله الشافعي: وهو معنى ما جزم به الآمدي ومن وافقه، وانه ليس من الجرح لم يصرح بالقذف. (شرح الكوكب 3/389).
اذ قد يكون صادقا في شهادته، ولكن نقص العدد. لذا عندما تكلموا هل يلزم ان يكذب نفسه. قال بعضهم: لا. كما قال مالك: لجواز ان يكون صادقا في الامر نفسه. (الفتح5/257 - 258).
وذلك لانه شهد بما رأى، واما نقص العدد عن اربعة، فهذا ليس من جهته ولا طعنا في عدالته، كما في شرح الكوكب: «لان نقص العدد ليس من جهته» (2/385).
قبول رواية شاهد القذف
قال الفتوحي (2/385): وتقبل رواية من اتصف بذلك، ولو انه قاذف بلفظ الشهادة، قال اصحابنا وغيرهم: ان قذف بلفظ الشهادة قبلت روايته، لان نقص العدد ليس من جهته.
توبة القاذف تمحو قذفه
قال الله تعالى في القاذف الاصيل (وليس عن الشاهد): «والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة ابدا واولئك هم الفاسقون الا الذين تابوا من بعد ذلك واصلحوا فإن الله غفور رحيم».
فبين الله تعالى ان شهادتهم تقبل اذا تابوا من القذف. وابو بكرة بالرغم من كونه ليس قاذفا وانما شاهد، والحديث يعتبر رواية وليس شهادة، ومع ذلك، فقد اتفقت الامة على حسن اسلامه وصحبته للنبي صلى الله عليه وسلم ومات على ذلك. قال الذهبي: كان من فقهاء الصحابة. (السير3/6).
وقال في شرح التحرير «وافق الناس على الرواية عن ابي بكرة» (الفتوحي2/287).
قال المهلب: لم يكذب ابو بكرة نفسه ومع ذلك فقد قبل المسلمون روايته وعملوا بها (فتح الباري5/256).
وصلاحه وحسن اسلامه لا يختلف عليه العلماء واهل السنة والجماعة. فمن اين اتى فضيلة د. محمد الاشقر بهذا الرأي في رد رواية ابي بكرة.،
أبو بكرة لم يكذبه أحد من المسلمين.
لقد تفرد فضيلة د. محمد الاشقر بتكذيب ابي بكرة، وليس له سابق بهذا القول الا الرأي المصادم لاتفاق الامة على صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم وموته على الصحبة والايمان والفقه في الدين.
اما الشهادة وحتى القذف لايدلان على كذبه. بل كما قال الامام مالك عن توبة القاذف (وليس الشاهد): اذا ازداد خيرا كفاه، ولا يتوقف على تكذيب نفسه، لجواز ان يكون صادقا في الامر نفسه. قال الحافظ بن حجر واليه مال البخاري (فتح الباري 5/257 - 258) في شرح التحرير: «واتفق الناس على الرواية عن ابي بكرة» (شرح الكوكب 2/387).
قال المهلب: «قد قبل المسلمون رواية ابي بكرة وعملوا بها» (الفتح 5/256).
اعتماده على الروايات الضعيفة
ورد الصحيحة
قال فضيلة د. الاشقر: قال عمر رضي الله عنه لأبي بكرة: تب اقبل شهادتك. فأبى ان يتوب، واسقط عمر بعد ذلك شهادته. فكان ابو بكرة بعد ذلك اذا استشهد على شيء يأبى ان يشهد ويقول: امير المؤمنين ابطل شهادتي.
هذه رواية ضعيفة لا تصح. اذ رواها الشافعي (6/159)، وعبدالرزاق (1/152)، والطبري في تاريخه (4/70)، وغيرهم عن سعيد بن المسيب عن عمر. وتعتبر رواية ابن المسيب عن عمر مرسلة. وتخالف الروايات الصحيحة.
قال ابن ابي حاتم: سمعت ابي قيل له: يصح لسعيد سماع من عمر. قال: لا، الا رؤية، رآه على المنبر ينعي النعمان بن مقرن. وقال يحيى القطان: سعيد عن عمر مرسل ويدخل في المسند على سبيل المجاز. وقال مالك: لم يدرك عمر، ولكن لما كبر اكب على المسألة عن شأنه وامره.
غاندي وتاتشر وبلقيس
اين النجاح في كل من ذكر؟ اما غاندي وتاتشر، فقد سقطتا في الانتخابات لسوء ادارة الدولة لأنهما كانتا فاشلتين. ومن تتبع سبب سقوطهما علم عدم فلاحهما، بل تاتشر لم تنجح على مستوى حزبها «المحافظين»، فضلا على مستوى الدولة. اما بلقيس فأي نجاح حققته، واي ثناء اثنى الله عليها؟ فلم يثن الله تعالى عليها، وانما ورثت عرشا عظيما وعندما عرض عليها نبي الله سليمان عليه السلام الاسلام ردت عليه بالهدايا، فأي تدبير حسن. ولم تسلم الا عندما رأت ابهة القصر، فلم تهدها رسالة الاسلام الناصعة التي لا تستطيع ان ترفضها العقول السليمة الصافية، بل الذي هداها هو ابهة الملك وعظمة الملك. فالزينة هي التي جعلتها تسلم لله تعالى من سليمان عليه السلام.
فكيف نقدم اوهام الفالح ونرد به النص الواضح فضلا عن تكذيبه؟ فكيف يقال: ان واقع غاندي وتاتشر وبلقيس يكذب الحديث. فهذا تعد في تقديم الرأي الفاسد على النص الصريح الصحيح. حيث قال فضيلة الشيخ: «لو صح». اي عند صحته فإنه يرده لمثل هذه الاوهام.
قال سهل بن حنيف: «اتهموا الرأي في الدين» رواه البخاري. وكذا قال امير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وفي نهاية المقال لعل ما سبق ذكره لا ينسف مكانة الشيخ العلمية ولا ما قدمه للعلم، ولكن كل بني آدم خطاء وما من علماء الاسلام معصوم عن الخطأ. وكل يؤخذ من قوله ويرد الا النبي صلى الله عليه وسلم. والحمد لله رب العالمين.
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الشيخ عدنان عبد القادر
عدد القراء : 1965
تاريخ الموضوع: 12 - يونيو - 2004 ميلادية
almanhaj@almanhaj.net(144/1)
1421-1423/2000-2005
المنهج(144/2)
أضواء على الفكر التفجيري
د. حمد بن إبراهيم العثمان
أضواء على الفكر التفجيري
د. حمد بن إبراهيم العثمان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فهذه أضواء على جزء من مقالات تنظيم القاعدة، وكتائب الحرمين من خلال مجلتهم، والغرض من هذا العرض هو معرفة منهجهم من خلال كلامهم، ولعل أول ما نبدأ به في عرض أهم عناصر منهج هذه الجماعة هو رأيهم في أنفسهم.
راشدون وليسوا مرضى
يعتذر البعض لهؤلاء الشباب فيما يسفكونه من دماء معصومة، وما يقومون به من زعزعة الأمن بأنهم مرضى، وأنه ينبغي معالجتهم لا معاقبتهم أو مواجهتهم، ولكن لننظر ما هو رأيهم في هذا التقييم.
ففي العدد السادس من مجلتهم بعد ان تحدثوا عما نشرته وسائل الإعلام السعودية من أسماء المطلوبين، ذكروا كلام لمذيع فقالوا «حتى المذيع في هذه النشرة، عندما انتهى من البيان سأل الله ان يهديهم إلى رشدهم!.
فعلقوا على كلام المذيع بقولهم «ووالله إن الرشد ماهم فيه».
فهم يرون ان ما هم عليه هو الرشد والهداية، وأن مخالفهم هو المريض.
المطلوب الحوار
ينصح البعض بمحاورة هؤلاء الشباب، ولا شك أن صاحب الفكرة والعقيدة إذا كان منتحلا لمذهب باطل فان نصحه واجب، ما لم يعتد ويصول على الدماء والأنفس، فحينئذ يتعامل معه من باب دفع الصائل، ومع هذا فلننظر هل عند هؤلاء الشباب رغبة في الحوار، وهل هناك فسحة للنصيحة ودرء الفتنة.
ففي العدد الخامس من مجلتهم تحت عنوان «الحوار مع الطواغيت» قالوا: «الحوار مع الطواغيت، ذلك الفخ، الذي لا ينطلي على عاقل وإنما هو بمنزلة الوسيلة المتاحة لحفظ ماء الوجه لكل من أرهقته تكاليف الطريق، ومشقة الابتلاء، هو عذر قد يجد قبولا لدى الجماهير، يستطيع به المنهزمون ان يتراجعوا عن ثوابتهم، دون ان تمتد إليهم الأصابع بإشارة الضعف والخور والنكوص».
وفي العدد السابع قالوا: «ولم تجد دعوات الحوار وتسليم النفس صدى لدى من يعنيهم الأمر من شباب الجهاد».
وفي العدد الثامن قالوا: «هذا التصور لهؤلاء المرتدين، الذين أخذوا مقعد الحاكم الشرعي في بلاد المسلمين، يجعل الحوار معهم مستحيلاً أصلا، ولا حوار مع المرتدين شرعا وسياسة إلا بالسيف والقتال في سبيل الله».
هل من سبيل إلى توبة؟
قالوا في العدد الخامس ما نصه: «ليعلم الجميع أن عليهم إذا أرادوا منا أن نتراجع عن مبادئنا، التي من أجلها خلقنا، وبها أُمرنا، ومن أجلها دماءنا سفكنا: فليخرجوا محمداً صلى الله عليه وسلم من قبره ليقول لنا: لا تخرجوا المشركين من جزيرة العرب، ليخرجوه ليقول: «لا تجاهدوا المشركين من جزيرة العرب، ليخرجوه ليقول: «إنكم مخطئون متطرفون إرهابيون، لا بد لكم أن تتراجعوا وتتوبوا، عندها فقط سنسمع ونطيع له صلى الله عليه وسلم».
الحل.. الديموقراطية
بعض المعلقين على ما يجري في السعودية، يبرر سبب حصول التفجيرات في المملكة السعودية، حرسها الله، انها لا تعمل بالديموقراطية، وأن وجود برلمان شبيه لبرلمان الكويت ربما يجعل المسألة تنتهي، ويحصل بذلك الاصلاح المنشود لكن هل هذا ما يريده التفجيريون؟
ففي العدد السادس تحت مقال «لا نريدها جزائر اخرى» قالوا:
«حري بالعاقل أن يستفيد من التجارب، فيا أيها المجاهدون في كل مكان: استفيدوا من تجربة الجزائر، لقد علمتكم الجزائر أن فكرة الديموقراطية ليست الإ خديعة كبرى أراد بها الكفارإشغال الشباب المتحمس، والطاقات الإسلامية المتوقدة، وتصريفها لتصب في النهاية في خدمة الطاغوت وحكم الطاغوت».
لماذا السعودية؟
أجاب هؤلاء الشباب عن هذا السؤال الذي يختلج في صدور الناس، حيث قالوا في العدد السادس ما نصه: «وأما أجيج النار في جزيرة العرب فيفترض به أن يكون أحد المفاتيح الأساسية في عملية التحول الكبرى، لأن الجزيرة هي القلب الذي يؤثر التغيير فيه على بقية الاعضاء في الجسد الإسلامي».
الكويت
الكويت لها خصوصية عند هؤلاء الشباب، ولذلك لا يكاد يخلو عدد من التحريض على الكويت، وقد جعلوا العدد الثالث عشر اكثر خصوصية في الكويت، وأفردوا لها مقالا خاصا، وجعلوه على غلافها.
ولهم نظر أيضا بالنسبة لتحرير الكويت من الاحتلال البعثي العراقي، حيث قالوا في العدد السادس عشر ص 20 وهم يتحدثون عن مشايخ المؤسسة الدينية حسب اصطلاحهم قالوا: «وأوجبوا قتال العراق المعتدي وتحرير الكويت، وكأنه لم يُحتل من بلاد المسلمين إلا الكويت».
وفي العدد السادس قالوا: «وحركة الجهاد لن تتوقف عند حدود ما يسمى بالمملكة العربية السعودية، ولا اعتبار شرعي يمنع مثلا من تحرك الجهاد خارج هذا الكيان الى اليمن او الى تلك الدول المسماة بالخليج».
وفي العدد الثاني عشر قالوا «الخونة من حكام الخليج الذين هم في الأساس جزء من العدو».
فالحاصل من هذا الكلام ان السعودية ليست المسرح الوحيد لعملياتهم، بل ان استحلال هذه العمليات عندهم في السعودية استحلال لغيرها من بلاد المسلمين من باب أولى.
لا نجاة إلا معهم
هذه الجماعة ترى انه لا يسع مسلم الا ان يكون معهم، حيث قالوا في العدد الرابع ص 15 ما نصه «فمن وقف في صف المجاهدين فقد سلك سبيل الهدى وأفلح، وسعى في نجاة نفسه من عذاب الله، وقدم لنفسه، وحصل الرفعة والدرجات العلى في الدنيا والآخرة.
ومن وقف في صف الصليبيين والمرتدين في هذه الحرب فقد خسر نفسه وارتد عن دينه وكفر بربه وجحد نعمة الله عليه، ومن وقف متفرجا معتزلا خاذلا لاخوانه المسلمين فقد فوت على نفسه حظا عظيما، ولم يسلم من اثم القعود والخذلان».
فهذا التأصيل الخارج عن شرع الله، لا اقول في حق المسلم فقط، او حتى من يطلب السلامة، او من يتوهم انه قتال فتنة فيعتزلها، بل هو خارج عن شرع الله، حتى في حق بعض الكفار الذين لا يريدون، لا ان يقاتلوا مع قومهم، ولا مع عدوهم، بل يريدون السلامة ويكفوا ايديهم عن الفريقين كما قال تعالى «حصرت صدورهم ان يقاتلوكم او يقاتلوا قومهم».
وحاصل الكلام عندهم كما قالوا في العدد السادس «المسألة واضحة والقضية معروفة والفسطاطان متمايزان بحمد الله».
أخرجوا السعوديين من جزيرة العرب
بعد حادث الوشم تكلموا عن مبرر هجومهم وتفجيرهم في السعوديين، وكأن جوابهم جاء اجابة على سخط الشارع السعودي على هذه الاعمال، حيث قالوا في العدد السادس عشر مبررين فعلتهم «وعندما جاء التفجير رفعوا عقائرهم بالصياح: هل هذا من قتال الصليبيين؟! هل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اخرجوا السعوديين من جزيرة العرب ولا قال: اخرجوا الاميركان من جزيرة العرب، بل قال: اخرجوا المشركين من جزيرة العرب، ما استثنى سعوديا ولا غيره، هذا هو الجواب الواضح الصريح لهذا التساؤل البليد ممن طرحه».
وهذا الكلام حكايته تغني عن الرد عليه، فالسعوديون عند القدم مشركون، فلا حول ولا قوة إلا بالله، والله المستعان.
الإعلام يفتري عليهم
يتبرم هؤلاء الشباب من ادعاءات وافتراءات ينشرها الاعلام عنهم، فقد جاء في العدد الخامس ما نصه: «فقد نشر في الصحف اشياء كثيرة لا أساس لها من الصحة، فقد قيل ان الاخوان عندهم مشاريع اغتيالات وتفجيرات بالاسواق وغيرها!!
وهذا مما لا يصدقه عاقل يعرف من هم المجاهدون».
ولم يحتج العقلاء الى ان ينتظروا كثيرا حتى يروا اعتداءهم على مجمع الواحة التجاري بسوق الخبر، الذي وقع قبل ايام.
التفاف لاستجلاب تعاطف العامة
يبدو ان هؤلاء الشباب شعروا بتناقص تعاطف العامة معهم بعد حوادثهم الاخيرة، ففي العدد السادس ص 14 قالوا: «لكن هذا التأثير وقتي ويزول مثلا لو ضرب المجاهدون اميركا ضربة اخرى ليعود التعاطف كما كان في السابق وربما اشد».
وشعورهم هذا، بتناقص عاطفة العامة، بعد حادثة «المحيا»، فكيف الحال بعد حادثة «الوشم» ثم «الخبر»؟!
غسل أموال وتجارة مخدرات
من الملفت للنظر جدا ما جاء في العدد الثالث ص 33 تحت مقال «عدونا من الداخل» حيث عابوا على المملكة السعودية حرسها خصوصا مؤسسة النقد السعودي، المصادقة على توصيات مجموعة FATF حول منع غسل الاموال، حيث قالوا منتقدين ذلك «تتبادل مؤسسة النقد السعودية المعلومات حول غسل الاموال ونشاطات تمويل الارهاب مع الجهات الاخرى المشرفة على البنوك ومع الجهات الامنية، كما انشأت مؤسسة النقد السعودية لجنة للقيام بالتقييم الذاتي حول الالتزام بتوصيات FATF، وقد تم تسليم استبيانات التقويم الذاتي هذه، وقد دعت المملكة العربية السعودية FATF الى اجراء تقييم متبادل في ابريل 2003».
وقالوا منتقدين ملاحقة تجار المخدرات: «طلبت السعودية من الانتربول توقيف 750 شخصا، عدد منهم يشتبه في قيامهم بغسل الاموال وتجارة المخدرات ونشاطات متعلقة بالارهاب».
فهذا الكلام اذا استحضرت في ذهنك معه ما يعتذر لهم من انهم اهل بطالة، يجيب اجابة صريحة عن مصادرة تمويلهم لعملياتهم.
سحر وشعوذة
من الامور الغريبة، خصوصا ان مجلة القوم متخصصة في شؤون عملياتهم العسكرية، واحوالهم المعيشية، انه بدءا من العدد الاول ولثلاثة اعداد يتحدثون عن السحر وانتشاره في صفوفهم، وكيفية الوقاية والعلاج منه.
فقد جاء في العدد الاول ص 28 ما نصه: «اخوتي بعد انتشار السحر والشعوذة وكثرة القصص والظنون في اصابة بعض المجاهدين (حسب اصطلاحهم) وسحرهم، وتخوف البعض من عمل السحر لهم..».
فهذا عرض لجزء من كلام القوم، حتى نتصور مذهب القوم، ومعرفة واقعهم على ما هو عليه، هو جزء من العلاج والله اعلم.
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » د. حمد بن إبراهيم العثمان
عدد القراء : 977
تاريخ الموضوع: 12 - يونيو - 2004 ميلادية
(145/1)
مناظرة المستقلة حول الإمام جعفر الصادق - الحلقة الأولى
الشيخ عثمان الخميس
مناظرة المستقلة حول الإمام جعفر الصادق
الحلقة الأولى :
العنوان
المؤلف
تاريخ الإضافة
الحلقة الأولى - نسخة شديدة الضغط
قناة المستقلة
14 / 06 / 2004
الحلقة الأولى - نسخة مضغوطة
قناة المستقلة
14 / 06 / 2004
الحلقة الأولى - نسخة عالية الجودة
قناة المستقلة
14 / 06 / 2004
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ عثمان الخميس
عدد القراء : 9580
تاريخ الموضوع: 14 - يونيو - 2004 ميلادية
(146/1)
مناظرة المستقلة حول الإمام جعفر الصادق - الحلقة الثانية
الشيخ عثمان الخميس
مناظرة المستقلة حول الإمام جعفر الصادق
الحلقة الثانية :
العنوان
المؤلف
تاريخ الإضافة
الحلقة الثانية - نسخة شديدة الضغط
قناة المستقلة
15 / 06 / 2004
الحلقة الثانية - نسخة مضغوطة
قناة المستقلة
15 / 06 / 2004
الحلقة الثانية - نسخة عالية الجودة
قناة المستقلة
15 / 06 / 2004
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ عثمان الخميس
عدد القراء : 4928
تاريخ الموضوع: 15 - يونيو - 2004 ميلادية
(147/1)
مناظرة المستقلة حول الإمام جعفر الصادق - الحلقة الثالثة
الشيخ عثمان الخميس
السمعيات الجديدة ...
بيانات السمعيات..
العنوان
المؤلف
تاريخ الإضافة
الحلقة الثالثة - نسخة شديدة الضغط
قناة المستقلة
15 / 06 / 2004
الحلقة الثالثة - نسخة مضغوطة
قناة المستقلة
15 / 06 / 2004
الحلقة الثالثة - نسخة عالية الجودة
قناة المستقلة
15 / 06 / 2004
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ عثمان الخميس
عدد القراء : 6064
تاريخ الموضوع: 15 - يونيو - 2004 ميلادية
(148/1)
مناظرة المستقلة حول الإمام جعفر الصادق - الحلقة الرابعة
الشيخ عثمان الخميس
السمعيات الجديدة ...
بيانات السمعيات..
العنوان
المؤلف
تاريخ الإضافة
الحلقة الرابعة - نسخة شديدة الضغط
قناة المستقلة
17 / 06 / 2004
الحلقة الرابعة - نسخة مضغوطة
قناة المستقلة
17 / 06 / 2004
الحلقة الرابعة - نسخة عالية الجودة
قناة المستقلة
17 / 06 / 2004
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ عثمان الخميس
عدد القراء : 5687
تاريخ الموضوع: 17 - يونيو - 2004 ميلادية
(149/1)
مناظرة المستقلة حول الإمام جعفر الصادق - نسخة سمعية
الشيخ عثمان الخميس
السمعيات الجديدة ...
بيانات السمعيات..
العنوان
المؤلف
تاريخ الإضافة
الحلقة الثالثة - نسخة سمعية
قناة المستقلة
17 / 06 / 2004
الحلقة الثانية - نسخة سمعية
قناة المستقلة
17 / 06 / 2004
الحلقة الأولى - نسخة سمعية
قناة المستقلة
17 / 06 / 2004
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ عثمان الخميس
عدد القراء : 3475
تاريخ الموضوع: 17 - يونيو - 2004 ميلادية
(150/1)
مناظرة المستقلة حول الإمام جعفر الصادق - الحلقة الخامسة
الشيخ عثمان الخميس
السمعيات الجديدة ...
بيانات السمعيات..
العنوان
المؤلف
تاريخ الإضافة
الحلقة الخامسة - نسخة شديدة الضغط
قناة المستقلة
18 / 06 / 2004
الحلقة الخامسة - نسخة مضغوطة
قناة المستقلة
18 / 06 / 2004
الحلقة الخامسة - نسخة عالية الجودة
قناة المستقلة
18 / 06 / 2004
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ عثمان الخميس
عدد القراء : 4865
تاريخ الموضوع: 18 - يونيو - 2004 ميلادية
(151/1)
مناظرة المستقلة حول الإمام جعفر الصادق - نسخة سمعية - الحلقة الرابعة
الشيخ عثمان الخميس
السمعيات الجديدة ...
بيانات السمعيات..
العنوان
المؤلف
تاريخ الإضافة
الحلقة الرابعة - نسخة سمعية
قناة المستقلة
18 / 06 / 2004
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ عثمان الخميس
عدد القراء : 3446
تاريخ الموضوع: 18 - يونيو - 2004 ميلادية
(152/1)
مناظرة المستقلة حول الإمام جعفر الصادق - الحلقة السادسة
الشيخ عثمان الخميس
السمعيات الجديدة ...
بيانات السمعيات..
العنوان
المؤلف
تاريخ الإضافة
الحلقة السادسة - نسخة شديدة الضغط
قناة المستقلة
19 / 06 / 2004
الحلقة السادسة - نسخة مضغوطة
قناة المستقلة
19 / 06 / 2004
الحلقة السادسة - نسخة عالية الجودة
قناة المستقلة
19 / 06 / 2004
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ عثمان الخميس
عدد القراء : 5926
تاريخ الموضوع: 19 - يونيو - 2004 ميلادية
(153/1)
مناظرة المستقلة حول الإمام جعفر الصادق - الحلقة السابعة
الشيخ عثمان الخميس
السمعيات الجديدة ...
بيانات السمعيات..
العنوان
المؤلف
تاريخ الإضافة
الحلقة السابعة - نسخة شديدة الضغط
قناة المستقلة
20 / 06 / 2004
الحلقة السابعة - نسخة مضغوطة
قناة المستقلة
20 / 06 / 2004
الحلقة السابعة - نسخة عالية الجودة
قناة المستقلة
20 / 06 / 2004
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ عثمان الخميس
عدد القراء : 6586
تاريخ الموضوع: 20 - يونيو - 2004 ميلادية
(154/1)
مناظرة المستقلة حول الإمام جعفر الصادق - نسخة سمعية - الحلقات 5 ، 6 ، 7
الشيخ عثمان الخميس
السمعيات الجديدة ...
بيانات السمعيات..
العنوان
المؤلف
تاريخ الإضافة
الحلقة السابعة - نسخة سمعية
قناة المستقلة
20 / 06 / 2004
الحلقة السادسة - نسخة سمعية
قناة المستقلة
20 / 06 / 2004
الحلقة الخامسة - نسخة سمعية
قناة المستقلة
20 / 06 / 2004
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ عثمان الخميس
عدد القراء : 5404
تاريخ الموضوع: 20 - يونيو - 2004 ميلادية
(155/1)
مناظرة المستقلة حول الإمام جعفر الصادق - الحلقة الثامنة والأخيرة
الشيخ عثمان الخميس
السمعيات الجديدة ...
بيانات السمعيات..
العنوان
المؤلف
تاريخ الإضافة
الحلقة الثامنة ( الأخيرة ) - نسخة شديدة الضغط
قناة المستقلة
22 / 06 / 2004
الحلقة الثامنة ( الأخيرة ) - نسخة مضغوطة
قناة المستقلة
22 / 06 / 2004
الحلقة الثامنة ( الأخيرة ) - نسخة عالية الجودة
قناة المستقلة
22 / 06 / 2004
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ عثمان الخميس
عدد القراء : 13943
تاريخ الموضوع: 22 - يونيو - 2004 ميلادية
(156/1)
مناظرة المستقلة حول الإمام جعفر الصادق - نسخة سمعية - الحلقة الثامنة والأخيرة
الشيخ عثمان الخميس
السمعيات الجديدة ...
بيانات السمعيات..
العنوان
المؤلف
تاريخ الإضافة
الحلقة الثامنة ( الأخيرة ) - نسخة سمعية
قناة المستقلة
23 / 06 / 2004
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ عثمان الخميس
عدد القراء : 12785
تاريخ الموضوع: 23 - يونيو - 2004 ميلادية
(157/1)
الردُ على الشبهةِ المثارةِ حول روايةِ : " قردةٌ في الجاهليةِ زنت فرُجمت "
الأخ الفاضل سعود الزمانان
? الردُ على الشبهةِ المثارةِ حول روايةِ : " قردةٌ في الجاهليةِ زنت فرُجمت "
? نصُ الأثرِ :
روى الإمامُ البخاري في " صحيحه " (3849) ، كتاب مناقب الأنصار ، بابٌ القسامة في الجاهليةِ :
حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، عَنْ حُصَيْنٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ : " رَأَيْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قِرْدَةً اجْتَمَعَ عَلَيْهَا قِرَدَةٌ ، قَدْ زَنَتْ ، فَرَجَمُوهَا ، فَرَجَمْتُهَا مَعَهُمْ .
· الردُ :
· أولاً :
هذا الحديثُ ليس على شرطِ الإمامِ البخاري ، فصحيحُ البخاري سماهُ : " الجامعُ المختصرُ المسندُ الصحيحُ من أمورِ رسولِ اللهِ – صلى اللهُ عليه وسلم – وسننهِ وأيامهِ " فالخبرُ ليس مسنداً للرسولِ فهو ليس على شرطِ البخاري – رحمهُ اللهُ - .
فالأحاديثُ الموقوفةُ ، وهي الأحاديثُ التي تروى عن الصحابةِ ، ولا يتمُ رفعُها للنبي – صلى اللهُ عليه وسلم - ، والتي يسميها بعضُ أهلِ العلمِ " الآثار " هي ليست كذلك على شرطِ البخاري – رحمه الله - .
وكذلك الأحاديثُ المعلقةُ ، وهي الأحاديثُ التي يوردها البخاري ، ويحذفُ أولَ أسانيدها ، أو يوردُ قولاً بدون سندٍ كأن يقول : " قال أنسٌ " ، أو يوردهُ بصيغةِ التمريضِ كأن يقول : " يُروى عن أنسٍ " ، وهذه المعلقاتُ سواءٌ رواها بصيغةِ الجزمِ ، أو بصيغةِ التمريضِ ، فليست هي على شرطِ الإمامِ البخاري ، وقد بلغت معلقاتُ البخاري في الصحيحِ ألفاً وثلاثمائة وواحداً وأربعين .
· ثانياً :
هذا الخبرُ رواهُ عمرو بنُ ميمونٍ ، وهو من كبارِ التابعين ، وليس صحابياً ، وإنما هو ممّن أدرك الجاهليةَ ، وأسلم في عهدِ النبي – صلى اللهُ عليه وسلم – ولكنهُ لم يرهُ ، ولم يرو عنهُ ، ويطلقُ على أمثالهِ في كتبِ التراجمِ والرجالِ : " مُخَضْرَمٌ " ، ترجم له الحافظُ في " التقريب " فقال : " مُخَضْرَمٌ مَشْهُوْرٌ " [ سيرُ أعلامِ النبلاء (4/158) – والإصابةُ (3/118 ) ] .
قال ابنُ الجوزي – رحمه الله : " وقد أوهم أبو مسعود بترجمةِ عمرو بنِ ميمونٍ أنهُ من الصحابةِ الذين انفرد بالإخراجِ عنهم البخاري ، وليس كذلك فإنهُ ليس من الصحابةِ ، ولا لهُ في الصحيحِ مسندٌ " . [ كشفُ المشكلِ من حديثِ الصحيحين لابن الجوزي (4/175) ] .
فعمرو بنُ ميمونٍ كما قال الإمامُ القرطبي – رحمه الله – يعدُ من كبارِ التابعين من الكوفيين [ تفسيرُ القرطبي (1/442) تفسير سورة البقرة الآية 65 ] .
· ثالثاً :
البخاري – رحمهُ اللهُ – لما ذكر هذا الأثرَ الذي ليس على شرطهِ ، إنما أراد الإشارةَ إلى فائدةٍ والتأكيدِ على أن عمرو بنَ ميمونٍ قد أدرك الجاهليةَ ، ولم يبالِ البخاري بظنِ عمرو الذي ظنهُ في الجاهليةِ ، بأن القردةَ قد زنت فرجموها بسببِ الرجمِ .
· رابعاً :
الخبرُ استنكرهُ الإمامُ ابنُ عبدِ البرِ – رحمهُ اللهُ – قال الحافظُ ابنُ حجرٍ – رحمهُ اللهُ - : " وَقَدْ اِسْتَنْكَرَ اِبْن عَبْد الْبَرّ قِصَّة عَمْرو بْن مَيْمُون هَذِهِ وَقَالَ : " فِيهَا إِضَافَة الزِّنَا إِلَى غَيْر مُكَلَّف ، وَإِقَامَة الْحَدّ عَلَى الْبَهَائِم وَهَذَا مُنْكَر عِنْد أَهْل الْعِلْم " . [ فتح الباري لابن حجر 7/197 ( الطبعة السلفية ) ] .
· خامساً :
استنكر الخبرَ الإمامُ الألباني – رحمه الله – فقال : " هذا أثرٌ منكرٌ ، إذ كيف يمكنُ لإنسانٍ أن يعلمَ أن القردةَ تتزوجُ ، وأن من خُلقهم المحافظةَ على العرضِ ، فمن خان قتلوهُ ؟! ثم هبّ أن ذلك أمرٌ واقعٌ بينها ، فمن أين علم عمرو بنُ ميمون أن رجمَ القردةِ إنما كان لأنها زنت " . [ مختصر صحيح البخاري للألباني (2/535) ] .
· سادساً :
قال الشيخُ الألباني – رحمهُ اللهُ - : " وأنا أظنُ أن الآفةَ من شيخِ المصنفِ نعيمِ بنِ حمادٍ ، فإنهُ ضعيفٌ متهمٌ ، أو من عنعنةِ هُشيم ، فإنهُ كان مدلساً " . [ مختصر صحيح البخاري للألباني (2/535) ] .
· سابعاً :
وممن ذهب إلى تضعيفِ الأثرِ محققُ " سير أعلام النبلاء " (4/159) فقد قال في الحاشيةِ : " ونعيمُ بنُ حمادٍ كثيرُ الخطأِ ، وهُشيمٌ مدلسٌ وقد عنعن " .
· ثامناًً :
فالخبرُ ضعيفٌ في سندهِ نُعيمُ بنُ حمادٍ ، من رجالِ معلقاتِ البخاري لا من أسانيدهِ ، روى عنهُ البخاري مقروناً بغيرهِ في الأحاديثِ أرقام ( 393-4339-7139) ، ولم يقرنهُ بغيرهِ إلا في هذا الحديثِ المقطوعِ الذي ليس على شرطهِ – رحمهُ اللهُ – حديث رقم (3849) .
ونعيمُ بنُ حمادٍ قال عنه الحافظُ في " التقريب " : " صدوقٌ يخطيءُ كثيراً " ، وقال النسائي : " ضعيفٌ " ، وذكرهُ ابنُ حبان في " الثقات " وقال : " ربما أخطأ ووهم " . [ تهذيب الكمال (29/476) ] .
· تاسعاً :
وكذلك الخبرُ ضعيفٌ لأن في سندهِِ هُشيمَ بنَ بشيرٍ الواسطي ، وهو كثيرُ التدليسِ ، وجعلهُ الحافظُ في المرتبةِ الثالثةِ في طبقاتهِ ، وهم ممن لا يُحتجُ بحديثهم إلا بما صرحوا به السماعَ ، قلتُ : ولم يصرح بالسماعِ في هذا الخبرِ .
· عاشراً :
مال الشيخُ الألباني إلى تقويةِ هذا الأثر مختصراً دون وجود النكارةِ أن القردةَ قد زنت وأنها رُجمت بسببِ الزنا فقال - رحمه الله - : " لكن ذكر ابنُ عبدِ البر في " الاستيعاب " (3/1205) أنهُ رواهُ عبادُ بنُ العوام أيضاً ، عن حصين ، كما رواه هشيم مختصراً .
قلتُ : ( القائلُ الألباني ) وعبادُ هذا ثقةٌ من رجالِ الشيخين ، وتابعهُ عيسى بنُ حطان ، عن عمرو بنِ ميمون به مطولاً ، أخرجهُ الإسماعيلي ، وعيسى هذا وثقهُ العجلي وابنُ حبان ، وروايته مفصلةٌ تبعد النكارةَ الظاهرةَ من روايةِ نعيم المختصرة ، وقد مال الحافظُ إلى تقويتها خلافاً لابنِ عبدِ البر ، والله أعلم " . [ مختصر صحيح البخاري للألباني (2/535-536) ] .
· الحادي عشر :
لو اقترضنا صحةَ الخبرِ ، فإن الراوي أخبر عما رأى في وقتِ جاهليتهِ فإنهُ لا حرج من القولِ بأن هذا ما ظنهُ لا سيما أنهُ في روايةٍ رأى قرداً وقردةً مع بعضهما فجاء قردٌ آخر ، وأخذها منهُ فاجتمع عليها القردةُ الآخرون ورجموهما.
فهذه صورةُ الحكايةِ ظنها الراوي رجماً للزنى ، وهو لم يأخذ هذا حكايةً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وليست كذلك الراوي لها أحدُ أصحابِ النبي – صلى الله عليه وسلم - ولو أخبر بها النبي – صلى اللهُ عليه وسلم - ، وصح السندُ عنه قبلناهُ ، فإننا صدقناهُ فيما هو أعظمُ من ذلك .
· الثاني عشر :
والغريبُ في هذا الأمرِ أن بعضَ أهلِ العلمِ قد تكلف جداً في توجيهِ هذا الخبر ، والذي كما أسلفنا ليس من قولِ الرسولِ – صلى الله عليه وسلم – ولا من قولِ أحدٍ من الصحابةِ ، فالخبرُ مقطوعٌ على أحدٍ التابعين ، فلا أدري لم هذا التكلفُ في هذهِ الردودِ على خبرٍ ضعيفِ السندِ ليس على شرطِ الإمامِ البخاري – رحمهُ اللهُ – . ومن هذهِ الأقوالِ التي فيها الكثيرُ من التكلفِ ما قالهُ بعضُ أهلِ العلم كما نقل عنهُ الحافظُ في " الفتح " : " لَعَلَّ هَؤُلَاءِ كَانُوا مِنْ نَسْل الَّذِينَ مُسِخُوا فَبَقِيَ فِيهِمْ ذَلِكَ الْحُكْم " . وقد ردهُ ابنُ التينِ والحافظُ ابنُ حجرٍ فقال بعد أن نقل القولَ عن ابنِ التينِ : " ثُمَّ قَالَ – أي ابن التين - : إِنَّ الْمَمْسُوخ لَا يَنْسِل قُلْت : وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَد , لِمَا ثَبَتَ فِي صَحِيح مُسْلِم " أَنَّ الْمَمْسُوخ لَا نَسْل لَهُ " ( حديث رقم 2663- كتاب القدر – باب أن الآجال والأرزاق وغيرها لا تزيد ) .
ومن الردودِ الظاهرةِ التكلفِ هو ما أوردهُ الحافظُ عن بعضِ أهلِ العلمِ بأنهُ : " لَا يَلْزَم أَنْ تَكُون الْقُرُود الْمَذْكُورَة مِنْ النَّسْل , فَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الَّذِينَ مُسِخُوا لَمَّا صَارُوا عَلَى هَيْئَة الْقِرَدَة مَعَ بَقَاء أَفْهَامهمْ عَاشَرَتْهُمْ الْقِرَدَة الْأَصْلِيَّة لِلْمُشَابَهَةِ فِي الشَّكْل فَتَلَقَّوْا عَنْهُمْ بَعْض مَا شَاهَدُوهُ مِنْ أَفْعَالهمْ فَحَفِظُوهَا وَصَارَتْ فِيهِمْ , وَاخْتُصَّ الْقِرْد بِذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْفِطْنَة الزَّائِدَة عَلَى غَيْره مِنْ الْحَيَوَان وَقَابِلِيَّة التَّعْلِيم لِكُلِّ صِنَاعَة مِمَّا لَيْسَ لِأَكْثَر الْحَيَوَان , وَمِنْ خِصَاله أَنَّهُ يَضْحَك وَيَطْرَب وَيَحْكِي مَا يَرَاهُ , وَفِيهِ مِنْ شِدَّة الْغَيْرَة مَا يُوَازِي الْآدَمِيّ وَلَا يَتَعَدَّى أَحَدهمْ إِلَى غَيْر زَوْجَته , فَلَا يَدَع فِي الْغَالِب أَنْ يُحَمِّلهَا مَا رُكِّبَ فِيهَا مِنْ غَيْرَة عَلَى عُقُوبَة مَنْ اِعْتَدَى إِلَى مَا لَمْ يَخْتَصّ بِهِ مِنْ الْأُنْثَى , وَمِنْ خَصَائِصه أَنَّ الْأُنْثَى تَحْمِل أَوْلَادهَا كَهَيْئَةِ الْآدَمِيَّة , وَرُبَّمَا مَشَى الْقِرْد عَلَى رِجْلَيْهِ لَكِنْ لَا يَسْتَمِرّ عَلَى ذَلِكَ , وَيَتَنَاوَل الشَّيْء بِيَدِهِ وَيَأْكُل بِيَدِهِ , وَلَهُ أَصَابِع مُفَصَّلَة إِلَى أَنَامِل وَأَظْفَار , وَلِشَفْرِ عَيْنَيْهِ أَهْدَاب " .
قلتُ : لا يخفى على الناقدِ البصيرِ أن هذا التوجيهَ لا يخلو من تكلفٍ واضحٍ لا يتناسبُ مع التيسيرِ في فهمِ النصوصِ ، وإضافة قيودٍ ومحترزاتٍ لا داعي لها أصلاً ، بل توحي لقارئِها إلى وجودِ التقعرِ والتشدقِ ولي أعناقِ النصوصِ حتى تتفقَ مع من ذهب إلى هذا الرأي .(158/1)
ومن الغريبِ حقاً في سبيلِ ردِ هذا الخبر أن الحميدي في كتابهِ " الجمع بين الصحيحين " زعم أن هذا الخبرَ أُقحم في كتابِ البخاري ، قال الحافظُ – رحمه الله - :" وَأَغْرَبَ الْحُمَيْدِيّ فِي الْجَمْع بَيْن الصَّحِيحَيْنِ فَزَعَمَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيث وَقَعَ فِي بَعْض نُسَخ الْبُخَارِيّ , وَأَنَّ أَبَا مَسْعُود وَحْده ذَكَرَهُ فِي " الْأَطْرَاف " قَالَ : وَلَيْسَ فِي نُسَخ الْبُخَارِيّ أَصْلًا فَلَعَلَّهُ مِنْ الْأَحَادِيث الْمُقْحَمَة فِي كِتَاب الْبُخَارِيّ " ، وقد رد الحافظ هذا القول :" وَمَا قَالَهُ مَرْدُود , فَإِنَّ الْحَدِيث الْمَذْكُور فِي مُعْظَم الْأُصُول الَّتِي وَقَفْنَا عَلَيْهَا , وَكَفَى بِإِيرَادِ أَبِي ذَرّ الْحَافِظ لَهُ عَنْ شُيُوخه الثَّلَاثَة الْأَئِمَّة الْمُتْقِنِينَ عَنْ الْفَرَبْرِيّ حُجَّة , وَكَذَا إِيرَاد الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأَبِي نُعَيْم فِي مُسْتَخْرَجَيْهِمَا وَأَبِي مَسْعُود لَهُ فِي أَطْرَافه , نَعَمْ سَقَطَ مِنْ رِوَايَة النَّسَفِيّ وَكَذَا الْحَدِيث الَّذِي بَعْده , وَلَا يَلْزَم مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا يَكُون فِي رِوَايَة الْفَرَبْرِيّ , فَإِنَّ رِوَايَته تَزِيد عَلَى رِوَايَة النَّسَفِيّ عِدَّة أَحَادِيث قَدْ نَبَّهْت عَلَى كَثِير مِنْهَا فِيمَا مَضَى وَفِيمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى " .
قلتُ : القولُ بإقحامِ خبرٍ أو حديثٍ ليس في أصلِ البخاري قولٌ فاسدٌ يفضي إلى عدمِ الوثوقِ بجميعِ ما في الصحيحِ ، وهذا القولُ خطأٌ ، بل ظاهرُ البطلانِ ، فلا أدري لم كلُ هذا التكلفِ في هذهِ التوجيهاتِ الباطلةِ لقبولِ خبرٍ ضعيفٍ ليس على شرطِ الإمامِ البخاري رحمهُ اللهُ .
· الثالث عشر :
إن صحت هذه الحادثةُ فتبين أن القردةَ أطهرُ من الخنازيرِ ، القائلين بجوازِ تنقلِ محارمهم بين أحضانِ الرجالِ ، وأن تكونَ في كلِ يومٍ تحت يدِ صاحبٍ ، وفي كلِ ساعةٍ في حجرِ ملاعبٍ .
بل عند الرافضةِ القائلين بجوازِ إعارةِ الفروجِ ما يقتربُ من مذهبِ الخنازيرِ .
فقد روى الطوسي عن محمدٍ عن أبي جعفر قال : " قلتُ : الرجلُ يُحلُ لأخيهِ فرجٌ ؟ قال : نعم ؛ لا بأس بهِ ، لهُ ما أُحل لهُ منها " ( كتاب الاستبصار3/136 ) .
وذكر الطوسي في " الاستبصار " (3/141) : " عن أبي الحسن الطارئ أنهُ سأل أبا عبدِ الله عن عاريةِ الفرجِ ، فقال : " لا بأس به " .
· الرابع عشر :
هل تعلم أن الرافضةَ ينسبون إلى جعفرٍ الصادق أنهُ قال أن الفيلَ مسخٌ ، كان رجلاً لوطياً ، وأن الدبَ كان رجلاً مخنثاً يراود الرجالَ .
عن الصادقِ أنهُ قال : " المسوخُ ثلاثةُ عشر : الفيلُ ، والدبُ ، والأرنبُ ، والعقربُ ، والضبُ ، والعنكبوتُ ، والدعموصُ ، والجري ، والوطواطُ ، والقردُ ، والخنزيرُ ، والزهرةُ ، وسهيلٌ " ، قيل : يا ابنَ رسولِ اللهِ ما كان سببُ مسخِ هؤلاءِ ؟ قال : " أما الفيلُ : فكان رجلاً جباراً لوطياً ، لا يدعُ رطباً ولا يابساً. وأما الدبُ : فكان رجلاً مخنثاً يدعو الرجالَ إلى نفسهِ . وأما الارنبُ : فكانت امرأةً قذرةً لا تغتسلُ من حيضٍ ولا جنابةٍ ، ولا غيرِ ذلك ، وأما العقربُ : فكان رجلاً همازاً لا يسلمُ منهُ أحدٌ ، وأما الضبُ : فكان رجلاً أعرابياً يسرقُ الحاجَ بمحجنهِ ، وأما العنكبوتُ : فكانت امرأةً سحرت زوجها ، وأما الدعموصُ : فكان رجلاً نماماً يقطعُ بين الأحبةِ ، وأما الجري : فكان رجلاً ديوثاً يجلبُ الرجالَ عن حلائلهِ ، وأما الوطواطُ : فكان سارقاً يسرقُ الرطبَ من رؤوسِ النخلِ ، وأما القردةُ : فاليهودُ اعتدوا في السبتِ ، وأما الخنازيرُ : فالنصارى حين سألوا المائدةَ فكانوا بعد نزولها أشدَ ما كانوا تكذيباً ، وأما سهيلُ : فكان رجلاً عشاراً باليمن . [علل الشرائع (2/486) ]
وعن علي بنِ أبي طالبٍ عليهم السلام ، قال : " سألتُ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وآله عن المسوخِ فقال : " هم ثلاثةُ عشر : الفيلُ ، والدبُ ، والخنزيرُ ، والقردُ ، والجريثُ ، والضبُ ، والوطواطُ ، والدعموصُ ، والعقربُ ، والعنكبوتُ ، والارنبُ ، وسهيلٌ ، والزهرةُ " . فقيل : يا رسولَ اللهِ ؛ وما كان سببُ مسخهم ؟ فقال : " أما الفيلُ : فكان رجلاً لوطياً لا يدعُ رطباً ولا يابساً ، وأما الدبُ : فكان رجلاً مؤنثاً يدعو الرجالَ إلى نفسهِ ، وأما الخنازيرُ : فكانوا قوماً نصارى سألوا ربَهم إنزالَ المائدةِ عليهم ، فلما أنزلت عليهم كانوا أشدَ ما كانوا كفراً وأشد تكذيباً ، وأما القردةُ : فقومٌ اعتدوا في السبتِ ، وأما الجريثُ : فكان رجلاً ديوثاً يدعو الرجالَ إلى حليلتهِ . [علل الشرائع (2/488) ]
وأخيراً نقولُ :
ذو العقلِ يشقى في النعيمِ بعقلهِ * * * وأخو الجهالةِ في الشقاوةِ ينعمُ
ورحم اللهُ شيخَ الإسلامِ ابنَ تيميةَ عندما وصف الرافضةَ بقولهِ : " أَنَّ الرَّافِضَةَ أُمَّةٌ لَيْسَ لَهَا عَقْلٌ صَرِيحٌ ؛ وَلَا نَقْلٌ صَحِيحٌ وَلَا دِينٌ مَقْبُولٌ ؛ وَلَا دُنْيَا مَنْصُورَةٌ بَلْ هُمْ مِنْ أَعْظَمِ الطَّوَائِفِ كَذِبًا وَجَهْلًا وَدِينُهُمْ يُدْخِلُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كُلَّ زِنْدِيقٍ وَمُرْتَدٍّ كَمَا دَخَلَ فِيهِمْ النصيرية ؛ وَالْإسْماعيليَّةُ وَغَيْرُهُمْ فَإِنَّهُمْ يَعْمِدُونَ إلَى خِيَارِ الْأُمَّةِ يُعَادُونَهُمْ وَإِلَى أَعْدَاءِ اللَّهِ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكِينَ يُوَالُونَهُمْ وَيَعْمِدُونَ إلَى الصِّدْقِ الظَّاهِرِ الْمُتَوَاتِرِ يَدْفَعُونَهُ وَإِلَى الْكَذِبِ الْمُخْتَلَقِ الَّذِي يُعْلَمُ فَسَادُهُ يُقِيمُونَهُ ؛ فَهُمْ كَمَا قَالَ فِيهِمْ الشَّعْبِيُّ - وَكَانَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِهِمْ - لَوْ كَانُوا مِنْ الْبَهَائِمِ لَكَانُوا حُمْرًا وَلَوْ كَانُوا مِنْ الطَّيْرِ لَكَانُوا رَخَمًا " . ا.هـ. [ الفتاوى (4/466) ] .
