والآن نظرًا لوجود ذلك الكنز تحت تصرفنا، ونظرًا لأن الناس في وقت ما ومكان ما قد يشعرون بإلحاح بأيٍّ من تلك المشاكل؛ فإننا نستطيع أن نكتسبهم إلى الطريق المستقيم بأن نقدم لهم حل المشكلة التي تقلق راحتهم. وإنني لا أجد أي سبب لعدم استغلالنا لتلك الميزة. وحتى نفعل ذلك بطريقة فعالة ونقدم الإسلام لأي مجتمع بطريقة مقنعة، فإنه يجب أن نحترس بالنسبة للمبادئ الإسلامية التي صِيغَتْ في إطار تاريخي مشوش في فترة ما في الماضي، بما في ذلك الإطار الذي صَوَّرَ فيه النبي عليه السلام أن المبادئ تعد بمثابة الجوهر، وأن تطبيقها في وقت معين هو الشكل الخارجي المتغير، ولكننا يجب أيضا أن نحترس من أن نصوغ تلك المبادئ في شكل غير ملائم لمجرد أنها سوف تُقَدَّمُ إلى مجتمع معاصر ومتقدم من الناحية المادية مثل الولايات المتحدة الأمريكية.
3- إنني الآن سوف أنظر باختصار - في ضوء السيرة - إلى مجموعة من الأفكار الخاطئة حول عملية التوجه إلى الاتجاه الإسلامي:(/27)
أ- إن بعض الجماعات في حين أنها لا تذهب إلى مدى الاعتقاد الواعي بأنها تتكون من المسلمين الوحيدين، فإنها تقوم بالعمل والتخطيط على أساس ذلك الافتراض، ومن ثَمَّ ترفض الاعتراف بالمساهمات القيمة للجماعات الأخرى، والأفراد والهيئات الرسمية وتحاول أن تعزل نفسها عنهم. وفي الحقيقة لم يكن هناك شيء إسلامي في الفترة المكية سوى أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين القلة الذين اتبعوه، ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد شجع كل شيء كان يُعتبر حميدا طبقا لمقاييسه الإسلامية، وكان يقر به كشيء حميد. وهكذا حينما كان في المدينة فإنه تذكر حلف الفضول وامتدحه، وقد كان هدف ذلك الحلف هو الدفاعَ عن المظلومين ومساعدة الفقراء، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد اشترك في تكوينه عندما كان في العشرين من عمره لماذا يجب حينئذ أن نرفض الاعتراف بالطبيعة الإسلامية لشيء أو عمل لمجرد أن شخصًا آخر هو الذي قام به؟ إنني أعتقد أن الاتجاه السليم هو الاعتراف والتشجيع لكل شيء إسلامي بصرف النظر عمن قام به، واعتباره مصدر قوة لعملية التوجه إلى الوجهة الإسلامية.
ب- يوجد بعض الذين يعتقدون أننا لا نستطيع أن نُكَوِّنَ دولة إسلامية في بلدة معينة:
1- إلا حينما نجعل جميع من سَيَكُونون بمثابة أعضائها مسلمين حقيقيين ومخلصين، ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم- لم يفعل ذلك، ومن المؤكد أنه من الخطأ وغير العملي أن نعتقد أنه ليس من الممكن إقامة مثل تلك الدولة في أية بلدة إلى أن يقتنع معظم أهلها، أو إلى أن نكون قدمنا تعليما وتدريبا إسلاميًا صحيحا لجميع الموظفين الذين سوف يتولون مؤسساتها.
2- وإلا حينما نُعِدُّ مُخَطَّطًا لمجتمع المستقبل هذا. ومرة ثانية، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يفعل ذلك ولم يفعله أي مُصلِح أو أي حركة ثورية في أي وقت.(/28)
3- وإلا حينما يكون لدينا قادة يتمثلون في رجال يحوزون على المعرفة والتقوى مثل أبي بكر وعمر. ولكننا لا نقوم بأي عمل من أعمال العبادة في الشكل السامي الذي كان يقوم به أبو بكر أو عمر، وإنهما هما أنفسهما لم يصلا إلى مستوى النبي، ولذلك فلتكن دولتنا ناقصة مثل صلاتنا، وبأية حال فإنها سوف تكون أفضل من الدولة الغير المسلمة، مثلما تعتبر صلاتنا الناقصة أفضل من لو لم نصل على الإطلاق.
فلنفترض الآن أن مجموعة من المسلمين الذين يعملون على تكوين دولة إسلامية في جزء ما من العالم هم:
أ- مخلصون.
ب- ويَتَّبِعُونَ الأسلوب الصحيح للتحول إلى الوجهة الإسلامية.
هل يعني ذلك أنهم سوف يحققون تلك الغاية بطريقة مؤكدة؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك، فلماذا؟ وما هي حينئذ الجدوى من جهودهم؟
إن الجواب هو أن نجاحهم يعتمد على شرط آخر، وهو أن هؤلاء الصادقين منهم عن حق يجب أن يتصفوا بالحكمة بالمقارنة مع هؤلاء الذين يعارضونهم. وإلا فإنهم قد يتعرضون للاغتيال بواسطة أعدائهم، أو قد يُرغَمُون على ترك وطنهم إلى مكان آخر مثل الأنبياء, وكثير من المؤمنين المخلصين مثل أصحاب الأخدود.
وحتى في ذلك الوقت فإن جهودهم لن تضيع هباء:
أولاً: لأن الله يقول {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ} [محمد: 7]. ونظرًا لأن عون الله في تلك الحالة لم يأت في شكل النصرة على أعدائهم - للسبب الذي ذكرناه - فإنه من المحتم أنه سوف يجيء في شكل عقاب لهؤلاء الأعداء جزاءً لما ارتكبوا.
وهكذا، إذا لم تنجح الجماعة الصغيرة للمسلمين المخلصين في أن تحل مَحَلَّ الجماعات الكبرى من غير المؤمنين، فإنها على الأقل سوف تؤدي إلى سقوطهم، وفي أثناء ذلك فإنها سوف تنجح في الحد من الشر في العالم، وهكذا تمنح الخير فرصة جديدة لأن يزدهر.(/29)
ثانيًا: لأنهم بالطبع سيحصلون على الأجر الحقيقي في الحياة الحقيقية، الحياة الخالدة بعد الموت، ويتمتعون بالسعادة القصوى بأنهم سيكونون دائما في حضرة الله سبحانه وتعالى.
ـــــــــــــــــــــــــــ
* وقد نشر اتحاد العلماء الاجتماعيين المسلمين سير جلسات اجتماعاته السنوي الرابع في جزأين تحت عنوان (من المسلم إلى الإسلامي) في أغسطس 1975، إبريل 1976م.
[1] لقد حاولت أن ألقي بعض الضوء على تلك المشكلة في مقالتي "العلم الاجتماعي الإسلامي، معناه وملاءمته في (من المسلم إلى الإسلامي)" سير جلسات المؤتمر السنوي الرابع لاتحاد العلماء الاجتماعيين المسلمين، الجزء 2، اتحاد العلماء الاجتماعيين المسلمين 1975، ص1 – 11.
[2] هنا بعض الأمثلة:
أ- الطبري: "إن الله لا يغير حالة القوم، من الصحة والنعمة بأن يحرمهم منها ويهلكم إلا إذا غيروا هم ما بأنفسهم بقيامهم بالأعمال الآثمة تجاه بعضهم البعض واعتدائهم بعضهم على البعض" محمود محمد شاكر (طبعة) تفسير الطبري القاهرة، 1957 الجزء 16، ص 382 – 383.
ب- ويقول ابن كثير في تعليقه على سورة الأنفال 53: "إن الله يخبرنا عن عدالته التامة وإنصافه في الحكم، و أنه لا يغير نعمة منحها لشخص إلا بسبب إثم يكون قد ارتكبه ذلك الشخص، كما قال.." ثم اقتبس الآية التي نتحدث عنها. تفسير القرآن العظيم، بيروت، 1969، الجزء 2، ص 320.
ج- ويقول ابن الجوزي: "الله... هو الذي لا يحرمهم من نعمة إلا إذا... وارتكبوا ما يحرمه" زاد المسير في علم التفسير، المكتب الإسلامي، بيروت، 1965، الجزء 4، ص 312.
د- وإن القرطبي قد ضرب مثل ذلك التغيير بالهزيمة التي عانى منها المسلمون في غزوة أحد، والتي كانت نتيجة للتغيير الذي حدث في أنفس المحاربين (أي عصيانهم لأوامر النبي) الجامع لأحكام القرآن: القاهرة 1965، الجزء 9 ص294.
[3] ما هلك قوم حتى يغدروا من أنفسهم.(/30)
لقد اقتبس الطبري هذا الحديث في تعليقه على الآية، وهو يقول أنه يوجد دليل واضح في الآية على صحة ذلك الحديث. نفس المرجع الجزء 12، ص304.
[4] إن الترجمة الأخرى الجيدة للآية هي:
That is because, the Lord would never destroy for thcirworong doing(/31)
العنوان: منهج التربية الإسلامية في تنظيم الغريزة الجنسية
رقم المقالة: 2022
صاحب المقالة: محمد علي الخطيب
-----------------------------------------
منهج التربية الإسلامية في تنظيم الغريزة الجنسية
• حرَّم الإسلامُ الرهبانيةَ؛ لأنها تخالف الفطرة، وتصادم السنن، وتعطل الحياة.
• الإسلام لا يستقذر الشهوات ولا ينكرها، ولكنه ينظمها ويضبطها.
• المثالُ الذي يسعى الإسلام إلى تحقيقه، لا يخرج عن حدود الطاقة البشرية.
• مشكلة الجنس في الغرب هي ثمرة موقف النصرانية المعادي للحياة الجنسية.
• مجتمع الصحابة لم يعرف المشكلة الجنسية، والزواج عندهم سهلٌ ميسَّر.
• • • • •
أ- ربَّانية لا رهبانية:
ذم القرآنُ الرهبانيةَ التي ابتدعها النصارى؛ لأنها تخالف الفطرة، وتعطل الحياة، وتصادم السنن، ولأنها طغيان في الميزان، ولذلك أنكر القرآنُ على الذين يحرمون زينة الله وطيباته {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ....} [الأعراف: 32].
إن الطيبات مائدة الله بسطها في أرضه ودعا إليها رسله، فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51]، ودعا إليها المؤمنين، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ...} [البقرة: 172]، فهل يدعونا الله إلى مائدته ثم نعرض عن دعوته ولا نجيب؟! وهل نملك ألا نجيب؟! وهل يستطيع الإنسان أن يستغني عن خير ربه وفضله؟ ولو اتجه هذا الاتجاه، قسراً لطبيعته وقهراً لفطرته، فهل يطيق صبراً، ويواصل سيراً؟ وهل ستكون النتيجة لو تصبر وواصل السير في هذا الطريق المعاكس للفطرة إلا توقف الحياة وهلاك الإنسان؟.(/1)
إن الله -سبحانه- أباح الطيبات، فما ينبغي لأحد أن يحرمها على نفسه، أو يحمل غيره على تحريمها، أو ينتقص ممن تناولها بلا وكس ولا شطط، والله أبصرُ من هذا المتنطع بما يُصلح حياةَ الإنسان ويسعده، ولو علم في الطيبات أذى، لوقاه منها، ولنهاه عنها.
إن حب الشهوات والميل إليها فطرةٌ جُبل عليها الإنسانُ، وهي تقوم بحفظ الحياة وإنمائها، فكيف تذم وتهجر؟ {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران: 14]. فالإسلام لا يعرف الكبت؛ لأنه يعترف بالشهوات والغرائز والنوازع الفطرية عموماً، ولا يستقذرها، ولا يقوم نظامُه على قهرها وإلغائها، ولكنه ينظمها ويضبطها، وينبه الإنسانَ على استعداده للتسامي فوقها، والتطلع إلى ما هو أكبر من الدنيا وأحسن، إذ أتبعَ تقريرَ تلك الحقيقة، الدعوةَ إلى ما هو أسمى وأكبر، فقال: {وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران: 15]. والقرآن في أساليبه البيانية يقابلُ دوماً متاعَ الدنيا بنعيم الآخرة، لتحقيق التوازن في سلوك الناس حتى لا يسترسلوا في تناول شهوات الدنيا، ويستغرقوا فيها، فتشغلهم عن ذكر الله والآخرة، وعلى ضوء هذا نفهمُ ما ورد في ذم الشهوات وعيبها، فإنه لم يأت منعًا كاملاً لها، ولكنه ذم للطغيان فيها، ولو أخذ الإنسانُ منها بقدر المباح لما لحقه ذم أو عيب، قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ(/2)
اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلاَلاً طَيِّباً وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ} [المائدة: 87–88].
وقد روى ابن جرير في تفسيره بسنده عن ابن عباس في سبب نزول هذه الآيات أن رهطاً من الصحابة قالوا: نقطعُ مذاكيرَنا ونتركُ شهواتِ الدنيا، ونسيح في الأرض كالرهبان. وعنه أيضاً أن رجلا أتى النبي –صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إني إذا أصبتُ من اللحم انتشرتُ وأخذتني شهوتي فحرمت اللحم؟ فأنزل الله تعالى ذكره الآية.(/3)
إنَّ تعذيبَ الجسد، وتحميلَه ما لا يطيق ليس من مقاصد الإسلام، ولا من وسائله لبلوغ الكمال الإنساني؛ لأن المثال الذي يسعى الإسلام إلى تحقيقه، لا يخرجُ عن حدود الطاقة البشرية، كما قال سبحانه: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا} [البقرة: 286]، ولذلك نهى –صلى الله عليه وسلم- عن صوم الوصال؛ لأنه خرج من حدّ التهذيب إلى حدِّ التعذيب، ففي الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: نهى النبي –صلى الله عليه وسلم- عن صوم الوصال رحمةً بالناس، فقالوا: إنك تواصل. فقال: (إني لست كهيئتكم؛ إنّي يطعمني ربي ويسقين). ومن وصاياه -صلى الله عليه وسلم- ما رواه أبو داود في سننه عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: (اكلَفوا من العمل ما تُطيقون؛ فإن الله لا يملُّ حتى تملُّوا؛ فإن أحب العمل إلى الله أدومُه وإن قل). ومن شذَّ عن هذا المنهج الوسط المعتدل عن هوى أو خرج عنه لا يريد إلا الخير، وجب ردُّه إليه وتقويمُ سيره حتى يستقيم على الطريقة، كما فعل رسول الله –صلى الله عليه وسلم- مع النفر الثلاثة ومع عبد الله بن عمرو وعثمان بن مظعون وسواهم.
ب- موقف الإسلام من الغريزة الجنسية بين الإباحية والرهبانية:(/4)
يمتاز الإسلامُ عن غيره من سائر الأديان والمذاهب في سياسته للجنس بأنه دين وسط بين المذاهب الإباحية التي أطلقت للغريزة العنان، وبين الرهبانية التي تتجه إلى كبت الغريزة وقهرها، فالإسلامُ لا يعادي الجنس ولا يستقذره، ولكن يستجيب للضرورة الجنسية عن طريق نظام الزواج وتشريعاته، وينظم العلاقةَ بين الرجل والمرأة، ويضع التدابيرَ الصحية كالنظافة والاعتدال ونحوه بصراحة متناهية دون نفاق أو مواربة.
يقول علي عزت بيغوفيتش -رحمه الله- في مقالة له بعنوان: (المرأة بين المجتمع الإسلامي والمجتمع الغربي):
"إن الإسلام لا يرفض الحياة الجنسية، لأنه يدعو إلى حياة طبيعية وسعادة الحب، بقدر ما يدعو إلى صحة البدن والقوة والشجاعة والجهاد وكسب المال، ولأنه يعارض الإعراض عن الدنيا كما يعارض الإسراف فيها. يطالبنا الإسلام بجني (الثمار السماوية) إضافة إلى (الثمار الأرضية) ويسمح للإنسان أن تمتد يداه –اللتان رفعتا إلى الله متذللة بالدعاء قبل قليل – نحو مسرات الدنيا، ولا تعلمنا الآدابُ الإسلامية الإلحاحَ في ذكر المحرمات؛ لأن الإسلام لا يسعى لإقامة جدار يحوط جميع الأنهار التي يمكنها إرواء العطش. ولا يطالب الإسلام بالقضاء على الشهوات، بل يطالب بالسيطرة عليها، ولا يسعى لقطع الشهوة الجنسية، لكنه يضع لها الضوابط والحدود"[1].
"إن مطالبة الإنسان بأمور تتنافى مع طبيعته، وتخرج عن دائرة طاقته، مثل إتلاف البدن والإعراض عن الجنس وقطع الشهوة، يمكن أن تأتي بنتائج عكسية كانتشار الزنى بالطريقة التي نشاهدها في دول الغرب، يؤكد الفيلسوف كيركيغارد أن موقف النصرانية المعادي للحياة الجنسية أنشأ مشكلة الجنس، ويضيف ديني دي روزمون في كتابه أساطير الحب: "إن المشكلة الجنسية تظهر فقط في أوربا في صورتها المعقدة؛ لأن التعاليم والأخلاق النصرانية هزت أوربا لكون النصرانية في صدام أبدي مع متطلبات حياة عامة الناس".(/5)
وفي حقيقة الأمر تكوّن المجتمع الأوربي -والكلام للسيد علي عزت بيغوفتش- تحت تأثير متزامن لفلسفتين متناقضتين: الفلسفة النصرانية المعادية كلياً للحياة الجنسية، والفلسفة المادية الداعية إلى التمتع بكل ما في هذه الدنيا الوحيدة، وبما أن الخيار النصراني مستحيل البلوغ في واقع الحياة -بغض النظر: اعترف هؤلاء بذلك أم لا - فإن الغلبة كانت من نصيب الفلسفة الثانية، وظل الإسلام أبداً يبحث ويجد طريق الوسطية في الحياة الجنسية شأنه في بقية أمور الحياة؛ لأن الإسلام كان وبقي فلسفة الممكن في الحياة" ا.هـ[2].
وهذا الذي نبه عليه فلاسفةُ الغرب سبقهم إليه علماء الإسلام؛ يقول ابن الجوزي، وهو يقرر هذه الحقيقةَ، أي أن الرهبانية وقطع الشهوة، يمكن أن تأتي بنتائج عكسية، يقول في كتابه الشهير (تلبيس إبليس) في باب: (ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في ترك النكاح): واعلم أنه إذا دام تركُ النكاح على شُبان الصوفية أخرجهم إلى ثلاثة أنواع: -فذكر منها النوع الأول وهو المرض بحبس الماء. ثم (النوع الثاني) وهو: الفرار إلى المتروك-، فقال: "فإن منهم خلقاً كثيراً صابروا على ترك الجماع فاجتمع الماءُ فأقلقوا وجاعوا فلامسوا النساء، ولابسوا من الدنيا أضعافَ ما فروا منه، فكانوا كمن أطال الجوعَ ثم أكل ما ترك في زمن الصبر. والنوع الثالث: الانحرافُ إلى صحبة الصبيان؛ فإن قوماً منهم أيسوا أنفسهم من النكاح فأقلقهم ما اجتمع عندهم فصاروا يرتاحون إلى صحبة المرد"[3].
وعلى ضوء ذلك نتبينُ حكمةَ تشريع الزواج في الإسلام، وحض الشباب عليه، والإنكار على من اتجه إلى تحريمه بدعوى التفرغ للعبادة وهجر الدنيا.
ج- الإسلام يستجيب للطبيعة الجنسية:(/6)
يستجيب الإسلام للطبيعة الجنسية، فهو يحض على الزواج، ويرغّب فيه، وفي صحيح مسلم عن علقمة قال: كنت أمشي مع عبد الله بمنى فلقيه عثمان، فقام معه يحدثه فقال له عثمان: يا أبا عبد الرحمن ألا نزوجك جارية شابة لعلها تذكرك بعض ما مضى من زمانك؟! قال: فقال عبد الله: لئن قلت ذاك، لقد قال لنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء).
وهو لا يرغّب في الزواج فحسب، بل يدعو إلى مراعاة الحياة الزوجية، ويعد الجماع صدقة وعبادة، ففي الصحيحين أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: (وفي بُضْع أحدكم صدقة). قالوا: يأتي أحدُنا شهوتَه ويكون له فيها أجر!. قال: (أرأيتم لو وضعها في حرام، أكان عليه وزر؟). قالوا: نعم، قال: (وكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر). ثم قال: (أفتحتسبون الشر ولا تحتسبون الخير!). فما أعظمَ هذا المنهج!. وما أحكمَه وأعدلَه وأصوبه حيثُ لا ينقطعُ المرءُ عن آخرته حتى في حالة جماعه لزوجه، وهو مستغرق في أكبر صور المتعة الحسية، ويؤجر ويثاب، ويسمي الله في أول الجماع، ويتعوّذ من الشيطان!. روى الشيخان من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال: رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدّر بينهما ولد في ذلك لم يضرّه الشيطان أبداً). وهذه - لعمر الحق - دقة متناهية في الوزن والحساب والربط والتوفيق بين المادية والروحية، لا يقدر عليها منهج آخر.(/7)
قد يقال: نعم الزواج يحل المشكلة الجنسية، ولكن لا سبيل إليه مع غلاء المهور وتكاليف المعيشة الباهظة، كما أن العفة تكليف شاق في مجتمع يعج بالشهوات، ويمتلئ بالمثيرات، ويهيج على ارتكاب الجريمة الجنسية!. وهذا صحيح، فحياة المدنية المعاصرة والتأجيل غير الطبيعي للحياة الزوجية يفضي إلى كل مثبط عن الزواج، في الوقت الذي يقدِّم فيه إلى الناس كلَّ باعث على الصلة الجنسية وكل سبيل يسهل أداءها، ولا مفر -والأمر كذلك- من أن تضعف قوةُ الضبط، ويأخذ الجسد في الثورة، ويستفحل في المجتمعات التحللُ الجنسي والإباحي، ويزهد الناس في الزواج، ويفضي ذلك -على المدى البعيد- إلى انهيار نظام الأسرة برمته ومن ثم انهيار النظام الأخلاقي والاجتماعي!.
هل الإسلام هو المسؤول عن المشكلة الجنسية في المجتمعات المعاصرة؟! كلا، الإسلام ليس مسؤولاً عنها؛ لأنه –باختصار- نُحِّيَ عن الحياة، واتخذه الناسُ وراءهم ظهرياً، فهو دين لا يعرف شيئاً اسمه "المشكلة الجنسية"، ولا يعاني أي عقد أو اضطرابات تجاه الحياة الجنسية، كتلك التي تعيشها الفلسفةُ النصرانية المتزمتة، فهو يعترف بالضرورة الجنسية، ويلبيها عن طريق الزواج، وييسر تكاليفه، ويزيل كل ما يعوقه، ويطهر المجتمع من كل ما يثير الفتنة، ويهيج على الجريمة، فالإسلام منهج معتدل وسط، لا يكبت المشاعر، ولا يطيل الحرمان[4]، ونظامه الاجتماعي والاقتصادي يعين على الزواج المبكر بتوفير أسبابه وفتح أبوابه وإزالة عوائقه، من خلال نظامه الكلي الشامل، حيث تتكامل تشريعاته ونظمه، وتتعاون فيما بينها، لتحقيق غاياته وأهدافه، أما تعقيداتُ المجتمع الحالية اجتماعياً واقتصادياً، فالمجتمع نفسه هو المسؤول عنه؛ لأنها من صنع يديه، وعلى الناس أن يرجعوا إلى دينهم، ويتكيفوا مع فطرتهم.
د- سهولة الزواج:(/8)
هذا الزواج الذي يعد في نظر كثير من الشباب اليوم حلماً، ودونه خرطُ القتاد، هذا الزواج سهل ميسور لكل أحد، بفضل تعاليم الحنيفية السمحة، ففي السنة: (إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة) رواه أحمد والبيهقي في شعب الإيمان. وقد ورد النهي في السنة عن التغالي في المهور، ففي الحديث الشريف: (إن من يمن المرأة تيسير خطبتها، وتيسير صداقها، وتيسير رحمها)، رواه أحمد والنسائي. وهذا خلاف ما عليه الناس اليوم من المغالاة في المهور والولائم والأثاث والجهاز وتكاليف الأفراح الباهظة؛ إذ تكثر أسباب الاستهلاك، وتتعدد أنواعه من الطعام والشراب والترفيه وسواه.(/9)
وعندما تطَّلع على زواج الصحابة -رضوان الله عليهم- يأخذُك العجبُ، وتستولي عليك الدهشةُ من سهولته ويسره، ولذلك خلا مجتمعُهم من شيء اسمه المشكلة الجنسية، وخلا من مشكلة الكبت الجنسي والعزوبة والعنوسة والعُقد التي يعانيها الناسُ اليوم، ويتجرعون مراراتِها، حتى الأيامى من نساء الصحابة كانت إحداهن لا تنقضي عدتُها حتى تصير ذات زوج، وتتمتع بطبيعتها الجنسية ولا تحرم منها، وقد يطول بنا الكلامُ لو أردنا عرض نماذج من زواجهم، ولكن خذ عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل مثلاً، تزوجها عمرُ بن الخطاب، وهي ابنة عمه وكان لها محباً وبها معجباً (كذا في البداية والنهاية)، وقد كانت قبله تحت زيد بن الخطاب، فقُتِل عنها، وكانت قبل زيد تحت عبد الله بن أبي بكر فقُتل عنها، ولما مات عمر تزوجها بعده الزبيرُ، فلما قُتِل خطبها علي بن أبي طالب فقالت: إني أرغب بك عن الموت!، وامتنعت عن التزوج حتى ماتت. [انظر: البداية والنهاية -ابن كثير- أحداث سنة إحدى عشرة- جزء 6 - صفحة 353]. ولما تزوج علي فاطمة -رضي الله عنهما- قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (أعطها شيئاً!). قال: ما عندي شيء!. قال: (أين درعُك الحُطَمِية فأعطها إياه)، رواه النسائي والحاكم. فهذا مهر فاطمة بنت محمد أكمل نساء العالمين، لقد زوجها أبوها بدرع، فهل أنقص ذلك من قيمتها؟. عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: (ألا لا تغالوا بصداق النساء؛ فإنها لو كانت مكرمةً في الدنيا وتقوى عند الله لكان أولاكم بها نبي الله! ما علمتُ رسولَ الله –صلى الله عليه وسلم- نكح شيئاً من نسائه ولا أنكح شيئاً من بناته على أكثر من اثنتي عشرة أوقية)، رواه الترمذي والنسائي وأحمد.(/10)
ولكن ماذا كان جهاز فاطمة؟ قال علي: جهز رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاطمة خميلاً ووسادة حشوُها إذخر -أي قش-. ووصف جابر عرس فاطمة فقال: حضرنا عرس فاطمة، فما رأينا عرساً أحسن منه، حشونا الفراش ليفاً، وأتينا بتمر، وزبيب فأكلنا، وكان فراشها ليلة عرسها إهاب كبش. أما عرس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصفية -رضي الله عنها- فقد وصفه أنس، فقال: حتى إذا كان بالطريق جهزتها له أمُّ سليم ، فأهدتها له من الليل، فأصبح النبي عروساً، فقال: من كان عنده شيء فليجئ به (وفي رواية: من كان عنده فضل زاد فليأتنا به). قال أنس: وبسط نطعاً فجعل الرجل يجيء بالأقط، وجعل الرجل يجيء بالسمن، وجعل الرجل يجيء بالتمر، فحاسُوا حَيْسًا، فجعلوا يأكلون من ذلك الحيس، ويشربون من حياضٍ جنبَهم من ماء السماء، فكانت وليمة رسول الله –صلى الله عليه وسلم-. رواه الشيخان وغيرهما.
فأين هذه الوليمة اليسيرة من ولائم الأفراح الضخمة التي يقيمها المسلمون اليوم، فيبددون أموالهم، ويهدرون ثرَواتِهم، ويخربون بيوتهم بأيديهم ابتغاءَ الشهرة والسمعة والرياء؟!.
بل حدثنا التاريخُ عن أعراس لبعض أولاد الملوك والأمراء، انتهت بخزينة الدولة إلى الإفلاس.
[انظر: تحفة العروس، محمود مهدي الإستامبولي، المكتب الإسلامي، ط6، 1986م، ص 83].
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[1] المجتمع، العدد 1109، المرأة بين المجتمع الإسلامي والمجتمع الغربي، علي عزت بيغوفيتش.
[2] المجتمع، العدد نفسه.
[3] تلبيس إبليس - ابن الجوزي - دار الكتاب العربي - بيروت - ط1، 1405 - 1985 - تحقيق: د. السيد الجميلي - جزء 1 - صفحة 361.
[4] التطور والثبات في حياة البشر - محمد قطب - دار الشروق - ط4 - 1400هـ - 1980م - ص 305 وما بعده.(/11)
العنوان: منهج التفكير العقلي في القرآن الكريم (1)
رقم المقالة: 1789
صاحب المقالة: أ. مصطفى حسنين عبدالهادي
-----------------------------------------
منهج التفكير العقلي في القرآن الكريم
{قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا}
(الحلقة الأولى)
• مدخل في المصطلح والمفهوم
• الانسجام والمواءمة بين الإسلام والعلم
• الحقيقة الإسلامية لا تخشى البحث
• الترحيب بالنقاش المنصف الباحث عن الحقيقة
• مجال البحث العقلي في الإسلام لا يقف عند حدٍّ
• تكريم الإنسان بآلات التعلُّم ومسؤوليَّتُهُ تُجَاهَهَا
• • • • •
مدخل في المصطلح والمفهوم:
العقل لغة: هو الإمساك والاستمساك، وحَبْسَةٌ في الشيء؛ كَـ: عَقَلَ البعيرَ بالعقال، وعَقَلَ الدواءُ البطنَ، وعَقَلَتِ المرأةُ شعرَها، وعَقَلَ لسانَه: كَفَّه[1]، وفي حديث محمود بن الربيع: "عَقَلْتُ من النبي - صلى الله عليه وسلم - مَجَّةً مَجَّهَا في وجهي وأنا ابن خمس سنين من دلو"[2] وعرَّفه الأنصاري بالمنع[3].
واصطلاحًا: أوضح تعريفاته، وأقربها إلى هذا السياق أنه: "ما يقع به التمييز، ويمكن الاستدلال به على ما وراء المحسوس"[4]؛ فهذا التعريف روعي فيه الدور الوظيفي للعقل في الاستفادة من معطيات الحواس والبناء عليها؛ لتحصيل العلم بالمجهول.
والعقلي: ما كان منسجمًا مع العقل، متفقًا مع نتائجه، تَقبَله النفس عن قناعة بِحَقِّيَّتِهِ، لاعتماده على مسلمات العقول، وأوليات البدائه.
والبرهان: النظر المفضي بصاحبه إلى عين مطلوبه[5].
الانسجام والمواءمة بين الإسلام والعلم:(/1)
استُهِلَّ القرآن الكريم بالأمر بالقراءة، معلنًا بعثة خاتم الأنبياء، المؤيد بالعقل الصريح، المدعوم بالنقل الصحيح؛ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1 – 5]، جاء الإسلام ليبعث العقل من سُباته، ويصيح فيه: إن الإنسان لم يُخلق ليُقيد بالأغلال، ولا ليقاد بالزمام، بل فُطِرَ الإنسانُ على أن يَهتدِيَ بالعلم، ويستنير بنور العقل، وآيات الكون، فأطلق الإسلام بهذه الدعوى سلطان العقل من قيوده، وردَّه إلى دوره الذي نِيط به، إنه تصفح كتاب الكون، وتأمل آيات التدبير والإحكام.
ومن لطائف السياق القرآني في مادة العقل أن القرآن الكريم لم يستعمل "العقل" بصيغة الاسم الجامد، وإنما استعمل مشتقاتِهِ الفعليةَ: (تَعْقِلُونَ 23 مرة، يَعْقِلُونَ 22 مرة، عَقَلُوهُ مرة واحدة، يَعْقِلُهَا مرة واحدة، نَعْقِلُ مرة واحدة)، وكل ذلك في سياقات الإشادة بفاعلية العقل البشري في النظر والتدبر، والتمييز بين الأضداد؛ كالحق والباطل، والصحيح والزائف، والخير والشر، والواجب والمستحيل، إن في هذا المسلك القرآني ما يلفت النظر، ويسترعي الانتباه؛ فإن هذا الإغفال للفظ العقل، والاقتصارَ على مشتقاته الفعلية يُلمِح إلى أن القرآن ناظر إلى العقل باعتباره قوة نفسية، ووظيفة حيوية، ينبغي أن تستثمر في محلها، لتؤدي دورها المنوط بها، والذي اعتبره الإسلام حَكَمًا عدلاً، ومرجعًا لا يُخْتَلَفُ في حجيته، ولا يستراب في نتائجه[6].
ومن تأمل نصوص الإسلام؛ الكتاب والسنة، وجد مظاهر احتفاء الإسلام بالعلم ظاهرة باهرة، تنادي بأعلى صوت: هلموا إلى سلطان الحق البالغ، المؤيد ببرهان العقل الدامغ، ومن هذه الظواهر:(/2)
- التكليف بشرائع الإسلام متوقف على العقل المميِّز: فالتكليف مرفوع عن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ.
- الحث على النظر والتأمل: ورد القرآن الكريم بالأمر بالتعقل والتدبر، وإطلاق عنان تأمل الآيات الكونية، في أكثر من سبعمائة وخمسين آية، في حين أن آيات الأحكام الصريحة لا تزيد على مائة وخمسين آية[7]، ولم يأمر الله – تعالى - عباده في كتابه ولا في آية واحدة أن يؤمنوا به، أو بشيء مما هو عنده، أو يسلكوا سبيلاً على العمياء وهم لا يشعرون، حتى إنه علل الشرائع والأحكام التي جعلها لهم[8].
ولو تفكرنا قليلاً في القرآن الكريم، ونظرنا فيه نظرة تأمل - ولو عَجْلَى - لم نجد في القرآن الكريم سورة طويلة متفردة بذكر الأحكام، في حين نجد سورًا كثيرة - خصوصًا المكية - ليس فيها إلا المباحث العقلية، وتقرير حقائق الأشياء، والكلام على الفطرة والنواميس الكونية، وخلق العالم، وإثبات الخالق، والحديث عن النفس، والإرادة، والاختيار، وعن الرسالة والوحي، والبعث، والخلود[9].
- الدعاء بطلب زيادة العلم: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]، وليس في القرآن الكريم أمر بطلب الاستزادة من شيء سوى العلم.
- رفع درجة العلماء: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام: 83]؛ فالحجة التي أوتيها إبراهيم كانت بالعلم، ثم كان هذا العلم سببًا لرفع درجات إبراهيم عليه السلام؛ وتأمل معنى الاستعلاء المستفاد من حرف الجر {عَلَى قَوْمِهِ}، وقال – تعالى -: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11].(/3)
- النهي عن التقليد الجامد: أكد القرآن الكريم في مواضع كثيرة على ذم التقليد بغير علم ولا هُدًى؛ من ذلك: قوله – تعالى -: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ} [البقرة: 170]، وقوله – تعالى -: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ} [المائدة: 104]، ونعى على الكفار أنْ لم تكن لهم حجة إلا اتباع آبائهم: {قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا} [يونس: 78].
- استحباب الرحلة في طلب العلم، ويشير إليها قوله – تعالى -: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122]، وكذلك إشارة القرآن الكريم إلى رحلة موسى - عليه السلام - إلى الخضر في طلب العلم: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا * فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا * فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} [الكهف: 60 – 62] الآيات، وذِكْر النَّصَب والتعب الذي لاقاه نبي الله موسى في رحلته، فيه إشارة إلى أهمية الرحلة في الطلب، ولو بعدت الشُّقَّة، وطالت الرحلة.(/4)
- وجوب الاسترشاد بالعلماء: أمر الله – تعالى - عباده برَدِّ ما أشكل عليهم إلى العلماء الذين لهم القدرة على استنباط أحكام الله؛ فقال: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83]، وقال – تعالى -: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل: 43].
- يجب على من تولى أمرًا أن يكون عالمًا به وبمصالحه: قال – تعالى - في إمارة طالوت: {قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} [البقرة: 247]، وقال – تعالى - في تولي يوسف الحكم: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} [يوسف: 22]، وعلل يوسف - عليه السلام - طلبَ الولاية بما يتصف به من العلم والأمانة؛ فقال: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: 55]؛ بل من عادة القرآن الكريم أن يعبر عن النبوة بالعلم؛ ومن ذلك: {قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ} [الحجر: 53]، {وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 74]، {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 79]، وفي موسى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} [القصص: 14].
- التعليم شرف لصاحبه حتى للحيوانات: فقد فضل الله الحيوان المعلَّم على غيره؛ فأباح صيد الأول دون الثاني؛ {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4].(/5)
ومما ضرب مثلاً للعلاقة بين العقل والنقل، ولبيان أن العقل لن يهتدي إلا بالشرع، والشرع لا يُتَبَيَّنُ إلا بالعقل أن قيل:
- العقل كالأُسّ، والشرع كالبناء، ولن يغني أسٌّ ما لم يكن بناءٌ، ولن يثبت بناءٌ ما لم يكن أسٌّ.
- العقل كالبصر، والشرع كالشعاع، ولن يغني البصر ما لم يكن شعاع من خارج، ولن يغني الشعاع ما لم يكن بصر، ولهذا قال الله – تعالى -: {قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [المائدة: 15 – 16].
- العقل كالسراج، والشرع كالزيت الذي يمده، فإن لم يكن زيت، لم يحصل السراج، وما لم يكن سراج، لم يضئ الزيت؛ قال الله – تعالى -: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ} [النور: 35].
- الشرع عقل من خارج، والعقل شرع من داخل، وهما متعاضدان بل متحدان[10].
الحقيقة الإسلامية لا تخشى البحث:
إن البحث العلمي المنصف المتجرِّدَ عن وصمة الهوى والتعصب لرأي من الآراء قبل الاطمئنان إلى حَقِّيَّتِهِ وصوابه، المتسلحَ بآليات البحث وأدواته العاصمةِ له من الزلل في البحث، والخطأِ في التفكير والاستدلال - هذا النوع من البحث الذي يَصْفِقُ بجناحَيِ الإنصاف والمنهجية، لا محالة يصل في نهاية المطاف إلى أن يصيب جوهر الحقيقة، ويبلغ غاية الحق.(/6)
وقد أشار القرآن الكريم إلى هذين الجناحين في قوله – تعالى -: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} [سبأ: 46].
فالدعوى إلى النظر والتأمل في حال ذلك النبي، بعيدًا عن تشغيب الاجتماع، وقريبًا من التأمل الفردي، أو الثنائي المعتمد على اختيار أهل النصح والمشورة في امتحان صدق هذه الدعوى، كل ذلك أبعد عن حَمِيَّة الجاهلية، وتشويش المناوئين حقدًا وحسدًا؛ أولئك الذين اتسم موقفهم من دعوة الحق بالرفض المجمل؛ بسبب إلف العادة، والأنس بموروث الآباء؛ حتى قالوا: {مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُّفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ} [سبأ: 43]؛ إن البعد عن هذه الهيئة الاجتماعية المشوِّشة المضلِّلة أرجى في انفتاح القلب، واستقبال الوعي لهذه الدعوى للنظر في أمرها، وقياس صِدق صاحبها.
وأيضًا: فإن الأمر بالتفكر فيه إشارة إلى اعتماد المنهج القويم في التفكير، والنظر السديد في اعتبار حال هذا المدعي للنبوة بحال الأنبياء قبله ممن بقيت فيهم آثار رسالاتهم، ومقارنة دعوته بدعوتهم، والنظر في حال ذلك النبي نفسه وصفاته؛ هل حاله قبل دعواه توحي بصدقه، أو بكذبه وافترائه.(/7)
والإسلام رَغَّبَ في طلب العلم، ودَفَعَ الناس إليه بإلحاح، وندبهم إلى طرْق أبواب المعرفة بكل طريق معقول مقبول، وشجعهم على الإقدام على البحث في أي موضوع[11]، مهما كانت سبيل البحث فيها شاقة، وطريق الوصول إليها وَعِرًا؛ بل حث الإسلام على خوض غِمار البحث بكل شجاعة وتصميم، ومنع من وضع أي حجاب على العقل ساترٍ، أو تهويلٍ بقداسةٍ عن النظر والتأمل حاجبٍ، وما ذاك إلا لانسجام الإسلام - مبادئهِ وأصولِه، ثم تفريعاته وفصوله - مع منطقية العقل، وتوافقية المنطق؛ إن الإسلام لا يخشى على عقائده ومبادئه من أي بحث علمي سليم؛ إنه على يقين من أن البحث العلمي السليم، والتأمل والنظر السديد البريء من الهوى والتعصب الذميم - لا بد أن يوصل أصحابه إلى النتائج التي قررها الإسلام، ودعا إليها، ونادى بها في عقائده ومبادئه؛ وذلك وَفق القاعدة المشهورة: (الحقيقة لا تخشى البحث)[12].
الترحيب بالنقاش المنصف الباحث عن الحقيقة:
لما كان الإسلام يساير معطيات العقل، وينسجم مع نتائج المنطق والبرهان، كان الإسلام واسع الصدر لكل نقاش منصف، بريء عن التعصب والهوى، غايته الوصول إلى الحقيقة، ويتقبل كل جدال بالحكمة؛ كما يتقبل كل نظر وتفكر.
لذلك حث الإسلام أتباعه على أن يتحلوا في جدالهم بالصبر وسعة الصدر، وعلَّمهم في الجدال اتباع الآداب الحسنة، والأخلاق الرفيعة السامية التي منها:
- البعد عن تشويش المخالفين: قال – تعالى -: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} [سبأ: 46].
- إنصاف الخصم: قال – تعالى -: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [سبأ: 24].(/8)
- الجدال بالتي هي أحسن: قال – تعالى -: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125].
- القصد إلى إظهار الحق والتجرد من رغبة الانتصار وحب الظهور: لأن الجدل إنما هو صورة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ إذ المجادل من رأيه أن مخالفه على خطأ، فهو عامل على إقناعه بما يراه صوابًا ومشروعًا في الدين، وقد كان الشافعي - رضي الله عنه - يقول: "ما ناظرت أحدًا قط إلا أحببت أن يُوفَّق ويسدد ويعان، ويكون عليه رعاية من الله وحفظ، وما ناظرت أحدًا إلا ولم أبال بَيَّنَ اللهُ الحقَّ على لساني أو لسانه"[13].
ولما كانت رسالة الإسلام رسالة خاتمة، وكانت كذلك رسالة عالمية؛ إلى الناس كافة، على اختلاف مستوياتهم العقلية والثقافية ، وكان القرآن الكريم هو حجة هذا الدين الكبرى ومعجزته الخالدة - لذلك كله جاء في القرآن الكريم من الأدلة والمناهج العقلية ما يقنع الناس جميعًا على اختلاف أصنافهم، وتباين أفهامهم وأفكارهم، وتفاوت مداركهم، وتنوع قناعاتهم؛ فسلك القرآن الكريم طرقًا متنوعة للإفهام، ووسائل شتى للإقناع؛ وهذا وجه من أوجه الإعجاز القرآني؛ فإن أساليب القرآن الكريم في الاستدلال تناسب الناس كافة؛ وفيما يلي إشارة إلى هذا التنوع في الجدال والتفنن في الإقناع[14]:
- من الناس من لا يرضيه إلا قياس تام، أو برهان عقلي مقنع، وهؤلاء هم الذين غلبت عليهم النزعة العقلية في التفكير، والميل الفلسفي في التحليل؛ فخاطبهم القرآن بما فيه مقنع لهم، وبما يساير طرائق تفكيرهم؛ فاستخدم القرآن في سبيل إقناعهم الصور التي ألفوها في الاستدلال[15]؛ من مثل:(/9)
استخدام قياس الخُلْف[16]: في إثبات الوحدانية، في قوله – تعالى -: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الأنبياء: 22]، وقوله – تعالى -: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} [المؤمنون: 91]، وفي إثبات حَقِّيَّةِ القرآن الكريم، وأنه من عند الله – تعالى - في قوله: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} [النساء: 82]، فالاستدلال في هذه الآيات قائم على إثبات المطلوب بإبطال نقيضه.
- ومن الناس من يُعْنَى بالعلم التجريبي، وبحث حقائق الأشياء من خلال التجرِبة المعملية، فهؤلاء يخاطبهم القرآن الكريم بما يفهمون، ويوجه أفكارهم إلى تأمل السنن الإلهية في الخلق، وقراءة كتاب الكون؛ فيقول لهم: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ * وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ * وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ * وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [الأنبياء: 30 – 33]، واهتمام القرآن الكريم بالتنبيه إلى تأمل الآيات الكونية كثرته بالغة، وعنايته به فائقة.(/10)
- ومنهم من هو في تفكيره أقرب إلى الفطرة، فيه سلامتها وسذاجتها، وفيه حسنها وجمالها، وهؤلاء هم الناس، والسواد الأعظم، والجمُّ الغفير، وهذا النوع يناسبه امتزاج الحق بالتأثير الوجداني، والجمع بين الحجة بأنصع بيان، وإثارة العاطفة وشحذ الوجدان؛ فاتبع القرآن الكريم مع هذا الصنف الأسلوب الخطابي؛ قال – تعالى -: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُواْ شُرَكَاءكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ} [الأعراف: 194 – 195].
وقال - تعالى -: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ * وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} [القصص: 71 – 74].
مجال البحث العقلي في الإسلام لا يقف عند حدٍّ:(/11)
لأن الحقيقة الإسلامية لا تخشى البحث، سمح الإسلام بمناقشة مسائل العقيدة دون قيد أو شرط، ولا أية حساسية في طرح أي موضوع تحت مجهر للبحث، سواء أكان هذا الموضوع متعلقًا بذات الخالق من إثبات وحدانيته، أو أسمائه الحسنى وصفاته العُلى؛ بل خاضت نصوص الكتاب والسنة في ذلك؛ فإن القرآن الكريم اتصف جداله مع المشركين بالتسامح والتنزل إلى أقصى درجة؛ فتراه في معرض نقاشه لقضية الوحدانية وإثبات الخالق، يتنزَّل مع المنكرين إلى أقصى درجات التَنَزُّل؛ حتى فرض تكافؤ الخصمين في الحجة؛ {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [سبأ: 24]، وما كان هذا المسلك القرآني إلا ليقرر في الأذهان مبدأ نفي الحرج والحساسية عن مناقشة أية قضية مهما كان الحكم فيها مركوزًا في الفطرة، وراسخًا في البدائه.(/12)
وما كان استدلال إبراهيم - عليه السلام - على الوحدانية بفرض كون كلٍّ من الكوكب أو القمر أو الشمس ربًّا إلا تَنَزُّلاً منه، وفرضًا لمذهب الخصم الواضح البطلان ثم مناقشته، قال - تعالى -: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 75 – 79]، إن هذا الاستدلال من إبراهيم - عليه السلام - كان مبنيًّا على فرض مذهب الخصم، ثم اختباره ونقضه، وقد حكى القرآن هذا الاستدلال دون تعقيب أو استدراك؛ بل حكاه ليُقْتَدَى به، وقد أثنى الله - عز وجل - على هذا الاستدلال، فقال معقبًا عليه: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام: 83].
والخلاصة: أن الإسلام لا يجد حرجًا أو حساسية في خوض العقل في مناقشة قضيةٍ ما نقاشًا علميًّا مسْتَدًّا قويمًا، مهما بلغت هذه القضية من الوضوح، أو كانت من مقتضيات الفطرة الإنسانية، ومهما وجد المسلم من نفسه تحرجًا من فتح باب النقاش فيها.
تكريم الإنسان بآلات التعلُّم ومسؤوليَّتُهُ تُجَاهَهَا:(/13)
أعظم ما امتن الله به على الإنسان أنْ منحه آلات التعلم، وأدوات الإدراك والتعرف على حقائق الأمور، وصفات الأشياء وخصائصها؛ ليتمكنوا - بما أوتوا من مِنَحٍ وهبات - من البحث والنظر للكشف عن أسرار هذا الكون، الدالة على عظمة خالقه.
وآلات الإدراك التي مُنِحَهَا الإنسان هي الأساس الفارق بينه وبين غيره من المخلوقات؛ فإنك إذا أردت أن تُعَرِّفَ الإنسان بما يميزه عن غيره لم تجد فارقًا أوضح من صفة التعقل والتفكر، ولذلك عرفوا الإنسان بأنه: "حيوان عاقل"، فلو قيل بدل العاقل الأبيض، أو الطويل لم يكن جوابًا لمن استفسر عن الإنسان[17].(/14)
وقد امتن الله - عز وجل - في القرآن الكريم على عباده بنعمة العقل في غير ما موضع، منبِّهًا إياهم على ضرورة شكر هذه النعمة بوضعها في محلها، وإعمالها في مجالها، فإن مِن أهم مظاهر شكر النعمة أن توضع في محلها اللائق بها، والذي لأجله منح الله الإنسان إياها، وسياقات القرآن الكريم المنبهة على هذه المنحة الربانية مرتبطة دائمًا بالإشارة إلى حسن توظيف هذه الملَكات، وذمِّ مَن عطل هذه المَلَكات؛ فلم يستخدمها، أو لم يُحسِن استخدامها؛ فاستخدمها في غير موضعها، أو قصرها في حدود الظواهر الكونية، المرتبطة بنفعه الذاتي المباشر دون الربط بين معطياتها والبناء عليها في البحث عن الحقيقة الكبرى؛ حقيقة الوجود كله؛ يقول – تعالى -: {وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاء مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النحل: 78 – 79]، {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [الأنعام: 36]، {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُم مَّنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُم بِهِ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ} [الأنعام: 46]، {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاء أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ} [الأعراف: 100]، {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ(/15)
لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف: 179].
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[1] انظر: "أساس البلاغة": 647-648، "المفردات في غريب القرآن": 1002، "القاموس المحيط": 4/18، "مقاييس اللغة"، جميعها مادة: (ع ق ل).
[2] حديث صحيح: أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب : متى يصح سماع الصغير.
[3] انظر: "الغنية في الكلام": ل: 98 ب.
[4] هذا التعريف محكي عن أبي العباس القلانسي، وأبي إسحاق الإسفراييني؛ وانظر: "الحدود" لابن سينا: 240، "الغنية في الكلام": ل: 3أ، "تفسير القرطبي" : 1/411.
[5] "البرهان في أصول الفقه": 1/122.
[6] انظر هذه الفكرة في: "بغية المرتاد": 248، "جدل العقل والنقل" للكتاني: 1/467-474، "نظرية المعرفة" لراجح الكردي: 604، "الإسلام والنظر العقلي": 64، "مبادئ الفلسفة الإسلامية": 1/73.
[7] "تفسير الجواهر" لطنطاوي جوهري: 1/2، وقيد آيات الأحكام بالصريح منها؛ لأن العلماء يحصون آيات الأحكام بالمئين؛ فذكروا أنها في حدود خمسمائة آية. انظر : "مفاتيح الغيب": 1/473.
[8] انظر: "الميزان في تفسير القرآن" للسيد الطباطبائي: 5/260.
[9] انظر: "محاضرات في التفكير الإسلامي والفلسفة" لعبدالعزيز الثعالبي: 123-124.
[10] هذه الأمثال ذكرها الراغب الأصفهاني في "تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين": 140-141، وهي بنصها في "معارج القدس" للغزالي: 57 دون تنبيه على مصدرها.(/16)
[11] لا يكاد يُستثنى من ذلك شيء، لا من جانب الوضوح ولا من جانب الغموض؛ فمن جانب الوضوح: ترى قضية وجود إله خالق مبدع فاطر، وإن ارتكزت في الفِطَر، وترسخت في بدائه العقول؛ مع ذلك ترى الكتاب والسنة قد أتيا ببيانها بيانًا عقليًّا باهرًا، وإقناعًا منطقيًّا وافيًا شافيًا، ومن جانب الغموض بحث الإسلام في قضايا من مثل الأسماء الحسنى والصفات العُلى، وبحث في النفس وأغوارها، والروح وأطوارها، والقلوب وأحوالها.
[12] انظر: "العقيدة الإسلامية وأسسها": 89.
[13] "حلية الأولياء": 9/118، "الفقيه والمتفقه": 2/50.
[14] سيأتي مزيد بيان وبحث في تنوع طرائق القرآن الكريم والسنة النبوية في مسالك النظر العقلي في إثبات العقيدة.
[15] يقول العلاَّمة الشيخ محمد أبو زهرة: "في الحق أن أسلوب القرآن أسمى من الخطابة، وأسمى من المنطق، فبينما تراه قد اعتمد في مسالكه على الأمر المحسوس، أو الأمور البديهية التي لا يماري فيها عاقل، ولا يشك فيها إنسان، تراه قد تحلل من بعض قيود المنطق التي تتعلق بالأقيسة وأنماطها، والقضايا وأشكالها، من غير أن يخل ذلك بدقة التصوير، وإحكام التحقيق، وصدق كل ما اشتمل عليه من مقدمات ونتائج في أحكام العقل وثمرات المنطق؛ ولهذا نحن لا نعد أسلوب القرآن الكريم منطقًا، وإن كان فيه صدقه وتحقيقه". انظر: "تاريخ الجدل": 63-64، وانظر هذه الفكرة في: "البرهان" للزركشي: 2/24، "معترك الأقران" للسيوطي: 1/456، "القرآن العظيم" للصادق عرجون: 283-284، "منهج الجدل والمناظرة في تقرير مسائل العقيدة": 1/283-289.
[16] قياس الخُلْف: هو القياس القائم على إثبات المطلوب بإبطال نقيضه، ضرورة أن رفع أحد النقيضين يستلزم ثبوت الآخر؛ استنادًا على نفي الواسطة بين النقيضين. انظر: "الإشارات والتنبيهات": 1/453، "الرد على المنطقيين": 297، "الكليات": 715، "دستور العلماء": 2/63، 3/78، "معجم مقاليد العلوم" للسيوطي: 126.(/17)
[17] انظر: "المقصد الأسنى" للغزالي: 32.
:(/18)
العنوان: منهج المالقي في شرحه: الدر النثير
رقم المقالة: 204
صاحب المقالة: د. محمد حسان الطيان
-----------------------------------------
ملخص البحث:
يتناول هذا البحث أثر المخطوطات الشارحة في فن القراءات القرآنية من خلال عرض نموذج جليل لهذه المخطوطات هو الدر النثير في شرح كتاب التيسير لعبد الواحد المالَقي(705هـ).
وهو يبين أولا المنهج العام الذي يكاد ينتظم كل ما ألف من متون في هذا الباب، من خلال عرضه لمنهج أبي عمرو الداني (444هـ) في كتاب التيسير.
ثم يعرض لمنهج المالَقي في شرحه للتيسير مبينا طريقته في شرح المتن, وما امتاز به من مقارنة كتاب التيسير بكتابي: التبصرة لمكي بن أبي طالب القيسي (437هـ) والكافي لابن شريح (476هـ) ملخصا أصول هذا المنهج في أمور خمسة هي:
1 - الاستقصاء والشمول.
2 - التعليل وتوجيه الأحكام.
3 - التعليم وحل المشكلات.
4- تعقّب الماتن وتحقيق المتن.
5- العناية بعلوم اللغة.
1-كتاب التيسير في القراءات السبع[1]:
* مؤلِّفُه:
عثمان بن سعيد بن عثمان بن سعيد، أبو عمرو الأموي الأندلسي القرطبِي ثم الداني، المعروف قديماً بابن الصيرفي، الإمام الحافظ المحدث شيخ مشايخ المقرئين ولد سنة (371هـ) بقرطبة، وابتدأ يطلب العلم سنة ست وثمانين ثم رحل إلى المشرق سنة سبع وتسعين فحجّ وأفاد علماً وقراءةً، ورجع إلى الأندلس سنة تسع وتسعين ثم سكن سرقسطة سبعة أعوام رجع بعدها إلى قرطبة، ثم استقرّ به المقام بدانية سنة (417هـ).(/1)
كان أبو عمرو من الأئمة في علم قراءة القرآن وطرقه ورواياته وتفسيره ومعانيه وإعرابه. ولم يكن في عصره ولا بعده من يضاهيه في قوة حفظه وحسن تحقيقه، وفي ذلك يقول: ((ما رأيتُ شيئاً قطُّ إلا كتبته، وما كتبته إلا حفظته، وما حفظته فنسيته[2])). وكانت لَه معرفة بالحديث وطرقه ورجاله ونقَلَتِه. قال عنه الذهبي: ((إلى أبي عمرو المنتهى في تحرير علم القراءات وعلم المصاحف مع البراعة في علم الحديث والتفسير والنحو وغير ذلك)).
أخذ أبو عمرو عن الجمِّ الغفير من مشايخ عصره وفي مقدمتهم أبو القاسم خلف بن إبراهيم ابن خاقان المصري الخاقاني (402هـ) وأبو الحسن طاهر بن عبد المنعم بن غَلْبون الحلبِي (399هـ) وأبو الفتح فارس بن أحمد الضرير (401هـ) وعبد العزيز بن جعفر بن خواستي الفارسي (412هـ) وأبو مسلم محمد بن أحمد الكاتب (399هـ)...
قرأ على أبي عمرو وحدث عنه خلق كثير منهم أبو داود سليمان بن نجاح الأموي (496هـ) وهو أجلُّ أصحابه، وأبو القاسم أحمد بن عبد الملك بن أبي جمرة (بعد 530هـ) وأبو عبد الله محمد بن يحيى بن مزاحم الأنصاري (502هـ) وأبو القاسم خلف بن إبراهيم الطليطلي (477هـ)...
صنف أبو عمرو تواليف كثيرة بلغت مئة وعشرين كتاباً جلّها في علوم القرآن، وعلى رأسها كتاب التيسير في القراءات السبع، وجملة من كتب القراءات كجامع البيان، وإيجاز البيان، والمفردات، والتمهيد، والإيضاح، والمفصح، والموضح، وله في رسم المصحف: المقنع، وفي نقطه: المحكم...
توفي أبو عمرو في سنة (444هـ) ودفن بدانية ومشى السلطان أمام نعشه، وشيعه خلق عظيم، رحمه الله تعالى[3].
* مادة الكتاب ومنهجُه:(/2)
موضوعُ كتاب التيسير هو القراءاتُ القرآنية على مذاهب القراء السبعة المشهورين بروايات رواتهم المعروفين، وقد صدّر الداني كتابه بذكرهم مترجماً لكلٍّ منهم، وهو لم يخرج في نهجه العام عن سنن المؤلفين في هذا الفن، وإنما حذا حذوهم فكان أنموذجاً للتأليف في فن القراءات. بيد أنه جاء استجابةً لرغبة في الاختصار والتسهيل: ((… فإنكم سألتموني أحسن الله إرشادكم أن أصنف لكم كتاباً مختصراً في مذاهب القراء السبعة بالأمصار رحمهم الله، يقرب عليكم تناوله، ويسهل عليكم حفظه، ويخف عليكم درسه[4]...)). لذلك ما رسم المؤلف لنفسه خطة في الاختصار والإيجاز واليسر جاء فيها: ((… واعتمدت في ذلك على الإيجاز والاختصار، وترك التطويل والتكرار وقربت الألفاظ وهذبت التراجم، ونبهت على الشيء بما يؤدي عن حقيقته من غير استغراق...)). وقد رمى من هذه الخطة إلى تحقيق الغاية التي وضع الكتاب من أجلها وسمَّاه بها، وهي التيسير: ((لكي يوصل إلى ذلك في يسر ويتحفظ في قرب[5])).
لقد أخذ الداني نفسه بما رسم من خطّة، إذ تبدّت ضروب الاختصار والإيجاز والتيسير في مظاهر من كتابه، يمكن تبيّنها في كل قسم من أقسامه الرئيسية الثلاثة: الإسناد، والأصول، والفرش[6].
1 - في الإسناد والقرّاء:
أي في باب ذكر أسماء القراء والناقلين عنهم[7]... وباب ذكر الإسناد[8]... وفي كل منهما ضرب من ضروب الاختصار:(/3)
أ - ففي الأول اقتصر الداني على ذكر روايتين لكل قارئ من السبعة: ((وذكرت عن كل واحد من القراء روايتين)) على حين حفلت جلُّ كتب القراءات التي تقدمته بتنوع الروايات واختلافها فابن مجاهد في السبعة يذكر لكل قارئ تلامذتَهُ وإن كثروا فتجاوزوا الخمسة والعشرين قارئاً - كما في تلامذة نافع[9] - ثم هو يعنى ببيان الخلاف بينهم ويناقش رواياتهم[10]. وابن مهران في المبسوط يستقصي في ذكر الروايات حتى تصل إلى تسع روايات لقراءة عاصم[11]، وسبع روايات لقراءة أبي عمرو[12]، على سبيل التمثيل.
ب - وفي الثاني اختصر الداني في ذكر الأسانيد فلم يستوعب طرقه المختلفة، بل اكتفى بذكر إسناد واحد للرواية وآخر للتلاوة لكلٍّ من الروايات التي اعتمدها، ثم ختم الباب بقوله: ((فهذه بعض الأسانيد التي أدت إلينا الروايات روايةً وتلاوةً وبالله التوفيق[13])) ولم يستغرق ذلك كله سوى صفحات ست من نشرة التيسير، على حين استغرق ذكر الأسانيد في كتاب المبسوط مثلاً نحواً من ثمانين صفحة جاء في ختامها: ((فهذه أسانيد القراءات التي قرأنا بها نقلاً وأخذناها لفظاً اختصرناها كراهية الإطالة فيها.[14])) ! .
2 - في أبواب الأصول:
وهي الأبواب التي تتناول الأحكام العامة المبنية على قاعدة يطرد القياس عليها. ويتعلق الكلام عليها هنا بثلاثة أمور هي:(/4)
أ- التنبيه على الشيء بما يؤدي عن حقيقته من غير استغراق، وهذا ما جعل الكتاب أشبه بالمتون التي تقتصر على رؤوس المسائل بإيجازٍ ولكنه غير مخلّ؛ إذ إنه يستوعب كل مذاهب القراء التي اعتمدها وما تنطوي عليه من وجوه أداء مختلفة دون حشو أو إسهاب، بل يؤدي ذلك كله بأوجز عبارة ممكنة؛ من ذلك قوله في باب ذكر الهمزتين المتلاصقتين في كلمة: ((اعلم أنهما إذا اتفقتا بالفتح نحو{أأنذَرْتَهم} و {أأنتُم أَعلَم} و {أأسْجُد} وشبهه فإن الحِرْميين وأبا عمرو وهشاماً يسهّلون الثانية منهما، وورش يبدلها ألفاً، والقياس أن تكون بينَ بينَ، وابن كثير لا يدخل قبلها ألفاً، وقالون وهشام وأبو عمرو يدخلونها والباقون يحقّقون الهمزتين[15])).
ب- الاكتفاء غالباً بذكر مثال واحد لكل ظاهرة من أحكام الأصول؛ ففي باب الإدغام الكبير مثلاً يذكر الداني أمثلةً لجملة من حروف الإدغام، ولا يكاد يتجاوز المثال الواحد للحرف إلا إن تطلبت الحالة تنوّعاً ما؛ كأن يسبق الحرف المدغم بساكن مرة وبمتحرك مرة أخرى نحو: (فيه هُّدى) و (إنّه هُّو[16]) ثم هو لا يستنفد كل الحروف المدغمة وإنما يقيس على ما ذكر: ((… وما كان مثله من سائر حروف المعجم حيث وقع...)). إنَّ كل مثال من هذه الأمثلة التي ذكرها الداني هنا غدا شبه عنوان في الدر النثير أفاض المالقي تحته بذكر جميع نظائره في القرآن الكريم على وجه الاستيعاب والحصر[17].
على هذا النحو من التركيز والإيجاز سار الداني في كل أبواب الأصول ثم ختمها بالقول: ((فهذه الأصول المطردة قد ذكرناها مشروحةً على قدر ما يحتمله هذا المختصر من تقليل اللفظ وتقريب المعنى ليقاس عليها ما يروى منها فيعمل على ما شرحناه...[18])).(/5)
ج - عدم العناية بتوجيه القراءات والاحتجاج لها، شأنه في ذلك شأن المختصرات في هذا الفن كالعنوان والتلخيص، خلافاً لأكثر كتب القراءة التي لا تخلو من توجيه واحتجاج كالسبعة والتبصرة والإقناع والتذكرة[19]. وينطبق هذا الأمر على فرش الحروف كما ينطبق على الأصول.
3- في فرش الحروف:
وهو ما اختلف فيه القراء من حروف متفرقة لاتؤول إلى قاعدة تنتظمها أو أصل يجمعها، والكلام عليه - في التيسير - يتعلق بملحظين أيضاً:
أ- الإشارة إلى مذاهب القراء واختلاف رواياتهم بأوجز عبارة ممكنة؛ إذ ينص الداني على اسم القارئ أولاً (أو مجموعة منهم مختزلاً على طريقته التي بيّنها في المقدمة[20]) ويتبعه بقراءته، ثم يذكر قراءة الباقين دون النص على أسمائهم معتمداً مفهوم المخالفة. من ذلك قوله في فرش سورة البقرة: ((نافع {حتّى يقولُ} برفع اللام، والباقون بنصبها[21])) وقوله في فرش سورة المؤمن: ((الكوفيون ونافع {يومَ لا ينفعُ} بالياء، والباقون بالتاء[22])). ومن تمام إيجاز الداني في عبارته أنه يسقط منها كلمة (قرأ) التي تعدّ شبه لازمة في فرش الحروف في معظم كتب القراءات.
ب- عمد الداني إلى ما لَه نظائر في فرش الحروف - مما لا يندرج تحت أصل من الأصول - فذكر نظائره في القرآن الكريم كله لدى أول ذكر له إن كان مما يطاق حصره، كقوله في فرش سورة البقرة: ((ابن عامر {فيكون} هنا، وفي آل عمران {فيكون ونعلّمه} وفي النحل، ومريم، ويس، وغافر، في الستة بنصب النون، وتابعه الكسائي في النحل ويس فقط. والباقون بالرفع[23])). وإن كان من الكثرة بمكان اكتفى بذكر المثال مشفوعاً بعبارة ((حيث وقع)) كقوله في فرش سورة آل عمران: ((أبو بكر {ورضوان} بضم الراء حيث وقع ما خلا الحرف الثاني من المائدة وهو قوله: {من اتّبع رضوانه} والباقون بكسر الراء[24])).(/6)
أما الحروف التي تندرج تحت أصل من الأصول فلا يذكرها الداني في فرش الحروف البتة خلافاً لبعض كتب القراءات التي أعاد مؤلفوها ذكر بعض الحروف في الفرش أو ذكر أحكامها مع أنها تندرج تحت أصل من أصول القراءات، ككتاب التذكرة[25]، وكتاب العنوان، وكتاب التلخيص[26].
2 - الدر النثير والعذب النمير في شرح كتاب التيسير:
ترجمة المؤلف:
عبد الواحد بن محمد بن علي بن أبي السَّداد, أبو محمد, الأندلسي الأموي المالقي الشهير بالباهلي والبائع. عَلَمٌ حفلت مصادر التراجم بذكره منذ القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي)[27] ولد بمالَقة (بفتح اللام) Malaga - وهي مدينة ساحلية تقع على الشاطئ الجنوبي الشرقي من الأندلس, كانت أيام دولة بني الأحمر العاصمة الثانية بعد غرناطة - ورافقت نشأته قيام مملكة غرناطة في النصف الأول من القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي) وهو ينتسب إلى أسرة أوتيت حظاً غير قليل من العلم والفضل فأبوه الشيخ الأجل أبو عبد الله محمد بن علي, وخاله الولي الصالح أبو محمد عبد العظيم بن أبي الحجاج.
تلقى المالقي القراءات والتجويد والعربية عن جلّة علماء عصره في بلده مالقة كالشيخ الحسين بن عبد العزيز الأحوص الفهري (699هـ) والقاضي قاسم بن محمد الحجري السكوت (690هـ) والمقرئ الراوية عبد الرحمن ابن عبد الله بن حوط الله الأنصاري. ثم رحل إلى غرناطة وسمع على رواتها وكتب له بعضهم بالإجازة العامة كالمقرئ الراوية إسماعيل بن يحيى العطار الغرناطي, والإمام المؤرخ أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي وغيرهم كثير. ثم عاد إلى مالقة وقد برع في علوم شتى على رأسها القراءات والتجويد والنحو والفقه والأصول, مما خوله أن يكون خطيب مسجد مالقة الأعظم وأستاذ العامة والخاصة من أبنائها.(/7)
أمَّه الطلبة من كل مكان, وتخرّج به الكثيرون, كالقاضي محمد بن يحيى الأشعري المالقي (741هـ) والقاضي يوسف بن موسى الجذامي, والقاضي محمد بن عبد الله القيسي المالقي (750هـ) وسواهم.
خلَّف المالقي مصنفات عديدة في الفقه وعلوم القرآن أجلّها الدر النثير موضوع هذا البحث, وله كتاب الأصول الخمسة التي بني الإسلام عليها والمنتخب في فضائل القرآن[28] وغيرها. توفي سنة (705هـ) بمالقة, وكان الحفل في جنازته عظيماً.
* موضوع الكتاب ومحتواه:
لابد لنا قبل الشروع في دراسة الكتاب من تحديد زمن تأليفه لما لذلك من أهمية في دراسته، والحق أنه ليس في ما بين أيدينا من تراجم مؤلفه ما يحدد هذا التاريخ أو قريباً منه، بيد أن نسخة من نسخ الكتاب المخطوطة المعتمدة في التحقيق قيّدت ذلك، وهي نسخة مكتبة كوبريلي؛ إذ جاء في ختامها: ((قال المؤلف رحمه الله: وكان الفراغ من تأليفه يوم الجمعة تمام ثلاثين لشهر ربيع الثاني من عام سبعة وتسعين وستمئة، والحمد لله رب العالمين. انتهى تعليق هذه النسخة المباركة في يوم السبت ثالث عشر من شهر رمضان سنة خمس وأربعين وألف)).
وتتجلى أهمية هذا التاريخ (697هـ) في قربه الشديد من تاريخ وفاة المؤلف (705هـ) إذ يدل على أن المَالَقي وضع كتابه هذا في أخريات حياته بعد أن اكتمل تحصيله ونضج علمه واستحصد أمره واستوى فهمه، وأفاد من عمره المديد الذي قضاه عالماً ومعلماً، قارئاً ومقرئاً، واستمدَّ من تراثٍ غنيٍّ وعريق في القراءات وما إليها من علوم العربية.(/8)
أما موضوع الكتاب فهو القراءات القرآنية؛ إذ شرح فيه المَالَقي كتاب التيسير للداني أشهر كتب القراءات آنذاك، ومضى على سَنَنِه متتبعاً ترتيب أبوابه وفصوله، بيد أنه ألزم نفسه عرض ما فيها من أحكام على كتابَي التبصرة لمكي والكافي لابن شريح وأضاف إليها فصولاً وفقراتٍ قَدَّمَتْ لها، واستدركَتْ نقصَها، وشرحَتْ ما غمض من مصطلحاتها، ولا حاجة بي هنا إلى استعراض أقسام الكتاب وذكر أبوابه وفصوله لأن فيما عرضته من أبواب التيسير غنية[29]، وإنما سأقتصر على ما لم يرد هناك مما زاده المَالَقي على أبواب التيسير فأذكره تباعاً فيما يلي:
1- الإسناد: وقد ذكر فيه المَالَقي أسانيده إلى أصحاب الكتب الثلاثة: الدَّاني ومكي وابن شريح[30].
2- القسم الأول في تمهيد قواعد وتقرير أصول من باب الإدغام الكبير: وهو سبعة فصول سيأتي الحديث عنها[31].
3- المد بسبب الحرف الساكن ومد حروف التهجي: وهو كلام طويل زاده المَالَقي على باب المد والقصر مشيراً إلى أنَّ الدَّاني لم يذكره[32].
4- مسألة في توجيه أحكام النون الساكنة والتنوين الأربعة[33]: وردت إثر ذكر أحكام النون والتنوين.
5 - فصل في تهذيب ترتيب التبويب[34]: وقد أورده في ختام أبواب الأصول قبل الشروع في فرش الحروف.
إن هذه الفصول بالإضافة إلى ما تقدم من أبواب التيسير وفصوله تمثل مجمل محتوى الكتاب.
* طريقته في عرض المادة:
سلك المَالَقي في عرض مادة شرحه طريقة واحدة لم يكد يتعداها، تتلخص في النقاط التالية:(/9)
1 - يستهلّ المَالَقي معظم أبواب الكتاب بتمهيد يشرح فيه مصطلحات الباب، وهو تمهيد يقصر أو يطول تبعاً لحجم الباب وطبيعة مادته، فمثال الأول ما صنعه في بابَي الاستعاذة والبسملة[35]، ومثال الثاني ما صنعه في باب الإدغام الكبير حيث مهد للباب بذكر قواعد وتقرير أصول كسرها على سبعة فصول[36]. وسيأتي الكلام عليها في سمات المنهج[37]. وكثيراً ما ينهي المَالَقي تمهيده للباب بقوله: ((وأَرجعُ الآن إلى كلامه في التيسير[38])).
2- يقتطع من كلام الدَّاني في التيسير عبارات يصدِّرُها بقوله: ((قال الحافظ رحمه الله)) وهي عبارات تطول وتقصر تبعاً لما تنطوي عليه من أحكام[39]، إلا أنها لا تتجاوز في الأعم الأغلب السطرَ الواحد، فإن تجاوز ما يبغي شرحه السطر اقتصر منه على كلمات وأشار إلى طوله بقوله: ((إلى آخره)) أو ((إلى آخر كلامه)) أو ((الفصل))[40]. وإذا انحصرَتْ بغيتُهُ في تبيين مراد الدَّاني من كلمة أو عبارة قصيرة، فإنه يذكرها مصدَّرةً بقوله: ((وقول الحافظ)) أو ((وقوله)) ثم يبين المراد منها مصدَّراً بكلمة ((يريد))[41] وهو في تتبّعِه كلامَ الدَّاني يكاد يستغرق كل ما جاء في التيسير خلا مواضع يسيرة أَعرض عنها لوضوحها وعدم تعلّق أيّ إشكال بها، على أنه لم يدع أن يشير إلى ذلك وما أشبهه بمثل قوله ((وكلامه إلى آخر الباب بَيِّنٌ وقد مرّ بيان مقتضاه[42])).
وعلى أنه أيضاً كان يتجاوز ما يرد في الأصل من الأمثلة دفعاً لما يقع من تكرار لها عند الشرح إلا إذا كان المثال نفسه مادة للشرح كما في أمثلة الإدغام الكبير.(/10)
3 - يشرع في شرح عبارة الدَّاني مستهِلاً ذلك غالباً بكلمة ((اعلم)) حتى غدت هذه الكلمة هي الفاصل بين كلام الماتن وكلامه، وهو يرمي من شرحه إلى توضيح مقاصد الدَّاني في كلامه، وحلِّ ما فيه من إشكال، واستقصاء الأمثلة القرآنية التي يستوعبها ما ذكره من أحكام... إلى غير ذلك مما سيأتي بسط الكلام عليه، وكثيراً ما يعرِّج على كتب الدَّاني الأخرى يستكمل منها نقصاً أو يسدُّ خللاً أو يشرح مسألة أو يبسط مشكلة، وأمثلة ذلك كثيرة متفشِّيَة في الكتاب، وهو لا يقتصر على مؤلفات الدَّاني وإنما يستعين بغيرها من مصادر القراءات المشهورة كالإقناع والكشف والتذكرة وسواها.
4 – يختم شرحه للعبارة ببيان قول الشيخ (أي: مكي بن أبي طالب)، والإمام (أي: ابن شريح) في الحكم المذكور أو المسألة المطروحة إمّا اشتملت على حكم من الأحكام، وذلك في كتابيهما التبصرة والكافي سواء وافقا الدَّاني أو خالفاه، وقد يعرض لَه أحياناً أن ينبِّه على أمر أو يثير مسألة فيفرد لذلك فقرة مستقلة تحت عنوان "تنبيه" أو "مسألة".
* أبرز سمات منهجه:
أَجْمَلَ المَالَقيُّ في مقدمة كتابه الكلامَ على منهجه في الدر النثير بقوله: ((فدونك زِيّاً من الدر النثير، ورَيّاً من العذب النمير، في شرح مشكلات وقيد مهملات وحل مقفلات اشتمل عليها كتاب التيسير متبعاً بالموافقة والمخالفة على الأسلوب الكافي فيما بينه وبين كتاب التبصرة والكتاب الكافي، إلى كلام من غيرهما دعت إليه ضرورة التفسير[43])).
وهو بهذا الإجمال يفصح عن غايته من الشرح أولاً؛ وهي شرح مشكلات التيسير ثم يبيِّن شيئاً من طريقته وأسلوبه في هذا الشرح؛ وهو تتبُّع ما بين التيسير والتبصرة والكافي من موافقة ومخالفة، والاستعانة بغيرهما من كتب القراءات..(/11)
هذا ما أجمله المَالَقي في مقدمته، لكن الدارس المستأني لكتابه يقف على سماتٍ مُميِّزة لمنهج الرجل فيه، نستطيع حصْرَها بما يلي: الاستقصاء والشمول، والتعليل وتوجيه الأحكام، والتعليم وحل المشكلات، وتعقّب الماتن وتحقيق المتن، والعناية بعلوم اللغة. وهذا بيان القول في كل منها:
1 - الاستقصاء والشمول:
جعل المَالَقي من التيسير أساساً ومنطلقاً لخوضه في مباحث القراءات المختلفة يستوفي الكلام على أحكامها، ويستقي من مصادرها المتنوعة، ويستقصي أمثلتها كاملةً من القرآن الكريم، وهكذا تتحول إشارات الدَّاني وإلماعاتُهُ إلى كلامٍ مستفيضٍ وشرح مستطيلٍ، وتنقلب بلاغةُ الإيجاز إلى بلاغةِ الإطناب.
إن سمة الاستقصاء والشمول في الدر النثير تتجلى في مظاهر عدة يمكن أن نذكر منها:
أ - الشواهد والأمثلة:(/12)
لم يكثر المَالَقيُّ في كتابه من شيءٍ إكثارَه من الاستشهاد والتمثيل بآيات القرآن الكريم لدى ذكر أي حكم من أحكام القراءات، فقد غدا مثال الدَّاني الذي يمثل به لحكم من أحكام الأصول عنواناً يضم تحته كل ما كان على شاكلته في القرآن على سبيل الحصر والاستقصاء لا التمثيل والاستدلال، وبذا تحولت أحكام الأصول التي يطَّرد فيها القياس إلى فرش يستوعب كلَّ ما انطبق عليه هذا القياس منسوقاً على سُوَرِهِ ابتداءً بالفاتحة وانتهاءً بالناس، والمَالَقي يلتزم في هذا نهجاً لا يحيد عنه؛ فهو يذكر أولاً جملة ما في القرآن من مواضع ينطبق عليها الحكم المذكور، ثم يبين ما جاء منها في كل سورة مراعياً عدة ما في كل سورة جامعاً النظير إلى النظير، فما كان من السور مشتملاً على موضع واحد ذكره أولاً ثم ما اشتمل على موضعين وهكذا.. إلى أن يستنفد الأمثلة، وهو في كل ذلك يتَّبع ترتيبَ السور في المصحف الشريف، ولتوضيح هذا نمثل بما ذكره المَالَقي في باب الإدغام الكبير عن إدغام الهاء في مثلها إذ قال: ((قال الحافظ رحمه الله: نحو قولِه تعالى {فيه هد})) وشرَعَ يشرحُ أحكام إدغام الهاء في مثلها منتهياً إلى أن جملتَهُ في القرآن أربعة وتسعون حرفاً، ثم أخذ يذكر هذه الحروف مبتدئاً بما جاء منها حرف واحد في سور القرآن: ((منها حرف حرف في ثلاث وعشرين سورة...[44]))، ثم ثنّى بما جاء منها حرفان: ((ومنها حرفان حرفان في عشر سور[45])) فثلاثة: ((ومنها ثلاثة ثلاثة في سبع سور)) فأربعة.. فخمسة... فستة[46]... وهو في كل مرة يلتزم ترتيب السور كما تقدمت الإشارة.
إن سمةَ الاستقصاء في الأمثلة هذه - في الدر النثير - تكاد تميزه من سائر كتب القراءات الأخرى على اختلاف أنواعها وأحجامها، ذلك لأن كتاباً منها لم يستقصِ استقصاءَه، ولا أدلَّ على ذلك من موازنته بكتابَي الإقناع في القراءات السبع لابن الباذش والنشر في القراءات العشر لابن الجزري.(/13)
أما الأول فيقول مؤلفه في تمهيده لباب الإدغام: ((ونشرح أصول الإدغام الكبير على حروف المعجم شرحاً شافياً يغني الواقف عليه من النظر في فرش الإدغام إن شاء الله تعالى[47])) ومع ذلك فهو يقول في إدغام اللام مثلاً: ((يدغمها في مثلها، تحرك أو سكن ما قبلها نحو {يجعل لكم} و{يجعل لك} و{الأمثال للناس} وجملة ذلك مئتا موضعٍ وخمسةَ عشرَ موضعاً أولها في البقرة {وإذا قيل لهم} وآخرها في الشمس {فقال لهم}[48])). فيقتصر على ذكر هذه المواضع الخمسة مغفلاً من ورائها مئتين وعشرة مواضع.
وأما الثاني وهو المعروف بتوسعه وتعدد طرقه واستقصاء مؤلفه، فإن مؤلفه يقول في الموضع نفسه أي إدغام اللام: ((واللام نحو (لا قبل لهم، جعل لك) وجملته مئتان وعشرون حرفاً، واختلف منها عنه في (يخل لكم) و(آل لوط ( ...[49])) دون أن ينص على المواضع تحديداً وكذلك صنيعُه في كل موضع تكثر أمثلته؛ إذ يجتزئ عنها بمثالين أو أكثر مفصّلاًَ القول في مواضع الاختلاف وتعدد الطرق…
على حين ذكر المَالَقي مواضع إدغام اللام المشار إليها موضعاً موضعاً دون أن يخلَّ بحرفٍ منها[50]، وهذا ديدنه في سائر حروف الإدغام الكبير، بل في كل أبواب الكتاب.(/14)
بقي أن أشير إلى أن هذا المنهج الذي اتبعه المالَقي في استقصاء الأمثلة مكَّن لَه في إطلاق أحكام ما كانت لتصدر إلا عن استقراء تامٍ وتتبّع دقيقٍ. من ذلك قوله في باب الهمزتين المتلاصقتين في كلمة: ((وليس في القرآن همزتان ملتقيتان في كلمة إلا في لفظة واحدة وهي (أئمة) وقعت في القرآن في خمسة مواضع، الأول في براءة..[51])). ومن ذلك نفيه اجتماع بعض حروف العربية في القرآن الكريم، كقولِه: ((وليس في القرآن لام بعدها شين في كلمة واحدة[52]))، وقوله: ((وأما الضاد فيدغم فيه سبعة أحرف وهي الطاء والتاء والدال والظاء والذال والثاء واللام، نحو: أمط ضيره، واحفظ ضأنك، وانبذ ضغنك، ولم يقع في القرآن منها شيء، ووجدت البواقي نحو: {قد ضل} [البقرة 108] و{العاديات ضبحاً} [العاديات 1] و{حديث ضيف إبراهيم} [الذاريات 42] و{بل ضلوا} [الأحقاف 28][53])).
ومن هذه البابة أيضاً حكمه بعدم تكرر بعض الكلمات أو التراكيب في القرآن الكريم، فمن الكلمات {مشارب} في [يس 37] ((إذ ليس في القرآن غيره[54])) ومن التراكيب: {من عين آنية} في [الغاشية 5] ((إذ ليس في القرآن {عين آنية} غيره)) وكأنه يصدر عن معجم مفهرس ينتظم ألفاظ القرآن وتراكيبه[55].
ب - التمهيد للأبواب:
درج المَالَقي على أن يقدم بين يدي كل باب من أبواب كتابه بتمهيد يتناول أحكام الباب ويشرح بعض مصطلحاته قبل أن يشرع في شرح عبارات الدَّاني فيه - كما سلفت الإشارة - ويمكن القول إن مادة الكلام في معظم هذه التمهيدات مستقاة من اللغة والنحو والصرف كما سيأتي بيانه فيما بعد.(/15)
والحقُّ أن تمهيداته هذه تتفاوت في طولها وبسط الكلام عليها، على أن أطولها وأكثرها إسهاباً واستقصاءً تلك الفصول السبعة التي مهَّد فيها لباب الإدغام الكبير، فبسط الكلام على معنى الإدغام لغة واصطلاحاً، وعدد أنواعه، ثم أتى على ذكر مخارج الحروف وصفاتها متوسعاً في الكلام على الصفات تعليلاً وتوجيهاً، ثم انتقل إلى أنواع الحروف من حيث الاختلاف والتقارب، ومن حيث القوة والضعف، وختم ذلك كله بالكلام على أضرب الحروف من حيث قبول الإدغام وامتناعه[56].
ولا تقتصر تمهيداتُ المَالَقي على الأبواب فحسب، بل تتناول أحياناً عبارة من عبارات المتن تنطوي على حكم لم يسبق التعرض له أو شرح مصطلحاته. من ذلك ما صنعه بين يدي شرحه عبارة الدَّاني ((قال الحافظ: فإن الحرميين وأبا عمرو وهشاماً يسهلون الثانية منهما[57])) حيث مهّد بالكلام على التسهيل ونوعَيْه المطلق والمقيد، فأوضح أن المراد بالمطلق جعل الهمزة بين بين، وأورد ما يقال فيه من تسهيل وتليين وتسهيل على مذاق الهمزة وهمزة بين بين، ثم أوضح أن التقييد ينصرف إلى المعنى الذي يقتضيه، فيقال تسهيل بالبدل وبالنقل وبالحذف، وختم بالقول: ((فهذه جميع ألقاب التسهيل، وهذا كلُّهُ في المتحركة، فأما الساكنة فتسهيلها أبداً بالبدل نحو (كاس وبير ومومن) تبدل حرفاً من جنس حركة ما قبلها، وسيأتي ذلك كله مفصلاً في مواضعه بحول الله العلي العظيم[58])) وبعد ذلك كله عاد إلى عبارة الحافظ السابقة ليستأنف ما كان بصدده من شرحها بقوله: ((فإذا تقرر هذا فقول الحافظ: يسهلون...[59])).
ج - استكمال ما ليس في التيسير:
لم يقف المَالَقي عند حدود شرح ما في التيسير بل حرص على استكمال ما ليس فيه واستدراك نقصه، سواء كان ذلك مما أشار إليه الدَّاني إشارةً، أو مما سكَتَ عنه.(/16)
فمن الأول قول الدَّاني بعد أن ذكر جلَّ ما يدغم من الحروف: ((… وما كان مثله من سائر حروف المعجم حيث وقع...[60])) فكان أن استكمل المَالَقي ذكر هذه الحروف وهي: الغين والقاف والثاء والواو، شافعاً كلَّ واحد بما ورد له من الأمثلة في القرآن الكريم كما فعل بأشياعها مما نصَّ عليه الدَّاني[61].
ومن الثاني أي مما سكت عنه الدَّاني - المدّ اللازم الذي عبّر عنه بأنه السبب الثاني الموجب للزيادة في المدّ. يقول: ((والذي يوجب ذلك شيئان: أحدهما الهمزة، والثاني الحرف الساكن إذا وقع كل واحد منهما بعد حرف من أحرف المد، وتكلم الحافظ في هذا الباب على الهمزة دون الساكن، وذكَرَ الساكن والهمزة في غير هذا الكتاب من سائر تواليفه كجامع البيان وغيره. وأقدِّمُ الآن الكلام على الهمزة مرتباً على كلام الحافظ، ثم أُتبعه بالكلام على الساكن بحول من لا حول ولا قوة إلا به وهو العلي العظيم[62])). ولا يكتفي المَالَقي بذكره وإنما يُردفه بذكر ما يلحق به وهو مدّ حروف التهجي التي في أوائل السور[63]، فيذكر أشكالها، وأصولها، وأقسامها من حيث تركيبها، وأحكام مدّها، وما يترتب عليها من إدغامٍ وتحركٍ لأواخرها بحركة عارضة، واختلاف القرّاء في كل ذلك[64].
ومما يدخل في هذا الباب إفرادُهُ مسائلَ مِمّا لم يذكره الدَّاني في التيسير، وهي غالباً ما تكون مستقاةً من كتب الدَّاني الأخرى، والمَالَقي يصنع فيها صنيعَهُ في عبارات التيسير من حيث الشرحُ والمعارضةُ بأقوال مكي وابن شريح والاحتكامُ إلى كتب الدَّاني الأخرى...(/17)
وخير مثال يمكن أن يساق على ذلك المسألةُ التي ذكرها في باب المد والقصر وهذا نصُّها: ((مسألة: قال الحافظ في المفردات مانصه: "وكلهم لم يزد في تمكين الألف في قوله تعالى: {لا يؤاخذكم} [البقرة 225] و{لا تؤاخذنا} [البقرة 286] وبابه، وزاد بعضهم {آلآن} في الموضعين من يونس [51، 91]. و{عاداً الأولى} في [والنجم 50]. فلم يزيدوا في تمكين الألف والواو فيهنَّ". وافق الإمام على ترك الزيادة في هذه الألفاظ وكذلك الشيخ إلا في {آلآن} في الموضعين فلم أرَ للشيخ فيه شيئاً. واعلم أن الألف التي تقصر من {آلآن} هي التي بعد اللام دون التي بعد الهمزة. نصّ عليه الإمام في (الكافي)[65])). ثم يتابع الحديثَ عن المدِّ فيذكر مدَّ الألف المبدلة من التنوين في الوقف وقول الحافظ فيها في (جامع البيان) معارضاً بقول الشيخ والإمام. ويتبعه بالوقف على (رأى) فيذكر قول الحافظ فيها في إيجاز البيان والتمهيد وغيرهما وقول الشيخ فيها في الكشف[66].
أردتُ من عرض هذه المسألة وما بعدها التدليلَ على أمرين اثنين: الأول حرص المَالَقي على استكمال ما لم يأتِ عليه الدَّاني في التيسير، والثاني تكثّره من المصادر والمراجع حتى بلغت كتب الدَّاني وحده اثني عشرَ كتاباً بَلْهَ ما رجع إليه من كتب غيره. وكأنما أراد لكتابه أن يكون جامعاً لما حوته كتب الدَّاني على اختلافها وتنوع موضوعاتها، لأجل هذا ما تنوعت موارده ومصادره وكان لكل فن منها نصيب عنده، فهو يستعين في بحث الإمالة بالموضِح في الفتح والإمالة، وفي رواية ورش بإيجاز البيان والتلخيص، وفي قراءة نافع بالتمهيد، وفي الهمزتين بالإيضاح، وفي الإدغام الكبير يستعين بالتفصيل والمفصح، وفي الرسم القرآني بالتحبير والمقنع، وفي تفصيل القول على القراءات عموماً يستعين بالمفردات وجامع البيان، إلى كلام من غيرها دعت إليه ضرورة الشرح والتفسير، حتى ليصدق فيه قولهم "كلُّ الصيد في جوف الفَرا".
د - الموازنة:(/18)
وأعني بها ما أخذ به نفسه من عرض ما في التيسير على ما في التبصرة والكافي وتتبع ما فيهما من الموافقة والمخالفة لما في التيسير من مذاهب القرّاء وأحكام الأداء؛ إذ لم يدع أن يختم كل مسألة يعرضها من كتاب التيسير بذكر قول الشيخ والإمام فيها - وهما صاحبا التبصرة والكافي - وأمثلة ذلك فاشية في الكتاب لا تكاد ورقة تخلو منها.
هـ - الإسناد:
وهو، وإن لم يكن من صميم الموضوع، فإن المصنف نحا فيه نحو الإسهاب والاستقصاء إذ ذكر ثمانية عشر سنداً لرواية كتبه الثلاثة المعتمدة التيسير والتبصرة والكافي وفي بعضها أكثر من طريق، وقد اشتملت في جملتها على خمسين شيخاً.
2- التعليل وتوجيه الأحكام:
يتمتع المَالَقي بذهنية علمية متوقدة لا تقعد عن طلب العلة والسبب في جلِّ ما يعرض لها من أحكام، فهو كَلِفٌ بالتعليل، حريصٌ على توجيه كثير من مسائل القراءة ووجوه الأداء، حتى لا يكاد فصل من فصول الكتاب يخلو من ذكر العلة وسلوك مسالكها، وقد يفضي به الأمر إلى تطلب ما وراء العلة مما أطلق عليه علماء أصول النحو علة العلة أو العلل الثواني[67]، ولو رحنا نتتبع ما ذكره من العلل لخرج بنا الأمر عن مقصده، وإنما هي الإشارة العجلى والبيان الموجز والمثال المومئ إلى ما وراءه، لذا سأقتصر فيما يلي على ذكر المظاهر التي تجلى فيها التعليل عنده:
أ - تعليل وجوه القراءات:(/19)
وهو ما اصطلح عليه بالاحتجاج للقراءات أي التماس الدليل لها، وذلك إما بالاستناد إلى قاعدة مشهورة في العربية، أو بالاعتماد على القياس وحشد النظائر وموازنة المثيل بالمثيل، وقد يساق للاحتجاج والتوجيه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والشعر العربي والأمثال ولغات العرب ولهجاتها وأقوال أئمة العربية[68]. وكتب القراءات متباينة في تناول هذا الموضوع، منها ما لم يذكره البتة كالتيسير والعنوان، ومنها ما ألَمّ به على قلة كالسبعة والتبصرة، ومنها ما أكثر من ذكره كالإقناع[69]، ومنها ما تخصص فيه وأفرد له كالحجة والكشف. أما الدر النثير فتوسَّط بين ذلك كله؛ إذ لم يخلُ باب من أبوابه من توجيه القراءات والتعليل لها، والتعليل عند المَالَقي - شأنه عند جل من صنف في هذا الفن - تتنازعه كل أنواع المعارف اللغوية من نحو وصرف ولغة وصوت، فمن التعليل النحوي قوله: ((ومن هذا النوع - أي الحمل على التوهم - قراءة الجماعة غير أبي عمرو: {فأصّدقَ وأكنْ من الصالحين} [المنافقون 10] بجزم أكن حملاً على موضع الفاء؛ لأنه لو لم تثبت الفاء لجزم {أصدق} وعلى هذا تتخرج قراءة نافع رحمه الله: {ومحيايْ} [الأنعام 162] بسكون الياء كأنه نوى الوقف عليها وإن لم يقف...[70])).
ومن التعليل اللغوي تضعيفه قراءة تحقيق الهمزتين اعتماداً على قول سيبويه في باب الهمز: ((فليس في كلام العرب أن تلتقي همزتان فتحققا[71])).
ومن التعليل الصوتي لوجوه القراءات ما قاله في توجيه قراءة ترك صلة هاء الكناية: ((وجه قراءة الجماعة بترك الصلة إذا سكن ما قبل الهاء أن الهاء عندهم لضعفها ووهنها في حكم العدم فلو وصلوها لكانوا كأنهم قد جمعوا بين ساكنين، فتركوا الصلة لذلك...[72])).(/20)
والحقُّ أن التعليل الصوتي هو واسطةُ العقد في الدر النثير، فيه تكمن أصالة الكتاب ويبدو إبداع مؤلفه، وبه يتميز الدر النثير من سائر كتب القراءات، وهو ينتظم كل أبواب الكتاب وفصوله لأنه يتعلق أساساً بظواهر الأداء المختلفة من إدغام ومد وهمز وتسهيل وإمالة… وهي التي تؤلف مادة الكتاب الأساسية لأجل ذلك ما أفردتُ له فقراتٍ في دراستي الموسعة عن هذا الكتاب.
ويحسن أن أشير هنا إلى أن المَالَقي - على حفاوته وعنايته بتوجيه القراءات - لم يكن يتكلف فيه أو يلتزمه في كل ما يطرأ من أحكام مما يجعله أمراً لا مفرَّ منه ولا محيد عنه، بل هو على النقيض من ذلك يتناول المسألة بما فيه مقنع من تعليلاتها، ولا يعدُّ التعليلَ ملزماً لسواها من المسائل، وإنما نجده ينبِّه على عدم اطراد التعليل في كل المسائل حيث يقول إثر تعليله إمالة الفتحة والألف في (عالم وعابد): ((وينبغي للطالب أن يعلم أنه متى حصل توجيه مسألة في هذا العلم بوجه مناسب كفى، فإن اتفق مع ذلك اطراد التوجيه في سائر النظائر واستمرار التعليل فحسن، وإن لم يطرد ذلك وحصل الاختلاف بين النظائر فلا اعتراض؛ لأن القوانين في علم العربية إنما هي أكثرية لا كلِّيّة لأن موضوع هذا العلم الألفاظ، وهو أمر وضعي، وإنما يلزم الاطراد ويقدح الانكسار في العلوم العقلية[73])).
ب - تعليل أوجه الخلاف:
لم يدع المَالَقي أن يعلل ما ألزم نفسه تتبعه من أوجه الخلاف بين التيسير والتبصرة والكافي في أحكام القراءات، من ذلك قوله في تعليل خلافهم حول إدغام: {والأرض شيئاً} [النحل 73]: ((…فالجواب أنه يمكن الجمع بينهما بأن الرواية خلاف التلاوة، كما تقرر في باب البسملة أو بلغ أحدهما ما لم يبلغ الآخر، وهذا التوجيه الثاني أظهر لقول الحافظ: ولا فرق بينهما إلا إرادة الجمع بين اللغتين. فظهر أن الحافظ لم يبلغه ما بلغ الإمام والله أعلم[74])).(/21)
ومن هذا القبيل تعليله - الذي أشار إليه هنا - للخلاف بين الرواية والأداء، على أنه لم يقع في باب البسملة كما نص هنا وإنما في باب الاستعاذة[75].
ومنه أيضا تعليله الخلاف في ضم ميم الجمع عند قالون[76].
ج - تعليل ترتيب أبواب التيسير وفصوله:
عُنِيَ المَالَقي إلى ذلك كله بتعليل إيراد الدَّاني لأبواب كتابه وفصوله على هذا النحو من الترتيب، وأفرد لذلك فصلاً بتمامه في ختام أبواب الأصول دعاه: ((فصل في تهذيب ترتيب التبويب[77])) وعرض فيه لأبواب التيسير باباً باباً مبيِّنا الحكمة من ترتيب الحافظ له، ملتمساً المعاذير لما قد يرد على هذا الترتيب، وكان مما جاء في مستهله: ((قال العبد: أما تقديم الخطبة والصدر فغنِيٌّ عن إبداء التعليل، فأما تقديم ذكر أسماء القرّاء الناقلين فلأن مجموع ما اشتمل عليه الكتاب منسوب إليهم، ثم أتبعَه بذكر اتصال قراءتهم برسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه لولا ذلك لم يصح الاعتماد عليهم، ولزم تقديم هذا الباب على اتصال قرائه بالأئمة لأمرين...)) وراح يبدي الوجوه والتعليلات لما فعله الحافظ في هذا الترتيب متتبِّعاً أبواب الأصول في الكتاب باباً إثر باب إلى أن فرغ منها[78].
وليس هذا هو الموضع الوحيد الذي تولَّى فيه المَالَقي تعليلَ ترتيب كلام الدَّاني، بل كان يعمد إلى هذا في أثناء الشرح وضمن بعض الأبواب، ولا أَدَلَّ على ذلك من قوله في سورة أم القرآن: ((تنبيه: ذكر عن حمزة (عليهم ولديهم وإليهم) بضم الهاء في الحالين أولاً، ثم ذكر عن ابن كثير وقالون بخلاف عنه صلة الميم، ثم أتبع بمذهب ورش، ثم رجع إلى مذهب حمزة والكسائي. وهذا العمل له وجه من الترتيب حسن، وإن لم يكن بادياً من أول وهلة، وبيانه...[79])). ومثل ذلك أيضاً تعليلُه تأخيرَ فصلِ النون الساكنة والتنوين عمّا يدغم مما سكونه عارض، حيث وصف ترتيب الحافظ ثَمّةَ بأنه ((أكمل وأنبل[80])).
3- التعليم وحل المشكلات:(/22)
ينحو المَالَقي في شرحه نحو التعليم، ويلبس لبوس المعلمين في تذليله للكثير من الصعوبات وحلِّه للمشكلات، ولا ريب أن تَمَرُّسَهُ بالإقراء والخطابة والتعليم عُمَرَهُ كان لَه أكبر الأثر في هذه النَّزعة، فقد كان كما تقدم في ترجمته ((مولي النعمة على الطلبة من أهل بلده، أستاذاً حافلاً متفنناً مضطلعاً، إماماً في القراءات، مقسوم الأزمنة على العلم وأهله.. أقرأ عمره وخطب بالمسجد الجامع من مَالَقة، وأخذ عنه الكثير من أهل الأندلس[81])) فلا غروَ بعد أن يولِيَ التعليمَ في كتابه كلَّ عناية، وأن يتوجَّه فيه إلى الطلاب يزيل حيرتهم، وينبّه على أخطائهم، ويقسِّم الموضوعات إلى فروع وأجزاء، ويفترِضُ المسائلَ المشكلة التي قد ترد على ألسنتهم ليضعَ لها الجوابَ المناسب.
إن هذه العناية بالتعليم وحل المشكلات تبدَّت في عدة مظاهر أهمها:
أ - التوجّه إلى الطالب:
وأبرز مظهر من مظاهر هذا التوجه كلمته التي يبدأ بها كل فقرة من شرحه وهي ((اعلم)) فهو ما يَنِي يخاطب القارئ بها، ولا حاجة إلى التمثيل عليها لأنها تطالع القارئ في كل صفحة من صفحات الكتاب.
ومن مظاهر هذا التوجه التنبيه على ما قد يقع فيه الطلاب من أخطاء في التلاوة أو في فهم عبارة التيسير كقوله لدى تنبيهه على تكرر عبارة ((وشبهه)) عند الدَّاني: ((لكن هذه العبارة تحدث على الطالب حيرة إذا لم يكن قوي الذِّكْرِ لألفاظ القرآن، فقد يطلب نظيراً لما ذكر الحافظ إذا وجده يقول: وما أشبهه، فلا يجده، فيرمي نفسه بالتقصير، فلهذا مهما أجدْ عبارة الحافظ في مثل هذا وأعرفْ أنه ليس لما ذكر نظير أنبِّهْ عليه إن ألهمني الله تعالى لأزيلَ حيرة الطالب[82]...)).
ومن هذا التوجه تنبيهه الطالب على عدم اطراد التعليل في كل المسائل: ((وينبغي للطالب أن يعلم أنه متى حصل توجيه مسألة في هذا العلم بوجه مناسب كفى[83]..)) وقد تقدم النص على تمام العبارة قريباً[84].(/23)
وقد يذهب المؤلف إلى أبعد من ذلك فينبه المعلم على أخطاء تعرض للطلاب في تلاوتهم كقوله في فرش سورة الملك لدى الكلام على تسهيل همزة {أأمنتم}: ((قال العبد: وينبغي للمعلم أن يتفقد لفظ الطالب المتعلم في مثل هذا، فإنه كثيراً ما يخلُّ بلفظ الهمزة الملينة في ذلك والله أعلم[85])).
ب - العناية بالتقسيم:
أي تقسيم المسألة إلى أقسام بغية تجزئتها ليكون ذلك أيسر لفهمها وأدعى لحفظها وهي عناية لا تكاد تتخلف عن باب من أبواب الكتاب، فأمثلتها فاشية في كل باب.
من ذلك كلامه على الاستعاذة إذ قسمها إلى أربع مسائل: في لفظها، وكيفية اللفظ بها، ومحل استعمالها، وحكمها[86]. ومنه تقسيمه المواضع باعتبار البسملة في مذهب الحافظ إلى أربعة: موضع تترك فيه باتفاق، وموضع تثبت فيه باتفاق، وموضع يُخيّر فيه باتفاق، وموضع فيه خلاف[87]. ومن ذلك أيضاً تقسيمه هاء الكناية من حيث اتفاق القرّاء على الصلة وتركها إلى ثلاثة أقسام: قسم اتفق القرّاء على صلة حركته، وقسم اتفقوا على تركها، وقسم اختلفوا فيه[88]. ومنه تقسيمه الساكن الذي يسبق الهمزة المتبوعة إلى ثلاثة أقسام: أحدها أن يكون حرفاً صحيحاً، والثاني أن يكون حرف مدٍّ ولين، والثالث أن يكون حرف لين[89]… ومثله كثير.
ومما يتصل بهذه النّزعة إلى التقسيم إعادة عرضه بعض الأحكام ملخّصة ومجزأة على نحو يقرِّبُها من الأفهام، كما صنع في عرض حالات ميم الجمع بعد أن فرغ من الكلام على سورة أم القرآن حيث قسم هذه الحالات إلى أربع: حالة تحرك فيها بالضم وتوصل ضمتها بواو بالاتفاق، وحالة تحرك فيها من غير صلة، وحالة تسكن فيها، وحالة فيها خلاف[90] دائر بين الإسكان والتحريك مع الصلة.
وقد يصنع العكس فيستهل الباب بمثل هذه الأحكام المقسمة كما نجد في باب ذكر الهمزة المفردة حيث قدم له بتقسيم مذاهب القرّاء في الهمزة المفردة إلى أربعة أقسام[91].
ج - إثارة الانتباه بوضع عناوين جانبية:(/24)
وهي ذات صيغ مختلفة أبرزها: ((تنبيه)) و((مسألة)) و((تنقير)).
وغالباً ما تنطوي التنبيهات على إشكال يثيره المَالَقي ثم يبادر إلى حلّه، كصنيعه في تنبيهه على الخلاف في ضم ميم الجمع عند قالون، حيث عرض عبارتين للحافظ الأولى في التيسير والثانية في المفردات ثم قال: ((وبين العبارتين بَوْنٌ يعرض منه للناظر إشكال، ووجه البيان في ذلك[92])) وقد يكون المراد من التنبيه عرض حكم بصورة مجزَّأة ومقسَّمة وفق ما مر بنا في الفقرة السابقة من تنبيهه على حالات ميم الجمع. أو يكون غرضه منه تعليل ترتيب كلام الدَّاني في مسألة من المسائل كالذي مرّ بنا قريباً من توجيهه لترتيب الدَّاني الكلامَ على مذاهب القرّاء في (عليهم ولديهم وإليهم) في سورة أم القرآن[93]. وقد يكون الغرض من التنبيه الكلام على حكم دقيق من الأحكام هو مظنَّة الخفاء، كتنبيهه على أن الهمزة المتطرفة المتحركة في الوصل إذا سكنت في الوقف فهي محقّقة في قراءة أبي عمرو سواء قرئت برواية التحقيق أم برواية التسهيل. وقد اعتمد في هذا الحكم على كلام للحافظ في المفردات، ثم قال: ((ولو نبه عليه في التيسير لكان حسناً[94])).
وأما المسائل فهي تنطوي على كلام للداني من التيسير يختاره المَالَقي بغية شرحه دون سائر ما حوله، كالمسائل التي أوردها في مفتتح الكتاب يشرح فيها عبارات وردت في مقدمة التيسير وباب ذكر الإسناد[95].
وقد يحصر الباب كله في مسائل كما صنع في باب الاستعاذة حيث حصرها في أربع مسائل[96].
وقد يسوق المسألة يضمنها كلاماً ليس في التيسير، كما مرَّ بنا في المسألة المأخوذة من كتاب المفردات حول تمكين ألف المد في بعض الكلمات[97].
وأما التنقيرات فهي مواضع يتعقب فيها الماتن وسيأتي الكلام عليها مفصلاً.
ومما يلحق بهذه العناوين قوله: ((تتميم)) إثر فصل ما يدغم مما سكونه عارض حيث ذكر الصيغ التي يعرض فيها تسكين الحروف وقسمها ثلاثة أقسام[98].(/25)
د - إثارة المشكلات بغية حلها:
لم يكن المَالَقي يتغافل عن مسألة عويصة أو شائكة، بل كثيراً ما كان يبادر إلى إثارة مثل هذه المسائل وافتراضها بغية حلِّها وتذليل صعبها، ولا يعنيني هنا الكلام على شرح المشكل من كتاب التيسير، فالكتاب إنما يقوم من أساسه على ذلك، ولكن الذي يعنيني تلك المواضع التي أثار فيها المَالَقي مشكلاتٍ، وأدار الكلام فيها على صورة حوار جدلي يبدؤه بقوله: ((فإن قيل)) ويتبعه بقوله: ((فالجواب)) على طريقة المناطقة، وهي كثيرة فاشية في الكتاب، أذكر منها التساؤل الذي أثاره في باب الإدغام الكبير عن امتناع الإدغام في (أنت)[99]. وما أثاره حول حذف النون من (يكون) للجزم[100]، وما أثاره حول الخلاف في إظهار حرف النحل: {الأرض شيئاً} وإدغامه[101]. وما أثاره في باب هاء الكناية حول كون التشديد عارضاً في قوله تعالى: {عنه تَّلهّى} على قراءة البزي[102]. وما أثاره بعد ذلك حول الرجوع إلى الأصل في كلام العرب[103]. ومثله كثير[104].
هـ - التفنن في شرح المعضلات:
ولعل خير مثال على هذا التفنن ما صنعه المالقي في إيضاحه المقصود بصفة الإطباق,وهي صفة من الصفات المميزة لبعض أصوات العربية؛ إذ لا تكاد توجد في غيرها من أصوات اللغات الأخرى، وقد اضطربت عبارات المتقدمين في التعبير عنها، واختلفتْ تفسيراتهم لعبارة سيبويه فيها وقصَّرت عن جلاء حقيقتها وتَعرّف كنهها، على حين أَوفتْ عبارةُ المالَقي على الغاية في التعبير عن ظاهرة الإطباق، وتَميّزتْ مما سواها بخاصيةٍ انفردتْ بها، وهي الربطُ بين مخارج حروف الإطباق ورسمها. وسأعمد فيما يلي إلى استعراض جلِّ ما وقفتُ عليه في هذه الظاهرة ليسهل موازنته بما جاء عند المالَقي.(/26)
قال سيبويه: ((وهذه الحروف الأربعة إذا وضعتَ لسانك في مواضعهن انطبق لسانُك في مواضعهن إلى ما حاذى الحنكَ الأعلى من اللسان ترفعه إلى الحنك فإذا وضعت لسانك فالصوت محصور بين اللسان والحنك إلى موضع الحروف[105])).
هذه هي عبارة سيبويه وقد تلقَّفها خالفوه، إلا أن عباراتِ كثيرٍ منهم قصَّرت عن تأدية المعنى المراد، فأوهَمتْ أن الإطباقَ يكون بانطباق اللسان كله على الحنك دون تخصيص جزء منه، من ذلك قول الرّمّاني: ((والمطْبقة أحرفٌ ينطبق اللسان فيها على الحنك وهي أربعة: الطاء والظاء والصاد والضاد[106])). وقول ابن الحاجب: ((المطْبق ما ينطبق معه الحنك على اللسان[107])). وقول زكريا بن محمد الأنصاري في شرحه للمقدمة الجزرية: ((والانطباق لغةً الالتصاق، سُمّيَتْ حروفُه مطْبقة لانطباق طائفة من اللسان بها على الحنك الأعلى عند النطق بها[108])).(/27)
بيد أن ثمة عباراتٍ أخرى كانت أكثرَ دقّة وتوفيقاً في شرح معنى الإطباق إذ خصصته بظهر اللسان، أو شبّهته بالطبق، إلا أنها دون شك لم تبلغ درجة عبارة المالَقي في ذلك، منها قول ابن السراج: ((وهذه الأربعة الأحرف إذا وضعتَ لسانَك في مواضعهن انطبق لسانك من مواضعهن إلى ما حاذى الحنك الأعلى من اللسان، ترفعه إلى الحنك، فإذا وضعت لسانك فالصوت محصور فيما بين اللسان والحنك إلى موضع الحروف[109])). ومنها قول ابن جني: ((والإطباق أن تَرفعَ ظهر لسانك إلى الحنك الأعلى مطبقاً له[110]…)). ومثله قول ابن عصفور في الممتع[111]. وقول الرضي في شرح عبارة ابن الحاجب السالفة: ((... لأنك ترفع اللسان إليه فيصير الحنك كالطَّبَق على اللسان، فتكون الحروف التي تخرج بينهما مطبقاً عليها[112])). ولعل عبارة الرضي هذه أوضح العبارات السابقة لتشبيهها وضع الحنك على اللسان بالطَّبَق، والطَّبَق إنما تنطبق أطرافه بعضها علىبعض لا هو ذاته، وهذا ما جعل عبارة المالَقي أكثر بياناً إذ هي تنص على اتصال الطرفين وذلك قوله: ((فالأحرفُ المطْبقة: الطاء والظاء والصاد والضاد، سُمّيت بذلك لانطباق ظهر اللسان مع الحنك الأعلى عند النطق بها، ولهذا كُتِبَ كلُّ واحدٍ منها في خطَّيْن متوازيين متصلَي الطرفين إشعاراً بمخرجها، والمنفتحةُ ما عداها، لانفراج ما بين ظهر اللسان والحنك الأعلى عند النطق بها[113])).(/28)
فالمالَقي هنا ينص على أن المنطبق هو ظهر اللسان، أي آخره، وهو ينطبق مع الحنك الأعلى، والمقصود بالأعلى: الحنك اللين لأن الحنك ينقسم إلى قسمين: الأول الحنك الصُّلب وهو الجزء العظمي الأمامي من الجدار الفاصل بين الأنف والفم ويتخذ شكل قبة أولها اللثة وآخرها الحنك اللين، والثاني الحنك اللين وهو الجزء العضلي المتحرك من الحاجز الفاصل بين الأنف والفم من جهة وبين الفم والبلعوم من جهة أخرى، ويتصل بالحنك الصُّلب من أمام، وبالجدران الجانبية للبلعوم من الجانبين[114]، ولما كان مخرج هذه الحروف من طرف اللسان، أي مقدمته، والمخرج هو الحَبْسَة الناتجة من اتصال عضوين من أعضاء النطق، فقد تكوَّن تجويف في الفم بين هذا المخرج في أول اللسان وذلك الانطباق في آخره، فهو تجويف بين قبة الحنك الصُّلب من الأعلى وتقعر اللسان من الأسفل، وطرفاه مسدودان، وهذا ما عبّر عنه المالَقي بالإشارة إلى العلاقة بين رسم هذه الحروف ونطقها؛ فهي ترسم في خطين متوازيين متصلي الطرفين إيذاناً بمخرجها.
4 - تعقّب الماتن وتحقيق المتن:
حظي الدَّاني بمكانة رفيعة عند أبي محمد، يتجلى ذلك في كل نقل نقله عنه سواء كان من كتاب التيسير أو من سواه، إذ لا يكاد يذكره إلا مقروناً بعبارة الترحم والتبجيل، وهي العبارة الدائرة في كلامه لدى كل نقل ((قال الحافظ رحمه الله)) وحسبك بالتصدّي لشرح الكتاب إعجاباً بصاحبه، فإذا أضفنا إلى ذلك تعويله الكثير على كتبه المختلفة، ورواية هذه الكتب بأسانيد متعددة عن صاحبها الدَّاني قدَّرنا أيّ مكانة احتلها الدَّاني في نفس المَالَقي.
وقد مرّ بنا كيف كان يوجِّه كلامه بأخفّ عبارة وألطفِها، وكيف كان يلتمس المعاذير لتقديماته وتأخيراته، بل يعقد فصلاً كاملاً لبيان وجه ترتيب أبواب التيسير[115].(/29)
بيد أن هذا كله لم يصرفه عن تتبع عثراته والتنبيه على زلاته كلما استدعى الأمر ذلك، ولكن عبارته لم تخرج عن حدود التقدير والتبجيل الذي يكنُّه له في كل ما انتقده به بل إنه كثيراً ما يوجِّه عبارة الدَّاني - موضع النقد والتنقير - ويلتمس له فيها المعاذير.
هذا وإن معظم تعقيبات المَالَقي وانتقاداته تنحو نحو تقييد عبارة الدَّاني، ودفع ما قد يُتوهَّم من إطلاقها، من ذلك تعقيبه على قول الحافظ: ((وشبهه)) بإثر قوله: {وإن يك كاذباً} بقولِهِ: ((إذ هو - كما يقول - يقتضي أنّ في القرآن من هذا المعتل المختلف فيه زيادة على هذه المواضع الثلاثة التي ذكرها الدَّاني وليس الأمر كذلك… فعلى هذا يبقى قوله "وشبهه" لا يحرز شيئاً[116])). ثم يشير المَالَقي في هذا الصدد إلى أنه سيُعنَى بتقييد كلِّ ما كان على هذه الشاكلة من كلام الدَّاني، لأن الحافظ ((قلَّما يترك هذه العبارة في أكثر المسائل… فلهذا مهما أجدْ عبارةَ الحافظ في مثل هذا وأعرف أنه ليس لما ذكَرَ نظيرٌ أنبِّهْ عليه إن ألهمني الله تعالى لأزيل تحير الطالب، وقد أبديت عذر الحافظ ومقصوده في ذلك رحمه الله ورضي عنه، والله جل جلاله أعلم[117])).
وهذا ما صنعه في غير ما موضع من كتابه[118].
وقد يرد تقييدُ المَالَقي لعبارة الدَّاني على صورة أسئلة، كما جاء في تعقيبه على منع الحافظ الإدغام في (واللاي يئسن) حيث قال: ((وكان ينبغي للحافظ أن يبيِّنَ كيف يصنع القارئ بهذا الحرف على قراءة أبي عمرو والبزي؟ هل يفصل بسكت خفيف؟ أو يشبع مدَّ الصوت؟ أو كيف يكون وجه العمل مع ما فيه من التقاء الساكنين في الوصل إذ قبل الياء ألف؟[119])).(/30)
أو يرد هذا التقييدُ على صورة اقتراحٍ يتمِّم فيه عبارةَ الدَّاني، كما صنع في آخر باب ذكر الهمزة المفردة لدى قول الحافظ: "والباقون يحققون الهمزة في ذلك كله" حيث قال: ((فكان الوجه أن يقول بإثر قوله: في ذلك كله. إلا ما نذكره من مذهب أبي عمرو وحمزة. والله تعالى أعلم[120])).
ومن هذا القبيل قوله في الفصل التالي من الباب نفسه: ((ولم يذكر في هذا الموضع {بعذاب بئيس} الذي في آخر [الأعراف 165] وسيذكره في فرش الحروف بما فيه من الخلاف، ولو نبَّه عليه أنه سيذكره في موضعه لكان حسناً[121]…)).
وقد درج المَالَقي في عدد من هذه التعقيبات على أن يُعَنْوِنَ لها بكلمة ((تنقير)) وهوالتفتيش والبحث[122]، جاء في أول تنقير له في باب ذكر مذهب حمزة وهشام في الوقف على الهمز: ((تنقير: قوله رحمه الله في هذا الفصل: "أبدلاها واواً في حال تحريكها وسكونها" كلامٌ خرج غيرَ معتنىً بتصحيحه، إذ ليس في القرآن همزة متطرفة ساكنة بعد ضمة، وكذا نصّ هو عليه بإثر هذا الكلام فظهر في كلامه تنافر، لكن يتخرج كلامه على أنه أُطلق بحسب ما يقتضيه القياس في الساكنة لو وُجدت بعد ضمة، ولو أسقَطَ التقييدَ بقوله: في حال تحريكها وسكونها وأتى بالمُثُل متصلة بقوله: أبدلاها واواً. ثم أتبعه بقوله: ولم يأت في القرآن ساكنة لكان حسناً صحيحاً. والله أعلم[123])).
وقد تطول بعض تنقيراته فتشتمل على بحث في الصرف كما صنع في تنقيره عن قول الدَّاني: ((إذا كان الساكن أصلياً غير ألف)) إذ بيَّن أن الألف لا تكون أصلاً في نفسها لا في الأسماء ولا في الأفعال، وإنما تكون أبداً إما زائدة وإما بدلاً من حرف أصلي، وراح يشرح المراد من ذلك مستشهداً بكلام سيبويه، ثم عاد ليخرِّج كلامَ الدَّاني على عادته في التماس المعاذير له وتوجيه كلامه التوجيهَ المناسب[124].(/31)
ولا نَعدم الوقوعَ على مواضع من تعقيبات المَالَقي خلتْ من التماس المعاذير له، وجاءت فيها عبارته أشدَّ وقعاً من غيرها، من نحو قوله تعقيباً على تجويز الدَّاني مذهبَي التسهيل والتحقيق لحمزة في ما يتوسط من الهمزات بدخول الزوائد عليهن: ((واعلم أن هذا القول مستغرب من الحافظ كيف يطلق القول بتجويز المذهبين وقد قال في أول الفصل: إن حمزة يراعي في التسهيل خط المصحف؟ أليس أكثر أمثلة هذا الفصل لا يمكن موافقتها لخط المصحف إلا إذا حققت الهمزة؟[125])).
ويحسن أن أشير هنا إلى ملاحظة لاحظها المَالَقي على الدَّاني في باب الإمالة، وذلك أن ظاهر عبارة التيسير تؤذن بأن ورشاً لا يميل (هداي ومحياي ومثواي) على حين صرح الدَّاني في كتبه الأخرى (إيجاز البيان والتمهيد والتلخيص والموضح) بإمالتها بين اللفظين لورش، يقول المَالَقي خاتماً القول فيها: ((فظهر من جميع ما تقدم أنه اختلف قوله في هذه الكلمات، وأن مذهبه في التيسير فتحها لورش كما تفتح لحمزة. والله أعلم[126])). وقد تلقَّف هذه الملاحظةَ ابنُ الجزري وأفرد لها تنبيهاً في النشر أشار فيه إلى ظاهر عبارة التيسير هذه ثم قال: ((وقد نصَّ في باقي كتبه على خلاف ذلك وصرَّح به نصاً في كتاب الإمالة، وهو الصواب خلافاً لمن تعلق بظاهر عبارته في التيسير[127]…)) وكأنه يغمز بذلك من مقولة المَالَقي السالفة دون أن يصرِّح باسمه.
ومما يمكن أن يندرج في هذه السبيل - أعنِي تعقيبات المَالَقي واستدراكاته - تصحيحُهُ بعضَ ما وقع في نسخ التيسير من أخطاء، وموازنته بين هذه النسخ، وإيراده عباراتٍ للحافظ ليست في نشرة التيسير، وهذا يدلّ على استعانته بنسخ أتمّ وأقوم من النسخ التي نشر عنها كتاب التيسير - فهو قد جمع إلى عنايته بالشرح تحقيقَ النص -وسأمثل لكل من هذه الظواهر الثلاث بمثال.(/32)
أما الأولى فمثالها قوله في باب الإدغام منبهاً على تصحيف في عبارة الحافظ: "ولا فرق بين البابين[128]": ((وقد يقع في بعض النسخ: ولا فرق بين اليائين. تثنية ياء التي باثنين من أسفل، وهو تصحيف والله جل جلاله أعلم[129])) وما ذكره المَالَقي هنا من التصحيف هو ما وقع في نشرة التيسير.
وأما الثانية - وهي الموازنة بين نسخ التيسير - فمثالها قوله في مستهل شرحه: ((مسألة: يثبت في كثير من نسخ التيسير بإثر البسملة والتصلية: "قال أبو عمرو عثمان بن سعيد بن عثمان" والذي رويتُهُ تركُ ذلك، وإثباتُ الخطبة بإثر البسملة والتصلية، وهو قوله: الحمد لله المنفرد بالدوام[130])). وما أشار إليه المَالَقي هنا هو ما أثبَتَتْهُ نشرةُ التيسير أيضاً[131]، على حين خلت منه نشرةُ تحبير التيسير[132]، فدلَّ على مطابقة روايةِ مؤلفِه ابنِ الجزري لروايةِ المَالَقي[133].
وأما الثالثة - وهي الزيادة على ما في نشرة التيسير - فمثالها قولُهُ في آخر باب الإدغام: ((قال الحافظ رحمه الله: فأما قول اليزيدي: إنما أدغم من أجل كسرة الذال فلا يصحّ، إذ كان قد أظهر: {ضُرِب مثلٌ} و{كُذِّب موسى} و{إلى الطيِّب من القول} و{من شرب منه}[134])) ثم راح يشرح هذه العبارة كما جرى في غيرها مما بنى عليه كتابه، على أني لم أقف على نصِّها في مطبوع التيسير ولا مخطوطه - الذي بين يدي - ولا تحبيره، فلعلها من نُسخٍ أخرى كانت بحوزة المَالَقي رحمه الله، والجدير بالذكر أنه أردَفَها بنظائرَ لها في الباب ينطبق عليها الأمر نفسه[135].(/33)
إن تعقيباتِ المَالَقي واستدراكاته على الدَّاني تومئُ إلى سعة علم، ودقةِ ملاحظةٍ، وتحرٍّ للصواب، وفرطِ إحساسٍ بدلالة الألفاظ والتراكيب، وشدةِ حرصٍ على فهْمِ الطالب خشيةَ أن تلتويَ به ظاهرُ العبارة إلى ظلمات الوَهْمِ أو تنْزلقَ به في مهاوي الخطل والسُّقْم. فإذا أضفنا إلى ذلك كله تحقيقاته وعنايته بنُسخ المتن الذي تصدَّى لشرحه علمنا أيّ عالم كان وأيّ محقق !.
5 - العناية بعلوم اللغة:
في الدر النثير علم غزير، وعناية ملحوظة بالعربية وعلومها من نحوٍ وصرفٍ ولغةٍ وصوتٍ، وقد أفاد مصنفه من ثقافته اللغوية، فكانت مورداً من الموارد التي رفدته في تأليف الكتاب.
ولو رحت أتتبع مظاهر هذه العناية لما وسعتني هذه العجالة, ففي كل صفحة من صفحات الكتاب أثر واضح يدل على مبلغ هذه العناية.
الخاتمة:
إنّ ما ذكرتُهُ من دقّة المَالَقي وتعليله، واستقرائه واستيعابه، وتعليمه وتذليله للصعوبات، وعنايته بعلوم اللغة عامة والنحو والصرف خاصة... إلى غير ذلك من خصائصِ منهجه يدل دلالة لا ريب فيها أن المصنف لم يقتصر على شرح المتن في كتابه هذا, بل أضاف إضافات علمية لا تقل أهمية عما في المتن نفسه إن لم تربُ عليه في بعض الأحيان, وهي ترقى بالكتاب ليكون أنموذجاً يحتذى في كتب الشروح عموما وفي هذا الفنّ خصوصا، لا دَرَك عليه بل له الدَّرَك والسَّبق الذي لا يُدانَى ولا يدرَك.
ولا غروَ فقد أوفى صاحبُه على الغرض من تأليفه فلم يَدَعْ صغيرةً ولا كبيرةً في كتاب التيسير إلا أحصاها شرحاً وحلاًّ وتمثيلاً وتعليلاً وتعليماً وتتميماً.
ثبت المراجع
أ – المخطوطة:
- التيسير في القراءات السبع، أبو عمرو الداني (444هـ)، مصورة عن نسخة الأخ الأستاذ محمد اليعقوبي.
- الدر النثير والعذب النمير في شرح كتاب التيسير، عبد الواحد المالقي (705هـ)، خمس نسخ خطية :
1- نسخة مجمع اللغة العربية بدمشق.
2- نسخة المكتبة الأزهرية بالقاهرة رقم (260) قراءات.(/34)
3- نسخة متحف طوبقبو سراي باصطنبول رقم (153).
4- نسخة مكتبة إسميخان سلطان في مكتبة السليمانية باصطنبول رقم (11).
5- نسخة مكتبة كوبريلي باصطنبول رقم (16).
- شرح كتاب سيبويه، أبو الحسن علي بن عيسى الرماني (384هـ)، مصورة عن نسخة مكتبة فيض الله باصطنبول رقم (1987).
- عمدة النحرير في الإدغام الكبير، عبد الواحد المالقي (705هـ)، مصورة عن نسخة المكتبة الظاهرية الموجودة في مكتبة الأسد الوطنية بدمشق رقم (5964).
ب- المطبوعة:
- الإحاطة في أخبار غرناطة، لسان الدين بن الخطيب (776هـ)، تحقيق محمد عبد الله عنان، مكتبة الخانجي بالقاهرة، ط2، 1393هـ-1973 م.
- أساس البلاغة، الزمخشري (538هـ)، تحقيق عبد الرحيم محمود، دار المعرفة، بيروت، 1402هـ-1982
- الأصول في النحو، أبو بكر السراج (316هـ)، تحقيق د. عبد الحسين الفتلي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1405هـ-1985 م.
- الأعلام، خير الدين الزركلي (1396هـ)، دار العلم للملايين، بيروت، ط5، 1980 م.
- الاقتراح في علم أصول النحو، عبد الرحمن السيوطي (911هـ)، تحقيق أحمد محمد قاسم، مطبعة دار السعادة، القاهرة، ط1، 1396هـ-1976 م.
- الإقناع في القراءات السبع، أبوجعفر بن الباذش الأنصاري (540هـ)، تحقيق د. عبد المجيد قطامش، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، مكة المكرمة، 1403هـ.
_ برنامج التجيبي، القاسم بن يوسف التجيبي (730هـ)، تحقيق عبد الحفيظ منصور، الدار العربية للكتاب، ليبيا تونس، 1981 م.
- برنامج الوادي آشي، محمد بن جابر الوادي آشي (749هـ)، تحقيق محمد محفوظ، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط3، 1982م.
- بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، جلال الدين عبد الرحمن السيوطي (911هـ)، تحقيق محمد أبوالفضل إبراهيم- تاج العروس، محمدمرتضى الزَّبيدي (1205هـ)، تحقيق عبد الستار فراج وجماعة، وزارة الإعلام، الكويت، 1965-1989 م.(/35)
- التبصرة في القراءات، مكي بن أبي طالب القيسي (437هـ)، تحقيق د. محيي الدين رمضان، منشورات معهد المخطوطات العربية، الكويت، ط1، 1405هـ-1985 م. نشرة الهند بتحقيق د. محمد غوث الندوي، حيدرأباد، 1979 م.
- تحبير التيسير في قراءات الأئمة العشرة، ابن الجزري (833هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1404
- التذكرة في القراءات، طاهر بن عبد المنعم بن غلبون (399هـ)، تحقيق د. عبد الفتاح إبراهيم، الزهراء للإعلام العربي، القاهرة، ط1، 1410هـ-1990 م.
- التيسير في القراءات السبع، أبو عمر عثمان بن سعيد الداني (444هـ)، بعناية أوتوبرتزل، مصورة دار الكتاب العربي ببيروت، ط3، 1406هـ-1985 م.
- جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس، الحميدي محمد بن أبي نصر الأزدي (488هـ)، الدار المصرية للتأليف والترجمة، 1966 م.
- الحجة للقراء السبعة، أبو علي الحسن بن عبد الغفار الفارسي (377هـ)، تحقيق بدرالدين قهوجي وبشير جويجاتي، دار المأمون للتراث، دمشق، ط1، 1404هـ-1984 م.
- دراسة السمع والكلام، د. سعد مصلوح، عالم الكتب، القاهرة، 1400هـ-1980 م.
- الدر النثير والعذب النمير في شرح كتاب التيسير، عبد الواحد المالقي (705هـ)، تحقيق د.محمد حسان الطيان (قيد الطبع في مجمع اللغة العربية بدمشق).
- درَّة الحَجَّال في أسماء الرجال، أحمد بن محمد المكناسي الشهير بابن القاضي (1025هـ)، تحقيق د. محمد الأحمدي أبو النور، المكتبة العتيقة بتونس، ودار التراث بالقاهرة، ط1، 1390هـ-1970 م.
- الدقائق المحكمة في شرح المقدمة الجزرية في علم التجويد، زكريا بن محمد الأنصاري (926هـ)، تحقيق د. نسيب نشاوي، دمشق، 1400هـ-1980 م.
- الديباج المُذْهَب في معرفة أعيان علماء المذهب، ابن فرحون المالكي (796هـ)، تحقيق د. محمد الأحمدي أبو النور، دار التراث، القاهرة.
- السبعة في القراءات، ابن مجاهد (324هـ)، تحقيق د. شوقي ضيف، دار المعارف، القاهرة، ط2، 1400(/36)
- سر صناعة الإعراب، عثمان بن جني (392هـ)، تحقيق مصطفى السقا وزملائه، الجزء الأول، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، ط1، 1374هـ-1954 م. نسخة ثانية دراسة وتحقيق د. حسن هنداوي، دار القلم، دمشق، ط1، 1405هـ-1985 م.
- سير أعلام النبلاء، شمس الدين الذهبي (748هـ)، تحقيق الشيخ شعيب الأرنؤوط وزملائه، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1401-1409هـ-1981-1988 م.
- شرح شافية ابن الحاجب، رضي الدين محمد بن الحسن الاستراباذي، تحقيق محمد نور الحسن والزفزاف وعبد الحميد، دار الكتب العلمية، بيروت، 1395هـ-1975 م.
- الصلة، ابن بشكوال (578هـ)، الدار المصرية للتأليف والترجمة، 1966 م.
- غاية النهاية في طبقات القراء، ابن الجزري (833هـ)، بعناية ج. برجستراسر، مكتبة المتنبي، القاهرة.
- القاموس المحيط، مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي (816هـ)، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1986
- الكافي في القراءات، (بهامش كتاب المكرر لسراج الدين الأنصاري)، محمد بن شريح الرعيني (476هـ)، مطبعة دار الكتب العربية الكبرى بمصر، 1326هـ.
- كتاب سيبويه، أبو بشر عمرو بن عثان بن قنبر (180هـ)، تحقيق عبد السلام هارون، عالم الكتب، بيروت، 1385هـ-1966 م.
- كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، مصطفى بن عبد الله الرومي المعروف بحاجي خليفة(1017هـ)، دار الفكر، بيروت، 1402هـ-1982 م.
- لسان العرب، ابن منظور (711هـ)، دار صادر، بيروت.
- المبسوط في القراءات العشر، ابن مهران الأصبهاني (381هـ)، تحقيق سبيع حاكمي، مطبوعات مجمع اللغة العربية، دمشق، 1407هـ-1986م.
- معجم الأدباء، ياقوت الحموي (626هـ)، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
- معجم المؤلفين، عمر رضا كحالة، مكتبة المثنى ودار إحياء التراث العربي، بيروت، 1376هـ-1957 م.
- المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، دار الحديث، القاهرة، 1407هـ-1987(/37)
- معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار، شمس الدين الذهبي (748هـ)، تحقيق بشار عواد وشعيب الأرنؤوط وصالح عباس، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1404هـ- 1984 م.
- الممتع في التصريف، ابن عصفور الإشبيلي (669هـ)، تحقيق د. فخر الدين قباوة، دار الآفاق الجديدة، بيروت، ط4، 1399هـ-1979 م.
- هداية القاري إلى تجويد كلام الباري، عبد الفتاح السيد عجمي المرصفي (1409هـ).
- هدية العارفين في أسماء المؤلفين وآثار المصنفين، إسماعيل باشا البغدادي (1339)، دار الفكر، بيروت، 1982م.
ــــــــــــــــــــــــــ
[1] يسمى أيضاً كتاب التيسير لحفظ القراءات السبع، أو لحفظ مذاهب القراء السبعة. انظر مقدمة التيسير صفحة (ح). وحكي أنه يسمى أيضاً الكتاب الميسّر. انظر الدر النثير 27.
[2] السير 18/80.
[3] جذوة المقتبس 305، والصلة 2/405-407، ومعجم الأدباء 12/121، ومعرفة القراء الكبار 1/406-409، وسير أعلام النبلاء 18/77-83، وغاية النهاية 1/503-505، وتحبير التيسير 9، وهدية العارفين 1/653، و Bro. 516. SI : 719 ، والأعلام 4/206، ومعجم المؤلفين 6/254، ومقدمة مطبوع التيسير صفحة د-ح.
[4] التيسير 2.
[5] التيسير 2-3.
[6] ليس من وراء هذه الأقسام إلا المقدمة والخاتمة.
[7] التيسير 4-7.
[8] التيسير 10-16.
[9] السبعة 63-64.
[10] من ذلك مثلاً ما جاء في السبعة 172 و 346. وانظر ما كتبه محققه الدكتور شوقي ضيف تحت عنوان "مناقشة ابن مجاهد لأصحاب القراءات السبعة ورواتهم" السبعة 27-34.
[11] المبسوط 41-57.
[12] المبسوط 28-35.
[13] التيسير 16. وتجدر الإشارة إلى أن أسانيد بعض كتب القراءات أفردت في كتاب على حدة كما في كتاب قراءات القراء المعروفين بروايات الرواة المشهورين (167 صفحة).
[14] المبسوط 85. وانظر ذكر الأسانيد 8-85.(/38)
[15] التيسير 31-32. ومثل هذه العبارات التي تحوي أحكاماً متعددة بأوجز ما يمكن كثيرة يمور بها الكتاب، من ذلك قوله أيضاً في باب ذكر الهمزتين من كلمتين: "والمكسورة المضموم ما قبلها تسهل على وجهين؛ تبدل واواً مكسورة على حركة ما قبلها، وتجعل بين الهمزة والياء على حركتها والأول مذهب القراء وهو آثَرُ، والثاني مذهب النحويين وهو أقيس." التيسير 34.
[16] التيسير 20.
[17] انظر - على سبيل المثال - الكلام على "فيه هدى" ص 102-105 من الدر النثير.
[18] التيسير 71.
[19] انظر على سبيل التمثيل السبعة 107-108، والتذكرة 2/536-537، والإقناع 1/350-357، والتبصرة 133-135.
[20] وهي في قوله: ".. فإذا اختلفت عنهم ذكرت الراوي باسمه وأضربت عن اسم الإمام، وإذا اتفقت ذكرت الإمام باسمه، وإذا اتفق نافع وابن كثير قلت الحِرْميان، وإذا اتفق عاصم وحمزة والكسائي قلت: قرأ الكوفيون طلباً للتقريب على الطالبين ورغبة في التيسير على المبتدئين." التيسير 3.
[21] التيسير 80.
[22] التيسير 192.
[23] التيسير 76، ومن ذلك ذكره لتاءات البزِّي 83.
[24] التيسير 86.
[25] من ذلك مثلاً كلام مؤلفه في فرش سورة الحج على أحكام الإمالة في قوله تعالى: {سكارى} التذكرة 2/549 على حين أغفل الداني ذكر هذه الأحكام فيها عندما عرض لها في فرش سورة الحج، التيسير 156 لكونها سبقت في الأصول.
[26] من ذلك كلام مؤلفه على إمالة {بارئكم} في مكانها من سورة البقرة ص 210 مع أنه ذكرها في باب الإمالة ص 179.
[27] الإحاطة في أخبار غرناطة لابن الخطيب 3/553 ـ 554’, وبرنامج الوادي آشي 146 ـ 147’, وبرنامج التنجيبي 102’, والديباج المذهب لابن فرحون 2/63’, ودرة الحجال لابن القاضي 3/137 ـ 138’, وغاية النهاية لابن الجزري 1/477’, وبغية الوعاة للسيوطي 2/121 ـ 122’. وطبقات المفسرين للداوودي 1/359 ـ 360... وغيرها’.(/39)
[28] كشف الظنون 1/114 ـ 520’, هدية العارفين 1/635 ـ 636’, هذا وقد ظفرنا له برسالة مخطوطة عنوانها "عمدة النحرير في الإدغام الكبير" في مكتبة الأسد الوطنية بدمشق وحصلنا على مصورة عنها.
