الكذب
الشيخ عثمان الخميس
الكذب في حقيقته إيجاد صفة من قول أو فعل لا وجود لهما في حال أبداً إنما هو محض اختلاق قال سبحانه "وتخلقون إفكاً" والكذب صفة مذمومة، وكانت العرب وهم أهل جهل بحقيقة التوحيد يذمونه وينبذونه، ويرونه مع العجلة من أسوأ الصفات، ويقدمونه في الذم والقبح على العجلة، ولا يكاد من يكذب يسود فإن ساد وسقط أبان الناس عورته وحالاته وأموره لأن من يكذب وسط عزته وسيادته يعيش في دائرة مغلقة فيظن الناس لا تدري وهم عيون الأخبار،والكذب أصله حرارة لئيمة سيئة تقذف بالحمم السوداء مخرجها ضيق الخلق ورداءة الأصل وقبح الطوية، ولا يكذب في أصل الحقائق إلا المجنون لكنه لا يقصد الكذب.
والكذب أنواع:
كذب طبعي
وكذب مرضي
وكذب تهربي
وكذب ظني
وكذب للإصلاح بين متخاصمين
وكذب وشائي
وكذب طفولي
وكذب هزلي
وكذب لإنقاذ مظلوم
وكذب مصلحي
وكذب تجبري
وكذب حيفي
وكذب طردي
وقد استخلصت هذا من خلال نظري وسماعي للخصومات، وما يعرض عليّ من رسائل وكتابات، وهناك غيرها تركتها لعدم الداعي إليها.
أما الكذب الطبعي: فهو كذب يصدر من عاقل على غير طبيعته، وهو قليل لكنه إذ يحصل مع قلته يحصل بسبب إخراج النفس من موقف ما، لكنه كذب مذموم، وليس أفضل من الصدق إنك لا تأتي أصلاً ما يوجب الكذب ومثله التهربي ويعتبر ذنباً عظيماً إذا أكثر صاحبه من أكثر من ثلاث مرات في حياته.
ويتعلق الحكم بالكذب من حيث النية والضرر ولو على النفس، نفس من يكذب لأن المرء لا يؤتمن على نفسه.
أما الكذب الحسدي: فحدّث ولا حرج لكنه مع الكذب الوشائي يعرف إذا صدر من قريب أو صديق أو زميل، ولا يكاد يعرف هذا النوع إلا أناس دون آخرين لأن هناك من الكذابين من يجلبون الأدلة حساً ومعنى ويتفننون في الطرح ولهم قدرة عجيبة على الإقناع، وقد يستغلون غيرهم من البسطاء والمصلحين.
يقول الملك فيصل رحمه الله: الواسطة والكذب علة ومرض وقد صدق.
ويقول الأمير سلمان بن عبدالعزيز: ما كل ما يقال لنا نأخذ به وقد برهن هذا الرجل على حقيقة من حقائق العدل برد اعتبار جيد للمظلوم لم يسبق إليه أنبت عنه كلمته هذه.
أما الكذب الظني: فهو من باب عدم القصد لكنه يجب أن يضبط وإلا أدى إلى المهالك ولا يقع هذا إلا ممن كان ذا عجلة وكبير شك.
أما الكذب للإصلاح بين متخاصمين: فهو صالح لأن ما يترتب عليه من المصلحة كبير جداً، فإن الصلح والإصلاح أمرهما غاية في الخير وقوة أواصر المتقاطعين خاصة إذا كانوا أقرباء أو جيران أو زملاء أو علماء أو دعاة (1).
أما الكذب الطفولي: فيجب أن ينتبه إليه لأنه كذب بسبب حالة ما يعيشها كخوف أو قلق أو ضعف أو إقتداء، ويحسن أن يعالج مبكراً بعد معرفة سببه.
أما الكذب الهزلي: فهو كثير جداً وهو ما يحدث في التمثيليات وبين بعض الشباب حال النكت والجلسات الخاصة وهذا مهما كان كذب، وأرى عدم جوازه فإن ترتب عليه ظلم، أو تقوّل، أو نسبه لصحابي ما لم يقله، أو تابعي فهذا محرم جداً ويجب أن نحذر من ذلك غاية الحذر.
أما الكذب لإنقاذ مظلوم ظهرت مظلمته: ولا يستطيع الكذب عن نفسه أو جهل أو خوف أو عدم قدرة فلا ضير في هذا ولا يجوز هنا اطراده.
أما الكذب المصلحي: لغير ضرورة شرعية ناهضة فلا يجوز، ولا يحسن الخلط بينه وبين غيره.
أما الكذب التجبري والحيفي والطردي: فباب هذا واسع جداً يدرك من خلال نظر أحوال الناس وما يقع بين بعضهم من خصومات، ولا يقدر على فك الكذب إلا من ألهم وسدد ووفق فإن للكذب صوراً وصوراً ومنافذ عجيبة.
وطرحت هذا من باب الإشارة وإلا فكل نوع يحتاج إلى طرح مستقل لخطورة الكذب لكن من لم يعتبر بالموت ولم يتنبه له لم يدرك سطوة دعوة المظلوم فليس بمتعظ إلا تنزل لكن أنى له التناوش، وقد حيل بينه وبين ما يشتهي.
وأما الكذب المرضي: فله باب خاص، وما أحب بيانه وهو مستقل لضرره وقبحه فهو ما يقع من بعض رواة الآثار وقد نبه الإمام ابن الجوزي إلى هذا في كتابه: الموضوعات (2) فقال رحمه الله: واعلم أن الرواة الذين وقع في حديثهم الموضوع (3) والكذب والمقلوب (4) انقسموا إلى خمسة أقسام:
القسم الأول: قوم غلب عليهم الزهد والتقشف فتغفلوا عن الحفظ والتمييز، ومنهم من ضاعت كتبه أو احترقت أو دفنها ثمّ حدث من حفظه فغلط فهؤلاء تارة يرفعون المرسل (5) وتارة يسندون الموقوف (6) وتارة يقلبون الإسناد وتارة يدخلون حديثاً في حديث.
والقسم الثاني: قوم لم يعانوا على النقل فكثر خطؤهم وفحش على نحو ما جرى للقسم الأول.
والقسم الثالث: قوم ثقاة لكنهم اختلطت عقولهم في آخر أعمارهم فخلطوا في الرواية.
والقسم الرابع: قوم غلب عليهم السلامة والغفلة ثم انقسم هؤلاء فمنهم من كان يلقنه فيتلقن، ويقال له: قل فيقول...إلخ.
والقسم الخامس: قوم تعمدوا الكذب ثمّ انقسم هؤلاء إلى ثلاثة أقسام:
1- قوم رووا الخطأ من غير أن يعلموا أنه خطأ، فلما عرفوا وحه الصواب وأيقنوا به أصروا على الخطأ أنفة من أن ينسبوا إلى غلط.
2- قوم رووا عن كذابين وضعفاء وهم يعلمون ودلسوا (7) أسمائهم فالكذب من أولئك المجروحين والخطأ القبيح من هؤلاء المدلسين، وهم في مرتبة الكذابين لما قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من روى عني حديثاً يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين. ومن هذا القسم قوم رووا عن أقوام ما رأوهم مثل إبراهيم بن هدبة عن أنس، وكان بواسطة شيخ يحدث عن أنس ويحدث عن شريك فقيل له حين حدث عن أنس لعلك سمعته من شريك؟ فقال لهم: أقول لكم الصدق سمعت هذا من انس ...إلخ.
3- قوم تعمدوا الكذب الصريح لا لأنهم أخطأوا ولا لأنهم رووا عن كذاب فهؤلاء تارة يكذبون في الأسانيد فيروون عمن لم يسمعوا منه وتارة يسرقون الأحاديث التي يرويها غيرهم وتارة يضعون أحاديث. وهؤلاء الوضاعون انقسموا إلى سبعة أقسام (8) وقد برهن ابن الجوزي مع قليل من الأمثلة على حقيقة الكذب في الآثار من الحديث والخبر والرواية والقصة، وعموم النقل خاصة في كتب الأدب والتاريخ والنقد وفلسفة الأدب والتاريخ والتحليل في كل من هذا وذاك.
وإنك لواجد كتاب الأغاني والعقد الفريد ومروج الذهب مليئة بالأحاديث المكذوبة وإنك لواجد من يعول عليها ويجعلها أصلاً في نقل الآثار والأخبار والروايات والقصص ويبني عليها أحكاماً شرعية أو أدبية أو وثائقية ثم هو يبرهن أن هذا قد نقله صاحب الأغاني مثلاً ومثل هذا قد شارك في نشر جريمة الكذب والإفتراء علم أو لم يعلم.
ولا مندوحة من القول إلا بعدم عذر من يقوم بهذا لأنه لا يدري، لا مندوحة من لومه وذمه وطمه وقمه ورمه ولا مندوحة من هذا وهو لا جرم يدرك خطورة الحديث وما جرى بين الصحابة وما جرى بين التابعين أنه يجب التثبيت منه بحق ظاهر بيّن، لكن من أصول كتب الثقاة التي تخصصت سنداً ومتناً بإيراد ما عجز عنه صاحب مروج الذهب ثمّ عجز عنه صاحب علي وبنوه والفتنة الكبرى، وعلى هامش السيرة وما عجز عنه أصلاً صاحب كتاب الخليفة الزاهد عمر بن عبدالعزيز وصاحب كتاب حياة محمد صلى الله عليه وسلم، وصاحب كتاب أهل الكهف.
وأمثالهم في هذا الحين العجيب، وأن تعجب فعجب من حال قسطنطين زريق وجرجي زيدان ولويس عوض ونجيب محفوظ وأحمد حجازي وميخائيل نعيمة وقائم مثلها لعل الله يهيئ لها حراً كريماً فيخرج لنا معجماً بأسماء أمثال هؤلاء مع شيء من كتبهم وما دنوه فيها من كلام سيء مشين خلدهم في صفوف أهل الوضع في هذا وكل حين.
وقد قدر الله تعالى ويقدر من يصد عن دينه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بنواهض من شاهد وشواهد وبنص عال مبين، يصد كل زيف وتحريف ويصد الكذب والتلبيس.
ثم هو ينافح عن سادة هذه الأمة بلسان عربي مبين ليبقى خالداً مداده وحي طرسه ويعبق ذكره بالثناء عليه أبد الآبدين.
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ عثمان الخميس
عدد القراء : 1724
تاريخ الموضوع: 20 - مارس - 2003 ميلادية
(1/1)
تأصيل العلم للشيخ صالح اللحيدان
الشيخ صالح اللحيدان(2/1)
لقد كان هناك خلال الثلاثة القرون منذ بدء البعثة المباركة توافق جليل وكبير بين عامة كبار العلماء في المشرقين، وما يكون من شأن وما يتلى من أثر أو يطلع على نص أو يوقف على خطاب إلا ويعاد في هذا إلى علماء السنة لينظروا صحته من ضعفه، وليبينوا سبب صحته ويبينوا كذلك سبب ضعفه، ولم يستطع مدع أو ذاتي النزعة أو متخبط النظر، ولم يستطع متعالم أو متقمص، ولم يستطع من يستغل العقول الهشة لم يستطيعوا تخطي سياج قواعد قام عليها كبار من القروم أنتجتهم المخفرات من صلب أحرار من وراء أحرار تغذوا بوابل الطهارة وصيب النقاوة وسبيل القرامة، ونفحات الجدارة، وقبعان المهارة بعلو من فوقه علو من فوقه علو، إذا ادعى من ادعى تقمص الحرية بلباس النزاهة وتجرد الطهارة ولعله من الجدير ذكره هناك لديهم حيث الخلود عبر القرون الطوال أن من أسباب علو شأنهم وبروز كعبهم المعلى أنهم متجردون لله تعالى، وأن هذا السبب بالذات أبقى علمهم وادام ذكرهم وأنار سبيلهم فأضافوا إلى العلم ما لم يكن من قبل وأناروا ما كان بعدهم لعله يكون مظلماً. وإذا كانت (الموهبة) قد وهبت لهم فإن من لم تكن تلك فيه كاملة فقد (ألح على الله) بالدعاء ليكون مثل من سواه ليزكوا: الحفظ، ويزكوا الفهم، ويزكوا الصحة، ويزكوا الوقت فكانوا وايم الله سادة من بعد سادة من بعد سادة. ولا يصح إلا الصحيح ولا يبقى إلا ما كان لله، من هنا أردف القول جارياً حاراً دافقاً نصاً ومعنى ليقف أهل هذا الزمن من بعض العلماء وطلاب العلم وغيرهم، من أهل الثقافة والادب والنقد على مسألة حررها قبلي ابن الصلاح والنواوي والسيوطي والعراقي والبغداد والزيلعي وابن حجر والذهبي ولمسها ابن قتيبة وابن رشيق، وابن سلام وسواهم وإردافي لما سوف أردف إنما هو من باب المذاكرة والبيان وشحذ الهمة وبعث الرمة وإيقاظ الهمة. سوف أسوق كلاماً جيداً انتخبته انتخاباً وقدته وأحاطته نفسي برعاية مع رعاية برواية ودرايته،. أسوق مما في (التدريب) للسيوطي مع تصرف حسن لا يخل بالمراد لعله يكون عوناً بل يكون : فتحاً لموهوب فيهب أو فتحاً لساهٍ فيدرك ينشط أو يكون لافتاً لنظر عبقري فيعي فيضيف ويبذل، وما سوف اسوقه امره معلوم من حال طرحه بالضرورة انه لا بد منه خاصة في وقت قل فيه الحفظ وتداخل فيه الفهم، وركب كثير من الناس فيه صهوة الانشائيات والخطاب المباشر ومجرد الوعظ، وعجلة التأليف وكثرة الكلام مع ما قد يكون حاصلاً من عدم الاحاطة بأوجه كثير من المسائل فلعل ما سوف أجلبه هنا يكون مذكراً لمن هناك يقول رحمه الله مع تصرف مني لا يخل بمراده يقول ص 88 وما بعدها وهو من كلام، وكلامه النواوي وسواهما: (الثانية من مسائل الصحيح أو من مصنف في الصحيح المجرد صحيح الامام البخاري محمد بن اسماعيل «البخاري» والسبب في ذلك ما رواه عنه ابراهيم من معقل النسفي قال: كنا عند اسحاق بن راهويه، فقال: لو جمعتم كتاباً مختصراً لصحيح سنة النبي صلى الله عليه وسلم قال : فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع الجامع الصحيح. وعنه ايضاً قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وكأني واقف بين يديه وبيدي مروحة اذب عنه فسألت بعض المعبرين، فقال لي: أنت تذب عنه الكذب، فهو الذي حملني على إخراج الجامع الصحيح، قال: وألفته في بضع عشرة سنة. وقد كانت الكتب قبله مجموعة ممزوجة فيها الصحيح بغيره، وكانت الآثار في عصر الصحابة وكبار التابعين غير مدونة ولا مرتبة لسيلان أذهانهم وسعة حفظهم ولانهم كانوا نُهوا أولاً عن كتابتها، كما ثبت في صحيح مسلم: خشية اختلاطها بالقرآن، ولأن اكثرهم كان لا يحسن الكتابة، فلما انتشر العلماء في الأمصار وكثر الابتداع من : الخوارج والروافض دونت ممزوجة بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين وغيرهم فأول من جمع ذلك: ابن جريج بمكة وابن اسحاق أو مالك بالمدينة. والربيع بن صبيح أو سعيد بن أبي عروبة أو حماد بن سلمة بالبصرة. وسفيان الثوري بالكوفة، والاوزاعي بالشام، وهشيم بواسط، ومعمر باليمن، وجرير بن عبدالحميد بالري، وابن المبارك بخراسان، قال العراقي وابن حجر: وكان هؤلاء في عصر واحد فلا ندري أيهم اسبق. وقد صنف ابن ابي ذئب بالمدينة موطأ أكبر من موطأ مالك. قال السيوطي: قلت: وهؤلاء المذكورون في أول من جمع كلهم في اثناء الثانية، واما ابتداء تدوين الحديث فإنه وقع على رأس المائة في خلافة عمر بن عبدالعزيز بامره. ففي صحيح البخاري في ابواب العلم ، وكتب عمر بن عبدالعزيز إلى أبي بكر بن حزم: (انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاكتبه فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء)، واخرجه ابو نعيم في تاريخ اصبهان بلفظ: (كتب عمر بن عبدالعزيز إلى الآفاق: انظروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجمعوه). قال في فتح الباري: يستفاد من هذا ابتداء تدوين الحديث النبوي، ثم افاد أن اول من دونه بأمر عمر بن عبدالعزيز ابن شهاب الزهري. وجاء في ص100 قال :(قال شيخ الاسلام: ولقد كان استيعاب الاحاديث سهلاً لو اراد الله تعالى ذلك بان يجمع الاول منهم ما وصل إليه، ثم يذكر من بعده ما اطلع عليه مما فاته من حديث مستقل او زيادة في الاحاديث التي ذكرها فيكون كالدليل عليه، وكذا من بعده فلا يمضي كثير من الزمان الا وقد استوعبت وصارت كالمصنف الواحد). ولكي يتبين لنا حقيقة عمق الدراية والرواية ببسط من طرح جليل وكيف يكون تأصيل العلم وتفصيله ومعالجة حقيقة ما يتطلبه وضع الامة المسلمة من حاجتها إلى النهوض والتجديد والإضافات على اجتهادات من سبق خاصة، فيما يتعلق ببسط المدارج العلمية ليتبين للناظر والقارئ الالمعي كيف يكون حاله فيما لو اراد هو: التجديد وقد صار بين يديه ما يدفعه إلى ما يمكن أن يبذل ويطرحه من كل جديد بعقل وحكمة ونية وسعة بطان وفقه عميق للواقع على غرار فطن بعيد الغور وان طال المسلك. يقول السيوطي مما ذكره عن الحاكم :(ذكر الحاكم في المدخل ان الصحيح عشرة اقسام، وسيأتي نقلها عنه، وذكر منها في القسم الاول الذي هو الدرجة الاولى: واختيار الشيخين ان يرويه الصحابي المشهور بالرواية، وله راويان ثقتان .. الخ). وقال: (فوائد: الأولى: صحيح ابن حبان ترتيبه مخترع ليس على الابواب ولا على المسانيد سماه (التقاسيم والانواع) وسببه انه كان عارفاً بالكلام والنحو والفلسفة والكشف من كتابه عسر جداً. وقد رتبه بعض المتأخرين. الثانية: صحيح ابن خزيمة أعلى مرتبة من صحيح ابن حبان لشدة تحريه حتى انه يتوقف في التصحيح لادنى كلام في الاسناد، فيقول: انه صح الخبر، او ان ثبت كذا ونحو ذلك (2). وما صنف في الصحيح ايضاً غير المتخرجات السنن الصحاح لابن السكن. الثالثة: صرح الخطيب وغيره بأن الموطأ مقدم على غيره من كتب الجوامع والمسانيد، فعلى هذا هو بعد صحيح الحاكم، وهو روايات كثيرة، واكبرها رواية القعبني وقال العلائي: روى الموطأ عن مالك جماعات كثيرة وبين رواياتهم اختلاف من تقديم وتأخير وزيادة ونقص ومن أكبرها واكثرها زيادات رواية ابي مصعب (3). قال ابن حزم في موطأ أبي مصعب هذا زيادة على سائر الموطآت نحو مائة حديث، وأما ابن حزم فإنه قال: أولى الكتب الصحيحان ثم صحيح ابن السكن والمنتقى لابن الجارود والمنتقى لقاسم بن اصبغ ثم بعد هذه الكتب كتاب: أبي داود وكتاب النسائي ومصنف قاسم بن اصبغ ومصنف الطحاوي ومسانيد احمد والبزار وابني ابي شيبة ابي بكر وعثمان، وابن راهويه والطيالسي، والحسن بن سفيان، والمسندي وابن سنجر، ويعقوب بن شيبة وعلي بن المديني، وابن ابي عروبة، وما جرى مجراها التي افردت لكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم صرفاً، ثم بعدها الكتب التي فيها كلامه وكلام غيره، ثم ما كان فيه: الصحيح فهو أجل مثل: مصنف عبدالرزاق ومصنف ابن أبي شيبة ومصنف بقي بن مخلد الخ). الثالثة/ من مسائل الصحيح (الكتب المخرجة على الصحيحين) كالمستخرج للاسماعيلي والبرقاني ولابي احمد الغطريفي الخ). الرابعة/ من مسائل الصحيح (ما روياه) أي الشيخان بالاسناد المتصل فهو المحكوم بصحته الخ). الخامسة/ الصحيح أقسام متفاوتة بحسب تمكنه من شروط الصحة وعدم .. الخ من كلام اطنب عليه السيوطي واهيب بالعلماء والباحثين والمحققين واساتذة الجامعات والمعاهد العليا العودة إلى ما ذكره خاصة من يستغل منهم بتأصيل العلم وتحقيق آثاره أو ذلك الموهوب أو النابغة الذين يمكن أن يضيفوا جديداً على آراء وطرح من سبقهم من كبار علماء هذه الامة فإن غاية العلم لا تدرك إلا بفهمه والاحاطة به بجانب الاجتهاد في النصوص الصحيحة مع ضرورة البعد كل البعد عن التقليد ومجرد النقل، وكثرة ايراد الآراء تكراراً وتسويداً للطرس مع ما اراه في كثير من المجلات المحكمة العلمية الفقهية من تشابه ما يطرح فيها وطغيان كثرة الاستشهادات وكثرة المراجع مع ندرة نادرة جداً من بذل رأي جديد واستخلاص حصيف وطرح لم يسبق إليه صاحبه. ولهذا اهيب بالمجلات العلمية بالسير نحو جدة البحوث والتنقيب عن النوازل بفقه مدرك ونص مواز يدل على المراد واضافات يرغبها المتابعون وينشدونها ويسعون إليها سعياً ولكم يحز في نفسي ما يلي: 1 تكرار المطروح مع اختلاف بسيط. 2 كثرة المراجع وتكرارها. 3 الاستطراد الانشائي. 4 الالتفات لمجرد الوعظ. 5 ضعف التأصيل العلمي الجديد. 6 عدم الدقة في تحرير الآثار كاملة. 7 اختصار الآراء. 8 التهيب من الاجتهاد. 9 قصر النظر حيال: فقه الحياة العلمية. 10 إيراد بعض الآثار الضعيفة. 11 عدم التفريق بين الحسن لذاته والحسن لغيره. 12 عموم الطرح (دون) بذل خاص للنتيجة. 13 قلة وجود الأخبار العلمية الضرورية: طبياً / ونشراً/ واجتهاداً/ واكتشافاً. وهذا وجدته في كثير من المجلات العلمية المحكمة بل وفي بعض الدراسات بين فينة وفينة، ولا جرم فإن كثرة: المجلات، والدراسات، والدوريات أمر حيوي جيد مبارك بإذن الله تعالى لكن لابد من ضبط الطرح بما يطرح التكرار وكثرة النقل ومجرد الوعظ والانشاء والا فإن وجودها خير كثير وسبيل قويم مع محاولة أن يكون رؤساء التحرير والمشرفون ذوي باع واع مدرك للمستجدات وأصالة ما يبعث اليهم من حيث سلامة البحوث من المعارض خاصة الحشو والاستطراد وقلة أو ضعف الاستخلاص. وأقصد بالاستخلاص غير المكرر أو المنقول بمعناه، ولدقة تأصيل نظر حيال من سلف من حيث التنقيب العلمي الجاد المسؤول، فإن شدة الحذر خلال التناول بفهم مواد كبار العلماء يجر إلى: البذل الاضافي المطلوب في هذا (الحين بالذات) ولنقرأ مثلاً عن حال واحد من هؤلاء الكبار رواية ودراية جاء في ص130/131 قال في (التدريب): (ولنوضح ذلك بمثال: وهو أن تعلم أن أصحاب الزهري (4) مثلاً على خمس طبقات ولكل طبقة مزية على التي تليها وتفاوت ممن كان في الطبقة الأولى فهي الغاية في الصحة.. الخ). قال ابن لحيدان: ومثل هذا هو المراد إذ تتبين به حالات كثيرة من الروايات من خلال معرفة الطبقة ومعرفة حالها وبلدها وروايتها وما يترتب على هذا من حكم أو أحكام علمية في العبادات أو في المعاملات، وهذا بفهمه يجر دوماً إلى : مقدمات الابداع والاضافة والتجديد في عصر الأمة أحوج ما تكون إليه ولاسيما في مجال نوازل متتالية تحتاج إلى بذل وبذل وبذل، خاصة(2/2)
وتأتي صفة التأني وسعة الاطلاع وصدق الظن العلمي وحسن تصور أوجه المطروح في اولويات سبيل البذل.
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ صالح اللحيدان
عدد القراء : 1766
تاريخ الموضوع: 20 - مارس - 2003 ميلادية
(2/3)
الجدل العقلي مع النصارى للشيخ صالح اللحيدان
الشيخ صالح اللحيدان
حينما جرى جدل علمي عقلي مُركز مع أحد كبار النصارى القائمين على كنيسة مُهمة لم يكن بوسع العقل مهما بلغ أن يتعدى حدوده، فإن فعل ذلك هلك وأهلك لأنه حينئذ يكون كنهر زاد ماؤه ففاض ماؤه المنبسط، والقائم وعم الغرق، ثم إذا به يعود إلى باطن الأرض أو هو يصب في البحر مُعلناً نهايته بنفسه لأنه لم يفعل سوى ما فعل،
حينما قيل لذلك الراهب:
أيمكن أن يُولد الإله..؟
شحب لونه، وفتح فاه واصطكت أضراسه ماذا.. ماذا..؟
هو ما تسمع،
لقد خيل إليه أنه سوف يُجيب بجواب علمي عقلي بعيداً عن العاطفة والإنشاء والتمرير والفلسفة لكنه صعق من هول «المعنى).
ثم ماذا..
أين كان قبل ذلك؟
ماذا تقول..؟
أين..
كلا.. لا تكمل،
جدل مركز بيَّن سهل لكنه لم يحر إلا الانبهار مع حب الفرار ولا فرار،
ثم يكون السؤال الآخر،
حينما حلَّ (اللاهوت بالناسوت) وصُلب الناسوت كيف سكت اللاهوت..؟
دامغة مُبيدة.
من أجل ذك كان السكوت
قال فجأة أسمعت السؤال؟
نعم..
هل تُسْلِمُ..؟
ماذا..؟
هل تسلم
وترى بعد ذلك ما لم تكن تخاله
تروَّى علي.. ليس الآن..
ثم كان السؤال الآخر الأشد
أيمكن أن يُصلب الإلاه؟
نعم أيمكن أن يتم هذا.. ولو عللت وعللت..؟
كفى.. كفى،
لم يكن الجواب مهما كان بكاف شيئاً لأنه هُنا أصلاً ما يكون له أن يُجيب لأن كثيراً مما يُعتقد إنما جاء من وثنيات أمم لا دين لها بعد أن كفرت وكذبت، ثم مر زمان وزمان حتى نسي الناسُ ما جاءت به/ الرسل عليهم السلام/ من توحيد الله سبحانه وتعالى وعبادته دون سواه،
بل أدخل أهل الزيغ والشبهات والشهوات على التوارة والانجيل ما ليس فيهما، يحرفون ويزيدون وينقصون ثم نسوا حظاً مما ذكروا به، ثم كذبوا: وألَّهوا عيسى وعبدوه، ثم انقسموا ثلاث فرق كلها تكذب وتضع ما لم يكن،
ولكن تبقى الفطرة هي الباقية وتبقى الحال النازلة، بحق على ما هي عليه،
وحينما يتعالى المرء ويتعالم ويتعاظم ظناً منه ركوب السيادة وصعود سنة العمادة وقبض سدة النظر والتنظير إنما يقدم على سوء حياة شائنة، وسوء ذكر بين العقلاء، وسوء خاتمة إن لم يعد إلى ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام وخيار التابعين، ولذلك هلك شرذمة قليلة وبادت حينما جعلوا العقل مصدراً أولياً للمعرفة في الأفعال والأقوال والنتائج، لكن لندع ابن القيم الجوزية الذي يورد عباراته الشيخ الورع/ عبدالعزيز بن محمد السلمان، ويورد بجانبها عبارات من كلام ابن تيمية لندعه يقول كما جاء في كتابه «الاسئلة والأجوبة الأصولية على العقيدة الواسطية» ص91/92/93 (ط8)، يقول: (كيف يريد الله سبحانه وتعالى أمراً لا يرضاه ولا يحُبه، وكيف يشاؤه ويكونه.. وكيف تجتمع إرادته له وبغضه وكرهه...؟)
يُجيب فهو يقول: (هذا السؤال أصل الافتراق والإضلال الواقع بين طوائف المسلمين وفرق الموحدين إذا عُلم ذلك فاعلم أن المراد: نوعان:
1 مراد لنفسه.
2 ومراد لغيره
فالمراد لنفسه مطلوب محبوب لذاته وما فيه من الخير، فهو مراد إرادة الغايات والمقاصد.
والمراد لغيره قد لا يكون في نفسه مقصوداً للمريد وليس فيه مصلحة له وان كان وسيلة إلى مقصوده ومراده، فهو مكروه له من حيث نفسه وذاته مراد له من حيث إفضائه وإيصاله إلى: مراده فيجتمع فيه الأمران:
1 بغضه.
2 وإرادته.
من غير تناف لاختلاف مُتعلقهما، وهذا كالدواء المتناهي في الكراهة إذا علم متناوله أن فيه شفاءه، وقلع العضو المتآكل إذا علم أن قطعه بقاء جسده، وقطع المسافة الشاقة إذا علم أنها توصل إلى مُراده ومحبوبه بل العاقل يكتفي في إيثار هذا المكروه وإرادته بالظن الغالب وإن خفيت عنه عاقبته وطويت عنه مغبته فكيف بمن لا تخفى عليه العواقب فهو سبحانه يكره الشيء ويُبغضه في ذاته، ولا ينافي ذلك إرادته لغيره) إلى قوله (من ذلك خلق إبليس الذي هو: مادة لفساد الأديان والأعمال.. إلخ)
ثم يقول و(تنقسم الإرادة إلى قسمين:
1 كونية قدرية مرادفة للمشيئة..
2 إرادة دينية.
ثم يورد يقول: (قال شيخ الإسلام (ابن تيمية) الارادة في كتاب الله نوعان:
1 إرادة تتعلق بالأمر.
2 وإرادة تتعلق بالخلق.
فإرادته المتعلقة بالأمر: أن يريد من العبد فعل ما أمره.
وأما إرادة الخلق فأن يريد ما يفعله هو، فإرادة الأمر هي المتضمن للمحبة والرضا، وهي الارادة الدينية،
والارادة المتعلقة بالخلق هي المشيئة، وهي: الإرادة الكونية،
فالكفر والفسوق والعصيان ليس مراداً للرب بالاعتبار الأول والطاعة موافقة لتلك الإرادة وموافقة للأمر المستلزم لتلك الإرداة) ص91/92/ 93/94.
وفي ص235 قال: (القدر السابق لا يمنع العمل ولا يوجب الاتكال، بل يوجب الجد والاجتهاد والحرص على الأعمال الصالحة، ولهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بسبق المقادير وجريانها، وجفوف القلم بها. فقيل له: أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل..؟
قال: لا، ولكن اعملوا فكل مُيسر لما خُلقَ لَهُ).
ثم أورد بعد ذلك يقول: (والناس في الشرع والقدر على أربعة أنواع.
1 فشر الخلق من يحتج بالقدر لنفسه، ولا يراه حجة لغيره يستند اليه في الذنوب والمعايب ولا يطمئن إليه في المصائب.
2 وخير الخلق الذين يستغفرون من المعايب ويصبرون على المصائب،
3 من لا ينظر إلى القدر لا في المعايب ولا في المصائب التي هي أفعال العباد، بل يضيفون ذلك إلى العبد، وإذا وأساؤوا استغفروا وهذا حسن، لكن إذا أصابتهم مصيبة بفعل العبد لم ينظر إلى القدر الذي مضى بها عليهم، ولا يقولون لمن قصر في حقهم دعوة لو قضي شيء لكان ولا سيما، وقد تكون المصيبة بسبب ذنوبهم، فلا ينظرون إليها قال تعالى: (أولما أصابتكم مُصيبةٌ قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا.. قل: هو من عند أنفسكم).
4 من يحتج بالقدر لكل أحد، وهذا مذهب غلاة الجبرية». أ.ه
قال ابن لحيدان: ومن تأمل حال العقلانيين المجردين في أحوالهم وخلواتهم من الوحي وصادق وخز الفطرة يجد أنهم يجلدون عقولهم وذواتهم على كل حال تكون،
وهذا سبب تعاليهم وتنظيرهم للفكر والأدب والفلسفة بل والاقتصاد والإدارة ونحو ذلك.
فهم يجعلون (العقل) مصدر المعرفة، كما يجعلون عقول الآخرين من المعجبين بهم مصدر معرفة في نواحي الحياة، فهم يقولون ويكتبون على هذا الأساس دون سواه ولا يلتفتون أبداً إلى ما يعتريهم من: القلق والتمزق والتشنج والإحباطات بل هم يجنحون دائماً إلى الإسقاطات النفسية على الآخر، ليس هذا منهم قناعة بما يذهبون إليه بل هو من تعذيب الذات للذات ووخز العقل الفطري الصحيح الذي كلما وخزهم وأنبهم كتموه فيذهبون إلى تمزق الله به عليم، ويذهبون إلى قلق مروع، فلا يجدون هروباً من واقع نفسي يرفضه داخلهم الفطري إلا بعراك سفيه كقضية المرأة وقضية اللغة وقضية: الفكر والدين وقضية الحق الذي ينطلقون به إلى مساحات واسعة، ويقولون الحق مُتعدد تعمية للبسطاء وتضليلاً للذين ينشدون شهرة ما.
فالعقل متى ما جُعل مصدر معرفة في نظر الخلق والإيجاد والكون والانسان والحياة أصبح وبالاً على صاحبه لأنه يعيش في دائرة ضيقة فيتلذذ بالحياة لذاتها، وبالأدب للأدب والفن للفن والجاه للجاه والمال للمال حتى إذا ما حلت به قارعة ولول وأسقط على الآخر إسقاطات تعرفها من أخزم، وكم جنت براقش ما جنت على أهلها،
وتجد غالب هؤلاء عند المصائب العظيمة يفقدون الصواب ويسيؤون الظنون، ويتصرفون تصرفاً إسقاطياً عجيباً، بل هل رأيت نفراً عند:
الاحتضار لا جرم ترى عجباً،
فالعقل مخلوق محدود النظر، بل هو جماد، بل هو لا يعرف نفسه إلا بما يجعل فيه. فإذا كان ما يجعل فيه أمراً خارجاً عن نطاقه من الوحي القرآني والسنة الصحيحة، كان هذا هو: العقل الصالح المصلح المحب الخير للغير، وإذا كان الآخر فإنما عقل باعه صاحبه لذات الحياة، وما يذهب إليه فأتعبه وشوهه وحرفه فعاش في دائرة مغلقة مظلمة، قد يتلذذ بها تلذذ السادي حيناً بعد حين، قال تعالى: (كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها) وليس أضر على المرء من ظلم العناد وظلم التعالم وظلم سوء الفهم، وعدم وضوح الرؤية كل هذه ظلمات (بضم الظاء) فحال صاحبها حال صعبة مريرة،
قال تعالى: (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير) بسبب ظلمات العقل حسه ومعناه، ومن تدبر القضاء والقدر تدبره بعلم وفهم وتدبره بوعي سليم من كل شبهة أيقن جازماً أن الله سبحانه وتعالى حكيم عليم في خلقه وفي امره وإنما يؤاخذ العبد بعد أن يبين له ما يتقي
قال تعالى: (إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً) وقال سبحانه: (بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره)
ويكفي دلالة على خطورة الأمر وبالغ حقيقته الذي قد يخفى على كثير من الناس لعدم إلقاء البال له (دعوة المظلوم) فكم حصل بسببها من ذهاب جاه/ ومال/ وصحة،
فلو تدبر (العاقل العادل الأمين) هذا لأدرك حقيقة الخلق بين ثنايا القضاء والقدر والأخذ للضعيف الغافل ولو بعد حين، لكن كثيراً من الناس قد لا يفطن لهذا تكبراً أو تساهلاً، أو لأنه يرى الظلم نوعاً من الدهاء والحنكة لأنه قد يُسمي الظلم بغير اسمه، لكن اليقظة عند النازلة القاتلة من الحكم العدل، لكن هل تجدي اليقظة هُنا؟.. كلا..، فالعقل ليس أصلا إنما هو تبع للوحي، فتدبر وتأمل فخذ ودع.
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ صالح اللحيدان
عدد القراء : 1498
تاريخ الموضوع: 20 - مارس - 2003 ميلادية
(3/1)
الطلاق ألفاظه وأحكامه للشيخ صالح اللحيدان
الشيخ صالح اللحيدان
لا جرم فإن ألفاظ الطلاق من أكثر الأشياء وعورة في كيفية حقيقة فهم السؤال أو الاشكال المطروح فبينما يكون السؤال من شخص ما يقول:
لا أدري هل قلت: طالق ثلاثا بكلمة واحدة أو أنني، قلت: طالق طالق طالق.
ويأتي آخر فيقول حلفت بالطلاق أن يأكل ضيفي ذبيحتي فلست أدري إلا أن النية ليست طلاقا.
وآخر يقول: قلت للزوجة أنت طالق إن خرجت من البيت الى جهة معينة ويحددها.
وآخر يقول طلقتها وهي حامل.
وآخر يقول طلقتها وهي حائض.
ويسيل وادي الأسئلة، من هنا وهناك ولا تكاد تدري ما تقول خاصة اذا كان السائل هو نفسه لا يدري بما تلفظ، إما لغضب أو طول عهد أو نسيان، أو تساهل، وهذا قليل جدا بالقياس الى غيره.
ولاشك أن غياب التقوى أو ضعفها والحرارة المبطنة بالانتصار للنفس والجهل بعواقب الأمور كل هذا لعله يكون: دافعا للتلفظ بالطلاق، وإذا صاحب هذا كله غياب: العقل حال: التلفظ لم يستطع المرء أن يملك نفسه وإلا فإن العبرة تحصل كثيرا بما يسببه الطلاق من آثار سيئة إذا لم تدع الحاجة الشرعية إليه.
فأهيب بكافة المسلمين أن ينظروا أساس النيات ومقاصد الأقوال والأعمال فإن من جعل نيته صالحة خالصة في كل أموره فيوشك بإذن الله تعالى أن يفلح ويحصل له خير كثير.
من أجل ذلك أحببت أن أبين بعض حالات مهمة تتعلق بألفاظ الطلاق وسواه حتى تتضح أمور كثيرة يكونون فيها على بينة من أمرهم.
فمن ذلك:
أولا: أن الطلاق ليس أصلا فوجب تركه إلا لموجب شرعي بيِّن.
ثانيا: أن الطلاق عند الضرورة الشرعية اليه لابد أن يكون في حال: المرأة في طهر لم يجامعها زوجها فيه.
ثالثا: ألا يقع الطلاق حال: الحيض.
رابعا: ومثله يحرم الطلاق بالثلاث.
خامسا: لا يجوز التلاعب بألفاظ الطلاق وجعلها فاكهة يتلفظ: جدا أو هزلا إلا كما ذكرت في رقم 2 .
وحقيقة لفظه هكذا طالق ويكون في حال الزوجة طاهرة لم يجامعها زوجها فيه قال تعالى:(إذا طلقتم النساء فطلوقهن لعدتهن) بمعنى أنه إذا طلقها الزوج تكون طاهرة لم يتم فيه معها غشيان.
وهنا إذا أراد مراجعتها فله ذلك ما دامت في عدتها، فاذا انقضت العدة فيكون الزوج بعد ذلك خاطبا من الخطاب.
وفي حال الطلاق الرجعي فإنها لا تخرج من بيت زوجها بل تبقى فيه فإذا انتهت العدة خرجت الى بيت وليها.
والحكمة من بقائها لعل الزوج يعاودها وهي تنظر مالها وما عليها وقبل ذلك فإن الله سبحانه وتعالى أمر ببقائها ما دام الطلاق رجعيا بقوله سبحانه (ولا يخرجن) (ولا يخرجَّن).
فإن هي خرجت الى بيت أهلها حال هذا الطلاق وأراد الزوج مراجعتها فله ذلك، ولا يحق لوليها منعها أبدا إلا في حال موجب شرعي واضح.
سادسا: يقع الطلاق من: الزوج المكلف فمن أُغمي عليه أو تلفظ به وهو: نائم، أو أُكره عليه ممن يقدر على الاكراه فلا يقع.
سابعا: يقع بلفظه الصريح كما سلف طالق ، ويقع بالكناية الدالة عليه مثل أنت مبانة بضم الميم أنت مبتوتة أنت يمكنك الخروج من البيت وما شابه ذلك بشرط ان يقصد بذلك حقيقة الطلاق.
لأن القصد أصل في ألفاظ الكنايات سواء كانت هذه الكنايات ظاهرة أو كانت خفية فإن موجبها حاصل باقترانه نية الطلاق .
ثامنا: من غضب جدا لكنه لم يزل في وعيه فقال لزوجته أنت كظهر أمي أو زوجة أبي أو عمتي ونوى به الطلاق فهذا اللفظ لا يعتبر كناية يكون لفظه على ما نواه لكنه يكون ظهارا واضحا خلافا لمن ذهب لسواه ولم أدر دليلهم، لكن الذي ظهر لي أنه ليس طلاقا بل هو ظهار تقع بسببه كفارته.
تاسعا: إن وكل زوجته البالغة العاقلة المميزة طلاق نفسها فله ذلك، ويقع الطلاق حسب مراد الزوج: رجعيا أو بائنا.
لكن مثل هذا لا أراه لأنه ترك للأصل لأن الطلاق بيد الزوج.
عاشرا: من قال لزوجته ان خرجت أو ذهبت وعين جهة معينة ان قال لها: ان خرجت فأنت طالق، وقصد منعها ولم ينو الطلاق وهو في حال: جهل فتكون يمين تلزمه كفارتها.
وان قال لها ان خرجت فأنت طالق وهو يدرك حقيقة دلالة الألفاظ فيكون طلاقا بحسبه.
الحادي عشر: اذا قال الزوج لزوجته أنت طالق ثلاثا وقصد حقيقة الثلاث فثلاث طلقات.
وان قالها: جاهلا يظنها واحدة فواحدة لأن الجهل يعذر بسببه صاحبه وضابطه التقوى .
وان قال لها: طالق طالق طالق فثلاث مالم يكن جاهلا فمثل الأول وتكون الثانية والثالثة تأكيدا للأولى.
الثاني عشر: لا يقع الطلاق على المخطوبة التي لم يتم العقد عليها لأنها ليست زوجة بعد.
ومن هذا فلا يجوز الجلوس معها ولا الخلو بها حتى يتم كتابة العقد فتكون زوجة حينئذ.
الثالث عشر: ان حلف بالطلاق المنزل منزلة اليمين كقول الزوج عليَّ الطلاق لا أذهب الى مكان كذا مثلا، فهذا حلف لا يجوز.
لكن إن نوى حقيقة الطلاق فيقع والا فتكون يمين يلزمه بها كفارة اليمين.
وواجب المسلم العاقل تجنب مثل هذا والابتعاد عنه ما أمكنه ذلك.
الرابع عشر: من تردد في نفسه بين حالتين هل: طلق أو لم يطلق، وأقلقه هذا ولم يعرف من نفسه ضعف فهم فلا يقع الطلاق بمجرد هذا: الشك لأن الأصل بقاء عقد الزوجية فلا يزيله مجرد الشك فقط، لكن ان يتيقن فلا اشكال في هذا.
الخامس عشر: اذا طلق الزوج زوجته طلاقا بائنا بينونة كبرى حُرمت عليه ولا يجوز التساهل في هذا ولا تصح له إلا بعد زوج آخر بزواج صحيح، ويكون الثاني قل تمكن منها.
وضابط هذا ألا يكون هناك اتفاق ولو بالتعريض على تحليلها للأول .
السادس عشر: من شك في عدد ألفاظ الطلاق ولم يتبين له شيء منها واجتهد في هذا فتكون طلقة واحدة لأنه هنا شك في الألفاظ العددية فتكون واحدة ولم يشك في ذات الطلاق.
السابع عشر: الكتابة الواضحة ومكالمة الهاتف الصريحة من الزوج يكون على ما أراد من الطلاق ولا يجوز التساهل في هذا أبدا.
كما أنني أحذر من المداعبة بين الزوجين على سبيل البراءة فيتلفظ الزوج بالطلاق.
الثامن عشر: لا يجوز لوالد الزوج أو والدته اجباره على الطلاق بمجرد الكراهة، فهذا فيه: ظلم وسوء خلق.
التاسع عشر: يحرم كل كلام القصد منه ويقصد به افساد أحد الزوجين على الآخر فهذه كبيرة من كبائر الذنوب.
العشرون: يحرم على الزوجة طلب الطلاق دون وجه شرعي بيّن كما يحرم عليها الكذب ليكون وسيلة لطلاقها.
الحادي والعشرون: يحرم على الزوجة الثانية طلب طلاق الأولى.
لأنه طلب يخالف مقتضى آثار الشريعة، ولأنه مدعاة لقطيعة الرحم، ولأنه ظلم قد يحصل بسببه اثم عظيم على الثانية فإن الله تعالى ينظر للضعيف المظلوم ولو لم يدع، وهذا من باب العدل.
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ صالح اللحيدان
عدد القراء : 1954
تاريخ الموضوع: 20 - مارس - 2003 ميلادية
(4/1)
الإضافات العلمية للشيخ صالح اللحيدان
الشيخ صالح اللحيدان
لعله من العسير أو هو يقرُبُ من ذلك اكتشاف الموهبة من خلال النظر ولو كان طويلاً ما لم يكن هناك ضوابط حرة متفق عليها لاكتشاف هذه الموهبة وذلك أنني هنا أجزم غير ظانٍّ أن هناك خطاً قد حصل بين صفات النبوغ المبكر والذكاء الحاد المبكر (والموهبة) جر هذا تبعات قد يكون لها ولو بعد سنين وسنين آراء ليست بما يراد من الموهوب القيام إلا على وجه صاف حاذق غير مسبوق بينما الذي بين أيدينا إنما هو من ذوي النبوغ أو الذكاء في حالة أو حالات وقد يتطرق إلى الحياة طرداً مع الأيام نسبة عالية من النابغين وحادّي الذكاء لكنهم ليسوا: موهوبين مما يشكل قلقاً ولو خفياً في انعدام الإضافات في مجالات عدة إنما فقط استمرار الشيء على ما هو عليه مع حسن تصرف وحسن تصور لكن مع انعدام التجديد الدال على المواكبة والسيادة مما قد يولد آثاراً جانبية تكون سبباً في السير على نمط وان بدا انه تقدم وتجدد.
لقد قلت من قبل عن الإمام (البغوي) ما قلت وما يملكه هذا الرجل يملكه من قبل ومن بعد كل موهوب في السياسة والاقتصاد والإدارة والصناعة والبحث العلمي والأدبي والنقدي والشعري إذ الموهبة ذات صفة متحدة في كافة صفات العقل والسمات الظاهرة العامة وان اختلفت الموهبة بين هذا وذاك من حيث الميل والرغبة لكنها في مجمل حالها الدفين العميق واحدة.
ولعلي أرسم خطاً أو خطوطاً لبعض كبار العلماء الموهوبين في هذه الأمة الذين أضافوا وجددوا بعيدين كل البعد عن التكرار والحفظ المجرد والإنشائيات والاتجاه نحو مجرد الوعظ الحفظي السردي ليتبين لنا الموهبة وان كانت علمية شرعية إلا أنها صفة عامة يمكن توظيفها والمحافظة عليها في كل مجال ذكرته آنفاً وحتى تتسم العملية بروح العبر والتأني لدفع نخبة من علماء في مجالات كثيرة يضيفون ويبتكرون ويكتشفون.
جاء في (تذكرة الحفاظ) للذهبي ج4 قال في ص1498 وما بعدها: (المزي شيخنا الإمام العالم الحبر الأوحد محدث الشام جمال الدين أبو الحجاج يوسف بن الزكي عبدالرحمن بن يوسف القضاعي الكلبي الدمشقي ولد بظاهر حلب سنة أربع وخمسين وستمائة ونشأ بالمزة وحفظ القرآن وتفقه قليلاً ثم أقبل على هذا الشأن سمع من أول شيء كتاب الحلية كله على ابن أبي الخير سنة خمس وسبعين ثم أكثر عنه وسمع المسند والكتب الستة ومعجم الطبراني والأجزاء الطبرزدية والكندية، وسمع صحيح مسلم من الأريلي ورحل سنة ثلاث وثمانين فسمع من العز الحراني وأبي بكر بن الأنماطي وغازي، وهذه الطبقة وسمع بالحرمين وحلب وحماة وبعلبك وغير ذلك.
ونسخ بخط يده المليح المتقن كثيراً لنفسه ولغيره ونظر اللغة ومهر فيها في التصريف وقرأ العربية، وأما معرفة الرجال فهو حامل لوائها والقائم بأعبائها لم تر العيون مثله.
عمل كتاب: (تهذيب الكمال) في مائتي جزء وخمسين جزءاً وعمل كتاب: (الأطراف) في بضعة وثمانين جزءاً وخرَّجَ لنفسه وأملى مجالس وأوضح: (مشكلات ومعضلات) «ما سُبق إليها» في علم الحديث ورجاله، وولي المشيخة بأماكن منها الدار الأشرفية، وكان (ثقة حجة) (كثير العلم حسن الأخلاق كثير السكوت قليل الكلام جداً صادق اللهجة لم تعرف له صبوة).
(وكان يطالع وينقل الطباق إذا حدث وهو في ذلك لا يكاد يخفى عليه شيء مما يقرأ بل يرد في المتن والإسناد رداً مفيداً يتعجب منه فضلاء الجماعة، وكان متواضعاً حليماً صبوراً مقتصداً في ملبسه ومأكله كثير المشي في مصالحة).
فالمزي على هذا:
1 عمل كتاب (تهذيب الكمال) في مائتي جزء وخمسين جزءاً.
2 وعمل كتاب (الأطراف) في بضعة وثمانين جزءاً.
3 وخرج لنفسه وأملى مجالس.
4 وأوضح مشكلات ومعضلات (ما سُبق إليها في علم الحديث)
5 (ورجاله).
6 وكان ثقة حسن الأخلاق كثير السكوت قليل الكلام.
7 وكان متواضعاً حليماً صبوراً.
وبتمعن ما جاء في (التذكرة) من تمام ترجمة هذا العالم الكبير يتبين لنا إضافات كثيرة فوق ما رقمتها عنه هنا يتضح منها أننا أمام أحد كبار العلماء الذين أضافوا وبذلوا: علوماً وآراء لم يسبق إليها وما هذا إلا لما أراده الله تعالى لهذه الأمة من: الرفعة والسؤدد والحياة الدائمة عن طريق استنطاق النص للاجتهاد الإضافي فيما يدل عليه مما لم يكن من قبل وما تحتاجه الأمة في مستجدات النوازل مهما كان وقعها وورودها، وصفاء الذهن وأكل الحلال وصلاح القصد وسعة النظر والحلم والتواضع ومعرفة قدر النفس وفقه الواقع ولزوم الحق وبعد الغور والسمت والدل وبساطة الحياة كل هذا يكون غالباً عنواناً على كبر عقل وسعة علم الرجل ما لم يضرب بحسد أو وشاية مدروسة دائمة أو حقد يكانفه سوء فهم ولعل هذا وذاك لا يضران مادام المرء واضحاً وإنما تكشف الأيام عن كل ذي سوء ومصلحة منشودة بذكاء أو غباء.
يقول الذهبي: (الطبقة السادسة عشرة، من كبار الحفاظ والجملة خمسة عشر نفساً 1079 1/16 محمد بن ناصر بن محمد بن علي بن عمر، الحافظ الإمام محدث العراق أبو الفضل السلامي، توفي أبوه شاباً وهذا صغير فكفله جده لأمه الفقيه أبو الحكيم الخبري واسمعه الحديث وأحفظه الختمة.
مولده سنة سبع وستين وأربعمائة وسمع من أبي القاسم علي بن البسري وأبي طاهر وابن أبي الصقر وعاصم بن الحسن ومالك البانياسي وأبا الغنائم بن أبي عثمان.
وبالغ في الطلب بعد أن برع في اللغة وحصل الفقه والنحو.
(قال ابن الجوزي: كان ثقة حافظاً ضابطاً من أهل السنة).
(قرأتُ بخط الحافظ الضياء: أجاز لابن ناصر أبو القاسم علي بن عبدالرحمن ابن عليك في سنة ثمان وستين وأربعمائة وأبو صالح المؤذن وفاطمة بنت الدقاق والفضل بن المحب).
(قال ابن النجار: كان ثقة ثبتاً حسن الطريقة متديناً (فقيراً) (متعففاً/نظيفاً) (نزهاً).
وأطنب الإمام الذهبي عن هذا العالم الجليل السيد الفخم مع كونه فقيراً أطنب عنه بما أراه ضرورياً لنظر ترجمته هناك ففيها عبر وآيات لاسيما وهو أحد كبار العلماء الذين أضافوا التجديد الجديد في (فقه الخطاب الشرعي) واللغة والنحو وانكب ينظر ويطالع ويستدعي (الموهبة) بورع وعفاف وكمال تصور وصفاء نظر حتى رسم اسمه عبر القرون أبداً لا ليترجم له أو تسود صفحات التراجم باسمه.. و .. و .. وبل ليكون أحد الذين أضافوا جديداً لم يكن من قبل، وما ذكره ابن الجوزي وابن النجار والذهبي وسواهم عنه وما ذكره هؤلاء يبين للخريت الألعي كم كان قدر هؤلاء الكبار مع فقر وبساطة وعدل وحسن خلق وتفتيق لأبكار النظر من هنا وهناك.
لا جرم فلعل مسألة واحدة جديدة مما طرقها أحد كبار العلماء ممن ترجم لهم الذهبي وسواه خلال العهود السبعة منذ بدء البعثة الشريفة حتى القرن الثامن يبين حالة الآيات العجيبة لعالم قدير .
كيف بذل وبذل حتى فك الطلسم النازل من النوازل.
عجيب أمر هؤلاء الكبار.
لكن لا عجب فإن من يقرأ مطولات/ فقه الخطاب وما حصل فيه من: اجتهادات وإضافات سوف يتضح له مقدار: عقل ونزاهة وأمانة وضخامة الفهم وعبقرية التجديد الذي سوف يفرع منه اللاحقون ما يفرعون.
لا عجب فإن قراءة سيرهم تولد إحساساً مع الأيام بتذكير الموهبة وتنبيهها وتنشيطها لتكون أو ليحصل الاكتساب للموهبة.
وقد كان هذا ديدن القروم من النابهين من علماء الأمصار.
وجدير بعقل نابه يقظ فطن.. جدير به استلهام المسألة ليبدي حولها مرة ومرة وثالثة حتى تتفق لديه طريقة الإضافة الحقة الجديدة خاصة فيمن يميل نحو: طول التأمل وسعة البطان ونزاهة البذل وعمق النظر حيال دلالات النص وطرحها أمام كل نازلة بنظر جاد متمكن مركز.
ولقد يعجب العالم ذكراً أو أنثى وهو يطالع (تهذيب الكمال) للمزي كيف أضاف من أضاف ما أضاف مع حالة انفراد يظن صحبه به انطواء ومرضاً فإذا ذاك يتمخض عن ولادات علمية ليس لها سابقة وعن بذل علمي تمخض عنه إضافة جديدة مع إضافات سابقة لكنها منفردة بجلالها وحاجة الأمة إليها وتهذيب الكمال بجانب كونه تراجم وروايات ونكتاً علمية لكنه كتاب على كبره يدفع بقارئه إلى نسيان حالته ليسبح مع من ترجم لهم في حياتهم ليرى نجوماً يهتدى بها عبر تطاول العهود.
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ صالح اللحيدان
عدد القراء : 1446
تاريخ الموضوع: 20 - مارس - 2003 ميلادية
(5/1)
خرص الزكاة للشيخ صالح اللحيدان
الشيخ صالح اللحيدان
كتب ابن قيم الجوزية كتابه الذائع الصيت «زاد المعاد» على منهج علمي فريد في بابه حرر فيه مسائل كثيرة من الأحكام الدينية والدنيوية بجلب الشواهد من الأدلة نقلاً وعقلاً وتجاوز الشرح بتنظير جيد في سياسة الدولة وسياسة الإدارة وتنظيم حالة الناس فيما يهم أمر حياتهم وأخراهم كل ذلك سيراً على نص وقاعدة، وهو وكتاب «اعلام الموقعين» من أجود ما ألف في هذا الباب متمشياً على هدي النبي صلى الله عليه وسلم في حله وترحاله إذ «الزاد» إنما هو فقه لسياسته صلى الله عليه وسلم وخطابه العام والخاص للأمة كما في قوله تعالى :« لأُنذركم به ومن بلغ» أي القرآن والسنة الصحيحة
وعوداً على ما كنت قد بدأته سلفاً بتحرير ما أشار إليه ابن قيم الجوزية فأذكر أن الثمار والحبوب وهما الخارج من الأرض لهما شأن يحتاج إلى فقه وسعة مدرك فإنه رحمه الله يُجمل وأحياناً يستطرد وثالثة مثل ذلك لكنه يضيف بعض آثار يحتاج أمرها إلى بيان على نسق مختلف بين حكم وحكم.
يقول في الزاد ص 6/7: «وأوجب نصفه وهو: العشر فيما كانت مشقة تحصيله وتعبه وكلفته فوق ذلك، وذلك في الثمار والزروع التي يباشر حرث أرضها وسقيها وبذرها ويتولى الله تعالى سقيها من عنده بلا كلفة من العبد ولا شراء ولا إثارة بئر ودولاب.
وأوجب نصف العُشر فيما يتولى العبد سقيه بالكلفة الدوالي والنواضح وغيرها.
وأوجب نصف ذلك، وهو : ربع العشر فيما كان النماء فيه موقوفا على عمل متصل من رب المال.
بالضرب في الأرض تارة. وبالإدارة وبالتربص تارة ، ولا ريب» يقول ابن قيم الجوزية :«إن كلفة هذا أعظم من كلفة الزرع والثمار، وأيضاً فإن نمو الزرع، والثمار أظهر وأكثر من نمو التجارة، فكان واجبها أكثر من واجب التجارة، وظهور النمو فيما يسقى بالسماء والأنهار أكثرمما يسقى بالدوالي والنواضح، وظهوره فيما وجد محصلاً مجموعاً كالكنز أكثر وأظهر من الجميع».
لقد كنت بينتُ من قبل هذا أن الخارج من الأرض نوعان من حيث الأصل:
1 ما خرج دون كلفة ولا مشقة.
2 ما خرج بكلفة ومشقة.
فزكاة الأول «ولا بد» نصف العشر يُعطى مُستحقيه من الفقراء والمساكين عن طريق الذين يخرصون الزروع والثمار بأمر من ولي أمر المسلمين حيث ارتضاهم بصفات ذكرتها من قبل.
وزكاة الثاني تكون بربع العشر تعطى من يستحقها كذلك.
والخارج من الأرض أمره خطير إذا لم يتق صاحبه الله تعالى فيه. وعلى الذين قد يفوتهم شيء ما فيه أن يسألوا ويتحققوا عن «حقيقة النصاب» وكيفيته ومقداره وأهله وإنما الذين يخرصون لا يعلمون الغيب فأهل الزرع والثمر واجبهم بيان ما عندهم مما يملكونه حتى تبرأ الذمة من الزكاة.
وخراص المحاصيل إذا لم يكن لديهم تجربة ولا فطنة ولا سعة نظر فقد تفوتهم أمور مهمة في باب الزكاة وتحصيلها لا يقصدونها إنما قد تقع بسبب العجلة أو الجهل أو سوء فهم ركب بعضه على بعض. ولذلك فولي الأمر تبرأ ذمته بهذا المقدار من الحرص على إعانة المسلمين في: إخراج ما يجب عليهم تجاه إخوانهم من أهل الزكاة، ومن المقرر شرعاً أن زكاة الزروع تكون بعد الحصاد حتى يتبين الصالح منه من الفاسد فيقدر الصالح فيكون في كل «خمسة أوسق» صدقة قال ابن قيم الجوزية :« وهي خمسة أحمال من أحمال إبل العرب» وهذا قد صح فيه ما جاء في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه :« أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة وليس فيما دون خمس أواق من الوَرِقِ صدقة وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة» والوسق: ستون صاعاً. والصاع: خمسة أرطال وثلث بالرطل البغدادي، وهو: مائة درهم وثمانية وعشرون درهماً كما قال المهمشان على «الزاد» ص8.
وجاء في هامش الزاد مما حققه المحققان ص9 ويتطلبه وضع عموم المسلمين الذين رأيت بيان الحال لهم حتى ينظروا ما لهم وما عليهم وكيفية ضابط دفع الزكاة، وحتى تتنبه الجمعيات الخيرية والمؤسسات العاملة في هذا المجال فيكون وضع الشيء في موضعه جاء هناك بخط رفيع: «أخرجه أبو داود «1633» في الزكاة: باب من يعطى الصدقة، والنسائي 5/99،100.
في الزكاة: باب مسألة القوي المكتسب عن عبيد الله بن عدي بن الخيار، قال: أخبرني رجلان أنهما أتيا النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهو يُقسم الصدقة فسألاه منها، فرفع فينا البصر وخفضه، فرآنا جلدين، فقال:
إن شئتما أعطتيكما ولاحظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب. واسناده: صحيح.
وأخرج مسلم في صحيحة «1044» في الزكاة: باب من تحل له المسألة من حديث قبيصة بن مخارق الهلالي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:«إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة:
1 رجل تحمل حمالة، فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يُمسك.
2 ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يُصيب قواماً من عيش.
أو قال: سداداً من عيش.
3 ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا في قومه: لقد أصابت فلاناً فاقة فحلت له المسألة حتى يُصيب قواماً من عيش، أو قال : سداداً من عيش.
فما سواهن يا قبيصة سحت».
وجاء في هامش ص10 بعد كلام رواه في مسنده 1/231،232:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث من يخرص على الناس كرومهم وثمارهم، وأخرج البخاري «3/272» عن أبي حميد الساعدي، قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك فلما جاء وادي القرى إذا امرأة في حديقة لها فقال النبي صلى الله عليه وسلم اخرصوا وخرص رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أوسق فقال لها: احصي ما يخرج منها، والخرص هو: حرز ما على النخل من الرطب تمراً، حكى الترمذي عن بعض أهل العلم أن تفسيره أن الثمار إذا أدركت من الرطب والعنب مما تجب فيه الزكاة بعث السلطان خارصاً يخرص عليهم، فيقول يخرج من هذا: كذا وكذا زبيباً، وكذا وكذا: تمرا فيُحصيه وينظر مبلغ العشر فيثبته عليهم ويخلي بينهم وبين الثمار فإذا جاء وقت الجذاذ أخذ منهم العشر، وفائدة الخرص التوسعة على أرباب الثمار في التناول منها والبيع من زهوها وإيثار الأهل والجيران والفقراء، لأن في منعهم منها تضييقا لا يخفى».
والخرص كما هو مُبين هنا هو: اجتهاد الخارص الخبير المجرب بما يجب في الثمار من: الزكاة.
وهو أمر لا بد منه مع كثرة الخارج من الأرض الذي قد يتعذر معه على غير الخارص أن يحيط بما يجب فيه وهذا براءة لذمة ولي الأمر ولازم على المسلم أن ينهج منهج البر والتقوى وأداء ما عليه من حق تجاه أهل كل حق.
وكما تقدم فإنه لا يجوز للخارص أن يأخذ شيئاً ولو على سبيل الهدية لأنه لولا عمله في الخرص لما جاءته هدية ما، والرشوة أمر آخر فهي جريرة وذنب وسحت.
وفي النص الآنف الذكر قبل قليلة من حديث قبيصة ابن مخارق الهلالي فإنه صلى الله عليه وسلم بين حقيقة مهمة ذات دلالة لما قد يقع من بعض ضعاف النفوس ومن فيهم جهل أو جشع أو تهاون في الدين بأكل المال ولو عن طريق المسألة التي لا تحل إلا لثلاثة فقط وحديث «قبيصة» مدون في صحيح مسلم رحمه الله تعالى «1044» شرحه الإمام النووي وفصَّل فيه تفصيلاً جيداً لأهميته في حياة المسلم.
وهنا أمور لا بد منها أبينها لخطورتها:
1 تحريم دفع الزكاة لغير أهلها.
2 تحريم أخذها لمن ليس من أهلها.
3 تحريم المحاباة في دفعها لفساد النية.
4 يحرم أخذها على سبيل العادة مع الغنى.
5 يجب إعادتها إلى صاحبها إذا كان آخذها ليس من أهلها. أو أخذها بعد السؤال ثم ثاب إلى الله ورجع.
6 لا يجوز تأخيرها عن وقتها بحجة رمضان أو الحج مثلاً.
7 لا يعطى المجنون ولا السفيه الزكاة مالاً إذا كانا فقيرين بل يحولان منها بما يصلح لهما.
8 من تجب نفقته لا يعطى من الزكاة.
9 لا بأس بتقديم دفع زكاة المال لضرورة.
10 الغني عليه «صدقة» فوق الزكاة لمن يحتاج من ذويه وهو ذو قدرة تامة.
11 ما يأخذه الخارص من أرباب المزارع يعاد إلى أصل بيت المال لأن دافع الهدية العمل، والخارص قد جعل له ولي الأمر مقابلاً على ذلك برسم معين.
12 أصحاب «بهيمة الأنعام» و «الحبوب والثمار» يحرم علهيم إخفاء شيء مما يملكونه، وضرر هذا عليهم لأنه يترتب عليه دين إلى يوم القيامة.
13 لا يخرص: الزرع مهما كان إلا بعد نضوجه تماماً.
14 يفرق في الخرص بين الغالي والرخيص.
15 لا تخرص الزروع حال فسادها أومرضها.
16 لا تخرص الزروع إلا بعد الحصر التام.
17 تترك للمديون والفقير جدا حاله حتى يسدد ما عليه إذا كان زرعه وثمره لا يغطي دينه أو فقره.
18 لا يؤخذ من «بهيمة الأنعام» زكاة من كرائم البهائم بل من الوسط كما جاء عن ابن عباس أن معاذاً قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب فأدعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب».
هامش ص17/خرجه البخاري 3/255 وسلم «19».
وهذا النص الجليل قاعدة عظيمة تسري أبداً في حال نظر الزكاة وخرصها.
وهُنا حالات قد تقع منه ما دونه صاحب «زاد المعاد» ومنها ما سجله المحققان ومنها ما أُقيده حسب وقوعه جاء في ص 17 :«وكان صلى الله عليه وسلم ينهى المتصدق أن يشتري صدقته، وكان يبيح للغني أن يأكل من الصدقة إذا أهداها إليه فقير، وأكل صلى الله عليه وسلم من لحم تصدق به على «بريرة» قال: هو عليها صدقة ولنا منها هدية».
جاء في الهامش من ذات الصفحة: «أخرج مالك 1/282 والبخاري 5/304 ومسلم 1621 من حديث ابن عمر أن عمر بن الخطاب حمل على فرس في سبيل الله فوجده يباع فأراد أن يبتاعه فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: لا تبتعه، ولا تعد في صدقتك» و «روى أحمد في المسند 6/123 و 179 والبخاري 9/482 في الأطعمة باب الأدم ومسلم 1504 في العتق باب الولاء لمن أعتق، ومالك في الموطأ 2/562 في الطلاق باب ما جاء في الخيار من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها وهو حديث طويل».
وأُبين ما يلي بناءً على ما سلف:
1 إذا دفع المزكي زكاته من بهيمة الأنعام أو عقار فلا يجوز له شراء ذلك.
2 وبناء عليه لا يجوز التوصية بالشراء لتعود إليه.
3 لا يجوز لأحد ممن يعوله المتصدق أن يشتريها.
4 لا يجوز العودة في الصدقة، وهذا أبلغ من العودة في الهبة.
5 يجوز بل هو واجب إبدال الصدقة الرديئة بصدقة جيدة إذا سبق ذلك فساد النية ويتوب.
6 على الذين يخرصون تدوين كل حالات الخرص من الصفة والكمية والموضع ومقدار الخرص وهيئة صاحب المال من زرع أو بهيمة أنعام.(6/1)
7 لا يجوز للخارص إسقاط شيء ما دون وجه شرعي فيه بيان من ولي الأمر.
ولعل تنبه المسلم لأمر أركان دينه وصدقه في ذلك دافع قوي للسير في منهج قويم في حياته ديناً ودنيا.
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ صالح اللحيدان
عدد القراء : 1329
تاريخ الموضوع: 20 - مارس - 2003 ميلادية
(6/2)
تصنيف المواهب للشيخ صالح اللحيدان
الشيخ صالح اللحيدان
لعل كثيرين فطنوا قبلي إلى علة اشتهار (تذكرة الحفاظ) للذهبي، و(الطبقات الكبرى) لابن سعد و(الثقات) لابن حبان و(تاريخ ابن عساكر) و(تهذيب الكمال) للمزي و(العلم المشهور) لابن دحية الكلبي و(طبقات الحفاظ) للسيوطي، و(سير أعلام النبلاء) للذهبي و(شذرات الذهب) لابن العماد و(معجم المؤلفين) لعمر كحالة و(يتيمة الدهر).
وما برحت هذه الأسفار تُعدُّ مصدراً عجباً لا لأنها أُلفت خاصة بالتراجم: تراجم الموهوبين عبر القرون من علماء وساسة وأدباء ولا على أساس أنها كُتبٌ نادرةٌ بعيدةٌ عن الإنشاء والسَّردِ والتهويل والمجاملة والاستجداء لكن لأنها جاءت على منسق واحد فريد كما تحتاجه (الإنسانية) في حياتها تحتاجه كذلك في علمها وايجاد الافراد الموهوبين الأسوياء الذين تلازم لديهم (العقل/ والقلب) وترابط فيهم (السلوك/ والوجدان) والغرائز فأصبحوا كبار المهمة كبار القدر من ذوي الميزان الثقيل في كفةٍ عاليةٍ لا تميل ولا تخون ولا تحيف.
وتحرص الأمم والشعوب منذ أقدم الأزمان على أن يكون افرادها أسوياء في القول والعمل مما يترتب عليه: النزاهة، والجد والأمانة والإخلاص في التأسيس والبناء ودوام العطاء بصدق ورغبة ونشاط.
وما برحت الدول يُنشَد من بين ثنايا أفرادها (الموهوب) خاصة في أساسيات العلم التي تنشدها ضرورة الحياة وقواطع الحاجة، وتسعى إليها للاستغناء عن غيرها مما قد يترتب عليه ضرر بالغ خاصة بين دولة ودولة لا تلتقيان في دين وخلق.
وإذا كانت الوقاية خيراً فقد هَبَّت كثيرٌ من الدول إلى شحذ الهمم والدفع الجاد المستمر للبحث عن الموهوب في أي مجال من مجالات الحياة التي ترتسم فيها نوابغ التجديد والإضافة في حين مُبكر من الحياة وغالب الظن أن هُناك نوع خلط دقيق جداً في عملية اختيار الموهوب ذلك أنه في أحيان مُتعددة ومُتفاوتة تتداخل الصفاتُ بين الذكاءِ الحاد والموهبة وبين سُرعِة البديهة والحيوية والموهبة وبين ارتفاع الدرجات الدراسية والموهبة.
وقد تدخل المجاملة هُنا لسبب ما مما يضر بحال من صُنِّفَ أنَّهُ: موهوبٌ وليس كذلك مما ينتج عنه تردي حال هذا الفرد، وقد يحصل له انتكاسة نفسية حين مواجهة الحياة التي يتولاها على أنه /موهوب/ وقد تسري المجاملة صُعُداً مما يولد تدهور حال الموهوب الحقيقي إذا لم يكن هو المتقدم حقيقة خاصة إذا علمنا أن الموهوب
1 يمتاز/ بالحساسية المفرطة.
2 وحب الانزواء.
3 وكتم الشعور.
4 والتوجس.
5 وسرعة تقبله لردة الفعل.
6 ومشاكسته للحياة.
7 وحبه للظهور بنسق بيِّن.
8 وتفرده ببعض الألفاظ.
9 وشدة حيائه.
10 وانسحابه إذا لم يقبل منه.
دع عنك صفاته أو بعض صفاته الحسية كالوجه والرأس والعين والجبهة، وطبيعة المشي والجلوس,, الخ.
وهذا ما يدعوني إلى ضرورة اكتشاف الموهوب والمحافظة عليه ولو كان صغير السن ما بين 5 إلى 12 من سنين.
من أجل ذلك لعلي هنا كواحد من المجربين والمكتشفين للموهبة في حينها المبكر لعلي أُبين شيئاً مُهماً وأدعو إليه وأُشدد الدعوة لما رأيته من المصلحة التامة في حياة الدولة وبنجاح أمرها في اكتشاف غوامض قد لا يصل إليها إلا الموهوب متى ما تم اكتشافه في حين مبكر جداً عبر طرق متعددة تتصف بشدة الحذر من عدم الخلط بين: الموهوب وبين من ذكرتهم آنفاً.
وهذا الذي أبينه هنا قد سبقني إليه في الحال والمقال من أشرتُ إلى كتبهم في صدر هذا الكلام لكن بيانهم له لم يرصد على اساس ما سوف أشير إليه وان كان يُحاكيه بصورة من الصور ذلك أن ما سوف أوضحه قد حصر منطقة: الموهوب بحيث يمكن معرفته في حدود عمره الزمني وهو مابين (7 سنين الى 12 سنة)، ومن النادر أن تتضح الموهبة بعد ذلك، ذلك أنها ما بين 13 سنة حتى 18 سنة تتداخل عليها صفات أخرى فيظن المكتشف أن حدة الذكاء مثلاً أو سرة البديهة أو علو الدرجات هي الموهبة وفرق كبير وكبير بين هذه الصفات وبينها من أوجه ليس هنا محل بيانها وقد يستطيع الأب أو الأم إذا كانا حاذقين أن يتوليا (ولدهما) بنفس طريقة الاكتشاف والرعاية والمحافظة فيبرز الولد: موهوباً ولو بعد حين.
لكن المدرسة هي المحطة الأولى المنظمة التي تستطيع نظر هذا دون ريب، وهي التي أريدها هنا دون سواها وان شاركها معها غيرها فإنما ذلك روافد تحتاجه في حين وحيد وليس في كل حين.
إنني أهيب بمؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله لرعاية الموهوبين أن يكون ما قامت وتقوم به مستمراً على طراز ما هو عليه إذ ليس بعدها نشدان ولا من يعول عليه بعد الله تعالى غيرها بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني, خاصة وقد خطا التعليم والعلم ناهيك بالطب والهندسة والصناعة والزراعة خطت هذه كلها خطوات حيوية سبقت غيرها بصورة لافتة للنظر.
إنني هنا مركز على نقطة ذات اهمية بالغة تخص عملية الانتقاء بعد الاكتشاف بعد نظر ونظر ونظر.
وهذه النقطة محورها ما بين السنة الرابعة الابتدائية حتى السنة السادسة منها وذلك بجعل المراحل الثلاث هي موضع النظر الفاحص الدقيق فإن الرابعة والخامسة والسادسة الإبتدائية يتبين فيها منها صفات على الموهوب أذكر بعضها:
1 طول الصمت.
2 حساسية مفرطة.
3 حدة الطبع.
4 حدة الفهم.
5 تغير الهيئة عند الغضب.
6 الصبر العجيب.
7 إضافات جديدة من عنده خاصة في:
اللغة العربية.
الإملاء.
التجويد.
العلوم.
الرياضيات.
الرياضة الفنية.
ال: E.
ولكن يجب أن نُلاحظ النقطة السابقة ففيها (غموض) ويُدركُ هَذَا من جرب الاكتشاف علماً أنه قد لا يوجد أحياناً اي موهوب في: مدرسة واحدة، وهذا ما يدعو إلى الخلط كثيراً بين القدرات/ والموهبة/
وماجاء في النقطة (3) ذو أهمية مهمة (فحدة الفهم) ليست هي: الذكاء ولا سرعة البديهة بل هو أمر زائد عنهما بنسبة عالية وضابطه هو: عجز الذكي أن يصل إلى هذه الفارقة.
1 والانزواء.
2 ورهافة الحس.
3 وبطء المشي.
4 وبطء الالتفات.
5 والصبر النفسي.
6 والسرحان أحياناً.
7 واستواء الخلقة.
8 وجمال الخلق.
9 وعدم المبالاة أحياناً.
هذه صور صادقة في الموهوب وقد تتوفر في الذكي ولكن ضابط هذا:
1 بطء المشي.
2 وبطء الالتفات.
فالذكي فيه عجلة في السير,, والالتفات,, وسرعة الحكم وهو ما بين 7 سنوات حتى 12 سنة بخلاف الموهوب الذي تصل فيه النجابة إلى 99% فإنه ليس كذلك لكن قد يحصل من: (الموهوب) سرعة في المشي (السير) العادي وكذا: الالتفات لكن لايكون هذا منه إلا عند الاقتضاء لهما كخوف مثلاً.
من أجل ذلك أرى أن تُنظر حالات الطلاب على ما أشرت إليه فتُدرس صفاتهم وحالاتهم وامورهم دون علم منهم (أبداً) بل يتركون على السجية هكذا وحينئذ بعد المرحلة الابتدائية يُصنفون تصنيفاً علمياً دقيقاً مسؤولاً فلا يُزج بهم جميعاً في المرحلة المتوسطة ثم الثانوية هكذا بل من حين تخرجهم من الابتدائي يكون التصنيف على هذا النحو:
الموهوب في الطب له/ مجاله.
الموهوب في الهندسة له/ مجاله.
الموهوب في الصناعة له/ مجاله.
الموهوب في اللغة العربية له/ مجاله.
الموهوب في العلم الشرعي له/ مجاله.
الموهوب في السياسة له/ مجاله.
الموهوب في الادارة له/ مجاله.
الموهوب في الشرطة له/ مجاله.
الموهوب في الدفاع له/ مجاله.
إلخ,,, حسب الاكتشافات المبكرة لهؤلاء الندرة.
وليس من المجهول حشر عشرين مادة أو خمس عشرة مادة والطالب مُصنف أنه موهوب في (الطب) مثلاً.
ولعل هذه واحدة من أمور تُسبب الرسوب في مادة أو أكثر عند طالب موهوب لايرغب أصلاً في مادتين أو ثلاث.
والموهوب,, وكافة الأذكياء يميلون كل الميل إلى ما يقودهم إلى اكتمال التوحيد ونضج العقل من خلال تغذية الفطرة بما هو ركن ركين في الحياة وبعد الممات ولهذا ارى ان تكون: مادة التوحيد/ والفقه واللغة من أساسيات مايلازم الموهوب حتى بعد نيله درجة/د/.
إن ما أقدمه هُنا جُهد عالجته كثيراً في نفسي ثم رأيتُ الكتابة عنه مساهمة في رأي لعله يساهم في معالجة حالات الطالب ولو لم يكن موهوباً في حين أصبح العلم فيه (مدينة) يسمع فيها القاصي والداني فإذا لم يكن الانسان ذا دراية ووعي بنفسه وقدراته وحده ومعرفته فإنه قد تفترسه ذئاب أُهَّلَت لمثل السوء والشر كالفتن والمخدرات وغسيل المخ,, الخ.
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ صالح اللحيدان
عدد القراء : 1237
تاريخ الموضوع: 20 - مارس - 2003 ميلادية
(7/1)
نسبة الآراء إلى كبار العلماء للشيخ صالح اللحيدان
الشيخ صالح اللحيدان
هُناك في جُلِّ المطولات وكتب الفروع أقوال وآراء نسبت إلى بعض كبار العلماء من هذه الأمة كالزهري، وسفيان بن عيينة، وسفيان الثوري، والبخاري، ومسلم، وأبي داود، والنسائي، والترمذي، وابن ماجة، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن إبراهيم بن راهويه، والشافعي، ومالك، وأبي حنيفة، والطبري، والطبراني، وابن المسيب، وابن جبير، وخلق من كبار العلماء من أقطار شتى خلال الأربعمائة عام من الهجرة المباركة، فإذا ما بحثنا ودققنا وقايسنا واستقرأنا لم نجد سنداً صحيحاً إلى ذلك: الإمام، وإذا ما نُسب هذا القول أو ذلك الرأي إلى أحد تلاميذ هؤلاء الكبار حقاً لم نجد كذلك سنداً صحيحاً إليه، وغالب من يستعمل هذا كثير من: الفقهاء وعلماء الأصول والدعاة منذ أمد بعيد، وهذه مسألة لم أجد من حررها مع أنها ذات أهمية بالغة، وهناك أمر آخر هو (زيادة الثقة) من كبار العلماء الذين ظهر أمرهم للعالمين بما حباهم الله تعالى من الحفظ والفهم والتأليف وتواضع الحياة.
ولما لهذا الأمر من جليل مكانة ولحاجة العلماء والباحثين والمحققين إليه أنظر هنا مذكراً بذلك الشعور بالمسؤولية من قبل كل عالم وباحث ومحقق ودارس بلازم نظر أمانة العلم من قبل: المؤسسات العلمية والأفراد خاصة من انصرف أو هو ينصرف إلى التأليف وما جرى مجراه، أذكرهم بجانب التقوى بما حاله ضرورة الفهم السديد والبذل الأكيد تجاه (زيادة الثقة) لما لها من أثر بالغ في النصوص والآثار في كتب الشريعة، كذلك الحال بالنسبة لآراء واجتهادات علماء الطب والسياسة والإدارة والاقتصاد والاجتماع والتعليم ونحوهم من علماء يحسن بنا ألا نذكر عنهم شيئاً أو نضيف إليهم شيئاً إلا بعد تحقيق أن ما قالوه قد قالوه سواء أكان ذلك اجتهاداً منهم كل في مجاله أو كان ابتداء رأيٍ مسبوق إليه.
ولنظر شمول هذا أتجاوز كثيراً لأجلب من كلام صاحب: (تدريب الراوي) ما يُستفاد تجاه ما أنا بصدده يقول فيما بين/ ص 245 ص/ حتى 250:
النوع السادس عشر معرفة: زيادات الثقات وحكمها، وهو فن لطيف تُستحسن العناية به) هذا كلام النواوي يقول السيوطي عليه: (وقد اشتهر بمعرفة ذلك جماعة كأبي بكر عبدالله بن محمد بن زياد النيسابوي وأبي الوليد حسان بن محمد القرشي وغيرهما) يقول النواوي (ومذهب الجمهور من الفقهاء والمحدثين قبولها مطلقاً) يقول السيوطي: (سواء وقعت ممن رواه أو لاً، ناقصاً أم من غيره، وسواء تعلق بها حكم ثبتت بخبر ليست هي فيه أم لا، وقد ادعى ابن طاهر الاتفاق على هذا القول (وقيل لا تُقبل مطلقاً) لا ممن رواه ناقصاً ولا من غيره، وقيل تقبل إن زادها غير من رواه ناقصاً، ولا تقبل ممن رواه مرة ناقصاً).
ثم هو يردف كما حرره في ص 246 ليقول: (وقسمه الشيخ «النواوي» أقساماً:
أحدها/ زيادة تخالف الثقات) فيما رووه.
الثاني/ لا مخالفة فيه لما رواه الغير أصلاً،
الثالث/ زيادة لفظة في حديث لم يذكرها سائر رواته).
ويبين حقيقة وصورة هذه الحالة بما فيه طائل لا بد منه لعامة الهيئات العلمية والمحققين والكليات العلمية الشرعية، ومن يقررون الأحكام ويستخلصون النظر يقول: (وهذه مرتبة بين تلك المرتبتين، كحديث حذيفة: (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً انفرد أبو مالك) سعد ابن طارق (الأشجعي فقال:) جعلت (تربتها) لنا (طهوراً) وسائر الرواة لم يذكروا ذلك (فهذا يشبه الأول) المردود من حيث أن ما رواه الجماعة عام، وما رواه المنفرد المردود بالزيادة مخصوص، وفي ذلك مغايرة في الصفة ونوع من المخالفة يختلف به الحكم، (ويشبه الثاني) المقبول من حيث انه لا منافاة بينهما (كذا قال الشيخ) ابن الصلاح في المصنف: (والصحيح قبول هذا الأخير) قال: (ومثله الشيخ أيضاً بزيادة مالك في حديث الفطرة «من المسلمين» ونقل عن الترمذي: أن مالكاً تفرد بها، وأن عبيد الله بن عمر وأيوب وغيرهما رووا الحديث عن نافع عن ابن عمر بدون ذلك. قال ابن لحيدان هذا من كلام السيوطي، وقال النواوي (ولا يصح التمثيل به فقد وافق مالكاً) يقول السيوطي: (عليها جماعة من الثقات منهم (عمر بن نافع) (وروايته عند البخاري في صحيحه (والضحاك بن عثمان) وروايته عن مسلم صحيحة، قال صالح اللحيدان، وما ذكره مرقوم برقم في صحيح البخاري ومسلم لكن حسب اختلاف السند بينهما، (قال العراقي: وكثير من فرقد وروايته في مستدرك الحاكم وسنن الدار قطني ويونس بن يزيد في بيان المشكل للطحاوي، والمعلى بن إسماعيل في صحيح ابن عبدالله بن عمر العمري في سنن الدارقطني)
ثم هو يضرب المثال، وإذا كان ما سبق يحتاج إلى تأمل جاد مركز، وتكرار للمدون فإن ما يلي من مثال وسواه يحتاج أكثر ما يحتاج إلى النية وصفاء ذهن وحسن تصور للمراد يقول كما في ص 248 (من أمثلة هذا الباب حديث الشيخين عن ابن مسعود: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي العمل أفضل..؟
قال: «الصلاة لوقتها» زاد الحسن بن مكدم وبندار في روايتهما: في أول وقتها، صححها الحاكم وابن حبان، وحديث الشيخين عن أنس: أُمرَ بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة، زاد سماك بن عطية، إلا الإقامة، وصححها الحاكم وابن حبان، وحديث علي: إن السَّه وكاءُ العين، زاد إبراهيم بن موسى : فمن نام فليتوضأ).
وأصل زيادة الثقة أنها مقبولة كما حكاه: النواوي والحاكم والسيوطي، وهو قول المحدثين وجمهور الفقهاء، والزيادات هكذا: جمع زيادة وهي ما يُضاف إلى متن الحديث في أوله أو وسطه أو آخره من صحابي أو تابعي كبير أو تابعي صغير ثقة ثبت، وزيادة الثقة أصل معمول عند الداعي إليها، لكنها ليست أصلاً يصار إلا إذا وجد اللازم لها بشرطها ولا بد.
وكما تكون الزيادة في المتن تكون كذلك في السند ومن هُنا عند من يكلف من يبحث له أو يحضر تأخذ العجلة نصيبها، ويأخذ الخلط نصيبه، وتأخذ الاتكالية نصيبها ويأخذ فقدان الموهبة نصيبه، فيحصل الخلط و(الجزم أحياناً) بصحة ذلك الجزم، ومن هنا تدخل آراء الفقهاء والعلماء وتدخل بعض الحكم والأمثال على أنها: نص منصوص لا محيد عنه وإنما ذلك: رأي، أو كلمة عبرت، وأمر آخر هو الخلط بين زيادات الثقات وبين زيادات غير الثقات، وهذه بلية، وثالث مثلهما هو عدم التفريق بين الزيادة والإدراج.
وما من شك إن من أهم ما يجب اعتباره بجانب التقوى والورع هو: الموهبة بحال من أحوالها.
ولهذا ذخرت الكتب والرسائل والأوراق بكثير من خلط عجيب.
وهنا أمر ليس يقل أهمية عما سلف ذكره يتوجب ذكره: حال مريرة يستدعيها ما رأيته من سوء فهم بسبب العجلة أو عدم الفهم لضعف الحافظة الآلة المحافظة والمستوعبة لدى الإنسان.
أطرحه الآن لندرك مدى الحاجة إلى الحفظ والفهم والتجديد بإبداء ما لم يكن من: قبل وليبين ما أجلبه هنا ضعف الهمة، والاعتماد فقط على (الجمع) والتسويد وتكنيز المراجع وجعل الهامش أحياناً يأخذ جل الصفحة ولو ناقشت مثل هذا بعد حين عن شيء ما بدقة وصفية لم يُجب للاعتماد على النقل دون حفظ سديد لكثير ما حققه أو تبناه.
فهل يوجد هذا مجتهداً..؟ أو يوجد سيداً يسد بعض ما سد السابقون..؟
يقول السيوطي في ص 196 من ج 2/من:
(تدريب الراوي). (النوع السادس والثلاثون: معرفة مختلف الحديث وحكمه، هذا فن «علم» من أهم الأنواع، ويضطر إلى معرفته جميع العلماء من الطوائف، وهو أن يأتي حديثان متضادان في المعنى ظاهراً فيوفق بينهما أو يرجح أحدهما) هذا كلام النواوي، قال السيوطي: (فيعمل به دون الآخر)
قال ابن لحيدان: (باجتهاد سليم صحيح لا يخالف نصاً آخر كان غائباً أو قاعدة شرعية معلومة من الدين بالضرورة) قال النواوي: (وإنما يكمل له الأئمة الجامعون بين الحديث والفقه، والأصوليون الغواصون على المعاني) الدقيقة، (وصنف فيه الإمام الشافعي). وهو أول من تكلم فيه) (ولم يقصد رحمه الله استيفاءه) ولا إفراده بالتأليف (بل ذكر جملة منه) في كتاب الأم (ينبه بها على طريقة).. (ثم صنف فيه ابن قتيبة فأتى فيه بأشياء غير حسنة) (وترك معظم المختلف، ثم صنف في ذلك ابن جرير والطحاوي كتابه «مشكل الآثار» قال صالح بن لحيدان: وكتابه هذا قمن بنظرة من عامة العلماء من أهل الفتياء والقضاء والباحثين وعلماء الأصول، قال السيوطي: (وكان ابن خزيمة من أحسن الناس كلاماً فيه، حتى قال: لا أعرف حديثين متضادين، فمن كان عنده فليأتني به لأؤلف بينهما)، (ومن جمع ما ذكرنا) من الحديث والفقه والأصول والغوص على المعاني الدقيقة (لا يشكل عليه) من ذلك (إلا النادر في الأحيان، ويوجه السيوطي كلاماً جديراً بنظرة على كل حال، فهو يستطرد: (والمختلف قسمان: أحدهما يمكن الجمع بينهما) بوجه صحيح (فيتعين) ولا يصار إلى التعارض ولا النسخ (ويجب العمل بهما) ومن أمثلة ذلك في أحاديث الأحكام: حديث «إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث»، وحديث: «خلق الله الماء طهوراً لا ينجسه إلا ما غير طعمه أو لونه أو ريحه»، فإن الأول ظاهره طهارة القلتين تغير أم لا،
والثاني: ظاهره طهارة غيرالمتغير، سواء كان قلتين أم أقل، فخص عموم كل منهما بالآخر، وفي غيرها: حديث «لا يورد ممرض على مُصح»، وفر من المجذوم فرارك من الأسد، مع حديث: لا عدوى وكلها صحيحة، وقد سلك الناس في الجمع أموراً:
1 أحدها: أن هذه الأمراض لا تُعدي بطبعها، لكن الله تعالى جعل مخالطة المريض بها للصحيح سبباً لإعدائه مرضه، وقد يتخلف ذلك عن سببه، كما في غيره من الأسباب، وهذا المسلك هو الذي سلكه ابن الصلاح.
الثاني: أن نفي العدوى باق على عمومه، والأمر بالفرار من باب سد الذرائع، ولئلا يتفق للذي يخالطه شيء من ذلك بتقدير الله تعالى؛ ابتداء لا بالعدوى المنفية، فيظن أن ذلك بسبب مخالطته، فيعتقد صحة العدوى، فيقع في الحرج، فأمر بتجنبه حسماً للمادة وهذا المسلك هو الذي اختاره شيخ الإسلام،
قال ابن لحيدان: ومثل هذا إنما يحتاج إلى المواهب الفذة العالية، ولا يقدر العجول، ومن لا يقوم بنفسه على الجمع بين المتضاد ظاهراً من النصوص على مثل هذا، والمنزل هو الله جل وعلا للوحي، والعقل خالقه هو الله جل وعلا، ومن هنا فإنه يتعذر تصادم نص بنص أمام عقل كبير سليم من الشهوة والشبهة.
والجمع بين المتعارض من الآثار زل بسبب عدم الإحاطة به أناس كثيرون خاصة في هذا العصر الذي ركب فيه جل الناس حفظ الكتاب دون حفظ الصدر مع سعة المدرك، الذي ركب فيه الناس، حب الدعة وخفاف الوطء وهون السير، وطراوة الليل وشرب القيل، ونيل العاجل بأخذ الذيل،
وأعود إلى السيوطي فهو يقول:(8/1)
3 (الثالث: أن إثبات العدوى في الجذام ونحوه مخصوص من عموم نفي العدوى، فيكون معنى قوله: لا عدوى أي إلا من الجذام ونحوه، فكأنه قال: لا يعدي شيء شيئاً إلا فيما تقدم له أنه يعدي قاله أبو بكر الباقلاني.
4 الرابع: أن الأمر بالفرار رعاية لخاطر المجذوم لأنه إذا رأى الصحيح تعظم مصيبته، وتزداد حسرته ويؤيده حديث: لا تديموا النظر إلى المجذومين، فإنه محمول على هذا المعنى، وفيه مسلك آخر،
(و) القسم (الثاني: لا يمكن) الجمع بينهما (بوجه فإن علمنا أحدهما ناسخاً) بطريقة مما سبق (قدمناه وإلا عملنا بالراجح) منهما (كالترجيح بصفات الرواة) أي كون رواة أحدهما أتقن وأحفظ، ونحو ذلك مما سيذكر (وكثرتهم) في أحد الحديثين (في خمسين وجهاً) من المرجحات ذكرها الحازمي في كتابه الاعتبار في الناسخ والمنسوخ، ووصلها غيره إلى أكثر من مائة كما استوفى ذلك العراقي في نكته، وقد رأيتها منقسمة إلى سبعة أقسام).
ثم هو ذهب يسردها لا لشيء إلا ليدوم علم الأثر ويدوم علم أصوله، ومصطلحه، لكن على كتاف الموهبة من ذوي السداد علماً وفهماً وبذلاً وحكمة وعقلاً، وحتى يتبين للاحق أن السابق إنما سبق مع لازم صلاح النية، وصواب العمل بالشعور بالمسؤولية تجاه: علم الشريعة وضرورة كافة العلوم على فرض الكفاية كالطب والهندسة والاقتصاد والزراعة والاجتماع، وما سوى ذلك، سوف أورد إجمالاً هذه السبعة التي أشار إليها السيوطي مستخلصاً أنها سبع حالات من الأقسام قال ابن لحيدان لكن لا يجدي تلذذ النظر أو تمتع العقل أو تذوق الفكر بمثلها ما لم يكن هناك دافع حي كريم لا ستنطاقها في واقع الحال لأنني رأيتُ: بطء الهمة/ وضعف التلقي يخيم على كثير من عقول الناس إذ انصرف كثير منهم إلى سنن الكفايات وفرض العين وفرض الكفاية من لوازم الأخذ والبذل تثاقلا إلا ما شاء الله،
وها أنذا أجملها مهداة إلى العلماء والجامعات والباحثين والطارحين للمصنفات بين كل فترة وفترة ومع أنها مدونة في التدريب، لكنها تنبيهات لا بد منها على حار الدفع وقار الهمع، وجار اللمع، وطرس الفمع.
ناهيك.. عزيز القارئ.. بثقل المسؤولية أمام جار الرمع وسامع الرمع وباصر الجمع،
يقول:
1 الأول: الترجيح مجال الراوي بوجوه، ثم عددها..
2 الثاني: الترجيح بالتحمل وذلك بوجوه، ثم عددها.
3 الثالث: الترجيح بكيفية الراوي وذلك بوجوه، ثم عددها.
4 الرابع: الترجيح بوقت الورود وذلك بوجوه، ثم عددها.
5 الخامس: الترجيح بلفظ الخبر وذلك بوجوه، ثم عددها.
6 السادس: الترجيح بالحكم ذلك بوجوه، ثم عددها.
7 السابع: الترجيح بأمر خارجي.. إلخ
وكم أرغب جداً من كافة أهل العلم والمجالس العلمية ومن يبحثون في مسائل التجديد في النصوص الصحيحة ومستجدات النوازل، ومن تتطلب حاله شحذ الموهبة والحفاظ عليها والغوص إلى مكنونات أبكار السابقات،
كم أرغب إليهم العودة إلى هذه الأقسام السبعة:
(هناك) مع الأوجه التي ذكرها كبارعلماء هذه الأمة وأجملها ابن الصلاح والحاكم والنواوي والعراقي ثم سجلها السيوطي بوافر من النظر المكين.
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ صالح اللحيدان
عدد القراء : 1210
تاريخ الموضوع: 20 - مارس - 2003 ميلادية
(8/2)
الوصية للشيخ صالح اللحيدان
الشيخ صالح اللحيدان
لا تكون هناك وصية ما لم يكن هناك موصى له بخصوص وعموم، ومعرفة هذا من جوازم النظر على مرتع خصيب يكون ولابد أن يكون.
لقد تغيرت حالة بعض الخلق وتبدلت مع ذلك طبائعهم وأثمر كل من هذا وذاك قطيعة الرحم أو ما يشبهها بصفة أوصفات والمال لستُ اشكُ وأنا أتلقى العديد من الشكاوى والاستفسارات الشخصية المال هو ما يدور حوله محاولة كسبه أو محاولة السيطرة والقيام عليه طمعاً في المركزية حتى لا يُقال هنا أوهناك إلا فلان الأوحد وقد شممتُ مما يعرض عليَّ: شخصياً أن المركزية هدف بحد ذاتها بل قد يسعى طرفُ أو أطراف لإسقاط الطرف الآخر الأحق أوقص عفواً: كسر جناحه فإذا ما مر دهر كان الندم، وهذا ما أحسسته عند كبار السن الذين رتعوا ومرحوا ردحاً من الزمن وهاهم ينبذون سعيهم ووشايتهم فماذا كان الربح بعد طول: المركزية وقطيعة الرحم، ماذا كان بعد مر الأيام إلا احتقار: الذكاء والعقل المؤديين إلى تمثيل جَرَّ معه ندم الأبد، ولا جدل أن: الوصية والموصى له سبيلان لاختبار: التقوى والخوف من الله سبحانه وتعالى وسبيلان كذلك لاختبار عزة النفس والحدب على اللحم القريب،
وقد رأيتُ من كثير ممن يسأل أو يرغب النقاش رأيت خيراً كثيراً إلا ممن: يُؤَلُ وتخدعه نفسه وتحتال عليه، وقد رأيت هذا الصنف فيه رائحة الحسد تزكم نفس المّصُفي الألمعي، ومن هنا لابد من فقه حقيقة أمر الموصى له ببرهان قائم لا يزول،
وإذا دخلت في هذا فإنني أُريد: بالموصى له من ذُكرت له: الوصية ليتملكها وهو من: يصح تملكه ولو كان: كافراً إذا كان هذا فيه نفع بيَّن إلا ما يحرم أصلا كمن يوصي لكافر بأرض ليعمل عليها كنيسة: مثلاً، ومثله كل ما يحرم على الكافر تملكه،
والموصى له هو كما يلي:
1 من يصح تملكه.
2 والسفيه والمجنون بيد وليه.
3 والمسجد ونحوه من يقوم عليه.
4 للموصي أن يوصي من يحج عنه.
5 تصح الوصية للجنين غير الوارث إذا وضعته لأقل من ستة اشهر إن وضع بزواج صحيح.
6 للمعين من فقير أو مسكين أو مريض، وإلا فتكون للموصى لهم إن كانوا أكثر من ذلك حسب نص: الموصي.
7 وتصح الوصية لمن يقوم عليها لا لنفسه لكن للنفع العام كبناء مساجد وشراء ما يصلح مال فقير ومسكين ومنقطع، وهذا يُسمى الموصى له باطلاق,،
ولا تجوز الوصية لمثل:
1 من يستعملها في معصية.
2 أو فتنة.
3 أومن لا يحسن التصرف لكن تُعطى وليه: الأمين.
4 لا تعطى لغير صاحبها.
5 تعطى المعين فقط دون البقية كمن أوصى لخالد او سعيد ولهما إخوة إذا كانا غير وارثين.
6 لا تُعطى لحمل مجهول.
7 لا تُعطى لحمل يتوقع.
8 لا تُعطى للموصى له إذا مات قبل: الموصي، لأنه لا يصح تملك الميت، إلا إذا كانت الوصية لقضاء قدر أودين أو غرم واجب، فحينئذ: لا باس، لأن مما تقع فيه الوصية موقعاً حسناً ولأن النذر والدين والغرم لا يسقط منها شيء مادام هناك من يُبري ذمة المتوفى، ولأن الموت لا يسقطها.
وهذا كله يكون بعد موت الموصي، وما يكون بعد الموت وقبل توزيع التركة مايلي:
1 الوصية.
2 الدين.
3 الودائع.
4 الأمانات.
وهذه لا تعطى إلا لمن يثبت أنها له دون معارض سليم،
وفي مثل هذا لابد من: سعة البال والتثبت والمعاودة،
ولا تجوز العجلة في مثل وان حصل فيكون الجزاء من جنس العمل، ومن عرف من حاله استعمالها بمحرم ولم يكن يعرف قبل ذلك فاستعمل الوصية بمثل ما ذكرت فإنه ينصح ويكرر عليه هذا فإن انصاع وإلا فيترك والله حسيبه،
والتقول فيها ظلم وكذب فمن ادعاها وسلك ما سلك من سبل دهاء وشيطنة وذكاء وكثرة معاودة للورثة أو استغل وسيلة للحصول عليها فهذا: ظلم, وكذب, وحيلة.
والموصى له بها إذا تملكها فله حق التصرف فيها بما يصلح دينه ودنياه، والورثة لهم الحق وهو خير أن يتبرعوا بشيء زائد على الوصية للموصى خاصة القريب غير الوارث او المظلوم أو من له حق فضل له عليهم سابق كعلم أو بذل ونحو ذلك، وهذا لا علاقة له بالوصية لان الوصية لا يُزاد فيها على الثلث لكنه تبرع من الورثة يرجون من اللَّهِ تعالى أجره براً للميت وصلة للحي، وفعل هذا نبل وشهامة وسابق خير لهم إن شاء الله تعالى،
ولما كانت عبارة الوصية بعامة وضعها وذكر الموصى له بخاصة لما كان هذا يحتاج إلى بيان أحببت تدوينها هنا حسب فهمي لتكون بين يدي كل مسلم ليسير عليها، وتكتب الوصية هكذا:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، واشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد/ فهذا ما كتبه (,,,) أنه يشهد أنه لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وأن عيسى عبدالله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق والنار حق، أوصي من خلفي من ذريتي بتقوى الله جل وعلا، والخوف منه وأنني لي على فلان (,,,) أو فلانة (,,,) كذا من المال، أو أن في ذمتي لفلان بن فلان كذا من: المال، أو يذكر أنه لا يطلب أحداً شيئاً ولا يطلبه أحد شيئاً،
ويذكر وصيته بثلث ماله أو ربعه أو خمسه فإن شاء عين, وان شاء عمم، فيذكر المَّوُصى له بالثلث أو الربع أو الخمس ويُسميه باسمه أو يذكر جهته كمسجد,, ونحوه،، أو يذكر عموم الموصى لهم كالفقراء مثلاً، ثم يذكر من يقوم على الوصية من قريب: أمين عاقل، أو صديق كذلك، ثم يذكر فيها ما يُريد ذكره من أشياء لا يُريد أحد الإطلاع عليها، ويرى أنها مهمة لبراءة ذمته للخروج من هذه الحياة وهو مطمئن البال اجتهد وأخلص ثم يختمها ويوقع عليها ويؤرخها، ويشهد من يرى/ دينه، وأمانته/ وعقله، ولا ضير من تغييرها عند الاقتضاء الشرعي،
وإنني هنا أهيب بالمسلمين تذكر هذه الرحلة التي لابد منها وإنني قد رأيت من أعظم ما يقلق ويخيف ويهز المضاجع هو: الظلم بين الزوجين والتفريق بين الذرية وقطيعة الرحم ولو كان بمجرد رأي، وكذا هضم الحقوق بسبب الوشايات وحب الذات فكم من ميت يتمنى: الآن لو عاد فأعاد وأقر واستغفر وأناب لكن هيهات, فأهيب بكل مسلم نظر حال نفسه مالها وما عليها بنية صادقة صالحة جازمة فيتدبر أمره فإن الغد فيه الحساب،
والوصية أمانة لا يصلح فيها الاجتهاد من قريب أو بعيد إلا ما احتاج منها إلى نظر بعد عرضها على العلماء لينظروا فيها ما يوجب تعديلها، إن كان فيها ما يخالف الشرع، وإلا فتكون على ما كتبها الموصي للموصى له،
وهذه بعض النصوص الواردة في: الوصية أوردها لتعم الفائدة بها بإذن الله تعالى من ذلك:
الحديث الأول عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال يا رسول الله إن أمي افتلتت نفسها ولم توص، وأظنها لو تكلمت تصدقت أفلها أجر إن تصدقت عنها قال: نعم، متفق عليه، واللفظ لمسلم.
الحديث الثاني عن أبي أمامة الباهلي رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث رواه احمد والأربعة إلا النسائي، وقال عنه احمد والترمذي هو حديث حسن،ونصره ابن خزيمة، وابن الجارود، وهو عند الترمذي لعله حسن لذاته.
الحديث الثالث عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة في حسناتكم رواه: الدار قطني، قلتُ يقرب أن يكون حديثاً حسناً، واصله في الصحيح،
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ صالح اللحيدان
عدد القراء : 1338
تاريخ الموضوع: 20 - مارس - 2003 ميلادية
(9/1)
التأصيل العلمي للشيخ صالح اللحيدان
الشيخ صالح اللحيدان
جاء في الصحيح المسند من حديث النبي صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه، قال الإمام البخاري: حدثنا الحميدي (1)حدثنا سفيان (2) حدثنا عمرو بن دينار قال: أخبرني سعيد بن جُبير قال: قلت لابن عباس: إن نُوفاً البكالي(*) يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس هو موسى صاحب بني إسرائيل، فقال ابن عباس: كذب عدو الله، حدثنا أُبي بن كعب (3)أنه سمع رسول الله r يقول: (( إن موسى قام خطيباً في بني إسرائيل فُسئل أي الناس أعلم؟
فقال: أنا, فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى الله إليه أن لي عبداً بمجمع البحرين هو أعلم منك.
قال موسى: يا رب فكيف لي به؟
قال تأخذ معك حوتاً فتجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثَمّ.
فأخذ حوتاً فجعله في مكتل، ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون، حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما فناما، واضطرب الحوت في المكتل، فخرج منه فسقط في البحر، واتخذ سبيله في البحر سربا، وأمسك الله عن الحوت جِرية الماء فصار عليه مثل الطاق فلما استيقظ نسي صاحبه أن ينجده بالحوت، فانطلقا بقية يومهما وليلتهما وتمامه عند ابن كثير (4)
حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه: > آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً< , (5)
قال: ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به.
فقال له فتاه: قال> أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيهُ إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجباً ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا
قال: فرجعا يقصان آثارهما (6)حتى انتهيا إلى الصخرة، فإذا رجل مسجى بثوب فسلم عليه موسى فقال الخضر: وأنى بأرضك السلام,,؟
قال: أنا موسى.
قال: موسى بني إسرائيل,,؟
قال: نعم، أتيتك لتعلمني مما عٌلمتَ رٌشداً،> قال إنك لن تستطيع معي صبراستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكراً .فانطلقا< يمشيان على ساحل البحر فمرت بهما سفينة فكلموهم أن يحملوهما، فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نول؛ فلما ركبا في السفينة لم يُفاجأ إلا والخضر قد قلع لوحاً من ألواح السفينة بالقدّوم، فقال له موسى: قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها: > لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمرا
>قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا
>قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا تُرهقني من أمري عُسرا
قال(*)) وقالr: فكانت الأولى من موسى نسياناً .
قال: وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة؛
فقال له الخضر: ما علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما أنقص هذا العصفور بمنقاره من هذا البحر.
ثم خرجا من السفينة، فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاماً يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده فقتله، فقال له موسى: >أقتلت نفساً زكية بغير نفس لقد جئت شيئاً نُكراً
> قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً
قال: وهذه أشد من الأولى.
> قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عُذرا
>فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يُضيفوهما فوجدا فيها جداراً يُريد أن ينقض< (قال مائل)، (فأقامه) بيده فقال موسى: قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يُضيفونا, >لو شئت لاتخذت عليه أجراً
>قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك< إلى قوله > ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبراً< فقال r وددننا أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما .(*)
قال سعيد بن جبير (1)فكان ابن عباس يقرأ: >وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا< وكان يقرأ: >وأما الغلام فكان كافراً وكان أبواه مؤمنين
ثم رواه البخاري (2)أيضاً عن قُتيبة عن سفيان ابن عُيينة بإسناد نحوه وفيه: (فخرج موسى ومعه فتاه يوشع بن نون ومعهما الحوت حتى انتهيا إلى الصخرة فنزلا عندها.
قال: فوضع موسى رأسه فنام.
قال سفيان، وفي حديث غير عمرو.
قال: وفي أصل الصخرة عين يُقال لها الحياة، لا يُصيب من مائها شيء إلا حيي، فأصاب الحوت من ماء تلك
العين، قال: فتحرك وانسل من المكتل فدخل البحر فلما استيقظ >قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا
وقال البخاري:حدثنا إبراهيم بن موسى، حدثنا(*) هشام بن يوسف، أن ابن جريج أخبرهم، قال: أخبرني يعلى بن مسلم، وعمرو بن دينار عن سعيد بن جبير؛ يزيد أحدهما على صاحبه وغيرهما قد سمعته يحدثه عن سعيد بن جبير قال: إنا لعند ابن عباس في بيته إذ قال: سلوني،
فقلتُ: أي أبا عباس - جعلني الله فداك - بالكوفة رجل قاص يُقال له (نوف) يزعم أنه ليس بموسى بني إسرائيل.
أما عمرو فقال لي: قال: كذب عدو الله، وأما يعلى فقال لي: قال ابن عباس: حدثني أُبي بن كعب، قال: قالr: موسى رسول الله قال ذكر الناس يوماً حتى إذا فاضت العيون، ورقت القلوب وَلى، فأدركه رجل، فقال له: أي رسول الله: هل في الأرض أحد أعلم منك,,؟
قال: لا.
فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إلى الله .(*)
وقد رواه عبدالرزاق (1)عن معمر (2)عن أبي إسحاق (3)عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: خطب موسى بني إسرائيل.
فقال: ما أحد أعلم بالله وبأمره مني.
فأمر أن يلقى هذا الرجل، فذكره نحو ما تقدم (4)وأشار ابن كثير ما بين ص 424 حتى ص 426 أشار إلى ما يلي:
وقوله (تعالى) >وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة< قال: السهيلي وهما: أصرم وصريم أبناء كاشح >وكان تحته كنز لهما
قال البزار حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، حدثنا بشر بن المنذر، حدثنا الحارث بن عبدالله اليحصبي عن عياش بن عباس الغساني عن ابن حجيرة عن أبي ذر رفعه قال: ((إن الكنز الذي ذكره الله في كتابه لوح من الذهب مُصمت مكتوب وعجبت لمن أيقن بالقدر كيف نصب؟ وعجبت لمن ذكر النار لم ضحك؟ وعجبت لمن ذكر الموت كيف غفل؟ لا إله إلا الله محمد رسول الله))(2), وهكذا روي عن الحسن البصري، وعمر مولى غفرة وجعفر الصادق نحو هذا (3)
وقوله تعالى >وكان أبوهما صالحاً < قيل إنه كان الأب السابع، وقيل العاشر، وعلى كل تقدير: فيه دلالة على أن الرجل الصالح يُحفظ في ذريته والله المستعان(4).
وقوله تعالى >رحمة من ربك < دليل على أنه كان نبياً (5)وأنه ما فعل شيئاً من تلقاء نفسه بل بأمر ربه فهو نبي. وقيل: رسول. وقيل: ولي. وأغرب من هذا من قال: إنه كان ملكاً
قلتُ: وقد أغرب جداً من قال: هو ابن فرعون ؛وقيل ابن ضحاك الذي ملك الدنيا ألف سنة، قال ابن جرير: والذي عليه جمهور أهل الكتاب أنه كان في زمن أفريدون.
ويقال: إنه كان على مقدمة ذي القرنين الذي قيل إنه كان افريدون، وذو الفرس هو الذي كان في زمن الخليل.
وزعموا أنه شرب من ماء الحياة فخلد وهو باقٍ إلى الآن.
وقيل: إنه من ولد بعض من آمن بإبراهيم، وهاجر معه من أرض بابل.
وقيل: اسمه ملكان. وقيل: أرميا بن خلقيا. وقيل: كان نبياً في زمن سباسب بن بهراسب
قال ابن جرير: وقد كانت بين افريدون وبين سباسب دهور طويلة لا يجهلها أحد من أهل العلم بالأنساب.
قال ابن جرير: والصحيح أنه كان في زمن أفريدون واستمر حياً إلى أن أدركه موسى rوكانت نبوة موسى في زمن منوشهر الذي هو من ولد أبرج بن أفريدون أحد ملوك الفرس وكان إليه الملك بعد جده أفريدون وكان عادلاً وهو أول من خندق الخنادق، وأول من جعل في كل قرية دهقاناً، وكانت مدة ملكه قريبة من مائة وخمسين سنة.
ويُقال: إنه كان من سلالة إسحاق بن إبراهيم.
وقد قال الله تعالى: >وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة، ثم جاءكم رسول مُصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه، قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري, قالوا: أقررنا, قال: فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين < (6)فأخذ الله ميثاق كل نبي على أن يؤمن بمن يجيء بعده من الأنبياء وينصره، واستلزم ذلك الإيمان وأخذ الميثاق لمحمد صلى الله عليه وسلم لأنه خاتم الأنبياء, فحق على كل نبي أدركه أن يؤمن به وينصره, فلو كان الخضر حياً في زمانه لما وسعه إلا اتباعه والاجتماع به والقيام بنصره ولكان من جملة من تحت لوائه يوم بدر كما كان تحتها جبريل وسادات الملائكة.
وقصارى الخضر عليه السلام أن يكون نبياً وهو الحق أو رسولاً كما قيل (1)أو ملكاً فيما ذكر.
ولم يُنقل في حديث حسن، بل ولا ضعيف يُعتمد أنه جاء يوماً واحداً إلى رسول الله r ولا اجتمع به، وما ذكر من حديث التعزية فيه وإن كان الحاكم قد رواه فاسناده: ضعيف.
قال ابن لحيدان: هذا مجمل ما نقله وحرر بعضه الإمام ابن كثير، ولنا ثلاث مسائل:
الأولى: أن الخضر لم يعمر، بل هو ميت وهذا هو الصحيح الدال عليه النص ودلالة العقل السليم, قال تعالى > وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد
الثانية : أنه نبي لنفسه بوحي خاص بموجب تعليم موسى u ، وليس هو برسول.
الثالثة : أن الصوفية الشاذلية والرفاعية والنقشبندية، والقادرية، والحسينية يتصورون حياته فيتلاعب بهم الشيطان حتى يصدقوا أنفسهم أنهم يرونه، بل ويرون الحسين، وزينب، والبدوي والرفاعي.
بل ويذوبون في الصوفية من/ هزٍ وضربٍ وحنينٍ وأنين ٍ/ ويسكرون من قوة الانفعال وقد يموت بعضهم أو يسقط ويرتعد ويهذي وأصل الخلل عندهم:
1 :سوء التربية.
2 :طلب المال.
3:حب الزعامة على العوام.
4: حب الزعامة على الجهال.
5: تشجيع النصارى لهم لصرفهم عن حقيقة وروح الإسلام الصحيح.
6: تقمص السيادة والإمامة.
7: التهرب من تكاليف الشريعة.
8: العصبية الجاهلة.
9: تركهم على ما هم عليه.
فالصوفية الوثنية والقبورية والمبتدعة يلتقون بموجب الجهل بحقيقة دعوة الرسل ولهذا يتهربون من صحيح الآثار، وهم إذا وصل الصحيح إليهم أولوه بما يوافق صوفيتهم.
من أجل ذلك يرون الخضر ويكلمهم، ويكلمونه، وما هو إلا التخيل الباطني الكاذب.
وقد يذكرون لك أنهم في ليلة أو بعض ليلة يحجون ويعتمرون ويطوفون ويسعون، بل ويرون النبي صلى الله عليه وسلم، بل قد نقل إليّ أن بعضاً من طلاب العلم يذهبون مذاهب بعض الصوفية خاصة في الموالد وقصد زيارة القبور.
وهذا سببه بعض ما تقدم، وقد قال سبحانه >أفمن زُين له سوء عمله فرآه حسناً أفرأيت من اتخذ إلهَهُ هواه<
وفي (تلبيس إبليس) لابن الجوزي أمور عجيبة من ؛حيل الشيطان وحيل إبليس.
وفي جملة ما أحرره هنا تنبيه مهم لعامة العلماء؛ وكتبة التاريخ؛ والأدب؛ والفلسفة أن يتقوا الله جل وتعالى، يتقوه بنقل الصحيح من كتب ثقات أهل السنة عند نظر أو بحث القصص حوالأخبار ؛والروايات فيكون عملهم هذا شاهداً لهم بالأمانة ؛والنزاهة ؛والفهم الصائب السديد فيكسبون الأجر؛ ويبعدون أنفسهم عن ذم الخليقة العاقلة.
--------------------------------------------------------------------------------(10/1)
(1) عبدالله بن الزبير القرشي/ من أجل شيوخ البخاري (5) النصب: التعب.
(2) هو ابن عُيينه. (6) يدل هذا على أن موسى/ عليه السلام/ هو أول من قص الأثر.
(*) هو ابن فضالة وكانت أمه زوجة كعب الأحبار
(3) الصحابي الجليل.
(4) قصص الأنبياء/ ص 420/ 424.
(*) أي الراوي
(*) أخرجه البخاري ؛كتاب التفسير ؛باب > وإذقال موسى لفتاه …
(1) من أجل تلاميذ ابن عباس ومن خيار التابعين (ثقة ثبت).
(2) بسند آخر: صحيح.
(*) أخرجه البخاري كتلب التفسير باب؛ > قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة
(*) في الصحيح :أخبرنا
(*) أخرجه البخاري :كاتب التفسير باب > فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما < رقم4726
(1) مُحدث وإمام أهل اليمن (في المصنف) بهذا السند.
(2) معمر بن راشد/ له أوهام.
(3) قلتُ فيه عنعنة/ السبيعي/ وهو: مُدلس.
(4) ذكره الإمام عبد الرزاق نحو ما ذكره الإمام البخاري. قلت: هُناك فرق بين السندين.(*)أخرجه عبد الرزاق في تفسيره :2 / 405
(1) لم يصح سند أي من هذا حسب علمي.
(2) قلت لم يصح سنده هذا.
(3) كذلك/ ومع أن ابن كثير إمام في الجرح والتعديل في الجملة فلست أعلم سبباً لسكوته.
(4) لم يرد نص صحيح/ قلت والأقرب أنه الوالد مباشرة.
(5) الخضر.
(6) سورة آل عمران آية 81.
(1) لم يثبت بنص خاص.
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ صالح اللحيدان
عدد القراء : 1363
تاريخ الموضوع: 20 - مارس - 2003 ميلادية
(10/2)
الأضحى وحقيقة التوحيد للشيخ صالح اللحيدان
الشيخ صالح اللحيدان
الأضحى وحقيقة التوحيد
حقيقة التوحيد أنه توحيد الله سبحانه وتعالى توحيداً خالصاً صواباً توحيد القول وتوحيد العمل وما يكون هذان الا بعد توحيد القلب )الرجاء,, والخوف( وما يكون من مثل: توحيد الطلب )المسألة(.توحيد العبادة.توحيد الخشية.فحقيقة التوحيد إخلاص القول والعمل لله وحده دون سواه، ولهذا بطلت العبادات الوثنية حساً ومعنى أبطلها العقل السليم والفطرة النقية والتوجه الفطري أصلاً.من أجل ذلك ثبت الشك في حقيقة: البدوي ثم اتضح بعد تمحيص ودراسة أنه ليس قبره.وكذا الحسين أو راسه كما يُشاع وكذا: زينب.وقس على هذا الكثير مما لم يثبت به سند صحيح يسلم من العلة أبداً علة السند وعلة المتن.وهذا دال دون ريب الى أثر ضعف أصل التوحيد الخالص الصواب، أو زعزعته ببدع ركزت مع الزمن حتى صارت عبادة يظن صاحبها أنه على صواب وقد يقاتل عليها، فاذا هي: والخيال السيىء شيء واحد يتبين ذلك بعد ذلك كحال كثير من الأضرحة التي ثبت أنها ليست لمن سُمي بها، ثبت هذا بعد تمحيص الآثار المبثوثة في كتب المتصوفة والأخبار والسير وذلك بنظر حال: رواة الآثار ما لهم وما عليهم، ولعل النذور والذبح للقبور يهم المسلم أن يعرف أنه: شرك لا مرية فيه حتى وان أوَّل الناذر أو الذابح أنه ليس كذلك، وقد نهض الإجماع على أن من تقرب لصاحب قبر أو خافه أو رجاه أو ذبح له أو نذر أو تمسح به مع خوف ودعاه أنه شرك، ولهذا جاء بالمنزل الكريم قال سبحانه: )قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له(.وهذه من: الآيات العظيمة في صرف جميع العبادات القولية والفعلية لله سبحانه وتعالى وحده.وكنت قبل الآن قد بينتُ أمر: الأضاحي فها أنذا أعيد ما سلف من قبل للحاجة إليه وبيان ما يحتاجه المسلم العاقل الفطن الأمين في هذا مما تيسر لي قلت هناك:الأضحية قربة من القربات لله وحده دون سواه، ثم بينت كذلك أن أصلها اللغوي: أُضحية بضم المهموز، واحدة أضاحٍ ليدخل في هذا عموم ما ورد الشرع بإجزائه كالإبل والبقر كل واحدة منها عن: سبعة، والأضحية لم أقف على نص صحيح أنها: واجبة لكنها سنة ثابتة، ولهذا فالأضحية سنة لمن قدر على ثمنها وشرط هذا كما يلي:1 الاستطاعة.2 تمام شروط الأضحية.3 أن تكون قيمتها من مال حلال.4 أن تُنحر بعد صلاة العيد.5 ان تنحر الى آخر اليوم الثالث.6 ان توجه الى القبلة.وأبين هنا أموراً لابد منها:1 الضأن ما تم له: ستة أشهر.2 المعز ما تم له: سنة.3 البقر ما له: سنتان.4 الإبل ما له: خمس سنين.5 تجزىء الضأن والماعز,, كل واحدة منهما عن الواحد وعن أهل بيته.6 تجزىء البقرة عن: سبعة.7 تجزي البدنة عن: سبعة.وشرط,, الأضاحي:1 ان تكون من مال حلال.2 ألا تكون عوراء بيناً عورها.3 ألا تكون عرجاء بين عرجها.4 ألا تكون عجفاء لا مخ فيها.5 ألا تكون هتماء سقطت ثناياها.6 ألا تكون مريضة بيناً مرضها.7 ألا تكون فاقدة للحليب أصلا.8 ألا تكون مقطوعة الأذن.9 الا تكون ذاهبة القرن بكسر.10 ألا تكون: جرباء.11 ألا يكون مقطوعاً منها شيء.12 ألا تكون مصبوغة اللون من باب الغش.وأبين ما يلزم بعامة:1 يحرم الغش بعامة.2 وعلى هذا فالقيمة محرمة على البائع.3 لا يجوز التحايل بالتوكيل كمن يوكل غيره ليذبح عنه وذلك حتى يحلق شعره ويقص أظافره, فالحيل باطلة.4 من عليه دين ناجز يجب سداد دينه وهذا أولى من الأضحية.5 لا يجوز أخذ شيء من الشعر او الأظافر لمن أراد ان يُضحي.6 لا بأس بالتطيب.7 لا بأس بمشط الشعر مع الحذر.8 شراء الأضحية لا وقت له.9 يجوز للمرأة ان تذبح.10 الأضحية تكون ثلاثة أقسام يأكل منها صاحبها الثلث ويتصدق بثلث، ويوزع الثلث الأخير.11 يجوز إشراك الميت في الأضحية حسب علمي.12 لا يُباشر الأضحية من لا يُصلي أو هو مُتهاون بها.13 إذا عُينت الأضحية فلا يصح بيعها.14 لا يتصدق بقيمتها فيكون هذا بمثابة الأضحية فهذا غير ذاك ولا يحل محله نقلاً وعقلاً.15 لا بأس من تبادل الهدايا بين المعارف والجيران والتوسعة على الفقراء المعروفين أولى وآجر.16 لا يُعطى الجزار من الأضحية شيئاً لكنه يعطى أجرة مناسبة.17 العيد من لازمه النظافة ولهذا لا يجوز أذى المسلمين وذلك بطرح الدماء وبقايا الأضاحي في الطرق أو تكديسها في الزبالات اعتباطاً.18 يجوز للحاج متمتعاً أو قارناً أو مفرداً ان يوكل من يُضحي عنه حتى وان كان المتمتع والقارن يجب عليهما الهدي لعدم ورود نص صحيح فيما أعلم بالنهي عن هذا، ولأن فضل الله تعالى واسع والأضحية ودم الهدي عبادتان لكل أجره.19 لا يحسن بالمسلم أن يستدين من أجل أن يُضحي لكن يجوز للفقير والمسكين إن حصل لديهما مال ان يشتريا الأضحية من مال: الزكاة او مال: الصدقة المطلقة ولا حرج في هذا.20 لا يحق لبائع: الغنم او الماعز وما شابههما مما يكون أضحية كالابل والبقر ان يؤكلها طعاماً خاصاً بالتسمين يعتمد على ما يضر وليس أصلاً مفيدا وهو: الغذاء الطبيعي.21 يحرم إخفاء العيوب الداخلية لكافة ما يكون اضحية.والمسلم مطالب بالصدق فيما يأخذ ويذر ولعل أول ما يجنيه من يغش: الندم ولو بعد حين، دع عنك إعادة الحقوق إلى أصحابها بعد ذلك الندم.والذبح يكون خاصا لله قربة إليه، وأجره وثوابه لصاحبه ومن كان قد نوى له معه أجراً كالأب والأم ومن له حق عليه: فلا يصح في )الذبح( أنها لقبر ما أو كاهن أو ساحر فهذا شرك بيّن.وقد ذهب بعض الناس في كثير من مناطق الجنوب الأفريقي الغربي، وبعض دول شرق آسيا الى )الذبح( بطريقة ليست صحيحة مثل:1 عدم تقدير السن في الأضحية.2 الذبح على اليمين.3 قول )بسم الله الرحمن الرحيم(.4 أحياناً الذبح بحضور )ولي(.5 امتداد الذبح الى اليوم )الرابع(.6 عدم ذبح البقر.7 التلطخ بدم الأضحية.8 دفن )جلدها( وهو اعتقاد باطل.9 وجوب الذبح حتى مع الفقر.ولعل ما يحصل فوق ما ذكرت لكنه التنبيه اللازم ذكره حتى لا يجر هذا مع الأيام الى ما هو شر منه.ورحم الله بواسع رحمته الإمامين محمد بن سعود ومحمد بن عبدالوهاب فكم لهما من فضل: الاول فضل إمامة القيادة والخير.والثاني فضل البيان والعلم، والتوحيد أهم العلوم وأعظمها وأجلها وإليه يُصار.وهو الركيزة المهمة في حياة الخليقة وما يجب ان يكونوا عليه، بوعي,, وصدق,, ودوام، ولهذا وجب تعاهده وتنقيته من الشوائب والبدع.والعلماء وطلاب العلم عليهم مُهمة جليلة تجاهه لبيان امره من:حقيقته.وأركانه.وشروطه.ودلالاته.وعوارضه.ونواقضه.وأسباب ذلك.
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ صالح اللحيدان
عدد القراء : 1518
تاريخ الموضوع: 13 - إبريل - 2003 ميلادية
(11/1)
دعوة العلماء والباحثين إلى ضرورة طرح التفصيل حال الإجابات للشيخ صالح اللحيدان
الشيخ صالح اللحيدان
دعوة العلماء والباحثين إلى ضرورة طرح التفصيل حال الإجابات
هناك فريق من الناس يدور بين قلة وكثرة لا يكادون يفرقون بين عامة من اختصوا بعلم ما أو رأي او نظرية. وهناك بالخصوص أناس قد يكونون على قدر جيد من الفطنة وسعة النظر لكنهم يضخمون جدا من يحسن إليهم بسبب جاه أو مال أو تأثير دفعه الى ان يواسي حاجتهم بحال من الحالات، هذه الفئة قد تكون سببا مروعا في حال انعدام مقياس العقل الحر الأمين ليصل من يشعرون تجاهه بمنة ما الى فوق مكانته خاصة العلمية الدقيقة، وليكون هو من باب آخر ضحية غرور وعيشة رديئة غرزت أطنابها بحكم ان فاقد الشيء لا يعطيه لولا ضجة السمعة والعقل المركزي والعقل المعيشي في آن وكل هذا ما مع سلف قوله مرض قد يخفى او هو خافٍ على كثير من الناس في مثل هذا الحين بسبب ضعف الوعي او بسبب انعدام الشعور بالمسؤولية او بسبب الكذب على النفس مع حيلها المستمرة ان فقه الواقع للغير وفقه الحياة بعامة يتطلبان ولا جرم مرونة حية واعية عالية القدر من النزاهة والامانة والصدق وحذق النظر، وذلك للتمييز بين ذوي الاختصاصات بصرف النظر عن السمعة او الكثرة أو الحضور، فهذا يتطلب قدرا من: الخوف من الله سبحانه وتعالى وشدة مراقبته وحذر الحيف أثناء الكلام عن هذا وذاك.
ولايعرف العلم ولا ذو الرأي ولا النظرية الا بعد طول صحبة مع بسط التبسط له وطرح الكلفة، وازالة الشك او ما من شأنه ان يجعل الموهوب مثلا يرتد الى نفسه قلقا جاءك الذئب جاءك ابنه مما يجعله يلزم الانطواء يترقب الله للأخذ بيده في لطف لطيف.
ولعل مما يدعو للائمة على كل حال هو عموم طرح المكرر ففي الانترنت والبريد الالكتروني مثلا، وفي غيرهما هناك تعجل، وهناك خلط، وهناك ضعف تصور وهناك بتر نعم، فالانترنت يفيد وذو نفع جيد فهو باب كبير مفتوح لكنه اذا لم يحسن استغلاله فقد تختلط الأوراق ويضيع الناس بين ذبذبة وذبذبة ونظر وآخر بعكسه.
ومن هنا كذلك فقد يتضاءل دور العلم الموهوب النزيه المتضلع الواعي تجاه هذه الاندفاعات من سيل عرم مما ذكرته آنفا من العجلة والتعجل، سوف هنا أبين حالات من وصف مقلق مرير يكثر نقاشه، وكثيرا ما وضَّحته لطلابي والدارسين علي ومن اشرف على رسائلهم أوأكون عضوا في مناقشة ما من النقاشات العلمية.
وهذه الحالات مقلقة جدا ومريرة جدا ومخيفة كذلك لأنها ينطلق منها السامع اذا كان فطنا وواعيا ان ليس الا الحفظ والتكرار وطرح الرأي المخالف اهمالا له للعجز عن فهم أو لحب الاختصار أو لترجيح رأي على رأي دون بسط لكل واحد منهما مع الدليل الصحيح والتعليل المقنع الكريم.
خذ مثلا:
هذا هو: الجواب.
هذه هي: الاجابة.
هذا هو: الراجح.
هذا هو: قول أهل العلم.
هذا هو: أصح الأقوال.
هذا هو: أصح القولين.
هذا: ما رآه الجمهور.
هذا: رأي العلماء.
هذا هو: الصواب.
إلخ.. إلخ.. من مثل ذلك.
ما هذا.. ايصح ان يكون الأمر كذلك في زمن توفر المطولات وتوفر عموم المعرفة وتوفر وسائل الاتصال الخاصة والعامة لنظر الاجابة عند غير هذا اذا لم يقنع بذاك، او هو قد اقتنع لكنه يريد.. مزيدا.. من التفصيل قد يشعر العالم بقلق ويشعر بخيبة ويشعر بضيق دائم فيما يسْأل من الآخرين عن اجابته او اجابات قيلت لم تشف لافتقارها للبسط مع دليله او تعليله خاصة، ومن يسأل او يسألون مثقفين او متعلمين يريدون دقة الاجابة وجلب الرأي الآخر، وبسطه مع الروافد من هنا وهناك، بل إن بعض طلاب العلم انفسهم يقلق اذا لم يبسط له القول والقول والثالث والرابع بسطا علميا مؤصلا مما يجعله يتردد فيضيق فيسكت، ثم هو يبحث بنفسه أيسأل عالما متمكنا، وفي الزوايا خبايا ليجد ما يريد شيئا فشيئا.
لاشك ان بسط النظر في حال : الاجابة في مسألة فيها خلاف لابد ان يكون ثم يبين الراجح فيهما ويقول العالم بعد ذلك هذا رأيي حسب جهدي.
أو يقول العالم المسؤول هذا ما أراه حسب علمي أو يقول هذا ما ظهر لي حسب جهدي.
كلام : حر عاقل أمين ورع حكيم، وهو ما كنت ادعو اليه: العلماء، والباحثين والمحققين، والدارسين.
ذلك لأن القطع او حب القطع أو حب انهاء السؤال شائن يبقي في القلب غصة والعقل مرارة، كذلك نقل الي مرارا.
ولقد عاينت في القاهرة والاردن والمغرب والكويت في زيارات خاصة علمية ما موجبه بسط القول حتى إني لا اذكر على هامشه محاضرة لي عن: الطب النفسي/ بمستشفى «جمال ابو العزائم» بالقاهرة بمدينة نصر، ونقاش علمي مطول لي باتحاد المؤرخين العرب بالقاهرة بفندق «الإمداد والتموين» طريق المطار ان الحضور وهم صفوة علماء مسلمين ومعهم بعض ذوي الثقافة المحدودة حضروا للاستماع كانوا جميعهم يطربهم ويقنعهم جدا جدا البسط التام لا في «حال البحث» «وأوراق البحوث» بل في الاجابات الشخصية عبر الفندق من خلال الهاتف او الزيارة والسؤال الشخصي او الاسئلة اثناء درس في مسجد الفندق هناك مثلا:
ولا ريب ان تعميم الإجابات او إجمال الاجابة خاصة في مثل هذا الوقت لست اراه ولست ارتضيه لنفسي ولا لغيري من طلاب العلم فإن كان ولابد من هذا وذاك فكم يكون حسنا التذييل بمثل:
حسب علمي.
حسب جهدي.
حسب ما ظهر لي.
كلام فطن امين تقي ورع ما في ذلك شك، وسوف هنا اجلب كلاما جلبه قبلي الامام السيوطي في «تدريب الراوي» قد يكون له علاقة بما أطرحه هنا، وقد لا يكون، لكنه في الجملة كلام مهيب مهم له من المعاني ماله، وله من الدلالات ما له، وله من الحكمة ما له، اجلبه لنظره ودرسه وفرسه وغرسه لكن من بيان طرسه على حال نرسه يقول في ص 368/369/370: «النوع الحادي والستون معرفة الثقات والضعفاء هو من اجل الانواع، فيه يعرف الصحيح والضعيف، وفيه تصانيف كثيرة.
يعلق السيوطي على هذا الكلام من كلام النواوي يقول: «وجوز الجرح والتعديل صيانة للشريعة» وذبا عنها قال تعالى: «إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا» وقال صلى الله عليه وسلم في التعديل: «ان عبد الله رجل صالح» وفي الجرح «بئس اخو العشيرة» وقال: «حتى متى ترعوون عن ذكر الفاجر. هتكوه يحذره الناس» وتكلم في الرجال جمع من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، واما قول صالح جزرة: أول من تكلم في الرجال شعبة ثم تبعه يحيى بن سعيد القطان ثم احمد وابن معين، فيعني انه اول من تصدى لذلك، وقد قال ابوبكر بن خلاد ليحيى بن سعيد: اما تخشى ان يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خصماك عند الله..؟ فقال: لأن يكونوا خصمائي احب اليَّ من ان يكون خصمي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يقول: لِمَ لَمْ تذب الكذب عن حديثي».
وقال ابو تراب النخثبي لاحمد بن حنبل: لا تغتب العلماء: فقال احمد ويحك هذا نصيحة ليس هذا غيبة» ثم قال: «ويجب على المتكلم فيه التثبت» يقول السيوطي على كلام النواوي هذا: «فقد قال ابن دقيق العيد: أعراض المسلمين حفرة من النار وقف على شفيرها طائفتان من الناس إلخ.. ومع ذلك «فقد اخطأ غير واحد» من الأئمة «بجرحهم لبعض الثقات «بما لا يجرح» الخ.
قال ابن لحيدان: وتفصيل احكام الشريعة وتفصيل الاجابات للسائل مع بسط الدليل ودرجته والتعليل وسلامته لهو من اجل الامور اللازم طرحها خاصة اذا كان في المسألة اكثر من نظر، وقول يحتاج الامر فيهما الى ايراده، وما وقع الخلل في العصور التالية الا بسبب البتر او الاقتصار بدون موجب، وهذا كله يدعو مع الزمن الى اللجوء الى: «ضعف الاجتهاد» وتوقف العقل وتفرد النظر مما يكسب العلم صبغة الانحسار شيئا فشيئا، والركون الى مجرد الانشاء والسرد وترديد الحفظ وتكراره وذهاب موهبة التجديد حينا بعد حين، وبسط الاجابة مع ضوابطها بعقل وحكمة وسداد وتأن وفهم جيد مكين يدعو السائل نفسه الى ان يعي حقيقة علم الشريعة وعظم بطانها وسعة مدركها وموهبة علمائها، وتجرد طرح العلماء عبر القرون خاصة مع تفتح الناس ومضايقة الفكر الوافد لحقيقة نص الخطاب، وسوء فهم كثير من المثقفين المقلدين لخطاب المادة في هذا الحين وتعالم المثقف وتشنجه ودعواه الاستاذية بطرق وطرق مع ما يحوم حول هذا من أمراض نفسية وتضايق من حال النفس بسبب رداءة التلقي في البيت او الصحبة حال سفر او قراءة ما ينشده البعض من حب للشهرة، حتى ولو دعاه هذا الى الوشاية والذم والحسد، وابين هنا امرا لعله يفطن له العلماء والباحثون البررة فقد جاء في «جامع الاصول في احاديث الرسول» صلى الله عليه وسلم ج1 من ص 39 حتى ص 185 نشر مكتبة الحلواني ومطبعة الملاح ومكتبة دار البيان قال الامام مجد الدين ابي السعادات المبارك بن محمد: بن الاثير الجزري: «وكان اعتمادهم اولا على الحفظ والضبط في القلوب والخواطر «1» غير ملتفتين الى ما يكتبونه ولا معولين على ما يسطرونه محافظة على هذا العلم كحفظهم كتاب الله عز وجل «2».
ثم هو يقول ببيان حي لا يريم: «فلما انتشر الاسلام اتسعت البلاد وتفرقت الصحابة، في الاقطار وكثرت الفتوح ومات معظم الصحابة وتفرق اصحابهم واتباعهم «3» وقل الضبط احتاج العلماء الى تدوين الحديث وتقييده بالكتابة ولعمري انها الاصل، فإن الخاطر يغفل والذهن يغيب، والذكر يهمل والقلم يحفظ ولا ينسى«4».
وقال من كلام بليغ يحتاجه كذلك اهل الثقافة والادب والتحليل النقدي، ومن يشتغل بالسير والتاريخ بعامة، وتحضير وتحقيق ونظر الآثار والمسائل يقول في ص 36: «الا ان من اصول فروض الكفايات علم احاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وآثار اصحابه رضي الله تعالى عنهم التي هي ثاني ادلة الاحكام «5» ومعرفتها امر شريف وشأن جليل، لا يحيط به الا من هذَّب نفسه بمتابعة اوامر الشرع ونواهيه، وازال الزيغ عن قلبه ولسانه. وله اصول وقواعد واوضاع واصطلاحات ذكرها العلماء وشرحها المحدثون والفقهاء يحتاج طالبه الى معرفتها، والوقوف عليها بعد تقديم معرفة اللغة والاعراب اللذين هما اصل لمعرفة الحديث لورود الشريعة المطهرة بلسان العرب.
ثم هو يقول: «وتلك أشياء»:
كالعلم بالرجال واساميهم وانسابهم وأعمارهم ووقت وفياتهم، والعلم بصفات الرواة وشرائطهم التي تجوز معها قبول روايتهم والعلم بمستند الرواة وكيفية اخذهم الحديث وتقسيم طرقه.(12/1)
والعلم بلفظ الرواة وايرادهم ما سمعوه وايصاله إلى من يأخذه عنهم «6» وذكر مراتبه، والعلم بجواز نقل الحديث بالمعنى، ورواية بعضه والزيادة فيه والاضافة اليه ما ليس منه «7» وانفراد الثقة بزيادة فيه والعلم بالمرسل وانقسامه الى: المنقطع والموقوف والمعضل وغير ذلك، واختلاف الناس في قبوله ورده والعلم بالجرح والتعديل وجوازهما ووقوعهما وبيان طبقات المجروحين والعلم بأقسام الصحيح من الحديث والكاذب وانقسام الخبر اليهما والى الغريب والحسن وغيرهما والعلم بأخبار التواتر والآحاد والناسخ والمنسوخ ويورد كذلك: «فمن اتقنها اتى دار هذا العلم من بابها واحاط بها من جميع جهاتها، وبقدر ما يفوته منها تنزل عن الغاية درجته» «8».
--------------------------------------------------------------------------------
الحاشية:
(1) وهذا اول مراحل الموهبة الثابتة.
(2) يعني الصحابة وكبار علماء هذه الامة من التابعين ابان القرون الثلاثة المفضلة فهم جمعوا بين:
الحفظ.
الفهم.
الإضافات العلمية.
تفصيل الاجابات بنص سالم من العارض.
(3) لكن العلم باق، والاضافات في النص لم تزل فهذا يكون في كل حين وحين لكن الهمة قد تفوت والموهبة قد تحرف، «والحفظ» اما الحفظ فما اقله.
(4) والتقوى يكون بسيسها كذلك: الحفظ والفهم والتجديد قال سبحانه: «واتقوا الله ويعلمكم الله».
(5) يقصد كذلك فقه الحديث بفقه الحوادث المستجدة والتفصيل حال النظر والتحقيق والاستخلاص.
(6) يريد انه لابد من التفصيل والبسط وذكر كل حال مما ورد عن كبار العلماء خلال القرون السالفة العظيمة من الآثار وما تدل عليه من معنى وحكم ودلالة.
(7) وهذا هو الاجتهاد والإضافات العلمية وهي: «فقه النص» والاضافة عليه بمزيد من النظر الحكيم الجديد خاصة في مثل هذا العصر عصر التجدد وتتالي المستجدات بين كل فترة وفترة 1، 2.
(8) عد إن شئت إلى اول المقال بتأن ودقة، او كتابي : «النقد العلمي لمنهج المحققين على كتب التراث».
(9) «الجرح للرواة» يجب ألا يتوسع فيه ابدا ويجب ألا يقوله الا عالم تقي ورع عالم بما يقول ويكون الجرح بقدر «جرح» الرواية لا ذات الراوي. وعد الى «كتب تراجم الرجال بين الجرح والتعديل» ج1/ج2/ج3. ط1 «دار طويق» ط2 «دار الوطن».
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ صالح اللحيدان
عدد القراء : 1699
تاريخ الموضوع: 21 - إبريل - 2003 ميلادية
(12/2)
تراجم حاملي العلم بين: الاستفادة والسَّبق للشيخ صالح اللحيدان
الشيخ صالح اللحيدان
صفاء الذهن وحسن التصور وعدل التصرف صنوان مع صنوان مع ثالثهما على كل حال.
ليس أتعب على العقل ولا أثقل على القلب وليس ألهم على النفس من حالة الحفظ السردي، فالحفظ ثم سرده وتكرار الفهم على وتيرة واحدة، والقياس من منطلق واحد بصور مختلفة فيها من الذكاء بقدر ما فيها من القصور تجعل حالات: الموهبة تستنطق واقع القرون الطوال عبر حال مضت بل حالات لا تريم.
ففي البصرة والكوفة والشام وصنعاء اليمن وفي الهلال الخصيب وفي مصر ومهبط الوحي وفي مدارات نيسابور ومرو وبخارى وسمرقند وناجيات أفريقيا صوب شمالها وحافة غربها مع ما جنب منها ذات اليمين.
مع راكسات البر صوب شرقها مما يلي مشرق بحر الجزيرة تجاه حيزومها بها.
أطنب كثير من الرحالة وكثير ممن ترجم لقروم كبار خلال ثلاثة عشر قرناً منذ القرن الثاني ابتداءً وحتى القرن الحادي عشر انتهاءً أطنبوا في وصف العلم والموهبة والنبوغ فيه مع ما حفَّ بهما من البذل ورصد المستجدات وفقه القائم منها على نظر مُلتهب من قريحة وبديهة ليس إلاهما بعد الله تعالى لنظر زحف النوازل المتتالية على الأثر للاجتهاد فيه والخروج منه باجابات حية خالدة.
ففي كثير مما ذكرت وتناوله استقراء: المقدسي، وابن عدي، والكلبي، وابن سعد، وابن كثير، والطبري، والذهبي، وابن أبي حاتم، والمزي، والحافظ العراقي، والخطيب البغدادي، وابن بطوطة، وابن جبير، وخلق آخرون ما بين مُقل ومكثر، وإذ تناول هؤلاء ما تناولوا ندرك منهم هذا لفظاً ومعنى وندركه استقراءً وفهماً فإنما صوغ ا لبيان على رسم الدارسات حيال الناجيات برسم ووسم لا مثيل له على تجرم العهود وحيث نبغ من نبغ وساد من ساد إنما كان ذلك فضلاً من الله تعالى ثم بذل الأخلاق والأدب قبل طلب العلم .ففي «أعلام» الذهبي و «تهذيب» المزي و «وجرح وتعديل» ابن أبي حاتم و «تاريخ بغداد» و «طبقات ابن سعد» ينالك عجب يدفعه عجب يُقره عقل سليم وأثر كريم مما كان عليه القوم من حالات تنحالها لم تكن لولا «السند والمتن من» كبار العلماء في هذه الأمة الذين حفظوا وجددوا وأضافوا.
تأمل طرح ترجمة لكبير من الكبار لا لحياته وما بثه من آراء وتجديد تفتق عنها حقيقة لا خيال الموهبة وإشارات النبوغ بسابق أعجز أو هو قد أعجز لإتيان بمثله.
لكن لكيفية الطرح والمعالجة بأثر كطير صواف، سوف أسوق تراجم حية رافة مرفة لجزء صغير عن حياة كبار العلماء ممن خلص الذهبي إلى أمور عنهم بتواتر جيد أسوقها وبين طياتها طيات تراجمهم ما يحتاج من الألمعي إلى التأني والغوص إلى معاني ألفاظ كل ترجمة، والذهبي إمام كبير في استخلاص حياة كثير من الأفذاذ ففي كتابه: «تذكرة الحفاظ» جلب تراجم أئمة قد لا يعرف عنهم إلا القليل مع أنهم صنعوا رجالا ورجالا كانوا عبر الحياة سراجاً لها وضياء ودلالة.
قال في ج 4 ما بين ص 1224 حتى ص 1226: «ابن الخاضبة: الحافظ الإمام البغدادي الدقاق حدَّث عن مؤدبه أبي طالب عمر بن محمد بن الدلو، حدَّثه عن ابن حيوية في سنة ست وأربعين وأربع مائة وحدث عن أبي جعفر بن المسلمة، والحافظ عبدالرحيم بن أحمد البخاري والحافظ أبي بكر الخطيب، وابن الحسين بن منقور والصريفي، وأحمد بن علي الدينوري، وإمام جامع دمشق عبدالصمد بن محمد بن تميم». الخ.
وقال عنه كذلك: «وقرأ الكثير وكتب وخرَّج وأفاد مع الديانة والعبادة وصحة القراءة وحسنها، قال ابن سكرة: «كان محبوباً إلى الناس كلهم فاضلاً حسن الذكريات ما رأيتُ مثله على طريقته».
إذاً كان علماً ذا ديانة وورع وبساطة.
وكان ذا علم وفهم وسداد
وكان صانعاً للرجال حبيباً فاضلاً مجدداً. وفي ص 1233 قال الذهبي «الغساني الحافظ الإمام الثبت محدث الأندلس أبو علي الحسين بن محمد بن أحمد الجياني».
ثم قال: «وكان من جهابذة الحفاظ البصراء بصيراً بالعربية واللغة والشعر والأنساب صنف في ذلك كله وأخذ عنه الأعلام، ووصفوه بالجلالة والحفظ والتواضع والصيانة».
ثم قال: «قال السهيلي في الروض: حدثني أبو بكر ابن طاهر عن أبي علي الغساني أن أبا عمر بن عبدالبر قال له: أمانة الله في عنقك متى عثرت على اسم من أسماء الصحابة لم أذكره إلا ألحقته في كتابي يعني «الاستيعاب»، وقال ابن بشكوال: «سمعت الحسن بن مغيث قال: كان أبو علي من أكمل من رأيت علماً بالحديث ومعرفة بطرقه وحفظاً لرجاله، عانى كتب اللغة وأكثر من رواية الأشعار وجمع من سعة الرواية ما لم يجمعه أحد».
وأردف: «وصحح من الكتب ما لم يُصححه غيره فكتبه حجة بالغة جمع كتاباً في رجال الصحيحين سماه: «تقييد المهمل وتمييز المشكل» وهو كتاب حسن مفيد أخذه الناس عنه».
وأضاف بنسق علمي كريم: «قال ابن بشكوال: سمعناه على القاضي أبي عبدالله بن الحجاج عنه، لزم بيته مدة لزمانة لحقته».
إمامة ووعي وسداد وتسديد.
وحذر ونباهة وإضافات وإن كانت قليلة لكنها لم تسبق.
وكان: حافظا مع الفهم السديد بعيدا عن مجرد الوعظ والإنشاء.
وكان فيه شدة محاسبة ونبل وبذل ونباهة خاصة لما يمس إخلاصه.
وفي ص 1273 قال الذهبي من : تذكرة الحفاظ: «العبدري الحافظ العلامة أبو عامر محمد بن سعدون بن مرجي القرشي العبدري الميورقي الأندلسي نزيل بغداد، وكان من أعيان الحفاظ سمع أبا عبدالله مالك ابن أحمد البانياسي ورزق الله التميمي وأبا الفضل ابن خيرون وطراد بن محمد الزيني، ويحيى بن أحمد السيبي، وأبا عبدالله الحميدي وطبقتهم، قال القاضي أبو بكر ابن العربي في معجمه: أبو عامر العبدري هو: أنبل من لقيته.
وقال ابن ناصر: كان فهماً عالماً متعمقاً، وكان يذهب إلى أن المناولة كالسماع، وقال السلفي في معجمه: كان من أعيان علماء الإسلام بمدينة السلام» الخ.
عالم مُضيف متحرر متواضع واضح.
جمع بين الحفظ والفهم وسعة المعرفة
كان ذا هيبة ووقار وتبسط
وفي ص 1312 قال أيضاً عن السَّبحي: «السَّبحي الحافظ الإمام محدث مرو وخطيبها أبو طاهر محمد بن أبي بكر محمد بن عبدالله بن أبي سهل المروزي السبحي مولده بقرية سبح الكبيرة في حدود ثلاث وستين وأربع مائة 463ه وسمع الكثير ورحل وتفقَّه أولاً على العلامة أبي المظفر السمعاني وعبدالرحمن الزاز، قال أبو سعد السمعاني: كان إماماً ورعاً متجهداً متواضعاً سريع الدمعة».
إذا كان: عالماً جمع بين الإمامة والورع والعبادة الخالصة،
وكان ذا نظرة فاحصة دقيقة مثابرة.
وكان أحد صانعي الرجال المعينين المدركين.
وفي ص 1366 جاء في التذكرة «ابن خير الإمام الحافظ شيخ القراء أبو بكر محمد بن خير بن عمر بن خليفة اللمتوني الإشبيلي أتقن القراءات على شُريح بن محمد واختص به حتى ساد أهل بلده وسمع منه ومن أبي مروان الباجي والقاضي أبي بكر بن العربي، وبقرطبة من أبي جعفر بن عبدالعزيز وابن عمه أبي بكر وأبي القاسم بن بقي وابن مغيث وابن أبي الخصال وطائفة سواهم.
قال الآبار: كان مكثرا إلى الغاية بحيث أنه سمع من رفاقه وشيوخه أكثر من مائة نفس «/100/ن..س» لا تعلم أحدا من طبقته مثله.
وتصدر باشبيلية للإقراء والإسماع وحمل الناس عنه كثيرا، وكان مقرئا مجوداً ومحدثاً متقناً أديباً نحوياً لغوياً واسع المعرفة رضي مأموناً لما مات بيعت كتبه بأغلى الأثمان لصحتها، ولم يكن له نظر في هذا الشأن مع الحظ الأوفر من علم اللسان».
مثل هذا كأضرابه: عالماً جدَّدَ وجمع فحفظ وفهم ثم أضاف ما تحتاجه هذه الأمة في حالات فقه النص لواقع حالهم في زمانهم ويمتد هذا تمتد إضافاته العلمية بعيداً عن الخطاب الباسر والسرد الحفظي إلى ما يتناهى إليه عقد حاجة الأمة لا في مجال الشريعة في العبادات والمعاملات بل في: اللغة والنحو والشعر والأدب والنقد، سيد أخرجه بيت حر كريم ليخرج هو لهذه الأمة رجالاً يتضاوع غيرهم إلى ما هم فيه من نباهة وفهم وتجديد وصفاء ذهن وحسن تصور وعدل وتواضع وتسديد متين نحو فهم الآثار صحيحها وضعيفها والاجتهاد فيما يراد فيه الاجتهاد على سبائك الأحمر والأصفر والأبيض من أبكار الاستخلاص من خلال عقل سليم وقلب حي ونفس شريفة كريمة نزيهة.
وفي ص 1373 أورد الذهبي عن: عبدالغني بن عبدالواحد يقول: «عبدالغني عبدالواحد بن علي بن سرور بن رافع ابن حسن بن جعفر الحافظ.. الامام محدث الإسلام تقي الدين أبو محمد المقدسي الجماعيلي ثم الدمشقي»
ثم قال عنه: «قال إن النجار: حدَّث بالكثيروصنَّفَ في الحديث تصانيف حسنة. وكان غزير الحفظ من أهل الإتقان والتجويد قيما بجميع فنون الحديث، إلى أن قال: وكان كثير العبادة ورعاً مُتمسكاً بالسنة» وبقية ترجمة هذا الفحل ما بين ص 1372 حتى ص 1381 فيها عبر ونكت علمية عالية القدر لا يكاد أحد إلا وهو بحاجة إليها لما حوته من سداد ونباهة وقوة وثقة فنحن أمام إمام سيد من كبار العلماء.
ألَّفَ بعد علم وحفظ وفهم
ونبغ بعد كثرة نظر وورع وتقوى
ثم أضاف وجدد بثقة ووعي عميق
ثم صنع الرجال بتقرب إلى الله ورجاء وخوف منه سبحانه وهو كذلك جليل القدر واسع الأمر، ذو شعور عظيم بالمسؤولية بتجاه ما حمَّله الله تعالى من: العلم والفطنة وفقه الحياة تظهر التقوى ويظهر الورع وتبين «الموهبة» المجددة من بين ثنايا تأليفه وبحثه وطرحه الذي لم يسبق فيجانب العلم وسداد الفهم
وورع وتقوى كان:
بسيط العيشة.
وبسيط السكن.
بسيط الحياة.
بسيط المركب.
مع أنه من أغنى الناس في حينه لكنه الورع ولهذا هو كما قال سبحانه:
{وّاتَّقٍوا اللَّهّ وّيٍعّلٌَمٍكٍمٍ اللَّهٍ} ، ولم يسلم رحمه الله من الوشاية وتتاليها ضده لكنها لم تفلح فساد وارتفع ونبل وعلا وحلَّق فطار فرسى على قمة العوالي إذ هيأ الله له تعالى بمنه وفضله من عدل في حقه وحماه بقوة العمق وجلال إحاطة العدل.
ففي ص 1373 جاء هناك: «وشنعوا عليه فعقد له مجلس بدار السلطان بدمشق فأصروا وأباحوا قتله فشفع فيه أمراء الأكراد» الخ من روايات جيدة يحسن الرجوع إليها في: «تذكرة الحفاظ» وغيره.
وجاء في ص 1257 قال الذهبي عن هذا الإمام الآخر المجدد «البغوي»: «الإمام الحافظ الفقيه المجتهد محيي السنة أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء صاحب: «معالم التنزيل» و «شرح السنة» و «التهذيب» و «المصابيح» وغير ذلك تفقه على القاضي حسين صاحب التعليقة وحدَّث عنه وعن أبي عمر بن أحمد المليحي وأبي الحسين عبدالرحمن بن محمد الدوادي ويعقوب بن أحمد الصيرفي وعلي بن يوسف الجويني وأبي الحسن محمد بن محمد الشيرزي.(13/1)
وقال عنه بسبب «إخلاصه لله» وما احتوته أسفاره بعد نظر وفقه لواقع أمته وإضافاته النادرة قال: «وبورك له في تصانيفه لقصده الصالح فإنه كان من العلماء الربانيين، كان ذا تعبد ونسك، وكان يأكل كسرة وحدها فعذلوه فصار يأكلها بزيت».
قال ابن لحيدان: وكان أبوه ذا تجارة ووفرة دراهم لكن هذا الفحل «البغوي» أراد أمته وأرادته فكان لها وكانت له ولا تكاد تجد عالماً أو طالب علم وحتى أهل الأدب والتاريخ والنقد إلا وهو يعلم عن «البغوي» ولو الشيء اليسير.
وبهذا تبلغ الإمامة ومن يطالع مثلاً: «معالم السنن» يجد نفس الكبير الصادق الورع كما يجد الحذق والنباهة والوعي كلها تضرب أطنابها بين جنبات كلامه ذات اليمين وذات الشمال أطنب المترجمون في ترجمته وأجزلوا فقد رفع الله تعالى ذكره، وبان للأمة شأنه بما بذله لها من اجتهادات علمية ورصف ثقيل من علم عظيم.
***
د. مصطفى محمد البلتاجي
محمود عرباوي محمود .. ج.م.ع
زيادة سلامة الزايدي .. القاهرة
في «مروج الذهب» روايات مكذوبة نقلها المسعودي رحمه الله تعالى دون تمحيص وتوثق وأمانة علمية وفيه روايات ضعيفة جداً لذلك السبب وقراءته مع الحذر ومعرفة عقيدة الرجل مفيدة أما معاوية رضي الله عنه فلا يخضع لقواعد «الجرح والتعديل» لأنه صحابي جليل ولأن عامة ما ذكر عنه فهو يدور بين:
1 أن قائله مبتدع.
2 أو كذاب.
3 أو متأول.
4 أو ناقل عجول.
ولا تؤخذ أخبار الصحابة من كتب التاريخ والسير والأخبار فإن مقتضى الأمانة والديانة والعدل ضرورة الذهاب إلى أصول الأخبار والروايات كالكتب الستة وكتب التراجم الموثوقة.
***
هند/ززز الرس.. القصيم
لا بد من «ثلاث حيض» وبعدها لا يحق للزوج المراجعة إلا بعقد جديد، وقوله تعالى: {$ّبٍعٍولّتٍهٍنَّ أّحّقٍَ بٌرّدٌَهٌنَّ فٌي ذّلٌكّ..} ، إن الزوج يُعيد زوجته إليه ما دامت بينونة صغرى، ولم تخرج بعد من «العادة الثالثة» الحيضة الثالثة.
***
محمد بن جاسم العنزي .. الكويت.. الشيوخ
حديث «إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد.. » إلخ.
ضعيف بعلة السند.
لكن وجوب صلاة الجماعة في المسجد واجبة عيناً إلا لعذر شرعي ظاهر.
***
سعد .م.ل.ك.. حوطة بني تميم..
يصلك جواب خاص.
***
سليم هو ساوي.. جدة..
راجع الجهة المسؤولة طرفكم تحت رقم 841/أأ.
بصورة عاجلة.
***
عبدالله .م.ي.. جدة.. طريق مكة
آمل إعادة الكتابة مع ذكر العنوان
***
د./ ع.ف.. الرياض
يصلك جواب خاص.
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ صالح اللحيدان
عدد القراء : 1678
تاريخ الموضوع: 21 - فبراير - 2003 ميلادية
(13/2)
أسئلة مهمة حول مناظرة المستقلة للشيخ عثمان الخميس (نص).
الشيخ عثمان الخميس
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له توحيداً وتسليما، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، اللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً مزيدا.
أما بعد،
نرحب بفضيلة الشيخ عثمان الخميس حفظه الله، ونسأل الله عز وجل أن يجعل ما يقدمه في ميزان حسناته يوم لا ينفع مال ولا بنون.
س1
شيخنا الحبيب، هذه مجموعة من الأسئلة وردت إلى صفحتكم بالإنترنت صفحة المنهج، تتعلق بموضوع مناظرتكم في قناة المستقلة مع الرافضة، وهذه الأسئلة قد تكررت كثيرا، فأحببنا من خلال هذه الجلسة أن يكون ردكم شافياً للسائلين، وتواصلاً مع محبيكم، وحتى لا نطيل شيخنا الكريم وصلت إلى إدارة موقعكم الكثير من الطلبات والاستفسارات حول بطاقتكم الشخصية، ومسيرتكم العلمية، فيا حبذا شيخنا الحبيب لو تكرمتم في التفصيل بهذا الأمر، ونحن في الحقيقة نلح على التفصيل بهذه الجزئية، بارك الله فيك.
ج1
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، إله الأولين والآخرين، وخالق الخلق أجمعين. الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى. الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه حمداً يوازي نعمه ويكافئ مزيده، الحمد لله ملء السماوات وملء الأرض وما بينهما ومل ما شاء من شيء بعد. والصلاة والسلام على أشرف خلق الله محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد،
فأنا عثمان بن محمد بن حمد بن عبدالله بن صالح بن محمد الخميس، يرجع نسبي إلى النواصر من بني تميم، ومن سكان دولة الكويت.
بداية الطلب منذ الصغر على بعض المشايخ في البلاد كالشيخ ناظم المسباح، وغيره، ولم أكن ألتزم كثيراً بالدروس حتى سافرت إلى القصيم لدراستي الجامعية، ودرست هناك في الجامعة وفي المسجد على يد شيخي رحمه الله تعالى الشيخ محمد بن صالح العثيمين، وعلى الشيخ أبي عمر إبراهيم اللاحم، وأبي محمد ناصر حميد، أبي إبراهيم علي اليحي، وأبي علي عبدالله الجعيثم، وأبي محمد صالح الميان، وأبي عبدالله علي الجمعة، وغيرهم من المشايخ الفضلاء كالشيخ حمود العقلة رحمه الله تعالى، والشيخ محمد المرشد، وواصلت بعد ذلك دراستي ونلت شهادة الماجستير في الحديث النبوي وكان موضوع الرسالة الأحاديث الواردة في شأن السبطين (أعني الحسن والحسين) رضي الله تبارك وتعالى عنهما.
وأنا الآن إمام مسجد الحميدة في مشرف في دولة الكويت وخطيب جمعة والحمد لله لي نشاط في الدروس العلمية، ويحضر عندي بعض الشباب نتدارس معاً كتباً كثيرة كصحيح الإمام بخاري وصحيح الإمام مسلم وكتاب العمدة الفقه الحنبلي لابن قدامى وكتاب الروض المربع ومنار السبيل في الفقه كذلك مذهب الإمام احمد بن حنبل وكتاب التوحيد للإمام محمد بن عبد الوهاب وتفسير ابن كثير وغيرها من الكتب التي أسأل الله تبارك وتعالى أن ينفع بها.
وأنا متزوج، ولي أربعة أولاد، وأكنى بأبي محمد وهو كبير الذكور ثم عبد الرحمن وصالح وفاطمة، أسأل الله تبارك وتعالى أن يحفظهم. لي من العمر أربعين سنة وحالياً أحضر لدراسة الدكتوراة إن شاء الله تبارك وتعالى وأسأل الله جل وعلا أن ييسر.
س2
متى بدء اهتمامك في موضوع الرافضة؟ ولماذا توجهتم هذا التوجه؟
ج2
أولاً: ليكن في معلوم الجميع أنني لست مهتماً كثيراً في هذا الموضوع، ولا أصرف لأجله كثيراً من الوقت، لا أقول هذه تواضعاً بل هذا هو الواقع، فأنا ولله الحمد كما ذكرت قبل قليل لي من الدروس الشيء الكثير، وهي ستة عشر درساً في الأسبوع في الفقه والعقيدة والمصطلح والتفسير والحديث وغيرها، ولا درس واحد عندنا لموضوع الرافضة، وإنما هذا اهتمام شخصي في أوقات الفراغ أقرأ أحياناً في هذا الموضوع خاصة في كتبهم. وكان أول اهتمامي بهذا الموضوع أيام دراستي الجامعية، عندما اقتنيت كتاب منهاج السنة النبوية لشيخ الإسلام ابن تيمية حيث إني قرأت هذا الكتاب كاملاً، فملت كثيراً إلى أراء شيخ الإسلام ابن تيمية وإلى توجيهاته وأعجبت بأسلوبه وطريقة طرحه ومناقشته الخصم حتى إن هذا الكتاب كان لا يفارقني إلا قليلاً، كنت أحرص عليه كثيراً، وأتردد كثيراً على هذا الكتاب ومدارسته وقراءته. وبعد ذلك بدأت أقتني بعض الكتب التي ترد على الشيعة ولم أكن بعد قد قرأت كتبهم، فأكثرت من قراءة كتب الشيخ إحسان إلهي ظهير فقرأت كتابه الشيعة والقرآن، وكتابه الشيعة وأهل البيت، وكتابه الشيعة والسنة، وبين الشيعة والسنة، واستفدت كثيراً من تلك الكتب. ثم اقتنيت كتاب مختصر التحفة الاثني عشرية للألوسي وهو من أنفع الكتب التي قرأتها من بعد كتاب منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية. ثم بعد ذلك عزمت على أن أطلع على كتبهم أعني كتب القوم، فاقتنيت بعض كتبهم وأفادني بعض الشباب بكتب أخرى من كتبهم، فبدأت أقرأ فيها كثيراً حتى تحصلت على معلومات أظن أنها كافية في هذا الموضوع واطمأننت على كثير من الأمور التي كان ينقلها عنهم الشيخ إحسان علي ظهير، بل كنت حريصاً تقريباً في كل المسائل أو في أغلبها إذا ذكر شيئاً عنهم عن الشيخ إحسان علي ظهير أو الألوسي أو شيخ الإسلام ابن تيمية أو محمد مال الله أو غيرهم ممن كتب في هذا الموضوع أن أرجع إلى أصل الكتاب وإلى كتب الشيعة حتى أقرأ النص نفسه، وكنت أرجع إلى نصوصهم من كتبهم وقد صدمت كثيراً عندما وجدت أشياء أخرى غير التي ذكرها أولئك العلماء عنهم، وجدت أشياء يشيب منها الرأس، وكلما ازداد عجبي من تلك الأمور كلما ازداد نهمي في الإطلاع أكثر على تلك الكتب واقتنائها وقراءتها. ولكن هذا لا يمنعني من استمرار الدروس التي هي تهم أهل السنة وتهم الشباب على إني كنت أحضّر لهذه الدروس وتأخذ كثيراً من وقتي، ولكن كما قلت في أوقات الفراغ كنت أقرأ بعض كتب القوم. فهذا تقريباً أول الاهتمام بهذا الأمر، وهذا كان في سنة 1406 هـ.
س3
الشيخ عثمان لنرجع إلى موضوع المناظرة التي تمت في قناة المستقلة مع الرافضة، فإن بعض الناس يحتج قائلاً: بأن مثل هذه المناظرات مدعاة للفتنة والتفرقة وشق صفوف المسلمين، خصوصاً في ظل الأوضاع الحالية التي تواجهها الأمة الإسلامية. فما رأي فضيلتكم؟
ج3
خير ما يرد على مثل هذا الكلام قول الله تعالى:" يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما". لاشك أن لكل شيء سلبيات وإيجابيات تقريباً وأعني في أمورنا التي نتعاون فيها ونتدارسها، وأنا لا أظن أبداً أن المناظرة كانت إيجابية مائة بالمائة، ولكن أيضاً لم تكن سلبية مائة بالمائة، هي حوت إيجابيات وسلبيات كثيرة، ولكن الذي يظهر والعلم عند الله سبحانه وتعالى أن الإيجابيات أكثر من السلبيات.
وأما قول القائل: إن الوقت لا يسمح لمثل هذه المناظرات وإنه يفرّق الأمة، فأنا أطرح على هذا السؤال سؤالاً وهو أي أمة هذه التي سيفرقها؟ وهل يظن ظانّ أن الشيعة -أعني علماؤهم وذلك أن العوامة تبعٌ للعلماء-، هل هؤلاء سيقفون معنا إذا اشتدت الأمور؟ لن يقفوا معنا. والحمد لله إن تلك سنن الله تبارك وتعالى في أرضه، والتاريخ يعيد نفسه. تاريخهم خير شاهد على أن الأمر خلاف ذلك، وذلك أننا إذا رأينا تاريخهم، وجدنا أن كل جهادهم كان على أهل السنة، بل إنه يحرمون الجهاد مع أهل السنة ويرون أن الجهاد محرّم حتى يخرج المهدي المنتظر، ولذلك كل جهاد الشيعة في تاريخهم الطويل إنما كان على أهل السنة لا على الكفار. ما أذكر أنهم نصروا الإسلام يوماً، وإنما كان نصرهم للكفار على المسلمين، ولذلك من يقرأ التاريخ يدرك ذلك تماماً ويعرفه معرفة اليقين،
ولنضرب من ذلك أمثلة:
• ما قام به الشيعة من نصرة التتار على المسلمين، حيث جاء نصير الدين الطوسي وابن العلقمي بهولاكو وممن معه، وأفسدوا في بلاد المسلمين حتى قُتل في بغداد وحدها مليون مسلم، والشيعة يباركون هذا القتل الذي وقع من التتار ويرون أن دماء المسلمين التي ذهبت إنما هي دماء قذرة، وأنها إلى نار جهنم والعياذ بالله.
• موقفهم من الحروب الصليبية لما كانوا يفتحون الثغور للنصارى على المسلمين، وقد ذكر ذلك الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى ونقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: أن النصارى كانوا يبيعون المسلمين على النصارى بيعاً، وأنه لما انتصر المسلمون على النصارى وأرادوا أن يعاقبوا الشيعة في ذلك الوقت استفتوا شيخ الإسلام ابن تيمية قالوا: هل يجوز لنا أن نبيعهم كما باعوا المسلمين على النصارى؟ قال: لا. قال تعالى:"ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى".
• كذلك حالهم مع الدولة العثمانية واضح جداً وذلك أن الدولة العثمانية كانت تؤدب الصرب والأوربيين في أوربا وكانوا الشيعة يعيثون فساداً في بلاد المسلمين هنا، وكانوا يضربون الدولة العثمانية. وحتى قال قائلهم: لولا لدولة الصفوية لدخل الإسلام إلى أوربا كلها. فلأن الصفوية كانت تضرب بالدولة العثمانية. وأقاموا الأفراح لما هزمت الدولة العثمانية على يد روسيا.
وما أقرب الليلة من البارحة كما قيل، وذلك لأننا نرى في زماننا هذا أن الشيعة على الضد من موقف أهل السنة دائماً، وليعطينا أي واحد ولو مثالاً واحداً على نصرة الشيعة لدين الله تبارك وتعالى.
س4
ألا ترون أن موقف حزب الله الآن كما يزعم الكثير أنه مشرّف أنهم أرغموا اليهود على الانسحاب يعارض ما تفضلتم به بأن الرافضة لم يجاهدوا في سبيل الله على مر العصور؟
ج4(14/1)
حزب الله لاشك أنه نال سمعة عظيمة بين الناس ولكنها إعلامية غير حقيقية، ولنا أن نسأل سؤالاً واحداً: كم قتل حزب الله من اليهود؟ ما أذكر أبداً أنهم قتلوا شيئاً كثيراً، وأنا لا أقول أتحدى ولكن أطلب طلباً فقط يثبت حزب الله أنه قتل مائة يهودي فقط، ولا أظنهم يستطيعون أن يثبتوا ذلك، وكل ضربات حزب الله على أماكن دون بشر. ولذلك صرّح بها شارون تقريباً بأنه ليس لنا مشاكل مع الشيعة، ولا نتضايق من وجود الشيعة أبداً. وقد أعجبتني كلمة قالها أخي أبو المنتصر أثناء المناظرة وهو أنه لا يكون لليهود والنصارى قوة في بلاد المسلمين إلا وتنشأ دولة شيعية، وذلك أنهم يعرفون أن هؤلاء ليسوا أعداءاً لهم ويعرفون عداوتهم أنها لأهل السنة والجماعة. ولذلك حزب الله مُكّن من لبنان ليضرب أهل السنة والجماعة، أما نصرة لدين الله ما سمعنا شيئاً لذلك. فحزب الله كان يدافع عن أرضه ثم بعد ذلك أراد أن يدخل إلى مزارع شبعى كما قالوا، وهي أماكن سنية مائة بالمائة، فأرادت إسرائيل أن تمكن لهم في شبعى وفي غيرها وكان انسحاب إسرائيل مفاجأة للجميع بحجة أن حزب الله ضربها، كم يضربها الفلسطينيون ولم ينسحبوا من مكانهم قط، بل دكوهم دكاً، وكانوا يستطيعون أن يدكوا حزب الله ولكنهم ما أرادوا ذلك بل انسحبوا وتركوا الأمر لحزب الله. وقد خرجت إسرائيل وتركت حزب الله فهل نصر حزب الله فلسطين؟ هل جاهدوا في سبيل الله؟ هل قاتلوا اليهود هناك؟ أبداً، فالقضية لا تزيد على أن تكون إعلامية فقط، أما واقع نصرة فليس شيء من ذلك. قد تكلمنا مع بعض القيادات في السودان، عن موقف إيران معهم وأنهم ناصروهم وغير ذلك، فأخبرونا العجب عن موقف إيران معهم، وقالوا أعطونا كل شيء باللسان ولم يعطونا شيئاً كواقع، بل باعونا أسلحة ولم يقبلوا إلا أن يستلموا المبالغ نقداً، والأسلحة التي باعونا إياها كان أكثرها فاسدة. فالقصد أن نصرتهم لأهل السنة باللسان فقط أما كواقع فلا يوجد شيء من ذلك، والحمد لله التاريخ موجود، فليظهروا لنا دولة شيعية قامت ونصرت الإسلام، وقاتلت الكفار، لا نجد شيئاً من ذلك أبداً، بل أن الخميني وغيره صناعة فرنسية كما هو معلوم، جاءت به فرنسا إلى إيران وأمريكا كانت متواجدة أثناء الثورة على الشاه بل هي التي مكنت للثورة على الشاه. ولكن الناس يتغافلون عن ذلك وما غزو الكويت عنا ببعيد، عندما أخذت الطائرات الكويتية عندها وغير ذلك كثير. فالشاهد من هذا أن نصرتهم للإسلام كواقع لا يوجد شيء من ذلك، وإنما كما قيل: نسمع جعجعة ولا نرى طحناً. وأنا أتصور أن يطالب الشيعة على مستوى العالم، أن يثبتوا لنا نصراً للإسلام أو جهاداً مع المسلمين طوال تاريخهم السياسي، فقط لا نريد أكثر من ذلك. أقصى ما يذكر عنهم هو ما أحدثوه أيام الدولة الحمدانية عندما كانت تقاتل النصارى، والدولة الحمدانية كما هو معلوم دولة رافضية، وكذلك ما كان جهاداً ولكن كان دفاعاً، حيث إن النصارى كانوا يضربونهم في بلادهم فكانوا يردون على النصارى.
وقتال المسلمين وقلعهم للحجر الأسود، وقتلهم للمسلمين أيام القرامطة وكذلك التفجيرات في الحرم وغيرها كان جهادهم ضد المسلمين لا ضد الكفار. نعود إلى أصل السؤال أن هذا الحديث يفرّق شمل الأمة فأنا أقول بالعكس، النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى حنين بعد فتح مكة، خرج معه قوم حدثاء عهد بجاهلية، فقالوا قولتهم المشهورة: اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فما تقدم النبي صلى الله عليه وسلم خطوة واحدة ولا قال نحن الآن نريد أن نوحد الجهود والعدو واحد، نقاتل العدو ثم بعد ذلك نتفاهم في مثل هذه الأمور بل وقف النبي صلى الله عليه وسلم وقال: والله إنها السنن، فقد قلتم كما قال أصحاب موسى لموسى: اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة، فصحح المعتقد قبل أن يستمر في الطريق. أي هل يعقل الآن أن نتحد معهم ضد إسرائيل أو غيرها، ووضعنا قائداً في الجيش وقال لهم: اهجموا، هل سيهجمون ويطيعونه؟ إن طالوت لما فصل بالجنود قال: إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلاً منهم، فأراد طالوت بهذا أن يختبر طاعتهم له، قبل أن يبادر بالقاتل لأنه لا يمكن بعد ذلك أن يعرف هل هم مطيعون أم غير مطيعين، فلذلك أراد أن يعرف قبل بدء القتال وبعدها يبادر القتال لأن القائد أثناء المعركة لا يمكن أن يصدر الأوامر ثم يقول: أقنعني، أو دعني أفكر أو يعصي أو غير ذلك، فهذا يفسد عليه القتال كله، ولذلك طالوت استغنى عن معظم الجيش فقال تعالى:" فشربوا منه إلا قليلاً منهم فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين". حتى ذكر أهل السير وأهل التواريخ وغيرهم أن طالوت خرج بثمانين ألف، وقد ثبت في صحيح البخاري أن الذين شاركوا معه في القتال ثلاثمائة وثلاث عشر، فاستغنى عن الثمانين ألف بثلاثمائة وثلاث عشر ونصرهم الله تبارك وتعالى، قال تعالى:" فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت". الشاهد أن لا نهتم بالكثرة، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: لن يهزم اثنا عشر ألف من قلة. فالمهم في الإثني عشر ألف أن يكونوا مخلصين لله جل وعلا ومستعدين "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة" وأدوا ما عليهم بعد ذلك ينصرهم الله جل وعلا، وما ذلك على الله بعزيز. أما أن نخلط في صفوفنا ويدخل الغث والسمين ثم نقول بعد ذلك حتى تتوحد الأمة هذه نظرة غير صحيحة بل الصحيح أن لا يجاهد معنا إلا من هو على طريقتنا في إتباع الكتاب والسنة، وأما أناس يكفروننا ويعتقدون أننا أنجس من اليهود والنصارى ثم بعد ذلك يقاتلون في صفنا، يقاتلون من؟ اليهود؟ هم مع اليهود أقرب منهم معنا فلا أظن أن هذه الكلمة صحيحة. ولابد أن يتبصر الناس إلى متى يبقى الناس غير مدركين بخطورة هؤلاء القوم. أنا لا أعني بخطورة القوم العوام، أنا الذي اعتقده أن عوام الشيعة فوجئوا كما فوجئ كثيرون من أهل السنة بما طرح أثناء المناظرة. فالذي أراه أنه تأخرت كثيراً مثل هذه المناظرات، وكان الأولى أن تكون متقدمة قبل ذلك بكثير.
س5
هناك كثير من يشكك في قناة المستقلة بأن لها أهداف وغايات من وراء هذه المناظرات وأنها تبحث على الشر، فما هو ردك يا شيخ على هذا القول؟
ج5
أنا لا أعرف شيئاً كثيراً عن قناة المستقلة قبل أن أذهب إليها، وعرفت شيئاً قليلاً بعد أن ذهبت هناك، أما صاحبها فهو الدكتور محمد الهاشمي فالله أعلم بسريرته ولا أمرنا الله أن نبحث في سرائر الناس، ولكن ظاهر الرجل انه فيه خير كثير إن شاء الله تعالى، وإنه يريد الخير وليس صحيح أنها صهيونية أو مستأجرة أو غير ذلك بل الذي أظنه أنه يريد الانتشار، ويريد أن يعرفه الناس وأن يشترك الناس في هذه القناة، أما إنه عميل أو غير ذلك فهذا بعيد جداً. والدكتور أبو المنتصر يعرفه أكثر مني ويثني عليه خيراً ويذكر الرجل بصلاح والله أعلم بحاله. وأما بالنسبة لهذه المناظرة فالذي أعلم أنه لم يكن محضراً لها حتى يقال إنه مدسوس أو غير ذلك إنما هي جاءت فلتة وجاءت بصورة مفاجأة وغير مقررة كما علمت أيضاً هناك.
س6
هل قمتم بمشاورة علماء الأمة قبل أن تقوموا بمثل هذه المناظرة، مع التفصيل؟
ج6
أما العلماء فالصحيح لا، وكان الأجدر لاشك تتم مشاورتهم، وكما قلت: الأمر كان فلتة وكان أمر مفاجأً، وذلك أنه كنت أرى كما يرى غيري من الناس تلك المناظرة عن بعض الشباب وأيضاً أظن أنه ما كانت المناظرة محضراً لها وقد أخبرني أخي أبو المنتصر أنه كان في حوار مع الدكتور الهاشمي عن مسألة تخص العراق وإيران وحال أهل السنة وما شابه ذلك، فتكلم أبو المنتصر ولم يصبر حيث أنه دخل في موضوع الشيعة والسنة، فاقترح الدكتور الهاشمي أحد من الشيعة حتى يدافع عن ما قاله أبو المنتصر وأن يرد بعض قوله عليه، فأرسل الشيعة أحدهم، وجلس معهم فترة ثم ذهب وجاء آخر ثم ذهب وجاء ثالث ثم جاء رابع مع الثالث فصار اثنين مقابل واحد، وهما العجلي مع التيجاني، وكان أبو المنتصر وحده، فتشاورنا مع بعض إخواننا هنا في الكويت في كيفية أن ننصر أخانا أبا المنتصر وذلك انه واحد في مقابل اثنين فاقترح بعضهم أن أذهب لمساندته، وقد كلمنا بعض المشايخ الذين أشاروا علينا بالذهاب مثل الشيخ صالح الدرويش، والشيخ ناصر الغفاري، وذهبنا إلى هناك وبعد المشاركة الأولى والثانية اتصل بي بعض المشايخ كالشيخ عبدالله الجعيثم أبي علي حفظه الله تبارك وتعالى وأثنى على التواجد، ونصح وذكّر جزاه الله خيراً، وذكر لي أن عنده من المشايخ من يؤيد ويناصر كالشيخ سلمان العودة وغيره، وكذلك اتصل الشيخ سلمان العلوان عن طريق بعض الشباب وأيضاً قال أنه يدعو لنا بالتثبيت، والشيخ ناصر الحميد ونقلوا لنا عن كثير من المشايخ الذين لم تذكر أسماءهم أنهم متابعون تلك المناظرات، وأنهم يؤيدون الاستمرار وطريقة الطرح وغير ذلك. لاشك في البداية لم تكن باستشارة العلماء الكبار أما طلبة العلم نعم تمت استشارة بعضهم، وأشار بعضهم بالذهاب والحمد لله على كل حال.
س6
متى علمتم بالمناظرة؟ ومتى شاركتم فيها؟ وما الدافع من وراء ذلك؟ وماذا كنتم تتوقعون من وراء المشاركة في هذه المناظرة؟ وهل تحقق ذلك؟
ج6
علمت بالمناظرة بعد جلستين، فنظرت إليها عند أحد الأصدقاء، فصرنا نتابعها عن طريق التلفزيون.
أما المشاركة فلا أدري كم حلقة مرت عليّ لكن أظن أنني شاركت في الجلسة الخامسة، وذلك كما قلت أن الشيعة جاءوا باثنين مقابل واحد وهو أبو المنتصر حفظه الله تعالى فقررت أن أذهب ثم سمعت أن الشيخ عبد الرحمن الدمشقية أبا عبيدة سيشارك وأنه عازم على الذهاب، فتمنعت طالما سيذهب الشيخ عبد الرحمن فإنه يكفي إن شاء الله تعالى، ثم كلمني الشيخ عبد الرحمن الدمشقية وقال لي: إنه له ظروف تمنعه من الذهاب وقد لا يستطيع أن يذهب، عندها عزمت على الذهاب، ولكن فوجئت أن الشيخ الدمشقية وصل قبلي أيضاً إلى لندن وذلك لأن تهيأت ظروفه واستطاع أن يصل إلى هناك.
أما الدافع فالحقيقة أسأل الله تعالى هو نصرة دين الله تعالى مقابل الباطل الذي كان يبثه أولئك القوم.
أما المتوقع من وراء المشاركة بالمناظرة والله كنا نتوقع خيراً، وذلك لأننا كنا نعلم علم اليقين أننا على حق، وكنا نتوقع أن يظهر الله سبحانه وتعالى الحق وأن ينصر دينه.
وأما هل تحقق؟ فهذا حكمه عندكم، أنتم تحكمون هل تحقق ذلك أم لا؟ أنا إلى الآن لم أشاهد المناظرة حتى أقيمها، ولاشك أنكم تقيمون أفضل منا، حيث إنكم تتابعون عن بعد وتدركون كل شيء، أما نحن فانشغالنا أثناء المناظرة يمنعنا من تقييمها، قد أستطيع تقيم ذلك بعد مدة عندما أسمع المناظرة وأراها، وعندما أيضاً أسمع آراء الناس وردود فعلهم، فإجابتي الآن ستكون غير دقيقة لذلك أؤجل الإجابة على هذا السؤال.