كتبه وحرره
سعود الزمانان
13 - 5 - 1425 هـ
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الأخ الفاضل سعود الزمانان
عدد القراء : 4695
تاريخ الموضوع: 01 - يوليو - 2004 ميلادية
(158/2)
هل المرأة في عدتها تمنع من أن تمشط شعرها
الأخ الفاضل سعود الزمانان
ب . عاصم الأحول عن حفصة عن أم عطية :
وأخرجه \" عبد الرزاق \" في مصنفه 12127 م و\" النسائي 2536 من طريق حدثنا عاصم الأحول عن حفصة عن أم عطية عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :\" لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج ولا تكتحل ولا تختضب ولا تلبس ثوبا مصبوغا\" واللفظ للنسائي.
ج. هشام بن حسان عن حفصة عن أم عطية :
وله عن هشام خمسة عشر طريقاً نوردها كما يأتي :
1 . أخرجه\" أحمد\" 5/85 من طريق محمد بن عبد الرحمن الطفاوي عن هشام بن حسان عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم :\" \" لا تحد المرأة فوق ثلاث إلا على زوج فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا عصبا ولا تكتحل ولا تمس طيبا إلا عند طهرها \"
2 . وأخرجه أحمد 5/85 و\" مسلم \" 938 وأبو داود 2303 و \" ابن حبان \" 4305 و\" الطبراني \" في الكبير 140(25-61) و \" البيهقي \" في الكبرى 7/439 من طريق يزيد بن هارون عن هشام به .وزاد يزيد :\" أو في طهرها فإذا طهرت من حيضها نبذة من قسط وأظفار \" واللفظ لأحمد .
3 . وأخرجه أحمد( 6/408 ) و \" ابن أبي شيبة \" في المصنف (5/280) و\" مسلم \"
938 و\" ابن ماجة \" 2087 و\" الطبراني \" في الكبير (25-60) من طريق عبد
الله بن نمير عن هشام به نحوه .
4 . و\" الدارمي \" 2201 من طريق زائدة بن قدامة عن هشام به نحوه .
5 . و \" البخاري \" 5342 من طريق عبد السلام بن حرب عن هشام به بلفظ \" لا تكتحل ولا تلبس ثوباُ مصبوغاً إلا ثوب عصب \"
6 . و\" مسلم \" 66-(938) و \" البغوي \" في شرح السنة 2390 من طريق عبد الله بن إدريس عن هشام به بلفظ \" ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عَصْب،ولا تكتحل ولا تمس طيبا إلا إذا طهرت نبذة من قسط أو أظفار \" .
7 . و \" أبو داود \" 2302 من طريق عبد الله بن بكر السهمي عن هشام به.
8 . و \" أبو داود \" 2302 و\" البيهقي \" في السنن الكبرى (1/183) و\"
الطبراني \" في الكبير (25-60) من طريق إبراهيم بن طهمان عن هشام به.
إلا أن شيخ أبي داود وهو يعقوب بن إبراهيم قال : مغسولاً : مكان عصب،وزاد : ولا تختضب.
9 . و \" ابن الجارود \" 766 من طريق عيسى بن يونس عن هشام به بلفظ \" ولا تكتحل ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب ولا تمس طيباً إلا عند أدنى طهرتها \".
10. و\" الطحاوي \" في شرح معاني الآثار(3/76) من طريق وهب بن جرير عن هشام به مثله إلا أنه لم يذكر قوله \" إلا ثوب عصب \".
11 . و \" أبو عوانة \" 4671 من طريق النضر بن شميل عن هشام به وذكر قوله \" إلا ثوب عصب \".
12 . و \" أبو عوانة \" 4671 من طريق أبي أسامة حماد بن أسامة عن هشام به نحوه .
13 . و\"البيهقي \" في الكبرى (7/439) من طريق محمد بن عبد الله الأنصاري عن هشام به نحوه .
14 . و\"البيهقي \" في الكبرى (7/439) من طريق يزيد بن زريع عن هشام به .
15 . ورواه خالد بن الحارث عن هشام بن حسان عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم وزاد \" ولا تمتشط \" رواها النسائي
(6/202-203) أخبرنا حسين بن محمد حدثنا خالد حدثنا هشام به . وتابع خالد بن الحارث : عبد السلام بن حرب الملائي عن هشام بهذه الزيادة أخرجها البيهقي في السنن الكبرى (7/439) ، وقد أعرض البخاري عن هذه الزيادة(5342 ) فرواها عن الفضل بن دكين عن عبد السلام بدون هذه الزيادة ،فإعراضه – رحمه الله – عن هذه الزيادة قرينة راجحة على تضعيفه لها .
قلت : خالد بن الحارث قال عنه الحافظ في التقريب : ثقة ثبت ،وعبد السلام بن حرب قال عنه الحافظ في التقريب : ثقة حافظ له مناكير . فعبد السلام تارة يرويها بدون هذه الزيادة وتارة أخرى بها ،وعلى كل حال لو افترضنا جدلاً أن عبد السلام تابع خالداً فهذه الزيادة لا تقبل وتعتبر شاذة ، إذ خالفا من هو أوثق منهما وأكثر عدداً ، وذلك لأن قول الجماعة أقوى في الظن ، وأبعد عن السهو والغلط، ثم لم يكن خالد بن الحارث وعبد السلام بن حرب أخص تلاميذ هشام بن حسان أو أكثرهم ملازمة له ممن خالفهما، قال ابن حجر في \" شرح النخبة \" : \" الشاذ : ما رواه المقبول مخالفاً لمن هو أولى منه\"[1] وقال الإمام القاري – رحمه الله - : \" ( فإن خولف ) أي الراوي – والمراد راوي الصحيح والحسن – بالزيادة ، أو النقص في السند ، أو المتن ... ( بأرجح ) أي بسبب وجود راوٍ أرجح حالَةَ المخالفة ،( منه
) أي من الراوي المخالف المرجوح... (لمزيد ضبط أو كثرة عدد ) وإن كان كل منهم دونه في الحفظ والاتقان ،لأن العدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد ،وتطرق الخطأ للواحد أكثر منه للجماعة \"[2] ونورد فيما يأتي الرواة الذين رووا الحديث من غير الزيادة (النهي عن الامتشاط ):
- يزيد بن هارون : قال عنه الحافظ في التقريب : ثقة متقن عابد .
- عبد الله بن نمير : قال عنه الحافظ في التقريب : ثقة صاحب حديث من أهل
السنة .
- زائدة بن قدامة : قال عنه الحافظ في التقريب :ثقة ثبت صاحب سنة .
- عبد الله بن إدريس : قال عنه الحافظ في التقريب : ثقة فقيه عابد .
- إبراهيم بن طهمان : قال عنه الحافظ في التقريب : ثقة يغرب وتكلم فيه
للإرجاء .
- عبد الله بن بكر السهمي : قال عنه الحافظ في التقريب : ثقة .
- عيسى بن يونس بن أبي إسحاق : قال عنه الحافظ في التقريب : ثقة مأمون.
- وهب بن جرير : قال عنه الحافظ في التقريب : ثقة .
- النضر بن شميل : قال عنه الحافظ في التقريب : ثقة ثبت .
- حماد بن أسامة : قال عنه الحافظ في التقريب : ثقة ثبت ربما دلس وكان يحدث بأخره من كتب غيره .
- محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري : قال عنه الحافظ في التقريب :
ثقة.
- يزيد بن زريع : قال عنه الحافظ في التقريب : ثقة ثبت .
- محمد بن عبد الرحمن الطفاوي : قال عنه الحافظ في التقريب : صدوق يهم .
حكم امتشاط المرأة المحدة :
ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية إلى مشروعية امتشاط المرأة المحدة، إن كان الترجيل خاليا عن مواد الزينة ،فإن كان بدهن أو طيب حرم، وذهب الأحناف إلى عدم جواز امتشاط المحدة بمشط ضيق،وإن لم يكن معه طيب ،ونورد فيما يلي تفاصيل أقوال أصحاب هذه المذاهب من الكتب التي عليها الاعتماد في كل مذهب :
مذهب الأحناف :
جاء في \" تبيين الحقائق \" :\" ( قوله وتمتشط بالأسنان الواسعة ) ... وكونه بالضيقة يحصل معنى الزينة , وهي ممنوعة منها , وبالواسعة يحصل دفع الضرر ممنوع بل قد يحتاج لإخراج الهوام إلى الضيقة نعم كل ما أرادت به معنى الزينة لم يحل , وأجمعوا على منع الأدهان المطيبة , واختلفوا في غير المطيبة كالزيت والشيرج البحتين والسمن فمنعناه نحن والشافعي إلا لضرورة لحصول الزينة , وأجازه الإمامان , والظاهرية \"[3].
وفي \" الجوهرة النيرة \" :\" وتمتشط بالأسنان الغليظة المتباعدة من غير إرادة الزينة ; لأن هذا تداو لا زينة \" .وفي \" لسان الحكام \" :\" وللمعتدة أن تمتشط بالأسنان المفلوجة لا بالطرف الآخر \" [4]، وفي \" بدائع الصنائع \" :\" وتجتنب الدهن والكحل ولا تختضب ولا تمتشط \"[5] .
قلت : سبب مخالفة الأحناف هو اعتمادهم على الرواية التي حكمنا عليها بالشذوذ ، ومن ثم إذا ثبت أن الحديث ضعيف فسوف يزول الخلاف والله أعلم .
المالكية :
قال ابن المنذر – رحمه الله - :\" ورخص عطاء أن تمتشط بالحناء والكتم، وخالفه مالك فقال : لا تمتشط بهما، وقال مالك: لا تمتشط إلا بالسدر \"[6]
وفي \" التاج والإكليل \" : \" ( فلا تمتشط بحناء ولا كتم بخلاف نحو الزيت والسدر ) ... قال مالك : لا تدهن بزيبق أو خيري أو بنفسج ولا تمتشط بحناء ولا كتم وتدهن بزيت وتمتشط بالسدر وشبهه مما لا يختمر في رأسها . وسمع القرينان : إن مات زوجها أتنقض مشطها ؟ قال : لا أرأيت إن كانت مختضبة كيف تصنع ؟ ابن رشد
: إن كانت امتشطت بطيب وجب عليها غسله \"[7]
و \" في الشرح الصغير للدردير \" :\" ترك ما يتزين به من الحلي والطيب ... وترك الامتشاط بالحناء والكتم .. بخلاف الزيت من كل ما لا طيب فيه والاستحداد أي حلق العانة ...\"[8]
وفي \" تبيين المسالك \" :\" ولا تمشط رأسها بطيب،ولا تضعه عليه ... بخلاف نحو الزيت والسدر وكل دهن لا طيب فيه فجائز لها \"[9
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الأخ الفاضل سعود الزمانان
عدد القراء : 1671
تاريخ الموضوع: 11 - سبتمبر - 2004 ميلادية
(159/1)
من أحكام الصيام
الشيخ عدنان عبد القادر
من أحكام الصيام
* معنى الصيام :
الصوم لغة : هو الإمساك»، قال أبو عبيد : «كل ممسك عن طعام، أو كلام، أو سير، فهو صائم».
الصوم شرعاً : هو الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية».
* أركان الصيام :
أ الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس :
يقول تعالى : {وكلوا وأشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر}.
الخيط الأبيض : هو بياض النهار، والخيط الأسود : هو سواد الليل، لقول النبي [ : «إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار» «رواه البخاري ومسلم».
* مسألة (1) : رجل أكل وشرب ظاناً عدم طلوع الفجر، ثم تبين له أنه قد فعل ذلك بعد طلوع الفجر:
فهذا ليس عليه قضاء، لأن الله تعالى يقول : { وكلوا وأشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض} .. الآية، وهو لم يتبين له ذلك، فالأصل جواز الأكل مالم يتيقن طلوع الفجر، قال عروة بن الزبير : « لم يقضه - أي لايفي هذا اليوم - ويتم صومه» «رواه عبدالرزاق بسند صحيح».
مسألة (2) : إذا شك هل طلع الفجر أم لا ؟
قال رجل لابن عباس ] : أرأيت إذا شككت في الفجر، وأنا أريد الصيام ؟ قال : «كل ماشككت، حتى لاتشك » «رواه عبدالرزاق بسند صحيح».
* ملاحظة : انتشر هذه الأيام بين الناس ما يسمى بوقت الإمساك، فهذا مما لم يرد فيه دليل لامن كتاب، ولاسنة، ولم يكن معلوماً عند الصحابة، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، فوقت الإمساك الذي نص عليه القرآن، وهو طلوع الفجر، وما سوى ذلك فهو باطل مردود .
(ب) النية :
قال الله تعالى : {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين}.
قال النبي [ «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمرئ ما نوى» «رواه البخاري ومسلم».
يشترط في صحة النية أن يبيتها المكلف من الليل، لقول حفصة زوجة النبي [ : «لا صيام لمن لم يُجْمَعْ قبل الفجر» «رواه النسائي بسند صحيح» وهو كذلك قول ابن عمر، رواه مالك بسند صحيح عنه، ورجح وقفه البخاري، وأبو داود والنسائي، والترمذي، وابن عبد البر، وابن القيم».
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : «محل النية القلب دون اللسان باتفاق أئمة المسلمين في جميع العبادات، ولم يقل أحد من الأئمة أن التلفظ بالنية واجب لافي طهارة، ولا صلاة، ولاصيام، ولاحج».
* مسائل في النية :
مسألة (1) هل يجوز أن ينوي صيام التطوع أثناء النهار ؟
أ- إذا أصبح ولم يعزم على الفطر ولا على الصوم فإنه يجوز له أن ينوي الصوم.
عن ابن عباس - ] - أنه كان يصبح حتى يظهر، ثم يقول :
«والله لقد أصبحت، وما أريد الصوم، وما أكلت من طعام ولا شراب لأصومن يومي هذا» (رواه الطحاوي بسند صحيح).
وعن ابن مسعود ] قال : «إن أصبح أحدكم وأراد الصوم بعدما أصبح فإنه بأحد النظرين» (رواه الطحاوي بسند صحيح).
وهو رأي الشافعي، وأحمد مطلقاً ورأي أبي حنيفة قبل الزوال.
ب-إذا أصبح متردداً بين الصوم والفطر : يجوز له أن ينوي الصوم بعد ذلك.
قال أنس بن مالك ] : من حدث نفسه بالصيام فهو بالخيار مالم يتكلم حتى يمتد النهار. «رواه ابن أبي شيبة بسند صحيح».
* مسألة (2) لايلزم عقد النية كل ليلة ؟
تجزئ نية واحدة لجميع الشهر، وهو قول الإمام أحمد، والإمام مالك، وابن راهوية .
* مسألة (3) من أصبح ولم يعلم بدخول رمضان ثم عَلم بعد أن طعم نهاراً ؟
من ثبت له هلال رمضان بالنهار سواء أكل، أم لم يأكل، فعليه أن ينوي من وقت علمه بدخول رمضان ويجزئه، ولا قضاء عليه. لما ورد عن سلمة بن الأكوع - ] - قال : « إن النبي [ بعث رجلاً ينادي في الناس يوم عاشوراء، وقد فرض عاشوراء، ولم يفرض رمضان بعد : أن من أكل فليتم، أو فليصم، ومن لم يأكل فلا يأكل» «رواه البخاري».
وهو قول عمر بن عبدالعزيز وعطاء والبخاري وابن حزم وابن تيمية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية «إن الهلال إذا ثبت في أثناء اليوم قبل الأكل، أو بعده أتموه وأمسكوا ولاقضاء عليهم».
- عن الجزري قال إن قوماً شهدوا على هلال رمضان بعدما أصبحوا، فقال عمر بن عبدالعزيز : «من أكل فليمسك عن الطعام، ومن لم يأكل فليصم بقية يومه» «رواه ابن أبي شبية».
- قال عطاء : إذا أصبح رجل مفطراً ولم يذق شيئاً ثم علم برؤية الهلال أول النهار أو آخره فليصم ما بقى ولا يبدله «المحلى».
من يرخص لهم في الفطر
أولاً : من تجب عليهم الفدية :
1 - الشيخ الكبير، والمرأة الكبيرة اللذان لايقدران على الصيام .
عن ابن عباس ] في قوله عزوجل : {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} قال : «هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لايستطيعان أن يصوما، فليطعما مكان كل يوم مسكيناً » «رواه البخاري».
أما إن لم يجد مالاً : قال سعيد بن جبير « فإن لم يجدا، فلا شيء عليهما » «رواه عبدالرزاق بسند حسن».
مسألة : هل يجوز أن يطعم مسكيناً واحداً كفارة شهر كامل؟
قال رسول الله [ للمجامع أهله في رمضان : «فهل تجد ما تطعم ستين مسكيناً ؟ قال : لا، قال فأتي النبي [ بعرق فيه تمر وقال : اذهب وأطعمه أهلك» «رواه الجماعة».
قال ابن حجر : «جاز إعطاء الواحد فوق حاجته، وإعطاء الكفارة أهل بيت واحد».
2 - المريضُ الذي لا يُرجى شفاؤه :
عن ابن عباس - ] - في الآية السابقة قال : «لا يرخص في هذه إلا للذي لا يطيق الصيام، أو مريض لا يشفى» «رواه النسائي وصححه الدارقطني».
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : «إن كان الرجل كلما أراد أن يصوم أغمي عليه، ويزبد ويخبط فيبقى أياماً لايفيق ويصيبه ذلك في أي وقت صام، كان عاجزاً عن الصيام، فيطعم كل يوم مسكيناً».
وأما مقدار الفدية : فلم يقدرها الله عزوجل ولا رسوله [ فالإطعام يكون من أوسط الطعام كما قال تعالى {من أوسط ما تطعمون أهليكم} .. الآية، فيطعم مكان كل يوم أفطره مسكيناً.
وقال النبي [ في فدية الحج : لكل مسكين نصف صاع من طعام» «رواه البخاري».
* مسألة : من كان يظن أنه لايشفى من مرضه، ثم أطعم، ثم شفاه الله ؟
إذا أفطر الشيخ العاجز والمريض الذي لايرجى برؤه، ثم قدر على الصوم، فهل يلزم قضاء الصوم؟ قال بعض الشافعية والحنابلة : لا اعادة عليه».
ثانياً : من يجب عليهم القضاء فقط :
1- المسافر سفراً مباحاً :
قال الله تعالى : {ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر}.
* مسائل متفرقة في صوم المسافر :
مسألة (أ) إذا لم يجد المسافر مشقة ثم أفطر، هل ينكرون عليه ؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ى يجوز الفطر للمسافر باتفاق الأمة، سواء كان قادراً على الصيام، أو عاجزاً، وسواء شق عليه الصوم أو لم يشق، ومن قال أن الفطر لايجوز إلا لمن عجز عن الصيام، فإنه يستتاب فان تاب وإلا قتل، ومن قال : إن المفطر عليه إثم فإنه يستتاب من ذلك، فإن هذه الأحوال خلاف كتاب الله وخلاف سنة رسول الله [ وخلاف إجماع الأمة».
مسألة (ب) أيهما أفضل للمسافر : الفطر أم الصوم ؟
عن حمزة بن عمرو - ] - أنه أتى النبي [ فقال : يا رسول الله أجد بي قوة على الصيام في السفر، فهل علي جناح فقال رسول الله [ «هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه» «رواه مسلم».
ولكن الصوم في السفر ليس من البر الذي ينبغي أن يتنافس الناس عليه، وذلك لقوله [ عندما رأى زحاماً، ورجلاً مسافراً صائماً قد ظُلل عليه فقال : ليس من البر الصيام في السفر» «متفق عليه».
مسألة (جـ) لا يُنكر المسافر الصائم على المفطر ؟
عن أنس - ] - قال : « كنا نسافر مع النبي [ فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم » «رواه البخاري».
2 - المريض :
قال تعالى {ومن كان مريضاً} الآية، عن عطاء قال : «يفطر من الوجع كله كما قال الله تعالى» «رواه عبدالرزاق بسند صحيح، وإليه مال البخاري».
* مسألة : سئل ابن عباس - ] - عن الرجل المريض في رمضان فلا يزال مريضاً حتى مات قال: ( ليس عليه شيء ) «رواه عبدالرزاق بسند صحيح».
3- الحامل والمرضع : سواء خافتا على أنفسهما أو على ولديهما أو على الأثنين :
عن أنس - ] - قال : قال النبي [ : « إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة، وعن المسافر والحامل والمرضع الصوم أو الصيام » «رواه أحمد وقال الألباني : إسناده جيد».
عن ابن عباس - ] - قال : « تفطر الحامل والمرضع في رمضان، وتقضيان صياماً ولا تطعمان» «رواه عبدالرزاق بسند صحيح» .
من يجب عليهم الفطر والقضاء
1 - الحائض والنفساء :
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : «كان يصيبنا ذلك - أي الحيض - فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة» «رواه مسلم» .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : «خروج دم الحيض والنفاس يفطر باتفاق العلماء».
* مسائل في الحيض والنفاس :
(أ) إذا طهرت قبل الفجر بقليل ولم تغتسل حتى دخل اليوم ؟
عن عائشة - رضي الله عنها - : «أن النبي [ كان يصبح جنباً، وهو صائم، ثم يغتسل» «متفق عليه» قال الإمام مالك : «تغتسل بعد الفجر وصيامها مجزئ عنها » «أي صحيح».
(ب) إذا طهرت قبل الغروب بقليل ؟
قال قتادة : «تأكل وتشرب» «رواه عبدالرزاق بسند صحيح».
(جـ) إذا حاضت قبل الغروب بقليل ؟
قال النبي [ : «أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم» «رواه البخاري»
قال ابن قدامة : «متى (وجد) الحيض في جزء من النهار، فسد صوم ذلك الصوم سواء وجد في أوله، أو آخره».
(د) إذا طهرت بعد الفجر بقليل ولم تأكل شيئاً ؟
قال الإمام مالك : «إن رأت الطهر بعد الفجر، فليست بصائمة ولتأكل ذلك اليوم».
وهو قول الشافعي .
آداب الصيام
1 - السحور :
(أ) بركة السحور :
عن أنس-]- عن النبي [ قال: «تسحروا فان في السحور بركة» «متفق عليه».
عن ابن عمر - ] - عن النبي [ قال : «إن الله وملائكته يصلون على المتسحرين» «رواه الطبراني، وصححه ابن حبان».
وعنه أيضاً عن النبي [ قال : «تسحروا ولو بجرعة من ماء» « صححه ابن حبان» .
(ب) أفضل السحور التمر :
عن أبي هريرة - ] - عن النبي [ قال : «نعم سحور المؤمن التمر» «صححه ابن حبان».
(جـ) مخالفة اليهود والنصارى :
عن عمرو بن العاص - ] - قال رسول الله [ : « فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب، أكلة السحر » «رواه مسلم».
(د) تأخير السحور :
عن أبي الدرداء - ] - عن النبي [ قال : « ثلاث من أخلاق النبوة: تعجيل الإفطار، وتأخير السحور، ووضع اليمين على الشمال في الصلاة» «رواه الطبراني، وصححه الألباني».
2 - الفطور :
(أ) تعجيل الفطور :
عن أبي هريرة - ] - عن النبي [ قال : «لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر، لأن اليهود والنصارى يؤخرون» «رواه أبو داود، وصححه ابن خزيمة».
(ب) الإفطار على التمر فان لم يجد فعلى الماء :(160/1)
قال أنس - ] - « كان رسول الله [ يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم يكن فعلى تمرات، فإن لم يكن تمرات حسا حسوات من ماء » «رواه أحمد، وحسنه الترمذي».
(جـ) ما يقال عند الإفطار :
عن ابن عمر - ] - قال : كان النبي [ إذا أفطر قال : « ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله » « رواه أبو داود، وحسنه الدراقطني، وابن حجر».
3- الدعاء أثناء الصيام :
عن أبي هريرة - ] : أن رسول الله [ قال : «ثلاثة لا ترد دعوتهم، الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم» «رواه أحمد، وصححه ابن حبان، وأحمد شاكر، وحسنه الترمذي، وابن حجر».
ملاحظة : « في رواية ابن ماجه : عن أبي مدلة، وكان ثقة ».
4 - إطعام الصائم :
عن زيد بن خالد - ] - عن النبي [ قال : « من فطَّر صائماً كان له مثل أجره، غير أنه لاينقص من أجر الصائم شيئاً » «رواه أحمد، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان».
مباحات الصيام
1 - المباشرة، والقبلة لمن قدر على ضبط نفسه :
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : «كان رسول الله [ يُقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، ولكنه أملككم لإربه» « رواه البخاري ومسلم».
عن عبدالله بن عمرو بن العاص - ] - قال : «كنا عند النبي [ فجاء شاب فقال يا رسول الله أُقَبِّل وأنا صائم ؟ قال لا، فجاء شيخ فقال : أُقبل وأنا صائم ؟ قال نعم، قال : فنظر بعضنا إلى بعض، فقال رسول الله [ : إن الشيخ يملك نفسه» «رواه أحمد، وصححه أحمد شاكر».
2 - الإكتحال :
عن أنس - ] - : « أنه [ كان يكتحل وهو صائم » «رواه أبو داود، وحسنه ابن حجر».
3 - الأكل والشرب والجماع ناسياً :
عن أبي هريرة - ] - عن النبي [ قال : «من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليُتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه » «متفق عليه».
قال الحسن البصري ومجاهد : «إن جامع ناسياً، فلا شيء عيه ».
وهو رأي الإمام أحمد، والشافعي وأبي حنيفة، وشيخ الإسلام ابن تيمية .
4 - الوصال (إتمام الصيام) حتى السحور :
قال النبي [ : «لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل، فليواصل حتى السَّحَر» «رواه البخاري».
5 - صب الماء البارد على الرأس والإغتسال :
عن بعض أصحاب النبي [ قال : «لقد رأيت النبي [ يصب على رأسه الماء، وهو صائم من العطش، أو من الحر» «رواه أبو داود، وصححه الألباني».
عن عائشة -رضي الله عنها-: «أن النبي [ كان يصبح جنباً، وهو صائم، ثم يغتسل» «متفق عليه».
6 - السواك :
عن زياد بن حدير قال : «ما رأيت أحداً أدوم سواكاً وهو صائم من عمر بن الخطاب».
عن نافع عن ابن عمر -]- : «أنه لم يكن يرى بأساً بالسواك للصائم».
«رواهما ابن أبي شيبة بإسناد صحيح».
7 - المضمضة والإستنشاق وذوق الطعام مالم يدخل الحلق :
قال النبي [ : «إذا توضأ فليستنشق بمنخره الماء» «رواه الأربعة، وصححه الألباني».
قال البخاري : «ولم يميز بين الصائم وغيره».
قال ابن قدامة في المغني : «إن تمضمض أو استنشق في الطهارة، فسبق الماء إلى حلقه من غير قصد ولا إسراف فلا شيء عليه، وبه قال الأوزاعي وإسحاق وقول للشافعي».
8 - بلع الريق، والنخامة، وغبار الطريق، وكذلك الطيب، والبخور، وقطرة العين، وما شابه ذلك :
يقول شيخ الإسلام إبن تيمية : «والأظهر أنه لا يفطر بشيء من ذلك فان الصيام من دين الإسلام الذي يحتاج لمعرفته الخاص والعام، فلو كانت هذه الأمور مما حرمها الله ورسوله في الصيام ويفسد الصيام بها لكان هذا مما يجب على الرسول [ بيانه، ولو ذكر ذلك لعلمه الصحابة، وبلغّوا الأمة كما بلغّوا سائر شرعه فلما لم ينقل أحد من أهل العلم عن النبي [ في ذلك لا حديثاً صحيحاً، ولا ضعيفاً، ولا مسنداً، ولا مرسلاً، علم أنه لم يذكر شيء من ذلك».
مبطلات الصيام
(أ) ليس عليه قضاء ولا كفارة :
كل من أكل أو شرب متعمداً من غير عذر فليس عليه قضاء، إنما التوبة النصوح، والإكثار من الطاعات وهذا زيادة في التقريع، وإشعار بعظم الذي ارتكبه، وإلى هذا الرأي ذهب العز بن عبدالسلام الشافعي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم.
(ب) عليه قضاء فقط :
1 - الحائض والنفساء :
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : « كان يصيبنا الحيض فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة » «رواه مسلم».
2 - من استقاء (إخراج ما في البطن من الفم لعذر متعمد).
عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : «من استقاء فلقد أفطر، وعليه القضاء، ومن ذرعه قيء فلا قضاء عليه» «رواه مالك وعبدالرزاق وسنده صحيح»، «لا يصح من قول النبي [ إذ ضعّفه الأمام أحمد، والبخاري، والترمذي، وحسبك بهم».
قال شيخ الإسلام : «الإنسان لا يتقيأ إلا لعذر كالمريض يتداوى بالقيء، أو كمن أكل ما فيه شبهة كفعل أبي بكر».
3 - إذا أكل أو شرب أو جامع ظاناً غروب الشمس، فظهر خلاف ذلك :
عن أسلم قال : أفطر الناس في شهر رمضان في يوم مغيم، ثم نظرنا فاذا الشمس (أي قد طلعت)، فقال عمر بن الخطاب : «الخطب يسير، وقد اجتهدنا، نقضي يوماً» «رواه عبدالرزاق باسناد صحيح» أما الرواية الأخرى أن عمر لم يقض، فلا تصح لعنعنة الأعمش .
4 - من نوى الفطر لعذر وهو صائم بطل صومه :
لقول النبي [ : «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل أمريء ما نوى» «رواه البخاري».
قال في الشرح الكبير: «إذا نوى الإفطار في صوم الفرض أفطر وفسد صومه، وهذا ظاهر المذهب -عند الحنابلة - وقول الشافعي وأبي ثور).
وهو رأي مالك وابن حزم.
أما إذا تردد : قال النووي: « لو تردد في الخروج من الصوم، أو علق بشرط فلا يبطل» بتصرف.
5 - إنزال الماء الى المعدة من الأنف متعمداً:
يقول النبي [ : «أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الإستنشاق إلا أن تكون صائماً» «رواه أحمد، وصححه الحاكم، وابن القطان».
6 - الحجامة (أخذ الدم من الرأس) :
قال النبي [ : « أفطر الحاجم والمحجوم » «رواه أحمد، وصححه البخاري».
وهو رأي الإمام أحمد وقول للشافعية، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم.
(جـ) عليه الكفارة :
1 - من جامع أمرأته نهار رمضان ذاكراً لصومه :
عن أبي هريرة - ] - قال : « جاء رجل إلى النبي [ فقال : هلكت يا رسول الله قال : وما أهلكك ؟ قال : وقعت على أمرأتي في رمضان فقال : هل تجد ما تعتق رقبة، قال : لا، قال : فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين، قال : لا، قال فهل تجد ما تطعم ستين مسكيناً ؟ فقال : لا، ثم جلس فأُتي النبي [ بعرق - وعاء - فيه تمر ؟ فقال : تصدق بهذا قال : فهل على أفقر منا ؟ فما بين لابتيها - أي أطراف المدينة - أهل بيت أحوج إليه منا ؟ ضحك النبي [ حتى بدت نواجذه وقال : «إذهب فاطعمه أهلك» «متفق عليه».
وفي هذا الحديث لم يذكر النبي [ أن على زوجته كفارة بل عليه وحده، قال ابن حجر : «وهو الأصح من قول الشافعية، وبه قال الأوزاعي».
قضاءُ رمضان
1- جواز تأخير قضاء رمضان إلى ماقبل رمضان الآخر :
قال تعالى : {فعدة من أيام أُخر} ولم يحدد سبحانه وتعالى موعد القضاء قالت عائشة - رضي الله عنها - : «كان يكون عليّ الصوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان » «رواه البخاري».(160/2)
نكاح المتعة نظرة قرآنية
الأخ الفاضل عبد الكريم الحربي
نكاح المتعة نظرة قرآنية
لو رجع المسلمون في كل أمر عظيم إلى كتاب الله عز وجل يثقون به ويطمئنون إلى حكمه ويكتفون به لما بقي بينهم خلاف. فلنجعل القرآن الكريم مرجعنا ووسيلة اهتدائنا في هذا الأمر الخطير الذي يتعلق بأخص خصائص الإنسان العربي المسلم: عرضه ونسله وشرفه.
*مفتاح الاهتداء بالقرآن الكريم*
يقسم الله عز وجل آيات كتابه العزيز إلى قسمين :
1: آيات محكمات لا اشتباه فيها ولا احتمال.
2: آيات متشابهات تحتمل أكثر من معنى.
ولقد ذكر الله عز وجل أن مرجعنا في المسائل الخطيرة هي الآيات المحكمات وحرم علينا اتباع غيرها من المتشابهات كما قال سبحانه: ( هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ) (آل عمران/7) ونحن امتثالاً لهذا التوجيه الإلهي سنجعل اعتمادنا على محكم القرآن الكريم دون متشابهه. وبهذا نضمن الوصول إلى بر الأمان بسلام. وسنجعل البحث في قسمين
الأول: نكاح المتعة في القرآن الكريم
والثاني: نكاح المتعة في الروايات وفتاوى العلماء.
*نكاح المتعة في القرآن الكريم*
كان النكاح المؤقت موجوداً عند اليهود والفرس وغيرهم وقد تسرب إلى المجتمع الجاهلي في الجزيرة فلما جاء الإسلام حرمه أول عهده في مكة بقوله تعالى في القرآن الكريم الذي نزل مرتين: ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ) (المؤمنون/5-7)، (المعارج/29-31) يتبين من هذا النص المكي أَن (الأصل في الفروج الحرمة) وأما التحليل فاستثناء لابد من ذكره فما سكت عنه فهو حرام، فقوله تعالى: ( هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ) هذا هو الأصل، أي الحرمة " إِلَّا " هذا هو الاستثناء ومحله: (أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ )
هذا هو المستثنى من التحريم وهو نوعان من النكاح ماعداهما حرام، وحتى لا يدع الله عز وجل مجالاً للاشتباه أو الالتباس نص على حرمة ما عداهما بقوله الصريح:" مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ) فكل فرج دونهما حرام سواء استبيح بالزنا أو بالمتعة أو بالاستبضاع…الخ. هذا في مكة، أي أن المسلمين لم يمارسوا هذا النكاح في العهد المكي لحرمته. ولما هاجروا إلى المدينة لم تذكر الآيات النازلة فيها بخصوص النكاح إلا النوعين الأولين الزواج الدائم ونكاح المملوكة باليمين (الأَمَة). والمتمتع بها ليست زوجة لعدم التوارث قال تعالى: ( وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ … وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ … ) الآية (النساء/12) ولو كانت زوجة لورثت وأورثت.
انظر الآيات في هذين النوعين في (البقرة/221، النور/32،33 ، الأحزاب/50،52 ، النساء/3).
في سورة النور قال تعالى: ( وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ ) - أي الذين لا أزواج لهم من الأحرار – (وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ) -وهذا نكاح ملك اليمين ثم قال- (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ) (النور33) فأمر من لا يجد زوجة أو أمة ينكحها بالصبر والعفاف. وفيه تحريم لما عداهما. فلو كانت المتعة حلالاً لذكرها كأن يقول: (وليستمتع) لا أن يقول (وَلْيَسْتَعْفِفِ) الذي يقتضي المنع لاسيما وأن (الأصل في الفروج الحرمة).
وفي سورة النساء جاء قوله تعالى: (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ ) -وهذا هو الزواج الدائم ثم قال-( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً ) -أي الحرائر- (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ) (النساء/3) فجعل مجال التخيير محصوراً في الإفراد ونكاح الأمة ولو كانت المتعة مشروعة لجعلها موضعاً للاختيار فهي حرام إذن.
ثم جاء قوله تعالى بعد ذكر محرمات النكاح: ( وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) - إلى قوله – (وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم ) (النساء/24، 25) وهذان هما الزواج الدائم وملك اليمين. ولو فسرنا الأول بنكاح المتعة لما بقي للزواج الدائم الذي هو الأصل في النكاح ذكر في الآيات! وهذا غير معقول وليس من سبب يلجئنا إلى القول به سوى ما اشتبه على البعض من لفظ " اسْتَمْتَعْتُم " وهو لا ينهض حجة لأنه متشابه.
*لفظ (اسْتَمْتَعْتُم) متشابه*
إن الاستدلال بالقرآن الكريم على مشروعية نكاح المتعة لا يصح لأن الموضع الوحيد فيه الذي يحتجون به عليه لفظ متشابه وليس قطعي الدلالة محكماً.
إن استحلال الفروج في الإسلام مسألة عظيمة جداً لا يصح التساهل فيها أبداً بحيث يقبل فيها من الأدلة ما تشابه، وبما أنه لا يوجد نص واحد في القرآن الكريم صريح الدلالة على نكاح المتعة فالقول بمشروعيته باطل لأنه إتباع للمتشابه.
*معنى (الاستمتاع) لغة*
أصل الاستمتاع في اللغة التلذذ والانتفاع وهذا قد يكون بالطعام كما في قوله تعالى: ( أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ ) (المائدة/96) ومرة يكون باللباس كما في قوله تعالى: ( وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ ) (النحل /80 ) ومرة يكون بالمال المدفوع إلى المطلقات: ( وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ ) (البقرة/236)ومرة يكون بالجماع كما في قوله تعالى: ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ ) أي جامعتم لأن الجماع أخص ما يتلذذ ويستمتع به. ولقد جاء لفظ (الاستمتاع) ومشتقاته في القرآن الكريم ستين مرة لا علاقة لواحد منها بنكاح المتعة كما في قوله تعالى: وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِيَ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ ) (الأنعام/28) وقوله: ( قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ ) (إبراهيم/30) لأن السياق يأبى ذلك وكذلك سياق سورة النساء. ما معنى الآية إذن؟
للمهر ثلاثة أحوال:-
1:إذا حصل الطلاق قبل الدخول ولم يحدد المهر فتعطى المرأة مبلغاً من المال بحسب حالة الزوج المادية كما قال تعالى( لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ ) (البقرة/236).
2:إذا حصل الطلاق قبل الدخول وقد حدد المهر فمقداره النصف كما قال تعالى: ( وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ ) (البقرة/237).
3:إذا حصل الطلاق بعد الدخول ولم يحدد المهر فتعطى مهر مثلها من النساء.
4:إذا حصل الطلاق بعد الدخول وقد حُدد المهر فهنا يجب المهر المحدد كله كما قال تعالى: ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) (النساء/24) أي مهما كان الاستمتاع ولو بجماع واحد. والأجور هنا معناها المهور لأن الزواج عقد فيه أجر مقابل الاستمتاع بالمرأة والانتفاع بها كما قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ) (الأحزاب/50).
بل إن شيخ الطائفة الطوسي قال مسفهاً من قال أن المراد بالأجر للمتعة: " وفي أصحابنا من قال : قوله : يدل على إنه أراد المتعة لأن المهر لا يسمى أجراً بل سماه صدقة ونحلة وهذا ضعيف ، لأن الله سمى المهر أجراً في قوله ( فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ )
( وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) ومن حمل ذلك كله على المتعة كان مرتكباً لما يعلم خلافه " .[ تفسيره التبيان 3/166]
وكذا قال الشريف المرتضى من أعلام الشيعة وأشهرهم على الإطلاق في كتابه :" وفي أصحابنا من استدل على أن لفظة " استمتعتم " تنصرف إلى هذا النكاح المؤجل دون المؤبد بأنه تعالى سمى العوض عليه أجراً ولم يسم العوض على النكاح المؤبد بهذا الاسم في القرآن كله بل سماه نحلا وصداقاً وفرضاً وهذا غير معتمد لأنه تعالى قد سمى العوض عن النكاح المؤبد في غير هذا الموضع بالأجر في قوله تعالى ( وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) وفي قوله تعالى ( فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ )
[ الانتصار للشريف المرتضى ص 112]
وهكذا سقط الاحتجاج بالآية على نكاح المتعة لأنه احتجاج بمتشابه. وكذلك فإن سياق الآية يأباه وذلك من وجوه منها:إن الآيات لم تذكر إلا نوعين من النكاح:
1:النكاح الدائم.
2:ملك اليمين.
وهذا المعبر عنه (بالاستمتاع) فإذا كان المقصود بالاخير نكاح المتعة فمعنى ذلك أن الزواج الدائم لا ذكر له في هذه الآيات وهذا غير معقول فلابد من حمل اللفظ عليه دون غيره.
إن الله عز وجل لما انتقل إلى ذكر ملك اليمين انتقل من الأصعب إلى الأسهل فقال: ( وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم ) (النساء/25) وليس أصعب من نكاح الإماء إلا الزواج الدائم بالحرائر فإن نكاح المتعة أسهل أنواع الانكحة فليس هو المقصود بالآية.
ما ذكر الله عز وجل من شروط لهذا النكاح في قوله: ( أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ) (النساء/24) ونكاح المتعة ليس القصد منه إلا سفح الماء وقضاء الشهوة وليس فيه إحصان أو حفظ للمرأة لا نفسياً ولا جسدياً ولا أسرياً، وكذلك الرجل.
وهذا والله لهو نص صريح في المسألة ،إذ بالاتفاق أن المتعة لا تحصن.
*خلو المجتمع الإسلامي النبوي من نكاح المتعة*(161/1)
لو كان نكاح المتعة يمارس في المجتمع الإسلامي على عهد النبيض لصرح الله عز وجل به في كتابه العزيز حتماً ولذكر مشروعيته أولاً، وفصل أحكامه ثانياً كما هو الحال في الزواج من الحرائر والإماء.
ولا شك أنه لو كان مشروعاً لكانت ممارسته أكثر لسهولته فكيف يسكت القرآن الكريم عن هذا الأمر العظيم ويتكلم باستفاضة عن النوعين الآخرين وكلها مشتركة في معنى واحد هو النكاح؟! ونكاح الإماء مع ما فيه ذكره الله عز وجل في كتابه عزيز ثماني مرات ولا زالت الآيات المتعلقة بشرعيته وأحكامه تتلى. بل ذكر الله عز وجل ما هو أقل منه أهمية وخطراً كالخمر وذلك مراراً في القرآن الكريم وتدرج في تحريمه حتى انتهى منه. فكيف لا يذكر الله عز وجل نكاح المتعة وهو أخطر وأهم وأكثر وقوعاً وأعم بلوى؟!
إن هذا ليس له إلا تفسير واحد هو أن هذا النكاح كان محرماً على المسلمين فلم يمارسوه في مجتمعهم وذلك من أول الإسلام والمسلمون لازالوا في مكة المكرمة كما جاء ذلك صريحاً في سورة المؤمنون و وسورة المعارج.
*نكاح المتعة في الروايات وفتاوي الفقهاء*
أول ما ينبغي الوقوف عنده رواية ابن عباس رضي الله عنهما في جامع الترمذي أنه قال: (إنما كانت المتعة في أول الإسلام،كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم فيها فتحفظ له متاعه وتصلح له شأنه حتى إذا نزلت الآية: ( إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ … ) فكل فرج عدا هذين فهو حرام) [تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي4/269]
وفي هذه الرواية أن المتعة حرمت في بداية الإسلام وأنها من أمور المجتمعات الجاهلية المشركة.
وفي مسند الإمام أحمد أن رجلاً سأل ابن عمر ( عن المتعة فغضب وقال: (والله ما كنا على عهد رسول الله ض زنائين ولا مسافحين)،[المسند بسند صحيح 2/87، مجمع الزائد4/265]
وهذا يعني خلو المجتمع النبوي من نكاح المتعة. وإلى هذا أشار الإمام النووي في شرح مسلم والسرخسي في المبسوط والشيخ مخلوف في صفوة البيان وغيرهم.
قال العلامة شمس الدين السرخسي : :(بلغنا عن رسول الله ض أنه أحل المتعة ثلاثة أيام من الدهر في غزاة غزاها اشتد على الناس فيها العزوبة ثم نهى عنها فلم يبق بعد مضي الأيام الثلاثة حتى يحتاج إلى دليل النسخ) [المبسوط (5/152)]
وعلى هذا أجمعت الأمة كما نقل ذلك الجصاص في أحكام القرآن،والقاضي عياض والخطابي انظر[أحاكم القرآن2/153،المعلم2/131،شرح صحيح مسلم للنووي9/181، فتح الباري9/78]
جميع الروايات الأخرى ليس فيها إلا الترخيص ثلاثة أيام فقط: مرة في خيبر ثم حرمها النبي ض إلى يوم القيامة وما من شك في أن خيبر لم يكن فيها مسلمات في ذلك الوقت فالتمتع كان بنساء يهود أو المشركات وليس مع المسلمات في المجتمع المسلم. ولقصر المدة ولكونه خارج المجتمع المسلم لم ينزل فيه قرآن .
وقد فهم ابن عباس رضي الله عنهما أن الرخصة باقية للمضطر فعارضه كبار الصحابة ولم يعتبروا فتواه وأنكروا عليه بشدة كعلي بن أبي طالب عليه السلام حتى قال له:" إنك رجل تائه نهانا رسول الله ض عن متعة النساء يوم خيبر"[مسلم بشرح النووي9/189]
.وكذلك أنكر عليه عبد الله بن عمر رضي الله عنه ونقل الترمذي والبيهقي والطبراني أنه رجع عن فتواه أخيراًمع أن ابن عباس رضي الله عنهما لم يحكم بإباحتها وإنما قال هي كالميتة للمضطر وهذا يعني تحريمها عنده.
عن ابن عمر رضي الله عنه قال: "لما ولي عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب الناس فقال: إن رسول الله ضأذن لنا في المتعة ثلاثاً ثم حرمها. والله لا أعلم أحداً يتمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة إلا أن يأتيني بأربعة يشهدون أن رسول الله ض أحلها بعد إذ حرمها" [ابن ماجه رقم 1963، ومسند الإمام أحمد13/552]. وفيها أن عمر رضي الله عنه لم يحرم المتعة من عند نفسه وإنما نقل التحريم عن الرسول ض نفسه. وأنها كانت لثلاثة أيام فقط ثم حرمت لا أنها كانت طيلة العهد المدني إلى خيبر كما هو شائع خطأً.
وللحديث بقية ...
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الأخ الفاضل عبد الكريم الحربي
عدد القراء : 2542
تاريخ الموضوع: 30 - أكتوبر - 2004 ميلادية
(161/2)
تابع : نكاح المتعة نظرة قرآنية
الأخ الفاضل عبد الكريم الحربي
فقهاء أهل البيت يجمعون على تحريم المتعة
1) علي بن أبي طالب عليه السلام كما في مصادر أهل السنة وأما مصادر الشيعة فقد ورد ذلك عنه في مسند الإمام زيد بن علي جاء في المسند" عن زيد بن علي عن أبيه عن جده علي قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن نكاح المتعة عام خيبر"[ الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير4/ 23]
. - تهذيب الأحكام للطوسي 7/251. 3- الاستبصار للطوسي 3/142. 4- وسائل الشيعة للعاملي 4/441.