[29] انظر ما مضى ص 3-6.
[30] الدر النثير 7-20.
[31] الدر النثير 63-90.
[32] الدر النثير 221-227.
[33] الدر النثير 376-381.
[34] الدر النثير 630-633.
[35] الدر النثير 35 و44.
[36] الدر النثير 63-90.
[37] انظر ما سيأتي ص 13.
[38] انظر على سبيل المثال الدر النثير 296.
[39] انظر مثالاً على العبارات الطويلة 275، وانظر مثالاً على العبارات القصيرة 241.
[40]انظر على سبيل التمثيل الدر النثير 193، 199، 211.
[41] انظر على سبيل التمثيل الدر النثير 243.
[42] الدر النثير 273.
[43] الدر النثير 4-5.
[44] الدر النثير 102.
[45] الدر النثير 103.
[46] الدر النثير 104-105.
[47] الإقناع 1/197.
[48] الإقناع 1/ 223.
[49] النشر 1/ 281.
[50] انظر الدر النثير 107-112.
[51] الدر النثير 239.
[52] الدر النثير 82.
[53] الدر النثير 83.
[54] الدر النثير 484.
[55] انظر المعجم المفهرس (مشارب) 378 و(عين) 495.
[56] الدر النثير 63-90.
[57] الدر النثير 242.
[58] الدر النثير 243.
[59] الدر النثير 243.
[60] الدر النثير 126.
[61] الدر النثير 126-128.
[62] الدر النثير 211.
[63] وهو ما يسميه أهل التجويد المد اللازم الحرفي، على حين يسمون الأول المد اللازم الكلمي. انظر هداية القاري 341 وما بعدها، وحق التلاوة 79-80.
[64] الدر النثير 221-227.
[65] الدر النثير 235-236.
[66] الدر النثير 236.
[67] انظر الاقتراح للسيوطي 118.
[68] عن مقدمة تحقيق الحجة للفارسي 1/14-15.
[69] الإقناع 1/29.
[70] الدر النثير 289.
[71] الدر النثير 245.
[72] الدر النثير 206.
[73]الدر النثير 489.
[74]الدر النثير 162.
[75] الدر النثير 40-41.
[76]الدر النثير 60.(/40)
[77] الدر النثير 630.
[78] الدر النثير 630-633.
[79] الدر النثير 60-61.
[80] الدر النثير 356.
[81] الإحاطة 3/553.
[82] الدر النثير 137-138.
[83] الدر النثير 489.
[84] انظر ما مضى ص17.
[85] الدر النثير 708.
[86] الدر النثير 35-43.
[87] الدر النثير 45.
[88] الدر النثير 199.
[89] الدر النثير 233.
[90] الدر النثير 61-62.
[91] الدر النثير 274.
[92] الدر النثير 60.
[93] الدر النثير 60-61 وانظر ما تقدم 269.
[94] الدر النثير 303.
[95] الدر النثير 27-34.
[96] الدر النثير 35.
[97] الدر النثير 235.
[98] الدر النثير 360-361.
[99] الدر النثير 132-133.
[100] الدر النثير 135.
[101] الدر النثير 162.
[102] الدر النثير 202-203.
[103] الدر النثير 204-205.
[104] الدر النثير 230، 232.
[105] الكتاب 4/436 (2/406).
[106] شرح الكتاب ورقة 161/أ.
[107] الشافية، والنص مأخوذ من شرحها 3/262.
[108] الدقائق المحكمة 40.
[109] الأصول 3/404.
[110] سر الصناعة 1/70.
[111] الممتع في التصريف 2/674.
[112] شرح الشافية 3/262.
[113] الدر النثير 74.
[114] دراسة السمع والكلام 151-152.
[115] انظر ما مضى ص 18.
[116] الدر النثير 138.
[117] الدر النثير 137-138.
[118] انظر على سبيل المثال الدر النثير 144، 169، 278.
[119] الدر النثير 146.
[120] الدر النثير 279.
[121] الدر النثير 280.
[122] جاء في الأساس: نَقَرْتُ عن الخبر ونقّرت عنه: بحثت. وهو من المجاز. انظر أساس البلاغة، واللسان، والقاموس، والتاج: (نقر).
[123] الدر النثير 307.
[124] الدر النثير 313-315.
[125] الدر النثير 340.
[126] الدر النثير 442.
[127] النشر 2/50.
[128] هي في التيسير 21.
[129] الدر النثير 143.
[130] الدر النثير 21.
[131] انظر التيسير 2.
[132] انظر تحبير التيسير 12.
[133] أشرت إلى ذلك في حواشي التحقيق انظر الدر النثير 21 حاشية 1.
[134] الدر النثير 191.(/41)
[135] الدر النثير 195-196.(/42)
العنوان: مهاراتٌ نفسية في آيات قرآنية (1)
رقم المقالة: 1539
صاحب المقالة: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
عندما نزلت كلمةُ (اقرأ) على النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- كانت تحملُ إشارةَ الانطلاق لعملية واسعة نحو تغيير النفس وإصلاحها، ومع تدبر آيات القرآن، سترى واضحاً كيف يغيرُ حياةَ المسلم ويطورُ شخصيتَه بما فيه من العبر والحكم العظيمة. لقد عمل الإسلامُ منذ اليوم الأول على إصلاح النفوس، وجعله أساس كل صلاح وتغيير؛ كما ورد في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11].
وسبحانَ الله!.. ما أعظمَ كلامَه!.. فكلُّ متأمل في تاريخ تطور الحضارات ونمو المدنيات يجدُ أن العاملَ الأقوى في نشأتها كان معتمداً على الإنسان الصالح صاحبِ المبدأ والخلق والدين. وهذا هو هدف القرآن في تربية أفرادٍ صالحين أقوياء.
في سلسلة من المقالات التي أكتبُها لموقع (الألوكة) المبارك سأقتبسُ بعض المهارات النفسية التي يعلمنا إياها القرآنُ، وأرجو من الله -عز وجل- المعونة والتوفيق.
تأمل قولَ الله -عز وجل-: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8]، أي لا يدفعنكم كرهُ شخص ما على ظلمِه أو الاعتداء على حقوقه. وهنا يقرُّ القرآنُ واحدة من المهارات النفسية الراقية، وهي القدرةُ على عزل المشاعر عن السلوك.. والحرص على منع تأثر سلوكنا بمشاعرنا. فلو كرهت شخصاً ما [مشاعر] يجب ألا يقودك ذلك إلى ظلمه في التعامل معه [سلوك]، بل أمر الشارعُ بالعدل معه، ووصف ذلك بوصف عظيم وهو التقوى.
دعني أضرب لك مثالاً:(/1)
تخيل أنك مديرُ قسم التوظيف في شركة لتسويق المنتجات الغذائية، ورغبةً منك في إحصان نفسك، تقدمتَ لخطبة فتاة من عائلة ما، وكانت الموافقة، وسارت الأمور على أفضل ما يرام، وقبل موعد الزواج بأسبوع وبعد أن جهزت كل ما يلزم لإتمام الزواج الميمون، يتصل بك والدُها ويخبرك بأنه صار لا يرغب في إتمام الزواج، والسبب غير واضح. أصبت بحزن وضيق شديد.
وبعد بضعة أشهر يطلب منك مديرُ الشركة أن توظف مديراً مالياً على مستوى عالٍ من المهارة حتى ينقذ الشركة من الأزمة التي تمر بها، وبالفعل أعلنت عن هذه الوظيفة، وتقدم الكثير من المرشحين، وبعد دراسة كل الطلبات وقع اختيارُك على أبرزهم ممن تعتقد أنه الأفضل لإنقاذ الشركة من أزمتها، وهنا كانت المفاجأة؛ فالشخص الذي تم اختياره للمنصب المرتقب هو أخُ تلك الفتاة التي خطبتها قبل بضعة أشهر، عندما تكتشف ذلك يغلي الدم في عروقك وتستعيد كل تلك الذكريات السيئة التي حدثت معك.
والآن أود منك أن تسأل نفسك بصدق: كيف ستتعامل مع هذا الموقف؟ هل ستستطيع التغلب على مشاعرك السلبية تجاه هذه العائلة، وما فعلته معك في سبيل تحقيق مصلحة الشركة. لقد طرحت هذا السؤال على العديد من المتدربين في دورات (الذكاء العاطفي) التي أقدمُها، وكان الرد السائد هو: (لا)، بل ذهب بعضُهم إلى القول: سأوظفه حتى أريه نجوم السماء في رابعة الظهيرة..!!(/2)
وهنا تأتي قيمةُ المهارة التي تعلمنا إياها الآيةُ القرآنية، التي تأمرُنا بأن نعزل مشاعرنا التي نحملها تجاه الأشخاص والأشياء عن أسلوب تعاملنا معهم، وتطلب منا أن نراقبَ تأثيرَ مشاعرنا السلبية على قراراتنا وسلوكنا، وهذا تماماً ما يأمرُ به الشارع في مواضعَ وأمثلة أخرى، فنحن نعلم أن القاضي مأمورٌ ألا يحكم بين الناس وهو غضبان كما ورد في الأحاديث الشريفة حتى لا يؤثرَ شعورُه بالغضب في حكمه بين الناس بالعدل. وهذا ما ينطبق على الكثير من المهن الأخرى؛ فالمدرس مثلاً مأمور بأن يعدل في تقدير درجات طلابه حتى لو كان غاضبًا من مديره أو من أي شخص آخر، وكم رأينا من المدرسين مَن يضع غضبه وحنقه من عمله في طلابه..!!
وهذا الأمرُ ينطبق أيضًا على طابع الإدارة المنتشر في عالمنا العربي الذي يتسم بـ(المزاجية)؛ فالمديرُ عندنا يعملُ حسب حالته النفسية.. ففي ساعات الرضا، تحل البركات والخيرات والنعم، أما لو عكّرت زوجتُه -لا سمح الله!- في المساء هذا المزاج، فسيدفعُ الموظفون ثمنَ ذلك في اليوم التالي غالياً.. إذ يعلو الصياحُ، وتكثر العقوبات، ويصبح رفض أي طلب هو الأساس. ولذا كان لزاما على الموظف -والحالة هذه- أن يتقن اختيارَ الوقت المناسب للمطالبة بحقوقه! فلا بد أن تسأل: (كيف مزاجُ المدير اليوم.. راضي.. ولا ما هو راضي.. يعني أقدم على إجازة اليوم أو أؤجلها ليوم غد!). إنه إخفاق نفسي كبير.
ختاماً:
القدرةُ على مراقبة مشاعرنا السلبية وعزل تأثيرها على سلوكنا وقراراتنا هي مهارة ضرورية للنجاح.. أقول: هي مهارة، وهذا يعني أنها لا تنمو إلا مع الوقت والممارسة والتدريب وقبول الإخفاق مرات ومرات.
وفقنا الله جميعاً لما يرضيه.(/3)
العنوان: مهارة العناكب
رقم المقالة: 1009
صاحب المقالة: كامل كيلاني
-----------------------------------------
مَهَارَةُ الْعَنَاكِبِ أَعْجَبُ شَيْءٍ عَاجبِ
هَنْدَسَةٌ دَقِيقَة تُضِلُّ عَقْلَ الْحَاسِبِ
دَائِبةُ الْجدِّ، وَمَا يَفُوزُ غيْرُ الدَّائِبِ
جَاثِمَةٌ - فِي بَيْتِهَا - لِحَاضِرٍ، وَغَائِبِ
تَرْقُبُ كلَّ زَائِرٍ، مِنْ قَادِمٍ، وَذَاهِبِ
تُوقِعُ - فِي شِبَاكِهَا - كُلَّ غَريرٍ خَائِبِ
تَرَى بِعَينٍ لاَ تَنِي قَطُّ، وَفِكْرٍ ثَاقِبِ
بَارِعَةٌ - في كَيْدِهَا - سَدِيدَةُ المَذَاهِبِ
ناسِجَةٌ خُيوطَها عَلَى مِثَالٍ صَائِبِ
كَثِيرَةٌ أَرْجُلُهَا، طَوِيلَةُ المَخَالِبِ
لها عيونٌ جَمَّةٌ تَرنو، بلا حَوَاجِبِ
وَهْيَ - إذَا دَرَسْتَها - عَجِيبَةُ الْعَجَائِبِ!(/1)
العنوان: موسم الحصاد
رقم المقالة: 1281
صاحب المقالة: د. محمد هيثم الخياط
-----------------------------------------
كانَ القَمْحُ قد اسْتَغْلَظَ وَاسْتَوَى على سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُرَّاعَ!
وَلَمْ يُصَدِّقْ قَمْحَانُ عَيْنَيْهِ وَهُوَ يَرَى صَدِيقَيْهِ الحَمِيمَيْنِ الجُنْدُبَ وَالجُدْجُدَ يَشُدَّانِ الرِّحَالَ لِمُغَادَرَةِ الحَقْلِ بِسُرْعَةٍ؛ فَقَفَزَ مِنْ سُنْبُلَتِهِ وهُوَ يَصْرُخُ: ((إِيْهِ!! إِلى أَيْنَ أَنْتُما ذاهِبَانِ؟)).
فَقَالَ الجُدْجُدُ وَهُوَ يَتَنَهَّدُ: ((لَنْ نَذْهَبَ قَبْلَ أَنْ نُوَدِّعَكَ.. وَلكِنَّ عَلَيْنَا أَنْ نَرْحَلَ بِسُرْعَةٍ وَنُغَادِرَ هذا الحَقْلَ قَبْلَ وُصُولِ ذلِكَ الوَحْشِ المُخِيفِ!)).
وَقَبْلَ أَنْ يَسْتَفْسِرَ مِنْهُمَا عَنْ مَعْنَى مَا سَمِعَهُ رَآهُمَا يَثِبَانِ وَيَقْفِزَانِ مِنْ نَبْتَةٍ إلى أُخْرى وَيَبْتَعِدَانِ إلى أَنْ غَابَا عَنْ نَاظِرَيْه.
لَمْ يَطُلْ عَجَبُ قَمْحَانَ. فَقَدْ سَمِعَ ضَجَّةً هَادِرَةً، وَرَأى وَمِيضَ شَفَرَاتٍ فُولاَذِيَّةٍ وَأَدْرَكَ أَنَّ (الوَحْشَ) قَدْ دَخَلَ الحَقْلَ... فَوَلّى الأَدْبَارَ، وَلاَذَ بالفِرَارِ، فالأَمْرُ خَطِيرٌ لا يَحْتَمِل التَرَيُّثَ أَوِ الانْتِظَارَ!
اِخْتَبَأَ قَمْحَانُ خَلْفَ حَجَرٍ صَغِيرٍ وَأَخَذَ يَرْقُبُ شَفَرَاتِ الحَصَّادَةِ تَلْتَهمُ السَنَابِلَ، وَالهَلَعُ يَمْلأُ قَلْبَهُ.
رَأى الوَحْشَ يَلْتَهِمُ كُلَّ مَا في طَرِيقِهِ ثُمَّ يَلْفِظُهُ حُزَمًا أَنِيقَةً وَاحِدَة تِلْوَ أُخْرى.
وَلكِنْ مَاذَا جَرى لِرَفِيقَاتِهِ حَبَّاتِ القَمْحِ؟
كَانَتْ تَتَأَلَّقُ تَحْتَ أَشِعَّةِ الشَمْسِ بَعْدَ أَنْ نُزِعَتْ عَنْهَا قُشُورُهَا وَكانَتْ تُلقَى في أَكْيَاسٍ ضَخْمَةٍ.
وَدَفَعَهُ الفُضُولُ إلى اللَحَاقِ بِهِنَّ، فَسَاعَدْنَهُ على تَسَلُّقِ أَحَدِ الأَكْيَاسِ وَانْدَسَّ بَيْنَهُنَّ.(/1)
وَلَمْ يَلْبَثْ إلاَّ قَلِيلاً حَتَّى جَاءَتِ الشَاحِنَاتُ وَحَمَلتِ الأَكْيَاسَ وَابْتَعَدَتْ بِهَا.
وَعنْدَ وُصُولِ الأَكْيَاسِ إِلى الطَاحُوْنَةِ دُهِشَ قَمْحَانُ لِسَمَاعِهِ لُغَاتٍ أَجْنَبيَّةً مُتَعَدِّدَةً لَمْ يَكُنْ قَدْ سَمِعَهَا مِنْ قَبْلُ، وقَرَّرَ أَنْ يَجدَ أَجْوِبَةً لِبَعْضِ أَسْئِلَتِهِ؛ فَاقْتَرَبَ مِنْ غَرِيبٍ بَدَا أَنَّهُ خَبِيرٌ ومُهِمٌّ.
عَرَّفَهُ الغَرِيبَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ مُفَسِّرًا: ((إِنَّ القَمْحَ يَأْتِي إلى الطَاحُونَةِ مِنْ مُخْتَلِفِ بِقَاعِ العَالَمِ بَعْدَ أَنْ يَجْريَ فَحْصُهُ طِبِّيًا لِفَصْلِ السَلِيمِ مِنْهُ عَنِ المَرِيضِ. ثُمَّ يَتِمُّ مَزْجُ الحُبُوبِ السَلِيمَةِ بِنسبٍ مُتَفَاوِتَةٍ لإِنْتَاجِ أَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنَ الدَّقِيقِ)).
ثُمّ بَيَّنَ الخَبِيرُ لِقَمْحَانَ كَيْفَ تُغْسَلُ الحُبُوبُ أَولاً غَسْلاً جَيَّدًا للاِطْمِئْنَانِ إِلى أَنَّهَا أَصْبَحَتْ نَظِيفَةً، ثم تُجَفَّفُ وَتُلْقَى في الغِرْبالِ مِنْ أَجْلِ أَنْ تُنَقَّى، وَيُنْزَعَ عَنْهَا كُلُّ القَشِّ والأَجْسَامِ الغَرِيبَةِ الَّتِي تَكُونُ عَالِقَةً بِهَا.
فَقَالَ قَمْحَانُ لِنَفْسِهِ: ((هذا هُوَ السبب إذَنْ فِيمَا هِيَ عَلَيْهِ الآنَ مِنَ النَضَارَةِ وَالتَأَلُّقِ وَالجَمَال!!)).
ثُمَّ قَالَ لِصَاحِبِهِ: ((وَمَا الّذِيْ يَحْدُثُ بَعْدَ ذلك؟)).
فقَالَ الخَبِيرُ مُوَضِّحًا:
((تُنْقَلُ الحُبُوبُ بالحِزَامِ النَاقِلِ لِتُطْحَنَ في آلاَتٍ ضَخْمَةٍ فَتَتَحَوَّلَ إِلى دَقِيقٍ.
ثُمَّ يُنْخَلُ الدَقِيقُ عِدَّةَ مَرَّاتٍ لِفَصْلِ النُخَالَة عَنْهُ فَيُصْبِحُ طَحِينًا أَبْيَضَ جَمِيلَ المَنْظَرِ)).(/2)
ثُمَّ تَابَعَ قَائِلاً: ((إِنّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَغْتَرُّون بالمَظْهَرِ وَيُفَضِّلونَ الدَقِيقَ الأَبْيَضَ وَالخُبْزَ الأَبْيَضَ، مَعَ أَنَّ الطَحِينَ المُحْتَوِيَ على النُّخَالَةِ هُوَ أَكْثَرُ فَائِدَةً لَهُمْ وَأَعْظَمُ نَفْعًا)).
دُهِشَ قَمْحَانُ عِنْدَمَا عَلِمَ أَنَّ القَمْحَ يُزْرَعُ في كُلِّ بِقَاعِ العَالَمِ.
وَزَادَتْ دَهْشَتُهُ عِنْدَمَا أَنْبَأَهُ الخَبِيْرُ أَنَّ الإِنْسَانَ عَرَفَ زِرَاعَتَهُ مُنْذُ عُصُورِ مَا قَبْلَ التَارِيخ، وَمَا زَالَ يَزْرَعُهُ حَتّى اليَوْم!
وَأَرْدَفَ الخَبيرُ قَائِلاً: ((هَلْ فَكَّرْتَ يَوْمًا بِوَفْرَةِ المَآكِلِ الّتي يَدْخُلُ الدَقِيقُ في صُنْعِها؟ مَاذَا كَانَ يَحْدُثُ لِلْعَالَمِ بِدُونِ الخُبْزِ وَأَنْوَاعِ الكَعْكِ وَالبَسْكَوِيتِ؟ وَمَاذَا كَانَ سَيُصِيبُ الإِيطَالِيِّينَ لَوْلا المَعْكَرُونَةُ؟ وَسُكّانَ بِلاَدِ الشَّامِ دُوْنَ البُرْغُلِ؟ وَالفِرَنْسِيِّينَ دُوْنَ الأَهِلَّةِ المُحَلاَّةِ؟ وَأَهْلَ المَغْرِبِ دُوْنَ الكُسْكُسِ؟)).
كَانَتِ الزِيَارَةُ الّتِي قَامَ بِهَا قَمْحَانُ للِطَاحُونَةِ مُثِيرَةً حَقًا. فَقَدْ تَعَلَّمَ أَشْيَاءَ جَدِيدَةً كَانَ يَجْهَلُهَا مِنْ قَبْلُ. وَلكِنْ حَانَ الوَقْتُ لِكَيْ يَذْهَبَ. فَلَوَّحَ لأَصْدِقَائِهِ مُوَدِّعًا وَانْطَلَقَ فِي طَرِيقِ العَوْدَةِ إلى حَقْلِهِ.
لكِنَّهُ ذُهِلَ عِنْدَمَا رَأَى حَقْلَهُ وَقَدِ امْتَلأَ بِنَبَاتِ الذُّرَةِ وَالفِصْفِصَةِ.
وَلَمّا سَأَلَ إِحْدَاهَا عَنْ سِرِّ وُجُودِهَا هُنَاكَ أَجَابَتْهُ بِأَنَّ هذِهِ طَرِيقَةٌ في الدَّوْرَاتِ الزِرَاعِيَّةِ تُهَيِّئُ الأَرْضَ للِمَوَاسِمِ التَالِيَةِ، وتُغْنِيهَا. فَإِنْ كانَ يَرْجُو أَنْ يَنْبُتَ مِنْ جَدِيدٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَذْهَبَ إلى الحَقْلِ المُجَاوِرِ.(/3)
مَا إنْ وَصَل قَمْحَانُ إلى الحَقْلِ المُجَاوِرِ حَتَّى هَتَف الجُنْدُبُ وَالجُدْجُدُ قَائِلَيْنِ: ((أَيْنَ كُنْتَ طَوَالَ هذِهِ المُدَّةِ يا قَمْحَانُ؟)) فَقَصَّ عَلَيْهمَا قَمْحَانُ كُلَّ مُغَامَرَاتِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُمَا: ((وَالآنَ أَسْتَوْدِعُكُمَا الله وَسَأَلْقَاكُمَا في العَامِ القَادِمِ)).
وَسَرْعَانَ مَا فَتَحَ لِنَفْسِهِ ثَقْبًا صَغِيرًا في الأَرْضِ وَنَزَل فِيهِ وَاخْتَفى..
قَالَ الجُدْجُدُ: ((لَقَد الْتَحَقَ بِحَبَّاتِ القَمْحِ الّتِي بُذِرَتِ مُنْذُ أُسْبُوْعٍ. هَيّا بِنَا يَا صَدِيقِي الجُنْدُبُ، فَسَنَرَاهُ في الرِّبَيعِ القِادِم إِنْ شَاءَ اللهُ)).(/4)
العنوان: موقع المرأة المسلمة بين الإسلام ودعاوى التجديد
رقم المقالة: 1134
صاحب المقالة: إعداد: أحمد بن محمود الداهن
-----------------------------------------
موقع المرأة المسلمة
بين الإسلام... ودعاوى التجديد
لفضيلة العلامة الأصولي المربي الشيخ د. محمد أديب الصالح
يأتي هذا الكتاب ضمن سلسلة (معالم قرآنية في البناء) للأستاذ الدكتور محمَّد أديب الصَّالح، في 290 صفحة من القطع المتوسط.
الناشر: مكتبة العبيكان، الطبعة الأولى، 1428هـ- 2007م.
بين القرآن والأمة الإسلامية نسبٌ لا يبلى، وعروةٌ لا تنفصم، تلك حقيقةٌ يجب أن تعيها الأمة، وعياً ينعكس على ممارستها، وتنظيمها لشؤون الحياة، ورحلتها الحضارية عبر التَّاريخ؛ كيما تكون ماثلةً عند كلِّ تصرِّف، حاضرةً مؤثرةً عند كلِّ منطقٍ، في أيِّ ميدانٍ من ميادين الحياة، ولقد جنَت أمتنا ثمرة ذلك في الماضي فكان خيراً عليها وعلى البشرية، واليوم.. لا بد أن يكون ذلك عنوان يقظتها بعد تلك الغفوة التي نرجو أن تذهب إلى غير رجعة.(/1)
وما كان للإسلام أن يكون نظاماً للحياة بكل شعَبها، في بناء الفرد والأسرة والجماعة، وأن يكون من أغراضه إقامة مجتمعٍ أمثل، لا تُعْوِزُه واحدةٌ من خصائص النَّماء والاستمرار القويمين، حيث يبني الرَّجلُ والمرأةُ الزوجان أولَ لبنةٍ من لبناته، ويتعاونان في ظل الشِّرعة المباركة وهديها الميمون على كل ما فيه خير الجميع.. ما كان الإسلام أن يكون كذلك ثم ينظر إلى المرأة نظرات الجاهلية الأولى؛ فيهمل إنسانيَّتها! ويحرِم المجتمع مما أودع الله فيها من طاقاتٍ تتناسب مع تكوينها، ويعطل مسار أهليَّتها لحمل رسالة الإسلام التي خاطب الله بها النَّساء كما خاطب الرِّجال؛ لأن النَّساء شقائق الرِّجال، فلا فارق في الأصل والفطرة، ولكن الفارق في الاستعداد والوظيفة؛ فضلاً عن تجاوز التَّزاوج بين الرَّجل والمرأة، واستعدادات كل منهما، وتناسق هذه الاستعدادات -الدَّالة على الحكمة البالغة في الخلق- بعضها مع بعض، وتكاملها الدَّقيق لإقامة الأسرة من ذكر وأنثى كما شاء الله.
لقد جاء الإسلام فواجه جاهلية التَّصور، وجاهلية التَّعامل بالنِّسبة للمرأة، وشواهد ذلك كثيرةٌ وفيرةٌ لا تكاد تخفى على القارئ، فقد كان المجتمع الجاهلي يضع المرأة موضعاً غير كريم، ويعاملها معاملةً تتنافى مع الفطرة وكرامة الإنسان.
هذه الجاهلية -بشقَّيها- واجهتها الدَّعوةُ الإسلامية بالتَّغيير الجذري؛ فمن ناحية التَّصور: جاء الإعلان أن المرأة والرجل يرتدَّان في الخَلْق إلى نفسٍ واحدة، ومن ناحية التَّعامل: رسم المنهج الذي يدلُّك على حكمة الحكيم سبحانه.(/2)
ولما أراد الآخرون معالجة خطأ البشرية التي كانت تتخبَّط في تِيهٍ من جاهلية التّصور عن المرأة وجاهلية التَّعامل معها؛ اشتطُّوا في الضِّفة الأخرى، وأساؤوا للمرأة من حيث توهَّموا أنَّهم يحسنون! حين أطلقوا لها العِنان بلا قيود، ونسوا -وجعلوها تنسى- أنها إنسان خُلقت لإنسان، ونفس خُلقت لنفس، وشطر مكمِّل لشطر، وأنهما -هي والرُّجل- ليسا فردين متماثلين، بل هما زوجان متكاملان، ونتج عن ذلك -ولا يزال- طامَّات ومآسٍ تكاد تستعصي على الإصلاح الذي ينشده المنصفون، إلا أن يشاء الله!!
وقد أكَّد الكاتب على أمرٍ يعدُّه غايةً في الأهمية، وهو: أن تعرف المرأة المسلمة من هي على الحقيقة؟ وما هو تعريفها في نظر الإسلام الذي جاء من عند الخالق الحكيم العليم بمن خلق وبما خلق؟ وما هو مكانها في بنية المجتمع ورسالتها فيه، بل في الأمة؟ إذ إنها إن فعلت ذلك؛ أمكن أن تسهم في بناء البيت القويِّ والمجتمع الصَّالح المنتِجَين، وتنمية البواعث الذَّاتية عند أولادها، تلك البواعث التي تجعل الفرد صادق الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، صادق الانتماء لأمته الماجدة التي جعل الله منها خير أمَّةٍ أُخرجت للنَّاس.
وقد استجلى الكاتب معاني تكريم الإسلام للمرأة، وملامح التَّغيير الذي أحدثه الإسلام في ناحيتي التَّصور والتَّعامل الجاهليين، من معالم قرآنيةٍ مختارة، فكان أن استخلص الحقائق التَّالية:
• الحقيقة الكبرى: الرَّجل والمرأة يرتدَّان إلى أصلٍ واحدٍ، من طينةٍ واحدةٍ؛ فالنَّاس -ذكورهم وإناثهم- مخلوقون من نفس ٍواحدةٍ، وهذه النَّفس خلق الله منها زوجها، وبثَّ منهما رجالاً كثيراً ونساءً.
• الحفاظ على كلِّ ما فيه وضع إنسانية المرأة الموضع اللَّائق في الحكم، ووجوب إيتائها حقوقها المالية كاملةً، وعدم التَّفريط فيها.(/3)
• الخطاب بالإيمان والعمل الصَّالح، والتَّخلق بأخلاق الصَّابرين المتَّقين؛ ليس قصراً على الذُّكور من بني الإنسان، ولكنه خطاب للجميع، لا تثبته ذكورة، ولا تزيحه أنوثة.
• مسؤولية التَّكليف -التي هي تكريمٌ للإنسان؛ بأن أودع الله فيه الفطرة وجعله أهلاً لحمل عقيدة التَّوحيد والتَّكليف بأحكام دين الله- لا تختصُّ بالذُّكور دون الإناث، بل الرَّجل والمرأة مكلَّفان على حدِّ سواء.
• إن مراتب التَّقوى جميعها -بما فيها الإحسان- لا تُكفأ عنها المرأةُ المؤمنة؛ إن هي سلكت الطَّريق إليها، من صدق إيمانٍ، واستقامة عملٍ، وحرصٍ على مراقبة الله -عزَّ وجلَّ- وتقواه، في كل كبيرةٍ وصغيرة.
• كلٌّ من الذَّكر والأنثى مجزيٌ بعمله -دون تفريق- إن خيراً فخير، وإن شراً فشر؛ فلا الذُّكورة بمعطية الرَّجل حقاً ليس له، ولا الأنوثة بمنقصة المرأة حقاً هو لها، وكلٌّ يثاب أو يعاقب بحسب ما قدَّم، دون وَكْسٍ أو شَطَطٍ.
• صورٌ ثلاثٌ من تصرُّفات المجتمع الجاهلي: في ظلم الأنثى حقها، أو حبسها عن الزواج طمعاً في مالها، أو الزواج بها عن غير رضى ليكون الزواج طريقاً لبقاء مالها.. صورٌ أنكرتها الشَّريعة، وطرحت للمجتمع بديلاً يستند إلى الحقيقة الكبرى.
• حقُّ المرأة في المهر، ووجوب هذا المهر على الزَّوج، والوعيد على أخذه دون رضى وطيب نفس.
• توريث المرأة من الحدود الفاصلة في الحقوق المالية للمرأة بين الجاهلية والإسلام.
• حسمُ النَّص القرآني بالنَّهي الجازم عن كلِّ عمل يراد من ورائه إرثُ المرأة نفسِها، وكأنَّها المتاع! أو إرث مالها بالإكراه، وهذا النهي يتَّفق تمام الاتِّفاق مع المنهج القرآني في البعد الذي أخذته المرأة في بنية الفكر الإسلامي، والواقع التَّطبيقي في المجتمع المسلم.
• الهدي النَّبوي يضع أيدي الأمَّة على الدَّور الذي يمكن أن تؤدِّيه المرأة في إحكام البنية الاجتماعية؛ إذا تربَّت على أدب الإسلام.(/4)
• حقيقة الوعي عند المرأة المسلمة لحقائق دينها، ذلك الوعي الذي يدفعها إلى معرفة حكم الله في كلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ؛ من أجل أن يقترن العلم بالتَّطبيق والسُّلوك، كما في قصَّة المجادِلة.
• أقام القرآن من قصَّة خولة -رضي الله عنها- مثلاً رائعاً بموضوعيته وعمقه، لِبَنات جنسها، على مدى التَّاريخ؛ في صدق الإيمان، والشَّجاعة في الحق، وتطويع السُّلوك لمقتضى ذلك.
• الإيمان بقدرة الله وعلمه كفيلٌ بأن ينمِّي في نفس الإنسان المسلم طاقةً لا تُجارى، واندفاعاً إلى الخير لا تَحول دون تحقيقه المعوِّقات، واستقامةً في السلوك لا تقطعها غفلة البشر، والأمَّة بحاجة إلى التَّربية على هذا الإيمان، وهي تبني أجيالها على أداء الرِّسالة، وتحمُّل أعباء التغيير.
• في تمام قصَّة المجادلة؛ نقف على النَّهج القرآني في ضبط التَّصرفات بين الزَّوجين، وإحكام العلاقة الاجتماعية في دنيا المؤمنين وهم يبنون مجتمعهم الأمثل.
• في قصَّة ذات النطاقين؛ يستوقفنا إيمان أسماء، وإحساسها بالمسؤولية، وقد جسَّدت أسماء -رضي الله عنها- مثلاً أعلى للفتاة المسلمة في أن تُنهي مرحلة الإغراق عند البعض في التَّقليد الذي لا طائل تحته، ولا يجرُّ إلَّا إلى ذوبان الشَّخصية، وإهدار الطَّاقات بما لا ينفع.
• تجاوُز أسماء -رضي الله عنها- دواعي العاطفة القريبة نحو أمها إلى رحب القضية الكبرى، قضية الإسلام؛ يدلُّ على ما كان للتَّربية الإسلامية من أثرٍ على المشاعر والعواطف؛ حيث ارتقت بها هذه التَّربية إلى حيث تكون طاعة الله ورسوله في الذُّروة من سلَّم الأولويات على ساحة الرَّغبات.
• إنَّ اتِّخاذ الأسباب التي تحمي البناء من السُّقوط؛ إنَّ اتِّخاذها بعنايةٍ وَفْقَ سُنَنِ الله ومعرفة الواقع، مع اتِّخاذ الأسباب؛ يحمل على -وجه اليقين- أهمية عملية البناء نفسها.(/5)
• التَّكاملية الشَّاملة: في تكوين الإنسان المسلم -ذكراً كان أم أنثى- على قاعدةٍ من الإيمان، ووحدة خطاب التَّكليف للرَّجل والمرأة، ونِشدان العمل الصَّالح، والشُّعور بالمسؤولية، وفي صياغة المجتمع الذي يأخذ فيه كل من الرَّجل والمرأة بُعده الطَّبيعي.
• إن تشابك الثَّقافات وتنوُّع الأفكار المستوردة، وما قد يبدو من جهل المسلمين -أو بعضهم- بأحكام الإسلام، أو إعلان الحرب عليها، من ذوي الجَّهالة، أو مرضى القلوب؛ ينبغي ألَّا يصرفَنا عن حقيقة أنَّ بين رسالة السَّماء وبين من هم في سنِّ التَّكليف من بني الإنسان -ذكورهم وإناثهم- ارتباطاً مردُّه إلى الفطرة، أهلية التَّكليف.
• مما يزيد المرء يقيناً بحكمة الله البالغة؛ ما جرى عليه القرآن الكريم، من خطاب الرَّجل والمرأة جميعاً بمضمون رسالة الإسلام، وأن يتحمَل كلٌّ مسؤوليةَ عمله ومسعاه؛ ليُجزاه الجزاء الأوفى.
• إثر نقلة التَّحول العظيمة التي أحدثها الإسلام؛ كان أن أخذت المرأة موقعها على ساحة البناء الشَّامل المُحكم الذي أراده الإسلام، وذلك بإنشاء واقعٍ جديدٍ في مواجهة الهدم والهدَّامين، وهو الذي أنقذ المرأة مما هي فيه، وحال دونها ودون أن تكون متاعاً للعبث بإنسانية الإنسان، ومصدراً من مصادر الأذى على صعيدي الأسرة والمجتمع، وليس ذلك فحسب؛ بل شرَّفها بالمسؤولية التي تُشعر بأهميتها على ساحة التغيير.
• إن وجهة الإسلام في عملية البناء الكبرى قد رُوعي فيها كِفاء التَّحويل إلى ما هو أفضل في ميزان الحقِّ، والتَّمكين في الدنيا، والسَّعادة في الآخرة.. الرَّجل والمرأة جميعاً في بناءٍ متكاملٍ يضع كل لبنةٍ موضعها.
• بيان طبيعة المهمَّة التي تُرشَّح لها المرأة؛ حين يبنيها الإسلام على العقيدة، وتخالط قلبَها بشاشةُ الإيمان.(/6)
• تقرير مبدأ المسؤولية والجزاء دون تفريق بين الذَّكر والأنثى في عهد الدَّعوة المبكِّر – العهد المكِّي- كانت لحكمةٍ بالغةٍ لله -جلَّ شأنه- كيما يكون ذلك من الثَّوابت التي يتربَّى عليها أبناء الفئة القليلة المؤمنة، الذين يجري إعدادهم؛ لحمل الأمانة في بناء المجتمع الجديد الأمثل.
• المحور الذي رسمه القرآن لتحرُّك الرَّجل والمرأة، في إطار تحمُّل المسؤولية، في الأسرة والمجتمع؛ هو المحور الذي ينبغي أن يكون عليه مدار هذا التَّحرك في ميادين الحياة –كلٌّ بما يتَّفق مع تكوينه وأهليَّته- وإن ذلك من مقتضيات الإيمان.
• من المهمِّ أن تعي المرأة المسلمة الأبعاد العظيمة لخطاب التَّكليف الذي وُجِّه إلى الرَّجل والمرأة جميعاً في الكتاب والسنَّة، كما وعت ذلك المرأة المسلمة من قبل، وازدان التَّاريخ بالوقائع التي أثمرت الوعي الملتزم في كلِّ جانب من جوانب الحياة.
• إن القضايا الكبرى التي تتعلَّق ببناء الفرد و الأسرة والجماعة، وترتبط بالحقوق والواجبات على السَّاحة، وما يجب أن تكون عليه العلاقات -خاصِّها وعامَّها- ضمن هذا الإطار الذي له آدابه وأحكامه وأخلاقه؛ ليست مقصورةً -على صعيدي التَّصور والممارسة- على الرَّجل وحده؛ بل للمرأة الحظُّ الوافر منها، حسب فطرتها واستعدادها.
• إنَّ وضع المرأة على خطِّ المسؤولية والجزاء، شريكةً للرَّجل في ذلك -بكلِّ وضوح- ضمن حدود الشَّريعة وضوابطها؛ عنوان النَّقلة الإنسانية العظيمة، التي أرادها الإسلام للمرأة، من الجاهلية إلى الإسلام.
• إنَّ المنطلق الذي تحدِّده معالم الكتاب العزيز هو الإيمان؛ فإذا توافر هذا المنطلق الخيِّر، وقام عليه العمل الصَّالح بكل أبعاده؛ فذكور الأمَّة وإناثها -وهم يعملون في ميدان الواجب- يعملون إذ يعملون، وعون الله معهم؛ لأن كلَّ شيء عنده بمقدار، وهم مَجزيُّون بأعمالهم، إن خيراً فخيرٌ، وإن شراً فشرٌّ.(/7)
• ظاهرة تقديم البديل الصَّالح -على طريق البناء- لمَّا تعملُ رسالةُ الإسلام لإزاحته عن حياة الفرد والجماعة، أو القضاء عليه؛ جليَّةٌ في المعالم القرآنية، وجاءت في مواطن كثيرةٍ، منها في العهد المكي ما ورد في سورتي غافر والنَّحل، من نقل المرأة من عالم التِّيه والأذى؛ إلى عالم الهدى والكرامة، ومن سوء الظن بالأنثى عندما تكبر، وإهدار وجودها وكرامتها وإنسانيتها، ودسُّ الصَّغيرة في التُّراب؛ إلى تربية البنت تربيةً تهيِّئُها للعمل الصَّالح؛ لتَشرُف بحمل أمانة التَّكليف والعمل، وتكون شريكة الرَّجل في المثوبة والجزاء.
• فضيلة الإنفاق التي حملتْها صُورُ المَعْلَمِ القرآني الفيَّاضة بالنَّدى والرَّحمة الغامرة، في سورة الحديد؛ ليست مقصورةً على الرِّجال دون النِّساء؛ بل هي للجميع، رجالاً ونساءً، بمقتضى عموم خطاب التَّكليف.
• يقع القارئ لكتاب الله على بعض المواطن التي ذكر فيها الرِّجال والنِّساء جميعاً؛ بالأوصاف التي ينبغي أن يكونوا عليها، أو أن يغادروها إلى غيرها، ولم يجرِ الأمر على التَّغليب فحسب، وذلك لحكمٍ! لعلًّ منها: إشراك المرأة في حمل الرِّسال، بواجباتها وتكاليفها، وضرورة تربيتها على الأخلاق والصِّفات التي تقودها إلى الفوز الكبير.
• وجوب الأخذ بالأسباب التَّعليمية والتَّربوية، التي تمكِّن من إعداد المرأة الصَّالحة ذلك الإعدادَ؛ الذي يبني الإيمان، والقنوت، والصَّدق، والصَّبر، والخشوع، والبذل بالصِّدقة، والصيام، وحفظ الفُروج، وذكرَ الله ذكراً كثيراً.. بالإضافة إلى معاونتها بالكشف عمَّا هو زَيف في توجيه المرأة، وعمَّا هو حقيقة.. عمَّا هو أصيل في علاقتها بتكوينها وموقعها في المجتمع المسلم، وما هو دخيلٌ مهجَّنٌ ضائع النَّسب.(/8)
• تسفيه موقف الجاهليين من المرأة في شرع أحكامٍ لم يأذن بها الله، ووضعها موضعاً لا يتَّفق مع تكريم الله لها، ولا مع موقعها المطلوب في المجتمع المنضبط بضوابط الحقِّ؛ ذلك كلَُه -والدَّعوة تخوض معركة التَّوحيد في مكة- معلمٌ قرآنيٌّ بارزٌ من معالم البناء الاجتماعي، الذي تريده رسالة الإسلام للمجتمع.
• المعالم القرآنية تزيح رُكام الأحكام الجاهلية الجائرة، التي هي صورٌ لظاهرة امتهان المرأة وعدوان عليها، من طريق الإنسان، وتحرِّره من رِبقة الوثنية وعقابيلها وذيولها، وتقدِّم البديل الإيجابي المناسب الذي يتَّسق مع الفطرة والتَّكوين، ومن ذلك ما يمكن أن يُدعى بإنسانية العلاقة بين المرء وزوجته، وتقرير سمة التَّكريم التي منَّ الله بها على عباده؛ بأن أنشأ بين الرَّجل والمرأة تلك العلاقة الزَّوجية التي تفيض بالمودَّة والرَّحمة، بكلمته -سبحانه- وشرعه.
• إنَّ الذي خلق الخَلق، وبيده ملكوت السَّماوات والأرض؛ هو الذي يُشرِّع لعباده؛ فيحلَّل لهم ويحرِّم، وهو أعلم بما يصلحهم؛ فيتوافر العدل، وتأخذ إنسانية الإنسان مكانها اللَّائق على كلِّ صعيد، وتتحقَّق العبودية؛ التي من أجلها خُلق الجنُّ والإنس، ويحظى أهل الهداية يوم القيامة بالفوز الكبير.(/9)
• إنِّ في ذكر المنافقين مع المنافقات، والمؤمنين مع المؤمنات؛ أمراً بالغ الأهمية، قوامُه بنيةُ الفرد، ذكراً كان أو أنثى، ومسؤوليته على صعيد الفكر والسُّلوك، وما لذلك من أثرٍ في بنية المجتمع؛ فقد وُضعت المرأة مع الرَّجل جميعاً على هذا الصَّعيد، وهو يدلُّ بوضوح على أنَّ المرأة في الإسلام ليست في منأى عن تبعات الرِّسالة، عقيدةً وعملاً، وأن المسؤولية تلاحقها، ولو لم تظهر هي على السَّاحة؛ إنْ هي وقعت في شرك النِّفاق، ورضيت بصنيع المنافقين، ولم تبذل ما تستطيع من جهدٍ في حدود قدرتها وإمكاناتها، زوجةً، أو أماً، أو بنتاً، أو أختاً.. أو ذات سلطان تعليمي، أو تربوي، أو تثقيفي، بوجهٍ عامٍّ.
• في جعل المؤمنات شريكاتٍ للمؤمنين في السُّلوك المنسجم مع العقيدة، الذي يجمع إلى مزاولةِ البناء إحاطةَ المجتمع بما يضمن سلامة البناء، وحراسة ذلك المجتمع من عوامل الضَّلالة والتَّخلف، وذلك كله عن طريق الأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر، وإقامة أركان الإسلام وطاعة الله ورسوله؛ إنَّ في ذلك مكرمةً للمرأة أيُّ مكرمة!
• دلَّ القرآن على ما يجب أن يتَّصف به ويتربَّى عليه أهل الإيمان، ذكورهم وإناثهم، الذين ائتُمنوا على عملية البناء الشَّامل للفرد المسلم، بحيث يكون سلوكه ترجمةً عمليةً أمينةً لعقيدته، على أرض الواقع والحياة.
• سلامة الخلية الأولى في المجتمع -وهي الأسرة- تقتضي سلامة العلاقة بين الزَّوجين، وأن تكون المعاشرة بالمعروف.(/10)
• إنَّ في الهجرة ومشاركة المرأة فيها مدلولاً واسعاً عميقاً في تاريخ الأمَّة، وفي الحكم على المرأة في المجتمع الإسلامي؛ أين هو موقعها من السَّاحة؟ وما يجب من إعدادها؛ لتكون كِفاء هذا الموقع، عقيدةً، وعلماً، وسلوكاً، ووعياً لما يقتضيه الانتماء إلى خير أمَّة أُخرجت للناس، وتخصيص النِّساء المهاجرات بقرآن يُتلى حتى يرث الله الأرض ومن عليها؛ دليلٌ واضحٌ على البعد الذي أعطاه الإسلام لتحرُّك المرأة في ساحة البناء.
• إن امتحان المؤمنات المهاجرات بأن يُستحْلَفْنَ بالله: ما أخرجَهن النُّشوز، وما أخرجهنَّ إلا حبُّ الإسلام وأهله وحرصٌ عليه؛ إن في ذلك دليلاً على أن الإيمان قد ارتفع بالمرأة المسلمة إلى أن تكون قادرةً على الإتيان بما لا يستطيعه إلا الموفقون أُولو العقيدة الصَّحيحة والعزيمة الصَّادقة.
ذلك الامتحان كان جسراً للبيعة؛ فمن تجاوزته بنجاحٍ بايعها رسول الله، صلَّى الله عليه وسلَّم.
وفيه دليلٌ على عنايته -صلَّى الله عليه وسلَّم- وهو يزاول مهام البناء، ما دقَّ منها وما جلَّ؛ بالموارد البشرية، وفسْح المجال للمرأة المسلمة أن تأخذ مكانها الطَّبيعي في بناء المجتمع وتنمية طاقاته وإمكاناته.
• إن في البيعة دليلاً على ما ينتظر المرأة المهاجرة -وهي تصوغ سلوكها وَفق تلك القيم- من مهام عظيمة تتعلَّق بصياغة المجتمع الجديد في ضوء المنهج الرَّباني.
• أن يتنزَّل على رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قرآنٌ يُتلى في مبايعة الِّنساء، ويتلو ذلك المسلمون والمسلمات، حتى يرث الله الأرض ومن عليها؛ أمانةٌ في الأعناق، ومسؤوليةٌ بالغة الأهمية، لا يخُرِج من عهدتها؛ إلا العملُ على ربط المرأة المسلمة اليوم بالأسباب التي كوَّنت المرأة المسلمة بالأمس، مع الإفادة من كل جديد يكون في خدمة الهدف الكبير.(/11)
• المرأة العاقلة هي التي تعقل عن ربها ما أراد منها، وما لها، في كتابه العزيز، وما بيَّنه لها نبيُّه المصطفى -صلَّى الله عليه وسلَّم- وكلَّما أحسنت الصِّلة بمنابع تلكم الهداية؛ كان حظها أوفر في المشاركة الفعَّالة في كل ما من شأنه إنشاء الواقع الخيِّر المرتقب، والفوز بمرضاة الله يوم الدِّين.
هذا وقبل أن يحطَّ المؤلِّف رحاله؛ أراد للمقالات التَّالية -التي ساقها قبل نهاية الكتاب- أن تكون مستودع أفكارٍ لما سبق أن سُطِّر تحت عناوين شتَّى، وهي:
- البناء وما يجب من إعداد المرأة المسلمة، وتربيتها.
- جيل التَّغيير، ودور المرأة في إحكام البناء وتكامله.
- المرأة والرَّجل في آية القرض على ساحة البناء.
- الرَّجل والمرأة .. وهدي القرآن في البناء.
- ظلم المرأة في الجاهلية، والإخلال بالبنية الاجتماعية.
- ساحة البناء، ومؤمن آل فرعون، ومسؤولية المرأة.(/12)
العنوان: موقفُ الشيعة وإيران من جماعةِ الإخوان المسلمين
رقم المقالة: 1437
صاحب المقالة: أسامة شحادة
-----------------------------------------
هذه الدراسةُ تهدُف إلى بيان موقفِ ورؤية إيران والشيعة، من جماعة الإخوان، ذلك أنّ جماعةَ الإخوان متعاطفةٌ مع الشيعة وإيران، وأحياناً تكون في مقدّمة المدافعين عنهما برغم الممارسات السلبية التي تقومُ بها إيرانُ والشيعة في حق الإسلام والمسلمين.
تمهيد: موقفُ جماعة الإخوان المسلمين من الشيعة والثورة الخمينية:
لقد كان ولا يزال موقفُ الإخوان من الشيعة موقفًا متساهلا، وذلك بسبب منهجِ الجماعة القائمِ على إحسان الظن بالمسلمين، وعدم التدقيق في أصولهم العقدية، خاصة إذا كانوا في صراع مع القوى المعتدية على الأمة الإسلامية. وحين قامت الثورةُ الخمينية واستولت على إيران، ساندتها جماعةُ الإخوان وفرحت بها.
وهذه بعضُ مواقف الإخوان من الشيعة وإيران:
1- دورُ البَنَّا وجماعةِ الإخوان في تشجيع التقارُب بين السنة والشيعة:
لقد شجَّع الشيخ حسن البنا -مؤسّسُ جماعة الإخوان- دعوةَ التقارب مع الشيعة، وكان من المؤيدين لجماعة التقريب في مصر، بعكس صديقه وأستاذه الأستاذ محب الدين الخطيب الذي كان من أوائل المدركين للخطر الشيعي وألف كتابه "الخطوط العريضة لمذهب الشيعة".
2- د. مصطفى السباعي، المراقب العام للإخوان في سوريا:
ذكر في كتابه "السنة النبوية" موقفَه المؤيد للتقارب مع الشيعة، ومن ثم تبين له عدم جدية الطرف الشيعي في التقريب.
3- الأستاذ عمر التلمساني، المرشد العام الثالث للإخوان المسلمين:
كتب مقالاً في مجلة الدعوة العدد 105 يوليو 1985 بعنوان (شيعة وسنة) قال فيه: "التقريب بين الشيعة والسنة واجبُ الفقهاء الآن" وقال فيه أيضاً: "ولم تفتُرْ علاقةُ الإخوان بزعماء الشيعة؛ فاتصلوا بآية الله الكاشاني، واستضافوا في مصر نُوّاب صفوي".(/1)
ويقول أيضاً: "وبعيداً عن كل الخلافات السياسية بين الشيعة وغيرهم، فما يزال الإخوان المسلمون حريصين كل الحرص على أن يقوم شيء من التقارب المحسوس بين المذاهب المختلفة في صفوف المسلمين". ويقول التلمساني أيضاً: "إن فقهاء الطائفتين يعتبرون مقصرين في واجبهم الديني إذا لم يعملوا على تحقيق هذا التقريب الذي يتمناه كلُّ مسلم في مشارق الأرض ومغاربها". ويقول أيضاً: "فعلى فقهائنا أن يبذروا فكرةَ التقريب إعداداً لمستقبل المسلمين" أهـ.
وقد كتب مرشدُ الإخوان المسلمين التلمساني -رحمه الله- هذا الكلامَ في عام 1985م، أي بعد أن مضى على قيام الثورة الخمينية خمسةُ أعوام، وهذه المدة كافيةٌ لأن تقوم إيران بتحقيق وعودها وشعاراتها بالوحدة، ولكن ذلك لم يحدث.
4- الشيخ محمد الغزالي:
يقول في كتابه (كيف نفهم الإسلام - ص 142): "ولم تنجُ العقائد من عقبى الاضطراب الذي أصاب سياسةَ الحكم، وذلك أن شهوات الاستعلاء والاستئثار أقحَمَتْ فيها ما ليس منها؛ فإذا المسلمون قسمان كبيران (شيعة وسنة) مع أن الفريقين يؤمنان بالله وحده وبرسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- ولا يزيد أحدُهما على الآخر في استجماع عناصر الاعتقاد التي تصلح بها الدين وتلتمس النجاة".(/2)
وفي موضع آخر يقول الغزالي: "وكان خاتمة المطاف أن جُعِل الشقاق بين الشيعة والسنة متصلاً بأصول العقيدة!! ليتمزق الدين الواحد مزقتين، وتتشعب الأمة الواحدة إلى شعبتين كلاهما يتربصُ بالآخر الدوائر، بل يتربص به ريب المنون، إن كل امرئ يعين على هذه الفُرقة بكلمة فهو ممن تتناولهم الآية {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [الأنعام: 159]". ويقول الغزالي أيضاً: "فإن الفريقين يقيمان صلتهما بالإسلام على الإيمان بكتاب الله وسنة رسوله؛ فإن اشتجرت الآراءُ بعد ذلك في الفروع الفقهية والتشريعية فإنّ مذاهبَ المسلمين كلها سواء في أنّ للمجتهد أجرَه أخطأ أم أصاب"، ثم يقول: "إن المدى بين الشيعة والسنة كالمدى بين المذهب الفقهي لأبي حنيفة والمذهب الفقهي لمالك أو الشافعي"، ثم يختم الغزالي كلامه بقوله: "ونحن نرى الجميعَ سواءً في نِشْدان الحقيقة وإن اختلفت الأساليب" أهـ.
5- راشد الغنوشي:
يقول في كتاب (الحركة الإسلامية والتحديث - ص 17): "ولكن الذي عنينا من بين ذلك الاتجاه الذي ينطلق من مفهوم الإسلام الشامل مستهدفاً إقامةَ المجتمع المسلم والدولة الإسلامية على أساس ذلك التصور الشامل، وهذا المفهوم ينطبق على ثلاثة اتجاهاتٍ كبرى: الإخوان المسلمين، الجماعات الإسلامية بباكستان، وحركة الإمام الخميني في إيران" أهـ.
6- أبو الأعلى المودودي[1] -رحمه الله-:
قال لمجلة "الدعوة" العدد 19 أغسطس 1979م رداً على سؤال وجّهَتْه إليه حول الثورة الخمينية في إيران: "وثورة الخميني ثورةٌ إسلامية، والقائمون عليها هم جماعةٌ إسلامية، وشباب تلقوا التربية في الحركات الإسلامية، وعلى جميع المسلمين عامةً والحركات الإسلامية خاصةً أن تؤيد هذه الثورة وتتعاون معها في جميع المجالات" أهـ.
7- مجلة المجتمع:(/3)
جاء فيها (العدد 478 بتاريخ 29/4/1980 ص 15) تحت عنوان "خسارة علمية": "الشيخ محمد باقر الصدر أحد أبرز المراجع العلمية المعاصرين للمذهب الجعفري.. وأحد أبرز المفكرين الإسلاميين الذين برزوا من فقهاء المذهب الجعفري.. وله كتابات إسلامية جيدة تداولتها أيدي المفكرين ككتاب (اقتصادنا) و(فلسفتنا) وغيرهما من الكتب.. لقد تأكد مؤخراً إعدامُه بسبب أحداث سياسية.. ونحن -بعيداً عن الجانب السياسي.. والخلاف المذهبي- نرى أن في فِقْدان الشيخ الصدر خسارة لثروة علمية كان وجودُها يثري المكتبة العربية والإسلامية" أهـ.
8- "الثورة الإيرانية في الميزان":
كان عنوان افتتاحية مجلة "المجتمع" -الممثلة للإخوان المسلمين في الكويت- وقد كتبها الأستاذ إسماعيل الشطي، أحدُ رموز الإخوان ورئيسُ تحرير "المجتمع" قال فيها: "وبما أن الشيعة الإمامية من الأمة المسلمة والملة المحمدية، فمناصرتُهم وتأييدُهم واجب إن كان عدوهم الخارجي من الأمم الكافرة والملل الجاهلية.. فالشيعةُ الإمامية ترفع لواء الأمة الإسلامية، والشاه يرفع لواء المجوسية المبطن بالحقد النصراني اليهودي.. فليس من الحق أن يؤيد لواء المجوسية النصرانية اليهودية ويترك لواء الأمة الإسلامية". ثم يقول الشطي أيضاً في مقاله: "ويرى هذا الصوت أن محاولة تأسيس مؤسسات إسلامية في إيران تجربة تستحق الرصد كما تستحق التأييد؛ لأنها ستكون رصيداً لأي دولة إسلامية تقوم في المنطقة إن شاء الله.. وما ذلك على الله ببعيد" أهـ.
9- رحلة تهنئة:
لقد قامت جماعة الإخوان باستئجار طائرة خاصة لقيادات الجماعة من عدة دول للقيام برحلة تهنئة للخميني في طهران بنجاح الثورة.
10- د. طارق السويدان في محاضرته "الحوار في الساحة الإسلامية واقع ومعالجات":(/4)
يقول: "وأعتقد أن نقاط الاتفاق كثيرة جداً، وأعتقد أيضاً أن نقاط القصور كثيرة جداً، ولأضرب مثالاً واضحاً من القضايا الرئيسة يعتز به الإخوة الشيعة: قضية تبجيل وتعظيم أهل البيت عليهم السلام، وكنت تأملتُ في هذه المسألة عند أهل السنة والجماعة فوجدت أيضاً عند أهل السنة والجماعة تبجيلا وتعظيما لأهل البيت، لكن إظهار هذا التبجيل والتعظيم عند أهل السنة بالتأكيد أقل مما هو عند الشيعة، وهذا -وأنا أقوله بلا تردد- قصورٌ عند الأخوة السنة، ويجب أن يعبروا عن حبهم وولائهم وتعظيمهم لأهل البيت، أنا ما أقول هذا الكلام مجاملة لكم، هذا دين، هذا كلام دين موجود في كتاب الله تعالى، وموجود في السنة النبوية، وموجود في التطبيق الواضح فتعبيرُنا نحن السنة عن قضية حبنا لأهل البيت، أقلّ مما ينبغي فيجب أن يزاد".
11- مواقف جماعة الإخوان المسلمين في دعم حزب الله اللبناني:
في حربه الأخيرة كانت في غاية التأييد للحزب، ورفض أي نقاش حول طائفية حزب الله الشيعية، وأبرزها حملة علماء الإخوان على فتوى الشيخ عبد الله بن جبرين.
وحتى لا نطيل في بيان مشاعر الود لجماعة الإخوان تجاه الشيعة وإيران نحيل القارئ الكريم على كتاب عز الدين إبراهيم "موقف الحركات الإسلامية من الشيعة" لمزيد من المواقف الإخوانية المتعاطفة مع الشيعة وإيران.
موقفُ إيران والشيعة من جماعة الإخوان المسلمين:
لتسهيل البحث سنجعله في ثلاثة أقسام:
- موقف إيران من الإخوان.
- موقف الشيعة من الإخوان.
- موقف المتشيعين من الإخوان.
1- موقف إيران من جماعة الإخوان:
سنعتمد في معرفة موقف إيران من جماعة الإخوان على دراسة ماجستير إيرانية للباحث الإيراني (عباس خامه يار) بعنوان "إيران والإخوان المسلمون" تناولت بالتفصيل العلاقاتِ بين إيران وجماعة الإخوان المسلمين، قبل انتصار ثورة الخميني سنة 1979، وبعدها.(/5)
يذكر عباس خامه يار أن هناك عناصرَ التقاءٍ بين الشيعة والإخوان تتمثل في فكرة الوحدة، وموقفهما المشترك من القومية، وقضية فلسطين.
والذي يعنيه خامه يار هنا بالفكر في الوحدة عند الإخوان المسلمين، هو أن هذه الجماعة عموماً لا تحمل موقفاً سلبياً أو عدائياً تجاه العقائد والأفكار الشيعية، أما فكر الوحدة عند الشيعة، أو عند الحركة الشيعية الإيرانية، فيعني به التصريحات أو الكتابات التي صدرت من الخميني وبعض مراجع الشيعة بضرورة التقارب بين السنة والشيعة، واتحادهما لمواجهة الأخطار الخارجية.
ومن ثم يحدد عوامل الافتراق الفكرية بين الإخوان والشيعة وإيران، وهي طبيعة الحكومة وشكلها المختلف في رأي الحركتين، واختلاف النظرة إلى معسكري الشرق والغرب، والمسار الإصلاحي والثوري.
وهنا تبدأ صورة الموقف الإيراني الحقيقي من الإخوان تتضح، فجماعة الإخوان حسب نظرة الباحث "لا يهتمون بشخص الحاكم، ولا بمواصفاته التي ينبغي أن يتحلى بها، ولا بوقت وكيفية تنفيذه للأحكام" (ص163).
والحكم السابق الذي أصدره خامه يار على الإخوان، ومن خلالهم على أهل السنة، قراءة مغلوطة لقول (حسن البنا) الذي أورده المؤلفُ بعد إصداره لحكمه السابق، إذ يقول البنا: "فالإخوان المسلمون لا يطلبون الحكم لأنفسهم، فإن وجدوا من الأمة من يستعد لحمل هذا العبء وأداء الأمانة والحكم بمنهاج إسلامي قرآني فهم جنوده وأنصاره وأعوانه، وإن لم يجدوا الحكم من منهاجهم فسيعملون لاستخلاصه".
وبالمعنى نفسه يقول المرشد الثالث للإخوان، عمر التلمساني رحمه الله: "فلا يعنينا شخص من يحكم، ولكن في المقام الأول يهمنا نوع الحكم وشكله ونظامه، وبعد ذلك فليحكم من يحكم".
ومن ثم فإن التصريحات السابقة للبنا والتلمساني تعني أن الإخوان لا يشترطون أن يكون الحاكم من جماعتهم، إنما ليحكم من يحكم، شريطة أن يحكم بالشريعة، وإذا فعل الحاكم ذلك، فإن الإخوان سيكونون له عوناً وسنداً.(/6)
أما الفهم المغلوط الذي خرج به (خامه يار) حول الحاكم عند أهل السنة والإخوان، وتصويرهم بأنهم مع جور السلطان وظلمه كما ذكر ذلك في مواضع كثيرة من الكتاب، فهو أمر منافٍ للواقع والحقائق، لا سيما وأن بعض الأقوال كانت تفتقد للعزو وذكر المصدر.
مما تأخذه الحركة الشيعية على جماعة الإخوان المسلمين أنها تصدت بقوة للغزو الشيوعي والماركسي الذي كان خطراً جسيماً على الشعوب الإسلامية في حقبة السيتنيات والسبيعنيات من القرن الماضي!!
كذلك من مؤاخذات الحركة الشيعية وإيران على جماعة الإخوان أنها "حركة إصلاحية محافظة، وليست حركة انقلابية" (ص189)، وأن سياستها تقوم على التربية والتثقيف والدعوة، وعدم جواز الخروج على الحاكم الظالم، واعتماد أساليب العمل السلمي، ومنه العمل البرلماني... (مع بعض الاستثناءات).
أما "الحركة الإسلامية الإيرانية" فإنها تشكك في هذا المنهج الإخواني، السلمي التربوي، متسائلة: "ما الذي أسفر عنه الأسلوبُ الإصلاحي التربوي للإخوان بعد خمسين سنة من تجربته؟ وإذا كنّا نتقبل جواب الإخوان على أنه لم يغير الحكومات، ولكنه خلق قاعدةً عريضة ودائمة، فإن سؤالاً آخر يطرح نفسه، وهو: هل يستحق هذا الأمر كل هذا الثمن الباهظ؟" (ص202).
وتحاول "الحركة الإسلامية الإيرانية" التدليل على صحة نهجها الثوري بانتصار الثورة على نظام الشاه سنة 1979م، وهي "ترتكز على الأصول الشيعية في عملها، وتتأثر بالأحداث التاريخية، وبالمظالم التي تعرض لها الشيعةُ على امتداد تاريخهم، وبالمعارضة التقليدية التي عرفوا بها حكام الجور والظلم، ويطلقون شعار (كل أرض كربلاء، كل يوم عاشوراء) مقتدين بالمنهج الدموي الذي سلكه الإمام الحسين في كربلاء، ويبقى الخيار مفتوحاً أمام زعماء هذه الحركة لاختيار الظروف الزمانية والمكانية المناسبة، واختيار أقصر الطرق لتحقيق هدفهم السامي" (ص 203).(/7)
وقول (خامه يار) السابق لا يدعُ مجالا للشك في خطورة الفكر الشيعي، وأنه لا يمكن الوثوقُ به، إذ يهدُف إلى إثارة الحركات السنية، وهو ما ثبت خطؤه وعدم جوازه شرعاً ولا جدواه عقلاً.
ومما يثير الاستغراب في هذا الصدد أن المؤلفَ برغم اعترافه بأن السياسات الإيرانية -من تشجيع التجمعات الشيعية على التمرد ودعم نشاطات التشييع في أوساط أهل السنة وظلم السنة في إيران- كانت سبباً في نفور أهل السنة من الثورة، إلاّ أنه يُحمّل الإخوان مسؤولية فتور العلاقات مع إيران، زاعمًا أنها انساقت وراء الدعاية "الوهابية" ضد الشيعة وإيران، وكأن إيران لا تتحمل مسؤوليةً إزاء نفور السنة والإخوان عن مذهبهم وثورتهم.
ويستمر المؤلفُ في تحميل الإخوان مسؤوليةَ ضعف الصلة مع الثورة؛ لأن الإخوان أخذوا على الثورة مواجهاتِها الدموية مع أعدائها، والأحكام التي أصدرتها المحاكم الثورية، واشتراط الدستور أن يكون رئيسُ الجمهورية شيعياً وإيرانيا، وتحديد نظام ولاية الفقيه كأسلوب للحكم في إيران وحاكمية فئة رجال الدين... (ص228)، وكأن المطلوب من جماعة الإخوان السمع والطاعة المطلقة لإيران، فهل يدركُ ذلك قادةُ الإخوان؟!
ومن المواقف المهمة لإيران تُجاه جماعة الإخوان، هو خِذلانهم في أحداث حماة حين قام النظام النصيرى البعثي بإبادة جماعة الإخوان المسلمين، ولم تحاول إيران أن توقف المجزرة على أقل تقدير، بل انحازت للنظام النصيري!! وهذا أمر يصرح به قادة الإخوان في سوريا.
وبهذا يتضح أن إيران تنظر لعلاقتها بجماعة الإخوان على أنها وسيلة لتحقيق مصالحها الشيعية، وليست علاقة نزيهة تقوم على أسس الوحدة وعاطفة الإسلام كما تتصور جماعة الإخوان، فهل يدرك الإخوان ذلك؟!
2 - موقف الشيعة من الإخوان:
يمكن الباحثَ الوقوفُ على الكثير من التصريحات والمواقف التي تكشف عن حقيقة نظرة الشيعة للإخوان المسلمين، ومنها:(/8)
1- أفتى الشيخ أحمد المهري الزعيم الشيعي البارز في الكويت بتحريم التبرّع لحركة حماس أو مساعدتها، مكرراً بلسانه الفتوى ثلاث مرات: حرام! حرام! حرام!، وفي ضمن الفتوى جملة من الافتراءات والأكاذيب والتخرصات والحقد الأسود الذي يطمس على العيون، وذلك سنة 2006م.
2- بعد أن طفح الكيل بالشيخ يوسف القرضاوي من الممارسات الشيعية الطائفية في العراق، التي أوغلت في القتل على الهوية فبلغ القتلى مئاتِ الألوف، أصدر بعضَ التصريحات المتأخرة دفاعاً عن هؤلاء الضعفاء والمساكين، فخرجت المنتدياتُ والمواقعُ الشيعية بسبّ القرضاوي الذي دافع دفاعَ المستميت عن حزب الله قبل بضعة أشهر من ذلك!
فهذا إدريس هاني -متشيع من المغرب- يخاطب القرضاوي قائلا: "وكنا ننتظر منكم أن تخرجوا من قصوركم المنعمة، ورفاهيتكم الفاحشة، وتذهبوا إلى العراق، وتقبلوا أن تتواضعوا، وتجلسوا مع السيد السيستاني على الحصير، وتأكلوا من يابس مأكوله، وتلطخوا أحذيتكم الملكية بالطين" و"أقول لك بأنك، بهذه الحركات المكوكية الطائفية، تجاوزتَ حدَّك، ومارستَ سلطانك الغاشم، وبدأت تتصرف كإمبراطور يصادر الأمةَ حقَّها في الاختلاف ويُكرهها بالضغط على تبني الرأي الواحد ويستهين بعقول الأمة.." ويقول: "نرجو أن تتعقلوا أكثر، وتخدموا التقريب والوحدة من طرقها الصحيحة، لا من طرق الاستبداد والتجديف والتهريج..".(/9)
هذا بعض كلامه على القرضاوي، مع أن (إدريس هاني) قال في بداية مقاله: "يشهد الله أنني حاولتُ أن أجتهد وسعي، لكي أتفهم ما جاء في تصريحكم خلال مؤتمر الحوار بين المذاهب الإسلامية الذي أنهى مؤخرا أشغاله في الدوحة.. وذلك لأنني أريد أن أصدق نفسي بأن ما يصدر عنكم هو نابع من تقدير خاطئ ومتسرع للأحداث، وليس وراءه نية سوء وتبييت مدبر. أتمنى أن أبقى على هذا الاعتقاد وأرفض سواه ولو كان هو الحقيقة المرة.. فلو أردت أن أقرأ تحركاتكم الأخيرة وأحللها حسب ما يفعل عادةً كلُّ مهجوس بداء المؤامرة الذي عافانا الله منه، لقلنا الكثير مما لا تحمد عقباه"!.
3- أما إذا ذهب القارئ في جولة في المنتديات الشيعية فسيجدُ السب والشتم لجماعة الإخوان، وخاصة لحركة حماس ووصفها بأنها وهابية، تكفيرية، إرهابية، ناصبية، معادية لشيعة آل البيت، كما سيجدُ اتهام قادة حماس التاريخيين؛ كالشيخ أحمد ياسين، والدكتور الرنتيسي بأنهم نواصب وكفار.
ولذلك أظهر الكثير من كتابهم الشماتةَ بمقتل الشيخ أحمد ياسين والرنتيسي، وتهنئة شارون على ذلك، إذ نقلت مواقعُ الإنترنت قولَ أحدهم أخزاه الله: "تسلم إيدك يا شارون"!!.
3 - موقف المتشيعين من الإخوان:
يعد موقفُ المتشيعين المصريين من الإخوان المسلمين في غاية السوء، دون مسوّغ واضح، وهو يتنوع من الشتم إلى التحقير والإزدراء، ورميهم بالخيانة لصالح الغرب، ناهيك عن التكفير والتخوين.(/10)
1- يقول د. أحمد راسم النفيس -وهو من أبرز قادة المتشيعين في مصر، وله مقال أسبوعي في صحيفة القاهرة، وكثيرًا ما يهاجم جماعة الإخوان في مقالاته، وزاد هجومُه عليهم بعد سيطرة حماس على غزة- في كتابه "رحلتى مع الشيعة والتشيع في مصر" يصرح أنه انضم إلى الإخوان لمدة 10 سنوات حتى بداية عام 1985م (ص 13)، وقد وصف سلوكهم بأنه هو" الفجور الأخلاقي الذي أدمنه هؤلاء الأفاكون" (ص 14)، كما يرى أن حسن البنا "هو أول من افتتح ثقافة العنف المعاصرة... وانتهى به الأمر لأن يقتل (رأساً برأس) وليس شهيداً كما يزعم الأفاقون ومزوّرو التاريخ المعاصر" (ص 17).
ويواصل النفيس (ص 26) توصيف فكر جماعة الإخوان بقوله: "الثابت أن منظّري الإخوان قد اتخذوا من ابن تيمية مرجعاً فقهياً لفتواهم الدموية، ذلك الفكر التكفيري الدموي الذي ما زال يترعرع ويتمدد في حماية هؤلاء الجهال المنتفخين".
2 - وفي كتابه "الجماعات الإسلامية محاولة استمساخ الأمة" (ص 120) يقول: "لعبت جماعة الإخوان دوراً رئيسا في تعقيد أزمة مصر"!! ويكرر (ص 193، 221) أن البنا مؤسس فكر التكفير. ويؤيد منع ترخيص جماعة الإخوان في مصر (ص 178).
وهذه برقيات سريعة من كتاب النفيس "الجماعات الاسلامية":
"بطل الكشافة مؤسس الإخوان" (ص 155).
ويقول عن الشيخ سعيد حوى: "فالرجل لم يكف عن إطلاق مدافعه الثقيلة على الأمة العليلة" (ص 54).
وعن مأمون الهضيبي يقول: "إنه نموذج للعامل على غير بصيرة، لم تزده شدة السير إلا بعداً عن الطريق الواضح" (ص 59).
ويصف المستشار البهنساوى بأنه "أحد محامي الضلال" (ص 255).
3 – أما الشيخ يوسف القرضاوي، فيفرد له النفيس مجلدًا خاصًا! بعنوان "القرضاوي وكيل الله أم وكيل بنى أمية؟"، ملأه بالطعن والشتم للقرضاوي بسبب كتابه "تاريخنا المفترى عليه"، وهذه بعض شتائم النفيس للقرضاوي: "منطق الشيخ المهترئ" و"الفتاوى الذي يتكسب هؤلاء السادة منه" (ص 90).(/11)
"الرجل متسق مع واقعه البائس وارتمائه في أحضان سلطة أموية عربية تعمل في خدمة الصليبية والصهيونية" (ص 91).
"وبعد أن ألقى الشيخ تلك القذيفة السامة" (ص 97).
4- أما صالح الورداني الزعيم المتشيع في مصر، المبشر بمذهب جديد! في كتابه "أزمة الحركة الإسلامية المعاصرة من الحنابلة إلى طالبان" فيقول عن جماعة الإخوان: "هم الذين أرضعوا التياراتِ الإسلامية الناشئة الفكرَ الوهابي الذي اكتووا بناره فيما بعد.." (ص 42)، ويتهم جماعة الإخوان أنهم "دخلوا في تحالف غير مباشر مع النظام البعثي العلماني ضد نظام إسلامي" (ص 77) ويقصد العراق وإيران!
أما سبب إخفاق الإخوان فهو يعود بحسب كلام الورداني إلى "البعد السلفي الذي حال بينهم وبين فقه الواقع فقهاً صحيحاً، وكان عبد الناصر أفقه به منهم" (ص 101).
وبعدُ..
فهذه هي الحقيقةُ التي يجب أن يعلمها الجميعُ، وخاصة جماعة الإخوان، وهي أن الشيعة لا يحبون أهل السنة حتى لو كانوا متعاطفين معهم كجماعة الإخوان المسلمين، وذلك أن كل من لا يؤمن بإمامة الاثني عشر، وأنها ركن من أركان الإسلام فهو كافر!!
فإذا كان هذا الكره والعدوان من الشيعة على جماعة الإخوان المسلمين المتعاطفة معهم، فكيف سيكون موقف الشيعة من بقية أهل السنة وخاصة غير المتعاطفين معهم؟؟
فلنكف عن تقديم الهدايا والأعطيات من التأييد والثناء والدفاع عن من لا يستحق ذلك، وهو في الحقيقة يضمر لنا العداوة والبغضاء.
ــــــــــــــــــــــــ
[1] مع أنه رحمه الله في عام 1977م، وقبل قيام ثورة الرافضة، كتب مقدمةً لكتاب ((الردة بين الأمس واليوم)) للشيخ كاظم حبيب قال فيه مؤلفه عن الشيعة الإمامية: (وهؤلاء برغم اعتدالهم فإنهم يسبحون في الكفر كما تسبح الكرات البيضاء في الدم أو كما يسبح السمك في البحر).(/12)
العنوان: مِيلاد (نصّ شعري)
رقم المقالة: 2017
صاحب المقالة: أحمد بن علي المنعي
-----------------------------------------
يسرّ قسم حضارة الكلمة في موقع الألوكة، أن يرحب بالشاعر المبدع المهندس/ أحمد بن علي المنعي، الذي أجاب دعوتنا – مشكوراً- للكتابة في هذا القسم، فأرسل بعض روائعه الشعرية، وسنقوم بنشرها هنا تباعاً، بمشيئة الله..
ونحن إذ سرّتنا هذه الاستجابة من الشاعر الفاضل، فإننا نرجو منه ومن جميع الإخوة والأخوات المبدعين في هذا الموقع أن يواصلوا نشر أدبيّاتهم هنا، دعماً للموقع وللثقافة الإسلامية والعربية الأصيلة.
ولنحلّق معًا في أجواء قصيدة (ميلاد) للشاعر م. أحمد المنعي:
مِيلاد ..
ظلمةُ الليلِ
طَريقٌ
ولَظَى صَدْرِيْ
مَطايَا
وأنا السَّارِيْ
طَعَامِيْ الهمُّ
والدمعُ
سِقَايا
أينما يممتُ وجهي
إلا
أسَايَا
فأنا..
وَجهٌ كئيبٌ
والدُّجَى حَوْلي
مَرَايا
ما لِدَرْبي!
كلمّا أبصرْتُهُ
ضَاعَتْ خُطَاي
ولماذا
كلما لملَمْتُنِي..
عُدْتُ
شَظايا؟!
ولماذا
دَمَعاتِي..
فوقَ خَدَّيَّ
عَرَايا
ضِقْتُ يا حالي
بحالي
ففضاءاتِي زَوَايا
ليتني
ما زلتُ طفلاً
أُلبِسُ الكونَ صِبَايا
أسْكِنُ الطلَّ شِفَاهي
أمنَحُ الزهْرَشَذَايا
وأنادي
للفراشاتِ..
فيسْبِقْنَ ندايا
فأنا الفارسُ وَحْدِي
والفَرَاشات صَبَايا
ليتني..
يا ليتَ لَيْتي..
بَذَلتْ إحْدَى مُنَايَا
ربِّ
قَدْ أهديْتَنِي
صَفْواًً
فضيّعْتُ الهدايا
ربِّ
والبهجةُ في قلبِيَ
قَدْ أمْسَتْ
حَكايا
ولقد رَانَ عَليهِ..
ظلُمُاتٌ
وخَطَايا
ربِّيَ انهارتْ صُرُوحي
مثلما
انهارتْ قوايَا
أيها النُّورُ
أغِثْنِي..
خنَقَ الصُّبْحَ
دُجاياَ
سيِّدِيْ..
عَبْدُكَ يَرْجُوكَ فلا تَخْذُلْ رَجَايَا
ربِّ
إنْ أعْرَضْتَ عَنْ سُؤْلِي..
ألا.. تبَّتْ يدايا
ارضَ عَنِّي يا مَلِيكِي..
فالرِّضَا مِنْكَ رِضَايَا
لا أرَى(/1)
العنوان: ناسخ ومنسوخ
رقم المقالة: 1620
صاحب المقالة: سارة السويعد
-----------------------------------------
الناسخ والمنسوخ: باب نُفصّله ومُفردتان ندرُسهما بدقة، لا يهتمُ بهما إلا من شُغف حُبَّ أصول الفقه أو بلي بدراستها، ولطالما ظن الدارس لهما خصوصيَّة مَحَلِّهما، وتوقَّع حُدُودَ مَفْهُومِهِما.
ولكنَّ الأَرِيبَ مَن فكَّرَ بِالعُمُومِ لا بالخصوص، وبالمدلول لا بالمنطوق.
•• تعال معي أيها القارئ بعيدًا عن الأصول والفصول وتفكر فيما أعنيه.
فحين نعرض صفحة أعمالنا خلال شهورنا القليلة الماضية نُصاب بالذهول، أيَّام مرَّت وساعات انقضت، أَذْهَبَتْ مِنْ أَعْمارِنا جزءًا.
وبعبارةٍ أَدَقّ:
إنجازات ومشروعات باتت في أرشفة الملفات.
طموحات وأمنيات ضاعت على أوراق ملونات.
بل حتى العبادات فقدت الهِمَّة والتجديد وفق السُّنَّة.
ما أحقر عيشَنا إن كنا نعيش كالهمج الرعاع، لا هَمَّ لنا إلا مأكل وملبس، غلاء الأسعار أتعبنا وهبوط الأسهم أشقانا، ومتطلباتنا وأهلونا أشغلتنا، والفتن من كل مكان تُصارعنا.
ثم نسأل أنفسنا: لِمَ لم نُحقّق ما تصبو إليه نُفوسنا؟ لِمَ نحن مُتراجعون دائمًا؟!!
مع أنَّ الأَوْلَى والأجدرَ بنا أن نُنجِز أكثر مما يُتوقَّع، وأن نُطبِّق أكبر مِمَّا يمكن، وأن نعمل بجد؛ لأنَّ بُغْيَتَنَا السباق الكبير إلى الفردوس، ثم حين نزيد في الأشهر أجزم أننا - وقد غالبتنا الدمعة - نهتف:
"أَيْنَ مَا نَرْجُوهُ مِنْ رَوْعَةِ الْعَطَاء؟!!
أَيْنَ مَا فَكَّرْنَا بِهِ السَّاعَاتِ الطِّوَال؟!!
أَيْنَ مَا كَانْ سَهْلاً خَفِيفًا؟!!"
وقد نسينا الركب وما جالدوه من شدة دنياهم وضنك عيشهم.
نسينا قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69].(/1)
نسينا قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن أوليائي منكم المتقون، لا يأتي الناس بالأعمال وتأتوني بالدنيا تحمِلُونَها على رقابكم؛ فتقولون: يا محمد فأقول: قد بَلَّغت))[1].
وأَيْنَ العزم الأكيد؟ كما قاله أبو مسلم الخولاني - رحِمه الله – لأصحابِه: "أيظن أصحابُ مُحَمَّد أن يستأْثِرُوا به علينا؟ والله لَنُزَاحِمَنَّهُمْ عليه حتى يعلموا أنهم قد خلفوا رجالا بعدهم".
هنا هنا يأتي دَوْرُ الناسخ لينسخ ما نَقَصَ قَدْرُه، وضعُف أجره، يأتي دَوْرُ الناسخ ليمحو بل يقذف بتباطؤ الأنفس واختزال القدرات.
يدعو نفوس المتعطّشين للصفاء والراغبين بالسباق: هَلُمُّوا إلى مرضاةِ الواحِد الدَّيَّان واسقوا غِراسَكُمْ في جنَّة المُتعَال.
ناسخ تعلو به نحو عليين، بريق ضيائه يهدي الحيارى وينشد العائدين.
يجلو بنقائه سواد الإهمال والتكاسل.
هو ليس بالصعب ما دام في العمر فُسحة، والأمل بالسعد منجاة.
فركعة في ليل تزيل همّ التقصير.
ودمعة في سَحَر ترفع الكسير.
وبسمة وإحسان تعلو بالأفق دون تشطير.
ختامًا:
بشراكم رمضان ناسخًا لكل قصورك ساميًا بك لمنجاتك.
"ومن يَتَوَخَّ الخيْرَ يُعْطَه، ومن يَتَوَقَّ الشَّرَّ يُوقَه".
ــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] حسنه الألباني فى السلسلة الصحيحة (رقم 765).(/2)
العنوان: نبذة عن الفتوى وأحكامها
رقم المقالة: 199
صاحب المقالة: د. سعد بن عبدالله الحميد
-----------------------------------------
نبذة عن الفتوى وأحكامها
تعريف الفتوى :
الفَتْوَى والفُتْيا هي: «ذِكْرُ الحُكْم المسؤول عنه للسَّائل»[1] ، أو: «هي جوابُ المفتي»[2] .
وهي بهذا التعريفِ تَشمل ما يتعلَّق بالسؤال عن الحكم الشرعيِّ وغيره، والمقصودُ بها هنا: ما يتعلَّق بالحكم الشرعيِّ.
يقال: «أَفتاهُ في المسألة يُفْتيه: إذا أجابَهُ. والاسم: الفَتْوى»[3] .
والحكمُ الشرعيُّ هو: «حكمُ الله تعالى المتعلِّقُ بأفعال المكلَّفين»[4] .
خطورة الإفتاء:
والفتوى من المناصب الإسلامية الجليلة، والأعمال الدينية الرفيعة، والمهامِّ الشرعية الجسيمة؛ يقومُ فيها المفتي بالتبليغِ عن ربِّ العالمين، ويُؤتمَنُ على شرعه ودينه؛ وهذا يقتضي حفظَ الأمانة، والصدقَ في التبليغ؛ لذا وُصِفَ أهلُ العلم والإفتاء بأنهم: ورثةُ الأنبياء والمرسلين، الْمُوقِّعون عن ربِّ العالمين، الواسطةُ بين الله وخَلْقه.
قال محمد بن المنكدر: «العالِمُ بين الله تعالى وخلقه، فلينظرْ كيف يدخلُ بينهم»[5] .
وقال النووي: «اعلم أن الإفتاءَ عظيمُ الخطر، كبيرُ الموقع، كثيرُ الفضل؛ لأن المفتيَ وارثُ الأنبياء صلواتُ الله وسلامه عليهم، وقائمٌ بفرض الكفاية، لكنه مُعَرَّضٌ للخطأ؛ ولهذا قالوا: المفتي مُوَقِّعٌ عن الله تعالى»[6] .
ويقولُ ابن القيم مبيِّنًا مكانةَ المفتي ومسؤوليتَهُ:(/1)
«وإذا كان منصبُ التوقيعِ عن الملوك بالمحَلّ الذي لا يُنكَر فضلُه، ولا يُجهل قَدْرُهُ؛ وهو من أعلى المراتب السَّنِيَّاتِ، فكيف بمنصب التوقيع عن ربِّ الأرض والسموات؟! فحقيقٌ بمَنْ أُقيم في هذا المنصب أن يُعِدَّ له عُدَّتَهُ، وأن يتأهَّب له أُهْبَتَهُ، وأن يعلم قَدْرَ المقام الذي أُقيمَ فيه، ولا يكونَ في صدره حَرَجٌ من قول الحق والصَّدْع به؛ فإن الله ناصرُهُ وهاديهِ، وكيف وهو المنصبُ الذي تولاَّه بنفسه ربُّ الأرباب؛ فقال تعالى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ}[النِّسَاء: 127]، وكفى بما تولاَّه الله تعالى بنفسه شرفًا وجلالة؛ إذ يقول في كتابه: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ}[النِّسَاء: 176].
ولْيَعْلَمِ المفتي عمَّن يَنُوبُ في فتواه، وَلْيُوقِن أنه مسؤولٌ غدًا وموقوفٌ بين يدَيِ الله»[7] .
حذر السلف من الفُتيا :
وكان من عادةِ السَّلَفِ الحذرُ من الفُتْيا والفَرَقُ منها:
قال عبدالرحمن بن أبي ليلى: «أدركتُ عشرين ومئةً من الأنصارِ مِن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسأل أحدُهم عن المسألةِ، فيردُّها هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا، حتى ترجعَ إلى الأوَّلِ»[8] .
وقال أيضًا: «لقد أدركتُ في هذا المسجدِ عشرين ومئةً من الأنصارِ مِن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدٌ منهم يُحدِّثُ حديثًا إلا وَدَّ أن أخاه كَفاهُ الحديثَ، ولا يُسأل عن فُتيا إلا وَدَّ أن أخاه كَفاهُ الفتيا»[9] .
وقال عطاء بن السائب: «أدركتُ أقوامًا إنْ كان أحدُهم لَيُسألُ عن الشيء، فيتكلَّم وإنه ليُرعَدُ»[10] .
وروى الأعمش، عن أبي وائلٍ شَقيقِ بن سلمة ؛ قال: قال عبدالله بن مسعود: «من أفتى الناسَ في كلِّ ما يستفتونه، فهو مَجنونٌ»[11] .(/2)
قال الأعمش[12] : قال ليَ الحَكَمُ[13] : «لو سمعتُ هذا الحديثَ منك قبل اليومِ؛ ما كنتُ أفتي في كثيرٍ مما كنتُ أفتي».
ورُوي عن ابن عباسٍ نحوُ قول ابن مسعود[14] .
وقال أبو حَصين عثمان بن عاصمٍ: «إنّ أحدَهم ليُفْتي في المسألةِ، ولو وَرَدَتْ على عمرَ بن الخطَّاب رضي الله عنه لجَمَع لها أهلَ بدرٍ!»[15] .
وكان مالك بن أنس يقولُ: «من أجاب في مسألةٍ، فينبغي من قبل أن يجيبَ فيها أن يعرضَ نفسَهُ على الجنةِ أو النارِ، وكيف يكونُ خلاصُه في الآخرةِ، ثم يجيبُ فيها»[16] .
قال النووي: «قال الصَّيْمَرِيُّ والخطيبُ: وقلَّ مَن حَرَصَ على الفُتْيا وسابَقَ إليها وثابَرَ عليها إلا قلَّ توفيقُهُ، واضطرب في أمره. وإن كان كارهًا لذلك غيرَ مُؤْثِرٍ له ما وَجد عنه مَنْدوحةً، وأحال الأمرَ فيه على غيره؛ كانت المعونةُ له من الله أكثرَ، والصَّلاحُ في جوابه أغلبَ.
واستدلاَّ بقولِه صلى الله عليه وسلم في الحديثِ الصحيح: "لا تسألِ الإمارةَ؛ فإنك إن أُعْطِيتَها عن مسألةٍ أُوكِلْتَ إليها، وإن أُعْطِيتَها عن غير مسألة أُعِنْتَ عليها" [17] [18] .
من صفات المفتي :
وقال النووي أيضًا: «وينبغي أن يكونَ المفتي ظاهرَ الوَرَع، مشهورًا بالدِّيانة الظاهرة، والصِّيانة الباهرة. وكان مالكٌ رحمه الله يعمل بما لا يُلْزِمُهُ الناسَ، ويقول: لا يكونُ عالمًا حتى يعملَ في خاصَّةِ نفسِهِ بما لا يُلزمه الناسَ ؛ مما لو تَرَكَهُ لم يأثمْ، وكان يحكي نحوَهُ عن شيخِه ربيعةَ» [19] [20] .(/3)
وينبغي للمُفْتي أن يكون حَذِرًا من تلبيسِ إبليس الذي لبَّس به على بعض المنتسبينَ إلى الفقه؛ فيما ذكره ابنُ الجوزي بقوله: «ومن ذلك: أن إبليسَ لبَّس عليهم بأنَّ الفقهَ وحده علمُ الشرعِ، ليس ثَمَّ غيرُهُ، فإن ذُكِر لهم مُحَدِّثٌ قالوا: ذاك لا يفهم شيئًا، وينسون أنَّ الحديثَ هو الأصلُ، فإن ذُكِر لهم كلامٌ يَلين به القلبُ قالوا: هذا كلام الوُعَّاظ. ومن ذلك: إقدامُهم على الفَتْوى وما بلغوا مرتبتَها، وربما أفتَوا بواقعاتهم المخالفةِ للنصوصِ، ولو توقَّفوا في المشكلات كان أولى»[21] .
أدب المفتي والمستفتي :
ومن الآداب التي كان المفتي والمستفتي من السلف يَتَحَلَّون بها : تركُ السؤال والجواب عمَّا لم يَقَعْ، وعما لا يحتاجُ إليه الإنسان، وعما لم يُفْرَضْ، ولم يكلِّفْنا الله تعالى به ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، وما قد يكونُ فيه تشديدٌ على السائل، أو إساءةٌ له:
فقد أخرج مسلم في «صحيحه»[22] من رواية محمد بن زياد، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خَطَبنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يأيها الناسُ قد فرَضَ الله عليكم الحجَّ فحُجُّوا"، فقال رجل: أَكُلَّ عام، يا رسول الله؟ فسكَتَ، حتى قالها ثلاثًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو قلتُ: نعم، لوَجَبَتْ، ولما استَطَعْتُم"، ثم قال: "ذَروني ما تَركتُكُم، فإنما هَلَكَ من كان قَبلَكُم بسؤالهم واختِلافِهم على أنبيائهم، فإذا أمرتُكُم بشيءٍ فَأْتُوا منه ما استَطَعتُم، وإذا نَهيتُكُم عن شيءٍ فدَعُوه".
وخرَّجه الدارقطني من وجه آخر مختصرًا وقال فيه: فنزل قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ...} [المَائدة: 101] [23] .(/4)
وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رجل: مَنْ أبي؟ فقال: «فُلان»، فنزلت هذه الآية: {لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ...}[24] .
وقد ذكر الحافظُ ابن رجب رحمه الله هذه الأحاديثَ وغيرها، في «جامع العلوم والحكم»[25] ، وفصَّل في الكلام فيها تفصيلاً جيِّدًا ننقلُه بتمامه مع شيءٍ من التصرُّف؛ يقول رحمه الله:
«فدلَّت هذه الأحاديث على النَّهْي عن السؤال عما لا يُحتاج إليه مما يسوءُ السائلَ جوابُه؛ مثلُ سؤال السائل: هل هو في النار، أو في الجنة؟ وهل أبوه مَن يَنتسب إليه، أو غيرُه؟ وعلى النَّهْي عن السؤال على وجه التَّعَنُّت والعبث والاستهزاء؛ كما كان يفعلُهُ كثيرٌ من المنافقين وغيرهم.
وقريبٌ من ذلك سؤالُ الآيات واقتراحُها على وجه التَّعَنُّت، كما كان يسأله المشركون وأهلُ الكتاب، وقد قال عكرمةُ وغيره: إن الآيةَ نزلت في ذلك.
ويقربُ من ذلك: السؤالُ عما أخفاه الله عن عباده ولم يُطلِعهم عليه؛ كالسؤال عن وقت الساعة، وعن الرُّوح.
ودلَّت أيضًا على نهي المسلمين عن السؤال عن كثيرٍ من الحلال والحرام مما يُخشى أن يكونَ السؤالُ سببًا لنزول التشديد فيه؛ كالسؤال عن الحجِّ: هل يجبُ كلَّ عام أم لا؟
وفي الصحيح عن سعد رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن أعظمَ المسلمين في المسلمين جُرْمًا: من سأل عن شيءٍ لم يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ من أجل مسألته"[26] .
ولما سُئل النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن اللِّعان، كره المسائلَ وعابَها، حتى ابتُلي السائلُ عنه قبل وقوعه بذلك في أهلِه[27] .
وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم ينهى عن قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال[28] .(/5)
ولم يكن النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُرَخِّصُ في المسائل إلا للأعراب ونحوهم من الوفُود القادمين عليه؛ يتألَّفُهم بذلك، فأما المهاجرونَ والأنصارُ المقيمون بالمدينة الذين رَسَخَ الإيمان في قلوبهم فنُهوا عن المسألة؛ كما في «صحيح مسلم»[29] عن النوَّاس بن سَمْعان قال: أقمتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة سنةً، ما يمنَعُني من الهجرة إلا المسألةُ؛ كان أحدُنا إذا هاجرَ لم يسألِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم[30] .
وفيه أيضًا[31] عن أنس قال: نُهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيءٍ، فكان يُعْجبنا أن يجيءَ الرجلُ من أهل البادية العاقلُ فيسأله ونحن نسمع....
وأشار رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إلى أن في الاشتغالِ بامتثال أمره واجتناب نهيه شُغلاً عن المسائل، فقال: "إذا نهيتُكُم عن شيءٍ فاجتَنبُوه، وإذا أمرتُكُم بأمرٍ فَأْتُوا منه ما استَطَعتُم".
فالذي يتعيَّن على المسلم الاعتناءُ به والاهتمامُ: أن يبحثَ عما جاء عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ثم يجتهدَ في فَهْم ذلك والوقوف على معانيه، ثم يشتغلَ بالتصديق بذلك إن كانَ من الأمور العِلميَّة، وإن كان من الأمور العَمليَّة؛ بذل وُسعَه في الاجتهاد في فعل ما يستطيعُه من الأوامر، واجتناب ما يُنْهى عنه، وتكون هِمَّته مصروفةً بالكُلِّيَّةِ إلى ذلك، لا إلى غيره.
وهكذا كان حالُ أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسانٍ في طلب العلم النافع من الكتاب والسنة.
فأما إن كانت همَّةُ السامع مصروفةً عند سماع الأمر والنهي إلى فرض أمورٍ قد تقَعُ وقد لا تقع؛ فإن هذا مما يدخُل في النهي، ويُثَبِّط عن الجِدِّ في متابعة الأمر.(/6)
وقد سأل رجلٌ ابنَ عمر عن استلام الحجر؟ فقال له: رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يستلمه ويُقَبِّله. فقال له الرجل: أرأيتَ إن غُلبتُ عنه؟ أرأيتَ إن زُوْحِمْتُ؟ فقال له ابن عمر: اجعل «أرأيتَ» باليَمَن، رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبِّله. خرجه الترمذي[32] .
ومراد ابن عمر: ألاَّ يكون لك هَمٌّ إلاَّ في الاقتداء بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولا حاجةَ إلى فَرْض العَجْز عن ذلك أو تَعَسُّره قبل وقوعه ؛ فإنه يفتر العزم عن التَّصميم على المتابعة؛ فإن التَّفَقُّهَ في الدين، والسؤالَ عن العلم إنما يُحْمَد إذا كان للعمل، لا للمِراء والجِدال.
وقد رُويَ عن عليٍّ رضي الله عنه أنه ذَكَر فتنًا تكونُ في آخر الزمان، فقال له عمر: متى ذلك يا عليُّ؟ قال: إذا تُفُقِّه لغير الدِّين، وتُعُلِّم لغير العمل، والتُمِسَت الدنيا بعمل الآخرة[33] .
وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه أنه قال: كيف بكم إذا لَبِسَتْكُمْ فتنةٌ يربو فيها الصغير، ويَهرم فيها الكبير، وتُتَّخَذُ سُنَّة، فإن غُيِّرَت يومًا قيل: هذا منكر؟ قالوا: ومتى ذلك؟ قال: إذا قَلَّتْ أُمناؤكم، وكَثُرت أُمراؤكم، وقَلَّت فقهاؤكم، وكَثُرت قُرَّاؤكم، وتُفُقِّه لغير الدين، والتُمِست الدنيا بعمل الآخرة. خرجهما عبدالرازق في كتابه[34] .
ولهذا المعنى كان كثيرٌ من الصحابة والتابعينَ يكرهون السؤالَ عن الحوادث قبل وُقُوعها، ولا يجيبونَ عن ذلك:
قال عمرو بن مُرَّة: خرج عمرُ على الناس، فقال: أُحَرِّج عليكم أن تسألونا عَمَّا لم يكن ؛ فإنَّ لنا فيما كان شُغلاً[35] .
وعن ابن عمر قال: لا تسألوا عَمَّا لم يكن؛ فإني سمعتُ عمرَ لعن السائلَ عَمَّا لم يكن[36] .
وكان زيدُ بن ثابت إذا سُئِل عن الشيء يقولُ: كان هذا؟ فإن قالوا: لا، قال: دَعوهُ حتى يكونَ[37] .(/7)
وقال مسروق: سألت أُبَيَّ بن كعب عن شيءٍ؟ فقال: أكان بعدُ؟ فقلت: لا، فقال: أَجِمَّنا - يعني: أَرِحْنا - حتى يكونَ، فإذا كان اجتهَدنا لك رأينا[38] .
وقال الشعبي: سُئِلَ عَمَّار عن مسألة، فقال: هل كان هذا بعدُ؟ قالوا: لا، قال: فَدَعونا حتى يكون، فإذا كان تَجَشَّمْناه لكم[39] .
وعن الصَّلْت بن راشد قال: سألت طاوسًا عن شيءٍ؟ فانتهرني وقال: أكان هذا؟ قلتُ: نعم، قال: آلله؟ قلتُ: آلله، قال: إن أصحابنا أخبرونا عن معاذ ابن جبل: أنه قال: أيها الناسُ، لا تَعْجَلوا بالبلاء قبل نُزوله فيذهبَ بكم هاهنا وهاهنا، فإنكم إن لم تعجَلوا بالبلاء قبل نُزوله، لم يَنْفَكَّ المسلمونَ أن يكونَ فيهم مَنْ إذا سُئل سُدِّد، أو قال: وُفِّق[40] ...
وقد انقسم الناسُ في هذا الباب أقسامًا:
فمِنْ أتباع أهل الحديث مَن سَدَّ بابَ المسائل حتى قَلَّ فهمُه وعلمه لحدود ما أنزل الله على رسوله، وصار حاملَ فقهٍ غيرَ فقيه.
ومِن فقهاء أهل الرأي مَن توسَّع في توليدِ المسائل قبل وقوعها، ما يقعُ في العادة منها وما لا يقع، واشتغلوا بتكَلُّف الجواب عن ذلك وكثرة الخصومات فيه، والجِدال عليه؛ حتى يتولَّدَ من ذلك افتراقُ القلوب، ويستقرَّ فيها بسببه الأهواءُ والشَّحناءُ والعداوةُ والبغضاءُ، ويقترنُ ذلك كثيرًا بنيَّة المغالبة وطلب العُلوِّ والمباهاة وصرفِ وجوه الناس، وهذا مما ذَمَّه العلماءُ الربانيُّون، ودلَّت السنة على قُبْحه وتحريمه.(/8)
وأما فقهاءُ أهل الحديث العاملون به: فإنَّ مُعْظَمَ هَمِّهم البحثُ عن معاني كتاب الله عز وجلَّ، وما يُفَسِّره من السنن الصحيحة وكلام الصَّحابة والتابعين لهم بإحسان، وعن سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعرفة صحيحها وسقيمها، ثم التفقُّهُ فيها وتفهُّمُها والوقوفُ على معانيها، ثم معرفةُ كلام الصحابة والتابعينَ لهم بإحسان في أنواع العلوم من التفسير والحديث، ومسائل الحلال والحرام، وأصول السنة والزُّهد والرقائق وغير ذلك، وهذا هو طريقُ الإمام أحمدَ ومن وافقَهُ من علماء الحديث الربَّانيين، وفي معرفة هذا شغلٌ شاغلٌ عن التَّشاغل بما أُحدِث من الرأي مما لا يُنتفَع به ولا يقع، وإنما يورث التجادلُ فيه كثرةَ الخصومات والجدال، وكثرةَ القيل والقال، وكان الإمامُ أحمد كثيرًا إذا سئل عن شيءٍ من المسائل المولَّدات التي لا تقَعُ يقول: دعونا من هذه المسائل المُحدَثَة.
وما أحسنَ ما قاله يونس بن سليمان السَّقَطيُّ: نظرتُ في الأمر فإذا هو: الحديث، والرأي؛ فوجدتُّ في الحديث: ذكرَ الرب عز وجل وربوبيَّته وإجلالَه وعظمتَه، وذكرَ العرش، وصفةَ الجنة والنار، وذكرَ النبيين والمرسلينَ، والحلال والحرام، والحثَّ على صلة الأرحام، وجماع الخير فيه، ونظرتُ في الرأي فإذا فيه: المكر، والغدر، والحِيَل، وقطيعة الأرحام، وجماع الشرِّ فيه![41] .
وقال أحمد بن شَبُّوْيَه: من أراد علمَ القبر فعليه بالآثار، ومن أراد علم الخُبْز فعليه بالرأي[42] .(/9)
ومن سلك طريقَهُ لطلب العلم على ما ذكرناه تَمكَّن من فهم جواب الحوادث الواقعة غالبًا ؛ لأن أصولَها توجد في تلك الأصول المشارِ إليها، ولابدَّ أن يكونَ سلوكُ هذا الطريق خلفَ أئمةِ أهله المجمَع على هدايتهم ودرايتهم؛ كالشافعيِّ وأحمدَ وإسحاقَ وأبي عبيدٍ، ومَن سلك مسلكهم؛ فإن من ادَّعى سلوكَ هذا الطريق على غير طريقهم وقعَ في مفاوزَ ومهالكَ، وأخذ بما لا يجوز الأخذ به، وتركَ ما يجبُ العمل به.
ومِلاكُ الأمرِ كلِّه: أن يقصدَ بذلك وجهَ الله والتقرُّبَ إليه؛ بمعرفة ما أنزله على رسوله، وسلوكِ طريقه، والعمل بذلك، ودعاءِ الخلق إليه، ومن كان كذلك وفَّقَه الله وسدَّده، وألهمه رُشْدَه، وعلَّمه ما لم يكن يعلم، وكان من العلماء الممدوحينَ في قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[فَاطِر: 28]، ومن الراسخينَ في العلم....
قال نافعُ بن يزيد: يقال: الراسخون في العلم: المتواضعونَ لله، المتذلِّلونَ لله في مَرْضاته، لا يتعاظَمون على مَن فوقهم، ولا يَحْقِرون مَن دونهم[43] .
ويشهدُ لهذا قولُ النبي صلى الله عليه وسلم: "أتاكم أهلُ اليمن، هُمْ أَبَرُّ قلوبًا، وأَرَقُّ أفئِدَةً، الإيمانُ يَمانٍ، والفقهُ يَمانٍ، والحكمةُ يمانيَّة"[44] . وهذا إشارةٌ منه إلى أبي موسى الأشعري ومَن كان على طريقه من علماء أهل اليَمَن، ثم إلى مثل أبي مسلمٍ الخَوْلانيِّ، وأُوَيس القَرَني، وطاوس، ووَهْب بن مُنَبِّه، وغيرهم من علماء أهل اليمن، وكُلُّ هؤلاء من العلماء الربانيِّين الخائفين لله، وكلُّهم علماءُ بالله يخشونه ويخافونه، وبعضُهم أوسع علمًا بأحكام الله وشرائع دينه من بعض، ولم يكن تميُّزهم عن الناس بكثرة قيلٍ وقال، ولا بحثٍ ولا جدال.(/10)
وكذلك معاذُ بن جبل رضي الله عنه أعلمُ الناسِ بالحلال والحرام[45] ، وهو الذي يُحشَر يوم القيامة أمامَ العلماءِ بِرَتْوَةٍ[46] ، ولم يكن علمُه بتوسعة المسائل وتكثيرها، بل قد سبق عنه كراهةُ الكلام فيما لم يقَعْ، وإنما كان عالماً بالله، وعالماً بأصول دينه.
وقد قيل للإمام أحمد: مَن نسألُ بعدكَ؟ قال: عبدَالوهَّاب الورَّاقَ. قيل له: إنه ليس له اتِّساعٌ في العلم. قال: إنه رجلٌ صالح، مثله يوفَّق لإصابة الحقِّ[47] .
وسُئل عن معروفٍ الكَرْخيِّ؟ فقال: كان معه أصلُ العلم: خشيةُ الله[48] .
وهذا يرجعُ إلى قول بعض السَّلَف: كفى بخشيةِ الله علمًا، وكفى بالاغترارِ بالله جهلاً[49] .
وهذا بابٌ واسعٌ يطول استقصاؤه، ولنرجِعْ إلى شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه[50] ، فنقول: من لم يشتغل بكثرة المسائل التي لا يوجد مثلُها في كتابٍ ولا سُنة، بل اشتغل بفَهْم كلام الله ورسوله، وقَصْدُهُ بذلك امتثالُ الأوامر واجتنابُ النواهي- فهو ممن امتثل أمرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، وعملَ بمقتضاه.
ومن لم يكن اهتمامُه بفهم ما أنزلَ الله على رسوله، واشتغلَ بكثرة توليد المسائل قد تقَعُ وقد لا تقَعُ، وتكلَّف أجوبتَها بمجرَّد الرأي - خُشِيَ عليه أن يكونَ مخالفًا لهذا الحديث، مرتكبًا لنَهْيه، تاركًا لأمره.
واعلم أن كثرةَ وقوع الحوادث التي لا أصلَ لها في الكتاب والسنة، إنما هو مِن تَرْكِ الاشتغال بامتثال أوامر الله ورسوله، واجتناب نواهي الله ورسوله؛ فلو أن مَن أراد أن يعملَ عملاً سأل عمَّا شرعه الله في ذلك العمل فامتثله، وعمَّا نهى عنه فيه فاجتنبه، وقعت الحوادثُ مقيَّدةً بالكتاب والسنة. وإنما يعمل العاملُ بمقتضى رأيه وهواه، فتقَعُ الحوادثُ عامَّتُها مخالفةً لما شرعه الله، وربما عَسُر ردُّها إلى الأحكام المذكورة في الكتاب والسنة؛ لبُعدِها عنها.(/11)
وفي الجملة: فمن امتثَلَ ما أمر به النبيُّ صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، وانتهى عمَّا نهى عنه، وكان مشتغلاً بذلك عن غيره - حصلَ له النَّجاةُ في الدنيا والآخرة. ومن خالف ذلك، واشتغلَ بخواطره وما يَستحسِنُه، وقع فيما حذَّر منه النبيُّ صلى الله عليه وسلم من حال أهل الكتاب الذين هلكوا بكثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم، وعدم انقيادهم وطاعتهم لرسُلُهم». انتهى كلامُ ابن رجب رحمه الله.
هل تَتَغَيَّر الفتوى بِتَغَيُّر الزمان والمكان ؟
يشهدُ العالمُ الإسلاميُّ في هذا العصر انبهارًا بالغرب وقوَّته وحضارته المادية، وأفضى بهم هذا الانبهارُ إلى اللَّهَثِ وراءه في مادِّيَّاته، والإخلادِ إلى الأرض، إلا من شاء الله منهم.
وفُتحت على المسلمين كلِّهم أبوابٌ من شَهَوات الدنيا وفتنتها بما فيها من حلالٍ وحرام، وأصبح الذي يتحرَّى ما أباح الله له ويحذَرُ مما حرُم كالقابض على الجمرِ. وزاد الطينَ بِلَّةً ظهورُ عددٍ غيرِ قليلٍ من المفتين الذين وَجدوا في خلافِ العلماءِ - في بعض مسائل الخلافِ - سَعةً في التلفيق بين المذاهب؛ والخروج بفقهٍ مُلَفَّقٍ؛ تُحْشَرُ فيه رُخَصُ العلماء؛ لِتُشَكِّلَ مذهبًا جديدًا؛ تيسيرًا على المسلمين - زعموا - مع غضِّ النظر عمَّا يُؤَيِّده الدليلُ من عدمه!(/12)
وقد ذكر أبو إدريس عائذُ الله بن عبدالله الخَوْلاني رحمه الله: أنه أخبره يزيد بن عَميرة صاحبُ معاذ: أن معاذًا رضي الله عنه كان يقول - كلَّما جَلَسَ مَجْلِسَ ذِكْرٍ -: اللهُ حَكَمٌ عَدْلٌ، تبارك اسمُه، هَلَكَ المرتابون. فقال معاذُ بن جبل يومًا في مجلسٍ جلسه: وراءكم فتنٌ يَكثُر فيها المالُ، ويُفتح فيها القرآنُ حتى يأخذَهُ المؤمنُ والمنافق، والحُرُّ والعبدُ، والرجلُ والمرأةُ، والكبيرُ والصغيرُ، فيوشك قائلٌ أن يقولَ: فما للناسِ لا يتَّبعوني[51] وقد قرأتُ القرآن؟! واللهِ ما هم بمتبعيَّ حتى أبتدعَ لهم غيره. فإياكم وما ابتُدِع؛ فإنّ ما ابتُدع ضلالةٌ، واحذروا زيغةَ الحكيمِ؛ فإن الشيطانَ قد يقولُ كلمةَ الضلالِ على فم الحكيمِ، وقد يقولُ المنافقُ كلمة الحقِّ. قال: قلتُ له: وما يُدريني - يرحمك الله - أنّ الحكيمَ يقولُ كلمة الضلالةِ، وأن المنافقَ يقولُ كلمة الحقِّ؟! قال: اجتنب من كلام الحكيم المشتبهاتِ التي تقولُ: ما هذه؟ ولا يُنْئِيَنَّكَ ذلك منه؛ فإنه لعلَّه أن يراجعَ ويلقى الحقَّ إذا سمعه؛ فإنّ على الحقِّ نورًا.اهـ[52] .
ووجد هؤلاء وغيرُهم قولَ بعض أهل العلم: «إن الفتوى قد تَتَغَيَّر بِتَغَيُّر الزمان والمكان والأحوال والنيَّات والعوائد»، فَفُتِنوا بهذا القول، وظنوا أنهم يَسَعُهم الخروجُ من ثِقَلِ التكاليف الشرعية متى أرادوا، وصار هناك دَوِيٌّ للمطالبة بتجديدِ «الخطاب الديني»! مع أن العلماءَ الذين أطلقوا هذا القولَ قصدوا به معنًى غيرَ المعنى الذي يذهَبُ إليه هؤلاء؛ فالأحكامُ الكليةُ الثابتةُ في حقِّ الْمُكَلَّفين لا يعتريها التغييرُ أو التبديلُ ؛ فليس المراد بِتَغَيُّر الفتوى تغيرَ هذه الأحكام، وتبدُّلَها من حلالٍ إلى حرام، ومن أمرٍ إلى نهي، أو عكس ذلك، ونحوه؛ وإنما المقصودُ تغيُّر تنزيلِ الحكم الشرعي بِتَغَيُّر أحوال النازلة بالمسلمين زمانًا ومكانًا وأشخاصًا .(/13)
قال الشاطبيُّ رحمه الله وهو يتحدَّث عن كمال الشريعةِ، وعمومِها، وثباتها: «فلذلك لا تجد فيها بعدَ كمالها نسخًا، ولا تخصيصًا لعمومها، ولا تقييدًا لإطلاقها، ولا رفعًا لحُكْمٍ من أحكامها؛ لا بحسَب عموم المكلَّفين، ولا بحسَب خصوص بعضهم، ولا بحسَب زمانٍ دون زمان، ولا حالٍ دون حال، بل ما أُثْبِتَ سببًا فهو سببٌ أبدًا لا يرتفع، وما كان شرطًا فهو أبدًا شرطٌ، وما كان واجبًا فهو واجبٌ أبدًا، أو مندوبًا فمندوبٌ، وهكذا جميعُ الأحكام؛ فلا زوالَ لها ولا تَبدُّل، ولو فُرض بقاءُ التكليف إلى غير نهايةٍ لكانتْ أحكامُها كذلك»[53] .
ومن أوائل من عُرِف عنه ذكر تغيُّر الفتوى بِتَغَيُّر الزمان: ابنُ القيِّم رحمه الله، ومع ذلك فهو يقول: «الأحكام نوعان: نوع ٌ لا يَتغيّرُ عن حالةٍ واحدة هو عليها، لا بحسَب الأزمنة ولا الأمكنة، ولا اجتهادِ الأئمة؛ كوجوبِ الواجبات، وتحريمِ المحرَّمات، والحدودِ المقررة بالشرعِ على الجرائمِ، ونحوِ ذلك؛ فهذا لا يتطرَّق إليه تغييرٌ، ولا اجتهادٌ يخالف ما وُضع عليه.
والنوع الثاني : ما يَتغيَّرُ بحسَب اقتضاء المصلحةِ له زمانًا ومكانًا وحالاً؛ كمقاديرِ التعزيرات، وأجناسها، وصفاتها؛ فإن الشَّرعَ يُنوِّع فيها بحسَب المصلحة»[54] .اهـ.(/14)
قال الشيخ علي حيدر في «درر الحكام شرح مجلة الأحكام»[55] : «إن الأحكام التي تَتَغَيَّر بِتَغَيُّر الأزمان هي الأحكام المستنِدةُ على العرفِ والعادةِ; لأنه بِتَغَيُّر الأزمان تَتَغَيَّرُ احتياجاتُ الناس، وبناءً على هذا التغيُّرِ يتبدَّلُ أيضًا العرفُ والعادةُ، وبِتَغَيُّر العرفِ والعادة تَتَغَيَّر الأحكامُ حسبما أوضَحْنا آنفًا، بخلافِ الأحكام المستندة على الأدلَّةِ الشرعية التي لم تُبْنَ على العرف والعادة؛ فإنها لا تَتَغَيَّر. مثال ذلك: جزاءُ القاتل العامد: القتلُ، فهذا الحكم الشرعيُّ الذي لم يستند على العرف والعادة لا يتغير بِتَغَيُّر الأزمان. أما الذي يتغير بِتَغَيُّر الأزمان من الأحكام، فإنما هي المبنيَّة على العرف والعادة، كما قلنا، وإليك الأمثلةَ:
كان عند الفقهاءِ المتقدمين: أنه إذا اشترى أحدٌ دارًا اكتفى برؤيةِ بعض بيوتها[56] ، وعند المتأخرين: لابدَّ من رؤيةِ كلِّ بيتٍ منها على حِدَتِهِ، وهذا الاختلافُ ليس مستنِدًا إلى دليلٍ، بل هو ناشئٌ عن اختلاف العرف والعادة في أمر الإنشاء والبناء؛ وذلك أن العادةَ قديمًا في إنشاء الدور وبنائها: أن تكونَ جميعُ بيوتها متساويةً وعلى طِرازٍ واحد، فكانت على هذا رؤيةُ بعض البيوت تُغْني عن رؤية سائرها، وأما في هذا العصر: فإذا جرت العادةُ بأنَّ الدار الواحدةَ تكون بيوتها مختلفةً في الشكل والحجم لزم عندَ البيع رؤيةُ كلٍّ منها على الانفرادِ».
ومثَّل الشيخُ مصطفى الزَّرْقا لهذه القاعدة بقوله:
«لما نَدَرت العدالةُ وعَزَّت في هذه الأزمان، قالوا بقَبول شهادة الأمثَل فالأمثل، والأقل فجورًا فالأقل ...، وجوَّزوا تحليفَ الشهود عند إلحاح الخَصْمِ، وإذا رأى الحاكمُ ذلك؛ لفساد الزمان»[57] .
وذكر الدكتور محمد الزُّحَيلي بعضَ الضوابط لتلك الأحكام التي تتغيَّر بتغيُّر الأزمان والأشخاص، فقال:(/15)
(1) إن الأحكامَ الأساسيةَ الثابتةَ في القرآن والسنة والتي جاءت الشريعةُ لتأسيسها بنصوصها الأصليَّة: الآمرة والناهية - كحُرْمَة الظلم، وحرمة الزِّنى والربا، وشرب الخمر والسَّرقة، وكوجوب التراضي في العَقْد، ووجوب قمع الجرائم وحماية الحقوق - فهذه لا تَتبدَّلُ بتبدُّلِ الزمان، بل هي أصولٌ جاءت بها الشريعةُ لإصلاح الزمان والأجيال، وتَتَغَيَّر وسائلُها فقط.
2) إن أركان الإسلام وما عُلم من الدين بالضَّرورة لا يتغيَّر ولا يتبدل، ويبقى ثابتًا كما ورد، وكما كان في العصر الأول؛ لأنها لا تَقْبَل التبديلَ والتغييرَ.
3) إن جميعَ الأحكامِ التعبُّديةِ التي لا مجالَ للرأي فيها ولا للاجتهاد، لا تقبل التغييرَ ولا التبديل بتبدُّلِ الأزمان والأماكن والبلدان والأشخاص.
4) إن أمورَ العقيدة أيضًا ثابتةٌ لا تَتَغَيَّر ولا تتبدَّلُ ولا تقبلُ الاجتهادَ، وهي ثابتةٌ منذ نزولها ومن عَهْد الأنبياء والرسل السابقين، حتى تقومَ الساعة، ولا تَتَغَيَّر بِتَغَيُّر الأزمان»[58] .
وبهذا يتضح أنه لا إشكالَ في هذه القاعدة، وأنه لا حُجَّةَ فيها لمن يريدُ إباحةَ الربا أو الاختلاط مثلاً، أو إلغاءَ الحدود والعقوبات؛ لتغيُّرِ الزمان؛ فإن هذه الأمورَ المذكورةَ ثابتةٌ بالنصوص الواضحة من الكتاب والسنة، فلا مجالَ لتغييرها أو تبديلِها، إلا أن ينخلعَ الإنسانُ من دينه رأسًا[59] .(/16)
وليس في قاعدة «تغيُّر الفتوى بتغيُّر الزمان والأحوال» جديدٌ سوى اسمها، وإلا فالكبيرُ والصغيرُ من المسلمين يعلمونَ في الجملة أنَّ مِن الناس مَن يُعذَر في بعض الأحكام، ومنهم من يُعذَر في بعض أحواله دون بعض؛ كالمسافر، والمريض؛ حين يكونُ الفطرُ في رمضان في حقهما رخصةً، وقد يكونُ واجبًا إذا شقَّ عليهما الصومُ ولحقهما منه ضررٌ. والأصلُ في هذا كلِّه قوله صلى الله عليه وسلم: "دعوني ما تركتكُم؛ إنما أهلكَ مَن كان قبلَكُم سؤالُهم واختلافُهم على أنبيائهم، فإذا نهيتُكُم عن شيء فاجتَنبوه، وإذا أمرتُكُم بأمرٍ فَأْتُوا منه ما استطَعتُم"[60] .
وكذا النصوصُ الشرعية الأُخرى التي فيها التأكيدُ على مراعاة المصالح والمفاسدِ؛ مثل أن يكونَ فعلُ الشيء سنَّة، ويُترك لما يُخاف من ترتُّب مفسدةٍ عليه؛ كما في قوله صلى الله عليه وسلم لعائشةَ رضي الله عنها: "لولا أن قَومَكِ حَديثُو عَهْدٍ بجاهِليَّة - أو قال: بكُفْر - لأنفَقْتُ كنزَ الكعبةِ في سَبيلِ الله، ولجَعَلتُ بابَها بالأرضِ، ولأدخَلتُ فيها من الحِجْرِ"[61] .
وعلى هذا يُحمل ما رواه سالمُ بن أبي الجَعْد عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: أتاه رجلٌ فقال: يا أبا عباس، أرأيتَ رجلاً قتل مؤمنًا متعمِّدًا، ما جَزاؤه؟ قال: {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ...} [النِّسَاء: 93]. قال: أرأيتَ إن تاب وآمنَ وعمل صالحًا ثم اهتدى؟ فقال: وأنَّى له التوبةُ؟ ثَكِلَتْكَ أمُّك! إنه يجيءُ يومَ القيامة آخذًا برأسه تَشْخَبُ أوداجُهُ حتى يقفَ به عندَ العرشِ فيقولُ: يا ربِّ، سَلْ هذا فيم قتلني[62] ؟!. اهـ.(/17)
وقد ذكر النوويُّ رحمه الله حديثَ ابن عباس هذا في «روضة الطالبين»[63] وعنون له بقوله: «فرع : للمفتي أن يُشدِّدَ في الجوابِ بلفظٍ مُتَأَوَّلٍ عنده؛ زجرًا وتهديدًا، في مواضع الحاجة»، ثم أوضح ذلك بقوله: «قلتُ: المرادُ: ما ذكره الصَّيْمَرِيُّ وغيره ؛ قالوا: إذا رأى المفتي المصلحةَ أن يقولَ للعاميِّ ما فيه تغليظٌ، وهو لا يعتقدُ ظاهره، وله فيه تأويلٌ - جازَ؛ زجرًا؛ كما رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه سُئل عن توبة القاتل؟ فقال: لا توبةَ له. وسأله آخَرُ؟ فقال: له توبة. ثم قال: أما الأولُ فرأيتُ في عينيه إرادةَ القتل فمنعتُه، أما الثاني فجاء مُستكينًا قد قَتل، فلم أُقَنِّطْه.
قال الصَّيْمَرِيُّ: وكذا إن سأله فقال: إن قتلتُ عبدي، فهل عليَّ قصاص؟ فواسعٌ أن يقال: إن قتلتَهُ قتلناك؛ فعن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ" [64] ، ولأنَّ القتلَ له معانٍ، وهذا كلُّه إذا لم يترتَّبْ على إطلاقه مفسدةٌ. والله أعلم» اهـ.
وهذا يدُلُّ على أن المفتيَ ينبغي أن يكون مُرَبِّيًا قبل أن يكون مفتيًا، يَعلم ما ينبني على الفتوى من مصالحَ ومفاسدَ، ويجهد نفسَهُ في هداية الناس، وليس مُلْزمًا بذكر الحكم الشرعيِّ إذا خاف مفسدةً على السائلِ، ففي النصح والتوجيه، والوعظ والتخويف، والترغيب والترهيب - مندوحةٌ عن ذكر الحكم الشرعيِّ إذا خاف على السائل، وتقدم أن السَّلفَ كانوا يُفَرِّقون في الفتوى بين ما وقع وبين ما لم يقَعْ.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
---
[1] "أنيس الفقهاء" للقونوي (1/309)، وانظر: "المصباح المنير" (ص239/ فتي)، و"فيض القدير" للمناوي (1/158)، ومقالاً لمحمد بن شاكر الشريف في شبكة "صيد الفوائد" تحت هذا الرابط: http://saaid.net/Doat/alsharef/ 3 .ht
[2] "التعاريف" للمناوي ص (550).
[3] "لسان العرب" (5/3348)، (فتا).
[4] "التعريفات" للجرجاني ص (123).(/18)
[5] أخرجه البيهقي في "المدخل إلى السنن" (821)، والخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (2/354)، ومن طريق البيهقي أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (33/361).
[6] "آداب الفتوى" (ص13).
[7] "إعلام الموقعين" (1/10-11).
[8] أخرجه يعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ" (3/115)، والخطيب في "تاريخ بغداد" (13/412).
[9] أخرجه ابن المبارك في "الزهد" (58)، والدارمي في "سننه" (135)، ويعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ" (3/114)، وابن حبان في "الثقات" (9/215)، والبيهقي في "المدخل إلى السنن" (800)، والخطيب البغدادي في " الفقيه والمتفقه" (2/24)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (36/87).
[10] أخرجه يعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ" (3/115).
[11] أخرجه أبو يوسف في "الآثار" (903)، والدارمي في "سننه" (171)، والبغوي في "الجعديات" (320)، والطبراني في " المعجم الكبير" (9/188) رقم (8924)، وابن بطة في "إبطال الحيل" (ص65-66)، والهروي في "ذم الكلام" (275)، والبيهقي في "المدخل إلى السنن" (798)، والخطيب في "الفقيه والمتفقه" (2/416-417)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (2/55 و164-165).
[12] في رواية البغوي وابن بطة وابن عبد البر المتقدمة.
[13] هو: ابن عُتَيْبَة.
[14] أخرجه البيهقي في "المدخل إلى السنن" (799)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (2/164).
[15] أخرجه ابن بطة في "إبطال الحيل" (ص62)، والبيهقي في "المدخل إلى السنن" (803).
[16] "أدب المفتي والمستفتي" (ص79-80).
[17] أخرجه البخاري (6622)، ومسلم (1652).
[18] "آداب الفتوى" (ص17).
[19] يعني: ابن أبي عبد الرحمن، المعروف بربيعة الرأي.
[20] "آداب الفتوى" (ص18-19).
[21] "تلبيس إبليس" (ص147).
[22] برقم (1337).(/19)
[23] أخرجه الدارقطني في "سننه" (2/282) من طريق إبراهيم الهَجَري، عن أبي عياض، عن أبي هريرة. وإبراهيم الهجري ضعيف، لكن أخرجه قبل هذا (2/280) من طريق موسى بن وردان إمام مسجد الكوفة، عن علي بن عبد الأعلى الثعلبي، عن أبيه، عن أبي البَختري، عن عليٍّ رضي الله عنه، به.
[24] أخرجه البخاري (93)، ومسلم (2359).
[25] (ص168- 178).
[26] أخرجه البخاري (7289)، ومسلم (2358).
[27] أخرجه مسلم (1493)، وهو عند البخاري (5311) دون ذكر السؤال.
[28] أخرجه البخاري (844)، ومسلم (593).
[29] رقم (2553).
[30] أي: أنه أقام بالمدينة كالزائر من غير نقلةٍ إليها من وطنه لاستيطانها. "شرح النووي على صحيح مسلم" (16/111).
[31] يعني: "صحيح مسلم" (12).
[32] في "جامعه" (861)، وقد أخرجه البخاري أيضًا (1611).
[33] سيأتي تخريجه في التعليق التالي.
[34] أخرجهما عبد الرزاق في "جامع معمر" الملحق بـ"المصنف" (20742 و20743).
[35] أخرجه الخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (2/12).
[36] أخرجه الخطيب في الموضع السابق.
[37] المرجع السابق (2/13).
[38] المرجع السابق (2/14).
[39] المرجع السابق (2/15).
[40] أخرجه الدارمي في "سننه" (155)، والخطيب في "الفقيه والمتفقه" (2/22-23)، وأبو عمرو الداني في "السنن الواردة في الفتن" (363).
[41] أخرجه الخطيب في "شرف أصحاب الحديث" (75)، وأبو القاسم الأصبهاني في "الحجة في بيان المحجة" (1/264).
[42] أخرجه الخطيب في الموضع السابق.
[43] أخرجه ابن المنذر في "تفسيره" كما في "تفسير ابن كثير" (1/348).
[44] أخرجه البخاري في "صحيحه" (4388)، ومسلم (52).
[45] ورد هذا في حديث: «أرحم أمتي بأمتي أبو بكر ...»؛ أخرجه الترمذي (3790 و3791) وغيره، وهو ضعيف، وقد فصَّل طرقه وبيَّن علَّته الشيخ مشهور حسن سلمان في رسالة بعنوان "دراسة حديث أرحم أمتي بأمتي أبو بكر".(/20)
[46] ورد هذا في حديث أخرجه ابن سعد في "الطبقات" (2/348)، و(3/590) من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن شهر بن حوشب؛ قال: قال عمر: لو استخلَفتُ معاذَ بن جبل رضي الله عنه فسألني عنه ربي عز وجل: ما حملكَ على ذلك؟ لقلتُ: سمعتُ نبيَّك صلى الله عليه وسلم يقول: «إن العلماءَ إذا حضَروا ربَّهُم عز وجل؛ كان معاذٌ بين أيديهم رَتْوَةً بحَجَر». وسنده ضعيف؛ فشهر بن حوشب لم يدرك عمر رضي الله عنه. وله طرق ضعيفة صحح الحديثَ بمجموعها الشيخ الألباني رحمه الله في "السلسلة الصحيحة" (1091)، وانظر "مختصر استدراك الذهبي على مستدرك الحاكم" (4/1917-1923). والرَّتْوَة: الخُطوة، ورميةٌ بسَهْمٍ، أو نحو مِيل، أو مدى البصر. (القاموس المحيط - مادة: ر ت و).
[47] أخرجه المرُّوذي في "الورع" (ص7 رقم 4).
[48] أخرجه الخطيب في "تاريخه" (13/201) من طريق المعافى بن زكريا الجريري، قال: حُدِّثت عن عبد الله بن أحمد بن حنبل...، فذكره هكذا بإبهام شيخ المعافى.
[49] ورد هذا القول عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ أخرجه ابن المبارك في "الزهد" (46)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (35535)، وعبد الله بن أحمد في "زوائد الزهد" (ص158)، والطبراني في "الكبير" (9/189 رقم 8927).
[50] المتقدم، والذي فيه سؤال الرجل عن فرض الحج كلَّ عام. ولا يزالُ النقل عن الحافظ ابن رجب، رحمه الله.
[51] كذا في جميع مصادر التخريج، والجادة: «يتبعونني» بنونين، و«يتبعوني» في هذا السياق تخرَّج على لغة غطَفان في حذف إحدى نونَيْ الأفعال الخمسة (نون الرفع ونون الوقاية) تخفيفًا، بلا سبب من ناصبٍ أو جازمٍ أو نونِ توكيدٍ. وانظر في ذلك: "كتاب سيبويه" (3/519-520)، و"إعراب الحديث النبوي" للعكبري (ص232-234).(/21)
[52] أخرجه عبد الرزاق في "جامع معمر" الملحق بـ"المصنف" (20750)، وأبو داود في "سننه" (4611)، والبيهقي (10/210) واللفظ له. وسنده صحيح. وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (4/466) من طريق أبي قلابة، عن يزيد بن عميرة، به، مع بعض الاختلاف، وفيه زيادة، وصححه على شرط مسلم.
[53] "الموافقات" (1/78-79).
[54] في "إغاثة اللهفان" (1/330-331).
[55] (1/47). وقريب منه ما في "شرح مجلة الأحكام العدلية" لسليم رستم (1/36)، وجميع هذا نقلاً عن مقال جاء جوابًا عن سؤال في موقع «الإسلام سؤال وجواب» تحت هذا الرابط: http:// 63,175,194,25 /index.php?ds=qa& 1v=browse&QR= 39286 &dgn- 4 & 1n=ara
[56] يعني: غرفها.
[57] "شرح القواعد الفقهية" (ص229)؛ نقلاً عن الرابط السابق لموقع «الإسلام سؤال وجواب».
[58] "القواعد الفقهية على المذهب الحنفي والشافعي" (319)؛ نقلاً عن الرابط السابق لموقع «الإسلام سؤال وجواب».
[59] انتهى النقل عن الرابط السابق لموقع «الإسلام سؤال وجواب».
[60] أخرجه البخاري (7288)، ومسلم (1337).
[61] أخرجه البخاري (1585 و1586)، ومسلم (1333).
[62] أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (28182).
[63] (1/102-103)، ونحوه في "آداب الفتوى" (56).(/22)
[64] أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (5/10 و11 و12 و18 و19)، وأبو داود (4515)، والترمذي (1414) وحسنه، وابن ماجه (2663)، والنسائي (4736 و4737 و4738 و4753)، والحاكم (4/367) وصححه؛ جميعهم من رواية الحسن البصري، عن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، به. قال الإمام أحمد في "مسائله" برواية ابنه عبد الله (1461): «وأخشى أن يكونَ هذا الحديثُ لا يثبت»، وأفتى بخلافه. وقال عباس الدوري في "تاريخ يحيى ابن معين" (4094): «سمعت يحيى يقول: لم يسمع الحسن من سمرة شيئًا، هو كتاب». قال يحيى في حديث الحسن عن سمرة: «من قتل عبده قتلناه»؛ قال في سماع البغداديين: ولم يسمع الحسن من سمرة»، وقال الترمذي في "العلل الكبير" (401): «سألت محمدًا [يعني البخاري] عن هذا الحديث؟ فقال: كان عليُّ بن المديني يقول بهذا الحديث. قال محمد: وأنا أذهب إليه».(/23)
العنوان: نبرة الصوت والحركة
رقم المقالة: 1248
صاحب المقالة: عبد الغني أحمد جبر مزهر
-----------------------------------------
إن من الأمور التي تساعد على قوة لغة الخطيب، ووضوح موضوعه، وجلاء عرضه لفكرته - نبرة صوته وحركة يده؛ فعلى الخطيب أن يراعي لذلك الأمور التالية بالنسبة للصوت:
1- وضوح الصوت، وعلوه في اعتدال؛ عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خطب احمرَّتْ عيناه، وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش، يقول: ((صبَّحكُمْ ومسَّاكم))، ويقول: ((بعثت أنا والساعة كهاتين...)) الحديث[1].
فعلى الخطيب مراعاة الاعتدال في علو صوته، ومراعاة حاجة المكان والجمع مع عدم الإسراع في إلقائه.
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب: ((أنذركم النار، أنذركم النار... )) الحديث، وفي رواية: ((سمع أهل السوق صوته))[2].
2- تغيير نبرة الصوت من وقت لآخر فإنَّ في هذا تنشيطًا لنفسه ولسامعيه، وإعطاء للجمل حقها من الاهتمام، ولا شك أن إلقاء الخطبة على نبرة واحدة طوال الوقت يحمل المستمعين على الملل والكسل، فعلى الخطيب أن ينوع من نبرة صوته حسب المعاني والجمل ونوعها.
3- أن يتهيأ قبل الخطبة فيبعد عما يؤثر على صوته، فلا يأكل طعامًا أو يشرب شرابًا يُذهب بقوة صوته، أو يجعله يُحَشرِج إذا تكلم.
4- الإقلال من التنحنُحِ في أثناء الخطبة، أو بَلْعِ الريق، أو انقطاع النفس؛ فإنها تشغل المتكلم والسامع معا.
5- حسن الوقوف في موطن الوقوف والبدء في موقع البدء، ولا يحسن بالخطيب أن يتوقف في وسط الجملة التي لم تتم، أو يجعل جزءًا منها في صفحة، والجزء الآخر في الصفحة الأخرى، فحسن الوقوف والابتداء يدل على فصاحة الخطيب وفهمه لما يلقي.(/1)
6- تجنب عيوب اللسان ما استطاع كالفأفأة، واللثغة، والصفير، والتعتعة، ونحو ذلك مما يوجه الأسماع إلى متابعة هذه العيوب ويصرفها عن تَدَبُّر المعاني والأفكار، فإذا لمس من نفسه شيئًا من ذلك فليتجنب الألفاظ، والكلمات التي توقعه فيه.
7- ثبات الصوت بحيث لا يبدو للأسماع مُرتَجًّا مُتَلَجلِجًا شأن الخائف أو القَلِق والمضطرب، أو يبدو عليه الارتباك والخجل.
8- التسليم على المُصلين إذا صعد المنبر، وهذا مروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث كان إذا صعد على المنبر استقبل الناس بوجهه ثم سلم[3].
أما بالنسبة لحركة الخطيب على المنبر، فيراعى فيها الأمور التالية:
1- أن يكون وقوف الخطيب ثابتًا، يظهر عليه الرزانة والمهابة، والوقار، والشعور بالثقة، والجد، فلا يحسن أن يبدو بمظهر الهازل على المنبر، ويكون رابط الجأش وقور الحركة.
2- ألا يكثر من الالتفات أو حركة اليد، أو الرأس، أو الجسم.
3- تناسب حركة اليد، والإشارة مع الألفاظ والكلمات، قال الحجَّاج لأعرابيٍّ: أخطيبٌ أنا؟ قال: نعم، لولا أنك تُكثِرُ الرد، وتشير باليد، أي: تكثر من ذلك.
قال الجاحظ: وحسن الإشارة باليد والرأس من تمام حسن البيان باللسان[4].