س7
هل تصفوا لنا مشاعركم قبل وأثناء وبعد المناظرة؟ هل تستطيع أن تبين لنا بعض ما كان يجري في الاستراحات من وراء الكواليس؟
ج7(14/2)
أما المشاعر فأول مشاركة لي في التلفزيون أو الثانية، فكنت لا أعرف كيف أنظر إلى أو متى أنظر إلى الكاميرا أو إلى هؤلاء، كما كنت لا أستطيع أن أدقق في الكاميرا وذلك لكون الأمر جديد بالنسبة لي هو الخروج في التلفزيون والمناظرات وما شابه ذلك، لكن الحمد لله ما شعرت بخوف ولا الارتباك أبداً بل الحمد لله كنت مطمئن النفس، فكنت لا أدخل المناظرة حتى أصلي ركعتين لله تبارك وتعالى، وكنت أسأل الله تبارك وتعالى في قبل المناظرة وأثناءها أن يسدد لساني وأن يثبت جناني وكنت أقول دائماً: اللهم اغفر لي ذنبي ويسر لي أمري واحلل عقد من لساني يفقه قولي، وكنت حريص جداً على هداية المناظريْن (أعني الشيعة) في بداية الأمر، حتى تبين لي بعد ذلك أنهما معاندان عند ذلك صرفت النظر عن ذلك فلم أيأس فالأمر بيد الله سبحانه وتعالى، وبدأت أخاطب عامة الناس، وإن نسيت شيئاً فلا أنسى أبداً كلمة لبعض أخواني اتصل بي من المملكة العربية السعودية بعد الجلسة الثالثة أو الرابعة وقال لي: أطلب منك طلباً واحداً قلت له: تفضل، قال: دعهما وانظر إلينا، فإن نظرك إلينا يؤثر فينا أكثر ونقبل منك أكثر ونفرح أكثر. لأن في بداية المناظرة كنت أنظر إلى المناظريْن وإلى الدكتور الهاشمي مع طرحي وردي في المناقشة، فتركت النظر إليهم وبدأت أنظر إلى الجمهور وإن كنت أتوقع أنه ينظر إلي في ذلك الوقت في وقت كنت لا أراهم، وعندما بدأت انظر للكاميرا فبالفعل شعرت بالاطمئنان أكثر، وغبت عن الحاضرين، وكأني في المحاضرة وحدي أحدث الناس وأبث لهم همّي وأذكر لهم نصحي وبعد أن كنت أخاطب صاحبي (أعني الشيعيين) وكنت أشعر بشيء من القسوة لأني كنت أشعر أثناء الحديث معهم أنهم يبتسمان ويستهزآن ويصدان في وجوههما يمنة ويسرى ويكشران أحياناً ويغضبان أحياناً، فما كنت أشعر بردة فعل طبيعية أثناء النظر إليهم حتى الدكتور الهاشمي عندما أنظر إليه أحياناً هو منشغل عني ينظر إلى الكاميرا ويكلم المصورين وينشغل بالأوراق التي عنده، فقلت: لماذا أضيع وقتي مع هؤلاء؟ فبدأت أنظر إلى الكاميرا، فعشت في واد آخر غير الوادي الذين يعيشون فيه، وشعرت بسعادة لأني شعرت أنني أؤدي رسالة ليس مجرد مناظرة، وأخاطب آخرين أظن أنهم يسمعون كلامي سماعاً جيداً.
وأما الشعور في أثناء المناظرة حقيقة في كل يوم يزداد الشعور إلى الأحسن ولله الحمد والمنة، وذلك كنت في كل نهاية مناظرة أشعر بظهور الحق وقمع الباطل وأنه كلما ازدادوا كذباً كلما سقطوا من عيني أكثر، وكلمتهم مرة فقلت لهم: لماذا تكذبون مع أنكم تريدون الحق؟ فما ردوا علي شيئاً. وبعد المناظرات شعرت في يوم من أيام المناظرة إني كنت مقصراً ولكن هذا اليوم بالذات الذي شعرت فيه بالتقصير وعدم إيصال المعلومة إيصالاً صحيحاً فالعكس كان هو الصحيح أعني من ردود الأفعال، سواء بالبال توك أو الاتصالات التي جاءتني الكل يثني والكل يمدح حتى إنني شككت في نفسي لأني كنت متصوراً أننا كنا مقصرين في إظهار حجتنا والعكس كان عند الناس، وعكس ذلك في إحدى الجلسات أنا كنت فرحاً ومسروراً وكنت أرى أن الله تبارك وتعالى قمع الباطل وأظهر الحق بينما كان أخي أبو المنتصر حفظه الله تعالى يرى أننا قصرنا في تلك الليلة مع العلم أن الليلة التي شعرنا بها في التقصير ما بثثت له همي ولا قلت له ذلك وإنما جعلته بيني وبين نفسي. فالقصد أن الشعور في أثناء المناظرة وفي ختامها كان شعوراً جيداً ولله الحمد والمنة.
أما ما كان يدور خلف الكواليس فهذا قلت لأصحابي قبل أن نبدأ في الحديث، أكثر سؤال سألته، وذلك لأن الناس حريصون جداً على معرفة ما وراء الكواليس، فليس وراء الكواليس شيء ذا أهمية وإنما هي أمور عادية جداً، ففي البداية كنت حريصاً على دعوة الدكتور عبد الحميد النجدي (أحد المناظرين الشيعة) خاصةً لما أنكر معرفته لكتاب فصل الخطاب وإنه ما رآه، فحرصت أن أعطيه الكتاب وقد أعطيته إياه حتى يقرأه وكنت أريد نصحه ودعوته للحق، وظننت أنه لا يعرف هذا الأمر وأنه غُبّيَ (بضم الغين) عليه وغير ذلك، ودعاني للفطور مرتين، فلم استجب لدعوتي وذلك لكثرة انشغالي كما كنت ضيفاً عند أخي أبي المنتصر، فما كنت أملك من نفسي شيئاً، لذا فاعتذرت منه، وفي المرة الثانية قلت له: إنني ضيف وإن شئت كلّم أبا المنتصر إن أذن لي فلا ما نع عندي، وإذا لم يأذن فتعذرني إن شاء الله، لأني ضيف الضيف في حكم مضيفه، وعندما كلم أبا المنتصر رفض رفضاً قاطعاً وقال: لا أقبل أبداً أن أتضيف عندك وأنت تسب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وتكفرهم وتكذب في مناظرتك، والله لا نقبل ضيافتك أبداً، وبعدها امتنع عن دعوتنا. أحياناً كان يصير شجاراً يسيراً بين أبي المنتصر وهم، أما بالنسبة لي فلم أتشاجر مع أحد سواء أثناء المناظرة أو بعدها فلا شأن لي بهم أبداً، فكنت قبل المناظرة أجلس وأحضر أوراقي وأصلي لله تبارك وتعالى ما تيسر لي، وبعد المناظرة أرد أوراقي مكانها، وأجلس وحدي لا أكلم أحداً حتى ننصرف، لعل هذا السؤال لو وجه لأبي المنتصر لكان أنسب كثيراً لأنه فعلاً كان وراء الكواليس معهم أشياء كثيرة من مجادلات ومشاحنات ومصارحات وكذا. فبالنسبة لي ما كنت أحرص لأن أكلمهم إلا فيما هو خير، والحمد لله.
س8
كيف تقيمون تجربة المشاركة؟ وهل أنتم على استعداد للمناظرة مرة أخرى؟ وما هي الضوابط والضمانات التي ستطلبونها؟ وهل ستشاركون في يناير القادم في مناظرات المستقلة القادمة؟
ج8
تقيم التجربة كما قلت قبل قليل: لست أنا الذي يقيم التجربة، وإن شاء الله ستكون لي زيارات لبعض المشايخ خاصة الذين كانوا على صلة دائمة للمناظرة وتابعوها أولاً بأول، فهؤلاء سأستشيرهم، وكذلك أخواني المقربين جداً والذين كانوا يتابعون هذا الأمر ويشاركونني النصح، سأستشيرهم أيضاً لمعرفة تقيمهم لتلك المناظرة، فبعضهم أخبر أنه لم يطلع على المناظرة كلها وذلك أن وقت المناظرة كان سيئاً، فكان وقتها وقت قيام الليل والناس فيها قد انصرفوا إلى قيام الليل، فلذلك بالنسبة لهذه المسألة بعد أن آخذ آراؤهم أستطيع بعد ذلك أن أقيم قضية المشاركة أو تلك التجربة.
بالنسبة للسؤال عن الاستعداد للمناظرة الأخرى، فأنا والحمد لله بعد كل مناظرة سواء نشرت هذه المناظرات في أشرطة وبعضها الآخر في طي الكتمان (أي لم يتم تسجيلها)، فلله الحمد والمنة أن أهل السنة أهل حق، ولذلك لا يمانعون من هذه المناظرات، وأنا على استعداد تام للمناظرات، ولا يوجد لدي أي مانع طالما أن هذا الأمر فيه مصلحة فالحمد لله لا يمنعنا شيء من ذلك.
أما الضوابط والضمانات التي سنطلبها للمناظرة:
* لاشك أن من أهم الضوابط والتي نلناها في تلك المناظرة وهي وجود حكم، لأن المناظرات السابقة عادة لا يوجد فيها حكم، فلذلك تكون الأمور فيها شيء من الفوضى، ولا أعني بالفوضى رفع الصوت، أعني لا يوجد هناك من يضبط الجلسة، فوجود الحكم هي من أهم الضوابط.
* أيضاً من الضوابط أن لا تكون هناك مقاطعات ولا مهاترات ولا سخرية ولا استهزاء ولا رفع صوت، وإنما يكون نقاش علمي، نخلص فيه إلى نتيجة معينة.
* ثم كذلك أن يلزم المناظر المقابل أن يجيب على الأسئلة التي تطرح عليه، وكل الذين ناظرتهم من الشيعة سألتهم أسئلة لم يجيبوا عليها، وإن كانت هذه الأسئلة قد لا تكون مكررة مع كل واحد تسأل الأسئلة نفسها، ولكن القصد كنت اسأل كل من أناظره بعض الأسئلة فلا يجيب عليها، وهذا لا يصلح لجو المناظرات.
* أن يكون المناظر ممثلاً لقومه، لا أن يأتي أشخاص نكرات ويناظرون، بل لابد أن يكون المناظر ممثلاً لأتباعه ويتكلم بلسانهم وأن يكون قوله حجة عليهم.
* أن تكون مسجلة بالفيديو أو بالصوت (مرئية أو مسموعة)، ليكون هناك توثيق.
* المواضيع تكون محددة، ما تكون فوضى بأن يدخل في موضوع وان يخرج من موضوع، بل يحدد موضوع معين وتتم مناقشته.
* أشياء أخرى تأتي في بداية المناظرة وهي تحديد الضوابط والكتب والأصول التي يرجع إليها، وكتب الحجة على الطرفين وغير ذلك.
أما المشاركة في يناير القادم في المناظرات في المستقلة، فإذا كانت هناك مناظرات وصارت في المستقلة، كمبدأ المناظرة فليس لدي أي مانع، لكن مع من؟ وكيف؟ وما هي المواضيع؟ فهذه أمور أخرى تناقش في وقتها، لكن أصل المبدأ نحن لا نفر من المناظرة وعلى استعداد تام لأننا نرى إننا على حق.
س9
يرى بعض المتابعين أن محاور النقاش لم تكن منضبطة وأن كثيراً من المواضيع تم طرحها بصورة تجعلكم بموقف المدافع، هذا بالإضافة إلى أنه لم يتطرق لمواضيع أخرى ذات أهمية كبرى كتحريف القرآن، وزواج المتعة، والخمس، والمهدي المنتظر، فلماذا يا شيخ لم يتم التطرق إلى مثل هذه المواضيع؟
ج9
أنا الذي أرى أن السائل ناقض نفسه، وذلك انه قال أنه لم يتطرق إلى أمور مهمة جداً وذكر تحريف القرآن والمهدي المنتظر لاشك من الأمور المهمة، ولكن زواج المتعة والخمس أقل أهمية بكثير من هذا الأمر، فنحن نريد أصول عقائد القوم، ونريد القضايا التي يكفر بها الإنسان ويدخل في الإسلام من خلالها، وإن كانت قضايا الخمس والمتعة مؤثرة على عوام الشيعة، لأنك إن خاطبت الإنسان في عرضه وماله لاشك أنه يؤثر فيه كثيرا، ولكن على كل حال لاشك طرح الأهم ثم المهم من العقل ومن المنطق ومن العدل والدقة في المناقشة والفائدة المرجوة تكون كذلك إذا نوقشت هذه الأمور التي هي ذات أهمية أكثر من غيرها. لكن على كل حال أظن موضوع تحريف القرآن طرح، إن كان لم يطرح في وقتي ولكن طرح في وقت غيري واستطعنا أم نطرح شيئاً من ذلك. القضية وما فيها أننا كنا ملزمين بطرح معد البرنامج الدكتور الهاشمي، فكان يضطرنا أحياناً لمناقشة بعض الأمور، وأنا أتوقع أحد السببين:
السبب الأول وهو الأظهر عندي لقناعته الخاصة أن هذا الموضوع أهم، أي موضوع الإمامة والخلافة، فلذلك كان حريصاً على طرحه وتكراره والتوسع فيه. بل إنه صرح لنا لا يريد مناقشة موضوع التوحيد لأنه يقول: إنكم ستصلون من خلال هذا الموضوع تكفير الشيعة ونحن لا نريد أن تكون القضية قضية تكفير فأبعدونا عنه.(14/3)
السبب الثاني وهو وارد هو الضغوط على الدكتور الهاشمي أن يطرح موضوع الإمامة وموضوع الصحابة رضي الله عنهم لأن الشيعة كانوا مفلسين، وهم على كل حال مفلسون. فهم كانوا مفلسين في مناقشة ما سبق، لأننا كنا نحن نهاجمهم في عقيدتهم وفي دينهم وفي القرآن الكريم وفي دعوى الربوبية والألوهية وغير ذلك أو صفات الله سبحانه وتعالى للأئمة، فكانوا يرون أنهم ضائعون وأنهم لا يستطيعون مجاراتنا في ذلك، فلا يستطيعون أن يتكلموا عن أهل السنة إلا فيما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم. فلعل كانت هناك ضغوط منهم على الدكتور الهاشمي بحيث أنه لابد من أن تطرح هذا الموضوع أو لا نشارك، فالله أعلم فأنا لا أدري ما يدور بينهما، ولكنني لا أستبعد هذا أبداً، فوجدوا متنفساً عندما طرح موضوع الإمامة، لأنهم يستدلون على الأقل يتكلمون يطرحون على أهل السنة شبهات، وكذا الأمر بالنسبة لهم عندما يتكلمون عن عدالة الصحابة. بل إن عدالة الصحابة أقحموه إقحاماً، ما كان مطروحاً أصلاً، وكما قلت هو المتنفس الوحيد لهم في نقاشهم مع أهل السنة قضية عدالة الصحابة. فعلى كل حال قضية تحديد المواضيع ما كانت باستطاعتنا، وإنما كان بضغط من الدكتور الهاشمي وكذلك ما كنا نستطيع أن نمتنع عندما يطرحها على الهواء مباشرة بالرفض من مناقشة المواضيع فكأننا نبين للغير أننا ضعفاء، ومع هذا طرحت هذه المواضيع ودافعنا عنها بما نستطيع، ولعل الله تبارك وتعالى يكون قد يسر وأظهر ذلك جيداً.
س10
ما مدى صحة تسنن بعض العادات الشيعية من خلال المناظرات أو من بعد المناظرات كأفراد وجماعات؟
ج10
الله أعلم، إنها كلها عبارة عن اتصالات وغيرها. نعم أخبرنا البعض أن هناك العائلات في الإحساء في منطقة الجرن إنهم دخلوا في التسنن ومن ثقاة. كذلك من الأهواز اتصلوا بنا وذكروا أن هناك من دخلوا بالتسنن ولله الحمد والمنة. لكن لم يقولوا جميعاً أن تسننهم هذا من أجل المناظرات، ولكن قد تكون أشياء أخرى ترسبات قديمة ولعل هذه المناظرات القشة التي قصمت ظهر البعير. وأنا أتصور التسنن من قبل المناظرة يحتاج الأمر إلى مدة حتى تظهر نتائجه، فقد يراجع الإنسان نفسه، وقد يسمع المناظرة مرة ومرتين وأكثر، ممكن بعد سنة وسنتين، وممكن في ناس مباشرة الآن بشكل أتوقع الثمرات لا نستعجل عليها. سأذكر قصة سمعتها من بعض المشايخ وقد أعجبتني وآنستني ذكروا أن أحد الشباب السنة دعا شيعياً لمحاضرة للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى للمدرسين، وكان الحضور قريباً من ثلاثمائة، فحضر الشيعي بعد امتناع، كان من ضمن الأسئلة التي وجهت للشيخ بن باز: كيف نعامل الطلبة الشيعة؟ هل يجوز لنا أن نخصم عليهم بعض الدرجات؟ أو نساعد السنة بالدرجات حتى لا يحصل الشيعي على درجات أعلى من السني ويتفوق عليه؟ وهذا من باب أن هذا الشيعي سيمسك منصباً في المستقبل وسيضر السنة. فكان الجواب على الشيعي كالصاعقة، وذلك أن الشيخ عبد العزيز بن باز قال: لا يجوز، وذكر قول الله تعالى:" ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى"، فأعطي كل ذي حق حقه. يقول الشيعي: نزل علي الجواب كالصاعقة، ولكن مع هذا يقول الشيعي: لعله (أي الشيخ بن باز) قاله تقية. ثم راجعت نفسي فقلت: تقية لمن؟ الحضور ثلاثمائة سني تقريباً وعدد الشيعة لا يتجاوز عشرة، فهل يتقينا ويضيع الثلاثمائة؟ فاستبعدت ذلك. وشد انتباهي بالمحاضرة موضوع استدلال الشيخ بن باز بالآيات، وسرده لها سرداً سريعاً، وتنزيلها على الأمور التي يريد ذكرها. فهذا الرجل صار سنياً ولكن بعد سنتين من هذه الحادثة، ظلت تختمر في نفسه حتى نضجت بعد سنتين. فلذلك نقول لا نستعجل النتائج، وخاصة أننا في المناظرة دعونا الشيعة أن يقرءوا الكافي مثلاً، وأن يقرءوا كتبهم وأن يرجعوا إلى أنفسهم وأن يعرفوا من أين يأخذوا دينهم، فهذا سيأخذ وقتاً منهم، ولعلهم بعد هذا الوقت أن يتفقوا على رأي، وأن يجزموا على قضية، ولعل الله تبارك وتعالى أن يهديهم. فالنتائج المباشرة هذه فهي غير متوقعة كما هي غير جيدة، قد تكون انفعالية، والأشياء الانفعالية قد لا تدوم طويلاً، وقد يرجعوا كما كانوا بل أشد. ولكن الذي يأخذ الأمور على روية خاصة المثقفين منهم والعقلاء، ودرسوها دراسة مستفيضة وجيدة، فلعلهم بعد ذلك أن يتخذوا الرأي الصائب ولن يغيروا رأيهم، والله أعلم.
س11
اختلف المشاهدون والمتابعون للمناظرة في مشاركة الدكتور أبو المنتصر البلوشي، فهناك من رآه قوياً وصلباً ومناظراً صعباً، وآخرون رأوه سريع الانفعال والغضب وتغلب عليه اللكنة، فمن هو الدكتور أبو المنتصر البلوشي؟ وما هو تقييم فضيلتكم لأدائه ودوره في المناظرة؟
ج11
د. أبو المنتصر البلوشي حفظه الله هو من رؤوس أهل السنة في إيران في بلوشستان بالذات، وهو رجل فاضل نحسبه كذلك ولا نزكيه على الله جل وعلا، وكنت أشعر بصدق ذلك الرجل وإخلاصه وحبه للنبي صلى الله عليه وسلم ولأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كان سريع الدمعة، مع هذا هو في طبعه حاد الطبع، وهذه خِلْقَة، لا يملك الإنسان أن يغيرها، وكان أبو بكر رضي الله عنه فيه حدة، بل هي تأتي رغماً عنهم، وأما كونه سريع الغضب قلت: هذا طبعه، وهم كانوا يثيرونه في ذلك ويقاطعونه أثناء حديثه، وكان يرى الرد الشديد عليهم هو الذي ينفع معهم، كما كان يزيد في انفعاله للرد عليهم لإغضابهم، لأنه يرى أنهم يستحقون مثل هذه الأمور، لكن على كل حال انفعاله كان بسبب مقاطعتهم له، ولذلك أنا كلمت الدكتور الهاشمي في هذا الموضوع، وقلت له صراحة: دكتور أنت سبب ما يحدث من ضوضاء وخصام وصراخ، فتفاجأ وقال: أنا؟ قلت: نعم. قال: كيف؟ قلت: إنك لا تضبط الجلسة. لأن كانت لديه وجهة نظر أنه لا مانع من أن يصرخ هذا، وهذا يصيح لأنه يرى أن هذا شيء صحي. وكنت أخالفه في ذلك، وقلت له: أن هذا ليس صحياً، بل الصحي أن يتكلم هذا ويسكت الآخر، وأن يستمع الجميع للجميع. ووجهة نظره أن الناس يملون من أن يستمعوا للشخص الواحد لمدة عشرة دقائق تقريباً فضلاً عن ثلث ساعة أو ربع ساعة، فلابد للمقاطعات حتى يكون للبرنامج حياة والناس تنتبه لمثل ذلك الكلام. فطلبت منه أن يجرب، وأن يمنعهم من المقاطعة وانظر لأبي المنتصر كيف يكون، وأنا أضمنه لك. فكانت إحدى الجلسات منعهم من المقاطعة فما تكلم أبو المنتصر بكلمة واحدة، بل كان هادئاً طوال الجلسة.
أما أنه كان صلباً جيداً فلا شك في ذلك، وكان لا يجاملهم وكان واضحاً سيفاً في وجوههم. أما حدة الطبع فحاولت أن أهدئه فأحياناً أستطيع وأحياناً استسلم، وبعد المناظرة أكلمه وأقول له: كنت منفعلاً. وأحياناً يقول لي: صدقت وأحياناً يقول لي إنهم يستحقون ذلك.
أما تقييمي لأدائه فأنا لم أقيّم نفسي حتى أقّيمه، كما قلت سابقاً أنا لم أشاهد المناظرة إلى الآن حتى أقيّم، فلعلي لو نظرت إليها من جديد لاستطعت أن أقيم، كما إنه ليس من المرة الأولى ولا الثانية. وعلى كل حال أنتم تقيمونني وتقيمون أخي أبي المنتصر كما تقيمون الشيعة المناظريْن، ود. الهاشمي، وأنتم أهلٌ لذلك إن شاء الله.
أما اللكنة فهذا أعجمي، وجزاه الله خيراً أن يستطيع أن يتكلم بهذه الطريقة، وأبشركم أن ابنه لغته العربي فصحى، وذلك على أخواله من سوريا.
س12
ما هي القصة الحقيقية من تواجد أفراد من السفارة الإيرانية في الاستديو؟ وهل فعلاً تعرضتم للتهديد بالقتل أو ما شابه ذلك؟ وهل هناك مضايقات من قبل السلطات المحلية في الكويت للحد من نشاطكم في معارضة الشيعة أو المبتدعة بشكل عام؟
ج12
أما التعرض للتهديد بالقتل أو غير ذلك أبداً لم يحدث شيئاً من ذلك لا هناك ولا هنا ولله الحمد والمنة، فكنت أعيش حياتي طبيعياً فكنت أخرج وأمشي، كما كنت أحافظ على أذكار الصباح والمساء هناك كما كنت أحافظ عليها هنا، والله خير حافظاً سبحانه وتعالى.
أما المضايقات من قبل السلطات المحلية في الكويت للحد من النشاط أو غير ذلك، لا أبداً، لا هنا ولا هناك ولا في أي مكان، ولله الحمد والمنة، لأنني لا أسب ولا أشتم الشيعة بالعكس فأنا نصوح، والله ما أريد لهم إلا الخير، ولذلك تحديتهم أمام الناس جميعاً أن يثبتوا عليّ نصباً لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم كما يكذبون ويدعون ذلك عليّ، وأنا أعلن من هنا وفي كل مكان أنني لا أنصب العداء لآل البيت بل والله إني أتقرب إلى الله تبارك وتعالى بحبهم.
أما القصة الحقيقية من تواجد أفراد من السفارة الإيرانية في الاستديو، والله ما أعلم شيئاً عن ذلك، الذي أعلمه عن هذه المسألة ما يأتي: كنا جالسين في الجلسة قبل الأخيرة، فأوقفوا البث ثم جاءنا المخرج غير د. الهاشمي وقال: دخل عليّ خمسة أشخاص في الاستديو، ولا يريدون الخروج، ويريدون البقاء في مكان الاستديو، وهو يستقبل الاتصالات والتلفونات من الناس فشغلوني ما أستطيع أن أتكلم كلمة، ولا أستطيع أن أؤدي عملي جيداً، فقال له د. الهاشمي: أخرجهم. فقال: لقد طلبت منهم الخروج فامتنعوا. فخرج د. الهاشمي لهم وكلمهم وطلب منهم الخروج من الاستديو فخرجوا وجلسوا في الصالة، فطلب منهم أن يجلسوا خارج المبنى، فخرجوا وجلسوا خارج المبنى ولم ينصرفوا إلى بيوتهم، حتى أن د. الهاشمي كاد أن يقطع البرنامج وذلك لشعوره بأن هناك شيئاً غير طبيعي، ثم طلب منهم أن ينصرفوا من عند الباب فامتنعوا، فقال د. الهاشمي: إنه لن يبدأ حتى ينصرفوا، فطلب من التيجاني والنجدي أن يصرفاهم، فخرج أحدهم وصرفهم لقد نسيت من هو هل التيجاني أو النجدي فانصرفوا. ثم في نهاية الجلسة الأخيرة عندما انتهينا وأردت أن أنصرف فأنا لم أرى هؤلاء الخمسة أبداً ولكن أسمع الكلام الذي يدور، وجاء الأخوان من الاستديو أن ثمانية أشخاص جاءوا لأخذ التيجاني والنجدي فقال د. الهاشمي: أن أحد هؤلاء الأشخاص من السفارة الإيرانية يعرفه، فأنا لم أرى الخمسة ولا الثمانية، فكل هذا سماع ولا أستطيع أجزم بشيء.
س13
حديث الساعة هو موضوع المباهلة، فما المقصود في المباهلة؟ وهل لها أصول؟ ولماذا رفضتم كما يزعم البعض من مباهلة د. النجدي؟ وما حدث في الاستديو عندما وقف النجدي ينادي في المباهلة ثم انقطع المشهد علينا وعلى المشاهدين؟ لماذا لم تكونوا حازمين وأقوياء لدى تحدي أهل الباطل لكم في المباهلة؟ لماذا ظهر عليكم كما يبدو التردد في المباهلة؟
ج13
المباهلة هي الملاعنة وهي في قول الله تبارك وتعالى:" فمن حاجك فيما جاءك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين"، ولذلك يقوم المتباهلان أو المتلاعنان كل واحد منهما يلعن صاحبه إن كان مبطلاً ويلعن نفسه إن كان مبطلاً، والثاني يفعل كذلك.
أما أصولها: في فعل النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يباهل أهل نجران، لكنهم امتنعوا لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم بعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم وأراد أن يباهل بهم، وعندها امتنع النصارى من مباهلته صلوات الله وسلامه عليه.(14/4)
أما بالنسبة لموقفنا من المباهلة: فالذي أظنه أن الموقف كان واضحاً، أنا سأذكر قصة المباهلة كاملة: أولا لابد أن نعلم أن موضوع المباهلة لا يمكن أبداً ولا يجوز أن يُجعَلَ هو الفيصل في ظهور الحق أو ظهور الباطل، نعلم جميعاً أن طرح الأمور وإثراءها هو الأصل في هذه المسألة، والمباهلة لا ينبغي أن تعطى هذا الحجم بل هي 1% أو 5% على أكثر تقدير في هذا، وعلى كل حال الذي حصل عن د. التيجاني دعا إلى المباهلة لما ذكرت آية المباهلة وحديث المباهلة فقال: نباهلكم، فنحن لم نكن حريصين على المباهلة ولا دعينا إليها، بل ولا ممتنعين عنها، فقلت له: لا مانع. فقال الأخ أبو عبيدة عبد الرحمن الدمشقية: لا مانع، كما قال النجدي: لا مانع. فموضوع المباهلة كان بيننا نحن الأربعة (أنا وأبو عبيدة من جهة والتيجاني والنجدي من جهة أخرى). فوافقنا فنحن ولله الحمد لا نخاف شيئاً نمتنع من المباهلة بل نرى إننا على حق، وإن كان موضوع المباهلة ليس بهذه الصورة، وذلك أن الإنسان قد يبيع نفسه وقد لا يخاف عليها كثيراً ولكن يخاف على أولاده ونسائه، وذلك الأصل في المباهلة كما قال تعالى:" ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم"، فالأصل أن يأتي بأهله، ولكن لا مجال طبعاً بالإتيان بالأهل هناك في لندن، فالوحيد الذي يستطيع أن يأتي بأهله هو النجدي لأنه من سكان لندن. فنحن وافقنا على المباهلة ابتداءاً ولم نمتنع منها، ولكنا بينا لهم أن المباهلة مفاصلة وأن تكون حاسمة، وأظن أن الكلام كان واضحاً وهو أنه إذا أردتم المباهلة فالآن أو إن شئتم في نهاية الجلسة، أو إن شئتم في نهاية المناظرة ككل نحن مستعدون. ولكن ليعلم الجميع أن المباهلة مفاصلة، لأننا لا يمكن بعد أن ألعنك وتلعني ثم نجلس بعد ذلك نتناقش. أبو المنتصر كان ممتنعاً لأنه لم يكن طرفاً في المباهلة وكان يمتنع عن المباهلة لوجهة نظرٍ عنده واحترمها جداً، وذلك أنه كان يقول لنا: التيجاني يقول عن نفسه كلب أهل البيت، وهذا النجدي يُسيّر من الخارج (أي لا يتكلم بكلمة من عند نفسه) فقد ركّب جهاز على أذنه في آخر ثلاث حلقات، الجهاز ركبه حلقتين وفي الحلقة الثالثة يقرأ من أوراق قد كتبت له. فيقول أبو المنتصر: هؤلاء نكرات حتى أنهم لا يستطيعون أن يمثلوا أنفسهم، تُلقى الأوامر عليهم، فكيف نباهل هؤلاء؟ والأصل في المباهلة أن تكون مع علية القوم، لا مع هؤلاء النكرات. فهذه وجهة نظر عنده، فنحن ما كنا أبداً نستطيع أن نمتنع أمام الملأ أن يعلن أولئك القوم طلب المباهلة ونقول نحن: لا نباهل، بل والله مستعدون للمباهلة. فمن ماذا نخاف؟ فنحن والله على حق.
وأما الذي حصل من عموم الشيعة أعني الذين كانوا يتصلون دائماً إن لاحظتم أن الشيعة هم يصرون على المباهلة دون السنة لأنهم كانوا يريدون أن ينقطع الحديث، وذلك لأن في كل ليلة يظهر أهل السنة أقوياء وأن أولئك ضعفاء، فلما علم الشيعة أن المباهلة مفاصلة فكانوا حريصين عليها حتى ينتهي اللقاء، وكان د. الهاشمي أن لا تكون المباهلة إلا في نهاية اللقاء، حتى يستمر الحوار وخصوصاً أنه وعد المشاهدين أن هذا اللقاء سيستمر إلى نهاية الشهر. وذلك أنهم اعتمدوا على التمثيل، كل حلقة يقولوا أنهم يريدون المباهلة، وإنها مجرد جعجعة، إثارة، تمثيل، كما مثّل التيجاني بمحاولته للبكاء والضحك. وكنت أنظر إليهم نظرة ازدراء، واحتقرهم. فالإنسان إذا شعرت أنه صادق في تعامله وتصرفاته وخلقه احترمه، والعكس إذا وجدت الذي أمامي يكذب ويدجل فلا أحترمه أبداً. فالشاهد من هذا أنه في آخر يوم لما طرحت المباهلة من جديد، وتكلم أبو المنتصر بكلامه المعهود لأنه ما كان طرفاً بالموضوع، فلما وجّه إليّ السؤال الدكتور الهاشمي قال: ما رأيك؟ قلت: أباهل، فما عندي أي مانع أبداً. لكني لا أمثل كما يمثلون، ولا تعودت أن أمثل لا في أول الجلسات ولا في آخرها، ولن أمثلها إن شاء الله تعالى. فلا توجد لدينا أي مشكلة سواء في مباهلة أم لا، ولذلك الذي وقع حتى تعرفوا الحقيقة أنه إنني لم أكن أعلم أنه انقطع الاتصال معكم ولكن أخبرت بعد أنه قطع الاتصال لما وقف د. النجدي وأراد أن ينتزع قميصه وهنا قالوا انقطع الاتصال. الذي حصل أن د. الهاشمي ختم اللقاء بطلب كلمة من كل واحد منا يوجهها للناس، ثم بعد ذلك ختم كان يريد أن يستمر في الحوار ولا يريد أن ينقطع ولا يريد أن يكون العيد بدايته مباهلة وغير ذلك، وإنه كان ممتنعاً للمباهلة وكان معارضاً لها جداً، فإنه عندما ختم خرج فلما خرج قام النجدي وأراد أن ينزع كما رأيتم قميصه وهنا انقطع الاتصال بكم، الذي حدث بعد ذلك إني كلمته فسألته: ما به؟ ولماذا تريد أن تتعرى أمامنا؟ قال: نريد أن نباهل. فقلت: لا توجد مشكلة تستطيع أن تباهل وعليك ملابسك. اجلس. فقال: نريد أن نباهل. قلت: اجلس، فلماذا هذا التمثيل؟ تستطيع أن تباهل وأنت جالس. فكنت أظن أن التسجيل مازال مستمراً، فجلس. ثم بعد ذلك أخبرنا أن التسجيل قد انقطع، فقال النجدي: المباهلة؟ فقلت: انتهى التسجيل، فلا تنفع تمثيليتك الآن. فقال: المباهلة؟ فقلت: فلا يوجد لدي مانع تريد المباهلة فأنا مستعد بيننا وبينك من غير تسجيل. قال: أنا أريد أن ادعوا. فقلنا: ادع، فقلت له: أنت تدعوا ونحن نؤمّن على دعائك، ما رأيك؟ فدعا اللهم اظهر الحق وما شابه ذلك فانصرف راشداً أو غير راشد. فقط هذا الذي حدث كلها تمثيلية، ليضحكوا على الناس بأنهم دعاة للمباهلة وأنهم أصحاب حق، ولو كانوا أصحاب حق ما كانوا يكذبون.
أما ما كنا حازمين، لا، بل كنا حازمين لله الحمد والمنة، ولكننا ما كنا نصرخ، وما كنا ممثلين، بل كتبت المباهلة وقرأها النجدي، وقرأها د. الهاشمي ومازالت عندي النسخة. ولكن كما قلت: ما عرفت التمثيل في حياتي فلذلك لم أقم كما قاموا وما صرخت كما صرخوا وما هي لي بعادة ولله الحمد والمنة، ولم يظهر علينا أي تردد، ولكني كنت صامتاً كعادتي عندما يصيحون من بداية المناظرة، وعندما يكون ضوضاء ولجّة فأسكت والتزم الصمت، فما أظنكم عهدتم عليّ صراخاً، حتى يقال هنا غني سكت خوفاً من المباهلة، فلا يوجد شيء نخاف منه ولله الحمد والمنة.
س14
حرص الرافضيان على تعمّد إثارة عديد من الشبهات لغواية الناس ومنها انطلت على كثير من العوام قضية يزيد بن معاوية. فنريد أن نعرف ما هو موقف أهل السنة والجماعة من يزيد بن معاوية؟
ج14
يزيد بن معاوية ملك من ملوك المسلمين، وهو ليس بكافر، ورأيي في يزيد هو رأي الإمام الذهبي رحمه الله تعالى قال: لا نسبه ولا نحبه. والذي وقع أنه يعترض على كتابي بأنني قلت: أمير المؤمنين يزيد بن معاوية. فاعتراضهم كيف إني قلت عنه أمير المؤمنين، فهو أمير المؤمنين شاءا أم أبيا، فهو أمير المؤمنين رغماً عني وعنهما. وأمير المؤمنين فهو منصب وليست مدحاً. فنحن نرى أن المأمون قتل علماء المسلمين ومع هذا نقول أمير المؤمنين. فكما الآن عندما نقول الملك فلان والرئيس فلان والأمير فلان والسلطان فلان ولا يعني بالضرورة أن يكون صالحاً، قد يكون أمير للمؤمنين ظالماً فما المانع من هذا؟ فنحن لا نمدحه ولكن كذلك لا نسبه، ولا نعتقد أن سبه قربى نتقرب بها إلى الله تعالى بل نرى الإمساك عنه، وهو رجل له حسنات وله سيئات، وقد عاب عليه أهل السنة أمرين:
الأول: ما وقع من مقتل الإمام الحسين بن علي الشهيد رضي الله عنه وأرضاه وعن أبيه، وأنه لم يحرك ساكناً ولم يكن له دور في مقتل الحسين كما نعتقد ولكن الدور لعبيد الله بن زياد أمير الكوفة. ولكن نقم أهل السنة على يزيد أنه لم يعاقب عبيد الله على قتله الحسين رضي الله عنه وأرضاه.
الثاني: ما وقع في الحرة لما أوقع القتل في أهل الحرة وكان رد فعل كل ملوك الدنيا الآن يفعلونه بالنسبة للمنقلبين عليهم والخارجين على قانونهم، وهو إذا خرج عليهم أحد قتلوه وأهل الحرة خرجوا على يزيد فقتلهم من أجل هذا. وينكر عليه أهل السنة أن رد الفعل كان أقوى من الفعل بكثير.
فنحن كما قلت لا نحبه ولا نسبه ولا نتقرب لله بسبه، ولكنه مات وحسابه عند الله تعالى، ونعتقد ما نسب إليه من الفسق والفجور فعلمه عند ربي سبحانه وتعالى، فقد يكون وقع وقد لا يكون ذلك الله أعلم بحاله. وهو ليس بصحابي، وإنما هو من التابعين.
س15
أعجب الكثيرون بردكم المتزن على الرافضي الذي كانت له مداخلة هاتفية من قُم أثناء المناظرة، والذي استخدم ألفاظاً يترفع المرء عن ذكرها، خاصةً حين تحداكم أمام المشاهدين بأن تبولوا واقفين، ولكن هناك من التبس عليه الأمر يا شيخ خاصة من الناحية الشرعية في البول واقفاً وهل ثبت فعلاً أن النبي صلى الله عليه وسلم بال واقفاً؟
ج15
أنا أقول هذه المسألة شنّع فيها الشيعة كثيراً كأن القول في البول واقفاً كأنه القول في تحريف القرآن، أي أنهم يشنعون على القول في البول واقفاً ولا يشنعون بالقول في تحريف القرآن، وهذا شيء عجب منهم. وذلك أنه ثبت في الكافي في الجزء السادس صفحة 500 أنه سئل جعفر الصادق عن البول واقفاً قال: لا بأس. فالمسألة أقل ما شنّع بها، كل ما في الأمر أنه ثبت عندنا في الأسانيد الصحيحة أي في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم بال قائماً. فأين المشكلة؟ وذلك نقل عن الإمام النووي الإجماع على جواز البول قائماً وأنه يستحب البول جالساً وإن البول قائماً يجوز. فكل ما في الأمر أن البول قائماً جائز و البول جالس أفضل. فهم شنعوا كثيراً في هذه المسألة في محل لا يستحق كل هذا.
وأما كلام الرافضي لي فاحتسبه عند الله سبحانه وتعالى، وأسأل الله جل وعلا أن يأخذ لي بحقي، وعلى كل حال هذا الذي قيل قليل بالنسبة لما قيل غير ذلك، يكفي أنه أغاظه ما وقع لصاحبيه من الضعف والكذب وغير ذلك فلعل هذا الذي أثاره وجعله يتكلم هذا الكلام. وكنت أظن كما ظن الكثيرون مثل هذا الظن أنه كانوا يحاولون إثارتي، حتى أخرج عن أسلوبي وطبعي في الكلام والطرح، حتى كنت أرى هذا من أثناء مقاطعتهم لي أثناء حديثي واتهامهم لي أحياناً بالكذب وأحياناً بالنصب وغير ذلك، ولكن ولله الحمد والمنة كنت التزم الهدوء، ولذلك لا أشتغل كثيراً بالرد على هذه الترهات، وكما قيل:
ما ضر نهر الفرات يوماً،،،،، أن ألقى فيه غلام بحجر
وهذا شيء يسير يصاب به الإنسان في سبيل الله جل وعلا، ونسأل الله عز وجل أن لا يحرمنا الأجر.
س16
هناك الكثير يتساءل عن تعريف الناصبي، وهل يوجد في هذا الزمان من يتهم بالنصب؟
ج16
الناصب عند أهل السنة والجماعة هو من ينصب العداوة لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وكان النواصب فرقة من الفرق كما كانت الخوارج فرقة، والرافضة فرقة، والقدرية وغير ذلك من الفرق التي تنتسب إلى الإسلام. وأكثر ما كان وجود هذه الفرقة في بلدين الشام والبصرة، حيث أنهم كانوا فيهم بغض لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ولأولاده. وهؤلاء حكمهم عند أهل السنة كحكم الشيعة والخوارج أي أنهم من الفرق الضالة، فنحن نضللهم ونفسقهم ونرى أنهم من المبتدعة. كما هي عقيدتنا في الشيعة والخوارج فكذلك عقيدتنا في الناصبة، لأننا نرى حب آل البيت من الدين وأن الذي يحب آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم يتقرب لله جل وعلا بهذا الحب. والله إننا لكذلك.(14/5)
أما وجودهم فهو ليس كوجود الخوارج، وليس كوجود الشيعة وغيرهم وكثرتهم ووجود كتبهم، وشيوخهم، وذلك لأنهم قلة أو نادرون أو لا يوجدون أصلاً الآن، ولا أعلم أحد الآن يقول عن نفسه ناصبي بأن ينصب العداوة لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم. فعلى كل حال، لا أعلم أن الناصبة موجودة الآن، لكن قد يكون في أفراد فهذا ممكن. أما اتهامنا (أي اتهام أهل السنة والجماعة) بأنهم نواصب فهذه كما يقول الكثيرون: شنشنة نعرفها من أخزم. كل من يدافع عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وكل من يدافع عن آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ويدفع عنه الغلو الذي يغلو به الشيعة وغيرهم، يتهم بالنصب. وهذا ليس ببعيد أبداً عن اتهام النصارى لنا بأننا لا نحب عيسى لأننا لا نؤلهه، وهذا كذب وزور بل نحن نحب عيسى ولا نؤلهه، بل والله لا أجد مثلاً لنا ولهم إلا كما قال الله تبارك وتعالى:" إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة". يقول الحافظ بن كثير عن تفسير هذه الآية: فنحن أتباع عيسى، ونحن فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة، وليس الذين غلوا فيه أتباعه والذين يدعون التبعية له وهو بريء منهم، وكذلك الأمر بالنسبة لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ليس الذين غلوا فيه هم أتباعهم بل الذين انصفوهم وأعطوهم حقهم الذي لهم هم أتباعهم وهم أصحاب آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم. وقد جاء في الحديث وإن جاء فيه كلام لا يصح سنداً إن كان مشهوراً عند أهل العلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: يهلك بك اثنان مبغض غال (وهم الناصبة)، ومحب غال (وهم الشيعة). أولئك هلكوا في علي وأولئك هلكوا في علي، وأهل الوسط أهل السنة والجماعة أسعد الناس بعلي، وبالحسن، وبالحسين رضي الله عنهم، بل لو قرأ المرء قراءة متأنية لكتب أهل السنة لما وجد عالماً من علماء أهل البيت أو يطعن بهم، ولو قرأ كتب القوم (أعني الشيعة) لوجد الطعن في آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم كما طعنوا في عائشة، وحفصة وهما زوجتا النبي صلى الله عليه وسلم ومن أهل بيته، وطعنوا في العباس وابنه، وعبيد الله بن العباس، وطعنوا في أولاد الحسن بن علي، وطعنوا في محمد بن الحنفية، وطعنوا في إسماعيل بن جعفر الصادق الذي تنتسب إليه الإسماعيلية، وطعنوا في جعفر أخي الحسن العسكري عم المهدي المنتظر، وهؤلاء كلهم من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم. فلو ذهبت إلى أي شيعي عنده شيء بسيط لا أقول من العلم ولكن من الاستحضار ما يذكر في الحسينيات أو غيرها وسألته سؤالاً واحداً: من هو جعفر الكذاب؟ لقال لك: عم مهدي المنتظر. أما الأئمة الاثني عشر عندهم فالطعن فيهم كثير في كتب الشيعة. فمن يحبهم آل الذين يمدحونهم ويذكرونهم بكل خير ويثنون عليهم ويتقربون إلى الله بحبهم ولا يغلون فيهم هم الذين يحبونهم؟ أم الذين يبالغون في حبهم زعموا ويطعنون فيهم في كتبهم وينسبون إليهم الزور والبهتان فمن أراد التوسع في ذلك يرجع إلى شريط "آل البيت" ليعرف من هم أتباع آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم؟ وهذا موجود في صفحة المنهج فيجد الإنسان شريط آل البيت، ويعرف موقف أهل السنة منهم وموقف الشيعة منهم .
س17
أثناء المناظرة الملاحظ إنه كنت تسأل العديد من الأسئلة ولم نسمع لها جواباً حتى بلغت سبعة وثلاثين نقطة عجز المناظران عن الإجابة عليها، فهل تستطيع يا شيخ تدوين هذه النقاط حتى نستفيد منها بارك الله فيك؟
ج17
أظن أن الأسئلة أكثر من سبع وثلاثين سؤال، ولكن هذه التي كنت أذكرها لأنني كنت أعتمد على الذاكرة فما كنت أسمع المناظرة مرة أخرى في البيت ولا كنت أراها، ولكن الأسئلة التي كنت أدونها أثناء المناظرة ولكن هناك أسئلة تأتي تبعاً (أي أثناء الكلام) ولذلك ذكرني البعض بأسئلة أخرى غير 37 سؤال، فلعل الأسئلة تجاوزت 45 سؤالاً التي لم يجيبوا عليها، وإن شاء الله إذا استمعت إلى المناظرة وشاهدتها لعل تخرج أسئلة أخرى فعلاً ما أجابوا عليها، وإن شاء الله ستدون وستكون في صفحة المنهج إن شاء الله تعالى.
س18
ما هي علاقتكم بالشيخ ناصر الغفاري حفظه الله؟
ج18
الشيخ أبو بدر ناصر الغفاري علاقتي معه طيبة جداً ومن الناس الذين استفدت منهم كثيراً، خاصة من كتبه وخاصة كتابه "أصول مذهب الشيعة" استفدت منه كثيراً، وأنا على اتصال به بين فترة وأخرى، وإذا سافرت إلى القصيم أحرص على رؤيته خاصة عند شيخي أبي محمد ناصر الحميد، لكني ما درست على يديه، ولكن درست على كتبه، واستفدت منها كثيراً، وفي أثناء المناظرة كنت على اتصال معه بين فترة وأخرى كلمته تقريباً ثلاث أو أربع مرات أثناء المناظرة، واستفدت منه في بعض الأمور، ووجهني في بعض الأمور فشكر الله له ذلك.
س19
ما هي نصيحتكم فيمن أفنى عمره في دراسة المذاهب المبتدعة والمذاهب الضالة ثم تقوقع على نفسه بحجة أنه يخشى من تصدر المجالس، أو من الرياء، أو من السمعة أو خوفاً على نفسه من وقوع في الشبهات أثناء المناظرات؟
ج19
أولاً: لا ينبغي للإنسان أن يفني عمره بهذه الأمور بل عليه أن يفني عمره بما يعود عليه بالخير، فيعرف أولاً عقيدته، وأن يعرف الفقه، وأن يعرف كيف يعبد ربه جل وعلا ثم تكون هذه من نافلة القول، ولذلك لأن هذه من الفروض الكفائية التي إذا قام بها البعض سقطت عنه، لكن فليبدأ بفرض الأعيان أول شيء ثم بعد ذلك ينتقل إلى الفرض الكفائي.
ثانياً: من حصّل هذا العلم لا يجوز له أبداً أن يكتمه، والنبي صلى الله عليه وسلم: من سئل عن علم يعلمه فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار. فأمثال هؤلاء الذين حصلوا هذا العلم لا أقل من أن يكتب ويجعل أسماء مستعارة إن أرادوا، لكن أن يكتم هذا العلم ويضيع هذا الخير عن الآخرين حيث يستفيدون منه ويبلغوه فهذا خطأ عظيم، بل عليه أن ينشر ويعلم علم اليقين أن الأمة لو اجتمعت أن يضروه بشيء لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه، أن يثق بالله جل وعلا.
س20
أثناء المناظرة يا شيخ مع الرافضة في قناة المستقلة ورد اسم د. عصام العماد سواء من قبلكم أو من قبل المناظرين أو حتى من قبل الرافضة حينما كانت لهم مداخلات هاتفية، فمن هو د. عصام العماد؟ وهل سبق لكم أن ناظرتموه؟ وما هي النتيجة التي خلصتم إليها في مناظراتكم معه؟ هل صحيح أنكم انسحبتم في نهاية المناظرة وأعلنتم الانسحاب؟
ج20
د. عصام العماد ناظرته في الإنترنت في البال توك، وجلسنا خمسة عشرة جلسة وكان رجل كثير الكذب، كثير التملص، كثير الدعاوى، ولذلك لم أستمر في مناظرته لأنني طلبت منه أن يجيب على الأسئلة التي تطرح ولا نسمع لها جواباً، بل كان يخرج عن الموضوع ويتكلم عن نابليون وعن غيره، فإنني شعرت أن هذا الرجل تافه وأنه يضيع الوقت ولا يجيد الحوار ولا يجيد الصدق، ولذلك قلت له: إما أن تجيب على الأسئلة التي تطرح وإما أن تنسحب من اللقاء. فقال: لن أنسحب ولن أجيب. فهذا لا يصلح أبداً ولا يمكن أن يستمر النقاش مع هؤلاء الذين لن يصل الإنسان إلى نتيجة معهم طالما أنهم يكذبون ويمتنعون. فالأصل في المناظرة أن لا يحيد المناظر عن سؤال صاحبه الذي يناظره بل عليه أن يجيب أو يقول: عجزت، أما أنه يتهرب من الإجابات وكان الرجل يكذب كذباً ذريعاً حتى إن من يرى المناظرة أو يسمعها يعلم علم اليقين أن ذلك الرجل لم يكن صادقاً في مناظرته، بل أحياناً يكذب بأشياء لا شأن لها بالشيعة والسنة، ككذبه لما قال: إنه خريج كلية الحديث جامعة الإمام الملك سعود. فقلت له: يا دكتور عصام لا أعلم في جامعة الملك سعود كلية للحديث، فكيف تخرجت أنت منها؟ فقال لي: لا شأن لك في حياتي الخاصة. فقلت له: أنت تكذب. فلا توجد هذه الكلية إلا أن تكون فتحت لك وحدك فهذا موضوع آخر. فقال: لا، أنا خريج جامعة محمد بن سعود. فقلت له: ألا تعلم من أي جامعة تخرجت؟ فالرجل كذاب، بل أنا ما خطر في بالي، وقد أنسيت أن حتى جامعة محمد بن سعود ليس فيها كلية الحديث. فهو رجل لا يستحي من كذبه فهذا الذي جعلني أتوقف عن مناظرته لأني شعرت أن هذا مضيعة للوقت، وهذا الرجل يريد فقط الاستمرار في الكلام والخروج عن الموضوع وعدم الالتزام بالرد على الأسئلة التي تطرح. فقلت له مراراً: اطرح لي أي سؤال لم أجب عليه، وأن مستعد أن أجيب عليه الآن، وأنت أجب على أسئلتي التي سألتك إياها، فهم أكثر من 30 سؤال، لم يجب على أي واحد منها، بل كان يمتنع عن الإجابة.
النتيجة أنني خرجت بنتيجة ألا وهي أن هذا الرجل كذاب، بل حتى كذب في قوله أنه كان وهابياً وأنه كان يصلي بهم القيام. والله لا يحسن قراءة القرآن، وأمسكت عليه آيات كثيرة، لا يحسن أن يقرأها أبداً، والأشرطة موجودة ولله الحمد والمنة حتى يعرف الإنسان من الذي هرب من المناظرة، يكفي أن أقوى دليل تمسك به وذكره مراراً وتكراراً "إنما يريد الله أن يذهب عنكم الرجس أهل البيت" والله ما كان يحسن قراءتها، فهذه الآية هي دليله، وعلى ما أذكر الآن كان يقرأها "إنما يريد اللهُ أن يذهبُ عنكم رجس أهل البيت"، فضلاً عن سائر كتاب الله جل وعلا، حتى إني تحديته وقلت له: أنت كذاب في دعواك أنك تحفظ القرآن أو أنك تصلي بالناس القيام، وأنا مشفق جداً على الذين يصلون خلفك.
س21
ما هي أفضل صيغة للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؟ وما مدى صحة الحديث:" تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وعترتي آل بيتي".؟ ثم إن صح هذا الحديث ما هي دلالته؟
ج21 صيغ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فثلاث:
الأولى: وهي الصيغة الكاملة التي سأل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: عرفنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت آل إبراهيم إنك حميد مجيد. وأيضاً من الصيغ الكاملة اللهم صلي على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
الثانية: كقولك صلى الله عليه وسلم ، واللهم صلي على نبينا محمد.
الثالثة: اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد.
فأي صيغة يختارها الإنسان فهي طيبة ولكن لاشك أن الأكمل هي الصيغة الأولى وهي الصلاة الإبراهيمية.(14/6)
أما حديث:" تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي"، فهو ضعيف لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد حققت ذلك في رسالتي في الماجستير وبينت ضعفه في جميع طرقه. والحديثان الثابتان في مسلم حديث جابر وحديث زيد بن الأرقم. فأما حديث زيد بن الأرقم فهو الذي فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله. وهو حديث الثقلين، أمر بالتمسك في كتاب الله ثم أمر برعاية حق بيت النبي صلى الله عليه وسلم. وأما حديث جابر في حجة الوداع وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم خاطب الناس وأمر بالتمسك في كتاب الله فقط. فليس هناك أمر بالتمسك بعترة النبي صلى الله عليه وسلم. وعلى فرض صحة هذا الحديث فإنه لا يدل على مراد الشيعة وذلك أن العترة نحن أتباعهم كما قلت قبل قليل، من أراد أن يعرف من هم عترة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أتباعه فليرجع إلى شريط آل البيت.
س22
كيف التعامل مع الرافضة خاصة العوام منهم؟ فهل الأفضل هجرانهم، والتعريض عليهم وعدم ابتدائهم بالسلام؟ أم المناسب مخالطتهم والتودد لهم من أجل كسب قلوبهم ولدعوتهم لدين الحق؟
ج22
ليعلم الشيعة جميعاً، فالكلام هذا أوجهه للشيعة قبل السنة أننا مشفقون عليهم وأننا نريد لهم الخير، وأننا حريصون تمام الحرص على هدايتهم، وأننا نرى أنهم مضللون، وأنهم يغيب عنهم كثير من الحق، وأن علماءهم يستخدمون التقية معهم، ولا يقولون لهم الحقيقة، فأنا أدعوهم دعوة صادقة، إلى أن يتدبروا كتبهم وأن يقرءوا كتب علمائهم، وأحاديث آل البيت الحقيقية. أما بالنسبة لأهل السنة فأقول لهم: عاملوهم بالحسنى كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعامل الناس، خاصة الذين لم يقاتلوا في الدين، ولم يظاهروا علينا، فنعاملهم بالحسنى. وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة أن تكون بارة بوالدها لأنه كان في ذلك الوقت كان كافراً وكذلك أسماء أن تكون بارة بأمها فكانت كافرة في ذلك الوقت. بل نزل قول الله تبارك وتعالى:" وإن جاهداك على أن تشرك بما ليس لك به علم" في سعد بن أبي الوقاص مع أمه التي كانت تأمره بالكفر بالله جل وعلا. فنحن نعتقد إسلامهم، ونعتقد أنهم يحتاجون إلى الدعوة وإنه يجب النصح لهم والدعوة لهم، نريد لهم الخير، ونحب لهم ما نحب لأنفسنا من أن يهتدوا ويتبعوا الحق. ولكن في الوقت نفسه، لا نقبل منهم أن يسبوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولا نقبل في أن يطعنوا في عرض النبي صلى الله عليه وسلم، وأعلنوا القول بتحريف القرآن، وأعلنوا من الشركيات فإن أظهروا ذلك فإننا ننهاهم وننكر عليهم ونذكرهم بالله جل وعلا ونبغضهم إذا أبغضوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
س23
في الغالب يا شيخ يقال: ختامها مسك ولكننا يا شيخ نختتم هذه الحلقة بسؤال فيه هجوم على شخصكم الحبيب، وهذا السؤال ورد عبر الإنترنت: يعلم الله يا شيخ أننا نحبكم في الله ولا نقصد من هذه الأسئلة الحط من شأنكم معاذ الله أو إقرار هذه الأمور لكنها فرصة لدفع الشبهات عنكم فماذا تقولون في مدى صحة المقطع الصوتي الذي وضعه ذلك الرافضي الذي تسمى برفيق أثناء المناظرة من خلال مكالمة هاتفية له، ونسب إليكم أنكم تقولون أنكم غير متأكدين من صحة إحالة حديث ما في أحد كتب الشيعة، وأنك ذكرته هكذا كذبا، فما هو ردك يا شيخ؟
ج23
أولاً: لما شغل الشريط في أثناء المناظرة ما كان الصوت واضحاً وما سمعت منه شيئاً، وحتى د. الهاشمي قال: إن الصوت مشوش وما فهمنا شيئاً، ولكني بعد ما رجعت أخبروني بما كان في الشريط فلعل انتم بالتلفاز سمعتم أحسن منا ونحن في غرفة المناظرة، لكن أخبرت أنه نقل عني أني ضحكت عليه وكذبت عليه، أنا أذكر هذه القصة بوضوح تام، والحمد لله ما تعودت على الكذب ولا هي عادة، هذه كانت لي جلسة مع أحد علماء الشيعة في الكويت يقال له الداماوندي، وهو إمام مسجد خلف جوازات حولي، كنا في جلسة فصار حوار طويل ليس هذا مجال ذكره الآن، فكان في نهاية الحوار فقال لي لماذا ترجع إلى الناس الغير ثقاة ارجع إلى علماءنا الكبار في الحديث وكذا وخذ منهم. فقلت له: مثل من؟ فقال: الحر العاملي. قلت: الحر العاملي من علمائكم الكبار؟ قال: نعم. وكنت أنا قد تحديته أن يأتيني بحديث واحد صحيح تنطبق فيه شروط الحديث الصحيح عندهم وهو: ما رواه عدل ضابط إمامي عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة. فقلت: الحر العاملي قوله معتمد؟ قال: نعم. قلت: إذا قال شيئاً تقبل به؟ قال: نعم. فقلت له: الحر العاملي يقول: ما عندنا ولا حديث واحد صحيح، إذا طبقنا شروط الحديث الصحيح على أحاديثنا فلا يصفى لنا ولا حديث واحد تنطبق عليه هذه الشروط، أبداً. فذهل الرجل لما قلت له ذلك الكلام، فقال لي: أين قال مثل هذا الكلام؟ فأنا كنت أرتجل قول الحر العاملي لأني كنت احفظه، فقلت له: في الوسائل (وسائل الشيعة)، فقال لي: أين في الوسائل؟ قلت له: في الخاتمة. فقال لي: في أي صفحة؟ أنا هنا ما كنت متأكداً من الصفحة، وخشيت إن قلت: لا أعرف الصفحة فيقول: أنت غير متأكد من الكلام. فقدّر الله لي في ذلك الوقت أن أذكر صفحة تغلب على ظني، فقلت له صفحة 260 مباشرة، فسكت الرجل. لما رجعت إلى البيت نظرت في الكتاب فما وجدت الكلام في هذه الصفحة ولكنه في صفحة 360، لكن الكلام الذي ذكرته موجود، وما كذبت عليه أبداً وما تعودت على الكذب، ولو كان يعلم أن ذلك كذباً لكان فضحني، فهذه فرصة لا أظن الشيعة يتركونها، بل سيهتبلونها، ويجعلونها وصمة عار على أهل السنة أو علي على كل حال، كل ما في الأمر أني ذكرت الصفحة وأنا غير متأكد منها. فهذا الذي حدث، أما إني كذبت وتعمدت الكذب فهذا كذب علي، وعلى كل حال الكلام الذي ذكرته موجود في ذلك الكتاب، كل ما في الأمر اختلاف رقم الصفحة. فذكر لي الأخوة أن هذا الذي اتصل قال إنه ضحكت عليه وكذبت عليه فهذا كذب، وهذا ليس صوتي خاصة إنني لم أسمع الصوت ولا يمكن أن أقول هذا الكلام. وأحب أن أنبه عن نقطة فاتتني أو إنني فوتها في الحقيقة لأني كنت حريصاً على الوقت ضنيناً به، قضية أن الذي اتصل قال: اسمه رفيق قال: أنا اثنيت عليه وقلت: أنه كان يدير الحوار ،فهذا كذب، فأنا ما أثنيت عليه مطلقاً، ولكنه سألني وقال: كيف رأيت إدارتي في جلسة من الجلسات التي كانت بيني وبين عصام التي كانت مرة في غرفتنا ومرة في غرفتهم أي في البال توك، في يوم من الأيام في إحدى الجلسات في غرفتهم وكان هذا رفيق يديرها فسألني: كيف كانت إدارتي يا شيخ عثمان؟ هل ظلمتكم؟ فقلت: لا والله ما ظلمتنا، فهذا يدل على صدقنا وحسن نوايانا، وهذا كمثل قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة عن الشيطان صدقك وهو كذوب. وأنا أقول كذلك: لما كنت منصفاً قلنا لك: إنك منصف فلما كذبت علينا فقلنا: إنك كذاب. فنعم في تلك الليلة قلت إنك منصف لا تقية وأنا صادق فيما قلت آنذاك، وأنا صادق الآن وأقول إنك كذاب. القصد أن هذا ليس فيه ثناء على الرجل ولكن فيه الذي وقع. فهو جداً فرح بأنني قلت له ذلك.
س24
الإتهام الثاني يا شيخ هو حينما اتهمك الرافضي د. النجدي بالنصب والعداء لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، واستدل بقولك عن قول فاطمة رضي الله عنها وأرضاها هذه منقصة لها حينما رددت على د. التيجاني بأن فاطمة دفنت ليلاً خشية أن لا يصلي عليها أبو بكر رضي الله عنه، فما هو ردكم؟
ج24
أولاً: نحن أبطلنا القول بأن فاطمة أمرت أن لا يصلي عليها أبو بكر، وأنا قلت: إذا كانت فعلت ذلك فهذا منقصة عليها وليس على أبي بكر، لأنه لم يحدث هذا أصلاً منها فهو كذب، فهذا كمثل قول الله تعالى:" وإن كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات"، ولكنه لم يحدث ركون للنبي إليهم، وكذلك هنا لم يحدث أن فاطمة رضي الله عنها أنها أمرت أبو بكر أن لا يصلي عليها. وأما حبنا لفاطمة رضي الله عنها لا يحتاج إلى تدليل، فنتقرب إلى الله تعالى بحب فاطمة فمحدثكم أنا أكبر أولادي فاطمة، والذي يسألني الآن الشيخ سعود أكبر أولاده فاطمة، فكيف لا نحبها فهذا كذب وزور. فنحن لا نعتقد فيها العصمة، نعم ففاطمة تخطأ وكذلك علي، وعائشة، فكلهم يخطئون والذي لا يخطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو معصوم، ولكن لا نقول هذا على سبيل التنقّص ولكن نقول هذا على سبيل ترفع شأن النبي صلى الله عليه وسلم لأنه هو المعصوم لا غيره، وكل من عدا النبي صلى الله عليه وسلم يخطئ ويصيب، ولكن الأخطاء بالنسبة لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم فاطمة مغمورة في بحور حسناتهم رضي الله عنهم وأرضاهم. ولكن هذا الكلام هي دعوة باطلة يلبس على الناس إننا لا نحب فاطمة، إما تقولوا بعصمة فاطمة وأنها لا تخطئ أو أنكم تبغضونها. بل والله نحبها ولا نحتاج إلى شهاداتكم بل الله سبحانه وتعالى يعلم مدى حبنا لها.
س25
حرص الرافضة أثناء المناظرة على استخدام الأسلوب العاطفي للنقاش وإثارة عواطف المشاهدين، ومن ذلك حينما ذكر فتواكم بحرمة عمليات الإستشهادية، فهل حقيقة يا شيخ قلتم بهذه الفتوى؟ وهل هذه الفتوى تعتبر تهبيط لهمم المجاهدين وتحذيرهم من الجهاد في سبيل الله؟
ج26(14/7)
أنا ما قلت بحرمة هذه العمليات لكني قلت إن هذا خطأ، وذلك أن يقتل الإنسان نفسه بهذه الطريقة فنفس المسلم عند الله تعالى عزيزة وكريمة، ولذلك عبدالله بن عمر رضي الله عنهما لما جلس عند بيت الله تعالى نظر إلى الكعبة وقال: إن شأنك عند الله تعالى عظيم، وإن دم المسلم أعظم حرمة عند الله منك. فدم المسلم عند الله عزيز وله كرامة ومكانة وقدر. سيّر المعتصم جيشاً كاملاً لأجل امرأة قالت: وا معتصماه. وقال عمر: لو اجتمع أهل صنعاء على قتل رجل مسلم لقتلتهم به. فكل قطرة دم تخرج من المسلم لها عند الله قدر. فنحن لا نريد أن يضيع الشباب بهذه الطريقة، فيفجروا بنفسه، يقتل الكفار؟ نعم يقتل الكفار ولكن لا يقتل نفسه، فإذا قتل الكفار نسأل الله له الشهادة، أما أن يأتي ويفجر بنفسه فنقول إنه خطأ، وهذا ليس رأي فلست مفتياً وإنما فتاوى أهل العلم فهي فتوى شيخنا محمد بن عثيمين رحمه الله لما سئل عن العمليات القتالية أو الإستشهادية أو الانتحارية؟ فقال: هذا ليس طريق للشهادة، فطريقها في القتال والجهاد وإعداد الصفوف ومقابلة العدو وانحياز إلى الفئة، ونسأل الله تعالى أن يعاملهم معاملة الجهّال وإلا فهؤلاء قتلة لأنفسهم، كتبه الشيخ في كتابه شرح رياض الصالحين عن الغلام الذي قتل نفسه (حديث الأخدود). وكذا هو الرأي للشيخ ابن باز، والشيخ الألباني، وعبد العزيز آل الشيخ، وغيرهم الذين أفتوا بحرمة هذا الأمر أو تخطئة من يفعل هذا. فهذا ليس شفقة على اليهود ولكن شفقة على المسلمين ثم انظروا إلى النتائج المترتبة على هذا الأمر: شرّد المسلمون، قتل الرجال، هتكت الأعراض. فلابد أن نعلم أن اليهود أقوى منا الآن على الأقل في فلسطين فهم المسيطرون، يكفي أن رئيس فلسطين حكروه في غرفة لمدة أيام ما يستطيع أن يخرج منها، فهذا هو الواقع. النبي صلى الله عليه وسلم جلس في مكة ثلاثة عشر سنة يدعو إلى الله فقتل ياسر والد عمار، وقتلت أمه، وأوذي عمار وبلال وصهيب وابن مسعود وعثمان وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم ومع هذا كان يأمرهم بالصبر، ولما جاءه الخباب وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: ألا تدعو الله لنا قال: إنكم قوم تستعجلون. فظل يدعو الله ويصبر ويؤصل صلوات الله وسلامه عليه حتى جاء النصر من الله وفتح مكة بعد إحدى وعشرين سنة من الدعوة إلى الله. والله الذي لا إله إلا هو إن مكة أعظم عندنا من القدس. فالقصد أن طريق الجهاد معروف، وليس هذا بطريقها، ولكن نسأل الله تعالى أن يرحمهم ويحفظ دماءهم، وأموالهم وأعراضهم ويوفقهم إلى ما يحب ويرضى، وأن يهيئ لهم الرأي السديد والعلم الراشد الذي يوصلهم إلى الحق. ونحن نقنت في صلاتنا لأجلهم ونسأل الله أن يحفظهم وأن يهلك اليهود وأن يأخذهم سبحانه وتعالى. فتبقى النظرية وجهة نظر، وأنا ما جئته من نفسي إنما هي فتاوى علماءنا، فأنا ناقل ليس إلا. وأما الشيعة الذين يدندنون على العواطف فقد ذكرنا في المناظرة قولهم، إن المجاهدين في الثغور إنهم من أهل النار والعياذ بالله وليس هناك شهيد إلا من كان من الشيعة، فهذه عقيدتهم، لكن كما قلت في بداية الأمر هم ممثلون، مخادعون، يستخدمون معنى التقية، والكذب والنفاق، ولذلك يظن البعض جهلاً أنهم صادقون معنا وأنهم يدافعون معنا عن فلسطين، فوالله ما دافعوا عن فلسطين يوماً ما، فإيران قامت من اثنين وعشرين سنة فماذا فعلت في إسرائيل؟ فهل ضربت إسرائيل يوماً ما؟ هل أعطت الفلسطينيين شيئاً غير الإذاعة التي يتكلمون بها بأمر إيران؟ ماذا قدمت لفلسطين من مال؟ دولة صغيرة كالكويت قدمت لفلسطين أكثر مما قدمته إيران بأضعاف المرات. فهل أرسلت جيشاً؟ هل ضربت إسرائيل بصاروخ؟ ولا شيء أبداً. ولذلك لابد أن نعلم علم اليقين أن الذي سيحرر المسجد الأقصى هو الذي حرره أول مرة وهو عمر، والذي حرره ثاني مرة هو صلاح الدين اللذان يكفرانهما الشيعة، ويطعنون فيهما، وسيحرره أيضاً أهل السنة والجماعة، لا جعجعة الشيعة. والله أعلم.
س25
من أجل التواصل بينكم وبين محبيكم يود الكثيرون معرفة أرقام هواتفكم سواء الجوال وعنوانكم البريدي وبريدكم الإلكتروني وبريد الشيخ أبي المنتصر، وعبد الرحمن الدمشقية. فما هو تعليقكم على هذا الطلب؟
ج26
أفضل الاتصال عن طريق الصفحة، صفحة المنهج، وبالنسبة للفاكس:4730191، ويكون هاتفاً أحياناً ويفضل الاتصال على الهاتف هذا في الصباح (وقت الكويت)، وبالنسبة للمراسلات عن طريق الصفحة، ونريد أن يشاركوا في الصفحة وأن ينتفعوا بها، وأنا إن شاء الله تعالى أقرأ ما يرسل إلي في الصفحة هناك شباب طيبون يقومون على هذه الصفحة ويساعدون كثيراً في إعداد الصفحة والرد على التساؤلات وغير ذلك، نسأل الله تبارك وتعالى أن تدعو لهم بالتوفيق والسداد وأنا من هنا أدعو لهم بالتوفيق والسداد والرشد وأن يجعل الله تبارك وتعالى أملهم في ميزانهم يوم القيامة مثقلا، وأن يرفع درجتهم في عليين، وأشكر أخي الأخ سعود الزمانان أبو عبد العزيز على إقامة هذا اللقاء، وأشكر كل من ساهم في نصرة دين الله تعالى كأخي أبي المنتصر وأخي أبي عبيدة وغيرهما من أهل الفضل، وأن يظهر الله دينه وأن يعلي كلمة الحق وأن يجمعنا ومن يسمع تحت راية لا إله إلا الله ومحمد رسول الله، ويجمعنا في جنات النعيم في مقعد صدق عند مليك مقتدر، والله أعلى وأعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
في الختام نقول لك يا شيخ عثمان رفع الله قدرك وغفر الله ذنبك ونسأل الله عز وجل أن يبارك لك في علمك وعملك وأهلك ومالك وولدك، وأن يجعل ما تقدمه في ميزان حسناتك يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، ونسأل الله عز وجل لنا ولهم الهداية والتوفيق والرشاد، وجزاك الله خير يا شيخ عثمان، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ عثمان الخميس
عدد القراء : 9710
تاريخ الموضوع: 24 - يناير - 2003 ميلادية
(14/8)
نسبة الآراء إلى كبار العلماء للشيخ صالح اللحيدان
الشيخ صالح اللحيدان
ولما لهذا الأمر من جليل مكانة ولحاجة العلماء والباحثين والمحققين إليه أنظر هنا مذكراً بذلك الشعور بالمسؤولية من قبل كل عالم وباحث ومحقق ودارس بلازم نظر أمانة العلم من قبل: المؤسسات العلمية والأفراد خاصة من انصرف أو هو ينصرف إلى التأليف وما جرى مجراه، أذكرهم بجانب التقوى بما حاله ضرورة الفهم السديد والبذل الأكيد تجاه (زيادة الثقة) لما لها من أثر بالغ في النصوص والآثار في كتب الشريعة، كذلك الحال بالنسبة لآراء واجتهادات علماء الطب والسياسة والإدارة والاقتصاد والاجتماع والتعليم ونحوهم من علماء يحسن بنا ألا نذكر عنهم شيئاً أو نضيف إليهم شيئاً إلا بعد تحقيق أن ما قالوه قد قالوه سواء أكان ذلك اجتهاداً منهم كل في مجاله أو كان ابتداء رأيٍ مسبوق إليه.
ولنظر شمول هذا أتجاوز كثيراً لأجلب من كلام صاحب: (تدريب الراوي) ما يُستفاد تجاه ما أنا بصدده يقول فيما بين/ ص 245 ص/ حتى 250:
النوع السادس عشر معرفة: زيادات الثقات وحكمها، وهو فن لطيف تُستحسن العناية به) هذا كلام النواوي يقول السيوطي عليه: (وقد اشتهر بمعرفة ذلك جماعة كأبي بكر عبدالله بن محمد بن زياد النيسابوي وأبي الوليد حسان بن محمد القرشي وغيرهما) يقول النواوي (ومذهب الجمهور من الفقهاء والمحدثين قبولها مطلقاً) يقول السيوطي: (سواء وقعت ممن رواه أو لاً، ناقصاً أم من غيره، وسواء تعلق بها حكم ثبتت بخبر ليست هي فيه أم لا، وقد ادعى ابن طاهر الاتفاق على هذا القول (وقيل لا تُقبل مطلقاً) لا ممن رواه ناقصاً ولا من غيره، وقيل تقبل إن زادها غير من رواه ناقصاً، ولا تقبل ممن رواه مرة ناقصاً).
ثم هو يردف كما حرره في ص 246 ليقول: (وقسمه الشيخ «النواوي» أقساماً:
أحدها/ زيادة تخالف الثقات) فيما رووه.
الثاني/ لا مخالفة فيه لما رواه الغير أصلاً،
الثالث/ زيادة لفظة في حديث لم يذكرها سائر رواته).
ويبين حقيقة وصورة هذه الحالة بما فيه طائل لا بد منه لعامة الهيئات العلمية والمحققين والكليات العلمية الشرعية، ومن يقررون الأحكام ويستخلصون النظر يقول: (وهذه مرتبة بين تلك المرتبتين، كحديث حذيفة: (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً انفرد أبو مالك) سعد ابن طارق (الأشجعي فقال:) جعلت (تربتها) لنا (طهوراً) وسائر الرواة لم يذكروا ذلك (فهذا يشبه الأول) المردود من حيث أن ما رواه الجماعة عام، وما رواه المنفرد المردود بالزيادة مخصوص، وفي ذلك مغايرة في الصفة ونوع من المخالفة يختلف به الحكم، (ويشبه الثاني) المقبول من حيث انه لا منافاة بينهما (كذا قال الشيخ) ابن الصلاح في المصنف: (والصحيح قبول هذا الأخير) قال: (ومثله الشيخ أيضاً بزيادة مالك في حديث الفطرة «من المسلمين» ونقل عن الترمذي: أن مالكاً تفرد بها، وأن عبيد الله بن عمر وأيوب وغيرهما رووا الحديث عن نافع عن ابن عمر بدون ذلك. قال ابن لحيدان هذا من كلام السيوطي، وقال النواوي (ولا يصح التمثيل به فقد وافق مالكاً) يقول السيوطي: (عليها جماعة من الثقات منهم (عمر بن نافع) (وروايته عند البخاري في صحيحه (والضحاك بن عثمان) وروايته عن مسلم صحيحة، قال صالح اللحيدان، وما ذكره مرقوم برقم في صحيح البخاري ومسلم لكن حسب اختلاف السند بينهما، (قال العراقي: وكثير من فرقد وروايته في مستدرك الحاكم وسنن الدار قطني ويونس بن يزيد في بيان المشكل للطحاوي، والمعلى بن إسماعيل في صحيح ابن عبدالله بن عمر العمري في سنن الدارقطني)
ثم هو يضرب المثال، وإذا كان ما سبق يحتاج إلى تأمل جاد مركز، وتكرار للمدون فإن ما يلي من مثال وسواه يحتاج أكثر ما يحتاج إلى النية وصفاء ذهن وحسن تصور للمراد يقول كما في ص 248 (من أمثلة هذا الباب حديث الشيخين عن ابن مسعود: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي العمل أفضل..؟
قال: «الصلاة لوقتها» زاد الحسن بن مكدم وبندار في روايتهما: في أول وقتها، صححها الحاكم وابن حبان، وحديث الشيخين عن أنس: أُمرَ بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة، زاد سماك بن عطية، إلا الإقامة، وصححها الحاكم وابن حبان، وحديث علي: إن السَّه وكاءُ العين، زاد إبراهيم بن موسى : فمن نام فليتوضأ).
وأصل زيادة الثقة أنها مقبولة كما حكاه: النواوي والحاكم والسيوطي، وهو قول المحدثين وجمهور الفقهاء، والزيادات هكذا: جمع زيادة وهي ما يُضاف إلى متن الحديث في أوله أو وسطه أو آخره من صحابي أو تابعي كبير أو تابعي صغير ثقة ثبت، وزيادة الثقة أصل معمول عند الداعي إليها، لكنها ليست أصلاً يصار إلا إذا وجد اللازم لها بشرطها ولا بد.
وكما تكون الزيادة في المتن تكون كذلك في السند ومن هُنا عند من يكلف من يبحث له أو يحضر تأخذ العجلة نصيبها، ويأخذ الخلط نصيبه، وتأخذ الاتكالية نصيبها ويأخذ فقدان الموهبة نصيبه، فيحصل الخلط و(الجزم أحياناً) بصحة ذلك الجزم، ومن هنا تدخل آراء الفقهاء والعلماء وتدخل بعض الحكم والأمثال على أنها: نص منصوص لا محيد عنه وإنما ذلك: رأي، أو كلمة عبرت، وأمر آخر هو الخلط بين زيادات الثقات وبين زيادات غير الثقات، وهذه بلية، وثالث مثلهما هو عدم التفريق بين الزيادة والإدراج.
وما من شك إن من أهم ما يجب اعتباره بجانب التقوى والورع هو: الموهبة بحال من أحوالها.
ولهذا ذخرت الكتب والرسائل والأوراق بكثير من خلط عجيب.
وهنا أمر ليس يقل أهمية عما سلف ذكره يتوجب ذكره: حال مريرة يستدعيها ما رأيته من سوء فهم بسبب العجلة أو عدم الفهم لضعف الحافظة الآلة المحافظة والمستوعبة لدى الإنسان.
أطرحه الآن لندرك مدى الحاجة إلى الحفظ والفهم والتجديد بإبداء ما لم يكن من: قبل وليبين ما أجلبه هنا ضعف الهمة، والاعتماد فقط على (الجمع) والتسويد وتكنيز المراجع وجعل الهامش أحياناً يأخذ جل الصفحة ولو ناقشت مثل هذا بعد حين عن شيء ما بدقة وصفية لم يُجب للاعتماد على النقل دون حفظ سديد لكثير ما حققه أو تبناه.
فهل يوجد هذا مجتهداً..؟ أو يوجد سيداً يسد بعض ما سد السابقون..؟
يقول السيوطي في ص 196 من ج 2/من:
(تدريب الراوي). (النوع السادس والثلاثون: معرفة مختلف الحديث وحكمه، هذا فن «علم» من أهم الأنواع، ويضطر إلى معرفته جميع العلماء من الطوائف، وهو أن يأتي حديثان متضادان في المعنى ظاهراً فيوفق بينهما أو يرجح أحدهما) هذا كلام النواوي، قال السيوطي: (فيعمل به دون الآخر)
قال ابن لحيدان: (باجتهاد سليم صحيح لا يخالف نصاً آخر كان غائباً أو قاعدة شرعية معلومة من الدين بالضرورة) قال النواوي: (وإنما يكمل له الأئمة الجامعون بين الحديث والفقه، والأصوليون الغواصون على المعاني) الدقيقة، (وصنف فيه الإمام الشافعي). وهو أول من تكلم فيه) (ولم يقصد رحمه الله استيفاءه) ولا إفراده بالتأليف (بل ذكر جملة منه) في كتاب الأم (ينبه بها على طريقة).. (ثم صنف فيه ابن قتيبة فأتى فيه بأشياء غير حسنة) (وترك معظم المختلف، ثم صنف في ذلك ابن جرير والطحاوي كتابه «مشكل الآثار» قال صالح بن لحيدان: وكتابه هذا قمن بنظرة من عامة العلماء من أهل الفتياء والقضاء والباحثين وعلماء الأصول، قال السيوطي: (وكان ابن خزيمة من أحسن الناس كلاماً فيه، حتى قال: لا أعرف حديثين متضادين، فمن كان عنده فليأتني به لأؤلف بينهما)، (ومن جمع ما ذكرنا) من الحديث والفقه والأصول والغوص على المعاني الدقيقة (لا يشكل عليه) من ذلك (إلا النادر في الأحيان، ويوجه السيوطي كلاماً جديراً بنظرة على كل حال، فهو يستطرد: (والمختلف قسمان: أحدهما يمكن الجمع بينهما) بوجه صحيح (فيتعين) ولا يصار إلى التعارض ولا النسخ (ويجب العمل بهما) ومن أمثلة ذلك في أحاديث الأحكام: حديث «إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث»، وحديث: «خلق الله الماء طهوراً لا ينجسه إلا ما غير طعمه أو لونه أو ريحه»، فإن الأول ظاهره طهارة القلتين تغير أم لا،
والثاني: ظاهره طهارة غيرالمتغير، سواء كان قلتين أم أقل، فخص عموم كل منهما بالآخر، وفي غيرها: حديث «لا يورد ممرض على مُصح»، وفر من المجذوم فرارك من الأسد، مع حديث: لا عدوى وكلها صحيحة، وقد سلك الناس في الجمع أموراً:
1 أحدها: أن هذه الأمراض لا تُعدي بطبعها، لكن الله تعالى جعل مخالطة المريض بها للصحيح سبباً لإعدائه مرضه، وقد يتخلف ذلك عن سببه، كما في غيره من الأسباب، وهذا المسلك هو الذي سلكه ابن الصلاح.
الثاني: أن نفي العدوى باق على عمومه، والأمر بالفرار من باب سد الذرائع، ولئلا يتفق للذي يخالطه شيء من ذلك بتقدير الله تعالى؛ ابتداء لا بالعدوى المنفية، فيظن أن ذلك بسبب مخالطته، فيعتقد صحة العدوى، فيقع في الحرج، فأمر بتجنبه حسماً للمادة وهذا المسلك هو الذي اختاره شيخ الإسلام،
قال ابن لحيدان: ومثل هذا إنما يحتاج إلى المواهب الفذة العالية، ولا يقدر العجول، ومن لا يقوم بنفسه على الجمع بين المتضاد ظاهراً من النصوص على مثل هذا، والمنزل هو الله جل وعلا للوحي، والعقل خالقه هو الله جل وعلا، ومن هنا فإنه يتعذر تصادم نص بنص أمام عقل كبير سليم من الشهوة والشبهة.
والجمع بين المتعارض من الآثار زل بسبب عدم الإحاطة به أناس كثيرون خاصة في هذا العصر الذي ركب فيه جل الناس حفظ الكتاب دون حفظ الصدر مع سعة المدرك، الذي ركب فيه الناس، حب الدعة وخفاف الوطء وهون السير، وطراوة الليل وشرب القيل، ونيل العاجل بأخذ الذيل،
وأعود إلى السيوطي فهو يقول:
3 (الثالث: أن إثبات العدوى في الجذام ونحوه مخصوص من عموم نفي العدوى، فيكون معنى قوله: لا عدوى أي إلا من الجذام ونحوه، فكأنه قال: لا يعدي شيء شيئاً إلا فيما تقدم له أنه يعدي قاله أبو بكر الباقلاني.
4 الرابع: أن الأمر بالفرار رعاية لخاطر المجذوم لأنه إذا رأى الصحيح تعظم مصيبته، وتزداد حسرته ويؤيده حديث: لا تديموا النظر إلى المجذومين، فإنه محمول على هذا المعنى، وفيه مسلك آخر،
(و) القسم (الثاني: لا يمكن) الجمع بينهما (بوجه فإن علمنا أحدهما ناسخاً) بطريقة مما سبق (قدمناه وإلا عملنا بالراجح) منهما (كالترجيح بصفات الرواة) أي كون رواة أحدهما أتقن وأحفظ، ونحو ذلك مما سيذكر (وكثرتهم) في أحد الحديثين (في خمسين وجهاً) من المرجحات ذكرها الحازمي في كتابه الاعتبار في الناسخ والمنسوخ، ووصلها غيره إلى أكثر من مائة كما استوفى ذلك العراقي في نكته، وقد رأيتها منقسمة إلى سبعة أقسام).(15/1)
ثم هو ذهب يسردها لا لشيء إلا ليدوم علم الأثر ويدوم علم أصوله، ومصطلحه، لكن على كتاف الموهبة من ذوي السداد علماً وفهماً وبذلاً وحكمة وعقلاً، وحتى يتبين للاحق أن السابق إنما سبق مع لازم صلاح النية، وصواب العمل بالشعور بالمسؤولية تجاه: علم الشريعة وضرورة كافة العلوم على فرض الكفاية كالطب والهندسة والاقتصاد والزراعة والاجتماع، وما سوى ذلك، سوف أورد إجمالاً هذه السبعة التي أشار إليها السيوطي مستخلصاً أنها سبع حالات من الأقسام قال ابن لحيدان لكن لا يجدي تلذذ النظر أو تمتع العقل أو تذوق الفكر بمثلها ما لم يكن هناك دافع حي كريم لا ستنطاقها في واقع الحال لأنني رأيتُ: بطء الهمة/ وضعف التلقي يخيم على كثير من عقول الناس إذ انصرف كثير منهم إلى سنن الكفايات وفرض العين وفرض الكفاية من لوازم الأخذ والبذل تثاقلا إلا ما شاء الله،
وها أنذا أجملها مهداة إلى العلماء والجامعات والباحثين والطارحين للمصنفات بين كل فترة وفترة ومع أنها مدونة في التدريب، لكنها تنبيهات لا بد منها على حار الدفع وقار الهمع، وجار اللمع، وطرس الفمع.
ناهيك.. عزيز القارئ.. بثقل المسؤولية أمام جار الرمع وسامع الرمع وباصر الجمع،
يقول:
1 الأول: الترجيح مجال الراوي بوجوه، ثم عددها..
2 الثاني: الترجيح بالتحمل وذلك بوجوه، ثم عددها.
3 الثالث: الترجيح بكيفية الراوي وذلك بوجوه، ثم عددها.
4 الرابع: الترجيح بوقت الورود وذلك بوجوه، ثم عددها.
5 الخامس: الترجيح بلفظ الخبر وذلك بوجوه، ثم عددها.
6 السادس: الترجيح بالحكم ذلك بوجوه، ثم عددها.
7 السابع: الترجيح بأمر خارجي.. إلخ
وكم أرغب جداً من كافة أهل العلم والمجالس العلمية ومن يبحثون في مسائل التجديد في النصوص الصحيحة ومستجدات النوازل، ومن تتطلب حاله شحذ الموهبة والحفاظ عليها والغوص إلى مكنونات أبكار السابقات،
كم أرغب إليهم العودة إلى هذه الأقسام السبعة:
(هناك) مع الأوجه التي ذكرها كبارعلماء هذه الأمة وأجملها ابن الصلاح والحاكم والنواوي والعراقي ثم سجلها السيوطي بوافر من النظر المكين.
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ صالح اللحيدان
عدد القراء : 1311
تاريخ الموضوع: 06 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(15/2)
سيرة سيدة نساء العالمين للأخ الفاضل عبد الرحمن السحيم
الأخ الفاضل عبد الرحمن السحيم
سيرة سيدة نساء العالمين
إذا افتخرت بنت بأبيها ، فيكفي سيدة نساء العالمين أنها بنت إمام المتقين صلى الله عليه وسلم .
وإذا افتخر مُفتخر بنسبه ، فإن سيدة نساء العالمين تفوق بذلك من افتخر .
وإذا تعاظم شخص في نفسه ، فحسب سيدة نساء العالمين هذا اللقب ( سيدة نساء العالمين ) .
هي :
فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال الإمام الذهبي : سيدة نساء العالمين في زمانها البضعة النبوية والجهة المصطفوية .
أم أبيها ، بنت سيد الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشية الهاشمية ، وأم الحسنين .
كانت فاطمة أصغر بنات النبي صلى الله عليه وسلم وأحبهن إليه .
مولدها :
قبل المبعث بقليل .
من فضائلها :
روت عن أبيها .
وروى عنها ابنها الحسين وعائشة وأم سلمة وأنس بن مالك وغيرهم ، وروايتها في الكتب الستة .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُحبها ويكرمها ويُسرّ إليها .
ومناقبها غزيرة ، وكانت صابرة ديّنة خيرة صيّنة قانعة شاكرة لله .
وقد غضب لها النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن أبا الحسن همّ بما رآه سائغا من خطبة بنت أبي جهل فقال : والله لا تجتمع بنت نبي الله وبنت عدو الله ، وإنما فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها ، ويؤذيني ما آذاها . رواه البخاري ومسلم .
فترك عليٌّ الخطبة رعاية لها ، فما تزوّج عليها ولا تسرّى ، فلما توفيت تزوج وتسرّى رضي الله عنهما ، ولما توفي النبي صلى الله عليه وسلم حزنت عليه وبكته وقالت : يا أبتاه إلى جبريل ننعاه . يا أبتاه أجاب ربا دعاه . يا أبتاه جنة الفردوس مأواه .
وقالت بعد دفنه : يا أنس كيف طابت أنفسكم أن تحثوا التراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
وقد قال لها في مرضه : إني مقبوض في مرضي هذا . فبكت وأخبرها أنها أول أهله لحوقاً به ، وأنها سيدة نساء هذه الأمة ، فضحكت ، وكتمت ذلك فلما توفي صلى الله عليه وسلم سألتها عائشة فحدثتها بما أسرّ إليها .
وقالت عائشة رضي الله عنها : اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم فلم يُغادر منهن امرأة ، فجاءت فاطمة تمشي كان مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : مرحبا بابنتي . فأجلسها عن يمينه أو عن شماله ، ثم أنه أسرّ إليها حديثاً ، فبكت فاطمة ، ثم إنه سارّها ، فضحكت أيضا . فقلت لها : ما يبكيك ؟ فقالت : ما كنت لأفشي سرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقلت : ما رأيت كاليوم فرحاً أقرب من حزن . فقلت لها حين بَكَتْ : أخصّك رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديثه دوننا ثم تبكين ، وسألتها عما قال ، فقالت : ما كنت لأفشي سرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا قُبض سألتها ، فقالت : إنه كان حدثني أن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل عام مرة ، وأنه عارضه به في العام مرتين ، ولا أراني إلا قد حضر أجلي ، وإنك أول أهلي لحوقاً بي ، ونعم السلف أنا لك ، فبكيت لذلك ، ثم إنه سارّني ، فقال : ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين ، أو سيدة نساء هذه الأمة ، فضحكت لذلك . رواه البخاري ومسلم .
وكان عليه الصلاة والسلام يقوم لها وتقوم له ، ويُقبّلها وتُقبّله رضي الله عنها .
زواجها :
تزوجها الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه في ذي القعدة أو قُبيله من سنة اثنتين بعد وقعة بدر ( قاله الذهبي ) .
وقال ابن عبد البر : دخل بها بعد وقعة أُحد ، فولدت له الحسن والحسين ومحسنا وأم كلثوم وزينب .
صداقها :
أصدق عليّ رضي الله عنه فاطمة درعه الحُطمية .
فأي خير بعد ذلك في التفاخر بكثرة الصداق ؟
وأي خير في غلاء المهور ؟
وهل نساء الدنيا أجمع خير أم فاطمة ؟
خدمتها في بيت زوجها :
كانت فاطمة رضي الله عنها تعمل في بيت زوجها ، حتى أصابها من ذلك مشقّة .
قال عليّ رضي الله عنه : شَكَتْ فاطمة رضي الله عنها ما تلقى من أثر الرّحى ، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم سبي ، فانطلقت فلم تجده ، فوجدت عائشة فأخبرتها ، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته عائشة بمجيء فاطمة ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلينا وقد أخذنا مضاجعنا ، فذهبت لأقوم ، فقال : على مكانكما ، فقعد بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري ، وقال : ألا أدلكما على خير مما سألتماني ؟ إذا أخذتما مضاجعكما تكبران أربعا وثلاثين ، وتسبحان ثلاثا وثلاثين ، وتحمدان ثلاثا وثلاثين ، فهو خير لكما من خادم . رواه البخاري ومسلم .
فإذا كان هذا هو حال سيدة نساء العالمين ، فما في حياة الترف خير .
حياؤها رضي الله عنها :
قالت فاطمة رضي الله عنها لأسماء بنت عميس رضي الله عنها : إني أستقبح ما يصنع بالنساء ، يُطرح على المرأة الثوب فيصفها. قالت : يا ابنة رسول الله ألا أريك شيئا رأيته بالحبشة ؟ فَدَعَتْ بجرائد رطبة ، فَحَنَتْها ، ثم طرحت عليها ثوباً . فقالت فاطمة : ما أحسن هذا وأجمله ، إذا متّ فغسليني أنت وعلي ، ولا يدخلن أحد عليّ .
قال ابن عبد البر : هي أول من غُطي نعشها في الإسلام على تلك الصفة .
أولادها رضي الله عنها :
تقدّم ما لها من أبناء في ترجمة عليّ رضي الله عنه .
وكان لها من البنات :
أم كلثوم زوجة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وزينب زوجة عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهما .
فيكيف يجتمع حب آل البيت وبغض أصهارهم ؟!
فعمر رضي الله عنه زوج أم كلثوم بنت عليّ رضي الله عنه وعنها .
وإذا ضاقت عليهم المذاهب أنكروا زواج عمر رضي الله عنه من أم كلثوم !
فاطمة رضي الله عنها وميراث أبيها :
قال الإمام الذهبي رحمه الله :
ولما توفي أبوها تعلقت آمالها بميراثه ، وجاءت تطلب ذلك من أبي بكر الصديق ، فحدّثها أنه سمع من النبي يقول : لا نورث ما تركنا صدقة ، فَوَجَدَتْ عليه ، ثم تعللت . انتهى كلامه رحمه الله .
وحدّث الشعبي قال : لما مرضت فاطمة أتى أبو بكر فاستأذن ، فقال عليٌّ : يا فاطمة هذا أبو بكر يستأذن عليك ، فقالت : أتحبّ أن آذن له ؟ قال : نعم . فأذِنَتْ له ، فدخل عليها يترضّاها ، وقال : والله ما تركت الدار والمال والأهل والعشيرة إلا ابتغاء مرضاة الله ورسوله ومرضاتكم أهل البيت . قال : ثم ترضّاها حتى رضيت . رواه البيهقي في الكبرى وفي الاعتقاد .
شُبهات وجوابها :
صح أن النبي صلى الله عليه وسلم جلل فاطمة وزوجها وابنيهما بكساء وقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي ، اللهم فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا .
وهذه منقبة لهم ، ولا يُفهم منه انحصار آل البيت في هؤلاء كما تفهمه الرافضة .
وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم : فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني . رواه البخاري .
تقول الرافضة : إن أبا بكر أغضب فاطمة رضي الله عنها ، فهو داخل في هذا الحديث .
وليس الأمر كما زعموا ، فإن أبا بكر رضي الله عنه عمِل بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما سيأتي ، وعمِل بما اتفق عليه الخلفاء من بعده ووافقوه عليه بما في ذلك عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه .
فهل يُقال : إن علياً رضي الله عنه أغضب فاطمة بهذا ؟
وتقدّم سبب ورود الحديث في سيرة أبي الحسن رضي الله عنه وأرضاه .
روى الإمام البخاري في صحيحه أن فاطمة رضي الله عنها أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من النبي صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم تطلب صدقة النبي صلى الله عليه وسلم التي بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر . فقال أبو بكر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا نورث . ما تركنا فهو صدقة . إنما يأكل آل محمد من هذا المال . يعني مال الله . ليس لهم أن يزيدوا على المأكل ، وإني والله لا أغير شيئا من صدقات النبي صلى الله عليه وسلم التي كانت عليها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولأعملن فيها بما عمل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتشهد عليّ رضي الله عنه ، ثم قال : إنا قد عرفنا يا أبا بكر فضيلتك ، وذَكَرَ قرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وحقهم ، فتكلم أبو بكر فقال : والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي .
فأين هذا من زعم الظلم لبنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟؟؟؟
وروى الإمام مسلم في صحيحه أن عمر رضي الله عنه كان في مجلسه فاستأذن عليه عباس وعلي رضي الله عنهما ، فأذن لهما فقال عباس : يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا ، فقال القوم : أجل يا أمير المؤمنين ، فاقض بينهم وأرِحهم .
فقال عمر : اتئدا . أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا نورث ما تركنا صدقة ؟
قالوا : نعم .
ثم أقبل على العباس وعلي فقال : أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض أتعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا نورث ما تركناه صدقة ؟
قالا : نعم .
فقال عمر : إن الله جل وعز كان خصّ رسوله صلى الله عليه وسلم بخاصة لم يخصص بها أحدا غيره . قال : ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول )
ثم إن المبتدعة تزعم أن أبا بكر وعمر ظلما فاطمة ميراثها
وها هو العباس رضي الله عنه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم
وها هو علي رضي الله عنه زوج ابنته يُقرّان بقول النبي صلى الله عليه وسلم ويتذكّرانه يوم ذكّرهما به عُمر رضي الله عنه ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم :
((( لا نورث ما تركناه صدقة )))
ثم إن كان الظلم وقع كما زعموا
لِمَ لَمْ يردّه علي رضي الله عنه يوم تولّى الخلافة ؟؟؟
لِمَ لَمْ يَردّ الحق إلى ورثة فاطمة من زوج وأولاد ؟؟؟
أم أن علياً رضي الله عنه ظلم فاطمة بعد موتها ولم يفِ لها بحقّها الذي كان يُطالب به ؟
سبحانك هذا بهتان عظيم .
ولكنهم قوم لا يعقلون .
ومع أن أبا بكر رضي الله عنه لم يظلم فاطمة رضي الله عنه ، إلا أنه ترضّاها عند موتها رضي الله عنها حتى رضيت ، كما تقدّم .
وإنما ذكرت هذا لأن المبتدعة يُشنّعون به ، ويُدندنون حوله ، ويهرفون بما لا يعرفون !
وفاتها :
توفيت رضي الله عنها بعد النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر أو نحوها ، وعاشت أربعا أو خمسا وعشرين سنة وأكثر ما قيل إنها عاشت تسعا وعشرين سنة .
فرضي الله عن فاطمة البتول وأرضاها .
وصلى الله وسلم على من رباها .
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الأخ الفاضل عبد الرحمن السحيم
عدد القراء : 1733
تاريخ الموضوع: 26 - مارس - 2003 ميلادية
(16/1)
عزة المؤمن للدكتور أحمد الخطيب
الدكتور أحمد الخطيب
عزة المؤمن
اد/ أحمد الخطيب
الحمد لله العزيز فلا يغالب ، الباقى فلا يفنى ، الحق فلا يحول ولا يزول ، من عزته نبتغى العزة ، ومن عونه نطلب العون مما نحن فيه من ذل وهوان ، واستكانة وامتهان. وإن من دواعى قبول الدعاء أن نقدم بين يديه- أى الدعاء - طاعة لله عز وجل حتى يقبل دعاءنا ويعيننا على ما نحن فيه من صغار قد وصل إلى حد العار ، والطاعة التى أقترحها هى أن نعلن بإخلاص عن سبب ضعفنا وهواننا بقصد إصلاح اعوجاجنا وتقويم سلوكنا وكسر الحواجز التى تعوق طريقنا إلى الله حتى نكون صادقين فى توجهنا إليه سبحانه ، حين نطلب منه العزة التى كانت يوما ملكنا وملء أسماعنا وأبصارنا ، لا بل ملء قلوبنا.
ألا ليت الشباب يعود يوما فأخبره بما فعل المشيب
ولكن قبل أن نستغرق فى بيان ذلك نريد أن نقف معا على معنى العزة وهى كما يعرفها علماء اللغة : القوة والشدة والغلبة. والرفعة والامتناع. فهى إذن حالة مانعة للإنسان من أن يغلب أو يمتهن ، أقول: وصار العرف الآن يعبر عنها فى أكثر الأحوال بلفظ الكرامة وقد يستعار لفظ العزة للحمية والأنفة المذمومة كما فى قوله تعالى: " وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ العِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّم وَلَبِئْسَ المِهَادُ (البقرة: 206)
والعزة يطلبها الإنسان ويبتغيها فيما يعتقده من الأديان وهو الأهم ، وقد تطلب من عوامل أخرى كالقوميات والأيديولوجيات والتقدم العلمى والنمو الاقتصادى والتفوق العسكرى وغير ذلك ، بيد أن هذه العوامل أقل شأنا من عامل الدين ، على الأقل من وجهة نظر السواد الأعظم من الناس ، الذين يمثل الدين - أيا كان حقا أو باطلا - بالنسبة لهم قضية حياتهم ومظهر عزهم وفخارهم ومن ثم فإن حديثنا هنا متعلق بالعزة المرتبطة بالدين خاصة ، وهى التى ذكرها القرآن تارة مادحا وأخرى قادحا ، فالعزة الممدوحة هى عزة المؤمن بالله العزيز الذى لا يغالب ولا يقاوم قال تعالى: " وَلِلَّهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ المُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ (المنافقون: 8) والعزة المذمومة هى تلك العزة الزائفة التى يدعى لها أصحابها من الفضل ما ليس لها - وما أكثر الزيف فى عالمنا اليوم - وقد ذم القرآن الكريم فى هذا الصدد اعتزاز الكفار بكفرهم فقال: " بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (ص:2)
والعزة التي لله ورسوله والمؤمنين هى العزة الحقيقية الدائمة الباقية ، وأماعزة الكفار فهى الزيف بعينه فلا مرحبا بعز محدود يعقبه ذل ممدود ، لكن متى يدركون ذلك ؟ " يَوْمَ تَرَى المُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ اليَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ * يَوْمَ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ العَذَابُ (الحديد: 12، 13) بل إن آلهتهم التى عبدوها من دون الله سوف تنقلب عليهم وتبرأ من شركهم قال تعالى: " وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزاًّ * كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِداًّ " (مريم:81 ، 82) هنا يحدث الندم وتقع المذلة ، وهذا حال كل من يعتز بغير الله ، أو يطلب ذلك العز بسخط الله. ولقد قال الأوزاعى ناصحا الخليفة المنصور: إن من طلب العز بطاعة الله رفعه وأعزه ومن طلبه بمعصية الله أذله الله.
يقول أحدنا: مالى إنه سندى الذى لا يحوجنى إلى أحد فهو مظهر عزى واستغنائى عن الناس ، ولو استبصر لعلم أن ماله هذا فتنة له ووبال عليه إن لم يرع حق الله فيه ، وقد يكون سبب ذله يوما ما يقول الحسن رضى الله عنه: والله ما أعز أحد الدرهم إلا أذله الله. ويقول أحدنا: إننى ضعيف لا عزوة لى ولا مكانة فلأحتم بفلان ذى الجاه ، ذى المقام الرفيع بين الناس ، ولو تدبر واقع الناس لأدرك أنه ما تعلق أحد من البشر بآخر اعتزارا به من دون الله إلا وقعت الفرقة بينهما ، ودبَّ السخط والحقد بين حبيبَىِ الأمس ، لأن حبهما لم يكن لله بل اعتزازا لأحدهما بالآخر من دون الله ، وهذا حال من يسعون لكسب المعارف من الخلق بغية المصلحة أو الوصول إلى غرض ، ولربما كان الدواء عين الداء ، فكان ذلك التعلقّق الدنيوى سبب امتهانه وإذلاله ، فعن سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من اعتز بالعبيد أذله الله " وقد جاء فى نوادر الأصول للحكيم الترمذى تعليل طيب لما قرره الحديث الشريف جاء فيه أن الاعتزاز بالعبيد مفتاحه حب العز وطلبه فإذا طلب العز للدنيا طلبه من العبيد فترك العمل بالحق والقول بالحق لينال ذلك العز فعاقبة أمره الذلة فإن الله تعالى يمهل المخذول حتى ينتهي به خذلانه إلى أن يستحق لباس الذل وإن الله تعالى أظهر عزه وأخرج إلى العباد إزار العز ليجعل لهم من ذلك حظا ، فإنما سماه إزارا ليعقل العباد عنه أن هذه قوة أخرجها إلى العباد ليقووا به على الأعداء ، وليقوى به المحق على المبطل ، والأزر هو القوة وذلك قوله تعالى:" كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ " (الفتح: 29) أى قواه والإزر موضعه من الآدميين من الوسط يتزرون على أوساطهم ليقووا ولذلك سمي إزارا لأنه قوة المرء فمن أسلم وجهه لله أوجب له حظا من ذلك العز ومن أعرض عنه فأشرك به غيره في ملكه حرمه عزه ومن احتظى بذلك العز فقد تزكى.(17/1)
ومنا من يعتز بالكفار الذين لا يؤمنون بالله ربا ولا بالإسلام دينا ولا بمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا ، وهذا وهن فى الدين ، وأمر جد خطير ، فهو موالاة لأعداء الله ، وثمرته معاداة المؤمنين ، وهى ثمرة نتنة خبيثة ، تمجها الأفواه والأنوف وكل الجوارح ، وقد حذر الله عز وجل من التدنى إلى هذا المستوى جاعلا إياه وصفا للمنافقين فقال: " بَشِّرِ المُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ العِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً " (النساء: 138 ، 139) وقال فى النهى عن موالاتهم بعد ذلك ببضع آيات: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً " (النساء 144) وقد حدث هذا فجعل الله علينا سلطانا مبينا ، سلط علينا أعداءنا ، تكاتفوا علينا ، واجتمعوا على كراهيتنا وحربنا ، على صورة لم تحدث من قبل ، وتحققت فينا نبوءة رسولنا صلى الله عليه وسلم حين قال: " يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ قال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن فقال قائل يا رسول الله وما الوهن قال: حب الدنيا وكراهية الموت " هكذا صرنا مع أعدائنا وصار أعداؤنا معنا ، نلبس لهم ثوب الصديق وبأيدينا أغصان الزيتون ويلبسون لنا دروع الحرب وبأيديهم سيوف الغدر ، وما أشبه الليلة بالبارحة ، فإن تربص قوى الكفر بنا قديم قدم الإسلام نفسه ، وفى بطون كتب التاريخ نماذج عديدة تؤكد الشبه بين ما يقع اليوم من الأعداء وما كان يقع بالأمس فقط الجديد هو ردة الفعل المتخاذلة من جانبنا فى هذه الأيام ، فنتذكر كيف دوّت: وامعتصماه فى كل الدنيا ، وكيف كانت: واإسلاماه تحرك المشاعر والقلوب فلا يهاب مستمعها الموت بل يقول له: مرحبا بحبيب جاء على فاقة ، وها هو خالد بن الوليد رضى الله عنه يقول فى اعتزازه بالله وبذل كل شئ فى سبيل هذا الاعتزاز: ما أدري من أي يومَىّ أفر من يوم أراد الله عز وجل أن يهدي لي فيه شهادة ، أو من يوم أراد الله عز وجل أن يهدي لي فيه كرامة. وقد حَكى من غسَّله أنه ما كان في جسمه موضع صحيح من بين حصول بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم ، وقد قال خالد رضى الله عنه فى ذلك لما حضرته الوفاة بعد أن بكى قال: لقد لقيت كذا وكذا زحفا وما في جسدي شبر إلا وفيه حصول بسيف أو رمية بسهم أو طعنة برمح وها أنا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت العير ، فلا نامت أعين الجبناء. وبطولاته رضى الله عنه , التى لا تنتهى ولا يمل سماعها تتجلى فيها عزة الإيمان ، وإباء العربى وشموخ الفارس المقدام ، فها هو حينما قدم من جهة أبي بكر الصديق رضي الله عنه الحيرة وقد حاوره هانئ بن قبيصة فقال له خالد: أدعوكم إلى الإسلام وإلى أن تشهدوا أن لا إله إلا الله وحده وأن محمدا عبده ورسوله وتقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة وتقروا بأحكام المسلمين على أن لكم مثل مالهم وعليكم مثل ما عليهم فقال هانئ وإن لم أشأ ذلك فمه قال فإن أبيتم ذلك أديتم الجزية عن يد قال: فإن أبينا ذلك قال: فإن أبيتم ذلك وطئتكم بقوم الموت أحب إليهم من الحياة إليكم ، فقال هانئ: أجلنا ليلتنا هذه فننظر في أمرنا قال قد فعلت فلما أصبح القوم غدا هانئ فقال: إنه قد أجمع أمرنا على أن نؤدي الجزية فهلم فلأصالحك فقال له خالد: فكيف وأنتم قوم عرب تكون الجزية والذل أحب إليكم من القتال ، والعز فقال: نظرنا فيما يقتل منا فإذا هم لا يرجعون ، ونظرنا إلى ما يؤخذ منا من المال فقلما نلبث حتى يخلفه الله لنا قال: فصالحهم خالد على تسعين ألفا. وقد يحاججنا من يقول: إن الصحابة لا يقاس عليهم لأن وجود النبى صلى الله عليه وسلم بينهم ومعهم ، قد ملأهم إيمانا من قرونهم إلى أقدامهم فأين نحن منهم؟ نقول: فلتجاوز هذه المرحلة إلى ما بعد عصر الصحابة بقرون ، لنذكر هذه القصة التى تناولها ابن خلكان فى وفياته قائلا فيها: لما انقضت الهدنة بين الأمير أبي يوسف يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن صاحب المملكة الغربية وبين ( الأذفونش ) الفرنجي صاحب غرب جزيرة الأندلس وقاعدة مملكته يومئذ طليطلة وذلك في أواخر سنة تسعين وخمسمائة عزم الأمير يعقوب وهو حينئذ بمراكش على التوجه إلى جزيرة الأندلس لمحاربة الفرنج وكتب إلى ولاة الأطراف وقواد الجيوش بالحضور وخرج إلى مدينة ( سلا ) ليكون اجتماع العساكر بظاهرها فاتفق أنه مرض مرضا شديدا حتى أيس منه أطباؤه فتوقف الحال عن تدبير ذلك الجيش فحُمل الأمير يعقوب إلى مراكش فطمع المجاورون له من العرب وغيرهم في البلاد وعاثوا فيها وأغاروا على النواحي والأطراف وكذلك فعل الأذفونش فيما يليه من بلاد المسلمين بالأندلس ، واقتضى الحال تفرقة جيوش الأمير يعقوب شرقا وغربا واشتغلوا بالمدافعة والممانعة فكثر طمع الأذفونش في البلاد وبعث رسولا إلى الأمير يعقوب يتهدد ويتوعد ويطلب بعض الحصون المتاخمة له من بلاد الأندلس وكتب الأذفونش إليه رسالة جاء فيها :
باسمك اللهم فاطر السموات والأرض وصلى الله على السيد المسيح روح الله وكلمته الرسول الفصيح أما بعد :
فإنه لا يخفى على ذي ذهن ثاقب ولا ذي عقل لازب أنك أمير الملة الحنيفية ، كما أني أمير الملة النصرانية، وقد علمت الآن ما عليه رؤساء أهل الأندلس من التخاذل والتواكل وإهمال الرعية وإخلادهم إلى الراحة وأنا أسومهم بحكم القهر وجلاء الديار ، وأسبي الذراري وأُمثّل بالرجال ولا عذر لك في التخلف عن نصرهم إذا أمكنتك يد القدرة ، وأنتم تزعمون أن الله تعالى فرض عليكم قتال عشرة منا بواحد منكم ، فالآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا ، ونحن الآن نقاتل عشرة منكم بواحد منا لا تستطيعون دفاعا ، ولا تملكون امتناعا ، وقد حُكيَ لي عنك أنك أخذت في الاحتفال وأشرفت على ربوة القتال ، وتماطل نفسك عاما بعد عام تُقدم رجلا وتؤخر أخرى ، فلا أدري أكان الجبن أبطأ بك أم التكذيب بما وعد ربك ؟ ثم قيل لي : إنك لا تجد إلى جواز البحر سبيلا لِعلّةٍ لا يسوغ لك التقحم معها ، وها أنا أقول لك ما فيه الراحة لك وأعتذر لك وعنك على أن تفي بالعهود والمواثيق والاستكثار من الرهان وترسل إلى جملة من عبيدك بالمراكب والشواني والطرائد والمسطحات وأجوز بجملتي إليك وأقاتلك في أعز الأماكن لديك فإن كانت لك فغنيمة كبيرة جلبت إليك وهدية عظيمة مثلت بين يديك وإن كانت لي كانت يدي العليا عليك واستحقيت إمارة الملتين والحكم على البرّين والله تعالى يوفق للسعادة ويسهل الإرادة لا رب غيره ولا خير إلا خيره إن شاء الله تعالى ، فلما وصل كتابه إلى الأمير يعقوب مزقه وكتب على ظهر قطعة منه : ( ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون ) الجواب ما ترى لا ما تسمع
..ثم أمر بكتب الاستنفار واستدعى الجيوش من الأمصار وضرب السرادقات بظاهر البلد من يومه وجمع العساكر وسار إلى البحر المعروف بزقاق سبتة ، فعبر فيه إلى الأندلس وسار إلى أن دخل بلاد الفرنج وقد أعتدّوا واحتشدوا وتأهبوا فكسرهم كسرة شنيعة وذلك في سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة ( 592 )
فلنتذكر دائما أن العزة هى ميراث المسلم فى كل مكان وفى أى زمان لأن سبب اعتزازنا واعتزاز المؤمنين السابقين هو الإسلام وهو ما زال لنا دينا وعصمة لأمرنا والله الهادى إلى سواء السبيل.
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الدكتور أحمد الخطيب
عدد القراء : 1658
تاريخ الموضوع: 23 - إبريل - 2003 ميلادية
(17/2)
ما شأن أم المؤمنين وشاني للأخ الفاضل عبد الكريم الحربي
الأخ الفاضل عبد الكريم الحربي
ما شَانُ أُمِّ المؤمنين وشَاني"="هُدِيَ المُحِبُّ لها وضَلَّ الشَّاني
إِنِّي أَقُولُ مُبيِّناً عَنْ فَضْلِها"=" ومُتَرْجِماً عَنْ قَوْلِها بِلِسَاني
يا مُبْغِضِي لا تَأتِ قَبْرَ مُحَمَّدٍ"="فالبَيْتُ بَيْتي والمَكانُ مَكاني
إِنِّي خُصِصْتُ على نِساءِ مُحَمَّدٍ"="بِصِفاتِ بِرٍّ تَحْتَهُنَّ مَعاني
وَسَبَقْتُهُنَّ إلي الفَضَائِلِ كُلِّها"="فالسَّبقُ سَبقي والعِنَانُ عِنَاني
مَرِضَ النَّبِيُّ وماتَ بينَ تَرَائِبي"="فالْيَوْم يَوْمي والزَّمانُ زَماني
زَوْجي رَسولُ اللهِ لَمْ أَرَ غَيْرَهُ"="اللهُ زَوَّجني بهِ وحَبَاني
أنا بِكْرُهُ العَذْراءُ عِنْدي سِرُّهُ"="وضَجيعُهُ في مَنْزلي قَمَرانِ
وتَكلم اللهُ العظيمُ بحُجَّتي"="وبَرَاءَتِي في مُحكمِ القُرآنِ
واللهُ حَفَّرَني وعَظَّمَ حُرْمَتي"=" وعلى لِسَانِ نبِيِّهِ بَرَّاني
واللهُ وبَّخَ منْ أراد تَنقُّصي"="إفْكاً وسَبَّحَ نفسهُ في شاني
إني لَمُحْصَنةُ الإزارِ بَرِيئَةُ"="ودليلُ حُسنِ طَهارتي إحْصاني
واللهُ أحصنَني بخاتِمِ رُسْلِهِ"="وأذلَّ أهلَ الإفْكِ والبُهتانِ
وسَمِعْتُ وَحيَ الله عِندَ مُحمدٍ"="من جِبْرَئيلَ ونُورُه يَغْشاني
أَوْحى إليهِ وكُنتَ تَحتَ ثِيابِهِ"="فَحَنى عليَّ بِثَوْبهِ وخبَّاني
مَنْ ذا يُفاخِرُني وينْكِرُ صُحبتي"=" ومُحَمَّدٌ في حِجْره رَبَّاني؟
وأخذتُ عن أبوي دينَ محمدٍ"="وهُما على الإسلامِ مُصطَحِبانيِ
وأبي أقامَ الدِّين بَعْدَ مُحمدٍ"="فالنَّصْلُ نصلي والسِّنان سِناني
والفَخرُ فخري والخلافةُ في أبي"=" حَسبي بهذا مَفْخَراً وكَفاني
وأنا ابْنَةُ الصِّديقِ صاحبِ أحمدٍ"="وحَبيبهِ في السِّرِّ والإعلانِ
نصرَ النبيَّ بمالهِ وفِعاله"="وخُروجهِ مَعَهُ من الأوطانِ
ثانيه في الغارِِ الذي سَدَّ الكُوَى"="بِردائهِ أكرِم بِهِ منْ ثانِ
وجفا الغِنى حتى تَخلل بالعبا"="زُهداُ وأذعانَ أيَّما إذعانِ
وتخللتْ مَعَهُ ملائكةُ السما"="وأتتهُ بُشرى الهِ بالرضوانِ
وهو الذي لم يخشَ لَومةً لائمٍ"="في قتلِ أهلِ البَغْيِ والعُدوانِ
قتلَ الأُلى مَنَعوا الزكاة بكُفْرهم"=" وأذل أهلَ الكُفر والطُّغيانِ
سَبقَ الصَّحابةَ والقَرابةَ للهدى"="هو شَيْخُهُم في الفضلِ والإحسانِ
واللهِ ما استبَقُوا لنيلِ فضيلةٍ"="مَثلَ استباقِ الخيل يومَ رهانِ
إلا وطارَ أبي إلي عليائِها"=" فمكانُه منها أجلُّ مكانِ
ويلٌ لِعبدٍ خانَ آلَ مُحمدٍ"=" بعَداوةِ الأزواجِ والأختانِ
طُُوبى لمن والى جماعةَ صحبهِ"=" ويكون مِن أحبابه الحسنانِ
بينَ الصحابةِ والقرابةِ أُلْفَةٌ"=" لا تستحيلُ بنزغَةِ الشيطانِ
هُمْ كالأَصابعِ في اليدينِ تواصُلاً"=" هل يستوي كَفٌ بغير بَنانِ؟
حصرتْ صُدورُ الكافرين بوالدي"="وقُلوبُهُمْ مُلِئَتْ من الأضغانِ
حُبُّ البتولِ وبعلها لم يختلِفْ"="مِن مِلَّة الإسلامِ فيه اثنانِ
أكرم بأربعةٍ أئمةِ شرعنا"="فهُمُ لبيتِ الدينِ كالأركانِ
نُسجتْ مودتهم سدىٍ في لُحمةٍ"="فبناؤها من أثبتِ البُنيانِ
اللهُ ألفَ بين وُدِّ قلوبهم"="ليغيظَ كُلَّ مُنافق طعانِ
رُحماء بينهمُ صفت أخلاقُهُمْ"="وخلت قُلُوبهمُ من الشنآن
فدُخولهم بين الأحبة كُلفةٌ"="وسبابهم سببٌ إلي الحرمان
جمع الإلهُ المسلمين على أبي"="واستُبدلوا من خوفهم بأمان
وإذا أراد اللهُ نُصرة عبده"="من ذا يُطيقُ لهُ على خذلانِ
من حبيني فليجتنب من سبني"="إن كانَ صان محبتي ورعاني
وإذا محبي قد ألظَّ بمُبغضي"="فكلاهما في البُغض مُستويانِ
إني لطيبةُ خُلقتُ لطيب"="ونساءُ أحمدَ أطيبُ النِّسوان
إني لأمُ المؤمنين فمن أبى"="حُبي فسوف يبُوءُ بالخسران
اللهُ حببني لِقلبِ نبيه"="وإلي الصراطِ المستقيمِ هداني
واللهُ يُكرمُ من أراد كرامتي"="ويُهين ربي من أراد هواني
والله أسألُهُ زيادة فضله"="وحَمِدْتُهُ شمراً لِما أولاني
يا من يلوذُ بأهل بيت مُحمد"=" يرجو بذلك رحمةَ الرحمان
صل أمهاتِ المؤمنين ولا تَحُدْ"="عنَّا فتُسلب حُلت الإيمان
إني لصادقة المقالِ كريمةٌ"="أي والذي ذلتْ له الثقلانِ
خُذها إليكَ فإنما هي روضةٌ"="محفوفة بالروح والريحان
صلَّى الإلهُ على النبي وآله"="فبهمْ تُشمُّ أزهرُ البُستانِ
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الأخ الفاضل عبد الكريم الحربي
عدد القراء : 1430
تاريخ الموضوع: 29 - يناير - 2003 ميلادية
(18/1)
تجميع المتناثر من فوائد حديث جابر للأخ الفاضل سعود الزمانان
الأخ الفاضل سعود الزمانان
قال جابر:
كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة غزاها مرتحلا على ناضح لنا سوء فلما قفلنا جعلت الرفاق تمضي وجعلت أتخلف فكنت في آخر القوم فأبطأ بي جملي حتى ذهب الناس فجعلت أرقبه ويهمني شأنه فقلت : لا يزال لنا ناضح سوء يا لهفاه. فمرّ بي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : من هذا ؟ قلت : جابر بن عبد الله . فقال لي : يا جابر مالي أراك منكسراً ؟ قلت : يا رسول الله : أبطأ بي جملي هذا . قال : فأنخه وأناخ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال : أعطني هذه العصا من يدك أو قال : اقطع لي عصا من شجرة قال : ففعلت .فنفث فيها - أي العصا - فضربه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برجله ودعا له فمشى مشية ما مشى قبل ذلك مثلها فكان من ذلك المكان من أول القوم - وفي رواية - حتى كان أول الجيش - وفي رواية مسلم - فكنت بعد ذلك أحبس خطامه لأسمع حديثه . فقال : كيف ترى بعيرك ؟ قلت : بخير قد أصابته بركتك .فقال : أتبيعني جملك هذا يا جابر ؟ قال : قلت : بل أهبه لك يا رسول الله قال : لا ولكن بعنيه قال قلت : فسمني به قال : قد قلت أخذته بدرهم قلت : لا إذاً أغبن يا رسول الله .قال : فبدرهمين قال : قلت : لا قال : فلم يزل يرفع لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بلغ الأوقية وقال : لك ظهره حتى تصل المدينة . قال : قلت : فقد رضيت .
فلما دنونا من المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والتحية والإكرام . قال : ما يعجلك ؟ قال : كنت حديث عهد بعرس .قال : أبكراً أم ثيباً ؟ قال : ثيباً . قال : فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك قلت : يا رسول الله استشهد أبي وقتل يوم أحد وترك لي عيالاً وديناً . وكان قد استدعاني ليلة قتل فقال : ما أراني إلا مقتولاً في أول من يقتل من أصحاب - النبي صلى الله عليه وسلم - وإني لا أترك بعدي أعز عليّ منك غير نفس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن عليّ دينا فاقض واستوص بأخواتك خيراً .فكرهت أن أجمع إليهن جارية خرقاء مثلهن ولكن امرأة تقوم عليهن وتمشطهن - وفي رواية أحمد - : فتزوجت ثيباً تقصع قملة إحداهن وتخيط درع إحداهن إذا تخرق .فقال : بارك الله لك - وفي رواية - أصبت ونعم ما رأيت . قال : إن المرأة تنكح على دينها ومالها وجمالها فعليك بذات الدين تربت يداك .فلما ذهبنا لندخل قال : أمهلوا حتى تدخلوا ليلاً أي عشاء لكي تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة .
فلما أمسى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل ودخلنا معه وأخبرت خالي ببيع الجمل فلامني . فأخبرت المرأة بالحديث وما قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت : فدونك سمعاً وطاعة . قال فلما أصبحت أخذت برأس الجمل حتى أنخته على باب المسجد . ثم جلست في المسجد قريباً منه.وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : ما هذا . قالوا : يا رسول الله هذا جمل جابر . قال : فأين جابر ؟ فدعيت له قال : تعال يا ابن أخي خذ برأس جملك فهو لك - وفي رواية - أتراني ماكستك ؟ ما كنت لآخذ جملك .ودعا بلالا فقال : اذهب بجابر فأعطه أوقية فذهبت معه فأعطاني أوقية وزادني . قال : فوالله ما زال ينمي عندنا ونرى مكانه من بيتنا . وفي رواية - قال جابر : لا تفارقني زيادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يكن القيراط يفارق جراب جابر بن عبد الله .
فوائد الحديث :
هذا الحديث من الأحاديث العظام التي قالها النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أدل على ذلك ورود هذا الحديث في الكتب التسعة ما عدا الموطأ في 70 موضعا البخاري ومسلم 17 موضعا لكل منهما .
( كنا مع رسول الله في غزوة غزاها ) :
جاء تعيين اسم هذه الغزوة كما في مسند الإمام أحمد 14608 أنها غزوة ذات الرقاع ، قال ابن حجر - رحمه الله - : "وقوع القصة في ذات الرقاع أظهر ... لأن ذات الرقاع كانت بعد أحد بسنة واحدة على الصحيح "(2718 ) .
جواز الإخبار عن الأعمال الصالحة إذا كان لا يريد من الإخبار فخراً ولا خيلاء أو رياء .
( ناضح ) :
هو الجمل الذي يستسقى عليه وسمي بذلك لنضحه بالماء حال سقيه .
( قفلنا ) :
أي رجعنا .
قفل يقُل قُفولاً .
لكن العرب تسمي الناهضين في ابتداء السفر قافلة تفاؤلا بأن ييسر الله لها القفول .
قال ابن منظور : " وظن ابن قتيبة أن عوان الناس يغلطون في تسميتهم الناهضين في سفر أنشؤوه قافلة ، وأنها لا تسمى قافلة إلا منصرفة وهذا غلط ، ما زالت العرب تسمي الناهضين في ابتداء الأسفار قافلة ، تفاؤلا بأن ييسر الله لها القفول ، وهو شائع في كلام فصحائهم إلى اليوم " لسان العرب 11/560 .
( جعلت الرفاق تمضي وجعلت أتخلف فكنت في آخر القوم ... فمر بي النبي ):
أولاً : تواضع النبي - صلى الله عليه وسلم - .
1 . كان يقول :" خلوا ظهري للملائكة " رواه أحمد .
2 . أخرج الترمذي من حديث أبي الدرداء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ابغوني في ضعفائكم فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم " .
3 . أخرج مسلم من حديث أنس :" أن امرأة كان في عقلها شيء فقالت : يا رسول الله إن لي إليك حاجة فقال : يا أم فلان انظري أي السكك شئت حتى أقضي لك حاجتك فخلا معها في بعض الطرق حتى فرغت من حاجتها "
4 . أخرج مسلم عن أبي رفاعة قال : " انتهيت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يخطب فقلت يا رسول الله رجل غريب جاء يسأل عن دينه لا يدري ما دينه قال : فأقبل عليّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وترك خطبته ... فجعل يعلمني مما علمه الله ثم أتى خطبته فأتم آخرها "
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يمر على الصبيان فيسلم عليهم .
و كان النبي - صلى الله عليه وسلم - تأخذه الأمة بيده فتنطلق به حيث شاءت .
و كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكون في بيته في خدمة أهله ، ولم يكن ينتقم لنفسه .
و كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخصف نعله ويرقع ثوبه ويحلب الشاة لأهله ،ويعلف البعير ويأكل مع الخادم ، ويجالس المساكين ،ويمشي مع الأرملة واليتيم ويمشي في حاجتهما ، ويبدأ من لقيه بالسلام ، ويجيب دعوة من دعاه ولو إلى أيسر شئ .
ثانيا : تفقد النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه :
1 . في صحيح البخاري : " أن امرأة سوداء - خرقاء - كانت تقم المسجد ففقدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأل عنها أو عنه فقالوا : مات قال أفلا كنتم آذنتموني قال فكأنهم صغروا - حقروا - أمرها أو فقال دلوني على قبرها فدلوه فصلى عليها ثم قال إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها وإن الله عز وجل ينورها لهم بصلاتي عليهم " .
2 . أخرج أحمد في المسند (5/35) : " أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعه ابنه فقال : أتحبه ؟ قال : أحبك الله كما أحبه . فمات ففقده فسأله عنه فقال : " ما يسرك أن لا تأتي باباً من أبواب الجنة إلا وجدته عنده يسعى يفتح لك " .
( فمر بي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : من؟ قلت : جابر بن عبد الله )
من السنة إذا قيل من أن يقال فلان ولا يقول : أنا .
في الصحيحين من حديث جابر : " أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فدققت الباب فقال من ؟ فقلت : أنا فقال أنا أنا أنا كأنه كرهها " .
( فقال : يا جابر مالي أراك منكسراً ) :
1 . استحباب نداء المرء باسمه وبأحب الأسماء إلى المنادى .
2 . ترك النداء بالاسم إما يدل على الكبر أو الغضب ، فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعرف غضب عائشة من رضاها حينما تهجر اسمه، ففي البخاري من حديث عائشة قالت : " قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إني لأعلم إذا كنت عني راضية وإذا كنت علي غضبى قالت فقلت من أين تعرف ذلك فقال أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين لا ورب محمد وإذا كنت علي غضبى قلت لا ورب إبراهيم قالت قلت أجل والله يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك " .
3 . النبي علم حزن جابر من أسارير وجهه من دون أن يشكو جابر - رضي الله عنه - الحال للنبي - صلى الله عليه وسلم - .
4 . لا بد للمرء أن يعرف غضب شيخه أو من له ولاية عليه أو من يحب من فرحه ، وأن يعلم سخطه من رضاه من أسارير وجهه ليكون ذلك جسراً للمحبة والألفة بين الاثنين .
5 . النبي - صلى الله عليه وسلم - كان محور اهتمام الصحابة فعرفوا كل حركاته وسكناته وحفظوها .
أخرج مسلم في صحيحه 2442 من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت : " أرسل أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فاطمة بنت رسول الله إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستأذنت عليه وهو مضطجع معي في مرطي فأذن لها فقالت يا رسول الله إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة وأنا ساكتة قالت فقال لها أي بنية ألست تحبين ما أحب فقالت بلى قال فأحبي هذه قالت فقامت فاطمة حين سمعت ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجعت إلى أزواج النبي فأخبرتهن بالذي قالت وبالذي قال لها رسول الله فقلن لها ما نراك أغنيت عنا من شيء فارجعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولي له إن أزواجك ينشدنك العدل في ابنة أبي قحافة فقالت فاطمة والله لا أكلمه فيها أبدا قالت عائشة فأرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهي التي كانت تساميني منهن في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أر امرأة قط خيرا في الدين من زينب وأتقى لله وأصدق حديثا وأوصل للرحم وأعظم صدقة وأشد ابتذالا لنفسها في العمل الذي تصدق به وتقرب به إلى الله تعالى ما عدا َسْورة - هيجان - من حدة كانت فيها تسرع منها الفيئة قالت فاستأذنت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم مع عائشة في مرطها على الحالة التي دخلت فاطمة عليها وهو بها فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة قالت ثم وقعت بي فاستطالت علي وأنا أرقب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرقب طرفه هل يأذن لي فيها قالت فلم تبرح زينب حتى عرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكره أن أنتصر قالت فلما وقعت بها لم أنشبها حتى أنحيت عليها قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبسم إنها ابنة أبي بكر .
ما أخرجه أحمد من حديث عائشة : " كان إذا وجد - غضب أو حزن - فإنما هو آخذ بلحيته " فعائشة - رضي الله عنها - وظفت ذكاءها لمعرفة خلق زوجها ، ومعرفة رضاه من سخطه ، وفرحه من حزنه .
( فضربه رسول الله ) :
جواز ضرب الدابة للسير ، إذا لم يتحقق لها الضرر الكبير .
( فكنت أحبس خطامه لأسمع حديثه ) :(19/1)
هذا الأمر ليس بالأمر الهين خاصة إذا علمنا أن ناقة النبي – صلى الله عليه وسلم – لا تلحق .
في الصحيح خ 6501 " كانت ناقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تسمى العضباء وكانت لا تسبق فجاء أعرابي على قعود له فسبقها فاشتد ذلك على المسلمين وقالوا سبقت العضباء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن حقا على الله أن لا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه " .
أخرج مسلم في صحيحه (1641) : "كانت ثقيف حلفاء لبنى عقيل فأسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم وأسر- أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا من بني عقيل وأصابوا معه العضباء فأتى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في الوثاق قال يا محمد فأتاه فقال ما شأنك فقال بم أخذتني وبم أخذت سابقة الحاج فقال إعظاما لذلك أخذتك بجريرة حلفائك ثقيف ثم انصرف عنه فناداه فقال يا محمد يا محمد وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رحيما رقيقا فرجع إليه فقال ما شأنك قال إني مسلم قال لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح ثم انصرف فناداه فقال يا محمد يا محمد فأتاه فقال ما شأنك قال إني جائع فأطعمني وظمآن فأسقني قال هذه حاجتك ففدي بالرجلين قال وأسرت امرأة من الأنصار وأصيبت العضباء فكانت المرأة في الوثاق وكان القوم يريحون نعمهم بين يدي بيوتهم فانفلتت ذات ليلة من الوثاق فأتت الإبل فجعلت إذا دنت من البعير رغا فتتركه حتى تنتهي إلى العضباء فلم ترغ قال وناقة منوقة فقعدت في عجزها ثم زجرتها فانطلقت ونذروا بها فطلبوها فأعجزتهم قال ونذرت لله إن نجاها الله عليها لتنحرنها فلما قدمت المدينة رآها الناس فقالوا العضباء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إنها نذرت إن نجاها الله عليها لتنحرنها فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له فقال سبحان الله بئسما جزتها نذرت لله إن نجاها الله عليها لتنحرنها لا وفاء لنذر في معصية ولا فيما لا يملك العبد وفي رواية ابن حجر لا نذر في معصية الله "
( أتبيعني الجمل يا جابر قلت : بل أهبه لك ، قال : لا ولكن بعنيه فاستحييت ولم يكن لنا ناضح غيره وكانت لي إليه حاجة شديدة ) :
لا يجوز أخذ أموال الناس بسيف الحياء وأن الإحراج في هذه الحالة يكون حكمه حكم المغصوب ويجب على الآخذ رده وتعويضه .
يرى أهل العلم بأن من أخذ مال غيره بالحياء كأن يسأل مالا في ملأ ، فدفعه المسئول بباعث الحياء فقط ، أو أهدى إليه هدية حياء يعلم المهدى له : أن المهدي أهدى إليه بباعث الحياء فقط فلا يجوز قبوله ولا يحل له التصرف فيه .
ففي" المعيار المعرب لفتاوى علماء الأندلس والمغرب " بأن أحد علماء المغرب سئل : " عمن وهبت هبة على وجه الحياء هل تطيب للمتصدق عليه أم لا ؟ فأجاب : قال الفقهاء في الصدقة إذا طلبت من المتصدق وفهم من حاله أنه أعطاها حياء وخجلا أو غير طيّب النفس ، أنها لا تحل للمتصدق عليه " 9/153 .
وفي " مطالب أولي النهى " ( إذا علم ) المهدى له ( أنه ) أي : المهدي ( أهدى حياء فيجب الرد ) أي : رد هديته ، قال ابن الجوزي في " الآداب " : " وهو قول حسن لأن المقاصد في العقود عندنا معتبرة ... ( ويتجه ) أنه إذا علم أنه أهدي له حياء إما يجب عليه الرد ( أو ) يجب عليه ( العوض ) وأن يكون العوض مثلها أو خيراً منها ( و) يتجه ما ذكر ( أنه يحمل على ) من كان ( بذئ لسان ) أي : فاحشه ( يخاف منه ) التسلط على من لم يكافئه بالهجر و ( الذم ) فإذا علم منه ذلك فعليه أن يعوضه عن هديته خروجا من عهدته واستنقاذا له من تمزيق عرضه وارتكابه إثم الغيبة ، ويتجه ( أنه يحرم أكل طفيلي ) كملحّ على من بيده طعام ليستحي منه ويطعمه ، والطفيلي من يجلس على مائدة غيره من غير دعوة ولا إذن منه ، ويحرم أكل ( ضيف كذلك ) أي : على وجه المحاباة بأن يقيم في القرية زيادة على يوم وليلة ، ويكلف أهلها أن يضيفوه فيستحيون منه ويطعمونه ، فيحرم علي الأكل من زادهم ، لأنه في معنى الغاصب " 4/380-381 .
لكن النبي – صلى الله عليه وسلم – ما كان يريد جمل جابر ، وأراد أن يساعد جابر من دون إراقة ماء وجهه ، بل كان يريد أن يحفظ لجابر كرامته .
( قال : بعنيه غفر الله لك ، قال جابر : استغفر لي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ليلة البعير خمساً وعشرين مرة ) :
استحباب الدعاء للأخوان .
لو لم يكن لجابر إلا هذه الفضيلة وهي استغفار الرسول له 25 مرة في ليلة واحدة لكانت كافية ، فالرسول هو له منزلة عظيمة عند ربه خصه الله برسالته وأكرمه بوحيه وجعله سفيراً بينه وبين خلقه .
(قلت : فسمني به قال قلت : أخذته بدرهم ، قلت : لا إذا أغبن ) :
جواز ابتداء المشتري بذكر الثمن وإن لم يعرض البائع سلعته للبيع .
قول جابر لا ، ليس فيه معصية للنبي – صلى الله عليه وسلم – فهذا ليس أمراً من النبي – صلى الله عليه وسلم – .
(قال : فبدرهمين قال قلت لا .. فلم يزل رسول الله يرفع لي حتى بلغ الأوقية )
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الأخ الفاضل سعود الزمانان
عدد القراء : 1614
تاريخ الموضوع: 11 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(19/2)
شباب الصحوة الإسلامية،،، رؤية من الداخل
الأخ الفاضل سعود الزمانان
ولست أدعي بأن هذا حال جميع شباب الدعوة الصحوة المباركة ، فحاشا لله أن أقول مثل هذا القول ، فإن هناك الكثير من الشباب الناضج الذي تقلب في الدعوة إلى الله آناء الليل وأطراف النهار ، ونهل من العلم وتوجه إلى حلقاته ، وترك لذة النوم وهجر الفراش ، في وقت يهجع فيه الكثيرون ، وزاحم العلماء وطلبة العلم بالركب ، فهو كالغيث أينما حل نفع : في منزله ، في مسجده ، في سوقه في مجتمعه .
فأحببت في هذه الكلمات أن أضع النقاط على الحروف ، وأبين الداء وأصف الدواء لعل الله جل وعلا أن ينفعنا بما نقول إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ومن المظاهر السيئة التي التصقت ببعض شباب الصحوة ما يلي :
1 . الزهد في طلب العلم :
من المعلوم أنه لن يعود للمسلمين عزتهم إلا بالانطلاق من الكتاب والسنة الصحيحة وما كان عليه سلف هذه الأمة ، وقد أرشدنا الله إلى تقديم العلم على العمل قال تعالى { فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك }، ومن ثم يكون العمل به والدعوة إليه ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : " عليكم بالعلم فإن تعليمه حسنة ، وطلبه عبادة ، ومذاكرته تسبيح ، والبحث عنه جهاد ، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة ، وبذله لأهله قربة "[1] ، وفي هذا الزمان عزف الكثير من الشباب عن طلب العلم ، وزهد فيه ، فقصرت هممهم وركنوا إلى الحماسة وإثارة العواطف ، دون تأصيل وتأسيس ، واقتصر الكثير منهم على مراجعة مسألة أو مسألتين ، فإذا كان في مجلس تكبر على الحاضرين وأثار مسألة البحث ، ليظهر علمه ، وقد قيل : " العلم ثلاثة أشبار ، من دخل الشبر الأول : تكبر ، ومن دخل الشبر الثاني : تواضع ، ومن دخل في الشبر الثالث : علم أنه ما يعلم " .[2]
قال الحافظ الذهبي – رحمه الله - : " فالذي يحتاج إليه الحافظ أن يكون تقياً ذكياً ، نحوياً لغوياً ، زكياً حيياً سلفياً ، يكفيه أن يكتب بيديه مئتي مجلد ، ويحصل من الدواوين المعتبرة خمس مئة مجلد ، وأن لا يفتر من طلب العلم إلى الممات بنية خالصة وتواضع ، وإلا فلا يَتَعَنَّ "[3]
قلت : رحمك الله يا إمام ، كيف لو نظرت إلى حال المسلمين اليوم ، ورأيت الجهل عند الكثير من المنتسبين إلى الدعوة ، الذين أصبح شغلهم الشاغل تتبع عورات العلماء ، والتفتيش عن زلاتهم ، والتطاول عليهم ، والاتكاء على الأرائك وتصنيف الناس بظلم وعدوان ، فلست أشك أيها الإمام في أنك سوف تكبر أربع تكبيرات بلا ركوع وبلا سجود وتسليمة عن يمينك على هؤلاء !!
ولا يمكن للإنسان المسلم أن يفهم دينه ويعمل به ، إلا إذا عرف أحكامه ، وأولاها اهتمامه وعنايته ، وبذل جهده وطاقته للإلمام بها ، فكيف يعرف المسلم أن هذا الماء طاهر أو نجس ، وأن هذا الماء يجوز التوضؤ فيه أو لا ، وأن هذا الطعام أو الإناء أو الصيد أو اللباس مباح أو حرام أو مكروه أو مستحب ، وكيف نعرف أن اقتناء هذا المال أو إنفاقه حرام أم حلال ، وكيف نهتدي إلى العبادات ونعرف أوقات الصلوات ومستحباتها و مكروهاتها ومبطلاتها ، وكيف نقيم الحدود و المعاملات فيما بيننا ، وكيف نبني الحياة الزوجية على منهج الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم - .
فالعلم الشرعي ليس مقتصراً على النواحي التعبدية كما يزعم بعض الناس ، بل إنه علم يربط المخلوق بخالقه برباط متين ، ويقيم أفضل العلاقات بين الإنسان وأهله وأقاربه ، وبين الإنسان وأخيه ، بل أرشدنا هذا الدين كيف نعامل الحيوان الأعجم بالرفق والرحمة والإحسان ، قبل أن يتظاهر الغرب بالرفق بالحيوان ، وهي لم ترفق بعد بالإنسان ولم ترع حقوقه ، وما المجازر التي ارتكبت في الشيشان منا ببعيد .
كما أن العالم بأحكام الشريعة له من الفضيلة والمنزلة ما ليس للجاهل ، قال الإمام القرطبي – رحمه الله – في تفسير قوله تعالى { يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله } [4]: " وفي هذه الآية دليل على أن العلم له من الفضيلة ما ليس للجاهل ، لأن الكلب إذا علِّم يكون له فضيلة على سائر الكلاب ، فالإنسان إذا كان له علم أولى أن يكون له فضل على سائر الناس ، لا سيما إذا عمل بما علم " .
قال ابن القيم – رحمه الله - : " العلماء هم الذين يسوسون العباد والبلاد والممالك ، فموتهم فساد لنظام العالم ولهذا لا يزال الله يغرس في هذا الدين منهم خالفاً عن سالف يحفظ بهم دينه وكتابه وعباده ، وتأمل إذا كان في الوجود رجل قد فاق العالم في الغنى والكرم ، وحاجتهم إلى ما عنده شديدة وهو محسن إليهم بكل ممكن ثم مات وانقطعت عنهم تلك المادة ، فموت العالم أعظم مصيبة من موت مثل هذا بكثير ، ومثل هذا يموت بموته أمم وخلائق كما قيل :
تعلم ما الرزية فقد مال ولا شاة تموت ولا بعير
ولكن الرزية فقد حر يموت بموته بشر كثير " ا.هـ[5]
ولا ينبغي على المسلم أن يستنكف من حفظ آية أو حديث واحد ، فإن للعلم الشرعي بركة تعصم الإنسان من الفتن ما ظهر منها وما بطن ، فهذا الصحابي الجليل أبو بكرة قد عصمه من القتال في الفتنة بفضل حديث واحد سمعه بأذنه ووعاه بقلبه وجوارحه من رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، وذلك حينما خرجت الصديقة عائشة – رضي الله عنها – للإصلاح بين الناس فتسارعت الأحداث ونشب القتال فيما بينهم ، فلما أراد أبو بكرة – رضي الله عنه – اللحاق بركب عائشة تذكر حديث النبي – صلى الله عليه وسلم – وذلك كما أخرجه البخاري في صحيحه (7099 ) عن أبي بكرة – رضي الله عنه – أنه قال : " لقد نفعني الله بكلمة أيام الجمل لما بلغ النبي – صلى الله عليه وسلم – أن فارساً ملّكوا ابنة كسرى قال : " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " فامتنع عن القتال ببركة حديث واحد سمعه من النبي – صلى الله عليه وسلم - .
فينبغي على المسلم أن يتزود من العلم وأن يتدارسه مع نفسه وغيره ، وأن يطرد كل فتور وكسل ، وأن يستغل وقته في طلب العلم ، قبل أن يبتلي بكثرة المشاغل ، وأن يضع في معتقده أن طريق العلم طويل جدا ، وقد صح عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : " منهومان لا يشبعان : طالب علم وطالب دنيا " [6]وقد قيل لعبد الله بن المبارك – رحمه الله - : " لو بعثت بعد موتك ماذا تفعل ؟ قال : أطلب العلم حتى يأتيني ملك الموت مرة ثانية "
2 . وقوعهم في التقليد وسقوطهم فيما عابوا عليه أهل المذاهب الفقهية :
ويلاحظ وقوع بعض الشباب في شَرَك التقليد ، والتعصب لأقوال بعض أوعية أهل العلم المعاصرين ، والأخذ بها دون معرفة للأدلة الشرعية وكيفية الاستدلال بها ، وتعظيم أقوالهم بحيث تقدم على النصوص الشرعية أحياناً ، والتزام أقوالهم ونبذ ما سواها ، مدعين بأن هؤلاء العلماء المعاصرين أعلم بالنصوص وربما اطلعوا على شئ لم يطلع عليه السابقون ، وربما كان هذا الدليل منسوخاً ، بل وصل الأمر إلى تسفيه آراء العلماء المتقدمين ، أو عدم الاهتمام بها ، وغمط أصحاب العلم حقهم ، وإلى تخطئتهم مع أنهم من أكابر العلماء ، بل قد يكونون من الصحابة ، وقد يكون قولهم أرجح دليلاً ، فلو تعارض قول للإمام أحمد مع أحد العلماء المعاصرين على سبيل المثال ، لأخذوا برأي العالم المعاصر لا لشيء سوى التعصب لهؤلاء الأئمة ، ويزعمون بأنهم لم يأخذوا بأقوالهم إلا بسبب ثقتهم في هؤلاء العلماء ، وتعظيمهم لأهل العلم ، ولا شك أن هذا التعظيم والتوقير ليس من النوع الذي شرعه الله عز ، وإلا لكان الجميع فيه سواء ، ونسى هؤلاء الشباب أن الحق لا يعرف بالرجال وإنما الرجال يعرفون به ، وانه لا يجوز التعصب لزيد أو عمرو ، ولا لرأي فلان أو علان ، ولا لحزب أو طريقة أو جماعة ، بل يجب اتباع كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – في جميع الأحوال ، في الشدة والرخاء ، في العسر واليسر ، في السفر والإقامة ، وعند اختلاف العلماء ينظر في أقوالهم ، ويؤيد منها ما وافق الدليل من دون تعصب لأحد من الناس ، ولا يجوز أبداً التعصب لواحد مطلقاً .
ولا يفهم من هذا الكلام بأن التقليد لا يجوز بشكل عام ، فالحق أن التقليد جائز في الجملة والاجتهاد جائز في الجملة ، فالتقليد جائز للعامة الذين لا قدرة لهم على النظر في الأدلة واستنباط الأحكام منها ، قال ابن عبد البر – رحمه الله - : " ولم تختلف العلماء أن العامة عليها تقليد علمائها ، وأنهم المرادون بقول الله عز وجل { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } وأجمعوا أن الأعمى لا بد له من تقليد غيره ممّن يثق بميزه القبلة إذا أشكلت عليه ، فكذلك من لا علم له ولا بصر بمعنى ما يدين به لا بد له من تقليد عالمه " [7]
قلت : فتوى العالم تكون بمحل الأدلة الشرعية بالنسبة للجاهل ، فيجوز تقليد من عُرف بالعلم والاجتهاد من أهل الدين والصلاح ، والله أعلم .
أما من فهم الدليل وعرف الحق فلا يجوز له التقليد ، بل الواجب عليه اتباع ما تبيَّنَتْ له صحته ، خاصة إذا كان في التقليد مخالفة واضحة للنصوص الشرعية أو لإجماع الأمة .
فمن أراد الالتزام بقول عالم من العلماء فعليه أن يراعي الضوابط التالية:
الضابط الأول : أن لا يكون هذا الالتزام سبيلا لاتخاذ هذا المذهب دعوة يُدعى إليها ، ويوالي ويعادي عليها ، مما يؤدي إلى الخروج عن جماعة المسلمين ، وتفريق وحدة صفهم ، فإن أهل البدع هم الذين ينصِّبون لهم شخصاً أو كلاماً يدعون إليه ويوالون به ويعادون عليه .
أما أهل السنة والجماعة فإنهم لا يدعون إلا اتباع كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – وما اتفقت عليه الأمة ، فهذه أصول معصومة دون ما سواها .
الضابط الثاني : ألا يعتقد أنه يجب على جميع الناس اتباع واحد بعينه من الأئمة دون الآخر ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : " فمن تعصب لمالك أو الشافعي أو أحمد أو أبي حنيفة ، ويرى أن قول هذا المعين هو الصواب الذي ينبغي اتباعه دون قول الإمام الذي خالفه ، فمن فعل هذا كان جاهلاً ضالاَ : بل قد يكون كافراً ، فإنه متى اعتقد أنه يجب على الناس اتباع واحد بعينه من هؤلاء الأئمة دون الإمام الآخر فإنه يستتاب ، فإن تاب وإلا قتل ، بل غاية ما يقال : إنه يسوغ أو ينبغي أو يجب على العامي أن يقلد واحداً لا بعينه ، من غير تعيين زيد ولا عمرو" [8]
الضابط الثالث : أن يعتقد أن هذا الإمام الذي التزم مذهبه ليس له من الطاعة إلا لأنه مبلغ عن الله دينه وشرعه ، وإنما تجب الطاعة المطلقة العامة لله ولرسوله – صلى الله عليه وسلم – .
الضابط الرابع : أن يحترز من الوقوع في شيء من المحاذير الآتية :
المحذور الأول : التعصب والتفرق .
المحذور الثاني : الاعراض عن الكتاب والسنة .(20/1)
المحذور الثالث : الانتصار للأقوال بالأحاديث الضعيفة والموضوعة .
المحذور الرابع : تنزيل الإمام المتبوع منزلة النبي – صلى الله عليه وسلم - قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : " أما وجوب اتباع القائل في كل ما يقوله ، من غير ذكر دليل يدل على صحة ما يقول فليس بصحيح ، بل هذه المرتبة هي مرتبة الرسول التي لا تصلح إلا له "[9]
3. عدم تقديم الأولويات في طلب العلم :
هناك قاعدة قعّدها أهل العلم تنص على أنه : " من استعجل الشيء قبل أوانه فإنه قد يعاقب بحرمانه " ، وهذه القاعدة نستطيع أن ننزّلها على واقع الكثير من الشباب الذي لم يتدرج في طلب العلم الشرعي ، فترى الكثير منهم يزاحم طلاب العلم في حلقات العلم ، وما هي إلا مدة قصيرة حتى ينقطع بالكلية عن الطلب ، بسبب أنه لم يسلك الطريق القويم ، ولم يتدرج في طلب العلم ، والتدرج سنة من سنن الله في الكون وهو موافق للشرع والعقل ، فترى الكثير منهم يوغل في أمور ومسائل فرضية قد تكون نادرة الوقوع ، ويترك ما هو أهم وأولى .
دخل ابن جريج إلى مجلس عطاء بن السائب في أول طلبه للعلم ، وكان في المجلس أبو عمير ، أحد الأئمة ، فقال عطاء لابن جريج : هل قرأتَ القرآن ؟ قال ابن جريج : لا ، قال : فاذهب فاقرأه ثم اطلب العلم ، فذهب ابن جريج فغاب زمانا حتى قرأ القرآن ، ثم جاء عطاء ، فقال عطاء :هل قرأت الفريضة ؟ قال ابن جريج : لا . قال : فتعلم الفريضة ثم اطلب العلم ، فطلب الفريضة ، ثم جاءه ، فقال : الآن فاطلب العلم . فلزم ابن جريج عطاء سبع عشرة سنة .
قلت : أرشده هذا الإمام ودله على تقديم الأولويات ، والتدرج في طلب العلم الشرعي .
ويتصل بما سبق ما يلاحظ من قيام بعض الشباب بطلب العلم الشرعي ممّن لم ترسخ قدمه فيه ، ومن صغار السن أحياناً ، مع وجود من هو أكبر منهم سناً وأرسخ علماً ، والتماس العلم عند الأصاغر ، وهذا الأمر قبل أخبر عنه المصطفى – صلى الله عليه وسلم – بوقوعه في آخر الزمان وهو من علامات الساعة الصغرى كما في الحديث الذي أخرجه ابن المبارك في " الزهد " " إن من أشراط الساعة ثلاثاً : إحداهن : أن يُلتمس العلم عن الأصاغر ... " والحديث في صحيح الجامع للألباني – رحمه الله - ، وقد قال ابن عمر – رضي الله عنهما - : " إنكم لن تزالوا بخير ما دام العلم في كبراكم ، فإذا العلم في صغاركم سفّه الصغير الكبير " ، وهذا الأمر ليس على إطلاقه ، فقد أفتى ودرّس جمع من الصحابة والتابعين في صغرهم بحضرة الأكابر ، فإذا وُجِد الصغير وظهرت رصانته في العلم فليؤخذ منه ، ومن أراد العلم من منابعه الأصلية فيبادر في أخذه من العلماء الكبار وليلزمهم قبل أن يفقدهم ، وليس كل من وعظ موعظة بليغة أو ألقى محاضرة هادفة أصبح مجتهداً من المجتهدين ، والحق أن ينزّل هؤلاء منزلتهم ، والشريعة جاءت بالعدل والتوسط في جميع الأمور .
ووصل الأمر إلى قيام بعض المبتدئين بالعلم أو ممّن لم ترسخ أقدامهم فيه إلى خوض غمار التأليف فيما وصل إليه الأكابر ، وللعلامة الشيخ بكر أبو زيد كلاماً نفيساً عن هؤلاء قال – حفظه الله - : " ومنه شغف المبتدئين بالتأليف ، والبداية مَزِلة ، وهذا عين تشيّخ الصحفيّة ، إذ تعلمه حقيقة " مجذوباً " ، فتراه يخوض غمار التأليف فيما وصل إليه الأكابر ، بعد قطع السنين ، في مُثافَنَةِ الأشياخ ، ومسك الدفاتر ، ثم يأتي هذا " المجذوب الطري " ، ويثافِنُ مؤلفاتهم ... والمطابع تفرز كل يوم لنا قراطيس ورزماً ، إن لم يكن هذا هو الاحتراق في الغرور ، فما أدري له سبباً سواه ، فنعوذ بالله من هذه الفتنة الصماء ، وأنصح نفسي وإخواني في الطلب ، وتحرير المسائل ، وضبط الأصول ، وجرد المطولات ، وكثرة التلقي ، والدأب في التحصيل ، وأن لا يشغل المرء نفسه بالتأليف في مثاني الطلب قبل التأهيل له ، فإن التأليف في هذه المرحلة يقطع سبيل العلم والتعلم ، ويعرض المرء فيه نفسه قبل نضوجها ، والتأليف المقبول لا بد أن يكون بقلم من اتسعت مداركه ، وطال جده وطلبه ، والصنعة بصانعها الحاذق ، ومعلمها البارع " [10]انتهى.
4. أخطاء الشباب في اللباس :
لبس الثياب تعتريه الأحكام التكليفية الخمسة ، الواجب والمندوب والمباح والمكروه والمحرم ، فالواجب منه ما يستر به العورة ويدفع به الحر والبرد .
والمندوب إليه أو المباح ما يحصل به أصل الزينة وإظهار النعمة لا سيما في الجُمع والأعياد ومجامع الناس إذا لم يكن للتكبر ، فقد أخرج الإمام أحمد في مسنده عن أبي الأحوص عن أبيه قال : " دخلت على النبي – صلى الله عليه وسلم – فرآني سيئ الهيئة فقال : ألك شيء ؟ قلت : نعم . مِن كل المال قد أتاني الله تعالى فقال : إذا كان لك مال فَلْيُرَ عليك " [11]
والمكروه ما يكون مظنة للتكبر والخيلاء ، لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : " كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة " [12]
والمحرم ما يقصد به الكبر والخيلاء أو لبس الحرير والذهب أو الإسبال لقوله – صلى الله عليه وسلم – في الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه ( 5787) من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : " ما أسفل من الكعبين من الإزار في النار "
وقد وقع المنتسبون إلى الدعوة إلى الله في محاذير شرعية بين إفراط وتفريط ، وجنحوا عن الاعتدال والوسطية بسبب قلة فقههم وشطط فهمهم بدعوى الاتباع والالتزام بتعاليم هذا الدين .
ومن مظاهر هذه المحاذير الشرعية في اللباس ما يلي :
أولا : إسبال الثياب :
لجأت بعض الجماعات الإسلامية إلى تمييع قضايا الدين وتهميش تعاليمه ، فشحذوا الهمم لإنشاء جيل مترف من الشباب بدون تصفية ولا تربية إسلامية ، حتى يكثروا بهم السواد ، ولاستخدامهم لأغراضهم الحزبية ، فأجازوا لهم إسبال الثياب ، هاجرين بذلك سنة نبيهم محمد – صلى الله عليه وسلم – المحذر من الإسبال في أحاديث عديدة ، بلغت مبلغ التواتر المعنوي ، في الصحاح والسنن والمسانيد ، والتي تفيد النهي الصريح الدالة على التحريم ،فالإسبال محرم مذموم شرعاً في حق الرجال إن كان لغير الخيلاء ، وكبيرة من الكبائر إن كان للخيلاء ، لقوله – صلى الله عليه وسلم – في الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه " ما أسفل من الكعبين من الإزار فهو في النار " وهذا الحديث يعمّ من أسبل ثيابه تكبراً أو لغير ذلك من الأسباب .
وقد دلت النصوص الشرعية بأن مجرد الإسبال " خيلاء " ، فعن جابر بن سليم – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : " وإياك والإسبال فإنه من المخيلة " ، فمجرد الإسبال يستلزم الخيلاء ، حتى لو لم يقصد المسبل ذلك ، فالمسلم ممنوع منه لكونه مظنة للخيلاء ، فمن لم يسبل للخيلاء فعمله وسيلة لذلك ، والوسائل لها حكم الغايات .
أما من جر ثوبه خيلاء صار الإثم و كبيرة من الكبائر لقوله – صلى الله عليه وسلم - : " من جرّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة " .
لذا أنصح أخواني الشباب المنتسبين إلى هذه الجماعات تقديم قول الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – على قول سأداهم وكبرائهم ،وأن ينتهوا عما نهى الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – عنه ، وأن يرفعوا ثيابهم إلى الكعبين ، فإنه أنظف وأطهر واتقى لربهم ، وأسأل الله التوفيق والرشاد لجميع المسلمين .
ثانياً : الإفراط في تقصير الثوب :
أفرط بعض الشباب في تقصير الثوب تديناً ، مخالفين بذلك بما عليه المجتمع المسلم الذي يسير وفق السنة ، وهو كون اللباس إلى الكعبين ، وذلك لأنهم حملوا بعض الأحاديث على غير محلها ونزلوها على غير منزلتها ، فلم يفهموها كما فهمها الراسخون في العلم ، فتنطعوا في دين الله ، ظناً منهم أن هذا هو أقرب للسنة ، وقد نص علماء الحنابلة – رحمهم الله – على كراهية تقصير الثوب إلى نصف الساق ، لأن به إشهارا للنفس ، ومظنة لانكشاف العورة في الصلاة ، قال البهوتي – رحمه الله - : " ويكره كون ثيابه فوق نصف ساقه " قال ابن قاسم – رحمه الله – في حاشيته : " ولأن ما فوقه مجبلة لانكشاف العورة غالبا ، وإشهار لنفسه ، ويتأذى الساقان بحر أو برد ، فينبغي كونه من نصفه إلى الكعب ، لبعده عن النجاسة ، والزهو والإعجاب "[13] ا.هـ .
قال ابن مفلح الحنبلي – رحمه الله - : " ويكره فوق نصف ساقيه ، نُصّ عليه ، وقال أيضاً : يشهر نفسه " [14]
قلت : من الأسباب التي أدت لإفراط الشباب في تقصير الثوب إلى نصف عضلة الساقين ما يلي :
1 : عدم تفريقهم بين الثوب والإزار :
الثوب ليس كالإزار معنى ولا وصفاً ولا حكماً ، فالثوب هو القميص وهو ما يلبس على الجلد من قطن وكتان ، وله جيب وكمان ، لذا لا يجوز للمحرم أن يحرم بقميص أو ثوب ، بينما يشرع له أن يحرم بإزار ، والإزار هو ما يتزر به ، ويكون ثابتا على النصف الأسفل من البدن من السرة فما دون ، فالروايات التي جاءت بالسنة المطهرة التي تحكي بأن يكون اللباس في حق الرجال إلى عضلة الساقين أو إلى أنصافهما ، وفي بعض الروايات إلى الكعبين ، إنما جاءت كلها بلفظ " الإزار " ، قال العلامة بكر أبو زيد – حفظه الله - : " إن ألفاظ الروايات بجعل الإزار إلى عضلة الساقين أو إلى أنصاف الساقين كلها جاءت بلفظ " الإزار " ولم أقف على شيء منها بلفظ " الثوب " فلنقف بالنص على لفظه ومورده ... وقال أيضاً : الإزار ثابت على النصف الأسفل من البدن من السرة فما دون ، فلا يرتفع عند الركوع والسجود ، أما الثوب فإذا كان طوله وطرفه إلى عضلة الساقين ، أو إلى أنصاف الساقين ، فإنه مع الركوع والسجود تحمله الكتفان والظهر ، فينجر إلى أعلى ، ويكون كشف مؤخرة الفخذ مئنة ، أو مظنة قوية لانكشاف العورة ، ولو انكشفت عورته وهو يصلي لبطلت صلاته "[15] ا.هـ.
2 : عدم مراعاة المعتاد في لباس عرف البلاد مما لا يخالف الشرع :
عدم مراعاة بعض الشباب المعتاد في لباس عرف بلادهم مما لا يخالف الشرع ، يفضي إلى مفسدة عظيمة، وهو العجب الذي يأخذ صفة التدين، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : " يحرم لبس الشهرة، وهو ما قصد به الارتفاع ، وإظهار الترفع ، أو إظهار التواضع والزهد ، لكراهة السلف ذلك " ا.هـ.
وقال ابن النجار الحنبلي – رحمه الله - : " ويكره أن يلبس خلاف زي بلده بلا عذر ، وثوب الشهرة ما يشتهر به عند الناس ويشار إليه بالأصابع ، لئلا يكون ذلك سبباً إلى حمله على غيبة فيشاركهم في إثم الغيبة ، ويروى عن أبي هريرة مرفوعاً : " أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نهى عن الشهرتين فقيل : يا رسول الله وما الشهرتان ؟ قال : رقة الثياب وغلظها ، ولينها وخشونتها ، وطولها وقصرها ، ولكن سداداً بين ذلك واقتصاداً "[16]... وكان الحسن يقول : إن قوما جعلوا خشوعهم في لباسهم ، وشهروا أنفسهم بلباس الصوف ، حتى أن أحدهم بما يلبس من الصوف أعظم كبراً من صاحب المطرف بمطرفه .
وقال في الرعاية : ليس التواضع في اللباس ولبس البياض والنظافة في بدنه وثوبه ، مجلسه ، والتطيب في ثوبه وبدنه ، والتحنك والذؤابة وإرسالها خلفه " [17] ا.هـ(20/2)
وأسوق كلاما لفضيلة الشيخ العلامة بكر أبو زيد – حفظه الله – بنصه وبحروفه كاملاً لقوة حججه وبيانه فقد قال أثابه الله : " ونقل القاضي عياض عن العلماء :" أن الإسبال كل ما زاد عن المعتاد في اللباس في الطول والسعة "[18]وقال ابن عقيل : لا ينبغي الخروج من عادات الناس إلا في الحرام " وقال السفاريني : " شهرة لابس : له بمخالفة زي بلده ونحو ذلك ... ولأن لباس الشهرة ربما يزري بصاحبه وينقص مروءته ، ثم ذكر عن صاحب " الغنية " للجيلاني قوله : " ومن اللباس المنزه عنه كل لبسه يكون بها مشتهراً بين الناس ، كالخروج من عادة بلده وعشيرته ، فينبغي أن يلبس ما يلبسون ، لئلا يشار إليه بالأصبع ، ويكون ذلك سبباً إلى حملهم على غيبته ، فيشركهم في إثم الغيبة "
وذكر أن الإمام أحمد – رحمه الله – رأى رجلاً لابساً بُرْداً مخططا ، : بياضا وسوادا ، فقال ضع هذا والبس لباس أهل بلدك ، وقال : ليس هو بحرام ، ولو كنت بمكة أو المدينة لم أعب عليك ، قال الناظم لأنه لباسهم هناك"
ثالثاً : الاسترسال والترفه والمبالغة في لبس الغالي من الثياب :
أفرط بعض الشباب في الأخذ بالمباحات والاسترسال في التنعم الزائد والرفاهية ،والمبالغة في لبس الغالي والنفيس من الثياب ، فتأنثت طباعهم وتبلدت أحاسيسهم ولان دينهم ، وانشغل بالتأنق في ملبسه ، ونسىقول النبي – صلى الله عليه وسلم – " البذاذة من الإيمان " [19]، أي التقشف والتواضع في اللباس وترك الافتخار به ، ولم يأخذوا بوصية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - : " وإياكم والتنعم ، وزي العجم وتمعددوا واخشوشنوا "[20] ، فقد كان السلف الصالح من الصحابة والتابعين والعلماء المتقين متورعين عن الإسراف في المباحات ، فتركوا الترفه في المطعم والمشرب والمركب والمسكن ، والتوسع في المباحات قد يكون مورثاً للأخلاق السيئة ، وترك الخصال الحميدة ، لذلك قال القاضي عياض – رحمه الله - : " جُعل الشرُّ كله في بيت ، وجُعل مفتاحه حب الدنيا ، وجعل الخير كله في بيت ، وجعل مفتاحه الزهد "[21]، وقال الكتاني الصوفي : " الشيء الذي لم يخالف فيه كوفي ولا مدني ، ولا عراقي ولا شامي ، الزهد في الدنيا ، وسخاوة النفس ، والنصيحة للخلق " [22]
ولا يفهم من ذلك أننا نحرم ما أحله الله ، ولقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يحب الحلواء والعسل ، وكان يستعذب له الماء ، ويتطيب بالمسك ، ولكننا نقصد المبالغة في الترفه ، والاهتمام الزائد بالمظهر ، و الاسترسال في الأخذ بالمباحات والإفراط في التنعم ، إذ أن هذا ليس سمتاً للصالحين ، والحلية في الظاهر تدل على ميل في الباطن ، لذلك فإن الإسراف والمبالغة في لبس الغالي من الثياب فيه تشبه لأهل الأهواء وطالبي الدنيا ، فأصبح بعض الدعاة مشابهين في الهدي الظاهر والمظهر والسلوك مع أهل الدنيا ، وهذا التشابه يورث شعوراً واضحاً وقويا بالتقارب والتعاطف والتواد ، وهذا ما أكده الشرع ووافقه العقل ، لقوله – صلى الله عليه وسلم - : " من تشبه بقوم فهو منهم " .
فينبغي على المنتسبين إلى الدعوة عدم الاسترسال في الترفه والمبالغة بحسن المظهر ، وتقصد لباس التنعم والرفاهية ، وليأخذوا من اللباس ما يزينهم ولا يشينهم ، وليس معنى هذا أن أن ندعوهم إلى لبس المشوه والممتهن من الثياب ، بل المطلوب الاقتصاد في اللباس بما يوافق الشرع ، وهو اللبس الذي لا يجعل في لابسه مقالاً لقائل ، ولا لمزاً للامز ، وأن يتوافق اللباس بما لديهم على شرف حمل العلم الشرعي ، فهو أدعى لتعظيمهم لهذا العلم والانتفاع به ، والله أعلم .
رابعاً : تقصير الثوب وإطالة السراويل :
أساء بعض الشباب هداهم الله إلى هذا الدين ، بسبب سوء مظهرهم ، فلم يراعوا حسن الهيئة وتناسب اللباس ، وخرجوا بذلك عن الأعراف التي تخالف الشرع المطهر ، فأعطوا المجال للمستهزئين واللامزين المخذِّلين للإنتقاص منهم والاستهزاء بهم ، بسبب خطأ وشطط فهمهم لهذا الدين الحنيف ، فقصّروا ثيابهم وأطالوا سراويلهم ، ولم يعلموا أن الإسبال يكون في كل ما يلبس من إزار أو ثوب أو حلة أو كساء أو عباءة أو سراويل إلى غير ذلك مما يلبسه الرجال ، مخالفين بذلك قوله – صلى الله عليه وسلم – في الحديث الذي أخرجه أبو داود في سننه أنه قال : " الإسبال في الإزار والقميص والعمامة ، من جر منها شيئاً خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة " ( صحيح أبي داود للألباني 3450)
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الأخ الفاضل سعود الزمانان
عدد القراء : 1842
تاريخ الموضوع: 09 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(20/3)
آداب ممارسة مهنة الطب للأخ الفاضل سعود الزمانان
الأخ الفاضل سعود الزمانان
يجب أن يكون الطبيب شخصاً مؤهلاً :
يجب أن يكون الطبيب شخصاً مؤهلاً يمارس الطب ويعالج المرضى ،وكان في السابق يطلق على كل من لديه خبرة بالتطبب قال – صلى الله عليه وسلم – : " من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن " ( صحيح الجامع ) .
أما الآن فقد أصبح محصوراً على كل من نال شهادة جامعية تجيز له ممارسة الطب وفق القواعد العلمية المقرة عند أهل هذا العلم ، فلا ينبغي أن يتصدى للطبابة إلا الطبيب المعتبر بحكم الأنظمة والأعراف التي يتعامل بها الناس ، وأن يأذن ولي الأمر بمزاولة المهنة .
2 . الابتعاد عن الشبهات :
يجب أن يبتعد أن يبتعد عن الشبهات ، فلا يشارك في أي نشاط لا يتفق مع شرف المهنة،حتى لا يقف الطبيب موقف الاعتذار، ولا يختلج في نزاهته شك ، ولا يقدح في عرضه إفك ، مصداقاً لقوله – صلى الله عليه وسلم - : " فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه "[1]، ورحم الله الفاروق عمر بن الخطاب – رضي الله عنه وأرضاه – حينما قال : " كنا ندع تسعة أعشار الحلال مخافة أن نقع في الحرام "
لذا فلا ينبغي للطبيب أن يمارس مهنة أخرى تتعارض مع مهنة الطب ، كأن يعمل في الصيدلة إلى جانب عمله كطبيب ، لأن في هذا شبهة أن يصف لمرضاه بعض الأدوية التي تعود بالربح من صيدليته الخاصة دون أن يكون هناك حاجة لوصف هذا الدواء ،فتكون النتيجة أن تتناقل الناس تصرفاته وتضخمها وتزيد عليها ما يسوؤه ويشينه ، حتى يصبح هذا الطبيب سيئ السمعة منهك العرض قبيحا في أعين الناس .
3 . مراعاة حسن الهيئة وتناسب اللباس :
ينبغي على الطبيب مراعاة حسن الهيئة وتناسب اللباس حتى لا يزري به ويسقط مروءته، ولكي لا تتزعزع ثقة المرضى فيه ،فلا يلبس ثوباً تحصل الشهرة فيه بتميّزٍ عن المعتاد بلون أو صفة تفصيل الثوب وشكل له ، أو هيئة في اللبس ، أو مرتفع أو منخفض عن العادة ،فقد أخرج أبو داود في السنن من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : " من لبس لباس شهرة ألبسه الله يوم القيامة ثوب مذلة ثم تلهب فيه النار " وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : " يحرم لبس الشهرة ، وهو ما قصد به الارتفاع وإظهار الترفع ، أو إظهار التواضع والزهد ،لكراهة السلف ذلك "
4 . الصبر :
لا شك في أن مهنة الطب من أنبل المهن وأشرفها ، وكفاها شرفاً وكفى أهلها فخراً أن جعلها الله إحدى معجزات عيسى عليه السلام ،قال تعالى على لسان المسيح :{ وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله } ، فحينما يتعامل الطبيب مع مرضاه ومراجعيه فإنه قد يتعرض إلى العديد من المشكلات أو إلى بعض الكلمات التي تجرح شعوره وربما يتعرض إلى إيذاء شديد ، فينبغي عليه أن يتحلى بالصبر الجميل ، ويحتسب كل ذلك عند الله ، يقول تعالى { وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور } وقال عز من قائل { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } وصح عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال :" أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ، يُبتلى الرجل على حسب دينه ، فإن كان في دينه صلباً اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتُلي على حسب دينه، فما يبرم البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة "
5 . مواكبة ركب العلم :
يجب على الطبيب أن يصل نفسه بركب العلم فيواكب تقدمه ،وأن يكون متابعاً لأحدث ما توصل إليه العلم من حقائق واكتشافات طبية،لكي يكون ناصحاً لمرضاه، فالطبيب مسئوليته عن غيره تجعل وقته ليس خالصاً له ينفقه كيفما شاء ،وعليه أن يقدم لمرضاه أفضل ما توصلت إليه العلوم الطبية من معلومات وطرق علاج .
فإذا أراد الطبيب أن يكسب قلوب مرضاه فعليه بالعلم ، وإن الجهل لا يأتي بخير ، لذا كان يقول عمر بن عبد العزيز – رحمه الله - : " من عمل بغير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح " فالطبيب محتاج إلى قدر كبير من المعلومات كي يستطيع معالجة المرضى وتشخيص حالاتهم ،وربما يضطر الطبيب إلى تناول بعض الحقائق العلمية والأبحاث الطبية أو المستجدات في هذا العلم من أجل حل مشكلة أو إقناع مخالف أو إفحام خصم ،هذا بالإضافة إلى أن المرضى في الغالب لا يثقون ولا يقدرون حق التقدير إلا الطبيب العالم المستبصر بعلوم فنه ، لذا قالت العرب : " ليس شيء أعز من العلم ، الملوك حكام على الناس ، والعلماء حكام على الملوك " .
6 . الأمانة :
الطبيب المسلم يحمل أمانة الإسلام وأمانة المحافظة على صحة المسلمين ورفع الضرر عنهم ، فيجب عليه الالتزام بخلق هذا الدين وأن يكون ذلك جزءا من طبع الطبيب الذي لا ينفك عنه ،يمارسه بلا تكلف في سره وعلانيته ، مراقبا الله في كل تصرفاته ،فالطبيب المسلم يستطيع الدخول إلى قلوب مرضاه دون أن ينطق بكلمة واحدة ، وذلك عن طريق الصفات الكريمة والأخلاق الحميدة ، فقد أخرج البخاري في صحيحه من حديث عمر – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال :" كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته " ويقول أيضاً : " لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا عهد له " .
7 . الاستعانة بالله :
يجب على الطبيب أن يطلب العون من الله ،وأن يعلم أن الله لو لم يسهل له اكتساب علم الطب لما اجتمعت عنده ،وأن يبدأ عمله باسم الله وأن يعلم بأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وإن شاء الناس ، فيورث في قلب الطبيب تفويضاً إلى الله وطمأنينة وثقة به ، وأن لا يستعين الطبيب فقط بحوله وقوته وعلمه فيكله الله لهم فيعجز ، لأن المسلم لا يستطيع مواجهة الصعاب وحده بل يجب عليه الاستعانة بالله لأن به عبادة لله وتوحيده ، كما أن الطبيب ينزع بالاستعانة بالله شعور العجز من نفسه وصلاح قلبه ونجاح عمله وبركة علاجه .
فعلى الطبيب أن يفزع إلى الله وأن يلجأ إليه وأن ينكسر بين يديه،و كان شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – كثيرا ما يقول في دعائه إذا استعصى عليه تفسير آية من كتاب الله تعالى :" اللهم يا معلم آدم وإبراهيم علمني ويا مفهم سليمان فهمني".
8 . إنزال الناس منازلهم :
على الطبيب أن يراعي قاعدة " إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه " ، لأن إنزال الناس منازلهم أمر مطلوب شرعاً ،والالتزام به من أهم قواعد تعامل الطبيب مع الآخرين ،إذ لا يمكن أن يتساوى الناس في الدنيا ولا في الآخرة ،فلا يستوي العالم والجاهل ، ولا الجواد ولا البخيل ،كما لا يمكن أن يتعامل الإنسان مع الحاكم كما يتعامل مع المحكوم ،ولا يعني هذا أن الطبيب عليه أن يحتقر الفقراء والمساكين ويمجد الأغنياء والشرفاء،فهذا لا يجوز شرعاً، كما تأباه النفوس السوية ،ولكن يجب عليه أن يحسن تعامله مع الجميع ،وأن ينزل الناس منازل مختلفة،مع مراعاة تجنب الإساءة لأحد أو احتقاره ،ومن هذا المنطلق ينبغي إكرام الكريم وتوقير العالم وإجلال الشيخ الكبير واحترام الوجيه وتقدير الحاكم العادل إن كانوا من أهل الصلاح ، أما الطغاة المجرمون فأولئك لا كرامة لهم ولا إجلال ولا تقدير .
جاء العباس إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – بعد أن أسلم أبو سفيان فقال : يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئاً،فقال عليه الصلاة والسلام : نعم فقال : " من دخل دار المسجد فهو آمن ،ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن "
9 . الاستماع إلى مرضاه بأذن صاغية :
يجب على الطبيب أن يعطي المريض فرصة للحديث وأن لا يقاطعه وأن ينصت إليه ،وهذا خلق إسلامي رفيع ، فقد كان صلوات ربي وسلامه عليه أحسن الناس إنصاتاً للآخرين،جاء عتبة بن ربيعة إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال له : يا ابن أخي فقال – صلى الله عليه وسلم – يا أبا الوليد أسمع فقال له عتبة ما قال حتى إذا فرغ قال له النبي – صلى الله عليه وسلم – : أو قد فرغت يا أبا الوليد قال نعم قال : فاسمع مني فأخذ النبي – صلى الله عليه وسلم – يتلو عليه من سورة فصلت ... القصة .
فهنا لم يحسن الرسول – صلى الله عليه وسلم – الإنصات وترك المقاطعة فقط ، بل منحه فرصة أخرى لإضافة أي شيء ربما نسيه أو غفل عنه فعلى الطبيب أن يكون بارعاً في الإنصات لمرضاه بالأذن وطرف العين وحضور القلب وعدم الإنشغال بتحضير الرد وعدم الاستعجال بالرد قبل إتمام الفهم.
10: التواضع لله :
ينبغي على الطبيب أن يتواضع لله تعالى ويشكره على أن وفقه لهذه الخدمة الجليلة ،وأن لا يزين له الشيطان أن الشفاء يتم بعلم الطبيب وذكائه وفطنته ، بل يرجع السبب إلى توفيق الله ،وأن الطبيب بشر تجري على يديه أقدار الله جل وعلا بتوفيقه ومشيئته وإرادته وحكمه وعدله .
فالتواضع خلق كريم ، يزيد الطبيب رفعة وعزاً ويحببه إلى قلوب الآخرين يقول الإمام القيم ابن القيم – رحمه الله - : " ومن مكايده – أي الشيطان – أنه يأمرك أن تلقى المساكين وذوي الحاجات بوجه عبوس ولا تريهم بشراً ولا طلاقة ،فيطمعوا فيك ويتجرءوا عليك ، وتسقط هيبتك من قلوبهم، فيحرمك صالح أدعيتهم، وميل قلوبهم إليك ،ومحبتهم لك فيأمرك بسوء الخلق ، ومنع البشر والطلاقة مع هؤلاء ، وبحسن الخلق والبشر مع أولئك ، ليفتح لك باب الشر ويغلق عنك باب الخير "
11 . معرفة الأحكام الشرعية :
ينبغي على الطبيب أن يتوفر له الحد الأدنى من الدراية بعلوم الفقه وأحكام العبادات ، لأن الناس سوف يستفتونه في أمورهم الصحية ذات الصلة بالعبادات ، وينبغي له أن يلم ببقية الأحكام المتعلقة بالصحة والمرض إجمالا ،لأن هذه المعرفة تحميه وتحمي مرضاه من الوقوع في محظور من المحظورات ،وأن يكون بصيراً بالرخص والأعذار حتى يكون المرضى على اتصال دائم بالعبادات ولا يتعودوا على تركها .
12 . احترام تخصصه الطبي :
على الطبيب أن يحترم تخصصه الطبي إذ أن الاختصاصات الطبية متعددة ومتنوعة، فيجب أن يقوم بإحالة المشكلات الطبية المعقدة إلى ذوي التخصص فيها عملا بالآية { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون }،ولا يعني هذا ا، تنحصر اهتمامات الطبيب في تخصصه فحسب، بل عليه أن يلم إلماما معقولا بالخطوط العامة والعريضة لبقية الاختصاصات الأخرى .
13 . عدم شهادة الزور :
يجب على الطبيب إن أدلى بشهادة أو كتب تقريراً طبياً أن يكون مطابقاً للحقيقة ،وأن لا تدفعه نوازع القربى أو الصداقة أو المودة أن يدلي بشهادة تخالف الواقع ، وأن لا يشهد الزور قال النبي – صلى الله عليه وسلم – لأصحابه : " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قال الصحابة بلى يا رسول الله قال : الإشراك بالله وعقوق الوالدين ... ثم صمت مليا وقال : ألا وقول الزور ألا وقول الزور فما زال يكررها حتى حسبوه لا يسكت " رواه الشيخان .
ولله در القائل :(21/1)
ولا تكتب بكفك غير شيء يسرك في القيامة أن تراه
كما لا يجوز للطبيب أن يمتنع عن إعطاء المريض تقريراً طبياً عندما يطلب منه ذلك،وفق الشروط المتعارف عليها عند أهل الطب ،وبما أن التقرير من أنواع الشهادة قال الله تعالى { ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه }،هذا بالإضافة إلى أن الأصل فيه توقيع طبيبين على التقرير كما هو الحال في الشهادات عموماً،وقيد الحنابلة إلى جواز الاكتفاء بطبيب واحد في حالة عدم وجود طبيب غيره .
14 . المحافظة على أسرار المرضى :
حفظ أسرار الناس وستر عوراتهم واجب متعين على كل مسلم، وهو على الأطباء أوجب، لأن المريض يكشف أستاره طواعية أمام الطبيب ،فيجب على الطبيب أن يصون أية معلومة صلت إليه وأن لا يشيع أمرها وأن يحيط هذه المعلومات بسياج من الكتمان ،وقال – صلى الله عليه وسلم – : " من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة "
فالأسرار التي يُطّلع عليها بمقتضى المهنة ، كالطبيب والمفتي وأمين السر وغيرهم ،فهؤلاء يجب عليهم كتمان السر إلا إذا أذن صاحب السر بإفشائه،ويستثنى من وجوب كتمان السر الحالات التي يؤدي فيها كتمانه إلى ضرر يفوق ضرر إفشائه،كإبلاغ الجهات المختصة بإصابة المريض بمرض وبائي،أو إبلاغ الزوجة أنه مصاب بمرض جنسي يؤدي إلى الموت كالإيدز مثلا .
15 . عدم الامتناع عن علاج أي مريض إلا بمبرر شرعي أو علمي مقبول :
لا يجوز للطبيب أن يمتنع عن علاج أي مريض إلا بمبرر شرعي أو علمي مقبول ، ولا يجوز له أن يصف له دواء إلا إذا غلب على ظنه بفائدته،وأن يمتنع أن يعطي مرضاه العلاجات المحرمة شرعاً كالإجهاض وغيره من الممارسات المحظورة، إلا لضرورة معتبرة شرعاً .
وإذا قام الطبيب بتحرير وصفة طبية فعليه أن يراعي الأمور الآتية :
- تحرير الوصفة بخط واضح منعا للالتباس وتجنبا لوقوع الصيدلاني في الخطأ
- على الطبيب أن يشرح للمريض كيفية استخدام الدواء وفترة الاستعمال والتأثيرات الجانبية التي قد تظهر من جراء استخدام الدواء .
- يستحب الاحتفاظ بصورة من الوصفة الطبية في ملف المريض أو تدوين الأدوية في ملف المريض .
- لا يجوز وصف دواء محرم كالمخدرات وغيرها إن كان هناك بديل مباح وحلال .
- لا يجوز للطبيب أن يصف دواء غير لازم للمريض ، لأن هذا من الغش الذي نهانا عنه النبي – صلى الله عليه وسلم - .
- مراعاة القواعد العلمية المتعارف عليها في التداوي عند أهل هذه المهنة .
16 . عدم استغلال منصبه لمصالحه الشخصية :
يجب على الطبيب تقوى الله وأن لا يسلك سلوكا مخل بالشرف والأمانة ، وأن يحذر من الوقوع في علاقات آثمة مع مرضاه ،وأن يبتعد عن كل عمل يخالف شرف المهنة ،وأن لا يستغل منصبه من امتيازات من أجل منافع شخصية .