2) الإمام زيد رضي الله عنه ."[ الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير4/ 26]
3) الإمام جعفر الصادق عليه السلام كما في بحار الأنوار 100/318 أنه سئل عن المتعة فقال: (ما تفعله عندنا إلا الفواجر) وجاء في الروض النضير في فقه الزيدية أنه قال عنها: (ذلك الزنا). "
[ الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير4/226 دعائم الاسلام 2/229]
4) الإمام محمد الباقر عليه السلام قال عنها: (هي الزنا بعينه) كما في الروض النضير وانظر في النهي عنها عن الأئمة كذلك كتاب الكافي للكليني 5/449 و 5/453.
5) الإمام الحسن بن يحيى بن زيد فقيه أهل العراق في زمانه إذ نقل إجماع أهل البيت على النهي عنها [الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير4/226]
بل الطوسي وهو من كبار علماء الإمامية يبين أن في المتعة عار وذل فقال:" إذا كانت المرأة من أهل بيت الشرف فانه لا يجوز التمتع بها لما يلحق أهلها من العار ويلحقها هي من الذل!!"[تهذيب الأحكام 7/253]
فالذي يتبين لنا أن الزيدية تحرمه وكذلك الإسماعيلية وهم يتبعون أهل البيت ، وقبلهم أهل السنة.
6) الروايات الأخرى في تحليلها عن الأئمة مكذوبة لتعارضها مع القرآن الكريم والسنة وإجماع الصحابة وفقهاء الأمة ومنهم فقهاء أهل البيت ولضعف أسانيدها.
استنطاق تاريخ الأئمة
لا يعرف أن أحداً من أهل البيت – علمائهم وعامتهم وعلى مدى تاريخهم لاسيما في القرون الثلاثة الأولى – كان ابن متعة، ولو كانوا يبيحونها أو يوجبونها لفعلها الكثير منهم ولأنجبو لهم بنين وبنات، وبما أن هذا غير حاصل – إذ لا تذكر كتب الأنساب من أمهاتهم إلا النوعين: الزوجة الحرة الدائمة أو الأمة – فهذا دليل قطعي على عدم فعلها من قبلهم وهو يستلزم تحريمهم إياها بلا شك، فليُستنطق تاريخهم بكل وضوح وبساطة ليتبين موقفهم العملي من المتعة!، وبه يتبين كذب جميع الروايات المنقولة عنهم بإباحتها ولله الحمد.
والعجيب أن علماء الإمامية يخالفون هذا كله ، بل سئل محمد محمد الصدر عن نكاح المتعة فأجاب:
مسألة (173):" هذا من ضروريات المذهب. ومن ينكره فإنما كأنه خرج من التشيع إلى التسنن أو أي ملة أخرى ودان بغير ما أنزل الله عز وجل بعد كونه منصوصاً في كتابه الكريم. [مسائل وردود / الجزء الرابع ص 41] بل يروون عن أبي عبد الله جعفر الصادق عليه السلام أنه قال" إن الله عز وجل حرّم على شيعتنا المسكر من كل شراب، وعوّضهم عن ذك المتعة "[بحار الأنوار 103/306 ]
بل وصل الأمر إلي الكذب على النبي ض فينسبون إليه وهو بريء منها ض " من تمتع مرة أمن سخط الجبار، ومن تمتع مرتين حشر مع الأبرار، ومن تمتع ثلاث مرات زاحمني في الجنان"[ من لا يحضره الفقيه3/366]
وأخيرا لم تسلم الطفلة الصغير والرضيعة المسكينة من هذا الظلم فقال آية الله الخميني " لا بأس بالتمتع بالرضيعة ضماً وتفخيذاً -أي يضع ذكره بين فخذيها- وتقبيلاً"[ تحرير الوسيلة آية الله الخميني 2/241 مسألة رقم 12] ، وكذا أفتى بجواز مفاخذة الرضيعة المسكينة كل من الكلبايكاني و لطف الله الصافي انظر[هداية العباد 2/305-238]
وإنا لله وإنا لله وإنا إليه راجعون.
الخلاصة:
1. ليس في القرآن الكريم إلا تحريم نكاح المتعة.
2. خلو المجتمع النبوي المسلم من نكاح المتعة أما الترخيص فيه فكان لثلاثة أيام في خيبر وهي خارج المجتمع المسلم.
3. أجمع الصحابة على تحريمها بما فيهم علي وابن عباس رضي الله عنهما .
4. أجمع فقهاء الأمة على تحريمها بما فيهم أهل البيت وهم الذين لم يكن لهم ولا لبقية أهل البيت أبناء من المتعة.
5. إن نكاح المتعة حرم منذ الأيام الأولى من عمر الإسلام وإن تحريمه مستمر إلى يوم القيامة ولا دليل على إباحته قط إلا المتشابهات أو المكذوب من الروايات.
a
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الأخ الفاضل عبد الكريم الحربي
عدد القراء : 2456
تاريخ الموضوع: 30 - أكتوبر - 2004 ميلادية
(162/1)
أحكام حضور النساء إلى المساجد
الشيخ عدنان عبد القادر
أحكام حضور النساء إلى المساجد
أحب البلاد إلى الله
قال رسول الله [ «أحب البلاد إلى الله مساجدها وأبغض البلاد إلى الله أسواقها» (رواه الإمام أحمد وغيره وصححه الألباني).
قال المناوي : «أحب أماكن البلاد المساجد لأنها بيوت الطاعة وأساس التقوى ومحل تنزلات الرحمة، وأبغضها الأسواق لأنها مواطن الغفلة والغش والحرص والفتن والطمع والخيانة والأيمان الكاذبة في الأعراض القاطعة عن الله، إلا من يغدوا إلى طلب الحلال الذي يصون به عرضه ودينه» (فيض القدير/1170)
فضل من بنى لله مسجداً
قال [ : «من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله بنى الله له مثله في الجنة» (متفق عليه).
خير مساجد النساء
عن أم سلمة عن النبي [ أنه قال : «خير مساجد النساء قعر بيوتهن» (رواه الإمام أحمد وغيره وصححه الألباني). وقال [ «صلاتكن في بيوتكن أفضل من صلاتكن في حجركن وصلاتكن في حجركن أفضل من صلاتكن في دوركن، وصلاتكن في دوركن أفضل من صلاتكن في مسجد الجماعة» (رواه الإمام أحمد وحسنه الألباني).
قال صاحب كتاب عون المعبود : «ووجه كون صلاتهن في البيوت أفضل للأمن من الفتنة، ويتأكد ذلك بعد وجود ما أحدث النساء من التبرج والزينة».
حكم حضور النساء للمساجد
قال ابن حزم رحمه الله : «وأما النساء فلا خلاف في أن شهودهن الجماعة ليس فرضاً» وإذا استأذنت المرأة زوجها في الخروج إلى المسجد ملتزمة بالشروط المعتبرة فإنه يأذن لها لقوله [ : «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله» (رواه مسلم). ولقوله [ «لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهن خير لهن» (رواه الإمام أحمد وغيره وصححه الألباني).
وجملة القول أنه يباح حضورالنساء للمساجد بالشروط وبيوتهن خير لهن.
الآداب الواجبة لحضور النساء المساجد
وهذه الواجبات ذكرها العلماء بعضها دل علىه النص، وبعضها ملحق بالمنصوص لمشاركته له في علته، والواجبات هي :
1- ألا تكون متطيبة لقوله [ : «إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيباً» (رواه مسلم) «ويلحق بالطيب ما في معناه من المحركات لداعي الشهوة كحسن الملبس والتحلي الذي يظهر أثره»(من كتاب عون المعبود).
2- أن تغض بصرها ، لقوله تعالى {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن} (النور : 31).
قال ابن كثير «أي ما حرم عليهن من النظر إلى غير أزواجهن».
3- أن تكون متحجبة الحجاب الشرعي، والحجاب الشرعي أن يكون ساتراً لجميع بدنها والأفضل مع وجهها وكفيها على تفصيل عند العلماء، وأن لايكون الحجاب زينة في نفسه، ولا شفافاً ولا ضيقاً يصف البدن ولامشابهاً للباس الرجال ولباس الكافرات (أنظر للتفصيل حجاب المرأة للألباني) (والحجاب لابن عثيمين)
4- أن لا ترفع صوتها في الصلاة، لا في القراءة ولا في التأمين ولا في تنبيه الإمام إذا نسي بل تكتفي في الأخير بالتصفيق لقوله [ «التسبيح للرجال والتصفيق للنساء» (متفق عليه).
5- أن تنصرف قبل الرجال ، لئلا تحصل لهن مزاحمة من الرجال في الطرقات أو على أبواب المسجد وقد ورد عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي [ : (كان إذا سلم يمكث في مكانه يسيراً). قال ابن شهاب : «فنرى والله أعلم لكي ينفذ من ينصرف من النساء قبل أن يدركهن الرجال» (رواه البخاري).
وذكر ابن حجر في فوائد الحديث : «والإحتياط في اجتناب ما يفضي إلى المحذور، وفيه اجتناب مواضع التهم وكراهة مخالطة الرجال للنساء في الطرقات فضلاً عن البيوت».
وقال [ : «لو تركنا هذا الباب للنساء» (رواه أبو داود وصححه الألباني) وبوب عليه أبو داود (باب في اعتزال النساء في المساجد عن الرجال)، قال نافع : فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات، وقال صاحب كتاب عون المعبود : «فيه دليل أن النساء لا يختلطن في المساجد مع الرجال».
مسألة : قال ابن القيم : «يجب على ولي الأمر أن يمنع اختلاط الرجال بالنساء في الأسواق والنزهات ومجامع الرجال وهو مسؤول عن ذلك».
الأعمال بالنيات
قال [ : «من أتى المسجد لشيء فهو حظه» (رواه أبو داود وصححه الألباني) «ففيه تنبيه على تصحيح النية في إتيان المسجد لئلا يكون مختلطاً بغرض دنيوي كالتمشية والمصاحبة مع الأصحاب» (عون المعبود.
صلاة النساء جماعة وحدهن تؤمهن إحداهن
تسن الجماعة للنساء بلا خلاف وتؤمهن أقرؤهن على الصحيح، وحكي مشروعية الجماعة للنساء ابن المنذر عن عائشة وأم سلمة وعطاء والثوري والأوزاعي وغيرهم ولم يُعرف لهم مخالف ولحديث أم ورقة رضي الله عنها أن النبي [ أذن «أن يُؤذن لها وأن تؤم أهل دارها في الفريضة وكانت قد جمعت القرآن» (رواه أبو داود وحسنة الألباني) وصلاة الجماعة للنساء في البيت أفضل لما تقدم من الأحاديث.
مسألة : قال شيخ الإسلام : «ولا نزاع أن للمرأة أن تصلي بالنساء جماعة، لكن هل يستحب ؟ الأشهر أنه يستحب لحديث أم ورقة وغيره».
مسألة : قال الشيخ البسام : «لا تصح إمامة المرأة للرجل فليست من أهل الإمامة» ويكاد ينعقد الإجماع على عدم صحة إمامة المرأة للرجل ، ولقوله [ : «لا يفلح قوم ولو أمرهم امرأة» (رواه البخاري).
مسألة : الأذان والإقامة مشروعان للرجال دون النساء لما روى البيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : «ليس على النساء أذان ولا إقامة» وعليه فالمشروع للمرأة ترك الأذان والإقامة وهذا شيء لم يعهد إسناده إليها ولاتوليها إياه في زمن النبي [ ولا في زمن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم (اللجنة الدائمة بتصرف).
مسألة : الصلاة جماعة خلف المذياع والتلفاز : «لا يجوز للرجال ولا للنساء ضعفاء أو أقوياء أن يصلوا في بيوتهن واحداً أو جماعة بصلاة الإمام ضابطين صلاتهم معه بصوت المكبر فقط سواء كانت فريضة أم نافلة جمعة أو غيرها وسواء كانت بيوتهن وراء الإمام أم أمامه لوجوب أداء الفرائض جماعة في المساجد على الرجال الأقوياء وسقوط ذلك عن النساء والضعفاء» (اللجنة الدائمة للفتوى).
فضل الوضوء قبل التوجه للمسجد
لقوله [ : «من تطهر في بيته ثم مضى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خطواته إحداها تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة» (رواه مسلم).
الإتيان إلى المسجد بالسكينة والوقار
لقوله [ : «إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار، ولا تسرعوا فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا» (متفق عليه).
دعاء دخول المسجد
قال [ «إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي [ وليقل : اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل : اللهم إني أسألك من فضلك» (رواه مسلم). وزاد أبو داود : (إذا دخل فليسلم على النبي [ )
وكان [ إذا دخل المسجد قال : «أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم، وقال : إذا قال ذلك حفظ منه سائر اليوم» (رواه أبو داود وصححه الألباني).
صلاة تحية المسجد قبل الجلوس
لقوله [ : «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين» (متفق عليه).
ظاهر الأمر الوجوب كما ذهب إليه الظاهرية وابن دقيق العيد والصنعاني والشوكاني، وجمهور العلماء على أن تحية المسجد غير واجبة.
قال ابن حجر «اتفق أئمة الفتوى على أن الأمر في ذلك للندب».
الصلاة إلى سترة
عن ابن عمر ] أن النبي [ كانت يركز العنزة ويصلي إليها .(رواه مسلم)
- وجوب السترة مروي عن الإمام أحمد وبه قال ابن خزيمة والعيني والشوكاني وغيرهم وهذا قول قوي وإن كان الجمهور قالوا بالسنية (من كتاب أحكام حضور المساجد عبد الله صالح الفوزان).
النهي عن المرور بين يدي المصلي
لقوله [ : «لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خير له من أن يمر بين يديه» قال الراوي : «لا أدري قال أربعين يوماً أو شهراً أو سنة» (متفق عليه).
لا يضر المرور من خلف السترة
لقوله [ : «إذا جعلت بين يديك مثل مؤخرة الرحل - سترة - فلا يضرك من مر بين يديك» (رواه مسلم).
الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة
قال [ : «الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة» (رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني).
ترك صلاة النافلة إذا أقيمت المفروضة
لقوله [ : «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة» (رواه مسلم).
خير صفوف النساء
عن أبي هريرة ] قال : قال رسول الله [ : «خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها،وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها» (رواه مسلم).
مسألة : قال النووي : «لو صلت النساء بجماعة لا يرين الرجال ولا يراهن الرجال فإنه حينئذٍ يكون خير صفوف النساء أولها وشرها آخرها».
تسوية الصفوف للصلاة
لقوله [ : «سووا صفوفكم، فإن تسوية الصف من تمام الصلاة» (متفق عليه)، ولقوله [ : «استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم» (رواه مسلم).
متابعة الإمام والاقتداء به
قال [ «إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد وإذا سجد فاسجدوا» (رواه مسلم).
قال ابن قدامة : «فهذه الأدلة الصريحة في أن المأموم يكون شروعه في أفعال الصلاة من الرفع والوضع والركوع والسجود بعد فراغ الإمام منها».
بم تدرك صلاة الجماعة
عن أبي هريرة ] عن النبي [ قال : «من أدرك ركعة من الصلاة مع الإمام فقد أدرك الصلاة» (متفق عليه).
الخشوع في الصلاة
قال تعالى {قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون}. وقال [ بعدما بيّن فضل الوضوء : «فإن هو قام وصلى فحمد الله وأثنى عليه ومجده بالذي هو أهله، وفرَّغ قلبه لله، إلا انصرف من خطيئته كهيئتيه يوم ولدته أمه» (رواه مسلم) . قال الإمام ابن كثير : «والخشوع في الصلاة إنما يحصل لمن فرغ قلبه لها، واشتغل بها عما عداها، وآثرها على غيرها، وحينئذٍ تكون راحة له وقرة عين كما قال [ : «حبب إليّ الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة» (حديث صحيح رواه الإمام أحمد).
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- : «وعلى المرء إذا دخل في الصلاة أن يعتقد أنه بين يدي الله عز وجل وأنه يناجي الله تبارك وتعالى ويتقرب إليه بتكبيره وتعظيمه وتلاوة كلامه سبحانه وتعالى بالدعاء في مواطن الدعاء في الصلاة ، فإذا شعر الإنسان بهذاالشعور فإنه يدخل على ربه تبارك وتعالى بخشوع وتعظيم له سبحانه وتعالى ومحبة لما عنده من الخير وخوف من عقابه إذا فرط فيما أوجب الله عليه».
النهي عن الإلتفات في الصلاة
عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : سألت رسول الله [ عن الإلتفات في الصلاة، فقال : «هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد » (رواه البخاري).
جواز حمل الجارية في الصلاة عند الحاجة
عن أبي قتادة الأنصاري ] أن رسول الله [ «كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله [ فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها» (رواه البخاري).(163/1)
قال ابن حجر : «وفيه تواضعه [ وشفقته على الأطفال ، وإكرامه لهم وجبراً لهم ولوالديهم» (الفتح 1/705).
عدم الجهر بالنية
قال شيخ الإسلام : «الجهر بالنية ليس مشروعاً عند أحد من علماء المسلمين ولا فعله رسول الله [ ولا فعله أحد من خلفائه وأصحابه وسلف الأمة وأئمتها، بل النية الواحدة الواجبة في العبادات كالوضوء والغسل والصلاة والصيام والزكاة وغير ذلك محلها القلب باتفاق أئمة المسلمين والنية هي القصد والإرادة والقصد والإرادة محلها القلب دون اللسان باتفاق العقلاء».
النهي عن رفع الصوت بالقراءة والذكر لاسيما النساء
لقوله [ : «إن المصلي يناجي ربه ، فلينظر بم يناجيه ولايجهر بعضكم على بعض بالقرآن» (رواه مالك وصححه الألباني).
النهي عن حضور المسجد لمن أكل بصلاً أو ثوماً
لقوله [ : «من أكل ثوماً أوبصلاً فليعتزلنا، أو فليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته» (متفق عليه)
قال الشيخ ابن باز رحمه الله : «يدل على كراهة حضور المسلم لصلاة الجماعة مادامت الرائحة توجد منه ظاهرة تؤذي من حوله سواء كان ذلك من أكل الثوم أو البصل أو الكرات أو غيرها من الأشياء المكروهة -أي مكروهة الرائحة- كالدخان حتى تذهب الرائحة».
> النهي عن البيع والشراء وإنشاد الضالة في المسجد
عن أبي هريرة ] قال : قال رسول الله [ : «إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا لا أربح الله تجارتك، وإذا رأيتم من ينشد ضالته فقولوا : لا رد الله عليك ضالتك» (رواه الترمذي والحاكم وصححه الألباني).
قال الترمذي : «والعمل على هذا عند أهل العلم، كرهوا البيع والشراء في المسجد وهو قول أحمد وإسحاق». وجمهور العلماء على أن النهي للكراهة وذهب الشوكاني على أن الأصل التحريم إلا لقرينه ولا قرينه.
البُصاق في المسجد خطيئة
لقوله [ «البصاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها» (متفق عليه).
البُعد عن تنجيس المساجد
لقوله [ : للأعرابي الذي بال في المسجد «إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن» (رواه مسلم).
قال النووي : «فيه صيانة المساجد وتنزيهها عن الأقذار والقذى والبصاق ورفع الأصوات والخصومات والبيع والشراء وسائر العقود وما في معنى ذلك».
جواز الأكل والشرب في المسجد
عن عبد الله بن الحارث ] قال : «كنا نأكل على عهد رسول الله [ في المسجد الخبز واللحم» (رواه ابن ماجه وصححه الألباني).
قال النووي : «لا بأس بالأكل والشرب في المسجد ، ووضع المائدة فيه، وغسل اليد فيه»، وقال .. «ويستحب للآكل أن يضع سفرة ونحوها ليكون أنظف للمسجد وأصون».
الحرص على نظافة المسجد
عن أبي هريرة ] : «أن رجلاً أسود أو أمرأة سوداء كان يقم المسجد ولا أراه إلا إمرأة» (متفق عليه).
معنى يقم : يجمع القمامة وهي الكناسة.
قال ابن حجر : «وفي الحديث فضل تنظيف المسجد» وبوب البخاري للحديث (باب كنس المسجد والتقاط الخرق فيه والقذى والعيدان).
تم بحمد الله
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الشيخ عدنان عبد القادر
عدد القراء : 1822
تاريخ الموضوع: 02 - نوفمبر - 2004 ميلادية
(163/2)
رحلة تعبدٍّ ورقٍّ
الشيخ عدنان عبد القادر
رحلة تعبدٍّ ورقٍّ
رحلة الحج هي رحلة الحب إلى الله تعالى وهي رحلة دنيوية يقوم بها العبد ببدنه وافداً إلى الله تعالى . قال النبي [ : (الحجاج والعمار وفد الله ، دعاهم فأجابوه ، وسألوه فأعطاهم ) . رواه البزار.
فهم في وفادة الله تعالى وضيافته وحفظه. قال النبي [ : (ثلاثة في ضمان الله عز وجل ، رجل خرج إلى مسجد من مساجد الله ورجل خرج غازيا في سبيل الله تعالى ورجل خرج حاجا ). ( رواه أبو نعيم ) وهي نوع من أنواع الجهاد لذا قال النبي[ للنساء :( لكن أفضل الجهاد حج مبرور ) رواه البخاري . فهي رحلة مصغرة للرحلة الكبرى الرحلة الأخروية .
كيف نعتبر رحلة الحج رحلة صغرى إلى الله تعالى :
أ.الإحرام
يقدم الحاج وقد تجرد من متعلقات الدنيا من ثياب ومال وجاه.
وإنما يلبس الثوبين الأبيضين ( الإحرام ) اللذين يدلان على نقاوة القلب وبياضه وصفاء الظاهرمتهيئا للقاء الله تعالى.
ب . الاهلال :
ثم يهل بالحج أي يرفع صوته معلنا للخلق مستبشراً وقد غمره الفرح والسرور أنه مقبل لزيارة من ملك قلبه ورِقَّهُ لزيارة بيت الله تعالى مستجيباً لندائه ملبياً لدعوته ونداء إبراهيم الخليل \ عندما دعى الناس لزيارة بيت الله سبحانه { وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً } يلهج لسانه بذكره تعالى.
وما طلع النجم الذي يهتدى به ولا الصبح إلا هيَّجا ذِكره ليا
أحب من الأسماء ما وافق اسمه اشبهه أو كان منه مدانيا
وحبة قلبه منصبة نحوه ، وفؤاده هاوٍ إليه لذا يجأر بقوله ( لبيك اللهم لبيك) أي لب قلبي وسويداءه قد تعلقت بك مرة بعد أخرى ، فتستجيب الكائنات لإهلاله الصادق فيلبي كل ما عن يمينه وشماله قال [: (ما من مسلم يلبي إلا لبى ما عن يمينه وشماله من حجر أو شجر أو مدر ، حتى تنقطع الأرض من هاهنا وهاهنا) ( رواه النسائي وحسنه السيوطي ) .
ج.عرفة :
يحضر عرفة التي هي أول أركان الحج العملية ، وهي منطقة الحل ليست من الحرم .أرض قاحلة جرداء ، لا زينة فيها ولا بناء ، خارجا إلى الله تعالى ، يطلب الأنس به :
أخرج من بين البيوت لعلني أحدث عنك النفس يارب خاليا
ثم يحتشد مع الخلق ، مع الجمع الهائل ، تاركاً الملذات والشهوات لأجله ، رغبة فيه ، متواضعاً خاضعاً لجلاله مستكيناً لعزته متجرداً من كل عظمة ،قد أظهر رقه وعبوديته وأذعن انقياده ، يُعرّف نفسه إلى الله تعالى قال [(تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ) رواه الترمذي .ومن هنا سميت عرفة، فكلهم متساوون في المظهر ، يجأرون إلى الله تعالى - كأنهم في أرض المحشر - أرض جرداء - مكبرين مسبحين مبتهلين ، كلهم يطلبون ويتقربون ويستغيثون على اختلاف ألسنتهم وأصواتهم وأجناسهم .
ما أنت إلا فرد واحد بين هذه الجموع ، هل يقبلك الله تعالى وينظر إليك نظر الرحمة ؟! فاجمع كل همومك وأحزانك
واعرضها على الله تعالى مشتكيا ًإليه بدلاً من الخلق ( إنما أشكوا
بثي وحزني إلى الله ) فالإستجابة أسرع إليك من ارتداد طرفك . قال [ :( الحجاج والعمار وفد الله دعاهم فأجابوه وسألوه فأعطاهم ) رواه البزار .
لا يدخلون أرض الحرم (مزدلفة ) إلا بعد التمرغ لله تعالى طالبين الطهر ليؤذن لهم دخول مزدلفة فيقول الله تعالى :( انظرو إلى عبادي أتوني شعثا غبرا ). رواه أحمد . ويقترب منهم قد صفح عنهم وعفا ( ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة.وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء ) رواه مسلم .
د. مزدلفة :
ثم ينطلقون إلى المزدلفة وهي أول الحرم - سمي حرما لعظم حرمته ، لذا لا يقطع شجره ولا يصاد صيده ، لأنه في حمى الله ، لذا يسمى حمى الملك . يزدلفون إلى الله تعالى ويتقربون إليه{ فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام }. فيلقون بأجسادهم المجردة من الثياب على الأرض العفراء أرض الحرم المباركة . قد مس التراب جلودهم ، مهادهم الأرض ولحافهم السماء ، فيبيتون محبين لله معظمين متضرعين إليه
سبحانه ، معلنين لله تعالى أنهم قد صفت سرائرهم وعلانيتهم له سبحانه ، لاحظ للشهوات الدنيوية في قلوبهم ولا لتلك الملهيات التي تلهيهم عنه سبحانه ، فتسرح أرواحهم ليلا في حمى مليكها تستنشق عبير الأنس من نسيم رياض القدس.
تذكرت أيام اللقاء بمشعر بجمعٍ وحولي صحبةٌ ومخيمُ
وكان لقاءً يُسعد القلبَ أمرُه بذكرٍ ونسكٍ ليت من غاب يعلم
حبانا الولي رب كريم وخيره يعم البرايا للجميع مقسم
وإن زان قوما لبسهم وكساؤهُم فزينة صحب الوجه بالنور مفعم
إذا الْتذّ قوم في طعام ومشرب فليس سويا ما نذوق ويطعم
فطعم التقى ما ذاقه قط جاحد ليعلم أنا بالأطايب ننعم
لله تلك الأمسيات التي بها دعاء وذكر صاغه القلب والفم
ولله كم من ساجد ومسبح وآخر يرجوالله والناس نوم
( خالد الخراز )
ه- الجمرات :
فيغدون قبل الشروق إلى الجمرة حيث ينتزعون حظوظ الشيطان ودواعي الشر من قلوبهم فيرمونها ويقذفون بها على شكل حصيات سبع وهو العدد التي تستخدمه العرب للدلالة على الكمال والكثرة والشدة بأن حظ الشيطان استخرج منهم ويكبرون الله تعالى مع كل حصية معلنين أن الله في قلوبهم أغلى وأكبر من كل شيء ومن كل حظ .فيملأ الله تعالى قلوبهم التي صفت من الشوائب بنوره العظيم ( الله نور السموات والأرض ) ويجازيه بالنور التام يوم القيامة ، قال [ : ( إذا رميت الجمار كان لك نورا يوم القيامة ). رواه البزار
و- الهدي
ثم ينحر الهدي الذي هو فداء عن نفسه فكأنما ينحر قلبه لله تعالى يهديه إليه ( الهدي ) تقربا إليه ، ابتغاء مرضاته .فلو كان نحر القلب قربة لنحرته حباً لك وتعبداً كحال إبراهيم الخليل مع إسماعيل ولكن الله تعالى استبدل الذبح به في مِنى .سميت منى لأن الله تعالى أحب للعبد إراقة دمه لأجله وقدَّره له .لذا سميت الوفاة منية .
ز- الحلق :
ثم يحلق رأسه تذللاً له سبحانه ، إذ كانت العرب تحلق ناصية الرجل إذا قصدت إذلاله .
ح- الكعبة :
ثم يغتسل ويتنظف ويتطيب بأفضل الطيب ويتجمل بأجمل لباس لزيارة الله تعالى إلى بيته ، فالبيت هو رمز الخلة والمودة والشوق إلى الله تعالى فأنت العابد المحب، والمحب إذا ما رأى المحبوب فإن أول ما يبدأه به المصافحة الحارة والتقبيل وربما يعانقه وهكذا كان يفعل النبي [، إذ أول ما يبدأ به هو استلام الحجر وتقبيله حباً وشوقاً لذا قال ابن عباس ]:( الحجر الأسود يمين الله في الأرض ، فمن صافحه فكأنما صافح الله تعالى ) فيبدأ به حيث نزل من الجنة ( نزل الحجر الأسود من الجنة فكان أشد بياضاً من الثلج حتى سودته خطايا أهل الشرك)رواه أحمد (1/703).
وهي أول بيت للعبادة بناه إبراهيم \ في الأرض لذا سمي بالبيت العتيق ، فكوفئ به في السماء أن استند إلى البيت المعمور الذي هو قبلة الملائكة في السماء السابعة ، قال النبي [ في
حديث المعراج بعد مجاوزته السماء السابعة :( ثم رفع بي إلى
البيت المعمور ، وإذا هو يدخله في كل يوم سبعون ألفا لا يعودون إليه ) متفق عليه ، أي يتعبدون فيه ويطوفون به كما يطوف أهل الأرض بكعبتهم .قال [ في حديثه: ( فإذا أنا بابراهيم \ ، وإذا هو مستند ( مسند ظهره ) إلى البيت المعمور ) رواه مسلم .
فوجود هذا البيت يدل على بقاء الإيمان في الأرض ، وما دامت الكعبة موجودة فالدين قائم والدنيا قائمة ومصالح الناس مستمرة ، فتحيا بذلك القلوب ، فحياة القلوب ببقائها قائمة{ جعل الله الكعبة البيت الحرام قياماً للناس } .
أما إذا هدمها ذو السويقتين من الحبشة فهنالك تقوم الساعة ، قال [ : ( لا تقوم الساعة حتى لا يحج البيت ) رواه أبويعلى عن أبي سعيد ( السلسله الصحيحة2430 ) .
وقد يعانق البيت كما كان يفعل النبي [ إذ يلزم البيت ما بين الحجر الأسود وباب الكعبة من شدة شوقه لله تعالى في نهاية طوافه .
ثم يبدأ بالطواف حول حبه وغايته كما يحوم طالب التجارة حول صفقة ثمينة ولا يفرط فيها ويخطط الليل والنهار للوصول إليها ويفوز بها ، وكذلك طالب الزواج من امرأة أحبها كيف يحوم حول حبها ولله المثل الأعلى سبحانه إذ تطوف الملائكة حول العرش رغباً ورهباً وحباً وتعظيماً وإجلالاً { وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم} (الزمر) ،حيث يطوف الحاج حول غايته وحبه ورمز المحبة لله تعالى وهو البيت الحرام البيت العتيق .
نقِّل فؤادك حيث شئت من الهوى ما الحب إلا للحبيب الأولِ
كم منزل في الأرض يعشقه الفتى وحنينه أبداً لأول منزِل
جاعلاً الجانب الأيسر الذي يميل موضع قلبه إليه هو أقرب المواضع إلى الكعبة ، فيطوف سبعاً وهذا العدد يمثل الكثرة الكاثرة والكمال في طوافه حول حبه . لعل باب القبول والقربى يفتح له ، ويفوز بالنظر إلى الله تعالى يوم القيامة . فهو طواف الجسد والقلب والروح .
ط. الدعاء في طوافه :
فاغتنم زيارتك لهذا البيت بالاكثار من الدعاء والسؤال قال [: ( الحجاج والعمار وفد الله . دعاهم فأجابوه ، وسألوه فأعطاهم ) رواه البزار عن جابر ، واهتبل طوافك بالسؤال للفوز بالنظر إلى وجهه الكريم وتضرع إليه وأظهر افتقارك إلى جلاله بسؤالك حتى اللقمة وبث إليه همومك وأحزانك{ رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير }.
ي- ركعتا الطواف :
ثم بعد إظهاره تعلق قلبه بغايته وحبه وهو ربه تعالى يذهب يكلم الله تعالى ويخاطبه ويفضي إليه مما يجول في صدره من حب وتعلق وذلك بالصلاة ركعتين خلف مقام إبراهيم .
ك- زمزم :
ثم لا يتوقف حتى ينطلق إلى زمزم فيملأ جوفه بماء هذا البيت إظهاراً لشغفه بكل ما يعلقه بمحبوبه ، فيملأ قلبه وعقله وجوفه بكل ما يذكره بالمحبوب .
ل- السعي :
ثم ينطلق - بعد تقبيل آخر للحجر الأسود ويمين الله تعالى في الأرض - ينطلق إلى ( الصفا - والصفاء ) يقف عليه معلنا لربه أنه سيصفي قلبه من كل شائبة علقت بقلبه ، ليبقى قلبه خالصا لربه ويتضرع هناك مكبراً معظماً لإلهه ( الله أكبر ) ثم يوحد الله تعالى وأنه لا معبود إلا هو ولا محبوب إلا هو وأحق الذوات بالوله هو سبحانه ( لا إله إلا الله ) صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ، ثم ينطلق إلى ( المروة ) فيعلوه معلناً أنه سيطلب المروءة والثبات على ذلك ( فالمروة من المروءة والثبات ) ، هكذا سعيه بين الصفاء والمروءة سبعاً إظهاراً للذل الكامل للحصول على هذه الغاية إلى أن يلاقي ربه تعالى .
ويسير ذاكراً الله تعالى بقلبه قبل لسانه ، ويلهج لسانه بذكره
سبحانه: {فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آبائكم أو أشد ذكرا } .
ثم يرجع من هذه الرحلة الدنيوية إلى الله تعالى وقد تخلص من كل الشوائب القلبية وتنقى من كل الآثام ، {فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى }.(164/1)
وهذه الرحلة الدنيوية إلى الله تعالى بجسده تلخص الرحلة الأخروية يوم الحشر لذا انتهت آيات الحج بالتذكير بيوم الحشر يوم لقاء الله تعالى مع كل الخلائق { واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون } البقرة .
ولعله يتضح ذلك من سيرة النبي [ حيث حج النبي [ حجة الوداع في نهاية حياته الشريفة في السنة العاشرة من الهجرة وقال فيها : لعلي لا أراكم بعد عامي هذا ، فرحل إلى الله تعالى رحلة البدن ، رحلة الحب الدنيوية قبل رحلة الروح الأخروية ، ثم توفي [ في السنة الحادية عشرة .
لذا فالحج أعظم من الصدقة وعتق الرقبة . سئل طاووس عن الحج والصدقة فقال فأين الحل والرحيل والسهر والنصب والطواف بالبيت والصلاة عنده والوقوف بعرفة وجمعٍ ( مزدلفة ) والجمار .
وسأل رجل أبا موسى الأشعري فقال : إني كنت أحج وقد كبرت وضعفت فهل من شيء يبدل الحج ؟ فقال أبو موسى:هل
تستطيع أن تعتق سبعين رقبة مؤمنة من ولد اسماعيل ؟ أما الحل
والرحيل فلا أجد له عدلا ( لا أجد له مثلا ) . مما يدل عليه ما رواه البخاري أن النبي [ سئل : ( أي العمل أفضل ؟ قال : إيمان بالله ورسوله ، فقيل : ثم أي ؟ قال : الجهاد في سبيل الله ، قيل ثم أي قال : حج مبرور ) .
فهذه رحلة الحب ، رحلة النعيم ، رحلة التعبد إلى الله تعالى، رحلة الأشواق ، من فاز بها فقد فاز في الدارين الدنيا والآخرة ، والمحروم من حرمها .
ذكت نار شوقٍ في فؤادي فأصبحت لها وهج مستضرم في فؤاديا
أَعُدُّ الليالي ليلةً بعد ليلةٍ وقد عشت دهراً لا أعد اللياليا
إذا نحن أدلجنا وأنتَ أمامنا كفى لمطايانا بذكراك هاديا
فأشهد عند الله أني أحبه هذا له عندي فما عنده ليا؟
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الشيخ عدنان عبد القادر
عدد القراء : 1463
تاريخ الموضوع: 14 - نوفمبر - 2004 ميلادية
(164/2)
قِفْ واستمع قولاً عظيم الشاني
الأخ الفاضل عبد الكريم الحربي
إلي أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها وراضاها نهدي هذه القصيدة التي دبجها ونمقها ألأديب الأريب موسى بن بهيج الأندلسي رحمه الله على لسان عائشة الصديقة فكأنه بعد المطلع الذي يوذن بمقصده تخلص في البيت الثاني إلي إعطائها الكلمة، فجعلها هي التي تناظر وتفاخر وتدفع في نحور الأعداء بسلاح الحجة والبرهان الذي يطوقهم الخزي والعار والرد على الروافض الأشرار .
وهذه والله يا أماه هي اقل ما نقدمه لكِ يا زوجة رسولنا المصطفى المختار ، ويا ابنت صاحب الغار، وأم الصحابة الأخيار وجميع أهل الإسلام الأبرار، فنسأل الله جل في علاه وتبارك في عالي سماه أن يتقبلها مني خالصة لوجهه ويجزي ابن بهيج بكل حرف خير الجزاء يا صاحب العطاء يا رب الأرض والسماء.
وحق أن يُقال فيها بلا فخر ولا كبر
قِفْ واستمع قولاً عظيم الشاني…… في مدح زوج المصطفى العدنان
والآن إلي هذه الملحة الكبرى
ما شَانُ أُمِّ المؤمنين وشَاني……….هُدِيَ المُحِبُّ لها وضَلَّ الشَّاني
إِنِّي أَقُولُ مُبيِّناً عَنْ فَضْلِها………. ومُتَرْجِماً عَنْ قَوْلِها بِلِسَاني
يا مُبْغِضِي لا تَأتِ قَبْرَ مُحَمَّدٍ…………فالبَيْتُ بَيْتي والمَكانُ مَكاني
إِنِّي خُصِصْتُ على نِساءِ مُحَمَّدٍ……….بِصِفاتِ بِرٍّ تَحْتَهُنَّ مَعاني
وَسَبَقْتُهُنَّ إلي الفَضَائِلِ كُلِّها……….فالسَّبقُ سَبقي والعِنَانُ عِنَاني
مَرِضَ النَّبِيُّ وماتَ بينَ تَرَائِبي……….فالْيَوْم يَوْمي والزَّمانُ زَماني
زَوْجي رَسولُ اللهِ لَمْ أَرَ غَيْرَهُ………….اللهُ زَوَّجني بهِ وحَبَاني
أنا بِكْرُهُ العَذْراءُ عِنْدي سِرُّهُ…………وضَجيعُهُ في مَنْزلي قَمَرانِ
وتَكلم اللهُ العظيمُ بحُجَّتي……………وبَرَاءَتِي في مُحكمِ القُرآنِ
واللهُ حَفَّرَني وعَظَّمَ حُرْمَتي…………… وعلى لِسَانِ نبِيِّهِ بَرَّاني
واللهُ وبَّخَ منْ أراد تَنقُّصي………….إفْكاً وسَبَّحَ نفسهُ في شاني
إني لَمُحْصَنةُ الإزارِ بَرِيئَةُ………….ودليلُ حُسنِ طَهارتي إحْصاني
واللهُ أحصنَني بخاتِمِ رُسْلِهِ…………….وأذلَّ أهلَ الإفْكِ والبُهتانِ
وسَمِعْتُ وَحيَ الله عِندَ مُحمدٍ………….من جِبْرَئيلَ ونُورُه يَغْشاني
أَوْحى إليهِ وكُنتَ تَحتَ ثِيابِهِ…………فَحَنى عليَّ بِثَوْبهِ وخبَّاني
مَنْ ذا يُفاخِرُني وينْكِرُ صُحبتي………. ومُحَمَّدٌ في حِجْره رَبَّاني؟
وأذختُ عن أبوي دينَ محمدٍ……….وهُما على الإسلامِ مُصطَحِبانيِ
وأبي أقامَ الدِّين بَعْدَ مُحمدٍ…………فالنَّصْلُ نصلي والسِّنان سِناني
والفَخرُ فخري والخلافةُ في أبي………. حَسبي بهذا مَفْخَراً وكَفاني
وأنا ابْنَةُ الصِّديقِ صاحبِ أحمدٍ……….وحَبيبهِ في السِّرِّ والإعلانِ
نصرَ النبيَّ بمالهِ وفِعاله……………وخُروجهِ مَعَهُ من الأوطانِ
ثانيه في الغارِِ الذي سَدَّ الكُوَى………….بِردائهِ أكرِم بِهِ منْ ثانِ
وجفا الغِنى حتى تَخلل بالعبا………….زُهداُ وأذعانَ أيَّما إذعانِ
وتخللتْ مَعَهُ ملائكةُ السما……………وأتتهُ بُشرى الهِ بالرضوانِ
وهو الذي لم يخشَ لَومةً لائمٍ…………في قتلِ أهلِ البَغْيِ والعُدوانِ
قتلَ الأُلى مَنَعوا الزكاة بكُفْرهم………… وأذل أهلَ الكُفر والطُّغيانِ
سَبقَ الصَّحابةَ والقَرابةَ للهدى…………هو شَيْخُهُم في الفضلِ والإحسانِ
واللهِ ما استبَقُوا لنيلِ فضيلةٍ…………….مَثلَ استباقِ الخيل يومَ رهانِ
إلا وطارَ أبي إلي عليائِها………………. فمكانُه منها أجلُّ مكانِ
ويلٌ لِعبدٍ خانَ آلَ مُحمدٍ……………. بعَداوةِ الأزواجِ والأختانِ
طُُوبى لمن والى جماعةَ صحبهِ………… ويكون مِن أحبابه الحسنانِ
بينَ الصحابةِ والقرابةِ أُلْفَةٌ……………. لا تستحيلُ بنزغَةِ الشيطانِ
هُمْ كالأَصابعِ في اليدينِ تواصُلاً………… هل يستوي كَفٌ بغير بَنانِ؟
حصرتْ صُدورُ الكافرين بوالدي…………وقُلوبُهُمْ مُلِئَتْ من الأضغانِ
حُبُّ البتولِ وبعلها لم يختلِفْ…………….مِن مِلَّة الإسلامِ فيه اثنانِ
أكرم بأربعةٍ أئمةِ شرعنا…………….فهُمُ لبيتِ الدينِ كالأركانِ
نُسجتْ مودتهم سدىٍ في لُحمةٍ………………فبناؤها من أثبتِ البُنيانِ
اللهُ ألفَ بين وُدِّ قلوبهم………………….ليغيظَ كُلَّ مُنافق طعانِ
رُحماء بينهمُ صفت أخلاقُهُمْ……………وخلت قُلُوبهمُ من الشنآن
فدُخولهم بين الأحبة كُلفةٌ……………….وسبابهم سببٌ إلي الحرمان
جمع الإلهُ المسلمين على أبي……………واستُبدلوا من خوفهم بأمان
وإذا أراد اللهُ نُصرة عبده……………….من ذا يُطيقُ لهُ على خذلانِ
من حبيني فليجتنب من سبني……………إن كانَ صان محبتي ورعاني
وإذا محبي قد ألظَّ بمُبغضي……………….فكلاهما في البُغض مُستويانِ
إني لطيبةُ خُلقتُ لطيب………………….ونساءُ أحمدَ أطيبُ النِّسوان
إني لأمُ المؤمنين فمن أبى………………حُبي فسوف يبُوءُ بالخسران
اللهُ حببني لِقلبِ نبيه………………….وإلي الصراطِ المستقيمِ هداني
واللهُ يُكرمُ من أراد كرامتي…………………ويُهين ربي من أراد هواني
والله أسألُهُ زيادة فضله………………….وحَمِدْتُهُ شمراً لِما أولاني
يا من يلوذُ بأهل بيت مُحمد……………… يرجو بذلك رحمةَ الرحمان
صل أمهاتِ المؤمنين ولا تَحُدْ……………….عنَّا فتُسلب حُلت الإيمان
إني لصادقة المقالِ كريمةٌ………………….أي والذي ذلتْ له الثقلانِ
خُذها إليكَ فإنما هي روضةٌ………………محفوفة بالروح والريحان
صلَّى الإلهُ على النبي وآله…………………فبهمْ تُشمُّ أزهرُ البُستانِ
كتبها ونسخها ونسقها
محبكم أبو عبد الله الحربي غفر الله له
وقد انتشرت هذه القصيدة بفضل الله تعالى على هذه الشبكة العملاقة وبجهود أهل السنة المدافعين عن أعراض أمهات المؤمنين وآل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الأخ الفاضل عبد الكريم الحربي
عدد القراء : 1919
تاريخ الموضوع: 22 - نوفمبر - 2004 ميلادية
(165/1)
أبو بكرة من فضلاء الصحابة - رد على د. محمد الأشقر
الشيخ ناظم المسباح
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله ، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وانتم مسلمون } ( آل عمران آية 102)
{ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا }
(النساء آية 1 )
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما } ( الأحزاب آية 71 )
أما بعد ،،،
فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أيها القارئ الكريم :
هذا رد موجز على بعض ما جاء في مقال الدكتور محمد الأشقر ـ حفظه الله ـ والذي نشر في جريدة الوطن يوم السبت 29 / 5 / 2004 م والذي جرح فيه الشيخ ـ عفا الله عنه ـ عدالة الصحابي أبي بكرة ـ رضي الله عنه ، وعد أحاديثه التي رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم موضوعة ومكذوبة لا يصلح الاستدلال بها، وفي هذا كذلك طعن في صحيح البخاري، والتقليل من شأنه، واتهام البخاري بإخراج أحاديث موضوعة ومكذوبة في صحيحة . وردي على فضيلته سيكون في النقاط التالية :
أولا : ترجمة أبي بكرة ـ رضي الله عنه ـ .
ثانيا : ذكر أقوال أهل العلم بعدالة الصحابة .
ثالثا : أقوال أهل العلم في عدالة أبي بكرة وفضله .
رابعا : مراد المحدثين في العدالة الثابتة لجميع الصحابة .
خامسا : قصة أبي بكرة مع المغيرة ـ رضي الله عنهما ـ .
سادسا : حكم قبول شهادة القاذف .
سابعا : تفريق العلماء بين الشهادة والرواية .
ثامنا : سبب امتناع أبي بكرة ـ رضي الله عنه ـ عن التوبة عندما دعاه عمر ـ رضي الله عنه ـ .
تاسعا : مكانة الإمام البخاري عند العلماء .
عاشرا : مكانة صحيح البخاري عند العلماء .
الحادي عشر : الآثار السلبية لهذا المقال .
هذا وأرجو الله تبارك وتعالى أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه .
والحمد لله رب العالمين ،،،
كتبه /
ناظم سلطان المسباح
14 / ربيع الآخر 1425هـ
الموافق 2 / 6 / 2004 م
الكويت
الدكتور محمد الأشقر مكانته عظيمة عند شباب الصحوة في كويتنا ـ حفظها الله تعالى ـ فله فضل ومنة بعد الله تعالى على شباب الكويت ، فقد درس وحاضر وأفتى وخدم في الموسوعة الفقهية ...، فلا ينكر منصف علمه وفضله ومكانته ، ولكنه ـ حفظه الله وبارك في علمه ـ لم يكن موفقا فيما كتب في مقاله الموسوم ( نظرة في الأدلة الشرعية حول مشاركة المرأة في الوظائف الرئاسية والمجالس النيابية ونحوها ) والذي نشر في جريدة الوطن الكويتية يوم السبت بتاريخ 29 / 5 / 2004 م ومما جاء فيه : ( ....ولذلك جلد عمر ـ رضي الله عنه ـ أبا بكرة ثمانين جلدة حد القذف بالزنى . ثم قال له : تب أقبل شهادتك ، فأبى أن يتوب وأسقط عمر ـ رضي الله عنه ـ بعد ذلك شهادته، فكان أبو بكرة بعد ذلك إذا استشهد على شيء يأبى أن يشهد، ويقول: إن المؤمنين قد أبطلوا شهادتي .