وأما القول بأن الخطيب يقف ساكنًا لا يحرك يديه، ولا منكبيه، ولا يقلب عينيه، ولا يحرك رأسه، فهذا غير سديد، وإنما يناسب بين الحركة والنطق، والإشارة والعبارة، ويراعى أن لا يشعر المتحدث أنه ملزم بالجمود في بقعة محددة، أو أن أعضاء جسمه ممنوعة من الحركة، فالمهم أن لا ننفر من استخدام الإيماءات ونوظّفها بنجاح[5].
4- إذا كان الخطيب يقرأ الخطبة فينبغي أن يحسن الانتقال ببصره بين الورقة والمستمعين، فلا يطيل النظر في الورقة بحيث لا يرفع بصره منها، ولا يطيل الابتعاد عنها، بحيث يصعب عليه وصل الكلام بعضه ببعض، أو يذهل نظره عن +الموضع الذي انتهى إليه، فيرتبك أو يطيل السكوت.(/2)
5- تجنب اشتغال يده في طرف عباءته، أو (غترته)، أو العبث في لحيته، أو في تقليب الأوراق التي أمامه، أو في ضرب السماعة، أو تحريكها، أو في غير ذلك من الحركات التي تشغل المصلين، ولا تليق بهذا المقام.
6- أن يخطب واقفًا متوكئًا على عصا أو قوس، فإن ذلك من السنة، ولعل الحكمة من ذلك إضفاء المهابة على الخطيب، والتقليل من حركة يده.
عن الحكم بن حَزْنٍ - رضي الله عنه - قال: "شهدنا الجمعة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فقام متوكئًا على عصا أو قوس"[6].
---
[1] رواه مسلم (الجمعة 867).
[2] رواه الدارمي في سننه بإسناد صحيح (2 / 786).
[3] رواه ابن ماجه ( 1 / 352) والأثرم كما في تنقيح التحقيق (2 / 1212) من طريق عبد الله ابن لهيعة، وهو ضعيف، ورواه ابن عدي في الكامل (2 / 212) والضياء في المختارة من طريق الوليد بن مسلم، ثنا عيسى بن عبد الله الأنصاري، عن نافع، عن ابن عمر، وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: حديث موضوع (العلل 1 / 205) ورواه الأثرم عن الشعبي مرسلا، وفي إسناده مجالد وهو ضعيف. التلخيص (3 / 62)، لكن له طرق أخرى تعضده.
[4] البيان والتبيين (1/45).
[5] دليل التدريب القيادي (ص / 156).
[6] رواه أبو داود (الصلاة- 1096) وابن خزيمة (الجمعة- 1778) من حديث عبد الرحمن +ابن خالد العدواني عن أبيه، وفي إسناد أبي داود شهاب بن خراش، صدوق يخطئ، وحسنه الحافظ بن حجر في التخليص (2 / 65) وله شاهد من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم +أعطي يوم العيد قوسا فخطب عليه، ورواه أبو الشيخ كتاب أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - (ص 121) من حديث ابن عباس، وفي إسناده الحسن بن عمارة وهو متروك (التقريب 1264) بلفظ: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم الجمعة في السفر متوكّئًا على قَوْسٍ قائِمًا، ورواه من حديث البراء بن عازب: خطبهم يوم العيد وهو معتمد على قوس أو عصا.(/3)
العنوان: نبي المسلمين، ودين الإسلام، والحضارة الإسلامية
رقم المقالة: 165
صاحب المقالة: محمد حسام الدين الخطيب
-----------------------------------------
مدخل:
التقيته لأول مرة في مكتبة المركز الثقافي الفرنسي بدمشق، حيث كنت ألازمها لأنجز بحثاً كان عليَّ إنجازه.
أما هو؛ فقد كان شاباً فرنسياً أوفدته حكومة بلاده إلى دمشق لدراسة اللغة العربية وإتقانها، فكان يمضي كثيراً من أوقاته في تلك المكتبة.
وتكررت لقاءاتي به.. وتنامت أحاديثنا مع الأيام.. حتى تأكدت أواصر المعرفة فيما بيننا.. وصار يثق بما أقول، وصرت أثق بما يقول.
وذات يوم؛ جاءني وأنا جالس أمام منضدتي في قاعة المكتبة أطالع بعض الكتب.. فسلَّم علي، وهمس لي – مراعياً الصمت المطبق في القاعة – قائلاً: محمد.
قلت: لبيك يا جورج.
قال: أود أن أفضي إليك بحديث.
قلت: هات ما عندك.
قال: ليس هنا مكان الحديث.
قلت: نخرج إلى البهو.
قال: حديثي يحتاج إلى أناة وتفكُّر.. فإما أن تزورني في بيتي، وإما أن أزورك في بيتك.
قلت: بل تزورني في بيتي مساء هذا اليوم، على الرُّحب والسَّعة، ويصير بيننا خبز وملح.
قال: حسناً؛ اتفقنا.
وجاءني جورج في المساء.. وبعدما نظفنا أيدينا من آثار الطعام، جلسَ وجلستُ، وبدأت الحديث فقلت: إيه يا جورج؛ ماذا عندك؟
فتروَّى قليلاً ثم قال: أنا على مفترق طرق، وعليَّ أن أختار منها واحداً أسلكه، والعقل لا يرضى لي أن أختار قبل أن أكون على بينة.
قلت: نِعمَ ما يشير به العقل عليك.
قال: أريد أن أعرف شيئاً عن نبيك، ودينك، وكتابك المقدس.
فقلت بلهجة جادة: تريد أن تعرف شيئاً عن نبي المسلمين، وعن الإسلام، وعن القرآن؟
قال: أجل.
قلت: خير لك أن تطالع بعض الكتب الموثوقة التي تتحدث عما تود معرفته، فتصل إلى ما تريد.
قال: الكتب بنات أصحابها، وأخشى إن دخلت حلبتها وأنا جاهل؛ أن أعتقد الخطأ صواباً والصواب خطأً.(/1)
قلت: لك ما تريد، وحياك الله، أتود أن أحدثك بما أعرف؟
قال: لا.
قلت: ولِمَ هداك الله؟!
قال: لأنك مسلم؛ ولا بد لعاطفتك الدينية من أن تشوب كلامك، وأنا أريد حديثاً عقلانياً لا عاطفة فيه؛ على الطريقة الغربية.
قلت: لك ما تريد، إذاً أحدثك بما عند النخبة من علماء المسلمين.
قال: لا؛ فهؤلاء أيضاً يمكن أن تشوب كلامهم حماسة دينية قد تغطي عليَّ بعض ما أنشده من حديث العقل.
قلت: لك هذا أيضاً؛ إذاً أحدثك بما عند النخبة من الغربيين الذين دخلوا الإسلام وعرفوه وعرفوا نبيه حق المعرفة.
قال: لا؛ فهؤلاء أيضاً صاروا مسلمين، وصار يتوقع منهم ما يتوقع ممن أسلفتَ ذكرهم.
قلت: حسناً؛ إذاً أحدثك بما عند النخبة من علماء الغربيين الموصوفين بالحياد، الذين لم يدخلوا الإسلام لكنهم درسوا سيرة حياة نبي المسلمين، ودرسوا القرآن الكريم حق الدراسة؛ ثم خرجوا علينا بنتائج يرضى عنها العقل السليم، وتخلو من العاطفة والحماسة اللتين لا ترضاهما أنت.
قال: أصبتَ؛ مثل هذا أريد.
تعريف:
قلت: سل عما بدا لك.
قال: أريد أولاً أن أعرف من هو محمد الإنسان.(/2)
قلت: محمد الإنسان ليس موضع خلاف، وغير المسلمين يتفقون مع المسلمين على أنه بشر مثل غيره من بني البشر. يقول د. رالف لنتون في كتابه (شجرة الحضارة): «ولد محمد في مكة عام 570 م من عائلة ذات مركز حسن، ولكن أباه مات قبل ولادته، كما ماتت أمه عندما كان في السادسة من عمره.. وفي السنوات الأولى من سني المراهقة كان يعمل راعياً.. وعندما بلغ السابعة عشرة من عمره ذهب إلى سوريا مع عمٍّ له[1] - بقصد التجارة – وعندما أصبح في الرابعة والعشرين كان ينوب عن أرملة غنية – هي السيدة خديجة – في السفر بقافلتها التجارية، وبعد عام آخر؛ أي في عام /595/م تزوج تلك الأرملة التي كانت في الأربعين من عمرها، وكانت قد تزوجت قبل ذلك مرتين، ولها من زوجيها السابقين ولدان وبنت[2]. وولدت له هذه الأرملة ولدين ماتا عندما كانا طفلين، وأربع بنات. وفي السنوات الواقعة بين عامي /595-610/ م كان محمد تاجراً محترماً في مكة، وكان يلقب بالأمين نظراً لما اتصف به من صدق وحكمة في أحكامه»[3].
فقال جورج مقاطعاً: ومن يشهد على سلوكه هذا، غير د. رالف؟
قلت: يقول المستشرق (آرثر جيلمان) في كتابه (الشرق): «لقد اتفق المؤرخون على أن محمداً كان ممتازاً بين قومه بأخلاق جميلة؛ من صدق الحديث، والأمانة، والكرم، وحسن الشمائل، والتواضع.. وكان لا يشرب الأشربة المسكرة، ولا يحضر للأوثان عيداً ولا احتفالاً»[4]. – ويقول المستشرق (كارل بروكلمان): «لم تشبْ محمداً شائبة من قريب أو بعيد؛ فعندما كان صبياً وشاباً عاش فوق مستوى الشبهات التي كان يعيشها أقرانه من بني جنسه وقومه»[5].
وأردفتُ: وانتهت فترة الشباب ذات الفورة والاندفاع، وكان محمد فيها مثالاً لرجاحة العقل،وسلامة الطبع وصدق اللسان بين قومه وعارفيه.(/3)
وتابعت قائلاً: ولما بلغ محمد سن الأربعين؛ أي عام /610م/، بدأ حياة جديدة.. فقد نزل عليه وحي الله، وأخبره أن الله سبحانه قد اختاره رسولاً نبياً للناس كافة، ينقل إليهم دين الله، الإسلام، حتى يطبقوه في حياتهم الدنيا، فينتفي به التظالم بين الناس.. ويموت الشر، ويحيا الخير.
قال جورج: ومن يشهد بهذا؟
قلت: يقول المستشرق الإنكليزي (بالمر) في مقدمته لترجمته للقرآن الكريم إلى اللغة الإنكليزية: «لقد جاء محمد بمبدأ للعالم عظيم، ودين لو أنصفت البشرية لاتخذته لها عقيدة ومنهاجاً تسير على ضوئه، وقد كان محمد عظيماً في أخلاقه، عظيماً في صفاته، عظيماً في دينه وشريعته».
وأردفتُ: وبدأتْ حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، التي غيرت وجه العالم والتاريخ.. وبدأ صراع مرير بين أنصار الدين الجديد وبين مناوئيهم من أصحاب المصالح الظالمة.
يقول د. رالف في كتابه السالف «اجتذب الوحي الذي نزل على محمد عدداً من الأتباع، وبدأ ينتشر بين الناس.. وحاولت جماعة قوية ممن كانوا يكرهون عائلة محمد، ورأوا في تعاليمه ما يهدد مصالحهم، حاولت أن تغتاله؛ ولكنها لم تنجح في محاولتها. وهاجر محمد والجماعة المخلصة القليلة من أتباعه إلى المدينة يوم /16 يوليه 622م/[6] وهو تاريخ هام يجب أن لا ننساه لأنه عام الهجرة الذي يؤرخ به جميع المسلمين حتى الآن»[7].
وهنا قال جورج: مهلاً؛ فأنا كما أشرتَ أنت؛ أتفق معك ولا أختلف؛ بدءاً من ولادة محمد حتى بعث في سن الأربعين. ولا أُنكر شيئاً من هذا الإيجاز لسيرته قبل البعثة. لكن منذ بدء البعثة، منذ صار محمد نبياً؛ يصبح الميدان واسعاً والخلاف عميقاً.
قلت: كيف؟
حقيقة نبي المسلمين ودحض الافتراءات والتهم الباطلة:
1- تهمة الكذب والشعوذة:
قال جورج: هناك من يتهم محمداً أنه كان كذاباً خداعاً مشعوذاً، لم ينزل عليه وحي من السماء، ولا كُلِّف برسالة من الله، وما هو بنبي.(/4)
قلت: لقد رد العلماء العقلاء من الغربيين على هذا:
- يقول الشاعر الفرنسي الشهير (لامارتين) في كتابه (السفر إلى الشرق): «أترون أن محمداً كان صاحب خداع وتدليس، وصاحب باطل وكذب؟! كلا؛ بعدما وعينا تاريخه، ودرسنا حياته»[8].
ويقول (لامارتين) في كتابه هذا أيضاً: «إن محمداً فوق البشر، ودون الإله، فهو رسول بحكم العقل.. وإن اللغز الذي حله محمد في دعوته فكشف فيها عن القيم الروحية، ثم قدمها لأمته ديناً سماوياً سرعان ما اعتنقته؛ هو أعلى ما رسمه الخالق لبني البشر»[9].
- ويقول المستشرق الفرنسي (د. وايل) في كتابه (تاريخ الخلفاء): «إن محمداً يستحق كل إعجابنا وتقديرنا كمصلح عظيم، بل ويستحق أن يطلق عليه لقب (النبي)، ولا يُصغى إلى أقوال المغرضين وآراء المتعصبين، فإن محمداً عظيم في دينه وفي شخصيته، وكل من تحامل على محمد فقد جهله وغمطه حقه».
- ويقول (ديسون) في كتابه (الشرائع): «وليس يزعم أحد اليوم أن محمداً راح يزوِّر ديناً، وأنه كاذب في دعواه؛ إذا عرف محمداً ودرس سيرته، وأشرف على ما يتمتع به دينه من تشريعات تصلح أن تظل مع الزمن مهما طال، وكل من يكتب عن محمد ودينه ما لا يجوز فإنما هو من قلة التدبر وضعف الاطلاع»[10].
- ويقول الفيلسوف الإنكليزي (هربرت سبنسر) في كتابه (أصول الاجتماع): «لم يكن محمد إلا مثالاً للأمانة المجسمة، والصدق البريء، وما زال يدأب لحياة أمته ليله نهاره»[11].
- ويقول المستشرق البلجيكي القسيس (هنري لامنس) في كتابه (مهد الإسلام): «جاء محمد بقلب خالٍ من كل كذب، ومن كل ثقافة باطلة، ومن كل فخفخة فارغة، وأمسك بكلتا يديه العروة الوثقى»[12].(/5)
- ويقول المستشرق الألماني (كارل هينرش بكر) في كتابه (الشرقيون): «لقد أخطأ من قال إن نبي العرب دجال أو ساحر، لأنه لم يفهم دينه السامي، إن محمداً جدير بالتقدير، ودينه حريٌّ بالاتباع، وليس لنا أن نحكم قبل أن نعلم، وإن محمداً خير رجل جاء إلى العالم بدين الهدى والكمال»[13].
- ويقول (توماس كارليل) في كتابه (الأبطال): «لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد متمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يصغي إلى ما يُظن من أن دين الإسلام كذب، وأن محمداً خداع مزوِّر، وآن لنا أن نحارب ما يشاع من مثل هذه الأقوال السخيفة المخجلة، فإن الرسالة التي أداها ذلك الرسول ما زالت السراج المنير.. فوا أسفاه ما أسوأ مثل هذا الزعم، وما أضعف أهله وأحقهم بالرثاء والمرحمة.. ولعل العالم لم ير قط رأياً أكفر من هذا ولا ألأم! وهل رأيتم معشر الإخوان أن رجلاً كاذباً يستطيع أن يوجد ديناً وينشره؟!.. كذبٌ والله ما يذيعه أولئك الكفار؛ وإن زخرفوه حتى خيلوه حقاً، وزور وباطل وإن زينوه حتى أوهموه صدقاً، ومحنة والله ومصاب أن ينخدع الناس شعوباً وأمماً بهذه الأباطيل». إلى أن يقول: «لسنا نعد محمداً قط رجلاً كاذباً متصنعاً يتذرع بالحيل والوسائل إلى بُغيةٍ، أو يطمع إلى درجة ملك أو سلطان أو غير ذلك من الحقائر والصغائر. وما الرسالة التي أداها إلا حق صراح، وما كلمته إلا صوت صادق صادر من العالم المجهول. كلا؛ ما محمد بالكاذب ولا الملفق، وإنما هو قطعة من الحياة قد تفطر عنها قلب الطبيعة فإذا هي شهاب قد أضاء العالم أجمع»[14].
- ويقول الفيلسوف الألماني (غوته): «لقد بحثت في التاريخ عن مثل أعلى لهذا الإنسان؛ فوجدته في النبي محمد»[15].
وأردفت: أيكون المثل الأعلى للإنسان في مخيلة (غوته) رجلاً كذاباً مشعوذاً؟
قال جورج: لا.(/6)
قلت: ويقول المستشرق (رودلف دتوراك) في كتابه (حياة وشعر أبي فراس الحمداني): «ولا يجوز لنا أن نفند آراء محمد؛ بعد أن كانت آيات الصدق بادية عليها، فهو نبي حق، وأوْلى به أن يُتَّبع، ولا يجوز لمن لم يعرف شريعته أن يتحدث عنها بسوء، لأنها مجموعة كمالات إلى الناس عامة»[16].
- ويقول الكاتب الفرنسي (إميل درمنغهم) في كتابه (حياة محمد): «الواقع أنه لم يبق أدنى شك في صدق محمد، فإن جميع حياته تدل على ذلك.. وكانت عظمة محمد الحقيقية هي العظمة الآتية له من الله بالإلهام الإلهي الذي كان يُقذف في روعه».
- ويقول المستشرق الكندي (جيبون) في كتابه (محمد في الشرق): «إن دين محمد خالٍ من الشكوك والظنون، والقرآن أكبر دليل على وحدانية الله.. ومن يتهم محمداً أو دينه، فإنما ذلك من سوء التدبير، أو بدافع العصبية، وخير ما في الإنسان أن يكون معتدلاً في آرائه، ومستقيماً في تصرفاته»[17].
- ويقول المستشرق الألماني (دي تريسي فريدريك) في كتابه (مقولات أرسطو طاليس): «إن من اتهم محمداً بالكذب؛ فليتهم نفسه بالوهن والبلادة وعدم الاطلاع على ما صدع به من حقائق».
- ويقول عالم اللاهوت السويسري (د. هانز كونج): «محمد نبي حقيقي بمعنى الكلمة، ولا يمكننا بعدُ إنكارُ أن محمداً هو المرشد القائد على طريق النجاة»[18].
- ويقول المستشرق (سينرستن) في كتابه (تاريخ حياة محمد): «إننا لم ننصف محمداً إذا أنكرنا ما هو عليه من عظيم الصفات، وحميد المزايا.. لقد أصبحت شريعته أكمل الشرائع، وهو فوق عظماء التاريخ»[19].
وأردفت: أيكون كذاباً مشعوذاً من هو فوق عظماء التاريخ يا جورج؟
قال جورج: لا.
قلت: أزيدك يا جورج؟
قال جورج: حسبي؛ على أن هناك ذيلاً لتهمة الكذب والشعوذة التي روِّجت في الغرب عن محمد.
قلت: وما ذاك؟
2- تهمة التلفيق:(/7)
قال جورج: أحياناً يقول بعض المتهمين إن محمداً قد لفق التعاليم الإسلامية عن التعاليم اليهودية والنصرانية وغيرِها ثم ضمَّنها كتاب (القرآن) وطلع على الناس بدينه الجديد.
قلت: ومن أين يأتي محمد بالتعاليم اليهودية والنصرانية وغيرِها؟
قال: من التوراة والإنجيل وقد كان هذان الكتابان معروفين لمن يريد أن يقرأهما ويطلع عليهما.
قلت: وكيف يقرؤهما ويطلع عليهما وهو لا يعرف القراءة والكتابة، ولو عرفها لما خفي هذا على معاصريه.
قال: ومن يشهد بهذا من نخبة الغربيين؟
قلت: يقول المؤرخ الفرنسي الشهير (سيديو) في كتابه (تاريخ العرب العام): «كان محمد أمّياً كأبناء بلده، فكان لا يستطيع حتى القراءة»[20].
ويقول المستشرق الفرنسي (الكونت هنري دي كاستري) في كتابه (الإسلام – المسمى في الترجمة العربية: خواطر وسوانح): «كان محمد لا يقرأ ولا يكتب؛ بل كان كما وصف نفسه نبياً أمياً، وهو وصف لم يعارضه فيه أحد من معاصريه، ولا شك أنه يستحيل على رجل في الشرق أن يتلقى العلوم بحيث لا يعلم الناس، لأن حياة الشرقيين ظاهرة للعيان.. ثبت إذاً مما تقدم؛ أن محمداً لم يقرأ كتاباً مقدساً، ولم يسترشد في دينه بمذهب متقدم عليه»[21].
- ويقول المستشرق الإنكليزي (بالمر) في مقدمته لترجمته للقرآن الكريم إلى اللغة الإنكليزية: «وإنني لا أبالغ إذا قلت: إن شريعة محمد تحمل إلى الناس تعاليم ونظماً وقوانين ليست في غيرها مما سبق عليها».
قال جورج: إذاً بماذا تفسر احتواء القرآن على بعض التعاليم اليهودية والنصرانية، ودفاعه عن هاتين الديانتين في مواطن كثيرة كما يقول بعض المتهِمين؟
قلت: على رسلك يا جورج؛ تود أن تعرف سر هذا؟
قال: أجل.
قلت: أتدري يا جورج ما الدين الذي جاء به نبي المسلمين؟
قال: هو الإسلام.
قلت: أتدري ما الإسلام؟
قال: هو دين محمد.
قلت: لكن محمداً نبي المسلمين لا يقول هذا.
قال: ماذا يقول إذاً؟(/8)
قلت: يقول: إن الإسلام هو دين الله؛ الذي جاء به جميع الأنبياء قبل محمد؛ بمن فيهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى، تقول الآية الكريمة:{شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}[22] .
قال: وما معنى هذا؟
قلت: معناه أن نبي المسلمين لم يأت بدين جديد، وأن ما جاء به لا يتناقض أبداً مع ما جاء به نوح وإبراهيم وموسى وعيسى؛ بل هو يدعمه ويشهد له. وإن الإله الذي عبده محمد ودعا الناس إلى عبادته؛ هو الإله ذاته الذي عبده نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ودعوا الناس إلى عبادته، ولهذا تجد في القرآن الكريم ذِكراً طيباً لجميع أنبياء الله منذ آدم وحتى محمد بن عبد الله عليهم السلام، وتجد فيه إشارات لبعض ما جاؤوا به، وبخاصة أساس دعوة دين الله على مر العصور والأزمان؛ وهو التوحيد: أن لا إله في السموات والأرض إلا الله سبحانه، وعلى هذا اتفقت دعوة جميع الأنبياء والرسل.(/9)
- وفي هذا يقول الكاتب الفرنسي (موريس بوكاي) في كتابه (التوراة والإنجيل والقرآن والعلم): «أما الوحي القرآني الذي نزل عقب ستة قرون من المسيح، فقد احتفظ بالعديد من تعاليم التوراة والإنجيل اللذين أكثر من ذكرهما، بل وفرض على كل مسلم الإيمان بالكتب السابقة (سورة 4 آية 136) كما أبرز المكانة المهمة التي شغلها في تاريخ الوحي رسل الله – كنوح وإبراهيم وموسى؛ وعيسى الذي كان له من بينهم مقام مرموق؛ وقد أظهر القرآن ولادته – كما في الإنجيل – كحدث معجز، كما كرم والدته مريم تكريماً خاصاً وأطلق اسمها على السورة رقم /19/. ولا مفر من الاعتراف بأن هذه التعاليم الإسلامية مجهولة على العموم في بلادنا الغربية، وقد يعجب البعض من هذا! ولكن سرعان ما يزول ذلك إذا ذكرنا الطريقة التي لُقن بها العديد من الأجيال – الغربية – قضايا الإنسانية الدينية، والجهالة التي تُركوا فيها تجاه كل ما يخص الإسلام..»[23].
- وفي هذا يقول العالم اليوغوسلافي (د. ويلسون) في محاضرة له: «إننا إذا لم نعتبر محمداً نبياً، فإننا لا نستطيع أن ننكر أنه مرسل من الله، ذلك أنه ليس هناك غيره قد راح يفسر النصرانية الأولى تفسيراً رائعاً صادقاً، وإن دينه الذي جاء به لا يعارض الديانة النصرانية، وكل ما جاء به حسن»[24].
- ويقول (كارل ماركس) في كتابه (الحياة): «إن الرجل العربي الذي أدرك خطايا النصرانية واليهودية، وقام بمهمة لا تخلو من الخطر بين أقوام مشركين يعبدون الأصنام؛ يدعوهم إلى التوحيد، ويزرع فيهم أبدية الروح، ليس من حقه أن يُعدَّ بين صفوف رجال التاريخ العظام فقط، بل جدير بنا أن نعترف بنبوته، وأنه رسول السماء إلى الأرض».
- ويقول د. رالف لنتون في كتابه (شجرة الحضارة): «وبكل تأكيد كانت تعاليم محمد أكثر صراحة وفهماً مما كان عليه الحال في الديانة الزرادشتية أو الديانة النصرانية وهما الديانتان اللتان كانتا تنافسان الإسلام منذ نشأته»[25].(/10)
- بل إن عالم اللاهوت السويسري (د. هانز كنج) يعلن قائلاً: «إن النبي محمداً نبي مرسل، ويحمل الهدى للبشرية جمعاء، وإنه خاتم الأنبياء والمرسلين، وإن الإنجيل بشَّر به قبل التحريف، وإن القساوسة هم أول من يُقبلون على الإسلام ويعتقدونه إذا ما صدقوا»[26].
قال جورج: إذا كان الأمر كما تقول وأن الأنبياء قبل محمد قد جاؤوا بالإسلام دين الله، فما الحاجة إلى بعثة محمد؟
قلت: ذلك لأن الناس حرفوا الدين الذي جاء به الأنبياء وخرجوا به عن التوحيد الخالص إلى الشرك، فالعرب أتباع ملة إبراهيم حرفوا ما جاء به إبراهيم وصاروا يعبدون الأوثان والأصنام ويشركونها مع الله سبحانه، واليهودية والنصرانية حُرِّفتا ودخل عليهما من الطقوس والعبادات والعقائد ما لم يأت به موسى ولا عيسى عليهما السلام. فكان لا بد من بعثة نبي يجدد دعوة الأنبياء قبله ويعيدها إلى مسارها الصحيح في الاعتقاد بوحدانية الله سبحانه؛ الوحدانية النقية الخالصة من كل شرك. ولهذا بُعث نبي المسلمين خاتم الأنبياء.
قال: ومن يشهد لما تقول؛ من النخبة الذين تحدثني عنهم؟
قلت: يقول المفكران (هنري توماس و دانلي توماس) في كتابهما (القادة الدينيون): «في القرن السابع – الميلادي – حين بدا على الدنيا أنها قد أصيبت بالجفاف، وحين فقدت اليهودية مولدها، واختلطت النصرانية بموروثات الأمم الرومانية والبربرية؛ ينبع في الشرق فجأة ينبوع صاف من الإيمان ارتوى منه نصف العالم»[27].
- ويقول الباحث الأمريكي الكبير (د. مايكل هارت) في كتابه (المئة الأوائل): «ولسوء الحظ إن الأناجيل يناقض بعضها بعضاً أحياناً في نقاط متعددة»[28].
- أما الفيلسوف الفرنسي الشهير (فولتير) فيقول مخاطباً بني قومه: «لقد قام النبي بأعظم دور يمكن لإنسان أن يقوم به على الأرض.. إن أقل ما يقال عنه أنه قد جاء بكتاب، وجاهد، والإسلام لم يتغير قط، أما أنتم ورجال دينكم؛ فقد غيرتم دينكم عشرين مرة»[29].(/11)
- ويقول الفيلسوف الإنكليزي (برنارد شو): «لقد أقام محمد فوق اليهودية والنصرانية ودين بلاده القديم؛ ديناً سهلاً واضحاً قوياً، وصرحاً خلقياً قوامه البسالة والعزة القومية»[30].
- ويقول المؤرخ الشهير (ول ديورانت) في كتابه (قصة الحضارة): «وترى اليهودية والنصرانية والإسلام أن أهم ما يحتاج إليه المجتمع السليم هو الإيمان بان هذا الكون خاضع لحكم أخلاقي مسيطر على شؤونه.. غير أن المسيحية قد أضافت إلى هذه العقيدة أن الله الواحد يظهر في ثلاثة أقانيم مختلفة، أما اليهودية والإسلام فتريان أن هذا الاعتقاد ليس إلا شِركاً مقنعاً، وتعلنان وحدانية الله بأقوى الألفاظ وأشدها حماسة. وفي القرآن سورة خصصت كلها لهذا الغرض هي السورة /112/»[31].
- ويقول المستشرق الأمريكي البحاثة (سنكس) في كتابه (ديانة العرب): «إن محمداً عليه السلام لم يأت لمكافحة التوراة والإنجيل، بل إنه كان يقول: إن هذين قد أنزلا من السماء لهداية الناس إلى الحق مثل القرآن، وإن تعاليم القرآن جاءت مصدقة لهما، ولكنه لم يأخذ منهما.. وقد رفض محمد نبي الإسلام جميع الرموز والأساطير، ودعا إلى عبادة إله واحد قادر رحمان رحيم كما يصفه القرآن في كل سورة من سوره»[32].
- ويقول العلامة الفرنسي (لوزون) أستاذ علم الكيمياء والفلك، في كتابه (الله في السماء): «وليس محمد نبي العرب وحدهم؛ بل هو أفضل نبي قال بوحدانية الله، وإن دين موسى وإن كان من الأديان التي أساسها الوحدانية إلا أنه كان قومياً محضاً وخاصاً ببني إسرائيل، أما محمد فقد نشر دينه بقاعدتيه الأساسيتين: وهما الوحدانية والبعث، وقد أعلنه لعموم البشر في أنحاء المسكونة، وإنه لعمل عظيم يتعلق بالإنسان جملة وتفصيلاً عند من يدرك معنى رسالة محمد».
- ويقول العلامة الفرنسي الكبير (غوستاف لوبون) في كتابه (حضارة العرب): «وللإسلام وحده أن يباهي بأنه أول دين أدخل التوحيد إلى العالم»[33].(/12)
- ويقول المؤرخ الإسباني المستشرق (د. ريتين) في كتابه (تاريخ سوريا ولبنان): «دين محمد قد أكَّد إذاً من الساعة الأولى لظهوره، وفي حياة النبي، أنه عامٌّ. فإذا كان صالحاً لكل جنس؛ كان صالحاً بالضرورة لكل عقل، ولكل درجة من درجات الحرارة».
- ويقول المفكر (أتيين دينيه) في كتابه (محمد رسول الله): «لقد دعا عيسى إلى المساواة والأخوة، أما محمد فقد وفق إلى تحقيق المساواة والأخوة بين المؤمنين أثناء حياته»[34].
- وتقول المستشرقة والأستاذة الجامعية (د. لورافيشيا فاغليري) في كتابها (دفاع عن الإسلام): «دعا الرسول العربي عبدة الأوثان وأتباع نصرانيةٍ ويهوديةٍ محرَّفتين، إلى أصفى عقيدة توحيدية.. إذ كان واثقاً من أن كل عاقل لا بد أن يؤمن آخر الأمر بالإله الواحد، الواجب الوجود»[35].
وتقول: «هناك من يقول: إن الإسلام لم يقدم أيما عنصر جديد لتصوير العلاقة بين الإنسان والله. ولكن أية قيمة لمثل هذا النقد إذا عرفنا أن محمداً نفسه لم يزعم أنه جاء بأفكار جديدة، ولكنه أعلن في جلاء أن الله أرسله ليعيد ملَّة إبراهيم – التي حُرِّفت من بعده – إلى أصلها، وليؤكد ما كان الله قد أوحى به إلى انبيائه السابقين مثل موسى ويسوع المسيح؟ لقد كان هو آخر الأنبياء حملة التشريع؛ ليس غير»[36].
وتقول: «وبفضل الإسلام هُزمتْ الوثنية في مختلف أشكالها.. لقد أدرك الإنسان آخر الأمر مكانته الرفيعة.. لقد هوى الكهان وحفظة الألغاز المقدسة الزائفون، وسماسرة الخلاص، وجميع أولئك الذين تظاهروا بأنهم وسطاء بين الله والإنسان، والذين اعتقدوا بالتالي أن سلطتهم فوق إرادات الآخرين. نقول لقد هوى هؤلاء كلهم عن عروشهم. إن الإنسان أمسى عبداً لله وحده.. وأعلن الإسلام المساواة بين البشر»[37].(/13)
ثم تقول: «إن أول واجبات الإنسان أن يتدبر ظواهر الطبيعة، وأن يتأمل فيها لكي ينتهي إلى الإيقان بوجود الله. وانطلاقاً من هذا المبدأ الرئيس ينشأ الإيمان بالأنبياء وبالكتب المنزلة، وللإسلام في كتابه المنزل شيء أعجوبي؛ إن معجزة الإسلام العظمى هي القرآن.. وقد أثبت أنه ممتنع على التقليد والمحاكاة حتى في مادته.. ولا يزال لدينا برهان آخر على مصدر القرآن الإلهي، في الحقيقة التالية: وهي أن نصه ظل صافياً غير محرف طوال القرون التي تراخت ما بين تنزيله ويوم الناس هذا»[38].
ثم تقول: «ليس من شروط صلاة المسلم أن تؤدى في معبد، لأن أيما مكان في الأرض، شرط أن يكون نظيفاً، هو قريب إلى الله، وبالتالي ملائم للصلاة، وليس المسلم في حاجة لا إلى الكهان، ولا إلى القرابين، ولا إلى الطقوس لكي يسمو بقلبه إلى خالقه. والشرط الوحيد الذي ينبغي توفره في الصلاة لكي تكون مقبولة هو طهارة الجسد والنفس والثياب والمكان»[39].
- ويقول المفكر والفيلسوف الفرنسي (ديكارت) في كتابه (مقالة الطريقة – ترجمة جميل صليبا): «نحن والمسلمون في هذه الحياة، ولكنهم يعملون بالرسالتين العيسوية والمحمدية، ونحن لا نعمل بالثانية، ولو أنصفنا لكنا معهم جنباً إلى جنب، لأن رسالتهم فيها ما يتلاءم مع كل زمان».
- ويقول المستشرق الألماني (تيودور نولدكه) في كتابه (تاريخ القرآن): «نزل القرآن على نبي المسلمين، بل نبي العالم؛ لأنه جاء بدين إلى العالم عظيم، وبشريعة كلها آداب وتعاليم، وحري بنا أن ننصف محمداً في الحديث عنه؛ لأننا لم نقرأ عنه إلا كل صفات الكمال، فكان جديراً بالتكريم»[40].
- ويقول المستشرق الفرنسي (إدوار مونته) في كتابه (حاضر الإسلام ومستقبله): «إن الانقياد لإرادة الله يتجلى في محمد والقرآن، بقوة لا تعرفها النصرانية».(/14)
- أما (توماس كارليل) فيقول في كتابه (الأبطال): «وقد زعم (براديه) وأمثاله أن القرآن طائفة من الأخاديع والتزاويق لفقها محمد لتكون أعذاراً له عما كان يرتكب ويقترف، وذرائع لبلوغ مطامعه وغاياته، ولكنه قد آن لنا أن نرفض جميع هذه الأقوال، فإني لأمقت كل من يرمي محمداً بمثل هذه الأكاذيب، وما كان ذو نظر صادق ليرى قط في القرآن مثل ذلك الرأي الباطل»[41].
وهنا قال جورج: ليتني أعرف عالماً ذا نظر صادق على حد قول كارليل ليخبرني الخبر اليقين عن القرآن.
قلت: على رسلك؛ فحاجتك مقضية.
قال: كيف؟
قلت:
- يخبرك بهذا العلامة (شيريل) عميد كلية الحقوق بجامعة فيينا، إذ قال في مؤتمر الحقوق سنة /1927/: «إن البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد إليها؛ إذ أنه برغم أميته استطاع قبل بضعة عشر قرناً أن يأتي بتشريع سنكون نحن الأوربيين أسعد ما نكون لو وصلنا إلى قمته بعد ألفي سنة»[42].
- ويقول الأب (د. ميشيل لولونج) عندما سئل عن القرآن ومحمد صلى الله عليه وسلم فقال: «لا بد من احترام القرآن، واحترام الرسول، لا بد أن أفهم ماذا يقول الله لي في القرآن، وما يقول الرسول، وأنا أعتقد أن القرآن من عند الله، وأن محمداً مرسل من الله»[43].
- ويقول المستشرق النرويجي (د. أينربرج) – وهو من مترجمي القرآن الكريم – عندما سئل أيضاً عن القرآن ومحمد صلى الله عليه وسلم: «لا شك في أن القرآن من الله، ولا أشك في ثبوت رسالة محمد.. وإني عندما ترجمت القرآن الكريم كنت أشعر أن الله ساعدني على ذلك»[44].
وأردفت: أيكفي هذا أم أزيدك يا جورج؟
قال: حسبي.(/15)
قلت: بل لأزيدنك واحدة تزيد على ما سبق؛ أترى رجلاً كذاباً مشعوذاً ملفقاً؛ يعلن للناس جميعاً أنه أعجز من أن يستطيع نفع نفسه أو الإضرار بها! وبالتالي فهو أعجز من أن يستطيع نفع غيره أو الإضرار به، ثم يعلن للناس جميعاً أنه بشر مثل غيره من بني البشر لا يعلم الغيب.. وأن ذلك كله مرده إلى الله سبحانه؛ مردداً الأمر الإلهي الذي أوحي إليه في القرآن الكريم: {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[45] . أترى هذا كلام مشعوذ ملفق؟
قال جورج: لا.
قلت: ولهذا قال المؤرخ الشهير (وِل ديورانت) في كتابه (قصة الحضارة): «ولم يدَّع النبي في يوم من الأيام أنه قادر على معرفة الغيب»[46].
وقبل ديورانت قال الشاعر الفرنسي الشهير (لامارتين) في كتابه (السفر إلى الشرق): «لقد هدم الرسول المعتقدات التي تتخذ واسطة بين الخالق والمخلوق»[47].
3- تهمة المرض:
قال جورج: لكن إن أنا آمنت بعد كل ما سمعت منك؛ أن محمداً لم يكن كذاباً ولا مشعوذاً ولا ملفقاً، فهناك من يتهمه بأنه كان مريضاً[48].
قلت: ألا ترى بعد كل شهادات النخبة التي أسلفتها لك؛ أن تهمة المرض هذه تهمة باطلة؟
فتروَّى جورج قليلاً ثم قال: أجل.
- قلت: ومع هذا فلآتينك بشهادة جديدة على بطلانها؛ يقول المؤرخان المدققان (غودفرواميين - و - بلانونوف) في كتابهما (تاريخ العالم): «غاية ما نقدر أن نجزم به هو تبرئة محمد من الكذب والمرض، إنما كان محمد رجلاً ذا مواهب إلهية عليا؛ ساد بها أبناء عصره؛ وهي رباطة الجأش، وطهارة القلب، وجاذبية الشمائل، ونفوذ الكلمة. وكان عابداً عظيماً»[49].(/16)
- وتزكي هذه الشهادة شهادة أخرى للمؤرخ الشهير (فنلي) إذ قال: «إن نجاح محمد كمتشرع بين أقدم الأمم الآسيوية، وثبات نُظُمه مدى أجيال طويلة في كل نواحي الهيكل الاجتماعي؛ دليل على أن هذا الرجل الخارق قد كوَّنه مزيج نادر من أكبر العبقريات»[50].
- وتزكي هاتين الشهادة شهادة ثالثة للمؤرخ والأستاذ الجامعي (ألين نيكوسين) في كتابه (سيرة غير معروفة للنبي محمد) إذ يقول: «لم يحمل التاريخ لنا حتى اليوم، وربما بعد اليوم؛ عقلية فذة استطاعت أن تغير المفاهيم السياسية في العالم؛ بقدر ما حظيت به عقلية رسول الإسلام». أتكون هذه العقلية عقلية رجل مريض يا جورج؟.
قال جورج: لا؛ وأود أن أنتقل إلى تهمة أكبر من تهمة المرض، بل لعلها تناقضها.
قلت: وما هي؟
4- تهمة الشهوانية:
قال: هناك من يتهم محمداً نبي المسلمين بأنه كان رجلاً شهوانياً مغرماً بالنساء، وأنه تزوج نساءً عدة، وأنه اجتمع عنده منهن تسع زوجات.
قلت: على رسلك يا جورج؛ أتعرف قصة زيجاته؟
قال: لا.
قلت: سأحدثك عنها، وسأروي لك أولاً نصاً لباحثة غربية تحدثت عن هذا الموضوع بشيءٍ من التفصيل من وجهة نظر غربية معتدلة. ثم سأحدثك بإيجاز عن الواقع التاريخي لهذه الزيجات كما ورد في المصادر الصحيحة.
قال: حسناً؛ هات ما عندك.(/17)
قلت: تقول البريطانية الباحثة في الأديان (كارين أرمسترونج) في كتابها (سيرة النبي محمد): «لقد أثار موضوع زوجات النبي تأملات كثيرة في الغرب، تتسم بالبذاءة والصفاقة، وبكثير من مشاعر الحسد التي فشل الكتَّاب في إخفائها؛ على نحو ما رأينا في الفصل الأول الذي بينتُ فيه أن محمداً كثيراً ما اتهم بالميل إلى الشهوة الجسدية. وقد فرض القرآن فيما بعد ألا يزيد عدد زوجات المسلم على أربع، ولو أن محمداً قد سُمح له باعتباره نبياً بأكثر من ذلك. والواقع أن الاقتصار على زوجةواحدة لم يكن يعتبر من الأعراف المستحبة في بلاد العرب إلا من جانب قلة لا تذكر، وبعد سنوات كثيرة عندما أصبح محمد من سادة العرب العظماء، كانت زوجاته الكثيرات من دلالة منزلته الرفيعة.
ويغلب أن يكون تعدد الزوجات هو العرف السائد في المجتمع القبلي، ولا يجد الكتاب المقدس – أي التوراة – غضاضة على الإطلاق في الحديث عن الإنجازات الجنسية للملك داود، أو الزوجات اللائي لا يحصى عددهن للملك سليمان، ويعتبر عدد زوجات النبي محمد، بالقياس إلى زوجاتهما، ضئيلاً إلى درجة كبيرة. والواقع أنهما كانا يعيشان، مثل النبي محمد، في مجتمع يمر بفترة انتقالية من الحياة القبلية إلى حياة المدينة، ولكن يخطئ من يظن أن محمداً كان ينعم بالملاذ في حديقة من المتع الدنيوية، بل إن كثرة زوجاته كانت أحياناً، على نحو ما سوف نرى، نعمة ونقمة معاً..»[51].
وأردفتُ: هذا ما قالته الباحثة البريطانية، جزاها الله عن المسلمين خيراً، فقد حاولت رد التهم الباطلة عن نبي المسلمين ما استطاعت.
أما الواقع التاريخي لزيجات النبي صلى الله عليه وسلم؛ فنستطيع أن نُلمَّ به من تتبع السيرة النبوية في مصادرها الموثوقة.[52]
فماذا نجد في تلك المصادر؟(/18)
في ذروة مرحلة الشباب المتأجج المضطرم بالشهوة الجنسية العارمة؛ في سن الخامسة والعشرين؛ يتزوج محمد من امرأة في سن الأربعين – أي كان من الممكن أن تكون في سن أمه لو تزوجت وهي في سن الخامسة عشرة – ولم تكن امرأة بكراً كما يطمح الشباب في بيئته؛ بل كانت سبق لها أن تزوجت قبله مرتين؛ كما أسلفت لك.
أهذا يدل على شهوانية يا جورج؟
قال: لا.
قلت: وعاش محمد معها، وأنجبت له بنين وبنات.. حتى بلغ هو سن الخمسين، وبلغت هي سن الخامسة والستين، أي أنه عاش معها حياة زوجية هانئة طيلة خمس وعشرين سنة، أي قضى معها مرحلة شبابه كلها، وكان في أثناء ذلك مثال الزوج المخلص الوفي القانع.
وفي هذه السن توفيت فصار من حق محمد أن يبحث عن زوجة جديدة، ولو لم تُتَوَفَّ لما بحث عن غيرها، مع أنها صارت عجوزاً بعرف بيئته.
وبعد سن الخمسين يا جورج؛ لا تكون الشهوانية مطمع الرجل؛ حتى إن كان قبلها شهوانياً، فما بالك بمن لم يكن كذلك كما بينت لك.
وبين الخمسين والستين حصلت زيجات النبي صلى الله عليه وسلم؛ التي اتهمه بعض الجهلاء لأجلها بالشهوانية.
قال جورج: لماذا تقول بعض الجهلاء؟
قلت: لأنهم لو لم يكونوا جهلاء لقرؤوا في السيرة النبوية عن أحوال هؤلاء النسوة اللواتي لم يكنَّ من غرض الرجل الشهواني.
قال: لِمَ؟
قلت: لأنه لم تكن منهن فتاة بكر سوى عائشة، أما سائرهن فقد كنَّ ثيبات سبق لهن أن تزوجن بغير النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تخطين ميعة الصبا. أما السيدة عائشة فقد كانت سنها عندما تزوج بها تسع سنوات فقط، أي أنها كانت صغيرة ولم تظهر منها بعد المفاتن التي يصبو إليها الشهواني. وهو لم يتزوجها إلا تكريماً لأبيها أبي بكر الصديق أقرب أصحابه إليه.
قال جورج بعد أن تروَّى قليلاً: إن في هذا الكلام مَقنع؛ لكن إن أنا آمنت معك بأن زيجات محمد لم تكن عن شهوانية؛ فبماذا تفسرها لي؟(/19)
قلت: لو قرأتَ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في مصادرها الصحيحة التي سبق أن أشرت إليها، لوجدت أنه عندما تزوج بعد سن الخمسين لم يأت إلى داره بمجموعة من ملكات الجمال الغانيات اللواتي تصبو إليهن نفوس أصحاب الشهوات.. إنما جاء إلى داره بمجموعة من الأرامل اللواتي فقدن أزواجهن لأسباب مختلفة[53]، ثم لم يتقدم إليهن الكفء الذي يعولهن ويصلح حالهن. فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن صار يضمهن إلى داره عن طريق الزواج صوناً لهن، تلك الدار التي كانت تمر عليها أيام وليس فيها ما يكفي للنفقة عليهن! فأين هنَّ من التنعم الدنيوي فيها. ولقد جاء يوم اجتمعن فيه وعزمن على تقديم الاحتجاج لزوجهن مطالبات بالنفقة التي تكفيهن! ومن أين يأتيهن بما يكفيهن؟ إذا كان هو ذاته يلجأ أحياناً إلى ربط حجر على بطنه عندما ينزل به الجوع!
وهنا استبق جورج الكلام وقال: وكيف تصرف محمد في هذا الموقف؟
قلت: لقد تفكر في الأمر قرابة شهر، وهو ينتظر أن يوحي إليه الله سبحانه بما يفرج كربه. وفي نهاية ذلك الشهر نزلت الآيات القرآنية تقول: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً{28} وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً}[54].
لقد أمره الله سبحانه أن يخير أزواجه بين الطلاق الذي يحصلن فيه على كافة حقوق المطلقات، فيما إذا كن يفضلن متاع الدنيا وزينتها، وبين البقاء معه طلباً للفوز بالدار الآخرة وما أعد الله سبحانه فيها للمحسنات من ثواب.
قال جورج: وماذا اختارت نساء محمد؟
قلت: لقد اخترن البقاء مع زوجهن والفوز بثواب الآخرة، ورفضن الدنيا وزينتها.(/20)
قال جورج وقد أشرق وجهه: ما دار محمد هذه بدار رجل من أصحاب الشهوات، وما نساء هذا الرجل اللواتي اخترن الآخرة على الدنيا إلا قديسات!.
قلت: أتود أن تقرأ وصفاً لنبي المسلمين في داره هذه يا جورج.
قال: حبذا؛ على أن يكون هذا الوصف بقلم أحد النخبة من علماء الغرب الذين عرفوه ودرسوه.
قلت: لك هذا؛ يقول (وِل ديورانت) في كتابه (قصة الحضارة): «كانت حياة النبي غاية في البساطة، فقد كانت المساكن التي أقام بها واحداً بعد واحد؛ كلها من اللبِن، لا يزيد اتساعها على /12-14/ قدماً، ولا يزيد ارتفاعها على /8/ أقدام، سقفها من جريد النخل، وأبوابها ستائر من شعر المعز أو وبر الإبل، أما الفراش فلم يكن أكثر من حشية تفرش على الأرض ووسادة. وكثيراً ما كان يشاهَد وهو يخصف نعليه، ويرقع ثوبه، وينفخ النار، ويكنس أرض الدار، ويحلب عنزة البيت في فِنائه، ويبتاع الطعام من السوق.. ولم يتعاط الخمر.. وكان لطيفاً مع العظماء، بشوشاً في أوجه الضعفاء، عظيماً مهيباً أمام المتعاظمين المتكبرين.. وكان يرفض أن يوجَّه إليه شيء من التعظيم الخاص، يَقبل دعوة العبد الرقيق إلى الطعام، ولا يطلب إلى عبد أن يقوم له بعمل يجد لديه من الوقت والقوة ما يمكنانه من القيام به بنفسه.. أما ما كان ينفقه على نفسه فكان أقلَّ من القليل، وكان يخص الصدقات بالجزء الأكبر مما يرد إليه من المال..»[55].(/21)
وأزيدك قول المستشرق (بودلي) يصف حياة نبي المسلمين فيقول: «كانت حياة محمد بسيطة كحياة السيد المسيح، فكان طعامه الثريد والتمر واللبن، وكان يتناول أحياناً حساء ضأن وخُضر، وربما شرب بعض العسل، وكان غالباً ما يقتصر على التمر واللبن، وأياً كان الطعام فقد كان يتناوله على حصير فوق الأرض، وكانت ثيابه بسيطة كطعامه؛ فكان يرتدي فوق جسمه مباشرة قميصاً له أكمام من الصوف الخشن والقطن، وفوقه بردة، وكان باستطاعته لو أراد؛ أن تساق له الدنيا بأجمعها، ولكنه كان يكتفي من كل شيء بالكفاف، وقد صغُرت في عينيه الحياة؛ لأنه كان أكبر من كل ما في الحياة! هذه البساطة لا تحتاج إلى أدنى دليل على أن صاحبها ليس إلا من عند الله»[56].
- وأزيدك قول المستشرق (سييل) في مقدمة ترجمته للقرآن الكريم عن نبي المسلمين: «كانت طريقته مرْضيَّة، وكان الإحسان إلى المساكين شيمته، وكان يعامل الجميع بالخلق الحسن، وكان شجاعاً مع الأعداء، وكان يعظم اسم الله تعظيماً قوياً، وكان يشدد على المفترين – الذين يرمون البرآء – والزناة والقتلة وأهل الفضول والطامعين وشهود الزور تشديداً بليغاً، وكان كثير الوعظ في الصبر والود والبر والإحسان، وتعظيم الأبوين والكبار وتوقيرهم وتكريمهم، وكان عابداً..»[57].(/22)
- وأزيدك قول المؤلف الاسكتلندي المشهور (توماس كارليل) في كتابه (الأبطال) ملخصاً كل ما سبق عن تهمة الشهوانية: «وما كان محمد أخا شهوات برغم ما اتهم به ظلماً وعدواناً، وشدَّ ما نجور ونخطئ إذا حسبناه رجلاً شهوياً لا همَّ له إلا قضاء مآربه من الملاذ. كلا؛ فما أبعد ما كان بينه وبين الملاذ أيةً كانت، لقد كان زاهداً متقشفاً في مسكنه ومأكله ومشربه وملبسه وسائر أموره وأحواله. وكان طعامه عادة الخبز والماء، وربما تتابعت الشهور ولم توقد بداره نار.. وكان يصلح ويرفو ثوبه بيده، فهل بعد هذا مكرمة ومفخرة؟ فحبذا محمد من رجل خشن اللباس، خشن الطعام، مجتهد في الله، قائم النهار ساهر الليل، دائب في نشر دين الله، غير طامع إلى ما يطمع إليه أصاغر الرجال من رتبة أو دولة أو سلطان، غير متطلع إلى ذِكْر أو شهرة كيفما كانت، رجل عظيم وربكم»[58]. إلى أن يقول: « إني لأحب محمداً لبراءة طبعه من الرياء والتصنع، ولقد كان ابن القفار هذا رجلاً مستقل الرأي لا يعوِّل إلا على نفسه، ولا يدعي ما ليس فيه، ولم يك متكبراً، ولكنه لم يكن ذليلاً ضارعاً، فهو قائم في ثوبه المرقع كما أوجده الله وكما أراده، يخاطب بقوله الحر المبين قياصرة الروم وأكاسرة العجم، يرشدهم إلى ما يجب عليهم لهذه الحياة وللحياة الآخرة»[59].
- وأزيدك أخيراً قول المستشرق والمؤرخ البريطاني (وليم موير) في كتابه (حياة محمد): «كانت السهولة صورة من حياة محمد كلها، وكان الذوق والأدب من اظهر صفاته، كما أن التواضع والعطف والصبر والإيثار والجود من أخلاقه الحسنة. ما كان يرفض هدية مهما صغرت، وما كان يتعالى في مجلسه، ولا يُشعر أحداً أنه لا يخصه بإقباله.. لقد امتاز محمد بوضوح كلامه ويُسر دينه، وقد أتم من الأعمال ما يدهش العقول! ولم يعهد التاريخ مصلحاً أيقظ النفوس، وأحيا الأخلاق، ورفع شأن الفضيلة في زمن؛ كما فعل نبي الإسلام.(/23)
كان محمد لا يطمع قط بالثراء، وكان ملهماً بروح ناعمة وبذوق لطيف، وكان يحيا حياة التحنث، وتأملاته تشغل دون شك كل ساعات لهوه، مع أن أترابه كانوا يقضونها في اللهو المحرم والحياة المنطلقة من كل قيد. وهذه الشهرة الحسنة والسلوك الشريف خولاه احترام معاصريه، ولذا كان الإجماع عليه حتى لقب بالأمين».
وأردفت: أمثل هذا يكون شهوانياً يا جورج؟
قال جورج والإشراقة تنير وجهه: إن رجلاً يصفه (ديورانت و بودلي و سييل و كارليل و موير) بهذا الوصف؛ حري بأن يكون نبياً.
قلت: حياك الله يا جورج، لكن أزيدك وضوحاً حتى تكون على بينة من أمرك.
قال: وما ذاك؟
قلت: إن من يتعرف نظرة الإسلام إلى المرأة، يتبين له أن المرأة لم تكن في عرف النبي صلى الله عليه وسلم أداة للمتعة وقضاء الشهوة؛ إنما كانت إنسانة قبل كل شيء، ولها أن تتمتع بكافة حقوقها التي تجعلها مكافئة للرجل، يقول القرآن الكريم عن النساء: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[60] أي لهن من الحقوق مثل ما عليهن من الواجبات.. وكذلك الرجال.
ويقول القرآن الكريم: {لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ}[61] أي كلٌ من الرجل والمرأة يعطى من الميزات بحسب الدور الذي يؤديه في المجتمع.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما النساء شقائق الرجال»[62] وهل يتميز الأشقاء فيما بينهم إلا بالدور الذي يؤديه كل منهم.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم مخاطباً الرجال: «إن الله يوصيكم بالنساء خيراً؛ فإنهن أمهاتكم وبناتكم وخالاتكم»[63].(/24)
أما العلاقة الزوجية التي تربط بين الرجل والمرأة؛ فاسمع يا جورج ماذا قال عنها القرآن الكريم الذي أنزله الله سبحانه على محمد صلى الله عليه وسلم: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}[64] أي أن المرأة والرجل في أصل خلقهما شيء واحد؛ فإذا اقتضت المادة فصل هذا الشيء إلى جزأين، أي زوجين، جاءت الروح عن طريق المودة والرحمة فضمتهما من جديد، وبهذا تصير المرأة سكناً للرجل، ويصير الرجل سكناً للمرأة.
وقد أكَّد القرآن الكريم على هذا المعنى في أكثر من موضع؛ تقول آية أخرى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا}[65].
أما النبي صلى الله عليه وسلم فيوجه عناية الأزواج إلى الحقوق المتبادلة بين الزوجين، ويدعو الرجال إلى مراعاة وحفظ حقوق النساء بعامة إذ يقول: «أيها الناس؛ إن لنسائكم عليكم حقاً، ولكم عليهن حق.. فاتقوا الله في النساء، واستوصوا بهن خيراً»[66].
وأردفت: أتتبين في هذه النصوص شيئاً من الشهوانية أو النظرة الدون إلى المرأة مما يجعلها مرتعاً للغريزة الجنسية فقط.
قال جورج وقد تنبهت عقلانيته: عجباً لبني قومي من الغربيين كيف فاتتهم هذه النظرة الإسلامية السامية للمرأة؛ وأشاعوا فيما بينهم نقيضها تماماً؟! حتى ليظن الجاهل أن المرأة في الإسلام بؤرة للجنس لا غير.
قلت: ليس جميع الدارسين للإسلام من الغربيين وقعوا في هذا الخطأ، إنما الذين وقعوا فيه هم المبشرون فقط؛ الذين همهم تشويه الإسلام حتى لا يعتنقه الباحثون عن الراحة النفسية من الغربيين، الراحة النفسية التي يوفرها هذا الدين لمعتنقيه نساءً ورجالاً.
أما غير المبشرين من الدارسين الغربيين - للإسلام ولنبي الإسلام – المعتدلين، فهاك أمثلة مما أوصلتهم إليه دراساتهم:(/25)
- يقول الفيلسوف الشهير (جورج برنارد شو): «رأيت في دراستي لسيرة النبي العربي؛ أنه كان من أكبر أنصار المرأة الذين عرفهم التاريخ، وقد كان للمرأة أكبر الأثر في عظمته»[67].
- ويقول الكاتب القبطي النصراني (واصف باشا بطرس غالي) في كتابه (فروسية العرب المتوارثة): «كان محمد يحب النساء ويفهمهن، وقد عمل جهد طاقته لتحريرهن، وربما كان ذلك بالقدوة الحسنة التي استنها فوق ما هو بالقواعد والتعاليم، وهو يُعد بحق من أكبر أنصار المرأة العمليين إن لم يكن عظيم الاحترام والتكريم لهن، ولم يكن ذلك منه خاصاً بزوجاته، بل كان ذلك شأنه مع جميع النساء على السواء»[68].
- ويقول الروائي الألماني المعروف (ويلكي كوكنز) في كتابه (جوهرة القمر): «لقد جاء محمد بصيانة النساء وحثهن على العفة»[69]. فهل يحث الرجل الشهواني النساء على العفة؟
- ويقول الكاتب الإنجليزي (جون أروكس) في كتابه (عظماء التاريخ): «لم نعلم أن محمداً تسربل بأية رذيلة طيلة حياته، لذلك نراه عظيماً»[70].
- ويقول المستشرق والمؤرخ الأمريكي (أورينج) في كتابه (الحياة والإسلام): «كان النبي الأخير بسيطاً خلوقاً، ومفكراً عظيماً ذا آراء عالية، وإن أحاديثه القصيرة جميلة ذات معان كثيرة، فهو إذاً مقدس كريم».
أيكون الشهواني مقدساً كريماً يا جورج؟.
قال: لا.(/26)
قلت: وتقول المستشرقة الإيطالية (لورافيشيا فاغليري) في كتابها (دفاع عن الإسلام): «وحاول أقوى أعداء الإسلام، وقد أعماهم الحقد، أن يرموا نبي الله ببعض التهم المفتراة، لقد نسوا أن محمداً كان قبل أن يستهل رسالته؛ موضع الإجلال العظيم من مواطنيه بسبب أمانته وطهارة حياته». ثم تقول ملخصة هذه التهمة والرد عليها: «لقد أصر أعداء الإسلام على تصوير محمد شخصاً شهوانياً ورجلاً مستهتراً، محاولين أن يجدوا في زواجه المتعدد شخصية ضعيفة غير متناغمة مع رسالته. إنهم يرفضون أن يأخذوا بعين الاعتبار هذه الحقيقة؛ وهي أنه طوال سني الشباب التي تكون فيها الغريزة الجنسية أقوى ما تكون.. لم يتزوج إلا من امرأة واحدة ليس غير.. وأنه ظل طوال /25/ سنة زوجها المحب المخلص، ولم يتزوج كرة ثانية إلا بعد أن توفيت خديجة، وإلا بعد أن بلغ الخمسين من عمره، لقد كان لكل زيجة من زيجاته سبب اجتماعي أو سياسي.. وباستثناء عائشة تزوج محمد من نسوة لم يكنَّ لا عذارى ولا شابات ولا جميلات، فهل كان ذلك شهوانية؟!»[71].
- ويقول المستشرق السويسري (جون وانبورت) في كتابه (محمد والقرآن): «بقدر ما نرى من صفة محمد الحقيقية بعين البصيرة والتروي في المصادر التاريخية الصحيحة؛ بقدر ما نرى من ضعف البرهان وسقوط الأدلة لتأييد أقوال الهجو الشديد، والطعن القبيح الذي انهال عليه من افواه المغرضين والذين جهلوا حقيقة محمد ومكانته، ذلك الرجل العظيم عند كل من درس صفاته العظيمة، كيف لا وقد جاء بشرع لا يمكننا أن نتهمه فيه».
وأردفت: أأزيدك يا جورج؟
قال: حسبي.
قلت ألا ترى يا جورج أن من كانت هذه حاله يكون إنساناً متميزاً؟
قال: بل يكون رجلاً عظيماً.
قلت: لقد سبقك بعض النخبة من علماء الغرب إلى هذا الحكم.
قال: من؟(/27)
قلت: يقول الشاعر الفرنسي الشهير (لامارتين): «إن محمداً هو أعظم رجل بجميع المقاييس التي وُضعت لوزن العظمة الإنسانية؛ فإذا كان مقياس العظمة الإنسانية هو إصلاح شعب متدهور، فمن الذي يطاول محمداً في هذا المضمار؟
وإذا كان مقياس العظمة هو توحيد الإنسانية المفككة الأوصال؛ فإن محمداً أجدر الناس بهذه العظمة؛ لأنه جمع شمل العرب بعد تفكك شامل.
وإذا كان مقياس العظمة هو إقامة حكم السماء في الأرض؛ فمن ذا الذي ينافس محمداً الذي محا مظاهر الوثنية، وثبت عبادة الله وقوانينه في عالم الوثنية والقوة»[72].
سيرة النبي صلى الله عليه وسلم:
قال جورج: أشهد أن هذه الشهادات التي أوردتها على مسامعي قد شوقَتْني إلى أن أطالع سيرة محمد لو وجدت إليها سبيلاً.
قلت: أتود أن تعرف ما قالته النخبة من العلماء الغربيين عن سيرة محمد[73] صلى الله عليه وسلم؟
قال: أجل.
قلت: يقول (برنارد شو): «لقد درست سيرة محمد فوجدته بعيداً عن مخاصمة المسيح، ويمكن بحق أن نعتبر محمداً (منقذ الإنسانية) وأعتقد أن رجلاً مثله لو حكم العالم بإيثاره وخُلُقه لجلب للعالم السلام والسعادة»[74].
ويقول المؤرخ البريطاني الشهير (أرنولد توينبي) في كتابه (مدخل تاريخي للدين): «الذين يريدون أن يدرسوا السيرة النبوية العطرة، يجدون أمامهم من الأسفار ما لا يتوافر مثله للباحثين في حياة أي نبي من أنبياء الله الكرام».
- ويقول المستشرق الإيطالي الكونت (ليوني كاتياني) في كتابه (تاريخ الإسلام): «أليس الرسول جديراً بأن نقدم للعالم سيرته حتى لا يطمسها الحاقدون عليه وعلى دعوته التي جاء بها لينشر في العالم الحب والسلام؟! وإن الوثائق الحقيقية التي بين أيدينا عن رسول الإسلام ندر أن نجد مثلها، فتاريخ عيسى وما ورد في شأنه في الإنجيل لا يشفي الغليل».(/28)
- ويقول المستشرق (غوستاف لوبون) في كتابه (حياة الحقائق): «نعرف ما فيه الكفاية عن حياة محمد، أما حياة المسيح فمجهولة تقريباً، وإنك لن تطمع أن تبحث عن حياته في الأناجيل»[75].
- ويقول المستشرق (ر. ف. بودلي) في كتابه (حياة محمد): «لا نعرف إلا شذرات عن حياة المسيح، أما في سيرة محمد فنعرف الشيء الكثير؛ ونجد التاريخ بدل الظلال والغموض»[76].
قال جورج: هل لك أن تلخص لي حياة محمد في جملة واحدة؟
قلت: لقد لخصها أحد علماء الغرب من النخبة، وهو المستشرق الإسباني (جان ليك) في كتابه (العرب) فقال: «لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} كان محمد رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق»[77].
وأردفت: أما المستشرق (بوسورث سميث) في كتابه (محمد والإسلام) فلم يستطع أن يلخص حياة النبي صلى الله عليه وسلم بجملة واحدة فقال: «إنه لمن المستحيل لأي شخص درس حياة محمد العربي العظيم وشخصيته، وعرف كيف عاش وكيف تعلم، إلا أن ينحني لهذا الرسول المبجل القوي، الذي هو واحد من أعظم رسل الله. ومهما أقل لكم؛ فإني سأقول أشياء كثيرة معروفة للجميع، ولكن حينما أعيد قراءتها أشعر بمزيد من التقدير والإعجاب، أشعر بمشاعر جديدة من الاحترام والتبجيل لهذا المعلم العربي العظيم»[78].(/29)
وأردفت: وإكراماً لك يا جورج؛ فإليك ملخصاً بقلم شهير غربي كبير؛ لكل ما سلف من أقوال؛ يقول (أرنست رينان) في كتابه (تعليقاتي على تواريخ الأديان): «لقد دلتني تحرياتي العلمية والتاريخية على أنه لا صحة مطلقاً لما أريد إلصاقه بالنبي محمد من كذب وافتراء مصدرهما بعض المباينات العرفية، والعادات القومية، التي أراد بعض المتحاملين أن يتوجهوا بها إلى الناحية التي تشفي سقام أذهانهم الوقحة، وتعصبهم الذميم.. مع أن محمداً وكما أثبتت الوثائق التاريخية، وشهادات أكابر علماء التاريخ كان على العكس من ذلك؛ بريئاً من روح الكبرياء، متواضعاً، أميناً، لا يحمل الحقد لأحد، وكانت طباعه نبيلة، وقلبه طاهراً، ورقيق الشعور»[79].
وأردفت: بل أزيدك ملخصاً آخر بقلم كاتب كثيراً ما تحامل على النبي صلى الله عليه وسلم في كتابه (محمد مؤسس الدين الإسلامي) لكنه لم يستطع في نهايات كتابه هذا إلا أن ينطق بالحق، إنه الكاتب الأمريكي (جورج بوش - /1796-1859/م) فقد قال عند كلامه عن موت النبي صلى الله عليه وسلم: «وهكذا انتهت مهمة محمد على ظهر الأرض، هكذا انتهت مهمة واحد من أبرز الرجال وأكثرهم جدارة بالالتفات على الإطلاق.. وتزداد دهشتنا أكثر وأكثر إذا تركنا نجاحه السياسي وتحدثنا عن صعود دينه وانتشاره السريع، واستمراره ورسوخه الدائم. والحقيقة أن ما حققه نبي الإسلام والإسلام لا يمكن تفسيره إلا بأن الله كان يخصهما برعاية خاصة؛ فالنجاح الذي حققه محمد لا يتناسب مع إمكاناته، ولا يمكن تفسيره بحسابات بشرية معقولة.
لا مناص إذاً من القول أنه كان يعمل في ظل حماية الله ورعايته، لا تفسير غير هذا لتفسير الإنجازات ذات النتائج الباهرة»[80].(/30)
أما (برنارد شو) فقد قال في تلخيصه لحياة محمد: «قرأت حياة رسول الإسلام جيداً مرات ومرات فلم أجد فيها إلا الخلُق كما يجب أن يكون، وأصبحت أضع محمداً في مصاف؛ بل على قمم المصاف من الرجال الذين يجب أن يُتَّبعوا. ولما قرأت دين محمد أحسست أنه دين عظيم»[81].
وأردفتُ قائلاً: وبسبب هذه السيرة العطرة لنبي المسلمين؛ التي شهد بها هؤلاء السادة النخبة، صار يحق له أن يدعى (سيد وِلد آدم).
قال جورج: على رسلك؛ سيد ولد آدم هذه تقولون بها أنتم المسلمين؛ أما غيركم فلا يقول بها.
قلت: أتود أن أتحفك بشهادة عليها ممن ترتضيهم أنت يا جورج؟.
قال: أَوَتوجد مثل هذه الشهادة؟!
قلت: أحدِّثك، ثم لك أن تحكم.
قال: هاتِ ما عندك.
قلت: أقرأتَ كتاب الباحث الأمريكي (د. مايكل هارت) الموسوم بـ(المئة الأوائل)؟
قال: سمعت به ولم أقرأه.
قلت: لقد استعرض هذا الباحث تاريخ البشرية كله؛ منذ أن وصلتنا عنه أخبار مؤكدة حتى اليوم.. ثم استخلص منه أعظم مئة رجل تركوا تأثيراً دائماً في حياة البشر.. ثم صنف هؤلاء المئة بحسب أهميتهم ليعطي كلاً منهم الدرجة التي يستحقها في السلَّم الذي وضعه وحدده بمقاييس علمية..
أتدري يا جورج من كان صاحب الدرجة الأولى في رأس سلَّم الأوائل هؤلاء؟
قال: مَنْ؟.
قلت: لقد كان صاحب الدرجة الأولى في رأس سلَّم هؤلاء الأوائل؛ هو نبي المسلمين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم!!.
وأردفتُ: لقد كان هؤلاء المئة هم النخبة الأوائل من البشر، وكان نبي المسلمين أول هؤلاء الأوائل المئة وسيدهم! ألا يكون د. مايكل هارت قد شهد بهذا أن نبي المسلمين هو سيد البشر؟
فتفكر جورج وتروى ثم قال: أجلْ؛ هذا ما يقوله العقل.
لكنه أردف قائلاً: وبماذا نال محمد هذه الدرجة عند د. هارت؟.(/31)
قلت: لقد أجاب هو عن سؤالك هذا فقال: «إن الاتحاد الفريد الذي لا نظير له للتأثير الديني والدنيوي معاً؛ مما يخوِّل محمداً أن يعتبر أعظم شخصية مفردة ذات تأثير في تاريخ البشرية»[82].
قال جورج: لكنْ لماذا لم يجعل د. هارت هذه الدرجة للسيد المسيح؛ مع أنه من أتباعه؟!
قلت: لقد أجاب هو عن سؤالك هذا أيضاً فقال: «المسيح لم يترك آثاراً كتابية.. إن معظم المعلومات التي نعرفها عن يسوع المسيح هي غير مؤكدة، وإن سنة ميلاده أيضاً غير معروفة، وكذلك سنة وفاته»[83].
حقيقة الدين الإسلامي ودحض الافتراءات والتهم الباطلة:
1- تهمة الهمجية والتخلف:
قال جورج: أما سيرة محمد؛ فلا بد لي من قراءتها ذات يوم في نصوصها الصحيحة الموثوقة[84]. لكن إذا أنا آمنت مع النخبة من علماء الغربيين الذين عرضتَ علي أقوالهم؛ بأن محمداً بريء من كافة التهم والنقائص التي ألصقت به زوراً وبهتاناً، فهناك من يتهم رسالة محمد؛ التعاليم الإسلامية التي جاء بها محمد، أي ما تسمونه دين الإسلام.
قلت: كيف؟
قال: هناك من يتهم دين الإسلام بالهمجية والتخلف.
قلت: في هذا سأحيلك إلى تعاليم الإسلام بنصوصها في القرآن والحديث النبوي لتجيبك؛ فإن العقل السليم يتلقفها ولا يحتاج معها إلى تزكيتها. فأنصت إلي:
أترى أن ديناً يأمر أتباعه منذ أكثر من /1400/ سنة أن يغسلوا أطرافهم المكشوفة والمعرضة للتلوث؛ خمس مرات كل يوم طلباً للنظافة. وأن ينظفوا أسنانهم بالفرشاة مرات عدة كل يوم طلباً للنظافة. وأن يغسلوا الجسد كله بعد الجنابة طلباً للنظافة.. هذا كله عدا عن الاغتسال الأسبوعي الواجب على كل مسلم. أتراه ديناً همجياً متخلفاً؟!
قال جورج: لا؛ لكن أين تجد هذا في دين الإسلام؟(/32)
قلت: تقول الآية الكريمة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ}[85] أي توضؤوا عند كل صلاة من الصلوات الخمس المفروضة عليكم كل يوم، واغتسلوا من الجنابة.
ويقول الحديث النبوي: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة»[86]. ويقول حديث نبوي آخر: «السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب»[87].
ويقول الحديث النبوي: «حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوماً، يغسل فيه رأسه وجسده»[88].
قال جورج: حسبي هذا في النظافة.
قلت: أترى أن ديناً يعلم أتباعه أصول التزاور فيقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ{27} فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}[89] أتراه ديناً همجياً متخلفاً؟
قال جورج: لا.
قلت: أترى أن ديناً يعلم أتباعه مبادئ الحشمة بين أفراد الأسرة فيقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ.. وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ}[90]. أتراه ديناً همجياً متخلفاً؟
قال جورج: لا.(/33)
قلت: أترى أن ديناً يعلم أتباعه مبادئ العلاقات الاجتماعية السليمة، ويأمرهم بنبذ واجتناب العادات الذميمة فيقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ{11} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً}[91] أتراه ديناً همجياً متخلفاً؟
قال جورج: لا.
قلت: أترى أن ديناً يعلم أتباعه مبادئ العلاقات الإنسانية العامة بين مختلف الأمم والشعوب فيقول: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[92]. أي أن الغاية من تعدد الأمم والشعوب هي التقارب والتصالح، وليس التنابذ والتناحر. وأفضل الناس عند الله ليس الملوك ولا الحكام ولا الأغنياء ولا الفقراء بل هو الإنسان الذي يؤمن بالله ويطيعه ولا يعصيه؛ مهما كان منبته.
أتراه ديناً همجياً متخلفاً؟
قال جورج: لا.
قلت: أترى أن ديناً يربي أتباعه على مبدأ المساواة بين جميع الأمم والشعوب، فلا عصبية ولا عنصرية؛ بل قيمة كل فرد تنبع من مدى صلته بالله سبحانه وطاعته له، فيقول نبي هذا الدين مخاطباً أتباعه: «أيها الناس؛ إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى»[93].
أتراه ديناً همجياً متخلفاً؟.
قال جورج: لا.
قلت: أأزيدك؟
قال: حسبي
قلت: أتكون بهذا رسالة الإسلام همجية أم حضارية؟(/34)
قال: بل حضارية.
قلت: لقد سبقك إلى هذا الحكم حكماء قومك من الغربيين.
قال: كيف؟
قلت: يقول المستشرق الإنكليزي (مارجليوث): «ورسالة محمد طافحة بالحضارة والتعاليم التي تخدم البشرية وتوليها زمام الحياة.. وخير ما فيها طابع صلاحية البقاء مع الزمن مهما طال وامتد»[94]
- ويقول المؤرخ الإنكليزي (ويلز): «كل دين لا يسير مع المدنية في كل أطوارها فاضرب به عُرض الحائط، وإن الدين الحق الذي وجدته يسير مع المدنية أينما سارت هو الإسلام.. ومن أراد الدليل فليقرأ القرآن وما فيه من نظرات ومناهج علمية، وقوانين اجتماعية، فهو كتاب دين وعلم واجتماع وخُلُق وتاريخ، وإذا طُلب مني أن أحدد معنى الإسلام؛ فإني أحدده بهذه العبارة: الإسلام هو المدنية»[95].
- ويقول المستشرق (روم لاندو) في كتابه (الإسلام والغرب): «إن الحضارة الغربية مدينة للحضارة الإسلامية بشيء كثير؛ إلى درجةٍ نعجز معها عن فهم الأولى إن لم تتم معرفة الثانية»[96].
- ويقول الفيلسوف (نيتشه): «إن المدنية الإسلامية لم تتنكر يوماً للحياة»[97].
- ويقول (غوستاف لوبون) في كتابه (حضارة العرب): «إن حضارة العرب المسلمين قد أدخلت الأمم الأوربية الوحشية في عالم الإنسانية، فلقد كان العرب أساتذتنا.. وإن جامعات الغرب لم تعرف لها مدة خمسة قرون مورداً علمياً سوى مؤلفات العرب، فهم الذين مدَّنوا أوربة مادة وعقلاً وأخلاقاً، والتاريخ لم يعرف أمة أنتجت ما أنتجوه.. إن أوربة مدينة للعرب بحضارتها.. وإن العرب هم أول من علَّم العالم كيف تتفق حرية الفكر مع استقامة الدين»[98].
- ويقول المستشرق الأمريكي (سنكس) في مقدمة كتابه (ديانة العرب): «إن الفكرة الدينية الإسلامية أحدثت رقياً كبيراً جداً في العالم، وخلَّصت العقل الإنساني من قيوده الثقيلة التي كانت تأسره حول الهياكل بين يدي الكهان».(/35)
- أما العالم الأمريكي (هاكنج) فيقول في كتابه (روح السياسة العالمية): «وأنا أدرك بنظرة واقعية أن الشريعة الإسلامية تحتوي على كل المبادئ والأصول اللازمة للرقي والتكامل»[99].
- ويقول المستشرق الفرنسي (لوازون) في كتابه (الشرق): «مهما تحدثنا عن محمد فليس بالكثير في حقه، لأنه جاء إلى العالم بدين جمع فيه كل مل يصلح للحياة»[100].
فهل الدين الذي فيه كل ما يصلح للحياة يكون همجياً متخلفاً يا جورج؟.
قال جورج: لقد أجبتك عن هذا، وأنا أتفق مع جميع هذه الشهادات التي أوردتها للنخبة من بني قومي. لكن إذا انا آمنت بأن الإسلام بريء من تهمة الهمجية والتخلف، فهناك تهمة أخرى.
قلت: وما هي؟.
2- تهمة العنف:
قال جورج: هناك من يتهم الدين الإسلامي بالعنف.
قلت: وفي هذا أيضاً سأحيلك أولاً إلى تعاليم الإسلام بنصوصها لتجيبك.(/36)
أترى أن ديناً يرسم لأتباعه الصورة المثلى التي يجب أن يكونوا عليها فيقول: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً{63} وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً{64} وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً{65} إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً{66} وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً{67} وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً{68} يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً{69} إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً{70} وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً{71} وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً{72} وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً{73} وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً{74} أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَاماً}[101].
وأردفتُ: عباد الرحمن هؤلاء؛ الذين وصفتهم هذه الآيات الكريمة؛ هم المثل الأعلى الذي يسعى كل مسلم للوصول إليه.. أتراه ديناً يدعو إلى العنف؟
قال جورج: لا.(/37)
قلت: أترى أن ديناً يعلِّم النبيَّ الذي جاء به كيفية مواجهة خصومه؛ فيقول في القرآن الكريم: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ}[102]. أي إذا أساء إليك خصمك؛ فأحسن أنت إليه. أتراه ديناً يدعو إلى العنف يا جورج؟
قال: لا.
قلت: أترى أن ديناً يعلِّم ويربي فيه الأب ابنه فيقول في القرآن الكريم: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ{17} وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ{18} وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}[103]. أتراه ديناً يدعو إلى العنف؟
قال جورج: لا.
قلت: أترى أن ديناً يعلم النبيَّ الذي جاء به كيفية دعوة الناس إلى الله فيقول في القرآن الكريم: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[104]. أتراه ديناً يدعو على العنف؟
قال جورج: لا.
قلت: أترى أن ديناً يحذر النبيَّ الذي جاء به؛ من عاقبة العنف والقسوة والفظاظة فيقول له في القرآن الكريم: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}[105]. أتراه ديناً يدعو إلى العنف؟
قال جورج: لا.
قلت: أترى أن ديناً يعلم أتباعه كيفية الاقتصاص من المعتدي فيقول في القرآن الكريم: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ}[106]. أتراه ديناً يدعو إلى العنف؟
قال جورج: لا.(/38)
قلت: أترى أن ديناً يأمر أتباعه باختيار الكلام الحسن، وأن لا يخاطبوا من كان على غير دينهم إلا بالكلام الحسن فيقول: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[107].
ويقول: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}[108]. وأهل الكتاب الذين ذكرتهم الآية الكريمة هم اليهود والنصارى. أتراه ديناً يدعو إلى العنف؟
قال جورج: لا.
قلت: إذا كان دين الإسلام يرفض العنف في الكلمة؛ فكيف يرضاه بغير الكلمة؟!
قال جورج: صدقتَ؛ وحسبي هذا من النصوص القرآنية.
قلت: فمن تطبيقات النبي صلى الله عليه وسلم لهذه النصوص؟
قال: هات وأوجز.
قلت: لو قرأتَ السيرة النبوية في مصادرها الموثوقة لوجدت أن أتباع النبي صلى الله عليه وسلم كانوا في بدء الدعوة الإسلامية يَلقون من كفار مكة مختلف ألوان الاضطهاد والتعذيب.. فلم يأمرهم النبي بمواجهة العنف بالعنف، بل أمرهم بالهجرة من مكة، فصاروا يهاجرون إلى الحبشة فراراً بدينهم من العنف.
ولو تابعت قراءة السيرة النبوية لوجدت أن النبي صلى الله عليه وسلم عقد صلحاً مع كفار مكة في السنة السادسة للهجرة سمي (صلح الحديبية) حقق فيه الكفار مطالبهم؛ برغم التفوق العسكري الواضح في جيش النبي فيما لو خاض معهم قتالاً، ولم يكن نصيب المسلمين في ذلك الصلح سوى تجنب العنف وعدم دخول مكة عن طريق القتال. وكان هذا بناء على اختيار النبي صلى الله عليه وسلم؛ الذي قال آنذاك قولته المشهورة: «لا تدعوني قريش – وهم كفار مكة – لخصلة فيها تعظيم حرمات الله إلا أجبتهم إليها»[109]. برغم المعارضة القوية من أصحاب النبي لهذا الصلح.
وأردفت: أترى من يختار هذه الاختيارات التي تتجنب العنف؛ يوصف بالعنف يا جورج؟
قال: لا.(/39)
قلت: إذاً اسمع ما تقوله النخبة من علماء الغربيين عن العنف الذي اتهم به الدين الإسلامي، ونبي المسلمين:
- تقول البريطانية الباحثة في علم الأديان (كارين أرمسترونج) في مقدمتها لكتابها (سيرة النبي محمد): «من الخطأ أن نظن أن الإسلام دين يتسم بالعنف أو بالتعصب في جوهره، على نحو ما يقول به البعض أحياناً، بل إن الإسلام دين عالمي، ولا يتصف بأي سمات عدوانية شرقية أو معادية للغرب»[110].
- ويقول المستشرق الفرنسي (غوستاف لوبون) في كتابه (الدين والحياة): «لقد كان محمد ذا أخلاق عالية، وحكمة ورقة قلب، ورأفة ورحمة، وصدق وأمانة»[111].
- ويقول المستشرق الألماني (برتلي سانت هيلر) في كتابه (الشرقيون وعقائدهم): «كان النبي داعياً إلى ديانة الإله الواحد، وكان في دعوته هذه لطيفاً ورحيماً حتى مع أعدائه، وإن في شخصيته صفتين هما من أجلِّ الصفات التي تحملها النفس البشرية؛ هما: العدالة والرحمة».
- ويقول المستشرق (إميل درمنغم) في كتابه (حياة محمد): «إن محمداً قد أبدى في أغلب حياته اعتدالاً لافتاً للنظر، فقد برهن في انتصاره النهائي، على عظمة نفسية قلَّ أن يوجد لها مثال في التاريخ؛ إذ أمر جنوده أن يعفوا عن الضعفاء والمسنين والأطفال والنساء، وحذرهم أن يهدموا البيوت أو يسلبوا التجار، أو أن يقطعوا الأشجار المثمرة، وأمرهم ألا يجردوا السيوف إلا في حال الضرورة القاهرة، بل رأيناه يؤنب بعض قواده ويصلح أخطاءهم إصلاحاً مادياً ويقول لهم: إن نفساً واحدة خير من أكثر الفتوح ثراءً»[112].
ويضيف (درمنغم) في حاشية ص362: (قال روبرتسن في كتابه (تاريخ شارلكن): «إن أتباع محمد وحدهم هم الذين جمعوا بين التسامح والدعوة إلى الإسلام». وقال القسيس ميشون في كتابه (رحلة دينية إلى الشرق): «إن من المؤسف حقاً أن علَّم المسلمون أمم النصرانية التسامح الديني الذي هو دعامة المحبة بين الأمم»)[113].(/40)
- ويقول الفيلسوف الألماني الشهير (غوته) في كتابه (أخلاق المسلمين وعاداتهم): «ولا شك أن المتسامح الأكبر أمام اعتداء أصحاب الديانات الأخرى، وأمام إرهاصات وتخريفات اللادينيين، التسامح بمعناه الإلهي، غرسه رسول الإسلام في نفوس المسلمين، فقد كان محمد المتسامح الأكبر، ولم يتخذ رسول الإسلام موقفاً صعباً ضد كل الذين كانوا يعتدون عليه بالسب أو بمد الأيدي أو بعرقلة الطريق وما شابه ذلك، فقد كان متسامحاً؛ فتبعه أصحابه وتبعه المسلمون، وكانت وما زالت صفة التسامح هي إحدى المميزات والسمات الراقية للدين الإسلامي، وللحق أقول: إن تسامح المسلم ليس من ضعف؛ ولكن المسلم يتسامح مع اعتزازه بدينه، وتمسكه بعقيدته»[114].
- ويقول (غوستاف لوبون) في كتابه (حضارة العرب): «والإسلام من أعظم الديانات تهذيباً للنفوس، وحملاً على العدل والإحسان والتسامح»[115].
- أما الباحث السويسري (جناد أقنبرت) فقد عكس الأمر وصرح بأن أعداء محمد هم المتعصبون ضده؛ إذ قال في كتابه (محمد والإسلام): «كلما ازداد الباحث تنقيباً في الحقائق التاريخية الوثيقة المصادر؛ فيما يخص الشمائل المحمدية، ازداد احتقاراً لأعداء محمد الذين أشرعوا أسنة الطعن في محمد قبل أن يعرفوه، ونسبوا إليه ما لا يجوز أن ينسب إلى رجل حقير، فضلاً عن رجل كمحمد؛ الذي يحدثنا التاريخ أنه رجل عظيم».
وأردفت: أيكفي هذا أم أزيدك يا جورج؟
3- تهمة انتشار الإسلام بالسيف:
قال جورج: بل حسبي. لكن إذا أنا آمنت مع هؤلاء النخبة الذين درسوا الإسلام بأنه دين لا يؤمن بالعنف، فلماذا كان انتشاره بين الناس بالسيف؟
قلت: ومن قال هذا؟
قال: كثيرون من الغربيين قالوا هذا وكتبوا عنه.
قلت: أأحدثك عن كيفية انتشار الدعوة الإسلامية في أقطار الأرض، منذ أيام النبي صلى الله عليه وسلم حتى اليوم، أم تكفيك أقوال وشهادات النخبة من العلماء الغربيين الذين عرفوا ذلك ودرسوه؟
قال: بل تكفيني أقوال هؤلاء النخبة.(/41)
قلت: يقول الكاتب والباحث الفرنسي (ديسون): «من الخطأ أن يصدق المرء ما يروِّج له البعض من أن السيف كان المبشر الأول في تقدم الإسلام وتبسطه، ذلك أن السبب الأول في انتشار الإسلام يعود إلى هذه الأخوة الدينية الفريدة، وإلى هذه الحياة الجديدة الاجتماعية التي دعا إليها ومكَّن لها، ثم إلى هذه الحياة الشريفة الطاهرة التي راح يحياها محمد وخلفاؤه من بعده، والتي بلغت من العفة والتضحية حداً جعل الإسلام قوة عظيمة لا تغلب»[116].
- وتقول البريطانية الباحثة في الأديان (كارين أرمسترونج) في كتابها (سيرة النبي محمد): «إننا في الغرب بحاجة إلى أن نخلِّص أنفسنا من بعض أحقادنا القديمة، ولعل شخصاً مثل محمد يكون مناسباً للبدء، فقد كان رجلاً متدفق المشاعر.. وقد أسس ديناً وموروثاً حضارياً لم يكن السيف دعامته، برغم الأسطورة الغربية، وديناً اسمه الإسلام؛ ذلك اللفظ ذو الدلالة على السلام والوفاق»[117].
- ويقول المستشرق الهولندي (دوزي) في مقدمة كتابه (ملحق وتكملة القواميس العربية): «إن ظاهرة دين محمد تبدو لأول وهلة لغزاً غريباً! ولا سيما متى علمنا أن هذا الدين الجديد لم يفرض فرضاً على أحد».
- ويقول (توماس كارليل) في كتابه (الأبطال): «إن اتهام محمد بالتعويل على السيف في حمل الناس على الاستجابة لدعوته؛ سخف غير مفهوم!! إذ ليس مما يجوز في الفهم أن يشهر رجل فرد سيفه ليقتل به الناس أو يستجيبوا لدعوته»[118].(/42)
- ويقول (غوستاف لوبون) في كتابه (حضارة العرب): «لقد أثبت التاريخ أن الأديان لا تفرض بالقوة، ولم ينتشر الإسلام بالسيف، بل انتشر بالدعوة وحدها، وبالدعوة وحدها اعتنقته الشعوب التي قهرت العرب مؤخراً كالترك والمغول، وبلغ القرآن من الانتشار في الهند التي لم يكن العرب فيها غير عابري سبيل.. ولم يكن الإسلام أقل انتشاراً في الصين التي لم يفتح العرب أي جزء منها قط»[119]. ويقول: «إن القوة لم تكن عاملاً في انتشار الإسلام، فقد ترك العربُ المغلوبين أحراراً في أديانهم»[120].
أيكفي هذا أم أزيدك يا جورج؟.
قال جورج: بل حسبي؛ لكن إن أنا آمنت مع النخبة من العلماء الغربيين أن الإسلام لم ينتشر بالسيف بل بالدعوة إلى الله عن طريق الحكمة والموعظة الحسنة. فهناك من يتهم الإسلام بأمر على غاية من الأهمية في هذه الأيام.
3- تهمة محاربة العلم:
قلت: وما ذاك؟
قال: هناك من يتهم الإسلام بأنه دين يحارب العلم.
قلت: هداك الله يا جورج؛ لأبينن لك وجه الحق في هذا بقليل من نصوص الإسلام وكثير من نصوص النخبة ممن تصغي أنت إليهم وتثق بآرائهم.
أتدري يا جورج ما هي أول كلمة نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن الكريم؟
قال: لا.
قلت: إنها كلمة (اقرأ)؛ وكما تعرف يا جورج؛ القراءة هي باب العلم الذي لا يمكن لطالب علم ولا عالم إلا أن يلجه كل يوم؛ بل كل ساعة؛ بل كل لحظة.(/43)
وبعد تلك الكلمة كم من آيات نزلت تحث المسلمين على طلب العلم من مثل قوله تعالى في تفضيل العلماء على غيرهم: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}[121]. ومن مثل قوله تعالى في تخصيص فهم القرآن الكريم بالعلماء دون غيرهم: {قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}[122]، {كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}[123]، {وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}[124]، {يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}[125]، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}[126]، {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}[127]، {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ}[128]، وغيرها كثير.. حتى ليخيل للمرء أن دين الإسلام هو دين العلماء!
وليس هذا فحسب بل إن القرآن الكريم يجعل فئة العلماء في المجتمع هي الفئة التي تخشى الله وتعظمه حق الخشية والتعظيم لكثرة تفكرها ودراستها لظواهر وأسرار هذا الكون من حولها، فتقول الآية الكريمة: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}[129]، ذلك لأن العالم لا بد من أن يكون صاحب عقل، وصاحب العقل هو الذي يديم التفكر فيما حوله فيقبل الحقائق ويرفض الأباطيل والشعوذات، يقول الله تعالى في القرآن الكريم: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ}[130].
وهنا تنبه جورج كمن تذكر أمراً هاماً وقال: مهلاً، لقد أذكرتني هذه الآيات حادثة كنت قرأت عنها منذ زمن في مجلة (نقوش) الباكستانية.
قلت: حدثني بها.(/44)
قال: «نُقل عن العالم الهندي المسلم عناية الله المشرقي (وهو من أكبر علماء الهند في الطبيعة والرياضيات) أنه سأل الفلكي المشهور جيمس جينز الأستاذ بجامعة كمبردج: ما الذي يدفع رجلاً ذائع الصيت مثلك لأن يتوجه إلى الكنيسة؟
قال عناية الله: فبدأ جيمس يلقي محاضرة عن تكوُّن الأجرام السماوية ونظامها المدهش، وأبعادها وفواصلها المتناهية، وطرقها وداراتها وجاذبيتها، وطوفان أنوارها المذهلة.. حتى أنني شعرت بقلبي يهتز لهيبة الله جل جلاله. أما السير جيمس فوجدتُ شعر رأسه قائماً، والدموع تنهمر من عينيه، ويداه ترتعشان من خشية الله. وتوقف فجأة ثم بدأ يقول: يا عناية الله خان؛ عندما ألقي نظرة على روائع خلق الله يبدأ كياني يرتعش من الجلال الإلهي، وعندما أركع أمام الله وأقول له: إنك لعظيم، أجد أن كل جزء من كياني يؤيدني في هذا الدعاء، وأشعر بسكون وسعادة عظيمين، وأحس بسعادة تفوق سعادة الآخرين ألف مرة، أفهمت يا عناية الله لِمَ أذهب إلى الكنيسة؟
ويضيف عناية الله قائلاً: لقد أحدثت هذه المحاضرة طوفاناً في عقلي، وقلت له: يا سيدي لقد تأثرت جداً بالتفاصيل العلمية التي رويتموها لي، وتذكرت بالمناسبة آية من آي كتابي المقدس، فلو سمحتم لي بقراءتها عليكم. فهز رأسه قائلاً: بكل سرور. فقرأت عليه: {وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ{27} وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}[131]. فصرخ السير جيمس قائلاً: ماذا قلت {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}! مدهش وغريب وعجيب جداً!!! إنه الأمر الذي اكتشفتُه بعد دراسة ومشاهدة استمرت خمسين عاماً، من أنبأ محمداً به؟! هل هذه الآية موجودة في القرآن حقيقة؟ لو كان الأمر كذلك، فاكتب شهادة مني أن القرآن كتاب موحى به من عند الله.(/45)
ويستطرد السير جيمس جينز قائلاً: لقد كان محمد أمياً؛ ولا يمكنه أن يكتشف هذا السر بنفسه، ولكن الله هو الذي أخبره بهذا السر، مدهش وغريب وعجيب جداً!!!»[132].
قلت: حياك الله يا جورج؛ ما أجمل أن يهتدي الإنسان إلى الحق بنفسه.
وأردفت: وتطبيقاً لهذه الدعوات القرآنية لطلب العلم فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل فداء أسراه من كفار قريش في معركة بدر، ممن يحسن القراءة والكتابة منهم، أن يعلم كل أسير عشرة من صبيان المسلمين القراءة والكتابة؛ ثم يطلق سراحه.
أترى أن مثل هذا الدين يحارب العلم يا جورج أم يحارب الجهل.
قال جورج: بل هو دين يحارب الجهل، لكنكم معاشر المسلمين قصرتم في اتباع دعوة دينكم إلى العلم فساد الجهل تاريخكم الطويل.
قلت: مهلاً يا جورج؛ أأحدثك عن تاريخ المسلمين العلمي فإني أراك تجهله! أم أحدثك عمن درس التاريخ العلمي للمسلمين؛ وعرفه حق المعرفة، من نخبة علماء الغربيين؟.
قال: الوقت أضيق من أن تحدثني أنت، وأنا أكتفي بما قالته النخبة من علماء قومي في هذا الموضوع.
قلت: يقول الكاتب الفرنسي (موريس بوكاي) في كتابه (التوراة والإنجيل والقرآن والعلم): «لا بد قبل عقد المواجهة بين الوحي الإسلامي والعلم؛ من إعطاء صورة عن دين ساءت معرفته في بلادنا. إن الأحكام الضالة كل الضلال، التي صدرت في الغرب بحق الإسلام؛ كانت وليدة الجهل أحياناً، أو نتيجة التهجم التلقائي. وأفظع هذه الضلالات انتشاراً هي المتعلقة بالوقائع؛ فإذا كان بالإمكان عذر الأخطاء الناتجة عن سوء التقدير؛ فلا سبيل إلى هذا مع ما يتناقض مع الحقيقة.. وإنه لمما يخيف؛ أن نقرأ في المؤلفات الرصينة؛ الصادرة عن كتّاب من الدرجة الأولى في الاختصاص؛ مناقضات للحقيقة في غاية الجلاء!.. فإصدار مخالفات للحقيقة من هذا النوع يسهم في إعطاء صورة باطلة عن القرآن والإسلام»[133].(/46)
ويقول أيضاً في كتابه هذا: «ونحن نعلم أن الإسلام ينظر إلى العلم والدين كتوءمين، وأن تهذيب العلم كان جزءاً من التوجيهات الدينية منذ البداية، وأن تطبيق هذه القاعدة أدى إلى التقدم العلمي العجيب في عصر الحضارة الإسلامية العظمى، التي استفاد منها الغرب قبل نهضته»[134].
- وتقول المستشرقة الألمانية (زيغريد هونكه) في كتابها (شمس الله تسطع على الغرب)[135]: «نادى النبي بالطموح إلى المعرفة والسعي إلى العثور عليها، وقد أدى ذلك إلى اندفاع العرب بأسرهم إلى المدارس يعلِّمون ويتعلمون، بينما كان الغربيون يتباهون بجهلهم للقراءة والكتابة».
- ويقول (دانييل بريفولت) في كتابه (نشأة الإنسانية): «ومنذ عام /700/م بدأت إشراقة الحضارة العربية الإسلامية تمتد من شرقي المتوسط إلى بلاد فارس شرقاً وإسبانيا غرباً، فأعيد اكتشاف قسم كبير من العلم القديم، وسجلت اكتشافات جديدة في الرياضيات والكيمياء والفيزياء وغيرها من العلوم.. وفي هذا المجال كما في غيره؛ كان العرب معلمين لأوربة، فساهموا في نهضة العلوم على هذه القارة»[136].
- ويقول المستشرق الأمريكي (إدوارد رمسي): «لقد منح الإسلام المدنية والحضارة قوة جديدة وشجع العالم على درس العلوم باتساعٍ متناهٍ، وهكذا خرج إلى الدنيا فلاسفة وخطباء وأطباء ومؤرخون يفخر بهم الإسلام أمثال: أبي عثمان – الجاحظ – والبيروني والطبري وابن سينا وابن رشد والفارابي وابن باجه والغزالي وغيرهم.. والمسلمون بلا نزاع هم مخترعو علم الكيمياء ومؤسسوه، أما علم الطب والصيدلة فقد حسنوهما تحسيناً عظيماً، وبواسطة المسلمين تقدم علم الفلك سريعاً حتى الطيران، وهم مخترعو علم الجبر ومكتشفو علم الطيران»[137].(/47)
- ويقول المستشرق (روم لاندو) في كتابه (الإسلام والغرب): «حين نتذكر كم كان العرب بدائيين في جاهليتهم؛ يصبح مدى التقدم الثقافي الذي أحزوه خلال مئتي سنة، وعمق ذلك التقدم؛ أمراً يدعو إلى الذهول حقاً! ذلك بأن علينا أن نتذكر أيضاً أن النصرانية احتاجت إلى نحو ألف وخمسمئة سنة لكي تنشئ ما يمكن أن يدعى حضارة نصرانية، وفي الإسلام لم يولِّ كل من العلم والدين ظهره للآخر؛ بل كان الدين باعثاً على العلم»[138].
- ويقول المؤرخ العلامة (سيديو): «لم يشهد المجتمع الإسلامي ما شهدته أوربة من تحجر العقل وشل التفكير، وجدب الروح، ومحاربة العلم والعلماء حيث يذكر التاريخ أن اثنين وثلاثين ألف عالم قد أحرقوا أحياء! ولا جدال في أن تاريخ الإسلام لم يعرف هذا الاضطهاد الشنيع لحرية الفكر، بل كان المسلمون منفردين بالعلم في تلك العصور المظلمة، ولم يحدث أن انفرد دين بالسلطة ومنح مخالفيه في العقيدة كل أسباب الحرية كما فعل الإسلام»[139].
وأردفت: منذ حوالي ألف عام، عندما كان العلماء في أوربة يحرقون أحياء كما قال سيديو؛ كان العالم الأندلسي المسلم (ابن حزم) يعلن في كتابه (الفِصَل في الملل والأهواء والنحل) عن كروية الأرض[140] منطلقاً من القرآن الكريم ومن التنظيم المطرد لمواقيت الصلاة في محيط الأرض.
قال جورج: لكن الذي اكتشف كروية الأرض عالم أوربي.
قلت: ليس هذا هو الاكتشاف الوحيد الذي نقله الغربيون عن المسلمين ونسبوه لأنفسهم، وسأكتفي بما أوجزه المؤرخ العلامة (سيديو) في كتابه (تاريخ العرب العام) إذ قال: «ونحن حين نلخص ما تمَّ على يد العرب من تقدم في العلوم الصحيحة، نرى سبقهم إلى كثير من الاكتشافات التي يعزى فخر أكثرها إلى علماء أوربة في القرن الخامس عشر والقرن السادس عشر»[141].(/48)
ثم أردفت: واسمع كيف كان الغربيون ينظرون إلى كروية الأرض بعد اكتشاف ابن حزم لها بقرون. تقول المستشرقة الألمانية (زيغريد هونكه) في كتابها (شمس الله تسطع على الغرب): «اتسعت الهوة بين الحضارة العربية الشامخة، والمعرفة السطحية في أوربة التي كانت ترى أن من الكفر والضلال القول بأن الأرض كروية؛ فمعلم الكنيسة لاكتانتيوس يتساءل مستنكراً: أيعقل أن يُجنَّ الناس إلى هذا الحد فيدخل في عقولهم أن البلدان والأشجار تتدلى من الجانب الآخر من الأرض، وأن أقدام الناس تعلو رؤوسهم؟!!»[142].
أرأيت يا جورج؟ بل إن هذه المستشرقة الألمانية تفصل أكثر من هذا. أأحدثك بضمامة من أقوالها.
قال جورج: نعم.
قلت: تقول هونكه: «إن روجر بيكون أو غاليلو أو دافنشي ليسوا هم الذين أسسوا البحث العلمي.. إنما السباقون في هذا المضمار كانوا من العرب الذين لجؤوا – بعكس زملائهم النصارى – في بحثهم إلى العقل والملاحظة والتحقيق والبحث المستقيم، لقد قدم المسلمون أثمن هدية؛ وهي طريقة البحث العلمي الصحيح التي مهدت أمام الغرب طريقة لمعرفة أسرار الطبيعة وتسلطه عليها اليوم، وإن كل مستشفى وكل مركز علمي في أيامنا هذه إنما هي في حقيقة الأمر نصب تذكارية للعبقرية العربية.. وقد بقي الطب الغربي قروناً عديدة نسخة ممسوخة عن الطب العربي، وعلى الرغم من إحراق كتب ابن سينا في مدينة بازل بحركة نصرانية عدائية؛ فإن كتب التراث العربي لم تختفِ من رفوف المكتبات وجيوب الأطباء، بل ظلت محفوظة يسرق منها السارقون ما شاء لهم أن يسرقوا»[143].
قال جورج: وهل هناك من يشهد لتفوق المسلمين العلمي غير من ذكرت؟
قلت: كثيرون من عقلاء وعلماء الغرب الدارسون للحضارة الإسلامية يشهدون، وإني محدثك:(/49)
- يقول المستشرق العلامة (جوزيف شاخت) في مقدمته لكتاب (تراث الإسلام)[144] الذي أشرف على تأليفه: «وكثيراً ما نجد كتَّاباً - مسلمين - برزوا في أكثر من ميدان علمي واحد، فلقد كان الطب والعلوم والفلسفة معارف متلازمة بعضها مع بعض، وكذلك كان علم الكلام والشريعة يشكلان زمرة واحدة، ولم يخل الأمر من أشخاص كانوا يجمعون بين جميع هذه الفروع من أمثال ابن النفيس /1288/م الذي اكتشف عن طريق الاستدلال النظري الدورة الدموية الصغرى عن طريق التجربة»[145].
- ويقول (غوستاف لوبون) في مقدمته لكتابه (حضارة العرب): «وكلما أمعنا في درس حضارة العرب وكتبهم العلمية واختراعاتهم وفنونهم ظهرت لنا حقائق جديدة وآفاق واسعة»[146].
ثم يقول: «والإسلام من أكثر الديانات ملاءمة لاكتشاف العلم»[147].
ويقول: «ويعزى إلى بيكون على العموم أنه أول من أقام التجربة والملاحظة اللتين هما أساس المناهج العلمية الحديثة؛ مقام الأستاذ. ولكنه يجب أن نعترف قبل كل شيء بأن ذلك كله من عمل العرب وحدهم»[148].
ثم يقول: «إن أوربة مدينة للعرب بحضارتها»[149].
- ويقول العلامة (دانييل بريفولت) في كتابه (نشأة الإنسانية): «إن ما يدين به علمنا لعلم العرب ليس فيما قدموه لنا من كشوف مدهشة، ونظريات مبتكرة، بل إنه مدين بوجوده ذاته.. ولم يكن بيكون إلا رسولاً من رسل العلم والمنهج الإسلامي إلى أوربة النصرانية، وهو لم يملَّ قط من التصريح بأن اللغة العربية وعلوم العرب هما الطريق الوحيدة لمعرفة الحق»[150].(/50)
- ويقول الكاتب الفرنسي الشهير (موريس بوكاي) في كتابه (التوراة والإنجيل والقرآن والعلم): «وينبغي أن نذكر أنه ما بين القرن الثامن والثاني عشر الميلادي، فترة عظمة الإسلام، حيث كانت التغيرات العلمية مرفوضة في بلادنا النصرانية؛ كانت كميات معتبرة من الأبحاث والاكتشافات قد تحققت في الجامعات الإسلامية. هناك وفي ذلك العصر؛ كنا نرى الوسائل الفائقة في التثقيف، فكانت مكتبة الخليفة في قرطبة تحتوي على /400.000/ كتاب، وكان ابن رشد يعلِّم فيها، وينقل فيها العلم اليوناني والهندي والفارسي، ولهذا كان الناس يذهبون إليها من مختلف البلدان الأوربية للدراسة؛ كما يذهبون في أيامنا هذه لإتمام بعض الدراسات في الولايات المتحدة..» إلى أن يقول: «كان الإسلام منذ القديم موضوع (الذم) في بلادنا. إن كل غربي حصَّل بعض المعارف المعمقة عن الإسلام؛ يدرك إلى أي مدى قد شوه تاريخه وعقيدته وأهدافه».[151]
- وتقول (د. لويجي رينالدي): «لما شعرنا بالحاجة إلى دفع الجهل الذي كان يثقل كاهلنا؛ تقدمنا إلى العرب، ومددنا إليهم أيدينا، لأنهم كانوا الأساتذة الوحيدين في العالم»[152].
- أما المؤرخ الفرنسي العلامة (سيديو) فيقول في كتابه (تاريخ العرب العام): «قال همبولد: .. والعرب هم الذين أوجدوا الصيدلية الكيميائية.. وأدت الصيدلة ومادة الطب اللتان يقوم عليهما فن الشفاء؛ إلى دراسة علم النبات والكيمياء في وقت واحد»[153].
ويقول: «اتفق للعلوم الطبيعية عند العرب مثل ما اتفق للعلوم الرياضية من الرقي، ويرى همبولد وجوب عدِّ العرب مؤسسين حقيقيين للعلوم الطبيعية بالمعنى الحديث»[154].
وبعد أن يستعرض (سيديو) أغلب وجوه الحضارة الإسلامية ينتهي إلى أن يقول: «وهكذا تجلَّى تأثير العرب في جميع فروع الحضارة الأوربية الحديثة»[155].(/51)
قال جورج: هذه الأقوال والشهادات التي ذكرتها لي عن مشاركة الحضارة الإسلامية في ميدان العلم هي نصوص إجمالية، فهل لك أن تحدثني بأمثلة تفصيلية توضح لي هذا الأمر ولا أحتاج معه إلى غيره.
قلت: حباً وكرامة يا جورج.
- يقول (أتيين دينيه) في كتابه (محمد رسول الله): {أما العلامة الشهير همبولد فيذكر أن ما قام على التجربة والملاحظة هو أرفع درجة في العلوم، ويقول: «إن العرب ارتقوا في علومهم إلى هذه الدرجة التي كان يجهلها القدماء تقريباً».
ويقول: «وكانت دراسة العلوم الرياضية من الدراسات الذائعة لديهم، وقد تقدم علم الجبر بفضلهم حتى قيل إنهم مخترعوه. ولقد كان لهم أيضاً قصب السبق في تطبيق الجبر على الهندسة، وهم الذين أدخلوا التماس في حساب المثلثات».
ويقول: «وكان علم الفلك يدرس بحماس في مدارس بغداد ودمشق وسمرقند والقاهرة وفاس وطليطلة وقرطبة وغيرها.. تلك المدارس التي وصلت إلى اكتشافات عديدة يمكن إيجازها في القائمة التالية:
1 - إدخال خطوط التماس في الحسابات الفلكية.
2 - وضع جداول لحركة الكواكب.
3 - تحديد سمت الشمس تحديداً دقيقاً وتدرجه وتقدير تقدم الاعتدالين تقديراً صحيحاً.
4 - أول تحديد صحيح لمدة سنة.
5 - ثم إننا مدينون لهم أيضاً بإثبات ما في أكبر خط عرض للقمر من ضروب عدم الانتظام.
6 - استكشاف عدم التساوي القمري الثالث؛ المعبر عنه اليوم بالتغيير».
ثم يقول: «ومن الناحية العلمية كانت لهم هذه التحديدات الفلكية الصادقة التي هي أول أساس للخرائط. كما عملوا على تصحيح الأخطاء الفاحشة التي وقع فيها الإغريق».(/52)
ثم يقول: «أما من ناحية كشف بقاع العالم المجهولة فقد نشروا رسائل في الرحلات تعرف الناس بأقطار العالم المختلفة، التي كانت شبه مجهولة من قبل، والتي لم يسبق للأوربيين ارتيادها.. وإننا نجد في خريطة من خرائط الإدريسي ترجع إلى عام /1160م/ منابع النيل بين البحيرات الاستوائية الكبرى مرسوماً رسماً دقيقاً، وهي تلك المنابع التي لم يكشفها الأوربيون إلا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر».
ثم يقول: «وسِجِلُّ مكتشفاتهم في ميدان العلوم الطبيعية أعظم من ذلك. والبيان التالي يوضح أهمية تلك المكتشفات:
1 - معلومات عالية في نظريات علم الطبيعة، وخاصة فيما يتعلق بالمسائل الضوئية.
2 - اختراع أجهزة آلية من أبدع ما يكون.
3 - اكتشاف أعلق الأجسام بأصل علم الكيمياء؛ مثل الكحول والحامض الكبريتي، وأهم العمليات الأساسية في هذا العلم؛ كالتقطير.
4 - تطبيق الكيمياء في ميداني الصيدلة والصناعات، وبخاصة فيما يتعلق باستخراج المعادن وصناعة الفولاذ، والصياغة وغير ذلك..
5 - صناعة الورق من الخرق، والاستعاضة به عن رقِّ الغزال وورق البردي والحرير الصيني
6 - ومن المحتمل أنهم أول من استخدم البوصلة في الملاحة، ومن المحقق أنهم أدخلوا هذا الاختراع الأساسي إلى أوربة.
7 - وأخيراً؛ فهم قد اكتشفوا الأسلحة النارية؛ ففي عام /1205/م استخدم الأمير يعقوب المدفعية في حصار مدينة المهدية – في المغرب -.
وفي عام /1273/م استخدمها السلطان أبو يوسف في حصار مدينة سجلماسة –في المغرب – وقد حضر كونت دربي وكونت سالسبري الإنجليزيان حصار مدينة الجزيرة – في الأندلس – التي دافع عنها العرب بالمدافع، فشاهدا نتائج استخدام البارود، فنقلا ذلك الاختراع إلى بلادهما، فاستخدمه الإنكليز في معركة كريس بعد ذلك بأربع سنوات».(/53)
ثم يقول: «أما فيما يتعلق بالطب، فقد استوفى العرب أولاً كتب الإغريق، ثم ساروا بهذا الفن خطوات هامة إلى الأمام.. وتكاد تكون سائر المعارف الطبية في أوربة خلال عصر النهضة ماخوذة عن العرب. وأهم ما حققه العرب في ميدان الطب يتعلق بالجراحة ووصف الأمراض، وبالأدوية والصيدلة. وقد ابتكروا وسائل علاجية متعددة؛ ظهر بعضها في العالم الطبي حديثاً بعد ان قضت عليها قرون من النسيان؛ مثال ذلك استخدام الماء البارد لطب الحمى التيفودية..
والطب مدين لهم بكثير من المواد الطبية مثل: خيار الشنبر – السنا المكي – الراوند – التمر هندي – الكافور – الكحول – القلي، وغير ذلك..
وإننا مدينون لهم بكثير من المستحضرات المستعملة اليوم مثل: الأشربة وصنوف اللعوق واللزوق والمراهم والأدهان والماء المقطر وغير ذلك..».
ثم يقول: «كذلك الجراحة؛ كان للعرب الفضل في تقدمها الأول؛ فكانت مؤلفاتهم هي المراجع الأساسية التي تدرس بالمعاهد الطبية إلى عهد قريب جداً. لقد كانوا – في القرن الحادي عشر الميلادي – يعرفون علاج الماء الذي ينصب في العين؛ بالتحويل أو استخراج البلورية، ويعرفون كيفية تفتيت الحصا، وعلاج النزيف بصب الماء البارد.
كما كانت لهم خبرة باستخدام الكاويات، والأحزمة، والكي بالنار لتطهير الجراح.
وإن التخدير الذي يظن الناس أنه اكتشاف حديث؛ يبدو أن العرب لم يجهلوه، فقد كانوا يوصون باستعمال نبات الزؤان – قبل العمليات المؤلمة – لتنويم المريض حتى يفقد الوعي والإحساس.. وكانت لهم ثقة عظمى بالوسائل الصحية لعلاج الأمراض، وكانوا يعتمدون كثيراً على القوى الطبيعية، والطب النظري الذي يبدو اليوم وكأنه الكلمة الأخيرة للعلم الحديث، يوافق هذه الفكرة في استدلالاته..»}[156].
وأردفت: وليس هذا فقط؛ بل لقد شاركت الحضارة الإسلامية في قوانين أوربة ذاتها.
قال جورج: كيف؟(/54)
قلت: يقول المؤرخ الإنجليزي (ويلز) في كتابه (ملامح تاريخ الإنسانية): «إن أوربة مدينة للإسلام بالجانب الأكبر من قوانينها الإدارية والتجارية».
أما المؤرخ الفرنسي (سيديو) فيؤكد أن قانون نابليون منقول عن كتاب فقهي في مذهب الإمام مالك هو (شرح الدردير على متن خليل)[157].
4- تهمة التضييق على حرية الرأي:
قال جورج: حسبي؛ وإني لأعجب كيف وُجدتْ هذه النهضة العلمية في حضارة إسلامية تضيِّق على حرية الرأي، بل تكاد تخنقها أحياناً!
قلت: من قال هذا؟
قال: كثيرون من الغربيين كتبوا عن انعدام حرية الرأي عند المسلمين.
قلت: أتدري عمَّن أخذ الغربيون فكرة حرية الرأي يا جورج؟
قال: عمَّن؟
قلت: لقد أخذوها عن المسلمين.
فقال متعجباً: كيف؟!
قلت: يقول (أتيين دينيه) في كتابه (محمد رسول الله): «إلى الفيلسوف المسلم ابن رشد[158] - الذي عاش في الأندلس /1120-1198م/ - يرجع الفضل في إدخال حرية الرأي- التي يجب أن لا نخلط بينها وبين الإلحاد – في أوربة، وتحمس أحرار الفكر في العصر الوسيط الأوربي لشروحه لأرسطو، وكانت هذه الشروح مصبوغة بصبغة إسلامية قوية. ويمكن أن نعتبر بحق؛ أن التيار الفكري الذي نشأ عن هذا التحمس لابن رشد كان أصل التفكير المنطقي الحديث، فضلاً عن كونه من أصول الإصلاح الديني»[159].
قال جورج: عجباً؛ إذاً لماذا ننكر نحن الغربيين هذا الأثر الإسلامي على الحضارة الغربية؟ مع أننا ندعو إلى حرية الرأي!(/55)
قلت: لقد أجاب دينيه نفسه في كتابه السالف على هذا السؤال فقال: «السبب في هذا أن الواقع يشهد بأن حرية الرأي مسألة ظاهرية أكثر منها حقيقة، وأن الإنسان ليس حر التفكير على الإطلاق كما يشاء في مسائل معينة، ثم إن التعصب الموروث لدى النصارى ضد الإسلام وأتباعه، قد عاش فيهم دهوراً طويلة، حتى أصبح جزءاً من كيانهم. فإذا أضفنا إلى هذا مناهج الدراسة القديمة التي تسير عليها مدارسنا؛ وهي أن كل العلوم والآداب الماضية يرجع الفضل فيها إلى الإغريق واللاتين وحدهم، أدركنا في يسر كيف ينكر الناس عامةً؛ ذلك الأثر العظيم الذي كان للعرب في تاريخ الحضارة الأوربية. وسوف يبدو دائماً لبعض العقول أن من المهانة أن تدين أوربة النصرانية للمسلمين بإخراجها من ظلمات البربرية والتوحش»[160].
- أسباب الصورة المشوهة عن الإسلام لدى الغربيين:
قال جورج: إني لتستوقفني في نص دينيه السالف، عبارة: «إن التعصب الموروث لدى النصارى ضد الإسلام وأتباعه، قد عاش فيهم دهوراً طويلة حتى أصبح جزءاً من كيانهم» ترى ما أسباب هذا التعصب الذي رفضه واستقبحه كثير من النخبة الذين حدثتني عنهم؟ ثم إذا كان نبي المسلمين، ودين الإسلام، والحضارة الإسلامية؛ إذا كانت هذه الثلاثة واضحة كل هذا الوضوح في أذهان النخبة من علماء الغربيين، فلماذا تناقل عامة الغربيين صورة مشوهة عنها على مر الأيام؟
قلت: حياك الله يا جورج؛ هذا سؤال يرغب الكثيرون في معرفة جوابه، وإليك الجواب على لسان بعض النخبة من علماء الغربيين؛ مبيناً التسلسل التاريخي لهذه الصورة المشوهة.(/56)
- يقول المستشرق الباحث (مكسيم رودنسون) في الفصل الأول من كتاب (تراث الإسلام)[161]: «لقد أوجدت الحروب الصليبية حاجة كبيرة وملحة للحصول على صورة كاملة ومسلية ومرضية لأيديولوجية الخصوم. وكان رجل الشارع – الأوربي – يرغب في صورة تبين الصفة الكريهة للإسلام عن طريق تمثيله بشكل فج، على أن تكون في الوقت ذاته مرسومة بشكل يرضي الذوق الأدبي الميال إلى كل ما هو غريب، وهو ميل يشكل سمة بارزة في جميع الأعمال في ذلك الوقت.
كان الشخص العادي يريد صورة لأبرز السمات الغريبة التي أدهشت الصليبيين في تعاملهم مع المسلمين.
وهكذا حدث أن الكتاب اللاتينيين الذين أخذوا بين عامي /1100-1140/م على عاتقهم إشباع هذه الحاجة لدى الإنسان العامي؛ أخذوا يوجهون اهتمامهم نحو حياة محمد دون أي اعتبار للدقة، فأطلقوا العنان (لجهل الخيال المنتصر) – كما جاء في كلمات ر. و. ساوثرن – فكان محمد في عرفهم ساحراً هدم الكنيسة في إفريقية وفي الشرق عن طريق السحر والخديعة! وضمن نجاحه بأن أباح الاتصالات الجنسية!
واستُعملت أساطير من الفولكلور العالمي، ومن الأدب الكلاسيكي، ومن القصص البيزنطية عن الإسلام، وحتى من المصادر الإسلامية – بعد تشويهٍ باطل من قِبل النصارى الشرقيين – كل هذه الأشياء استخدمت لتزيين الصورة.
يحدثنا ساوثرن أن جيلبرت دونوجنت اعترف بأنه لا يوجد لديه مصادر مكتوبة، وأشار فقط إلى آراء العامة، وأنه لا يوجد لديه أي وسيلة للتمييز بين الخطأ والصواب.
وكما هو الحال دائماً؛ فإن الرؤية ترسمها الأعمال التي تخاطب عامة الناس؛ لا بد أنها قد أسهمت في تكوين الصورة التي حفظتها الأجيال اللاحقة؛ أكثر من الرؤية التي تبينها الأعمال ذات الصبغة الجدية والعلمية.(/57)
ولقد قدر لهذه الصورة أن تزداد زخرفاً في الكثير من الأعمال الأدبية؛ فقد اختطت الروايات المحضة التي كان هدفها الوحيد إثارة اهتمام القارئ على نِسبٍ متفاوتة؛ بالعرض المشوه للعقيدة التي ألهبت حقد العدو. ووصلت الملاحم إلى أعلى ذرى الابتكارات الخيالية؛ فقد اتهم المسلمون بعبادة الأوثان.. وكان – في عرف تلك الملاحم – محمد هو صنمهم الرئيس، وكان معظم الشعراء الجوالة يعتبرونه كبير آلهة الشرقيين، وكانت تماثيله – حسب أقوالهم – تصنع من مواد غنية وذات أحجام هائلة..»[162].
ثم يقول: «وهكذا منذ فترة ما بين القرنين العاشر والثالث عشر الميلاديين التي شهدت ترجمة الكثير من العلوم عن اللغة العربية – أخذت تتشكل في أذهان المفكرين الغربيين صورة أخرى للعالم الإسلامي بوصفه مهداً لفلاسفة عظام. وكانت الصورة مضادة تماماً للصورة السابقة؛ صورة الكيان السياسي الذي يسيطر عليه دين معاد ومغلوط، وهي الصورة التي خلقتها الخرافات السخيفة والكريهة في أذهان الناس. وكان من الصعب التوفيق بين هاتين الصورتين»[163].
ثم يقول: «ففي بداية القرن الرابع عشر الميلادي أخرج دانتي من النار كلاً من ابن سينا وابن رشد وصلاح الدين ووضعهم في المطهر، وهؤلاء هم المحدَثون الوحيدون الذين انضموا إلى حكماء العالم القديم وأبطاله.
وفي عام /1312م/ صادق مجلس فيينا على أفكار بيكون وليل بخصوص تعلم اللغات وبخاصة اللغة العربية»[164].(/58)
ثم يقول: «في القرن السابع عشر انبرى كثير من الكتاب – الغربيين – للدفاع عن الإسلام ضد الإجحاف الذي ناله في العصور الوسطى، وضد مجادلات المتنقصين من قدره، وأثبتوا قيمة وإخلاص التقوى الإسلامية.. وكان ريشار سيمون أحد هؤلاء الكتاب، فقد كان كاثوليكياً مخلصاً، لكن سلامة تكوينه العلمي جعلته يكافح ضد التحريف المتزمت للحقائق الموضوعية.. ولقد عالج في كتابه (التاريخ النقدي لعقائد وعادات أمم الشرق) عام /1684/م عادات وطقوس النصارى الشرقيين أولاً، ثم عادات وطقوس المسلمين، وقد عرضها بوضوح واتزان، مستنداً إلى كتاب لأحد فقهاء المسلمين، دونما قدح أو انتقاص. وكان يُظهر التقدير وحتى الإعجاب بهذه العادات، وعندما اتهمه أرنولد بأنه كان موضوعياً أكثر من اللازم نحو الإسلام، نصحه بأن يتأمل (التعاليم الرائعة) للأخلاقيين الإسلاميين.
ثم جاء المستشرق أ. رولاند الذي كان أعمق تخصصاً في الإسلاميات من سيمون، فكتب عام /1705/م عن الإسلام من وجهة نظر موضوعية بالاستناد إلى مصادر إسلامية فقط.
وكتب الفيلسوف بيير بيل، وهو من المعجبين بالتسامح الإسلامي، في الطبعة الأولى من القاموس النقدي /1697/م عن حياة محمد بموضوعية.
وانتقل الجيل التالي من الموضوعية إلى مرحلة الإعجاب؛ فقد استشهد (بيل) وكثيرون غيره بتسامح الإمبراطورية العثمانية إزاء جميع أنواع الأقليات الدينية.. فكان ينظر إلى الإسلام كدين عقلاني بعيد كل البعد عن العقائد النصرانية المخالفة للعقل.. ثم إنه وفَّق بين الدعوة إلى حياة أخلاقية وبين حاجات الجسد والحواس والحياة في المجتمع. وخلاصة القول فهو كدين كان قريباً جداً من الدين الطبيعي الذي كان يعتقد به معظم (رجال عصر التنوير)..(/59)
في هذا الاتجاه كان (ليبنيز) يفكر. ثم ظهر كاتب مجهول لكراس يحمل عنواناً فيه الكثير من التحدي (محمد ليس دجالاً) عام /1720/م. وتلاه (هنري دوبولينفييه) الذي نشر كتاباً دفاعياً بعنوان (حياة محمد) عام/1730/م. وتبع ذلك (فولتير) وهو معجب بالحضارة الإسلامية[165]..»[166]. ويستمر (رودنسون) في هذا الفصل الذي كتبه باستعراض الكتَّاب والكتب التي تابعت مسيرة الدفاع عن نبي الإسلام وحضارة الإسلام حتى نهاية القرن الثامن عشر.. وبين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ظهر (غوته) الألماني. يقول رودنسون: «فشِعر غوته الذي يمجد فيه محمداً، وبخاصة (أنشودة محمد) عام /1774/م يفوق في شاعريته بما لا يقاس مؤلَّف فولتير (محمد) عام /1742/م.. وبعد أكثر من أربعين عاماً؛ في سنة /1819/م كتب (غوته) ديوانه الشرقي الغربي برسائله الاثنتي عشرة؛ وبمقدمته التي تحمل دعوة إلى الهجرة إلى الشرق، وبشروحه وتعليقاته التي تدل على معرفة واسعة بالشرق»[167].
ثم يقول: «يمكن القول بصورة عامة إن العلماء في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين كان يزيد ضررهم على نفعهم، وذلك لتأثرهم بالأحكام المغرضة الشائعة لا بالعلم»[168].(/60)
ومنذ القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين صار الغربيون الذين باتوا يقطفون ثمار النهضة العلمية؛ ينظرون إلى سواهم نظرة ازدراء وفوقية. يقول رودنسون: «عزا المبشرون النصارى نجاحات الأمم الأوربية إلى الديانة النصرانية، مثلما عزوا إخفاق العالم الإسلامي إلى الإسلام، فصُورت النصرانية على أنها بطبيعتها ملائمة للتقدم، وقرن الإسلام بالركود الثقافي والتخلف، وأصبح الهجوم على الإسلام على أشد ما يكون، وبُعثت حجج العصور الوسطى بعد أن أضيفت إليها زخارف عصرية، وصُورت الجماعات الدينية الإسلامية بصورة خاصة على أنها شبكة من التنظيمات الخطرة يغذيها حقد بربري على الحضارة»[169]. إلى أن يقول: «كانت حركة الجامعة الإسلامية هي الغول المرعب في تلك الفترة.. فكانت كل ظاهرة مناهضة للإمبريالية حتى ولو كان مبعثها مشاعر محلية خالصة؛ تعزى إلى تلك الحركة الإسلامية.. وبفضل الصحافة والأدب الشعبيين وكتب الأطفال؛ أخذت هذه النظرة تتسرب إلى عقول الجماهير الغفيرة من الأوربيين، ولم تخلُ من تأثير في العلماء أنفسهم»[170].
ويقول رودنسون أخيراً: «إن الثورة في التفكير الغربي.. التي ظهرت بعد الحرب العالمية الأولى – جعلت التقييم النصراني لمحمد مسألة حساسة؛ فلم يعد بإمكانهم الزعم (الكاذب) بأنه (محتال شيطاني) كما كان عليه الحال في العصور الوسطى.. إننا نجد بعض الكاثوليك المتخصصين بالإسلام يعتبرونه (عبقرياً دينياً).. وعلى غرار ماسينيون أعجب بعض النصارى بالقيمة الروحية للتجارب الدينية الإسلامية، وأزعجتهم مواقف الظلم التاريخية التي وقفتها شعوبهم من الإسلام.. ويذهب مؤرخ مثل (نورمان دانييل) إلى حد النظر إلى أي انتقادات لمواقف النبي الأخلاقية؛ على أنها من بين المفاهيم المتشربة بروح العصور الوسطى أو الإمبريالية»[171].(/61)
- أما المستشرق (درايبر) فقد لخص المشكلة برمتها فقال: «ينبغي أن أنعي على الطريقة التي تحايل بها الأدب الأوربي ليخفي عن الأنظار مآثر المسلمين العلمية علينا! إن الجور المبني على الحقد الديني والغرور الوطني؛ لا يمكن أن يستمر إلى الأبد»[172].
- وأما المستشرقة الألمانية (زيغريد هونكه) فقد أوجزت المشكلة بطريقة أخرى فقالت في كتابها (شمس الله تسطع على الغرب): «إن موقف أوربة من العرب منذ نزول الوحي المحمدي موقف عدائي بعيد كل البعد عن االإنصاف والعدالة»[173].
وهنا قال جورج: عجباً لبني قومي! كيف جهلوا خلاصة دراسات النخبة من علمائهم هذه.
قلت: كان هذا فيما مضى، أما اليوم فقد أخذت الغمة تنجلي، والحقيقة تضيء.
قال: كيف؟
قلت: يقول الكاتب الفرنسي (موريس بوكاي) في كتابه (التوراة والإنجيل والقرآن والعلم): «يظهر أن تغيراً جذرياً يتم في أيامنا على أعلى مستوى في العالم النصراني. والوثيقة التي صدرت عن أمانة الفاتيكان، ووزعت فيما بعد عن المجمع الفاتيكاني الثاني لغير النصارى، وفيها توجيهات للحوار بين النصارى والمسلمين[174]، وكانت ثالث طبعاتها بتاريخ /1970/م تشهد بعمق التغير في المواقف الرسمية.
وبعد أن دعت هذه الوثيقة إلى تنحية الصورة البالية الموروثة عن الماضي، أو المشوهة ببعض الأوهام والافتراءات التي كانت للنصارى عن الإسلام، أصرت على الاعتراف بأخطاء الماضي وانحرافاته التي اقترفها الغرب ذو النشأة النصرانية بحق المسلمين»[175].(/62)
ويعرض بوكاي نص الوثيقة فيقول: «تقول وثيقة الفاتيكان – السالفة الذكر – (ينبغي التخلي عن الصورة الباهتة الموروثة عن الماضي، أو المشوهة بالمزاعم الباطلة والافتراءات، والاعتراف بالظلامات التي اجترحها الغرب بحق المسلمين)»[176]. ثم يسوق بوكاي بعض الأمثلة التي توضح فحوى الوثيقة.. ثم يقول: «وتقابل الوثيقة الفكرة الذائعة عن الإسلام بأنه دين الخوف – الإرهاب – بتلك التي تقول بأنه دين الحب، حب الغير؛ المتأصل في عقيدة الله. كما تفند الفكرة الرائجة باطلاً، والتي تهدف إلى وصم الإسلام بأنه خال من النظام الأخلاقي»[177].
ثم يقول: «تورد الوثيقة عبارات من القرآن توضح أن ما كان يترجمه الغربيون خطأ بـ(الحرب المقدسة) هو ما يعبر عنه في العربية (الجهاد في سبيل الله) الجهاد لنشر الإسلام والدفاع عنه ضد المعتدين، وتتابع الوثيقة الفاتيكانية فتقول: (إن الجهاد ليس – الخريم التوراتي – ولا يتجه إلى الإبادة أبداً، ولكن لنشر شرائع الله وحقوق الإنسان في المقاطعات الجديدة»[178].
ويختم موريس بوكاي قائلاً: «إن هذا الدفاع عن الإسلام من الفاتيكان سيدهش دونما ريب كثيراً من المعاصرين المؤمنين؛ سواء كانوا مسلمين أو يهوداً أو نصارى. إنه مظهر صدق وفكر منفتح يتناقض تماماً مع المواقف التي خلت»[179].
ثم أردفت: أعرفت يا جورج أسباب الصورة المشوهة عن الإسلام لدى الغربيين؟
مشورة:
قال جورج: أجل؛ ولا أكتمك أن تلك الصورة المشوهة قد تبددت من مخيلتي الآن، وحل محلها صورة صحيحة حقيقية واضحة عن نبي المسلمين، وعن دين الإسلام وعن الحضارة الإسلامية؛ رسمها لي النخبة من الباحثين والدارسين من بني قومي. وإنني لأتساءل؟ ترى بماذا تشير هذه النخبة على بني البشر تجاه دين الإسلام؟
قلت: إنهم لم يضنوا بهذه المشورة على أحد.
قال: كيف؟
قلت:(/63)
- يقول العلامة الفرنسي (لوزون) أستاذ علم الكيمياء والفلك في كتابه (الله في السماء) بعد ما تحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن رسالته: «رسول كهذا الرسول يجدر اتباع رسالته، والمبادرة إلى اعتناق دعوته؛ إذ أنها دعوة شريفة، قوامها معرفة الخالق، والحث على الخير، والنهي عن المنكر، بل كل ما جاء به يرمي إلى الصلاح والإصلاح، والصلاح أنشودة المؤمن. هذا هو الدين الذي أدعو إليه جميع النصارى»[180].
- ويقول الفيلسوف الإنجليزي الشهير (برنارد شو): «كنت على الدوام أنزل دين محمد منزلة كبيرة من الإعزاز والإكبار لعظمته التي لا تنكر، إنني أعتقد أن دين محمد هو الدين الوحيد الذي يناسب كل إنسان، ويصلح لكل زمان، ويتمشى مع كل بيئة في هذا العالم، وفي كل مرحلة من الحياة، وإنني أتنبأ بأن دين محمد سيلقى القبول في أوربة غداً، كما يلقاه فيها الآن»[181].
- ويقول (برنارد شو) أيضاً: «تمنيت دائماً أن يكون الإسلام هو سبيل العالم، فلا منقذ له سوى رسالة محمد»[182].
ويقول (برنارد شو) أيضاً: «إن العالم أحوج ما يكون إلى رجل في تفكير محمد، هذا النبي الذي وضع دينه دائماً موضع الاحترام والإجلال، فإنه أقوى دين على هضم جميع المدنيات، خالداً خلود الأبد، وإني أرى كثيراً من بني قومي قد دخلوا هذا الدين على بينة، وسيجد هذا الدين مجاله الفسيح في هذه القارة – أوربة – وإذا أراد العالم النجاة من شروره، فعليه بهذا الدين، إنه دين السلام والتعاون والعدالة في ظل شريعة متمدينة محكمة، لم تنس أمراً من أمور الدنيا إلا رسمته، ووزنته بميزان لا يخطئ أبداً، وقد ألَّفت كتاباً في (محمد)[183] ولكنه صودر – وأحرق – لخروجه عن تقاليد الإنجليز»[184].
- ويقول الفيلسوف الشهير (تولستوي): «إن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم لِتوافقها وانسجامها مع العقل والحكمة فإنها سوف تسود العالم»[185].
موجز:(/64)
قال جورج: إنها لمشورة! ولا أكتمك أنني بت أتوق إلى معرفة ما يتضمنه القرآن وما تتضمنه السنة من تعاليم. فهل لك أن توجز لي هذا.
قلت:
- حباً وكرامة يا جورج؛ أما القرآن فقد أوجز لك مضمونه العلامة الشهير (وِل ديورانت) في كتابه (قصة الحضارة) إذ قال تحت عنوان (القرآن والأخلاق): «القانون والأخلاق في القرآن شيء واحد؛ فالسلوك الديني في كليهما يشمل أيضاً السلوك الدنيوي، وكل أمر فيهما موحى به من عند الله، والقرآن يشمل قواعد للآداب، وصحة الجسم، والزواج والطلاق، ومعاملة الأبناء والعبيد والحيوان، والتجارة والسياسة، والجريمة والعقاب، والحرب والسلم»[186].
ثم قال: «والقرآن يبعث في النفوس السليمة أسهل العقائد وأقلها غموضاً وأبعدها عن التعقيد بالمراسم والطقوس، وأكثرها تحرراً من الوثنية والكهنوتية. وقد كان له الفضل في رفع مستوى المسلمين الأخلاقي والثقافي»[187].
- أما مضمون السنَّة فقد أوجزته لك البريطانية الباحثة في الأديان (كارين أرمسترونج) في كتابها (سيرة النبي محمد) إذ قالت: «تكوِّن الأحاديث النبوية مع القرآن أصول الشريعة الإسلامية، كما أصبحت أيضاً أساساً للحياة اليومية والروحية لكل مسلم. فقد علَّمت السنَّة المسلمين محاكاة أسلوب محمد في الكلام، والأكل، والحب، والاغتسال، والعبادة، لدرجة يعيدون معها إنتاج حياة النبي محمد على الأرض في أدق تفاصيل حياتهم اليومية بأسلوب واقعي»[188].
وأردفتُ: أأزيدك موجزاً لدين الإسلام كله قرآناً وسنَّة؟
قال: حبذا لو فعلت!
قلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»[189] هذا هو دين الإسلام يا جورج؛ هو (مكارم الأخلاق) التي بعث بها جميع الرسل والأنبياء. وبعث نبي المسلمين ليتممها لا لينقضها.
خاتمة المطاف:(/65)
وهنا بدت على وجه جورج مسحة من البهجة والسرور والإشراق نمَّت عما يختلج في نفسه من مشاعر وخلجات.. ثم أطرق كمن يمعن التفكير والتروي.. ثم رفع رأسه إلي قائلاً:
- إذا أراد امرؤ أن يدخل في دين الإسلام فماذا عليه أن يفعل؟
قلت: يتلفظ بالشهادتين.
قال: وما هما؟
قلت: هما: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمد رسول الله).
قال جورج: فأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله.
وهنا لم أتمالك نفسي! فهببت من مقعدي واقفاً ومددت يدي مصافحاً.. ثم اعتنقته وأنا أقول: حياك الله يا جورج! حياك الله يا أخي، فأنت منذ اليوم أخي وأخو جميع المسلمين، كما قال الله تعالى في القرآن الكريم: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[190].