17 . عدم كتمان العلم :
ينبغي على الطبيب أن ينشر العلم بيم الناس لتعليمهم القواعد الصحية التي تقيهم بإذن الله من الأمراض ، فلا يجوز له أن يكتم العلم عن الناس فقد صح عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : " من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة " .
قلت : وهذا الوعيد في العلم الذي يتعين على الطبيب تبليغه كأن يرى الطبيب مريضاً جاء مستفتياً في أمر ضروري يتعلق فيه مصلحة للمريض ،وليس في نوافل العلم الذي لا ضرورة للناس إلى معرفته .
ويجوز للطبيب كذلك أن يكتم بعض العلم في بعض الأحوال أو عن بعض الأشخاص للمصلحة الشرعية، كما كتم النبي – صلى الله عليه وسلم – عن بعض الصحابة حديث معاذ " لا تبشرهم فيتكلوا " في فضل كلمة التوحيد ، خشية أن يتكلوا عليه،ونظير ذلك إذا رأى الطبيب شاباً في مقتبل العمر وسأل عن مضار العادة السرية على سبيل المثال ،وكان في اعتقاد الطبيب أن العادة السرية من الناحية الطبية لا تسبب ضرراً صحياً على من يمارسها ، ولكن يغلب على ظن الطبيب أن الشاب يفعلها فهنا يجوز بل قد يستحب كتمان ذلك على المستفتي ، والله أعلم .
18 . عدم التوسع في قاعدة الضرورات تبيح المحظورات :
لا يجوز للطبيب أن يتوسع في قاعدة الضرورات تبيح المحظورات ،فالنظر إلى عورة المريض للضرورة معتبر في شرع الله،ويجوز كذلك مس العورة بقدر الحاجة ودون تجاوز ، فمتى انتهى الطبيب من الفحص حرم عليه النظر أو اللمس بعده إلا لضرورة أخرى لاحقة ،تطبيقاً للقاعدة الفقهية " ما جاز لعذر بطل بزواله " ، وليتذكر الطبيب قوله تعالى { وقفوهم إنهم مسئولون } وأن يتذكر قوله تعالى { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون }
19 . يحرم على الطبيب أن يهدر حياة المريض ولو بدافع الشفقة :
لا يجوز للطبيب أن يهدر حياة المريض بدافع الشفقة ، لأنه قتل للنفس التي حرم الله ،فحياة الإنسان محترمة مصونة في كافة أدوارها ،فلا يجوز للطبيب أن يساعد على إنهاء حياة المريض بأي حال من الأحوال ، كقتل مريض ميئوس من شفائه بحجة تخفيف آلامه والشفقة عليه ، حتى لو كان ذلك بناء على طلب المريض أو ذويه ،ففي صحيح البخاري (3463) : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال : " كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكينا فحز بها يده فما رقأ الدم حتى مات قال الله تعالى بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة " .
20 . مصارحة المريض بعلته بحكمة ولطف :
على الطبيب أن يصارح المريض بعلته إن طلب المريض ذلك ، وأن تكون المصارحة مبنية على الحكمة في القول واختيار أعذب الألفاظ ،وذلك باستخدام العبارات المناسبة، فيخاطب كلاً على قدر شخصيته ومستواه العقلي ،وعليه أن يتلطف لمرضاه،ويعمل على تذكير المريض بربه ومولاه وخالقه ،وأن يوثق رباطه بالله حتى يهون عليه مرضه وتطمئن نفسه ،ومتى كان الطبيب على هذا المنهج فإنه دائماً يتذكر قول الحبيب محمد – صلى الله عليه وسلم - : " من فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة " .
21 . التنفيس عن المريض ومعاملته بالحسنى :
رغب الشارع في قول الخير لأن فيه تذكيراً بالله عز وجل ،فينبغي على الطبيب أن ينفس على مرضاه وأن يبتسم في وجوههم لقوله – صلى الله عليه وسلم : " تبسمك في وجه أخيك صدقة " ،وأن يخفض صوته عند مخاطبة المريض لقوله تعالى { واغضض من صوتك } أدبا مع المرضى والناس ،فلو كان في رفع الصوت البليغ فائدة لما اختص بذلك الحمار إذ أن رفع الصوت على الغير سوء في الأدب وفيه عدم احترام الآخرين .
22 . نداء المريض باسمه :
من الآداب الإسلامية الرفيعة هي نداء الناس بأحب الأسماء إليهم ،وهو نوع من التقدير والاحترام ،فينبغي على الطبيب عدم تجاهل اسم المريض ، فلا يستحب الإكثار من إيراد ضمير المخاطب في مخاطبة المريض كأن يقول : شكوت أو قلت أو تكلمت ، فهذا مما ينافي الأدب ، فالمرء يفرح ويحب إذا سمع تردد اسمه من الآخرين ، وبهذا يستطيع الطبيب أن يكسب قلوب مرضاه ويحببهم إلى نفسه .
23 . عدم الإكثار من المزاح مع المرضى :
رغم أهمية المزاح وحاجة المرضى إليه الترويح عن أنفسهم فإنه لا ينبغي للطبيب أن يكثر منه ،والاعتدال والتوسط فيه هو الخير فلا إفراط ولا تفريط ، قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - : " من كثر ضحكه قلت هيبته ، ومن مزح استخف به ، ومن أكثر من شيء عرف به ،ومن كثر كلامه كثر سقطه ،ومن كثر سقطه قل حياؤه ، ومن قل حياؤه قل ورعه ، ومن قل ورعه مات قلبه "
فعلى الطبيب أن يعتدل في هذا الأمر وأن يبتعد عن البذيء من القول والفاحش من الكلام ليكسب قلوب مرضاه ويحوز على ثقتهم .
24 . لا يجوز للطبيب إجراء تجارب علمية على المريض إلا بشروط :
لا يجوز للطبيب إجراء أي بحث علمي فيه مخالفة شرعية ، فلا يجوز مثلا تجريع الخمرة لإنسان بقصد معرفة أضرارها ،لأن الخمر محرمة بنصوص قطعية وتحريمها من المعلوم من الدين بالضرورة، كذلك لا يجوز إجراء التجربة إلا بعد الحصول على موافقة المريض الشخصية ،ولا يجوز استغلال حاجة المريض المادية كالفقراء أو استغلال الوضع الاجتماعي للمريض كالمسجون أو المجنون ،كما يجب عليه أن يعرّف المريض بمراحل البحث وطبيعة التجارب والأخطار المتوقعة دون تدليس أو خداع .
25 . المحافظة على العلاقات الطيبة مع إخوانه الأطباء :
من منطلق قوله تعالى { إنما المؤمنون إخوة } فإن الطبيب أخ لكل طبيب وزميل له في هذه الرسالة الإنسانية المباركة ،فينبغي أن يسود بينهم الحب والتعاون على البر والتقوى مصداقا لقوله تعالى { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } فيجب على الطبيب أن يعامل زملاءه كما يحب أن يعاملوه امتثالا لقوله – صلى الله عليه وسلم - : " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " .
26 . ترك التحاسد والتباغض فيما بين الأطباء :
الطبيب أخو الطبيب يوقر حضرته ويحفظ غيبته ، ويتجنب إساءته ويقدم له العون والنصح والمشورة كلما دعت الحاجة ،ولا يأكل لحمه،ولا يكيد له ولا يحقد عليه، ولا يتبع عورته،فقد صح عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال :" لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته " ،كما قال – صلى الله عليه وسلم - : " لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً " .
27 . استشارة إخوانه الأطباء في الحالات التي تستدعي ذلك :
ينبغي على الطبيب ألا يتوانى عن استشارة إخوانه الأطباء إن حيره أمر ما ، أو داخله شك معين في طلب المشورة تحقيقاً لمصلحة المريض،كما يجب عليه أن يقدم مشورته بصدق وأمانة ودون تردد إذا ما طلب منه ذلك مصداقاً لقوله – صلى الله عليه وسلم - : " الدين النصيحة " وقوله – صلى الله عليه وسلم - : " المستشار مؤتمن " .
28 . عدم انتقاد الأطباء الآخرين أمام المرضى :
لا يجوز للطبيب أن يكثر الحديث عن نفسه فيذكر محاسن عمله ودقة إنجازاته وأعماله ، وبالمقابل ينتقص من إخوانه الأطباء دون مقتضى شرعي،حتى يجتذب المرضى الذين يعالجون لدى زميله ، أو على أقل تقدير يصرفهم عنه بظلم وعدوان ،فالنفوس البشرية لا تميل إلى الذي يصرف وقته في ذكر منجزاته،خاصة إذا كان عمله الحقيقي لا يدلل عليه ، وقال زهير بن أبي سلمى :
ومهما تكن عند امرئ من خليقة
وإن خالها تخفى على الناس تعلم
هذا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ،،
كتبه: سعود الزمانان
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الأخ الفاضل سعود الزمانان
عدد القراء : 1567
تاريخ الموضوع: 05 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(21/2)
«السَّفر بين العلم والشِّعر وللفضل قول» للشيخ صالح اللحيدان
الشيخ صالح اللحيدان
تخففاً من نظر مطولات الأسفار وتأصيل العلوم والانكباب على الركب للحاق بالركب، وتحديق العينين لقنص غنيمة أو غنيمتين، والانحناء لإبصار كبار علماء الأمصار عبر القرون الطوال، وتقليل المذاق لتنبيه الفهاق، أقول تخففاً من العميق من نظر خطاب الموهوبين خلال القرون الثلاثة المفضلة أحببت هنا جلب شعر تذوقته بحكم تذوقي الخاص وبحكم كوني شاعراً مُقلاًّ أجلبه من بين ثنايا ما كتبه التاريخ عن الشاعر إسماعيل بن القاسم بن سويد بن كيسان المعروف بأبي العتاهية، وليس ما أدونه هنا ترجمة له أو شرح لشعره إنما ذلك في صيد قيدته بين حين وحين لأكتبه فيما بعد،
وها هي مناسبة جيدة أن يشترك معي آخرون عبر صحيفة مقروءة طُراً على طُر وقيدي لبعض شعره ليس إلا من صيد المختلف من هنا وهناك ما بين سمينٍ وسط، وشارد، وناد، وفاد، وهاد، وقاد.
واللوم عند عدم حسن الاختيار الذي قد يكون إنما مصبُّه على العجلة (مني) في حب: القيد خشية تململ الصيد من القيد فلعله يهيم ودونه إذا شرد فصول البيد والغيد أجلب من شعره ما أجلب وخلا المطمئن ذم وها أنذا أبدأ ولعلي ممن يقيدون الجبال يقول: أبو العتاهية:
إذا كنت متخذاً خليلاً فتنق وانتقد الخليلا
من لم يكن لك منصفاً في الود فابغ به بديلاً
ولربما سئل البخي لُ الشيء لا يسوى فتيلا
فيقول لا أجد السَّبي ل إليه يكون أن ينيلا
فلذاك لا جعل الإله له إلى خيرٍ سبيلا
فاضرب بطرفك حيث شئ ت فلن ترى إلا بخيلا
وقال أيضاً:
إذا المرء لم يعتق من المال نفسه تملَّكه المال الذي هو مالكه
ألا إنما مالي الذي أنا منفقٌ وليس لي المال الذي أنا تاركه
إذا كنت ذا مال فبادر به الذي يحق وإلا استهلكته مهالكه
وقال:
كبرنا أيها الأتراب حتى كأنا لم نكن حيناً شبابا
وكنا كالغصون إذا تثنَّت من الريحان مونقة رطابا
إلى كم طول صبوتنا بدارٍ رأيت لها اغتصاباً واستلابا
إلا ما للكهول وللتصابي إذا ما اغتر مكتهلٌ تصابى
فزعت إلى خضاب الشيب منه وان نصوله فضح الخضابا
مضى عني الشباب بغير ودِّي فعند الله أحتسب الشبابا
وما من غاية إلا المزايا لمن خلقت شبيبته وشابا
وما منك الشباب ولست منه إذا سألتك لحيتك الخضابا
ويقول كذلك:
ما للجديدين لا يبلى اختلافهما وكل غضٍّ جديد فيهما بالي يا من سلا عن حبيب بعد ميتته كم بعد موتك أيضا عنك من سالي كأن كل نعيم أنت ذائقه من لذة العيش يحكي لمعة الآل لا تلعبن بك الدنيا وأنت ترى ما شئت من عِبر فيها وأمثال ما حيلة الموت إلا كل صالحة أو لا فما حيلة فيه لمحتال
وأجاد هنا فهو يقول:
ولسنا على حلو القضاء ومرّه نرى حكماً فينا، من الله أعدلا
بلا خلقه بالخير والشر فتنة ليرغب فيما في يديه ويسألا
ولم يبغ إلا أن يبوء بفضله علينا، وإلا أن نتوب فيقبلا
هو الأحد القيوم من بعد خلقه وما زال في ديمومة الملك أولا
وماخلق الإنسان إلا لغاية ولم يترك الإنسان في الأرض مهملا
كفى عبرة أني وأنك يا أخي نصرف تصريفاً لطيفاً ونبتلى
توهمت قوماً قد خلوا فكأنهم بأجمعهم كانوا خيالاً تخيلا
لقد كان أقوام من الناس قبلنا يعافون من هن الحلال المحللا
أبى المرء إلا أن يطول إغتراره وتأبى به الحالات إلا تنقلا
إذا أمَّل الإنسان أمراً فناله فما يبتغي فوق الذي كان أمّلا
وكم ذليل عزَّ من بعد مذلة وكم من رفيع صار في الأرض أسفلا
وكم من عظيم الشأن في قعر حفرةٍ تلحف فيها بالثرى وتسربلا
إذا اصطحب الأقوام كان أذلهم لأصحابه نفساً أبرَّ وأفضلا
وما الفضل في أن يؤثر المرءُ نفسه ولكن فضل المرء أن يتفضلا.
وقال وهو من سديد الحكم الخفيفة:
لن تصلح الناس وأنت فاسدٌ هيهات ما أبعد ما تكابد
لكل ما يؤذي وان قلَّ ألم ما أطول الليل على من لم ينم
يغنيك عن قول القبيح تركه قد يوهن الرأي الأصيل شكه
المكر والخب أداة الغادر والكذب المحض سلاح الفاجر
وسدد وجدد وقدد وعدد إذ قال:
أذل الحرص والطمع الرقابا وقد يعفو الكريم إذا استرابا إذا اتضح الصواب فلا تدعه فإنك قلَّما ذقت الصوابا وان لكل تلخيص لوجهاً وان لكل مسألة جوابا وإن لكل حادثة لوقتاً وإن لكل ذي عمل حسابا وإن لكل مطلع لحدَّاً وان لكل ذي أجل كتابا
ونجح هنا إذ عصر مكنون التجربة بوابل صيِّب طيِّب إذ يقول:
من سالم الناس سلم من شاتم الناس شُتم من ظلم الناس أسا من رحم الناس رحم من طلب الفضل إلى غير ذوي الفضل حُرم من صدق الله علا من طلب العلم علم من خالف الرشد غوى من تبع الغي ندم من لزم الصمت نجا من قال بالخير غنم من عقَّ واكتفَّ زكا من جحد لحق أثم
وقال وهو مما جرى على الألسنة:
أما والله إن الظلم لؤم وما زال المسيءُ هو الظَّلوم إلى ديّان يوم الدين نمضي وعند الله تجتمع الخصوم
وتسيد إذ شدا قال:
لكل شيء معدن وجوهر وأوسط وأصغر وأكبر وكل شيء لاحق بجوهره أصغره متصل بأكبره الخير والشر بها أزواج لذا نتاج ولذا نتاج
وقال:
ولقد مضى القرن الذين عهدتهم لسبيلهم ولتلحقن بمن مضى ولقل ما تبقى فكن متوقعاً ولقلما يصفو سرورك إن صفا وهي السبيل فخذ لنفسك عدة فكأن يومك عن قليل قد أتى إن الغنى لهو القنوع بعينه ما أبعد الطبع الحريص من الغنى لا تشغلنَّك لو وليت عن الذي أصبحت فيه لا لعلَّ ولا عسى خالف هواك إذا دعاك لريبة فلربَّ خير في مخالفة الهوى علم المحجة بيِّنٌ لمريده ورأي القلوب عن المحجة في عمى
هذا بعض ما قاله أبو العتاهية وقد اخترت من حفظي له على حال سفر ما بين المدينة والطائف من شهر 3/1422ه من يوم 27 منه ما بين العصر حتى قبيل أذان المغرب فكنت أصيد وأمسك ولم أكن بحمد الله مثل خراش ما يدري ما يصيد رحمه الله بل كنت أتفرد بالصيد من هنا وهناك انتقاءً وكلها ذات طمع ولمع وليست ذات همع وقمع جميلة سمينة كحيلة مهيبة.
وكم قد أجاد د. هاشم بن صالح بن مناع في كتيب له عن أبي العتاهية لكنه قصر هداه مولاه عن جلب الفريد العتيد العنيد وان كان أتى بصيد وفير نثير.
قال ابن لحيدان: وان السفر ليسفر عن القرائح بالروائح ذات الفوائح، وكم قد طاب لي حسن استقبال الأمير «مقرن» وسلامه على الأنجال الصغار بكل تودد ومضاحكة، ودخوله في مناقشة علمية ونفسية حتى لكأن مكتبه أصبح قاعة علمية جادة مجدة سادة قادة، وكان برفقتي سكرتير جيد لبق كريم هو: الأستاذ محمود الأشقر من مجموعة طيبة هادئة حسنة الصمت خاصة بعد إدراكهم رغبتي التامة لطول الصمت على كل حال.
وإذ أذكر هذا فلكأني بالأمير سلمان المسدد الذي ينزل الرجال منازلهم ويدرك أمورهم بعقل حاكم جليل وفي ذو بسط وعدل وتفقد حر كريم قريب قريب.
ولست أذكر أنني زرته إلا احتفى بصدق وجد، وما إن أجلس حتى أكون أنا المستفيد من هنا وهناك من قول وحكمة وتنبيه، فأدع السوارح للتاريخ تسجل عنه عدله وحكمته ووعده الحر الجليل.
ألا فسدد الله خطوات الناهضين الحريصين البررة، أعزَّهم الله بطاعته ورفعهم بتقواه، وجعلهم بشريعته هداة مهتدين.
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ صالح اللحيدان
عدد القراء : 1410
تاريخ الموضوع: 23 - إبريل - 2003 ميلادية
(22/1)
هل يجوز لعن يزيد بن معاوية ؟ للأخ الفاضل سعود الزمانان
الأخ الفاضل سعود الزمانان
هل يجوز لعن يزيد بن معاوية ؟
الحقيقة أنني ترددت كثيراً في هذا البحث وذلك لسببين ، أولهما أن الأمر يحتاج إلى نفس عميق وبحث متأن حتى لا تزل القدم بعد ثبوتها ، والسبب الآخر أن هذه المسألة قد وقع فيها التخبط الكثير من الناس ، وأحياناً من الخواص فضلاً عن العوام ، فاستعنت بالله على خوض غمار هذه المسألة ونسأل الله الهداية والرشاد
وقد صنفت المصنفات في لعن يزيد بن معاوية والتبريء منه ، فقد صنف القاضي أبو يعلى كتاباً بيّن فيه من يستحق اللعن وذكر منهم يزيد بن معاوية ، وألف ابن الجوزي كتاباً سمّاه " الرد على المتعصب العنيد المانع من ذم يزيد " ، وقد اتهم الذهبي - رحمه الله- يزيد بن معاوية فقال : " كان ناصبياً، فظاً ، غليظاً ، جلفاً ، يتناول المسكر ويفعل المنكر "(1)[1] ، وكذلك الحال بالنسبة لابن كثير - رحمه الله - حينما قال : " وقد كان يزيد فيه خصال محمودة من الكرم ، والحلم ، والفصاحة ، والشعر ، والشجاعة ، وحسن الرأي في الملك ، وكان ذا جمال وحسن معاشرة ، وكان فيه أيضاً إقبال على الشهوات ، وترك الصلوات في بعض أوقاتها ، وإماتتها في غالب الأوقات "(2)[2]
قلت : الذي يجوز لعن يزيد وأمثاله ، يحتاج إلى شيئين يثبت بهما أنه كان من الفاسقين الظالمين الذين تباح لعنتهم ، وأنه مات مصرّاً على ذلك ، والثاني : أن لعنة المعيّن من هؤلاء جائزة .
وسوف نورد فيما يلي أهم الشبهات التي تعلق بها من استدل على لعن يزيد والرد عليها :
أولا: استدلوا بجواز لعن يزيد على أنه ظالم ، فباعتباره داخلاً في قوله تعالى { ألا لعنة الله على الظالمين }
الرد على هذه الشبهة :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : " هذه آية عامة كآيات الوعيد ، بمنزلة قوله تعالى { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً }وهذا يقتضي أن هذا الذنب سبب للعن والعذاب ، لكن قد يرتفع موجبه لمعارض راجح ، إما توبة ، وإما حسنات ماحية ، وإما مصائب مكفّرة ، وإما شفاعة شفيع مطاع ، ومنها رحمة أرحم الراحمين "(3)[3]ا.هـ .
فمن أين يعلم أن يزيد لم يتب من هذا ولم يستغفر الله منه ؟ أو لم تكن له حسنات ماحية للسيئات ؟ أو لم يبتلى بمصائب وبلاء من الدنيا تكفر عنه ؟ وأن الله لا يغفر له ذلك مع قوله تعالى { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " إن لعن الموصوف لا يستلزم إصابة كل واحد من أفراده إلا إذا وجدت الشروط ، وارتفعت الموانع ، وليس الأمر كذلك "(4)[4]
ثانياً : استدلوا بلعنه بأنه كان سبباً في قتل الحسين - رضي الله عنه - :
الرد على هذه الشبهة:
الصواب أنه لم يكن ليزيد بن معاوية يد في قتل الحسين - رضي الله عنه - ، وهذا ليس دفاعاً عن شخص يزيد لكنه قول الحقيقة ، فقد أرسل يزيد عبيد الله بن زياد ليمنع وصول الحسين إلى الكوفة ، ولم يأمر بقتله ، بل الحسين نَفْسُه كان حسن الظن بيزيد حتى قال دعوني أذهب إلى يزيد فأضع يدي في يده . قال ابن الصلاح - رحمه الله - : " لم يصح عندنا أنه أمر بقتله - أي الحسين رضي الله عنه - ، والمحفوظ أن الآمر بقتاله المفضي إلى قتله - كرمه الله - إنما هو عبيد الله بن زياد والي العراق إذ ذاك "(5)[5]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : " إن يزيد بن معاوية لم يأمر بقتل الحسين باتفاق أهل النقل ولكن كتب إلى ابن زياد أن يمنعه عن ولاية العراق ، ولما بلغ يزيد قتل الحسين أظهر التوجع على ذلك وظهر البكاء في داره ، ولم يَسْبِ لهم حريماً بل أكرم أهل بيته وأجازهم حتى ردّهم إلى بلادهم ، أما الروايات التي في كتب الشيعة أنه أُهين نساء آل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنهن أُخذن إلى الشام مَسبيَّات ، وأُهِنّ هناك هذا كله كلام باطل ، بل كان بنو أمية يعظِّمون بني هاشم ، ولذلك لماّ تزوج الحجاج بن يوسف فاطمة بنت عبد الله بن جعفر لم يقبل عبد الملك بن مروان هذا الأمر ، وأمر الحجاج أن يعتزلها وأن يطلقها ، فهم كانوا يعظّمون بني هاشم ، بل لم تُسْبَ هاشميّة قط " ا.هـ .(6)[6]
قال ابن كثير - رحمه الله - : " وليس كل ذلك الجيش كان راضياً بما وقع من قتله - أي قتل الحسين - بل ولا يزيد بن معاوية رضي بذلك والله أعلم ولا كرهه ، والذي يكاد يغلب على الظن أن يزيد لو قدر عليه قبل أن يقتل لعفا عنه ، كما أوصاه أبوه ، وكما صرح هو به مخبراً عن نفسه بذلك ، وقد لعن ابن زياد على فعله ذلك وشتمه فيما يظهر ويبدو "ا.هـ.(7)[7]
وقال الغزالي - رحمه الله - : " فإن قيل هل يجوز لعن يزيد لأنه قاتل الحسين أو آمر به ؟ قلنا : هذا لم يثبت أصلاً فلا يجوز أن يقال إنه قتله أو أمر به ما لم يثبت ، فضلاً عن اللعنة ، لأنه لا تجوز نسبة مسلم إلى كبيرة من غير تحقيق " (8)[8]
قلت : ولو سلّمنا أنه قتل الحسين ، أو أمر بقتله وأنه سُرَّ بقتله ، فإن هذا الفعل لم يكن باستحلال منه ، لكن بتأويل باطل ، وذلك فسق لا محالة وليس كفراً ، فكيف إذا لم يثبت أنه قتل الحسين ولم يثبت سروره بقتله من وجه صحيح ، بل حُكِي عنه خلاف ذلك .
قال الغزالي : "فإن قيل : فهل يجوز أن يقال : قاتل الحسين لعنه الله ؟ أو الآمر بقتله لعنه الله ؟ قلنا : الصواب أن يقال : قاتل الحسين إن مات قبل التوبة لعنه الله ، لأنه يحتمل أن يموت بعد التوبة ، لأن وحشياً قتل حمزة عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتله وهو كافر ، ثم تاب عن الكفر والقتل جميعاً ولا يجوز أن يلعن ، والقتل كبيرة ولا تنتهي به إلى رتبة الكفر ، فإذا لم يقيد بالتوبة وأطلق كان فيه خطر ، وليس في السكوت خطر ، فهو أولى "(9)[9]
ثالثا : استدلوا بلعنه بما صنعه جيش يزيد بأهل المدينة ، وأنه أباح المدينة ثلاثاً حيث استدلوا بحديث " من أخاف أهل المدينة ظلماً أخافه الله ، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله من صرفاً ولا عدلاً "
الرد على هذه الشبهة :
إن الذين خرجوا على يزيد بن معاوية من أهل المدينة كانوا قد بايعوه بالخلافة ، وقد حذّر النبي - صلى الله عليه وسلم - من أن يبايع الرجل الرجل ثم يخالف إليه ويقاتله ، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع ،فإن جاء أحد ينازعه فاضربوا رقبة الآخر "(10)[10] ، وإن الخروج على الإمام لا يأتي بخير ، فقد جاءت الأحاديث الصحيحة التي تحذّر من الإقدام على مثل هذه الأمور ، لذلك قال الفضيل بن عياض- رحمه الله - : " لو أنّ لي دعوة مستجابة ما جعلتها إلا في إمام ، فصلاح الإمام صلاح البلاد والعباد " (11)[11] ، وهذا الذي استقرت عليه عقيدة أهل السنة والجماعة ، ومعركة الحرة تعتبر فتنة عظيمة ، والفتنة يكون فيها من الشبهات ما يلبس الحق بالباطل ، حتى لا يتميز لكثير من الناس ، ويكون فيها من الأهواء والشهوات ما يمنع قصد الحق وإرادته ،ويكون فيها ظهور قوة الشر ما يضعف القدرة على الخير ، فالفتنة كما قال شيخ الإسلام : " إنما يعرف ما فيها من الشر إذا أدبرت فأما إذا أقبلت فإنها تُزين ، ويُظن أن فيها خيراً "(12)[12] .
وسبب خروج أهل المدينة على يزيد ما يلي :
- غلبة الظن بأن بالخروج تحصل المصلحة المطلوبة ، وترجع الشورى إلى حياة المسلمين ، ويتولى المسلمين أفضلهم .
- عدم علم البعض منهم بالنصوص النبوية الخاصة بالنهي عن الخروج على الأئمة .
قال القاضي عياض بشأن خروج الحسين وأهل الحرة وابن الأشعث وغيرهم من السلف : " على أن الخلاف وهو جواز الخروج أو عدمه كان أولاً ، ثم حصل الإجماع على منع الخروج عليهم والله أعلم "(13)[13] ، ومن المعلوم أن أهل الحرّة متأولون ، والمتأول المخطئ مغفور له بالكتاب والسنة ، لأنهم لا يريدون إلا الخير لأمتهم ، فقد قال العلماء : " إنه لم تكن خارجة خير من أصحاب الجماجم والحرّة "(14)[14] ، وأهل الحرة ليسوا أفضل من علي وعائشة و طلحة و الزبير وغيرهم ، ومع هذا لم يحمدوا ما فعلوه من القتال ، وهم أعظم قدراً عند الله ، وأحسن نية من غيرهم(15)[15].
…فخروج أهل الحرة كان بتأويل ، ويزيد إنما يقاتلهم لأنه يرى أنه الإمام ، وأن من أراد أن يفرق جمع المسلمين فواجب مقاتلته وقتله ، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح(16)[16].وكان علي - رضي الله عنه - يقول : " لو أن رجلاً ممّن بايع أبا بكر خلعه لقاتلناه ، ولو أن رجلاً ممّن بايع عمر خلعه لقاتلناه "(17)[17]
…أما إباحة المدينة ثلاثاً لجند يزيد يعبثون بها يقتلون الرجال ويسبون الذرية وينتهكون الأعراض ، فهذه كلها أكاذيب وروايات لا تصح ، فلا يوجد في كتب السنة أو في تلك الكتب التي أُلِّفت في الفتن خاصّة ، كالفتن لنعيم بن حمّاد أو الفتن لأبي عمرو الداني أي إشارة لوقوع شيء من انتهاك الأعراض ، وكذلك لا يوجد في أهم المصدرين التاريخيين المهمين عن تلك الفترة ( الطبري والبلاذري ) أي إشارة لوقوع شيء من ذلك ، وحتى تاريخ خليفة على دقته واختصاره لم يذكر شيئاً بهذه الصدد ، وكذلك إن أهم كتاب للطبقات وهو طبقات ابن سعد لم يشر إلى شيء من ذلك في طبقاته .
نعم قد ثبت أن يزيد قاتل أهل المدينة ، فقد سأل مهنّا بن يحيى الشامي الإمام أحمد عن يزيد فقال : " هو فعل بالمدينة ما فعل قلت : وما فعل ؟ قال : قتل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفعل . قلت : وما فعل ؟ قال : نهبها " وإسنادها صحيح(18)[18] ، أما القول بأنه استباحها فإنه يحتاج إلى إثبات ، وإلا فالأمر مجرد دعوى ، لذلك ذهب بعض الباحثين المعاصرين إلى إنكار ذلك ، من أمثال الدكتور نبيه عاقل ، والدكتور العرينان ، والدكتور العقيلي (19)[19]. قال الدكتور حمد العرينان بشأن إيراد الطبري لهذه الرواية في تاريخه " ذكر أسماء الرواة متخلياً عن مسئولية ما رواه ، محملاً إيانا مسئولية إصدار الحكم ، يقول الطبري في مقدمة تاريخه(20)[20] : " فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه أو يستشنعه سامعه ، من أجل أنه لم يعرف له وجهاً من الصحة ولا معنى في الحقيقة ، فليعلم أنه لم يؤت من قبلنا وإنما أُتي من بعض ناقليه إلينا(21)[21] "ا.هـ.(23/1)
…قلت : ولا يصح في إباحة المدينة شيء ، وسوف نورد فيما يلي هذه الروايات التي حصرها الدكتور عبد العزيز نور - جزاه الله خيراً - في كتابه المفيد " أثر التشيع على الروايات التاريخية في القرن الأول الهجري - والتي نقلها من كتب التاريخ المعتمدة التي عنيت بهذه الوقعة(1)[22] :
…نقل ابن سعد خبر الحرة عن الواقدي(2)[23] . ونقل البلاذري عن هشام الكلبي عن أبي مخنف نصاً واحداً (3)[24]، وعن الواقدي ثلاثة نصوص (4)[25]. ونقل الطبري عن هشام الكلبي أربعة عشر مرة (5)[26]، وهشام الكلبي الشيعي ينقل أحياناً من مصدر شيعي آخر وهو أبو مخنف حيث نقل عنه في خمسة مواضع(6)[27] .ونقل الطبري عن أبي مخنف مباشرة مرة واحدة (7)[28]. وعن الواقدي مرتين (8)[29]. واعتمد أبو العرب على الواقدي فقط ، فقد نقل عنه أربعاً وعشرين مرة(9)[30] .ونقل الذهبي نصين عن الواقدي(10)[31] . وذكرها البيهقي من طريق عبد الله بن جعفر عن يعقوب بن سفيان الفسوي(11)[32] . وأول من أشار إلى انتهاك الأعراض هو المدائني المتوفى سنة 225هـ (12)[33] ويعتبر ابن الجوزي أول من أورد هذا الخبر في تاريخه(13)[34] .
قلت : ممّا سبق بيانه يتضح أن الاعتماد في نقل هذه الروايات تكمن في الواقدي ، وهشام الكلبي ، وأبي مخنف ، بالإضافة إلى رواية البيهقي التي من طريق عبد الله بن جعفر .
…أما الروايات التي جاءت من طريق الواقدي فهي تالفة ، فالواقدي قال عنه ابن معين : " ليس بشيء " (14)[35]. وقال البخاري : " سكتوا عنه ، تركه أحمد وابن نمير "(15)[36] . وقال أبو حاتم و النسائي : " متروك الحديث " (16)[37].وقال أبو زرعة : " ضعيف "(17)[38].
…أما الروايات التي من طريق أبي مخنف ، فقد قال عنه ابن معين : " ليس بثقة " ، وقال أبو حاتم : " متروك الحديث "(18)[39]. وقال النسائي : " إخباري ضعيف "(19)[40] . وقال ابن عدي : " حدث بأخبار من تقدم من السلف الصالحين ، ولا يبعد أن يتناولهم ، وهو شيعي محترق ، صاحب أخبارهم ، وإنما وصفته لأستغني عن ذكر حديثه ، فإني لا أعلم له منة الأحاديث المسندة ما أذكره ، وإنما له من الأخبار المكروهة الذي لا أستحب ذكره " (20)[41]. وأورده الذهبي في " ديوان الضعفاء " و " المغني في الضعفاء " (21)[42]. وقال الحافظ : " إخباري تالف "(22)[43] .
مناقشة الروايات التي جاء فيها هتك الأعراض :…
أما الروايات التي جاء فيها هتك الأعراض ، وهي التي أخرجها ابن الجوزي من طريق المدائني عن أبي قرة عن هشام بن حسّان : ولدت ألف امرأة بعد الحرة من غير زوج ، والرواية الأخرى التي أخرجها البيهقي في دلائل النبوة من طريق يعقوب بن سفيان : قال : حدثنا يوسف بن موسى حدثنا جرير عن المغيرة قال : أنهب مسرف بن عقبة المدينة ثلاثة أيام . فزعم المغيرة أنه افتض ألف عذراء ، فالروايتان لا تصحان للعلل التالية:
…- أما رواية المدائني فقد قال الشيباني : " ذكر ابن الجوزي حين نقل الخبر أنه نقله من كتاب الحرّة للمدائني(23)[44] ، وهنا يبرز سؤال ملح : وهو لماذا الطبري والبلاذري ، وخليفة وابن سعد وغيرهم ، لم يوردوا هذا الخبر في كتبهم ، وهم قد نقلوا عن المدائني في كثير من المواضع من تآليفهم ؟ قد يكون هذا الخبر أُقحم في تآليف المدائني ، وخاصة أن كتب المدائني منتشرة في بلاد العراق ، وفيها نسبة لا يستهان بها من الرافضة ، وقد كانت لهم دول سيطرت على بلاد العراق ، وبلاد الشام ، ومصر في آن واحد ، وذلك في القرن الرابع الهجري ، أي قبل ولادة ابن الجوزي رحمه الله ، ثم إن كتب المدائني ينقل منها وجادة بدون إسناد " ا.هـ. (24)[45]
…- في إسناد البيهقي عبد الله بن جعفر ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال ( 2/400) وقال : " قال الخطيب سمعت اللالكائي ذكره وضعفه . وسألت البرقاني عنه فقال : ضعّفوه لأنه روى التاريخ عن يعقوب أنكروا ذلك ، وقالوا : إنما حديث يعقوب بالكتاب قديماً فمتى سمع منه؟ "ا.هـ.
- راوي الخبر هو : المغيرة بن مقسم ، من الطبقة التي عاصرت صغار التابعين ،ولم يكتب لهم سماع من الصحابة ، وتوفي سنة 136هـ ، فهو لم يشهد الحادثة فروايته للخبر مرسلة .
- كذلك المغيرة بن مقسم مدلس ، ذكره ابن حجر في الطبقة الثالثة من المدلسين الذين لا يحتج بهم إلا إذا صرحوا بالسماع .
- الراوي عن المغيرة هو عبد الحميد بن قرط ، اختلط قبل موته ، ولا نعلم متى نقل الخبر هل هو قبل الاختلاط أم بعد الاختلاط(25)[46] ، فالدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال .
- الرواية السالفة روِيَت بصيغة التضعيف ، والتشكيك بمدى مصداقيتها : " زعم المغيرة - راوي الخبر - أنه افتض فيها ألف عذراء .
- أمّا الرواية الأخرى التي جاء فيها وقوع الاغتصاب ، هي ما ذكرها ابن الجوزي أن محمد بن ناصر ساق بإسناده عن المدائني عن أبي عبد الرحمن القرشي عن خالد الكندي عن عمّته أم الهيثم بنت يزيد قالت : " رأيت امرأة من قريش تطوف ، فعرض لها أسود فعانقته وقبّلته ، فقلت : يا أمة الله أتفعلين بهذا الأسود ؟ فقالت : هو ابني وقع عليّ أبوه يوم الحرة (26)[47]" ا.هـ.
- خالد الكندي وعمّته لم أعثر لهما على ترجمة .
- أمّا الرواية التي ذكرها ابن حجر في الإصابة (27)[48]أن الزبير بن بكار قال : حدثني عمّي قال : كان ابن مطيع من رجال قريش شجاعة ونجدة ، وجلداً فلما انهزم أهل الحرة وقتل ابن حنظلة وفرّ ابن مطيع ونجا ، توارى في بيت امرأة ، فلما هجم أهل الشام على المدينة في بيوتهم ونهبوهم ، دخل رجل من أهل الشام دار المرأة التي توارى فيه ابن مطيع ، فرأى المرأة فأعجبته فواثبها ، فامتنعت منه ، فصرعها ، فاطلع ابن مطيع على ذلك فخلّصها منه وقتله "
- وهذه الرواية منقطعة ، فرواوي القصة هو مصعب الزبيري المتوفى سنة 236هـ ، والحرة كانت في سنة 63هـ ، فيكون بينه وبين الحرة زمن طويل ومفاوز بعيدة .
قلت :فلم نجد لهم رواية ثابتة جاءت من طريق صحيح لإثبات إباحة المدينة ،بالرغم من أنّ شيخ الإسلام ابن تيمية (28)[49] ، والحافظ ابن حجر(29)[50] - رحمهما الله - قد أقراّ بوقوع الاغتصاب ، ومع ذلك لم يوردا مصادرهم التي استقيا منها معلوماتهما تلك ، ولا يمكننا التعويل على قول هذين الإمامين دون ذكر الإسناد ، فمن أراد أن يحتج بأي خبر كان فلا بد من ذكر إسناده ، وهو ما أكده شيخ الإسلام ابن تيميّه حينما قال في المنهاج : " لا بد من ذكر ( الإسناد ) أولاً ، فلو أراد إنسان أن يحتج بنقل لا يعرف إسناده في جُرْزَةِ (30)[51]بقل لم يقبل منه ، فكيف يحتج به في مسائل الأصول
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الأخ الفاضل سعود الزمانان
عدد القراء : 6469
تاريخ الموضوع: 18 - مارس - 2003 ميلادية(23/2)
خصائص النبي صلى الله عليه وآله وسلم للدكتور أسامة الكندري
الدكتور أسامة الكندري
من أعجب خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أوتي جوامع الكلم ومعنى جوامع الكلم الكلمات القليلة ذات المعاني الكثيرة العظيمة.
وهي نوعان :
1. القرآن الكريم: وهو كلام الله تعالى المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم المتعبد بتلاوته.
2. كلامه - صلى الله عليه وسلم - و كلامه هو أحد أقسام السنة ، وهو المقصود في قوله تعالى (و أنزل الله عليك الكتاب والحكمة ) و قوله تعالى (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة ) فالحكمة هي كلامه - صلى الله عليه و سلم - ، فكل كلامه - عليه الصلاة والسلام - حكمة ، وهذا هو العجيب في صفاته - صلى الله عليه وسلم - فالمعروف لدى الجميع أن الحكمة تتولد نتيجة ذهن ذكي صاف، وتفكر عميق، وعمر يخوضه الإنسان تعركه الحياة، فيتولد نتيجة ذلك كله أن يكون الإنسان حكيماً في تصرفاته وأفعاله وأقواله ، ولا يعني ذلك في كل ما ذكرت بل غالب حياته، وهذا لدى من توفرت فيه الصفات السابقة ، فكيف ببقية الخلق الذين يعيشون عمراً طويلاً ولا ينطقون بجملة حكيمة واحدة ، أو مَثَلٍ تسترشد منه البشرية ، وإذا ما صدر منهم فهو مثل معروف أو كلمة مأثورة قيلت على لسان من قبله .
أما النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - فالعجيب من صفاته أن كل كلامه حكمة وكل تصرفاته عين الصواب، ولذا كان قوله وفعله وتقريره من الشرع الذي يؤمر المسلمون باتباعه، والذي يصطلح عليه باسم السنة التي هي قرين القرآن الكريم فيقول - صلى الله عليه وسلم - : " تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي : كتاب الله وسنتي ".
هذا الأمر لو تفكرنا فيه لوجدنا أمراً في غاية العجب: كيف يعيش إنسان وكل جملة أو كلمة يقولها حكمة ؟ فكون الإنسان يعيش ولا ينطق بسفه أو يخوض في سفاسف الأمور أو يسلك سبيل الشتم والفحش في القول فهو أمر معقول، أما أن يوجد إنسان لا يتكلم بشيء مما سبق ولا باللغو من الكلام كالمزاح المباح وكلام المجاملات وأن يتكلم بالمباح من الكلام مما لا إثم فيه ولكنه لغو لا خير فيه فهذا هو العجيب ، وهذا الأمر العجيب هو الذي كان من شأن النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو كما قال الله تعالى : ( وما ينطق عن الهوى ) وهو كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعبدالله بن عمرو بن العاص : " اكتب فوالذي نفسي بيده لا يخرج من هذا - وأشار إلى فيه - إلا الحق " وذلك عندما لام الصحابة عبدالله بن عمرو بن العاص على كتابته الحديث في كل أحواله - صلى الله عليه وسلم - وأن النبي بشر فقد يقول في غضبه ما لا يُرضى من القول ، فوجهه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنه لا يقول إلا الحق في كل أحواله .
ولقد ظن في السابق بعض المغرضين ومن لا علم له أن هذا أمر مستحيل في حقه - صلى الله عليه وسلم - ولذا حاولوا أن يبحثوا في السنة ما يدل على أنه - صلى الله عليه وسلم - قد يتكلم لغوا وقد يقول كلمة لا معنى لها ولا يستفاد منها، فتمسكوا بطرف سراب حينما تشبثوا بحديث ظنوه جهلا أنه لا معنى له ولا يستفاد منه شئ فقالوا : يوجد حديث نثبت فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد يقول لغواً وهو حديث ( يا أبا عمير ما فعل النغير؟) وهو حديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما.
فهل ما قاله هؤلاء حق ؟ وهل الحديث الذي استشهدوا به لا فائدة منه كما زعموا ؟ هذا ما سنعرفه في المقال القادم إن شاء الله تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الدكتور أسامة الكندري
عدد القراء : 1781
تاريخ الموضوع: 20 - ديسيمبر - 2002 ميلادية(24/1)
تحذير الرواة من حديث( من تهاون في الصلاة) للأخ الفاضل عبدالكريم الحربي
الأخ الفاضل عبد الكريم الحربي
وهو : [ من تهاون في الصلاة عاقبه الله بخمسة عشرة عقوبة، ستة منها في الدنيا وثلاثة عند الموت وثلاثة في القبر وثلاثة عند خروجه من القبر أما الستة التي في الدنيا فهي : ينزع الله البركة من عمره ، يمسح الله سيم الصالحين من وجهه ـ……………………إلي ـ ويأمر الله به إلي النار وبئس القرار]
وهذا الحديث باطل كذب على الرسول صلى الله عليه وسلم
يقول الأمام الذهبي ـ رحمه الله ـ في كتابه الميزان 653/3عند ترجمة
محمد بن علي بن العباس البغدادي العطار ": ركب على أبي بكر زياد النيسابوري حديثاً باطلاً في الصلاة.
وقال الحافظ ابن حجرـ رحمه الله ـ في اللسان 334/5عند ترجمة محمد ابن علي العطار
ركب حديثاً باطلا في ترك الصلاة ـ ثم ذكر رحمه الله إسناد الحديث وقال: ظاهر البطلان.
وقد ذكر هذا الحديث ابن عرّاق الكناني في تنزيه الشريعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة2/163
يقول العلامة عبد العزيز ابن باز ـ رحمه الله ـ في مجموع الفتاوي10/277
هذا الحديث مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم لا أساس له من الصحة.
والحمد لله رب العالمين
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الأخ الفاضل عبد الكريم الحربي
عدد القراء : 1498
تاريخ الموضوع: 12 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(25/1)
مذكرات في مصطلح الحديث ج 5 للشيخ عدنان عبد القادر
الشيخ عدنان عبد القادر
أقسامه:
1. المتابعة :
- هو أن يشارك الراوي راوٍ آخر في جزء من السند .
أ. المتابعة التامة :
هو أن يشاركه في أصل السند إلى نهايته .
مثال : ( ان ثلاثة من بني اسرائيل أراد الله أن يبتليهم [ أبرص ، أقرع ، ..] )
- راوه عبدالله بن رجاء ثنا همام عن اسحاق عن ابن ابي عمره عن أبي هريرة مرفوعا .
- تابعه : عمرو بن عاصم ثنا همام به .
- تابعة : شيبان بن فروع ثنا همام به .
- وحديث ( الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا ... ) / حديث أنما الاعمال بالنيات .
ب. المتابعة القاصرة :
هو أن يشاركه في أثناء السند راو آخر .
- ولا يشتركان في شيخهما بل ربما في شيخ شيخيهما .
( الشهر تسع وعشرون ، فلا تصوموا حتى تروا الهلال ، ولا تفطروا حتى تروه .... )
- الشافعي عن مالك عن عبدالله بن دينار عن ابن عمر .
- مَ من طريق عبيدالله بن عمر عن نافع عن ابن عمر .
[ وتابع عبدالله بن دينار نافعاً متابعة تامة لأنهما اشتركا في شيخ واحد ]
[ وتابع مالك عبيدالله ين عمر متابعة قاصرة ، لأنهما لم يشتركا في شيخٍ واحدٍ ]
2. الشاهد :-
- يوجد متن يشبه متن آخر مع اختلاف الصحابي .
- الحديث السابق :
نَ عن محمد بن جبير عن ابن عباس .
قال الحافظ في نخبة المنكر :
- الخبر : إما أن يكون له طرق بلا عدد معين
أو مع حصر بما فوق الاثنين
أو بهما
أو بواحد
* فالأول : المتواتر ، المفيد للعلم اليقين بشروط
والثاني : المشهور ، وهو المستفيض على رأي
والثالث : العزيز ، وليس شرطاً للصحيح . خلافاً لمن زعمه
والرابع : الغريب .
* وكلها - سوى الأول - آحاد ، وفيها المقبول والمردود ، لتوقف الاستدلال بها على البحث عن أحوال رواتها دون الأول ، وقد يقع فيها ما يفيد العلم النظري بالقرائن - على المختار . أ . هـ .
الحسن لغيره :-
- هو الحديث الذي : - يروى بسند به ضعيف قريب يحتمل
- إذا اعتضد بروايته من غير وجه مثله ( في القوة ) أو أعلى منه
- وسلم من الشذوذ والعلة
- وسلم رواته من الاتهام والفحش في الخطأ .
يروى بسند به ضعف قريب يحتمل :
- أي به ضعف يسير ينجبر بمجيئه من طرق أخرى
- قال الحافظ ابن حجر في النزهه ( 41 ) :
[ نحو حديث المستور إذا تعددت طرقه ]
- وقال في النكت على ابن الصلاح ( 1/ 387 ) :
[ يشترك معه الضعيف بسبب سوء الحفظ / والموصوف بالغلط والخطأ / وحديث المختلط بعد اختلاطه / والمدلس إذا عنعن / وما في اسناده انقطاع خفيف ] ا . هـ .
* قوله : انقطاع خفيف :- كالاسال التابعي الكبير ( اشار إلى ذلك الشافعي في الرساله / ابن حجر - النكت ( 2/ 551 ) / العراقي - الالفيه / ابن الصلاح - المقدمه )
ولا يدخل في ذلك :- 1. الاعضال : فهو انقطاع شديد .
2. ولا الانقطاع في موضعين : فهو كالاعضال
قال الحافظ في النكت : ( 2/ 582 ) : [ إذا كان الانقطاع في موضعين أو أكثر ، فانه يساوي المعضل في سوء الحال ] .
3. ولامرسل التابعي الصغير : ( ابن الصلاح في المقدمه / ابن حجر في النكت 558 ) كالزهري مثلا .
إذا اعتضد بروايته من وجه مثله أو أقوى منه :
- أي لا بد أن تكون الطرق الأخرى ضعفها ينجبر ويسير . ( النكت 1 / 387 )
سلم رواته من الاتهام والفحش في الخطأ :
- كأن يقال في حقهم : متروك / ضعيف جداً
- متهم / واهٍ بمره
- أحياناً يقولان فيه ( ضعيف )
- مثال : صالح المري / موسى بن عبيدة .
أمثلة :-
مثال (1) : ( ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة ، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلب غافلٍ لاهي )
- رواه ت من طريق صالح المري [ متروك ] عن هشام بن حسان [ ثقة ثبت ] عن محمد بن سيرين [ ثقة ثبت ] عن ابي هريرة مرفوعا .
- رواه حم ثنا حسن ثنا ابن لهيعه [ صدوق اختلط ] ثنا بكر عن ابي عبدالرحمن عن عبدالله بن عمرو مرفوعا .
فالحديث ضعيف ، إذ في الطريق الأول : ( صالح المري : متروك ) فضعفه شديد .
مثال ( 2 ) : مرسل تابعي صغير :
( كان - صلى الله عليه وسلم - يخرج يوم الفطر ، فيكبر حتى يأتي المصلى ، وحتى يقضي الصلاة ، فإذا قضى الصلاة قطع التكبير )
أ . رواه ابن أبي شيبه ثنا يزيد بن هارون [ ثقة ثبت ] عن ابن ابي ذئب [ ثقة ثبت ] عن الزهري [ ثقة تابعي صغير ] مرسلاً .
ب. رواه هق من طريق عبدالله بن عمر العمري [ فيه ضعف ] عن نافع [ ثقة ثبت ] عن ابن عمر به .
طريق ( ب) ضعفه يسير يحتمل
طريق ( ا ) ارسال تابعي صغير ، لا يصلح للتقوية .
الحسن لغيره :-
- هو الضعيف الذي ينجبر وروي من أكثر من وجه والوجوه تنجبر كذلك
- قال الحافظ ( كنحو حديث المستور إذا تعددت طرقه ) ( نزهة النظر )
النكت ( 1/ 387 ) - ( ويشترك معه الضعيف بسبب سوء الحفظ ، والموصوف بالغلط والخطأ ، وحديث المختلط بعد اختلاطه ، والمدلس إذا عنعن ، وما في اسناده انقطاع خفيف بالشروط الثلاثة : -
1. أن لايكون منهم من يتهم بالكذب
2. ولا يكون الاسناد شاذاً
3. وأن يروى مثل ذلك الحديث أو نحوه من وجه آخر فصاعداً )
شروط الحسن لغيره :-
1. أن يكون كل طريق ( سند ) ضعيف ينجبر .
2. يأتى من أكثر من طريق ينجبر .
3. رواة الاسانيد ليس فيهم راوٍ متهم .
4. خلو الاسانيد من الشذوذ .
5. أن لا تجتمع الاسانيد في العلة .
6. إذا كان الحديث في الأحكام لا بد من توفر شروطٍ أخرى .
مثال ( 1 ) :
طريق فيه عدم الضبط - طريق آخر الجهالة : ( شاهد ) [ من رأى منكم مبتلى فقال : الحمد لله الذي عافاني ....... ]
- رواه ت من طريق عبدالله بن عمر العمري [ ضعيف ضبطاً ] عن سهيل بن أبي صالح [ صدوق ] عن أبيه [ ثقة ] عن أبي هريره مرفوعا .
- رواه أبو نعيم من طريق الوليد بن عتبه [ مجهول الحال ] ثنا محمد بن سوقه [ ثقة ] عن نافع [ ثقة ] عن ابن عمر مرفوعا .
مثال ( 2 ) : مختلط - عدم الضبط . ( متابعة قاصرة )
حديث المغيره ( نسيان جلسة التشهد الآول ثم انتصب قائما ثم سجد للسهو ) هكذا صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
- ت من طريق يزيد بن هارون [ ثقة ثبت ] عن المسعودي [ اختلط ] عن زياد بن علاقه [ ثقة ] عن المغيره .
- ت من طريق ابن ابي ليلى [ ضعيف ضبطا ] عن الشعبي [ ثقة ثبت ] عن المغيره
- الطحاوي بسند صحيح أن المغيره فعل ذلك وأفتاهم بذلك
- والحاكم من طريق ابن عباس وعقبة بن عامر .
مثال ( 3 ) : ضعيف ( ضبطاً ) - منقطع ( متابعة قاصرة )
( قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : من أنت ؟ قالت : جثامة . قال : بل أنت حسانة )
- ك من طريق صالح بن رستم [ صدوق كثير الخطأ ] عن ابن ابي مليكه [ ثقة ] عن عائشة .
- هق من طريق مسلم بن جنادة [ ثقة ] عن حفص بن غياث [ ثقة يدلس ] عن هشام بن عروة [ ثقة ] عن أبيه [ ثقة ] عن عائشة .
مثال ( 4) ضعيف ضبطاً - مرسل ( شاهد )
( من قرأ قل هو الله أحد حتى يختمها عشر مرات بنى الله له قصراً في الجنة )
- رواه حم من طريق زياد جن فائد [ ضعيف ضبطاً ] عن سهل بن معاذ [ لابأس به ] عن معاذ بن أنس مرفوعا .
- ت من طريق حيوة [ ثقة ] أنّ أبو عقيل [ ثقة عابد ] سمع سعيد بن المسيب [ ثقة ثبت تابعي ] أن النبي - صلى الله عليه وسلم .
* مثال لمن لم تتوفر فيه بعض الشروط :
( إذا أصيب أحدكم بمصيبه فليذكر مصيبته بي فانها اعظم المصائب )
1. ابن سعد نا محمد بن عبيد [ ثقة ] نا فطر بن خليفة [ صدوق ] عن عطاء [ ثقة ثبت ] مرسلاً .
2. [ شاذ خالف طريق ( 1 ) ] عثمان بن عبدالرحمن الحراني [ صدوق فيه لين ] ثنا فطر بن خليفه عن شرحبيل [ صدوق تغير ] عن ابن عباس مرفوعا .
3. [ متهم ] جه من طريق موسى بن عبيده [ متروك ] ثنا مصعب [ ثقة ] عن أبي سلم عن عائشه مرفوعا .
4. الدارمي من طريق مكحول [ ثقة ] مرسلاً .
5. عبدالرحمن بن القاسم [ ثقة ] مرسلاً .
6. نعيم بن حماد [ ضعيف ] عن عبدالرحمن بن سابط [ ثقة ] مرسلاً .
نفس موطن العلة
- بقيت 4 طرق : 1. عطاء مرسلاً
4. مكحول مرسلاً --> من صغار التابعين
5. عبدالرحمن بن القاسم مرسلاً --> من صغار التابعين
6. عبدالرحمن بن سابط مرسلاً --> ضعيف
نفس موطن العله : سقوط تابعي فأكثر .
إذا لم يبق إلا الطريق :
1. عطاء مرسلاً
2. ابن سابط مرسلاً - ضعيف
كله نفس موطن الضعف .
* شروط تحسين حديث الأحكام : ( حسن لغيره ) :
1. إذا كثرت طرقه ( أكثر من طريقين )
2. عضده اتصال عمل من الصحابه والتابعين .
3. موافقة شاهد صحيح ( واقع ) .
4. موافقة ظاهر القرآن .
- مثال لمن لم ينطبق عليه ذلك :
( لم يكن أفاض من هنا ، فليلق ثيابه ) أي وليعد كما كان محرما
- رواه ابن اسحاق ثنا ابو عبيده بن عبدالله بن زمعه [ مقبول ( لم يوثقه أحد )] عن أبيه [ ثقة ] وأمه عن أم سلم .
- رواه بن لهيعه [ ضعيف مدلس ] عن أبي الاسود [ثقة ] عن عروه [ ثقة] عن أم قيس عن محصن عن عكاشه
- حسن لغيره لكنه في الأحكام : لم يتوفر فيه شرط من الشروط السابقه
- بل العكس : العمل على عكس ما قال --> ضعيف .
قول الترمذي ( حسن صحيح )
قال شيخ الاسلام ابن تيميه : ( 18/ 39 )
( الغريب : هو الذي لا يعرف إلا من طريق واحد .
الحسن في اصطلاح الترمذي : - ما روى من وجهين
- وليس في رواته من هو متهم بالكذب
- ولا هو شاذ فخالف للاحاديث الصحيحيه .
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الشيخ عدنان عبد القادر
عدد القراء : 1792
تاريخ الموضوع: 30 - أكتوبر - 2002 ميلادية
(26/1)
مذكرات في مصطلح الحديث ج 4 للشيخ عدنان عبد القادر
الشيخ عدنان عبد القادر
( ومن سئل عن ابراز مثال لذلك فيما يروى من الحديث ، أعياه تطلبه ،..... نعم حديث ( من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار ) نراه مثالا لذلك ، فانه نقله من الصحابة رضي الله عنهم العدد الجم وهو في الصحيحين مروي عن جماعة منهم ) أ.هـ.
- ولكن يُنْظَر هل رواه جمع عن جمع من بداية السند الى نهايته ، وإلا لم يتوفر فيه شرط التواتر .
- قال شيخ الاسلام ابن تيمية ( 18/48-50 ) :
- ( والصحيح الذي عليه الجمهور : أي التواتر ليس له عدد محصور ، والعلم الحاصل بخبر من الأخبار يحصل في القلب ضرورة ) أ.هـ. أي هو المتواتر .
وقال :- ( إذ المقصود من المتواتر ما يفيد العلم ) أي القطعي .
-( والصحيح ما عليه الأكثرون : أن العلم يحصل بكثرة المخبرين تارة ، وقد يحصل بصفاتهم لدينهم وضبطهم وقد يحصل بقرائن تحتف بالخبر ، يحصل العلم بمجموع ذلك ) أ.هـ.
ومَثَّلْ لذلك بقول :( 18 / 49 ) :
* ( كمن سمع خبرا من الصديق [ أبو بكر ] أو الفاروق يرويه بين المهاجرين والأنصار ، وقد كانوا شهدوا منه ما شهد ، وهم مصدقون له في ذلك ، وهم مقرون له على ذلك .
* وقوله ( انما الأعمال بالنيات ) - أي حديث عمر - هو مما تلقاه أهل العلم بالقبول والتصديق . وليس هو في أصله متواتراً ، بل هو من غرائب الصحيح ، لكن لما تلقوه بالقبول و التصديق صار مقطوعاً بصحته ) أ.هـ.
* فاذاً هناك أحاديث متواترة كثيرة ولكن ليس على تعريف الأصوليين والفقهاء وإنما ماتواتر عند المحدثين .
* ومثال لما رواه جمع يمكن تواطؤهم على الكذب :
- ( حديث رد الشمس لعلي رضي الله عنه ) بعدما غابت .
- رواه محفوظ بن بحر [ كان يكذب ] ثنا الوليد [ مجهول ] ثنا معقل عن أبي الزبير [ ثقة مدلس ] عن جابر مرفوعا .
- رواه يحيى بن يزيد بن عبدالملك [ منكر الحديث ] عن أبيه [ متروك ] عن داود بن فراهيج وعمارة [ مجهول ] عن أبي هريرة مرفوعا .
- رواه عون بن محمد [ مجهول ] عن أمه أم جعفر [ مجهوله ] عن أسماء بنت عميس مرفوعا .
- وكذلك الطريق الى علي بن أبي طالب .
- والطريق الى أبي سعيد الخدري .
فتم أخذه من المجاهيل من لا يعرفوا بعدل ولا ضبط ففعلت له أسانيد جديده .
* ممن جمع الأحاديث المتواتره في كتاب :
1. السيوطي وسماه : ( قطف الأزهار المتناثره في الأخبار المتواتره ) .
2. الزَّبيدي وسماه : ( لقط اللآلي المتناثره في الأحاديث المتواتره ) .
3. الكتاني وسماه : ( نظم المتناثر في الحديث المتواتر ) .
المشهور :-
- ما حصر عدد رواته بثلاثة فصاعداً ما لم يبلغ حد التواتر .
- أي رواه ثلاثة من التابعين فصاعدا عن صحابي واحد ولم يبلغ حد التواتر .
- أو رواه ثلاثة فصاعد من أتباع التابعين عن تابعي واحد .
- أي رواه ثلاثة فأكثر في أحد طبقات إسناد سواء كانوا صحابة أو غيرهم .
( هذا محصلة قول العلماء فيه ) ---> راجع الباعث ص 167 .
العزيز :-
- هو ما رواه اثنان فقط في أي طبقة من طبقات الاسناد .
- سواءً كانا صحابيين أو تابعيين عن صحابي واحد .
- قال ابن كثير ص 167 : [ ان اشتراك اثنان أو ثلاثة في روايته عن الشيخ سمي ( عزيزًا )] .
الغريب ( الفرد ) :-
- هو ما يتفرد بروايته شخص واحد ، في أي موضع وقع التفرد به .
- ينقسم الى قسمين :
*1. فرد مطلق : - أن يتفرد الراوي في أصل سنده برواية حديث .
- ولو تعددت الطرق الى هذا الراوي .
- ملاحظة : ( أصل السند : هو الراوي الذي اجتمعت عنده جميع الطرق )
مثال ( أ ) : ما تفرد بروايته صحابي واحد :
قالت عائشة ( ما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على سهيل بن البيضاء إلا في المسجد ) .
- رواه مَ من طريق عباد بن عبدالله بن الزبير عن عائشة .
- رواه مَ من طريق أبي سلمه عن عائشة .
( ولم يروه أحد غيرها من الصحابة )
مثال ( ب ) : ما تفرد بروايته تابعي واحد عن صحابي واحد :
( نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الولاء وعن هبته )
- رواه الثوري ]
] عن عبدالله بن دينار عن عبدالله بن عمر .
- ورواه نافع ]
تفرد به عبدالله بن دينار عن ابن عمر .
مثال ( ج ) : ما تفرد بروايته تابع تابعي عن تابعي واحد عن صحابي واحد :
( الايمان بضع وستون شعبة ........ )
-رواه البخاري من طريق سلمان بن بلال ] عن عبدالله بن دينار عن أبي صالح عن - ورواه مَ عن طريق سهيل بن أبي صالح ] أبي هريرة مرفوعا . تفرد به عبدالله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة .
مثال ( د ) : ما تفرد به تابع تابع تابعي عن تابع تابعي واحد عن تابعي واحد عن صحابي واحد مرفوعا .
( انما الأعمال بالنيات ............ )
- رواه مالك وحماد بن زيد ]
سفيان الثوري وسفيان بن عيينه ] عن يحيى بن سعيد ني محمد بن ابراهيم سمع علقمة بن
عبدالله بن المبارك والليث بن سعد ] وقاص سمعت عمر بن الخطاب مرفوعا .
يزيد بن هارون وعبدالوهاب الثقفي ]
- وهذا يسمى خبر الواحد . ( أي المفرد المطلق ) .
ملاحظة : -
1. اذا كان المتفرد : مستورا أو فيه ضعف أو موصوف بسوء الحفظ ولا متابع له ولا شاهد ---> سمي الحديث منكرا ( أحيانا ) .
2. اذا روى هذا المتفرد مجموعة من الآحاديث التي يتفرد بها دون غيره ---> قيل عنه : يروي المناكير .
3. إذا أكثر من رواية الأحاديث التي يتفرد بها ---> سمي منكر الحديث .
*2. فرد نسبي : - أن يكون التفرد في أثناء السند .
- كأن يرويه عن الصحابي أكثر من واحد ثم يتفرد بروايته عن واحد منهم شخص واحد .
- أو يرويه أكثر من صحابي ولكن رواية أحد الصحابة لا يرويها إلاّ فلان .
مثال :( قصة الكدية التي عرضت للصحابة يوم الخندق )
- رواها خ من طريق عبدالواحد بن أيمن عن أبيه عن جابر وتفرد به عبدالواحد عن أبيه .--> فرد نسبي [ بالنسبة الى جابر ] .
- وروى الحديث من غير طريق جابر بأسانيد أخرى .
- مظان الأحاديث الأفراد :-
1. مسند البزار .
2. المعجم الاوسط للطبراني .
3. الأفراد للدارقطني .
4. سنن الترمذي ( فرد نسبي ) .
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الشيخ عدنان عبد القادر
عدد القراء : 1907
تاريخ الموضوع: 30 - أكتوبر - 2002 ميلادية
(27/1)
مذكرات في مصطلح الحديث ج 3 للشيخ عدنان عبد القادر
الشيخ عدنان عبد القادر
مثال ( 1 ) صحيح لغيره :-
( أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين )
حسن < -- رواه الترمذي من طريق محمد بن عمرو [ صدوق ] عن أبي سلمه [ ثقة ] عن أبي هريرة مرفوعا [ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
حسن < -- رواه ابو يعلى من طريق محمد بن ربيعه [ صدوق ] عن كامل [ ثقة ] عن أبي صالح [ ثقة ] عن أبي هريرة مرفوعا .
مثال ( 2 ) :
( ما ظن نبي لو لقي الله عز وجل وهذه عنده ، يعني ستة دنانير أو سبعة)
حسن < -- رواه حم من طريق موسى بن جبير [ صدوق ] عن أبي أمامة عن عائشة مرفوعا [ صحيح لغيره ] .
حسن < -- رواه حم من طريق محمد بن عمرو [ صدوق ] عن أبي سلمة عن عائشة مرفوعا [ صحيح لغيره ] .
ملاحظة : -
قال الحافظ في النكت على ابن الصلاح ( 1/ 419 ) :
يكون القسم الذي هو صحيح أو حسن لذاته أقوى من الآخر ( أي لغيره وتظهر فائدة ذلك عند التعارض ) أ هـ .
أي :
1. الصحيح لذاته أقوى من الصحيح لغيره : أي عند التعارض يكون الصحيح لذاته هو المحفوظ ، ولغيره هو الشاذ .
2. الحسن لذاته أقوى من الحسن لغيره : أي عند التعارض يكون الحسن لذاته هو المحفوظ ولغيره هو الشاذ ( أو المنكر ) .
الحسن لذاته :-
- بعد أن ذكر الحافظ شروط الصحيح لذاته قال : ( فان خف الضبط فالحسن لذاته ) .
أي شروط الحسن لذاته :-
1. اتصال السند .
2. العدالة .
3. خف ضبطه قليلا عن الصحيح [ ولم يصل إلى درجة الضعيف ] .
4. عدم الشذوذ .
5. عدم العلة .
3. خف الضبط :-
- لقد مر الكلام على : - اتصال السند .
- العدالة .
- قال السخاوي في فتح المغيث : ( ان تشتهر رواته بالصدق ، ولم يصلوا في الحفظ رتبة رجال الصحيح ) أ هـ .
- قال الذهبي في الموقظة : ( ما ارتقى عن درجة الضعيف ) أ هـ .
- كأن يقال : ( صدوق / صدوق يهم / صدوق يخطئ / صدوق له أوهام / حسن الحديث ..... ) .
- فلو كان السند كلهم ثقات الا رجلا واحدا لصدوق يهم ) -- > فالسند حسن .
- ولو اجتمع في السند رجلان من هذه الرتبة أو أكثر -- > حسن لذاته ولكن درجته أقل من سابقه .
مثال :-
( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يفطر الأيام البيض في بالحضر والسفر ) .
- رواه النسائي ( ن ) من طريق يعقوب بن عبدالله [ صدوق يهم ] عن جعفر بن ابي المغيرة [ صدوق يهم ] عن سعيد بن جبير [ ثقة ثبت ] عن ابن عباس .
4. لم يشذ :-
مثال ( 1 ) :
( كرسيه موضع قدميه ، والعرش لا يقدّر قدره )
سند حسن ، رواه الضياء عن شجاع بن مخلد الفلاس [ صدوق ] عن ابي عاصم [ ثقة ] عن سفيان [ ثقة ] عن عمار [ ثقة ] عن مسلم [ ثقة ] عن سعيد [ ثقة ] عن ابن عباس قال : سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن قول الله ( وسع كرسيه السموات والأرض ) فقال :........... .
سند صحيح :-
- رواه وكيع
- عبدالرحمن بن مهدي [ من طريق سفيان عن عمار عن مسلم عن سعيد
- احمد بن منصور الرمادي عن ابن عباس من قوله وليس عن النبي ( ص ) ]
- الكجي
فخالف شجاع باقي الأئمة الثقات
شاذ < -- صدوق X الثقات -- > محفوظ
مثال ( 2 )
( ان الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف )
سند حسن < -- رواه ابو داود ( د) من طريق سفيان الثوري [ ثقة ثبت ] عن اسامة بن زيد الليثي [ صدوق يهم ] عن عثمان بن عروه [ ثقة ] عن عروه عن عائشة مرفوعا .
سند صحيح < -- رواه ابن حبان ( حب ) من طريق سفيان الثوري [ ثقة ثبت ] عن هشام بن عروه [ ثقة فقيه ] عن عروه عن عائشة مرفوعا بلفظ ( ان الله وملائكته يُصَلُّون على الذين يَصِلون الصفوف ) .
-فأخطأ اسامة بن زيد الليثي ووهم فقال : ( ميامن الصفوف ) بدلا من ( الذين يصلون ) فأصبح حديثه شاذا لأنه خالف من هو أقوى منه .
- مما يدل على خطئه أنه اسامه نفسه رواه في مكان آخر بلفظ ( الذين يصلون الصفوف )
- روى ( حب ) والحاكم ( ك ) من طريق ابن وهب عن اسامة عن زيد عن عثمان عن عروه عن عائشة مرفوعا ( الذين يصلون ) .
5. لم يعل :-
قصة البخاري مع الداخلي / ابن معين مع يحيى بن حماد / ابن عجلان مع السمتي وحفص بن غياث .
مثال ( 1 ) :
( اذا كان النصف من شعبان فامسكوا عن الصيام حتى يكون رمضان ) .
سند حسن < -- رواه العلاء بن عبدالرحمن [ صدوق ] عن أبيه [ ثقة ] عن أبي هريرة .
قال الامام احمد : - هذا حديث منكر .
- لم يحدث العلاء بحديث أنكر منه .
- ابن مهدي لم يحدث به .
قال ابو داود : انكروا على العلاء ( صيام شعبان ) -- > يعني الحديث .
قال الخليلي عن العلاء - مختلف فيه .
- ينفرد باحاديث لا يتابع عليها .
- كحديث ( اذا كان النصف من شعبان فلا تصوموا ) .
مثال ( 2 ) : المقلوب :-
- لم أجد مثالا للحسن مثالا للمقلوب .
- وانما وجدته وقع من قبل الثقات ( ممن يصحح حديثهم ولا يحسن ) .
مثال ( أ ) مقلوب المتن :
( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله .... ورجل تصدق بصدقة أخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ) رواه البخاري ومسلم من طريق :
- [ ثقة ثبت ] يحيى القطان عن خبيب عن حفص عن أبي هريرة .
- ثم رواه مسلم من طريق يحيى القطان ( نفسه ) عن خبيب عن حفص عن أبي هريرة بلفظ ( حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله ) . فقلب : اذ جعل الشمال هي التي تنفق فأخطأ يحيى في هذه الرواية .
( ب ) مقلوب السند :
( ما ينفعكم أن أصلي على رجل ، روحه مرتهن في قبره .... )
- رواه البيهقي من طريق أبي الوليد الطياليسي ثنا عيسى بن صدقه
ومن طريق يونس بن محمد ثنا عيسى بن صدقه
ورواه البيهقي من طريق عبيدالله بن موسى عن صدقه بن عيسى فقلب الاسم .
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الشيخ عدنان عبد القادر
عدد القراء : 1775
تاريخ الموضوع: 30 - أكتوبر - 2002 ميلادية
(28/1)
مذكرات في مصطلح الحديث ج 2 للشيخ عدنان عبد القادر
الشيخ عدنان عبد القادر
ب. الاتهام : أي أن الرجل مشكوك به بأنه قد يكذب ولكنه لا يفتعل الأحاديث بل يركب الأسانيد على المتون الأخرى ، مثل محمد بن حميد وهو شيخ الطبري فهو متهم ولا تؤخذ رواياته .
مثال : روى العقلي عن محمد بن حميد الرازي ثنا أنس بن عبد الحميد ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا : ( من رابط فواق ناقة حرمه الله على النار ) .
ج. الفسق : وهو أن يكون الرجل صاحب زنا أو خمار أو يسرق وخاصة من يسرق الحديث .
مثال : محمد بن سليمان الباغندي : فهو يسرق الحديث مثل حديث عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال : أنا مدينة العلم وعلي بابها .
ـ وكذلك يحيى بن عبد الحميد فهو سارق حديث .
د. الجهالة : -
1. مجهول العين : وهو الذي لا يعرفه أحد . [ الذي سمي انفرد راو واحد عنه بالرواية ولم يوثقه من يعتبر توثيقه ] .
مثال : محمد بن أبي محمد : فروى ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة عن ابن عباس ( حديث الكهف ) .
بعثت قريش النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى اليهود ليسألوهم عن النبي صلى الله عليه وسلم فقالت اليهود: سلوه عن ثلاث نأمركم بهن ، فان أخبركم بهن فهو نبي مرسل :- سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ( أصحاب الكهف ) . سلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها وسلوه عن الروح. فقال النبي صلى الله عليه وسلم أخبركم غدا بما سألتم عنه ولم يستثن (لم يقل إن شاء الله) فمكث 15 يوما لم ينزل عليه جبريل .
محمد بن أبي محمد مجهول العين لا يعرفه أحد .
2. مجهول الحال ( المستور ) : وهو الذي يروي عنه اثنان فأكثر ولا تعرف عدالته . [ الذي سمى وروى عنه اثنان فصاعدا ولم يوثق وهو المستور ] .
مثال : ما رواه البيهقي في شعب الإيمان من طريق إبراهيم بن عبد الله بن حاطب عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر مرفوعا : لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فان كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب .... الخ .
فابراهيم بن عبد الله بن حاطب رجل لا يعرف حاله فهو رجل ليس بعدل أي لا يحكم بعدالته .
3. تام الضبط :-
والضبط ضبطان: قصة البخاري / قصة الإمام أحمد وابن معين /
أ. ضبط صدر : هو أن يُثَبّتْ ما سمعه . بحيث يتمكن من استحضاره متى شاء، كالإمام أحمد ، الشافعي ، شعبة ، سفيان الثوري وغيرهم . ومما يضاد ذلك :
1. رديء الحفظ : أبو بكر بن أبي مريم .
روى حم عن أبي بكر بن أبي مريم [رديء الحفظ ] عن ضمرة بن حبيب عن شداد بن أوس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من اتبع نفسه هواها ثم تمنى على الله الأماني "
2. اختلط : عطاء بن السائب / ابن لهيعه / مؤمل بن اسماعيل .
روى ابو داود من طريق الأعمش عن عطاء بن السائب [اختلط ] عن أبيه عن عبدالله بن عمرو بن العاص رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح بيمينه .
لابد أن يعرف من روى عنه قبل أن يختلط فعندما اختلط لم يرو عنه فهذا تقبل روايته عنه.
- شعبه عن عطاء بن السائب: صحيحة [ روى عنه قبل الاختلاط فقط ] .
- سفيان الثوري عن عطاء بن السائب: صحيحة [ روى عنه قبل الاختلاط فقط ] .
- حماد بن زيد عن عطاء بن السائب: صحيحة [ روى عنه قبل الاختلاط فقط ] .
3. كثير الخطأ : عاصم بن عبيد الله .
روى احمد (حم) عن عاصم بن عبيد الله [كثير الخطأ ] عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مالا أحصي ولا أعد يستاك وهو صائم "
وهناك عبارات أخرى مقاربة لعدم ضبط الصدر : صدوق يهم كثيرا / صدوق سيء الحفظ / صدوق لين الحديث / تغير بآخره / صدوق كثير الأوهام / صدوق كثير الغلط .
ب. ضبط كتاب : هو أن يصون ويحفظ الراوي كتابه لديه منذ سمع فيه وصححه إلى أن يؤديه منه .
مما يضاد ذلك :-
* عبدالله بن صالح : كاتب الليث بن سعد [ بسبب جاره ] .
- روى ابن ماجه وغيره عن عبد الله بن صالح ثني الليث عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " سبع مواطن لا يجوز فيها الصلاة : على ظهر بيت الله ، والمقبرة ، والمزبلة ، والمجزرة ، والحمام ، وعطن الإبل ، ومحجة الطريق " .
* قيس بن الربيع :[ بسبب ابنه ] .
- روى قط ، طب عن علي بن عاصم ثنا قيس بن الربيع عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا : " أول من يدعى إلى الجنة الحمادون ، الذين يحمدون الله في السراء والضراء " .
4. عدم الشذوذ :-
الشاذ هو ما رواه المقبول ( من تقبل روايته ) مخالفا لمن هو أولى منه .
- وعكسه المحفوظ .
- مثال الشاذ : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " سبعون ألفا من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ، هم الذين : لايسترقون ولايكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون "
* محفوظ ( لا يكتوون )
1.خ-اسحاق عن روح [ ثقه] عن شعبة [ ثقة]عن حصين عن سعيد عن ابن عباس
2. خ - أسيد [ ثقة ] عن هشيم [ ثقة ] عن حصين عن سعيد عن ابن عباس
3. خ - عمران [ ثقة ] ثنا ابن فضيل [ ثقة ] ثنا حصين عن سعيد عن ابن عباس
4. خ - مسدد [ ثقة ] ثنا حصين بن نمير ثنا حصين عن سعيد عن ابن عباس
5. ن / ت - عبدالله [ ثقة] عن عبثر [ ثقة ] عن حصين عن سعيد عن ابن عباس
- لكن سعيد بن منصور [ صدوق ] خالف أسيد [ ثقة ] إذ كل منهم روى عن هشيم ، وكذلك سعيد بن منصور خالف كل الثقات عندما رووه من طريق حصين إذ قال هو : ( لايرقون ) بينما قالوا هم : ( لا يكتوون ) .
* شاذ ( لا يرقون )
مسلم ، عن سعيد بن منصور [ صدوق ] ثنا هشيم [ ثقة ] أخبرنا حصين [ ثقة ] عن سعيد عن ابن عباس مرفوعا ." هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون " .
شاذ < -- [ ثقة ] يخالف [ ثقة ثبت ] --> محفوظ
شاذ < -- [ صدوق ] يخالف [ ثقة ] --> محفوظ
* المنكر : مخالفة من ضعف [ الضعيف ] للمقبول [ من تقبل روايته ] .
مثال : " إني لأعلم انك لا تضر ولا تنفع ، ولكن هكذا فعل أبي إبراهيم " -عن الحجر الأسود .
- رواه ابن نافع ثنا أبو عبيدة [ ضعيف ] عن القاسم عن منصور عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم استلم الحجر الأسود ثم بكى فقال : ... [ منكر من قول النبي - صلى الله عليه وسلم ] .
- وإنما الصحيح ما رواه البخاري ومسلم عن عمر من قول عمر ، فقال : " إني لأعلم أنك لا تضر ولا تنفع ، ولولا أني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبلك ما قبلتك " . [معروف من قول عمر]
مخالفه أبي عبيدة [ الضعيف ] لرواية الصحيحين [ مقبول ]
5. عدم العلة :
- العلة : مرض يضعف به الحديث .
من أنواع العلة :
1. الاضطراب : - رواية الحديث بعدة وجوه مع عدم القدرة على الترجيح .
- قد يكون الاضطراب في السند وقد يكون المتن .
مثال للاضطراب في السند :
- إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا ، فان لم يجد فلينصب عصا ، فان لم يكن معه عصا فليخطط بين يديه خطا ، ثم لا يضره ما مر أمامه .
- رواه إسماعيل بن أمية عن أبي عمرو بن محمد بن حريث عن جده عن أبي هريرة .
- رواه إسماعيل بن أمية عن أبي عمرو بن حريث عن أبيه عن أبي هريرة .
-رواه إسماعيل بن أمية عن أبي محمد بن عمرو بن حريث عن جده عن أبي هريرة .
-رواه إسماعيل بن أمية عن أبن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده عن أبي هريرة
-رواه إسماعيل بن أمية عن حريث بن عمار عن أبي هريرة .
-رواه إسماعيل بن أمية عن محمد بن عمرو بن حريث عن أبي سلمه عن أبي هريرة .
فهل يمكن ترجيح وجه من وجوه الإسناد ؟!--- مضطرب .
2. العلل : هو اغمض أنواع علوم الحديث وأدقها .
- لا يقدم به إلا من رزقه الله فهما ثاقبا .
- قصة الإمام احمد وابن معين واحمد بن منصور الرمادي مع أبي نعيم الفضل وقصة الإمام البخاري مع الإمام مسلم .
- كتب العلل : سنن الترمذي/ علل الترمذي ، العلل للدارقطني / العلل لابن أبي حاتم
مثال : أول ما بدأ الشرك في قوم نوح صوروا الصور [ ود / سواع / يغوث / يعوق ونسر ] قال ابن عباس: صارت الأوثان التي كانت في ...... أسماء رجال صالحين من قوم نوح ، فلما هلكوا أوحي الشيطان الى قومهم ......
* رواه البخاري : ثنا ابراهيم أخبرنا هشام عن ابن جريج وقال عطاء عن ابن عباس . وظن البخاري أن عطاء هو ابن ابي رباح الثقه فأخرجه في صحيحه .
* قال ابو على النسائي : قال ابو مسعود الدمشقي : هذا الحديث ثبت في تفسير ابن جريج عن عطاء الخرساني عن ابن عباس / عطاء لم يسمع من ابن عباس ، وابن جريج لم يسمع من عطاء ، وانما أخذ الكتاب من أبيه ونظر فيه .
- وعطاء الخرساني : هو ابن أبي مسلم : صدوق يهم كثيرا ويرسل ويدلس .
3. المرسل الخفي : أن يروي الراوي عمن عاصره ولم يعرف أنه لقيه .
مثال : ( لا تصوموا يوم السبت إلا فيما فرض الله عليكم )
رواه من طريق ثور بن يزيد عن خالد بن معدان [ يرسل كثيرا ] عن عبدالله بن بسر عن أبيه .
- ولم يثبت أنه سمع من عبدالله بن بسر .
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الشيخ عدنان عبد القادر
عدد القراء : 2091
تاريخ الموضوع: 30 - أكتوبر - 2002 ميلادية
(29/1)
مذكرات في مصطلح الحديث ج 1 للشيخ عدنان عبد القادر
الشيخ عدنان عبد القادر
* وخبر الآحاد بنقل :-
1. عدل . 4. غير معلل .
2. تام الضبط . 5. ولا شاذ .
3. متصل بالإسناد .
هو صحيح لذاته .
* شروط الصحيح لذاته :-
1. اتصال الإسناد :
- الإسناد ، هو حكاية طريق المتن ، أي سلسلة الرجال التي تنتهي إلى المتن ، مثال [ قال مالك : ثنا نافع ثنا ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :]
- المتن ، هو ما انتهى إليه الإسناد من الكلام ، مثال [ قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه )
- تعريف الاتصال :-
ما سلم إسناده من سقوط فيه ، بحيث يكون كل من رجاله سمع ذلك المروي من شيخه ، أي لابد أن يكون كل راو :-
1. سمع من شيخه سواء في هذا الحديث أو غيره .
2. يؤمن تدليسه في هذا الخبر الذي رواه .
* يخرج عن الاتصال ما يلي :-
أ. الانقطاع : هو سقط ( سقوط ) راو واحد أو أكثر غير متتاليين .
مثال (1) [ راو واحد ] : روى الترمذي عن على بن بذيمة عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم قال : ( كان الرجل من بني إسرائيل يلقى الرجل فيقول : يا هذا اتق الله ودع ما تصنع . ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه عن ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده .. فقرأ ( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل ..) ثم قال :
كلا والله لتأمرون بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا أو ليضربن الله قلوب بعضكم على بعض ، أو ليلعنكم كما لعنهم ) .
ــ أبو عبيدة لم يسمع من أبيه ، فسقط بينهما رجل .
مثال (2) : روى الحاكم (ك) عن معمر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :( ما ينتظر أحدكم إلا غنى مطغيا ، أو فقرا منسيا ، أو مرضا مقعدا ، أو موتا مجهزا ، أو الدجال والدجال شر غائب ، أو الساعة و الساعة أدهى وأمر )
ــ معمر : ثقة سعيد : ثقة .
لكن معمر لم يسمعه من سعيد وانما قال في رواية أخرى : عمن سمع سعيدا .
مثال (3) :[ انقطاع في موضعين ]
روى الامام أحمد من طريق الحسن بن ذكوان عن عبد الواحد بن قيس عن عبادة بن الصامت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :( الابدال في هذه الأمة ثلاثون ، مثل ابراهيم خليل الرحمن ) .
ــ الحسن بن ذكوان لم يسمع من عبد الواحد بن قيس .
ــ عبد الواحد بن قيس لم يسمع من عبادة بن الصامت .
ب. الاعضال : هو سقط اثنين فصاعدا مع التوالي ( أي سقوط راويين متتاليين ) .
مثال : روى أبو الحسن الخلعي عن الفضل بن حباب قال : سمعت عبد الله بن محمد بن عائشة يقول : لما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة جعل النساء والصبيان والولائد يقلن :
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ما دعا لله داع
ـ الفضل بن حباب ثقة .
ـ عبد الله بن محمد بن عائشة : تابع تابعي ، لم يسمع من الصحابة وانما سمع من التابعين ، فأقله أنه سقط تابعي وصحابي ( رجلان متتاليان ) .
ج. الإرسال : هو سقط من آخر السند بعد التابعي ، المذكور سواء رجل أو رجلان .
مثال : روى البخاري عن محمد بن يوسف عن مالك عن الزهري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - [ في حديث الغار ] كان يصعد الجبال عندما انقطع عنه جبريل وان كاد ليتردى منها .
ـ فالزهري تابعي صغير لم يسمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فسقط رجل وهو الصحابي الذي حدثه بذلك ، أو سقط التابعي الكبير الذي حدثه بذلك والصحابي الذي حدث التابعي فهذه الرواية مرسلة .
د. المعلق : سقط من باديء السند - مصنف ، وقد يكون رجلا أو رجلين .
مثال : قال البخاري (1/ 535 ) : قال ابو قلابه عن انس : قدم رهط من عكل على النبي - صلى الله عليه وسلم - فكانوا في الصفة .
ـ فالبخاري لم يسمع من أبي قلابة وإنما بينهما رجال أسقطهم البخاري.
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الشيخ عدنان عبد القادر
عدد القراء : 1698
تاريخ الموضوع: 30 - أكتوبر - 2002 ميلادية
(30/1)
من هو المهدي المنتظر؟! للشيخ: عثمان الخميس
الشيخ عثمان الخميس
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، إله الأولين والآخرين، وخالق الخلق أجمعين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه الكريم، سيدنا وإمامنا وقدوتنا وقرة عيننا محمد بن عبدالله وعلى آله وصحابته أجمعين،
أما بعد،
فإننا سنطرح طرحاً موضوعياً علمياً لموضوع من أهم المواضيع التي كثر حولها الجدل ألا وهو موضوع المهدي المنتظر.
لقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة ذكر المهدي فمنها ما أخرجه الإمام أبو داود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض عدلا". وجاء كذلك عند أبي داود من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "المهدي من عترتي من ولد فاطمة". وجاء كذلك عند أحمد قول النبي صلى الله عليه وسلم :" المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة". وجاء كذلك عند أحمد:" المهدي منّي أجلى الجبهة أقنى الأنف يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ويملك سبع سنين". وجاء عند مسلم تنبيه على المهدي من قول النبي صلى الله عليه وسلم:" لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة فينزل عيسى ابن مريم فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول: لا، بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة". وقد ذكر أهل العلم أن هذا الرجل الذي يتقدم ويصلي بعيسى هو المهدي ثم يتولى بعد ذلك عيسى ابن مريم صلوات الله وسلامه عليه زمام الأمور. وفي رواية ذكر ابن القيم أن إسنادها جيد فيها: "فيقول أميرهم المهدي". ولذلك قال الإمام الشوكاني رحمه الله تبارك وتعالى عن هذه الأحاديث: الأحاديث في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر التي أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثاً، فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر، وهي متواترة بلا شك أو شُبهة.
كلامنا ليس لمناقشة أمر المهدي عند أهل السنة والجماعة وإنما نريد أن نناقش المهدي الذي يتكلّم عنه الشيعة، وأعني بالشيعة الشيعة الاثني عشرية. إن حكاية المهدي في معتقد الشيعة الاثني عشرية حكاية غريبة نسج الخيال خيوطها وصاغ أحداثها وأحوالها وتحولت بعد ذلك إلى أسطورة من أساطير الزمان يمجّها العقل السليم، والفطرة الصحيحة، حتى أنكرتها جُلّ فرق الشيعة فضلاً عن غيرهم. إن القصة بدأت بدعوى ولد للحسن العسكري اختفى، ثم تطورت إلى دعوى أخرى وهي أن هذا الولد إمام ثم تطورت فجاءت دعوى النيابة عن هذا الإمام ثم إدعاء أن هذا المختفي هو المهدي المنتظر. إن غيبته عن الأنظار وعدم خروجه وقيادته للأمة سياسياً ودينياً يشكل تحدياً كبيراً للقائلين بوجوده، وتمثل تناقضاً صارخاً مع القول بضرورة وجوده. فكيف يمكننا أن نقول إن وجوده ضرورة لابد منها؟ ثم نقول كذلك في الوقت نفسه: إنه غائب ولابد له أن يغيب. لذا فإننا بإثارة هذا الموضوع قد نوقظ الكثيرين من الاستغراق في حلم جميل، ولكن إلى واقع صحيح إن شاء الله تبارك وتعالى.
ما هي عقيدتهم في المهدي؟
قال الشهرودي (وهو أحد علمائهم): لا يخفى علينا أنه عليه السلام وإن كان مخفياً عن الأنام، ومحجوباً عنهم، ولا يصل إليه أحد، ولا يُعرف مكانه إلا أن ذلك لا ينافي ظهوره عند المضطر المستغيث به الملتجئ إليه، الذي انقطعت عنه الأسباب وأغلقت دونه الأبواب فإن إغاثة الملهوف وإجابة المضطر في تلك الأحوال وإصدار الكرامات الباهرة والمعجزات الظاهرة هي من مناصبه الخاصة فعند الشدة وانقطاع الأسباب من المخلوقين وعدم إمكان الصبر على البلايا دنيوية أو أخروية أو الخلاص من شر أعداء الإنس والجن يستغيثون به ويلتجئون إليه.(1)[1] هكذا يقولون والله جل وعلا يقول في وصف الكفار:" فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون". وهؤلاء يلجأون إلى المهدي في وقت الشدة ولا يلجأون إلى الله.
أدلة الشيعة على وجود المهدي:
نبدأ بذكر أدلتهم على وجوده ثم نناقشها.
أولاً: أدلة العقل:
قالوا: ضرورة وجود إمام في الأرض عنده جميع علم الشريعة يرجع الناس إليه في أحكام الدين، ثم ضرورة أن يكون هذا معصوماً، ثم ضرورة أن يكون من أولاد الحسين بن علي، ثم ضرورة الإيمان بوفاة الحسن العسكري، ثم ضرورة القول بالوراثة العمودية (أي من نسل الحسن يأتي مباشرة)، ثم ضرورة أنه لا معصوم إلا محمد بن الحسن العسكري الذي هو الإمام المهدي المنتظر. ولذلك يقول المرتضى: إن العقل يقتضي بوجوب الرياسة في كل زمان وأن الرئيس لابد أن يكون معصوماً. وقال المفيد: إن هذا أصل لا يحتاج معه إلى رواية النصوص لقيامه بنفسه في قضية العقول. وقال الطوسي: إن كل زمان لابد فيه من إمام معصوم مع أن الإمامة لطف واللطف واجب على الله في كل وقت. وقال المجلسي: إن العقل يحكم بأن اللطف على الله واجب وأن وجود الإمام لطف وأنه لابد أن يكون معصوماً، وأن العصمة لا تُعلم إلا من جهته، وأن الإجماع واقع على عدم عصمة غير صاحب الزمان فيثبت وجوده. هذه هي أدلتهم، لكن من أين جاءت هذه الأمور كلها؟ العقل يقول ذلك.
نقول: أثبت العرش ثم انقش ما شئت.
قولهم: لابد من إمام معصوم يرجع إليه الناس في أحكام دينهم .
نقول: هذا حق، وهو واحد وهو رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.
وقولهم: لابد أن يكون من ولد الحسين.
نقول: سيناقش في أدلتهم النقلية.
رووا عن أبي عبدالله جعفر الصادق أنه قال: إن الأرض لو خلت طرفة عين من حجة لساخت بأهلها(2)[2]. ورووا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال للحسين: هذا إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمة تسعة، تاسعهم قائمهم اسمه كاسمي وكنيته كنيتي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً. وقالوا هذا الحديث مشهور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد توارثته الشيعة في البلاد المتباعدة خلفاً عن سلف، وهناك أحاديث أخرى تدور حول هذا الموضوع قريبة من هذه الراويات.
أما الأثر:
- إن الأرض لو خلت طرفة عين من حجة لساخت بأهلها.
* لاشك أنه كذب وذلك أن الواقع يشهد ببطلانه، وقد كانت فترات بين الرسل ولم تسخ الأرض بأهلها.
- أما الحديث الذي نسبوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال للحسين: هذا إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمة تسعة، تاسعهم قائمهم اسمه كاسمي وكنيته كنيتي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً.
* لاشك أنه كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- وكذا قولهم توارثته الشيعة في البلاد المتباعدة خلفاً عن سلف.
* هذا أيضاً كذب حتى على الشيعة وذلك أن هذا الحديث لا ينسبه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فرقة واحدة من فرق الشيعة التي بلغت قريباً من سبعين فرقة كلها تكذب هذا الحديث. كالزيدية والإسماعيلية والفطحية والكيسانية والبترية والجارودية والمختارية والكربية والهاشمية والراوندية والخطّابية والناوسية والقرامطة والواقفة الممطورة والنميرية وثلاث عشرة فرقة أخرى كلهم خالفوا الاثني عشرية في هذه العقيدة وقالوا إنه ليس هناك إمام بعد الحسن العسكري. وأما الحديث الذي استدلوا به فالصحيح منه قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من أهل بيتي اسمه كاسمي واسم أبيه كاسم أبي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوْرا. ومن الأدلة على كذب الحديث الذي استدلوا به أن كثيراً من الشيعة القدماء لم يكونوا على علم به، فدلّ على أن هذا الحديث مصنوع وموضوع بعد ذلك بمدة طويلة. ولذلك اختلف الشيعة تقريباً بعد وفاة كل إمام من يكون الإمام بعده؟ وهذا زيد بن علي بن الحسين عم جعفر الصادق أخو محمد الباقر ابن علي بن الحسين، زيد بعث إلى الأحول (وهو من كبار الشيعة في ذلك الوقت) وهو مستخفٍ وطلب نصرته فأبى الأحول وقال: إن كان الخارج أباك أو أخاك خرجت معه أما أنت فلا. فقال له زيد: يا أبا جعفر، كنت أجلس مع أبي على الخِوان (أي على طاولة الطعام) فيلقمني البَضْعَة السمينة، ويبرد لي اللقمة الحارة حتى تبرد شفقة عليّ ولم يشفق علي من حر النار إذ أخبرك بالدين ولم يخبرني به. فقال الأحول: جُعلت فداك، من شفقته عليك من حر النار لم يخبرك خاف عليك ألا تقبله فتدخل النار (أي لا تقبل أن المهدي أو أن الإمام بعد علي بن الحسين هو أخوك محمد ولست أنت وبعد أخيك محمد هو جعفر ابنه ولست أنت. قال: ما أخبرني أبي بهذا، فكيف أخبرك ولم يخبرني؟ فقال: أشفق عليك، أن لا تقبل فتدخل النار وأخبرني أنا فإن قبلت نجوت وإن لم أقبل لم يبال أن أدخل النار)(3)[3]. وهذا الكلام باطل إذ يلزم من هذا أن لا يخبر جميع أهل البيت أولادهم ولا أعمامهم ولا أخوالهم ولا باقي أقاربهم خشية أن لا يقبلوا فيدخلون النار. وهكذا لا ينتهي هذا المسلسل من الطعن في آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم من شرذمة يدعون محبتهم، الآن زيد وبعده سيأتينا الطعن في جعفر بن علي الهادي كما طعنوا في أبناء عم الحسن العسكري وقبلهم طعنوا في محمد بن علي بن أبي طالب وعبدالله بن جعفر الصادق وأولاد الحسن بن علي والعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم وابنه عبدالله بن العباس ثم يدعون بعد ذلك محبة آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم قبّح الله هذا الحب. وكذلك مما يدل على كذب هذا الادعاء أنهم يقولون ويروون أن الإمام السابق لا يموت حتى يعلمه الله إلى من يوصي وأن الإمام التالي يعرف إمامته في آخر دقيقة من حياة الأول(4)[4] .
وهذا زرارة بن أعين أوثق رواة الشيعة على الإطلاق ومن المقربين إلى الإمامين الباقر والصادق يموت وهو لا يعرف إمام زمانه، ولما اقترب موت في زرارة واشتد النزع قال لعمته: ناوليني المصحف، فأخذه وفتحه ووضعه على صدره وقال: يا عمة اشهدي، أن ليس لي إمام غير هذا الكتاب(5)[5]. ولما مات جعفر الصادق رضي الله عنه بايع أكثر الأقطاب الإمامية ابنه عبدالله وجاءوا يسألونه وهم هشام بن سالم الجواليقي، ومحمد بن النعمان الأحول الذي جاء ذكره سابقاً، وعمّار الساباطي وغيرهم حتى قال هشام بن سالم: خرجنا منه (أي من عبدالله بن جعفر الصادق) ضُلاّلاً لا ندري إلى أين نتوجه؟ ولا من نقصد(6)[6].(31/1)
إن الأدلة على عدم إمامة الثاني عشر كثيرة فمن كتب الشيعة ما روي عن علي الهادي (جد المهدي المنتظر على حسابهم) أنه قال: "أبو محمد ابني (الحسن العسكري) انصح آل محمد غريزة وأوثقهم حجة، وهو الأكبر من ولدي، وهو الخلف وإليه ينتهي عرى الإمامة وأحكامها". وهذا يدل على أنه ليس بعد الحسن العسكري أحد. وكذلك جاء في الحديث:" لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من أهل بيتي اسمه على اسمي واسم أبيه على اسم أبي والرسول صلى الله عليه وسلم اسمه محمد بن عبدالله والمهدي عندهم اسمه محمد بن الحسن فكيف يكون اسمه على اسم النبي صلى الله عليه وسلم واسم أبيه على اسم أبي النبي صلى الله عليه وسلم؟ هذه إشكالية عظيمة، ولذلك حل هذه الإشكالية أبو حسن الأربلي فقال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم سبطان أبو محمد الحسن وأبو عبدالله الحسين ولما كان الحُجّة (هو المنتظر) من ولد الحسين وكانت كنية الحسين أبا عبدالله فأطلق النبي صلى الله عليه وسلم على الكنية لفظ الاسم لأجل المقابلة بالاسم في حق أبيه وأطلق على الجد لفظة الأب فكأنه قال: اسمه اسمي فأنا محمد وهو محمد وتواطؤ كنية جده الحسين اسم أبي إذ هو أبو عبدالله وأبي عبدالله(1)[7]. وهذا الهراء لا أظنه يقبله عاقل ولكن كما قال المتنبي:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله،،،، وأخو الجهالة بالشقاوة ينعم
جاء عند الكليني في الكافي ما يكذب هذا المدعى، والكافي كما هو معلوم هو أوثق كتاب عند الشيعة على الإطلاق، عن الحسن بن علي بن محمد بن رضا قال: قال له بعض من حضر مجلسه من الأشعريين: يا أبا بكر فما خبر أخيه جعفر (أخ الحسن العسكري أي عم المهدي المنتظر)؟ قال: ومن جعفر فتسأل عن خبره أو يقرن بالحسن جعفر؟ معلن الفسق، فاجر، ماجن، شريب للخمور، أقل من رأيته من الرجال وأهتكهم لنفسه، خفيف قليل في نفسه. هكذا يقولون عن عم المهدي عن جعفر بن علي الهادي أخي الحسن العسكري، انظروا كيف يسبون آل البيت. ثم يقول: لما اعتل (أي الحسن العسكري) بعث إلى أبي إن ابن الرضا قد اعتل (أي مرض الموت) فركب من ساعته فبادر إلى دار الخلافة ثم رجع مستعجلاً ومعه خمسة من خدم أمير المؤمنين كلهم من ثقاته وخاصته فيهم نحرير الخادم فأمرهم بلزوم دار الحسن وتعرّف خبره وحاله وبعث إلى نفر من المتطببين، فأمرهم بالاختلاف إليه. حتى مات الحسن العسكري، فلما دفن أخذ السلطان والناس في طلب ولده (أي يبحثون عن ولد للحسن العسكري) وكثر التفتيش في المنازل والدور وتوقفوا عن قسمة ميراثه ولم يزل الذين وكلوا بحفظ الجارية التي توهم عليها الحمل لازمين (أي هذه الجارية من جواريه فشكوا أنها ممكن أن تكون حاملاً فإذا كانت حاملاً فهو ابن الحسن العسكري)، حتى تبين بطلان الحمل فلما بطل الحمل عنهن قسّم ميراثه بين أمه وأخيه جعفر(2)[8]. فهذه الرواية تثبت أنه لم يكن للحسن العسكري ولد.
من هو المهدي المنتظر عند الشيعة؟
أسماؤه المهدي محمد القائم الغائب الصاحب الحُجّة الخائف الخَلَف أبو صالح الناحية المقدسة، وغير هذا كثير حتى بلغ بها النوري الطبرسي بعدد أسماء الله الحسنى تسعة وتسعين اسماً.
اختلفوا في هذا المهدي اختلافاً عظيماً، اختلفوا أولاً في تسميته، فرووا عن أبي عبدالله جعفر الصادق أنه قال: صاحب هذا الأمر رجل لا يسميه باسمه إلا كافر(3)[9]. ورووا عن أبي محمد الحسن العسكري أنه قال لأم المهدي: ستحملين ذكراً واسمه محمد وهو القائم من بعدي(4)[10]. فنلاحظ أنهم تارة يقولون عن الحسن العسكري هو محمد وأخرى يقولون من ناداه باسمه فهو كافر.
من الأدلة على عدم وجود هذا الشخص:
أمه لا تُعرَف، فهي كما قال علماؤهم: جارية اسمها سوسن جارية وقيل جارية اسمها نرجس وقيل جارية اسمها صيْقَل، وقالوا: جارية اسمها مُلَيْكة، كما قالوا: جارية اسمها خمط، وقالوا: جارية اسمها حكيمة وقالوا: جارية اسمها ريحانة، وقيل هي أمة سوداء، وقيل هي امرأة حرة اسمها مريم.
متى وُلِد؟
ولد بعد وفاة أبيه بثمانية أشهر، ولد قبل وفاة أبيه سنة 252، ولد سنة 255، ولد سنة 256، ولد سنة 257، ولد سنة 258، ولد في ثمانية من ذي القعدة، ولد في ثمانية من شعبان، ولد في الخامس عشر من شعبان، ولد في الخامس عشر من رمضان.
كيف حملت به أمه؟
حملته في بطنها كسائر النساء، حملته في جنبها ليس كسائر النساء.
كيف ولدته أمه؟
من فرجها كسائر النساء، من فخذها على غير عادة النساء.(5)[11]
والخروج من هذه التناقضات:
جاء الجواب الغريب الذي ينهي هذه التناقضات لنوري الطبرسي فقال: أمه مليكة التي يقال لها في بعض الأحيان سوسن وفي بعضها تنادى بريحانة وكان صيقل ونرجس أيضاً من أسمائها، ولكنه نسي خمط وحكيمة ومريم، ونسي أنها أحياناً تكون حرة وأحياناً تكون أمة، ونسي أنها أحياناً تكون بيضاء وأحياناً تكون سوداء، ونسي أنها حملته مرتين مرة في بطنها ومرة في جنبها ونسي إنها ولدته مرتين مرة من فرجها ومرة من فخذها، وولد ثمان مرات وذلك للخروج من كل هذه التناقضات التي تحيط بهذه الولادة الغريبة العجيبة.
أشهر الروايات في ولادة المهدي:
رواية عمته حكيمة وهي رواية ضعيفة من حيث الإسناد ثم هي متناقضة جداً ، جاء في بعض روايات حديث حكيمة أنها جاءت تقلب سوسن بطناً لظهر، فلا ترى أثراً لحمل فقال لها العسكري: إذا كان وقت الفجر يظهر لك الحبل (أي الحمل). وفي رواية قالت: فلم أر جارية عليها أثر الحمل غير سوسن. وفي رواية تقول حكيمة: فأجابني في بطن أمه وسلّم علي. وفي رواية اسمها سوسن وفي رواية اسمها نرجس.
كيف ينشأ؟
رووا عن أبي الحسن أنه قال: إنَّا معاشر الأوصياء ننشأ في اليوم مثل ما ينشأ غيرنا في الجمعة. وعن أبي الحسن أنه قال: إن الصبي منّا إذا أتى عليه شهر كان كمن أتى عليه سنة. وعن أبي الحسن أنه قال: إنَّا معاشر الأئمة ننشأ في اليوم كما ينشأ غيرنا في السنة. تناقضات لا تنتهي.
أين يقيم؟
قالوا: في طيبة، ثم قالوا: في جبل رضوة بالروحاء، قالوا: هو في ذي طوى بمكة، وقالوا: هو في سامراء. حتى قيل:
ليت شعري استقرت بك النوى،،، بل أي أرض تقلّك أو ثرى
أبرضوة أم بغيرها أم بذي طوى،،،، أم في اليمن بوادي شمروخ أم في الجزيرة الخضرا
هل يعود شاباً أو يعود شيخاً كبيرا؟
عن المفضل قال: سألت الصادق يا سيدي يعود شاباً أو يظهر في شيبة؟ قال: سبحان الله، وهل يعرف ذلك؟ يظهر كيف شاء وبأي صورة شاء(6)[12]. ثم في رواية أخرى يظهر في صورة شاب موفق ابن اثنين وثلاثين سنة(7)[13]. ثم في رواية أخرى يخرج وهو ابن إحدى وخمسين سنة(8)[14]. وفي رواية أخرى يظهر في صورة شاب موفق ابن ثلاثين سنة(9)[15]. تناقضات لا تنتهي.
مدة ملكه
قال محمد الصدر وهي أخبار كثيرة لكنها متضاربة في المضمون إلى حد كبير حتى أوقع كثير من المؤلفين في الحيرة والذهول(10)[16]. في رواية أخرى ملك القائم منّا تسع عشرة سنة، وفي رواية سبع سنين، يطول الله له الأيام والليالي حتى تكون السنة من سنيه مكان عشر سنين من سنيّكم فيكون سنيّ ملكه سبعين سنة من سنيّكم(11)[17]. رواية أخرى إن القائم يملك 309 سنين كما لبث أهل الكهف في كهفهم. تناقضات لا تنتهي.
كم مدة غيبته؟
كان مخترعو فكرة الغيبة على درجة كبيرة من الدهاء، وكان الشيعة في ذلك الوقت ينقسمون إلى قسمين لا ثالث لهما:
القسم الأول: من رفض هذه الفكرة، فكرة الغيبة وفكرة وجود ولد للحسن العسكري وهم أكثر فرق الشيعة كما ذكرنا سابقاً، كل فرق الشيعة ماعدا فرقة واحدة.
القسم الثاني: من قبل هذه الفكرة، وهم القلة الذين كانوا يمنون أنفسهم بقيام دولة لهم. وكان مخترعو الفكرة يمنون أتباعهم بقصر المدة فوضعوا روايات تفيد ذلك، فلما لم يظهر جاءت روايات أخرى تزيد في المدة، وهكذا حتى جعلوها غير محددة، والعجيب أنهم يجدون من يصدق. فعن علي بن أبي طالب أنه قال: تكون له (أي للمهدي) غيبة وحيرة يظل فيها أقوام ويهتدي آخرون فلما سئل: كم تكون الحيرة؟ قال: ستة أيام، أو ستة أشهر، أو ست سنين(12)[18]. فكانت هذه الرواية مقبولة في البداية لتهدئة النفوس المضطربة وليضمن النواب الأموال التي يوصلونها إلى المهدي كما زعموا، ولكن مرت المدة ولم يظهر شيء. فجاءت الرواية الثانية عن أبي عبدالله أنه قال: ليس بين القائم وقتل النفس الزكية إلا خمس عشرة ليلة (أي سنة 133 من الهجرة). قال محمد الصدر عن هذا الخبر: خبر موثوق، قابل للإثبات التاريخي بحسب منهج هذا الكتاب. فقد رواه المفيد في الإرشاد عن ثعلبة بن ميمون عن شعيب الحداد عن صالح بن ميثم الجمّال، وكل هؤلاء الرجال موثقون أجلاّء(13)[19]. جاءت بعد ذلك لمّا لم يظهر الرواية عن جعفر الصادق أنه قال: يا ثابت إن الله قد كان وقّت هذا الأمر في السبعين فلمّا أن قتل الحسين اشتد غضب الله على أهل الأرض فأخره إلى أربعين ومائة. قال: فحدثناكم فأذعتم الحديث وكشفتم قناع الستر فلم يجعل الله له بعد ذلك عندنا وقتا.
كيف يقولون هذا؟ وخروج الحسين أصلاً كان بأمر من الله له كما يدّعون، وأن الحسين لا يموت إلا باختياره وأن الإمام عندهم لا يموت إلا بعلمه. فجاءت الرواية التي تكذّب كل ما سبق عن أبي عبدالله جعفر الصادق أنه قال: كذب الوقّاتون إنَّا أهل بيت لا نوقّت. فماذا عن المواقيت التي سبقت؟ لاشك أنها كذب إذاً على أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم. ثم جاءت الرواية الثانية عن أبي عبدالله جعفر الصادق أنه قال: من وقّت لمهديّنا وقتاً فقد شارك الله تعالى في علمه.(14)[20].
روايات مضطربة، كيف الخروج من هذه الروايات؟ للخروج منها جاءت الرواية الفاصلة التي تقطع الإشكال كله، عن أبي جعفر أنه قال: إذا حدثناكم الحديث فجاء على ما حدثناكم به فقولوا صدق الله، وإذا حدثناكم الحديث فجاء على خلاف ما حدثناكم به فقولوا صدق الله تؤجروا مرتين. وللأسف وجدت هذه الرواية آذاناً صاغية وقبلت هذه الرواية. وهم كما يروون عن أبي الحسن أنه قال: الشيعة تربى بالأماني منذ مئتي سنة(15)[21].
سبب الخلاف:
لماذا اختلفت هذه المدد؟ مرة بسبب قتل الحسين، ومرة بسبب أنهم أذاعوا الستر ومرة يكذبون ما رووا يقولون كذب الوقّاتون وهلك المستعجلون، والسبب في هذا كله هو أن الوضع والكذب يكون بحسب المناسبات ثم باختلاف الأشخاص، قال تعالى: "ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا".(31/2)
قال النعماني أحد علماء الشيعة الكبار وهو يصف حال الشيعة في ذلك الوقت وهو من علماء القرن الرابع الهجري، وكان يصف حالهم كيف أنهم في حال اضطراب وذلك بأنه في كل يوم تتغير رواية أو تؤجل فيقول: إن الجمهور منهم في الخلف أين هو؟ وأنّا يكون هذا؟ وإلى متى يغيب؟ وكم يعيش؟ هذا وله الآن نيف وثمانون سنة قال: فمنهم من يذهب إلى أنه ميت، ومنهم من ينكر ولادته فيجحد وجوده بواحدة ويستهزئ بالمصدق به، ومنهم من يستبعد المدة ويستطيل الأمر(1)[22]. ثم قال: أي حيرة أعظم من هذه الحيرة التي أخرجت من هذا الأمر الخلق الكثير والجم الغفير ولم يبق إلا النزر اليسير وذلك لشك الناس(2)[23]. وقال ابن بابويه: رجعت إلى نيسابور وأقمت فيها فوجدت أكثر المختلفين عليّ من الشيعة قد حيرتهم الغيبة ودخلت عليهم في أمر القائم الشبهة(3)[24]. وقال الطوسي: تأملت مولد قائمنا وغيبته وإبطاءه وبلوى المؤمنين من بعدي في ذلك الزمان وتولد الشكوك في قلوب الشيعة من طول غيبته وارتداد أكثرهم عن دينه.
وكان الحل للخروج من هذه المعضلة العظيمة سهل جداً وهو وضع حديث على أحد الأئمة وينتهي الأمر كله، فرووا عن أبي جعفر الصادق أنه قال: إن للغلام غيبة قبل أن يقوم وهو المنتظر وهو الذي يُشك في ولادته منهم من يقول مات أبوه بلا خلف ومنهم من يقول حمل، ومنهم من يقول إنه ولد قبل وفاة أبيه بسنتين، غير أن الله عز وجل يحب أن يمتحن الشيعة فعند ذلك يرتاب المبطلون. فهذه الرواية جاءت على ما يحبون. ولكن للأسف جاءت رواية أخرى تكذب هذه الرواية تقول: لو علم الله أنهم يرتابون ما غيّب حجته طرفة عين أبدا(4)[25]. روايات معلبة، وجاهزة وهي لحل جميع الإشكاليات وما عليك إلا أن تختار أحد الأئمة وتنسبها إليه وتجد من يصدق بل ويصفق.
المهدي المنتظر الغائب:
هل هو غائب عن الجميع أو يظهر لبعض الناس؟ قال الطوسي: إننا أولاً لا نقطع على استتاره عن جميع أوليائه بل يجوز أن يظهر لأكثرهم، ولا يعلم كل إنسان حال نفسه، فإن كان ظاهراً له فعلّته مزاحمة، وإن لم يكن ظاهراً (أي هناك غيره يطلبونه) علم أنه لم يظهر له لأمر يرجع إليه (أي لضعف إيمان أو ما شابه ذلك) وإن لم يعلمه مفصلاً لتقصير من جهته وإلا لم يحسن تكليفه(5)[26]. وهذا نظير جواب أحد القساوسة قرأته له في فتاوى يُسأل: قيل له: كيف نؤمن أن الله واحد وأن الله ثلاثة في الوقت نفسه؟ قال: أولاً يجب عليك أن تؤمن أن الله واحد وأن الله ثلاثة في الوقت ذاته فإذا آمنت جاءك عيسى وفهمك، فإذا لم يأتك فهذا دليل على عدم إيمانك. فيبقى الآن بين حالين إما أن يقول جاءني عيسى وفهمني وأنا كامل الإيمان فيكذب على نفسه، وإما أن يقول ما جاءني فيتّهم نفسه أنه غير مؤمن. فكذلك هم يقولون إن رأيت المهدي فهذا يعني أنك قمة في الإيمان، وأنت لن تراه فاكذب وقل إنك رأيته كي تكون مؤمناً، وإن لم تكن تراه فهذا من ضعف إيمانك. ولذلك ادعى رؤية المهدي الكثيرون كي يقال عنهم إنهم قمة بالإيمان.
في حياة أبيه:
عندما ولد المهدي في حياة أبيه هل رآه أحد؟ عن العسكري أنه قال لعمته حكيمة (عمة الحسن العسكري أي عمة أب المهدي) لما جاءت تسأل عنه بعد ثلاثة أيام (أي من ولادته): يا عمة، هو في كنف الله أحرزه وستره حتى يأذن الله له فإذا غيّب الله شخصي وتوفاني ورأيت شيعتي قد اختلفوا فأخبري الثقاة منهم(6)[27].
إذاً الأمر سري، انتظري حتى أموت فأخبري الناس بوجود المهدي، فهذا معناه أنه لم يره أحد غيرها على ظاهر الرواية، ولكن انظروا كم واحد ادعى رؤية المهدي في حياة أبيه؟
خادما العسكري نسيم وماريا(7)[28].
أحمد بن إسحاق(8)[29].
الحسن بن الحسين العلوي(9)[30].
أبو هارون(10)[31]
عمرو الأهوازي
رجل من أهل فارس كما في الكافي.
عثمان العمري مع مجموعة معه(11)[32].
طريف أبو نصر (12)[33].
رجل سوري اسمه عبدالله(13)[34]
سعد القمّي(14)[35]
من أمرهم الحسن العسكري أن يعقُّوا عن ولده المهدي (ادعوا أنهم رأوه)(15)(31/3)
لقاء خاص مع أخت دخلت الإسلام
الأخ الفاضل عبد الكريم الحربي
قصة الأخت بلسانها
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
الحمد لله الذي أنار قلبي بنور الإسلام و وسير لي الأقدار حتى اهتدي إلى الطريق الصحيح
والصلاة والسلام على اشرف المرسلين
وبعد ...
بالبداية احب أن أوضح لكم بان ما وصلت له ما هو إلا ناتج طبيعي للإهمال و اللامبالاة فقصتي تبدأ من قبل أن أوجد بالحياة فأبى الخليجي المسلم تزوج من أمي العربية النصرانية على وعد من أمي بان تسلم بعد الزواج وتم الزواج بأحد الدول الأوربية حيث كانوا يدرسون هناك
ولكن بعد الزواج وبعد مرور ستة اشهر رفضت أمي الإسلام وهنا قرر أبي أن يطلقها لان كان شرطه من البداية إن تسلم أمي وكانت أمي حامل بي في هذه الأيام وحصل الطلاق ورجعة أمي لبلادها وعند خروجي للحياة طالب أبى أن يأخذني ولكن أمي رفضت بدافع الامومه وبعد إصرار من أمي وافق أبى وتركني عند أمي النصرانية فأصبحت علاقتي به فقط مرتبطة بالتحويلات المالية كل شهر ومكالمة بالمناسباب ولا أراه إلا بالسنتين مره و أحيانا اكثر صحيح كنت احمل إثباتات شخصيه تحمل مسمى مسلمة خليجيه ولكنني ما كنت اعرف عن الخليج أو عن الإسلام إلا ما كنت آخذه بحصص الجغرافية أو التاريخ أو ما أره من مسلمين أو خليج في بلاد أمي التي عشت بها كنت ادرس بمدرسه كاثوليكية وكنت اذهب مع أمي للكنائس وعشت 18 سنه وأنا على هذا الحال مسلمة بالاسم أما عبادتي نصرانية صحيح كنت مهملة بعياداتي وكنت لا احب الذهاب إلى الكنيسة إلا قليلا ولكنني كنت ألوم نفسي على إهمالي وكنت اعد نفسي بان اذهب بأقرب فرصه كنت أعيش حياة المراهقة بطيش فكنت كثيره الخروج وكثيرة السهر بالخارج وكان لي أصحاب من الجنسين وكانت أمي توجه لي بعض النصائح فقط ولكن بعد أن أنهيت دراسة الثانوية وكانت نسبتي جيد جدا ولم تكن تدخلي ببلاد أمي الجامعة التي أريد فقررت الدراسة بدوله أبى وعندما عرضت على أبى فكرة دراستي في بلاده لم يهتم كثيرا ولكن قال لي أين سوف تسكنين فهمت حينها انه لا يريدني اسكن معه فاقترحت سفر أمي والسكن معي هي وأخي من أمي وبالأخص بعد وفات زوج أمي الذي كنت اسميه أبى وافق أبى على الفكرة
وكونه متيسر ماديا قرر أن يتحمل على الماديات من سكن و حتى الطعام والخادمة وان يزيد مصروفي الشهري كان سفري نقطة تحول كبيره جدا بحياتي فتعرفت بها على الإسلام من المسلمين أنفسهم واكثر ما شدني هي الفتيات الصغيرات المتحجبات فكنت اشعر بغيرة شديدة لاني كنت أتخيل بأنهم مثل الجوهرة أو الماسة محفوظة بقطعه من المخمل الأسود الأصلي أما أنا الشبه عارية كنت أرى نفسي كإعلانات الجرائد لا تشد إلا القليل وحتى الانبهار لا يتعدى الدقايق ثم تستعمل الجريدة بالمطبخ أو ترمى بالزبالة فالسنه الأولى من دخولي الجامعة اتجهت لامي أسالها عن الإسلام وأنا متعلقة بأمي بدرجه كبيره فأجابتني بكلمة لا أنساها
فالت لي : أنا انبهرت قبلك بالإسلام وتزوجت أبيك وأنا كنت مؤمنه بهذا الدين ولكن بعد تعرفت عليه اكثر تأكدت بأنه ليس بدين من الله هي خرافات لرجل عربي أمي لا يقرا ولا يكتب فهل يعقل لمتعلمة مثلك أن تسمح لامي بان يلعب بعقلها وينظم لها حياتها..... فسكت وتقبلت كلامها وبصراحة لم اشغل نفسي كثيرا لاني كنت منبهرة بحياتي الخالية من القيود مرت علي ثلاث سنوات وأنا كنت أفكر بديني بين فترة وأخرى
ولكنت عاشقة للإنترنت وكنت ادخل البالتوك كثيرا ولمجه سنه كاملة ولكن في أحد الأيام خطاة باختيار الغرفه التي أريد ودخلت غرفه أضهار الحق بالبالتوك ووجد أشخاص يعيبون بالنصرانية وعرفت بان هناك غرفه أخرى يسبون الدين الإسلامي وتاهت مشاعري بين الديانتين فأنا احمل اسم مسلمة وأبى مسلم وأنا أيضا تربية على النصرانية وأمي نصرانية ولما كانت مشاعري تنتمي للديانتين فقررت أن احدد نفسي بنفسي فأصبحت لمده شهرين أتردد على الغرف الاسلاميه والغرف النصرانية وكنت أعطي كل غرفه ساعتين وكنت مستمعه فقط وبعد أن تعرفت على الديانتين تكونت عندي بعض الاساله فقمت اسأل القائمين على هذه الغرف لمده شهر كامل والغريب بالأمر أنى وجدت ترحيب وطولت بال من المسلمين اكثر من النصرانيين ولم أجد عند النصرانيين عندما اوجه لهم اي كلمة اسمعها من غرفة اظهار الحق إلا كذابين أو إن ذلك بالعهد القديم
العهد القديم ؟؟؟؟؟؟؟ كيف يكون كتابي سماوي ويكون له مده استعمال محدد وبعدها يرمى ويأتي كتاب جديد يكتبه مخلوق عادي ويقال عنه العهد الجديد لما القرآن كتاب واحد ؟؟؟؟؟؟؟
وقارنت بين الديانتين وجد بالإسلام ما يمليه علي عقلي وفطرتي حيث الحشمة والتستر والنظافة وحتى العدل والكرامة وبعد ثلاث اشهر اخترت الإسلام دين لي وذهب إلى غرفة حامل المسك بالبالتوك لكي اتعرف على ديني الجديد فرأيتهم يتسابقون لمساعدتي ومن بينهم الأخ مسلم والأخ البلسم الشافي جزاهم الله ألف خير
وتعرف من خلالهم ومن خلال بعض الكتب وبعض مواقع الإنترنت على الإسلام ولم أجد أي صعوبة بالإسلام لانه دين الفطرة ونطقت الشهادتين بغرفه حامل المسك وبعد نطق الشهادة قمت واغتسلت وصليت وبعد ثلاث أيام تحجبت وبالحجاب عرفت أمي بإسلامي ولا أستطيع أقول لكم ماذا قالت لي والى وماذا دعتي أو ماذا فعلت لكني تعيدني لانه كثير كثيرا وأنا أحاول اختصر ولكنها دعتني للعلمانية وان أعيش حياتي بالصورة التي أريد دون قيود تخيلوا أم تقول لابنتها هكذا وحاولت مره تمزيق المصحف ولكني أتيت بالوقت المناسب والكثير الكثير ولكن لم تستطع أن تفعل بي شيئا ولم تستطع إحباط اردتي واتفقت معها أن إسلامي لا يؤثر على حياتها وبهذي الطريقة تجعلني على حريتي ألان وبعد ثلاث اشهر من إسلامي أصبحت اعرف اكثر مما يعرفه من تربى على الإسلام أتعلمون لماذا لاني دخلت الإسلام باختياري واستغنيت عن أصدقائي وصديقاتي والحرية بالتعريف الغربي لاجله لان الله اصبح حبيبي الذي اخلص له واحرص على رضائه وعرفت باني بالإسلام أرضيه حرصت على إسلامي والحمد لله أنا الآن أجيد التجويد واحفظ أجزاء من القران ولم اترك صلاتي أو أخرتها ولا يوم إخواني أتمنى أن تتعرفوا على الإسلام بطريقتي فتأملوا به وتفكروا بشرائعه حتى تزدادون إيمانيا وتعلقا به لان الإلفه تبعد الشعور وشكرا واسفه على الاطاله مع أني اخترصت جزء كبير من قصتي ومن له سؤال فليسأل وأنا مستعدة وأنا الآن عمري 21 سنه وادرس بالسنة النهائية
ودمتم
أختكم : مسلمة
السؤال الأول
الأخت الفاضلة/ المسلمة ـ وفقها الله وثبتها على الهدى ـ آمين
كيف كان شعوركِ عندما نطقتي الشهادة ؟
الجواب
كان شعوري لا يوصف والدموع غمرت عيني وشعرت برعشه بكل جسدي واحسست باني اول مره اتلكم فكنت اشعر بان الكلام تغيربلساني شعور لايوصف
السؤال الثاني
ألم يكن هناك من يدعوك إلى الإسلام طوال السنوات الماضية ..؟
ألم تشاهدي برامج أو تقرأي كتيبات عن الإسلام في السنوات الماضية ..؟
كيف كنتِ تتصورين الإسلام من خلال ما يقوم به السياح المسلمون وغيرهم ..؟
هل علم والدك بإسلامكِ ..؟ وماذا كان موقفه ..؟
الجواب
للاسف لم يدعي اي احد للاسلام لان عندما كنت عند امي كان كل من حولي نصارى فقط وعندما اتيت للخليج لم اقل لاحد وبما اني من عائله معروفه ببلادي فلم يشك او يتجرا احد على ان يسالني عن ديني لانهم بالطبع يعرفون بان عائلتي مسلمه . وحصل ان سالتني باول سنه لي بالخليج احدى الاخوات هل اصلي اجبتها طبعا دائما وانا اقصد الصلاة بالصوره النصرانيه ولكنها فهمت صلاة المسلمين لانها تكلمت مشتكيه بانها تؤجل او تؤخر احيانا بصلاتها هنا فهمتها ولم ارد ان احرج نفسي او ادخل معها بشرح قصتي اما عن البرامج والكتب فكنت مشغوله بحياتي ولم افكر ابد بموضوع الديانه وكنت اعتقد باني صغيره على التفكير بالرب فبالتلفزيون لا اشاهد الا برامج الاغاني والافلام اما القراءه فكنت اقرء بالادب كالشعر الفصيح والتاريخ وعلم النفس فقط ولم اقراء بالديانات اما عن السياح المسلمين فانا لا التقي بهم الا بالديسكوات وبالكزنوهات وللاسف هؤلاء كانوا يشوهون الاسلام بعيني اكثر حيث كانوا متعطشين ومتلهفين للنساء فكانوا يثبتون ماكانت تقوله امي عن المسلمين للاسف.
ابي ... ابي الذي لم يتكلم طوال 18 سنه وانا البس الصليب كقلاده عالصدر ولم يهتم بالامر ولم اخلعه الا تجنبا لكلام اهل الخليج لاني لا احب ان توجه لي النصائح وامي هي اللتي طلبت مني ذلك .
ابي الذي لم يتكلم على لبسي الفاضح طوال الثلاث السنوات اللتي عشتها ببلاده ولم يتوجه لي بنصيحه او حتى كلمه طيبه بحياتي كلها حيث يعتبرني نتيجه لحبه الفاشل فقط , بصراحه لا يعلم ابي عني شيئا الا اني تحجبت ولم يسالني عن السبب وحتى لم يباركلي بالحجاب ...
باختصار علاقتي بابي لا تتعدى الامور الماديه فقط
السؤال الثالث
ما هي نصيحتكِ لكل نصراني ونصرانية سمعوا بدين الإسلام ولم يدخلوه بعد؟
الجواب
انا اتمنى من كل نصراني فقط ان يتامل بدينه لو لخمس دقائق ويتعامل بالموضوع بصورة عقلانيه فقط حتى لا ينتهي بهم العمر وهم بالجهل وانا اعتقد بان اي شخص يتامل النصرانيه بعقله سوف يسلم على طول
السؤال الرابع
ماذا تقولين للمسلمين وبماذا تنصحينهم وماذا تقولين للنصارى وبماذا تنصحينهم
الجواب
اولا : اقول للمسلمين بان لا ياخذون الدين كعاده بس يجب عليه التفكره بهذا الدين العظيم لان الالفه تبعد الشعور واتمنى لا ينبهروا بالغرب ومثل مايرون الزين يرون الشين فبالغرب ينتشر الايدز واطفال الحرام والقتل والسرق بشكل مفزع والحمدلله اسلامنا يحمينا من كل هذا الاضرار ولو تمسكنا بديننا سوف نكون ونصبح اقوى امه لان القران دستور صالح لكل زمان ومكان اما النصارى فاريد منهم فقط فقط تامل دينهم لان كتبهم لا تحتاج الأ لعقل طفل بالسادسه من العمر يعرف القراءه حتى يميز التناقض واللامنطق فيه وضعفه اتمنى ان لا يكون امعه اتمنى ان يعطي عقله مجال ويقارن بين الاسلام والنصرانيه
والله انا احب النصارى لانهم امي وجدتي وخالي وصديقاتي واتمنى لهم الخير
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الأخ الفاضل عبد الكريم الحربي
عدد القراء : 1747
تاريخ الموضوع: 15 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(32/1)
شرح العقيدة التدمرية للشيخ عدنان عبد القادر ج - 4
الشيخ عدنان عبد القادر
إضافة الأعيان أي الأشياء الملموسة التي ترى بالعين إضافتها إلى الله تكون للتشريف وهي مخلوقة له: كبيت الله وناقة الله بخلاف إضافة المعاني كعلم الله وقدرة الله وعزة الله وكبريائه وحياته وعلوه وكلامه فإن هذه صفات الله لا يمكن أن تكون مخلوقة.
والوصف بالتكلم من أوصاف الكمال وضده عدم التكلم من النقص ولذلك عاب الله على المشركين عبادتهم الأصنام فقال: "واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلاً جسداً له خوار، ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا".
وشبهة الذين ينفون صفة الكلام عن الله أنه إذا وصفنا الله بالكلام فقد شبهناه بالآدميين الذين يتكلمون ، وهذا باطل لأن كلام الآدميين يليق بهم وكلام الله يليق به.
فقد أثبت الكلام للنملة فقال: "وقالت النملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون".
والله جل وعلا أثبت الكلام لبعض مخلوقاته ونحن لا نعرف كيف تتكلم ولكننا نؤمن بكلام ربنا، قال تعالى: "اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون"، وقال تعالى:" وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء".
والله جل وعلا أثبت الكلام لنفسه فقال: "وكلّم الله موسى تكليما".
وقال بعض من ينكر الكلام لله لأبي عمرو بن العلاء أحد القراء السبعة: أريد أن تقرأ "وكلّم الله موسى" بنصب اسم الله ليكون موسى هو المتكلم لا الله، فقال أبو عمرو: هب أني قرأت هذه الآية كذا فكيف تصنع بقوله تعالى: "ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه".
وقال تعالى: "إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم".
ومن قال إن كلام الله مخلوق يلزمه أن ينسب كل كلام في الوجود إلى الله لأن الله هو الذي خلق الخلق وخلق كلامهم. وهذا باطل من القول وزور لأن كلام الآدميين فيه ما هو خير وحق وفيه ما هو باطل وضلال. فهل يجوز أن ينسب الكذب والسب والكفر إلى الله؟ ولقد قال بعضهم:
وكل كلام الوجود كلامه،،،،،،، سواء علينا نثره ونظامه
قال الطحاوي: ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر من أبصر هذا اعتبر وعن مثل قول الكفار انزجر علم بصفاته ليس كالبشر.
وذلك أن الله يقول في كتابه العزيز: "ليس كمثله شيء وهو السميع العليم". فكيف يمكن القول بتشبيه الخالق بالمخلوق.
قال الطحاوي: والرؤية حق لأهل الجنة بغير إحاطة ولا كيفية كما نطق به كتاب ربنا:" وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة"، وتفسيره على ما أراد الله تعالى وعلمه، وكل ما جاء في ذلك من الحديث الصحيح عن رسول الله فهو كما قال ومعناه على ما أراد لا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا ولا متوهمين بأهوائنا فإنه ما سلم في دينه إلا من سلم الله عز وجل ولرسوله ورد علم ما اشتبه عليه إلى عالمه.
يعتقد أهل السنة أن المؤمنين يوم القيامة وفي الجنة يرون ربهم سبحانه وتعالى ويستدلون على هذا بأدلة كثيرة.
وهنا لابد أن نذكر قاعدة أهل السنة في الاعتقاد وهي أن أهل السنة يستدلون ثم يعتقدون أي أن عقيدتهم مبنية على الأدلة. بعكس أهل البدعة فإنهم يعتقدون ثم يستدلون أي أن عقولهم القاصرة هي التي لها الغلبة والظهور على الأدلة فهو يعتقد أولاً ثم يبحث عن الدليل الذي يؤيد معتقده.
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الشيخ عدنان عبد القادر
عدد القراء : 1404
تاريخ الموضوع: 03 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(33/1)
شرح العقيدة الطحاوية للشيخ عثمان الخميس - 3
الشيخ عثمان الخميس
ووصف نبيه بالعبودية في أشرف الحالات:
* ففي الإسراء والمعراج ورفع منزلة النبي قال:" سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى".
* وفي الوحي قال:" فأوحى إلى عبده ما أوحى".
* وفي حال الانقطاع إلى الله قال:" وأنه لما قام عبد الله يدعوه".
ولما يطلب الناس الشفاعة من عيسى عليه السلام يوم القيامة يقول لهم: اذهبوا إلى محمد عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
وذهب بعضهم إلى أنه لا تعرف نبوة النبي إلا بالمعجزات وهذا الكلام غير صحيح وذلك أن المعجزات دليل على صحة النبوة ولكن هناك أدلة أخرى يجب أن لا تغفل وذلك أن النبوة لا يدعيها إلا أحد اثنين: أصدق الناس أو أكذب الناس، ولا يلتبس هذا إلا على أجهل الناس، وقرائن الأحوال تُظْهِر صِدْق الصادق وكِذْب الكاذب. وذلك أن الصدق مستلزم للبر والكذب مستلزم للفجور، كما قال رسول الله: عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يُكْتب عند الله صِدّيقاً، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يُكْتب عند الله كذابا. متفق عليه.
وما يُخبِر به بعض الكُهّان والعرّافين من المغيبات وإن كانوا يصدقون في بعضه إلا إنهم يضيفون إلى شيئاً كثيراً من الكذب وترى في أحوالهم أيضاً كثيراً من الفجور.
ولذلك لما رأى عبد الله بن سلام رسول الله آمن به وذكر أن من الأمور التي من خلالها عرف صدق النبي أنه قال: ولما رأيته عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب. وكذا من الأشياء التي عرفت خديجة أن الذي جاء النبي في حراء حق، أنها قالت: إنك تصل الرحم وتَصدِق الحديث وتحمل الكل وتقري الضيف وتكسب المعدوم وتُعين على نوائب الحق.
وكذا لما سأل هرقل أبا سفيان عن أحوال النبي كان من أسئلته هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال أبو سفيان: ما جربنا عليه كذبا. وهذه شهادة من أعدى أعداء النبي في ذلك الوقت فقال هرقل: لم يكن ليدع الكذب على الناس ثم يذهب فيكذب على الله تعالى. وكذا لما دعا النبي الناس في أول البعثة وقال: لو أخبرتكم أن خلف الوادي جيش مصبحكم فهل أنتم مصدقي؟ قالوا: ما جرّبْنا عليك كذبا وكانوا يلقبونه بالصادق الأمين.
قال الطحاوي: وأنه خاتم النبيّين.
مصداق ذلك قوله تعالى: "ولكن رسول الله وخاتم النبيّين".
وقول النبي: مثلي ومثل الأنبياء كمثل قصر أُحْسِن بناؤه وترك منه موضع لبنة فطاف به النظار يتعجبون من حسن بنائه إلا موضع تلك اللبنة لا يعيبون سواها فكنت أنا سددت موضع تلك اللبنة ختم بي النبيّين وختم بي الرسل. متفق عليه.
وقال: أنا العاقب والعاقب الذي ليس بعده نبي. متفق عليه.
وقال: وإنه سيكون في أمتي ثلاثون كذابون كلهم يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيّين لا نبي بعدي. مسند أحمد.
قال الطحاوي: وإمام الأتقياء وسيد المرسلين. وحبيب رب العالمين.
قلت: قال تعالى عن نبيه: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يُحببكم الله".
وقال رسول الله: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة. رواه مسلم.
وقال: إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشاً من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم. رواه مسلم.
والخُلّة أعلى مراتب المحبة.
وقال رسول الله: إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً. رواه مسلم.
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ عثمان الخميس
عدد القراء : 1555
تاريخ الموضوع: 03 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(34/1)
شرح العقيدة التدمرية للشيخ عدنان عبد القادر ج - 7
الشيخ عدنان عبد القادر
** القاعدة الثالثة عشر **
( الألفاظ المجملة - التي لم ترد في النصوص الشرعية ، والتي تتناول حقاً وباطلاً ، فليس لأحد إثباتها ولا نفيها حتى يعرف مراد المتكلم ، فان اراد حقاً قُبل وان اراد باطلاً رد ) . وان اشتمل كلامه على حق وباطل ، لم يقبل مطلقاً ، ولم يُرَدّ جميع معناه ، بل يوقف اللفظ ، ويفسر المعنى ( الدرء 1/120-121) .
* إذا قال : أنتم تزعمون أن الله فوق العباد ، واستوى على العرش ، وهو في السماء ، ويشار إليه بالاصبع !! .
- يقال له : نحن لم نزعم ذلك ، وانما هذا كلام الله الذي أثبت ذلك { وهو القاهر فوق عباده } ، { ثم استوى على العرش } ، { ءأمنتم من في السماء } وإقرار النبي - صلى الله عليه وسلم - للجارية عندما أشارت إلى السماء تشير إلى الله .
* إذا قال : فأنتم قد زعمتم أنه في جهة . مج ( 6/39-40) الدرء ( 1/253) .
- يقال له : ماذا تعني بالجهة ، هل تعني بها أمراً موجوداً ، أم أمراً معدوماً .
* إذا قال : أعني بها أمراً موجوداً .
- يقال له : هل يوجد غير الخالق والمخلوق .
* إذا قال : لا .
- يقال له : هل تعني بالجهة شيئاً مخلوقاً ، أم غير مخلوق .
* إذا قال : أعني بها شيئاً مخلوقاً .
- يقال له : فالله سبحانه ليس في جهة بهذا المفهوم وهو بائن من خلقه ، فوق سماواته .
* إذا قال : أعني بها شيئاً موجود غير مخلوق ، وهو ما وراء العالم المخلوق .
- يقال له : لم يبق إلا الخالق أو صفة من صفاته فإذاً أثبت أنت أن الجهة هي أمر موجود غير مخلوق ، فقد أثبتها أنت لله إذ ما ثم بعد المخلوقات وورائها إلا الخالق ، فليس في مخلوقاته شيئ من ذاته ، ولا في ذاته شيئ من مخلوقاته .
* إذا قال : أنتم تزعمون أن الله في حَيزْ ، حيث زعمتم أنه فوق العرش كما سبق . ( المنهاج 2/350) ( الدرء 1/120،253) ( مج 6/40) .
- يقال له : ماذا تريد بالتحيز ؟ هل هو أمر وجودي أم عدمي .
* إذا قال : هو شيئ موجود .
- يقال له : هل يوجد غير الخالق والمخلوق .
* إذا قال : لا .
- يقال له : هل تعني بالحيز ، شيئاً مخلوقاً أم غير مخلوق .
* إذا قال : أعني شيئاً مخلوقاً .
- يقال له : فالله سبحانه وتعالى ليس في حيز بهذا الاعتبار ، إذ هو بائن من خلقه ولا يحوزه غيره ، وانما هو فوق سماواته { وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون } .
* إذا قال : أعني به موجوداً غير مخلوق ، وهو ما وراء العالم ( المخلوق ) .
- يقال له : لا يوجد موجود خارج العالم إلا الله سبحانه ، فقد أثبت أنت الحيز لله سبحانه ، وهو بائن منفصل عن خلقه ، ليس حالاًّ فيها ، كما قال أئمة السنة ، فوق سماواته ، على عرشه ، بائن من خلقه ، وهذا هو المعنى الثاني للمتحيز وهو ما بان وانفصل عن غيره فهو سبحانه بهذا المفهوم صحيح .
فطريقة السلف والأئمة يراعون المعاني الصحيحة المعلومة بالشرع والعقل ويراعون أيضاً الألفاظ الشرعية ، ويعبّرون بها ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً ، ومن تكلم بما فيه معنىً باطلاً يخالف الكتاب والسنة ردوا عليه ، ومن تكلم بلفظ مبتدع يحتمل حقاً وباطلاً نسبوه إلى البدعة أيضاً . الدرء ( 1/254) .
راجع مج ( 6/38-41) المنهاج (2/348-351) الدرء (1/252-254) .
* إذا قال : أنتم ظاهرية ، تأخذون بظاهر النصوص ( نصوص الصفات ) بينما الظاهر غير مراد ( الرسالة المدنية ) .
- يقال له : ماذا تريد الأخذ بظاهر النصوص ، هل تعني أن صفاته سبحانه كصفاتنا ( علمه كعلمنا ، ويده كيدنا ) فهي تماثل صفات المخلوقين . أم تعني أن ما اختص الله به سبحانه من الصفة ( فمثلاً صفة السمع لله بها الدوام والأولوية ، وأن سمعه لا يحد ولم تستحدث له هذه الصفة ، ولا يخفى عليه شيئ وغير ذلك ... ) فما اختص به سبحانه قد اتصف به المخلوق ، أم تعني أن نصف الله بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله دون تكييف ولا تمثيل ولا تحريف ولا نفي ( تعطيل ) . وننزهه عن مماثلة المخلوقين ، وهذه الصفات تليق بجلاله وعظمته وتختص به .
* إذا قال : أعني بظاهر النصوص هي اثباتها مع مماثلتها لصفات المخلوقين كأن يقال اليد جارحة كجوارح المخلوقين ، وظاهر الغضب كغليان دم القلب لطلب الانتقام وغير ذلك .
- يقال له : هذه المعاني وشبيهها من صفات المخلوقين غير مراد الآيات والأحاديث ، وأحسنت في ذلك ، فنحن لسنا بظاهرية من هذا المفهوم .
* إذا قال : أعني به هو وصف المخلوقين بما اختص به سبحانه وامتاز عن المخلوقين .
- يقال له : فالله سبحانه منزه عن ذلك ، { ليس كمثله شيئ وهو السميع البصير } ، { هل تعلم له سمياً } بل هو ( الأحد ) { ولم يكن له كفواً أحد } ، وله المثل الأعلى ، وصدقت في ذلك وأحسنت .
* إذا قال : أعني به وصفه بما وصف به نفسه من غير تمثيل ولا تكييف ولا تعطيل ولا تحريف .
- يقال له : نعم ، نحن كذلك إذ نزه سبحانه نفسه عما وصفه الكفار به وسلم على المرسلين إذ وصفوه بما يليق به { سبحان الله عما يصفون إلا عباد الله المخلصين } .
ثم يقال له : أنت وقعت في ثلاثة أخطاء في انكارك علينا بكلمة ( الظاهر ) :
أولاً : فسرت كلمة الظاهر أو ظاهر النصوص بتفسير غير سليم وانما ظاهر الكلام هو ما يسبق إلى العقل السليم منه ، لمن يفهم بتلك اللغة ، وما يتبادر إلى الذهن .
ثانياً : جعلت المعنى الفاسد من التمثيل والاختصاص هو ظاهر اللفظ ثم جعلته يحتاج إلى تأويل يخالف هذا المعنى الفاسد .
ثالثاً : رددت المعنى الحق الذي هو ظاهر اللفظ لاعتقادك أنه باطل .
رابعاً : زعمت أن ظاهر القرآن والأحاديث هو كفر وباطل ، والله أعلم وأحكم من أن يكون كلامه الذي وصف به نفسه لا يظهر منه إلا ما هو كفر أو ضلال .
خامساً : فتحت الأبواب للزنادقة والفلاسفة والملاحدة والجهمية في قولك ( ان الظاهر غير مراد ) ، إذ بذلك سيردون كل آيات الجنة والنار والمعاد والبعث ، إذ الظاهر غير مراد وانما المراد بذلك أمور أخرى ، وكذلك لا تستطيع أنت أن تثبت لله صفة أو اسماً إذ القول فيها كالقول في باقي الصفات ، والكلام في الجميع واحد .
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الشيخ عدنان عبد القادر
عدد القراء : 1507
تاريخ الموضوع: 03 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(35/1)
شرح العقيدة التدمرية للشيخ عدنان عبد القادر ج - 6
الشيخ عدنان عبد القادر
* إذا قال : نعم .
- يقال له : إذاً ، ذات الله كذات المخلوق ؟! .
* إذا قال : ذات الله تليق بجلاله ولا تشبه ذوات المخلوقين .
- يقال له : وكذلك نحن نثبت لله صفات تليق بجلاله ولا تشبه صفات المخلوقين .
* إذا قال : أنتم تقولون أن الله ( استوى على العرش ) و( ينزل في الثلث الأخير من الليل إلى السماء الدنيا كل ليلة ) فكيف ينزل إلى السماء الدنيا ؟
- يقال له : كيف هو ؟ ( كيف ذاته ؟! )
* إذا قال : لا أعلم كيفية ذاته .
- يقال له : ونحن كذلك لا نعلم كيفية نزوله واستوائه ، وان علمنا معناها ، فالقول في الصفات كالقول في الذات .
- ثم يقال له : هل توجد صفة قائمة لوحدها ، دون أن تقوم بذات معينة .
* إذا قال : لا .
- يقال له : كيف تعرف كيفية الصفة قبل أن تعرف كيفية الذات ، فلا يمكن تصور صفة لوحدها دون أن تتصور الذات .
** القاعدة الحادية عشر **
( الاتفاق في الأسماء العامة لا يوجب تماثل المسميات )
مثال ذلك :-
1. العرش --> شيئ
البعوض --> شيئ ، فهل العرش مماثل للبعوض لأنهما متفقان في اسم ( الشيئ ) .
2. العرش --> موجود .
البعوض --> موجود ، فهل العرش مماثل للبعوض لانهما متفقان في اسم ( الموجود ) ، أم وجود كل منهما يخصه لا يشركه فيه غيره ؟
فكذلك يقال في صفات الله تعالى :
* فالله سبحانه سمى نفسه ( سميعاً بصيراً ) فقال { ان الله هو السميع البصير } . وسمى عبده ( سميعاً بصيراً ) فقال { فجعلناه سميعاً بصيراً } ، فسمعه وبصره يخصه يليق بعظمته ، وسمع العبد وبصره يليق بضعفه .
* وسمى نفسه ( حياً ) فقال { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } ، وسمى المخلوق ( حياً ) فقال { يخرج الحي من الميت } ، فحياته تليق بجلاله ، وحياة العبد تليق بضعفه .
* وأخبر عن نفسه أنه يحب عباده { ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين } وأخبر عن عباده أنهم يحبونه { يحبهم ويحبونه } ، فمحبته تليق بجلاله ، ومحبة العبد تليق بضعفه .
* بل العقل والشاهَد ( الواقع ) يؤكد ما سبق ، فمثلاً : هل جميع سمع المخلوقات متماثل أم بعضهم سمعه مرهف والآخر ضعيف ، وآخر متوسط . كذلك هل كل بصر المخلوقات متماثل ، أم بعضهم ضعيف البصر والآخر قوي البصر . فاذا كانت المخلوقات لا تتماثل في الصفات المتفقة الاسماء فكيف يوجب العقل والواقع التماثل فيها .
* إذا قال : كل من أثبت لله صفة قديمة فهو مشبه ، ممثل .
- يقال له : أولاً ، الممثل هو من أطلق أخص وصف لله ، والذي لا يتصف به إلا هو إذا أطلقه على غير الله ، فهو ممثل . مثال ذلك :
1. كونه سبحانه : { رب العالمين } ، إذ أطلقه على غيره فهو ممثل ، لأنّ ربوبية العالمين هي أخص وصف في الربوبية ، وإلا فالله سبحانه أطلق اسم ( الرب ) على غيره { اذكرني عند ربك فانساه الشيطان } { ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي ... } .
2. { بكل شيئ عليم } : فأخص وصف العلم له أنه يعلم كل شيئ ، لا يخفى عليه شيئ فمن أطلقه لغير الله تعالى فهو ممثل .
3. { على كل شيئ قدير } : فأخص وصف القدرة له أنه يقدر على كل شيئ بلا مشقة ولا كلل .
4. { إله واحد } : فأخص وصف الالوهية له أنه متفرد واحد لا يشركه أحد فيها .
* فالتوحيد هو : أن لا يشركه شيئ من الأشياء فيما هو من خصائصه ، فكل صفة من صفات الكمال ، فهو متصف بها على وجه لا يماثله فيه أحد .
ثانياً : أنكم تطلقون مثل هذه الألفاظ ( تمثيل ، تشبيه ) على مفاهيم خاطئة على ما تعتقدونه تجسيماً بناءً على مقدمتكم ( تماثل الأجسام ) أي كل جسمين فهما متماثلان . كاطلاق الرافضة كلمة ( النصب ، أي الناصبي ) على كل من تولى أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ، بناءً على أن من أحبهما فقد أبغض علياً رضي الله عنه ، ومن أبغضه فهو ناصبي .
ثالثاً : هذا المعنى الذي ذكرته لكلمة التشبيه ، وهو : أنه كل من أثبت لله صفة قديمة فهو مشبه .
1. هل نفى العقل هذا المعنى ؟ أي هل نفى العقل أن يكون الله تعالى قد اتصف بصِفة قديمة تشابه صفات المخلوقين من وجه وتختلف عنه من وجه آخر الذي هو أخص وصف لله تعالى ، فلا تماثل صفات المخلوق ، أو هل نفى العقل أن يكون الله تعالى قد تسمى باسم يشترك فيه مع اسم المخلوق . وهل يوجب العقل تماثل الصفة إذا اتصف بها اثنان ، هل يوجب تماثلهما من كل وجه في هذه الصفة ؟
* فان قال : نعم . العقل ينفي ذلك ، ويوجب تماثلهما من كل وجه إذا اتصف بها الاثنان .
- يقال له : يلزمك إذاً أن تقول هذا القول في صفة الوجود لله تعالى ووجود العبد ، فهل يلزم ذلك أن يكون وجود الله تعالى كوجود المخلوق ، فيكون المخلوق واجب الوجود ، كما أن الله تعالى واجب الوجود ، أو يكون الله تعالى ممكن الوجود كما أن العبد ممكن الوجود . كذلك في ذات الله تعالى وذات العبد ، فاذا أوجبت التماثل في باقي الصفات ، فعليك أن توجب التماثل في صفة الوجود وفي الذات ، وإذا قلت بعدم التماثل في صفة الوجود وفي الذات ، فقل نفس الكلام في باقي الصفات ، واذا لم يوجب العقل التماثل في الوجود ، فذلك يعني أن العقل لا يوجب التماثل في الكل .
* ثم يقال له : وهل المشاهد من صفات المخلوقين متماثلة فالسمع والبصر والقدرة والعلم لاي مخلوق هل تتماثل مع السمع والبصر والقدرة والعلم لباقي المخلوقات بلا اختلاف ولا تباين ؟! فالعقل إذاً لا يوجب ذلك .
2. هل نفت النصوص السمعية هذا المعنى ؟ وهل أوجبت النصوص تماثل الصفة التي اتصف بها أي اثنين ؟! فلا يوجد شيئ من ذلك ، فالقرآن نفى : المثل - الكفء - الند - ونحو ذلك . فالواجب نفي ما نفته الأدلة السمعية ، والأدلة العقلية القطعية .
* إذا قال : اثباتكم الصفة لله سبحانه هو التشبيه ، مثال ذلك : أنه يحب ، وكذلك العبد يحب ، فكل منهم يحب ، فهذا هو التشبيه .
- يقال له : ما من شيئين إلا ويشتبهان من وجه ، ويفترقان من وجه آخر ، مثال ذلك :-
أ. الأسماء المتواطئة : يقال للرجل الشجاع : أسد ( قال ذلك حمزة ) ، ويقال لملك الغابة : أسد فيشتبهان من ناحية الشجاعة ويختلفان في أمور كثيرة .
ب. الصفات المتواطئة : جرى النهر : إذ يجري ماؤه ، جرت الجارية : إذ تجري على رجليها .
فهل جريانهما واحد متماثل من كل وجه ، فيشتبهان من ناحية تحقق وصف الجري من كل منهما ويختلفان في أمور كثيرة من طريقة الجري ووسيلته .
** المتواطئ :-
1. الألفاظ المشككة : - يوجد بينها معنى مشترك كلي في الذهن ، تتفاضل أفراد هذا المعنى ، أي تختلف درجاته كالبياض : لون مشترك لجميع درجات اللون الأبيض ، منهم من يكون شديد البياض كالثلج ، ومنهم من يكون أقل بياضاً منه .انظر مجموع الفتاوى (9/145-147 )
كالوجود هناك معنى مشترك ذهني لواجب الوجود وفمن الوجود ما يكون واجب الوجود الذي هو الله سبحانه ومنه ما يكون ممكن الوجود كالمخلوقات ، وهوقسم من المتواطئ . مج (5/104 ) ( 11/141-145 ) .
لماذا سميت مشككة : لتشكيك المستمع فيها هل هي من الاسماء المتواطئة أو من قبيل المشتركة في اللفظ فقط ، فلوجود الاشتراك في المعنى بينها من وجه فشابهت المتواطئه ولوجود الاختلاف المعنوي فشابهتمن وجه آخر فشابهت المشترك لفظياً .
2. المتواطئه الخاصة : المتفقة في اللفظ ، ومتفقة في المعنى ، مثل اسماء الأجناس ، كلفظ الرسول ، الولي ، الرجل والمرأة . مثل أحمد / محمد / على : يشتركون في مسمى رجل ، لا يختلفون فيه ، كذلك أحمد وعلى وعائشة وحفصة يشتركون ويتساوون في مسمى الانسانية . فكلهم متساوون في الاسم المتواطئ .
3. المشتركه لفظاً : متفقة في اللفظ ، مختلفة في المعنى : كلفظ سهيل اسم للكوكب ، وتطلق على الرجل .
راجع ، مجموع الفتاوى ( 5/346-347) ( 5/105)(20/427-430)(11/140-147)(9/145-147)(12/69-97)(5/328-332)(5/208-212) .
* إذا قال : ان الشيئ إذا شابه غيره من وجه : جاز عليه ما يجوز على الغير من ذلك الوجه ، ووجب له ما وجب على الغير من ذلك الوجه ، وامتنع عليه ما امتنع على الغير من ذلك الوجه .
- يقال له : يصدق كلامك هذا على التمثيل لا على التشبيه ، ثم يقال له : هب أن الأمر كذلك :
1. ولكن إذا كان ذلك القدر المشترك ( في المشابهة ) لا يستلزم اثبات ما يمتنع على الرب سبحانه وما يتنزه عنه ( أو لا يستلزم نقصاً ولا نفي كمال ) لا يستلزم نفي ما يستحقه الرب ، فلا مانع من ذلك ، ولم يكن ممتنعاً عليه الاتصاف بتلك الصفة . وكل الصفات التي وصف الله بها نفسه هي من هذا الباب لا تقتضي نقصاً ولا سلباً للكمال .
2. ولو اقتضى ذلك شيئاً من النقائص ، فان الله سبحانه منزه عن هذه النقائص بدلالة النصوص من نفي كل النقائص ، فهو : - السلام : الذي سلم من كل النقائص .
- القدوس : الذي تعالى وطهر من كل النقائص .
- العلي : تعالى عن كل النقائص .
وذلك يدل أن القدر المشترك ليس فيه شيئ من النقائص ، ويستحق كل صفات الكمال ، ولو استلزم وصفه بتلك الصفة سلبٌ لهذا الكمال فهو منزه عن النقص وسلب الكمال وذلك لعموم الأدلة في وصف الكمال . الأحد ، القدوس ، المتكبر ، العلى ، الأعلى ، وغير ذلك من الصفات والاسماء التي تدل على الكمال له سبحانه وذلك يدل أن القدر المشترك ليس فيه شيئ من سلب الكمال .
3. مثال ذلك : إذا قيل انه موجود حي عليم سميع بصير وقد سمى عباده ، حياً عليماً سميعاً بصيراً . فلازم هذا القدر المشترك لكل اسم أو لكل صفة منها ، ليس ممتنعاً على الرب تعالى ، فالسمع مثلاً : لا يقتضي حدوث الصفة بعد أن لم تكن ، ولا يقتضي احتمال عدمها ، ولا يقتضي ضعفاً في السمع أو نقصاً فيه ، ولا شيئاً مما ينافي صفات الربوبية .
4. يوضح ذلك : ان القدر المشترك الذهني لما سبق هو :-
- مسمى الوجود أو الموجود / أو الحياة أو الحي / العلم أو العليم / السمع أو السميع / البصر أو البصير / القدر أو القدير .
والقدر المشترك الذهني هو مطلق كلي ( عام ) : لا يختص بأحدهما دون الآخر فلم يقع بينهما ( أي بين الله سبحانه والمخلوق الموصوف بذلك ) لم يقع بينهما اشتراك فيمايلي :
فيما هو من خصائص المخلوق ولا فيما هو من خصائص الخالق . ففي صفة الوجود ، لم يكن هناك اشتراك ذهني بين الله وبين المخلوق في إمكانية انعدام وجود كل منهما إذ ذاك من خصائص وجود المخلوق ، ولم يكن هناك اشتراك بين الله والمخلوق في أزلية دوام كل منهما ، إذ ذاك من خصائص وجود الخالق ، وكذلك العلم والسمع والبصر والقدرة ، من ضعف فيهم إذ ذاك من خصائص المخلوق ولا الاحاطة التامة وعدم العجز أو النقص إذ ذاك من خصائص الخالق . فان ما يختص به أحدهما يمتنع اشتراكهما فيه .(36/1)
* إذا قال : فكيف إذا كانت هذه الصفات المشتركة أو القدر المشترك هو صفة كمال ؟ فهل يتصف به الله والعبد ؟
- يقال له : هذا يدل أنه ليس من خصائص المخلوقين ، كما يدل على أنه ليس من خصائص الخالق ( كالوجود ، والحياة والعلم والقدرة ) فلم يكن في اثبات هذا محذور أصلاً . وانما اختص الله بعدم تعرض تلك الصفات وذاك القدر المشترك لشيئ من النقص أو قلة الكمال ، واختص العبد والمخلوق بامكانية تعرضها لشيئ من النقص .
فاثبات الحياة والعلم والقدرة أو غير ذلك من الصفات فهو من لوازم الوجود ، فكل موجودين لا بد بينهما مثل هذا ومن نفى هذا لزمه تعطيل وجود كل موجود ، ولهذا لما اطلع الأئمة على أن هذا حقيقة قول الجهمية سموهم معطلة وكان جهم ينكر أن يسمي الله شيئاً .
* إذا قال : الجزء الذي شاركه فيه يكون قد ماثله ( مثلاً صفة السمع ) الذي شاركه فيه من الصفة يكون قد ماثله فيها .
- يقال له : هل الذي شاركه هو سمع مطلق ( مسمى السمع ) أوسمع خاص ( أي السمع المختص بالله سبحانه ) .
* إذا قال : في سمعه الخاص .
- يقال له : إذا قال أحدهم ، سمع الله كسمع المخلوقين بحيث تغيب عن الله أمور لا يسمعها أو قال : سمع المخلوق كسمع الله بحيث لا تغيب عنه الأصوات أبداً فهذه هي المماثلة ، وهذا هو التمثيل الذي نزه الله نفسه .
* إذا قال : بل شاركه في السمع المطلق ( أي في مسمى السمع ) .
- يقال له : هل السمع المطلق هو موجود في الذهن ، أم موجود خارج الذهن ( في الخارج ) فحصلت المشاركة بذلك .
* إذا قال : موجود في الذهن وفي الخارج .
- يقال له : أما في الذهن فهو صحيح . أما سمع مطلق في الخارج فقد جانبت فيه الصواب . ذلك لما يلي : المشاركة في الخارج كاشتراك الشركاء في العقار بحيث يكون لهذا بعضه ولهذا بعضه مشاعاً أو مقسوماً . وإذا اقتسما ذلك : كان لهذا بعضه ، ولهذا بعضه ، فيصبح لكل منهما قسمه الذي يخصه لا يشاركه غيره فيه بعد تقسيمه ، فيقال لك .
أولاً : هل توجد صفة السمع مطلقة في الخارج ، قائمة لوحدها ، بدون ذات معينة خاصة ، أي هل توجد في الخارج صفة مطلقة لا تقوم بذات معينة . يوضح ذلك : اللون ، منه الاسود والأبيض ينتج من انعكاسات الأشعة ، هل يوجد في الخارج لون مطلق ، أو لا بد وأن يكون مميزاً وقائم بذاته .
- مثال آخر : الدَّين ، هل يوجد في الخارج دين مطلق ، ليس يهودياً ولا نصرانياً ولا اسلام ولا بوذية ولا مجوسية ، وكل هذه الأديان مشتركة فيه ، أم هو فقط في الذهن موجود هذا المسمى .
مثال آخر : الحكم ، هل يوجد في الخارج شيئ يسمى حكماً مطلقاً ، هو عدل وظلم وجور .
مثال آخر : الخَبَرْ ، هل يوجد في الخارج خبر مطلق ، يتقاسمه الصدق والكذب أم هو في الذهن فقط .
مثال آخر : الوجود ، هل يوجد في الخارج وجود مطلق ، وهو بنفسه ينقسم الى ممكن الوجود وواجب الوجود .
* إذا قال : لا يوجد .
- يقال له : فكذلك لا يوجد سمع مطلق مشترك في الخارج وانما هو موجود في الذهن فقط .
ثم يقال له : ثانياً ، لو فرضنا وجد ثم تم تقسيمه بين المشتركين ، هل يشتركون هم في الخارج فيما تم تقسيمه بينهما أم يختص كل منهما بقسمه .
مثال ذلك : اللون الأبيض ، هل يشاركه اللون الاسود أم قد افترق عنه بلونه .
جِلْدُك : هل يشاركك غيرك في جِلْدِك .
الخبر الصادق : هل شاركه الكذب .
الوجود الواجب : هل شاركه الممكن .
فالله تبارك وتعالى ، عندما قامت به صفة السمع ، فهو سمع لا يحده شيئ ولم يشاركه ويتقاسمه معه المخلوق ، بل ما قام بالمخلوق فهو سمعه المختص به وما قام بالله سبحانه فهو سمعه المختص به ، وهذا الاختصاص كما تم الاتفاق عليه لا يشاركه فيه أحد فعندما قام بالذات تعين ، فلم يشاركه أحد.
وأما ما هو في الذهن ، فمن الممكن أن يحصل اشتراك فيما ليس من الاختصاص ، والله سبحانه وتعالى قال :{ ليس كمثله شيئ }، أي ليس كهو شيئ ، وليس كصفاته شيئ . فعزى الصفات لنفسه ، فحصل الاختصاص فلم يشركه شيئ في ذلك ، فعند التعين لا تحدث المماثلة أبداً لله تعالى ، أي عندما تنسب الصفة لذات معينة تنتفي المشاركة .
ملخص ما سبق :
أ. الاشتراك : ( صفة السمع على سبيل المثال ) : وهو المقاسمة :-
1. يوجد اشتراك في المطلق الذهني .
2. لا يوجد اشتراك بين المخلوق والخالق في خارج الذهن في أي صفة من الصفات .
ولا في أي جزء من الصفة ( خطأ قول الجويني : أن من صفات الله كالسمع : جزء منه مشترك ( في الخارج ) من المخلوق والخالق ، وجزء آخر يختص الله به ).
3. لا يوجد اشتراك بين أي مخلوقين خارج الذهن في أي صفة من صفاتهما ، ولا في أي جزء منهما .
4. لا توجد صفة مطلقة في الخارج أبداً . بل لا توجد إلا قائمة بذات معينة --> حصل الاختصاص والتعيين وزال الاطلاق .
ب. المماثلة :
1. هي المساواة بين الاثنين في شيئ من الأشياء .
2. لا توجد مماثلة ( مساواه ) بين الخالق والمخلوق في أي صفة من الصفات ولا في أي شيئ من الأشياء ( فلا يثبت لشيئ من الموجودات نثل شيئ من صفاته ) الدرء ( 5/84) { ليس كمثله شيئ }.
3. من الممكن أن توجد مماثلة ( مساواه ) بين المخلوقين في شيئ من صفاتها ، الدرء ( 5/89) مثلاً ، ديناران مطبوعان من قبل البنك المركزي برقم واحد .
ج. المشابهة :
1. الاتفاق من وجه والمخالفة من وجه آخر .
2. توجد مشابهة بين المخلوقين . ( الدرء 5/89) .
3. لا توجد مشابهة في شيئ من خصائص الله تعالى مع شيئ من الموجودات ( الدرء 5/84) ، ولا مشابهة في شيئ من خصائص المخلوقين مع الله تعالى .
4. هل توجد مشابهة بين الله وشيئ من مخلوقاته في غير الخصائص .
ماذا تقصد بالمشابهة في غير الخصائص ، أي اثبات السمع لله ، واثبات السمع للمخلوق مع كون سمع الله ليس كسمع المخلوقين ، وانما يليق بجلاله والعبد يليق بضعفه فمثلاً ، لو تكلم فلان ، فتقول أن الله سمعه وأني سمعته ، ولكن سمع الله ليس كسمعه ، وهذا ثبت بالشرع ونبتعد عن اللفظ ( المشابهة ) خشية اضلال السامع والفتنة .
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الشيخ عدنان عبد القادر
عدد القراء : 1639
تاريخ الموضوع: 03 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(36/2)
شرح العقيدة التدمرية للشيخ عدنان عبد القادر ج - 5
الشيخ عدنان عبد القادر
- يقال له : وكذلك إذا قلت ، ليس بموجود ولا عليم ولا حي ولا قدير ، فقد شبهت الله بالمعدومات فهو عندك عدم ، وهذا أقبح من التشبيه بالموجودات .
* إذا قال : أنا لا أقول هو موجود ولا معدوم ، ولا أصفه بالحياة ولا الموت ولا أصفه بالعلم ولا الجهل . - يقال له : قد وصفت الله بالمستحيلات ( الممتنعات ) إذ الإله إما موجود وإن لم يكن كذلك فلا بد وأن يكون معدوماً . ولا مخرج غير ذلك .
* فاذا قال : الجمادات لا توصف بأنها تعلم ولا توصف بأنها تجهل . فهذا ممكن .
- يقال له : أولاً ، قد شبهت الله بالجمادات ، وهوأشد وأعظم مما فررت منه من التشبيه بالأحياء .
ثانياً ، هذا الكلام لا ينطبق على صفة الوجود والعدم ، فإما وجود أو عدم .
( نفي الصفات يستلزم تشبيه الله بالمعدومات والممتنعات )
- يقال له : صف لنا ربك .
* إذا قال : لا يتكلم ولا يسمع ولا يبصر وليس بحي ولا يعلم ولا يقدر.
- يقال له : أيهما أكمل ، المتكلم والسميع والبصير والحي والذي يعلم ويقدر أم الأخرس الأصم الأعمى الميت الجاهل العاجز ؟!
* إذا قال : إذا كان الموجود يقبل ( له قابلية ) الاتصاف بهذه الصفات أكمل في حقه --> كالأحياء . وإذا لم تكن له قابلية الاتصاف بهذه الصفات ، فعدم الاتصاف بها ليس نقصاً --> كالجمادات .
- يقال له : هل العصا جماد ، لا تقبل الاتصاف بالحياة .
* إذا قال : نعم .
- يقال له : أولاً ، هذا الكلام معارض لقول الله تعالى ولخبره ، إذ بعث الحياة في عصا موسى فأصبحت حية ابتلعت الحبال والعصي ثم خرجت منها الحياة .
ثانياً ، أيها أعظم نقصاً ، الذي يقبل الاتصاف بهذه الصفات أم الذي لا يقبل الاتصاف بها ( قارن بين الانسان والحائط ) .
ثالثاً ، أيهما أعظم نقصاً ، الذي لا يقبل الاتصاف بها أم الذي يقبل الاتصاف بها ولم يتصف بها ( قارن بين الحائط ، والأخرس الأصم الأعمى ) . إذ جعلتم الله تبارك وتعالى الحي الجبار المتكبر القدوس العزيز العليم القدير أعظم نقصاً من كل ما سبق .
رابعاً ، إذا كان الله تعالى غير قابل للاتصاف بها فقد شبهتم الله بالجمادات .
قالوا : -
السلب والايجاب : لا بد من توفر عدة شروط :
1. أحدهما وجودي ( ايجاب ) --> مثال : موجود .
والآخر عدمي ( سلب ) --> غير موجود .
2. لا يمكن اجتماعهما معاً في محل واحد ، كوجود الشيئ وعدمه في وقت واحد .
3. لا يمكن ارتفاعهما في وقت واحد عن محل واحد .
4. إذا عدم أحدهما ثبت الآخر ولا بد .
العدم والملكة :
1. أحدهما وجودي ( البصر ) ، والآخر عدمي ( العمى ) .
2. لا يمكن اجتماعهما في محل واحد .
3. يمكن ارتفاعهما معاً عن محل واحد ، فلا يلزم من رفع أحدهما ثبوت الآخر فالحجر لا يقال له أعمى ولا بصير .
ان قالوا : نفي النقيضين عن الله تعالى ليس من الممتنعات ، ذلك لأن نفي النقيضين لا يعتبر من الممتننعات إلا إذا كانا متقابلين تقابل السلب والايجاب فهذا هو تقابل التناقض ، أما الشيئ الذي لا يقبل الاتصاف بهما أو بأحدهما فلا يقال في حقه نفي التناقض وانما هو تقابل العدم والملكة ، مثال ذلك ، الحجر والجماد ، لا يقال في حقه لا يسمع ، ولا يبصر وليس حياً ، لا يتكلم ، ميت ، أعمى ، أبكم ، ولا يقال في حقه ، يسمع ، يبصر ، حي ، يتكلم .
- الجواب :
1. الوجود والعدم : باتفاق العقلاء ، فان هذين يتقابلان تقابل السلب والايجاب فاذا انتفى أحدهما ثبت الاخر ، ولا يصح انتفاؤهما جميعاً ولا اثباتهما جميعاً في محل واحد ، فاذا لم يكن موجوداً كان معدوماً ، واذا لم يكن معدوماً كان موجوداً . فيلزمكم اثبات أحدهما ، فاذا اثبتموه فقد وقعتم في التشبيه والتمثيل على قاعدتكم ، والقول في بعض الصفات كالقول في بعضها الآخر ، فقولوا في كل الصفات ما قلتموه في إثبات الوجود .
2. قبول الجمادات الاتصاف بأحد المتقابلين :
أ. نفي الله تعالى هذه الصفات عن الجمادات : قال تعالى عن صنم العجل الذي عبده بنو اسرائيل : { ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا } ، قال تعالى عنه { أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضراً ولا نفعاً } ، وقال تعالى مخبراً عن ابراهيم في جداله مع أبيه { أتتخذ أصناماً آلهة } ، فقال له { يا أبت لم تعبد مالا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً } فوصف الأصنام بهذه الأوصاف : لا تسمع لا تبصر ، لا تغني وهي جمادات ، وقال عن قوم فرعون بعد هلاكهم { فما بكت عليهم السماء والأرض } ، مما سبق يتبين أن الجمادات توصف بالنفي ، فكيف يقال بأنها لا توصف بنفي هذه الصفات ولا اثباتها .
ب. وصف الله الجمادات بالحياة والموت : قال تعالى عن الأرض { وآية لهم الأرض الميتة أحييناها } ،
وقال تعالى عن الاصنام في قول للمفسرين { والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون ، أموات غير أحياء ، وما يشعرون أيان يبعثون } النحل . راجع الدرء ( 4/39 ) ( 3/368) ( 5/273) ، وقال تعالى عن الأنباء { فعميت عليهم الأنباء يومئذ } فوصفها بالعمى ، وقال عن الجدار { فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض فأقامه } فوصفه بالارادة ، وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن جبل أحد ( يحبنا ونحبه ) .
ج. ان الجمادات قابلة للاتصاف بها ، وهي من خوارق العادات : ( فهي غير متصفة بها ، ولكنها قابلة لذلك ) ، كما قال تعالى عن عصا موسى التي بث فيها الحياة { فإذا هي حية تسعى } ، وأنها تلقف { فإذا هي تلقف ما يأفكون } ، وأخبر عن الجلود أنها تتكلم { وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا ، قالوا : أنطقنا الله الذي انطق كل شيئ } . الدرء ( 4/32 )
3. لو صح فرضكم أن الجمادات لا توصف بأحد المتقابلين ، لوجب وصف الله تعالى بالصفة الثبوتية الكاملة ، وذلك لأنه :
أ. مجرد نفي صفة الكمال ، وعدم الاتصاف بها نقص ، فعدم اتصافه بالسمع والبصر أو الحياة أو الكلام فهو نقص إذ نقص عن الكمال التام ( كما مر سابقاً ) ، والله سبحانه منزه عن النقص ، ( قاعدة النفي الأولى ) .
قال شيخ الاسلام في درء التعارض ( 3/368) " ان نفي هذه الصفات نقص ، وان لم يسم ( أي النقص ) جهلاً وبكماً " أ.هـ . لذلك أنكر الله تعالى على الكفار عبادة من { لا يسمع ولا يبصر } ، { لا يكلمهم ولا يهديهم } .
ب. ما لا يقبل صفات الكمال أنقص ممن يقبل الاتصاف بها ، فالجماد أنقص من الحي . فالله سبحانه وتعالى أولى بالتنزيه عن هذا النقص ( قاعدة النفي الأولى ) ، انظر ما قاله شيخ الاسلام في الدرء ( 3/367-368) ، ( 5/274) .
ج. الذي يقبل الاتصاف بها ولو لم يتصف بها ( كالاعمى ) أكمل ممن لايقبل الاتصاف بها ( كالجماد ) ، الأعمى أكمل من الجماد باتفاق العقلاء . فقبول الاتصاف بهذه الصفات أكمل ممن لا يقبل ، والله سبحانه أولى بالكمال ، الله تبارك وتعالى أولى بأن يقبل الاتصاف بها ( قاعدة الكمال الأولى ) .
د. الذي يقبل الاتصاف بها ويتصف بها ( كالبصير ) أكمل ممن يقبل الاتصاف بها ولا يتصف بها ( كالأعمى ) . فاتصاف الله تعالى بهذه الصفات من باب أولى لأن الاتصاف بها أكمل ( قاعدة الكمال بالأولى ) . راجع الدرء ( 4/38-39) ( 3/368) .
هـ. يقتضي كلامكم أنكم شبهتم الله تعالى بالجمادات ، وتعالى الله عن ذلك علواً كبيرا .
4. الرد على موضوع ( السلب والايجاب ) .
أ. لا يقتصر تقابل التناقض على السلب والايجاب ، فهذا التقسيم لا يعرف في اللغة ولا الشرع ولا العقل ، إذ ممكن الوجود وواجب الوجود للشيئ ، كلاهما ايجابيان ومع ذلك هما متقابلان تقابل التناقض ، فلا يمكن أن يجتمعان في شيئ فيكون الشيئ ممكن الوجود وواجب الوجود ، ولا يمكن ارتفاعها عن شيئ بحيث لا يكون لا ممكن الوجود ولا واجب الوجود ، إذ لا بد للشيئ من احدهما ، فهما متقابلان تقابل تناقض وهما ايجابيان وليسا سلباً وايجاباً .
* فبطل هذا التقسيم ، إذ زعموا أن التناقض لا يكون إلا السلب والايجاب فلا يكون في غيره ، قالوا : والعدم والملكه ليسا من السلب والايجاب ، فاذا أمكن التناقض في غير السلب والايجاب فيمكن تقابل التناقض في ( العدم والملكه ) . ومثال آخر : الموت والحياة ، هما ايجابيان في حق من قال إن الموت ايجابي حيث يؤتى به ويذبح يوم القيامة ، فهل ممكن اجتماعهما في محل واحد .
ب. ( العدم والملكة ) أحد أنواع ( السلب والايجاب ) : ويدخل فيه ، ذلك لأن السلب نوعان ويقابل كل نوع ايجاب .
1. السلب الأول : سلب ما يمكن الاتصاف به ( كالعدم ) ، ويقابله الايجاب الأول : اثبات ما يمكن الاتصاف به ( الممكن ، وهو الذي لا يجب وجوده ) فهذا هو العدم والملكه .
2. السلب الثاني : سلب ما لا يمكن الاتصاف به ( سلب الممتنع ) ( زيد ليس بحجر ) .
الايجاب الثاني : اثبات ما لا يمكن ترك الاتصاف به ، وكل ما ( لا يمكن تركه ) أي يجب الاتصاف به أي اثبات ما يجب الاتصاف به ( اثبات الواجب) ( زيد انسان ) .
فهل كل من : الحياة والسمع والبصر في حق الله تعالى مما يمكن الاتصاف به ، أم لا يمكن الاتصاف به ، فان كانت ممكن الاتصاف بها --> دخل العدم والملكة ، وأن الله تعالى متصف بها وجوباً لأن ما أمكن له من الكمال هو الوجوب . وان كانت لا يمكن الاتصاف بها --> ثبت الضد لله تعالى ، وتعالى الله عن ذلك علواً كبيراً .
ج. التقسيم الذي يحصر كل الانواع بلا استثناء هو أن يقال : المتقابلان إما أن يكونا :
1. مختلفين : إذ أحدهما سلباً والآخر ايجاباً وهما النقيضان .
أو 2. غير مختلفين : فيكونان ايجابيين (تقابل الأبيض مع الأسود ) كل منها ايجاباً
أو يكونان سلبيين ،
وقد يمكن خلو المحل منهما ويوصف بوصف ثالث ، كالاسود والأبيض ، فيكون الشيئ لا أبيض ولا أسود ( كالأحمر ) ،
أو لا يمكن خلو المحل منهما ( كممكن الوجود وواجب الوجود ) ، فلا يمكن أن يكون الشيئ لا واجب الوجود ولا ممكن الوجود ، ( وكالحدوث والازلية ) ، ( والقيام بالنفس والقيام بالغير : أي قائم بنفسه أم قائم بغيره ) فلا بد من أحدهما للشيئ ، تقابل النقيضين .
فالسؤال : ماذا عن الحياة والموت :
- هل هما سلباً وايجاباً ، فان كانا كذلك فلا بد أن يتصف الله سبحانه بأحدهما ( على تعريف السلب والايجاب لا يمكن خلو المحل عن أحدهما ) ، أم يمكن خلو المحل منهما ويوصف بوصف ثالث : فما هو الوصف الثالث ؟ أم لا يمكن خلو المحل منهما : فلا بد وأن يتصف بأحدهما --> وهو المطلوب فلا بد أن يتصف بالحياة أو بضده وتعالى الله عن ذلك علواً كبيرا .
* كذلك يقال في السمع والصم ، والكلام والبكم ، والبصر والعمى ، فثبت أن الله تعالى متصف بالكلام والسمع والبصر والحياة وغير ذلك من صفات الكمال لله تعالى .(37/1)
راجع التدمرية لشيخ الاسلام ص 152-165 .
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الشيخ عدنان عبد القادر
عدد القراء : 1471
تاريخ الموضوع: 03 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(37/2)
شرح العقيدة التدمرية للشيخ عدنان عبد القادر ج - 4
الشيخ عدنان عبد القادر
ب. إذا لم يرد السمع ( النصوص الشرعية ) باثبات صفة ولا نفيها ، إذا اقتضت بوجه من الوجوه نقصاً أو دلت على نقص ، فان الله تعالى منزه عنها ، كالكبد والمعدة والأمعاء --> فإنها لخدمة الطعام المأكول الذي هو صفة نقص --> نفي ذلك عن الله تعالى وإذا لم تقتض نقصاً ولم يرد السمع بها ، فانه يتوقف فيها ، لا نفياً ولا اثباتاً .
ج. انتفاء الممتنع ليس نقصاً : الدرء ( 4/93) ( 9/308 ) ( 9/422-423 ) .
د. عدم الاتصاف بصفة كمال فهو نقص ولو اتصف بكل صفات الكمال الاخرى . ( الدرء 3/368) .
هـ. لا يقال : ان الله فقير إلى نفسه ، بل يقال : الله غني بنفسه ، فان اللفظ الأول تلبيس وتدليس ، فهو سبحانه غني بنفسه عن كل ما سواه وما سواه فقير إليه ( الدرء 3/423) ( 7/42 ) .
و. من نفى عن الله تعالى صفة وردت بالنصوص ( كالاستواء ، الرضا ، الغضب .. الخ ) وقصد بذلك تنزيه الله تعالى عنها لانها صفات نقص ، وقُدر أن الله تعالى متصف بها ، فقد نفى صفة كمال عن الله تعالى ، فوصفه بالنقص عندما نفاها عنه ، لذلك يجب الحذر فيما ينفى عن الله تعالى ، وهذه طريقة المشركين وأهل الكتاب . راجع الدرء ( 4/86) ( 7/61) ، مجموع الفتاوى ( 6/85) .
** القاعدة السادسة **
( كل ما نافى صفات الكمال الثابتة لله تعالى فهو منزه عنها )
** القاعدة السابعة **
لمن يثبت بعض الصفات وينكر الصفات الاخرى ؟
( القول في بعض الصفات كالقول في بعضها الآخر )
* فإذا قال : أنا أثبت الارادة لله ، وأنفي عنه الغضب والمحبة والرضا .
- يقال له : لا فرق بين ما أثبته وما نفيته ، فالقول في بعض الصفات كالقول في بعضها الآخر فعليك أن تثبت الغضب والمحبة والرضا له سبحانه ، إذ المخلوق متصف بالارادة كذلك .
* فاذا قال : أنا أثبت إرادة لله تليق بجلاله ، وارادة المخلوق تليق بضعفه .
- يقال له : وكذلك غضب الله يليق بجلاله ، وغضب المخلوق يليق بضعفه .
* فاذا قال : الغضب هو غليان دم القلب لطلب الانتقام ، والله منزه عن الدم و القلب .
- يقال له : وكذلك الارادة هي ميل النفس إلى جلب منفعة أو دفع مضرة ، والله منزه عن الميل ، ومنزه عندكم عن النفس .
* فاذا قال : هذه ارادة المخلوق وهي ميل النفس ، أما الله تعالى فله ارادة تليق به .
- يقال له : وهذا غضب المخلوق هو غليان دم القلب ، أما الله تعالى فله غضب يليق بجلاله .
* فاذا قال : أنا أثبت هذه الصفات بالعقل ، فخلقه للمخلوقات دل على قدرته ، وكذلك أفعاله دلت على قدرته ، وإتقانه للفعل وإحكامه له دل على علمه وتخصيصه بقيامه لهذا الفعل دل على ارادته ، وهذه الصفات لا يتصف بها إلا حي --> دلت على حياته ، والحي لا يخلو عن السمع والبصر والكلام .
- يقال له : وكذلك عليك أن تثبت باقي الصفات التي نفيتها :
* إذ نفع العباد بالاحسان إليهم --> دل على رحمته .
إكرام الطائعين --> دل على محبته لهم .
وعقاب الكافرين --> دل على بغضه لهم .
وتخصيصه للكفار بالعقاب و لإكرام المؤمنين --> دل على مشيئته .
* ثانياً : عدم توصل عقلك ( وعدم معرفتك ) للدليل الذي يثبت الصفة ، لا يعني عدم وجود الصفة ، فعدم توصلك للأدلة التي تثبت أن فلاناً هو المجرم لا يعني أنه عند الله برئ ، إلا إذا أتيت بدليل قطعي ينفي الصفة --> ولا دليل قطعي وانما ظنون ، ثم النصوص الشرعية دلت عليها ( الصفات ) ولا يوجد معارض قطعي .
** القاعدة الثامنة **
( القول في الصفات كالقول في الأسماء )
لمن يثبت الأسماء وينكر الصفات .
* إذا قال : أنا أثبت الأسماء : حي ، عليم ، قدير . ولكن أُنكر أنه متصف بالحياة والعلم والقدرة .
- يقال له : لماذا أنكرت هذه الصفات وأثبتَّ أسماءها .
* إذا قال : اثبات هذه الصفات يقتضي التشبيه والتجسيم ، لأنا لا نجد في المُشَاهَدْ متصفاً بالصفات إلا ما هو جسم .
- يقال له : وكذلك لا نجد في المشاهد ما هو مسمى ، حي عليم ، قدير إلا ما هو جسم ، فعليك أن تنفي الأسماء كذلك ، بل وعليك أن تنفي كل شيئ ، لأنك لا تجده في المشاهد إلا ما هو جسم .
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الشيخ عدنان عبد القادر
عدد القراء : 1395
تاريخ الموضوع: 03 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(38/1)
شرح العقيدة التدمرية للشيخ عدنان عبد القادر ج - 3
الشيخ عدنان عبد القادر
الادلة على ذلك :-
* الأدلة السمعية :-
1. { الحمد لله رب العالمين } ، اثبات الحمد له .
2. تفصيل محامده .
3. له المثل الأعلى ، ( ضرب الأمثلة في القرآن ، عبداً مملوكاً ، الخ ... ) .
4. اثبات معاني اسمائه ( المتكبر .. ) .
5. { الله الصمد } ، المستحق للكمال ، السيد الذي كمل سؤدده ، الشريف ، العظيم ، الحكم ، الغني ، الجبار ، العالم ، الحكيم .