وقد قال الله تعالى في آية لاحقة: ( لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون ) (النور 13) . أي أنهم في حكم الله تعالى كاذبون لا يثبت بقولهم حق. هكذا حكم الله تعالى على من قذف محصنا، وهذا منطبق على أبي بكرة، فإن الآية تدمغه بالفسق وبالكذب، وهذا يقتضي رد ما رواه عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مما انفرد به كهذا الحديث العجيب " لن يفلح قوم تملكهم امرأة " فينبغي أن يضم هذا الحديث إلى الأحاديث الموضوعة المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم . انتهى
وقال في لقاء آخر مع رئيس تحرير جريدة الوطن نشر يوم الاثنين بتاريخ 31 / 5 / 2004 م ما نصه : ( رئيس التحرير : أليس هناك أحاديث أخرى غير حديث أبي بكرة " لا يفلح قوم اسندوا أمرهم إلى امرأة " ؟ .
د . الأشقر : ليس هناك تحريم للمسألة إلا في هذا الحديث . ومن رواه صحابي جليل لكنه أخطأ . وقد قبل الحديث احتراما له على الرغم من أنه لا يجوز قبول هذا الحديث .
رئيس التحرير : هناك من يسأل هل تسقط بقية الأحاديث التي رواها الصحابي أبو بكرة ؟
د . الأشقر : نعم وهي بين 50 إلى 60 حديثا . وليس هناك من هو منزه عن الخطأ حتى البخاري نفسه . إن كتب الحديث ليست قرآنا .
وحول ما كتب سماحته لي بعض التعقيبات :
أولا : ترجمة أبي بكرة رضي الله عنه :ـ
" أبو بكرة " هو نفيع بن الحارث بن كلدة بن عمرو بن علاج بن أبي سلمة ، صاحب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قيل له أبو بكرة : لأنه تدلى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ببكرة من حصن الطائف ، فكني أبا بكرة ، وأعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ .
روى أبو بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مائة واثنين وثلاثين حديثا ، اتفق الشيخان على ثمانية وانفرد البخاري بخمسة ومسلم بحديث كما قال العيني في عمدة القاري .
روى عنه : الحسن البصري وإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، والأحنف بن قيس ، ومحمد بن سيرين وأبناؤه وغيرهم .
كان مثل النصل في العبادة حتى مات ، له عقب كثير لهم وجاهة وسؤدد بالبصرة ، اعتزل الفتن في البصرة فلم يقاتل مع أحد الفريقين .
قال البخاري : قال مسدد : مات أبو بكرة والحسن بن علي في سنة واحدة . قال : وقال غيره :مات سنة إحدى وخمسين بعد الحسن .
ثانيا : ذكر أقوال أهل العلم بعدالة عموم الصحابة .
كلام الدكتور محمد في أبي بكرة كلام ليس بصواب ، ولم يسبقه إليه أحد ممن يعتد به، فعدالة الصحابة مجمع عليها بين علماء الكتاب والسنة . وهذه أقوال جهابذة أهل العلم فيهم:
قال النووي في التقريب : الصحابة كلهم عدول ، من لابس الفتن وغيرهم بإجماع من يعتد به . ( تدريب الراوي للسيوطي 2 / 214 )
وقال إمام الحرمين : والسبب في عدم الفحص عن عدالتهم : أنهم حملة الشريعة ، فلو ثبت توقف في روايتهم لانحصرت الشريعة على عصره صلى الله عليه وسلم ، ولما استرسلت سائر الأعصار ، وقيل يجب البحث عن عدالتهم مطلقا ، وقيل : بعد الفتن . قال المعتزلة : عدول إلا من قاتل عليا ، وقيل : إذا انفرد ، وقيل إلا المقاتِل والمقاتَل ، وهذا كله ليس بصواب ، إحسانا للظن بهم وحملا لهم في ذلك على الاجتهاد المأجور فيه كل منهم .( نقله السيوطي في كتاب تدريب الراوي 2 / 214 )
وقال القاضي أبو بكر بن العربي في كتابه العواصم من القواصم: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عدول بتعديل الله ورسوله لهم ولا ينتقص أحدا منهم إلا زنديق .
قال ابن الملقن : للصحابة بأسرهم خصيصة ، وهي أنه لا يسأل عن عدالة أحد منهم بل ذلك أمر مفروغ منه لكونهم على الإطلاق معدلين بنصوص الكتاب والسنة وإجماع من يعتد به . ( المقنع في علوم الحديث 2 / 492 نقلا من كتاب ولاية المرأة في الفقه الإسلامي لحافظ محمد أنور )
وقال ابن كثير كما في الباعث الحثيث ( 2 / 498 ) : ( والصحابة كلهم عدول عند أهل السنة والجماعة ، لما أثنى الله عليهم في كتابه العزيز ، وبما نطقت به السنة النبوية في المدح لهم في جميع أخلاقهم وأفعالهم ، وما بذلوه من الأموال والأرواح بين يدي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رغبة فيما عند الله من الثواب الجزيل ، والجزاء الجميل .
وأما ما شجر بينهم بعده عليه الصلاة والسلام فمنه ما وقع عن غير قصد كيوم الجمل ، ومنه ما كان عن اجتهاد كيوم صفين ، والاجتهاد يخطئ ويصيب ، ولكن صاحبه معذور وإن أخطأ ، ومأجور أيضا . وأما المصيب فله أجران .
وكان علي وأصحابه أقرب إلى الحق من معاوية وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين . وقول المعتزلة : الصحابة عدول إلا من قاتل عليا ، قول باطل مرذول مردود .
وقال الحافظ ابن حجر في الإصابة ( 1 / 10 ـ 11 ) : " اتفق أهل السنة على أن الجميع عدول ، ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ المبتدعة ، وقد ذكر الخطيب في الكفاية فصلا نفيسا في ذلك . فقال : عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم ، فمن ذلك قوله تعالى : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) وقوله: ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) وقوله : ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم ) وقوله : ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه ) وقوله : ( يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ) وقوله : ( للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون ) إلى قوله : ( إنك رؤوف رحيم ) في آيات كثيرة يطول ذكرها، وأحاديث شهيرة يكثر تعدادها ، وجميع ذلك يقتضي القطع بتعديلهم ولا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله له إلى تعديل أحد من الخلق ، على أنه لو لم يرد من الله ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة ، والجهاد ونصرة الإسلام ، وبذل المهج ، والأموال ، وقتل الآباء والأبناء ، والمناصحة في الدين وقوة الإيمان واليقين القطع على تعديلهم والاعتقاد لنزاهتهم ، وأنهم كافة أفضل من جميع الخالفين بعدهم ، والمعدلين الذين يجيئون من بعدهم ، هذا مذهب كافة العلماء ومن يعتمد قوله .
ثم روى بسنده إلى أبي زرعة الرازي قال : إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فاعلم أنه زنديق ، وذلك أن الرسول حق ، وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة ، والجرح بهم أولى وهم زنادقة . انتهى
والأحاديث الواردة في تفضيل الصحابة كثيرة .
ثالثا :أ قوال أهل العلم في عدالة أبي بكرة ـ رضي الله عنه ـ
قال علي بن محمد الجزري في كتابه أسد الغابة ( 4 / 391 ) :
كان أبو بكرة من فضلاء أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصالحيهم، كثير العبادة حتى مات .
وقال الحسن البصري : لم ينزل البصرة من الصحابة ممن سكنها أفضل من عمران بن حصين وأبي بكرة ( المصدر السابق )
وقال الحافظ ابن حجر في كتاب الإصابة ( 10 / 183) عن أبي بكرة ـ رضي الله عنه مشهور بكنيته ، وكان من فضلاء الصحابة .
ونقل الحافظ ابن حجر قول العجلي في أبي بكرة أنه كان من خيار الصحابة .
( تهذيب التهذيب ج 10 / 469)(166/1)
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (3 / 5 ) : ( كان من فقهاء الصحابة ).
أما رأي الشيخين ـ البخاري ومسلم ـ فمعروف في تعديل أبي بكرة ، فقد رويا له في صحيحيهما .
قال العيني في عمدة القاري (7 / 208 ) : ( روى له ـ يعني أبا بكرة ـ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث واثنان وثلاثون حديثا اتفقا على ثمانية وانفرد البخاري بخمسة ومسلم بحديث .
وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني : كان رجلا صالحا ورعا ، آخى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي برزة . ( تهذيب الكمال 18 / 420 )
وقال ابن كثير في البداية والنهاية (8 / 57 ) : أبو بكرة صحابي جليل كبير القدر.
وقد أجمعت الأمة على قبول رواية الصحابي الجليل أبي بكرة ونقل الإجماع ابن قدامة وقال : " ولا نعلم خلافا في قبول رواية أبي بكرة مع رد شهادته " ( المغني 12 / 87 )
وقال ابن القيم : " وقد أجمع المسلمون على قبول رواية أبي بكرة رضي الله عنه "
( إعلام الموقعين 1 / 127 )
هذه أقوال جهابذة أهل العلم في أبي بكرة ـ رضي الله عنه ـ وهم أهل الاختصاص بهذا الفن ، وبهذا يتضح خطأ د. محمد في حق هذا الصحابي الجليل ـ رضي الله عنه ـ .
رابعا : مراد المحدثين في العدالة الثابتة لجميع الصحابة
قال الشيخ عبد الوهاب عبد اللطيف الأستاذ بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر و محقق كتاب تدريب الراوي ( 2 / 215 ) تطلق العدالة بإطلاقات منها :
بمعنى التجنب عن تعمد الكذب في الرواية والانحراف فيها بارتكاب ما يوجب عدم قبولها ، فلا يقع من الصحابة ذنب ، أو يقع ولا يؤثر في قبول مروياتهم .
قال ابن الأنبا ري : المراد من عدالة الصحابة قبول روايتهم من غير تكلف البحث عن أسباب العدالة وطلب التزكية ، إلا أن يثبت ارتكاب قادح ، ولم يثبت ذلك .
وقال شاه ولي الله الدهلوي : وبالتتبع وجدنا أن جميع الصحابة يعتقدون أن الكذب على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أشد الذنوب ويحترزون عنه غاية الاحتراز .
وقال الآلوسي في الأجوبة العراقية على الأسئلة الإيرانية : أنه ما مات من ابتلي منهم بفسق إلا تائبا عدلا ببركة الصحبة ، والآلوسي يفسر بذلك معنى العدالة المرادة للمحدثين . ثم قال : لا يقال : إذا كانت العدالة التي ادعيتموها للصحابة رضي الله عنهم بذلك المعنى يلزم منه التوقف في قبول رواية من وقع منه مفسق إلى أن يعلم أنها بعد التوبة ، لأنا نقول بعد الالتزام ، بأنه لا بد من أن يتوب ببركة الصحبة التي هي الإكسير الأعظم ، لا احتمال ، لكون روايته عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كذبا وافتراء عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأن صحة توبته يقتضي تلافي ذلك بالإخبار عن أمره ، فتأمله فإنه دقيق ، وعليك برعاية حق الصحبة فهو بالرعاية حقيق . ا.هـ .
وبهذا يتضح أن المراد بالعدالة الثابتة لجميع الصحابة عند المحدثين هي تجنب تعمد الكذب في الرواية والانحراف فيها بارتكاب ما يوجب عدم قبولها فإن الذنب على فرض وقوعه لا يمنع من قبولها، فهم عدول على العموم .
ويشرح معنى عدالتهم محمد أبو شيبة فيقول : ومعنى عدالتهم أنهم لا يتعمدون الكذب على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما اتصفوا به من قوة الإيمان والتزام التقوى وليس معنى عدالتهم أنهم معصومون من المعاصي أو من السهو أو الغلط .
خامسا : قصة أبي بكرة مع المغيرة ـ رضي الله عنهما ـ
الصحابة على جلالة قدرهم، ومكانتهم في الإسلام ، والاتفاق على عدالتهم فيما يبلغون من دين الله فهم فيما عدا ذلك بشر غير معصومين يعتريهم ما يعتري البشر من ضعف ، وغفلة ، فقد يقع أحدهم في الخطأ والزلل وهم محفوظون بحفظ الله لهم وتيسير التوبة لهم وببركة دعاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لهم وبما قدموه للإسلام من خدمات جليلة عظيمة وبما لهم من حسنات ومناقب .
روى سليمان بن كثير عن الزهري عن سعيد بن المسيب " أن عمر حيث شهد أبو بكرة ونافع وشبل على المغيرة ، وشهد زياد على خلاف شهادتهم ، فجلدهم عمر واستتابهم وقال : من رجع منكم عن شهادته قبلت شهادته . فأبى أبو بكرة أن يرجع " أخرجه عمر بن شبة في أخبار البصرة من هذا الوجه ، وساق قصة المغيرة هذه من طرق كثيرة محصلها أن المغيرة بن شعبة كان أمير البصرة لعمر ، فاتهمه أبو بكرة ـ رضي الله عنه ـ وهو ـ نفيع ـ الثقفي الصحابي المشهور ، وكان أبو بكرة ونافع بن الحارث بن كلدة الثقفي وهو معدود في الصحابة وشبل ( بكسر المعجمة وسكون الموحدة ) ابن معبد بن عتيبة بن الحارث البجلي ، وهو معدود في المخضرمين ، وزياد بن عبيد الذي كان بعد ذلك يقال له زياد بن أبي سفيان اخوة من أم ، أمهم سمية مولاة الحارث بن كلدة ، فاجتمعوا جميعا فرأوا المغيرة متبطن المرأة ، وكان يقال لها الرقطاء أم جميل بنت عمرو بن الأفقم الهلالية ، وزوجها الحجاج بن عتيك بن عوف الجشمي ، فرحلوا إلى عمر فشكوه فعزله وولى أبا موسى الأشعري ، وأحضر المغيرة فشهد عليه ثلاثة بالزنا ، وأما زياد فلم يبت الشهادة وقال رأيت منظرا قبيحا وما ادري أخالطها أم لا ؟ فأمر عمر بجلد الثلاثة حد القذف وقال ما قال . واخرج القصة الطبراني في ترجمة شبل بن معبد ، والبيهقي من رواية أبي عثمان النهدي أنه شاهد ذلك عند عمر وإسناده صحيح ورواه الحاكم في المستدرك من طريق عبد العزيز بن أبي بكرة مطولا وفيها قال زياد : رأيتهما في لحاف واحد وسمعت نفسا عاليا ولا أدري ما وراء ذلك .
( فتح الباري 5 / 321 )
سادسا : حكم قبول شهادة القاذف:ـ
قال سبحانه : ( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون ، إلا الذين تابوا من بعد ذلك واصلحوا فإن الله غفور رحيم ) ( النور 4 ، 5 ) فباب التوبة مفتوح للناس جميعا من القذف وغيره فمن تاب تاب الله عليه ، وتكذيب القاذف نفسه ليس شرطا في قبول توبته. صحيح أن عمر رضي الله عنه ذهب إلى ذلك ولكن خالفه جمع كبير من أهل العلم .
قال ابن جرير الطبري في تفسيره ( 9 / 270 ) : ( وقال آخرون توبته من ذلك صلاح حاله وندمه على ما فرط منه من ذلك، والاستغفار منه، وتركه العود في مثل ذلك من الجرم، وذلك قول جماعة من التابعين وغيرهم، وقد ذكرنا بعض قائليه فيما مضى، وهو قول مالك بن أنس، وهذا القول أولى القولين في ذلك بالصواب، لأن الله ـ تعالى ذكره ـ جعل توبة كل ذي ذنب من أهل الإيمان تركه العود منه والندم على ما سلف منه، واستغفار ربه منه فيما كان من ذنب بين العبد وبينه، دونما كان من حقوق عباده ومظالمهم بينهم . والقاذف إذا أقيم عليه فيه الحد، أو عفي عنه فلم يبق عليه إلا توبته من جرمه بينه وبين ربه، فسبيل توبته منه سبيل توبته من سائر أجرامه، فإذا كان الصحيح من القول ما وصفنا فتأويل الكلام : أولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا من جرمهم الذي اجترموه من قذفهم المحصنات من بعد اجترامهموه ( فإن الله غفور رحيم) يقول : ساتر على ذنوبهم بعفوه لهم عنها، رحيم بهم بعد التوبة أن يعذبهم عليها، فاقبلوا شهادتهم ولا تسموهم فسقة بل سموهم بأسمائهم التي هي لهم في حال توبتهم ) أ.هـ .
وقال القرطبي في تفسيره ( 12 / 179 ـ 181 ) : " وقال الجمهور: الاستثناء عامل في رد الشهادة، فإذا تاب القاذف قبلت شهادته، وإنما كان ردها لعلة الفسق، فإذا زال بالتوبة قبلت شهادته مطلقا قبل الحد وبعده، وهو قول عامة الفقهاء، وأجمعت الأمة على أن التوبة تمحو الكفر، فيجب أن يكون ما دون ذلك أولى والله اعلم .
وقال الزجاج : وليس القاذف بأشد جرما من الكافر، فحقه إذا تاب وأصلح أن تقبل شهادته . قال : وقوله (أبدا ) أي مادام قاذفا، كما يقال لا تقبل شهادة الكافر أبدا، فإن معناه ما دام كافرا . وقال الشعبي للمخالف في هذه المسالة : يقبل الله توبته ولا تقبلون شهادته . وقال مالك ـ رحمه الله تعالى ـ : توبته أن يصلح ويحسن حاله وإن لم يرجع عن قوله بتكذيب نفسه، وحسبه الندم على قذفه والاستغفار منه، وترك العود إلى مثله وهو قول ابن جرير . انتهى كلامه .
فأبو بكرة ـ رضي الله عنه ـ التوبة النصوح حاصلة منه إن شاء الله، وهذا الذي يجب أن يظن به، فهو صاحب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهو حريص على ما يقربه من مولاه سبحانه، ودعوة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حقه مستجابة حين قال له : " زادك الله حرصا ولا تعد " أخرجه أحمد وغيره صحيح الجامع رقم ( 559 ) وجلده لا يقدح في قبول روايته، فإنه لم يجلد في جريمة إنما جلد في حد قذف لم يستكمل فيه نصاب الشهادة .
سابعا : تفريق العلماء بين الشهادة والرواية :ـ
فرق العلماء بين الشهادة والرواية ، فلا يلزم من عدم قبول شهادة رجل عدم قبول روايته ،فالشهادة يطلب فيها مزيد تثبت لا يطلب في الرواية، كالعدد والحرية وغير ذلك . لذلك احتج البخاري ومسلم وغيرهما بحديث أبي بكرة ـ رضي الله عنه ـ مع علمهم بقصة جلده .
ذكر العيني في كتابه عمدة القاري شرح صحيح البخاري (7/207) عن الإسماعيلي في كتابه المدخل ، إذا لم يثبت هذا كيف رواه البخاري في صحيحه ؟ وأجيب بأن الخبر مخالف للشهادة، ولهذا لم يتوقف أحد من أهل المصر عن الرواية عنه، ولاطعن أحد على روايته من هذه الجهة، مع إجماعهم أن لا شهادة لمحدود في قذف غير ثابت، فصار قبول خبره جاريا مجرى الإجماع وفيه ما فيه .
وقال أبو عبد الله الزركشي : " إذا جاء القاذف مجيء الشاهد كما في قصة الذين شهدوا على المغيرة ، فإن شهادته ترد دون روايته ، بدليل ما تقدم عن عمر في حق أبي بكرة ـ رضي الله عنهما ـ ، مع أنه مقبول الرواية بلا تردد ، بخلاف من قصد الشتم والقذف، فإن شهادته وخبره وفتياه لا يقبلن حتى يتوب " . ( شرح الزركشي على الخرقي 3 / 407 )
ثامنا : سبب امتناع أبي بكرة عن التوبة عندما دعاه عمر ـ رضي الله عنه ـ إلى تكذيب نفسه :ـ
امتنع أبو بكرة ـ رضي الله عنه ـ من أن يتوب عندما دعاه عمر ـ رضي الله عنه ـ للتوبة بعد أن جلده للآتي :
1. لم ير أبو بكرة ما يراه عمر ـ رضي الله عنه الله عنه ـ من اشتراط تكذيب القاذف نفسه لقبول توبته وشهادته .
2. أبو بكرة يفرق بين الشاهد والقاذف .
3. يرى أبو بكرة أنه كان صادقا فيما أدلى به من الشهادة فمم يتوب إذ ا ؟!
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء ( 3 / 7 ) قال البيهقي : " إن صح هذا ، فلأنه امتنع من التوبة من قذفه وأقام على ذلك . قلت : ( أي الذهبي ) كأنه يقول لم أقذف المغيرة، وإنما أنا شاهد ، فجنح إلى الفرق بين القاذف والشاهد، إذ نصاب الشهادة لو تم بالرابع لتعين الرجم ولما سموا قاذفين .(166/2)
وقال القسطلاني في كتابه إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري ( 6 / 89 ) : وقد سأل ابن المنير فقال : إن كان صادقا في قذفه فمم يتوب إذا ؟! وأجاب : بأنه يتوب من الهتك ومن التحدث بما رآه، ويحتمل أن يقال إن المعاين للفاحشة مأمور بأن لا يكشف صاحبها إلا إذا تحقق كمال النصاب معه، فإذا كشف قبل ذلك عصى فيتوب من المعصية في الإعلان لا من الصدق في علمه، وتعقبه في الفتح بأن أبا بكرة لم يكشف حتى تحقق كمال النصاب ومع ذلك أمره عمر بالتوبة لتقبل شهادته قال : ويجاب عن ذلك بأن عمر لعله لم يطلع على ذلك، فأمره بالتوبة، ولذلك لم يقبل منه أبو بكرة ما أمره به لعلمه بصدقه عند نفسه . أ . هـ
4 . إقامة الحد على الشهود إذا لم يكتمل النصاب فيه خلاف بين العلماء ، ففي المغني لابن قدامة الحنبلي ( 8 / 202 ) : وذكر أبو الخطاب فيهم روايتين وحكي عن الشافعي فيه قولا ن أحدهما لا حد عليهم لأنهم شهود فلم يجب عليهم الحد كما لو كانوا أربعة أحدهم فاسق . .. الخ .
ولعل أبا بكرة ـ رضي الله عنه ـ يرى هذا لذلك لم يستجب إلى ما دعاه عمر ـ رضي الله عنه ـ من التوبة بتكذيب نفسه. والله أعلم .
تاسعا : مكانة الإمام البخاري عند العلماء :ـ
البخاري هو : محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري الجعفي( أبو عبد الله) ولد في بخارى يوم الجمعة في 11 شوال سنة 194 هـ وتوفي ليلة عيد الفطر سنة 256 هـ .
مكانته العلمية عظيمة عند أهل العلم ، أقامه المولى عز وجل لحفظ سنة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحباه الله بذاكرة قوية ، حتى كان يقال له جبل الحفظ ، متمكن متبحر بهذا الفن ( علم الحديث )، وهذه طائفة من ثناء العلماء عليه وبيان مكانته ـ رحمه الله ـ:
قال عنه إمام أهل السنة الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ"ما أخرجت خراسان مثل محمد بن إسماعيل يعني البخاري" وقال محمد بن بشار شيخ البخاري ومسلم : " حفاظ الدنيا أربعة : أبو زرعة الرازي بالري ، ومسلم بن الحجاج بنيسابور ، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي بسمرقند ، ومحمد بن إسماعيل ببخارى " .
وقال عبد الله بن محمد المسندي : " محمد بن إسماعيل إمام ، فمن لم يجعله إماما فاتهمه " .
وقال أبو حامد الأعمش : " رأيت محمد بن إسماعيل البخاري في جنازة ، ومحمد بن يحي الذهلي شيخه يسأله عن الأسماء والكنى وعلل الحديث ، والبخاري يمر فيها مثل السهم ، كأنه يقرأ ( قل هو الله أحد ) " .
وقال أبو عيسى الترمذي : " لم أر بالعراق ولا بخراسان في معرفة العلل والتاريخ ومعرفة الأسانيد أعلم من محمد بن إسماعيل " .
وقال محمد بن إسحاق بن خزيمة : " ما رأيت تحت أديم السماء أعلم بحديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من محمد بن إسماعيل البخاري " .(166/3)
المتأولون لمقاتلي القاعدة في السعودية - د. حمد بن إبراهيم العثمان
د. حمد بن إبراهيم العثمان
المتأولون لمقاتلي القاعدة في السعودية
د. حمد بن إبراهيم العثمان
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
مع بداية العمل العسكري والتفجير والقتل لمعصومي الدماء، الذي طال المسلمين فضلا عن المعاهدين، انطلقت التأويلات والتبريرات لأعمال التفجير، والتبرير والتأويل يهوّنان من شأن هذه الاعمال ويجعلانها في دائرة «العذر»، ويجعلان المنحرف راضيا بأعماله لأنها مبررة ومؤولة، كما انهما يؤخران طريق الاصلاح، وربما استقطب التأويل من كان مترددا في تخطئة اعمال التكفير والتفجير.
مما روج له المتأولون لجماعة القاعدة في السعودية ان هؤلاء القوم «مرضى»، وقد تكلمت عن هذا التأويل في اكثر من مناسبة، وبينت انهم مرضى فعلا، وان مرضهم مرض شبهات، وهذا شأن البدع عموما، وبينت كيف قاتل الصحابة الخوارج مع انهم مبتدعة مرضى، وحقيقة الامر ان هؤلاء القوم يرون مخالفيهم هم المرضى، ولربما قالوا عن مخالفيهم «الحمدلله الذي عافانا».
ومما اعتذر البعض لهؤلاء الشباب أنهم عاطلون عن العمل، ومع مرور الوقت تبين سقوط هذا التأويل لأن من هؤلاء من هم من أبناء كبار التجار كالبقمي، ومنهم من كان موظفا مرموقا كفارس الشويل الزهراني، فانه كان قاضيا بالمحكمة الشرعية، مع ان عموم شباب الدعوة كان هناك من يزهدهم في الوظائف الحكومية حتى قال الشيخ سلمان العودة في محاضرته «دلوني على سوق المدينة»: «متى يترك الشباب هذا الطاغوت الوظيفة».
ومن التأويلات التي اعتُذر بها لهؤلاء المفجرين دعوى ان هؤلاء الشباب لما رجعوا من افغانستان لم يستوعبهم المجتمع، بل وضيقت عليهم اجهزة الامن وطاردتهم حتى زاد تطرفهم وآل الامر الى ما نراه اليوم.
وهذا الكلام باطل من وجهين:
الاول: ان هؤلاء الشباب لما رجعوا من افغانستان لم تتعرض لهم الدولة اطلاقا، وتُركوا سنوات وانخرط منهم من شاء في المجتمع، حتى وقع اول حادث تفجير في «العليا» بالرياض، فحينئذ اخذت الدولة في اجراءاتها وتدابيرها الامنية، لتكشف خيوط الجريمة، ولتمنع تكرارها في المستقبل، فهل يريد هؤلاء ان تتركهم الدولة يفعلون ما شاءوا حتى لا يقال ان هؤلاء سيزيدون تطرفا بالملاحقة؟
الثاني: اقرار مقاتلي القاعدة أنفسهم ان اعمالهم التفجيرية الارهابية ليست ردا للفعل، ولا بسبب التضييق والمطاردة لهم في ارض السعودية، فهل يستقيم اذا الاعتذار لهم بهذا التأويل؟!
وها أنا اسوق لك اقرارهم بذلك حتى يتبين المرء حقيقة التضليل الذي يمارسه المتأولون لولاة الامر، ولشعبهم، وبلدهم، واسلامهم!
ففي العدد الرابع عشر من مجلتهم «صوت الجهاد» ص29 - 30 أوردوا سؤالا نصه ما يلي: السؤال السادس: هل قامت الحركة الجهادية بسبب التضييق والمطاردة في بلاد الحرمين؟
حقيقة هذا التساؤل تصور ان الحركة الجهادية لم تقم من دوافع اساسية، بل كانت ردة فعل على الحملة الصليبية التي تشنها الحكومة السعودية على الجهاد والاسلام عامة، او ان الحملة على الاقل دفعت الحركة الجهادية للتخلي عن الشروط العسكرية اللازمة لبدء المعركة تحت الضغط السعودي.
وهذا مخالف للواقع تماما، ولو فُرض انه هو الواقع فلا بأس به، فقد قال الله تعالى «أُذن للذين يُقاتلون بانهم ظلموا» والدفاع عن النفس والثأر من العدو الكافر من الموجبات الشرعية المتفق عليها للقتال في سبيل الله.
ولكن الحركة الجهادية في جزيرة العرب لم تقم أساسا لأجل هذه الحملة المؤخرة، والتضييق الذي انطلق بانطلاقة الحملة العالمية الصليبية ضد الارهاب، بل سبق هذه الحملة تمهيد وتوطئة طويلة الأمد، من عدد من العلماء والدعاة والمصلحين، ومن شيخ المجاهدين اسامة بن لادن، منذ سنين عديدة تزيد على عشر سنوات سبقت قيام الحركة الجهادية كمشروع حرب عصابات، وان تخلل هذه المدة شيء من العمليات الجهادية.
ثم تابعوا الجواب عن السؤال وقالوا: «من العجيب تصور من يتصور ان المجاهدين قاموا بذلك بعد ان ضيق عليهم من قبل الحكومة، فلماذا سلكوا طريق الجهاد في الاصل قبل ان ينالهم اي تضييق؟ أليست طريق الجهاد هي طريق القرح والضراء والخوف والجوع وزلزلة الاقدام وبلوغ القلوب الحناجر؟
المجاهدون يُنادون باخراج المحتل من بلاد الحرمين منذ سنوات عديدة، فليست فكرة طارئة اختمرت في الرؤوس في اجواء الخوف والتضييق، كما يتصور من يطرح هذه الشبهة، كلا بل هو منهاج واضح يدعون اليه ويبينونه للناس منذ سنوات عديدة، لو تأمل المتسائل لوجد ان شريحة واسعة من هؤلاء المجاهدين الذين طُلبوا خلال هذه الفترة كانوا في الاصل بعيدين عن أعين الدولة، ونسبة من هؤلاء لم يخرجوا الى الجهاد في العراق او الشيشان او البوسنة او غيرها من قبل، بل الدولة تجهل اي علاقة لهم وصلة بالجهاد».
وتوسعوا في الجواب حتى قالوا: «فالواقع ان المجاهدين عملوا فُطلبوا، لا انهم طُلبوا فعملوا».
فالمقصود هو بيان زيف هذه التأويلات حتى يسقط قناع المتأولين لهم، والله أعلم.
------
منقول : المصر : جريدة القبس .
نظرا لما تحمله مقالات الدكتور / حمد بن إبراهيم العثمان من قيمة علمية رفيعة المستوى فقد حرصنا على أن ننقل لكم ما تيسر منها في هذا القسم .
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » د. حمد بن إبراهيم العثمان
عدد القراء : 1795
تاريخ الموضوع: 28 - ديسيمبر - 2004 ميلادية
(167/1)
نسف الشبهات عن عاصم وحفص إمامي القراءات-1
الأخ الفاضل سعود الزمانان
نسف الشبهات عن عاصم وحفص إمامي القراءات :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
أما بعد:
إن الرد على أهل البدع والضلال وكشف عوارهم وفضح خبث معتقدهم منهج شرعي و أصل من أصول هذا الدين بل ومن أسمى أنواع الجهاد في سبيل الله
وإنه من الواجب والفرض اللازم على كل مسلم صادق آتاه الله يد باسطة في العلم وبيان الحق وردع الباطل أن يطلق صيحات النذير والتحذير منهم ما استطاع إلى ذلك سبيلا ، ومن الفرق التي عرفت بضلالها وتعديها على كتاب الله عز وجل والقول بوقوع التحريف فيه الشيعة الإمامية الاثنا عشرية وذلك واضح بين يعرفه كل من له أدنى خبرة وإطلاع على مذهب القوم
ولقد حاول علماؤهم على مر العصور إخفاء معتقدهم الخبيث وكتمانه وعدم الجهر به أمام عموم المسلمين خشية التصدي من علماء أهل السنة والجماعة الذين حباهم الله عز وجل بشرف الإسناد وخصهم بإعلاء كتابة الكريم وسنة نبيه الأمين صلى الله عليه وسلم فكانوا حملة بحق هم حملة هذا الدين وحماته الذين نقلوه إلينا بالإسناد المتواتر الوضاء جيلا بعد جيل حتى وصلوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جبريل عليه السلام إلى رب العزة سبحانه وتعالى
فالشيعة الامامية الاثنا عشرية الذين يدعون كذبا وزورا إتباعهم لآل البيت لا يملكون سندا ولو ضعيفا لكتاب الله عز وجل بل هم في ذلك عيال على أهل السنة والجماعة .
ونسمع في هذه الأيام بعض أذنابهم يتعالون بصيحات كاذبة متناقضة تارة بالطعن فى قراء كتاب الله واللمز فيهم والغمز في عدالتهم ، خاصة في حفص بن سليمان الأزدي أحد رواة كتاب الله ، وتارة أخرى نسمع من بعضهم تعديله ونسبته إلى التشيع والرفض ، في محاولة يائسة لسرقة إسناد أهل السنة والجماعة يبتغون وراء ذلك نسبة السند الثابت إلى كتاب الله إلى الرافضة .
ومن هنا رأيت انه من أوجب الواجب علينا أن نتصدى لمثل هذه النعرات الكاذبة وتفنيد شبههم وإظهار خبث طويتهم .
ولنبدأ ببيان الشبهة الأولى :
الشبهة الأولى :
كيف يكون عاصم وحفص إمامين في القراءات وهما ضعيفان ؟
الرد :
- أولا : لا يجوز حمل كلام المتكلم على عرف غيره ، فحينما ينقل المخالفون أمراً معيناً ضد مخالفيهم لا يجوز شرعا ولا عقلا أن يحمل كلام مخالفيهم على عرفهم وأفهامهم ، ولا شك ولا ريب أن هذا العمل من الظلم والهوى والطغيان ، فحينما ينقل أهل السنة والجماعة تضعيف حفص أو عاصم فإن هذا الضعف في الحديث لا في الحروف والقراءات .
ثانياً : . يجب فهم مصطلحات أئمة الحديث المتقدمين حسب استعمالهم لها عَن طريق الجمع والاستقراء والدراسة والموازنة ، فعاصم وحفص الضعف الذي قيل فيهما إنما هو في الحديث وليس في الحروف والقراءات .
قال ابن الجوزي عن عاصم :" وكان ثبتا في القراءة واهيا في الحديث لأنه كان لا يتقن الحديث ويتقن القرآن ويجوده وإلا فهو في نفسه صادق " .
وقال الذهبي:" فأما في القراءة فثبتٌ إمام ، وأما في الحديث فحسن الحديث " .
وقال الذهبي :" كان عاصم ثبتاً في القراءة ، صدوقاً في الحديث ، وقد وثقه أبو زرعة وجماعة ، وقال أبو حاتم : محله الصدق ، وقال الدارقطني : في حفظه شيء ، يعني : للحديث لا للحروف " .
أما عن حفص بن سليمان الأسدي فقد قال الحافظ ابن حجر :" متروك الحديث مع إمامته في القراءة " .
وقال الهيثمي :" وفيه حفص بن سليمان القاريء وثقه أحمد وضعفه الأئمة في الحديث " .
وقال المناوي وغيره :" حفص بن سليمان ابن امرأة عاصم ثبت في القراءة لا في الحديث " .
ثالثا : بإجماع أهل العلم بأن حفصاً وعاصماً إمامان في القراءات ولا يوجد طعن واحد فيهما في الحروف والقراءات ، والجميع يقرون بإمامتهما في الاقراء وماتعرضوا لعدالتهما ، أو الطعن بقراءتهما .
رابعاً : هناك فرق بين التوثيق للحديث و التوثيق للقراءة
- قد يكون الإمام متقناً لفن من الفنون ، ومُبَرِّزاً في علم من العلوم ، لكونه أنفق فيه جل حياته ، واعتنى بطلبه وتدريسه عناية فائقة ، بينما يكون مقصرا في فن آخر لعدم إعطائه تلك العناية ، فيكون عمدة في فنه الذي ضبط معرفته وأتقنه ، وتنزل مرتبته فيما قصّر فيه ، بل قد يكون فيه غير معتمد
- قواعد إسناد الحديث ليست كإسناد القرآن، وكم ترى من هو متقن للقراءات حافظا لآلاف الأبيات المتداولة كمتون الشاطبية والدرة والطيبة وغيرها لا يخرم منها حرفا، ويخبرك بأسانيد القرآن ومعرفة الأئمة منهم في القراءة ومعرفة كل حرف من العشرة بطرقه ثم إن ناقشته في الحديث فلعله لا يستطيع أن يروي لك حديثا صحيحا بإسناده هذا إن لم يخلط في متنه.
- أما الضعف في رواية الحديث واختلاط الألفاظ والأسانيد، فكم ممن رأيناهم لا يغادرون حرفاً أو حركة من كتاب الله ويحفظ الطرق والتحريرات الدقيقة ويسرد المئات من الشواهد الشعرية ويحفظ آلاف الأبيات لمتون القراءات كم من هؤلاء لا يفرق بين حديث رسول الله الصحيح وبين الضعيف ولا يحفظ الأسانيد، بالرغم من كونهم أعمدة في أسانيد القرآن.
- فشروط رواية الحديث أن يكون راويه عدلاً ضابطاً .وحفص بن سليمان بالإجماع عدل لكنه ليس ضابطاً لذلك ترك حديثه ، و هناك الكثير من العلماء الأجلاء يكونون ضعافاً في الحديث بسبب قلة ضبطهم و لا يقدح ذلك في عدالتهم .
قال الذهبي في تاريخ الإسلام (وفيات سنة 130هـ ص 140) :" فأما في القراءة فثبتٌ إمام ، وأما في الحديث فحسن الحديث " .
وكذلك أبو بكر بن عياش الأسدي إمام في القراءات أما الحديث فيأتي بغرائب ومناكير .( سير أعلام النبلاء 8/505) .
وكذلك عمر بن هارون بن يزيد الثقفي البلخي قال الذهبي في " تذكرة الحفاظ 1/341) :" ولا ريب في ضعفه ، وكان إماماً حافظاً في حروف القراءات " .
وقال الذهبي في النقاش :" والنقاش مجمع على ضعفه في الحديث لا في القراءات " ( سير أعلام النبلاء 17/506) .
وكذلك الحسن بن علي بن إبراهيم الأهوازي :" كان رأساً في القراءات معمرا بعيد الصيت صاحب حديث ورحلة وإكثار وليس بالمتقن له ولا المجود بل هو حاطب ليل " ( سير أعلام النبلاء 18/13) .
قد يكون إماماً في التفسير ولكنه غير قوي في الحديث :
مثال الضحاك بن مزاحم الهلالي الخراساني قال الذهبي في سير اعلام النبلاء (4/598) :" صاحب التفسير .... وليس بالمجود لحديثه " .
قد يكون ثبتاً في الحديث ضعيفاً في القراءات :
وكذلك الأعمش كان ثبتاً في الحديث ليناً في الحروف والقراءات . قال الذهبي 5/260: " - وكان الأعمش بخلافه- أي حفص - كان ثبتاً في الحديث ، ليناً في الحروف ، فإن للأعمش قراءة منقولة في كتاب " المنهج " وغيره لا ترتقي إلى رتبة القراءات السبع ، ولا إلى قراءة يعقوب وأبي جعفر والله أعلم " .
قد يكون إماماً في المغازي غير مجود في الحديث :
مثال ابن إسحاق : قال الذهبي :" فله ارتفاع بحسبه ولا سيما في السير ، وأما في الأحاديث فينحط حديثه فيها عن رتبة الصحة إلى رتبة الحسن ، إلا فيما شذ فإنه يعد منكرا " وقال أيضا :" قد كان في المغازي علامة " ( سير أعلام النبلاء 7/37) .
وكذلك سلمة بن الفضل الرازي قال عنه الذهبي :" كان قوياً في المغازي ... وقد سمع منه ابن المديني وتركه " ( سير أعلام النبلاء 9/50) وقال البخاري :" عنده مناكير " وقال النسائي :" ضعيف " .
وكذلك الواقدي قال عنه الذهبي :" لا يستغنى عنه في المغازي وأيام الصحابة وأخبارهم ".وقال النسائي :" ليس بثقة " وقال مسلم وغيره :" متروك الحديث " .
قد يكون إماماً في الفقه ضعيفاً في الحديث :
ألإمام أبو حنيفة : إليه المنتهى في الفقه والناس عليه عيال في الفقه ، قال الذهبي :" الإمامة في الفقه ودقائقه مسلمة إلى هذا الإمام ، وهذا أمر لا شك فيه " ( السير 6/403) وضعفه من جهة حفظه في الحديث النسائي وابن عدي والخطيب .قال النسائي :" ليس بالقوي في الحديث " ( الضعفاء والمتروكون 237 ) .
إمام الحرمين الشافعي الجويني : يقول الذهبي :" كان هذا الإمام مع فرط ذكائه وإمامته في الفروع والأصول وقوة مناظرته لا يدري الحديث كما يليق به ، لا متناً ولا إسناداً " ( سير أعلام النبلاء 18/471) .
محمد بن عبد الله الإشبيلي المالكي (ت586هـ ) : قال الذهبي :" وكان كبير الشأن ، انتهت إليه رئاسة الحفظ في الفتيا ، وقُدم للشورى من سنة إحدى وعشرين ، وعظم جاهه ، ونال دنيا عريضة ، ولم يكن يدري فن الحديث ... وكان فقيه عصره " ( سير أعلام النبلاء 21/178) .
وكذلك الخصيب بن جحدر البصري : قال الذهبي :" وكان من الفقهاء لكنه متروك الحديث " ( تاريخ الإسلام وفيات سنة 150هـ ص 125 ) .
قد يكون إماماً في الحديث ضعيفا في الفقه :
سعيد بن عثمان التجيبي : قال الذهبي :" وكان ورعاً زاهداً حافظاً ، بصيراً بعلل الحديث ورجاله ، لا علم له بالفقه " ( تاريخ الإسلام وفيات سنة 301 -310 هـ ص 159 ) .
قد يكون إماماً في اللغة ضعيفا في الحديث :
عمر بن حسن ابن دحية ( ت 633هـ ) : قال الذهبي :" كان الرجل صاحب فنون وتوسع ويد في اللغة ، وفي الحديث على ضعف فيه " ( سير أعلام النبلاء 22/391 ) .
قد يكون إماماً في الحديث ضعيفا في اللغة :
إبراهيم بن يزيد النخعي : قال الذهبي :" لا يحكم العربية ، وربما لحن .. " ( ميزان الاعتدال 1/75) .
شبهة الثانية:
عاصم وحفص شيعيان وهما من أسانيد الشيعة الإمامية .
الرد :
- أولاً : القول بأن سند قراءة عاصم كلهم كوفيون شيعة هذا من الهذيان و ليس كلاما موثقاً .
- ثانياً : إذا كان سند قراءة عاصم وحفص من الشيعة و على عقيدة الرفض كما يزعمون ، فهم مطالبون بأمرين أولهما : النقل من كتب الجرح والتعديل وتراجم الرجال الخاصة بأهل السنة والجماعة بأن عاصماً أو حفصاً كانا من الرافضة . ثانيهما : فإن لم يستطيعوا إثبات ذلك من كتبنا فهم مطالبون أن يثبتوا ذلك من كتبهم وأن يبينوا لنا توثيقهم من كتب الرجال الامامية ، كرجال الكشي أو رجال الطوسي او غيرها من كتب الرجال عندهم لنرى ان كانوا يعدونهم من رجالهم أم لا .
- ثالثاً : حفص بن سليمان لم يترجم له الكشي ولا النجاشي ولا ابن داود الحلي ولا الخاقاني ولا االبرقي في " رجالهم " ( هذه من أوثق الكتب المعتمدة في الرجال للرافضة ).
- غاية ما في الأمر أن ذكر الطوسي حفص بن سليمان في رجاله (181) في أصحاب الصادق ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً ، وذكره القهبائي في " مجمع الرجال " (2/211) والحائري في " منتهى المقال " (3/92) وجميعهم ينقلون عن الطوسي ولم يذكروا فيه جرحاً أو تعديلاً ولم يذكروا أنه كان من الإمامية .(168/1)
- وقد ترجم لحفص أحد علمائهم في الجرح والتعديل وهو آية الله التستري في كتابه " قاموس الرجال " ( 3/582) :" ولم يشر فيه إلى تشيع – أي حفص – " ، ... ثم قال : " وقد قلنا إن عنوان رجال الشيخ أعم - أي رجال الطوسي - "
قلت : أي نفى التستري أن يكون حفص رافضياً من الشيعة الإمامية، وليس كل من ذكره الطوسي في رجاله يكون رافضيا ، بل هو أعم فقد ذكر حتى النواصب في رجاله .
- رابعاً : هل قول الرافضة أن فلاناً من أصحاب الصادق توثيق للرجل أم دليل على إماميته ؟
- قال ىية الله التستري أن هذا لا يعتبر توثيقاً للرجل ، ولا حتى كونه من الشيعة الإمامية .( قاموس الرجال 1/29-34 وكذلك 1/180) .
- فقد عدّ شيخ الطائفة " أحمد بن الخصيب " في أصحاب الهادي مع أنه ناصبي ( قاموس الرجال للتستري 1/180) .
- فقد ذكروا جملة من الرواة من أصحاب الأئمة ومع ذلك جهلوهم أو ضعفوهم .
- شيخ الطائفة وضع عبيد الله بن زياد في أصحاب علي بن أبي طالب ( قاموس الرجال 1/29 ) .
- هناك فرق بين الرافضي والشيعي ، والشيعي عند المتقدمين هو من فضل علياً على عثمان بن عفان – رضي الله عنهما - ، والتشيع في ذاته ليس قادحا إنما يكون كذلك إذا صاحبه سب للشيخين أو ارتبط بالغلو في آل البيت وصرف العبادات لغير الله .
- - ثم ليس كل من صاحب عليا فهو رافضي ، فعلي كان معه كثير من الصحابة و التابعين و العلماء الأفاضل و القول بأن كل من تعلم من علي أو آل البيت أو اتصل بهم هو شيعي هو قول بالباطل .
- خامساً : فإن لم يستطيعوا أن يثبتوا هذا ولا ذاك فهو ادعاء و الإدعاء سهل لكل إنسان وكما قيل والدعاوى إن لم يقيمواعليها البينات فأبناؤها أدعياء.
- سادساً : محاولة " اختطاف " و " سطو " أسانيد السنة للقرآن ونسبتها لهم محاولة فاشلة من الرافضة تدعو إلى رثاء حالهم و تدل بما لا يدع مجالاً للشك أن الرافضة ليسوا أهل قرآن ، وليسوا أهل إسناد ، فلا يملكون سنداً واحداً للثقل الأكبر و أنهم عالة على أهل السنة والجماعة في ذلك وعالة على أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم - .
- سابعاً : أين أسانيد الرافضة للثقل الأكبر ( القرآن الكريم ) إلى آل البيت المتصلة في الائمة الاثني عشر ؟هل مراجعكم عندهم اسانيد متصلة الى آل البيت .انتم تقولون ان التلقي لا يكون الا من آل البيت اين اسانيدكم الى الحسن أين أسانيدكم إلى الحسين و بقية الائمة متسلسة في قراء من الامامية الاثني عشرية ؟ .
- هل يوجد سند عند الشيعة متصل بالقرآن الى اليوم ينقلونه عن العترة الى علمائهم ، هل يملكون سنداً متصلاً بقراء ثقات أو حتى غير ثقات يتصل سنده برسول الله من طريق آل البيت .
-
الشبهة الثالثة : اتهام حفص بالكذب :
الرد :
* اتهمه ابن خراش بالكذب والرد عليه كما يلي :
- أولا ً : ابن خراش اتهم حفصاً بالكذب فقال " كذاب متروك يضع الحديث " .