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] في تاريخ الطبري أنه كان في الثانية عشرة من عمره.
[2] كان أكبرهم في سن الزواج عند اقتران النبي صلى الله عليه وسلم بخديجة.
[3] 1/340 ترجمة د. أحمد فخري.
[4] ص117.
[5] عن كتاب (محمد في الآداب العالمية المنصفة) لمحمد عثمان عثمان ص110.
[6] هذا تاريخ هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، أما الذين اتبعوه فقد سبقوه في الهجرة.
[7] 2/341.
[8] ص84.
[9] ص47.
[10] انظر كتاب (محمد والإسلام) تعريب عمر أبو النصر ص81 ط. المكتبة الأهلية بيروت 1934.
[11] ص37.
[12] ص80.
[13] ص160.
[14] ص58-60 ترجمة محمد السباعي – ط. دار الكاتب العربي.
[15] عن كتاب (شمس الحضارة تسطع على الغرب) زيغريد هونكه ص465.
[16] ص13.
[17] ص17.
[18] عن كتاب (الإسلام نهر يبحث عن مجرى) د. شوقي أبو خليل ص15.
[19] ص18.
[20] ص59 ترجمة عادل زعيتر – ط. البابي الحلبي.
[21] ص152 ترجمة فتحي زغلول ط. مصر.
[22] الشورى 13.
[23] ص7.
[24] عن كتاب (محمد عند علماء الغرب) ص97 لخليل ياسين.
[25] 2/343 تعريب د. أحمد فخري.
[26] عن كتاب (محمد نبي الهدى والرسول الخاتم) لمحمد بهي الدين سالم.(/66)
[27] عن كتاب (محمد في الآداب العالمية المنصفة) ص110 محمد عثمان عثمان.
[28] ص31.
[29] عن كتاب (غوته والعالم الغربي) كاتارينا مومزن ص181-355.
[30] عن كتاب (قصة الحضارة) لديورانت 7/47.
[31] 7/53.
[32] عن كتاب (محمد رسول الإسلام) لمحمد فهمي عبد الوهاب – ط. تونس ص43.
[33] ص125 – تعريب عادل زعيتر – القاهرة – ط3 البابي الحلبي.
[34] ص343 – تعريب د. عبد الحليم محمود.
[35] ص43.
[36] ص54.
[37] ص45.
[38] ص56.
[39] ص67.
[40] ص83.
[41] ص80 ترجمة محمد السباعي.
[42] عن (محمد في الآداب العالمية) ص156 لمحمد عثمان عثمان.
[43] عن كتاب (حوارات مع أوربيين غير مسلمين) لعبد الله أحمد الأهدل.
[44] المصدر السابق.
[45] الأعراف 188.
[46] 7/43.
[47] ص277.
[48] جاء في كتاب (حياة محمد) إميل درمنغم – تعريب عادل زعيتر – ط2: « ذهب سبرنجر إلى أن محمداً كان مصاباً بالخُباط (الهيستريا) ثم نقض بابينسكي ذلك، وقرر مسيو ماسينيون أنه كان متزناً». ص11.
[49] عن كتاب (محمد بن عبد الله) تعريب عمر أبو النصر ص59.
[50] عن كتاب (محمد والإسلام) تعريب عمر أبو النصر – ط. المكتبة الأهلية.
[51] ص219 ترجمة د. فاطمة نصر - د. محمد عناني – ط. شركة صحارى.
[52] من مصادر السيرة الموثوقة: سيرة ابن هشام – عيون الأثر لابن سيد الناس – جوامع السيرة لابن حزم الظاهري – زاد المعاد لابن قيم الجوزية – السيرة النبوية الصحيحة د. أكرم ضياء العمري.
[53] لا يتسع هذا البحث لذكرها هنا فانظرها في السير النبوية الصحيحة د. أكرم العمري فصل أمهات المؤمنين.
[54] الأحزاب /28-29/.
[55] 7/45.
[56] عن كتاب (محمد في الآداب العالمية المنصفة) محمد عثمان عثمان ص145.
[57] ص6 من النسخة المطبوعة عام /1805م/.
[58] ص83.
[59] ص85 ترجمة محمد السباعي.
[60] البقرة 228.
[61] النساء 32.
[62] سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني رقم 2863.
[63] المرجع السابق رقم 2871.(/67)
[64] الروم 21.
[65] الأعراف 189.
[66] انظره في خطبة الوداع في سيرة ابن هشام – وانظر حديث «استوصوا بالنساء خيراً» في البخاري ومسلم.
[67] عن مجلة (العربي) العدد 203 سنة 1975م – مجلة (نهج الإسلام) العدد /40/ 1410هـ - مقالة د. صفاء خلوصي.
[68] يقول المستشرق (آتيين دينيه) في كتابه (محمد رسول الله – تعريب د. عبد الحليم محمود) بعدما أورد في الحاشية هذا النص معلقاً عليه: «هذا في الوقت الذي كان فيه سان بونا فنتور يقول لتلاميذه في أوربا: (إذا رأيتم امرأة فلا تحسبوا أنكم ترون كائناً بشرياً ولا كائناً وحشياً، وإنما الذي ترون هو الشيطان ذاته، والذي تسمعون هو صفير الثعبان» ص343.
[69] عن كتاب (محمد عند علماء الغرب) خليل ياسين.
[70] ص83.
[71] ص99.
[72] عن كتاب (مقارنة الأديان) قسم: الإسلام – ص292 – د. أحمد شلبي.
[73] يقدِّر سليمان الندوي في كتابه (الرسالة المحمدية) عدد الكتب التي ألِّفت في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم من عهد الرسالة إلى اليوم عند المسلمين وغير المسلمين بالألوف، وقد أُجريَ إحصاء في النصف الأول من القرن العشرين لعدد الكتب التي كتبها الأوربيون فقط عن سيرة محمد صلى الله عليه وسلم فكان أكثر من /1300/ كتاب بمختلف اللغات الأوروبية.
أما الآن فكم أصبح العدد يا ترى؟! وهذا مصداق لقوله تعالى : {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ}.
[74] عن كتاب (مقارنة الأديان – قسم الإسلام) د. أحمد شلبي ص294.
[75] ص62.
[76] ص6.
[77] ص43.
[78] ص92.
[79] عن كتاب (محمد رسول الله هكذا بشرت به الأناجيل) بشرى زخاري ميخائيل ص49.
[80] ص353 ترجمة د. عبد الرحمن الشيخ – ط. السعودية /2005/م.
[81] عن كتاب (محمد في الآداب العالمية المنصفة) محمد عثمان عثمان ص33.
[82] (المئة الأوائل) ترجمة خالد أسعد عيسى – أحمد غسان سبانو – ط. دمشق دار قتيبة ص25.
[83] المرجع السابق ص30.(/68)
[84] سلف أن ذكرت أن من مصادر السيرة النبوية الموثوقة: سيرة ابن هشام – عيون الأثر لابن سيد الناس – جوامع السيرة لابن حزم الظاهري – زاد المعدا لابن قيم الجوزية – السيرة النبوية الصحيحة د. أكرم ضياء العمري.
[85] سورة المائدة، الآية /6/.
[86] حديث صحيح متفق عليه.
[87] حديث صحيح رواه الشافعي وأحمد والنسائي والدارمي وابن خزيمة. – والسواك أداة لتنظيف الأسنان تشبه الفرشاة.
[88] رواه البخاري ومسلم.
[89] سورة النور – الآية /27-28/.
[90] سورة النور، الاية /58-59/.
[91] سورة الحجرات الآية /11-12/.
[92] الحجرات 13.
[93] سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني، الحديث رقم /2700/.
[94] عن كتاب (محمد عند علماء الغرب) لخليل ياسين ص105.
[95] عن كتاب (الإسلام والمبادئ المستوردة) د. عبد المنعم النمر ص 84.
[96] ص46.
[97] عن كتاب (ظلام في الغرب) لمحمد الغزالي ص140.
[98] ص26-276-430-566. ترجمة عادل زعيتر ط3 – القاهرة – ط. البابي الحلبي.
[99] عن كتاب (محمد في الآداب العالمية المنصفة) ص46 محمد عثمان عثمان.
[100] ص16.
[101] سورة الفرقان، الآية/63-75/.
[102] سورة المؤمنون 96.
[103] سورة لقمان الآيات /17-19/.
[104] سورة النحل الآية /125/.
[105] آل عمران /159/.
[106] سورة النحل /126/.
[107] الإسراء /53/.
[108] العنكبوت /46/.
[109] انظر سيرة ابن هشام.
[110] ص19. ترجمة د. فاطمة نصر – د. محمد عناني – ط. كتاب سطور – شركة صحارى.
[111] ص67.
[112] عن كتاب (محمد رسول الله هكذا بشرت به الأناجيل) بشرى زخاري ميخائيل – ص50. وانظره في كتاب درمنغم المذكور – ترجمة عادل زعيتر ط2.
[113] (حياة محمد) إميل درمنغم ص362 – تعريب عادل زعيتر – ط. دار العلم للملايين.
[114] عن كتاب (محمد في الآداب العالمية المنصفة) محمد عثمان عثمان ص20.(/69)
[115] ص126 – وعن الجانب التطبيقي للتسامح في الإسلام يقول (لوبون): «ويمكن القول بأن التسامح الديني كان مطلقاً في دور ازدهار حضارة العرب، وقد أوردنا في هذا غير دليل، ولا نسهب فيه؛ وإنما نشير إلى ما ترجمه مسيو دوزي من قصة أحد علماء العرب الذي كان يحضر ببغداد دروساً كثيرة في الفلسفة يشترك فيها أناس من اليهود والزنادقة والمجوس والمسلمين والنصارى إلخ.. فيُستَمَع إلى كل واحد منهم باحترام عظيم، ولا يطلب منه إلا أن يستند إلى الأدلة الصادرة عن العقل، لا إلى الأدلة المأخوذة من أي كتاب ديني كان، فتسامحٌ مثل هذا هو مما لم تصل إليه أوربة بعدما قامت به في أكثر من ألف سنة من الحروب الطاحنة، وما عانته من الأحقاد المتأصلة، وما مُنيتْ به من المذابح الدامية». (حضارة العرب) ص570 تعريب عادل زعيتر.
[116] عن كتاب (محمد بن عبد الله) تعريب عمر أبو النصر ص63. ط. عام /1934/م.
[117] ص393.
[118] عن كتاب (حقائق الإسلام وأباطيل خصومه) لعباس محمود العقاد ص227 ط. كتاب الهلال.
[119] ص128-129. ط. البابي الحلبي تعريب عادل زعيتر ط3.
[120] المرجع السابق ص127.
[121] الزمر 9.
[122] الأنعام 97.
[123] الأعراف 32.
[124] التوبة 11.
[125] يونس 5.
[126] النمل 52.
[127] فصلت 3.
[128] العنكبوت 43.
[129] فاطر 28.
[130] آل عمران 190.
[131] فاطر 27-28.
[132] عن كتاب (الإسلام يتحدى) ص152-153.
[133] ص106.
[134] ص14.
[135] تعريب د. فؤاد حسنين علي – ط. دار المعارف بمصر.
[136] ص84 ترجمة سهيل حكيم – ط. وزارة الثقافة السورية.
[137] عن كتاب (محمد في الآداب العالمية المنصفة) محمد عثمان عثمان ص107.
[138] 9/246.
[139] نقلاً عن كتاب (هكذا كانوا.. يوم كنا) د. حسان شمسي باشا ص83.
[140] انظر الفصل لابن حزم: 1/188-189 مطلب (كروية الأرض).
[141] ص377 – تعريب عادل زعيتر – ط. البابي الحلبي.
[142] ص370.(/70)
[143] (شمس الله تسطع على الغرب) ص148-269-315-354.
[144] طبع هذا الكتاب للمرة الأولى عام /1973/م وهو غير كتاب (تراث الإسلام) للمستشرق أرنولد المطبوع عام /1931/م.
[145] ص24.
[146] ص26 – تعريب عادل زعيتر – ط. البابي الحلبي ط3.
[147] المصدر السابق ص126.
[148] عن كتاب (محمد رسول الله) أتيين دينيه – تعريب د. عبد الحليم محمود ص339.
[149] (حضارة العرب) ص566.
[150] نقلاً عن كتاب (مقدمات العلوم والمناهج) لأنور الجندي 4/710.
[151] ص110-112.
[152] عن كتاب (مقدمات العلوم والمناهج) أنور الجندي 7/141.
[153] ص381 تعريب عادل زعيتر – ط. البابي الحلبي.
[154] ص380.
[155] ص425.
[156] ص339 وما بعدها تعريب د. عبد الحليم محمود. - ومن شاء التوسع في هذا فليراجع الباب السادس كله من (تاريخ العرب العام) لسيديو تحت عنوان (وصف الحضارة العربية) – والباب الخامس كله بفصوله العشرة من كتاب (حضارة العرب) لغوستاف لوبون ثم كتاب (شمس الله تسطع على الغرب) لزيغريد هونكه.. وغيرها. وانظر قائمة المصادر والمراجع التي جمعها العلامة (جورج سارتون) لكتابه (مقدمة في تاريخ العلوم).
[157] عن كتاب (محمد في الآداب العالمية المنصفة) محمد عثمان عثمان ص76. – ولما عدتُ إلى كتاب سيديو (تاريخ العرب العام) وجدت فيه النص التالي: «عهدتْ الحكومة الفرنسية إلى الدكتور بيرون في أن يترجم إلى الفرنسية كتاب (المختصر في الفقه) للخليل بن إسحاق بن يعقوب المتوفى عام /1422/م. وهذا الكتاب هو أحسن ما أُلِّف في الفقه المالكي». ص395 تعريب عادل زعيتر ط. البابي الحلبي – وقد ولد سيديو عام /1808/م.
[158] هو محمد بن أحمد من أهل قرطبة في الأندلس – عني بكلام أرسطو وترجمه إلى العربية، وزاد عليه زيادات كثيرة، وصنف نحو خمسين كتاباً. انظر ترجمته في أعلام الزركلي.
[159] ص343.
[160] ص344.(/71)
[161] هو كتاب اشترك في تأليفه مجموعة من الباحثين والدارسين الغربيين بإشراف المستشرق جوزيف شاخت – ترجمه إلى العربية د. محمد زهير السمهوري – حققه وعلق عليه د. شاكر مصطفى. – وقد سلفت الإشارة إليه.
[162] ص33.
[163] ص38.
[164] ص45. روجر بيكون /1235-1294/م إنجليزي تلقى علومه في أكسفورد وباريس حيث نال الدكتوراه في اللاهوت، ترجم عن العربية كتاب (مرآة الكيمياء). وريموند ليل /1235-1314/م قضى تسع سنوات /1266-1275/م في تعلم اللغة العربية ودراسة القرآن، ثم قصد بابا روما وطالبه بإنشاء كليات تدرس اللغة العربية لتخريج مستشرقين قادرين على محاربة الإسلام، ووافقه البابا.
وفي مؤتمر فيينا سنة /1312/م تم إنشاء كراس للغة العربية في خمس جامعات أوربية هي: باريس – أكسفورد – يولونيا بإيطالية – سلمنكا بإسبانية بالإضافة إلى جامعة البابوية في روما.
[165] ألَّف فولتير كتابه (محمد) عام /1742م/ وكان فيه متردداً بين الدفاع والتحامل.
[166] ص55 وما بعدها.
[167] ص61.
[168] ص63.
[169] ص69.
[170] ص69-70.
[171] ص76 وما بعدها.
[172] عن كتاب (تشكيل العقل السليم) ص94 د. عماد الدين خليل.
[173] ص10 – تعريب د. فؤاد حسنين علي – ط. دار المعارف بمصر.
[174] عنوان الوثيقة: «اتجاهات الحوار بين النصارى والمسلمين».
[175] ص8.
[176] ص107.
[177] ص109.
[178] ص109.
[179] ص109 ط. دار الكندي – بيروت 1978.
[180] عن كتاب (محمد في الآداب العالمية المنصفة) محمد عثمان عثمان ص33.
[181] عن كتاب (محمد رسول الله هكذا بشرت به الأناجيل) بشرى زخاري ميخائيل ص55.
[182] عن كتاب (محمد في الآداب العالمية المنصفة) محمد عثمان عثمان ص33.
[183] اسم الكتاب (محمد).
[184] عن كتاب (محمد عند علماء الغرب) خليل ياسين ص135.
[185] عن كتاب (محمد في الآداب العالمية المنصفة) محمد عثمان عثمان ص26.
[186] ص7/59 ط. بيروت. – دار الجيل.
[187] 7/68.(/72)
[188] ص388 ترجمة د. فاطمة نصر – د. محمد عناني ط. 1998. ط. شركة صحارى – كتاب سطور.
[189] سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني رقم /45/.
[190] الحجرات، الآية /10/.(/73)
العنوان: نتائج حرب لبنان وحزب الله
رقم المقالة: 805
صاحب المقالة: خاص: الألوكة
-----------------------------------------
النتائج الإسرائيلية لحرب لبنان الأخيرة تدين حزب الله الشيعي
انتظر السياسيون الإسرائيليون طويلاً قبل أن تعلن لجنة التحقيق الخاصة بالحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان نتائجها؛ التي انتقدت ما وصفته "بالتهور" الذي وقع فيه إيهود أولمرت (رئيس الوزراء الإسرائيلي) في حربه على لبنان.
التقرير الذي أعدته لجنة "فينوغراد" قال: "إن الحرب كانت فاشلة!"، مضيفاً: "إن أولمرت تصرف بتهور وبدون تفكير، وتعاطى حرفياً مع توصيات قيادة الجيش، ولم يستخدم الهيئات الاستشارية حوله؛ مثل مجلس الأمن القومي، ولم يتشاور مع خبراء أمن آخرين".
وإن كان التقرير لم يقدم جديداً عن الحرب الأخيرة، على اعتبار أن أكثر 160 ستين ومئة إسرائيلي قتلوا خلال الحرب الأخيرة، إلا أن الجديد في الموضوع هو اعتراف تل أبيب أن الحرب كانت انجراراً خلف مغامرة فرضها حزب الله اللبناني باختطافه جنديين إسرائيليين.
إذ يقول التقرير الذي نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" يوم الاثنين 30 إبريل: "إن أولمرت انجرّ إلى الحرب، وأظهر سلبية عملية وفكرية".
وركز تقرير لجنة التقصي، المكونة من اثنين من المحلفين، وجنرالين سابقين، وخبير في السياسة العامة على تحليل الأيام الستة الأولى من الحرب، بين الجيش الإسرائيلي ومليشيات حزب الله.
وذكر القاضي المتقاعد إلياهو فينوغراد، رئيس لجنة التحقيق التي حملت اسمه، في مؤتمر صحفي الاثنين؛ أن أولمرت وبيرتس (وزير الدفاع) اتخذا قرارات متسرعة وأحكاماً غير صائبة.
وحسب التصريحات التي أطلقها حزب الله الشيعي - في بداية الحرب - والتي أعقبت قيام حزبه باختطاف جنديين إسرائيليين على الحدود المشتركة؛ فإن تل أبيب كانت تخطط لضرب لبنان، وفق جدول زمني، مدعياً أن الحرب كانت ستحدث على أية حال، وأنه سرّع - فقط - من هذه الحرب!(/1)
ففي 9 مارس 2007، قال حسن نصر الله (الأمين العام لحزب الله): "عندما يقول أولمرت إنه كان يخطط للحرب منذ تسلمه لرئاسة الحكومة؛ وعندما يقول إن قرار الحرب وخطة الحرب اتخذا في آذار (مارس)؛ فهذا ما كنا نقوله بالتحديد، وهو أن هدف الحرب كان تطبيق القرار 1559، وتدمير حزب الله".
هذه الادعاءات دحضتها التحقيقات الإسرائيلية تماماً، فتل أبيب لم تكن لتعترف أن حكومتها "تسرّعت وتهوّرت"، وإذا كان من دليل هنا؛ فإنه يؤكد أن حزب الله هو من رسم للحرب وخطط لها، ثم جر الإسرائيليين إليها، وهو ما حقق له أهدافاً لصالح الجهات التي تدعمه، بدءاً من إيران، ومروراً بدمشق، وانتهاءً بالطائفة الشيعية كاملة في لبنان.
وهنا أذكر كلاماً للصحفي ديفيد هورست، الذي نشر مقالاً في صحيفة الغارديان البريطانية عن الحرب الإسرائيلية اللبنانية، إذ يقول: "إن حزب الله، الذي لم يستشر الحكومة اللبنانية قبل الإقدام على احتجاز الجنديين الإسرائيليين؛ لم يكن ليتحلى بكل تلك الجرأة في عمليته لو لم يكن قد حصل على تأييد أو تشجيع من جانب الحكومتين السورية والإيرانية".
ويضيف: "إن سورية - بـ(براغماتيتها) - تسعى لإثبات أهميتها الإستراتيجية في المنطقة كلاعب أساسي لا يمكن لواشنطن أن تتجاوزه وتتجاهله، بل بالإمكان الاعتماد عليه في بعض المناطق المضطربة كالعراق".
النتائج التي حصدتها لبنان بعد هذه الحرب، لا يمكن مقارنتها أبداً بالخسائر التي هلل لها حزب الله، وبمقارنة بسيطة نجد أن أولمرت، الذي كان من المفترض أن يقدم استقالته بسبب النتائج السيئة لتقرير لجنة "فينوغراد"؛ لم يُقدِم على ذلك أبداً، بل بالعكس؛ أعلن مكتبه أنه سيبقى في منصبه برغم النتائج السلبية للتقرير، فيما كتبت الصحف العبرية تقول: "إن أولمرت يتمتع بحكومة قوية تضمن له الاستمرار في منصبه إلى نهاية فترة ولايته".
من يحاكم نصر الله؟!(/2)
إن كان في إسرائيل جهة تقدم تقريرها ضد رئيس الوزراء - إدانة له -؛ فمن يستطيع - في لبنان اليوم - أن يحاكم حسن نصر الله، أو يحلل حربه التي أقحم بها اللبنانيين عنوة.
أولمرت يواجه الآن أياماً من أسوأ أيامه؛ بسبب التحقيقات التي أفضت إلى اتهامه بالانجرار إلى حرب لم يخطط لها؛ في وقت حَدَّدت فيه بعض الجمعيات مواعيدَ لمظاهرات احتجاج في تل أبيب، تخرج للمطالبة باستقالته.
وعلى الصعيد ذاته تؤكد عائلات 119 تسعة عشر ومئة جندي إسرائيلي قتلوا خلال المعارك؛ أن حالوتس (رئيس الأركان المستقيل) يجب ألا يدفع وحده ثمن إخفاقات الحرب، وأن أولمرت وحكومته يجب أن تدفع الثمن أيضاً، كما أعلن حزب الإتحاد الوطني اليميني المتشدد أنه ينوي اقتراح مشروع قانونٍ لحل الكنيست وإجراء انتخابات مبكرة.
ولكن في مقابل ما قيل عن مقتل 160ستين ومئة إسرائيلي؛ نجد أن لبنان قدّم أكثر من 1200مئتين وألف قتيل، كما جرح الآلاف، وشرّد عشرات الآلاف من منازلهم، فيما عادت لبنان إلى الوراء عشرات السنين، بسبب الأضرار الاقتصادية التي لحقت بالبنية التحتية لها، من بينها المطارات والجسور والشوارع والأبنية ومحطات الكهرباء والمياه وشبكات الهاتف وغيرها.
وتذكر صحيفة (الغارديان) أن كلفة إعادة إعمار ما دمرته الحرب في لبنان تقدر بنحو (7سبعة) مليارات دولار، يلزم إنفاق مليارين ونصف منها لإصلاح البنية التحتية وحدها. وتؤكد الصحيفة أن 15000خمسة عشر ألف منزل في لبنان تحوّل إلى أنقاض، وأن الاقتصاد اللبناني قد ينكمش بمقدار 2 إلى 3 في المائة.
واستناداً إلى تقديرات الحكومة اللبنانية وجمعية المزارعين اللبنانيين؛ فقد قدّرت وكالة أوكسفام للإغاثة خسائر القطاع الزراعي بسبب الحرب بين 135 و185 مليون دولار.(/3)
وقالت أوكسفام: "إن الآثار السيئة للحرب تفاقمت لتزامن الحرب مع موسم الحصاد". وأضافت: "إن ما يصل إلى 85 في المائة من مزارعي لبنان، البالغ عددهم 195 ألفاً فقدوا كل محاصيلهم كلها أو بعضها.
ولم ينته كشف الحساب الذي يدفعه اللبنانيون عند هذا الحد؛ بل تعداه إلى أزمة سياسية عاصفة، لم تخرج إلى الآن من دائرة المناوشات السياسية والاعتصامات، نتيجة مقتل عدد من اللبنانيين بسبب انتماءاتهم الطائفية.
بعد عدة أشهر من الحرب اللبنانية الإسرائيلية؛ تبدو لبنان وقد دخلت في ليل دامس، لا يعرف أحد متى يتبدد ظلامه، فالاقتصاد المنهك الذي لم يكن يقوى على النهوض من قبل؛ بات أثقل حملاً بالديون الجديدة وتكلفة إعادة الإعمار، والقوى السياسية التي كانت تلتزم الصمت بخصوص حمل حزب الله السلاح منفرداً به؛ باتت تطالب بحمله هي الأخرى، والائتلاف السياسي الذي كان يحفظ للبنانيين الرمق الأخير من التهدئة؛ انهار أمام الحشود الشيعية التي خرجت تهتف باسم حسن نصر الله كبطل قومي!
أمام كل تلك الخسائر التي مُني بها اللبنانيون، وأمام الانتقادات الرسمية الموجهة لرئيس الحكومة الإسرائيلي؛ يحق لنا أن نتساءل: ألا يجب أن تتم محاكمة حسن نصر الله بسبب حربه الرعناء على الكيان الصهيوني؟
وإن كان حاجة إلى ذلك، أو - على أضعف تقدير- حاجة لإعداد تقرير حيادي، يَذكر ما حصده نصر الله في حربه مع الإسرائيليين؛ فمن هو المخوّل في لبنان بتنفيذه؟
وإن تم تنفيذه بالفعل؛ فماذا سيكون رد حزب الله الشيعي عليه؛ مع العلم أنه الفصيل المسلح الوحيد في لبنان؟!
اللعبة السياسية إلى أين:(/4)
لا تبشر الأيام القادمة بخير في لبنان، وإن كان الإسرائيليون اليوم منشغلين بمراجعة حسابات الحكومة؛ فإن حزب الله لا يزال بمنأى عن المحاسبة، والسلاح الذي كان يعلن على الدوام أنه مشرع في وجه الإسرائيليين؛ لن يجد بعد اليوم إسرائيليين ليواجههم، فمن بركات حربه الخاسرة ضد الكيان الصهيوني أن الأمم المتحدة فرضت وصاية على لبنان، وأقامت حاجزاً أممياً بين لبنان وفلسطين المحتلة، وهو ما حقق للإسرائيليين أماناً كاملاً على جبهتهم الشمالية!!
والخلافات السياسية في لبنان - التي نشأت منذ الحرب الأخيرة - لا تزال تنذر بمشاكل وأزمات لاحقة، خاصة أن المعارضة اللبنانية التي يتزعمها حسن نصر الله وحزبه الشيعي تحاول حمل الحكومة اللبنانية المنتخبة على الاستقالة.
الغريب أن جميع النتائج، التي حصلت بسبب الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان؛ كانت في صالح تل أبيب، ومن المفارقات التي كشفت عنها الحكومة الإسرائيلية قريباً أن الحرب على لبنان كانت فاشلة إسرائيلياً.. أي بتعبير آخر؛ نجد أن الخاسرين تهللت وجوههم لنصر مفترض! فيما يحاسِب المنتصرون أنفسهم على أخطاء في الحرب. وإن كان من تفسير لذلك؛ فإنه يتمثل في قيمة الإنسان هنا وهناك، في لبنان قتل 1200 مئتين وألف شخص، واعتبَر حزبُ الله نفسه منتصراً! وفي الكيان الإسرائيلي قتل 160 ستين ومئة شخص؛ واعتبر الإسرائيليون أنفسهم خاسرين!!(/5)
العنوان: نجاة المتقين
رقم المقالة: 766
صاحب المقالة: سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين
-----------------------------------------
الحمد لله الجواد الكريم الشكور الحليم أسبغ على عباده النعم ودفع عنهم شدائد النقم وهو البر الرحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الفضل العظيم والخير العميم، وأشهد أن محمداًً عبده ورسوله المصطفى الكريم صل الله عليه وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين وسلم تسليماً.
أما بعد، أيها الناس: اتقوا ربكم وتعرفوا إليه في حال الرخاء يعرفكم في حال الشدة، تعرفوا إلى ربكم بالخضوع له والمحبة والتعظيم وكثرة العبادة ابتغاء مرضاته وتجنب معاصيه خوفاً من عقابه الأليم، تعرفوا إلى الله بفعل الطاعات ما دمتم في زمن القدرة والإمكان قبل أن تتمنوا العمل فلا تستطيعوا إليه سبيلا.(/1)
عباد الله: يقول الله تعالى: {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لاَ يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} فمن اتقى الله تعالى وامتثل أمر الله واجتنب نهيه نجاه بمفازته، إذا وقع في هلكة أنجاه الله منها ويسر له الخلاص من ذلك، فالمتقون هم أهل النجاة، وشاهد ذلك ما وقع وما يقع للمتقين. ألم يبلغكم ما وقع لسيد المتقين حيث خرج - صلى الله عليه وسلم - من مكة ومعه صاحبه أبو بكر يخشيان على أنفسهما من قريش فنجاهما الله تعالى من ذلك وقريش على رؤوسهم، يقول أبو بكر: يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى قدمه لأبصرنا، فيقول له رسول الله: ((لا تحزن إن الله معنا ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما)) فنجى الله تعالى نبيه بمفازته من غير أن يمسه سوء. ألم تسمع ما وقع لنبي الله يونس - صلى الله عليه وسلم - حيث ذهب عن قومه مغاضباً لهم لما عصوه فركب البحر فثقلت بهم السفينة فاقترع أهلها أيهم يلقى في البحر لتخف السفينة وينجو بعض من فيها ولا يهلكوا كلهم، فوقعت على قوم فيهم نبي الله يونس فألقوا في البحر فالتقم الحوت يونس {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} فاستجاب له رب العالمين فأنجاه من الغم قال الله تعالى: {فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ}{لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}. ألم يأتكم نبأ الثلاثة من بني إسرائيل ((باتوا في غار فانحدرت عليهم من الجبل صخرة سدت الغار فلا يستطيعون الخروج فقالوا: إنه لا ينجيكم منها إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران فنأى بي طلب الشجر فتأخرت حتى ناما، فكرهت أن أوقظهما فانتظرت استيقاظهما حتى طلع الفجر والصبية يتضاغون عند قدمي حتى استيقظ أبواي فشربا غبوقهما، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأفرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت(/2)
الصخرة قليلاً. فقال الثاني: اللهم إنه كانت لي ابنة عم أحبها حباً شديداً فأردتها عن نفسها فامتنعت حتى ألجأتها الضرورة سنة من السنين فجاءتني فأعطيتها مئة وعشرين ديناراً على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت، فلما قعدت بين رجليها قالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي وتركت الذهب الذي أعطيتها، اللهم إن كنت فعلت ذلك لأجلك فأفرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة قليلاً إلا أنهم لا يستطيعون الخروج. فقال الثالث: اللهم إني استأجرت أجراء فأعطيتهم أجرهم إلا واحداً ترك أجره وذهب، فثمرت له أجره حتى نما وكثرت منه الأموال فجاءني بعد حين فقال: يا عبد الله أعطني أجري، فقلت: كل ما ترى من الإبل والبقر والغنم والرقيق فهو أجرك، فقال: يا عبد الله لا تستهزئ بي، فقلت له: لا أستهزئ بك، فأخذه كله ولم يترك منه شيئاً، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأفرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة وخرجوا يمشون)).
وهكذا ينجي الله المتقين بمفازتهم في هذه الدنيا وينجيهم من مفاوز يوم القيامة وأهوالها ومن عذاب الجحيم وسمومها قال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً}{ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً} بكى عبد الله بن رواحة - رضي الله عنه - وكان مريضاً فقيل: ما يبكيك؟ فقال: ذكرت قول الله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَ وَارِدُهَا} فلا أدري أنجو منها أم لا. وكان أبو ميسرة إذا أوى إلى فراشه بكى ويقول: أخبرنا أنا واردوها ولم نخبر أنا صادرون عنها، اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن تنجينا من النار وأن تلحقنا بالمتقين الأبرار وأن تنجينا من مفاوز الدنيا والآخرة يا كريم يا جواد اللهم صل وسلم على نبينا محمد وآله وأصحابه أجمعين.(/3)
العنوان: نجوم السماء
رقم المقالة: 121
صاحب المقالة: أماني العشماوي
-----------------------------------------
كانت صبيةٌ، تعيشُ مع أمِّها وأبيها في بيتٍ صغيرٍ وسط المراعي والحقولِ.
كانت الصبيةُ تنظرُ كلَّ مساءٍ من نافذةِ غُرفتِها في أعلى البيتِ، فترى النُّجومَ تتلألأُ في السماء، فتقولُ لنفسِها: "كم هي جميلةٌ وبديعةٌ.. ليتني أصِلُ إليها".
سألتِ الصَّبيَّةُ أمَّها: "هل تعرفينَ الطَّريقَ إلى نجومِ السَّماءِ؟". ضحِكَتْ الأمُّ وقالَتْ: لا.. لا أعرفُ الطَّريقَ إليها".
سألتِ الصَّبيةُ أباها: "كيفَ أصلُ إلى نجومِ السماءِ؟". ضمَّهَا أبوهَا وقالَ لها: "هذا شيءٌ مستحيلٌ". لكنَّها ظلَّتْ تنامُ كلَّ ليلةٍ وهي تحلُمُ أنَّها وصلَتْ إلى النُّجومِ.
ذاتَ ليلةٍ.. خرجَتْ الصَّبيةُ وحدَها، تبحثُ عن النُّجومِ.. فمرَّتْ بطاحونةٍ عَتيقةٍ إلى جِوارِ بِرْكَةِ ماءٍ، فسألَتْها: "هل رأيتِ نجومَ السَّماء؟".
قالتِ الطَّاحونةُ: "طبعًا.. طبعًا، إنَّها كثيرًا ما تنزلُ لتسبحَ في بِرْكَةِ الماء".
نزلَتِ الصَّبيةُ إلى البركةِ، وسَبَحَتْ في الماءِ.. سبَحَتْ حتى تَعِبَتْ.. لكنَّها لم ترَ النُّجومَ، وإنما وجدَتْ جَدولاً صغيرًا.. فسألته: "هل تعرفُ نجومَ السَّماء؟".
قالَ الجدولُ: "طبعًا أعرفُها.. إنَّها كثيرًا ما تأتي لتتنزَّهَ على ضِفافي".
خَرجتِ الصَّبيةُ من الماءِ، وسارت على ضفَّةِ الجدولِ.. سارت حتى تعِبَتْ، لكنَّها لم تصِلْ إلى النُّجومِ.. وإنَّما وصلَتْ إلى حقلٍ واسعٍ ترقُصُ فيه الجنِّياتُ.. فسألتهن: "كيف أعثرُ على نجومِ السَّماء؟".
أجابتِ الجنياتُ: "إنها كثيرًا ما تهبطُ إلى الحقلِ، فتضيءُ وتتلألأُ على الحشائشِ التي نرقُصُ عليها".(/1)
رقصَتِ الصبيَّةُ مع الجنِّيات.. رقصتْ حتى تَعِبَتْ، لكنَّها لم تعثُرْ على النجومِ.. فجلَسَتْ في جَانبِ الحقلِ تبكي وتقولُ: "لقد سبحتُ.. وسِرْتُ.. ورقصْتُ، لكني لم أعثرْ على نجومِ السَّماء.. فمن يساعدُني في العثورِ عليها؟".
تجَمَّعَتِ الجنِّياتُ حولَ الصبيَّةِ، ورُحْنَ يرقُصْنَ ويُغَنِّين:
يا أيَّتُها الصبيَّةُ الصّغيرةُ..
سيري إلى الأمام ولا تتوقَّفي..
حتَّى تَصِلي إلى ذي الأقدامِ الأربعةِ..
الذي سيحمِلُكِ إلى من ليسَ له قدمٌ على الإطلاق..
الذي سيحملُكِ إلى سُلَّمٍ بلا درجاتٍ..
فإذا صَعِدْتِ هذا السُّلَّمَ..
ربَّما وصَلْتِ إلى النُّجومِ..
وربما وصلْتِ إلى مكانٍ آخرَ؟؟!!
نهضَتِ الصَّبيةُ.. وشكرتِ الجنيَّاتِ، وسارتْ إلى الأمامِ.. حتى وصلَتْ إلى غابةٍ كثيفةٍ.. ووجدَتْ عندها حصانًا يقفُ إلى جوارِ شجرةٍ عاليةٍ.. فركِبَتْ على ظَهرِهِ، وقالَتْ لهُ: "يا سيِّدي الحصانَ.. يا ذا الأقدامِ الأربعةِ.. ساعدني في الوصولِ إلى نجومِ السماء".
خرجَ الحصانُ من الغابةِ، وسار في طريقٍ واسعٍ.. حتى وصلَ إلى بحرٍ كبيرٍ.
فوقفَ عندَهُ وقال لها: "لقد حملْتُكِ إلى آخرِ الأرضِ.. وهذا أقصى ما أستطيعُهُ.. فإِلى اللِّقاء".
بعد قليل، خرجَتْ من البحرِ سَمكةٌ كبيرةٌ غريبةُ الشَّكْلِ.. فركِبَتِ الصَّبيةُ على ظهرِها وقَالَتْ لها: "أيَّتُها السَّمكةُ الكريمةُ.. يا من ليس لكِ أقدامٌ على الإطلاقِ.. ساعِديني في الوُصولِ إلى نجومِ السَّماء".
سبَحَتِ السمكةُ في البحرِ.. حتى وصلَتْ إلى قوسٍ كبيرةٍ مُضيئةٍ.. لها ألوانٌ زاهيةٌ.. طرفُها في الماءِ، وطَرفُها الآخرُ يصلُ إلى السَّماءِ.
توقَّفَتِ السَّمكةُ عند طَرَفِ القوسِ، وقَالتْ للصبيَّةِ: "لقد حملْتُكِ إلى سُلَّمٍ بلا دَرَجاتٍ.. وهذا أقصى ما أستطيعُهُ.. فإلى اللقاءِ".(/2)
نزلَتِ الصبيَّةُ عن ظهرِ السَّمكة، وشكرَتْها.. ثم وقفَتْ تنظرُ بخوفٍ إلى القَوسِ العِملاقِ الممتدِّ إلى السماءِ..
استجمعَتِ الصَّبيَّةُ شجاعتَها، وراحَتْ تصعَدُ السلَّمَ.. كانت تصعَدُ بصعوبَةٍ.. وكلَّما ارتفعَتْ، أصبحَ السُّلَّمُ أكثرَ ضياءً، وأكثرَ انزلاقًا.. وزاد انبهارُها بجمالِهِ وبهائِهِ.
صَعِدَتِ الصَّبيةُ وصَعِدَتْ.. لكنَّها لم تصِلْ إلى السَّماءِ.. وإنما شَعَرتْ بالدُّوارِ.. وانزلَقَت قدَمُها، وهَوَتْ..
هَوَتْ إلى أسفلَ..
انحدَرَتْ وانحَدَرتْ.. حتى ارتطَمَتْ بالأرضِ.. إلى جِوارِ سَريرها.. في غُرفةِ نومها..
فتحتِ الصبيَّةُ عينيها. ونظرَتْ من النَّافذَة..
فوجدَتِ الشَّمسَ مشرقةً.. تملأُ الدُّنيا بنورِها وضيائِها..(/3)
العنوان: نَحْنُ إِسْلامُنَا عَظِيمٌ عَظِيمٌ.. رائعة الشاعر محمود مفلح
رقم المقالة: 1862
صاحب المقالة: خاص: الألوكة
-----------------------------------------
نَحْنُ إِسْلامُنَا عَظِيمٌ عَظِيمٌ.. قصيدة للأستاذ محمود مفلح
هذه القصيدة تُعدّ من روائع الشعر الإسلامي الحديث.. كيفَ لا! ومبدعُها هو العلَم الشعريّ الأستاذ محمود مفلح، صاحب البصمة المجدِّدة الخاصة في الشعر الإسلامي..
وهي قصيدة عن عظَمة المؤمن، وتفاؤله، وشموخه وسموّه في كل الظروف. مشحونة بالأخيِلة البديعة المتدفقة، وبالإخلاص الذي يتميز به الشعر الإسلامي؛ ذلك الإخلاص الذي يتعدّى العاطفة الصادقة بين البشر إلى علاقة العبد برب السماء. وفي الإخلاص يكمُن سر التأثير عن الكاتب.
وقد سمِعناها مُؤدّاةً، لأكثر مِن مُنشد... ونحن هنا نعرضها لكم كاملة، راجين للقرّاء الاستمتاع، وللشعراء السَّير لإكمال خُطى هذا الشاعر وهذا الشعر:
فِي يَدَيْنَا يُضِيءُ هَذَا الزَّمَانُ نَحْنُ فِيهِ السُّطُورُ وَالْعُنْوَانُ
إِنْ خَطَوْنَا فَلِلْمَكَارِمِ نَخْطُو أَوْ نَطَقْنَا فَلِلْخُلُودِ الْبَيَانُ
نَحْنُ مَنْ عَلَّمَ السَّحَائِبَ جُودًا فَتَهَادَتْ فِي عُرْسِهَا الْغُدْرَانُ
أَبْجَدِيَّاتُنَا طُمُوحٌ وَعَزْمٌ وَإِخَاءٌ وَأُلْفَةٌ وَأَمَانُ
نَحْنُ إِسْلامُنَا عَظِيمٌ عَظِيمٌ لا تُدَانِي إِسْلامَنَا الأَدْيَانُ
مَا عَرَفْنَا سِوَى الْعَدَالَةِ نَهْجًا وَسِوَانَا دُرُوبُهُمْ طُغْيَانُ
• • • •
إِنْ كَبَا فِي الطَّرِيقِ يَوْمًا حِصَانٌ فَغَدًا يَنْهَبُ الطَّرَيقَ الْحِصَانُ
وَقْدَةُ الصَّيفِ فِي الدِّمَاءِ حَرِيقٌ وَلَدَى الثَّأْرِ يَزْفِرُ الْبُرْكَانُ
عِنْدَمَا تَصْقُلُ الْعَقِيدَةُ شَعْبًا لا سُجُونٌ تَبْقَى وَلاسَجَّانُ
عَلَّمَتْنَا أَلاَّ نَكُونَ عَبِيدًا وَعَدُوُّ الإِسْلامِ هَذَا الهَوَانُ(/1)
إِنَّ فِي أَرْضِيَ اللُّيُوثُ الضَّوَارِي وَمِدَارَاتُنَا لَهَا الْعِقْبَانُ
نَحْنُ فِي سَاعَةِ الْمُلِمَّاتِ مَوْجٌ كَاسِحُ الْمَدِّ مَالَه شُطْآنُ
• • • •
إِنْ تَكُنْ تَاهَتِ السَّفِينَةُ يَوْمًا فَلَقَدْ جَاءَهَا الْفَتَى الرُّبَّانُ
مُسْلِمٌ صَاغَهُ الْوُجُودُ وُجُودًا وَبِعَيْنَيْهِ تُشْرِقُ الأَوْطَانُ
صَقَلَتْهُ الآيَاتُ حَتَّى تَرَاءَى مِثْلَ سِيفٍ يَزِينُهُ اللَّمَعَانُ
يَتَّقِي اللَّهَ فِي الرَّعِيَّةِ يَخْشَى مَوْقِفًا فِيهِ يُنْصَبُ الْمِيزَانُ!
ظُلْمَةُ اللَّيْلِ لَنْ تَطُولَ عَلَيْنَا وَلَدَيْنَا نِبْرَاسُنَا الْقُرْآنُ
فِيهِ نَبْضُ الْحَيَاةِ فِيهِ الأَمَانِي فِيهِ أَيَّامُنَا الْوِضَاءُ الْحِسَانُ
فِيهِ عِزٌّ وَفِيهِ هَدْيٌ وَنَصْرٌ وَسِوَاهُ الضَّلالُ وَالْخُسْرَانُ
كَمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَظَلَّ مَهِيضًا لا جَنَاحٌ يَقْوَى وَلا طَيَرَانُ
كَمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَقُولَ سِوَاهُ وَهْوَ لا مَنْطِقٌ لَهُ.. لا لِسَانُ
حَاوَلُوا حَاوَلُوا اغْتِيَالَ الْمَثَانِي! لَيْتَ شِعْرِي هَلْ يُطْفَأُ الإِيمَانُ؟!!
• • • •
غَابَ عَنْ مَسْرَحِ الْحَيَاةِ زَمَانًا وَعَلا الْمَسْرحَ الْجَبَانَ الْجَبَانُ
فَإِذَا النَّاسُ قَاتِلٌ وَقَتِيلٌ وَإِذَا الْكَوْنُ شِقْوةٌ وَدُخَانُ
ثُمَّ جَاءَتْ بَشَائِرُ اللَّهِ تَتْرَى وَأَطَلَّتْ بِخَيْلِهَا الْفُرْسَانُ
فِي يَدَيْنَا رِسَالةُ اللَّهِ لِلنَّا سِ وَفِينَا الإِيمَانُ وَالإِحْسَانُ
قَدْ رَحَلْنَا مِنَ الْجَفَافِ وَجِئْنَا مَطَرًا، إِنَّ رَمْلَنَا ظَمْآنُ
وَعَبَرْنَا مَضَايِقَ الْحُزْنِ حَتَّى غَادَرَتْنَا بِصَمْتِهَا الأَحْزَانُ
وَتَلاشَتْ عَلَى الطَّرِيقِ زُيُوفٌ وَتَدَاعَتْ بِكِبْرِهَا الأَوْثَانُ
• • • •
سَقَطَ الْغَرْبُ فِي الْجَرِيمَةِ حَتىَّ رَسَفَتْ فِي جَحِيمِهَا الأَبْدَانُ(/2)
فَالظَّلامُ الْكَثِيفُ جِنْسٌ وَخَمْرٌ وَالنَّهَارَاتُ كُلُّهَا غَثَيَانُ
وَنِسَاءٌ مَا مِثْلُهُنَّ رِجَالٌ وَرِجَالٌ مَا مِثْلُهُمْ نِسْوَانُ
وَاسْتَبَدَّتْ بِهِمْ صُنُوفُ الْمَخَازِي فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ تَنْطِقِ الأَدْرَانُ
عَشِقُوا الْمُوبِقَاتِ عِشْقًا عَجِيبًا فَهُمُ فِي مَجَالِهَا الْعِقْبَانُ
صُوَرٌ تَبْعَثُ الْغَثَاثَةَ فِي النَّفْ سِ وَيَنْبُو عَنْ مِثْلِهَا الإِنْسَانُ
فَسَدَتْ فِيهِمُ الطِّبَاعُ فَهَذَا ثُعْلُبَانٌ وَهَذِه ثُعْبَانُ(/3)
العنوان: نحن جند مسلمون
رقم المقالة: 426
صاحب المقالة: عدنان قيطاز
-----------------------------------------
نَحْنُ للحَقِّ وللإيمانِ جُنْدٌ مُسلمونْ
نَحْنُ لا نَخْشَى أذَى الظُّلمِ ولا رَيْبَ المَنونْ
عِزَّةُ الإسلامِ في الأنفُسِ تأبى أن تَهونْ
وَتَرى أنّ المعالي للميامينِ تكونْ
فابتَسِمْ يا موتُ للأبطالِ وابكي يا سُجونْ
هلّل الفتحُ المبينْ
يا جُنودَ المسلمينْ
رَغْمَ أَنْفِ الظَّالمينْ
رَدِّدوا: اللهُ أكْبَرْ
نَحْنُ إن نُسْجَنْ وإن نُعْدَمْ فَجَنَّاتُ النعيمْ
هِيَ مَأوانا، وأهْلُ البغْيِ في نَارِ السَّمومْ
فَامْلؤُوا الأرْضَ لهيبًا يا طواغِيتَ الجَحِيمْ
واسْتَعينوا بالمنايا.. ((مَرْتَعُ الظُّلمِ وَخِيمْ))
حَسْبُنا أَنَّا عَلى شَرْع النبيِّ المستقيمْ
هلّل الفتحُ المبينْ
يا جُنودَ المسلمينْ
رَغْمَ أَنْفِ الظَّالمينْ
رَدِّدوا: اللهُ أكْبَرْ
سِتَّةٌ نَحْنُ مَهَرْنا المجْدَ لا نَبْكي الحيَاةْ
وارْتَضَيْنا الموتَ في ظِلِّ الأمانِي النَّاضِراتْ
فارْتَقِي يا دَوْلَة الظُّلْمِ وَعِيشي سَنَواتْ
إنّ أمْرَ اللهِ آتيكِ مَعَ الهُونِ بَياتْ
وارْقُبِي إنَّ دِمانا لعْنَةٌ فَوْقَ الطُّغاةْ
هلّل الفتحُ المبينْ
يا جُنودَ المسلمينْ
رَغْمَ أَنْفِ الظَّالمينْ
رَدِّدوا: اللهُ أكْبَرْ(/1)
العنوان: نحن والاضطرابات النفسية والعقلية
رقم المقالة: 1803
صاحب المقالة: د. عبدالستار إبراهيم
-----------------------------------------
نحن والاضطرابات النفسية والعقلية
سأحاول في هذا الفصل أن أُقَدِّم للقارئ عرضًا لبعض المفاهيم الرئيسة التي سيصادفها في ثنايا الفصول القادمة، فهذا الكتاب – فيما أوضحنا - يَهْدُف أساسًا إلى إعطاء وجهة نظر علمية مُتماسكة عن عدد من الأساليب الحديثة في العلاج النفسي، فموضوعه أساسًا هو السلوك الإنساني الشاذّ أو المضطرب، ومن المفيد – لهذا السبب – أن نتفق على فهم جوانبَ معينةٍ في هذا الموضوع: فما هو السلوك الشاذّ، أو المضطرب؟ وكيف يتحول الناس إلى مضطربين عقليًّا؟ وما هي العوامل النفسية المتدخلة في ذلك؟ وهل تزداد النسبة المئوية لحالات الاضطراب العقلي والنفسي؟ وكيف يمكن العلاج؟
هناك في الحقيقة خلاف كبير حول طبيعة السلوك الشاذّ، يعترِف واحد من أئمة علم النفس الحديث بأنَّ البدء في تعريف السلوك الشاذّ ربَّما يكون بداية خاطئة "فالعلم لا يَنجَحُ دائمًا في إعطاء تعريفاتٍ معقولةٍ عنِ الظواهر الطبيعية، حتى يصل إلى درجة معقولة من الفهم المتقدِّم لأسبابها، فالأسهل هو أن نصف وأن نتعرف على فِيل مثلاً من أن نعرِّفه"[1] ولهذا فما سنقدمه هنا، يعتبر وصفًا للسلوك الشاذ، وليس تعريفًا بالمعنى الدقيق.
هناك مدخلان أو طريقان يمكن من خلالهما التعرف على الأشياء بشكل عامٍّ:
الطريق الأول: هو الذي يصف الأشياء من خلال أضدادها، فنحن نعرف الأبيض؛ لأنه غير الأسود[2]. ونصف الرجل بأنه ليس طفلاً، وبهذا المعنى يكون السلوك الشاذّ: ما هو ليس بسليم أو بسَوِيٍّ، ونحتاج هنا أيضًا لأن نتفق على أوصاف محددة لما نعتبره سليمًا وصحيحًا في الحياة.(/1)
أما الطريق الآخر: فهو تعريف الأشياء بالنظر إليها من الداخل، من خلال وصف متعلقاتها الأساسية، فنحن لا نكتفي بأن نصف الرجل بأنه ليس طفلاً (كما في المدخل الأول)؛ بل علينا أن نصف ما يتعلق بسُلوك الرجل من نُضوج انفعاليٍّ، وقدرة على استخدام اللغة، والاستقلال والقدرة على الضبط الحركيِّ والمشي، إلى غير ذلك، وفي هذه الحالة يجب التعرُّف على السلوك الشاذّ من خلال وصف أنواع معيَّنَةٍ منَ السُّلوك "تكون غالبية الناس مُستعدة للموافقة على أنها سُلوك مضطرب أو شاذّ". والآن إلى مَزِيد من التفصيل عن كل طريقة من طُرق التعرف على الاضطراب النفسيّ.
ونعتبر البدء بوصف السلوك السليم أو العادي مَدْخلاً طيبًا لفهم السلوك الشاذّ، بالرغم من صعوبته، فما مِن مفهوم يتحيَّر علماء النفس العلاجيّ في تعريفه؛ كمثل مفهوم السواء؛ ربما لأن كثيرًا من علماء هذا الفرع يتعاملون أساسًا مع اضطرابات ومشكلات؛ لهذا فهم يعتقدون بأن من واجبهم - أولاً - تقديمَ إجابة شافية "وبالتالي علاجًا" للمشكلات الرئيسة، والاضطرابات التي تواجه عملائهم، والناس لا يذهبون للمُعالجين النفسيين؛ لأنهم أسْوِياء أو عاديين؛ بل لأنهم يحتاجون أساسًا لخدمة الخبير النفسي، وإرشاده في مشكلات: كالقلق، والأرق، والعجز عن الفاعلية الاجتماعية، والشقاء، وغيرها، ومع ذلك فبِدُونِ وجود تَصَوُّر للسلوك الناجح، أو السَّوِيِّ، أو الصحيّ، قد لا ينجح المُعالِج أن يَهْدِي مَن يستشيرونه للطريق الصواب، فما هو السلوك العادي أو السليم؟
ليس ثَمَّةَ اتفاقٌ في الحقيقة بين الدارسين والمعالجين المختلفين حول قائمة الصفات التي تستتبعها عملية الصحة النفسية، ولكننا يمكن مع ذلك أن نستخلص عددًا من الأوصاف لا يثور حولها جَدَلٌ كثير، في أن من يتصف بها يعتبر على قدر لا بأس به من الصحة النفسية والنضوج:(/2)
فثمة أربع فئات من السلوك تظهر لدى الأشخاص بعد نجاحهم في العلاج النفسي؛ كما يمكن أن نلاحظها لدى من نطلق عليهم أسوياء، أو مُتكامِلِين، أو غير ذلك من ألفاظ الصِّحَّة النفسية.
فهناك النضوج، والمهارة في تكوين علاقات شخصية - اجتماعية فعالة, والدخول في علاقات اجتماعية دَافِئة وإيجابية على أن تكون مقبولة من الشخص نفسه، وغير مرفوضة، أو مستهجنة من الآخرين.
وهناك التوافق للعمل والمهنة، أو بتعبير آخر الفاعلية في أداء الدور، أو الأدوار الاجتماعية المنوطة بالشخص، مع البحث النَّشِطِ عن دَوْرٍ أو أدوارٍ ذاتِ معنى في الحياة، إذا ما ظهر - لأي سبب من الأسباب – أن المهنة التي يقوم بها الشخص لا تقدم له الإشباع الذي يَسْعَى إليه.
وهناك التوافُق مع الذات، وما يتبع ذلك من قدرة أو قدرات على تعلُّم خبرات جديدة، والاستبصار بالذات بما فيها من ضعف وقوة، وبقدرة على تحقيق النفس والأهداف، وتوظيف الإمكانيات الفردية؛ لتحقيق الإشباع المعنويّ، والجسميّ، والجنسيّ، وما يرتبط بذلك من نمو في القدرات الابتكارية، واتخاذ القرارات، وضبط الانفعالات السلبية الهدامة: كالقلق، والعدوان، والاكتئاب، والمخاوف التي لا معنى لها.
وهناك أخيرًا قدرة الشخص على أن يتبنى لنفسِه فلسفة عامَّة في الحياة، تسمح له بأن يتصرَّف بِكفاءة ونجاح يتناسبان مع إمكانيَّاتِه، وأن يُوظِّف تفكيره؛ لتحقيق التوافق بجوانبه الثلاثة السابقة: الاجتماعيَّة، والسلوكية، والنفسية، وعندما نقول فلسفة عامة لا نعني بالطبع أنَّ الشخص السَّوِيَّ يجب أن يكون "كبرتراند راسل"، أو "سارتر"[3]؛ وإنما نعني بأن يكون للفرد مجموعة من التصوّرات، والقِيَمِ، والاتجاهات، والمعتقدات الشخصية التي تُساعده على حُبِّ الحياة، والناس، والذات، وتحقيق السعادة، والحياة الاجتماعية الفعَّالة.(/3)
ولسنا نقصِدُ من وضع هذه الصفات أن نستعرض قائمةً مُفصَّلة لما نعتبره سلوكًا ناضجًا أو سليمًا، ونحن لا نذهب إلى أنَّ هذه الصفات تُمَثِّل كُلَّ ما يعتبر سليمًا؛ وإنَّما ركَّزنا على أَهمِّها، وعلى العناصر البارزة في السلوك السَّوِيِّ؛ كما قد يتفق عليها المُعالجون النفسيون بمدارسهم المختلفة، ونحن نؤمن عن يقين بأنَّ أي مُعالِج نفسي مهما اختلفتِ النظرية التي يَتَبَنَّاها، سيجد في هذه القائمة صفة أو أكثر يطمح أن يراها تتطور في مريضه، ويعتبرها مقياسًا لنجاحه في العلاج.
إلى هنا ولم نتعرَّض لهذه الحالات التي نُعطيها - بلا تردُّد - صفة الشذوذ، أو المرض؛ لكن ربما كان من أهمِّ ما يمنحنا إياه هذا العَرْضُ السابق، هو أن يوضح لنا بصورة غير مباشرة، ما نعنيه بالسلوك الشَّاذّ أو المريض.
فالعجز عن التوافق في أيّ جانب من الجوانب الأربعة التي ذكرناها، قد يعتبر علامة على الشذوذ والمرض، والواقع أن كلمة شذوذ ككلمة سواء، من حيث إنها مفهوم، أو كلمة مجازية نطلقها على بعض التصرّفات والأفعال، التي تصدر عن الشخص في مواقف متعددة، والمُطَّلِع على مراجع الطب النفسي، وعلم النفس المَرَضِيِّ المتعدِّدَةِ كلِّها، لا يجد تعريفًا لأمراض شاذَّة؛ إنما يجد قائمة طويلة تتضمَّن أسماءً ومفاهيمَ لاضطرابات نفسية؛ كالفِصام؛ والقلق؛ والاكتئاب؛ لكل منها أعراضٌ محددة تختلف عن مجموعة الأعراض، والتصرفات، التي تظهر عند الشخص الذي يَنْتَمِي لفئةٍ أوْ لأُخْرَى، وهكذا فمجموعة الاضطرابات والتصرُّفات التي تشير إلى الخلل في تحقيق التوافق الاجتماعي، والاندماج في أفعال اجتماعية غير مناسبة ومرفوضة، يسهل وصف صاحبها بالجنوح والسيكوباتية، أكثر من وصفه بالاكتئاب أو السلبية... إلخ.(/4)
بعبارة أخرى: فإنك لن تجد في كُتُب العلم ما يريح إن كنت تتصور بأن المرض النفسي على غِرار المرض الجسمي، يرتبط بنوعيَّة شاذَّة في تركيب وظائف العقل أو الأعصاب، فلقد توقف رجال العلم اليوم عن هذا؛ كما توقَّفوا منذ فترة غير قصيرة عن تصوُّر السلوك الغريب؛ (سواء سلوك عباقرة أو مجانين) بأنه مدفوع بقوة شيطانية، أو أرواح غريبة تحكم الجسم على نحو ما، وتحرك الإنسان فلا يملك لها ردًّا.
وربَّما تُسْهِمُ كلمة مرض نَفْسِيٍّ - في بعض الأحيان - في إثارة غُموض لا يقلُّ عنِ الغموض الذي تركته لنا التفسيرات الشيطانية القديمة للأمراض النفسية؛ فكما أن تلك التفسيرات القديمة نقلت لنا أن السلوك الشاذ عمل من أعمال الشيطان، ولم تمنحنا بذلك أي معرفة ذات قيمة فيما يتعلَّق بفهم هذا السلوك، أو ضبطه، أو علاجه، كذلك تثير كلمة المرض النفسي التي تستخدم بكثرة في تلك الأيام.(/5)
"فالمعنى التقليديّ لكلمة المرض: هو أنه حالة تتملَّك شخصًا فتحوِّله إلى شخص مختلِفٍ جَذْريًّا عن حالته السَّوِيَّة؛ فهو قد يُعانِي من الملاريا، أو منَ الحُمَّى، أوِ الجلطة... إلخ، ونجد في كل حالة انفصالاً بين السَّوِيِّ والمريض، والأكثر من ذلك هناك سبب معين لكل مرض؛ كأنْ نُصاب بجرثومة أو تَلحق بنا أضرارٌ مادية ما"[4]، ولا شيء من هذا يصحّ مع الاضطرابات النفسية، والأحرى أن نُصَوِّرَ الشخص المُضطرب بأنه لا يختلف في طبيعته عن الشخص العادي، وليس هناك فرقٌ بين المضطربين والأسوياء إلا في مقدار ظهور السلوك الذي نعتبره شاذًّا، والفصامي والعصابي والجانح - بهذا المعنى – ليسوا من طبيعة بشرية مختلفة؛ ولكنهم بشرٌ يختلفون في بعض أَوْجُه السلوك فقط، وفي أن التصرفاتِ التي لا تحقق لهم، ولا لِمَنْ حولهم السعادة والرضاء أكثرُ بكثير عما هي عليه بين من نطلق عليهم أصحاء، وينقلنا هذا إلى الحديث عما نسميه بالتصرفات أو السلوك الشاذِّ، وهو الجانب الثاني من تعريف السلوك الشاذ.
الحقيقة أن جوانب السلوك الشاذّ، أو المضطرب متسعة في غاية الاتساع، وتشمل طائفة كبيرة من الاضطرابات النفسية والعقلية، على أن بعض هذه الاضطرابات نادر (كحالات المرض العقلي، أو الجنون)، على حين أن بعضها يشيع شيوعًا كبيرًا في المجتمع مما يجعلها موضوعًا جديرًا بالاهتمام؛ كالقلق؛ والكآبة؛ والجريمة.(/6)
ونحن في مجال المُمارسة العملية نجد أن الاضطراباتِ النفسيةَ تتفاوت، فتشمل تلك الحالاتِ التي تتراوح من مشاعر الكدر والضِّيق، والتَّعاسة والملل، وتمتدُّ لتشمل الحالاتِ العقليةَ الخَطِرةَ التي تتطلَّب عادةً اللجوءَ للطبيب النفسيّ، أو إلى المِصَحّات للعلاج النفسي والعقلي، والشخص المضطرب نفسيًّا - بشكل عام - ضعيف الفاعلية في عمله، وفي عَلاقاته الاجتماعية، ولو أنَّ هذا لا يمنعه في كثير من الأحيان منَ ابتكار كثير من الأفكار الجديدة الهامَّة، ومن أن يكشف عن بعض الجوانب من التصُّرفات لا تختلف عن العاديين.
وهناك طريق تقليدي يتبَّناه طائفةٌ من الأطباء النَّفسيين في تقسيم الاضطرابات النفسية، فينظرون إليها على أنَّها تنقسم إلى مرض نفسيّ (عصاب)، أو عقلي (ذهان)، والعصابيون: أشخاص يتميزون بسهولة الانفعال، وتعساء تُسيطر عليهم بعض الأعراض المُحدَّدة، كالخوف من بعض الموضوعات، أو الخوف الشديد من المرض الجسمي، مِمَّا يصبغ حياتهم دائمًا بعدم الاستقرار والتهديد، وتوقّع الشر عندما لا يكون هناك شر؛ لكنهم في العادة قادرون على مواصلة النشاط بالرغم من القيود الداخلية، التي يفرضونها على أنفسهم، ويقال: إننا جميعًا نتعرض لبعض اللحظات العصابية في حياتنا، إثر أزمة أو خبرة من الخبرات المُؤْلِمَة في الحياة.
أما الذهانيون: فهم من طائفة أخرى، نطلق عليهم أحيانًا اسم المَرْضَى العقليين، أو المجانين، وهم باختصار: طائفة من الناس التُّعساء، ولكنهم خَطِرُون، وعديمو الفاعلية، وعادةً ما يعجِزون عن العمل والتكيف للحياة دون عون من الآخرين، اضطراباتهم حاسمة وخَطِرَة، وتَمَسُّ التفكير، أوِ السلوكَ الاجتماعيَّ، أو المِزَاجَ، أو هذه الأشياء كلها مجتمعة.
والعصاب والذهان شيئان مختلفان، نوعان منفصلان من الاضطرابات:(/7)
فالاضطرابات الانفعالية التي تصيب المريض النفسيَّ (العصابي) لا يفترض فيها بالضرورة أن تحرم المريض من الاستبصار بحالته، فهو يعرف أنه "غير سعيد"، وأن "حساسيته مبالغ فيها"، وأن "مخاوفة من الناس والأشياء لا مبرر لها"... إلخ، ولكنه لا يستطيع أن يحمي نفسه من هذا.
أما المريض العقلي (الذهاني) فقضيته مختلفة، فالاضطراب يصيب حياته الانفعالية والعاطفية والعقلية، ويصل هذا الاضطراب إلى درجة كبيرة من الاختلال في بعض الحالات، مما يجعله غير مسؤول من الناحية القانونية عما يصدر منه من أفعال خطرة بالذات أو بالآخرين، إن الذهانيين بَشَر فقدوا صلتهم بالواقع، وتحولوا إلى مجانين بالمعنى القانوني، ويفترض بالطبع أن الاختلال الذي يصيب الذهاني يحرمه من الاستبصار بحالته[5].
ويعد الفصام أو الشيزوفرينيا من أهم الفئات التي تنتمي لهذا النوع من الاضطراب العقلي، ويكون الفصاميون 80 % تقريبًا من الذهان، والفصامي – كأي مضطرب ذهاني آخر - يفقد صلته المعقولة بالواقع، وكثيرًا ما يعزف عن الاتصالات الاجتماعية، ويستخدم أساليب شاذَّة في تواصله الفكري مع الآخرين، فكلماته غير مترابطة، ومبهَمَة وغامضة، ويبدو من الناحية الوجدانية وكأنه عاجز عن اختبار أي من الانفعالات الوجدانية، بسبب ما يتملكه من تَبَلُّدٍ وجداني، ومعتقداته الزائفة (هواجس) كثيرة وقوية، وتتخذ عدة صور؛ كالشك، والغَيْرَةِ، والتوَجُّس، وفي الحالات الشديدة تتملكه هواجسُ قويةٌ من العظمة أو الاضطهاد.
وفي بعض حالات الفصام تكون المعتقدات الزائفة سواء بالعظمة، أو الاضطهاد هي الغالبة، وفي هذه الحالة يسمى هذا النوع من الفصام بالبارانويا، وبالرغم من التناقض بين العظمة والاضطهاد فغالبًا ما يتلازمان لدى الفِصامِيِّينَ؛ مما يُحَيِّر الطبيب النفسي في فهم السلوك الفِصامي مثل ما تُحَيِّره غرائبُ أخرى في سلوك الفِصاميين.(/8)
وتتملك بعضَ الفِصاميين إدراكاتٌ حِسِّيَّة زائفةٌ، يطلق عليها الأطباء العقليون هلاوس ذهانية، وأكثر أنواع تلك الهلاوس شيوعًا الهلاوس السمعية، التي يصر من خلالها الشخص على أنه يسمع أصواتًا حقيقية (لا يسمعها من حوله)، قد تكون واضحة أو مبهمة، وقد تكون لأناس ميتين أو أحياء، أو مشاهير.. إلخ، وهناك الهلاوس البصرية التي تختلف عن الخداعات البصرية التي نتعرض لها، في أنها تأخذ شكل يقين لدى الشخص بأنه يرى أخيلة أمامه، يتحدث معها بصوت مسموع دون أن يراها من يحيطون به من الآخرين.
ومن أنواع السلوك المرتبطة بالذهان ما يسمى بالهوس، والشخص المهووس تجده في حالة استثارة تامة، لا يكف عن الكلام، والانتقال من موضوع إلى موضوع آخر، وهو يشابه الفصامي في أن سلوكه مضطرب، وتفكيره تسيطر عليه الهواجس، إلا أن هواجسه تتركز حول القوة والعظمة، مما تجعله يعتقد بأنه قادر على كل شيء بدءًا من الغزوات الجنسية إلى الانقلابات السياسية[6].(/9)
وقد يضفي البعض صورة وردية على المرض العقلي والجنون بأن يتصورهما مهربًا من وقائع الحياة الصارمة ومُنَغِّصاتها، ويشجع على ذلك بعض التصورات التي يَحِيكُها الخيال الشعبي عن سعادة المجانين وهنائهم؛ لكن الحقيقة أن المرض العقلي أبعدُ ما يكون عن السعادة والنعيم، لقد أتاحت لنا الخبرة أن نعرف منهمُ المئات، منهم من كان يأخذ المظهر السعيد المنشرح، يطلق النكات هنا وهناك (كما في حالات الهوس)، ومنهم من كان يجلس وحيدًا ويبدو راضيًا (كالاكتئاب)؛ ولكن ما أن يبدأ الحديث معهم حتى كان يتكشف بأن هذا الغطاء يخفي من التوتر والشقاء الكثير، يقول واحد من المشتغلين بالدراسات الاجتماعية من المهتمين بدراسة الفصام: "إن الذهان أبعد ما يمكن عن أن يكون حالة من النعيم والسعادة كما يصوره البعض؛ بل قد يكون في بعض الأحيان وسيلة وأسلوبًا من أساليب التعامل مع الحياة، وإن الذهانيين لديهم أسباب وجيهة تحملهم على الهرب من مصاحبة البشر، لكنهم يتوقون في نفس الوقت إلى ذلك أشد التوق"[7].
أما أنواع العصاب فهي تتضمن القلق، والمخاوف المرضية، والهيستريا، والاكتئاب، وهناك أيضًا الوساوس الفكرية، والأفعال القهرية (القهار)، وهي عبارة عن أفعال أو طقوس لا يملك الشخص إلا أن يفعلها، منها غسل اليد مئات المرات، وعد الأشياء التافهة؛ كمصابيح الإضاءة، والسيارات، ورغم أن بعض الوساوس في صورها الحقيقية أحداث عادية قد تكون مفيدة (كالتأكُّد مثلاً من غلق صنبور المياه)، إلا أنها في الحالات الشديدة غالبًا ما قد تشلّ المريض عن القيام بوظائفه اليوميَّة بنجاح[8].(/10)
أما القلق فيُعتبر من الأمراض العصابية الشائعة، إلا أنه يعتبر سِمَةً رئيسة في معظم الاضطرابات، نجده بين الأسوياء في مواقف الأزمات، كما نجده مصاحبًا لكل الأعراض العصابية والذهانية على السواء، ويرى كثير من المفكرين أنَّ القلق هو سمة العصر الحديث بأزماته، وطموحاته، ومنافساته الحادَّة، وقد يكون هذا صحيحًا، لكن مع هذا نجد أن الحالات الشديدة من القلق توجد في كافَّة المجتمعات، ولم يخلُ منها عصر من العصور.
والقلق هو انفعال شديد بمواقف أو أشياء، أو أشخاص لا تستدعي بالضرورة هذا الانفعال، وهو يبعث في الحالات الشديدة على التمزّق والخوف، ويحوِّل حياة صاحبه إلى حياةٍ عاجزةٍ، ويشلُّ قُدْرَته على التَّفاعُلِ الاجْتِماعي والتكيُّف البنَّاء، ويشمل الاضطرابات في حالات القَلَق – مَثَلُهُ في ذلك مَثَل أيِّ اضطراب انفعالي آخَرَ – الكائن بجوانبه الوجدانية والسلوكية، والتفكير، فضلاً عن تفاعلاته الاجتماعية، فمن حيث النواحي الشعورية (أو الوجدانيَّة) تُسيْطِرُ على الشخص في حالات القلق مشاعر بالخوف، والاكتئاب، والشعور بالعجز عن اتخاذ قرارات حاسمة، أو سرعة اتخاذ قرارات لا تنفذ.
والشخص في حالات القلق غالبًا ما تظهر اضطراباته الفكرية في شكل تبنّي اتّجاهاتٍ وأفكار لا منطقيَّة، وقد تبيَّن أنَّ القلقِينَ والعصابيين غالبًا ما يتبنَّون أفْكارًا مطلقة، متطرّفة، وغير واقعيَّة، ويميلون إلى نقد الذات الشديد، ويَضَعُونَ متطلَّباتٍ صارمةً على ما يجب أن يفعلوه وما لا يفعلوه، أمَّا الجانب السلوكي من القلق فيتعلَّق بالتورّط والانغماس في سلوك ظاهر من الخوف والتوتّر عند اختبار موضوعات القلق، ففي الحالات الشديدة من القلق يبدأ الشخص في معاناة تغيّرات فسيولوجية؛ كسرعة دقات القلب، والتشنّج، وتقلّصات البطن، والإسهال، والدَّوار، والعرق البادر.. إلخ.(/11)
ولأسباب عمليَّة يعتبر هذا الجانب من أكثر جوانب القلق أهمية؛ لأن جزءًا من العلاج النفسي السلوكي الحديث يركز على التعديل من هذا الجانب السلوكي الظاهر، وينجح في تعديله، ويؤدي هذا التعديل في هذا الجانب إلى تعديلٍ في الجانِبَيْنِ الآخَرَيْنِ منَ القلق، وهما جانبا الشعور والتفكير. وطرق التفاعل الاجتماعي للشخص في حالة القلق تتأثَّر أيضًا، فيميل إلى التناقض، والحمق، والتطرف في علاقاته بالآخرين، والمثال الآتي يُوَضّح صورة الاضطراب التي تتملك الشخص في الحالات الشديدة من القلق.
"أقبلت زوجة محامٍ ناجح في السادسة والعشرين من العمر إلى عيادة نفسية في حالة من الفزع والإنهاك، كانت تعاني من الصداع المستمر، والإنهاك والتوتر، ومن نوبات تقلصات في البطن والإسهال، تعرَّضت لنوبات من التشنّج يصيبها فيها الدوار والعَرَق البارد، وقلبها يأخذ في الدق العنيف، والألم يَسْتَبِدُّ بِرأْسِها (اضطراب في الشعور)، وقد انتابَتْهَا إحدى هذه النوبات في منتصف الليل عندما كان زوجها في خارج المدينة (موقف خارجي لا يستثير بالضرورة الفزع)، واستيقظت وهي تبكي وترتعد بعنف (اضطراب في السلوك الظاهر)، وتذكَّرتْ أنَّها فكَّرت (جانب فكري لا منطقي)، هأنذا مريضة وحيدة بينما زوجي بعيد عني، ولا أحد يعلم من أنا، وكانت تُردّد وهي تسرد أعراضها أن سلوكها أحمق، وتقول إنني أثير ضجة لا مبرّر لها؛ ولكن الأمر خارج عن إرادتي[9] (جانب اجتماعي)". (التعليقات بين الأقواس من وضعنا).(/12)
وقريبٌ من حالات القلق ما يُسمى بالمخاوف المَرَضِيَّة (فُوبْيَا)، والحقيقة أن كثيرًا من الأطباء النفسيين يعتبرون الخواف المَرَضِيَّ جزءًا من القلق، ولو أن الخوف في حالة الخواف ينشأ مرتبطًا ببعض الموضوعات، أو الأشخاص، أو المواقف المحددة والانفعال الشديد، والفزع والارتياع الذي يتملك الطفل أو البالغ في حالات المخاوف المَرَضِيَّة، يُشبِه القلق وكل الاضطرابات العصابية من حيث إن الخوف الشديد ليس له ما يبرره، وأن الشخص يعرف ذلك، ولكنه يَعْجِز عن التحكُّم في مخاوفه، أو ضبط انفعالاته بصورة بنَّاءةٍ، بما ينتهي به أيضًا إلى العجز عن ممارسة حياته العملية والاجتماعية.
والخوف المرضي يُمكنُ أن ينشأ كاستجابة لطائفة واسعة من الموضوعات التي لا تكون مفزعة في ذاتها في العادة، وقد تكون هذه الموضوعاتُ حيواناتٍ، أو أماكنَ، أو أشخاصًا أو مواقفَ اجتماعيةً، وتُعتبر القطط، والكلاب، والأماكن المرتفعة، والمغلقة، والظلام، والدم، والموت، ومواجهة الناس أو الحديث أمامَهم، والرفض والنقد، والجنس الآخَر، والوَحْدَة، والجنس.. إلخ ضمن الأشياء التي كثيرًا ما تكون موضوعات للمخاوف المَرَضِيَّة.(/13)
أما الاكتئاب فهو مَرَضٌ عصابي آخَرُ نُصادِفُه كثيرًا هذه الأيَّام، وما من شخص منا إلا وانتابتْهُ لحظاتٌ مِنْ عُمُرِه – إِثْرَ أزْمة خارجيَّة، أو فِقْدان قريب أو صديق - شَعَرَ فيها بالحُزْنِ والضَّياع، مثل هذا الشعور نجده يُسَيْطِر على البعض بصورة أَقْوَى وأطولَ مِمَّا هو معتاد، لهذا نسمي مثل هؤُلاء مصابين بالاكتئاب، ويكون الاكتئاب مصحوبًا في كثير من الأحيان بالقلق واليأس، والأرق، ومشاعر الذنب المبالغ فيها، وفِقدان الشهية، والبكاء المتكرر، وانعدام الثقة بالنفس، والتأْنِيب المستمرّ لِلذَّات، وعند نشأة الاكتئاب (وهو عادة ما ينشَأُ في سنّ متأخّرة) نجد أنَّ نشاط الشخص يَضْعُفُ ويبلد، وعلاقاته الاجتماعية تتقلَّص، ويتقوقَعُ الشخص على ذاته في خيبة أمل، وعجز، ويتجنب المكتئبون التعبير عن العدوان والكراهية، إمَّا بسبب شُعورهم الشديد بالذنب في التعامل مع الناس، أو لخشيتهم من أن ذلك قد يؤدّي إلى رفضهم من قِبَل الآخرين، فهم أيضًا يخافون من الرفض الاجتماعي، ويهلعون منه هلعًا شديدًا، ويتصيَّدون رِضاء الناس، وينتهون بالرغم من هذا، أو بسبب هذا إلى إدانة الآخرين، وإدانة أنفسهم؛ لأنهم يُدينون الآخَرين، وهكذا.
وتسيطر على المكتئبين أفكار بأن حياتهم عديمة الجدوى، وليس نادرًا أن تنتهي حياتهم في الحالات الشديدة بالانتحار، ذلك التصرف اليائس الذي يبدو في نظر المكتئب وكأنه البديل الوحيد لأحزانه وتعاسته.
ولعلكم تلاحظون أن الاكتئاب - كالقلق - يُمَثِّل استجابةً انفعاليةً مبالغًا فيها؛ لكنه بعكس القلق الذي يتَّجِهُ إلى الأمام، ويتعلَّق بِمخاوفِ وأخطارِ المستقبلِ، نجد أن المكتئب يتجه إلى الماضي وأحزان ما فات، لكنهما عادة ما يكونان متلازِمَيْنِ.(/14)
وبعض أشكال الاكتئاب - بسبب ما فيها مِن عُزلة وحزن، وعدم فاعلية وقلق أيضًا - تؤدي إلى تخريب وظائف الشخصية الأخرى كالتفكير، وعندئذ قد يتحوَّل الاكتئاب العصابي إلى ذهاني، وهذه هي الحالات التي تنتهي بسيطرة الهواجس، تلك الأفكار الثابتة التي تسيطر على بعض المكتَئِبين، مُبَيِّنَةً لهم بأنهم عديمو النفع والجدوى، وفي هذه الحالات الشديدة من الاكتئاب يقيم الشخص اعتِقادَه بِأنَّ الحياةَ عديمةُ الجدوى بالرغم من كل الحجج التي يحاول الآخرون بها إقناعَهُ بأنَّ ما يفكّر فيه غير صحيح.
والقَلَقُ الوُجوديُّ شكلٌ آخَرُ من الاضطرابات الانفعالية التي دخلت مسرح علم النفس حديثًا، وهو مثل الاكتئاب من حيث إنَّ الشخص تَتَمَلَّكُهُ مشاعِرُ بأن الحياةَ عَبَثٌ ولا قيمة لها، ويَفقد إحساسه بقِيمَةِ كُلِّ ما يفعله، وهو أيضًا - كغيره من أنواع العصاب الأخرى - له اضطراباته الوجدانية، والفكرية، والسلوكية؛ فمن الناحية الوجدانية يكون الشعور الغالب هو الإحساسَ بالمللَ والفراغ، ومشاعرَ بالاكتئاب المتقطع، ومن الناحية الفكرية تسيطر على الشخص أفكارٌ بأنَّ الحياة لا معنى ولا ضرورة لها، أما من الناحية السلوكية فإن الشخص يصبح غير مكترث للقيام بأي نشاط، أو أن يمضي في حياته، ولكن أهم من هذا هو التبريرات الفلسفيَّة التي يَحيكها الشخص بمهارة، مبرِّرًا بها إحساسه ومشاعره، وتقاعُسَه عن أداء نشاطاته المعتادة.(/15)
والقلق الوجودي كالاكتئاب من حيث إن كِلَيْهِما يحكمهما الإغراق في الحزن ومشاعر الاغتراب، واللا جدوى؛ لكن ما يغلب في حالات القلق الوجودي هو اللا اكتراث، وغياب المشاعر القويَّة، وفِقدان الإحساس بوجود أيِّ معنى للحياة، أمَّا ما يغلب على المكتَئِب العاديِّ فهو الحزن والانقباض، وهما شعوران على أية حال، وكما في القلق العصابي والاكتئاب، فإن القلق الوجوديَّ دائمًا ما يكون مصحوبًا بأعراض الاكتئاب، ومن المحتمل أن تكون الاختلافات بينهما أقل من التشابه.
ويسمى القلق الوجوديُّ كذلك؛ لأن إبرازه تم بفضل كتابات الأدباء والفلاسفة الوجوديين من أمثال" ألبرت كامو"، و"جان بول سارتر"، و"أرثر ميلر"... إلخ، ولعل القارئ الذي يودُّ أن يتأمَّل في حالاتٍ نموذجيَّة من القَلَقِ الوجوديِّ، أن يقرأ رِوايَتَيِ "الغريب" لألبير كامي، ومسرحية " بعد السقوط" لأرثر ميلر؛ فكلا البطلينِ: "ميرسول" في رواية الغريب، "وكوينتين" في مسرحية بعد السقوط، يعتبران تجسيدًا طَيِّبًا لهذا العرض.
وفي الأدب العربي ولجت حالات القلق الوجوديِّ في روايات مثل : "اللص والكلاب" لنجيب محفوظ، "موسم الهجرة للشمال" للطيب صالح، ويبدو أن من العسير علينا أن نقدم للقارئ حالةً من القلق الوجوديّ؛ لأن العيادات النفسية لا تشاهد كثيرًا من هؤلاء الأشخاص، ربما بسبب مشاعر اللا اكتراث الحادة التي تجعل من هؤلاء الأشخاص ينظرون شذرًا لأي خدمة مهنية.
وإذا كانت الأنماط السابقة من العصاب، يسيطر فيها القلق والخوف والاكتئاب، فإن هناك نوعًا آخر من العصابيين يظهر وكأنه قد خلا من كل هذه الهموم، ولو أن مشاكلهم النفسية تبدو لهم ولغيرهم حقيقية وواضحة ولا تقبل الجدل، وفي هذه الطائفة يوجد الهستيريون:(/16)
والهستيريا شكلٌ آخَرُ من العصاب تتبلْوَرُ أعراضُها في شكايات جسمية ليس لها أساس فعلي يمكن للطبيب علاجُه، ولا شكَّ أن الهروب من الأشياء بالتظاهر بالمرض من أحد الأعراض الشائعة لدى الأطفال، لِهذا تُوجد الأعراض الهستيرية بين الأشخاص غير الناضجين والمنخفضين في الذكاء، ومع ذلك فإنَّ الهستيريا تختلف عن التظاهر بالمرض؛ لأن الاستجابة الهستيرية تحدث دون تحكُّم المريض، وبرغم إرادته؛ فالفرد المصاب بالعمى الهستيريِّ مثلاً يكون بالفعل عاجِزًا عن الرؤية، ولو أنَّ السبب يضرب بجذوره في أسباب نفسيَّة، دون أن يكون هناك اختلال عضوي في مراكز الإبصار، والفتيات أكثر استهدافًا للإصابة بالهستيريا من الذكور، خاصَّة عندما تكون الأم من النوع المسيطر، المسرف في الرعاية، ومن ثَمَّ تهتمّ اهتمامًا بالغًا بالشكاوى الجسمية والأمراض، ومن أشكال الهستيريا العمى الهستيري، والصَّمم الهستيري، والتشنّج، وفقدان الذاكرة، ولعل هذه الأنواع وغيرها قليل من كثير من الأعراض التي تتألَّفُ مِنها الهستيريا. والهستيريا غالبًا ما تخدم هدفًا ثانويًّا، فهي تُساعِدُ الشخص على تجنّب المشكلات، وتجعله مركزًا للاهتمام والرعاية، ويؤدي التَّركيز على الشكاوى الجسمية في نفس الوقت إلى إبعاد الشخص عن التفكير في المصادر الحقيقيَّة للقلق والإحباط في العالم الخارجي؛ لذلك تؤدي إزالة الأعراض الهستيرية إلى ظهور القلق في بعض الحالات.(/17)
وهناك أيضًا السيكوباثيون أو من يسمَّون أحيانًا بالجانحين، وهؤلاء لا تبدو عليهم أعراض نفسية أو جسمية بالمعنى السابق؛ لكن سلوكهم لا يمكن أن يكون من وجهة نظر المجتمع سلوكًا متزنًا أو عاقلاً على الإطلاق، وهم أناس مندفعون، ضعاف في إحساسهم بآلام البشر، وعدوانيون، وضعاف الضمير، ويعجزون عن حساب نتائج أفعالهم، وقد أمكن باستقصاء عدد كبير من البحوث التي قارنت بين شخصيات الجانحين وغير الجانحين، التوصل إلى أربعة فروق رئيسة، هي أنَّ الجانحين يختلفون عن العاديين في:
1 – ضعف الضمير، واختفاء مشاعر الذنب، والفشل في اكتساب الضوابط الداخلية.
2 – البطء في بعض أنواع التعلّم، خاصَّة التعلّم الذي يحتاج للوعي بمعايير وقيم المجتمع.
3 – مواجهة الإحباط بالاندفاع والعدوان دون حساب للنتائج.
4 – ضعف المشاركة الوجدانية، والعَجْز عن تقدير مشاعر الآخرين.
ولأن السلوك الجانح دائمًا يظهر في شكل معادٍ للمجتمع، فإنهم يُدْعَوْنَ أحيانًا بالمَرْضَى الاجتماعيينَ (سوسيوباثيين)، وبالرغم من أن الجريمة هي السلوك الذي تلجأ إليه هذه الفئة لحل صراعاتها عادة، فإن هناك أنواعًا أخرى من الانحرافات التي تشيع في هذه الفئة كالسرقة والكذب، ويظن خطأ بأن المدمنين على الخمور والعقاقير من هذه الفئة؛ غير أن للمدمنين مشكلاتٍ خاصةً، وبواعثَ مختلفةً، ولو أن الجانحين والسيكوباثيين غالبًا ما يتشيعون لهذه الاضطرابات، ونسبة الجناح بين الذكور ترتفع عن نسبة الإناث الجانحات ثمانِيَ مرَّات على الأقلّ، وتثبت البحوث على عصابات الجناح التي تضمّ الذكور والإناث، أنَّ الذّكور يتَّجِهون إلى الخشونة والاقتحام، واختراق القانون، بينما يقوم الإناث بعملية التشجيع.(/18)
وسلوك الجانحين متنوّع من حيث الاضطراب النفسي، ففيهم من العصاب: القلق، والتوتر، والصراعات الداخلية، وفيهم من الذهان: العدوانية، وعدم الاستبصار بنتائج السلوك، ولكن هناك ما يسمَّى بِالجناح الاجتماعي الكاذب، ويسمَّى هكذا لأن الشخص يسلك نحو أعضاء الجماعة الَّتي ينتمي إليها سلوكًا لائقًا؛ لكنَّه لا يسلك نفس السلوك نحو من هم خارجها، وقد تبين في دراسة لـ 500 طفل جانح، أن بينهم مَن هم أسوياء من الناحية النفسية؛ لكنهم يحملون قدرًا مرتفعًا من الكراهية نحو السلطة، ويرفضون قِيَمَ المجتمع الخارجيّ التي لا تنتمي له جماعة الجانح، ولا شكَّ أنّ من قرأ رواية "الجريمة والعقاب" لديستوفسكي فسيشده التشابه لبطل الرواية بهذا النوع من الجناح الكاذب[10].
نحن نكتفي إلى هنا بأهم الشكاوى والأعراض البارزة في ميدان الاضطرابات النفسية والعقلية؛ ولكننا نبادر فنقول: إن ما عرضناه لا يشمل في الحقيقة كل الاضطرابات والشكاوى التي نقرأ عنها أو نسمع بها من الآخرين، فهناك أيضًا الشكاوى التي بدأت تغزو ميدان علم النفس حديثًا، وتلك التي تتحول فيها صراعات الحياة والقلق إلى إصابة وظائف الجسم بالخلل؛ كارتفاع ضغط الدم، والربو، والقرحة، وغيرها من طائفة الاضطرابات التي تسمى بالأمراض السيكوسوماتية.
ولعل القارئ يغفر لنا قصور هذا العَرْضِ، ولعله أيضًا يُقَدِّرُ بأننا لم نقصد من هذا العَرْض البسيط كتابةَ مؤلف عن الطب العقلي والسلوك الشاذّ، بقَدْرِ ما نَهْدُف إلى الاستبصار ببعض المفاهيم الرئيسة الممهِّدة للفصول الرئيسة من كتاب عن تعديل السلوك البشري، ولعل القارئ الذي يود مزيدًا من الاستبصار عن هذه الموضوعات أن يرجع إلى المراجع رقم 5.1 (ب) المسجلة في قائمة المراجع العربية.(/19)
ويبقى الآن سؤال نشعر بأن إثارته تخدم أيضًا مبرراتنا في تخصيص كتاب من هذا النوع للمكتبة العربية، ويتعلق بمدى انتشار هذه الاضطرابات، فإلى أي مدى تنتشر الاضطرابات النفسية والعقلية؟
يعتقد كثير من الأطباء النفسيين أن عدد العصابيين يتراوح ما بين 30 : 35 % من عدد سكان أي دولة، والحقيقة أن نسبة التعساء بسبب الاضطرابات النفسية والعقلية أو الاجتماعية قد تكون أكبر من هذا إذا ما لاحظنا بأن في حياة كل شخص تقريبًا لحظات محددة - طويلة أو قصيرة - يشعر فيها بالاضطراب، وأن الأمور أفلتت من يده، أو يعاني من حالات يوشك فيها على الانهيار العصبي، وأن أسلوبه في الحياة لم يعد يجدي معه.
ويقرر مركز الخدمات الصحية في إحدى الجامعات الإنجليزية أن 4 % من الرجال و5 % من النساء يعانون من أعراض نفسية (أو ذهانية لفترة قصيرة) أثناء حياتهم الدراسية، وإذا اتخذنا من هذه النسبة محكًّا، فإن نسبة العصاب ستزيد عن هذا دون شك، وفي دراسة مَسْحِيَّة على خمسة آلاف أمريكي وُجِدَ أن 4 % منهم كانوا يعانون من الاضطراب المزمن، و11 % يشعرون بالاكتئاب النفسي والتعاسة، و19 % تتملكهم مخاوف من الانهيار العصبي بين لحظة وأخرى، 23 % صادفتهم مشكلات احتاجت لتدخل مختصين نفسيين أو اجتماعيين، أما نسبة الذهان: فهي تصل إلى أكثر من 1 % في المجتمع، والنساء أكثر عُرضة للإصابة بالأمراض النفسية من الرجال، وكبار السن يرتفعون أيضًا بمقارنتهم بالصغار في جوانب معينة من الاضطرابات النفسية؛ كالاكتئاب[11].(/20)
وقد يتبادر لذِهْن القارئ أن هذه النِّسَبَ تنطبق على المجتمعات الغربية، وهي ليست مقياسًا لمجتمعاتنا العربية، وقد نتوهم بأن المجتمعات النامية، التي تقل فيها ضغوط الحياة تخلو من الاضطرابات النفسية؛ لكن هذا غير صحيح، فعلماء النفس الأنثروبولوجي[12] يُؤكدون أن الأمراض النفسية توجد في كل المجتمعات التي درست، بالرغم من أن هناك بعض الاضطرابات التي قد يقل ظهورها في المجتمعات البدائية؛ كالأمراض السيكوسوماتية، (ارتفاع الضغط، والقرحة.. إلخ)، التي ترجع إلى اضطرابات العمل وضغوطه، إلا أن هناك اضطرابات أخرى تَسُود في المجتمعات الإفريقية، ولا تسود في المجتمعات الغربية؛ كجنون السعار في بعض المجتمعات الإفريقية؛ لكن الذي لا شك فيه أن الاضطرابات النفسية والعقلية ليست حكرًا على المجتمعات الغربية، وأنها تشكل في الحقيقة مُشكلة لكل المجتمعات الإنسانية؛ ففي مَسْحٍ اجتماعيٍّ لحالات الفِصام المُزْمِنِ في مناطق "غانا" الإفريقية، وُجِد أن نسبة الفِصاميين (والفِصام يشكل 80 % من حالات الذهان) تصل إلى 9 % من عدد السكان، في مقابل 8 % من عدد السكان في أوربا وأمريكا، وفي دراسة حديثة أُجْرِيت في ثلاث قُرَى هندية تتكون من تسعة آلاف نَسَمَة تبين أن 37 % من السكان صرحوا بأنهم يعانون من أحد الاضطرابات النفسية بشكل أو بآخر، وزادت هذه الأعراض بين النساء أكثر من الرجال، وبين الفقراء أكثر من الأغنياء، صحيح أن نسبة من هذه الاضطرابات لم تكن خطيرة، ولم تستدع الإيداع في المصحات العقلية إلا أن من الشيّق أن نلاحظ مع هذا أن نسبة الـ 37 % تقترب من الإحصاءات الواردة من الغرب.(/21)
أما في العالم العربي: فإننا نعتقد بأن الأمر لا يختلف كثيرًا، صحيح أنه لا تُوجَد مثل هذه الدراسات المسحية الشاملة؛ ولكن بعض الدراسات المحدودة قد تَفِي بالغَرَض، ففي دراسة مُقارِنَة أجراها الكاتب على ثلاث مجموعات من الطلاب في أمريكا، وبريطانيا، ومصر[13]، تبين أن نسبة العصابية، والقلق، تزداد بين الطلاب المصريين، يتلوهم الأمريكيون، ثم الإنجليز، كذلك أجري غالي دراسة على 1883 فردًا من المقيمين في الكويت، من بينهم 450 من الكويتيين الذكور، 557 من الكويتيات، و575 من غير الكويتيين الذكور، و296 من غير الكويتيات، أمكن سؤالهم جميعًا أسئلة أو استفتاءات مماثلة تمامًا لاستفتاءات استخدمت في إنجلترا، وكان هدفها أن تبين مدى شيوع القلق، وعدم الاستقرار الانفعالي في داخل المجتمع الكويتي[14].
وقد سمحت لنفسي أن أقارن النتائج المستخلصة من هذا البحث بنتائج بحوث مماثلة في المجتمعات الغربية (الإنجليزية – والأمريكية)؛ لكي تتضح لنا بعض الفروق، وكما في بحثنا السابق تبين هنا أيضًا أن حظَّ الكُوَيْتِيِّينَ لا يقل عن حظِّ المصريين من حيث ارتفاع مستويات القلق والاضطرابات العصابية، فلقد ازداد شيوع العصاب بينهم أكثر من المجتمع الإنجليزي، وفي داخل المجتمع الكُوَيْتِيّ ترتفع (ولأسباب غير معلومة) الميولُ العصابية بين المواطنين الكويتيين عن الوافدين من الدول العربية الأخرى.
كما أن الإناث عامَّةً، سواءٌ كُنَّ كُوَيْتِيَّاتٍ أو وافِداتٍ، كُنَّ أكثرَ عصابية، وقد أبرزتِ الدِّراسة أنَّ أكثر المجموعات عصابية هي فئات تلاميذ المرحلة الثانوية، وأصحاب المهن، أمَّا المشتغلون بالتدريس فهم أَمْيَلُ لعدم الاستقرار والعصابية من غيرهم من أفراد المِهَنِ الأُخْرى، وتنبع أهَمّيَّة هذه النتائج في أنها تساعد على تخطيط أي برامج وقائية لمواجهة الاضطرابات النفسية قبل استفحالها.(/22)
والآن هل تتجه الاضطرابات العقليَّة والنفسيَّة إلى الزيادة بسبب تزايد ضغوط الحياة الحديثة؟:
أجل، فتزايد المعرفة بالموضوع والتيسيرات التي تقدمها الدول للبحث العلمي والعلاج، تؤدي إلى زيادة في اكتشاف الاضطرابات والتوصية بها للعلاج، لكن الزيادة بالطبع تلمس بعض جوانب الاضطرابات النفسي أكثر من الجوانب الأخرى.
ففي حالة الذهان لا تحدث الزيادة بشكل مطَّرد؛ بل إنَّ هناك هبوطًا في معدَّلات الالْتِحاق بِالمُستشْفَيات العقليَّة الأمريكيَّة بعد سنة 1955، وقد جاء هذا مواكبًا للنجاح في اكتشاف بعض العقاقير والمهدئات؛ لكن بَيْنَمَا نقص عدد النزلاء الذهانيين في المستشفيات زاد عدد زياراتهم للعيادات الخارجية، ويدلُّ هذا على أن العقاقير تُهَدِّئُ من شدَّة الأعراض؛ ولكن آثارها غير حاسمة، ومن ناحية أخرى فهناك زيادة في عدد الذهانيين بعد سن الخامسة والخمسين في الدول الغربية؛ غير أن هذه الزيادة ترتبط فيما يبدو بظروف الرعاية التي بدأت تقدم بكرم نحو المسنين.
أما بالنسبة للأمراض النفسية: القلق والاكتئاب، فيبدو فعلاً أنها في تزايد مستمر بالرغم من ازدياد تعاطي العقاقير المهدئة، وهناك دلائلُ واقعيةٌ على أن القلق أوِ النَّزَعات العصابية تتزايد في دول العالم النامي، ويبدو أن ضغوط الحياة ومَيْل المواطنين في هذه الدول لتبني قِيَمَ المجتمعات الغربية المادية، يخلق ضغوطًا على الأفراد مما يَسِمُ حياتهم بالصراع والقلق، ويؤكد هذه النظرية أن هناك أيضًا زيادة في الجريمة والجناح، بصفتهما نتيجة للفرص غير المتكافئة من النجاح في مجتمع رأسمالي.(/23)
ويُقَرِّرُ عزت حجازي[15] أن الاتجاه نحو الإدمان وشُرب الخمور، وتعاطي العقاقير أصبح الآن مشكلةً تُوَاجِهُ بعض القِطاعات في المجتمعات العربية، صحيح فيما يلاحظ حجازي أن التعاطيَ والإدمانَ ما زال محدودًا، إلا أنه بدأ ينتشر، وفي الازدياد منذ أوائل السبعينيات، شاملاً الذكور، وبعض فئات من الإناث، وطلبة الجامعة، وأبناء الطبقات الدنيا والوسطى والعليا على السواء.
وبالرغم من أن حجازي يريد أن يُوحِيَ بأن تلك الاضطراباتِ وغيرها من مشكلات اجتماعية ترتبط بالاغتراب، والتغير الاجتماعي، وغيرها من العوامل الاجتماعية، فإن الملاحظة تشير إلى أن الجُنوح والإدمان يظهر عند البعض، ولا يظهر عند البعض الآخر، فتحتْ نفس الظروف الاجتماعية السيِّئَة قد يتحول البعض إلى جانح، وبعضهم قد يختار القلق، ويبقى لبعضهم الثالث الاتجاه إلى بعض السُّبل البناءة.
مما يدل على أن هناك عوامل أخرى نفسية، تحكم حتى الاضطرابات في السلوك الاجتماعي؛ كالجناح، والجريمة، والإدمان، ويشير هذا إلى ضرورة أن تساير الخططَ الاجتماعية في الوقاية والعلاج، خِطَطٌ نفسيَّة تُولِي اهتمامها للفرد واضطراباته، ويقودنا هذا إلى الحديث عن مصادر الاضطرابات النفسيَّة، والسلوك الشاذ.
آنَ الآنَ أوانُ الحديث عن مصادر الاضطرابات النفسية، وسنعرض لثلاثة مصادر هي: الوراثة، والتعلم الاجتماعي، والضغوط أو الأزمات البيئية.
وبالرغم من أن كل مصدر من هذه المصادر كفيل وحده بإحداث الاضطرابات النفسية، إلا أن الاضطراب النفسيَّ يَحدُث عادة بسبب التقاء هذه العناصر الثلاثة مجتمعة، أو اثنين منها على الأقل؛ لهذا فالحديث عن أنَّ الوراثة هي السبب، أو أنَّ التعلُّم من البيئة هو السَّبب، أشْبَه بالحديث عن أيِّهما يُؤدِّي إلى زيادة نِسبة حوادث السيارات بالكويت: ضعف التدريب على القيادة، أم تزاحُم السيارات في الطرق والميادين؟!(/24)
أ – والحقيقة أن الشخص يولد ولَدَيْهِ استعدادٌ وِراثيٌّ ضعيف لتحمُّل الضغوط، والتداعي أمام الكوارث، وتساعد البيئة - خاصة خبرات الطفولة السيئة - على تعميق هذا الاستعداد، فيحدث الانهيار بسبب صعوبات الحياة الحديثة.
ومن المعروف أنَّ بعض الأُسَر يَشيع فيها نَمَط مُعَيَّن من الاضطراب: الفِصام، أو القلق، أو الميل للجُنوح؛ لكن هذا لا يعني أن تلك الاضطراباتِ مَوْرُوثَة، فقد تكون بسبب أنَّ الأبوين يخلُقان مُناخًا مضطربًا، مُؤَثِّرينِ بذلك تأثيرًا مباشرًا على الطفل في اختيار هذا الأسلوب المضطرب من الحياة.
ومن أفضل الطرق للحَسْم في تأثير الوِراثة دراسة التوائم الأخوية (غير المتطابقة) والتوائِم المُتطابقة، والتَّوائم المتطابقة هي التي تحدث بسبب انقسام بويضة واحدة؛ لهذا فالخصائص الوِراثية تتساوَى، بحيْثُ إنَّ الاختلاف الذي يحدث في سلوك توأمَينِ يمكن أن يكون راجعًا لعوامل التعلُّم الاجتماعي، أمَّا التوائم الأخوية فهي تنشأ نتيجة لتخصيب مُستقل لبويضَتَينِ، لهذا فالمتشابه بينَهُما لا يزيد عن التشابه بين الإخوة في الرضاعة.
وعلى هذا فإذا قارنَّا سلوك التَّوائم المتطابقة بسلوك التوائم الأخوية في ظروف اجتماعية مختلفة، فوجدنا أنَّ التَّوائم المتطابقة أكثر تماثُلاً من التوائم الأخوية في جانب معين، فإن هذا يعني أن هذا الجانب موروث إلى حد ما، ويبين الجدول الآتي النسبة المئوية لانتشار الاضطرابات النفسيَّة بين التوائم، وهي مُثيرة للتأمُّل بحق:
جدول يبين نسبة الاضطرابات العقلية بين التوائم:
---
نوع الاضطراب نسبة التشابه بين التوائم المتطابقة % بين التوائم غير المتطابقة %
---
الفصام 67 : 86 10 : 15
الهوس والاكتئاب 70: 100 29 : 15
الانحرافات السيكوباثية 25 14
العصاب (القلق والهستريا) 53 25
---(/25)
هذا الجدول مأخوذ عن أرجايل: "علم النفس ومشكلات الحياة الاجتماعية"، مرجع رقم 5 (ب)، والجدول يعبر عن متوسط النتائج في عديد من الدراسات.
والذي نَستنتجه بوضوح من الجدول أنَّ كلَّ الاضطرابات النفسية تَخضع للوراثة جزئيًّا، دون أن يلغي هذا دور العَوامِل البيئية، وإلا بلغت نِسبة التشابُه بين التوائم المتطابقة مائة في المائة، غير أن هناك بعض الاضطرابات تمنح الوراثة فيها استعدادًا قويًّا للاضطراب، ويزداد تدخُّل الوراثة في الأمراض العقلية (الفِصام والهوس والاكتئاب) يَتْلُوها العصاب، ثم الانحرافات السيكوباثية والجنوح.
ب – يُقَرِّر الجدول على أيَّة حال، أن الوِراثة وَحْدَهَا لا تُحدِث الاضطراب السُّلُوكِيَّ، وأن الخبرات البيئية التالية يجب حسابها بقوة، ويزداد تأثير الخبرات البيئية في مراحل الطفولة، هناك ما يُؤكد عن يقين بأن ظهور الاضطراب النفسي – السلوكي، يرتبط بأساليب محددة من تنشئة الأطفال، وأنَّ كل اضطراب يرتبط بخاصية مستقلة من خصائص التنشئة لا تظهر في الاضطرابات الأخرى[16].
فدِراسة الأشخاص المُصابين بالقلق بينت أنهم وُلِدُوا لآباء يتميزون بالضبط الشديد، وأن علاقتهم بأبنائهم تميزت بالتوتر والتخويف في المواقف الاجتماعية، وتنتهي هذه الخبرات بالشخص فيما بعد إلى سهولة تعلمه واكتسابه للمخاوف المرضية، تلك المخاوف التي تعتبر السمة الأساسية لكل جوانب القلق، والعصاب.
أما حالات الجناح: فترتبط بالرفض، والعقاب البدني، مما يدل على أنه ينشأ من نوعية مختلفة من التنشِئة.
وقد أشرنا إلى أن طفولة الهستيريين ذات طبيعة مختلفة, فوالدة الهستيري (أو الهستيرية) تكون من النوع الذي يسرف في الرعاية، والسيطرة، وتولي اهتمامها للشكاوى الجسمية، والأمراض البدنية، ويؤدي هذا إلى اللجوء إلى الحيل، والأمراض الجسمية؛ في مواجهة الإحباطات والصراعات، وهذا هو جوهر ما نسميه بالهستيريا.(/26)
والفِصام يظهر غالبًا لدى الأشخاص الذين يتعرَّضون في طفولتهم للكَفِّ، والعُزلة عن الأطفال الآخرين، ولم يتمكن العلماء حتى الآن من اكتشاف ما إِذَا كانت هذه العُزلة ترجع إلى فَشَلَ الشخص في اكتساب، وتعلم المهارات الاجتماعية، التي تساعد الشخص على التكيُّف الفعَّال، أم تعكس سمات مَوْروثة من الشخصية، وهناك دراسات شَيِّقَة تبين أن الفِصاميين يأتون من أمَّهات كثيرات الغضب؛ ولكنهن مُسْرِفات في الرعاية في نفس الوقت، كما توضح هذه الدِّراسات أن تَخَلُّف الفِصاميّ في فَهْم العلاقات الاجتماعية وعجزه عن التواصل بالناس، إنما يتسبب عن اضطراب التواصل بينه وبين الأبوين في الفترات المُبكّرة؛ أي: أنَّ الفِصاميَّ لم يجد نماذج من الاتصال الاجتماعي الجيد في داخل الأسرة يمكن أن يُحاكِيَها في تفاعُله مع المواقف الاجتماعية المختلفة، وهناك نظرية تثبت أن الاتصال بين الأم والفِصامي يأخذ ما يسمى بشكل الرسائل المزدوجة[17]، فالأم تتصرف بطريقة معينة؛ ولكنها تتوقع استجابة مختلفة، بحيث إن الطفل يتلقى رسائل (أو منبهات) بأنه يجب أن يسلك على نحو معين؛ ولكنها رسائل تتضمن في الوقت عينه بعض المعلومات التي تتناقض مع ذلك تناقُضًا ملحوظًا؛ لذلك يصبح الطفل كالضحية المحكوم عليها بالفشل، مهما كان قرارُها أوِ اختيارها، ولعلَّ نظرية الرسائل المُزدوجة وما تسببه من حيرة نلاحظه في الحادثة الآتية، التي حدثت على مشهد من الكاتب نفسه في أحد مستشفيات الطب العقلي بالولايات المتحدة:(/27)
مريض فِصامي في السابعةَ عَشْرَةَ من عمره كان في أسبوعه الخامس في المستشفى عندما حدث ذلك، فبعد أن أجمعت مُلاحظاتنا الاجتماعية والنفسية أنه قد بدأ يتحسن ويسلك سلوكًا اجتماعيًّا إيجابيًّا جاءت أمه في نهاية الأسبوع لزيارته، فلما رآها وذهب لتحيتها صاحت: "ألا تخجل من نفسك بعد هذه الفترة ألاَّ تسرع بتقبيلي"، ولَمّا قام بذلك احمر وجه الأم وأبعدت جسمها عنه بحذر، احمَرَّ وجه الشابِّ، وبدت عليه علامات الحرج والعجز عن التصرُّفِ، وقد لاحَظْنا بعد ذهاب الأُمّ أنَّه انتكس واتَّجه من جديد للإغراق في ذاته، والبعد عمن حوله.
ها هنا مثال واضح للغموض في الاتصال المحير، فالرسائل التي ترسلها الأم متناقضة فهي في الظاهر تعني المحبَّة والمودَّة، ولكنها في مضمونها تحمل معنى مضادًّا[18]، فتكون استجاباتُ الشخص فاشلة إذا لم يظهر المودَّة، وفاشلة إذا أظهرها، ومثل هذه الأنماط من السلوك الاجتماعي تعد الطفل؛ لكي يسلك على نحو فِصامي في مرحلة الرُّشْد، وتحدث الانهيارات الفصامية غالبًا في المراهقة المتأخِّرة، بعد استعداد للفشل (من مصدر وِراثي واجتماعيٍّ) في علاج المشكلات المتعلقة بالمدرسة أوِ العمل، وبهذا البناء الضعيف الهَشِّ يتكون الأسلوب الفِصامي لمواجهة إحباطات الحياة في شكل الانسحاب، من مصادر القلق إلى عالم ضيق تسوده الخيالات، والإشباعات الفصامية البديلة عن الأساليب الجيدة والواضحة.(/28)
أما الاكتئاب: فيحدث عندما يكون الوالدان من ذوي الضمير القوي الصارم، يتَّجِهون لِلَوْم النفس الشديد، عند حدوث أشياء خاطئة، وتتضمن أُسَرَ المُصابين بالبارانويا (هواجس العظمة والاضطهاد) هذا النوع الأصمُّ من الآباء والأمهات، الذين يفتقرون لِلُغة التواصُلِ الاجتماعيِّ والحساسية للآخرين، والذين لا يشجّعون أبناءهم على مواجهة الواقع بِطريقةٍ إنْسانيَّة سليمة؛ بِسبَبِ افْتِقَارِهِم لذلك، أو بسبب التدليل الشديد لهؤلاء الأبناء، ويبدو أنَّ المعتقدات الثابتة التي يتبنَّاها المُصاب بهواجس البارانويا، فيما بعد تكون في الأصل تبريرًا للتضخّم في إدراك الذات، ويزدادُ رُسوخ هذه المعتقدات والهواجس عندما يتعرَّض هؤلاء المرضى لأزمات فشل، بحيث تبدو تلك الأزمات عديمة الأذى وضعيفة التأثير إزاء الهواجس، وأفكار العظمة القوية.
جـ - وتعجل الأزمات البيئية بظهور الاضطرابات، ولو أنَّ بعض الأزمات البيئية القوية تكفي وحدها لظهور الاضطرابات السلوكية؛ كما يحدث في معسكرات الاعتقال؛ ولكن الاضطرابات التي تستثيرها تلك الأزمات لا تكون دائمة في الشخصية.(/29)
ويتحدَّدُ شكل الاضطراب السُّلوكي بطبيعة الأزمات البِيئِيَّة، فأنواع الانهيارات التي تَحدُث أثناء الخدمة العسكريَّة تختلف عن أزمات الامتحانات الدراسيَّة، وتعتبر حالات الوفاة، أو الطَّلاق، أوِ الهِجرة، أوِ الحروب، مصدرًا من مصادر الاضطراب النفسي؛ ففي الحرب العالمية الثانية تحوَّل ثلاثة أرباع مليون جندي أمريكي إلى مرضى لأسباب نفسية، أما معسكرات الاعتقال فهي أيضًا مصدر خصيب للاضطرابات السلوكية، ففي معسكرات الاعتقال النازية يسجل لنا "بتلهايم" أن كل المعتقلين تقريبًا تعرَّضوا لاضطرابات نفسية بشكل أو بآخر، بدءًا من حالات النفاق والكذب، وانتهاء بالانهيارات الشبيهة بالذهان؛ كالاكتئاب والسلوك الفصامي، وتكون العزلة الاجتماعية، وضعف حجم الاتصالات الاجتماعية والهجرة تكون سببًا للاضطراب السلوكي، ونتيجة له في نفس الوقت، فنسبة الفصام بين العُزّاب تبلغ أربعة أضعاف نسبتها بين المتزوجين، وتصل بين الأرامل إلى النصف، وبينما نجد أن كل الاضطرابات السلوكية تصاحبها عزلة اجتماعية، فإن نسبة العزلة تزداد لدى الفصاميين والحالات الانتحاريَّة، وغالبًا ما يعتبر ظهور العزلة الاجتماعية علامةً على أنَّ الاضطراب يزداد لدى الشخص؛ لهذا فإنَّ تقوية الروابط الاجتماعية، وتشجيع الانتماء يُعْتَبران من وسائل علاج كثير من الاضطرابات النفسية في الوقت الراهن.(/30)
وتُحَدِّدُ الشخصيةُ شَكْلَ الاستجابة بالاضطراب السلوكيِّ الشديد للأزمات البيئية؛ فقد يَتَعَرَّض شخصانِ لخطر؛ (كالاعتقال)؛ لكن أحدهما يستجيب لها بالاضطراب والانهيار، بينما تكون استجابة الشخص الآخر مختلفةً عن ذلك، وقد يُتَرْجَمُ النجاح المتوسط أو العاديّ إلى فشل ذريع عند بعض الأشخاص؛ نتيجة لأنهم يضعون مستوًى مرتفعًا من الطموح، أو الخوف من الفشل، وتساعد الخبرات الطِّفْلِيَّة المبكرة للشخص في رسم استجاباته في مواقف الأزمة، فقد يستجيب الشخص بالقلق الشديد لنقد من رئيسه في العمل؛ بسبب خبرات طُفولية سيئة بالعلاقة بالأبوين، أو بالمدرسين، أو بمن يمثلهم من نماذج السلطة، فالأشخاص عندما يتعرضون لموقف واحد، أو أزمة يستجيبون بدرجات مختلفة من الاضطراب، أو بأنواع مختلفة منه، وكل هذا يَدُلُّ على أن جزءًا من الاضطراب لا تُسَبِّبُهُ الأزماتُ البيئية - الاجتماعية بقدر ما تسببه طريقة إدراكنا وإحساسنا النفسي بها.
ومِن المُشكلات المتعلقة بتأثير البيئة الاجتماعية: أنَّ ذَوي الاستعداد النفسي السريع للانهيار، غالبًا ما يستجيبون أكثر من غيرهم بالاضطراب لأزمات الحياة: كالعُزلة، أو الطلاق، فهل يكونُ الانْهِيار نتيجةً لهذه الأزمات؟ أم أن الفرد بسبب استعداداته للانهيار، وبنائه الهش يدرك هذه المواقف، ويراها على أنَّها مثيرةٌ لِلاضطراب بينما هي ليست كذلك، وتتطلَّب إجابة هذه الأسئلة توضيح ما يسمى بمفهوم (الحلقة المُفْرَغَة) في تفسير الاضطرابات النفسية، خذ مثلاً حالة الزوجة (أو الزوج) السلبي الذي يشكو من عدوانية، وتهجّم القرين، فهل سلبيَّة الأوَّل تشجِّع على إثارة عُدوان الثاني؟ أم أنَّ عدوان الثاني هو الذي يشكل سلبية الطرف الأول وانسحابه؟:(/31)
وبالرَّغم من أنَّ إجابة هذا السؤال لم تتحدَّد بعد في مجال البحث العلمي، فإنَّ هُناكَ ما يُشْبِه الاتفاق على وجود (حلقة مفرغة) في تفسير أي اضطراب نفسي، وممارس العلاج النفسي غالبًا ما يبدأ بتشجيع كسر هذه الحلقة المفرغة من أي زاوية مُمكِنَةٍ، فهو قد يشجع المريض على اتخاذ موقف إيجابي وواثق، دون النظر إلى عدوانية الطرف الآخر، على أمل أنَّ هذا سيخلق حَلْقَةً أخرى من التغيير البنّاء (ظهور السلوك الإيجابي سيوقف عدوانية الطرف الآخر، وتوقف العدوانية يؤدي إلى مزيد من تدعيم السلوك الإيجابي والبعد عن السلبيَّة... إلخ)[19]. وتأثير العُزْلة الاجتماعية (كالهجرة، والعُزُوبيَّة، والطلاق) على ظهور المرض العقلي يثير حلقة مفرغة من هذا النوع، فهل العزلة هي التي تؤدي إلى ذلك؟ أم أن المضطربين نفسيًّا غالبًا ما ينتهون إلى العزلة؛ بسبب إثارتهم للاشمئزاز والنفور في الآخرين، واتخاذهم لقرارات خرقاء؟ المرجح فيما أوضحنا من قبل: أن العزلة الاجتماعية تكون سببًا للاضطراب العقلي، ونتيجة له في نفس الوقت.
الخلاصة(/32)
يعبر الاضطراب النفسيّ والعقليّ عن مفهوم لجانب من السلوك، يتعارض مع ما نطلق عليه سلوكًا سليمًا، أو عاديًّا أو ناضجًا، والاضطراب أو المرض النفسي لا يحقق الرضا والتقبل للشخص، أو لمن حوله أو لكيلهما معًا، ويؤدي المرض النفسي إلى إثارة اضطرابات شاملة في سُلوك الإنسان، قد تشمل حالته الانفعالية أو تفكيره، أو سلوكه الاجتماعي، أو وظائفه العضوية والجسمية، أو كل هذه الأشياء مجتمعة في وقت واحد، وإذا غلب الاضطراب على الناحية الانفعالية أو الوجدانية، كان هناك ما يسمى بالاضطرابات العصابية؛ كالقلق، والهستيريا، والمخاوف المرضية، والاكتئاب، وإذا كان مصدر الشذوذ اضطرابًا في التفكير تكون ما يسمى بالمرض العقلي (الذهاني) بأشكاله المختلفة مِن فصام، وهوس، وبارانويا، وتنشأ الجريمة والجناح (الانحرافات السيكوباثية)؛ بسبب اضطراب السلوك الاجتماعي، وتعتبر الأمراض السيكوسوماثية؛ كالارتفاع في ضغط الدم، والربو، والقُرحة، علامة على أن الاضطراب النفسي يؤثر في الوظائف العضوية والبدنية للإنسان، وفي كل نوع من أنواع هذه الاضطرابات، يشمل الاضطراب الوظائف الأخرى، فالاضطراب في حالة القلق مثلاً يصيب الجوانب الوجدانية، والجسمية، والسلوكية، والعقلية، ولو أن مصدر الاضطراب هو الوجدان أساسًا.
وتشكل الأمراض النفسية بؤرة لمشكلات اجتماعية وعقلية أخرى، تعاني منها المجتمعات المتقدمة الغربية، والاشتراكية، ودول العالم الثالث على السواء، وقد بينَّا - بالاعتماد على نتائج البحوث المَسْحِيَّة، والدراساتِ التجريبيَّة - مدى انتشار الاضطرابات العقلية في العالم العربي والغربي.(/33)
وتحدث الاضطرابات النفسية بسبب التقاء الوِراثة، والأساليب الخاطئة في التنشئة فضلاً عن الضغوط والأزمات البيئية، وقد أوضحنا كم يتمُّ الالتقاء بين هذه العناصر الثلاثة، والتقاء هذه العناصر يرسم دون شك خِطَطَ العلاج الفعَّال لتلك المشكلات؛ كما يمنحنا البصيرة بالسبل والأشكال التي يجب أن تتطور نحوها أساليب العلاج، وهذا هو موضوع الفصل القادم.
---
[1] انظر: هانز أيزنك، الحقيقة والوهم في علم النفس، ترجمة قدري حفني، ورؤوف نظمي، القاهرة. دار المعارف، 1969.
[2] عبدالستار إبراهيم، السلوك الإنساني بين النظرة العلمية والنظرة الدارجة، في كتاب: السلوك الإنساني: نظرة علمية، تأليف عبدالستار إبراهيم، ومحمد فرغلي فراج، وسلوى الملا، القاهرة: دار الكتب الجامعية، 1977.
[3] هكذا تمثَّل الكاتب بهذين الرجلين كنموذج أعلى للرجل السوي صاحب الفلسفة في الحياة، وهو ما لا نوافقه عليه؛ فلنا أسوتنا الحسنة. المراجع.
[4] للمزيد من الفروق بين العصاب والذهان انظر: Hans Eysenck' You and neurosis. Britain Glasgow: William, Collins Sons 1978.
انظر بشكل خاص الفصل الأوَّل من هذا الكتاب الذي يخصّصه المؤلف لأنواع المرض النفسي العصابي، وما يميّز الذهاني (المريض العقلي) عن العصابي، ويتبنى المؤلف وجهة نظر مخالفة لوجهة نظر الطب النفسي التقليدية، التي ترى أن الذهان درجة أقسى من العصاب، أي أن الفرق في الدرجة، غير أن المؤلف يعرض لوجهة نظر ترى بأنها نوعان مختلفان من الأمراض.
[5] انظر:
Milton Rokeach , The Three Christs of Ypsilanti New York: Alfred Knopf, 1964
[6] للمزيد من الأعراض المصاحبة للعصاب والذهان وأشكال الاضطرابات النفسية الأخرى، انظر:
أ – أيزنك: الحقيقة والوهم في علم النفس، مرجع سبق ذكره في "1".(/34)
ب – شيلون كاشدان: علم نفس الشواذ، ترجمة أحمد عبدالعزيز سلامة، ومراجعة محمد عثمان نجاتي، الكويت: دار القلم، 1977، انظر بشكل خاص: الفصل الثاني من هذا الكتاب الخاص بمجموعات أعراض السلوك الشاذ.
[7] تبين دراسة حديثة أن المخاوف المرضية يمكن إرجاعها إلى سبعة موضوعات، أو فئات رئيسة:
أ- مخاوف من الحيوانات؛ كالعناكب، والقطط.... إلخ.
ب- مخاوف من مشاهدة العداوة لدى الآخرين، وذلك؛ كالخوف من الأصوات المرتفعة، أو الخوف من الناس الغاضبين، أو الخوف من المشادات.... إلخ.
ج – الخوف من الموت، والأذى؛ كالخوف من الدم، والجروح، والموتى، ورائحة العقاقير، وحوادث السيارات.
وهناك أيضًا
د- المخاوف ذات الشكل الأخلاقي؛ كالخوف من الانتحار، والعادة السرية، والعذاب في الآخرة، والجنس.
وهناك
هـ- الخوف من النقد الاجتماعي؛ كالخوف من التجاهل، والنبذ، والنقد.. إلخ
و- الخوف من الظلام، وما يرتبط به من مخاوف أخرى؛ كالخوف من الوحدة أو الدخول إلى الأماكن المظلمة..
ثم هناك أخيرًا:
ز- الخوف من الأماكن الخَطِرة مثل: الخوف من المرتفعات، ومن الأماكن المغلقة، والأماكن المزدحمة، والأماكن الفسيحية... إلخ، للمزيد من التفاصيل انظر: Eysenck' You and neurosis. Op. cit. p 73.
[8] – للمزيد من القلق الوجودي انظر بالإنجليزية:
Salvator Maddi, The existential neurosis, In David Rosen – Hahn and Perry London) Eds. (.Theory and Research , IN AB normal behavior, New York: Holt, Rinehart and Winston. 1969 (pp, 222 – 239).
[9] شلدون كاشدان، علم نفس الشواذ، ص 65 (مرجع رقم 5 في قائمة المراجع في آخر الفصل).(/35)
[10] هناك أيضًا انحرافات يطلق عليها انحرافات "ذوي الياقات البيضاء"، وهي تشيع في أفراد من الطبقات المتوسطة والعليا، وتتمثل في الهروب من دفع الضرائب، ومتطلبات الإنفاق الزائف، والمخاوف في مجال العمل؛ كالاختلاسات وغيرها، انظر: الفصل الخامس عن الجريمة والجناح من كتاب ميشيل أرجايل، علم النفس ومشكلات الحياة الاجتماعية، ترجمة عبدالستار إبراهيم، الكويت: دار القلم، 1978 (الطبعة الثانية).
[11] انظر ميشيل أرجايل، المرجع السابق، الفصل السادس، الصحة النفسية والاضطراب العقلي، ص 117 – 118.
[12] يهتم علماء النفس الأنثروبولجي بدراسة السلوك البشري في المجتمعات والحضارات المختلفة، دراسة مقارنة.
[13] انظر:
Abdul Sattar Ibrahim Extroversion and neuroticism across cultures. Psychological Reports, 1979 , 44 , 709 - 803
[14] انظر: محمد أحمد غالي، دراسة مقارنة لبعض أبعاد الشخصية باستعمال مقياس أيزنك في البيئة الكويتية، الكويت مطبعة حكومة الكويت، 1975.
[15] عزت حجازي، الشباب العربي والمشكلات التي يواجهها، الكويت عالم المعرفة، 1978
[16] لمن يود أن يستبصر بتأثير أساليب تنشئة للأطفال على سلوكهم عندما يتحولون إلى بالغين انظر:
مصطفى أحمد تركي، الرعاية الوالدية وعلاقتها بشخصية الأبناء: دراسة تجريبية على طلبة جامعة الكويت، القاهرة: دار النهضة العربية 1974.
[17] كاشدان، علم نفس الشواذ، مرجع سبق ذكره.
[18] يجنح بعض الآباء والأمهات إلى إظهار النفور والعقاب للابن باسم المحبة أحيانًا، وهذا نموذج آخر للوسائل المزدوجة.
[19] قد يبدأ العلاج أيضًا من الشخص العدواني نفسه بأن نطلب منه التقليل من عدائه.(/36)
العنوان: نحو إتقان الكتابة باللغة العربية (1)
رقم المقالة: 345
صاحب المقالة: د. مكي الحسني
-----------------------------------------
القسم الأول
تمهيد:
ترمي هذه الحلقات إلى تحسين أداء الكاتبين باللغة العربية. فهي تتحدث عن الوسائل التي يمكن أن تساعدهم على ذلك، وتنبِّه على الأخطاء النحْوية واللغوية الشائعة في الكتابات المعاصرة، وتبيِّن وجه الخطأ والصواب فيها، وتذكِّر بأهم القواعد النحوية والصرفية واللغوية التي تشتدّ حاجة الكاتبين إليها.
وسأتحدث بين يدي هذه الحلقات بتمهيد يتناول:
1 - أهمية اللغة للأمة، وضرورة الاعتزاز بها والدفاع عنها.
2 - أسباب تَدَنّي مستوى الأداء بالعربية لدى المتعلمين.
3 - سُبُل التمكّن من اللغة العربية: كيف ترتقي بلُغتِك؟
4 - الوسائل المساعدة.
* * *
1 - أهمية اللغة للأمة وضرورة الاعتزاز بها والدفاع عنها:
اللغة هُوُية الأمة، وأعظم مقومات وجودها، ووطنها الروحي. والأمم الحية تحافظ على لُغاتها حفاظها على أوطانها. والعلاقة بين مكانة الأمة ومكانة لغتها وثيقة جداً، فاللغة هي الأمة!
هل يكفي أحدنا أن يعرف شيئاً من العربية ليقول أنا عربي؟ لقد قال طه حسين: ((إن المثقفين العرب الذين لم يتقنوا معرفة لغتهم، ليسوا ناقصي الثقافة فحسب، بل في رجولتهم نقص كبير ومُهين أيضاً)).
إن هذا القول هو أَنَّةُ عربيّ تألّم جداً من تقاعس الكثيرين عن الذَّود عن العربية، ومن استخفافهم بهذا الأمر الخطير.
قال أبو الريحان البيروني (362 -440 للهجرة) العالِمُ الشهير، الفارسي الأصل: ((والله لأَنْ أُهْجى بالعربية، أحبُّ إليَّ من أن أُمدح بالفارسية!))(/1)
ولا داعي هنا للحديث عن عبقرية اللغة العربية وخصائصها الفريدة، فقد كُتب عن ذلك عشرات الكتب والدراسات والمقالات، وانحنى لعظَمتها العرب والمستشرقون، حتى لقد قال أحدهم: ((ليس على وجه الأرض لغةٌ لها من الروعة والعظمة ما للّغة العربية، ولكن ليس على وجه الأرض أُمة، تسعى بوعي أو بلا وعي، لتدمير لغتها كالأمة العربية!))
وأودّ أن أذكّر بأن اللغة العربية كانت في الماضي لغة عالمية - وبأنها اليوم - باعتراف العالم كله - اللغة الرسمية الدولية السادسة: في هيئة الأمم المتحدة ووكالاتها المختلفة، وفي منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو).
لقد أدركت القيادات السياسية الواعية في كثير من الدول أهمية اللغة الوطنية، وأنّ تعزيزها هو مسألة كرامة، كرامة الأمة، أي واجب قومي. فعزّزت كورية وفيتنام وفنلندة ورومانية وغيرها، لغاتِها الوطنية، وجعلت التعليم بها في جميع مراحله؛ بل أحيا الكيان الصهيوني لغةً ميتة! واستجاب المواطنون، خصوصاً المثقفين، لرغبات قياداتهم، وآزروها وساعدوها على تطوير اللغة الوطنية وازدهارها وسيادتها.
وما أعمق ما قاله الدكتور عثمان أمين في كتابه (فلسفة اللغة العربية): ((مَن لم ينشأ على أن يُحب لغة قومه، استخف بتراث أمته، واستهان بخصائص قوميته. ومن لم يبذل الجهد في بلوغ درجة الإتقان في أمر من الأمور الجوهرية، اتسمت حياته بتبلّد الشعور وانحلال الشخصية، والقعود عن العمل، وأصبح دَيْدنه التهاون والسطحية في سائر الأمور))(/2)
إن السعي لإتقان العربية لا يعني أبداً التخلي عن تعلُّم اللغات الأجنبية الحية، بل من المهم جداً أن يتقن العالِم العربي لغة أجنبية واحدة على الأقل! هذا ما يفعله علماء البلاد المتقدمة، والأحرى أن يفعله علماؤنا. وليس مقبولاً أن يسعى العربي لإتقان لغة أجنبية، فيبذل في سبيل ذلك كل جهد ممكن، وأن يهمل في الوقت نفسه لغته العربية! ليس مقبولاً أن يأخذ بالحَزمْ في تعلُّم الإنكليزية - مثلاً - وبالتضييع في تعلّم العربية. تراه إذا خالف قاعدةً وأخطأ التعبير بالإنكليزية، ونُبِّه على ذلك، أبدى أسفه وعبّر عن احترامه وخضوعه للقاعدة: لأنه يتمنى أن يكون من المتقنين للإنكليزية فيتباهى بذلك…
أما إذا نُبِّه على خطأ بالعربية وقع فيه، فهو - في الأغلب - لا يبدي أسفه! وقد يقول لك غير مُبالٍ ولا شاعر بخطورة تقصيره (أنا لا أحْسِن العربية!). ولا تلمس منه - غالباً - رغبة في إتقانها كرغبته في إتقان الإنكليزية. وقد يقول لك: (كثيرون يقولون هذا). فإذا ذكرت له أن هذا الشائع خطأ، رأيته يدافع عن الإبقاء عليه! وأود هنا أن أذكر أن صديقنا الأستاذ الدكتور مازن المبارك، عقد في كتابه (نحو وعي لغوي) فصلاً عنوانه:
((السُّخف المأثور، في أن الخطأ المشهور، خيرٌ من الصواب المهجور!))
إن رغبة الكثيرين في تجاوز مضمون العنوان المذكور، وتقاعسهم عن استدراك ما ينقصهم من معلومات في العربية - إضافة إلى عقدة الشعور بالدونيّة إزاء الغرب، التي تعانيها نسبة غير ضئيلة من العرب - هو سبب الظاهرة الخطيرة الواسعة الانتشار: التسييب اللغوي. بل أكاد أقول: (الإباحية اللغوية!) وهذا ما يرمي إليه أعداء العروبة.(/3)
انظروا إلى الإعلانات واللافتات، في الطرقات والمجلات، تجدوا طوفاناً من كلمات أجنبية بحروف عربية! أو عبارات (عربية) مملوءة بالأخطاء! ثم لماذا يسمح كثير من الناس لأولادهم أو لأنفسهم أن يرتدوا ملابس يسيرون بها متباهين فرحين، وقد صارت صدورهم وظهورهم دعايات متحركة للإنكليزية؟!! من غير أن يشعر أحدٌ بالمهانة، أو أن يحرك ساكناً إزاء هذه المهانة؟! أليس من واجبنا جميعاً أن نكافح هذا المرض النفسي الذي استشرى، وهذا الانحلال في الشخصية، ومظاهر الانتماء إلى الغرب، وأن ندافع عن كرامتنا بدفاعنا عن لغتنا؟
وأودّ هنا أن أذكر أمراً مقرَّراً، وهو أن الخطأ الشائع ليس ضرباً من التطور! وأن شيوعه لا يعطيه أيَّ حقٍ في البقاء. فليس من التطوير ما كسر أصلاً أو هدم قاعدة سارت عليها العربية من القديم حتى يومنا هذا.
جاء في مقدمة (المعجم الوسيط) الذي أصدره مجمع اللغة العربية بالقاهرة:
((وأدخلتْ لجنة إعداد المعجم في متنه ما دعت الضرورة إلى إدخاله من الألفاظ المولَّدة أو المحْدَثة أو المعرَّبة أو الدخيلة التي أقرّها المجمع، وارتضاها الأدباء، فتحركت بها ألسنتهم وجَرَتْ بها أقلامهم. واللجنة على يقين من أن إثبات هذه الألفاظ في المعجم، من أهم الوسائل لتطوير اللغة وتنميتها وتوسيع دائرتها)).
وجاء أيضاً: ((فرأى المجْمع، وهو الجهة اللغوية العليا، أن يتخذ جميع الوسائل الكفيلة بتحقيق الأغراض التي من أجلها أنشئ، وذلك بإنهاض اللغة العربية وتطويرها، بحيث تساير النهضة العلمية والفنية في جميع مظاهرها، وتَصْلُحُ موادُّها للتعبير عما يُستحدث من المعاني والأفكار)). هكذا إذن يجب أن يُفهم التطوير! أي ضمن الحدود المذكورة!
يقول الرافعي - وهو من أئمة البيان والبلاغة في عصرنا - ((إن فصاحة العربية ليست في ألفاظها، ولكن في تركيب ألفاظها، كما أن الهِزَّة والطرب ليست في النغمات، ولكن في وجوه تأليفها)). (تحت راية القرآن /19)(/4)
ويقول: ((وليس عندنا في وجوه الخطأ اللغوي أكبر ولا أعظم من أن يظن امرؤٌ أن اللغة بالمفردات، لا بالأوضاع والتراكيب)). (تحت راية القرآن /59)
ويقول: ((ومتى وُفِّق كاتبٌ في ألفاظه ونَسْقِ ألفاظه، فقد استقامت له الطريقة الأدبية، وجاء أسلوبه في الطبقة العالية من الكتابة. وأكثر كلام العرب يخرج على هذا الوجه، فتراه بليغاً في أدائه، رصيناً في ألفاظه، متيناً في عبارته، ولا طائل من المعنى وراء ذلك)). (على السفود /93)
تركيب الألفاظ إذن، وحُسن استعمالها، هو ما يجب السعي لتعلُّمه. وضَمُّ الكلمات بعضها إلى بعض، ضمّاً سليماً يراعي خصائص العربية وسَنَنَها، هو ما يجب العمل على إتقانه.
ولقد أساء إلى العربية في هذا القرن - جهلاً بها أو تجاهلاً - كثير من المترجمين: فنشروا عشرات التراكيب التي لا توافق قواعد اللغة؛ وقلّدهم في ذلك آلاف الكاتبين (ولا أقول الكتّاب!).
2 - لماذا تدنّى مستوى الأداء بالعربية لدى المتعلمين؟
ثمة عدة أسباب: ففي مطالع العصر الحديث كان المتعلمون قِلّة، ولكن كان معظمهم جيد المعرفة بالعربية. لأنه كان يأخذ علمه عن معلمين مقتدرين، ومن الكتب الشائعة آنذاك، وأكثرها مَصُوغ بلغةٍ عربية جيدة، أو سليمة على الأقل.
ثم زادت نسبة المتعلمين، خصوصاً في النصف الثاني من هذا القرن، زيادةً كبيرة في معظم البلاد العربية. ورافق هذه الزيادة هبوطٌ ملحوظ في مستوى التعليم والمعلمين والمتعلمين، والكتب التي يكتبونها ويقرؤونها. وساهم في هذا الهبوط:
أولاً: التوسُّع السريع جداً في التعليم الابتدائي والإعدادي في كثير من البلدان العربية، وإناطة التعليم في هاتين المرحلتين الحساستين، بأشخاص معظمهم غير مؤهل تأهيلاً يكفي للنهوض بهذه المهمة العظيمة الشأن: تكوين النشء.(/5)
ثانياً: انتشار ما صار يسمى (وسائل الإعلام): المقروءة (الصحف والمجلات)، والمسموعة (محطات الإذاعة)، والمرئية (محطات التلفزة). ومن المؤلم أن هذه الوسائل كلها، تنشر فيما تنشر، لغةَ العامة، والخطأ اللغوي، وتُرسّخه. فيتأثر بها بحكم انتشارها الواسع، عشرات الملايين من المتعلمين وغيرهم. وقد يتخذونها قدوةً لهم، علماً بأن القائمين على هذه الوسائل غير مؤهلين التأهيل الكافي. ويؤيد ما أقول، أننا لم نكن نسمع قبل نحو 40 سنة الأخطاء الفادحة الآتية، وأمثالها، والتي أشاعتها الصحف والإذاعات:
* سوف لن أحضر! والصواب لن أحضر!
* على الراغبين التواجد في الساعة كذا… والصواب: الحضور في الساعة…
* مبروك! والصواب: مبارك!
* وانتشر أخيراً التعبيران الشنيعان: هاتف خِلْيَويّ! والصواب: خَلَوِي!