6. انكاره على نقائص المعبودات { يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر } .
* دليل الاجماع :-
* الأدلة العقلية :-
1. وجود موجود فيه نقص يستلزم وجود ما يكمل نقصه .
وجود الفقير --> يستلزم وجود من يفتقر إليه والا لما سمي فقيراً .
وجود غير القيوم --> يستلزم قيوم .
وجود المخلوق --> يستلزم خالق .
2. ثبوت الكمال الذي لا نقص فيه لأي صفة من الصفات .
هل هو ممكن للمخلوق ( ممكن الوجود ) أم لا ! وقد فرضنا أنه ثابت للمخلوق فان كان ممكن للمخلوق فالخالق من باب أولى أنه ممكن له . لأنه ممكن للمحدث الفقير الممكن الوجود ، فإمكانه للقديم الغني الواجب الوجود من باب أولى .
3. الكمال الذي استفاده المخلوق انما هو من الخالق ، لأنه هو الذي خلقه ، والذي جعل غيره كاملاً فهو أحق بالكمال منه فالذي علم غيره هو أولى بالعلم . والذي جعل غيره قادراً هو أولى بالقدرة .
4. فاذا جاز له ذلك الكمال --> كان واجباً له ، لأن الله سبحانه لا يتوقف على غيره .
أ. فلو لم يكن واجباً له --> كان ممكناً له --> مستوقفاً على غيره في تمكينه من الكمال فهو ( كما هو متفق عليه سبحانه ) غير متوقف على غيره --> إذن الكمال واجب له .
ب. ويمنع أن يكون كل من الشيئين معطياً الكمال لغيره ، لأنه يلزم ألا يكون كل منهما أكمل من غيره وهو ممتنع .
ج. لو كان كمال الله موقوفاً على غيره --> وغيره موقوفاً كماله على الله --> كمال الله موقوفاً على الله ، أي لا يكون كماله موقوفاً على غيره وهو المطلوب .
راجع مجموع الفتاوى ( 6/76-79 ) ، الدرء ( 3/368 ) ( 4/7-8 ) .
*** ب. لا بد وأن يكون الكمال ممكن الوجود :-
* ذلك لأنه ان لم يكن الكمال ممكن الوجود ، كان ممتنعاً لذاته ، والممتنع لذاته ليس بشئ البتة ، فكيف يكون الكمال ليس بشيئ ، حيث الممتنع لذاته لا يمكن تحققه في الخارج ولا يتصوره الذهن ثابتاً في الخارج ، وكيف يتصف بما ليس بشيئ فهذا تناقض إذ الصفة شيئ . راجع مجموع الفتاوى ( 8/8 ) ( 8/383) .
* فكل كمال ممكن الوجود ، فهو واجب لله تعالى ، كما تبين سابقاً في الأدلة على كمال الله تعالى ، وعدم الاتصاف بصفة كمال هو نقص في كماله . إذ نقص كماله من هذا الوجه فلم يكن كاملا ، فتعالى الله عن ذلك علواً كبيراً . فهو الكبير المتعال ، الجبار المتكبر .
* وعدم الاتصاف بالممتنع ليس نقصاً . راجع مجموع الفتاوى (8/8 ) ( شرح العقيدة الطحاوية ص 137) .
* أهمية هذه المسألة :
- إذا علم ما سبق ، علمت الإجابة على عدة مسائل وعدة شبهات :-
* المسألة الأولى :-
- هل الله سبحانة قادر على خلق من هو أقوى منه وأقدر منه ؟! أو مساوٍ له في ذلك .
- الجواب : على القاعدة المذكورة : من المتفق عليه أن الله سبحانه قد بلغ الكمال في كل شيئ ، وقد بلغ الكمال في القوة والقدرة أي لا يمكن وجود أكمل من قوته وقدرته ، يزيد على ذلك توضيحاً أن القدرة لا تكون إلا على شيئ ، ولا توجد قدرة أبداً على لا شيئ ، والممتنع لا شيئ والله سبحانه على كل شيئ قدير ، فكل شيئ داخل تحت قدرة الله تعالى ، فقوله : أقوى منه أو أقدر منه ، هذا ممتنع الوجود وهو ليس شيئاً البتة فلا يدخل في قول الله تعالى { والله على كل شيئ قدير } إذ يمتنع تحققه في الأعيان ، وتصوره في الأذهان ، وكذلك في قوله ( مساوٍ له ) : هذا ممتنع ، فليس شيئاً البتة فالله سبحانه منزه أن يتصف بالممتنعات وبغير صفات الكمال .راجع مجموع الفتاوى (8/382) .
* المسأله الثانية :-
- هل يقدر الله تعالى على خلق مخلوقات أزلية ، مقارنة لله تعالى ، أي لم يسبقها الله تعالى .
- الجواب : هل من الممكن أن يسبق مخلوق ما صفة مزاولة الخلق من قبل الله تعالى --> ممتنع
أم لابد أن يسبق الفعل ذلك المفعول ، والممتنع ليس شيئاً البتة --> ليس الاتصاف به من صفات الكمال والقدرة لا تكون إلا على شيئ ، ولا توجد قدرة أبداً على لا شيئ ، والممتنع لا شيئ ( خارجاً وذهنياً ) ، والله سبحانه على كل شيئ قدير ، فكل شيئ داخل تحت قدرته ، والله سبحانه متنزه عن غير صفات الكمال . ( الدرء ( 9/422-423)) .
* المسألة الثالثة :-
- هل يقدر الله تعالى على أن يدخل بيضة الدجاجة ( أو النعامة ) في فم النملة الصغيرة .
- الجواب : إن كان هذا الأمر ممكن الوجود ، فان الله تعالى قادر عليه إذ الله تعالى { على كل شيئ قدير } ، والقدرة لا تتعلق بلا شيئ . وان كان هذا الأمر ممتنع الوجود ، فان الله تعالى يتنزه أن يتصف بلا شيئ وهو الممتنع . والله سبحانه يتنزه عن غير صفات الكمال ( نفس الجواب على السؤال الأول ) .
* المسألة الرابعة :-
- ان الله تعالى يعلم أن أموراً معينة ستوجد يقيناً ويعلم تفصيلها ، ولكن هل يراها الله تبارك وتعالى ويعلمها موجودة في الخارج قبل أن توجد ، أم يراها موجودة في الخارج حين وجودها في الخارج .
- الجواب : رؤية الشيئ موجودٌ في الخارج قبل أن يوجد في الخارج --> ممتنع ليس شيئاً البتة ، فعدم العلم به موجوداً في الخارج قبل وجوده في الخارج ليس نقصاً ، فلا يدخل في قوله تعالى { أحاط بكل شيئ علماً } لأنه ليس شيئاً ولا في قوله { وسع كل شيئ رحمة وعلماً } لأنه ليس شيئاً البتة ، والعلم لا يتعلق إلا بالشيئ ، والعلم لا يكون إلا بشيئ ، وما ليس بشيئ فلا يتعلق به أي علم ، وليس العلم بالممتنع من صفات الكمال والله لا يتصف إلا بالكمال ومنزه عن غير صفات الكمال . مج ( 8/496) ( 16/304) .
*** ج. أن يكون هذا الكمال سليماً من النقص ، ولا يقتضي نقصاً في أي وجه من الأوجه عند اتصافه به ، فإن اقتضى نقصاً في وجه ما فان الله تعالى يتنزه عن تلك الصفة .
مثال ذلك :-
- المولود : بفتحة الفم / وفتحة الشرج --> من كمال المولود .
- المولود : بفتحة الفم / دون فتحة الشرج --> نقص فيه .
- ولكن كمال المولود بفتحة الشرج يقتضي :
1. كونه أجوف --> نقص ( يجب انتفاؤه للكمال ) .
2. ثبوت أكله واخراجه --> نقص ( يجب انتفاؤه للكمال ) .
كماله يقتضي نقصاً --> فهو كمال نسبي وليس كمالاً محضاً .
* شهوة الأكل والشراب :-
- الصحيح ( غير المريض ) : الذي يشتهيها ، أكمل من المريض الذي لا يشتهيها ، فشهوتهما كمال ، لكنه كمال نسبي ليس محضاً ، لأنه يقتضي نقصاً :
1. كونه أجوف : لدخول الطعام .
2. خروج الطعام والفضلات .
لذلك الكمال النسبي هو كل ما كان مسلتزماً لأحد ممّا يلي :-
1. امكان العدم على من يتصف به : المنافي لوجوبه وقيوميته ، كالنوم : بالرغم من كونه كمال للمخلوق ولكنه أخو الموت ، وصورة من صوره والافتقار إليه .
2. الحدوث المنافي لقدمه : - يلد ، بالرغم من كونه كمال للمخلوق ( ضد العقم ) .
- يولد .
- احداث صفة جديدة له بعد أن لم تكن ، ( لم يتصف بها من قبل ) .
3. لفقره المنافي لغناه : - النكاح ، ( احتياج للصاحبة ) .
- الطعام ، شهوته له .
" ليتضح ذلك : خذ الصفة لوحدها ، هل تقتضي نقصاً أم لا ، كصفة السمع لوحدها ، هل تقتضي أن تكون محدثة ، هل تقتضي العدم ، هل تقتضي الضعف والخور ، صفة الموت هل تقتضي نقصاً لوحدها --> هي صفة نقص " مجموع الفتاوى ( 6/87 ) .
*** د. يستعمل في حق الله تعالى قياس الأولى والأحرى والأعلى .
- قال شيخ الاسلام في مجموع الفتاوى ( 12/347) : " واستعمال كلا القياسين ( التمثيل والشمول ) في الامور الالهية لا يكون إلا على وجه الأولى والأحرى ، وبهذه الطريقة جاء القرآن ، وهي طريقة سلف الأمة وأئمتها ...
ما ثبت لغيره من الكمال الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه فهو أحق به ، وما نزه عنه غيره من النقائص فهو أحق بالتنزيه منه كما قال تعالى { للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ، ولله المثل الأعلى } " أ.هـ
- مثال ذلك :-
* إذا كان هناك موصوفين : - أحدهما : يقبل الاتصاف بصفة كمال محض .
_ والآخر : لا يقبل الاتصاف بها .
كان الأول اكمل من الآخر ، ولو لم يتصف بها الأول ، مثال ذلك : البصر ، فالرجل الأعمى ممكن أن يتصف بها ، فهو أكمل من الحائط الذي لا يقبل الاتصاف بها فقط لأنه يقبل الإتصاف بها بينما الآخر لا يقبل .
* إذا كان موصوفان :
- أحدهما : يقبل الاتصاف بصفة كمال محض وهو متصف بها ، والآخر يقبل الاتصاف بصفة كمال محض ولكنه غير متصف بها ، كان الأول أكمل من الآخر ، لأنه متصف بها ، كالبصير والأعمى ، فالبصير أكمل من الأعمى ( الدرء ( 1/29-30) ( 4/37-38 ) ( 4/38 ) ( 3/367-368 ) ( 4/7 ) ( 9/305-306) ( 9/316) ( 9/422-423) مج ( 6/88-94) الطحاوية ص 119 .
* اعتراض : هل الله تعالى اكتمل بغيره وهي صفات الكمال ؟
الجواب : -
1. الله جل جلاله : هو الذات المتصفة بكل صفات الكمال فالله سبحانه هو ذات + صفات الكمال ، فليس الذات هو غير الله ، وليست صفات الكمال هي غير الله سبحانه فاذا كانت صفات الكمال ليست غيره ، فكيف يقال : اكتمل بغيره ، بل الله سبحانه الذات المتصفة بكل صفات الكمال .
2. يقال للسائل : هل يمكن وجود ذات مجردة عن هذه الصفات ( أو عن أي صفة ) .
- فالجواب : لا يمكن وجود ذات دون صفة ، فلا بد وأن تتصف على الأقل بصفة الوجود .
* ثم يقال له : هل يمكن وجود ذات كاملة ( متصفة بالكمال ) مجردة عن هذه الصفات .
- الجواب : لا يمكن وجود ذات كاملة لا تتصف بصفات الكمال ، إذ كيف يقال عنها كاملة دونها، فالصفات من لوازم الذات الموجودة ، لا تنفك عنها ، فاذا كان أحد السؤالين السابقين ممتنع --> امتنع كماله بدون هذه الصفات فكيف إذا كان كلاهما ممتنع --> وجود ذات كاملة بدون هذه الصفات ممتنع وعدم الممتنع ليس نقصاً ، وانما النقص عدم ما يمكن الوجود .
3. قوله ( اكتمل بغيره ) .
* يقال له : هل تعني ( بغيره ) أي بشيئ منفصل عنه ؟ أم بما هو من لوازم ذاته ؟
- أما كون الصفات منفصلة عن الله تعالى ، فهذا ممتنع كما مر سابقاً إذ الله سبحانه ( ذات + صفات ) فليس شيئ منها منفصل عنه ولا توجد ذات دون صفات .
- أما كون صفات الكمال من لوازم ذاته فهو حق ولوازم ذاته لا يمكن وجود ذاته بدونها كما لا يمكن وجودها بدون الذات ، وهذا كمال بنفسه لا بشيئ مباين له ، فليست هي غيره .
* اعتراض : هل صفاته زائدة على ذاته ؟(39/1)
- الجواب : إن أريد بالذات : هي الذات الموجودة في الذهن المجردة ، ليست الموجودة في خارج الذهن ، فالصفات زائدة عليها . وإن أريد بالذات الموجودة في الخارج ، فهذه لا تكون موجودة إلا بصفاتها اللازمة ، والصفات ليست زائدة على ذاته المتصفة بالصفات ( أي الله سبحانه كما مر سابقاً ) . راجع مجموع الفتاوى (6/95-97) .
* اعتراض : هل الصفات الاختيارية ( المتعلقة بالمشيئة والقدرة ) : كالكلام والغضب والرضا والحب والبغض وغير ذلك ، هل في حال عدم مزاولته لها ( بالرغم من اتصافه بها ) هل يعتبر نقص أم كمال ؟!
- الجواب : لا يُسَلِّم علماء السلف أن عدم هذه مطلقاً نقص ولا كمال ، ولا وجودها مطلقاً نقص ولا كمال ( أي مزاولته لها مطلقاً ) . بل وجودها في الوقت الذي اقتضته مشيئته وقدرته وحكمته --> كمال ووجودها بدون ذلك --> نقص . وعدمها مع اقتضاء الحكمة عدمها --> كمال . وعدمها مع اقتضاء الحكمة وجودها --> نقص . والله سبحانه لا يتصف إلا بصفات الكمال . راجع مجموع الفتاوى ( 6/107-108) ، درء ( 4/93-94) ( 4/204-205) .
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الشيخ عدنان عبد القادر
عدد القراء : 1499
تاريخ الموضوع: 03 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(39/2)
شرح العقيدة التدمرية للشيخ عدنان عبد القادر ج - 2
الشيخ عدنان عبد القادر
أ. فهذا هو مقصود علماء السلف عندما يقولون : أتت الرسل بنفي مجمل ، أي :عندما ينفي الله المماثلة ، ينفي نفياً مجملاً فالنفي المجمل هو لنفي المماثلة .
- كما قال في موضع آخر ( 6/37) " والله تعالى في القرآن يثبت الصفات على وجه التفصيل وينفي عنه على طريق الاجمال - التشبيه والتمثيل " أ.هـ .
* لذلك قال الله تعالى نافياً تمثيله بخلقه نفياً مجملاً . { هل تعلم له سمياً } مريم . أي نظيراً ، مثيلاً شبيهاً { ولم يكن له كفوا أحد } ، { فلا تجعلوا لله أنداداً } البقرة ، أي نظراء . { قل هو الله أحد } أي ليس له مثيل ونظير ، { فلا تضربوا لله الأمثال } لا تجعلوا له مثيلاً . فلم يقل : هل تعلم له سمياً في السمع ، والبصر والعلم ولم يقل : لا تجعلوا لله أنداداً في البصر والرؤية والاستواء .
* وقد يأتي نفي مفصل للتمثيل :
- وذلك عند ادعاء الكفار المثيل لله في أمر خاص كما قال تعالى نافياً المثيل في الملك { ولم يكن له شريك في الملك } .
ب. أما عند نفي النقص فانه قد ينفيه :
1. مجملاً :
{ سبحان الله عما يصفون } الصافات . عندما نسبوا لله البنات سبحانه ، فنفى عنه هذه النقيصة بشكل عام . { تعالى عما يشركون } ، { سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً } .
2. نفياً مفصلاً للنقائص :
{ لا تأخذه سنة ولا نوم } ، { ولا يؤده حفظهما } ، { لم يلد } ، { ولم يولد } .
** القاعدة الثالثة **
" النفي ، ليس فيه مدح ولا كمال إلا إذا تضمن إثباتاً "
يقال لمن وصف الله بالنفي فراراً من التشبيه والتجسيم .
- يقال له : هل العدم ( المحض ) هو مدح أو كمال أم ليس بشيئ ( والعدم المحض : هو ضده لا يقتضي كمالاً ولا مدحاً ) .
* إذا قال : ليس بشيئ ، وليس هو مدح ولا كمال .
- يقال له : عندما نفيت الصفات عن الله تعالى ( لا يحب ، ولا يرضى ولا فوق ، ولا يرى ولا يتكلم ) ما هو المدح المتضمن لنفي هذه الصفات ؟!
ثم يقال له : هل المعدوم ، يحب ويرضى وفوق ويتكلم ويرى ؟! ( وهل من لا يتكلم إلا ناقص ) .
* إذا قال : لا .
- يقال له : قد شبهت الله بالمعدوم إذاً ، وشبهته بالنواقص .
* إذا قال : لكن الله وصف نفسه بنفي بعض الصفات .
- يقال له : لما يتضمنه هذا النفي من مدح وكمال .
فعندما قال : { لا تأخذه سنة ولا نوم } ، يتضمن كمال الحياة والقيام ( بنفسه وعلى خلقه ) .
{ ولا يؤوده حفظهما } : أي لا يكثره ولا يثقله ، أي كمال القدرة وتمامها دون مشقة ولا كلفة .
{ لا يعزب عنه مثقال ذرة } : مستلزم لعلمه بكل ذرة في السموات والأرض ، كمال علمه .
{ وما مسنا من لغوب } : أي التعب والإعياء ، دل على كمال القدرة ونهاية القوة .
{ لا تدركه الأبصار } : إثبات عظمته ، إذ يرى ولا يحاط به .
لذلك لم يصف الله سبحانه نفسه بنفي محض ، بل ما نفى عن نفسه صفة ولا ثبت بهذا النفي كمال الضد . فالذين لا يصفونه إلا بالسلوب ، لم يثبتوا في الحقيقة إلهاً محموداً بل ولا موجوداً .
- قال محمود بن سبكتكين لمن ادعى ذلك في الخالق ، قال له : ( ميز لنا بين هذا الرب الذي تثبته وبين المعدوم ) .
* ولمزيد من التفصيل ارجع للرسالة التدمرية ص 4-6 .
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الشيخ عدنان عبد القادر
عدد القراء : 1387
تاريخ الموضوع: 01 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(40/1)
شرح العقيدة التدمرية للشيخ عدنان عبد القادر ج - 1
الشيخ عدنان عبد القادر
2| توحيد القصد والارادة :
ـ يتضمن التوحيد في عبادته ( كمال المحبة مع كمال الذل) وحده لا شريك له
ـ وهو توحيد الألوهية والعبادة ، والمحبة تستلزم طاعة المحبوب والعمل على ذلك ، لذلك شرع لعباده الشرائع وهي أمره ، فيثبت أمره المتضمن بيان ما يحبه ويرضاه من القول والعمل ، ويؤمن بشرعه إيمانا خاليا من الزلل ، دل على ذلك سورة الإخلاص الثانية ( الكافرون) لذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم - يقرأ بهما بعد الفاتحة في ركعتي الفجر وركعتي الطواف وغير ذلك.
توحيد الاثبات والمعرفة توحيد القصد و الارادة
هو توحيد " الاسماء والصفات " هو توحيد " الألوهية والعبادة "
يتضمن ( توحيد الربوبية ) يتضمن " التوحيد في عبادته " كمال المحبة مع كمال الذل وحده لا شريك له .
هو التوحيد في القول والعلم ( العلمي ) المحبة تستلزم طاعة المحبوب والعمل على ذلك ، لذلك شرع لعباده الشرائع وهي أمره .
يؤمن بخلقه المتضمن كمال قدرته فيثبت أمره المتضمن بيان ما يحبه ويرضاه من القول والعمل
يؤمن بقدره إيمانا خاليا من الزلل فيؤمن بشرعه إيمانا خالياً من الذلل
دل على ذلك سورة الإخلاص دل على ذلك سورة الإخلاص الثانية بالكافرون .
أولا: توحيد الإثبات والمعرفة :
- فالكلام في توحيد الصفات .
القاعدة الأولى :
- ( يوصف الله بما وصف به نفسه ، وبما وصفه به رسله ، نفياً واثباتاً )
- فثبت لله ما أثبته لنفسه ، وننفي عنه ما نفاه عن نفسه من غير إلحاد ومن غير تكييف ولا تمثيل ، ومن غير تحريف ولا تعطيل ، لقول الله تعالى :{ ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها ، وذروا الذين يلحدون في اسمائه ، سيجزون ما كانوا يعملون } .
أ. فالالحاد في اسمائه :
1. انكار اسمائه أو شيئاً منها .
* فممن أنكر كل اسمائه ، وقالوا : هي مذكورة على سبيل المجاز ، غلاه الجهمية والفلاسفة والقرامطة الباطنية .
- فراراً من تشبيهه بالموجودات لأن لها مثل بعض هذه الاسماء . انظر مجموع الفتاوى ( 3/100) (5/355) (8/227-229) (12/311) (12/202-205) (6/35) ، انظر تأسيس التقديس ( 1/18) التعليق .
* وممن أنكر أغلب الاسماء : المعتزلة ، والجهمية المشهورون . انظر نقص التأسيس ( 1/18 ) ، مجموع الفتاوى ( 13/131)(6/9)(33/176) .
2. اثبات الاسم ، وانكار مادل عليه من الصفة أو الصفات :
- فجعلها اسماء جامدة لا معاني لها .
* فممن ينكر كل الصفاة التي دلت عليها الاسماء ، غلاه المعتزلة .
- مجموع الفتاوى ( 8/227) (12/311) (17/148-150) (3/99) (3/7) (33/176) (3/39) (13/131) (6/51) .
* وممن ينفي وينكر بعض الصفات : المعتزلة والجهمية والاشاعرة والكلابية بتأويل وتحريف
- مجموع الفتاوى ( 6/51)(12/206)(13/131) .
3. تسمية المخلوقات بما لا يجوز إلا لله سبحانه :
- تسمية الرحمن لغير الله .
- أو اسم ( الله ) سبحانه يطلق على غيره .
4. تأنيث أسماء الله واطلاقها على المعبودات :
- الله --> اللات .
- العزيز --> العزى .
- المنان --> مناة .
5. تسمية الله تبارك وتعالى بما لم يسم به نفسه :
- كتسمية النصارى له بالأب .
- تسمية الفلاسفة له : العلة الفاعلة .
- إذ أسماء الله سبحانه توقيفية .
6. اثباتها مع اثبات صفاتها لكنه يجعلها تدل على التمثيل في دلالتها .
- عليم يدل على علم الله .
- فيقول : فلان عليم : وعلمه كعلم الله تعالى .
( القول المفيد 13/76-77)(شرح الواسطية 1/119-123) .
ب. والالحاد في آياته :
- حذر الله منه إذ قال سبحانه { إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا }
- والالحاد في الآيات بما يلي :
1. الآيات الكونية : كالليل والنهار ، والشمس والقمر ، والمطر والنعم .
-فينسبها إلى غير الله ، أو ينسبها إلى الله وإلى غيره مشاركة له ، أو ينسبها إلى الله وإلى غيره معيناً له .
{ قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله ، لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ، وما لهم فيهما من شرك ، وما له منهم من ظهير }
2. الآيات الشرعية : كالقرآن العظيم .
- فيكذب بها أو بمدلولها من الصفات وغيرها .
- أو يحرفها : فيحرف الصفات وغيرها .
- أو يخالفها : بترك الأوامر أو فعل النواهي،{ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب أليم }
ج. التكييف :
* وهو كنة الصفة ، وحقيقتها . وصفات الله لهاكيفية ولا يعلمها إلا هو . لذلك تفوض الكيفية ونعلم معنى الصفة ، لذلك قال السلف : أمروها كما جاءت بلاكيف أي بلاسؤال عن الكيف .
* الأدلة على عدم تكييف صفات الله تعالى :
1. قال تعالى { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات ، وما يعلم تأويله إلا الله } آل عمران . على قراءة الوقف على لفظ الجلالة ، أي ما يعلم تأويل المتشابه ، أي حقيقة المتشابه ، إذ التأويل من معانيه : هو حقيقة الشيئ فكيفية صفات الله من المتشابه لا يعلمه إلا الله وحده .
2. { ينفق كيف يشاء } .
3. { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها .... وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون }
4. { ولا تقف ما ليس لك به علم }
5. { لا تدركه الابصار } أي لا تحيط به ، فلا تعرف كيفية الأبصار .
6. { ولا يحيطون به علماً } .
* لذلك قال مالك وربيعة : الاستواء معلوم والكيف مجهول ، والسؤال عنه بدعة ( أي مجهول لنا ) فلم ينف الكيف وإنما نفى العلم به .
* إذا سأل المبتدع عن كيفية الصفة ، فسأله عن كيفية الذات ، إذا قال : كيف استوى ، قل له : كيف هو ، فاذا نفى كيفية الذات ، فلا حرج في نفي كيفية الصفات .
* إذا قال : القول بالتشابه من بعض الأوجه يقتضي المثلية ، إذا التشابه هو المثلية .
- يقال له : هناك فرق بين التشابه والمثلية . نقض التأسيس ( 1/109 ) ( 1/477 ) ( 2/381 ) .
1. فالتشابه : هو الاتفاق من بعض الاوجه لا من كل الأوجه . لذلك قال الله تعالى عن الزروع والفاكهة : { والزيتون والرمان متشابهاً وغير متشابه } ، أي متشابه : يشبه بعضه بعضاً في بعض الاوصاف ، غير متشابه : ولا يشبه بعضه بعضاً في بعضها الآخر .
- وقال عن طعام الجنة : { قالوا هذا الذي رزقنا من قبل ، وأتوا به متشابها } فهو مختلف عنه ، ولكن يشبهه من بعض الأوجه .
- وقال عن الآيات المتشابهة { فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه } أي تشابه من بعض الأوجه ، وأختلف ( ولم يتناقض ) من أوجه أخرى .
- وقال عن القرآن { كتاباً متشابهاً } ، أي يشبه بعضه بعضاً فيؤكد صحته ويختلف في بعضه الآخر ( ولم يتناقض ) لزيادة المعاني والمعرفة .
2. أما المماثلة : فهي المساواة من جميع الأوجه . نقض التأسيس ( 2/381 ) .
- كما قال تعالى : { للذكر مثل حظ الأنثيين } أي مساوٍ لحظ الانثيين ، ليس قريباً من حظهما .
- وكما قال تعالى { لو أن لهم ما في الأرض جميعاً ومثله معه } أي مساو له .
مما يدل على ما سبق : أن الله تعالى لما قال عن قول بعض الكفار : { وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم } .
- إذا قال اليهود : لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية ، وقالت النصارى : لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية ، وقالت العرب مثل قولهم : لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية . فتساووا في المطلب ، فقال { مثل قولهم } . أما القلوب : فتشابهت من وجه واختلفت من وجه آخر فلم يقل { تماثلت قلوبهم } .
التمثيل : هو المساواة من كل وجه بحيث :
- يجوز على أحدهما ما يجوز على الآخر ، ويجب له ما يجب على الآخر ، ويمتنع عليه ما يمتنع على الآخر * مثال ذلك : صفة السمع ، إذا قلنا سمع الله كسمع المخلوق ( تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ) ، فإنه : - يجوز غياب بعض الأصوات عن الله كما تغيب عن بعض المخلوقات ( تعالى الله عن ذلك ) .
- يجب أن يكون لسمعه بداية كما يجب ذلك على سمع العبد وتعالى الله عن ذلك .
- ويمتنع فناء سمع العبد أو ضعفه ، إذ يمتنع فناء سمع الله تعالى .
* الدليل على نفي التمثيل : { ليس كمثله شيئ وهو السميع البصير } ، { ولم يكن له كفوا أحد } ، { هل تعلم له سمياً } .
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الشيخ عدنان عبد القادر
عدد القراء : 2029
تاريخ الموضوع: 01 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(41/1)
شرح العقيدة الطحاوية للشيخ عثمان الخميس - 2
الشيخ عثمان الخميس
الشرح: اعلم وفقك الله إلى كل خير أن التوحيد أول دعوة الرسل وآخرها، ومن أجله أرسل الله الرسل، وأنزل الكتب، قال تعالى:" وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين" وجميع الرسل إنما أرسلهم الله بالتوحيد، قال تعالى:" لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره" وقال هود عليه السلام لقومه:" اعبدوا الله ما لكم من إله غيره"، وقال صالح عليه السلام لقومه:" اعبدوا الله ما لكم من إله غيره"، وقال شعيب عليه السلام لقومه:" اعبدوا الله ما لكم من إله غيره"، وقال تعالى:" ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت"، وقال تعالى: وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون"، فالتوحيد أول ما يؤمر به العبد في الإسلام، وآخر ما يخرج به من الدنيا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة"، أخرجه أبو داود من حديث معاذ بن جبل.
والتوحيد يتضمن ثلاثة أنواع:
أحدها: الكلام في الصفات، والتوحيد يكون بإثباتها لله تبارك وتعالى على ما يليق به والإيمان بها، والاعتقاد بأن الله تبارك وتعالى لا يشبهه شيء من مخلوقاته، لا في ذاته ولا في أفعاله ولا في أسمائه ولا في صفاته ولا في حقوقه.
والثاني: الكلام في توحيد الربوبية، وبيان أن الله وحده خالق كل شيء، والقلوب مفطورة على الإقرار به, قال تعالى:" قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السماوات والأرض" وأشهر من عرف عنه إنكار هذا التوحيد فرعون، ومع هذا كان مستيقناً به في الباطن كما قال تعالى:" وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً"، ولذلك قال له نبي الله موسى صلى الله عليه وسلم:" لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر"، ولما رأى فرعون الموت بأم عينه قال:" آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين"
والثالث: توحيد الإلهية، وهو استحقاقه سبحانه وتعالى أن يعبد وحده لا شريك له
وهو التوحيد الذي دعت إليه الرسل ونزلت به الكتب وهو متضمن توحيد الربوبية، قال تعالى: "ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله"، وقال عز من قائل :" قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل أفلا تذكرون".
والذين اتخذوا هذه الأصنام آلهة لم يقولوا أبداً إنها خالقة أو رازقة بل قالوا: هذه تشفع لنا عند الله، قال تعالى:" والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى"، وقال عز وجل:" ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون".
والقرآن الكريم مملوء من تقرير توحيد الألوهية، أحيانا بالنص عليه وأحيانا بتقرير توحيد الربوبية، وأن ذلك مستلزم لتوحيد الألوهية كما قال جل وعلا:" قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أما يشركون. أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماءً فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون".
وتوحيد الألوهية متضمن لتوحيد الربوبية، فمن لا يقدر على أن يخلق يكون عاجزاً والعاجز لا يصلح أن يكون إلهاً، قال تعالى:" أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون"،
والعكس غير صحيح وذلك أن توحيد الربوبية لا يستلزم توحيد الألوهية، فكفار مكة كانوا مقرين بتوحيد الربوبية، فلم ينفعهم ذلك ولم يكونوا به مسلمين.
قال الإمام الطحاوي: مميت بلا مخافة باعث بلا مشقة
الموت والحياة مخلوقان من مخلوقات الله
" الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ". والعدم لا يوصف بأنه مخلوق ولذلك جاء في الحديث الصحيح " يؤتي بالموت يوم القيامة على صورة كبش أملح ".
والله على كل شئ قدير
فإذا أمات فليس لأجل الخوف ممن أماته بل هو خلقهم وهو يميتهم
وقوله باعث بلا مشقة لأن الله هو يبعث الموتى
" زعم الذين الذين كفروا أن ليبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير "
وذلك أن الله الذي خلقهم أول مرة ليس بعاجز عنهم في الثانية
قال الإمام الطحاوي: خالق بلا حاجة رازق بلا مؤنه
وهو القائل " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الزاق ذو القوة المتين"
فهو خالق الجميع لا خالق إلا الله " الله خالق كل شئ"
وهو رازق كل أحد لا رازق إلا الله " إن الله هو الرازق ذو القوة المتين "
فكل مخلوق فالله خالقه وكل مرزوق فالله رازقه
وفي حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى " يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وأنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر "
والمخيط هو الإبرة الكبيرة التي تخاط بها الخيام الكبيرة وبيوت الشعر. فكما أنها لا تنقص البحر شيئاً إذا أدخلت فيه ثمّ أخرجت فكذا خزائن الله لا تتأثر بما يعطي ويهب سبحانه وتعالى.
قال الإمام الطحاوي: مازال بصفاته قديماً قبل خلقه لم يزدد بكونهم شيئاً لم يكن قبلهم من صفته وكما كان بصفاته أزلياً كذلك لا يزال عليها أبدياً
جميع صفات الله سبحانه وتعالى أزلية أي لا ابتداء لها كما أن الله لا ابتداء له فهو الأول الذي ليس قبل شئ وكذا صفاته، وصفات الله جميعها صفات كمال لا نقص فيها فصفة الحياة مثلاً أزلية وحياة الله كاملة لا نقص فيها بأي وجه من الوجوه فهذه الحياة لم يهبها له أحد ولا تزول عنه ولا يعتريها ما يعتري الحياة الناقصة من كدر ومرض وغير ذلك من الأعراض وصفة القدرة كذلك أزلية كاملة ولا يعتريها عجز أو مشقة
ولما كانت صفات الله لا تنفك عنه ولا تزول فإنك إذا عذت بالله فقد عذت بالذات المقدسة الموصوفة بصفات الكمال التي لا تقبل الانفصال بوجه من الوجوه
وإذا قلت أعوذ بعزة الله فقد عذت بصفة من صفات الله ولم تعذ بغير الله ومن ذلك حديث " أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر " وحديث " أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق "وحديث " اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك "
قال الإمام الطحاوي: ليس بعد خلق الخلق استفاد اسم الخالق ولا بإحداثه البرية استفاد اسم الباري
وذلك أن الله هو الخالق قبل أن يخلق الخلق وهو الخالق بعد خلقه الخلق وهو الخالق بعد فناء الخلق وكذا اسم الباري
قال الإمام الطحاوي: له معنى الربوبية ولا مربوب ومعنى الخالق ولا مخلوق
يعني أن سبحانه موصوف بأنه الرب قبل أن يوجد المربوب وموصوف بأنه الخالق قبل أن يوجد المخلوق
والرب لها معان في اللغة منها بمعنى التربية كقوله تعالى " وربائبكم اللاتي في حجوركم " أي اللاتي تربونهن ومنه يقال فلان ربيب فلان أي الذي رباه فلان وتطلق على ابن الزوجة أو بنتها، والرب أيضاً بمعنى السيد المطاع كقول يوسف لصاحب السجن " أما أحدكما فيسقي ربه خمراً"
وقول يوسف أيضاً: " ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن" والرب أيضاً بمعنى الملك المتصرف كما هو مراد الإمام الطحاوي ومنه قوله تعالى " الحمد لله رب العالمين "
قال الإمام الطحاوي: وكما أنه محيي الموتى استحق هذا الاسم قبل إحيائهم كذلك استحق اسم الخالق قبل إنشائهم
وهذا كسابقه
وقال الإمام الطحاوي: ذلك بأن الله على كل شئ قدير وكل شئ إليه فقير وكل أمر عليه يسير لا يحتاج إلى شئ (ليس كمثله شئ وهو السميع البصير)
وذلك أن الله إذا أراد شيئاً أمضاه والعكس صحيح وذلك أن الله إذا لم يرد شيئاً لم يقع . وكل شئ يسير عليه لأنه على كل شئ قدير، والله هو الغني وكل ماعداه فقير ومحتاج إليه سبحانه وتعالى سواء في إيجاده أو بقاءه أو رزقه، ولذلك كان من أسماء الله تعالى القيوم أي القائم بنفسه المقيم لغيره، ومن أسمائه الصمد وهو الذي تصمد إليه الخلائق بحوائجها أي تتجه إليه
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ عثمان الخميس
عدد القراء : 1776
تاريخ الموضوع: 01 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(42/1)
شرح العقيدة الطحاوية للشيخ عثمان الخميس - 1
الشيخ عثمان الخميس
فالواجب اتِّباع المرسلين وما أنزله الله إليهم وقد ختم الله المرسلين بمحمد صلى الله عليه وسلم فجعله آخر الأنبياء وجعل كتابه مهيمناً على ما سبقه من الكتب السماوية، وأكمل له ولأمته الدين قال تعالى : اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً
وأرسل الله تبارك وتعالى رسوله محمداً بالهدى ودين الحق، فلا هدى إلا فيما جاء به. ولا يقبل الله من الأولين ولا من الآخرين دينا إلا ما أرسل به رسله عليهم السلام وقد نزه الله تعالى نفسه عما يصفه العباد إلا ما وصفه به المرسلون قال تعالى: سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين " فنزه نفسه عما يصفه به الكافرون، ثم سلم على المرسلين لسلامة ما وصفوه به من النقائص والعيوب، ثم حمد نفسه على تفرده بالأوصاف التي يستحق عليها كمال الحمد.
وقد بلَّغ الرسول صلى الله عليه وسلم البلاغ المبين وأوضح الحجة للمستبصرين وسلك سبيله خير القرون ثم خلف من بعدهم خلف اتبعوا أهواءهم وافترقوا وذلك أنه كلما بعد عهد الناس عن زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ظهرت البدع وكثر التحريف الذي سماه أهله تأويلا ليقبل فاحتاج المؤمنون بعد ذلك إلى إيضاح الحق، فقيَّض الله سبحانه وتعالى عباداً له يذبون عن دينه كل باطل. وأقام الله لهذه الأمة من يحفظ عليها أصول دينها، كما أخبر الصادق صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله، وهم ظاهرون على الناس. أخرجه البخاري ومسلم من حديث المغيرة بن شعبة
وممن قام بهذا الحق من علماء المسلمين الإمام أبو جعفر الطحاوي أحمد بن محمد ابن سلامة الأزدي رحمه الله تعالى فبين عقيدة السلف من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان، وذلك في رسالة مختصرة عرفت بعد ذلك باسم العقيدة الطحاوية، وقد جعل الله لها القبول فانتشرت وعم خيرها.
الإمام أبو جعفر الطحاوي في سطور:
قال الإمام الذهبي: الإمام العلامة الحافظ الكبير، محدث الديار المصرية وفقيهها، أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي مولده سنة 239 وقد تتلمذ الإمام الطحاوي على يد كثير من العلماء ورحل في طلب العلم حتى بلغ عدد شيوخه 372 شيخاً وكان أشهرهم: الإمام النسائي صاحب السنن، إسماعيل بن يحيى المزني، عبد الله بن أبي داود السجستاني، محمد بن أحمد أبو بشر الدولابي، علي بن عبد العزيز البغوي، وتتلمذ عليه الكثيرون.
كان الإمام الطحاوي يدرس على يد إسماعيل بن يحيى المزني، فحصل أن استصعب عليه فهم مسألة ما، فغضب المزني منه وقال: والله لا تفلح أبداً. فتركه الطحاوي وصار يدرس على يد أبي جعفر بن أبي عمران واجتهد في طلب العلم حتى برز فيه وفاق أقرانه، وصار علما يسافر الناس إليه لينهلوا من علمه، وصنَّف مختصراً في الفقه، ومرَّ يوماً بقبر شيخه المزني فقال: يرحمك الله يا أبا إبراهيم، أما لو كنت حيَّاً لكفَّرت عن يمينك.
وفي هذه القصة يظهر الأدب الجم من الإمام الطحاوي تجاه شيخه المزني، مع ما كان منه تجاهه وذلك أنه لم ينس إحسانه إليه في تعليمه العلم.
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ عثمان الخميس
عدد القراء : 4663
تاريخ الموضوع: 01 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(43/1)
براءة الذمة بنقص الشهادة والشهود للشيخ صالح اللحيدان
الشيخ صالح اللحيدان
وهنا أيضا يتفق الشرع والعقل وتتفق الفطر السليمة ويقر الواقع أبداً على حقيقة نثبتها هنا كما أثبتنا سواها في غير هذه الدراسة. أن الإنسان يكون هواه تبعاً لما جاء به الشرع الثابت الصحيح , وما لم يكن هذا الإنسان مقيداً نفسه بما ثبت وصح من الدليل فإنه منطلق أبداً نحو ما تشتهي الأنفس (ولقد جاءه من ربه الهدى ) , سؤال يطرح نفسه في هذه الرسالة ونتفوه به علنا نصيب أو لعلنا نعيد أو ندرك لازم القبول ولازم الرفض تجاه المتهم في مجلس القضاء لإحقاق الحق ورد الماء إلى مجراه الأصيل أقول سؤال أطرحه هنا بعد إدراك ما سلف ذكره : هل المتهم يؤخذ بالشهادة وبشهادة الشهود وبمعنى أوضح هل يقبل ناظر القضية كل شهادة يتلفظ بها وكل شاهد يقول رأيت وسمعت وعرفت لا جرم فإن المتهم أمام القضاء محفوظ أمره ومحاط خبره بالخير والعدل فلا تقبل شهادة ولا يسمع قول شاهد أو قول شهود ما لم يكن ذلك في مدار الشرع وما ورد به الدليل الصحيح فالشهادة والشهود هذا هو المراد حتى يؤخذ المتهم بالجريرة بل هذا كله له قيود كما أن له شروطه في الشرع وأعني بالشهادة الشهادة وأعني بالشهود الشهود وهذا يكفي ولا جدل بأن المراد من الشهادة والشهود الكامل قبولها بتوفير شروط الأخذ والقبول أكرر في هذا ما أراه لازم الإعادة للتثبيت والنظر السديد إذا قامت الدعوى فهل تقام الدعوى بالأخذ بقول المدعي أو قبول قول المدعي عليه على أساس حصول الشهادة من شهود عدول الصواب أن ناظر القضية ولو لم يكن قاضياً فإن من تمام كمال الشهادة أن يكون نفسه كيساً فطناً مهاباً يدع المزح والهزل ويكون على جانب كبير من الوعي النفسي والتصوير النظري البعيد فإن الناس اليوم تفننوا وجاءوا بطرق كثيرة مختلفة فما لم يكن الناظر ناظراً بالفطرة أو التجربة المستديمة , وطرح الرأي والتأني فإن الشهادة تأخذ طريقاً لعله ليس الطريق المراد فلازم كمال الشهادة كمال : عقل ونظر وذكاء وعدل ناظر القضية . وفي أعصر خلت نماذج حية من قضاة عظماء حباهم الله العقل والفطنة والوعي العام الرشيد وفي قراءة سير هؤلاء فائدة لا يعدم معها القاري ذهاب الوقت سدى بل هو الوقت الواجب قضاؤه في مثل هذا وتأكيدي هذا تذكير نافع ومفيد ففي أخبار من سلفوا عضة وذكرى لمريد العظة والذكرى وطالب الجنة ببذل أسباب دخولها يوم الدين فالقضاء عظيم ومهمة كبرى ومسؤولية في الحياة الدنيا. وإذا جئنا إلى الشهادة فإنها لا تصح من مؤديها ما لم تتوفر هذه الشروط أن يكون:
مسلم, بالغاً, عاقلاً, حافظاً, متكلماً, مبصراً, عدلاً. ولا تحتاج هذه الشروط إلى الشرح وإيراد القول حولها أخذاً ورداً فهي واضحة معروفة فالإسلام يكفي فيه ظاهر أمر مدعيه والباطن له الله. والبلوغ مدرك بعلاماته الظاهرة والباطنة والعقل هو المنهي ووضوحه أبين من كونه واضحاً والتكلم والبصر أن يكون أطرش أو كفيف البصر فيما فيه الشهادة على مشاهد بالعين والعدل معلوم بالتزكية وعلامات واضحة مدركة يعلمها المجرب وحالب الدهر شطريه
وقد جاء فيما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم (( لا يجوز شهادة خائن ولا خائنة ولاذي غمر على أخيه ولا تجوز شهادة القانع لأهل البيت وفي رواية أخرى لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا زان ولا زانية ولا ذي غمر على أخيه ))
واقتطفت مما جاء في اعلام الموقعين شيئاً مهماً حول الشهادة وحال ناظر القضية وقد كنت أجريت في نفسي أن أتحدث عما تحدث عنه ابن القيم لكنني رأيت الرجل قال ما كنت أرغب قوله فاكتفيت بهذا يقول رحمه الله (( وقوله وآس الناس في مجلسك وفي مجلسك وفي وجهك وقضائك، حتى لا يطمع شريف في حيفك ولاييأس ضعيف من عدلك )) إذا عدل الحاكم في هذا بين الخصمين فهو عنوان عدله في الحكومة فمتى خص أحد الخصمين بالدخول عليه أو القيام له أو بصدر المجلس والاقبال عليه والبشاشة له والنظر اليه كان عنوان حيفة وظلمه.
(( وقوله البينة على المدعي واليمين على من أنكر )) البينة في كلام الله تعالى ورسوله وكلام الصحابة اسم لكل ما يبين الحق فهي أعم من البيئة في اصطلاح الفقهاء حيث خصومها بالمشاهدين أو الشاهد واليمين ولا حجر في الاصطلاح ما لم يتضمن حمل كلام الله ورسوله عليه فيقع بذلك الغلط في فهم النصوص )) والذي جاءت به الشريعة أن اليمين تشرع من جهة أقوى المتداعيين فأي الخصمين ترجح جانبه جعلت اليمين من جهته (( والمقصود أن الحاكم يحكم بالحجة التي ترجح الحق اذا لم يعارضها مثلها والمطلوب منه ومن كل من يحكم بين اثنين أن يعلم ما يقع ثم يحكم فيه بما يجب فالأول مداره على الصدق والثاني مداره على العدل ))
وقوله (( الا مجرباً عليه شهادة زور )) يدل على أن المرة الواحدة من شهادة الزور تستقل برد الشهادة، وقد قرن الله سبحانه في كتابه بين الاشراك وقول الزور (( فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور )) وفي الصحيحين أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم (( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قلنا بلى يا رسول الله قال الشرك بالله ثم عقوق الوالدين وكان متكئاً فجلس ثم قال ألا وقول الزور ألا وقول الزور فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت )) وقوله (( أو ظنيناً في ولاء أو قرابة )) (( الظنين المتهم والشهادة ترد بالتهمة ودل هذا على أنها لا ترد بالقرابة كما لا ترد بالولاء وإنما ترد بتهمتها وهذا هو الصواب)) (( وقوله فإن الله تبارك وتعالى تولى من العباد السرائر وسترد عليكم الحدود الا بالبينات والايمان)) (( يريد بذلك أن من ظهرت لنا منه علانية خير قبلنا شهادته ووكلنا سريرته الى الله سبحانه وتعالى فان الله سبحانه وتعالى لم يجعل أحكام الدنيا على السرائر بل على الظواهر والسرائر تبع لها وأما أحكام الآخرة فعلى السرائر والظواهر تبع لها )) الخ ونعلم من هذه المنقولات المهمة التي صاحبهما الدليل وواقع الحال أن المتهم في مجلس القضاء لا يؤخذ بالتهمة ودعوى الخصماء مهما كانت الحال فالمتهم بريء في حاله هذه حال التهمة وحال الأخذ والرد بينه وبين الخصماء حتى يدان بحق أبلج لا مرية فيه بل هو كشمس ليس دونها حجاب ولا ينبغي للقاضي نظر الكلام أو كثرة التردد عليه فقط بل واجبه التعويل على الثابت من الأدلة التي تدين المتهم وتجعله أمام الحكم الحق دون سواه وانها قضية واحده ولو طال وقتهاخير من انهاء عشر قضايا غالبها تكون العقبى فيها والندم والعبرة في القضاء والجلوس له احقاق الحق ورد المظالم ونصرة الضعيف وحد القوي وربطه فالعبرة في القضاء الفصل بين الناس كيفية النظر والطريقة لا كمية الانهاء فقط كالحال الحاصلة اليوم فرب قضية وقضية انتهت وفيها العذاب يوم الجزاء ورب قضية واحدة طال أمدها واجتهد صاحبها ونظر فنال صاحبها بها الجنة وفي حال الشهادة ونظر حال الشهود أميل جداً الى كون القاضي في هذا مدركاً لأمر الشهود فلا يتعجل في سماع الشهادة الا بعد ترو طويل ونظر بعيد وفي القضايا الكبيرة كالدم والزنى واللواط وقطع الطريق وتغيير منار الأرض ونحو ذلك الواجب هنا الصبر الطويل والمعاينة الثاقبة وطلب رأي الرجال كل ذلك قبل سماع أي شيء جاء إلى رجل يشتكي ابنه أنه سرق منه ثلاثة الآلف ريال وستمائة جنيه وعشرين سواراً ذهباً يسمونها (( غوائش )) تلبسها النساء كل يد بها ما بين وستمائة الى يتة غوائش قال لي :
- هذا الابن لا خير فيه انظر في أمره وما تراه آخذ به
- ما ذا حدث قل لي وتمهل
- اعطيته المفاتيح لكي يأتي بثيابي وبشتي وشنطة خاله لكنه سرق هذا المبلغ مع هذه الأساور
كان الرجل يتكلم بضعف ولا أدري هل أسمع ما يقول أم أنظر الى حركة يدية ورأسه
كان الرجل أمامي أشبه ما يكون بواعظ جيد يخلط بين الأمر والنهي والموعظة وكان الى هذا يلزمني بحركاته أن أضع ابنه موضع اليقين انه سرق
- قلت له :
- - ليس لي من الامر شي فتقدم بشكوى تلزم ابنك الجادة ويكون صالحاً بعد ذلك
- - أتيت إليك أريد نصيحة وعلاجه من مرضه هذا
- أي مرض تعني
- الكذب والسرقة
- لنعالج الآن موقفك أنت فتهدا أولاً لتسمع مني بعد أن سمعت منك
- ابنك سرق
- نعم
- ما هي البينة على ما تقول
- انت تدافع عنه
- كلا فهذا طريق الشرع
- البينة ثم البينة
- ابني هذا ربيته صغيراً وعشت معه وعاش معي كبيراً وهو الآن في الثامنة عشرة وأنا أدرى بابني ولا يسرق غيره
- اين البينة في كلامك هذا
- كله بينة
- هذه دعوى ابنك فيها بريء بالأصول الثابتة شرعاً ولا محيد عن هذا أبداً والا كنت أنا وانت ظالمين أبد الدهر
- إذاً أقدم شكوى للأمارة ضده
- افعل ما ترى
- وخرج متردداً أحسست بهذا من وقع خطاه على الأرض وبعد هنيهة عاد يقول:
- غداً أنا وإياه في بيتك بعد العشاء
- ما عليك غني انتظر
- وجاءا كما قال الوالد فدلفا الباب ونظرت الى الابن فأدركت من خلال نظرة أنه لم يسرق وجلسا بجانبي الابن بجوار أبيه وفي هذه الاثناء قلت
- لعلك أنهيت الكفاءة فتمتم بكلام لم يتمه حيث قال أبوه
- هذا لا يصلح الا للسرقة والكذب أما الدراسة فهي للرجال
- أريد جوابه هو
- لما اتمها فقد أخذت الابتدائي والزمني والدي بعد ذلك العمل معه
- ثم ماذا..؟
- سكوت
- يقول والدك هذا الحاضر انك سرقت ثلاثة الالف ريال وستمائة جنيه وعشرين سواراً ذهباً خالصا
- لم أسرق شيئاً وليست عادتي
- تحلف على هذا ! أبوه حالاً
- يحلف ماذا .. يحلف ألف يمين
- دعنا مما تقول
- أتحلف بالله الذي لا رب غيره أنك لم تسرق
- سكوت
- تكلم .. والله ما يمسك سوء . فأنا معك جتى يثبت الحق لك أو عليك
- والدي هذا شديد غليظ الطبيعة يخاف من الكبير قبل الصغير آذى أهل بيته ووالله الذي لا رب غيره ما سرقت لكنه اتهمني لأنني كنت آخر من خرج من الدكان معي ثيابه وبشته وشنطة خالي.
- هل رضيت بهذا القسم !؟!
- كلا
- ماذا تريد اذا؟
- المال والذهب
قال لي الابن: يا شيخ صالح والدي ينسى فليتنا نظرنا حال آخر العهد بماله وذهبه فذهبت مع الابن ونظرنا حسب الطبيعة فإذا الوالد قد أضاف هذا المبلغ ثلاثة الآلف ريال الى رصيده الجاري لدى البنك أما الذهب فكان قد باعه بمؤجل الى قابل الزيادة. ولقد كان هذا الوالد شهماً فأعلمته خطأ رأيه وعجلته وأنه في عمله هذا يأكل حراماً فعاد الى الحق ولم يطل أمرهما معي سوى يومين وكان صلحاً شخصياً. وقد ذكرت جريدة الشرق الأوسط نقلاً عن مصادر تونسية في عددها 1728 الصادر يوم الاثنين بتاريخ 14/11/1403هـ.(44/1)
أنه لا حديث للتونسيين الا عن قصة وردة التي أمضى زوجها سبعة عشر سنة في السجن اثر ادانته بجريمة قتلها، ثم ما لبث أن ظهرت حية ترزق بعد 41 سنة على اختفائها ولكن دون نضارة ولا أريج وذكر أن المرأة وهي من منطقة البريكات بولاية القصرين في الجنوب التونسي فرت خلال عام 1942 من زوجها بسبب معاملته السيئة لها وضربها بسبب وبدون سبب كما تقول وأثناء فرارها لوثت عباءتها أو ما تعرف (( بالسفساري )) أو الملحفة باللهجة التونسية بدمها وألقت بها في أحد الوديان بجانب جيفة كانت الذئاب أكلتها ثم تابعت سرها على غير هدى باتجاه الحدود الجزائرية واضطرت وردة خلال الأيام الثلاثة الأولى لهربها أن تأكل الأعشاب وجزءاً من فضلات جيف الحيوانات التي كانت الذئاب قد افترستها وذلك كي تبقي على قيد الحياة وقبل انهيارها تماماً بفعل الجوع والخوف والعطش قيض الله لها قافلة جمال يقودها ثلاثة أشخاص كانوا متجهين الى الجزائر فحملوها معهم بعد أطعموها ودثرها أحدهم – وهو تونسي – بعباءته ولما وصلت القافلة الى أول قرية جزائرية سلمها الشخص الذي دثرها بعبارته الى أحد تجار القرية وعاشت وردة مع التاجر المذكور فترة ثم ما لبثت أن ضجرت ففرت منه واستقلت قطار بضائع نقلها مع حمولته من الخشب الى بلد هراس في الجزائر أيضاً وفي هذه الأثناء فطن بعض أقارب وردة في مسقط رأسها بقرية البريكات التونسية لغيابها فأخذوا يبحثون عنها لعد أيام ... الى أن وجدوا عبائتها الملطخة بدمها في الوادي القريب من القرية واتجهت الشكوك نحو زوجها حيث شهد الأقارب والجيران بقساوة معاملته لها وتهديده الدائم بقتلها والقي القبض على الزوج من قبل البوليس الفرنسي آنذاك وحكم عليه بالسجن لمدة 17 عاماً ... حيث لم يخرج من سجنه الا بعد أن فقد نظره تماماً وبعد أن حرم أيضاً من رؤية ابنتيه اللتين أنجبتهما له (( وردة )) خلال زواجهما الذي لم يستمر أكثر من خمسة أعوام وتولت شقيقة الزوج تربية البنتين
أما وردة فبعد وصولها الى بلدة هراس الجزائرية أخذت تتسول في النهار وتأوي الى كوخ صغير بالقرب من محطة القطار وتنبه مدير المحطة وهو فرنسي يدعى فرانسو كما ذكرت فأعجب بجمالها ونضارتها .. ونقلها الى منزله لخدمته .. ثم ما لبثت أن زوجها أحد عماله الفقراء وهو جزائري يدعى حمودة
وعاشت وردة مع حمودة وأنجبت له سبعة من البنين والبنات ... وكانت تخفي عن أبنائها الجزائريين وجود أختين تونسيتين لهما
وبعد حوالي 37 سنة من الزواج توفي حمودة ... وترك وردة مع الأولاد السبعة الذين تزوجوا جميعاً وأنجبوا وتقول وردة أنها لم تستطع منذ مغادرتها مسقط رأسها في قرية البريكات أن تنسى زوجها وابنتيها الصغيرتين اللتين تركتهما هنال ... ولا سيما الابنة الصغرى التي تركتها وهي تعاني من جرح أصابها في وجهها من جراء شطبة خشب طارت من قطعة حطب كانت تقوم وردة بتكسيرها في فناء المنزل وذهبت وردة الى القنصلية التونسية في الجزائر العاصمة وروت لمسئوليها قصتها طالبة منهم مساعدتها على الاستعلام عما اذا كان زوجها وابنتيها ما زالوا على قيد الحياة في قرية البريكات وبعد اتصالات واستفسارات استمرت سنة تلقت وردة برقية من القنصلية التونسية تفيد بأن زوجها وابنتيها ما زالوا أحياء يرزقون .. والطريف أن أحد أبناء وردة الجزائرية هو الذي تلقى البرقية من ساعي البريد ولما فضها وقرأها أصيب بالذهول ولم تستطع أمه بعد ذل اخفاء الحقيقة وطلبت منه ومن اخوانه الآخرين مساعدتها على السفر الى تونس لرؤية ابنتيها.
ولما وصلت وردة الى البريكات استفسرت من بعض أهل القرية – الذين لم يعرفونها البتة وقد أصبحت في العقد السادس من عمرها – عن زوجها وابنتيها فأخبروها أن الابنة الكبرى تقيم مع زوجها وأولادها في دار أبيها لأن الأب اشترط على الزوج ذلك حتى تعتني ابنته به لأنه ضرير
وأسرعت (( وردة )) الى بيتها الزوجي الاول، ولما طرقته بيد مرتعشة فتحت لها الباب امرأة في العقد الرابع من عمرها على وجهها آثار جرح قديم ولم تتمالك ورده نفسها لدى رؤية المرأة فألقت بنفسها عليها وهي تجهش ببكاء هستري وهي تصيح (( ابنتي ابنتي ... )) وذهلت الابنة لأنها لم تكن تعرف لها أما على قيد الحياة ... اذ ان الجميع أخبروها أن أمها ماتت منذ كانت هي في الثانية من عمرها
وخرج الزوج الضرير الى فناء المنزل لدى سماعه البكاء والصراخ ... وعندما علم هوية المرأة القادمة ذهل وفقد القدرة على النطق لعد دقائق
والقت وردة بنفسها عند أقدامه طالبة الغفران ... فقبل الأسى وبعد تدخل الجيران الذين حضروا بعد سماع البكاء والصراخ ... وعادت المياه لمجاريها بين الأم وعائلتها القديمة بعد ان تم استدعاء البنت الكبرى من القرية المجاورة التي تقيم فيها مع زوجها وأولادها وأسدل الستار بذلك على قصة (( وردة )) التي لا يمكن لأي كاتب سينمائي أن يحبك قصة أكثر منها غرابة.
والوقائع مثل هذه كثيرة تحدث في مجالس الحكم عامة وخاصة وهي قضايا تحتاج الى سعة الصدر وطول البال والكياسة والفطنة، ولقد كان يمكن اتهام الابن هكذا ولو فرضنا أنها أكبر من ذلك وكانت الحال عجلة والناظر يحكم بظواهر الأمور لذهب هذا الابن في خبر كان ولهذا فلابد من التروي والنظر وجعل المتهم محل العطف والمساعدة واحساسه بالأمن والحماية لكي يتمكن من المدافعة حتى في حال الشهادة والشهود فيتكلم ويعترض ويبين ما وسعه الأمر وما وسعته الحجة. والوقوف ضد المتهم هكذا يعمي عنه حجته وقد يضعف فيظن الحاكم أنه الذي حصل منه ما يوجب مؤاخذته به فيكون الحكم في غير محله من غير قصد ومن ذا الذي يقصد هذا ويريده لكن الحال في هذا تستدعي الدهاء والفطنة وجعل كل من المدعي والمدعى عليه في حال رحبة جداً فيقوى الضعيف ويضعف القوي أمام الحق الذي يقوله ويحكم به ناظر القضية وكذلك الحال بالنسبة للواقعة الثانية اذا نظرنا إليها نظرة عقل من خلال الحكم الذي يصده القاضي فالشهادة اذا لا يقال بها ولا الشهود كذلك ما لم يكن قد توفر واجب الأخذ بهما فإن عرت الدعوى من الشهادة أبداً ردت وبرئت ساحة المتهم فلا يقبل في حقه ما قبل فيه ولهذا حينما جاء : سعد بن عبادة رضي الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم (( أرأيت لو وجدت مع امراتي رجلاً أمهله حتى أتي بأربعة شهداء فقال النبي صلى الله عليه وسلم نعم – جاء في حديث آخر أنه صلى الله عليه وسلم قال لهلال بن أمية لما قذف امراته بشريك بن شحماء البينة والا حد في ظهرك )) وهذا كله من أجل جعل الحقيقة ضاربة أطنابها كجبل شامخ لا يريم فالدعوى مجردة من البينة ليست بشيء والمتهم بري حتى تثبت ادانته بحق واضح لا يقبل التفسير وهذا كله الفصل فيه لناظر القضية فهو الحاكم للمدعي أو المدعى عليه وأساس هذا تقوى الله ومراقبته وصدق النظر والحلم والأناة وفراسة القلب والعقل معاً ولن يخيب التقي الصادق الورع . وانني لأدعوا دعوة حق أن يكون في كل دولة بنك خاص للمعلومات فيما يخص القضايا التي يتهم فيها الشخص دون دليل صريح وهذا البنك أدعو اليه يخالف بنك المعلومات الذي يكون لتحليل الأخبار والمعلومات السياسية وبيان ما هي عليه من حق أو باطل وكثيراً ما ذهب بعض المسؤلين – الموظف – صغيراً كان أو كبيراً في طريق الظن السيء من قبل مرؤوسيه الذين لا يرغبونه وهذا ما يدعوني كذلك الى النداء العاجل أن يحمى .. الموظف .. المستضعف الذي استضعفته رئيسه حيث لم ينفذ مثل هذا الموظف .. مطالب رئيسه خاصة المادي منها ولعل المباحث الاداري وحده لا يكفي ما لم يسبق تصور شامل عن الموظفين الذين يحتاجون الى متابعة دقيقة وتقية
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ صالح اللحيدان
عدد القراء : 1831
تاريخ الموضوع: 08 - فبراير - 2003 ميلادية
(44/2)
منهج أهل التاريخ للشيخ صالح اللحيدان
الشيخ صالح اللحيدان
نقد منهج النقلة من العلماء والباحثين وأهل التاريخ والأدب عُني العلماء ذووا الاختصاص الدقيق بمسائل هي من العلم أصله بمكان مكين هذه المسائل مثلها مثل الماء: أرخص موجود وأغلى مفقود، ولا يستغنى عنها بحال ما من الحالات إلا لمن أراد موت ما تخطه يداه ويحرره فكره.
واليقين كل اليقين وليس الظن غالبه أو بعضه اليقين كله أن (الأمة) بحاجة ماسة الى هذه المسائل حاجتا الى: الماء,, ولا كلام، إنني واحد من نفر قليل ينحون باللوم كله على ما تلفظه المطابع ودور النشر، ودور الثقافة والمؤسسات العلمية والثقافية والادبية ما تلفظه من نشرات وكتب ورسائل وبحوث ودراسات اهمل كثير منها ما به سبب حياتها.
إنني حينما أدلك على طريق ما ثم لا أبين لك دقة الوصف الموصل إلى المراد لا جرم أكون موقع اللوم.
إنني في حال تقرير مسألة من المسائل المحتاج الواقع إليها ثم نشرها، وهي تفتقر الى صحة مسار النص، وصحة مرجعه أكون هنا كمن بنى بيتا على شفا جرف هار،
إن الذين يجهدون أنفسهم ليل نهار لبحث مسألة علمية أو تاريخية او تقرير حالة شرعية ثم هم يوردون نصا يوافق ميلهم لحاجة في النفس، أو يؤولون النص تأويلا عقليا خاطئا، إنما يجنحون جنوح متبع الهوى ومراد غايات ليست أصلاً يراد.
إن هؤلاء حينما يدعون صحة النص أو هم يفسرونه وفق الهوى ويميلون للعقل في نظره وحكمه مع وجود النص الصحيح إنما هم كجادع انفه بنفسه وكمن لقي حتفه بظلفه سواء بسواء.
إن العاقل الأمين الحر المتجرد الصادق واقعي النظر انما يلومه ضميره حال خلو تام معه وكم من عاقل أمين حر متجرد صادق واقعي النظر أفاق فإذا هو المفيق والقدوة الدائمة لتحرير العقول من شباك نزعة الهوى وحيل النفس والجبن والخوف، فإذا هو المنتزع نفسه من وحي نفسه والمنتزع عقله من وحي هواه.
والمنتزع شرفه من وحي سبيل التقليد:/
لواصل، أو لقرمط أو للحلاج، أو ابن سبويه، أو للجعد، أو للجلهم، أو ابن العربي، إن حرية العقل تكمن في صفاه وتجرده، إن الذين وقعوا أُسارى لخلة ما حتى أصبحت طبعا لا يرون غيرها إنما هم كمن يتلذذ بالألم ثم هو يميل للإسقاط دون وعي منه.
إن إهمال العلماء والباحثين والدارسين وأهل الأدب والتاريخ والنقد إهمالهم لصحة النص أو تأويله بما يوافق الهوى ورد دراسة الأسانيد والجرح والتعديل وجعل العقل (عقلهم) هو المقياس، إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا فمنهم من يدرك ذلك ومنهم من غطت الغشاوات مساره.
وسوف بإذن الله أُبيّن ما يهم الجميع براءة للذمة ولإقامة الحجة وما أبينه إنما هو بيان وقفتُ عليه مختصرا لكنه في غاية النفع بإذن الله، وهو جار إلى نفع آخر وآخر غيره من امهات كتب الدراية مما أُلف خلال القرون الأول وحتى السادس من هجرة النبي الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
بين يدي الآن كُتيب صغير لكنه قمن بحفظه وفهمه كُتيب مُهم في بابه دال على ما بداخله من: درر، وكنوز.
بين يدي (البيقونية) للشيخ الحافظ/ عمر بن محمد بن فتوح الدمشقي ت/1080، وقام بشرحها حسن بن محمد المشاط، وهو شرح جيد مع بذله لإيصال العلم لناشده مع اختصار غير ملغ للمراد، ثم بدأ بالبيتين الأولين وقال: (من أقسام الحديث عدة) قال الشارح قدرها إثنان وثمانون ثم فصَّل: (منها ما يختص بالمتن كالمرفوع، ومنه ما يختص بالسند كالعالي والنازل، ومنها ما يرجع لهما: كالصحيح والحسن).
قلت ما قاله صواب وليس لها قسم رابع حسب السير، ولست أظن مثله يخضع للاجتهاد إذ قد انقطعت الرواية في نهاية القرن الثالث الهجري وتأصلت علوم وقواعد السنة في منتصف القرن الرابع.
والوقوف على ما يختص بعلم المتن وعلم السند وبما يختص بهما معا يكفل لعامة العلماء والباحثين وأهل النظر من كتبة الأدب والتاريخ وعامة الرواية يكفل لهم منهجا منضبطا لا يحيد عنه أحد في خطأ إلا ما نتج عن سوء فهم أو العجلة، او الاجتهاد الذي لا محل له.
وغالب باحثي السير والحروب وبعض أهل العلم قد لا يدركون أهمية هذا التقسيم الجليل ولهذا وقع كثير منهم في انحرافات خطيرة خاصة ما حصل بين سنة 30 هجرية حتى سنة 300 هجرية.
لكن دع من يطأ الخيط عنادا فيذهب إلى العقل ويجعله مصدر معرفة ويجعله أصلا هو كل شيء فيطرح: الاسناد والجرح والتعديل وأحوال الرواة فيزعم ذهاب مثل هذا، وأنه قد جاء دور العقل وما درى هذا أن العقل السليم الخالي من شائبة الشبهات هو الذي قبل هذا وأخذ به حتى قال الأئمة (الاسناد من الدين).
وقد بين الشارح في ص 4 علم مصطلح الحديث يقول: (وهو علم بقواعد يعرف بها أحوال السند والمتن من: صحة وحسن وضعف).
ثم قال: وموضوعه: الراوي والمروي من حيث القبول والرد).
وتحديد معرفة هذا العلم الجليل يبينه: موضوعه الذي وضع من أجله، وهذا وذاك دالان على خطورة الجرأة التي أوصلت البعض إلى عدم الالتفات الى صحة وضعف النص خاصة فيما يتعلق بتقرير الأحكام من العبادات والمعاملات من اجل ذلك وقع صاحب (مروج الذهب) و(خاص الخاص) و(مقاتل الطالبين) و(العقد الفريد) و(الأغاني) ومثلهم معهم وقعوا بمزالق هفوا بسببها ولم يزل العقلاء الفضلاء يذمون هذه الكتب فيما يتعلق منها بنصوص كاذبة وضعيفة وما لا اصل له، دع عنك من ينهج النهج العقلي فهو يرد الآثار برد علم السند والجرح والتعديل، ويزعم ان العقل له الحكم ابتداءً بصرف النظر عن قول فلان،و فلان، وما يدري هذا، وما يدري هؤلاء أن قول فلان وفلان اتكاء على النص الصحيح ومن لي بعاقل حر كريم قرأ أو هو قد قرأ:
مقدمة صحيح مسلم، أو تقدمة كتاب الجرح والتعديل، أو العلل للدارقطني أو المحدث الفاصل للرامهرمزي، من لي بهذا لا جرم فإنه سوف يدرك حقيقة عدم: تعارض العقل السليم مع النص، النص الصحيح، وما موضوع المصطلح إلا من النص، وها هي النصوص تترى في الكتب الستة وسواها تُبيّن أهمية حقيقة القبول والرد للنص،
ثم بدأ يسير مع الناظم بيتاً بيتاً ليتفق العلماء وطلاب العلم على علم فحل قائم بذاته مع صغر هذا الكتيب وقلة أبيات الناظم لكنه العلم بكيفيته لا بكميته سوف بإذن الله تعالى أنظر نظمه وشرح الشارح ليتبين كم هي المزالق كثيرة تلك التي وقع ويقع فيها أناس هم محل اللوم لفضلهم وما ظهر لي من حسن نياتهم بصرف البال عن قوم يسودون الطرس ليعج الواقع بحطب الليل ودخول البصرة بالليل،, في ص 5/ 6/ 7/ قال الناظم: اولها الصحيح,,, ,,, الخ
يُبيّن هنا أن النص هو ذلك الذي صح بشرط لازم له أبدا كشرط وجود/ الماء للحياة/ وهذا ما أجمعت عليه الناس باللفظ والمعنى فالصحيح من النصوص هو: ما اتصل سنده بنقل العدول التامي ضبط ما نقلوه من غير شذوذ ولا علة قادحة.
وهذا التعريف المكين والذي تتقبله الفطر السليمة يضبط النص ضبطا يقطع الطريق على كل من يخبط خبط جهل أو عجلة أو هو خبط حمق.
وإذا وقف العالم والباحث والمؤرخ والأديب والناقل على هذا وأدركه ووعاه وعيا بعيدا مرماه فإنه يتولد لديه بالفطرة وما هو معلوم بالضرورة يتولد لديه طرح: المرسل والمنقطع والمعضل والمعلق ما لم تصح هذه بطرق أخرى بدليل مادي كريم فيكون صحيحا بالشرط المتقدم.
وجهل أو تجاهل ونسيان أو تناسي هذا ضعضع نبوغ العلم وتدحرج أمهات ضوابط العلم فنخرج من جراء ذلك الطرح الإنشائي ومجرد الوعظ وتسويد الورق عن:/ حياة المسلمين خلال القرون الثلاثة بما يدعو المرء أن يضحك ضحك بكاء مرير فيه طول لعله يقصر بالشعور بالمسؤولية وبعث علم المصطلح وحفظ وفهم المتن والسند.
وجاء الناظم بقوله تبعا لما سلف يقول:
والحسن المعروف طرقا,,, ,,,,,،
هنا يبيّن الناظم ويبين الشارح في حال اقتضاب يبينان مسألة لعلة قد يحتاجها حتى اولئك الذين يندرجون تحت علم الحديث لكن بعلم ضبط الصدر ولا فهم قوي، او ضبط كتاب مع تداخل وتزاحم للعلم وتشابه منه عليه، إن الذي يقرأ بعض التحقيقات والتخاريج إن من يقرا هذا يجد كثيرا من المحققين والباحثين يختلط عليهم ما يختلط تساهلا (عفوا) او جهلا يختلط عليهم أمر هو من الخطورة بمكان.
في : (الترمذي) وغيره، وفي كتب كثيرة فيها كثير من النصوص تجد عند تحقيقه حديث ما قوله: حديث حسن ويسكت والخطأ الحاصل أن لحديث الحسن نوعان وليس نوعا واحدا فعند التعميم يكون الإشكال فيقع من لا يعرف ضوابط النص وجمع الروايات وطرق الأسانيد يقع في مهلكة، وقد رأيت حصول هذا حتى عند العلماء وأصحاب الرسائل العليا.
فالحديث الحسن هو: ما اتصل سنده بنقل العدول الخفيفي الضبط من غير شذوذ ولا علة قادحة وهذا هو: الحديث الحسن لذاته فبينه وبين الحديث الصحيح لذاته شبه تام إلا في: (خفة الضبط)، فالحسن لذاته يكون الرواة العدول: خفيفي الضبط والصحيح تامي الضبط,
أما الحديث الحسن لغيره فهو: ما في إسناده مستور لم تتحقق أهليته غير انه لم يكن مغفلا ولا كثير الخطأ فيما يرويه، ولا متهما بالكذب، ولا ينسب الى مفسق آخر يوجب رد روايته وتقوى هذا الحديث بمتابع أو شاهد،
أليس تعميم ذكر الحديث: (هكذا) يوقع في عمى ووبال؟ بلى,, لكن كيف ينقل مجرد نقل فهو يجعل (الأغاني) مثلا بين يديه وعينيه فينقل منه عن غزوة أو حكم شرعي أو قول صحابي,, إلخ,, ولا يدري أمر الأسانيد والمقبول والمردود، لا خلاف في أن هذا نوع جريمة كبيرة في المساس/ بالدين/ والخلق/ والأمانة/
فلابد عند التحقيق وعملية تخريج الآثار من بين نوع الحديث،
أما الحديث الضعيف فهو الحديث المردود تصل الى قرابة ثلاثمائة وواحد وثمانين نوعا ص 11 وهذا صحيح الى التفصيل في أنواع النص الضعيف، ولهذا عمي بال كثرة كاثرة من المؤرخين، والأدباء والنقاد ومحققي التراث تحقيقا تجاريا أو من أجل جمع الحكم والأمثال (كقصص العرب) و(أخبار العرب) الخ.
والضعيف هو ما لم يتحجج به شرعا فلأحجية فيه على حكم أو نظر، والضعيف هو: ما قصر عن درجة الحسن، فتنبه،
ثم بدأ الناظم حتى ص55 يورد ما أشير إليه مع بعض بيان قد أورده أحيانا،
الحديث المرفوع هو: الحديث الذي اضافه صحابي أو تابعي أو من بعدهما (للنبي صلى الله عليه وسلم) قولا كان أو فعلا هكذا قال: الشارح، وهو: صواب فيدخل هنا: المتصل والمرسل والمنقطع والمعضل والمعلق، وخرج: الموقوف والمقطوع وكل هذا ينضبط بتعريف الحديث الصحيح وما لم يكن كذلك فلا/ فضابط كل نص هو التعريف بتطبيق النظر على كل شرط،
والمسند,, والمقطوع، فاما الحديث المسند فهو: المتصل الإسناد من راويه حتى ينتهي الى النبي صلى الله عليه وسلم فلا يستعمل إلا في المرفوع المتصل،
والمقطوع هو: الحديث الخالي عن قرينة الرفع والوقف فهذا هو: المضاف إلى التابعي،(45/1)
ولقد وجدت كما وجد غيري كثيراً من النصوص لتابعين وتابعي تابعين تنسب على أنها أحاديث مرفوعة أو موقوفة وهذا حصل بسبب عدم الوقوف على معرفة أنواع الآثار الإصطلاحية ولهذا وقع اللت والعجن في كثير من كتب الرقاق وسواها مما يعج به السوق اليوم.
والمتصل هو: الحديث الذي سمعه راويه من الآخر حتى يتصل إسناده للنبي صلى الله عليه وسلم، فدخل في هذا: المرفوع حكما.
ومن جليل فائدة معرفة الإسناد المتصل من قبل الباحثين وذوي الاهتمام بالسيرة وتخريج الآثار وتحقيقه أن الحديث المتصل يعرف بسببه كل أثر: مُرسل ومنقطع/ ومعلق/ ومعضل/ ومعنعن ومدلس قبل تبين سماع المدلس، فاتصال السند مُهم جدا كاتصال الرأس بالبدن فالاتصال والعدل والضبط وعدم الشذوذ وعدم العلة القادحة هذا أمر في غاية الأهمية بل هو رأسها وبعدم معرفة هذا او لضعف في الهمم ذهب الناس إلى الاختلافات والتفريعات وكل قول هين،
والحديث شأنه شأن عظيم كفحل الإبل وأسود الغاب لا يروضها ويسلك معها إلا من هم من ذوي العقل الحر المتميز والفهم السديد والصبر الواعي وطول النفس بمكان متمكن جد متمكن،
ثم يعد التسلسل ويفهم المراد منه بمعناه جاء بالآحاد: العزيز، والمشهور، والغريب وكلهايعتريها القبول والرد بحسب صحة وضعف السند،
ثم جاء بالمعنعن هو الحديث الذي روي بلفظ / عن فلان عن فلان,,,، وهو كذلك يعتريه القبول والرد بشرطه،.
والابهام ذكره الناظم انه نوعان/ نوع في السند وهو المهم، ونوع في المتن، والإبهام في السند مهم لأنه قد يكون الراوي المبهم ضعيفا أو وضاعا أو صاحب بدعة، فلابد من الكشف عن هذا الراوي اسمه/ وكنيته/ وبلده/ ودرجته/ وطبقته,
وجاء بالسند العالي,, والنازل والعلو بالسند هو قلة الرواة أو بلوغهم درجة عظيمة من التوثيق قلوا أو كثروا، وفي ابن ماجة أحاديث ثلاثية عالية لكنها ضعيفة بسبب ضعف شيخ ابن ماجة في الرواية.
ثم جاء بعد ذلك بالموقوف والمرسل والمنقطع، والمعضل والمدلس والشاذ والمقلوب والفرد والمعل، والمضطرب، والمدرج والمدبج,, ثم المتفق والمختلف، والمؤلتف والمنكر ثم الكذب.
وهذا كله في البيقونية دونه صاحبها بنظم جيد وسبك عال، ولست أظن كما يزعم البعض أنها هينة ليست بشيء لكنها من السهل الممتنع،
وكم أطمح من الجامعات في كلياتها التاريخية والأدبية والشرعية جعل علم المصطلح علما مستقلا يصاحب الدارسين أبدا لأهمية هذا العلم ثم يكون التطبيق العملي من أصول هذه المادة الجليلة.
وكم أطمع من المجامع العلمية والمعاهد المتخصصة ودور النشر المسؤولة كم أطمح منها تحري الدقة بضبط الآثار وتحري صحتها وبيان الحكم على النص خاصة: في التقارير,, والتوصيات,, والتحقيقات والأحكام.
إن مثل هذا أمر جد مهم كحال وجود استشاري الطب في المستشفيات، والمراكز الطبية عالية القدر الذين يبينون: العلل/ ومكانها/ وعلاجها/ وطبيعة الدواء وقوته وضعفه،
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ صالح اللحيدان
عدد القراء : 1820
تاريخ الموضوع: 27 - ديسيمبر - 2002 ميلادية
(45/2)
براءة الذمة بنقص الشروط 1 للشيخ صالح اللحيدان
الشيخ صالح اللحيدان
وهنا نقف معاً ثم ندخل مدخلاً جديداً مدخل صدق في براءة ذمة المتهم في مجلس القضاء فلا عقوبة عليه ولا يحد ولا يعزر ما دام في اليد خيط رد للعقوبة والنيل وما دام المتهم لم تكتمل شروط مؤاخذته فيما هو متهم فيه ونحن إذا أوردنا السرقة على أنها مثال واحد فيكفينا أمرها عن غيرها في مجال البراءة الواحدة والراءات المتعددة لدفع الأذى الحاصل بسبب تهمة ليس غير.
هي في لغة العرب: أخذ شيء على سبيل الخفية بغير إذن المالك وسواء كان المأخوذ مالاً أو غير مال وقالت الفقهاء: أخذ المال خفية ظلماً من حرز مثله أو: أخذ مال على وجه الاختفاء من مالكه أو نائبه
أو أنها: أخذ مكلف نصاباً فأكثر من مال محترم لغيره، بلا شبهة الخ
وهذه التعاريف تجمع على معنى السرقة لكنها لا تعني السرقة الواجب فيها القطع لان هذا تعريفاً يؤخذ على أنه تعريف لولا ارتباطه فيما نحن بصدد الحديث عنه من أجل ذلك تراني تركت طرح الرأي في أي من هذه التعاريف الراجح لدي وليست عادتي لكن كما قلت لعدم تعلق التعريف بشيء مما نحن فيه أصلاً وإن كان دلالة فقط.
فإذا عرفنا هذا فإن القاضي أمام المتهم والمتهم أمام القاضي لازم العدل نظر الحقيقة حصول السرقة على الوجه الصحيح الذي جاء به الوحي من فوق سبعة أرقعة فإذا قلنا لازم الحكم الصواب في مجلس القضاء التقوى والعدل والنباهة وسرعة البديهة والهدوء واللين من غير ضعف ونفوذ الشخصية التقية أقول إذا كان هذا كله لازم الحكم الصواب فنحن لا نضيف جديداً وبهذا أقول بالكياسة والدهاء يحصل حقيقة الواقع من سرقة وغيرها وعلى ما بيناه فما هي الشروط اللازم توفرها في السارق نفسه حتى يدان فيقطع أو تنخرم فلا يكون القطع لحصول الشبهة الدارئة للحد:
أولاً: أن يكون السارق بالغاً عاقلاً فلا قطع على نائم سرق ولا على صبي ولا على مكره.
ثانياً: أن لا يكون مضطراً لحفظ الحياة وذلك لدفع غائلة الجوع أو العطش أو عمن تلزمه نفقتهم من زوجة وولد فإن السرقة ضرورة لطلب الحياة وهذه الضرورة تدرأ الحد وهي شبهة قوية وقد جاء في الموطأ للإمام مالك رحمه الله معناه (( إن رقيقاً لحاطب سرقوا ناقة لرجل من مزينة فذبحوها فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأمر كثير بن الصلت بقطع أيديهم ثم قال عمر قبل ذلك ( قبل القطع ): أراك تجيعهم ثم قال للمزني: كم ثمن ناقتك؟ فقال المزني: قد كنت والله أمنعها من أربعمائة درهم فقال عمر لحاطب أعطه ثمانمائة درهم وقال عمر في هذا: (( أما لولا أظنكم تستعملونهم وتجيعونهم حتى لو وجدوا ماحرم لأكلوه لقطعتهم )) (( وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه عام السنة يضم إلى أهل البيت بيت آخر ويقول لن يهلك الناس على أنصاف بطونهم فكيف نأمر بالقطع ))
وقال في المغني: (( لا قطع في المجاعة )) والإكراه والاضطرار كلاهما يعني وجود الشبه وكلاهما لا يكفيان وحدهما ما لم يكن ناظر القضية مدركاً لحقيقة حصول ما حصل وحال المضطر والمكره يعلم أمرهما من حال صاحبهما دون ريب والإكراه الحاجة شبهة دارئة للحد وأما الجنون والإغماء والصغر صغر السن فهذه معلومة بالمشاهدة جداً وأضيف هنا المرض النفسي الفصام وهو مرض خطير يعتقد صاحبه أنه سليم لكن تصرفاته ليست سوية وهو في عموم الحياة وعامة أمره لا يؤخذ عليه شيء لكنه إذا روقب وتوبع أدرك مراقبة أنه غير طبيعي ومن أبرز صفات المريض بالفصام
1. الخوف
2. الشك
3. الفكر التسلط
4. التناقض
5. الضعف العام
6. عدم الاستقرارية
7. السخرية
8. عدم المبالاة
9. الطموح المعوج
10. الحسد والغيرة
من أجل ذلك أرى أنه يجب على ناظر القضية بل وكل من وكل إليه أمر من أمور المسلمين أن ينظر حال كل متهم ويفرق بين كل واحد وواحد فليس السوي كالمريض ونظر العلم المعاصر ودراسة حال الناس والتغييرات الحاصلة يجب الوقوف عليه لتصور الحال كاملة ولا يجب أن المرض النفسي شبهة دارئة للحد واني أدعوا رجال القضاء إلى التزود والإطلاع على المرض وأنواعه فيما يخص النفس دون العضو فهذا واضح للعيان ولا يقال الأصل سلامة القلب لأن المرض النفسي مرض عجيب ومن حفظ الحجة على من لم يحفظ وليس المخبر كالمعاين.
ثالثاً : أن يكون هناك قرابة بين السارق والمسروق منه كالآباء من الأبناء والعكس وهذا مذهب فريق وقال آخرون لا قطع إذا وجدت القرابة كالآباء من الأبناء ولا عكس. قلت قد قال آخرون هي هذا أيضاً لا قطع بالسرقة من ذي رحم محرم وهم الحنفية في غالب مذهبهم وكذلك قال غيرهم بالنسبة للزوجة من زوجها لكن بعضهم قال إن كان المال من غير محرز فلا قطع والا فيكون القطع وهؤلاء بعض الحنابلة والحنفية وذهب إليه غيرهم كرواية لزيد لا أدري عن صحتها لعدم وقوفي على صحة ما نسب إليه قلت والذي يترجح لدي في هذا أن القرابة دارئة للحد فلا قطع خاصة إذا وجدت الحاجة وأرى خلاف ما ذهب إليه صاحب المغني في التخفيف فيقطع السارق منهم من مال الآخر وبسبب المخالفة عدم تفصيله في مثل هذه المسألة وما دام الخلاف حاصلاً بين أهل العلم فالخلاف نفسه يدرأ الحد ما لم يظهر دليل صحيح فلا قول لكل خطيب لكن ناظر القضية يجتهد في هذا خاصة وما دام في المسألة خلاف كما رأينا وما دام لم يوجد نص قاطع صح وثبت فالمتهم بالسرقة من مال قريبه ينظر إليه نظر البريء إلا أن صاحب هذا تجاوز وتكرار وكان لم ينته عما سبق حصوله منه قبلا ولا يقال هنا إن الآية عامة فيقطع بسببها ولأنه سرق مالاً محرزا لا شبهة له منه لأننا نقول الشبهة هي القرابة ومن ثم فقد ورد في هذا بعض النصوص والشافعي يرى القطع على الزوج إذا سرق من مال زوجته قال لأنه لا نفقة له فيه أما هي فلا تقطع لان لها النفقة قلت على ناظر القضية نظر هذا الرأي ودراسته وسبر غوره حتى يتبين من هذا الصواب والشافعي مخالف حسب علمي أقول (( مخالف )) بفتح اللام بالخلاف الحاصل ولأنه لا راد لهذا لحصول الراجح من المرجوح وهذا نفسه دارئ للحد
رابعاً: أن لا يكون للسارق شبهة ملك ولا شراكة للمال المسروق والقاضي هنا أمام شبهة ناهضة قوية لو ثبتت السرقة لحصل درء الحد لكن كيف الحال إذا كان شبهة الملك وشراكة المال مضاف إليها التهمة فقط يحيل هذا الأمر كله إلى براءة أصلية لا يحتاج المقام معه إلى رافد آخر ويرى الجمهور أنه لا يقطع من سرق من بيت المال ولا يقطع السارق من غلة وقف على الفقراء. وان كان غير مقرر له لأن في هذا شبهة ملك وهي تدرأ الحد والقاضي في مجلس القضاء يدرأ الحد عن المسلمين ما استطاع إلى ذلك سبيلاً فالمسلم السارق من بيت المال ومن الوقف على الفقراء قد سرق من مال له فيه شبهة لأنه لم يقم بالسرقة إلا وهو محتاج والحاجة بحد ذاتها دارئة للحد قلت وهذا ما ذهب إليه كثير من الصحابة والتابعين. ولا ريب أن الشبهة هنا توفرت في هذه الحالة فلا حد يكون على السارق وان كان هذا يندر حصوله لكنه أمر استقصيته من حالات كثيرة فأثبته هنا وعلى ناظر القضية تقوى الله والتعويل على الأصول وما نهض من القواعد في درء الحد بالشبهة
خامساً: أن لا يكون السارق قد سرق حال الجهاد في سبيل الله فهذه شبهة ناهضة ورد بها الدليل وهو معها نور على نور فقد روي عن بسر بن أرطأة أنه وجد رجلاً يسرق في الغزو فجلده ولم يقطع يده وقال: (( نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القطع في الغزو)) وقد علل بن القيم هنا تعليلاً جيداً فيعاد إليه في أعلامه لدقة قوله فيه
وإذا نحن تكلمنا عن السارق فنحن نعرج ولا ضير على المال المسروق فان توفرت الشروط في السارق فقد لا تتوفر الشروط في المال المسروق وهذا أمر خاص يدرأ بنقصه الحد فلا يكون القطع حينئذ فنقول:
أولاً: أن لايكون المال المسروق مما يأتي الفساد إليه باكراً كالفواكه ونحوها لما جاء عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول (( لا قطع في ثمر ولا كثر )) وورد غير هذا كثير ويقاس على ما ذكرنا نحوه
ثانياً: أن يكون المال المسروق نصاباً وقد جرى الخلاف بين أهل العلم في النصاب الذي يترجح لديّ بعد نظر الأدلة ومبحثها رواية أن النصاب هو ما ورد النص في تعريفه فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع في ربع دينار فصاعداً ناظر القضية أما هذا له اجتهاده إذا كان متفرغاً للنظر والسبر والمطارحة والاستقصاء وبذل الوسع في الاجتهاد لإدراك النصاب والا فيلزمه الأخذ بما ورد به الدليل دون سواه.
فإذا نظرنا إلى هذا لم يبق أمامنا إلا إدراك حقيقة واقع السرقة: كيف حصلت؟ ومتى ولماذا؟! وما هي السرقة.. ؟ وما هو المسروق ؟ ومتى يكون الحد ؟ ومتى لا يكون؟
والحاكم أمام هذا هو ناطق الحكم بما يمنحه علمه وتمنحه تقواه من فصل ونظر وعدل، وإدراك هذه الأمور سلف القول فيها وبهذا فهي مدركة من قبل ناظر هذا الكتاب ولكن أذكر في جملة ما أذكر أمرين مهمين ليتم بهما شأن الشروط في هذا المقام لعله من المعلوم جداً في مال المسروق أن يكون موصوفاً بكونه محرزاً وهذا الأمر الأول فإذا لم يكن محرزاً فلا قطع قاله في المغني والشرح الكبير.
الثاني: أن يكون الأخذ خفية فلا علم للمالك ومن يقوم مقامه بما صنعه الآخذ أي السارق. وبهذا يكون الأمر الثاني معطياً معنى آخر وهو مفهوم المراد بهذا لا يكون الغصب سرقة والخلاف في هذا هو معلوم ويمكن للقاضي أن يعطي نفسه سعة الوقت فيعود إلى مباحث هذا الأمر قلت والسيارة ليست ليست حرزاً إلا إن كان صاحبها ..مسافراً .. وهذا مني اجتهاد ما لم يخالفني غيري بدليل ناهض صحيح . والحوادث في هذا كثيرة فأحياناً تقع السرقة على ما في السيارة وأحياناً أخرى تقع على السيارة نفسها فالسرقة في الحالة الثانية فيها القطع لأن مكانها حرز لها إذ يقل جداً وضع السيارة مكان خاص بها داخل البيت ومن ثم فالقطع في هذه الحالة سد للذريعة أما ما في السيارة فهذا الذي اجتهدت فيه هل هي نفسها حرز لما في داخلها فيكون القطع هذا الذي أراه ... والله أعلم
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ صالح اللحيدان
عدد القراء : 1503
تاريخ الموضوع: 29 - يناير - 2003 ميلادية
(46/1)
المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية للشيخ صالح اللحيدان
الشيخ صالح اللحيدان
«المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية» لابن حجر/تحقيق أ غنيم بن عباس بن غنيم وأ ياسر بن إبراهيم بن محمد/ نقد ومداخلات» هذا الكتاب «المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية» للإمام الحافظ شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني كتاب مُهم في بابه حاز سبق الرفعة وجاوز القمة وزاد وأفاد وأكد وعدد وبذل ودمل، كنتُ قد قلتُ في نفسي منذ أمدٍ أُطالعه لكونه داخلاً فيما انا متخصص فيه، وان لم أكن من ذوي الباع فيه لكني رأيت نظره مرة واختها حتى نظرته تترا فعنَّ لي على أهمية الكتاب وضخامته ومادته العلمية الغزيرة عنَّ لي ان أكتب عنه ما كنتُ قد رأيتُ حسب فهمي انه يحتاج إلى نظر، وان كان قد سبقني الأخوان الفاضلان في نظره وتحقيقه فإني أُدلي بدلوي مع هذين الاستاذين الكريمين: غنيم بن عباس بن غنيم/ وياسر بن إبراهيم بن محمد/ لأُبين ما رأيته هنا جهد المقل.
والكتاب يقع في خمسة مجلدات كبيرة جُعل المجلد الخامس للفهارس وجزء منه اتماماً لبقية الكتاب توفية للأربعة، وقد صدر عن «دار الوطن» بالرياض وهذه الطبعة هي الأولى من عام 1418ه.
بعد ترجمة يسيرة لابن حجر جاء في ص11/12/ 13 تعريف بالكتاب فكان مما ورد هناك: «جعل الحافظ الكتب الستة «صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن ابي داود، وجامع الترمذي، وسنن ابن ماجة وسنن النسائي» مع «مسند أحمد بن حنبل اصلاً وجمع ما كان زائداً عليها من حديث بتمامه او هو من طريق صحابي آخر، أو يكون في الحديث زيادة مؤثرة من عنده في المتن او الإسناد، وقد ذكر الحافظ شرطه في إخراج الزوائد في مقدمته حيث قال: «وشرطي فيه ذكر كل حديث ورد في صحابي لم تُخرِّجه الأصول السبعة من حديثه، أولو اخرجوه او بعضهم من حديث غيره مع التنبيه عليه احيانا».
يقول المحققان ص11 «وقد جمع الحافظ في هذا الكتاب زوائد ثمانية مسانيد وقعت له كاملة وهي: مسند الطيالسي ومسند الحميدي ومسند مسدد ومسند ابن ابي عمر ومسند ابي بكر بن ابي شيبة ومسند احمد بن منيع ومسند عبدالحميد ومسند الحارث بن ابي اسامة وهي المسانيد الثمانية التي عناها بكتابه».
وكتبا: «ولكنه زاد عليها ما وقع له من مسند اسحاق بن راهويه وهو قدر النصف ورواية ابن المقري لمسند ابي يعلى وهو المسند الكبير » ثم لم يقصر المحققان وأيم الحق في بيان طريقة ابن حجر الفنية في إدخاله ما أدخل على هذا.
وفي ص12 بينا منهج الحافظ ابن حجر في كتابه هذا، ثم في ص15/24 ترجما لأصحاب المسانيد ترجمة مختصرة جيدة.
ولعل أول ما ينظر إليه مما فعله ابن حجر هنا هو أنه رحمه الله تعالى لم يضف صحيح ابن خزيمة ولم يضف كذلك «الموطأ» للإمام مالك وابن خزيمة قد تشدد في الأسانيد حتى كان لا يُثبت إلا ما أجمع الحفاظ عليه في الجملة، بل هو قد قارب جداً طريقة البخاري ومسلم، والموطأ وإن كان فيه «بلاغات» و«مراسيل» و«معضل» إلا انه غالبها وُصل خارج الموطأ، وقد كنت أحب بيان هذا من المحققين الكريمين لأهمية هذين الكتابين الجليلين.
جاء في ص53 قال ابن حجر: «قال ابو يعلى حدثنا الحماني ثنا شريك، عن المقدام بن شريح، عن ابيه عن عائشة رضي الله عنهما قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم «الماء لا ينجسه شيء».
وقد اكتفى المحققان بتخريجه كما في «هامش 1/2» ولم يحققا أصل النص.
قلت هو حسن لكن لغيره وليس كما قال الإمام البويصري كما في «الهامش» قلت وعلى فرض كونه حسناً لذاته فهو مُقيد بما يُغير الماء من لون او طعم او رائحة بأصل بنجاسة أمر قلبته من طهوريته إلى كونه طاهراً.
وفي ص54 بعد حديث: «توضأ بنصف مد» علق ابن حجر على هذا الحديث قال: «وفي إسناده مقال.
قال المحققان في هامش «8» قال البويصري «1/234 رقم 645» رواه ابو يعلى والبيهقي بسند ضعيف لضعف الصلت بن دينا، قلتُ وسكت المحققان فقد نقلا هداهما الله فقط قلت ليس الحال كما قال البويصري وان قال هذا فإن شهر بن حوشب اعلَّهُ العلماء، والصلت كما قال لكنه هنا عنعن ففي السند هنا علتان.
فالحديث/ضعيف جداً،
وفي ص55 فيما رواه ابن حجر بسنده من حديث مسدد آخره «اسقوا واستقوا فإن الماء يحل ولا يحرم».
قال ابن حجر: سند ضعيف.
قال ابن لحيدان بل ضعيف جداً ففي سنده جهالة راو، وفيه بلاغ لم أقف في الكتب الستة ولا فيما ذكره «رزين» ولا ابن الاثير في «الجامع» لم اقف على رفعه ولا وقفه صحيحاً حسب جهدي، وكان مقتضى التحقيق بيان هذا.
وفي ص56/57 جاء حديث «يُغسل من بول الجارية ويُصب عليه من الغلام».
قال ابن حجر: وهو صحيح.
قال ابن لحيدان بل في سنده: ليث بن ابي سليم وهو من رجال الترمذي وفيه ضعف
وسكت المحققان عن «ليث» هذا، وفي ص59 ما جاء عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: «لا بأس بسور الهرة» وسكت عنه ابن حجر والمحققان، قلتُ لم يصح رفعه.
وفي ص60 جاء حديث أنس وفيه «نشرب منه ويتوضأ» قلت فيه نظر.
وفي ص61 جاء حديث آخره «كلها ميتة» قال المحققان في هامش «5» من طريق محمد بن راشد ليس على شرط الكتاب قلت كما قالا لكن في سنده نظر عند أحمد في مسنده.
كذا ما جاء من حديث «إن لم يكن فيها ميتة» قلتُ فيه ضعف والأحوط تضعيفه لجهالة من روى عنه حبيب بن ابي ثابت حتى يتبين امره ولم اقف عليه حسب جهدي.
وفي ص62 من حديث ابن مسعود رضي الله عنه وفيه «منيحة لنا ماتت» وسكت عنه ابن حجر والمحققان، قال ابن لحيدان لم أجده صحيحاً.
وفي ص63 «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذهب لحاجته إلى مغمس»، وسكت عنه ابن حجر والمحققان، قلت والمغمس المكان المنخفض، وأصل هذا الحديث عن ميمونة: انه كان «يبعد عند قضاء الحاجة»، وفي ص71 قال ابن حجر: «وقال الحارث حدثنا يونس بن محمد.. إلى.. قالوا: نعم وذلك لشيء بلغه عن وضوء رجال»، وسكت عنه ابن حجر وقال المحققان كما في هامش «3» عند البويصري «إلا انه منقطع: قلت هل تم اتفاق الحفاظ على هذا»؟
وفيها ص77 حديث رقم «70» عن مسدد.. وآخره.. «لم يمس ماء» لم يتعرض له المحققان، قلت هذا صواب فإن من توضأ ثم أخذ ظفراً او شعراً من بدنه لا يؤثر هذا على وضوئه، قلت كذلك، وليس هذا من مبطلات الوضوء والقواعد تدل عليه وفيه «ص77» حديث رقم «72» كذلك وفي ص78 حديث «75» وفيه: «كرهت ان أؤخر امرك» قال ابن لحيدان: تركه ابن حجر وتركه المحققان الفاضلان: لم أجده.
وفي ص81 قال ابن حجر: وقال ابو يعلي حدثنا إبراهيم ابن الحجاج.. إلى «وتبقى صلاة نافلة».
قلت لم يغلق عليه ابن حجر وخرجه المحققان فقط وتركاه ونقلا ما ذكره البويصري، قال ابن لحيدان في النفس منه شيء، وبشار بن الحكم فيه مقال شديد لكن هل ثبت بسند إليه انه من منكراته؟
وفي ص85 حديث رقم «96» وفيه: «حين يقوم الليل» قلت: تركه ابن حجر وخرجه المحققان نقلاً عن: البويصري كما في هامش «3» وأشك في سند ابن ماجة عن ابن عباس فمثل هذا يحتاج إلى تحرير دقيق.
وفي ص87 جاء حديث رقم «102» وفيه: «يمسح على خفيه».
علق ابن حجر فقال: حديث سهل بن سعد رضي الله عنه في المسح على الخفين تقدم في الاستطابة، قال ابن لحيدان ثم ماذا؟ وتركه المحققان إلا انهما ذكرا ما ذكره البويصري، قلت ورواية الحارث عن الواقدي: فيها نظر.
وفي ص88 حديث رقم «106» وفيه: «حين تنام» قال ابن لحيدان: لم أجده صحيحاً إلى ابي موسى الاشعري وفيها ص88 جاء حديث «107/1» و«107/2» لم يتعرض له المحققان خاصة «107/2» لم يتعرض له المحققان خاصة )107/2( قلت في تقدمة «الجرح والتعديل» م1/بيان عن حقيقة ما قاله انس، وحقيقه رواية الصحابة بعضهم عن بعض.
وفي ص89 جاء حديث رقم «110» عن زياد بن علاقة وفيه: «نمسح على خفافنا» قلت: صحيح بهذا اللفظ وفي ص90 جاء حديث رقم «114» وفيه «ما بدا له» قلت فيه نظر، قلت كذلك وهذا من ميمونة رضي الله عنها مُطلق مُقيد بتقييد التوقيت للمسافر والمقيم، وليت المحققين تعرضا لمثل هذا فإن عملهما وفقهما الله تعالى يقتضيه جداً.
وفي ص91 جاء حديث رقم «117» وفيه «فلينضح بها فرجه، فإن أصابه شيء فليقل: ان ذلك منه» قلت: خرجه المحققان كما قال البويصري كما في هامش رقم «5» وجاء هناك: رواه مسدد ورجاله ثقات، قال ابن لحيدان: هو موقوف على ابن عباس ولم ار من رفعه بسند ثابت صحيح.
وفي ص100 جاء حديث رقم »151» عن عمرو بن شعيب وفيه: «فعليه الوضوء» قلت النوم المستغرق من موجبات الوضوء إلا ان هذا الحديث وان صح معناه فيه نظر.
وفي ص101 ترك المحققان حديث رقم «155/1» ورقم «155/2» قلت الأول في سنده نظر فلم أر ما صح في الوضوء من «ألبان الإبل».
وفي ص103 جاء حديث رقم «162» وفيه: فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بفضلها». قال ابن لحيدان وترك ابن حجر ما يلزم ذكره وتركه المحققان وهو: قوله صلى الله عليه وسلم لميمونة «إن الماء لا يجنب» فيما ذكرت له انها استعملته. ومناط التحقيق يوجبه قلت هو: صحيح.
وسوف «هُنا أتجاوز كثيراً من الصفحات لأنني أرى ذا يطول ولكثرة ما يحتاج اليها تنبيه من ص107 حتى ص349 ولأن ما ذكرته آنفاً يفتح الباب بواسع غير منغلق أمام المحققين الكريمين ليعيدا النظر على منوال ما ذكرته حسب فهمي وجهدي فإن ما قل وأشار ودل خير مما كثر وأطال فلعله يُمل».
وفي ص451 جاء حديث رقم «911» وفيه: «ولكن تسألون عن الصلاة، لم يتعرض له ابن حجر ولا المحققان ومثله رقم: «912» وهو حديث قال ابن حجر رحمه الله في آخره: «الحديث بتمامه» قلت كلاهما فيه نظر الأول في سنده ضعف ظاهر.
وفي ص354 جاء رقم «920» وأوله سنداً: وقال مسود حدثنا مُعمر عن ابيه.. إلى.. «ولم يُرزقوا» قلت وأين تحقيق هذا.. أو تخريجه.. أو الحكم يمليه وقد وجدت هذا كثيراً.
وفي ص357 جاء حديث رقم «928» وفيه في آخره: «لا أظن والله إذاً».
قال ابن لحيدان في هامش «2».. «15 17 رقم 644» مطولاً، وفي هامش «3» ليس على شرط الكتاب، فقد رواه احمد بن حنبل في مسنده «1/163 164» من طريق ابن اسحاق به.
فهل هذا تحقيق هذا تخريج مختصر، ومناط النظر هو: تحقيق النص بتمامه ما له وما عليه قلت فيه نظر.
وفي ص384 جاء حديث رقم «998» «قال احمد بن منيع حدثنا عبدالقدوس.. إلى.. «فهو صدقة» قلت تركه ابن حجر وكذا: المحققان قلت: فيه نظر.
وفي آخر ص437 جاء حديث رقم «1148» وفيه: «خذي بعضادتي الباب ولا تدخلي».
قال ابن حجر: «هذا مرسل ومعضل رجاله ثقات» وتركه المحققان.
قال ابن لحيدان موجب هذا فك الاشكال فإن المرسل هو ما سقط منه راو غير الصحابي، والمعضل هو: ما سقط منه اثنان متواليان من اول السند أو وسطه او آخره.(47/1)
لكن كيف يكون السند مرسلاً ومعضلاً ثم يكون رجاله ثقات اللهم إلا ان كان ابن حجر قد وقف على من سقط: فوجد كل الرواة ثقات وهذا لم اقف عليه بعد نظر مطول حسب جهدي ولم أر المحققين تعرضا له.
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ صالح اللحيدان
عدد القراء : 1735
تاريخ الموضوع: 25 - إبريل - 2003 ميلادية
(47/2)
الغاية تبرر الوسيلة والكذب لمصلحة الدعوة للأخ الفاضل سعود الزمانان
الأخ الفاضل سعود الزمانان
وأخذوا يتوسعون في هذه القاعدة ، حتى أصبح الكذب دينهم والنفاق سمنهم واستغفال الناس غايتهم ، فنعوذ بالله من الخذلان ، مستدلين بقوله تعالى { من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا } – النحل (106) ، وبحديث النبي – صلى الله عليه وسلم – في الصحيحين " ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس ويقول خيراً وينمي خيراً " ولسان حالهم يقول مبرراً لمنهجهم الكاذب بأن الشريعة تبيح أو توجب فعل المحرم إذا قارن التحريم بمفسدة أعظم ، كما في قوله تعالى { إلا أن تتقوا منهم تقاة }
إذ جاء بالآية جواز مساعدة الكفار ، والقول بما يصرف عن المؤمنين شر الكفار وأذاهم بظاهر من المؤمنين لا باعتقاد ، وللرد على هذه المزاعم نقول بأن هذه الشبه لا يجوز الاستدلال بها على هذا المنهج الباطل للأمور الآتية :
- أولاً : ليس في الشريعة المبدأ القائل بأن الغاية تبرر الوسيلة ، إلا بالنسبة للوسائل المسكوت عنها في الشرع ، أي التي لم يرد المنع منها دليل من الكتاب والسنة ، أما الوسائل التي حرمها الشرع فلا يجوز أن نسلكها لأنها غير شرعية .
- ثانياً : الأحكام الشرعية وضعها الشارع لتحقيق المصالح والمقاصد الكلية للشريعة ، ولا مجال فيها لأهواء العوام أو أنصاف المتعلمين من المفكرين و المثقفين الإسلاميين ، فالشارع الحكيم رسم الطرق التي توصل إلى هذه الغايات لكي تتحقق هذه المقاصد ، ومن ثم لزم أن يكون المقصد مشروعاً والوسيلة التي تؤدي مشروعة .
- ثالثاً : الأدلة التي قد يستدلون بها على جواز الكذب لمصلحة الدعوة ، بدليل الحديث أو الآية على جواز الكذب ، حجة عليهم لا لهم، فالوسيلة التي في هذه الأدلة هي وسيلة شرعية ورد الدليل على جوازها وتخصيصها في هذه الحالات فقط ، فهذه الوسائل مشروعة والغاية مشروعة ، فأين وجه الاستدلال بهذه النصوص .
- رابعاً : لا يجوز الاستدلال على شرعية الغاية في جواز كل ما يوصل إليها من وسائل مع إهمال الأدلة الشرعية المانعة من بعض هذه الوسائل ، وجعل الاستثناءات والأحكام العارضة هي الأصل ويتم تجاهل الأحكام الراتبة والأدلة الشرعية ، وإلا لفتح باب كبير للزنادقة ، إذ لا يجوز نقض الأصول الاستقرائية القطعية من الكتاب والسنة والإجماع ، وإبطال للكليات القرآنية وإسقاط الاستدلال بها وتوهين الأدلة الشرعية من أجل التلاعب بهذا الدين لأغراض حزبية بغيضة .
- خامساً : الشريعة أتت بسد الذرائع المفضية إلى المحرمات وذلك عكس باب الغاية تبرر الوسيلة ، فهذه القاعدة وسيلة وباب واسع لانتهاك الكبائر والمحرمات ، وسد الذرائع عكس ذلك ، فالشارع حرم الذرائع وإن لم يقصد بها المحرم لإفضائها إليه ، فكيف إذا قصد المحرم نفسه ؟ فالشارع حرم القطرة من الخمر وإن لم تحصل بها مفسدة الكثير لكون قليلها ذريعة إلى شرب كثيرها ، وحرم الخلوة بالمرأة الأجنبية والسفر بها والنظر إليها من غير حاجة سداً للذريعة .
- سادساً : قال ابن القيم – رحمه الله - : " المحرم : أن يقصد بالعقود الشرعية غير ما شرعها الله تعالى ورسوله له ، فيصير مخادعاً لله تعالى ورسوله – صلى الله عليه وسلم – كائداً لدينه ، ماكراً بشرعه ، فإن مقصوده حصول الشيء الذي حرمه الله تعالى ورسوله بتلك الحيلة ، وإسقاط الذي أوجبه بتلك الحيلة "[1] .
- سابعاً : من قصد الوسائل المحرمة واستخدام الحيل للوصول إلى الغاية فإن الشارع الحكيم قد أبطل عليه مقصده ، وقابله بنقيضها ، وسد عليه الطرق التي فتحها بالحيلة الباطلة ، فالمحتال بالباطل معامل بنقيض قصده شرعاً وقدراً ، فالشارع منع الميراث على المتحيل على الميراث بقتل مورثه ، ونقله إلى غيره ، وعاقب من احتال على الصيد من اليهود بأن مسحهم قردة وخنازير ، وعاقب كل من حرص على الولاية والإمارة والقضاء بأن منعه وحرمه ما حرص عليه ، كما قال عليه الصلاة والسلام : " إنا لا نولي عملنا هذا من سأله "[2] قال ابن القيم – رحمه الله _ : " وهذا باب واسع جداً عظيم النفع ، فمن تدبره يجده متضمناً لمعاقبة الرب سبحانه من خرج عن طاعته ، بأن يعكس عليه مقصوده شرعاً وقدراً ، دنيا وآخرة ، وقد اطردت سنته الكونية سبحانه في عباده ، بأن من مكر بالباطل مكر به ، ومن احتال احتيل عليه ، ومن خادع غيره خدع "[3]
- ثامناً : لو كانت الغاية تبرر الوسيلة لاستخدمها النبي – صلى الله عليه وسلم – حتى مع المشركين ، فيكون عدم استخدامها مع المسلمين من باب أولى ، والدليل على ذلك أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أوفى بالعهد الذي أخذته قريش من حذيفة بن اليمان وأبيه –رضي الله عنهما – كما أخرجه مسلم في صحيحة[4] من حديث حذيفة قال : " ما منعني أن أشهد بدراً إلا أني خرجت أنا وأبي – حسيل – فأخذنا كفار قريش ، قالوا : إنكم تريدون محمداً ، فقلنا : ما نريده ، ما نريد إلا المدينة ، فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة ولا نقاتل معه ، فأتينا رسول الله –صلى الله عليه وسلم – فأخبرناه الخبر ، فقال : انصرفا نفي بعهدهم ونستعين الله عليهم " فتأمل معي شدة اهتمامه – صلوات ربي وسلامه عليه – بالمبادئ واحترامه للعهد ، فما أصعبه في زمن عزّ فيه الوفاء حتى مع الذين حملوا راية الدعوة في سبيل الله ، فأصبحت المصالح الدنيوية هي الميزان لجميع تعاملاتنا ، فلا حول ولا قوة إلى بالله العلي العظيم .
كتبه أبو عبد العزيز سعود الزمانان
في 28/11/2001
--------------------------------------------------------------------------------
[1] إغاثة اللهفان 2/ 380.
[2] أخرجه أحمد 4/417 بإسناد صحيح .
[3] إغاثة اللهفان 2/ 380.
[4] مسلم 1787
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الأخ الفاضل سعود الزمانان
عدد القراء : 1538
تاريخ الموضوع: 03 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(48/1)
مقدمة في الأدب
الأخ الفاضل عبد الكريم الحربي
تعريف الأدب : هو علم يُعرف به أساليب الكلام البليغ ، أو قل معرفة ما يُتحرز به عن جميع أنواع الخطأ
موضوعه: الكلام المنظوم والمنثور من حيث فصاحته وبلاغته.
غايته : تهذيب العقل وتذكية الجنان ، والتمرس على إجادة الفنون المنظومة والمنثورة على أساليب العرب
فائدته: أنه يُروض الأخلاق ويُلين الطبائع وأنه يُعين على المُرُوءة
أركانه :
1: قوة العقل ويُراد بها الذكاء ـ والخيال ـ والحافظة ـ والحس ـ والذوق
2: معرفة أصول الكتابة والإنشاء وفنون الخطابة.
3: مطالعة تصانيف الأدباء والنبلاء والبُلغاء
وهذه نصائح مهمة لكل مريد في هذا الفن الفريد
1: الإكثار من مطالعة ما تُخلفَ من الكتب والتراث الأدبي ، ولا محيص عن مقولة الأديب الأريب / ابن خلدون حيث قال بما معناه:
أركان الأدب أربعة:
أدب الكاتب - لابن قتيبة
والبيان والتبين - للجاحظ
والنوادر والأمالي - لابي علي القالي
واخير كتاب الكامل في اللغة - للمبرد.
والكتب في هذا الفن كثيرة جداً ولكن من أفضلها ما ذُكر
2: حفظ الدرر من الأشعار والأمثال والتمرس على ذلك مع تقليد أديب فرد في بداية الأمر حتى ينجلي عنه غمامة البلاغة
ومن أفضل ما يُنصح بحفظه في هذا الفن
1: المعلقات
2: أشعار الهًذليين
2: الجمهرة
4: مختارت البارودي
5:المثل السائر
6:فرائد الخرائد
مع قطوف من دواوين الشعراء الكثيرة
هذا ما أستطعنا أن نكتبه في هذه العُجالة
والحمد لله رب العاليمن
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الأخ الفاضل عبد الكريم الحربي
عدد القراء : 1707
تاريخ الموضوع: 31 - أكتوبر - 2002 ميلادية
(49/1)
الأحكام الشرعية للنعل والانتعال للأخ الفاضل سعود الزمانان
الأخ الفاضل سعود الزمانان
وسوف نتكلم عن بعض الأحكام والآداب الشرعية المتعلقة بالنعل والانتعال والتي نوردها فيما يلي :
أولاً : لبس النعال عبادة من العبادات :
يجهل الكثير من المسلمين أن لبس النعال قربة إلى الله جل وعلا وعبادة من العبادات ، فقد حثنا النبي - صلى الله عليه وسلم - على الإكثار من لبس النعال في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " استكثروا من النعال فإن الرجل لا يزال راكباً ما انتعل " ، وقد بوب الإمام النووي - رحمه الله - باباً سمّاه : " استحباب لبس النعال وما في معناها " وقال في شرحه للحديث السالف : " معناه أنه شبيه بالراكب في خفة المشقة عليه ، وقلة تعبه ، وسلامة رجله ممّا يعرض في الطريق من خشونة وشوك وأذى ، وفيه استحباب الاستظهار في السفر بالنعال وغيرها مما يحتاج إليه المسافر " ا.هـ.
وقد قال ابن العربي - رحمه الله - : " النعال لباس الأنبياء " ، وقد جاء هذا الدين الحنيف بكل ما فيه صلاح البلاد والعباد ، فقد أمرنا عليه الصلاة والسلام بكثرة الانتعال ، لدفع المشقة والأذى ، ولحصول السلامة للقدمين .
ثانياً : استحباب الدعاء عند لبس الجديد من النعال :
بوب الإمام النووي في رياض الصالحين باباً فقال : " باب ما يقول إذا لبس ثوباً جديداً أو نعلاً أو نحوه " ثم ساق حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استجد ثوباً سماه باسمه - عمامة أو قميصاً أو رداء - يقول : " اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه أسألك من خيره وخير ما صنع له وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له " وصححه الألباني - رحمه الله - .
ثالثاً : استحباب البدء باليمين عند لبس النعال والخلع بالشمال :
يستحب للمرء أن يبدأ برجله اليمنى عن لبسه النعال،,إذا نزعها أن يبدأ بالشمال،قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:"إذا انتعل أحدكم فليبدء باليمين وإذا نزعها فليبدأ بالشمال لتكن أولها تنعل وآخرهما تنزع"
قال النووي - رحمه الله - :"يستحب البداءة باليمنى في كل ما كان من باب التكريم والزينة والنظافة ونحو ذلك،كلبس النعل والخف والمداس والسراويل والكم وحلق الرأس وترجيله،وقص الشارب ونتف الإبط والسواك والاكتحال وتقليم الأظافر،والوضوء والغسل والتيمم ودخول المسجد،والخروج من الخلاء،ودفع الصدقة وغيرها من أنواع الدفع الحسنة وتناول الأشياء الحسنة ونحو ذلك،ويستحب البداءة باليسار في كل ما ضد السابق،فمن خلع النعل والخف والمداس والسراويل والكم،والخروج من المسجد والاستنجاء،وتناول أحجار الاستنجاء،ومس الذكر،والامتخاط والاستنثار،وتعاطي المستقذرات وأشباهها "
قلت: أمره - صلى الله عليه وسلم - البداءة باليمين مستحب وليس واجباً،مع أن ظاهر النص يفيد الوجوب،لكنّ الإجماع صرف الأمر من الوجوب إلى الاستحباب كما ذكر ذلك النووي - رحمه الله - في "شرح مسلم" .
رابعاً : استحباب الصلاة في النعال :
من السنن المهجورة الصلاة في النعلين، وقد تواتر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى في نعليه،وثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالصلاة في النعلين،فقد سئل أنس بن مالك - رضي الله عنه - :"أكان - صلى الله عليه وسلم - يصلي في نعليه؟قال:نعم"،وقال - صلى الله عليه وسلم - :"خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم"
قلت: الصلاة بالنعال مشروعة ولكن ينبغي على المرء أن لا يصلي في نعاله في حالتين :
الحالة الأولى : إن أدت الصلاة في النعال إلى مفسدة أو خصام و تنافر للقلوب بين المصلين،فإنه من الأفضل عدم الصلاة في النعال إذا وصلت الأمور إلى هذا الحد، ،فينبغي على المرء فعل المفضول عنده لمصلحة الموافقة والتأليف، خاصة إذا كان غير مطاع في قومه ،والتأليف بين القلوب مصلحة راجحة على مصلحة الصلاة في النعلين،قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:"لذلك استحب الأئمة كأحمد وغيره أن يدع الإمام ما هو عنده أفضل،إذا كان فيه تأليف المأمومين،مثل أن يكون عنده فصل الوتر أفضل،بأن يسلم في الشفع،ثم يصلي ركعة الوتر،وهو يؤم قوماً لا يرون إلا وصل الوتر،فإذا لم يمكنه أن يتقدم إلى الأفضل،كانت المصلحة الحاصلة بموافقته لهم بوصل الوتر أرجح من مصلحة فصله مع كراهتم للصلاة خلفه،وكذلك لو كان ممن يرى المخافتة بالبسملة أفضل،أو الجهر بها،وكان المأمومون على خلاف رأيه"
الحالة الثانية : ألا يكون المسجد مفروشاً بالسجاد ،قال الشيخ الألباني - رحمه الله - :"وقد نصحت إخواننا السلفيين بالمدينة الذين يعرفون بسكان الحرة أن لا يتشددوا في هذه المسألة - أي الصلاة بالنعال في المساجد - لما هناك من فارق بين المساجد اليوم المفروشة بالسجاد الفاخر،وبين ما كان عليه المسجد النبوي في زمنه الأول،وقد قرنت لهم ذلك بمثل من السنة في قصة أخرى ذكرتهم بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أمر من بادره بالبصاق أو المخاط وهو يصلي أن يبصق عن يساره أو تحت قدميه،وهذا أمر واضح أن هذا يتماشى مع كون الأرض أرض المسجد التي سيضطر للبصاق فيها من الرمل أو الحصباء،فاليوم المصلى مسجد مفروش بالسجاد فهل يقولون أنه يجوز أن يبصق على السجاد فهذه كتلك"
خامساً : مشروعية المسح على النعال :
قال الألباني - رحمه الله -:"أما المسح على النعلين،فقد اشتهر بين العلماء المتأخرين أنه لا يجوز المسح على النعلين،ولا نعلم لهم دليلاً "
وقد صحح الترمذي المسح على الجوربين والنعلين،وحسنه من حديث هزيل عن المغيرة،وحسنه أيضا من حديث الضحاك عن أبي موسى ،وصحح ابن حبان المسح على النعلين من حديث أوس،وصحح ابن خزيمة حديث ابن عمر في المسح على النعال السبتية،وما ذكره البيهقي من حديث زيد بن الحباب جيد، وقال أبو بكر البزار:ثنا إبراهيم بن سعيد ثنا روح بن عبادة عن ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر:كان يتوضأ ونعلاه في رجليه ويمسح عليهما،ويقول:كذلك كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل وصححه ابن القطان.
وقال الألباني - رحمه الله - : وإذا عرفت هذا، فلا يجوز التردد في قبول هذه الرخصة بعد ثبوت الحديث بها... لا سيما بعد جريان عمل الصحابة بها،وفي مقدمتهم الخليفة الراشد علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - كما تقدم،وهو مما ذهب إليه بعض الأئمة من السلف الصالح - رضي الله عنهم أجمعين"
سادساً : كيفية تطهير النعلين لمن أراد الصلاة فيهما :
إذا أتى المرء إلى المسجد فعليه أن ينظر في نعليه فإن رأى فيهما وسخ أو أذى فليمسحهما في الأرض فإنه تطهير لهما،لقوله - صلى الله عليه وسلم - :"إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه قذراً أو أذى فليمسحه وليصل فيهما"
سابعاً : موضع النعلين إذا لم يصل فيهما :
إذا أراد المصلي أن يصلي في غير نعليه فإنه يضع نعليه تحت رجليه،أو عن يساره إن لم يكن عن يساره أحد،فإن كان عن يساره مصلي فيضعهما تحت رجليه،أو خلفه إن لم يكن خلفه أحد،ولا ينبغي للمصلي أن يضع نعليه عن يمينه أو قدامه اتباعاً لقوله - صلى الله عليه وسلم - :"إذا صلى أحدكم فلا يضع نعليه عن يمينه ولا عن يساره فتكون عن يمين غيره إلا أن لا يكون عن يساره أحد وليضعهما بين رجليه"
وقال المباركفوري في "مرعاة المفاتيح":"وفي رواية بأن لا يضعهما عن يمينه أو قدامه وليجعلهما بين رجليه أو ليصلّ فيهما... وقال العراقي هذا حديث صحيح الإسناد... وقال أيضاً: ولم يقل :"أو خلفه" لئلا يقع قدام غيره أو لئلا يذهب خشوعه لاحتمال أن يسرق"
ثامناً : من أخذت نعله ووجد غيرها :
قال ابن قدامة - رحمه الله - في "الشرح الكبير":"ومن أخذت ثيابه في الحمام ووجد بدلها،أو أخذ مداسه وترك له بدله لم يملكه بذلك... فإن كانت ثم قرينة تدل على السرقة بأن تكون ثيابه أو مداسه خيراً من المتروك له وكانت ممّا لا يشتبه على الآخذ بثيابه ومداسه فلا حاجة إلى التعريف،لأن التعريف إنما جعل على المال الضائع من ربه ليعلم به ويأخذه،وتارك هذا عالم به راض ببذله عوضاً عما أخذه ولا يعترف أنه له فلا يحصل من تعريفه فائدة،... وفيما يصنع به ثلاثة أوجه:أحدها: يتصدق به على ما ذكرنا،والثاني: أنه يباح له أخذها لأن صاحبها في الظاهر تركها له بادلاً إياها عوضاً عما أخذه فصار كالمبيح له أخذها بلسانه،فصار كمن قهر إنساناً على أخذ ثوبه ودفع إليه درهماً،والثالث: يرفعها إلى الحاكم ليبيعها ويدفع إليه ثمنها عوضاً عن ماله،والوجه الثاني أقرب إلى الرفق بالناس،لأ، فيه نفعاً لمن سرقت ثيابه بحصول عوض عنها،ونفعاً للسارق بالتخفيف عنه من الإثم وحفظاً لهذه الثياب المتروكة من الضياع.
وقد أباح بعض أهل العلم فيمن له على إنسان حق من دين أو غصب أن يأخذ من ماله بقدر حقه إذا عجز عن استيفائه بغير ذلك،فههنا مع رضا من عليه الحق يأخذه أولى،وإن كانت ثم قرينة على أن الآخذ للثياب إنما أخذها ظنا منه أنها ثيابه،مثل أن تكون المتروكة مثل المأخوذة أو خيراً منها،وهي ما تشتبه بها فينبغي أن يعرفها ههنا،لأن صاحبها لم يتركها عمداً فهي بمنزلة الضائعة،والظاهر أنه إذا علم بها أخذها ورد ما كان أخذه فتصير كاللقطة في المعنى،وبعد التعريف إذا لم تعرف ففيها الأوجه الثلاثة المذكورة إلا أننا إذا قلنا يأخذها أو يبيعها الحاكم ويدفع إليه ثمنها،فإنما يأخذ بقدر قيمة ثيابه من غير زيادة،لأن الزائد فاضل عما يستحقه ولم يرض صاحبها بتركها عوضاً عما أخذه،فإنه لم يأخذ غيرها اختياراً منه لتركها ولا رضى بالمعاوضة بها،وإذا قلنا إنه يدفعها إلى الحاكم ليبيعها ويدفع إليه ثمنها فله أن يشتريها بثمن في ذمته،ويسقط عنه من ثمنها ما قابل ثيابه ويتصدق بالباقي"
تاسعا : يشرع لمن دخل المقابر خلع نعليه :
سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية:هل خلع النعال في المقابر من السنة أم بدعة ؟ فأجابت :" يشرع لمن دخل المقبرة خلع نعليه،لما روى بشير بن الخصاصية قال:"بينا أنا أماشي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رجل يمشي في القبور وعليه نعلان،فقال:يا صاحب السبتيتين ألق سبتيتيك" فنظر الرجل،فلما عرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلعهما فرمى بهما"رواه أبو داود،وقال أحمد:إسناد حديث بشير بن الخصاصية جيد،أذهب إليه إلا من علة،والعلة التي أشار إليها أحمد - رحمه الله - كالشوك والرمضاء ونحوهما،فلا بأس بالمشي فيهما بين القبور لتوقي الأذى"
قلت :السبت بالكسر،جلود البقر المدبوغة بالقرظ يتخذ منها النعال سميت بذلك لأن شعرها سبت عنها أي حلق وأزيل.(50/1)
وذهبت طائفة من أهل العلم إلى جواز المشي في المقبرة بالنعال،منهم النسائي وابن حزم - رحمهما الله -، لحديث أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه صاحبه وإنه ليسمع قرع نعالهم" ، وقال بعض أهل العلم:بأن النعال السبتية خاصة بأهل الفخر والفخر.
قلت:وهذا القول ليس بجيد،فأما استدلالهم بأن الميت يسمع قرع نعال المشيعين فهذا دلالة مفهوم،بينما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - لصاحب السبتيتين [ان ينزعهما دلالة منطوق،والمنطوق يقدم على المفهوم،أما كون النعال السبتية خاصة لأهل الفخر فهذا القول كذلك ضعيف،إذ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثبت عنه لبسها،فعن عبد الله بن جريج أنه قال لعبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - :"رأيتك تصنع أربعا لم أر أحدا من أصحابك يصنعها قال :ما هي يا ابن جريج؟...وفيه : "رأيتك تلبس النعال السبتية فقال:أما النعال السبتية فإني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلبس النعال السبتية التي فيها شعر ويتوضأ فيها فأنا أحب أن ألبسها"
عاشراً : من أزال نعلاً من موضع ووضعه بموضع آخر ضمنه إن فقد :
يجب على المرء إن دخل مسجداً ووجد نعلاً قد وُضِعت في مكان ما ثم أزال هذه النعل ووضع نعله مكانها أن يضمن النعل،لأنه لا يحق له إزاحتها ولكنه إن فعل فيجب عليه أن لا يضيع حقوق الآخرين،وأن يحفظها أو يضعها في مكان آمن،قال العلامة الوزاني المالكي - رحمه الله - :"من أزال نعلاً من موضع ووضعه بآخر ضمنه،لأنه لما نقله وجب عليه حفظه"
الحادي عشر : النهي عن المشي في نعل واحدة إذا انقطعت إحداهما :
نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المشي في نعل واحدة إذا انقطعت إحداهما حتى يصلحها،وقد أجمع العلماء على أن النهي للكراهة وليس للتحريم،فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "إذا انقطع شِسْعُ أحدكم فلا يمش في الأخرى حتى يصلحها"،قال النووي - رحمه الله - :"وسببه أن ذلك تشويه ومثلة ومخالف للوقار،ولأن المنتعلة تصير أرفع من الأخرى فيعسر مشيه وربما كان سبباً للعثار".
قلت : قوله - صلى الله عليه وسلم - :"لا يمش" فهم منه بعض أهل العلم جواز الوقوف بنعل واحدة إذا عرض للنعل ما يحتاج إلى صلاحها،فنقل القاضي عياض عن الإمام مالك أنه قال:"يخلع الأخرى ويقف إذا كان في أرض حارة أو نحوها،مما يضر فيه المشي حتى يصلحها أو يمشي حافياً إن لم يكن ذلك"قال ابن عبد البر:هذا هو الصحيح في الفتوى والأثر، وعليه العلماء"
قلت : ويكره كذلك المشي في نعلين مختلفين ذكره ابن مفلح في كتابه الآداب الشرعية .
فائدة : النهي عن المشي في نعل واحدة قد يدخل فيه كل لباس شفع،كإخراج اليد الواحدة من الكم دون الأخرى،كمن يلبس عباءة أو ما يسمى عند أهل الخليج "البشت"،فيخرج يده من الكم دون الأخرى،وينبغي على المرء ألا يفعل ذلك تركاً للشهرة وعدلاً بين الجوارح،قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -:"قد يدخل في هذا كل لباس شفع كالخفين،وإخراج اليد الواحدة من الكم دون الأخرى،وللتردي على أحد المنكبين دون الآخر،قاله الخطابي"
الثاني عشر : النهي عن الانتعال قائماً إذا كان في لبسها تعب أو مشقة:
أخرج أبو داود في سننه من حديث جابر قال:"نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينتعل الرجل قائماً"
قال الخطابي:"إنما نهى عن لبس النعل قائماً لأن لبسها قاعداً أسهل عليه وأمكن له،وربما كان ذلك سبباً لانقلابه إذا لبسها قائماً،فأمر بالقعود له والاستعانة باليد فيه ليأمن غائلته"
قال المناوي:"والأمر للإرشاد لأن لبسها قاعداً أسهل وأمكن،ومنه أخذ الطيبي وغيره تخصيص النهي بما في لبسه قائماً تعب "
الثالث عشر : عدم جواز وضع المصحف على النعل حتى لو كان نظيفاً لم يلبس :
يجب على المرء أن يحترم كتاب الله جل وعلا،فهذا الكتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وإن من احترام القرآن حفظه وتلاوة آياته،وتدبره وفهم معانيه،وصيانته من الامتهان وعدم الاحترام .
وقد نص بعض أهل العلم على أن من امتهان المصحف وعدم احترامه،وضعه على نعل نظيف حتى لو لم يلبس،وقد نقل الوزاني في نوازله عن الشافعية قولهم بأنه:"لا يجوز وضع مصحف على نعل نظيف لم يلبس،لأن به نوع استهانة وقلة احترام"
الرابع عشر : جواز لبس المؤذن النعال أثناء الأذان :
سئل العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله - عن قيام أحد المؤذنين بالأذان والنعال في قدميه،خاصة وأنه قد اعترض كثير من الإخوان لما رأوا المؤذن يؤذن وهو منتعل،فأجاب - رحمه الله - :"لا مانع من لبس النعال وقت الأذان،وحتى في الصلاة،لأن النبي - صلى الله عليه وسلم -" صلى في نعليه"،غير أنه ينبغي على المؤذن والمصلي أن يتأكد قبل دخول المسجد من طهارة نعليه،وطهارتها كما هو معلوم دلكها بالأرض،وأما الذين اعترضوا فلا علم لديهم،ولا يجوز لهم الخوض فيما لا علم لهم به"
النعال المحرمة والتي لا يجوز لبسها :
يكون لبس النعل محرما في صور وأنواع متعددة والتي من أهمها ما يلي :
· أ : إذا قصد بلبسها الكبر :
الكبر صفة كمال لله جل وعلا،فلا يجوز لأحد من الخلق أن ينازع الله في صفاته،فقد أخرج مسلم في صحيحه عن رب العزة جل وعلا قال:"الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار"،وتوعد الله المتكبرين بصنوف من العذاب في الدنيا والآخرة،فقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه،مرجل جمته،إذ خسف الله به فهو يتجلجل إلى يوم القيامة"
قلت:النعل أو الثوب الحسن نفيس أو غير نفيس لا يعد من الكبر الذي تُوعد صاحبه،والذم يقع على من كان في قلبه الكبر، والعجب بالنفس والهيئة والبطر،قال ابن حجر - رحمه الله -:"والذي يجتمع من الأدلة أن من قصد بالملبوس الحسن إظهار نعمة الله عليه مستحضراً لها شاكرا عليها غير محتقر لمن ليس له مثله،لا يضره ما لبس من المباحات ولو كان في غاية النفاسة،ففي صحيح مسلم عن ابن مسعود :"أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر،فقال رجل:إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة فقال :إن الله جميل يحب الجمال،الكبر بطر الحق وغمط الناس"
· ب : إذا كان في لبسها شهرة :
يحرم لباس النعل لقصد الاشتهار ولمخالفته الناس وليشار إليه بالبنان،فقد تسابق الناس في هذا الزمان إلى لبس النعل والملابس النفيسة بقصد لفت أنظار الناس إليهم،واشتهارهم بينهم مع الكبر والترفع عليهم،جاهلين أو متجاهلين قوله - صلى الله عليه وسلم -:"من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة"
قال ابن الأثير:"الشهرة ظهور الشيء والمراد أن ثوبه يشتهر بين الناس لمخالفة لونه لألوان ثيابهم فيرفع إليه أبصارهم،ويختال عليهم بالعجب والتكبر"
وقال الشوكاني في النيل:"إذا كان اللبس لقصد الاشتهار في الناس فلا فرق بين رفيع الثياب ووضيعها والموافق لملبوس الناس والمخالف،لأن التحريم يدور مع الاشتهار،والمعتبر القصد وإن لم يطابق الواقع"
وثوب الشهرة قد يكون بالوضيع من الثياب أو النعال،كمن يلبس رديء الثياب والنعل ليعتقد الناس فيه الزهد والورع،قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:"وتكره الشهرة من الثياب، وهو المترفع الخارج عن العادة،والمنخفض الخارج عن العادة،فإن السلف يكرهون الشهرتين،المترفع والمتخفض،وفي الحديث"من لبس ثوب شهرة ألبسه الله ثوب مذلة" وخيار الأمور أواسطها"
· ج : إذا كانت النعل مصنوعة من جلود السباع فلبسها محرم :
إذا كانت النعل من جلود السباع أو كان فيها شيء من جلود السباع فيحرم لبسها على الذكور والإناث،لحديث خالد قال وفد المقدام بن معدي كرب على معاوية،فقال:أنشدك بالله هل تعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "نهى عن لبوس جلود السباع والركوب عليها قال:نعم"،ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"لا تصحب الملائكة رُفقةً فيها جلد نمر"
قال القاضي من الحنابلة:"لا يجوز الانتفاع بجلود السباع لا قبل الدبغ ولا بعده،وبذلك قال الأوزاعي ويزيد بن هارون وابن المبارك وإسحاق وأبو ثور"
قال الإمام الترمذي في جامعه:"وكره بعض أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم جلود السباع،وشددوا في لبسها والصلاة فيها،ثم قال الترمذي:وكره ابن المبارك وأحمد وإسحاق والحميدي الصلاة في جلود السباع"
قلت:ولا يفهم من قولهم الكراهة نفي التحريم،فإن المتقدمين إذا أطلقوا لفظ الكراهة فإنما يعنون في الغالب التحريم،قال ابن القيم - رحمه الله -:"وقد غلط كثير من المتأخرين من أتباع الأئمة على أئمتهم بسبب ذلك،حيث تورع الأئمة عن إطلاق لفظ التحريم،وأطلقوا لفظ الكراهة،فنفى المتأخرون التحريم عما أطلق عليه الأئمة الكراهة،...ثم قال ابن القيم:"وقال أبو القاسم الخرقي فيما نقله عن أبي عبد الله:ويكره أن يتوضأ في آنية الذهب والفضة،ومذهبه لا يجوز"
وقد اختلف أهل العلم في ذكر الحكمة من النهي،فذهب بعضهم إلى أن النهي بسبب ما يقع على هذه الحيوانات من الشعر،لأن الدباغ لا يؤثر فيه،وقال بعضهم:يحتمل أن النهي لأجل أنها مراكب أهل السرف والخيلاء،وعلى المسلم أن يتقي ربه وأن يدع ما يريبه إلى ما لا يريبه وفي المباح والحلال مندوحة عن ارتكاب المعاصي،ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه.
· د : أن يكون فيها الذهب أوالحرير :
يحرم لباس النعل على الرجال إن كان فيها ذهب أو حرير،فقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه :"أخذ حريراً فجعله في يمينه وأخذ ذهباً فجعله في شماله ثم قال:إن هذين حرام على ذكور أمتي"
· هـ يحرم لباس النعل التي فيها ضرر على الإنسان :
يحرم لبس النعل التي فيها ضرر على النفس،كالكعب العالي،وقد سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عن حكم لبس الكعب العالي،فأجابت بأن:"لبس الكعب العالي لا يجوز لأنه يعرض المرأة للسقوط،والإنسان مأمور شرعاً بتجنب الأخطار،بمثل قوله تعالى{ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}وقوله{ولا تقتلوا أنفسكم}،كما أنه يظهر قامة المرأة وعجيزتها بأكثر مما هي عليه،وفي هذا تدليس وإبداء لبعض الزينة التي نهيت عن إبدائها المرأة المؤمنة بقول الله عز وجل {ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن }"
· و : لبس الرجال نعل النساء ولبس النساء نعل الرجال :
يحرم على النساء التشبه بالرجال،ويحرم على الرجال التشبه بالنساء،فلا يجوز للرجال لبس النعال الخاصة بالنساء،ويحرم على النساء أن يلبسن النعال الخاصة بالرجال،ومن فعل ذلك فقد ارتكب كبيرة من الكبائر،فقد لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فعل ذلك،كما قال أبو هريرة - رضي الله عنه -:"لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل"
أخطاء شائعة لدى بعض الناس :(50/2)
أولا : اعتقاد بعض الناس بأن قلب النعل وجعل عاليها سافلها أمر محرم ولا يجوز،وهذا اعتقاد خاطئ وقول على الله بغير علم،فمن قال بالكراهة أو التحريم فعليه بالدليل من كتاب الله أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -،أو مما قاله سلف هذه الأئمة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وتابعيهم بإحسان ، والعلم الشرعي لا يأتي بالظن والوساوس ، والقول على الله بغير علم كبيرة من الكبائر،وقد قرنه الله تعالى بالشرك به،قال عز من قائل{قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون}
ثانياً :يعتقد بعض الناس أن تقصد المشقة يحصل به الأجر الكبير ، فترى بعض الجهلاء يستحب أداء مناسك الحج حافياً تقرباً إلى الله ، حتى يتحقق فيه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعائشة : " أجرك على قدر نصبك " ، ولحديث جابر في صحيح البخاري قال :" خلت البقاع حول المسجد ، فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا إلى قرب المسجد ، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لهم : " إنه بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا إلى قرب المسجد ، فقالوا : نعم يا رسول الله ، قد أردنا ذلك . فقال : بني سلمة دياركم تكتب آثاركم ، دياركم تكتب آثاركم - وفي رواية فقالوا : ما كان يسرنا أنا كنا تحولنا " ولأمر النبي صلى الله عليه وسلم أمته ، بالاحتفاء وعدم لبس النعال ، في الحديث الذي يروى عنه - صلى الله عليه وسلم - وصححه العلامة المحدث الألباني في الصحيحة :" أمرنا أن نحتفي أحياناً " والأمر يقتضي الوجوب ، وبمعنى آخر أن من لم يحتف أحياناً فإنه يستحق الإثم لمخالفته أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - .
الجواب :
أما تقصد المشقة فالرد عليه كما يلي :
أولاً : لا يجوز للإنسان أن يتقصد المشقة عند أدائه لأي عبادة ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : " قول بعض الناس : الثواب على قدر المشقة ليس بمستقيم على الإطلاق ، كما يستدل به طوائف على أنواع من الرهبانيات والعبادات المبتدعة ، التي لم يشرعها الله ورسوله ، من جنس تحريمات المشركين وغيرهم ما أحل الله من الطيبات ، ومثل التعمق والتنطع الذي ذمه النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قال : " هلك المتنطعون " وقال : " لو مدّ لي الشهر لواصلت وصالاً يدع المتعمقون تعمقهم " مثل الجوع أو العطش المفرط الذي يضر العقل والجسم ، ويمنع أداء واجب أو مستحبات أنفع منه ، وكذلك الاحتفاء والتعري والمشي الذي يضر الإنسان بلا فائدة ، مثل حديث أبي إسرائيل الذي نذر أن يصوم وأن يقوم قائماً ولا يجلس ولا يستظل ولا يتكلم ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " مروه فليجلس وليستظل وليتكلم وليتم صومه … " ثم قال - رحمه الله - : " فأما كونه مشقاً فليس سبباً لفضل العمل ورجحانه ، ولكن قد يكون العمل الفاضل مشقّاً ففضله لمعنى غير مشقته ، والصبر عليه مع المشقة يزيد ثوابه وأجره ، فيزداد الثواب بالمشقة … فكثيراً ما يكثر الثواب على قدر المشقة والتعب ، لا لأن التعب والمشقة مقصود من العمل ، ولكن لأن العمل مستلزم للمشقة والتعب ، هذا في شرعنا الذي رفعت عنا فيه الآصار والأغلال ، ولم يجعل علينا فيه حرج ، ولا أريد بنا فيه العسر ، وأما في شرع من قبلنا فقد تكون المشقة مطلوبة ، وكثير من العباد يرى جنس المشقة والألم والتعب مطلوباً مقرباً إلى الله ، لما فيه من نفرة النفس عن اللذات والركون إلى الدنيا ، وانقطاع القلب عن علاقة الجسد ، وهذا من جنس زهد الصابئة والهند وغيرهم "
ثانياً : النيات في العبادات معتبرة في الشرع ، فلا يصلح منها إلا ما وافق الشرع ، قال الإمام الشاطبي - رحمه الله : " إذا كان قصد المكلف إيقاع المشقة فقد خالف قصد الشارع من حيث إن الشارع لا يقصد بالتكليف نفس المشقة ، وكل قصد يخالف قصد الشارع باطل ، فالقصد إلى المشقة باطل ، فهو إذاً من قبيل ما ينهى عنه ، وما ينهى عنه لا ثواب فيه ، بل فيه الإثم إن ارتفع النهي إلى درجة التحريم ، فطلب الأجر بقصد الدخول في المشقة قصد مناقض " وقال أيضا : " ونهيه عن التشديد - أي النبي عليه الصلاة والسلام - شهير في الشريعة ، بحيث صار أصلاً قطعياً ، فإذا لم يكن من قصد الشارع التشديد على النفس ، كان قصد المكلف إليه مضاداً لما قصد الشارع من التخفيف المعلوم المقطوع به ، فإذا خالف قصده قصد الشارع بطل ولم يصح ، هذا واضح وبالله التوفيق "
ثالثاً : باستقراء الأدلة الشرعية فإن الشارع لم يقصد إلى التكاليف بالمشاق والإعنات ، لقوله تعالى { ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم } ، وقوله { ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا } ، وقوله { لا يكلف الله نفساً إلا وسعها } وقوله { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } ، وقوله { وما جعل عليكم في الدين من حرج } وقوله { يريد الله أن يخفف عنكم } وقوله - صلى الله عليه وسلم - : " بعثت بالحنيفية السمحة " " وما خير بين شيئين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً "
رابعاً : لو قصد الشارع التكاليف بالمشقة لما حصل الترخيص ، فالرخص الشرعية أمر مقطوع به ، ومعلوم من الدين بالضرورة ، وهي لرفع الحرج والمشقة الواقعة على المكلفين ، كرخص القصر ، والفطر والجمع بين الصلاتين .
خامساً : ثبت في شريعتنا ما يمنع من التكلف والتنطع في دين الله ، لقوله تعالى { وما أنا من المتكلفين } وقوله - صلى الله عليه وسلم - : " اكلفوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يملّ حتى تملوا " .
سادساً : نقل الإمام الشاطبي الإجماع على عدم وجود التكليف بالمشاق غير المعتادة في الشريعة .
سابعاً : لو قصدت المشقة في كل مرة وداوم عليها المكلف ، لوجدت مشقة غير معتادة وحرج كبير ، ممّا يفضي إلى ترك العبادة بالكلية والانقطاع عنها ، وهذا النوع لم تأت به الشريعة الإسلامية ، فشرع الله جل وعلا لنا الرفق والأخذ من الأعمال بما لا يحصِّل مللاً ، ونبّه النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك فقال : " القصد القصد تبلغوا " لذلك نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن التنطع وقال : " هلك المتنطعون "
أما استدلالهم بحديث : " بني سلمة دياركم تكتب آثاركم " فالجواب عليه من وجهين :
الوجه الأول : قال الإمام الشاطبي : " إن هذه أخبار آحاد في قضية واحدة لا ينتظم منها استقراء قطعي ، والظنيات لا تعارض القطعيات ، فإن ما نحن فيه من قبيل القطعيات "
الوجه الثاني : الحديث لا دليل فيه على قصد نفس المشقة ، فقد جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري ما يفسره فإنه - صلى الله عليه وسلم - : " كره أن تُعرّى المدينة قِبَل ذلك ، لئلا تخلو ناحيتهم من حراستها "
لذلك فلا حجة لمن تعلق بهذا الحديث واستدل به على تقصد المشقة في العبادات والله أعلم .
أما احتجاجهم بحديث أمرنا أن نحتفي أحيانأ فالحديث لا يصح ،وبيان ذلك كما يلي :
عن عبد الله بن بريدة ، أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رحل إلى فضالة بن عبيد وهو بمصر فقدم عليه وهو يمد ناقة له فقال : إني لم آتك زائرا ، إنما أتيتك لحديث بلغني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجوت أن يكون عندك منه علم ، فرآه شعثا فقال : مالي أراك شعثا وأنت أمير البلد فقال
" إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهانا عن كثير من الإرفاه "
ورآه حافيا فقال : مالي أراك حافيا قال :
" إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نحتفي أحيانا "
قلت : الحديث صححه الشيخ الألباني حفظه الله في الصحيحة (2/4) وقال : " هذا إسناد صحيح أيضا على شرط الشيخين "وليس عند النسائي الأمر بالاحتفاء .
والحديث أخرجه أحمد 6/22 . وأبو داود (4160) قال : ثنا الحسن بن علي . كلاهما ( أحمد بن حنبل ، والحسن بن علي ) عن يزيد بن هارون قال : أخبرني الجريري عن عبد الله بن بريدة فذكره .
أخرجه النسائي 8/185 قال : نا يعقوب بن إبراهيم ثنا ابن علية عن الجريري عن عبد الله بن بريدة أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له عبيد قال :
" إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن الإرفاه "
سئل ابن بريدة عن الإرفاه قال : منه الترجل .
قال المزي رحمه الله وهو وهم والصواب فضالة بن عبيد " تحفة الأشراف 7/226)
قلت : الجريري هو سعيد بن إياس قال عنه الحافظ في التقريب : "ثقة من الخامسة اختلط قبل موته بثلاث سنين " وذكره العجلي في ثقاته ص181 وقال ثقة واختلط بآخره روى عنه في الاختلاط : يزيد بن هارون وابن المبارك وبن أبي عدي وكلما روى عنه مثل هؤلاء فهو مختلط ، إنما الصحيح عنه : حماد بن سلمة وإسماعيل بن علية " .
فرواية أمرنا أن نحتفي أحيانا من طريق يزيد بن هارون عن الجريري وهو ممن روى عنه بعد الاختلاط ورواية إسماعيل بن علية الذي روىعن الجريري قبل الاختلاط وروايته عنه صحيحه ليس فيها ذكر الاحتفاء .
فرواية أمرنا أن نحتفي أحيانا شاذة لا تصح لأن يزيد خالف ابن علية ويزيد ممن روى الحديث عن الجريري بعد اختلاطه ومن القرائن التي ترجح صحة ما ذهبنا إليه أن النسائي أخرج في سننه (8/132) قال : نا إسماعيل بن مسعود ثنا خالد بن الحارث عن كهمس عن عبد الله بن شقيق قال كان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عاملا بمصر فأتاه رجل من أصحابه فإذا هو شعث الرأس مشعان قال : مالي أراك مشعانا وأنت أمير قال :
" كان نبي الله صلى الله عليه وسلم ينهانا عن الإرفاه "
قلنا : وما الإرفاه قال : الترجل .
فهذه الرواية من الشواهد على صحة رواية ابن علية التي ليس فيها ذكر الاحتفاء خاصة وأنها لنفس الحادثة .
ثالثاً : قيام بعض طلبة العلم بمسك النعل باليمين والكتب بالشمال:
من الأخطاء التي قد يرتكبها بعض طلبة العلم مسكهم للنعل بأيمانهم والكتب بشمائلهم ،وهذا خطأ فينبغي إذا فرغ طالب العلم من درسه وأراد أن يحمل كتبه ونعليه أن يمسك الكتاب بيمينه والنعل بشماله،قال علامة فاس المهدي الوزاني المالكي - رحمه الله - في "النوازل الكبرى":"كثيراً ما يقع لبعض الطلبة حتى فقهاء التدريس أن يمسك النعل بيمينه،والكتاب بشماله أو تحت إبطه الشمالي،وذلك خلاف المطلوب عقلاً ونقلاً،وتفاؤلٌ لأن يؤتى كتابه بشماله،عياذاً بالله"
والحمد لله رب العالمين فإن وفقت فالفضل لله وحده وإن أخطأت فمني ومن الشيطان والله ورسوله من ذلك براء .
كتبه أبو عبد العزيز
سعود الزمانان
13/8/2000
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الأخ الفاضل سعود الزمانان
عدد القراء : 1788
تاريخ الموضوع: 28 - أكتوبر - 2002 ميلادية
(50/3)
العيد للشيخ صالح اللحيدان
الشيخ صالح اللحيدان
نظرتُ كتب المطولات وكتب الفروع من كتب العلم الحديثية والفقهية وقليلاً من كتب الرقاق المراد بكلمة: العيد، كما أن كتب المعاجم ومفردات الألفاظ قد نظرت هذه الكلمة ذلك لأهمية الكلمة شرعاً وعقلاً ولما تحمله من ضارب المعنى البعيد تجاه شعيرة ذات أثر بالغ حار المراد في حياة الأمة وسائلها وغاياتها ناهيك بما يولده العيد من تصور، بل حياة معان سامية تعيد الأمين العاقل للوفاء بوعد أو عهد واحساس نفسه وشعوره بما يلزمه تجاه من وصاه الله سبحانه وتعالى به وبهم من: قريب وجار وفقير ومسكين وذي عثرة وذي نثرة وذي بثرة.
ناقش كبار العلماء كلمة العيد ناقشوها من خلال/ فتح الباري/ وعمدة القاري/ والمجموع/ والمغني/ والمحلى/ وحاشية ابن عابدين/ والمبسوط/ وشرح منتهي الإرادات/ وشرح النووي على مسلم وكذا: الفيروز آبادي. والجوهري، وابن منظور. ورسمها بمثال قائم صاحب (الروض) البهوتي م/1 والكافي.
فالعيد يُراد به تسمية: العود لأنه يعود ويتكرر على الناس كل عام مرتين، والعيد لا يجمع على عيود ولا على أَعيد بل على: أعياد، وهذا هو: الصواب.
وصلاة العيد فرض كفاية وهناك من قال: سنة مؤكدة، لكن يحرم تركها وولي أمر المسلمين يلزمهم بإقامتها لأنها أمانة، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه كانوا يفعلونها بعد ارتفاع: الشمس بحيث يذهب وقت النهي.
ووقتها قال في (الروض): (وأول وقتها كصلاة الضحى لأنه صلى الله عليه وآله وسلم ومن بعده لم يصلوها إلا بعد ارتفاع الشمس ذكره في (المبدع) وآخره أي آخر وقتها: الزوال أي زوال الشمس).
وذكر: (وتسن صلاة العيد في صحراء قريبة عرفاً لقول أبي سعيد رضي الله تعالى عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم وآله يخرج في الفطر، ورمضان (الأضحى) إلى المصلى. متفق عليه، فيؤخرها لما روى الشافعي مرسلاً: (أن النبي صلى الله عليه وسلم وآله كتب إلى عمرو بن حزم أن عجل الأضحى وأخر الفطر وذكر الناس.
ويُسن أكله قبلها أي قبل الخروج لصلاة الفطر لقول بريرة رضي الله تعالى عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم: لا يخرج يوم الفطر حتى يُفطر، ولا يطعم يوم النحر حتى يُصلي) رواه أحمد.
(ويُسن تبكير مأموم إليها ليحصل له الدنو من الإمام
(ومن شرطها استيطان (1)).
(ويصليها ركعتين قبل الخطبة لقول ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبوبكر وعمر وعثمان يصلون العيدين قبل الخطبة) متفق عيه.
(ويُسن لمن فاتته صلاة العيد أو فاته بعضها قضاؤها في يومها قبل الزوال (2) أو بعده على صفتها لفعل أنس وكسائر الصلوات.
(ويسن التكبير المطلق الذي لم يقيد بأدبار الصلوات واظهاره وجهر غير انثى في ليلتي العيدين في البيوت والأسواق والمساجد ويجهر به في الخروج إلى: المصلى إلى فراغ الإمام من خطبته (3) والتكبير في عيد فطر آكد لقوله تعالى: (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله) ويسن التكبير المطلق أيضاً في كل عشر ذي الحجة، ويسن التكبير المقيد عقب كل فريضة في جماعة في الأضحى (4).
وصلاة العيدين أمرهما جليل لأنهما مشروعتان على المسلمين ولأنهما مما يتقرب بهما إلى الله تعالى، فهو شرعه ووحيه وتعليم نبيه صلى الله عليه وسلم وشأن الأمة فعلهما كما هي السنة الصحيحة في هذا.
ومما يجدر ذكره هنا ما يلي:
1 عدم استغلالهما للمباهاة.
2 عدم استغلالهما للشهرة.
3 عدم استغلالهما بما هو محرم.
4 تحريم التبذير فيهما.
5 (تقوى الله والإخلاص) في العلاقات والزيارات والصلات الشخصية.
6 تقديم الوالدين على من: سواهما في الزيارة.
7 (الخوف من الله) في استغلالهما بسوء حساً أو معنى.
8 عدم تفويت صلاة الجماعة.
وهذا مما يُلفت النظر إليه كذلك/ القسم الثاني:
1 الحرص على بذل الحلال.
2 رد المظالم إلى أصحابها.
3 تدبر عواقب سكرة الحياة.
4 بذل الصدقة.. والدعاء.
5 تجنب: الغيبة.. والوشاية.. واقتناص فرص السوء.
6 التقرب إلى المظلوم وطلب عفوه بعد رد اعتباره.
7 الاستصغار لله والتواضع له وخوفه بالقسطاس المستقيم.
8 كثرة شكر الله تعالى، ودوام دعائه سبحانه.
9 التقرب إلى الله بكل وسيلة شرعية لدفع ما يخاف منه.
10 بذل ما يستطيع لإسعاد فقير أو مسكين أو مريض أو ضعيف، والضعف صور وصور فتنبه لهذا.
11 تبادل الزيارات بوافر ود وتواضع.
12 رد الصلة في هاتين (المناسبتين الكريمتين) ردها بين (المتجافين) بعدل وإخلاص لله تعالى.
13 تلمس (الخطأ) واصلاحه فوراً مما وقع في/ مال أو/عمل أو/قرابة أو/نظر.
14 الإرادة الحازمة الجازمة بتقوى الله والانطلاق من تصور واع مسؤول حذر تجاه ما يكون قد وقع من: (سوء فهم أو قبول: وشاية) ترتب على هذا وذاك سوء فهم أو ظلم لا يجد المنعزل أمامه إلا: الله.
15 تأمل الحياة وتقلباتها لكن بالخروج من (الدائرة التي يعيشها) الإنسان لأن ما لم يخرج خارج الدائرة بصدق وقوة تصور وجودة تدبر فإنه يبقى أسير شيء ما لا يستطيع الفكاك منه.
16 العيدان مناسبة عظيمة للمسلم حتى يجدد حياته بما تقدم.
ولستُ بمستغن عن «البلوغ» لإبن حجر لأجلب لك قارئي العزيز فيضاً من غيض من نص كريم تدرك معه هداك الهادي أموراً تحتاجها على كل من حال مستديم:
1 جاء هناك في ص 96/100: (وعن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم: لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات) أخرجه البخاري. وفي رواية معلقة، ووصلها أحمد: ويأكلهن أفراداً،
2 (وعن ابن بريدة عن أبيه رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي) رواه أحمد والترمذي وصححه ابن حبان.
3 (وعن أم عطية رضي الله تعالى عنها: قالت أُمرنا أن نخرج العواتق (5) والحيَّض في العيدين يشهدن الخير ودعوة المسلمين ويعتزل الحيض المصلى) متفق عليه.
4 (وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوبكر وعمر يصلون العيدين قبل الخطبة) متفق عليه.
5 (وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم العيد ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما) أخرجه السبعة.
6 (وعنه رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العيد بلا أذان ولا إقامة) أخرجه البخاري وأصله في البخاري.
7 (وعن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلي قبل العيد شيئاً فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين) رواه الترمذي وابن ماجة بإسناد حسن.
قلت: السنة عدم الصلاة بعد العيدين شيئاً لكن سنة الضحى تصلى لمن أراد ذلك سواء في البيت أو في المسجد لكن العيدين لا يصلي في المسجد خشية أن يظن جاهل أنها سنة لازمة للعيدين.
قلت كذلك والإمام في: العيدين يجب أن يكون: فقيهاً مدركاً للسنة فيذكر بعدم فعل ذلك، ولأن الأصل في العبادة الحظر فلا يصح لمسلم أن يتسنن بعد العيدين شيئاً إلا كما سبق قبل قليل،
8 (وعنه رضي الله تعالى عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى وأول شيء يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس والناس على صفوفهم فيعظهم ويأمرهم) متفق عليه.
9 وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (6) رضي الله تعالى عنهم قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: (التكبير في الفطر سبع في الأولى وخمس في الأخرى والقراءة بعد كلتيهما) أخرجه أبو داود ونقل الترمذي عن البخاري تصحيحه.
10 (وعن ابي واقد الليثي رضي الله تعالى عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفطر والأضحى (بق) (واقتربت) أخرجه مسلم،
11 (وعن جابر رضي الله تعالى عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم العيد خالف الطريق) أخرجه البخاري.
12 (وعن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: قد أبدلكم الله بهما خيراً منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطر (7) أخرجه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح.
13 (وعن علي رضي الله تعالى عنه قال: قال من السنة أن يخرج إلى العيد: ماشياً،) رواه الترمذي وحسنه.
تلكم آثار من بعض ما ورد في العيدين، ولأنهما مشروعان للمسلم، ولأنه صلى عليه وسلم قد أبطل عيد أهل المدينة حينما جاء صلى الله عليه وسلم مهاجراً فإنه يحرم على المسلم إحداث عيد ثالث سواء لنفسه مع جماعة أو جيرانه أو من يكون معه أو يدعو لتضليل المسلمين من: عوام وجهال مثل عيد الأم وعيد النصر وعيد المولد أو (المولد) هكذا وخطورة هذا أنه إحداث منحرف سيىء لم يفعله الصحابة ولا التابعون، ولأنه إحداث دون نص والأصل تحريم ذلك إذا العبادات: وقفية قاطعة يحرم إتيان ما لم يكن مشروعاً.
وقد يتسبب هذا بإحداث: أذكار وأقوال كفرية وزيارة للقبور تكون سبباً للشرك فيما بعد.
وقد رأيت في الموالد في بلاد أفريقية عجباً من صريح الكفر والمكاشفة والتوسل بالميت والطواف وشدة البكاء والتمسح وطلب أمور هي الكفر بعينه.
وقد نشط النصارى فدخل بعضهم في صفوف المسلمين في المساجد التي فيها قبور وبذلوا الجهد في الدعاء والاستغاثة والصراخ كل ذلك ليكون أمرهم دافعاً لغيرهم من سذاج المسلمين وعوامهم وجهال العلماء والمثقفين فيزداد عباد القبور مع أن النصارى أنفسهم يقومون بهذا على سبيل السخرية والاستهزاء، ولذلك وجد بعض النصارى من يمول المساجد التي فيها قبول فينشئ المسجد ويرقم القبر ويرفع قبته ويجعله أمام القبلة أو في جانب من المسجد.
وقد امتد فعلهم بذكاء خارق وطول نفس إلى دول آسيوية فقيرة.
والذي يُدقق في هذا ويفطن له يجد عجباً كبيراً، ولهذا قد لا يهمهم أن يتنصر مسلم فهم قنطون من هذا لكنهم يركزون جادين بأن يزيغ المسلم بمولد ما. أو قبر ما، أو توسل ما، أو بإشغاله عن دينه بأمور هم أبعد الناس عنها.
وإذا كنت أدون هذا حقيقة واقعة فإن الوقفات السالفة والتي ركز عليها العنوان لهي مما يجب نظره بعين سالمة من كل مرض أو غشاوة، ولقد تجد أن: الأرقام التالية ذات قيمة مهمة غاية الأهمية/ من القسم الأول رقم: (5) و(6) و(7).
ومن القسم الثاني رقم: (1) (2) (5) (6) (10) (13) (14) (15).
وأنا زاعم لمن صحح مسار نظره ونظرته واقباله وإقدامه بقوة عاقلة أمينة حكيمة عادلة صافية وافية جرئية كريمة أن يجد حياة له أخرى غير تلك التي يصورها: واقعه المادي بحال من الأحوال يجد خارج دائرته سوانح البوارح تلتف حوله مقبلة مهنئة فرحة،
ألم يُعدْ حقها إليها؟
ألم ينظر إليها بعين عادلة حميمة رحيمة؟
ألم يفطن إليها بعد زمن وزمن أنها مهضومة؟(51/1)
يا لك من وقفات كاشفة كشفت أو نبهت فأيقظت أو لعلها بحثت وبعثت ليفطن (حر جليل عظيم) بأمر وأمور (لولا الله) ما أدرك. (الخروج من الدائرة).
قارئي العزيز (مهما تكن) اخرج عن ومن الدائرة: كن بعيداً عنها.
كن مُتناسياً لها.
كن كأنها ليست منك.
ولست منها.
وسر كريم الخصال.
وفي الفعال.
تتقد: عدلاً.
ولو: وشى من وشى !!
أو تزلف بالسفال.
أو تلطف بالصلة.
أو تذاكى بالوصال.
هل.. قرأت.. النَّص الجليل
أو سمعت.. الآي.. الهليل.
أو حرنت في الدائرة.
ألم تقرأ.. طه.. ونون..
هل وعيت: العاديات.
هل حزمت الرأي السديد.
أين منك عدلُ السماء.
وما كان في.. السالفات،
هل نظرت أمر العِظَم.
أو قرأت «كهف» الخبير
شُقَّ عنك ثِقَل اللئيم
ودع سوء ظنٍ دفين
واتقد نحو: الإله..
علَّه يقبض عنك: الخطير
دعوة المظلوم الطريد
في ليال أين منها.. من ظلم..؟!!
أين منها من بهس..؟
أين منها حائف..؟
أين منها مُتذاكٍ
هل (رأيت) عِبرة.. ماثلة..؟
هل رأيت من: خلا.. حاله
من خلا.. في الدائرة..
سر وانظر الكون عبرة
آية.. آية.. آية،
هل وعيت عني: المراد
لا.. إن كنت في الدائرة
لكنها عبرة.
عزة النفس.. آتية..
فكن في سبيل نصره
نصر ذاك (الضعيف)
هل وعيت الراجفة....؟
أو سمعت الباذلة.. ... ..؟
انظر الحق (من منطوقه)،
واتق الرب في:
الخافية.
«الهامش»
(1) لم يثبت نص صحيح بعدد أفراد جماعة الجمعة ولا العيدين. والاستيطان شرط استقرائي.
(2) هذا لعله: الصواب.
(3) لا يكبر: أثناء الخطبة.
(4) هامش (1) عد إليه.
(5) العواتق الصغيرات حول البلوغ وبعده.
(6) عمرو بن شعيب بن محمد بن عبدالله بن عمرو بن العاص سنده يكون: حسناً، وهو يدور بين: الانقطاع والاتصال حسب حالة العنعنة والتصريح بالسماع.
(7) تقدم القول بمنع إحداث ما لم يشرع.
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ صالح اللحيدان
عدد القراء : 1513
تاريخ الموضوع: 25 - إبريل - 2003 ميلادية
(51/2)
النَّاصْيِةُ .. بَينَ عْلمْ الشريعةْ وَعْلم الطِّب التشرْيحيِّ للشيخ صالح اللحيدان
الشيخ صالح اللحيدان
كنتُ قد كتبتُ عن: الناصية التي هي مقدمةُ الرأس وذكرت انها أصل مُهم في حالات كثيرة مما يَعيب الإنسان لو أنها تعرضت لشيء ما يؤثر فيها تأثيراً ولهذا خصها الله تعالى بالذكر فقال سبحانه: «لَنْسفَعَنْ بالناصية* ناصية كاذبة خاطئة» لكن هناك شيء آخر ومثله معه يؤثر فيها تأثيراً بالغاً لعله اشدُّ من تأثير الحوادث الحسية كحوادث السيارات والسقوط وسواهما وذلك هو التأثير المباشر وغير المباشر في مبحري التفكير والتفكر والنظر المعنوي للحياة. فإن الناصية ذات دور فعال مهم في السوء كما انها ذات دور فعال مهم في الخير، ولهذا وصف ذلك الجاحد مع أنه من كبراء القوم وتجارهم بأنَّ: ناصيته كاذبة خاطئة وما كان يكون هذا إلا لأنه تربى وعاش وعلم علماً ظاهراً أن الحياة انما تبنى على أنها: غاية وان الأصل إنما هو الهوى وتقليد الآباء والعصبية والمال وما يجر إليه، ولهذا حسد وحقد وكذب بل وسخر واستهزأ وعلا بدنياه ومن هنا فالناصية تكون بمثابة خزينة هائلة من أمور قد لا يعقلها صاحبها بل انه قد يؤمن ويدافع ويعيش من أجل فكرة ظالمة جاءته بغرور ما إما من عجز عن بلوغ هدف يُريدهُ ففاته، أوحب للذات صاعق الحب والتهويل، أو اعتقاد فاسد جاءه بسبب موقف ما من قراءة او صحبة أو أنه مستغل، والعقل الباطن إنما يخزن تجارب ومواقف مرت لكنه هنا يخالف ما يكون في الناصيةِ فإن الفرق يكون من ناحية: الناصية ان صاحبها: جبار لا يقر له قرار ذو دهاء ومكر يرى انه: هو هو، أما من ناحية العقل الباطن فإن صاحبه يكون إلى المرض النفسي أو العقلي أقرب، ولقد قرأتُ وعانيتُ من هذا النوع مما عرض عليَّ أشياء كثيرة عجيبة متفاوتة، وكذا حال الناصية ممن جرى معهم من: جدل ونقاش وبين يدي رسالة صغيرة كنت قد أشرتُ إليها من قبل أَجلب منها أشياء علمية دقيقة ليقف المرءُ الفطن على حقائق إعجازية عن: خلق الناصية، جاء في هذا الكتاب ص 3/4/5/6، الموسوم ب«الإعجاز العلمي في الناصية» صدر عن هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة برابطة العالم الإسلامي بمكة جاء هناك: «موضوع البحث والمناقشة: «كلا لئن لم ينته لنسفعن ْ بالناصية ناصية كاذبة خاطئة» نزلت في أبي جهل لعنه الله توعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصلاة عند البيت فوعظه الله تعالى بالتي هي أحسن أولاً فقال: «أرأيت إن كان على الهدى» أي فما ظنك ان كان هذا الذي تنهاه على الطريق المستقيمة في فعله، أو أمر بالتقوى بقوله وأنت تزجره وتتوعده على صلاته، ثم قال تعالى متوعداً ومتهددا:ً «كلا لئن لم ينته» أي لئن لم يرمع عما هو فيه من الشقاق والعناد «لنسفعنْ بالناصية» أي لنسمنها سواداً يوم القيامة ثم قال: «ناصية كاذبة خاطئة» يعني: ناصية أبي جهل كاذبة في مقالها خاطئة في أفعالها، هكذا «لنسفعنْ» بهذا اللفظ الشديد المصور لمعناه، والسفع الأخذ بعنف، والناصية الجبهة أعلى مكان يرفعه الطاغية المتكبر، مقدم الرأس المتشامخ».
«واحدة النواصي: الناصية والناصاء لغة طئية قصاص الشعر في مقدم الرأس وقال الفراء في قوله «لنسعفنْ بالناصية» مقدم رأسه، أي لنهصرنّها لنأخذن بها».
وقد ذكرت الناصية أيضاً في سورة هود آية 56 قال تعالى: «إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم» أي تحت قهره وسلطانه وهو الحاكم العادل الذي لا يجور في حكم فإنه على صراط مستقيم».
«فما هو الشيء الكامن من وراء هذه الناصية..؟
وما هو العضو الخلفي وراء أعلى الجبهة..؟ ذلك العضو المسؤول عن شخصية الفرد، والمتحكم في تصرفاته وأفعاله، من صدق وكذب وصواب وخطأ والذي يمكن بالهيمنة عليه السيطرة على الشخص نفسه «WarWick * Williams. 1973» بدراسة التركيب التشريحي لمنطقة أعلى الجبهة وجد انها تتكون من أحد عظام الجمجمة المسمى «العظم الجبهي» «Forntal Iobe» وبذلك يمكن القول ان الفص الأمامي للمخ هو العضو المستتر وراء أعلى الجبهة ويتضح من الشكلين ان الفص الأمامي للمخ هو فص كبير يقع أمام الأخدود المركزي، وهو يحتوي على عدة مراكز عصبية تختلف فيما بينها من حيث الموقع والوظيفة.
«المراكز العصبية»
1 مركز الحركة الأولى Primary Motor Area وهو يقع أمام الاخدود المركزي مباشرة ويختص بالحركات الارادية للجبهة المقابلة من الجسم بمعنى أن مركز الحركة الأولى في النصف الأيمن من المخ يقوم بتحريك العضلات الارادية للجبهة اليسرى من الجسم.
2 مركز الحركة الأمامي «الثانوي» Motor Area Secondary وهو يوجد أمام مركز الحركة الأولى على هيئة مثلث مقلوب قاعدته الى أعلى وقمته الى أسفل، ووظيفته أيضاً تحريك العضلات الارادية في الجهة المقابلة من الجسم، ولكنه يختلف عن مركز الحركة الأولى في انه يحتاج الى تنشيط اقوى من اللازم لمركز الحركة الأولى لكي يقوم باحداث نفس التأثير على عضلات الجهة المقابلة.
3 الحقل العيني الجبهي Forntal Eye Field يوجد في منتصف التلفيقة الجبهية الوسطى ويؤدي تنبيه هذه المنطقة الى التحريك المتوافق للعينين الى الجهة المقابلة، وربما حركة الرأس. وايضاً اتساع الحدقة.
ويقال: ان النمو الضخم للفص الأمامي للمخ يميز المخ الأمامي خاصة، وهذا يدل على ان مخ الإنسان وحده هو الذي يحتوي على فص أمامي كبير، ولا شيء غير الإنسان له هذه الخاصية، Warwick @ Williams 1973 حيث ان الإنسان يتميز عن باقي سائر المخلوقات بالقدرة على التفكير والنشاط الذهني، لذلك تجد أن الله العلي القدير سبحانه قد منحه فصاً مخياً أمامياً كبيراً عن سائر المخلوقات «Warwick * Williams 1973».
4 مركز بروكا لحركات النطق «Motor Speech Area of Broca» يوجد في الجزء الخلفي من التلفيقة الجبهية السفلية، ويقع هذا المركز في الفص الأيسر لمن يكتبون باليد اليمنى، وفي الفص الأيمن لمن يكتبون باليد اليسرى، ويقوم هذا المركز بتنسيق الحركة بين الأعضاء التي تشترك في عملية الكلام كالحنجرة واللسان والوجه، وبقية أجزاء الرأس المشتركة في عملية الكلام.
5 القشرة الأمامية الجبهية «Pre. frontal cortex» وهو يمثل الجزء الأكبر من الفص الجبهي للمخ: حيث تشمل الجزء الأمامي من التلافيق الجبهية العليا والوسطى والسفلى، وأيضاً السطح الأسفل والسطح الأنسي للفص الجبهي، وتربطها ألياف عصبية واوردة بالأجزاء الأخرى للقشرة المخية، والأجزاء تحت القشرة. وترتبط وظيفة القشرة الأمامية الجبهية بتكوين شخصية الفرد «Individuals Presonolity» ونتيجة لما يرد اليها من اشارات عصبية من مراكز عديدة في قشرة المخ، وايضا من مراكز تحت قشرية، فإن القشرة الأمامية الجبهية تعتبر مركزاً علوياً من مراكز التركيز والتفكير والذاكرة، وتؤدي دوراً منظماً لعمق احساس الفرد بالمشاعر، ولها ايضا تأثير في تحديد: المبادأة «Intiative» والتمييز «Judgement» «Noback * Demarest 1981» والقشرة الأمامية الجبهية هي التي تقع مباشرة خلف الجبهة، أي انها تختفي في عمق الناصية، وبذلك تكون القشرة الأمامية الجبهية هي الموجهة لبعض تصرفات الإنسان التي تنم عن شخصيته مثل: الصدق والكذب. والصواب والخطأ الخ. وهي التي تميز بين هذه الصفات وبعضها البعض. وهي ايضاً التي تحث الإنسان على المبادأة سواء بالخير او بالشر، وهذه القشرة هي التي كانت تحث ابا جهل لعنه الله على ان يتوعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصلاة عند البيت ولذلك قال تعالى: «كلا لئن لم ينته لنسفعنْ بالناصية، ناصية كاذبة خاطئة» «العلق 1516» حيث ان القشرة الأمامية الجبهية المختفية في عمق الناصية هي السبب في هذا التصرف الخاطئ، وهي كذلك ليست ناصية سليمة صادقة، وإنما هي ناصية كاذبة تستحق ان تؤخذ بعنف «لنسفعنْ» حتى تدع وتكف عن الطريق الخاطئ، ويبرز هنا سؤال مهم: ما الذي يحدث للإنسان اذا ازيلت القشرة الأمامية بعملية جراحية..؟ او اذا تحطمت نتيجة ورم..؟.
لقد أصبح من المتفق عليه ان تحطيم هذه القشرة لا يؤدي الى أي نقص واضح في الذكاء، وقد وجد ان تحطم هذه القشرة نتيجة للأورام او الحوادث يؤدي الى ان يفقد المبادأة «Intiative» والتمييز «Judgement».
كما تحدث بعض التغييرات العاطفية التي تؤدي الى الاحساس بالانتعاش والنشوة «Euphoria» ويفقد الشخص اهتمامه بمظهره الاجتماعي Noback * Demarest 1981» قال ابن لحيدان ثم في ص 22 ورد تقسيم علمي تشريحي دقيق لحقيقة الناصية والفص الأمامي من الدماغ ويبين هذا كله ان الانسان لم ولن يزال بحاجة الى الرقي فهماً وعقلاً لآيات الخلق العجيبة حتى يتذوق حقائق خلقية علمية ما كان له ان يقف عليها لو لا فضل الله تعالى وتقدس ان يسَّر له ما ظهر من معارف وعلوم تبين وتشهد على هذا الخلق المنسق المحكم الذي الإنسان نفسه لم يبرح جاهلاً في نظره بعين متأنية هادئة حكيمة «وفي أنفسكم أفلا تبصرون» جاء هناك: «أولاً: من الناحية التشريحية: يقع هذا الفص في مقدمة الجمجمة وينقسم الى ما يلي:
1 الجزء الخاص بالحركة:
أ MOTOR AREA )4(
ب PREMOTOR AREA )6(
ج EYE FIELD )8(
2 الجزء الخاص بالكلام: «BROCA'S AREA )44,45(.
3 الجزء الخاص بالسلوك: مقدمة الفص الأمامي المنطقة التاسعة الى الثانية عشرة «912».
ثانياً: من الناحية المقارنة بين الفص الأمامي في: الإنسان والحيوان:
يتميز الفص الأمامي في الإنسان عن نظيره في الحيوان بأن المناطق «912 السلوك» «4445 الكلام» متطورة وبارزة من الناحية التشريحية والوظيفية. بينما المناطق «4،6،8» تكاد تكون متماثلة ،(52/1)
ثالثاً: من الناحية الوظيفية والاكلينيكية والعلاجية: نظراً لان الفص الأمامي من الدماغ يعتبر أكبر جزء من الدماغ، ويدير وظائف عديدة لا يتسع الوقت لشرحها، لذلك سوف نقتصر على مقدمة هذا الفص «PREFRONTAL CORTEX» الخاص بسلوك الإنسان وشخصيته، وعلاقته مع نص الآية الكريمة، «لنسفعنْ بالناصية* ناصية كاذبة خاطئة» ولقد تناول بعض المفسرين هذه الآية الكريمة» «وكذلك ما ورد في السنة قوله صلى الله عليه وسلم «ما أصاب احداً قط هم ولا حزن فقال: اللهم اني عبدك وابن عبدك وابن امتك ناصيتي بيدك ماضٍ فيَّ حكمك عدل في قضاؤك اسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك او علمته احداً من خلقك او انزلته في كتابك او استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرجاً( مسند الإمام أحمد )1(. قال ابن لحيدان وهذا دال على لزوم سبيل التقوى فإن الناصية بيد الله ثم بيد صاحبها إن خيراً فخير وان شراً فشر )قال سبحانه وتعالى( «قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها(.
)) سبب الإتصال:ص.ب «7103» «11462»((
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ صالح اللحيدان
عدد القراء : 1708
تاريخ الموضوع: 25 - إبريل - 2003 ميلادية
(52/2)
شرح الكوكب المنير لابن النجار تحقيق د, محمد الزميلي ود, نزيه حماد ,, نقد وملاحظات 1 -2 للشيخ صالح اللحيدان
الشيخ صالح اللحيدان
وقع لي منذ أمد كتاب مهم في بابه هو شرح الكوكب المنير المسمى بمختصر التحرير ألفه العلامة الشيخ محمد بن أحمد بن عبدالعزيز بن علي الفتوحي المعروف بابن النجار ت 972ه حققه الدكتور محمد الزميلي ود, نزيه حماد ونشرته مكتبة العبيكان بطباعة جيدة وحرف جيد ولغة سليمة, والكتاب الذي بين يدي يقع في مجلدين متوسطي الحجم ولم يذكر فيه الطبعة وان كنت أخال أنها: الأولى، وكل مجلد اشتمل على فهرس في آخره يقع في قرابة مائة وعشرين صفحة في غاية الافادة والترتيب بحيث يسهل على الناظر الوصول الى المراد من الكتاب وموضوع هذا الكتاب كما جاء في ص7/8 م1 يقول المحققان: وكتاب شرح الكوكب المنير الذي نقدمه اليوم كتاب علمي قيم نفيس حوى قواعد علم الأصول ومسائله ومعاقد فصوله بأسلوب رصين لا تعقيد فيه ولا غموض في الجملة، وقد جمع المصنف مادته ونقوله من مئات المجلدات والأسفار كما يتبين لمطالعه ودارسه
ثم هما يبينان منهج التحقيق فيقولان كما في ص11 يتلخص عملنا في تحقيق هذا الكتاب في الأمور التالية :
1 عرض نص الكتاب مصححا مقوما مقابلا على النسخ الأربع المخطوطة وعلى تصحيحات الشيخ الدوسري وعلى طبعة الشيخ الفقي والاشارة في الهوامش الى فروق النسخ:
2 تخريج الآيات القرآنية.
3 تخريج الأحاديث النبوية.
4 تخريج الشواهد الشعرية.
5 الترجمة للاعلام الوارد ذكرها في الكتاب,, إلخ.
وهذا عمل ولا شك كبير وجهد يشكران عليه وبذل مفيد وطرح يحتاجه أهل العلم والنظر والاستقصاء خاصة وهو كتاب في علم غاية في الأهمية، ولا يدرك هذا إلا من نظر بفهم حاذق ودراية متينة علم الحديث، وعلم أصول الفقه.
وقد عَنّ لي خلال مطالعتي له أن أُهمش على ماظهر لي حسب فهمي مما يكون محل نظر لعلي أفيد وأستفيد فالمرء قليل بنفسه كثير باخوانه.
جاء في التقديم هذا الكلام حوى قواعد علم الأصول ومسائله ومعاقل فصوله .
ولعل هذه العبارة فيها مبالغة بعض الشيء لو نظرنا الى التفصيل اللازم لما أشِر إليه ذلك إن علم أصول الفقه علم مهيب له أصول وقواعد وأسس وصور ومعاقل وفيه خلاف حول كثير من أصوله ودلالة أدلته وأوجه مسائله فلست أظن الحال كما جاء هنا ومعنى هذا هو القطع بأن هذا الكتاب قد جمع وحوى مالم يشر إليه الغزالي والشاطبي والسرخسي وصدر الشريعة والقرافي وسواهم ولمبالغة هنا تحصل إذ تحصل في تعميم كافة مراد الأصول وليس بذاك إذا جعلنا في البال ما نشأ من خلاف حول بعض التعاريف لأبواب الأصول نفسها وليس هذا محل نكير بل إن الشاطبي مع سعة باعه بيّن واستشهد في الموافقات وابن قيم الجوزية في كتابه الاعلام بين ودلل وأصل على سبيل العموم والاشارة ولم ينهض قول ما أن أياً منهما جمع وحوى لكن ما فعلاه وكذا السرخسي بذلا طيبا سدوا به حاجة مراده في هذا العلم الجليل وإن لم يف ما قاموا به جملة أو مفصلا حاجة الناس إليه من كل وجه.
جاء في ص22/23 من كلام المصنف الحمد لله المستغرق لجميع أفراد الحمد الى قوله روغيره وكل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع جاء في الهامش أخرجه أبوداود وابن ماجه والبيهقي في السنن وأبوعوانة الاسفراييني في مسنده عن أبي هريرة, وألف لحافظ السخاوي جزاء فيه, قال النووي: يستحب البداءة بالحمد,, الخ .
فالمحققان هنا خرجا هذا الأثر كل أمر ذي بال,,, لكنهما تركا تحقيقه فلم يحكما عليه بصحة ولا ضعف وتركا تصحيح ابن الصلاح له فلم يشيرا اليه والحديث ضعيف جدا بعلة السند.
وفي ص25 ورد من كلام المصنف قال الثانية إنه اسم الله الأعظم عند أكثر أهل العلم,, يعني اسم الله قلت ليس كذلك فقد ورد ما ينبي عن غير ذلك مثل لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين وسواه ولم أر المحققين حققا مناط هذا الأمر وفي الكلم الطيب بين المؤلف المراد من اسم الله الأعظم بوجه صالح مع عدة نصوص تدل على ذلك وما ورد فيه من تغاير فلم يرجعا إليه.
وورد في ص29 وانما وقع اختياري على اختصار هذا الكتاب دون بقية كتب هذا الفن لأنه جامع لأكثر أحكامه هكذا مع ان المحققين كما سلف في ص7 قد ذكرا قائلين وكتاب شرح الكوكب المنير الذي نقدمه اليوم كتاب علمي قيم نفيس, حوى قواعد علم الأصول ومسائله ومعاقد فصوله .
فكيف يتم الجمع بين قول المصنف نفسه الشارح وبين كلام المحققين حتى وان قصدا الشرح ذاته نفع الله تعالى بجهدهما وبارك.
وفي ص30 جاء وقياس الشبه دليل صحيح, والحديث المرسل يحتج به قلت قياس الشبه ليس نوعا واحدا وهل هو: دليل على حكم نازل مستجد ومتى يكون، والحديث المرسل هل يحتج به، وكيف وما هو هذا الحديث المرسل الذي يكون حجة لاجرم فمقتضى النظر أن يطول التحقيق هذا بواسع من النظر والتأمل، وقد بين كثير من كتب المصطلح المطولة حقيقة المرسل ونوعه وحاله وبلده، وبينت كثير من كتب الأصول القياس وحقيقته وأنواعه وضوابطه والعوارض التي تعتري ما يمكن أن يرد عليه من عارض أو نقد لسبب ما, فأين هذا وللازم ذكره لأن التحقيق يقتضيه مجال قريب.