- ابن خراش هذا هو عبد الرحمن بن يوسف بن خراش ، وهو رافضي ، قال أبو زرعة : " محمد بن يوسف الحافظ كان خرج مثالب الشيخين وكان رافضياً " وقال الذهبي :" هذا والله الشيخ المعثر الذي ضل سعيه .... وبعد هذا فما انتفع بعلمه "
- اتهامه بالكذب من قبل ابن خراش الرافضي لا يعتد به ولا بجرحه ، كما قال الذهبي رحمه الله :" إن ضعف الراوي ولم يكن الطاعن من أهل النقد ، وقليل الخبرة بحديث من تكلم فيه ، فلا يعتد به ولا يعتبر ولا يعتد بجرحه مثال ذلك : أبان بن يزيد العطار أبي يزيد البصري الحافظ ، فقد روى الكديمي تضعيفه ، والكديمي واهِ ليس بمعتمد " . ( ميزان الاعتدال 1/16) " .
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الأخ الفاضل سعود الزمانان
عدد القراء : 3298
تاريخ الموضوع: 01 - يناير - 2005 ميلادية
(168/2)
نسف الشبهات عن عاصم وحفص إمامي القراءات-2
الأخ الفاضل سعود الزمانان
* ونقل ابن عدي تكذيب ابن معين له فقال : أنا الساجي ثنا أحمد بن محمد البغدادي قال سمعت يحيى بن معين يقول :" كان حفص بن سليمان وأبو بكر بن عياش من أعلم الناس بقراءة عاصم وكان حفص أقرأ من أبي بكر وكان أبو بكر صدوقا وكان حفص كذابا " .
-أولاً : يجب دراسة حال الراوي عن ابن معين وهو ابن محرز أحمد بن محمد البغدادي ، فهل هذا الراوي ثقة أم غير ثقة ، ثم هل تلاميذ ابن معين وافقوه في هذا النقل أم خالفوه ، وهل تلاميذ ابن معين متساوية مراتبهم في الوثاقة أم أن بعضهم أقوى من بعض .
ثانياً : الرواية منكرة ، فالراوي عن ابن معين هو ابن محرز أحمد بن محمد البغدادي وهو مجهول ، فلم يذكر في كتب الجرح والتعديل ولم يذكروا فيه لا جرحا ولا تعديلا فهو مجهول الحال والسند ضعيف لا يثبت.
- ثالثاً : بالرغم من أن السند لا يثبت فقد خالف الثقات الأثبات من تلاميذ ابن معين ، فقد روى عثمان بن سعيد الدارمي وأبو قدامة السرخسي كلاهما عن ابن معين أنه قال في شأن حفص بن سليمان :" ليس بثقة " .
- الدارمي هو : عثمان بن سعيد قال عنه الذهبي :" الإمام العلامة الحافظ الناقد .... وأخذ علم الحديث وعلله عن علي ويحيى وأحمد وفاق أهل زمانه وكان لهجاً بالسنة بصيراً بالمناظرة " وأبو قدامة هو عبيد الله بن سعيد السرخسي قال بو حاتم :" كان من الثقات " وقال أبو داود :" ثقة " وقال النسائي :" ثقة مأمون قل من كتبنا عنه مثله " وقال الحافظ في التقريب :" ثقة مأمون سني " بينما ابن محرز لم يذكر له أي توثيق أو حتى جرح في كتب الجرح والتعديل فهو مجهول الحال .
- رابعاً : لم يوافق أحد ممن روى عن ابن معين أو في سؤالاتهم له بما تفرد به ابن محرز بتكذيب حفص ، كالدوري الحافظ الإمام الثقة الذي أكثر من ملازمة ابن معين وطول صحبته له حتى قال ابن معين عن الدوري :" صديقنا وصاحبنا " وقال عنه الحافظ في التقريب :" ثقة حافظ " . بل لم يوافقه الآخرون ممن رووا عن ابن معين وكابن الجنيد والدقاق وغيرهم .
- خامساً : من المعلوم في حال وجود اختلاف على الراوي ؛ فإنه يتعين التحقق من الرواية الراجحة، و الموازنة بين الروايات وبيان الراجح وأسباب الترجيح ، ومن القرائن والقواعد العلمية للموازنة بين الروايات هي الترجيح بالحفظ والاتقان والضبط فنجد أن من رووا عن ابن معين تضعيف حفص دون ذكر التكذيب هم الأحفظ والأتقن والأضبط والأكثر ملازمة لشيخهم من ابن محرز فترجح روايتهم .
سادسا : من القرائن المرجحة والقواعد العلمية للترجيح بين الروايات هي الترجيح بالعدد والأكثر ، ونجد أن من نقل تكذيب ابن معين لحفص هو ابن محرز ( المجهول ) بينما الذين لم يذكروا التكذيب أكثر .
سابعاً : كل من ترجم لحفص من أئمة الجرح والتعديل تطرقوا إلى ضعفه في الحديث وإمامته في القرآن ولم يشر أحد منهم إلى اتهامه بالكذب ومثل هذا لو ثبت لطارت به الركبان .
- ثامناً : باستقراء جميع أقوال أهل العلم وسبرها وتتبعها فإنهم وصفوا حفصاً بأنه متروك أو ضعيف الحديث ولم يثبت اتهامه بالكذب ممن يعتد قوله في هذا الباب .
- تاسعاً : أهل الحديث يتشددون في موضوع الكذب فكيف يقبلون قراءة الكذاب لكتاب الله ، فمن غير المقبول شرعاً ولا عقلاً عدم قبول رواية الكذاب ومن اتهم بالكذب في حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بينما تقبل روايته في كتاب الله ، فأهل العلم قد ردوا رواية من جرى على لسانه الكذب في حديث الناس حتى لو لم يتعمد الكذب في حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لاحتمال أن يكذب في حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حماية وصيانة لحديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، فلا يتصور أن تقبل قراءته وروايته لكتاب الله .
- عاشراً : من اتهمه بالكذب فقد أخطأ خطأ بينا وقوله مردود عليه ولا كرامة له كائنا من كان، بل ولو شاهد واقع الأمة اليوم لاستحى من نفسه أن يتسرع في تلك الأوصاف التي رمى بها حفصا رضي الله عنه.
- أحد عشر : من باب التنزل مع الخصم فلو افترضنا صحة النقل عن ابن معين لتكذيبه لحفص فالكذب في اللغة قد يطلق على الخطأ قال ابن حبان – رحمه الله - :" وأهل الحجاز يسمون الخطأ كذباً " وقال ابن حجر في ترجمة برد مولى سعيد بن المسيب :" قال ابن حبان في الثقات :" كان من الثقات كان يخطيء ، وأهل الحجاز يسمون الخطأ كذباً ، قلت : - أي ابن حجر - : يعني قول مولاه : لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس – رضي الله عنهما " .
نتائج البحث والخلاصة :
- بإجماع أهل العلم أن عاصم بن أبي النجود وحفص بن سليمان إمامان ثبتان في القراءة .
- الضعف الذي نسب لحفص وعاصم في الحديث لا في القراءات .
- هناك فرق بين التوثيق للحديث والتوثيق للقراءات ، وقد يكون أحد العلماء متقنا لفن من الفنون مقصراً في فن آخر .
- قواعد إسناد الحديث ليست كإسناد القرآن فكم من هو متقن للقراءات حافظاً لأسانيد القرآن ومعرفة كل حرف من القراءات العشر وقد لا يكون حافظاً لحديث صحيح بإسناده هذا إن لم يخلط في متنه .
- عاصم بن أبي النجود وحفص بن سليمان من أئمة أهل السنة والجماعة ولا يستطيع الرافضة أن يثبتوا أنهما من الرافضة لا من كتب أهل السنة والجماعة ولا من كتب الرافضة .
- محاولة الرافضة نسبة الإمامين عاصم وحفص لهما إنما هي محاولة فاشلة لسرقة أسانيد أهل السنة والجماعة ونسبتها إليهم .
- لا يمتلك الرافضة إسناداً واحداً حتى لو كان ضعيفاً يتصل برسول الله في جميع كتبهم .
- اتهام حفص بالكذب لا يصح فقد رماه بالكذب ابن خراش الرافضي ولا يعتد به ولا بجرحه .
- الرواية عن ابن معين في اتهام عاصم بالكذب رواية ضعيفة منكرة لأن الراوي عن ابن معين مجهول .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
كتبه أبو عبد العزيز سعود الزمانان
الكويت في 5 ذي القعدة 1425 هـ
17/12/2004 .
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الأخ الفاضل سعود الزمانان
عدد القراء : 2579
تاريخ الموضوع: 01 - يناير - 2005 ميلادية
(169/1)
قرامطة وليسوا خوارج
د. حمد بن إبراهيم العثمان
قرامطة وليسوا خوارج
د. حمد بن إبراهيم العثمان
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين، وبعد:
فقد يسر الله لي زيارة الرياض الاربعاء الماضي تاريخ 19 محرم 1425 هـ، وحضرت محاضرة العلامة صالح بن فوزان الفوزان - حفظه الله - عن «التكفير والخروج» التي رتب لها وقف السلام الخيري في الرياض.
ولقد سررت وقرت عيني لما رأيت الجامع قد امتلأ بالحضور، وكلهم او جلهم من الشباب، ففئة الشباب هي الاحرى بالتوجيه، لأن غالب الاعمال هم يباشرونها، مع عدم اغفال دور كبار السن لأنهم يقومون بدور التوجيه والنصح، خصوصا اولياء الامور.
العلامة الفوزان - حفظه الله - لعله انسب من يعالج هذه الامور والمسائل، وذلك لقربه من الشباب ولمتانة علمه وديانته، كما هو معلوم من سيرته، ولأنه من الاكابر، وقد استصحب الخبرة وذهبت عنه متعة الشباب وحدته، ولعله هو من اخبر علماء العصر بواقع الجماعات والاحزاب الحركية. تكلم - حفظه الله - عن خطورة التكفير وبين فضيلته ان مرد هذه الامور الى العلماء.
وبين - حفظه الله - ان من يصف الامامين ابن باز وابن عثيمين بالمرجئة انما هو تكفيري خارجي، كما سئل - حفظه الله - عن منفذي تفجير «المحيا» بالرياض هل هم خوارج؟
فقال: لا، فالخوارج انما يقاتلون في المعركة، وهؤلاء يقتلون الآمنين وغير المقاتلين ويأخذونهم على غرة غدرا وخيانة، فهؤلاء اقرب الى القرامطة، انتهى كلامه - حفظه الله.
وانا شخصيا لما كنت عند احد المعارف والاصدقاء ووافق حضوري عرض شريط الفيديو لمنفذي حادث «المحيا»، لفت انتباهي جدا ضعف علم الحربي والخالدي، وهذا واضح من لغتهما وهما يتحدثان، كما لفت انتباهي ان القوم يستحلون الدماء بالظن، فقد عجز اولئك عن ذكر دليل واحد واضح يبين ان من في المجمع اميركان - مع ان قتل المعاهد حرام - وغاية ما ذكروا هو ان المبنى عليه حراسة شديدة، فيا سبحان الله؟! أبهذا تستباح اعظم المحرمات؟! ام بهذا يستبرئ المرء لدينه وعرضه؟!
من المعلوم ان بعض العرب يحملون الجنسية الاميركية والكندية والاوروبية، وتطلب سفارات رعايا هذه الدول حماية رعاياها لأنهم مواطنوها، فليس كل من حوله حماية هو اميركي بالاصالة، بل ان كثيرا من رموز التكفير مقيمون في بلاد الكفر، ويتمتعون بحماية الكفار، بل ويقبضون نفقات المعيشة من الكفار، بل وبعضهم يحمل الجنسية الكافرة.. على كل حال في كل حادثة من حوادث التفجير التي تزهق فيها الانفس المعصومة، وتهدر فيها الاموال ويروع فيها الآمنون، يظهر ان منفذي هذه العمليات شباب مغرر بهم، وان من وراء هؤلاء انما يريد النظام، ويجعل من واقع التقهقر الذي يعيشه المسلمون صيدا يجتذب به الشباب.
.. والله أعلم.
( منقول عن جريدة القبس )
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » د. حمد بن إبراهيم العثمان
عدد القراء : 2523
تاريخ الموضوع: 20 - يناير - 2005 ميلادية
(170/1)
بيان هام
الشيخ عثمان الخميس
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين ، أما بعد :
فقد كثر السائلون عن موقفي من الشيخ عدنان عبد القادر فأقول :
إن الشيخ أبا الحارث عدنان عبد القادر هو شيخي الذي طلبت على يديه بعض العلم ، فقرأت على يديه شيئًا لا بأس به : فتح المغيث .
وهو من طلبة العلم المتميزين في الكويت ولا نعرف عنه إلا أنه سلفي العقيدة سلفي المنهج سلفي الأخلاق .
وتتشرف صفحة المنهج أن يكون أحد الباحثين فيها هو الشيخ عدنان حفظه الله ورعاه .
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ عثمان الخميس
عدد القراء : 10790
تاريخ الموضوع: 02 - مارس - 2005 ميلادية
(171/1)
ردود هامة على دعاة تولية المرأة الولايات العامة
الشيخ ناظم المسباح
…… المقدمة
إن الحمد لله ، نحمده ، و نستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (1)[1]).
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (2)[2]) .
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} ( (3)[3]).
أما بعد :
فهذه رسالة مختصرة ، جمعتها لبيان حكم تولية المرأة الولايات العامة شرعا ،وما تيسر من الردود على دعاة توليها الولايات العامة ، حيث أن هذا الموضوع كثر الحديث عنه في ديار الإسلام وخاصة في أيامنا هذه ، وقد طرح على مجلس الأمة الكويتي من قبل السلطة التنفيذية ( الحكومة ) لمناقشته والتصويت عليه ، و في مقدمة هذه الرسالة لا بد أن نذكر بالتالي :
* لِيعلَمِ الجميعُ أننا نجل المرأة ، وننزلها منزلتها التي أنزلها الله في دين الإسلام ، ولها حقوقها وكرامتها كاملة غير منقوصة ، فهي الأم المبجلة المطاعة ، برها والإحسان إليها من أوجب واجبات الدين ، وهي الأخت المصونة ، وهي الزوجة التي أمرنا بحسن عشرتها { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ }(4)[4]) وهي البنت التي نفرح لفرحها ونحزن لحزنها ، وهي العمة والخالة التي صلتها من واجبات الدين . فنحن لسنا خصوما للمرأة ، كما يصور ذلك بعض دعاة تحرير المرأة دون قيود ، ولسنا كذلك دعاة لهضم حقوقها، ومعاذ الله أن نفعل ذلك بعد أن هدانا الله للإسلام !!
* هذا الشعار الذي رفعه دعاة تولية المرأة ( الحقوق السياسية للمرأة ) مصطلح غير منضبط شرعا ، فلا نسلم به ، والصواب ( المرأة والولاية العامة ) ، لأن هذا المصطلح يوهم وقوع الأمة في قصور في حقوق المرأة ، ولأنه منذ بزوغ فجر الإسلام و الى وقت قريب لم يسند أحد شيئا من الولايات العامة للمرأة ، فلا يجوز تأثيم الأمة واتهامها بالقصور في حق المرأة .
* لا يجوز الاستدلال بالواقع الذي تعيشه الأمة في زماننا هذا ، كما يقول بعض دعاة تولية المرأة ، بأنها وليت في بلاد كذا وكذا من ديار الإسلام ، وأصبحت وزيرة ورئيسة وزراء ونائبة .... ونحو ذلك ، فلماذا لا نوليها و نخطوا خطى هذه الدول الإسلامية الكبيرة ؟ وهل نحن بدع من الناس ؟!
نقول : هذا الأمر حصل في بلاد الإسلام في غياب الشريعة عن واقع حياة الأمة ، وعدم استفتاء العلماء الربانيين المتبحرين في علوم الشريعة ، وإلا فهل يجيز مسلم سويٌّ أن تستلم المرأة ولاية وهي متبرجة خارجة عن أمر ربها ؟! كما رأينا ممن تولين الولايات العامة في ديار الإسلام ولا حول ولا قوة إلا بالله .
* صحيح أنه يواجه ولاة أمور المسلمين ضغوطا داخلية ، وفي المحافل الخارجية ليولوا المرأة الولايات العامة ، فعليهم ألا ينقادوا إلى ما عند الغير ، فما هم عليه هو الحق الذي سار عليه المسلمون منذ أشرق نور الإسلام وإلى عهد قريب .
لِيعلمْ كل مكلف أن من ساهم في إقرار مشروع تولية المرأة الولايات العامة سيتحمل تبعاته عندما يقف بين يدي علام الغيوب ، قال - صلى الله عليه وسلم - : " من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها ، وأجر من عمل بها من بعده ، من غير أن ينقص من أجورهم شيء ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ، ووزر من عمل بها من بعده ، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء ( (5)[5]).
لذا : يجب على المكلف أن يقف وقفة تأمل وتجرد مع نصوص الكتاب والسنة ، حتى يصل إلى حكم الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - في الموضوع ، وعليه كذلك أن يسأل أهل العلم الراسخين المشهود لهم بالتدين والاستقامة ، قال تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (6)[6])
أيها القارئ الكريم :
لست أول من كتب في موضوع حكم تولية المرأة الولايات العامة ، فقد كتب فيه جمع كبير من أهل العلم ، وأنا أكتب من حيث انتهى الآخرون .
و من باب نسبة الفضل إلى أهله، فقد استفدت فائدة عظيمة من رسالتي ماجستير : الأولى : المرأة والحقوق السياسية في الإسلام تأليف/ مجيد محمود أبو حجير قدمها بكلية الدراسات العليا في الجامعة الأردنية ، و الثانية : ولاية المرأة في الفقه الإسلامي ، تأليف /حافظ محمد أنور ، قدمها في كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية .
خطة البحث
وقد احتوت هذه الرسالة المختصرة على الآتي :
أولا : تعريف الولاية
1. لغة .
2. اصطلاحا .
ثانيا : أقسام الولايات العامة
ثالثا : العمل النيابي داخل في الولايات العامة
رابعا : الأدلة على اشتراط الذكور للولايات العامة
1. القرآن الكريم
2. السنة النبوية
3. الإجماع
4.الأدلة العقلية
خامسا : أقوال علماء الأمة في منع المرأة من الولايات العامة
1. العلماء القدامى
2 . العلماء المعاصرون
سادسا : حكم انتخاب المرأة لأصحاب الولايات العامة
سابعا : ردود على دعاة تولية المرأة الولايات العامة
……………جمعها /
ناظم بن محمد بن سلطان المسباح
الكويت
………………السبت 28 جمادى الآخرة 1425هـ
…………… الموافق 14 أغسطس 2004 م
---
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الشيخ ناظم المسباح
عدد القراء : 1542
تاريخ الموضوع: 17 - إبريل - 2005 ميلادية
__________
(1) : (102) سورة آل عمران
(2) : (1) سورة النساء
(3) : (71 )سورة الأحزاب
(4) : (19) سورة النساء .
(5) : . أخرجه أحمد وغيره عن جرير رضي الله عنه .
(6) : (43) سورة النحل .(172/1)
ردود هامة على دعاة تولية المرأة الولايات العامة - 2
الشيخ ناظم المسباح
تعريف الولاية
أولا : تعريف الولاية لغة :
الوِلاية بكسر الواو الإمارة ، والسلطة ، وتولي الأمر ، والولي هو القائم على الولاية .
ثانيا: الولاية اصطلاحا : (1)[1])
هي سلطة شرعية عامة مستمدة من اختيار عام ، أو بيعة عامة ، أو تعيين خاص من ولي الأمر ، أو من يقوم مقامه ، تُخول صاحبَها تنفيذ إرادته على الأمة جبراً في شأن من مصالحها العامة في ضوء اختصاصه .
شرح التعريف :
1. " سلطة شرعية " : وصفٌ للولاية العامة ، ويقصد بالسلطة الشرعية : صلاحية الحكم والتصرف بإذن الشارع .
2. "عامة " : وصف للسلطة الشرعية ، حيث تشمل – بذلك - السلطة الشرعية ثلاث سلطات عامة هي : ( السلطة التشريعية ، والسلطة التنفيذية ، والسلطة القضائية ) .
3. "مستمدة من اختيار عام " : أي بانتخاب من قبل الأمة لأهل الحل والعقد ( مجلس الشورى النيابي ) ومنه تكون السلطة التشريعية .
4. " أو بيعة عامة " : أي ببيعة الأمة لرئيس الدولة المباشرة ( بالاستفتاء العام ) أو بمبايعة أهل الحل والعقد له ، نيابة عن الأمة باختياره لرئاسة الدولة وترشيحه للأمة ؛ لمبايعته ( بالاستفتاء غير المباشر ) .
5. " أو تعيين خاص من ولي الأمر " : أي بتقليد من قبل الإمام بوصفه رئيسا للسلطة التنفيذية والسلطة القضائية ، لولاته على الوزارات وعماله على جباية الصدقات و الزكوات والخراج ، وأمرائه على الأقاليم ، وقواده على الجيش ، والشرطة ، والمخابرات ، والمحتسبين على الحسبة، وسفرائه على السفارات الخارجية ، وأيضا تعيين القضاة في جهاز السلطة القضائية .
6. " أو من يقوم مقامه " : أي من يفوضه الإمام من نحو وزير التفويض ، أو أمير الاستكفاء أو الاستيلاء ، نيابة عنه في إجراء تقليد المتقلدين للولاية العامة في السلطتين التنفيذية والقضائية ، أو بتفويض قاضي القضاة ــ بالنسبة للسلطة القضائية ــ تقليد القضاة .
7. " تخول صاحبها تنفيذ إرادته على الأمة جبرا " أي تمنح تلك السلطة الشرعية العامة القائم عليها ــ بمقتضى ولايته العامة ــ حَمْلَ الأمة على الالتزام بتنفيذ ما ورد فيه نص من الأحكام الشرعية ، وما لا نص فيها من القوانين الدنيوية على الوجه الشرعي .
8. " في شأن من مصالحها العامة في ضوء اختصاصه " : أي تدبير شؤون الرعية العامة بما يحقق لها ضرورياتها وحاجياتها ، من نحو : تحقيق الأمن على سلامة الأرواح ، والأعراض ، والأموال ، ويوفر لها قضاء حاجياتها ، بما توفره الدولة لها من الخدمات العامة ، وفرص العمل ، و كذلك العدل في القضاء ، ومحاكمة المجرمين ، ومعاقبة المعتدين على الحرمات والدين ، إلى غير ذلك مما يدخل تحت اختصاص صاحب الولاية العامة ونظره ، بما لا يخرج عنهما ويتعدى لنظر واختصاصات ولاية عامة أخرى غير منوطة به شرعا وقانونا. أقول : فإحكام تعريف الولاية العامة مهم جداً ، لأنه موضوع بحثنا ، وحتى لا نحيد بالاستدلال كما نرى البعض قد يستدل بدليل موضوع المشاورة على إثبات الولاية العامة ، نحو الاستدلال بمشاورته صلى الله عليه وسلم لأم سلمة رضي الله عنها ونحو ذلك .
أنواع الولايات العامة :
قال الماوردي في كتابة المشهور ( الأحكام السلطانية ) مبينا أنواع الولايات العامة في نظام الحكم الإسلامي : 0" إذا استقرت الإمامة بعد عقدها للإمام، ، انقسم ما صدر عنه من ولايات خلفائه أربعة أقسام وهي على النحو الآتي :
القسم الأول : من تكون ولايته عامة في الأعمال العامة ، وهم الوزراء ، لأنهم يُستَنابون في جميع الأمور من غير تخصيص .
القسم الثاني : من تكون ولايته عامة في أعمال خاصة ، وهم : أمراء الأقاليم والبلدان ؛ لأن النظر فيما خصوا به من الأعمال العامة ، عام في جميع الأمور .
القسم الثالث : من تكون ولايته خاصة في الأعمال العامة ، وهم كقاضي القضاة ، ونقيب الجيوش ، وحامي الثغور ، ومستوفي الخراج ، وجابي الصدقات ؛ لأن كل واحد منهم مقصور على نظر خاص في جميع الأعمال .
القسم الرابع : من تكون ولايته خاصة في الأعمال الخاصة ، وهم : كقاضي بلد ، أو إقليم ، أو مستوفي خراجه ، أو جابي صدقاته ، أو حامي ثغره ، أو نقيب جند ؛ لأن كل واحد منهم خاص النظر ، مخصوص العمل " (2)[2]) وهذه الأقسام التي قسمها الماوردي للولاية العامة في الحكم الإسلامي يمكن أن نردها إلى شطرين هما :
العمل النيابي داخل في الولاية العامة :
يرى البعض أن عمل النائب لا يدخل تحت الولاية العامة ، وهذا خطأ ، فالدستور الكويتي أعطى النواب صلاحيات عظيمة ، فلهم حق التشريع ، وحق الرقابة على السلطة التنفيذية ، وحق المساءلة ، وحق طرح الثقة بالوزراء وعزلهم عن مناصبهم ، وحق رد مراسيم الأمير التي تصدر في غياب السلطة التشريعية وغيرها .
فلا شك أن من يملك مثل هذه الصلاحيات هو داخل تحت الولاية العامة. وهاك ذكر بعض المواد من الدستور الكويتي التي تحدد صلاحيات النائب
ففي الفصل الثالث ـــــ السلطة التشريعية .......
- ( مادة 79) : " لا يصدر قانون إلا إذا أقره مجلس الأمة وصدق عليه الأمير "
- (مادة 95) : " يفصل مجلس الأمة في صحة انتخاب أعضائه ، ولا يعتبر الانتخاب باطلاً إلا بأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس ، ويجوز بقانون أن يعهد بهذا الاختصاص إلى جهة قضائية "
- ( مادة 96) : " مجلس الأمة هو المختص بقبول الاستقالة من عضويته.
- ( مادة 98) : " تتقدم كل وزارة فور تشكيلها ببرامجها إلى مجلس الأمة ، وللمجلس أن يبدي ما يراه من ملاحظات بصدد هذا البرنامج " .
- ( مادة 99) : " لكل عضو من أعضاء مجلس الأمة أن يوجه إلى رئيس مجلس الوزراء وإلى الوزراء أسئلة لاستيضاح الأمور الداخلة في اختصاصهم ، وللسائل وحده حق التعقيب مرة واحدة على الإجابة ".
- ( مادة 100) : " لكل عضو من أعضاء مجلس الأمة أن يوجه إلى رئيس مجلس الوزراء وإلى الوزراء استجوابات عن الأمور الداخلة في اختصاصاتهم ، ولا تجري المناقشات في الاستجواب إلا بعد ثمانية أيام على الأقل من يوم تقديمه ، وذلك في غير حالة الاستعجال و موافقة الوزير .
وبمراعاة حكم المادتين ( 101 ) و (102 ) من الدستور يجوز أن يؤدي الاستجواب إلى طرح موضوع الثقة على المجلس .
- ( مادة 101 ) : " كل وزير مسؤول لدى مجلس الأمة عن أعمال وزارته ، وإذا قرر المجلس عدم الثقة بأحد الوزراء ؛ اعتبر معتزلا للوزارة من تاريخ قرار عدم الثقة ويقدم استقالته فورا ، ولا يجوز طرح موضوع الثقة بالوزير إلا بناء على رغبته ، أو طلب موقع من عشرة أعضاء إثر مناقشة استجواب موجه إليه ، ولا يجوز للمجلس أن يصدر قراره في الطلب قبل سبعة أيام من تقديمه .
ويكون سحب الثقة من الوزير بأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، فيما عدا الوزراء، ولا يشترك الوزراء في التصويت على الثقة .
- ( مادة 102 ) : " لا يتولى رئيس مجلس الوزراء أي وزارة ، ولا يطرح في مجلس الأمة موضوع الثقة به .
ومع ذلك ، إذا رأى مجلس الأمة ـ بالطريقة المنصوص عليها في المادة السابقة ـ عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء ، رفع الأمر إلى رئيس الدولة ، وللأمير في هذه الحالة أن يعفي رئيس مجلس الوزراء، ويعين وزارة جديدة ، أو أن يحل مجلس الأمة .
وفي حالة الحل ، إذا قرر المجلس الجديد بذات الأغلبية عدم التعاون مع رئيس مجلس الوزراء المذكور ، اعتبر معتزلا منصبه من تاريخ قرار المجلس في هذا الشأن وتشكل وزارة جديدة .
- ( مادة 107 ) : " للأمير أن يحل مجلس الأمة بمرسوم تبين فيه أسباب الحل ، على أنه لا يجوز حل المجلس لذات الأسباب مرة أخرى .
وإذا حل المجلس ، وجب إجراء الانتخابات للمجلس الجديد في ميعاد لا يجاوز شهرين من تاريخ الحل .
فإن لم تجر الانتخابات خلال تلك المدة ، يسترد المجلس المنحل كامل سلطته الدستورية ، ويجتمع فورا كأن الحل لم يكن ، ويستمر في أعماله إلى أن ينتخب المجلس الجديد ".
- ( مادة 108 ) : " عضو المجلس يمثل الأمة بأسرها، ويرعى المصلحة العامة ، ولا سلطان لأي هيئة عليه في عمله بالمجلس أو لجانه ".
- ( مادة 109 ) : " لعضو مجلس الأمة حق اقتراح القوانين ، وكل مشروع قانون اقترحه أحد الأعضاء ورفضه مجلس الأمة ، لا يجوز تقديمه ثانية في دور الانعقاد ذاته ".
- ( مادة 110 ) : " عضو مجلس الأمة حر فيما يبديه من الآراء والأفكار بالمجلس أو لجانه ، ولا يجوز مؤاخذته عن ذلك بحال من الأحوال .
- ( مادة 111) : " لا يجوز أثناء دور الانعقاد ، في غير حالة الجرم المشهود ، أن تتخذ نحو العضو إجراءات التحقيق ، أو التفتيش، أو القبض، أو الحبس، أو أي إجراء جزائي آخر، إلا بإذن المجلس ، ويتعين إخطار المجلس بما قد يتخذ من إجراءات جزائية أثناء انعقاده على النحو السابق . كما يجب إخطاره دواما في أول اجتماع له بأي إجراء يتخذ في غيبته ضد أي عضو من أعضائه ، وفي جميع الأحوال، إذا لم يصدر المجلس قراره في طلب الإذن خلال شهر من تاريخ وصوله إليه، اعتبر ذلك بمثابة إذن ".
- ( مادة 112) : " يجوز ـ بناء على طلب موقع من خمسة أعضاء ـ طرح موضوع عام على مجلس الأمة للمناقشة، لاستيضاح سياسة الحكومة في شأنه، وتبادل الرأي بصدده ، ولسائر الأعضاء حق الاشتراك في المناقشة ".
- ( مادة 113 ) : " لمجلس الأمة إبداء رغبات للحكومة في المسائل العامة ، وإن تعذر على الحكومة الأخذ بهذه الرغبات، وجب أن تبين للمجلس أسباب ذلك، وللمجلس أن يعقب مرة واحدة على بيان الحكومة ".
- ( مادة 114 ) : " يحق لمجلس الأمة في كل وقت أن يؤلف لجان تحقيق، أو يندب عضوا أو أكثر من أعضائه للتحقيق في أي أمر من الأمور الداخلة في اختصاص المجلس ، ويجب على الوزراء وجميع موظفي الدولة تقديم الشهادات والوثائق والبيانات التي تطلب منهم ".
- ( مادة 115 ) " يشكل المجلس ضمن لجانه السنوية لجنة خاصة لبحث العرائض والشكاوي التي يبعث بها المواطنون إلى المجلس ، وتستوضح اللجنة الأمر من الجهات المختصة ، وتعلم صاحب الشأن بالنتيجة .
ولا يجوز لعضو مجلس الأمة أن يتدخل في عمل أي من السلطتين ، القضائية ، والتنفيذية ".
بعد سرد هذه المواد من الدستور الكويتي ، يتبين بجلاء للمتأمل فيها أن عمل النائب ولاية عامة بدون شك .
الأدلة على اشتراط الذكور للولايات العامة :
اشترط الفقهاء شروطا في متقلدي الولايات العامة وما يتفرع منها ومن هذه الشروط الذكورية، واستدل الفقهاء بالآتي :
- أولا الأدلة من القرآن :
1. قال تعالى : : {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ.}(3)[3]).(173/1)
والقوامة هي : القيام على الأمر ، أو المال ،أو ولاية الأمر ، والقيِّم : هو من يقوم بالأمر ، والقوَّام : صيغة مبالغة ، أي الحَسَنُ القيام بالأمر . ( (1)[4]) قال ابن كثير في تفسيره : يقول تعالى : ( الرجال قوامون على النساء ) أي : الرجل قيّمُ على المرأة ، أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها، ومؤدبها إذا اعوجت ، ( بما فضل الله بعضهم على بعض ) أي : لأن الرجال أفضل من النساء ، والرجل خير من المرأة ، ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال ، وكذلك المُلْك الأعظم، لقوله صلى الله عليه وسلم : [ لن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة ] رواه البخاري من حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه ، وكذا منصب القضاة وغير ذلك ؛ ( وبما أنفقوا من أموالهم ) أي من المهور و النفقات، والكلف التي أوجبها الله عليهم لهن في كتابه و سنة نبيه، صلى الله عليه وسلم ، فالرجل أفضل من المرأة في نفسه، وله الفضل عليها و الإفضال ، فناسب أن يكون قيِّما عليها ، كما قال تعالى : ( وللرجال عليهن درجة )(2)[5]) .
فهذه القوامة التي جعلها الله للرجال عامة، تشمل الأمور العامة والشؤون السياسية ، من إمارة ونيابة في المجالس، ووزارة وشؤون البيت وغيرها .
قال بعض أهل العلم : وبديهي أنه لا يصح في الطبع ، والوضع ، والعقل أن يقوم الرجل على أمر زوجته في بيته ، ثم يتاح للمرأة أن تقوم على أمره ، فيما هو أعم شأنا ً وأوسع دائرة في باب الرعاية والتدبير .
وقال أبو الأعلى المودودي ـــ رحمه الله ـــ كلاما حكيما ، أدعو دعاة تولية المرأة أن يتدبروه بتجرد : " فنسألكم : التي لم يجعلها الله تعالى قوًّاما في البيت بل قد وضعها فيه موضع القنوت ، أأنتم تريدون أن تخرجوها من مقام القنوت إلى منزلة القوامة على جميع البيوت ، أي على جميع الدولة ؛ أمن شك في أن قوامة الدولة أخطر شأنا وأكثر مسؤولية من قوامية البيت ؛ فهل أنتم تظنون بالله أنه يجعل المرأة قوَّاما على مجموعة من ملايين البيوت ولم يشأ أن يجعلها قوّاما داخل بيتها " (3)[6])
2. قال تعالى : { يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا ، وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ، وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} (4)[7])
قال القرطبي في تفسيره : " معنى هذه الآية الأمر بلزوم البيت ، وإن كان الخطاب لنساء النبي صلى الله عليه وسلم، فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى ، هذا لو لم يرد دليل يخص جميع النساء ، كيف والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن، و الانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة " . (5)[8])
و الذي ينظر إلى الإمامة العظمى وما يتفرع منها من ولايات عامة ( كرئاسة مجلس الوزراء والوزارة والقضاء و النيابة في المجالس ) يجد أمرها قائما على البروز والاحتكاك مع الرجال في المجالس والمحافل والسفر، والظهور عبر القنوات الفضائية الداخلية والعالمية ، والبروز في الصحف والمجلات وعبر مواقع الإنترنت ونحوها . فإقحام المرأة في الولايات العامة، يخالف ما دعت إليه الآية من لزوم المرأة بيتها والقرار فيه ، وما أدى إلى مخالفة الشرع فهو غير جائز ، والآية خطاب عام لجميع نساء المسلمين .
قال المودودي : " حدّد القرآن بهذه الكلمات الصريحة دائرة أعمال المرأة ، فإن اعتُرض بالقول : هذا الأمر إنما أمرت به نساء بيت النبي صلى الله عليه وسلم. فنحن نسأله : هل كان بنساء بيت النبي صلى الله عليه وسلم عجزٌ دون سائر النساء لا يدعهن يقمن بالأمور خارج البيت ؟! وهل تفوقهن سائر النساء في هذه الناحية ؟! وإذا كانت جميع آيات القرآن بهذا الصدد مختصة بأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فهل أذن الله لسائر المسلمات أن يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى ، وأن يكلمن الرجال ، ويخضعن لهم بالقول ، فيطمع الذي في قلبه مرض ؟! وهل يرضى الله تعالى أن يكون بيت كل مسلم غير بيت النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ مدنسا بالرجس ؟ (6)[9] )
3. قال تعالى :" }وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} (7)[10]) قال ابن جرير الطبري في تفسيره : " يعني بذلك جل ثناؤه ، ولا تتشهوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ، وذكر أن ذلك نزل في نساء تمنين منازل الرجال ، وأن يكون لهن ما لهم ، فنهى الله عباده عن الأماني الباطلة ، وأمرهم أن يسألوه من فضله ؛ إذ الأماني تورث أهلها الحسد والبغي بغير الحق .... قال أبو جعفر : فتأويل الكلام على هذا التأويل : ولا تتمنوا أيها الرجال والنساء الذي فضل الله به بعضكم على بعض من منازل الفضل ودرجات الخير ، وليرض أحدكم بما قسم الله له من نصيب ، ولكن سلوا الله من فضله " ( (8)[11])
فالآية الكريمة دلت على التفضيل في الخِلقة ، وتقسيم العمل بين الذكر والأنثى على أساس ذلك ، فلا يجوز للأنثى أن تتمنى ما اختص الله به الذكور من الولايات العامة ونحوها ، لأن النهي يقتضي التحريم وفضل الله واسع ، يختص به من يشاء وفق حكمته السامية ، فعلى المسلم والمسلمة الرضى بما قسم الله لكل منهما .
4. قال تعالى : { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ} (9)[12])
قال ابن كثير في تفسيره : " وقوله (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) أي : الفضيلة في الخَلْق والخُلُق ، والمنزلة ، وطاعة الأمر ، والإنفاق ، والقيام بالمصالح ، والفضل في الدنيا والآخرة ، كما قال تعالى : {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ }. ( (10)[13])
وفي التفسير الكبير للرازي : [ ....... أن الرجل أزيد في الفضيلة من النساء في أمور : أحدها العقل ، والثاني في الدية ، والثالث في الميراث ، والرابع في صلاحية الإمامة والقضاء والشهادة ..... ] . ( (11)[14])
فالإسلام دين العدل ، أعطى كلا من الرجل والمرأة حقوقهم كاملة غير منقوصة ، وفضل الرجال على النساء درجة في أمور منها القوامة كما بين العلماء ، فتولية المرأة الولايات العامة فيه تعدٍ على درجة التفضيل التي أعطاها الله للرجال على النساء ، وهذا ظلم لا يجوز شرعا .
5. قال تعالى : {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (12)[15])
قال الألوسي : " رد عليهم بأبلغ وجه وأكمله كأنه قيل : لا تستبعدوا تملكه عليكم لفقره وانحطاط نسبه عنكم ، أما أولا : فلأن ملاك الأمر هو اصطفاء الله تعالى وقد اصطفاه واختاره وهو سبحانه أعلم بالمصالح منكم ، وأما ثانياً: فلأن العمدة وفور العلم ليتمكن به من معرفة الأمور السياسية ، وجسامة البدن ليكون أعظم خطرا في القلوب وأقوى على كفاح الأعداء ومكابدة الحروب لا ما ذكرتم ، وقد خصه الله تعالى بحظ وافر منهما ، وأما ثالثا: فإنه تعالى مالك الملك على الإطلاق وللمالك أن يمكِّنَ من يشاء من التصرف في ملكه بإذنه ، وأما رابعا: فلأنه سبحانه واسع الفضل يوسع على الفقير فيغنيه ( عليم ) بما يليق بالملك من النسيب وغيره ، .... " . (13)[16])
ولقد بين سبحانه وتعالى في هذه صفات استحقاق الولاية العامة ، وهي وفرة العلم مع قوة البدن ، ومن المعروف أن المرأة ضعيفة الجسم والبنية ، لا تتحمل ما يتحمله الرجال ؛ لهذا لا تسند إليها الولاية العامة .
6. قال تعالى : { وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى } . (14)[17])
وجه الدلالة من الآية : أن الله سبحانه وتعالى قدم شهادة الرجال على النساء ابتداء ، وبين سبحانه أن شهادة الرجل تعدل شهادة امرأتين ، فالرجال أكمل عدالة من النساء في باب الشهادة ، لذلك لا يجوز أن تقدم عليه في الولايات العامة ، وذلك لنقصان أهلية كمال قوامتها السياسية بنقصان كمال شهادتها في الحكم لجامع علة الأنوثة بين الحكمين .
7. قال تعالى : {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ} (15)[18]).(173/2)
ردود هامة على دعاة تولية المرأة الولايات العامة - 3
الشيخ ناظم المسباح
الخاتمة
هذه خلاصة لهذه الرسالة المختصرة الموسومة بـ ( ردود هامة على دعاة تولية المرأة الولايات العامة ) , وأسأل الله تعالى أن يجعل عملنا مسددا ، خالصا لوجهه الكريم .
? ذكَّرنا في تقدمتها بالتالي :
1) إجلال المرأة وإعطاؤها حقها واجب ديني على الرجال .
2) نرى الشعار الذي رفعه دعاة تولية المرأة ( الحقوق السياسة للمرأة ) مصطلحا غير منضبط شرعا .
3) واقع المسلمين الذي تعيشه الأمة في زماننا ، لا يصلح للاستدلال به لإثبات الأمور الشرعية .
4) هناك ضغوط على المسلمين لتحرير المرأة دون ضوابط شرعية ، فنوصي بالثبات على ما كان عليه سلف الأمة .
5) من ساهم في إقرار مشروع تولية المرأة سيتحمل تبعاته يوم يلقى ربه يوم الدين .
6) الذين كتبوا في تولية المرأة جمع كبير من أهل العلم .
? اخترنا تعريفا محكما للولاية ، لأن إحكام التعريف مهم جدا ، حتى لا يحيد الباحث عن موضوع البحث ، ويستدل بدليل ليس فيه موضع استدلال على المطلوب ، كما رأينا بعض الباحثين ، يستدل بأدلة كثيرة ليس فيها دلالة على تولية المرأة ، مثل الاستدلال بمشاورة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة ، فهذا لا دليل فيه كما ذكرنا ، فالولاية شيء والمشاورة شيء آخر ، وأهل العلم لم يمنعوا مشاورة النساء ، إن كن أهلا لذلك ، بل منعوها من الولاية العامة .
? بيَّنَّا بما لا يدع مجالا للشك ، أن العمل النيابي داخل تحت الولاية العامة ، فمواد الدستور الكويتي التي حددت صلاحية النائب تدل على ذلك ، لذلك أوردناها للقارئ بنصها للاطلاع عليها .
? الذكورة شرط لتولية الولايات العامة ، وذكرنا الأدلة على ذلك من الكتاب العزيز ، والسنة المطهرة على صاحبها صلاة ربي وتسليماته ، فأحكام الدين لا تثبت إلا بدليل منهما ، وأهل الذكر الذين أمرنا بسؤالهم هم وسيلة للوصول إلى ذلك ، لمن عجز عن الوصول إلى الدليل من الكتاب والسنة ، أو إلى فهمهما على الوجه المطلوب .
? ذكرنا باختصار فتاوى علمائنا القدامى ، من أصحاب المذاهب المشهورة ( الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وأهل الظاهر ) في حكم تولية المرأة .
? ذكرنا فتاوى جماعية للجان لها مكانتها عند المسلمين ، مثل فتوى الأزهر في مصر الصادرة عام 1952م ، وفي تلك الفترة كان الأزهر يضح للعالم الإسلامي علماء راسخين في العلم ، وذلك لقوة المناهج والاعتماد على حفظ المتون وشروحها ، وهذه الفتوى أصبحت مصدر دراسة ، وأخذ ورد لكثير ممن كتب في موضوع تولية المرأة . كما ذكرنا فتوى وزارة الأوقاف في دولة الكويت ، فإنها محكمة في الموضوع ، وفتوى دكاترة كلية الشريعة بجامعة الكويت ، والتي وقع عليها جمع كبير منهم ، وفتوى الهيئة الشرعية في جمعية إحياء التراث الإسلامي .
? ذكرنا فتاوى مشاهير أهل العلم المعاصرين مثل :
· فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز يرحمه الله .
· " " ناصر الدين الألباني يرحمه الله .
· " " حسنين محمد مخلوف يرحمه الله ، مفتي الأزهر .
· " " المودودي يرحمه الله مؤسس الجماعة الإسلامية في باكستان.
· " " عبد القادر شيبة الحمد .
· " " مصطفى السباعي يرحمه الله .
· " " خالد المذكور .
? بيَّنَّا عدم جواز مساهمة المرأة في اختيار أصحاب الولايات العامة ( الانتخاب ) ، لأن هذا هو هدي العصور الأولى المفضلة للإسلام ، وكل خير في اتباع من سلف .
? ذكرنا أهم ما استدل به دعاة تولية المرأة ، ورددنا عليها بالدليل من الكتاب والسنة ، والنظر السليم ؛ والحمد لله .
? بيَّنَّا بالدليل أن المرأة ليس لها نصيب في تولي الولايات العامة ، وهذا لا يعني سد جميع أبواب المشاركة السياسة في وجهها ، فلها أن تشارك في سياسة الدولة ، بما يتلاءم مع شريعة الإسلام وفطرتها التي فطرها الله عليها ، فلها أن تستشار، وأن تفتي ـ إن كانت أهلا لذلك ـ وأن تنصح لولاة الأمور ، وأن تقدم ما لديها من دراسات في تخصصها لأهل الحل والعقد ، وهذه بعض الاقتراحات التي أراها ويمكن من خلالها أن يكون للمرأة مشاركة سياسية يما يلائمها ، كما أدعو المهتمين بشأن المرأة أن يدلوا بدلوهم كذلك باقتراحاتهم في هذ1 الموضوع :
1) دعوة جمعيات النفع العام النسائية أن تكون لهن مشاركة في سياسة البلد في مختلف جوانبها ، إن رغبن في ذلك ، وفق ما ذكرنا .
2) فتح المجال لمن ترغب منهن في الكتابة في الصحف اليومية في أمور العامة بحرية ، وعلى ولاة الأمور أن يتابعوا ذلك ، وأن يتجاوبوا مع ما هو مفيد منهن .
3) المشاركة من خلال وسائل الإعلام ، التي تلائم وضع المرأة المسلمة ، في الإذاعة ومواقع الإنترنت وغيرها من الوسائل الحديثة .
4) تشكيل لجان منهن ، من ذوات الخبرة والكفاءة ، في وزارات الدولة في التخصصات المختلفة للمشاركة في تقديم الاقتراحات والمشورة للمسئولين ، وخاصة فيما يتعلق بأمر المرأة .
5) تشكيل لجنة استشارية منهن من ذوات الكفاءة والخبرة في مجلس الأمة ، للمشاورة ، وإبداء ما يرينه من آراء لنواب مجلس الأمة .
تمت
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الشيخ ناظم المسباح
عدد القراء : 2216
تاريخ الموضوع: 19 - إبريل - 2005 ميلادية
(174/1)
سلفية لا وهابية لا ظاهرية لا قطبية لا حرورية
د. حمد بن إبراهيم العثمان
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد:
فان الامام محمد بن عبدالوهاب، رحمه الله، ولد سنة 1115هـ، وتوفي سنة 1206هـ.