* إن هكذا أشياء غير مقبولة… والصواب: إن أَشياء كهذه …
ثالثاً: استخفاف المتعلمين - فضلاً عن بقية الناس - باللغة العربية، والنظرُ إلى الجهل بها على أنه أمرٌ لا يعيب صاحبَه… وكيف يعيبه ومحطات الإذاعة والتلفزة العربية، بقنواتها التي لا تحصى، تقدم أغلب برامجها بلغة العامة، أو بلغة كثيرة الأغلاط؟
قال الدكتور محمد خير الحلواني في مقالة له: ((الجيل الناشئ لا يعيش في محيط لغوي سليم)).
وقال الدكتور محمد أحمد الدالي في محاضرة له: ((إذا كانت لغة أكثر من يتولى التعليم والإعلام ليست عربية الوجه في غير جانب من جوانبها، فما حال مَن يتلقّى هذه اللغةَ عن ضَعَفَةٍ لا يتجاوز معجمهم اللفظي أُليفاظاً لا يتجاوزونها في العبارة عن أغراضهم، لا يراعون فيما يتولّون قواعد اللغة وأساليبها؟))
3 - ما السبيل إلى التمكن من العربية؟
أودّ ابتداءً أن أقول إن الحد الأدنى المطلوب هو التمكن من العربية السليمة، ويمكن بعد ذلك السعي للتضلّع من الفصيحة، ثم الفصحى في المرحلة الأخيرة.(/6)
قال ابن خلدون في مقدمته (ص 561): ((إن حصول ملكة اللسان العربي إنما هو بكثرة الحفظ من كلام العرب حتى يرتسم في خياله [الضمير عائد لمن يبتغي هذه الملكة] المِنوالُ الذي نسجوا عليه تراكيبهم، فينسجَ هو عليه، ويتنَزَّلَ بذلك مَنْزِلةَ مَن نشأ معهم، وخالط عباراتهم في كلامهم، حتى حصلت له الملكة المستقرة في العبارة عن المقاصد على نحو كلامهم)).
وأشار إلى هذا المعنى الدكتور إبراهيم مدكور - الرئيس السابق لمجمع اللغة العربية بالقاهرة - فقال: ((ملكة اللغة تُكتسَب بالحفظ والسماع، أكثر مما تُكتسب بالضابط والقاعدة)).
وهذا يعني أن المعوَّل عليه في المقام الأول هو الحفظ والسماع، وبعد ذلك يأتي دور كتاب القواعد. ولهذا السبب كان الأوائل يرسلون أبناءهم صغاراً إلى البادية، ليسمعوا اللغة الصافية ويحفظوها، فتنشأ لديهم السليقة.
ومن المهم أن ندرك أننا جميعاً - في العصور الأخيرة - لا نملك سليقة لغوية سليمة، للأسباب التي ذكرتها في الفقرة السابقة. وهذا يعني أن علينا اكتساب العربية السليمة، مثلما نكتسب الإنكليزية السليمة. كيف؟
أ - بقراءة الكثير من النصوص الفصيحة قراءةً متأنِّيةً مُتَرَوِّيَة، مع إنعام النظر في المفردات والتراكيب لحفظها واستعمالها والقياس عليها. وحبذا تعويدُ أولادنا، منذ الصغر، قراءةَ هذه النصوص. أما السماع فنفتقر إليه: إذ أين يمكنك في هذه الأيام أن تسمع لغة عربية عالية، يمكن الاقتباس منها؟
ب - بالرجوع المتكرر إلى معجم لغوي جيد.
جـ - بالاستعانة بكتاب جيد في قواعد العربية.
د - بالاطلاع على بعض معاجم الأخطاء الشائعة.
4 - ما هي الوسائل المساعدة؟
أ - واضح إذن أن (إدمان) القراءة الواعية للنصوص الفصيحة هو الأساس. فأين نجد هذه النصوص؟
أقترح البدء بأعمال كتَّاب مُجِيدين معاصرين، مثل:
* مصطفى صادق الرافعي (وحْيُ القلم؛ كتاب المساكين؛ إعجاز القرآن).
* طه حسين (الوعد الحق؛ الأيام؛ على هامش السيرة).(/7)
* علي الطنطاوي (فِكَر ومباحث،…).
* ديوان أحمد شوقي؛
وبعد ذلك يَحْسُن الاطلاع على بعض أعمال القدامى، مثل:
* ابن المقفع (الأدب الصغير؛ الأدب الكبير؛ كليلة ودمنة…)
* الجاحظ (البيان والتبيين؛ الحيوان؛ البخلاء…)
* ابن قتيبة (عيون الأخبار).
* المُبَرِّد (الكامل).
* سيرة ابن هشام.
* أبو الفرج الأصبهاني (الأغاني).
* ديوان الفرزدق…
أكرر القول: لا بد من القراءة بِرَوِيّةٍ وإنعام نظر، وحفظ التراكيب والمفردات، كما نفعل عند تعلُّم لغة أجنبية.
ب - فإذا صادفتَ أثناء القراءة مفردةً غير مألوفة، فافتح المعجم لتطّلع على معانيها واستعمالاتها المختلفة.
وأقترح هنا الرجوعَ-بالدرجة الأولى-إلى (المعجم الوسيط) (صدرت طبعته الثالثة سنة 1985) وهو من إعداد مجمع اللغة العربية بالقاهرة. ولهذا المعجم مزايا عديدة تفتقر إليها المعاجم الأخرى: فهو ((أوضح، وأدق، وأضبط، وأحكم منهجاً، وأحدث طريقةً. وهو فوق كل هذا مجدِّد ومعاصر، يضع ألفاظ القرن العشرين إلى جانب ألفاظ الجاهلية وصدر الإسلام)). [هذا بعض ما قاله الدكتور مدكور في تصدير الطبعة الأولى سنة 1960]. وهناك لمن شاء أن يعود إلى معاجم أخرى:
* (معجم مَتْن اللغة) للشيخ أحمد رضا.
* (القاموس المحيط) للفيروزبادي.
* (لسان العرب) لابن منظور.
* (محيط المحيط) لبطرس البستاني.
ج - أقترح الاستعانة بكتاب (جامع الدروس العربية) للشيخ مصطفى الغلاييني، فهو - في نظري - أفضل كتاب جامع في الوقت الحاضر (صدرت طبعته الأولى سنة 1912، وصدرت حديثاً الطبعة 34!)، وكتاب (الكفاف) للأستاذ اللغوي الكبير يوسف الصيداوي، وقد أعاد فيه صوغ قواعد اللغة العربية صوغاً يناسب غير المتخصصين والناشئين الراغبين في معرفة قواعد لغتهم صافية نقيَّة من شوائب النقاش والجدال النحوي.
د - وأقترح الاطلاع على:
* معجم الأخطاء الشائعة؛ محمد العدناني؛ مكتبة لبنان، الطبعة الثانية، 1980.(/8)
* معجم الأغلاط اللغوية المعاصرة؛ محمد العدناني؛ مكتبة لبنان، 1984.
* اللغة والناس؛ يوسف الصيداوي؛ دار الفكر، 1996.
* معجم أخطاء الكتَّاب، صلاح الدين الزعبلاوي، دار الثقافة والتراث؛ دمشق، 2007.
* مسالك القول في النقد اللغوي؛ صلاح الدين الزعبلاوي؛ الشركة المتحدة للتوزيع، 1984.
* أضواء على لغتنا السمحة؛ محمد خليفة التونسي؛ الكتاب التاسع من سلسلة (كتاب العربي)؛ الكويت، 1985.
* دليل الأخطاء الشائعة في الكتابة والنطق؛ مروان البواب، وإسماعيل مروة؛ سلسلة الرضا الأدبية؛ دمشق؛ 2004.
* مجموعة القرارات العلمية في خمسين عاماً (نحو 250 قراراً)، صدرت عن مجمع اللغة العربية بالقاهرة، 1984.
1- الخطأ في قولنا: (سوف لن أذهب)
السين وسوف لا تدخلان إلا على جملة مُثْبَتة (لا تدخلان على المنفية). ثم إن (لن) هي لنَفْي المستقبل، فلا حاجة إلى (السين) و(سوف) اللتين هما أيضاً تدلان على المستقبل.
قل إذن: لن أذهب.
ولا تقل: (سوف لن أذهب!)، ولا: (سوف لا أذهب)..
2- الخطأ في استعمال: (تَواجَدَ)
تَواجَدَ فلانٌ: أرى من نفْسه الوجْدَ (أي: تظاهر أو أَوْهَمَكَ بالوجد). والوجْد: هو الحُب الشديد أو الحزن (على وَفْقِِ السياق).
قل إذن: على الطلاب الحضور إلى المُدرَّج الأول في الساعة كذا.
ولا تقل: (على الطلاب التواجد...).
وقل: يوجد الحديد في الطبيعة بكثرة.
ولا تقل: (يتواجد الحديد في الطبيعة...).
وقل: يُستخرج الحديد الموجود...
ولا تقل: (يستخرج الحديد المتواجد...!).
3- الخطأ في استعمال: (مبروك)
جاء في (المعجم الوسيط): ((بارك اللهُ الشيءَ وفيه وعليه: جعل فيه الخيرَ والبركة)) فهو مبارَك. [الأصل: مبارَكٌ فيه، ولكن الأئمة تَجَوَّزوا حيناً فحذفوا الصلة في كثير من أسماء المفعول، اصطلاحاً، وهذا مثال على تجوزهم].(/9)
وجاء في (الوسيط): ((بَرَكَ البعيرُ: أناخَ في موضعٍ فَلَزِمَه)). (فعلٌ لازم). ((برك على الأمر: واظب)) فالأمر مبروك عليه!! أي مُواظَبٌ عليه.
قُلْ إذن: نجاحك مبارك.
ولا تقل: (نجاحك مبروك).
وقل: بيتُك الجديد مبارك؛ وزواجك مبارك.
ولا تقل: (مبروك).
4- الخطأ في قولنا: (هاتف خليوي)
إذا نَسَبْتَ إلى ما خُتم بتاء التأنيث، حذفتَها وجوباً. فتقول في (فاطِمة): فاطِميّ، وفي (مَكَّة): مكِّي.
وإذا نَسَبْتَ إلى ما خُتم بياء مُشَدَّدة مسبوقة بحرفين، مثل: عَدِيّ؛ نَبِيّ؛ خليّة؛ أُميّة، حذفتَ الياء الأولى وفتحت ما قبلها وقَلَبْتَ الثانية واواً، فتقول: عَدَوِيّ؛ نَبَوِيّ؛ خَلَوِيّ، أُمَوِيّ…
قُلْ إذن: هاتف خَلَوِيّ.
ولا تقل: (هاتف خليوي).
5- الخطأ في قولنا: (إنّ هكذا أشياء)
هكذا = ((ها)) التنبيه + كاف التشبيه + ((ذا)) اسم الإشارة.
فمن يقول: ((إنّ هكذا أشياء …)) كمن يقول: ((إن مِثل ذا أشياء!)) والعربي لا يقول هذا!!
وواضحٌ جداً لمن يلمُّ بالإنكليزية أو الفرنسية أن هذا التركيب الشنيع هو ترجمة حرفية للتركيبين:
«Such things are…» و «de telles choses sont…»
قُلْ إذن: إن مثل هذه الأشياء، أو: إن أشياء كهذه.
ولا تقل: (إن هكذا أشياء).
وفيما يلي نماذج من استعمال كلمة (هكذا) استعمالاً صحيحاً:
- هكذا قالت العرب….
- … فإذا كانت (لا) للنهي، كان المعنى هكذا:…
- هكذا فَلْيَقُلْ مَن يقول وإلا فَلْيسْكُت!
- ولكنه مع ذلك يجيء فهمُهُ خطأً، لأنه لا يريد أن يجيء إلا هكذا!
- وهكذا دواليك…
6- (كلما) لا تكرر في جملة واحدة
من أخطاء المترجمين استعمالهم (كلّما) مرتين في جملة واحدة، على غرار التركيب الفرنسي أو الإنكليزي، نحو قولهم: ((كلما تعمقتَ في القراءة والاطلاع، كلما زادت حصيلتُك من المعرفة)). والصواب حذْف (كلما) الثانية. وفي التنْزيل العزيز: {كلما دخل عليها زكريّا المحراب وَجَدَ عندها رِزقاً}.(/10)
يقال: كلما زاد اطلاعُك، اتسعت آفاقك.
ويقال: كلما زاد عِلمُ المرء، قلَّ انتقادُه للآخرين!
وقال أحمد شوقي يصف العروبة ولسانها:
أُمَّةٌ ينتهي البيانُ إليها وتؤول العلومُ والعلماءُ
كلما حثَّت الرِكابَ لأرضٍ جاور الرشدُ أهلَها والذكاءُ
7- مِن ثَمَّ؛ لذا؛… (لا: بالتالي!)
(بالتالي) شبه جملة ركيكة جداً شاعت شيوعاً واسعاً. وقد تبين لي من اطلاعي على كثير من المقالات العلمية أن الصواب أن يحلّ محلّها ما يناسب المقام مما يلي:
مِن ثَمّ؛ لذا؛ وعلى هذا؛ وبذلك؛ إذن؛ أيْ؛ ومِن ثَمَّ يتّضح / نجد / نرى أنَّ؛ الخ…
وللفائدة أقول: (ثَمَّ) اسم يشار به إلى المكان البعيد بمعنى هناك، وهو ظرف لا يتصرف، وقد تلحقه التاء فيقال (ثَمَّةَ) ويوقف عليها بالهاء.
أما (ثُمَّ) فهو حرف عطف يدل على الترتيب مع التراخي في الزمن. وتلحقه التاء المفتوحة فيقال: ثُمَّتَ، ويوقف عليها بالتاء.
8- ولمّا كان … (لا: وبما أنّ!)
مِن أَوجُه استعمال (لمّا) مجيئها ظرفاً تَضَمَّن معنى الشرط، وشرطه وجوابه فِعْلان ماضيان، نحو: لمّا جاء خالدٌ أكرمته.
فإذا كان الجواب جملة اسمية، وجب اقترانها بالفاء. وعلى هذا يمكن القول:
* ولما كنا أنجزنا العمل، وجب إعداد تقرير عنه.
* ولما كنا أنجزنا العمل، فَعَلينا إعداد تقرير عنه. ولا يقال: (بما أننا أنجزنا…)
* ولما كان التابع ع مستمراً، كان بالإمكان…
* ولما كان التابع ع مستمراً، استنتجنا / فإننا نستنتج…
* ولما كان التابع ع مستمراً، وجب أن يكون / فإنه يجب أن…
* ولما كان التابع ع مستمراً، فكلٌ من التابعين المذكورين…
ولا بدّ من الفاء في جواب (لمّا) إذا كان جملة اسمية.
ولا يقال: (بما أن التابع ….)، لأن هذا التركيب دخيل على العربية، وركيك جداً، ولا مُسَوِّغ له.
9- مهما
(مهما) اسم شرط يجزم فعلين: الأول فعل الشرط والثاني جوابه، نحو:
* مهما تفعلوه تجدوه. (علامة الجزم: حذف النون. الأصل: تفعلونه، تجدونه).(/11)
* مهما تَقُلْ أستفِدْ منك. (حذف حرف العلة في الفعلين منعاً لالتقاء ساكنَيْن).
* مهما يكن الطفل مشاغباً يكُن محبوباً…
فإذا كان جواب الشرط جملة اسمية وجب اقترانها بالفاء، نحو:
* مهما يكن س فلدينا…/ فكلُّ تابع…
* مهما يكن ع فإننا نستطيع …/ ففي وسعنا…
10- أيُّ (الشرطية)
هي اسم مبهم تضمَّن معنى الشرط، وهي مُعْربة بالحركات الثلاث لملازمتها الإضافة إلى المفرد. وهي تجزم فعلين. وإذا كان جوابها جملة اسمية وجب اقترانه بالفاء.
* أيُّ امرئٍ يخدُمْ أُمَّته تخدُمْه.
* أيُّ الرجالِ يَكثُرْ مزحُه تَضِعْ هيبتُه.
وقد يحذف المضاف إليه فيلحقها التنوين عوضاً منه، نحو: {أيّاً ما تدعوا فَلَهُ الأسماء الحُسْنى}.
إذ التقدير (أيَّ اسم تدعوا). والفعل هنا مجزوم بحذف النون: الأصل تدعون!
* {أيَّما اَلأَجَلَينْ قضيتُ فلا عُدوان عليّ}.
* بأيِّ شيءٍ تَسْتعِنْ تكُنْ مستفيداً / تَسْتَفِدْ
* أيّاً كان س، كان ع…/يكنْ ع…
* أيّاً كان س، فلدينا…/ فإن…/ فالتطبيق…
* أيٌّ كان س جزءاً من ج، كان…(/12)
العنوان: نحو إتقان الكتابة باللغة العربية (2)
رقم المقالة: 412
صاحب المقالة: د. مكي الحسني
-----------------------------------------
القسم الثاني
11- تَمَّ
هذا الفعل معناه (كَمُل، اكتمل). يقال على الصواب:
* تَمَّ بناءُ هذه المدرسة في 12/4/1990.
* يحتاج فعل الشرط إلى جوابٍ يتمُّ المعنى به.
* ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
* إذا تَمَّ أمرٌ بدا نقصُهُ تَرَقَّبْ زوالاً إذا قيل تَمّ
ونلاحظ أننا لو وضعنا (اكتمل) بدلاً من (تمّ) لَمَا فسد المعنى ولا تغيَّر.
ومن الشائع أن يقال: ((يتم جلب الفحم من المناجم، ويتم تخزينه في المستودعات، ثم يتم حرقه في الأفران)). ويكفي ليتضح فساد التركيب وسوءُ استعمال (يتم) أن يستعاض عنه بـ (يكتمل)!!
والصواب أن يقال: يُجلب الفحم… ويُخزن… ثم يُحرق… (بالبناء للمجهول).
ويمكن أحياناً استعمال فعل (جرى) أو (حَدَثَ) عوضاً عن البناء للمجهول.
جاء في كتاب رسمي: ((نذكّر بأن اجتماع المجلس سيتم في الساعة 12 من يوم الأحد 18/12/1994، وسيتم تحديد مكان الاجتماع قبل نهاية دوام يوم السبت في 18/12/1994)).
والصواب: … الاجتماع سيُعقد في الساعة … وسيُحدّد مكانه قبل…
12- الشكل
جاء في (المعجم الوسيط): ((الشكل: هيئة الشيء وصورته)). وجاء: ((تشاكَلاَ: تشابَهَا وتماثَلاَ)).
وجاء في (لسان العرب): ((الشكل: الشِّبْه والمِثْل. هذا على شكل هذا: أي على مثاله. فلانٌ شكلُ فلان: أي مثله في حالاته. هذا مِن شكل هذا: أي من ضَرْبه ونحوه)).
وجاء فيه أيضاً: ((تشاكل الشيئان: شاكل كلٌّ منهما صاحبه)).
وجاء في (أساس البلاغة) للزمخشري: ((هذا شكله: أي مثله)). ((هذا من شكل ذاك: من جنسه)).
وفيما يلي أمثلةٌ على استعمال كلمة (شكْل) استعمالاً صحيحاً:
جاء في (المعجم الوسيط):
((المسحوق (في الكيمياء): صفة للمادة الصلبة عندما توجد على شكل دقائق صغيرة)).(/1)
((الصَّمُولة: قطعة من الحديد مستديرة أو ذات أضلاع، جوفها مُسَنَّن في شكلٍ حلزوني)).
((الكُبَّة من الغزْل: ما جُمع منه على شكل كرة أو أسطوانة)).
وجاء في كتاب (البخلاء) للجاحظ:
* ... والناعم من كل فنٍّ واللّباب من كل شكل (ص 23).
* ... وليس هذا الحديث لأهل مرو، ولكنه من شكل الحديث الأول (ص 31).
* ... وليس هذا الحديث من حديث المراوزة؛ ولكنا ضممناه إلى ما يُشاكله (ص45).
ولْنتأمّل الآن النماذج التالية، وهي من فصيح الكلام أيضاً.
* الأصل في الكلام أن يكون منثوراً، لإبانته مقاصد النفس بوجهٍ أوضح وكلفة أقل. (لم يقل: بشكل أوضح!).
* … إرسال التخيّل على وجهٍ قلّما يخرج عن الإمكان العقلي والمادي. (لم يقل: على شكلٍ قلما…)
* … وكان أكثر ما يستعمل في الخطابة والأمثال و… والكتابة التي من هذا الوجه.
* … إن حياة الغنيّ على هذا الوجه لا تكون إلا موتاً على طريقة الحياة. (المساكين للرافعي /33)
* … ليس في الأرض شيء من خير أو شر غير ما يلزم لبناء هذا التاريخ الأرضي على الوجه الذي يتفق مع بناء الإنسان. (المساكين للرافعي/220)
* … ثم يسعدهم بهذه النية على الوجه الذي يعلم أنه من سعادتهم. (المساكين للرافعي /211)
* … لو فهموه على الوجه الذي يفهم منه. (تحت راية القرآن للرافعي /52)
والآن، ما الرأي في قول بعضهم: (فلان يقرأ الإنكليزية بشكل مقبول)؟ أللقراءة شكل؟!! الواقع أن كلمة (شكل) تستعمل في أيامنا هذه استعمالاً (جائراً):
فيقول بعضهم: ... والصواب:
غُيِّر المخطط بشكل كامل ... غيّر المخطط تغييراً كاملاً
عُدِّلت الخطة بشكل مدهش ... عدلت الخطة تعديلاً مدهشاً
… تتباين بشكل ملحوظ ... تتباين تبايناً ملحوظاً / بدرجةٍ ملحوظة
… ازداد المعدّل بشكل ملحوظ ... ازداد المعدل ازدياداً ملحوظاً / بقدْرٍ ملحوظ
يعمل بالشكل المطلوب / الصحيح ... يعمل على الوجه المطلوب / الصحيح(/2)
يعمل بشكل سريع / بطيء / جِدِّيّ ... يعمل بسرعة / ببطء / بِجِدّ
بشكل موضوعي / دائم ... بموضوعية / دائماً / على الدوام
بشكل سلس / ذكي ... بسلاسة / بذكاء
يؤكد بشكل قوي ... يؤكد بقوة
بشكل عام ... بوجهٍ عام / عموماً / على العموم
بشكل رئيسي ... في المقام الأول / بالدرجة الأولى
بشكل جيد/ خَفِيّ/ واسع ... جيداً / خِفْيَةً / على نطاق واسع
بشكل مستقل ... على حِدَة / على حِدَتِهِ / على حِدَتِها
بأي شكل من الأشكال ... بأي وجه من الوجوه
حلّ المشكلة بالشكل المناسب ... حل المشكلة على الوجه المناسب
كان مشغولاً بشكل مكثف ... كان مشغولاً جداً
تعديل الخطة بشكل ينسجم مع الحاجات ... تعديل الخطة بحيث تنسجم مع الحاجات
تتمثل فيه الأصالة بشكل أقلّ ... … بدرجةٍ أضعف / بنسبة أقلّ
ينبغي معالجتها بشكل فعّال ... … بفعالية
يمكن بشكل نموذجي… ... يمكن نموذجياً…
تعمل بشكل كامل على الوقود المذكور ... تعمل كليّاً على …
تفحَّص الشجرة بشكل يدعو للاستغراب ... … الشجرة بكيفيةٍ / بطريقةٍ تدعو…
يمكن أن نصوغ ذلك على الشكل التالي: ... … ذلك كما يلي:
وقد تبين لي من مراجعتي كثيراً من المقالات العلمية أنه في حالاتٍ أخرى (غير الأمثلة الكثيرة المذكورة) كان الأصوب - بحَسَب المعنى المراد - أن توضع محل (بشكل) إحدى الكلمات الآتية: بطريقة، بأسلوب، بصفة، بصيغة، بوجه، بدرجة، بكيفية، الخ….
ملاحظة: أجاز مجمع القاهرة، سنة 1973، قولَ الكتَّاب: ((مَشَى بصورة جيدة، أو سار بشكل حسن))، لأنه يتضمن بياناً لهيئة الحَدَث. وعلى هذا، للكاتب أن يختار بين هذا القول، والقول المألوف: ((مشى مشياً جيداً؛ سار سيراً حسناً)).
13- شَكَّل وتَشَكَّل
لهذين الفعلين صلة وثيقة بكلمة (الشكل). جاء في (المعجم الوسيط): ((شَكَّل الشيءَ: صَوَّره؛ ومنه: الفنون التشكيلية)).
وجاء فيه أيضاً: ((تَشَكَّل: مُطاوع شَكَّله، وتَشَكَّل الشيءُ: تَصَوَّر وتَمَثَّل)). ولكن:(/3)
يقول بعضهم: ... والصواب:
هذه القواعد تشكل محور البحث ... هذه القواعد هي محور البحث
وهي في الحالتين تشكل أدوات هامة ... وهي في الحالتين أدوات هامة.
تشكل هذه الطريقة إنجازاً… ... تُعدّ هذه الطريقة إنجازاً
… الوقود الذي يُشَكِّل المصدر ... …الوقود، وهو المصدر…
بصرف النظر عن تَشَكلُّه في المفاعلات ... بقطع النظر عن تكوّنه…
إن الحقن لا يشكّل خطراً كبيراً ... إن الحقن ليس بالخطر الشديد / العظيم
14- من خلال
جاء في (المعجم الوسيط): ((الخَلَلُ: مُنْفَرَجُ ما بين كل شيئين، والجمع خلال)).
وجاء في التنْزيل العزيز: {الله الذي يُرسِل الرياحَ فتُثيرُ سحاباً فيبسُطُه في السماء كيف يشاء ويجعلُه كِسَفاً فترى الوَدْقَ يخرجُ من خلاله}. الوَدْق: المَطَر.
وقال البحتري يصف طلوع الشمس:
حتى تَبَدَّى الفجرُ من جنباتِه كالماءِ يلمعُ من خلال الطُّحْلُبِ
(الضمير في "جنباته" عائد لِلَّيل، و"الطحلب": الخضرة على وجه الماء الآسِن).
هذان نموذجان من استعمال (من خلال) على الحقيقة:
وفيما يلي أمثلة على استعمال (من خلال) على المجاز:
* قال أمير البيان، الأمير شكيب أرسلان:
((وإنما ألْمحُ من خلال الكتابات التي يجود بها بعض أدباء الوقت مَنْزِعاً…))
* وقال الأستاذ الدكتور عبد الكريم اليافي:
((نتابع نشر مستدركات الأب الكرملي على (محيط المحيط): إما مباشرةً، وإما من خلال نَقْد الكرملي لمعجم (البستان) )). (مجلة التراث العربي، افتتاحية العدد 54)
* وقال الأستاذ محمد المبارك في كُتيِّبه (عبقرية اللغة العربية، ص 31):
((وإن في دراسة العربية وتفهّمها تفهّماً عميقاً، كشفاً عن شخصيتنا وترسيخاً لعروبتنا، بل لإنسانيتنا، لأننا من خلال ألفاظها وقوالبها عرفنا أنفسنا وعرفنا الإنسانية، بل عرفنا الكون والله)).
* وقال الدكتور مازن المبارك في كتابه (نحو وعيٍ لغوي، ص 58):(/4)
((… إنه لا بدّ مع الصمود، من البحث الموضوعي الذي يتناول خصائص اللغة، ويكشف - من خلالها - عن محاسن ما يقال، أو مساوئ ما يراد)).
* وقال الدكتور صبحي الصالح، في مقدمته لِ (نهج البلاغة /25):
((وما أردت بتعليقاتي هذه نقداً ولا تجريحاً، ولكني وددتُ - من خلالها - أن يميط القراء اللثام عن سرّ اهتمامي الشديد بالفهرس الأول)).
وفيما يلي نماذج مأخوذة من كتابات علمية، استُعمل فيها (من خلال) استعمالاً جانَبَه التوفيق:
* لابد من أن يمرّ حلّ هذه المشكلة بإدارة أفضل للمصادر، ومعالجةٍ جيدة للضحايا المحتملة، من خلال البدء (!) بتشخيص سريع.
أقول: … المحتملة، بدءاً بتشخيص سريع.
* تقوم هذه الوكالة من خلال برنامجها الموضوع لعشر سنوات بتخطيط شامل من خلال إجراء تقويمٍ مقارن لمصادر الطاقة.
أقول: تقوم هذه الوكالة في برنامجها… بتخطيط شامل نتيجة إجراء تقويمٍ…
* سيتيح هذا القانون للمنشآت الروسية، من خلال نشاطها في هذا المجال، أن تدرّ نحو 6 ملايين دولار في السنة.
أقول: … الروسية، بممارسة نشاطها في هذا المجال، أنْ…
* إنها مُعْطَيَاتٌ مهمة، ولكني لست متأكداً (كذا) بأنك (كذا) تستطيع من خلالها الادعاء صراحة بأنها…
أقول: … ولكني لستُ متحققاً أنك تستطيع بناءً عليها / استناداً إليها / الادعاء صراحة…
* وقد تأكد هوفمان (كذا) وزملاؤه من خلال أعمالهم أن الكائنات الحية اختفت تقريباً.
أقول: تأكد لهوفمان وزملائه، نتيجة أعمالهم (أو: من أعمالهم) أن…
وقد تبين لي من اطلاعي على مقالات علمية كثيرة أن الأصوب أن يُختار - عوضاً عن (من خلال) - ما يناسب المقام مما يلي:
بـ، في، من طريق، بواسطة، أثناء، باستعراض، انطلاقاً من، باستعمال، بممارسة، بفضل، بسبب، نتيجة لِ، بالاستفادة من، وذلك أن، بإجراء، بالرجوع إلى، الخ...
15- أكَّد وتأكَّد
جاء في (المعجم الوسيط): ((أكَّد الشيءَ تأكيداً: وثَّقه وأحكمه وقرَّره فهو مؤكَّد.(/5)
تأكَّد: مطاوع أكَّده، وتأكَّد: اشتد وتَوَثَّقَ)).
إذن: لا يقال: (أكَّد على الشيء)، وإنما يقال: (أكَّد الشيءَ! فتأكَّد الشيءُ).
وعلى هذا لا يصح أن نقول مثلاً: (يجب أن نتأكّد من حدوث كذا)، لأن الصواب هو: (يجب أن يتأكَّد لنا حدوث كذا) أو (يجب أن نتحقق حدوث كذا، أو نتيقَّن أو نستَيْقِنَ حدوثَ كذا، أو نَتَوثَّق من كذا أو نستوثق منه).
ولا يصح أن تقول: (هل أنت متأكّد؟)، لأن الصواب هو: (هل أنت متحقق؟ / متيقن؟ / مستيقن؟).
16- على الرغْم
جاء في (المعجم الوسيط): ((الرَّغْم: الرَّغام (أي التراب). ويقال: فعله على رغمه، وعلى الرغم منه، وعلى رغم أنْفِهِ: على كُرْهٍ منه)).
يقال في العربية: (على رغم كذا، وعلى الرغم مِن كذا، وبرغم كذا، وبالرغم من كذا).
ويقال مثلاً: (ما كنت أحبّ أن أحضر، ولكني حضرتُ رغْماً).
ولا تستعمل كلمة (الرغم) في غير هذه التراكيب التي - لدى استعمالها - يكون معنى الكُرْهِ وعدم الرغبة أو القَسْرِ أو المُغالَبَة أو المعاناة ملحوظاً غالباً، نحو: (أخذ الأب طفله إلى المدرسة على الرغم منه...).
وفيما يلي نماذج من استعمالاتٍ جانَبَها التوفيق:
* على الرغم من أن هذه المسألة ليست جديدة، هنالك ملاحظات حديثة أثارتها الأبحاث العلمية.
أقول: ومع أن هذه المسألة ليست…
* ورغم أن المغنيتارات كانت منذ عام 1992م مجرد فكرة نظرية، لم يتمّ (كذا) تَعَرُّف أول مغنيتار إلا مؤخراً (كذا).
أقول: ومع أن… نظرية، لم يُتَعَرَّف (أو: لم يَحْدث تَعَرُّف)… إلا أخيراً / حديثاً.
* العجيب أن خالداً على الرغم من فقره كريم!
أقول: العجيب أن خالداً على فقره كريم!
قال الشاعر:
ما سَلِمَ الظبيُ على حُسْنِه كلاّ ولا البَدْرُ الذي يوصف
الظبْيُ فيه خَنَسٌ بَيِّنٌ والبدر فيه كَلَفٌ يُعرف
* على الرغم من كون البلوتونيوم مادة سامة… فإنه لا يُعدُّ المادة الأكثر (كذا) سُميَّةً…(/6)
أقول: مع أن البلوتونيوم… فهو لا يُعَدُّ أكثر المواد سُمِّيَّةً على الأرض.
17- لا تَقُل: (أعلاه)، (الآنف الذكر)، (مُسْبقاً)!
إذا أدرج مؤلِّفٌ في مقاله العلمي مخططاً مثلاً، فَلَهُ أن يقول: ((يبين الشكل مخطط الجهاز المستعمل، ويلاحَظ في أعلاه وجودُ…))
الضمير في كلمة (أعلاه) هنا عائدٌ إلى المخطط، والجملة سليمةٌ معافاة.
أما في العبارة: ((أعلنت أمريكا أنها سوف تتبع الخيار المذكور أعلاه))، فالهاء ضمير لا مَرْجِع له! وهذا خطأ. وقبل أن نذكر وجه الصواب نورد ما جاء في معاجم اللغة:
ففي (لسان العرب): ((وفعلتُ الشيءَ آنفاً: أي في أول وقت يقرب مني، وجاؤوا قُبَيْلاً)) بضمّ القاف وفتح الباء على صيغة التصغير.
وفي (المعجم الوسيط): ((يقال: فَعَله آنفاً أو قريباً)). وفي (أساس البلاغة): ((أتيته آنفاً)).
ونرى أن (آنفاً) جاء في كلام العرب ظرف زمان، ولم يشتق من فِعل (أَنِفَ) الذي يعني استنكف وتَنَزَّه (واسم الفاعل منه آنِف). وعلى هذا من الخطأ أن نقول: ((الخيار المذكور أعلاه، أو الآنف الذكر))، والصواب أن يقال: (المذكور آنفاً، أو المتقدم ذكره، أو المذكور قريباً) (أي المذكور من قريب). وفي التنْزيل العزيز: {كَمَثَلِ الذين من قَبْلِهم قريباً ذاقوا وَبالَ أمرِهم ولهم عذاب أليم}.
ويقال: (قلت كذا آنفاً وسالِفاً. وجاؤوا آنفاً) (المعجم الكبير - مجمع القاهرة).
وهناك خطأ شائع آخر، نحو قولهم: (فَعَل ذلك مُسْبقاً)! ذلك أنه جاء في (لسان العرب)، وفي (المعجم الوسيط - الطبعة الثالثة): ((أَسْبَقَ القومُ إلى الأمر: بادروا))، فالأمر مُسْبقٌ إليه! (لا بد من ((إليه)) بعد ((مسبق)) لأن ((أسبَقَ)) فِعلٌ لازم لا يتعدى بنفسه وإنما بالحرف!).
وليس بين المعنى المعجمي والمعنى المراد بالخطأ الشائع المذكور أي صلة.(/7)
والصواب أن نقول: فعل ذلك مُقدَّماً وَسَلَفاً. أو - في سياق آخر - فعل ذلك سابقاً/سالِفاً/ قَبْلاً (إذا أردتَ قَبْليَّةً غيرَ معيَّنة)/ مِن قَبْلُ (إذا كنتَ تعني قَبل شيء معيَّن).
ولنا أن نقول مثلاً:
* يجري تجميع المباني السابقة الصُّنْع (أو: القَبْلِيَّة الصنع) بسرعة.
* كان يَتوقع حضورَه فهيأ له سلفاً بعض الأسئلة.
* لا ترتجل محاضرتك (درسك/ خطبتك)! حَضِّرها/ أَعِدََّها مُقدَّماً…
* يحتاج هذا الجهاز إلى تسخين قَبليٍّ ليكون أداؤه جيداً…
* يتطلب هذا الأمر إذناً سالفاً/ قبليّاً.
18- لا تقُل: (يَتَوجَّب)!
جاء في (المعجم الوسيط): ((تَوَجَّب فلانٌ: أكل في اليوم والليلة أكلةً واحدةً)).
ومن معاني الوجبة: الأكلة الواحدة.
وقد شاع أخيراً استعمال (يتوجَّب) بدلاً من (يجب)، وهذا خطأ صريح يجب علينا مكافحته!
ولا يفرّق بعض الناس بين (يجب) و(ينبغي) من حيث المعنى والتعدية، فيقولون: ينبغي علينا (!) أن نفعل كذا. ولكن، جاء في (المعجم الوسيط):
((يقال: ينبغي لِفلانٍ أن يعمل كذا: يَحْسُن به ويُسْتَحبُّ له. وما ينبغي لفلانٍ أن يفعل كذا: لا يليق به ولا يحسُن منه)).
وفي التنْزيل العزيز: {ما كان ينبغي لنا أنْ نتخذَ مِن دونِك مِن أولياء}.
يقال إذن: (يجب على فلان، وينبغي لفلان). والفرق بين التركيبين والمعنيين واضح وكبير.
19- تَعَرَّفَه - تَعَرَّف به / إليه - مسألةٌ مُتَعارَفة
* عَرَّف الشيءَ: حدَّده بذكر خواصّه المميِّزة، فَتَعَرَّفَ الشيءُ: صار معروفاً (فعل لازم: مطاوع عَرَّف).
يقال: عَرَّفتُك أخباري وبأخباري: أعلمتُك بها؛ جعلتُك تعرفها.
عَرَّفتُك صاحبي وبصاحبي: جعلتُك تعرفه، فأصبحتَ تقف على حاله وشأنه.
لذا يصّح أن نقول: التعريف بالمعلوماتية؛ التعريف بالأدب العربي...
* تَعَرَّف الشيءَ وبالشيءِ: أصبح يعرفه بعد طلب. يقال: تعرَّف الطريقَ؛ تَعَرَّف حقيقةَ الأمر.(/8)
* تعرَّف الرجلَ وبالرجلِ: أصبح يقف على حاله وشأنه؛ صار معروفاً عنده.
ولا يقال: تعرَّف على كذا!
* تَعَرَّف الموظفُ إلى المدير وللمدير: جَعَلَ المديرَ يعرفه؛ عّرَّفه بنفسه؛ أعلمه مَنْ هو.
وفي الحديث: ((تَعَرَّفْ إلى الله في الرخاء يَعرفْك في الشدة)) أي: اِجعلْه يعرفك بطاعته في الرخاء يُسعفْك في الشدة.
* تعارَفَ القومُ: عَرَفَ بعضُهم بعضاً (فعل لازم)
* تعارف فلانٌ وفلان، صار كلٌ منهما يعرف الآخر (من أفعال المشاركة).
* تعارفوا الشيءَ (فعل متعدّ): عرفوه فيما بينهم. وعلى هذا يقال: هذه عاداتٌ متعارفة! أي معروفة شائعة. ولا يقال: (متعارف عليها!!)
20- ما زال - لا يزال
* تدخل (ما) النافية على الفعلين الماضي والمضارع، نحو: ما خرجت، ما كلّمته، ما أريد، ما أدري. وعلى هذا يقال على الصواب: ما زال، ما يزال، فيُدَلُّ بهما على الإثبات وعلى الاستمرار، نحو: ما زال الهواء بارداً. ما يزال الهواء بارداً.
* تدخل (لا) النافية على المضارع، نحو: لا أريد، لا أدري، لا يزال. ولا تدخل على الماضي لإفادة النفي. فلا يقال: (لا جاء فلان) بل: (ما جاء فلان). ولا يقال: (لا زال الهواء بارداً) وهذا خطأ شائع جداً، والصواب: لا يزال الهواء بارداً، أو ما زال الهواء بارداً.
* ولكن تستعمل (لا) مع الماضي لتكرار النفي، نحو: {فلا صدَّق ولا صلَّى}.
* تدخل (لا) على الفعل الماضي لتفيد الدعاء، لا النفي. فيقال: لا سمح الله؛ لا قدَّر الله؛ لا أراك الله مكروهاً؛ لا عدِمتُك؛ لا زال بيتُك عامراً.
* وتدخل (لا) على الفعل المضارع لتفيد الدعاء أحياناً. ويَستَبين هذا من السياق، نحو:
لا تزال عناية الله تحرسُك!
لا تزال سَبَّاقاً إلى الخير!
لا يَفْضُضِ اللهُ فاكَ / فاهُ…
ملاحظة: يستعمل تركيب (لم يَزلْ) بمعنى (لا يزال/ ما يزال).
وفيما يلي نماذج من أفصح الكلام:
{فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيداً خامدين}.(/9)
{ولقد جاءكم يوسف من قَبْلُ بالبيّنات فما زلتم في شكٍ مما جاءكم به}.
{ولا تزال تطَّلع على خائنةٍ منهم إلا قليلاً منهم}.
{لا يزال بنيانهم الذي بَنَوا ريبةً في قلوبهم}.
{ولا يزالون يقاتلونكم حتى يَردُّوكم عن دينكم إِنِ استطاعوا}.(/10)
العنوان: نحو إتقان الكتابة باللغة العربية (3)
رقم المقالة: 543
صاحب المقالة: د. مكي الحسني
-----------------------------------------
القسم الثالث
21- حَسَبَ، بِحَسَبِ، على حَسَبِ، حَسَبَ ما
مّما جاء في (المعجم الوسيط): ((حَسَبُ الشيءِ: قَدْرُه وعددُه. يقال: الأجرُ بحَسَبِ العمل)).
وجاء في (أساس البلاغة): ((الأجرُ على حَسَبِ المصيبة)).
وجاء في (محيط المحيط): ((حَسَبَ ما ذُكر: أي على قدْرِه وعلى وَفْقِه)).
وجاء أيضاً: ((ليكن عملك بحَسَبِ ذلك: أي على وفاقه وعدده)).
ويقال على الصواب: على حَسَبِ ما يقتضيه المقام.
كما يقال: على قدْر الحاجة، وبحَسَب الضرورة.
* ويُغْفِل كثيرٌ من الأدباء حرفي الجر (على) و (الباء)، فيقولون: الأجر حَسَبَ العمل.
* وقد لاحظتُ في الكتابات العلمية المعاصرة، أن (حسب) كثيراً ما تُستعمل في غير محلّها المناسب، وأن من الأصْوَب أن يوضع بدلاً منها، ما يلائم السياق مما يلي:
تَبَعاً لِ، طِبْقاً لِ، وَفْقاً لِ، بمقتضى، بمُوْجب، بناءً على، استناداً إلى، عملاً بـ ، انطلاقاً من، الخ…
22- بينما
جاء في (المعجم الوسيط): ((بينما: تكون ظرف زمان بمعنى المفاجأة، ولها صدر الكلام)).
إذن، (بينما) لها الصدارة في الجملة، أي يجب أن تكون في بدء الكلام.
يقال: بينما زيدٌ جالس، دخل عليه عمرو.
ولا يقال: أحسنَ إليك زيد بينما أنت أسأت إليه.
وإنما يقال: أحسنَ إليك زيد، على حين/ في حين أسأت أنت إليه (أو: أمّا أنت فأَسأْت إليه).
23- نَفِدَ يَنْفَدُ - نَفَذَ يَنْفُذُ
جاء في (المعجم الوسيط): ((نفِدَ الشيءُ يَنْفَدُ نَفَداً ونَفاداً: فَنِيَ وذهب)). وفي التنْزيل العزيز: {قل لو كان البحرُ مِداداً لكلمات ربي لنَفِدَ البحرُ قبل أن تَنْفَدَ كلماتُ ربي}.(/1)
وجاء في (المعجم الوسيط): ((نَفَذَ الأمرُ يَنْفُذُ نُفُوذاً ونَفاذاً: مضى. يقال: نَفَذَ الكِتابُ إلى فلانٍ: وصل إليه؛ وهذا الطريق ينفُذُ إلى مكان كذا: يصل بالمارّ فيه إلى مكان كذا؛ ونفَذَ فيه ومنه: خرج منه إلى الجهة الأخرى)).
فهل يجوز - بعد هذا - الخلط بين الفعلين؟!
24- حافَة حافات
تُلفظ كلمة (حافَة) بالتخفيف، أي بفاءٍ غير مشدَّدة، وتُجمع على (حافَات)، كما تُجمع ساعة، ودارة، وطاقة، على: ساعات، ودارات، وطاقات. ولا يجوز جمعُها على حوافّ، كما تجمع حاسّة على حواسّ، لأن هذه تلفظ بالتشديد، مثل مادّة (موادّ)، خاصّة (خواصّ)، دابّة (دوابّ)، عامّة (عوامّ)...
وتُجمع (حافَة) جمع تكسير على: حَيْف، وحِيَف.
25– السَّوِيَّة، والمستوي، والمستوى
جاء في (المعجم الوسيط): ((السَّويُّ: المستوي؛ المعتدل لا إفراط فيه ولا تفريط؛ العاديّ لا شذوذ فيه؛ الوسط)). يقال: فلانٌ إنسانٌ سَوِيّ (وهم أسْوِياء). وفلانةُ إنسانةٌ سَوِيّة. وامرأةٌ سَوِيّة: أي تامّة الخَلْق والعقل.
وجاء في (الوسيط): ((السَّويّة: الاستواء والاعتدال؛ العدْل والنَّصَفَة)) (أي الإنصاف).
يقال: هما على سويةٍ في هذا الأمر: أي على استواء، أي هما مستويان فيه: متماثلان! وقسمتُ الشيءَ بينهما بالسّويّة: أي بالعدل. وأرضٌ سويّةٌ: إذا كانت مستوية. وجاء فيه: ((السطح المستوي: هو الذي إذا أخذتَ فيه أيَّ نقطتين، كان المستقيم الواصل بينهما منطبقاً عليه)). فهو إذن كسطح الماء الراكد. ويجمع على: مستوِيات.
يقال: هذا سطحٌ مُسْتَوٍ. رسمتُ سطحاً مُسْتوِياً. كتبتُ على سطحٍ مستوٍ.
وجاء في الطبعة الثالثة من (المعجم الوسيط): ((المُسْتوى: الدرجة والمكانة التي استوى عليها الشيءُ)).
ومن معاني فِعْل ((استوى: استقر وثبت)). ويُجمع المستَوى على مُسْتوَيات. فالصواب أن يقال: يجب رفع مستوى الطلاب (لا: سوية الطلاب!).(/2)
حساب مُستوَيات الطاقة في الذَّرَّة (لا: سويات الطاقة؛ وهذا خطأٌ وقعتُ فيه قديماً!).
هذا مستوىً رفيعٌ، بلغ مستوَىً رفيعاً، انطلق من مستوىً منخفضٍ!
26- بـ / بواسطة / بوساطة
إذا أراد الكاتب إبراز وسيلة إيقاع الفعل، عَدَّاه بـ (باء الاستعانة):
* الداخلة على الأداة أو الآلة التي أوقعت الفعل، نحو: كتبت بالقلم؛ سافرت بالسيارة؛ حفرت بالمِعْوَل.
* الداخلة على مصدر فعلٍ آخر، نحو: نجحتُ بفضل الله؛ أنجزت العمل بعَون الله؛ حدث الصلحُ بيني وبينهم بتَوَسُّط فلان؛ سقيتُ الأرض بوساطة النواعير.
* جاء في (المعجم الوسيط) وفي غيره: ((وَسَطَ الشيءَ يَسِطُهُ وَسْطاً وسِطَةً [ووُسُوطاً]: صار في وَسَطه. يقال: وَسَطَ القومَ والمكانَ فهو واسط (وهي واسطة). ووَسَطَ القومَ وفيهم وساطةً [أي وَسَطَ الرجلُ قومَهُ وفي قومِهِ]: توسَّطَ بينهم بالحقّ والعدل)).
* فالوساطة مصدر، وكذلك التَوَسُّط. والواسِطَ هو المتوسِّط.
* وجاء في (المعجم الوسيط): ((واسطة القلادة: الجوهر الذي في وسطها)).
* وجاء في (أمالي المرتضى): ((ذكر فلانٌ أن أباه كان الواسطة بينهما)).
والواسطة في الأصل صفة. لكنها انقطعت أحياناً في الاستعمال عن موصوفها، فغَلَبَت عليها الاسمية، وأُنزلت مَنْزلة الأسماء بتقدير (أداة واسطة)، واستعملها النحاة بهذا المعنى.
فالأصل في ((واسطة القلادة)): ((الجوهرة أو الدُّرة الواسطة للقلادة)) أي: المتوسّطة.
والتقدير فيما جاء في (الأمالي): ((أي كان أبوه الوسيط أو الأداة الواسطة بينهما، وهذا مجاز)).
* يقول ابنُ مالك في ألفيَّته:
التابعُ المقصود بالحُكم بلا واسطةٍ هو المسمى بَدَلاْ
* ويقول ابن الخشّاب: لأن المتعدي إذا استوفى معموله الذي يتعدى إليه بنفسه، لم يتعدَّ إلى غيره إلا بواسطة.(/3)
* واستعمل أبو البقاء الكفويّ في (كُلّيّاته) كلمة (بواسطة) كثيراً. وأبو البقاء مَنْ تَعْلم تبسّطاً في العربية واستبحاراً وسَعَةَ اطلاع. من ذلك قوله في الجزء الخامس ص 235: الفعل المنفي لا يتعدى إلى المفعول المقصود وقوع الفعل عليه إلا بواسطة الاستثناء.
وفي ص244: النصب على الاستثناء إنما هو بسبب التشبيه بالمفعول لا بالأصالة، وبواسطة (إلا)، وأما إعراب البدل فهو بالأصالة وبغير واسطة.
وقال الإمام ابنُ قُدامة (في مختصر منهاج القاصدين، ص 280): أخبرهم الله تعالى بكلامٍ سمعوه بواسطة رسوله.
* وقد أورد (المعجم الوسيط) تعريف (الواسطة) كما وضعه مجْمع القاهرة فقال: ((الواسطة: ما يُتَوصَّل به إلى الشيء)).
والخلاصة: إذا أمكن الاكتفاء بباء الاستعانة لأداء المعنى بوضوح، فهذا هو الأفضل! وإذا دعت الحاجة إلى إبراز الأداة أو الوسيلة التي حدث وقوع الفعل بها، استُعملت الواسطة أو الوساطة.
27- الفَتْرة
جاء في (المعجم الوسيط): ((فَتَر يفْتُر فُتُوراً: لانَ بعد شدة، أو سَكَنَ بعد حِدَّةٍ ونشاط)). وفي التنْزيل العزيز: {يُسبِّحون الليلَ والنهارَ لا يَفْتُرُون}. أي لا يَضعُفون عن مداومة التسبيح.
وجاء في (الوسيط) أيضاً: ((الفترة: الضعف والانكسار. والفترة: المدة تقع بين زمنين أو نَبِيَّيْن)). وفي التنْزيل العزيز: {يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يُبيِّنُ لكم على فَتْرةٍ من الرُّسُل}. أي انقطاع من الرسل.
وجاء في (معجم ألفاظ القرآن الكريم) وهو من إعداد مجمع اللغة العربية بالقاهرة: ((فَتْرة: مُضِيُّ مدةٍ بين رسولين)).
وجاء في (أساس البلاغة /فتر) للزمخشري: ((أجِد في نفسي فَتْرةً وفُتُوراً إذا سَكَن عن حِدّته ولانَ بعد شدته. وتقول: فلانٌ عَلَتْهُ كَبْرَه، وعَرَتْهُ فَتْرَه)) أي: ضَعْف.
وفي (الوسيط): ((فترةُ الحُمّى: زمن سكونها بين نوبتين)).(/4)
فالفترة إذن مُدةٌ تتميز بالفتور وانقطاع الجِد أو النشاط فيها. وكل حال للسكون أو الانقطاع تتوسط بين حالين من الحِدَّة أو الجِدّ أو الاجتهاد فهي فترة، طالت أم قَصُرَت. وكل حال من الشدة أعقبتها حال من الضعف أو اللين فقد آلت إلى فترة.
ومن الخطأ حسبان الفترة زماناً كأيّ زمانٍ من الأزمنة!
* قال ابن مسعود: ((كونوا جُدَدَ القلوب)). وشرح هذا القول الإمام ابن قُدامة فقال: ((كِناية عن عدم الفترة في العبادة)). ونقل ابن قُدامة قول بعضهم: ((كنتُ إذا اعتَرتْني فترةٌ في العبادة، نظرتُ إلى وجه محمد بن واسع وإلى اجتهاده)).
* وقال الشيخ علي الطنطاوي: ((… كان الشابان يتحادثان وهما يمشيان … وتكون فترةٌ يصمتان فيها فلا يُسمع إلا وَقْعُ أقدامهما)).
* وقال مصطفى صادق الرافعي في (كتاب المساكين /146): ((ثم لتعلمنَّ أنه إن كانت للقَدَرِ فَتْرةٌ عن رجلٍ من الناس، فقيراً أوغنياً أو بين ذلك، فما هي غَفْلةٌ ولا مَعْجِزَة، ولعلّ الرجل إنما يُمدُّ له في الغيّ مدّاً طويلاً…)).
* ولنا أن نقول: كانت السنوات ما بين الحربين العالميتين فترةً للمتحاربين.
- وكان عقد الثلاثينيات المنصرم فترةً للاقتصاد العالمي، أصابه فيها رُكود.
- أمضى فلانٌ على شاطئ البحر فترةً استراح فيها من عناء العمل.
- تتضمن السنةُ الإنتاجية في معظم الشركات فترةً مخصصة لاستجمام العاملين.
- توقفت السفينة في المرفأ فترةً للتزود بالوقود والأغذية الطازجة.
وقد شاع استعمال (الفترة)، في غير ما وُضعت له، شيوعاً واسعاً؛ فيقولون، مثلاً:
1 - سيُعقد المؤتمر / يستقبل المعرض زوّاره / تجري مقابلة المرشحين… في الفترة من 1-5 /6/1999.
أقول: سيعقد المؤتمر، إلخ… في المدة من 1-5 /6/1999.
2 - يجب مراقبة ذلك في فترة إزهار النبات…
أقول: مراقبة ذلك في طَوْر إزهار النبات. [من معاني الطور: التارة، أي: المدة والحين].
3 - لا تسطع النجوم إلا لفترة محدودة.(/5)
أقول: لا تسطع النجوم إلاَّ حِقْبة / برهة / مدة محدودة (تكون خلالها في حالة ثَوَرَان لا فتور!).
4 - الطاقة التي تُشِعّها النجوم في أحسن فترات وجودها تأتي من تفاعلات اندماج نوى الهدروجين.
أقول: الطاقة التي تُشِعّها النجوم في أحسن أوقات / أطوار / مراحل وجودها…
5 - والجزء الآخر من غاز المجرّات تحوَّل بشكل (كذا) كثيف إلى نجوم في فترة قصيرة.
أقول: والجزء الآخر من غاز المجرّات تحوَّل متكاثفاً بشدة إلى نجوم في مدةٍ / زمنٍ قصير.
6 - على الطلاب بذل الجهد أثناء فترة الدراسة (!) وإيلاء الفترات التدريبية عناية خاصة.
أقول: على الطلاب بذل الجهد أثناء الدراسة / مدة الدراسة، وإيلاء الأوقات التدريبية / أوقات التدريب عناية خاصة.
7 - حدث من فترة أن اكتشف أحد الباحثين…
أقول: لا معنى لِ (حدث من فترة/ أو من مدة …) لأن مجرد استعمال الفعل الماضي يعني أن الحدث جرى قبل زمن التكلم. فإذا أراد المتكلم / الكاتب مزيداً من التحديد، وجب عليه تعيين الزمن المنصرم بعد الحدث (حدث قبل 3 أيام مثلاً…) أو إضافة كلمة مُعبِّرة: جرى قديماً / حديثاً / قريباً / قبل أيام قليلة / قبل مدة قصيرة، إلخ…
8 - زارني منذ فترة قصيرة...
أقول: زارني قبل مدة قصيرة... زارني حديثاً / قريباً…
9 - يجب العناية بذلك في فترة الشباب على الأقل!
أقول: أتتميز مرحلة الشباب بالفتور أم بالحيوية والنشاط؟! [الشباب مرحلة من العمر تلي الطفولة وتسبق الرجولة. والشُّبّان والشَّوابُّ (الشابّات) هم الذين يعيشون مرحلة الشباب]. ويُجمع الشابّ على شباب أيضاً.
ولعل من المفيد أن أُورِد شيئاً مما جاء في مقال الدكتور البدراوي زهران (مجلة مجمع القاهرة، العدد 72 لعام 1993):
((... بل لهذا وُجدت للأوقات كلمات مختلفة على حَسَبِ الطول والقِصَر في المدة:(/6)
فالمدة شاملة لجميع المقادير من امتداد الزمن، وتنطوي فيها اللحظة أو اللمحة للوقت القصير، والبرهة والرَّدَح للوقت الطويل، والفترة للمدة المعترضة بين وقتين، والحين للزمن المقصود المعيَّن، والعهد للزمن المعهود المقترن بمناسباته، والزمن للدلالة على جنس الوقت كيفما كان، والدهر للمدة المحيطة بجميع الأزمنة والعهود والأحيان)).
أقول: جاء في (المعجم الوسيط): ((البُرهة: المدة من الزمان)). (لم يَصِفْها بالطول!) وجاء في المعجم الكبير (الذي أصدره مجمع القاهرة): ((البَرْهة: المدة الطويلة من الزمان، أو هي أعمّ. البُرْهة: البَرْهة. يقال: أقمتُ عنده بُرهةً من الدهر)).
وجاء في (الوسيط): ((الهُنَيْهة: القليل من الزمان. يقال: أقام هنيهةً)).
وجاء فيه أيضاً: ((الحِقْبة من الدهر: المدة لا وقت لها. أو السنة. (ج) حِقَبٌ وحُقُوبٌ.
وجاء فيه أيضاً: ((الحُقْبُ والحُقُبُ: المدة الطويلة من الدهر (80 سنة أو أكثر). (ج) حِقاب / أحقاب)).
وجاء فيه أيضاً: ((المَرْحلة: المسافة يقطعها المسافر في نحو يوم، أو ما بين المنْزِلَيْن)).
وتستعمل المرحلة الآن بمعنى (قَدْرٍ محدَّد من الشيء) وعلى الخصوص (قدْرٍ من الزمان).
يقال: مرحلة الطفولة، مرحلة الشباب، مرحلة الرجولة، مرحلة الكهولة، مرحلة الشيخوخة…
ويقال: مرحلة الدراسة الابتدائية / الإعدادية / الثانوية/ الجامعية…
وجاء في معجم (متن اللغة): ((السَّبَّة من الدهر: كالبرهة والحقبة، وهي السَّنْبة)).
وجاء في (الوسيط): ((الأَوانُ: الحِيْنُ. يقال: جاء أوانُ البرد. والجمع آوِنَة)).
28- حَذْف الجارّ – النصبُ
حذفت العرب حرف الجر في مواضع، بعضها قياسيّ، وبعضها سماعيّ.
* فمن القياسي: حذف الجار قبل (أنّ) و(أنْ).(/7)
يقال على الصواب: لا شكّ أنك عالم؛ ولا بد أنك ذاهب، ولا محالة أنك آت. وأصل الكلام لو قيل على المَصدر: لا شك في علمِك، ولا بد من ذهابك، ولا محالة من إتيانك. ولك أن تقول: لا شك في أنك عالم؛ ولا بد من أنك ذاهب... وفي التنْزيل العزيز: {لا جَرَمَ أنَّ لَهُمُ النارَ}. أي: لا جرم من أن لهم النار.
تقول: أشهد أنْ لا إله إلاَّ الله، وأنّ محمداً رسول الله.
أي: أشهد بأنْ لا إله إلاَّ الله، وبأنّ محمداً رسول الله.
وفي التنْزيل العزيز: {فلا جُناح عليه أنْ يَطَّوَّفَ بهما}، أي: ... في أنْ يَطَّوَّف...
وفيه أيضاً: {وعجبوا أنْ جاءهم منذرٌ منهم}، أي: عجبوا لِ / من أنْ جاءهم…
وتقول: أنا راغبٌ أنْ ألقاك، وطامع أن تُحسِن إلى زيد، وحريص أنْ أصِلك. أي: أنا راغبٌ في أن ألقاك، وطامع في أنْ تُحسِن إلى زيد، وحريص على أنْ أصلك.
ولكن لا يُحذف الجارّ إذا جُعل المصدر مكان (أنْ). تقول: أنا راغبٌ في لقائك، وطامعٌ في إحسانك إليه، وحريصٌ على صِلَتِك.
ومن القياسي: النصبُ على الظرفية الزمانية:
إذْ ينصب ظرف الزمان مطلقاً، سواءٌ أكان مُبْهماً أم مختصاً، نحو:
سِرْتُ حيناً / مدةً، ونِمْتُ ليلةً، على شرط أن يتضمن معنى (في)!
قدِمتُ من سفري ليلاً (في الليل). جاءني صباحاً، ظهراً، مساءً (في الصباح، في الظهر، في المساء…).
ومن القياسي: سقوط الجارّ - الذي تتعدى به الأفعال اللازمة - في ظروف المكان المُبهَمة (وتُعرف بكونها صالحة لكل بقعة)، مثل: مكان، ناحية، جهة، جانب، فوق، تحت، يمين، شمال، أمام، خلف، أسفل…
تقول: مررتُ أمامَ قصر العدل، فتنصب (أمام) على الظرفية لأنها من الظروف المبهمة.
ومن السماعي: ((نَزْعُ الخافِض)) مع ظروف مكان مختصة.
والأصل الذي قرره جمهور النحاة هو دخول الجارّ على الظروف المختصة (غير المبهمة). تقول: مررتُ بدار فلان، فتُدخل الجار (بـ) على (الدار) لأنها ظرف مختص.(/8)
وقد شذّت مواضع نُزع فيها الخافض (أي حُذِف الجارّ) مع ظروف مختصة، نحو: دَخَلَ الدارَ أو المسجدَ أو السوقَ. ونَزَلَ البلدَ، وسكنَ الشامَ… فقالوا إن النصب هنا على إسقاط الجارّ اتساعاً [لأن هذه المواضع هي ظروف مكان مختصة، والأصل فيها الجرّ] وإنها سماع فلا يقاس عليها! من ذلك قول جرير:
تَمرُّون الديارَ ولم تَعُوجُوا كلامكم عليَّ إذن حرامُ
فنصب (الديار) وليس ظرفاً مبهماً، فهو منصوب إذن على نزع الخافض اتساعاً، لأنه على نية الجر. وأصله: تمرّون بالديار أو على الديار.
وقولُ ساعِدة:
لَدْنٌ يهزُّ الكفَّ يعسِل متنُه فيه، كما عَسَلَ الطريقَ الثعلبُ
فنصب (الطريق)، وهو ظرف مختص (غير مبهم). [عَسَلَ الثعلبُ: سار في سرعة واضطراب].
وهناك أسماءٌ مُعْرَبة، عُدِل بها إلى الظرفية فنُصبت. من ذلك:
* الخَلَلُ: وهو الفرجة بين الشيئين. هذا هو الأصل. وقد عُدِل بهذا الاسم المفرد إلى الظرفية. فقال نصر بن سيّار: (أرى خَلَلَ الرماد وميضَ نار). وقد جُمع الخلل على (خِلال). ونُصب في الآية: {فجاسوا خلالَ الديار}.
* طَيّ وثِنْي: فقد جاءا ظرفين أيضاً: أنفذْتُ دَرْجَ كتابي، وطَيَّ كتابي، وثِنْيَ كتابي.
ولكن يقال أيضاً (على الأصل)، أنفذته في درجِ كتابي، وفي طيِّه، وفي ثِنْيِه.
* واستُعملت (أثناء) جمع (ثِني) استعمال الاسم. ولكنها جاءت ظرفاً في قول الشاعر الجاهلي عمر بن ماجد:
ينام عن التقوى ويوقظه الخَنا فيخبِط أثناءَ الظلام فُسُول
وجاءت أيضاً في كلام بعض الأئمة:
قال الرضيّ في (شرح الكافية): فموضعها أثناءَ الكلام…
وقال ابن خلدون في (مقدمته): ومسائل من اللغة والنحو مبثوثة أثناءَ ذلك.
وقال ابن الدباغ في (نَفْح الطيب): وللنسيم أثناءَ ذلك المنظر الوسيم تراسُلُ مشي.
* الضِّمْنُ: باطنُ الشيءِ وداخله. وجاء في (لسان العرب/ضمن): وأنفذْتُه ضمنَ كتابي أي: في طَيِّه.(/9)
* الوَفْقُ: وَفقُ الشيءِ: ما لاءَمه. يقال: كنتُ عنده وَفْقَ طَلَعتِ الشمس: أي حينَ طلعت أو ساعةَ طلعت.
ويقال: أُنفقَ المالُ على وَفْقِ المصلحة / وَفْقَ المصلحة.
* الحَسَبُ: حسَبُ الشيءِ: قدْرُه وعدده. يقال: الأجرُ على حَسَبِ / بحَسَبِ / حَسَبَ العمل.
ملاحظة: للاستزادة انظر (مسالك القول في النقد اللغوي) لمؤلفه الأستاذ صلاح الدين الزعبلاوي. علماً بأن معظم مادة هذه الفقرة مقتبس من هذا الكتاب.
29- راوَحَ - تَراوَحَ
* ((راوَحَ)) فعلٌ لازم. يقال: راوح الرجُلُ بين العملين: عمِلَ هذا مرة وهذا مرة. راوَحَ بين رِجْليه، وبين جنبَيْه وأمثال ذلك: يُعمِل هذا مرة وهذا مرة. ومنه الإيعاز العسكري: ((مكانَكْ، راوِحْ!)) إذا أُريدَ أن يَلزَمَ الجنديُ مكانَه، ويحركَ رجليه بالتناوب فِعْلَ الماشي.
ويمكن - مجازاً - أن يقال: راوَحَ الضغطُ بين 50 و 60 كغ/سم2، (بار) وعندئذ يُفهم أن الضغط كان تارةً 50، وتارةً أخرى 60!.
أما إذا أُريدَ التعبير عن أن الضغط كان متغيراً في المجال 50-60، فيمكن القول: تَقَلَّب الضغط بين 50 و60، أو كان الضغط واقعاً في المجال 50-60.
* ((تراوَحَ)) فعلٌ من أفعال المشاركة (أي يشترك فيه اثنان فصاعداً). وهو يأتي متعدياً فيقال: تراوَحَ الرجُلان العملَ: تعاقباه؛ تراوَحَتْه الأحقابُ: تعاقبت عليه. ويأتي لازماً: فلانٌ يداه تتراوحان بالمعروف: تتعاقبان به.
ومع ذلك، أجاز (!) مجمع القاهرة أن يقال: (تراوح الجوُّ بين الحَرِّ والبَرْد)، والفاعل هنا واحدٌ فقط: الجوّ! والمعنى أنه كان تارةً حاراً، وتارةً بارداً؛ وأن يقال: (تراوح السِّعرُ بين الارتفاع والانخفاض)، والفاعل هنا أيضاً واحدٌ فقط: السعر! والمعنى أنه كان تارةً مرتفعاً وتارةً منخفضاً.
فهل تؤدي العبارة: (تراوحت درجة الحرارة بين 35ْ و 45ْ) ما يؤديه قولنا: (كانت درجة الحرارة بين 35ْ و 45ْ)؟!! أو: تَقَلَّبتْ درجة الحرارة بين 35ْ و 45ْ)؟(/10)
ثُم ألا يُغْني قولُنا: (تقع درجة الحرارة بين 35ْ و 45ْ)، عن القول: (تتراوح درجة الحرارة بين 35ْ و 45ْ)؟
أو حتى قولنا: (درجة الحرارة هي بين كذا وكذا)؟
30- التقويم والتقييم
جاء في معاجم اللغة:
1- قوَّم الشيءَ: ثقَّفه: جعله يستقيم ويعتدل (متن اللغة).
: عدَّله (محيط المحيط).
قوَّم المُعوجّ: عدَّله وأزال عِوَجه (الوسيط).
قوَّم السِّلعة: سَعَّرها وثَمَّنها (الوسيط).
قوَّم السلعة: قدَّر ثمنها وسعَّره (متن اللغة / مجاز!).
قوَّم السلعة واستقامها: قدَّرها (لسان العرب).
قوَّم المتاعَ واستقامه (أساس البلاغة).
وعلى هذا يكون معنى التقويم:
أ - التعديل، نحو: تقويم الأسنان …
إن الغصون إذا قَوَّمْتها اعتدلتْ ولا يلين إذا قوَّمْته الخشبُ
ومن هذه البابة استعمال (التقويم) في بعض التعابير، نحو: تقويم الأخلاق، تقويم اللسان (أي اللغة)، تقويم التيار الكهربائي المتناوب.
ب - التقدير: ومنه:
التقويم: حساب الزمن بالسنين والشهور والأيام (الوسيط + محيط المحيط).
تقويم البلدان: تعيين مواقعها وبيان ظواهرها (الوسيط) - بيان طولها وعرضها (محيط المحيط).
ما قوَّمَتك ملوكُ أرضٍ قيمةً إلا ارتفعْت وقصَّر التقويمُ
(العباس بن الأحنف)
2- القيمة: ثمن الشيءِ بالتقويم (اللسان).
قيمة الشيء: قدْره؛ قيمة المتاع: ثمنه (الوسيط).
ثمة قاعدة صرفية مطّردة [انظر كتاب (أضواء على لغتنا السَّمْحة)، محمد خليفة التونسي /212]: إذا وقعت الواو ساكنةً بعد حرف مكسور، قُلبت ياءً لتُناسب الكسرة التي قَبْلها.
فنصوغ من (وَزَن، وَقَت، وَعَد) أسماءً على وزن مِفْعال بقولنا: ميزان، ميقات، ميعاد. ولا نقول: مِوْزان، مِوْقات، مِوْعاد!(/11)
ونقول: قام يقوم قوماً؛ دام يدوم دوماً؛ عاد يعود عوداً. ثم نقول - طِبْقاً للقاعدة الصرفية السابقة - قِيْمة، دِيْمة (المطر يدوم طويلاً)، عِيْد. ونجمعها على؛ قِيَم، دِيَم، أعياد. والمطّرد في الاشتقاق من هذه الألفاظ ونحوها، الرجوع إلى أصل الحرف في الفعل الثلاثي. فإذا اشتققنا من (قيمة) نقول: قوَّمت الشيءَ تقويماً؛ بإعادة الياء واواً كالأصل. ونقول: دوَّمَتِ السماءُ، بمعنى أنزلت مطراً دام طويلاً.
ولكن العرب أهملوا أحياناً النظر إلى أصل حرف العلّة هذا، فقالوا: (دَيَّمتِ السماء) أخْذاً من (ديمة)، مثلما قالوا: (دوَّمتِ السماء). وقالوا: (عيَّد الناسُ) إذا شهدوا العيد، ولم يقولوا: (عوَّدَ الناسُ) [وذلك دفعاً لتَوَهّم أنها من (العادة) لا من (العيد)].
وعلى هذا جوَّز مجمع القاهرة سنة 1968 استعمال التقييم بمعنى بيان القيمة، وأورد في معجمه (الوسيط): قيَّم الشيءَ تقييماً: قدَّر قيمته.
31- خاصةً، خصوصاً، خِصِّيْصى، الخِصِّيْص
مصادر الفعل الثلاثي سماعية، تُعرف بالرجوع إلى المعاجم وكتب اللغة [بخلاف مصادر الرباعي (المجرد والمزيد) والخماسي والسداسي، فهي قياسية؛ وشذّ بعضها عن القاعدة وخالف القياس].
والفعل اللازم (خصَّ الشيءُ يَخُصُّ خُصوصاً وخَصوصاً: ضِدُّ عَمَّ) له - كما نرى - مصدران.
والفعل المتعدّي (خَصَّهُ) بمعنى فَضّله دون غيره ومَيَّزه، له أحد عشر مصدراً! أهمها:
خصَّه يَخُصُّه خَصّاً وخُصوصاً وخُصوصِيَّةً وخِصِّيصَى وخاصةً. ويرى بعض اللغويين أن (خاصة) اسم مصدر، أو مصدر جاء على (فاعلة) كالعافية.
تقول: أُحبّ الفاكهة (و) خصوصاً العنبَ. [بالواو أو بلا واو]. (ينصب خصوصاً على أنه مصدر نائب عن فعله، وما بعده مفعول به: سُرَّ الأولادُ باللَعِب خصوصاً الأطفالَ الصغار)
وتقول: أُحبّ الفاكهة (و) خاصَّةً العنبَ. [بالواو أو بلا واو].
وتقول: أُحبّ الفاكهة وبخاصّةٍ العنبُ [العنب: مبتدأ مؤخر].(/12)
وجاء في (اللسان / خصّ): ((سُمع ثعلب يقول: إذا ذُكر الصالحون فَبِخاصّةٍ أبو بكر، وإذا ذُكر الأشراف فبخاصةٍ عليٌّ)).
ويقولون: (فعلتُ هذا خِصِّيصاً لك)، وهذا خطأ صوابه: (فعلتُ هذا خِصِّيصَى لك، أو خاصاً، أو خصوصاً، أو خَصّاً). ذلك أن المصدر (خصيصى) لا يُنَوَّن لأن أَلِفَه زائدة وليست من أصل الكلمة (خَصَّ).
وكذلك (سلمى) لا تنون لأن ألفها ليست من الأصل (سلم).
على أن في اللغة كلمة أخرى هي: (الخِصِّيْصُ: مَن هو أخَصُّ من الخاصّ)، وهذه تُنوّن! فمثلاً: جاء في الصفحة 10 من كتاب (أسرار الحكماء) لمؤلفه جمال الدين ياقوت المستعصمي البغدادي (توفي 698 هـ): ((وقال عنه ابن تغري بردي: وكان جمال الدين ياقوت خِصِّيْصاً عند أستاذه الخليفة المستعصم بالله العباسي))، أي: كان جمال الدين أثيراً عند الخليفة، ومن أخصّ خاصّته.
وهناك مصادر أخرى على وزن فِعِّيلى، منها:
بَزَّ قرينَهُ يَبُزُّه بَزّاً وبَزَّةً وبِزِّيزَى: غَلَبَه.
ترامى القومُ ترامياً ورِمِّيَّا: رَمى بعضُهم بعضاً. [تكتب الألِف في (رِمِّيّا) قائمةً لأنها مسبوقة بياء!].
ويقال: كانت بين القوم رِمِّيَّا ثم صاروا إلى حِجِّيزَى: تَرامَوْا ثم تحاجزوا (انفصل بعضهم عن بعض).
32- المختصّ والاختصاصيّ - المُشِعّ والإشعاعي
* إذا تأملنا بعض أسماء الفاعلين والمنسوبات إلى المصادر، كالواردة في القائمة التالية:
الفعل ... اسم الفاعل ... المَصدر ... المنسوب إلى المصدر
عَلَّم ... مُعلِّم ... تعليم ... تعليميّ
أدار ... مدير ... إدارة ... إداريّ
دَرَّب ... مدرِّب ... تدريب ... تدريبِيّ
قضى ... قاضٍ ... قضاء ... قضائيّ
ابتدأ ... مبتدئ ... ابتداء ... ابتدائيّ
اختص ... مختص ... اختصاص ... اختصاصيّ
تَخصّص ... مُتخصِّص ... تَخصُّص ... تخصّصيّ
أَشَعَّ ... مُشِعّ ... إشعاع ... إشعاعيّ(/13)
نجد أنه لا يجوز - غالباً - استعمال المنسوب إلى المصدر في مقام اسم الفاعل. فلا أحد يقول: فلانٌ تعليميّ، بدلاً من معلّم! ولا: قضائيّ، بدلاً من قاضٍ!
وإذا قيل: فلانٌ خبير اقتصادي، فالمقصود أنه ذو صلة بعِلْم الاقتصاد، لا أنه مُقتصِد! وإذا قيل عن شخصٍ أو شيءٍ (منهجٍ، أسلوبٍ، …) إنه إحصائي، فالمعنى أنه ذو صلة بعِلم الإحصاء، أو قائم عليه، أو يرمي إليه، أو... لا أنه مُحْصٍ يُحْصي!
يقال على الصواب: كتاب / تدريب/ معهد / مَشْفى تخصّصيّ.
ويقال: تعليم تخصصي؛ الفرع التخصصي [الذي ينتمي / ينتسب إليه الطالب].
فهل ثمة مُسَوِّغ لاستعمال (اختصاصيّ) بدلاً من (مختصّ بـ/في) أو (متخَصّص في/بـ)؟
قال القفطي في تراجمه: (وعليٌّ هذا من المتخصصين بعِلْم النجوم).
* جاء في المعاجم: خَصَاه - خَصْياً وخِصاءً: سَلَّ خُصْيتَيه؛
وجاء في بعض المعاجم (القاموس المحيط؛ تاج العروس؛ متن اللغة):
أخْصَى الرجلُ: تَعَلَّمَ علماً واحداً (مجاز!).
ومَصْدر أخصى هو (إخصاء)، والنسبة إليه (إِخْصائيّ) (لا أَخِصّائي!!!).
فما بالُ قومٍ يتركون المتخصص والمختص، بل والاختصاصي، ليستعملوا الإِخْصائي، وهو لفظٌ يُذَكِّر بالخِصاء؟!!
* يُستعمل المنسوب إلى المصدر - أحياناً - مع اسم الفاعل، نحو: منبعٌ مُشعّ، منبع إشعاعي، مع اختلاف في المعنى لا يخفى على المتأمل. ذلك أن كلمة (إشعاع) وإن كانت في الأصل مصدراً، تَخْرُجُ غالباً في الاستعمال عن مَصْدريتها (الدلالة على الحَدَث) وتنجذب إلى الاسمية. وبالفعل: (الإشعاع هو الطاقة التي تنتشر في الفضاء أو في وسط ماديّ، على هيئة موجاتٍ أو جسيمات).
فالمقصود، إذن، بالمنبع الإشعاعي هو، في الواقع، منبع الإشعاع!.
33- كيلو واط ساعة (لا: ساعيّ!)(/14)
حدثني الأستاذ وجيه السمان رحمه الله (وكان عضواً في مَجْمع اللغة العربية بدمشق) أنه أدخل قبل نحو 50 سنة مصطلح (كيلو واط ساعيّ) مقابل (kilowatt-heure أو kilowatt-hour) حين وضع كتاب الفيزياء لطلاب شهادة الدراسة الثانوية. وأبدى لي أسفه لذلك، لأنه رأى بعد مدة أن الصواب هو: كيلو واط ساعة. وأنا أوافقه في هذا الرأي، لأن kWh هو الطاقة المنتَجة أو المستهلكة بجهازٍ استطاعته كيلو واط واحد خلال ساعة واحدة. وأقترح استعمال هذا المصطلح (كيلو واط ساعة) وإشاعته في الكتب والمقالات العلمية.
34– النسبة إلى (الطاقة)
الصواب أن يقال: (تخطيطٌ طاقِيّ) (لا: طاقَوِيّ!)، لأن النسبة إلى الطاقة كالنسبة إلى الساعة (ساعيّ).
والقاعدة الكلية في النَّسَب هي: تُحذف تاء التأنيث، ويَلْحق آخرَ المنسوب - إذا كان حرفه الأخير صائتاً - ياءٌ مشددة مكسور ما قبلَها. وبعبارة أخرى، إذا تحقق الشرط المذكور، لا تظهر الواو قبل ياء النَّسَب.
35- مئة / مائة
لا يزال العدد (100) يُكتب هكذا: (مائة)، ويَنْطِقه بعضهم (ماءه) بفتح الميم، كأنّه مؤنث (ماء)! وسبب الخطأ في النطق هو زيادةُ الألِف (لأسباب تاريخية) وعدمُ وضع كسرة تحت الميم. والصواب أن تكتب هكذا (مئة)، فهذه الكتابة تقتضي كسر الميم، على وزن ((فئة، رئة))، ولا مجال عندئذٍ لتشويه لفظها. وقد أقرّ مَجْمع اللغة العربية في القاهرة سنة 1963 حذْف ألِفِ (مائة) والتزامَ ذلك. وأجاز المجمع فصل الأعداد من (ثلاث) إلى (تسع) عن (مئة). تقول: خَمسُ مئة، أو: خَمسُمئة.
36- إذَنْ(/15)
رُسِمتْ هذه الكلمة في المصحف بالألِف، هكذا: (إذاً). ولكن رَسْم المصحف لا يقاس عليه، كما يقول صاحب (جامع الدروس العربية) الشيخ مصطفى الغلاييني، الذي يقول أيضاً: إن ((الشائع أن تكتب بالنون)). والمازنيّ والمُبرِّد يكتبانها نوناً ويقفان عليها بالنون، مثل: لن. وقد أوردها (المعجم الوسيط)، الذي أصدره مَجْمع اللغة العربية بالقاهرة، بالنون: إذنْ!
37- المصدر الصناعي: الشفافية…
المصدر الأصلي هو اللفظ الدال على الحدث، مجرداً عن الزمان، مثلُ: عَلِمَ عِلْماً، نهض، نهوضاً… وقد ذكرنا في الفقرة 31 أن مصادر الفعل الثلاثي سماعية، بخلاف مصادر بقية الأفعال، فهي قياسية.
والمصدر قد يراد به الاسم لا حدوث الفعل، كما تقول: العِلْمُ نُورٌ. (وفي هذه الحالة يجوز جمعه، فيُجمع عِلم على علوم).
أما المصدر الصناعي فهو قياسي، ويطلق على كل لفظ (جامد أو مشتق، اسم أو غير اسم) زِيد في آخره حرفان هما: ياء مشددة بعدها تاء تأنيث مربوطة، ليصير بعد هذه الزيادة اسماً دالاً على معنىً مجرد لم يكن يدل عليه قبل الزيادة. فهو يدل على صفة في اللفظ الذي صُنع منه، أو على ما فيه من خصائص، أو على أشياء أخرى كما سنرى.
وقد ورد عن العرب بضع عشرات من المصادر الصناعية، منها: الجاهلية، الأريحية، الفروسية، العبقرية، العبودية، الألمعية، الألوهية، الربوبية، الوحدانية...
وكثير من المصادر الصناعية قد تحوّلت في الأصل عن أسماء منسوبة أُنزلت منْزلة الصفات المشتقة للدلالة على حال الموصوف وهيئته، واستُعملت كذلك، نحو قولك: (إنسانيّ، حيوانيّ، كَمِّيّ، كيفيّ، جزئيّ، كلّيّ…). فإذا أُريد التعبير بها عن جوهر حال الموصوف ومجرّد حقيقته، أُحيل الوصف إلى (مصدر صناعي) بإلحاق تاء ((النقل من الوصفية إلى الاسمية)) نحو: الإنسانية، الحيوانية، الكمية، الكيفية، الجزئية، الكُلِّية…(/16)
وقد أكثر المولَّدون من هذه المصادر بعد ترجمة العلوم بالعربية. وقرر مجمع اللغة العربية بالقاهرة قياسيّة صوغ هذا المصدر، لِسَدِّ حاجة العلوم والصناعات إلى ألفاظ جديدة تعبِّر عن معانٍ جديدة.
ولكن متى نصنع مصدراً من المصدر الأصلي؟ أو من اسم المعنى عامةً؟
الجواب: لا معنى لإلحاق الياء والتاء بالمصدر إذا كنت تبغي معنى المصدر، أو الاسم، وحَسْب. فإن اتخاذ (العدلية) بمعنى العدل، و(الخيرية) بمعنى الخير، غير سائغ، واللغة تأباه، والعرب لم تَجْرِ به وإنما قالت: فَعَلَ ذلك على جهة العدل، وعلى جهة الخير… ولم تقل: على العدلية، ولا على الخيرية… لذلك كان الأصل في إلحاق الياء والتاء بالمصدر أو اسم المعنى عامةً، أن تزيد في معناه شيئاً، أو تبتغي خصوصية في دلالته.
* فَ (الإنتاج) مثلاً مصدر. فإذا قلت (الإنتاجية)، فلابد أنك أردت به شيئاً آخر لا يمكن التعبير عنه بمجرد لفظ (الإنتاج). والإنتاجية في الاقتصاد: العائد من سلعة أو خدمة في مدةٍ مّا، مقدّراً بوحدات عينية أو نقدية، منسوباً إلى نفقة إنتاجه.
* وَ(الاتفاق) مصدر، وهو ما تَمَّت الموافقة عليه، ويقابله agreement. أما (الاتفاقية) فيراد بها صكُّ ما اتُّفق عليه، ويقابلها convention.
* و(الاشتراك) مصدر، معناه معروف. أما (الاشتراكية) فتعني المذهب السياسي والاقتصادي القائم على سيطرة الدولة على وسائل الإنتاج وعدالة التوزيع والتخطيط الشامل…
* و(التقدم) مصدر معناه معروف. أما (التقدمية) فتعني المذهب السياسي والاقتصادي الذي يدافع عنه أنصار التطور (التقدميون).
* و(الشيوع) مصدر معناه معروف. أما (الشيوعية) فمذهبٌ يقوم على إشاعة الملكية، وأن يعمل الفرد على قدر طاقته، وأن يأخذ على قدر حاجته..
* و(الرأسمال) اسم، وهو المال المستثمر في عمل ما. أما (الرأسمالية) فتعني النظام الاقتصادي الذي يقوم على الملكية الخاصة لموارد الثروة.(/17)
* و(الشخص): كل جسم له ارتفاع وظهور، وغَلَبَ في الإنسان. أما (الشخصية) فهي مجموعة الصفات التي تميز الشخص من غيره. يقال: فلان ذو شخصية قوية.
* و(الإباحة) مصدر أباحه: أَحَلَّهُ وأطلقه. أما (الإباحية) فتعني التحلل من قيود القوانين والأخلاق.
* و(العقل): ما يقابل الغريزة التي لا خيار لها؛ وما يكون به التفكير والاستدلال، وتركيب التصورات والتصديقات. أما (العقلية) فهي مجموعة الصفات المميزة للعقل. يقال: عقلية فلان تختلف كلياً عن عقلية أخيه. [هناك كتاب عنوانه (خطاب إلى العقل العربي). وواضح أنه لا يقال في هذا المقام (خطاب إلى العقلية العربية)].
* و(الخاص): خلاف العام. أما (الخاصية) فهي صفة لا تنفك عن الشيء وتُميّزه من غيره.
* و(الإحصاء) مصدر أحصى الشيءَ: عَرَف قَدْره. أما (الإحصائية) فهي إحصاءٌ مبني على منهج علم الإحصاء، لحالةٍ تقع تحت الإحصاء، كإحصائية السكان في بلدٍ ما.
* و(الخصوص) مصدر. ولكن (الخصوصية) تدل على معنى (الخصوص) وزيادة. وقد أشار الأئمة إلى هذا بقولهم: التاء فيه للمبالغة، (المراد: تاء النقل).
ولعل من السائغ أن نكرر قول الأئمة هذا في توجيه بعض المصادر الصناعية التي استُعملت حديثاً، مثل: الاحتفالية والجمالية…
فقد بدأت مجلة (العربي) التي تصدر في الكويت، احتفالها في عدد كانون الأول 1998 بمناسبة مرور 40 عاماً على صدورها. وتوالت الكلمات والمقالات عن هذه المناسبة بلا انقطاع حتى تاريخ كتابة هذه المقالة (آب 1999). وجرى في الكويت (لقاء الأشقاء) دُعي إليه من البلاد العربية، الذين شاركوا في ميلاد هذه المجلة وتابعوا مسيرتها. هي إذن احتفالات استمرت تسعة أشهر (حتى الآن)، وليست احتفالاً واحداً. ولعل هذه المبالغة في الاحتفال تُسوِّغ صوغ (الاحتفالية)! فقد كُتب على غلاف عدد حزيران 1999: (لقاء الأشقاء: احتفالية العربي بأربعين عاماً من عمرها).(/18)
* و(المنهج): الخطة المرسومة. أما (المنهجية) فهي نظام طرق البحث.
- ويؤدي المصدر الصناعي أحياناً معنى (القابليّةلِ…) كما في المصطلحات الآتية مثلاً: التطورية (قابلية التطور) evolvability؛ الصيانيّة maintainability؛ الأدائية performability؛ تَحَمُّليّة الكلفة affordabiltiy، الالتصاقية، النفاذية…
- ويكون أحياناً أخرى مصطلحاً يعبّر عن حالة الشيء واتّصافه بكونه كذا… مثل: مُتاحِيّة الشيء (أي كونه مُتاحاً) availability؛ الموثوقية reliabilty الجاهزية؛ السُّمّيّة؛ الحمضية، القلوية…
- ويستعمل المصدر الصناعي أيضاً للتعبير عن أسماء بعض الفروع أو المقادير المميِّزة العلمية، نحو: المِطيافية spectrometry؛ المِجراعية dosimetry؛ المِضوائية photometry؛ المِحْساسية sensitometry؛ المعلوماتية information technology؛ التأثرية؛ الاستقطابية؛ النفوذية؛ التحريضية؛ المقاومّية، الناقلية، الأنتروبية… البرمجية (الحاسوبية).
وفيما يلي بعض الأمثلة على استعمال المصدر الصناعي:
1- إن ما حدث يؤكد ضرورة استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية.
أما استقلالية القضاء (أي: كون القضاء مستقلاً) فيضمنها الدستور!
2- … وتَفْرض هذه الاتصالية العالمية الواسعة… (أي: قابلية الاتصال العالمية الواسعة…)
3- إن مركزية الإدارة هي السبب في بطء العمل. (أي كون الإدارة مركزية).
4- لا مجال في العمل العام للمجهولية والتستر وراء الأسماء المستعارة (أي: لا مجال لأن يكون الإنسان الفاعل مجهولاً أو مستتراً وراء…).
5- أخرج (كورساوا) السينما اليابانية من إسار المحلّية إلى رحاب العالمية. (أي من كونها محلّية إلى كونها عالمية).
6- إن تمييز السلعة الجيدة من الفاسدة أمر سهل غالباً.
… إن تمييزية هذا الاسم واضحة. (أي: كونه تمييزاً منصوباً من حيث الإعراب).
7- … ويجمع هذا الكاتب بين عصرية التوجّه وجِدّة التعبير. ونلاحظ بسهولة موسيقية أسلوبه النثري البليغ…(/19)
8- … ويتميز هذا البحث العلمي بمنهجه الفذ… وكان منهج عمله كما يلي…
… وهذا أمرٌ لا تُقِرِّه منهجية البحث العلمي، ولا ترضاه منطقية التأليف…
(منهجية البحث العلمي: كون البحث العلمي ذا منهج في طرائق إجرائه).
9- جرى افتتاح المؤتمر في جوٍ متوتّر.
كانت افتتاحية العدد (أي المقال الرئيسي في صحيفة أو مجلة) هجوماً موفقاً على الفساد والمفسدين.
10- ما كان هذا الإشكال ليحْدُث لو أن…
من أبرز قضايا الفكر إشكالية الثقافة المعاصرة (أي: كون الثقافة المعاصرة ذات إشكالات).
11- إن ضبابية أفكاره هي التي أدّت إلى هذه الإشكالات…
ومن المصادر الصناعية الشائعة:
* الحرية، الوطنية، الأهمية، الهُوِيّة، الأنانية، الغَيْرية، الماهِيّة، الألفية، الأربعينية، الخمسينية، الآلية، الأولية، الآخرية، الأولوية، الأفضلية، الأرجحية، الأكثرية، الأقلية، الجنسية، البشرية، المفوضية، المندوبية…
* الفردية، الطائفية، القومية، الحزبية، الروحانية، العدوانية، الهمجية، الوحشية…
* الصوفية، الرومانسية، الواقعية، السريانية، التجديدية، الحتمية…
* المسؤولية، المصداقية، المشروعية، المديونية، المعقولية، المفهومية، المشغولية، المحدودية، المجهولية…
* ويستعمل النحاة:
المصدرية، الاسمية، العَلَمية، الفاعلية، المفعولية، الحالية، الوصفية، الظرفية، المعِية…
الشفافية:
أختم هذا البحث بتعليق على كلمة (الشفافية) واستعمالها.
(الشفّافية) مصدر صناعي مصنوع من (الشفّاف). [مثل الحسّاسية المصنوع من الحسّاس، وقد أجاز مجمع القاهرة تخفيف الفاء والسين المشددتين في المصدرين].
والأصل - كما ذكرت في بداية هذا البحث - أن يستعمل المصدر الصناعي لأداء معنىً لا يؤديه المصدر الأصلي.
جاء في (المعجم الوسيط): ((شفَّ الثوبُ ونحوُه يَشِفُّ شُفُوفاً: رَقَّ حتى يُرى ما خَلْفَه)).
تقول، مثلاً: شُفُوف هذا الثوب غير مقبول…
فما المقصود بـ (الشفافية)؟(/20)
* يستعمل بعض العلميين (الشفافية) اسماً لرُقاقة لدنة (بلاستيكية، تسمى بالإنكليزية transparency) طُبع عليها نصٌّ أو صورةٌ أو مخطط، تمهيداً لعرضها في قاعة المحاضرات باستعمال جهاز الإسقاط الضوئي، ويجمعونها على (شفافيات).
وأقترح استعمال (شفِيفَة) بدلاً منها (وجمعها شَفائف مقابل transparencies). فقد جاء في المعجم الوسيط: الشفيف: الشفاف. كما أقترح استعمال (شريحة) و(شرائح) مقابل diaslides .
* أما غير العلميين فيستعملون (الشفَّاف) و(الشفافية) عندما يترجمون عن الإنكليزية. جاء في (المورد) لصاحبه منير البعلبكي (وهو من أحسن المعاجم الإنكليزية - العربية):
((transparent:
(1) شفاف.
(2) صريح.
(3) جَليّ؛ واضح.
transparency:
(1) الشفافية: كون الشيء شفافاً.
(2) شيء شفّاف.
(3) صورة أو رسم إلخ، على زجاج أو ورق أو فيلم أو قماش رقيق تُجلى للعيان بنور مُشع من خلفها…)).
أقول: إن هذا المعجم، على جودته، لم يورد جميع المعاني التي تعبِّر عنها الكلمتان الإنكليزيتان. وكان عليه أن يورد المصدر الأصلي (الشُّفوف) قبل الصناعي (الشفافية). ومن الجدير بالملاحظة أن (المورد) شرح المقصود بالشفافية. وشرْحُه سليم لا غبار عليه. ولكن المترجمين (وغيرهم) لا يتقيدون به غالباً…
ويُفترض فيمن يترجم عن الإنكليزية أن يعود إلى المعاجم الكبيرة (أكسفورد، وبستر…) ليَسْتَلَّ المعنى المناسب للسياق، إذا لم يجد في المعجم الثنائي اللغة معنىً يناسب المقام.
بيد أن الذي يحدث في الأغلب الأعم هو أن المترجم يأخذ من (المورد) المعنى الأول الوارد لكل من الكلمتين الإنكليزيتين، ويكتفي به، ويستعمله كلما صادف اللفظ الإنكليزي المقابل. فتجيء الترجمات (العربية) غريبة عجيبة حقاً:
فقد جاء في نشرة (الاتحاد الأوروبي) الصادرة باللغات العربية والإنكليزية والفرنسية، العدد 7، تموز 1999، العبارات الآتية:(/21)
- ((اتحادٌ شفافٌ وفعّال))، مقابل: A transparent and efficient Union
((سيكون على فنلندا أن تنشر شفافية أكبر في عمليات الاتحاد)).
Finland will promote greater transparency in Union operations.
- ((… لزيادة فعالية وشفافية وتوافق فعاليات المفوضية والمجلس ككل)).
…
to increase the efficiency,transparency and coherence of the activities
of the Council and the Union as a whole
هل لهذا الكلام معنى؟ أيقوله عربي يدرك ما يقول؟!!
تقول المعاجم الكبيرة (أكسفورد، وبستر) إن كلمة transparent يمكن أن تؤدي أحد المعاني الآتية:
((شفّاف، صريح، واضح. ظاهر، مفضوح، مكشوف، لا ريب فيه. غير مكنون، غير مستور، غير خفي. خالٍ من التظاهر، غير مُخاتِل، غير مُخادع، يُظهر ما يُبْطِن…))
ومن هذه المعاني نستخرج بسهولة معاني الكلمة الثانية:
الشفوف، الشفافية، الصراحة، الوضوح… عدم المخاتلة، عدم المخادعة…
والأقرب إلى المعنى المراد أن يقال: اتحاد صريح غير مخاتِل وفعال، إلخ…
وأنكى مما سبق أن تقرأ في مجلة عربية تصدر في الكويت مقالةً (غير مترجمة!) يقول مؤلفها (رئيس التحرير) في العنوان الرئيسي لافتتاحية العدد:
- ((الشفافية مطلوبة عند التصدي لقضايا الهدر المائي وإقامة التوازن الحيوي والترشيد)).
- وتقرأ في هذه المقالة: ((… يجب أن تتوفر رؤية استراتيجية شفافة تقوم على…))
- ((إن الاحتكام إلى الشفافية عند علاج قضية الماء من جوانبها السياسية والجيوسياسية…))
- ((إن صيغة العقد الإنساني القائم على مبدأ الشفافية والمراعاة الإنسانية كفيل بـ…))
هل يُفهم من هذا (الكلام) شيء؟
هذه نماذج من الإباحية اللغوية التي صارت لغتنا تعانيها على أيدي (المتعلمين) من أبنائها، وهي نماذج بشعة من التخريب اللغوي!
ومما جاء في المقالة المذكورة آنفاً ((تعذيب المياه)) بدلاً من ((إعذاب المياه)) أي جَعْلها عذبة بإزالة ملوحتها!(/22)
38- أَنْعَمَ النظر؛ أَمْعَنَ في النظر (لا: تَمَعَّنَ!)
تصادف في الكتابات المعاصرة عبارات مثل: ((لابدّ للقارئ المتمعّن أن يلاحظ قصور التعريف المعطى…)) يريد الكاتب: … للقارئ المُتَنَبِّه، المُتَيَقِّظ، المدقِّق…
جاء في (المعجم الوسيط):
((تَمَعَّن: تصاغر وتّذَلَّل انقياداً!
أمعن في النظر: بالغ في الاستقصاء.
أَنْعَمَ النظر في الأمر: أطال الفكرة فيه.
غارَ في الأمر: دَقَّق النظر فيه)).
39 – لَفَتَ، اللافِتُ؛ بَهَرَ، الباهِرُ
اسم الفاعل من الفعل (لَفَتَ) هو (لافِت). وعلى هذا تقول: (شيءٌ لافتٌ للنظر). ولا يصح استعمال (المُلْفِت للنظر…).
و(الباهر) هو اسم الفاعل من (بَهَرَ) الذي من معانيه أَدْهَشَ، حَيَّرَ، غَلَبَ… أما (المُبْهِر) فهو اسم الفاعل من (أَبْهَرَ) الذي شرحه المعجم الوسيط كما يلي:
أَبْهَرَ:
1 - صار وسط النهار.
2 - تزوَّجَ كريمةً ماجدة.
3 - جاء بالعجب.
4 - تَلَوَّن في أخلاقه.
5 - استغنى بعد فقر.
فَمَن شاء استعمال (المبهر) بهذه المعاني فله ذلك، ولكن لا يصح أن يقال: نجاحٌ مُبهر، أو ضوءٌ مُبهر. والصواب: نجاحٌ باهر؛ ضوء باهر (أي: غامِرٌ غالب).
40- قاس، المَقِيْس؛ باع، المَبِيع؛ أباع، المُبَاع
يُصاغ اسم المفعول من الفعل الثلاثي، على وزن مفعول، نحو: كَتَبَ، مكتوب. فإذا كان الفعلُ أجوفَ (أي ثانيه حرف عِلّة) حذفتَ منه (واو) مفعول غالباً، نحو: صانَ يصُون مَصُوْن (الأصل: مَصْوُوْن)، لام يلوم مَلُومِ؛ صاغ يصوغ مَصُوغ؛ زاد يزيد مَزِيْد (الأصل: مَزْيُود). ولكن يقال: عاب يعيب فهو مَعيب ومَعْيوب؛ مَدِيْن ومَدْيُون…
أما من الفعل غير الثلاثي فيُصاغ اسم المفعول على وزن المضارع، بإبدال حرف المضارعة مِيْماً مضمومة وفَتْحِ ما قبل آخره، نحو: أنزَلَ يُنْزِل مُنْزَل؛ أكرم يكرِمُ مُكْرَمْ؛ أباح يُبيح مُباح؛ أطاع يُطيع مُطاع؛ أراد يُريد مُراد…(/23)
وعلى هذا يقال: باع يبيع فالشيءُ مَبيع. أما (مُباع) فمشتق من (أباع الشيءَ: عَرَضَه للبيع). أي إن الشيء المبيع هو الذي بِيْع، أما المباع فهو المعروض للبيع.
ويقال: قاس يقيس فالشيءُ مَقِيْس. أما (مُقاس) فمشتق من الفعل (أقاس)، وهو بمعنى قاسَ، لكنه غير مستعمل.(/24)
العنوان: نحو إتقان الكتابة باللغة العربية (4)
رقم المقالة: 829
صاحب المقالة: د. مكي الحسني
-----------------------------------------
القسم الرابع
41- المَعْقوف والمعكوف:
جاء في (المعجم الوسيط): ((عَقَفَ الشيءَ يَعْقِفُه عَقْفاً: حَناهُ ولَوَّاه. القوسان المعقوفان [ ])).
وأورد (الوسيط) الفعل (عَكَفَ)، وهو لازم ومتعد. ومن معانيه: عَكَفَ فلاناً عن حاجته: حَبَسَه عنها. وفي التنْزيل العزيز: {والهَدْيَ مَعكوفاً أنْ يَبْلغَ مَحِلَّه}.
أوردتُ هذه الملاحظة، لأن بعضهم يقول: (... المطبوع بين معكوفين)، والصواب: بين معقوفين، لأنه يريد هذين [ ].
42- أَنْ لا، ألاّ؛ يجب ألاّ، لا يجب أنْ…
إذا جاءت (لا) النافية بعد (أنْ) الناصبة للمضارع الذي يليها، كُتِبتا متصلتين وأُدغِمتا، نحو: قرَّر ألاّ يسافِرَ، وألاّ يغادرَ البيت ثلاثة أيام...
وإذا جاءت (لا) النافية بعد (أنْ) المخفَّفة من (أنَّ) الثقيلة، كُتِبتا منفصلتين خطّاً، ونُطِق بهما مُدْغَمتين لفظاً، إدغاماً بلا غُنَّة، نحو: ((أشهد أنْ لا إله إلا الله)).
إذا أراد المتكلم (أو الكاتب) إلى بيان وجوب ما يَنهى عنه، قال: (يجب ألاّ…) نحو: يجب ألاَّ تكذبَ، وألاّ تُنافِقَ، وألاّ تتقاعَسَ عن إتقان لغة قومك، وألاّ تقلّدَ الأجانب في كل شيء.
وإذا أراد المتكلم إلى بيان عدم وجوب ما يتحدث عنه، قال: (لا يجب أن؛ لا يجب كذا). وهذا يعني أن ما يتحدث عنه جائز (مسموح به)، لكنه غير واجب، نحو:
لا يجب على المثقَّف أن يتقن أكثر من ثلاث لُغات أجنبية...
لا يجب على الطفل أن يصوم رمضان...
43- بعض
جاء في (المعجم الوسيط):
((بعضُ الشيءِ: طائفةٌ منه قَلَّتْ أو كَثُرت)).
((بعَضَ الشيءَ يَبْعَضُه بَعْضاً: جَعَلَه أقساماً)).
((بَعَّضَ الشيءَ: جَزَّأه؛ تَبَعَّض الشيءُ: تَجَزَّأ)).
وفي التنْزيل العزيز:
{قال لبِثتُ يوماً أو بَعْضَ يوم}.
{… أَفَتُؤمِنون ببعضِ الكتابِ وتكفرون ببعض}.(/1)
{ورَفَعَ بعضَكم فوق بعضٍ درجات}.
{تلك الرُّسُل فَضَّلْنا بعضَهم على بعض}.
{وإذا خلا بعضُهم إلى بعض}.
{ولا تَجَسَّسُوا ولا يَغْتَب بعضُكم بعضاً}.
وجاء في (لسان العرب/رأس): ((وَلَدَتْ وَلَدَها على رأسٍ واحد: أي بعضُهم في إثْرِ بعض)).
وقال أبو البقاء (صاحب الكليات 2/328، 342):
• ((تستعمل هذه الألفاظُ بعضُها مكان بعض)).
• ((لأن جَمْعَ الأشياءِ إدناءُ بعضِها من بعض)).
وقد اختلف النحاة في دخول الألف واللام على ((بعض))، فأجازه بعضُهم، وبعضُهم أنكره! وقد استعمل الجاحظ وابن المقفع كلمة (البعض). قال الجاحظ: ((هذا فَرْقُ ما بين مَنْ بُعِث إلى البعض، ومَن بُعث إلى الجميع)).
ويخطئ كثيرون في استعمال كلمة (بعض):
فيقولون ... والصواب
• انضموا إلى بعضهم البعض
• شكَّ المدعوون ببعضهم البعض
• سأل الناسُ بعضَهم البعض
• غضبوا من بعضهم البعض
• لطباعتها بجوار بعضها البعض
• ليطبعها مفصولةً عن بعضها البعض
• أقواس متداخلةٌ ضمن بعضها البعض
• نستخدم حَرْفي ((سطر جديد)) خلف بعضهما البعض
• جِرْمان سماويان يدوران حول بعضهما ... • انضم بعضُهم إلى بعض
• شك بعضُ المدعوّين في بعض
أو: شك المدعوون بعضُهم في بعض
• سأل الناسُ بعضُهم بعضاً
• غضب بعضُهم من بعض
• لطباعة بعضِها بجوار بعض
أو: لطباعتها بعضِها بجوار بعض
• ليطبعها مفصولاً بعضُها عن بعض
• أقواسٌ متداخلٌ بعضُها في بعض
• نستخدم حرفي (سطر جديد)، أحدهما خَلْف الآخر
• … يدور أحدهما حول الآخر
44- (مُذَبَّب) لا (مُدَبَّب) - مُؤَسَّل
جاء في (لسان العرب):
1 - ((أَنْفُ الناب: طَرَفُهُ حين يَطْلع
2 - طَرَفُ كلِّ شيء: مُنْتهاه
قال بشار بن برد:
ألا أيها السائلي جاهداً لِيعرفَني، أنا أَنْف الكرم
3 - المُؤَنَّف: المُحدَّد من كل شيء)).(/2)
ويستعمل كثيرون كلمة (مُدبَّب) بمعنى المُؤَنَّف، أي المحدَّد (الحادّ) الطَرَف! مع أن: (دَبَّبَه: جَعَلَه يَدِبُّ)، أي: يمشي مَشْياً رويداً. كما جاء في (المعجم الوسيط).
وأرى أن الاستعمال الشائع لكلمة (مُدبَّب) بمعنى (المؤنَّف) خطأٌ نشأ عن تصحيف كلمة (مُذَبَّب)، ولم أُصادِف تنبيهاً على هذا الخطأ!
جاء في (اللسان):
1 - ((ذُباب السَّيْف: حَدُّ طَرَفِه الذي بين شَفْرَتَيْه [بعض السيوف له شفرة واحدة، ولبعضها شفرتان]؛ وما حوله من حَدَّيْه: ظُبَتَاه؛ وقيل: ذُباب السيف: طَرَفُه المتَطَرِّف الذي يُضرب به، وقيل حَدُّه.
2 - ظُبَةُ السَّهْم: طَرَفُه. وظُبة السيف: حَدُّه، وهو ما يلي طرف السيف. ومثلُه: ذُبابُه.
3 - وفي الحديث: رأيتُ ذُبابَ سيفي كُسِر، فَأَوَّلْتُه أن يصاب رجلٌ من أهل بيتي، فقُتل حمزة.
4 - ذُبابُ أسنانِ الإِبِل: حَدُّها. والذُّباب من أُذُنِ الإنسان والفَرَس: ما حَدَّ من طرفها)).
ذُباب السيف إذن هو موضعُ التقاءِ شفرتيه، طَرَفُه، مُنْتهاه؛ وهو القطعة التي ذكر الحديث السابق أنها كُسِرت.
وكل ما له ذُباب، أي طَرَفٌ حادّ، فهو مُذَبَّب.
جاء في (المعجم الوسيط):
1 - الرَّخَمُ: طائر غزير الريش، …، وله جناحٌ طويلٌ مُذَبَّب.
2 - الزُّرْزور: طائر…، وجناحاه طويلان مُذَبَّبان.
3 - الشوكة: أداةٌ ذات أصابع دقيقة مُذَبَّبة كالشوكة، يُتناول بها بعض الطعام.
4 - القَدَمَة: مقياس من المعدن، ثُبّت فيه سِنّان مُذَبَّبتان، إحداهما ثابتة والأخرى متحركة تقاس به الأطوال. (وهو ما نسمّيه في سورية: القَدم القَنَويَّة Pied à coulisse).
5 - القَرَّاع: طائر…وريشات ذيله كَزَّة مُذَبَّبة تساعده في الارتكاز
على الأشجار…
6 - النِّسْر: طائر من الجوارح … وله منقار معقوف مُذَبَّب ذو جوانب مُزوَّدة بقواطع حادّة.
وشبيهٌ بـ (المُذَبَّبِ) (المُؤَسَّلُ)؛ فقد جاء في معاجم اللغة (اللسان، متن اللغة، الوسيط):(/3)
الأَسَلَة: طَرَفُ الشيءِ المُسْتَدقُّ. ومنه أسلة النَّصْل أي مُسْتَدَقُّه.
والأسلة: طرف اللسان وطرف السِّنان (أي طرف نَصْل الرمح).
والمؤَسَّل: المُحَدَّد من كل شيء (أي ما له طَرَفٌ حادّ).
45- أَمَّنَ يُؤَمِّنُ - تأمين
جاء في (المعجم الوسيط):
• ((أَمَّن (يؤمِّن تأميناً) فلاناً: جَعَلَه في أَمْنٍ.
• أَمَّن فلاناً على كذا: أَمِنَهُ عليه؛ وَثِق به واطمأن إليه، أو جَعَلَه أَميناً عليه.
• أمَّن على الشيء [لدى شركة التأمين]: دَفَعَ مالاً مُنَجَّماً [أي على أقساط] ليَنالَ هو أو ورثته قَدْراً من المال متفقاً عليه، أو تعويضاً عمّا فَقَد. يقال: أَمَّن على حياته، أو على داره أو سيارته…
• أَمَّن على دعائه: قال آمين)).
وعلى هذا يمكن القول:
• تأمين السلاح: وَضْعُ مسمار الأمان في وضعٍ يجعل السلاح مأموناً.
• تأمين استخدام المبيدات الحَشَرِية: أي جَعْلُ استخدامها مأموناً (لا يقتل الحيوانات مثلاً).
• يؤمِّن شرطي المرور عبورَ التلاميذ للشارع (يجعله مأموناً).
• كان هدف هذا البحث العلمي: توفير الدم النظيف، وتأمين عملية نَقْلِه، ليكونَ عوناً حقيقياً للمرضى، فلا يضيف إلى ما ابتلوا به بلاءً أفدح (إيدز مثلاً).
وكثيراً ما يكون استعمال كلمة (تأمين) غير سليم. وفي هذه الحالات من الأسلم والأصوب استعمال ما يناسب السياق من الكلمات الآتية:
تزويد، تحقيق، توفير، إتاحة، إعداد، تهيئة، الحصول على، تجهيز، بحيث يمكن، تحضير، تدبير…
فيقول بعضهم ... والأصوب
• لتأمين راحة المصطافين
• يُرجى تأمين ما يلي لحاسوب الإدارة:
• قبل البدء بالتجارب يجب تأمين الأجهزة اللازمة
• ذَهَبَ لتأمين مستلزمات الرحلة
• لتأمين سِرِّيَّة الاتصالات
• المواصلات إلى مكان الاحتفال مؤمَّنة ... • لتوفير الراحة للمصطافين
• يرجى تزويد حاسوب الإدارة بمايلي:
• قبل البدء بالتجارب يجب توفير الأجهزة اللازمة(/4)
• ذهب لإحضار/ للإتيان بـ/ لإعداد/ للتزود بمستلزمات الرحلة
• لتحقيق سِرّية الاتصالات
• المواصلات إلى مكان الاحتفال متوفِّرة
46- وَفَرَ؛ وَفَّر؛ تَوَفَّر؛ توافر
جاء في معاجم اللغة وكتبها:
أ- وَفَرَ الشيءُ يَفِرُ وَفْراً و وُفُوراً: كَثُر واتسع فهو وافر (واسم التفضيل أوفر؛ يقال: فلانٌ أوفرُ من فلانٍ حظاً في النجاح).
فالوَفْر مصدرٌ بمعنى الكثرة والاتساع، كالوفرة. ويوصف به فيقال: مالٌ وَفْرٌ ومتاعٌ وَفْرٌ: أي كثير واسع، كالوافر (ومن المولَّد: الوفير بمعنى الوافر(
والوَفْر: الغنى. [تستعمل العامة (الوفر) بمعنى ما اقتُصد، ما أمكن استبقاؤه وعدم إنفاقِه/ استهلاكه. ونرى أنْ لا أثَرَ لهذا المعنى في اللغة].
قال الجاحظ (البخلاء/ 264): ((… ومَن كان سبباً لذهاب وَفْرِه، لم تعدَمْه الحَسْرةُ من نفسه، واللائمة من غيره، وقلّة الرحمة وكثرة الشماتة)). [وَفْرِه = سَعَتِه].
أما الموفور (=الوافر) فهو التام من كل شيء. يقال: أتمنى لكم موفور الصحة.
ب- وَفَّرَ الشيءَ توفيراً: كَثَّره.
وَفَّر لفلانٍ طعامه: كَمَّلَه ولم يَنْقُصْه وجَعَلَه وافراً.
وفَّر له الشيءَ توفيراً: إذا أَتَمَّه ولم يَنْقُصه.
جاء في (محيط المحيط): ((والعامة تستعمل (التوفير) في النفقة بمعنى التقتير، وضد الإسراف)). أقول: بل الشائع لدى العامة الآن هو استعمال (التوفير) بمعنى الاقتصاد في النفقة واختصارها (لا التقتير). ويمكن توجيه هذا الاستعمال، باعتبار أن الاقتصاد في النفقة يُوفِّر (يُكثِّر) الباقي في حوزة المنفِق…
ويمكن تخريج التسمية (صندوق توفير البريد) على اعتبار أن الأصل هو (صندوق التوفير البريدي)، لأن الادخار في (مؤسسة البريد) يؤدي إلى توفير المال المدَّخر، أي تكثيره.(/5)
قال الجاحظ (البخلاء/22): ((… فلمّا صِرْتُ إلى تفريق أجزائه على الأعضاء [الضمير عائد لماء الوضوء] وإلى التوفير عليها من وظيفة الماء [أي التكثير والإسباغ] وجدتُ في الأعضاء على الماء فضلاً [أي وجد أعضاءً لا ماء لها] فعَلِمتُ أنْ لو كنتُ مَكَّنْتُ الاقتصادَ في أوائله…))
وقال (ص 22) في خطاب إلى بخيل: ((... وإن إطنابَك في وصف الترويج والتثمير وحُسْن التعهد والتوفير [أي التكثير] دليلٌ على خبيء سوء، وشاهدٌ على عيبٍ ودَبَر [أي انتهاء الأمر إلى فساد])).
وقال (ص 223): ((... إلا أنّ المُنْفِق قد ربح المَحْمَدة، وتَمتّع بالنعمة، ولم يُعَطِّل المقدرة، ووَفَّى كلَّ خصلة من هذه حقَّها، ووَفَّرَ عليها نصيبَها [أي أعطاها نصيبها كاملاً فاستوفته] والمُمْسِكُ مُعذَّبٌ بحَصْر نفْسِه، وبالكَدِّ لغيره...))
وعلى هذا يمكن القول: توفير الخدمات/ المعلومات/ المال اللازم للمشروع...
ج – تَوَفَّر الشيءُ (مطاوع وَفَّر): إذا تَحَصَّل دون نقص.
ومن المجاز: توفَّر على كذا: صرف هِمَّته إليه. تَوَفَّر على صاحبه: رَعَى حُرُماتِه وبَرَّه. ( ((وأرجو مخلصاً أن يتوفر المؤتمر على حلّ هذه المشكلة)). الكلام موجَّه إلى مؤتمر مجمع القاهرة).
حكى صاحب الأغاني قَوْلَ بشّار: ((إن عدم النظر يُقوِّي ذكاء القلب، ويقطعُ عنه الشغل بما ينظر إليه من أشياء، فيَتَوفَّر حِسُّه)).
وقال المرتضى في أماليه: ((فيتَوفَّرُ اللبنُ على الحَلْب)).
وقال أبو علي المرزوقي في شرح الحماسة: ((وإن العناية متوفّرة من جهتهم)).
وقال أبو حيّان التوحيدي في مُقابساته: ((ولهذا لا تتوفَّر القُوَّتان للإنسان الواحد)).
وبهذا يستبين أن: (تَوَفَّر الشيءُ) يعني وَفَرَ وتَجَمَّع.
لذا يمكن القول: عند تَوفُّر الشروط؛ تَوَفَّر فيه الذكاء/ المؤهلات/ الشروط المطلوبة...
د- تَوافَرَ الشيءُ: تَوَافُراً: كَثُر واتسع فهو وافر.(/6)
جاء في معجم (متن اللغة): ((وهُم متوافرون: هُم كثير، أو فيهم كَثْرة، متكاثرون))
ونلاحظ الفرق بين (توفَّر) و(توافَر). كما نلاحظ في الأقوال (الشواهد) الأربعة التي أوردناها في الفقرة ج، مجيءَ (تَوَفَّر) لا (توافَرَ)!
وفيما يلي نماذج من استعمالات جانَبَها التوفيق:
يقول بعضُهم ... والأفضل
• … وهذا يوفّر الوقتَ والمال
• … وهذا يوفّر الجهد
• وبفضل هذا التعديل في العقد أمكن توفير مبلغ ضخم.
• كان همّه أن يوفر أكبر قدْرٍ من دخله.
• … وهذا الأمر وفّر عليه مصروفات كثيرة.
• هذا المحرك يوفر الكثير من الوقود
• هذه المادة أوفر من تلك (بمعنى أرخص )
• وبفضل ترشيد استهلاك الطاقة صارت نسبة الوفر في الوقود 30 بالمئة
• استطاع أن يوفر هذا المبلغ الضخم في سنة واحدة
• لتوفير إمكان التحليل الإحصائي لِكذا…
• … وبهذا استطاع توفير مبلغ مليون ل.س. ... • وفي هذا اقتصاد في الوقت والمال/ وهذا يقتصد في الوقت والمال.
• ... وهذا يختصر الجهد (أي: يحذف الفضول منه).
• وبفضل… أمكن كسْبُ مبلغ… (كسِبَ: ربح)
• كان همه أن يدّخر/ يستبقي/ يستفضل/ أكبر قدر من دخله.
• وهذا الأمر أعفاه من/ أسقط عنه/ أتاح له اختصار/ نفقاتٍ كثيرة.
• هذا المحرك اقتصادي/ يستهلك القليل من الوقود/ يخفض استهلاك الوقود كثيراً.
• هذه المادة اقتصادية أكثر من تلك/ تقتضي نفقةً أقلّ.
• وبفضل… صارت نسبة/ خفْض/ إنقاص/ الإقلال من استهلاك الوقود 30 بالمئة
• … صار الكسْب في الوقود 30 بالمئة مما كان يُستهلك.
• … صار يمكن اقتصاد 30 بالمئة من الوقود الذي كان يُستهلك.
• … انخفض استهلاك الوقود بنسبة 30 بالمئة
• استطاع أن يقتصد/ يدّخر هذا المبلغ الضخم في سنة واحدة
• لإتاحة التحليل الإحصائي لكذا…/ بحيث يمكن تحليل كذا إحصائياً…
• وبهذا استطاع أن يقتصد مبلغ…
• وبهذا استطاع أن يختصر من النفقات مبلغ…
• وبهذا كَسِب بخفض النفقة مبلغ…(/7)
47- في اسم التفضيل والخطأ في استعماله
أولاً- وزنه: لاسم التفضيل وزن واحد، وهو (أَفْعَل) ومؤنثه (فُعْلَى) كأَحْسَن وحُسْنى، وأفضل وفُضلى.
ثانياً- تثنيته: يثنّى (أفعل) على (أَفْعَلان/ أَفْعَلَيْن)، نحو: أَعْظمان/ أعظَمَيْن.
وتثنَّى (فُعلى) على (فُعْلَيَان/ فُعْلَيَيْن)، نحو: حُسْنيان/ حُسْنَيَيْن.
ثالثاً- جَمْعه: يُجمع (أفعل) للعاقل جمعَ تصحيح على (أفْعَلُون/ أفْعَلِيْن) أو جمعَ تكسير على (أفاعل)، نحو: أفضَلُون/ أفْضَليْن؛ أفَاضل.
وتُجمع: (فُعْلى) على (فُعْلَيَات)، نحو: فُضْلَيَات، حُسْنَيَات.
ويرى بعض النحاة أن تأنيث أفعل التفضيل المحلَّى بأل (أي: الأفعل) على (الفُعْلى)، وجمعَه على (الأفاعل) مقصور على السماع، ويرى آخرون أن ذلك قياسي. وقد قرر مجمع اللغة العربية بالقاهرة سنة 1967 جواز جمع (الأفعل) على (الأفاعل) وتأنيثه على (الفُعْلى)، ويلحق به في ذلك المضافُ إلى معرفة، نحو: يا أيها الأفاضلُ؛ يا أفاضلَ الناس.
رابعاً- صَوْغُه: يصاغ اسم التفضيل من الفعل الثلاثي القابل للتفضيل، غير الدّال على عيب (عَوِرَ) أو حِلْيةٍ (كَحِلَ)، فلا يقال: هذا أعورُ من هذا، ولا أكحل منه.
وهناك أقوال مسموعة شاذة، لا يُقاس عليها!
وإذا أريدَ صوغه مما لم يَسْتَوْف الشروط المذكورة، يؤتى بمصدره منصوباً بعد (أشدَّ) أو (أكثر) أو نحوهما. تقول: هو أشد إيماناً، وأبلغ عوراً، وأوفر كحلاً…
ملاحظة: قد يُستعمل اسم التفضيل عارياً عن معنى التفضيل، كقولك: (أكرمتُ القومَ أصغَرهم وأكبَرهم) تريد: صغيرَهم وكبيرَهم.
وكقول العروضيين (فاصلة صغرى، وفاصلة كبرى)، أي صغيرة وكبيرة.
وكما نقول الآن: (دولة عظمى) أي عظيمة، و(دراسات عليا) أي عالية…
خامساً- أحواله وأحكامه: لاسم التفضيل أربع حالات:
أ - تَجرُّدُه من (أل) والإضافة:
في هذه الحالة، لا بد من إفراده وتذكيره مهما يكن المُفَضَّل، وأن تتصل به (مِنْ) الجارَّة للمفضل عليه. تقول:(/8)
خالد أفضلُ من سعيد؛ هذان أفضلُ من هذا؛ المجاهدون أفضلُ من القاعدين.
سلمى أفضلُ من ليلى؛ هاتان أفضلُ من هذه/ هاتين؛ المتعلمات أفضلُ من الجاهلات. وقد تكون ((مِن)) مقدَّرة. وقد اجتمع إثباتها وحذفها في التنْزيل العزيز: {أنا أكثرُ منك مالاً وأعزُّ نفراً}.
ب - اقترانه بأل:
في هذه الحالة يمتنع وصله بـ (مِن)، فلا يقال: فلانٌ الأفضل من فلان!، ويجب مطابقته للمعرفة [اسماً كانت أو ضميراً] التي قبله تذكيراً وتأنيثاً وعدداً (أي من حيث الإفراد والتثنية والجمع). تقول:
هو الأفضل، وهما الأفضلان، وهم الأفضلون.
وهي الفُضْلى، وهما (الفتاتان) الفُضْلَيَان، وهنّ الفُضلَيَات.
وفي التنْزيل العزيز:
{سَبَّحِ اسمَ ربك الأعلى}.
{اقرأ وربك الأكرم}.
{وجَعَلَ كلمة الذين كفروا السفلى، وكلمةُ الله هي العليا}.
{وكلاً وَعَدَ الله الحُسْنى} أي العاقبة الحسنى (الجنة).
{قل هل تَرَبَّصُون بنا إلا إحدى الحُسْنَيَيْن}.
ويسترعي الانتباه التركيب القرآني الآتي:
{اِدفع بالتي هي أحسن} أي بالخصلة التي هي أحسن (كدفع الجهل بالحلم)
{إن هذا القرآن يهدي لِلَّتي هي أَقْوَمُ} أي للطريقة التي هي أعْدل وأصْوب.
ولما كان كل جَمْع مؤنثاً (ما عدا جمع المذكر السالم) وجب تأنيث اسم التفضيل العائد إليه. ولكن إذا كان الجمع لغير العاقل، جاز في اسم التفضيل الإفراد والجمع. تقول:
هؤلاء الفتيات هنّ الصغريات.
هذه/ هؤلاء الأشجار هي الكبرى/ الكُبْرَيَات.
هذه المباني/ الحدائق هي الكبرى/ الكبريات (ولا يجوز: هي الأكبر!!!).
شاهَدْنا المباني/ الحدائق الكبرى. (ويمكن أداء هذا المعنى بتغيير التركيب واستعمال اسم التفضيل المجرد من (أل): شاهدنا أكبرَ المباني/ الحدائق).
وفيما يلي نماذجُ من أفصحِ الكلام وهو التنْزيل العزيز:
{ولا تَهِنُوا ولا تَحْزنوا وأنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كنتم مُؤْمنين}.
{أنتمُ وآباؤُكم الأَقْدمون}.
{وأَنْذِرْ عَشيرتك الأَقْربين}.(/9)
{قالوا أَنُؤْمِنُ لَكَ واتَّبعَك الأَرْذَلون}.
{لا جَرَمَ أنهم في الآخِرة هُمُ الأَخْسرون}.
{قل هل نُنَبِّئُكُم بالأخْسرين أعمالاً}.
وجاء في (نهج البلاغة) من كلام الإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه (ص 497):
… أولئك - والله - الأَقَلُّون عدداً، والأعظمون عند الله قدْراً.
وقال الشاعر:
آلُ الزُّبَيْرِ سَنَامُ المجد قد عَلِمتْ ذاكَ العَشيرةُ والأَثْرَوْنَ مَنْ عَدَداْ
(الأثْرون: الأكثرون ثَراءً، جمع الأَثْرَى، وهو اسم تفضيل من ثَرِيَ)
ج – إضافته إلى نكرة:
في هذه الحالة يمتنع وصْله بـ (مِن)، ويجب إفراده وتذكيره. تقول:
خالد أفضلُ قائد؛ هذان أفضلُ رجُلين؛ المجاهدون أفضلُ رجال.
الخنساء أفضلُ شاعرة؛ هاتان أفضلُ امرأتين؛ المتعلمات أفضلُ نساء.
د- إضافته إلى معرفة:
في هذه الحالة يمتنع وصله بـ (من)، فلا يقال: فلان أفضلُ القوم من فلان، ويجوز فيه وجهان:
الأول: إفراده وتذكيره، كالمضاف إلى نكرة، نحو: هم أفضل الناس.
{ولَتَجِدَنَّهُم أحرصَ الناسِ على حياة}.
الثاني: مطابقته لما قَبْله، كالمقترن بأل، نحو: هم أفضلو الناس.
{وما نرَاك اتَّبَعَك إلا الذين هم أَراذِلُنا بادِيَ الرأي}.
وقد اجتمع الوجهان في الحديث الشريف: ((ألا أُخبركم بأَحبِّكُم إليّ وأَقْربِكُم مني مجالسَ يوم القيامة، أحاسِنُكُم أخلاقاً، المُوَطَّؤون أكْنافاً، الذين يأْلَفُون ويُؤْلَفُون)).
المعنى: ألا أخبركم بالذين هم أَحَبُّكم…
(أَحَبّ وأَقْرب وأَحاسِن: أسماء تفضيل مضافة إلى معارف).
سادساً- صَرْفُه ومَنْعُه من الصَّرْف:
من المعلوم أن الاسم (والصِفة) على وزن (أَفْعَل) يُمنع من الصرف (أي يمنع من التنوين ويُجرّ بالفتحة نيابة عن الكسرة). يقال: الجمل ينفع سكان الصحراء في أكثَرَ من وجه.
وفي التنْزيل العزيز: {وإذا حُيِّيتُم بتحيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحسَنَ منها أو رُدُّوها}.
ويقال: هذا التركيب أَفْصَحُ من ذاك.(/10)
ويقال: كان خالدٌ رجلاً عظيماً أمْجَدَ.
ولكن الاسم (والصفة) وِزان (أفعل) يُجرُّ بالكسرة على الأصل في حالتين:
الأولى: إذا اقترن بأل، نحو: تحدثتُ إلى الرجلِ الأمجدِ خالد.
الثانية: إذا أضيف إلى اسم بعده، نحو:
{لقد خَلقْنا الإنسانَ في أحسَنِ تَقْويم}.
{أليس اللهُ بأحْكَمِ الحاكمين}.
سابعاً- وفيما يلي قائمة ببعض أسماء التفضيل، المسموعة والمقيسة، وللقارئ - بناء على قرار مجمع القاهرة - أن يقيس عليها فيملأ الفراغات في القائمة، أو يشتق غيرها من أسماء التفضيل.
المفرد المذكر ... جمع المذكر
(تصحيح/تكسير) ... المؤنث المفرد ... يقال:
أعلى ... الأعلَون(1)/الأعالي ... عُلْيا(2) ... أعالي الجبال/الأشجار/البحار
أدنى ... ... دُنْيا ...
أوسط ... /أواسط ... وسطى ...
أقصى ... /الأقاصي ... قصوى(3) ... أقاصي الأرض
أكثر ... الأكثرون/ ... كثْرى ...
أقلّ ... الأقلّون/ ... قُلَّى ...
أكرم ... الأكرمون/ الأكارم ... كرمى ... يا أكرم الأكرمين
أمثل ... /أماثل ... مثلى ...
أمجد ... /أماجد ... مُجْدى(4) ... أيها السادة الأماجد
أوثق ... ... وُثقى ...
أفصح ... ... فصحى ...
أسرع ... ... سُرعى ...
أَوْلى ... ... وُلْيا ...
أسمى ... ... سُمْيا ...
أقوى ... ... قُيَّا(5) ...
أحلى ... ... حُلْوى(6) ...
أَمَرّ (ضد أَحلى) ... ... مُرَّى ...
(1) حذفت الألف لالتقاء الساكنين (الأصل: الأعْلاَوْن - الأعلَون).
(2) كتبت الألِف المتطرفة قائمة (لا بصورة الياء مثل فُعلى) لأنها مسبوقة بياء!
(3) هذا البناء شاذ قياساً، فصيح استعمالاً (القياس: قُصْيا: ويستعمله غير الحجازيين!)
(4) استعمل المبَرِّد (النحوي الشهير) هذه الكلمة.
(5) الأصل: القويا: اجتمعت الواو الأصلية الساكنة مع الياء، فقُلبت ياءً وأُدغمت فيها بمُقتضى قواعد الإعلال.(/11)
(6) هذا البناء شاذ عند الحجازيين وغيرهم. وغني عن القول أن الحُلوى (صيغة التفضيل) هي غير الحَلوى، وهي كل ما عولج من الطعام بسُكّر أو عسل.
ثامناً- كثيراً ما يستعمل اسم التفضيل في الكتابات العلمية المعاصرة، استعمالاً غير صحيح.
فيقول بعضهم ... والصواب
أ- حصل فلانٌ على النتائج الأفضل
ب – ذرة الهدروجين هي الأبسط
ج – الكونكورد هي الطائرة الأسرع
د- الكونكورد هي الطائرة الأسرع من الصوت!
(هنا خطآن: تذكير اسم التفضيل، واتصاله بـ (مِن) مع أنه محلى بأل).
هـ - … هما الدولتان الأعظم
و- … هي الدولة العظمى والأقوى
ز- الصين والهند هما الدولتان الأكثر سكاناً
ح- هذه الحالات هي الأكثر شيوعاً
ط- ماذا نقول عن الحالات الأكثر شيوعاً؟
ي- أوجد الأعداد التامة الأكبر من 1000
ك- هما العزمان الأكثر استخداماً لمتحول عشوائي
ل- فيما يلي المصطلحات الأكثر تداولاً في الكتاب
م- ما رأيته هو الأماكن الأكثر ازدحاماً ... أ- … على النتائج الفُضْلى/
… على أفضلِ النتائج
ب- … هي البُسطى/
… هي أبسط الذرات
ج- … هي الطائرة السُّرعى/
… هي أسرع الطائرات
د- الطائرة التي هي أسرعُ من الصوت هي الكونكورد
دَ- الكونكورد هي الطائرة التي تفوق الصوتَ سرعةً
هـ- هما الدولتان العُظْمَيَان/
هما أعظمُ الدول
و- هي الدولة العظمى والقُيَّا/
هي أعظمُ الدول وأقواها
ز-… هما أكثرُ الدول سكاناً
ح- هذه الحالات هي الكثرى شيوعاً/
هذه هي أكثرُ الحالات شيوعاً
ط- ماذا نقول عن الحالات التي هي أكثرُ شيوعاً؟
ي- أوجد الأعداد التامة التي هي أكبرُ من 1000
ك- هما العزمان الأكثران استخداماً…/
هما أكثرُ العزوم استخداماً…
ل- فيما يلي أكثرُ المصطلحات تداولاً…/
فيما يلي المصطلحات التي هي أكثرُ تداولاً…
م- … هو أكثرُ الأماكن ازدحاماً
48- خَطِئَ، أخطأ - غَلِط
جاء في معاجم اللغة: (الوسيط)؛ (متن اللغة)؛ (أساس البلاغة):(/12)
أ - ((خَطِئَ يَخْطَأُ خَطَأً وخِطْئاً: أذنب أو تعمَّد الذنْب، فهو خاطئ ج خواطئ)). وفي التنْزيل العزيز: {إنا كُنّا خاطئين}.
فالخطأ مصدر. والخطأ أيضاً: ما لم يُتعمَّد من الفعل؛ والخطأ ضِدُّ الصواب.
وفي (المتن): خَطِئَ فلانٌ: سلك سبيل الخطأ.
قال صاحب (جامع الدروس العربية): ((ويكون النعتُ مَصْدراً)). أي يجوز الوصفُ بالمصدر.
وفي التنْزيل العزيز: {إنه لَقَوْلٌ فَصْلٌ}؛ {إن هذا لَهُوَ القَصَصُ الحقُّ}.
ويوصف بالمصدر: المفردُ والمثنى والجمع، والمذكر والمؤنث.
يقال: مالٌ وَفْرٌ؛ العبارة الخطأ؛ رجُلٌ عَدْلٌ وامرأةٌ عدْلٌ [وعدْلةٌ (المعجم الوسيط)].
ويقال: رجلٌ ثقةٌ، ورجالٌ ثقة؛ ولكن يقال أيضاً: رجالٌ ونساءٌ ثِقاتٌ (الوسيط). وسيأتي الحديث عن جمع المصدر في الفقرة 54.
وعلى هذا يقال: رأيٌ خطأٌ، مثلما يقال: رجلٌ ثقةٌ؛ رجلٌ عَدْلٌ، قولٌ حقٌّ.
جاء في (مختصر منهاج القاصدين/236) للإمام ابن قُدامة: ((ومن ذلك العَجَبُ بالرأي الخطأ)).
وقال عباس حسن صاحب موسوعة (النحو الوافي) في كتابه (اللغة والنحو بين القديم والحديث): ((وهذه نهاية الجمود على الرأي الخاطئ)).
وقال الأب أنستاس ماري الكرملي (مجلة التراث العربي، العدد 54، ص 11): ((تَصحيفٌ مَخْطُوءٌ فيه)).
ب - جاء في (متن اللغة) وفي (الوسيط): أَخْطأ يُخْطئ إخطاءً وخاطئةً: خَطِئَ؛ غَلِطَ (حاد عن الصواب)؛ سلك سبيل الخطأ، فهو مُخْطِئ.
أخطأ في المسألة، فهو مخطِئ فيها، والمسألة مُخْطَأٌ فيها.
أخطأهُ في المسألة: أراه أنه مخطئٌ فيها.
قال صاحب (المتن): الخاطئة مصدرٌ من أخطأ، وتكون بمعنى المُخطئة!
وقال: أخطأ به: عَثَرَ به: غَلِطَ به.
جاء في كتاب د. محمد ضاري حمادي (الحديث النبوي الشريف وأثره في الدراسات اللغوية والنحوية/435): ((… مثلبة الجمود على الرأي المخطِئ)).(/13)
أ - غَلِطَ يَغْلَطُ غَلَطاً في الحساب والكتاب وغيرهما: وَقَعَ في الغلط، فهو غالطٌ وغلطانُ وغلاَّطٌ. والكتابُ مغلوط [الأصل: مغلوطٌ فيه، لكن حذفوا الصلة (فيه) تخفيفاً].
49- سَعَى إلى/لِـ/ على/ في/ بـ
مما جاء في (لسان العرب): سَعى يَسْعى سَعْياً:
أ- السَّعْيُ: عَدْوٌ دون الشَّدِّ. وفي الحديث: ((إذا أتيتم الصلاة فلا تأتُوها وأنتم تَسْعَوْن، ولكن ائتوها وعليكم السكينة؛ فما أدركتُم فَصَلُّوا، وما فاتكم فأتِمُّوا)).
ب- وسَعَى إذا مشى؛ وسعى إذا قَصَد، والسعْيُ: القَصْدُ. وإذا كان بمعنى المُضِيِّ عُدِّيَ بـ (إلى): وفي التنْزيل العزيز: {يا أيها الذين آمنوا إذا نُوْدِيَ للصلاة من يوم الجمعة فَاسْعَوْا إلى ذِكْر الله} أي: فامْضُوا إلى ذكر الله واقصِدوا (وليس من السعي الذي هو العَدْو).
ج- وسعى إذا عَمِل؛ والسعيُ: الكسْب. وإذا كان بمعنى العمل عُدِّيَ باللام. يقال: سعى لهم وعليهم: أي عمِلَ لهم وكَسَب. فلانٌ يسعى على عياله، أي يتصرف لهم.
د- قال الزجّاج: أصل السعي في كلام العرب: التصرف في كل عمل. ومنه ما جاء في التنْزيل العزيز: {وأنْ ليس للإنسان إلا ما سعى}.
هـ- وقال الزجّاج: السعي والذهاب بمعنىً واحد، لأنك تقول للرجل: هو يسعى في الأرض.
[في عبارة الزجاج (تقول للرجل) حرف الجر (لِـ) لا يفيد التبليغ - أي ليس المراد أنك توجّه الكلام للرجل - وإنما يفيد المجاوزة، أي بمعنى (عن). قال الشاعر:
كضرائر الحسناء قُلْنَ لوجْهها حَسَداً وبُغْضاً: إنه لَذميم
أي: مذموم/معيوب. قلن لوجهها = قلن عن وجهها.]