وفي ص55 من م/1 ورد فالدال: الله تعالى والدليل, القرآن, والمبين: الرسول, والمستدل أولو العلم، هذه قواعد الاسلام قال ذلك الامام أحمد رضي الله عنه قلت صفة الدال لا تطلق على الله تعالى فلم أجدها في أسمائه ولا صفاته كما ثبت النص بذلك أما الاشارة الى أن هذا قاله الامام أحمد فلم أقف عليه حسب علمي وقد تركه المحققان فأين يا ترى أجده؟.
وفي ص80 وعن الامام الشافعي رضي الله عنه انه قال آلة التمييز والادراك قال المحققان في الهامش 2 ساقطة من ش قلت فلم أجد ان الشافعي قد قال هذا فيما بين يدي من المراجع.
وفي ص97 ورد نص عن ابن عباس في معنى قوله تعالى وعلم آدم الأسماء كلها , فقد اكتفى المحققان بترجمة ابن عباس ولم يخرجا النص، قلت هو: موقوف على ابن عباس لكنني لم اقف على درجته وكان الأولى بيانه، وما عزاه المحققان الى ابن جرير الطبري كما ص 97/98 فيه نظر.
وورد في ص151 ومنع ذلك الامام أبو حنيفة وأصحابه والأكثر لأن التصديق معلوم , قلت لم أجد هذا في كتبهم، ومن هم الأكثر؟!.
وما جاء بين ص157 حتى ص190 كان الكلام غالبه عن العلة وهنا لم يجر تفريق بين العلة والسبب لما هو واقع من الخلط بينهما وقد كان لازم التحقيق بيان ذلك بضرب المثال لفصل البيان.
وفي ص191 تحدث ابن النجار قال فصل المجاز واقع في اللغة عند الجمهور,, إلخ,, الى قوله: الله يستهزىء بهم .
أي أن هذه الآية فيها مجاز ولم يتطرق المحققان إلى هذا فأين المجاز في هذه الآية؟ ومذهب الصحابة وأهل السنة والجماعة هو إمرار أسماء الله تعالى وصفاته كما وردت فلا يدخل مجاز وأصل المجاز هو التسمية بمعنى مراد كقوله تعالى واسأل القرية يعني أهلها فكان لابد من تحقيق هذا.
وفي نفس ص191 قال الامام ابن النجار وهذا الصحيح عند الامام أحمد رضي الله عنه وأكثر أصحابه وهذا لم أجده عن أحمد حسب علمي انه قال بالمجاز في مثل هذه الآية.
وكذا ما جاء في ص192 عن أحمد لم أجده ولم يحققه المحققان.
وفي ص214 جاء هناك فأما صفات الله تعالى فقديمة وحقيقة عند أحمد وأصحابه وأكثر أهل السنة قال الحافظ أبو الفضل بن حجر في شرح البخاري اختلفوا هل صفة الفعل قديمة أو حادثة,, إلخ .
قال ابن لحيدان لم يتناول التحقيق هذه مع أنها من أهم المسائل المعني التحقيق به على كل حال إذ هو أصل لابد منه وهنا أبين ما يلي:
أن كثيرا من أهل العلم بعض أهل الحديث والفقه والأصول وأهل التفسير قد وقعوا ولعله دون قصد وقعوا في التأويل وذلك لأنهم لم يطلبوا علم التوحيد حقيقته وقواعده وضوابطه ونواقضه خاصة الأسماء والصفات إلا بعد أن تعلموا العلوم الأخرى وحازوها فوقع عندهم صرف آيات الأسماء والصفات على غير المراد منها وغالى بعضهم كعمرو ابن عبيد وأمثاله.
ثانيا: ان صفات الله تعالى تنقسم إلى قسمين ذاتية/ كالحياة/ والقدرة/ والعلم والسمع والبصر, وفعلية كالمجي والنزول والكلام وهذه وتلك تمر كما جاءت من غير تأويل ولا تشبيه ولا تمثيل ولا تعطيل ولا تحريف، وهذا هو الأصل في هذا.
ثالثا/ لا يقال لصفات الله تعالى قديمة ولا حادثة وان تجوز بعضهم في القديمة كمن يقول قديم بالابتداء بل يقال كما قال هو سبحانه الأول والآخر والظاهر والباطن .
رابعا: في كثير مما يكتبه بعض المتأخرين عن البخاري ومسلم وأحمد وسواهم تجرؤ عليهم في التأويل لم يقولوه ولم يذهبوا إليه والعلة في هذا هو: الخلط بين آرائهم وما يذكره شراح الكلام كما يفعل ابن حجر والعيني والنووي اجتهاد منهم.
خامسا: من ضوابط التحقيق تحرير مثل هذه المسألة ولابد.
وفي ص288 قال المصنف وقالت المعتزلة والكرامية إذا دل العقل على ان معنى اللفظ ثابت في حق الله تعالى جاز اطلاقه على الله .
المعتزلة والكرامية يجعلون العقل قاضيا على الوعي لا يرضون به بديلا فيجعلونه هو الفيصل في الأسماء والصفات والقضاء والقدر وإذا ما ورد ما يعجزون عنه أولوه تأويلا عقليا لئلا يقال عنهم انهم ردوا كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم فيمرقون من الدين كحال: الخوارج.
فقول المصنف عنهم جاز اطلاقه على الله هذه مسألة غاية في الجرأة والجهل فلا المصنف رحمه الله عقب على هذا ولا المحققان.
وفي نفس ص288 جاء هناك وقال القاضي (أبوبكر) والغزالي: الأسماء توقيفية دون الصفات قال وهذا هو: المختار وأعاد المحققان في الهامش 6و7 قالا: زيادة من فتح الباري ولم يتعرضا وفقهما الله لتحقيق المراد.
هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن الأصل فيما تعبد الله به عباده التوقيف وأسماء الله تعالى وصفاته توقيفية فلا يزاد عليها ولا ينقص منها، لكن قول المصنف وهذا (هو) المختار لم يُبين عند من ولا من قاله وأين أصله ومكانه في المطولات أو كتب الفروع وقد تركه المحققان فلم يبينا: المصدر الأصلي.
وورد في ص390 في هامش رقم 1 عن أهل الكبائر ورد هناك روى أحمد وأبوداود والنسائي والترمذي وابن حبان والحاكم وابن ماجه عن جابر رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي قال ابن لحيدان فهل صح هذا النص وأين الجزء مما رواه هؤلاء الأئمة الكبار فهو عند الترمذي حسن وابن ماجه ضعيف فحبذا: تحقيقه بما يحسن السكوت عليه والتحقيق يقتضي هذا.(53/1)
وفي ص434 حتى قرابة ص463 تحدث المصنف عن العلة والسبب مع ما يلزم تجاه هذا وذاك من أمثلة وقد كان من ضابط نظر هذا هو: الخلاف وايراد الراجح خاصة في العلة العقلية لأن كلام أهل الأصول والمنطق لهم في هذا كلام طويل ولأنه ما دام قد جرى طرح مثل هذا فكان يجب نظره ورد الشبه الواردة خاصة عند الصوفية من ذوي المنطق مع ما يفي بشواهد الراجح والمرجوح، والتحقيق في هذا أجاد لكنه قصر في إيراد تحقيق مناط العلة بأقسامها وكيف يكون الفرق بينها وبين السبب.
وقد كان فات كثير من النقاط التي كانت تحتاج الى عزو وتحقيق للمظان والتراجم ونبين هذا بحوله تعالى فيما هو قادم.
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ صالح اللحيدان
عدد القراء : 1823
تاريخ الموضوع: 25 - إبريل - 2003 ميلادية
(53/2)
شرح الكوكب المنير لابن النجار2 للشيخ صالح اللحيدان
الشيخ صالح اللحيدان
يبدأ الجزء الثاني بتنبيه الأدلة قال المصنف كما هو مسطور برقمه في ص5: أي أدلة الفقه المتفق عليها على ما في بعضها من خلاف ضعيف جدا أربعة,,
ثم ذهب يوردها: الكتاب والسنة والاجماع والقياس، وقد عالج الامام ابن النجار حتى ص46 ما موجبه الحمد عليه له فقد بسط وقبض وأجمل وفصَّل في رده ونقده للطوائف المخالفة للحق حول القرآن وما يتبع ذلك في كلام مبسوط في موضعه هناك.
وفي ص47 أورد تسبيح الحصا في كفي النبي صلى الله عليه وسلم، وابن النجار أحيانا يورد لفظ الحديث وأحيانا معناه وأحيانا يورد جزءاً من الحديث.
ويحكم على الحديث بعزوه الى من خرَّجه فيعزوه الى البخاري أو مسلم أو غيرهما ولست أدري علة ذلك ولم يجتهد فيه المحققان.
وحديث تسبيح الحصا ورد في كفيه وورد في كفه لكن ما جاء في الهامش 2 لم يشف إذ لم تتبين درجته.
وفي ص48 جاء والظاهر أن الشيخ قال ذلك على تقدير قولهم لم أجد هذا فيما بين يدي من مراجع حسب جهدي.
وفي ص53/54 قال ابن النجار ثم ذكر حديث عن عبدالله بن أنيس، وقال: اختلف الحفاظ في الاحتجاج برواياته .
وترجم المحققان لعبدالله بن أنيس وكذا جابر بن عبدالله رضي الله تعالى عنهم لكن هنا أمور:
منها: لم يحررا مسألة اختلاف الحفاظ.
ومنها: لم يبينا الفرق بين الروايات.
ومنها: لم يذكرا مرجع الروايات.
ومنها لم يطرحا النظر حول مسألة الناسخ والمنسوخ وكل هذا يقتضيه التحقيق.
وورد في ص74 الثاني عشر ما رواه أبوهريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله تعالى قرأ طه ويس قبل أن يخلق آدم بألف عام,, الحديث,, .
وقد أجاد المحققان في تحقيقه لكنهما لم يقطعا بالحكم عليه مع أن كلام الحفاظ عليه واضح وسنده فيه: إبراهيم بن مهاجر بن مسمار، قلت موجب هذا الحديث: الوضع.
وفي ص77/78 جاء حديث أبشروا أبشروا ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قالوا: بلى,, الحديث,, لم يحققاه قلت وفيه ضعف بعلة السند وليس شواهد بمعناه.
وفي ص86/87 قال البغوي في تفسير طه قال وهب، ونودي من الشجرة,, الحديث,, لم يتم تحقيقه فقد اكتفى التحقيق بترجمة وهب بن منبه فأجادا، قلت في هذا الأثر نظر.
وما بين ص96 حتى ص98 لم يحرر ابن النجار رحمه الله تعالى مسألة خلق القرآن فإنه ذكر أقوال المبتدعة وعللهم ثم قال: وذهب بعضهم إلى انه متكلم بالقرآن العربي بمشيئته وقدرته بالحروف والأصوات القائمة بالذات وهو غير مخلوق لكنه في الأزل لم يتكلم لامتناع وجود الحادثات في الأزل فكلامه حادث في ذاته لا محدث .
وهذا من فتح الباري للامام ابن حجر كما عزاه المحققان لكن ابن النجار اختصره ولم يشر التحقيق الى هذا,, هذا من جهة، ومن سبيل آخر فإن هذا القول المبهم بقوله: وذهب بعضهم لم اقف أصحابه من أصول ما قيل عنهم وهو كلام فيه سفسطة وتعطيل وسببه قصور الفهم عند أمثال وعدم معرفة حقيقة التوحيد وأسسه ونواقضه فكما هلكت الجهمية والمعطلة والكرامية والقدرية هلك أصحاب هذا القول لجمعه أساسيات النفي والتعطيل.
وفي ص119/120/121 تكلم ابن النجار عن فضل بعض السور على بعض لكنه رحمه الله تعالى لم يحقق القول كما لم يتطرق إليه التحقيق.
ومن المعلوم انه وردت آثار صحيحة في فضل بعض السور وفي فضل بعض الآيات لكن ليس المراد هنا فضل ذات الكلام بعضه على بعض إنما المراد بما حوته السورة أو الآية من معان لم تتضمن تلك السورة الأخرى والسور مثل قل هو الله أحد وآية الكرسي فكلامه سبحانه كله فاضل وخير إنما ينظر هنا ورود الفضل بالتفضيل على حسب تضمن السورة أو الآية من مراد ليس في غيرها.
وفي ص157 ورد حديث عن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قال في القرآن برأسه فأصاب فقد أخطأ وترجم المحققان الفاضلان للراوي ترجمة حسنة لكنهما لم يبينا درجة الحديث هذا قال ابن لحيدان لم اقف عليه صحيحا فلعله مرسل.
وورد في ص219 حديثان عن أنس وأبي ذر لم يتم تخريجهما إنما تمت الترجمة لأبي ذر وعاصم وكان الحق تحقيق درجة النصين وقد بين ابن النجار أن ما جاء عن طريق أبي ذر رضي الله عنه مرفوعا قلت: فيه نظر.
ومثله ما جاء في ص222 عن ابن عمر.
ومثله ما جاء في ص223 عن ابن مسعود.
ومثله ما جاء في ص232/233 عن علي بن أبي طالب.
ومثله ما جاء في ص233 عن أنس.
ومثله ما جاء في ص234 عن عائشة.
ومثله ما جاء في ص369 عن أبي بكر.
ومثله ما جاء في ص370 عن عمر.
ومثله ما جاء في ص372 عن عثمان.
ومثله ما جاء في ص417: نضَّرَ اللَّهُ .
وفي ص378 حتى ص459 تكلم ابن النجار كلاما جيدا عن الرواية والشرط والتدليس ورواية أهل البدع لكنه رحمه الله تعالى رحمة واسعة لم يفصل القول ويحققه بشواهده ورواياته خاصة المبتدع متى تقبل ومتى ترد وما هو لازم التفصيل في هذا خاصة، وقد روى الجماعة البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبوداود وابن ماجه قد رووا لجماعة منهم بعضهم رووا له في أصول الأبواب وآخرون رووا لهم في الذيول والمتابعات وحق مثل ولا جرم التفصيل مع ما يقتفيه من شواهد خاصة الامام مسلم مع ذكر شرط وطريقته وما كان من الامام النووي في مناقشته لمسلم في مثل وفي العنعنة ومثلها الأنأنة وما أذكره هنا عن رواية المبتدع أذكره فيما يخص التدليس فقد يحسن جزما بيان أصل التدليس وسببه وحاله وأنواعه وبلدانه ودرجته.
ومتى كان/ ومتى يقبل/ ومتى يرد؟
ومع أنه أجاد لكن مثله حقيق ببسطه خاصة والتدليس ذو خطر وضرر حتى عده جملة من الحفاظ: أخو الكذب، وللبداعة والتدليس علاقة بأصول الفقه فيما ترد الآثار والأحاديث فكان يحسن نظر هذا وذكر محاذيره.
وكم كنت أرغب من الأخوين الكريمين د, محمد الزحيلي ود, نزيه حماد بسطه فان تحقيقه بالغ الأهمية لعلاقته بالأصول ولأهمية كتاب ابن النجار ودقة عبارته وجودة طرحه لكن هذا يكون في طبعات لاحقة إذ العلم يتولد تباعا ويبدو اليوم ما كان غائبا بالأمس خاصة ما تمس الحاجة من مثل هذا.
وجاء في ص496 من م/1: وسكوت الشيخ عند قراءة عليه بلا موجب لسكوته من غفلة أو غيرها كإقراره .
قال ابن مفلح عليه جمهور الفقهاء والمحدثين قالوا والأحوط ان يستنطقه بالإقرار به وشرط بعض الظاهرية إقرار الشيخ بصحة ما قرىء عليه نطقا , الخ.
قال ابن لحيدان وقد عقب ابن النجار كما في ص497 بما هو كاف وهو الصواب لأن الغفلة والنعاس والانشغال والذهول لا يعد هذا إقرارا من الشيخ عند القراءة عليه وقول الظاهرية وجيه في الجملة لأنه أحرز وأثبت.
قلت وقد بوب البخاري في صحيحه في كتاب العلم م1 بوب أبوابا في مثل ما كنت أتمنى من الشيخين الفاضلين العودة إليه هناك لأهمية مسألة القراءة وما جرى حولها من نزاعٍ يحتاج الى فن بضوابط علمية مدروسة.
وفي ص497 جاء: ويحرم على الراوي ابدال قول الشيخ حدثنا ب: قول الراوي: أخبرنا وعكسه ثم هو يعلل فيقول: لاحتمال أن يكون الشيخ لا يرى التسوية بين اللفظين فيكون ذلك كذبا عليه .
قلت وهذا نوع تدليس على الشيخ اذا كان لا يرى التسوية فمحله باب التدليس وهو باب واسع جدا لم يتوسع فيه ابن النجار ولما كان مرتبطا بالأصول من حيث أن الأدلة التي هي الأصول يدخل بعض أسانيدها التدليس وهو: أنواع فكان يحسن تفعيل هذا ولابد مع أن ابن النجار ذو باع جيد وعلم غزير وكتابه هذا يتحمله احتمالا قويا وقد بين البخاري رحمه الله تعالى كذلك في كتاب العلم مذهب شيخه الحميدي وسفيان ومالك بن أنس والحسن البصري وابن مسعود وأنس وسواهم كما هو مرقوم هناك بطرح لم أر له مثيلا إلا من حيث التفصيل.
وعند الحديث عن الاجازة كما في ص502/503/504 و506، لم يبين ابن النجار حقيقة الاجازة والفرق بينها وبين الوجادة وبينها وبين المناولة مع أنه قال: فأعلاها مناولة كتاب مع اجازة أو أذن في رواية عنه وهناك لازم من ضابط لابد منه لبيان هذه الحالات الثلاث وكنت قد بينت بعض الشيء في دروسي المسجلة لسنة: 18/19/20/21ه بالبكيرية ومكة والرياض.
وأشار ابن النجار في ص504 الى ما ذكره: البخاري الى أن المناولة بدون قراءة فيما نقل عن بعض أهل الحجاز ولم يبين المحققان الكريمان بينا من يكون بعض أهل الحجاز فبيان هذا مهم جدا لمعرفة موطن الخلاف وصاحبه وحقيقته فأهل الحجاز الذين ذكرهم البخاري هنا هو الحميدي عبدالله بن الزبير وقد كان هذا مذهبه وكأن البخاري يشير الى الأخذ به مع أنه قد حكى الخلاف في هذا.
وجاء ما بين ص574/583 وهو آخر م/2 جاء المرسل وقد أجاد ابن النجار في بحثه عنه كما أجاد المحققان.
قال ابن لحيدان لكن لابد من بيان ما يلي:
1 بين المرسل والمنقطع والمعضل بينها تشابه قوى فما لم يبين هذا بضوابطه وأمثلته وبلدانه فيكاد يدخل كل واحد بالآخر خاصة والمرسل قد يكون فيه علة من العلل توجب كونه منقطعا ومعضلا بل وفيه تدليس وارسال خفي.
فلم أر الامام ابن النجار قد توسع في هذا وموجبه التوسع ما دام قد طرحه، والحاجة داعية إليه طالبة له تلهث إليه سعيا وتركض إليه ركضا بل وتدعو إليه أبدا هذا اذا علمنا ضعف الهمم والعجلة في النظر والاختصار في الطرح خاصة عند أهل السير والأدب والنقد فهذا الصنف يتساهلون كثيرا بالأسانيد وتداخل عليه أصولها وكثير منهم يخبط ويحطب ويجلب دون فهم لأصول الروايات وحقيقة الأسانيد دع عنك الذين يتعالمون ويستأسدون ويتنمرون وما هم إلا خطاب لعل ليس بذي صحو ولا من دليل مقحم ويمثل هذا من كتب في السيرة والأخبار والحكايات الأدبية جهلا وجرأة كحال:
مروج الذهب
والأغاني
وسواهما ولا ينبئك مثل خبير .
والوقوف على المراسيل وحقيقة ضابطها وشروطها ومثلها/المدرج/ ومزيد الثقات/ والموقوف/ والمقطوع/ والمنقطع من الأمور التي أدعو الى بيانها وتأصيلها وبحث ضابطها.
فأحسن الله تعالى في العاقبة لابن النجار حسناه وما بذله وطرحه وأداه، وبارك في علم وجهد الأخوين الفاضلين اللذين بذلا وسعيا وبينا مع أني آمل منهما:
طول النفس
وكمال التحقيق
والحكم على النص حسب النظر.
وبيان حقيقة المترجم له.
وحبذا لو عادا إلى علل الدارقطني وابن المديني والرحلة في طلب الحديث .
والمحدث الفاصل للرامهرمزي.
ومقدمة جامع الأصول م/1 لابن الأثير الجزري.
على أنني لم أطلع على م3 مما حققه الدكتوران من شرح الكوكب المنير وأوله كما قالا في م/2 الأمر .
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ صالح اللحيدان
عدد القراء : 1555
تاريخ الموضوع: 25 - إبريل - 2003 ميلادية
(54/1)
وحين ظلمها أجهشت العجوز بالبكاء للشيخ صالح اللحيدان
الشيخ صالح اللحيدان
لعل قليلاً من الناس هم الذين يستفيدون من التجارب من خلال قراءة أو عمل أو موقف أو مواقف, إن السبب في هذا كما هو نتيجة معرفتي بأحوال كثير مما يُعرض عليَّ أن الإنسان لا يحصل له ذلك مادام يعيش في دائرة قد لا يعلم ما يكون خارجها حتى يدعها أوتدعه ولابد في يوم ما من الأيام، وقد يكون كيساً فطناً لكنه يعمى عن هذا بسبب سكرة الحياة وما تمده به في صورة من الصور، والعاقل من الناس هو من يستفيد من التجارب ما لم يكن عقله عقلاً مركزياً ضيقاً فإنه هنا يكون حياً لذاته ومن حوله فقط فهنا يقع الظلم وتقع عدم المبالاة في مسيرة الحياة حتى إذا ترك الدنيا أو هي تركته ندم بعد تفكير طويل لكن لا محل هناك للندم للعجز عن رد الحق أو رد الحقوق الحس منها والمعنى.
وكم يكون المرء عاقلاً أميناً عادلاً نزيهاً ذا ولاءٍ صادقٍ حي إذا هو انصف وأجزل الإنصاف في ساعة كونه داخل (دائرة الحياة) لكن يصعب هذا إذا كان ضعف الإنسان وحبه لذاته يجرانه إلى السوء وعدم المبالاة في جو يظن أنه هو المستفيد بينما هو الخاسر لأنه يعيش بين قلق وخوف وقد يصحو فيعدل، وقد يصحو فيتراجع ولو في حق نفسه، لكن هذا يكون بعيدا لمن لم ير العز إلا من خلال ظنه وسبيله.
هذه مقدمة أوردها بين يدي قصة وقعت بين رجلين/ أقرض أحدهما الآخر مبلغاً من المال, وقد كان بينهما مكاتبة حول هذا المال لكن القرض كان ضعيفاً وصورته الضعف بسبب وشايات كاذبة ترادفت حتى قد صدقها اهل العجلة من الناس وطال أمد التسديد ولم يأت المال فكتب إليه: (بسم الله الرحمن الرحمن من (,,,,,,,,,,,,,,,,) إلى (,,,,,,,,,,,,,,,,) أما بعد: فقد أقرضتك مبلغاً من المال في يوم (,,,,,,) من شهر (,,,,,,,,) في عام (,,,,,,,,,,,) فرد الحق إلي لحاجتي إليه، وهي حاجة ماسة لولاها ماكتبت إليك خاصة وقد عاودتك ثلاث مرات بعد انتهاء المدة بأربعة أشهر، والله يعلم نيتك من قبل ومن بعد، وأنا صاحب حق، وجهدي في كسب المال يعلمه الله تعالى، وقد أقرضتك إياه ثقتي في دينك ورشدك إقراضي إياك، ولن أقاضيك اليوم لقدرتك عليَّ والله المستعان) أو وتستطيع أن تفتش في خبايا الحياة وزوايا الأرض ومعارج الحقوق لتجد عجباً يحصل بين بعض الخلق لكن كل ظلم له صورة إن لم يكن له صور كثيرة متعددة تحيل نفس الظالم ويسول له هواه ودنياه: أنه صاحب حق بتأويلات شيطانية عجيبة وقد يرى الظالم أنه يسير في طريق طبيعي كأن لم يحصل شيء يُقلقله.
أما ذلك الذي اقترض المال فلم يعده فقد اعاده بعد (ثمان وخمسين سنة) لكن بعد إصابته بجلطة وكبر سن وتفرق الأولاد الذين كانوا يتسابقون إلى خدمته طاعةوهيبة وتعظيماً ولست أظنه وعى ضربة سهام الليل التي نزلت عليه بعد خمسين سنة تزيد ثمانيا وكلها عمر عمله الذي كان يزاوله دون وعي منه أن ضحاياه بلغوا قدراً كبيراً لكنهم لم يظهروا (سبحان الله) إلا بعد أن سقط (المقترض) تلك السقطة المزدوجة في وقت لم يصدق الضعفاء أنه قد: وقع.
وفي حي قديم من أحياء بغداد قبل قرابة تسعمائة عام تقريباً: كان هناك عجوز تسكن في بيت جاءه الهدم بأمر من ناظر السوق حتى يتسع الطريق للمارة ذهاباً واياباً فلما قالوا لها ذلك فرحت به لأنهم عوضوها مبلغاً من المال.
وكان بجوارها: تاجر مسن حلب الأيام وجرب الدهر فأودعت عنده المال حتى تتمكن من شراء بيت لها تضع فيه متاعها فرحب الرجل (التاجر) وكان يعمل في التجارة قال:
على الرحب والسعة.
أحسنت صنعاً يا رجل.
لا شكر فهذا واجبي.
لكن شكرك واجب.
ولك مثل شكرك على حسن ظنك.
وتمضي الأيام تترا، وتحتاج المرأة إلى: المال حتى تقضي به حاجتها التي وجدتها بعد عام كامل.
وتأتي صاحبها: المشهور.
لقد احتجت إلى المال لشراء بيت لي.
أي مال ياهذه,؟
مالي الذي أودعته عندك,,.
لا أذكر ذلك.
تذكر جيداً,, وانظر ما تقول.
هذا ما عندي هداك الله.
ليس لك عندي شيء,, ولو كان لرددته إليك.
ثم إنه من عجيب هذا التاجر أنه بدأ يتصرف بتغافل واستعلاء، وبدأ يتناساها وبدأت كما لو لم تودعه مالاً فهي امرأة مسنة ضعيفة وهو تاجر كبير ذو دهاء وعلاقات كثيرة وتودد يسمونها (حسن خلق) و(تواضع) وهو الدهاء المكشوف للدهاة العزل.
ورأت أن حقها يضيع وجهدها يذهب سدى فماذا تصنع، إن أمرها ضعيف فقد كبرت سنها وتوهنت إضافة إلى أنه قهرها فالمشتكى إلى الله.
وتتقدم بشكوى إلى القاضي، والله يعلم المحق من المبطل.
وتقف ترتعد فيبادرها القاضي.
ماذا تقولين,,؟
أقول ما تسمع.
وهل لديك بينة؟
كلا.
هل لديك شهود؟
كلا.
هل ترينه يتذكر؟
هو لا,, لا.
ولم,؟
متعال.
ثم ماذا,,,؟
قلت: لا أظنه يقر.
سوف نرى لكن ليس لنا إلا الظاهر.
صدقت رحمك الله.
لكنك من (النوع) الذي وان كان الحق له لا يستطيع التعبير.
أمري إلى الله تعالى.
ويرسل إليه ناظر القضية فيأتي ويقف بجانب العجوز ويبادرها القاضي.
ما تقولين,,؟
قد أودعت هذا الواقف أمامك مبلغاً من المال على أنها وديعة اودعتها إياه وقد وثقت بدينه لما ظهر لي منه.
ما تقول: أنت.
لم تودع عندي شيئاً.
اتق الله/ خف منه/ راجع نفسك/ فتش مالك: تأنّ فما تقول؟
لم تودع عندي شيئاً.
أبداً.
هو ما تسمع عافاك الله.
ويسألها ناظر القضية بعد ذلك.
هل لديك بينة.
كلا.
ويعود القاضي إليه قائلاً:
يارجل تذكر الحال فالنسيان وارد.
قلت ليس عندي شيء لها.
وتتكلم العجوز بصوت ابح وحشرجة حلق ضعيف متكسر وحركة مرتعشة.
أيها القاضي: دعه.
ولم,,؟
لن يعيد المال.
وكيف علمتِ ذلك,,؟
علمت ذلك منه نفسه فهو ذو مال وولد ومساكن وذو دهاء لا يحب إلا نفسه وان بدا ذا خلق ودين.
اذاً ماذا تريدين,,؟
يمينه.
هات اليمين.
على ماذا,,؟
على أنك لم تأكل حقها.
كيف آكله,؟
على أنها لم تودع مالها عندك.
لكن اتق الله فرب رد حق يورث خيراً وعزاً وجاهاً غير ما أنت فيه وعليه ورب ظلم وتسلط وحسد وحقد أورث ندماً وحسرة، ياهذا أنصف من نفسك، وما تراه من ضعفها ومسكنتها وذلها هو عند الله (جليل عظيم) فهو الحكم بينكما فخذ أو دع.
وتجهش العجوز بالبكاء , فلم يتفطر قلب التاجر، ثم هي تقول:
لا داعي,, لا داعي، تكفيني يمينه إنني لم أودعه مالي,.
هات اليمين.
ويحلف الرجل: كاذباً
فهو يقول والله لم تودع عندي شيئاً.
وتنتهي القضية وترفع الضعيفة أمرها إلى الله.
وَيُحاطُ بالرَّجُلِ بَعدَ حين فقد:
1 ضعف بصره
2 وآلمته ركبتاه.
3 وآلمه أسفل ظهره.
4 وتعلق كثيراً بدنياه.
5 وبدأ يُضيق دائرة علاقاته.
6 ثم جمع ولده لكنهم بعد حين دبَّ بينهم النزاعُ، وبعد الواحد والتسعين من عمره بدا كما لو كان عوداً يابساً في مهب الريح حتى انه يمن عليه من يسلم عليه.
ثم يسقط في بئر فيجد الورثة ورقة قديمة فيعيدون المال لورثة العجوز.
فانظر كيف تعذب قبل أن يموت.
وكان يؤمل ويخطط والله يَمدُ له من الأمل حتى إذا تفتحت وازدهرت هوى، فقد أراد شيئاً وأراد الله تعالى بعدله شيئاً آخر.
وكم يطيب لي بَعدُ أن أذكر كتابين جديرين بالقراءة سارت الركبان بنجرهما فيهما من /القصص/ والعبر/ والحكم/ والروايات الشيء العجيب هذان الكتابان هما:
1 الفرج بعد الشدة/ للقاضي,, التنوخي.
2 مجابو الدعوة/ للإمام,, ابن أبي الدنيا.
ولا جرم فإن قراءة هذين الكتابين جديرة بأن تفتح أبواباً كثيرة أمام من:
زل.
أو أخطأ.
أو وشى.
أو ظلم
أو حقد
لكن يحسن أن يُعلم أن لكل نوع من هذه الأنواع صورا عديدة فمالم يكن المرء حراً عاقلاً واعياً فإنه لن يُدرك خطأه لأنه محاط بهوى وحيل نفسية وسوء تقدير إلا من شاء الله.
وكم في معنى قوله تعالى (وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون) كم لهذه الآية من معنى ومعنى لايدرك ذلك إلا الحاذق الصادق الموقن حق اليقين.
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ صالح اللحيدان
عدد القراء : 1499
تاريخ الموضوع: 25 - إبريل - 2003 ميلادية
(55/1)
تذوق النص للشيخ صالح اللحيدان
الشيخ صالح اللحيدان
والناس قسمان:
يتذوق الحياة يتلذذ بها ينعم بنعمها ينعم بمالها بجاهها ببهجتها برفاهيتها الخ هذا تذوق حي لاجرم محدود محدود والثاني يتذوق الحياة تذوق الحذر الفطن العميق الواعي، يتذوقها لكنه حذر وجل مترقب لمعرفته حقيقة التذوق ما هو,, وكيف يكون,, وأين,,؟
هذا القسم ذو همة عالية وذو وعي فطن لأنه يُدرك أنه لا يتذوق إلا ما يجره إلى المعالي والقمم، وهذا لا يكون إلا بتذوقٍ حساسٍ جداً (فطري) ناصع لا يضره معه منغص من مرض أو ظلم ظالم أو وشاية واشِ تعالوا إذاً نتذوق أو نحاول ذلك من خلال نصوص هي تدفع بالعاقل الرزين السيد إلى حقيقة التذوق بحسه ومعناه، لن أعلق أنه يكفي للمراد تذوق المراد ولا كلام، يكفي الحر العاقل بعيد النظر واسع البطان يكفيه هذه السطور من كنز أبدا لا يبور يكفيه ليدرك ما يكون عليه بعد/ صفا/ وتأمل/ وسكينة وصدق.
تعالوا فانظروا قارئين متأملين الأول/ جاء عن معاذ بن جبل رضي الله عنه وأبي ذر جندب بن جنادة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن) قال الترمذي/ حديث حسن قال ابن لحيدان هو/ حسن لذاته، ومعناه من أمهات بناء الأمم والأخلاق، وينبئ فاعل ما ورد في هذا النص عن أصالة محتد وجودة معدن وهمة عالية ونزاهة وأمانة، ويكتسب الآخرون من: (ولي أمرهم) كالأب والأخ والمعلم ونحوهم يكتسبون منه قوله وفعله وبهذا تسود التقوى والأخلاق والعدل ومحاسبة النفس حال الخلو/ خاصة.
الثاني/ جاء عن ابن عباس/ رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقال: ياغلام:
إذا سألت فاسأل الله.
واذا استعنت فاستعن بالله.
واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك.
وان اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك.
رُفعت الأقلامُ وجفت الصحفُ.
قال الإمام الترمذي حديث حسن صحيح، قلت هو كما قال، فإن له طريقين، وقد جاءت الفاظٌ بغير سند هذا الحديث مُقاربة وورد عند عبد بن حميد في مسنده على ما أذكر رواية لهذا النص وفيها ما يلي:
1 احفظ الله تجده أمامك.
2 تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة.
3 واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك.
4 وأن ما أصابك لم يكن ليُخطئك.
5 واعلم أن النصر مع الصبر.
6 وأن الفرج مع الكرب.
7 وأن مع العسر يسرا.
وهنا تذوق قدره فيه على سبيل نواهض القصة/ألم/ وأماني/ وحافز/ وتحفز ورؤية/ وخيال/ صدق يقين وورع/ وصفاء/ وجشع/ وطمع/ وتناس وحياة في دائرة مُغلقة/ تكبر/ وغرور/ وتعال/ إقرار/ وجحود/ سفال/ ونبل، تذوق النعمة التذوق الصحيح تذوقها بوافرٍ من النقاء والصفاء والصعود واليقين والحذر والشكر يحتاج إلى:/
عقل كبير
عقل حذر
عقل واعٍ
عقل أمين
عقل تريه تقي
عقل فطن جليل
عقل سليم عادل
عقل نبيه خير.
جاء عند البخاري ومُسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
إنَّ ثلاثة من بني إسرائيل:
1 أبرص.
2 وأقرع.
3 وأعمى.
أراد الله ان يبتليهم فبعث إليهم ملكاً، فأتى الأبرص قال: أي شيء أحب إليك؟ قال: لون حسن، وجلد حسن، ويذهب عني الذي قد قذرني الناس.
فمسحه، فذهب عنه قذره، وأعطي لوناً حسناً.
فقال: فأي المال أحب اليك؟
قال: الإبل، أو قال البقر شك الراوي، فأعطى: ناقة عشراء.
فقال: بارك الله لك فيها.
فأتى الأقرع فقال: أي شيء أحب إليك؟
قال: شعر حسن، ويذهب عني هذا الذي قذرني الناس.
فمسحه فذهب عنه، وأُعطي شعراً حسناً قال: فأي المال أحب إليك؟
قال: البقر،
فأُعطي بقرة حاملاً
وقال: بارك الله لك فيها.
فأتى الأعمى فقال: أي شيء أحب اليك؟
قال: أن يرد الله اليَّ بصري فأبصر الناس، فمسحه، فرد الله إليه بصره، قال: فأي المال أحب اليك؟
قال: الغنم،
فأعطي شاة والداً.
فأنتج هذان، وولَّدَ هذا.
فكان لهذا وادٍ من الإبل.
ولهذا وادٍ من البقر.
ولهذا وادٍ من الغنم.
تم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته، فقال: رجل مسكين قد انقطعت بي الحبال في سفري فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن، والجلد الحسن والمال، بعيراً اتبلغ به في سفري،
فقال: الحقوق كثيرة.
فقال: كأني أعرفك، ألم تكن أبرص يقذرك الناس فقيراً فأعطاك الله!؟
فقال: انما ورثت هذا المال كابراً عن كابر،
فقال: إن كنت كاذباً فصيرك الله إلى ما كنت.
وأتى الأقرع في صورته وهيئته.
فقال له: مثل ما قال لهذا، ورد عليه مثل ما رد عليه هذا،
فقال: إن كنت كاذباً فصيرك الله إلى ماكنت.
وأتى الأعمى في صورته وهيئته،
فقال: رجل مسكين وابن سبيل انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك،
أسألك بالذي رد عليك بصرك: شاة أتبلغ بها في سفري،
فقال: قد كنتُ أعمى فرد الله إلي بصري فخذ ما شئت ودع ما شئت، فو الله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله عز وجل، فقال: أمسك مالك، فإنما ابتليتم، فقد رضي الله عنك، وسخط على: صاحبيك .
وورد عن أبي يعلى شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الكيس (1) من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الاماني) حديث حسن (2) .
وجاء عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كانت عنده مظلمة لأخيه.
من عرضه،
أو من شيء،
فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون:
دينار ولا درهم،
ان كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وان لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه) (3) .
وورد عن عمرو بن سعد الأنماري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ثلاثة أُقسم عليهن، وأحدثكم حديثاً فأحفظوه.
1 ما نقص مال عبدٍ من صدقة.
2 ولا ظُلم عبد مظلمة صبر عليها إلا زاده الله عزاً
3 ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر.
أو كلمة نحوها (4) .
وأحدثكم حديثاً فاحفظوه قال: إنما الدنيا لأربعة نفر.
1 عبد رزقه الله مالاً وعلماً، فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه ويعلم لله فيه حقاً، فهذا بأفضل المنازل،
2 وعبد رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً فهو صادق النية يقول: لو أن لي مالاً لعملتُ بعمل فلان، فهو بنيته، فأجرهما سوا،
3 وعبد رزقه الله مالاً، ولم يرزقه علماً، فهو يخبط في ماله بغير علم،
لا يتقي فيه ربه،
ولا يصل فيه رحمه،
ولا يعلم لله فيه حقاً،
فهذا بأخبث المنازل،
4 وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علماً فهو يقول: لو أن لي مالاً لعملتُ فيه بعمل فلان، فهو: بنيته، فوزرهما) (5) .
وجاء عن أسير بن عمرو ويُقال ابن جابر (6) قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه اذا أتى عليه أمداد (7) أهل اليمن سألهم: أفيكم أويس بن عامر؟
حتى أتى على أويس رضي الله عنه.
فقال له: أنت أويس بن عامر؟
قال: نعم،
قال من مُراد ثم من قرن (8) ؟
قال: نعم،
قال فكان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم؟
قال: نعم،
قال لك والدة؟
قال: نعم،
قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مُراد، ثم من قرن به برص، فبرأ منه إلا موضع درهم له والدة هو بها بر (9) لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر فافعل، فاستغفر لي، فاستغفر له، فقال له عمر: أين تُريد؟
قال الكوفة،
قال ألا أكتب لك إلى عاملها؟
قال: أكون في غبراء الناس أحبُ إليَّ،) (10) الحديث طويل مُهم في شأنه وفي بناء حقائق الأخلاق وكمال التوحيد، وتربية الذوق الصواب،
ولست أظن أحداً إلا وهو بحاجة ماسة إلى نظر حاله مهما كان.
تنبيهات ومراجع
(1) الكيس الفطن.
(2) رواه الترمذي قال ابن لحيدان هو: حسن لذاته.
(3) مُتفق عليه.
(4) شك من الراوي لكنه في (المعنى) مُستقيم.
(5) رواه الترمذي, وقال: حسن صحيح،
(6) قاله النووي، في الرياض ص 189/ط 1.
(7) قال ابن لحيدان (الوفود) ونحوهم ممن يفد الى المدينة.
(8) مراد اسم قبيلة قحطانية، وقرن فخذ من مراد.
(9) بار محسن مُطيع واصل لها.
(10) رواه مسلم في صحيحه، وأبو نعيم أورد قصة جيدة مهمة في (حلية الأولياء).
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ صالح اللحيدان
عدد القراء : 1516
تاريخ الموضوع: 20 - ديسيمبر - 2002 ميلادية
(56/1)
الهجرة وعاشوراء للشيخ صالح اللحيدان
الشيخ صالح اللحيدان
، ثم بدا لابي بكر فابتنى مسجداً بفناء داره، وكان يُصلي فيه ويقرأ القرآن فيتقذف نساء المشركين وأبناؤهم وهم يعجبون منه وينظرون إليه, وكان أبو بكر رجلاً بكّاءً لايملك عينيه إذا قرأ القرآن فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين فارسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم، فقالوا إنا كنا أجرنا أبابكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره, فقد جاوز ذلك فابتنى مسجداً بفناء داره فأعلن بالصلاة والقراءة فيه، وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا فانهه، فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل، وان ابى إلا أن يعلن بذلك فسله أن يرد إليك ذمتك، فإنا قد كرهنا أن نخفرك، ولسنا بمقرين لأبي بكر الاستعلان، قالت عائشة: فأتى ابن الدغنة إلى أبي بكر فقال علمت الذي عاقدتُ لك عليه، فإما أن تقتصر على ذلك واما أن ترجع إليّ ذمتي فاني لا أحب أن تسمع العربُ أني أُخفرت في رجل عقدت له، فقال أبوبكر فإني أرد إليك جوارك، وأرضى بجوار الله عز وجل، والنبي صلى الله عليه وسلم يومئذ بمكة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين: إني أُريت دار هجرتكم ذات نخل بين لابتين وهما الحرتان، فهاجر من هاجر قبل المدينة، ورجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة، وتجهز أبو بكر قبل المدينة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: على رسلك، فإني أرجو أن يؤذن لي فقال أبو بكر: وهل ترجو ذلك بأبي انت؟ قال: نعم ، فحبس ابو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصحبه، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر وهو الخبط أربعة اشهر، قال ابن شهاب,, قال عروة,, قالت عائشة: فبينما نحن جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة قال قائل لابي بكر هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مُتقنعاً في ساعة لم يكن يأتينا فيها فقال أبو بكر: فداء له ابي وأمي، والله ماجاء به في هذه الساعة إلا لأمر قالت: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستاذن فأُذن له، فدخل فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر أخرج من عندك، فقال أبوبكر إنما هم أهلك بأبي أنت يارسول الله، قال فإني قد أُذن لي في الخروج، فقال أبوبكر: الصحابة بأبي أنت يارسول الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم ، قال أبو بكر فخذ بأبي أنت يارسول الله إحدى راحلتي هاتين, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بالثمن, قالت عائشة: فجهزناهما أحث الجهاز وصنعنا لهما سفرة في جراب فقطعت أسماء بنت ابي بكر قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب فبذلك سميت ذات النطاق, قالت: ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار ثور، فكمنا فيه ثلاث ليال يبيتُ عندهما عبدالله بن ابي بكر وهو غلام شاب ثقِف لقن (2) فيدلج من عندهما بسحر فيصبح عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم فيريحهما عليهما حين تذهب ساعة من العشاء فيبيتان في رسل وهو لبن منحتِهما ورضيفهما حتى ينعق بها (3) عامر بن فُهيرة بغلس، يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلاً من بني الديل وهو من بني عبد بن عدي هادياً خريتاً (4) والخريت الماهر بالهداية قد غمس حلفاً (5) في آل العاص بن وائل السهمي، وهو على دين قريش، فأمِناه فدفعا إليه راحلتيهما ، وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صبح ثلاث، وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل فأخذ بهم طريق الساحل)،.
قال ابن لحيدان وحدَّث البخاري في صحيحه كذلك قال فيما بين من 66 من ص80 قال:
(قال ابن شهاب: وأخبرني عبدالرحمن بن مالك المدلجي وهو ابن أخي سراقة بن مالك بن جُعشم أن أباه أخبره أنه سمع سراقة بن مالك بن جعشم يقول : جاء رسل كفار قريش يجعلون في رسول الله صلى الله عليه وسلم وابي بكر دية كل واحد منهما لمن قتله أو اسره، فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مُدلج إذ أقبل رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس فقال: ياسُراقة، إني قد رأيتُ آنفاً أَسوِدة بالساحل أراهما محمداً وأصحابه, قال سُراقة: فعرفتُ أنهم هم، فقلت له: إنهم ليسوا بهم، ولكنك رأيت فلاناً وفلاناً انطلقوا بأعيننا، ثم لبثتُ في المجلس ساعة، ثم قمتُ فدخلتُ فأمرت جاريتي أن تُخرج فرسي وهي من وراء أكمة فتحبسها عليَّ وأخذتُ رمحي فخرجتُ به من ظهر البيت فخططت بزحة الأرض (6) وخفضت إليه حتى اتيت فرسي فركبتها فرفعتها تقرب بي، حتى دنوتُ منهم فعثرت بي فرسي فخررتُ عنها فقمت فأهويت يدي إلى كنانتي فاستخرجتُ منها الازلام (7) تقرب بي، فاستقسمت بها: أضرُّ أم لا؟ فخرج الذي أكره فركبتُ فرسي وعصيتُ الأزلام - تقرب بي حتى إذا سمعتُ قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو لايتلفت وأبو بكر يكثر الالتفات ساخت يدا فرسي في الارض حتى بلغتا الركبتين فحررتُ عنها، ثم زجرتها، فنهضت فلم تكد تخرج يديها، فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها عُثان ساطع في السماء مثل الدخان فاستقسمتُ بالأزلام فخرج الذي أكره فناديتهم بالأمان ، فوقفوا، فركبت فرسي حتى جئتهم ووقع في نفسي حين لقيتُ مالقيتُ من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلتُ له: إن قومك قد جعلوا فيك الدية وأخبرتهم أخباراً مايرُيد الناس بهم، وعرضتُ عليهم الزاد والمتاع فلم يرزآني، ولم يسألاني إلا أن قال: أخف عنا، فسألته أن يكتب لي كتاب أمن فأمر عامر بن فُهيرة فكتب في رقعة من أدم ثم مضى رسول صلى الله عليه وسلم), ص70/71/72.
قال ابن لحيدان: وقول البخاري (قال ابن شهاب) هذا تعليق من الإمام لأن البخاري لم يلق إبن شهاب، لكنه موصول صحيح.
وقول ابن شهاب: وأخبرني عبدالرحمن بن مالك، قلتُ قد لقيه وسمع منه كما لقي عروة بن الزبير وسمع منه، قلتُ ايضاً ومحمد بن شهاب الزهري إمام ثقة عدل،وهو شيخ الجماعة،
وجاء في البخاري من ص80 قال (حدثنا احمد أو محمد بن عبيدالله الفُداني حدثنا حماد بن أسامه ابو عُمس عن قيس بن مُسلم عن طارق بن شهاب عن أبي موسى رضي الله عنه قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وإذا أُناس من اليهود يعظمون عاشوراء ويصومونه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : نحن أحق بصومه فأمر بصومه).
وكذا جاء عن ابن عباس:(فأمر بصومه)،, وقد ورد في مسلم, وابي داود، والنسائي وابن ماجه،والترمذي أحاديث مُتفرقة عن الهجرة الكريمة، وورد كذلك نصوص أخرى عن: يوم عاشوراء.
وإنَّ الهجرة لحدث جليل وعمل توافرت حوله النصوص لم يخرج عما ذكرت في الجملة بثتها اسفار كريمة تلقتها الامة بالقبول إذ هي المعول الأصلي سنداً ومتناً،
وإني لَعَجِبٌ جداً عَجِبٌ كل العجب ممن يكتبون عن الهجرة ويحللون احداثها ويذهبون كل مذهب في هذا وما مصدرهم إلا كتب الأخبار والسير والتاريخ،وقد أجمع من قرأتُ لهم من كبار علماء هذه الأمة خلال القرون الأربعة من الهجرة المباركة: أن كتب التاريخ ليست أصلاً يُعوَّلُ عليه، وقد اجتهدتُ رأيي بعدم جواز التعويل في أحاديث السيرة النبوية خاصة مايتعلق منها بحكم عبادة أوحكم مُعاملة عليها،
ومن أجل التساهل الذي وقع فيه بعض المؤرخين والإخباريين القدامى وقع المعاصرون فيما وقع فيه أولئك بحسن نية وبسوء نية،
لكن مابالك لو اعتمد أهل البحث والنقد التاريخي والأدبي والتحليل الاخباري عن السيرة لو اعتمدوا على كتب الحديث: لاجرم لقُطعَ دابر البدع والموالد والكذب والوضع والعجلة،
ولعل كثيراً ممن يكتبون في التاريخ، وكذا التحليل والنقد والبحوث العلمية يظنون ان الكتب الستة ماهي إلا آثار شرعية عن العبادات وما يُدري بعض هؤلاء ان كتب الحديث هي أصل: التاريخ والأخبار والأدب والغزوات والسرايا والبعوث والادارة والاقتصاد, ولسوف يعجب الكثير حينما ينظرون: فهارس البخاري ومُسلم والأربعة وما فيها من أبواب عن/ التاريخ والأدب والسياسة والإدارة والطب والهندسة والنقد، ثم لعلهم يقرعون سن نادم.
سوف اضرب ثلاثة أمثلة على الحشو السيئ والنقل الارتجالي مما جعل هذه الامثلة لها أخواتها في السوء والكذب.
1-(الأغاني) كتاب كبير فيه روايات أدبية وتاريخية ، ونقدية هذا الكتاب فيه: (500)رواية مكذوبة.
(410)رواية ضعيفة.
(121)رواية لا اصل لها.
2-(مروج الذهب) كتاب في التاريخ المختصر فيه:
(410) رواية ضعيفة.
(45)رواية مكذوبة.
3-(فجر الاسلام/ وعلى هامش السيرة)
لمؤلفين مختلفين/ عن التاريخ والحياة العقلية الأول:
(21)رواية مكذوبة.
(18)رواية ضعيفة
(7)روايات لا اصل لها
الثاني:
فيه سرد إنشائي دخل فيه النص بتفسيره فيه:
(29)رواية مكذوبة.
(12)رواية ضعيفة.
(9)لم أقف لها على سند حسب علمي.
الفهرس:
(1)موضع علىساحل البحر الأحمر يُركب منه إلى الحبشة.
(2) حاذق سريع الفهم.
(3)النعيق: صوت الراعي.
(4)حاذقاً: دالاً.
(5)صار حليفاً.
(6)موضع الأثر.
(7)الأزلام القداح والسهام لا نصل لها.
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ صالح اللحيدان
عدد القراء : 2038
تاريخ الموضوع: 13 - ديسيمبر - 2002 ميلادية
(57/1)
ما يجوز أكله وما لا يجوز للشيخ صالح اللحيدان
الشيخ صالح اللحيدان
وهما قريبا الشبه الا أن النيص أكبر حجماً وفي مؤخرته ما يشبه المكنسة من الشوك ينفشه عند استشعار الخطر، وقد يرسله على العدو هكذا قيل لي، وهو شرس ويصطاد بالحيلة خاصة قبيل الفجر الثاني، وسمعت من يأكله بشراهة، وعلل لي بعضهم أن لحمه يقوي الباءة، وينشط الجسم، وهو يتخذ الجحور سكناً، ومثله: القنفذ وصيده هين ويُسمى الدعلج في بعض المناطق من اليمن وهو منتشر، وقد يُباع للأكل في بعض بلاد شمال أفريقيا.
ولا يكاد يقدر عليه سبع لأنه ينحصر في قبة من الشوك مؤذية لكن الحداءة وهي طير بري كبير يحمله إلى الجو ثم يرسله بعد ذلك فيسقط ثم هو يموت فينفرش فتأكله الحداءة، قلت والحداءة من آكلات الجيف وليس فيها نفع للإنسان فليست كاسرة لكنها تفيد في تنظيف القفار من الجيف النافقة، وتأكل كل شيء وسمعتُ من يُسميها الجُلَيمَا فسبحان من أعطى كل شئ خلقه ثم هدى .
والضبع حيوان مُفترس مخطط بين صفرة وغبرة وهو حيوان شديد الصرعة خاصة إذا قبض بأسنانه أو اضراسه وهو من أشد الحيوان قوة وقوته في يديه و أسنانه وأضراسه، ولا يكاد يقدر على التفاتة كاملة لوجود عظم يرده عن ذلك وهناك من يُسميه الأعرج أو العرجاء، أو الحدباء، وهناك من يسميه المخطط.
وهي تأكل الجيف وتنبش القبور وعدوها ضعيف، لكن لا يكاد يجرؤ عليها حيوان لشراستها وشدة قطعها، ويستطيع الحاذق من أهل الصيد أن يمسكها من الخلف لكنه مهما كان لا يستطيع مطاولتها فهي حيوان غير كال.
ولم أر منها ولا الذئب أماناً يمكن أن يكون منهما حتى مع طول التربية لكنهما يفيدان في اللعب معهما حال السيرك لكن دوام إستئناسهما فيه ضرر، وبمناسبة الذئب وذكري له فقد قيل إن وجوده أو جلده أو شعره في البيت يطرد الجان وهذا لم يصح وقد كذبته المادة التجريبية.
وهذه الحيوانات الثلاثة الضبع والنيص والقنفذ لها مثيل في الصفة يوجد في جنوب أفريقيا وأوروبا ويوجد لها مثيل في اندونيسيا، والبرازيل لكنها ليست منها في الصفة الجلدية, والطبيعة.
قال ابن لحيدان: وقد كثر القول حول هذه الحيوانات هل هي حلال أو حرام وإني إن شاء الله تعالى مبين ذلك حسب علمي وأردفه بما يحتاجه مثل هذا المقام من طرحٍ يستدعيه القول ولا بد:
فأقول قد ورد عن ابن أبي عمار قال:
قلت لجابر رضي الله عنه: الضبع صيد هي؟
قال نعم،
قلت: قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم،
قال: نعم, رواه احمد والأربعة وصححه البخاري وابن حبان (1) .
فهذا نص صحيح يجوز أكل الضبع ولعل العلة هنا بجانب كونها تعبدية بجانب كونها كذلك، فالضبع حيوان ماضغ جيد الهضم لا يبقي ما له سوء من عفن أو جراثيم، وان كان ذا ناب فإباحته جاءت بنص خاص لم يقيد بمقيد بين متأخر كما انه لم يخصص ولم ينسخ حسب علمي.
وكونه مكروهاً من بعض الناس فمثله ككراهية الضب، وقد رأيتُ بعض الناس من يكره الضب جداً بل ينفر منه، ويهرب مع انه مباح (2) .
والعرف والعادة والكراهية كلها لا تقدم ولا تؤخر مادام قد صح النص في شيء ما كما هي الحال عكساً.
وجاء عن القنفذ عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما انه سُئل عن القنفذ فقال: قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً قال شيخ عنده (3) : سمعت أبا هريرة رضي الله عنه تعالى عنه يقول: ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنها خبيثة من الخبائث.
قال ابن عمر: أن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هذا: فهو كما قال أخرجه احمد وأبو داود (4) والذين يكرهون أكله إنما لشكله وكونه يأكل الزواحف السامة، وسمعت انه علاج لبعض الأمراض لكنني لم أتحقق من ذلك.
ولم أر أحدا أكله تضرر منه، وحدثني رجل تونسي انه مغرم به وله عنده طعم، وكذلك أناس من أهل اليمن، يقبلون عليه ولم يضرهم أكله، وجاء في حديث آخر عن أبي قتادة رضي الله تعالى عنه بجواز أكل الحمار الوحشي متفق عليه.
قلت والحمار الوحشي مخطط شره الجسم حيوي الحركة فيه عنف وله صولة وسرعة جري، وينظف نفسه ويعيش جماعات جماعات، وليس فيه من الحمار الأهلي إلا قرابة الشكل والا فهما يختلفان جداً، فالحمار الوحشي لا يأكل العذرة ولا المنتن من الطعام بخلاف الحمار الأهلي، ولا يحكم على شيء في حال جوع ضار فان لكل شيء حكمة ونظرة،
قلت وتختلف رائحة الحمار الوحشي عن الأهلي،
ولا تكاد: الضبع تجسر عليه لعنفه وسرعته بخلاف الأهلي فهو إذا رآها وقف خوفاً فتأتي اليه فتأكله، ومجمل ما يمكن ذكره هنا إن الإباحة تتعلق بصحة النص، وما جاء نص صحيح في اباحة شيء او جاء نص صحيح في تحريمه الا والخير والنفع هناك فإن الشريعة جاءت لمصلحة العباد في دينهم ودنياهم، ولا خير الا وقد دلَّ النبي صلى الله عليه وسلم امته عليه، ولا شر إلى وحذرها منه، فالخير كل الخير في الاتباع وسلوك منهج النص الصحيح في العبادات والمعاملات.
قلتُ والنيص يلحق بالقنفذ إلا أنه عشبي في بعض حالاته، واكبر حجماً منه، والنيص سبق نظره آنفاً، وقال صاحب مكتبة الصديق بالطائف ان أهل اليمن يُقبلون عليه، يصطادونه فجراً قال: وأنا أكرهه، قال كذلك: ويذكرون أن لحمه علاج للباءة قلت الأصل جواز أكله والكراهة، ليست قاضية على البراءة.
وورد عن اسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما قالت: نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرساً فأكلناه متفق عليه.
قلتُ الفرس الانثى من:الخيل، والخيل اسم جمع يعم الذكر والانثى، والذكر يطلق عليه حصان.
والخيل فيها المعرب الاصيل وفيها الوسطى وفيها الهجين.
ويُعرف الاصيل منها بصغر الاذنين وصغر الرأس، وحرارة العينين وكبر المؤخرة ورشاقة الحركة مع الف ودراية لصاحبها وفي الانثى دلال وحركات جميلة، وصهيل الاصيل منها فيه بحة وقصر وتمتاز بسرعة الجرى مع دقة المسار، قال ابن لحيدان، والخيل مباحة الأكل لا ضير في هذا ولم أر من خالف بدليل خاص صحيح ومن قال يؤكل جنبها الأيمن فقط فليس بصواب،
لكنني لا أرى اكلها الا في حال دون حال، وهنا بعض ما يجوز أكله اذكره من باب مزيد النظر
الضب.
الجربوع, او اليربوع.
الصقنقور (5) .
ومما لا يجوز أكله كل محرم كالمغصوب والمسروق والمحتال في تملكه حتى وان كان اصله حلالاً .
والجلالة من الطير والحيوان، وهي التي تأكل العذرة والزبالة وبقايا سواقط البيوت المختلطة بالاوساخ، خاصة الماعز والشاة، والدجاج، والبط، والاوز، والرومي والحبشي والسمان.
وظاهر هذا واضح من مراد المنع فان اكل النجس واكل القذر والاوساخ يولد سوء المنبت وخبث اللحم، وهذا معلوم من حال الجلالة بالتجربة وعلاج هذا حبس الحيوان والطير قرابة اربعين يوماً في مكان نظيف واكل صحي نظيف حتى تطهر دواخلها من دم ولحم ثم تباع او تؤكل، ولا يجوز اكلها فضلاً عن: بيعها وهي جلالة فهذا غش وظلم وضرر بالغ،.
وكم طلب لي شخصياً عند اللقاء بخادم الحرمين الشريفين كم طاب لي وطاب لهذه الامة اهتمامه الشديد السريع المسئول عن منطقة جيزان وتعجيله العلاج وندبه لمعالي الوزراء كل فيما يخصه، ونظر حال الحيوانات الناقلة واتلافها بطرق طبية فنية، وكم عرف الناس الحركة السريعة المنظمة لاتلاف كل حيوان ناقل لمرض حمى الوادي المتصدع بل تجاوز الامر ذلك من باب حسن الجوار ومتانة العلاقات بين المملكة واليمن أن قدمت المملكة بذلاً كريماً من رش وعلاج لهذه الدولة المجاورة، وليس أعظم من التوجيه بسرعة تعويض اصحاب المواشي النافقة او التي ان أُتلفت بطرق فنية لا يتألم معها الحيوان ,
فنسأله تعالى أن يعزه بطاعته ويسدد خطاه بتقواه ويمده بالصحة والتوفيق.
البيان والمراجع
1 ذكره في هامش بلوغ المرام ص 277، قلت وهو كما قال فالحديث صحيح وان وقع خلاف لفظي، وابن ابي عمار/ ثقة لم أر من ناله بجرح.
2 أجاز النبي صلى الله عليه وسلم أكل الضب كما في حديث خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه، والحديث: صحيح.
3 لم أقف على اسم هذا: الشيخ حسب نظري.
4 البلوغ ص 278 وقال: اسناده ضعيف وهو كذلك, قال ابن لحيدان: العرب تكره اكله وذكر بعض الفقهاء ذلك لكن العبرة بالدليل صحة وضعفاً.
5 دابة زاحفة ملساء تدفن نفسها في الرمل عشبية نظيفة بين الصفار والبنية في اللون لا يتعدى طولها من عشرة سم الى 15 سم, لكنها تختلف من بيئة الى اخرى.
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ صالح اللحيدان
عدد القراء : 3472
تاريخ الموضوع: 21 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(58/1)
العلم والفرائض للشيخ صالح اللحيدان
الشيخ صالح اللحيدان
والفرائض أمرها عجيب فهي قد اشتملت على: الفقه/ والحديث/ والحساب وفقه الفرائض يراد به فقه النصوص الواردة في الكتاب والسنة، والحديث يراد به إثبات الصحيح من النصوص الواردة في أدلة الفرائض وهذا (غاية في الأهمية) لا يكاد علم الفرائض يسير إلا وعلم الحديث معه، أما الحساب الذي هو توزيع (التركة على الورثة) فهو غاية المراد، وهذا قد يقوم به غير العلماء ممن أوتي دقة الحساب وصفاء الذهن وحسن التصور للتركة ونصيب كل وارث من أصحاب: الفروض، والعصبة، لكن هناك بعض حالات يحسن بالعالم وطالب العلم الوقوف عليها ولابد وهي حالات ليست كثيرة لكنها مهمة إذ الحاجة داعية إليها ومن هذه الحالات:
الزيادات الأربع في الفرائض
وتسمى كذلك: العشرينية.
وتسمى كذلك: التسعينية
وتسمى كذلك: العشرية
وسبب تسميتها حسبما نظرت أنها:
منسوبة إلى: زيد بن ثابت رضي الله عنه وسوف أبين هذه الحالة بشيء من التفصيل الذي يدرك معه المراد منها على سبيل نتجاوز فيه الإطالة فنبين هذه التسميات فنقول:
العشرينية/ لأن مصححها عشرون هكذا ولا أظنها تتعدى هذا بحال لأن الورثة هنا يحدد نصيب كل واحد منهم المصح للمسألة والورثة هم:
جد 1 1
أخت شقيقة 2 2
أختان لأب 3 4
فيكون أصل ما علمنا خمسة 5 والكيفية، أن الجد له سهمان: 2
فيبقى من الخمسة: ثلاثة، تأخذ الأخت الشقيقة نصف الثلاثة اثنين 2 ونصف 1 2 ثم يبقى بعد ذلك نصف فيتم قسمته بين الأختين لأب:
تأخذ كل واحدة منهما الربع (1 4 )، ثم نضرب مقام الربع في أصل المسألة هكذا فيحصل لنا أربعة وعشرون ويسمى هذا المصح فيأخذ كل وارث نصيبه بمفرده لكن مضروباً في: أربعة فيحصل لنا أمر يكون على هذا النحو
الجد له ثمانية 8
الأخت الشقيقة لها عشرة 10
أخت لأب لها 1 واحد فقط
أخت لأب لها 1 واحد فقط
فيتم الجمع/ 8 + 10 + 1 + 1 =20 فبهذا سميت العشرينية.
نعم قد يكون فيها صعوبة لكن حفظ منازل الورثة ونصيب كل واحد يؤدي هذا الى فهمها حتى ترسخ في الذهن ثم لا تزول وكثرة المران على القسمة وحفظ أسماء الورثة يهون من صعوبة مثل هذا كحال المناسخات مع فارق كبير بينهما.
ولعل تسمية بعض الحالات بأسماء استقرائية يهون الأمر على موزعي التركيات والذين ينظرون في: قضايا الإرث والخصومات بين الورثة فبجانب ما مر هنا كذلك ما يسمى ب: التسعينية وهي من:
أم
وشقيقة
وأخوان
وأخت لأب
فمن ضبط هؤلاء على النحو يتحدد نصيب كل واحد منهم لكن هذه المسألة فيها تفصيل مهم ولهذا أذكر هنا
فالأم لها السدس (1 6 )
والجد له الباقي
وللشقيقة النصف
ومن هنا تكون الحال هكذا:
الأم لها 3
الجد له 5/ ثلث الباقي
الشقيقة 9
أما الجد فأخذ ثلث (1 3 ) الباقي لأنه الأحظ له (هكذا) وهذا ما يحسن فهمه وضرورة نظره.
وتكون التسعينية من ثمانية عشر 18 لكن بعد القسمة على هذا النحو تكون قد استغرقت سبعة عشر فقط 17 ونحن قلنا إنها أصلاً من 18 فكيف حصل هذا.
لأنه يبقى سهم واحد (1) لا ينقسم على عدد رؤوس أولاد الأب فهنا ندخل في الحساب فنضرب الخمسة 5 في أصل المسألة 5x18=90 فتكون صحيحة من تسعين.
ثم نضرب الخمسة في نصيب كل وارث فيكون هكذا.
1 الأم لها/ خمسة عشر
2 الجد له/ الباقي,, خمسة وعشرون.
3 الشقيقة لها/ خمسة وأربعون.
4 وللأولاد أولاد الأب / خمسة.
للذكر مثل حظ الأنثيين.
فمثل هذا,, لابد ,, من فقهه والوقوف عليه خاصة: الجد, والأخوين، والأخت لأب.
لأنه قد يحصل بسبب العجلة أو عدم حسن التصور خلل ما يوقع في الخطأ فتفسد القسمة كلها.
وإذا انعدم لدى طالب العلم أو موزع التركة انعدم الحس من خلال العجلة فإنه قد يستمرىء ذلك, لكن الحال هنا موحية لليقظة جدا حتى ولو أجَّل من يقوم بالحساب المسألة إلى حين تهيؤ الوقت المناسب الطويل للنظر والقسمة ولعل حفظ الفروض:
الثلثان 2 3
النصف 1 2
الربع 1 4
الثمن 1 8
السدس 1 6
حفظ هذه: الفروض كما جاءت في سورة النساء مع حفظ أصحاب الفروض:/
بالاسم.
والدرجة.
والنصيب.
وحالات صاحب الفرض مع الآخرين هذا يعين على نظر متمكن أمكن في حق كل وارث أن يأخذ بعين مستقرة ونفس راضية، وروح مطمئنة.
ولعل ما أكتبه هنا إنما هو سبيل قويم حتى تستقيم حال الورثة صغارا وكبارا مع التركة ما لها وما عليها.
وحتى لا ينحو أحد باللائمة على العلماء وقاسمي التركات عند: توزيع الإرث.
ولست اقطع القطع كله أن ما أكتبه ضربة لازب فإن الباب مفتوح للتناول وفوق كل ذي علم عليم
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ صالح اللحيدان
عدد القراء : 1469
تاريخ الموضوع: 20 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(59/1)
الحلم والرؤيا للشيخ صالح اللحيدان
الشيخ صالح اللحيدان
فالرؤيا أصلها حقيقة شرعية وبهذا فهي تختلف عن (الأحلام) الحلم فالرؤيا من الرحمن، والحلم من الشيطان وإذا أراد الله سبحانه وتعالى لعبد ما خيراً فانه يخلق في قلبه ما يراه في نومه
إما على سبيل:
البشارة بخير.
أو تحذير من شر.
أو وعيد على سوء.
أو إخبار من ميت ما له وما عليه.
أو تنبيه لأمر خاص به.
أو بيان حاله ليأخذ حذره.
ولا يرى مثل هذا كل أحد قال تعالى: (لهم البشرى) جاء في تفسيرها أنها الرؤيا الصالحة.
وجاء في الصحيح (لم يبق إلا المبشرات) وجاء في الصحيح (لا تكاد رؤيا المؤمن لا تكذب في آخرالزمان) أو كما قال عليه السلام.
أما صفات (الرؤيا) فهي كما يلي:
1 أن تكون: قصيرة
2 أن تكون: واضحة.
3 أن تكون: مُعينة.
4 أن تكون: على مستطاع.
5 أن تكون: هينة.
6 أن تكون: متكررة, وليس لازماً.
7 أن تكون: مقبولة.
8 أن تكون: معلومة التعبير.
أما (الحلم) فهو اختلاط شيء في ذهن (النائم) يحصل له بسبب:
1 حساسية مفرطة.
2 أو توقع مكروه.
3 أو كثرة تفكير.
4 أو كثرة آمال وتخطيط.
5 أو كثرة أكل دسم.
6 أو كثرة مشاكل.
وصفاتها كما يلي:
1 مضطربة.
2 غير واضحة.
3 طويلة.
4 يحصل معها قلق وهم.
5 يحصل فيها أشياء متنوعة مثل
6 كثرة الطيران.
7 كثرة السباحة هكذا.
8 كثرة الخصومات.
9 كثرة المتضادات.
وغالب من يرى مثل هذا أحد ثلاثة:
1 مريض نفسياً.
2 فيه فسق في دينه أو ضعف.
3 يكذب في حياته,, أو يحسد,, أو يحقد، وإنني بهذا أنصح بعدم قراءة كتب تفسير (الأحلام) و(الرواء) لعدم إجابتها للرؤيا الجديدة حتى وان اتفقت في كل شيء وذلك لاختلاف الزمان والمكان والحال واختلاف الاسم والطبيعة الخلقية، وإنني لآمل من: (المؤلفين) عدم التسرع في التأليف إلا بعد العرض على المعبرين المعروفين وترك التأليف فيه خير كثير.
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ صالح اللحيدان
عدد القراء : 1702
تاريخ الموضوع: 19 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(60/1)
الحجر كيف يكون للشيخ صالح اللحيدان
الشيخ صالح اللحيدان
ولما كان الابن قد عاش كل عمره عند أمه فقد ماتت لديه عاطفة الأبوة المعاكسة إذ لو جعل نفسه مكان أبيه لما فعل ما فعل، وقد ماتت ولا جرم لديه عاطفة البنوة و إلا فالأمر أهون من ذلك بكثير، وفيما أدركت ذلك اتصلت به فجاء مشكورا فرحا ولما تبين له حقيقة البر بصرف النظر عن: الحياة عند أبيه، ولما تبين له ما هو: الحجر؟ وكيف يكون؟ ولى ولم يعقب إلى البيت الحرام مستجيرا بالله مما أراد: صنعه والإقدام عليه وقد ظهر أن الأب كريم وذو مال وفير، وله معارف عصبة وذوو رحم فينفق على هذا وذاك بعقل وحكمة وقياس سليم.
أما هما فأدركا ما هما عليه وأنهما ليس لهما إلا الظاهر والحمد لله حمدا هو أهله.
فيا ترى ما هو الحجر؟ ومتى يكون؟ وما هي أنواعه؟ وأحكامه، وصفاته؟
أبين هذا حسب علمي، وما يؤديه اجتهادي وهو محدود حتى يتضح أمره، وما يكون للمحجور/ وما يكون عليه.
أبدأ فأذكر أن الحجر ليس أصلا إنما هو فرع لا يكون أبدا إلا بموجب شرعي ناهض قد سلم من كل معارض، ومثل هذا يحتاج كله إلى: دهاء,, وعمق,, وبعد نظر, من ينظر حال المحجور عليه فالحجر على هذا يراد به المنع تقول: حجرت الأرض بسور منعت عنها، وتقول حجَّرت الحوض بتشديد الجيم بمعنى أحطته بحاجز صغير لئلا يتسرب الماء وأحطته يراد به سورته.
ويأتي الحجر بمعنى التضييق والتحجيم وبين المنع والتضييق العموم والخصوص.
ويطلق على المعاني كالعقل قال سبحانه:(حجراً محجوراً) لأن العقل السليم يحجر صاحبه عن رديء: القول, ورديء: الفعل.
وأصله الشرعي: منع الإنسان من التصرف بماله بموجب شرعي صحيح وهو أنواع:
حجر على جماد حتى يتبين صاحبه.
حجر على حيوان حتى يتبين صاحبه.
ويقاس على هذين ما كان مثلهما.
والحجر الأول فيما لو لم يعرف لصاحب هذه الأرض مالك مع وجود سور فلا تملك لكن يعلن عنها حتى يتبين صاحبها وإلا فتكون لبيت مال المسلمين لينظر فيها ولي الأمر.
والحجر هنا بمعنى: الحفظ.
ومثله ما ذكرت عن: الحيوان إلا الإبل والثالث الحجر على الكبير لعدم حسن تصرفه كمن هرم أو أصيب بمرض أفقده الوعي مع طول ملازمة المرض له والرابع الحجر على السفيه الذي لم يحسن التصرف بعد.
الخامس الحجر على الصغير لحفظ ماله.
السادس: الحجر على المجنون.
السابع على المال المتخاصم حوله.
وأريد بعد هذا أن أبين هذه الأمور:
الأول: يحرم دعوى عدم حسن تصرف الأب/ أو الجد/ أو الأم, وإخراج تقرير طبي مزور أو بسبب الرشوة أو بسبب الحيلة أن هذا يوجد خلل ما يوجب الحجر عليه.
الثاني: يحرم التصرف في مال المحجور عليه إلا لصالحه لئلا يذهب المال بسبب الزكاة.
الثالث: يحرم استغلال المحجور عليه بمحرم.
الرابع: يحرم المخاطرة فيه.
الخامس: يبقى المال المحجور عليه حتى ينتهي وضعه بحكم يبين ماله وما عليه.
السادس: يضمن المال المحجور عليه في حال التفريط فيه وقام الشاهد على هذا.
السابع: نتيجة لظلم قد يحصل من قريب على قريب فإنه كما تدين تدان .
ومثل أمر الحجر ما تسببه الوشاية بين الأقرباء أو زملاء المهنة أو الجيران من الحجر على من وشي به وهو: ضعيف/ أو مسكين/ أو قوي محسود فيحجر عليه ولا يستطيع الدفع لغموض ما حصل أو عجزه اصلا عن: المدافعة أصلا لضعفه وقلة حيلته.
ونتيجة لهذا فإن الله ينتصر لمثل هؤلاء ولو بعد حين:
وهذه بعض الأحكام أبينها حسب اجتهادي لتكون أمام كل مسلم يخاف الله ويرجوه فمن ذلك:
1 إذا كان على شخص ما دين مؤجل لم يحن وقته فلا تجوز المطالبة به قبل ذلك.
2 من لم يستطع أداء الذي عليه من دين وبان هذا من حاله لم تجز مطالبته به، وكيف يجبر على مالا يملك, قال تعالى:(وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة).
3 من مات أو سافر أو مرض وعليه دين لم يحن وقت سداده فلا يطالب به مالم ير الورثة ذلك فلا بأس.
4 الحجر لا يزول عن الكبير ونحوه إلا بثبات زوال سببه.
5 الحجر على المفلس يكون لمصلحة أصحاب الحقوق لكن لا يجوز أن يطول هذا الى ضروريات حياته وأسرته.
6 الحجر على الكبير والصغير والمجنون والسفيه إنما هو لنفعهم وما يعود عليهم من صلاح فوجب هنا تنمية أموالهم وعدم حبسها.
7 إذا حجر على شخص فيحسن أن يُبين هذا للناس خصوصا الصغير والسفيه والكبير لئلا يزيد ما عليه وحتى لا يقع في الخطأ أناس آخرون.
8 لولي الأمر ان يبيع ما يملكه المفلس المحجور عليه لسداد ما عليه من دين أو ديون حاضرة تضرر اصحابها ويترك للمفلس ما يكون له من ضروريات الحياة.
لأن قاعدة الحجر لا ضرر ولا إضرار لا ضر ولا اضرار.
9 يحرم استغلال المحجور عليه لنفع ذاتي.
10 لا يجوز للمعسر التلاعب بحقوق أصحاب الديون والمماطلة بمالهم عليه من: دين، خصوصا من يستغلون الصكوك الشرعية بغير وجه حق شرعي.
11 يحرم ادعاء الإعسار للهروب من السداد ومثله لا يوفق إلى خير، وقد يصاب بنفسه.
12 يحرم تمثيل دعوى تقام للإعسار.
13 لا يجوز للكفلاء التضييق على الضعفاء والمساكين بحسبهم حتى يسددوا ما عليهم إلا بعد نظر تقي أمين أنهم يملكون ما يدفعونه لمن له حق عليهم.
14 المجنون يحجر عليه لمصلحة نفسه لكن يجب تنمية ماله، وعمل ما يصلح له فإن القيام على المجنون جهاد مأجور صاحبه إذا صلحت نيته في هذا ولعل هذا الطرح المقتضب عن الحجر ما يفتق الهمم فيعي الناس مالهم وما عليهم وتدرك الحقوق فيأخذ من له فيها حق منها، ويعطي من عليه الحق ما عليه.
والحجر بالرجوع إلى ما حصل عام 1417هـ فيما كنت بمكة بالرجوع إلى تلك الحادثة يمكن أن تساهم في حقيقة أمور كثيرة بما يكفل الحقوق، ويدرك معه حالات المحجور عليه.
وكذلك حالات طالبي الحجر.
فإن المسألة هنا تحتاج إلى: دهاء وفطنة/ وتأن مكين/ وبعد نظر ومعرفة أحوال الخلق بالتمعن في التصرفات والسمعة وكثرة الاستشارة لذوي الألباب، فإن المستشير في أحواله يبعد عن الخيبة.
وإذا قرن هذا كله بعدل نظري وعقلي، وجودة بديهة ونية صالحة فيوشك أن تتكشف حالات كثيرة.
وإنني في مثل: الحجر وعامة المظالم أدعو إلى سعة البال وطول النظر وكثرة الاعتبار بالوقائع والتأني.
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ صالح اللحيدان
عدد القراء : 1399
تاريخ الموضوع: 19 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(61/1)
الجمجمة ورسوم المخ الإلكترونية للشيخ صالح اللحيدان
الشيخ صالح اللحيدان
وهذا باب اتسع الخرق فيه على الراقع وهو باب سبَّب فتح المجال أمام كل من أراد القول أن يقول ومن أراد يؤلف أن يؤلف على غرار لم يكن من قبل فاختلط حطب الليل بحطب النهار والماء باللبن فنتج عن هذا وذاك مرارة توجس الحذر مما يخشى منه أن يكون من كثير من متعجلي النشر والكتابة خاصة أولئك الذين يركبون الصعب ويصعدون المهالك ويقصدون النار سعياً سعياً، الذين يكتبون ولعلهم يناقشون ما هو خاص بثوابت لا يقوم بها إلا الموقع عن رب العالمين فهناك من يبذل وهناك من يجتهد وهناك من يرى، كل ذلك انطلاقاً من حرية النظر وحرية القول وحرية الكتابة، وليس كذلك إنما هو العجلة والفهم الخاطئ والتلقي المعوج.
وحرية الكتابة وسواها إنما تكون بعد تحرر العقل والعاطفة من أردان رواسب ليست بشيء إنما هي شوائب تُلقفت من هنا وهناك دون ضابط حر نزيه كريم. ولقد تبين من خلال الأربعين عاماً أو تزيد مرارات لم تكن لتكون لولا ما ذكرت، انظر وقلب النظر وفتش بعمق متجرد حال من : نال بعض الصحابة، وحال من: ناقش ثابتة ما، وحال نظر فقه نازلة، وحال من أساء إلى نفسه في رواية أو قصة أو رأي تجدهم: مرضى ما في ذلك شك تجدهم وان كانوا يرون أنهم: هم هم، في تمزق نفسي رهيب وتخبط مرير وخوف من فجأة الموت تلك التي لا يريدونها لأنهم يعلمون حقيقة ذلك الموقف وإن بدوا على حال تهاون وعدم إلقاء بال من ذلك مهما كان التفسير عند هذا وذاك، ليست هذه: موعظة، أو أزفها: نصيحة، فكفى بالموت واعظاً لكنها حال تقريرية محسوسة.
بل إن : أمريكا وأوربا والشرق الأقصى على اختلاف قليل من الاتجاه اتجهت كلها إلى فتح المصحات والعيادات النفسية لا يتردد عليها إلا أولئك الذين تخطوا حاجز حرية الفطرة ليقعوا في عبودية الذات والشهرة والجاه ولقد برهن فيكتور هوجو وشارلس جارفس والبروموترافيا وجان جاك روسو والبرت.. إليوت وميخائيل نعيمة وقسطنطين زريق وجرجي زيدان وسواهم على حال متردية نفسية وعقلية ما بين: منتحر ومصاب بالفصام والاضطراب، ويائس من نفسه ومن حوله، وكم كان فاقد الشيء لا يعطيه.
وبين يدي الجزء الأخير من كتاب (الناصية) الذي أظهرته رابطة العالم الإسلامي بمكة في دولة مباركة داعية خيرة باذلة ناهضة، لم يرق ما كنت قد كتبته من قبل عنها لبعض المتعالمين وراحوا يخبطون القول على: علاته لكنهم لم يفعلوا شيئاً إلا مجرد النقد الإنشائي دون الدخول في النواحي العلمية والطبية الدقيقة وما ورد في القرآن الكريم من إعجاز جهلوه لأنهم يفقدون ما هم بحاجة إليه وقد قال سبحانه (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولم يأتهم تأويله) ومن جهل شيئاً عاداه ومن هذا الباب ورمت النفس وانتفخ الصدر كناطح صخرة باد وبقيت.
سوف أورد جديداً عن : الناصية والجمجمة سوف أورد بكلام علمي موزون ضابطه شواهد الحال والحس على مثال يؤمن به من لا وصاية عليه من سوء أو نشأة نزقة أو حقد دفين أو انحراف يرى أنه هداية لأبد الآباد.جاء في ص40/41/42/43/44/45 ما يلي: (كان الظن لسنوات عديدة أن الأجزاء الأمامية أو الجبهية من المخ، والتي تسمى الفصوص أو الفلقات الجبهية، هي مناطق صامتة من المخ، وأن دورها ضئيل في التحكم في وظائف الجسد وكان سبب وجود هذه الأفكار أنه عند قطع أو بتر الألياف العصبية الداخلة والخارجة من الفلقات الجبهية، لم يكن يلاحظ تغير مذكور في نشاط الحيوانات. وقد لوحظ وجود تأثيرات مشابهة على الكائنات البشرية التي تعرضت لتدمير الفلقات الجبهية أو بتر الألياف المرتبطة بها خلال الحوادث، وساهمت الحقيقة التي تقول: إن استشارة الأجزاء الداخلية في الفلقات الجبهية لا يترتب عليها أي حركة في الجسم في ترسيخ فكرة أن هذه الفلقات الأمامية صامتة ويمكن رؤية الفلقة الجبهية والسطح الجانبي والسطح الوسطي لها، وقد وجد أنه إذا استثيرت هذه المناطق من
المخ لا تنتج حركة، وهكذا اطلق عليها : الاجزاء الصامتة من المخ أما في منطقة (مركز) الحركة في المخ فإن استثارتها يترتب عليها تحريك للاعضاء المختلفة في الجسم ولهذا فإنه يمكن التعرف على هذه المنطقة وكذلك المناطق الحسية والبصرية أما المنطقة الجبهية فقد اعتبرت صامتة).
(وقد بينت دراسات رسوم المخ الألكترونية ودراسات وظائف الأعضاء الكهربية أن المرضى والحيوانات التي تعرضت لتلف الفلقات الجبهية غالباً ما يعانون من تناقض في قدراتهم العقلية وفي الكائنات البشرية فقد يعانون من هبوط في المعايير الأخلاقية، ويُبدي المرضى علامات الابتهاج والرضا عن النفس. وكثيراً ما يبدون امارات تبجح، وتنقص قدراتهم في التركيز وروح المبادرة والتحمل، وتعاني ذاكرة الحوادث القريبة حينما تقطع الالياف التي تمر إلى أو من الفلقات الأمامية "مثل ما يتبع استئصال فلقة" وتتناقص بدرجة كبيرة قدرة المريض على حل المشكلات وبخاصة هذه التي تحتاج إلى قدرات عقلية مميزة وتتأثر قدرة المريض على الحكم على موقفه وينحصر قلقه على الحاضر وعلى نفسه).
( وانه من المعلوم الآن أن الفلقات الأمامية مهمة جداً لأنها ترتبط بالعمليات العقلية العليا فنحن نقوم بعمل الخطط داخل هذه الفلقات وهكذا فإنها تؤثر في افعال ووظائف اجزاء المخ الاخرى مثل افكارنا ومشاعرنا واحاسيسنا( و)قد شرح القرآن الكريم العلاقة بين الفلقات الجبهية للمخ والتصرفات الاخلاقية :)للكائن البشري( وذلك في الآية التالية )أرأيت الذي ينهى، عبداً إذا صلى أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى أرأيت إن كذب وتولى، ألم يعلم بأن الله يرى، كلا لئن لم ينته لنسفعاً بالناصية ناصية كاذبة خاطئة( العلق).
(والكلمة المستعملة في الآيتين الأخيرتين: وهي (الناصية) وتعني الجبهة، ومن الواضح أن الجبهة في هذا القول تشير إلى ما يقع خلف أو وراء عظام الجبين في مقدم الرأس، وتأتي المبادأة في الكذب بأنشطة عقلية في الفلقات الأمامية ثم تحمل تعليماتها بأعضاء المراسلة خلال فعل الكذب، وبالمثل فإن الخطايا تخطط في الفلقات الأمامية قبل أن تحمل إلى العين واليد والأعضاء التناسلية).
(ولعله للاسباب السابقة امرنا الله تعالى بالسجود أي بوضع ناصيتنا (جبهتنا) على الأرض كما ذكر ذلك في تلك الآيات القرآنية قال تعالى :(كلا لا تطعه واسجد واقترب( العلق )) وهذا الأمر باجراء السجود يعني أن علينا أ ن نضع مركز ارادتنا واخذ القرار على الأرض لاظهار الخضوع الكامل لله سبحانه وتعالى).
(وهكذا فقد اشار القرآن الكريم إلى دور الجبهة أو بصفة أخص دور الفلقات الأمامية في المخ في صناعة القرار). (وبالتالي فإن هذه الآيات التي وردت في القرآن الكريم منذ قرابة خمسة عشر قرناً )القرن السابع بعد الميلاد( تتضمن علماً محيطاً ولو باشارات اجمالية لوظائف الفلقات الأمامية للمخ وهو مالم يكن معلوماً للاطباء في ذلك الوقت، ولم تتم معرفة وظائف الناصية إلا بعد الدراسات المتعمقة لوظائف الاعضاء ووظائف الفلقات في نصف الكرة المخي وموقعها في الانسان). اليس ذلك دليلاً على أن هذا القرآن الكريم هو كلام الله سبحانه وتعالى أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم وصدق الله العظيم القائل: (قل انزله الذي يعلم السر في السموات والأرض إنه كان غفوراً رحيماً).
قال ابن لحيدان ومن توجه بتأمله توجهاً عقلياً مطرداً دائماً ونظر آيات الخلق في :الخلية والبلازما، وكريات الدم ووظائفهما وحقيقة خلق اللعاب والبنان )الصمة( ولشعر والمعدة والكبد ادرك حقيقة ما كان له ان يدركها لولا ذلك.
قال ابن لحيدان وقد كنت في غالب تفحصي للمرضى انظر للجبين والعينين، وكنت خلال الاسئلة اتفحص الناصية بشيء من: الوخز والضغط، وكنت حين القراءة انفث على الجبين فما هي الا ان يستقر: المريض باذن الله تعالى.لكنني في كثير من: الاحيان اعجز في حل المشكلات أو عرضها إذا كان من أمامي ذا دها ومكر وسوء قصد تجاه المطروح أمامه فما هو إلا الانسحاب ليظن أنه ظفر وما هو إلا ضعف الحيلة، ثم وضع الناصية على الأرض ثم البكاء والدعاء لمن يعلم السر واخفى فيذهب ما أجد واتوقع الأخذ ولو بعد حين. اخذ : هاظم ومتعال وذي امل لا يعلم الا الله مالك الملك.
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ صالح اللحيدان
عدد القراء : 1655
تاريخ الموضوع: 18 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(62/1)
كيف ينتصر المظلوم للشيخ صالح اللحيدان
الشيخ صالح اللحيدان
هناك حيث الحنين والأنين ورفع الشكوى.
هناك تسقط كل معادلة، مادية يراها غير الضعيف، ويراها غير المسكين فاذا ظلمة الليل نور.
واذا الألم شفاء.
واذاع الجزع سكينة.
واذا الضعف ارادة.
واذا الهم انبساط.
وهذا (نوع) من اجابة الدعاء.
ثم.
ثم.
ثم: ماذا؟
فإذا هي القارعة، وويل: لواشٍ كتب ما كتب أو قال ما قال.
وويل: لظالم تعدى وبهس.
وويل لمعتد تجبّر وأخذ.
فخذ,, أودع,.
ولعل أركان الظلم أربعة:
1 التكبر.
2 الغرور.
3 الحسد.
4 الاعجاب بالنفس.
ودواعيه أربعة:
1 الاستضعاف.
2 الحرص.
3 العصبية.
4 المغالطة.
وضابط هذا: حب الغلبة.
فما هي الدعاوى؟ وكيف تكون؟
أصل الدعاوى أنها: جمع دعوى بمعنى: طلب فتقول دعا طلب، وادَّعى مثلها لكن بمعنى مختلف وبينهما العموم والخصوص من وجه، والدعوى من ناحية شرعية اصطلاحية:
طلب اضافة الانسان الى نفسه بدعواه شيئا ما وهو بيد انسان آخر, وبين تعريف اللغة والاصطلاح تقارب بيِّن، فالطلب هكذا هو: طلب مراده من شخص آخر, وكل شيء يريده المرء الى نفسه هو:طلب، فإن صاحب ذلك الحاح وجزم فهو ادّعى يعني إلصاق طلب ملح بقوة السلطان لاعادة الحق الى صاحبه له أو عليه .
ولكثرة ما يطرأ من الدعاوى أنواعها حقيقتها فأبين ما يتوجب نحو ذلك حسب فهمي على سبيل الاقتضاب فابين هنا أولا ما يلي:
1 أن تكون الدعوى من:
1 بالغ.
2 عاقل.
3 مميز.
أو تكون من:
1 صغير: بوليه العاقل المميز.
2 مجنون: بوليه العاقل المميز.
ويعم هذا: الرجل والمرأة.
وأصل ما تكون هنا أن الدعوى تكون بين طرفين مدعٍ,, ومدعًى عليه،ولو كان كل طرف أكثر من واحد.
وضابط هذا أن تكون: الدعوى على معلوم ممكن, فإذا رفع المدعي الدعوى على من بيده ما يريده لنفسه فلابد هنا من أمور:
1 تحرير الدعوى.
2 بيانها.
3 ضبطها.
4 نواهضها.
5 أدلتها.
6 التحقق من الأدلة.
7 عدم الخلط بين حق وحق.
8 بيان حال المدعي بصفة كاملة.
9 بيان حال الوكيل عن المدعي في حال وجود ذلك.
10 تحديد ذات الدعوى.
والأصل أن يكون ما يدعيه المدعي ملكا لمن هو بيده حتى يتبين خلاف ذلك بيانا صحيحا حسب البينات المادية السليمة من المعارضة.
فإن كانت الدعوى على أرض مثلا فهي لمن هي بيده بما يملكه من صك شرعي صحيح أو وثيقة مصدقة شرعا، أو ما يثبت أنها إرث أو هبة أو إحياء بوجه شرعي لا تدخله دعوى أقوى منه لتبطله مثل:
1 نسخ صك بصك بوجه شرعي صحيح.
2 فهم خاطىء من المدعى عليه حول ما يدعيه.
3 بيان ما يبطل الملكية من أوجه سليمة شرعا مثل:
1 الشهادة المعتبرة شرعا.
2 وجودها ضمن الاملاك.
3 كونها وقفا من قبل: الدعوى.
4 كونها متفسحا من قبل الدعوى.
وفي كل حال يوجد انكار من المدعي أو المدعى عليه فلابد من اليمين على المدعى عليه لصحة ما ورد في هذا كما في البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يرفعه لو يعطى الناس بدعواهم لادعى أناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه .
وعند البيهقي رحمه الله تعالى باسناد صحيح البينة على المدعي واليمين على من أنكر .
قلت أصله في الصحيح، قلت أيضا وهو: موافق لأصول المرافعات الشرعية.
وعند البخاري رحمه الله تعالى عن أبي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم عرض على قوم اليمين فأسرعوا فأمر أن يُسهم بينهم في اليمين أيهم يحلف .
وهذا فيما لو كان المدعى عليه أكثر من واحد فإن اليمين بشرطها تحصل من بعضهم، ولا ضير ان حلف الجميع لأن كل واحد منهم مدعى عليه بجزء من الحق.
وجاء عند الدارقطني رحمه الله تعالى عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما ان رجلين اختصما في ناقة فقال كل واحد منهما: نتجت هذه الناقة عندي، وأقام بينة فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم: لمن هي بيده .
قلت هذا موافق لأصول الحقوق كا بينته من قبل، وأصل معنى هذا: الأثر صحيح لكنه هنا عند الدارقطني ضعيف الاسناد وإلا فالأصل قد ثبت بما يلي:
1 أن الناقة كانت بيد المدعى عليه.
2 أنه قد أقام بينة.
3 لم يعترض المدعي بدليل مادي له فيه من الله سلطان.
فعلى هذا تكون أصول النظر.
ومما ورد نهيا وتهديدا للادعاء الباطل وأخذ الحق بظلم ما يلي:
1 ما جاء عند أحمد وأبي داود والنسائي عن جابر بن عبدالله رضي الله تعالى عنهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:من حلف على منبري هذا بيمين آثمة تبوأ مقعده من النار , صححه الامام ابن حيان.
قال ابن لحيدان، وهذا عام في كل من حلف على ملك بباطل سواء كان على منبره صلى الله عليه وسلم أو على غيره فالمراد أعم، لأن هذا مقتضى النص بواقع دفع الظلم وأخذ الحقوق.
ما ورد عند البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر اليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه من ابن السبيل، ورجل بايع رجلا بسلعة بعد العصر فحلف له بالله لأخذها بكذا وكذا وهو على غير ذلك, ورجل بايع اماما لا يبايعه إلا لدنيا فإن أعطاه منها وفى وإن لم يعطه منها لم يف .
قلت هذا حديث عمك في بيان عموميات وخصوصيات تقع بين بعض الناس قلت قوله صلى الله عليه وسلم بعد العصر لأن هذا الوقت في الغالب هو وقت: البيع، وإلا فالشيء أعم من ذلك, لأن المقصود ذات البيع وما يقع فيه من كذب، وظلم، قال ابن لحيدان قوله صلى الله عليه وسلم فحلف لأخذها بكذا,, وكذا,, الخ .
المراد والله تعالى أعلم أن الرجل البائع يحلف لمريد الشراء أنه اشترى هذه السلعة بألف ريال وقد كذب بحلفه لأنه اشتراها بخمسمائة ريال مثلا.
وقد رأيت هذا ومثله يقع فالله المستعان، والمسلم لابد ان يستعمل ماله وجه لنفسه ودنياه يستعمل كل ذلك بجانب عقله بطاعة الله تعالى وتجنب الظلم حسن ومعناه أمر يقتضيه العقل السليم والفطرة الصحيحة.
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ صالح اللحيدان
عدد القراء : 1559
تاريخ الموضوع: 17 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(63/1)
النفقة للشيخ صالح اللحيدان
الشيخ صالح اللحيدان
فمن الذين تجب لهم النفقة ويحرم تركهم بدونها هم: (1)
1-الأبوان.
2- الأولاد.
قال سبحانه (وبالوالدين إحساناً)
وقال سبحانه (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن)
3- الأجداد.
4- الجدات.
إذا لم يوجد من يقوم عليهم
5- الأعمام.
6- العمات.
إذا كان بينهم إرث ولم يكن هناك حجب.
7- أولاد الأولاد.
مثل ماجاء عن الأعمام والعمات.
والمقصود بالنفقة هذه الأمور:
1 المال.
2 الطعام.
3 الكسوة.
4 العلاج.
5 التعليم.
6 الحماية.
7 الصلة بالنفس.
8 مالايتم الواجب إلَّا به.
9 الرعاية مع القدرة.
وتدور هذه كلها بين: نفقة الحس ونفقة المعنى ،
كما تدور بين القدرة وعدمها (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيثُ لايحتسب) (1)
(وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض) (2)
(ولاتقتلوا أولادكم خشية إملاق) (3)
(وعلى الوارث مِثلُ ذلك)، (4) وللنفقة شروط منها:
1 لازمة لمن كان وارثاً أو أدلى بوارث مع الحاجة, (5)
2 الإنفاق بقدر المراد.
3 أن تكون من كسب طيب.
4 ألّا يستعملها من يأخذها في معصية كبعض (الأبناء) لكن هنا يُنظر الأصلح لهم.
5 أن تكون النفقة مع مقدرة المنفق وعليه في هذا (التقوى).
6 البدء في لوازم الضروريات عند النفقة.
7 طيبة النفس بها.
8 صلاح النية وابتغاء الثواب حتى وان كانت النفقة واجبة.
9 تقديم الأحق في النفقة على غيره أو توزيعها بمقتضى بينهم فلا ضرر ولا إضرار.
10 نظر حالات النوازل.
11 نفقة الابن الكبير الفقير تكون على الأقرب.
12 نفقة الابن المسكين كذلك، لكن يُنظر له عمل كريم، والمسكين أخف حالاً من الفقير قال تعالى :(وأما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر) الكهف،
وقراءة تفسير سورة الكهف عجيبة في ذاتها لمافيها من أسرار كونية وأسرار غيبية وتعلم وتعليم ونفقة وعقل وحكمة وإرشاد ووضع الشيء في موضعه، وأدب ومثال ورواية ولغة معجزة، والكهف دلت على: النفقة والرعاية والحماية والتنزيل بين الأمور كل أمر حسب حاله،
فكم أطمع من (قارئي العزيز) قراءة هذه السورة بتمعن عقلي حاضر ولعلي أنظر هنا أمرين:
الزوجة.
الأولاد, (6)
أما الزوجة فنفقتها على زوجها بقدر ماهو عليه وإذا حصل طلاق رجعي فنفقتها عليه كذلك مادامت في العدة فإذا بانت فلانفقةمالم تكن مرضعاً فلها النفقة بقدر حالها،
والناشز لانفقة لها إذا ثبت نشوزها على تفصيل ليس هذا محله.
والأولاد/ تجب النفقة عليهم كل حسب مطالبه فإن ذهبوا مع أمهم بعد الطلاق فالنفقة واجبة كذلك، ويكون مقدارها حسب حاجتهم ومايكفيهم ومقدرة الأب على ذلك, وعلى الأم والأب مراقبة الله سبحانه وتعالى لئلا يكون الأولاد ضحية عناد أو مكابرة أوحسد وحقد وعلى الأولياء الخوف من الله سبحانه وتعالى وشدة مراقبته، ولزوم الشهامة الحقة، فإن التفريق بين أحد الأبوين وأولاده لاشك أنه عظيم لنزول المصائب الفجأة تلي الفجأة،
وقد كان سلف هذه الأمة يبتعدون جد الابتعاد عن مثل هذا لأنه ليس ضرراً بأحد الوالدين بل هو إضرار، ونزل نفسك يا مسكين منزلة من ضريته، وكان السلف والعقلاء يحذرون من هذا بل كان بعضهم يهرب من القرية حتى لايتم نزع الولد من أحد والديه،
ولو لم يحصل إلا أن هذا يكون سبباً لانشقاق البيت وقطيعة الرحم المحرم ونزول المهالك العاجلة على الفاعل وان بدا منتصراً فان هذا لايعتبر نصراً ولاقوة لأن نتيجته مرة غاية المرارة على الفاعل خاصة مع تقدم العمر وظهور الآثار ومحاكمة الانسان نفسه إذا خلا بها وتعذيبها باللوم ومرارة الندم، فالله إذا أمهل إنما ليأخذ بالتمادي وفي كتاب القاضي التنوخي (الفرج بعد الشدة) عجائب، وفي كتاب الامام ابن أبي الدنيا (مجابو الدعوة) مواقف مروعة, (7)
وقراءة هذين الكتابين توقظ (من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد) واذكر سنة 1399 ه في مكة أن أفريقياً عرض مليون ريال 1000,000 من أجل السماح عمن تجرأ عليه وأخذ أختيه من بيته فأبى وكان هذا بعد خمس وعشرين سنة من أخذ أختيه اللتين كان يرعاهما أخذهما لجدتهما، وقد أفادني أحد الجالسين في مخيم (دار الافتاء) من الأفارقة أن حال من فعل ذلك حال سيئة، وقال هي قصة منتشرة في نيجيريا في قرية لا أذكر اسمها الآن.
فعلى الجميع التقوى ونظر مايذهب لما يبقى، فالندم ولوم النفس يورثان الجنون مالم يكن الإنسان أمعة لايدري فانه يتومض ولابد بسهام الليل.
وقد رأيتُ مما يعرض عليَّ شخصياً أن أطنب في حال مايتعلق بالأولاد حتى يتبصر الناس، ويتبصر كل جيل لما له وما عليه, (9)
وحتى يعي الزوج أن منع الأولاد عن أمهم كبيرة من كبائر الذنوب وقد يُسبب له أسفاً لايصلح له كل علاج فمنع الأولاد وأخذهم بقوة أو حيلة ظلم وأي ظلم لكن آثاره لاتكون إلا بعد حين فليس من مصلحة الأب منع الأولاد إِلَّا البطر،
وكم قد تراجع عندي في بيتي أوبعد درس من دروسي كثير من ظنوا أنهم: هم هم فإذا هم قد ظنوا ظناً والظن لا يُغني من الحق شيئاً، وتبين لهم زلل فهم خاطىء، وزلل عجلة سيئة وللعصبية، والانتصار للنفس الشيء العجيب، وكم اتضح بعد سنين وسنين الخطأ يتلوه خطأ آخر تكرر بمجرد عجلة ما، وعصبية ما، وحب للنصرة الذاتية، (10)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر
(1)المحلى,, لابن حزم , والمغني,, لابن قدامة
(2) (4) ابن كثير ابن العربي.
(5)البخاري ومسلم (كتاب الفرائض).
(6)فتح الباري / ج3 / ج8/ج10.
(7) مجابو الدعوة (ط1).
(9)تلبيس إبليس,, لابن الجوزي.
(10)المصدر السابق/ بتمعن.
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ صالح اللحيدان
عدد القراء : 1572
تاريخ الموضوع: 15 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(64/1)
الحوار العقلي للشيخ صالح اللحيدان
الشيخ صالح اللحيدان
قلت : ولهذا هو أكبر من تصورك أيا كان.
قال : أهكذا : يا صح.
قلت : لأن تصورك متعلق على ما حكاه الطحاوي) في سفره الخالد, والتيمي من بعد.
لكنه يعجز عن غيرها لقصوره، وفقدانه الامكانات.
قال : أي عقل هذا؟
قلت : عقلك أنت، فأنت محدود بحدود مادية ظاهرة.
قال : ظننت بيَّ جهلاً!!!
قلت : كلا لكنك مغرور بالجهل.
قال : لم أفهم تمريرك؟
قلت : انفتح وتجرد وتخيلك أنت بعد: خمسين عاماً فوقها مثلها وتزيد.
قال : أكون قد بلغت مائة وتسعين عاماً.
قلت : المهم.
قال : أنت عجيب.
قلت : ليس بأعجب منك إلا أنت.
قال : العقل حر بالأصل الأول.
قلت : لا تقيده أبداً، وهذا شرط مهم.
قال : نعم.
قلت : انطلق.
قالت : إلى أين؟
قلت : نحو حرية قراءة الكون بتجرد عام ووعي عقلي كبير.
قال : والعاطفة؟
قلت : هنا مربط الفرس اجعلها خادمة للعقل، لا تتقدم عليه.
قال : العقل كبير.
قلت : تكرار للقول.
قال : لم تجب!!
قلت : تريدها: بيزنطية.
قال : ماذا تريد؟
قلت : وهذا مثله.
قال : كيف؟
قلت : اصدق في قراءة: الفطرة.
قال : عقلي يختلف عن عقلك.
قلت : وتختلف النتيجة أيضاً.
قال : إنني أفكر بعقلي.
قلت : هذا : الصواب.
قال : لكنني انطلق على كل شيء.
قلت : تريد قراءة كل شيء.
قال : هو , هو.
قلت : إذاً تفلح لكن، وظف القراءة فالعقل كالمعدة أحيانا.
قال : هل سمعت عن: إليوت.
قلت : أديب كبير,, شاعر.
قال : كيف عرفت؟
قلت : الم ادعك إلى القراءة؟
قال : بلى.
قلت : عرفته انه كان: شاذاً جنسياً وأدخل المصحة مرتين أو ثلاثاً.
قال : لكنه : ناقد.
قلت : لم نختلف، لكن كيف كانت نهايته!!
قال : والبروتومورافيا.
قلت : لعله قاص إيطالي كبير.
قال : وهذا.
قلت : علته أنه يفكر بعاطفته الليلية.
قال : ألم يكن له عقل؟
قلت : لا أنكر هذا لكن انظر شيئين تربيته الأولى، وحالة زوجته وأولاده.
قال : ما دخلنا: نحن.
قلت : أنت البادىء بالقول.
قال : كيف لم يستخدما: العقل.
قلت : هذا ذنبك أنت أين تكملة دورك بعد سلفك الأول.
قال : عجيب.
قلت : نعم.
قال : ليس لدي امكانات.
قلت : هذا جيد يمكنك أن تعقل دورك بحرية حكيمة واثقة.
قال : كيف تذمهما؟
قلت : كلا : أذم أعمالهما.
قال : كيف ترى.
قلت : أرى العقل خادماً للهوى والعاطفة سائدة.
قال : وأنت.
قلت : أحببتك.
قال : كيف ؟
قلت: قد أجبتك.
قال : لم تجب عن/ القاص الإيطالي.
قلت : اسأل: نجيب محفوظ.
قال : صاحب : الثلاثية.
قلت : نعم لكن كيف تقرأها؟
قال : بهدوء.
قلت : ليس عن هذا: أسألك.
قال : باعجاب ومتعة.
قلت : إذاً أنت من خضراء الدمن ,؟
قال : جرحتني في كرامتي.
قلت : لا تغضب بل قومتك.
قال : كيف تريدني أقرأ.
قلت : بروح العقل، والنقد، وعمق النظرة.
قال : إنما هي/ روايات فقط.
قلت : هنا وقعت في الفخ.
قال : عجيب أمرك.
قلت : لأنك جمعت بين: البراءة وفقدان المثل الأعلى.
قال : ماذا,, ماذا.
قلت : هو ما تسمع.
قال : أنت محدود.
قلت: لماذا الغضب إلى هذا الحد؟
قال : أنت البادىء بالذم.
قلت : أين العقل في: الجدل؟
قال : أي عقل تريد؟
قلت : الموصل إلى: النتيجة السليمة فالحق واحد.
قال : رفقاً.
قلت : ألم أقل أنك من (خضراء الدمن).
قال : ماذا.
قلت : لأنك تدافع لا عن: الحق لكن عن هدفك المراد الوصول إليه.
قال : كفى .
قلت : كفى .
قال : هل غضبت؟
قلت : ولم الغضب؟
قال : عفواً.
قلت : لا تكن أمعة، بل: تتحرر.
قال: كيف ؟
قلت : اقرأ : سورة هود .
قال : ثم ماذا؟
قلت : طبق شروط القراءة الحرة العاقلة: فهناك تجد: الجواب.
قال : لم أفهم.
قلت : يجب أن تفهم بالضرورة.
قال : شيئاً فشيئاً.
قلت : نعم .
قال : العقل يكون مغروراً.
قلت : وجاهلاً.
قال : عرفت .
قلت : الزم إذاً.
قال : كيف تكون الخيبة.
قلت : أهون من العيب.
قال : تكون بالقراءة المعكوسة.
قلت : ما هذا؟
قال : الآن: وعيت.
قلت : العقل، العقل.
قال : الآن فهمت.
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ صالح اللحيدان
عدد القراء : 2300
تاريخ الموضوع: 16 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(65/1)
أنواع النسك للشيخ صالح اللحيدان
الشيخ صالح اللحيدان
مسلماً.
بالغاً.
عاقلاً.
مميزاً.
مستطيعاً للنفقة والمركوب.
وهذا أمر عام في: حال الحج لكنه في حالاته التفصيلية اللازمة يتعين على كل مُسلم يُريد الحج عن نفسه أو عن غيره اذا كان قد حج عن نفسه قبل ذلك بشروطه الآنفة الذكر يتعين عليه ولابد أن يُعين نسكاً خاصاً ينويه من قبل من:
تمتع،
أو قران
أو إفراد.
ولما كان سيل الأسئلة والاستفسارات قد جاءتنا مشيرة إلى أن كثيراً من الناس خاصة: جنوب شرق آسيا، وبعض دول أفريقيا يجهلون أمر النسك وأنواعه إلا بصورة تبدو قليلة فانني بجانب ما يجب على المطوفين من التقوى والتفقد المستمر لحال حجاجهم، وما يجب عليهم من: ضرورة التعليم والتوجيه والتفقد بجانب كل هذا أبين ما لعله يوضح حالة كل نسك بصورة غير مطولة.
فالتمتع نسك يلزم من عيّنه ما يلي:
1 أن يحرم به في أشهر الحج.
2 أن يقول عند الاحرام لبيك عمرة متمتعاً بها إلى الحج .
3 من نوى هذا فانه لا يخرج من مكة مسافر قصر.
4 يلزمه هدي.
5 عليه طوافان طواف: العمرة، وطواف الزيارة أو طواف الإفاضة .
6 عليه سعيان سعي العمرة، وسعي الحج في أصح أقوال أهل الأثر .
أما القارن، فيلزمه ما يلي:
1 يقول عند الاحرام,, لبيك حجاً وعمرة .
2 يبقى على احرامه حتى يوم 10 12 .
فإن طاف طواف الزيارة وحلق أو قصر أو رمي وأهدى حل من احرامه حينئذ.
3 يلزمه هدي.
4 لا يخرج من مكة.
5 عليه طوافان وسعي واحد، مع الوداع.
أما المفرد فيقول عند: الميقات بعد الاحرام لبيك حجاً .
1 ويبقى على احرامه.
2 ليس عليه هدي.
3 عليه طواف واحد ان كان قد جاء متأخراً إلى مكة.
4 عليه سعي واحد كذلك.
5 يلزم الجميع طواف الوداع إلا الحائض والنفساء فإنه يسقط عنهن هذا: الطواف وما بقي من: الشروط، والمحظورات.
فإن المتمتع والقارن والمفرد كلهم يشتركون فيها إلا ما حصل له موجب ما،
وأرى للمطوفين أن يربطوا بين الحجاج وبين الجهات المسؤولة لارشادهم واجابات ما يريدون الاجابة عليه من الأسئلة، والاستفسارات، وما يحتاجونه من مطبوعات مترجمة وغير مترجمة عن: التوحيد والحج، فالمطوفون تقع عليهم مسؤولية مهمة نحو ذلك ولأن الحجاج يكونون في: ذمة من تكفل بهم وأكثر ما يقع من: الحجاج من الأخطاء ما يلي:
1 عدم معرفة المحظورات، أو بعضها.
2 الجلوس خارج منى.
3 الجلوس خارج عرفة.
4 عدم التفريق بين طواف وطواف.
5 الجهل في صفة رمي الجمرات.
6 قصد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم .
7 زيارة القبور,, الدعاء عندها,.
8 الصعود إلى جبل: عرفة أو النور.
9 قد يحمل بعض الحجاج منشورات قد لا يعلمون الهدف منها فيجب تنبيههم إلى هذا بتفصيل واضح.
10 تغطية الرأس، واستعمال الطيب جهلاً .
11 الهدي والفدي وما يتعلق بهما.
ولاشك ان الأمانة تقتضي أكبر من ذلك فلابد من التنبه إلى هذا، والحرص على أداء: الأمانة بتمام لازمها السليم.
الخلود
يضيء الكون تعانقه لفحات النقاء
والسكون،
والليل الجميل
وخنين
الراكعين
***
والسبات راح وعياً بوعيٍ مُديم
والصلاة
والدعاء
والحنين
ورنين الوحي ما زال يُوحي
بسطر:
مبين
***
والسماء في صفاء (هاجعة)
والارض مَن عليها: سائلاً،
بقبول
وعطاء
فسل ذاك رب
العالمين
***
والجموع ,, حاشدة,, بعظيم
وسجود
وركوع
بين مشعر والمثيل
زُفَّت البشرى
تلك بشرى زفها
هجوع:
الساجدين
***
فتمهل: سبح الكون كله
واهتدى,, واستقام
فكن مُدلجاً,, إذا الليل خيم
وسر: من مشعر الى مثله
واسبل الدمع: رجاءً
واطمئن
ونقِّ الفؤاد,, من شيء
دفين
***
في ضياء الكون ,, آيةٌ
وفي نفسك: سر عميق،
جحفل الخلق
ذاكر
راكع
ساجد
جحفل الناس مهيب،
ينشدون,, أوبةً:
صادقة
***
في البيت لهم زفرة
والليل,, البهيم
في البيت لهم خشعة
والصفح الجميل
رنة ,, الخلد,, تترى
في سلوك مستديم
رنة ,, الخلد,, أسفرت بضياءٍ خالدٍ
ودمع الهجوع,, سيرته.
والبيت: طاف,,به
قدما,, سيد
المرسلين
***
والقرون,, تعبر,, أبداً
تتراقص في سيرها
لا تسير,,, الهوينى,.
لا تستقر
لا تعود
فانظر,, خشية,, الكون
خشية,, الخلق,.
انظر بعقل عالٍ صافي الوعاء
ثم دع عنك،
ذاك:
المستكين
هجعة الرسل العظام,, عطرها,.
,, أنشدها,.
ناقلات ,, الخلود,.
بثها في سحاب,, النقاء,.
عالمون
عاملون
قيدها: ثلة من ثلة،
فاستقرت إذ سمت
وقالت,, سمونا,, في جليل
فانظر: (طرس) ماض سابق
واسفار العلم تنقلها
ركبان مكة
بين: العالمين
***
في مدينة,, العقل,, والروح
وفي سبيل: ضياء النص
وخرير زلال عذب الماء
هناك يكون:
الصفاء،
والوفاء،
والسبيل النَّير
والهدي:
المبين
***
أنت وحدك ,,قصة حياة,،
يُخاطبك,, النَّص,, ابتداءً
يبين من أنت
فكن,, أنت,, على السجية
أنت أيها الإنسان,,, القصة,,،
تحكيها لك,, حياتك،
آمالك
آلامك
يحكيها,, لك,, المقربون منك جدا
وان خلت انك تخفيها,, بذكاء,, أو غباء
لكن,, ربما,, لأنك تمثل فقط
فلذلك أنت تعيش
مع :
السادرين
***
لكن هنا يمكنك الركوب
فقط,, هنا, يمكنك ذلك
فسر نحو مكة
بصوت:
حنين
***
لا تلتفت الى الوراء
لا تكن أمعة في ظلام
لا تكن في سبات,, او منام
كن دعوة : إبراهيم،
ونوح,, ولوط،
وموسى,, وعيسى
وإمام,, السابقين،
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ صالح اللحيدان
عدد القراء : 1839
تاريخ الموضوع: 14 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(66/1)
الطلاق للشيخ صالح اللحيدان
الشيخ صالح اللحيدان
وليست العجلة والغضب وسوء التصرف في التحليل الأخير إلا صورة لضعف الإيمان وضعضعة الثقة وعدم احترام الإنسان نفسه على الأقل.
هاهي بين يدي: رسائل، برقيات، فاكس، مع الحضور الشخصي الدائم، كلها تدور حول: مشكلة العجلة والغضب وسوء التصرف نتج عن هذا: طلاق أو قطيعة رحم، أو حسد، أو حقد، أو وشاية ظالمة من قريب، أو حتى القتل بين شخص وشخص أو بين أشخاص وأشخاص.
وحينما تحضر العجلة الملتهبة ينتظر الغضب دوره ليكون سوء التصرف فيصلا فإذا الغالب هو: المغلوب خاصة إذا كان وراء هذا كله حاسد أو حاقد قريبٌ لك فإذا هو الشر يظهر بمظهر الناصح المحب وتنظر سوء التصرف فإذا من سعى ونمّ واغتاب على سبيل النصيحة هو: المغلوب وماذا عساه قد استفاد مما سببه من سوء سوف يتركه أدرك آثاره عليه، ماذا استفاد الواشي الناصح بعد كسبه الوجلة فالانتصار، لا جرم الندم وتجرع مرارة مغبة مجرد الرأي المبذول.
سهام لا تخطيء، وكأن قد، دموع تليها دموع والغالب مغلوب فها هي دموع:
تدفعها الدموع عند انقطاع الحيل فإذا المغلوب هو الغالب في: دنياه أو أخراه، وليذهب الناصح المتزلف ظلما وزورا إلى انتصاره حالا بعد حال، لكنه انتصار الضعف وجثوم المرض وقلق النوم وكثرة الأحلام، والاندفاع لتمجيد الذات فإذا هو: البوار، وسهام تصعد تدفعها الدموع في دياجي الظلم لترتفع إلى من لا ينام، هناك ينتهي كل شيء وما سورتا: الحجرات والحج عنا ببعيد.
لعلّ هذا يكون مدخلا وبين يدي رسالة مطولة جرتني إلى هذا المدخل المهم لعل قلبا يفيق أو عقلا يصحو فيكون هناك اجتماع لا ينفك أبدا يحيط بهذا الشر المستطير: العجلة، والغضب، وسوء التصرف، فلا يكون طلاق إلا بموجبه الشرعي الذي لا يحتمل التأويل.
والطلاق ما لم يكن له موجب صحيح سليم من المعارض فهو مرض سببه ضعف الشخصية، وضعف الإيمان، وعدم تقدير النتائج حسا ومعنى، فما هو الطلاق؟ وكيف يكون؟.
الطلاق ليس أصلا بحد ذاته فهو ينشأ لخلل ما يكون بعد العقد سواء قبل الدخول أو بعده.
وأصله حسب المقتضى اللغوي أُخذ من كلمة: تخلية فتقول: طلقت الماء إذا خليته يندفع ليسقي الزرع، وطلقت هنا مهملة من حرف الألف (أ) هكذا: طلَّقتُ بتشديد اللام، وقد يرد تخفيفها ولستُ أظنها لغة قوية وفي المصطلح الشرعي: حل عقد النكاح أو حل بعضه.
والمقصود بحل عقد النكاح كاملا أو حله كله: الطلاق بالثلاث البينونة الكبرى .
أو حل بعضه الطلاق الرجعي البينونة الصغرى .
هذا هو المراد به حسب علمي لغة وشرعا، لكن هل يجوز: الطلاق ما دام انه ليس أصلا؟.
نعم يجوز، لكن لهذا الجواز: ضوابط رأيت من لوازم البحث طرقها حتى تتضح حال الطلاق وما يجوز منه وما لا يجوز؟ فمما يجوز منه ما يأتي:
1 يجوز حصول الطلاق من: زوج مكلف مميز متى ما حصل لازمه كتكبر المرأة وتدخل أسرتها بكل شؤونها مع سوء خلقها الذي لا يطاق.
فإذا لم ينفع معها نصح ولا هجر ولم يكن هو سبب سوء تصرفها فإن الطلاق جائز هنا، والصبر والتحمل مع المداراة والدعاء، فهذا فيه خير.
2 يجوز الطلاق بسبب انحرافها مع عدم القدرة على تقويمها، والتحمل هنا مع الدعاء خير من الطلاق.
3 يجوز الطلاق إذا لم يحصل منها الغرض المطلوب بعد بذل الأسباب ونقد النفس لأن بعض الأزواج قد يكون سببا لعدم حصول الغشيان.
4 يجوز الطلاق إذا كانت ذات انحراف شرعي مؤثر بمعنى أن انحرافها ينجرُّ إلى الأولاد مع بذل كل سبب للإصلاح, والصبر هنا مع الدعوة والدعاء وإزالة سبب الانحراف، هو الوارد.
- وهنا أرى ضرورة الابتعاد عن الحساسية الزائدة والتعقل ورؤية الحياة الزوجية بمنظار عاقل حكيم لا إفراط ولا تفريط.
ولكن هناك حالات قد تستدعي ضرورة الحل دون وجوب منها:
ترك الصلاة.
ترك الصيام.
وما يشابه هذين دون تركهما بالكلية فهذا أمر قد يُفضل فيه أمر الطلاق ما لم يوجد الكفر البواح فلازمه لازم.
وما يقال هنا عن الزوجة يقال عن الزوج مع معرفة الأسباب وحالات الحاصل,, وكيف كان؟
ولا يجب الطلاق من زوج مكلف مميز إلا في حال الإيلاء إذا لم يعد وأبى الفيئة .
وفي حال الكفر فلا طلاق مادام لم يصبح العقد أصلا.
وكذا حال إبدال الزوجة بزوجة أخرى كأن يخطب امرأة فيراها ويرضاها ثم يتبين له أنها ليست هي.
وهناك: حالات أقل من هذا قد تبطل صحة العقد وهي كثيرة لم أر ضرورة طرحها.
ولا يجوز الطلاق في حالات منها:
1 عدم الحاجة,, مع الإضرار بالزوجة كالتفريق بينها وبين أولادها.
2 لا يجوز الطلاق البدعي كمن يطلق زوجته وهي: حائض.
أو يطلقها في طُهر جامعها فيه أو يطلقها ثلاثا .
وهذه أمور تدور بين: هل يقع الطلاق أو لا يقع؟ لعلّي أتناولها في وقت لاحق إن شاء الله تعالى.
3 من أكره على الطلاق فطلق خوفا ولا يستطيع المدافعة: لمرض نفسي أو عجز تام عن التعبير بمعنى أنه لا يحسنه بسبب: خوف أو ضعف.
4 من طلق جهلاً في حال قرب عهد له بالإسلام.
5 من طلق زوجته خبباً والخبب هو إفساد الزوجة على زوجها بحيث تنفر منه ولا تريده ليتزوجها آخر.
6 من طلق وهو في حال: غضب شديد لا يدري ما يقول ولا يعقله.
7 من طلق زوجته بسبب تنفير أهلها لها لبغضهم له أو لسبب ما من الأسباب:
الموجبة لكراهته وبغضه دون وجه شرعي صحيح إنما لعصبية أو استخفافا به وعدم ناصر له.
وهنا أمور أحب التذكير بها منها:
1 يحرم الهزل بألفاظ الطلاق.
2 يجب التنبه للفرق بين الطلاق واليمين والظهار.
3 يحرم على المرأة أن تنام وزوجها عليها غضبان.
4 يحرم التلاعب بالطلاق، أو أن يتساهل به.
5 لا يجوز للزوج أن يكون سببا لتكرهه زوجته.
6 يحرم على أهل الزوجة أخذها من بيت زوجها دون وجه شرعي صحيح واضح.
7 يحرم على أهل الزوجة أخذ أولادها من بيته أو إمساكهم عندهم بحيلة أو قوة أو بتهديد أو تخويف.
8 يحرم على الزوج الإضرار بالزوجة لذات سوء، أو إمساك أولادها عنها، وقد ورد النهي صريحا بتحريم فعل الزوجة أو أهلها منع الأولاد عن أبيهم وكذا الحال بالنسبة للزوج.
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ صالح اللحيدان
عدد القراء : 2463
تاريخ الموضوع: 13 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(67/1)
الرضاع وأحكامه للشيخ صالح اللحيدان
الشيخ صالح اللحيدان
وأنا زعيم أن الاستشارة ذات نفع كبير وما ساد إلا وفقه الله ثمّ استشار خاصة في المستجدات، ومعضلات المسائل التي تحتاج إلى عقول نيّرة بصيرة وكبيرة وسعة بطان، وكم بذل من بذل من أوائل هذه الأمة من كلام جليل القيمة عن/ الفهم والإخلاص والحكمة والعقل والمراجعة في نظر العلم، وما ترك الأول للآخر شيئاً إنما اللوم ينصب كله أو جله على ذوي العجلة، أو من يفهم فهماً لا يريده من ألّف، أو كتب، أو اجتهد، والعلم والفتيا والقعود للدرس والنظر وتحرير المسائل العلمية أبداً ليست هيئة لكنها أمر يحتاج إلى نظر واسع وفهم دقيق وصبر ومصابرة وتجرد وإخلاص ووعي تام الأطراف جداً.
ولعل ما سوف أتناوله هنا عن الرضاع ليس جديداً لكنه يحتاج بين حين وحين إلى طرح حتى يتبين فيه وجه الصواب لكثرة ما يرد عنه من السؤالات لما يتعلق بهذا من: حل (بكسر الحاء)، وحرمه (بضم الحاء)، بين الذين تمّ بينهم رضاع أصولاً وفروعاً،
وأنا مبين حسب علمي ومبلغ طاقتي ما تحتاجه هذه المسألة من طرح يغني قليله عن كثيره ويدل الصواب على سبيل الخطأ فيه،
جاء في المعجم الصافي في اللغة ص 205 في حرف الراء قال (( رضع: رضع الصبي، يرضع: شرب لبن أمه، رضعه، رضع أمه، المرضعة ترضع، الرضوعة التي ترضع ولدها،…إلخ).
قلت وغالب (المعاجم) تقول هذا في الجملة قلت أيضاً ويؤخذ منه أنواع الأفعال الثلاثة:
يرضع
رضع
ارضع على فعل الأمر، وهو كذلك،
ويتولد من هذا صيغة المبالغة إذا كان الطفل كثير الرضاع يطلبه كثيراً فيقال: رضّاع (بتشديد الضاد)
ويحل على المصدرية بالصفة فيقال: رضاع بكسر: الراء، وتخفيف (الضاد)
ويعتبر الرضاع في الاصطلاح الشرعي:
(مص اللبن من صبي ثاب عن حمل أو شربه دون الحولين)، فالمراد هنا:
مص صبي
دون الحولين
مصه لبناً
من امرأة
حصل بسبب الحمل
وهذا أصل تحريم الرضاعة بقرنها بما يحرم من النسب، وتحريمه صح عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها مرفوعاً: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، رواه الستة.
جاء في البخاري بسنده عن عائشة أن عبد بن زمعة وسعد بن أبي وقاص اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم في (ابن أمة زمعة)، فقال سعد: يا رسول الله، أوصاني أخي إذا قدمت أن أنظر لبن أمة زمعة فأقبضه، فإنه ابني، وقال ابن زمعة: أخي وابن أمة أبي، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم شبهاً بيّناً بعتبة بن أبي وقاص فقال: هو لك عبد بن زمعة الولد للفراش، واحتجبي منه يا سودة.
قال في هامش (البلوغ) ص 1152 للإمام ابن حجر: واسم الابن المختصم فيه عبد الرحمن، وكان ذلك عام الفتح.
وورد هناك كذلك: قالت عائشة: دخل النبي صلى الله عليه وسلم وعندي رجل، فقال: من هذا؟ قلت: أخي من الرضاعة، قال: يا عائشة انظرن، الحديث، قلت: يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب بشرطه ولازمه.
وجاء أيضاً كان أبو حذيفة تبنى سالماً وهو مولى لامرأة من الأنصار كما تبنى النبي صلى الله عليه وسلم زيداً، وكان من تبنى رجلاً في الجاهلية دعاه الناس ابنه وورث من ميراثه حتى أنزل الله تعالى "ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آبائهم فإخوانكم في الدين ومواليكم…إلى آخر هذه الآيات.
قلت ولهذا يحرم التبني في الإسلام تحريماً قاطعاً لأنه يترتب عليه أمور لا تصح عقلاً ولا فطرة ولا واقعاً، ومثل هذا نسبة الزوجة إلى أسرة زوجها والتنبه إلى هذا وما يجر إليه غاية في الأهمية، قلت قد أجاد الإمامان صاحبا الصحيحين البخاري ومسلم في بيان حكم مثل هذا بما أورداه من آثار صحيحة، وما كان من الإمام ابن حجر والنووي في شرحيهما للصحيحين فيعاد إليهما مع المغني، والمحلى، والمجموع، والمبسوط، وحاشية بن عابدين.
وأبيّن هنا أموراً أحببت ترتيبها وهي كما يلي:
1- الرضاع لابد أن يكون خمس رضعات.
2- أن يكون الرضاع في الحولين من عمر الصبيز
3- أن يكون اللبن در بسبب الحمل.
4- الصبي سواء مص الثدي أو شرب اللبن بوعاء خمس مرات فهو محرم كالنسب.
5- غير لبن النساء لا يحرم ولو رضع صبيان أو أكثر من لبن حيوان واحد مأكول.
6- اللبن المجمد من النساء في (البنوك) في المستشفيات لابد من تحديد المرأة والأطفال والرضعات فهذه أمور ثلاثة لابد منها.
7- لا يقبل في شهادة المرأة على نفسها بالإرضاع إلا إذا كانت مسلمة أمينة عاقلة.
8- من شك في عدد الرضعات فيعاد إلى الأقل منها.
9- الرضاع يجلب الحرمة بين الراضع والمرضع وأولادها جميعاً أصولاً وفروعاً دون إخوان الراضع فالحرمة تخصه فقط.
10- يكون الزوج المرضع والدا للصبي من الرضاعة لكنه لا يرثه ولا يورثه.
11- لو رضعت المرأة نفسها تريد إفساد زواجها فإنه لا يتم لها ذلك لعدم صحة الرضاع هنا وللجزاء بسوء القصد.
12- إذا سحب (لبن) امرأة توفيت حالاً فإن لبنها هنا مثل لبنها وهي حية ولم أر مخالفاً لهذا بنص صحيح.
13- إذا تبين الرضاع بعد الزواج فإنه يفرق بينهما بالأصل ونسب الأولاد لهما ويكونان محرماً لبعضهما بعد ثبوت أخوة الرضاع.
14- من طلق زوجته وهي مرضع فلها النفقة حال الطلاق البائن.
15- وجوب قصر الرضاعة على الأم فإن تعذر ذلك بسبب مرض ونحوه فيقتصر الرضاع على امرأة أخرى فقط.
16- لا يجوز التساهل في مسألة الرضاع بسبب الرحمة أو العاطفة هكذا لكن يترك الصبي لأمه ولو كانت مشغولة فإن مما يسبب المشكلة التهاون بمثل هذا.
17- لا تصدق الزوجة ولا الزوج إذا قال أحدهم للآخر أنت أخي من الرضاع ما لم تقم البينة على ذلك.
18- لا يقبل كل قول في مثل ما ورد في (17).
19- لا يقبل من عرف عنه أو عنها كثرة الكذب أو عرف عنه أو عنها الخيانة.
20- لا يقبل كلام المتهم في دينه.
21- لا يقبل كلام من عرفت عداوته ومكره.
22- من سقى الرضاع من أنفه أو سقي اللبن من بطنه لتعذر رضاعه مع فمه فهذا رضاع يوجب الحرمة.
23- إذا حلب لبن الأم وخلط بحليب صناعي ورضع الصبي خمس رضعات فينشر الحرمة.
24- الدم نقله من شخص إلى آخر لا ينشر الحرمة فليس هو مثل اللبن.
25- وكذلك من أنقذ غريقاً ونحو ذلك فلا ينشر هذا الحرمة كما يظنه بعض العوام.
26- كذا زراعة الأعضاء.
27- كذا زراعة الأنسجة.
28- كذا البلازما.
29- كذا التبني دون رضاعة.
30- كذا حياة الطفولة دون رضاعة.
31- كذا صنائع المعروف.
وهنا بيان لعله في محله:-
1- زوجة الجد من قبل الأب محرم.
2- زوجة الجد من قبل الأم محرم فيما ظهر لي.
3- زوجة العم ليست محرماً.
4- زوجة الخال ليست محرماً.
5- زوجة الأخ ليست محرماً.
6- زوجات أبناء الأعمام، كذلك.
7- زوجات أبناء الخال، كذلك.
ولعل من ذكرت أشد منعاً من الأجنبية لصحة ما ورد: (الحمو موت).
والمسلم العاقل الفطن عليه حفظ حياته وحالاته قد استطاعته والله المستعان، وعليه توكلت وهو نعم الحسيب،
فجلّ من لا ينام،،،،،،،،،،، وجلّ من لا يزل
وجلّ من لا يحيف،،،،،،،، وجلّ من لا يفوت
ولو فات عنك هذا وذاك
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ صالح اللحيدان
عدد القراء : 2522
تاريخ الموضوع: 12 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(68/1)
حقيقة الروح والنفس للشيخ صالح اللحيدان
الشيخ صالح اللحيدان
ويستطرد في بيان علمي واقعي: (وفي قوله (فمن نفسك) من الفوائد: أن العبد لايطمئن إلى نفسه ولايسكُن إليها، فإن الشر كامن فيها لا يجيء إلا منها، ولا يشتغل بملام الناس ولا ذمهم إذا أساءوا إليه، فإن ذلك من السيئات التي أصابته، وهي إنما أصابته بذنوبه فيرجع إلى الذنوب، ويستعيذ باللّه من شر نفسه وسيئات عمله، ويسأل اللّه أن يُعينه على طاعته، فبذلك يحصل له كل خير ويندفع عنه كل شر).
وفي جزء آخر يتعلق بفعل الإنسان ونفسه هل هي واحدة، أو أن الإنسان له ثلاثة أنفس فهو يقول: (وقد وقع في كلام كثير من الناس ان لابن آدم ثلاثة أنفس، مُطمئنة، ولوامة، وأمارة.
قالوا: وان منهم من تغلب عليه هذه، ومنهم من تغلب عليه هذه، كما قال تعالى ·يا أيتها النفس المطمئنة , ·ولا اقسم بالنفس اللوامة ، ·إن النفس لأمارة بالسوء .
والتحقيق: أنها نفس واحدة، لها صفات، فهي أمارة بالسوء، فإذا عارضها الإيمان صارت لوامة، تفعل الذنب ثم تلوم صاحبها، والتلوم هو التردد بين: الفعل والترك، (3) .
فإذا قوي الإيمان صارت مطمئنة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن), (4) .
ثم يبين بعد هذا بكلام واسع المدرك علماً وعقلاً فهو يُفيد قائلاً عن الروح: (فالروح لها بالبدن خمسة أنواع من التعلق مُتغايرة الأحكام: (5) .
أحدها: تعلقها به في بطن الأم جنيناً.
الثاني: تعلقها به بعد خروجه إلى وجه الأرض (6) .
الثالث: تعلقها به حال النوم، فلها به تعلق من وجه ومفارقة من وجه, (7) .
الرابع: تعلقها به في البرزخ فإنها وان فارقته وتجردت عنه فإنها لم تفارقه فراقاً كلياً بحيث لا يبقى لها إليه التفات ألبتة، فانه ورد ردها إليه وقت: سلام المسلم، وورد انه: يسمع خفق نعالهم حين يولون عنه، وهذا الرد إعادة خاصة، لا يوجب حياة البدن قبل يوم القيامة، (8) .
الخامس: تعلقها به يوم بعث الأجساد، وهو أكمل أنواع تعلقها بالبدن، ولا نسبة لما قبله من أنواع التعلق إليه، إذ هو تعلق لا يقبل البدن معه موتاً ولا نوماً ولا فساداً، فالنوم أخو الموت فتأمل هذا يُزح عنك إشكالات كثيرة)، (9) .
ثم قرر بمنطق النقل الصحيح والعقل السليم حقيقة عذاب القبر قال: (واعلم أن عذاب القبر هو عذاب البرزخ فكل من مات وهو مستحق للعذاب ناله نصيبه منه، قُبر أو لم يُقبر، أكلته السباع أو احترق حتى صار رماداً ونسف في الهواء، أو صلب أو غرق في البحر وصل إلى روحه وبدنه من العذاب ما يصل إلى المقبور),،
ثم قال: فالحاصل إن الدور ثلاث:
1 دار الدنيا.
2 ودار للبرزخ.
3 ودار للقرار, (10) .
وقد جعل الله لكل دار أحكاماً تخصها، وركب هذا الإنسان من بدن ونفس، وجعل أحكام الدنيا على الأبدان والأرواح تبعاً لها, (11).
وجعل أحكام البرزخ على الأرواح، والأبدان تبعاً لها فإذا جاء يوم حشر الأجساد وقيام الناس من قبورهم صار =الحكم والنعيم والعذاب = على الأرواح والأجساد جميعاً، فإذا تأملت هذا المعنى حق التأمل، ظهر لك أن كون القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار مطابق للعقل ), (12) .
ثم يناقش رحمه الله المراد (بالاستطاعة التي يجب بها الفعل) يقول : (الاستطاعة والطاقة والقدرة والوسع ألفاظ متقاربة وتنقسم الاستطاعة إلى قسمين: كما ذكره الشيخ رحمه الله (أي الطحاوي)، وهو قول عامة أهل السنة).
ثم يبين فيقول: (والذي عليه عامة أهل السنة أن للعبد قدرة هي مناط الأمر والنهي، وهذه تكون قبله, لا يجب أن تكون معه، والقدرة التي بها الفعل لابد أن تكون مع الفعل، لايجوز أن يكون يوجد الفعل بقدرة معدومة.
وأما القدرة التي هي من جهة الصحة، والوسع والتمكن وسلامة الآلات فقد تتقدم الأفعال، وهذه القدرة المذكورة في قوله: (وللّه على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا), فأوجب الحج على المستطيع فلو لم يستطع إلا من حج لم يكن الحج قد وجب إلا على من حج، ولم يعاقب أحداً على ترك الحج، وهذا خلاف المعلوم بالضرورة من دين الإسلام) (13) .
ويجيب بروح متزنة عاقلة على سؤال طالما ورد عن العقوبة الحاصلة على بعض العباد يقول: (إن ما يبتلى به العبد من الذنوب الوجودية، وان كانت خلقاً لله تعالى، فهي عقوبة له على ذنوب قبلها، فالذنب يكسب الذنب، ومن عقاب السيئة السيئة بعدها فالذنوب كالأمراض يورث بعضها بعضاً).
ثم يسلسل الجواب بمنطق العقل السليم من الشهوة والشهبة يقول: (فالكلام في الذنب الأول الجالب لما بعده من الذنوب، يقال هو: عقوبة أيضاً على عدم فعل ما خلق له وفطر عليه، (14) .
فإن الله سبحانه خلقه لعبادته وحده لا شريك له، وفطره على محبته وتأليهه والإنابة إليه، كما قال تعالى: ·فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها) فلما لم يفعل ما خلق له وفطر عليه من محبة الله وعبوديته والإنابة إليه عوقب على ذلك بأن زين له الشيطان ما يفعله من الشرك والمعاصي.
فإن صادف قلباً خالياً قابلاً للخير والشر، ولو كان فيه الخير الذي يمنع ضده لم يتمكن منه الشر، كما قال تعالى: (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء، إنه من عبادنا المخلصين), يريد أن القلب إذا عمره صاحبه بالخير وأسبابه وسعى لنيل الخير حسه ومعناه لم يتمكن منه الشيطان بحال ما.
وحينئذ يكون العبد محل حفظ من الله من كل /زلل/ وهم/ ومرض/ وخوف/ وتردد/ ومن أسوأ الأمراض إذا خلا القلبُ من الخير ومالت النفس للشر هو التعالم، والتعاظم وجعل الإنسان نفسه مُنظراً ومحللاً وان غيره يجب ان يفهم / الثقافة/ والفكر/ والخير/ والشر/ على أساس مايفمه هو، فتدبر قارئي العزيز، وانظر حال مثل هذا بعد عمر طويل (إن تم له) كيف يكون (15)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعض المراجع:
(1) مولود بطحاء من قرى صعيد مصر من أهل القرن الثالث محدث تقيه.
(2) علي بن علي: عالم من أهل القرن (7) متبحر في الفقه والحديث.
(3) الروح لابن قيم الجوزية.
(4) صحيح.
(5/9) (الروح) لابن قيم الجوزية.
(10) (النهاية) لابن كثير.
(11) سورة ·الحج و·المؤمنون .
(12) (جامع الأصول) لابن الأثير الجزري/ بتوسع.
(13/14) آخر سورة البقرة.
(15) (كتب تراجم: الرجال بين الجرح والتعديل) صالح اللحيدان.
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ صالح اللحيدان
عدد القراء : 2420
تاريخ الموضوع: 11 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(69/1)
علم الترجمة للشيخ صالح اللحيدان
الشيخ صالح اللحيدان
متأنٍ حي حكيم عاقل محيط، والترجمة على هذا هي: تاريخ وسير وأخبار الأمة وأفذاذها الذين جددوا في مجال واحد أو مجالات شتى، لكن ضابط هذا وقلبه ودمه صحة السند واتفاق العقلاء على حقيقة ما ورد بناهض لا يبور والترجمة فن عال، فن رفيع
حساس مرهف الحس إلى درجة أن العاقل من الناس يدرك الزيف كما يدرك المبالغة، وكما يدرك هذا وذاك فهو يعي حقيقة المترجَم له بهاجس فطري حي صادق واثق إذا نحن وعينا هذا ونعيه، فما هي الترجمة ما المراد بها..؟
جاء في كتاب «كتب تراجم الرجال بين الجرح والتعديل»، م1 طبع وتوزيع: دار طويق، دار الوطن بالرياض ما نصه: قال ابن منظور : ترجم الترجمان المفسر للسان بالضم والفتح، هو الذي يترجم الكلام أي ينقله من لغة إلى لغة، والجمع التراجم، والتاء
والنون زائدتان، «ص 26 ج 2/ت،ج».
ثم يبين كتاب «كتب تراجم الرجال..»، أمراً مهماً في بابه ليقول: «وتعني الترجمة مما نحن بصدد طرحه: إيراد حياة الغير ممن نريد الوقوف عليها بتفصيل مفيد، نأخذ ما نحكم به له أو عليه من خلالها، وإذا كانت الترجمة تعني ما ذكرت فإنها لا تخرج منه إلا لتعود إليه، ونحن الذين نبحث في موازين الرجال نحتاج حاجة ماسة إلى معرفة كاملة عن حياة الرجل المراد نظر أمره».. ألخ من كلام مهم.
والترجمة على هذا حساسة مهمة لأنها ذات مسالك وعرة لا يخرج منها إلا من ذكرت صفاتهم قبل ذلك.
وهي فن وعلم نادران وعلم وفن عزيزان، فإنه قلَّ من ألف في هذا وسدد وأجاد وأفاد، سوف بإذن الله تعالى أورد من «تهذيب الكمال في أسماء الرجال»، و «الطبقات الكبرى»، و«ميزان الاعتدال»، و «تذكرة الحفاظ»، و «الجرح والتعديل»، و
«مختصر تاريخ دمشق»، و «تاريخ بغداد»، و«عمدة القاري»، و«فتح الباري»، سوف أورد بإذن الله تعالى تراجم منها ومن غيرها من كتب التراجم شيئاً من تراجم بعض الرجال لنرى حالاً، هي حال أي حال...
1 هو:
بين الطويل والقصير وهو إلى الطول أقرب أبيض اللون كثيف الشعر حلو المنطق أجش الصوت غاية في الحفظ والفهم سديد الرأي قوي الشكيمة جدَّد في الرواية والدراية رحل إليه الأئمة من المعمورة يقصدونه للأخذ عنه ورؤيته لما حباه الله تعالى من
السمت والدَّل والعفاف والخلوة وعمل اليد جدد وأضاف فاستفادت منه الخليقة إلى اليوم وطلبه علماء الحديث والفقه وسياسة الاستخلاص رحل إليه البخاري ومسلم وسواهما وتأدبا بأدبه وسمته وكان محباً للخلوة جداً ورعاً عفيفاً تقياً قليل الكلام كثير السمت مع حلو المعشر وحسن الخلق كان صابراً جاد الصبر على كل منغص نغص عليه حياته وعلمه ورزقه.
هو الإمام الحجة عبدالله بن يوسف التنيسي سمع وأخذ العلم عن مالك بن أنس والليث ابن سعد وسواهما في مصر والمدينة وأخذ عنه العلم يحيى بن معين والذُّهلي وغالب أهل العراق، روى له البخاري في قرابة سبعين موضعاً كان أحمد بن حنبل وابن
راهوية يعظمانه جداً. أخرج له أبو داود والنسائي والترمذي عن رجل عنه إذ لم يرووا له مشافهة مع أنه من مشايخهم وكانوا يعظمون لجلالته وتواضعه وعفافه وبساطته وصدقه ولست أعلم أن مسلماً روى له.
كان أصله من «دمشق»، الشام لكنه حل في قرية من قرى مصر تسمى تنيس لعلها على طريق الصعيد.
ولعله أحد الذين كانوا من صانعي الرجال فقد كان ذا فراسة تقية ورعة ساهم في تربية البخاري من حيث جودة الرواية ومن حيث تجديد الاجتهاد في : الآثار على غير مثال قد كان. ت سنة «218» بمصر، رحمه الله رحمة واسعة.
2 هو:
سيد كريم ورع بار قليل الكلام بسيط في معيشته ومركبه ومسكنه مع توفر هذا له كان فيه طول وسمارة لون وفي صوته بحة محبوبة كريم المعشر، ماقال أو نصح أو ذكر إلا بنص صحيح كان يقوم على نفسه بنفسه فيعيش بذل وصبر ولزم الآثار العالية عن أبيه رحل إليه الناس من المشرقين، جدد في الدراية تجديداً موهوباً مع حسن سمت وصدق نظر وتمام عفاف ولعله أحد صناع الرجال، وكان ذا اجتهاد في نظر تفيق الآثار مع كثرة عبادة أطنب المترجمون له بما لا يسع ذكره، روى له المحدثون والفقهاء في الجملة،
هو هشام بن عروة بن الزبير بن العوام يكنى: بأبي المنذر أو بأبي عبدالله رأى جلة من الصحابة حال صفره، ولد سنة «145» في العراق. رحمه الله رحمة واسعة.
3 كان
أسمر اللون مع بياض خفيف جميل الطلعة نادر الاختلاط عرفت عليه علامات النجابة مبكراً فقد كان كثير الصمت محباً للخلوة مع كثرة عمله وفضله ومعروفه، وكان ذا دهاء سخر حياته لتجديد الرواية عن الليث بن سعد وسواه فجدد وسدد وكان له حضور نفسي تقي ورع تبسط في معيشته فقد كان بسيط العيش تراه وتظنه من «العامة»، إذا مشى وحده وهو الإمام المجدد. ما رآه أحد إلا ذكر الله
هو يحيى بن عبدالله بن بكير القرشي ولد سنة 155 ه وتوفي سنة 231 روى له أبو عبدالله البخاري ومسلم.
كان ذا هيبة خلقية بعيداً عن التصنع ومن هذا أخذ بطريقته اكتساباً. كثير ممن خالطه من كبار العلماء ما بين سنة 180 حتى وفاته وقد استفادوا من ذلك بما رأوه من خير من أمر الهيبة الورعة كان لوفاته صدى رحمه الله رحمة واسعة.
4 كان
صريح الكلام ما قال أو نصح أو دل إلا بنص صحيح، جدد الرواية والدراية عن الإمام: الوضاح بن عبدالله اليشكري، وسار ذكره في الأرض وبذل جملاً من الإضافات التي سرت عنه تجديداً واضافة، كان عفيف الحال ورعاً جم التواضع حسن الصحبة حسن المنطق جميل الصوت مع هيبة ووقار وتأن وبساطة ظاهرة عليه.
هو: موسى بن إسماعيل المنقري البصري ثقة كبير الشأن روى عنه كبار العلماء مثل: البخاري وأبو داوود ويحيى بن معين، وأخرج له مسلم والترمذي بواسطة إذ رويا عنه عن رجل، كان غاية في الحفظ والفهم وسداد الرأي وبذل المعروف.
وكان من قلة قليلة تراه وتظن ليس ذلك فإذا هو الإمام كان جم التواضع يكره السير أمامه ليلاً والسير خلفه نهاراً مهما كان الأمر.
أقبل الناس إليه من المعمورة فأخذوا عنه، لعله توفي سنة 223 في البصرة رحمه الله رحمة واسعة.
5 كان
أسمر اللون لبق الصحبة جدد الدراية في مكة والمدينة ثم العراق كان طويل الصمت كثيف الشعر له هيبته ووقار مع حسن خلق جم بسيط المعيشة والسكنى والمركب، ما كان يقول في عموم أو خصوص، وما كان ينصح ويبذل الإجابة إلا بنص صحيح أي مكان يحله يحف به أهله كانت رؤيته تذكر بالله، حفظ وفهم وأسس وأصَّل وقاد الأمة إلى نظر فقه النص بما لم يكن قد سبق إليه أطنب مترجموه بما هو عليه من سمت وسداد نظر وبساطة بينة.
أخذ العلم عن كبار العلماء خاصة صالح بن كيسان .
هو الحجة الورع المؤسس: إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف سمع من كبار علماءهذه الأمة وأخذ عنهم مثل هذه الثلة الجليلة:
1 سعد بن إبراهيم «والده».
2 محمد بن شهاب الزهري.
3 هشام بن عروة.
نقل عنه العلم والتجديد علماء كبار مثل:
1 شعبة بن الحجاج.
2 عبدالرحمن بن مهدي.
3 أبناوه يعقوب ومحمد.
4 أخذ بعلمه أهل المشرقين.
أجمعوا على ورعه وبساطته وفهمه وأنه ثقة ثبت لم تزل الأمة تسير على كثير مما روى، رحمه الله رحمة واسعة. توفي في بغداد سنة 183هـ.
6 لعله
كان إلى السمرة أقرب بين الطويل والقصير اختلف إلى: مكة، المدينة، مصر، الشام والعراق، كان شديد الشخصية مع بساطة ولين جانب ودهاء تراه وتقول هو: فلاح «مزارع»، أو «راعي غنم أو ابل» بسيط الحال محبوب مأمون سيد مسدد، اجتهد «فأسس ونبغ»، واجتهد فأصل وبرع يقول العيني عنه: «عبدالله بن مسلمة القعبني المدني جاء إلى المدينة فقال مالك: قوموا بنا إلى خيار أهل الأرض «عمدة القاري»، م 1 ما بين 30 200.
كان شهماً قوياً حكيماً عاقلاً أخذت الأرض بتجديده ولم تزل قال جل مترجميه: كان مجاب الدعوة.
مات يوم مات وما من عالم إلا وهو بحاجة إلى تأصيلاته.
7 اتفقوا
على أنه أحد المجددين في حال الأسانيد واستخلاص الحكم من النص الصحيح. وأنه ذو باع في تأصيل كثير من المسائل النقدية.
كان يميل إلى البياض رحل كثيراً ولقي كبار العلماء كان ذا وقار وسمت وكان ذا بساطة يعمل بيده ما حل في بلد إلا رحل الناس إليه.
كان البخاري ومسلم وأحمد بن حنبل وابن راهوية وابن مهدي وعبدالرحمن بن المبارك، أبو بكر بن أبي شيبة وخلق من كبار العلماء يجلونه لعله من قلة قليلة من أفذاذ مؤسسين لسياسة فقه النص بما حباه الله تعالى من نباهة وموهبة مع ضعف حال مع أنه
كان واجداً.
ويعتبر أحد الذين صبروا على كثير من المنغصات، روى عنه كبار علماء الحديث وهو شيخ الجماعة هو حماد بن زيد بن درهم يكنى بأبي إسماعيل الأزرق الأزدي البصري.
سمع جلة جليلة منهم:
1 ثابت البناني.
2 محمد بن سيرين.
3 عمرو بن دينار.
4 أيوب السختياني.
5 روى عنه أئمة كثيرون مثل:
1 سفيان بن عيينه.
2 سفيان الثوري.
3 عبدالله بن المبارك.
4 يحيى بن سعيد القطان.
5 وكيع بن الجراح.
قال عبدالرحمن بن مهدي: أئمة الناس في زمانهم أربعة ثم ذكر «حماد بن زيد».
قال فيه عبدالله بن المبارك:
أيها الطالب علماً ائت حماد بن زيد
فخذ العلم بحلم ثم قيده بقيد
ودع البدعة من آثار عمرو بن عبيد
ولد سنة 98هـ وتوفى سنة 179هـ.
رحمه الله تعالى كان صابراً محتسباً ناله من الأذى الشيء الكثير لعله توفي في العراق.
8 هو:
جليل القدر ذو سمت ودل تخاله ليس الإمام من بساطته وتواضعه ولين جانبه وبعده عن تصنع الشخصية حباه الله تعالى هيبة ووقاراً كان إلى الطول أقرب حاد الطبع حاد الذكاء سريع البديهة فتق أبكار كثير من نظر من كان قبله شديد الورع والعفاف.
أصَّل وجدَّد فنبغ رحل إليه العلماء ينشدون إنقداح عقليته وحفظه وفهمه، كان صابراً ذا إرادة واعية قوية ومع كثرة ما لقي في وقته من الأذى لكنه تغلب عليها بالانسحاب والخلوة وطول الدعاء في دياجي الظلم حيث لا يراه إلا علام الغيوب.
في العمدة ص 213 وما قبلها قال العيني: أبو الوليد هشام بن عبدالملك الباهلي البصري انقطعت إليه الرحلة بعد أبي داود الطيالسي»، ثقة ثبت كبير الشأن، لعله توفي في العراق.
9 كان
ذا حيوية وجد ونباهة وسمو علم وفهم قليل الكلام ما حدَّث أو وعظ أو ذكر إلا بدليل صحيح، أسس ما نقله عن: سفيان بن عيينه وسفيان الثوري وشعبة بن الحجاج، ومن سموه علماً وفهماً وخلقاً وصدقاً تقاطر إليه الكبار الذين لهم فضل على هذه الأمة بتجديد الرواية والإضافة العلمية في الجرح والتعديل مثل:
أحمد بن حنبل، علي بن المدني، محمد بن بشار، جملة كثيرة من أهل الحجاز، الشام والعراق.(70/1)
عاش بعد معاناة كثيرة من التعب مما لقيه من البعض في حين مبكر، كان كثير الصيام وقيام الليل وكثير الدعاء سراً في الظلمات الحوالك، أخذ الله بيده وأعزه وان لقي ما لقي حتى نال ما ناله من الله السوء.
هو محمد بن جعفر الهذلي البصري يعرف بصاحب الكراديس ويعرف «بغندر»، إمام بسيط ورع تقي أثنت عليه الناس.
ليس ما كتبته هنا «تراجم علماء» جددوا وأسسوا وأضافوا كلا إنها إشارات منتقاة تشير أول ما تشير إليه إلى حقيقة علمية مذهلة تحتاج إلى أضعاف مضاعفة من البيان
والطرح عن مؤسسين كبار بذلوا وأجادوا فسددوا على حال صعبة من شظف العيش وبساطة في كل شيء مع أن بعضهم قادر على أن يكون ذا أبهة خالدة لكنهم لم يروا شديد حاجة إلى هذا فسار الركبان بذكرهم وما أضافوه من اجتهادات علمية وعقلية كانوا مسددين فيهما أيما تسديد، وما كنت قد ذكرته من كتب «التراجم» قبل قليل أجزم كل الجزم أن كل أحد بحاجة إليها ليرى كيف حصل لأولئك هذا الأمر الجليل والتسديد الفريد والإضافة الموهوبة.
إن هذا مني إشارات مختلفة شديدة الاختصار لينظر الأحياء حقيقة الحياة ولينظروا المجد حقيقة المجد.
ثم ليقفوا على حقيقة الإضافة والاجتهاد، إن كتب التراجم لذوي الهمة العالية الصادقة التقية تولد دافعاً قوياً وشحذاً للعقل ليكون ذا همة عالية باذلة تقية حكيمة عاقلة.
كتب التراجم كتب عجيبة ذات سند وصدق وأمانة، فيها عجب من علم وفهم وسداد وموهبة ونبوغ، فيها ما يجعل المرء العاقل عاضاً بنانه على وقت قد يكون ذهب هدراً أمام حياة الكبار الأحياء بحفظ الله لهم حالاً بعد حال وطوراً بعد طور.
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ صالح اللحيدان
عدد القراء : 3087
تاريخ الموضوع: 10 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(70/2)
التأصيل العلمي للشيخ صالح اللحيدان
الشيخ صالح اللحيدان
فأخذ حوتاً فجعله في مكتل، ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون، حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما فناما، واضطرب الحوت في المكتل، فخرج منه فسقط في البحر، واتخذ سبيله في البحر سربا، وأمسك الله عن الحوت جِرية الماء فصار عليه مثل الطاق فلما استيقظ نسي صاحبه أن ينجده بالحوت، فانطلقا بقية يومهما وليلتهما وتمامه عند ابن كثير (4)
حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه: ] آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً[ , (5)
قال: ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به.
فقال له فتاه: قال] أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيهُ إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجباً [قال: فكان للحوت سرباً ولموسى ولفتاه عجباً، فقال له موسى: ]ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا[.
قال: فرجعا يقصان آثارهما (6)حتى انتهيا إلى الصخرة، فإذا رجل مسجى بثوب فسلم عليه موسى فقال الخضر: وأنى بأرضك السلام,,؟
قال: أنا موسى.
قال: موسى بني إسرائيل,,؟
قال: نعم، أتيتك لتعلمني مما عٌلمتَ رٌشداً،] قال إنك لن تستطيع معي صبرا[، يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه الله لا تعلمه أنت، وأنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه فقال موسى: ]ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً[، فقال له الخضر] فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكراً .فانطلقا[ يمشيان على ساحل البحر فمرت بهما سفينة فكلموهم أن يحملوهما، فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نول؛ فلما ركبا في السفينة لم يُفاجأ إلا والخضر قد قلع لوحاً من ألواح السفينة بالقدّوم، فقال له موسى: قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها: ] لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمرا[.
]قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا[.
]قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا تُرهقني من أمري عُسرا[.
قال(*)) وقالr: فكانت الأولى من موسى نسياناً .
قال: وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة؛
فقال له الخضر: ما علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما أنقص هذا العصفور بمنقاره من هذا البحر.
ثم خرجا من السفينة، فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاماً يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده فقتله، فقال له موسى: ]أقتلت نفساً زكية بغير نفس لقد جئت شيئاً نُكراً [.
] قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً[.
قال: وهذه أشد من الأولى.
] قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عُذرا[.
]فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يُضيفوهما فوجدا فيها جداراً يُريد أن ينقض[ (قال مائل)، (فأقامه) بيده فقال موسى: قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يُضيفونا, ]لو شئت لاتخذت عليه أجراً[.
]قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك[ إلى قوله ] ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبراً[ فقال r وددننا أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما .(*)
قال سعيد بن جبير (1)فكان ابن عباس يقرأ: ]وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا[ وكان يقرأ: ]وأما الغلام فكان كافراً وكان أبواه مؤمنين[.
ثم رواه البخاري (2)أيضاً عن قُتيبة عن سفيان ابن عُيينة بإسناد نحوه وفيه: (فخرج موسى ومعه فتاه يوشع بن نون ومعهما الحوت حتى انتهيا إلى الصخرة فنزلا عندها.
قال: فوضع موسى رأسه فنام.
قال سفيان، وفي حديث غير عمرو.
قال: وفي أصل الصخرة عين يُقال لها الحياة، لا يُصيب من مائها شيء إلا حيي، فأصاب الحوت من ماء تلك
العين، قال: فتحرك وانسل من المكتل فدخل البحر فلما استيقظ ]قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا[(*)
وقال البخاري:حدثنا إبراهيم بن موسى، حدثنا(*) هشام بن يوسف، أن ابن جريج أخبرهم، قال: أخبرني يعلى بن مسلم، وعمرو بن دينار عن سعيد بن جبير؛ يزيد أحدهما على صاحبه وغيرهما قد سمعته يحدثه عن سعيد بن جبير قال: إنا لعند ابن عباس في بيته إذ قال: سلوني،
فقلتُ: أي أبا عباس – جعلني الله فداك – بالكوفة رجل قاص يُقال له (نوف) يزعم أنه ليس بموسى بني إسرائيل.
أما عمرو فقال لي: قال: كذب عدو الله، وأما يعلى فقال لي: قال ابن عباس: حدثني أُبي بن كعب، قال: قالr: موسى رسول الله قال ذكر الناس يوماً حتى إذا فاضت العيون، ورقت القلوب وَلى، فأدركه رجل، فقال له: أي رسول الله: هل في الأرض أحد أعلم منك,,؟
قال: لا.
فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إلى الله .(*)
وقد رواه عبدالرزاق (1)عن معمر (2)عن أبي إسحاق (3)عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: خطب موسى بني إسرائيل.
فقال: ما أحد أعلم بالله وبأمره مني.
فأمر أن يلقى هذا الرجل، فذكره نحو ما تقدم (4)وأشار ابن كثير ما بين ص 424 حتى ص 426 أشار إلى ما يلي:
وقوله (تعالى) ]وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة[ قال: السهيلي وهما: أصرم وصريم أبناء كاشح ]وكان تحته كنز لهما [قيل كان: ذهباً قاله عكرمة، وقيل: علماً قاله ابن عباس، والأشبه أنه كان: لوحاً من ذهب مكتوباً فيه: علم (1)
قال البزار حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، حدثنا بشر بن المنذر، حدثنا الحارث بن عبدالله اليحصبي عن عياش بن عباس الغساني عن ابن حجيرة عن أبي ذر رفعه قال: ((إن الكنز الذي ذكره الله في كتابه لوح من الذهب مُصمت مكتوب وعجبت لمن أيقن بالقدر كيف نصب؟ وعجبت لمن ذكر النار لم ضحك؟ وعجبت لمن ذكر الموت كيف غفل؟ لا إله إلا الله محمد رسول الله))(2), وهكذا روي عن الحسن البصري، وعمر مولى غفرة وجعفر الصادق نحو هذا (3)
وقوله تعالى ]وكان أبوهما صالحاً [ قيل إنه كان الأب السابع، وقيل العاشر، وعلى كل تقدير: فيه دلالة على أن الرجل الصالح يُحفظ في ذريته والله المستعان(4).
وقوله تعالى ]رحمة من ربك [ دليل على أنه كان نبياً (5)وأنه ما فعل شيئاً من تلقاء نفسه بل بأمر ربه فهو نبي. وقيل: رسول. وقيل: ولي. وأغرب من هذا من قال: إنه كان ملكاً
قلتُ: وقد أغرب جداً من قال: هو ابن فرعون ؛وقيل ابن ضحاك الذي ملك الدنيا ألف سنة، قال ابن جرير: والذي عليه جمهور أهل الكتاب أنه كان في زمن أفريدون.
ويقال: إنه كان على مقدمة ذي القرنين الذي قيل إنه كان افريدون، وذو الفرس هو الذي كان في زمن الخليل.
وزعموا أنه شرب من ماء الحياة فخلد وهو باقٍ إلى الآن.
وقيل: إنه من ولد بعض من آمن بإبراهيم، وهاجر معه من أرض بابل.
وقيل: اسمه ملكان. وقيل: أرميا بن خلقيا. وقيل: كان نبياً في زمن سباسب بن بهراسب
قال ابن جرير: وقد كانت بين افريدون وبين سباسب دهور طويلة لا يجهلها أحد من أهل العلم بالأنساب.
قال ابن جرير: والصحيح أنه كان في زمن أفريدون واستمر حياً إلى أن أدركه موسى rوكانت نبوة موسى في زمن منوشهر الذي هو من ولد أبرج بن أفريدون أحد ملوك الفرس وكان إليه الملك بعد جده أفريدون وكان عادلاً وهو أول من خندق الخنادق، وأول من جعل في كل قرية دهقاناً، وكانت مدة ملكه قريبة من مائة وخمسين سنة.
ويُقال: إنه كان من سلالة إسحاق بن إبراهيم.
وقد قال الله تعالى: ]وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة، ثم جاءكم رسول مُصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه، قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري, قالوا: أقررنا, قال: فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين [ (6)فأخذ الله ميثاق كل نبي على أن يؤمن بمن يجيء بعده من الأنبياء وينصره، واستلزم ذلك الإيمان وأخذ الميثاق لمحمد صلى الله عليه وسلم لأنه خاتم الأنبياء, فحق على كل نبي أدركه أن يؤمن به وينصره, فلو كان الخضر حياً في زمانه لما وسعه إلا اتباعه والاجتماع به والقيام بنصره ولكان من جملة من تحت لوائه يوم بدر كما كان تحتها جبريل وسادات الملائكة.
وقصارى الخضر عليه السلام أن يكون نبياً وهو الحق أو رسولاً كما قيل (1)أو ملكاً فيما ذكر.
ولم يُنقل في حديث حسن، بل ولا ضعيف يُعتمد أنه جاء يوماً واحداً إلى رسول الله r ولا اجتمع به، وما ذكر من حديث التعزية فيه وإن كان الحاكم قد رواه فاسناده: ضعيف.
قال ابن لحيدان: هذا مجمل ما نقله وحرر بعضه الإمام ابن كثير، ولنا ثلاث مسائل:
الأولى: أن الخضر لم يعمر، بل هو ميت وهذا هو الصحيح الدال عليه النص ودلالة العقل السليم, قال تعالى ] وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد[.
الثانية : أنه نبي لنفسه بوحي خاص بموجب تعليم موسى u ، وليس هو برسول.
الثالثة : أن الصوفية الشاذلية والرفاعية والنقشبندية، والقادرية، والحسينية يتصورون حياته فيتلاعب بهم الشيطان حتى يصدقوا أنفسهم أنهم يرونه، بل ويرون الحسين، وزينب، والبدوي والرفاعي.
بل ويذوبون في الصوفية من/ هزٍ وضربٍ وحنينٍ وأنين ٍ/ ويسكرون من قوة الانفعال وقد يموت بعضهم أو يسقط ويرتعد ويهذي وأصل الخلل عندهم:
1 :سوء التربية.
2 :طلب المال.
3:حب الزعامة على العوام.
4: حب الزعامة على الجهال.
5: تشجيع النصارى لهم لصرفهم عن حقيقة وروح الإسلام الصحيح.
6: تقمص السيادة والإمامة.
7: التهرب من تكاليف الشريعة.
8: العصبية الجاهلة.
9: تركهم على ما هم عليه.
فالصوفية الوثنية والقبورية والمبتدعة يلتقون بموجب الجهل بحقيقة دعوة الرسل ولهذا يتهربون من صحيح الآثار، وهم إذا وصل الصحيح إليهم أولوه بما يوافق صوفيتهم.
من أجل ذلك يرون الخضر ويكلمهم، ويكلمونه، وما هو إلا التخيل الباطني الكاذب.
وقد يذكرون لك أنهم في ليلة أو بعض ليلة يحجون ويعتمرون ويطوفون ويسعون، بل ويرون النبي صلى الله عليه وسلم، بل قد نقل إليّ أن بعضاً من طلاب العلم يذهبون مذاهب بعض الصوفية خاصة في الموالد وقصد زيارة القبور.
وهذا سببه بعض ما تقدم، وقد قال سبحانه ]أفمن زُين له سوء عمله فرآه حسناً [الآية, وقال سبحانه ]أفرأيت من اتخذ إلهَهُ هواه[
وفي (تلبيس إبليس) لابن الجوزي أمور عجيبة من ؛حيل الشيطان وحيل إبليس.
وفي جملة ما أحرره هنا تنبيه مهم لعامة العلماء؛ وكتبة التاريخ؛ والأدب؛ والفلسفة أن يتقوا الله جل وتعالى، يتقوه بنقل الصحيح من كتب ثقات أهل السنة عند نظر أو بحث القصص حوالأخبار ؛والروايات فيكون عملهم هذا شاهداً لهم بالأمانة ؛والنزاهة ؛والفهم الصائب السديد فيكسبون الأجر؛ ويبعدون أنفسهم عن ذم الخليقة العاقلة.
--------------------------------------------------------------------------------
(1) عبدالله بن الزبير القرشي/ من أجل شيوخ البخاري (5) النصب: التعب.
(2) هو ابن عُيينه. (6) يدل هذا على أن موسى/ عليه السلام/ هو أول من قص الأثر.
(*) هو ابن فضالة وكانت أمه زوجة كعب الأحبار
(3) الصحابي الجليل.
(4) قصص الأنبياء/ ص 420/ 424.
(*) أي الراوي(71/1)
(*) أخرجه البخاري ؛كتاب التفسير ؛باب ] وإذقال موسى لفتاه …[الحديث رقم4725
(1) من أجل تلاميذ ابن عباس ومن خيار التابعين (ثقة ثبت).
(2) بسند آخر: صحيح.
(*) أخرجه البخاري كتلب التفسير باب؛ ] قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة [رقم 4727
(*) في الصحيح :أخبرنا
(*) أخرجه البخاري :كاتب التفسير باب ] فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما [ رقم4726
(1) مُحدث وإمام أهل اليمن (في المصنف) بهذا السند.
(2) معمر بن راشد/ له أوهام.
(3) قلتُ فيه عنعنة/ السبيعي/ وهو: مُدلس.
(4) ذكره الإمام عبد الرزاق نحو ما ذكره الإمام البخاري. قلت[الشيخ]: هُناك فرق بين السندين.(*)أخرجه عبد الرزاق في تفسيره :2 / 405
(1) لم يصح سند أي من هذا حسب علمي.
(2) قلت لم يصح سنده هذا.
(3) كذلك/ ومع أن ابن كثير إمام في الجرح والتعديل في الجملة فلست أعلم سبباً لسكوته.
(4) لم يرد نص صحيح/ قلت والأقرب أنه الوالد مباشرة.
(5) الخضر.
(6) سورة آل عمران آية 81.
(1) لم يثبت بنص خاص.
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ صالح اللحيدان
عدد القراء : 2736
تاريخ الموضوع: 09 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(71/2)
حكمة من أرض القبلة (شعر) للشيخ صالح اللحيدان
الشيخ صالح اللحيدان
ومن أمل يحدوه ما يحدوه،
امل بعده مثله،
فننظر: خاشعين،
في حمى الشرق،
في حدود قلب العادلين
أترانا عراة: النوايا، وسبات العابثين
أو ترانا: عراة في سباق مانهين
أشيشان,, صبراً,, والهدي المبين
وصمتاً إذا لج: الصغير المهين
وصدقاً,, ورفع الأكف بصوت حنين
* * *
أليست: بدراً قرب طرس همين
وأحد جاءت بنص مبين
والفتح دوت في الآبدين
* * *
نعم قد كان هذا والصوت الرزين
بثابت نص طرس التابعين
ومن بخارى وغرب العرين
رواها ستة كبار برقم اليمين
بخاري ومسلم، وهدي قمين
* * *
فمهلاً: شيشاننا
فإنا في دولة السامعين
عبدالعزيز ونسل الماجدين
فلا ترانا,, أصلاً,, خزازى
ولا ترانا إلا,, وبذل اليمين
* * *
والدعاء قد سرى طوراً وطوراً
سرى ممن سجد وأبكى الهاجدين
فصبراً: شيشاننا
وصدق النوايا سبيل الفاتحين
* * *
ألم تسمعوا قِدماً بموسى ألم تسمعوا بموسى العرين
وقبل هذا الرسل العظام المنقذين
وعيسى الخير,, وذاك رسول الأمتين
* * *
نعم,, ها,, قد سمعتم نص المخبرين
فمهلاً صبراً وصبراً
فصدق الصبر جزماً يقين
* * *
ألم تسمعوا عن قوم: عاد،
وإخوتهم: ثمود الظالمين
ألم تنظروا:
أم الفواتح، وطه، وسورة الإسراء، والراكعين
ألم تسمعوا بالأنفال: تتلى
وسورة الكشف بسطر أمين
بلى,.
والله,,وحلف الصادقين
فانتظر بالله نصراً
واشهد بالله دك الظالمين
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ صالح اللحيدان
عدد القراء : 2384
تاريخ الموضوع: 07 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(72/1)
تصنيف المواهب للشيخ صالح اللحيدان
الشيخ صالح اللحيدان
وما برحت هذه الأسفار تُعدُّ مصدراً عجباً لا لأنها أُلفت خاصة بالتراجم: تراجم الموهوبين عبر القرون من علماء وساسة وأدباء ولا على أساس أنها كُتبٌ نادرةٌ بعيدةٌ عن الإنشاء والسَّردِ والتهويل والمجاملة والاستجداء لكن لأنها جاءت على منسق واحد فريد كما تحتاجه (الإنسانية) في حياتها تحتاجه كذلك في علمها وايجاد الافراد الموهوبين الأسوياء الذين تلازم لديهم (العقل/ والقلب) وترابط فيهم (السلوك/ والوجدان) والغرائز فأصبحوا كبار المهمة كبار القدر من ذوي الميزان الثقيل في كفةٍ عاليةٍ لا تميل ولا تخون ولا تحيف.
وتحرص الأمم والشعوب منذ أقدم الأزمان على أن يكون افرادها أسوياء في القول والعمل مما يترتب عليه: النزاهة، والجد والأمانة والإخلاص في التأسيس والبناء ودوام العطاء بصدق ورغبة ونشاط.
وما برحت الدول يُنشَد من بين ثنايا أفرادها (الموهوب) خاصة في أساسيات العلم التي تنشدها ضرورة الحياة وقواطع الحاجة، وتسعى إليها للاستغناء عن غيرها مما قد يترتب عليه ضرر بالغ خاصة بين دولة ودولة لا تلتقيان في دين وخلق.
وإذا كانت الوقاية خيراً فقد هَبَّت كثيرٌ من الدول إلى شحذ الهمم والدفع الجاد المستمر للبحث عن الموهوب في أي مجال من مجالات الحياة التي ترتسم فيها نوابغ التجديد والإضافة في حين مُبكر من الحياة وغالب الظن أن هُناك نوع خلط دقيق جداً في عملية اختيار الموهوب ذلك أنه في أحيان مُتعددة ومُتفاوتة تتداخل الصفاتُ بين الذكاءِ الحاد والموهبة وبين سُرعِة البديهة والحيوية والموهبة وبين ارتفاع الدرجات الدراسية والموهبة.
وقد تدخل المجاملة هُنا لسبب ما مما يضر بحال من صُنِّفَ أنَّهُ: موهوبٌ وليس كذلك مما ينتج عنه تردي حال هذا الفرد، وقد يحصل له انتكاسة نفسية حين مواجهة الحياة التي يتولاها على أنه /موهوب/ وقد تسري المجاملة صُعُداً مما يولد تدهور حال الموهوب الحقيقي إذا لم يكن هو المتقدم حقيقة خاصة إذا علمنا أن الموهوب
1 يمتاز/ بالحساسية المفرطة.
2 وحب الانزواء.
3 وكتم الشعور.
4 والتوجس.
5 وسرعة تقبله لردة الفعل.
6 ومشاكسته للحياة.
7 وحبه للظهور بنسق بيِّن.
8 وتفرده ببعض الألفاظ.
9 وشدة حيائه.
10 وانسحابه إذا لم يقبل منه.
دع عنك صفاته أو بعض صفاته الحسية كالوجه والرأس والعين والجبهة، وطبيعة المشي والجلوس,, الخ.
وهذا ما يدعوني إلى ضرورة اكتشاف الموهوب والمحافظة عليه ولو كان صغير السن ما بين 5 إلى 12 من سنين.
من أجل ذلك لعلي هنا كواحد من المجربين والمكتشفين للموهبة في حينها المبكر لعلي أُبين شيئاً مُهماً وأدعو إليه وأُشدد الدعوة لما رأيته من المصلحة التامة في حياة الدولة وبنجاح أمرها في اكتشاف غوامض قد لا يصل إليها إلا الموهوب متى ما تم اكتشافه في حين مبكر جداً عبر طرق متعددة تتصف بشدة الحذر من عدم الخلط بين: الموهوب وبين من ذكرتهم آنفاً.
وهذا الذي أبينه هنا قد سبقني إليه في الحال والمقال من أشرتُ إلى كتبهم في صدر هذا الكلام لكن بيانهم له لم يرصد على اساس ما سوف أشير إليه وان كان يُحاكيه بصورة من الصور ذلك أن ما سوف أوضحه قد حصر منطقة: الموهوب بحيث يمكن معرفته في حدود عمره الزمني وهو مابين (7 سنين الى 12 سنة)، ومن النادر أن تتضح الموهبة بعد ذلك، ذلك أنها ما بين 13 سنة حتى 18 سنة تتداخل عليها صفات أخرى فيظن المكتشف أن حدة الذكاء مثلاً أو سرة البديهة أو علو الدرجات هي الموهبة وفرق كبير وكبير بين هذه الصفات وبينها من أوجه ليس هنا محل بيانها وقد يستطيع الأب أو الأم إذا كانا حاذقين أن يتوليا (ولدهما) بنفس طريقة الاكتشاف والرعاية والمحافظة فيبرز الولد: موهوباً ولو بعد حين.
لكن المدرسة هي المحطة الأولى المنظمة التي تستطيع نظر هذا دون ريب، وهي التي أريدها هنا دون سواها وان شاركها معها غيرها فإنما ذلك روافد تحتاجه في حين وحيد وليس في كل حين.
إنني أهيب بمؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله لرعاية الموهوبين أن يكون ما قامت وتقوم به مستمراً على طراز ما هو عليه إذ ليس بعدها نشدان ولا من يعول عليه بعد الله تعالى غيرها بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني, خاصة وقد خطا التعليم والعلم ناهيك بالطب والهندسة والصناعة والزراعة خطت هذه كلها خطوات حيوية سبقت غيرها بصورة لافتة للنظر.
إنني هنا مركز على نقطة ذات اهمية بالغة تخص عملية الانتقاء بعد الاكتشاف بعد نظر ونظر ونظر.
وهذه النقطة محورها ما بين السنة الرابعة الابتدائية حتى السنة السادسة منها وذلك بجعل المراحل الثلاث هي موضع النظر الفاحص الدقيق فإن الرابعة والخامسة والسادسة الإبتدائية يتبين فيها منها صفات على الموهوب أذكر بعضها:
1 طول الصمت.
2 حساسية مفرطة.
3 حدة الطبع.
4 حدة الفهم.
5 تغير الهيئة عند الغضب.
6 الصبر العجيب.
7 إضافات جديدة من عنده خاصة في:
اللغة العربية.
الإملاء.
التجويد.
العلوم.
الرياضيات.
الرياضة الفنية.
ال: E.
ولكن يجب أن نُلاحظ النقطة السابقة ففيها (غموض) ويُدركُ هَذَا من جرب الاكتشاف علماً أنه قد لا يوجد أحياناً اي موهوب في: مدرسة واحدة، وهذا ما يدعو إلى الخلط كثيراً بين القدرات/ والموهبة/
وماجاء في النقطة (3) ذو أهمية مهمة (فحدة الفهم) ليست هي: الذكاء ولا سرعة البديهة بل هو أمر زائد عنهما بنسبة عالية وضابطه هو: عجز الذكي أن يصل إلى هذه الفارقة.
1 والانزواء.
2 ورهافة الحس.
3 وبطء المشي.
4 وبطء الالتفات.
5 والصبر النفسي.
6 والسرحان أحياناً.
7 واستواء الخلقة.
8 وجمال الخلق.
9 وعدم المبالاة أحياناً.
هذه صور صادقة في الموهوب وقد تتوفر في الذكي ولكن ضابط هذا:
1 بطء المشي.
2 وبطء الالتفات.
فالذكي فيه عجلة في السير,, والالتفات,, وسرعة الحكم وهو ما بين 7 سنوات حتى 12 سنة بخلاف الموهوب الذي تصل فيه النجابة إلى 99% فإنه ليس كذلك لكن قد يحصل من: (الموهوب) سرعة في المشي (السير) العادي وكذا: الالتفات لكن لايكون هذا منه إلا عند الاقتضاء لهما كخوف مثلاً.
من أجل ذلك أرى أن تُنظر حالات الطلاب على ما أشرت إليه فتُدرس صفاتهم وحالاتهم وامورهم دون علم منهم (أبداً) بل يتركون على السجية هكذا وحينئذ بعد المرحلة الابتدائية يُصنفون تصنيفاً علمياً دقيقاً مسؤولاً فلا يُزج بهم جميعاً في المرحلة المتوسطة ثم الثانوية هكذا بل من حين تخرجهم من الابتدائي يكون التصنيف على هذا النحو:
الموهوب في الطب له/ مجاله.
الموهوب في الهندسة له/ مجاله.
الموهوب في الصناعة له/ مجاله.
الموهوب في اللغة العربية له/ مجاله.
الموهوب في العلم الشرعي له/ مجاله.
الموهوب في السياسة له/ مجاله.
الموهوب في الادارة له/ مجاله.
الموهوب في الشرطة له/ مجاله.
الموهوب في الدفاع له/ مجاله.
إلخ,,, حسب الاكتشافات المبكرة لهؤلاء الندرة.
وليس من المجهول حشر عشرين مادة أو خمس عشرة مادة والطالب مُصنف أنه موهوب في (الطب) مثلاً.
ولعل هذه واحدة من أمور تُسبب الرسوب في مادة أو أكثر عند طالب موهوب لايرغب أصلاً في مادتين أو ثلاث.
والموهوب,, وكافة الأذكياء يميلون كل الميل إلى ما يقودهم إلى اكتمال التوحيد ونضج العقل من خلال تغذية الفطرة بما هو ركن ركين في الحياة وبعد الممات ولهذا ارى ان تكون: مادة التوحيد/ والفقه واللغة من أساسيات مايلازم الموهوب حتى بعد نيله درجة/د/.
إن ما أقدمه هُنا جُهد عالجته كثيراً في نفسي ثم رأيتُ الكتابة عنه مساهمة في رأي لعله يساهم في معالجة حالات الطالب ولو لم يكن موهوباً في حين أصبح العلم فيه (مدينة) يسمع فيها القاصي والداني فإذا لم يكن الانسان ذا دراية ووعي بنفسه وقدراته وحده ومعرفته فإنه قد تفترسه ذئاب أُهَّلَت لمثل السوء والشر كالفتن والمخدرات وغسيل المخ,, الخ.
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ صالح اللحيدان
عدد القراء : 2982
تاريخ الموضوع: 05 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(73/1)
الكذب للشيخ صالح اللحيدان
الشيخ صالح اللحيدان
والكذب أصله حرارة لئيمة سيئة تقذف بالحمم السوداء مخرجها ضيق الخلق ورداءة الأصل وقبح الطوية، ولا يكذب في أصل الحقائق إلا المجنون لكنه لا يقصد الكذب.
والكذب أنواع:
كذب طبعي
وكذب مرضي
وكذب تهربي
وكذب ظني
وكذب للإصلاح بين متخاصمين
وكذب وشائي
وكذب طفولي
وكذب هزلي
وكذب لإنقاذ مظلوم
وكذب مصلحي
وكذب تجبري
وكذب حيفي
وكذب طردي
وقد استخلصت هذا من خلال نظري وسماعي للخصومات، وما يعرض عليّ من رسائل وكتابات، وهناك غيرها تركتها لعدم الداعي إليها.
أما الكذب الطبعي: فهو كذب يصدر من عاقل على غير طبيعته، وهو قليل لكنه إذ يحصل مع قلته يحصل بسبب إخراج النفس من موقف ما، لكنه كذب مذموم، وليس أفضل من الصدق إنك لا تأتي أصلاً ما يوجب الكذب ومثله التهربي ويعتبر ذنباً عظيماً إذا أكثر صاحبه من أكثر من ثلاث مرات في حياته.
ويتعلق الحكم بالكذب من حيث النية والضرر ولو على النفس، نفس من يكذب لأن المرء لا يؤتمن على نفسه.
أما الكذب الحسدي: فحدّث ولا حرج لكنه مع الكذب الوشائي يعرف إذا صدر من قريب أو صديق أو زميل، ولا يكاد يعرف هذا النوع إلا أناس دون آخرين لأن هناك من الكذابين من يجلبون الأدلة حساً ومعنى ويتفننون في الطرح ولهم قدرة عجيبة على الإقناع، وقد يستغلون غيرهم من البسطاء والمصلحين.
يقول الملك فيصل رحمه الله: الواسطة والكذب علة ومرض وقد صدق.
ويقول الأمير سلمان بن عبدالعزيز: ما كل ما يقال لنا نأخذ به وقد برهن هذا الرجل على حقيقة من حقائق العدل برد اعتبار جيد للمظلوم لم يسبق إليه أنبت عنه كلمته هذه.
أما الكذب الظني: فهو من باب عدم القصد لكنه يجب أن يضبط وإلا أدى إلى المهالك ولا يقع هذا إلا ممن كان ذا عجلة وكبير شك.
أما الكذب للإصلاح بين متخاصمين: فهو صالح لأن ما يترتب عليه من المصلحة كبير جداً، فإن الصلح والإصلاح أمرهما غاية في الخير وقوة أواصر المتقاطعين خاصة إذا كانوا أقرباء أو جيران أو زملاء أو علماء أو دعاة (1).
أما الكذب الطفولي: فيجب أن ينتبه إليه لأنه كذب بسبب حالة ما يعيشها كخوف أو قلق أو ضعف أو إقتداء، ويحسن أن يعالج مبكراً بعد معرفة سببه.
أما الكذب الهزلي: فهو كثير جداً وهو ما يحدث في التمثيليات وبين بعض الشباب حال النكت والجلسات الخاصة وهذا مهما كان كذب، وأرى عدم جوازه فإن ترتب عليه ظلم، أو تقوّل، أو نسبه لصحابي ما لم يقله، أو تابعي فهذا محرم جداً ويجب أن نحذر من ذلك غاية الحذر.
أما الكذب لإنقاذ مظلوم ظهرت مظلمته: ولا يستطيع الكذب عن نفسه أو جهل أو خوف أو عدم قدرة فلا ضير في هذا ولا يجوز هنا اطراده.
أما الكذب المصلحي: لغير ضرورة شرعية ناهضة فلا يجوز، ولا يحسن الخلط بينه وبين غيره.
أما الكذب التجبري والحيفي والطردي: فباب هذا واسع جداً يدرك من خلال نظر أحوال الناس وما يقع بين بعضهم من خصومات، ولا يقدر على فك الكذب إلا من ألهم وسدد ووفق فإن للكذب صوراً وصوراً ومنافذ عجيبة.