كل دعوة، اذا أردنا تقييمها ونقدها والحكم عليها، فان الدعوة نفسها وما تقوم عليه من اعتقاد ومنهج هو أولى ما ينبغي النظر فيه، وهذا المعيار يجب إعماله حتى في دعوة النبيين، فان براهين صدق النبي صلى الله عليه وسلم وشواهد دعوته، هي دعوته نفسها، وهذا أكمل طريق لهداية الناس، قال ابن القيم «طرق الهداية متنوعة رحمة من الله بعباده ولطفا بهم لتفاوت عقولهم، فمنهم من يهتدي بنفس ما جاء به، وهو أولى وأعظم عند أولي الألباب والحجى من مجرد خوارق العادات، وان كان انتفاع ضعفاء العقول بالخوارق في الايمان أعظم من انتفاعهم بالدعوة نفسها».
اذا استعرضنا دعوة الامام محمد بن عبدالوهاب، رحمه الله، وجدناها دعوة الاسلام الذي بُعث به نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، كتبه كلها قائمة على الاستدلال بالكتاب والسنة بفهم السلف.
نشأ، رحمه الله، في بيئة فقيرة، وكذلك كانت دعوة النبي، صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يضرها في شيء. ينسب الإمام محمد عبدالوهاب والسلفيون الى الجمود في تفسير القرآن والسنة والاقتصار على ألفاظها فقط، وهذا في الحقيقة إنما هو عمل فرقة الظاهرية التي ظهرت بعد القرن الثاني الهجري، ورؤوس هذه الفرقة داود الظاهري وأبو محمد ابن حزم.
والسلفيون وسط بين جمود الظاهرية على اللفظ وبين الفرق المبتدعة التي جعلت أهواءها وفهومها الفاسدة حاكمة على الأدلة الشرعية.
وإذا نظرت الى مسائل الشريعة. فالأخبار والغيبيات يجب تصديقها، والعبادات يجب أداؤها على الصفة التي أداها النبي، صلى الله عليه وسلم، والمعاملات والعادات بابها واسع لا يضيّق الا ما حرمه الشارع، وأما السياسة فالسلفيون أنفهسم توارثوا ما قاله ابن عقيل الحنبلي في تعريف السياسة بأنها فعل الأصلح وإن لم يكن فيه نص من قرآن ولا سنة، كما نقله عنه ابن القيم في بدائع الفوائد، مع التزام أحكام الله الشرعية، وأما القتال فما اعتدى الإمام على أحد، وإنما قاتل ودافع الصائلين عليه وعلى دعوته كما ذكر رحمه الله.
وأما دعوته فقبلها الناس طوعا لا كرها، فقد عُرضت على علماء مكة وشهدوا بأن دعوته هي الحق، وكتب هؤلاء العلماء ذلك في وثيقة مازالت محفوظة الى الآن وعليها أختام علماء مكة، وكذلك علماء المدينة، والوثيقتان مطبوعتان في الدرر السنية 1/ 34 ـ 317.
وحسبي أن أنقل كلام الاستاذ خير الدين الزركلي وهو ليس بسعودي حيث كان منصفا وبيّن عالمية دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب وكيف تلقاها العلماء في كل الأقطار بالقبول حيث قال «محمد بن عبدالوهاب بن سليمان التميمي النجدي زعيم النهضة الدينية الاصلاحية الحديثة في جزيرة العرب..، وكانت دعوته، وقد جهر بها سنة 1143هـ ـ 1730، الشعلة الأولى لليقظة الحديثة في العالم الإسلامي كله، إذ تأثر بها رجال الاصلاح في الهند، ومصر، والعراق، والشام، وغيرها».
انظر الاعلام 6/ 257.
والذي يدل على عالمية دعوة الشيخ هو أن بعض شيوخه من خارج نجد كالمجموعي، رحمه الله، وهو من علماء العراق، ومحمد حياة السندي وهو أعجمي.
فالحاصل ان دعوة الامام محمد بن عبدالوهاب، رحمه الله، هي دعوة الاسلام، وإنما نجتنب ونمنع تسميتها بالوهابية لأن هذا هو اصطلاح المستشرقين wahhabism ومن يريد التنفير عن الدعوة فينسبها الى الامام وكأنها دعوة جديدة محدثة، ولأن هناك فرقة خارجية قبل دعوة الامام محمد بن عبدالوهاب بسبعة قرون تُسمى بالوهابية الرسمية، ظهرت في المغرب العربي، أنظر المعيار المعرب 11/ 168.
ولعله من نافلة القول ان أذكر ما قاله أحد المستشرقين وهو ديفيد كوبر بهذا الخصوص عن دعوة الامام محمد بن عبدالوهاب حيث قال «ولم يكن في دعوة الشيخ جديد لأنه كان يرى علاج المشكلات جميعا في العودة الى سنة النبي محمد وأصحابه من السلف الصالح».
Travelers Accounts As A source for the study of Nineteenth century wahhabism.
وأما الدعوات المعاصرة فبعضها نسبتها اليها حقيقية، وهي توافقها عقيدة ومنهجا، قال تعالى «إن أولى الناس بابراهيم للذين اتبعوه»، وبعضها غير حقيقية كالقطبية، والتكفيرية التي عبثت بكلام الامام محمد بن عبدالوهاب، وهذا لا يلزم الامام شيء منه، وقد وقع التحريف لكلام الله ووضعه في غير مواضعه، فكيف بما سواه من الكلام.
ولا أحسب أني وفيت الإمام حقه لكن مقام الصحيفة يقتضي الاختصار.
والله أعلم.
منقول عن القبس
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » د. حمد بن إبراهيم العثمان
عدد القراء : 6322
تاريخ الموضوع: 25 - إبريل - 2005 ميلادية
(175/1)
شوية عيال
د. حمد بن إبراهيم العثمان
شوية عيال
د. حمد بن إبراهيم العثمان
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد انبرى احد علماء احدى الدول العربية وفقنا الله واياه للقول السديد، للاعتذار عما وقع من بعض الجنود والمحققين الاميركيين في غوانتانامو من القاء كتاب الله العزيز في المرحاض، بانه عمل «شوية عيال».
ولا ادري ما الذي حمل هذا العالم على هذا الاعتذار والدفاع عن هذا العمل المشين، وكأن البعض موكول بالذب عن أعمال جنون اميركا في كل شيء، حتى في الطعن بالدين وامتهان كتاب الله عز وجل.
مثل هذا الاعتذار يبين حقيقة «الميزان الجائر في الحكم على الحوادث ومرتكبيها، فلماذا يكون الانسان من المطففين لا يحتج لغيره كما يحتج لنفسه؟ ولا يقبل لنفسه ما يقبل لغيره؟
ولماذا يسلك سبيل الظلم ويخل بموازين المساواة؟ فالانصاف ان تكتال لمنازعك بالصاع الذي تكتال به لنفسك، فان في كل شيء وفاء وتطفيفا.
لماذا لم يُعتذر للسعودية خاصة وللمسلمين عامة عن احداث 11 سبتمبر بمثل ما اعتذر به للجنود الاميركيين الذين امتهنوا كتاب الله على انه عمل «شوية عيال».
وواقع الحال يُوجب ان يُعتذر للسعوديين ولا يُعتذر للاميركيين، لاسباب كثيرة واضحة جلية، اسرد بعضها من باب ازالة الغشاوة عن اعين وبصائر من يحمل اعمال المسلمين على التهمة، واعمال الاميركان على العدل والاحسان.
فمن قام باهانة المصحف هم من افراد وضباط ومحققي المؤسسة العسكرية النظامية الاميركية فهؤلاء انتخبوا بعناية كبيرة نظرا لاهمية المعتقلين في غوانتانامو بالنسبة لاميركا، وهو اختيار نخبة شديدة الحنق والحقد على الاسلام والمسلمين.
اما بن لادن فهو خارج عن طاعة الحكومة السعودية، وابن عاق، قامت الدولة السعودية بالبراءة منه وسحب جنسيته منذ عام 1995، اي قبل وقوع احداث 11 سبتمبر بست سنوات.
فحال وقوع الحادث كان ابن لادن مواطنا غير سعودي، كما ان الحكومة السعودية كانت دائما تُلح على حكومة طالبان لتسليم بن لادن للسعودية، وحكومة طالبان ترفض. كما ان الحكومة السعودية اصيبت بتفجيرات بن لادن قبل اميركا فحادثة تفجير العليا الشهيرة التي وقعت سنة 1996 مجّدها بن لادن واثنى على منفذيها، واحتسبهم شهداء، بل واقام معسكرات في افغانستان باسماء منفذي تفجير العليا، (السعيد، المعثم، الهاجري).
وبن لادن له اشرطة فيديو متداولة في المنطقة يذكر فيها تكفيره للدولة السعودية، ويعرض فيها خططه لتدمير اهداف ومنشآت سعودية، ويعرض فيها صور حكام وامراء السعودية على انها اهداف لعناصر القاعدة، فلماذا أُلزمت السعودية وأُخذت بجريرة بن لادن، وهو على الصفة المذكورة؟!
لماذا مارس الاميركان كل انواع الضغوط على الدولة السعودية كل هذه السنوات، ولم تكلف اميركا نفسها، ولا شيوخ الدين في بعض الدول العربية بتوصيف احداث 11 سبتمبر على انه عمل «شوية عيال»؟!
بالغت اميركا في ضغوطها واتهاماتها للسعودية حتى وقعت حوادث التفجير الكبيرة في الرياض، فأخذ الاميركان بتخفيف ضغوطهم نوعا ما، وما كانت اميركا تحتاج لمثل هذا البرهان، فتاريخ السعودية بالوسطية الناصع خلال عقود طويلة ليس محل تهمة الا على قاعدة «من بغاك ما عذرك»!!
مناهج الدولة السعودية هي هي في الغالب منذ تأسيسها ووحدتها على يد جلالة الملك عبدالعزيز رحمه الله، والاميركان لهم سبعون سنة في ارامكو في المنطقة الشرقية، ولم تفرز هذه المناهج اغتيالات ولا خطف للاميركان، فلماذا لا تُخّرج افعال 11 سبتمبر على انها افعال «شوية عيال»؟! بل ان الكتب المضادة للفكر التكفيري هي من تأليف وكتابة علماء المملكة المعاصرين الذين تتلمذوا على الكتب الشرعية الدينية التي يُدرسها علماء المملكة بارك الله فيهم، والجامعات السعودية، مثل كتاب «فتاوى الأئمة في النوازل المدلهمة».
على كل حال أسأل الله ان يكفي بلاد المسلمين شرور الحاقدين، وان يكفينا شرور «شوية العيال».
والله اعلم.
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » د. حمد بن إبراهيم العثمان
عدد القراء : 3430
تاريخ الموضوع: 25 - سبتمبر - 2005 ميلادية
(176/1)
جدول دروس الشيخ
من المشرف
اليوم
الفجر
الضحى 9.30
المغرب
العشاء
السبت
التوحيد لابن خزيمة
الأحد
التوحيد لابن خزيمة
منهج السالكين
تفسير السعدي
الاثنين
صحيح البخاري
عمدة الأحكام + كتاب التوحيد
الثلاثاء
صحيح البخاري
الأربعاء
الواسطية
الخميس
الروض المربع + منهاج السنة
الجمعة
مكان الدروس : مسجد عمير بن معبد ق8 منطقة غرب الجليب [ عبد الله بن المبارك ]
درس الواسطية في مسجد الكليب - قرطبة
القسم: التصنيف الرئيسي » من المشرف
عدد القراء : 3272
تاريخ الموضوع: 20 - نوفمبر - 2005 ميلادية
(177/1)
أدب الحسين رضي الله عنه في مناجاة الله
مشايخ وطلبة علم
عن شريح القاضي قال:دخلت إلى مسجد النبي- صلى الله عليه وسلم-وصليت العشاء ثم انصرفت ، فإذا أنا برجل مصفر الوجه ، يقول باكيا:إلهي وسيدي ومولاي لمقامع الحديد خلقت أعضائي أم لشرب الحميم خلقت أمعائي ، سيدي ومولاي لو طالبتني بذنوبي طالبتك بعفوك، ولو حبستني مع الخاطئين لأخبرتهم بجودك وكرمك، سيدي إن الحسنات لتسرك ، والسيئات لا تضرك،فهبني ما يسرك ،واعف عني ما لا يضرك ، يا أرحم الراحمين ...
فنظرت فإذا هو الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما..
وهنا لنا مع هذه المناجاة وقفات:-
أولها:- حب سيدنا الحسين للمكث في المسجد النبوي فلم يؤسس له محرابا خاصا بل جلس بالمسجد شأنه شأن أي مسلم.
ثانيها:- تواضع سيدنا الحسين فلم يحط نفسه بحرس أو جند أو أتباع وهو يناجي ربه بالمسجد.
ثالثها:- توحيد سيدنا الحسين وأدبه مع الله، فلم يتوسل إلى الله بقرابته من الرسول أو بأمه الزهراء أو بأعماله رضي الله عنه،إنما يتوسل إلى الله بعفوه وكرمه وأسمائه وصفاته .
رابعها:- حسن ظن سيدنا الحسين رضي الله عنه بالله فتأمله معي وهو يناجي الله بقوله:"لو حبستني مع الخاطئين لأخبرتهم بجودك وكرمك " ..تأمل حبه العظيم لله سبحانه وتعالى..
خامسها:- خشوعه وخوفه من الله فقد وصفه شريح القاضي بأنه مصفر الوجه باك..
سادسا:- تأمل قول سيدنا الحسين:"لو طالبتني بذنوبي" وهو اعتراف صريح منه بأنه غير معصوم وأنه يذنب حاله كحال بقية البشر..مع علو قدره ورفعة منزلته رضي الله عنه وأرضاه..
سابعا:- ثم تأمل توقيت الدعاء والتضرع فقد اختار سيدنا الحسين وقت الليل بعد العشاء حيث الظلام وحيث لا يعرفه أحد ، وهذا ديدن الصالحين ودأب الأوابين التخفي تحت جنح الظلام مبالغة في الاخفاء حتى لا يتسرب إلى أعمالهم شيء من الرياء أو يكون في عبادتهم حظ للنفس أو لنظر الخلق بل الاخلاص التام ،وكأني أرى سيدي الحسين ممتثلا لقوله تعالى :"وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء"...
مااجمل صفات سيدنا الحسين وما أحوجنا لمثل هذه الأخلاق في زمان طغت فيه الماديات علينا،فسلام عليك يا سيدي ورزقنا الله إخلاصا كإخلاصك وإخباتا كإخباتك يا ريحانة رسول الله..
، اللهم احشرنا في زمرة سيدنا الحسين وآبائه وأحباب آبائه.. اللهم آمين..
حبيب آل البيت: طواري الطواري
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم
عدد القراء : 2964
تاريخ الموضوع: 25 - نوفمبر - 2005 ميلادية
(178/1)
المنهج
من المشرف
الحمدلله الكبير المتعال، وأصلى وأسلم على محمد وصحبه وأزواجه والآل، وأشهد أن لا إله إلا الله خالق الأرض والجبال، المتفرد بالوحدانية والمقصود بالعبودية شهادة أرجوها عند المآل. وبعد
هاهي -أخي القارئ- الحلة الجديدة لموقع المنهج تطل عليك بعد مخاض طويل، وقد راعينا فيها أن تكون جاذبةً لعين القارئ، سهلة عند التصفح، متنوعة المحتوى، محافظين في الوقت نفسه على منهجنا (منهج أهل السنة والجماعة) الذي ارتضيناه لأنفسنا، سالكين طريق الدعوة بما أمرنا الله به من حكمة وموعظة حسنة ما استطعنا.
ولا يزال هناك بعض الإضافات التي سوف تراها تباعا في غضون الأسابيع القادمة وسينضم إلى كتاب المنهج المنتظمين بعض المشايخ وطلبة العلم نسأل الله لهم التوفيق.
و المنهج منك وإليك أخي القارئ فلا تبخل علينا باقتراحاتك ومساهماتك
والله ولي التوفيق
كتبه / عثمان الخميس
ذو الحجة 1426هـ
القسم: التصنيف الرئيسي » من المشرف
عدد القراء : 1648
تاريخ الموضوع: 20 - ديسيمبر - 2005 ميلادية
(179/1)
عاشوراء.. يوم صيام وحزن لا يوم فطر وفرح!!
مشايخ وطلبة علم
عاشوراء.. يوم صيام وحزن لا يوم فطر وفرح!!
د. وليد الطبطبائي
ما من ايام اعظم في الدنيا من يوم عاشوراء فهذا اليوم شهد احداثاً جساماً اولها انه صادف اليوم الذي نجا الله عز و جل عبده ورسوله سيدنا موسى عليه السلام من فرعون وجنوده وأغرقهم في اليم، فكان موسى عليه السلام يصومه فصامه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وامر بصيامه ثم لما فرض الله صيام شهر رمضان خيرهم بين الصيام والفطر ورغبهم في الصيام وجعل اجر من صامه بغفران ذنب سنة ماضية وشهد هذا اليوم حدثاً جللاً وامراً عظيماً تمثل في مقتل الامام الحسين عليه السلام واكثر من سبعين من اهل بيت النبي عليهم السلام واصحابهم في موقعة كربلاء الشهيرة على يد من قتله من الاشرار من جيش الامويين واهل الكوفة الذين تخلوا عن تشيعهم لاهل البيت لاجل الدينار والدرهم.
ولذلك فإن المشروع في هذا اليوم الصيام امتثالاً لسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والحزن على مقتل الامام الحسين عليه السلام وما جرى له ولاهله واصحابه في هذا اليوم من قطع رؤوسهم الشريفة على ان يكون هذا الحزن حزناً مشروعاً ولا بأس من البكاء وذرف الدموع كما قال المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم عند وفاة ابنه ابراهيم: «ان العين لتدمع وان القلب ليحزن وإنا على فراقك يا ابراهيم لمحزونون ولا نقول الا ما يرضي الرب».
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «ما كان من القلب والعين فمن الله، وما كان من اليد واللسان فمن الشيطان. فهذا ما نعتقده ونؤمن به وندين لله به نسأل الله ان يحشرنا مع نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومع آل بيته الاطهار واصحابه الاخيار رضوان الله عليهم اجمعين.
ومما يؤسف له ان هناك من يثير شبهات لا معنى لها في هذا الوقت بزعم حرصه على وحدة المسلمين بينما هو بفعله هذا يثير الحزازات ويؤجج الخلافات ومن هذه الشبهات:
1 - الزعم بأن الاحاديث الواردة في الصحيحين البخاري ومسلم في فضل صيام عاشوراء غير صحيحة وانها موضوعة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم لانها وردت عن صحابة لم يكونوا متواجدين وقت دخول النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة لانهم اسلموا متأخرين، ولان عاشوراء لم يكن معروفاً بهذا الاسم الا بعد مقتل الامام الحسين عليه السلام ولان يوم دخول النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة كان في شهر ربيع الاول وليس في شهر محرم الحرام.. الخ.
وردا على هذه الشبهات نقول بأن الصحابة كلهم عدول بالجملة، وان الصحابي اذا نقل رواية أو حدثاً لم يدركه فإنه يخبر عن صحابي آخر نقل له الحدث وبما ان الصحابي الآخر عدل فإننا نقبل هذا النقل ويكون صحيحاً وهو ما يعرف في علم الحديث بـ «مراسيل الصحابة».
اما ان اسم عاشوراء لم يكن معروفاً بهذا الاسم قبل مقتل الامام الحسين عليه السلام فهذا امر غريب فإن ماذكره ابن الاثير في تاريخه ان عاشوراء لم يكن معروفاً بهذا الاسم في الجاهلية وانما هو اسم اسلامي، فهذا ليس معناه انه لم يكن معروفاً قبل استشهاد الامام الحسين عليه السلام بل غايته انه ليس معروفاً قبل الاسلام، واما كيف يصح الجمع بين صيام عاشوراء لما وجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم اليهود يصومونه وبين وقت هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فالجواب ان نص الرواية يقول: «انه لما قدم المدينة وجدهم يصومون يوم عاشوراء» وليس في الرواية ان يوم قدومه وجدهم يصومونه..» فنص الحديث لا يفهم انه وجد اليهود يصومونه في نفس اليوم الذي دخل فيه المدينة ولا بعد يوم او شهر، بل هي تفيد التوسع البعدي وهذا واضح في لغة العرب بل حتى في كلام اهل الترحال مثل رحلة ابن بطوطة انه حينما يقدم بلداً يقول: «وحين قدومي ذلك البلد وجدتهم يفعلون كذا وكذا..
2 - اما الزعم بأن صيام هذا اليوم فيه تشبه باليهود والنصارى والنبي صلى الله عليه وآله وسلم امرنا بمخالفتهم فالرد عليه سهل بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تشبه بأخيه موسى عليه السلام وليس باليهود كما ثبت في البخاري ومسلم: «ان رسول الله لما سألهم عنه، فقالوا: يوم عظيم نجا الله فيه موسى وقومه واغرق فرعون وقومه فصامه موسى شكراً لله فنحن نصومه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وسلم: «نحن احق واولى بموسى منكم فصامه».
3 - اما الزعم بأن الصيام في هذا اليوم هو من عمل الامويين الذين ارادوا ابعاد الناس عن الحزن في هذا اليوم وجعلوه يوم فرح وزينة واختضاب بالحناء ووضعوا في ذلك احاديث منكرة ضعيفة فهذا صحيح وهؤلاء طائفة يقال لهم الناصبة، ناصبوا العداء لاهل البيت لاغراض سياسية وغرضهم النكاية بأهل البيت عليهم السلام، وهذا امر منكر عظيم وخطر جسيم، الا ان عامة اهل السنة ينبذون هؤلاء ويحذرون منهم، ثم ان الصيام في هذا اليوم مناف للفرح واتخاذه عيداً، لان العيد لا يصام فيه فلا يوجد توافق بين الطائفتين.
4 - موقف اهل البيت عليهم السلام من صيام يوم عاشوراء:
ان صيام يوم عاشوراء ليس هو مذهب اهل السنة وحدهم بل هو مذهب الشيعة ايضاً، وقد وردت روايات صوم عاشوراء من طرق الشيعة بأسانيد معتبرة، في حين جاءت الروايات الناهية عن صومه بأسانيد ضعيفة، وقد اكد ذلك الشيخ الحاج السيد محمد رضا الحسيني الحائري في كتابه تجاه الامة في اقامة العزاء على الحسين والائمة، صفحات 145،146،148 وطبع في قم بإيران 1413هـ، وكذلك قال الفقيه الشيعي يوسف البحراني في انواع الصوم المندوب: ومنها صوم يوم عاشوراء على وجه الحزن «الحدائق الناضرة 339/13» وقال شيخ الفقهاء محمد النجفي: المذموم والمنهي عنه اتخاذه (عاشوراء) كما يتخذه المخالفون والتبرك به واظهار الفرح والسرور فيه لا ان المنهي عنه مطلق صومه وانه كالعيد وايام التشريق، وقال: وعلى كل حال فلا ريب في جواز صومه «جواهر الكلام 108/17».
وصيام يوم عاشوراء مستحب عند كثير من الطوائف الاسلامية كما هو عند الزيدية، فقد قال الامام احمد المرتضى من علماء الزيدية: «ويوم عاشوراء يُندب صومه وهو يوم عاشر من شهر محرم لقوله صلى الله عليه وآله: عاشوراء يكفر سنة» شرح الازهار 55/.2
وها هي احاديث ائمة اهل البيت عليهم السلام متوافرة في الحض على صيام عاشوراء، فعلى سبيل المثال: عن ابي الحسن عليه السلام انه قال: «صام رسول الله صلى الله عليه وآله يوم عاشوراء.. تهذيب الاحكام 300/4- الاستبصار 134/2 - جامع احاديث الشيعة 475/9 الحدائق الناضرة 371/.13
وعن جعفر عن ابيه عليهما السلام انه قال: «صيام يوم عاشوراء كفارة سنة» الوافي 13/7- وسائل الشيعة 337/7».
اما الرواية التي يستشهد بها البعض والتي تقول: «من صامه (يوم عاشوراء) كان حظه من صيام ذلك اليوم حظ ابن مرجانه وآل زياد وكان حظهما النار»، وهي رواية عند الكافي فإن اسنادها لا يصح حتى عند الشيعة، وقال العلامة المجلسي في مرآة العقول: «ضعيف على المشهور» 362/.16
ختاماً: دعوة للوحدة الاسلامية والوطنية
ان تذكر التضحيات الكبيرة التي قدمها الامام الحسين عليه السلام في سبيل الدفاع عن الدين لا يتناقض مع صيام هذا اليوم، بل العكس صحيح فإن طوائف المسلمين مجتمعة، كما رأينا، ترى استحباب صيام هذا اليوم، فما من شيء يجمع المسلمين اليوم مثل ان يصوموا جميعاً يوم عاشوراء ويتذكوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وصحابته رضوان الله عليهم الذين صاموا هذا اليوم ويتذكروا مصاب اهل البيت عليهم السلام في هذا اليوم العظيم، ولا بأس من اظهار الحزن المشروع الذي اشرنا اليه لاحقاً. فقد جاء عن امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام انه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اربعة لا تزال في امتي الى يوم القيامة، الفخر في الاحساب والطعن في الانساب والنياحة. بحار الانوار 451/.22
وقال صلى الله عليه وآله و سلم، في فتح مكة للنساء: «لا تلطمن خداً ولا تخمشن وجهاً، ولا تنتفن شعراً، ولا تشققن جيباً ولا تسودن ثوباً». الكافي 527/.5 وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.
altabtabae@hotmail.com
منقول : الوطن : تاريخ النشر: الخميس 9/2/2006
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم
عدد القراء : 3158
تاريخ الموضوع: 09 - فبراير - 2006 ميلادية
(180/1)
ابن باز ليس مصدر الإرهاب - الكاتب : محمد بن ابراهيم الشيباني
مقالات مختارة
العلامة عبدالعزيز بن باز رحمة الله عليه، لم يكن في يوم من الايام مصدرا للارهاب أو الشدة أو مخالفة علماء الأمة وسابقيها ولاحقيها، كان همه الاكبر - كما يعرف ذلك كل من عرفه - جمع المسلمين على كلمة سواء ويكفيه انه كان مرضيا عنه في مختلف المجالس العلمية والفقهية في عموم المملكة العربية السعودية وخارجها، لا ترتفع كلمتهم على كلمته، وكان حجة في نفسه لا يخاف في الله لومة لائم وان اختلفت كلمته ورأيه الفقهي مع اخوانه العلماء يعذرهم فيه لا يبدع احدا أو يكفره أو يفسقه، بل لم يعهد عنه انه تكلم في أي انسان بلا علم أو بيان، أو...
لقد التقيته في مكتبه مرات عدة وواكلته في غداء وعشاء في منزله وصليت خلفه ومعه، وفي كل مرة كنت لا ازداد إلا علما وتصغيرا لنفسي، وفي كل مرة لا أشعر الا بأني امام جبل شامخ تنكسر الرقاب حين النظر اليه، ولا يدور في ذاكرتي شبيه له إلا أولئك الافذاذ الذين كانوا في يوم من الايام يسيرون على هذه الارض من أساطين العلم والتقى والجهاد من اجيال القرون السالفة من الذين لم يبيعوا دينهم بدنياهم ولا علمهم على موائد الصحافة، والفضائيات، رحل الشيخ ابن باز عن هذه الفانية وهو عزيز كريم متبوع، ومازال حيا بيننا بفتواه ونصائحه وعلمه لم تستغن الامة عن ميراثه العلمي، فمازال العلماء والاساتذة وطلاب العلم يستشهدون بما ترك من آراء وعلوم والرحمة متواصلة له من اولئك كلما ذكر اسمه على الشفاه وفي المجالس العلمية وغيرها.
وفي المقابل من الذي يستطيل في الكلام عليه ويتعدى حدوده في أدب الحوار بل الاخلاق.. هو حسن الترابي السوداني، فأين هذا من ذاك، بل اين الثريا من الثرى واين زيد من عمرو، بل اين تاريخ هذا من تاريخ ذاك، وما دخل ابن باز بالارهاب الذي حصل في السعودية بعد وفاته؟ بل وما دخل كف بصر ابن باز في الموضوعات؟ أليس هذا من قلة العلم والدين والخلق؟.. فلو كان ابن باز حيا أيجرؤ هذا على اتهامه بتربية الشباب السعودي على الارهاب؟ لأن الحجة لا تقام على الكذب والظن والاتهامات المرسلة انما تقوم على الحقائق الملموسة والبيان الواضح.. والترابي ليست هذه سقطته الوحيدة، وانما سقطاته العقدية والدينية والسياسية بشكل عام كثيرة لا تحملها الجمال، بل آراؤه السياسية أغلبها فاشلة وساقطة لم تقبل في بلد ما حتى في بلده.
واليوم وبعد خروجه من السجن الطويل وفي هذه السن المتقدمة لم يجد ما يدلي به من آراء دينية وسياسية، الا ان يضرب بالعلماء ويستهزئ بخلق الله ويعايرهم بها، ونسي هذا الرجل ان لحوم العلماء مسمومة، وميراثهم الذي تركوه من العلم والجهاد ورضا الامة عنهم لا يملكه الترابي ولا من تربى في حزبه، (الاخوان المسلمين) الذي مازالت الفضائيات ترينا منهم العجب العجاب من تبدلهم وتغيرهم المستمر.. اللهم لا شماتة. والله المستعان.
***
أسوار المدارس:
ببالغ الشكر والتقدير نبارك لمقاولي بناء أسوار المدارس في مناطق الكويت على الانجاز السريع أولا وعلى النماذج البنائية الرائعة الجميلة، أكثر الله من أمثالكم المخلصين.
shaibani@makhtutat.org
ملحوظة : المقال منشور بالقبس عدد 30/04/2006
القسم: التصنيف الرئيسي » بحوث علمية » مقالات مختارة
عدد القراء : 737
تاريخ الموضوع: 02 - مايو - 2006 ميلادية
(181/1)
أصول الدين ثابتة - الكاتب : محمد بن ابراهيم الشيباني
مقالات مختارة
أثلجت الردود الصريحة الواضحة على د. عبد الغفار الشريف صدور الموحدين بدءا من العلامة صالح الفوزان والشيخ عبدالرحمن عبدالخالق ورد الشيخ فيصل القزار والشيخ فيحان الجرمان، والزميل خالد السلطان الى آخرهم، رد الشيخ حمد العثمان في 'القبس' (27/4/2006)، ورد الشيخ احمد شمس الدين في الوطن (28/4/2006)، وغيرهم ممن لم أذكر من المشايخ المعتبرين بالعلم والهدى، والتقى، وهم كثر، فقد كانت ردودهم عن طريق الدرس والخطابة. واظن ان هناك كذلك كما هائلا في الكويت والخليج وديار العرب لم يركز الاعلام عليهم.. ان ما خاض به د. عبدالغفار لم يكن في قضية فرعية من الدين تحتمل الخطأ والصواب والتأويل من عدمه، ولكنه خاض في قضية من اصول الديانة التي قعدت لها القواعد واتفق اهل العلم المعتبرون عليها، ولا خلاف عندهم في ذلك ولا تردد.. وزلة الشريف العقدية الشنيعة هذه كشفت بما يعتقد ويعتقد الكثير من جماعة الاخوان المسلمين من الذين تربوا على ذلك، اي ان دراسة العقيدة في مناهجهم امرها ثانوي، وليست من اساسيات دعوتهم، وذلك منذ زمن اي امر التثقيف، لأن رؤيتهم في ذلك ان الناس لا يجتمعون عليها وهذه مما تعكر مسيرة الدعوة وتؤخرها، فالمقدم عندهم في منهجهم التجميع ثم التثقيف.. فلهذا سقط هذا وغيره من كبارهم! عموما ليس هذا هو المراد من موضوعي، وانما اردت ان اشكر صحيفة القبس، واقول ذلك نيابة عن قاعدة عريضة كبيرة من السلفيين لفسحها المجال للشيخ حمد العثمان، وفي صفحة كاملة، لرده المفحم الذي تابع فيه كل اقوال وتصريحات وردود د. عبدالغفار وبيان زلاته.
هنيئا لأخينا الشيخ حمد العثمان رده المفحم الذي تمثل في النقاط التالية:
- العلامة الفوزان قليل الكلام كثير البركة.
- استرشد من العلامة الفوزان التواضع وارحل اليه.
- التطرف خرج من عباءتك وليس من مجتمعات البادية.
- مدائن صالح واتباع المتشابه.
- عبدالغفار فقد توازنه واضاع البوصلة.
- تهويله المفضوح.
- د عبدالغفار مشكك غير ناصح.
- اي صوفية يريد عبدالغفار؟
- الاستهزاء بأعضاء مجلس الامة مرفوض.
- الاستهزاء بالدعاة مرفوض.
- العلامة الفارقة للدكتور محمد عبدالغفار.
بعد هذا الرد الواضح والبرهان الساطع والردود الصريحة الاخرى، ماذا يقول علماء الاخوان في صاحبهم؟ اذ لم نسمع منهم شيئا، وانما قرأنا من يساوي علم د. عبدالغفار بالعلامة صالح الفوزان، وهو يعد واحدا من احفاده وتلميذا من تلاميذه، بل ان شيوخه في السعودية الذين درسوه لم يقولوا نحن اقران العلامة الفوزان او نتساوى معه في العلم، اما الآخرون من شباب الاخوان الذين يكتبون في الصحافة، فقد عدوا سقطة د. عبدالغفار من المعفو عنها، وكأنها خطأ او تأويل من التأويلات الفقهية التي تحتمل هذا، وذاك، ونسوا ان موافقتهم لزميلهم في التنظيم زلة في العقيدة لا بد من التوبة منها وطلب المغفرة من الله العظيم، والا فكارثة كبرى ان كانوا مثله فيما اعتقد.. وهذا ما بينته في مقدمتي ان امر العقيدة ليس بذاك في هذا التنظيم ليس من اليوم، وانما منذ عرفناهم من عقود.. اللهم احفظ المسلمين من افكار هذا الحزب المميعة للدين واصوله في الايام القادمة، فهذا الحزب كلما ارتفع واتسع اعتدى وافسد. اللهم نعوذ بك من شرور هذه الفتنة.. والله المستعان.
shaibani@makhtutat.org
ملحوظة : المقال منشور بالقبس عدد 01/05/2006
القسم: التصنيف الرئيسي » بحوث علمية » مقالات مختارة
عدد القراء : 939
تاريخ الموضوع: 02 - مايو - 2006 ميلادية
(182/1)
التهكم بإسلام أعضاء مجلس الأمة مرفوض - بقلم: د. حمد بن ابراهيم العثمان
د. حمد بن إبراهيم العثمان
التهكم بإسلام أعضاء مجلس الأمة مرفوض
بقلم: د. حمد بن ابراهيم العثمان
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
لقد تأملت ما اثاره د. محمد عبدالغفار الشريف من شبهات وتشكيكات في العقائد مع ما جرى منه من استهزاء في تعليقاته على مداخلات الجمهور في برنامج 'الحياة عبادة'، ورأيت نصيحة العلامة صالح الفوزان حفظه الله، التي كانت كلمات يسيرة مباركة عليها نور الكتاب والسنة حصل بها المقصود من بيان الحق وكشف التلبيس والتدليس، فأحببت ان اعلق بعض التعليقات لوضع بعض الأمور في نصابها الصحيح، وهي كالآتي:
أولا: العلامة الفوزان قليل الكلام كثير البركة
كلنا لاحظ الكلام الكثير الذي القاه د. محمد عبدالغفار في برنامج 'الحياة عبادة' وكرره واضاف اليه ايضا كثيرا من الشبهات في حلقة تابعة، ثم الكلام الكثير الذي سطره في صفحة كاملة في 'الرأي العام'، وصفحتين كاملتين في 'الوطن'، وأصله بدأ من انحراف في فتياه، واستهزاء بمخالفيه، ثم توسع بعد ذلك في الانتصار لنفسه، واخذ يتناقض ويدلي بما يدل على عدم رسوخة في اهم المهمات وهي توحيد الله تبارك وتعالى، بينما نجد العلامة صالح الفوزان، وفقه الله، تكلم بغير تكلف بكلام يسير اصاب به الحق، ورد فيه الشبهات التي القاها محمد عبدالغفار، وهذا شأن البدعة والسنة منذ ظهور البدع إلى يومنا الحاضر، قال ابن ابي العز الحنفي رحمه الله: 'كلما ابتدع شخص بدعة اتسعوا في جوابها، فلذلك صار كلام المتأخرين كثيرا، قليل البركة، بخلاف كلام المتقدمين فإنه قليل كثير البركة'.
وقال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله: 'وأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا - مع أنهم أكمل الناس علما نافعا وعملا صالحا - أقل الناس تكلفا، يصدر عن احدهم الكلمة والكلمتان من الحكمة او من المعارف، ما يهدي الله بها امة، وهذا من منن الله على هذه الائمة. وتجد غيرهم يحشون الاوراق من التكلفات والشطحات، ما هو من اعظم الفضول المبتدعة، والاراء المخترعة، لم يكن لهم في ذلك سلف الا رعونات النفوس المتلقاة ممن ساء قصده في الدين'.
ثانيا: استرشد من العلامة الفوزان تواضع وارحل اليه
نصب د. محمد الشريف نفسه في رده على العلامة صالح الفوزان وكأنه نظير له، وان حاول ان يظهر خلاف ذلك من خلال الاسئلة التي طرحها، والكل يعرف الفرق بين مرتبة عالم كبير كالعلامة صالح الفوزان وبين مرتبة د. محمد عبدالغفار كطالب علم، قال ابن عبدالبر، رحمه الله: 'وقالوا: لا تصح المناظرة ويظهر الحق بين المتناظرين حتى يكونا متقاربين او مستويين في مرتبة واحدة من الدين والفهم والعقل والانصاف، والا فهو مراء ومكابرة'.
فتواضع يا د. محمد عبدالغفار، وارحل الى الرياض واحتسب ذلك رحلة في طلب العلم، واجلس بين يدي الشيخ جلوس التلميذ بين يدي العالم، واسأل اسئلة المسترشد، لأنه ظاهر من كلامك، ان كثيرا من الشبه عالقة في ذهنك شوشت عليك علومك، وتحتاج الى عالم صاحب سنة كالعلامة صالح الفوزان يعينك على بلوغ الحق.
ثالثا: التطرف خرج من عباءتك وليس من مجتعات البادية
د. محمد عبدالغفار مارس قلب الحقائق والتدليس على المشاهدين في تحليله لأسباب التطرف، وبيانه لمنشأ الفتاوى المتطرفة، حيث قال ما يلي: 'لاحظ ان هذه الفتاوى لا تخرج الا من مجتمع منغلق يغلب عليه طابع البداوة، وان الفتاوى التي فيها اريحية تخرج من مجتمع متحضر حضاري؟'.
فحسبي الله ونعم الوكيل، حتى التطرف والوسطية جعلتها 'بدوا - وحضرا' انا لله وانا إليه راجعون.
يا د. محمد عبدالغفار، الدين والفتاوى والعلم، قال الله، قال رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الصحابة هم اولو العرفان و'دين البادية على الفطرة ما افسدته البدع'.
والكل يعرف ان منفذ تفجيرات اوكلاهوما حضري بل واميركي اشقر وعيناه زرقاوان.
والدكتور محمد عبدالغفار هو من جملة من ساهم في احضار رموز التطرف الى بلدنا، ووظف امكانات الدولة في تقديم رموز التطرف لشباب الكويت، والادهى والامر انه صار في الفترة الاخيرة يقدمهم بدعوى تعزيز الوسطية ومحاربة التطرف.
فالدكتور محمد عبدالغفار استضاف د. صلاح الصاوي منظر فكر 'واحد يفجر والآخر يستنكر' لما كان عميدا لكلية الشريعة، والآن لما صار مسؤولا عن لجنة 'تعزيز الوسطية' استضاف هذا الرجل مرة اخرى في مؤتمر 'نحن والآخر'، عنادا لأنه قد توجه النقد اليه في ذلك من قبل، فأبى الا الانتصار لنفسه ولو على سبيل الاضرار بالوطن وامنه، وافساد مناهج وافكار الشباب، واخطر من هذا انه يفرغ الجهود والميزانيات المبذولة من الدولة في نشر التطرف عوضا عن محاربته، وكل هذا باسم محاربة التطرف وتعزيز الوسطية.
ولعلي هنا انقل شيئا من تأصيل الفكر المتطرف لصلاح الصاوي الذي يحرض د. محمد عبدالغفار على استضافته في كل موقع حكومي يشرف عليه.
يقول د. صلاح الصاوي في كتابه 'الثوابت والمتغيرات' (ص257-258)، وهو يتحدث عن الاصلاح والتجديد في الحركة الاسلامية '.. عدم التورط في ادانة الفصائل الاخرى العاملة للاسلام ادانة علنية تحت شعار الغلو والتطرف، مهما تورطت هذه الفصائل في أعمال تبدو منافية للاعتدال، فان كان لابد من حديث للتعليق على بعض هذه الاعمال الفجة، فليبدأ اولا بادانة الارهاب الحكومي في قمع الاسلام، والتنكيل بدعاته، والذي كان من نتائجه الطبيعية هذه الأعمال' الى ان قال: 'ولا يبعد القول بان مصلحة العمل الاسلامي قد تقتضي أن يقوم فريق من رجاله ببعض هذه الأعمال الجهادية، ويظهر النكير عليها آخرون'.
فهؤلاء هم الذين يتحفاهم ويستضيفهم د. محمد عبدالغفار، من أصحاب النفاق الحركي السياسي 'واحد يفجر وواحد يستنكر'، والأدهى والأمر أننا لا نجد له ردا أو نقدا لا في جهاز مرئي ولا في صحافة على هؤلاء المنحرفين، ثم نراه يرسل العنان للسانة وقلمه في اثارة الشبهات وزرع الضغائن. فهذا برهان واضح ودليل ساطع على ان الرجل يتحرى نصرة نفسه ولا يتحرى الحق.
رابعا: قذف علماء الإسلام الكبار بالزندقة فتنة وشر خطير
من أخطر الأمور واعظمها جرما وخطرا وشرا وفتنة قذف مسلم بالزندقة، فكيف بقذف علماء الاسلام الكبار بالزندقة؟!
فحينئذ يتحتم على العاقل فضلا عمن ينسب نفسه الى الوسطية ان يتحرى غاية التحري انطباق حكم الزندقة على من رمي به، لان جناية ذلك خطيرة، وفيها تشجيع للأغمار من الشباب بالتهاون في اطلاق مثل هذه الاحكام الخطيرة.
فالدكتور محمد عبدالغفار علق في برنامج 'الحياة عبادة' على حديث الفرقة الناجية بقوله: 'حسن بتعدد طرقه، أما زيادة 'كلها في النار الا واحدة'، فمتفقون جماهير المحدثين ان هذه الزيادة ضعيفة، بل الامام محمد بن ابراهيم الوزير في كتابه 'العواصم والقواصم' قال: 'هذه الزيادة ضعيفة باتفاق المحدثين، بل تكلم بكلام اشد من هذا، قال: 'هذا من وضع الزنادقة' انتهى كلام د. عبدالغفار.
ولي عليه ملاحظات، أولا: عبارة ابن الوزير نصها كما يلي: 'لا يؤمن ان تكون من دسيس الملاحدة'، فابن الوزير قال 'ملاحدة'، وعبدالغفار قال 'زنادقة' وكلا الحكمين خطير ظالم بلا ريب، ولا احسب ان د. عبدالغفار قرأ كلام ابن الوزير، لان محقق الكتاب شعيب الارناؤوط انكر عليه في حاشية تحقيقه وبين ردود علماء أهل بلد ابن الوزير من اليمنيين الذين ردوا عليه.
ثانيا: د. عبدالغفار ليته تثبت ولم يستعجل وهذا هو الورع والدين والعلم، خصوصا اذا اراد رمي راويه بالزندقة، فليته تأمل من روى الحديث بهذه اللفظة، وهل صححها احد من المتقدمين من القرون الأولى قبل ان يتفوه بكلام ابن الوزير في القرن التاسع هجري بهذا الحكم الكبير.
والحديث بهذه اللفظة رواه كبار علماء الاسلام من اولئك:
الامام احمد بن حنبل في مسنده (4/102) بلفظ 'كلها في النار الا واحدة وهي الجماعة'، وأبو داود في سننه (5/5- رقم 4597) بلفظ 'ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة'، وابن ماجه في سننه (2/1322- رقم 3993) بلفظ 'كلها في النار الا واحدة' والحاكم في المستدرك (1/128) بلفظ 'كلها في النار إلا واحدة'، وقد صححها جماعة من أهل العلم، قال الحاكم: 'هذه اسانيد تقام بها الحجة في تصحيح هذا الحديث' ووافقه الذهبي، وقال ابن حجر في تخريج الكشاف ص63: 'إسناده حسن'، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة 'إسناده صحيح رجال ثقات'، والدكتور محمد عبدالغفار يقول انه يدرس احياء علوم الدين، فليته قرأ تخريج احاديث احياء علوم الدين للحافظ العراقي حيث صحح هذه اللفظة وقال: 'رواه الترمذي من حديث عبدالله بن عمرو وحسنه، وأبو داود من حديث معاوية، وابن ماجة من حديث أنس وعوف بن مالك، واسانيدها جياد'.
فهل هؤلاء العلماء الكبار وغيرهم زنادقة؟!
والحديث اذا شرح شرحا صحيحيا زال الاشكال، ولعلي اكتب مقالا في ذلك، واكتفي هنا بقول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله حيث قال: 'لا يجعل أحد بمجرد ذنب يذنبه ولا ببدعة ابتدعها ولو دعا الناس اليها كافرا.
في الباطن، الا اذا كان منافقا، فأما من كان في قلبه الايمان بالرسول صلى الله عليه وسلم، وما جاء به، وقد غلط في بعض ما تأوله من البدع،فهذا ليس بكافر اصلا، والخوارج كانوا من اظهر الناس بدعة وقتالا للامة وتكفيرا لهم، ولم يكن في الصحابة من يكفرهم لا علي بن ابي طالب ولا غيره، بل حكموا فيهم بحكمهم في المسلمين الظالمين المعتدين' مجموع الفتاوى (7 - 217).
خامسا: مدائن صالح واتباع المتشابه
اخبر الله ان المبتدع ومريض القلب بالشبهات يتبع المتشابه، كما قال تعالى 'فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله'، ود. محمد عبدالغفار اعترض على النصوص المحكمة الواضحة كقول علي بن ابي طالب رضي الله عنه لأبي الهياج الاسدي: 'ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تدع قبرا مشرفا الا سويته، ولا تمثالا الا طمسته' رواه مسلم، وكان من اعتراضه التعلق بالمتشابه حيث قال: 'ان النبي صلى الله عليه وسلم مر بمدائن صالح ولم يكسر الاصنام'، كذا توهم، وفاته ان مدائن صالح بلدة انزل الله بها العذاب، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن دخولها، كما قال عليه الصلاة والسلام: 'لا تدخلوا على هؤلاء القوم المعذبين، اني اخشى ان يصيبكم مثل ما اصابهم فلا تدخلوا عليهم'، وفي الصحيحين في بعض الروايات ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مر بمنازلهم قنع رأسه وأسرع راحلته، ونهى عن دخول منازلهم.(183/1)
واذا كان نبيهم صالح عليه السلام ترك هذه المدائن بعد نزول العذاب، فكيف لنا ان ندخلها لنكسر حجارتها، قال تعالى عن صالح عليه السلام: 'فتولى عنهم وقال يا قوم لقد ابلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم، ولكن لا تحبون الناصحين'، قال الحافظ ابن كثير 'إخبار عن صالح عليه السلام انه خاطب قومه بعد هلاكهم، وقد اخذ في الذهاب عن محلتهم الى غيرها' البداية والنهاية (1/319).
ومن يثر مثل هذه الشبهات فهو في الحقيقة مضاد لدعوة الرسل جميعا، فهل ارسل الله نوحا بعد ان كان الناس على الفطرة الا لاتخاذ الناس اصناما لهم، مع انهم اولا لم يكونوا يعبدونها، ثم جاء من بعدهم فعبدوها، قال تعالى عنهم 'وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا' فقال الله 'وقد اضلوا كثيرا'.