و- والسعي يكون في الصلاح، ويكون في الفساد؛ وفي التنْزيل العزيز:
{ومن أظْلَمُ ممن مَنَعَ مساجدَ اللهِ أنْ يُذكرَ فيها اسمُه وسعى في خرابها}.
{إنما جزاء الذين يحاربون اللهَ ورسولَه ويَسْعَوْن في الأرض فساداً…}. أي: يَسْعَوْن في الأرض للفساد.
سعى به إلى الوالي: وشى.
• جاء في (المعجم الوسيط):(/14)
1- سعى إليه: قَصَد ومشى، سعى إلى الصلاة: ذهب إليها؛
2- سعى في مَشْيه: عَدَا؛
3- سعى فلانٌ على الصدقة: عَمِل في أخذها من أربابها؛
4- سعى به سِعايةً: وشى ونَمَّ؛
5- نَمَّ الحديثَ: سعى به ليُوقعَ فتنةً بين الناس.
• جاء في نهج البلاغة: قال الإمام علي بن أبي طالب لرجلٍ يسعى على عَدَوٍّ له بما فيه إضرارٌ بنفْسِه: ((إنما أنتَ كالطاعن نفْسَه ليقتلَ رِدْفه)). (أي الذي خَلْفه)
• وقال عروة بن أذينة (توفي سنة 130 للهجرة):
لقد علمتُ وما الإسرافُ من خُلُقي أنَّ الذي هو رزقي سوف يأتيني
أسعى له فيُعَنِّيني تَطَلُّبُه ولو قَعَدْتُ أتاني لا يُعَنّيني
• وقال الشاعر في إخوان السوء:
وقالوا قد سَعَيْنا كلَّ سَعْيٍ لقد صدقوا، ولكن في فسادي
• وعلى هذا، يقال على الصواب:
• إذا سعى المتحول س إلى اللانهاية، سعى التابع ع إلى الصفر.
• … وسعى جاهداً لبلوغ تلك المنزلة السامية.
• الساعي في الخير كفاعله.
• وقد سعى فلانٌ طويلاً في إيجاد مأوى لأولئك الأيتام.
50- استَبدل، بَدَّل، أَبْدَل؛ بَدَلاً مِن/عن، بديلاً من/عن
أ - يقال: استبدل بثوبه القديم ثوباً جديداً، أي: ترك الثوب القديم وأخذ الجديد. ونلاحظ أن فِعل (استبدل) يَتعدّى بحرف الباء الذي يَدخل على الشيء المتروك، لا على المأخوذ!
وفي التنْزيل العزيز: {أتَسْتبدِلون الذي هو أدنى بالذي هو خَيْر؟}.
يقال إذن: استبدلَ الجيد بالسَّيِّئ؛ لا تستبدل السيئ بالجيد!
والمعنى: أَخَذَ الجيد بَدَلَ السيئ؛ لا تأخذ السيئ بدل الجيد!
استبدلَ الذهبَ بالنحاس؛ لا تستبدل النحاس بالذهب!
ب - يقال: بَدَّلَ الشيءَ شيئاً آخر. وفي التنْزيل العزيز: {فأولئك يُبدِّل الله سيّئاتِهم حَسَناتٍ}.
ويقال: بَدَّل الجديد بالقديم (بإدخال الباء على المتروك).
بَدِّل الصالح بالفاسد؛ لا تُبدِّل الفاسد بالصالح!
ويُخطئ كثيرون في استعمال هذين الفعلين من حيث إدخالُ الباء، فيُدخلونها على المأخوذ!(/15)
ولهم عنهما مَنْدوحة: إذ يقال: استعاض عن ثوبه القديم بثوبه الجديد.
ويقال: عَوَّضه مِن/عن قلمه الضائع قلماً جديداً، أو: بقلمٍ جديد.
قال المعرّي في (رسالة الغفران/240):
((ولو سُئل أَمَةً عَوْراءَ، يُعوَّض منها في الآخرة. بحَوْراءَ، لَمَا فعل!)).
ج - كما يقال: أَبْدَلَ القديمَ جديداً. أي: أبدل المتروكَ شيئاً آخر.
ويقال أيضاً: أبدل الشيءَ من غيره وبغيره: اتخذه عِوَضاً عنه وخَلَفاً له.
نحو: أبدل الجديد من القديم (أي أخذ الجديد بدلاً من القديم، بدلاً من المتروك!)
أبدل التلفاز من المذياع؛ أبدل السيارة من الحصان…
وحين يُعدَّى (أَبْدَلَ) بالباء، يدخل هذا الحرف - في الأغلب - على المأخوذ!
فيقال: أبدل القديم بالجديد (بإدخال الباء على المأخوذ!)
أبدل الجهلَ بالعِلم؛ لا تُبْدِل العلم بالجهل!
د - جاء في (أساس البلاغة): ((هذا بَدَلٌ من هذا وبديلٌ منه)).
ويقال: أخذتُ هذا بَدَلاً من ذاك.
قال ابن زيدون:
أضحى التنائي بديلاً من تدانينا ونابَ عن طِيبْ لُقْيانا تَجافِينا
ولكن يصحّ أن تقول: أخذتُ هذا بدلاً عن ذاك: لأن من معاني (عن) البَدَل! وفي رسائل الهمذاني: ((كما ضربوا الشمسَ للملوك مثلاً، وجعلوا البحرَ عنهم بدلاً)).
هـ - البَدَل من الشيء: الخَلَفُ والعِوَض. والجمع: أبْدال.
البديل: الخَلَفُ والعِوَض. والجمع: أبدال وبُدَلاء.
وتُجمع البديلة على بدائل.
51- لِـ، لأنَّ، من أجْل، بسبب، إذْ…
أ - من معاني (اللام) التعليل؛ يقال: اشكر المحْسِن لإحسانه؛ العمل ضروري لدفْع الفاقة؛ أُحبُّه لأنه كريم الأخلاق/ لِكَرَم أخلاقه…
وهناك حروف أخرى تستعمل للتعليل:
الباء: كلٌّ يكافأ بعمله، ويعاقَب بتقصيره.
من: نام من شدة التعب. قال الإمام البوصيري:
قد تُنكِر العينُ ضوءَ الشمس من رَمدٍ وينكِرُ الفمُ طعمَ الماء من سَقَمِ
في: اشتهر هذا المحامي في قضية خطيرة (أي عظيمة الشأن).
عن: لم أحْضر إلا عن طلبٍ منك.(/16)
على: أشكر المحْسِن على إحسانه…
ب - جاء في (المعجم الوسيط): ((أجْل: يقال: فعلتُ ذلك أجْلَكَ ومن أجْلِك: بسببك)).
وجاء في (المعجم الكبير-إعداد مجمع القاهرة): ((أجْل: كلمة تَدخل على سبب الشيءِ وعِلَّته. يقال: فعلتُ ذلك من أجْل كذا، ولأجْل كذا. ويقال: أجْلَ كذا)).
وفي التنْزيل العزيز: {من أجْل ذلك كَتَبنا على بني إسرائيل…}.
وإذا قيل: (وقف الطلاب إجلالاً للمعلّم) كان إعراب المَصْدر (إجلالاً) مفعولاً لأَجْلِه (أو من أجْلِه). أي إن هذا المصدر هو عِلَّة حصول الفعل، بحيث يصحُّ أن يقع جواباً لقولك: (لِمَ وقفوا؟) - لأجْل إجلال المعلم.
ويصحُّ الشيءُ نفسُه في قولنا: فلانٌ يَدْرس حُبّاً للعِلم. لِمَ يدرسَ؟ - لأجْل حُبِّ العِلم.
يقال على الصواب:
• قامت حرب البسوس بين بكر وتغلب في الجاهلية أربعين سنة من أجْل ناقة (أي بسبب ناقة).
• قامت حرب داحس والغبراء بين عبس وذبيان من أجل فرس!
• كانت هذه الدولة أول دولة في التاريخ تعلن الحرب من أجل انتزاع حقوق الفقراء عند الأغنياء، وكان الخليفة أبو بكر الصِّدِّيق أول من حارب من أجل هذا!
ويستعمل بعض المترجمين اليوم (من أجل) مقابل الكلمة الإنكليزية for والفرنسية pour صحيحٌ أنه يمكن أحياناً ترجمة هاتين الكلمتين بـ (من أجل)، ولكنْ لهما معانٍ كثيرة أخرى، من أهمها (في حال). فإذا كان لدينا التابع y = 2x مثلاً، قالوا:
y = 6 من أجل (pour, for) x = 3؛ و y = 10 من أجل (pour, for) x = 5.
والأصح أن يقال: في حال x = 3 ، y = 6 (أو: إذا كان x = 3 ، كان y = 6 ، إلخ…)
لنتأمل العبارات العلمية الآتية:
• تعطي صيغةُ (بور) سلسلةَ (بالمر) ((من أجل!)) n = 2 ((for))، وسلسلةَ (باشن) ((من أجل)) n = 3 ((for)).
أليس الأحسن أن يقال: في حال n = 2، وفي حال n = 3؟
• يكون التناسب ((من أجل!)) الطاقات الأدنى (كذا!) كما يلي…(/17)
الأحسن أن يقال: يكون التناسب في حالة الطاقات الدنيا [أو (التي هي أدنى) بحسب المعنى المراد] كما يلي…
• يقاس المقطع العَرْضيّ بالبارن، وله قيمة محددة من أجل (!) مادة معينة وتفاعل معين.
والصواب: يقاس المقطع العَرْضيّ بالبارن، وله قيمة محددة لمادة معينة وتفاعل معين.
ج - ومما يستعمل للتعليل أو لبيان الدافع، الكلمات الآتية أيضاً: بسبب كذا، بسببٍ من كذا، كي، بغية كذا، إذْ… جاء في (المعجم الوسيط): ((البُغْية: ما يُبتغى. ابتغى الشيءَ: أراده وطَلَبَه)). يقال على الصواب:
• الطريق مغلق (مغلقة) بسبب تراكم الثلوج.
• ولغة الشِعر يُتسامح فيها بسببٍ من كونها خاصة في أوزانها وقوافيها وبناء جُملها، من حيث التقديم والتأخير (د. إبراهيم السامرائي: الفعل، زمانه وأبنيته، ص 215).
• فلانٌ يتفانى في خدمة رئيسه بُغْيَةَ نَيْل رضاه/ ابتغاء مَرْضاته/ كي ينال رضاه…
• يقول الفرزدق:
فأصبحوا قد أعاد الله نِعْمتَهم إذْ هُم قريش، وإذْ ما مِثْلَهُم بَشَرُ
52- وإلاّ…
((إلاّ)) تكون أداة استثناء، نحو: أُحبُّ الناسَ إلا المنافقَ. وتكون أداة حَصْرٍ، نحو: ما فاز إلاّ الجَسُورُ.
وتكون مركَّبة من (إنْ) الشَّرطية و(لا) النافية، وذلك إن وَلِيَها فعلٌ مضارعٌ، هو فعل الشرط، ويأتي بعده جواب الشرط فعلاً مضارعاً مجزوماً، أو إحدى الجُمل الآتية: جملة اسمية أو طلبية أو فِعْلها جامد، أو مُصَدَّرة بـ: ما/ لن/ قد/ س/ سوف.
ولابدّ من اقتران هذه الجمل بالفاء الرابطة لجواب الشرط. ففي التنْزيل العزيز: {وإلا تَغفرْ لي وترحَمْني أكن من الخاسرين}. وفيه أيضاً: {إلا تَنصروه فقد نَصَرَه الله} فعل الشرط مجزوم بحذف النون (لأنه من الأفعال الخمسة) والفاء رابطة لجواب الشرط.
وقد يُحذف فعل الشرط بعد (إلاّ) هذه، نحو: تَكَلَّمْ بخيرٍ وإلاّ فاسْكُتْ! أي: وإلاّ تتكلم بخير فاسكت.
أو: تكلمْ بخير وإلاّ تَنَلْ عقاباً. (الأصل قبل الجزم: تنال).
قال الشاعر:(/18)
فطلِّقْها فلستَ لها بكُفْءٍ وإلاّ يَعْلُ مَفْرِقَكَ الحُسَامُ
أي: وإلاّ تطلِقْها يَعْلُ الحسام… (الأصل قبل الجزم: يعلو)
عليك أن تَقْبَلَ، وإلاّ فسوف تَندمُ!
نقول مثلاً: يجب أن نُحدِّدَ مجال تَغَيُّرِ المتحول س، وإلاّ يكن الحسابُ متعذراً. أي: وإلاّ نُحدِّد… يكن… لا يصحّ أن يقال هنا: وإلاّ يكون الحساب….(/19)
العنوان: نحو إتقان الكتابة باللغة العربية (5)
رقم المقالة: 892
صاحب المقالة: د. مكي الحسني
-----------------------------------------
القسم الخامس
53- الجَمْع بالألِفِ والتاء الزائدتين!
تذكِرة:
الجمع لفظ ينوب عن ثلاثة فأكثر، بزيادةٍ في آخره. وهو قسمان: سالمٌ ومُكسَّر. فالسالم ما سَلِمَ بناء مفرده عند الجمع (ويسمى أيضاً جمعَ السلامة أو التصحيح). وهو قسمان: جَمْعُ مذكّر سالمٌ، وجمع مؤنثٍ سالمٌ. فالأول ما جُمع بزيادة واوٍ ونونٍ في حالة الرفع، مثل: مدير مديرون، وياءٍ ونون في حالتي النصب والجر، مثل: مديرين.
والثاني ما جُمع بألِفٍ وتاءٍ زائدتين، مثل: مَرْيم مَرْيمات، غابة غابات، حافَة حافَات. والحقُّ أن الجمع بالألف والتاء لا يقتصر - كما سنرى - على الإناث والمؤنث…
أما الجمع المكسَّر (ويسمى جمعَ التكسير أيضاً) فهو ما تَغيّر بناء مفرده عند الجمع. ومما جاء في (جامع الدروس العربية للغلاييني، 2/29 و 30 و 31):
((ويُجمع جمعَ تكسيرٍ الأسماءُ، أي الموصوفات التي تُحمل عليها الصفات: كقلم ودار ودرهم، فإنك تصِفها فتقول: قلمٌ طويل، ودار كبيرة، ودرهم زائف. والمراد بالصفات ما يكون لغيره من الأسماء: كطويل وكبيرة وزائف.
أما الصفات، فالأصل فيها أن تُجمع جمعَ السلامة، وذلك هو قياس جمعها. وتكسيرها ضعيف، (لأنه خِلاف الأصل في جمعها). يقول الإمام ابن يعيش: ((إذا كثر استعمال الصفة مع الموصوف قوِيت الوصفية وقلَّ دخول التكسير فيها. وإذا قَلَّ استعمال الصفة مع الموصوف [أي إذا استغنت عن موصوفها] وكَثُر إقامتُها مُقامهُ، غَلَبت الاسمية عليها وقوي التكسير فيها)).
وحقُّ الصفات أن يُجمع المذكر العاقل منها جمعَ المذكر السالم، وأن يجمع المؤنث منها، والمذكر غير العاقل، جمع المؤنث السالم. لكنهم اتسعوا في تكسيرها (لاتساع ميدان البيان) كما كسّروا الأسماء)).(/1)
بيد أنهم لم يكسِّروا كلَّ الصفات: فامتنعوا من تكسير اسم الفاعل من فوق الثلاثي: نحو، مدير (من أدار) ومنطلِق (من انطلَق) ومُهْروِل (من هَرْوَلَ) ومستخرِج (من استخْرَج)، فقالوا: مديرون (لا: مُدراء!)، منطلِقون، مُهروِلون، مستخرجون… وامتنعوا من تكسير اسم المفعول إذا استُعمل صفةً خالصة. فيقال: الأب مربوط بأولاده والآباء مربوطون بأولادهم والأمهات مربوطات بأولادهن (ولا يقال مرابيط!). أما إذا استُعمل استعمال الأسماء (نحو: موضوع، مجهول، مضمون…) فيكسَّر على مفاعيل: مواضيع، مجاهيل، مضامين. وكذلك الكلمات التي تدل على النَّسَب أو العاهات أو غير ذلك (نحو: مشهور، مجنون، مملوك) فتكسَّر على: مشاهير، مجانين، مماليك.
ويَطَّرد الجمع بالألف والتاء في حالات أهمها:
أ - في أعلام الإناث من غير تاء، نحو، سلمى، هند، زينب؛ فتُجمع على: سَلْمَيَات، هِنْدات، زَيْنَبات…
ب - في أعلام الإناث المختومة بالتاء المربوطة (التي تحذف عند الجمع) نحو: صَفِيّة، بارعة، جميلة، فتجمع على: صَفِيّات، بارعات، جميلات.
ج - في أعلام الذكور المختومة بالتاء المربوطة (التي تحذف عند الجمع)، نحو حمزة، معاوية، طلحة، عَطيّة… فتجمع على: حمزات، مُعاويات، طلحات، عَطِيّات…
د - فيما خُتم بتاء التأنيث المربوطة (التي تحذف عند الجمع)، نحو: حافَة حافَات، سيدة سيدات، كلمة كلمات… وهناك كلمات مختومة بتاء التأنيث المربوطة، ومع ذلك فقد شاع جمعُها جمعَ تكسير أكثر من جمعِها بالألف والتاء، نحو، حاسّة حواسّ، مادة موادّ، دالّة دوالّ… مدرسة مدارس، مقبرة مقابر، رهينة رهائن، رائعة روائع…(/2)
وتكسَّر أيضاً الصفات زِنَة (فاعلة) التي تكون التاء فيها للمبالغة، فلا تُجمع بالألف والتاء غالباً، بل تكسَّر، نحو: طاغية (طَواغٍ)، داهية (دَواهٍ) نابغة (نوابغ) داعية (دَواعٍ) راوية (روايا). ويُستثنى مما في آخره التاء المربوطة كلمات منها: امرأة (نساء)، أَمَة (إماء) أُمّة (أمم) شاة (شياه) شَفَة (شِفاه)، مِلَّة (مِلَل)…
وجُمع بالألف والتاء بعض الألفاظ، نحو: أخت أخوات، أُمّ أُمَّات وأُمَّهات…
جَمْعُ الجَمْع
جُمع جمْعَ مؤنثٍ سالماً بعضُ جُموع الأسماء المُعَربة، وهذا ما يسمى جمعَ الجمع. والجُموع مؤنثة كما هو معلوم باستثناء جمع المذكر العاقل. وجَمْع الجمع سماعيّ! ومما سُمع: بيت بُيوت بُيوتات، رَجُل رِجال رجالات، طريق طُرُق طُرُقات، عَطاء أَعْطية أَعْطِيات، فتْح فتوح فتوحات، فَيْض فُيوض فُيُوضات.
وقد أجاز مجمع القاهرة جَمع الجمع عند الحاجة! فهل ثمة حاجة إلى ((شُروطات، فُحوصات، رسومات؟))
[ملاحظة: جُمع بعض الجموع جمعَ تكسير، نحو: قول أقوال أقاويل، إناء آنية أوانٍ، وعاء أوعية أَواعٍ….].
جَمع المذكَّر من أسماء ما لا يَعْقل، بالألِف والتاء:
مذهب جمهور النحاة في هذا الجمع هو التعويل على السَّماع. على أن من النحاة مَنْ جعله قياساً. ولو أخذنا برأي هؤلاء لجاز جمع سَيْف على سَيْفات، وغُصن على غُصنات، ونَهْر على نَهْرات، وسكِّين على سِكِّّينات، وقَلَم على قَلَمات…
ومما جُمع قديماً بالألف والتاء: اصطبل، بُوْق، جواب، حَمّام، خان، خَيَال، سِجِلّ سرادق، عِلاج، عُنوان، مَغَار، مَنْزِل، مُصَلَّى (مُصَلَّيَات)، مقام.
ثم جَمَع المتأخرون: بَدَل (بمعنى عِوَض)، تيّار، جماد، خُرَاج، سرطان، طاس، عيار، مُتَّكَأ (متكآت) نموذج… (وأضاف المحْدَثون: خِيار، صادّ (حيوي)، صادر، وارد، عَقَار).
ومما جُمع حديثاً بالألف والتاء من الأسماء المُعَرَّبة:(/3)
• إلكترون، بروتون، نترون، فوتون، هرمون (باص، بالون، صالون!!) فيتامين، رادار، استديو (استديوهات)، نترينو (نترينوهات)، سيناريو، بيانو، شاليه… وفي الكيمياء: أَلدِهِيْد، أمِيْد، أَمِيْن،… (ألدهيدات، أميدات، أمينات…).
وأقرّ مجمع اللغة العربية بالقاهرة، في سنة 1973، إجازة الجموع الآتية (وإن كان يقابل بعضَها جموعُ تكسير). وبين هذه الجموع مصادرُ مجموعة (سيأتي قريباً الكلام على جَمْع المَصْدر):
• إطارات، بلاغات، جزاءات، جوازات، حسابات، خطابات، خلافات، خيالات، سندات، شعارات، صراعات، صِمَامات، ضمانات، طلبات، عَطاءات، غازات، فراغات، قرارات، قطارات، قطاعات، مجالات، معاشات، مُعجمات، مُفردات، نتوءات، نداءات، نزاعات، نشاطات، نطاقات.
ملاحظة: مَحَلاّت جَمعُ مَحَلَّة! أما (مَحَلّ) فيُجمع على مَحَالّ!
جَمْع كَبْل وقُفَّاز
نلاحظ أن الألفاظ التي أقرها المجمع لا تشتمل على (كَبْلات) ولا (قُفّازات). جاء في (المعجم الوسيط): ((الكَبْلُ: القيد من أي شيء كان. (ج) أكبُل وكُبُول وأكبال. والكبل: حبلٌ معدني تحيط به مادة عازلة لها غلاف واقٍ. والكبل: مجموعةٌ من الأسلاك معزولٌ بعضُها عن بعض، موضوعةٌ في غلاف واق. ويستعمل هذا وما قبله في توصيل التيار الكهربيّ (مج))).
ومن المعلوم أن (فَعْل) يُجمع على (فِعال) إذا لم يكن أوله أو ثانيه ياءً، نحو: بَحْر بِحار. وعلى هذا يجوز جَمع كبْل جمعاً قياسياً على كِبالٍ أيضاً، مثل: حَبْل حِبال!
وجاء في (المعجم الوسيط): ((القُفَّاز: لباس الكفّ من نسيج أو جِلد. وهما قُفَّازان (ج) قَفافِيْز)).(/4)
ومن المعلوم أن الاسم المكوّن من خمسة أحرف، وقبل آخره حرف عِلَّة ساكن، يكون إيقاع (ولا أقول وزن) جَمْعِهِ فَعَالِيْل، نحو: خُطّاف خَطَاطِيف، دكّان دكاكين، شبّاك شبابيك، عُكّاز عكاكيز، كُلاّب كَلاليب، قنطار قناطير، سنجاب سناجيب، عصفور عصافيْر… دبّوس دبابيس، شَبّوط شبابيط، فروج فراريج، مَكّوك مكاكيك،…. قنديل قناديل، سِكِّين سكاكين، دِهْليز دَهاليز. [أما (عُكّازات) فهي جمع (عُكّازة = عُكّاز)].
جَمع الوصف لمذكَّر غير العاقل:
جَمْع هذا الوصف بالألِفِ والتاء قياسٌ لاخلاف فيه! والمقصود بالوصف هو المشتق: اسم الفاعل أو اسم المفعول، والصفة المشبهة، وكذلك المصغَّر والمنسوب واسم المكان، ففيها معنى الصفة؛ فيقال: جَبَلٌ شاهق شامخ راسٍ - جبال شاهقات شامخات راسيات. حصان سابق - أحصنة سابقات - ماء (نهر) جارٍ - مياهٌ جاريات. شهر معلوم - أشهر معلومات - أيام معدودات - بستان جميل - بساتين جميلات…
• ويقال: جهازٌ محرّك - محركات - مولِّدات - محوّلات - مُنظِّمات - مضخِّمات - مكبِّرات - رشاشات.
• علاجٌ مسكّن - مسكّنات - مليّنات - مطهّرات - منعشات - مبنِّجات - مقويات - مسْهلات.
مركَّبٌ أو مستحضرٌ مبيد - مبيدات.
وجاء في (المعجم الوسيط): ((المُحِلاّت: القِدر والرّحى والدلْو والقِربة والجَفْنة والسكين والفأس والزَّند، لأن من كانت معه يَحُلُّ حيث يشاء مستغنياً عن مجاورة الناس)).
• مأكولات - مشروبات - ملبوسات - مزروعات - محفوظات - ممنوعات - مخلوقات - مختارات - مصطلحات - مطبوعات - مخطوطات - منشورات - ملحقات - مربعات - مكعبات - مركّبات - مبتكرات - مقترحات - مستحضرات - مستوردات - مسروقات… مستحدثات - مُحتوى محتَوَيَات - مُعطى مُعْطَيَات…
• نَهْر نُهَيْر نُهَيْرات - جِسم جُسيم جُسَيْمات - جبل جبيل جبيلات - درهم دُريْهم دريهمات - كتاب كُتيّب كتيِّبات - ثوب ثويْب ثويبات - قرن قُرين قُرينات - فصّ فصيص فُصيصات...(/5)
• مرتفَع مرتفَعات - مستشفى مستشفيات - مُنتدى منتديات - منْتَزَه منتزهات - مطار مطارات - مسار مسارات - مدار مدارات…
• كليّ كليّات - غيبيّ غيبيّات - رياضيّ رياضيّات - بصريّات - سمعيّات - إلكترونيات - فوتونيّات - لسانيات - ماديات - معنويات - كونيات - جرثوميات - لمفاويات - سموميات - فطريات - سكريات - غُدَّانيّات - ثدييات - حوتيات - عصفوريات - خفاشيات - مفصليات الأرجل - مزدوجات الأصابع الجسئيات…
• وهناك أسماء آلةٍ قياس جمعها التكسير، ومع ذلك يجمعها بعض المحدثين بالألف والتاء، نحو: مِقَصّ (مَقاصّ) مِقصّات - مِفكّ (مَفاكّ) مِفكات - مِشدّ (مَشادّ) مِشَدات…
54- جَمْع مصادر الأفعال
المصدر اسم معنى يدل على حدث مجرد، غير مقيد بزمان ولا بمكان، ولا هيئة حدوثة أو مرات حدوثه، ولا يدل على من أحدثه أو اتصف به، ولا على من وقع الحدث عليه. فهو يدل على معنى ذهني مطلَق من كل القيود والعلاقات.
والمصدر المؤكِّد لفعله هو (المطلَق) حقاً، فلا وجه لتثنيته أو جمعه. ولكن حين يكون مُبيِّناً لنوعه أو عدده، لا يكون (مطلقاً) بل مقيداً بنوعه أو عدده. وهذا يدل على أن لهذا المصدر أكثر من نوع وأكثر من مرة. فكِلا هذين المصْدريْن - إذن - قد خرج من الإطلاق والشمول إلى التقييد والتحديد. وتنوُّعُه وتعدُّدُه يجعلانه قابلاً للتثنية والجمع. فيقال: تمهيدان انفجاران قَوميّتان، تمهيدات انفجارات قوميّات.
وكثيراً ما يُستعمل المصدر كأنه اسم مشتق (اسم فاعل أو صفة مشبهة مثلاً). فيبقى على إفراده (اتّباعاً لأصله) أو يثنى ويجمع إذا ساغ، حين يكون موصوفه مثنى أو جمعاً (اتّباعاً لقاعدة مطابقة الصفة للموصوف عدداً). فيقال: القاضي عَدْل (أي عادل)، والقاضية عدل؛ وكذلك القاضيان أو القضاة، أو القاضيتان أو القاضيات - عَدْل. كما يقال: القاضيان أو القاضيتان عَدْلان، والقضاة أو القاضيات عُدُول.(/6)
والخلاصة، لا يُجمع المصدر إلا إذا عُدِل به عمّا وُضع له، ولم يبق له من مَصْدريته إلا اللفظ. أي خرج عن المصدرية وانجذب إلى الاسمية، نحو: عِلْم علوم، عقل عقول، ظنّ ظُنون…
ولن نتوقف طويلاً عند جمع المصادر المختومة بتاء التأنيث أو ألِف التأنيث المقصورة، ذلك أنّ جمعها بالألف والتاء قياسي. ومن هذه المصادر ما هو أصلي، نحو: تحيّة، تهنئة، صناعة، بطولة، عبادة، توصية، تجلية، تذكِرة… فيقال في جمعها: تحيات، تهنئات… وكذلك عند الوصف بمصدرٍ كهذا، نحو: رَجلٌ ثقة، رجال ثِقات.
• وهناك: ذكرى، فكرى، رُجْعى، فحوى، طوبى.. فيقال في جمعها: ذِكريات، فكريات…
• ومن هذه المصادر ما هو ميميّ، نحو: مَشْغلة، مَسْعاة، مغامرة، مسامرة، مهاترة، مصارعة، مَجْرى (من جَرَى)، مُجْرى (من أَجْرى)، مقتضى… فتجمع على: مَشْغلات، مَسْعَيَات، مغامرات… مَجْرَيَات، مُجْرَيَات، مقتضيات…
• ومنها ما هو صناعي، نحو: عبقرية، شاعرية، مدنيّة، ماهيّة… فتجمع على: عبقريات، شاعريّات…
أما المصادر الأخرى، التي لا تنتهي بعلامة التأنيث، فقد أَقَلَّ الأئمة مِن جَمْع ما كان فِعْلها ثلاثياً، وأكثروا من جمع مصادر ما فوق الثلاثي. ((واستسهلوا فيما جمعوه من مصادر ما فوق الثلاثي جَمْع السلامة أو منتهى الجموع، وذلك لظهور القياس فيه. وقد استحبّوا جمع المصادر بالألِف والتاء فيما لم يُسمع جمعه عن العرب، وقد ضمِنُوا سلامة صيغته. وأكثروا من جمع ما ساغ جمعه على صيغة منتهى الجموع فلا يعترضهم شكٌ في تَعَرُّفِ واحده)). (مذاهب وآراء للزعبلاوي / 265).
فمن مصادر الثلاثي: تَذْكار (من ذكر) ويجمع على تَذْكارات - شذوذ شذوذات… بيان بيانات - قياس قياسات.
ومما جمع الأئمة من مصادر الرباعي:
• على وزن (فعّل): تأويلات - تحديدات - ترخيصات - تصحيفات - تدقيقات - تعريفات - تفريعات - تقريرات - تنبيهات - تنْزيلات - تخريجات.(/7)
• وعلى وزن (أفعل): إكرامات - إلزامات - إلحاقات - إشكالات - إعرابات - إفسادات - إنشاءات…
ومما جمع الأئمة من مصادر الخماسي على أوزان (افتعل) و(انفعل) و(تفعّل):
• اعتقادات - احتجاجات - احتمالات - التزامات - اعتمادات - انتقالات - اختيارات - ابتداءات - اختراعات - انطلاقات - تصرّفات.
ومن السداسي (استفعل) قالوا: استعمالات...
[كما كسّر الأئمة بعض مصادر الرباعي (فعّل) فقالوا:
• تفعيل تفاعيل - تقاسيم - تعابير - تصاريف - تفاسير - تضاعيف - تراكيب - تقاليب - تعاليل - تكابير - تصاغير - تصانيف - تآليف - تخاريج - تكاليف…]
• وكسّر غيرهم فقالوا: تقارير - تسابيح - تشابيه - تعاجيب - تصاميم…
ثم جمع المتأخرون والمحدثون من مصادر الفعل الرباعي والخماسي والسداسي (على الأوزان المذكورة) فقالوا:
• تقسيمات - تعليلات - تصميمات - تمرينات - تدريبات - تفسيرات - تعقيبات - تسبيحات - تعليقات - تحميدات - تحسينات - توشيحات - تحليلات…
• إفرازات - إعلانات - إحسانات - إقرارات - إرهاصات - إجراءات - إجهاضات - إمكانات...
• قِرانات (مِن قارَنَ).
• افتعالات: اتصالات - اجتماعات - اجتهادات - اعتبارات - اختلافات - امتحانات - اتحادات - اتفاقات - امتيازات - اتجاهات - انتقادات - انتصارات - التهابات - التصاقات - اقتراحات - اهتمامات…
• انفعالات: انكسارات - انهزامات - انقسامات - انفتاحات - انعطافات - انبعاثات - انحسارات - انقلابات...
• تجمعات - تعصبات - تحزبات - تعسفات - تكهنات - تنبؤات - توقعات - تمحّلات - تقوّلات - تهكمات - تمحكات - تشنجات - تنكّسات - تحديات...
• تساؤلات - تسابقات - تجاوزات - تسارعات - تساميات - تناحرات…
• استجوابات - استحكامات - استحسانات - استطلاعات - استعلامات - استعدادات - استغلالات - استفزازات - استفسارات - استهجانات…(/8)
أما المصادر الممدودة، فإن همزتها تبقى عند الجمع إن كانت أصلية (إنشاء إنشاءات - ابتداء ابتداءات) أو مُبْدَلَةً من حرف أصلي: إجراء إجراءات - إحصاء إحصاءات - ادعاءات - اعتداءات - افتراءات - انتماءات - لقاءات …
الخاتمة:
حُكْم الجمع بالألِف والتاء المزيدتين أنه يُرفع بالضمة ويُنصب بالكَسْرة نيابةً عن الفتحة، ويُجرُّ بالكسرة.
ولا يدخل في هذا الجمع جمعُ التكسير المختوم بألِفٍ زائدةٍ وتاءٍ أصلية، نحو: بيت أبيات - شتّ أشتات - صوت أصوات - قوت أقوات - وقت أوقات …
وكذلك جمعُ التكسير المختوم بألِفٍ أصلية وتاءٍ زائدة مربوطة، نحو: سُعاة (جمعُ ساعٍ) - رُماة (رامٍ) - دُعاة (داعٍ)…
وغنيّ عن القول أنه لا يدخل في الجمع بالألف والتاء المزيدتين الكلماتُ المفردة المختومة بألِفٍ وتاءٍ مبسوطة أصليتين، نحو: رُفات (بمعنى الحطام) - فُتات (ما تَكسَّرَ من الشيء) - سُبات (نوم، راحة، فقدان الوعي) - شتات (بمعنى التفرق)…
ومن النحاة مَن يعدُّ كلمة (بنات) جمع تكسير. غير أن الأكثرية تعدّها ملحقاً بجمع المؤنث السالم. وقد وردت هذه الكلمة في القرآن الكريم منصوبة بالكسرة عدة مرات. أما الشاهد على أنها جمع تكسير فَقَوْل الشاعِر عَبْدة بن الطبيب:
فبَكى بَناتي شَجْوَهُنَّ وزوجتي والظاعِنونَ إليَّ ثم تَصدَّعوا
ونرى أن الشاعر ذكَّر الفِعل (بكى)، ولو كانت (بنات) جمع مؤنث سالماً لأَنَّثَه (بَكَتْ)! لأن التأنيث واجب - في الرأي الأقوى - إذا كان الفاعل جمع مؤنث سالماً…
55 - يجب مَلْءُ الفراغ (لا: إملاء الفراغ)؛ المِلْءُ
جاء في معاجم اللغة: ((أَمْلى عليه الكتابَ (يُمْليه إملاءً): قاله له فكتبه عنه)). يقال في صيغة الأمر: أَمْلِ عليه الكتاب. ولهذا الفعل معانٍ أخرى.(/9)
وجاء أيضاً: ((مَلأَ يَمْلأُ الشيءَ مَلْئاً (مَلْءٌ): وضع فيه من الماء وغيره قدْر ما يَسَع)). يقال على الصواب: يجب مَلْءُ الفراغ بالكلمة المناسبة، أو: اِمْلأ الفراغ. ومن الخطأ أن يقال: يجب إملاء الفراغ!!.
وجاء أيضاً: المِلْءُ: قدر ما يأخذه الإناء ونحوه إذا امتلأ. وفي التنْزيل العزيز: {مِلْءُ الأرضِ ذهباً}. قال المتنبيّ:
أنا الذي نظرَ الأعمى إلى أَدَبي وأسمعَتْ كَلِماتي مَن به صَمَمُ
أنامُ مِلْءَ جُفُوني عن شَواردِها ويَسْهَرُ الخَلْق جَرَّاها ويَخْتصِمُ
[نام عن حاجته: غَفَلَ عنها ولم يهتمَّ بها. شوارد اللغة: غرائبها ونوادرها].
[حذَفَ الشاعرُ (مِن) قبل (جرَّاها) للضرورة الشعرية، والأصل أن يقال (مِن جرّاها).]
56- إلى حدٍّ بعيد؛ بقَدْرٍ كبير
وردتْ في مقالة علمية الجملة الآتية: ((لغة logo هي لغةُ بَرْمجةٍ اشتقت سماتها بشكل كبير من لغة LISP)). من الواضح أن كلمة (شكل) هنا استُعملت في غير محلّها. [وكنت ذكرتُ في الفقرة 12 أن كلمة (شكل) كثيراً ما تستعمل في غير ما وُضعت له، وأوردتُ أمثلةً كثيرة على الخطأ في استعمالها].
وصواب الجملة السابقة أن يقال: ((…اشتقت سماتها بقَدْرٍ كبير/ بنسبة كبيرة من لغة LISP)). وقد يقتضي مقامٌ آخر أن يقال: ((… بدرجة عالية…))
وجاء في مقالة أخرى الجملة الآتية: ((… وهذا البحث يختلف إلى حد كبير عن البحث الآنف الذكر (كذا) )).
والصواب: ((… يختلف إلى حدٍّ بعيد عن البحث المذكور آنفاً)) (راجع الفقرة 17).
فمن معاني (الحدّ) كما جاء في (المعجم الوسيط): ((حدُّ الشيء: منتهاه. ويقال: وضع حداً للأمر: أنهاه)). ويقال أيضاً: ذهب إلى أبعد حد (إلى أبعد مدى). ولا يقال: ذهب إلى أكبر حد، أو إلى حد كبير!
وأورد كاتبٌ في مقالة ثالثة الجملة الآتية: ((… وبالتالي فإن حساسية ودقة القياس تتحسّن بشكل كبير)).
والصواب: ((… لذا فإن حساسية القياس ودقته تتحسَّن كثيراً / بنسبة كبيرة…))(/10)
57- الماء المُغْلى مُعقَّم (لا: المَغْلِيّ!)
يقال: غلى الماءُ يَغْلي غَلْياً وغَلَياناً.
ويقال: تُعقَّم الأدوات بوضعها في الماء الغالي (اسم الفاعل).
ويقال: أَغْلى الماءَ يُغْليه إغلاءً فهو مُغْلى (اسم المفعول). وهي مُغْلاة؛
وأعطى الشيءَ يعطيه إعطاءً فالشيءُ مُعْطى (وهي مُعْطاة)؛
وألغى المشروعَ يُلْغيه إلغاءً فالمشروع مُلْغَى (أو: لاغٍ، من لَغا الشيءُ [بَطَلَ] يَلْغو لَغْواً فهو لاغٍ [أي باطل].
أما (اللاغية) فهي ما لا يُعتدّ به. وكلمةٌ لاغية: فاحشة (المعجم الوسيط).
كما يقال: يجب إغلاءُ / غَلْيُ / غَلَيانُ الماءِ لتعقيمه (أي يجب أن نُغْلِيَ الماءَ / أن يَغْلِيَ الماءُ).
يقال على الصواب: الماء المُغْلى معقَّم، ولا يصحّ (المَغْلِيّ): لأن الفعل اللازم - الذي لا يتعدّى بنفسه أو بحرف الجر، مثل (على) - لا يصاغ منه اسم المفعول، بل اسم الفاعل. فيقال: نام الرجُلُ ينام فهو نائم؛ صفا الماءُ يصفو فهو صافٍ؛ مضى الأمرُ يمضي فهو ماضٍ؛ خَفِيَ الشيءُ (استتر) يَخْفى خَفَاءً فهو خافٍ وخَفِيّ؛ (يا خَفِيَّ الألْطاف، نجِّنا مما نخاف!).
ولكنّ اسم المفعول يصاغ (انظر الفقرة 40):
أ- من الفعل المتعدي بنفسه، نحو: رأى الشيءَ يراه فالشيءُ مَرْئيّ؛ دعا الرجلَ يدعوه فالرجلُ مَدْعُوّ؛ رمى الحجرَ يرميه فالحجر مَرْمِيّ؛ خَفَى الشيءَ (كتمه) يَخْفِيه خَفْياً وخُفِيّاً فالشيءُ مَخْفِيّ. وهذه الأفعال المتعدية بنفسها كلها ثلاثية. ومثال الفعل الرباعي من هذه الفئة، الفعلُ: أَخْفى الشيءَ (كتمه وسَتَرَه) يُخفِيه إخفاءً فالشيءُ مُخْفَى؛ وكذلك: أعطى، ألغى، أغلى….(/11)
ب- من فعلٍ يتعدى بالحرف. ولا بدَّ في هذه الحالة من أن تَعْقُبَ صيغةَ المفعول الصلةُ التي كنتَ تُثْبتُها بعد فِعْله. فتقول: سَهَوْت عن الأمر، فالأمر مَسهُوٌّ عنه، وبُحْتُ بالسِّرِّ فالسّرّ مَبُوح به، شكَّ في الأمر، فالأمر مشكوك فيه؛ غضب عليهم، فَهُمْ مغضوبٌ عليهم. لكنّ الأئمة قد تَجَوَّزوا حيناً فحذفوا الصلة في كثير من أسماء المفعول، تسميةً واصطلاحاً، وأنزلوا اسم المفعول المحذوفَ الصلة مَنْزلةَ الصفة المشبهة، وذلك قياساً على ما سُمع. ففي التنْزيل العزيز: {ارجعي إلى رَبِّكَِ راضيةً مَرْضِيَّةً} أي مَرْضِياً عنها.
وقالوا: اسمٌ مُشْتَرَك (تشترك فيه مَعانٍ كثيرة) كالعَيْن، للباصرة، وعين الماء، وعين الشمس، وللدينار أو المال. والأصل (مُشْتَرَك فيه) بإثبات الصلة.
وقالوا: المأذون والمحجور؛ وأصْله (المأذون له، والمحجور عليه).
وقالوا: حسابٌ / كتابٌ مَغْلوط (أي مغلوط فيه).
وقال الشاعر: ((… إلى غير موثوقٍ من الأرض يذهب)) أي موثوق به. ولم يحمل ابن جني (الخصائص 1/199) هذا القول على الغلط، بل على حذف حرف الجر. (انظر كتاب (مسالك القول) لصلاح الدين الزعبلاوي / 175).
ويقال: أمرٌ مرغوب ومرغوبٌ فيه، إذ يقال: (رغبَ الأمرَ) وهو لغةٌ في (رغب في الأمر).
كما يقال: شيءٌ مباركٌ، ومباركٌ فيه، ومباركٌ عليه، إذ يقال: بارك الله الشيءَ وفيه وعليه.
58- الخطأ في: (لمحة عن حياة المؤلف)
جاء في (المعجم الوسيط):
أ- ((النُّبذة: القطعة من الشيء. يقال: نُبذة من كتاب، أو نُبذة من رواية، أو قصة)).
ب- (قرأتُ سيرةَ فلان: تاريخ حياته).
وعلى هذا، إذا قلت: (نبذة من سيرة المؤلف)، كان الكلام سليماً مستقيماً.
ج- (اللمحة: النظرة العَجلى. ويقال: رأيتُه لمحةَ البرق. ويقال: في فلان لمحةٌ من أبيه: شَبَهٌ). يقال على الصواب: لمحة تاريخية.(/12)
د- (المَلامح: ما بدا من محاسن الوجه أو مساويه. والملامح: المَشَابه. [مفرده: لمحة، على غير قياس]).
وقد شاع الآن استعمال (الملامح) بمعنى (أوصاف الوجه)، و(مظهر الإنسان)، وجَمْعاً لِ (مَلْمَح) بمعنى (ما يُلْمَح)، على غِرار: المأكل (ما يؤكل) والمشْرب (ما يشرب)؛ وأحياناً بدلاً من (مَعالم)؛ فقد جاء في مقال نشرته مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق (مج 74/ج 3/523): ((إلا أنّا نقدّم الكلام على مَلْمَحَينْ علميين كبيرين من أبرز ملامح العصر: الحاسوب والفضائيات)). ونُشر في مجلة (العربي) التي تصدر في الكويت (العدد 493/86) مِلفٌّ (مجموعة مقالات) عنوانه: (ملامحُ من قرنٍ مضى)! فتأمَّل!.
هـ- (لَمَحَ إليه: أبصره بنظرٍ خفيف، أو اختلس النظر، فهو لامح).
و- (أوجز كلامه وفي كلامه: قَلَّله واختصره).
وعلى هذا يكون معنى التركيب الشائع (لمحة موجزة: نظرة عَجلى قليلة / مختصرة!) وهذا - في رأيي - كلام ظاهر الفساد. ثم هناك من يقول (لمحة عن كذا…) أي: نظرة عجلى عن كذا، وهذا أيضاً كلام غير مستقيم.
وقد أشار محمد العدناني في (معجم الأخطاء الشائعة) إلى هذا فقال:
((ويقولون: هذه لمحة عن حياته، والصواب: لمحة إلى حياته)).
وجاء في (المعجم المدرسي): ((ويقال: لمحة إلى حياة الأديب)).
وأذكرُ أن الأديب عباس محمود العقاد استعمل في كتاباته (لمحة إلى…)، أي: نظرة عَجلى إلى… وهذا تركيب سليم، إذ يقال: (لَمَحَ إلى) كما رأينا، ويقال: (نظر إلى…).
ويمكن المرءَ (أو للمرءِ) أن يقول: (كلمة موجزة عن…)؛ فقد جاء في (المعجم الوسيط) مايلي: ((الكلمة: الكلام المؤلَّف المطوَّل، قصيدةً، أو خطبةً، أو مقالةً، أو رسالةً)).
59- بالنسبة إلى كذا(/13)
من معاني (النسبة) كما جاء في (المعجم الوسيط): ((نتيجة مقارنة إحدى كميتين من نوعٍ واحدٍ بالأخرى. يقال: يُضاف هذا إلى هذا بنسبة كذا: بمقدار كذا. ويقال: بالنسبة إلى كذا: بالنظر إليه))، والقياس (المُقايَسَة) عليه، وإليه.
يقال على الصواب: السيارة بطيئة بالنسبة إلى الطائرة. الحصاة صغيرة بالنسبة إلى الصخرة.
وكثيراً ما يُستعمل (بالنسبة إلى كذا) في الكتابات العلمية وغيرها استعمالاً غير سليم. ودونك بعضَ النماذج:
أ- … هذا بالنسبة إلى المقررات النظرية، أما بالنسبة إلى المقررات العملية فـ…
الصواب: هذا ما يتعلق بالمقررات النظرية، أما ما يخصّ المقررات…
ب- أما بالنسبة إلى بناء الكلية فيجب…
الصواب: أما بناء الكلية فيجب…
ج- وبالنسبة إلى الإيفادات يمكن القول….
الصواب: وفيما يتعلق بـ / وفي شأن الإيفادات يمكن…
د- هذا لا يعني شيئاً بالنسبة لنا!
الصواب: هذا لا يعني لنا شيئاً!
هـ- وبالنسبة إلى مُقوِّم المقالة، فإنه يَعتبر أن…
الصواب: ويرى مقوم المقالة/ وفي نظر مقوم المقالة…
60- النكرة لا تُنعت بمعرفة!
الاسم الموصول هو اسمٌ معرفة. وهو يأتي بعد المعرفة ليَصِفَها (ويُعْرَبُ صفة)، نحو:
قرأت الكتابَ الذي اشتريته. تصفحتُ الموسوعة التي حدثتني عنها.
وقد صادفتُ في عدد من المقالات التي اطّلعتُ عليها، أسماءً موصولةً (أي معارف) جِيْءَ بها بعد نكرات، خلافاً لقاعدةِ مطابقة الصفة للموصوف. ودونك نماذجَ مما قرأت:
أ- … بعَقْدٍ لبناءِ مترجمٍ حرّ والذي يسمى حالياً…
ب- … اعتمد على منصة عمل والتي إذا أدخلت إليها برمجيات…
ج- ولكل نمط بالطبع خط تطوُّرٍ خاص به والذي عليه أن يسير بالتوازي مع الخيارات…
د- … وقناة تَواردٍ شعاعية والتي تكرر ثماني مرات…
هـ- … وتعريف علاقاتٍ رياضية التي تطبق على جميع عناصر الفهرس.
ولكي تستقيم العبارات السابقة، يكفي حذْف الأسماء الموصولة وحروف الواو التي تسبقها؛ فنقول على الصواب:(/14)
أ- … بعَقْدٍ لبناءِ مترجمٍ حرّ يسمى حالياً…
ب- … اعتمد على منصة عمل إذا أدخلت إليها برمجيات…
ج- ولكل نمط بالطبع خط تطوُّرٍ خاص به عليه أن يسير بالتوازي مع الخيارات…
د- … وقناة تَواردٍ شعاعية تكرر ثماني مرات…
هـ- … وتعريف علاقاتٍ رياضية تطبق على جميع عناصر الفهرس.
ولكن إذا تكرر الاسم الموصول لتَعَدُّد صِلَتِه (أي الجملة التي تليه)، وجب عطفه بالواو. ففي التنْزيل العزيز: {سَبِّحِ اسمَ ربّك الأعلى، الذي خَلَقَ فَسَوَّى، والذي قَدَّر فَهَدَى، والذي أَخْرج المرعى…}.
61- (كذلك) و(أيضاً)
أ- كذلك = ك + ذلك. الكاف للتشبيه بمعنى (مِثْل)، فيكون (كذلك) بمعنى (مِثْل ذلك). جاء في التنْزيل العزيز:
• {يُخْرِج الحيَّ من الميت ويُخرِج الميت من الحيّ، ويُحيي الأرضَ بعد موتها وكذلك تُخْرَجُون}.
أي: ومِثل ذلك الإخراج تُخْرجون. وجاء أيضاً:
• {والذي نزَّل من السماء ماءً بقَدَرٍ فأنْشَرْنا به بلدةً مَيْتاً، كذلك تُخْرجون}.
(أنشرنا = أَحَيْينا. يقال للأنثى: مَيْتة وميْت).
والمعنى: مِثل ذلك الإحياء (إحياء البلدة الميتة) تُخْرَجون من قبوركم أحياء.
• قال ابن جني في (سرّ الصناعة 1/290): ((واعْلمْ أنه كما جاز أن تجعلَ هذه الكاف فاعلة في بيت الأعشى وغيره، فكذلك يجوز أن تُجْعل مُبتدأة فتقول على هذا: كزيدٍ جاءني، وأنت تريد: مِثْلُ زيدٍ جاءني)). هذه الإحالة مأخوذة من كتاب (الكفاف /1105) لمؤلفه يوسف الصيداوي.
• قال الجاحظ في (البخلاء /94):
((وإنْ بدا لي في استحسان حديث الناس كما يستحسنه مني من أكون عنده، فقد شاركتُ المُسْرفين، وفارقتُ إخواني من المصلحين، وصِرْت من إخوان الشياطين. فإذا صرتُ كذلك، فقد ذهب كسْبي من مال غيري، وصار غيري يكسِب مني)).(/15)
• وقال (ص 87): ((… قلتُ: قد حدث من البرد بمقداره [الضمير عائد للكساء]. ولو كان هذا البرد الحادثُ في تموز وآب، لكان إبّاناً لهذا الكساء. قال: إنْ كان ذلك كذلك، فاجْعلْ بَدَلَ هذه المُبطَّنة جُبَّةً مَحْشُوَّة، فإنها تقوم هذا المقام، وتكونُ قد خرجتَ من الخطأ. فأما لبْسُ الصوف اليوم، فهو غير جائز)).
• دَوِيُّ الريح حَفيفُها، وكذلك دَوِيّ النحلِ صوتُها.
• سافر سعيد لطلب العِلم، وكذلك فَعل خالد.
ب- أيضاً
• جاء في (لسان العرب): ((قال الليث: وتفسير أيضاً زيادةٌ)).
وجاء في (القاموس المحيط): ((فَعل ذلك أيضاً: فعله معاوداً)).
وجاء في (متن اللغة): ((فعل كذا أيضاً: أي زيادةً)).
وجاء في (المُنْجِد): ((أيضاً: تكراراً ومُراجِعاً)).
وقال صاحب (الكُلّيات): ((أيضاً: مصدر (آضَ) ولا يستعمل إلاَّ مع شيئين بينهما تَوافُق، ويمكن استغناء كلٍّ منهما عن الآخر)).
أي لا يقال (تخاصم زيدٌ وقيسٌ أيضاً) إذ لا بدّ من اثنين ليحصل التخاصم بينهما. ولكن يقال على الصواب:
• سافر زيد، وسافر قيس أيضاً (زيادة).
• قال فلانٌ كذا وكذا…، وقال أيضاً (مُعاوِداً):…
• ((جاء في مفردات ابن البيطار أن المقدونس هو الكَرَفْس الماقدوني، وقال (متن اللغة) إنه يسمى الكرفس الرومي أيضاً)). (معجم الأخطاء الشائعة لمحمد العدناني /40).
• فلانٌ لا يعشق السباحة فقط، بل الغطسَ أيضاً (زيادة).
• كان فلانٌ أعمى، وأصمَّ أيضاً.
• جاء هذا الكلام في المعجم الوسيط. انظر أيضاً معجم (متن اللغة).
• سافر سعيد لطلب العِلم، وللسياحة أيضاً.
أليس الفرق في المعنى بين (كذلك) و(أيضاً) أكبرَ من أن يَترك مجالاً للخلط بينهما؟
وهذا الخلط - في أيامنا - كثير…
62- الواو: زيادتها وحذُفها
كثيراً ما يُزاد هذا الحرف حيث لا داعي لوجوده، نحو:
• سيبدأ قريباً الفصل الدراسي الثاني والذي مدته ثلاثة أشهر.
• حصل فلانٌ على مكافأة وقدْرها….(/16)
من الواضح أن إقحام الواو في المثالين السابقين وأشباههما لا مُسَوِّغ له.
وكثيراً ما يُحذف هذا الحرف حيث يجب إثباته. فمثلاً، نسمع من محطة تلفزة عربية العبارة الآتية: (نذيع عليكم فيما يلي الأخبار المحلية العربية الإقليمية والعالمية)).
ونلاحظ أن حروف العطف الضرورية قد حُذفت إلا قبل المعطوف الأخير! لماذا؟ لأن الفرنسيين والإنكليز يفعلون ذلك!
والصواب في العربية أن يقال: … الأخبار المحلية والعربية والإقليمية والعالمية.
كتب دكتورٌ مهندسٌ إلى رئيس التحرير معترضاً على ما صنعه المدقق اللغوي، ومستنكراً: ((الإكثارَ من استخدام حرف الواو بعد الفواصل والنقاط وفي بدايات المقاطع. أعتقد أن تلك الظاهرة موروثة من الكتب التراثية التي يندر فيها استخدام علامات التنقيط (كذا) وكان حرف الواو يلعب (كذا، يريد يؤدي) دوراً رئيسياً للتعويض عن ذلك)).
[جاء في المعجم الوسيط: ((الترقيم: علامات اصطلاحية توضع في أثناء الكلام أو في آخره، كالفاصلة، والنقطة، وعلامتي الاستفهام والتعجب))].
نحن إزاء مشكلة حقيقية، هي أن بعض المتعلمين يريدون تطبيق خصائص الإنكليزية (أو الفرنسية) وأساليبها على العربية! كأنه لا يكفينا تقليد الغربيين في كثير من أنماط سلوكهم غير الحميدة…
وإذا كانت الجُمَل الإنكليزية - مثلاً - المتلاحقة لا توصل بحروف عطف، فهذا شأن تلك اللغة. أما العربية فمن خصائصها قِصَر جُمَلها، وترابطها بحروف عطف أو استئناف، وعدم تقطيع أوصالها…
[كان أجدادنا العلماء - قبل ابتكار علامات الترقيم - يكتبون بالعربية الفصيحة. ولم يستعملوا الواو (للتعويض)، إذْ لم يكن وارداً التعويض عن شيءٍ لا وجود له… وإنما استعملوها حيث يجب استعمالها… ومَنْ يقرأ الكتب التراثية القديمة يجدْ صعوبة أحياناً في إيجاد موضع الوقف للفصل بين جملتين، برغم حروف الواو التي أكثَرَ علماؤنا - كما قال صاحبنا - من استعمالها…].(/17)
أرجو القارئ أن ينظر في المقطع السابق المحصور بين معقوفين، وأن يحذف في ذهنه حروف الواو المطبوعة بحرف ثخين. كيف تصبح العبارة حينئذ؟ ألمْ تَخْتفِ السلاسة؟
هذا عن الكلام المكتوب. فماذا عن الكلام المنطوق به؟ هل كان فصحاء المتحدثين يُقحمون الواو للتعويض؟! وعَمَّ يعوّضون؟!!!
جاء عن أفصح العرب، عليه الصلاة والسلام، أنه قال:
((لا تزولُ قَدَمَاْ عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل عن عُمُرِه فِيْمَ أَفْناه، وعن عمله فيم فَعَلَ، وعن مالِهِ من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أَبْلاه)).
وجاء في الدعاء المأثور عن النبي العربي الكريم:
((اللهمَّ اهْدِني فِيْمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتَوَلَّني فيمن تَوَلَّيْت، وبارك لي فيما أعطيت، وقِنِيْ شَرَّ ما قضيت، فإنّك تقضي ولا يُقضى عليك، وإنه لا يَذِلُّ مَن واليت، ولا يَعِزُّ مَن عاديت، تباركتَ ربَّنا وتعاليت)).
هل يمكن حذْف الواوات التي وضعتُ قبلها فواصل؟!!
لا أرى - بعد هذا - حاجة إلى إيراد نماذج أخرى من كلام أئمة البلاغة كالجاحظ وغيره…
قال صاحب (الكليّات) أبو البقاء الكفوي (5/8): ((وما يذكره أهل اللغة من أن الواو قد تكون للابتداء والاستئناف، فمرادهم أن يبتدئ الكلام بعد تقدم جملة مفيدة، من غير أن تكون الجملة الثانية تشارك الأولى. وأما وقوعها في الابتداء من غير أن يتقدم عليها شيء، فَعَلى الابتدائية المجردة، أو لتحسين الكلام وتزيينه، أو للزيادة المطلقة)).
أخيراً، العطفُ يكون بحروف العطف ملفوظةً، أو-أحياناً، عند التعداد مثلاً-مَلْحوظة.
فالملفوظة كقولنا: من عبقريات العَقَّاد: عبقرية محمد، وعبقرية الصِّدِّيق، وعبقرية عمر، وعبقرية الإمام.
والملحوظة كقولنا، مع التنغيم والتقطيع بين المفردات:
من عبقريات العقاد: عبقرية محمد، عبقرية الصِّدِّيق، عبقرية عمر، عبقرية الإمام.(/18)
نحو إتقان الكتابة باللغة العربية (6)العنوان: نحو إتقان الكتابة باللغة العربية
(6)
رقم المقالة: 1060
صاحب المقالة: د. مكي الحسني
-----------------------------------------
القسم السادس
63- أسماء الإشارة
يُراعى عند استعمال أسماء الإشارة أمران:
1- المشار إليه من حيث العددُ والجنس (مذكر/ مؤنث).
2- المشار إليه أيضاً، ولكن من ناحية قُربه أو بُعده، أو توسُّطه بين القُرب
والبعد.
كما يُراعى - أحياناً - المخاطَب من حيث الجنس والعدد.
فإذا كان المشار إليه مفرداً مذكراً قريباً، استُعمل الاسم (ذا).
وإذا كان المشار إليه مفرداً مذكراً متوسطاً، استُعمل الاسم (ذاك) وهذه الكاف هي
كاف الخطاب.
وإذا كان المشار إليه مفرداً مذكراً بعيداً، استُعمل الاسم (ذلك) وهذه اللام هي لام
البُعد.
إن الكاف هي حرف خطاب يدل على التوسط (بين القرب والبُعد) ولا محل لها من الإعراب.
وهي ليست ضميراً، ومع ذلك فإنها تتصرف كما تتصرف الكاف (التي هي ضمير خطاب) نظراً
إلى المخاطَب (أي على حسَب المخاطب). فيقال: ذلكَ، ذلكِ، ذلكما، ذلكم، ذلكنَّ.
وهناك لغةٌ تجعل كاف الخطاب مبنية على الفتح مهما يكن المخاطَب من حيث الجنس
والعدد. (انظر النحو الوافي 1/324)
ويصحّ دخول حرف التنبيه (ها) على اسم الإشارة الخالي من كاف الخطاب، نحو: هذا (أصل
الكتابة: هاذا)، هذه (هاذه)، هذان، هؤلاء. وقد تجتمع مع الكاف، نحو: هذاك، هاتيك،
ولكنها لا تجتمع مع الكاف المسبوقة باللام، فلا يقال: هذلك!
ويبين الجدول الآتي أسماء الإشارة في أحوالها المختلفة.
المشار إليهاسم الإشارةنماذج
للقريبللمتوسطللبعيدالمخاطب
مفرد مذكّر، معهد مثلاًذاذاكَذلكَمفرد مذكر/ للعمومذلكَ معهدكَ، ذلكَ معهدكِ،
ذلكَ معهدكم
ذاذاكِذلكِمفرد مؤنثذلكِ معهدكِ
ذاذاكُماذلكمامثنى{ذلكما مما علمني ربي}
ذاذاكمُذلكمجمع الذكور{ذلكم خيرٌ لكم عند بارئكم}
ذاذاكُنّذلكُنّجمع الإناث{قالت فذلكنّ الذي لُمتُنَّني فيه}(/1)
مؤنث مفرد أو جمع غير العاقل نحو: مدرسة/كُتُبذيْ، ذِهْ، تِيْ،
تِهْتيكَتِلْكَللعموم{تلكَ الدارُ الآخرة}
{وتلك الأيام نداولها بين الناس}
تِلْكِمفرد مؤنث
تِلكُمامثنى{ألم أَنْهكُما عن تلكما الشجرة}
تِلكُمجمع الذكور{ونُوْدوا أنْ تلكم الجنة أوُرثتموها}ولكن جاء أيضاً {وتلك
الجنة التي أورثتموها}
تلكُنّجمع الإناث
مثنى مذكر: نحو: كتابان مُعلِّمانذانِ/ ذَيْنِِ(1)ذانِكَ/
ذَيْنِكَ-للعموم{فذانِكَ برهانان من ربك إلى فرعون ومَلَئِه}
ذانِكُما/ ذَيْنكما-مثنى
ذانِكم/ ذَيْنكم-جمع الذكور
ذانِكنّ/ ذينِكنّ-جمع الإناث
مثنّى مؤنّث نحو: مدرستان، شاعرتانتانِ/ تَيْنِ (1)تانِكَ/ تَيْنِك-للعموم
تانِكما/ تَيْنِكما-مثنى
تانِكم/ تَيْنِكم-جمع الذكور
تانِكنّ/ تَيْنِكنّ-جمع الإناث
الجمعُ مطلْقاًأوُلاء
أُولى(2)أُولئكَ
أُولاكَ(2)-
أُولالِكَ(2)
(1) في حالتي النصب والجر. (2) الواو لا تُلْفظ.
وبناءً على ماذكر، فمن الخطأ القول: (أنشئت مدرسة للطب في دمشق لِتُنافسَ تلكما
المدرستين)) والصواب: (... لتنافس تَيْنِكَ/ تَيْنِكُم المدرستين).
64- اِفْتَرضَ افتراضاً – افْتَرضَ فرْضاً
مما جاء في (المعجم الوسيط/فرض): ((فَرَضَ الأمرَ: أوجبه، يقال: فَرَضَه عليه:
كَتَبَه عليه)).
((اِفتَرضَ الباحثُ: اتخذَ فَرْضاً ليصل إلى حلِّ مسألة (مج) )).
((الفَرْضُ: ما يَفْرِضه الإنسان على نفسه. والفَرْضُ: فكرة يُؤخذ بها في البرهنة
على قضية أو حلِّ مسألة (مج) )).
وعلى هذا لا يصحّ في الكتابة العلمية أن يقال:
لِنَفْرِض أن س أكبر من ص؛
أو: وهذا مقبول بمقتضى الفَرَض.
والصواب هو: لِنَفتَرض أن س أكبر من ص؛
و... بمقتضى الفَرْض؛ لِنَفْترضِ الْفَرْضَ الآتي:... بتسكين الراء في (الفَرْض)!
65- بِمَنْزِلة كذا، يقوم مَقام كذا، كَـ...
جاء في (المعجم الوسيط): ((المَثابُ والمَثَابَةُ: البيت. والمثابة: الملجأ. وفي(/2)
التنْزيل العزيز: {وإذْ جَعَلنا البيتَ مَثابةً للناس وأمْناً}. والمثابة: مجتمع
الناس. والمثابة: الجزاء)).
ويخطئ كثيرون في استعمال كلمة (مثابة):
فيقولون:والصواب:
• هو عندي بمثابة أبي.
• هذه الأداة البسيطة هي بمثابة حاسوب.
• وكانت له هذه المُرضِع بمثابة الأم الرؤوم.
• وسنعتبر عدم إجابتكم بمثابة موافقةٍ على المشروع.• هو عندي بمَنْزلة أبي.
•... البسيطة تقوم مَقام/ تَسُدُّ مَسَدُّ حاسوب صغير.
•... المرضع كالأمِ الرؤوم.
• ... إجابتكم موافَقَةً على المشروع...
66- لمصلحة كذا (لا: لصالح كذا)
كثيراً ما نصادف عبارات مثل: (وكان هذا التعديل لصالح شركة مايكروسوفت). أو: (وراحت
الصهيونية تصادر التاريخ لصالح أسطورة الهولوكوست). وهذا خطأ، لأن (صالح) اسم
الفاعل من (صَلَحَ). يقال: صَلَح الشيءُ فهو صالح.
وجاء في (المعجم الوسيط). ((صَلَحَ الشيءُ: زال عنه الفساد؛ كان نافعاً أو مناسباً.
يقال: هذا الشيءُ يَصْلُح لك)).
وجاء فيه: ((المصلحة: الصلاح والمنفعة)).
وجاء في (أساس البلاغة): ((صَلَحَت حالُ فلان وهو على حالةٍ صالحة)).
وجاء فيه أيضاً: ((ورعى الإمامُ المصلحة في ذلك ونظر في مصالح المسلمين)).
وجاء في (المصباح المنير): ((وفي الأمر مصلحة أي خير، والجمع مصالح)).
الصواب إذن أن يقال:
هذا في مصلحتك (لا: لصالحك)،
وكان التعديل لمصلحة شركة...
فعلوا ذلك خدمةً للمصلحة العامة (لا: للصالح العام!).
67- الضِّدُّ
مما جاء في (المعجم الوسيط): ((الضِدُّ: المخالِفُ والمُنافي. (ج) أضداد)).
وجاء فيه (سود): السَّوادُ ضِدُّ البياض.
وجاء في معجم ألفاظ القرآن الكريم: ((الضدُّ، المُخالِف والمنافِس، للواحد والجمع.
قال تعالى: {كَلاّ سيكفُرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضِدًّا} المراد: الخصوم)).
وجاء في (المُفْهِم) للإمام القرطبي: ((الاعتدال ضِدُّ الاعوجاج)).
إنّ الغُصون إذا قوَّمْتَها اعتدلَتْ ولا يلين إذا قَوَّمْتَه
الخشبُ(/3)
يقال: الصواب ضِدُّ الخطأ؛ الصحة ضِدُّ المرض؛ الطول ضِدُّ القِصَر؛ الروح ضِدُّ
الجسد؛ كل شيءٍ زاد على حَدِّه انقلب إلى ضِدّه؛ زيدٌ ضِدُّ قيس (لا يأتلفان)؛
فَعَلَ زيدٌ ضِدَّ ما أُمِرَ به (أي فَعل فِعلاً مخالفاً لما أُمر به).
قال المتنبي:
ونَذِيمُهُم وبهم عَرَفْنا فَضْلَهُ وبِضدِّها تتبيَّنُ الأشياءُ
ذامَهُ يَذيمُهُ ذَيْماً: عابَهُ وذَمَّهُ (المعجم الوسيط).
وقال أبو الحسن التهاميّ:
ومكلِّفُ الأيام ضِدَّ طِباعها متطلِّبٌ في الماءِ جَذْوةَ نارِ
وقال العَكُّوك، عليُّ بنُ جَبَلة (ويُعزى هذان البيتان إلى دَوْقلة المَنْبِجِيّ
أيضاً):
فالوجْهُ مِثلُ الصبْحِ مُنْبلجٌ والشَّعْر مثلُ الليل مُسْوَدُّ
ضِدّان لمّا استُجْمِعا حَسُنا والضِدُّ يُظهِر حُسْنَه الضِدُّ
هذه نماذج من استعمال (الضد) استعمالاً صحيحاً.
ولكن كثيراً ما تُصادَفُ تراكيبُ لا تجري على كلام العرب:
فيقولون:والصواب:
• مناعة ضد المرض
• كافح ضد المرض/ العدوّ
• تأمين ضد جميع الأخطار
• مستندات ضد الدفع (!)
• حارب فلانٌ ضد الجهل
• ثار ضد المستعمر
• ساعة ضد الماء
• ساعة ضد الصدمات• مناعة/ حصانة من المرض
• كافح المرضَ/ العدوَّ
• تأمين من جميع الأخطار
• تسليم المستندات مقابل دفع القيمة
• حارب فلانٌ الجهلَ
• ثار على المستعمر
• ساعة كتيمة
• ساعة تتحمل الصدمات/ لا تتأثر بالصدمات
68- الخطأ في قولنا: (ماذا نَسْتَفاد من ذلك؟)!
كثيراً ما أسمع من جامعيين (!) وغيرهم عبارات مثل: (أريدُ أن أَسْتعار منك هذا
الكتاب). ولا أدري كيف نشأ هذا الخطأ، ولا سِرَّ ذيوعه الواسع. فكيف تستسيغ كثرةٌ
من المتعلمين استعمال صيغة هجينة من المضارع والماضي معاً؟ ومن المتكلم والغائب
معاً؟!
في لغتنا أفعال كثيرة وزنها في الماضي (اِسْتَفْعَل) وفي المضارع (أَسْتفْعِلُ)
للمتكلم المفرد، و(نَسْتفْعِلُ) إذا كان المتكلمون جمعاً، نحو:
اِستفاد - أستفيد، نستفيد، اِستفادة(/4)
اِستعار - أستعير، نستعير، اِستعارة
اِستراح - أستريح، نستريح، اِستراحة
اِستعان - أستعين، نستعين، اِستعانة
اِستبان - أستبين، نستبين، اِستبانة!
ومِثلُ ذلك الأفعالُ: اِستقال، اِستباح، اِستمال... ومن الجدير بالملاحظة أن همزة
الماضي والمصدر والأمر هي همزة وصل، لا تُلفظ إلاَّ إذا وقعت في بدء الكلام.
69- حَوَالَيْ كذا...
جاء في (المعجم الوسيط): ((يقال: قَعَدَ حَوَالَ الشيءِ: في الجهات المحيطة به.
ورأيت الناس حَوالَيْهِ: مُطيفين به من جوانبه)).
ومن الشائع الآن استعمال هذه الكلمة للإشارة إلى عددٍ إشارةً لا تتوخّى الضبط.
فيقولون مثلاً: حَضَرَ حَوالَيْ عشرين شخصاً.
والفصيح أن يقال: حضر نَحْوُ/ نَحْوٌ مِن/ قُرابةُ/ زُهاءُ/ لِواذُ عشرين شخصاً.
حدث هذا قَبل لِواذِ ثلاثين سنة.
ومع ذلك ... أجاز مجمع اللغة العربية في القاهرة (سنة 1974) استعمال كلمة (حوالَيْ)
بمعنى (زهاء) أو (نحو). أي أجاز أن يقال: بدأ الاحتفال حوالَيْ الساعة العاشرة!
كما أجاز (سنة 1976) أن يقال: حَضَرَ ما يَقْرُب من عشرين مَدْعُوّاً، وتَخلَّف ما
يزيد عن أربعين مَدْعُوّاً.
والفصيح أن يقال: تخلّف أكثر/ أزْيَدُ من أربعين...
وللكاتب أن يَتَخيَّر بين الفصيح وما هو دونه...
70- قناة قَنَوات (لا: أقنية)؛ نَوَاة نَوَيَات ونَوَى (لا أَنْوِية!)
تُستعمل كلمة (قناة) كثيراً في مجال البث التَّلْفَزِيّ (قناة فضائية)، وفي
المعلوماتية (قناة افتراضية).
ويَستعمل بعض إخواننا المصريين كلمة (أنوية) جمعاً لنواة، وهذا خطأ! كما أن جمع
(قناة) على (أقنية) خطأ أيضاً. ولو كان هذا صحيحاً لكانت (أدوية) جمعاً
لِـ(دَوَاة)! ذلك أن جموع التكسير قسمان: سماعية (يجدها الباحث في المعاجم أو في
كتب اللغة)، وقياسية تخضع لقواعد القياس.
إن صيغة (أَفْعِلَة) قياسيةٌ بشروط: فهي مَقِيْسَةٌ في كل مفرد يكون اسماً (لا
صفةً) مذكّراً رُباعياً قبل آخره حرف مدّ، نحو:(/5)
طعام أطعمة؛ دواء أدوية؛ دُعاء أدعية؛ عمود أعمدة؛ قَعُود أَقْعِدة (القَعُود:
الجَمَل الفَتِيّ). خَرُوف أخرفة (وخِراف وخِرْفان). رغيف أرغفة؛ صعيد أصْعِدة
(وصُعُد).
وعلى هذا لا يصحّ جمع الأسماء المختومة بتاء التأنيث (مثل قناة، ونواة) على الصيغة
الخاصة بالمذكَّر.
فيقال:
صلاة
غداة
فلاة
لَهَاة
مهاة صَلَوَات
غَدَوات
فَلَوَات
لَهَوات
مَهَوات + مَهاًحَصَاة
دواة
قناة
نواة
وفاة
فتاة حَصَيَات + حَصَى + حُصِيّ
دَوَيَات + دَوَى + دُوِيّ
قنوات + قنا + قُنِيّ
نَوَيات + نَوَى + نُوِيّ
وَفَيَات (لا: وَفِيّات!!)
فَتَيات
فكلمة (أنوية، أو أقنية) لم تَرِد سماعاً، ولا تصحّ قياساً.
ثم إن كلمة (نَوَى) هي بِفَتْح النون: قال تعالى: {إن الله فالقُ الحَبِّ
والنَّوى}.
ولا يصحّ ضمّ النون!
71- الخطأ في استعمال: (كما)
كما = ك + ما. الكاف للتشبيه بمعنى (مِثْل)، و(ما) مَصْدريَّة، فيكون: (كما) بمعنى
(مِثْلما).
وكثيراً ما توضع هذه الأداة في غير موضعها. وفيما يلي نماذج من أفصح الكلام وفصيحه،
تبيّن استعمالها الصحيح.
أ - فهي تقع بين فِعلين متماثلين، كقوله تعالى: {فاصْبِر كما صَبَرَ أولو العَزْم
من الرُّسُل}. {فإنهم يَألمون كما تألمون}.
وجاء في الدعاء المأثور عن النبي العربي عليه الصلاة والسلام: (اللهم صَلِّ على
محمدٍ وعلى آل محمد، كما صَلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم).
ب- وتقع بين فِعلين مختلفين. ففي التنْزيل العزيز: {فاسْتَقِمْ كما أُمِرْت}؛ {لقد
جِئتُمونا كما خلقناكم أول مرة}.
تَحَدَّثْ/ تَصَرَّفْ... كما يجب!
ج- وتدخل على الجمل الفعلية، نحو: كما تَدينُ تُدان (مَثَلٌ سائرٌ).
وحين يروي مسلمٌ حديثاً عن النبي عليه الصلاة والسلام، ويخشى أن يكون أخطأ في
الرواية، يختم كلامه بالعبارة: (أو كما قال).
د- وتدخل على الجمل الاسمية، نحو: أخي جريءٌ كما أخوك جريء؛ ما عندي كما عند أخي؛
... أما الدَّيْن القديم فباقٍ كما هو!(/6)
جاء في (لسان العرب/ مثل): ((والعرب تقول: هو مُثَيْل هذا، يريدون أن المُشَبَّه به
حقير، كما أن هذا حقير)).
وقال مصطفى صادق الرافعي (إعجاز القرآن/14): ((... إذ يكون (أي القرآن) في إعجازه
مَشْغَلَةَ العقل البياني العربي في كل الأزمنة...، كما أنه مشغلة الفكر الإنساني
إذا أُريدَ دَرْسُ أسمى نظامٍ للإنسانية)).
ومن هذا القبيل قوله تعالى: {إنه لَحَقٌّ مِثْلما أَنّكم تنطقون}.
هـ- وتأتي أحياناً للتعليل: {واذكروه كما هداكم} أي لأَِجْلِ (بسبب) هدايته لكم.
{فاذكروا الله كما عَلّمكم ما لم تكونوا تعلمون}، {...وقُل ربِّ ارحمهما كما
رَبَّياني صغيراً}.
يستبين بما سبق أن (كما) ليست بمعنى (و)! لذا كان استعمالها أو استعمال (كما أنّ)
في موضع العطف أو الاستئناف خطأ. وهناك من يضيف إلى هذا خطأً ثانياً بكسْر همزة
(ان) بعد (كما).
وفيما يلي نماذج من استعمال (كما) في غير ما وُضِعت له.
1 - كان لنظام (لينوكس) تأثير كبير على البنية الأساسية المعلوماتية في الدول
النامية. كما أن (كذا) استخدامه وأهميته ستزدادان في المستقبل القريب.
2 - إن حواسيب 386 يمكن أن تشغِّل نظام لينوكس وأن تعمل كطرفيّاتٍ محرفية. كما
(كذا) يمكن لمتطلبات هذا النظام أن تستقر على قرص واحد.
3 - لينوكس نظام مجاني، كما أنه (كذا) يقدِّم تنوُّعاً غنياً من الأدوات إلى عالمٍ
نامٍ.
ويتضح الخطأ في هذه النماذج بالتعويض عن (كما) بـ(مثلما). وكان في مقدور الكاتب
تَجَنُّبُ الخطأ باستعمال بديلٍ من (كما) هو: (ثم إن) في النموذج الأول؛ (و) في
النموذج الثاني؛ (وهو إلى ذلك) في النموذج الثالث:
1 - كان لنظام (لينوكس) تأثير كبير على البنية الأساسية المعلوماتية في الدول
النامية. ثم إن استخدامه وأهميته ستزدادان في المستقبل القريب.
2 - إن حواسيب 386 يمكن أن تشغِّل نظام لينوكس وأن تعمل كطرفيّاتٍ محرفية. ويمكن
لمتطلبات هذا النظام أن تستقر على قرص واحد.(/7)
3 - لينوكس نظام مجاني، وهو إلى ذلك يقدِّم تنوُّعاً غنياً من الأدوات إلى عالمٍ
نامٍ.
72- عبارة عن...
جاء في (المعجم الوسيط): ((العبارة: الكلام الذي يُبيَّن به ما في النفس من معانٍ.
يقال: هذا الكلام عبارةٌ عن كذا: معناه كذا)).
وجاء في (محيط المحيط): ((هذا عبارةٌ عن هذا: أي بمعناه أو مساوٍ له في الدَّلالة.
وفلانٌ حَسَنُ العبارة، أي البَيان)).
والتعبير: الإعراب والتبيين بالكلام أو بالكتابة.
إذن: هذا الكلام عبارة عن كذا = تعبير عن كذا = معناه كذا = ذو دَلالة على كذا.
وفيما يلي أمثلة على استعمال هذا التركيب (عبارة عن) استعمالاً سليماً:
جاء في (الوسيط): ((الحَصْرُ (عند المناطقة): عبارة عن كون القضية محصورةً)).
وقال صاحب (الكليات 3/208): ((والتغاير اعتباري، وذلك أن العِلم عبارة عن الحقيقة،
المجردةِ عن الغواشي الجسمانية...))
وقال أيضاً (5/16): ((الوجود الخارجي: عبارة عن كون الشيء في الأعيان، والوجود
الذهني: عبارة عن كون الشيء في الأذهان)).
وجاء في محيط المحيط: ((وقال في التعريفات: العِلّةُ شريعةً: عبارة عمّا يجب الحكم
به معه)).
يقال على الصواب: الرونتغن: عبارة عن تَوَضُّع الطاقة بمقدار 8.7×10-3 جول من
الأشعة السينية أو غاما في كيلوغرام واحد من الهواء الجاف.
وكثيراً ما يُستعمل التركيب (عبارة عن) في الكتابات العلمية وغيرها استعمالاً
مَخْطُوءاً فيه، فيُسيءُ إلى المعنى؛ أو يستعمل بلا داعٍ فيكون حشواً...
ودونك نماذجَ من هذه الاستعمالات:
فقد قال بعضهم:والصواب:
• وهذا الجهاز عبارة عن صندوق يحتوي على...
• أشعة غاما هي عبارة عن فوتونات...
• ... فهو عبارة عن صفحة برمجية فقط.
• المقطع العَرْضي للامتصاص هو عبارة عن مجموع أربعة معاملات. • وهذا الجهاز
صندوقٌ يحتوي على...
• الأشعة غاما هي فوتونات...
• ... فهو مجرد صفحة برمجية فقط.
• ... هو مجموع أربعة معاملات.(/8)
ويتضح فساد المعنى في هذه النماذج إذا عُوِّض عن (عبارة عن) بـ(تعبير عن)...
73- الشَّوْبُ؛ الأُشابةُ؛ الإشابةُ
مما جاء في (المعجم الوسيط):
أولاً: شابَ الشيءُ غَيْرَهُ يَشُوْبُهُ شَوْباً: خالَطَهُ، فهو شائبٌ (اسم
الفاعل)، وذاك مَشُوْبٌ (اسم المفعول).
الشائبة: الشيء الغريب يختلط بغيره. (ج) شوائب.
شابَ الشيءَ بالشيءِ: خلطه به.
ثانياً: الشَّوْبُ:
أ- مَصْدر (شابَ) أي: مُخالطة الشيءِ لِغَيْره؛ وخَلْطُ الشيءِ بالشيءِ.
ب - ما اختلط بغيره من الأشياء، وبخاصةٍ السوائلُ.
ثالثاً: شابَ فلانٌ يَشِيْبُ شَيْباً وشَيْبةً: اِبْيَضَّ شَعْرُهُ، فهو شائبٌ
وأَشْيَب.
أشابَ الحُزْنُ أو الخوفُ فلاناً يُشيْبُهُ إشابةً: هَرَّمَهُ وبَيَّضَ شَعْره،
(مِثل شَيَّبَهُ).
رابعاً: الأُشابة من الناس: الأخلاط
والأُشابة (في الكيمياء): مادة مكونة من اتحاد معدنين، أو من اتحاد معدن بغَير
معدن. (ج) أشائب.
فالإشابةُ إذن: تَبييض الشَعْر! وعلى هذا لا يصحّ أن يقال في الكتابة العلمية
(دراسة أنصاف النواقل): ((تسمى عملية إضافة الشوائب بمقدار معلوم الإشابة))!
والصواب: (تسمى... الشَّوْبَ). وإذا كان المصطلح الإنكليزي المقابل هو doping فقد
ترجمه (معجم المصطلحات العلمية والتقنية) الذي أصدرته هيئة الطاقة الذرية في سورية
بـ(تطعيم).
جاء في (المعجم الوسيط): ((طَعَّم الخشب بالصَّدَفِ ونحوِه: رَكَّبه فيه للزخرفة
والزينة)).
74- جملة القَسَم وجملة جوابه؛ لَئِنْ كنت...؛ لَأَنْ تكونَ...
أولاً: تتكون جملة القَسَم مِن فِعل القسم (أُقْسِمُ، أَحْلِفُ...) وفاعله. وتُحذف
جُملة القَسَم وُجُوباً (في حالات!) أو جوازاً.
ولابدّ لجملة القسم من جملةٍ بعدها تسمى جوابَ القسم، وتكون هذه الجملة الجوابية:
أ - فعلية ما ضوية، والكثير الفصيح اقترانها بـ(اللام) و(قد): لقد.
ب - فعلية مُضارِعية، والأغلب الأقوى اقترانها بـ(اللام) ونون التوكيد. وتسمى هذه(/9)
اللام في الحالتين المذكورتين (لامَ جواب القسَم).
ج - اسمية، والأحسن اقترانها بحرفين معاً هما (إنَّ)، و(لام الابتداء) في خبر إنّ
[تُسمَّى هذه اللام (اللام المُزَحْلَقة)]. وفيما يلي بعض النماذج:
أ- بالله العظيم لقد حصل ما كنتُ أتوقّعه!
[ويجوز إظهار فِعل القسَم فيقال: أُقْسِم بالله العظيم لقد حصل...]
{تاللهِ لقد آثَرَكَ اللهُ علينا}. جملة القسَم هنا محذوفة.
ب - واللهِ لأَحْبِسَنَّ يدي ولساني عن الأذى. (جملة القسم محذوفة).
{رَبَّنا ظَلَمْنا أنفُسَنا، وإن لم تَغْفِرْ لنا وتَرْحَمْنا لَنكونَنَّ من
الخاسرين}.
هنا جملة القسَم مع القسَم وأداته محذوفة، والدليل على هذا وجود الجملة المضارعية
المقترنة باللام ونون التوكيد. وحيثما تُوجَدْ جملةٌ كهذه، فَثَمَّ قَسَمٌ محذوف.
{ولَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُه}.
{والذين هاجروا في سبيل الله ثُم قُتلوا أو ماتوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزقاً
حسناً}.
ج - والله إنَّ الغَدْرَ لأقبَحُ الطِّباع.
ثانياً: (لَئِنْ) مُكوَّنة من اللام المُوطِّئة للقَسَم، وأداة الشَّرْط (إنْ).
وهي تعني أن هناك قَسَماً (ظاهراً أو مَحْذوفاً)، ولا بدّ من إيراد جملةِ جوابه
(بلا فاء! لأن جواب القسَم لا تدخل عليه الفاء). ذلك أنه إذا اجتمع قسَمٌ وشرْطٌ
فالجواب للسابق منهما. (وغني عن القول، إن القسَم عموماً - وكذلك القسم الذي تشير
إليه لام "لئن" - يفيد التوكيد).
وفيما يلي عددٌ من النماذج:
• واللهِ لئِن أخلصْتَ لي لأُخْلِصَنَّ لك. [ هنا القَسَم (الله) وأداته (الواو)
ظاهران].
• لئن كان المَشْيُ مُتْعِباً، إنه يفيد صحةً. (القسم يسبق الشرط، والجواب للقسَم).
• إنْ كان المشيُ واللهِ متعباً، فإنه يفيد صحة. (الشرط يسبق القسم، ولذا جاءت
الفاء الرابطة لجواب الشرط لكونه - هنا - جملةً اسمية).
{لئن أُخْرِجوا لا يَخْرجون معهم، ولئن قُوْتلوا لا ينصرونهم، ولئن نصروهم(/10)
لَيُوَلُّنَّ الأدبار ثم لا يُنصرون}.
في هذه الآية ثلاثة أجوبة للقَسَم. فأما الأول والثاني، أي (لا يخرجون) و(لا
ينصرونهم) فلم تتصل بهما اللام الرابطة لجواب القسم، فامتَنَعَ - لهذا السبب -
توكيدهما بالنون. وأما الثالث وهو (لَيُوَلُّنَّ) فقد اقترنت به اللام فَوَجَبَ
توكيده بالنون.
{لئن شَكَرتُم لأَزِيْدنَّكُمْ}
{ولئن أَذَقْنا الإنسانَ مِنّا رحمةً ثُم نزعناها منه إنه لَيَؤَوسٌ كَفُور}.
{ولئن رُجِعْتُ إلى ربّي إنّ لي عنده لَلْحُسْنى}.
{قالوا إنا تَطَيَّرْنا بكم لئن لم تنتهوا لَنَرْجُمَنَّكمُ ولَيَمَسَّنَّكُم منا
عذابٌ أليم}.
{لئن لم يرحمْنا رَبُّنا ويَغْفْر لنا لنكونَنَّ من الخاسرين}.
وقال الشاعر:
لئن ساءني أنْ نِلْتَني بمَسَاءةٍ لقد سَرَّني أنّي خَطَرْتُ
ببالكا!
وقال غيره:
لئن كنتُ محتاجاً إلى الحِلْمِ إنني إلى الجَهل في بعض الأحايين
أَحْوَجُ
ثالثاً: ((أنْ)) المَصْدرية تدخل على الفعل المضارع فتنصبه وتُؤَوَّل معه بمَصْدر،
نحو:
{وأَنْ تصوموا خيرٌ لكم} أي: صيامُكم خيرٌ لكم. [(صيامكم) مبتدأ، خَبَرُه (خيرٌ)].
ويمكن أنْ تدخلَ عليها (لام الابتداء) التي تدخل على المبتدأ وما يحلّ مَحلَّه،
فتفيد التوكيد، نحو:
لَأَنْ تكونَ واثقاً خيرٌ من أنْ تصبحَ نادماً.
لَأَنْ أُخْطِئَ في العفو، أحبُّ إليّ من أن أُصيبَ في العقوبة (صلاح الدين
الأيوبي).
لَأَنْ أُهْجَى بالعربية، أحبُّ إليَّ من أن أُمدحَ بالفارسية (أبو الريحان
البيروني).
قال عليه الصلاة والسلام لِعَليٍّ كرَّم اللهُ وجهه:
لَأَنْ يهديَ اللهُ بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من أن تكونَ لك حُمْرُ النَّعَم.
وقال أيضاً:
لَأَنْ أقولَ سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلاَّ الله، والله أكبر، أَحبُّ
إليَّ مما طَلعتْ عليه الشمس.
والجدير بالملاحظة، أنَّ (لَئِن) تدخل على الفعل الماضي أو ما هو في حُكْمِه (أي(/11)
المضارع المجزوم بـ(لم) التي تَقْلِبُ زمنه إلى ماضٍ). أما (لَأَنْ) فتدخل على
الفعل المضارع فتنصبه. وعلى هذا يمكن أن نقول:
لئِن أخطأتُ في العفو، إنّ خطئي لأَحَبُّ إليّ (أَحَبُّ إليّ) مِن...
أو: إنْ أُخْطِئْ في العفو، فإنّ خطئي أَحَبُّ إليّ من...
75- الصَّواب والخَطَأُ، والصَّحُّ والغَلَطُ
• مما جاء في (اللسان/ صوب): ((والصَّوابُ: ضِدُّ الخطأ. وصَوَّبَهُ: قال له
أَصَبْتَ. واسْتَصْوبَهُ: رآه صواباً)).
• وجاء في (المعجم الوسيط):
((صوَّب قولَه أو فِعْله: عَدَّهُ صواباً. وصَوَّبَ الخطأ: صَحَّحَهُ. وصوَّبَ
فلاناً: قال له أَصَبْتَ.
أصاب: لم يُخْطئ.
صَحَّحه: أزال خطأه أو عَيْبه.
الصَّوابُ: السَّدَاد، والصواب: الحقُّ.
السَّدَاد: الاستقامة)).
• وجاء في (المعجم الوسيط) أيضاً:
((صَحَّ الشيءُ يَصِحُّ صَحّاً وصِحَّة وصَحاحاً: بَرِئ من كل عَيْب أو رَيْب.
يقال: صحَّ المريضُ، وصحَّ الخَبَرُ، وصَحًَّتِ الصلاة، وصَحَّ العَقْدُ فهو صحيحٌ.
(ج) صِحاحٌ للعاقل وغيره، وأصِحّاءُ للعاقل. وهي صحيحة. (ج) صِحاحٌ وصحائحُ)).
• ويُجمع (صحيحٌ) على (أصِحَّة) إذا كان للعاقل، وهو جَمعٌ شاذٌّ جاء منه: شحيح
أشِحَّة، وذليل أذِلَّة، وعزيز أعِزَّة.
• فالصَّحُّ: البراءة من العيوب.
• والصِّحة: ضِدُّ السُّقْم؛ وهي البراءة من العلل والعيوب: (صحة التعبير)؛ وهي
مطابَقة الواقع: (صحة الخبر).
• والصحيحُ: السليم من العيوب، والبَرِيءُ من الأمراض. والصحيح من الأقوال: ما
يُعتمد عليه، وما صَدَقَ وطابَقَ الواقع. والصحيح: الحق والصدق: (هذا صحيحٌ، هذا
كَذِبٌ).
• هل ثمة وجهٌ لقول بعض المعاصرين: (الصَّحُّ أن تفعل كذا وكذا)؟
الصَّحُّ مَصْدرٌ كما تَقَدَّم، كالحقِّ والعَدْل والاستقامة،... فتكون العبارةُ
المذكورة مِثْلَ قَوْلِك: الاستقامةُ أن تسْلُكَ الطريق القويم، وتُعامِلَ الناسَ(/12)
بصِدْقٍ وأمانة، وقولِك: العَدْلُ أن تُنْصِفَ، وأن تُعطيَ المرءَ ماله وتأخذ ما
عليه.
وهذا كلام مستقيم لا عيب فيه.
• وإذا قيل، مثلاً: ذاك هو العَدْلُ/ السَّدادُ/ الظُّلْمُ، إلخ (وهذه كلها مصادر)،
فالمقصود: ذاك هو الشيءُ العادل/ السَّديد/ الظالم...
وهذا يُسَوِّغ استعمال (الصَّحِّ) بمعنى (الصحيح). وقد أجاز الناقد اللغوي الأستاذ
صلاح الدين الزعبلاوي أن يقال: الخطأ أن تقول كذا، والصَّحُّ أن تقول كذا بمعنى
الصحيح المستقيم. أما إذا قيل: الخطأ أن تقول كذا، والصواب أن تقول كذا فهذا قول
صحيح فصيح لا يحتاج إلى إجازة!
• وإذا كان الأمر كذلك، أفليس من السائغ أن يقال مثلاً:
- من العَيْب أن يفعل كذا، والصَّحُّ أن يفعل كذا (بمعنى الصحيح السليم من العيوب)،
- ذلك الحَلُّ خطأ، وهذا هو الحل الصحُّ (الصحيح المطابق للواقع)، ومن المعلوم أن
النعت بالمَصْدر جائز!
• جاء في (المعجم الوسيط): ((غَلِطَ يَغْلَطُ غَلَطاً: أخطأ وجهَ الصواب. يقال:
غلِط في الأمر، أو في الحساب، أو في المنطق، فهو غَلْطانُ)).
يقال: هذا كتاب مَغلُوطٌ (الأصل: مغلوط فيه!) [انظر (متن اللغة)].
• قال ابن جني في (المحتسب 1/236): ((ليس ينبغي أن يُطلَق على شيءٍ له وجهٌ من
العربية قائمٌ - وإن كان غيرُه أقوى منه - إنه غَلَطٌ)).
• وقال أبو هلال العسكري في (الفروق في اللغة/45): ((والخطأ لا يكون صواباً على
وجه. فالخطأ ما كان الصوابُ خلافَه، وليس الغلطُ ما يكون الصوابُ خلافه، بل هو
وضْعُ الشيءِ في غير موضعه)).(/13)
العنوان: نحو إتقان الكتابة باللغة العربية (7)
رقم المقالة: 1459
صاحب المقالة: د. مكي الحسني
-----------------------------------------
القسم السابع
76- أسماء الشهور القمرية، والشهور السُّريانية الأصل
اتّبع العرب منذ القديم التقويم القمري، وجعل المسلمون الأوائل السنة الهجرية سنةً قمرية. حدث هذا في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، الذي أمر بالتأريخ بدءاً من سنة الهجرة، وذلك سنة 17 بعد الهجرة. واتُّفق على أن تكون بدايةُ السنة الأولَ من المحرّم.
وفيما يلي أسماء الشهور العربية، وهي أعلامٌ على هذه الشهور لا يجوز تحريفها. وكلُّها مذكَّرة - كما قال الفرّاء - إلا جُمادَيَيْن فإنهما مؤنثتان:
المُحَرَّم (بالألف واللام دائماً!)
صفرٌ
ربيعٌ الأول (ولا يقال: ربيع أول)
ربيعٌ الآخر (ولا يقال: ربيع ثاني ولا الثاني)
جُمادى الأُولى (ولا يقال: جُمادى الأول)
جُمادى الآخِرة (ولا يقال: جُمادى الثاني ولا الثانية)
رَجَبٌ،
شَعْبانُ،
رَمَضانُ،
شَوّالٌ،
ذو القَِعْدة (وفي حالة الجرّ: ذي القعدة)
ذو الحِجّة (وفي حالة الجرّ: ذي الحجة)
وقد التزَمتِ العربُ لفْظَ (شهر) قبل (ربيع)، تمييزاً له من (ربيعٍ) الفصل. ويَصِحُّ تقديم كلمة شهر على كل أسماء الشهور.
يقال على الصواب: حدث هذا في الخامس من المُحرَّم (ولا يصح: في الخامس من مُحرَّم).
وحدث ذاك في العاشر من شهر ربيعٍ الآخِر (ولا يصح: في العاشر من ربيع الثاني).
وفي التنْزيل العزيز: {إنّ عِدّة الشهور عند الله اثنا عَشَرَ شهراً في كتاب الله يومَ خلق السموات والأرض، منها أربعة حُرُم}.
والأشهر الحرم التي كان العرب يُحرِّمون فيها القتال، هي:
ذو القعدة وذو الحِجة والمُحَرَّم، ورجب: ثلاثة سَرْدٌ (متتالية)، وواحدٌ فَرْدٌ.(/1)
أما السُّريانيون - أهل سورستان (أي بلاد الشام) - فاتّبعوا التقويم الشمسي، ووضعوا لشهور السنة أسماءً اقتبسوها من البابليين، وتَعَرَّبت هذه الأسماء باستعمال العرب لها فصارت: كانونُ الثاني (لا: كانون ثان، ولا ثاني)، شُباط، آذار، نَيْسان، أَيّار، حَزِيْران، تَمّوز، آب، أيلول، تِشرينُ الأول (لا: تشرين أول)، تِشرينُ الثاني (لا: تشرين ثان ولا ثاني)، كانونُ الأول (لا: كانون أول).
وكانت هذه الشهور - وَفْق ترتيبها القديم - تبدأ بشهر تشرين الأول، وتنتهي بشهر أيلول:
حزيران ... 9 ... شباط ... 5 ... تِشرينُ الأول ... 1
تموز ... 10 ... آذار ... 6 ... تِشرينُ الثاني ... 2
آب ... 11 ... نيسان ... 7 ... كانونُ الأول ... 3
أيلول ... 12 ... أيار ... 8 ... كانونُ الثاني ... 4
ولهذا نجد (المعجم الوسيط) يقول:
آذار: الشهر السادس من الشهور السُّريانية، يقابله مارس من الشهور الرومية (الميلادية).
نيسان: الشهر السابع من الشهور السُّريانية، يقابله أبريل من الشهور الرومية (الميلادية)
أيار: الشهر الثامن من الشهور السُّريانية، يقابله مايو من الشهور الرومية (الميلادية)
حزيران: الشهر التاسع من الشهور السُّريانية، يقابله يونية من الشهور الرومية (الميلادية)
تموز: الشهر العاشر من الشهور السُّريانية، يقابله يولية من الشهور الرومية (الميلادية)
آب: الشهر الحادي عشر من الشهور السُّريانية، يقابله أغسطس من الشهور الرومية (الميلادية)
أيلول: الشهر الثاني عشر من الشهور السُّريانية، يقابله سبتمبر من الشهور الرومية (الميلادية)
77- الخطأ في استعمال: (علاوةً على ذلك)(/2)
• حين أقول في بداية الجملة: (إضافةً إلى ذلك، يمكن أن نفعل كذا...)، فالتقدير: أُضِيفُ إضافةً إلى ذلك...، وكلمة (إضافة) هنا منصوبة على المصدرية (مفعول مطلق). وبهذا المعنى الأحسن ألاَّ يقال: (بالإضافة إلى ذلك...) لأن معنى هذا التركيب هو: بسبب / بعملية الإضافة إلى ذلك...
فمثلاً، يقال على الصواب: ثمة حالات يكتسب فيها الاسم تعريفاً، بالإضافة إلى اسمٍ معرفة. أي: بِعِلَّةِ / بسببِ إضافته إلى اسمٍ معرفة. (ونحن لا نقول: وبالزيادة على ذلك / وبالفضل على ذلك، يمكن أن نفعل كذا...).
• وحين أقول في مقامٍ مماثل لما سبق: (زيادةً على ذلك، يمكن كذا...)، فالتقدير: أَزِيد زيادةً على ذلك... وكلمة (زيادة) منصوبة أيضاً على المصدرية.
• جاء في (المعجم الوسيط): ((فَضَلَ الشيءُ يَفْضُلُ فَضْلاً: زاد على الحاجة)). فالفضل مصدر. وجاء فيه أيضاً: ((أَفْضَلَ عليه في الحَسَب والشرف: زاد عليه فيهما)).
• وحين أقول: (فضلاً على ذلك، يمكن كذا...)، فالتقدير: أُفْضِلُ فضلاً على ذلك.
إنّ "إفضالاً" هو مصدر الفعل "أَفْضَلَ" وهو مُلاقي المصدر المنصوب (فضلاً) في الاشتقاق. ومثل هذا كثير، يقال: (تَعَلَّمَ تعليماً)، فـ (تعليماً) مصدر يُلاقي (تَعَلُّماً) في الاشتقاق، وكذلك (توضَّأ وضوءاً)، إلخ...
أما استعمال (فضلاً عن) في مثل قولهم: (فلانٌ لا يملك درهماً فضلاً عن دينار)، فمعناه: لا يملك درهماً ولا ديناراً. كأنه قيل: لا يملك درهماً فكيف يملك ديناراً؟
قال الحافظ بن حجر، (توفي سنة 852 هـ): ... وكفى بهذه الجملة وعيداً شديداً في حق من روى الحديثَ فيظنُّ أنه كَذِبٌ، فضلاً عن أن يتحقق ذلك ولا يُبيِّنُه.
وقال مصطفى الصادق الرافعي (وحي القلم 3/402): ... وإن الكلمة نفسها لتبرأ إلى الله من أن تكون لها على الآية مِيْزة واحدة، فضلاً عن ثلاث...(/3)
• جاء في (لسان العرب): ((العِلاوة: أعلى الرأس، وقيل أعلى العُنُق... والعِلاوة: ما يُحمل على البعير وغيره، وهو ما وُضع بين العِدْلين... وقيل: علاوة كل شيء: ما زاد عليه...))
فالعِلاوة - كما نرى - ليست مصدراً، بخلاف المصادر الثلاثة المذكورة آنفاً (إضافة، زيادة، فضل)، فلا يصحُّ استعمالُها استعمالَ تلك المصادر.
ولكن يصحّ أن نقول: زِيْدَ مُرتَّب فلانٍ مئةَ ليرة سورية، وهذه علاوةٌ؛
أو: أُعطِيَ فلانٌ علاوةً على مرتّبه قدرها مئة ليرة (علاوة هنا مفعول به، وليست منصوبة على المصدرية، لأنها ليست مصدراً)؛
أو: أعطي فلانٌ مئةَ ليرة علاوةً على مرتَّبه (مئة: مفعول به؛ علاوةً: منصوبة على البدلية: بدلٌ من مئة).
78- العناصر الكيميائية النَّزْرَة أو الشائبة، لا (عناصر الأَثَر)!
• الأصل في النعت أن يكون اسماً مشتقاً، كاسْمِ الفاعل واسم المفعول والصفة المشبّهة واسم التفضيل، نحو: جاء الرجل المحسن، المحبوب، الكريم، الأمجد.
- وقد يكون جملة فِعْلية أو اسمية، نحو: جاء رجلٌ يحمل كتاباً؛ جاء رجلٌ أبوه كريم.
- وقد يكون اسماً جامداً مؤولاً بمشتق، وذلك في تِسع صُوَر، إحداها: ما دَلَّ على تشبيه؛ نحو: فلانٌ رجلٌ ثعلب، أي محتال (محتال: مشتق). ومنها: المصدر؛ نحو: فلانٌ رجلٌ ثِقة، أي موثوق به.
- وفي حالة الاسم الجامد الذي يصف مؤنثاً، الأقْيَس والأفصح ألاّ تلحقَه علامة التأنيث، ولا مانع من دخولها عليه بتخريجٍ مقبول (أورده ابن جني) هو استعماله استعمال الصفة: جاءت فلانةُ الأستاذ / الأستاذة في عِلم كذا...
• جاء في (المعجم الوسيط):
((العضو: جزءٌ من مجموع الجسد، كاليد والرجل والأذن.
والعضو: المشترِك في حزب أو شركة أو جماعة أو نحو ذلك.
وهي عُضوٌ وعُضوة (مج). (ج) أعضاء)).
وعلى هذا يقال: الدولة العضو (بتأويل العضو: المشترِكة في منظمة دولية أو إقليمية...)(/4)
ولما كان النعت يتبع منعوته في حركة الإعراب، والتعريف والتنكير، والعدد (الإفراد والتثنية والجمع) والجنس (التذكير والتأنيث)، فإنه يقال (الدول الأعضاء) ولا يقال (الدول العضو).
• جاء في (المعجم الوسيط): ((أَثَرُ الشيء: بقيَّته)).
فإن صحَّ أن ننعت (العنصر الكيميائي) بـ (الأثر)، وَجَبَ أن يقال في الكيمياء وبعض العلوم الأخرى: (العناصر الآثار) لا (العناصر الأثر)، [وبإدخال أل على كلمة العناصر!].
والأحسن أن يقال: (العناصر النَّزْرَة)؛ فقد جاء في (لسان العرب): ((النَّزْرُ: القليل التافه)).
أما التركيب الشائع: (عناصر الأثر) [بتنكير كلمة عناصر] فهو مثل (عناصر الموضوع)... ومعنى هذا التركيب: العناصر التي يتكوّن منها الموضوع، ومعنى التركيب الأول: العناصر التي يتكوّن منها الأثر! ولا صِلَة بين هذا المعنى، والمعنى المراد بـ (العناصر النَّزْرَة)...
لذا قُلْ: (العناصر النَّزْرَة) أو (العناصر الشائبة) مقابل trace elements.
79- الاسم المنقوص وأحكامُه
الاسم المنقوص: هو اسم مفرد آخره ياءٌ مكسورٌ ما قبلها، نحوُ: النادي، الراعي، الداني، القاصي... فإذا لم يكن ما قبله مكسوراً، فليس اسماً منقوصاً، بل كالصحيح، لأنه - بتعبير النحاة - جارٍ مَجْرى الصحيح (الذي ليس آخره حرف عِلَّة)، فتبقى ياؤه (لا تُنْقَصُ) في كل أحواله، نحو: ظبْيٌ؛ رأيٌ؛ سَعْيٌ...
وليس من المنقوص ما كان آخره ياء مشدَّدة، نحو: كُرسِيّ، عربيّ، تركيّ...
أحكامه:
1 - تثْبت ياؤه إذا كان مُحَلىًّ بأل (انظر الجدول، المثال 1) أو مضافاً (المثال2).
2 - تُنْقَص (تُحْذف) ياؤه إذا كان مفرداً مجرداً من (أل) والإضافة، ويُنوَّن بالكسر في حالتي رفعه وجرِّه فقط؛ أما في حالة النصب فتبقى الياء وينوّن (المثال 3).
ومن الخطأ الشائع حذف الياء في حالة النصب، كقولهم: وَكِّلْ مُحامٍ قدير! والصواب: وكِّل مُحامياً قديراً.(/5)
3 - إذا جُمع جَمْعَ مذكّر سالماً حُذفت ياؤه، نحو: عَرَضَ المحامُوْنَ الجانِيْنَ على القاضِيْنَ (القُضاة).
أما إذا ثُنِّيَ أو جُمع جَمع مؤنث سالماً فتثبت ياؤه، نحو: الراعيان / الراعيَيْن؛ الراعيات.
ملاحظة مهمة:
مما جاء على إيقاع (مَفَاعِل) من صِيَغ منتهى الجموع، أسماءٌ آخرها ياءٌ مكسورٌ ماقبلها، نحو: المعاني، المباني، المشافي، الجواري، الحواشي، النوادي، المقاهي، التلاقي، التفاني...
وتُعامَل هذه الأسماء معاملة المنقوص في جميع الأحوال، إلا في حالة النصب حين تكون مجردة من (أل) والإضافة، فتُنصب بلا تنوين (الأمثلة 4، 5، 6).
ومن الخطأ الشائع حذف الياء في حالة النصب، كقول بعضهم: اكتبْ حواشٍ مختصرةً! والصواب: اكتب حواشيَ مختصرةً.
الأمثلة ... حالة الرفع ... حالة الجرّ ... حالة النصْب
1- مُحلّى بألْ ... ذهب الراعي ... مَرَرْتُ بالراعيْ ... رأيتُ الراعيَ العجوز
2- مُضاف ... جاء راعي الغنم ... مررتُ براعي الغنم ... رأيت راعيَ الغنم
3- مُجرَّد من أل والإضافة ... جاء مُحامٍ قدير ... مررتُ بِمُحامٍ قدير ... رأيت محامياً قديراً
4- محلّى بأل ... أُسِّست المباني الجديدة ... مررت بالمباني الجديدة ... شاهدتُ المبانيَ الجديدة
5- مُضاف ... أُنشئت مشافي الجامعة ... مررت بمشافي الجامعة ... زُرت مشافِيَ الجامعة
6- مجرد من أل والإضافة ... أُقيمت مَبانٍ حديثةٌ ... مررت بمبانٍ حديثةٍ ... شاهدت مبانيَ حديثةً
أمثلة إضافية:
- كتبتُ لك حواشيَ موجزةً، ومع ذلك فهي حواشٍ مفيدةٌ.
- يحب سعيدٌ اللعب في نوادٍ مكشوفةٍ، لكنه صادف نواديَ مغلقةً / مسقوفةً.
- تَضمَّنت كلمةُ الخطيب مبانيَ متينةً ومعانيَ رائعة.
ملاحظة:(/6)
كلمة (ثَمانِيْ) - التي تُستعمل مع المعدود المؤنث - لها إيقاع (مَفاعِل) مع أنها مُفردة وليست جمعاً. وتنطبق عليها الأحكام السابقة، أو - في حالة النصب - أحكام المنقوص المجرد من (أل) والإضافة؛ ويتضح هذا من الجدول الآتي:
الأمثلة ... حالة الرفع ... حالة الجرّ ... حالة النصب
1- محلّىً بألْ ... جاءت الفتياتُ الثماني ... مررت بالفتياتِ الثماني ... رأيت الفتياتِ الثماني
2- مضاف(1) ... مضى ثماني ساعات ... أنجز عمله بثماني ساعات ... أمضى في المتحف ثمانيَ ساعات
3- مجرد من أل والإضافة ... مضى من الليالي ثمانٍ ... حصل على ثمانٍ وعشرين درجة ... عرفتُ من الشاعرات ثمانياً أو ثمانيَ
(1) جاء في (النحو الوافي 4/537): ((إذا كان العدد 8 مضافاً إلى معدوده المؤنث، فالأفصح إثبات الياء في آخره في جميع حالاته)). وعلى هذا ليس بخطأ أن يقال: (أنجز عمله بثمانِ ساعات). وفي التنْزيل العزيز: {... على أن تَأْجُرَني ثمانِيَ حِجَجٍ}.
80 - في الإضافة اللفظية والمعنوية
لماذا لا يصحُّ أن يقال: إعداد المساري عالية السرعة؛ فوائد نُظُم التشغيل متعددة الاستخدامات؛ مزايا العمليات ثنائية النمط؛ جاء خالدٌ راجحُ العقلِ.
والصواب أن يقال: إعداد المساري العالية السرعة؛ فوائد نُظُم التشغيل المتعددة الاستخدامات؛ مزايا العمليات الثنائية النمط. جاء خالدٌ الراجح العقل؟
بعبارة أخرى: متى يكتسب (الوصفُ) التعريفَ بالإضافة، فيصحَّ أن يوصف به الموصوف المعرَّف؟ أي متى يتعرَّف الوصف بالإضافة؟
الإضافة نوعان:
أ- الإضافة اللفظية:
وهي إضافة الوصف [أي أحد المشتقات العاملة (اسم الفاعل، اسم المفعول، الصفة المشبهة)] إلى ما يعمل فيه (إضافة "عالية" مثلاً إلى "السرعة"). وهي لا تفيد تعريفاً [أي لا يكتسب المضاف تعريفاً من إضافته إلى المعرَّف بـ (ألْ)] ولذا يصحّ أن تقع مواقع النكرات (حين يكون المضاف مجرداً من أل)، نحو:(/7)
أعرف صديقاً راجحَ العقلِ، مرموقَ المكانةِ، كريمَ الطبعِ.
والأصل: أعرف صديقاً راجحاً عقلُه، مرموقةً مكانتُه، كريماً طبعُه.
ثم أضيفَ اسم الفاعل (راجحاً) إلى فاعله، واسم المفعول (مرموقة) إلى نائب فاعله، والصفة المشبهة (كريماً) إلى فاعلها، وذلك بغية التخفيف اللفظي بحذف التنوين.
فإذا أردنا أن نصف بهذه الأوصاف معرفةً، وجب إدخال أل على المضاف، لأن الصفة والموصوف يتطابقان في التعريف والتنكير، نحو:
جاء خالدٌ / الرجلُ الراجح العقل، المرموقُ المكانةِ، الكريمُ الطبع.
وقد شاع استعمال الإضافة اللفظية في الكتابات العلمية الحديثة، ولكن مع عدم مراعاة قاعدة تَطابُق الصفة والموصوف في التعريف، وهذا ما أشار إليه عنوان البحث.
ب - الإضافة المعنوية:
وهي تفيد المضاف تعريفاً يكتسبه من المضاف إليه المعرفة. ويمتنع فيها دخول (أل) على المضاف (لأن المعرَّف لا يعرَّف، كما يقولون!...).
وضابطها أن يكون المضاف فيها اسماً جامداً، نحو: نورُ الشمسِ (ولا يقال: النورُ الشمسِ!)،
• أو وصفاً مضافاً إلى غير معموله، كقاضي الولاية، ومأكولِ الناس، ومعبودِ الجماهير، ومَلِكِ العصر...، تقول: جاء الشيخ قاضي الولاية؛ نَفِدَ الطعامُ مأكولُ الناسِ؛ سافر المغنّي معبودُ الجماهيرِ...
• أو اسمَ فاعلٍ يدلّ على زمن ماضٍ فقط (بِقَرِينة، وللقرينة الاعتبار الأول)، نحو: كُرِّمَ الرجلُ مُنقذُ الطفلِ من الغرق.
• أو اسمَ فاعلٍ خالياً من الدلالة الزمنية (مُطْلَقَ الزمن)، نحو: جاء الفتى قائدُ الطائرة.
وسنبحث فيما يلي أحوال إضافة المشتقات العاملة.
1- الصِّفة المشبَّهة (باسم الفاعل):
إضافة الصفة المشبهة إلى فاعلها لفظية أبداً. تقول:
أعرف رجلاً جميلَ الصورةِ، حَسَنَ الهيئةِ، طيِّبَ الأرومةِ، قويَّ العزيمةِ...
وأعرف رجلاً قبيحَ السيرةِ، سريعَ الغضبِ، كثيرَ الأولاد...
هذا صاروخٌ بعيد / قريب المدى...(/8)
والأصل: أعرف رجلاً جميلةً صورتُه، حسنةً هيئتُه إلخ...
فإذا عُرِّف الموصوف وجب إدخال (أل) على المضاف، لتُطابق الصفةُ الموصوف في التعريف، نحو:
لا تُجادِل إلا الرجلَ السّمْحَ الخُلُقِ، العَفَّ القولِ، الأمينَ الزللِ.
إنما يفوز برضا الناسِ الحلْوُ القولِ، الكريمُ الطبعِ، الشجاعُ القلبِ.
تحيةً للرجل الرفيعِ القدْرِ، المتواضعِ.
أُطْلقَ الصاروخُ البعيد / القريب المدى...
يعجبني الناظمُ الجيدُ الشِّعر...
• ثمة صفات غلبتْ عليها الاسمية فصارت كالاسم الجامد، وإضافتها معنوية بدليل أننا نصفها بمعرفة. تقول:
جاء رئيسُ القسمِ (الجديدُ)؛ وصل زعيمُ الطائفةِ (الجديدُ)؛ جاء أمين المكتبة (الجديد)...
• قد تشير القرينةُ إلى غلبة الاسمية على الصفة المشبهة، عند استعمالها أحياناً في تراكيب معينة، فتكون إضافتها معنوية أيضاً.
تقول: جاء الرجلُ عظيمُ القومِ / كبير الكهنة... (هنا يمتنع دخول أل على المضاف).
ولكن تقول: أحبُّ الكتابَ العظيمَ الفائدةَ (العظيمةَ فائدتُه) / الكبيرَ النفع (الكبيرَ نفعُه).
• ملاحظة مهمة:
من المعلوم أن في النسبة معنى الصفة، كما قال صاحب (جامع الدروس العربية 2/71). لأنك إذا قلت (هذا رجلٌ بيروتيّ) فقد وصفْتَه بهذه النسبة. وهناك ألفاظ منسوبة تُستعمل - في الكتابات العلمية - صفاتٍ بعد إضافتها إلى معرفة، وتكون إضافتها لفظية، نحو:
طلاءٌ فحميُّ التركيب - استعملتُ الطلاءَ الفحميَّ التركيب.
حاكمٌ عنصريُّ النَّزعة - عُزل الحاكم العنصريُّ النَّزعة.
من مصطلحات المعلوماتية:
برنامجٌ غَرَضِيُّ التَّوَجُّه - أُنجزَ البرنامجُ الغرضيُّ التوجُّه.
2- اسم المفعول:
إذا أُضيفَ اسم المفعول (من الفعل المتعدي لمفعول واحد) إلى مرفوعه، صار حُكْمُه حُكْمَ الصفة المشبهة، فتكون إضافته لفظية، نحو:
جاء رجلٌ مسموعُ الكلمةِ، مرموقُ المكانةِ، محمودُ السيرةِ.(/9)
والأصل: جاء رجلٌ مسموعةٌ كلمتُه، مرموقةٌ مكانتُه، محمودةٌ سيرتُه.
فإذا عُرِّف الموصوف، وجب إدخال (أل) على المضاف، تقول:
جاء الرجل المسموعُ الكلمةِ، المرموقُ المكانةِ، المحمودُ السيرةِ.
وفيما يلي أمثلة على اسم المفعول المضاف إلى مرفوعه:
مُثَبَّط المناعة، مسلوب الحرّية، مجهول القَدْر، مكتوف اليدين، مُرَوَّع القلب، مأمون القيادة...
3- اسم الفاعل:
3-1- إضافة اسم الفاعل (من الفعل اللازم) إلى فاعله تجعل حكمه حكم الصفة المشبهة، فتكون إضافته لفظية لا تفيد التعريف، نحو:
جاء رجلٌ راجحُ العقلِ، مستدير الوجه...
وصلتْ قواتٌ متعددة الجنسيات ومعها أسلحة متوسطة المدى...
والأصل: جاء رجلٌ راجحٌ عقلُه، صائبٌ رأيُه... معتدلةٌ قامته...
وصلت قوات متعددةٌ جنسياتها، ومعها أسلحةٌ متوسطٌ مداها.
فإذا عُرِّف الموصوف، وجب إدخال (أل) على المضاف، لتُطابق الصفةُ الموصوف في التعريف.
تقول: جاء الرجل الراجحُ العقلِ، الصائبُ الرأيِ... المعتدل القامة...
وصلت القوات المتعددة الجنسيات ومعها الأسلحة المتوسطة المدى.
3- 2- وتكون إضافة اسم الفاعل (المشتق من فعلٍ مُتعدٍّ) إلى مفعوله:
• لفظيةً إذا دلّت على الحال أو الاستقبال، نحو:
{كلُّ نفْسٍ ذائقةُ الموتِ}. {هذا عارضٌ مُمْطِرُنا}.
عرفتُ رجلاً مخْلصَ المودّةِ، منْصِفَ الناسِ، حافظَ الودِّ...
هذا رجلٌ عابرُ النهرِ الآن / غداً.
أرى ضوءاً فائقَ الشدة. (فائق هنا ليس اسم فاعل من فعل فاق المتعدي، بل صفة بمعنى الممتاز).
فإذا عُرِّف الموصوف، وجب إدخال (أل) على المضاف. تقول:
على النفسِ الذائقةِ الموتِ أن تهتمَّ بأُخراها.
انظر الرجلَ العابرَ النهرِ الآنَ / غداً. [ولنا أن نقول، بإعمال اسم الفاعل المحلّى بأل: انظر الرجلَ العابرَ النهرَ أمسِ / الآن / غداً (بنصْبِ النهرَ، لا بإضافته إلى العابر!).]
جاء الرجلُ المخلصُ المودةِ، المنْصفُ الناسِ، الحافظ الودِّ...(/10)
أرى الضوءَ الفائقَ الشدة.
• لفظيةً إذا أفادت الاستمرار المتجدد (تجدُّدَ الحَدَثِ مستمراً)، نحو:
عرفت رجلاً صادقَ الوعدِ، مكْرِمَ الضيفِ، صانعَ المعروفِ، مُقيمَ الصلاةِ، مُخْرجَ الزكاة...
فإذا عُرِّف الموصوف، وجب إدخال (أل) على المضاف:
جاء الرجلُ الصادق الوعدِ، المكرم الضيفِ،... المقيمُ الصلاةِ...
{... والصابرين على ما أصابهم والمُقيمي الصلاةِ...} (الحج / 35)
3-3- وتكون إضافة اسم الفاعل (من الفعل المتعدي) إلى مفعوله معنوية فتقع مواقع المعارف، ويمتنع إدخال (أل) على المضاف في الحالات الآتية:
• إذا دلَّت على المُضِيّ (بِقَريْنة، وللقرينة الاعتبار الأول)، نحو:
{الحمد لله فاطرِ السموات والأرض}.
جاء الرجلُ عابرُ النهرِ أمسِ.
جاء الرجلُ مُنقِذ الطفلِ من الغرق.
اعتُقل الرجلُ قاطعُ الطريقِ.
سُجن الرجلُ سارق المصْرِفِ.
• إذا دلّت على الدوام والاستمرار، نحو:
{حم، تَنْزيل الكتاب من الله العزيز العليم، غافرِ الذنبْ وقابلِ التَّوْب}.
تُبْ إلى الله واسعِ الرحمة والمغفرة.
انتصرَ الحقّ قاهرُ الباطل.
• إذا كانت خالية من الدلالة الزمنية، أي لا دليل معها على نوع الزمن الذي تحقق فيه معناها. بعبارة أخرى إذا كان المضاف والمضاف إليه معاً يعبِّران عن صفةٍ مطْلقةِ الزمن، تشير إلى أن الموصوف معروف بأنه كذا.
فمثلاً: (مدير المدرسة) معرفة، بدليل أننا نصِفه بمعرفة فنقول: وصل مدير المدرسة الجديد. لذا نقول: وصل الأستاذ مدير المدرسة: يمتنع هنا دخول أل على المضاف (مدير).
- تأخرت الفتاة بائعة الحليب.
- قرأت قصة الصحابي كاتب الوحي.
- انقرضت الدينصورات آكلة اللحم.
- جُهِّزت الصواريخُ عابرةُ القارات.
- أبْحَرت الغواصة قاذفة الصواريخ.
مراجع في هذا البحث:
- عباس حسن، (النحو الوافي) الجزء الثالث - دار المعارف بمصر.
- صلاح الدين الزعبلاوي، (اسم الفاعل)، مجلة التراث العربي، العدد 58، اتحاد الكتّاب العرب بدمشق.(/11)
81 - متوازي أضلاع؛ متوازي الأضلاع؛ المتوازي الأضلاع
كثير حدود؛ كثير الحدود؛ الكثير الحدود
في التراكيب المكونة من مضاف ومضاف إليه مثل: صغير الأبعاد، متماثل المناحي، كثير اللغات، متساوي الأضلاع، كثير الأضلاع... إبهامٌ وعدم تحديد. وحين يقرؤها المرء أو يسمعها لا يتبادر إلى ذهنه شيءٌ محدد، لأنها أوصاف تنطبق على عدة أشياء. ثم إن المضاف فيها لم يكتسب تعريفاً بإضافته إلى معرفة (انظر الفقرة السابقة). فهذه التراكيب نكرات.
ويزول الإبهام إذا سبق تلك التراكيبَ موصوفٌ. فإن كان نكرة أمكن نعته بها، نحو: معجمٌ كثير اللغات؛ مضلَّعٌ كثير الأضلاع؛ مثلّث متساوي الأضلاع. قصرٌ كبير الغرف، فيه قاعة عظيمة المرايا، ومسبح صغير الأبعاد...
جاء في (المعجم الوسيط):
((المُعَيَّن: ما كان شكله مُسطَّحاً [نكرة] متساويَ الأضلاع [نكرة] الأربعة المستقيمة المحيطة به، غير قائم الزوايا [نكرة])).
• فإذا عَرَّفنا الموصوف بألْ وأردنا نعته قلنا:
- المعجم الكثير اللغات مفيد.
- المثلث المتساوي الأضلاع زواياه متساوية.
- يسمى المضلَّع الرباعي المتساوي الأضلاع والقائم الزوايا مربّعاً.
أي نُدخِل (أل) على المضاف ليصبح التركيب (المضاف + المضاف إليه) معرفة (لأن النعت يطابق المنعوت في التعريف والتنكير).
أما المصطلحات: (متوازي الأضلاع)، (متوازي السطوح)، (كثير الحدود)... فلا إبهام فيها إذا ذُكِرت وحدَها كما أوردناها الآن؛ وهي مستغنيةٌ عن موصوفها، لأنها أعلامٌ على أشياءَ محدَّدةٍ مُتعارفة، ويَفهم القارئ أو السامع المقصود بها فوراً، فهي معارف اصطلاحاً، [أورد (المعجم الوسيط) أسماء بعض الأشكال الهندسية كما يلي: المثلث، المربع، المخمّس، المسدَّس، المعيَّن، متوازي الأضلاع، متوازي السطوح].
ذلك أن:
متوازي الأضلاع صنفٌ محدَّد معروف من المُضلَّعات،
متوازي السطوح صنفٌ محدَّد معروف من المجسَّمات،
كثير الحدود صنفٌ محدَّد معروف من التوابع.(/12)
ونلاحظ أنه يمكن أن يلي التراكيب السابقة (اسم موصول) - وهو لا يلي إلا المعرفة ! - أو وصفٌ محلّى بأل - والنعت يطابق منعوته في التعريف والتنكير - فنقول:
- إن متوازي الأضلاع الذي أنشأناه هو...
- إن متوازي الأضلاع المرسوم في أعلى الصفحة هو...
- إن كثير الحدود الذي درسناه هو من الدرجة الثالثة.
- إن كثير الحدود المدروس آنفاً له أهمية خاصة...
وإذا أردنا تنكير هذه المصطلحات، نجرِّد المضاف إليه من (أل)، نحو:
- ارسم متوازيَ أضلاعٍ بحيث يكون...
- ... وبذلك نحصل على كثير حدودٍ من الدرجة الثانية.
• أما إذا لم تَرِد التراكيب المذكورة آنفاً وحدَها، فتكون حينئذٍ نكرات تصِف أشياء أخرى غير التي تُفهم منها وحدها. فإن كان الموصوف نكرة أمكن نعته بها، فنقول مثلاً:
- متوازي الأضلاع [معرفة].
- أما المسدَّس المنتظم مثلاً فهو مضلَّعٌ [نكرة] متوازي الأضلاع [نكرة] أيضاً!
وإن كان الموصوف معرفة وجب إدخال (أل) على المضاف، نحو:
- إن المضلّع المتوازي الأضلاع المرسوم هو مسدَّس منتظم.
- كثير الحدود من الدرجة الثانية هو: ع = ب س2 + ج س + د
معرفة
ولكن هناك توابع كل منها كثير (متعدِّد) الحدود (أي حدوده متعددة، كثيرة). فيمكن أن نقول:
- لِندرسْ تابعاً مّا [نكرة] كثير الحدود [نكرة]...
- ثم نقول: إن التابع الكثير الحدود الذي درسناه هو...
والخلاصة:
التراكيب: (متوازي الأضلاع، متوازي السطوح، كثير الحدود) إذا استُعملت بمعانيها الاصطلاحية المتعارفة، كانت معارف.
فإذا أريد تنكيرها وجب تجريد المضاف إليه من (أل)، نحو:
أرسم مثلثاً [نكرة] مّا ومتوازيَ أضلاعٍ [نكرة] مّا. اُدرس كثير حدودٍ [نكرة] مّا...
أما إذا استُعملت بمعانيها اللغوية فقط فتكون نكرات.
وبعبارة أخرى: كلٌّ من هذه التراكيب يكون معرفةً بمعنىً أوَّلَ اصطلاحيٍّ، ويكون نكرةً بمعنىً ثانٍ لغوي.(/13)
82- وَقَعَ ذلك أخيراً/ بِأَخَرَةٍ/ حديثاً/ قبل مدة قصيرة/ قريباً... لا: مُؤَخَّراً!
جاء في (المعجم الوسيط): ((المُؤَخَّر: نهاية الشيءِ من الخَلْف. يقال: مُؤَخَّر السفينة، ومُؤَخَّر البناء. والمؤخَّر من الدَّيْن أو الصّداق [بفتح الصاد وكسرها]: ما أُجِّل منه)).
وجاء أيضاً (أخيراً): ((يقال: لَقِيْتُه أخيراً، وجاء أخيراً: آخِرَ كلِّ شيء)).
وفي التنْزيل العزيز: {كَمَثَلِ الذين مِن قَبْلهم قريباً ذاقوا وَبالَ أَمْرِهم} أي: مَثَلُهم كَمَثَل الذين من قَبْلهم بزمنٍ قريب (تفسير الجلالين).
83- على حِدَةٍ، على حِدَتِهِ، على حِدَتِها (لا: على حِدا، ولا: على حِدى، ولا: على حِدَه!)
جاء في معجم (متن اللغة /وحد):
((وَحَدَ يَحِدُ وَحْداً وحِدَةً: صار وَحْدَه)). وجاء فيه:
((الحِدَةُ: كالعِدَة (مَصْدر). تقول: جَعَلَه على حِدَةٍ، أي مُنْفرداً وَحْدَهُ. وتقول: فَعَلَه من ذات حِدَتِهِ، وعلى ذات حِدَتِه ومن ذي حِدَتِه، أي من ذات نَفْسِه ومن ذات رأيه. وتقول: جَلَسَ على حِدَتِه، وعلى حِدَتِهما، وعلى حِدَتِهم، وعلى حِدَتِهِنَّ)).
ولا بدّ من التفريق بين الهاء والتاء المربوطة، بوضع نقطتين فوق التاء، وإنْ كنا نقف عليها هاءً!.
قال مصطفى صادق الرافعي (وحي القلم 2/266):
((قال: هذا مجنون وليس بنابغة؛ بل هذا من جهلاء المجانين؛ بل هو مجنون على حِدَتِهِ)).
84- حِكاية حِكايات (لا: حكايا!)
تُجمع (حكاية) بالألف والتاء: حكايات، مثل: دعاية (دعايات)، بداية (بدايات)، نهاية (نهايات)، رماية (رمايات)، إلخ...
أما: تَحِيَّة، تكِيّة، هديّة، صبيّة، مَزِيّة، قضيّة... فهذه كلها تجمع جمع تكسير على: تَحايا، تكايا، هدايا، صبايا، مَزايا، قضايا... وتجمع جمعاً قياسياً بالألف والتاء (بعد حذف التاء المربوطة طبعاً!)، فنقول: هديّات، صبيّات، مَزِيّات، قضيّات.
وأما السَّحايا فمفردها سِحَاءة. وأما المِرآة فتُجمع على المَرائي والمرايا.(/14)
85- عَمود، لا: عامود!
لهذه الكلمة معانٍ عديدة توردها المعاجم. وتُجمَع على: أعمدةٍ وعُمُدٍ وعَمَدٍ، ولا وجه لكتابتها بالألِف! كما يفعل الآن غير قليل من الناس!.
86- فَعَلَ ذلك تَحَسُّباً لِكِّل طارئ (لا:... تَحَسُّباً من كل طارئ!)
للتحسُّب مَعْنيان؛
الأول: التَعَرُّف. جاء في معجم (أساس البلاغة): ((خَرَجا يَتَحسَّبان الأخبار: يَتَعَرَّفانِها)).
الثاني: توقُّعُ الأمر وتَحَيُّنه، أي تَطَلُّب وقتِه وحينِه.
فإذا قيل: فعل ذلك تحسُّباً لكل طارئ، فالمعنى:... توقُّعاً واستعداداً له.
ويصح أن يقال: فعل ذلك تَحَفُّظاً من كل طارئ، أي احترازاً منه وتَوَقِّياً له.
87- الاستثناء والحَصْر بالأداة (إلاّ)
أولاً: المستثنى بـ (إلاّ):
إذا قلنا: (نجح الطلابُ إلا زيداً)، فإن (زيداً) هو المستثنى، ولفظ (الطلاب) هو المستثنى منه، و(إلا) هي أداة الاستثناء. وعلى هذا لا يكون مستثنى بغير مستثنى منه.
ونلاحظ في المثال السابق أن المستثنى منه جاء قبل (إلا)، وأن الكلام قبل (إلا) تام المعنى، وهذا ما نصادفه في معظم حالات المستثنى بـ (إلا). ولكن يمكن أن يتقدم المستثنى على المستثنى منه فيكون الكلام قبل (إلاّ) غير تام، نحو: نجح إلاَّ زيداً الطلابُ. قال الشاعر:
وماليَ إلا آلَ أحمدَ شيعةٌ ماليَ إلا مذهبَ الحقِّ مذهبُ
سننظر الآن في الحالات التي يكون فيها الكلام قبل (إلا) تاماً؛ فيصحّ حينئذٍ في المستثنى بـ (إلاّ) النصبُ دائماً. غير أنه إذا سبقه نَفْيٌ أو نَهْيٌ أو استفهام، جاز مع النصب إتباعُه على البدلية مما قبله:
أ- الكلام قبل (إلا) تام ومُثْبَت، نحو: جاء الأصدقاء إلا سعيداً.
ب- الكلام قبل (إلا) تام ومسبوق بنفي، نحو: ما جاء الأصدقاء إلا سعيداً.
ويصحّ هنا: ما جاء الأصدقاءُ إلا سعيدٌ. (سعيدٌ: بدل من "الأصدقاءُ").
ج- الكلام قبل (إلا) تام ومسبوق بنهي، نحو: {ولا يَلتفِتْ منكم أَحَدٌ إلا امرأتَك}.(/15)
ويصحّ في غير القرآن: امرأتُك: بدل من (أَحَدٌ).
د- الكلام قبل (إلا) تام ومسبوق باستفهام، نحو: {ومَنْ يَقْنَطُ مِن رحمة رَبِّهِ إلاّ الضالّون}؟
ويصحّ في غير القرآن: الضالّين: مستثنى منصوب. أما الضالون، فبدلٌ من ضمير (يقنطُ) وهو فاعل.
هـ - الكلام قبل (إلا) مَنْفيٌّ بـ (لا) النافية للجنس، وهو - مع خبر (لا) المذكور أو المحذوف - تام المعنى، نحو:
• لا رَجُلَ في الدار إلاّ زيداً/ زيدٌ.
• جاء في التنْزيل العزيز: {فاعْلمْ أنه لا إلَهَ إلاَّ اللهُ}.
ويجوز في غير القرآن أن نقول: لا إله إلا اللهَ [النصب على الاستثناء، والرفع على البدلية: بدلٌ من الضمير المستتر في الخبر المحذوف وتقديره (موجودٌ)، وتقدير الضمير (هو)].
ثانياً: الحَصْر أو القَصْر:
إذا كان الكلام قبل (إلا) غير تامّ المعنى، ويعتمد على نَفْي أو نَهْي أو استفهام، وليس في العبارة مستثنى منه، فلا يكون التركيب استثناءً، بل حَصْراً، ويكون حُكْم الكلمة بعد (إلا) من حيث الإعراب تابعاً للسياق.
أ - النفي بـ (ما) أو (لم) أو (إنْ النافية) أو (لا)، والنهي والاستفهام.
في هذه الحالات، تَجَاهَلْ (إلاّ) وأداةَ النفي أو النهي أو الاستفهام وأعْرِبْ! نحو:
- ما رأيتُ (لم أَرَ) منه إلاَّ خيراً.
التركيب بلا حصْر هو: رأيت منه خيراً. [ النفي بـ (لم) أقوى منه بـ (ما): {لم يَلِدْ ولم يُولَدْ}].
- {ما على الرسول إلاّ البلاغُ}.
التركيب بلا حصر هو: على الرسول البلاغُ. البلاغُ: مبتدأ مؤخَّر.
- {إنْ أنتَ إلاّ نذيرٌ}. (إنْ = ما).
التركيب بلا حصر هو: أنتَ نذيرٌ. نذيرٌ: خبر للمبدأ أنت.
- لا يَعْلمُ الغيبَ إلا اللهُ.
- لا يجوز أن يقود هذه السيارات إلا السائقون المكلفون بذلك. ولكنْ:
لا يجوز أن يقود هذه السيارات أَحَدٌ إلا السائقون/ السائقين...
[ لأن الكلام الآن قبل (إلاّ) تام! والتركيب تركيب استثناء].(/16)
- {لا تقولوا على الله إلا الحقَّ}. (لا) الناهية، تجزم الفعل المضارع (بحذف النون هنا).
التركيب بلا حصر هو: تقولون على الله الحقَّ.
- {فَهَلْ يُهْلَكُ إلا القومُ الفاسقون}؟
التركيب بلا حصر هو: يُهلكُ القومُ الفاسقون.
ب - النفي بـ (ليس). تَجَاهَلْ (إلا) وأَعْرِبْ، وإنِ انعكس المعنى!
- ليس في الدار إلاَّ رَجُلٌ. (رجلٌ: اسم ليس).
- ليس بينهما إلا ليالٍ. (ليال: اسم ليس).
- ليست الشهادةُ إلا خلوداً. (خلوداً: خبر ليس).
88- الخطأ في استعمال: (عَدا)
- (عَدا) كلمةٌ تستعمل للاستثناء، وتكون:
1 - غير مسبوقة بـ (ما):
فيُنصب الاسم بعدها على المفعولية [لأن (عدا) هنا فعل]، نحو: جاء أصدقائي عدا سعيداً.
أو يُجرُّ الاسم بعدها [لأن (عدا) هنا حرف جرّ]، نحو: جاء أصدقائي عدا سعيدٍ.
ولا يجوز أن يليها الحرف (عن) بوجهٍ من الوجوه! فمن الخطأ أن يقال: تتسع الطائرة لمئة راكب عدا عن الملاّحين. والصوابُ: حَذْفُ (عن)!