وطرحت هذا من باب الإشارة وإلا فكل نوع يحتاج إلى طرح مستقل لخطورة الكذب لكن من لم يعتبر بالموت ولم يتنبه له لم يدرك سطوة دعوة المظلوم فليس بمتعظ إلا تنزل لكن أنى له التناوش، وقد حيل بينه وبين ما يشتهي.
وأما الكذب المرضي: فله باب خاص، وما أحب بيانه وهو مستقل لضرره وقبحه فهو ما يقع من بعض رواة الآثار وقد نبه الإمام ابن الجوزي إلى هذا في كتابه: الموضوعات (2) فقال رحمه الله: واعلم أن الرواة الذين وقع في حديثهم الموضوع (3) والكذب والمقلوب (4) انقسموا إلى خمسة أقسام:
القسم الأول: قوم غلب عليهم الزهد والتقشف فتغفلوا عن الحفظ والتمييز، ومنهم من ضاعت كتبه أو احترقت أو دفنها ثمّ حدث من حفظه فغلط فهؤلاء تارة يرفعون المرسل (5) وتارة يسندون الموقوف (6) وتارة يقلبون الإسناد وتارة يدخلون حديثاً في حديث.
والقسم الثاني: قوم لم يعانوا على النقل فكثر خطؤهم وفحش على نحو ما جرى للقسم الأول.
والقسم الثالث: قوم ثقاة لكنهم اختلطت عقولهم في آخر أعمارهم فخلطوا في الرواية.
والقسم الرابع: قوم غلب عليهم السلامة والغفلة ثم انقسم هؤلاء فمنهم من كان يلقنه فيتلقن، ويقال له: قل فيقول...إلخ.
والقسم الخامس: قوم تعمدوا الكذب ثمّ انقسم هؤلاء إلى ثلاثة أقسام:
1- قوم رووا الخطأ من غير أن يعلموا أنه خطأ، فلما عرفوا وحه الصواب وأيقنوا به أصروا على الخطأ أنفة من أن ينسبوا إلى غلط.
2- قوم رووا عن كذابين وضعفاء وهم يعلمون ودلسوا (7) أسمائهم فالكذب من أولئك المجروحين والخطأ القبيح من هؤلاء المدلسين، وهم في مرتبة الكذابين لما قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من روى عني حديثاً يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين. ومن هذا القسم قوم رووا عن أقوام ما رأوهم مثل إبراهيم بن هدبة عن أنس، وكان بواسطة شيخ يحدث عن أنس ويحدث عن شريك فقيل له حين حدث عن أنس لعلك سمعته من شريك؟ فقال لهم: أقول لكم الصدق سمعت هذا من انس ...إلخ.
3- قوم تعمدوا الكذب الصريح لا لأنهم أخطأوا ولا لأنهم رووا عن كذاب فهؤلاء تارة يكذبون في الأسانيد فيروون عمن لم يسمعوا منه وتارة يسرقون الأحاديث التي يرويها غيرهم وتارة يضعون أحاديث. وهؤلاء الوضاعون انقسموا إلى سبعة أقسام (8) وقد برهن ابن الجوزي مع قليل من الأمثلة على حقيقة الكذب في الآثار من الحديث والخبر والرواية والقصة، وعموم النقل خاصة في كتب الأدب والتاريخ والنقد وفلسفة الأدب والتاريخ والتحليل في كل من هذا وذاك.
وإنك لواجد كتاب الأغاني والعقد الفريد ومروج الذهب مليئة بالأحاديث المكذوبة وإنك لواجد من يعول عليها ويجعلها أصلاً في نقل الآثار والأخبار والروايات والقصص ويبني عليها أحكاماً شرعية أو أدبية أو وثائقية ثم هو يبرهن أن هذا قد نقله صاحب الأغاني مثلاً ومثل هذا قد شارك في نشر جريمة الكذب والإفتراء علم أو لم يعلم.
ولا مندوحة من القول إلا بعدم عذر من يقوم بهذا لأنه لا يدري، لا مندوحة من لومه وذمه وطمه وقمه ورمه ولا مندوحة من هذا وهو لا جرم يدرك خطورة الحديث وما جرى بين الصحابة وما جرى بين التابعين أنه يجب التثبيت منه بحق ظاهر بيّن، لكن من أصول كتب الثقاة التي تخصصت سنداً ومتناً بإيراد ما عجز عنه صاحب مروج الذهب ثمّ عجز عنه صاحب علي وبنوه والفتنة الكبرى، وعلى هامش السيرة وما عجز عنه أصلاً صاحب كتاب الخليفة الزاهد عمر بن عبدالعزيز وصاحب كتاب حياة محمد صلى الله عليه وسلم، وصاحب كتاب أهل الكهف.
وأمثالهم في هذا الحين العجيب، وأن تعجب فعجب من حال قسطنطين زريق وجرجي زيدان ولويس عوض ونجيب محفوظ وأحمد حجازي وميخائيل نعيمة وقائم مثلها لعل الله يهيئ لها حراً كريماً فيخرج لنا معجماً بأسماء أمثال هؤلاء مع شيء من كتبهم وما دنوه فيها من كلام سيء مشين خلدهم في صفوف أهل الوضع في هذا وكل حين.
وقد قدر الله تعالى ويقدر من يصد عن دينه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بنواهض من شاهد وشواهد وبنص عال مبين، يصد كل زيف وتحريف ويصد الكذب والتلبيس.
ثم هو ينافح عن سادة هذه الأمة بلسان عربي مبين ليبقى خالداً مداده وحي طرسه ويعبق ذكره بالثناء عليه أبد الآبدين.
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ صالح اللحيدان
عدد القراء : 2965
تاريخ الموضوع: 25 - أكتوبر - 2002 ميلادية
(74/1)
شحذ الهمم إلي القمم للأخ الفاضل عبد الكريم الحربي
الأخ الفاضل عبد الكريم الحربي
قال الله تعالى( إنما يخشى الله من عباده العلماءُ) [ سورة فاطر : الآية 28 ] ، وقال تبارك وتعالى (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) [ سورة المجادلة : الآية 11 ] .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " الدنيا ملعونة ، ملعون ما فيها إلاّ ذكر الله ، وما والاه ، وعالما ، ومتعلما " [ حديث حسن رواه ابن ماجه 4112 ، وغيره ] .
ويُروى: " تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة، لأنه معالم الحلال والحرام وبيان سبيل الجنة، والأنيس في الوحشة، المُحَدِّث في الخلوة، والصاحب في الغربة، والدليل على السراء والمعين على الضراء، والسلاح على الأعداء، والزين ند الأخِلاّء، يرفع الله به أقواما فيجعلهم في الخير قادة قائمة تُقتص آثارهم، ويقتدى بأفعالهم، يُنتهى إلى رأيهم، ترغب الملائكة في خلتهم، وبأجنحتها تمسحهم، ويستغفر لهم كل رطب ويابس، وحيتان البحر وهوامه، وسباع البحر وأنعام ، لأن العلم حياة القلوب من الجهل، ومصابيح الأبصار من الظلَم، وبالعلم يبلغ العبد منازل الأخيار، والدرجات العلى في الدنيا والآخرة، والتفكر فيه يعدل الصيام، ومذاكرته تعدل القيام، وبه توصل الأرحام، وبه يُعرف الحلال والحرام، وهو إمام العمل، والعمل تابعه، يُلهَمه السعداء، ويُحرمه الأشقياء".
وقال صلى الله عليه وسلم: " من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع ، وإن العالِم ليستغفر له من في السماوات ، ومن في الأرض ، حتى الحيتان في الماء ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ، وأن العلماء ورثة الأنبياء ، وأن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ، وإنما ورثوا العلم ، فمن أخذه أخذ بحظ وافر " [ حديث صحيح رواه أبو داود 3641 ، والترمذي 2646 ، وابن ماجه 223 ، وغيرهم ] .
وقال علي رضي الله عنه: أقل الناس قيمة أقلهم علماً.
وقال بعض السلف رحمه الله: العلوم أربعة: الفقه للأديان ، والطب للأبدان ، والنجوم للأزمان ، والنحو للسان .
وقيل: العالم طبيب هذه الأمة، والدنيا داؤها، فإذا كان الطبيب يطلب الداء فمتى يبرئ غيره ؟
وسُئل الشعبي ـ رحمه الله ـ عن مسألة، فقال : لا علم لي بها ، فقيل له : ألا تستحي ؟ فقال : ولم أستحي مما لم تستح الملائكة منه حين قالت : لا علم لنا .
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: " فضل العالم على العابد، كفضلي على أدناكم " [ حديث صحيح رواه الترمذي 2682، 2685، وغيره ].
وقيل: مؤدب نفسه ومعلمها أحق بالإجلال من مؤدب الناس ومعلمهم.
وأنشدوا :
يا أيُّها الرَّجُلُ المُعَلِّمُ غَيْرَهُ + هَلاّ لِنَفْسِكَ كانَ ذا التعليمُ
تصِفُ الدَّواءَ لِذي السِّقامِ وَذِي الضَّنَى + كيْما يَصِحُّ بهِ وأنتَ سَقيمُ
وَنَراكَ تُصْلِحُ بالرَّشادِ عُقولَنا + أبَداً وَأنتَ مِنَ الرَّشادِ عَديمُ
فَابْدَأ بنَفسِكَ فانهَها عنْ غَيِّها + فإذا انتهَتْ عَنهُ فَأنتَ حَكيمُ
فهُناكَ يُقبَلُ ما تقولُ ويُهْتَدَى + بالقولِ مِنكَ وَيَنْفَعُ التَّعليمُ
لا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَ تأتي مِثلَهُ + عارٌ عَليْكَ إذا فَعَلتَ عَظيمُ
وقال الخليل رحمه الله : العلوم أقفال والأسئلة مفاتيحها .
وقال الحسن : رأيت أقواما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون : من عمل بغير علم كان ما يفسده أكثر مما يصلحه ، والعامل بغير علم كالسائر على غير طريق ، فاطلبوا العلم طلبا لا يضر بالعبادة ، واطلبوا العبادة طلبا لا يضر بالعلم .
وعن الفضيل ـ رحمه الله ـ أنه قال: لو أن أهل العلم أكرموا أنفسهم، وأعزوا هذا العلم، وصانوه ، وأنزلوه حيث أنزله الله إذاً لخضعت لهم رقاب الجبابرة ، وانقاد لهم الناس ، وكانوا لهم تبعا ، ولكنهم أذلوا أنفسهم وبذلوا علمهم لبناء الدنيا ، فهانوا وذلوا .
وللقاضي العلامة أبي الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني ـ رحمه الله ـ :
وَلَمْ أَقْضِ حَقَّ العِلْمِ إِنْ كُنْتُ كُلَّما + بَدا طَمَعاً صَيَّرْتهُ لي سُلَّمَا
وَلَمْ أبتذلَ في خِدْمةِ اَلعِلْمِ مُهْجَتِي + لأخْدِمَ مَنْ لاقَيْتَ لَكِنْ لأخْدَما
أَأَشْقَى بِهِ غَرْسًا وَأَجْنِيهِ ذِلَّة + إِذًا فَاتَباعُ الجَهْلِ قَدْ كانَ أَسْلَمَا
فَإِنْ قُلتَ زَنَدُ العِلْمِ كابٍ فَإِنّما + كَبا حينَ لَمْ نَحْرُسْ حِماهُ وَأَظْلَما
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ العِلْم صانُوهُ صانَهُم + ْوَلَوْ عَظَّمُوهُ في النُّفوسِ لَعُظِّما
وَلَكِنْ أَهانُوهُ فَهانُوا وَدَنَّسُوا + مُحَيَّاهُ باِلأَطْماعِ حَتَّى تَجَهَّمَا
وقيل : من لم يتعلم في صغره لم يتقدم في كبره .
وقال الفضيل ـ رحمه الله ـ : شر العلماء من يجالس الأمراء ، وخير الأمراء من يجالس العلماء .
وقيل: من عُرف بالحكمة لاحظته العيون بالوقار .
وكان ابن مسعود رضي الله عنه، إذا رأى طالبي العلم قال: مرحبا بكم ينابيع الحكمة، ومصابيح الظلمة، خُلقان الثياب ، جدد القلوب ، رياحين كل قبيلة .
وقال علي رضي الله عنه : كفى بالعلم شرفا أن يَدَّعِيهِ من لا يُحْسِنه ، ويَفرح به إذا نسِب إليه ، وكفى بالجهل ضَعَة أن يتبرأ منه من هو فيه ، ويَغضب إذا نسب إليه .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار " [ حديث صحيح رواه ابن ماجة 264 ، وغيره ] .
قال الشاعر :
العِلمُ أنْفَسُ شَيْءٍ أنتَ داخِرُه + ُمَنْ يَدْرُس العلمَ لمْ تُدْرَسْ مَفاخِرُهُ
أقبِلْ على العلم واستقبلْ مَقاصِدَه + ُفأوَّلُ العلم إقبالٌ وآخِرُه
قال الشَّعْبيُّ ـ رحمه الله ـ : دخلت على الحجاج حين قدم العراق ، فسألني عن اسمي ، فأخبرته ، ثم قال : يا شعبي كيف علمك بكتاب الله ؟ قلت : عني يؤخذ ، قال : كيف علمك بالفرائض ؟ قلت : إليَّ فيها المنتهى ، قال : كيف علمك بأنساب الناس ؟ قلت : أنا الفيض فيها ، قال : كيف علمك بالشعر ؟ قلت : أنا ديوانه ، قال : لله أبوك ، وفرض لي أموالاً ، وسوّدَني على قومي ، فدخلت عليه وأنا صُعلوكٌ من صعاليك هَمْدان وخرجت وأنا سيدُهم .
قال البُسْتي :
إذا لم يَزِدْ عِلمُ الفتى قلبَهُ هُدىً + وَسِيرَتهُ عَدْلا وَأخْلاقهُ حُسْنا
فبَشِّرْهُ أنَّ اللهَ أوْلاهُ فِتنَة + تُغشِيهِ حِرْماناً وتوسِعُهُ حُزْنا
وقال علي رضي الله عنه : من أفتى الناس بغير علم لعنته ملائكة السماء والأرض .
وشكا الشافعي ـ رحمه الله ـ إلى وكيع بن الجراح ـ رحمه الله ـ سوء الحفظ فقال له : استعن على الحفظ بترك المعاصي ، فأنشأ يقول :
شكَوْتُ إلىَ وَكِيعٍ سُوءَ حِفْظِي + فَأرْشَدَنِي إلىَ ترْكِ المَعاصِي
وَذلِكَ أنَّ حِفْظَ العِلْمَ فَضْلٌ + وَفَضْلَ اللهِ لا يُؤْتىَ لِعاصِي
وعن أبي يوسف ـ رحمه الله ـ قال : مات لي ولد فأمرت من يتولى دفنه ، ولم أدَعْ مجلسَ أبي حنيفة خوفا أن يفوتني منه يوم .
وقال محمد بن إسحاق بن خزيمة ـ رحمه الله ـ : ما رأيت تحت أديم السماء أعلم بالحديث ، ولا أحفظ له من محمد بن إسماعيل البخاري ، حتى كان يقال إن حديثا لا يعرفه محمد بن إسماعيل ليس بحديث .
وقال البخاري ـ رحمه الله ـ : أحفظ مائة ألف حديث صحيح . وقال : ما وضعت في كتابي الصحيح حديثا إلا اغتسلت قبل ذلك ، وصليت ركعتين ، وقال : أخرجته من ستمائة ألف حديث ، وصنفته في ست عشرة سنة ، وجعلته حجة فيما بيني وبين الله I .
وقال مجاهد ـ رحمه الله ـ : أتينا عمر بن عبد العزيز لنعَلِّمَه فما برحنا حتى تعلمنا منه .
وكان يقال : الليث بن سعد ـ رحمه الله ـ ذهب علمه كله بموته ، ولهذا قال الشافعي ـ رحمه الله ـ لما قدم مصر بعد موته : والله لأنت أعلم من مالك ، وإنما أصحابك ضيعوك .
وقال الليث بن سعد ـ رحمه الله ـ: ما هلك عالم قط إلا ذهب ثلثا علمه ولو حرص الناس .
وقالوا: إذا سُئِل العالم فلا تجب أنت ، فإنَّ ذلك استخفافٌ بالسائل والمسؤول .
وقال الشافعي ـ رحمه الله ـ :
أخِي لنْ تنالَ العِلْمَ إلا بسِتَّةٍ + سَأنْبيكَ عَنْ تفْصِيلِها ببَيان
ذَكاءٌ وَحِرْصٌ وَاجْتِهادٌ وَبُلْغَة + وَصُحْبَة أسْتاذٍ وَ طُولُ زَمان
وقيل : العلماء سرج الأزمنة ، كل عالم سراج زمانه يستضيء به أهل عصره .
وفي حديث موسى والخضر ـ عليهما السلام ـ الطويل ، والذي رواه البخاري في صحيحه [ 4726 ] :
" قال ـ أي الخضر لموسى عليهما السلام ـ فما شأنك ؟ قال : جئت لتعلمني مما عُلمت رُشدا ، قال : أما يكفيك أن التوراة بيديك ، وأن الوحي يأتيك ؟ يا موسى إن لي علما لا ينبغي لك أن تعلمه ، وإن لك علما لا ينبغي لي أن أعلمه . فأخذ طائر بمنقاره من البحر ، فقال ـ أي الخضر ـ : والله ما عِلمي وما علمك في جنب علم الله إلا كما أخذ هذا الطائر بمنقاره من البحر " .
قال الله تعالى ( ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ) [ سورة البقرة : الآية 255 ] وقال سبحانه وتعالى ( وما يعلم جنود ربك إلا هو ) [ سورة المدثر : الآية 31 ] .
وقال قتادة ـ رحمه الله ـ : لو كان أحد منا مكتفيا من العلم لاكتفى نبي الله موسى عليه السلام إذ قال : ] هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا [ [ سورة الكهف : الآية 66 ].
قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه : خلق الله عز وجل أربعين ألف عالم ، الأنس والجن عالمان ، والبواقي لا يعلمها إلا هو .
وقال بعضهم : ليس العلم ما خزنته الدفاتر ، وإنما العلم ما خزنته الصدور .
وقيل : من تواضع للعلم ناله ، ومن لم يتواضع له لم يَنَلْهُ .
وقال بعضهم : العالم يعرف الجاهل ، والجاهل لا يعرف العالم ، لأن العالم كان جاهلاً ، والجاهل لم يكن عالما .
وقيل : أربعة يُسَوِّدُونَ العَبْدَ : العلمُ ، والأدبُ ، والصدقُ ، والأمانة .
ولإبراهيم بن خلف المهراني :
النَّحْوُ يُصْلِحُ مِنْ لِسان الألكَن + ِوَالمَرْءُ تكْرِمُهُ إذا لمْ يَلحَنِ
وَإذا طَلبْتَ مِنَ العُلومِ أجَلَّها + فَأجَلها مِنْها مُقِيمُ الألسُن
وقال علي بن بشار :
رَأيْتُ لِسانَ المَرْءِ آيَة عَقلِهِ + وَعُنْوانَهُ فَانْظُرْ بماذا تعَنْوِنُ
وَلا تعْدُ إصْلاحَ الِلسان فَإنَّهُ + يُخْبِرُ عَمَّا عِنْدَهُ وَيُبينُ
وَيُعْجِبُني زيُّ الفَتَى وَ جَمالَهُ + فَيَسْقط مِنْ عَيْني ساعَة يَلحَن
ودخل أعرابي السوق فوجدهم يلحنون ، فقال : سبحان الله يلحنون ويربحون ؟(75/1)
وكلم أبو موسى بعض قواده فلحن، فقال: لم لا تنظر في العربية ؟ فقال: بلغني أن من نظر فيها قل كلامه ، فقال : ويحك لأن يقل كلامك بالصواب خير لك من أم يكثر كلامك بالخطأ .
وكان يقال: مجالسة الجاهل مرض للعاقل.
وقال أبو الأسود الدؤلي ـ رحمه الله ـ : إذا أردت أن تعذّبَ عالما فاقرن به جاهلا.
وعلى طالب العلم أن يكون مخلصا لله في طلبه للعلم ، ولا يطلبه للرياء والسمعة ، فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء ، أو لتماروا به السفهاء ، أو لتصرفوا وجوه الناس إليكم ، فمن فعل ذلك فهو في النار " .
والحمد لله رب العالمين
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الأخ الفاضل عبد الكريم الحربي
عدد القراء : 1706
تاريخ الموضوع: 28 - أكتوبر - 2002 ميلادية
(75/2)
الابتلاء بالمرض سنة ماضية للأخ الفاضل سعود الزمانان
الأخ الفاضل سعود الزمانان
حكم المرض وفوائده :
1 . استخراج عبودية الضراّء وهي الصبر :
- إذا كان المرء مؤمناً حقاً فإن كل أمره خير ، كما قال عليه الصلاة والسلام : " عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير ، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابته سراّء شكر فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراّء صبر فكان خيراً له " [1]
2 . تكفير الذنوب والسيئات :
- مرضك أيها المريض سبب في تكفير خطاياك التي اقترفتها بقلبك وسمعك وبصرك ولسانك ، وسائر جوارحك .
- فإن المرض قد يكون عقوبة على ذنب وقع من العبد ، كما قال تعالى { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير }
- يقول المعصوم – صلى الله عليه وسلم - : " ما يصيب المؤمن من وَصب ، ولا نصب ، ولا سقَم ، ولا حزن حتى الهمّ يهمه ، إلا كفر الله به من سيئاته " [2] .
3 . كتابة الحسنات ورفع الدرجات :
- قد يكون للعبد منزلة عظيمة عند الله سبحانه وتعالى ، لكن العبد لم يكن له من العمل ما يبلغه إياها ، فيبتليه الله بالمرض وبما يكره ، حتى يكون أهلاً لتلك المنزلة ويصل إليها .
- قال عليه الصلاة والسلام : " إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعمله ، ابتلاه الله في جسده أو في ماله أو في ولده ، ثم صبّره على ذلك ، حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله تعالى " [3]
4 . سبب في دخول الجنة :
- قال – صلى الله عليه وسلم - : " يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب ، لو أن جلودهم كانت قرِّضت بالمقاريض " صحيح الترمذي للألباني 2/287 .
5 . النجاة من النار :
- عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – عاد مريضاً ومعه أبو هريرة ، فقال له رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : " أبشر فإن الله عز وجل يقول : هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن في الدنيا لتكون حظه من النار في الآخرة " السلسلة الصحيحة للألباني 557 .
6 . ردّ العبد إلى ربه وتذكيره بمعصيته وإيقاظه من غفلته :
- من فوائد المرض أنه يرد العبد الشارد عن ربه إليه ، ويذكره بمولاه بعد أن كان غافلاً عنه ، ويكفه عن معصيته بعد أن كان منهمكاً فيها .
7 . البلاء يشتد بالمؤمنين بحسب إيمانهم :
- قال عليه الصلاة والسلام : " إن عظم الجزاء مع عظم البلاء ، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم ، فمن رضي فله الرضا ، ومن سخط فله السخط " حسنه الألباني في صحيح الترمذي 2/286 .
- * بشرى للمريض :
- ما كان يعمله المريض من الطاعات ومنعه المرض من فعله فهو مكتوب له ، ويجري له أجره طالما أن المرض يمنعه منه .
- قال – صلى الله عليه وسلم - : " إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً " رواه البخاري 2996 .
- * الواجب على المريض :
- الواجب على المريض تجاه ما أصابه من مرض هو أن يصبر على هذا البلاء ، فإن ذلك عبودية الضراء .
- والصبر يتحقق بثلاثة أمور : 1 . حبس النفس عن الجزع والسخط 2. وحبس اللسان عن الشكوى للخلق .3 . وحبس الجوارح عن فعل ما ينافي الصبر .[4]
- * أسباب الصبر على المرض :
- 1 . العلم بأن المرض مقدر لك من عند الله ، لم يجر عليك من غير قبل الله .
- قال تعالى { قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون } ، وقال تعالى { ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها }
- قال عليه الصلاة والسلام : " كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة " مسلم 2653.
- 2 . أن تتيقن أن الله أرحم بك من نفسك ومن الناس أجمعين :
- عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قال : قدم على النبي – صلى الله عليه وسلم – سبيٌ ، فإذا امرأة من السبي وجدت صبياً فأخذته ، فألصقته ببطنها وأرضعته ، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم - : " أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار ؟ قلنا : لا وهي تقدر أن لا تطرحه ، فقال : لله أرحم بعباده من هذه بولدها " البخاري 5999 .
- 3 . أن تعلم أن الله اختار لك المرض ، ورضيه لك والله أعلم بمصحتك من نفسك :
- إن الله هو الحكيم يضع الأشياء في مواضعها اللائقة بها ، فما أصابك هو عين الحكمة كما أنه عين الرحمة .
- 4 . أن تعلم أن الله أراد بك خيراً في هذا المرض :
- قال عليه الصلاة والسلام : " من يرد الله به خيراً يصب منه "[5] أي يبتليه بالمصائب ليثيبه عليها .
- 5 . تذكر بأن الابتلاء بالمرض وغيره علامة على محبة الله للعبد :
- قال – صلى الله عليه وسلم - : " إن عظم الجزاء مع عظم البلاء ، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم " صحيح الترمذي للألباني 2/286 .
- 6 . أن يعلم المريض بأن هذه الدار فانية ، وأن هناك داراً أعظم منها وأجل قدراً :
- فالجنة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .
- قال – صلى الله عليه وسلم - : " يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة ، فيصبغ في النار صبغة ، ثم يقال : يا ابن آدم : هل رأيت خيراً قط ؟ هل مرّ بك نعيم قط ؟ فيقول : لا والله يا رب . ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنة ، فيصبغ في الجنة صبغة ، فيقال له : يا ابن آدم هل رأيت بؤساً قط ؟ هل مرّ بك شدة قط ؟ فيقول : لا والله يا رب ما مرّ بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط "[6] – الصبغة أي يغمس غمسة .
- 7 . التسلي والتأسي بالنظر إلى من هو أشد منك بلاء وأعظم منك مرضاً :
- قال عليه الصلاة والسلام : " انظروا إلى من هو أسفل منكم ، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم ، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم " [7]
وأسأله سبحانه أن يشفي مرضانا ومرضى المسلمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] رواه مسلم (2999 ) .
[2] البخاري 5641 .
[3] صحيح أبي داود للألباني 2/597 .
[4] عدة الصابرين لابن القيم ص 13 .
[5] البخاري 5645
[6] مسلم 2807 .
[7] مسلم 2963 .
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الأخ الفاضل سعود الزمانان
عدد القراء : 1561
تاريخ الموضوع: 28 - أكتوبر - 2002 ميلادية
(76/1)
نقد الرسالة الذهبية للأخ الفاضل عبدالكريم الحربي
الأخ الفاضل عبد الكريم الحربي
1: أنها بخط ابن القاضي شهبة وهو من ألد خصوم أبن تيمية وهذا فيه نظر والله اعلم لئن بين بين وفاتيهما( مئة وثلاث وعشرون سنة) وقد يقال ان المعاصرة غير مرادة.
2:أنها لم تذكر في مؤلفات الذهبي ممن ذكرا ترجمته ممن يعول على مثلهم.
3:أنه لايوجد دليلا على نسبتها لذهبي.
4: أن هذه الرسالة تحتوي على كلام شديدووغريب لايليق بطلاب العلم فضلاً عن مثل الذهبي مع شيخه ابن تيمية
5: كثرة أعداء شيخ الإسلام الذين يريدون الإنتقام منه بشت السبل وهذه من الدسائس التي دسها هؤلاء الحقدين.
هذه بعض الأسباب التي يمكن جمعها الأن وإذا كنت تريد المزيد فعليك برجوع إلى
1:كتب حذر منها العلماء/ لمشهور بن حسن وفقه الله
2:مقدمة المهذب في اختصار السنن الكبير/ زكريا بن علي وفقه الله
3:التوضيح الجلي في الرد على النصيحة الذهبية المنحولة على الإمام الذهبي/محمد الشيباني وفقه الله
والحمد لله
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الأخ الفاضل عبد الكريم الحربي
عدد القراء : 1661
تاريخ الموضوع: 28 - أكتوبر - 2002 ميلادية
(77/1)
تقصد المشقة في الشريعة الإسلامية للأخ سعود الزمانان
الأخ الفاضل سعود الزمانان
ولحديث جابر في صحيح مسلم قال :" خلت البقاع حول المسجد فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا إلى قرب المسجد فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لهم : إنه بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد قالوا: نعم يا رسول الله قد أردنا ذلك فقال : يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم دياركم تكتب آثاركم وفي رواية - فقالوا : ما كان يسرنا أنا كنا تحولنا - "[2]
والذي يظهر لي أن تقصد المشقة ممنوع لما يأتي :
أولاً : لا يجوز للإنسان أن يتقصد المشقة عند أدائه لأي عبادة ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : " قول بعض الناس : الثواب على قدر المشقة ليس بمستقيم على الإطلاق ، كما يستدل به طوائف على أنواع من الرهبانيات والعبادات المبتدعة ، التي لم يشرعها الله ورسوله ، من جنس تحريمات المشركين وغيرهم ما أحل الله من الطيبات ، ومثل التعمق والتنطع الذي ذمه النبي – صلى الله عليه وسلم – حيث قال : " هلك المتنطعون "[3] وقال : " لو مدّ لي الشهر لواصلت وصالاً يدع المتعمقون تعمقهم "[4] مثل الجوع أو العطش المفرط الذي يضر العقل والجسم ، ويمنع أداء واجب أو مستحبات أنفع منه ، وكذلك الاحتفاء والتعري والمشي الذي يضر الإنسان بلا فائدة ، مثل حديث أبي إسرائيل الذي نذر أن يصوم وأن يقوم قائماً ولا يجلس ولا يستظل ولا يتكلم ، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم - : " مروه فليجلس وليستظل وليتكلم وليتم صومه … "[5] ثم قال – رحمه الله - : " فأما كونه مشقاً فليس سبباً لفضل العمل ورجحانه ، ولكن قد يكون العمل الفاضل مشقّاً ففضله لمعنى غير مشقته ، والصبر عليه مع المشقة يزيد ثوابه وأجره ، فيزداد الثواب بالمشقة … فكثيراً ما يكثر الثواب على قدر المشقة والتعب ، لا لأن التعب والمشقة مقصود من العمل ، ولكن لأن العمل مستلزم للمشقة والتعب ، هذا في شرعنا الذي رفعت عنا فيه الآصار والأغلال ، ولم يجعل علينا فيه حرج ، ولا أريد بنا فيه العسر ، وأما في شرع من قبلنا فقد تكون المشقة مطلوبة ، وكثير من العباد يرى جنس المشقة والألم والتعب مطلوباً مقرباً إلى الله ، لما فيه من نفرة النفس عن اللذات والركون إلى الدنيا ، وانقطاع القلب عن علاقة الجسد ، وهذا من جنس زهد الصابئة والهند
وغيرهم " [6].
ثانياً : النيات في العبادات معتبرة في الشرع ، فلا يصلح منها إلا ما وافق الشرع ، قال الإمام الشاطبي – رحمه الله : " إذا كان قصد المكلف إيقاع المشقة فقد خالف قصد الشارع من حيث إن الشارع لا يقصد بالتكليف نفس المشقة ، وكل قصد يخالف قصد الشارع باطل ، فالقصد إلى المشقة باطل ، فهو إذاً من قبيل ما ينهى عنه ، وما ينهى عنه لا ثواب فيه ، بل فيه الإثم إن ارتفع النهي إلى درجة التحريم ، فطلب الأجر بقصد الدخول في المشقة قصد مناقض " [7]وقال أيضا : " ونهيه عن التشديد – أي النبي عليه الصلاة والسلام – شهير في الشريعة ، بحيث صار أصلاً قطعياً ، فإذا لم يكن من قصد الشارع التشديد على النفس ، كان قصد المكلف إليه مضاداً لما قصد الشارع من التخفيف المعلوم المقطوع به ، فإذا خالف قصده قصد الشارع بطل ولم يصح ، هذا واضح وبالله التوفيق " [8]
ثالثاً : باستقراء الأدلة الشرعية فإن الشارع لم يقصد إلى التكاليف بالمشاق والإعنات ، لقوله تعالى { ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم } ، وقوله { ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا } ، وقوله { لا يكلف الله نفساً إلا وسعها } وقوله { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } ، وقوله { وما جعل عليكم في الدين من حرج } وقوله { يريد الله أن يخفف عنكم } وقوله – صلى الله عليه وسلم - : " بعثت بالحنيفية السمحة "[9] " وما خير بين شيئين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً "[10]
رابعاً : لو قصد الشارع التكاليف بالمشقة لما حصل الترخيص ، فالرخص الشرعية أمر مقطوع به ، ومعلوم من الدين بالضرورة ، وهي لرفع الحرج والمشقة الواقعة على المكلفين ، كرخص القصر ، والفطر والجمع بين الصلاتين .
خامساً : ثبت في شريعتنا ما يمنع من التكلف والتنطع في دين الله ، لقوله تعالى { وما أنا من المتكلفين } وقوله – صلى الله عليه وسلم - : " اكلفوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يملّ حتى تملوا " [11].
سادساً : نقل الإمام الشاطبي الإجماع على عدم وجود التكليف بالمشاق غير المعتادة في الشريعة [12].
سابعاً : لو قصدت المشقة في كل مرة وداوم عليها المكلف ، لوجدت مشقة غير معتادة وحرج كبير ، ممّا يفضي إلى ترك العبادة بالكلية والانقطاع عنها ، وهذا النوع لم تأت به الشريعة الإسلامية ، فشرع الله جل وعلا لنا الرفق والأخذ من الأعمال بما لا يحصِّل مللاً ، ونبّه النبي – صلى الله عليه وسلم – على ذلك فقال : " القصد القصد تبلغوا "[13] لذلك نهى النبي – صلى الله عليه وسلم – عن التنطع وقال : " هلك المتنطعون "
أما استدلالهم بحديث : " بني سلمة دياركم تكتب آثاركم " فالجواب عليه من وجهين :
الوجه الأول : قال الإمام الشاطبي : " إن هذه أخبار آحاد في قضية واحدة لا ينتظم منها استقراء قطعي ، والظنيات لا تعارض القطعيات ، فإن ما نحن فيه من قبيل القطعيات "[14]
الوجه الثاني : الحديث لا دليل فيه على قصد نفس المشقة ، فقد جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري ما يفسره فإنه – صلى الله عليه وسلم – : " كره أن تُعرّى المدينة قِبَل ذلك ، لئلا تخلو ناحيتهم من حراستها "
قلت : فلا حجة لمن تعلق ببعض النصوص واستدل بها على تقصد المشقة في العبادات ، وخير الهدي هدي محمد – صلى الله عليه وسلم – فمن زاغ عن هذا المنهج يخشى عليه في دينه ، قال الله تعالى { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } ، والفتنة كما قال العلماء هي الشرك ، نسأل الله أن يحيينا على سنة نبيه وأن يميتنا عليها إنه ولي ذلك والقادر عليه .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ،،
كتبه أبو عبد العزيز سعود الزمانان
--------------------------------------------------------------------------------
[1] رواه الحاكم في المستدرك 1/472 وقال: " صحيح على شرطهما " وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 2/13:" صحيح "
[2] صحيح مسلم 665 .
[3] صحيح مسلم 2670 .
[4] صحيح البخاري 7241 .
[5] البخاري 6704 .
[6] مجموع الفتاوى 10/622-623.
[7] الموافقات 2/.222
[8] الموافقات 2/.229
[9] أخرجه أحمد 6/116 وسنده حسن .
[10] البخاري 3560
[11] صحيح الجامع 1228
[12] الموافقات 2/212
[13] البخاري في الصحيح 6463
[14] الموافقات 2/225
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الأخ الفاضل سعود الزمانان
عدد القراء : 1477
تاريخ الموضوع: 28 - أكتوبر - 2002 ميلادية
(78/1)
مفاهيم يجب أن تصحح من التاريخ للشيخ عثمان الخميس
الشيخ عثمان الخميس
أما أن تُمحى من التاريخ كتابة فهذا لا يجوز لأنه لا يجوز أن تمس كتب العلماء، وإنما يكون الأمر بالاختصار مثلاً أو تأليف جديد أو ما شابه ذلك، أما الكتب التي جمعت التاريخ لنا كتاريخ الطبري، وعمر بن شب وحافظ بن كثير في البداية والنهاية أو تاريخ الإسلام للذهبي، أو ما كتبه غيرهم فإنه لا يجوز أن يتعرض التاريخ بالمحو وإنما أن تصحح المفاهيم كأن نقول مثلاً مفاهيم يجب أن تصحح عن التاريخ فلعل هذا العنوان يكون أنسب وأسلم. وذلك أن العلماء السابقين كالإمام الطبري مثلاً الذي هو إمام المؤرخين على الإطلاق بدون استثناء الذي جمع لنا هذه المادة العظيمة من التاريخ بالأسانيد سواء كانت هذه الأسانيد صحيحة أو ضعيفة هذا أمر آخر، لكنه لاشك أنه قام بعمل جبار وهو أنه جاء إلى الروايات المبثوثة في التاريخ فجمعها جميعاً في كتاب واحد،
وللأسف هناك من يعيب عن الإمام الطبري أنه جمع في كتابه الغث والسمين وهو طالما أنه كتب الإسناد فإنه لا لوم عليه أبدا، ولذلك قالوا: من أحال إلى مليء فقد استبرء (أي قد أدى الذي عليه) وهكذا فعل الإمام الطبري رحمه الله تعالى جاء إلى الروايات المتناثرة ثم جمعها في مكان واحد وقال: هذا تاريخكم ولكن انظروا إلى الأسانيد فما كان من هذه الأسانيد صحيحاً فاقبلوه وإلا فليرفض. فهذا العمل للإمام الطبري رحمه الله تعالى عمل عظيم ولذلك لو جاء شخص ما مثلاً إلى المعجم الكبير مثل الطبراني أو تاريخ ابن عساكر وهي الكتب التي جمعت كثيراً من الأحاديث الضعيفة مع الأحاديث الصحيحة ثم يقول نمحو الأحاديث الضعيفة من المعجم أو من تاريخ دمشق لابن عساكر فنقول له هذا قول باطل وذلك إن ابن عساكر والطبراني وغيرهما كذلك إنما جمعوا لنا كل شيء بالأسانيد فما كان صحيح فاقبله وإلا فردّه فلا لوم لا أولاً ولا آخراً على الإمام الطبري وغيره رحمهم الله تبارك وتعالى. والإسناد كما قال ابن سيرين: الإسناد من الدين ولو الإسناد لقال من شاء ما شاء. ولذلك اهتم علماء المسلمين بقضية الإسناد فإنك لا تجد أبداً في غير الإسلام قضية الإسناد أما الأديان المحرّفة كاليهودية والنصرانية وغير الأديان كل أولئك القوم حرّفوا أديانهم وحرفوا كتب أنبياءهم وعلماءهم وحفظ الله تبارك وتعالى هذا الدين لنا بهذه الأسانيد بأناس وفقهم الله تبارك وتعالى أن يحفظوا لنا ذلك التراث العظيم من النبي صلوات الله وسلامه عليه والصحابة ومن جاء بعدهم إلى ما شاء الله جل وعلا، وقد نصّ أهل العلم أنه لا يقبل شيء من الحديث إلا إذا صح سنده بل إن القرآن لا يقبل إلا إذا كان متواتراً، والقرآن كله نُقل إلينا بالتواتر فكذلك الأمر بالنسبة إلى السنة لا يقبل منها إلا ما صحّ سنده، وكذلك الأمر بالنسبة للتاريخ وإن كان أهل العلم يتساهلون في روايته لكن قضية القبول متوقفة على صحة الإسناد أو عدم صحته، وسنتطرق إن شاء الله تبارك وتعالى إلى بعض المسائل التاريخية التي يجب أن تُمحى أو التي يجب أن تُصحح، وهي بعض القصص المشهورة بين الناس أحببنا أن نبين مدى صحة هذه القصص ومدى بطلانها:
(1) قصة الغرانيق
(2) السقيفة
(3) ميراث فاطمة رضي الله عنها
(4) خالد بن الوليد مع مالك بن نويرة
(5) خلافة عثمان رضي الله عنه وما كان فيها من الفتنة
(6) وقعة الجمل
(7) بيعة علي رضي الله عنه
(8) مقتل الحسين رضي الله عنه
ولاشك أن هناك عناوين أخرى ومسائل كثيرة يجب أن تُطرح وتُصحح ويجب أن يُبين الحق فيها ولكن لعل المجال لا يتسع إلا لهذه وإن كان مع هذه لعله يطول قليلاً.
(1) قصة الغرانيق: كما هو معلوم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بدأ الدعوة في مكة شرّفها الله تبارك وتعالى وتلقى من قومه الأذى وتحمل صلوات الله وسلامه عليه وأوذي أصحابه وقُتل منهم قتل كوالد عمّار بن ياسر وأمه وعُذّب من عُذّب كعمار وبلال وصهيب وعبد الله بن مسعود وغيرهم واضطر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك إلى أن يأذن لأصحابه بالهجرة وأمرهم أن يهاجروا إلى الحبشة وأخبرهم أن ملكاً هناك لا يُظلم عنده أحد فأمر الصحابة أن يهاجروا إلى الحبشة فهاجروا مجموعة من الصحابة إلى الحبشة وظل الباقون في مكة يدعون إلى الله تبارك وتعالى ويصبرون على أذى المشركين وكان أن وقع في يوم من الأيام وذلك بعد نزول قول الله تبارك وتعالى في سورة النجم "والنجم إذا هوى وما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.....إلى آخر السورة" لما بلغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم "فاسجدوا لله واعبدوا" سجد صلوات الله وسلامه عليه وسجد الصحابة رضي الله تبارك وتعالى عنهم وقال ابن مسعود: وسجد الإنس والجن وسجد مشركوا مكة يقول إلا رجل واحد أخذ تراب من الأرض وضعه على جبهته وقال: يكفيني هذا، وأما باقي الكفار فكلهم لم يتمالكوا أنفسهم أن سجدوا لله تبارك وتعالى. ذُكرت آية في هذه السورة وهي قول الله تبارك وتعالى "أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى" وقصة الغرانيق هي أنها لما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي أو يقرأ هذه السورة لما بلغ قول الله تبارك وتعالى "أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى" سمع الناس قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى. قالوا: ولهذا سجد كفّار مكة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنه مدح أصنامهم وذُكرت في هذه القصة أسانيد كثيرة ذكر الحافظ بن حجر أنها صحيحة ولكنها مرسلة ثم توصل إلى قول وهي وإن كانت ضعيفة من حيث الإرسال إلا إنها مع كثرتها يظهر أن القصة لها أصل. ولاشك أن القصة باطلة بهذه الصورة وهي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مدح أصنامهم، كيف؟ والنبي صلى الله عليه وآله وسلم أنزل الله تبارك وتعالى عليه "قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد" وذلك لما عرض كفار مكة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يعبد أصنامهم سنة وأن يعبدوا الله وحده لا شريك له سنة فأنزل الله إليه تلك الآيات، فلا يعقل أبداً أن يمدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصنامهم. ثم كذلك السجود إنما كان في آخر السورة كما هو معلوم ولو كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يمدح هذه الأصنام ويقول تلك الغرانيق العلا قالوا: ألقاها الشيطان على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم بدون قصد منه صلوات الله وسلامه عليه وذلك عند قول الله تبارك وتعالى "وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته" فقالوا: إن الشيطان هو الذي ألقى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك الكلام فظنه صلوات الله وسلامه عليه من جبريل لما كانت تنزل عليه هذه السورة ويقرأها فجبريل يقرأ والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يسمع ويقرأ على الناس فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تدخل جبريل وسط هذه القراءة لما بلغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع جبريل "أفرأيتم اللات والعزى ومنات الثالثة الأخرى" فألقى إليه الشيطان تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى، فظن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن هذا من جبريل فقالها فأُعجب كفار مكة بهذا القول. وهذا القول باطل لأمور كثيرة:
أولاً: لا يمكن أبداً لا يستطيع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يفرق بين كلام جبريل وكلام الشيطان فكيف يُعقل أن يقول إنسان عاقل تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى؟ فكيف ينسب هذا إلى أعقل الناس صلوات الله وسلامه عليه؟
ثانياً: إذا كان الشيطان يلقي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلا يفرّق بين قوله وقول جبريل فلا ثقةً إذاً بالشرع فكل ما عندنا من شرع يمكن أن يكون ألقاه الشيطان ولم يفرّق النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين قول جبريل وقول الشيطان. ثم أن هذه من المسائل المعروفة عند كل أحد فكيف تخفى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فهذه من مسائل العقيدة العظام التي لا تخفى على أحد ولا يُعذر أحد بجهلها فكيف يقع هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم كيف يكون الشيطان تسلّط على النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ثالثاً: ثم يقال إن هذا الأمر إن كان من الشيطان فإنه حمله بعض أهل العلم على أن الشيطان قلّد صوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي تكلّم بهذا، بل قلد الشيطان صوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصاح في كفار مكة تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى، فظن كفار مكة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو ظن الذين سمعوا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي قال ذلك الكلام، وهذا أقرب الأقوال إذا قلنا بصحة الآثار، وإذ قلنا بضعفها وهو الصحيح فلا داعي أبداً لهذا التأويل. وتبقى القصة باطلة ولا تقبل أبداً أن تكون وقعت من النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ومن أراد أن يتوسع في هذا فليرجع إلى كتاب أحكام القرآن لأبي بكر بن العربي فإنه رد ذلك القول جملة وتفصيلا رحمه الله تبارك وتعالى.(79/1)
(2) قصة السقيفة: السقيفة كما هو معلوم فيما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه وهو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما مات اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة وكانت مقولتهم المشهورة إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد مات فنقول للمهاجرين منّا أمير ومنكم أمير واجتمعوا على هذا فبلغ هذا الخبر عمر بن الخطاب عن طريق أحد الأنصار فذهب لأبي بكر الصديق وطلب منه أن يذهب للأنصار ليحسم هذا الأمر وذلك أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: الأئمة من قريش. فالقضية ليست قضية تنازلات ولا قضية تبادل أنت تحكم هذه السنة وأنا أحكم السنة القادمة وإنما هي نصوص شرعية كما قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: الناس تبعاً لقريش، برّهم تبعٌ لبرّهم وشرهم تبعٌ لشرهم. فذهب أبو بكر وعمر ورافقهما أبوعبيدة عامر بن الجراح فالتقوا مع الأنصار فتكلم أبو بكر رضي الله عنه وبيّن للأنصار أن الخلافة في قريش وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد حسم هذا الأمر وقال فيما قال: نحن الأمراء وأنتم الوزراء، ثم أراد أن يبايع لعمر أو أبي عبيدة وقال: بايعوا أحد هذين الرجلين الذين مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو عنهما راض. فقام عمر عند ذلك وقال: لا والله لا نبايعك إلا أنت فأنت خيرنا، فتمت البيعة لأبي بكر الصديق. هذه القصة كما هي في صحيح البخاري مع اختصارها، جاءت رواية مكذوبة قريبة من هذه القصة رواها رجل يقال له أبو مخنف لوط بن يحي وهو رافضي كذّاب وإخباري تالف كما قال الدارقطني وهذا الرجل زاد في هذه القصة ونقص واتهم الصحابة رضي الله عنهم بأشياء هم أبرياء منها. فكان مما قال إن سعد بن عبادة رفض هذه البيعة وقال: والله لأقاتلنّكم بمن تبعني من قومي ولأرمينكم بكل سهم في كنانتي ولأضربنّكم بسيفي ما حملته يدي. وهذا كله لاشك إنه باطل لا يقبل أبداً والإسناد الصحيح الذي في البخاري كما قلت يرفض هذه القصة وهذه الزيادات التي ذكرها أبو مخنف فكان سعد بن عبادة لا يُجمّع معهم ولا يقف عرفات معهم فهذا كله من الباطل والزور والبهتان الذي لا يمكن أن يكون أبداً ولذلك على الإنسان المسلم إذا أراد أن يقرأ هذه الأمور فعليه أن يرجع إلى الكتب التي اهتمت بالأسانيد الصحيحة كصحيح البخاري وصحيح مسلم ومسند أحمد والترمذي في جامعه وغيرها من الكتب التي حرصت على الأسانيد الصحيحة فلينظر إلى الإسناد فإن صح الإسناد قبله وإلا ردّه. ووقع أيضاً أن علي رضي الله عنه تخلّف عن بيعة أبي بكر كما هو ظاهر من حديث عائشة رضي الله عنها أن علياً بايع بعد ستة أشهر. والصحيح والعلم عند الله تبارك وتعالى أن علياً بايع مرتين وذلك أنه بايع أول مرة مع الناس ولكنه تفرّغ بتمريض فاطمة وذلك أن فاطمة رضي الله عنها مرضت مباشرة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنه سارّها فبكت ثم سارّها فضحكت وكان من إجابتها لما سارّها النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنه أخبرها أنها أول أهله لحوقاً به صلوات الله وسلامه عليه وذلك أن فاطمة رضي الله عنها مرضت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة والتزمها علي رضي الله عنها يمرضها ويقابلها ويعتني بها ثم لما توفيت خرج مرة ثانية وإذ تغيرت عليه أوجه الناس فطلب من أبي بكر أن يبايعه مرة ثانية أمام الناس جهراً لأن بعض الناس ظنوا أن علياً لم يبايع، وهذا غير صحيح بل الصحيح كما ثبت عند أبي خزيمة بإسناد صحيح أن علياً بايع أول مرة ثم بايع ثاني مرة علناً أمام الناس. ولذلك لما سمعه الإمام مسلم رحمه الله تبارك وتعالى قال: هذا الحديث يسوى بدنه فقال له أبو خزيمة: بل هذا الحديث يسوى بدره (أي كيس الذهب). وذلك أنه ينفي ما أشيع عند الناس من أن علياً لم يبايع، بل بايع رضي الله عنه وقد ثبت هذا بإسناد صحيح صححه غير واحد كأبو خزيمة ومسلم وابن كثير وغيرهم. ووقع في هذه الأثناء أن طالبت فاطمة بميراثها من أبيها صلوات الله وسلامه عليه.
(3) ميراث فاطمة رضي الله عنها: فقد أتت أبي بكر الصديق رضي الله عنه تطلب منه أن يعطيها فدك ميراثها من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فبين لها أبو بكر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يورث وإنه قال: ما تركناه صدقة، إن معاشر الأنبياء لا نورث، فسكتت فاطمة. جاءت الرواية عند البخاري في صحيحه فوجدت (أي حزنت وتضايقت) فاطمة على أبي بكر فلم تكلمه حتى ماتت. هذه الزيادة والعلم عند الله تعالى وإن كان أخرجها البخاري في صحيحه فإنها والذي يظهر منها أنها مدرجة من كلام الزهري وليس من كلام عائشة رضي الله عنها لأنها في نفس الرواية قال: فوجدت فاطمة من أبي بكر، وفي رواية فغضبت فاطمة على أبي بكر وراوي الحديث السيدة عائشة رضي الله عنها فلو كانت عائشة هي التي قالت ذلك لقالت قالت وليس قال والذي يظهر والعلم عند الله تبارك وتعالى إنه من كلام الزهري لا من كلام عائشة رضي الله عنها فلا يصح أن فاطمة رضي الله عنها وجدت (حزنت) على أبي بكر رضي الله عنه. أما اعتزالها فإنها كما قلنا كانت مريضة وهي بقت في بيتها من أجل المرض ولذلك في رواية أنها قالت أرادت أن لا يصلي عليها أبي بكر وأن لا يعلم بموتها فهذا باطل لاشك فيه. وذلك أنه ثبت أن أسماء بنت عميس زوج أبو بكر هي التي غسلت فاطمة، فكيف تغسلها زوج أبي بكر ولا يعلم الخليفة أبي بكر بذلك؟ بل ولا شيء يثبت أن أبا بكر دخل عليها فلم تسلم عليه، بل جاء عن الشعبي بإسناد صحيح مرسل أن أبا بكر استأذن على فاطمة ليدخل عليها فقالت لعلي: ما تقول؟ قال لها: ائذني له فأذنت له فدخل أبو بكر فترضّاها حتى رضيت. وذلك أنها كانت ترى أن لها ميراثاً من النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأن الله تبارك وتعالى يقول "يوصيكم الله في أولادكم لذكر مثل حظ الأنثيين" وهي الوحيدة من أولاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي بقيت بعده فكل أولاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ماتوا في حياته. فهنا إن كان غضبت فاطمة حقيقة كما قال الإمام الزهري فهذا مرسل، ومراسيل الزهري كما يقول أهل العلم كالرياح أي لا عبرة بها ولا إلتفات إليها ولكن حتى على قبول هذا المرسل وإنه صحيح وإن فاطمة وجدت فهذا لا عيب فيه على أبي بكر وذلك أنه إذا وجدت عليه فاطمة وجد عليه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فهل يقدّم رضا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو رضا فاطمة رضي الله عنها؟ فلاشك أنه يقدم رضا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لأنه هو الذي فيه طاعة الله تبارك وتعالى.
(4) خالد بن الوليد مع مالك بن نويرة: كما هو معلوم أيضاً أنه لما توفي النبي صلى الله عليه وآله وسلم ارتد أكثر العرب (أي تركوا الدين أصلاً)، وهناك من منع الزكاة لأنهم كانوا يرون أن هذا المال كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقط فلا يأخذه إلا هو صلوات الله وسلامه عليه أما أبو بكر فليس له حق في هذه الزكاة فامتنعوا عن دفع الزكاة خاصة، إذاً عندنا من ارتد وعندنا من منع الزكاة ويخلّط بعض الناس بين هذا وهذا فيجعل مانعي الزكاة هم المرتدين أو العكس وليس الأمر كذلك ولكن وافق أنهما كانا في وقت واحد. أرسل أبو بكر الجيوش لتقاتل مانعي الزكاة والمرتدين كذلك، فكان من قادة هذه الجيوش بل هو قائدهم الأول خالد بن الوليد رضي الله عنه فذهب وأدب بني حنيفة بقيادة نبيهم مسيلمة الكذاب ثم بدأ يمر على قبائل العرب يؤدبهم سواء كانوا ممن ارتد عن دين الله تبارك وتعالى أو كانوا ممن منع الزكاة، فكان من أولئك القوم بنو تميم أتباع مالك بن نويرة. فالقصة الكذوبة التي انتشرت وهي أن خالد بن الوليد كان يعشق زوجة مالك بن نويرة ليلى في الجاهلية وذكر هذا ابن الأثير، فعندما جاءت جيوشه إلى بني تميم رأى امرأة مالك بن نويرة فتذكرها ثم أمر بقتل مالك بن نويرة بعد أن صلى خلفه، وقال مالك بن نويرة لخالد: على ما تقتلني ما منعت شيئاً؟ قال خالد: والله إني لقاتلك. قال مالك: والله ما قتلتني إلا هذه وأشار إلى زوجته. وهذه قصة باطلة لاشك في ذلك، أما إن خالداً كان يعشقها في الجاهلية فهذا كلام باطل لا دليل عليه ولا إسناداً أصلاً ثم كذلك يقال إن خالد بن الوليد قد عٌلم ما كان له من الجهاد والبذل في سبيل الله بنفسه حتى جاءت الرواية المشهورة عنه إنه قال: والله ما من موضع شبر في جسمي إلا وفيه ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم ثم أموت على فراشي كما يموت البعير فلا نامت عين الجبناء. فما كان خالد بن الوليد رضي الله عنه من الحريصين على النساء ولكن الذي وقع وهو الصحيح أن مالك بن نويرة اختلف فيه هل منع الزكاة أو أنه ارتد؟ على قولين:
أما القول الأول وهو أنه ارتد وتابع سجاح التغلبية وذلك أن سجاح التغلبية لما جاءت لبني تميم وقالت لهم إنها نبية صدقوا كلامها وتابعوها على ذلك فقاتلهم خالد لأجل ذلك (أي أنهم تابعوا سجاح التغلبية).
أما القول الثاني وهو أنهم منعوا الزكاة وأن خالداً بن الوليد رضي الله عنه لما جاء قال: لماذا منعتم الزكاة وهي أخت الصلاة؟ فقال: إن صاحبكم يزعم ذلك يقصد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فغضب عليه خالد وقال: أهو صاحبنا وليس بصاحبك؟ فأمر بقتله رضي الله عنه. وقيل أن السبب في ذلك وهو أن مالك بن نويرة منع الزكاة كغيره فلما جاءهم خالد بن الوليد رجعوا إلى الحق ووافقوا على دفع الزكاة فكانت ليلة شاتية فقال خالد بن الوليد لبعض جنده ادفئوا أسراكم وكان عندهم ناس من بني كنانة وكان عندهم أدفئ الأسير أي اقتله، فقاموا وقتلوهم ظناً منهم أن خالداً يريد قتلهم. فليس لخالد بأي صورة من الصور دور بقتل مالك بن نويرة إلا إذا كان كما قلنا ارتد وتابع سجاح أو أنه قال لخالد: إن صاحبكم يزعم ذلك. وفي قتله مدح لخالد إن كان قتله من أجل هذا السبب.
وأما أنه أخذ زوجته فزوجته من السبي وهذا أمر لا بأس به، فهل يقال أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما حاصر خيبر وقتل منها من قتل ثم أخذ صفية في نصيبه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قتل أهل خيبر لأجل أن يأخذ صفية؟ فهذا باطل من القول فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أخذها في الغزو فبعد انتهاء الغزو صارت من نصيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ومما يؤكد هذا أن أخ مالك بن نويرة وهو تمّام أو متمم بن نويرة أنه أورث أخاه مالكاً وقال قصيدة طويلة منها أنه قال عنه وعن أخيه:
وكنا كندما حقبة من الدهر،،،، حتى قيل لن يتصدعا
فلما تفرقنا كأني ومالكاً،،،،،،، بطول اجتماع لم نبت ليلةً معا(79/2)
فلما سمعه عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذه الأبيات الجميلة من متمم قال: والله تمنيت أن لو كنت شاعراً لرثيت أخي زيداً بمثل هذا الرثاء، وزيد قد قُتل في اليمامة كما هو معلوم. فقال متمم لعمر: والله يا عمر لو مات أخي على ما مات عليه أخوك ما رثيته أبداً ولا بكيته. وهذا يؤكد أن خالد بن الوليد كان له كل العذر في قتل مالك بن نويرة. وأما أخذه لزوجته فهذا من السبي ولا شيء في ذلك أبداً. وأما القول أنه دخل عليها قبل أن تنتهي عدتها في نفس الليلة التي قتل فيها زوجها فهذا كلام باطل ولم يقع شيئاً من ذلك أبداً بل تركها حتى حاضت وطهرت ثم بعد ذلك أخذها رضي الله عنه وأرضاه.
(5) خلافة عثمان رضي الله عنه وما كان فيها من الفتنة: معلوم أن عثمان رضي الله عنه استخلف بعد عمر وذلك أن عمر بن الخطاب جعل الشورى في ستة: في عثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد بن الوقاص وعبد الرحمن بن عوف. واختار القوم عثمان بن عفان بعد مشاورات ومداورات فصار هو الخليفة وبايعه جميع المسلمين، واستقرت الأمور كما قال الإمام أحمد: لم تتم البيعة لأحد كما تمت لعثمان رضي الله عنه. وحكم عثمان رضي الله عنه اثنتي عشر سنة. وأشيع على عثمان أمور منها:
أولاً: أنه كان ضعيفاً
ثانياً: يحابي أقاربه بالأموال
ثالثاً: أن الحاكم الحقيقي مروان بن الحكم وهو لا يستطيع التصرف
ولاشك أن هذا باطل، بل كان عثمان خير الخلفاء بعد أبي بكر وعمر واستمرت خلافته اثنتي عشرة سنة كما بينا وكانت من أفضل السنوات من حيث الجهاد في سبيل الله تبارك تعالى ومن حيث الأموال الكثيرة التي دخلت على المسلمين، ومن حيث استقرار الأمور. ولكن الذي وقع أن عثمان رضي الله عنه في آخر خلافته قام بعض الناس بإثارة بعض النعرات وكذبوا على عثمان في بعض الأمور وادعوا عليه ادعاءات باطلة منها التي ذكرناها الآن وغيرها كثير ادعوها على عثمان رضي الله عنه ثم قام شرذمة من أهل البصرة وشرذمة من أهل الكوفة وشرذمة من أهل مصر أرادوا الانقلاب على عثمان، ولكن تم الإمساك بهم فحذرهم وهددهم ثم أعادهم إلى بلادهم وذلك في سنة 34 من الهجرة أي بعد 11 سنة من خلافة عثمان رضي الله عنه، ثم في السنة التي بعدها أعادوا الكرّة مرة ثانية ولكن عزموا هذه المرة على أن لا يرجعوا حتى يقتلوا عثمان رضي الله عنه وكان لهم ما أرادوا، فحاصروا بيته وقتلوه وهو يقرأ القرآن وكان من صنيعه أنه رفض أن يقاتل أحد من المسلمين دونه وهذا يدل على أمرين اثنين:
1) حقنه لدماء المسلمين، وذلك لو كان غيره لقال أنا ومن دوني البحر، بل قال لعبيده كل من أغمد سيفه فهو حر، ولما جاءه زيد بن ثابت وقال: الأنصار على الباب، يقول إن شئت كن أنصار الله مرتين كما كنا أنصار الله مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فنكون كذلك أنصار الله معك، فقال: لا والله لا أحب أن يهراق قطرة من دم في سبيلي بل قال: عليكم السمع والطاعة ارجعوا إلى بيوتكم. ورفض أن يقاتلوا دونه رضي الله عنه ولذلك لما استشار عبدالله بن عمر قال: ما ترى في هذا الأمر؟ قال : يا أمير المؤمنين، هل يزيدون على قتلك؟ قال: لا، فلا أرى أن ترجع نفسك من الخلافة، اصبر حتى لا تكون الخلافة بعد ذلك بيد الناس لعبة كلما كرهوا إماماً عزلوه بل ابق على الخلافة ولا تلفت إليهم. فاختار رأي عبدالله بن عمر ولم ينزل عن الخلافة حتى قتل مظلوماً شهيداً رضي الله عنه وأرضاه.
أما بالنسبة بأنه كان يحابي أقاربه بالأموال فهذا باطل فكيف وهو الذي سير جيش العسرة لوحده من أمواله الخاصة حتى قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما ضرّ عثمان ما فعل بعد اليوم. كما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرح فرحاً شديداً لما جاء عثمان بالإبل بأحلابها وأقتابها وجعلها في سبيل الله تبارك تعالى. فكان من أغنياء الصحابة ولما مات ما كان يملك شيئاً رضي الله عنه وما ترك ثروة لأولاده حتى يقال يستأثر بالأموال او يعطيها لغيره.
6) معركة الجمل: ولاشك أن هذه القضايا فيها صراعاً وكما ذكرت في البداية أنه لا نستطيع أن نعطي كل قضية حقها، ولكن لا بأس أن ننبه على بعضها، ولذلك قيل: ما لا يدرك جله لا يترك كله، ومن أراد التوسع فليرجع لكتب أهل العلم لهذه المسائل. معركة الجمل كانت في 36 من الهجرة في صفر وذلك أن علياً رضي الله عنه بويع بعد مقتل عثمان رضي الله عنه فبايعه الصحابة. ولا بأس أن ننبه عن الرواية التي تقول إن طلحة والزبير قد بايعا والسيف على رقبتيهما فهذا كذب باطل ذلك أن القوم الذين قتلوا عثمان رضي الله عنه ذهبوا إلى الزبير وطلبوا منه أن يكون هو الخليفة فرفض وذهبوا إلى طلحة كذلك فرفض حتى استقر الأمر على علي رضي الله عنه فكان الخليفة بعد عثمان رضي الله عنه، فطلحة ما كان له طمع في الخلافة ولا الزبير ولذلك لما جعل عمر الأمر في ستة وهي الشورى ما رشح نفسه لا طلحة ولا الزبير بل الزبير أعطى صوته لعلي وطلحة أعطى صوته لعثمان فما كان حريصين على الخلافة أصلاً. والذي وقع هو أن طلحة والزبير بعد مقتل عثمان في المدينة خرجا إلى مكة وكان الناس في الحج وذلك أن عثمان قُتل في ذي الحجة وكان أمير الحج عبدالله بن العباس رضي الله عنهما وكانت عائشة في الحج رضي الله عنها فالتقيا بعائشة ورأيا أن الأمور قد ازدادت سوءاً بعد مقتل عثمان ولكن هذه الثورة التي قام بها هؤلاء القوم وهم يقدرون بألفين أو ستة ألاف على خلاف فقيل من مصر ألفين ومن البصرة ألفين ومن الكوفة ألفين وقيل أن الجميع عددهم ألفان والعلم عند الله تبارك وتعالى ولكن العدد ليس بقليل وهؤلاء كلهم من قبائل وكل واحد له قبيلة تدافع عنه ولذلك جبل وزهير بن حرقوص لما أردوا قتلهما دافع عنهما آلاف من بني تميم وغيرهما، فلذلك خرجت عائشة وطلحة وزبير إلى الزبير وعلي كان في المدينة فالقول أن عائشة وطلحة وزبير خرجوا على علي قول باطل لأنهم خرجوا من مكة إلى البصرة وذلك حتى يبينوا للناس أن قتل عثمان كان باطلاً وأن الذين قتلوا عثمان هم بغاة ظلمة جهّال فسقة فأرادوا أن يجمعوا كلمة المسلمين على الانتقام لعثمان من هؤلاء القتلة والذي وقع أن علياً رضي الله عنه لما سمع بخروجهم إلى البصرة وأنه وقعت مناوشة وقتال بينهم وبين أهل البصرة وأهل المدينة شاركوا في قتل عثمان خرج علي رضي الله عنه من المدينة إلى الكوفة وهناك أرسل إليهم قعقاع بن عمرو ومقداد بن الأسود ويسألهم لماذا خرجوا؟ ولماذا ذهبوا إلى البصرة؟ ولماذا تمّ القتال؟ فجاء قعقاع بن عمرو ومقداد بن الأسود إلى عائشة وطلحة وزبير وكانت عائشة رضي الله عنها كارهة لهذا الخروج ولكن ذكروا لها قول الله تبارك وتعالى "لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس" وما خرجت إلا للإصلاح بين الناس فكان الأمر كذلك فاقتنعت بقولهم وخرجت معهم رضي الله عنهم أجمعين. وسألاهما مالذي أخرجكم؟ فقالوا: حتى تستقر الأمور وتنتهي القضية فقالا: لا مانع عندهم من أن يُقتل قتلة عثمان ولكن ليس بهذه الطريقة لأن كما قلنا لهم قبائل تدافع عنهم وأن الذين شاركوا هم سبعة أو ثمانية والذين حاصروا بيت عثمان ألفان أو ستة آلاف فلذلك كان الأمر عند علي رضي الله عنه هو أن تستقر الأمور وتهدأ ثم يأتي أولياء الدم (أي أبناء عثمان رضي الله عنه) فيقولون أن فلان شارك بقتل عثمان ويأتون بالشهود ويؤتى به فإذا أقر أو شهد الشهود فانتهى الأمر، ولكن قتلة عثمان ما وهلوهم فقسموا أنفسهم قسمين قسم وهاجموا جيش علي وقالوا يا قتلة عثمان ومجموعة هاجمت جيش عائشة وطلحة وزبير وقالوا يا كفرة يا فجرة فظنوا أن الخيانة من جيش علي كما ظن جيش علي الخيانة من جيش عائشة وطلحة وزبير وما صار الفجر إلا وكان القتال قد اهتدم وكان علي وطلحة يحاولان يمنعا الناس من القتال وكان طلحة بن الزبير كان يقول: يا ناس أتسمعون أتنصتون فكانوا لا يردون عليه فكان يقول: والله كأنكم ذبان طمع (أي كالذباب الذي وجد شيئاً دسماً فلا يستطيع أحد أن يرده)، فكان وقعة الجمل.
(7) بيعة علي رضي الله عنه: التحكيم في صفين أو بعد صفين مباشرة لما صار القتال بين علي ومعاوية. فالتحكيم الذي شُهر عند الناس أن التحكيم كان أبو موسى الأشعري طرفاً عن علي رضي الله عنه وعمرو بن العاص طرفاً عن معاوية واتفقا على عزل علي وعزل معاوية ثم بعد ذلك النظر في أمر الخلافة من جديد. فقام أبو موسى الأشعري وقال: إني أعزل علياً من الخلافة كما أنزع خاتمي هذا من يدي، وأعزل معاوية كذلك كما أنزع خاتمي هذا من يدي فقام عمرو بن العاص فقال: أما أنا فأعزل علياً كما أنزع خاتمي هذا من يدي مع أبو موسى وأثبت معاوية كما أثبت خاتمي هذا في يدي فالتفت أبو موسى الأشعري وقال: لقد خدعتني فقال: ما خدعتك ثم رجع أبو موسى الأشعري ولم يرجع إلى علي للكوفة ولكن ذهب إلى مكة يقولون لم يستطع أن يواجه علياً لأنه غُدر به وضُحك عليه، وهذا باطل.
أولاً: أبو موسى الأشعري هو الذي أرسل إليه عمر بن الخطاب رسالة القضاء فكان قاضياً في عهد عمر وأبي بكر فهو ليس بالسذاجة حتى يُضحك عليه.
ثانياً: ثم أن هذه القصة مكذوبة من رواية أبي مخنف الكذاب.
فالقصة الصحيحة التي أخرجها الإمام البخاري أن أبا موسى الأشعري وعمرو بن العاص اجتمعا فقالا عمرو بن العاص لأبي موسى الأشعري ماذا ترى؟ فقال أبو موسى الأشعري: أرى أن علياً من الذين مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو عنهم راض، فقال عمرو بن العاص لأبي موسى الأشعري: أين تضعني أنا ومعاوية إذا كان هذا موقفك من علي؟ قال: إن يستعن بكما ففيكما معونة وإن يستغن عنكما فطالما استغنى أمر الله عنكم، (أي ليس بالضرورة أن يكون لكما شأن في البيعة أو غيره)، وهذا هو الإسناد الصحيح في هذه المسألة. ثم كذلك يقال كيف يصح أن يجتمع اثنان فيعزلان خليفة المسلمين؟ الخلافة في الإسلام ليست بهذه السهولة بحيث يجتمع شخصان فيقول الأول للآخر أنه عزل خليفة وثبّت آخر.
ثالثاً: ثم معاوية ما كان يقول أنه خليفة حتى يعرض في خلافة علي ولكن معاوية كان يرى أن يؤجل أمر الخلافة حتى تنتهي قضية قتلة عثمان ثم يُنظر بعد ذلك في أمر الخلافة.
(8) مقتل الحسين رضي الله عنه: إن قتل الحسين رضي الله عنه شهيداً لاشك إنها من الجرائم العظام والذين قتلوا الحسين رضي الله عنه لاشك أنهم فسقة فجرة ولكن الكلام في يزيد هل له دخل في مقتل الحسين رضي الله عنه؟ يزيد ليس له شأن في مقتل الحسين فهو لم يشارك ولم يأمر بقتله ولكن الذي نقمه أهل العلم عليه هو أنه لم يعاقب عبيد الله بن زياد عندما أمر بقتل الحسين. وشيخ الإسلام ابن تيمية يقول: أنه لم يكن ليزيد دور في مقتل الحسين لا مشاركة ولا أمراً.(79/3)
إذا أراد المسلم أن يقرأ في تاريخ هذه الأمة فلا يجوز له أن يذهب إلى من يجمع الغث والسمين ومن لا يتحرى الحق فيقرأ له ثم يصدقه كما وقع لطه حسين مثلاً أو خالد محمد خالد أو عباس العقاد أو جورج زيدان أو غيرهم ممن كتب في الخلافة الإسلامية وأساء أكثر مما أحسن، فهؤلاء لا يجوز الاعتماد على كتاباتهم، فطه حسين لما كتب شكك حتى في القرآن الكريم لما قال: للقرآن أن يحدثنا عن قصة إبراهيم وبناء البيت ولكن ليس بالضرورة أن يكون هذا الأمر قد وقع وهذا الذي استتابه علماء الأزهر في وقته على مثل هذا الكلام الخطير في تكذيبه للقرآن الكريم. والعجيب في طه حسين كما نبه أهل العلم يقول أنت من أهل الأدب فما شأنك والتاريخ. فلذلك قال حافظ بن الحجر: من تكلم ما لا يعلم أتى بالعجائب. فطه حسين انتهج منهجاً وهو منهج الشك في كل شيء إنه لا يقبل أي شيء حتى يعرضه على طاولة البحث ثم يتأكد من صحته والعجيب منه أنه يأتي بالراوية الصحيحة من صحيح بخاري ثم يقول أنا أشك فيها بدليل ما رواه أبو فرج الأصفهاني في الأغاني، يرد ما في صحيح البخاري بروايات متهماً في دينه وهو الأصفهاني في الأغاني هذا لاشك أنه ضلال عظيم ومنهج غير سوي أبداً في رد وقبول الروايات. وأما العقاد وخالد محمد خالد فشأنهما غير شأن طه حسين فهما ومن شابهما ليسا من علماء الحديث وإنما قصصيون يكتبون قصصاً بأسلوب لعله جميل ولكن لا يستطيعون أن يميزوا بين الصحيح والضعيف فتجد الرواية الضعيفة تخالف الرواية الصحيحة بل قد تُترك الرواية الصحيحة وتُذكر الضعيفة كما في العبقريات وكما في خلفاء الرسول لخالد محمد خالد، أما جورج زيدان فهذا شأن آخر فهو نصراني يلبّس على الناس دينهم، كما ورد في كتاب التمدّن الإسلامي وغيره. وهذه نبذة مختصرة عن أباطيل يجب أن تصحح مفاهيمها في التاريخ، والله أعلى وأعلم وصلى الله على نبيه محمد وسلم.
السؤال:
الجواب: إن الأصل أن نساء المشركين معهم،
السؤال:
الجواب: نعم، إنه لما جاءوا إلى علي طلبوا منه الخلافة رفض وقال ابحثوا عن غيري أنا لكم وزير خير لكم مني أمير، ولما أصروا عليه قال: لا أبايع سراً لا أبايع إلا في المسجد علانية.
السؤال:
الجواب: علي بايع أبو بكر ولم يعتزل الناس فكان يصلي الجماعة ويذهب إلى فاطمة حتى توفيت. فظن الناس أنه لم يبايع وقد ثبت في صحيح البخاري قال أبو بكر: ما منعك أن تبايع؟ فقال: والله ما نفست عليكم شيئاً ولكن خيراً ساقه الله إليك ولكن كنت أظن أن لنا من الأمر شيء، فقال بعض أهل العلم عن قول علي هذا وهو كنت أظن أن لنا من الأمر شيء يريد الخلافة وبعضهم قال: يريد الشورى (أي أنه لم يؤخذ برأيه)، والثاني هو الأظهر بدليل أن علياً كان يصرّح من فضلني على أبي بكر وعمر فلم يكن يرى أنه أفضل من أبي بكر أصلاً، ومما يدل على هذا الأمر أن علياً لم يعارض في خلافة عمر فلو كانت القضية قضية خلافة لعارض في خلافة عمر أيضاً.
السؤال:إن زوجة مالك بن نويرة مشركة هل يجوز أن تكون من الإماء؟
الجواب: الإماء لابد أن تكون مشركة فالمسلمة لا تُسبى.
السؤال: أبي مخنف إذا كان بهذا السوء لماذا يروى عنه؟
الجواب: أبي مخنف ليس براوي حديث ولكن راوي تاريخ، فهو مؤرّخ مكثر (بكسر الثاء) مثل سيف بن عمر، والواقدي، فعندهم ما ليس عند غيرهم لكن هؤلاء كلهم متهمون بالكذب، فأبا مخنف عندما يرون عنه فهو كما قلنا مكثر وما عنده ليس عند غيره ولو لم تُجمع لما عرف الإنسان الحق من الكذب، فلما يروى عن أبي مخنف من باب الجمع، فالإمام الطبري وجد التاريخ ملغم فضمه فبدأ يجمع إلى أن ضمه في كتاب واحد، فعلى القارئ أن ينتبه لذلك ويترك ما هو مشكوك في روايته ويتحقق من ذلك.
السؤال:
الجواب: الذي يبحث في الأسانيد يقرأ في الطبري أما الذي لا يعرف في الأسانيد فعليه قراءة البداية والنهاية فلا يقرأ للطبري.
السؤال: ماذا عن سيرة ابن هشام؟
الجواب: سيرة ابن هشام في السيرة لا تدخل في أحوال الصحابة لكن أيضاً فيها الصحيح والضعيف.
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ عثمان الخميس
عدد القراء : 4480
تاريخ الموضوع: 28 - أكتوبر - 2002 ميلادية
(79/4)
خطر المجلات للأخ الفاضل عبدالكريم الحربي
الأخ الفاضل عبد الكريم الحربي
أخي الحبيب ...
أريدك معي قليلاً ، فهل أنت مستعد لنذهب سوياً .
أخي ،،، إن الخطب جلل ، والأمر جدُّ خطير ، وإني وإياك إذا لم تحترق قلوبنا حسرتاً وألماً على حال شباب يحبون الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ويحبون الجنة ويبحثون عن السعادة ، فورب البيت إني أخشى أن يعمنا الله بعقاب من عنده حتى نرجع .
إذاً تقول ما العمل ؟ أقول : يجب علينا أن لا تقر أعيننا بالمنام وهؤلاء الشباب يتخبطون يميناً وشمالاً في غفلة وضياع ، كم أتحسر يوم أن أسمع أو أرى شاباً قد تعاطى المخدرات ، وآخر قد شرب المسكرات ، والثالث قد سافر ليزني بالفاجرات ، يا لها من خسارة ما أعظمها من خسارة .
ما الذي حدث ؟ ما هذا الضياع ؟ أيكون هذا في أحفاد الصحابة ، الذين رفعوا راية الإسلام ، نعم لقد كان بسبب تغافل بعض الأخيار مثلك ومثل غيرك الذين يغارون على دين الإسلام وعلى أهله ، كلنا يعلم ما يَكنٌ اليهود والنصارى في صدورهم من الكراهية للإسلام والمسلمين ، ويخططون ويدبرون ليلاً ونهارا للقضاء على هذا الدين ولإخراج المسلم من دينه ، كما قال سبحانه وتعالى ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ) وهذا ليس افتراءً عليهم ، بل هم أنفسهم اعترفوا بذلك الحقد .
يقول القس زويمر : [ لقد قبضنا أيها الأخوة في هذه الحقبة من الدهر على جميع برامج التعليم في الممالك الإسلامية المستقلة ، أو التي تخضع للنفوذ المسيحي ـ ثم قال وهو يخاطب أتباعه ـ إنكم أعددتم بوسائلكم جميع العقول إلى قبول السير في الطريق الذي مهدتم إليه كل التمهيد إخراج المسلم من الإسلام ، ثم قال : جاء النشء الإسلامي طبقاً لما أراده الاستعمار لا يهتم بالعظائم ويحب الراحة والكسل ويحب الشهوات ] .
أخي هل نظرت ؟ هؤلاء هم الأعداء ، وهذه هي مؤامراتهم .
إن مما حملني على كتابة هذه الرسالة ما رأيته في المحلات التي تبيع الأغذية للناس ، وفي هذه المحلات خير كثير ولكن ما رأيته هو الطامة التي لم أكد أن أصدقها ، وهي تلك المجلات التي يعلم الله أنها محطات لليهود والنصارى للقضاء على الإسلام .
أخي الحبيب ،،، إن في هذه المجلات فساد عظيم ، فيها فساد الأخلاق والآداب من صور الأزياء ونشر الخلاعة والرذيلة ، يقول الشيخ العلامة ابن عثيمين مبيناً خطر هذه المجلات : [ كنت أقدم رجلاً وأُؤخر أخرى عن إضاعة الوقت في النظر في مثل هذه المجلات حتى ألح علي بعض الطيبين أن أنظر ولو بلمحة عابرة سريعة إلى بعض هذه المجلات وبعث إلي بشيء منها لأتمكن من الحكم عليها بما تقتضيه حالها ، إذ لا يمكن اتقاء الشيء والحكم عليه إلا بمعرفته ، فوجدت هذه المجلات ـ وجدتها والله وأقسم بالله في هذا المكان ( في المسجد ) وأنتم تشهدون والله فوقنا شهيد على ما نقول وعلى ما تسمعون ـ وجدتها هدّامة للأخلاق ، مفسدة للأمة ، لا يشك عاقل فاحص ماذا يريد مروجوها بمجتمع إسلامي محافظ ؟ وجدت المنظر شراً من المسمع ، وجدت أقوالاً ساقطة ماجنة نابية يمجها كل ذي خلق فاضل ودين مستقيم ، رأيت صوراً للنساء على أغلفة تلك المجلات ، وفي بطونها صوراً فاتنة في أزياء منحطة بعيدة عن الحياة والفضيلة تحرك من لا شهوة له ، وجدت كلمات تدعو إلى العزف والموسيقى واللهو المحرم ، وجدت صور علب الدخان للدعاية لها ، إلى غير ذلك من المنكرات العظيمة الفاحشة ، وما لم يصل إلي أكثر وقد يكون أفظع ـ ثم قال حفظه الله ـ أحذركم من أن تتسرب هذه الصحف والمجلات المملوءة بالصور الفاتنة والأقوال المظلة والأزياء المنحرفة إلى بيوتكم فتقع في أيدي أهليكم فتهلكهم وتضيع أخلاقهم وقيمهم ، إن كل شيء يعرض في هذه الصحف والمجلات سوف يؤثر على من يقتنيها ـ ثم قال حفظه الله تعالى ـ إن اقتناء مثل هذه المجلات حرام وشراءها حرام وبيعها حرام ومكسبها حرام وإهداءها حرام وقبولها حرام ] .
يالها من كلمات خرجت من قلب مشفق محب للمسلمين خائفاً عليهم من الضياع .
وقد تقول لماذا هذا الكلام على المجلات ؟ أفيها كل هذا الفساد ؟ أم هذا افتراء عليهم ؟ نقول : لا والله ، ليس افتراء عليهم ، فتعال معي أخي الحبيب لنرى الحقيقة وما في داخل هذه المجلات ، أفيها الخير أم فيها الفساد ؟
صور ونماذج :
أولاً : ( مجلة نيوز ويك الأمريكية ) هذه المجلة التي صدرت قريباً ، وهي تصدر كل أسبوع تدعو في عددها الثاني صفحة 24 إلى سفور المرأة واختلاطها بالرجال وتجريدها من الحياء وتحرير المسلمة من الآداب الإسلامية عن طريق القضاء على الحجاب والاختلاط في مجالات العمل والدراسة والأسواق ، لقد أخذ الأعداء يبحثون عن أقرب طريق ينشرون منه المدنية الزائفة فوجدوا المرأة هي المؤهلة لقبول كل جديد يأتي من خارج البلاد ولو على حساب دينها وكرامتها إلا من رحم الله ، لأن الأعداء يدركون أن صلاح المرأة صلاح للمجتمع وفسادها فساداً للمجتمع ، فالمرأة هي العضو المؤثر في تربية الأولاد للخير أو للشر إذا لم تجد من يحميها .
وصدق من قال :
إن الرجال الناظرين إلى النساء........ مثل السباع تطوف باللحمان
إن لم تصن تلك اللحوم أسودها.........أكلت بلا عوض ولا أثمان
تقول هذه المجلة في لقاء أجرت مع رولينغر ـ إحدى النساء التي تدعو إلى تحرير المرأة كما يدعون ـ تقول هذه المرأة : [ لا لبس في أن تمكين النساء في أي بلد يقوي مؤشرات الاقتصاد ، ـ ثم قالت ـ أما إذا أبقيت المرأة متخلفة فمهما دفعت بالرجال إلى الأمام ستظل المؤشرات منخفضة ] .
سبحان الله !! ما هذا الهراء ؟ متى كان للمرأة دخلٌ في الاقتصاد ؟ نعم هؤلاء هم النفعيون الذين يستعملون المرأة في ترويج السلع التجارية في الدعايات والإعلانات ، فتجد مثلاً إعلاناً عن سيارة وتقودها امرأة ، وإعلان آخر عن أثاث وتجد عليه شبه عارية لترويج هذه السلعة ، هكذا يرتفع الاقتصاد في مفهومهم ، لكن على ماذا ؟ على كرامة المرأة وأخلاقها التي كفلها الإسلام للنساء المسلمات .
ثانياً : ( مجلة أسرتي ) في عددها 1413 صفحة 12 تورد هذه المجلة محاورة من أتفه المحاورات التي تدعو إلى نشوز المرأة عن البيت والتمرد على الزوج الذي أعطاه الله القوامة [ تقول إحدى النساء : فوجئت بصديقة لي ترفع سماعة الهاتف وتقول لزوجها : ما طبخت لنا اليوم ، ـ ثم أردفت ـ OK أنا سأصل للمنزل في تمام الرابعة عصراً ، ليتني أجد الطعام جاهزاً ، فقالت لها تلك المرأة : ألا تشعرين أن هذا دورك أنت ؟ فقالت تلك المرأة بكل وقاحة وعدم حياء : لماذا ؟ أهو قانون ولا أدري عنه ؟ ] .
فانظر يا أخي كم امرأة من ربات البيوت التي تعيش مع زوجها وأسرها بسعادة تامة تقرأ هذه المجلة فتكون المصيبة العظمى، وهي انحراف هذه المرأة وتقليد تلك النساء اللاتي يدعين الحرية .
وإذا تصفحت باقي المجلة فإذا بصور النساء كاسيات عاريات قد عرضن أجسادهن لمن أراد النظر فهل في هذا فلاح للمجتمع أم فيه فائدة ترجى من وراء النظر إلى النساء ؟ ما هو إلا الدعوة إلى الرذيلة والفاحشة والعياذ بالله ، والنظر إلى النساء هو بداية الزنا وفساد الشباب المراهق .
اسمع إلى شهادة هذا العالم الألماني لضرر النظر إلى النساء ، يقول البروفسور يودفوليفيلتز كبير علماء الجنس في جامعة برلين في إحدى دراساته الجنسية ، بأنه درس علوم الجنس وأدوات الجنس وأدوية الجنس فلم يجد علاجاً أنجح ولا أنجع من قول الكتاب الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ) [كتاب الغرب يتراجع عن التعليم المختلط .]
ويقول الدكتور صادق محمد : [ لقد ثبت بالدراسة والبحث العلمي أن تكرار النظر بشرهة للجنس الآخر يصل بالشخص إلى إصابة جهازه التناسلي بأمراض احتقان غدة البروستاتا والضعف الجنسي ، ثم أشار إلى أن حاسة النظر تعتبر أقوى وأخطر الحواس من ناحية الإثارة الجنسية ، وقد حذرنا الإسلام ونهانا عن إطلاق البصر ] فوائد غض البصر لإبراهيم بن محمد صفحة 12و13 .
وفي هذه المجلة دعوة إلى تقليد أزياء الغرب الفاضحة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أيما امرأة نزعت ثيابها في غير بيتها خرق الله عز وجل عنها ستره ) صحيح الجامع .
إن هذه المجلات اتجهت ـ أخي الحبيب ـ بزي المرأة اتجاهاً سيئاً فجعلته سلاحاً فتاكاً يعصف بالأخلاق ويثير الفتنة ، فلا ينكر أحد الأثر الخطير للأزياء التي تجعل المرأة وسيلة هدم لقيم المجتمع ، إن هذه الأزياء لهي أول باب يثير انحراف الغريزة إذ إنها توحي بنسف العفاف والفضيلة ، فالرجل تغريه هذه المناظر فينظر فلا يملك نفسه من ترديد النظر والشباب هم أشد الناس شقاء بهذه الفتنة ، فماذا يفعل الشاب أمام هذا التيار الذي يدعو إلى انحراف الغريزة ؟ إن الإسلام ـ أخي ـ ليسمو بالإنسان فوق هذا المستوى الحقير الذي يهدد كرامة الإنسان ، إن الأمر ليس هيناً وليس بالأمر السهل ، إنها مشكلة تجعل النساء المطلعات على هذه المجلات تتبع تيار الأزياء الفاضحة التي تستهدف الفتنة والإغراء باسم الرقي والتحضر ، وإذا نظرنا من الذي اخترع هذه الأزياء ؟ فإذا هم حفنة من التجار ، أكثرهم من اليهود والنفعيون الذين يريدون أن تعم الفوضى والتبرج ، إن هذه الأزياء وضعت للمرأة الأوروبية التي لا تمتنع عن شيء يجلب لها المال ولو كان منافياً للتقاليد والأخلاق ، فالإثارة بالملابس عنها هو لون مشوق يضمن لها أين ما سارت الاهتمام ويجمع حولها الطالبين والراغبين .
لا نريد أن ننجرف وراء هذه الأزياء ، فهي أحقر من أن يثار حولها حديث أو يشغل بها ذهن ، ولكن نقول ليس للعفاف والفضيلة إلا زي واحد تعرفه كل مسلمة وهو أن تنزه نفسها من عرض الجسد أو إيثار الاهتمام عن طريقه ، هذا الزي الإسلامي لا يهدف إلى إشعال الفتنة وإثارة الغريزة ولكن يهدف إلى حراسة الفضيلة ، قال تعالى ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) .
لا ينبغي للمرأة المسلمة أن تتردى فيه ، فهو لا يتفق مع خلقها ، وهذا التبرج ليس إبداعاً ولكن تأخراً وفساداً 0الإسلام والمشكلة الجنسية ، د. مصطفى عبد الواحد )
يقول أحمد الصديق في أبيات جميلة يخاطب المرأة :
دعي المسلك المذموم يا ربة الطهر........دعي كل ما يؤذي العفاف وما يزري
دعيه فتنزيه النفوس عن الخنا...... ..يقيها عثار الدرب في ميعة العرم
ويصلح غض الزهر ما دام فرعه……...بعيداً عن الأنواء في روضة النظر(80/1)
ثالثاً : ( مجلة السيدة الأولى ) في عددها العاشر صفحة 37 ، يقول أحد الكتاب الداعين إلى تحرير المرأة : [ إن مسألة تحرير المرأة في الشرق تشبه خروج السجين من الزنزانة إلى ساحة السجن المسورة بالقضبان ] ، يا له من كلام قبيح، إنهم يهاجمون حجاب المرأة ، يهاجمون استقرارها في بيتها وعدم خروجها إلا للضرورة ، ويصورون ذلك بأنه سجن وضعها الرجل فيه أنانيةً وظلماً منه متغافلين أن هذه أوامر صريحة من الله تعالى ، قال الله تعالى ( وقرن في بيتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) ، يقول الشيخ محمد العريني في كتابه الفذ "المرأة بين تكريم الإسلام ودعاوي التحرير" : [ إن الذين ينادون بخروج المرأة وسفورها لا يريدون خيراً للنساء بدعوتهم هذه وإنما هي أهداف يسعون لتحقيقها وهي نشر الإباحية والفوضى الأخلاقية لينهدم كيان الأسرة باعتبارها النواة الأساسية في البنية الاجتماعية ـ ثم قال : ـ فهل يرعوي هؤلاء الذين يلهثون وراء تلك الدعاوات الباطلة المنابذة للإسلام وشرائعه السمحة ، ويبثون سمومهم في عقر دورهم وداخل بلدهم الآمن نسأل الله لنا ولهم الهداية ] .
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الأخ الفاضل عبد الكريم الحربي
عدد القراء : 1828
تاريخ الموضوع: 28 - أكتوبر - 2002 ميلادية
(80/2)
سيرة الإمام الشهيد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه للأخ الفاضل عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
الأخ الفاضل عبد الرحمن السحيم
هو الإمام إذا عُد الأئمة
هو البطل إذا عُدّ الأبطال
هو الشجاع المِقدام
هو البطل الهُمام
هو الشهيد الذي قُتِل غدراً ، ولو أراد قاتله قتله مواجهته ما استطاع .
ولكن عادة الجبناء الطعن في الظهر !
فليتها إذ فَدَتْ عمراً بخارجةٍ = فَدَتْ علياً بمن شاءت من البشر
فمن هو ؟
هو أمير المؤمنين الإمام الكريم : علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي ، أبو الحسن . رضي الله عنه وأرضاه .
كُنيته : أبو الحسن .
وكنّاه النبي صلى الله عليه وسلم : أبا تراب ، وسيأتي الكلام على سبب ذلك .
مولده : وُلِد قبل البعثة بعشر سنين .
وتربّى في حجر النبي صلى الله عليه وسلم ولم يُفارقه .
فضائله : فضائله جمّة لا تُحصى
ومناقبه كثيرة حتى قال الإمام أحمد : لم ينقل لأحد من الصحابة ما نقل لعلي .
وقال غيره : وكان سبب ذلك بغض بني أمية له ، فكان كل من كان عنده علم من شيء من مناقبه من الصحابة يُثبته ، وكلما أرادوا إخماده وهددوا من حدّث بمناقبه لا يزداد إلا انتشارا .
ومن هنا قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية : باب ذِكر شيء من فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
ثم أطال رحمه الله في ذكر فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ،
قال : فمن ذلك أنه أقرب العشرة المشهود لهم بالجنة نسبا من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال الحافظ ابن حجر : وقد ولّد له الرافضة مناقب موضوعة ، هو غنى عنها .
قال : وتتبع النسائي ما خُصّ به من دون الصحابة ، فجمع من ذلك شيئا كثيراً بأسانيد أكثرها جياد .
وكتاب الإمام النسائي هو " خصائص عليّ رضي الله عنه " .
وهذا يدلّ على محبة أهل السنة لعلي رضي الله عنه .
وأهل السنة يعتقدون محبة علي رضي الله عنه دين وإيمان .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
حُبُّ الصَّحابَةِ كُلُّهُمْ لي مَذْهَبٌ = وَمَوَدَّةُ القُرْبى بِها أَتَوَسّل
من فضائله رضي الله عنه :
أول الصبيان إسلاماً .
أسلم وهو صبي ، وقُتِل في الإسلام وهو كهل .
قال عليه الصلاة والسلام لعلي رضي الله عنه يوم غدير خم : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا : بلى . قال : اللهم من كنت مولاه فعليّ مولاه . اللهم والِ من والاه ، وعاد من عاد . رواه الإمام أحمد وغيره .
وروى الإمام مسلم في فضائل علي رضي الله عنه قوله رضي الله عنه : والذي فلق الحبة ، وبرأ النَّسَمَة إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إليّ أن لا يحبني إلا مؤمن ، ولا يبغضني إلا منافق .
وروى عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال في حق عليّ رضي الله عنه : ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبّه ؛ لأن تكون لي واحدة منهن أحب إليّ من حمر النعم . سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له ، خَلّفه في بعض مغازيه فقال له عليّ : يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان ؟! فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا انه لا نبوة بعدي ؟ وسمعته يقول يوم خيبر : لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله . قال : فتطاولنا لها فقال : ادعوا لي علياً . فأُتي به أرمد ، فبصق في عينه ودفع الراية إليه ، ففتح الله عليه . ولما نزلت هذه الآية : ( فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ ) دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا ، فقال : اللهم هؤلاء أهلي .
روى عليّ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً .
شهد المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا غزوة تبوك ، فقال له بسبب تأخيره له بالمدينة : ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ،إلا أنه لا نبي بعدي .
وهذا كان يوم تبوك خلفه النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة ، وموسى خلف هارون على قومه لما ذهب موسى لميعاد ربه .
وهو بَدري من أهل بدر ، وأهل بدر قد غفر الله لهم .
وشهد بيعة الرضوان .
وهو من العشرة المبشرين بالجنة .
وهو من الخلفاء الراشدين المهديين فرضي الله عنه وأرضاه .
وهو زوج فاطمة البتول رضي الله عنها ، سيدة نساء العالمين .
وهو أبو السبطين الحسن والحسين ، سيدا شباب أهل الجنة .
قال صلى الله عليه وسلم : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، وأبوهما خير منهما . رواه ابن ماجه ، وصححه الألباني .
وكان علي رضي الله عنه أحد الشورى الذين نص عليهم عمر ، فعرضها عليه عبد الرحمن بن عوف وشرط عليه شروطا امتنع من بعضها ، فعدل عنه إلى عثمان ، فقبلها فولاه ، وسلم عليّ وبايع عثمان .
ولم يزل عليّ رضي الله عنه بعد النبي صلى الله عليه وسلم متصديا لنصر العلم والفتيا .
من خصائص عليّ رضي الله عنه :
ما رواه البخاري ومسلم عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر : لأعطين هذه الراية رجلاً يفتح الله علي يديه ، يحبّ الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله . قال : فَباتَ الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها . قال : فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجون أن يعطاها ، فقال : أين علي بن أبي طالب ؟ فقالوا : هو يا رسول الله يشتكى عينيه . قال : فأرسلوا إليه . فأُتيَ به ، فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية .
ولذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ما أحببت الإمارة إلا يومئذ . كما عند مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
لا لأجل الإمارة ، ولكن لأجل هذه المنزلة العالية الرفيعة " يحبّ الله ورسوله ويُحبُّه الله ورسوله "
اشتهر عليّ رضي الله عنه بالفروسية والشجاعة والإقدام .
وكان اللواء بيد علي رضي الله عنه في أكثر المشاهد .
بارز عليٌّ رضي الله عنه شيبة بن ربيعة فقتله عليّ رضي الله عنه ، وذلك يوم بدر .
وكان أبو ذر رضي الله عنه يُقسم قسما إن هذه الآية ( هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) نزلت في الذين برزوا يوم بدر ؛ حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث ، وعتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة . رواه البخاري ومسلم .
وفي اُحد قام طلحة بن عثمان صاحب لواء المشركين فقال : يا معشر أصحاب محمد إنكم تزعمون أن الله يعجلنا بسيوفكم إلى النار ، ويعجلكم بسيوفنا إلى الجنة ، فهل منكم أحد يعجله الله بسيفي إلى الجنة أو يعجلني بسيفه إلى النار ؟! فقام إليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال : والذي نفسي بيده لا أفارقك حتى يعجلك الله بسيفي إلى النار ، أو يعجلني بسيفك إلى الجنة ، فضربه عليّ فقطع رجله فسقط فانكشفت عورته فقال : أنشدك الله والرحم يا ابن عمّ . فكبر رسول الله
وقال أصحاب عليّ لعلي : ما منعك أن تُجهز عليه ؟ قال : إن ابن عمي ناشدني حين انكشفت عورته ، فاستحييت منه .
وبارز مَرْحَب اليهودي يوم خيبر
فخرج مرحب يخطر بسيفه فقال :
قد علمت خيبر أني مرحب = شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تلهب
فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه :
أنا الذي سمتني أمي حيدرة = كليث غابات كريه المنظرة
أوفيهم بالصاع كيل السندرة
ففلق رأس مرحب بالسيف ، وكان الفتح على يديه .
وعند الإمام أحمد من حديث بُريدة رضي الله عنه : فاختلف هو وعليٌّ ضربتين ، فضربه على هامته حتى عض السيف منه بيضة رأسه ، وسمع أهل العسكر صوت ضربته . قال : وما تتامّ آخر الناس مع عليّ حتى فتح له ولهم .
ومما يدلّ على شجاعته رضي الله عنه أنه نام مكان النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الهجرة .
ومع شجاعته هذه فهو القائل : كُنا إذا احمرّ البأس ، ولقي القوم القوم ، اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما يكون منا أحد أدنى من القوم منه . رواه الإمام أحمد وغيره .
فما أحد أشجع من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومن فضائله رضي الله عنه :
اجتمع له من الفضائل الجمّة ما لم يجتمع لغيره .
فمن ذلك ما أخرجه ابن عساكر أن علياً رضي الله عنه قال :
محمد النبي أخي وصهري = وحمزة سيد الشهداء عمي
وجعفر الذي يمسي ويضحى = يطير مع الملائكة ابن أمي
وبنت محمد سكني وعرسي = مَسُوطٌ لحمها بدمي ولحمي
وسبطا أحمد ولداي منها = فأيكم له سهم كسهمي ؟
من كريم خُلقه :
أنه جاءه رجل فقال : يا أمير المؤمنين إن لي إليك حاجة فرفعتها إلى الله قبل أن أرفعها إليك ، فإن أنت قضيتها حمدت الله وشكرتك ، وإن أنت لم تقضها حمدت الله وعذرتك ، فقال عليّ : اكتب حاجتك على الأرض ، فإني أكره أن أرى ذل السؤال في وجهك .
تواضعه رضي الله عنه :
قال عليّ رضي الله عنه : لا أوتي برجل فضلني على أبي بكر وعمر ، إلا جلدته حد المفتري .
وقال محمد بن الحنفية : قلت لأبي : أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : أبو بكر . قلت : ثم من ؟ قال : ثم عمر . وخشيت أن يقول عثمان . قلت : ثم أنت ؟ قال : ما أنا إلا رجل من المسلمين . رواه البخاري .
ابتلاؤه رضي الله عنه :
ابتُلي رضي الله عنه من قبل أقوام ادّعوا محبّته ، فقد ادّعى أقوام من الزنادقة أن علياً رضي الله عنه هو الله ! فقالوا : أنت ربنا ! فاغتاظ عليهم ، وأمر بهم فحرّقوا بالنار ، فزادهم ذلك فتنة وقالوا : الآن تيقنا أنك ربنا ! إذ لا يعذب بالنار إلا الله .
وقال رضي الله عنه : يهلك فيّ اثنان ؛ محب يُقرّظني بما ليس فيّ ، ومبغض يحمله شنآني على أن يبهتني ، ألا إني لست بنبي ولا يوحى إليّ ، ولكني أعمل بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ما استطعت ، فما أمرتكم من طاعة الله فحقّ عليكم طاعتي فيما أحببتم وكرهتم .(81/1)
وقد قيل لعلي رضي الله عنه : إن هنا قوماً على باب المسجد يدّعون أنك ربهم ، فدعاهم ، فقال لهم : ويلكم ما تقولون ؟ قالوا : أنت ربنا وخالقنا ورازقنا ! فقال : ويلكم إنما أنا عبدٌ مثلكم ؛ أكل الطعام كما تأكلون ، وأشرب كما تشربون ، إن أطعت الله أثابني إن شاء ، وإن عصيته خشيت أن يعذبني ، فاتقوا الله وأرجعوا ، فأبوا ، فلما كان الغد غدوا عليه ، فجاء قنبر فقال : قد والله رجعوا يقولون ذلك الكلام ، فقال : أدخلهم ، فقالوا : كذلك ، فلما كان الثالث قال : لئن قلتم ذلك لأقتلنكم بأخبث قتلة ، فأبوا إلا ذلك ، فقال : يا قنبر ائتني بفعلة معهم ، فخدّ لهم أخدوداً بين باب المسجد والقصر . وقال : احفروا فابعدوا في الأرض ، وجاء بالحطب فطرحه بالنار في الأخدود وقال : إني طارحكم فيها أو ترجعوا ، فأبوا أن يرجعوا ، فقذف بهم فيها حتى إذا احترقوا قال رضي الله عنه :
لما رأيت الأمر أمراً منكراً *** أوقدت ناري ودعوت قنبرا .
قال الحافظ في الفتح : وهذا سند حسن .
وأوذي ممن ادّعوا محبته ، بل ممن ادّعوا أنهم شيعته !
والذي قتل علياً رضي الله عنه ، وهو الشقي التعيس ( ابن ملجَم ) كان مِن شيعة عليّ !
ولذلك كان علي رضي الله عنه يقول في آخر حياته :
أشكو إلى الله عجري وبجري .
وقال رضي الله عنه في أهل الكوفة : اللهم إني قد مللتهم وملوني ، وأبغضتهم وأبغضوني ، وحملوني على غير طبيعتي وخلقي ، وأخلاق لم تكن تعرف لي . اللهم فأبدلني بهم خيراً منهم ، وأبدلهم بي شراً مني . اللهم أمِتْ قلوبهم موت الملح في الماء .
والكوفة هي موطن الشيعة الذين كانوا يدّعون محبته !
كلام جميل للحسن بن علي رضي الله عنهما :
لما حضرت الحسن بن على الوفاة قال للحسين : يا أخي إن أبانا رحمه الله تعالى لما قُبض رسول الله استشرف لهذا الأمر ورجا أن يكون صاحبه ، فصرفه الله عنه ، ووليها أبو بكر ، فلما حضرت أبا بكر الوفاة تشوّف لها أيضا فصُرفت عنه إلى عمر ، فلما احتضر عمر جعلها شورى بين ستة هو أحدهم ، فلم يشك أنها لا تعدوه فصُرفت عنه إلى عثمان ، فلما هلك عثمان بويع ثم نُوزع حتى جرّد السيف وطلبها فما صفا له شيء منها ، وإني والله ما أرى أن يجمع الله فينا أهل البيت النبوة والخلافة ، فلا أعرفن ما استخفك سفهاء أهل الكوفه فأخرجوك .
إنصافه رضي الله عنه :
وكان علي رضي الله عنه من أكثر الناس إنصافاً لخصومه .
فقد رأى عليٌّ رضي الله عنه طلحة رضي الله عنه في واد مُلقى ، فنزل فمسح التراب عن وجهه وقال : عزيز عليّ أبا محمد بأن أراك مجدلا في الأودية تحت نجوم السماء . إلى الله أشكو عجري وبجري . يعني : سرائري وأحزاني التي تموج في جوفي .
وقال طلحة بن مصرف انتهى علي رضي الله عنه إلى طلحة رضي الله عنه وقد مات ، فنزل عن دابته وأجلسه ، ومسح الغبار عن وجهه ولحيته ، وهو يترحم عليه ، وقال : ليتني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة .
وكان يقول : أني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير ممن قال الله عز وجل : ( وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ ) رواه ابن أبي شيبة والبيهقي .
ولما سُئل عن أهل النهروان < من الخوارج > أمشركون هم ؟ قال : من الشرك فرُّوا .
قيل: أفمنافقون ؟ قال : إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا . فقيل : فما هم يا أمير المؤمنين ؟ قال : إخواننا بَغَوا علينا ، فقاتلناهم ببغيهم علينا . رواه ابن أبي شيبة والبيهقي .
علي رضي الله عنه والحِكمة :
كان علي رضي الله عنه واعظاً بليغاً مؤثراً ، وخطيباً مُصقعاً ، وكان ينطق بالحِكمة .
ولذلك عقد ابن كثير رحمه الله فصلا في البداية والنهاية فقال :
فصل في ذكر شيء من سيرته العادلة ، وطريقته الفاضلة ، ومواعظه وقضاياه الفاصلة ، وخُطبه وحِكَمِهِ التي هي إلى القلوب واصلة .
ثم ساق تحت هذا الفصل طرفا من حِكم عليّ رضي الله عنه ومواعظه .
علي رضي الله عنه والشِّعر :
وكان علي رضي الله عنه شاعراً مُجيداً ، وقد اتّسم شعره بالحكمة .
ومن شِعره :
إذا اشتملت على اليأس القلوب = وضاق بما به الصدر الرحيب
وأوطَنِت المكاره واطمأنت = وأرست في أماكنها الخطوب
ولم تر لانكشاف الضرّ وجهاً = ولا أغنى بحيلته الأريب
أتاك على قنوط منك غوث = يمن به القريب المستجيب
وكل الحادثات إذا تناهت = فموصول بها الفرج القريب
ومِن شِعره :
فلا تصحب أخا الجهل = وإياك وإياهُ
فكم من جاهل أردى = حليما حين آخاهُ
يقاس المرء بالمرء = إذا ما المرء ما شاهُ
وللشيء على الشيء = مقاييس وأشباه
وللقلب على القلب = دليل حين يلقاه
وقوله رضي الله عنه :
حقيق بالتواضع من يموت = ويكفى المرء من دنياه قوت
فما للمرء يصبح ذا هموم = وحرص ليس تدركه النعوت
صنيع ُمَلِيكِنا حَسَنٌ جميل = وما أرزاقه عنّا تفوت
فيا هذا سترحل عن قليل = إلى قوم كلامهم السكوت
زوجاته رضي الله عنه :
- سيدة نساء العالمين فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها .
وولدت له الحسن والحسين ، ويُقال : ومُحسناً ، ويُقال : مات وهو صغير .
وولدت له من البنات : زينب الكبرى ، وأم كلثوم الكبرى ، وهي التي تزوجها عمر رضي الله عنه .
ولم يتزوّج علي رضي الله عنه على فاطمة رضي الله عنها حتى ماتت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بستة أشهر .
ومن زوجاته :
- أم البنين بنت حزام .
وولدت له العباس وجعفراً وعبد الله وعثمان ، وقد قُتل هؤلاء مع أخيهم الحسين بكر بلاء ولا عقب لهم سوى العباس .
ومنهن :
- ليلى بنت مسعود بن خالد بن مالك من بني تميم ، فولدت له عبيد الله وأبا بكر . قال هشام بن الكلبي : وقد قتلا بكربلاء أيضا .
ومنهن :
- أسماء بنت عميس الخثعمية فولدت له يحيى ومحمداً الاصغر ، قاله الكلبي ، وقال الواقدي : ولدت له يحيى وعوناً .
قال الواقدي : فأما محمد الأصغر فمن أم ولد .
ومنهن :
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الأخ الفاضل عبد الرحمن السحيم
عدد القراء : 2411
تاريخ الموضوع: 18 - مارس - 2003 ميلادية
(81/2)
العبادات الواردة على وجوه متعددة - للشيخ عبد العزيز العويد
الشيخ عبد العزيز العويد
الحمد لله وكفى ، والصلاة والسلام على النبي المصطفى ، وبعد .
فهذا جمع لبعض صور قاعدة " العبادات الواردة على وجوه متعددة يجوز فعلها على جميع تلك الوجوه " من غير كراهة لبعضها ، وإن كان بضها أفضل من بعض " ولم أرد من هذا البحث استقصاء صور هذه القاعدة ، وإنما الإشارة لبعضها ، ويلحق بهذه الصور ما كان موافقاً لها ، والله هو حسبي ونعم الوكيل . إذ المقصد من ذلك إيقاف المسلم على هذه السنن لحفظها ، والعمل بها ، والفوز بأجرها – لا حرمنا الله وإياكم الأجر-.
اعلم – رعاك الله – أن العبادات الواردة على وجوه متعددة يستحب للمسلم فيها أن يحرص على الإتيان بها جميعا في أوقات شتى دون الجمع بينها – على الصحيح من قولي أهل العلم – لما في ذلك من اتباع السنة ، وإحيائها ، وما يكون في ذلك من حضور القلب ، فإن الإنسان إذا داوم على وجه واحد في كل عبادة جاءت على وجوه متعددة كان في ذلك هجر لباقي تلك الوجوه – وهي من السنن - ، والإتيان بذلك الوجه من غير استشعار له حتى يصير كأنه عادة كما هو معروف ، مع مراعاة أنه لا ينبغي الجمع بين جميع هذه الوجوه في كل عبادة لأن هذا أمر محدث في الدين ، وخلاف عمل الناس ، كما حرر هذه المسألة شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى– في " مجموع الفتاوى " 22/335-337 ، والعلامة ابن القيم – رحمه الله تعالى– في " جلاء الأفهام " ص 321 .
ومن المناسب قبل الشروع في إيراد بعض صور القاعدة أن نذكر ما نص عليه شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – كما في " مجموع الفتاوي " 22/264 في بيان أقسام العبادات :
1- قسم ثبت فيه أن النبي – صلى الله عليه وسلم - سنّ كلا الأمرين ، ولا إثم على من فعل أحدهما ، والنزاع في الأفضل كأنواع الاستفتاحات ، والقراءات .
2- قسم اتفقت الأمة على أن من فعل أحد الأمرين لم يأثم ، وصحت عبادته ، وإنما تنازعوا فيما كان النبي – صلى الله عليه وسلم - يفعله ، والسنة قد سوغت الأمرين ، كالقنوت في الفجر ، والوتر ، والجهر بالبسملة .
3- قسم ثبت فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم – سنّ الأمرين ، لكن بعض أهل العلم حرم أحدهما أو كرهه ، إما أنه لم يبلغه ، أو تأول الحديث تأويلا ضعيفا كأنواع التشهدات ، والأذان والإقامة .
4- قسم تنازع فيه العلماء فأوجب أحدهم شيئا ، أو استحبه ، وحرمه آخرون كقراءة الفاتحة خلف الإمام حال الجهر ، وفعل الصلاة التي لها سبب بعد الفجر والعصر كتحية المسجد .
وهذه القاعدة النافعة الجليلة قد جمعت ما في الأقسام الثلاثة الأولى من الصور ، وأخرجت القسم الرابع ، لأن السنة لا تدل فيه إلا على أمر واحد ، والتعدد فيه غير وارد .
واعلم – حظك الله – أن القاعدة سيقت لبيان الوجوه المتعددة لا الأحوال ، فإن الوجوه يجوز فعلها في أوقات شتى ، أما الأحوال فتفعل كل عبادة في الحالة التي تخصها ، والصفة المناسبة لها على ما ثبت عنه – صلى الله عليه وسلم - ، وهذه ليست داخلة في البحث كالتنوع في صفات صلاة الخوف – على الصحيح من قولي أهل العلم - .
وإليك – رعاك الله – بعض ما تيسر جمعه من صور ومسائل هذه القاعدة :
1 - الوضوء بيد واحدة أو بكلتا اليدين :
أ – أخذ الماء في الوضوء بكلتا اليدين : حديث عبد الله بن زيد السابق ، فوقع في رواية البخاري :" ثم أدخل يديه فاغترف بهما فغسل وجهه ثلاثا …. " .
ب – أخذ الماء في الوضوء بيد واحدة : حديث عبد الله بن زيد – رضي الله عنه – في صفة وضوء النبي – صلى الله عليه وسلم – وفيه : " ثم أدخل يده في التور ( الإناء الصغير ) فغسل وجهه ثلاثا …. " متفق عليه .
ج – أخذ الماء بإحدى اليدين ، وإضافة اليد الأخرى لها : حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – في صفة وضوء النبي – صلى الله عليه وسلم – وفيه : " ثم أخذ غرفة فجعل فيها هكذا أضافها إلى يده الأخرى فغسل بها وجهه …… ".
قال النووي – رحمه الله تعالى – في " شرح صحيح مسلم " 3/122 بعد ذكره هذه الوجوه الثلاثة : فهذه أحاديث في بعضها " يده " ، وفي بعضها " يديه " ، وفي بعضها " يده وضم إليها الأخرى ، فهي داله على جواز الأمور الثلاثة ، وأن الجميع سنة ، ويجمع بين الأحاديث بأنه – صلى الله عليه وسلم – فعل ذلك في مرات .
2ـ الوضوء : مرة مرة ، ومرتين مرتين ، وثلاثا ثلاثا :
أ ـ الوضوء ثلاثا ثلاثا : روى البخاري ومسلم في " صحيحيهما " حديث عثمان ـرضي الله عنه ـ في صفة وضوء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ "وأنه توضأ ثلاثا ثلاثا" .
ب ـ الوضوء مرتين مرتين : روى البخاري في " صحيحه " عن عبد الله بن زيد ـ رضي الله عنه ـ قال : " توضأ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مرتين مرتين " .
ج ـ الوضوء مرة مرة : روى البخاري في " صحيحه " عن ابن عباس _ رضي الله عنهما _ قال : " توضأ النبي _ صلى الله عليه وسلم _ مرة مرة".
تنبيه : التي يشرع فيها التكرار إنما هي الأعضاء المغسولة كالوجه ، واليدين ، والرجلين ، وأما الممسوحة كالرأس ، والخفين والخمار ، والعمامة فلا يشرع فيها التكرار ، لأن الممسوحات مبنيات على التخفيف والسهولة .
فائدة : من السنة – أحيانا - أن يخالف المتوضىء في غسل أعضاء الوضوء ، ـ فمثلا ـ يغسل الوجه ثلاث مرات ، واليدين إلى المرفقين مرتين ، والرجلين مرة كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث عبد الله بن زيد ـ رضي الله عنه ـ في صفة وضوء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
4- غسل الرجلين في الغسل :
أ - يتوضأ وضوءاً كاملاً بما فيه غسل الرجلين . لحديث عائشة - رضي الله عنها – " أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان إذا أغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه ، ثم يفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه ، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ، ثم يأخذ الماء ويدخل أصابعه في أصول الشعر حتى إذا رأى استبرأ حثا على رأسه ثلاث حثيات ، ثم أفاض الماء على سائر جسده ، ثم غسل رجليه " متفق عليه .
ب - يؤخر غسل رجليه إلى آخر الغسل . لحديث ميمونة - رضي الله عنها - قالت : " وضعت للنبي - صلى الله عليه وسلم – ماء يغتسل به ، فأفرغ على يديه فغسلهما مرتين أو ثلاثاً ، ثم أفرغ يمينه على شماله فغسل مذاكيره ، ثم دلك يده بالأرض ، ثم مضمض واستنشق ، ثم غسل وجهه ويديه ، ثم غسل رأسه ثلاثاً ، ثم أفرغ على جسده ، ثم تنحى عن مقامه فغسل قدميه " متفق عليه " .
4- الوضوء لكل صلاة أو أداء صلوات بوضوء واحد :
أ - الوضوء لكل صلاة : لما روى البخاري من حديث عمرو بن عامر قال : سمعت أنسا – رضي الله عنه – قال : " كان النبي – صلى الله عليه وسلم - يتوضأ عند كل صلاة ، قلت : كيف كنتم تصنعون ؟ قال : يجزئ أحدنا الوضوء ما لم يحدث " .
وأخرج الدارمي عن عكرمة : أن سعدا كان يصلي الصلوات كلها بوضوء واحد ، وأن عليا كان يتوضأ لكل صلاة ، وتلا هذه الآية : ( إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم ) ] المائدة : 6 [ ورجاله ثقات .
ب- أداء أكثر من صلاة بوضوء واحد : عن بريدة – رضي الله عنه – " أن النبي – صلى الله عليه وسلم - صلى الصلوات يوم الفتح بوضوء واحد ومسح على خفيه ، فقال له عمر : لقد صنعت اليوم شيئاً لم تكن تصنعه . قال : عمداً صنعته يا عمر " رواه مسلم .
5 - الأذان والإقامة :
أ - أذان بلال – رضي الله عنه - خمس عشرة جملة ، والإقامة إحدى عشرة جملة ، وهذا الذي رآه عبد الله بن زيد – رضي الله عنه – في المنام ، ورواه أحمد وأبو داود . فالأذان : التكبير في أوله أربع ، والشهادتان أربع ، والحيعلتان أربع ، والتكبير في آخره مرتان . والإقامة : التكبير في أولها مرتان والشهادتان مرتان ، والحيعلتان مرتان ، وقد قامت الصلاة مرتان والتكبير مرتان ، والشهادة في آخره مرة .
ب - أذان أبي محذورة – رضي الله عنه – تسع عشرة جملة بالتكبير في أوله أربعا مع الترجيع ( وصفته أن يقول : أشهد أن لا إله إلا الله مرتين سرا ، أشهد أن محمد رسول الله مرتين سرا ، ثم يرفع بهما صوته ) ، كما في " سنن أبي داود " وهو عند مسلم في " صحيحه " بتثنية التكبير ، لكن قال ابن القيم – رحمه الله تعالى– في " الهدي النبوي " 2/389 : ولم يصح عنه الاقتصار على مرتين . وأما الإقامة فهي سبع عشرة جملة ، فيجعل التكبير أربعا ، والتشهد أربعا ، والحيعلة أربعا ، وقد قامت الصلاة مرتين ، والتكبير مرتين ، والشهادة في آخره مرة . وهي في " السنن " أيضاً .
فائدة : نقل النووي في " شرح صحيح مسلم " 4/84 عن القاضي عياض أنه وقع في بعض طرق الفارسي في " صحيح مسلم " أن التكبير في أوله أربع مرات .
4 – محل رفع اليدين في الصلاة : يسن رفع اليدين في أربعة مواضع في الصلاة وهي ما ذكرها ابن عمر – رضي الله عنهما – عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – " أنه كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة ، وإذا كبر للركوع ، وإذا رفع رأسه من الركوع " متفق عليه " . وفي " صحيح البخاري " عنه ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يرفع يديه إذا قام من الجلسة للتشهد الأول . ويرفعان على صفتين :
أ ـ حذو المنكبين : لحديث ابن عمر السابق .
ب ـ إلى فروع الأذنين : لثبوت ذلك عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عند مسلم في"صحيحه " من حديث مالك بن الحويرث ـ رضي الله عنه ـ .
5 ـ وقت رفع اليدين :
أ ـ قبل التكبير : لما روى مسلم في " صحيحه " عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال : " كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم " إذا قام للصلاة رفع يديه حتى تكونا حذو منكبيه ثم كبر " .
ب ـ أثناء التكبير : لما روى البخاري في " صحيحه " من حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ وفيه : " فرفع يديه حين يكبر حتى يجعلهما حذو منكبيه " .
ولما جاء في "سنن أبي داود " من حديث وائل بن حجر ـ رضي الله عنه ـ وفيه : " يرفع يديه مع التكبيرة " وصححه النووي كما في " المجموع " 3/308 .
تنبيه : قوله : " وأنا من المسلمين " : هكذا رواه مسلم وأصحاب " السنن الأربعة " ، وقد رواه مسلم وأبو داود من وجه آخر : " وأنا أول المسلمين " . والمراد قال الشافعي – رحمه الله - : أنه – صلى الله عليه وسلم كان أول مسلمي هذه الأمة .
ج ـ بعد التكبير : لما جاء في " الصحيحين " عن أبي قلابة " أنه رأى مالك بن الحويرث إذا صلى الله عليه وسلم - الله عليه وسلم - الله عليه وسلم - كبر ثم رفع يديه ، وإذا أراد أن يركع رفع يديه ، وإذا رفع رأسه من الركوع رفع يديه ، وحدث أنه رأى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم - الله عليه وسلم ـ كان يفعل هكذا " .(82/1)
تنبيه : قال ابن حجر – رحمه الله – في " الفتح " 2/278 : " ولم أرى من قال بتقديم التكبير على الرفع . ا . هـ
6- وضع اليدين في القيام في الصلاة :
أ - قبض كوع يسراه بيمينه : لما روى أبو داود بسند صحيح عن وائل بن حجر – رضي الله عنه – قال : " رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - إذا كان قائما في الصلاة قبض بيمينه على شماله " .
والكوع : مفصل الكف من الذراع .
ب- وضع اليد اليمنى على ظهر كف اليسرى والرسغ والساعد : لما روى أحمد وأبو داود بسند صحيح عن وائل بن حجر – رضي الله عنه – قال : " فكبر ورفع يديه حتى حاذى أذنيه ، ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد " .
6 ـ أدعية الاستفتاح :
أ ـ " سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك " رواه أحمد والترمذي من حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – وإسناده حسن .
ب ـ " وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين ، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك أنت ربي وأنا عبدك ، ظلمت نفسي ، واعترفت بذنبي ، فاغفر لي ذنبي جميعاً إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت ، لبيك وسعديك ، والخير كله في يديك ، والشر ليس إليك والمهدي من هديت ، أنا بك وإليك ، لامنجا ولاملجأ منك إلا إليك ، تباركت وتعاليت ، أستغفرك وأتوب إليك " . رواه مسلم .
تنبيه : قوله : " وأنا من المسلمين " : هكذا رواه مسلم وأصحاب السنن الأربعة ، وقد رواه مسلم وأبو داود من وجه آخر : " وأنا أول المسلمين " . والمراد كما قال الشافعي – رحمه الله تعالى- : أنه – صلى الله عليه وسلم - كان أول مسلمي هذه الأمة . وعليه فإن غيره يقتصر على الرواية الأولى : " وأنا من المسلمين " .
ج ـ " اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد " متفق عليه .
تنبيه : لشيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالىـ فتويان في الجمع بين قول " سبحانك اللهم وبحمدك…… " و " وجهت وجهي ……" الجواز والمنع ذكرهما المرداوي ـ رحمه الله تعالىـ في " الإنصاف " 2/36 ، واقتصر البعلي ـ رحمه الله تعالىـ في " الاختيارات " ص 76 على الأولى .
7- الاستعاذة في الصلاة :
أ – أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . لقوله تعالى : " فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم " . [ النحل : 98 ]
ب – أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم . لقوله تعالى : " وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم " . ] فصلت : 36 [" أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم " .
ج – أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ( المؤتة وهو نوع من الجنون ) ، ونفخه ( الكبر ) ، ونفثه ( الشعر المذموم ) . لحديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال : " كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا قام إلى الصلاة بالليل كبر … ثم يقول : " أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ، ونفثه ، ونفخه " رواه أبو داود والترمذي والنسائي وهو صحيح .
فائدة : اختار شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – كما في " الاختيارات " ص 77 أنه يستحب التعوذ يكون عند أول كل قراءة ، وهي رواية عن الإمام أحمد . قال في " الأنصاف ": وهي أصح دليلا . ا.هـ .وهو مذهب الشافعي .قال النووي : وهو الأظهر .
8 – القراءة في سنة الفجر :
أ – يقرأ في الركعة الأولى بـ : " قل يأيها الكافرون " ، وفي الثانية بـ : " قل هو الله أحد " رواه مسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه - .
ب – يقرأ في الأولى بـ : " قولو آمنا بالله … " الآية [ 136 ] من سورة البقرة ، وفي الثانية بـ : " قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم … " الآية [ 64 ] من سورة آل عمران . رواه مسلم عن ابن عباس – رضي الله عنهما - . وربما قرأ بدلها : " فلما أحس عيسى منهما الكفر … " الآية [ 52 ] من سورة آل عمران . رواه مسلم . " بحث "
9 – القراءة في الأخريين من الظهر والعصر والعشاء والأخيرة في المغرب :
أ – الاقتصار على قراءة الفاتحة : روى البخاري ومسلم في " صحيحيهما " من حديث أبي قتادة – رضي الله عنه – قال : كان رسول اللله – صلى الله عليه وسلم – يصلي بنا فيقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين ويسمعنا الآية أحيانا ، ويطول الركعة الأولى ، ويقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب " .
ب – الزيادة على الفاتحة : روى مسلم في " صحيحه " من حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال : كنا نحزر قيام رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في الظهر والعصر فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر قدر : ألم تنزيل : السجدة . وفي الأخريين قدر النصف من ذلك ، وفي الأوليين من العصر قدر الأخريين من الظهر ، والأخريين على النصف من ذلك " .
لطيفة : روى مالك في " الموطأ " بإسناد صحيح أن أبا بكر – رضي الله عنه – صلى المغرب فقرأ في الركعتين الأوليين بأم القرآن وسورتين من قصار المفصل ، وقرأ في الركعة الثالثة بأم القرآن وهذه الآية " ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا … " الآية .
قلت : والزيادة على الفاتحة في الأخيرة من المغرب والأخريين من العشاء هو أحد القولين للشافعي – رحمه الله - .
10 – التنوع في القراءة في الصلاة : نص شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – كما في " مجموع الفتاوي " 22/445 أنه يجوز أن يقرأ الإمام بعض القرآن بحرف أبي عمرو ، وبعضه بحرف نافع ، وسواء كان ذلك في ركعة أو ركعتين ، وسواء كان خارج الصلاة أو داخلها .
والمذهب عند الحنابلة أنه تكره قراءة تخالف عرف البلد الذي يصلي فيه . وظاهره ولو كانت موافقة للمصحف العثماني .
11 – وقت صلاة الوتر :
أ – آخر الليل . ب- أول اليل . ج- أوسط الليل .
عن عائشة – رضي الله عنها – قالت : " من كل الليل قد أوتر رسول الله – صلى الله عليه وسلم - فانتهى وتره إلى السحر " متفق عليه . وفي " مسند الإمام أحمد عن ابن مسعود – رضي الله عنه - قال : " كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يوتر من أول الليل و أوسطه وآخره " .
قال عتيبة بن عمرو : ليكون في ذلك سعة للمسلمين ، فأي ذلك أخذ وابه كان صواباً .
12 – الجهر والإسرار في القراءة في صلاة الليل :
أ- الجهر بالقراءة . ب – الإسرار بالقراءة .
عن أبي هريرة – رضي الله عنه - قال : " كانت قراءة النبي – صلى الله عليه وسلم - بالليل يرفع طوراً ، ويخفض طوراً " . رواه أبو داود وحسنه النووي في " المجموع " 3/391 .
وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت : " ربما أسر وربما جهر – أي النبي – صلى الله عليه وسلم - وربما اغتسل فنام ، وربما توضأ فنام " رواه أبو داود .
12 – صفات الوتر :
أ – يسلم من ركعتين ثم يوتر بواحدة . لما روى عن ابن عمر أنه " كان يفصل بين شفعه ووتره بتسليمه ، وأخبر أن النبي – صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك " . أخرجه ابن حبان ، وقوى إسناده الحافظ ابن حجر .
ب – يصلي ثلاث ركعات بتشهد واحد لحديث عائشة – رضي الله عنها – قالت : " كان النبي – صلى الله عليه وسلم - لا يسلم في ركعتي الوتر " وفي لفظ : " كان يوتر بثلاث لا يقعد إلا في آخرهن " . أخرجه مالك والحاكم وصححه ولم يتعقبه الذهبي .
وروى ابن أبي شيبة في " المصنف " وصل الثلاث عن عمر ، وأنس ، وابن المسيب وغيرهم .
ج – يصلي خمساً لا يجلس إلا في آخرها . لما روى مسلم في " صحيحه " عن عائشة – رضي الله عنها – قالت : " كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة ، يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء إلا في آخرها " .
د- يصلي سبعاً لا يجلس إلا في آخرها . لما روى أحمد والنسائي بسند جيد عن أم سلمة – رضي الله عنها – قالت : " كان النبي – صلى الله عليه وسلم - يوتر بخمس وبسبع لا يفصل بينهن بسلام ، ولا كلام " .
هـ – يصلي سبعاً يجلس في السادسة ثم يجلس في السابعة ويسلم . لما روى أحمد وابن حبان بسند صحيح من حديث عائشة – رضي الله عنها – وفيه : " ثم يصلي سبع ركعات ولا يجلس فيهن إلا عند السادسة فيجلس ويذكر الله ويدعو " .
و – يصلي تسعاً يجلس في الثامنة ، وفي التاسعة ، ثم يسلم . لما رواه مسلم في " صحيحه " عن عائشة – رضي الله عنها – وفيه : " ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة ، فيذكر الله ويحمده ويدعوه ، ثم ينهض ، ولا يسلم ، ثم يقوم فيصلي التاسعة ، ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه ، ثم يسلم تسليما يسمعنا " .
ي – يصلي إحدى عشرة ركعة ركعتين ، ركعتين ، ثم يوتر بواحدة . لحديث عائشة – رضي الله عنها – قالت : " كانت صلاة رسول الله – صلى الله عليه وسلم - من الليل عشر ركعات ويوتر بسجدة " رواه مسلم .
13 – مكان قنوت الوتر :
1 – قبل الركوع : لما روى أبو داود وابن ماجه من حديث أُبَي بن كعب – رضي الله عنه - أن النبي – صلى الله عليه وسلم - قنت في الوتر قبل الركوع " وصححه الألباني .
2 – بعد الركوع : لثبوت ذلك في " الصحيحين " عن أنس – رضي الله عنه - أن النبي – صلى الله عليه وسلم - كان يقنت بعد الركوع في الفرائض " . وهذا في النوازل ، والوتر يقاس عليها .
تتمه قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في " مجموع الفتاوي " 23/100 : " وأما القنوت فالناس فيه طرفان ووسط : منهم من لا يرى القنوت إلا قبل الركوع ، ومنهم من لا يراه إلا بعده ، وأما فقهاء أهل الحديث كأحمد وغيره فيجوزون كلا الأمرين لمجيء السنة الصحيحة بهما ، وإن اختاروا القنوت بعده لأنه أكثر وأقيس فإن سماع الدعاء مناسب لقول العبد : سمع الله لمن حمده ، فإنه يشرع الثناء على الله قبل دعائه كما بينت فاتحة الكتاب على ذلك أولهما ثناء وآخرها دعاء " ا . هـ .
14 – القراءة في صلاة الجمعة :
1 - يقرأ في الركعة الأولى بـ : " سبح اسم ربك الأعلى " وفي الثانية بـ : " هل أتك حديث الغاشية " أخرجه مسلم .
2 – يقرأ في الركعة الأولى بسورة الجمعة ، وفي الثانية : " إذا جاءك المنافقون " رواه مسلم .
3 – يقرأ في الركعة الأولى بسورة الجمعة ، وفي الثانية : " هل أتك حديث الغاشية " رواه مسلم .
15 – أذكار الركوع والسجود :
أ – " سبحان ربي العظيم " رواه أحمد وأبو داود بإسناد صحيح .
ب – " سبحان ربي العظيم وبحمده " رواه أبو داود بإسناد صحيح .
ج – " سبحانك اللهم ربنا وبحمدك ، اللهم اغفر لي " متفق عليه .
د – " سبوح قدوس رب الملائكة والروح " رواه مسلم .
هـ – اللهم لك ركعت ، وبك آمنت ، ولك أسلمت ، خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي ، وما استقل به قدمي " رواه مسلم .
و – " سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة " رواه أبو داود وهو حسن .
فائدة : الواجب من التسبيح في المذهب عند الحنابلة مرة ، وأدنى الكمال ثلاث ، وأعلاه عشر . وقال بعض الأصحاب : مالم يشق على المأمومين بالإطالة ، أو السهو .(82/2)
16 – التحميد بعد الاعتدال من الركوع :
أ – الجمع بين " اللهم " و " الواو " : " اللهم ربنا ولك الحمد " رواه البخاري .
ب – حذف " الواو " فقط : " اللهم ربنا لك الحمد " متفق عليه .
ج – حذف " اللهم " فقط : " ربنا ولك الحمد " متفق عليه .
د – حذف " اللهم " و " الواو " : " ربنا لك الحمد " رواه البخاري .
ويزاد على ذلك ما ورد من تحميد في هذا الموضع .
17 – الاستغفار في الجلوس بين السجدتين :
1 – " اللهم اغفر لي " وفي لفظ " رب " رواه أحمد وأبو داود وهو صحيح .
2 – " رب اغفر لي ، وارحمني ، وعافني ، واهدني ، وارزقني " رواه أبو داود والترمذي وله " واجبرني " بدل " وارزقني " وهو صحيح .
فائدة : ذهب الحنابلة إلى أن ( رب اغفر لي ) واجبة مرة واحدة ، وأدنى الكمال فيها ثلاث ، وما زاد عنها من الكلمات فهو سنة .
فائدة : روى مسلم في " صحيحه " عن أنس – رضي الله عنه - قال : " كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يقعد بين السجدتين حتى تقول قد أوهم " . وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم – رحمهما الله – كما في " الهدي النبوي " 1/222 أن تقصير الرفع من الركوع والرفع من السجود مما عرف فيه أمراء بني أمية .
18 – التورك :
أ – إخراج الرجل اليسرى من الجانب الأيمن مفروشة ، والجلوس على المقعدة على الأرض ، وتكون الرجل اليمنى منصوبة . رواه البخاري عن أبي حميد الساعدي – رضي الله عنه - .
ب – فرش القدمين جميعاً ، وإخراجهما من الجانب الأيمن . رواه أبو داود عن أبي حميد الساعدي – رضي الله عنه - .
ج – فرش الرجل اليمنى ، وإدخال الرجل اليسرى بين الفخذ رسات الرجل اليمنى . رواه مسلم عن عبدالله بن الزبير – رضي الله عنه - .
وهذه الصورة الأخيرة من العلماء من قال : أن اتحاد مخرج حديث أبي حميدي الساعدي في الصورة الثانية عند أبي داود مع حديث عبدالله بن الزبير عند مسلم يدل على أنهما صورة واحدة ، وإنه ينبغي حمل رواية مسلم على رواية أبي داود . والله أعلم .
19 – وضع اليدين بين السجدتين وفي التشهد :
أ – يضع يديه على فخذيه وأطراف أصابعه عند ركبتيه . أخرجه مسلم عن ابن عمر – رضي الله عنهما - .
ب – يضع اليد اليمنى على الركبة ، واليد اليسرى يلقمها الركبة كأنه قابض لها . رواه مسلم عن ابن عمر – رضي الله عنهما - .
20 – وضع أصابع اليد اليمنى في التشهد :
أ – يقبض الخنصر والبنصر ويحلق الإبهام مع الوسطى ، ويرفع السبابة ، ويحركها . رواه أحمد وأبو داود وهو صحيح .
ب – يقبض الخنصر والبنصر والوسطى والإبهام ويشير بالسبابة ، ويحركها . رواه مسلم عن ابن عمر – رضي الله عنهما - .
21 – التشهد :
أ – تشهد ابن مسعود – رضي الله عنه - : " التحيات لله والصلوات الطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً رسوله " متفق عليه .
ب – تشهد ابن عباس – رضي الله عنهما - : " التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله …… " الحديث كحديث ابن مسعود – رضي الله عنه - . رواه مسلم .
ج – تشهد أبي موسى – رضي الله عنه - : " التحيات الطيبات الصلوات لله …… " الحديث كحديث ابن مسعود – رضي الله عنه - . رواه مسلم .
د – تشهد عمر – رضي الله عنه - أخرجه مالك في " الموطأ " بإسناد صحيح : " التحيات لله ، الزاكيات لله ، الطيبات الصلوات لله …… " الخ كتشهد ابن مسعود – رضي الله عنه - ، وفي لفظ للبيهقي : " التحيات لله ، الزاكيات لله ، الطيبات لله ، الصلوات لله …… " .
وهذا وكان عمر يعلمه الناس وهو علىالمنبر ، وهو وإن كان موقوفاً فله حكم الرفع .
هـ – تشهد عائشة – رضي الله عنها – أخرجه مالك في " الموطأ " والبيهقي في " السنن " وصححه الألباني : " التحيات الطيبات الصلوات الزاكيات لله ، السلام على النبي ورحمة الله وبركاته …… " كتشهد ابن مسعود – رضي الله عنه – .
و – تشهد ابن عمر – رضي الله عنهما – أخرجه أبو داود بإسناد صحيح : كتشهد ابن مسعود – رضي الله عنه - وفيه قال ابن عمر : وزدت فيها " وحده لا شريك له " بعد شهادة أن لا إله إلا الله .
22 – الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم - في التشهد الأخير :
أ – " اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد " رواه البخاري عن كعب بن عجرة – رضي الله عنه - .
ب – " اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد " رواه البخاري عن كعب بن عجرة – رضي الله عنه - أيضاً .
ج – "اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم ، في العالمين إنك حميد مجيد " أخرجه مسلم عن أبي مسعود الأنصاري – رضي الله عنه - .
د – " اللهم صلى على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد " متفق عليه من حديث أبي حميد الساعدي – رضي الله عنه - .
هـ – " اللهم صلى على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم ، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم " أخرجه البخاري عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه - .
و – " اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم ، في العالمين إنك حميد مجيد " أخرجه النسائي في " عمل اليوم والليلة " وإسناده صحيح على شرط الشيخين .
23 – التسليم :
أ – " يسلم عن يمينه وعن شماله حتى يرى بياض خده : السلام عليكم ورحمة الله ، السلام عليكم ورحمة الله " رواه أحمد وأبو داود عن ابن مسعود – رضي الله عنه - وهو صحيح .
ب – " يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وعن شماله السلام عليكم ورحمة الله " رواه أبو داود عن وائل ابن حجر – رضي الله عنه - وصححه النووي وابن حجر .
تنبيه : جاء في بعض نسخ " سنن أبي داود " ونسخ " بلوغ المرام " زيادة " وبركاته " على الشمال .
ج – " يسلم عن اليمين السلام عليكم ورحمة الله ، وعن يساره السلام عليكم " أخرجه أحمد والنسائي عن ابن عمر – رضي الله عنهما – وصححه الألباني .
24- الانصراف من الصلاة :
أ - الانصراف عن اليمين : عن انس – رضي الله عنه – قال : " أكثر ما رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ينصرف عن يمينه " رواه مسلم .
ب - الانصراف عن اليسار : روى البخاري ومسلم في " صحيحيهما " من حديث عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه – قال : " لا يجعلن أحدكم للشيطان من صلاته جزءاً يرى أن حتما عليه أن لا ينفتل إلا عن يمينه ، فلقد رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - أكثر ما ينصرف عن يساره " متفق عليه .
وعن قبيصة بن هلب عن أبيه – رضي الله عنه - قال : " كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يؤمنا فينصرف عن جانبيه جميعا ، على يمينه وعلى شماله " رواه أبو داود والترمذي وحسنه وقال : والعمل عليه عند أهل العلم : أنه ينصرف على أي جانبيه شاء ، إن شاء عن يمينه ، وإن شاء عن يساره ، وقد صح الأمران عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - . ا . هـ
وحسّن حديث هلب النووي في " المجموع " وابن عبد البر في " الاستيعاب " وقال : يجمع بينهما بأنه – صلى الله عليه وسلم - الله عليه وسلم - كان يفعل هذا تارة ، وتارة هذا . ا . هـ
وقال ابن عمر – رضي الله عنهما - : " انصرف حيث أحببت على يمينك ، وإن شئت على يسارك " رواه مالك في " الموطأ " وإسناده صحيح .
25 – التسبيح دبر الصلاة :
أ – أن يسبح ويحمد ويكبر ثلاثاً وثلاثين ، ويقول في تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير . رواه مسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه - .
ب – أن يسبح ثلاثاً ثلاثين ، ويحمد ثلاثاً وثلاثين ، ويكبر أربعاً وثلاثين . رواه مسلم عن كعب بن عجرة – رضي الله عنه - .
ج – أن يسبح عشر مرات ، ويحمد عشر مرات ، ويكبر عشر مرات . رواه البخاري عن أبي هريرة – رضي الله عنه - .
د – أن يسبح خمساً وعشرين ، ويحمد خمساً وعشرين ، ويكبر خمساً وعشرين ، ويقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير خمساً وعشرين مرة . رواه أحمد والنسائي من حديث زيد بن ثابت – رضي الله عنه - .
فائدة : هناك صفة خامسة ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى - : وهي إحدى عشرة تسبيحة ومثلها تحميدة ، ومثلها تكبيرة ، لكن نص الحافظان ابن القيم في " الهدي النبوي " 1/300 ، وابن حجر " في الفتح " 2/418– رحمهما الله – على أنها غير محفوظة .
25 – سنة الجمعة البعدية :
أ – ركعتان : في " الصحيحين " من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – " أن النبي – صلى الله عليه وسلم - كان يصلي ركعتين بعد الجمعة في بيته " .
ب – أربع ركعات : روى مسلم في " صحيحه " من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه - قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : " إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعاً " .
فائدة : يرى شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – كما في " الهدي النبوي " 1/440 أن التنوع في عدد الركعات إنما هو تنوع أحوال فإذا صلى في المسجد صلى أربعاً ، وإذا صلى في بيته صلى ركعتين . ومال إلى هذا ابن القيم – رحمه الله تعالى - .
تنبيه : قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – كما في " الإنصاف " 1/285 : الصلاة قبلها ( أي : صلاة الجمعة ) جائزة حسنة ، وليست راتبه ، فمن فعل فلا ينكر عليه ، ومن ترك فلا ينكر عليه ، وهذا أعدل الأقوال ، وكلام أحمد يدل عليه ، وحينئذ فقد يكون تركها أفضل إذا كان الجهال يعتقدون أنها سنة راتبه ، أو أنها واجبة ، فتترك حتى يعرف الجهال أنها ليست سنة راتبة ولا واجبة ، لاسيما إذا داوم الناس عليها فينبغي تركها أحيانا . ا . هـ
26 – التكبيرات في صلاة الجنازة :
أ – أربع تكبيرات : عن أبي هريرة – رضي الله عنه - قال : " نعى النبي – صلى الله عليه وسلم - إلى أصحابه النجاشي ثم تقدم فصلوا خلفه فكبر أربعاً " متفق عليه .
ب – خمس تكبيرات : عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : كان زيد بن أقم يكبر على جنائزنا أربعاً ، وإنه كبر على جنازة خمساً ، فسألته فقال : كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يكبرها " رواه مسلم .
تتمة : قال ابن القيم في " الهدي النبوي " 1/507 : وكان – صلى الله عليه وسلم – يأمر بإخلاص الدعاء للميت ، وكان يكبر أربع تكبيرات ، وصح عنه أنه كبر خمساً ، وكان الصحابة بعده يكبرون أربعاً ، وخمساً ، وستاً ، فكبر زيد بن أرقم خمساً ، وذكر أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كبرها . ذكره مسلم .
وكبر علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – على سهل بن حنيف ستاً ، وكان يكبر على أهل بدر ستاً ، وعلى غيرهم من الصحابة خمساً ، وعلى سائر الناس أربعاً . ذكره الدارقطني .(82/3)
وذكر سعيد بن منصور عن الحكم بن عتيبة أنه قال : كانوا يكبرون على أهل بدر خمساً ، وستاً ، وسبعاً . وهذه آثار صحيحة ، فلا موجب للمنع منها ، والنبي - صلى الله عليه وسلم – لم يمنع مما زاد على الأربع ، بل فعله هو وأصحابه من بعده .ا.هـ .
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الشيخ عبد العزيز العويد
عدد القراء : 2239
تاريخ الموضوع: 13 - ديسيمبر - 2002 ميلادية
(82/4)
القول الجلي في صفة صلاة النبي( صلى الله عليه وآله وسلم) للأخ الفاضل عبدالكريم الحربي
الأخ الفاضل عبد الكريم الحربي
يُكبر ، فيقول : الله أكبر ، رافعا يديه إلى حذو منكبيه ، أو إلى حِيال أذنيه ، متوجها ببصره إلى موضع سجوده ، ثم يضع يده اليمنى على كفه اليسرى على صدره قابضا على الرسغ والساعد ، ثم يستفتح بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من الاستفتاح ، يستفتح بأي نوع ورد ، إما بقول " اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ، اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد "
أو يقول : " سبحانك الله وبحمدك ، وتبارك اسمك ، وتعالى جدك ، ولا إله غيرك " ، ثم يقول : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم ، ثم يقرأ الفاتحة ، ويقف على كل آية منها ، فيقول : الحمد لله رب العالمين . الرحمن الرحيم . مالك يوم الدين . إياك نعبد وإياك نستعين . اهدنا الصراط المستقيم . صراط الذين أنعمت عليهم . غير المغضوب عليهم . ولا الضالين ، وبعدها يقول : آمين ـ يجهر بها في الصلاة الجهرية ، ويُسر بها في الصلاة السرية ـ ، ثم يقرأ ما تيسر من القرآن ، والأفضل أن يقرأ سورة تامة ، تكون في الفجر من طوال المفصل ، وفي المغرب من قصاره غالبا ، وفي الباقي من أوساطه .
ثم يرفع يديه ـ حذو منكبيه أو أذنيه ـ مكبرا للركوع فيقول : الله أكبر ، ثم ينحني ويضع يديه مفرجتي الأصابع على ركبتيه ، ويمد ظهره مستويا مع رأسه ، ويقول : " سبحان ربي العظيم " ـ أدنى الكمال ثلاثا ، ويزيد ما شاء
ويستحب أن يقول في ركوعه أيضا : " سبحانك اللهم وبحمدك ، اللهم اغفرلي " .
ثم يرفع رأسه قائلا : " سمع الله لمن حمده " ، ويرفع يديه كذلك ـ كما رفعهما عند تكبيرة الإحرام ، وعند الركوع ـ ثم يقول بعد قيامه : " ربنا ولك الحمد ، حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما ، وملء ما شئت من شيء بعد " ، ويضع يديه على صدره ـ كوضعهما في قيامه قبل الركوع ـ وإن شاء زاد في الدعاء : " أهل الثناء والمجد أحق ماقال العبد وكلنا لك عبد ، اللهم لامانع لما أعطيت ، ولامعطي لما منعت ، ولاينفع ذا الجد منك الجد " .
ثم يسجد مُكَبِّرًا ، ولا يرفع يديه ولا يرفعهما إذا هوى إلى السجود ، ويسجد على ركبتيه ، ثم يديه ، ثم جبهته وأنفه ، يسجد على أعضاءه السبعة : الجبهة والأنف ـ وهما عضو واحد ـ والكفين والركبتين وبطون أصابع القدمين ـ ويوجه أصابعهما نحو القبلة ـ ، ويجافى عضديه عن جنبيه ، وبطنه عن فخذيه ، وفخذيه عن ساقيه ، ويُبعد ذراعيه عن الأرض لقول النبي : " اعتدلوا في السجود ، ولايبسط أحدكم ذراعيه اتبساط الكلب " ،
ويجعل يديه حذاء وجهه ، أو حذاء منكبيه مبسوطة مضمومتي الأصابع ، ورؤوس الأصابع نحو القبلة ، فيقول : " سبحان ربي الأعلى " ـ أدنى الكمال ثلاثا ، ويزيد ما شاء ـ و يغلب في السجود جانب الدعاء ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " أما الركوع فعظموا فيه الرب ، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء ، فقمن أن يستجاب لكم " ، ويسأل الله من خيري الدنيا والآخرة ، ويستحب أن يقول : " سبحانك اللهم ربنا وبحمدك ، اللهم اغفرلي " .
ثم يرفع من السجود مكبرا ولا يرفع يديه ، ويجلس مفترشا رجله اليسرى ناصبا رجله اليمنى ، ويضع يديه على فخذيه أو أعلى ركبتيه ، ويقول :
" رب اغفر لي ، وارحمني ، واجبرني ، وعافني ، وارزقني " ، ثم يسجد السجدة الثانية كالأولى فيما يُقال وما يُفعل .
ثم يرفع من السجود إلى القيام مكبرا ، ولا يرفع يديه عند هذا القيام ، ثم يقرأ الفاتحة وما تيسر ، لكن تكون قراءته دون القراءة في الركعة الأولى ، ويصلي الركعة الثانية كما صلى الركعة الأولى .
ثم يجلس للتشهد ، ويجلس للتشهد كجلوسه للدعاء بين السجدتين ـ أي يفترش رجله اليسرى وينصب اليمنى ويضع يده اليمنى على رجله اليمنى ويده اليسرى على رجله اليسرى على صفة ما سبق في الجلوس بين السجدتين ، ولكن يقبض أصابعه اليمنى كلها إلا السبابة فتبقى مفتوحة ، ويحركها عند الدعاء ، وإن شاء قبض الخنصر والبنصر وحلق بالإبهام مع الوسطى ، وكلما دعا حرك السبابة نحو الأعلى ـ إشارة إلى علو المدعو ـ أما اليد اليسرى فإنها تبقى على الرجل اليسرى على الفخذ ، أو على طرف الركبة مبسوطة ، متجها بها إلى القبلة ـ ويقرأ التشهد : " التحيات لله ، والصلوات الطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد عبده ورسوله " .
ثم إن كان في ثنائيةٍ كالفجر والجمعة والعيدين والنوافل فإنه يكمل التشهد ، فيستمر فيه : " اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمدٍ ، كما صليت على إبراهيمَ وعلى آل إبراهيمَ ، إنك حميد مجيد ، اللهم بارك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ ، كما باركت على إبراهيمَ وعلى آل إبراهيمَ إنك جميد مجيد " ، " أعوذ بالله من عذاب جهنم ، ومن عذاب القبر ، ومن فتنة المحيا والممات ، ومن فتنة المسيح الدجال " ، ثم يدعو بما شاء من خيري الدنيا
والآخرة ، ثم يسلم عن يمينه : " السلام عليكم ورحمة الله " ، وعن يساره : " السلام عليكم ورحمة الله " .
أما إذا كان في ثلاثية أو رباعية فإنه بعد أن يقول في التشهد : " أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله " يقوم مكبرا ويرفع يديه بعد هذا القيام ، ثم يصلي ما بقى من صلاته مقتصرا على قراءة الفاتحة ، وإن قرأ في الثالثة والرابعة من الظهر زيادة عليها فلا بأس ، وأما الركوع والسجود فكما سبق في الركعتين الأوليين ، ثم يجلس للتشهد الثاني ـ وهو التشهد الأخير الذي فيه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ـ لكن يكون جلوسا تَوَرُّكًا ، والتَّوَرُّكُ له ثلاث صفات : إما أن ينصب رجله اليمنى ويخرج اليسرى من تحت ساقها ، وإما أن يفرش الرجل اليمنى ويخرج الرجل اليسرى من تحت ساقها ـ أي من تحت ساق اليمنى ـ ، وإما أن يفرش اليمنى ويدخل اليسرى بين ساق اليمنى وفخِذِها ، ثم إذا أكمل التشهد سلم عن يمينه وعن يساره كما سبق .
والحمد لله رب العالمين
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الأخ الفاضل عبد الكريم الحربي
عدد القراء : 1592
تاريخ الموضوع: 15 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(83/1)
الجلوس في المصلى وانتظار الصلاة للأخ الفاضل سعود الزمانان
الأخ الفاضل سعود الزمانان
ذهب جمع من أهل العلم إلى أن المقصود " بمصلاه " جميع المسجد ، قال الإمام زين الدين العراقي – رحمه الله - : ": ما المراد بمصلاه ؟ هل البقعة التي صلى فيها من المسجد ، حتى لو انتقل إلى بقعة أخرى في المسجد لم يكن له هذا الثواب المترتب عليه ، أو المراد بمصلاه جميع المسجد الذي صلى فيه ؟ يحتمل كلا الأمرين والاحتمال الثاني أظهر وأرجح "[1] .
قلت : سوف أبسط في ثنايا هذا البحث أقوال أهل العلم في هذه المسألة وأدلتهم الشرعية ووجه دلالاتها ، وأسأل الله جل وعلا أن ينفع بهذا الكلمات وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم .
* أولاً : القول الأول : المقصود ( بمصلاه ) جميع المسجد واستدلوا بما يأتي:
1 . ما أخرجه الطبراني في الكبير (17/129) من حديث أبا أمامة وعتبة بن عبد – رضي الله عنهما – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم : " من صلى صلاة الصبح في جماعة ثم ثبت في المسجد يسبح الله سبحة الضحى كان له كأجر حاج ومعتمر تاما له حجته وعمرته " . قال الألباني : " حسن لغيره ".
وجه الدلالة : قول النبي – صلى الله عليه وسلم – " ثم ثبت في المسجد " نص في هذا المسألة ،وأن مناط الأجر يتحقق للمصلي بمجرد صلاح النية ، وبمكوثه في المسجد من بعد صلاة الفجر حتى صلاة الضحى .
2 . ما أخرجه البخاري في صحيحه( 445) من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم : " الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه ما لم يحدث اللهم اغفر له اللهم ارحمه لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة " .
وجه الدلالة : إن النبي – صلى الله عليه وسلم – رتب الأجر لمن حبس نفسه في المسجد ما دام ينتظر الصلاة ، فما دام المسلم قد صرف نيته لانتظار الصلاة فيترتب عليه الثواب المذكور في أي بقعة من المسجد .
3 . ما أخرجه مسلم في صحيحه (649) من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : " لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة "
وجه الدلالة : الرسول – صلى الله عليه وسلم – حث أمته على انتظار الصلاة ، وأن من حبسته الصلاة فهو في صلاة سواء لزم البقعة التي صلى فيها أو انتقل لأي مكان في المسجد .
4 . ما أخرجه مسلم في صحيحه (251) من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال : " ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات قالوا بلى يا رسول الله قال إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط "
وجه الدلالة : الثواب المذكور هو لمن حبس نفسه عن التصرف في الأمور الدنيوية من بيع وشراء وشهوة مباحة رغبة في الصلاة ومن هذا قيل انتظار الصلاة رباط لأن المرابط حبس نفسه عن المكاسب والتصرف إرصاداً للعدو .
5 . ما رواه ابن ماجة في سننه (180) من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ما توطن رجل مسلم المساجد للصلاة والذكر إلا تبشبش الله له كما يتبشبش[2] - أهل الغائب بغائبهم إذا قدم عليهم " ( صحيح ابن ماجة للألباني – رحمه الله - ) .
وجه الدلالة : إن النبي – صلى الله عليه وسلم – رتب الأجر لمن حبس نفسه في المسجد ما دام ينتظر الصلاة ، وأن الله يتبشبش للمصلي الذي يذكر الله في المسجد ، دون تحديد البقعة التي صلى فيها وملازمته لها بعد صلاته .
6 . ما رواه ابن ماجة في سننه (801) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – قال صلينا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المغرب فرجع من رجع وعقب من عقب فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسرعا قد حفزه النفس وقد حسر عن ركبتيه فقال : " أبشروا هذا ربكم قد فتح بابا من أبواب السماء يباهي بكم الملائكة يقول انظروا إلى عبادي قد قضوا فريضة وهم ينتظرون أخرى " .
وجه الدلالة : إن النبي – صلى الله عليه وسلم – رتب الأجر لمن حبس نفسه في المسجد ما دام ينتظر الصلاة في المسجد .
7 . ما رواه البخاري في صحيحه (482) من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : " صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إحدى صلاتي العشي فصلى بنا ركعتين ثم سلم فقام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان ووضع يده اليمنى على اليسرى وشبك بين أصابعه ووضع خده الأيمن على ظهر كفه اليسرى وخرجت السرعان من أبواب المسجد "
وجه الدلالة : في قول أبي هريرة – رضي الله عنه - : " فقام إلى خشبة معروضة في المسجد " ، وفي رواية عند مسلم : " ثم أتى جذعاً في قبلة المسجد فاستند إليها " فيه دلالة على مشروعية انتقال الإمام أو المصلي من البقعة التي صلى فيها إلى أي مكان في المسجد .
8 . ما أخرجه أبو داود في السنن (1119) من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : " إذا نعس أحدكم وهو في المسجد فليتحول من مجلسه ذلك إلى غيره " ( صحيح الجامع للألباني ) .
وجه الدلالة : أمر النبي – صلى الله عليه وسلم – المصلي أن يعتدل في جلسته وأن يتحول من مكانه ومجلسه إذا غلب عليه النعاس ، وهذا فيه مشروعية الانتقال والتحول إلى أي مكان في المسجد خاصة إذا كان يفضي إلى مزيد من الخشوع وحضور القلب ، ويقاس عليه من كان به أذى وألم في ركبتيه أو ظهره ومكثه في نفس المكان الذي صلى فيه يشعره بمزيد من التعب وعدم حضور القلب أثناء الذكر ، فإنه يستحب له أن يتحول من مكانه إلى أي مكان آخر في المسجد .
9 . ما رواه مالك في الموطأ(385 ) عن نعيم بن عبد الله المجمر أنه سمع أبا هريرة يقول" إذا صلى أحدكم ثم جلس في مصلاه لم تزل الملائكة تصلي عليه اللهم اغفر له اللهم ارحمه فإن قام من مصلاه فجلس في المسجد ينتظر الصلاة لم يزل في صلاة حتى يصلي " .
وجه الدلالة : أن المصلي إذا صلى في المسجد ثم انتقل إلى أي موضع آخر من المسجد ولم يخرج منه فإن الملائكة تدعو له مادام ينتظر الصلاة .
ثانياً : القول الثاني : أخذوا بظاهر بعض الأحاديث وجعلوا الأجر والثواب فقط لمن التزم البقعة التي صلى فيها ، وأنه متى ما انتقل منها ، فإنه لا يدخل في معنى الحديث ، ويمكن لأصحاب هذا الرأي الاحتجاج بالأحاديث الآتية :
1 . ما رواه الطبراني في الأوسط (5598) من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : " من صلى الصبح ، ثم جلس في مجلسه حتى تمكنه الصلاة ، كان بمنزلة عمرة وحجة متقبّلتين " قال الألباني – رحمه الله - : " صحيح لغيره "[3] .
وجه الدلالة : قوله – صلى الله عليه وسلم - : " ثم جلس في مجلسه " يدل على أن الثواب يتحقق فيمن لزم مكانه بعد الصلاة ، ومفهوم المخالفة يقتضي بأن من تحول عن مكانه فإنه لا ينال هذا الثواب .
2 . ما رواه الطبراني من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : " من صلى صلاة الصبح في جماعة ، ثم ثبت حتى يسبح لله سبحة الضحى ، كان كأجر حاج ومعتمر ، تاما له حجه وعمرته " قال الألباني :" حسن لغيره "
وجه الدلالة : قوله – صلى الله عليه وسلم - : " ثم ثبت " فيه تصريح من النبي – صلى الله عليه وسلم – على تعين التزام المكان الذي وقعت فيه صلاة الفريضة، وأن من تحول إلى مكان غيره فإنه لم يحقق هذا الشرط ومن ثم عدم وقوع المشروط .
3 . ما رواه مسلم في صحيحه(670) من حديث جابر بن سمرة – رضي الله عنه – أنه قال : " كان النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا صلى الفجر جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس حسنا "
وعند أبي داود(4850) " كان النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس حسناً " .
وجه الدلالة : قول جابر بن سمرة – رضي الله عنه – كان النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس ، فيه دلالة أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان لا يتحول من مكانه الذي صلى فيه .
4 . ما رواه الترمذي في جامعه (3474) من حديث أبي ذر – رضي الله عنه - أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : " من قال في دبر صلاة الفجر- وهو ثان رجليه - قبل أن يتكلم لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير عشر مرات كتبت له عشر حسنات ومحيت عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات وكان يومه ذلك كله في حرز من كل مكروه وحرس من الشيطان ولم ينبغ لذنب أن يدركه في ذلك اليوم إلا الشرك بالله " قال أبو عيسى : " هذا حديث حسن غريب صحيح " . وقال الألباني – رحمه الله - : " حسن لغيره " .
وجه الدلالة : قوله – صلى الله عليه وسلم - : " وهو ثان رجليه – قبل أن يتكلم – " فيه دلالة على أن الثواب متعلق بالمكث في نفس المكان الذي وقعت فيه الصلاة ، فإذا غير مكانه فإنه لم يحقق الأسباب التي حصول المسبب وهو الثواب.
* ثالثاً : أقوال أهل العلم في هذه المسألة :
- الإمام مالك – رحمه الله - : " سئل مالك عن رجل صلى في غير جماعة ثم قعد بموضعه ينتظر صلاة أخرى أتراه في صلاة بمنزلة من كان في المسجد كما جاء في الحديث قال نعم إن شاء الله أرجو أن يكون كذلك ما لم يحدث فيبطل ذلك ولو استمر جالساً "[4] .
- القاضي عياض – رحمه الله – : " قال صاحب كتاب " مواهب الجليل " : وقال بعضهم وأظنه القاضي عياضا : إنه البيت الذي اتخذه مسجداً لصلاته وإن لم يجلس في الموضع الذي أوقع فيه الصلاة ، مثاله أنه إذا صلى في المسجد ثم انتقل من الموضع الذي صلى فيه ولم يخرج من المسجد إنه يبقى تدعو له الملائكة " .[5]
- ابن عبد البر – رحمه الله - : " ومصلاه موضع صلاته وذلك عندي في المسجد ، لأن هناك يحصل منتظراً للصلاة في الجماعة ،وهذا هو الأغلب في معنى انتظار الصلاة "[6] .
- ابن رجب : - رحمه الله - : " دل هذا الحديث على فضل أمرين : أحدهما : الجلوس في المصلى وهو موضع الصلاة التي صلاها ، والمراد به المسجد دون البيت "[7].
- الحافظ العراقي - رحمه الله - : " ما المراد بمصلاه ؟ هل البقعة التي صلى فيها من المسجد ، حتى لو انتقل إلى بقعة أخرى في المسجد لم يكن له هذا الثواب المترتب عليه ، أو المراد بمصلاه جميع المسجد الذي صلى فيه ؟ يحتمل كلا الأمرين والاحتمال الثاني أظهر وأرجح "[8] .
- الحافظ ابن حجر – رحمه الله - : " ( مصلاه ) أي في المكان الذي أوقع فيه الصلاة من المسجد ، وكأنه خرج مخرج الغالب ، وإلا فلو قام إلى بقعة أخرى من المسجد مستمراً على نية انتظار الصلاة كان كذلك "[9](84/1)
- العلامة العيني – رحمه الله - : " فيه بيان فضيلة من انتظر الصلاة مطلقاً سواء ثبت في مجلسه ذلك من المسجد أو تحول إلى غيره "[10].
- العلامة القاري – رحمه الله - : " ( من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله ) أي استمر في مكانه ومسجده الذي صلى فيه ، فلا ينافيه القيام لطواف أو لطلب علم أو مجلس وعظ في المسجد ، بل وكذا لو رجع إلى بيته واستمر على الذكر حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين "[11]
- الزرقاني – رحمه الله - : " للمنتظر حكم المصلي سواء بقي في مجلسه ذلك من المسجد أم تحول إلى غيره فيمكن حمل قوله في مصلاه على المكان المعد للصلاة لا الموضع الخاص به الذي صلى فيه ... فلو قام إلى بقعة أخرى من المسجد مستمراً على نية انتظار الصلاة كان كذلك ... ولو قعدت امرأة في مصلى بيتها تنتظر وقت صلاة أخرى لم يبعد أن تدخل في معنى الحديث لأنها حبست نفسها عن التصرف رغبة في الصلاة " [12]
- وفي " الدرر السنية " سئل الشيخ : عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين – رحمه الله - عن حديث " الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه " هل إذا تحول من مجلسه إلى موضع آخر في المسجد يحصل له ذلك ؟
فأجاب : الذي يظهر أن حكم المسجد الذي صلى فيه ، حكم موضع صلاته.
- الشيخ شمس الحق العظيم آبادي صاحب كتاب " عون المعبود : " ( في مصلاه ) من المسجد أو البيت مشتغلاً بالذكر أو الفكر أو مفيداً للعلم أو مستفيداً وطائفاً بالبيت " [13] .
- الشيخ محمد الشنقيطي صاحب كتاب " كوثر المعاني " : " فضيلة من انتظر الصلاة مطلقاً ، سواء ثبت في مجلسه ذلك من المسجد ، أم تحول إلى غيره ، ولفظه " ولا يزال في صلاة ما انتظر " فأثبت للمنتظر حكم المصلي ، فيمكن أن يحمل قوله " في مصلاه " على المكان المعد للصلاة ، لا الموضع الخاص بالسجود " [14]
- العلامة الوزاني المالكي صاحب كتاب " النوازل الكبرى " : " جلوس الإمام في المسجد ينتظر الصلاة يستدفع به مشقة الرجوع ، لمطر أو بعد دار لا يمنع من نيل الثواب المذكور في انتظار الإمام ذلك ، وفي انتظار الإمام الصلاة بالدويرة التي بالجامع "[15]
- قال الباجي – رحمه الله - " قوله ما دام فِي مصلاهُ الذي صَلَّى فيه يعني موضع صلاته ،ويحتمل ذلك وجهين : أحدهما أنها تدعو له ما دام في مصلاه قبل أن يصلي فيه منتظراً للصلاة حتى يصلي فيه ، إلا أن يحدث قبل صلاته فيجب عليه القيام للوضوء ، فلا يصلي حينئذ لجلوسه ، والوجه الثاني : أن الملائكة تصلي عليه ما دام في مكانه الذي صلى فيه جالساً بعد صلاته فيه إلا أن جلوسه فيه يكون لأحد وجهين أما للذكر بعد الصلاة ، وإما لانتظار صلاة أخرى "[16].
- الشيخ ابن باز - رحمه الله - : " سئل : هل المكوث في المنزل بعد صلاة الفجر لقراءة القرآن حتى تطلع الشمس ، ثم يصلي الإنسان ركعتي الشروق له نفس الأجر الذي يحصل بالمكوث في المسجد ؟
فأجاب : هذا العمل فيه خير كثير وأجر عظيم ، ولكن ظاهر الأحاديث الواردة في ذلك أنه لا يحصل له نفس الأجر الذي وعد به من جلس في مصلاه في المسجد ، لكن لو صلى في بيته صلاة الفجر لمرض أو خوف ثم جلس في مصلاه يذكر الله أو يقرأ القرآن حتى ترتفع الشمس ، ثم يصلي ركعتين فإنه يحصل له ما ورد في الأحاديث لكونه معذوراً حين صلى في بيته .
وهكذا المرأة إذا جلست في مصلاها بعد صلاة الفجر تذكر الله أو تقرأ القرآن ، حتى ترتفع الشمس ثم تصلي ركعتين فإنه يحصل لها الأجر الذي جاءت به الأحاديث ، وهو أن الله يكتب لمن فعل ذلك أجر حجة وعمرة تامتين ، والأحاديث في ذلك كثيرة يشدّ بعضها بعضاً وهي من قسم الحديث الحسن لغيره والله ولي التوفيق " [17]
لترجيح :
القول الراجح في هذه المسألة – والله أعلم – أن القول الأول هو أقرب للصواب ، لقوة الأدلة من حيث ثبوتها ودلالتها على حد سواء ، أما الأدلة التي استدل بها أصحاب القول الثاني فالرد عليها كما يأتي :
· استدلالهم بالحديث الذي رواه مسلم في صحيحه:" كان النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس حسناً " فالرد يكون عليه من وجوه مختلفة :
- أولها : ثبت في صحيح مسلم (592) من حديث عائشة – رضي الله عنها – قالت : " كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لم يقعد إلا مقدار ما يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام " وعند البخاري (850) من حديث أم سلمة – رضي الله عنها – قالت : " كان إذا سلم يمكث في مكانه يسيراً " ،وقد ذهب الإمام مالك – رحمه الله – إلى حديث عائشة وأم سلمة ، فكره للإمام المقام في موضع صلاته بعد سلامه ،وعلى أية حال فهذه الأدلة توضح أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يفعل ذلك أحياناً ويمكث كثيراً في مصلاه عند عدم الشغل ، وفعل النبي – صلى الله عليه وسلم – هذا غاية ما فيه أنه يدل على الاستحباب ، لكن لا يدل على انتفاء الثواب لمن تحول عن مكانه.
- ثانيها : قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : " العبادات الواردة على وجوه متنوعة ينبغي أن تفعل على جميع الوجوه هذا تارة وهذا تارة بشرط أن لا يكون في هذا تشويش على العامة "[18] وقال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله - : "إن العبادات الواردة على وجوه متنوعة ينبغي للإنسان أن يفعلها على هذه الوجوه ، وتنويعها فيه فوائد أولاً : حفظ السنة بوجوهها ثانياً : التيسير على المكلف ثالثاً : حضور القلب وعدم ملله وسآمته رابعاً : حفظ الشريعة وصيانتها " [19].
- ثالثها : في قوله " كان إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس " لا يلزم من ذلك مداومة النبي – صلى الله عليه وسلم - ، وإنما قد تدل على فعل ماضي وقع لمرة واحدة فقط ، قال النووي – رحمه الله - : " المختار الذي عليه الأكثرون والمحققون من الأصوليين أن لفظة كان لا يلزمها الدوام ولا التكرار ، وإنما هي فعل ماض تدل على وقوعه مرة ،فإن دل دليل على التكرار عمل به وإلا فلا تقتضيه بوضعها "[20]
- رابعها : من أصول قواعد الفقه أن فعل الرسول على وجه الذي فعله على وجه التعبد يكون للاستحباب لا الوجوب ، إلا أن يقرن بأمر ، أو يكون بياناً لأمر ، وما أشبه ذلك من القرائن التي تدل على الوجوب ، أما مجرد الفعل فإنه للاستحباب،وليس فيه اية دلالة على انتفاء الأجر لمن غيّر مكانه الذي صلى فيه إلى أي مكان في المسجد ، قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله - : " من فعل شيئاً على وجه صحيح بمقتضى الدليل الشرعي فإنه لا يمكن إبطاله إلا بدليل شرعي لأننا لو أبطلنا ما قام الدليل على صحته لكان في هذا جناية على الشرع والمكلف ، وإعناة له ومشقة عليه "[21]
· أما استدلالهم بقوله – صلى الله عليه وسلم - : " وهو ثان رجليه – قبل أن يتكلم – " ليس فيه دليل على أن الثواب متعلق بالمكث في نفس المكان الذي وقعت فيه الصلاة ، فإذا غير مكانه فإنه انتفى عنه الأجر ، وإنما فيه الحث والمبادرة والإسراع بهذا الذكر المخصوص بعد صلاة الفجر ليحترس به من الشيطان ، قال ابن مفلح - رحمه الله - : " ولهذا مناسبة ، ويكون الشارع شرعه أول النهار والليل ليحترس به عن الشيطان فيهما"[22].
· عدم وجود الدليل الصحيح الصريح على انتفاء الأجر لمن تحول من مكانه إلى موضع آخر في المسجد، والأجر أثبته النبي – صلى الله عليه وسلم - لمن ذكر الله بعد صلاة الفجر حتى طلعت الشمس، ثم صلى ركعتين !! . قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله - : " إن ما ورد عن الشارع مطلقاً فإنه لا يجوز إدخال أي قيد من القيود إلا بدليل ، لأنه ليس لنا أن نقيد ما أطلقه الشارع " [23]
· في هذا القول تيسير على كثير من المسلمين خاصة لمن كان يشعر بألم في ركبتيه أو ظهره ، لأنه سينتقل إلى مكان آخر من المسجد ليذكر الله بطمأنينة وحضور قلب ، ومن جهة أخرى في هذا القول مراعاة لقول النبي – صلى الله عليه وسلم – " لا ضرر ولا ضرار "[24]، إذ أن احتباسه في مكان واحد دون استناد لجدار أو حائط لفترة طويلة يضر ببدنه ضرراً بيناً ، لذلك نهى النبي – صلى الله عليه وسلم – الصلاة بحضرة الطعام أو عند مدافعة الأخبثين مراعاة لأداء الصلاة بخشوع وحضور قلب ، قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله - : " إن المدافعة تقتضي انشغال القلب عن الصلاة ، وهذا خلل في نفس العبادة ، وترك الجماعة خلل في أمر خارج عن العبادة ، لأن الجماعة واجبة للصلاة ، والمحافظة على ما يتعلق بذات العبادة أولى من المحافظة على ما يتعلق بأمر خارج عنها ، فلهذا نقول : المحافظة على أداء الصلاة بطمأنينة وحضور قلب أولى من حضور الجماعة أو الجمعة " [25].
كتبه أبو عبد العزيز سعود الزمانان
10/11/2001
--------------------------------------------------------------------------------
[1] طرح التثريب 2/367 .
[2] البش : اللطف في المسألة والإقبال على الرجل ، وقيل : هو أن يضحك له ويلقاه لقاء جميلاً ( لسان العرب – مادة بشش –6/266)
[3] صحيح الترغيب 1/319 .
[4] شرح الزرقاني 1/326 .
[5] مواهب الجليل 2/74 .
[6] الاستذكار لابن عبد البر 6/210 .
[7] فتح الباري لابن رجب 6/40 .
[8] طرح التثريب 2/367 .
[9] فتح الباري حديث رقم 674 .
[10] عمدة القاري 4/204 .
[11] مرقاة المفاتيح حديث رقم 971 للملا القاري .
[12] شرح الزرقاني 1/326 .
[13] عون المعبود 4/117 .
[14] كوثر المعاني في كشف خبايا صحيح البخاري لمحمد الخضر الشنقيطي 7/175 .
[15] النوازل الكبرى 1/553 .
[16] المنتقى 2/292 حديث رقم 378 .
[17] مجموع فتاوى ومقالات 11/403
[18] مجموع الفتاوى 22/335-337 .
[19] الشرح الممتع 2/52 .
[20] شرح مسلم 6/21 .
[21] الشرح الممتع 4/340 .
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الأخ الفاضل سعود الزمانان
عدد القراء : 1861
تاريخ الموضوع: 03 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(84/2)
شرح منهج السالكين للشيخ عثمان الخميس - 7
الشيخ عثمان الخميس
وينبغي قبل الخروج إليها فعل الأسباب التي يدفع الشر وتنزل الرحمة كالاستغفار والتوبة والخروج من المظالم والإحسان إلى الخلق وغيرها من الأسباب التي جعلها الله جالبة للرحمة دافعة للنقمة. والله أعلم.
صلاة الاستسقاء سنة كما قال الشيخ رحمه الله وهي من طلب السقيا أي الغيث وأداؤها في الصحراء أي خارج المسجد أفضل من المسجد حيث يجتمع أكبر عدد من الناس ويحضرها غير المسلمين وتحضرها النساء حتى الحيض وتحضرها الدواب أيضاً..
والسنة أن الإنسان يخرج إليها وهو يستشعر ذله بين يدي ربه تبارك وتعالى وحاجته إليه، وليس معنى متخشعاً متذللاً أن يخرج متسخاً غير متطهر ولكن لا يحرص على الثياب الجميلة كما هو الحال في العيد.
وقوله يصلي ركعتين ثم يخطب خطبة واحدة يجوز عكسه يعني يخطب ثم يصلي.
ويصلي أثناء الدعاء أن يبالغ في رفع يديه جداً وأن يقلب الإمام والمأمومون أرديتهم (عباداتهم) بعد الدعاء كأنهم يقولون لربهم تبارك وتعالى كما قلبنا أرديتنا فاقلب أحوالنا من الجدب إلى الغيث.
وإذا لم يسقوا لا مانع من أن يصلوا من الغد أو بعد غد أو بعدها.
ويسن أن يقرأ في الركعة الأولى "سبح اسم ربك الأعلى" وفي الثانية "هل أتاك حديث الغاشية".
ووقت صلاة الاستسقاء هو وقت صلاة الضحى.
والاستسقاء له ثلاث صور كلها ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم:
1- صلاة الاستسقاء.
2- الدعاء أثناء الجمعة.
3- الدعاء خارج الصلاة.
أوقات النهي:
قال الشيخ: وأوقات النهي عن النوافل المطلقة:
· من الفجر إلى أن ترتفع الشمس قيد رمح.
· ومن صلاة العصر إلى الغروب.
· ومن قيام الشمس في كبد السماء إلى أن تزول.
هذه تسمى أوقات النهي وسميت بذلك لأن الإنسان ممنوع من الصلاة في هذه الأوقات وأما الحكمة من ذلك فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله:" لاتصلوا حين تطلع الشمس فإنها تطلع بين قرني شيطان ولا عند غروبها فإنها تغرب بين قرني شيطان".
وذلك أن عبدة الشمس يصلون لها عند شروقها وغروبها والشيطان يجعل الشمس بين قرنيه (أي يقف في المكان الذي تطلع منه الشمس فيهيئ لنفسه أن الناس الذي يسجدون للشمس يسجدون له)، وظاهر الحديث أن للشيطان قرنين.
فحتى لا يتشبه المسلم بالكفر من عباد الشمس ولا يكثر سوادهم نهى عن الصلاة في هذا الوقت.
وأما قبل الزوال فإن الوقت الذي تسعّر فيه نار جهنم كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.
وارتفاع الشمس قيد رمح يقدر بحوالي ثلث ساعة من شروقها.
والمقصود بالنهي النوافل المطلقة كأن يكون الإنسان جالساً في بيته أو المسجد ثم يقوم فيصلي لله ركعتين في وقت في هذه الأوقات.
أما إذا كان للصلاة سبب فلا مانع. ومن هذه الأسباب:
1- قضاء الصلاة الفائتة.
2- الصلاة المنذورة.
3- قضاء الرواتب.
4- تحية المسجد.
5- ركعتا الطواف.
6- سنة الوضوء.
7- صلاة الجنازة.
8- إذا دخل المسجد يصلون.
ومعنى قولنا الصلاة المنذورة بأن يكون نذر أن يصلي ركعتين إذا حضر فلان أو حدث هذا الشيء لا أنه نذر أن يصلي في وقت النهي لأن نذره بأن يصلي في وقت النهي نذر معصية يوفى به.
صلاة الجماعة والإمامة:
قال الشيخ: وهي فرض عين للصلوات الخمس على الرجال حضراً وسفراً كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:" لقد هممت أن آمر بالصلاة أن تقام ثم آمر رجلاً يؤم الناس ثم انطلق بحزم من حطب إلى أناس يتخلفون فأحرق عليهم بيوتهم بالنار". متفق عليه.
وأقلها إمام وماموم وكلما كان أكثر فهو أحب إلى الله وقال النبي صلى الله عليه وسلم:" صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة ". متفق عليه.
وقال: إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا فإنها لكما نافلة.
فيه أن صلاة الجماعة فرض على الرجال دون النساء وسواء كانوا مسافرين أو حاضرين ويفهم منه أنها غير واجبة على النساء بل هي مستحبة أو مباحة فيجوز للمرأة أن تصلي جماعة في البيت مع مجموعة من النساء أو مع أولادها ويجوز ان تصلي منفردة.
وأقل الجماعة إمام ومأموم ولو كان أحدهما امرأة أو صبي مميز (7 – 11 تقريباً).
وإذا صلى المسلم في مسجد أو في بيته ثم دخل المسجد فوجد الناس يصلون الآن فإنه يصلي معهم حتى لا يتهم بأنه لا يصلي فليس كل الناس يعلمون أنه صلى في بيته وليس كلهم سيسألونه. والمسلم لا يجعل نفسه في محل الشك والريبة. وتكون صلاته الأولى هي الفريضة والثانية نافلة.
قال الشيخ:
وعن أبي هريرة مرفوعاً (أي النبي صلى الله عليه وسلم): قال:" إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا ولا تكبروا حتى يكبر وإذا ركع فاركعوا ولا تركعوا حتى يركع وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا ولا تسجدوا حتى يسجد وإذا صلى قائما فصلوا قياماً وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون." رواه أبو داود وأصله في الصحيحين.
هذا الحديث الذي ذكره الشيخ أصل عظيم في متابعة المأموم للإمام.
وللمأموم مع الإمام أربعة أحوال:
1- أن يسبقه
2- أن يوافقه
3- أن يتابعه
4- أن يتأخر عنه
الأولى المسابقة:
وهي محرمة لأنه في هذه الحالة يصير المأموم إماماً
* فإذا سبق المأموم الإمام في تكبيرة الإحرام فإن صلاته تبطل سواء كان عالماً أو جاهلاً.
* وإذا سبقه في غير تكبيرة الإحرام ففيه تفضيل.
- إذا كان عامداً عالماً بطلت صلاته ولو رجع.
- إذا كان غير عامد أو غير عالم ففيه تفصيل.
* إذا رجع صحت صلاته، وإن لم يرجع صار كالعامد وبطلت صلاته.
الثانية الموافقة:
وهي مكروهة لأنها خلاف أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من المتابعة فإذا كانت الموافقة في تكبيرة الإحرام لم تصح الصلاة لأنه لم يأتم بالإمام وإنما كبّر معه.
وإن كانت في غير تكبيرة الإحرام فالصلاة صحيحة مع الكراهة.
الثالثة المتابعة:
وهي السنة.
الرابعة التأخير:
وهو مكروه لأنه ينافي في المتابعة التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم
فإن تأخر عنه في ركن صحت الصلاة مع الكراهة.
وإن تأخر في ركعتين كأن يكون الإمام ركع ثم رفع من الركوع ثم سجد والمأموم لم يركع بعد بطلت صلاته لأن التأخير كثير وهو ينافي المتابعة المأمور بها ثم هو لا يكون مأتماً بهذا الإمام لعدم متابعته له، وأما التأخر بركن فهذا عفي عنه لأنه وارد إما لسرعة الإمام أو بطء المأموم أو سرحانه. والله أعلم.
فائدة:
يتأخر بعض الناس في السجدة الأخيرة كثيراً عن الإمام بحجة أنها آخر سجدة في الصلاة وهذا خطأ لأنه ينافي ما أمر به الرسول النبي صلى الله عليه وسلم من المتابعة.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم :" وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون ". فيه بيان أهمية المتابعة حتى لو كان في ترك ركن من أركان الصلاة وهو القيام.
وقد ذكر أهل العلم أن هذا الأمر مقيد بأمور:_
1- أن يكون الإمام راتباً يعني إمام المسجد الذي يصلي فيه دائماً إما إذا دخل جماعة إلى المسجد فقدموا أحدهم ليصلي بهم فإنه لا يجوز ان يقدم من لا يستطيع القيام. بل يقدم غيره، وإنما خص الإمام الراتب حتى لا يتساهل الناس في ترك الركن وهو القيام واختار شيخنا العلامة ابن عثيمين رحمه الله أنه لا فرق بين الإمام الراتب وغيره.
2- أن يرجى زوال علته أما إذا كان سيصلي طوال حياته جالساً فإنه لا يقدم للإمامة كأن يكون قطعت رجله أو أصيب بشلل أو غيره من الأمراض.
3- أن يبدأ الإمام صلاته وهو جالس أما إذا بدأها وهو قائم ثم طرأ له طارئ فاضطر إلى إكمال الصلاة قاعداً فإنه لا يتابع، لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد والناس يصلون خلف أبي بكر فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فصلى إماماً جالساً وأبو بكر قائم والناس قيام مع أبي بكر ولم يأمرهم بالجلوس لأنهم بدءوا الصلاة مع إمامهم قياماً وهو قائم أيضاً. والله أعلم.
قال الشيخ ابن سعدي:
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سناً، ولا يؤمّن الرجلُ الرجلَ في سلطانه ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه ". رواه مسلم.
وينبغي أن يتقدم الإمام وأن يتراص المأمومون ويكملوا الصف الأول فالأول.
أولاً لابد أن نعلم أن الإمامة تكليف وليست تشريف فينبغي أن يقدم الأحق بها حتى يصلي الناس صلاة صحيحة وقريبة من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم.
فيتقدم في الإمامة الأقرأ أي الأحفظ لكتاب الله فإن تساوى اثنان أو أكثر في الحفظ يتقدم الأعلم بالسنة، فإن تساووا وهذا قليل يتقدم الأقدم إسلاماً، فإن تساووا فيتقدم الأكبر سناً، فإن تساووا في هذا كله وهذا نادر تكون قرعة.
وهذا على وجه الاستحباب أما من حيث الجواز فيجوز أن يتقدم الأقل حفظاً أو الأصغر سناً أو الأقل علماً بالسنة ولكن لا ينبغي لنا أن نتساهل ونترك سنة النبي صلى الله عليه وسلم بل نقدم من قدمه النبي صلى الله عليه وسلم ونؤخر من أخره. ولذلك إذا أراد مجموعة الصلاة فليس عيباً ولا تزكية للنفس ولا رياء أن يقول أحدهم يا ايها الذين آمنوا لأيكم أكثر حفظاً فيتقدم بدل أن يكون الأمر كما هو الواقع كل واحد يقول للثاني تفضل أنت وقدم يتقدم فيصلي بالناس من لا يحسن الصلاة ولا يحسن أن يتصرف إذا نسي التشهد الأول أو ركعة من الصلاة أو سجدة أو زاد شيئاً.
وقد ذكر الحافظ ابن حجر الاتفاق على أن الحافظ للقرآن أكثر من غيره لا يتقدم إذا كان لا يحسن ولا يعرف أحكام الصلاة.