وكذلك ما يقع من الاصنام في بعض النواحي لا يجوز ان يستدل بها احد لأن الكتاب والسنة حاكمان على اعمال الناس، لا العكس، هذا من جهة، ومن جهة اخرى، فإن الانسان قد لا يحيط بحقيقة التاريخ في كل الازمنة الى يومنا الحاضر، إما لنقص علمه واما لفوات تدوين بعض الحوادث في كتب التاريخ، وهذا صنم ابي الهول في مصر ذكر المقريزي انه في سنة احدى عشرة وسبعمائة نزل امير يعرف ببلاط في نفر من الحجارين والقطاعين وكسروا الصنم، وذكر انه في زمنه ايضا شخص يعرف بالشيخ محمد صائم الدهر من جملة صوفية الخانقاه الصلاحية سعيد السعداء قام في نحو من سنة ثمانين وسبعمائة سار الى الاهرام وشوه وجه ابي الهول وشعثه'. المواعظ والاعتبار (1/230).
سادسا: عبدالغفار افتقد توازنه واضاع البوصلة
د.محمد عبدالغفار يبدو ان رد العلامة صالح الفوزان وقع عليه كالصاعقة فأفقده توازنه، واضاع بسببه البوصلة، ام انه هو كذلك عنده هذا الخلل الكبير في العقيدة والتوحيد.. فقد أبان د.محمد عبدالغفار عن نقص علمه في طروحاته وردوده لدرجة انه اراد التسوية بين المختلفين المفترقين، فصار يشكك في حكم الطواف بالقبور بمحاولة تسويته بمن يأتي اعضاء مجلس الامة لانجاز معاملاته الدنيوية في اروقة الوزارات فقال 'ما رأيكم بمن يسعى بين بيوت النواب والمسؤولين رغبة ورهبة وخوفا ورجاء هل هو مشرك فالدكتور محمد عبدالغفار يبدو انه لا يميز بين العبادات والمعاملات، فإتيان اعضاء مجلس الامة من باب المعاملات يا دكتور فهي معاملات دنيوية محضة، اما الطواف فإنه عبادة يا دكتور لا تكون الا بالكعبة، قال الحافظ ابن كثير في تفسيره (5/413) عند قوله تعالى 'وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ان لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود) (الحج: 6): 'فالطائف به معروف، وهو اخص العبادات عند البيت، فإنه لا يفعل ببقعة من الارض سواها'، فتأمل كلام شيخ المفسرين جيدا، وهو قوله 'فإنه لا يفعل ببقعة من الارض سواها'.
سابعا: تهويل مفضوح
بعد ان بينا فساد اعتراضه على فتيا العلامة الفوزان بمحاولة تشبيهه الطواف بالقبور بإتيان الناس لأعضاء مجلس الامة، أبين تهويله المفضوح في محاولة التأليب على فتوى العلامة الفوزان، فقد قال د.عبدالغفار 'ما رأيكم بمن يسعى بين بيوت النواب والمسؤولين رغبة ورهبة وحبا وخوفا ورجاء هو هو مشرك'، فتأمل ما اراد ان يلصق به العلامة الفوزان من قوله 'مشرك' ليؤجج المشاعر على العلامة الفوزان ويوهم بأسلوب ماكر بأنه ممن يكفر المسلمين، والعلامة الفوزان سلك طريقة الشرع في فتياه، واستعمل الفاظ الكتاب والسنة، فوصف العمل 'بالشرك' لمن تقرب بطوافه للميت ولم يقل ان فاعل ذلك 'مشرك'، وهذا نص فتياه ارجو ان يقرأها الجميع بتجرد حيث قال سماحة العلامة الفوزان حفظه الله 'الطواف حول الكعبة عبادة لله امر بها، وليست عبادة للبيت، واما الطواف بالقبر: فان قصد به عبادة الله فهو بدعة لان الله لم يأمر به، وهو وسيلة من وسائل الشرك، فما ذكره هذا القائل باطل، وان كان المقصود بالطواف حول القبر التقرب الى الميت فهو شرك اكبر'.
فالعلامة الفوزان قال 'شرك' ولم يقل عن فاعله 'مشرك' فهو عالم يعرف كيف يحترز في جوابه، خلافا للدكتور عبدالغفار حيث قال 'مشرك'!
فليس كل من وقعت منه هذه الامور العظيمة يحكم بكفره، فهناك فرق بين وصف العمل بالشرك او الكفر، ووصف العامل، فقد يكون العامل متأولا او ملبسا عليه جاهلا.
قال والدنا العلامة محمد الصالح العثيمين رحمه الله: 'وبناء على هذا يتبين حال كثيرمن المسلمين في بعض الاقطار الاسلامية، الذين يستغيثون بالاموات، وهم لا يعلمون ان هذا حرام، بل قد لبس عليهم ان هذا مما يقرب الى الله، وان هذا امر الله، وهم مقتفون للاسلام، وغيورون عليه، ويعتقدون ان ما يفعلونه من الاسلام، ولم يأت احد ينبههم، فهؤلاء معذورون لا يؤاخذون مؤاخذة المعاند الذي قال له العلماء هذا شرك، فيقول: هذا ما وجدت عليه آبائي واجدادي، فإن حكم هذا الاخير حكم من قال الله تعالى فيهم 'إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون' الشرح الممتع (6/194).
واننا لنلحظ سعي اهل البدع في رد السنن، والاحكام الشرعية بدعوى محاربة التطرف، حتى انه لم يبق من سعيهم الا ان يقولوا ان من يقول النياحة على الميت كفر هو متطرف، ثم لعلهم ان يقنعوا الولاة بذلك، وقال قال النبي صلى الله عليه وسلم 'اثنان في امتي هم بهما كفر، النياحة على الميت والطعن في الانساب) فتأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم 'كفر' ولم يقل فاعله كافر، لانه كفر عملي.
ثامنا: د. عبدالغفار مشكك غير ناصح
طالب العلم الناصح المخلص الصادق مع الله يوضح الحق ويرشد إليه ويدفع عنه التلبيسات وضد ذلك من يورد الشبهات والشكوك ويغطي الحق، والدكتورمحمد عبدالغفار في برنامج 'الحياة عبادة' قال: 'اهل الكتاب ما خاطبهم الله ب'كفار' وانما خاطبهم ب'يا أهل الكتاب' يعني عندهم علم سابق'، وهذا لا شك انه جناية على القرآن'، فالله في كتابه العزيز القرآن الكريم اذ ذكر اهل الكتاب نعتهم بالكفر، مباشرة ليعرف حكم الله فيهم، وليعلم الناس ان علمهم غير نافع، وهاتان آياتان على سبيل التذكرة، قال تعالى 'ان الذين كفروا من اهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها ابدا'، وقال تعالى 'لم يكن الذين كفروا من اهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة'، واما العلم الذي عندهم والتوراة والانجيل فقد اخبر الله انهم غيروا وحرفوا وبدلوا وكتموا، قال تعالى: 'يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير، قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين'، واما من اثنى الله عليهم من اليهود والنصارى في قوله تعالى: 'ان الذين آمنوا والذين هادوا والصائبين والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر، وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون'، فهم من آمن بنبيه بشريعته غير المبدلة قبل بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، اما بعد بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقد قال صلى الله عليه وسلم: 'والذي نفسي بيده لا يسمع بي احد من هذه الامة من يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي الا دخل النار) رواه مسلم.
تاسعا: أي صوفية يريد عبدالغفار؟
'الصوفية' اصطلاح حادث لا وجود له في الكتاب والسنة، والواجب على اهل العلم استعمال الاصطلاحات الشرعية كالزهد، فقد جاء في الحديث الذي حسنه بعض اهل العلم: 'ازهد فيما عند الناس يحبك الناس'.
وملازمة الكتاب والسنة والزهد المشروع من الطاعات لا يسمى صوفية، وهنا لا بد من كشف اي صوفية يريد د. محمد عبدالغفار؟!
فهذا الرجل تلميعه لرموز الصوفية الغلاة المبتدعة دال على مراده عافانا الله، فهو يجاهر بمدح رأس الحلولية 'ابن عربي الطائي' وقد فعل ذلك في عام 2001 في مؤتمر بمناسبة اختيار الكويت عاصمة الثقافة العاربية في مقر الهيئة الخيرية الاسلامية العالمية، في مداخلة له واستخف بمن حذره منه، ونعت ابن عربي، بقوله: 'طود عظيم عقلا وثقافة شرعية وان كان كل انسان لا يخلو من الاخطاء'.
وحسبي هنا ان انقل كلام كبار العلماء في ابن عربي ليعرف القارئ الفرق بين احكام د. عبدالغفار واحكام العلماء الكبار الناصحين، فقد قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في ابن عربي: 'له الكتاب المسمى 'بفصوص الحكم' فيه اشياء كثيرة ظاهرها كفر صريح' البداية والنهاية (17/253).
وقال الحافظ الذهبي، رحمه الله، فيه: 'ومن أردأ تواليفه كتاب 'الفصوص' فإن كان لا كفر فيه فما في الدنيا كفر، نسأل الله العفو والنجاة' سير اعلام النبلاء (23/48).
عاشرا: الاستهزاء بأعضاء مجلس الامة مرفوض
الدكتور محمد الغفار في حواره مع صحيفة 'الرأي العام' بتاريخ 20/3/2006 قال لمحاوره 'من تسميهم بالاسلاميين كانوا في يوم من الايام يحرمون عضوية البرلمان - مجلس الامة، ويحرمون دخول الوزارات ويعتبرون ذلك طاغوتا واليوم يتقاتلون على هذين الامرين، وأسألهم بكل صراحة وقد سألت هذا السؤال احد اشد المتحمسين ضد حقوق المرأة، ماذا ستفعلون الآن بعد اقرار الحقوق السياسية للمرأة، هل ستمنعون نسائكم وبناتكم من التصويت، ام انكم تحلونه عاما وتحرمونه عاما' انتهى كلامه.
وهذا غاية في التهكم لا يخفى على عارف بمعنى 'تحلونه عاما وتحرمونه عاما' فهذه آية نزلت في المشركين الذين يغيرون ويؤخرون الاشهر الحرم عن تواريخها الكونية ليرتكبوا المحرمات، واعضاء مجلس الامة ومن هو خارج مجلس الامة لا يعبثون بالمحرمات على هذه الصفة التي رميتهم بها، وانما يستعملون هذه الوسائل من باب قاعدة جلب المصالح ودرء المفاسد وهذا موضع تختلف فيه الانظار، واخواننا اعضاء المجلس قد افتاهم كبار العلماء فهذا الاستخفاف مرفوض تماما.
واشد تهكما منه الاستهزاء بإسلام الناس حيث قال د. عبدالغفار 'من تسميهم اسلاميين'!
حادي عشر: الاستهزاء بالدعاة مرفوض
الدكتور محمد عبدالغفار في حواره مع جريدة الانباء بتاريخ 26/10/2004، استهزأ بأهل الفتيا من الدعاة الذين يظهرون في وسائل الإعلام وقال: 'بعض الدعاة اصبحت تغريهم بهرجة وسائل الاعلام المرئية فأصبحوا يفتون بما يطلبه المشاهدون، وليس ما يوجه المسلمين، مشددا على ان 'هذا خطأ كبير، لاننا لسنا برنامج 'ما يطلبه المستمعون'، ولكننا هنا لنبين دين الله بما يوافق الكتاب والسنة والمصالح العامة المشتركة للناس وإلا لأهلكنا الناس'. فهذه الجناية من د. محمد عبدالغفار.. لكي نعذره على الاقل عليها، تعين عليه ان يذكر فتاوى هؤلاء ويرد عليها من الكتاب والسنة حتى يتبين الناس أنهم ينطبق عليهم قوله فيهم 'يفتون بما يطلبه المشاهدون'، ناهيك ان من المشاهدين من يستطيع ان يعامل د. محمد عبدالغفار من جنس استهزائه، ويقول 'د. محمد عبدالغفار يفتي بما يطلبه أهل الكتاب'.
ثاني عشر: العلامة الفارقة للدكتور محمد عبد الغفار
التقيت بالعميد أ.د. محمد الطبطبائي في كلية الشريعة بعد الضجة التي اثارها د. محمد عبدالغفار في برنامج 'الحياة عبادة'، وسألته عن رأيه في كلام د. عبدالغفار في البرنامج، فأجاب 'بأنه لم يسبق إلى ذلك'.
ونظرا لأن أ.د. الطبطبائي قد عمل معه سويا لسنوات فسألته بعد ذلك سؤالا آخر، وقلت له: ما منهج د. محمد عبدالغفار؟ فأجاب: 'المضادة للسلفيين'، وكفى بالعميد الحالي شاهدا على العميد السابق.(183/2)
مداخلة د. علي جمعة
لقد تأملت مداخلة د. علي جمعة فوجدتها على أنواع:
نوع هو حيدة عن الموضوع تماما كالحلف بغير الله مع أنه لم يحرر الكلام فيها تحريرا صحيحا، وفي مسائل الوسائل كذلك لم يحررها جيدا.
ونوع: تشقيق وتفريع من التطويل غير المحمود الذي تكلم فيه العلماء مباشرة لظهوره، فصار كمن يسافر من الكويت إلى أوروبا ثم يعود ليذهب الى مكة.
فإنه قد قال: 'وأما الشرك فهو صرف شيء من انواع العبادة لغير الله على الوجه الذي لا ينبغي إلا لله تعالى، حتى لو كان ذلك بغرض التقرب الى الله'.
فنحتاج فقط الى بيان ان الطواف عبادة خاصة بالكعبة ليقع عليها تعريف د. علي جمعة للشرك، ناهيك ان د. علي جمعة قال 'حتى لو كان بغرض التقرب إلى الله'.
قال تعالى 'وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود' (الحج: 26) قال الحافظ بن كثير 'فالطائف به معروف وهو اخص العبادات عند البيت فإنه لا يفعل ببقعة من الارض سواها'، فتأمل قوله 'من أخص العبادات' مع قوله 'فإنه لا يفعل ببقعة من الارض سواها' فينطبق على الطواف بالقبر تعريف د. علي جمعة للشرك تماما.
وكذلك قال الماوردي رحمه الله عن الطواف كما في الحاوي الكبير (4/157): 'نسك لا يقع إلا لله عز وجل'، فأفادنا أمرين: الأول: أنه عبادة، الثاني: أنه لا يقع إلا لله عز وجل.
خاتمة: خطاب لوزير الإعلام
وزارة الاوقاف جعلت البرامج الدينية بتلفزيون دولة الكويت حكرا على محبيها بدعوى محاربة التطرف، وهي التي تستضيف دعاة التطرف في مؤتمراتها، شأنها شأن قريش لما بنت الكعبة، جعلت لها بابا لتدخل من تشاء فقط تحت غطاء اللوائح، فنرجو من وزير الاعلام الذي كان له دور بارز في فك احتكار الصحف ان يفك احتكار البرامج الدينية، ونرجو من وزارة الاوقاف ان تمارس شعارها 'نحن والآخر' بصدق، وان تجعل للآخر من طلبة العلم وهم كثيرون نصيبا من البرامج الدينية في تلفزيون حكومة دولة الكويت.
والحمد لله رب العالمين
القبس في : 27/04/2006
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » د. حمد بن إبراهيم العثمان
عدد القراء : 1042
تاريخ الموضوع: 03 - مايو - 2006 ميلادية
(183/3)
شبهات حول عائشة وتفنيدها ج1
الأخ الفاضل سعود الزمانان
شبهات حول عائشة وتفنيدها :
الحمد لله الذي جعل فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ، وأعلى فتواها بين الأعلام ، وألبسها حلة الشرف حليلة سيد الأنام ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة تدخلنا في أبناء أمهات المؤمنين ، وتهدينا إلى سنة نبينا آمنين ، وأشهد أن محمداً سيدنا عبد الله ورسوله أرشد إلى الشريعة الغراء ، وأعلن بفضل عائشة حتى قال :" فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام " رواه الشيخان .
…وسأتقرب إلى الله عز وجل بتفنيد بعض الشبهات التي طار بها أهل الزيغ والضلال ضد أمي عائشة بنت الصديق – رضي الله عنهما - ، وإنني إذ أسطر هذه الكلمات لأسأله جل وعلا أن ينفعني بها وأن يثقل بها صحيفة أعمالي يوم أن ألقاه ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .
وسأبدأ بذكر أهم الشبهات والرد عليها وأستمد من الله الحول والقوة .
الشبهة الأولى :
· موقف عائشة من مقتل عثمان وأنها تقول اقتلوا نعثلا فقد كفر:
- أولا : الحق أن عائشة أم المؤمنين كانت تكنّ للخليفة عثمان كل احترام وتقدير ، وهي تدرك عظيم منزلته في قلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
- وقد روت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – فضائل ثابتة عن عثمان – رضي الله عنه – ومنها قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة :" ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة " مسلم 2401.
- …وأما ما رواه ابن أبي الحديد الشيعي المعتزلي ، من أنها كانت تنادي بقتله وتسميه نعثلا ، فهذا لا أساس له من الصحة ، وهو من فريات السبئية لعنهم الله ، ليوغروا عليه صدور المسلمين ، وليظفروا بمبتغاهم في الطعن على الصحابة ، رضوان الله عليهم . وقد تقدم قريبا أن هذا الكلام المنسوب إلى عائشة ، رضوان الله عنها . ذكره ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة (1)[1] .
- كما أن الرواية التي نحن بصددها (( اقتلوا نعثلاً فقد كفر )) ، فقد جاءت من طريق سيف بن عمر (2)[2] ، قال يحيى بن معين : وابن أبي حاتم : ضعيف الحديث ، وقال النسائي : كذاب ، وقال ابن حبان : يروي الموضوعات عن الأثبات ، قال وقالوا : إنه كان يضع الحديث ، وقال الدارقطني : متروك(3)[3] ، وقال ابن أبي حاتم : مرّة : متروك الحديث ، يشبه حديثه حديث الواقدي(4)[4]، وقال أبوداود : ليس بشيء وقال ابن عدّي : عامّة حديثه منكر (5)[5] .
الشبهة الثانية :
· قالوا بأن الفتنة من بيت عائشة :
قام النبي - صلى الله عليه وسلم - خطيباً فأشار نحو مسكن عائشة فقال :(( ههنا الفتنة ، ههنا الفتنة ، ههنا الفتنة ، من حيث يطلع قرن الشيطان )) .
- الرد :
- أولاً :…وهذا الحديث لا غبار عليه ، وورد في كتاب الوصايا وفرض الخمس من صحيح البخاري ، وليس في هذا الحديث ما يدين عائشة رضي الله عنها .
- ثانياً :مقصود الحديث أن منشأ الفتن من جهة المشرق وكذا وقع كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (6)[6] ( المعتزلة – القدرية – الخوارج – الرفض والتشيع – الجهمية –وغيرهم كثير ).
- …والذي يتسنى له زيارة مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - يلاحظ أن حجرة عائشة رضي الله عنها ، حيث دفن النبي - صلى الله عليه وسلم - تقع شرقي المنبر ، لا تفصله عنها سوى الروضة الشريفة .
- ثالثاً : ويبدو واضحاً من خلال أطراف الحديث ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أراد أهل المشرق ، ولم يقصد عائشة رضي الله عنها بسوء ومن جمع طرق الحديث تبين له ذلك جيدا. والحديث رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، وأطرافه في فرض الخمس رقمه في فتح الباري ( 2873 ) والجمعة ( 979 ) والمناقب ( 3249) والطلاق ( 4885 ) والفتن ( 6563 ) و ( 6564 ) و (6565 ) (7)[7] .
- رابعاً : أما قولهم أشار إلى بيت عائشة فهذا كذب وزور وبهتان ، فلم يرد في طرق الحديث أشار إلى بيت عائشة وإنما نحو بيت عائشة ، وجاء في رواية عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : " رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشير إلى المشرق فقال : (( إن الفتنة هاهنا ، إن الفتنة هاهنا ، من حيث يطلع قرن الشيطان )) أو قال (( قرن الشمس )) (8)[8] .
- …وفي رواية أخرى قال : ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( اللهم بارك لنا في شامنا ، اللهم بارك لنا في يمننا )) قالوا: يا رسول الله وفي نجدنا ، قال : (( اللهم بارك لنا في شامنا ، اللهم بارك لنا في يمننا )) قالوا : يا رسول الله ، وفي نجدنا ، فأظنه قال في الثالثة : (( هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان )) .
- …قال الخطابي :" نجد من جهة المشرق ومن كان بالمدينة كان نجده بادية الفرق ونواحيها وهي مشرق أهل المدينة ، وأصل النجد ما ارتفع من الأرض ، وهو خلاف الغور فإنه ما انخفض منها ، وتهامة كلها من الغور ومكة من تهامة " (9)[9] .
- وعن سالم بن عبد الله بن عمر أنه قال :" يا أهل العراق ! ما أسألكم عن الصغيرة وأركبكم للكبيرة سمعت أبي عبد الله بن عمر يقول :" سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إن الفتنة تجيء من ههنا وأومأ بيده نحو المشرق من حيث يطلع قرنا للشيطان " البخاري 7094.
- خامساً : هذا طعن بالنبي – صلى الله عليه وسلم – فبيت عائشة هو بيت النبي – صلى الله عليه وسلم - وبه دفن .
- اختيار النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يمرض في بيتها ، وكانت وفاته بين سحرها ونحرها ، وفي يومها وفي بيتها ، واجتمع ريق رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بريقها في آخر أنفاسه :
- قال أبو الوفا بن عقيل رحمه الله :" انظر كيف اختار لمرضه بيت البنت ، واختار لموضعه من الصلاة الأب ، فما هذه الغفلة المستحوذة على قلوب الرافضة ، عن هذا الفضل والمنزلة التي لا تكاد تخفى عن البهيم فضلا عن الناطق " استدراكات عائشة على الصحابة ص 30 .
- مسلم (418) من حديث عائشة – رضي الله عنها – قالت : " أول ما اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونة ، وكان يقول : أين أنا غداً ؟ فاستأذن أزواجه أن يمرض في بيتها وأذنّ له ، فكان في بيتي حتى مات في اليوم الذي يدور عليّ فيه "
- البخاري :عن عائشة قالت : " إن من نعم الله عليّ أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – توفي في بيتي ، وفي يومي ، وبين سحري ونحري ، وأن جمع بين ريقي وريقه عند الموت دخل عبد الرحمن بن أبي بكر على النبي- صلى الله عليه وسلم - وأنا مسندته إلى صدري ومع عبد الرحمن سواك رطب يستن به فأبده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصره فأخذت السواك فقصمته ونفضته وطيبته ثم دفعته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فاستن به فما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استن استنانا قط أحسن منه فما عدا أن فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رفع يده أو إصبعه ثم قال في الرفيق الأعلى ثلاثا ثم قضى وكانت تقول مات بين حاقنتي وذاقنتي " .
· شبهة : قالوا بأن عائشة تبغض عليا :
- وذكروا حديث البخاري – باب مرض النبي ووفاته - :" لما ثقل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – واشتد به وجعه خرج وهو بين رجلين تخط رجلاه في الأرض – بين عباس بن عبد المطلب – ورجل آخر – قال الراوي وهو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود – هل تعرف من الرجل الذي لم تسم عائشة هو علي بن أبي طالب "
- الرد :
- إن ما ذكره أهل الفتنة والهوى حول موقف عائشة أم المؤمنين من صهرها عليّ ، رضي الله عنهما ، لا يصح منه شيء ، ولا يقره عاقل ، ولاسيما أن الصحيح من الأخبار يدل على عظيم التقدير والاحترام الذي كانت تكنّه لعليّ وأبنائه رضي الله عنهم أجمعين .
- كما أخرج أخرج ابن أبي شيبة ، أن عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي ، :" سأل عائشة من يبايع ؟ فقالت له : إلزم عليّاً (10)[10].
فهل يعقل بعد هذا أن تخرج عليه وتحاربه ؟! ثمّ تعمد إلى إنكار فضله وفضائله كما زعم المغرضون ؟!
- علاقتها بعلي بن أبي طالب ـ كما سنرى ـ مبنية على المودة والاحترام والتقدير المتبادل ، فعليّ أعرف الناس بمقام السيدة عائشة ، ومنزلتها في قلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقلوب المسلمين ، كما كانت هي الأخرى تعرف لعليّ سابقته في الإسلام ، وفضله وجهاده ، وتضحياته ، ومصاهرته للنبي- صلى الله عليه وسلم - .
- وقد روت عدداً من الأحاديث في فضائل عليّ وأهل البيت رضي الله عنهم ، ذكرها أئمة الحديث بأسانيدها ، وهي تدل دلالة واضحة على عظيم احترامها وتقديرها لأمير المؤمنين عليّ وأهل البيت رضي الله عنهم أجمعين .
- وقد روت السيدة عائشة مناقب أهل البيت التي تعتبر شامة في مناقب الإمام عليّ ، رضي الله عنه .
- من ذلك ما أخرجه مسلم ، عن عائشة ، رضي الله عنها قالت : "خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - غداة وعليه مرطٌ مرحّل (11)[11] من شعر أسود ، فجاء الحسن بن عليّ فأدخله ، ثم جاء الحسين فدخل معه ، ثم جاءت فاطمة فأدخلها ، ثم جاء عليّ فأدخله ، ثم قال : { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } (12)[12].
- قلت : والذي أدين الله به أنه لا يصح حديث الكساء إلا من طريق عائشة – رضي الله عنها – فقط ، فكيف يدعي من كان له أدنى ذرة عقل أو دين أن يتهمها بنصب العداء لعلي رضي الله عنه .
---
__________
(1) - ابن أبي الحديد : شرح نهج البلاغة ، 20 / 17 و 22 .
(2) - سيف بن عمر : ذكره الدارقطني في الضعفاء والمتروكين ، ص 104 ، وقال محققه ما نصه : سيف بن عمر الضبي الأسيدي الكوفي ، مصنف الفتوح والردّة وغير ذلك ، كان إخبارياً عارفاً ، عمدة في التاريخ وهو كالواقدي ، أمّا في الحديث فهو ضعيف باتفاق .
(3) - ابن حجر : تهذيب التهذيب ، 4 / 296 ، والذهبي : المغني في الضعفاء ، 1 / 392 ، وميزان الاعتدال ، 2 / 255 .
(4) - ابن أبي حاتم : الجرح والتعديل ، 4 / 278 .
(5) - الذهبي : ميزان الاعتدال ، 2 / 255 .
(6) - ابن حجر : فتح الباري 6 / 420 .
(7) - انظر فتح الباري 6 / 420 وما بعدها و 13 / 58 .
(8) - أخرجه البخاري في بدء الخلق والفتن وأشراط الساعة ، والترمذي في الفتن والمناقب ، واحمد في المسند . قرن الشمس : قال الداودي : للشمس قرن حقيقة ،ويحتمل أن يريد بالقرن قوة الشيطان وما يستعين به على الإضلال ، وقيل إن الشيطان يقرن رأسه بالشمس عند طلوعها ليقع سجود عبدتها له . وقيل : ويحتمل أن يكون للشمس شيطان تطلع الشمس بين قرنيه . ابن حجر : فتح الباري ، 13 / 58 .
(9) -ابن حجر : فتح الباري 13 / 58 .(184/1)
شبهات حول عائشة وتفنيدها ج2
الأخ الفاضل سعود الزمانان
- ولما بويع عليّ ، رضي الله عنه خليفة للمسلمين ، لم يتغير موقفها منه ولا حملت في قلبها عليه ، وهي التي كانت تدعو إلى بيعته كما رأينا . وكانت تعرف مكانته العلمية والفقهية ، لذلك عندما سألها شريح بن هانىء (1)[1] عن المسح على الخفّين ، قالت له : عليك بابن أبي طالب فسله فإنه كان يسافر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
- ذكر الحافظ ( ابن حجر ) في فتح الباري قول المهلب : إن أحدا لم ينقل إن عائشة ومن معها نازعوا عليّاً في الخلافة ، ولا دعوا إلى أحد منهم ليولوه الخلافة (2)[2].
شبهة :
- * قاتلت عليا والله يقول { وقرن في بيوتكن } :
- الرد :
- أولاً : إن الكلام عما شجر بين الصحابة ليس هو الأصل ، بل الأصل الاعتقادي عند أهل السنة والجماعة هو الكف والإمساك عما شجر بين الصحابة ، وهذا من قول النبي – صلى الله عليه وسلم - :" وإذا أصحابي فأمسكوا " .
- ثانيا : إذا دعت الحاجة إلى ذكر ما شجر بينهم ، فلابد من التحقيق والتثبت في الروايات المذكورة حول الفتن بين الصحابة ، قال عز وجل : { يا أيها الذين امنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين } . وهذه الآية تأمر المؤمنين بالتثبت في الأخبار المنقولة إليهم عن طريق الفساق ، لكيلا يحكموا بموجبها على الناس فيندموا .
- فوجوب التثبت والتحقيق فيما نقل عن الصحابة ، وهم سادة المؤمنين أولى وأحرى ، خصوصا ونحن نعلم أن هذه الروايات دخلها الكذب والتحريف ، أما من جهة اصل الرواية أو تحريف بالزيادة والنقص يخرج الرواية مخرج الذم واللعن .
- وأكثر المنقول من المطاعن الصريحة هو من هذا الباب ، يرويها الكذابون المعروفون بالكذب ، مثل ابي مخنف لوط بن يحيى ، ومثل هشام بن محمد بن السائب الكلبي ، وأمثالهما . ( منهاج السنة 5 / 72 ، وانظر دراسة نقدية " مرويات ابي مخنف في تاريخ الطبري / عصر الراشدين ، ليحيى اليحيى ) .
-
- ثالثاً : قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :" أما أهل السنة فإنهم في هذا الباب وغيره قائمون بالقسط شهداء لله ، وقولهم عدل لا يتناقض ، وأما الرافضة وغيرهم من أهل البدع ففي أقوالهم من الباطل والتناقض ما ننبه إن شاء الله تعالى على بعضه ، وذلك أن أهل السنة عندهم أن أهل بدر كلهم في الجنة ، وكذلك أمهات المؤمنين : عائشة وغيرها ، وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير هم سادات أهل الجنة بعد الأنبياء ".
- رابعاً : أهل السنة يقولون : إن أهل الجنة ليس من شرطه سلامتهم عن الخطأ ، بل ولا عن الذنب ، بل يجوز أن يُذهب الرجل منهم ذنباً صغيراً أو كبيراً ويتوب منه ،وهذا متفق عليه بين المسلمين ، ولو لم يتب منه فالصغائر مغفورة باجتناب الكبائر عند جماهيرهم ، بل وعند الأكثرين منهم أن الكبائر قد تُمحى بالحسنات التي أعظم منها وبالمصائب المكفرة .
- فأهل السنة والجماعة لا يعتقدون أن الصحابي معصوم من كبائر الإثم وصغائره ، بل تجوز عليهم الذنوب في الجملة ، ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر ، ثم إذا كان صدر من أحدهم ذنب فيكون إما قد تاب منه ، أو أتى بحسنات تمحوه ، أو غفر له بسابقته ، أو بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم ، وهم أحق الناس بشفاعته ، أو ابتلي ببلاء في الدنيا كفر به عنه ، فإذا كان هذا في الذنوب المحققة ، فكيف بالأمور التي هم مجتهدون فيها : إن أصابوا فلهم أجران ، وإن أخطئوا فلهم أجر واحد ، والخطأ مغفور .
- ثم إن القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل نادر ، مغفور في جنب فضائل القوم ومحاسنهم من إيمان وجهاد وهجرة ونصرة وعلم نافع وعمل صالح .
- يقول الذهبي رحمه الله : " فالقوم لهم سوابق وأعمال مكفرة لما وقع بينهم ، وجهاد محّاءٌ ، وعبادة ممحصة ، ولسنا ممن يغلو في أحد منهم، ولا ندعي فيهم العصمة " . ( سير أعلام النبلاء 10 / 93 ، في ترجمة الشافعي ).
- خامساً : من أجل ذلك لا يجوز ان يدفع النقل المتواتر في محاسن الصحابة وفضائلهم بنقول بعضها منقطع وبعضها محرف ، وبعضها يقدح فيما علم ، فإن اليقين لا يزول بالشك ، ونحن تيقنا ما ثبت في فضائلهم ، فلا يقدح في هذا أمور مشكوك فيها ، فكيف إذا علم بطلانها . ( منهاج السنة 6 / 305 ) .
- قال ابن دقيق العيد : " وما نقل عنهم فيما شجر بينهم واختلفوا فيه ، فمنه ما هو باطل وكذب ، فلا يلتفت إليه ، وما كان صحيحا أولناه تأويلا حسنا ، لأن الثناء عليهم من الله سابق ، وما ذكر من الكلام اللاحق محتمل للتأويل ، والمشكوك والموهوم لا يبطل الملحق المعلوم ".
- سادساً : فإن أهل الجمل وصفين لم يقاتلوا على نصب إمام غير علي ، ولا كان معاوية يقول إنه الإمام دون علي ، ولا قال ذلك طلحة والزبير ، وإنما كان القتال فتنة عند كثير من العلماء ، بسبب اجتهادهم في كيفية القصاص من قاتلي عثمان رضي الله عنه ، وهو من باب قتال أهل البغي والعدل ، وهو قتال بتأويل سائغ لطاعة غير الإمام ، لا على قاعدة دينية ، أي ليس بسبب خلاف في أصول الدين .
- ويقول عمر بن شبه : " إن أحدا لم ينقل ان عائشة ومن معها نازعوا عليا في الخلافة ، ولا دعوا أحدا ليولوه الخلافة ، وإنما أنكروا على علي منعه من قتال قتلة عثمان وترك الاقتصاص منهم " . ( أخبار البصرة لعمر بن شبه نقلا عن فتح الباري 13 / 56 ) .
- ويؤيد هذا ما ذكره الذهبي : " أن ابا مسلم الخولاني وأناسا معه ، جاءوا إلى معاوية، وقالوا : أنت تنازع عليا أم أنت مثله ؟ . فقال : لا والله ، إني لأعلم أنه أفضل مني ، وأحق بالأمر مني ، ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوما ، وأنا ابن عمته ، والطالب بدمه ، فائتوه فقولوا له ، فليدفع إلي قتلة عثمان ، وأسلم له . فأتوا عليا ، فكلموه ، فلم يدفعهم إليه " . ( سير أعلام النبلاء للذهبي 3 / 140 ، بسند رجاله ثقات كما قال الأرناؤوط ) .
- وأيضا فجمهور الصحابة وجمهور أفاضلهم ما دخلوا في فتنة .
- قال عبد الله بن الإمام أحمد بإسناده إلى : " محمد بن سيرين ، قال : هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف ، فما حضرها منهم مائة ، بل لم يبلغوا ثلاثين " .
- قال ابن تيمية : " وهذا الإسناد من اصح إسناد على وجه الأرض ، ومحمد بن سيرين من أورع الناس في منطقته ، ومراسيله من أصح المراسيل " . ( منهاج السنة 6 / 236 ) .
- سابعاً : ما ينبغي أن يعلمه المسلم حول الفتن التي وقعت بين الصحابة - مع اجتهادهم فيها وتأولهم - حزنهم الشديد وندمهم لما جرى ، بل لم يخطر ببالهم أن الأمر سيصل إلى ما وصل إليه ، وتأثر بعضهم التأثر البالغ حين يبلغه مقتل أخيه ، بل إن البعض لم يتصور أن الأمر سيصل إلى القتال ، وإليك بعض من هذه النصوص :
- وهذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، يقول عنه الشعبي : " لما قتل طلحة ورآه علي مقتولا ، جعل يمسح التراب عن وجهه ، ويقول : عزيز علي أبا محمد أن أراك مجدلا تحت نجوم السماء " .. ثم قال :" إلى الله أشكو عجزي وبجري . - أي همومي وأحزاني -وبكى عليه هو واصحابه ، وقال : ياليتني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة ".
- وكان يقول ليالي صفين : " لله در مقام عبد الله بن عمر وسعد بن مالك - وهما ممن اعتزل الفتنة - إن كان برا إن أجره لعظيم ، وإن كان إثما إن خطره ليسير " . ( منهاج السنة 6 / 209 ) فهذا قول أمير المؤمنين ، رغم قول أهل السنة أن عليا ومن معه أقرب إلى الحق .
- وهذا الزبير بن العوام رضي الله عنه - وهو ممن شارك في القتال بجانب أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها - يقول : " إن هذه لهي الفتنة التي كنا نحدث عنها ، فقال مولاه : أتسميها فتنة وتقاتل فيها ؟! قال : " ويحك ، إنا نبصر ولا نبصر ، ماكان أمر قط إلا علمت موضع قدمي فيه ، غير هذا الأمر ، فإني لا أدري أمقبل أنا فيه أم مدبر " . ( فتح الباري 12 / 67 ) .
- هذه عائشة أم المؤمنين ، تقول فيما يروي الزهري عنها : " إنما أريد أن يحجر بين الناس مكاني ، ولم أحسب أن يكون بين الناس قتال ، ولو علمت ذلك لم اقف ذلك الموقف أبدا " . ( مغازي الزهري ) .
- ثامناً : كيف يلام الصحابة بأمور كانت متشابهة عليهم ، فاجتهدوا ، فأصاب بعضهم وأخطأ الآخرون ، وجميعهم بين أجر وأجرين ثم بعد ذلك ندموا على ما حصل وجرى وما حصل بينهم من جنس المصائب التي يكفر الله عز وجل بها ذنوبهم ، ويرفع بها درجاتهم ومنازلهم .
- قال صلى الله عليه وسلم : " لا يزال البلاء بالعبد ، حتى يسير في الأرض وليس عليه خطيئة " .
- وعلى أقل الأحوال ، لو كان ما حصل من بعضهم في ذلك ذنبا محققا ، فإن الله عز وجل يكفره بأسباب كثيرة ، من أعظمها الحسنات الماضية من سوابقهم ومناقبهم وجهادهم ، والمصائب المكفرة ، والاستغفار ، والتوبة التي يبدل بها الله عز وجل السيئات حسنات ، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم . ( للتوسع راجع منهاج السنة6 / 205 فقد ذكر عشر أسباب مكفرة )
- تاسعاً : فالمرء لا يعاب بزلة يسيرة حصلت منه في من فترات حياته وتاب منها ، فالعبرة بكمال النهاية ، لا ينقص البداية ، سيما وإن كانت له حسنات ومناقب ولو لم يزكه أحد ، فكيف إذا زكاه خالقه العليم بذات الصدور { ربنا أغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم }
---
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الأخ الفاضل سعود الزمانان
عدد القراء : 2417
تاريخ الموضوع: 12 - مايو - 2006 ميلادية
__________
(1) - شريح بن هانىء : (… – 78 هـ = … – 697 م ) بن يزيد الحارثي : راجز ، شجاع من مقدمي أصحاب علي ، كان من أمراء جيشه يوم الجمل ، قتل غازيا بسجستان . الزركلي: الأعلام ، 3 / 162 .
(2) - ابن حجر العسقلاني : فتح الباري ، 13 / 70 .(185/1)
شبهات حول عائشة وتفنيدها ج3
الأخ الفاضل سعود الزمانان
- عاشراً : علي – رضي الله عنه – لم يكفر الذين قاتلوه ، وهذا ثابت في كتب السنة وكتب الرافضة ، فأما عند السنة فقد قال شيخ الإسلام إن الصحابة قاتلوا الخوارج بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولدفع شرهم عن المسلمين ، إلا أنهم لم يكفروهم ، بل حرم علي بن أبي طالب أموالهم وسبيهم ، وبرهن شيخ الإسلام على أن علي بن أبي طالب لم يكفر الخوارج بالصريح من أقواله ، فذكر طارق بن شهاب قال : " كنت مع علي حين فرغ من قتال أهل النهروان ، فقيل له : أمشركون هم ؟ قال : من الشرك فروا . قيل : فمنافقون ؟ قال : إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا . قيل فما هم ؟ قال : قوم بغوا علينا فقاتلناهم ( رواه ابن أبي شيبة في المصنف 37942) .
- وأما في كتب الرافضة فهو ثابت أيضا وهو كما يلي :
- بحار الأنوار المجلسي ج 23 ص 324 عن ابن طريف عن ابن علوان عن جعفر عن أبيه عليه السلام :" كان يقول لأهل حربه انا لم نقاتلهم على التكفير لهم و لم نقاتلهم على التكفير لنا و لكنا رأينا انا على حق و رأوا أنهم على حق " .
- و سائل الشيعة ج 15 ص 83 عن جعفر ابن محمد عن ابيه عن علي عليه السلام انه قال:" القتل قتلان قتل كفارة و قتل درجة و القتال قتالان قتال الفئة الباغية حتى يفيؤا و قتال الفئة الكافرة حتى يسلموا " .
- وجاء في " جواهر الكلام الشيخ الجواهري " ج12 ص 338 عن جعفر عن ابيه عليه السلام:" أن عليا عليه السلام لم يكن ينسب أحدا من أهل البغي إلى الشرك و لا إلى النفاق و لكن كان يقول إخواننا بغوا علينا " .
- الحادي عشر : حديث النبي وقوله لعائشة :" تقاتلين علياً وأنت ظالمة له " قال شيخ الإسلام ابن تيمية :" فهذا لا يعرف في شيء من كتب العلم المعتمدة ، ولا له إسناد معروف ، وهو بالموضوعات أشبه منه بالأحاديث الصحيحة ، بل هو كذب قطعاً ، فإن عائشة لم تقاتل ولم تخرج لقتال ، وإنما خرجت لقصد الإصلاح ، وظنت أن في خروجها مصلحة للمسلمين ، ثم تبين لها فيما بعد أن ترك الخروج كان أولى ، فكانت إذا ذكرت خروجها تبكي حتى تبلَّ خمارها " .
- الثاني عشر : وليس في ذلك مخالفة لقوله تعالى { وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } ، فهي رضي الله عنها لم تتبرج تبرج الجاهلية الأولى .
- والمراد بالاستقرار في البيوت لا ينافي الخروج لمصلحة مأمور بها ، كما لو خرجت للعمرة أو للحج .
- فخروج المرأة إن كان لمصلحة شرعية فهو جائز ، بل حتى يجوز للمرأة المتوفى عنها زوجها أن تخرج أثناء عدتها لمصلحة شرعية راجحة .
- فقد صح عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من حديث جابر بن عبد الله قال :" طُلّقَتْ خَالَتُهُ فَأَرَادَتْ أَنْ تَخْرُجَ إلَى نَخْلٍ لَهَا فَلَقِيَتْ رَجُلاً فَنَهَاهَا فَجَاءَتْ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "اخْرُجِي فَجُدّي نَخْلَكِ لَعَلّكِ أَنْ تَصَدّقِي وَتَفْعَلِي مَعْرُوفا".( النسائي 6/210) وقال الألباني صحيح .
شبهة :
· قالوا : إن عائشة أذاعت سر رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، قال تعالى { وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ {3} }
- الرد :
- أولاً : قد ثبت في الصحيح أن المقصود في هذه الآية هما عائشة وحفصة أمهات المؤمنين رضي الله عنهن .
- ففي صحيح البخاري :" عن عائشة رضي الله عنها قالت:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب عسلا عند زينب بنت جحش، ويمكث عندها، فواطيت أنا وحفصة على: أيتنا دخل عليها فلتقل له: أكلت مغافير، إني أجد منك ريح مغافير، قال: (لا، ولكني كنت أشرب عسلا عند زينب بنت جحش، فلن أعود له، وقد حلفت، لا تخبري بذلك أحدا). "
- وفي رواية :" (بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش، ول أعود له) فنزلت: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك - إلى - إن تتوبا إلى الله} لعائشة وحفصة: إذ أسر النبي " .
- ثانياً :أهل السنة والجماعة لا يحاولون طمس الحقيقة بل هذه الحادثة مدوّن في أصح كتاب بعد كتاب الله في صحيح البخاري ، والحديث المُسَر هو تحريم رسول الله لجاريته مارية القبطية على نفسه ، أو امتناعه عن أكل العسل عند زوجته زينب بنت جحش رضي الله عنها .
- ثالثا: أما قولهم قوله تعالى { فقد صغت قلوبكما } يدل على كفر عائشة وحفصة – رضي الله عنهما - ، لأن قراءتهم " فقد زاغت قلوبكما " كما ذكرها النوري الطبرسي في فصل الخطاب ص 313 والبياضي في الصراط المستقيم 3/168 ، وقالوا الزيغ هو الكفر .
- وهذه الدعوى باطلة أيضاً لأن الزيغ الميل ، وهذا الميل متعلق بالغيره لا غير ، والزيغ والميل في هذه المسألة والغيرة بين الضرائر ليست زيغاً عن الإسلام إلى الكفر ، فالغيرة من جبلة النساء ولا مؤاخذة على الأمور الجبلية .
- وعائشة وحفصة رضي الله عنهما قد مال قلبيهما إلى محبة اجتناب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – جاريته ، وتحريمهما على نفسه أو مالت قلوبهما إلى تحريم الرسول – صلى الله عليه وسلم – لما كان مباحاً له كالعسل مثلاً .
- رابعاً :الغيرة بين أزواج النبي حاصلة في حياة النبي – صلى الله عليه وسلم – وكان يرى ذلك ويبتسم ويقرهن على هذا ، لأن هذا من طبائع النساء ،ولم يغضب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يغضب من غيرتهن ، كما في البخاري من حديث عن أنس قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام، فضربت التي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها يد الخادم، فسقطت الصحفة فانفلقت، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فلق الصفحة ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة، ويقول: (غارت أمكم) ثم حبس لخادم حتى أتي بصحفة من عند التي هو في بيتها، فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كسرت صحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت " .
- وكذلك غيرة سارة زوجة إبراهيم عليه السلام من هاجر عليهم السلام .
- خامساً : الله عز وجل دعاهما إلى التوبة بقوله { إن تتوبا إلى الله } ، فهما قد تابتا ورجعا إلى الله عز وجل ، وهذا عتاب من الله لهما كما عاتب الله نبيه وحبيبه وصفيه محمداً – صلى الله عليه وسلم – { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك } هل يقول قائل نأخذ بمفهوم المخالفة لمن فطرته منكوسة وأفهامه معكوسة ويقول بأن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يبتغي مرضات الله ، وإنما الله يربي نبيه ويربي أزواجه ويؤدبهم ويصطفيهم حتى يعلي قدرهم بين العالمين .
- وهذا نظير قوله تعالى (وَلَوْلاَ أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً * إِذاً لأَذَقْناكَ ضِعْفَ الحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَتَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً) ونظير قوله تعالى { يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين } هل يقول عاقل بأن الرسول ليس من المتقين أو أنه كان يطيع الكافرين والمنافقين .
- وكقوله تعالى لنوح { إني أعظك أن تكون من الجاهلين } فهل كان نوح من الجاهلين .
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الأخ الفاضل سعود الزمانان
عدد القراء : 2143
تاريخ الموضوع: 12 - مايو - 2006 ميلادية
(186/1)
شبهات حول عائشة وتفنيدها ج4
الأخ الفاضل سعود الزمانان
- سادساً : عائشة وحفصة رضي الله عنهما ، لو كان منهما ما يوجب الكفر لطلقهما النبي – صلى الله عليه وسلم – فلا يجوز للمسلم فضلاً عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يمسك الكوافر ،قال تعالى { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } وأن يجعل في ذمته الكافرات المشركات لقوله تعالى { لا هن لهن حل لهن ولا هم يحلون لهن } .
- وهذا عند السنة والرافضة قال القمي في تفسيره ( سورة الممتحنة ) عند قوله تعالى { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } :" عن أبي جعفر قال : من كانت عنده امرأة كافرة ، يعني على غير ملة الإسلام وهو على ملة الإسلام ، فليعرض عليها الإسلام ، فإن قبلت فهي امرأته ، وإلا فهي بريئة منه ، فنهى الله أن يمسك بعصمتها " . ( 2/344) .