وعلى هذا فقط أخطأ الكاتب الأديب - رحمه الله - حين قال: ((... وذلك تطويلٌ قد يُضيّع الغاية من إقامة الدعوى، عدا عمّا في ذلك من نفقات قد يعجز عنها المدَّعي، المفروض فيه أن لا يجد ما يتبلّغ به)). والصواب: ((... عدا ما في ذلك من نفقات قد يعجز عنها المدَّعي، المفترض فيه أنه لا يجد ما يتبلّغ به)).
2- مسبوقة بـ (ما)، وفي هذه الحالة لا يجوز إلا النصب على المفعولية، نحو:
جاء أصدقائي ما عدا سعيداً.
إذا كان المستثنى بـ (عدا) ضميراً للمتكلم (الياء)، نحو: (أطال الخطباء الكلامَ عدايَ)، كان (عدا) حرف جر، و(الياء) مبني عل الفتح في محل جر.
وإذا كان ضمير المتكلم مسبوقاً بنون الوقاية، كان هذا الضمير (الياء) في محل نصب (مفعولاً به)، نحو:
تُمَلُّ النَّدامى ما عَدِاني فإنني بكل الذي يهوى نديمي مُوْلَعُ
- يجب عدم خلط (عدا) التي للاستثناء، بالفعل (عدا)، الذي من معانيه:(/17)
عَدا يَعْدُو عَدْواً وعُدُوًّا وعَدَوَاناً: جرى جَرْياً.
عدا فلاناً عن الأمر عَدْواً وعُدْواناً: صَرَفَهُ وشَغَله. ومنه المَثَل المشهور: ((ما عدا مما بدا؟)) أي: ما صَرَفَكَ عما بدأت به؟ أو: ما منعك مما ظهر لك؟
عدا الأمرَ، وعن الأمر عَدْواً وعُدْواناً: جاوزه وتركه
عدا عليه عَدْواً وعَداءً وعُِدْواناً: ظَلَمه وتجاوز الحدّ.
89- (سِوى) و(غير) وإضافتهما إلى الأسماء
(سوى) و(غير) تضافان أبداً إلى الاسم، الظاهر أو الضمير (لا إلى الحرف!) ويشترط في الاسم بعدهما أن يعرَب مضافاً إليه دائماً، فهو مجرور أو في محل جر.
لذا من الخطأ أن يقال: لم أحصل سوى على كتاب واحد. لا تَسْتعِن سوى (غير) بالله.
والصواب أن يقال: لم أحصل على سوى كتاب واحد. لا تَسْتعِن بسِوى (بغير) الله.
والضمائر أسماء. ومنها ما هو للرفع، ومنها ما هو للنصب والجر. ومنها ما هو متصل ومنها ما هو منفصل.
أما ضمائر النصب والجر المتصلة فهي: الياء والكاف والهاء و(نا). [الضمير الأخير يكون للرفع أيضاً].
يقال: للمتكلم: سِواي، سِوانا. غيري، غَيرِنا.
وللمخاطب: سِواكَِ (الكاف للخطاب)، سِواكما، (الميم مع الألف تدلاّن على التثنية)، سِواكم (الميم حرف يدل على جمع الذكور)، سِواكُنَّ (النون المشدّدة المفتوحة حرف يدلّ على جمع النِّسْوة)، غيرَكِ، غيرَكما، إلخ...
وللغائب: سِواه...، غيرَه... [مِثْلُ الهاء في الحكم، الضمائر المتصلة: ها، هما، هم، هنَّ؛ علماً بأن الثلاثة الأخيرة تكون ضمائر رفع منفصلة أيضاً].
ولا يجوز أن تضاف (سوى) أو (غير) إلى ضمائر الرفع المنفصلة، لأنها مبنية على الضم (نحنُ)، أو في محل رفع (أنا، أنتِ، أنتما، أنتم، أنتُنَّ، هو، هي)، فلا تكون مضافاً إليه!
أي لا يصحُّ أن يقال: سِوى أنا/ سوى نحن (كما قال أحد المتحدثين في الإذاعة!)
أو: غير أنا / غير نحن...
بدلاً من: سواي، سوانا، غيري، غيرنا...
90- (إلاّ) و(لولا): دخولهما على الضمير(/18)
سواء كانت (إلاّ) أداة استثناء أو حَصْر، يمكن أن يَليَها اسمٌ ظاهِرٌ منصوبٌ أو مرفوعٌ أو مجرور؛ وأن يليها ضمير منفصل (أو متصل أحياناً) للرفع أو النصب تَبَعاً للمقام.
فمثال الاسم الظاهر قوله تعالى: {فاعْلَمْ أنه لا إلهَ إلا اللهُ}.
ومثال ضمير الرفع المنفصل قوله تعالى: {اللهُ لا إلهَ إلا هوَ الحيُّ القَيُّوم}.
وقوله تعالى: {لا إلهَ إلاّ أنتَ سبحانك}.
وقول عمرو بن معدي كرب:
قد علِمتْ سلمى وجاراتُها ما قَنْطَرَ الفارسَ إلاَّ أنا
ومثال ضمير النصب المنفصل: جاءني أمسِ الضيوفُ إلاّ إياكَ.
{وإذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ في البحر ضلَّ مَنْ تَدْعونَ إلا إيّاه}.
ومثال ضمير النصب المتصل: جاءني أمسِ الضيوفُ إلاّكَ،
وقولُ المتنبي لسيف الدولة:
ليس إلاّكَ يا عليُّ هُمامٌ سيفُه دونَ عِرْضِهِ مَسلُولُ
وقول الآخر:
أعوذُ بربِّ العرشِ من فِتْيةٍ بَغَتْ عليَّ فمالي عَوْضُ إلاّهُ ناصرُ
أي: فمالي أبداً ناصرٌ إلاَّ إياه.
ملاحظة: جاء في كتاب الدكتور إبراهيم السامرائي: (الفعل زمانُه وأبنيتُه /12)، نقلاً عن الأستاذ إبراهيم مصطفى في كتابه (إحياء النحو) ما يلي:
((ونَعْلم من أسلوب العرب أن الأداة إذا دخلت على الضمير، مالَ حِسُّهم اللغوي إلى أن يصلوا بينهما، فيستبدلون بضمير الرفع ضمير النصب، لأن ضمير الرفع لا يوصَل إلا بالفعل، ولأن الضمير المتصل أكثر في لسانهم، وهم أحب استعمالاً له من المنفصل. قال ابن مالك (صاحب الألفية):
وفي اختيارٍ لا يجيء المنفصل إذا تَأتَّى أن يجيء المتصل)).
ومن ذلك الأداة (لولا): إذ لا يكون الاسم الظاهر بعدها إلا مرفوعاً؛ ففي التنْزيل العزيز: {ولولا فَضْلُ اللهِ عليكم ورحمتُه ما زَكَا منكم من أحدٍ أبداً}. وعلى هذا إذا لم يأتِ بعدها اسم ظاهر مرفوع، وَلِيَها ضمير رفع منفصل. ولكن العرب يقولون: لولاهُ ولولا هُوَ، ولولاكم ولولا أنتم: يستعملون ضمير النصب المتصل، وضمير الرفع المنفصل.(/19)
وقد صرّح ابن الأنباري بجواز وقوع الضمير المتصل محل المنفصل. [انظر مقالة الأستاذ صلاح الدين الزعبلاوي في مجلة التراث العربي (العدد 53، الصفحة 45)].(/20)
العنوان: نحو كوكب الحرية..
رقم المقالة: 1363
صاحب المقالة: شمس الدين درمش
-----------------------------------------
نحو كَوْكَبِ الْحُرِّيَّةِ
روايةٌ مِنَ الأَدَبِ الفَارِسِيِّ الإِسْلامِيِّ
"نَحوَ كَوْكَبِ الْحُرِّيَّةِ".. الرِّوَايةُ الفائِزةُ بالجائزةِ الثالثةِ في المسابقةِ التي أَجْرَتْها "رابطةُ الأَدَبِ الإِسْلامِيِّ العالميَّةِ"، ضِمْنَ سَعْيِها في التَّوَاصُلِ الثَّقَافِيِّ الأَدَبِيِّ بين شعوبِ العالمِ الإِسْلامِيِّ.
مُؤَلِّفُ الرِّوَايَةِ هو: "مَحْمُود حكيمي"، ومُتَرْجِمُها مِنَ اللُّغَةِ الفارسيَّةِ إلى اللُّغَةِ العَرَبِيَّة هو: "عُثْمَانُ أيزد بناه".
النُّسْخَةُ العَرَبِيَّةُ مِنَ الرِّوايةِ تَقَعُ في إِحْدَى وخَمْسِينَ صَفْحَةً مِنَ القَطْعِ المُتَوَسِّطِ؛ وبذلك يُمْكِنُ النَّظَرُ إليها على أنها قِصَّةٌ طويلةٌ؛ إذ لا تَنْطَبِقُ عليها الشُّرُوطُ الفَنِّيَّةُ المُتعارَفُ عليها في الرِّواية؛ِ من حيث عناصرُ الشَّخْصِيَّاتِ والزمانِ والمكانِ وتَشَابُكِ الأَحْداثِ.
ومع ذلك؛ فالرِّوَايَةُ تَنْطَوِي على تَشْوِيقٍ كبيرٍ، ولا يَتْرُكُها القارِئُ دونَ أن يُتِمَّ قراءَتَها؛ فلا يُحِسُّ بِمَلَلٍ مِن مُتابَعَةِ أحداثِها، فَضْلاً عن أنَّ عَدَمَ طُولِها يَجْعَلُها تَتَلاءَمُ مع مِزاجِ القارئِ العَصْرِيِّ وظُرُوفِه.
إن الغايةَ التي يَسْعَى مُؤَلِّفُ الرِّوَايَةِ إلى بُلُوغِها -بهذا العَمَلِ الفَنِّيِّ- هي إعلاءُ شَأْنِ المَنْهَجِ الإِسْلامِيِّ، وبيانُ فسادِ المذاهبِ الوَضْعِيَّةِ، والدِّياناتِ السابقةِ للإسلامِ التي تَعَرَّضَتْ للتَّحْرِيفِ والتَّبْدِيلِ.(/1)
ومع نُدْرَةِ الأعمالِ الأَدَبِيَّةِ المُتَرْجَمَةِ مِن آدابِ الشُّعُوبِ الإِسْلامِيّةِ إلى اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ؛ يأتي هذا العَمَلُ الأَدَبِيُّ -بما كُتِبَ به مِن رُوحٍ إِسْلامِيّةٍ رفيعةٍ- وسيلةً مِن وسائلِ التَّقَارُبِ الثَّقَافِيِّ بينَ أبناءِ الأُمَّةِ الواحِدةِ، ونافِذةً يُطِلُّ منها أُدَباءُ العَرَبِيَّةِ على أعمالِ إِخْوَانِهم مِنَ الأدباءِ المسلِمينَ مِن غَيْرِ العَرَبِ.
أمّا الرِّوَايتانِ، الأُولى والثانيةُ في هذه المسابَقةِ؛ فهما مُتَرْجَمتانِ مِنَ الأَدَبِ التُّرْكِيِّ المُعاصِرِ:
الأُولى بعُنْوانِ: "مَمْلَكَةُ النَّحْلِ"، مِن تَأْلِيفِ الأَدِيبِ "عَلِي نار".
والثانيةُ بعُنْوانِ: "الآمَالُ صارَتْ آلاماً"، مِن تأليفِ الأَدِيبِ "د. نور الله كنج".
ولَعَلِّي أَعْرِضُ لهما فيما بَعْدُ، إن شاء اللهُ تعالى.
روايةُ "نحوَ كَوْكَبِ الْحُرِّيَّةِ" تَقَعُ أَحْدَاثُها عامَ 2005م، في إِحْدَى السُّفُنِ الفَضَائِيَّةِ؛ حيثُ تَقَدَّمَ الإنسانُ في المَجَالاتِ العِلْمِيَّةِ بأَسْرِها، وحَيْثُما غَيَّرَ التَّقَدُّمُ العِلْمِيُّ مظاهِرَ الحياةِ تَغْيِيراً كبيراً؛ فإن الإِنْسانيَّةَ بَقِيَتْ تَعِيشُ المُشْكِلاتِ والأَزَماتِ الاجْتِمَاعِيَّةَ. (ص7)
والجديدُ في هذا العَصْرِ -حَسَبَ الرِّوَايَةِ- أنَّ (الكائناتِ -في النُّجُومِ والكَوَاكِبِ الأُخْرى- أَصْبَحَتْ على اتِّصالٍ دائمٍ بأهلِ الأَرْضِ، وَيَتَبَادَلُونَ فيما بَيْنَهم ما تَحَقَّقَ لهم مِن إِنْجازاتٍ عِلْمِيَّةٍ!). (ص7)
الشَّخْصِيَّاتُ الرَّئِيسَةُ في الرِّوَايَةِ:
تَظْهَرُ في سِياقِ أحداثِ الرِّوَايَةِ ثماني شخصياتٍ رئيسةٍ؛ هي:
1- د. هاينريش باخ: عالِمُ الأَحْياءِ.
2- د. إدوارد داويس: الخبيرُ الذَّرِّيُّ.
3- البُرُوفِيسُور جنينغ: عالِمُ النَّبَاتِ.(/2)
4- المُهَنْدِسُ عبدُالمَجِيد سَلْمَان: مُراقِبُ الأَجْهِزَةِ الإِلِكْتُرُونِيَّةِ.
5- روبنسون: مُتَخَصِّصٌ في الأَقْمارِ الصِّناعِيَّةِ.
6- د. إيساكو: العالِمُ الفِيزْيَائِيُّ اليَابَانِيُّ.
7- د. جانفيا: قائدُ السَّفِينَةِ الصِّينِيُّ.
8- د. أَحْمَدُ يُوسُفُ: طَبِيبُ السَّفِينَةِ الخاصُّ.
تَبْدَأُ هذه الرِّحْلةُ العِلْمِيَّةُ الخَيَالِيَّةُ، في الثاني مِن يُولْيُو، عامَ 2005 للمِيلادِ، مِن قاعدةِ (النَّصْرِ)، بِجَزِيرَةِ (النَّجَاةِ)، نحوَ كَوْكَبِ (الْحُرِّيَّةِ)؛ بهَدَفِ البَحْثِ والتَّحْقِيقِ في مَجالاتِ العُلُومِ المختلِفةِ (ص9)، وبعدَ سَبْعِينَ ساعةً مِن إِقْلاعِ السَّفِينَةِ؛ يَتَلَقَّى جَهَازُ تَسْجِيلِ المكالَماتِ نداءً مُرَمَّزاً مِن كَوْكَبٍ يَبْعُدُ عنِ السَّفِينَةِ عَشَرَةَ آلافِ سَنَةٍ ضَوْئِيَّةٍ، اسمُه كَوْكَبُ (البدينغ)، يَتَضَمَّنُ النِّدَاءُ النَّصَّ الآتِيَ: "لِيَنْتَبِهْ رُكَّابُ سَفِينَةِ النُّورِ! هذا النِّداءُ يَصِلُكُمْ مِنْ كَوْكَبِ البدينغ .. يا أهلَ الأرضِ، إننا نَمُدُّ إليكم يَدَنا طالِبِينَ العَوْنَ في إِنْقاذِ مُجْتَمَعاتِنا مِنَ الدَّمارِ الحَتْمِيِّ، إن المعلوماتِ التي تَلَقَّيناها مِنَ الأرضِ تُفَيدُ أنَّكم أَذْكِياءُ، ذَوُو خِبْرَةٍ واسعةٍ، خاصَّةً وأنَّكم قد أَحْرَزْتُمْ في هَذَينِ القَرْنَينِ الأَخِيرَينِ تَقَدُّماً عِلْمِيّاً مَلْحُوظاً، إننا أَرْقى منكم مِنَ النَّاحِيَةِ الصِّناعِيَّةِ والتَّنْمِيَةِ بأَلْفَي عامٍ؛ بَيْدَ أنَّ هذه الإِنْجَازاتِ لم تَسْتَطِعْ أن تُحَقِّقَ لنا الفَوْزَ بالسَّعادةِ والرِّضَا. (ص 11-12)(/3)
ويُتابِعُ النداءُ اسْتِعْراضَ ما يَعِيشُه سُكَّانُ كَوْكَبِ (البدينغ) مِنْ فَسادٍ وظُلْمٍ؛ عَجَزُوا عن إِيجَادِ قَوَانِينَ للخُرُوجِ منه؛ لذلك فَهُمْ يَرْجُونَ أن يَبْعَثَ إليهم سُكَّانُ الأرضِ مُمَثَّلِينَ برُكَّابِ سَفِينَةِ النُّورِ مجموعةً مِنَ القَوانِينِ؛ لإِصْلاحِ أَحْوالِهم!
أَدْهَشَ هذا النداءُ العُلَمَاءَ المَوْجُودِينَ في سَفِينَةِ (النُّورِ) الفَضَائِيَّةِ، وهم بينَ مُصَدِّقٍ ومُسْتَغْرِبٍ!!
أَكَّدَ د. باخ أن سُكَّانَ أَحَدِ الكَوَاكِبِ قبلَ ثلاثِ سَنَوَاتٍ أَرْسَلُوا طَلَبَ مُساعَدةٍ مَعْلُوماتِيَّةٍ حَوْلَ أَشِعَّتَي (اللِّيزَرْ ومايزر)، وعندما اسْتَجَابَ العُلَمَاءُ في الأرضِ لهذا الطَلَبِ تَبَيَّنَ أَنَّ الأَمْرَ كان مُزاحاً وسُخْرِيَةً من أهلِ الأرضِ؛ لأنهم قدِ اكْتَشَفُوا خاصِّيَّةَ هَذَينِ الإِشْعاعَينِ منذُ خَمْسَةِ آلافِ سَنَةٍ!!.
ولكنَّ الأَمْرَ حُسِمَ في النِّهايَةِ بين عُلَمَاءِ سَفِينَة (النُّورِ) لأَخْذِ الموضوعِ بِجِدِّيَّةٍ على كلِّ حالٍ، وجَرَى نِقَاشٌ حَوْلَ ماذا يُرْسِلُونَ إليهم؟
اقْتَرَحَ إيساكو اليابانيُّ إرسالَ دُسْتُورِ بلادِه اليابانِ، واقْتَرَحَ د. جنينغ المَسِيحِيُّ المُتَعَصِّبُ إرسالَ الإِنْجِيلِ؛ مِمَّا شَجَّعَ المُهَنْدِسَ عبدَالمجيدِ سَلْمانَ أن يَقْتَرِحَ إرسالَ القُرْآنِ الكريمِ، واقْتَرَحَ د. داويس إرسالَ نَصِّ (إِعْلانِ حُقُوقِ الإِنْسانِ) بَدَلاً مِنَ الإِنْجِيلِ والقُرْآنِ.(/4)
ويَحْتَدِمُ الجَدَلُ حَوْلَ الموضوعِ، ويُدْلِي كلُّ واحدٍ بوِجْهَةِ نَظَرِه، ويُوَضِّحُ المُهَنْدِسُ عبدُالمجيدِ سلمانُ مَزايا النصِّ القُرْآنيِّ فيما يَخُصُّ حُقُوقَ الإِنْسانِ، ويَسْتَقِرُّ رَأْيُهم أَخِيراً بعدَ التَّصْوِيتِ على إِرْسالِ المادَّةِ الأُولى مِن حُقُوقِ الإِنْسانِ التي تَقُولُ: "يُولَدُ جميعُ الناسِ أحراراً، والكلُّ سَواسِيَةٌ في الحُقُوقِ والواجباتِ، لهم عُقُولٌ وضَمَائِرُ، ولْيُعامِلْ بَعْضُهم بَعْضاً برُوحِ الأُخُوَّةِ (ص21)، وفي مُقَابِلِ ذلك يُرْسِلُ المُهَنْدِسُ عبدُالمجيدِ الآيةَ الكريمةَ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13] (ص22).
وتَمُرُّ ساعةٌ مِنَ الزَّمَنِ يَسُودُها التَّوَتُّرُ تُِجاهَ ما سَيَرُدُّ به سُكَّانُ كَوْكَبِ (البدينغ)، يَسْتَغِلُّها د. داويس في التَّعْبِيرِ عن رَأْيِهِ قائلاً: "إنَّ الأمرَ واضحٌ كالشَّمْسِ في رابِعةِ النَّهارِ، إن علماءَ الكَوْكَبِ سَوفَ يَخْتَارُونَ المادَّةَ الأُولى مِن إعلانِ حُقُوقِ الإِنْسانِ، بوَصْفِه قانوناً للحياة؛ لأن هذه المادةَ مع وُضُوحِها لا يُوجَدُ فيها أيُّ نَقْصٍ، أما القَانُونُ الذي أَرْسَلَه عبدُالمجيدِ فقد تَكَوَّنَ مِن عِبَارَتَيْنِ غامِضَتَينِ، لا يُمْكِنُ إِدْراكُ مَغْزاهما جيّداً، إضافةً إلى أن هاتَينِ العبارتَينِ لا يُوجَدُ بينَهما أيُّ صِلَةٍ أو رابِطٍ" (ص22).(/5)
ولكنَّ الرَّدَّ كان سَريعاً مِن علماءِ كَوْكَبِ (البدينغ)، فَقَدْ أَرْسَلُوا باخْتِيارِ النَّصِّ القُرْآنيِّ، مُبْدِينَ مَلْحُوظَةً في المُوَازَنَةِ بينَه وبينَ مادَّةِ حُقُوقِ الإِنْسانِ في جُمْلةِ (يَجِبُ أن يُعامِلَ بعضُهم بعْضاً برُوحِ الأُخُوَّةِ)، بأنها تَخْلُو مِن مَعْنى الأُخُوَّةِ؛ لأن التعاملَ الأُخَوِيَّ أمرٌ أَخْلاقِيٌّ؛ ولأن الأَخْلاقِيَّاتِ تَفْقِدُ ضَمَانَ التَّنْفِيذِ، وعلى هذا لا مَحِلَّ لكَلِمَةِ (يَجِبُ) في هذا المَقَامِ (ص23). على حينِ رَأَوْا أن القانونَ الثانيَ - أيِ: النصَّ القرآنيَّ - خالٍ من أيِّ عَيبٍ أو نَقْصٍ؛ ولذلك قَرَّرُوا قَبُولَه، وهم في انتظارِ القوانينِ الأُخْرى!!
وأَمامَ دَهْشَةِ عُلَمَاءِ السَّفِينَةِ مِن غَيْرِ المُسلِمينَ، واسْتِياءِ بعضِهم، قَرَّرُوا ثانيةً إرسالَ النصوصِ الكاملةِ للقرآنِ الكريمِ والإنجيلِ وإعلانِ حُقُوقِ الإِنْسانِ، وانْتِظارَ رَدِّ عُلَماءِ كَوْكَبِ (البدينغ).
في مُدَّةِ الانتظارِ يَسْتَعْرِضُ المُهَنْدِسُ عبدُالمَجِيدِ سلمانُ أحوالَ الأُمَّةِ الإِسْلامِيّةِ، وحُصُولَ تَطَوُّراتٍ مُهِمَّةٍ مِنَ الناحيّةِ العِلْمِيَّةِ، وافْتِتَاحَ جامعاتٍ إِسْلامِيّةٍ مثلَ جامعةِ أبي ذَرٍّ، وجامعةِ عَمَّارٍ، ويَتَطَوَّرُ سياقُ الرِّوَايَةِ إلى دُخولِ عُنْصُرٍ مُفاجِئٍ، وهواحتمالُ اصْطِدامِ نَيْزَكٍ كبيرٍ بالسَّفِينَةِ الفَضَائِيَّةِ، يُوقِعُهم فَجْأَةً في خَطَرٍ شديدٍ وفَوْضَى، ويُصابُ رُكَّابُ سَفِينَةِ النُّورِ بحالاتِ إِغْماءٍ، كما أنَّ الكِلابَ التي يَصْطَحِبُها عالِمُ الأحياءِ تُصابُ بالسُّعارِ وتُهاجِمُهم، ولكنَّ طَبِيبَ السَّفِينَةِ أَحْمَدَ يُوسُفَ يَتَغَلَّبُ على المُشْكِلَةِ مِن خِلال دَوَاءٍ مُنَوِّمٍ.(/6)
يَتَلَقَّى عُلَمَاءُ سَفِينَةِ النُّورِ بعدَ مُرُورِ سَبْعِينَ ساعةً خَبَراً سارّاً مِنَ الأرضِ باكْتِشَافِ أَحَدِ طَلَبَةِ جامعةِ أبي ذَرٍّ اكْتِشافاً جديداً حَوْلَ أَشِعَّةِ (مايزر).
وبعدَ مُرُورِ خَمْسِمِائَةِ ساعةٍ يُجِيبُ عُلَمَاءُ كَوْكَبِ البدينغ عَنْ رَأْيِهم في النُّصُوصِ المُرْسَلَةِ إليهم، بتوضيحِ نِقَاطِ الخَلَلِ في نُصُوصِ الإِنْجِيلِ، ونُصُوصِ إِعْلانِ حُقُوقِ الإِنْسانِ قائلينَ: "أمّا كتابُ القانونِ الثالثِ المُسَمَّى: القُرْآنُ، فقد كان مُدْهِشاً لنا حَقّاً!! فعندَما قام عُلَمَاؤُنا وخُبَرَاءُ القانونِ بدِرَاسَةِ هذا الكتابِ أَصَابَتْهمُ الدَّهْشةُ، ونحنُ الآنَ نُفَكِّرُ ونُسائِلُ أَنْفُسَنا: كيفَ يُعانِي أهلُ الأرضِ مِن مُشْكِلاتٍ عَدِيدةٍ وهذا الكتابُ بينَ أَيْدِيهم؟!" (ص38).
و"بعدَ مُضَيِّ سِتٍّ وثلاثينَ ساعةً مِن وُصولِ رَدِّ الكَوْكَبِ، قام علماءُ الفريقِ العِلْمِيِّ للسَّفِينَةِ بعَقْدِ جَلْسَةٍ طَارِئَةٍ، أَلْقَى فيها د. هاينريش باخ بياناً جاء فيه: "ولقد تَوَصَّلْنا في هذه الرِّحْلَةِ إلى مَعْلُوماتٍ كَثِيرةٍ، وقُمْنا بتَجَارِبَ جديدةٍ، لكنْ ليس هناك نجاحٌ أعظمُ بالنسبةِ إليَّ مِن أَنْ أَتَعَرَّفَ على كتابِ القُرْآنِ" (ص40)، وطَلَبَ منهم تكريمَ المُهَنْدِسِ عبدِالمجيدِ سلمانَ، ومَنْحَه وِسامَ الشَّرَفِ الفَضَائِيَّ، وتَخْيِيرَه في طَلَبِ أيِّ شَيءٍ مِنَ المجموعةِ لتَنْفِيذِه.(/7)
وإذ يَتِمُّ تكريمُ عبدِالمجيدِ فإنه قَدَّمَ إليهم طَلَباً يَتِمُّ تنفيذُه فَوْقَ كَوْكَبِ الحُرِّيَّةِ، وهو رَفْعُ رايةٍ واحدةٍ فوقَ هذا الكَوْكَبِ، بَدَلاً مِن أَعْلامِ عَشْرِ دُوَلٍ، هي الأعضاءُ في اللَّجْنَةِ العِلْمِيَّةِ للسَّفِينَةِ، وهي رايةُ الحُرِّيَّةِ، ويَقولُ: "إنَّنِي أَقْتَرِحُ أن نَرْفَعَ رايةً خَضْراءَ يُكْتَبُ عليها "لا إِلهَ إلا اللهُ" على أَعْلَى جَبَلٍ فَوْقَ كَوْكَبِ الحُرِّيَّةِ"، لَقِيَ الِاقْتِراحُ مُعارَضةَ بعضِ العُلَمَاءِ، وخُصوصاً إيساكو اليابانيَّ ولكنَّ عبدَالمجيدِ شَرَحَ لهم مَعْنَى ارْتِبَاطِ الحُرِّيَّةِ بـ"لا إلهَ إلا اللهُ" وتَمَّتِ المُوافقةُ على رَفْعِ رايةِ"لا إله إلا الله" على هذا الكَوْكَب.(/8)
وإذ لم يَبْقَ على الهُبُوطِ فوقَ كَوْكَبِ الحُرِّيَّةِ سِوى خمسينَ ساعةً، فإن القائدَ الصِّينِيَّ للسَّفِينَةِ يَقْتَرِحُ مَرَّةً أُخْرَى على عبدِالمجيدِ أن يُلْقِيَ محاضَرةً عِلْمِيَّةً في قاعةِ المُؤْتَمَراتِ الكُبْرى داخِلَ السَّفِينَةِ تُذَاعُ عَبْرَ الإذاعاتِ وشاشاتِ التِّلْفازِ العالميَّةِ مُباشَرَةً، ويَجْعَلُ عبدُالمجيدِ هذه المحاضَرَةَ بعُنْوانِ: "مَدْخَلٌ إلى عالَمِ القرآنِ العظيمِ" (ص46)، وتَنْتَهِي المحاضَرةُ أمامَ إِعْجابِ الحاضِرِينَ والعالَمِ كُلِّه، وتَهْبِطُ السَّفِينَةُ (نُورٌ) على كَوْكَبِ الحُرِّيَّةِ، وتَنْتَهِي الرِّوَايَةُ بالعِبَاراتِ الآتيةِ: "هَبَطَتْ سَفِينَتُنا على كَوْكَبِ الحُرِّيَّةِ بهُدُوءٍ، ورُفِعَتْ رايةُ "لا إلهَ إلا اللهُ" على أَعْلَى قِمَّةٍ في الكَوْكَبِ، على حِينِ كانتْ آياتٌ مِنَ القرآنِ الكريمِ مِن خِلالِ مُكَبِّرِ الصَّوْتِ في السَّفِينَةِ في بَثٍّ مُباشِرٍ إلى جَمِيعِ القَنَوَاتِ الفَضَائِيَّةِ المُوَجَّهَةِ إلى سُكَّانِ الأرضِ، ووافَقَ رَفْعُ رايةِ "لا إلهَ إلا اللهُ" قراءةَ هذه الآيةِ {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 18] (ص51)
وَقَفَاتٌ مع الرِّوَايَةِ:(/9)
1- قلتُ: الرِّوَايَةُ تُعَدُّ قِصَّةً طويلةً، وليست رِوايةً بالمفهومِ الفَنِّيِّ لحَجْمِ الرِّوَايَةِ، وتَنْطَوِي على قَدْرٍ كَبِيرٍ مِنَ التَّشْوِيقِ وتَحْقِيقِ المُتْعَةِ الفَنِّيَّةِ مِنْ خِلالِ عَدَدٍ مِنَ المُفَاجَآتِ، وخُصوصاً في تَصَاعُدِ قَبُولِ اقْتِراحِ المُهَنْدِسِ عبدِالمجيدِ سلمانَ بإرسالِ القرآنِ الكريمِ إلى كَوْكَبِ (البيدينغ) الذي فاجَأَنا بالظُّهُورِ، حتى رَفْعِ رايةِ "لا إلهَ إلا اللهُ"، وهذا الشُّعُورُ بالمُتْعَةِ أوِ الرِّضَا يَنْشَأُ نتيجةَ اسْتِيقَاظِ رَغْبَةٍ مَوْجُودَةٍ لَدَى كلِّ مُسْلِمٍ أن تَسُودَ رايةُ "لا إلهَ إلا اللهُ" على العالَمِ الأرضيِّ، وما لم يَتَحَقَّقْ في واقِعِنا الأرضيِّ، فقَدْ تَحَقَّقَ في عالَمِنا الخَيَالِيِّ، بمُوافَقَةِ علماءِ سَفِينَةِ (النُّورِ) على رَفْعِ الرَّايةِ فَوْقَ كَوْكَبِ الحُرِّيَّةِ المُتَخَيَّلِ بَدَلاً مِن "كَوْكَبِ الظُّلْمِ" الأرضِ الذي نَعِيشُ فيه.
وكذلك قَبُولُ سُكَّانِ كَوْكَبِ "البيدينغ" القرآنَ، وتَعَجُّبُهُمْ أن يَعِيشَ أهلُ الأرضِ كلَّ هذه المشاكلِ الموجودةِ وبينَهم كتابُ اللهِ سُبْحَانَه.
وإذ يُعْطِينا المُؤَلِّفُ لَمَحَاتٍ أنَّ كَوْكَبَ "البيدينغ" هم أُناسٌ مثلُنا، فإنه يُشِيرُ إلى مَفْهومِ الآيةِ: {سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}، والآيةِ: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}.(/10)
والبَحْثُ عن كَوَاكِبَ مَأْهُولَةٍ يَشْغَلُ بعض عُلَمَاءَ الفلك والمُهْتَمِّينَ بشُؤونِ الفَضَاءِ، أو على الأَقَلِّ البحثُ عن كواكبَ قابلةٍ للحياةِ مثلَ الأرضِ، أمّا وُجُودُ أُناسٍ آخَرِينَ؛ فهو مِنَ الخَيَالِ الذي يَعِيشُهُ هؤلاء، وقَضِيَّةُ الأَطْبَاقِ الطائرةِ التي تَتَحَدَّثُ عنها بعضُ الأَجْهِزةِ الإِعْلامِيّةِ مِن وَقْتٍ لآخَرَ إنما هي خَيَال وأَوْهام، بالنَّظَرِ إلى المُعْطَيَاتِ العِلْمِيَّةِ لإِثْباتِ الأشياءِ، ولكنَّ الأدب العَرَبِيَّ القديمَ يَعْرِفُ بَيْتاً مِنَ الشِّعْرِ -للمعرِّي- يَقُولُ:
جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ آدَمُ هَذَا قَبْلَهُ آدَمٌ عَلَى إِثْرِ آدَمْ
وهذا من تخليط أَبِي العَلاءِ المَعَرِّيِّ الذي كَتَبَ كِتابَه "رسالةُ الغُفْرانِ" المَبْنِيَّ على أُسْلُوبِ الخَيَالِ الرِّوَائِيِّ، ومثلُه كتابُ "الزَّوَابِعُ والتَّوَابِعُ" لابْنِ شُهَيدٍ الأَنْدَلُسِيِّ في سَفَرِهِ إلى وادي عَبْقَرٍ ومُقَابَلَتِهِ تَوَابِعَ الجِنِّ لشُعَرَاءِ الإِنْسِ!!.
2- عندَما نَنْظُرُ إلى هذا العَمَلِ الأَدَبِيِّ نَظْرَةً نَقْدِيَّةً فَنِّيَّةً يَخْطُرُ في بالِنا أُمُورٌ إِيجابِيَّةٌ وسَلْبِيَّةٌ في حَبْكِ الأحداثِ:
أ- عَدَمُ ارْتِباطِ الرِّحْلَةِ في الرِّوَايَةِ ببَلَدٍ إِسْلامِيٍّ مُعَيَّنٍ، يَجْعَلُها صالحةً للقراءةِ مِن جَمِيعِ المسلِمينَ في العالَمِ.(/11)
ب- مِنَ الواضِحِ أنَّ فِكْرَةَ الرِّوَايَةِ قائمةٌ على عِلْمِ "مُقَارَنَةِ الأَدْيَانِ"؛ فقد أُجْرِيَتْ مُوَازَنةٌ بينَ القرآنِ الكريمِ والإِنْجِيلِ، وإِعْلانِ مبادئِ حُقُوقِ الإِنْسانِ، والكاتبُ أَحْسَنَ في إِيرادِ مُوازَنةٍ بينَ نُصوصٍ مِنَ التَّوْراةِ والإِنْجِيلِ والقُرْآنِ ومَبادئِ حُقُوقِ الإِنْسانِ، ولكنْ لا يُمْكِنُ أَنْ نَقْبَلَ غِيابَ نُصُوصٍ مِنَ الكتابِ المُقَدَّسِ عندَ اليابانيِّين والصِّينِيِّينَ، وخُصوصاً أن الكاتبَ نصَّ على جِنْسِيَّةِ اثنينِ مِنَ العُلَمَاءِ: إيساكو اليابانيِّ وجانفيا الصِّينيِّ، وقدِ اعْتَرَضَ اليابانيُّ على مَوْضوعِ إرسالِ الكُتُبِ الدِّينِيَّةِ، ولكنَّ الصِّينِيَّ كان أَقْرَبَ إلى تَأْيِيدِ مُقْتَرَحِ المُهَنْدِسِ المُسلِمِ عبدِالمجيدِ دائماً.
وأُضِيفُ أَيْضاً: أن الكاتبَ لم يُعَرِّفْنا بالدُّوَلِ العَشْرِ المشارِكة في الرحلةِ العِلْمِيَّةِ لسَفِينَةِ النُّورِ الفَضَائِيَّةِ، وكان بإِمْكانِه أن يَفْتَرِضَ في المُقَدِّمَةِ أن العالَمَ الذي أَصْبَحَ قَرْيَةً صغيرةً أَنْشَأَ مَحَطَّةً فَضَائِيَّةً مُشْتَرَكَةً في أَرْضٍ مُحايدَةٍ، كما سَمَّاها "جَزِيرَةَ النَّجَاةِ"، طَالَمَا أنَّ الموضوعَ كلَّه خَيَالٌ.
وتَوْسِيعُ دائرةِ المقارَنةِ بإشراكِ نُصُوصٍ أَوْسَعَ مِن عَقَائِدِ الأُمَمِ على الأرضِ، يَجْعَلُ الرِّوَايَةَ مَقْبُولَةً أَكْثَرَ في التَّرْجَمَةِ إلى اللُّغاتِ العالَمِيَّةِ الحَيَّةِ.(/12)
3- تُوجَدُ في الأَدَبِ التُّرْكِيِّ رِوايةٌ خَيَالِيَّةٌ لم تُتَرْجَمْ إلى العَرَبِيَّةِ بعُنْوانِ "فَلاحُو الفَضَاءِ" للأَدِيبِ التُّرْكِيِّ "عَلِي نار"، ويَتَحَدَّثُ فيها عن قِيامِ هَيْئَةِ فَضَاءٍ إِسْلامِيّةٍ عالَمِيَّةٍ، ويَشْتَرِكُ فيها عُلَمَاءُ مِنَ الأقْطارِ الإِسْلامِيّةِ جميعاً، في مُحاوَلةٍ منه لإِرْواءِ غَلِيلِ القارئِ المسلِم إلى رُؤْيةِ عالَمٍ إِسْلامِيٍّ مُتَقَدِّمٍ عِلْمِيّاً وتِقْنِيّاً.
4- وأَخيراً: نَظَراً لتَرْكِيزِ مُؤَلِّفِ الرِّوَايَةِ على موضوعِ أَحَقِّيَّةِ القرآنِ الكريمِ أن يَحْكُمَ البَشَرِيَّةَ، وإِظْهارِ نِقَاطِ الضَّعْفِ في النُّصُوصِ الدِّينِيَّةِ والوَضْعِيَّةِ الأُخْرى، وقِصَرِ حَجْمِ الرِّوَايَةِ، فقد تَلاشَتِ الأحداثُ الجانِبِيَّةُ في الرِّوَايَةِ، ولم يَبْقَ لها سِوى حَيِّزٍ بَسِيطٍ جِدّاً مما قَلَّلَ مِن إِمْكانِيَّةِ الوَصْفِ الأَدَبِيِّ لبِيئَةِ الجَزِيرَةِ مثلاً ، وأَبْعادِ شَخْصِيَّاتِ الرِّوَايَةِ، ووَصْفِ كَوْكَبِ الحُرِّيَّةِ، ومَعْرِفَةِ مَزِيدٍ مِنَ المعلوماتِ عن كَوْكَب "البدينغ" وسُكَّانِه.(/13)
العنوان: نخلة التمر في المصادر العربية
رقم المقالة: 1591
صاحب المقالة: عادل محمد علي الشيخ حسين
-----------------------------------------
نخلة التمر في المصادر العربية
قديما ًوحديثاً
رافقت النخلة الإنسان العربي منذ أقدم العصور والحقبات التأريخية المختلفة، وهي الشجرة أو النبتة الوحيدة التي ورد ذكرها في كل الكتب السماوية [التوراة والإنجيل والقرآن الكريم]، كما خصها أكثر الكتاب والفلاسفة العرب في كتبهم ومؤلفاتهم وبحوثهم وأشعارهم، كما قدست عند الكثير من الأقوام القديمة في وادي الرافدين ووادي النيل ووادي السند، وفي الجزيرة العربية قبل الإسلام، والنخلة من أهم الأشجار الاقتصادية والصناعية والغذائية في الوطن العربي ولاسيما في منطقة الجزيرة العربية. ولهذه الشجرة سجل عريق وحافل في موكب التأريخ والفكر والحضارة والإنسانية، وستبقى مع الجمل رمز العرب في كل زمان ومكان. ومن المعروف أن النخلة تنتمي إلى وحيدات الفلقة، وهي تتميز بمظهرها السامق، سواء كان علي شكل أشجار أو شجيرات. وتتميز الأشجار بأن لها جذعاً اسطوانياً كالعمود، كثيراً ما يكون باسقاً بالغ الطول. وهي تعود بدورها إلى الفصيلة النخلية (Plamaeae)، والى الجنس المعروف (Phoenix)، وهي النوع المعروف باسم (Dactylifera)، ومن المعروف أن أهم مناطق زراعة النخيل في العالم توجد في العراق.
وسنتناول في هذا الثبت البيلوجرافي أهمية النخلة في الكتب المقدسة والمؤلفات العربية والمعربة قديماً وحديثاً. راجين أن نوفق في إماطة اللثام عن أثر هذه الشجرة المباركة في تاريخنا العربي الإسلامي الخالد وحصر ما صدر عنها من مؤلفات ومقالات حسب ما توفر لنا من مصادر ومراجع، ومن الله التوفيق والسداد.
1- النخلة في الكتب السماوية:(/1)
أ- في التوراة: لقد اعتبرت الديانة اليهودية التمر من الأثمار السبعة المشهورة، وكانت جدران هيكل سليمان منقوشة بصور تمثل النخل، وفي التوراة يعتبر التمر وعصارته (الدبس أو العسل) من الأثمار الأولى في تنقية الأجسام من الأشرار ويعتقد أن كلمة اشميرا في التوراة أي السارية تعتبر النخلة نفسها وقد لاحظ اليهود اعتدال جذع النخلة وقوامها المديد السامق وخيرها الوافر فأطلقوا اسمها (تامار) على فتياتهم رمزاً لجمالهن وتبركاً بخصوبتهن الأكيدة في المال والبنين، وقد ورد في الكتاب المقدس أن كنة نبيهم (يهودا بن يعقوب) سميت باسم (تامار) وبذلك كان اسم ابنة الملك النبي داود. وقد مدح أنبياء بني إسرائيل وأحبارهم النخيل وأثماره وحثوا على غرسه حتى أن (دابورا) حكيمة اليهود في عهد القضاة كانت تجلس للقضاء تحت جذع نخلة عرفت باسمها كما عرفت أريحا بمدينة النخيل. وفي التوراة يعتبر التمر أو دبسه (عسله) من الأثمار السبعة الممتازة. ومما جاء في التلمود وهو ثاني كتاب مقدس بعد التوراة أن بعض أحبار اليهود يوصون الناس في طريقة استثمار مهر صداق الزوجات (الدوطة) بشراء بساتين النخيل والأراضي الزراعية أو بيوت السكن.
وقد روى بعض علماء التلمود في القرن الرابع الميلادي أنه سمع من بعض الفلاحين أن هناك نوعاً من التمر يرجع تاريخ غرسه إلى عهد آدم.
ويستعمل اليهود طقوسهم في عيد المظال (العرازيل) سعف النخيل الطري (الغظ) رمزاً للفرح والبهجة وهو ما يسمى عندهم (لولاب).
وتذكر المصادر التاريخية أن النبي إبراهيم عليه السلام ولد في آور (المقير) جنوب العراق وتبعد حوالي 15 كيلو متراً من الناصرية التي تقع جنوب بغداد بحوالي 250كيلو متراً، حيث النخل، وقد ولدته أمه تحت ظلال النخيل أيضاً، وقد تأثر هذا النبي عليه السلام بالتمر وكان يهتم بالنخيل أينما حل في الشام ومصر ومكة المكرمة والقدس.(/2)
ب- في الإنجيل: كان النبي عيسى عليه السلام قد ولدته أمه السيدة مريم العذراء تحت ظلال النخيل، وأكلت أمه الرطب بعد ولادته لتكثر حليبها لغرض تغذيته. وقد ورد ذكر النخيل في الإنجيل، باعتبار أن سعف النخلة كان علامة من علامات النصر يحمل أمام المنتصرين في مواكبهم، ويعتبر المسيحيون الغربيون النخلة شجرة الحياة، ولذلك لا تخلو نشرة من نشرات جمعية منتجي التمور في ولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة من صورة للنخيل وفي أسفلها صورتا آدم وحواء. وعلى مقربة من العاصمة الإيطالية روما يوجد زهاء (5000 نخلة) نامية، وسبب غرسها هو لأخذ السعف لإقامة الشعائر الدينية في يوم (أحد النخيل) في كل عام في مقر الكنيسة البابوية في روما.
ت- في القرآن الكريم: جاء ذكر النخل والتمر في القرآن الكريم في (17) سورة من أصل (114) سورة، وفي (20 آية) من أصل (6236) آية، وقد جاء في القرآن الكريم عن هذه الشجرة المباركة بلفظة (النخلة).
2- التمر في أحاديث الرسول الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم -
جاء في كتاب الطب النبوي لموفق الدين عبد اللطيف البغدادي (ت629هـ)، ص 87 - صلى الله عليه وسلم - ((أطعموا نساءكم التمر فإنه كان من طعامها التمر خرج ولدها حليماً وأنه كان طعام مريم، عليها السلام، ولو علم خيراً منه لأطعمها إياه)).
ومن أقوال الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -: ((من وجدت تمراً فليفطر عليه ومن لم يجد فليفطر على الماء فإنه طهور)). رواه أبو داود والترمذي.
وقال عليه الصلاة والسلام: ((بيت لا تمر فيه جياع أهله)). [نقلاً عن الطب النبوي للبغدادي، تحقيق: يوسف علي بديوي، دار ابن كثير، دمشق، بيروت 1990م، ط1].
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: ((خير تمراتكم البُرنُّي، يذهب الداء ولا داء فيه)) [صحيح الجامع الصغير 3303].
وهناك العشرات من الأحاديث النبوية الشريفة التي تناولت النخلة وتمرها ليس مجالها في هذا المقام.(/3)
3- النخلة في كتب العرب ومؤلفاتهم:
ومن أهم الكتب والرسائل والمؤلفات التي تناولت النخل والتمر ما يلي:
1- كتاب النخلة أو كتاب النخل، لأبي حاتم السجستاني (ت255هـ). وكان المستشرق لاغومينا قد عني بنشره في مدينة بالرمه في صقلية سنة 1873م، مع تعليق بالإيطالية. وهذه الطبعة نادرة الوجود الآن. وفي مكتبة المتحف العراقي ببغداد (مركز المخطوطات) نسخة مطبوعة بالآلة الكاتبة منقولة عنها، وتوجد نسخة أخرى في مكتبة المرحوم عبد الجبار صاحب كتاب نخلة التمر – استنسخها من مكتبة جامعة كاليفورنيا. وفي سنة 1985م صدر في بيروت كتاب النخل للسجستاني بتحقيق لغوي جديد من قبل إبراهيم السامرائي – رحمه الله- من منشورات مؤسسة الرسالة.
2- كتاب النخلة (وهو قسم من كتاب المخصص) لابن سيده الأندلسي (ت 458هـ).
3- كتاب النخل والكرم، المنسوب للأصمعي (ت216هـ)، نشر أول مرة في (البلغة في شذور اللغة، ص17 -62) في بيروت سنة 1914م بعناية أوغست هفنر والأب لويس شيخو، وهو مستنسخ عن نسخة مصورة في خزانة كتب الملك الظاهر في دمشق، ونشر في مجلة المشرق (أعداد السنة الخامسة) مع تعليق بعض الشروح اللغوية عليه نقلاً عن معاجم العرب، لاسيما اللسان [تاريخ الزراعة القديمة، لعادل أبو النصر، بيروت، 1960م، ط1، ص400].
4- كتاب التمر، لأبي زيد سعيد بن أوس الأنصاري (ت 215هـ).
5- كتاب صفة النخل، لمحمد بن زياد المعروف بابن الأعرابي الكوفي (ت231هـ)، وهو مفقود.
6- كتاب النخل والزرع: لعمرو بن بحر البصري الجاحظ (ت255هـ) أهداه الجاحظ إلى إبراهيم بن العباس الصولي رئيس ديوان الرسائل في عهد المأمون، فأجازه عليه بخمسة آلاف دينار (عن تاريخ الزراعة القديمة، ص431)، وهو مفقود.
7- كتاب الزرع والنخل، لأبي أحمد بن حاتم الباهلي (ت231هـ).
8- كتاب الزرع والنبات والنخل وأنواع الشجر، للمفضل بن سلمة الضبي البغدادي (ت308هـ) وهو مفقود.(/4)
9- كتاب جني النخلة في كيفية غرس النخلة، لأمين حسن حلواني المدني (ت1300هـ)، طبع في آخر (مختصر مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود)، بومباي 1304هـ، 4ص.
10- كتاب شرح الصدور في النخل والتمور، للشيخ قاسم القيسي.
11- مقالة في النخل، للبغدادي (ت129هـ).
12- كتاب حياة النبات والحيوان (فيه فصل عن النخلة) لكمال الدين القاهري.
13- كتاب الفلاحة النبطية، لابن وحشية النبطي (عاش في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري)، أفرد فيه مؤلفه باباً واسعاً عن النخل والتمر، له أهمية عن تاريخ النخيل من تلك الفترة المحددة في سنة (291هـ/904م). ولهذا الكتاب عشرات المخطوطات منتشرة هنا وهناك في الشرق والغرب. وقد قام بتحقيقه توفيق فهد، وصدر في ثلاثة أجزاء عن المركز الفرنسي في دمشق 1996-1998م.
14- كتاب النبات، لأبي حنيفة الدينوري (ت282هـ)، فيه باب واسع عن النخيل. ويعتبر هذا الكتاب من أهم الكتب العربية التي صنفت في النبات، لاسيما نباتات الجزيرة. وقد صدر عن المعهد الألماني ببيروت، الجزء الخامس بتحقيق العالم برنهارد لفين، سنة 1974م، وهناك قطعة معجمية تبدأ بحرف الألف وتنتهي بحرف الزاي، طبعت في ليدن سنة 1953، وحققت من قبل العالم ب.لويسن. وقام بتكملة القسم المعجمي من حرف السين إلى الياء العالم الهندي محمد حميد الله وليس من مخطوطة لكتاب النبات وإنما نقلاً عمن نقلوا عنه مثل ابن البيطار وهو من منشورات المعهد الفرنسي في القاهرة.
15- أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، لشمس الدين أبي عبد الله محمد الشامي المقدسي، المعروف بالبشاري (ت104هـ): (ذكر ما يقارب التسعة وأربعين جنساً من أجناس التمور في البصرة وحدها)، وهو مطبوع عدة مرات.(/5)
16- كتاب الأغذية والأدوية، لإسحاق بن سليمان، المعروف بالإسرائيلي (ت320هـ)، تناول فيه (التمر والجمار "لب رأس النخلة" والبلح والرطب من الوجهتين الطبية والغذائية)، حقق الكتاب محمد الصباح ونشرته مؤسسة عز الدين للطباعة والنشر، بيروت 1992م، ط1.
17- صفة جزيرة العرب، لأبي محمد الحسن بن أحمد بن يوسف بن داود الهمداني اليمني، المعروف بابن الحائك (ت334هـ)، طبع أول مرة في ليدن بهولندة 1891م، وطبع مرة أخرى بمصر بتحقيق محمد بن عبد الله بن بليهد النجدي 1953م، وطبع طبعة ثالثة بتحقيق محمد بن علي الأكوع وإشراف العلامة حمد الجاسر. (فيه الكثير من أصناف التمور وما يتعلق به في جزيرة العرب).
18- كتاب الإفادة والاعتبار في الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر، لعبد اللطيف البغدادي (ت629هـ) [تناول فيه نخيل مصر وتمرها]، طبع عدة مرات في مصر وبيروت وبغداد.
19- فقه اللغة، لأبي منصور الثعالبي (ت429هـ) [فيه عن أسماء النخل وكناها في العربية]، طبع مرات عديدة.
20- نهاية الأرب، لشهاب الدين أحمد النويري (ت732هـ)، يهمنا الجزء الحادي عشر من هذه الموسوعة الضخمة وهذا الجزء من أقوى الكتب الأدبية النباتية، دبجها بلغة عالية، وقسمها تقسيماً علمياً قيماً: [فيه باب خاص عن النخل]. طبع عدة مرات.
21- تذكرة أولي الألباب والجامع للعجب العجاب، لداود الأنطاكي (ت1008هـ) [فيه عن البلح اسم لثمرة النخل]، طبع مرات كثيرة.
22- جزيرة العرب من كتاب الممالك والمسالك، للبكري (ت487هـ) فيه عن نخيل جزيرة العرب، حققه عبد الله الغنيم، السعودية، 1979م، ط2.
23- كتاب قوانين الدواوين لأسعد بن المماتي (ت606هـ)، فيه عن زراعة النخيل في مصر وشمال أفريقية، تحقيق عزيز سوريال عطية، القاهرة 1943م.
24- تاريخ المدينة المنورة [فيه عن نخيل المدينة المنورة] لابن شبة (ت262هـ)، تحقيق فهيم شلتوت، دار الأصفهاني، جدة، 1979م، 4 أجزاء.(/6)
25- العبر والاعتبار [فيه فصل عن النخل ص51-52]، للجاحظ، تحقيق صابر إدريس، العربي للنشر والتوزيع، القاهرة، 1994م.
4- النخلة في كتب ومقالات التراث والتأريخ:
1- كتاب التمور قديماً وحديثاً، جعفر الخليلي، بغداد، 1956م.
2- النخل في تاريخ العراق، عباس العزاوي، مطبعة أسعد، بغداد، 1960م.
3- شجرة العذراء يصورها أدب النخيل، توفيق الفكيكي، بغداد، 1962م.
4- النخل في التوراة والتلمود، جمعها: عزرا حداد، بغداد، 1946م.
5- النخل في المصادر المسمارية، طه باقر، مجلة الزراعة العراقية جزء4،مج7، بغداد، 1952م.
6- النخل وتاريخه، عبد الجبار البكر، الزراعة العراقية، جزء2-3، مج12، بغداد 1957م.
7- نخل العراق وتمره، كوركيس عواد، الزراعة العراقية، جزء 1، مج8، بغداد، 1953م.
8- الزراعة والنبات عند العرب، كوركيس عواد، الزراعة العراقية جزء4، مج7، بغداد، 1952م.
9- بساتين الملوك والخلفاء في العصر الإسلامي، كوركيس عواد، الزراعة العراقية، جزء 3، مج8، بغداد، 1953م.
10- بين الأزهار والأثمار، مصطفي جواد، الزراعة العراقية، جزء 2،مج8، 1953م.
11- كتاب النخل لابن وحشية النبطي، إبراهيم السامرائي، مجلة المورد، العددان 1،2،مج1، بغداد، 1971م.
12- مؤلفات العرب القديمة في الزراعة والأحياء، عادل الشيخ حسين، مجلة العلوم، عدد8، بيروت، 1967م.
13- كتب العرب في علوم الحياة، عادل الشيخ حسين، مجلة آفاق عربية، عدد 10، بغداد، 1976م.
14- كتاب النخيل، سليمان نضيف، (الأديب التركي وأحد ولاة الموصل في العهد العثماني)، باللغتين التركية والعربية.
15- تاريخ النبات عند العرب (فيه من كتب النخيل)، أحمد عيسى، القاهرة،1944م،ط1، دار الفكر العربي، ثم طبع مرة أخرى بتحقيق أحمد عبد التواب عوض، وصدر عن دار الفضيلة بالقاهرة سنة 1995م.(/7)
16- تاريخ الزراعة القديمة [فيه الكثير عن النخلة وما يتعلق بها من مؤلفات ومصنفات]، عادل أبو النصر، بيروت، 1960م، ط1، لم تذكر المطبعة.
17- تاريخ النبات [فيه عن تاريخ شجرة النخلة]، عادل أبو النصر، بيروت، 1961م.
18- حديث تأبير (أي لقاحها = الإبار) النخيل، علي عبد الواحد وافي، مجلة دعوة، عدد7، س16، الرباط، المغرب، 1974م.
19- تاريخ العراق الاقتصادي في القرن الرابع الهجري، عبد العزيز الدوري [فيه شيء عن النخل وزراعته في تلك الفترة / الباب الثالث].
20- الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، محمد سامي محمد على [فيه عن النخل في القرآن]، دار المحبة، دمشق، 1993م.
21- النباتات في القرآن الكريم [فيه عن النخيل 51-65]، عقل منصور، مطبعة الجمعية العلمية الملكية،عمان، 1994م.
22- الرطب والنخلة [الإعجاز الطبي في القرآن والأحاديث النبوية]، عبد الرزاق السعيد، الدار السعودية للنشر والتوزيع، جدة، 1985م.
23- النخيل في الجاهلية وصدر الإسلام، جبريل أبو فرج الله يوسف، دار الأنصار، القاهرة.
24-ألفاظ علوم الحياة في القرآن الكريم، (فيه عن النخلة في القرآن الكريم)، عادل الشيخ حسين، عمان – الأردن، 2001م.
25- الزراعة في التاريخ [العصور القديمة] [فيه فصول عن النخيل في العراق القديم ومصر الفرعونية وبلاد الشام]، عادل الشيخ حسين، دار الضياء للطباعة والنشر، عمان، 1998م، الجزء الأول.
26- دراسات في النباتات المذكورة في المصادر المسمارية [فيه عن النخيل والتمور]، طه باقر، مجلة سومر، الأعداد 1-2، مج8، 1-2، مج9، 1952م، 1953، بغداد، الآثار العامة.
27- الزراعة القديمة المصرية [فيه شيء عن النخيل]، شكري صادق، القاهرة، 1916م.
28- نباتات في الشعر العربي [فيه عن النخيل]، حسن مصطفي حسن، جامعة الملك سعود، الرياض، السعودية، 1995م.
29- النخلة في الكتب المقدسة والمؤلفات العربية، عادل الشيخ حسين، مجلة الثقافة، عدد آذار، دمشق 1980، ص2-9.(/8)
30- ريف بغداد (فيه عن نخيل هذه المنطقة)، ناجية عبد الله إبراهيم، بغداد 1987م.
31- الزراعة في مصر الإسلامية (فيه عن نخيل مصر)، وليم نظير، القاهرة، 1969م.
32- الغذاء والدواء في القرآن الكريم (فيه عن النخيل)، جمال الدين مهران، عبد العظيم حفني صابر، القاهرة، 1972م.
33- الثروة النباتية عند قدماء المصريين (فيه عن نخيل هؤلاء الأقوام)، وليم نظير، القاهرة، 1970م.
34- الثروة النباتية عند قدماء العرب (فيه فصل كامل عن النخيل)، عادل الشيخ حسين، عمان، 2001م.
35- المملكتان النباتية والحيوانية في بلادنا فلسطين (فيه فصل عن نخلة التمر)، مصطفي مراد الدباغ، بيروت، 1985م.
36- النشاط الزراعي في خيبر (في الجاهلية وحتى نهاية عهد عمر بن الخطاب) [فيه الكثير من المعلومات عن نخلة التمر]، سلام شافعي محمود سلام، مركز الدلتا للطباعة، الإسكندرية، مصر، 1989م.
37- الزراعة والنبات عند العرب (فيه عن النخل)، كوركيس عواد، مجلة الزراعة العراقية، عدد 7، بغداد، 1952، ص 124 – 138.
5- نخلة التمر في المؤلفات الحديثة:
1- كتاب النخيل والتمور في العراق (أطروحة ماجستير) عبد الوهاب الدباغ، مطابع الأمة، بغداد، 1956م.
2-التمور العراقية وأنواعها، عبد الجبار البكر، مطبعة الحكومة بغداد، 1962م.
3- مقالة موجزة في النخل، للشيخ علي الشرقي، بغداد، 1946م.
4- نخلة التمر ماضيها وحاضرها، عبد الجبار البكر، مطبعة العاني، بغداد، 1972م.
5- الفاكهة الذهبية (التمور)، ناجي محفوظ، مجلة هنا بغداد، عدد 2-3، بغداد، 1957م.
6- بين واحات نخيل المملكة العربية السعودية، عبد الجبار البكر، الزراعة العراقية، عدد3، مج8، بغداد، 1953م.
7- مدى انتشار النخل في العالم، عبد الجبار البكر، الزراعة العراقية، جزء4، مج12، بغداد، 1957م.
8-النخيل والتمور [دراسة خاصة]، عادل الشيخ حسين، مجلة العاملون في النفط، عدد113، بغداد، 1971م.(/9)
9- الوصف النباتي للنخلة، عبد الجبار البكر، الزراعة العراقية،ج3، مج12، بغداد، 1957م.
10- النخيل والتمور وآفاتها في العراق، علي عبد الحسين، مطبعة جامعة بغداد، 1974م.
11- النخلة سيدة الشجر، عبد القادر باش أعيان العباسي، مطبعة دار البصري، بغداد، 1964م.
12- العلاج بالتمر والرطب، نبيل علي عبد السلام، دار الطلائع للنشر والتوزيع، القاهرة، دون تاريخ.
13- موسوعة النباتات الطبية [فيه عن نخلة التمر]، ميشال حايك، جزء 2، مكتبة لبنان، بيروت 1996م، ط1، ص 273 – 274.
14- التمر دواء ليس فيه داء، محمد عبد الرحيم، دار أسامة، دمشق، دون تاريخ.
15- النخيل، عبد اللطيف واكد، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1973م.
16- الأسودان التمر..والماء (بين القرآن والسنة...والطب الحديث) حسان شمسي باشا، دار المنارة للنشر والتوزيع، جدة – مكة المكرمة – السعودية، 1996م، ط2.
17- التمر طعام الفقراء وحلوى الأغنياء وزاد المسافر، جاسم محمد جندل الجميلي، مجلة الجذور، عدد24، عمان، 1992م، ص 100 – 103.
18- التمور وأهميتها الغذائية، علي كامل يوسف، مجلة الثورة الزراعية، عدد 56، بغداد، 1979م.
19- النخيل عنفوان الصحراء وشموخ الخليج، مجلة الكويت، عدد 95، تموز، الكويت، 1990م.
20- القيمة الغذائية للتمور، كريم سالم حسين، مجلة الجامعة، عدد63، الموصل، العراق، 1990م.
21- مناطق انتشار أصناف النخيل بالمملكة، خليفة طاهر، وزارة الزراعة، الرياض، السعودية، 1983م.
22- زراعة النخيل في البحرين، الإعلام الزراعي، المنامة.
23- النخيل في البحرين، محمد عباس علي، مجلة المأثورات الشعبية، عدد 47، س12، الدوحة، قطر، 1997م، ص 81 – 93.
24- الأطلس الزراعي للعالم العربي [فيه عن التوزيع الجغرافي لنخلة التمر]، أحمد عبد الآخر، القاهرة – دون تاريخ.
25- الخطر على نخل العراق، مجلة لغة العرب، ج1، س2، بغداد، 1912م، ص ص17-19.(/10)
26- غبرة النخيل (نوع من أمراض نخل العراق)، لغة العرب، ج1، س3، بغداد، 1913م، ص41-42.
27- العناية بالنخل في مصر والسودان، لغة العرب،جزء 8، س5، بغداد، 1916م، ص499- 500.
28- النخل وحمله، حنا أنطون جرجس، لغة العرب، ج10، س3، بغداد، 1914م، ص 532-537.
29- النخيل في سلطنة عمان، المديرية العامة للزراعة، مطبعة مزون، عمان، دون تاريخ.
30- لغة العرب ورئيس كتبتها أنستاس الكرملي، أبو عبد الرحمن ابن عقيل الظاهري، وأمين سليمان سيدو [فيه مقالة عن نخل نجد وتمرها]، السعودية، 1993م، ص 83-98.
31- نخل نجد وتمرها، لغة العرب، ج10، س9، بغداد، 1931م، ص758-768.
32- التمر في العالم القديم والجديد، بولس بوبنوي، لغة العرب، ج8، س3، 1914م، ص 439-441.
33-التمور العربية، محمد أديب غالي، القاهرة، دون تاريخ.
34- قاموس القرآن الكريم (معجم النبات) [فيه النخيل]، مجموعة متخصصين، المعهد الكويتي للتقدم العلمي، الكويت، 1993م.
35- معجم النبات والزراعة [فيه عن النخيل]، محمد حسن آل ياسين، بغداد، 1986م، جزآن.
36- معجم أسماء النبات، أحمد عيسى، بيروت، 1981، ط2.
37- المعجم المصور لأسماء النباتات، أرمناك بديقيان، القاهرة، 1936م، ط1، 1996م، ط2.
38- الموسوعة في علوم الطبيعة، إدوار غالب، الجزء الثاني، فيه عن النخيل، بيروت، 1966م.
39- معجم أسماء النباتات في منطقة جازان (فيه عن النخيل)، محمد بن أحمد العقيلي، مطابع دار البلاد، جدة، السعودية، 1985م.
40- النخيل والتمور، قيس جليل عبد المجيد، السيد علي عبيد، جامعة بغداد، 1990م.
41- نخلة عربية في صحراء كاليفورنيا، هيلدا سايمون، ترجمة عبد الله البيز، الرياض، السعودية، 1997م.
42- نباتات البيئة اليمنية [فيه عن نخل التمر]، نبيل عبد اللطيف عبادي، اليمن، 1996م.
43- إنتاج التمور في بلادنا، حمزة النخال، المجلة العربية، عدد 2، س5، السعودية، 1981م، ص 44-48.(/11)
44- التمر وأهميته الغذائية، أجود الحراكي، الفيصل، عدد9، س1، السعودية، 1978م، ص125- 127.
45- تأملات في العلاقة بين النخيل والإبل، كمال فضل السيد خليفة، مجلة القافلة، عدد10، مج46، السعودية، 1998م، ص37- 39.
46- الجغرافية النباتية للمملكة العربية السعودية[فيه عن جغرافية النخل]، سيد فرج خليفة، مجلة الدارة، عدد 2، س 3، السعودية، 1979م، ص 103-113.
47- كيف تعيش النخلة، عطا الله أحمد أبو حسن، المجلة العربية، عدد 98، س9، السعودية، 1985م، ص 40 -44.
48- النخلة بنت الصحراء، عبد العزيز العقيلي، مجلة الزراعة في الأردن، جزء 47، س17، عمان، 1982م، ص 20-21.
49- النخل في القطر المصري، المقتطف، جزء 2، مج 60، القاهرة، 1922م، ص 170-171.
50- النخل والتمر، فؤاد محمد كامل، المجلة العربية عدد 9، س4، السعودية، 1980م، ص 37- 42.
51- النخلة درة الأشجار، محمد مبارك، المجلة العربية، عدد 94، س9، السعودية، 1985م، ص 40 – 44.
52- آفات النخيل والتمور في الوطن العربي، محمد إبراهيم عبد المجيد، جميل برهان السعدني، زيدان هندي عبد الحميد، القاهرة، 1996م.
53- الآفات الحشرية التي تصيب النخيل والتمور بدولة قطر، السعودية، 1986م.
54- تصنيع التمور ومنتجات النخيل السيليلوزية، حسن خالد العكيدي وعبد المنعم عارف أحمد، بغداد، 1985م.
55- دراسات أولية عن أصناف التمور وصفاتها الطبيعية والكيميائية بالمملكة العربية السعودية، فتحي حسين، عبد الله الزيد، الرياض، 1974م.
56- زراعة بستان النخيل، نوفل محمد الجبوري، بغداد، 1973م.
57- زراعة التمور في المملكة العربية السعودية، فتحي حسين، السعودية، 1395هـ.
58- زراعة النخيل وإنتاج التمور في العالمين العربي والإسلامي، فتحي حسين أحمد ومحمد سعيد القحطاني ويوسف والي، جامعة عين شمس، مصر، 1979م.
59- صناعات تمور الزهدي، يوسف عبود، بيروت، 1950م.(/12)
60- عمان وعمانيون [فيه فصل عن النخيل]، عبد الكريم الصباغ، دمشق، 1993،ط1.
61- مصطلحات علم البستنة (فيه مصطلحات نخيلية) [إنجليزي – عربي]، المجمع العلمي العراقي، بغداد، 1987م.
62- النخيل في الإقليم المصري، أحمد عبد العظيم حسن مرعي، القاهرة، 1961م.
63- نخيل البلح، أحمد القومي، يوسف والي، أحمد خليفة، القاهرة، دون تاريخ.
64- نخيل التمر، حميد جاسم الجبوري، جامعة الإمارات العربية المتحدة، 1993م.
65- النخيل والتمور في المملكة العربية السعودية، محمد زيني جوانة، محمد إبراهيم السالم، طاهر خليفة، السعودية، 1983م.
66- النخيل وتصنيع التمور في المملكة العربية السعودية، حسن مرعي، الرياض، 1391هـ/1971م.
67- النخيل في مصر، محمد بهجت، توماس وليم براون، القاهرة، 1938م.
68- نخلة التمر [زراعتها ورعايتها وإنتاجها] في الوطن العربي، عاطف محمد إبراهيم، محمد نظيف حجاج خليف، الإسكندرية، مصر،1993م.
69- النخيل في الكويت، عوض محمد أحمد عثمان، عباس حسين عبد الرضا، الكويت، 1989م.
70- النخيل في سلطنة عُمان، محمود بن عبد النبي مكي، محمد حافظ عثمان، مسقط، 1991م.
71- وصف مئة وعشرة أصناف من التمور العراقية، نوفل محمد الجبوري، زيدان خلف حسين، خالد نعمان إبراهيم، مطبعة وزارة الزراعة، بغداد، 1971م.
72- انتشار زراعة النخيل، المقتطف، جزء 3، مج68، القاهرة، 1926م، ص326-330.
73- أمراض النخيل في المملكة العربية السعودية، حسين العروسي، مجلة الخفجي، عدد12، السعودية، 1982م.
74- التجربة السعودية في الزراعة [ثمرات من الأعناب والنخيل والسنابل]، أنور الياسين، مجلة العربي، عدد 368، الكويت، 1989، ص 68- 89.
75- الزراعة المصرية منذ مئة عام [النخل والكرم]، المقتطف، جزء 6، القاهرة، 1909م، ص 588- 591.
76- عُمان بلاد النخيل والنارجيل، استطلاع صادق يلي، العربي، عدد 346، الكويت، 1987م، ص 144 -159.(/13)
77- مشكلة النخل والنفط، استطلاع صادق يلي، العربي، عدد 268، الكويت، 1981م، ص 72-85.
78- مشاكل زراعة النخيل في دولة الإمارات العربية، حميد جاسم الجبوري، الزراعة والتنمية، عدد 4، الخرطوم، 1988م، ص 91 – 97.
79- نخل العراق، المقتطف، جزء 7، مج 32، القاهرة، 1907، ص 583-585.
80- النخيل، (دراسة)، الفيصل، عدد 5، س1، السعودية، 1977، ص 91- 107.
81- النخل في العراق، حنا أنطون جرجس، لغة العرب، الأجزاء 9، 10، 11، س3، القاهرة، 1914م، ص 470 -475، 532 – 536، 591 -593.
82- النخيل والبيئة، علي راضي أبو زريق، مجلة المهندس الزراعي، عدد 61، عمان، 1997م، ص 43-49.
83- آفات النخيل والتمور المفصلية في الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، حيدر صالح الحيدري، عماد محمد ذياب الحفيظ، بغداد، 1986م.
84- النخيل وأشباه النخيل، مصطفي بدر، الإسكندرية، مصر، 1995م، ط1.
85- الكشاف الموضوعي [للكتب والمقالات في علوم الحياة والزراعة] [فيه الكثير من المؤلفات والمقالات التي تخص نخلة التمر]، عادل الشيخ حسين، دار الضياء للطباعة والنشر، الأردن، عمان، 1998م.
86- القيمة الدوائية للرطب والتمر، عبد الله عبد الرزاق السعيد، مجلة الدواء العربي، عدد1، س8، عمان، 1989م، ص20 – 30.
87- فسلجة وتشريح ومورفولوجي نخلة التمر، جبار حسن النعيمي، عبد الأمير عباس، جامعة البصرة، العراق، دون تاريخ.
88- التمر كنز الغذاء ومصدر الدواء، ديمة الخياط، مجلة الأجنحة، عدد 197، س17، عمان – الأردن، 1995م، ص 50 -52.
89- إشارات الغذاء والدواء في القرآن الكريم (فيه عن النخيل)، عادل الشيخ حسين، مجلة الأم والطفل، الأعداد 360، 362، 363، س30، 31، بغداد، 1976-1977م.
90- التمر وقيمته الغذائية والطبية، عادل الشيخ حسين، مجلة الأم والطفل، عدد 374، بغداد، 1987م.(/14)
91-ندوة عن النخيل [أول ندوة في هذا المجال، عقدت في كلية العلوم الزراعية بجامعة الملك فيصل في الأحساء] السعودية، 1982م، وقد نشرت الندوة في كتاب قيم (يعتبر مرجعاً هاماً).
92- أشجار الفاكهة في بلاد العرب [فيه فصل عن نخلة التمر]، طه الشيخ حسن، دار علاء الدين، دمشق 1998م، ط1.
93- النخيل – شجرة العرب، محمد نذير البابا، دمشق، دون تاريخ.
94- نخيل البلح، حسني قباقيبو، دمشق، نشرة زراعية، دون تاريخ.(/15)
العنوان: نداء الأقصى
رقم المقالة: 446
صاحب المقالة: أديب الإسماعيل
-----------------------------------------
وَقَائِلَةٍ: سَنَا عَيْنَيْكَ جَمْرُ أَمِنْ طُولِ الْبُكَا أَمْ ذَاكَ سِرُّ
تَكَلَّمْ فَالْقُلُوبُ لَهَا لِسَانٌ وَبَيْنَ الْقَلْبِ وَالْعَيْنَيْنِ جِسْرُ
فَدَمْعُكَ فِي فُؤَادِي الْيَوْمَ يَغْلِي كَمَا تَغْلِي عَلَى النِّيرَانِ قِدْرُ
وَطَالَ الصَّمْتُ لَمْ أَسْطِعْ جَوابًا وَخَانَتْنِي الْقَوَافِي وَهْيَ كُثْرُ
فَقُلْتُ لَهَا: رُوَيْدَكِ يَا مَلاَكِي أَمَا تَدْرِينَ أَنَّ الدَّمْعَ فَجْرُ
يُفَرِّجُ هَمَّنَا ،وَيَخُطُّ نُورًا فَتَنْبُتُ وَرْدَةٌ ،وَيَرِقُّ شِعْرُ
* * * * * *
هُمُومُ الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ كُثْرٌ وَحَالٌ لاَ تُرِيحُ وَلاَ تَسُرُّ
فَبِي مِمَّا تُعَانِي الْقُدْسُ جُرْحٌ قَدِيمُ الْعَهْدِ بَاقٍ مُسْتَمِرُّ
أَيَا أُمَّ الْمَدَائِنِ فَاحْضُنِينِي فَجُرْحِي مِنْ جِرَاحِكِ يَستَجِرُّ
فَفِيكِ الْمَسْجِدُ الأَقْصَى يُنَادِي: أَغِيثُونِي!.. أَيَرْضَى الذُّلَّ حُرُّ
يُنَادِي: يَا صَلاَحَ الدِّينِ، إِنِّي أُعَانِي الْوَيْلَ وَالْمُخْفَى أَمَرُّ
لَقَدْ عَبَثَ الْيَهُودُ بِكُلِّ رُكْنٍ يَكَادُ أَسَاسُ بُنْيَانِي يَخِرُّ
أَلَسْتُ بِثَالِثِ الْحَرَمَيْنِ؟! قَوْمِي، إِلَيَّ سَرَى نَبِيُّكُمُ الأَغَرُّ
فَمَا لِي لاَ أَرَى المقدادَ فِيكُمْ وَلاَ سَعْدًا وَلاَ خَيْلاً تَكُرُّ؟!
أَمَا مِنْ غَضْبَةٍ للهِ كُبْرَى تُعِيدُ كَرَامَتِي وَيَفُوحُ عِطْرُ
* * * * * *
إِلَى الأَقْصَى الْجَرِيحِ يَطِيرُ قَلْبِي كَمَا يَهْفُو إِلَى الْعَلْيَاءِ نَسْرُ
فَكَمْ تَاقَتْ إِلَى الأَقْصَى عُيُونٌ بَكَتْ مِن شَوْقِهَا وَانْسَابَ نَهْرُ
كَذَاكَ الْقُدْسُ فَهْيَ الأُمُّ حَقًّا عَقَقْنَاهَا وَمَا زَالَتْ تَبَرُّ
دَمُ الشُّهَدَاءِ يَسْرِي فِي ثَرَاهَا لِيَنْبُتَ فِي قُلُوبِ النَّاسِ زَهْرُ(/1)
فَإِنْ نَطَقَ اللِّسَانُ بِذِكْرِ قُدْسٍ سَتُعْلِمُكِ الْقَوَافِي مَا أُسِرُّ(/2)
العنوان: ندوة: كيف ننمِّي التذوق اللغوي عند الأطفال؟
رقم المقالة: 744
صاحب المقالة: أحمد منصور
-----------------------------------------
• د/ محمد الفاضل: استثمار المرحلة الابتدائية ضرورةٌ لإكساب الأبناء لغةً سهلة فصيحة.
• أ/ مروان خالد: تعليم اللغة بالتلقين والتواصل من أفضل الطرق في تعليم اللغات.
• أ/ بدر الحسين: الانسجام الأسريُّ يؤثِّر في الاستجابات اللغوية للطفل.
• أ/ أيمن ذوالغنى: من أهم غايات تنمية التذوُّق اللغوي: الإحساس المُرهَف والشعور العميق بإعجاز القرآن الكريم، وأنه فوق كلِّ بلاغة وبيان، وأنه مُفارقٌ لجنس كلام البشر.
* * *
في أجواء تساقطت فيها حبَّات المطر تترى، افتتح الأستاذ/ أحمد منصور، رائد النشاط بمدارس الرشد الأهلية بالرياض، الندوةَ الأدبية التي أقامتها المدارس عشيَّة يوم الثلاثاء الموافق 22 من ربيع الأول 1428هـ، برعاية كريمة من قناة المجد الفضائيَّة، تحت عنوان: (كيف ننمي التذوق اللغوي عند الأطفال؟) والتي أدارها الأديب الأستاذ/ محمد شلال الحناحنة مشرف اللغة العربية الفصحى في مدارس الرشد والمسؤول الإعلامي برابطة الأدب الإسلامي العالمية، وحاضر فيها كلٌّ من الإخوة الأفاضل:
الأديب الدكتور/ محمد بن خالد الفاضل الأستاذ بجامعة الأمير سلطان، والأستاذ الإعلامي/ مروان خالد مشرف برامج الأطفال بقناة المجد، والأستاذ الأديب/ بدر بن محمد عيد الحسين المشرف التربوي بمدارس العليا الأهليَّة، والأستاذ الأديب/ أيمن بن أحمد ذوالغنى مدير تحرير قسم اللغة والأدب في موقع الألوكة الإلكتروني.(/1)
جهد متواصل وعمل دؤوب بذلته مدارس الرشد ابتداء من مدير المدرسة الأستاذ/ إبراهيم بن صالح السليمان، ووكيل المدرسة الأستاذ/ ضياء الدين منصور، والأستاذ/ محمد شلال الحناحنة مشرف اللغة العربية الفصحى في المدارس؛ من أجل توفير كلِّ سبل النجاح لهذه الندوة، ومن وراء ذلك رعايةٌ غير مسبوقة من المشرف العامِّ على المدارس الشيخ/ صالح بن محمد التويجري ذلك الرجل الفاضل، الذي يتغلغل عشق اللغة العربية في نفسه، ويجري حبها في دمائه.
بدأت فعاليات الندوة بكلمة الدكتور محمد بن خالد الفاضل تحدَّث فيها عن دور قناة المجد في تنمية الذوق اللغوي عند الأطفال؛ بما تؤصِّله في برامج الأطفال النافعة والهادفة... كما أثنى الدكتور الفاضل على تجربة مدارس الرشد في تطبيق طريقة الدكتور عبدالله الدنان في تحدُّث الطلاب باللغة العربية الفصحى، والتواصل معهم طَوال الدوام المدرسي باللغة الفصحى، وهذه التجربة تطبَّق في المدارس منذ ستة أعوام تقريباً تحت إشراف الدكتور الدنان نفسه.
وأوضح الدكتور محمد الفاضل للمعلمين وأولياء الأمور الحاضرين في الندوة أهميةَ اللغة العربية لغة القرآن، وحثهم على ضرورة التحدث مع طلابهم وأبنائهم باللغة العربية الفصحى السهلة اليسيرة، مستفيدين من المرحلة الذهبية في عمر الطلاب والأبناء، وهي مرحلة الروضة والمرحلة الابتدائية، كما أكَّد ضرورةَ توفير قصص قصيرة في مكتبة المدرسة، وأن تكونَ هذه القصص بلغة فصيحة سهلة يستطيع الطلاب فهمها.
أما الأستاذ/ مروان خالد فعرض للمؤامرات التي حيكت ضد اللغة العربية منذ القدم على يد المستشرق الألماني (كارل فولرس) و(اللورد دفرين) البريطاني و(ويليام ويلككس)، وأشار إلى الكتاب الخبيث الذي وضعه المستشرق الألماني (فلهلم سبيتا) بعنوان: (قواعد اللغة العامية في مصر)، والذي كان له سيئ الأثر على اللغة الفصحى.(/2)
ثم عرَّج على دعاة العاميَّة وخطورتهم ابتداء من المنصِّر (مارون غصن) و (سلامة موسى) ثم (لويس عوض) و(أنيس فريحة) و(أنطوان مطر) و(سعيد عقل).
وأشار الأستاذ مروان إلى ما قاله الدكتور/ تقي الدين الهلالي رحمه الله عندما سئل عن أيِّ الأساليب أنفع في تعليم اللغة العربية فقال: ((إن تعليم اللغة نفسَها -لا قواعدها النحوية والصرفية والبلاغية- يكون بالتلقين، وهذه أحسن الطرائق في تعليم اللغات كلِّها، وبها يتعلَّم المولود لغة أمه وأبيه... وينبغي الإكثار للناشئين من الاستماع لمعلِّمين فصحاء يُلقون عليهم عبارات فصيحة يكرِّرونها على آذانهم، ثم يكرِّرها الطلاب إلى أن يتقنوها)).
ومن هنا أكد المحاضر أن التزامَ الحديث بالفصحى مع الأطفال هو الوسيلة الفُضلى لإتقانهم هذه اللغة إتقاناً فطريّاً، فتجري الفصحى على ألسنتهم صحيحة سليمة، من غير أن يتعلَّموا حرفاً واحداً من علم النحو.
واختتم الأستاذ مروان كلمته بذكر أهمِّ ثمرات الفصحى عند الأطفال وهي:
1- التعلق بالكتاب، وحب المطالعة والقراءة.
2- الثقة بالنفس، وقوة الشخصية.
3- المنطق المحكم، والدقَّة في التعبير.
4- زيادة الوعي، وسرعة الفهم.
5- الانفعال والتأثُّر بالقرآن الكريم، والإحساس بروعة أسلوبه، وجمال نظمه.(/3)
ثم تحدَّث المشرف التربوي الأستاذ/ بدر الحسين عن الدور التربوي في تنمية التذوق اللغوي عند الأطفال، مفتتحاً حديثه بذكر عدَّة تعريفات للغة، ثم قال: " اللغة كالمشيِ تولد مع الطفل، علماً أنه لا يتمكَّن من نُطق حرفٍ واحد منها عندما يكون رضيعاً، ولكن الله منحه الأنظمة العصبيَّة الفيزيائية المناسبة وراثياً لتمكِّنه من الكلام في الوقت المناسب، فيبدأ الطفل بإصدار أصوات مُبهمة يُخيَّل للأبوَين أنها حروفٌ أوكلمات أو أسماء (تغ- إغ- إبب- تا- إم- إن) ولكنّها في الحقيقة هي استجاباتٌ لحالات من الخوف أو الفرح أو الإحساس بالجوع،...إلخ. وعندما يبلغ الطفل ستَّةَ أشهر تبدأ ملامح أصوات الحروف بالوضوح.. وهنا يأتي دورُ الوالدين في الشُّروع بالتفكير الجادِّ لتنمية اللغة عند الطفل.
وأشار الأستاذ بدر الحسين إلى أن تنمية التذوق اللغوي عند الأطفال يحتاج إلى ثلاثة أمور وهي:
أولاً: الانسجام النفسي والفكري بين الزوجين: حيث أنه مرتكَزٌ حاسم قوي في توفير الصحَّة النفسية للطفل، والتي تعدُّ التربة الخِصبة لنمو وتطوُّر استجاباته وقُدراته الحركية واللغويَّة. وذكر أن جوَّ المشاحنات والتنافر الفكري بين الزوجين كفيلٌ برسم معالم الأسى والحزن على نفس الطفل الشفافة، ومن ثَمَّ يعيش غُربة نفسيَّة تؤدي إلى اعتلال ملكاته واستجاباته تكون في شكل تأتأة وفأفأة وتردُّد في الحديث.
ثانياً: دور الأبوين، ويتلخَّص بما يلي:
- العناية بتنمية الدافع الاجتماعي للأطفال الذي يغذِّي لغته ويصقلها وينمِّيها.
- محادثة الطفل بلغة فصيحة تتَّسم بالسهولة والوضوح.
- إسماعه القرآن الكريم متوافقاً مع وجبة الرَّضاعة، واختيار الأوقات التي يكون مزاج الطفل فيها رائقاً.
- قراءة بعض القصص القصيرة جداً عليه، واختيار الوقت المناسب، وعدم إكراهه على القراءة، وربط القراءة بأشياء محبَّبة (التعزيز).(/4)
- العناية بنطقه وتصويب أخطائه عن طريق المداعبة وليس عن طريق الأمر والمباشرة.
- مراقبة المادة الإعلامية التي يشاهدها الطفل والابتعاد عن القنوات التي تستعمل العاميَّة.
- توفير الألعاب التي تنشِّط الذهن وتنمِّي التفكير.
ثالثاً: دور المعلم، ويتلخَّص بما يلي:
- قراءة أناشيد وأراجيز ذات لحن مغنًّى وخفيف يستهوي أفئدة الأطفال، ويؤثِّر في نفوسهم.
- الابتعاد عن الشدَّة: يقول ابن خلدون في مقدمته: " إن الشدَّة على المتعلِّمين مضرَّة بهم، وإن العقاب البدنيَّ على المتعلِّمين أشد ضرراً؛ لأنه يُدخل الضيق عليهم، ويذهبُ بنشاطهم، ويدعو للكذب والخبث لتفادي العقوبة ".
- تفعيل مكتبة الفصل: فمكتبة الفصل هي غرفة عمليات حقيقية تجري فيها بحوث وتناقش كتب ويرشّح فيها أفضل الكتّاب وأميز القراء.
- تفعيل النشاط التمثيلي والمسرحي، فالأطفال يحبون التمثيل، والمشاهد المسرحية ترسخ في النفس رسوخاً كبيراً.
- أهمية الحوار؛ من أجل تعويد الطالب على مواجهة الآخرين وإيصال المعلومات والرسائل إلى كلِّ من يتعامل معهم.
ثم ابتدأ الأستاذ/ أيمن بن أحمد ذوالغنى حديثه بتعريف الذَّوق اللغوي وبيان المراد منه، قائلاً: إن الذَّوقَ اللغويَّ: هو مَلَكَةٌ وقُدرةٌ على إدراك جمال الكلام العربيِّ، ورقيِّه صَوغاً وأُسلوباً، وتمييز صحيحه الجاري على سَنن الفُصَحاء من سقيمه الجانح عنه إلى اللَّحن والعُجمَة وعدم الإبانة.
ثم عرض للغاية من تنمية الذوق اللغوي لدى الأطفال ملخِّصاً لها بتحقيق المكاسب العظيمة التالية:
1- اكتساب القدرة على التعبير عن النفس تعبيراً دقيقاً مُحكَماً.
2- نشوء علاقة حبٍّ حميمة مع العربيَّة لغة القرآن.
3- انعقاد أواصر صداقة دائمة مع الكتاب.
4- التفوُّق والتميُّز في التحصيل العلميِّ والمعرفيِّ والثقافيِّ.
5- المَيل والتعلُّق المتين بتراث الأمَّة الجليل، وتاريخها المشرق النبيل.(/5)
6- امتلاك شخصيَّة أصيلة سويَّة مُنتمية انتماء حقيقياً صادقاً إلى العروبة والإسلام.
7- الإحساس المُرهَف والشعور العميق بإعجاز القرآن الكريم، وأنه فوق كلِّ بلاغة وبيان، وأنه مُفارقٌ لجنس كلام البشر.
ثم وقف الأستاذ أيمن وقفة متأنِّية بسط فيها الكلام على العلاقة الوثيقة بين الذوق اللغويِّ وإدراك إعجاز القرآن، فمما قاله في ذلك:
إن (إعجاز القرآن) كائنٌ في رصفه وبيانه ونظمه، ومُباينة خصائصه للمعهود من خصائص كلِّ نظم وبيان في لغة العرب، ثم في سائر لغات البشر، ثم في بيان الثَّقَلَين جميعاً، إنسهم وجنِّهم متظاهرين.
ولا شكَّ أن الذين تحدَّاهم اللهُ بهذا القرآن، قد أوتوا القدرةَ على الفصل بين الذي هو من كلام البشر، والذي هو ليس من كلامهم. وما كان ليتأتَّى لهم ذلك لولا أنهم بلغوا غايةً من التمام والكمال والاستواء في لغتهم، وفي قُدرتهم على الإبانة عن جوهر إحساسهم، وعن دقائق ما يعتلج في صدر كلِّ مُبين منهم.
وقد صدق فيهم وصفُ العلامة الشيخ أبي فهر محمود محمد شاكر: ((كانوا عبدةَ البيان قبل أن يكونوا عبدةَ الأوثان! وقد سمعنا بمَن استخفَّ منهم بأوثانهم، ولكن لم نسمع قطُّ بأحدٍ منهم استخفَّ ببيانه)).
وإذا ما أردنا اليوم لأبنائنا أن يُدركوا إعجازَ القرآن إدراكاً عميقاً - هذا الإدراكُ الذي حُرمه الكثيرون منَّا اليوم إلا من رحم الله - ويستشعروا تفرُّدَ نظمه ورصفه وروعةَ أسلوبه وبيانه، وينفعلوا بعد ذلك بتلاوته، ويُخبتوا لسماعه، وينقادوا لأوامره وأحكامه = فإن ذلك لن يكونَ إلا بإكسابهم اللغةَ الفصحى العالية، والأساليبَ العربيَّة الراقية، حتى إذا ما تمرَّسوا بها وخَبَروها، وجَرَت منهم مجرى الدم في الوريد، ظهر لهم بجَلاء الفرقُ الكبير بين ما عرفوا وخَبَروا وتذوَّقوا من كلام الفصحاء، وبين كلام ربِّ الأنام الذي خلق الإنسان علَّمه البيان.(/6)
يقول الشيخ محمود شاكر: ((ورحم الله مالكَ بن أنس إذ يقول: "لا يَصلُح آخرُ هذه الأمَّة إلا بما صلَح به أوَّلها"، فإذا كان أوَّلها لم يصلُح إلا بالبيان، فآخرُها كذلك لن يَصلُحَ إلا به. وإنَّ امرأً يقتُل لغتَه وبيانَها، وآخرَ يقتُل نفسَه، لَمِثلان، والثاني أعقلُ الرجلين)).
وختم الأستاذُ أيمن حديثه بعرض نماذجَ واقعيَّة لبعض الأطفال الذين تلقَّوا الفصحى من آبائهم غضَّة طريَّة، مطبِّقين عليهم طريقة الأستاذ الدكتور عبدالله الدنَّان رائد تعليم الفصحى في العالم العربيِّ، فأثمر ذلك إحساسَ هؤلاء الأطفال بجمال القرآن وتفرُّد أسلوبه، من ذلك:
1- قصَّة الطفل باسل حين كان في الثالثة والنصف من العمر: قرأ له أبوه د.الدنَّان سورةَ النازعات، وسأله: ماذا سمعتَ؟ فأجابَ: لا أدري، ولكنَّه كلامٌ حُلوٌ جَميل..
2- قصَّة الطفلة لونَة حين كانت في السادسة من العمر: كانت تتنَحَّى جانبًا وتُردِّد ما تحفَظُه من القُرآن، سألها أبوها د. الدنان عن سَبب فعلها؟ فقالت: أنا أُحسُّ أنه أحلى من كلِّ الكلام..
3- قصَّة الطفل أحمد ابن الأستاذ أيمن حين كان ابنَ سنتين: تمييزُه القُرآنَ من الدُّعاء، في موقف طريف جداً!
4- وعندما كان ابنَ 3 سنوات ونصف: كان في أحد الأيام منشَغلاً باللعب، وأمُّه بجواره تُصْغي إلى تَرتيل للقُرآن من (المسجِّلة) ومرَّ قولُه تعالى: {وقالت اليهودُ والنَّصارى نحنُ أبناءُ الله وأحِبَّاؤُه} فانتفَضَ وقال: كذَبوا.. كذَبوا..
هذا وقد تخلل الندوةَ بعض الفقرات التي قدمها طلاب مدارس الرشد الأهلية - القسم الابتدائي من أشعارٍ وأناشيدَ باللغة العربية الفصحى، وقد لاقت قبول واستحسان الجميع.(/7)
واختُتمت الندوة بتقديم شهادات تقدير لضيوف الندوة الكرام، قدَّمها لهم المشرف العام على المدارس الشيخ/ صالح بن محمد التويجري الذي ألقى كلمة مختصرة شكر فيها الأساتذة المحاضرين، وأشار إلى أنه يتعهَّد تجربة تطبيق الفصحى بالمدارس ويوليها كلَّ اهتمام، وأنه مستعدٌّ أن يسقيها بدمائه من أجل أن تنجحَ وتُثمر، وأنه لن يدَّخر في سبيل ذلك أيَّ جهد أو مال.(/8)
العنوان: نسمات رمضان لدى شعراء الإيمان
رقم المقالة: 1456
صاحب المقالة: محمد شلال الحناحنة
-----------------------------------------
قراءات في الأدب السعودي المعاصر:
نسمات رمضان لدى شعراء الإيمان
شهر رمضان المبارك شهر للخيرات، شهر الانتصارات حين نتمسّك بشرع الله مقيمين على الطاعات، شهر الإنابة إلى الله، وشهر التوبات، فأين نحنُ اليوم من نسماته الإيمانية الصادقة؟!
أين نحن مِن وَعْد الملك المنَّان حين تهفو النفوس لباب الريان؟!
كيف نلقى اليوم شهر رمضان، وقد امتدَّ الهوان لأمة القرآن؟!
أنلقى رمضان أعزة؟! أم تُرانا نغضي حياء منه، ونحن كغثاء السيل؟!
أنلقاه ومسجدنا الأقصى أسير تحت شراذم يهود؟! أنلقاه والفُرقة تمزقنا هنا وهناك؟!
هكذا يأتي رمضان هذا العام، فماذا لدى الشعراء من نفحات؟!
ماذا لديهم من فَرَحٍ أو أسى؟!
هذا شاعرنا الدكتور عدنان علي رضا النحوي يشدو ذكرياته وواقعه، فنصغي إليه:
قَدْ كُنْتَ تُشْرِقُ فِي رُبَا الْإِسْلاَمِ يَجْ مَعُهَا الْهُدَى سَاحًا تَجُودُ وَتُغْدِقُ
أَنَّى الْتَفَتَّ الْيَوْمَ تَلْقَى أَدْمُعًا حَرَّى تُصَبُّ عَلَى دَمٍ يَتَدَفَّقُ
تَلْقَى الثَّكَالَى وَالْيَتَامَى وَالْأَسَى فَوْقَ الْوُجُوهِ تَغِيبُ فِيهِ وَتَزْهَقُ
وَتَرَى الْمَجَازِرَ وَالْعِدَا يَتَوَاثَبُو نَ عَلَى الدِّيَارِ وَكُلُّ وَثْبٍ مُوبِقُ
وَتَرَى بَنِي الإِسْلاَمِ يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيُمْعِنُ فِي الْعَدَاءِ وَيُغْرِقُ
وَتَرَى عَدُوَّ الْمُسْلِمِينَ مُهَيْمِنًا يُلْقِي بِأَحْمَالِ الْهَلاَكِ وَيُطْلِقُ
وَتَرَاهُ صَفًّا وَاحِدًا مُتَمَاسِكًا وَالْمُسْلِمُونَ مَعَ الْهَوَانِ تَفَرَّقُوا
رَمَضَانُ أَقْبِلْ وَامْسَحَنَّ مِنَ الْأَسَى وَأَعِدْ لَنَا النَّصْرَ الَّذِي يَتَأَلَّقُ
وَاغْسِلْ قُلُوبَ الْمُسْلِمِينَ وَضَعْ بِهَا أَمَلاً بِهِ تَحْيَا الْقُلُوبُ وَتَخْفِقُ(/1)
هكذا يمضي الشاعر عدنان النحوي إلى رمضان يبثُّ المفارقات المفجعة، المفارقات بين ماضٍ مشرق، وحاضر مظلم، وبين حياة القلوب وموتها، وبين اتحاد الأعداء على باطلهم، وتفرُّق المسلمين على حقِّهم، فقد كان رمضان في الماضي يشرق بالهدى ونور الإيمان، ويأتي اليوم ورُبا الإسلام تعيش في ظلمات المعاصي والضلال إلا مَن رحم الله، وكان المسلمون أقوياء متمسكين بدين الله صفًّا واحدًا، لكنهم أضحَوا ضعفاء متفرقين على عَرَضٍ من الدنيا، فهانوا على الأعداء حين ماتت القلوب المؤمنة الحية، وقد أوغل شاعرنا النحوي في التكرار، فكرر الفعل (ترى) في عدة أبيات؛ ليُلحَّ على حقيقة ما يجري، مُمْعِنًا في أساه وحزنه لحال المسلمين! فهل يُحيي رمضان هذا العام الإيمانَ في نفوس المسلمين، ليعيدوا للأمة أمجادها، ويحرروا أوطانها، ويرفعوا الذلَّ عن نسائها وأطفالها وضعفائها وشيوخها؟!
أما الشاعر علي بن عبدالله الزبيدي، فهو يستوقف هذا الشهرَ العظيم قبل أن يرحل بعَجَلٍ، ويتحسَّر على سرعة طيِّ صفحاته، كما نجده يلجأ إلى التشخيص من خلال صورٍ شعرية موحية، فنشاركه آلامَه وأحزانه في قصيدته: "وقفة توديع":
قِفْ أَيُّهَا الشَّهْرُ لَوْ يُسْتَوْقَفُ الْعَجِلُ أَهَكَذَا أَجْمَلُ الْأَيَّامِ تُخْتَزَلُ
قِفْ لَمْ تَزَلْ لِلْمَشُوقِ الصَّبِّ ظَامِئَةٌ تَرْنُو إِلَيْكَ وَفِي أَحْدَاقِهَا وَجَلُ
لَمْ تَدْرِ هَلْ قُبِلَتْ بِالأَمْسِ تَوْبَتُهَا أَمْ أَنَّهَا بِلَظَى الْحِرْمَانِ تَشْتَعِلُ
رَحَلْتَ يَا شَهْرُ لاَ بَلْ صَفْحَةٌ طُوِيَتْ مِنْ عُمْرِنَا وَسُطُورُ الصَّفْحِةِ الْعَمَلُ
فِيكَ ازْدَهَتْ دُرَرٌ لِلْعَامِ مُشْرِقَةٌ عَشْرٌ يُنَالُ بِهَا – إِنْ أَحْسَنُوا – الأَمَلُ
وَلَيْلَةٌ فِي جَبِينِ الدَّهْرِ زَاهِرَةٌ بِهَا الْمَلاَئِكَةُ الْأَبْرَارُ تَحْتَفِلُ(/2)
يمثِّل رمضان عند الزبيدي قيمًا روحية ومشاعر وجدانية عظيمة؛ لذا يحتفلُ بضمائر خطاب هذا الشهر كثيرًا، ويشخِّصه مناديًا: (يا شهر، قف، إليك، فيك، رحلت...).
أما العشرُ الأواخر، وليلة القدر فهي دُرَر العام عند جميع المسلمين! فكيف يكون أثرها على شاعر مرهف الحس مثل علي الزبيدي؟!
هكذا تسمو نفسُه مع نَفَحات الصوم، ثم يعود ليبكيه على رحيله بحرقة ولوعة:
يَا حَبَّذَا نَفَحَاتُ الصَّوْمِ عَاطِرَةً تَسْمُو بِهَا أَنْفُسٌ بِاللهِ تَتَّصِلُ
وَحبَّذَا الآيُ يَتْلُوهَا مُرَدَّدَةً قَلْبٌ بِتَرْدِيدِ آيِ الذِّكْرِ مُشْتَعِلُ
رَحَلْتَ، لاَ لَوْمَ إِذْ يَبْكِيكَ ذُو شَجَنٍ فَرُبَّمَا حَالَ دُونَ الْمُلْتَقَى الأَجَلُ
وَأَقْبَلَ الْعِيدُ، هَلْ يَلْقَاهُ مَنْ حُرِمُوا؟ هَيْهَاتَ لَيْسَ لَهُمْ بَلْ عِيدُ مَنْ قُبِلُوا
وفي قصيدة: "في ليلة القدر" للشاعر الدكتور حيدر الغدير يقطف لنا طاقات من البهجة والفرح، من خلال تصويره لمشاعر الظَّفَر بهذه الليلة العظيمة، فاكتحلت عيناه بها، بعد أن رآها، وأكرمه الله بها، ليحسَّ بالأمان، ويَقَر بها الجَنان، وتتحقق السعادة والغفران بإذن الله، وليقينه بعفو الله وقَبول توبته، ورضاه عنه، نجده يستخدم الأفعال الماضية مثل: (ظفرت، غشاني، قرَّ، عاينت) وهناك يزف لنا أفراحه:
ظَفِرْتُ بِهَا وَغَشَّانِي أَمَانُ وَقَرَّ بِهَا ضَمِيرِي وَالْجَنَانُ
وَعَايَنْتُ الْقَبُولَ وَبُشْرَيَاتٍ كَأَنَّ السَّعْدَ فِيهَا مهْرَجَانُ
زَفَفْنَ إِلَيَّ أَنَّ الْعَفْوَ غَدْقٌ وَدُونَ مَدَاهُ يَنْعَقِدُ اللِّسَانُ(/3)
حيدر الغدير شاعر يَقبض على لغته، ويُبدِع في صوره، وتأمَّلِ الصورةَ الشعرية معي في البيت الثالث إذ يزاوج بين الصور الحسية والمعنوية في فضاء وجداني، تتألَّق فيه الروح إلى رحاب السماء، ومن ثَمَّ رأى أن الساعةَ أتت، وقد غُفر له، فلا ذنبَ ولا جرم، كما يعبِّر في المقطع التالي؛ إذ تشعُّ ألفاظُه بوَمَضات إيمانية، ورحمات ربانية:
وَلاَحَ الْفَوْزُ يَدْعُونِي إِلَيْهِ وَهَشَّ إِلَيَّ يَدْعُونِي الْأَمَانُ
وَجِئْتُ الْحَشْرَ قَدْ غُفِرَتْ ذُنُوبِي طَلِيقًا لاَ أَدِينُ وَلاَ أُدَانُ
أُنَادِي قَدْ ظَفِرْتُ فَيَا لَسَعْدِي وَجُودِ اللهِ وَالثِّقَةُ الضَّمَانُ
أما قصيدة: "بوابة الغفران" للشاعر ناصر بن علي عليان، فقد صافحت أيام رمضان ولياليه، وفيها تاقت الأنفسُ الظمأى شوقًا إليه، وترقَّبت القلوب هلاله الوُضَّاء في أمَلٍ وحب لنَيْلِ المغفرة من غافر الذنب وقابل التوب، فيقول:
تَاقَتِ الأَنْفُسُ ظَمْأَى لِريَّاكْ فَشَدَّتْ لِلأُفْقِ قَلْبًا وَنَاظِرْ
تَتَرَاءَى هِلاَلَكَ الْبَاسِمَ الثَّغْرِ يُحَيِّي سَنَاهُ بَادٍ وَحَاضِرْ
فَأَكَبَّتْ عَلَيْكَ تَلْثِمُكَ الرُّوحُ اشْتِيَاقًا وَتَجْتَلِيكَ الْمَحَاجِرْ
وتأخذنا الاستعارات الجميلة المعبرة عن الفرحة بقدوم رمضان في قوله: (هلالك الباسم)، (تلثمك الروح)، (تجتليك المحاجر)، (يحيي سناه)، ثم يبين لنا مآثره وفضائله، ففيه أنزل الله – جل وعلا – كتابه العزيز، الذي أخرج الناسَ من الظلمات إلى النور:
فِيكَ لاَ فِي سِوَاكَ قَدْ أُنْزِلَ الذِّكْ رُ وَطَافَتْ بِالْعَالَمِينَ الْبَشَائِرْ
فِيكَ هَبَّ الأُلَى إِلَى النَّصْرِ سَلُّوا كُلَّ سَيْفٍ وَأَسْرَجُوا كُلَّ ضَامِرْ
بِسَنَاكَ الدَّفَّاقِ تَجْلُو ظَلاَمَ الْيَأْسِ تَهْدِي إِلَى الْهُدَى كُلَّ حَائِرْ(/4)
إن أسلوب التخصيص والقصر في قوله: (فيك لا في سواك)، (بسناك الدفاق تجلو)، (فيك هب الألى) قد منح المعنى قوة إلى قوته، وأضفى جمالاً فنيًّا على الأبيات، إضافة إلى الحس الإسلامي الزاخر بحب رمضان وإعطائه مكانته وقدسيته في النفس المتوضئة المؤمنة.
أما وقفتنا الأخيرةُ فمع الشاعر السعودي الشاب سلمان بن زيد الجربوع في قصيدة: "عندما يغرب الجلال" إذ يمضي في بثِّ حزنه ووجومه في رمضان متحسرًا متوجعًا:
رَمَضَانُ مَا بَالُ الْوُجُومِ يُجِيبُنِي؟! أَمْ كَيْفَ تَرْحَلُ عَنْ حَبِيبِكَ مُطْرِقا؟!
فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ نُوَاحٌ ضَائِعٌ وَمَطَامِعٌ تَذَرُ الْجَمِيعَ مُفَرَّقا
رَمَضَانُ مُلْهِمَةُ الْقَصِيدِ تَصِيحُ بِي فِيمَ الْبَقَا – يَا شَاعِرِي – فِيمَ الْبَقَا؟!
أَنَعِيشُ كَيْ يَغْزُو الْعَدُوُّ قُلُوبَنَا مُتَمَادِِيًا، مُتَمَاجِنًا، مُتَفَيْهِقا؟!
أَنَعِيشُ كَيْ يَغْدُو الْوَلِيدُ مُشَرَّدًا وَمِهَادُه يُؤْوِي الْغَرِيبَ مُصَفِّقا؟!
أَنَعِيشُ كَيْ يَحْسُو الْمُسَافِرُ دَمْعَهُ سِيَّانِ.. غَرَّبَ فِي الدُّنَا أَوْ شَرَّقَا؟
وَمَوَاكِبُ الْأَبْطَالِ تَرْحَلُ لاَ النَّوَى أَشْجَى وَلاَ دَمْعُ الْحَنِينِ تَرَقْرَقَا
ما الذي يؤلم شعراءنا الشباب؟ ولِمَ هذا الحزن والوجوم؟!
لِمَ أضحى الأسى اليوم يميز قدرًا كبيرًا من أشعارنا؟! أهي الانكسارات المتعددة؟!
كيف نحيا في (رمضان البطولات) المجيدة السابقة والعدوُّ يغزو قلوبنا اليوم متماديًا في القتل والتشريد لأطفالنا ونسائنا في بلاد المسلمين في عدة أقطار؟! وكيف نرفع الضَّيم ونحن على ما نحن عليه مِن تَمَزُّق وتفرُّق وبُعْدٍ عن الاعتصام بحبل الله، كما يفجعنا الشاعر سلمان الجربوع في أبياته السابقة؟!(/5)
هكذا يتصاعد الاستفهام الإنكاري في صور حزينة، واستغاثات موجعة، لتتكرَّر في مشهد حي مُعَبِّر عن أحوالنا: (أنعيش... أنعيش... أنعيش) فمَن تراه يجيب شاعرنا متجاوزًا دفقات القصائد الدامعة؟!(/6)
العنوان: نشأة القراءات الشاذة
رقم المقالة: 172
صاحب المقالة: يسري حسين محمد سعد
-----------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه, وبعد:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في حفظ القرآن الكريم حال نزوله عليه, وكان يحرك به شفتيه؛ وكان يدرسه حتى غلب عليه ذلك وشق عليه, فأمره الله أن ينصت ويستمع, وضمن الله له أن يجمعه في صدره وأن يقرأه كما أُنزل, ونزلت هذه الآيات: {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} .
كما حفظ القرآن خلائق لا يُحصون من الصحابة رضوان الله عليهم. وقد دوِّن القرآن الكريم في ذلك العصر, وكتب الوحي مجموعة من الكتَّاب سماعًا من النبي صلى الله عليه وسلم، فكان ذلك حفظًا لكتاب الله من الضياع والتحريف؛ ومن كتبة الوحي أبو بكر وعمر وعثمان وعلي, وزيد بن ثابت الأنصاري, وأبيُّ بن كعب الأنصاري , ومعاوية بن أبي سفيان, , وعبد الله بن أرقم, وعبد الله بن سعد بن أبي سرح, وغيرهم.(/1)
ففي "صحيح مسلم" وغيره من حديث أُبيّ بْنِ كَعْبٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ عِنْدَ أَضَاةِ بَنِي غِفَارٍ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عليه السلام فَقَالَ: إِنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يَأْمُرُكَ أَنْ تُقْرِئَ أُمَّتَكَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ. قَالَ: أَسْأَلُ اللهَ مُعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ، وَإِنَّ أُمَّتِي لا تُطِيقُ ذَلِكَ. ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يَأْمُرُكَ أَنْ تُقْرِئَ أُمَّتَكَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفَيْنِ. قَالَ: أَسْأَلُ اللهَ مُعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ، وَإِنَّ أُمَّتِي لا تُطِيقُ ذَلِكَ. ثُمَّ جَاءهُ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يَأْمُرُكَ أَنْ تُقْرِئَ أُمَّتَكَ الْقُرْآنَ عَلَى ثَلاثَةِ أَحْرُفٍ. فَقَالَ: أَسْأَلُ اللهَ مُعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ، وَإِنَّ أُمَّتِي لا تُطِيقُ ذَلِكَ. ثُمَّ جَاءهُ الرَّابِعَةَ، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يَأْمُرُكَ أَنْ تُقْرِئَ أُمَّتَكَ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَأَيُّمَا حَرْفٍ قَرَؤُوا عَلَيْهِ فَقَدْ أَصَابُوا.
فيتضح من ذلك أن القرآن الكريم نزل على سبعة أحرف, وأنه ليس بواجب القراءة بها جميعًا, بل من قرأ على أي حرف فقد أصاب وأجزأه.
وقد أقرأ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابه بتلك الأحرف المنزلة عليه، فكانوا يقرؤون بِها، حتى أنكر بعضهم على بعض وجوهًا من القراءة، فأخبرهم النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بأن القرآن أنزل على سبعة أحرف.(/2)
روى البخاري في "صحيحه" من حديث عمر بن الخطَّاب قَالَ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَاسْتَمَعْتُ لِقِرَاءتِهِ، فَإِذَا هُوَ يَقْرَأُ عَلَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ لَمْ يُقْرِئْنِيهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَكِدْتُ أُسَاوِرُهُ فِي الصَّلاةِ، فَتَصَبَّرْتُ حَتَّى سَلَّمَ، فَلَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ، فَقُلْتُ: مَنْ أَقْرَأَكَ هَذِهِ السُّورَةَ الَّتِي سَمِعْتُكَ تَقْرَأُ؟ قَالَ: أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقُلْتُ: كَذَبْتَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَقْرَأَنِيهَا عَلَى غَيْرِ مَا قَرَأْتَ. فَانْطَلَقْتُ بِهِ أَقُودُهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ بِسُورَةِ الْفُرْقَانِ عَلَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَرْسِلْهُ. اقْرَأْ يَا هِشَامُ. فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقِرَاءةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ، ثُمَّ قَالَ: اقْرَأْ يَا عُمَرُ، فَقَرَأْتُ الْقِرَاءةَ الَّتِي أَقْرَأَنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ. إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ.(/3)
ثم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم, خرج حفاظ القرآن إلى المواطن يجاهدون في سبيل الله مع من يجاهد من الصحابة رضوان الله عليهم، فاستحر فيهم القتل، ففزع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك، فأشار الفاروق عمر رضي الله عنه على أبي بكر رضي الله عنهما، بأن يجمع القرآن خوفًا عليه من الضياع، فكان ما أراد، وحفظ الله كتابه وصدق وعده بالتكفل بحفظه {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}.(/4)
ففي الصحيح وغيره؛ قال الزُّهْرِيُّ: أَخْبَرَنِي ابْنُ السَّبَّاقِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ رضي الله عنه، وَكَانَ مِمَّنْ يَكْتُبُ الْوَحْيَ، قال: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ وَعِنْدَهُ عُمَرُ، فَقال: أَبُو بَكْرٍ إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقال: إِنَّ الْقَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِالنَّاسِ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ فِي الْمَوَاطِنِ فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْقُرْآنِ، إِلاَّ أَنْ تَجْمَعُوهُ، وَإِنِّي لأَرَى أَنْ تَجْمَعَ الْقُرْآنَ. قال: أَبُو بَكْرٍ قُلْتُ لِعُمَرَ كَيْفَ أَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقال: عُمَرُ هُوَ وَاللهِ خَيْرٌ. فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي فِيهِ حَتَّى شَرَحَ اللهُ لِذَلِكَ صَدْرِي، وَرَأَيْتُ الَّذِي رَأَى عُمَرُ. قال زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: وَعُمَرُ عِنْدَهُ جَالِسٌ لاَ يَتَكَلَّمُ. فَقال أَبُو بَكْر:ٍ إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ وَلاَ نَتَّهِمُكَ، كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَتَتَبَّعِ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ. فَوَاللهِ لَوْ كَلَّفَنِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ. قُلْتُ: كَيْفَ تَفْعَلاَنِ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ؟ فَقال أَبُو بَكْر:ٍ هُوَ وَاللهِ خَيْرٌ. فَلَمْ أَزَلْ أُرَاجِعُهُ حَتَّى شَرَحَ اللهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ اللهُ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقُمْتُ فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ الرِّقَاعِ وَالأَكْتَافِ وَالْعُسُبِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ، حَتَّى وَجَدْتُ مِنْ سُورَةِ التَّوْبَةِ آيَتَيْنِ مَعَ خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ لَمْ أَجِدْهُمَا مَعَ(/5)
أَحَدٍ غَيْرِه: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} إِلَى آخِرِهِمَا. وَكَانَتِ الصُّحُفُ الَّتِي جُمِعَ فِيهَا الْقُرْآنُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ.
وعن زيد بن ثابت أنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ قَدِمَ مِنْ غَزْوَةٍ غَزَاهَا، فَلَمْ يَدْخُلْ بَيْتَهُ حَتَّى أَتَى عُثْمَانَ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَدْرِكْ النَّاسَ! فَقَالَ عُثْمَانُ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ : غَزَوْت فَرْجَ أَرْمِينِيَةَ، فَحَضَرَهَا أَهْلُ الْعِرَاقِ وَأَهْلُ الشَّامِ، فَإِذَا أَهْلُ الشَّامِ يقرؤون بِقِرَاءةِ أُبَيٍّ، فَيَأْتُونَ بِمَا لَمْ يَسْمَعْ أَهْلُ الْعِرَاقِ، فَيُكَفِّرُهُمْ أَهْلُ الْعِرَاقِ، وَإِذَا أَهْلُ الْعِرَاقِ يقرؤون بِقِرَاءةِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَيَأْتُونَ بِمَا لَمْ يَسْمَعْ أَهْلُ الشَّامِ، فَيُكَفِّرُهُمْ أَهْلُ الشَّامِ. قَالَ زَيْدٌ: فَأَمَرَنِي عُثْمَانُ أَنْ أَكْتُبَ لَهُ مُصْحَفًا.(/6)
وروى البخاري من حديث أَنَسِ بن مَالِكٍ: أَنَّ حُذَيْفَةَ بن الْيَمَانِ قَدِمَ على عُثْمَانَ, وكان يُغَازِي أَهْلَ الشام في فَتْحِ إِرْمِينِيَةَ وَأَذْرَبِيجَانَ مع أَهْلِ الْعِرَاقِ, فَأَفْزَعَ حُذَيْفَةَ اخْتِلافُهُمْ في الْقِرَاءَةِ, فقال حُذَيْفَةُ لِعُثْمَانَ: يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَدْرِكْ هذه الأُمَّةَ قبل أَنْ يَخْتَلِفُوا في الْكِتَابِ اخْتِلافَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى, فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إلى حَفْصَةَ: أَنْ أَرْسِلِي إِلَيْنَا بِالصُّحُفِ نَنْسَخُهَا في الْمَصَاحِفِ ثُمَّ نَرُدُّهَا إِلَيْكِ, فَأَرْسَلَتْ بها حَفْصَةُ إلى عُثْمَانَ, فَأَمَرَ زَيْدَ بن ثَابِتٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بن الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بن الْعَاصِ وَعَبْدَ الرحمن بن الْحَارِثِ بن هِشَامٍ فَنَسَخُوهَا في الْمَصَاحِفِ. وقال عُثْمَانُ لِلرَّهْطِ الْقُرَشِيِّينَ الثَّلاثَةِ إذا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بن ثَابِتٍ في شَيْءٍ من الْقُرْآنِ فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ فَفَعَلُوا, حتى إذا نَسَخُوا الصُّحُفَ في الْمَصَاحِفِ رَدَّ عُثْمَانُ الصُّحُفَ إلى حَفْصَةَ. وَأَرْسَلَ إلى كل أُفُقٍ بِمُصْحَفٍ مِمَّا نَسَخُوا, وَأَمَرَ بِمَا سِوَاهُ من الْقُرْآنِ في كل صَحِيفَةٍ أو مُصْحَفٍ أَنْ يُحْرَقَ. قال ابن شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بن زَيْدِ بن ثَابِتٍ سمع زَيْدَ بن ثَابِتٍ قال: فَقَدْتُ آيَةً من الأَحْزَابِ حين نَسَخْنَا الْمُصْحَفَ قد كنت أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ بها فَالْتَمَسْنَاهَا فَوَجَدْنَاهَا مع خُزَيْمَةَ بن ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ: {من الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا ما عَاهَدُوا اللَّهَ عليه...}, فَأَلْحَقْنَاهَا في سُورَتِهَا في الْمُصْحَفِ.(/7)
قال القاضي الباقلاني كما في "مرقاة المفاتيح" (5/111): "لم يقصد عثمانُ قَصْدَ أبي بكرٍ في جمع نفس القرآن بين لوحين، وإنما قصد جمعَهم على القراءات الثابتة المعروفة عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وإلغاء ما ليس كذلك، وأخْذَهُم بِمصحفٍ لا تقديم فيه ولا تأخير، ولا تأويل أُثبِت مع تنزيلٍ، ولا منسوخ تلاوته كُتِبَ مع مُثْبَت رسمه ومفروضٍ قراءتُه وحفظُه؛ خشية وقوع الفساد والشبهة على من يأتي بعد".
ولَمَّا أمر عثمان رضي الله عنه بانتزاع المصاحف المخالفة وإحراقها، رفض ذلك ابن مسعودٍ رضي الله عنه، وأمر الناس بأن يغلُّوا المصاحف.
روى الترمذي في "سننه" (5/285): قَالَ الزُّهْرِيُّ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَرِهَ لِزَيْدِ ابْنِ ثَابِتٍ نَسْخَ الْمَصَاحِفِ، وَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، أُعْزَلُ عَنْ نَسْخِ كِتَابَةِ الْمُصْحَفِ، وَيَتَوَلاَّهَا رَجُلٌ، وَاللهِ، لَقَدْ أَسْلَمْتُ وَإِنَّهُ لَفِي صُلْبِ رَجُلٍ كَافِرٍ، يُرِيدُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَلِذَلِكَ قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ: يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ اكْتُمُوا الْمَصَاحِفَ الَّتِي عِنْدَكُمْ وَغُلُّوهَا؛ فَإِنَّ اللهَ يَقُولُ: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}، فَالْقُوا اللهَ بِالْمَصَاحِفِ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَبَلَغَنِي أَنَّ ذَلِكَ كَرِهَهُ مِنْ مَقَالَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ رِجَالٌ مِنْ أَفَاضِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وأن عثمان رضي الله عنه اتَّبع أثر أبي بكر وعمر في اختيار زيدَ ابن ثابت. ، وكان ابن مسعودٍ إذ ذاك بالكوفة. وقد رجع ابن مسعودٍ رضي الله عنه إلى رأي الجماعة. ويدل عليه أن قراءته قد رواها عاصم وحمزة والكسائي، وغيرهم، وقراءة هؤلاء الأئمة موافقة للمصاحف العثمانية.(/8)
قال السيوطي في "الإتقان في علوم القرآن" (1/140): "وقال البغوي في "شرح السنة": يُقال إن زيد بن ثابت شهد العرضة الأخيرة التي بين فيها ما نُسخ وما بقي، وكتبِها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرأها عليه، وكان يُقرئ بِها الناس حتى مات، ولذلك اعتمده أبو بكر وعمر في جمعه، وولاه عثمان كتب المصاحف".
وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (9/45): "وقد روى أحمد وابن أبي داود والطبري من طريق عبيدة بن عمرو السلماني: أن الذي جمع عليه عثمان الناس يوافق العرضة الأخيرة. ومن طريق محمد بن سيرين قال: كان جبريل يعارض النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن ... الحديث نحو حديث ابن عباس وزاد في آخره: فيرون أن قراءتنا أحدث القراءات عهدًا بالعرضة الأخيرة ... وأخرج النسائي من طريق أبي ظبيان قال: قال لي ابن عباس: أي القراءتين تقرأ؟ قلت: القراءة الأولى قراءة ابن أم عبد يعني عبد الله ابن مسعود, قال: بل هي الأخيرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرض على جبريل ...الحديث وفي آخره: فحضر ذلك ابن مسعود فعَلِم ما نُسخ من ذلك وما بُدل, وإسناده صحيح. ويمكن الجمع بين القولين بأن تكون العرضتان الأخيرتان وقعتا بالحرفين المذكورين فيصح إطلاق الآخرية على كل منهما".
قال النووي في "التبيان في آداب حملة القرآن" (69): خاف عثمان رضي الله عنه قوع الاختلاف المؤدي إلى ترك شيء من القرآن، أو الزيادة فيه، فنسخ من ذلك المجموع الذي عند حفصة، الذي أجمعت الصحابة عليه مصاحفَ، وبعث بِها إلى البلدان، وأمر بإتلاف ما خالفها، وكان فعله هذا باتفاق منه ومن علي بن أبي طالب، وسائر الصحابة، وغيرهم رضي الله عنهم.(/9)
ولَمَّا كان الاعتماد في نقل القرآن على المشافهة والتلقِّي من صدور الرجال، ولم تكن المصاحف كافية في نقل القرآن وتعلُّمه، فقد أرسل عثمان رضي الله عنه مع كل مصحف من المصاحف قارئًا يعلِّم الناس على ما يوافق المصحف الذي أرسل به، وكان يتخير لكل قارئٍ المصحف الذي يوافق قراءته في الأكثر.
فقد روي أن عثمان رضي الله عنه أمر زيد بن ثابت أن يقرئ بالمدني، وبعث عبد الله بن السائب مع المكيّ، وبعث المغيرة بن أبي شهاب مع الشاميّ، وأبا عبد الرحمن السلمي مع الكوفيّ، وعامر بن عبد قيسٍ مع البصري.
ومن هنا بدأ ظهور الشذوذ على كل قراءة لم تحظ بالإجماع, فقد ذكرت الروايات أن عثمان أبعد عددًا من الروايات التي لم يستفض نقلها عن النبي عليه الصلاة والسلام وإعلان بطلان العمل بها. وأصبح من ذلك الحين رسم المصحف العثماني شرطًا أساسيًا من شروط صحة القراءة, والقراءة التي لا توافقه اعتبرت من الشاذ.
فالقراءة الصحيحة ما صح سنده, ووافق العربية, ووافق الرسم العثماني. والقراءة تسمى اليوم شاذة لكونها شذت عن رسم المصحف المجمع عليه وإن كان إسنادها صحيحًا.
وبقى خارج حدود الرسم العثماني عدد من الحروف كما جاءت في مصاحف كل من أبي وابن مسعود وغيرهما، وذكر المتتبعون لشأن القراءات أن هذه المصاحف اشتملت على أحرف كثيرة لم تشهد العرضة الأخيرة؛ وإن كان أصحاب هذه المصاحف تمسكوا ببعض القراءات ولم يتخلوا عنها لأنهم سمعوها بأنفسهم من النبي عليه الصلاة والسلام؛ مما يفيد أن قرآنيتها تنسب إلى الآحاد, وبالتالي شذت عن الإجماع وشذت عن التواتر.(/10)
قال ابن حجر في (فتح الباري (9/30): "وقال البغوي في شرح السنة: المصحف الذي استقر عليه الأمر هو آخر العرضات على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر عثمان بنسخة في المصاحف وجمع الناس عليه, وأذهب ما سوى ذلك قطعًا لمادة الخلاف, فصار ما يخالف خط المصحف في حكم المنسوخ والمرفوع كسائر ما نسخ ورفع؛ فليس لأحد أن يعدو في اللفظ إلى ما هو خارج عن الرسم ".
والقراءة الشاذة ولو كانت صحيحة في نفس الأمر فإنها مما كان أذن في قراءته. ثم أجمعت الأمة على تركها للمصلحة وليس في ذلك خطر ولا إشكال؛ لأن الأمة معصومة من أن تجمع على خطأ. ويستفاد من القراءة الشاذة في إثراء اللغة والتفسير والأحكام الشرعية.
فمثلاً من القراءات الشاذة ما قرأ به ابن شنبوذ: {إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فامضوا إلى ذكر الله}. وقرأ: {وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبًا}. وقرأ :{والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى} دون {ما خلق}. ويقال: إنه اعترف بذلك كله, ثم استتيب.
قال ابن السبكي في جمع الجوامع: "ولا تجوز القراءة بالشاذ، والصحيح أن ما وراء العشر [أي القراءات العشر] فهو شاذ وفاقًا للبغوي والشيخ الإمام، ويريد بالشيخ الإمام والده مجتهد العصر أبا الحسن علي بن عبد الكافي السبكي".(/11)
وقال شهاب الدين أحمد الدمياطي في "إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر" (ص7): "السبب الداعي إلى أخذ القراءة عن القراء المشهورين دون غيرهم؛ أنه لما كثر الاختلاف فيما يحتمله رسم المصاحف العثمانية التي وجه بها عثمان رضي الله عنه إلى الأمصار والشام واليمن والبصرة والكوفة ومكة والبحرين وحبس بالمدينة واحدًا وأمسك لنفسه واحدًا الذي يقال له الإمام, فصار أهل البدع والأهواء يقرؤون بما لا يحل تلاوته وفاقًا لبدعتهم؛ أجمع رأي المسلمين أن يتفقوا على قراءات أئمة ثقات تجردوا للاعتناء بشأن القرآن العظيم, فاختاروا من كل مصر وجه إليها مصحف أئمة مشهورين بالثقة والأمانة في النقل وحسن الدراية وكمال العلم؛ أفنوا عمرهم في القراءة والإقراء واشتهر أمرهم وأجمع أهل مصرهم على عدالتهم ولم تخرج قراءتهم عن خط مصحفهم ... فوضع الأئمة لذلك ميزانًا يرجع إليه وهو السند والرسم والعربية فكل ما صح سنده ووافق وجهًا من وجوه النحو سواء كان أفصح أم فصيحًا مجمعًا عليه أو مختلفًا فيه اختلافًا لا يضر مثله ووافق خط مصحف من المصاحف المذكورة فهو من السبعة الأحرف المنصوصة في الحديث, فإذا اجتمعت هذه الثلاثة في قراءة وجب قبولها سواء كانت عن السبعة أم عن العشرة أم عن غيرهم من الأئمة المقبولين، نص على ذلك الداني وغيره ممن يطول ذكرهم، إلا أن بعضهم لم يكتف بصحة السند، بل اشترط مع الركنين التواتر، والمراد بالمتواتر ما رواه جماعة عن جماعة يمتنع تواطؤهم على الكذب من البداءة إلى المنتهى".(/12)
وقال ابن الصلاح؛ كما في "البرهان في علوم القرآن" (ص332) و"مناهل العرفان في علوم القرآن" (324): "يُشترط أن يكون المقروء به على تواتر نقله عن رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم قرآنًا واستفاض نقله بذلك، وتلقته الأمة بالقبول، كهذه القراءات السبع؛ لأن المعتبر في ذلك اليقين والقطع... ويجب منع القارئ بالشواذِّ وتأثيمه بعد تعريفه، وإن لم يمتنع فعليه التعزير بشرطه".
وقد اتفق على أن قراءات الأئمة العشرة متواترة، مقروء بِها، وعلى أن ما خالفها من اختيارات غيرهم شاذة، غير مقروء بِها.
فأما القراء العشرة ورواتهم فهم: نافع من روايتي قالون وورش عنه. وابن كثير من روايتي البزي وقنبل عن أصحابهما عنه. وأبو عمرو من روايتي الدوري والسوسي عن يحيى اليزيدي عنه. وابن عامر من روايتي هشام وابن ذكوان عن أصحابهما عنه. وعاصم من روايتي أبي بكر شعبة بن عياش وحفص بن سليمان عنه. وحمزة من روايتي خلف وخلاد عن سليم عنه. وعلي بن حمزة الكسائي من روايتي أبي الحارث والدوري عنه. وأبو جعفر يزيد بن القعقاع من روايتي عيسى بن وردان وسليمان بن جماز عنه. ويعقوب بن إسحاق الحضرمي من روايتي رويس وروح عنه. وخلف بن هشام البزار من روايتي إسحاق الوراق وإدريس الحداد عنه.
وفي القراءات الشاذة أيضًا أربعة أئمة: ابن محيصن محمد بن عبد الرحمن المكي من روايتي البزي السابق وأبي الحسن بن شنبوذ. واليزيدي يحيى بن المبارك من روايتي سليمان بن الحكم وأحمد بن فرح _ بالحاء المهملة - . والحسن البصري من روايتي شجاع بن أبي نصر البلخي والدوري السابق ذكره. والأعمش سليمان بن مهران من روايتي الحسن بن سعيد المطوعي وأبي الفرج الشنبوذي الشطوي.
غير أنه توجد قراءات أخرى تروى عن الصحابة وغيرهم غير القراءات العشر المجمع على تواترها, وغير القرءات الأربع الشواذ المذكورة.(/13)
قال شهاب الدين أحمد الدمياطي في "إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر" (ص9): "قال عبد الوهاب بن علي السبكي: القراءات السبع التي اقتصر عليها الشاطبي، والثلاث - التي هي قراءة أبي جعفر وقراءة يعقوب وقراءة خلف - متواترة معلومة من الدين بالضرورة، وكل حرف انفرد به واحد من العشرة معلومٌ من الدين بالضرورة أنه منَزَّل على رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم، لا يكابر في شيء من ذلك إلا جاهلٌ، وليس تواتر شيء منها مقصورًا على من قرأ بالروايات، بل هي متواترة عند كل مسلمٍ يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، ولو كان مع ذلك عامِّيًّا جلفًا، لا يحفظ من القرآن حرفًا".
ومما يجب أن يُعلم ويؤخذ في الإعتبار أن أكثر أئمة القراءات, والذين نقلوا الرواية بها؛ هم أئمة في الحديث والفقه واللغة, ويُروى عنهم في كتب السنن.
ثم دارت أسانيد القراء العشرة على ثمانية من الصحابة هم:
1 - عثمان بن عفان.
2 - علي بن أبي طالب.
3 - أبي بن كعب.
4 - عبد الله بن مسعود.
5 - زيد ابن ثابت.
6 - أبو موسى الأشعري.
7 - أبو الدرداء.
8 - عمر بن الخطاب.
ومبسوط ذلك في كتب القراءات, والله نسأل أن يبصرنا بأحكام ديننا, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.(/14)
العنوان: نشأة علم التخريج وأطواره
رقم المقالة: 1499
صاحب المقالة: د. عبدالله بن عبدالمحسن التويجري
-----------------------------------------
المقدمة:
إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[1] {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَْرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}[2] {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا *يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}[3].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.(/1)
إن علم التخريج من العلوم التي شرفها الله؛ لكونه وسيلة من وسائل الوصول إلى السنة وتيسير التعامل معها، وهو من المعارف المهمة للأمة؛ لأنه به يمكن التعامل والإفادة من دواوين السنة – التي هي المصدر الثاني للشرع – وإلا أصبح هناك فجوة كبيرة بين المسلم وذلك المصدر العظيم، فدواوين السنة كثيرة جداً، ومناهجها مختلفة، والأحاديث والآثار ضرورية لمن أراد فهم مراد الله في هذا الشرع الذي أنزله، كما أنه الطريق الأبرز لمن أراد خدمة السنة والذب عن حياضها، وبه يتحقق من الزيف والصحيح، ويعرف الغث من السمين.(/2)
والتخريج أيضاً حاله حال بقية الفنون نشأ عند الحاجة إليه، ثم مر بأطوار حتى وصل إلينا بهذه الصورة، ولا شك أن معرفة تاريخ الفن ومراحل نشأته وأطواره أمر مهم لطالب العلم والمتخصص فيه، وأهل السنة وفرسان الحديث والغواصون في بحاره يحتاجون للتدلي بحبال التخريج، كي يصلوا إلى الدرر في أعماقه وصدفه، ولابد أن تستشرف نفوسهم لمعرفة من نسج تلك الحبال، وكيف نسجها، وهذا بلا ريب يحدث في النفس طمأنينة ويقيناً لا يستغني عنهما ذلك الباحث، فإذا ما عرف القواعد التي وضعها أولئك الأئمة، وكيف نقدوها وطبقوها عملياً في مصنفاتهم، وكيف أن اللاحق يستدرك على السابق، ويكمل نقصه، أدرك أن هذا البناء لم يكن وليد اجتهاد معاصر، بل كان المتأخرون قاطفي ثمرة وحسب، لموّا شتاتها، ورصوا بنيانها، ونسقوا صفوفها، ومع ذلك فلا يزال في هذه المحاولات بعض الثغرات التي تحتاج إلى سد، ومنها موضوع هذا البحث حيث لم أر من اعتنى به استقلالاً، وبشكل مفصل، مع أهميته وشدة الحاجة إليه، حيث ذكره المصنفون –حديثاً- في قواعد التخريج وأصوله عرضاً، وغالباً ما يوردونه باختصار في مطالع كتبهم[4]، أو يختلط الكلام فيه بمناهج المحدثين وتاريخ السنة النبوية عموماً، فيكاد تاريخ علم التخريج أن يتلاشى، أو يصعب تمييزه عنهما[5]، أو حتى لا يكون له ذكر واضح في الكتاب عموماً[6].
لأجل ذلك كله رأيت من الأهمية بمكان أن أفرد هذا الموضوع بالبحث، وأسطر للمعنيين بعلم الحديث خصوصاً، ولطلاب العلم عموماً هذه الورقات، مشاركة مني في خدمة السنة النبوية، فهي الشجرة المباركة التي ما خاب من استظل بظلها ناهيك عن من سقاها واعتنى بها وحماها.(/3)
وينبغي أن يعلم أن مما شجعني على الكتابة في هذا الموضوع أيضاً أني كنت على علاقة مباشرة وطويلة بالتخريج نظرياً وعملياً، حيث قضيت في أثناء ذلك ما يزيد عن خمسة عشر عاماً، منها ما يزيد عن ثماني سنوات وأنا أدرس هذه المادة لطلبة كلية أصول الدين، فكنت أجمع بعض الملاحظات، وأحدد بعض الثغرات التي تحتاج إلى تعاون لسدها ومعالجتها، فكان هذا البحث بفضل الله باكورة ما رغبت في إبرازه لإخواني، وما قصدت به المشاركة في هذا الميدان، هادفاً بإذن الله إلى تحقيق التكامل، والمساعدة في تشييد البناء، مع الاعتراف بفضل السابقين من مشايخي الفضلاء، وأساتذتي النبلاء، وبتقصيري عما أتمناه وأرجوه، وقد سرت في هذا البحث وفق الخطة التالية:
أولاً: المقدمة وتشتمل على أهمية البحث وسبب اختياره وخطتي فيه.
ثانياً: التمهيد. ويشتمل على عنصرين:
1- تعريف التخريج لغة واصطلاحاً.
2- موضوع علم التخريج وأهميته وفائدته.
وبينت هناك أن علم التخريج ينقسم إلى قسمين: نظري وتطبيقي، وألقيت الضوء على جانب من جهود العلماء في هذا المجال، وأنها حققت بفضل الله حماية وصيانة السنة، وكذلك تيسيراً وتقريباً لها بين يدي الأمة.
ثالثاً: المبحث الأول: المراحل التاريخية لعلم التخريج، وأطواره.
وقد تحدثت فيه عن المراحل التي مر بها الجانب النظري منه، ثم الجانب التطبيقي، وبينت أن الاصطلاح الذي استقر عليه المحدثون بأن المراد بالتخريج هو "عزو الحديث والدلالة على موضعه في مصادره الأصلية التي أخرجته بسنده". هذا المعنى قد نشأ مبكراً، وأن الإمام البيهقي – رحمه الله – من أوائل من استخدمه، وأن هذا الاصطلاح مر بأطوار، كل واحد أيسر وأوضح من سابقه، حتى وصل إلينا الآن. ثم بينت الأسباب الإجمالية لهذا التغير.
رابعاً: المبحث الثاني: أنواع التخريج.(/4)
وبينت فيه أن أنواع التخريج ثلاثة: مختصر، ومتوسط، وموسع: لأن البعض قد يجهل هذا التقسيم، ويستغرب، وربما ينتقد عمل ذلك المحدث وتطويله في استيعاب الطرق والمخارج، وبيان اختلاف الروايات، أو ذلك المحدث الذي اختصر تخريجه جداً، واقتصر على ذكر المخرج فقط، وكأن الأول زاد عن الحاجة، والثاني قصر دونها، وما علموا أن هذا منهج معتبر عند أهل الفن، يراعون فيه الحال والمقام، ولذا يقول الحافظ العراقي-رحمه الله- في تخريجه لأحاديث إحياء علوم الدين المسمى "المغني عن حمل الأسفار في الأسفار": لكني اختصرته في غاية الاختصار، ليسهل تحصيله وحمله في الأسفار[7].