والإمام الراتب لا يتقدم عليه أحد في المسجد ولو كان أحفظ منه وكذا الرجل في بيته لا يتقدم عليه أحد إلا إذا أذنا لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" ولا يؤمن الرجل لرجل في سلطانه ".
وقوله لا يقعد على تكرمته أي المكان المخصص له في بيته.
ومن السنة أن يتقدم الإمام على المأمومين ويجوز أن يصلي بينهم أما النساء فإمامتهن لا تتقدم عليهن.
ومن السنة أن يتقارب المأمومون بعضهم من بعض الرجال مع الرجال والنساء مع النساء حتى لا يتركوا فرجات للشياطين يدخل من خلالها.
والصف الأول أفضل الثاني أفضل من الثالث وهكذا دواليك.
وقد جاء في الحديث الصحيح إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول، والصلاة من الله الثناء والرفعة ومن الملائكة الدعاء.
قال الشيخ ابن سعدي:
ومن صلى ركعة وهو قد خلف الصف لغير عذر أعاد صلاته وقال ابن عباس:" صليت مع النبي ذات الليلة فقمت عن يساره فأخذ برأسي من ورائي فجعلني عن يمينه ". أخرجه البخاري ومسلم.(85/1)
لا يجوز للإنسان أن يصلي متفرداً خلف الصف بدون عذر لأن صلاة الجماعة إنما شرعت ليكون المسلمون صفاً واحداً متراصين كأنهم بنيان مرصوص. فإذا صلى وحده خلف الصف بدون عذر لم تصلح الصلاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" لا صلاة لمتفرد خلف الصف ". ومن دخل المسجد والناس يصلون فهو على حالين:
الأول: أن يجد مكاناً في الصف فهذا يجب عليه أن يدخل فيه.
الثاني: أن لا يجد مكاناً في الصف وهذا له أربعة أحوال:
1- يجر إليه أحداً من الصف الذي أمامه.
2- ينتظر حتى يأتي أحد معه.
3- يرجع فيصلي في بيته أو مسجد آخر
4- يصلي وحده خلف لصف.
أما الأول فلا يجوز لأنه يريد أن يصلح صلاته على حساب الآخرين ولهذا الفعل خمسة محاذير:-
1- أنه مأمور بوصل الصفوف ومنهي عن قطعها وهذا قطع صفاً فخالف قول النبي صلى الله عليه وسلم:" من وصل صفاً وصله الله ومن قطع صفاً قطعه الله ".
2- سيضطر أهل الصف أن يتحركوا ليسدوا النقص الذي وقع بجر أحدهم.
3- أفسد على الذي جره خشوعه.
4- لاشك أن الصف المقدم أفضل من المؤخر فما ذنب الرجل الذي جره حتى يرجع إلى صف متأخر.
5- لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة أنهم فعلوا مثل هذا الفعل.
ثم إن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها فإذا عجز الإنسان عن الوضوء انتقل إلى التيمم وإذا عجز عن الصلاة قائماً صلى قاعداً.
إذاً إذا لم يجد مكاناً في الصف الأول صلى وحده ولا شيء عليه لأن الله يقول:" فاتقوا الله ما استطعتم"، وأن لا يتأخر مرة ثانية عن الصلاة.
قال الشيخ:
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار ولا تسرعوا فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا ". متفق عليه.
وفي الترمذي:" إذا أتى أحدكم الصلاة والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام".
والإنسان إذا ذهب إلى المسجد يستحب له أن يسير لها بسكينة ووقار لا كما يصنع بعض الجهلة من الجري السريع والصراخ وطلب الانتظار فهذا كله من الجهل.وإذا دخل المسجد صنع كما يصنع الإمام فإذا وجد الإمام قائماً قام معه وإذا وجده راكعاً ركع معه وإذا وجده ساجداً سجد معه وهكذا. وهو يدك الركعة إذا أدرك الركوع مع الإمام.
فخطأ ما يفعله البعض من أنه إذا وجد الإمام ساجداً ينتظره حتى يقف أن يجلس للتشهد بل السنة أن يدخل معه في الصلاة وفي الحالة التي هو عليها.
باب صلاة أهل الأعذار
قال الشيخ ابن سعدي:
والمريض يعفى عنه حضور الجماعة وإذا كان القيام يزيد في مرضه صلى جالساً فإن لم يطق فصلى جنب لقوله صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين:" صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنبك ". رواه البخاري.
وإن شق عليه فعل كل صلاة في وقتها فله الجمع بين الظهر والعصر وبين العشائين في وقت إحداهما.
هذا الدين يسر ولله الحمد والمنة والأمر كلما ضاق كلما اتسع.
فالمريض مثلاً لا يجب عليه أن يصلي جماعة مع المسلمين في المسجد بل يصلي في بيته، ويسقط عنه ركن القيام إذا كان لا يستطيع فيصلي جالساً ويومئ بالركوع والسجود إذا كان لا يستطيع الركوع والسجود وإذا كان يستطيع الركوع لزمه أو السجود لزمه كذلك أو يستطيع القيام ولا يستطيع السجود لزمه القيام . المهم أن كل ركن يستطيع أن يأتي به يجب عليه أن يأتي به وكل ركن يعجز عنه فإنه يسقط. ولو عجز عن الصلاة قاعداً صلى مضطجعاً على جنبه ويومئ فإن عجز صلى مستلقياً على ظهره ويومئ وإن عجز عن الحركة مطلقاً فإنه يصلي بقلبه فينوي أنه قائم فيقرأ الفاتحة وسورة مثلاً ثم يقول الله أكبر وينوي أنه راكع فيسبح ثم يقول سمع الله لمن حمده وهكذا كل الصلاة.
ويجوز للمريض أن يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء إذا كان لا يستطيع أن يصلي كل فرض في وقته.
قال الشيخ:
وكذلك المسافر يجوز له أن الجمع ويسن له أن يقصر للصلاة الرباعية إلى ركعتين وله الفطر في رمضان.
وهذا أيضا من التيسير في هذه الشريعة وهو أن المسافر له أن يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء سواء جمع تقديم أو جمع تأخير حسب الأنسب له. ولكن هذا إذا كان في أثناء طريق السفر، أما إذا كان مستقراً في مكان فالأصل أن يصلي كل صلاة في وقتها مع القصر.
قال الشيخ:
وتجوز صلاة الخوف على كل صفة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم فمنها:
حديث صالح بن خوات عمن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف:" أن طائفة صلت معه وطائفة وجاه العدو فصلى بالذين معه ركعة ثم ثبت قائماً وأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا وصفوا وجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت ثم ثبت جالساً وأتموا لأنفسهم ثم سلّم بهم ". متفق عليه.
وإذا اشتد الخوف صلوا رجلاً وركباناً إلى القبلة وإلى غيرها يومئون بالركوع والسجود وكذلك كل خائف على نفسه يصلي على حسب حاله، ويفعل كل ما يحتاج إلى فعله من هرب أو غيره.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم". متفق عليه.
من رحمة الله بهذه الأمة أن جعل لها من هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا والأمر كما قيل: كلما ضاق اتسع.
ومن ذلك صلاة الخوف حيث شرعها الله لعباده وصلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولها صور كثيرة ذكر الشيخ صفة منها. ومن صفاتها أن يصلي الإمام بكل طائفة صلاة كاملة وتكون الأولى للإمام فرض وتكون الثانية نافلة.
وقد تكون صلاة الخوف مع سفر فيكون القصر في الركعات.
وقد تكون في الحضر فلا يكون معها قصر.
وإذا اشتد الخوف أي في المعركة أو غيرها صلوا رجالاً وركباناً أي راكبين أو على أرجلهم لقوله تعالى:" فإن خفتم فرجالا أو ركباناً ". أي يصلون وهم يمشون يومئون بالركوع والسجود ويكون السجود أخفض من الركوع إن أمكن وهذا ليس خاصاً بالخوف في المعركة بل في كل خوف.
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ عثمان الخميس
عدد القراء : 2026
تاريخ الموضوع: 03 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(85/2)
شرح منهج السالكين للشيخ عثمان الخميس - 6
الشيخ عثمان الخميس
وترك الواجب يتمثل فيما يأتي:
1- ترك الأركان: كالقيام أو الركوع والسجود وقراءة الفاتحة والجلوس بين السجدتين والطمأنينة والسلام وغيرها.
2- ترك الشروط: كالوضوء واستقبال القبلة وستر العورة واجتناب النجاسة والنية وغيرها.
سواء كان ترك الأركان والشروط عمداً أو سهواً أو جهلاً فلا تصح الصلاة.
ويستثنى من ذلك إذا تركها عجزاً كأن يكون لا يعرف اتجاه القبلة أو لا يجد ما يستر عورته أو عجز عن القيام أو الركوع أو السجود فإن هذا لا يضر وصلاته صحيحة.
أما إذا ترك واجباً وهو التشهد الأول فينظر سبب الترك إن تركه سهواً فصلاته صحيحة ويسجد للسهو وإن تركه عمداً فإن الصلاة لا تصح. لأن النبي صلى الله عليه وسلم نسي التشهد الأول فسجد للسهو ولم يعد الصلاة.
وفعل المحظور يتمثل فيما يأتي:
1- الكلام عمداً: في غير أذكار الصلاة وقراءة القرآن فإن الصلاة تبطل أما إن كان ساهياً فلا شيء عليه.
2- والقهقهة: وهي الضحك بصوت فإنه يبطل الصلاة أما التبسم فإنه لا يبطل الصلاة ولكن ينقص من أجرها.
3) الحركة الكثيرة عرفاً: بحيث إن يراه لا يدري هل هو في صلاة أو لا وذلك لكثرة حركته. أما إن كانت الحركة لحاجة فلا بأس.
مكروهات الصلاة:
قال الشيخ:
1- يكره الالتفات في الصلاة لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الالتفات في الصلاة؟ فقال: هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد. رواه البخاري.
2- ويكره العبث.
3- ووضع اليد على الخاصرة.
4- تشبيك أصابعه.
5- وفرقعتها.
6- وأن يجلس فيها مقعياً كإقعاء الكلب.
7- وأن يستقبل ما يلهيه.
8- وأن يدخلها وقلبه مشتغل بمدافعة الأخبثين.
9- أو بحضرة طعام.
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا صلاة بحضرة طعام ولا هو يدافع الأخبثين. متفق عليه.
10- ونهى النبي صلى الله عليه وسلم وأن يفترش الرجل ذراعيه في السجود.
قلت: هذه عشرة أمور مما يكره في الصلاة.
1- الالتفات: وهو على أربع أحوال:
ا) التفات القلب: وهو ينقص أجر الصلاة.
ب) التفات العين: وهو كذلك ينقص أجر الصلاة.
ج) التفات الرقبة: وهو كذلك ينقص أجر الصلاة.
د) التفات الجسد: وهو يبطل الصلاة لأنه يترك شرط من شروط وهو استقبال القبلة.
2- العبث: وهو الحركة التي لا داعي لها. والحركة في الصلاة تنقسم إلى خمسة أقسام:
أ) واجبة: وهي إذا أراد أحد أن يمر بينك وبين السترة التي أمامك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا صلى أحدكم إلى سترة فأراد أحداً أن يمر بين يديه فليمنعه.
ب) مستحبة: وهي ما كانت في مصلحة الصلاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من وصل صفاً وصله الله.
ج) مباحة: وهي ما كانت لحاجة وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحما أمامة بنت ابنته زينب وهو يصلي.
د) مكروه: وهي إذا كانت لغير حاجة.
هـ) محرمة: وهي إذا كانت لغير حاجة وكثرت فإنها تبطل الصلاة.
3- وضع اليد على الخاصرة: لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التخصر في الصلاة.
4-5- تشبيك الأصابع وفرقعتها: وقد جاء النهي عن ذلك.
6- الإقعاء كإقعاء الكلب: وصورته أن يجلس على مقعدته وتكون رجله اليمنى عن يمين مقعدته ورجله اليسرى عن يسار مقعدته.
7- أن يستقبل ما يلهيه: كنار أو منظرة أو نس يتحدثون أو غير ذلك مما ينهى عنه.
8- مدافعة الأخبثين: والأخبثان هما الغائط والبول والمقصود بالمدافعة الحصر الشديد وهو ينافي الخشوع في الصلاة وإذا كان الحصر غير شديد فإنه يكره له ذلك لأنه يؤثر على الخشوع.
9- أن يصلي بحضرة الطعام: لأن كذلك يشغله التفكير بالطعام عن صلاته.
10- افتراش الذراعين: يكون في أثناء السجود وهو أن يضع يده كلها على الأرض والكف والساعد والمرفق.
باب صلاة التطوع
قال الشيخ: وأكدها صلاة الكسوف لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها وأمر بها وتصلى على صفة حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر في صلاة الكسوف بقراءته فصلى أربع ركعات وأربع سجدات. متفق عليه.
هذه صفة صلاة الكسوف وهو أنه أولاً ينادي لها: الصلاة جامعة، وليس لها أذان ولا إقامة ويصلي الإمام بالناس ركعتين يجهر فيهما فيقرأ الفاتحة ثم سورة طويلة ثم يركع ركوعاً طويلاً ثم يرفع ويقرأ الفاتحة مرة ثانية وسورة طويلة ولكن أقصر من الأولى ثم يركع ركوعاً طويلاً ولكن أقصر من الأول ثم يرفع ثم يسجد سجدتين طويلتين ثم يقوم ويأتي بركعة ثانية كالأولى ولكن أقصر منها.
والكسوف يكون للشمس ويكون للقمر ولكن أكثر العلماء يطلقون على القمر الخسوف وعلى الشمس الكسوف، ولم يحدث الكسوف أو الخسوف إلا مرة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم حيث كسفت الشمس.
قال الشيخ: وصلاة الوتر سنة مؤكدة، داوم عليها النبي صلى الله عليه وسلم حضراً وسفراً، وحث الناس عليها. وأقله ركعة واحدة وأكثره إحدى عشرة ووقته من صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، والأفضل أن تكون آخر صلاته كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً. متفق عليه. وقال: من خاف أن لا يقوم آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل. رواه مسلم.
وخلاصة القول أن صلاة الوتر ينبغي أن نحافظ عليها ومن صلى ركعة فقد صلى الوتر، ومن صلى ثلاثاً فهو أفضل وخمس وسبع ثم تسع ثم إحدى عشر أفضل. يسلم بعد كل ركعتين ويجوز أن يصلي خمساً لا يجلس إلا في الخامسة ثم يتشهد ويسلم. أو سبعاً يجلس في السادسة فيصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويذكر الله ثم يصلي السابعة ويتشهد ويسلم أو تسعاً يصليها كالسبع. وإحدى عشرة يسلم بعد كل ركعتين. ويجوز أن يصلي ثلاثاً بجلوس واحد ويتشهد ويسلم.
ووقت صلاة الوتر بعد أداء صلاة العشاء ولو جمعها مع المغرب جمع تقديم لسفر أو مرض فله أن يصلي الوتر مباشرة بعد أداء العشاء ويستمر إلى طلوع الفجر. والأفضل أن يؤخر الوتر إلى آخر الليل.
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ عثمان الخميس
عدد القراء : 2084
تاريخ الموضوع: 03 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(86/1)
شرح منهج السالكين للشيخ عثمان الخميس - 5
الشيخ عثمان الخميس
هذه تسمى مواقيت الصلاة وذلك أن هذا الدين العظيم دين نظام فالحج له وقت وكذا الصيام والزكاة والصلاة وغيرها.
والصلاة كما هو معلوم خمس مكتوبات ثم نوافل.
والفرائض الخمسة (الصبح – الظهر – العصر – المغرب – العشاء).
وكل صلاة لها وقت ابتداء ووقت انتهاء لا تصح قبله مطلقاً ولا بعده إلا بعذر:
1- الصبح: ويقال لها الفجر أو الغداة وأول وقتها ظهور الفجر الصادق
والفجر كما قال أهل العلم فجران صادق وكاذب والفرق بينهما:
أن الكاذب نور تأتي بعده ظلمة
وكذا يكون في طول السماء لا عرضها
أما الصادق فهو نور لا تأتي بعده ظلمة بل يزيد حتى تطلع الشمس ثم هو يكون في عرض السماء
وينتهي وقت الفجر عند طلوع الشمس.
ويقصِّر كثير من الناس فيصلُّون الصبح كل يوم تقريباً بعد طلوع الشمس متى ما استيقضوا من نومهم. وهذا لا يجوز والصلاة غير صحيحة.
2- الظهر: ويبدأ وقتها من زوال الشمس أي تحركها عند وسط السماء إلى جهة الغروب حتى يصير ظل الشمس كطوله فلو وضع الإنسان عصا مثلاً عند انتصاف الشمس في كبد الشمس فإنه لا يكون لها ظل فإذا بدأ الظل فإن هذا يعني أن الشمس قد بدأت بالزوال وهكذا يطول هذا الظل شيئاً فشيئاً حتى يصير طوله كطول العصا عندها ينتهي وقت الظهر.
وهذا الكلام يصدق على البلاد الاستوائية التي تكون فيها الشمس عمودية أما البلاد التي لا تكون الشمس فيها عمودية فإنه قد يكون هناك ظل يسير قبيل الزوال فيلاحظ هذا. ولذلك يقول أهل العلم عن وقت الظهر يبدأ من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله سوى ظل الزوال (يعني في البلاد غير الاستوائية).
3- العصر: نهاية وقت الظهر هي بداية وقت العصر وكذا الأمر بالنسبة لنهاية وقت العصر وبداية المغرب والمغرب مع العشاء والعشاء مع الفجر.
فليس بينها وقت فراغ، والفراغ فقط بين الفجر والظهر وهو من طلوع الشمس إلى الزوال. ويستمر وقت العصر كما قلنا إلى غروب الشمس وهو وقت الضرورة إذ الأصل أن يصلي قبل أن يصير ظل الشيء مثليه أي ضعفه.
ويكره إلى اصفرار الشمس ويحرم بعدها إلى الغروب إلا للحاجة ولذلك قال رسول الله: تلك صلاة المنافق يعني صلاة من يؤخر العصر حتى تكون الشمس قريبة من الغروب.
4- المغرب: ويبدأ وقتها من غروب الشمس ويستمر حتى يغيب الشفق الأحمر وهي حمرة تكون فيها السماء جهة الغروب وتكون الحمرة هذه واضحة في البر أو البحر أما في المدن قد لا تكون واضحة.
5- العشاء: ويبدأ وقتها من غياب الشفق وستمر حتى طلوع الفجر الصادق.
قال الشيخ السعدي: ويدرك وقت الصلاة بإدراك ركعة كقوله صلى الله عليه وسلم: من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة. متفق عليه.
ولا يحل تأخيرها أو تأخير بعضها عن وقتها لعذر أو غيره، إلا إذا أخَّرها ليجمعها مع غيرها فإنه يجوز لعذر من سفر أو مرض أو مطر أو نحوها.
من أدرك ركعة من وقت المغرب قبل أن يغيب الشفق الأحمر ويدخل وقت العشاء فيكون قد صلى المغرب في وقتها وإن مُقصراً للتأخير. وكذا بالنسبة لباقي الصلوات.
وعليه فإنه إذا بقى على أذان العشاء دقيقتان فقط فكبر للمغرب وبعد أن أتم قراءة الفاتحة أذن المؤذن للعشاء فتكون صلاة المغرب قضاء لأنه لم يدرك ركعة كاملة هذا من حيث الأجر أما من حيث صفة الصلاة فإنها واحدة لا تختلف.
ولا يجوز لأحد أن يؤخر الصلاة سواء كلها أو بعضها لأي سبب كان لعمل أو تجارة أو ارتباط أو محاضرة أو غير ذلك لأنه ليس شيء أهم من الصلاة.
ويستثني من ذلك الجمع بين الصلاتين جمع تأخير سواء كان بسبب السفر أو المطر و الخوف أو المرض.
قال الشيخ ابن السعدي: والأفضل تقديم الصلاة في أول وقتها إلا العشاء إذا لم يشق وإلا الظهر في شدة الحر.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة فإن شدة الحر من فيج جهنم. متفق عليه.
ومن فاتته الصلاة وجب عليه المبادرة إلى قضائها مرتباً.
فإن نسي الترتيب أو جهلة أو خاف فوات الصلاة سقط الترتيب.
قلت: يمكن تقسيم الصلوات الخمس إلى ثلاث أقسام:
1) ما يستحب تقديمه وهي ثلاث صلوات الفجر والعصر والمغرب.
2) ما يستحب تأخيره وهي صلاة العشاء.
3) ما فيه التفصيل وهي صلاة الظهر.
إن كان الحر شديداً استحب تأخيرها وإلا فتقديمها أفضل.
وهذا التأخير بالنسبة للعشاء والظهر إنما يستحب إذا كان باتفاق أهل المسجد أو إذا صلاّها المسلم في سفر أو في بيته.
وعليه فلا ينبغي أن يفوّت صلاة الجماعة في المسجد بحجة أنه يستحب تأخيرها.
ومن فاتته صلاة أي خرج وقتها ولم يصلها سواء بسبب نسيان أو نوم أو جهل كما يقع لبعض المرضى فإنه يدخل الصلاة إلى أن يخرج من المستشفى وهذا خطأ.
وأيا كان سبب فوات الصلاة فإنه يجب قضاؤها مرتبة فلو فاتته أكثر من صلاة كالظهر والعصر والمغرب فإنه لا يصلح أن يصلي العصر أو المغرب بل يبدأ بالظهر ثم العصر ثم المغرب.
فإن نسي الترتيب بأن بادر إلى صلاة العصر ظناً منه أنه صلّى الظهر فلا شيء عليه
أو جهله بحيث جهل وجوب الترتيب أو جهل أول صلاة فاتته فلا شيء عليه أيضاً
أو خاف فوات الصلاة بأن فاتته صلاة الظهر مثلاً وباقي على غروب الشمس خمس دقائق وهو لم يصل العصر فلا يراعي الترتيب خشية فوات العصر أيضاً بل يصلي العصر مراعاة للوقت ثم يصلي الظهر بعد أذان المغرب ثم يصلي المغرب.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي: من شروطها (أي صحة الصلاة): ستر العورة بثوب مباح لا يصف البشرة.
والعورة ثلاثة أنواع:
- مغلظة: وهي عورة المرأة الحرة البالغة فإن جميع بدنها عورة في الصلاة إلا الوجه.
- مخففة: وهي عورة ابن سبع سنين إلى عشر فإنها الفرجان.
- متوسطة: وهي عورة من عداهم من السرة إلى الركبة.
قال تعالى: "يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد".
قلت: ذكر الشيخ رحمه الله أن من شروط صحة الصلاة ستر العورة لقوله تعالى: "يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد".
وذكر أن ستر العورة لا يكون إلا بثلاثة شروط:
الأول: أن يكون الثوب مباحاً.
الثاني: لا يصف البشرة.
الثالث: ساتراً للعورة بحسب عورة كل أحد.
فلو صلّى الإنسان بثوب غير مباح كأن يكون مسروقاً أو مغصوباً فإن الصلاة لا تصح به والصحيح والعلم عند الله أن الصلاة صحيحة مع الإثم وهذه مسألة وقع فيها الخلاف بين العلماء ولكل قول من هذه الأقوال دليل ونظر والذي يظهر ما رجحناه وكما هو في الماء المغصوب للطهارة والأرض المغصوبة للصلاة.
وأما كون الثوب لا يصف البشرة فظاهر لأن الثوب إذا كان يصف البشرة لم يكن ساتراً لها بل وجوده كعدمه وكذا الأمر إن كان الثوب ضيقاً يحدد العورة.
وأما كون عورة كل أحد بحسبه فواضح أيضاً ولكن قبل التفصيل في هذا الأمر ينبغي أن ننتبه لأمر ألا وهو أن الكلام هنا في عورة الصلاة وليس العورة مطلقاً.
والعورة كما قال الشيخ رحمه الله ثلاث عورات:
1- المغلظة: أي مشدد فيها وهي عورة المرأة الحرة البالغة فقوله المرأة أخرج به الرجل وقوله الحرة أخرج به الأَمَة وقوله البالغة أخرج به غير البالغة.
والمرأة الحرة البالغة كلها عورة في الصلاة أي يجب عليها أن تغطي جميع جسدها في الصلاة عدا وجهها. إن لم يكن هناك أجانب فإن كان هناك رجال أجانب فتغطي وجهها.
وأما الكفان فالأفضل أن تدخلهما تحت الثياب وإن ظهرتا فلا بأس.
2- العورة المخففة: هي عورة ابن سبع سنين إلى عشر.
وهي السوءتان فقط فلو صلّى صبي وهو كاشف عن صدره وفخذيه صحت صلاته.
3- العورة المتوسطة: وهي عورة من عداهم وهم من بعد العاشرة من الذكور وابنة السبع ما لم تبلغ والأَمَة وهي من السرة إلى الركبة.
وهنا لابد التنبه لأمر وهو التفرقة بين عورة الصلاة والعورة خارجها فالأمة مثلاً لو صلت مكشوفة الصدر صحت صلاتها ولكن لا يجوز لها أن تخرج بين الناس كذلك.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي: ومنها (أي شروط صحة الصلاة): استقبال القِبلَة قال تعالى: "ومن حيث خرجت فولِّ وجهك شطر المسجد الحرام".
فإن عجز عن استقبالها لمرض أو غيره، سقط كما تسقط جميع الواجبات بالعجز عنها.
قال تعالى: "فاتقوا الله ما استطعتم". وكان النبي صلى الله عليه وسلم "يصلي في السفر النافلة على راحلته حيث توجهت به" متفق عليه. وفي لفظ: غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة.
قلت: إن استقبال القِبلَة التي هي الكعبة المشرفة شرط صحة الصلاة لا تصح الصلاة إلا به فمن صلّى إلى غير القِبلَة لم تصح صلاته إلا في أربع حالات:
1) العجز: كالمريض الذي لا يستطيع أن لا يستقبل القِبلَة،
أو المقيد الذي لا يستطيع أن يستدير إليها، لقوله تعالى: "فاتقوا الله ما استطعتم".
2) الخطأ: كمن يبذل جهده لمعرفة اتجاه القِبلَة فلا يتمكن من ذلك،
أو لا يحدد من يسأله عن القِبلَة فهذا ومن سبقه لا حرج عليهما ولو صليا إلى غير القِبلَة،
أو يظن الجهة التي توجه إليها هي القِبلَة وهي ليست كذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما بين المشرق والمغرب قبلة".
3) القتال: قد لا يتمكن الإنسان من استقبال القِبلَة في وقت القتال حتى لا يعطي الكافر ظهره فيقتله، قال تعالى: " فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً"،
قال ابن عمر:"سواء كنتم مستقبلي القِبلَة أو مستدبريها"، رواه البخاري.
4)السفر: وهذا خاص بالنافلة، أما الفريضة فلا يجوز،
وذلك أنه يتسامح في النافلة ما لا يتسامح به في الفريضة.
ويشترط في النافلة أن يكون راكباً سائراً وإلا فالأصل أن يستقبل القِبلَة.
والقلة في ذلك والله أعلم أنه هذا المسافر يكون بين أمرين:
1) إما أن يقف ليصلي ويترك سفره.
2) وإما أن يسافر ويترك صلاته.
فأمر بالسفر والصلاة تسهيلاً له وتحقيقاً لمراده من أداء الصلاة، والله أعلم.
فأما الفريضة فإنها مبنية على التخفيف فالرباعية تُخفّف إلى اثنتين ويمكن كذلك أن يجمع بين الظهرين (الظهر والعصر) أو العشائين (المغرب والعشاء).
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي: ومن شروطها (أي شروط صحة الصلاة): النية.
قلت: النية شرط لصحة جميع الأعمال فلا يقبل الله عملاً إلا بنية،
وصورة الصلاة بغير نية كان يطلب شخص من شخص لأن يعلمه الصلاة فيصلي له صلاة بأربع ركعات دون أن يقصد أن يصلي العصر فإذا انتهى أو أثنائها قال سأجعلها صلاة العصر،
فإن هذا لا يصح لأنه لابد أن ينويها العصر قبل تكبيرة الإحرام.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي: وتصح الصلاة في كل موضع إلا في محل نجس أو مغصوب أو في مقبرة أو حمّام أو أعطان إبل.
وفي سنن الترمذي مرفوعاً: الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمّام.
قلت: بيّن الشيخ رحمه الله أن الصلاة تصح في كل مكان ثم استثنى خمسة مواضع:
1- محل نجس.
2- محل مغصوب.
3- مقبرة.
4- حمّام.
5- أعطان إبل.(87/1)
ومفهوم كلامه أن غير هذه الأماكن تصح فيها الصلاة كالبيت والشارع والحديقة والدكان والكنيسة وغيرها. ونبدأ بالتفصيل:
1- المحل النجس: وهو المكان المتنجس كأن تكون في الأرض نجاسة من بول أو غائط، لقوله تعالى:" وثيابك فطهر".
2- محل مغصوب: وهو أن يأخذ شخص من آخر بيته أو أرضه أو مزرعته بالقوة. فتسمى هذه الأرض المغصوبة وكذا البيت و المزرعة ولا يجوز له أن يصلي هنا لأنه يجب عليه أن يعيد الحق لأصحابه ولو صلّى فالصحيح أن الصلاة صحيحة مع إثم الغصب.
3- المقبرة: وهي المكان المعد لدفن الموتى فلا تجوز الصلاة فيها لنهي النبي عن ذلك واستثنى أهل العلم صلاة الجنازة لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلاّها في المقبرة وذلك لما صلّى على المرأة التي كانت تقم المسجد. أخرجه البخاري.
4- الحمّام: يعتبر الحمّام موضع النجاسات فلا تجوز الصلاة فيه لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
5- أعطان الإبل: هي مباركها التي تنام فيها وذلك أنها مواضع الشياطين، ذلك أنه جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خلف كل بعير شيطان. أخرجه أحمد.
وزيادة على ما ذكره الشيخ رحمه الله:
6- مسجد الضرار: وهو المسجد الذي بني للإضرار بالمسلمين ولاجتماع المنافقين فيه أو الذين يكيدون للإسلام وأهله وذلك أن هذا المسجد لم يبن على تقوى.
قال تعالى عن مسجد ضرار: " لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ".
ولذلك أمر الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بعد عودته من تبوك أن يحرق مسجد الضرار.
ومعنى قول الشيخ أخرجه الترمذي مرفوعاً أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وما كان من قول الصحابي وفتواه يقال له موقوف.
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ عثمان الخميس
عدد القراء : 1999
تاريخ الموضوع: 03 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(87/2)
شرح منهج السالكين للشيخ عثمان الخميس - 4
الشيخ عثمان الخميس
ومن هنا نعرف أن حكم المسح على الخفين أنه مباح لا واجب ولا مستحب ولا مكروه ولا محرم
مدة المسح:
لا يخلو الإنسان إما أن يكون مقيماً أو مسافراً، فإن كان مقيماً مسح يوماً وليلة (أي أربعاً وعشرين ساعة)، وإن كان مسافراً مسح ثلاثة أيام بلياليها (أي اثنين وسبعين ساعة). ويمسح أعلى الخف فقط.
وشرط ذلك أن يلبس الخف على طهارة سواء طهارة وضوء أو طهارة غُسل. والمسح يكون للوضوء فقط أما الغسل فلا يكفي فيه المسح بل لابد من نزع الخفين وغسل القدمين.
وتبدأ مدة المسح من أول مسحة. فلو لبس الخف بعد وضوئه لصلاة المغرب مثلاً واستمر على وضوئه حتى صلى العشاء ولم يُجدد وضوءه إلا لصلاة الفجر فإن المدة تبدأ من صلاة الفجر.
وإن كان على بعض أعضاء الوضوء جبيرة أو دواء أو لفافة أو جبس ولا يمكن نزعها أو يتضرر بالنزع فإنه يمسح عليها ولابد من تعميمها، فلا يكفي أن يمسح أعلاها فقط كما يفعل مع الخف.
يختلف المسح على الجبيرة عن المسح على الخف بأمور:
الخف الجبيرة
1) يمسح أعلاه فقط 1) تمسح جميعها
2) في الحدث الأصغر فقط(الوضوء) 2) في الحدثين (الوضوء والغسل)
3) له مدة محددة 3) ليس له مدة حتى يشفى
4) لابد أن يلبس على طهارة 4) لا يشترط لبسها على طهارة
5) يلبس على الرِجْل فقط 5) في أي مكان بحسب الحاجة
G
نواقض الوضوء
نواقض الوضوء هي مفسداته:
1) الخارج من السبيلين سواء كان بولاً أو غائطاً أو دماً أو منياً أو مذياً أو أي شيء.
2) الدم الكثير. وقد ذهب بعض أهل العلم إلى عدم انتقاض بخروج الدم وهو الصحيح إن شاء الله.
3) زوال العقل بأي صورة (إغماء، صرع، جنون، نوم عميق، بنج)، لأن الإنسان قد ينتقض وضوءه وهو لا يشعر.
4) أكل لحم البعير لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من أكل لحم جزور فليتوضأ.
5) مس المرأة بشهوة لقوله تعالى:" أو لامستم النساء"، والصحيح أنه لا ينتقض الوضوء بمس النساء والآية المقصود بها الجماع كما في قوله تعالى:" يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها".
6) مس الفرج لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من مس ذكره فليتوضأ. وذهب بعض أهل العلم إلى أن الوضوء من مس الفرج مستحب وهو الصحيح، لقول النبي صلى الله عليه وسلم سأله رجل عن مس الذكر: إنما هو بضعة منك.
7) تغسيل الميت لحديث من غسل ميتاً فليغتسل، والصحيح أنه مستحب لأن الصحيح أن هذا الحديث ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإنما من كلام أبي هريرة (أي فتوى) فأخطأ البعض ونسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
8) الردة وهي تحبط الأعمال كلها.
G
باب ما يوجب الغُسْل وصفته:
قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله: ويجب الغُسْل من الجنابة وهي إنزال المَني بوطء أو غيره أو بالتقاء الختانين وخروج دم الحيض أو النفاس وموت غير الشهيد وإسلام كافر.
قلت:
الاغتسال هو تعميم البدن بالماء مع نية التطهر.
وموجباته أربعة أمور:
1) الجنابة: وهي إنزال المَني بجماع أو استمناء أو احتلام.
فخروج المَني سبب للغسل لقول النبي صلى الله عليه وسلم: الماء من الماء. أخرجه مسلم.
أي ماء الغسل بسبب ماء المَني.
فمن استيقظ من نومه فوجد منياً في ثوبه وجب عليه الغسل ولو لم يذكر احتلاماً.
ومن تذكر احتلاماً ولم يجد منياً فلا يجب الغسل فالعبرة إذاً بوجود المَني.
والمَني هو ماء أبيض ثخين يخرج متدفقاً.
2) التقاء الختانين والمقصود هو الإيلاج، فلو لامس ذَكَر الرّجُل فَرْج زوجته مجرد ملامسة ولم يدخل فلا غسل عليه إلا إذا أنزل.
ولو أدخل ذَكَره في فرَجها فإنه يجب الغُسْل ولو لم ينزل لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا جلس بين شعبها الأربع (بين يديها ورجليها) ثم جهدها فقد وجب الغُسْل وإن لم ينزل.
3) خروج دم الحيض أو النفاس: ويجب الغُسْل عند انقطاع الدم، والحيض والنفاس هما سبب وجوب الغُسْل.
4) موت غير الشهيد سبب لوجود الغُسْل ويجب هنا على من حضر عند الميت أن يبادر إلى تغسيله وهذا من فروض الكفايات فإذا قام به أحدهم سقط عن الباقين,
أما الشهيد فإنه لا يُغْسَل.
أما الكافر إذا أسلم ففيه خلاف هل يجب عليه الغُسْل أو لا؟
والظاهر والله اعلم أنه لا يجب لأنه أسلم عدد كبير ولم يُنْقَل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمرهم بالاغتسال.
وأما الاغتسال من تغسيل الميت فمبني على الحديث الذي مرّ "من غسل ميتاً فليغتسل" وقلنا أنه من كلام أبي هريرة وليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
فإذا كان كذلك فإنه لا يجب الاغتسال من تغسيل الميت.
G
قال الشيخ:
صفة غسل النبي من الجنابة:
فإنه كان يغسل فرجه أولاً ثم يتوضأ وضوءاً كاملاً ثم يحثي الماء على رأسه ثلاثاً يرويه بذلك ثم يفيض الماء على سائر جسده ثم يغسل رجليه بمحل آخر.
والغرض من هذا غَسْل جميع البدن وما تحت الشعور الخفيفة والكثيفة، والله أعلم.
قلت:
خلاصة هذا الكلام أن الغسل ينقسم إلى قسمين:
1) كامل
2) مجزئ
والكامل هو ما ذكره الشيخ وبالنسبة لغسل الرجلين إن كان ماء الغسل يجتمع تحته فإنه يتنحى ليغسل رجليه في مكان آخر وإن كان الماء يجري كما في الحمّامات الحديث فإنه لا مانع من أن يغْسل رجليه في المكان نفسه.
G
التيمم
قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله: باب التيمم وهو النوع الثاني من الطهارة، وهو بدل عن طهارة الماء إذا تعذّر استعمال الماء لأعضاء الطهارة أو بعضها لعدمه أو خوف ضرر باستعماله فيقوم التراب مقام الماء.
التيمم: هو القَصْد إلى الصعيد الطاهر، والصعيد هو كل ما صعد على وجه الأرض.
لقوله تعالى:" فتصبح صعيداً زلقاً" يعني بستان الغني كما في سورة الكهف.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يشترط التراب والصحيح أن التراب أفضل من غيره ولكن يجوز التيمم بغيره، والتراب هو ما كان عليه غبار.
والتيمم بدل عن طهارة الماء فيقوم مقام الماء.
ويلجأ الإنسان إلى التيمم في حالات:
1) تعذر استعمال الماء لجرح أو مرض أو شدة حرارة الماء أو شدة برودته.
2) عدم وجود الماء سواء كان مفقوداً أو موجوداً ولا يستطيع الوصول إليه إما لأنه في بئر وليس معه دلو أو لا يستطيع أن ينزل، أو لوجود حيوان مفترس أو من يهدده بالقتل أو الضرب،
وقد يكون الماء قليلاً جداً، فإن كان كذلك فإنه يكتفي بغسل الأركان فقط وهي الوجه واليدان والرأس والقدمان وإن لم يكف لغسل جميع الأركان فيغسل ما يستطيع كأن يغسل وجهه ويتيمم للباقي.
G
صفة التيمم:
قال الشيخ: ينوي رفع ما عليه من الأحداث ثم يقول بسم الله ثم يضرب التراب بيده مرة واحدة يمسح بها جميع وجهه وجميع كفيه فإن ضرب مرتين فلا بأس قال الله تعالى:" فلم تجدوا ماءاً فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون".
وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيّما رجل أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وأُعطيت الشفاعة وكان النبي يُبعَث إلى قومه خاصة وبُعثْت إلى الناس عامة. متفق عليه.
- النصر بالرعب كان في غزوة تبوك.
قول بسم الله في التيمم مستحب قياساً على الوضوء.
والتيمم لا يبطل إلا إذا بطلت الطهارة أو حضر الماء:
1- فإذا حضر الماء قبل أن يصلي بطل التيمم.
2- وإذا حضر الماء وهو في الصلاة قطعها.
3- وإذا حضر الماء بعد الفراغ من الصلاة فالصلاة صحيحة ولا داعي لإعادتها ولكن يتوضأ للصلاة التي بعدها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: الصعيد الطاهر وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته. أخرجه أحمد.
قال الشيخ: ومن عليه حدث أصغر: لم يحل له أن يصلي ولا أن يطوف بالبيت ولا يمس القرآن ويزيد من عليه حدث أكبر: أنه لا يقرأ شيئاً من القرآن ولا يلبث في المسجد بلا وضوء وتزيد الحائض والنفساء: أنها لا تصوم ولا يحل وطؤها ولا طلاقها.
قلت:
* الحدث الأصغر هو الذي يلزم منه الوضوء كالبول والغائط والنوم العميق وغيرها.
* لايصلي لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يقبل الله صلاة بغير وضوء. أخرجه البخاري.
* ولا يطوف لحديث: الطواف في البيت صلاة إلا أن الله أباح في الكلام. أخرجه أبو داود.
ولكن الصحيح أن هذا من كلام ابن عباس وليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فأخطأ بعض الرواة فنسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
* ولا يمس القرآن لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يمس القرآن إلا طاهر. أخرجه أحمد.
* أما الحدث الأكبر وهو ما يوجب الغسل: فإنه لا يقرأ القرآن لآثار جاءت عن الصحابة أنهم نهوا الجُنُب أن يقرأ شيئاً من القرآن. أما نهي من النبي صلى الله عليه وسلم فلم يثبت منه شيء، والله أعلم.
وقول الصحابي حُجّة إذا لم يخالفه غيره وجاء النبي صلى الله عليه وسلم عن ثلاثة من الصحابة وهم سلمان وابن مسعود وسعد ولا يعرف لهم مخالف.
أما الحائض فالصحيح أنها تقرأ لأن حيضتها ليست في يدها.
واللبث في المسجد ممنوع لقوله تعالى:" يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا".
* وأما الحائض والنفساء فإنها لا تصوم ولا يجوز لزوجها أن يجامعها ولا يجوز طلاقها.
أما الأول فلحديث عائشة: كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نُؤمر بقضاء الصلاة.
والثاني لقوله تعالى:" يسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض".
والثالث لقوله تعالى:" يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن". أي في استقبال عدتها
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ عثمان الخميس
عدد القراء : 2130
تاريخ الموضوع: 03 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(88/1)
شرح منهج السالكين للشيخ عثمان الخميس - 3
الشيخ عثمان الخميس
البول والروث الأصل فيهما أنهما نجسان لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم عن قبرين مرّ عليهما أنهما ليعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستنزه من البول وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة.
والميتتان هي ما مات حتف أنفه أي لم يذك كالحيوان الذي يموت بسبب السقوط أو الاصطدام أو الخنق أو الغرق أو الضرب أو ما أكله أسد أو نمر أو أي حيوان مفترس فهذا يقال له ميتة.
وهي نجسة لقول النبي صلى الله عليه وسلم إيما إهاب دبغ فقد طهر فدلّ ذلك على أنه قبل الدباغ لم يكن طاهراً.
وكذا قوله صلى الله عليه وسلم لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب. وذلك لنجاستها، أما ميتة الآدمي فطاهرة لقول النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن لا ينجس.
وأما قوله تعالى "إنما المشركون نجس" فالمقصود منه النجاسة المعنوية أي نجاسة قلوبهم ولذلك أباح الله الزواج من الكتابيات (اليهودية والنصرانية) وهن كافرات مشركات.
وما لا نفس له سائلة المقصود الحشرات وما شابهها والنفس هنا هو الدم أي ليس لها دم يسيل بل دمها جامد فإنه طاهر بدليل قول النبي إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسها ثم ليشرب فإن في أحد جناحيها الداء وفي الآخر الدواء.
وأما السمك والجراد فلقول ابن عمر: أحل لنا ميتتان ودمان أما الميتتان فالحوت والجراد وأما الدمان فالكبد والطحال، أخرجه أحمد.
والمقصود بالسمك كل من يعيش في البحر من حيوانات البحر.
قال الشيخ: وأما أرواث الحيوانات المأكولة وأبوالها فإنها طاهرة.
قلت: ودليل طهارتها أمر النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الناس الذين أصيبوا بالحمى أن يذهبوا إلى إبل الصدقة أن يشربوا من ألبانها وأبوالها ويستدل من وجهين:
أحدهما: أنه لم يأمرهم بالوضوء أو غسل أفواههم بعد شربها.
الآخر: لو كان البول نجساً لما جاز لهم شربه لأن كل نجس حرام.
قال الشيخ: ومني الآدمي طاهر: كان النبي صلى الله عليه وسلم يغسل رطبه ويفرك يابسه وبول الغلام الصغير الذي لم يأكل الطعام لشهوة يكفي فيه النضح كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام، أخرجه أبو داود والنسائي.
قلت: مني الآدمي طاهر لأنه أصل خلقته والإنسان مخلوق طاهر فلا يمكن أن يكون أصله نجساً ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتفي بفرك اليابس والنجس لا يكفي فيه الفرك.
والنجاسات تنقسم إلى ثلاثة أقسام نجاسة مغلظة ونجاسة مخففة وأخرى متوسطة:
والمغلظة هي دم الحيض.
والمخففة هي بول الغلام الذي لم يأكل الطعام.
والمذي والمتوسطة باقي النجاسات.
والمقصود الغلام الذي لم يأكل الطعام لشهوة أما إذا أكل خبزاً أو تمر أو غيرها بين فترة وأخرى ومازال يرضع فهذا يكفي في بوله النضح ولا يلزم غسله بل يرش عليه قليل من الماء.
قال الشيخ: وإذا زالت عليه النجاسة طهرت ولم يضر بقاء اللون أو الريح كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لخولة بنت يسار في دم الحيض "يكفيك الماء ولا يضرك أثره"، أخرجه أبو داود.
قلت وهذا يسر من الشريعة لقوله تعالى "فاتقوا الله ما استطعتم".
باب صفة الوضوء
قال الشيخ: وهو أن ينوي رفع الحدث أو الوضوء للصلاة ونحوها. والنية شرط لجميع الأعمال من طهارة وغيرها لقوله صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، متفق عليه.
ثم يقول بسم الله.
النية محلها القلب ولا يشرع الجهر بها لا في الوضوء ولا غيره من الأعمال. ويظن بعض الناس أنه يشرع الجهر بها في الحج وليس كذلك لأن الذي يجهر به هو تحديد النسك وليس النية.
وقول بسم الله مستحب لقول النبي صلى الله عليه وسلم توضؤا بسم الله، أخرجه النسائي. وإذا نسي أن يقول بسم الله ثم أول الوضوء يقولها متى تذكرها. وإذا لم يتذكر حتى أتم وضوءه فلا شيء عليه.
قال الشيخ: ويغسل كفيه ثلاثاً ثم يتمضمض ويستنشق ثلاثاً بثلاث غرفات. ثم يغسل وجهه ثلاثاً ويديه مع المرفقين ثلاثاً ويمسح رأسه من مقدمه إلى قفاه بيديه ثم يعيدهما إلى المحل الذي بدأ منه مرة واحدة. ثم يدخل سبابتيه في أذنيه ويمسح بإبهاميه ظاهرهما ثم يغسل رجليه مع الكعبين ثلاثا ثلاثاً.
هذا أكمل الوضوء الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم. والغرض من ذلك أن يغسلها مرة واحدة وان يرتبها على ما ذكره الله بقوله "يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين". وأن لا يفصل بينها بفاصل كثير عرفاً بحيث ينبني بعضه على بعض. وكذا كل ما اشترطت له الموالاة.
هذه صفة الوضوء الذي كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم والمضمضة والاستنشاق بثلاث غرفات معناه أن يجعل ماءً في يده ثم يرفعه إلى فمه فيدخل شيء من الماء في الفم وباقيه في الأنف ويتنشقه ثم ينثره إن تيسر ذلك وهي السنة فإن تمضمض ثلاثاً بثلاث غرفات ثم استنشق ثلاثاً بثلاث غرفات جاز والأول المفضل.
وحدود الوجه الذي يجب أن يغسل من الأذن إلى الأذن ومن منبت الشعر إلى أسفل الذقن.
وإذا غسل يديه يجب أن يتنبه إلى أنه يجب عليه أن يغسلهما من أطراف الأصابع إلى المرفق حتى ولو كان غسل يديه.
وصفة مسح الرأس أن يبدأ بمقدم رأسه ويمر يده حتى ينتهي إلى آخره ثم يعود بالعكس ولو اكتفى بالذهاب فقط أو بالرجوع فقط جاز. وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يكفي مسح بعض الرأس والصحيح أنه لابد من مسح جميع الرأس بدليل فعل النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لم يثبت عنه ولا مرة واحدة أنه اكتفى بمسح بعض رأسه على كثرة ما توضأ.
والواجب هو مسح كل عضو مرة واحدة ومرتان وثلاث مستحب.
ولابد من الترتيب (الوجه ثم اليدين ثم الرأس ثم الرجلين).
والموالاة هي أن لا يجعل وقتاً طويلاً بين غسل ركن وآخر
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ عثمان الخميس
عدد القراء : 1408
تاريخ الموضوع: 03 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(89/1)
شرح منهج السالكين للشيخ عثمان الخميس - 3
الشيخ عثمان الخميس
البول والروث الأصل فيهما أنهما نجسان لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم عن قبرين مرّ عليهما أنهما ليعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستنزه من البول وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة.
والميتتان هي ما مات حتف أنفه أي لم يذك كالحيوان الذي يموت بسبب السقوط أو الاصطدام أو الخنق أو الغرق أو الضرب أو ما أكله أسد أو نمر أو أي حيوان مفترس فهذا يقال له ميتة.
وهي نجسة لقول النبي صلى الله عليه وسلم إيما إهاب دبغ فقد طهر فدلّ ذلك على أنه قبل الدباغ لم يكن طاهراً.
وكذا قوله صلى الله عليه وسلم لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب. وذلك لنجاستها، أما ميتة الآدمي فطاهرة لقول النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن لا ينجس.
وأما قوله تعالى "إنما المشركون نجس" فالمقصود منه النجاسة المعنوية أي نجاسة قلوبهم ولذلك أباح الله الزواج من الكتابيات (اليهودية والنصرانية) وهن كافرات مشركات.
وما لا نفس له سائلة المقصود الحشرات وما شابهها والنفس هنا هو الدم أي ليس لها دم يسيل بل دمها جامد فإنه طاهر بدليل قول النبي إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسها ثم ليشرب فإن في أحد جناحيها الداء وفي الآخر الدواء.
وأما السمك والجراد فلقول ابن عمر: أحل لنا ميتتان ودمان أما الميتتان فالحوت والجراد وأما الدمان فالكبد والطحال، أخرجه أحمد.
والمقصود بالسمك كل من يعيش في البحر من حيوانات البحر.
قال الشيخ: وأما أرواث الحيوانات المأكولة وأبوالها فإنها طاهرة.
قلت: ودليل طهارتها أمر النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الناس الذين أصيبوا بالحمى أن يذهبوا إلى إبل الصدقة أن يشربوا من ألبانها وأبوالها ويستدل من وجهين:
أحدهما: أنه لم يأمرهم بالوضوء أو غسل أفواههم بعد شربها.
الآخر: لو كان البول نجساً لما جاز لهم شربه لأن كل نجس حرام.
قال الشيخ: ومني الآدمي طاهر: كان النبي صلى الله عليه وسلم يغسل رطبه ويفرك يابسه وبول الغلام الصغير الذي لم يأكل الطعام لشهوة يكفي فيه النضح كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام، أخرجه أبو داود والنسائي.
قلت: مني الآدمي طاهر لأنه أصل خلقته والإنسان مخلوق طاهر فلا يمكن أن يكون أصله نجساً ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتفي بفرك اليابس والنجس لا يكفي فيه الفرك.
والنجاسات تنقسم إلى ثلاثة أقسام نجاسة مغلظة ونجاسة مخففة وأخرى متوسطة:
والمغلظة هي دم الحيض.
والمخففة هي بول الغلام الذي لم يأكل الطعام.
والمذي والمتوسطة باقي النجاسات.
والمقصود الغلام الذي لم يأكل الطعام لشهوة أما إذا أكل خبزاً أو تمر أو غيرها بين فترة وأخرى ومازال يرضع فهذا يكفي في بوله النضح ولا يلزم غسله بل يرش عليه قليل من الماء.
قال الشيخ: وإذا زالت عليه النجاسة طهرت ولم يضر بقاء اللون أو الريح كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لخولة بنت يسار في دم الحيض "يكفيك الماء ولا يضرك أثره"، أخرجه أبو داود.
قلت وهذا يسر من الشريعة لقوله تعالى "فاتقوا الله ما استطعتم".
باب صفة الوضوء
قال الشيخ: وهو أن ينوي رفع الحدث أو الوضوء للصلاة ونحوها. والنية شرط لجميع الأعمال من طهارة وغيرها لقوله صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، متفق عليه.
ثم يقول بسم الله.
النية محلها القلب ولا يشرع الجهر بها لا في الوضوء ولا غيره من الأعمال. ويظن بعض الناس أنه يشرع الجهر بها في الحج وليس كذلك لأن الذي يجهر به هو تحديد النسك وليس النية.
وقول بسم الله مستحب لقول النبي صلى الله عليه وسلم توضؤا بسم الله، أخرجه النسائي. وإذا نسي أن يقول بسم الله ثم أول الوضوء يقولها متى تذكرها. وإذا لم يتذكر حتى أتم وضوءه فلا شيء عليه.
قال الشيخ: ويغسل كفيه ثلاثاً ثم يتمضمض ويستنشق ثلاثاً بثلاث غرفات. ثم يغسل وجهه ثلاثاً ويديه مع المرفقين ثلاثاً ويمسح رأسه من مقدمه إلى قفاه بيديه ثم يعيدهما إلى المحل الذي بدأ منه مرة واحدة. ثم يدخل سبابتيه في أذنيه ويمسح بإبهاميه ظاهرهما ثم يغسل رجليه مع الكعبين ثلاثا ثلاثاً.
هذا أكمل الوضوء الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم. والغرض من ذلك أن يغسلها مرة واحدة وان يرتبها على ما ذكره الله بقوله "يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين". وأن لا يفصل بينها بفاصل كثير عرفاً بحيث ينبني بعضه على بعض. وكذا كل ما اشترطت له الموالاة.
هذه صفة الوضوء الذي كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم والمضمضة والاستنشاق بثلاث غرفات معناه أن يجعل ماءً في يده ثم يرفعه إلى فمه فيدخل شيء من الماء في الفم وباقيه في الأنف ويتنشقه ثم ينثره إن تيسر ذلك وهي السنة فإن تمضمض ثلاثاً بثلاث غرفات ثم استنشق ثلاثاً بثلاث غرفات جاز والأول المفضل.
وحدود الوجه الذي يجب أن يغسل من الأذن إلى الأذن ومن منبت الشعر إلى أسفل الذقن.
وإذا غسل يديه يجب أن يتنبه إلى أنه يجب عليه أن يغسلهما من أطراف الأصابع إلى المرفق حتى ولو كان غسل يديه.
وصفة مسح الرأس أن يبدأ بمقدم رأسه ويمر يده حتى ينتهي إلى آخره ثم يعود بالعكس ولو اكتفى بالذهاب فقط أو بالرجوع فقط جاز. وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يكفي مسح بعض الرأس والصحيح أنه لابد من مسح جميع الرأس بدليل فعل النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لم يثبت عنه ولا مرة واحدة أنه اكتفى بمسح بعض رأسه على كثرة ما توضأ.
والواجب هو مسح كل عضو مرة واحدة ومرتان وثلاث مستحب.
ولابد من الترتيب (الوجه ثم اليدين ثم الرأس ثم الرجلين).
والموالاة هي أن لا يجعل وقتاً طويلاً بين غسل ركن وآخر
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ عثمان الخميس
عدد القراء : 2169
تاريخ الموضوع: 03 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(90/1)
الكتابة على القبر للأخ الفاضل سعود الزمانان
الأخ الفاضل سعود الزمانان
مذهب الحنفية :
قال ابن عابدين في حاشيته " لأن النهي عنها – يقصد الكتابة على القبر - وإن صح فقد وجد الإجماع العملي بها ، فقد أخرج الحاكم النهي عنها من طرق ثم قال : هذه الأسانيد صحيحة وليس العمل عليها فإن أئمة المسلمين من المشرق إلى المغرب مكتوب على قبورهم وهو عمل أخذ به الخلف عن السلف ويتقوى بما ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حمل حجرا فوضعه عند رأس عثمان بن مضعون وقال : أتعلم بها قبر أخي ، وأدفن إليه من مات من أهلي " ( أبو داود 3206 ) فإن الكتابة طريق إلى تعرف القبر بها ، نعم يظهر أن محل هذا الإجماع العملي على الرخصة فيها ما إذا كانت الحاجة داعية إليه في الجملة ، حتى يكره كتابة شئ عليه من القرآن أو الشعر أو إطراء مدح ونحو ذلك"[2]
قال الطحطاوي: " {وقوله ولا بأس أيضاً بالكتابة }قال في البحر : الحديث المتقدم يمنع الكتابة فليكن هو المعوّل عليه ، لكن فصّل في المحيط فقال : إن احتيج إلى الكتابة حتى لا يذهب الأثر ولا يمتهن به جازت ، أما الكتابة من غير عذر فلا " [3]
قال العيني: " وكره أبو يوسف أن يكتب عليه وفي قاضي خان ولا بأس بكتابة شئ أو بوضع الأحجار ليكون علامة وفي المحيط ولا بأس بالكتابة عند العذر " [4]
مذهب المالكية :
قال خليل :{وجاز للتمييز } قال شراحه : " أي البناء أو التحويز كما يجوز وضع خشبة أو حجر عليه بلا نقش وإلا كره إلا أن يكون النقش بقرآن فتظهر الحرمة خوف الامتهان "[5]
قال الحطاب :" وقال ابن رشد : " كره مالك البناء على القبر وأن يجعل البلاطة المكتوبة ، لأن ذلك من البدع التي أحدثها أهل الطول من إرادة الفخر والمباهاة والسمعة ، وذلك ممّا لا اختلاف في كراهته وقال ابن العربي في " العارضة " : وأما الكتابة عليها فأمر قد عمَّ الأرض ، وإن كان النهي قد ورد عنه ، ولكنه لمّا لم يكن من طريق صحيح تسامح الناس فيه ، وليس له فائدة إلا التعليم للقبر لئلا يدثر " [6].
قال الشيخ عليش : " وجاز للتمييز بين القبور كحجر إذ هو اسم بمعنى مثل يغرز على القبر علامة أو خشبة كذلك بلا نقش لاسمه أو تاريخ موته على الحجر أو الخشبة وإلا كره وإن بوهي به حرم وينبغي حرمة نقش القرآن وأسماء الله تعالى مطلقا لتأديته إلى الامتهان وكذا نقشها على الحيطان .ابن القاسم لا بأس أن يجعل الرجل على القبر حجرا أو خشبة أو عودا يعرف به قبر وليه ما لم يكتب في ذلك " [7]
مذهب الشافعية :
قال النووي[8] في المنهاج " ويكره تجصيص القبر والبناء والكتابة عليه " وكذا قاله في الروضة وعلق الرملي في النهاية فقال : " سواء كان اسم صاحبه أم لا في لوح عند رأسه أم في غيره كما في المجموع نعم يؤخذ من قولهم إنه يستحب وضع ما يعرف به القبور أنه لو احتاج إلى كتابة اسم الميت لمعرفته للزيارة كان مستحبا بقدر الحاجة "[9].
قال النووي في المجموع : " قال الشافعي والأصحاب يكره أن يجصص القبر وأن يكتب عليه اسم صاحبه أو غير ذلك وأن يبني عليه وهذا لاخلاف فيه عندنا وبه قال مالك وأحمد وداود وجماهير العلماء وقال أبو حنيفة لا يكره "[10].
قال ابن حجر في "الفتاوى الكبرى" : " أطلق الأصحاب كراهة الكتابة على القبر لورود النهي عن ذلك رواه الترمذي وقال حسن صحيح واعترضه أبو عبد الله الحاكم النيسابوري المحدث بأن العمل ليس عليه فإن أئمة المسلمين من الشرق إلى الغرب مكتوب على قبورهم وهو عمل أخذ به الخلف عن السلف رضي الله عنهم وما اعترض به إنما يتجه أن لو فعله أئمة عصر كلهم أو علموه ولم ينكروه وأي انكار أعظم من تصريح أصحابنا بالكراهة مستدلين بالحديث هذا وبحث السبكي والأذرعي تقييد ذلك بالقدر الزائد عما يحصل به الإعلام بالميت …….. فإن أراد كتابة اسم الميت للتعريف فظاهر ويحمل النهي على ما قصد به المباهاة والزينة والصفات الكاذبة " [11]
مذهب الحنابلة :
قال ابن قدامة في المغني : " ويكره البناء على القبر وتجصيصه والكتابة عليه " [12] . وقال المرداوي في " الإنصاف ": " أما تجصيصه فمكروه بلا خلاف نعلمه وكذا الكتابة عليه وكذا تزويقه وتخليقه ونحوه وهو بدعة "[13]
قال ابن مفلح : " ويكره الكتابة عليه وتجصيصه وتزويقه وتخليقه ونحوه "[14].
قال البهوتي : " وكره {تزويقه } أي القبر { وتخليقه } أي طَليُه بالطين { ونحوه } كدهنه ، لأنه بدعة وغير لائق بالحال ، { وكره تجصيصه واتكاء عليه ومبيت } عنده { وكتابة } على القبر "[15].
قال الشيخ ابن قاسم: " نهى أن يبنى على القبر أو يزاد عليه أو يجصص أو يكتب عليه " وظاهره تحريم الكتابة عليه[16] . وقال رحمه الله تعال معلقا على قول الحنابلة في مسألة كراهيتهم تجصيص القبور والبناء عليها في حاشية الروض (3/128) : "ومن ظن أن الأصحاب أرادوا كراهة التنزيه فقد أبعد النجعة "
وفي " المجلى في الفقه الحنبلي " : " ويكره تجصيص القبر ، وتزويقه ولا بأس بتطيينه ، وتكره الكتابة عليه "[17]
مذهب الظاهرية :
قال ابن حزم: " ولا يحل أن يبنى القبر ، ولا أن يجصص ، ولا أن يزاد على ترابه شيء ، فإن بنى عليه بيت أو قائم لم يكره ذلك ، وكذلك لو نقش اسمه في حجر لم نكره ذلك " [18].
أقوال بعض أهل العلم في هذه المسألة :
قال ابن القيم : " ولم يكن من هديه – صلى الله عليه وسلم – تعلية القبور ولا بناؤها بآجر ، ولا بحجر ولبن ، ولا تشييدها ، ولا تطيينها … فسنته – صلى الله عليه وسلم – تسوية هذه القبور المشرفة كلِّها ، ونهى أن يجصص القبر ، وأن يبنى عليه ، وأن يكتب عليه "[19].
الذهبي : تعقب الذهبي – رحمه الله – الإمام الحاكم حينما قال : " الإسناد صحيح ، وليس العمل عليها – أي منع الكتابة على القبر - ، فإن أئمة المسلمين من الشرق إلى الغرب مكتوب على قبورهم ، وهو عمل أخذ به الخلف عن السلف . قلت : ( القائل هو الذهبي ) ما قلت طائلاً ، ولا نعلم صحابياً فعل ذلك ، وإنما هو شيء أحدثه بعض التابعين فمن بعدهم ، ولم يبلغهم النهي "[20]
قال الشوكاني : " قوله ـ أي في الحديث ـ وأن يكتب عليه ، فيه تحريم الكتابة على القبور وظاهره عدم الفرق بين كتابة اسم الميت على القبر وغيرها ، وقد استثنت الهادوية رسم الاسم فجوزوه لا على وجه الزخرفة قياسا على وضعه الحجر على قبر عثمان كما تقدم وهو من التخصيص بالقياس وقد قال به الجمهور " .[21]
الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبابطين : جاء في كتاب مجموعة الرسائل والمسائل النجدية أنه " سئل الشيخ العالم العلامة عبد الله بن عبد الرحمن أبابطين – رحمه الله – عن كتب اسم الميت على نصيبة القبر ؟ فقال : " داخل في عموم النهي عن الكتابة على القبر " . [22]
الشيخ السعدي : نقل الشيخ ابن عثيمين – حفظه الله – عن الشيخ ابن سعدي أنه قال : " المراد بالكتابة ما كانوا يفعلونه في الجاهلية من عبارات المدح والثناء لأن هذه هي التي يكون بها المحظور أما التي بقدر الإعلام فلا تكره " .[23]
الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ : سئل عن نقش حصاة ( وَسْم) تُبين أن هذا قبر فلان فقال : " هو بمعنى الكتابة ، وفيه مزيد الاعتناء الذي ليس شرعياً ، وليس عليه الصحابة ، فهو ما ينبغي "[24]
قال الشيخ ابن باز : " لا تجوز الكتابة عليها ـ أي على القبور ـ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من النهي عن البناء عليها والكتابة عليها فقد روى مسلم رحمه الله من حديث جابر قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه ـ وخرجه الترمذي وغيره بإسناد صحيح وزاد " وأن يكتب عليه " لأن ذلك من أنواع الغلو فوجب منعه ولأن الكتابة ربما أفضت إلى عواقب وخيمة من الغلو وغيره من المحظورات الشرعية ".[25] وقال الشيخ أيضاً : " لا يجوز أن يكتب على قبر الميت لا آيات قرآنية ولا غيرها ، لا في حديدة ولا في لوح ولا في غيرهما "[26]
قال الشيخ الألباني : " إذا كان الحجر لا يحقق الغاية التي من أجلها وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر ألا وهي التعرف عليه وذلك بسبب كثرة القبور مثلا وكثرة الأحجار المعرفة فحينئذ يجوز كتابة الاسم بقدر ما تتحقق به الغاية المذكورة والله أعلم "[27]
أبو الطيب السندي : نقل المباركفوري أن أبا الطيب السندي قال في شرح الترمذي : " يحتمل النهي عن الكتابة مطلقاً ، ككتابة اسم صاحب القبر وتاريخ وفاته أو كتابة شيء من القرآن ، وأسماء الله تعالى ونحو ذلك للتبرك ، لاحتمال أن يوطأ أو يسقط على الأرض فيصير تحت الأرجل "[28]
قال الشيخ ابن عيثيمين : " { وتكره الكتابة } أي على القبر ، سواء كتب على الحصى المنصوب عليه ، أو كتب على نفس القبر ، لأن ذلك يؤدي إلى تعظيمه ، وتعظيم القبور يخشى أن يوصل صاحبه إلى الشرك ، وظاهر كلام المؤلف – رحمه الله – أن الكتابة مكروهة ، ولو كانت بقدر الحاجة ، أي حاجة بيان صاحب القبر درءاً للمفسدة "[29]
الشيخ صالح الفوزان : " ويحرم البناء على القبور وتجصيصها والكتابة عليها "[30]
الشيخ عبد العزيز محمد السلمان : يحرم إسراجه واتخاذ المسجد عليه وتجصيصه والبناء عليه ……. والكتابة عليه "[31].
قال الشيخ شعيب الأرنؤوط " إذا كان الحجر لا يحقق المبتغى لكثرة القبور وعدم تمييز بعضها عن بعض فحينئذ يصح أن يكتب على لوحة اسم الميت وتوضع على قبره ليتعرف أقرباؤه وأصدقاؤه عليه "[32]
تخريج الحديث والحكم بصحة الزيادة " والكتابة عليه " :
عن أبي الزبير أنه سمع جابرا يقول " نهى عن تقصيص القبور أو يبنى عليها أو يجلس عليها أحد "
1/ أخرجه أحمد 3/295 قال ثنا : عبد الرزاق وفي 3/339 قال ثنا حجاج . وعبد بن حميد 1075 قال ثني ابن أبي شيبة قال ثنا حفص بن غياث . ومسلم 970 قال ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا حفص بن غياث (ح ) وثني هارون بن عبد الله ثنا حجاج بن محمد (ح ) وثني محمد بن رافع ثنا عبد الرزاق. وأبو داود 3225 قال ثنا أحمد بن حنبل ثنا عبد الرزاق وفي 3226 قال ثنا مسدد وعثمان بن أبي شيبة قالا ثنا حفص بن غياث . والبيهقي 4/4 قال : نا أبو علي الروذباري نا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا حفص بن غياث . والنسائي 4/86 نا هارون بن إسحاق قال ثنا حفص بن غياث وفي 4/87 نا يوسف بن سعيد ثنا حجاج . والبيهقي 4/4 قال : نا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن إسحاق الصنعاني ثنا حجاج .
ثلاثتهم ( حجاج ـ حفص بن غياث ـ عبد الرزاق ) عن ابن جريج .(91/1)
وأخرجه الترمذي 1052 ثنا عبد الرحمن بن الأسود أبو عمرو البصري ثنا محمد بن ربيعه . والحاكم (1/370 ) قال : ثنا أبو سعيد أحمد بن يعقوب الثقفي ثنا محمد بن سليمان الحضرمي ثنا سلم بن جنادة بن سلم القرشي ثنا حفص بن غياث . وفي (1/370) قال ثنا أبو الحسن أحمد بن محمد العنزي ثنا محمد بن عبد الرحمن الشامي ثنا سعيد بن منصور ثنا أبو معاوية ( محمد بن خازم ). والطحاوي في شرح المعاني ( 1/516) قال : ثنا ربيع المؤذن ثنا أسد ثنا محمد بن حازم ( قلت : الصواب محمد بن خازم أبو معاوية ) . وابن حبان في صحيحه ( 7/434-435) قال : ثنا عبد الله بن محمد الأزدي ثنا إسحاق بن إبراهيم نا أبو معاوية . ثلاثتهم ( محمد بن ربيعه ـ حفص بن غياث ـ أبو معاوية محمد بن خازم )عن ابن جريج به بلفظ " نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تجصص القبور وأن يكتب عليها وأن يبنى عليها وأن توطأ "
الترجيح بين الروايات السالفة :
روى الحديث حجاج بن محمد المصيصي وعبد الرزاق بن همام عن ابن جريج ولم يذكرا الزيادة ( النهي عن الكتابة )وروى الزيادة (النهي عن الكتابة على القبر ) محمد بن ربيعه و أبي معاوية واختلف على حفص بن غياث تارة بذكر الزيادة وأخرى من غير زيادة النهي عن الكتابة فأما الذين رووا عن حفص بن غياث ولم يذكروا النهي هم كالتالي :
1.أبو بكر بن أبي شيبة (ثقة حافظ صاحب تصانيف ) مسلم 970
2.عثمان بن أبي شيبة (ثقة حافظ شهير وله أوهام ) عبد بن حميد 1075، أبو داود 3226 .
3.مسدد (ثقة حافظ )أبو داود 3226 .
4.هارون بن إسحاق (صدوق ) النسائي 4/86.
وقد رواها سلم بن جنادة بن سلم (ثقة ربما خالف ) عن حفص بن غياث المستدرك (1/370) لذا فالرواية الثابتة عن حفص بن غياث هي في عدم ذكر الزيادة (النهي عن الكتابة على القبر ) ورواية الحاكم شاذة .
إذن الذين رووا الحديث من غير ذكر زيادة النهي عن الكتابة هم :
1.حفص بن غياث (ثقة فقيه تغير حفظه قليلا في الآخر ) .
2.حجاج بن محمد المصيصي (ثقة ثبت لكنه اختلط في آخر عمره ) .
3.عبد الرزاق بن همام (ثقة حافظ مصنف شهير عمي في آخر عمره فتغير ) .
وأما من روى الحديث بالنهي عن الكتابة فهم :
1.محمد بن خازم أبو معاوية ( ثقة أحفظ الناس في حديث الأعمش وقد يهم في غيره)
2.محمد بن ربيعه ( صدوق ) لكن الرواية إليه لا تصح لأنها من طريق عبد الرحمن بن الأسود وهو مجهول .
فأما أبو معاوية فقد قال عبد الله بن أحمد بن حنبل : سمعت أبي يقول : أبو معاوية الضرير في غير حديث الأعمش مضطرب لا يحفظها حفظا جيدا ( العلل 1/119) .
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الأخ الفاضل سعود الزمانان
عدد القراء : 1839
تاريخ الموضوع: 03 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(91/2)
هل يلزم المبيت في منى لمن غربت عليه شمس ثاني أيام التشريق للأخ الفاضل سعود الزمانان
الأخ الفاضل سعود الزمانان
ولم يفرق الشافعية والحنابلة في هذا الشرط بين المكي والآفاقي , وذهب المالكية : إلى التفريق بينهما , وخصوا شرط التعجيل بالمتعجل من أهل مكة , وأما إن كان من غيرها فلا يشترط خروجه من منى قبل الغروب من اليوم الثاني , وإنما يشترط نية الخروج قبل الغروب من اليوم الثاني .
ولم يشترط الحنفية أن يكون آفاقياً , وقالوا : له أن ينفر بعد الغروب مع الكراهة , ما لم يطلع فجر اليوم الثالث , وذلك لأنه لم يدخل اليوم الآخر , فجاز له النفر , كما قبل الغروب.
وذهب الظاهرية إلى أن من رمى يومين ثم نفر ولم يرم الثالث فلا بأس به سواء أدركه الليل بمنى أم لم يدركه .
وسوف أورد فيما يأتي أقوال أهل العلم في هذه المسألة وبالله التوفيق :
الحنفية :
جاء في " رد المحتار " : " ينفر قبل غروب الشمس - أي شمس الثالث – فإن لم ينفر حتى غربت الشمس يكره له أن ينفر حتى يرمي في الرابع ، ولو نفر من الليل قبل فجر الرابع لا شيء عليه وقد أساء ، وقيل ليس له أن ينفر بعد الغروب ، فإن نفر لزمه دم ، ولو نفر بعد طلوع الفجر قبل الرمي لزمه الدم اتفاقاً "[3]
جاء في " البناية " : " ( وله أن ينفر ما لم يطلع الفجر من اليوم الرابع ) وهو آخر أيام التشريق ( فإذا طلع الفجر من اليوم الرابع لم يكن له أن ينفر لدخول وقت الرمي ) فلا ينفر حتى يرمي ( وفيه خلاف الشافعي ) فإن عنده لا يجوز له النفر إذا غربت الشمس من اليوم الثاني عشر حتى يرمي الجمار الثلاث في اليوم الرابع ، وبه قال مالك وأحمد – رحمهما الله – وهو رواية عن أبي حنيفة – رحمه الله – لما روى عمر – رضي الله عنه – أنه قال : " من أدرك المساء في اليوم الثاني فليقم إلى الغد حتى ينفر مع الناس " .[4]
وجاء في " إرشاد الساري إلى مناسك الملا القاري" : " ( فإن لم ينفر حتى غربت الشمس يكره له ) أي الخروج في تلك الليلة عندنا ، ولا يجوز عند الشافعي ( أن ينفر حتى يرمي في الرابع ولو نفر من الليل قبل طلوع الفجر من اليوم الرابع لا شيء عليه ) أي من الجزاء وإنما يكره له كما سبق ( وقد أساء ) أي لتركه السنة ، ولا يلزمه رمي اليوم الرابع ... وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يلزمه الرمي إن لم ينفر قبل الغروب وليس له أن ينفر بعده حتى لو نفر بعد الغروب قبل الرمي يلزمه دم كما لو نفر بعد طلوع الفجر ، وهو قول الأئمة الثلاثة ، وهو المراد بقوله ( وقيل ليس له أن ينفر بعد الغروب فإن نفر لزمه دم ) أي عند الأئمة الثلاثة ، ورواية الحسن عن أبي حنيفة ( ولو نفر بعد طلوع الفجر قبل الرمي يلزمه الدم اتفاقاً )" .[5]
المالكية :
جاء في " حاشية الدسوقي " : " والحاصل أن المقتضى لوجوب بيات الليلة الثالثة وعدم وجوب بياتها قصد التعجيل وعدم قصده ، فإن قصد التعجيل فلا يلزمه بيات بها ، وإن لم يقصد التعجيل لزمه البيات بها ويلزمه الدم إن ترك البيات جل ليلة ، والمراد بالمتعجل من قصد الذهاب لمكة كان له عذر أو
لا "[6]ا.هـ .
وجاء في " حاشية الدسوقي " أيضاً : " وأما إن كان من غيرها – أي من غير أهل مكة – فلا يشترط خروجه من منى قبل الغروب من اليوم الثاني وإنما يشترط نية الخروج قبل الغروب من الثاني" [7] .
وفي حاشية " العدوي " : " قوله ( إن تعجل ) كان بمنى أو غيرها كمكة ، لكن إن كان بمنى فيشترط نية التعجيل والخروج منها قبل الغروب من الثاني ، وإن كان من غيرها لا يشترط الخروج منها قبل الغروب من الثاني وإنما يشترط نية الخروج فقط قبل الغروب من الثاني "[8].
وفي "حاشية هداية الناسك " : " ويشترط في صحة التعجيل أن يخرج من منى قبل غروب الشمس من اليوم الثالث فإن غربت قبل أن يجاوز جمرة العقبة لزمه المبيت بمنى ، ورمى اليوم الرابع ، ومن أفاض إلى مكة وليس قصده التعجيل ثم بدا له بمكة قبل الغروب أن يتعجل فله ذلك ، وإن بدا له التعجيل بعد الغروب فليس له ذلك ، وإن رجع إلى منى ثم بدا له قبل الغروب أن يتعجل فله ذلك ، ومن تعجل فأتى مكة ثم طاف طواف الإفاضة وانصرف فكان ممره على منى فلم ينفر منها حتى غابت الشمس فلينفر ولا يضره ذلك ، وكذا لو نسي شيئاً فرجع إليه بعدما انفصل عنها لم يلزمه المقام بها، وإذا مر المتعجل في سيره عليها فبات بها حتى أصبح لم يلزمه الرمي لأنه لم يلزمه المبيت بها ،ومن تأخر وجب عليه المبيت ليلة الرابع ولزمه رمي اليوم بعد الزوال "[9]
الشافعية :
جاء في " الحاوي " : " فإن لم يتعجل النفر حتى غربت الشمس لزمه المبيت بمنى والرمي من الغد في الجمرات الثلاث بإحدى وعشرين حصاة ، ليكمل رميه سبعين حصاة ، ... فإذا ثبت أن وقت التعجيل ما لم تغرب الشمس ، فلو ركب بمنى وسار قبل غروب الشمس ، فلم يخرج من حدود منى حتى غربت الشمس لزمه المبيت بها والرمي في الغد ، لأن النفر لا يستقر إلا بمفارقتها ، فلو فارقها قبل غروب الشمس ، ثم عاد إليها ليلاً أو نهاراً فقد استقر حكم النفر وسقط عنه رمي الغد ، سواء عاد ليلاً أو نهاراً ، لحاجة أو لغير حاجة " [10]
وجاء في " منهاج الطالبين " : " فإذا رمى اليوم الثاني وأراد النفر قبل غروب الشمس جاز , وسقط مبيت الليلة الثالثة ورمى يومها , فإن لم ينفر حتى غربت وجب مبيتها ورمى الغد ."[11] .
وجاء في " المجموع " : " يجوز له التعجيل في النفر من منى في اليوم الثاني ما لم تغرب الشمس ، ولا يجوز بعد الغروب ، وبه قال مالك وأحمد ، وقال أبو حنيفة له التعجيل ما لم يطلع فجر اليوم الثالث ،دليلنا قوله تعالى { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه } واليوم اسم للنهار دون الليل، وقال ابن المنذر : ثبت أن عمر – رضي الله عنه – قال : " من أدركه المساء في اليوم الثاني بمنى فليقم إلى الغد حتى ينفر مع الناس " قال : وبه قال ابن عمر وأبو الشعثاء وعطاء وطاوس وأبان بن عثمان والنخعي ومالك وأهل المدينة والثوري وأهل العراق والشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق وبه أقول . قال :وروينا عن الحسن والنخعي قالا: " من أدركه العصر وهو بمنى في اليوم الثاني لم ينفر حتى الغد " قال : ولعلهما قالا ذلك استحباباً والله أعلم ،هذا كلام ابن المنذر .
وقد ثبت في الموطأ وغيره عن ابن عمر أنه كان يقول :" من غربت عليه الشمس وهو بمنى من أوسط أيام التشريق فلا ينفرن حتى يرمي الجمار من الغد "[12] وهو ثابت عن عمر كما حكاه ابن المنذر " ا.هـ .[13]
الحنابلة :
جاء في " المغني " : " فمن أحب التعجيل في النفر الأول خرج قبل غروب الشمس , فإن غربت قبل خروجه من منى لم ينفر , سواء كان ارتحل أو كان مقيما في منزله , لم يجز له الخروج , هذا قول عمر , وجابر بن زيد , وعطاء , وطاوس , ومجاهد , وأبان بن عثمان , ومالك , والثوري , والشافعي , وإسحاق , وابن المنذر . وقال أبو حنيفة : له أن ينفر ما لم يطلع فجر اليوم الثالث ; لأنه لم يدخل وقت رمي اليوم الآخر , فجاز له النفر كما قبل الغروب . "[14]
وفي " كشاف القناع " : " ( وإن غربت ) الشمس ( وهو بها ) أي : بمنى ( لزم المبيت والرمي من الغد بعد الزوال ) قال ابن المنذر وثبت عن عمر أنه قال :" من أدركه المساء في اليوم الثاني فليقم إلى الغد ولينفر مع الناس " ( ثم ينفر ) الإمام ومن لم ينفر في اليوم الثاني . ( وهو النفر الثاني ) في اليوم الثالث "[15] .
وفي " الكافي " : " وإذا كان رمى اليوم الثاني ، وأحب أن ينفر ، نفر قبل غروب الشمس ، وسقط عنه المبيت تلك الليلة ، والرمي بعدها ، وإن غربت وهو في منى لزمه البيتوتة ،والرمي من الغد بعد الزوال " [16]
الظاهرية :
قال ابن حزم – رحمه الله - : " ومن رمى يومين ، ثم نفر ولم يرم الثالث فلا بأس به ، ومن رمى الثالث فهو أحسن ، برهان ذلك قول الله تعالى { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه } ، وقال أبو حنيفة : إن نفر اليوم الثاني إلى الليل لزمه أن يرمي الثالث . قال علي : وهذا خطأ وحكم بلا دليل وخلاف للقرآن "[17]
أقوال بعض أهل العلم في هذه المسألة :
شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : " وإن شاء تعجل في اليوم الثاني بنفسه قبل غروب الشمس ، كما قال تعالى { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه }، فإذا غربت الشمس وهو بمنى أقام حتى يرمي مع الناس في اليوم الثالث " [18].
الشيخ ابن باز – رحمه الله – سئل عن جماعة في وقت الحج وبعد رمي الجمرات لليوم الثالث نووا الخروج من منى ، ولكن لم يستطيعوا الخروج إلا بعد غروب الشمس بوقت ، نظراً للزحام فهل يلزمهم المبيت لأداء الرمي من غد ؟
فأجاب :إذا كان الغروب قد أدركهم وقد ارتحلوا فليس عليهم مبيت ، وهم في حكم النافرين قبل الغروب ، أما إن أدركهم الغروب قبل أن يرتحلوا فالواجب عليهم أن يبيتوا تلك الليلة أعني ليلة ثلاث عشرة ،وأن يرموا الجمار بعد الزوال في اليوم الثالث عشر ثم بعد ذلك ينفرون متى شاءوا لأن الرمي الواجب قد انتهى في يوم الثالث عشر وليس عليهم حرج في المبيت في منى أو مكة ، ولا رمي عليهم بعد رمي اليوم الثالث عشر ، سواء باتوا في مكة أو في منى "[19]
الشيخ الألباني – رحمه الله - : " قال شيخ الإسلام ابن تيمية : فإذا غربت الشمس وهو بمنى أقام حتى يرمي مع الناس في اليوم الثالث . قلت - القائل هو الألباني - : وعليه جماهير العلماء ، خلافاً لما ذهب إليه ابن حزم في " المحلى " 7/185 واستدل لهم النووي بمفهوم قوله تعالى { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه }فقال في "المجموع "8/238:" واليوم اسم للنهار دون الليل ". وبما ثبت عن عمر وابنه عبد الله قالا : " من أدركه المساء في اليوم الثاني بمنى فليقم إلى الغد حتى ينفر مع الناس [20]" .
الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله - : " ( خرج قبل الغروب ) أي من منى قبل أن تغرب الشمس ، وذلك ليصدق عليه أنه خرج في يومين ، إذ لو أخر الخروج إلى ما بعد الغروب لم يكن تعجل في يومين ، لأن اليومين قد فاتا ( وإلا لزمه المبيت والرمي من الغد ) أي : وإلا يخرج قبل غروب الشمس لزمه المبيت ليلة الثالث عشر ، والرمي من الغد ، بعد الزوال ، كاليومين قبله.والدليل : أن الله قال : {في يومين } وفي للظرفية ، والظرف لا بد أن يكون أوسع من المظروف ، وعليه فلا بد أن يكون الخروج في نفس اليومين ، وقد ورد عن ابن عمر – رضي الله عنهما - :" أنه إذا أدركه المساء فإنه يلزمه البقاء[21] " "[22].(92/1)
الشيخ عبد الله بن حميد – رحمه الله - : " فإذا غربت عليه الشمس وهو بمنى لزمه المبيت والرمي من الغد بعد الزوال ، لقول عمر :" من أدركه المساء في اليوم الثاني فليقم إلى الغد حتى ينفر مع الناس " ولأنه بعد إدراكه الليل لم يتعجل في يومين ، لكن لو غربت عليه الشمس بمنى وقد ارتحل أو كان مشتغلاً بنقل أثاثه من خيام وغيره فلا يلزمه المبيت ،لأنه قد أخذ في التعجل "[23]
الشيخ صالح الفوزان : " فالتعجل معناه أن يخرج وينفر من منى بعد رمي الجمرات في اليوم الثاني عشر بعد الزوال من قبل غروب الشمس ،هذا التعجل ، وإذا أدركه الغروب ولم يرحل من منى فإنه يتعين عليه المبيت فيها ليلة الثالث عشر والرمي في اليوم الثالث عشر بعد الظهر ، والله أعلم "[24]
الترجيح :
· قول الظاهرية في هذه المسألة هو أقرب للصواب والله أعلم وذلك للأمور الآتية :
· أولاً : ظاهر الآية يدل على جواز التعجل في يومين ، والآية مطلقة فما ورد عن الشارع مطلقاً لا يجوز إدخال أي قيد من القيود إلا بدليل ، أما قولهم إن الله تعالى قال { فمن تعجل في يومين }[25] ولم يقل : في يومين وليلة[26]، فيجاب على ذلك بأن الله تعالى قال في بداية هذه الآية {واذكروا الله في أيام معدودات }[27] ولم يقل في أيام وليالي معدودات، والمراد بقوله تعالى في أيام : أي الأيام والليالي المعدودات،إذ الذكر المقصود هنا ما كان النحر ومن رمي الجمار ، والتكبير أدبار
الصلوات .
· ثانياً : الأصل براءة الذمة وعدم إلزام الناس بشيء إلا بما ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم - ، فقد ثبت في السنن " أن ناسا من أهل نجد أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بعرفة فسألوه فأمر مناديا فنادى : الحج عرفة من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج أيام منى ثلاثة فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه "[28] قال ابن عيينة : "هذا أجود حديث رواه سفيان" وقال وكيع :" هذا الحديث أم المناسك"[29] ، فالنبي – صلى الله عليه وسلم – لا يترك البيان وقت الحاجة ، وإن ما ورد عن الشارع مطلقاً لا يجوز إدخال أي قيد من القيود إلا بدليل ، فلو كان النفر من منى ليلة الثالث عشر بعد غروب الشمس لا يجوز لبين ذلك النبي – صلى الله عليه وسلم - .
· ثالثاً : أما أثر عمر – رضي الله عنه – فتوجيهه يكون من عدة
وجوه :
- الوجه الأول : من ناحية ثبوته فإنني لم أجد هذا الأثر في كتب السنة المطبوعة ، وقد اعتمد العلماء السابقون كالنووي والمعاصرون كالألباني على تصحيح ابن المنذر – رحمه الله - ، وعلى اعتبار صحته فإن هذا الأثر ليس نصاً في هذه المسألة ، لأن دلالته ليست قطعية .
- الوجه الثاني : قول عمر " من أدركه المساء " لا يعني بالضرورة بعد غروب الشمس ، فالمساء له وجه قوي في اللغة بأنه بعد الزوال أو ما بين الظهر إلى المغرب[30] ، وبهذا جاء أثر الحسن والنخعي – رحمهما الله -: " من أدركه العصر وهو بمنى في اليوم الثاني لم ينفر حتى الغد " [31]
- الوجه الثالث : عمر – رضي الله عنه – يعرف عنه تشديده في كثير من المسائل في مناسك الحج حتى لا يتساهل الناس فيها ، فنجده على سبيل المثال ينهى عن التمتع بالعمرة إلى الحج ، لا للتحريم إنما لكي لا يخلو بيت الله من النساك .
- وكذلك تشدد عمر – رضي الله عنه – في أنه كان يأمر الحائض أن تنتظر حتى تطهر من حيضتها فتطوف طواف الوداع ، ولم يكن يرخص لها بالذهاب قبل ذلك ، وهذا ثابت عن عمر كما أخرجه أبو داود وصححه الألباني – رحمه الله – في صحيح أبي داود (2004 ) .
- وكذلك ثبت بإسناد صحيح كراهية عمر – رضي الله عنه – للطيب قبل الإحرام ،فقد روى مالك في الموطأ عن نافع عن أسلم مولى عمر بن الخطاب : " أن عمر بن الخطاب وجد ريح طيب وهو بالشجرة فقال : ممن ريح هذا الطيب فقال معاوية بن أبي سفيان : مني يا أمير المؤمنين، فقال : منك لعمر الله ،فقال معاوية:إن أم حبيبة طيبتني يا أمير المؤمنين فقال عمر عزمت عليك لترجعن فلتغسلنه "[32].
- كما منع – رضي الله عنه – أهل مكة من أن ينفروا في النفر الأول مع المتعجلين ، فقال : "من شاء من الناس كلهم أن ينفر في النفر الأول إلا آل خزيمة فلا ينفرون إلا في النفر الأخير"[33] ، بالرغم من أن النبي - صلى الله عليه وسلم – ثبت عنه أنه قال : " أيام منى ثلاثة فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه "[34] فاستوى فيه أهل مكة وغيرهم ، كالدفع من عرفة ومزدلفة .
· رابعاً : أثر ابن عمر – رضي الله عنهما – ثابت لا ريب، ويمكن توجيهه بالأمور الآتية :
- التوجيه الأول : ابن عمر – رضي الله عنهما – لم يمنع النفر من منى لمن رمى الجمار في اليوم الثاني من أيام التشريق وقد غربت عليه الشمس في منى ، وإنما كان يمنع من الرمي ليلاً في أيام التشريق ، وهذا ثابت عنه كما روى البيهقي في " السنن الكبرى " عن ابن عمر قال : " من نسي أيام الجمار أو قال : رمي الجمار إلى الليل فلا يرم حتى تزول الشمس من الغد "[35] .
- وهذا التوجيه هو ما فهمه ابن عبد البر – رحمه الله - فقال : " إنما قال ذلك – أي ابن عمر – لأن من غربت له الشمس بمنى لزمه المبيت بها على سنته ،فإذا أصبح من اليوم الثالث لم ينتظر حتى يرمي ، لأنه ممن تعجل في يومين ، فإن أقام حتى تزول الشمس رمى على سنته في تلك الأيام ، وقد رخص له أن يرمي في الثالث ضحى وينفر [36]" .
- فيكون توجيه أثر ابن عمر – رضي الله عنهما – على النحو الآتي : من غربت عليه الشمس وهو بمنى ولم يكن قد رمى من أوسط أيام التشريق فلا ينفرن حتى يرمي الجمار من الغد ويرخص له أن يرمي ضحى .
- التوجيه الثاني : ابن عمر – رضي الله عنهما – كان يميل إلى التشديد بأشياء كثيرة لا يوافقه عليها الصحابة ، وهو ما أكده الإمام ابن القيم فقال : " كان هذان الصاحبان الإمامان – ابن عباس وابن عمر - ، أحدهما يميل إلى التشديد والآخر إلى الترخيص ، وذلك في غير مسألة، وعبد الله بن عمر كان يأخذ من التشديدات بأشياء لا يوافقه عليها الصحابة ، فكان يغسل داخل عينيه في الوضوء حتى عمِيَ من ذلك ، وكان إذا مسح رأسه أفرد أذنيه بماء جديد ، وكان يمنع من دخول الحمّام ، وكان إذا دخله اغتسل منه ، وابن عباس كان يدخل الحمّام ، وكان ابن عمر يتي
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الأخ الفاضل سعود الزمانان
عدد القراء : 1584
تاريخ الموضوع: 03 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(92/2)
مذكرة في أصول الفقه للشيخ عدنان عبد القادر - 3
الشيخ عدنان عبد القادر
- مثاله : الصلوات الخمس ، وصيام رمضان ، والحج عند الاستطاعة، والصدق ، والأمانة ، والعفة .
- غالب الواجبات هي فرض عين .
- الأصل في الواجبات أنها فرض عين إلا لقرينة .
2 .فرض كفاية :
- المطلوب هو وقوع الفعل وتحققه دون النظر إلى الفاعل[1] .
- مثال : إنقاذ الغريق ورد السلام وصلاة الجنائز وعيادة المريض .
- وإذا فعله الكل فلهم أجر فعل الواجب كلهم .
- وإذا فعله بعضهم ثم فعله آخرون بعدهم ف‘نه يعتبر فرضا لأول من فعله أما الآخرون الفاعلون بعد تحقق الفعل ومقصوده وسقوط الواجب فقد فعلوا مندوبا أو مباحا [2].
- مثاله : رد السلام : فمن رد أولا فله أجر الواجب دون من تأخر .
- حفظ القرآن : من حفظه أولا حال الوجوب فله أجر الواجب ، فإذا سقط الواجب وحفظه آخرون ففي حقهم مندوب .
- تعلم الطب والهندسة والإدارة وغيرها كذلك .
أقسام الواجب باعتبار الفعل :
1 .معين :
- ( الواجب الذي لا يقوم غيره مقامه )
- كالصلاة : لا يقوم الصوم بدلاً عنها، ولا الصوم بدلاً عن الزكاة .
2 .مبهم ( مخير ) :
- (إيجاب شيء مبهم من أشياء محصورة )
- كخصال الكفارة في اليمين من عتق أو إطعام أو كسوة ( وليس الصوم )
أقسام الواجب باعتبار الوقت :
1 .مضيق:
- ( ما تعين له وقت مساوِِ لأدائه )
- أي لا يسع الوقت لأداء هذه العبادة وجنسها في نفس الوقت.
- فلا نستطيع أن نصوم مرتين في يوم واحد ، بل الصيام مستغرق كل اليوم .
2 .موسع :
- ( ما كان وقته المعين يزيد على أدائه )
- أي نستطيع ويسع الوقت لأداء صلاة الظهر وأخرى من جنسها في نفس وقت الظهر .
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الشيخ عدنان عبد القادر
عدد القراء : 1458
تاريخ الموضوع: 03 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(93/1)
مذكرة في أصول الفقه للشيخ عدنان عبد القادر - 2
الشيخ عدنان عبد القادر
اصطلاحا :
ما اقتضاه دليل الشرع المتعلق بفعل العبد من طلب أو تخيير أو وضع .
( ما اقتضاه )
ما ألزمه ودل عليه .
إذ يلزمك أن تقول في المندوب أنه مندوب وليس بواجب وكذا في باقي الأحكام.
( دليل الشرع )
الكتاب والسنة والإجماع والقياس .
بينما لو قيل ( خطاب الشرع ) لدخل فيه الكتاب والسنة القولية فقط ، لأن السنة الفعلية ليست خطابا .
وكذا القياس والإجماع هما من أدلة الشرع وليسا خطابا شرعيا إذ الخطاب هو الكلام .
( المتعلق بفعل )
الفعل القولي أو العملي الظاهري والباطني إيجاداً أو تركاً.
فالقولي : كتكبيرة الإحرام وقراءة سورة الفاتحة والتسبيح في الركوع أو السجود.
العمل الظاهر إيجادً : كفعل الصلاة والحج .
العمل الظاهري تركاً : ترك الزنا وشرب الخمر .
العمل القلبي : كالنية .
ويدخل فيه الفعل الخاص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - والعام لكل الأمة : إذ لو قال : " أفعال " لخرج الفعل الخاص بالنبي صلى الله عليه وسلم .
( العبد )
يدخل فيه الجن والإنس .
المكلف منهم البالغ العاقل .
وغير المكلف كالصغير والمجنون والمعتوه إذ تندب في حقهم بعض الأمور كالعبادات وتجب في حقهم أمور أخرى كتعويض المتلف .
( من طلب )
طلب الفعل من واجب ومندوب .
وطلب الترك من محرم ومكروه.
( أو تخيير )
المباح .
( أو وضع )
ما وضعه الشارع من أسباب وشروط وموانع تدل على صحة العمل أو فساده
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الشيخ عدنان عبد القادر
عدد القراء : 1463
تاريخ الموضوع: 03 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(94/1)
مذكرة في أصول الفقه للشيخ عدنان عبد القادر - 1
الشيخ عدنان عبد القادر
الفقه
لغة
-الفهم والفطنة { واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي }: يفهموه وإدراك الأشياء الدقيقة ، والاستنباط ، وإدراك مفهوم الأشياء الفهم الظاهر والباطن .
(معرفة) :
- يدخل فيه العلم والظن الغالب .
(الأحكام الشرعية) :
- خرجت الأحكام الشرعية العلمية كالأمور الاعتقادية وأصول الفقه .
- ودخلت فيها الأحكام التكليفية على التعيين : كالواجب ، والمندوب ، والمكروه ، والمحرم ، والمباح ، إذ من الفقه أن تعلم هل هذا واجب أم محرم أم مندوب الخ…..
- ودخلت الأحكام الوضعية المعينة : كالسبب والشرط والمانع ، والتي يعرف منها صحة العمل ، وفساده لذا من دراسة الفقه دراسة الشروط والموانع والأسباب كالوضوء شرط للصلاة ، والنجاسة مانع من صحة الصلاة ، فمعرفة الشيء هل هذا شرط أم لا مانع أم لا من الفقه .
( من أدلتها )
- لأدلة التفصيلية : كالكتاب والسنة والإجماع وغيرهما .
- والأدلة الإجمالية : القواعد الأصولية .
(بالاستدلال والنظر)
- خرج المقلد والتقليد إذ التقليد يحصل بأخذ قول العالم دون البحث والاستنباط والنظر والاستدلال .
- مثاله : الصلاة واجبة : حكم عملي .
- الدليل عليه : من قول الله تعالى { وأقيموا الصلاة } وهذا دليل تفصيلي ، والقاعدة الأصولية ( كل أمر يفيد الوجوب )
• تعليق على تعريف الإمام الجويني إذ قال :"والفقه معرفة الأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد "
1 . العملية :
- إذ الأحكام الشرعية يدخل فيها القواعد الأصولية والعقدية فلم تخرج من هذا التعريف .
2 . قوله : ( التي طريقها الاجتهاد ) :
- يلزم منه عدم إدخال حكم تحريم الزنا وشرب الخمر والقتل والسرقة والربا وغير ذلك مما هو معلوم من الدين بالضرورة . وكذلك كل ما أجمعت عليه الأمة ليس من الفقه في شيء .
- وكل ما ورد فيه نص شرعي صريح صحيح من الكتاب والسنة إذ لا اجتهاد مع النص .
- قال د. النملة : " فلو خرجت هذه الأحكام وما شابهها مما اشتهر وعرفه أكثر الناس لخرج أكثر الفقه من أن يسمى فقها لأن هذه المسائل هي المسائل الأصلية في الفقه وغيرها يتفرع عنها " إ.هـ .
• فالفقه : معرفة المقصود الظاهر والباطن ، ولا يقتصر فقط على معرفة ما دق من الأشياء فما دق منها يعتمد على ما ظهر منها ، فكل من الباطن والظاهر متعلقات ببعضهما ولا يستغني أحدهما عن الآخر .
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الشيخ عدنان عبد القادر
عدد القراء : 1888
تاريخ الموضوع: 03 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(95/1)
شرح منهج السالكين للشيخ عثمان الخميس - 2
الشيخ عثمان الخميس
من رحمة الله سبحانه وتعالى أن جعل دائرة الحلال واسعة جداً وجعل دائرة الحرام ضيقة جداً.
وأقرب مثال على ذلك أن الآنية جميعها مباحة إلا الآنية المصنوعة من الذهب أو الفضة أو فيهما شئ منهما.
وهذا يندرج إلى أشياء كثيرة جداً، فالمحرمات من النكاح ذكرها الله في قوله: "حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعمّاتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبناءكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفوراً رحيماً، والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم"، هؤلاء هن المحرمات ثم قال "وأحل لكم ما وراء ذلكم"، كما أضاف النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المحرمات الجمع بين الزوجة وعمتها أو خالتها.
وكذا لما ذكرنا المحرمات من الأطعمة قال:" حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب"، هذه هي المحرمات ثم قال:"يسألونك ماذا أحلّ لهم، قل أحلّ لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلّبين تعلمونهم مما علمكم الله" وقال في آية أخرى:"قل لا أجد فيما أوحي إليّ محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقاً أهل لغير الله به"، كما أضاف النبي صلى الله عليه وآله وسلم كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير.
وأما المعاملات فالأصل فيها الإباحة إلا ما دلّ الدليل على تحريمها ومنعها
وكذا الأعيان أي الأشياء الملموسة الأصل فيها الطهارة والإباحة في استخدامها إلا ما دلّ الدليل على نجاستها أو تحريم استعمالها.
فالحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً.
فالأواني إذاً كلها مباحة سواء كانت من نحاس أو حديد أو ألماس أو ألمنيوم أو غيرها من المعادن والحرمة هي آنية الذهب والفضة، وما فيه شيء منهما كأن تكون مطلية بالذهب أو الفضة أو مرصعة أو مموهة. لنهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله:" لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها". أخرجه البخاري ومسلم
ثم قال رحمه الله: إلا اليسير من الفضة لحاجة وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان له إناء قد ثلم (أي كسر جزء منه) فضية بفضة أخرجه البخاري
لذلك أجاز أهل العلم الضبة أي القطعة اليسيرة من الفضة لحاجة.
باب الاستنجاء وآداب قضاء الحاجة
قال رحمه الله: يستحب إذا دخل الخلاء أن يقدّم رجله اليسرى ويقول بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث، وإذا خرج منه قدّم رجله اليمنى وقال غفرانك الحمد لله الذي أذهب عنّي الأذى وعافاني.
أما الدخول بالرجل اليسرى فلأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا دخل المسجد قدّم رجله اليمنى وإذا خرج قدم رجله اليسرى. فقال أهل العلم المسجد أطهر مكان فتقدّم اليمنى وتؤخر اليسرى وعكسه الحمّام فهو أخبث مكان فناسب أن يقدّم اليسرى ويؤخر اليمنى.وأما الدعاء فقوله بسم الله لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:"ستر ما بين عورات بني آدم وأعين الجن بسم الله". أخرجه الترمذي
فهو يستتر عن أعين الإنس بالجدار وغيره ويستتر عن أعين الجن بقوله بسم الله
قال ابن كثير: لما كانت الجن ترى الإنس وهو لا يراها كما قال تعالى:"إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم. فناسب أن نستعيذ منهم.بمن يرى الجن ولا يراه الجن هو الله سبحانه وتعالى. ولذلك يستحب أن يقول بسم الله كلما أراد أن يخلع ملابسه ولو لم يكن في الحمام.
وأما قوله اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث، فالخبث ذكور الجن والخبائث إناث الجن، وقوله غفرانك إما أن يكون معناها استغفرك لذهاب هذا الوقت دون أن أذكرك، أو يكون معناها كما أذهبت عني الأذى اذهب عني الذنوب.
قال الشيخ: ويعتمد في جلوسه على رجله اليسرى وينصب اليمنى ويستتر بحائط أو غيره ويبتعد إن كان في الفضاء.
قلت: أما الاستتار بالحائط فحتى لا ترى عورته فإذا لم يجد ما يستتر به فإنه يبتعد حتى لا يرى الناس عورته.
قال الشيخ: ولا يحل له أن يقضي حاجته في طريق أو محل جلوس الناس أو تحت الأشجار المثمرة أو في محل يؤذي به الناس ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها حال قضاء حاجته. فإذا قضى حاجته استجمر بثلاثة أحجار ونحوها تنقي المحل ثم استنجي بالماء ويكفي الاقتصار على أحدهما. ولا يستجمر بالروث والعظام لنهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك وكذلك كل ما له حرمة.
الإنسان إذا قضى حاجته إما أن يستجمر وإما أن يستنجي والاستنجاء يكون بالماء والإستجمار يكون بالحجارة أو الخشب أو الزجاج أو الخرق أو المناديل أو غيرها من الطاهرات.
ولا يكفي بالاستجمار أقل من ثلاثة أحجار أو حجر كبير له ثلاثة أطراف لنهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يستجمر المسلم بأقل من ثلاثة أحجار. وسواء استنجى بالحجارة أو الماء فإنه جائز المهم أن ينقي المحل.
ونهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الإستجمار بالروث والعظم لأن الروث طعام دواب الجن والعظم طعام الجن.
وكذلك كل ماله حرمة من كتب علمية أو طعام أو شراب أو غيره.
قال الشيخ: ويكفي في غسل النجاسات على البدن أو الثوب أو البقعة أو غيرها أن تزول عينها عن المحل. لأن الشارع لم يشترط في غسل النجاسات عدداً إلا نجاسة الكلب فاشترط فيها سبع غسلات إحداها بالتراب.
المهم أن تزول النجاسة سواء أزيلت بالماء أو بالكيماويات أو بغيرها إلا نجاسة الكلب فلابد من سبع غسلات لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات أولاهن بالتراب
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ عثمان الخميس
عدد القراء : 1780
تاريخ الموضوع: 31 - أكتوبر - 2002 ميلادية
(96/1)
شرح منهج السالكين للشيخ عثمان الخميس -- 1
الشيخ عثمان الخميس
ومن المحال أن تستقل العقول بمعرفة ذلك وإدراكه على التفصيل، فاقتضت رحمته أن بعث الرسل به معرفين وإليه داعين ولمن أجابهم مبشرين ولمن خالفهم منذرين، وجعل مفتاح دعوتهم وزبدة رسالتهم معرفة المعبود سبحانه بأسمائه وصفاته وأفعاله، ولقد سمى الله سبحانه وتعالى ما أنزل على رسوله روحاً لتوقف الحياة الحقيقية عليه وسماه نوراً لتوقف الهداية عليه قال تعالى: "وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور" .
فالواجب اتِّباع المرسلين وما أنزله الله إليهم وقد ختم الله المرسلين بمحمد صلى الله عليه وسلم فجعله آخر الأنبياء وجعل كتابه مهيمناً على ما سبقه من الكتب السماوية، وأكمل له ولأمته الدين قال تعالى : اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً
وأرسل الله تبارك وتعالى رسوله محمداً بالهدى ودين الحق، فلا هدى إلا فيما جاء به. ولا يقبل الله من الأولين ولا من الآخرين دينا إلا ما أرسل به رسله عليهم السلام وقد نزه الله تعالى نفسه عما يصفه العباد إلا ما وصفه به المرسلون قال تعالى: سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين " فنزه نفسه عما يصفه به الكافرون، ثم سلم على المرسلين لسلامة ما وصفوه به من النقائص والعيوب، ثم حمد نفسه على تفرده بالأوصاف التي يستحق عليها كمال الحمد.
وقد بلَّغ الرسول صلى الله عليه وسلم البلاغ المبين وأوضح الحجة للمستبصرين وسلك سبيله خير القرون ثم خلف من بعدهم خلف اتبعوا أهواءهم وافترقوا وذلك أنه كلما بعد عهد الناس عن زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ظهرت البدع وكثر التحريف الذي سماه أهله تأويلا ليقبل فاحتاج المؤمنون بعد ذلك إلى إيضاح الحق، فقيَّض الله سبحانه وتعالى عباداً له يذبون عن دينه كل باطل. وأقام الله لهذه الأمة من يحفظ عليها أصول دينها، كما أخبر الصادق صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله، وهم ظاهرون على الناس. أخرجه البخاري ومسلم من حديث المغيرة بن شعبة
كتاب الطهارة
قال العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى: شروط الصلاة، منها الطهارة
قلت: الشرط هو الأمر الذي يعتمد عليه العمل اعتمادا كليا بحيث لا يصح بدونه، وهو دائما يسبق العمل ويتقدم عليه وإن فقد الشرط لم يصح العمل إلا في حالة واحدة وهي العجز عن الإتيان به لقوله تعالى: فاتقوا الله ما استطعتم
وأول شروط صحة الصلاة الطهارة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يقبل الله صلاة بغير طهور. أخرجه البخاري ومسلم فمن لم يتطهر من الحدث الأكبر والأصغر والنجاسة فلا صلاة له.
والطهارة نوعان: أحدهما الطهارة بالماء، وهي الأصل، فكل ماء نزل من السماء أو خرج من الأرض فهو طهور يطهر من الأحداث (كالغائط والبول) والأخباث (كسائر النجاسات)، ولو تغير طعمه أو لونه أو ريحه بشيء طاهر. كما قال النبي إن الماء طهور لا ينجسه شيء. أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وهو صحيح. فإن تغير أحد أوصافه بنجاسة فهو نجس يجب اجتنابه
قلت: فالماء لا ينجس إلا إذا وقعت فيه نجاسة وأثرت في طعمه أو لونه أو ريحه،
ـ فإذا وقعت فيه نجاسة ولم تؤثر فيه.
ـ أو تغيرت بعض أوصافه بشيء طاهر.
ـ أو تغيرت أحد أوصافه بسبب قربه من نجاسة لم تخالطه.
في هذه كلها هو طهور يجوز الوضوء به، وأما الشاي والعصير وماء الورد وما شابهها فهذه لا تسمى ماءً، ولا يجوز الوضوء بها بالإجماع.
قال العلامة ابن سعدي: والأصل في الأشياء الطهارة والإباحة: فإذا شك المسلم في نجاسة ماء أو ثوب أو بقعة أو غيرها: فهو طاهر، أو تيقن الطهارة وشك في الحدث: فهو طاهر لقوله صلى الله عليه وسلم" لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا". أخرجه البخاري ومسلم
قلت: إذا عرف المسلم هذه القاعدة زال عنه همٌّ عظيم وارتاح من كثير من الوساوس التي أفسدت على الكثيرين حياتهم وعباداتهم وذلك أن الأصل في كل شيء أنه طاهر إلا إذا دل الدليل على أنه نجس، فإذا رأينا حيوانا أو حجرا أو ثوبا أو غيرها، فإنها طاهرة ما لم نتيقن نجاستها.
وكذا من تيقن الطهارة أي أنه متأكد أنه توضأ للصلاة ثم وقع منه شك هل انتقض هذا الوضوء أو لا فيبقى على الأصل وهو أنه متوضأ والعكس صحيح وذلك أنه إذا كان متأكدا أنه قضى حاجته ثم شك هل توضأ بعد ذلك أو لا فإنه يبقى على الأصل وهو أنه محدث، حتى لو كان من عادته أنه يتوضأ دائما طالما أنه متيقن الحدث، ويخطأ من يقول إذا شك فإنه يتوضأ من باب الاحتياط، بل الاحتياط يكون في اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ عثمان الخميس
عدد القراء : 2191
تاريخ الموضوع: 31 - أكتوبر - 2002 ميلادية
(97/1)
مقدّمة منهج السالكين
الشيخ عثمان الخميس
والأصل في الإنسان أنه جاهل كما قال تعالى: والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا، فالعلم فضل من الله يؤتيه من يشاء كما قال تعالى: واتقوا الله ويعلمكم الله
وقال الإمام الشافعي
تعلم فليس المرء يولد عالما وليس أخو علم كمن هو جاهل
فإن كبير القوم إن كان جاهلا صغير إذا التفت عليه الجحافل
وإن صغير القوم إن كان عالما كبير إذا ردت إليه المحافل
وطلب العلم قربى في حد ذاته بل فرض على كل مسلم ومسلمة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: طلب العلم فريضة على كل مسلم.
والعلم ينقسم إلى قسمين: فرض عين، وفرض كفاية
ومعنى فرض عين أي يجب على كل شخص بعينه أن يتعلمه، كتعلم أمور العقيدة كمعرفة الله وما يجب له من عبادته وطاعة أمره كما قال رسول الله لمعاذ بن جبل : حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وتعلم الأحكام الشرعية كأحكام الطهارة والصلاة والصيام وما شابه ذلك مما يحتاجه المسلم في حياته اليومية.
أما فرض الكفاية فهو الذي إذا قام به البعض سقط به الإثم عن الآخرين كعلم النحو وعلم الصرف والمواريث وعلوم القرآن وغيرها
وسنقوم إن شاء الله من خلال هذه الصفحة بشرح كتاب منهج السالكين للإمام عبد الرحمن بن ناصر السعدي ، بأسلوب سهل واضح بعيد عن التعقيد، ومعتمدا على الأدلة من الكتاب والسنة الصحيحة على فهم سلفنا الصالح من الصحابة والتابعين والأئمة المتبوعين.
التعريف بصاحب الكتاب
هو العلامة الورع الزاهد عبد الرحمن بن ناصر السعدي التميمي الحنبلي، ولد في مدينة عنيزة، بالقصيم في المملكة العربية السعودية سنة 1307 هجرية توفيت أمه وهو في الرابعة من عمره وتوفي والده وهو في الثامنة، واعتنت به زوجة أبيه، وحفظ القرآن في الحادية عشرة من عمره، وطلب العلم على يد كثير من العلماء منهم: محمد بن عبد الكريم الشبل و صالح بن عثمان القاضي وعبد الله بن عائض و صعب بن عبد الله التويجري وغيرهم،
وقد اعتنى كثيرا بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وانتفع بها كثيرا، وانتهت إليه الفتوى سنة 1350
وتتلمذ عليه الكثير من طلبة العلم في ذلك الوقت ومن أشهر تلاميذه الذين انتفعوا به كثيرا:
شيخنا أبو عبد الله محمد بن صالح العثيمين، وسليمان بن إبراهيم البسام، ومحمد بن عبد العزيز المطوع، وعبد الله بن عبد الرحمن البسام، ومحمد المنصور الزامل.
وللشيخ مؤلفات كثيرة نفع الله بها حيث تميزت كتبه بحسن الترتيب وسهولة العبارة، والتركيز على التقسيمات البديعة التي تميز بها. ومن مؤلفاته:
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ـ إرشاد أولي البصائر والألباب لمعرفة الفقه بأقرب الطرق وأيسر الأسباب ـ القواعد الحسان في تفسير القرآن ـ توضيح الكافية الشافية ـ الرياض الناضرة ـ الفروق والتقاسيم البديعة النافعة ـ الفتاوى السعدية ـ الفوائد الجلية، منهج السالكين وغيرها كثير
وقد توفي رحمه الله تعالى سنة 1376 هـ
وقد تميز العلامة عبد الرحمن السعدي بتقسيماته البديعة وتأصيل القواعد العامة في كثير من مؤلفاته، والتي تساعد طالب العلم على فهم كثير من المسائل فهما صحيحا، كما في كتابه القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة وكتابه القواعد الحسان لتفسير القرآن، وكتابه طريق الوصول إلى العلم المأمول بمعرفة القواعد والضوابط والأصول.
وكان رحمه الله تعالى قد ابتكر أسلوبا جديدا في طرحه مما حببه إلى طلبة العلم في ذلك الزمان وهذا الزمان أيضا ومما تميز به:
* أسلوب السؤال والجواب أو عقد مناظرات علمية يتم من خلالها مناقشة المسائل مع ذكر الأدلة ومن ثم الترجيح وكان رحمه الله تعالى يسمي أحد المتناظرين المستعين بالله والآخر المتوكل على الله كما في كتابه الإرشاد
* كان يستشير تلاميذه في اختيار الكتاب الأنفع من كتب الدراسة، ويختار ما يختاره أغلبهم.
* كان يخصص مكافآت لمن يحفظ المتون من طلبته، تشجيعاً لهم.
* يطرح المسائل على طلبته ليشحذ أذهانهم، ويتعمد أحياناً تغليط نفسه أمامهم
* يتفقد طلبته إذا غابوا، ويسأل عنهم، وكان يتحبب إليهم ويلاطفهم.
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ عثمان الخميس
عدد القراء : 2060
تاريخ الموضوع: 31 - أكتوبر - 2002 ميلادية
(98/1)
القراءات القرآنية وتعسف بعض النحاة - للأستاذ الدكتور أحمد الخطيب
الدكتور أحمد الخطيب
القرآن الكريم هو الكلام العربى ، الذى لا عوج فيه ولا التواء ، أعجز الله به البلغاء ، وأبكم به الفصحاء ، فنهل الكل من معينه ، وخضع الجميع لعظمته وسموه.
وقد جاء هذا الكتاب خطاباً عاماً للأمم كافة فى كل زمان وفى أى مكان ، لذلك راعى اختلاف عقول الناس ، وما تستوعبه منه ، فشمل ما يلبى رغبات الخواص فألمح أشار ، ونوَّه ، وعرّض ، ونوّع ، فى أوجه الإعراب ، فاشتمل على الدقائق التى لا يطلع عليها إلا بصير حصيف.
وشمل أيضاً ما يلبى رغبات العوام فأفصح وأبان ، وأرهب ورغب ، وعلل ووجه ، فاشتمل على صنوف من القول ، وفنون من البلاغة ، وذلك لأنه الكتاب الخاتم الذى لا كتاب بعده ، المنزل على الرسول الخاتم الذى لا رسول بعده. ومع ذلك فقد اعترض بعض أهل النحو على بعض قراءاته الثابتة ، زاعمين أنها خالفت قواعد النحو.
وقد أخطأوا فى قياس آيات القرآن الكريم على قواعد النحو أيما خطأ ، بل أجرموا أيما إجرام ؛ لأن القرآن الكريم هو كلام الله المعجز لأساطين البيان والبلاغة ، وأنه أصل اللغة ، ومنه تستنبط قواعدها ، وعلى ضوء آياته تضبط اللغة ، وتصحح هيئاتها.
وإنى إذ أؤكد هذه الحقيقة آتى إلى بعض تلك القراءات التى ادعوا أنها خالفت قواعد العربية ، لأبين أنها لم تخالفها بل لها فى وجوه العربية ما يؤيدها ، ليتقرر من خلال ذلك أن هذه الدعوى تنبئ عن قصور قائليها وعدم درايتهم بكل أوجه العربية.
ومما أوردوه فى هذا المقام ما يلى:
المثال الأول:
قال تعالى: ((يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام ))(1)[1])
حيث قرأ حمزة - وهو أحد القراء السبعة - (والأرحامِ) بالخفض. وفى هذا يقول صاحب الشاطبية: وحمزة والأرحامِ بالخفض جملا(2)[2])
عارض النحاة هذه القراءة بحجة أنه لا يجوز عطف الاسم الظاهر على الضمير المجرور إلا بإعادة حرف الجر - كما هو مقرر فى قواعد النحو وهو اتجاه البصريين - ومنه قوله تعالى: ((فخسفنا به وبداره الأرض))(3)[3])
الرد على هؤلاء النحاة وتوجيه القراءة:
والرد على هؤلاء النحاة ومن وافقهم من المفسرين هو من خلال الآتى:
1- القرآن الكريم هو الكتاب الخالد الذى أنزله الله - عز وجل - لهداية البشرية ، وهو بجانب ذلك كتاب معجز فى فصاحته وبلاغته ، حيث نزل فأعيا الله به الفصحاء ، وألجم به البلغاء ، فشهد الأعداء ببلاغته وأقر الحاقدون ببراعته ، واعترف الجميع بسيادته.
والمعروف أن للقراءة المقبولة ضوابط ذكرها السيوطى فى الإتقان(4)[4]) نقلاً عن ابن الجرزى وقد سبق ذكرها. وأذكر بأنها صحة السند ، وموافقة اللغة العربية ولو بوجه ، وموافقة أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالاً ، وهذه القراءة التى معنا هى قراءة حمزة أحد القراء السبعة ، والمقرر لدى العلماء أن القراءات السبع متواترة لاستيفائها شروط التواتر ، ومن هنا تلقتها الأمة بالقبول.
وبذلك يكون شرط صحة السند قد تحقق ما هو أعلى منه ، وهو التواتر ، الذى يكفى وحده فى القطع بقرآنيتها.
يقول القرطبى فى معرض رده على من ردوا قراءة حمزة:
مثل هذا الكلام محذور عند أئمة الدين ؛ لأن القراءات التى قرأ بها أئمة القراء ثبتت عن النبى -صلى الله عليه وسلم - تواتراً يعرفه أهل الصنعة ، وإذا ثبت شئ عن النبى - صلى الله عليه وسلم - فمن رد ذلك ، فقد رد على النبى -صلى الله عليه وسلم - ، واستقبح ما قرأ به ، وهذا مقام محذور لا يقلد فيه أئمة اللغة والنحو ، فإن العربية تتلقى من النبى -صلى الله عليه وسلم ، ولا يشك أحد فى فصاحته.ا.هـ(5)[5])
وأما بالنسبة لشرط موافقة أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالاً فهو متوفر أيضاً لأن رسم القراءة بحركة الإعراب نصباً أو خفضاً لم يغير من رسمها ولا من هيئتها شيئاً مع التذكير بأن المصاحف العثمانية كانت خالية من النقط والشكل.
وأما بالنسبة للشرط الثالث وهو موافقة اللغة العربية ولو بوجه فسوف يبين لنا فيما هو آت أنه متحقق أيضاً بوجوه عديدة وليس بوجه واحد ، وسوف يبين لك أيضاً ضعف قاعدة البصريين التى اعتمدوا عليها فى رد القراءة.
2- وقد قيل فى توجيه قراءة الخفض بعيداً عن كونها معطوفة على الضمير المجرور بدون إعادة الجار أقوال منها:
أ- ما قيل : إن الواو فى (والأرحامِ) هى واو القسم والمقسم هو الله تعالى ، ومعلوم أن لله تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه وذلك كما أقسم سبحانه بالضحى والليل والفجر والشمس وغيرها من المخلوقات.
ب- وقيل: هو قسم أيضاً لكن على تقدير مضاف محذوف أى ورب الأرحام.(6)[6])
ج- وقيل: هو على تقدير إضمار الخافض ، قال ابن خالويه: واستدلوا له بأن الحجاج كان إذا قيل له: كيف تجدك؟ يقول: خيرٍ عافاك الله. يريد بخير.
أو أنه على تقدير: واتقوه فى الأرحام أن تقطعوها ، ثم قال ابن خالويه: وإذا كان البصريون لم يسمعوا الخفض فى مثل هذا ولا عرفوا إضمار الخافض ، فقد عرفه غيرهم ومنه قول القائل:
رسمِ دارٍ وقفت فى طلله
كدت أقضى الحياة من خلله
3- وقيل فى توجيه الخفض كذلك: إن (الأرحامِ) معطوف على الضمير المجرور فى قوله (به)
وهذا التوجيه هو الذى عارضه البصريون وعارضوا القراءة وردوها لأجله ؛ لأنها تخالف ما هو مقرر عندهم من عدم جواز عطف الاسم الظاهر على الضمير المجرور بدون إعادة حرف الجر ، وحجتهم فى ذلك أن الضمير فى الكلمة جزء منها ، فكيف يعطف على جزء من الكلمة ؟ وشبهوه بالتنوين وقالوا: كما لا يعطف على التنوين فإنه لا يعطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار.
مناقشة هذا الرأى:
هذا الذى ذهب إليه البصريون فى رد قراءة حمزة (والأرحامِ) ردوا به أيضاً تخريج عطف (المسجدِ) على الضمير المجرور فى قوله (به) وذلك فى قوله سبحانه: ((وكفر به والمسجدِ الحرام))(7)[7])
هنا ناقش السمين الحلبى هذه القاعدة مناقشة علمية متأنية أنقل هنا أكثر ما قاله لتتم الفائدة ، قال السمين: اختلف النحاة فى العطف على الضمير المجرور على ثلاثة مذاهب:
أحدهما: وهو مذهب الجمهور من البصريين: وجوب إعادة الجار إلا فى ضرورة.
الثانى: أنه يجوز ذلك فى السعة مطلقاً وهو مذهب الكوفيين وتبعهم أبو الحسن ويونس والشلوبيون.
والثالث: التفصيل ، وهو إن أكد الضمير جاز العطف من غير إعادة الخافض نحو: "مررت بك نفسك وزيد" وإلا فلا يجوز إلا لضرورة. وهو قول الجَرْمى.
وبعد أن ذكر السمين هذه الآراء حول العطف على الضمير المجرور علق بعد ذلك بقوله:
والذى ينبغى أنه يجوز مطلقاً - للأسباب الآتية:
أ- كثرة السماع الوارد به. ب- ضعف دليل المانعين.
ج- اعتضاد ذلك القياس.
قال: أم السماع: ففى النثر كقولهم: "ما فيه غيره وفرسِه" بجر "فرسه" عطفاً على الهاء فى غيره. ومنه قوله تعالى: ((ومن لستم له برازقين))(8)[8]) و "من" عطف على "لكم" فى قوله تعالى فى الآية نفسها: ((لكم فيها معايش)).
ومنه قوله تعالى: ((وما يتلى عليكم))(9)[9]) حيث عطف "ما" على "فيهن" أى على الضمير المجرور فيها ، وهو يعنى قوله تعالى: ((قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم ……)) ثم قال: وفى النظم منه الكثير ، ونقل شواهد عديدة اكتفى بذكر بعضها.
فمن ذلك قول القائل:
أكر على الكتيبة لا أبالى
أفيها كان حتفى أم سواها
حيث عطف "سواها" على الضمير المجرور فى "فيها" ولم يعد الجار ، ومنه أيضاً قول القائل:
إذا أوقدوا ناراً لحرب عدوهم
فقد خاب من يصلى بها وسعيرها
حيث عطف "سعيرها" على الضمير المجرور فى "بها" ولم يعد الجار ، ومنه أيضاً قول القائل:
فاليوم قد بت تهجونا وتشتمنا
فاذهب فما بك والأيام من عجب
حيث عطف " الأيام " على الضمير المجرور فى "بك" ولم يعد الجار.
وقد ذكر السمين من ذلك الكثير ثم قال:
فكثرة ورود هذا وتصرفهم فى حروف العطف ………. دليل على جوازه
وأما ضعف الدليل: فهو أنهم - أى البصريين - منعوا ذلك لأن الضمير كالتنوين ، فكما لا يعطف على التنوين ، لا يعطف عليه إلا بإعادة الجار.
ووجه ضعفه أنه كان بمقتضى هذه العلة ألا يعطف على الضمير مطلقاً ، أعنى سواء كان مرفوع الموضع ، أو منصوبه ، أو مجروره ، وسواء أعيد معه الخافض أم لا كالتنوين. وهذا كلام وجيه جداً من السمين الحلبى.
وأما القياس: فلأنه تابع من التوابع الخمسة فكما يؤكد الضمير المجرور ، ويبدل منه ، فكذلك يعطف عليه.(10)[10])
ومن خلال ذلك يتضح لنا أن قراءة حمزة (والأرحامِ) عطفاً على الضمير المجرور قبله قد تأيد بأكثر من دليل فتحقق بذلك ما وعدت به سلفاً من إظهار ضعف رأى البصريين فى رد هذه القراءة ، وضعف قاعدتهم التى اعتمدوا عليها ، وقد أسهبت فى ذلك وفى توجيه القراءة وتخريجها على أقوال وتخريجات أخرى بعيدة عن التخريج المعترض عليه ، حتى يكون ما ذكرته فى هذا المثال أساساً أعتمد عليه فى الحكم على أراء النحاة فى رد بعض القراءات الثابتة الأخرى لأبين أنهم لم يستوعبوا فى ردهم لهذه القراءات كل الأوجه النحوية المحتملة فى تخريج القراءة - حيث إن وجهاً واحداً من وجوه العربية تحتمله القراءة يكفى لقبولها مع توافر الشرطين الآخرين - فعلى ذلك قس اعتراضاتهم على القراءات التالية فى الأمثلة التى سوف أسوقها الآن.
المثال الثانى:
قال تعالى: ((وكذلك زُيِّن لكثير من المشركين قتلُ أولادهم شركائهم))(11)[11]) بجعل (زين ) ماضياً للمجهول ، ورفع (قتلُ) على أنه نائب فاعل ، ونصب ( أولادهم ) على المفعولية ، وجر (شركائهم ) بالإضافة إلى (قتل ) وهو من إضافة المصدر إلى فاعله.
وهذه قراءة ابن عامر أحد القراء السبعة.
وقد عارض بعض النحاة هذه القراءة بحجة أنه قد فصل فيها بين المضاف والمضاف إليه بغير الظرف فى غير الشعر ، فإن ذلك وإن كان سمجا فى الشعر أيضا إلا أنه يتسامح فيه للضرورة الشعرية.
ومن المفسرين الذين ردوا هذه القراءة الزمخشرى حيث قال فى الكشاف - متابعاً النحاة_:
وأما قراءة ابن عامر ((قتلُ أولادهم شركائهم )) برفع القتل ونصب الأولاد وجر الشركاء على إضافة القتل إلى الشركاء ، والفصل بينهما بغير الظرف ، فشئ لو كان فى الضرورات وهو الشعر ، لكان سمجاً مردوداً ، فكيف به فى الكلام المنثور؟ فكيف به فى القرآن الكريم المعجز بحسن نظمه وجزالته والذى حمله – أى ابن عامر – على ذلك أن رأى فى بعض المصاحف شركائهم مكتوباً بالياء ، ولو قرئ بجر الأولاد والشركاء ، لكان الأولاد شركاءهم فى أموالهم ولوجد فى ذلك مندوحة عن هذا الانكباب.(12)[12])
وعجبت لمفسر جليل له فى قلبى مكان لبراعته فى النقد والتمحيص هو الفخر الرازى((99/1)
الوقف والابتداء عند أهل الأداء وعلاقته بالمعنى القرآنى للدكتور أحمد سعد الخطيب
الدكتور أحمد الخطيب
الوقف والابتداء عند أهل الأداء وعلاقته بالمعنى القرآنى
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وبعد:
فالواقع أن باب الوقف والابتداء باب هام جداً يجب على قارئ القرآن الكريم أن يهتم به ، إذ هو دليل على فقهه وبصيرته ؛ لأن القارئ قد يقف أحياناً على ما يخل بالمعنى ، وهو لا يدرى. أو يبتدئ بما لا ينبغى الابتداء به.
فإن كان ذا بصيرة ، فإنه لن يقف إلا على ما يتم به المعنى ، اللهم إلا إذا اضطر إلى غير ذلك ، فإن عليه حينئذٍ أن يعالج أمره بأن يرجع كلمة أو أكثر أى إلى موضع يجوز الابتداء به ، فيستأنف قراءته بادئاً به ، ومنتهياً بجملة تفيد معنى يجوز الوقوف عليه.
ومثل ذلك قل أيضاً فى الابتداء.
والهدف من وراء ذلك كله هو عدم الإخلال بنظم القرآن ، ولا بما اشتمل عليه من معان.ولسوف يقف القارئ الكريم على أمثلة تطبيقية فيما هو آت – إن شاء الله تعالى - يدرك من خلالها ارتباط كل من الوقف والابتداء فى قراءة القرآن الكريم بالتفسير ، ولكن من حق قارئنا علينا - قبل ذلك - أن نوقفه على معنى كل من الوقف والابتداء وأهم ما يتعلق بهما من أحكام
تعريف الوقف والابتداء:
الوقف: هو قطع النطق عن آخر الكلمة.
والابتداء: هو الشروع فى الكلام بعد قطع أو وقف.
علاقة الوقف والابتداء بالمعنى أو التفسير:
قال الصفاقسى فى كتابه تنبيه الغافلين مبيناً أهمية معرفة الوقف والابتداء:
ومعرفة الوقف والابتداء متأكد غاية التأكيد ، إذ لا يتبين معنى كلام الله ، ويتم على أكمل وجه إلا بذلك ، فربما قارئ يقرأ ويقف قبل تمام المعنى ، فلا يفهم هو ما يقرأ ومن يسمعه كذلك ، ويفوت بسبب ذلك ما لأجله يقرأ كتاب الله تعالى ، ولا يظهر مع ذلك وجه الإعجاز ، بل ربما يُفهم من ذلك غير المعنى المراد ، وهذا فساد عظيم ، ولهذا اعتنى بعلمه وتعليمه ، والعمل به المتقدمون والمتأخرون ، وألفوا فيه من الدواوين (1)[1]) المطولة والمتوسطة والمختصرة ، ما لا يعد كثرة ، ومن لا يلتفت لهذا ، ويقف أين شاء ، فقد خرق الإجماع ، وحاد عن إتقان القراءة وتمام التجويد. (2)[2])
وهذا الكلام من عالم صرف حياته لخدمة القرآن كالصفاقسى ، له وجاهته ، وهو يؤكد ما قلته آنفاً عن ارتباط الوقف والابتداء بالتفسير.
وقال السخاوى فى تأكيد ذلك أيضاً:
فى معرفة الوقف والابتداء الذى دونه العلماء تبيين معانى القرآن العظيم ، وتعريف مقاصده ، وإظهار فوائده ، وبه يتهيأ الغوص على درره وفرائده وقد اختار العلماء ، وأئمة القراء تبيين معانى كلام الله تعالى وجعلوا الوقف منبهاً على المعنى ومفصلاً بعضه عن بعض ، وبذلك تلذ التلاوة ، ويحصل الفهم والدراية ، ويتضح منهاج الهداية. (3)[3])
من الآثار الدالة على وجوب معرفة الوقف والابتداء:
1- حديث الخطيب الذى خطب بين يدى النبى - صلى الله عليه وسلم - قائلاً: من يطع الله ورسوله فقد رشد ، ومن يعصهما. ثم وقف على "يعصهما" ثم قال فقد غوى. هنا قال له النبى -صلى الله عليه وسلم -: "بئس الخطيب أنت" (4)[4])
وقد قال له النبى - صلى الله عليه وسلم - ذلك لقبح لفظه فى وقفه ، إذ خلط الإيمان بالكفر فى إيجاب الرشد لهما ، وكان حقه أن يقول واصلاً: ومن يعصهما فقد غوى . أو يقف على "فقد رشد" ثم يستأنف بعد ذلك " ومن يعصهما ..الخ" فهذا دليل واضح على وجوب مراعاة محل الوقف.
2- روى عن ابن عمر - رضى الله عنهما - أنه قال: لقد غشينا برهة من دهرنا وإن أحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن ، وتنزل السورة على النبى - صلى الله عليه وسلم - فنتعلم حلالها وحرامها وأمرها وزجرها وما ينبغى أن يوقف عنده منها.
3- وقال على - رضى الله عنه - لما سئل عن قوله تعالى: ((ورتل القرآن ترتيلاً )) (5)[5]) قال: الترتيل معرفة الوقوف وتجويد الحروف. (6)[6])
قال ابن الجزرى فى النشر: فى كلام على - رضى الله عنه - دليل على وجوب تعلم الوقف والابتداء ومعرفته.
وفى كلام ابن عمر برهان على أن تعلمه إجماع من الصحابة - رضى الله عنهم - أجمعين وصح بل تواتر عندنا تعلمه والاعتناء به من السلف الصالح كأبى جعفر يزيد
ابن القعقاع - أحد القراء العشرة - وإمام أهل المدينة الذى هو من أعيان التابعين ، وصاحبه الإمام نافع بن أبى نعيم وأبى عمرو بن العلاء ، ويعقوب الحضرمى ، وعاصم
بن أبى النجود - وهم من القراء العشرة - وغيرهم من الأئمة ، وكلامهم فى ذلك معروف ، ونصوصهم عليه مشهورة فى الكتب ومن ثم اشترطه كثير من أئمة الخلف على المجيز أن لا يجيز أحداً إلا بعد معرفته الوقف والابتداء ، وكان أئمتنا يوقفوننا عند كل حرف ، ويشيرون إلينا فيه بالأصابع سنة أخذوها كذلك عن شيوخهم الأولين -رحمة الله عليهم أجمعين. ا.هـ (7)[7])
4- وروى أن عمر بن عبدالعزيز – رضى الله عنه – كان إذا دخل شهر رمضان قام أول ليلة منه خلف الإمام يريد أن يشهد افتتاح القرآن ، فإذا ختم أتاه أيضاً ليشهد ختمه فقرأ الإمام قوله تعالى: ((وإذا قيل لهم لا تفسدوا فى الأرض قالوا إنما نحن مصلحون)) (8)[8]) ثم توقف عن القراءة وركع فعابه عمر وقال: قطعت قبل تمام القصة إذ كان ينبغى عليه أن يكمل الآية التى بعدها إذ فيها رد القرآن على دعواهم هذه وهو قوله سبحانه: ((ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون)) (9)[9])
5- وأختم هذه الأدلة بحديث نبوى كما استهللتها به وهو حديث أبى بن كعب ، قال: أتينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم - فقال: "إن الملك كان معى فقال: اقرأ القرآن ، فعد حتى بلغ سبعة أحرف فقال: ليس منها إلا شاف كاف ما لم تختم آية عذاب برحمة ، أو تختم رحمة بعذاب" (10)[10])
قال أبو عمرو الدانى : هذا تعليم التمام من رسول الله -صلى الله عليه وسلم - عن جبريل عليه السلام ، إذ ظاهره دالّ على أنه ينبغى أن تقطع الآية التى فيها ذكر النار والعقاب وتفصل مما بعدها إذا كان بعدها ذكر الجنة والثواب ، والأمر كذلك أيضاً إذا كانت الآية فيها ذكر الجنة والنار بأن يفصل الموضع الأول عن الثانى.
قال السخاوى معقباً: لأن القارئ إذا وصل غير المعنى ، فإذا قال: ((تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين)) (11)[11]) غيرّ المعنى وصير الجنة عقبى الكافرين. (12)[12])
مقدار الوقف:
روى عن ابن عباس - رضى الله عنهما - أن مقدار الوقف هو مقدار ما يشرب الشربة من الماء. وقيل: بل مقدار ما يقول: أعوذ بالله من النار ثلاث مرات أو سبع مرات.
مذاهب القراء فيما يعتبر فى تحديد مواضع الوقف والابتداء:
ذكر السيوطى فى الإتقان (13)[13]) مذاهب أئمة القراء فى ذلك فقال:
لأئمة القراء مذاهب فى الوقف والابتداء ، فنافع كان يراعى تجانسهما بحسب المعنى ، وابن كثير وحمزة حيث ينقطع النفس - وهو الوقف الاضطرارى - واستثنى
ابن كثير قوله تعالى: ((وما يعلم تأويله إلا الله)) (14)[14]) ، وقوله تعالى: ((وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم)) (15)[15])،(16)[16]) ، وقوله تعالى : ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر)) (17)[17]) وعاصم والكسائى - يقفان - حيث تم الكلام ، وأبو عمرو يتعمد رءوس الآيات ، وإن تعلقت بما بعدها ، اتباعاً لهدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسنته - حيث - روى أبو داود وغيره عن أم سلمة أن النبى - صلى الله عليه وسلم - " كان إذا قرأ قطع قراءته آية آية يقول: بسم الله الرحمن الرحيم ، ثم يقف ، الحمد لله رب العالمين ، ثم يقف ، الرحمن الرحيم ، ثم يقف" (18)[18])
أقسام الوقف
قسم العلماء الوقف إلى أقسام عدة مختلفين فى اتجاهاتهم نحو هذا التقسيم ، والذى يترجح لدى واستقر الرأى عندى على اختياره من بين ما ذكره العلماء من أقسام أن الوقف ينقسم إلى قسمين:
الأول : وقف اضطرارى:
وهو ما اضطر إليه بسبب ضيق تنفس ، ونحوه ، كعجز ونسيان ، فعلى القارئ وصله بعد أن يزول سببه ، وذلك بأن يبدأ من الكلمة التى وقف عليها إن صلحت للابتداء بها ، وإلا ابتدأ بعد وقف صالح مما قبلها.
الثانى: وقف اختيارى:
وهو ما قصد لذاته من غير عروض سبب من الأسباب فهو مما يختاره القارئ ويقصده للاستراحة والتنفس ، وهذا القسم الثانى هو المقصود بالحديث عن الوقف ، لأنه هو الذى يعتمد عليه فقه القارئ وبصيرته حيث تظهر فيه شخصيته فى اختيار ما يقف عليه وما يبتدئ به.
ثم إن هذا القسم ينقسم إلى أقسام هى:
1- الوقف التام ويسمى " المختار"
وهو الوقف على كلام لا تعلق له بما بعده لا من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى ، أو الذى انفصل عما بعده لفظاً ومعنى. (19)[19]) والتام نفسه يتفاوت فى درجة تمامه ما بين تام وأتم ، والأتم أدخل فى كمال المعنى من التام ؛ لأن التام قد يكون له تعلق بما بعده على احتمال مرجوح ، أو يكون بعده كلام فيه تنبيه وحث على النظر فى عواقب من هلك بسوء فعله فيكون الوقف عليه أتم من الوقف على آخر القصة.
ومثال ذلك قوله تعالى: ((وإنكم لتمرون عليهم مصبحين. وبالليل أفلا تعقلون))(20)[20]) حيث الوقف على "وبالليل" تام وعلى " أفلا تعقلون" أتم.
ومن أمثلة الوقف التام أيضاً قوله تعالى عن لسان بلقيس: ((إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون)) (21)[21]) حيث أن الوقف على "أذلة " تام عند الجمهور ، وسيأتى تفصيل الكلام عن هذا المثال فيما هو آت إن شاء الله أثناء الحديث عن النماذج التطبيقية.
وقد يكون الوقف تاماً على قراءة دون قراءة ، ومن ذلك قوله تعالى:
((الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد. الله الذى له ما فى السموات وما فى الأرض)) (22)[22]) حيث أن الوقف على ((صراط العزيز الحميد)) تام على قراءة من رفع لفظ الجلالة "الله". وأما على قراءة من خفض لفظ الجلالة "الله" فليس بتام بل هو وقف حسن.
وبالجملة فإن الوقف التام يتحقق تحققاً ثابتاً فى بعض المواضع منها - كما ذكر السيوطى-: آخر كل قصة ، وما قبل أولها ، وآخر كل سورة ، وقبل يا النداء ، وقبل فعل الأمر والقسم ولامه دون القول ، والشرط ما لم يتقدم جوابه ………. (23)[23])
2- الوقف الكافى ويسمى "الصالح ، والمفهوم" ، والجائز" (24)[24]) وهو الوقف على كلام لا تعلق له بما بعده من جهة اللفظ لكن له تعلق به من جهة المعنى.(100/1)
ومعنى ما جاء فى التعريف من كون هذا الكلام الذى يوقف عليه وقفاً كافياً لا تعلق له بما بعده من جهة اللفظ يعنى أنه لم يفصل فيه بين المبتدأ وخبره ، ولا بين النعت ومنعوته ، ولا بين المستثنى والمستثنى منه ، ولا بين التمييز ومميزه ، ولا بين الفاعل وفعله ……. ونحو ذلك.
وأما كونه له تعلق به من جهة المعنى فكأن يكون الكلام الذى جاء بعد محل الوقف الكافى تماماً لقصة أو وعد أو وعيد أو حكم أو احتجاج أو إنكار.
وحكم هذا الوقف:
أنه كالوقف التام من حيث جواز الوقف عليه والابتداء بما بعده. وإن كان أقل تمكناً من هذا الجواز من التام. وقد ذكر الصفاقسى له مثالاً ودليلاً على جوازه فى ذات الوقت وهو ما جاء فى صحيح البخارى بالسند المتصل عن عبدالله بن مسعود - رضى الله عنه - قال: قال لى النبى - صلى الله عليه وسلم - " اقرأ علىّ القرآن . قلت: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: فإنى أحب أن أسمعه من غيرى. فقرأت عليه سورة النساء حتى بلغت ((فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا)) قال أمسك ، فإذا عيناه تَذْرِفان" (1)[25]) قال الصفاقسى بعد ذكر هذا الحديث:
وهو استدلال ظاهر جلى باهر لأن القطع أبلغ من الوقف وقد أمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن مسعود عند انتهائه إلى "شهيداً" والوقف عليه كاف وقيل: تام والأول هو المشهور ومذهب الجمهور ، وعليه اقتصر ابن الأنبارى والدانى والعمانى والقسطلانى وغيرهم.
وهذا هو الظاهر لأن ما بعده مرتبط به من جهة المعنى لأن الآية مسوقة لبيان حال الكفار يوم المجئ حتى إنهم من شدة الهول وفظاعة الأمر يودون أنهم كانوا تراباً وصاروا هم والأرض شيئاً واحداً ، ولا يتم هذا المعنى إلا بما بعده وهو قوله تعالى: ((يومئذٍ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثاً)) فلو كان الوقف عليه - أى على "شهيداً" - غير سايغ ما أمر به - صلى الله عليه وسلم - مع قرب التام المجمع عليه منه وهو تذييل الآية المذكورة آخراً وهو قوله سبحانه ((ولا يكتمون الله حديثاً)) (2)[26])، (3)[27])
وفى الإتقان: يدخل تحت هذا الوقف كل رأس آية بعدها لام كى وإلا بمعنى لكن - يعنى الاستثناء المنقطع - وإن المشددة المكسورة ، والاستفهام ، وبل ، ولا المخففة ، والسين وسوف ، ونعم وبئس وكيلا مالم يتقدمهن قول وقسم. (4)[28])
3- الوقف الحسن:عرفه السيوطى بأنه "الذى يحسن الوقف عليه ولا يحسن الابتداء بما بعده" (5)[29]) لتعلقه به لفظاً ومعنى (6)[30]) وذلك كأن تقف على كلام مفيد فى ذاته بحيث إذا لم تذكر ما بعده لأخذ منه معنى يحسن السكوت أو الوقف عليه. وذلك كأن يأخذ الفعل فاعله ، والمبتدأ خبره ، والشرط جوابه. كل ذلك الوقف عليه حسن ، وقد يرتقى فى الحسن إلى درجة الأحسنية بأن يضاف إلى ما ذكر وصف ونحوه.
ومثاله الوقف على ((الحمد لله ……..))(7)[31]) فإنه أفاد معنى بذاته ، لذلك فإن الوقف عليه حسن لكن لا يحسن الابتداء بما بعده لأنه صفة له ، فلا يحسن أن يبتدئ بـ((رب العالمين)) لأنه مجرور حيث هو نعت لما قبله ، فيترتب عليه الفصل بين النعت ومنعوته ، ويترتب عليه أيضاً البدء بمجرور والأصل أن يبتدأ بمرفوع. إذ المبتدأ مرفوع أما المجرور فلابد من ذكر عامله معه. والحاصل أنه إن حسن الوقف على (الحمد لله) فإن الابتداء بـ( رب العالمين) لا يحسن لكونه صفة لما قبله ، ويستثنى من هذه القاعدة كما يقول الصفاقسى ما لو كان "الموقوف عليه رأس آية ، فلا يعيد ما وقف عليه لأنهن فى أنفسهن مقاطع ؛ ولأن النبى - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قرأ قطّع ، ويقف عليها ولم يفرق بين ما هو متعلق بما قبله وغيره ، بل جعل جماعة الوقف على رءوس الآى سنة ، واستدلوا على ذلك بالحديث الذى رواه الترمذى بسند صحيح "أن النبى - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قرأ قطّع قراءته آية آية يقول: بسم الله الرحمن الرحيم ثم يقف ثم يقول: الحمد لله رب العالمين ثم يقف ثم يقول: الرحمن الرحيم ثم يقف ثم يقول : مالك يوم الدين ……." (8)[32])
ثم يقول الصفاقسى أيضاً:
وإنما ذكروا هذا الحسن ليتسع الأمر على القارئ فربما ضاقت نفسه قبل الوصول إلى التام والكافى لا سيما ما كان من ضيق الحنجرة ، فللإنسان طاقة محدودة من الكلام الذى يجمعه فى نفس واحد. (9)[33])
وبعد فهذه هى الأقسام الثلاثة التى يجوز فيها الوقف مع التفاوت بينها فى التمكن من هذا الجواز. فيندب فى حق القارئ الوقوف على الأتم وإلا فالتام ، فإن لم يستطع فعلى الأكفى وإلا فعلى الكافى ، فإن لم يستطع فعلى الجائز - الحسن - "ويعيد ما وقف عليه إلا أن يكون رأس آية ، ولا يعدل عن هذه إلى المواضع التى يكره الوقوف عليها إلا من ضرورة كانقطاع نفس ويرجع إلى ما قبله ليصله بما بعده فإن لم يفعل عوتب ولا إثم عليه" (10)[34])
4- الوقف القبيح:
هذا هو القسم الرابع من أقسام الوقف الاختيارى وقد عرفه السيوطى بأنه "الذى لا يفهم المراد منه" (11)[35]) وذلك كأن يقرأ سورة الفاتحة فيقول "الحمد" ويقف فإنه لم يفد معنى ، أو أن يفصل بين المضاف والمضاف إليه كأن يقف على (رب) دون (العالمين) أو على (مالك) دون (يوم الدين) فذلك قبيح أيضاً ؛ لأن المضاف والمضاف إليه كالشئ الواحد.
وبالجملة فإن كل ما لا يفيد معنى ولا يفهم المراد منه فإن الوقف عليه قبيح. وأقبح منه الوقف الذى يفسد المعنى ، ويثبت خلاف المقصود. وذلك كمن يقف على ( ولأبويه ) من قوله سبحانه: ((وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه)) (12)[36]) فإنه يوهم أن للأبوين النصف كذلك ، وهذا خلاف المقصود ، حيث إن فى بقية الآية تفصيلاً لحق الأبوين ((ولأبويه لكل واحد منهما السدس ………)) الخ. فالوقف على (فلها النصف) وقف أكفى ، والوقف على (ولأبويه) وقف أقبح.
ومثاله أيضاً الوقف على (والموتى) من قوله سبحانه: ((إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى))(13)[37]) فهو يوهم أن الموتى يستجيبون كذلك. والمقطوع به أنه ليس هناك تكليف بعد الموت حتى يوصف الموتى بالاستجابة وعدمها. أو يوهم أن الموتى يسمعون لو جعلنا العطف على فاعل (يسمعون) وهو واو الجماعة.
قال الصفاقسى: وليس كذلك ، بل (الموتى) يستأنف ، سواء جعلته مفعولاً لفعل محذوف يفسره الفعل المذكور بعده أى ويبعث الله الموتى ، أو جعلته مبتدأ وما بعده خبره ، فالوقف على (يسمعون) هو أكفى وقيل: تام. (14)[38])
ومنه أيضاً أن يقف على قوله تعالى: ( قالوا ) من قوله سبحانه ((لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم)) (15)[39]) أو قوله سبحانه ((لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة)) (16)[40]) لأن الابتداء بما بعد قالوا فى الآيتين يؤدى إلى إثبات ما هو كفر ، لذلك قال السيوطى: من تعمده وقصد معناه فقد كفر. (17)[41])
ومنه أن يقف على ((فويل للمصلين)) (18)[42]) مع أنه رأس آية ، ومنه أيضاً الوقف على المنفى دون المثبت فى نحو قوله سبحانه : ((فاعلم أنه لا إله إلا الله)) (19)[43]) إذ الوقف على (لا إله) نفى للألوهية وهو كفر لو اعتقد القارئ ذلك أو تعمده. أو قوله سبحانه ((وما أرسلناك إلا مبشراً ونذيراً)) (20)[44]) فالوقف على (وما أرسلناك) نفى لرسالته - صلى الله عليه وسلم - ، فلا يجوز تعمد ذلك ولا اعتقاده.
وهنا أنبه على أن كل ذلك قبيح أو أقبح فى حق من اختار الوقف ، ولا يدخل فى ذلك من اضطر إلى الوقف بسبب انقطاع النفس أو نسيان ونحوه ، فإن على القارئ حينئذٍ أن يرجع إلى موضع يجوز الابتداء به وصولاً إلى موضع يجوز الوقف عليه ، وبذلك يكون الكلام قد انتهى عن الوقف واقسامه.
الابتداء ومراتبه
مضى تعريف الابتداء وأنه: الشروع فى القراءة بعد قطع أو وقف. وإذا كان الذكر قد سبق بأن الوقف لا يكون إلا على ما يتم به المعنى ويوفى بالمقصود ، فإن الابتداء كذلك أيضاً لا يجوز أن يبتدأ إلا بما هو مستقل المعنى ، بل إن هذا الشأن فى الابتداء آكد واشد إلزاماً ؛ لأن الابتداء يكون باختيار القارئ لا تلجئه إليه ضرورة كما هو الحال فى الوقف أحياناً.
وتتفاوت مراتب الابتداء تماماً كتفاوت مراتب الوقف من حيث التمام والكفاية والحسن والقبح. والقبيح منه يتفاوت فى القبح ما بين قبيح وأقبح وذلك كمن يقف على قوله تعالى: ((لقد كفر الذين قالوا)) ثم يستأنف ((إن الله ثالث ثلاثة)) أو ((إن الله هو المسيح ابن مريم)) وقد مضت الإشارة إلى ذلك قريباً ، ويلحق بذلك أيضاً من وقف على قوله تعالى: ((لقد سمع الله قول الذين قالوا)) ثم يستأنف ((إن الله فقير ونحن أغنياء)) (21)[45]) أو كمن يقف مضطراً على قوله تعالى: (( وما لى )) ثم يستأنف ((لا أعبد الذى فطرنى)) (22)[46]) ونحو ذلك مما أفاض فى التمثيل له العلماء كالسيوطى والصفاقسى.
وتفاوت مراتب الوقف هذه إنما مرجعه إلى المعنى ، فما يكون مؤدياً لمعنى جديد مستأنف هو الذى يكون الابتداء به فى أرقى درجاته وهلم جرا.
قال السيوطى: لا يجوز - الابتداء- إلا بمستقل المعنى موف بالمقصود ، وهو فى أقسامه كأقسام الوقف الأربعة ويتفاوت تماماً وكفاية وحسناً وقبحاً ، بحسب التمام وعدمه وفساد المعنى وإحالته.
ثم ساق بعض الأمثلة للقبيح والأقبح فارجع إليه. (23)[47]) حيث إن فيما ذكرناه غنية وكفاية.
والسلف الصالح - رضى الله عنهم - كانوا يراعون مواضع الوقف والابتداء تمام المراعاة خشية أن يقف الواحد منهم على مالا يجوز أو أن يبتدئ بما لا ينبغى بل إن بعضهم كان "إذا قرأ ما أخبر الله به من مقالات الكفار يخفض صوته بذلك حياءً من الله أن يتفوه بذلك بين يديه" (24)[48]) وليس معنى ذلك أن من يجهر بمثل ذلك يكون مخطئاً أو لم يراع قواعد الأدب مع الله لأن السر والجهر بالنسبة إلى الله تعالى سواء. قال تعالى: ((وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور)) (25)[49])
ومن العلماء الذين نبهوا على وجوب مراعاة ذلك الإمام مكى بن أبى طالب فى كتابه الكشف عن وجوه القراءات السبع ، وضرب على ذلك بعض الأمثلة على ما لا يجوز الابتداء به ومن ذلك الابتداء فى القراءة بقوله تعالى ((الله لا إله إلا هو)) (26)[50]) بعد الاستعاذة مباشرة فإنه غير سائغ ؛ لأن القارئ يصل "الرجيم" بلفظ الجلالة وذلك قبيح فى اللفظ يجب الكف والامتناع عنه إجلالاً لله وتعظيماً له.
ومنه أيضاً الابتداء بقوله تعالى: ((إليه يرد علم الساعة)) (27)[51]) بعد الاستعاذة مباشرة لأن القارئ يقول: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. إليه يرد علم الساعة" فيصل ذلك بالشيطان وهو قبيح جداً.(
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الدكتور أحمد الخطيب
عدد القراء : 2198
تاريخ الموضوع: 14 - مارس - 2003 ميلادية
(100/2)
ضوابط الاقتباس من القرآن الكريم فى الأعمال الأدبية للدكتور أحمد سعد الخطيب
الدكتور أحمد الخطيب
ضوابط الاقتباس من القرآن الكريم فى الأعمال الأدبية
أ.د/ أحمد سعد الخطيب(1)[1])
بينما كنت أتجول فى مواقع الإنترنيت متصفحا الأخبار الخفيفة والمقالات السريعة جذبت نظري رسالة فى موقع منها يسأل فيها أحد الغيورين على القرآن عن حكم الشرع فى قضية الاقتباس من القرآن الكريم فى الأعمال الأدبية ، والسائل يقصد الأعمال الأدبية الماجنة الخارجة عن حد الأدب لأنه –حفظه الله - قد استشهد بهذا الأنموذج القذر الذي يقول: "أنت الآن قاب شفتين، أو أدنى ، من الحب، فهزي إليك بجذع اللحظة وصلى لنا صلى وتناسلي وتساقطي عشقًا شهيًا".
ويشرفني أن أعلن جهلي بقائل هذا السخف ، وقد يكون الجهل أحيانا شرفا، لكن وسائل الإعلام كانت قد طالعتنا أيضا بأنموذج آخر من بلاد المغرب قصيدة أخرى لشاعرة تتهكم فيها من الحديث النبوي القائل: " إن المرأة خلقت من ضلع أعوج " وترمى باللعنة قائل هذا الكلام فتقول – عاملها الله بعدله -: "ملعون يا سيدتي من قال عنك من ضلع أعوج خرجت" ..
ثم تقول :
"ملعون منذ الخليقة من قال عنك : عورة من صوتك إلي أخمص قدميك"
هل ترون إلى أي مدى وصلت بنا الحرية المشبوهة ...
إن الحكم بتطبيق مبادئ الحرية أو عدم تطبيقها أصبح يقاس بمدى تقبل الطعن فى أعز ما يملكه الإنسان – وهو الهوية الدينية – أو عدم تقبله، وبالطبع فإن ما صدر عن هذه المغربية لا يعد من الاقتباس فى شيء ، بل هو تعد ومحادَّة لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، والسبب فى ذكره هو الكشف عن وجه آخر خبيث يحارب باسم الحرية والإبداع كل مظهر ديني بلا تورع ولو كان المحارَب هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان من الممكن أن نغض الطرف عن هؤلاء وأمثالهم بحجة أن أمرهم أهون من أن يعول عليه ، وأن كلامهم أحقر من أن يناقش ، لولا حسالة من خفافيش الظلام ، يعلو صوتها فى الليل البهيم الأليل مدافعة عن هؤلاء ، بدعوى حرية الفكر ، وأن من يعارض هذا العمل البديع فى أعينهم التى لا تبصر، إنما يقف فى وجه المبدعين الذين يريدون أن ينهضوا بالمجتمع ، ويضعوه على عتبة التقدم.
ألا فليطمئن السائل الكريم الغيور على قرآن ربه ودينه ، وليقرأ تاريخ التعدي على القرآن جيدا وكيف بارت محاولات كل من حاولوا التعدي عليه بأي شكل من الأشكال وباءت بالفشل الذريع ، وبقى القرآن حجة على الظالمين فى كل عصر وحين وسيبقى كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فيا عزيزي ما أشبه الليلة بالبارحة ، فليست هذه أول مرة يتعرض فيها القرآن لمثل هذه الحملات المغرضة التى تهدف إلى الحط من قدسيته ، فكل عصر له شياطينه ، فقد قام قديما أحد الشعراء الذين يهيمون فى كل واد بعمل كهذا قال فيه:
أوحى إلى عشاقه طرفه هيهات هيهات لما توعدون
وردفه ينطق من خلفه لمثل ذا فليعمل العاملون
وقال آخر:
قسما بشمس جبينه وضحاها ونهار مبسمه إذا جلاها
وبنار خديه المشعشع نورها وبليل صدغيه إذا يغشاها
لقد ادعيت دعاويا في حبه صدقت وأفلح من بذا زكاها
فنفوس عذالي عليه وعذري قد ألهمت بفجورها تقواها
فالعذر أسعدها مقيم دليله والعذل منبعث له أشقاها
وماذا خسر القرآن بذلك؟ لا شئ ، إلا كما تخسر الصخرة من ناطحها!!
وقد ينقلنا ذلك إلى التنويه باتجاه آخر من الاقتباس من القرآن الكريم والسنة النبوية فى الأعمال الأدبية العفة ثم تلحين هذه الأعمال والترنم بها على آلات الموسيقى ويتنامى إلى ذهني الآن عملان قد أثارا ضجة إعلامية وسخطا لدى الغيورين على القرآن
العمل الأول: تلك القصيدة التى نظمها شاعر فلسطيني وهي جزء من ديوانه " ورد أقل " عام 1986م. ولحنها أحد المطربين(2)[2]) ليتغنى بها ومن فقراتها التى جاءت فيها كما قرأت ذلك فى مقال للمفكر العظيم د. محمد سليم العوا:
"ماذا صنعت لهم يا أبي؟
الفراشات حطت على كتفيَّ،
ومالت عليّ السنابل،
والطير حطت على راحتي،
فماذا فعلت أنا يا أبي؟".
يقول د. العوا: يضع الشاعر هذا المقطع بين مقطعين يذكر في أولهما عدوان إخوة يوسف عليه وفي الثاني يقول :
"همو أوقعوني في الجب،
واتهموا الذئب،
والذئب أرحم من إخوتي ..
أبتِ هل جنيت على أحد
عندما قلت إني: رأيت أحد عشر كوكبًا،
والشمس والقمر
رأيتهم لي ساجدين؟".
وهذا الجزء الأخير " إنى رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لى ساجدين " هو جزء من الآية (4) من سورة يوسف.
العمل الثاني : تلك القصيدة التى لحنها مطرب كويتى وتغنى بها وقد أثارت بلبلة عما قريب حيث جاء فيها:
الحمد لله رب العالمين
وإياك نعبد وإياك نستعين إياك
وحينما أثيرت هاتان القضيتان وكان ذلك فى وقتين مختلفين برز نفس السؤال عن حكم الاقتباس من القرآن الكريم فى الشعر.
وها نحن نحاول إلقاء الضوء على قضية الاقتباس هذه:
ما المقصود من الاقتباس؟
الاقتباس هو تضمين الشعر أو النثر بعض القرآن ، لا على أنه منه ، فلا يدخل فى الاقتباس إذن ما إذا قيل قبل الكلام المقتبس: قال الله تعالى ونحوه لأنه ليس باقتباس ، بل هي إحالة ، وفى الاقتباس قد يقع شئ من تغيير فى النص المقتبس منه ، وهو بذلك يختلف عن التضمين الذى يشترط فيه تمام المطابقة وعدم التغيير.
ويتنوع الاقتباس إلى نوعين : أحدهما : ما لم ينقل فيه المقتبس ( بفتح الباء ) عن معناه الأصلي، ومنه قول الشاعر :
قد كان ما خفت أن يكونا إنا إلى الله راجعونا
وهذا من الاقتباس الذي فيه تغيير يسير، لأن الآية " إنا إليه راجعون " ( البقرة: 156) ومنه قول الحريري:
"فلم يكن إلا كلمح البصر أو أقرب حتى أنشد فأغرب" فإن الحريري كنى به عن شدة القرب وكذلك هو في الآية الشريفة.
والثاني : ما نقل فيه المقتبس عن معناه الأصلي كقول ابن الرومي :
لئن أخطأت في مدحك ما أخطأت في منعي
لقد أنزلت حاجاتي ( بواد غير ذي زرع )
فقوله { بواد غير ذي زرع } اقتباس من القرآن الكريم ( من سورة إبراهيم:37) وهي في القرآن الكريم بمعنى " مكة المكرمة، إذ لا ماء فيها ولا نبات، فنقله الشاعر عن هذا المعنى الحقيقي إلى معنى مجازي هو : " لا نفع فيه ولا خير " .
حكم الاقتباس فى ضوء ما يراه علماء الشرع :
إذا أردنا أن نقف على الحكم الشرعى فى قضية الاقتباس فإنه يجب علينا أولا أن نفرق بين حالتين للاقتباس الأولى أن يكون فى الشعر ، والأخرى أن يكون فى النثر وإليك البيان:
أولا- الاقتباس فى الشعر
يرى بعض الفقهاء أن الاقتباس فى الشعر غير جائز أصلا لأنه يجب أن ينزه القرآن عن الشعر مطلقا وإن حسن الغرض وشرف المقصد إذ كيف يجوز ذلك فى ضوء نفى وصف الشعر عن القرآن الكريم بمقتضى آيات القرآن الكريم والتى منها قوله تعالى: " وما هو بقول شاعر " وقوله تعالى: " وما علمناه الشعر وما ينبغى له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين " وإذا كان بعض الفقهاء قد تحفظوا على الاقتباس من القرآن الكريم فى الشعر وإن كان فى مقامات شريفة ، فإنهم قد أجمعوا على منع ذلك إذا كان الكلام غير لائق بالقرآن الكريم ، ومن ذلك أبيات الشعر التى حوت آيات من القرآن فى مقامات هزلية ، ويدخل فى هذا الحكم ذلك العمل المأفون الذى سأل عنه السائل المشار إليه فى مستهل المقال.
وأما فى الأغراض اللائقة ، فمنعه بعض المالكية وأجازه غيرهم ، وخص بعض المجيزين أن يكون ذلك فى مقام الوعظ والثناء وفى النثر دون الشعر، وفى ضوء ذلك يلحظ أنه من الظلم أن نوازى بين كل من قصيدتى الشاعر الفلسطيني والأخرى التى لحنها المطرب الكويتي وبين ما أشير إليه فى بداية المقال من أعمال ماجنة لأن كلا من قصيدة الشاعر الفلسطيني والقصيدة الأخرى المتعلقة بقضية المطرب الكويتى هما من جهة كونهما شعرا تضمن اقتباسا من القرآن الكريم لا شئ فيه ، لأنهما قصيدتان هادفتان بعيدتان كل البعد من المقاصد والأغراض المخلة - وقد وقع مثل ذلك كثيرا من الشعراء الذين لا يشك فى حميتهم الدينية فلم ينكر عليهم ، إلا من بعض المالكية ، ومن الرموز فى عصرنا الحديث الذين اقتبسوا من القرآن الكريم فى أشعارهم فضيلة الشيخ الشعراوى رحمه الله تعالى – لكن هذا لا ينفى أنهما تناقشان من جهة كونهما لحنا غنائيا حيث إن ذلك محظور شرعا فيما يتعلق بالقرآن الكريم.
ثانيا- الاقتباس فى النثر
الاقتباس فى النثر لاشئ فيه إذا حسن الغرض وشرف المقصد وقد وقع فى كلام النبى صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم من ذلك الكثير، وقد برز ذلك فى رسائله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى الفرس وهرقل الروم وغيرهما ، ففى رسالته إلى كسرى التى أرسلها مع عبد الله بن حذافة جاء فيها : بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم الفرس سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وأدعوك بدعاية الله فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة " لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين " وهو اقتباس من قوله تعالى: " لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَياًّ وَيَحِقَّ القَوْلُ عَلَى الكَافِرِينَ " (يس:70)وفى رسالته إلى هرقل الروم جاء: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين وإن توليت فإنما عليك إثم الأريسين أي الفلاحين ويأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا أشهدوا بأنا مسلمون وهو اقتباس من قوله تعالى: " قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (آل عمران: 64)
وختاما وبعد هذا العرض يتضح لنا أن الاقتباس هو مباح بضوابط ، أقلها ألا يكون فى الأعمال الماجنة التى لا ترعى لله حقا ، فلعنة الله والملائكة والناس أجمعين على قوم لا يقيمون للدين شأنا "وسيعلم الذين ظلموا أىّ منقلب ينقلبون "
__________
(1) أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر(101/1)
فاللهم هيء لنا الخير واعزم لنا على الرشد وآتنا من لدنك رحمة ، واكتب لنا السلامة فى الرأى وجنبنا فتنة الشيطان أن يقوى بها فنضعف , أو نضعف لها فيقوى , واعصمنا يا ربنا أن تكون آراؤنا فى الحق البين مكان الليل من نهاره , أو تنزل ظنوننا من اليقين النير منزلة الدخان من ناره , نسألك بوجهك ونتوسل إليك بحمدك وندعوك بأفئدة عرفتك حين كذب غيرها فأقرت , وأمنت بك فزلزل غيرها واستقرت ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
---
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الدكتور أحمد الخطيب
عدد القراء : 2202
تاريخ الموضوع: 09 - مارس - 2003 ميلادية
(101/2)
وقفات القرآن وبلاغته للشيخ عدنان عبدالقادر
الشيخ عدنان عبد القادر
الأدباء والشعراء كانوا يقتنصون الأدب من كتاب الله تبارك وتعالى، فأبلغ الشعراء كالمتنبي كان يتتبع آيات الله تبارك وتعالى فيقتنص من طريقة البلاغة ومن بلاغة القرآن فيحاول أن يُحدِث مثل هذه البلاغة في شِعره، لذلك قيل: أن الشعر إذا ما وجدت حكمة ووجدت شعراَ يحوي حكمة فاعلم أن هذا الشعر للمتنبي لأنه كان يتتبع كتاب الله عز وجل فيحاول أن يتوصل إلى البلاغة التي من خلالها أعجز الله عز وجل العرب، فأخذ شيئاً من بلاغة القرآن وحاول أن يطبق مثل هذه البلاغة في شعره فوصل إلى ما وصل إليه لذلك هو رأى نفسه بعد فترة فزعم بأنه نبي من عند الله ثم بعد ذلك رجع وتاب إلى الله تبارك وتعالى.
كذلك من أبلغ الشعراء ومن أشهرهم أبو نواس قالوا: وهو شاعر ماجن لكنه كان يقتنص بعض البلاغة من كتاب الله تبارك وتعالى حتى بعد ذلك قال شعراً لم يقل أحد مثل هذا الشعر أبدا إلى يومنا هذا. فقط إن تتبع شيئاً من كتاب الله تبارك وتعالى وجزءاً من بلاغة القرآن. والأمين أخو المأمون (الأمين ابن زبيدة) قال لأبي نواس مرة: هل تصنع شعراً لا قافية له؟ قال: نعم. وصنع من فوره ارتجالاً، فقال:
ولقد قلت في المليحة قولي،، من بعيد لمن يُحبكِ (فأشار إشارة أي إلى قبلة)
فأشارت بمعصمٍ ثم قالت،،،، من بعيد خلاف قولي (فأشار بـ لا لا)
فتنفست ساعةً ثم إني،،،،،، قلت للبغل عند ذلك (فأشار أي قلت للبغل امش)
فتعجب الحضور، كما تعجب الأمين من ذلك وحسن تأتيه حتى بعد ذلك وصله بصلة شريفة. هذه البلاغة التي قام بها وصنعها أبو نواس، أخذها من كتاب الله تبارك وتعالى.
- ذلك إن الإنسان إذا ما قرأ كتاب الله تبارك وتعالى كسورة المطففين قال الله تبارك وتعالى:" كلا إن كتاب الفجار لفي سجين & وما أدراك ما سجين & كتاب مرقوم & ويل يومئذ للمكذبين & الذين يكذبون بيوم الدين & وما يكذب به إلا كل معتد أثيم & إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين & كلا بلْ (ثم يسكت القارئ ثم يقرأ) رانَ على قلوبهم ما كانوا يكسبون &". فالعرب تقول: كلا بلْ رانَ على قلوبهم ما كانوا يكسبون، أما القراءة المشهورة:" كلا بلْ (ثم يسكت القارئ سكتة خفيفة ثم يقرأ) رانَ على قلوبهم ما كانوا يكسبون". ماذا تعني هذه الإشارة؟ أو هذه الوقفة ماذا تعني؟ لماذا وقف النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذا الموقف؟ هذه بلاغة اقتنصها أبو نواس.
- عندما تقرأ قول الله تبارك وتعالى في سورة القيامة قال الله تبارك وتعالى:" ووجوه يومئذ ناضرة & إلى ربها ناظرة & ووجوه يومئذ باسرة & تظن أن يفعل بها فاقرة & كلا إذا بلغت التراقِي & وقيل منْ (ثم يسكت القارئ سكتة خفيفة ثم يقرأ) راق & وظنّ أنه الفراق ". عند العرب يقولون: وقيل منْ راق. ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قرأها في إحدى قراءاته:" وقيل منْ (ثم سكت النبي صلى الله عليه وسلم سكتة خفيفة ثم قرأ) راق. ماذا تعني هذه الإشارة؟ أو هذه الوقفة ماذا تعني؟
- عندما تقرأ قول الله تبارك وتعالى في سورة الحاقة قال الله تبارك وتعالى:" ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية & يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية & فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرأوا كتابية & إني ظننت أني ملاقٍ حسابية & فهو في عيشة راضية & في جنة عالية & قطوفها دانية & كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية & وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابية & ولم أدر ما حسابية & يا ليتها كانت القاضية & ما أغنى عني مالية (ثم سكت النبي صلى الله عليه وسلم سكتة خفيفة وهذه السكتة ليست كباقي السكتات في نهاية الآيات وإنما أطال في هذه السكتة) & هلك عنّي سلطانية & خذوه فغلوه & ثم الجحيم صلّوه & ثم في سلسلة ذرها سبعون ذراعاً فاسلكوه &". لماذا سكت النبي صلى الله عليه وسلم هذه السكتة غير طبيعية في مثل هذا الموطن؟
هذه السكتات وردت في كتاب الله تبارك وتعالى، لماذا هذه السكتات؟ وما هي الإشارة من وراء هذه السكتات؟
الوقفة الأولى:
إذا ما أتينا إلى الآية الأولى في قول الله تبارك وتعالى:" كلا بلْ (ثم يسكت القارئ ثم يقرأ) رانَ على قلوبهم ما كانوا يكسبون". حتى نصل إلى المغزى من هذه السكتات أو بعض الحكم من هذه السكتات، فلنفهم معنى ران. ما معنى ران؟ هناك في كتاب الله تبارك وتعالى ذكر الله عز وجل عن الكفار:-
* الريْن،
* الأكنّة: وهي الستر أو الستار الذي يحفظ ما في داخله بحيث يكون مكنوناً قال تعالى:" قلوبنا في أكنّة مما تدعونا إليه ".
* الغُلاف: وهو الغلاف الذي يغلّف القلب قد يكون رقيقاً وقد يكون سميكاً فهو لا يشير إلى سُمْك معين قال تعالى:" قلوبنا غلف ".
* الحجاب: قال تعالى: " بينِنا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون " وهو الغطاء السميك الغليظ الذي يحجب العين.
* وقر: وهو الحجاب الذي يحجب الآذان، غشاوة وهي الغطاء الرقيق إلى غير ذلك.
* الران: هو أغلظ الحُجُب، وأكثف الحُجُب، وأثقل الحُجُب، هو حجاب على القلب ولكنه ليس بالحجاب الرقيق، وليس كأي حجاب أو حجاب سميك يمنع الرؤيا والبصيرة وإنما هو ثقيل على القلب بحيث أصبحت هذه السيئات قد ملأت القلب وثقلت عليه فأصبح القلب ثقيلاً من هذه الذنوب ومن هذه السيئات. أي غطى القلب بحجاب كثيف ثقيل فما يستطيع الإيمان أن يصل إلى مثل هذا القلب. فالران هو أكثف الحُجُب وأغلظها كما يقول ابن القيم. كذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الترمذي الذي حسّنه الشيخ الألباني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: يقول النبي صلى الله عليه وسلم:" إن العبد إذا أخطأ خطيئة نُكِتت في قلبه نُكْتَة سوداء فإذا هو نزع (أي ترك الذنب واستغفر وتاب) صُقِل قلبه (أي رجع كما كان وصقل بالبياض) وإن زاد (أي في السيئات) في القلب حتى تعلوَ قلبه قال النبي صلى الله عليه وسلم: وهو الران الذي ذكر الله تبارك وتعالى:" كلا بلْ رانَ على قلوبهم ما كانوا يكسبون". فعندما قال الله عز وجل:" كلا بلْ رانَ على قلوبهم ما كانوا يكسبون & كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون"، فعندما سعوا هم في حجب القلب عن محبة الله، فالله عز وجل احتجب عنهم ومنعهم الله عز وجل عن الاستمتاع برؤيته بعد أن منعوا قلوبهم من الاستمتاع بمحبة الله تبارك وتعالى.
الحكمة الأولى: هذه المقدمة للوصول إلى مفهوم هذه السكتة، لماذا يقف القارئ ؟ولماذا وقف النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال:" كلا بلْ (ثم يسكت القارئ سكتة خفيفة ثم يقرأ) رانَ على قلوبهم ما كانوا يكسبون". هذه الوقفة إشارة إذا ما كنت تسير في الطريق وكلما رأيت شيئاً أخذته أو دفعته ثم بعد ذلك ربما تصل إلى شيء ما إلى شيء ثقيل، فهل تستطيع بسهولة أن تدفع هذا الشيء؟ لا. إلى ما سرت ودفعت هذا وذاك لكن إذا ما وصلت إلى شيء ثقيل سميك تقول: لا، لنقف فترة لنسترجع النفس حتى بعد ذلك نستطيع أن ندفع بقوة هذا الثقيل السميك. فهذه إشارة من عند الله تبارك وتعالى فمن شدة هذه السيئات وهذه الذنوب وهذه النُكَت السوداء التي نُكتت في القلب وهذه العظائم من شدتها يقف القارئ عند هذه الآية ويقرأ: كلا بلْ (ثم يسكت القارئ سكتة خفيفة ثم يقرأ) رانَ على قلوبهم ما كانوا يكسبون. إشارة لثقل ما في قلبه من سيئات ومن ذنوب ومن معاصي. فلذلك قال تعالى:" كلا بل" فتقف تتذكر أن هذه الذنوب وهذه السيئات تثقل على العبد فتُثقِل ميزانه في السيئات حتى تكبه في نار جهنم، فيتوقف من شدة هذا.
فهذه الإشارة الأولى التي اقتنصها أبو نواس فأخذ يشير إشارات عندما تكلم وذكر القافية. فالإشارة تغني عن مثل الكلمات الزائدة، كان من الممكن أن يتكلم الله عز وجل بكلمات، ولكنها كلمات زائدة فأراد الله عز وجل أن تكون كلماته بليغة.
أما الحكمة الثانية: فهو لرحمة الله تبارك وتعالى، الإنسان إذا ما أراد أن يتكلم بخبر سيئ فيقول: يا فلان حصل كذا وكذا ثم تقف بعد ذلك لسوء الخبر ولسوء النتيجة، فتقف فترة ثم بعد ذلك أنت لا تريد أن تقول مثل هذه الكلمات وتخبره بهذه النتيجة ولكن الأمر شديد فأنت ولابد أن تخبره بمثل هذا فكأنك تقول هذا آسفاً أي حزيناً على هذا الكلام، فالله عز وجل رحمته قد غلبت غضبه، فكأن الله تبارك وتعالى لا يريد أن يخبر العبد بهذه النتيجة وهذه الأمور التي في قلبه وهذه السيئات وهذه الذنوب وهذه المعاصي التي ثقلت في قلبه وملأته، وقد حجبت القلب عن الإيمان وعن النور، ولكن الله عز وجل لابد وأن يبين مثل هذه الأمور. "كلا بل" لا يريد أن يخبر مثل هذا ولكنه لابد أن يخبر، فرحمته قد غلبت غضبه، وما ترددت في شيء ترددي عن قبض روح عبديَ المؤمن يكره الموت وأنا أكره إساءته. فالله عز وجل ربما يريد أمراً ما، ولو كانت هناك مصلحة من عدم القول ومصلحة في القول، فالله عز وجل يُغلِّب جانب المصلحة الأعظم، فيتكلم الله عز وجل بهذا ويفعل الله تبارك وتعالى ما هو الأصلح، كما يقبض روح العبد المؤمن هو لا يحب أن يُحزن هذا العبد ولكن الله تبارك وتعالى كما قال: يكره الموت وأنا أكره إساءته. فالله سبحانه وتعالى يكره إساءته لكن الموت لابد منه. فهنا الله عز وجل قال: "كلا بل"، أي لا أريد أن أخبر العبد بهذه الأمور، فالله عز وجل رحمته قد غلبت غضبه، ولكن لابد من الإخبار. لكنه سكوت فترة، سكت النبي صلى الله عليه وسلم إشارة إلى ما أراده الله تبارك وتعالى ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم: "رانَ على قلوبهم ما كانوا يكسبون".(102/1)
الحكمة الثالثة: إنه في البداية قال تعالى:" إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين". فإذا تتلى عليه الآيات قال لا أريد أن أؤمن ولا أريد أن أصدق فأصدق من أصدقك أنت ما هي إلا أساطير الأولين، كما قال سهيل ابن عمرو عندما وقَّع معه النبي صلى الله عليه وسلم كتب النبي صلى الله عليه وسلم في هذا العقد: "هذا ما عاهد عليه محمد بن عبد الله رسول الله سهيل بن عمرو". قال سهيل: ماذا؟ رسول الله، امح رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لِمَ؟ قال: والله لو نعلم إنك لرسول الله لآمنّا بك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: امح رسول الله وإن كنت أنا رسول الله. فقال هذا الكافر: لو نعلم إنك رسول من عند الله تبارك وتعالى صدقناك ولكنه في الحقيقة أساطير الأولين، فهو يعتذر ظاهراً بهذه الأعذار يقول: إنها بسبب أساطير الأولين، ولو علمت أن القرآن من عند الله لآمنت بك. فهل هو الأمر كذلك فعلاً؟ هل هو بسبب إنه لم يتضح له الأمر ولم تتضح له الحقيقة ولم يتبين له أن النبي صلى الله عليه وسلم هو من عند الله؟ لا. بل هو تبين له. فالله عز وجل يعلم ما في قلبه لكنه هو الذي أخفى ما في قلبه. فعندما أخفى هو ما في قلبه فأظهر بعض الأمور، قال: ما هي إلا أساطير الأولين. فالله عز وجل يحب الستر، ولا يحب أن يفضح الناس، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الإمام أحمد، وأبي داود والنسائي والألباني يقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل حليم حييّ ستِّير يحب الحياء والستر فإذا اغتسل أحدكم فليستتر. فالله عز وجل يحب أن يستر على الناس ولا يحب أن يخرج ما في قلوب الناس، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث مسلم: "كل أمتي معافاة إلا المجاهرين". وإن من الإجهار أن يعمل العبد بالليل عملا ثم يصبح قد ستره الله عز وجل به فيقول: يا فلان، (يذهب هذا الإنسان الذي أذنب في الليل وقد ستره الله عز وجل، وفي الصباح يقول قد عملت كذا وكذا ويفخر بذلك ويفضح نفسه ويكشف سِتْر ربه له) وقد بات يستره ربه تبارك وتعالى. الله عز وجل لا يحب أن يفضح الناس، فيحب الله عز وجل ما هو مكنون يجعله مكنونا، لذلك إذا ما أذنب العبد فاستتر يقول النبي صلى الله عليه وسلم إذا ما اقترف أحدكم شيئاً من هذه القاذورات فليستتر بستر الله فإن أظهر لنا صفحته أقمنا عليه الحد. لذلك يؤتى بالعبد يوم القيامة، فالله عز وجل يضع عليه كنفه (أي يغطيه ويستره على الناس) ويقول له: قد فعلت وفعلت وفعلت ألي كذلك؟ فيقول العبد: نعم. فيقول الله عز وجل: قد سترتها عليك بالدنيا وأنا أسترها لك هنا يوم القيامة. فالله لا يحب أن يفضح الناس ولا أن يخرج ما في قلوبهم. فهذا الكافر عندما قال :" إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين"، فأظهر إنما هي إلا أكاذيب فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم فزعم إنما هي من عند الله، وأنها قد نزلت إليه. فقلبه قد تيقن إنه رسول من عند الله. فالله عز وجل لا يحب أن يفضحه ولكن الله لابد أن يظهر ذلك لمصلحة أعظم. فهو يقول:" إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين & كلا بلْ (لا أحب أن أفضحه ولا أحب أن أذكر ما في قلبه ولكنه لابد) رانَ على قلوبهم ما كانوا يكسبون" فالسيئات والذنوب هي التي أطبقت على القلب وهي التي جعلته يكفر. فهو يعلم هو رسول من عند الله تبارك وتعالى ففضحه الله عز وجل.
من بلاغة كتاب الله عز وجل أن النبي صلى الله عليه وسلم هذه الوقفة في هذا الموضع من عند الله تبارك وتعالى، علمها النبي صلى الله عليه وسلم وقرأها هكذا ليشير إلى مثل هذه الإشارات العظيمة. قصد في اللفظ مع وفاء بالمعنى.
الوقفة الثانية:
قال تعالى:" وقيل منْ (ثم يسكت القارئ سكتة خفيفة ثم يقرأ) راق". الله عز وجل في هذه السورة (سورة القيامة) ذكر فيها آيات عظيمات، " كلا إذا بلغت التراقِي & وقيل منْ (ثم يسكت القارئ سكتة خفيفة ثم يقرأ) راق & وظنّ أنه الفراق ". كل إنسان متواجد عند المحتضر يحاول أن يعينه، الذي تكاد أن تخرج روحه. :" وقيل منْ (سكت النبي صلى الله عليه وسلم سكتة خفيفة ثم قرأ) راق & وظنّ أنه الفراق "، غلب على ظنه قد انتهى الأمر وأن الروح في طريقها إلى الخروج فلا شفاء بعد هذه اللحظة. قال تعالى: "والتفت الساق بالساق" فتلتف الساق بالساق بالكفن. قال تعالى:" إلى ربك يومئذ المساق" ساقوه في القبر، حتى بعد ذلك يساق إلى الله عز وجل يوم القيامة.
الحكمة الأولى: إن الحكمة من الوقفة هنا أن الإنسان عندما كان عند إنسان محتضر وأحب الناس إليه هذا المحتضر، يحاول أن ينقذه بمثل هذا الموضع، ويبحث عن السبيل لعل الحياة أو الروح ترجع إليه، كما يحاول أن يجد من يقرأ عليه لعل الله يشفيه من هذا المرض، فعندما يقول "من" يبحث فيقال له: ماذا تريد؟ من ماذا؟ فالبال قد انشغل عن الكلمات. فالإنسان عندما يكون في وضع معين ويكون باله قد انشغل في أمر ما فعندما يقول: افعل فأنت تتساءل ماذا أفعل وهو يكرر ذلك وباله مشغول فعقله ليس مع الكلمات. فكذلك المحتضر يقول: من، وأنت تسأله: ماذا من؟ من راق، ما الذي يرقيه؟ فكأن البال انشغل عن الكلمات لهول هذا الأمر، ولعظم هذا الأمر ترى الروح تخرج أمامك ولا تستطيع أن تفعل شيئاً. فالسكتة هنا إشارة لهول هذه الحادثة ولهول هذا المطلع ولهول هذا الموقف.
الحكمة الثانية: الإنسان في مثل هذا الموقف ربما باله ينشغل وربما يتلعثم وباله يبحث عن الكلمات. فعندما تُخاطب من قِبَل رجل عظيم أو رجل له مكانه فربما تتلعثم بالكلمات، فيقول لك: كذا ، فأنت عندك الجواب ولكنك تتلعثم فتريد أن تبحث عن الكلمة ولكنك لا تجدها، فالبال منشغل بالموقف وبالكلمة أيضاً. فهو يقول: "وقيل من" يريد أن يخرج "راق" فلا تخرج فبعد فترة تخرج، فربما لانشغال البال وربما إنه متلعثم لعظم هذا الأمر.