- فكيف يسمحون لأنفسهم بأن يقولوا أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – خالف قوله تعالى في هذه الآية ، سبحانك ربي هذا بهتان عظيم .
- سابعاً : عائشة وحفصة مع النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة ، فقد أخرج الترمذي وحسنه وصححه الألباني (3/242) أن جبريل قال للنبي – صلى الله عليه وسلم - :" إن هذه زوجتك في الدنيا والآخرة " وكان عمار بن ياسر – رضي الله عنه – يحلف ويقسم بالله :" أن عائشة – رضي الله عنها – زوجة رسول الله في الدنيا والآخرة " ( البخاري 7100) .
- أن الله تعالى أخبر عباده أن ثوابهن على الطاعة والعمل الصالح ضعف أجر غيرهن ، قال تعالى { وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً } .
- ففي هذه الآية أن التي تطيع الله ورسوله منهن وتعمل صالحاً فإن الله يعطيها ضعف ثواب غيرها من سائر نساء المسلمين ، وأعد الله لها في الآخرة عيشاً هنيئاً في الجنان .
- قال الحافظ ابن كثير :" { نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً } أي : في الجنة فإنهن في منازل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في أعلى عليين فوق منازل جميع الخلائق في الوسيلة التي هي أقرب منازل الجنة إلى العرش " .
- ثامناً : أهل البدع والزندقة يعمدون إلى نصوص القرآن التي فيها ذكر ذنوب ومعاصي بينة لمن نصت عنه من المتقدمين يتأولون النصوص بأنواع التأويلات ، وأهل السنة يقولون : بل أصحاب الذنوب تابوا منها ورفع الله درجاتهم بالتوبة .
- بتقدير أن يكون هناك ذنب لعائشة وحفصة ، فيكونان قد تابتا منه ، وهذا ظاهر لقوله تعالى { إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما } فدعاهما الله تعالى إلى التوبة ، فلا يظن بهما أنهما لم تتوبا ، مع ما ثبت من علو درجتهما ، وأنهما زوجتا نبيه في الدنيا والآخرة .
- تاسعاً : أنهن اخترن الله ورسوله والدار الآخرة إيثاراً منهن لذلك على الدنيا وزينتها فأعد الله لهن على ذلك ثواباً جزيلاً وأجراً عظيما قال تعالى{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً (28) وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً }
- ففي البخاري بإسناده إلى عائشة – رضي الله عنها – قالت :" لما أُمر رسول الله بتخيير أزواجه بدأ بي فقال :" إني ذاكر لك أمرا، ولا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك. قالت: قد أعلم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقك، ثم قال: " إن الله قال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً (28) وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً } قلت: أفي هذا أستأمر أبوي، فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة، ثم خير نساءه، فقلن مثل ما قالت عائشة " ( البخاري 2336) .
- فأن الله خيرهن بين الحياة الدنيا وزينتها وبين الله ورسوله والدار الآخرة ، فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة .
- لذلك مات عنهن النبي وهن أمهات المؤمنين بنص القرآن ، والذنب يغفر ويعفى عنه بالتوبة وبالحسنات الماحيات وبالمصائب المكفرة .
- عاشراً : أما اداعاؤهم بأن عائشة وحفصة قد سقتا السم لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – فإت الرد على مثل هذه الترهات عبث وإضاعة للأوقات ، ومع ذلك نقول هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ، ونطالبهم بإسناد صحيح إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بأن عائشة وحفصة قتلتا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
- والغريب أن المجلسي يقول بأن سند هذه الرواية معتبرة ( حياة القلوب للمجلسي 2/700) والصراط المستقيم (3/168) والأنوار النعمانية (4/336-337) .
- الحادي عشر : نقول أخيرا أن أهل السنة والجماعة لا يعتقدون أن الصحابي معصوم من كبائر الإثم وصغائره ، بل تجوز عليهم الذنوب في الجملة ، ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر ، ثم إذا كان صدر من أحدهم ذنب فيكون إما قد تاب منه ، أو أتى بحسنات تمحوه ، أو غفر له بسابقته ، أو بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم ، وهم أحق الناس بشفاعته ، أو ابتلي ببلاء في الدنيا كفر به عنه ، فإذا كان هذا في الذنوب المحققة ، فكيف بالأمور التي هم مجتهدون فيها : إن أصابوا فلهم أجران ، وإن أخطئوا فلهم أجر واحد ، والخطأ مغفور .
- ثم إن القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل نادر ، مغفور في جنب فضائل القوم ومحاسنهم من إيمان وجهاد وهجرة ونصرة وعلم نافع وعمل صالح .
- يقول الذهبي رحمه الله : " فالقوم لهم سوابق وأعمال مكفرة لما وقع بينهم ، وجهاد محّاءٌ ، وعبادة ممحصة ، ولسنا ممن يغلو في أحد منهم، ولا ندعي فيهم العصمة " . ( سير أعلام النبلاء 10 / 93 ، في ترجمة الشافعي ).
-
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الأخ الفاضل سعود الزمانان
عدد القراء : 2531
تاريخ الموضوع: 12 - مايو - 2006 ميلادية
(187/1)
الأدب مع أمهات المؤمنين ج1
الأخ الفاضل سعود الزمانان
الأدب مع أمهات المؤمنين :
- ورد الثناء في الكتاب والسنة على الصحابة من أهل بيت النبي – صلى الله عليه وسلم – ذكورا وإناثا ، وأوضح الله بأن أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم – في مرتبة علية ومنزلة رفيعة قال تعالى { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ }
- ففي هذه الآية فضيلة عظيمة ومنقبة رفيعة لجميع أزواجه عليه الصلاة والسلام .
- وأوجب الله لهن حكم الأمومة على كل مؤمن ما لهن من شرف صحبة النبي – صلى الله عليه وسلم - .
- قال القرطبي – رحمه الله - :" شرّف الله أزواج نبيه – صلى الله عليه وسلم – بأن جعلهن أمهات المؤمنين أي : وجوب التعظيم والمبرة والإجلال وحرمة النكاح على الرجال ، وحجبهن – رضي الله عنهن – بخلاف الأمهات " ( التفسير 14/123 ) .
- قال ابن كثير – رحمه الله - :" وقوله وأزواجه أمهاتهم أي في الحرمة والاحترام والتوقير والإكرام والإعظام ولكن لا تجوز الخلوة بهن ولا ينتشر التحريم إلى بناتهن وأخواتهن بالإجماع " ( التفسير 5/425) .
-
- والذي دفعني للكلام عن أمهات المؤمنين – رضي الله عنهن أجمعين – ما يلي :
- أولا ً : امتثالا لقول النبي ووصية النبي – صلى الله عليه وسلم – كما في صحيح مسلم :" وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله. واستمسكوا به" فحث على كتاب الله ورغب فيه. ثم قال "وأهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي". فقال له حصين: ومن أهل بيته؟ يا زيد! أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته. ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده. قال: وهم؟ قال: هم آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس. قال: كل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم " .
- ونساء النبي من آل بيته قال تعالى { إنما يريد ليذهب عنكم } .
- لذلك أقر المجلسي بأن السياق هو في شأن أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال في بحار الأنوار 35/24 :" فلعل آية التطهير أيضا وضعوها في موضع زعموا أنها تناسبه أو أدخلوها في سياق مخاطبة الزوجات لبعض مصالحهم الدنيوية وقد ظهر من الأخبار عدم ارتباطهن بقصتهن فالاعتماد في هذا على النظم والترتيب ظاهر البطلان ولو سلم عدم التغيير في الترتيب فنقول سيأتي أخبار مستفيضة بأنه سقط في القرآن آيات كثيرة فلعله سقط مما قبل الآية وما بعدها آيات لو ثبتت لم يفت الربط الظاهري " .
- والأهل في اللغة تطلق على الزوجة قال تعالى { وهل أتاك حديث موسى إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست ناراً } وبإجماع المفسرين أنه كان مع موسى زوجته .
- وقالت هاجر زوج إبراهيم { قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب * قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد }
- وقال النبي - :" أيها الناس من يعذرني في رجل قد بلغ أذاه في أهلي " .
- وكذلك جاء عن عائشة - رضي الله عنها أنها قالت :" ما شبع آل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - من خبز بر " أخرجه الإمامان البخاري ومسلم وقول عائشة ما شبع آل رسول الله . تريد نفسها وأزواج النبي - .
- والسبب الثاني : قوله – صلى الله عليه وسلم - :" المرء مع من أحب " مسلم .
- والسبب الثالث :" كما قال الصديق - رضي الله عنه – ارقبوا محمداً في أهل بيته " رواه البخاري ، ولقول الصديق :" والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أحب إلي من أن اصل قرابتي " البخاري .
-
- ومن مناقبهن :
- أنهن اخترن الله ورسوله والدار الآخرة إيثاراً منهن لذلك على الدنيا وزينتها فأعد الله لهن على ذلك ثواباً جزيلاً وأجراً عظيما قال تعالى{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً (28) وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً }
- ففي البخاري بإسناده إلى عائشة – رضي الله عنها – قالت :" لما أُمر رسول الله بتخيير أزواجه بدأ بي فقال :" إني ذاكر لك أمرا، ولا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك. قالت: قد أعلم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقك، ثم قال: " إن الله قال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً (28) وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً } قلت: أفي هذا أستأمر أبوي، فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة، ثم خير نساءه، فقلن مثل ما قالت عائشة " ( البخاري 2336) .
- ومن مناقبهن العامة :
- أن الله تعالى أخبر عباده أن ثوابهن على الطاعة والعمل الصالح ضعف أجر غيرهن ، قال تعالى { وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً } .
- ففي هذه الآية أن التي تطيع الله ورسوله منهن وتعمل صالحاً فإن الله يعطيها ضعف ثواب غيرها من سائر نساء المسلمين ، وأعد الله لها في الآخرة عيشاً هنيئاً في الجنان .
- قال الحافظ ابن كثير :" { نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً } أي : في الجنة فإنهن في منازل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في أعاى عليين فوق منازل جميع الخلائق في الوسيلة التي هي أقرب منازل الجنة إلى العرش " .
- ومن مناقبهن :
- ومن المناقب التي شرفهن بها رب العالمين وأخبر بها عباده في كتابه العزيز أنهن لسن كأحد من النساء في الفضل والشرف وعلو المنزلة قال تعالى { يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً }
- فقد بين المولى جل وعلا في هذه الآية أنه لا يلحقهن من نساء الناس في الشرف والفضل ، كما بين أن هذا الفضل إنما يتم لهن بشرط التتقوى لما منحهن الله من صحبة الرسول وعظيم المحل منه ونزول القرآن في حقهن
- ومن مناقبهن :
- أن الله أخبر أنه طهرهن من الرجس تطهيراً قال تعالى { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }
-
- والسؤال الذي يطرح نفسه هل قولنا أن أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم - مجاملة من الله ؟ هل هذه محاباة من الله لرسوله ؟
- هل هن اللاتي فرضن هذه الأمومة على المؤمنين بسبب قربهن من رسول الله ؟
- والحق : أنهن لم يتطلعن يوما من الأيام للحصول على هذه الميزات بسبب ارتباطهن بالرسول الكريم بصلة الزواج .
- ولكن الله وحده هو الذي من عليهن بهذا الفضل وفرض هذه الأمومة وقررها على جميع المؤمنين قال تعالى { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم } .
- وفي هذه الآية يتقرر شيئين :
- الأول : أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، ولا يكمل إيمان العبد حتى يكون الرسول – صلى الله عليه وسلم – أحب إليه من نفسه التي بين جنبيه .
- الثاني : أن زوجات النبي – رضي الله عنهن – هن أمهات للمؤمنين .
- فهذه الأمومة التي يقررها القرآن لزوجات النبي – صلى الله عليه وسلم – ويعممها على جميع المؤمنين ، تفرض على من شرفوا بهذه الأمومة واجبات والتزامات يجب أن تؤدى .
- ولكن قبل الخوض في بيان هذه الحقوق فإننا يجب أن نؤكد بأن هذا الفضل وذلك التكريم لهن – رضي الله عنهن – لم يكن ليستقر تاجاً فوق رؤسهن إلا بعد أن نجحن فيما اختبرن به من أوامر .
- وسنتكلم عن بعض الاختبارات ليتبين لنا بوضوح وجلاء أنهن – رضي الله عنهن – كن جديرات بهذا التكريم وأهلا لهذا الفضل .
- فأول هذه الاختبارات ما جاء في قوله تعالى { يأيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلا * وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيماً }
- وهذا الاختبار الصعب شكين إليه خشونة العيش وقلة حظهن من متاع الدنيا فماذا حدث ؟
- في البخاري (5107) :" عن عائشة رضي الله عنها قالت:
ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم، منذ قدم المدينة، من طعام البُرِّ ثلاث ليال تباعاً، حتى قبض " .
- وفي البخاري عن أمنا عائشة – رضي الله عنها – قالت :" كان فراش رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من أَدَمٍ وحشوُه من ليف " .
- وفي البخاري قال قتادة كنا نأتي أنس بن مالك – رضي الله عنه - :" وخبّازه قائم فقال : كلوا فما أعلم النبي – صلى الله عليه وسلم – رأى رغيفا مرقّقاً حتى لحق بالله " .
- وفي البخاري عن عائشة – رضي الله عنها قالت لابن أختها عروة بن الزبير :" إن كنا لننظر إلى الهلال ثلاثة أهلة وما أوقدت في أبيات رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ناراً فقلت : ما كان عيشكم قالت : الأسودان التمر والماء " .
- لذلك لما دخلت حفصة – رضي الله عنها – على عمر عندما كان خليفة للمؤمنين ، فتراه في شدة العيش والزهد في الملبس والمطعم فتقول له :" إن الله أكثر من الخير ، وأوسع عليك من الرزق ، فلو أكلت طعاماً أطيب من ذلك ، ولبست ثياباً ألين من ثوبك ؟ قال : سأخصمك إلى نفسك ، فذكر أمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وما كان يلقى من شدة العيش ، فلم يزل يذكرها ما كان فيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وما كان يلقى من شدة العيش ، فلم يزل يذكرها ما كان فيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وكانت معه حتى أبكاها " ( خبر صحيح أخرجه ابن المبارك في الزهد 201 ) .
- اعتزلهن النبي – صلى الله عليه وسلم – شهرا كاملا حتى تهامس المسلمون أنه طلق أزواجه ثم جاء الاختبار الصعب من الله عز وجل بين العيش مع رسول الله على هذه الحال وبين تطليقهن وتسريحهن .
- فما كان منهن – رضي الله عنهن – إلا أن اخترن العيش مع النبي – صلى الله عليه وسلم – مع خشونة العيش وقلة حظهن من متاع الدنيا ابتغاء ما عند الله وحب لله ولرسوله .
- ثم جاء الاختبار الثاني :(188/1)
- وليس بأقل مما سبق ، وهو أنه إذا ارتكبت إحداهن ذنبا أو إثما فإن عقابها مضاعف ، وإن آمنّ واتقين الله ورسوله وخشعن لله تعالى وخضعن لرسوله فإن الله يؤتيهن أجرهن مضاعفاً .
- قال تعالى { يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا * ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما } .
- فما كان منهن إلا التسليم والإقرار بذلك .
-
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الأخ الفاضل سعود الزمانان
عدد القراء : 1509
تاريخ الموضوع: 01 - يونيو - 2006 ميلادية
(188/2)
الأدب مع أمهات المؤمنين ج2
الأخ الفاضل سعود الزمانان
- ويأتي الاختبار الثالث :
- وفيه يبين الله لهن ، أنهن لسن كغيرهن من النساء ، ومن ثم فإن علاقتهن بالناس يجب أن يسودها الطهر والعفة ، وأن يتكلمن بكلام واضح معروف وليقصدن المعنى قصدا ، حتى لا يطمع فيهن من في قلبه مرض أو ضعيف الإيمان .
- قال تعالى { يا نساء النبي لستن كأحد منم النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا } .
- إنها تبعات ثقال ومسئوليات عظام يفرضها عليهن وجودهن في ذلك البيت النبوي الطاهر ، حتى يصبحن على مستوى ذلك البيت الطاهر ، بيت النبوة
- وبين الله سبحانه وتعالى الهدف من وراء هذه القيود التي فرضها عليهن { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا } .
- إنه الطهر الكامل والعفة المطلقة والنقاء الذي لا بعده نقاء وإنها الخصال الحميدة التي لا تليق إلا بهذا البيت الكريم المبارك ، بيت النبوة ينهلن منه الطهر والعفة .
- ولكن ما يحز في النفس ويملأها حزنا ويعصر القلب أسى أن بعض المسلمين في هذا الزمان لا يعرفون من هن زوجات النبي – صلوات ربي وسلامه عليه – اللاتي فزن بهذا الشرف العظيم ، وأصبحن أمهاتا للمؤمنين
- فما أحرانا في عصر الفتن والعقوق عصر اشرأبت فيه أعناق المبتدعة ، أن نتعرف على سيرتهن وبعض خصائلهن ،خاصة وأنهن تربين في بيت النبوة ، وتخرجن من مدرستها ، وكن أشد التصاقا بقدوتنا وحبيبنا محمد – صلى الله عليه وسلم - .
- فهؤلاء السيدات عشن في بيت النبوة ، ينزعن جميعا لإلى حواء ، وقد جئن إلى بيت تلاقت في البشرية بالنبوة واتصلت الأرض بالسماء ، وتزوجن من بشر يتلقى الوحي من السماء ، ويبلغ رسالة ربه فلله در هذا البيت وبأبي وأمي ساكنيه .
- التعريف بهن :
- أولاً : خديجة بنت خويلد :
- هي أم المؤمنين خديجة بنت خويلد تجتمع مع النبي – صلى الله عليه وسلم – في قصي ، وهي أقرب نسائه إليه في النسب ولم يتزوج من ذرية قصي غيرها إلا أم حبيبة .
- ولم يتزوج النبي امرأة قبلها ، وكل أولاده عليه الصلاة والسلام منها إلا إبراهيم – رضي الله عنه – فإنه من مارية – رضي الله عنها - .
- كانت وفاتها – رضي الله عنها – قبل الهجرة بثلاث سنين .
- روى الإمام البخاري بإسناده إلى أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها - :" أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، فيتحنث فيه - وهو التعبد - الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ، قال: (ما أنا بقارىء). قال:
(فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت ما أنا بقارىء، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارىء، فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني فقال: {اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم}). فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال: (زملوني زملوني). فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: (لقد خشيت على نفسي). فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق "
- فهذا الحديث تضمن ذكر منقبة ظاهرة لأم المؤمنين خديجة – رضي الله عنها – وهي أنها كانت تقوي قلب النبي – صلى الله عليه وسلم – في بداية نزول الوحي وطمأنته عليه الصلاة والسلام مما كان يخشاه على نفسه وهونت عليه الأمر وأنه لاخوف عليه ولا حزن وأقسمت للنبي – صلى الله عليه وسلم – على أن الله لا يخزيه ولا يخذله واستدلت على ما أقسمت عليه بما فيه من صفاته الطيبة من مكارم الأخلاق .
- ومن مناقبها – رضي الله عنها وأرضاها – التي انفردت بها دون سائر أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه عليه الصلاة والسلام لم يتزوج عليها حتى فارقت الحياة فقد روى مسلم عن عائشة – رضي الله عنها قالت :" لم يتزوج النبي – صلى الله عليه وسلم – على خديجة حتى ماتت " .
- ومن مناقبها العظيمة قوله – صلى الله عليه وسلم – كما في البخاري (3249) :" خير نسائها – أي في وقتها – مريم بنت عمران وخير نسائها خديجة " .
- من مناقبها العظيمة التي دلت على شرفها وجلالة قدرها أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يكثر من ذكرها بعد موتها بالثناء والمدح عن عائشة قالت: " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر خديجة أثنى عليها فأحسن الثناء قالت فغرت يوما فقلت ما أكثر ما تذكرها حمراء الشدق قد أبدلك الله عز وجل بها خيرا منها قال:
-ما أبدلني الله عز وجل خيرا منها قد آمنت بي إذ كفر بي الناس وصدقتني إذ كذبني الناس وواستني بمالها إذ حرمني الناس ورزقني الله عز وجل ولدها إذ حرمني أولاد النساء " .
- قال ابن العربي :" كان النبي – صلى الله عليه وسلم – قد انتفع بخديجة برأيها ومالها ونصرها فرعاها حية وميتة برها موجودة ومعدومة وأتى بعد موتها ما يعلم أنه يسرها لو كان في حياتها ومن هذا المعنى ما روى من أن من البر أن يصل الرجل ود أبيه " ( عارضة الأحوذي 14/252) .
- ومما حظيت به – رضي الله عنها – كان يرتاح لسماع صوت من يشبه صوته صوتها لما وضع الله لها في قلبه من المحبة – رضي الله عنها – فعن أم المؤمنين قالت :" استأذنت هالة بنت خويلد – أخت خديجة – على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فعرف استئذان خديجة فارتاع لذلك فقال :" اللهم هالة " قالت : فغرت فقلت : ما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين هلكت في الدهر أبدلك الله خيراً منها " .( الصحيحين ) .
- ومن مناقبها أن الباري جل وعلا أرسل لها السلام مع جبريل وأمر نبيه أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب الؤلؤ المجوف المنظوم بالدر والياقوت فقد روى البخاري في صحيحه :" أن جبريل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله، هذه خديجة قد أتت، معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب " .
- وفي هذا الحديث ذكر منقبتين عظيمتين لأم المؤمنين خديجة – رضي الله عنها – وأرضاها إرسال الرب – جل وعلا – سلامه عليها مع جبريل وهذا خاص لها لا يعرف لامرأة سواها .
- المفاضلة بين خديجة وعائشة ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :" جهات جهات الفضل بين خديجة وعائشة متقاربة وكأنه رأى التوقف " ( ذكر عنه الحافظ ابن حجر في لبفتح 7/109) .
- قال ابن القيم :" واختلف في تفضيلها على عائشة – رضي الله عنها – على ثلاثة أقوال ثالثهما الوقف : وسألت شيخنا ابن تيمية فقال : اختصت كل واحدة منهما بخاصة ، فخديجة كان تأثيرها في أول الإسلام ، وكانت تسلي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وتثبته وتسكنه ، وتبذل دونه مالها ، فأدركت غرة الإسلام واحتملت الأذى في الله وفي رسوله ، وكان نصرتها للرسول في أعظم أوقات الحاجة فلها من النصرة والبذل ما ليس لغيرها ، وعائشة – رضي الله عنها – تأثيرها في آخر الإسلام ، فلها من التفقه في الدين وتبليغه إلى الأمة ، وانتفاع بنيها بما أدت إليهم من العلم ما ليس لغيرها " ( جلاء الأفهام ص 124 – بدائع الفوائد 3/162-163 )
- المفاضلة بين عائشة وفاطمة :
- وقال العلامة ابن القيم – رحمه الله - :" الخلاف في كون عائشة أفضل من فاطمة أو فاطمة أفضل إذا حرر محل التفضيل صار وفاقاً ، فالتفضيل بدون التفصيل لا يستقيم فإن أريد بالفضل كثرة الثواب عند الله – عز وجل – فذلك أمر لا يطلع عليه إلا بالنص لأنه بحسب تفاضل أعمال القلوب لا بمجرد أعمال الجوارح ، وكم من عاملين أحدهما أكثر عملا بجوارحه والآخر أرفع درجة منه في الجنة ، وإن أريد بالتفضيل بالعلم فلا ريب أن عائشة أعلم ,أنفع للأمة وأدت إلى الأمة من العلم ما لم يؤد غيرها واحتاج إليها خاص الأمة وعامتها ، وإن أريد بالتفضيل شرف الأصل وجلالة النسب فلا ريب أن فاطمة أفضل فإنها بضعة من النبي – صلى الله عليه وسلم – وذلك اختصاص لم يشركها فيه غير أخواتها ، وإن أريد السيادة ففاطمة سيدة نساء الأمة وإذا ثبتت وجوه التفضيل وموارد الفضل وأسبابه صار الكلام بعلم وعدل ، وأكثر الناس إذا تكلم في التفضيل لم يفصل جهات الفضل ، ولم يوازن بينهما فيبخس الحق وإن انضاف إلى ذلك نوع تعصب وهوى لمن يفضله تكلم بالجهل والظلم " ( بدائع الفوائد 3/161-162 – فتح الباري 7/109 ) .
- ثانيا ً : سودة بنت زمعة – رضي الله عنها - :
- قال الذهبي :" هي أول من تزوج بها النبي – صلى الله عليه وسلم – بها النبي بعد خديجة ، وانفردت به نحواً من ثلاث سنين أو أكثر حتى دخل بعائشة ، وكانت سيدة جليلة نبيلة ... وهي التي وهبت يومها لعائشة رعاية لقلب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – " ( سير أعلام النبلاء 2/266-267) .
- ومن حرصها على ابقاء في عصمة النبي – صلى الله عليه وسلم – أنها آثرت يومها لعائشة إيثاراً منها لرضاه عليه الصلاة والسلام وحباً في المقام معه لتكون من أزواجه في الدنيا والاخرة ، فكان النبي يقسم لنسائه ولا يقسم لها وهي راضية بذلك مؤثرة رضى رسول الله – رضي الله عنها - .
- ثالثاً : عائشة – رضي الله عنها وأرضاها - :
- هي عائشة بنت أبي بكر الصديق وأمها أم رومان بنت عامر الكنانية .
- كانت أحب أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم – إليه وهي المبرأة من فوق سبع سماوات الصديقة بنت الصديق .
- لم يتزوج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بكراً غيرها ولم ينزل الوحي عليه في لحاف امرأة سواها ، وبسببها شرع التيمم ونزل القرآن ببراءتها وطهرها عندما رميت بالإفك آيات تتلى حتى قيام الساعة .
- وكانت أعلم نساء النبي – صلى الله عليه وسلم – بل هي أعلم النساء على الإطلاق .
- كان الأكابر من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – يرجعون إلى قولها ويستفتونها .
-
- كانت وفاتها سنة ثمان وخمسين وصلى عليها أبو هريرة – رضي الله عنهم أجمعين - .
- من مناقبها :
- ما رواه البخاري أن عمرو بن العاص سأل النبي – صلى الله عليه وسلم - :" أي الناس أحب إليك قال عائشة قلت : من الرجال قال: أبوها " .(189/1)
- وهذا الحديث فيه منقبة عظيمة لأم المؤمنين عائشة وهي أنها أحب الناس إلى قلبه ، قال الحافظ الذهبي :" وهذا خبر ثابت على رغم أنوف الروافض وما كان عليه الصلاة والسلام ليحب إلا طيبا ... فأحب أفضل رجل من أمته وأفضل امرأة من أمته ، فمن أبغض حبيبي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فهو حري أن يكون بغيضاً إلى الله ورسوله ، وحبه عليه السلام لعائشة كان أمراً مستفيضاً " ( سير أعلام النبلاء 2/142 ) .
- ومن مناقبها :
- أن جبريل أرسل إليها سلامه مع النبي – صلى الله عليه وسلم - ، فقد روى البخاري عن عائشة قالت :" قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يوما يا عائش هذا جبريل يقرئك السلام ، فقلت : وعليه السلام ورحمة الله وبركاته ترى ما لا أرى – تريد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – " .
- ومن مناقبها : ما رواه الشيخان عن ابي موسى الأشعري قال :" كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وفضل عائشة على النساء كفضل الثؤيد على سائر الطعام " .
- من مناقبها عدم قبول النبي – صلى الله عليه وسلم – الشكوى في حقها :
- في البخاري :" كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، قالت عائشة: فاجتمع صواحبي إلى أم سلمة، فقلن: يا أم سلمة، والله إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، وإنا نريد الخير كما تريده عائشة، فمري رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأمر الناس: أن يهدوا إليه حيثما كان، أو حيثما دار، قالت: فذكرت ذلك أم سلمة للنبي صلى الله عليه وسلم، قالت: فأعرض عني، فلما عاد إلي ذكرت له ذلك فأعرض عني، فلما كان في الثالثة ذكرت له فقال: يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة، فإنه والله ما نزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها " .
- أخرج مسلم في صحيحه :" أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة، بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فاستأذنت عليه وهو مضطجع معي في مرطي. فأذن لها. فقالت: يا رسول الله! إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة. وأنا ساكتة. قالت فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم "أي بنية! ألست تحبين ما أحب؟" فقالت: بلى. قال "فأحبي هذه" قالت، فقامت فاطمة حين سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فرجعت إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرتهن بالذي قالت. وبالذي قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلن لها: ما نراك أغنيت عنا من شيء. فارجعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولي له: إن أزواجك ينشدنك العدل في ابنة أبي قحافة. فقالت فاطمة: والله! لا أكلمه فيها أبدا. قالت عائشة: فأرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وهي التي كانت تساميني منهن في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولم أر امرأة قط خيرا في الدين من زينب. وأتقى لله. وأصدق حديثا. وأوصل للرحم. وأعظم صدقة. وأشد ابتذالا لنفسها في العمل الذي تصدق به، وتقرب به إلى الله تعالى. ما عدا سورة من حد كانت فيها. تسرع منها الفيئة. قالت، فاستأذنت على رسول الله صلى الله عليه وسلم. ورسول الله صلى الله عليه وسلم مع عائشة في مرطها. على الحالة التي دخلت فاطمة عليها وهو بها. فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت: يا رسول الله! إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة. قالت ثم وقعت بي. فاستطالت علي. وأنا أرقب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرقب طرفه، هل يأذن لي فيها. قالت فلم تبرح زينب حتى عرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكره أن أنتصر. قالت فلما وقعت بها لم أنشبها حين أنحيت عليها. قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبسم "إنها ابنة أبي بكر " .
- والعدل الذي كن يسألن عنه هو التسوية بينهن في المحبة القلبية ، فقد كان – ومن خصائصها ومناقبها التي دلت على عظيم شأنها ورفعة مكانتها شهادة الباري جل وعلا لها بالبراءة مما رميت به من الإفك وبرأها مما رماها به أهل الإفك في عذرها وبراءتها وطهرها .
- قال ابن القيم :" أنزل في عذرها وبراءتها وحياً يتلى في محاريب المسلمين وصلواتهم إلى يوم القيامة وشهد لها بأنها من الطيبات ووعدها المغفرة والرزق الكريم ، وأخبر سبحانه أن ما قيل فيها من الإفك كان خيرا لها ولم يكن ذلك الذي قيل فيها شراً لها ولا خافضاً من شأنها بل رفعها الله بذلك وأعلى قدرها وأعظم شأنها وصار لها ذكراً بالطيب والبراءة بين أهل الأرض والسماء فيالها منقبة ما أجلها وتأمل هذا التشريف والإكرام الناشيء عن فرط تواضعها واستصغارها لنفسها حيث قالت :" ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بوحي يتلى ولكن كنت أرجو أن يري الله رسول الله رؤيا يبرئني الله بها " .
- ومما كان لها تشريفا أنها كانت سببا في نزول آية التيمم ، ففي البخاري أن " عائشة – رضي الله عنها – استعارت من أسماء قلادة فهلكت فأرسل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ناساً من أصحابه في طلبها فأدركتهم الصلاة فصلوا بغير وضوء فلما أتوا النبي – صلى الله عليه وسلم – شكوا ذلك إليه فنزلت آية التيمم فقال أسيد بن حضير :جزاك الله خيراً فوالله ما نزل بك أمر قط إلا جعل لك منه مخرجاً وجعل فيه للمسلمين بركة "
- ومن فضائلها أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لما لحق بالرفيق الأعلى كان في بيتها وبين سحرها ونحرها وكان مسنداً ظهره إلى صدرها وجمع الله بين ريقه وريقها في آخر ساعة من ساعاته في الدنيا وأول ساعة من الآخرة ودفن في بيتها .
- فقد روى البخاري في صحيحه عن عائشة قالت :" أن رسول الله لما كان في مرضه جعل يدور بين نسائه ويقول :" أين أنا غداً ؟ " - حرصاً على بيت عائشة واستبطاء ليوم عائشة – فلما كان يومي قبضه الله بين سحري ونحري " .
- رابعاً : حفصة بنت عمر – رضي الله عنهما - :
- ولدت – رضي الله عنها – قبل المبعث بخمس سنين وتوفيت سنة خمس وأربعين .
- البخاري 3783 :" أن عمر بن الخطاب، حين تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شهد بدرا، توفي بالمدينة، قال عمر: فلقيت عثمان بن عفان، فعرضت عليه حفصة، فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، قال: سأنظر في أمري، فلبث ليالي، فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا. قال عمر: فلقيت أبا بكر، فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر فلم يرجع إلي شيئا، فكنت عليه أوجد مني على عثمان، فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك؟ قلت: نعم، قال: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت، إلا أني قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تركها لقبلتها " .
- قال الذهبي – رحمه الله - :" وروي أن النبي – صلى الله عليه وسلم – تطليقه ثم راجعها بأمر جبريل عليه السلام له بذلك وقال :" إنها صوامة قوامة وهي زوجتك في الجنة " ( سير أعلام النبلاء 2/228) .
- وفي ما ذكرناه دلالة على أنها كانت على قدر كبير وجانب عظيم من رفعة مكانتها وجلالة قدرها – رضي الله عنها وأرضاها - .
- خامساً : زينب بنت خزيمة – رضي الله عنها - :
- يقال لها أم المساكين لكثرة إطعامها المساكين وهي من بني عامر بن صعصعة وتوفيت ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – حي .
- فيكفيها شرفاً وفخراً أنها احدى أمهات المؤمنين اللاتي ضرب عليهن الحجاب والللاتي هن أزواج نبيه في الدنيا والآخرة .
- كانت وفاتها سنة أربع للهجرة – رضي الله عنها وأرضاها - .
- سادساً : أم سلمة – رضي الله عنها - :
- اسمها هند بنت أبي أميمة القرشية المخزومية .
- روى الإمام مسلم في صحيحه عن أم سلمة قالت :" سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول :" ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول : إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم آجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها إلا أخلف الله له خيراً منها " قالت : فلما مات أبو سلمة قلت : أي المسلمين خير من أبي سلمة أول بيت هاجر إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ثم إني قلتها فأخلف الله لي رسول الله – صلى الله عليه وسلم ، أرسل لي رسول – صلى الله عليه وسلم – حاطب بن أبي بلتعة يخطبني لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – " .(189/2)
الأدب مع أمهات المؤمنين ج3
الأخ الفاضل سعود الزمانان
- من مناقبها أنها تشرفت برؤية جبريل حيث رأته عليه السلام في صورة دحية الكلبي ، فقد روى الشيخان في صحيحيهما عن أبي عثمان قال :" أنبئت أن جبريل أتى النبي – صلى الله عليه وسلم – وعنده أم سلمة فجعل يتحدث فقال النبي – صلى الله عليه وسلم –لأم سلمة من هذا ؟ أو كما قال قالت هذا دحية فلما قام قالت والله ما حسبته إلا إياه حتى خطبه النبي – صلى الله عليه وسلم – يخبر خبر جبريل "
- قال الإمام النووي :" وفيه منقبة لأم سلمة – رضي الله عنها – وفيه جواز رؤية البشر الملائكة " .
- قال العلامة ابن القيم :" ومن خصائصها : أن جبريل دخل على النبي – صلى الله عليه وسلم – وهي عنده فرأته في صورة دحية الكلبي " .( جلاء الأفهام ص 136 ) .
- أكرمها الله بالصواب والسداد فيما تشير به ومن ذلك لما أشارت به على النبي – صلى الله عليه وسلم – عام الحديبية حينما أمر الصحابة أن يحلقوا رؤوسهم وينحروا هديهم فتثاقلوا ذلك طمعاً منهم في أن يدخلوا مكة ويطوفوا بالبيت .
- فقد روى البخاري في صحيحه :" فلما فرغ من قضية الكتاب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (قوموا فانحروا ثم احلقوا). قال: فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يانبي الله، أتحب ذلك، اخرج لا تكلم أحدا منهم كلمة، حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيلحقك. فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك، نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا، حتى كاد بعضهم يقتل غما" .
- فهذه الأدلة فيها أنها كانت عظيمة القدر والمكانة وهي آخر أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم – موتاً وقيل ميمونة .
- سابعاً :زينب بنت جحش – رضي الله عنها - :
- هي زينب بنت جحش كانت من سادة النساء دينا وورعاً وجوداً ومعروفاً رضي الله عنها وكانت وفاتها سنة عشرين .
- من مناقبها أنها كانت تقول :" زوجكن أهاليكن وزوجني الله تعالى من فوق سبع سماوات " . ( البخاري ) .
- وذلك لقول الله تعالى { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً }
- قال الإمام الذهبي :" فزوجها الله تعالى بنبيه بنص كتابه بلا ولي ولا شاهد فكانت تفخر بذلك على أمهات المؤمنين وتقول زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق عرشه " ( سير أعلام النبلاء 2/211 ) .
- في الصحيحين أن نساءه سألنه :" أينا أسرع بك لحوقا؟ قال: (أطولكن يدا). فأخذوا قصبة يذرعونها، فكانت سودة أطولهن يدا، فعلمنا بعد: أنما كانت طول يدها الصدقة، وكانت أسرعنا لحوقا به، وكانت تحب الصدقة " .
- لأن زينب كانت قصيرة فعلمن أن المقصود بطول اليد الصدقة وكانت – رضي الله عنها – كثيرة الصدقة .
- روى الإمام مسلم في صحيحه :" تقول عائشة عن زينب لم أر امرأة قط خيراً في الدين من زينب وأتقى لله وأصدق حديثاً وأوصل للرحم وأعظم صدقة وأشد ابتذالا لنفسها في العمل الذي تصدق به وتتقرب به إلى الله ما عدا سورة من حدة بها " .
- قال الإمام الذهبي :" ويروى عن عمرة عن عائشة قالت : يرحم الله زينب لقد نالت في الدنيا الشرف الذي لا يبلغه شرف إن الله زوجها ونطق به القرآن وإن رسول الله قال لنا :" أسرعكن لحوقاً أطولكن باعاً " فبشرها بسرعة لحوقها به وهي زوجته في الجنة " ( السير 2/215 ) .
- ثامناً : جويرية بنت الحارث :
- هي جويرية بنت الحارث من بني المصطلق .
- وجاءت إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – وطلبت منه أن يعينها على مكاتبتها لنفسها عل ثابت بن قيس فعرض عليها النبي ما هو خير لها في العاجل والآجل وهو أن يؤدي عنها ما كاتبها لنفسها فوافقت على ذلك وأسلمت وتزوجها سيد الخلق وأطلق لها أسارى من قومها .
- توفيت – رضي الله عنها – سنة خمسين للهجرة .
- تاسعاً : أم حبيبة – رضي الله عنها - :
- هي رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنها قال الذهبي – رحمه الله - :" وهي من بنات عم الرسول – صلى الله عليه وسلم – وليس في أزواجه من هي أقرب نسباً إليه منها ولا في نسائه من هي أكثر صداقاً منها ولا من تزوج بها وهي نائية الدار أبعد منها ، عُقد له – صلى الله عليه وسلم – عليها بالحبشة وأصدقها عنه صاحب الحبشة وأصدقها عنه صاحب الحبشة أربع مائة دينار وجهزها بأشياء " ( السير 2/219) .
- ومما زاد في قدرها وعلو شأنها أنها أكرمت فراش رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من أن يجلس عليه أبوها لما قدم المدينة لعقد الهدنة بين الرسول – صلى الله عليه وسلم – وبين قريش ومنعته من الجلوس عليه لأنه كان يومئذ على الشرك ولم يكن قد أسلم .
- كانت شديدة الخوف من الله – عز وجل – ومن العابدات الورعات فقد روى الحاكم عن عوف بن الحارث قال :" سمعت عائشة تقول دعتني أم حبيبة زوج النبي – صلى الله عليه وسلم - عند موتها.
فقالت: قد كان بيننا ما يكون بين الضرائر، فغفر الله ذلك كله وتجاوز وحللتك من ذلك كله فقالت عائشة: سررتني سرّك الله وأرسلت إلى أم سلمة، فقالت لها مثل ذلك وتوفيت: سنة أربع وأربعين، في إمارة معاوية -رضي الله تعالى عنهما- " .
- العاشرة : صفية بنت حيي بن أخطب :
- كانت – رضي الله عنها – ذات حسب وجمال ودين وكانت وفاتها سنة اثنتين وخمسين في خلافة معاوية – رضي الله عنها - .
- الحادية عشر : ميمونة بنت الحارث – رضي الله عنها - :
- تسميتها باسم " ميمونة : إنما سماها بهذا الاسم المبارك هو النبي – صلى الله عليه وسلم – كما أخرجه الحاكم بإسناد صحيح عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال :" كان اسم خالتي ميمونة برة فسماها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ميمونة " المستدرك 4/30 .
- حقوق أمهات المؤمنين :
- هؤلاء هن أمهات المؤمنين اللاتي يجب على كل مسلم الإقرار بفضلهن والاعتراف بعظم منزلتهن وأنهن أمهات المؤمنين كما أطلق الله ذلك عليهن وأن من طعن فيهن أو واحدة منهن كان بعيدا عن الله ورسوله وعباده المؤمنين .
- إن الإسلام الذي نؤمن به قد جعل لألأم منزلة عظيمة ، ومكانة سامية ، وحسبها شرفاً وفخراً أن يوصي الرسول – صلى الله عليه وسلم – أحد أصحابه وقد جاء يسأله :" من أحق الناس بحسن صحابتي قال : أمك قال ثم من ؟ قال : أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من ؟ قال أبوك " .
- وأمهات المؤمنين حقهن أكبر وأسمى من أمهات العصب والدم في المكانة ، وأعلى منزلة ، لذلك الأدب مع أمهات المؤمنين يكون كما يأتي :
- أولا ً : الترضي عليهن والصلاة عليهن :
- جاء الصحابة إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – كما في الصحيح أنهم قالوا :" يا رسول الله كيف نصلي عليك ؟ قال : قولوا : اللهم صلّ على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد " .
- وعندما يفعل المرء ذلك فإنه علامة على تمام دينه ومن حسن أدبه ، ألم يطلب منا النبي أن نصلي عليهن كما نصلي عليه .
- ثانياً : معرفة فضلهن ومحبتهن :
- قال أبو بكر الباقلاني :" ويجب أن يعلم أن خير الأمة أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأفضل الصحابة العشرة الخلفاء الراشدون الأربعة – رضي الله عن الجميع - ونقر بفضل أهل البيت – بيت رسول الله – وأنهن أمهات المؤمنين ، ونبدع ونفسق ونضلل من طعن فيهن أو في واحدة منهن لنصوص الكتاب والسنة في فضلهم ومدحهم والثناء عليهم فمن ذكر خلاف ذلك كان فاسقاً للكتاب والسنة نعوذ بالله من ذلك " ( الانصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به ص 68 ) .
-
- ثالثاً : الإقتداء بهن ودراسة سيرتهن :
- ومن حسن الأدب مع أمهات المؤمنين الإقتداء بهن في كل شيء .
- فمثلا لقد ضربت أمهات المؤمنين أروع الأمثلة في طاعة الزوجة لزوجها مهما كلفتها الطاعة من مشاق .
- فهذه خديجة رضي الله عنها تتقدم على زوجات النبي – صلى الله عليه وسلم – في نصرة الزوج وتصديق النبي من أول لحظة بعث فيها إلى الناس بشيراً ونذيراً ، وتقف بجانبه في أصعب اللحظات كما :" كلا أبشر. فوالله! لا يخزيك الله أبدا. والله! إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق " .
- وفي العلم الشرعي والتفقه في الدين
- وفي حسن العشرة والصبر على خشونة العيش نجد أنهن جميعا يضربن أروع الأمثلة في ذلك ، فهذه رملة بنت أبي سفيان – أم حبيبة – أم المؤمنين – رضي الله عنها – فقد كانت تحفظ من أحاديث النبي – صلى الله عليه وسلم – ما يزيد على الألفي حديث .
- وكانت تفتي من يسألها من رجال ونساء في أدق المسائل ما يصعب على غيرها وماذاك إلا لقربها من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال هشام بن عروة عن أبيه :" ما رأيت أحداً أعلم بفقه ولا بطب ولا بشعر من عائشة " .
- فعلى كل طالب للعلم أن يجعل من سيرة أم المؤمنين نبراساً له وسراجا مضيئا له ، فإنها نعم الأم ونعم المثل ونعم القدوة .
- وفي مجال الاجتهاد في العبادة والزهد وكلهن – رضي الله عنهن – مثل لذلك ، إلا أن حفصة بنت عمر – رضي الله عنها – تسبقهن في ذلك .
- فهذا جبريل – عليه السلام – ينزل من السماء فيقول للرسول – صلى الله عليه وسلم – وقد طلق النبي حفصة :" أرجع حفصة فإنها صوامة قوامة وإنها زوجتك في الجنة " .
- وفي مجال التصدق على الفقراء والإحسان إليهن ، لا نستطيع أن ننكر على إحداهن – رضي الله عنهن أنها لم تتصدق على الفقراء وتحسن إليهن ، إلا أننا نجد زينب بنت جحش – رضي الله عنها – تتفوق على غيرها في هذا المجال ، وقد شهد لها الرسول بذلك .
- فقال :" أسرعكن لحاقاً بي أطولكم يدا " .
- فكانت أول من لحق بالنبي – صلى الله عليه وسلم – لأنها كانت أول من توفي من نساء النبي ولحق به ، لقد كانت سخية كريمة خيرة ، تتصدق على الفقراء والمساكين .(190/1)
- وفي اجتهادهن في إرضاء النبي – صلى الله عليه وسلم – والبعد عن كل شيء قد يُظن – مجرد الظن – أنه قد يسيء إلى شخص النبي – صلى الله عليه وسلم – فهذه رملة بنت أبي سفيان ن أم حبيبة – أم المؤمنين – يأتي إليها أبوها وهو مشرك قبل فتح مكة ، ويدخل عليها بيتها ويهم بالجلوس على فراش رسول الله – صلى الله عليه وسلم - .
- فتخطف فراش رسول الله قبل أن يصل إليه وتعلن له صراحة بأنه لا يمكن له أن يقترب من فراش رسول الله الطاهر حتى لا ينجسه ، أو حتى لا يسيء إلى رسول الله وهو ما يزال بعد مشركا .
- عندما ظنت – مجرد الظن – أنه يسيء إلى زوجها إذا غاب عنها في نفسها وماله فهكذا يجب على كل امرأة أن تبالغ في إرضاء زوجها كما فعلت أم حبيبة – رضي الله عنها - .
- ثالثاً : من الأدب معهن الذب عنهن والوقوف في وجه من يسيء إليهن :
- كان سلفنا الصالح منذ عهد الصحابة إلى عصرنا هذا ، لا يزال الصالحون يضعون أمهات المؤمنين في مكانة عالية ولا يسمحون لأي شائن مبغض أن يطعن فيهن .
- بل يرون ذلك من أفضل القربات والجهاد في سبيل الله في الذب عنهن وتوقيرهن واحترامهن وحسن الأدب معهن .
- رابعاً : من الأدب معهن التسمي بأسمائهن :
- ينبغي على المسلمين تسمية البنات بأسماء أمهات المؤمنين .
- وأن نذكر بناتنا ونجعلهن دائما باتصال دائم وحب مستمر مع أمهات المؤمنين .
- وأن يتخلقن بأخلاقهن وعدم التشبه بالساقطات العاهرات الراقصات كما هو شأن عامة المسلمين .
-
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الأخ الفاضل سعود الزمانان
عدد القراء : 2117
تاريخ الموضوع: 01 - يونيو - 2006 ميلادية
(190/2)