الحكمة الثالثة: اختلاط الأمور عليه، "وقيل من" يريد أن يبحث عن قارئ يقرأ عنه، يريد أن يبحث عن الدواء، يريد أن يحتضنه يريد أن يقبله ويريد أن يقول له كلمات ويريد أن يأخذ منه وصية ويريد كذا ويريد كذا، في لحظة واحدة يريد أن يجمع كل هذه الأمور. ففي لحظة واحدة يفعل نصف الأفعال لأنه لا يستطيع أن يقوم بجميع هذه الأفعال في نفس اللحظة أو في لحظة واحدة. فكلما ذهب إلى نصف الطريق غيّر رأيه إلى أمر آخر لهول هذا الأمر، يريد الرجل أبحث عن رجل يقرأ عليه، فهو لا يريد، أقدم له الدواء لا يريد، أطلب منه الوصية لا يريد أحتضنه لا يريد أقبله لا يريد، فلا يستطيع أن يفعل شيئاً وذلك لعظم هذا الأمر ولهول هذا الموقف والحدث. لذلك نقف مثل هذه الوقفة "وقيل منْ (سكت النبي صلى الله عليه وسلم سكتة خفيفة ثم قرأ) راق". إذاً ربما هو قد انشغل باله عن الكلمات ربما لعظم هذا الأمر وزيادة على ذلك تلعثم وزيادة على ذلك من شدة هذا الأمر لا يعلم ماذا يفعل؟ هل يبحث له عن قارئ؟ وفي منتصف الطريق يحاول أن يغير رأيه.
الحكمة الرابعة: أو الإشارة الرابعة وهو أنه يرى الروح تخرج ولا يستطيع أن يفعل شيئاً، ربما يسلك آخر السبل "وقيل منْ" يبحث عن القارئ، لا يستطيع أن يكمل لأن الروح تخرج، يقول :" وقيل منْ " ثم يجهش بالبكاء لا يستطيع أن يخرج الكلمات، وبعد ذلك قال :" راق" هل من راق له؟ فلا يستطيع أن يكمل هذه الكلمات لأنه يرى أحب الناس إليه يحتضر أمامه. لذلك الله عز وجل لم يقل: وقال لألا يُفْهم من ذلك أنه رجل واحد وما يتصرف هذا التصرف بل ربما مجموعة من الرجال أو من النساء، فقيل يُفهم منها ربما رجل ربما جموع من النساء والرجال والأطفال.
وقفة واحدة " وقيل من" تفهم أن الأمر عظيم وأن الخَطْبَ جلل لا تستطيع أن تتكلم، تتلعثم بالكلمات والبال منشغل تجهش بالبكاء، لا تعلم ماذا تفعل؟ هل تفعل هذا؟ أم تفعل ذاك؟ لعظم هذا الأمر لذلك الله عز وجل في هذه السورة بيّن عظم هذا الأمر، وأن الأمر عظيم، فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم وقيل منْ (ثم سكت النبي صلى الله عليه وسلم سكتة خفيفة ثم قرأ) راق، فهذه الإشارة تحمل كل هذه المعاني بل ربما تزيد على هذه الحكم.
الوقفة الثالثة:
السكتة اللطيفة في كتاب الله تعالى في سورة الحاقة أن الكافر يقول:" ما أغنى عني ماليه & هلك عنّي سلطانية &" وقف النبي صلى الله عليه وسلم :" ما أغنى عني ماليه (ثم سكت النبي صلى الله عليه وسلم سكتة غير طبيعية ثم قرأ) هلك عنّي سلطانية ".(102/2)
الحكمة الأولى: أو الإشارة الأولى، هذه الآية تتكلم عن يوم القيامة فالآية السابقة تتكلم عن الموت، والتي قبلها تتكلم عن ما في القلب عند قدوم الناس إلى الله عز وجل. هذه الآية تقف فيها عندما تقرأ :" ما أغنى عني ماليه & هلك عنّي سلطانية &"، ولكي تُفهم هذه الآية يجب أن تقرأ سورة الحاقة من البداية، إلى أن نصل إلى الآية " إذا نفخ في الصور نفخة واحدة (أي عند قيام الساعة قبل البعث فهذه نفخة الصعقة) & وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة & فيومئذ وقعت الواقعة & وانشقت السماء فهي يومئذ واهية & والمَلَكُ على أرجائها ( لِمَ؟ لكي يأتي الله عز وجل يوم القيامة للفصل بين الناس، هذا الموقف العصيب وهو موقف الحساب، فعندما تنفخ النفخة الأولى يصعق الناس بأجمعهم ثم تنفخ نفخة ثانية وهي نفخة الفزعة أي قيام من القبور كأنهم جراد منتشر يقومون حفاة عراة غرلا (أي مختونين) ثم بعد ذلك نفخة ثالثة تجمع الناس إلى أرض المحشر كل العالم يحضر من جن وإنس فالناس تصفهم الملائكة، وكذلك الرسل يصفون صفوفا، وكذلك الملائكة كل مجموعة تصف مع أشكالها وأصنافها الزناة مع الزناة والظلمة مع الظلمة والسرّاق مع السرّاق والعصاة مع العصاة والمؤمنين مع المؤمنين الكل يصف مع أمثاله فالمرء مع من أحب من مؤمن أو كافر ثم يجاء بجهنم لها سبعون ألف زمام يحمل كل زمام سبعون ألف مَلَك لعظم جهنم فلها شهيق وزفير كأنها تنادي الناس، فعندها توضع الموازين تُنشر الصحف، فتطيش الصحف من كثرتها ثم يجاء بعد ذلك بالعرش) ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية (ثم يجيء الله بعد ذلك للفصل بين الناس، ويجيء في ظلل من الغمام (أي السحاب الأبيض الرقيق كأنها بشارة من عند الله عز وجل على قدومه) وتجيء الملائكة لتخبر بقدوم الله عز وجل هذا أمر عظيم والخطب جلل، فالناس من شدة الموقف والرعب يجثون على ركبهم خضوعاً لله تبارك وتعالى، فالملائكة يحفون من حول العرش والرسل يقولون : اللهم سلّم، سلّم إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ثم يجاء من بين الناس يدفع دفعاً ليحاسبه الله عز وجل) & يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية & فأمّا من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه & إني ظننت أني ملاق حسابيه… إلى قوله "وأما من أوتي كتابه بشماله (يعطى كتابه لأنه فاجر فيعطى بشماله من خلف ظهره فيقال له: ألم تفعل كذا ؟ ألم تفعل كذا؟ فيقول: لا يا ربي ما فعلت، يكذب على الله فتشهد عليه الملائكة فلا يصدقها وفي الصحيفة أنه فعل وفعل فيكذبها أيضا والأرض تشهد عليه فلا يصدقها فيقول: لا أقبل إلا من نفسي، فالله سبحانه وتعالى يقفل على فيه وتكلمنا أيديهم تشهد عليه أرجلهم، فيأخذ كتابه أمام العالم يُفضح والأبصار كلها شاخصة إليه، يعلن على رؤوس الأشهاد فلان ابن فلان في نار جهنم خالدا مخلدا فيها) فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه & ولم أدر ما حسابية (رعب الآن قلبه متطاير كله رعب وخوف فالنتيجة قد أتت في نار جهنم وكله رعب ماذا سيفعل به في النار وقد فُضِح وافتضح) & يا ليتها كانت القاضية & ما أغنى غني ماليه (لشدة هذا الأمر والكلام الذي يخرجه، والتعب والنصب الذي يشعر به بعد هذا الحساب وبعد هذا التقرير بين يدي العظيم الجبار وصاحب الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة من ذلت له القياصرة والأكاسرة وخنعت له في مثل هذا الموقف لا تسمع إلا همسا، فبعد هذا كله ينتهي النفس فيريد أن يستعيد نفسه فتوقف لحظة لعله يستعيدها)& هلك عنّي سلطانية &".
الحكمة الثانية: أو الإشارة الثانية، فهو الإنسان عندما يتعلق بأحب المخلوقات إليه سواء من مال أو من امرأة أو من رجل أو من ولد أو من دنيا أو من تجارة أو من بيت عندما يتعلق هذا التعلق الشديد لهذه المخلوقات ثم يرى يوم القيامة بأن هذه هي سبب هلاكه، فيتوقف لأنه في هذه اللحظة تجتمع عنده كل هذه الحوادث من معاصي ومن ترك للطاعات بسبب المال مثلاً فيتذكر كل هذه الأحداث في مثل هذا الموقف. فعندما يقول: "هلك عني ماليه" الآن يستعيد كل ما فعل ماله في معصية الله عز وجل، وفي تركه للطاعات. ويقال: أنه في رجل قد جمع مالاً فأوعى ولم يدع صنف من أصناف المال إلا اتخذه ثم ابتنى قصرا وجعل عليه حجابا وحراسا، ثم جمع أهله وعياله وصنع لهم طعاما وقعد على سريره ووضع إحدى رجليه على الأخرى ويراهم وهم يأكلون ثم قال: يا نفس، تنعمي سنين فقد جمعت لك ما يكفيكِ فما فرغ من كلامه حتى أقبل مَلَك الموت على هيئة رجل عليه خلقان من ثياب (أي ثياب مقطعة) فقرع الباب بشدة عظيمة فوثب إليه الغلمان (أي الحشم والخدم) فقالوا له: ويلك، ما شأنك؟ ومن أنت؟ فقال: ادعوا لي مولاكم. قالوا: إلى مثلك يخرج مولانا! قال: نعم. فأخبروا مولاهم، فقال: هلاّ فعلتم به كذا وكذا؟ فأغلقوا الباب. فقرع الباب بشدة أعظم من الأولى، فوثب إليه الحرس. فقال: أخبروه أني ملك الموت. فلما سمعوه أُلقي عليهم الرعب، ووقع على مولاهم الذل والخشوع. فقال: قولوا له يدخل، فقولوا له قولاً لينا. فدخل، فقال ملك الموت: اصنع بمالك ما أنت صانع، فإني لست بخارج عنك حتى أَخرج بنَفَسِك. فأمر بماله فجُمِعْ، الآن تذكر ماله، فلما رأى المال قال: لعنك الله من مال، فأنت شغلتني عن عبادة ربي، ومنعتني عن النظر لنفسي فأنطق الله عز وجل المال فقال: لِمَ تسبني؟ وبي جلست مجالس الملوك، وبي نكحت المتنعمات (أي تزوجت المتنعمات)، وبي فعلت وفعلت، وكنت تنفقني في سبيل الشر فلا أمتنع منك، ولو أنفقتني في سبيل الخير وطريق البر لنفعتك اليوم ثم قبض ملك الموت روحه فسقط هذا الرجل ميتاً بين أهله وبين ماله وبين حشمه وخدمه في اللحظة التي قال: يا نفس، تنعمي سنين فقد جمعت لك ما يكفيكِ. ففي هذه اللحظة التي تذكر المال تذكر كل ما فعله ماله، فكذلك الإنسان عندما تذكر المال قال:" ما أغنى غني ماليه"، اجتمعت كل الحوادث الآن في رأسه، وتذكر كل ما فعل به المال، فسكت سكتة أخذ يتندم من هذا المال الذي أدى به الهلاك ثم قال:" هلك عنّي سلطانية "، فذكر السبب الثاني ثم انقطع المشهد فسُمع صوت عظيم يقول: "خذوه فغلوه (أي غلوه وصفّدوه) & ثم الجحيم صلّوه & ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه (طولها سبعون ذراعا هذه السلسلة، فاسلكوه: فادخلوها من فمه وأخرجوه من أسته، ويجر ويدع إلى نار جهنم يدفع بها دفعاً). فعندما تذكر المال توقف وتذكر كل أحوال المال، فشعر بحشرجة في الصدر فما استطاع أن يتكلم، ثم بعدها جهش بالبكاء فترة طويلة قبل أن يذكر السبب الثاني، ثم قال: "هلك عنّي سلطانية".
لقد احتاج الأمر إلى شرح لمدة ساعة عن موضوع هذه الوقفات والله عز وجل أشار إليها فقط بلحظة ثانية، حتى كل هذه المعاني تجتمع عندك. لذلك عندما سمع العرب كلام الله عز وجل وهذه الآيات مكيات (أي نزلت في مكة) فعندما سمعها الوليد بن مغيرة قال له أبو جهل: يا أبا الوليد قل في هذا الكلام قولاً، فقال: إن قريش قالت: إنك قد تنفّق بضاعتك، (أي يدفع لك لتستمع إليه). فقل بالقرآن قولا يسمعه الأول والآخر. قال: ماذا أقول؟ فأخذ يفكر فترة طويلة، قال: إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله (أي أدق الأمور فيه) لمغدق (بالخير)، وإنه ليعلو (هذا القرآن) ولا يعلا عليه، وإنه لحطّم ما تحته. قال: قد احترقنا بمثل هذه الكلمات فقل فيه قولاً يسمعه الأول والآخر، نظر الوليد، قال: شاعر، قال: والله إني أعلم الناس بالشعر ما هو بشاعر. قال: كاهن، والله إني أعلم الناس بالكهانة ما هو بكاهن. قال: مجنون، قال: إني أعلم بالناس بالجنون ما هو بمجنون. فقدّر التقدير الأول ثم فكّر وقدّر التقدير الثاني ثم فكّر وقدّر التقدير الثالث ثم قال بعد ذلك: إن هذا إلا سحر يؤثر، إن هذا إلا قول البشر. فقال الله عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم: ذرني (أي لا تتدخل، الأمر بيني وبينه) ومن خلقت وحيدا (أي وحيد أبيه، وقد رزقه الله بالأموال والبنين الكثير)& وجعلت له مالاً ممدودا & وبنين شهودا & ومهدت له تمهيدا & ثم يطمع أن أزيد (ثم بعد هذا الكفر يريد أن أزيد، فلم يقل الله عز وجل أزيدا (كممدودا، شهودا، تمهيدا، امتداد) فهذا دليل على انقطاع الزيادة) & كلا (لن أزيد، لن أزيده الهداية بعد أن أعرض عن الله عز وجل) إنه كان لآياتنا عنيدا & سأرهقه صعودا & إنه فكر وقدّر (قال: شاعر) & فقتل كيف قدر (قال: كاهن) & ثم قتل كيف قدر (قال: مجنون) & ثم نظر & ثم عبس وبسر & ثم أدبر واستكبر & فقال إن هذا إلا سحر يؤثر (يشير ويستهزأ بكتاب الله عز وجل)& إن هذا إلا قول البشر & سأصليه سقر & وما أدراك ما سقر & لا تبقي ولا تذر & لواحة للبشر (تلوّح له من بعد) & عليها تسعة عشر (من الملائكة لا يستطيع الخروج منها فصيحة مَلَك أهلكت أمة بأكملها فكيف بتسعة عشر على نار جهنم).
فهذا عظمة لكلام الله عز وجل، فلا نشعر بهذه العظمة إذا ما تفحصنا كلام الله وإذا ما أعرضنا عن التدبر. مَن مِنّا قال مثلما قال الوليد بن المغيرة؟ مَن مِنّا شعر بعظمة القرآن كما شعر الوليد بن المغيرة؟ مَن مِنّا فعل كما فعلت قريش عندما قام النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ يصلي عند الكعبة فصلى خلفه عدد قليل من الصحابة (بداية ظهور الإسلام) والمنتديات كانت بالقرب من الكعبة فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة النجم ورؤوس قريش تسمع فالكل سكت وصمت، ففي هذه السورة الله يستهزأ بآلهتهم وهم يسمعون، كما إنه بعد ذلك قرّعهم ووبخهم وهم يسمعون، وذلك لبلاغة وعظم هذا القرآن، إلى أن وصل إلى الآية: "فاسجدوا لله واعبدوا" فالأمر كان للمسلمين فسجد النبي صلى الله عليه وسلم فخرّ الصحابة خلفه سجود فقامت قريش قالوا: والله ما ينبغي لمثل هذا الكلام إلا وإن تخر له الجباه فخرت له الجباه ساجدة لله تعالى، قريش كافرة لم تتحمل بلاغة القرآن وعظمته فسجدت إلا كافر واحد جاحد قال: لا أسجد، فقال: إذا الجسد لم يسجد لله والله لأجعلن هذه الجبهة تذعن لله تبارك وتعالى وتذعن لمثل هذا الكلام فأخذ حفنة من التراب فجعلها على جبهته قال: والله لأذلنك ذلاً لمثل هذا الكلام. لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم اشتكى إلى الله عز وجل قال: يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا. فهجرنا حفظ كتاب الله، وتدبر معانيه، والقيام بكتاب الله، والاستشعار بهذه الآيات، وتطبيق كلام الله تبارك وتعالى.
والحمد لله رب العالمين.
سؤال: عند الوصل في هذه الآيات التي تتطلب الوقف أي التي فيها سكتة خفيفة، هل عند وصلها تحتمل معنى آخر؟
الجواب: الأصل هو الوصل فهو أمر طبيعي، لكن الوقف هو الأمر غير طبيعي، أما عن وصلها هل تحتمل معنى آخر؟ لا أدري ربما. عند العرب الزيادة في الشيء زيادة في المعنى والعكس صحيح، فالوصل ليس بزيادة ولكن طبيعة، فالوقفة أو السكتة هي الزيادة.
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الشيخ عدنان عبد القادر
عدد القراء : 2145
تاريخ الموضوع: 01 - ديسيمبر - 2002 ميلادية
(102/3)
نهائيات الآيات (الفواصل) للشيخ عدنان عبدالقادر
الشيخ عدنان عبد القادر
سورة آل عمران:
يقرأ الآية "هو الذي أنزل الكتاب فيه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ….إلى آخر هذه الآيات" وقال الله عز وجل قبل ذلك "….. وأنزل التوراة والإنجيل (3) من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد (4)". قد يتساءل البعض لِمَ انتهت الآية "وأنزل التوراة والإنجيل" ثم ابتدأت الآية التي بعدها "من قبل هدى للناس"؟ كان من الممكن أن يقول الله عز وجل "وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان" عندها تنتهي الآية فهذا متوقع جملة كاملة، ولكن "وأنزل التوراة والإنجيل" انتهت الآية ثم "من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان" فلِمَ انتهت الآية هكذا؟
سورة الواقعة:
يقرأ قول الله عز وجل "قل إن الأولين والآخرين & لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم &" فلِمَ انتهت الآية عند "قل إن الأولين والآخرين" ولم يقل "قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم"، فلِمَ انتهت الآية هكذا في منتصف الجملة؟
ربما يتساءل كذلك الإنسان عندما تنتهي الآية بنهاية معينة مثال:
سورة مريم:
أغلب آيات سورة مريم تنتهي بحرفي الياء والألف، قال تعالى "ذكر رحمة ربك عبده زكريا & إذ نادى ربه نداءاً خفيا & قال رب إنّي وهن العظم مني واشتعل الرأس شيباً…إلى آخر هذه الآيات" ثم يقول الله عز وجل بعد ذلك عن قصة مريم "واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكاناً شرقيا & فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليه روحنا فتمثل لها بشرا سويا &" فلِمَ تنتهي أغلب آيات سورة مريم بحرفي الياء والألف؟
وهذا الشعور توصل إليه أهل الشعور والإحساس المرهف خاصاً من قبل الشعراء، فلذلك الشعراء استفادوا بهذا الفائدة من كتاب الله عز وجل فاستخدموا هذه الفائدة في أشعارهم، لذلك الإنسان الحزين والحنون دائما أو غالباً ما تنتهي أبياته بالألف، كأنّ هذا الشعور مستمر وهو الشعور بالحزن، كما في شعر ابن زيدون مثلاً يقول في حق الولاّدة وهو شعور ممتد فيه حزن:
أضحى الثناء بديلا من تدانينا ،،،،،، وناب عن طيب لقيانا تجافينا
إن الزمان مازال يضحكنا،،،،،،،،،،، أنساً بقربكم قد عاد يبكينا
بنتم وبنّا فما ابتلت جوانحنا،،،،،،،،، شوقا إليكم ولا جفت مآقينا
تكاد حين تناجيكم ضمائرنا،،،،،،،،، يقضي علينا الأسى لولا تأسينا
حالت لفقدكم أيامنا فغدت،،،،،،،،،،، سوداً وكانت بكم بيض ليالينا
لا تحسبوا نأيكم عنّا يغيرنا،،،،،،،،، إن طالنا غير النأي المحبينا
والله ما طلبت أهواؤنا بدلاّ منكم،،،، ولا انصرفت عنكم أمانينا
ولا استفدنا خليلاً عنك يشغلنا،،،،،، ولا اتخذنا بديلا منك يسنينا
يا نسيم الصبا بلغ تحيتنا،،،،،،،،،، من لو على البعد حياً كان يحينا
ما ضر أن لم نكن أكفاءه شرفاً،،،، وفي المودة كافٍ من تكافينا
إلى آخره
فاستخدم حرف الألف كأنه نداء، ولكن صاحب الشعور المرهف أكثر إظهار فهو في الحقيقة قيس كما يسمى بمجنون ليلى، فهو بالفعل استفاد من سورة مريم، وذلك إن هذه السورة موضوعها عن الحزن، فهو بالفعل حزين، في حق زكريا كان يشعر بنوع من الحزن فلم يرزقه الله بالولد، فكيف بمريم فمصيبتها أكبر وأشد، فهي امرأة صاحبة دين وخُلُق فقد تبتلت وترهبت لله عز وجل وأخذت لها مكان في المسجد تتعبد فيها، وفجأة يأتيها جبريل عليه السلام فيقول لها: أنها ستحبل في عيسى دون أب فقالت: كيف؟ قال تعالى:" فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سويّا& قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيّا& قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيّا& قالت أنّا يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أكن بغيّا&". فلاحظوا هذا الشعور لامرأة من أعف النساء تحمل وتلد أمام الناس دون زوج فكيف سيكون شعورها؟ فقد شعرت بالألم والحزن وبشدة المصيبة فكأنها أخذت تنادي، فلذلك انتهت الآية بالألف، وأضف على هذا انتهت بالياء والألف، فالياء حرف نداء، فكأنها تنادي يا الله يا منجد أنقذني من هذا الموقف، فهذا موقف عصيب في حقي، فأخذت تنادي الكل بعد الله عز وجل أن ينجدها، وأضف على هذا لم تقل ياء فقط ولكن شددت على الياء كأن مصيبة دخلت في جوف مريم فشعرت أن هذه المصيبة تشعبت في جميع أحشاءها، ثم خرجت بصرخة لم تستطع أن تتحمل هذا "فبثّته" أي بثّت هذه المصيبة، لذلك قالت: "أنّا يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أكن بغيّا" فلاحظوا هذا التشديد، "قال كذلك" قال الأمر كذلك فعلا أنت لست بغيّا "قال كذلك قال ربك هو عليّ هين ولنجعله آية للناس ورحمة منّا وكان أمراً مقضيّا& فحملته فانتبذت به مكاناً قصيّا فأجاءها المخاض إلى جذع النخل قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسيّا& فناداها من تحتها ألا تحزني وقد جعل ربك تحتك سريا"، فالشاهد من هذا أن الآية كلها حزن وحنان وعطف وطيبة فانتهت بذلك بالياء والألف. وفعلا قد استخدمها قيس في حق ليلاه فأخذ يذكر في حقها مجموعة من البيات فبما يشعر هو من الحزن والضعف في حق تلك المخلوقة فمن جمال هذه الأبيات أخذ علماء السلف يتمثلون بهذه الأبيات في حق الله عز وجل ومن هذه الأبيات:
سقى الله جارات لليلى تباعدت،،،،،،، بهن النوى حيث احتللن المطاليا
قليليّ لا والله ما أملك البكا،،،،،،،،،،، إذا علموا من أرض ليلى بذاليا
خليليّ لا والله لا أملك الذي،،،،،،،،،، قضى الله في ليلى ولا ما قضى ليا
وقد كنت أعلو حب ليلى فلم يزل،،،، بيَ النقض والإبرام حتى علانيا
فيا ربي سوي الحب بيني وبينها،،،، يكون كفافاً لا عليّ ولا ليا
فما طلع النجم الذي يُهتدى به،،،،،،، ولا الصبح إلا هيجا ذكرها ليا
فأشهد عند الله أني أحبها،،،،،،،،،،،، فهذا لها عندي فما عندها ليا
وأخرج من بين البيوت لعلني،،،،،،، أحدّث عنك النفس يا ليل خاليا
أحب من الأسماء ما وافق اسمها،،،، وأشببه أو كان منه مدانيا
وتُجرِم ليلى ثم تزعم أنني،،،،،،،،،، سلوت ولا يخف على الناس ما بيا
يقول أناس علّ مجنون عامر،،،،،،، يروم سلواً قلت إني لما بيا
ثم قال بعد ذلك:
إذا اكتلحت عيني بعينك لم تزل،،،، بخير وجلّت غمرة عن فؤاديا
ثم قال بعد ذلك:
إذا نحن أدلجنا وأنتِ أمامنا،،،،،،،،،،،، كفى لمطاينا بذكراك هاديا
بكت نار شوق في فؤادي فأصبحت،،،، لها وهج مستضرم في فؤاديا
في الحقيقة أبيات كثيرة ولكن جميلة، فهي تنم عن شعور قيس في حق ليلاه من مصيبة ونحب وحزن، واستخدم هذه النهايات لأن في سورة مريم قد انتهت بالياء والألف فاستخدمها في مثل هذه. وعلماء السلف تمثلوا بأبياته بحق الله عز وجل مثلا قوله:
وأخرج من بين البيوت لعلني،،،،،،، أحدث عنك النفس يا رب خاليا
كان يتمثل بها الشيخ الإسلام ابن تيمية.
وكذلك:
وما طلع النجم الذي يُهتدى به،،،،،،، ولا الصبح إلا هيجا ذكره ليا
أي هيجا ذكر الله عز وجل. وقد سبقه الله عز وجل بسورة مريم بحيث انتهت بالياء المشددة والألف، والتي تدل على شدة المصيبة. ففي نهاية الآية فعلاً موافقة تماماً لموضوع السورة، فموضوعها موضوع حزن ومصيبة وحنان وألم.
سورة القمر:
تنتهي هذه بالراء، ففيها من الشدة، والعذاب وغلظة والاستمرار. قال تعالى:" اقتربت الساعة وانشق القمر& وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر" ثم ذكر الله بعد ذلك عذاب الأقوام (نوح، وعاد، وصالح، ولوط) وهذه الأنواع من العذاب يستحق نوع من الشدة، فتنتهي بأحرف فيها الشدة، فحرف الراء إذا كان مسكّن كأننا نكرر الحرف، فهذا إشارة لتكرار العذاب. وأضف على هذا إذا كان حرف الراء الساكن قبله ضمة أو كسرة معناه أنه شيء شديد ومكرر ومستمر. فقال الله تعالى في حق قوم نوح:" ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر" أي مستمر هذا الماء بالنزول، ونزل بشدة حتى قال علماء السلف والمفسرون: كأن المطر نزل من السماء كما ينزل الماء من أفواه القِرَب، فهو ينصب صباً مندفعاً منها، كذلك قالوا: منهمر، ماء شديد ومستمر، قال تعالى:" وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قُدِر" أي هذا الأمر مقدر ومستمر إلى أن يهلك قوم نوح. وإذا ما انتقلنا إلى قوم عاد قال تعالى:" كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر& إنّا أرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في يوم نحس مستمر" أي هذا العذاب مستمر معهم في الدنيا وفي القبر ويوم القيامة إلى أن يلقون في نار جهنم أعاذنا الله عز وجل منها. ثم قال تعالى:" تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر" آيات شديدة. ثم انتقل الله عز وجل إلى قوم صالح وقال:" كذبت ثمود بالنذر" ثم يقول الله بعد ذلك "إنّا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر". ثم انتقل الله عز وجل إلى قوم لوط فقال:" كذبت قوم لوط بالنذر& إنّا أرسلنا عليهم حاصباً إلا آل لوط نجيناهم بسَحَر” إلى قوله تعالى:" ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر"، عذاب في الدنيا وفي القبر ويوم القيامة إلى أن يلقون في نار جهنم. فالموضوع صورة عن العذاب والشدة والغلظة والاستمرار، ولمثل هذه الصورة تحتاج مثل هذه الأحرف فهو حرف الراء وعليه السكون.
سورة الضحى:
قال تعالى:" والضحى & والليل إذا سجى & ما ودعك ربك وما قلى &" ثم بعد ذلك يصل إلى قول الله تبارك وتعالى "فأما اليتيم فلا تقهر & وأما السائل فلا تنهر & وأما بنعمة ربك فحدّث". لِمَ لَمْ يقل الله عز وجل "وأما بنعمة ربك فخبّر". لكي تكتمل الفواصل لا تقهر، لا تنهر، فخبّر ولكن الله عز وجل قال فحدّث؟(103/1)
فسورة الضحى شيء عجيب فسرتها بنت شاطئ في كتابها "تفسير بيان القرآن"، فالله عز وجل قال:" والضحى". لِمَ لَم يقل الله عز وجل "والعصر" أو "والظهر" أو "والليل"؟ فلمعرفة ذلك يجب معرفة سبب نزول هذه الآية وهي: أن جبريل عليه السلام انقطع عن النبي صلى الله عليه وسلم فأتت أم جميل زوج أبي لهب وقالت للنبي صلى الله عليه وسلم: والله ما أرى إلا صاحبك قد قلاك (تعني به الله عز وجل أو جبريل عليه السلام) فكأنها تشمت بالنبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل قوله:" والضحى & والليل إذا سجى & ما ودعك ربك وما قلى &" فقال تعالى:" والضحى" لِمَ لَم يقل الله عز وجل "والعصر" أو "والظهر" أو "والليل"؟ فمتى يبدأ وقت الضحى؟ يبدأ بعدما ترتفع الشمس بعشر دقائق تقريباً أي بداية الارتفاع، أي هي في ارتفاع. ومتى ينتهي وقت الضحى؟ ينتهي ما قبل انتصاف الشمس. فالشمس في وقت الضحى دائمة الارتفاع إلى أن نصل إلى وقت الظهر. كأن الرسالة المحمدية أو رسالة الإسلام كالشمس على الأرض فهي تنير الأرض، كذلك الرسالة فهي تنير القلوب، وهي دائماً في ارتفاع كالشمس فالإسلام لا يمكن أن ينزل. كذلك في وقت الشدة ينتشر الدين وأيضاً في وقت الرخاء. ثم قال تعالى:" والليل إذا سجى" فالليل للراحة فجبريل قد انقطع عن النبي صلى الله عليه وسلم. فالإنسان أحياناً يشتغل في النهار بجد وقوة فهو يحتاج إلى وقت يرتاح فيهو يشتاق إلى اللقاء وإلى العمل مرة أخرى. لذلك الانفصال كما يقال: ذره فالتزدد حباً أو زد غباً تزدد حباً، فالإنسان إذا قلل من أي شيء فإنه يُحَب. فهذا إشارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأن جبريل لم ينقطع عنك إلا لكي تشتاق إلى جبريل وتتهيأ مرة أخرى إلى لقائه لأن استمرارية نزول جبريل فأنت إلى حاجة للراحة والتهيؤ لتستعد لمقابلته مرة أخرى كلجوء الإنسان إلى الليل إلى الراحة كي يشتاق للعمل. كذلك الله سبحانه وتعالى لم يقل: والليل إذا غسق أو دخل ولكن قال تعالى:" والليل إذا سجى" أي أقبل الليل رويداً رويدا، فلا نشعر إلا بدخوله فهذا لطف من الله، ففي انقطاع جبريل كأن به لطف. قال تعالى:" ما ودعك ربك وما قلى" تقول بنت الشاطئ: لَمْ يقل الله ما ودّع ربك وما قلاك ولَمْ يقل ما ودعك ربك وما قلاك، لِمَ؟ تقول: لأن الوداع ممكن أن يحصل بين حبيبين، لكن لا يحصل بين حبيبين بأن يقلي أحدهما الآخر بل يحدث بين متخاصمين، فالوداع يمكن أن يحصل بين حبيبين ومع هذا الله عز وجل نفى هذا الوداع فمازلت أنت متصل بالله عز وجل إما عن طريق صلاتك أو عن طريق جبريل أو ما يوحيه الله في قلبك. ثم قال تعالى:" وما قلى" ولم يقل وما قلاك. لِمَ؟ لو قال الله عز وجل: وما قلاك، ربما إن الله عز وجل ما قلاك ولكن ممكن في الأيام المقبلة يقليك. ولكن "وما قلى" أي لا تستحق يا محمد لا في الأيام السابقة ولا اللاحقة ولا في هذه الأيام أن تُقلى. قلى، بفتح الفم أي إلى ما لا نهاية إلى أن تموت وإلى يوم القيامة وإلى الجنة فلن ولم تُقلَ. وتقل بنت الشاطئ فهذه إشارة أخرى أنه ما قلاك أنت وإنما ما يقلي النبي صلى الله عليه وسلم وكل من سار على نهج النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابك. قال تعالى:" وللآخرة خير لك من الأولى" أي ما سيعطيك الله عز وجل خير لك من الأولى وهي الهداية وهذا القرآن وهذا الوحي. ثم قال تعالى:" ولسوف يعطيك ربك فترضى" ترضى إلى ما لا نهاية فترضى أنت وأصحابك. ثم قال تعالى:" ألم يجدك يتيماً فآوى" لم يقل الله عز وجل فآواك، وذلك أن المعنى آواك أنت وأصحابك إذا ما ساروا على هَدْيِك، وهنا الإيواء مستمر. ثم قال تعالى:" ووجدك ضالاً فهدى& ووجدك عائلاً فأغنى" ثم بعد ذلك نهى الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم عن أمر معين وعليه أن يتمسك بهذا الأمر ويستمر في التمسك به فقال تعالى:" فأما اليتيم فلا تقهر" تقهر الراء المسكنّة أي استمر بأن لا تقهر اليتيم إلى يوم القيامة وإذا ما قهرت سيكون فيه نوع من الشدة. ثم قال:" وأما السائل فلا تنهر" عندما أتى عبدالله بن أم مكتوم فعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم بعض الشيء لمجابهة الكفار فقال تعالى:" عبس وتولى& أن جاءه الأعمى& وما يدريك لعله يتزكى& أو يتذكر فتنفعه الذكرى& أما من استغنى& فأنت له تصدى& وما عليك أن لا يتزكى& وأما من جاءك يسعى& وهو يخشى& فأنت عنه تلهى& كلا إنها تذكرة….إلى آخر السورة"، بداية السورة كلام شديد في حق الرسول صلى الله عليه وسلم. قال تعالى:" فأما اليتيم فلا تقهر& وأما السائل فلا تنهر& وأما بنعمة ربك فحدّث" لم يقل الله عز وجل فخبّر، وذلك أن حرف الثاء عند لفظه يستخدم الإنسان اللسان والشفتين والأسنان وكأن الرذاذ قد خرج من فمه فإذاً أن حرف الثاء يستخدم للكثرة والانتشار، "فحدّث" أي استمر في التحديث إلى أن تموت ومن بعدك عليه أن يحدّث بهذا.
سورة الأحزاب:
يخبر الله عز وجل عن نجاة المؤمنين ونصرته لهم قال تعالى:" يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا & إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنّون بالله الظنونا ".
المعرّف باللغة لاتنوَّن من الخطأ أن تقول المساجداً أو المساجدٍ أو المساجدٌ، فالصحيح هو المساجدَ أو المساجدِ أو المساجدُ.فهي معرّفة فلا يحق لنا أن ننونها. الله عز وجل قال:" الظنونا" فألف التعريف موجودة قالوا: من باب موافقة الآيات وموافقة الفواصل التي قبلها والتي بعدها "بصيرا، الظنونا، شديدا" فالآيات كلها تنتهي بالألف فهذه زيادة لا فائدة منها مجرد من باب التغني. فلو كان من باب التغني لِمَ لَمْ يقل الله عز وجل "وأما بنعمة ربك فخبّر" ولكن قال "فحدّث"؟
يقول حذيفة رضي الله عنه رأيتنا مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ليلة الأحزاب وأخذتنا ريح شديدة وقر (أي برد) فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ألا رجل يأتيني بخبر القوم (أي يذهب إلى قريش وينظر ما خبرهم مع هذه الريح) جعله الله معي يوم القيامة؟ فسكتنا ولم يجبه منا أحد، ثم قال: ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة؟ فسكتنا فقال: قم يا حذيفة فائتني بخبر القوم قال: فلم أجد بداً إذ دعاني باسمي أن أقوم قال: اذهب واتني بخبر القوم ولا تذعرهم علي(أي لا تهيجهم فقط انظر وارجع) فلما وليت من عنده جعلت كأنما أمشي في حمّام أي يمشي بدفء ولا خوف. قال تعالى: "وبلغت القلوب الحناجر" وهذا من شدة الخوف، قال تعالى:" وتظنّون بالله الظنونا& هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديدا" وهذا الكلام موجه إلى المؤمنين. ولذلك في رواية أحمد يقول الصحابي رضوان الله عليه:" قلنا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، قد بلغت القلوب الحناجر، وقد زاغت الأبصار فماذا نفعل؟" فهذا دليل على أن الذين تكلموا هم الصحابة.إن ذلك الشعور الذي شعر به المؤمنون كأن الله يحاسبهم به، يجب عليهم عند قراءة هذه الآية أن يقفوا بعد قراءة قوله تعالى:" وتظنّون بالله الظنونا" فلا يتجاوزها المؤمنون حتى يحاسبوا أنفسهم مرة أخرى، كيف شعرتم هذا الشعور؟ وكيف ظننتم هذا الظن بالله عز وجل؟ فهنا وقف لازم، كي يراجع المؤمن نفسه. فلم يقل الله عز وجل: "الظنا"، ولكن قال: "الظنونا"، فالله تعالى قال في حق المنافقين:" وظننتم ظنّ السوْء"، وهو ظن واحد لأن قلوب المنافقين مستسقى على التكذيب، لكن ظواهرهم مختلفة كأن يقول أحدهم كاهن او شاعر أو مجنون فالظاهر مختلف لكن قلوبهم متفقة على تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن المؤمنين قلوبهم ليست متفقة على الظن بالله فلم يبين الله ما هذه الظنون، كأنما كانت الظنون مجهولة ولكن الله عز وجل يعلمها ولكنه كتمها. فبالتالي " وتظنّون بالله الظنونا" فظن المؤمن الأول يختلف عن ظن الثاني وهذا الظن أفضى القلب، فلم يدل على الظاهر ولكن أصله القلب، فهم لم يتفقوا على ظن معين، لأن إذا اتفقوا على ظن معين أصبحوا منافقين. كأن الله عز وجل يشير أنه تجاوز عن المؤمنين ولم يتفقوا على شيء معين. فالله عز وجل قال :" الظنونا" كأن الظن عندما وصل القلب طرده المؤمن بسرعة، فكأن خاطرة أتت ثم خرجت. فهذا يدل على عظم الأمر، بأن يقف المؤمن ويحاسب نفسه. وأضف على هذا إنهم لم يتفقوا على ظن واحد، وأضف عليها بأن هذه الظنون لم تتمكن في قلوب المؤمنين وإنما طردت.
سورة طه:
قال تعالى:"آمنا برب هارون وموسى" فكل الآيات في سور القرآن "آمنا برب موسى وهارون" إلا التي في سورة طه "آمنا برب هارون وموسى". قالوا من باب موافقة الآيات وموافقة الفواصل ؟ وهذا غير صحيح لو تتبعنا سورة طه كلها ما وجدناها متابعة للفواصل أو الفواصل المتوافقة وخاصة عند مخاطبة السامريي قال تعالى:" قال فما خطبك يا سامري" نجدها تنتهي بالياء، والآية التي بعدها تنتهي بمد الألف فالفاصل نجدها مختلفة.
أريد أن أوضح في هذا الدرس أنه من ناحية موافقة نهايات الآيات أي الأحرف التي تنتهي بها الآيات أو الفواصل، فهذه الأحرف تعطي الجو الروحي لهذه السورة أو موضوع السورة. فالسورة تتكلم عن موضوع ما، يحتاج هذا الموضوع إلى كلمات معينة بل أن تنتهي الآيات بنهايات معينة أي أحرف معينة، فلابد هذا الحرف أن يعطي الجو الروحي لهذه السورة موافق لمعنى السورة. فقبل أن أشرح هذا فلابد أن أشير بعض الشيء في اللغة العربية. اللغة العربية حقيقة هي من أكرم اللغات لذلك الله عز وجل أنزل القرآن عربياً، يقول أحد علماء اللغة وهو ابن جنّي: أحياناً تستعصي علي الكلمة، فأنظر كيف تلفظ هذه الكلمة فأتوصل إلى المعنى. فلنلاحظ مثلاً كلمة جعظري، جواظ، وكلمة رحيم، لطيف، فقد لا يعرف معنى كلمة جعظري، جواظ ولكن يشعر فيها غلظة وشدّة، بعكس كلمة رحيم ولطيف يشعر الإنسان بالحنان واللطف واليسر والسهالة. لذلك ابن القيم رحمه الله عندما تكلم في كتابه "جاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام" يتكلم عن موضوع اللهم يشرح قول:" اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد ..إلخ" فيقول: ما المقصود باللهم؟ قال: يقول بعضهم: اللهم المقصود بها الله، وبعضهم قال: يا الله الذي اجتمعت فيه الأسماء الحسنى والصفات العلى. فيقول ابن القيم: لننظر إلى اللغة، فبطريقة لفظ الحرف تعطيك المعنى، فيقول: اللهم، هي كلمة الله بزيادة حرف الميم، وحرف الميم في اللغة ناتج من اجتماع الشفتين العلوية والسفلى، فالميم ولاحظ الشدة "م" فحرف الميم يدل على الجمع، فقال ابن القيم: ضمّ كلمة تستخدم للجمع ما بين اثنين، ضمّت الأم ابنها. ضم جمع بين اثنين، لماذا؟ لأن حرف الميم استُخدِم وهو ناتج من اجتماع الشفتين العلوية والسفلى، إذاً الميم للجمع إذاً انضم جمع.
لمّ: أي جمع.
أَمّ: اجتمعت مجموعة من الناس (الرجال) حول شخص معين.
غمّ: اجتمعت الغموم، وهمّ: اجتمعت الهموم، لكم، هم، فهذه كلها جمع،
دُم: اجتمعت فيه السواد، اجتمعت فيه جميع الألوان ولكن الأسود يجمع جميع الألوان والأبيض يعكس جميع الألوان.(103/2)
إذاً الحرف يدل على المعنى، إذاً ما المقصود بكلمة اللهم؟ يقول يا الله من اجتمعت فيه الأسماء الحسنى والصفات العلا، فحرف الميم اجتمعت الأسماء الحسنى والصفات العلا. يقول ابن القيم في كتابه مدارك السالكين عن تفسير أو توضيح منزلة المحبة. لِمَ هذا الشعور الذي يشعر به الإنسان وهذه المودة الموجودة في القلب التي تؤدي إلى تصرفات معينة لم سميت بالحب؟ فلم لم تسمى بكلمة أخرى؟ فالحب هو شعور موجود في القلب ومتأصل فيه ثم بدا على الظاهر، وظهر على الجوارح، فهذه هي المحبة الصادقة،
لو كان حبك صادقاً لأطعته،،،،، إن المحب لمن يحب مطيعُ
يقول: انظر إلى طريقة لفظ الكلمة كلمة حب فحرف الـ "ح" هو الحرف الوحيد الذي خرج من الجوف بشدة وبقوة. فهما حرفان يخرجان من الجوف الحاء والهاء، فالهاء بسهولة يخرج ولكن الحاء يخرج بشدة، وذلك لأن هذه المودة متأصلة في القلب من الصعب إنها تُنْزَع. فبداية هذه الكلمة من القلب وهي أقربها إليه ثم بعد ذلك هذه المودة ظهرت على الجوارح فالحرف الذي يظهر على الجوارح حرفان حرف الباء، والميم وكما ذكرنا عن حرف الميم ففيه نوع من الشدة ولكن المعروف أن المحبة ليس فيها شدة ولكن فيها نوع من الود والحنان لذلك نقول "ب" لأن فيها لطف وحنان. فهذه اللغة جميلة، فلذلك لما قال موسى:" رب أرني انظر إليك لم يقل الله عز وجل:" لا أُرى" ولكن قال:" لن تراني" لأن "لا" تعني "لا أُرى" إلى ما لا نهاية في الدنيا والآخرة، و"لا" الفم بها مفتوح أي إلى ما لا نهاية واللسان مازال ممدوداً، ولكن "لن" انتهى اللسان باللهات، فهو نفي للمستقبل لكن نفي له نهاية، أي لن تراني في الدنيا ولكن يوم القيامة سوف تراني، وفعلا يُرى الله عز وجل من قبل المؤمنين يوم القيامة. فباللغة بطريقة لفظها تتوصل إلى معنى الكلمة.
فالأحرف في نهايات الآيات مناسبة تماماً لموضوع السورة. فقصة الوليد بن مغيرة فهي قصة عجيبة وموافقة لموضوعنا تماماً، ، فالوليد بن المغيرة عندما سمع القرآن، أتاه أبا جهل لأنه سمع أن الوليد بن المغيرة أعجب بالقرآن، فقال له: إن قريش تجتمع الآن لتجمع لك مالاً لتعطيك إياه. قال: لِمَ، وقد علمت قريش أني أكثركم مالاً وولداً؟ فقال أبو جهل: لماذا تذهب إلى محمد؟ فقل بالقرآن قول يسمعه الأول والآخر. فقال الوليد: إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله (أي أدق الأمور فيه) لمغدق (بالخير)، وإنه ليعلو (هذا القرآن) ولا يعلا عليه، وإنه ليحطّم ما تحته. فقال أبو جهل: فقل بالقرآن قولا يسمعه الأول والآخر. نظر الوليد، قال: شاعر، قال: والله إني أعلم الناس بالشعر ما هو بشاعر. قال: كاهن، والله إني أعلم الناس بالكهانة ما هو بكاهن. قال: مجنون، قال: إني أعلم بالناس بالجنون ما هو بمجنون. فقدّر التقدير الأول ثم فكّر وقدّر التقدير الثاني ثم فكّر وقدّر التقدير الثالث ثم قال بعد ذلك: إن هذا إلا سحر يؤثر، إن هذا إلا قول البشر. فقال الله عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم: "ذرني (أي لا تتدخل، الأمر بيني وبينه) ومن خلقت وحيدا (أي وحيد أبيه، وقد رزقه الله بالأموال والبنين الكثير)& وجعلت له مالاً ممدودا & وبنين شهودا & ومهدت له تمهيدا & ثم يطمع أن أزيد (ثم بعد هذا الكفر يريد أن أزيد، فلم يقل الله عز وجل أزيدا (كممدودا، شهودا، تمهيدا، امتداد) فهذا دليل على انقطاع الزيادة) & كلا (لن أزيد، لن أزيده الهداية بعد أن أعرض عن الله عز وجل) إنه كان لآياتنا عنيدا & سأرهقه صعودا & إنه فكر وقدّر (قال: شاعر) & فقتل كيف قدر (قال: كاهن) & ثم قتل كيف قدر (قال: مجنون) & ثم نظر & ثم عبس وبسر & ثم أدبر واستكبر & فقال إن هذا إلا سحر يؤثر (يشير ويستهزأ بكتاب الله عز وجل)& إن هذا إلا قول البشر & سأصليه سقر (للراء المسكنة فيها شدة وغلظة) & وما أدراك ما سقر & لا تبقي ولا تذر & ". هظيل بن عياض كان إنسان صاحب مجون ومن قطاع الطرق ويتتبع النساء وهو في الليل رأى جارية فتتبعها فصعد على الحائط فسمع بقارئ يقرأ :" ألم يأنِ للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون" فنجده قد شعر بالعظمة فرجع مما كان فيه ووجد له مكان فأخذ يبكي ويبتهل إلى الله عز وجل حتى أخذ على نفسه عهد أن يلجأ عند الكعبة ويتبتل عندها فهذا نذر على نفسه. فلذلك يقول في حق عبدالله بن مبارك:
يا عابد الحرمين لو أبصرت،،، لعلمت أنك في العبادة تلعبُ
فماذا أثر في ابن عياض غير القرآن، فلذلك المستشرقين كانوا يقولون أن هذا القرآن عجيب، فسامعه له باستمرار فلا يمل منه. فإن الإنسان فينا يلهى عن هذه الأمور الصغيرة فكيف بالكبيرة، ولذلك فوضعنا كما قال الله عز وجل:" وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا".
الحمد لله رب العالمين.
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الشيخ عدنان عبد القادر
عدد القراء : 2607
تاريخ الموضوع: 24 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(103/3)
الجمع بين اختلاف الآيات للشيخ عدنان عبدالقادر
الشيخ عدنان عبد القادر
فمنها حاولت أن أربط بين الآيات فلم أستطع حتى بعد ذلك رجعت إلى كتاب يسمى "نظم الدرر في تناسب الآيات والسور" للمؤلف برهان الدين البقاعي وهذا الكتاب في خمسة وعشرين مجلد، وقد ذكر المؤلف في هذا الكتاب تفسير لآيات الله عزّ وجل ويبين علاقة كل آية بالسابقة لها وبالآية اللاحقة لها. وقبل أن أذكر العلاقة يجب أن أقول أن الكل يعلم أن آيات القرآن مرتبة بتوقيف من الله سبحانه وتعالى ومن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا بالإجماع، وليس الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم هم الذين أفتوا في وضع هذه الآيات وترتيبها، لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري أو مسلم أنه أقام الليل فقرأ سورة البقرة ثم بعد ذلك النساء ثم بعد ذلك آل عمران فبالتالي أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما قرأ سورة البقرة قرأها مرتبة وكذلك بالنسبة للنساء وكذلك بالنسبة لآل عمران فقرأها مرتبة وكما بيّن النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه أنه من قرأ آخر آيتين من سورة البقرة في ليلة كفتاه أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري. فإذا هذا دليل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي رتبها لقوله آخر الآيتين. وهناك أدلة كثيرة تبيّن وهذا بالإجماع. فكانت إذا نزلت آية كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ضعوا هذه الآية بعد تلك الآية وقبل تلك الآية وهذا بالطبع بأمر من الله سبحانه وتعالى.فإذن لابد من حكمة، لماذا لم ترتب آيات القرآن على حسب نزولها؟ رتبت آيات القرآن بترتيب حكيم لذلك هذا القرآن حكيم والله متصف بالحكمة فهو حكيم، فلا بد هذا الترتيب من حكمة، وهذا إعجاز قرآني. فلو افترضنا مثلاً أن آية رقم (13) من سورة آل عمران نزلت قبل الآية رقم (3) من نفس السورة ولكن مع هذا وجودها في رقم (13) في حكمة أفضل من وجودها قبل آية رقم (3). فلذلك حاول العلماء أن يبرزوا هذه الحكم ويظهروا هذه الحكم فألفوا الكتب في هذا، وأعظمها كتاب "نظم الدرر في تناسب الآيات والسور" " لبرهان الدين البقاعي، ثم بعد ذلك اتبعه السيوطي في كتاب تفسير والربط بين الآيات، وكذلك كتاب لأبي بكر النيسابوري الشافعي وأبو بكر العربي والزركشي وكذلك فخر الدين الرازي في كتابه تفسير الكبير يذكر كذلك العلاقة بين كل آية سابقة لها ولاحقة لها.
فنجد أن برهان الدين البقاعي ذكر في كتابه العلاقة بين آيات الصلاة وآيات الطلاق في سورة البقرة فقال: هناك مناسبتين:
1) أمور الطلاق دائماً تشغل الإنسان، وتجعله مهموماً في النهار والليل، فلذلك قال تعالى :" حافظوا على الصلوات" أي هموم الطلاق لا تنسيكم الصلاة وحافظوا عليها فأدوها في وقتها، وبالأخص صلاة العصر، لأن كما هو معروف إن الإنسان عندما تدركه الهموم يكون قلق، قليل النوم بالليل، مما قد يؤدي إلى أن يدركه النوم في وقت الصلوات، قال تعالى: " وقوموا لله قانتين" أي ليس فقط عليكم المحافظة على الصلاة ولكن كذلك عليكم أن تخشعوا فيها، لأن قلق الإنسان من حادثة الطلاق ومشاكلها، تجعل تفكيره مشتت، وخوفاً أن ينتقل هذا في صلاته فلا يخشع فيها، فيجب عليه أن يقوم للصلاة قانت ولا تلهيه أمور وهموم الطلاق عنها. فلذلك قال تعالى في آية الحرب :" فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً "، أي وأنتم في الحروب عليكم بالمحافظة على الصلاة في وقتها، وعليكم بالخشوع أيضاً، وهذا في الحروب فكيف بالطلاق؟ وهو أهون من سفك الدماء والحرب، وهو من باب أولى أن تحافظ على الصلاة في وقتها، وأن تخشع فيها. ثم قال تعالى:" فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون"، ثم أتمّ الله عزّ وجل آية الطلاق.
2) هموم الطلاق ومشاكل الطلاق ومشاكل الزواج غالباً ما تنتج بسبب ذنب العبد، فالجأ إلى الصلاة، وإلى الله عزّ وجل، لعل الله أن يذهب عنك هذه المشاكل. كما قال الله عزّ وجل:" ما أصاب من مصيبة فبما كسبت أيديكم" أي ما أصابكم من مصيبة بسبب ذنبكم أنتم، وما وقعتم فيه، فبالتالي توجه إلى الصلاة لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزب عنه أمر فزع إلى الصلاة. فيجب على الإنسان أن يخشع، ويستغفر لذنبه، لأن هذه المصائب التي تجمعت عليه بسبب ذنوبه، فعليه أن يراجع نفسه ويستغفر ويتب إلى الله، لذلك أن أحد علماء السلف كان يقول:" إني أعلم قد عصيت الله من خلق دابتي وزوجتي"، أي أنه يترك زوجته في أحسن حال ولكن عند عودته يجدها بغير الحال الذي تركها فعندها يعلم أنه قد عصى الله عزّ وجل.
آيات من سورة المائدة:
ذكر الله عزّ وجل قال:" يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير & وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحداً من العالمين & يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين & ….. إلى آخر هذه الآيات". هنا ذكر الله عزّ وجل لأهل الكتاب أن يتبعوا النبي عليه الصلاة والسلام ثم وإذ قال موسى لقومه اذكروا إلى آخر هذه الآية، فالآية التي قبلها تبين أن يتبعوا النبي عليه الصلاة والسلام، ثم الله جعلكم ملوك وأنتم ملوك وجعل فيكم أنبياء، فكيف الربط بين هاتين الآيتين فالأولى يطلب منهم الاتباع والتي بعدها يشار إليهم أنهم ملوك؟ فإن كانوا ملوك فالنبي هو الذي يتبعهم. كذلك قال الله عزّ وجل في هذه الآية:" جعل فيكم أنبياء" كيف ومحمد صلى الله عليه وسلم ليس منهم فكيف يتبعونه؟ فكأن لا يوجد علاقة بين الكلام. ففي كتاب "نظم الدرر في تناسب الآيات والسور" ذكر أن هناك مناسبة قوية جداً في ذلك، وعلاقة وطيدة ألا وهي:
أن الله عزّ وجل أمر أهل الكتاب بطاعة النبي صلى الله عليه وسلم، لماذا أهل الكتاب أعرضوا عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خارج بني إسرائيل، فأصروا أن النبوة فيهم فكيف تكون للعرب؟ فهم خير أمة، وهذا النبي صلى الله عليه وسلم جاء من أمة هم خدم لهم وأقل منهم. فلذلك الله عزّ وجل لما قال:" أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير "، أي أن لا يأتوا يوم القيامة ويقولوا لم يأتنا بشير ولا نذير، بلى لقد جاءكم بشير ونذير، فالله عزّ وجل قادر على كل شيء، فهو قادر على أن يقلب الملك، فجعلكم ملوك بعد أن كنتم خدم عند فرعون وبسط لكم الأرض وكذلك كانت فيكم النبوة فنقلها إلى بني إسماعيل.
ثم تكملة لهذه القصة قال تعالى:" قالوا يا موسى إنّا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون (24) قال موسى ربي إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين (25) قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين (26)" ثم ذكر تعالى بعد ذلك قصة ابنيْ آدم:" واتل عليهم نبأ ابنيْ آدم …(27)….إلى الآية "فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين (30). ما هي العلاقة بين قصة بني إسرائيل وقصة القتل بين ابنيْ آدم؟ العلاقة أنه مازال الأمر عن بني إسرائيل، ولكن ما هي الاستفادة من قصة ابنيْ آدم؟ الاستفادة منها أنه الإنسان لا يحسد أخوه لأن قابيل حسد أخوه هابيل على الأخت الذي يريد أن يتزوجها، فقابيل أراد أن يتزوج أخته فقيل له أنه لا يحق له أن يتزوجها لأنها أخته التي ولدت معه، فيحق له الزواج فقط من أخت له من حملة أخرى، فهابيل يحق له ذلك لأنها لم تولد معه، فأصر قابيل وحسد أخوه عليها فتقربوا بقربان إلى الله فتقبل من هابيل ولم يتقبل من قابيل فقتله لأنه حسد هابيل على هذه المكانة العليا عند الله عزّ وجل. فالله عزّ وجل حث بني إسرائيل وذكر لهم أن النبوة ستنقل منهم إلى بني إسماعيل فيحذرهم أن لا يحسدوا النبي صلى الله عليه وسلم وأن لا يحاولوا في قتله، كأن تقوموا بمثل جريمة قابيل بحق أخيه هابيل فهذه جريمة عظيمة. ثم قال تعالى:" من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنّه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً…إلى نهاية الأية (32)" لأن هذه أول جريمة قتل حصلت على وجه الأرض، فأي إنسان يقتل فقابيل له نصيب من الإثم لذلك كأنه قتل الناس جميعاً. فلذلك الله عزّ وجل يحذر بني إسرائيل لا يحملكم هذا أي انتقال المُلْك أو النبوة منكم إلى بني إسماعيل لتحسدوا النبي صلى الله عليه وسلم فيمكن أن يؤدي هذا إلى القتل فمصيركم سيكون مثل مصير قابيل الذي تحسّر وندم حيث لا ينفع الندم بعدها.
آيات من سورة القيامة:
بعد أن ذكر الله عزّ وجل في بداية سورة القيامة عن يوم القيامة وأهوالها ذكر تعالى:" لا تحرك به لسانك لتعجل به (16) إنّ علينا جمعه وقرآنه (17) فإذا قرأناه فاتبع قرآنه (18) ثم إن علينا بيانه (19)" فكان جبريل ينزل على النبي عليه الصلاة والسلام ويقرأ عليه القرآن والنبي عليه الصلاة والسلام يحاول أن يقرأه بسرعة، فطُلِب منه أن لا يتعجل به، لأن الله سبحانه وتعالى وعده أن يجمعه بصدره ويقرأه ويحفظه، فإذا انتهى جبريل من قراءته عندها يمكنك قراءته. ثم بعد ذلك أكمل الله آية القيامة. إذاً ما هي العلاقة بين آيات التي تذكر يوم القيامة وعن نهي الله عزّ وجل للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يستعجل بالقراءة؟
إن الإنسان عندما يسمع مثل هذه الآيات عن يوم القيامة فإنه سيخاف ذلك اليوم ويخاف الله عزّ وجل فيحاول يُقدم على الطاعة ويتحمّس لها، ويكثر منها، كما إنه يحاول مسرعاً اجتناب النواهي وتطبيق الأوامر، فنقول له لا تستعجل كما بيّن الله عزّ وجل هنا للنبي صلى الله عليه وسلم أن لا يستعجل، فما رأيك أيها الإنسان في سنة الله عزّ وجل في خلقه، وسنته في تحريم الخمر والتدرج فيها؟.
آيات من سورة ص:
ذكر الله عزّ وجل كيف أن الكفار يستهزئون بالنبي صلى الله عليه وسلم قال تعالى:" أجعل الآلهة إلهاً واحدا إن هذا لشيء عجاب (5)…إلى الآية "وقالوا ربنا عجّل لنا قطنا قبل يوم الحساب (16) اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داوود ذا الأيد إنّه أواب (17)….إلى الآية (20)". ما العلاقة بين استهزاء الكفار بالنبي صلى الله عليه وسلم وبين إن الله أعطى لداوود الملك وسخر الله الجبال والطير وغير ذلك من المُلْك؟(104/1)
إن الله عزّ وجل أراد أن يبيّن للنبي صلى الله عليه وسلّم، فلو تساءلنا ما هي أقسى المخلوقات؟ الصخرة، فأقسى المخلوقات الجبل سخّره الله عزّ وجل لسيدنا داوود عليه الصلاة والسلام، ألا يستطيع الله عزّ وجل أن يسخّر الكفار وهم أقل قساوة من الجبال؟ فالجبال سخرها الله لنبيه داوود عليه الصلاة والسلام يقرأ وتقرأ معه. فما عليك يا محمد إلا بالصبر. ولكن ما علاقة الطير؟ فهي أخف المخلوقات التي لا تستطيع ضبطها فهي تم انضباطها مع نبي الله داوود عليه الصلاة والسلام. فهل الله سبحانه وتعالى لا يستطيع أن يسخر المخلوقات التي هي أثقل من الطير لك؟ ولكن يا محمد اصبر على ما يقولون.
آيات من سورة الأنبياء:
عنصر الثاني هو خلق الإنس وقد تم خلقهم من ماء وتراب فتكون طين فيبس الطين فأصبح صلصال فنفخت الروح في الصلصال فأصبحت إنسان، فالعناصر هي الماء والتراب والهواء الذي ساعد على جفاف الطين فأصبح صلصال ثم بعد ذلك الروح التي نفخت، يجب أن نلاحظ ترتيب الآيات. فتسلسل الله عز وجل بعد قصة إبراهيم، فذكر قصة لوط، فلوط عذبوا بنوعين فالله عزّ وجل عندما أراد أن ينتقل من نار إلى الماء لم ينتقل مباشرة ولكن تدرج الله عزّ وجل فلوط عذبوا بعذابين فعندما حبوا أن يأتوا الملائكة فرفعهم جبريل إلى السماء حتى قالوا أن أهل السماء يسمعون نباح كلاب قوم لوط فقلبوا ثم هوت في الأرض، ثم بعدها أرسل الله حجارة من سجيل (أي من نار)، ثم أمطر عليهم الله مطرا، فعذبوا بنوعين بالماء والنار. عندما أراد الله عزّ وجل أن ينتقل من عنصر النار إلى عنصر الماء تدرج الله عزّ وجل لذلك ذكر الله قوم لوط قبل قوم نوح لأن عذبوا بعذابين نار وماء. ثم بعدها انتقل الله عزّ وجل إلى الماء أي لقوم نوح فعذبهم الله بالطوفان وهذا الماء أخرج من التنور مع العلم إن التنور يخرج منه النار ولكن بقدرة الله اخرج منه الماء، فالماء مؤتمر من الله عزّ وجل، ثم بعد أن غرق من غرق أمر الله الأرض أن تبلع ثم نقص الماء. وهناك تساؤل لماذا ذكر إبراهيم قبل نوح؟ كان الله عزّ وجل قادر أن يذكر قصة نوح، الماء ثم لوط، الماء والنار، ثم قصة إبراهيم. الله عزّ وجل ذكر قصة داو,د وسليمان قال تعالى:" داو,د وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين & ففهمناها سليمان وكلاً آتينا حكما وعلما …إلى آخر الآية"، فشرح هذه الآية أن هناك رجلين في عهد سليمان وداود فكان سيدنا داود عليه السلام هو الذي يحكم بين الناس فأحد هذين الرجلين عند زرع والآخر (جاره) لديه ماشية، فهذه الماشية بالليل أكلت زرع الرجل فذهب واشتكى عند سيدنا داود عليه السلام فقال سيدنا داود: أعطه ماشيتك التي أكلت زرعه وليس لصاحب الماشية شيئاً. فكان سيدنا سليمان عليه السلام خارج المجلس فلما خرجوا من أبيه سألهم عن حكم أبيه فقالوا له، فقال سليمان عليه السلام: أنت يا صاحب الماشية تعطي ماشيتك لصاحب الزرع ليستفيد منها
إلى أن يتم زراعة الأرض وترجع الأرض كما كانت فعندها تأخذ ماشيتك وهو يأخذ الزرع، فكان هذا الحكم هو الأصوب فبالتالي أخذ بحكم سليمان عليه السلام. ولكن ما علاقة هذه الآية بالآيات التي سبقتها؟ أراد الله عز وجل أن يبين أن الابن ممكن يفضل على أبوه كما هنا بينت الآيات أن سليمان عليه السلام كان أفضل من داود عليه السلام بهذا الحكم قال تعالى:" وكلا آتينا حكماً وعلما". فما يمنع أن يكون سيدنا إبراهيم أفضل من سيدنا نوح عليهما السلام فلذلك قدّم سيدنا إبراهيم على سيدنا نوح عليهما السلام. فلماذا بعد ذلك ذكر الله عن داود وقال:" وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين…إلى الآية (80)". مما يتكون الجبل؟ من صخور، ومما تتكون الصخور؟ من تراب. وماذا عن الطير، مما خلقت؟ من تراب. فهذه الأشياء المسخّرة من تراب سخرها لداود، وأشد أنواع الصخور هي الحديد فكذلك سخرها الله لداود عليه السلام. فعنصر التراب هذا بأمر من الله عزّ وجل، فعندما جمعنا الماء والتراب أصبح لدينا طين، فكيف يتم خلق الإنسان منه؟ لابد أن يجف الطين، وما الذي يجفف الطين؟ الهواء. فقال تعالى بعدها:" ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين". فالريح هذه هي التي تجفف الماء من الطين فيصبح صلصال. فلماذا ذكر الله هذه الريح التي مع سليمان من المعروف أنها ريح خيرة ولم يذكر الريح التي أهلك بها قوم لوط وعاد وثمود؟ لأن المسألة فيها خلْق إنسان فبعْث الروح محتاجة شيء طيب وخير. فلماذا بعدها تم ذكر قصة سيدنا أيوب عليه السلام؟ لأن الله عزّ وجل يحب أن يذكر قصة الموت، لأن من المعروف خروج الروح فهو الموت. فما هي علامات الموت؟ البداية هو المرض. فذكر عندها قصة سيدنا أيوب، أصابه المرض لمدة طويلة فمن الممكن أن يموت من هذا المرض ومن الممكن أن يحيا. فبين الله عزّ وجل أن الروح التي تخرج بسبب المرض فسكنّها عند أيوب ولم تخرج بل تشافى. فلماذا بعدها ذكر إسماعيل عليه السلام؟ لأن إسماعيل كان سيموت مرتين وذلك عند ولادته عندما هاجر به وبأمه هاجر إلى مكان الكعبة ولم يجدوا ماءاً وأمه تهرول بين الصفا والمروة لعلها أن ترى ماءا أو أحداً يعطيها ماءا، إلى أن ضرب إسماعيل بقدميه الأرض أو بجناح جبريل فخرج الماء فهنا كادت روح إسماعيل أن تخرج، وكذلك عندما رأى الرؤيا سيدنا إبراهيم عليه السلام بقتل ابنه وكما هو معروف أن رؤيا الأنبياء حق وعندما تلّه الجبين ناداه ربه أنه قد صدّق الرؤيا فطلب منه أن يذبح الشاة بدلا من ابنه، فهنا أيضاً كادت روح إسماعيل أن تخرج. ثم بعد ذلك ذكر قصة سيدنا زكريا عليه السلام، لماذا؟ فسيدنا زكريا عليه السلام كان رجلاً مسناً، فصعوبة أن ينجب ولداً، وامرأته هي الأخرى مسنة، لكن مع هذا قدّر الله عز وجل أن يحيي الحيوانات المنوية التي لدى سيدنا زكريا كما أحيا البويضات لدى زوجته فيخرج سيدنا يحي عليه السلام. فالروح مؤتمرة بأمر الله. ثم ذكر قصة سيدنا عيسى وأمه البتول وبدون أب وبأمر منه الروح نفخت في مريم فخرج عيسى عليه السلام. فكل العناصر بيد الله عز وجل النار، والماء والتراب والهواء والريح والروح أيضاً فلماذا تقولون أن البعث بعيد جداً؟ فقال تعالى:" اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون".
الحمد لله رب العالمين.
سؤال: الإلمام بقواعد اللغة ومفردات الألفاظ هل له علاقة بالتفسير؟
الجواب: نعم، لابد أن تتوفر به مؤهلات التفسير.
سؤال: كان العرب كما قال تعالى في كتابه إنهم كانوا أميين فكيف يعي الواحد منهم هذه التفاصيل كما تم ذكرها في هذه المحاضرة؟ فالأمر يحتاج حكمة لإدراك مثل هذه الأمور؟
الجواب: من ناحية أمية العرب فعقولهم أرجح من عقولنا، فالأمية التي فيهم أنها أمة لم ينزل عليها كتاب، لذلك سميت بأمة أمية فالغالبية منهم لا يقرأون ولا يكتبون، فليس المقصود بالأمية الجهل وعدم الفهم فبالعكس فعقولهم تزن جبال، فأبو جهل كان يسمى بأبي الحكم لأنه صاحب حكمة. خالد بن الوليد لما سأله ابن مسعود عن عدم إسلامه في البداية مع إنه امتاز برجاحة عقله؟ فقال: كان الأمر يؤول إلى آباءنا، وكانت عقولهم تزن جبال، فعندما مات الآباء آل الأمر إلينا، فنظرنا في الأمر فإذا هو حق، لذلك الوليد بن المغيرة عندما سمع القرآن، أتاه أبا جهل لأنه سمع أن الوليد بن المغيرة أعجب بالقرآن، فقال له: إن قريش تجتمع الآن لتجمع لك مالاً لتعطيك إياه. قال: لِمَ، وقد علمت قريش أني أكثركم مالاً وولداً؟ فقال أبو جهل: لماذا تذهب إلى محمد؟ فقال الوليد: إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله (أي أدق الأمور فيه) لمغدق (بالخير)، وإنه ليعلو (هذا القرآن) ولا يعلا عليه، وإنه ليحطّم ما تحته. فقال أبو جهل: فقل بالقرآن قولا يسمعه الأول والآخر. نظر الوليد، قال: شاعر، قال: والله إني أعلم الناس بالشعر ما هو بشاعر. قال: كاهن، والله إني أعلم الناس بالكهانة ما هو بكاهن. قال: مجنون، قال: إني أعلم بالناس بالجنون ما هو بمجنون. فقدّر التقدير الأول ثم فكّر وقدّر التقدير الثاني ثم فكّر وقدّر التقدير الثالث ثم قال بعد ذلك: إن هذا إلا سحر يؤثر، إن هذا إلا قول البشر. فقال الله عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم: ذرني (أي لا تتدخل، الأمر بيني وبينه) ومن خلقت وحيدا (أي وحيد أبيه، وقد رزقه الله بالأموال والبنين الكثير)& وجعلت له مالاً ممدودا & وبنين شهودا & ومهدت له تمهيدا & ثم يطمع أن أزيد (ثم بعد هذا الكفر يريد أن أزيد، فلم يقل الله عز وجل أزيدا (كممدودا، شهودا، تمهيدا، امتداد) فهذا دليل على انقطاع الزيادة) & كلا (لن أزيد، لن أزيده الهداية بعد أن أعرض عن الله عز وجل) إنه كان لآياتنا عنيدا & سأرهقه صعودا & إنه فكر وقدّر (قال: شاعر) & فقتل كيف قدر (قال: كاهن) & ثم قتل كيف قدر (قال: مجنون) & ثم نظر & ثم عبس وبسر & ثم أدبر واستكبر & فقال إن هذا إلا سحر يؤثر (يشير ويستهزأ بكتاب الله عز وجل)& إن هذا إلا قول البشر & سأصليه سقر & وما أدراك ما سقر & لا تبقي ولا تذر & ". فقريش كانت عقولها تزن جبال لكن بسطاءهم يمكن أن يكونوا أقل من سادتهم. لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يتمنى أن يسلم أحدهم، لأنهم يفقهون. فالأمية من ناحية القراءة والكتابة وليس من ناحية التفكير، فعندما يقرءوا قصة إبراهيم عليه السلام ويعرفوا النار تحت إمرة الله عزّ وجل، والماء أيضاً في قصة سيدنا نوح عليه السلام أيضاً تحت إمرة الله عزّ وجل.
سؤال: "ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين"
الجواب: في تفسير ابن كثير وحمله على قول عمر بن الخطاب، يقول: من بلغه ومن أسلم ولم يحج فقد مات فمات يهودياً أو نصرانياً. فإنهم يروا أن ترك الحج أمر شديد فكأنه يؤدي إلى الكفر. وممكن كذلك أن الله عزّ وجل خاطب العرب ويذكرهم بأبيهم إبراهيم بأن هذا الحج أتى به إبراهيم عليه السلام، وأمرهم بالحج لتوحيد الله عز وجل، فأنتم أصحاب حج وأنتم أبناء إبراهيم وأنتم أولى الناس بالإيمان، والله جعل هذا البيت شرفاً لكم ومع هذا تكفرون بالنبي صلى الله عليه وسلم. وإذا كفرتم فالله غني عنكم.
سؤال: أسماء الكتب التي تتكلم عن ربط الآيات وعلاقتها مع بعض.
الجواب: أفضلها "نظم الدرر في تناسب الآيات والسور" للمؤلف برهان الدين البقاعي وهذا الكتاب في خمسة وعشرين مجلد،
سؤال: هل يوجد له مختصر؟
الجواب: لا أدري. فإنه من الصعب اختصار ذلك.
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الشيخ عدنان عبد القادر
عدد القراء : 3276
تاريخ الموضوع: 17 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(104/2)
تشابه الآيات في القرآن للشيخ عدنان عبدالقادر
الشيخ عدنان عبد القادر(105/1)
الأصل أن موسى هو الذي يتم تقديمه عن هارون وذلك لأنه هو رسول ونبي بينما هارون هو نبي فقط وتابع لموسى، ولكن ما حصل في سورة طه فهو العكس، لماذا؟ في سورة طه يجب أن نعرف مغزى هذه السورة كي نعرف أو نتوصل إلى البلاغة أو الغاية والحكمة، ما هو الموضوع التي تتكلم عنه هذه السورة؟ فلكل سورة وحدة موضوعية، فسورة طه تتكلم عن الدعوة، وطريقتها، ووسائلها. فعندما يقرأ الإنسان منذ البداية قال تعالى:" طه" أحرف عربية للتحدي، "ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى" فهذا القرآن تذكرة للدعوة تدعو الناس، "تنزيلاً ممن خلق الأرض والسموات العلا" لم يقل الله سبحانه إنزالا، وهناك اختلاف بينهما فالإنزال هو مرة واحدة أما التنزيل فهو التدرّج فكأن الدعوة هي للتدرج، فدعوة النبي صلى الله عليه وسلم متدرّجة، فرحمة الله تبارك وتعالى بالعباد أن قدّم الأرض على السماء وإلا غالباً تقدّم الأرض على السماء، لِمَ؟ قيل من الحكم التي قُدّمت الأرض في هذه الآية كذلك في سورة يونس، وهود وذلك لأن الله في هذه السورة أراد أن يجبر خاطر النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم من ساكني الأرض فرفع الله عز وجل من شأن الأرض لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد سكن هذه الأرض. سورة طه تتكلّم عن الدعوة، لذلك الله عز وجل عندما أتى موسى، وشعر بالخوف ماذا قال الله عز وجل له؟ الله تبارك وتعالى خفّف من هذه الحِدّة التي شعر بها موسى ومن هذه الرهبة قال تعالى:" وما تلك بيمينك يا موسى" فلاحظ كيفية الدعوة الآن، الله عز وجل كيف أخذ يكلّم موسى عليه السلام بعد أن دخل في قلبه الروع فأدخل في قلبه الأمن، وكيف تكلّم وتدرّج معه؟ قال تعالى:" هي عصاي (نوع من التلطف مع موسى عليه السلام) أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي (أي لتتساقط بها أوراق الشجر لتأكل منها الغنم) وليَ فيها مآرب أخرى قال ألقها يا موسى فألقاها فإذا هي حية تسعى (فهذا تلطف لم يقل الله في البداية ألق العصاة) قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى"، وقال الله لموسى عليه السلام في بداية الآيات عندما أتى موسى لكي يأخذ القبس قال تعالى:" وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى" عندما تأتي لأخ وتقول له: لقد اتصلت بك دوناً عن غيرك، فهنا يشعر إنك خصصته بهذا الاتصال فهذا إن كنت مخلوق فكيف إذا ما كان هذا المتصل وزير أو وكيل أو ملك لا بل ملك الملوك، فهنا كيف سيشعر موسى عليه السلام؟ لذلك تهيأ موسى لتلقي الرسالة، وإنه مستعد لأن يسمع ما يوحى إليه، ثم قال تعالى:" إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى"…إلخ. الآيات تتكلم عن موضوع الدعوة، لذلك عندما أرسل الله عز وجل موسى لفرعون قال:" رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني" إلى قوله تعالى:"واصطنعتك لنفسي" هنا الله سبحانه وتعالى يقول لموسى عليه السلام أنت من خاصتي، فله عليه السلام مكانة عليا عند الله، فكيف لا يستجيب موسى وهذه الكلمات الجميلة من الله عز وجل له؟ فالله عز وجل خاطب موسى بهذا الأسلوب، فكيف بنا نحن؟ فالله سبحانه وتعالى خاطب أفضل رجل على وجه الأرض في ذلك الوقت، فكيف بنا نخاطب الناس من هو أقل من موسى عليه السلام؟ فيجب علينا أن نخاطب بطريقة فاضلة فوضح لنا الطرق التي ندعو بها الناس. فالله تبارك وتعالى أثناء هذا الكلام قال في قصة السحرة عندما سجدوا لله عز وجل، وهي كالآتي: عندما دخل قالوا:" رب هارون وموسى"، عندما أرسل إلى فرعون مع هارون دخلا على فرعون فدعاه إلى الله تبارك وتعالى وإلى بني إسرائيل، رفض فرعون وأخذ يناقش موسى: ما رب العالمين؟ فقال له موسى " رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين" قال لمن حوله: " ألا تستمعون" قال:" ربكم ورب آباءكم الأولين"، كأنما هنا موسى يُشعِر فرعون إنه يدعي الألوهية، فآباؤك قد ادعوا الألوهية سنين وهم الآن تحت الأرض في القبور، فهؤلاء لا يستحقون الربوبية فإذاً أنت لا تستحق الربوبية، فمصيرك كمصيرهم، فقد تكلم معه بكلام لكي يحرجه، "قال إنه رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون" "قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون" أي إن كنت مجنون فأنتم أصحاب عقول. فهذا النقاش حصل بين موسى وفرعون، ثم بعد هذا النقاش قال فرعون:" فاجعل بيننا وبينك موعداً لا نخلفه نحن ولا أنت مكاناً سوى& قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى& فتولى فرعون فجمع كيده ثم أتى" وفي آية أخرى في سورة الأعراف قال تعالى:" وأرسل في المدائن حاشرين يأتوك بكل ساحر عليم"، حاول فرعون أن يجهز الناس وأن يقفوا صفاً واحداً أمام موسى عليه السلام، ففرعون لم يستشر قومه يوماً ما لكن في هذه الحالة فقال:" قال للملأ حوله إن هذا لساحرُ عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون"، فالغريب بأمر فرعون إنه لم يتفوه بهذه الكلمات من قبل، ولكنه عندما رأى الآية العظمى التي أتى بها موسى عليه السلام، حاول أن يجمع الناس حوله لأنهم كادوا أن يتفرقون عندما رأوا الآية العظمى، فلهذه المشورة حاولوا أن يتجهزوا لها لأنها بظنهم أنها فرصة ويريدون أن يغتنموها، سورة الأعراف يتكلم عن موضوع البشارة والنذارة والرسالة، فلذلك نجد تكرار كلمة أرسل، أرسلنا في الآيات. فمثلاً نجد في سورة البقرة "فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من السماء" وفي سورة الأعراف "فأرسلنا عليهم رجزاً من السماء بما كانوا يظلمون"، وقال تعالى:" وأرسل في المدائن حاشرين يأتوك بكل ساحر عليم"، الإرسال هو كما وقف النبي عليه الصلاة والسلام في القوم وقال لهم: واصباحاه..إلخ فيأتيه القوم ويبلغهم ما يريد، لكن الموضوع في سورة الشعراء تبيان لمكانة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أكرم الخلق على الله تبارك وتعالى، ومهما تحدى الناس النبي صلى الله عليه وسلم فإن الله سينصره إلى قيام الساعة، لذلك في بداية السورة تتكلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تعالى:" لعلك باخعٌ نفسك ألاّ يكونوا مؤمنين& إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين" وكذلك في نهاية السورة قال تعالى:" نزل به الروح الأمين& على قلبك لتكون من المنذرين" فكلمة على قلبك فيها نوع من اللطف وفيها تبيان لمكانته صلى الله عليه وسلم، وكذلك في نهاية السورة قال تعالى:" وتقلّبك في الساجدين" أي دائما أنت تذكر على لسان الساجدين، فدائما اسمك يتقلب على لسان الساجدين. لذلك لما حصل النقاش بين فرعون وموسى فدعا قومه للوقوف معه فقالوا له:" فابعث في المدائن حاشرين"، نحن نعلم أن اللغة العربية تتعامل بطريقة اللفظ، أي يعرف معنى الكلمة عن طريق اللفظ بها، فحرف الثاء للانتشار والكثرة، أي فقولهم كث أي كثير منتشر، فابعث أي ابعث الرسل الكثيرين إلى كل القرى حتى بعد ذلك يخرجوا السحرة من باطن الأرض، فإن بعثوا إلى تلك القرى ومحصوا تلك القرى وأخرجوا لك تلك السحرة فسيخرجون أعظم السحرة، وأعظم السحرة لا يقول له ساحر بل سحّار أي صاحب علم دقيق بالسحر، فناسبت كلمة ابعث لكلمة سحّار، وأرسل ناسبت كلمة ساحر، فالإرسال على العموم لكن ابعث كأنه يحفر بباطن الأرض حتى يخرج أولئك السحرة. فالشاهد من هذا، أنه حصل النقاش واتفقوا على يوم ، فأتى موسى عليه السلام وكان هذا اليوم مناسب له لأن في هذا اليوم كل الأمة تجتمع، فاجتمعت الأمة القبطية في هذا اليوم فأتى فرعون على عرشه وحوله الوزراء والحشم والأمة كلها تنادي باسم فرعون وموسى وهارون عليهما السلام لوحدهما قال تعالى:" قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى & فأجمعوا كيدكم ثم أتوا صفا وقد أفلح اليوم من استعلى & قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى & قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم إنها تسعى" فهذا سحر التخييل بحيث أن الكل يرى أن الحبال تسعى ثم قال تعالى" فأوجس في نفسه خيفة موسى" أي شعر موسى بالخوف، واضطرب قلبه، ففي هذه اللحظة لا تستطيع أن تقول له ألقي عصاك، وذلك تخيّل معي عندما تكون في وضع فيه نوع من الاستعجال والربكة والرهبة وتريد المفتاح وهو بيدك ولكن من شدة الارتباك لم يشعر إنه بيده، فكذلك بالنسبة لسيدنا موسى عليه السلام لو قيل له: ألق عصاك فربما سأل وقال: أين العصا؟ ولكن الله عز وجل لم يقل لموسى عليه السلام: ألق عصاك ولكن قال:" وألق ما في يمينك" مهما كان ما في يمينك سواء كانت عصا أم غيرها ثم قال تعالى:" تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى" فتخيلوا أن الساحة كلها ثعابين المتخيلة فإذا العصا قد تحولت إلى ثعبان عظيم قد التقم هذه الثعابين أو الحبال في لحظة واحدة، قال تعالى:" تلقف" لأن المعروف أن الحية لا تلقف لأنها أولاً تضرب بالسم ثم بعد ذلك تبتلع ضحيتها. ولكن حية موسى شيئاً آخر فقد لقفت في لحظة واحدة، ومنها شعر السحرة بأن هذا الأمر شيء عظيم وإن هذا ليس بسحر وإنما هو من عند الله تبارك وتعالى لأنهم أصحاب السحر ويعلمون دقته وعظم هذا السحر، فسجدوا لله قال تعالى" فألقي السحرة سجدا قالوا آمنا برب هارون وموسى" وقالوا رب هارون وموسى، لِمَ؟ هذه السورة تتكلم عن الدعوة وأن صاحب الدعوة الله يرفعه درجات فمن نهى عن المنكر وأمر بالمعروف يُرفَع درجات عند الله تبارك وتعالى، ففي هذه السورة لم يذكر الله عز وجل عن هارون أما في سورة الأعراف عندما ذهب موسى للقاء الله تبارك وتعالى بعد أن نجى الله بني إسرائيل، فاتخذ قوم موسى ذلك العجل وعبدوه فلما رجع موسى قال تعالى:" ولما رجع موسى غضبان أسفاً قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه" ماذا قال هارون؟ "قال يا ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين" إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني هل هذه الآية فيها دليل صريح بأن هارون أمر بالمعروف ونهى عن المنكر؟ لا. ربما كاد هارون يأمر بالمعروف وكاد ينهى عن المنكر ولكن خاف عندما تجمع القوم قال: إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني، فلا توجد دلالة صريحة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولكن في سورة طه يختلف قال موسى عليه السلام عندما رجع إلى قومه قال تعالى:" و ما أعجلك عن قومك يا موسى & …إلى قول الله تعالى " ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري… إلى قوله تعالى "قال يا بنؤم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي" فهذه فتنة وهذا كفر، فهنا أمر هارون بالمعروف ونهى عن المنكر فرفع الله تبارك وتعالى من شأن هارون عليه السلام فقدمه على اسم موسى ولأنه لا يخطر بالبال أن هارون هو أفضل من موسى.(105/2)
فالكلب أجلّكم الله عندما صاحب أهل الكهف الله عز وجل رفع من شأنه قال تعالى:" وكلبهم باسط ذراعيه بالوسيط"، فعندما صاحب أهل المعروف والناهين عن المنكر الله رفعه عز وجل وهو كلب وذكره تكريماً له لأنه شارك المؤمنين وخرج معهم وحفظهم ويحرسهم. فكيف بنبي من الأنبياء؟ فرفع الله تبارك وتعالى من شأنه فقدمه على ذكر موسى. ولكن قدم موسى عليه في آيتين أخرتين. وهذه حكمة وهناك حكمة ثانية، وذلك أن كتب التاريخ دائماً ككتاب البداية والنهاية، تاريخ الطبري تجدون أول اسم مذكور هل هو النبي صلى الله عليه وسلم أو آدم عليه السلام؟ آدم عليه السلام هو الذي يذكر قبل، فكتب التاريخ تتكلم عن التسلسل التاريخي، فسورة طه تتكلم عن التسلسل التاريخي فماذا قال لموسى؟ قال تعالى:" قد أوتيت سؤلك يا موسى & ولقد مننا عليك مرة أخرى & إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى" فلاحظوا التسلسل التاريخي ولو أكملنا القراءة لوجدنا أنه يصلح أن يقدّم هارون على موسى لأن هارون هو الذي ولد قبل موسى فقدّم هارون على موسى لأن المسألة فيها تسلسل تاريخي.
*عندما تقرأ قول الله تبارك وتعالى في سورة البقرة:" وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الرض مفسدين" بينما في سورة الأعراف قال تعالى:" إذ استسقاه قومه أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا" الإنبجاس هو بداية الظهور. فلماذا في سورة البقرة قال: انفجرت وفي الأعراف قال:انبجست؟
قال بعضهم كزمخشري: إن سورة الأعراف سورة مكية فهي في بداية الدعوة، فلذلك قال تعالى: فانبجست، بينما سورة البقرة سورة مدنية فالآن انتشار الإسلام، فلذلك قال تعالى: فانفجرت. لكن ما هو أحسن من هذا هو أن الله تبارك وتعالى في سورة الأعراف قال:" إذ استسقاه قومه" عندما طلبوا من موسى وهو المخلوق قال: فانبجست، وهذه إحدى العطايا، ونعمة من النعم، لكن عندما نسب الله عز وجل الطلب إليه فذكر نعيم أعظم فقال تعالى في سورة البقرة:" وإذ استسقى موسى لقومه" فموسى هو الذي طلب من الله عز وجل، فعندما كان الطلب من الله أتى الخير سابق أتى إلى هذه الأمة، فقال تعالى:" فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا". فلذلك أخي الكريم إذا أردت أن تطلب فاطلب من الله عز وجل، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، فالخير سيأتيك، ولكنك أنت لا تعلم أين الخير؟ ولكن الله عز وجل يعلم، فتأتي النعم سابقه لك أنت إذا توجهت إلى الله عز وجل، ولكن إذا توجهت إلى مخلوق فتوقع ربما تُرَد، ربما تضايق وربما تحرج أو لربما يأتيك خير قليل جداً.
* قال تعالى لبني إسرائيل في سورة الأعراف: "وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية وكلوا منها حيث شئتم وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا نغفر لكم خطيئاتكم سنزيد المحسنين& فبدل الذين ظلموا منهم قولاً غير الذي قيل لهم فأرسلنا عليهم رجزاً من السماء بما كانوا يظلمون"، بينما في سورة البقرة قال تعالى:" وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين&"
قيل أن القرية هي بيت المقدس، فالله عز وجل ذكر في سورة الأعراف تعنّت بني إسرائيل، فهو الذي نجّاهم، قال تعلى:" قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا.." فأخذوا يتعنتون على موسى تعنتاً شديداً، فعندما ذكر الله عز وجل هذا الأمر قال:" وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية"، فالإنسان حتى يسكن يحتاج إلى بحث عن سكن وإن وجد السكن فلربما لا يعجبه أو لا يعجب زوجته وإذا عجبهما المنزل فيحتاج إلى فترة إلى ترتيب البيت، فالإنسان يتعب حتى يسكن، فالله عز وجل لما أشار إلى تعنّت بني إسرائيل قال "اسكنوا" أي لابد أن تكدوا وتتعبوا وتكنوا بعض الشيء في البحث عن كيفية الدخول ثم بعد ذلك محاولة في السكن فاجتهدوا في ذلك حتى تسكنوا بعد ذلك. ثم قال تعالى:" وكلوا منها حيث شئتم" كأن في إشارة أن تأكل بعد السكن، فهذه نعم من نعم الله عز وجل لأنه أذن لهم بالسكن، ثم أذن لهم بعد ذلك بالأكل فهذه نعمة أيضا، ونلاحظ أن الله سبحانه وتعالى لم يقل رغدا كما في سورة البقرة، ثم قال تعالى:" وقولوا حطة نغفر لكم خطيئاتكم" اعترفوا بذنوبكم واعتذروا قبل أن تدخلوا، فكلمة حطة أي حِط من خطايانا واغفر لنا، وبعد ذلك يدخلوا الباب سجدا. أما معنى خطيئاتكم أي جمع مؤنث سالم لخطيئة، والخطيئات كثيرة وهذا من نعم الله سبحانه وتعالى بأنه سيغفرها لهم ثم قال:" سنزيد المحسنين" أي وسأعطيكم زيادة. فالله عز وجل ذكر هذه النعم ولكن الإنسان عندما عصى الله عز وجل فالله تعالى شدّد عليه. وكذلك الله عز وجل قبل أن يذكر هذه الآيات قال تعالى:" وقطّعناهم اثنتي عشرة أسباطاً أمماً وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه…"، وقطّعناهم هم بالفعل قسّموا إلى أمم لكن قطّعناهم كأن فيه إشارة إلى نوع من الحرب والشقاق فأثناء الدعوة لابد وأن تجد الشقاق بين الدعاة، فما هو السبب إلى هذا الشقاق؟ فبين الله عز وجل هذا السبب، إذا ما أردتم السكون فقال:" اسكنوا" فناسب كلمة السكون كلمة وقطّعناهم، الله تبارك وتعالى ذكر أن الحياة الزوجية هي سكن وأن المرأة هي سكن للرجل قال تعالى:" خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها"، فإذا أردت أن تشعر بنوع من السكون بعد الشقاق الموجود قطعناهم، وإذا أردتم نوع من السكون والارتياح فترجعوا كما كنتم على قلب واحد "قولوا حطة وادخلوا الباب سجدا" عليكم أن تعترفوا وتعتذروا لله عز وجل وتستغفروا لذنوبكم فالله عز وجل بعد ذلك سيجعلكم على طريق واحد. فتناسب قول قطعناهم مع السكون مع تقديم حطة على الدخول. بينما في سورة البقرة يذكر الله عز وجل نعمه السابقة، لأن في هذه السورة يتكلم الله عن أركان الدين وأركان الإيمان كما في نهاية سورة البقرة:" آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله" وأيضاً في بداية السورة:" يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون" فذكر الصلاة وذكر الحج والصيام فهذه أركان الإسلام كما ذكر الله عز وجل الغاية من الخَلْقْ وهي العبادة، فلذلك فأول أمر في كتاب الله عز وجل في سورة البقرة:" يا أيها الناس اعبدوا ربكم"، أي حبوا الله تبارك وتعالى، فذكر الله موضوع محبة الله عز وجل وعبادته. ومن أسباب المحبة أن الإنسان يذكر أخيه بأنه أعطاه، ولم يبخل عنه بشيء، فحتى يرغّب الله تبارك وتعالى الناس بتحقيق هذه المحبة فنعمه عليّ سابقه فيجب علي أن استحي فأشعر بمودة له، فلذلك في سورة البقرة أخذ الله سبحانه وتعالى يذكر نعمه في بني إسرائيل فقال تعالى:" وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية" فكان يكفيكم الدخول والأمور ستتهيأ لكم، "فكلوا منها حيث شئتم رغدا" قال تعالى:"رغدا" أي بنعيم وسعة، أي في أي مكان تريدون أن تأكلوا ومن أي شيء تشاءون. "وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة" أي بعد الدخول اسجدوا وتوبوا إلى الله فكأن لا يمنع الاعتراف بعد الدخول، فهذا دليل على نعم الله عليهم وكرمه "نغفر لكم خطاياكم" وهنا قال تعالى:" خطاياكم" جمع تكسير، صيغة منتهى الجموع، وهي أكثر من خطيئات، وهذا من نعم الله تبارك وتعالى، وقال: لِمَ؟ قال: لأن الله عز وجل في بداية الآية عزّ الأمر لنفسه:" وإذ قلنا" فهنا عزاه لعظمته لما له من العظمة فذكر كذلك عظمة هذه النعمة، وفي الأعراف قال تعالى:" وإذ قيل" لم يعزه لنفسه، قال تعالى:" وسنزيد المحسنين" أي وزيادة في الأحرف زيادة في المعنى أي زيادة في النعمة، فالنعم كانت تزيد وزيادة عنها في سورة الأعراف "سنزيد المحسنين". ثم قال تعالى:" فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم" وفي سورة الأعراف "فبدل الذين ظلموا منهم" عندما يأتي إنسان ما إلى مجموعة من الناس ويوجه إليهم الكلام فيقول لهم: أيها الناس، يوجد منكم شخص من هذه القبيلة قد فعل كذا وكذا؟ فهنا أصحاب القبيلة يحرجوا، لذلك فـ "منهم" وقعت البلايا أي من بني إسرائيل، وهذا تقريع من الله عز وجل لهم فيما وقعوا فيه من الذنب، ثم قال تعالى في سورة الأعراف:" قولاً غير الذي قيل لهم فأرسلنا عليهم رجزاً من السماء بما كانوا يظلمون" أرسلنا وهو إرسال أي أن يأتي شيء ربما يعم في المجموعة الموجودة، والإرسال عندما تأتي الريح فلا تخص منزلاً دون الأخر أو نافذة دون الأخرى ولكنها تأتي وتعم الموجود، فبني إسرائيل عندما وقعوا ما وقعوا فيه من المعاصي يستحقوا أن يهلكوا بأكملهم. أما في سورة البقرة فقال تعالى:" فبدل الذين ظلموا" فهنا إكراماً من الله عز وجل لبني إسرائيل فلم يقل منهم، كأن هنا دلالة على أن أشخاص معينة أو واحد من الناس لأن الله عز وجل لم يقل منهم كي لا تحرج بني إسرائيل ثم قال:" قولاً غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا" الله هنا أكرمهم بأنه لم يقل عليهم لأن إذا قال عليهم معناه احتمال كل القرية، كما أن الله لم يقل أرسلنا لأنها ستعم أهل القرية كلهم ولكن قال أنزلنا فلا نفهم أن الكل أصابه الرجز ولكن البعض وهم الذين ظلموا، ثم قال تعالى:" رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون"، فذكرهم ظلموا ويفسقون فلِمَ؟ لأنه عزا الله سبحانه وتعالى في بداية السورة بقوله "وإذ قلنا" فعزاه لنفسه، وعندما نسب معصيتهم بأنهم قد عصوا العظيم قال:" فبدل الذين ظلموا" فغيروا بكلامهم فلم يقولوا حطة ولكن قالوا حنطة وفي هذا استهزاء لأوامر الله سبحانه وتعالى، فعندما عصوا الله عز وجل فعزا الله الأمر لنفسه فمن عصى العظيم يستحق أشد العقوبات فلذلك قال تعالى في هذه الآية في سورة البقرة: ظلموا، ظلموا، يفسقون. ولكن في سورة الأعراف لما قال: قيل، لم يعزوه لنفسه ولكن قال ظلموا، يظلمون.
* في سورة آل عمران عندما بشرت الملائكة زكريا بيحي فقال تعالى:" أنّا يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال كذلك الله يفعل ما يشاء" في نفس السورة بعد آيات قليلة عندما أتت الملائكة وبشرت مريم بعيسى قال تعالى:" قالت رب أنّا يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء" في الآية السابقة قال زكريا: أنّا يكون لي غلام، وقالت مريم: أنّا يكون لي ولد، كذلك منذ آيات قليلة في حق زكريا:" الله يفعل ما يشاء" ففي حق مريم قال:" الله يخلق ما يشاء".(105/3)
هذا فعل الله عز وجل أن رزق زكريا بيحي عليهما السلام، وذلك أن زكريا عليه السلام بلغ من الكبر عتيا، وكأنه أصبح عقيما فالله عز وجل جعل الحياة في الحيوانات المنوية لزكريا عليه السلام، فهذا فعل من أفعال الله عز وجل، وجعل الحياة كذلك في بويضات الزوجة وهي عاقر كما قال زكريا عليه السلام، فهذا فعل من أفعال الله عز وجل أن رزق زكريا بهذا الابن على كبر وهي كذلك عاقر، فبث الحياة هنا وبث الحياة هنا. وقيل سمي يحي لأنه ما كانت حياته تتوقع، لكن الله تبارك وتعالى عندما تكلم عن مريم أشار بقصة مريم أن النصارى قالوا عيسى هو ابن الله تبارك وتعالى فأشار الله عز وجل إن عيسى ما هو إلا ولد لمريم أي قد ولدته مريم ومن المعلوم أثناء الولادة أين يخرج المولود هذا المكان قريب من مكان خرج البول فهذا المكان غالباً ما تخرج منه النجاسات فهل الإله يخرج من هذا المكان؟ فعندما أشار إلى الولد فإن الله يتنزه من أن ينزل من هذا المكان فإذا ما وُلِد غالباً ما تخرج منه النجاسات مع المولود فكيف يكون الله عز وجل يولد في مثل هذا المكان مع النجاسات؟ تعالى الله علواً كبيراً، فلما أشار بالولد فهو ولد مريم فإنه لا ينبغي أن يكون إله وإنما هو مخلوق ثم بعد ذلك لتأكيد هذا المفهوم لم يقل: كذلك الله يفعل ما يشاء، ولو قالها لقال النصارى: يفعل الله ما يشاء لأتى مريم تعالى الله عز وجل عن ذلك علواً كبيراً، فلكي لا يتطرق إلى الأذهان هذا المفهوم فقال تعالى:" كذلك الله يخلق ما يشاء" لأن هذا الخلق نوع من أنواع الفعل، لكنه ذكره بالتخصيص، خلق فما عيسى إلا مخلوق وليس إله.
* في سورة الشعراء يذكر الله تعالى:" كذبت قوم نوح المرسلين(105) إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون(106)"، "كذبت عاد المرسلين(123) إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون(124)"، كذبت ثمود المرسلين(141) إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون(142)"، كذبت قوم لوط المرسلين(160) إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون(161)"، "كذب أصحاب الأيكة المرسلين(176) إذ قال لهم شعيب ألا تتقون(177)" فنجد في الآيات التي مضت كلها فيها أخوهم ما عدا الآية التي تذكر شعيب لم يقل أخوهم آية (177)، لِمّ؟
عندما نسب الله تعالى قوم نوح إلى نوح فهو أخوهم في هذه الانتساب، وعاد هو الجد الأعلى لهذه القبيلة، وهود عليه السلام ينتسب إلى هذا الجد فهو أخوهم في هذه الانتساب، وثمود هو الجد الأعلى فصالح ينتسب معهم فهو أخوهم في هذه الانتساب، قوم لوط فلوط ليس من قرية ولكنه أرسله الله تعالى إليهم فأصبح كأنه من هذه القرية، فنسبهم الله عز وجل إليه فهو أخوهم في هذه النسبة، لكن الله تبارك وتعالى عندما ذكر قوم شعيب قال تعالى:" كذب أصحاب الأيكة المرسلين(176) إذ قال لهم شعيب ألا تتقون" ما هي الأيكة؟ هي شجرة كان يعبدها أصحاب مدين، فهل هو أخوهم في عبادة هذه الشجرة؟ وهل ينتسب إليهم في عبادة هذه الشجرة؟ فلو قال أخوهم فهو أخوهم في عبادة هذه الشجرة.
* كما قال تعالى في سورة طه عندما بعث الله تبارك وتعالى موسى وهارون:" فأتياه (أي فرعون) فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم" بينما في سورة الشعراء قال تعالى:" فأتيا فرعون فقولا إنّا رسول رب العالمين".
* ففي بداية سورة البقرة قال تعالى:" واتقوا يوماً لا تجزي نفسٌ عن نفسٍ شيئاً ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون" وفي منتصف سورة البقرة قال تعالى:" واتقوا يوماً لا تجزي نفسٌ عن نفسٍ شيئاً ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون".
فهنا القارئ للقرآن يتوقف عند هذا التشابه، فليعلم أن الله سبحانه وتعالى ما يتكلم إلا بكلام بليغ، والله تعالى قل:" كتاب أحكمت آياته" فما وُضِعَ ولا حُذِفَ ولا زيد بكلمة أو حرف إلا لحكمة، فما هذه الحكمة؟ فهناك آيات كثيرة في القرآن فيها تشابه وليس فقط الذي ذكر سابقاً. والحمد لله رب العالمين.
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الشيخ عدنان عبد القادر
عدد القراء : 2075
تاريخ الموضوع: 10 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(105/4)
أين أنت من القرآن؟ للشيخ عثمان الخميس
الشيخ عثمان الخميس
هذا الكتاب الذي تعهد الله جلّ وعلا بحفظه وقال:"إنّا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" هذه الآية التي قال الله تبارك وتعالى عنها:"لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد" هذه الآية هي كتاب الله تبارك وتعالى الذي تحدى به الإنس والجن على أن يأتوا بقرآن مثله قال تعالى:"قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا" ثم تحداهم الله تبارك وتعالى على أن يأتوا بعشر سور من مثله فعجزوا ثم تحداهم الله تبارك وتعالى على أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا قال تعالى:"وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فائتوا بسورة من مثله، وادعوا شهداءكم إن كنتم صادقين"، وسلموا أمرهم لله تبارك وتعالى فكانوا يقرون أن هذا القرآن فوق مستوى البشر، وقال الله تبارك وتعالى مبيناً ذلك:" قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون" وقال عن قوم موسى:" وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم" صحيح أنهم جحدوا بها ولكن استيقنتها أنفسهم فهم يعلمون أنه حق ويعلمون أن البشر لا يستطيعون أن يأتون بمثله ومع هذا جحدوا والعياذ بالله واستكبروا عن أمر الله جل وعلا. هذا القرآن جاء في فضله أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نذكر بعضها منها قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:" خيركم من تعلم القرآن وعلّمه" ومنه قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:" الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن وهو يشتد عليه وفي رواية وهو يتتعتع فيه فله أجران" ويقول صلوات الله وسلامه عليه لأهل الصفّة:" أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان[1] فيأتي منه بناقتين كوماوين من غير إثم بالله ولا قطيعة رحم قالوا: يا رسول الله كلنا يحب ذلك فقال صلوات الله وسلامه عليه: فلأن يغدو أحدكم إلى المسجد فيتعلم آيتين خير من ناقتين وثلاثٌ خير من ثلاث وأربعٌ خير من أربع ومن أعدادهن من الإبل" آية من كتاب الله يتعلمها الإنسان خير من ناقة كوماوة[2] وآيتان خير من ناقتين وثلاثٌ خير من ثلاث وهكذا ولكن من يعي وأين من يحرص ويقول صلوات الله وسلامه عليه:" يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها" ويقول صلوات الله وسلامه عليه:" لا حسد إلا في اثنتين رجل علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار وله جار يسمعه ويقول يا ليت لي مثل ما لفلان فأفعل كما يفعل ورجل آتاه الله مالاً فهو يسلّطه على هلكته في الحق". هذا القرآن العظيم أمر الله تبارك وتعالى بتدبره بل نعى الله جل وعلا على من لا يتدبر كتابه فقال الله تبارك وتعالى:" أفلا يتدبرون القرآن" وذكر هذا في آيتين في الآية الأولى قال:" أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كبيرا" وفي الآية الأخرى قال:" أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها". أعلى القلوب أقفال تمنعها من تدبر القرآن؟ أوجد الناس اختلافاً في كتاب الله تبارك وتعالى؟ أبداً، ليس على القلوب أقفال وليس في القرآن اختلاف ولكن في الناس إعراض والعياذ بالله، أعرضوا عن كتاب الله جل وعلا، الذي يقول عنه "لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله" وهو جبل حجارة متراكمة بعضها على بعض فما بال قلوب البشر؟ أهي أشد من الجبال؟ إي والله إن من قلوب البشر لما هو أشد من الجبال كما قال الله تبارك وتعالى :"ثمّ قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة" و’أو’ هنا بمعنى بل وهي للإعراض أي أن هذه القلوب كالحجارة ثم قال الله تبارك وتعالى بل هي أشد قسوة من الحجارة ثم بيّن الله الحجارة وبين أنها تختلف عن القلوب القاسية فقال الله تبارك وتعالى:" وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله" وقلوب بعض العباد أقسى حتى من الحجارة فتسمع آيات الله فلا تتأثر بها فلا حول ولا قوة إلا بالله. يقول عبدالله بن مسعود وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن. وهذا القرآن العظيم تأثر به المشركون، فهذا عتبة بن ربيعة أرسله كفار مكة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقالوا له اذهب إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم ثم انهه عما هو عليه فذهب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا محمد آذيتنا في أزواجنا وآذيتنا في أولادنا وآذيتنا في أنفسنا فماذا تريد؟ إن كنت تريد ملكاً ملكناك علينا وإن كنت تريد مالاً جمعنا لك من المال حتى تكون أغنانا وإن كنت تريد جاهاً وجهناك علينا حتى لا نقطع أمراً حتى نأخذ برأيك وإن كنت تريد زوجة زوجناك أجملها فماذا تريد؟ فسكت النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى أنهى عتبة كلامه فلما انتهى التفت إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال أنتهيت يا عم؟ إكراماً له لكبر سنه، قال: نعم، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: فاسمع منّي فقال: قل، فقرأ عليه أول سورة فُصّلت ولم يتكلم بكلمة من كلام البشر ولكن تكلم بكلام رب البشر سبحانه وتعالى فصار عتبة يسمع وينبهر مما يسمع حتى وضع يديه خلف ظهره وهو يستمع كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ربه تبارك وتعالى فلما انتهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم التفت إلى عتبة وقال: هذا ما عندي، فرجع إلى كفار مكة وكانوا ينتظرونه على أحر من الجمر فلما دخل عليهم نظروا إليه وإذا هو قد تغيّر فقال بعضهم لبعض: تالله لقد جاءكم بغير الوجه الذي ذهب به.
وهذا الوليد بن المغيرة يصف القرآن الذي يتلوه رسول الله بقوله: إن لقوله لحلاوة، وإن عليه لطلاوة وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو ولا يعلى وإنه لحطم ما تحته وفيه نزل قول الله تبارك وتعالى "ذرني ومن خلقت وحيدا وجعلت له مالآً ممدودا وبنين شهودا ومهدت له تمهيدا ثم يطمع أن أزيد كلا إنه كان لآياتنا عنيدا سأرهقه صعودا إنه فكر وقدّر فقتل كيف قدّر ثم قتل كيف قدّر ثم نظر ثمّ عبس وبسر ثم أدبر واستكبر فقال إن هذا إلا سحرٌ يُؤثر إن هذا إلا قول البشر سأصليه سقر".
وهذا جُبير بن مُطعم يقول: كنت أطوف بالكعبة فإذا محمد يصلي فاختبأت خلف أستارها فصرت استمع إليه وهو يقرأ سورة الطور فسمعتها فكاد أن يطير قلبي فما ملكت نفسي حتى أنهى قرأتها فجئت وأسلمت.
كم مرة قرأت سورة الطور؟ وكم مرة تأثرت؟ وهذا أبو سفيان ومعه أبو جهل والأخنس بن شُريق جاؤوا والنبي صلوات الله وسلامه عليه يقرأ القرآن يقوم الليل كما قال الله تبارك وتعالى:"يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا" فكان كفار مكة يأتون ويستمعون إلى قراءة النبي صلوات الله وسلامه عليه خلف الجدار فلما أنهى قراءته انصرفوا في جُنح الليل فرأوا بعضهم فقال بعضهم لبعض: ويحكم ماذا جاء بكم؟ فقال كل لصاحبه: جئت لاستمع، قالوا: فلا تعودوا بعد هذه الليلة فتغروا السفهاء وهكذا ثلاث ليالٍ، ثم في الثالثة لما رأى بعضهم بعضا تعاهدوا على ألاّ يرجعوا فقالوا: لا تغرون جهّال مكة بمجيئكم وسماعكم لقراءة النبي صلوات الله وسلامه عليه.
وعلى الصحيح أيضاً أن عمر بن الخطاب ما أسلم إلا لما سمع قراءة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند الكعبة لا القصة المشهورة وهي قصة فاطمة بنت الخطاب فإنها قصة ضعيفة والقصة الصحيحة هذه وأن عمر سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ كلام الله تبارك وتعالى عند الكعبة فرجع وأسلم. فهكذا كانوا يتأثرون بقراءة القرآن.
ويذكر عن رجل من قريش أنه علّق أبيات شعرٍ على الكعبة يهجو بها الإسلام ويهجو بها النبي صلوات الله وسلامه عليه ويهجو بها المؤمنين ويهجو بها القرآن فما ملك رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم نفسه وأخذته الغيرة فجاء وعلّق بجانبها سورة الرحمن فجاء الكافر من الغد فوجد سورة الرحمن معلّقة فقرأها وأعلن إسلامه فقال لا والله لا يقول هذا إلا إل[3]. هكذا كانوا إذا سمعوا القرآن عرفوا ما فيه وتأثروا به فمنهم من يُؤمن ومنهم من يُعرض لكن الكل يُقر أنه من إله سبحانه وتعالى.
كيف نتأثر بالقرآن؟
1- قال الإمام الطبري رحمه الله: "إني لأعجب ممن يقرأ القرآن ولم يعلم تأويله فكيف يلتذ بقراءته؟" فلابد إذا أردنا أن نتأثر بالقرآن أن نتدبر معانيه.
2- كذلك أن نجعل له وقتاً من أوقاتنا، لا تكون قراءة القرآن فقط إذا تأخرت الإقامة (لصلاة الجماعة) بل لابد أن تجعل له من وقتك، لا أقل من نصف ساعة في اليوم تخصصها لقراءة كتاب الله تبارك وتعالى، ولتدبر معانيه، لا أن تجعل للقرآن وقت الفراغ فقط الذي لا تجد فيه شغلاً بحيث إنك لو شغلت في شيءٍ آخر ما قرأته، بل اجعل له وقتاً دائماً من كل يوم فعندك أربعٌ وعشرون ساعة في اليوم والليلة.
3- الإكثار من قراءة سير الصالحين وسيدهم رسولكم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وكيف كان يقرأ ويتدبر صلوات الله وسلامه عليه، ثم نقرأ سير التابعين وأتباع التابعين وغيرهم من علماء السلف. فالرسول صلوات الله وسلامه عليه قام ليلة كاملة يقرأ آية واحدة "إن تُعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم". أما عن سير الصحابة فهذا أُسيد بن الحضير كان يقرأ القرآن حتى نزلت الملائكة لسماع قراءته، حتى خشي على ولده وترك القراءة فلما أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: هذه الملائكة نزلت تسمع قراءتك. وهذا سفيان الثوري إمام أئمة أتباع التابعين قام ليلة كاملة يقرأ "ألهاكم التكاثر" يكررها ويتدبرها وينظر في معانيها ويعيش معها ليلة كاملة.
4- كذلك إذا أردت أن تلتذ بقراءة القرآن عليك أن تقرأه القراءة الصحيحة، مطبقاً أحكام التجويد، ومن أهم الأشياء أن تقرأ القرآن على شيخ مُجيد.
5- محاولة التعايش مع أحداث القرآن، عندما تمر بآيات التهديد وآيات الوعيد وكذلك آيات الجنة والنار يجب أن تتأثر بها وأن تتعايش معها، كذلك لما تقرأ سورة آل عمران وسورة الأنفال والأحزاب والمعارك التي تكلمت عنها هذه السور فتعايش معها واستشعر أنك كنت مع النبي صلوات الله وسلامه عليه ومع أصحابه وأنك قاتلت معهم وجاهدت، ولما تقرأ الآيات التي تحث على الإنفاق تذهب وتُنفق كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إذا سمعت يا أيها الذين آمنوا فأرعِها سمعك فإما خير يدلّك الله عليه وإما شر ينهاك الله تبارك وتعالى عنه.(106/1)
6- الانتباه وعدم السرحان، فلا تقرأ القرآن وقلبك لاهٍ عن الله تبارك وتعالى بل إقرأ القرآن وقلبك وذهنك وعقلك معه وكلّك معه،
7- تغنَ بكتاب الله تبارك وتعالى، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:"ليس منّا من لم يتغنَ بالقرآن"، فتغنَ به، لا تقرأ القرآن كما تقرأ الصحف اليومية أو أي كتاب آخر، فأذن الله للأنبياء أن يتغنوا بالقرآن، فكان نبي الله داود صلوات الله وسلامه عليه شجي الصوت بالقراءة، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول لأبي موسى الأشعري كأن الله أعطاك مزماراً من مزامير آل داود، وذلك لحسن صوته.
8- التكرار، كرّر الآية مرة ومرتين وثلاثاً، وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قرأ آية واحدة في قيام الليل كله.
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ عثمان الخميس
عدد القراء : 3871
تاريخ الموضوع: 06 - مايو - 2003 ميلادية
(106/2)
خصائص النبي صلى الله عليه وآله وسلم للدكتور أسامة الكندري ج 3
الدكتور أسامة الكندري
الفوائد الحسان من حديث ( يا أبا عمير)
1- جواز الممازحة وتكرير المزح وأنها سنة لا رخصة.
2- ممازحة الصبي الذي لم يميز جائزة .
3- ترك التكبر والترفع، والفرق بين كون الكبير في الطريق فيتواقر أو في البيت فيمزح.
4- فيه الحكم على ما يظهر في الوجه من حزن أو غيره.
5- جواز الاستدلال بالعين على حال صاحبها، إذ استدل النبي صلى الله عليه وسلم
بالحزن الظاهر على الحزن الكامن.
6- فيه التلطف بالصديق صغيراً كان أو كبيرا والسؤال عن حاله.
7- فيه قبول خبر الواحد لأن الذي أجاب عن سبب حزن أبي عمير كان كذلك.
8- جواز تكنية من لم يولد له.
9- جواز لعب الصغير بالطير.
10- جواز ترك الوالدين ولدهما الصغير يلعب بما أبيح اللعب به.
11- جواز إنفاق المال فيما يتلهى به الصغير من المباحات.
12- جواز إمساك الطير في القفص ونحوه كقص جناحه وغيره.
13- جواز إدخال الصيد من الحل إلى الحرم وإمساكه بعد إدخاله.
14- جواز تصغير الاسم ولو كان لحيوان.
15- جواز مواجهة الصغير بالخطاب خلافا لمن قال: الحكيم لا يواجه بالخطاب إلا من
يعقل ويفهم ، والصواب الجواز حيث لا يكون هناك طلب جواب ، ومن ثم لم يخاطبه
في السؤال عن حاله بل سأل غيره عنه.
16- فيه معاشرة الناس على قدر عقولهم.
17- فيه أن أسماء الأعلام لا يقصد معانيها ، وأن إطلاقها على المسمى لا يستلزم الكذب،
لأن الصبي لم يكن أباً ، وقد دُعِي أبا عمير.
18- جواز السجع في الكلام إذا لم يكن متكلفا.
19- لا يمتنع النبي صلى الله عليه وسلم من السجع كما امتنع من الشعر.
20- فيه مسح رأس الصغير للملاطفة.
21- فيه دعاء الشخص بتصغير اسمه عند عدم الإيذاء.
22- فيه جواز السؤال عما السائل به عالم لقوله (ما فعل النغير؟) بعد علمه بأنه مات.
الفوائد المستفادة من بقية الحديث عموماً
1- استحباب زيارة الأخوان.
2- جواز زيارة الرجل المرأة الأجنبية إذا لم تكن شابة وأمنت الفتنة.
3- تخصيص الإمام بعض الرعية بالزيارة.
4- جواز مخالطة بعض الرعية دون بعض.
5- استحباب التأني في المشي.
6- مشي الحاكم وحده.
7- كثرة الزيارة لا تنقص المودة وأن قول ( زر غباً تزدد حباً ) مخصوص بمن يزور
لطمع ، وأن النهي عن كثرة مخالطة الناس مخصوص بمن يخشى الفتنة أو الضرر.
8- مشروعية المصافحة لقول أنس رضي الله عنه (ما مسست كفاً ألين من كف رسول الله
صلى الله عليه وسلم ) وتخصيص ذلك بالرجل دون المرأة .
9- فيه لين كف النبي صلى الله عليه وسلم لا يتعارض مع حديث (كان شثن الكفين) لأن
ذلك خاص بعبالة الجسم لا بخشونة اللمس.
10- استحباب صلاة الزائر في بيت المزور لاسيما إن كان الزائر ممن يتبرك به.
11- جواز الصلاة على الحصير .
12- الأشياء على يقين الطهارة لأن نضحهم البساط إنما كان للتنظيف.
13- الاختيار للمصلي أن يقوم على أروح الأحوال وأمكنها.
14- جواز حمل العالم علمه إلى من يستفيد منه.
15- فيه فضيلة لآل أبي طلحة ولبيته إذ صار في بيتهم قبلة.
16- فيه مشروعية القيلولة.
17- جواز قيلولة الشخص في بيت غير بيت زوجته ولو لم تكن فيه زوجته.
18- جواز قيلولة الحاكم في بيت بعض رعيته ولو كانت امرأة.
19- جواز دخول الرجل بيت المرأة وزوجها غائب ولو لم تكن محرماً إذا امتنعت الفتنة.
20- وفيه إكرام الزائر.
21- فيه أن التنعم الخفيف لا ينافي السنة.
22- فيه أن تشييع المزور الزائر ليس على الوجوب.
23- يستحب للكبير إذا زار قوما أن يواسي بينهم ، فإنه صلى الله عليه وسلم صافح
أنساً، ومازح أبا عمير، ونام على فراش أم سليم ، وصلى بهم في بيتهم، حتى نالوا كلهم
من بركته – صلى الله عليه وسلم.
24- استحباب النضح فيما لم يتيقن طهارته.
25- اتحاف الزائر بصنيع ما يعرف أنه يعجبه من مأكول أو غيره.
26- فيه إكرام أقارب الخادم وإظهار المحبة لهم.
وهناك بعض الفوائد الحديثية التخصصية تركتها لأنه لا يعرفها إلا المتخصص، ولكن حسبي
أن فيما ذكره العلماء كفاية.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الدكتور أسامة الكندري
عدد القراء : 1531
تاريخ الموضوع: 22 - إبريل - 2003 ميلادية
(107/1)
خصائص النبي صلى الله عليه وآله وسلم للدكتور أسامة الكندري ج 2
الدكتور أسامة الكندري
أ ) ذكرت في المقالة السابقة أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أوتي جوامع الكلم أي الكلمات القليلة ذات المعاني الكثيرة العظيمة ، ولذا فإن من أعجب صفاته صلى الله عليه وسلم أن كل كلامه حكمة ولا لغو أو حشو في كلامه ، وقد استنكر هذا الأمر بعض المغرضين قديماً ومن لا علم له واستدلوا بحديث ( يا أبا عمير ما فعل النغير ) دليلاً على أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول كلاماً لغواً لا فائدة منه، وقبل أن أسرد الفوائد المستفادة من هذا الحديث أود أن أذكر أن هذا الحديث جزء من قصة يذكرها أنس بن مالك رضي الله عنه ولذا فإني سأذكر القصة كاملة من خلال روايات هذا الحديث، ثم أذكر ما استخرجه العلماء من قوله صلى الله عليه وسلم ( يا أبا عمير ما فعل النغير ) خصوصاً، ثم أذكر ما استخرجه العلماء من فوائد هذا الحديث عموماً .
ب ) قصة هذا الحديث :
يذكر أنس بن مالك – رضي الله عنه – قصة هذا الحديث لأن القصة جرت في بيت أبي طلحة الأنصاري زوج أمه – أم سليم – رضي الله عنهم أجمعين – وأبو عمير هذا أخ لأنس بن مالك لأمه وكان أصغر منه ، فيقول أنس – رضي الله عنه .
" كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً " وفي رواية " إن كان النبي صلى الله عليه وسلم ليغشانا ويخالطنا " وفي رواية " كان النبي صلى الله عليه وسلم قد اختلط بنا أهل البيت " وفي رواية " كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي أبا طلحة كثيراً " وفي رواية " يزور أم سليم فتتحفه بالشيء تصنعه له "وفي رواية " كان يأتي أم سليم وينام على فراشها وكان إذا مشى توكأ "
قال أنس رضي الله عنه : وكان لي أخ يقل له أبو عمير – أحسبه فطيم – وفي رواية " وكان لها – أي لأم سليم – من أبي طلحة ابن يكني أبا عمير قال أنس : وكان إذا جاء قال : يا أبا عمير ما فعل النغير ! والنغير نوع من الطيور كان يلعب به ، وفي رواية " يا أم سليم ما شأني أرى أبا عمير – ابنك – خاثر النفس " أي ثقيل النفس وفي روايات أخرى " فجاء يوماً وقد مات نغيره الذي كان يلعب به فوجده حزيناً فسأل عنه فأخبرته " وفي رواية " فقال: ما شأن أبي عمير حزيناً ؟ "
وفي رواية " فجعل يمسح رأسه ويقول : يا أبا عمير ما فعل النغير" وفي رواية " فكان يستقبله ويقول:" يا أبا عمير ما فعل النغير".
قال أنس : فربما حضرت الصلاة وهو في بيتنا فيأمر بالبساط الذي تحته فيكنس وينضح ثم يقوم ونقوم خلفه فيصلي بنا " .
· وخلاصة الروايات السابقة .
أن النبي صلى الله عليه وسلم – كان يكثر زيارة بيت أبي طلحة وأم سليم رضي الله عنهما، وكان صلى الله عليه وسلم يدخل فيسلم على أهل البيت ويصافح أنساً رضي الله عنه، وأنه صلى الله عليه وسلم دخل مرة فإذا طير لأبي عمير – أخي أنس بن مالك لأمه – كان يلعب به قد مات، فكان حزيناً لأجله، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب حزنه فأخبر، فأخذ يداعبه ويمسح رأسه ويقول: يا أبا عمير ما فعل النغير ! والصغير لايجيبه ، وكان صلى الله عليه وسلم كلما دخل بعد ذلك ورأى أبا عمير قال له تلك العبارة مداعباً ، وأن أم سليم رضي الله عنها كانت تصنع له طعاماً فيأكل، فينام بعدها على فراشها، وقد حضرت الصلاة مرة فصلى صلى الله عليه وسلم بهم بعد أن نظف المكان وطيّبه.
أقف مع القارئ الكريم إلى هذا القدر وسأستعرض الفوائد المستفادة من قوله – صلى الله عليه وسلم – ( يا أبا عمير ما فعل النغير ) في المقالة القادمة بإذن الله تعالى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
القسم: التصنيف الرئيسي » مشايخ وطلبة علم » الدكتور أسامة الكندري
عدد القراء : 1933
تاريخ الموضوع: 12 - إبريل - 2003 ميلادية
(108/1)
كنوز السيرة للشيخ عثمان الخميس - 7
الشيخ عثمان الخميس
قال ابن القيّم رحمه الله تعالى: ولم يكن بينهم قتال وإنما أغار عليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الماء بعد أن فرّ أكثر مقاتليهم فسبى ذراريهم وأموالهم كما جاء عنه قال: أغار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على بني المصطلق وهم غارّون وهذا في صحيح البخاري وكان من جملة السبي في هذه الغزوة جويرية بنت الحارث سيد قومه وكانت في سهم ثابت بن قيس فكاتبها والمكاتبة هي أن يقول لها لك حريتك على أن تعطيني شيئاً من المال مثل مائة دينار أو مائتين حسب ما يتفق وإياها عليه فلما سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك أدى عنها ثمّ تزوجها صلوات الله وسلامه عليه وهي حرة ولما سمع المسلمون بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد تزوج بجويرية اعتقوا من كان معهم من ذراري وسبي بني خزاعة وقالوا: أصهار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وقد مرَّ أن المنافقين خرجوا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان رأسهم عبد الله بن أبي بن سلول.
ووقعت حادثتان من هذا المنافق في تلك الغزوة، أما الحادثة الأولى: فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان معه أجير يقال له جهجاه الغفاري ازدحم هو وسنان بن وبر الجهني (بضم الجيم) على الماء (يعني تخاصما على الماء) فاقتتلا فصرخ الجهني فقال: يا معشر الأنصار ثم صرخ جهجاه وقال: يا معشر المهاجرين. عند ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أَبِدَعوة الجاهلية وأنا بين أظهركم (وهذا يدل على أن الناس إلى الآن فيهم من لم يدخل الإيمان قلبه تماماً ففيه بعض أمور الجاهلية وذلك أنه دعا بدعوة الجاهلية وقال يا معشر الأنصار والآخر يا معشر المهاجرين فهذا يريد أن يقوم معه الأنصار والآخر يريد أن يقوم معه المهاجرون بغض النظر عن الحق مع من يكون) ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أبدعوة الجاهلية فسماها جاهلية صلوات الله وسلامه عليه دعوها فإنها منتنة فلما سمع عبد الله بن أبي بن سلول بذلك الحدث وهو أن هذا المهاجري قال: يا معشر المهاجرين أمام الأنصاري وهم في بلادهم يعني في المدينة والأنصار كما تعلمون قد آووا المهاجرين وأسكنوهم في منازلهم وزوجوهم من نسائهم وأعطوهم من أموالهم فغضب عبد الله بن أبي بن سلول عند ذلك ثمّ قال أَوَقَد فعلوها؟! قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا والله ما نحن وهم إلا كما قال الأول: سمّن كلبك يأكلك أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزُّ منها الأذلَّ ثم أقبل على من حضره فقال لهم: هذا ما فعلتم بأنفسكم أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحول إلى غير دياري.
وسمع زيد بن أرقم وكان شاباً صغيراً فذهب إلى عمه فأخبره فأخبر عمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان عند رسول الله عمر فقال عمر: يا رسول الله مر عباّد بن بشر فليقتله لأن قوله سمّن كلبك يأكلك وقوله ليخرجنّ الأعز منها الأذل عن المهاجرين وشمل معهم سيدهم ورسولهم صلى الله عليه وآله وسلم فقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: فكيف يا عمر إذا تحدث الناس إنّ محمداً يقتل أصحابه؟ ثم سكت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما ارتحل الناس جاء أسيد بن حضير رضي الله تبارك وتعالى عنه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: أما بلغك ما قال صاحبكم؟ أي عبد الله بن أبي بن سلول لأن أسيد بن حضير من رؤوس الأنصار كان سيدا من سادات الأوس. فقال: وما قال؟ فقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: زعم إن رجع إلى المدينة ليخرجنّ الأعز منها الأذل. فقال أسيد بن حضير: فأنت يا رسول الله تخرجه منها إن شئت، هو والله الذليل وأنت والله العزيز. ثمّ قال: يا رسول الله ارفق به والله لقد جاءنا الله بك وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه فإنه يرى أنك استلبته ملكه. ثمّ مشى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالناس أي في رجوعه غزوة بني المصطلق حتى أصبح وصدر يومه ذلك حتى آذتهم الشمس ثم نزل بالناس ووقعوا نياماً (أي ناموا من شدة التعب وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يريدهم أن يتكلموا بهذا الأمر أتعبهم في المشي حتى مجرد أن يصلوا ينامون ولا يتكلمون بهذا الأمر ألا وهو كلام عبد الله بن أبي بن سلول في النبي صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه أما عبد الله بن أبي فلما علم أن زيداً بلّغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم الخبر ذهب إلى النبي وحلف وقال: والله يا رسول الله ما قلت وإنما كذب علي زيد وقال من حضر من الأنصار: يا رسول الله عسى أن يكون الغلام قد أوهم في حديثه ولم يحفظ ما قال الرجل فصدقه قال زيد بن أرقم: فأصابني هم لم يصبني مثله قط لأنه كأنه يتهم بالكذب أو بعدم الفهم والأولى أقوى يقول: فجلست في بيتي من الحزن ويقصد في بيته إما أن يقصد المدينة عندما رجع وإما أن يقصد بيته في حال نزولهم في السفر يقول فأنزل الله جلّ وعلا "إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون" إلى قوله تعالى "هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا يعلمون يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يفقهون".
هنا بين الله تبارك وتعالى أن زيداً لم يخطئ رضي الله تبارك وتعالى عنه وإنما أصاب بما قال وأن عبد الله بن أبي بن سلول كاذب في مدعاه عند ذلك أرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى زيد فقرأها عليه ثم قال له: إن الله قد صدقك أي فيما قلت. وهذا المنافق كان له ولد اسمه عبد الله كاسم أبيه فهو عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول وكان رجلاً صالحاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولما بلغه أن والده قال هذا الكلام عن رسول الله وأصحابه وقف في مدخل والده إلى المدينة وقال له أأنت الذي تقول لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعز منها الأذل تريد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فوالله لرسول الله هو الأعز وأنت الأذل. فحمية العقيدة طغت على حمية الولادة وقدم حمية عقيدته على حمية ولادته ثم قال: والله لا تدخل إلى المدينة إلا وأنا قاتلك أو يأذن لك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. عند ذلك أمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يتركه ودخل إلى المدينة.
حادثة الإفك:
الحادثة الثانية العظيمة التي وقعت في هذه الغزوة ألا وهي حادثة الإفك. والإفك عظيم الكذب والافتراء وهذه الحادثة من كتاب صحيح الإمام البخاري رحمه الله تبارك وتعالى قال رحمه الله تبارك وتعالى: حدثنا يحي بن بكير قال: حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا فبرأها الله مما قالوا وكل حدثني طائفة من الحديث وبعض حديثهم يصدق بعضا وإن كان بعضهم أوعى لهم من بعض. هذه الحادثة في الحقيقة فيها عبر عظيمة جداً ولعل الواحد منا عندما يقرأ هذه الحادثة أن تهمل عيناه بالدموع وأن يستشعر القصة ويحاول أن يكون حاضراً بقلبه على الأقل وأن يستخرج منها الدروس والعبر.
قال الإمام الزهري رحمه الله تعالى: الذي حدثني عروة عن عائشة رضي الله عنها أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أراد أن يخرج أقرع بين أزواجه فأيتهنّ خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معه قالت: فأقرع بيننا في غزوة غزاها (أي هذه الغزوة) فخرج سهمي فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.[1] فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعدما نزل الحجاب (تقصد بعدما نزلت آية الحجاب) فأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه[2] فسرنا حتى إذا فرغ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من غزوته تلك (أي غزوة بني المصطلق) وقفل (أي رجع) ودنونا من المدينة قافلين آذن ليلة بالرحيل[3] فقمت حين آذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش فلما قضيت شأني أقبلت على راحلتي فإذا عقد لي من جزع أظفار قد انقطع (والجزع هو الخرز فيه شيء من الطيب كانت تلبسه النساء في ذلك الوقت) فالتمست عقدي وحبسني ابتغاؤه وأقبل الرهط الذين كانوا يرحّلون لي راحلتي فاحتملوا هودجي فرحلوه على البعير الذي كنت ركبت وهم يحسبون أني فيه وكان النساء إذ ذاك خفافاً لم يثقلهنّ اللحم وإنما يأكلن العُلَقة (بضم العين وفتح اللام) من الطعام (أي القليل) فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه وكنت جارية حديثة السن (كان لها من العمر ثلاث عشرة سنة) فبعثوا الجمل وساروا فوجدت عقدي بعدما استمر الجيش فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب. (فلتحاول كل امرأة أن تضع نفسها أو ابنتها مكان عائشة رضي الله عنها فتاة صغيرة في ليل مظلم وحدها في مكان مقفر والناس كلهم قد ذهبوا رضي الله عنها وأرضاها).
تقول عائشة رضي الله عنها فأممت منزلي الذي كنت به وظننت أنهم سيفقدوني ويرجعون إليَّ (وهذا من فطنتها وذكائها رضي الله عنها ولو كان غيرها من النساء لصاحت وصارت تركض يميناً ويساراً شرقاً وغرباً تبحث عن أهلها ولكن عائشة رضي الله عنها لكمال عقلها جلست في مكانها لأنها علمت أنها لو خرجت خلفهم ستضيع). تقول فبينا أنا جالسة في منزل (أي في مكان) غلبتني عيني فنمت (وهذا يدل على أمرين اثنين أما الأمر الأول فهو شجاعة عائشة رضي الله عنها أما الأمر الثاني فهو رعاية الله لها وذلك أن الله تبارك وتعالى ألقى عليها النوم حتى لا تبدأ تفكر في القوم وفيما سيأتي إليها من حيوانات أو أناس أو غير ذلك). تقول: وكان صفوان بن المعطّل السلمي (بضم السين) ثم الذكواني من وراء الجيش فأدلج (أي مشى في الليل) فأصبح عند منزلي (والغريب في هذا الرجل رضي الله عنه أنه كان هو وقبيلته كلهم كانوا معروفين بكثرة النوم حتى إنه جاء حديث أن زوجته جاءت تشتكي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم صفوان بن المعطّل وتقول: يا رسول الله إن صفوان لا يصلي الفجر فناداه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسأله؟ قال: يا رسول الله إننا قوم قد عرفنا بالنوم ننام حتى تطلع الشمس).(109/1)
فالقصد أن صفوان بن المعطّل كان متأخراً عن الجيش ولعله بسبب النوم وأنه سار على طريقهم فوجد عائشة رضي الله عنها نائمة في مكانها تقول عائشة: فرأى سواد إنسان نائم من بعيد فأتاني فعرفني حين رآني (لأنها لما كانت نائمة كانت وجهها مكشوفاً تقول وكان يراني قبل الحجاب) فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني (أي قال: إنا لله وإنا إليه راجعون) فخمرت وجهي بجلبابي والله ما كلمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته فوطأ على يديها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة (أي يمسك بلجامها ويمشي على رجله) حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة فوصلنا إليهم فهلك من هلك (تقصد أن الناس تكلموا في عرضها لما رأوها قادمة مع صفوان لوحدها فتكلم فيها من تكلم من المنافقين حتى إنه نقل فيما نقل من كلامهم كلام عبد الله بن أبي بن سلول أنه قال: والله ما جاءا إلا بعد أن فجر بها وفجرت به. والعياذ بالله فلعنة الله عليه) وكان الذي تولى الإفك عبد الله بن أبي بن سلول فقدمنا المدينة فاشتكيت حين قدمت شهرا والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اللطف الذي كنت أراه منه حين أشتكي إنما يدخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيسلم ويقول كيف تيكم؟ (أي كيف حالك؟) ثمّ ينصرف فذاك الذي يريبني ولا أشعر بالشر وذاك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا مرضت عائشة كان يلاطفها ويسليها كما في الحديث المعروف للبخاري لما قالت عائشة رضي الله عنها: وارأساه فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: بل أنا وارأساه وما ضرك يا عائشة لو مت لغسلتك وكفنتك وصليت عليك وأنزلتك في قبرك وهي أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما سأله عمرو بن العاص: من أحب الناس إليك؟ قال: عائشة. قال: ومن الرجال؟ قال: أبوها.
حتى خرجت بعدما نقهت (أي تعافيت) معي أم مِسطح (بكسر الميم) قبل المناصع (أي مكاناً لقضاء الحاجة قرب المدينة) وهو متبرزنا وكنا لا نخرج إلا ليلاً إلى ليل وذلك قبل أن تُتخذ (بضم التاء) الكُنُف (وهي الحمامات) قريباً من بيوتنا وأمرنا أمر العرب الأول بالتبرز قُبِل (بكسر القاف وفتح الباء) الغائط فكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا فانطلقت أنا وأم مسطح (وهي ابنة أبي رُهم بن عبد مناف وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق أي أن أم مسطح ابنة خالة أبي بكر وابنها مسطح بن أثاثة) فأقبلت أنا وأم مسطح قبل بيتي وقد فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مِرطها (أي في ثوبها) فقالت: تعس مسطح. فقلت لها: بئس ما قلت أتسبين رجلاً شهد بدراً؟ قالت: أي هنتاه (وتقال للبنت المغفلة وهنا اتهمت عائشة بالغفلة) فقالت: أولم تسمعي ما قال؟ قالت عائشة: وما قال؟ قالت عائشة: فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضاً على مرضي. (لك أخيتي أنت أن تتصوري نفسك وقد اتهمت في عرضك كيف تكون حياتك وكيف تنعمين بالحياة وأعز ما عند المرأة عرضها قد تتهم بكذب أو بسرقة أو بغيبة أو بربا أو بتبرج لكن أن يصل الأمر إلى العرض فهذا أخطر شيء تصاب به المرأة)، فلما رجعت إلى بيتي ودخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سلّم ثم قال: كيف تيكم؟ أي (لم يتغير من قبل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم شيء ولكن الذي تغير أن عائشة علمت السبب الآن عرفت لماذا تغير حال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم معها) فقلت: أتأذن لي أن آتي أبوي؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: نعم. قالت عائشة: وأنا حينئذ أريد أن استيقن الخبر من قبلهما (لأنها تستحي أن تسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم)، فجئت أبوي فقلت لأمي: يا أمتاه ما يتحدث الناس؟ (وأمها أم رومان بنت عامر الكنانية) فقالت: يا بنيه هوني عليك فوالله لقل ما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها قالت: فقلت: سبحان الله! أو لقد تحدث الناس بهذا؟ فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع (أي لا ينقطع) ولا أكتحل بنوم حتى أصبحت أبكي.
فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد رضي الله عنهما حين استلبث الوحي، (هذه الفترة يذكر أنها استمرت أكثر من شهر والناس يتكلمون في عائشة ويخوضون فيها والوحي منقطع، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم لا يدري ما وقع وهذا يبين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يعلم الغيب)، يستأمرهما في فراق أهله، (أما علي رضي الله عنه فهو زوج ابنته وابن عمه وأقرب الناس إليه من حيث النسب وأما أسامة فهو تربى في بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو حب (بكسر الحاء) رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وابن حبه فلذلك استشارهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقربهما من بيته ولمعرفتهما بعائشة رضي الله عنهم أجمعين)، أما أسامة فأشار على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم لهم في نفسه من الود فقال: يا رسول الله أهلك ولا نعلم إلا خيرا وأما علي بن أبي طالب فقال: يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير وإن تسأل الجارية تصدقك (علي كأنه يميل إلى طلاقها من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فأسامة رضي الله عنه نظر في صالح عائشة ولذلك برأها وأما علي فنظر إلى صالح النبي صلى الله عليه وآله وسلم والهم الذي ركبه من هذه القضية) فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بريرة فقال: أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟ قالت بريرة: لا والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمراً أغمصه عليها (أي أعيبه)، أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله (أي ثم أقول لعائشة: انتبهي للعجين حتى أذهب وآتي فتنام وتترك العجين فتأتي الداجن (وهي الحيوانات التي تعيش في البيت كالغنم والدجاج) فتأتي وتأكل العجين وذلك لأن عائشة جارية صغيرة).
فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاستعذر يومئذ من عبد الله بن أبي بن سلول (أي طلب العذر في قتله لأنه هو الذي أشاع هذا الكلام عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها) فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المنبر: يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلا (يريد صفوان بن المعطل) ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي. فقام سعد بن معاذ الأنصاري وهو سيد الأوس رضي الله عنه فقال: يا رسول الله أنا أعذرك منه إن كان من الأوس ضربت عنقه وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك قالت عائشة: فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً ولكن احتملته الحمية (وكيف ذلك؟ عبد الله بن أبي بن سلول من الخزرج بل من كبار الخزرج بل كانوا سيتوجونه على الأوس والخزرج ملكاً فلما قال سعد بن معاذ إن كان من الأوس قتلناه وإن كان من الخزرج أمرتنا بأمرك غضب سعد بن عبادة وأخذته حمية الجاهلية هنا في هذه القضية) فقال لسعد: كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ وهو من الأوس فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله لنقتلنّه فإنك منافق تجادل عن المنافقين، (أي هذا التصرف منك تصرف المنافقين وهذا يبين لنا أنه يجوز إطلاق كلمة المنافق على من تصرف تصرفات المنافقين أي في هذه الصفة وهذا يسمى النفاق العملي وليس النفاق الاعتقادي، تقول عائشة: فتساور الحيان (وفي رواية أخرى فتثاور الحيان، أي كاد يكون قتال)، الأوس والخزرج حتى همّوا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله يخفّضهم (بضم الياء) حتى سكتوا وسكت، (وترك أمر عبد الله بن أبي بن سلول وذلك للمصلحة الراجحة).
فمكثت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم فأصبح أبواي عندي وقد كنت بكيت ليلتين ويوماً يظنان، أن البكاء فالق كبدي فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت عليّ امرأة من الأنصار فجلست تبكي معي وهذا مما يهوّن على صاحب المصيبة أي إذا أصابت امرأة مصيبة فجاءت امرأة أخرى تبكي معها تهوّن عليها المصيبة بمشاركتها إياها ولذلك قالت الخنساء لما مات أخوها صخر:
ولولا كثرة الباكين حولي،،،، على إخوانهم لقتلت نفسي
وما يبكين مثل أخي ولكن،،،، أعزي النفس عنه بالتأسي
فبينما نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسلّم ثمّ جلس قالت ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها وقد لبث شهراً لا يوحى إليه في شأني قالت: فتشهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين جلس قال: أما بعد، ثم قال: يا عائشة فإنه بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة، فقلت لأبي: أجب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت لأمي: أجيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالت أمها: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، (موقف عجيب وابتلاء من الله تبارك وتعالى لعائشة رضي الله عنها)(109/2)
فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيراً من القرآن، إني والله لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به فلئن قلت لكم: إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقونني بذلك ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة لتصدقنّي، والله ما أجد لكم مثلاً إلا قول أبي يوسف "فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون" ثم تحولت، (أي أعطتهم ظهرها)، فأضطجعت على فراشي وأنا حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي، ولكن والله ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحياً يتلى ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله فيَّ بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في النوم، لأن رؤيا الأنبياء حق، رؤيا يبرئني الله فوالله ما رام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء حتى إنه ليتحدّر منه مثل الجمان( بضم الجيم) من العرق (أي كاللؤلؤ) وهو في يوم شاتٍ من ثقل القول الذي ينزل عليه قال تعالى" إنّا سنلقي عليك قولاً ثقيلا" قالت فلما سري (بضم السين) عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يضحك فكانت أول كلمة تكلم بها أن قال: يا عائشة أما الله عز وجل فقد برأك فقالت أمي: قومي إليه (يعني إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت: والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله عز وجل فأنزل الله تبارك وتعالى "إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم" (عشر آيات أنزلها الله تبارك وتعالى في براءة عائشة رضي الله عنها) فلما أنزل الله في براءتي قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق على مسطح شيئاً أبدا فأنزل الله جل وعلا "ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يأتوا أولوا القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم" قال أبو بكر بلى والله إني أحب أن يغفر الله لي فرجع إلى النفقة.
فوائد قصة الإفك كثيرة فمنها:
قول الله تبارك وتعالى في براءة عائشة " إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم" تتهم عائشة في عرضها والرسول صلى الله عليه وآله وسلم يتهم في عرضه ويحزن صلوات الله وسلامه عليه ويبقون شهراً كاملاً ويتكلم الناس فيها ويفرح المنافقون بهذا فأين الخير هنا؟ ذكر أهل العلم أموراً كثيرة ظهرت فيها الخيرية في هذه القضية منها:
1- الابتلاء، حيث ابتلى اللهُ رسولَه صلى الله عليه وآله وسلم كما ابتلى عائشة وابتلى صفوان بن المعطل فخرجوا من البلاء كالذهب الخالص. والابتلاء خير لأن فيه رفع درجات.
2- تنقية الصفوف، لو لم تحدث هذه الحادثة لما تميز المؤمنون من المنافقين فمثل هذه الحوادث يظهر فيها المنافقون رؤوسهم ويتكلمون ويظهرون تبجحهم وهزأهم وسخريتهم بالمؤمنين.
3- فضل عائشة رضي الله تبارك وتعالى عنها، ومحبة الله لها حيث أنزل فيها قرآناً يتلى.
4- في هذه الحادثة بيان أن الله تبارك وتعالى يدافع عن عباده المؤمنين. ولذلك قال الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي "من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب"، فظهر من هذه القصة أن عائشة رضي الله عنها من أولياء الله تبارك وتعالى فلذلك دافع الله عنها سبحانه وتعالى وهذا يعطي الولي التقي اطمئناناً أن الله سبحانه وتعالى سيدافع عنه ولذلك قالت عائشة "صبر جميل والله المستعان" فلجأت إلى الله فما خيبها ربها سبحانه وتعالى.
5- أن الله تبارك وتعالى أظهر لنا حُكماً شرعياً في قوله جل وعلا" لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإن لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون" وما كان سيظهر هذا الحكم لولا أن وقعت هذه الحادثة فإذا حدثت حوادث أخرى نعرف كيف نتعامل معها.
6- وضعت قواعد عامة لمثل هذه القضايا مثل أن الأصل في المسلم العدالة والأصل فيه أنه برئ حتى تثبت التهمة ومن قذف مؤمناً فإنه يجلد وهكذا. فهذه القواعد العامة ما كنّا لنعرفها لولا أن وقعت هذه الحادثة.
7- أن الله تبارك وتعالى فضح المنافقين وعراهم أمام المؤمنين.
8- بيان فضل صفوان بن المعطّل رضي الله عنه وأن الله تبارك وتعالى دافع عنه كما دافع عن عائشة رضي الله عنها.
وهنا مسألة ذكرها ابن القيّم رحمه الله تبارك وتعالى وهي عبارة عن فوائد طيبة جداً ذكرها في الزاد نذكرها لعل الله تبارك وتعالى ينفعنا بها:
أولاً: فإن قيل فما بال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم توقف في أمرها وسأل عنها وبحث واستشار وهو أعرف بالله وبمنزلته عنده وبما يليق به وهلّ قال سبحانك الله إن هذا بهتان عظيم كما قاله فضلاء الصحابة. يعني لم (بكسر اللام) لم يقل النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما قال غيره من الصحابة سبحانك الله إن هذا بهتان عظيم. يقول ابن قيم والجواب أن هذا من تمام الحكم الباهرة التي جعل هذه القصة سبباً لها وامتحاناً وابتلاءً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولجميع الأمّة إلى يوم القيامة ليرفع بهذه القصة أقواماً ويضع بها آخرين ويزيد الله الذين اهتدوا هدى وإيماناً ولا يزيد الظالمين إلا خسارة، واقتضى تمام الامتحان والابتلاء أن حبس (بضم الحاء) الوحي عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم شهراً في شأنها لا يوحى إليه في ذلك شيء لتمم حكمته التي قدّرها وقضاها وتظهر على أكمل الوجوه ويزداد المؤمنون الصادقون إيماناً وثباتاً على العدل والصدق وحسن الظن بالله ورسوله وأهل بيته والصديقين من عباده ويزداد المنافقون إفكاً ونفاقاً ويظهر لرسوله وللمؤمنين سرائرهم ولتتم العبودية المرادة من الصدّيقة وأبويها لما قالت "أشكو بثي وحزني إلى الله" والافتقار إلى الله والذل إليه وحسن الظن به والرجاء له ولينقطع رجاءها من المخلوقين وتيئس من حصول النصرة والفرج على يد أحد من الخلق ولهذا وفّت هذا المقام حقه لما قالا لها أبواها قومي إليه وقد أنزل الله عليه براءتها فقالت والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله هو الذي أنزل براءتي وأيضا" فكان من حكمة حبس الوحي شهراً أن القضية محّصت (بضم الميم) وتمحّضت واستشرفت قلوب المؤمنين أعظم استشراف إلى ما يوحي لله إلى رسوله فيها، يعني صار المؤمنون عن ذلك ينتظرون الفرج من الله في هذه القضية وتطلّعت إلى ذلك غاية التطلّع فوافى الوحي أحوج ما كان إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته والصديق وأهله وأصحابه والمؤمنون فورد الوحي عليهم ورود الغيث على الأرض أحوج ما كانت عليه فوقع منهم أعظم موقع وألطفه وسرّوا به أتم السرور وحصل لهم غاية الهناء بهذا الوحي فلو أطلع الله رسوله على حقيقة الحال من أول وهلة وأنزل الوحي على الفور بذلك لفاتت هذه الحكم وأضعافها بل أضعاف أضعافها.
ثانيا": وأيضاً فإن الله سبحانه أحب أن يظهر منزلة رسوله وأهل بيته عنده وكرامتهم عليه وأن يخرج رسوله عن هذه القضية ويتولى هو بنفسه جل وعلا الدفاع والمنافحة عنه والرد على أعداءه وذمهم وعيبهم وبأمر لا يكون له فيه عمل، أي ليس الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي يدافع عن زوجه بل الله يدافع عن رسوله وعن أهل بيته يقول ولا ينسب (بضم الياء) إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بل يكون هو وحده أي الله جل وعلا المتولي لذلك، الثائرة لرسوله وأهل بيته بل يكون الله تبارك وتعالى هو وحده المتولي لذلك الثائرة لرسوله وأهل بيته.
ثالثاً: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو المقصود بالأذى والتي رميت (بضم الراء) زوجته فلم يكن يليق به أن يشهد ببراءتها مع علمه فهذا لا يكفي أو ظنّه الظن المقارب للعلم ببراءتها ولا يظن بها سوءاً قط وحاشاه وحاشاها ولذلك لما استعذر من أهل الإفك قال من يعذرني في رجل بلغني أذاه في أهلي والله ما علمت في أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً وما كان يدخل على أهلي إلا معي فكان عنده صلوات الله وسلامه عليه من القرائن التي تشهد ببراءة الصديّقة أكثر مما عند المؤمنين ولكن لكمال صبره وثباته ورفقه وحسن ظنه بربه وثقته به وفّى مقام الصبر والثبات وحسن الظن بالله حقه حتى جاءه الوحي بما أقر عينه وسرّ قلبه وعظّم قدره وظهر لأمته احتفال ربه به واعتناءه بشأنه.
رابعاً: ومن تأمل قول الصدّيقة فقال لها أبواها قومي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله يقول ابن القيم من نظر إلى قولها ذلك وتأمله علم معرفتها وقوة إيمانها وتوليتها النعمة بربها وإفراده بالحمد في ذلك المقام وتجريدها التوحيد وقوة جأشها وإذلالها ببراءة ساحتها وأنها لم تفعل ما يوجب قيامها في مقام الراغب في الصلح الطالب له وثقتها بمحبة رسول الله لها قالت ما قالت إذلالاً لحبيب على حبيبه ولاسيما في مثل هذا المقام الذي هو أحسن مقامات الإذلال فوضعته موضعه ولله ما كان أحبّها إليه حين قالت لا أحمد إلا الله فإنه هو الذي أنزل براءتي ولله ذلك الثبات والرزانة منها وهو أحب شيء إليها أي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولا صبر لها عنه وقد تنكر قلب حبيبها لها شهراً ثم صادفت منه الرضا والإقبال فلم تبادر إلى القيام إليه والسرور برضاه وقربه مع شدة محبتها له وهذا غاية الثبات والقوة.
بقي أن نعرف أن بعض المؤمنين كأبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه لما قالت له امرأته وهذا يبين موقف المؤمنين الثابت "لولا إذ سمعتموه ظنّ المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا" بعد أن أشيع (بضم الألف) الخبر عن عائشة قالت زوجته فقالت يا أبا أيوب هل سمعت ما قال الناس في عائشة ما رأيك في هذا الذي قيل فانظرن إلى جواب أبي أيوب رضي الله عنه وأرضاه التفت إليها وقال يا أم أيوب أوتفعلينه أنت أي هل تزنين أنت.؟ قالت لا ما أفعله قال والله لعائشة خير منك. انتهى كلامه، فهي أم المؤمنين وزوجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي قال الله تبارك وتعالى في كتابه "الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات" اختارها الله للرسول صلى الله عليه وآله وسلم أتفعله لا والله ما تفعله أبدا وبعد هذا كله من تكلم في عائشة الآن بعد أن برئها الله تبارك وتعالى واتهمها بالزنى فلاشك أنه كافر خارج من ملة الإسلام لأنه مكذب لله جل وعلا بل على الصحيح لأقوال أهل العلم أن كل من اتهم أي زوجة من زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالزنى فإنه كافر لأنه مكذب لقول الله تبارك وتعالى "الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات". هذا ما وقع لزوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم عائشة رضي الله تبارك وتعالى عنها في حادثة الإفك التي نرجو الله تبارك وتعالى أن ينفعنا بما فيها من فوائد عظيمة وقد تركت ذكر الفوائد من هذه القصة فمن أراد الرجوع منكم فليرجع إلى كتب أهل العلم ليرى هذه الفوائد من تلك الغزوة.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] هذا فيه طبعاً مشروعية القرعة بين الزوجات أي إذا كان للرجل أكثر من زوجة وأراد أن يسافر فلا بأس أن يعمل قرعة بين زوجاته ومن خرجت لها القرعة خرجت معه.(109/3)
الهودج هو مثل الغرفة الصغيرة التي تجلس فيها المرأة وتوضع فوق الجمل وتكون فيها المرأة حتى لا يراها أحد وكان حجاب زوجات النبي صلى الله عليه وآله[2] وسلم هو أن يستر كل ما فيها من مفرق الرأس إلى أخمص القدم كله يستر وهذا بلا خلاف بين أهل العلم أن زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم كن يغطين وجوههنّ وأما الخلاف الذي وقع بين أهل العلم في تغطية وجه غير زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإن كان لاشك الأولى بالنساء المؤمنات أن يغطين وجوههن.
لأنهم في رحلتهم هذه ولعددهم الكبير وللمسافات الطويلة فهم يسيرون ثم يجلسون ويسيرون ثم يجلسون وهكذا يكون مسيرهم في الليل لأنه أبرد وأريح للإبل [3] فإذا طلع الفجر توقفوا صلوا الفجر وجلسوا وارتاحوا حتى يأتي الليل يسيرون وهكذا ففي ليلة من الليالي تقول عائشة رضي الله عنها آذن ليلة بالرحيل أي بعد أن ارتاحوا وجلسوا وغربت الشمس آذن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالرحيل أي بالمسير لإكمال الطريق.
القسم: التصنيف الرئيسي » الشيخ عثمان الخميس
عدد القراء : 2566
تاريخ الموضوع: 03 - نوفمبر - 2002 ميلادية
(109/4)
كنوز السيرة للشيخ عثمان الخميس - 6
الشيخ عثمان الخميس
;يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا "
أي لن يستطيعوا فقول صفوان والله إن في العيش بعدهم خير أي ليس في العيش بعدهم خير فقال له عمير صدقت والله أما والله لولا دين علي ليس له عندي قضاء وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدي لركبت إلى محمد حتى أقتله فإن لي قبلهم علة ابني أسير في أيديهم فقال له صفوان (وقد استغل هذه الكلمات) دينك عليّ أنا اقضيه عنك وعيالك مع عيالي ولا يسعني شيء ويعجز عنهم قال له عمير وقد أُلزم (بضم الألف) بما قال فاكتم عني شأني وشأنك قال أفعل ثم أخذ عمير سيفه ثم انطلق حتى قدم المدينة فبينما هو على باب المسجد ينيخ راحلته (يعني في المدينة) رآه عمر بن الخطاب وهو في نفر من المسلمين فقال عمر: هذا عدو الله عمير ما جاء إلا لشر ثمّ دخل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: يا نبي الله هذا عدو الله عمير قد جاء متوشحاً سيفه فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: فأدخله علي فأقبل عمير فلببه في حمالة سيفه (أي ضمه ضماً بحيث أنه لا يستطيع أن يمسك سيفه) وقال لرجال من الأنصار: ادخلوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاجلسوا عنده واحذروا عليه من هذا الخبيث فإنه غير مأمون (أي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم) فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعمر آخذ بحمالة سيفه في عنقه قال: أرسله يا عمر ادنُ يا عمير فقال عمير: انعموا صباحاً فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير بالسلام تحية أهل الجنة (إذاً لا ينبغي لنا إذا دخل علينا أحد أو دخلنا على أحد أن نقول مرحبا أو مساء الخير أو غير هذه من الكلمات وإن كانت هي في أصلها جميلة ولكن بعد السلام فالأول يبدأ بالسلام فيقول السلام عليكم ثمّ إن شاء قال مرحباً أو مساء الخير أو ما شاء من هذه الكلمات) ثمّ قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما جاء بك يا عمير؟ قال: جئت لهذا الأسير الذي بين أيديكم فأحسنوا فيه فقال: فما بال السيف في عنقك؟ قال: قبحها الله من سيوف وهل أغنت عنّا شيئاً؟! قال: أصدقني مالذي جئت له؟ قال: ما جئت إلا لذلك قال بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحِجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش ثمّ قلت أنت لولا دين علي وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمداً فتحمّل صفوان بدينك وعيالك على أن تقتلني والله حائل بينك وبين ذلك استغرب عمير كيف عرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا الأمر فقال عمير: أشهد أنك رسول الله قد كنا يا رسول الله نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء وما ينزل عليك من الوحي هذا الأمر لم يحضره إلا أنا وصفوان فوالله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله الحمد لله الذي هداني للإسلام وساقني هذا المساق ثمّ تشهد شهادة الحق (أي قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فقّهوا أخاكم في دينه واقرؤه القرآن واطلقوا له أسيره. أما صفوان في مكة فكان ينتظر خبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان يقول لأهل مكة ابشروا بوقعة تأتيكم الآن في أيام تنسيكم وقعة بدر وكلما جاء ركب قال لهم: ما حال عمير؟ حتى جاء ركب فقال لهم: ما حال عمير؟ فقالوا: أسلم فحلف صفوان ألاّ يكلمه أبداً ورجع عمير إلى مكة وأقام بها يدعو إلى الإسلام فأسلم على يديه أناس كثير ، سبحان الله خرج كي يقتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثمّ رجع داعية إلى الله جلّ وعلا.
يهود بنو قينقاع:
مرّ بنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عقد معاهدات مع اليهود في المدينة وكان ممن عقد معهم المعاهدات بنو قينقاع كانوا شر الطوائف وأشجعهم وكانوا يسكنون داخل المدينة في حي باسمهم (أي حي بني قينقاع) وكانوا صاغة للذهب وحدادين وصنّاعاً للأواني وكان عدد المقاتلين فيهم سبعمائة وهم أو من نكث العهد والميثاق مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم. روى داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لما أصاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قريشاً يوم بدر وقدم إلى المدينة جمع اليهود في سوق بني قينقاع فقال لهم: يا معشر يهود أسلموا قبل أن يصيبكم مثلما أصاب قريشاً قالوا: يا محمد لا يغرّنك من نفسك أنك قتلت نفراً من قريش كانوا أغماراً لا يعرفون القتال إنك لو قاتلتنا لعرفت أن نحن الناس وأنك لم تلق مثلنا فأنزل الله تبارك وتعالى مدافعاً عن نبيه صلى الله عليه وآله وسلم قال "قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد قد كان لكم أية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار". وقد روى ابن هشام في سيرته عن أبي عون أن امرأة من العرب قدمت إلى السوق بجلب لها (أي بضاعة) فباعته في سوق بني قينقاع وجلست إلى صائغ فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فأبت فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها وهي لا تعلم فلما قامت انكشفت سوأتها فضحك عليها اليهود فصاحت فوثب رجل من المسلمين فقتل الصائغ فقام اليهود وقتلوا المسلم فاستصرخ أهل المسلم على اليهود فوقع بينهم شر (أي قتال) داخل السوق عند ذلك قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم واستخلف على المدينة أبا لبابة بن عبدالمنذر وأعطى لواء المسلمين حمزة بن عبد المطلب وسار بجنود الله إلى بني قينقاع ولما رأوه تحصنوا في الحصون فحاصرهم أشد الحصار صلوات الله وسلامه عليه وذلك في شوال في السنة الثانية من الهجرة واستمر الحصار خمس عشرة ليلة وقذف الله في قلوبهم الرعب فنزلوا على حكم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في رقابهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم فأمر بهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكتفوا وعند ذلك قام الخبيث عبدالله بن أبي بن سلول رأس المنافقين فألح على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يعفو عنهم قال: يا محمد أحسن إلى موالي وكانوا حلفاء الخزرج وهو سيد الخزرج ومن كبار ساداتهم فسكت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكرر مقالته فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأمسك بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أرسلني ثمّ قال: ويحك أرسلني فقال المنافق: لا والله لا أرسلك حتى تحسن في مواليي أربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع منعوني من الأحمر والأسود أي لما كانوا مواليي تحصدهم في غداة واحدة إني والله امرء أخشى الدوائر قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: هم لك فوهبهم له ولكن أمرهم أن يخرجوا من المدينة وأن لا يجاوروه فيها فخرجوا إلى الشام وأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقتل رجل يقال له كعب بن الأشرف من اليهود وكان من أشد اليهود أذى وحقداً على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذلك أن هذا اليهودي صار يهجو النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه ويمدح أعداء النبي ويحرضهم عليه حتى سافر إلى قريش فنزل على المطلب بن أبي وداعة السهمي وجعل ينشد الأشعار يبكي فيها على أصحاب القليب من قتلى المشركين يريد أن يهيج أهل مكة للانتقام وهناك سأله أهل مكة أديننا أحب إليك أم دين محمد وأصحابه؟ وأي الفريقين أهدى سبيلا؟ فقال: أنتم أهدى سبيلا وقام وسجد لأصنامهم فأنزل الله جل وعلا " ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا " حينئذ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من لكعب بن الأشرف فإنه آذى الله وورسوله فانتدب له محمد بن مسلمة وعباد بن بشر ورجل يقال له أبو نائلة فذهبوا إليه وقتلوه في قصة طويلة.
غزوة أحد:(110/1)
بعد هذه الأحداث وانتهاء هذه السنة الا وهي السنة الثانية من الهجرة اجتمع أهل مكة وجمعوا ثلاثة آلاف مقاتل من قريش والحلفاء والأحابيش والأحابيش هم النّزع من القبائل يعيشون في مكة وليسوا من أهلها وأخذوا حتى النساء وجهزوا هذا الجيش للانتقام وكانت القيادة لأبي سفيان بن حرب بعد مقتل أبي جهل وقيادة الفرسان لخالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل وخرج هذا الجيش المكي بعد هذا الإعداد التام إلى المدينة يريدون الإنتقام لقتلاهم في بدر وبلغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا الأمر ألا وهو خروج أبو سفيان من مكة يريدون قتال النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاستنفر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الناس وحمل الناس سلاحهم لا يتركون السلاح حتى في صلاتهم يخشون من دخول أهل مكة عليهم وكان أهل المدينة من الأنصار كسعد بن معاذ وأسيد بن حضير وسعد بن عبادة يقومون بحراسة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم كبار أصحابه وأخبرهم برؤية رآها صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إني رأيت والله خيراً رأيت بقراً يُذبح ورأيت في ذباب سيفي ثلماً ورأيت أني أدخلت يدي في درع حصينة فتأول البقر بنفر من أصحابه يُقتلون وتأول الثلمة في سيفه في رجل يصاب من أهل بيته وتأول الدرع بالمدينة ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم: أرى أن نقاتلهم من المدينة نتحصن في المدينة ونقاتلهم فإن أقاموا بمعسكرهم أقاموا بشر مقام وإن دخلوا المدينة قاتلناهم من الأزقة (أي الطرق الضيقة) ومن فوق البيوت وافقه على هذا كبار الصحابة وممن وافقهم على ذلك عبدالله بن أبي بن سلول الذي كان الأوس والخزرج قد اتفقوا أن يجعلوه ملكاً عليهم وقام جماعة من شباب الصحابة الذين فاتهم القتال في بدر وقالوا: يا رسول الله إنّا كنا نتمنى هذا اليوم وندعو الله تبارك وتعالى أن يبلغنا إياه نخشى أن يظن أنّا جبنّا عنك فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا بأس ثمّ دخل إلى بيته ولبس أدراعه أي أدراع القتال صلوات الله وسلامه عليه وهذا من بذل السبب وكان الناس ينتظرونه صلى الله عليه وآله وسلم حتى يخرج إليهم فقال لهم سعد بن معاذ: استكرهتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الخروج فردوا الأمر إليه فندموا على ما صنعوا فقالوا له: يا رسول الله ما كان لنا أن نخالفك فاصنع ما شئت إنما هو رأي رأيناه إن أحببت أن تمكث في المدينة فافعل فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما ينبغي لنبي إذا لبس لئمته (يعني لباس الحرب) حتى يحكم الله بينه وبين عدوه فخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى القتال وهم في الطريق رجع المنافق عبدالله بن أبي بن سلول بثلث الجيش وأنزل الله تبارك وتعالى في المنافقين "وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون" ونجح هذا المنافق باستدراج ثلاثمائة رجل من منافق وضعيف الإيمان ولكن أكثرهم كانوا من المنافقين وهمّت طائفتان من المسلمين من الأنصار وهم بنو حارثة من الأوس وبنو سلمة من الخزرج هموا أن يرجعوا كذلك مع عبدالله بن أبي بن سلول ولكن الله ثبتهما وأنزل الله جلً وعلا "إذ همّت طائفتان منكم أن تفشلا (أي بالرجوع) والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون" بعد أن وصل جيش المؤمنين إلى أحد ووصل جيش الكفار كذلك نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم الناس عن القتال حتى يأمرهم ولبس صلوات الله وسلامه عليه الدرعين وحرّض أصحابه على القتال وحضّهم على الصبر في اللقاء وبثّ فيهم روح الحماسة صلوات الله وسلامه عليه ثمّ رفع سيفه وقال: من يأخذ هذا السيف بحقّه؟ فقام إليه رجال فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأبي دجانة: خذه فقال يا رسول الله وما حقّه؟ قال: أن تضرب به وجوه العدو حتى ينحني قال: أنا آخذه بحقّه يا رسول الله فأعطاه إياه فلمّا أخذ السيف عصب على رأسه عصابة (أي خرقة ربطها على رأسه) وجعل يتبختر بين الصفين (أي يمشي بفخر) فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن لأنه يغيض الأعداء وتقارب الجمعان وتدانت الفئتان وبدأ القتال وكان لواء المشركين مع طلحة بن أبي طلحة العبدري وكان من فرسان قريش يسميه المسلمون كبش الكتيبة من شجاعته خرج على جمل يدعو إلى المبارزة فتقدّم إليه الزبير بن العوام ووثب إليه وثبة الليث حتى صار معه على جمله ثم اقتحم به الأرض (أي ألقاه إلى الأرض) وقام وذبحه رضي الله عنه وأرضاه فكبّر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكبّر المسلمون ثمّ قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم للزبير لكل نبي حواري وحواري الزبير .
استشهاد حمزة بن عبد المطلب:
واشتد القتال بين المسلمين وأهل مكة وقتلوا من أهل مكة كثيراً وقتل في هذه المعركة عم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أسد الله وأسد رسوله حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه وأرضاه قتله رجل يقال له وحشي بن حرب ويحدثنا وحشي بن حرب عن قتله لحمزة قال: كنت غلاماً لجبير بن مطعم وكان عم جبير بن مطعم هو طعيمة بن عدي قد أصيب يوم بدر فلما سارت قريش إلى أحد قال لي جبير: إنّك إن قتلت حمزة عم محمد بعمّي فأنت عتيق قال: فخرجت مع الناس وكنت رجلاً حبشياً أقذف بالحربة قلّما أخطأ (بضم الخاء) بها شيئاً فلما ألتقى الناس خرجت أنظر حمزة وأتبعه ببصري حتى رأيته في عرض الناس مثل الجمل يهدّ الناس هداً ما يقوم له شيء فوالله إني لأتهيأ له أريده فأستتر منه بشجرة أو حجر ليدنو مني إذ تقدمني إليه سباع بن عبد العزّى فلمّا رآه حمزة قال له: هلمّ إلي يا ابن مقطّعة وذلك أن أمه كانت تختن النساء فضربه ضربة فكأنما أخطأ رأسه (يعني أصابه إصابة واحدة قطع رأسه بها) هنا هززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها إليه فوقعت في أحشائه حتى خرجت من بين رجليه وذهب لينوء نحوي (أي يأتيني) فغُلب (بضم الغين) فتركته وإياها حتى مات ثمّ أتيت بعد ذلك فأخذت حربتي ورجعت إلى العسكر فقعدت فيه ولم يكن لي بغيره حاجة (يعني ما جئت لأقاتل جئت لأعتق نفسي بقتل حمزة) وإنما قتلته لأعتق فلما قدمت مكة عتقت. والعجيب أن وحشي بن حرب هذا بعد ذلك أسلم وتاب فكان أن وفقه الله تبارك وتعالى إلى قتل مسيلمة الكذّاب فيقول قتلت ولي الله وقتلت عدو الله. اشتد القتال في هذه المعركة العظيمة أي معركة أحد وأنزل الله نصره على المسلمين وصدقهم وعده سبحانه وتعالى فكشف المسلمون الكافرين عن المعسكر وكانت الهزيمة قال الزبير بن العوام: والله لقد رأيتني أنظر إلى خدم هند بنت عتبة وصواحبها مشمّرات والخدَم (هي سيقانها) ما دون أخذهن قليل ولا كثير (يعني يستطيع أن يمسك بهن). وفي حديث البراء عند البخاري فلما لقيناهم هربوا حتى رأيت النساء يشتددن في الجبل يرفعن سوقهن قد بدت خلاخيلهنّ فتبع المسلمون المشركين يضعون فيهم السلاح وينتهبون الغنائم، نصر الله المسلمين في هذه المعركة أي في أولها عند ذلك قام الرماة بترك أماكنهم وذلك أنهم أخطأوا في هذه المسألة وكان النبي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد أمرهم أن لا يتركوا مكانهم أبدا ولكنهم لما رأوا الهزيمة ورأوا النساء تفر ورأوا الرجال يفرون ظنوا أن المعركة قد انتهت فنزلوا عن أماكنهم وكان عبدالله بن جبير بن مطعم قائد الرماة فأمرهم أن لا يتحركوا وأن يبقوا في أماكنهم كما أمر النبي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وردّوا عليه بأن القتال قد انتهى ونزلوا عن أماكنهم وخالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل كانا قائدي الفرسان ولم يشاركا في هذه المعركة لأنه ما كان لهما دور لأن المسلمين كانوا قد أخذوا الأماكن الصحيحة في هذه المعركة فلما رأى خالد بن الوليد الناس قد تركوا مكانهم أي الرماة قام خالد والتف خلف الجبل وأخذ مكان الرماة فصار المسلمون الآن يتبعون كفار قريش فجاء خالد وعكرمة من خلف المسلمين ثمّ صاح في كفار قريش يناديهم وصار يرمي هو ومن معه المسلمين في ظهورهم ووقع المسلمون بين فكي الكماشة فرجع كفار مكة فصار المسلمون في الوسط فوقع فيهم القتل وفرّ من فرّ من المسلمين بعد هذه الفوضى التي رأوها وأن الكفار صاروا يقتلون منهم قتلاً ذريعاً لا يتركون أحداً إلا قتلوه ممن طالوه بأيديهم أو بسهامهم فمرّ أنس بن النضر رضي الله عنه بالمسلمين فقال: ما تنتظرون؟ قالوا: قُتِل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذلك أنه أشيع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد قُتِل فيمن قُتِل من المسلمين فقال لهم أنس: ما تصنعون بالحياة بعده قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثمّ قال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني المسلمين و أبرأ إليك مما صنع هؤلاء يعني المشركين ثمّ تقدم فلقيه سعد بن معاذ فقال: أين يا أبا عمر؟ فقال أنس: واه لريح الجنة يا سعد إني أجده دون أحد ثمّ مضى وقاتل القوم حتى قتل فلم يعرفه أحد إلا أخته ببنانه وذلك أنه وجد به بضع وثمانون طعنة أو ضربة سيف. قال أنس بن مالك: أفرد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش فلما رهقوه (أي يريدون قتله) فقال: من يردهم عنّا وله الجنة أو هو رفيقي في الجنة؟ فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل ثمّ قام الثاني فقاتل حتى قتل حتى قتل السبعة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهذا الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه. وقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كسرت رباعيته أي أسنانه وشج في رأسه فجعل يمسح الدم صلوات الله وسلامه عليه ويقول كيف يفلح قوم شجوا وجه نبيهم صلوات الله وسلامه عليه وأنزل الله عز وجل "ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون" وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.
بطولات في أحد:
1) طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه: دافع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى شلّت يمينه وقال قيس بن أبي حازم: رأيت يد طلحة شّلاء وقى بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحد وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن طلحة: من أراد أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله وكان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد ذاك اليوم كله لطلحة.
2) أبو عبيدة ابن الجراح رضي الله عنه: وقد رُمي النبي صلى الله عليه وآله وسلم في وجنته و دخل المغفر (أي غطاء الرأس من الحديد) في خده فجاء أبو بكر مع طلحة بن عبيد الله فأراد أبو بكر أن ينزع المغفر عن وجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال أبو عبيدة: ناشدتك بالله إلا تركتني فأخذ بفيه (أي بفمه) فجعل ينضضه (أي يحركه) يسيراً كراهية أن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثمّ استله بفمه فسقطت ثنيته (أي أسنانه) رضي الله تعالى عنه و لما سقطت أسنان أبي عبيدة قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: دونكم أخاكم فقد أوجب (أي الجنة) بما فعل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.(110/2)
3) أبو طلحة رضي الله عنه: قال أنس: لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبو طلحة بين يديه مجوه عليه بحجفة له (أي مترّس) للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان أبو طلحة رجلاً رامياً شديد النزع (يعني يصيب إذا رمى) فكان يمر عليه الرجل ومعه الجعبة (يعني التي فيها السهام) فيقول له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: انثرها لأبي طلحة ويشرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبو طلحة يرمي ثمّ يصد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويقول: نحري دون نحرك يا رسول الله بأبي أنت وأمي.
4) أبو دجانة رضي الله عنه: ولما قصد المشركون قتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم قام أبو دجانة فترّس على النبي بظهره أي احتضن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجعل ظهره للرمي.
وقد أنزل الله تبارك وتعالى في هذه المعركة آيات في سورة آل عمران "ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثمّ صرفكم عنهم ليبتليكم لقد عفى عنكم".
هل قتَل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحداً؟
لحق بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم رجل يقال له أُبيْ بن خلف من كفار مكة وهو يقول: أين محمد؟ لا نجوت إن نجى فقالوا: يا رسول الله أيعطف عليه رجل منّا (أي يقتله)؟ فقال صلوات الله وسلامه عليه: دعوه فلما دنا منه تناول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحربة من الحارث بن الصمّة فلما أخذها منه انتفض انتفاضة تطاير عنه تطاير الشعر عن ظهر البعير ثمّ استقبله فطعنه فيها طعنة تدحرج منها عن فرسه مراراً فحُمل وأخذ إلى أهل مكة فقالوا له؟ ما لك؟ فقال: قتلني والله محمد فقالوا له: ذهب والله فؤادك والله إن بك من بأس (أي ما بك بأس) فقال: إنه قد كان قال لي بمكة أنا أقتلك فوالله قتلني فمات في الطريق لما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مكة أتاه أُبيْ بن خلف وقال له: يا محمد عندي فرس أعلفه كل يوم أقتلك عليه فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول له: بل أنا قاتلك فوقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقتل صلوات الله وسلامه عليه عدو الله أُبيْ بن خلف. ثمّ تراجع المسلمون وتراجع الكفار كما قلنا بعد إشاعة قتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم توقف المشركون عن القتال وتوقف المسلمون عن القتال.
ونستطيع أن نلخص ما دار في هذه المعركة في نقاط منها:
(1) أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أراد القتال من المدينة في البداية ولكن لما أصر شبان الصحابة خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أحد وتمّ القتال هناك.
(2) أن عبدالله بن أبي بن سلول رجع بثلث الجيش فصار عدد المسلمين سبعمائة وكان عدد المشركين ثلاثة آلاف.
(3) أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر الرماة أن لا يتركوا مكانهم .
(4) أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عرض سيفه وأخذه أبو دجانة وتبختر به فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه مشية لا يحبها الله تبارك وتتعالى إلا في هذا الموقف.
(5) من الأمور التي تذكر أن المشركين هزموا في أول المعركة ثمّ كانت مخالفة الرماة لأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصارت الدائرة بعد ذلك على المسلمين.
(6) استشهاد حمزة عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنس بن النضر وعمرو بن الجموح وعبدالله بن عمرو بن حرام وغيرهم.
(7) أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصيب في هذه المعركة حتى سقطت رباعيته وشج وجهه صلوات الله وسلامه عليه.
(8) محاولة أُبيْ بن خلف قتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقتله النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهذا الرجل الوحيد الذي قتله النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
(9) جمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبويه لسعد بن أبي الوقاص وقال له ارمِ فداك أبي وأمي.
(10) إشاعة مقتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
(11) لما اشتد القتال ووقع في المسلمين القتل وأراد المشركون قتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان ممن دافع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم امرأة يقال لها أم عمارة نسيبة بنت كعب.
(12) وقعت الهزيمة بالمسلمين في آخر المعركة وقتل منهم عدد كثير. وقاتل مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجل يقال له مخيريق يهودي أسلم وقاتل مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: مخيريق خير يهود.
جمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم الشهداء (شهداء أحد) والمشهور عند أهل العلم بل شبه متواتر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يصل على شهداء أحد صلوات الله وسلامه عليه وكفنهم في ثيابهم إلا من لم يوجد له ثوب فكفن بغيره كمصعب بن عمير وحمزة فالقصد أنهم كفنوا في ثيابهم وفي دمائهم حتى قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يأتون يوم القيامة الجرح يثعب دماً اللون لون الدم والريح ريح المسك فلم يصل عليهم صلوات الله وسلامه عليه والصحيح في الشهداء أن الصلاة عليهم جائزة ليست ببدعة يجوز أن يصلى على الشهداء ويجوز أن تترك الصلاة عليهم وهكذا كان فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحياناً يصلي على بعض الشهداء وأحياناً يترك صلوات الله وسلامه عليه. قال عبد الرحمن بن عوف: قُتِل مصعب بن عمير وهو خير منّي وكُفّن في بُردَ فإن غُطي رأسه بدت رجلاه وإن غُطّيَت رجلاه بدا رأسه وأنزل رأسه وصار يبكي (أي عبد الرحمن بن عوف رضي الله تبارك عنه وأرضاه).
بطولات النساء:
انتهت هذه المعركة ورجع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة وقعت بطولات لبعض النساء بعد هذه المعركة بطولات في الصبر لأن الرجال بطولاتهم داخل المعركة.
(1) وقد حصلت بعض البطولات داخل المعركة لنسيبة بنت كعب رضي الله تبارك وتعالى عنها ولكن في الأصل أن بطولات الرجال تكون داخل المعارك وبطولات النساء تكون خارج المعارك بالصبر والثبات والرضا بقضاء الله وقدره .
(2) امرأة من بني دينار أصيب في أحد زوجها وأخوها وأبوها فلما قالوا لها: مات أبوك قالت: ولكن ما فعل رسول الله؟ قالوا: وأعظم الله أجرك في أخيك قالت: وما فعل رسول الله؟ قالوا: وقد استشهد زوجك قالت: وما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قالوا: خيراً يا أم فلان هو بحمد الله كما تحبين قالت: أرونيه حتى أنظر إليه فأشير إليها أي هناك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حتى لما رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل (أي ضعيفة)، وهذا مصداق قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إذا أصيب أحدكم بمصيبة فليتذكر مصيبته في فإنها أعظم المصائب. أعظم مصيبة أصيب بها الناس كلهم هي مصيبة وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولذلك هذه الصحابية رضي الله عنها حققته واقعاً مات أبوها وأخوها وزوجها وتقول ما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. مرّ بنا لما ضُرب أبو بكر الصديق رضي الله عنه حينما كان يدعو إلى الله تبارك وتعالى مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقولون سليم أي لا بأس عليك وهو يكاد يموت فيقول لهم: وما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ كانوا يحبون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأما نحن بما أننا لم نرَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإظهار حبنا له صلوات الله وسلامه عليه إنما يكون باتباعه واتباع سنته والسير على هديه والدفاع عن سيرته ونشرها بين الناس فهذا هو الواجب علينا جميعاً.
قتل من المسلمين كما قلنا سبعون وقتل من المشركون ثمانية وثلاثون أو سبعة وثلاثون على خلاف في الروايات ومن أراد أن يعرف ما دار في هذه المعركة بصورة عامة فعليه أن يقرأ سورة آل عمران فإنها تكلمت عن هذه المعركة بشبه تفصيل وذكرت بعض الحوادث.
حادثة غريبة:
رجل يقال له قزمان قاتل مع المسلمين قتالاً شديداً وجاء رجل إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأخبره ما فعل قزمان فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: هو من أهل النار فاستغرب الناس يقاتل هذا القتال ويكون من أهل النار فقال رجل من الصحابة: لأتبعنّه فتبعه فلما أصيب قزمان وضع نصل السيف في الأرض ثمّ نام عليه حتى قتل نفسه وجاؤا هذا الرجل قبل أن يقتل نفسه فقالوا له: هنيئاً لك الجنة قاتلت في سبيل الله فقال: لا والله إنما قاتلت عن أحساب قومي (أي ما أراد وجه الله تبارك وتعالى) وقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن أول من تسعّر فيهم النار ثلاثة وذكر منهم صلوات الله وسلامه عليه الرجل فيقول الله له: أعطيتك من القوة فماذا صنعت؟ قال: قاتلت فيك حتى قُتِلت فيقول له: كذبت إنما فعلت هذا ليقال جريء وقد قيل خذوه إلى النار. فرجع الصحابي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليقول له ما وقع لقزمان من قتله لنفسه فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم الله: أكبر لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة هو من أهل النار.
ولذلك لا ينبغي لنا أن نحكم على الناس إذا قاتلوا بأنهم شهداء الله أعلم بما في قلوبهم ولكن أيضاً لا ينبغي أن نسيء بهم الظن بل نحسن فيهم الظن وإنهم إنما قاتلوا في سبيل الله وهذا هو الأصل ولذلك الأولى أن نقول نحسبهم شهداء، نظنهم شهداء نسأل الله لهم أن يكونوا من الشهداء أو ما شابه ذلك من الكلمات .
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله تبارك وتعالى الحكم والغايات والفوائد من تلك المعركة منها:
أولاً: تعريف المسلمين سوء عاقبة المعصية وشؤم ارتكاب النهي لما وقع من ترك الرماة موقفهم الذي أمرهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ألا يبرحوه.
ثانياً: أن عادة الرسل أن تُبْتَلَى وتكون لها العاقبة في النهاية والحكمة في ذلك أنهم لو انتصروا دائماً دخل في المؤمنين من ليس منهم ولم يتميز الصادق من غيره ولو انكسروا دائماً لم يحصل المقصود من البعثة فاقتضت الحكمة الجمع بين الأمرين لتمييز الصادق من الكاذب. وذلك أن نفاق المنافقين كان مخفياً عن المسلمين فلما جرت هذه القصة أظهر أهل النفاق ما أظهروه من الفعل والقول وعاد التلويح تصريحاً وعرف المسلمون أن لهم عدواً في دورهم واستعدوا لهم وتحرزوا منهم. قال تعالى " هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله" فلو كان دائماً هزيمة ما ظهر هذا الدين ولو كان دائماً نصر لم تتميز الصفوف فهزيمة ونصر حتى يظهر الله تبارك وتعالى الدين كله على الأرض كلها.
ثالثاً: إن في تأخير النصر في بعض المواطن هضماً للنفس وكسراً لشماختها فلما ابتلي المؤمنون صبروا وجزع المنافقون حتى الإنسان لا يصيبه الكبر (بكسر الكاف وسكون الباء) والعجب بنفسه فيهزم أحياناً وينتصر أحياناً حتى يعرف أن الأمر كله بيد الله تبارك وتعالى.
رابعاً: أن الله تبارك وتعالى هيأ لعباده المؤمنين منازل في دار كرامته أي الجنة لا تبلغها أعمالهم فقيظ لهم أسباب المحن والابتلاء ليصلوا إليها. يعني لو لم يكن هناك جهاد ما نال المسلمون الفردوس الأعلى عند الله تبارك وتعالى ولا شفع الشهيد لسبعين من أهله ولا غفر له مع أول قطرة دم تخرج ولا عصم من فتنة القبر ولكن الله يريد أن يرفع درجاتهم فكان الجهاد وكان القتل الذي يقع على المسلمين.
خامساً: إن الشهادة من أعلى مراتب الأولياء فساقها الله سبحانه وتعالى إليهم سوقا.(110/3)