وذكرت هناك أمثلة للكتب التي نهجت في تخريجها الأنواع الثلاثة التي ذكرتها آنفاً، ونماذج منها يتبين للقارئ الفرق بينها.
خامساً: تصور إجمالي للتخريج:
وبينت فيه أن التخريج إجمالاً يرجع إلى إحدى طريقتين هما:
1 - تخريج الحديث بواسطة إسناده.
2 - تخريج الحديث بواسطة متنه.
وذكرت في آخر المبحث بعض الأسباب المهمة التي تعين على التمكن في هذا الفن.
سادساً: المبحث الرابع: أقسام المصادر التي يخرج منها.
وفيه بينت أن المصادر تنقسم إلى قسمين: أصلية، وغير أصلية-وتسمى أحياناً "فرعية"-، وبيان المقصود من كل قسم وكيفية التعامل معها، والعزو إليها، ومتى يصح التخريج من المصادر غير الأصلية، واصطلاح المحدثين في الصيغ المختصرة في وصف المتن أثناء التخريج.
سابعاً: أبرز المؤلفات في طرق التخريج وقواعده.
وذكرت فيه أن التصنيف في قواعد التخريج وأسسه في كتابٍ مستقل قد تأخر إلى عصرنا الحاضر، ومع ذلك حاولت ترتيب هذه المصنفات التي ذكرتها زمنياً، لما في ذلك من الفوائد التي لا تخفى، وليس هذا موضع ذكرها.
ثم ختمت بخاتمة بينت فيها أبرز النتائج التي وصلت إليها.(/5)
وقد سلكت في استخراج المادة العلمية للبحث جمع قواعده النظرية من مباحث علوم الحديث ومقدمات كتب التخريج، وربط ذلك بالواقع العملي في مصنفات الحديث، وخصوصاً كتب التخريج العملي كنصب الراية والتلخيص الجبير، مع مقارنة ذلك بما كتبه المؤلفون في قواعد التخريج، وبيان مواطن الاتفاق والاختلاف، والترجيح إذا دعت الحاجة.
أسأل الله التوفيق والسداد، وحسن القصد في القول والعمل، وأن يجعل ما سطرته نافعاً ومباركاً في كل زمان ومكان، وأن يكون مصباحاً يستضيء به السالكون دروب السنة؛ إنه جواد بر رؤوف رحيم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
التمهيد: ويشتمل على عنصرين:
أولاً: تعريف التخريج لغة واصطلاحاً:
لما كان معنى التخريج له ارتباط بأطوار هذا العلم والمراحل التاريخية التي مرب بها –كما سيأتي في المبحث الأول[8]. إن شاء الله – كان لابد من تعريف القارئ به، سواء في الجانب اللغوي أو الاصطلاحي، فلذا أقول:
أ - المعنى اللغوي:
أصل كلمة التخريج تعود إلى كلمة "خرج" وهي نقيض دخل، وهي تعني البروز والظهور، يقول تعالى: {وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً}[9]. وقال سبحانه: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ}[10]. وأخرج الترمذي وابن ماجه والدارمي[11].عن عبد الله بن عدي بن الحمراء الزهري، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفاً على الحزورة[12]. فقال: "والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله –وفي رواية ابن ماجه: إليّّ "ولولا أني أُخرجت منك ما خرجت" قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.(/6)
قال الفيروزأبادي[13]: أرض مخرجة –كمنقشة- نبتها في مكان دون مكان، وعام فيه تخريج: خصب وجدب، وتخريج الراعية المرعى أن تأكل بعضاً وتترك بعضاً، والاستخراج والاختراج: الاستنباط. وخرجه في الأدب، فتخرج، وهو خرّيج –كعنين- بمعنى: مفعول، وخرج اللوح تخريجاً: كتب بعضاً وترك بعضاً.
وقد استوفى الكلام على هذه المعاني للتخريج والإخراج ابن منظور في لسان العرب[14]، فلينظر.
وقال الراغب الأصبهاني في المفردات في غريب القرآن[15]:
والتخريج أكثر ما يقال في العلوم والصناعات.
ب - المعنى الاصطلاحي:
يأتي التخريج والإخراج عند المحدثين بعدة معان، من أبرزها ما يلي:
1 - جمع الأحاديث من صدور الرواة في مختلف الأمصار، وتصنيفها في الكتب، وإبرازها وإظهارها للناس، وهذا ما قام به المحدثون في القرون الأولى، ولذا اصطلحوا على التعبير عما أسنده أولئك المصنفون في كتبهم من أحاديث بقولهم: أخرجه البخاري، وأخرجه الشيخان وأحمد. وهكذا.
وقد يكون عملهم مقصوداً به المعنى الثاني الذي سأذكره قريباً.
قال العلامة السيوطي[16] في معرض تفضيله لصحيح البخاري على صحيح مسلم: وبيان ذلك من وجوه:
أحدها: أن الذين انفرد البخاري بالإخراج لهم دون مسلم أربعمائة وبضعة وثلاثون رجلاً، المتكلم فيهم بالضعف منهم ثمانون رجلاً، والذين انفرد مسلم بالإخراج لهم دون البخاري ستمائة وعشرون، المتكلم فيهم بالضعف منهم مائة وستون.
ولا شك أن التخريج عمن لم يتكلم فيه أصلاً أولى من التخريج عمن تكلم فيه، إن لم يكن ذلك الكلام قادحاً، إلى آخر كلامه رحمه الله.(/7)
2 - التفتيش والتنقيب عن الأحاديث، قال الشيخ زكريا الأنصاري في كتابه فتح الباقي على ألفية العراقي[17]: وأن يخرج للرواة الذين ليسوا أهلاً للمعرفة بالحديث وعلله واختلاف طرقه أو أهلاً لذلك لكنهم عجزوا عن التخريج والتفتيش، لكبر سن أو ضعف بدن، متقن من حفاظ وقتهم، مجالس الإملاء التي يريدون إملاءها قبل يوم مجلسهم، إما بسؤال منهم له، أو ابتداء، فهو حسن، وقد كان جماعة يستعينون بمن يخرج لهم.
وقال السيوطي في تدريب الراوي[18]: وإذا قصر المحدث عن تخريج الإملاء، لقصوره عن المعرفة بالحديث وعلله واختلاف وجوهه، أو اشتغل عن تخريج الإملاء، استعان ببعض الحفاظ في تخريج الأحاديث التي يريد إملاءها قبل يوم مجلسه، فقد فعله جماعة كأبي الحسين ابن بشران، وأبي القاسم السرَّاج، وخلائق.
ولذا قد يكون من قبيل المعنى الثاني فعل قدامى المحدثين في مصنفاتهم كالجوامع والسنن والمسانيد وغيرها، باعتبار أنهم قاموا بالتفتيش والتنقيب والكشف عن طرق الأحاديث وعللها من خلال تلك الكتب التي دونَّوها.
وكتب المستخرجات كمستخرج الإسماعيلي (ت371هـ) على البخاري. ومستخرج أبى عوانة الإسفراييني (ت316هـ) على مسلم، ومستخرج أبي نعيم الأصبهاني (ت430هـ) على الصحيحين جميعاً، مترددة بين المعنيين، لأن فيها تفتيشاً وتنقيباً عن الأحاديث في الكتب، ومن صدور الرجال، لجمع طرق الأحاديث المستخرج عليه، ثم إبرازها للناس وإظهارها في هذه الكتب المرسومة بالمستخرجات، وكم من حديث معلق في البخاري تبين للناس إسناده وصحته من خلال هذه المستخرجات.(/8)
قال الإمام النووي[19] -رحمه الله-: الكتب المخرجة على الصحيحين لم يلتزم فيها موافقتهما في الألفاظ، فحصل فيها تفاوت في اللفظ والمعنى، وكذا ما رواه البيهقي في السنن، والبغوي في شرح السنة وغيرها، وقالوا فيه: رواه البخاري ومسلم أو أحدهما وقع فيه أيضاً تفاوت في اللفظ، وفي بعضه في المعنى، فمرادهم أن البخاري ومسلماً أخرجا أصله فليس لأحد أن ينقل منها حديثاً ويقول: هو هكذا في الصحيحين إلا أن يقابله بالصحيحين أو يكون صاحب الكتاب قال: أخرجاه بلفظه.
وقال السخاوي في فتح المغيث[20]: والتخريج: إخراج المحدِّث الحديث من بطون الأجزاء والمشيخات والكتب ونحوها، وسياقها من مرويات نفسه، أو بعض شيوخه وأقرانه، أو نحو ذلك والكلام عليها، وعزوها لمن رواها من أصحاب الكتب والدواوين، مع بيان البدل والموافقة ونحوهما، مما سيأتي تعريفه، وقد يتوسع في إطلاقه على مجرد الإخراج.
3 - عزو الحديث إلى مصادره الأصلية -وسيأتي بيان المراد بها[21] - التي أخرجته بسنده، والدلالة على موضعه فيها.
وهذا هو المشهور في معنى التخريج في العصور المتأخرة، وعليه استقر العمل، وأصبح هو المقصود عند الإطلاق، واستعمال التخريج بهذا المعنى متقدم، استعمله الأئمة في القرن الخامس وربما قبل ذلك، وسيأتي إيضاحه في الكلام عن المراحل التاريخية لعلم التخريج وأطواره[22].
قال المناوي[23] في شرح قول السيوطي "وبالغت في تحرير التخريج":أي تهذيب المروي وتخليصه وتلخيصه، بمعنى اجتهدت في تهذيب عزو الأحاديث إلى مخرجيها من أئمة الحديث، من الجوامع والسنن والمسانيد، فلا أعزو إلى شيء منها إلا بعد التفتيش عن حاله وحال مخرجه، ولا أكتفي بعزوه إلى من ليس من أهله وإن جلّ كعظماء المفسرين.(/9)
ومن أمثلة الكتب التي تخصصت في تخريج الأحاديث، كتاب نصب الراية للإمام الزيلعي (ت762هـ)، وهو في تخريج كتاب الهداية لبرهان الدين المرغيناني الحنفي (ت593هـ)، وهو من أشهر المتون الفقهية عند الحنفية.
وكذلك البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير، للعلامة ابن الملقّن (ت804هـ)، كتاب "الشرح الكبير" هو للإمام أبي القاسم عبد الكريم ابن محمد الرافعي (ت623هـ)، وهو عبارة عن شرح لكتاب "الوجيز" للإمام أبي حامد محمد بن محمد الغزالي (ت 505هـ) وهو من أمهات الفقه عند الشافعية.
ومن الكتب أيضاً كتاب التلخيص الحبير في تخريج أحاديث شرح الرافعي الكبير -المذكور آنفاً- للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت 852هـ)، وهو بكتابه هذا قد لخص كتاب شيخه العلامة ابن الملقّن المسمى بالبدر المنير، يقول ابن حجر في مقدَّمة كتابه[24]:
أما بعد، فقد وقفت على تخريج أحاديث شرح الوجيز، للإمام أبي القاسم الرافعي -شكر الله سعيه- لجماعة من المتأخرين، منهم القاضي عز الدين ابن جماعة، والإمام أبو أمامة ابن النقاش، والعلامة سراج الدين عمر بن علي الأنصاري – يعني ابن الملقن- والمفتي بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي، وعند كل منهم ما ليس عند الآخر من الفوائد والزوائد.. الخ.
وقد تخصص ابن حجر -رحمه الله- في التخريج، حتى أصبح فارساً لا يشق له غبار، فمن مؤلفاته في ذلك: الدراية في تخريج أحاديث الهداية، وتخريج أحاديث تفسير الكشاف للزمخشري، وتخريج الأذكار والأربعين النووية، وكلاهما للنووي، وتخريج أحاديث مختصر ابن الحاجب، والاستدراك على العراقي في تخريج أحاديث إحياء علوم الدين.(/10)
ومن الكتب أيضاً كتاب إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل للعلامة الألباني، وهو تحريج موسع، خرج فيه كتاب منار السبيل للشيخ إبراهيم بن محمد بن ضويان (ت1353هـ)، وكتاب منار السبيل عبارة عن شرح لكتاب دليل الطالب لمرعي الحنبلي (ت1033هـ) الذي يعتبر من المتون المهمة في الفقه الحنبلي.
والشيخ الألباني صاحب القدم الراسخة في التخريج قد تصدى له، وصرف جل وقته فيه، وصنف فيه عشرات المصنفات الواسعة النافعة، بل التخريج هو الطابع العام لكتبه، ومن أشهرها وأوسعها السلسلة الصحيحة، والسلسلة الضعيفة، وصحيح سنن أبي داود –ولا يزال الأصل المهم مخطوطاً-، وتمام المنة في تخريج أحاديث فقه السنة للسيد سابق، ونيل المرام بتخريج أحاديث الحلال والحرام للقرضاوي، وغيرها.
وهكذا أصبح اصطلاح التخريج فيما بعد القرن السادس وإلى يومنا هذا علماً على عزو الأحاديث إلى مصادرها الأصلية وبيان موضعها فيها، وقد تم –بفضل الله- تخريج أكثر كتب السنة المنشورة، وهذا –إن شاء الله- من أسباب حفظ السنة وتقريبها بين يدي الأمة، بيد أن هذه الساحة لم تسلم من غثاء ربما كدر نفوس الغيورين على سنة النبي صلى الله عليه وسلم، لكن الجهود في جملتها طيبة ونافعة، وربما كان هذا الخلل فيه من الفوائد بقاء تعلق طلاب العلم بتلك الكتب، نقداً واستدراكاً وتعليقاً، حتى يبقى لللاحق بعد السابق شيء يشارك فيه.
ثانيا: موضوع علم التخريج وأهميته وفائدته:
علم التخريج ككثير من العلوم له وجهان هما:(/11)
أ - نظري: وهو يتصل بالأسس والقواعد التي يقوم عليها هذا الفن، والوسائل والطرق التي بينها أئمة المحدثين نظرياً وعملياً لمن أراد الوصول إلى موضع الحديث في مصادره الأصلية وغير الأصلية –وسيأتي بيان المراد منهما[25] -فمثلاً طرق التخريج التي سيأتي ذكرها[26]، والمصنفات التي يتم التخريج منها بواسطتها وكيفية التعامل مع هذه المصادر، وصيغ العزو إليها، ووصف الأسانيد والمتون، ثم كيفية تدوين هذا الحديث الذي تم تخريجه وما الذي يلزم كتابته ويستحسن، كل ذلك وغيره من هذا القبيل.
ب - تطبيقي: وهو البحث والتفتيش في مصادر السنة عن الحديث المراد تخريجه، ثم صياغة ما نصل إليه وفق القواعد والأسس المذكورة في الوجه النظري.
ومن المعلوم أن المصنفات في القواعد والأسس النظرية لعلم التخريج قليلة ومتأخرة، وسيأتي الحديث عنها في المبحث الخامس من المباحث –إن شاء الله تعالى[27]- أما تطبيق التخريج فقد ازدانت به جل كتب المتون في السنة، بل قلما وجد محدث أو طالب حديث في القديم والحديث إلا مارس التخريج يوماً ما، لكن ما بين مقل ومكثر.
فهو في الحقيقة يتكون من مجموعة الوسائل والطرق التي يسلكها الباحث للوصول إلى موضع الحديث والأثر في المصنفات الحديثية، ثم صياغة ما وصل إليه صياغة صحيحة تدل القارئ بيسر إلى ذلك الموضع.
وشرف العلم بشرف المعلوم فحيث كانت السنة النبوية عظيمة ومهمة في حياة الأمة، أصبح فن التخريج مهماً وخطيراً لأجل ذلك، لأنه أصل أصيل في خدمتها والحفاظ عليها، ومسلك رئيس للتعامل معها والاستفادة منها، فقلما وجد صاحب فن –وإن لم يكن محدثاً كالمفسرين والفقهاء والمؤرخين واللغويين وغيرهم- احتاج لحديث لمعرفة من رواه أو درجة ثبوته، أو ليستنبط حكماً أو يستوضح معنى، أو غير ذلك من المقاصد، إلا كان التخريج دليله وهاديه إلى مطلوبه ومبتغاه ولا شك، وبغير ذلك قد يتعب في الوصول إليه، أو يخسر بعد الوصول لو دونه بشكل غير صحيح.(/12)
يقول الحافظ العراقي رحمه الله[28]: لكني اختصرته –يعني كتابه المغني عن حمل الأسفار- في غاية الاختصار، ليسهل تحصيله وحمله في الأسفار- فاقتصرت فيه على ذكر طرف الحديث وصاحبيه ومخرجه، وبيان صحته أو حسنه أو ضعف مخرجه، فإن ذلك هو المقصود الأعظم عند أبناء الآخرة، بل وعند كثير من المحدثين عند المذاكرة والمناظرة، وأبين ما ليس له أصل في كتب الأصول، والله أسأل أن ينفع به إنه خير مسؤول.
وقال الحافظ ابن حجر –رحمه الله تعالى- في التلخيص الحبير[29]: ثم رأيته –يعني شيخه ابن الملقن- لخصه –يعني كتابه البدر المنير- في مجلدة لطيفة، أخل فيها بكثير من مقاصد المطول وتنبيهاته، فرأيت تلخيصه في قدر ثلث حجمه مع الالتزام بتحصيل مقاصده، فمن الله بذلك، ثم تتبعت عليه الفوائد الزوائد من تخاريج المذكورين معه، ومن تخريج أحاديث الهداية في فقه الحنفية للإمام جمال الدين الزيلعي، لأنه ينبه فيه على ما يحتج به مخالفوه، وأرجو الله إن تم هذا التتبع أن يكون حاوياً لجل ما يستدل به الفقهاء في مصنفاتهم في الفروع، وهذا مقصد جليل.
وقال الألباني –رحمه الله[30]-: فهذا تخريج وضعته لأحاديث كتاب الحلال والحرام، للشيخ الفاضل الدكتور يوسف القرضاوي، خرجت فيه أحاديثه تخريجاً علمياً، وبينت فيه مرتبة كل حديث من صحة أو ضعف، حسبما تقتضيه قواعد علم الحديث وتراجم رجاله، ونصوص أئمته، ليكون الواقف على كتابه على بينة من حال أحاديثه، لاسيما وأكثرها في الأحكام كما هو ظاهر للعيان.
وبالجملة فيمكن القول: بأن أهمية التخريج وفائدته تكمن فيما يلي:(/13)
1- لما كانت أجزاء الشرع من العقائد والأحكام والفضائل والآداب وغيرها مبنية على الأحاديث والآثار، وهي ليست كالقرآن محفوظة في كتاب، مصونة عن الزيادة والنقصان والتحريف، بل هي مبثوثة في آلاف المصنفات، ذات المناهج المختلفة في ترتيبها وتبويبها، كان التخريج –بشقيه النظري والعملي- أقوى المطايا لتذليل هذه الصعاب، وتحقيق الطلاب.
يقول المناوي[31] شارحاً كلام السيوطي: "بمعنى اجتهدت في تهذيب عزو الأحاديث إلى مخرجيها من أئمة الحديث من الجوامع والسنن والمسانيد، فلا أعزو إلى شيء منها إلا بعد التفتيش عن حاله وحال مخرجه، ولا أكتفي بعزوه إلى من ليس من أهله وإن جل كعظماء المفسرين، قال ابن الكمال: كتب التفسير مشحونة بالأحاديث الموضوعة، (وكأكابر الفقهاء) فإن الصدر الأول من أتباع المجتهدين لم يعتنوا بضبط التخريج، تمييز الصحيح من غيره، فوقعوا في الجزم بنسبة أحاديث كثيرة إلى النبي، وفرعوا عليها كثيراً من الأحكام، مع ضعفها، بل ربما دخل عليهم الموضوع.
وبكل حال فإن جهود العلماء في التخريج، وثمرة تلك الجهود، تعتبر بحق سياجاً منيعاً حفظت به السنة النبوية، نصبوا فوقه أعلام الحق لطالبيه، ونثروا سهام الموت حوله لتمنع كل زائغ وجاهل أن يقذف شراً بساحته.(/14)
قال الخطيب البغدادي[32] -رحمه الله-: فقد جعل رب العالمين الطائفة المنصورة، حراس الدين، وصرف عنهم كيد المعاندين لتمسكهم بالشرع المتين، واقتفائهم آثار الصحابة التابعين، فشأنهم حفظ الآثار، وقطع المفاوز والقفار، وركوب البراري والبحار، في اقتباس ما شرع الرسول المصطفى، لا يعرجون عنه إلى رأي ولا هوى، قبلوا شريعته قولاً وفعلاً، وحرسوا سنته حفظاً ونقلاً، حتى ثبتوا بذلك أصلها، وكانوا أحق بها وأهلها، وكم من ملحد يروم أن يخلط بالشريعة ما ليس منها، والله تعالى يذب بأصحاب الحديث عنها، فهم الحفاظ لأركانها، والقوامون بأمرها وشأنها، إذا صدف عن الدفاع عنها فهم دونها يناضلون، أولئك حزب الله، ألا إن حزب الله هم المفلحون.
2- توثيق النصوص بعزوها إلى مصادرها الأصلية، وهذا يزيدنا طمأنينة بسلامتها، وثبوتها عن المنقولة عنه، فمن المسلمات أن متوناً كثيرة شاعت ودرجت بين الناس على اعتبارها أحاديث، وإذا هي ما بين حكمة، وجزء من بيت شعر، وفي أحيان كثيرة يتضح أنها لا هذا ولا ذاك، بل هي أحاديث مكذوبة لا أصل لها، ولم يتبين زيف تلك المتون من صحيحها إلا بالتخريج، بعد التحري والتفتيش عنها في دواوين السنة، فألفت لأجل ذلك كتب الأحاديث المشتهرة على ألسنة الناس، مثل المقاصد الحسنة للسخاوي (ت902هـ)، وكشف الخفا ومزيل الإلباس للعجلوني (ت1162هـ)، وتمييز الطيب من الخبيث لابن الدبيع الشيباني (ت944هـ).
3- بيان أيسر الطرق للوصول إلى مصدر النص في مصادره، لأن المصنفات في السنة تعد بالآلاف، والرسالة المستطرفة للكتاني (ت1345هـ) –مع أنه لم يذكر كتباً كثيرة- ذكر ما يزيد عن ألف وسبعمائة مصنف.(/15)
هذا العدد الهائل من الدواوين له مناهج مختلفة في الترتيب والتبويب، ومسالك بعضها وعر حتى على المتخصصين في الحديث، ولذا احتاجت إلى إعادة ترتيب، فمثلاً صحيح ابن حبان (ت354هـ) المسمى بـ"التقاسيم والأنواع" انبرى له ابن بلبان الفارسي (ت739هـ) فأعاد ترتيبه في كتاب سماه "الإحسان في تقريب ابن حبان" كما قام الهيثمي (ت807هـ) باستخراج زوائد معجمي الطبراني (ت360هـ) الأوسط الصغير –والذين رتبهما مؤلفهما على أسماء شيوخه، فأصبح استخراج الحديث منهما عسيراً –ورتبها- أي الزوائد- على الأبواب الفقهية، وسماه "مجمع البحرين بزوائد المعجمين".
وبهذا اتضح أن قواعد التخريج وطرقه أبانت للباحث أقرب الطرق وأيسرها للوصول إلى النص في مصادره التي أخرجته أو ذكرته، فوفرت جهداً كبيراً ووقتاً كثيراً ولله الحمد والمنة، فهذه الفهارس المرتبة للأحاديث بحسب أول اللفظ قد تصل من خلالها إلى موضع النص في دقائق وبدونها قد تحتاج إلى أيام، وقد تحتاج إلى أسابيع –من غير مبالغة كما يدرك ذلك من جرب- وربما أصابك اليأس والإحباط في أثناء البحث، فتوقفت عن المواصلة.
4- تدريب الباحث على الوصول إلى طلبه بنفسه، دون أن يكون عالة على غيره، فتصبح أسس التخريج وقواعده كالمفاتيح التي يفتح بها أبواب تلك الدواوين، ومن ثم يصل إلى موضع النص في ثناياه وزواياه مهما كانت خفية. وهذا أمر ثمرته عظيمة؛ لأن فيه تحبيباً وتقريباً للسنة لجمهور طلاب العلم، فالإنسان عدو ما جهل.
5- أنه يوفر على الباحث نفسه وكذلك على المتخصصين وقتاً كثيراً، سببه السؤال وانتظار الجواب، الذي قد يتأخر.
6- أنه يوسع القنوات التي يطلع من خلالها عموم الأمة على الأحاديث والآثار بحيث تناسب الأحوال والمستويات.
7- وأخيراً فقواعد التخريج وأسسه من أهم القواعد في تحقيق التراث وتوثيق النصوص، والدقة في ضبط المصنفات حتى تسلم من التحريف والنقص والزيادة.(/16)
فمثلاً من أصول التخريج: أنه لابد من العودة بالنص إلى مصادره الأصلية للتأكد من وجوده وسلامة لفظه.
ومن أصوله: الدقة في وصف حال الحديث سنداً ومتناً، وهل هو مسند أو منقطع؟ وهل اللفظ مماثل؟ أو أن الاتفاق في مجرد المعنى، أو هو بين ذلك.
المبحث الأول: المراحل التاريخية لعلم التخريج:
التخريج كغيره من الفنون مر بمراحل متعددة ومختلفة، فقواعده وأسسه النظرية كانت في البداية كلمات وجملاً في كتب علوم الحديث، ودواوين السنة وشروحها.
فهذا الخطيب البغدادي (ت463هـ) إمام علوم الحديث، ومحور المصنفين فيه، يبوب في كتابه الكفاية أبواباً يقول فيها:
1 - باب في جواز استثبات الحافظ ما شك فيه من كتاب غيره أو حفظه[33].
2 - باب ذكر ما يجب ضبط واحتذاء الأصل فيه وما لا يجب من ذلك[34]. وقال فيه: الواجب على من منع من الرواية على المعنى أن يقيد الكتاب ويضبطه، ويتبع فيه ألفاظ الراوي وما في أصله، إلا اللحن المحيل للمعنى، وما كان بسبيله.
ثم روى عن أبي زرعة الدمشقي أنه سمع عفان يقول: سمعت حماد بن سلمة رحمه الله يقول لأصحاب الحديث: ويحكم غيّروا – يعني قيدوا واضبطوا-. ورأيت عفّان يحض أصحاب الحديث على الضبط والتغيير، ليصححوا ما أخذوا عنه من الحديث.
وهذا القاضي عياض –رحمه الله- (ت544هـ) يقول في كتابه الإلماع[35]: وكل هذا –يعني معرفة الأحاديث النبوية –إنما يوصل إليه، ويعرف بالتطلب والرواية، والبحث والتنقير[36] عنه، والتصحيح له. ورحم الله سلفنا من الأئمة المرضيين، والأعلام السابقين، والقدوة الصالحين، من أهل الحديث وفقهائهم، قرناً بعد قرن، فلولا اهتبالهم[37]، وتوفرهم على سماعه وحمله، واحتسابهم في إذاعته ونشره، وبحثهم عن مشهوره وغريبه، وتنخيلهم لصحيحه من سقيمه، لضاعت السنن والأثار، ولاختلط الأمر والنهي، وبطل الاستنباط والاعتبار.(/17)
وقال أيضاً[38]: باب ضبط اختلاف الروايات والعمل في ذلك. هذا مما يضطر إلى اتقانه ومعرفته وتمييزه، وإلا تسودت الصحف واختلطت الروايات، ولم يحل صاحبها بطائل، وأولى ذلك أن يكون الأم[39] على رواية مختصة، ثم ما كانت من زيادة أخرى ألحقت –إلى أن قال-: ومن الصواب أن لا يتساهل الناظر في ذلك ولا يهمله، فربما احتاج –إن أفلح- إلى تخريج حديث، أو تصنيف كتاب فلا يأتي به على رواية من يسنده إليه إن لم يهتبل[40] بذلك فيكون من جملة أصناف الكاذبين.
ثم خصصوا له فصولاً وأبواباً مستقلة في كتب علوم الحديث، قال النووي –رحمه الله- (ت676هـ) في إرشاد طلاب الحقائق[41]:
فصل: وليشتغل بالتخريج والتصنيف إذا استعد لذلك، وتأهل له، فإنه كما قال الخطيب: يثبت الحفظ ويزكي القلب ويشحذ الطبع، ويكشف الملتبس، ويجيد البيان، ويحصل جميل الذكر، ويخلده إلى آخر الدهر، وقل من يمهر في علم الحديث، ويقف على غوامضه، ويستبين الخفي من فوائده، إلا من فعل ذلك.
وللعلماء في تصنيف الحديث طريقان، أجودهما: تصنيفه على الأبواب، وتخريجه على مسائل الفقه، فيذكر في كل باب ما حضره فيه.
والطريق الثاني: تصنيفه على المسانيد، فيجمع في مسند كل صحابي جميع ما عنده من حديثه صحيحه وضعيفه.
ومما يعتنون به في التصنيف جمع الشيوخ، ويجمعون التراجم والأبواب.
وبمثل هذا كتب ابن الصلاح (ت642هـ) في مقدمته[42]، والحافظ العراقي (ت806هـ) في شرحه لألفيته، والسخاوي في فتح المغيث[43] وغيرهم.
ثم أخيراً في عصرنا الحاضر أفردوا له مصنفات مستقلة.
وأول من صنف فيه –حسب علمي- هو أبو الفيض أحمد بن محمد بن الصديق الغماري في كتابه "حصول التفريج بأصول العزو والتخريج"[44]، وسيأتي ذكر أشهر هذه المصنفات في المبحث الخامس الآتي قريباً، إن شاء الله تعالى[45].
أما الممارسة العملية للتخريج، فقد تقدم أنها ظهرت مبكرة، بيد أن التخريج والإخراج مر بمراحل مختلفة ومتنوعة من أبرزها:(/18)
أ- منذ منتصف القرن الثاني بدأ المحدثون في التفتيش عن الأحاديث والآثار في الأمصار، ومن صدور الرجال، وترتيبها وإبرازها للأمة في المصنفات والأجزاء، ومن أوائل من صنف[46]: الحافظ عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي (150هـ)، وسعيد بن أبي عروبة البصري (ت156هـ)، والإمام عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي الشامي (ت157هـ)، ومحمد بن عبدالرحمن ابن أبي ذئب المدني (ت158هـ)، والإمام سفيان بن سعيد الثوري الكوفي (ت161هـ)، والإمام مالك بن أنس الأصبحي الحميري المدني (ت179هـ)، والإمام عبدالله ابن المبارك المروزي الخراساني (ت 181هـ) وغيرهم.
ثم لم ينتصف القرن الثالث حتى كثرت دواوين السنة على اختلاف ترتيبها وتبويبها، فمنها المسانيد والجوامع والسنن والمصنفات.
ب- مع نهاية القرن الثالث اتجه المصنفون في السنة إلى نهج جديد، وهو البحث والتفتيش عن طرق أخرى لأحاديث تلك المصنفات السابقة –والصحيحين منها خاصة- وذلك بغرض تعزيزها، واستكمال ما قد يظن فيها من نقص أو خلل، وكذلك وصل المعلق وكشف المبهم وبيان المهمل، فظهر ما يسمى بالمستخرجات، ومن أبرزها[47]:
1- مستخرجات على الصحيحين: كمستخرج أبي نعيم الأصبهاني (ت430هـ)، ومستخرج أبي بكر البرقاني (ت425هـ)، ومستخرج أبي علي الماسرجسي (ت365هـ)، ومستخرج أبي ذر الهروي (ت434هـ).
2- مستخرجات على صحيح البخاري: كمستخرج الإسماعيلي (ت371هـ)، ومستخرج أبي أحمد محمد بن أبي حامد الغطريفي (ت377هـ)، ومستخرج أبي عبدالله محمد بن أبي العباس بن أبي ذهل الهروي (ت378هـ)، ومستخرج أبي بكر بن مردويه الأصبهاني (ت416هـ).(/19)
3- مستخرجات على صحيح مسلم: كمستخرج أبي عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفراييني (ت316هـ)، ومستخرج أبي بكر محمد بن محمد النيسابوري الإسفراييني (ت286هـ)، ومستخرج أبي الفضل أحمد ابن سلمة النيسابوري البزار (ت286هـ)، وغيرها كثير، فقد ذكر الكتاني في الرسالة المستطرفة اثني عشر مستخرجاًَ، كلها على صحيح مسلم.
4- مستخرجات على السنن: كمستخرج قاسم بن أصبغ القرطبي (ت340هـ)، على أبي داود، ومستخرج أبي بكر بن منجويه (ت428هـ) على الترمذي. وهناك أيضاً مستخرج أبي نعيم على التوحيد لابن خزيمة، ومستخرج العراقي على المستدرك.
جـ- مع مطلع القرن الخامس بدأت المرحلة الثالثة والأخيرة من التخريج، وذلك ببزوغ التخريج واشتهاره بمعنى العزو والدلالة على موضع الحديث في مصادره الأصلية، ومن أوائل من اشتهر عنه هذا الاستعمال –فيما أعلم- الإمام البيهقي –رحمه الله- (ت458هـ)[48]، وتبعه على ذلك الإمام البغوي –رحمه الله- (ت516هـ) كما في كتابه (شرح السنة)، والإمام ابن الجوزي (ت597هـ) كما في كتابه "ذم الهوى"[49]، ومع ذلك فقد مر التخريج –حسب هذا الاصطلاح- بمراحل حصل له فيها تنوع حسب حاجة الناس، والمستوى العلمي عامة، ومعرفتهم بالسنة خاصة، ويمكن أن أجمل هذه المراحل فيما يلي:(/20)
1- مرحلة عزو الحديث إلى مصدره فقط دون تحديد الموضع التفصيلي فيه وذلك بالعزو مثلاً إلى الصحيحين أو السنن أو غيرها. مثال ذلك قول الإمام البيهقي في سننه[50] عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب لبناً فمضمض، وقال: إن له دسماً "رواه البخاري في الصحيح عن أبي عاصم، ورواه مسلم من وجه آخر عن الأوزاعي. وقال أيضاً عن حديث عمر رضي الله عنه في أمر النبي صلى الله عليه وسلم بغسل يوم الجمعة[51]، وهكذا حديث أرسله مالك بن أنس في الموطأ، فلم يذكر عبد الله بن عمر في إسناده، ووصله خارج الموطأ، والموصول صحيح. وكذلك فعل البغوي –رحمه الله- في شرح السنة[52]، فقال عن حديث أبي قتادة السلمي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس" هذا حديث متفق على صحته، أخرجه محمد –يعني البخاري- عن عبد الله بن يوسف، وأخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى، وقتيبة، كلهم عن مالك. وقال أيضاً[53] عن حديث كعب بن عجرة في النهي عن تشبيك اليدين عند الخروج إلى الصلاة: رواه أبو عيسى –يعني الترمذي- عن قتيبة عن الليث عن ابن عجلان عن سعيد المقبري، عن رجل عن كعب.
2- مرحلة عزو الحديث إلى مصدره، وإلى موضوع عام فيه كالصلاة والزكاة والصيام مثلاً مع تحديد الموضوع الخاص –أحياناً-، وممن صنع ذلك الإمام المزي في مثل كتابه "تحفة الأشراف"، فمثلاً يسوق حديث ابن عباس رضي الله عنهما": بت عند خالتي ميمونة فتحدث النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعة ثم رقد. الحديث[54]، عزاه إلى: البخاري في التفسير، وفي الأدب، وفي التوحيد، عن سعيد بن أبي مريم، عن محمد بن جعفر، عن شريك عن كريب عنه، وإلى مسلم في الصلاة، عن أبي بكر بن إسحاق الصغاني، عن ابن أبي مريم، عن شريك، عن كريب، عنه رضي الله عنه.(/21)
وهكذا يفعل الإمام الزيلعي –رحمه الله- في "نصب الراية" فتراه مثلاً يورد حديث النهي الوارد عن الانتفاع من الميتة بإهاب. [55]. ويقول: رواه أصحاب السنن الأربعة من حديث الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن عبد الله بن عكيم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كتب إلى جهينة قبل موته بشهر: أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب"، انتهى. أخرجه النسائي في الذبائح، والباقون في اللباس، وقال الترمذي: حديث حسن.
3- مرحلة العزو إلى المصدر وإلى الكتاب والباب إن كان مبوباً، وزادوا على ذلك -ومن باب التيسير والدقة- فصاروا يذكرون الجزء والصفحة ورقم الحديث، وهذا إن شاء الله من مزيد خدمة السنة وتقريبها لعموم الأمة وهذه المرحلة ظهرت حديثاً، وقلما تجد كتاباً مخرجاً في العصر الحاضر -خصوصاً إذا كان تخريجه موسعاً أو متوسطاً- إلا وكان كذلك، فلله الحمد والمنة.
والمتأمل لهذه الأطوار التي حصلت لفن التخريج والمراحل التي مر بها، يدرك أن هناك أسباباًَ متعددة ساعدت في حصول هذا التغير، ويمكن إجمال هذه الأسباب فيما يلي:
أ- الضعف العلمي الذي أصاب الأمة في الفنون عموماً وفي علم الحديث خصوصاً، وأصبح هذا الضعف يزداد كلما ابتعدنا عن العهد النبوي وطالت الأسانيد، وتعددت الطرق وكثرت المصنفات، وتفرقت واختلفت مناهجها، فكان الأمر في البداية لا يحتاج إلا إلى ذكر متن الحديث أو طرفه، ثم يعرف السامع كيف يصل إلى إسناده وطرقه، وغالباً ما يستطيع الحكم عليه، ثم احتاج الناس إلى تحديد المصدر الذي أخرج فيه هذا الحديث كالصحيحين والسنن مثلاً، وحينئذ يستطيع السامع الوصول إليه داخل المصدر بيسر وسهولة؛ نظراً لقوة المعرفة بمناهج هذه المصنفات وطرق ترتيبها، وقد رأينا آنفاً كيف كان العزو في مرحلته الأولى إلى المصدر وحسب، كما صنع البيهقي والبغوي وغيرهما.(/22)
ثم فتر العزم وضعفت الهمم، فأحتاج الناس إلى تحديد أدق ومزيد تفصيل في العزو، حتى تضيق دائرة البحث والتفتيش والتحري، فاعتنى المخرجون بذكر عنوان الكتاب والباب، ثم تزايدت الحاجة حتى زادوا على ذلك بذكر الجزء والصفحة ورقم الحديث.
ب- التيسير على الأمة باختصار الطرق الموصلة إلى مواضع النصوص في دواوين السنة، حتى يتم توفير الوقت والجهد، ويصرف في مصالح أخرى.
جـ- الاستفادة من تجارب الآخرين في كيفية ضبط النصوص، والتعامل معها، والوصول إليها.
المبحث الثاني: أنواع التخريج:
ينقسم التخريج –إجمالا- إلى ثلاثة أنواع هي:
1- التخريج المختصر.
2- التخريج المتوسط.
3- التخريج الموسع.
يقول الحافظ العراقي –رحمه الله- في افتتاحية تخريجه لكتاب إحياء علوم الدين[56]: فلما وفق الله تعالى لإكمال الكلام على أحاديث "إحياء علوم الدين" في سنة إحدى وخمسين[57]، تعذر الوقوف على بعض أحاديث فأخرت تبييضه إلى سنة ستين، فظفرت بكثير مما عزب عني علمه، ثم شرعت في تبييضه في مصنف متوسط حجمه، وأنا مع ذلك متباطئ في إكماله، غير متعرض لتركه وإهماله، إلى أن ظفرت بأكثر ما كنت لم أقف عليه، وتكرر السؤال من جماعة في إكماله، فأجبت وبادرت إليه، ولكني اختصرته في غاية الاختصار؛ ليسهل تحصيله وحمله في الأسفار، فاقتصرت فيه على ذكر طرف الحديث وصحابيه ومخرجه، وبيان صحته أو حسنه، أو ضعف مخرجه، فإن ذلك هو المقصود الأعظم عند أبناء الآخرة، بل وعند كثير من المحدثين عند المذاكرة والمناظرة، وأبين ما ليس له أصل في كتب الأصول، والله أسأل أن ينفع به إنه خير مسؤول.
فإن كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما اكتفيت بعزوه إليه، وإلا عزوته إلى من خرجه من بقية الستة، وحيث كان في أحد الستة لم أعزه إلى غيرها إلا لغرض صحيح، بأن يكون في كتاب التزم مخرجه الصحة، أو يكون أقرب إلى لفظه في الإحياء.(/23)
والعلامة ابن الملقن جمع الأنواع الثلاثة في تخريجه لكتاب واحد وهو "الشرح الكبير". فخرجه تخريجاً موسعاً في البدر المنير، ثم اختصره في تخريج متوسط في خلاصة البدر المنير "ثم اختصره في تخريج مختصر في مختصر البدر المنير".
وقال العلامة الألباني-رحمه الله- في مطلع كتابه "إرواء الغليل"[58]: قد كنت فرغت من تخريجي منذ أكثر من خمسة عشر عاماً، ولذلك جريت على الإحالة عليه في تخريج بعض الأحاديث في كثير من مؤلفاتي المطبوعة منها والمخطوطة، سواء ما كانت قد سلكت في تخريجه مسلك البسط أو التوسط أو الإيجاز، أو الاكتفاء بذكر مرتبة الحديث فقط، مثل "الأحاديث الصحيحة" "والأحاديث الضعيفة". ويقول أيضاً –رحمه الله- في مقدمة كتابه "ضعيف الجامع الصغير[59]: وقد رأيت أن يكون تحقيقي للكتاب بأوجز طريق، وذلك بأني كتبت تحت كل حديث مرتبته من الصحة والضعف، وجعلتها خمس مراتب: صحيح، حسن، ضعيف، ضعيف جداً، موضوع، وذيلت المرتبة بذكر المصدر الذي حققت فيه الكلام على الحديث، ونقلت منه المرتبة، والكلام المشار إليه قد يكون مبسوطاً، وقد يكون مختصراً، حسب المصدر الذي حقق الحديث، فقد يكون من كتبنا في "التخريج" التي تقبل إطالة النفس فيه، مثل "السلسلتين" و"إرواء الغليل" و"تخريج أحاديث الحلال والحرام"، وقد يكون تعليقاً أو نحوه، مما لا يتسع المجال لإطالة التخريج فيه، مثل تخريج "مشكاة المصابيح"، و "تخريج العقيدة الطحاوية"، وتخريج الكلم الطيب"، وغيرها، والمهم أن مصدر عزوت الحديث إليه من تأليفي، فلا يكون الحديث فيه قد صحح أو ضعف إلا بعد دراسة إسناده، وتحقيق القول فيه بفضل الله ورحمته.
وإجمالاً يمكن وصف أنواع التخريج بما يلي:(/24)
1- المختصر: ويقتصر فيه على ذكر المصدر الذي خرج الحديث فقط كما يصنع البيهقي والبغوي والعراقي –كما سلف قريباً- والنووي في كثير من كتبه كرياض الصالحين والأذكر والأربعين، وكثير من كتب أحاديث الأحكام كالمنتقى للمجد ابن تيمية (652هـ)، وعمدة الأحكام لعبد الغني المقدسي (ت600هـ)، والمحرر لابن عبد الهادي (ت744هـ)، وبلوغ المرام للحافظ ابن حجر (ت852هـ)، وغيرها، وكذلك مثل كتاب الجامع الصغير للسيوطي (ت911هـ)، وكنز العمال للبرهان فوري (975هـ).
2- التخريج الموسع: ويذكر غالباً مع اسم المصدر الموضع التفصيلي بداخله، وإسناد الحديث، كما يوصف المتن بأوصافه المختصرة التي اصطلح عليها المحدثون- وسيأتي بيانها في المبحث الرابع الآتي قريباً –بإذن الله-[60]، وأيضاً يتوسع في سياق طرق الحديث وبيان موطن اتفاقها وافتراقها، ويتم بتوسع تتبع المصادر التي أخرجته وإن نزلت، ومن أمثلة الكتب التي جاء التخريج فيها موسعاً:
• تحفة الأشراف للحافظ المزي.
• نصب الرابة للإمام الزيلعي.
• تخريج الأذكار للحافظ ابن حجر.
• إرواء الغليل، والسلسلتين: الصحيحة والضعيفة، للعلامة الألباني، وغير ذلك كثير.
ولنأخذ على ذلك مثالاً واحداً لحديث مخرج في مصدرين من هذه المصادر المذكورة، وهو حديث صفوان ابن عسال رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كان سفراً أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليها إلا عن جنابة، ولكن من بول أو غائط أو نوم.
فقد أورده الإمام الزيلعي في نصب الراية[61]، وقال: رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث عاصم ابن أبي النجود عن زر بن حبيش، عن صفوان، وهو بكماله يتضمن قصة المسح والعلم والتوبة والهوى. أما الترمذي فرواه في كتاب "الدعوات" في باب التوبة والاستغفار"، من حديث سفيان وحماد بن زيد، كلاهما عن عاصم، عن زر بن حبيش، وذكر الزيلعي الحديث بطوله.(/25)
قال الترمذي: حديث حسن صحيح، ورواه في "الطهارة" من حديث أبي الأحوص عن عاصم به، بقصة المسح فقط، وقال: حديث حسن صحيح.
ورواه النسائي في سننه في "باب الوضوء من الغائط" من حديث سفيان الثوري، وسفيان بن عيينه، ومالك بن مغول، وزهير، وأبي بكر بن عياش، وشعبة، كلهم عن عاصم به، بقصة المسح فقط.
وأخرجه ابن ماجه في "الطهارة" في "باب الوضوء من النوم" عن سفيان عن عاصم به، بقصة المسح، وفي "الفتن" عن إسرائيل عن عاصم به، بقصة التوبة، وفي "اعلم"، عن معمر عن عاصم به، بقصة العلم.
ورواه ابن حبان في صحيحه في "النوع الحادي والسبعين"، من القسم الأول من حديث سفيان عن عاصم به، بتمامه.
ورواه ابن خزيمة في صحيحه من حديث معمر عن عاصم به، بقصة المسح، والتوبة.
قال الشيخ تقي الدين في "الإمام": ذكر أنه رواه عن عاصم أكثر من ثلاثين من الأئمة، وهو مشهور من حديث عاصم، لكن الطبراني رواه من حديث عبد الكريم ابن أبي المخارق، عن حبيب بن أبي ثابت، عن زر، وهذه متابعة غريبة لعاصم عن زر، إلا أن عبد الكريم ضعيف.
انتهى كلام الزيلعي.
وأورده العلامة الألباني في إرواء الغليل[62]، وقال: حسن أخرجه، -كما قال المؤلف: -أحمد (4/239،240)، والنسائي (1/32)، والترمذي (1/160،159)، وكذا ابن ماجه (176)، والشافعي (1/33)، والدارقطني (72)، والطحاوي (1/49)، والطبراني في الصغير (ص50)، والبيهقي (1/114 و118 و276 و282 و289) من طرق كثيرة عن عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش، عنه وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، قال محمد بن إسماعيل (يعني البخاري): هو أحسن شيء في هذا الباب.(/26)
قلت: وأخرجه ابن خزيمة أيضاً وابن حبان في صحيحيهما". كما في "نصب الراية" (182 -183)، والحديث إنما سنده حسن عندي، لأن عاصماً هذا في حفظه ضعف لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن، نعم قد تابعه طلحة ابن مصرف عند الطبراني في "الصغير" (ص39)، وطلحة ثقة، إلا أن الراوي عنه أبا جناب الكلبي مدلس، وقد عنعنه، وكذلك تابعه حبيب بن أبي ثابت عند الطبراني كما ذكره الزيلعي –ولعله في "الكبير"، ولكن الراوي عنه عبد الكريم بن أبي المخارق ضعيف.
وخالفه المنهال بن عمرو فقال: عن زر بن جحش الأسدي عن عبد الله بن مسعود قال: كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء رجل من مراد يقال له صفوان بن عسال فقال: يا رسول الله إني أسافر بين مكة والمدينة فأفتني عن المسح على الخفين، فقال: فذكره بدون استثناء.
قلت: فجعله من مسند ابن مسعود وهو شاذ، وفي الطريق إلى المنهال الصعق بن حزن وهو صدوق يهم كما قال الحافظ.
وللحديث طريق آخر من رواية أبي روق عطية بن الحارث قال: ثنا أبو الغريف عبد الله بن خليفة، عن صفوان بن عسال، دون الاستثناء أيضاًَ.
أخرجه أحمد، والطحاوي، والبيهقي، وسنده ضعيف، أبو الغريف هذا قال أبو حاتم "ليس بالمشهور" وقد تكلموا فيه، وهو شيخ من نظراء أصبغ بن نباتة كما في" الجرح" (ج2/2/313) وأصبغ عنده لين الحديث.
انتهى كلام الألباني.(/27)
3- التخريج المتوسط: وهو عبارة عن التخريج المختصر، مع إضافة بعض الجوانب المذكورة في التخريج الموسع، فأحياناً يذكر فيه عنوان الكتاب والباب داخل المصدر، وأحياناً يوصف المتن، وأحياناً يتوسع في العزو إلى المصادر حتى تبلغ غير المشهورة، وكذلك المصادر المتأخرة والنازلة، ومن أمثلة ذلك كتاب الدراية في تخريج أحاديث الهداية للحافظ ابن حجر، وخلاصة البدر المنير لابن الملقن، وكثير من تخريجات الشيخين عبد القادر وشعيب الأرناؤوط –أثابهما الله- كتخريجهما لزاد المعاد، وتخريج الأول لجامع الأصول، وتخريج الثاني لشرح السنة.
المبحث الثالث: تصور إجمالي للتخريج:
من يقوم بتخريج الحديث غالباً ما يستعين بإحدى طريقتين هما:
1- تخريج الحديث بالنظر إلى إسناده: سواء كان بصفة من صفاته كالمرسل والمسلسل والمعلق، أو بأحد رواته الأعلى كالصحابي، أو الأدنى كشيخ المؤلف، أو من بينهما، أو نحو ذلك.
2- تخريج الحديث بالنظر إلى متنه –لفظه أو معناه-:
سواء كان بداية اللفظ، أو تصاريف الكلمات التي يتكون منها المتن أو موضوعه ومعناه وحينئذِِ لابد عند التخريج من النظر إلى الموضوع والمعنى، من فهم معنى الحديث، ودلالته وفي أي موضوع هو.
ولا يمكن القول بأن إحدى هاتين الطريقتين هي الأسهل على الإطلاق؛ لأن هناك أحوالاً وصفات تتعلق بالمخرج –بكسر الراء المشددة-، أو المخرج –بفتح الراء المشددة، أي الحديث-، أو توافر المصادر التي سيتم التخريج منها.
فمعرفة الباحث بمعنى الحديث ومدلوله، مع المعرفة بمناهج كتب السنة وطرق ترتيبها قد يجعل الوصول إلى موضع الحديث بهذه الطريقة أسهل من غيرها، خصوصاً عند الجهل براوي الحديث، أو عدم التأكد من لفظه. كما أن انضباط لفظ الحديث، وخصوصاً أوله، وقد يجعل الكشف عن موضع الحديث سهلاً جداً، سيما بالنسبة لغير المتخصصين في السنة، والذين اعتادوا طريقة الفهرسة والمعاجم.(/28)
وأحياناً تكون المعرفة براوي الحديث هي أقصر الطرق في الوصول إلى موضع الحديث، فمثلاً" لو كان عندنا حديث للطبراني في معجمه الصغير بكامل إسناده، فيصبح الكشف عن موضعه بواسطة شيخ الطبراني من أيسر السبل وأسرعها، ولو كان عندنا حديث قتادة بن ملحان رضي الله عنه أنه قال" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نصوم البيض. الحديث[63]، ونريد أن نعرف من أخرجه من أصحاب الكتب الستة[64]، سنجد أن ذلك يتم بسهولة وسرعة من خلال هذا الصحابي حين ننظر في كتاب تحفة الأشراف.
كما أن توافر المصادر التي تخدم طريقة ما تجعلها الأفضل والأيسر للباحث، كوفرة الفهارس مثلاً.
لكن في الجملة، وإذا توافرت الأسباب وزالت الموانع، فالغالب أن التخريج بالنظر إلى أول لفظ الحديث يبقى أسرع الطرق على الإطلاق، ثم يأتي بعد تخريجه عن طريق الراوي، ثم أخيراً عن طريق الموضوع والمعنى.
ولابد من التنبيه هنا أن طول الممارسة لهذا الفن يكون لدى الإنسان ملكة وحذقاً، يجعله يتخطى الصعاب، ويطوي الوهاد، ويكشف لك عما في بطون الكتب والدواوين بشكل يثير الإعجاب، وهذا واضح ظاهر في مصنفات الراسخين في هذا الفن، تماماً كما هو الحال عند أصحاب الباع الطويل في كل فن ومهنة، ومن نظر في كتب الحافظ ابن حجر والسيوطي والألباني رأى كيف غاصوا في بحار تلك المخطوطات العميقة، فاستخرجوا للأمة درراً كانت لا ترى وسط الأعماق، ولا يعلم بها الخاص فضلاًَ عن العام، وما كان الوصول إليها سهلاً لولا توفيق الله ثم تلك المعرفة الواسعة التي أنعم الله بها عليهم.
لنأخذ أمثلة على ذلك:(/29)
أولاً: مثال من تخريج الحافظ ابن حجر، حيث عقب على روايات الإمام البخاري لحديث "من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" بقوله[65]. والبخاري –رحمه الله- أخرجه من حديث علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وأنس بن مالك، وسلمة بن الأكوع، وأبي هريرة، رضي الله عنهم أجمعين، ثم قال الحافظ معلقاً على ذلك:
وقد أخرج البخاري حديث "من كذب عليّ"، أيضاًَ من حديث المغيرة وهو في الجنائز، ومن حديث عبد الله ابن عمرو بن العاص، وهو في أخبار بني إسرائيل، ومن حديث وائلة بن الأسقع، وهو في مناقب قريش، لكن ليس هو بلفظ الوعيد بالنار صريحاً. واتفق مسلم معه على تخريج حديث علي وأنس وأبي هريرة والمغيرة، وأخرجه مسلم من حديث أبي سعيد أيضاً، وصح أيضاً في غير الصحيحين من حديث عثمان بن عفان وابن مسعود وابن عمر وأبي قتادة وجابر وزيد بن الأرقم وورد بأسانيد حسان من حديث طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد وأبي عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص ومعاذ بن جبل، وعقبة بن عامر، وعمران بن حصين وابن عباس وسلمان الفارسي، ومعاوية بن أبي سفيان ورافع بن خديج، وطارق الأشجعي، والسائب بن يزيد وخالد بن عرفطة وأبي أمامة وأبي قرصافة وأبي موسى الغافقي وعائشة، فهؤلاء ثلاثة وثلاثون نفساً من الصحابة، وورد أيضاًَ عن نحو من خمسين غيرهم بأسانيد ضعيفة، وعن نحو من عشرين آخرين بأسانيد ساقطة.(/30)
وقد اعتنى جماعة من الحفاظ بجمع طرقه، فأول من وقفت على كلامه في ذلك علي بن المديني، وتبعه يعقوب بن شيبة فقال: روي هذا الحديث من عشرين وجههاً عن الصحابة من الحجازيين وغيرهم، ثم إبراهيم الحربي وأبو بكر البزار فقال كل منهما: إنه ورد من حديث أربعين من الصحابة، وجمع طرقه في ذلك العصر أبو محمد يحيى ابن محمد بن صاعد فزاد قليلاً، وقال أبو بكر الصيرفي شارح رسالة الشافعي: رواه ستون نفساً من الصحابة، وجمع طرقه الطبراني فزاد قليلاً، وقال أبو القاسم بن مندة: رواه أكثر من ثمانين نفساً، وقد خرجها بعض النيسابوريين فزادت قليلاً، وقد جمع طرقه ابن الجوزي في مقدمة كتاب "الموضوعات" فجاوز التسعين، وبذلك جزم ابن دحية، وقال أبو موسى المديني: يرويه نحو مائة من الصحابة، وقد جمعها بعده الحافظان يوسف بن خليل وأبو علي البكري، وهما متعاصران فوقع لكل منهما ما ليس عند الآخر، وتحصل من مجموع ذلك كله رواية مائة من الصحابة على ما فصلته من صحيح وحسن وضعيف وساقط، مع أن فيها ما هو في مطلق ذم الكذب عليه من غير تقييد بهذا الوعيد الخاص. ونقل النووي أنه جاء عن مائتين من الصحابة، ولأجل كثرة طرقه أطلق عليه جماعة أنه متواتر، ونازع بعض مشايخنا في ذلك قال: لأن شرط التواتر استواء طرفيه وما بينهما في الكثرة، وليست موجودة في كل طريق منها بمفردها. وأجيب بأن المراد بإطلاق كونه متواتراً رواية المجموع عن المجموع من ابتدائه إلى انتهائه في كل عصر، وهذا كاف في إفادة العلم. وأيضاً فطريق أنس وحدها قد رواها عنه العدد الكثير وتواترت عنهم. نعم وحديث علي رواه عنه ستة من مشاهير التابعين وثقاتهم، وكذا حديث ابن مسعود وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو، فلو قيل في كل منها إنه متواتر عن صحابيه لكان صحيحاً، فإن العدد المعين لا يشترط في المتواتر، بل ما أفاد العلم كفى، والصفات العلية في الرواة تقوم مقام العدد أو تزيد عليه كما قررته في نكت علوم الحديث(/31)
وفي شرح نخبة الفكر، وبينت هناك الرد على من ادعى أن مثال المتواتر لا يوجد إلا في هذا الحديث، وبينت أن أمثلته كثيرة: منها حديث "من بنى لله مسجداً"، والمسح على الخفين، ورفع اليدين، والشفاعة، والحوض، ورؤية الله في الآخرة و"الأئمة من قريش" وغير ذلك، والله المستعان.
وأما ما نقله البيهقي عن الحاكم ووافقه أنه جاء من رواية العشرة المشهورة، قال: وليس في الدنيا حديث أجمع العشرة على روايته غيره. فقد تعقبه غير واحد، لكن الطرق عنهم موجودة فيما جمعه ابن الجوزي ومن بعده، والثابت منها ما قدمت ذكره. فمن الصحاح: علي والزبير، ومن الحسان: طلحة وسعد وسعيد وأبو عبيدة، ومن الضعيف المتماسك: طريق عثمان، وبقيتها ضعيف وساقط.
ثانياً: مثال من تخريج الإمام السيوطي، حيث ذكر في كتابه الجامع الصغير[66] أيضاً حديث "من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" وعزاه إلى الإمام أحمد والشيخين والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أنس رضي الله عنه.
والإمام أحمد والبخاري وأبي داود والنسائي وابن ماجه عن الزبير رضي الله عنه.
ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.
والترمذي عن علي رضي الله عنه.
والإمام أحمد وابن ماجه عن جابر وعن أبي سعيد رضي الله عنهما.
والترمذي وابن ماجه عن ابن مسعود رضي الله عنه.
والإمام أحمد والحاكم عن خالد بن عرفطة وعن زيد ابن أرقم رضي الله عنهما.
والإمام أحمد عن سلمة بن الأكوع، وعن عقبة بن عامر، وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما.
والطبراني في الكبير عن: السائب بن يزيد وعن سلمان بن خالد الخزاعي، وعن صهيب وعن طارق بن أشيم وعن طلحة بن عبيدالله، وعن ابن عباس وعن ابن عمر وعتبة بن غزوان، وعن العرس بن عميرة، وعن عمار ابن ياسر، وعن عمران بن حصين، وعن عمرو بن حريث، وعن عمرو بن عبسة، وعن عمرو بن مرة الجهني، وعن المغيرة بن شعبة وعن يعلى بن مرة، وعن أبي عبيدة بن الجراح، وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنهم.(/32)
والطبراني في الأوسط عن البراء، وعن معاذ ابن جبل، وعن نبيط بن شريط، وعن أبي ميمون رضي الله عنهم.
والدار قطني في الأفراد عن أبي رمثة، وعن ابن الزبير، وعن أبي رافع، وعن أم أيمن رضي الله عنهم.
والخطيب في تاريخه عن سلمان الفارسي، وعن أبي أمامة رضي الله عنهما.
وابن عساكر في تاريخه عن رافع بن خديج، وعن يزيد بن أسد، وعن عائشة رضي الله عنهم.
وابن صاعد في طرقه عن أبي بكر الصديق، وعن عمر بن الخطاب، وعن سعد بن أبي وقاص، وعن حذيفة ابن أسيد، وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهم.
وأبي مسعود بن الفرات في جزئه عن عثمان بن عفان رضي الله عنه.
والبزار عن سعيد بن زيد رضي الله عنه.
وابن عدي في الكامل عن أسامة بن زيد وعن بريدة وعن سفين وعن أبي قتادة رضي الله عنهم.
وأبي نعيم في المعرفة عن جندع بن عمرو، وعن سعد بن المدحاس، وعن عبد الله بن زغب بن قانع عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهم.
والحاكم في المدخل عن عفان بن حبيب رضي الله عنه.
والعقيلي في الضعفاء عن غزوان وعن أبي كبشة رضي الله عنهما.
وابن الجوزي في مقدمة الموضوعات عن أبي ذر وعن أبي موسى الغافقي، رضي الله عنهما.
ثالثاً: مثالان لتخريج العلامة الألباني، أحدهما من السلسلة الصحيحة[67] حيث ذكر حديث "لو كان بعدي نبي لكان عمر" وقال: رواه الترمذي (2/293) وحسنه، والحاكم (3/85) وصححه، وأحمد (4/154)، والروياني في مسنده (50/1)، والطبراني في المنتقى من حديثه (4/7/2)، وأبو بكر القطيعي في "الفوائد المنتقاة" (4/7/2)، والخطيب في الموضح (2/226)، وابن عساكر (2/210/2)، عن ابن عبد الرحمن المقرئ، نا حيوة عن بكر بن عمرو، عن مشرح بن هاعان، عن عقبة ابن عامر-مرفوعاً-.
ثم رواه النجاد من طريق ابن لهيعة عن مشرح به.(/33)
والثاني: من السلسلة الضعيفة[68] حيث ذكر حديث "ما أكرم شاب شيخاً لسنه إلا قيض الله له من يكرمه عند سنه"، وقال: منكر. رواه الترمذي (3/152) وأبو بكر الشافعي في "الرباعيات" (1/106/1-2) والعقيلي (455)، وأبو الحسن النعالي في "جزء من حديثه" (124/125)، وابن بشران في "الأمالي" (18/6/1، 22/60/1) والقطيعي في "جزء الألف دينار" (35/1)، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2/185)، وزاهر الشحامي في "السباعيات" (ج/7/12/2)، وأبو بكر بن النقور في "الفوائد" (1/149/1)، وابن شاذان في "المشيخة الصغرى" (53/2) والخطيب في "الفقيه والمتفقه" (277/1) وعبد الله العثماني الديباجي في "الأمالي" (1/56/1)، وابن عساكر في تاريخه (14/249/2)، والضياء المقدسي في "المنتقى من مسموعاته بمرو" (33/1) كل هؤلاء أخرجوه عن يزيد بن بيان المعلم عن أبي الرحال عن أنس مرفوعاً. وقال الترمذي: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث هذا الشيخ: يزيد بن بيان.
فتأمل هذا الجهد العظيم في تخريج حديث واحد يقع ضمن ألاف الأحاديث التي خرجها كل واحد منهم، وكذلك الإسهاب والتوسع في جمع طرقه ومخارجه، ولا يقل عن ذلك أهمية تلك المصادر والتي لا يزال أكثرها –حتى في عهد الطباعة- خطياًَ، صعب الترتيب -كالفوائد-، ردئ الخط، نادر الوجود مغموراًَ غير مشهور فلا يخطر على الذهن غالباً عند البحث.
بيد أنه مع الممارسة العملية للتخريج والتي تنمي الملكة، فهناك عوامل تساعد أيضاً في تنمية المعرفة والحذق لهذا الفن، ومن أهم هذه العوامل:-
1- معرفة أصول التخريج وقواعده من خلال المصنفات المتخصصة في ذلك، والتي سيأتي ذكر بعضها في المبحث الخامس[69] بإذن الله تعالى.
2- المطالعة في كتب التخريج كنصب الراية، والدراية، والتلخيص الحبير، وإرواء الغليل، وغيرها.(/34)
3- المعرفة الإجمالية بمناهج الأئمة في مصنفاتهم، وطريقة ترتيبها لأن المسانيد تختلف عن الجوامع، وكتب التراجم تختلف عن كتب الغريب، وهكذا.
4- التلقي عن أرباب هذا العلم والمتخصصين فيه، وسؤالهم عما أشكل فيه.
المبحث الرابع: أقسام المصادر التي يخرج منها:
لا خلاف أن في كل فن من الفنون مصادر أصلية وأخرى غير أصلية، وهذه الأخيرة يطلق عليها أحياناً: مصادر فرعية، أو وسيطة.
إلا أن الخلاف في ضابط كل نوع والفرق بينهما في الفنون عموماً لا يعنينا، والذي يعنينا هنا هي مصادر السنة، وما هي المصادر الأصلية وغير الأصلية للأحاديث والآثار، لأنه يترتب على ذلك أمور كثيرة من أبرزها:
1- صيغة العزو إليها.
2- متى يصح التخريج من غير المصادر الأصلية؟
3- وصف المتن والإسناد.
4- أهمية توثيق النص من المصادر الأصلية.
وعليه،فقد اختلف في تحديد المصدر الأصلي من غير الأصلي من المصادر التي توجد فيها الأحاديث والآثار، فقيل:
المصادر الأصلية هي: كتب السنة القديمة التي جمعت الأحاديث مسندة من مؤلفيها إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو الصحابة أو من دونهم، مثل الصحاح والسنن والمسانيد وغيرها، ويلحق بها الكتب التابعة لها كجامع الأصول وتحفة الأشراف، ومختصر البخاري ومختصر مسلم وغيرها، وكتب الفنون الأخرى كالعقيدة والتفسير والفقه إذا كانت الأحاديث فيها مسندة من مؤلفيها.
وغير أصلية: ما سوى ذلك، ككتب الأحاديث المتأخرة التي جمعت الأحاديث في موضوع معين كأحاديث الأحكام والترغيب والترهيب، أو كتب الفنون الأخرى التي لا تسند الأحاديث كتفسير ابن كثير (ت 774هـ)، ومجموع النووي، والكامل في التاريخ لابن الأثير (ت630هـ) [70].
وقيل: المصادر الأصلية، هي التي تكون مصدراً أولياً للمعلومة، فلا تستقي ما دتها من غيرها، وغير الأصلية هي التي تنقل مادتها من غيرها[71].(/35)
ولكن الذي يظهر أن أرجح الأقوال، وأليقها بالحال –وهذا واضح لمن نظر في كتب الأئمة وتطبيقهم العملي والاصطلاحات الحديثية التي استخدموها – أن المراد بالمصادر الأصلية هي المصنفات التي يسند فيها مؤلفوها الأحاديث والآثار بأسانيدهم إلى من أسند الحديث والأثر إليه، سواء كان كتاباً للأحاديث خاصة كالصحاح والمسانيد والسنن والمصنفات والأجزاء وغيرها، أو كانت من كتب علوم الحديث كالعلل لابن أبي حاتم (ت327هـ)، والعلل للدارقطني (ت385هـ)، ومعرفة علوم الحديث للحاكم (ت405هـ)، أو كانت من كتب التراجم كالتاريخ الكبير والأوسط والصغير وكلها للبخاري (ت256هـ)، والكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي (ت365هـ)، والضعفاء الكبير للعقيلي (ت323هـ).
أو كان في الفنون الأخرى كالعقيدة، مثل كتاب السنة للإمام أحمد (ت241هـ)، والإيمان لابن أبي شيبة (ت234هـ)، وكتاب التوحيد لابن خزيمة (ت311هـ).
أو في التفسير كتفسير بقي بن مخلد الأندلسي القرطبي[72] (ت276هـ)، وجامع البيان للطبري (ت310هـ)، وتفسير ابن أبي حاتم، وتفسير أبي بكر بن مردويه (ت416هـ).
أو في الفقه كالمدونة للإمام مالك (ت179هـ)، أو الأم للشافعي (ت204هـ)، أو الحجة على أهل المدينة لمحمد بن الحسن الشيباني –صاحب أبي حنيفة- (ت189هـ).
أو في التاريخ والسير، كالسيرة النبوية لابن إسحاق (ت151هـ)، أو عيون الأخبار لابن قتيبة (ت276هـ)، أو تاريخ الأمم والملوك لابن جرير الطبري.
أو في اللغة وغريب الحديث، كغريب الحديث لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي (ت224هـ)، أو غريب الحديث لإبراهيم الحربي (ت285هـ)، أو غريب الحديث للخطابي (ت388هـ).
أو غيرها من الفنون المختلفة، ما دام أنها قد أسندت الأحاديث من مؤلفيها إلى من أسند الحديث إليهم.(/36)
والمصادر غير الأصلية هي ما سوى ذلك، بمعنى أنها تذكر الأحاديث بلا أسانيد، أو بأسانيد، لكن منقولة من مصادر سابقة كما يفعل ابن كثير في تفسيره، وفي البداية والنهاية، وغالب كتب السنة المتأخرة هي مصادر غير أصلية، لأنها تنقل الأحاديث وتجمعها من بطون الكتب السابقة، كرياض الصالحين للنووي، أو الترغيب والترهيب للمنذري (ت656هـ)، وتحفة الأشراف للمزي (ت742هـ).
هذا عن الفرق بين المصادر الأصلية وغير الأصلية، وضابط كل نوع.
أما صيغة العزو إليها عند التخريج منها، فهي كما يلي:
بالنسبة للمصدر الأصلي، يقال: أخرجه ورواه وخرجه وأسنده؛ وكل صيغة يفهم منها أن مصنف الكتاب –الذي عزي إليه- رواه بإسناده. والصيغة الأولى أكثرها استعمالاً، وتليها الثانية.
وأما المصدر غير الأصلي، فيقال: ذكره، وأورده، وعزاه، ونسبه، وساقه، ونقله، ونحو ذلك من العبارات التي تفيد أن الحديث منقول من مصدر آخر.
بيد أنه يحصل تجوز –قيل- في استعمال هذه المصطلحات وخصوصاً عند المتقدمين، ومن لا يعرف مدلول هذه الصيغ من المتأخرين أو غير المتخصصين، فيقولون: أورده فلان، وهو قد أخرجه، أو: رواه فلان، وهو إنما ذكره مجرد ذكر، وسأذكر مثالاً لذلك في آخر الأمثلة.
وبالنظر للتطبيق العملي نجد استخدام هذه المصطلحات ظاهراً ووافراً في المصنفات الحديثية –خصوصاً كتب التخريج- وللتأكيد هاك أمثلة لذلك:
1- أورد الإمام الزيلعي[73] حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيما إهاب دبغ فقد طهر"، وقال: رواه النسائي في سننه في كتاب "الفرع والعتيرة" والترمذي وابن ماجه في كتاب "اللباس"، ورواه مالك في الموطأ، وابن حبان في صحيحه في "النوع السادس والمائة من القسم الثاني"، ورواه أحمد والشافعي وإسحاق بن راهويه والبزار في مسانيدهم.(/37)
وأعلم أن كثيراً من أهل العلم المتقدمين والمتأخرين عزوا هذا الحديث في كتبهم إلى مسلم، وهو وهم، وممن فعل ذلك البيهقي في سننه[74] وإنما رواه مسلم بلفظ "إذا دبغ الإهاب فقد طهر"، واعتذر عنه الشيخ تقي الدين في كتاب الإمام، فقال: والبيهقي وقع له مثل[75] في كتابه كثيراً، ويريد به أصل الحديث لا كل لفظة منه، قال: وذلك عندنا معيب جداً إذا قصد الاحتجاج بلفظة معينة، لأن فيه إيهام أن اللفظ المذكور أخرجه مسلم، مع أن المحدثين أعذر في هذا من الفقهاء: لأن مقصود المحدثين الإسناد ومعرفة المخرج، وعلى هذا الأسلوب ألفوا كتب الأطراف، فأما الفقيه الذي يختلف نظره باختلاف اللفظ فلا ينبغي له أن يحتج بأحد المخرجين، إلا إذا كانت اللفظة فيه.
2- قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير[76]: حديث: روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مسح الرأس أمان من الغل". هذا الحديث أورده أبو محمد الجويني، وقال: لم يرتض أئمة الحديث إسناده فحصل التردد في أن هذا الفعل هل هو سنة أو أدب؟ وتعقبه الإمام بما حاصله: إنه لم يجر للأصحاب تردد في حكم مع تضعيف الحديث الذي يدل عليه، وقال القاضي أبو الطيب: لم ترد فيه سنة ثابتة، وقال القاضي حسين: لم ترد فيه سنة، وقال الفوراني: لم يرد فيه خبر، وأورده الغزالي في الوسيط، وتعقبه ابن الصلاح فقال: هذا الحديث غير معروف عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من قول بعض السلف، وقال النووي في شرح المهذب: هذا حديث موضوع، ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وزاد في موضع آخر: لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء، وليس هو سنة بل بدعة، ولم يذكره الشافعي ولا جمهور الأصحاب، وإنما قاله ابن القاص وطائفة يسيرة، وتعقبه ابن الرفعة بأن البغوي من أئمة الحديث، وقد قال باستحبابه، ولا مأخذ لاستحبابه إلا خبر أو أثر لأن هذا لا مجال للقياس فيه. انتهى كلامه[77].(/38)
ولعل مستند البغوي في استحباب مسح القفا: ما رواه أحمد وأبو داود من حديث طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده، أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يمسح رأسه حتى بلغ القذال وما يليه من مقدم العنق، وإسناده ضعيف كما تقدم، وكلام بعض السلف الذي ذكره ابن الصلاح يحتمل أن يريد به ما رواه أبو عبيد في "كتاب الطهور" عن عبد الرحمن بن مهدي عن المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن عن موسى بن طلحة قال: "من مسح قفاه مع رأسه وقي الغل يوم القيامة"، قلت: فيحتمل أن يقال: هذا وإن كان موقوفاً فله حكم الرفع؛ لأن هذا لا يقال من قبل الرأي، فهو على هذا مرسل.
ومن أمثلة تجوز الأئمة في هذه الصيغ والمصطلحات ما فعله الإمام الزيلعي في نصب الراية[78] حيث قال: أما حديث عائشة: فله خمس طرق –ثم ذكر أربع طرق وقال- ذكر ابن الجوزي هذا الحديث من هذه الطرق الأربعة في "الموضوعات". انتهى كلام الزيلعي.
وبالرجوع إلى كتاب الموضوعات تبين أن ابن الجوزي أسندها ولم يذكرها مجرد ذلك، فقد قال[79]: وأما حديث عائشة –رضي الله عنها- فله أربع طرق:
الطريق الأول: أنبأنا محمد بن عبيد الله بن نصر –ثم ساق ابن الجوزي بقية الطرق-.(/39)
بقي أن أذكر هنا أن الأئمة اصطلحوا أيضاً على استعمال بعض الصيغ المختصرة في وصف المتون والأسانيد، عند تعدد الطرق، أو في التخريج الموسع، ومن أحسن وأدق من استخدم هذه المصطلحات من المتقدمين الإمام مسلم - رحمه الله - (ت261هـ) في صحيحه، وهذه وإن كانت من ميزات صحيح مسلم على كثير من المصنفات الحديثية فليست بغريبة عليه، لما اشتهر عنه من إتقانه للصناعة الحديثية، يقول الإمام النووي –رحمه الله[ص:80]: سلم مسلم رحمه الله في صحيحه طرقاً بالغة في الاحتياط والإتقان والورع والمعرفة، وذلك مصرح بكمال ورعه وتمام معرفته وغزارة علومه وشدة تحقيقه، بحفظه وتقعدده في هذا الشأن وتمكنه من أنواع معارفه وتبريزه في صناعته وعلو محله في التمييز بين دقائق علومه، لا يهتدي إليها إلا أفراد في الأعصار[81]، فرحمه الله ورضي عنه، وأنا أذكر أحرفاً من أمثلة ذلك: تنبيهاً بها على ما سواها، إذ لا يعرف حقيقة حاله إلا من أحسن النظر في كتابه مع كمال أهليته، ومعرفته بأنواع العلوم التي يفتقر إليها صاحب هذه الصناعة، كالفقه، والأصولين، والعربية، وأسماء الرجال، ودقائق علم الأسانيد، والتاريخ، ومعاشرة أهل هذه الصنعة ومباحثتهم ومع حسن الفكر ونباهة الذهن ومداومة الاشتغال به، وغير ذلك من الأدوات التي يفتقر إليها.(/40)
فمن تحري مسلم –رحمه الله- اعتناؤه بالتمييز بين "حدثنا" و"أخبرنا" وتقييده ذلك على مشايخه، وفي روايته، وكان من مذهبه رحمه الله الفرق بينهما وأن "حدثنا" لا يجوز إطلاقه إلا لما سمعه من لفظ الشيخ خاصة، و "أخبرنا" لما قرئ على الشيخ، ومن ذلك اعتناؤه بضبط اختلاف لفظ الرواة كقوله "حدثنا فلان وفلان، واللفظ لفلان قال أو قالا حدثنا فلان"، وكما إذا كان بينهما اختلاف في حرف من متن الحديث أو صفة الراوي أو نسبه أو نحو ذلك فإنه يبينه، وربما كان بعضه لا يتغير به معنى، وربما كان في بعضه اختلاف في المعنى، ولكن كان خفياً لا يتفطن له إلا ما هر في العلوم التي ذكرتها في أول الفصل، مع اطلاع على دقائق الفقه ومذاهب الفقهاء، وسترى في هذا الشرح من فوائد ذلك ما تقرُّ به عينك إن شاء الله تعالى. انتهى كلام النووي. وقد أجمل ذلك أحد الشعراء بقوله:
تناظر قوم في البخاري ومسلم إليّ وقالوا أي ذين تقدم
فقلت: لقد فاق البخاري صحة كما فاق في حسن الصناعة مسلم
وعليه فيمكن أن أقول بأن من نظر في مصنفات السنة؛ الأصلية منها وغير الأصلية، المتقدمة منها والمتأخرة، يجد أن استخدامهم للصيغ المختصرة في وصف المتن تنقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية هي:
1- أن يوجد تطابق بين لفظي الحديث –المعطوف والمعطوف عليه- وحينئذ يعبرون عن المتن المعطوف –لأجل الاختصار- بصيغ متعددة، من أشهرها: بمثله، بلفظه، به.
قال الإمام النووي –رحمه الله-[82]: الكتب المخرجة على الصحيحين لم يلتزم فيها موافقتها في الألفاظ فحصل فيها تفاوت في اللفظ والمعنى. وكذا ما رواه البيهقي في السنن والبغوي في شرح السنة وغيرهما وقالوا فيه: رواه البخاري ومسلم أو أحدهما وقع فيه أيضاً تفاوت في اللفظ وفي بعضه في المعنى، فمرادهم أن البخاري ومسلماً أخراجا أصله. فليس لأحد أن ينقل منها حديثاً ويقول: هو هكذا في الصحيحين، إلا أن يقابله بالصحيحين أو يكون صاحب الكتاب قال: أخرجاه بلفظه.(/41)
2- أن يوجد اختلاف بينهما لا يؤثر على أصل اللفظ، بل نجد أكثر العبارات –غالباً- مذكورة في اللفظين، وحينئذٍ يعبرون عن المتن المعطوف بصيغ متعددة، من أشهرها: بنحوه، بلفظ مقارب، بشبهه.
3- أن يوجد اختلاف كامل أو شبه كامل، وإنما الاتفاق في المعنى، وحينئذٍ يعبرون عن المتن المعطوف بقولهم: بمعناه، ونحو ذلك.
وأحياناًَ يزيدون على الصيغ السالفة –من باب الدقة ومزيد البيان- عبارات أخرى فيها إجمال وتفصيل، حسب عناية الواصف، واقتضاء الحال، ومن هذه العبارات: فيه زيادة في أوله، أو آخره، أو أثنائه، وقد يذكرون هذه الزيادة.
بتقديم وتأخير.
بلفظ أطول أو أقصر، أو مطولاً، أو مختصراً.
فيه قصة، أو سبب ورود.
ولتقريب ذلك أسوق أمثلة من عمل الأئمة في ذلك، وأبدأ بصحيح مسلم: لما سبق من تصدره وتميزه في هذا المجال:
1- قال مسلم[83] –رحمه الله- (..): حدثنا يحيى ابن يحيى، قال: قرأت على مالك عن سمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، فإنه من وافق قوله قول الملائكة، غفر له ما تقدم من ذنبه".
حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا يعقوب (يعني ابن عبد الرحمن) عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى حديث سمى.
2- وقال الإمام الدارقطني –رحمه الله-[84] نا أبو أحمد بن عبدوس، نا أبو بكر بن أبي شيبة، نا عباد ابن العوام، عن حجاج، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا لا يقتلان الحر بقتل العبد.
نا محمد بن الحسن المقري، نا أحمد بن العباس الطبري، نا إسماعيل بن سعيد، نا عباد بن العوام، عن عمرو بن عامر والحجاج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده مثله سواء.(/42)
وقال أيضاً"[85] نا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، نا خلف بن هشام، نا حماد بن زيد، عن أيوب عن نافع عن ابن عمر –قال حماد ولا أعلمه إلا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل مسكر حرام، وكل مسكر خمر، ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها لم يشربها في الآخرة.
نا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز نا أبو الربيع الزهراني، نا حماد بن زيد، عن أيوب عن نافع، عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، ولم يشك.
نا المحاملي نا ابن محشر نا ابن المبارك، عن حماد ابن زيد مرفوعاً، وكذلك رواه يونس المؤدب عن حماد كذلك، عن النبي صلى الله عليه وسلم بغير شك، وقال لوين عن حماد رفعه ولم يشك، ورواه الحكم بن عبد الله أبو النعمان البصري عن شعبة عن أيوب كذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم بغير شك.
ونا دعلج بن أحمد، نا أحمد، نا موسى بن هارون، نا محمد بن مالك البصري جار ابن حسنات عنه.(/43)
3- وقال الإمام المزي –رحمه الله-[86]: حديث جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أمي ماتت، وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ قال: "نعم، فدين الله أحق أن يقضى "خ-[87] يعني البخاري- في الصوم عن محمد بن عبد الرحيم، عن معاوية بن عمرو، عن زائدة عن الأعمش، عنه –يعني عن مسلم بن عمران البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما-[88] به، قال الأعمش: قال: الحكم وسلمة: ونحن جميعاً جلوس حين حدث مسلم بهذا الحديث قال: سمعنا مجاهداً يذكر هذا عن ابن عباس: ويذكر عن أبي خالد حدثنا الأعمش عن الحكم ومسلم البطين وسلمة بن كهيل، عن سعيد بن جبير وعطاء ومجاهد، عن ابن عباس: قالت امرأة إن أختي ماتت، وقال يحيى وأبو معاوية: حدثنا الأعمش عن مسلم عن سعيد عن ابن عباس، قالت امرأة إن أمي ماتت، وقال عبيد الله يعني ابن عمرو الرقي عن زيد بن أبي أنيسة عن الحكم، عن سعيد عن ابن عباس، قالت امرأة: إن أمي ماتت، وعليها صوم نذر، وقال أبو حريز: حدثني عكرمة عن ابن عباس: قالت امرأة إن أمي ماتت وعليها صوم خمسة عشر يوماً، م- أي مسلم –فيه- أي الصيام- عن أحمد بن عمرو الوكيعي، عن حسين بن علي عن زائدة به، وعن أبي سعيد الأشج، عن أبي خالد الأحمر بإسناده نحوه، وعن إسحاق بن منصور وابن أبي خلف- وعبد بن حميد، ثلاثتهم عن زكريا بن عدي؛ عن عبيد الله بن عمرو الرقي به،[89] وعن إسحاق بن إبراهيم، عن عيسى بن يونس، عن الأعمش، عن مسلم، عن سعيد نحوه: أن امرأة قالت: إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، د- يعني أبا داود- في الأيمان والنذر عن مسدد، عن يحيى به، وعن محمد بن العلاء عن أبي معاوية به. ت-يعني الترمذي- في الصوم عن أبي سعيد الأشج وأبي كريب (فرقهما) كلاهما عن أبي خالد الأحمر بإسناده، ك: جاءت امرأة فقالت: إن أختي ماتت، وعليها صوم شهرين متتابعين إلا أنه لم يذكر "الحكم"، وقال: حسن. س –يعني النسائي-فيه- أي الصيام من الكبرى –عن الأشج بإسناد(/44)
مسلم، وعن القاسم بن زكريا بن دينار، عن زكريا بن عدي به وعن القاسم بن زكريا بن دينار، عن حسين بن علي عن زائدة بإسناده مثله، عن قتيبة، عن عبثر بن القاسم وعن الحسين بن منصور، وعن عبد الرحمن بن مغراء وعن عمرو ابن يحيى بن الحارث الحمصي، عن أحمد بن أبي شعيب الحراني، عن موسى بن أعين ثلاثتهم عن الأعمش، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير نحوه –في حديث ابن مغراء: "امرأة"، وفي حديث الآخرين "رجل" وفي حديثهم جميعاً: إن أمي ماتت، وعليها صوم شهر وزاد ابن مغراء عن الأعمش: وعن سلمة بن كهيل عن مجاهد عن ابن عباس، وعن الحكم بن عيينة عن عطاء عن ابن عباس، وفي حديث موسى بن أعين عن الأعمش قال وحدثنيه سلمة بن كهيل والحكم مثل ذلك عن ابن عباس، ق –يعني ابن ماجه-فيه- يعني الصيام- عن أبي سعيد الأشج بإسناد مسلم.
أما وصف السند، فهم لا يصفون إلا ما كان فيه تطابق تام، فيقولون: بمثله، أو بهذا الإسناد، أو به، أو بإسناده، وقد سلف شيء من ذلك في تخريج المزي الآنف الذكر.
المبحث الخامس: أبرز المؤلفات في طرق التخريج وقواعده:(/45)
تقدم في المبحث الأول[90] أن ذكرت هناك أن إفراد قواعد التخريج وطرقه في مصنفات خاصة قد تأخرت إلى عصرنا الحاضر، وإن كانت قبل ذلك مبثوثة في ثنايا المصنفات الحديثية، سواء منها كتب المتون والأسانيد، أو كتب علوم الحديث، ثم أصبحت فصولاً مستقلة في كتب علوم الحديث، إلى أن جاء العصر الحاضر فأفردوها في مصنفات خاصة، وأبرز أسباب هذا التأخر في إفرادها بالتصنيف، هو تأخر الحاجة لذلك، حيث لم يكن هناك داع شديد إليه في القرون السابقة، نظراً لتمكن المطالعين في دواوين السنة من وسائل التعامل معها، وقدرتهم على الوصول إلى المطلوب منها، وحيث وجدت حاجة قليلة لذلك، ظهرت هذه القواعد والأسس في ثنايا كتب علوم الحديث على هيئة مباحث وفصول مستقلة، وفي عصرنا الحاضر ومع اشتداد الحاجة لتلك القواعد والأسس انبرى عدد من العلماء إلى تصنيف كتب مستقلة، عنيت بهذا الفن، وبسطت القول في إيضاحه، وتدعيم ذلك بالأمثلة، فقدمت –بحمد الله- خدمة للسنة انتظمت في عقد الخدمات الجليلة التي قدمتهاالأمة لآثار نبيها صلوات الله وسلامه عليه، وأصبحت بناءً أولياً في هذا الفن، ولكونه في البداية فلا يخلو من النقص والخلل، وهذه سنة الله في العلم، ولولا ذلك ما ترك السابق للاحق شيئاً، وليس هذا موضع الحديث عن نقدها وبيان اختلاف وجهات النظر حول ما ورد فيها، ولكن حسبي الآن أن أذكر هذه المؤلفات على سبيل الإجمال ليقف القارئ على كوكبة تنير له الطريق، وتمهد له السبيل، إن رغب الرحلة إلى واحة السنة والتجوال في ميادينها واقتطاف الأحاديث والآثار من حقولها، وهذه المصنفات هي:
1- حصول التفريج بأصول العزو والتخريج، لأبي الفيض أحمد بن محمد بن الصديق الغماري، المغربي، المتوفى بالقاهرة سنة ثمانين وثلاثمائة وألف هجرية[91].(/46)
2- أصول التخريج ودراسة الأسانيد، لمحمود الطحان ويظهر –والله أعلم- أنه ثاني كتاب صنف في هذا الفن وإن كان قد توهم نفسه –كما ذكر في مقدمته[92]- أنه أول من صنف في هذا الفن، حيث مضى أن الغماري قد توفي قبل أن يرى كتاب الطحان النور بثماني عشرة سنة؛ لأن هذا الأخير قد نشر لأول مرة في سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة وألف هجرية، والأول توفي سنة ثمانين وثلاثمائة وألف كما أسلفت. ومع ذلك فقد كان لهذا الكتاب –أعني كتاب الطحان- الأثر الواضح من بين كتب هذا الفن، وذلك بسبب تدريسه لطلاب جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية لمدة تقارب عشرين عاماً، وهي من أكبر الجامعات الإسلامية في العالم من حيث تعداد طلابها، وامتداد عمرها، وتنوع جنسيات الدارسين فيها.
3- كشف اللثام عن أسرار تخريج حديث سيد الأنام صلى الله عليه وسلم لعبد الموجود محمد عبد اللطيف، وقد نشر هذا الكتاب لأول مرة في مصر سنة أربع وأربعمائة وألف هجرية.
4- طرق تخريج حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد المهدي بن عبد القادر بن عبد الهادي، وقد نشر الكتاب أول مرة في مصر سنة سبع وثمانين وتسعمائة وألف ميلادية، وكلام مؤلفه في المقدمة يشعر بأنه أول المصنفات في هذا الفن حيث يقول[93]: ولقد كان علم التخريج يؤخذ من الشيوخ بالسماع، ولم تكن فيه مؤلفات، وأثناء دراستي هذا العلم كنت أتوق لقراءة كتاب فيه، لكني لم أجد في ذلك كتاباً –رغم بحثي وتمحيصي- وأثناء دراستي في التخصص "الماجستير" سألت أحد مشايخي عن مؤلف في التخريج فأخبرني أن هذا العلم يصعب التأليف فيه، وتعجبت، فإني أؤمن أن كل ما يقال يمكن أن يكتب، وكتبت بعض موضوعات هذا العلم فأعجب بها مشايخي، وأثنوا عليها، مما دفعني إلى السير في هذا المؤلف.
بيد أنه كما هو واضح فإن الكتب السابقة كلها تقدمت عليه بسنوات عديدة، ولذا انتقده في هذا الأمر الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد[94].(/47)
5- تخريج الحديث النبوي، تأليف عبد الغني بن أحمد ابن مزهر التميمي.
6- التأصيل لأصول التخريج وقواعد الجرح والتعديل لبكر بن عبد الله أبو زيد، وقد نشر كتابه لأول مرة بالرياض سنة ثلاث عشرة وأربعمائة وألف، وقد تميز كتابه بنقد الكتب السابقة عليه، والاستدراك عليها.
7- مباحث في علم التخريج ودراسة الأسانيد لرتيبة بنت إبراهيم خطاب طاحون، وقد نشر كتابها بالقاهرة سنة أربع عشرة وأربعمائة وألف هجرية.
8- علم تخريج الأحاديث (أصوله- طرائقه-مناهجه) لمحمد محمود بكار، وقد نشر كتابه بالرياض سنة سبع عشرة وأربعمائة وألف هجرية.
الخاتمة:
مما سبق يتبين لك أخي القارئ الكريم أن علم التخريج فن حاله حال بقية الفنون، نشأ بسبب الحاجة إليه، ثم مر بمراحل عبر هذه القرون، وإلى أن وصل إلينا بهذه الصورة، والتي لا تزال من الناحية النظرية في مرحلة البناء غير المكتمل، وما زالت أيدي التجارب تحاول أن تسويه حيناًَ فتخدشه أحياناً، والمهم أنه علم جوهري بالنسبة للأمة، ومتعلق بأمر عظيم، لأنه يفتح القنوات والأبواب بين أفراد الأمة ونصوص السنة، وبغير ذلك قد تتيه، وقد لا تصل. ثم إنه أيضاً ذو مساس مباشر بالمحافظة على هذا الدين ذلك الأمر الذي يقول الله فيه {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}[95] ولهذا وغيره يمكن أن ألخص لك النتائج العامة لهذا البحث فيما يلي:
1- إن علم التخريج كغيره من الفنون، نشأ بسبب الحاجة إليه ولا زال ينمو ويترعرع حتى الآن، ويكتسب أهميته من كونه وسيلة للسنة النبوية وهي أحد مصادر الشريعة الأصلية.
2- أن التخريج له جانبان: نظري وعملي، والعملي أسبق إلى الظهور وأبرز وجوداًَ في الساحة الحديثية.
3- كلما زاد جهل الناس بالسنة وبعدهم عن دواوينها ابتكر المحدثون في ميدان علم التخريج –العملي منه والنظري- وسائل جديدة، وقواعد وأسساً تعين على تيسير التعامل مع الأحاديث والآثار والحصول عليها من مواطنها.(/48)
4- كان الطور الأول للتخريج يعنى بجميع الأحاديث من صدور الرجال المتفرقين في ثنايا الأمصار، وتمييزها وترتيبها وإبرازها للناس في المصنفات الحديثية، كالمسانيد، والصحاح، والسنن، والمصنفات، وغيرها.
5- والطور الثاني أصبح فيه نوع من التفنن عند المحدثين، حيث وجهوه لزيادة توثيق نصوص تلك الدواوين السابقة من ناحية البحث عن طرق أخرى لها، حملت في ثناياها فوائد أخرى كوصل المنقطع وكشف المبهم وبيان المدلس وغيرها كثير.
6- ثم تبعها طور ركزَّ على تحوير التخريج، بحيث ينصب على معنى العزو والدلالة على موضع الحديث في مصادره الحديثية، ثم استفاض هذا الاصطلاح واشتهر، وكثر المعتنون به، والمصنفات فيه، حتى أصبح هذا الوصف علماً على هذا المعنى، ولا يفهم منه عند الإطلاق إلا هذا، واستمر هذا الاصطلاح مع شيء من التغيير فيه إلى يومنا هذا.
7- تأخر التصنيف استقلالاً في الجانب النظري عن الجانب العملي زمناً طويلاً يزيد عن سبعة قرون، حيث لا يعرف من صنف كتاباً مستقلاً في قواعد وطرق التخريج مثل عصرنا الحاضر بينما صنف الأئمة في تخريج الأحاديث في القرن السادس، وربما قبل ذلك.
8- فن التخريج تعتمد المهارة به على طول الممارسة، والنظر في تخريج الأئمة، أكثر من الإلمام بقواعده النظرية.
9- ينقسم التخريج إلى ثلاثة أقسام: قسم موسع، يتم فيه استيعاب مخارج الحديث وطرقه، وذكر الأسانيد، ووصف المتون، وما يلزم لذلك، وقسم آخر مختصر، يكتفى فيه بذكر المصدر الذي أخرج الحديث، وربما ذكر معه الموضع التفصيلي بداخله، وبينهما قسم متوسط.
10-طرق التخريج إجمالاًَ ترجع إلى طريقتين هما:
أ- تخريج الحديث بواسطة إسناده.
ب – تخريج الحديث بواسطة متنه.
ولا تعتبر إحدى الطريقتين هي الأسهل بإطلاق؛ لأن ذلك يتأثر ببعض الأحوال والقرائن.
11- يلزم التفريق بين المصدر الأصلي وغير الأصلي عند التخريج منها، والعزو إليها.(/49)
12-لا تزال المصنفات في قواعد التخريج وطرقه تحتاج إلى نقد وإعادة نظر، حتى تكتمل صورتها وتسلم من النقص والخلل.
13-هذا البحث ما هو إلا لبنة في بناء القسم النظري من هيكل التخريج، حاولت من خلاله إلقاء الضوء على جانب مهم فيه، قد يساعد بإذن الله على الوصول إلى نظرة أوسع وأشمل.
وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، استغفرك وأتوب إليك.
فهرس المصادر والمراجع
*- استعملت في هذا الفهرس رموزاً مختصرة وهي: (ت:تحقيق)، (ش:نشر)، (ط:طبع). ... 9-تحفة الأشراف، للحافظ المزي- ش: الدار القيمة-بومباي- الهند-1384هـ. ... ش: محمد السيد-حمص 1388هـ.
19-سنن البيهقي-ش:دار الفكر-بيروت.
1- القرآن الكريم.
2- الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان، لابن بلبان الفارسي ت: الحوت –ش:دار الكتب العلمية-بيروت1407هـ. ... 10-تدريب الراوي، للسيوطي-ت:عبد الوهاب عبد اللطيف-ش:دار إحياء السنة –مصر عام 1399هـ. ... 20- سنن الدارقطني- ط:دار المحاسن –القاهرة 1386هـ.
21- سنن الدارمي- ش:دار إحياء السنة النبوية.
3-إرشاد طلاب الحقائق إلى معرفة سنن خير الخلائق، للنووي -توزيع: عبد الباري فتح الله السلفي- ش: مكتبة الإيمان –المدينة. ... 11- ترتيب القاموس، للطاهر الزاوي – ط: البابي الحلبي –مصر. ... 22-سنن النسائي -ش: دار الفكر-بيروت 1398هـ.
23- السنة قبل التدوين، لمحمد عجاج الخطيب - ش: دار الفكر –بيروت 1400هـ.
4-إرواء الغليل، للألباني- ط:المكتب الإسلامي عام 1399هـ. ... 12-التلخيص الحبير، للحافظ ابن حجر – ت: شعبان إسماعيل- ش: مكتبة الكليات الأزهرية 1399هـ. ... 24- شرح السنة، للبغوي –ت: شعيب الأرناؤوط –ط: المكتب الإسلامي 1390هـ.
5- أصول التخريج ودراسة الأسانيد، للطحان، ط: المطبعة العربية- حلب 1398هـ.
6- الإلماع، للقاضي عياض – ت:السيد صقر – ش: دار التراث، القاهرة 1398هـ. ... 13- جامع الترمذي، ت: أحمد شاكر – ش: المكتبة الاسلامية.(/50)
14-ذم الهوى، لابن الجوزي.ت: أحمد عطا – ش: دار الكتب العلمية –بيروت 1407هـ. ... 25- شرح مسلم، للنووي –المطبعة المصرية ومكتبتها.
26- شرف أصحاب الحديث، للخطيب البغدادي -: محمد سعيد أوغلي – ش: دار إحياء السنة النبوية – أنقرة.
7-التأصيل للشيخ بكر أبو زيد – ش: دار العاصمة – الرياض 1413هـ.
8- التبصرة والتذكرة، للحافظ العراقي –ش: دار الكتب العلمية –بيروت. ... 15- الرسالة المستطرفة، للكتاني، ط:دار البشائر –بيروت 1406هـ.
16- سلسلة الأحاديث الضعيفة، للعلامة الألباني– ط: المكتب الإسلامي.
17- سنن ابن ماجه- ت: عبدالباقي-ش: دار إحياء التراث العربي- بيروت 1395هـ.
18- سنن أبي داود-ت: الدعاس- ... 27- صحيح الجامع الصغير، للعلامة الألباني- ط: المكتب الإسلامي 1406هـ.
28- صحيح مسلم، ت: عبد الباقي- ش: دار الفكر – بيروت 1398هـ.
29-ضعيف الجامع الصغير، للعلامة الألباني – ط: المكتب الاسلامي1399هـ. ... سيد الأنام، لعبد الموجود عبد اللطيف- ش:مكتبة الأزهر– القاهرة 1404هـ. ... 43- معجم البلدان، لياقوت الحموي – ت: فريد الجندي- ش: دار الكتب العلمية بيروت 1410هـ.
30-طرق تخريج حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، لعبد المهدي بن عبد الهادي – ش: دار الاعتصام – القاهرة 1987م. ... 37-الكفاية في علم الرواية، للخطيب البغدادي – ش: المكتبة العلمية – بيروت. ... 44- المعجم الوسيط، لجماعة من الأساتذة في مجمع اللغة العربية – ط: المكتبة الإسلامية – إستانبول.
31- علم تخريج الأحاديث، لمحمد محمود بكار – ش: دار طيبة الرياض 1417هـ. ... 38- لمحات في المكتبة والبحث والمصادر، لمحمد عجاج الخطيب – ش:مؤسسة الرسالة – بيروت 1403هـ. ... 45- المغني عن حمل الأسفار في الأسفار، للحافظ العراقي – ش: دار المعرفة – بيروت.
32- غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام، للعلامة الألباني – ش: المكتب الإسلامي – بيروت 1400هـ.(/51)
33- فتح الباري، للحافظ ابن حجر – تعليق: الشيخ ابن باز، عبد الباقي – ط: المطبعة السلفية – القاهرة. ... 39- المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث، للأصفهاني – ت: عبد الكريم الغرباوي – ط: معهد البحوث العلمية وإحياء التراث بجامعة أم القرى –مكة 1408هـ. ... 46- المقاصد الحسنة، للحافظ السخاوي – ش: دار الكتب العلمية – بيروت 1399هـ.
47- مقدمة ابن الصلاح – ش: دار الكتب العلمية – بيروت 1398هـ.
34- فتح المغيث، للحافظ السخاوي – ط: العاصمة – القاهرة 1388هـ.
35- فيض القدير، للمناوي – ش: دار المعرفة – بيروت.
36- كشف اللثام عن تخريج حديث ... 40- مختار الصحاح، للرازي – ش: دار البصائر 1405هـ.
41- المسند، للإمام أحمد – ش: المكتب الإسلامي – بيروت.
42- المشوف المعلم، لأبي البقاء العكبري – ت: ياسين السواس – ط: دار الفكر – دمشق -1403هـ. ... 48- الموضوعات، لابن الجوزي – ت: عبد الرحمن عثمان – ش: دار الفكر – بيروت 1403هـ.
49- الموطأ، للإمام مالك – ت: عبد الباقي – ط: الحلبي – مصر.
50- نصب الراية، للحافظ الزيلعي – ط: المجلس العلمي – 1357هـ.
ــــــــــــــــــــــــــــ
[1] سورة آل عمران آية (102).
[2] سورة النساء آية (1).
[3] سورة الأحزاب آية (70-71).
[4] انظر: أصول التخريج ودراسة الأسانيد (15) وعلم تخريج الأحاديث (ص18)
[5] انظر: كشف اللثام عن تخريج حديث سيد الأمام (71-156)
[6] انظر على سبيل المثال: كتاب التأصيل، وكتاب طرق تخريج حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[7] المغني عن حمل الأسفار في الأسفار، بهامش إحياء علوم الدين (1/1).
[8] انظر: المبحث الأول: المراحل التاريخية لعلم التخريج.
[9] سورة النحل:78
[10] الأنفال:30.
[11] الترمذي (5/722: 3925 كتاب المناقب –باب فضل مكة)، وابن ماجة (2/1037: 3108 –كتاب المناسك- باب فضل مكة) والدارمي (2/239-كتاب السير- باب إخراج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة.(/52)
[12] بفتح المهملة ثم سكون وفتح الواو وهاء وراء. قال: الدار قطني: كذا صوابه، والمحدثون يفتحون الزاي ويشددون الواو، وهو تصحيف، وكانت الحزورة سوق مكة، وقد دخلت في المسجد لما زيد فيه. انظر: معجم البلدان (2/294).
[13] ترتيب القاموس (2/32).
[14] (2/149) مادة "خرج" وانظر أيضاً: المجموع المغيث(1/562)، والمشوف المعلم (1/238)، وفيض القدير (1/20).
[15] ص (145) مادة "خرج".
[16] انظر تدريب الراوي (1/92).
[17] التبصرة والتذكرة (2/223).
[18] (2/138)، وانظر أيضاً: فتح المغيث (2/309)، وإرشاد طلاب الحقائق (1/511).
[19] إرشاد طلاب الحقائق (1/125).
[20] (2/338).
[21] انظر: المبحث الرابع.
[22] انظر: المبحث الأول.
[23] فيض القدير (1/20).
[24] التلخيص الحبير (1/21).
[25] انظر: المبحث الرابع.
[26] انظر: المبحث الثالث.
[27] انظر: المبحث الخامس.
[28] المغني عن حمل الأسفار، بحاشية إحياء علوم الدين (1/1).
[29] (1/21).
[30] غاية المرام (ص3).
[31] فيض القدير (1/20، 21).
[32] شرف أصحاب الحديث (ص10).
[33] الكفاية في علم الرواية (ص216).
[34] الكفاية في علم الرواية (ص241).
[35] انظر: ص6.
[36] هو البحث، كأنه مأخوذ من تفتيش الطائر الأرض بمنقاره بحثاًَ عن الطعام وغيره، انظر: المعجم الوسيط (2/945).
[37] أي: اغتنامهم: انظر: ترتيب القاموس (4/475).
[38] الإلماع (ص189).
[39] أي: القصد، انظر: مختار الصحاح (ص26)، ومنه قوله تعالى {ولا آمين البيت الحرام} (المائدة 2).
[40] تقدم معناها قريباً.
[41] (1/523).
[42] انظر: مقدمة ابن الصلاح (ص128).
[43] انظر: التبصرة والتذكرة (2/243) وفتح المغيث (2/340).
[44] انظر: التأصيل (ص88).
[45] انظر: المبحث الخامس.
[46] انظر: السنة قبل التدوين (327).
[47] وانظر أيضاً: الرسالة المستطرفة (ص26).
[48] انظر أيضاً: كشف الشام (1/154).
[49] ص22.(/53)
[50] انظر: سنن البيهقي (1/160- كتاب الطهارة-باب المضمضة من شرب اللبن وغيره..) والحديث في البخاري (الفتح 1/313: 211-كتاب الوضوء-باب هل يمضمض من اللبن) ومسلم (1/274: 358) – كتاب الحيض)، وأبي داود (1/135: 196) –كتاب الطهارة، باب في الوضوء من اللبن)، والترمذي (1/149: 89) كتاب الطهارة –باب في المضمضة من اللبن). والنسائي(1/109- كتاب الطهارة- باب المضمضة من اللبن).
[51] سنن البيهقي (1/294 –كتاب الطهارة- باب الدلالة على أن الغسل يوم الجمعة..) والحديث في الموطأ (1/101-كتاب الجمعة- باب العمل في غسل الجمعة).
[52] شرح السنة (2/365: 480 –كتاب الصلاة –باب تحية المسجد) والحديث في البخاري (الفتح 1/537: 444 –كتاب الصلاة- باب إذا دخل المسجد فليركع ركعتين) ومسلم (1/495: 714-كتاب صلاة المسافرين وقصرها).
[53] انظر: شرح السنة (2/475: 360- كتاب الصلاة –باب الهدي في المشي إلى الصلاة والحديث في الترمذي (2/228: 386 كتاب الصلاة –باب ما جاء في الهدي في المشي إلى الصلاة).
[54] تحفة الأشراف (5/206: 6355). والحديث في البخاري (8/235: 4569) –كتاب التفسير –باب {إن في خلق السموات والأرض} الآية. و10/596: 6215 –كتاب الأدب- باب رفع البصر إلى السماء، و13/438: 7452- كتاب التوحيد –باب ما جاء في تخليق السماوات والأرض وغيرهما من الخلائق)، ومسلم (1/530: 763) – كتاب صلاة المسافرين وقصرها).
[55] نصب الراية (1/120)، والحديث في: سنن أبي داود (4/370: 4127، 4128) –كتاب اللباس- باب في ما روي أن لا ينتفع بإهاب الميتة)، والترمذي (4/222: 1729- كتاب اللباس –باب ما جاء في جلود الميتة إذا دبغت)، والنسائي (7/175-كتاب الفرع والعتيرة-باب ما يدبغ به جلود الميتة). وانظر أيضاً من أمثلة العزو للمصدر مع تحديد الموضوع العام والخاص ما أورده الزيلعي في نصب الراية، وسيأتي ذكره في مبحث التخريج الموسع في ص31).(/54)
[56] المغني عن حمل الأسفار بهامش إحياء علوم الدين (1/1).
[57] يعني: بعد السبعمائة.
[58] إرواء الغليل (1/7).
[59] ضعيف الجامع الصغير (1/9).
[60] انظر: المبحث الرابع.
[61] (1/181).
[62] (1/104:140).
[63] أخرجه أبو داود (2/831: 2449)-كتاب الصيام- باب في صوم الثلاث من كل شهر). والنسائي (4/224 –كتاب الصوم باب كيف يصوم ثلاثة أيام من كل شهر). وابن ماجه (1/1707:544-كتاب الصيام- باب ما جاء في صيام ثلاثة أيام من كل شهر).
[64] وهي الصحيحان، والسنن الأربع: أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.
[65] فتح الباري (1/199: 106-110) كتاب العلم –باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم متعمداً).
[66] (2/180)، وانظر: صحيح الجامع الصغير (1/1111: 6519).
[67] (327).
[68] (1/317: 304).
[69] انظر: المبحث الخامس.
[70] انظر: أصول التخريج ودراسة الأسانيد (ص12-14).
[71] انظر لمحات في المكتبة والبحث والمصادر (ص127).
[72] قال: ابن حزم –رحمه الله- ما صنف في الإسلام مثل تفسيره، لا تفسير محمد بن جرير –يعني الطبري- ولا غيره. انظر: الرسالة المستطرفة (ص77).
[73] نصب الراية (1/115). والحديث في النسائي (7/173) –كتاب الفرع والعتيرة –باب جلود الميتة)، والترمذي (4/221: 1728 كتاب اللباس –باب ما جاء في جلود الميتة)، وابن ماجة (2/1193: 3609 –كتاب اللباس- باب لبس جلود الميتة إذا دبغت)، والموطأ (2/498 – كتاب الصيد –باب ما جاء في جلود الميتة)، والمسند (1/219)، والإحسان في تقريب صحيح ابن حبان (4/103: 1287 –كتاب الطهارة- باب جلود الميتة).
[74] ما فعله البيهقي له وجهة؛ لأن مسلماً أخرج إسناده فقط، ولم يذكر اللفظ، والعبرة بالإسناد، وقد ذكر ذلك أيضاً الحافظ كما في الفتح (9/658)، والدراية (1/57).
[75] هكذا في المطبوع، ولعلها "مثل ذلك".
[76] (1/103).
[77] يعني "ابن الرفعة".
[78] (1/102).(/55)
[79] الموضوعات (1/79-كتاب الطهارة- باب إسخان الماء).
[80] شرح مسلم للنووي (1/21، 23).
[81] في الأصل الإعصار.
[82] إرشاد طلاب الحقائق (1/125).
[83] صحيح مسلم 1/306-308: 409-411 –كتاب الصلاة).
[84] سننه (2/134 –كتاب الحدود والديات).
[85] سننه (4/248 –كتاب الأشربة).
[86] تحفة الأشراف (4/442: 5612).
[87] هذه الجملة التفسيرية وما سيأتي من عندي قيدتها لإيضاح كلام المؤلف رحمه الله.
[88] يعني الإسناد وليس المتن.
[89] هنا الإشارة "به" للإسناد وليست للمتن فلينتبه.
[90] انظر: المبحث الأول.
[91] انظر: التأصيل (ص88).
[92] انظر: أصول التخريج ودراسة الأسانيد (ص5).
[93] مقدمة الكتاب (ص4).
[94] انظر: التأصيل (ص90).
[95] سورة الحجر، آية9.(/56)
العنوان: نشأة علم الثقافة الإسلامية
رقم المقالة: 907
صاحب المقالة: د. محمد بن صالح العلي
-----------------------------------------
نشأةُ علم الثقافة الإسلامية وتميُّزُها على العلوم الأخرى
يتضمن هذا البحث مطلبين:
المطلب الأول: نشأة علم الثقافة في العصر الحديث، والمراحل التي مر بها.
المطلب الثاني: تميز علم الثقافة الإسلامية، وأهمية تدريسه في الجامعات.
وتفصيل الكلام فيهما على النحو التالي:
المطلب الأول: نشأة علم الثقافة والمراحل التي مرّ بها:
أ) علم الثقافة الإسلامية في العصور الإسلامية الأولى:
من أهم خصائص هذا العلم الشمولية، "فالشمول هو القاعدة الأساس لمنهج علم الثقافة الإسلامية، وهي الحاكمة للقواعد الأخرى، في حدود النظر والتناول، والمراد بالشمول: التناول الكلي للموضوع باعتباره وحدةً مترابطةً، يُنظر إليها باعتبار كليّتها أو تركيبها؛ لتقديم صورة شاملة عن الموضوع المراد دراسته"[1].
وبهذا المفهوم نستطيع أن نقول: إنه منذ العصر الإسلامي كانت نصوص الوحي تتسم بالشمول، فالوحي خطابٌ شامل لشؤون الحياة كلها، وأسلوب القرآن يختلف عن شؤون العلوم الإسلامية المتخصصة؛ التي تقوم على تقسيم العلوم إلى تفسير، وحديث، وفقه.. إلخ، فالأصل هو النظرة الشمولية الكليّة، وهو المنهج الذي تقوم عليه الثقافة الإسلامية في العصر الحاضر.
وفي العصور الإسلامية توسعت العلوم، واقتضى ذلك ظهور التخصص في علمٍ أو أكثر، وطغى ذلك التخصُّصُ حتى أصبح العالِمُ يتخصص في علمٍ من العلوم، فيستغرق في دراسة دقائقه وتفصيلاته، منصرفاً عن العلوم الأخرى، ومع بروز هذه الظاهرة إلا أنَّ ذلك لم يصرف بعضَ العلماء عن التأليف الشمولي، ومن أبرز هؤلاء:
1) الإمام الشافعي - رحمه الله - صاحب كتاب "الرسالة".
2) أبو حامد الغزالي - رحمه الله - صاحب كتاب "إحياء علوم الدين".
3) ابن قيم الجوزية - رحمه الله - صاحب كتاب "زاد المعاد إلى هدي خير العباد".(/1)
4) ولي الله الدهلوي - رحمه الله - صاحب كتاب "حجة الله البالغة"[2].
ومن أبرز العلماء الذين ألَّفوا وكتبوا بمنهج شمولي شيخُ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - الذي قام بحركته النقدية لتراث الحضارة الإسلامية، بمنهج سلفي؛ يتسم بالشمولية في العرض والنقد؛ جعل تراثَه مرجعاً أساساً للمفكرين والمصلحين في العصر الحديث.
ب) علم الثقافة الإسلامية في العصر الحديث:
واجه المسلمون في العصر الحديث تحدِّياً ثقافياً، برز هذا التحدي في الاتصالِ بالثقافات الغربية، وظهورِ المذاهب الفكرية و(الأيدلوجيات) الغربية، وتَأثُّرِ بعض المسلمين بتلك المذاهب.
وأبرز ما يميز تلك المذاهبَ الطَّرحُ الشمولي، فتوالت النداءات وظهرت الكتابات لصدّ الغزو الثقافي القادم من الغرب، وكان المنهجُ المناسبُ للمواجهة هو المنهج الشمولي، وكان نتيجةَ ذلك وجودُ مجموعة من الأفكار والكتاباتِ ذاتِ المَنْزع الشمولي، ولم تكن - في البداية - تسميةٌ معينةٌ لهذه الأفكار والكتابات[3].
يَذكُرُ الأستاذُ محمد المبارك الحاجةَ إلى التأليف عن الإسلام بمنهج شمولي؛ فيقول: (إن الحاجة إلى كتابٍ يُعرّف بالإسلام تعريفاً شاملاً صحيحاً حاجةٌ عامةٌ مُلِحَّةٌ، لا تَسدُّها الكتبُ الكثيرةُ التي تُعرِّف بجوانب من الإسلام، ولو كانت جيدة في موضوعها)[4].
ويقول أيضاً: (إننا نُلِحُّ على ضرورة تقديم هذه الصورة الشاملة في إطارها، المُوضِحة لجوانب الإسلامِ كلِّها، من عقيدته التي يرتكز عليها، وتتضمن النظرةَ العامة إلى الوجود التي يدعو إليها، والعبادة التي هي رياضة العقيدة والمحرك المستمر لاستشعارها، ومن قواعد السلوك في الحياة أو نظامه الأخلاقي، ومن قواعد تنظيم المجتمع، أو التشريع المنظم للأسرة، وللحياة الاقتصادية، وللحياة السياسية، أو الدولة. إن هذه الصورة الشاملة هي التي تعرّف بالإسلام تعريفاً صحيحاً، وتميزه مِن غيره من المذاهب والنُّظُم)[5].
مرحلة تسمية العلم:(/2)
لفتت الكتاباتُ ذات المنهج الشمولي بعضَ العلماء والمفكرين؛ فبدأت الرؤية تتضح في الحاجة إلى تأسيس علم جديد؛ يقوم بتوعية الأجيال بهويتها الإسلامية، ويُحصِّنها ضد الغزو الفكري والثقافي.. وسمي هذا العلمُ (علم الثقافة الإسلامية)، ويذكر الأستاذ محمد المبارك - رحمه الله - هذه المرحلة وما رافقها من اجتهادات؛ فذكر أن عدة اقتراحات طُرِحت لتسمية هذا العلم الجديد، منها:
• اقْتُرِحَ بأن يسمى: (الإسلام في مقابل النصرانية واليهودية والشيوعية وغيرها من الأديان أو المذاهب الاجتماعية)! ولكنَّ هذا الاقتراحَ رَُّد لطول الاسم، ولأن مصطلح (الإسلام) مصطلح عامٌّ لا يشير إلى المقصود من العلم.
• واقتُرِحَ بأن يسمى (علم الحضارة الإسلامية)، ورُدَّ هذا الاقتراحُ بأن المسمى سيدخل في الدراساتِ التاريخيةِ، وعرضِ الجوانب العلمية والحضارية، وهذا غير مقصودٍ، ومخدومٌ في علومٍ أخرى.
• واقتُرِحَ بأن يسمى (النُّظُم الإسلامية)، ولكن هذا التعبير - بصيغة الجمع - يُفهَم منه الدلالةُ على الأنظمة المختلفة للإسلام؛ كالنظام السياسي، والاقتصادي، والأسري!
• ويرى الأستاذ محمد المبارك بأن يسمى العلم الجديد (نظام الإسلام)، ويبرّر هذه التسمية بقوله: (لأن كلمة "نظام" - بالإفراد - تفيد أن لكل دين أو مذهب طريقةً أو نظاماً يُنظِّم أجزاءَه وأقسامه ومبادئه النظرية والعملية)[6].
• أُدخل هذا العلمُ إلى مناهج جامعة الرياض، التي سميت باسم (جامعة الملك سعود)، كان ذلك عام 1964م، وسميت باسم مادة (الثقافة الإسلامية).
• في عام 1397هـ أُنشئ قسمُ الثقافة الإسلامية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
وبذلك استقر مسمى (الثقافة الإسلامية) لهذا العلم الجديد، وقُرِّر تدريسُ هذه المادة في جميع الجامعات في المملكة العربية السعودية.
المراحل التي مرّت بها الثقافة الإسلامية:(/3)
يذكر الأستاذ محمد المبارك في كتابه (الفكر الإسلامي الحديث في مواجهة الأفكار الغربية) أن جيلَه شهدَ حمْلاتِ تشكيكٍ في المُثُلِ والقيم الإسلامية، وشهد انبهاراً بالأفكار الغربية مثل (العلمانية) و(الديمقراطية)، ثم جاءت موجة (الاشتراكية)، ويشير إلى أن هذه (الأيدلوجيات) والأفكار جاءت إلى العالم الإسلامي، والظروفُ مهيّئة لانتشارها، والنفوسُ مستعدّة لقَبولها[7].
ومنذ ذلك الحين أصبحت الثقافة الإسلامية تواجه تحدِّياً كبيراً، وبدأت تتضح مراحل المواجهة مع الثقافة الغربية الغازية، ويمكن أن تقسم هذه المراحل إلى المراحل الآتية:
المرحلة الأولى (مرحلة: الإسلام في قفص الاتهام):
في هذه المرحلة كانت الثقافةُ الإسلاميةُ ومُثُلُها وقيمُها ونُظُمُها.. في قفص الاتهام! وأصبح الإسلام مُتَّهماً، وتُثارُ حولَه كثيرٌ من الشُبُهات، وانبرى العلماءُ والمفكرون يدفعون عن الإسلام هذه الاتهامات، ويفنِّدون تلك الشبهات؛ فالإسلام ليس منافياً للرُّقيِّ، ولا مانعاً من التطور، ولا معارضاً للعلم والعقل، وهذا ما يلاحَظ في مؤلفات الشيخ محمد عبده، وفريد وجدي، وأمثالهما[8].
المرحلة الثانية (مرحلة: التوفيق بين الإسلام وغيره من المبادئ الغربية):
وفي هذه المرحلة خرج الإسلام من قفص الاتهام، وأصبح يُقاس بمقاييس غيره، فالإسلام صالح لأنه يتفق مع (الديمقراطية)، وهو متطور لأنه يتفق مع مبادئ الاشتراكية! وسببُ القياسِ على هذه المبادئ أن كثيراً من المثقفين كانوا منبهرين بتلك المبادئ والنظم..
وفي هذه المرحلة أُلبسَت الأفكارُ الغربية أحياناً لباسَ الإسلام؛ ليسهُل مرورُها واجتيازها إلى المجتمع الإسلامي! وأحياناً يُلبَس الإسلامُ لباسَ الأفكار الغربية؛ ليسهل على العقول التي ألفت التفكير الغربي أن تستسيغه وتقبله!! وظهرت كتبٌ في هذه المرحلة، مثل كتاب (ديمقراطية الإسلام!) للعقاد، وكتاب (اشتراكية الإسلام!) لمصطفى السباعي[9].(/4)
وكان لهذه المرحلة إيجابياتها وسلبياتها، فكانت سبيلاً للكشف عن كثيرٍ من جوانب عظمة الإسلام، كما كانت - أحياناً - للانحراف والتعسف في تأويل نصوصه، وإلباسِه غيرَ ثوبه، وإقحامِ أفكارٍ غريبة عليه[10].
وكان لهذه المرحلة عدة خصائص، من أبرزها ما يلي:
1- أنها كانت تقوم على أساسٍ نفسي، من الإعجاب بالغرب وإكباره، واستشعارِ النقص والضعفِ الفكري والثقافي.
2- أنها كانت تقوم على الأخذ بالمثل والقيم الغربية، واتخاذها مقاييس لتقويم مبادئ الإسلام ونظمه وقيمه.
3- تأثرُ المسلمين وانخداعُهم ببعض الأفكار والاصطلاحات، مثل: التقدمية، والتطور، والتجديد..
4- نقل المسلمين لمشكلات الغرب التي نشأت في ظروف تاريخية خاصة به، وإقحام تلك المشكلات في داخل المجتمع الإسلامي، على الرغم من اختلاف الظروف والملابسات!! مثل مشكلة الصراع بين الدين والعلم.
المرحلة الثالثة (مرحلة: ذاتية الإسلام وظهور تميزه على المبادئ الغربية):
وفي هذه المرحلة بدأت تتضح صورةُ الإسلام الخاصة به، ومقاييسه الذاتية، وبدأت مرحلة وعي الذات وأنَّ ما تملكه الأمةُ من مبادئَ سامية ونظمٍ صالحةٍ أفضلُ مما هو موجود لدى الغرب، فقد وجد المسلمون بين أيديهم رصيداً ثميناً من المثل والقيم والمبادئ والنظم، واكتشفوا أن ما جاء به الإسلام نظامٌ كامل وشامل للحياة.
وفي هذه المرحلة بدأت تتضح عيوبُ وسلبياتُ النظم الغربية، وأصبحت تُوجَّه الانتقاداتُ إليها، فبدأت تتضح عيوبُ (الاشتراكية) و(العلمانية) و(الديمقراطية)، وأن الشعوب لم تجد في تلك المذاهب والنظريات ما يحقق رُقِيَّها وسعادتَها[11].
المطلب الثاني: تميز علم الثقافة الإسلامية، وأهمية تدريسها في الجامعات:
ويحوي هذا المطلب محورين:
المحور الأول: تميز علم الثقافة الإسلامية على غيره من العلوم:(/5)
من المؤسف أن ترى البعض يحمل تصوُّراً خاطئاً عن علم الثقافة الإسلامية، بل يذهب بعضُهم إلى أنه ليس هناك حاجة إلى هذا العلم، وأن العلوم الإسلامية الأخرى تغني عنه! ولذا نحاول أن نشير هنا إلى تميزه عن العلوم الإسلامية الأخرى:
- فمِمَّا يميز علم الثقافة الإسلامية أنه علم يبحث في كُليَّات الإسلام، في نظم الحياة كلها، وهذا يخرِج العلومَ الأخرى، كعلم العقيدة، وعلم الفقه..؛ لأنها علوم تبحث في فروع الإسلام وجزئياته، وليس في كليات الإسلام[12].
- إن علم الثقافة الإسلامية يتسم بالشمول، ويقصد به: التناول الكلي للموضوع باعتباره وحدةً مترابطة، سواء كان الموضوع قِيمةً أو نظاماً أو فكراً، فالإسلام يُتَنَاوَل بوصفه منهجاً للحياة مترابطاً من جميع الجوانب؛ العَقَدية، والعِبادية، ولخلُقية، والاجتماعية، والاقتصادية .. إلخ[13].
- ويتميز علم الثقافة الإسلامية بقيامه على منهجيةِ توجيهِ النقدِ إلى (الأيدلوجيات) والمذاهب الأخرى، ولا سيما في هذا العصر، الذي تتنافس فيه المذهبيات وتتصارع فيه الأفكار، فبواسطة النقد - بحديه الإيجابي والسلبي - يمكن بيانُ الجوانبِ الجيدةِ المتوافقةِ مع الإسلام في الفكر الإنساني، وكذلك بيانُ جوانبِ النقصِ والقُصورِ والانحراف التي تكشف عن حاجته إلى هداية الوحي[14].
- ويتميز علم الثقافة الإسلامية باعتماده على منهج المقارنة، وذلك من أجل كشف كمال الإسلام، وفضله، وحاجة البشرية إليه[15].
المحور الثاني: أهمية تدريس علم الثقافة الإسلامية في الجامعات:
تتجلى أهمية تدريس مادة الثقافة الإسلامية في الجامعات في معرفة أهدافِ تدريسها، وأبرزُ الأهداف لتدريسها ما يلي:
1- إبرازُ النظرةِ الشمولية للإسلام، بوصفه منهجاً شاملاً لجميع جوانب الحياة، أساسُه التوحيد، والتخلصُ من النظرة الجزئية للإسلام، التي تقصره على بعض جوانب الحياة.(/6)
2- تعميقُ انتماء الطالب إلى الإسلام، وربطُه بكتاب الله - عز وجل - وسنّة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وتبصيرُه بما في هذين المصدرين الرئيسين من أصول القيم الخلقية والحضارية، وذلك من أجل تحصينه - اعتقاداً وفكراً وسلوكاً - ضد التيارات الفكرية المعارضة للإسلام.
3- تجليةُ مواقف الإسلام من قضايا العصر، خاصة في مجالات العلوم المختلفة، وحركات الفكر، ونظم الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية..، ونقدها من المنظور الإسلامي.
4- بيانُ تفوقِ الإسلام وتميزه على المذاهب الفكرية و(الأيدلوجيات) في كافة شؤون الحياة، وإظهارُ قدرتِه على تحقيق السعادة الإنسانية؛ في مقابل إخفاق تلك المذاهب و(الأيدلوجيات).
5- إعطاء الطالب صورة وافية عما صنعته رسالةُ الإسلام العامَّةُ الشاملةُ في الحياة الإنسانية، من تحريرِها للبشر من الوثنيات والخرافات، وإنقاذِهم من التخلف الفكري، والتفكك الاجتماعي.
6- تشخيصُ حالِ الأمةِ الإسلاميةِ في مجالي الفكرِ والسلوكِ والحركةِ الحضاريةِ، وبيانُ مَواطن الخلل فيها ومنهج العلاج[16].
اهتمام الجامعات بتدريس مادة الثقافة الإسلامية:
يعود الفضل في تدريس المادة إلى الأستاذ محمد المبارك - رحمه الله - حيث سعى بجهوده إلى تحقيق ذلك، وقد ذكر - رحمه الله - الخطوات التي قام بها في هذا المجال، وهي التالية:
* كانت البداية في جامعة دمشق، في كلية الشريعة، عام 1954م، حيث كان الأستاذ المبارك أحدَ أعضاء اللجنة التي وضعت خطةَ المناهج، وقام باقتراح إدخال مادة (نظام الإسلام) في منهج السنة الأولى؛ لإعطاء الطالب صورةً شاملةً للإسلام، وقُبِلَ الاقتراحُ، وقامَ الأستاذُ بتدريس تلك المادة.
* في عام 1961م اشترك الأستاذُ المبارك في لجان تطوير الأزهر، وقام بإدخال تلك المادة في مناهج جميع الكليات.
* ثم أدخلت المادة إلى مناهج الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
* ثم أدخلت المادة في كلية الشريعة بمكة المكرمة.(/7)
* ثم أدخلت في جامعة أم دَرْمان الإسلامية بالسودان.
* ثم في جامعة الرياض (جامعة الملك سعود حالياً) عام 1964م[17].
* وكانت المملكة العربية السعودية سبّاقة في هذا المجال، حيث جعلت الثقافة الإسلامية أساساً في التعليم، وجاء في السياسة التعليمية ما يلي: (العلومُ الدينيةُ أساسيةُ في جميع سنوات التعليم: الابتدائي، والمتوسط، والثانوي بفروعه، والثقافةُ الإسلاميةُ أساسيةُ في جميع سنوات التعليم).
وبهذا أصبحت مادة الثقافة الإسلامية من المتطلبات العامة لجميع ِالجامعات في المملكة العربية السعودية.
ــــــــــــــــــــــــ
[1] انظر بحث (مدخل إلى علم الثقافة الإسلامية)، للأستاذ الدكتور عبد الرحمن الزنيدي، المنشور في مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، العدد الثاني، ص:94، المحرم عام 1410هـ.
[2] (الثقافة الإسلامية: تخصصاً ومادة..)، ص:19-20.
[3] (نظام الإسلام: العقيدة والعبادة)، ص:9-10، دار الفكر، بيروت،1405هـ ،1984م.
[4] انظر المرجع السابق، ص:22.
[5] المرجع السابق، ص: 24.
[6] انظر المرجع المذكور، ص:8-11، دار الفكر، بيروت، 1970م.
[7] انظر المرجع السابق، ص:51.
[8] انظر المرجع السابق، ص:15-16و51.
[9] انظر المرجع السابق، ص:16.
[10] انظر المرجع السابق، ص:110-111.
[11] انظر بحث (مدخل إلى علم الثقافة الإسلامية) للزنيدي، ص: 89.
[12] انظر (الثقافة الإسلامية: تخصصاً ومادة..)، ص:21.
[13] انظر المرجع السابق، ص:22.
[14] انظر المرجع السابق، ص:22.
[15] انظر (الثقافة الإسلامية: تخصصاً ومادة..) ص:23-24، و(مقدمات في الثقافة الإسلامية)، د. مفرح سليمان القوسي، ص:42-43، دار الغيث للنشر والتوزيع، 1415هـ.
[16] انظر (نظام الإسلام)، للأستاذ محمد المبارك، ص:24-25.
[17] (سياسة التعليم في المملكة العربية السعودية)، ص:9.(/8)
العنوان: نشيد الكتائب
رقم المقالة: 102
صاحب المقالة: عبدالحكيم عابدين
-----------------------------------------
هو الحقُّ يحشُد أجنادَه ويعتدُّ للموقف الفاصلِ
فَصُفّوا الكتائبَ آسادَه ودُكّوا به دولةَ الباطلِ
نبيَّ الهُدى قد جَفوْنا الكرى وعِفْنا الشَّهيَّ من المَطْعمِ
نهضْنَا إلى اللهِ نجلو السُّرى[1] بروعةِ قرآنِه المُحكَمِ
ونُشهد من دبَّ فوقَ الثَّرى وتحتَ السَّما عِزَّةَ المسلمِ
دعاةً إلى الحق لسنا نرى له فديةً دون بذل الدَّمِ
هو الحقُّ يحشُد أجنادَه ويعتدُّ للموقفِ الفاصلِ
فصُفّوا الكتائبَ آسادَه ودُكّوا به دولة الباطلِ
تآخت على الله أرواحُنا إخاءً يروعُ بناءَ الزَمنْ
وباتت فدى الحقِّ آجالُنا بتوجيهِ مرشدِنا المُؤْتمَنْ
رقاقٌ إذا ما الدُّجى زارنا غمرنا محاريبَنا بالحَزَنْ
وجندٌ شداد إذا رامنا لبأسٍ رأى أُسُدًا لا تُهَنْ
هو الحقُّ يحشُد أجنادَه ويعتدُّ للموقفِ الفاصلِ
فصُفّوا الكتائبَ آسادَه ودُكّوا به دولة الباطل
تآخت على الله أرواحُنا إخاءً يروعُ بناءَ الزَمنْ
وباتت فدى الحقِّ آجالُنا بتوجيهِ مرشدِنا المُؤتمَنْ
رقاقٌ إذا ما الدُّجى زارنا غمرنا محاريبَنا بالحزنْ
وجندٌ شداد إذا رامنا لبأسٍ رأى أُسُدًا لا تُهَنْ
هو الحقُّ يحشُد أجنادَه ويعتدُّ للموقف الفاصل
فصُفّوا الكتائب آسادَه ودُكّوا به دولة الباطل
أخا الكفر إِمّا تبعتَ الهدى فأصبحت فينا الأخَ المُفتَدى
وإِمّا جهلت فنحن الكماهْ نقاضي إلى الرَّوْع من هدّدا
إذًا لأذقناك ضِعفَ الحياهْ وضِعفَ المماتِ ولن تُنجدا
فإنّا نصول بروحِ الإله ونقفو ركابَ نبيِّ الهُدى
إلى النصر في الموقف الفاصلِ
إلى النصر في الموقف الفاصلِ
---
[1] السُّرى: طال بهم السُّرى وطالت: يكون مصدرًا كالهدى، وجمع سُرْية. يقال: سرينا سُرية من الليل وسَرية كالغُرفة والغَرفة، وعليه قول أبي الطيب:
برتني السُّرى بري المُدى فرددنني(/1)
العنوان: نصائح رمضانية
رقم المقالة: 1233
صاحب المقالة: عبدالله بن جار الله الجار الله
-----------------------------------------
1 - احرص على أن يكون هذا الشهر المبارك نقطة محاسبة، وتقوم لأعمالك، ومراجعة وتصحيح لحياتك.
2 - احرص على المحافظة على صلاة التراويح جماعة، فقد قال - صلى الله عليه وسلم - ((مَنْ صَلَّى مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قَيامُ لَيْلَةٍ)).
3 - احذر من الإسراف في المال وغيره، فالإسراف محرم، ويقلل من حظك في الصدقات التي تؤجر عليها.
4 - اعقد العزم على الاستمرار بعد رمضان على ما اعتدت عليه فيه.
5 - اعتبر بمضي الزمان، وتتابع الأحوال على انقضاء العمر.
6 - إن هذا الشهر هو شهر عبادة وعمل، وليس نوم وكسل.
7 - عود لسانك على دوام الذكر، ولا تكن من الذين لا يذكرون الله إلا قليلاً.
8 - عند شعورك بالجوع تذكر أنك ضعيف، ولا تستغني عن الطعام وغيره من نعم الله.
9 - انتهز فرصة هذا الشهر؛ للامتناع الدائم عن تعاطي مالا ينفعك بل يضرك.
10 - اعلم أن العمل أمانة فحاسب نفسك، هل أديتها كما ينبغي؟.
11 - سارع إلى طلب العفو ممن ظلمته قبل أن يأخذ من حسناتك.
12 - احرص على أن تفطر صائمًا، فيصير لك مثل أجره.
13 - اعلم أن الله أكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين، ويقبل التوبة من التائبين، وهو سبحانه شديد العقاب يمهل ولا يهمل.
14 - إذا فعلت معصية وسترك الله - سبحانه وتعالى - فأعلم أنه إنذار لك؛ لتتوب فسارع للتوبة، واعقد العزم على عدم العودة لتلك المعصية.
15 - اعلم أن الله - سبحانه تعالى - أباح لنا الترويح عن النفس بغير الحرام، ولكن التمادي وجعل الوقت كله ترويحا يفوت فرصة الاستزادة من الخير.
16 - احرص على الاستزادة من معرفة تفسير القرآن، وأحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم، والسيرة العطرة، وعلوم الدين. فطلب العلم عبادة.
17 - ابتعد عن جلساء السوء، واحرص على مصاحبة الأخيار الصالحين.(/1)
18 - إن الاعتياد على التبكير إلى المساجد، يدل على عظيم الشوق، والأنس بالعبادة ومناجاة الخالق.
19 - احرص على توجيه من تحت إدارتك إلى ما ينفعهم في دينهم، فإنهم يقبلون منك أكثر من غيرك.
20 - لا تكثر من أصناف الطعام في وجبة الإفطار، فهذا يشغل أهل البيت عن الاستفادة من نهار رمضان في قراءة القرآن، وغيره من العبادات.
21 - قلل من الذهاب إلى الأسواق في ليالي رمضان، وخصوصًا في آخر الشهر؛ لئلا تضيع عليك تلك الأوقات الثمينة.
22 - اعلم أن هذا الشهر المبارك ضيف راحل فأحسن ضيافته، فما أسرع ما تذكره إذا وَلَّى.
23 - احرص على قيام ليالي العشر الأواخر، فهي ليالي فاضلة، وفيها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.
24 - اعلم أن يوم العيد يوم شكر للرب، فلا تجعله يوم انطلاق مما حبست عنه نفسك في هذا الشهر.
25 - تذكر - وأنت فرح مسرور بيوم العيد - إخوانك اليتامى والثكالى والمعدمين، واعلم أن من فضلك عليهم قادر على أن يبدل هذا الحال، فسارع إلى شكر النعم ومواساتهم.
26 - احذر من الفطر دون عذر، فإن من أفطر يومًا من رمضان لم يقضه صوم الدهر كله ولو صامه.
27 - اجعل لنفسك نصيبًا ولو يسيرًا من الاعتكاف.
28 - يحسن الجهر بالتكبير ليلة العيد ويومه إلى أداء الصلاة.
29 - اجعل لنفسك نصيبا من صوم التطوع، ولا يكن عهدك بالصيام في رمضان فقط.
30 - حاسب نفسك في جميع أمورك ومنها:
المحافظة على الصلاة جماعة - الزكاة - صلة الأرحام - بر الو الدين - تفقد الجيران - الصفح عمن بينك وبينه شحناء - عدم الإسراف - تربية من تحت يديك - الاهتمام بأمور إخوانك المسلمين - عدم صرف شيء مما وليت عليه لفائدة نفسك - استجابتك وفرحك بالنصح - الحذر من الرياء - حبك لأخيك ما تحب لنفسك - سعيك بالإصلاح - عدم غيبة إخوانك - تلاوة القرآن وتدبر معانيه - الخشوع عند سماعه.
هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.(/2)
العنوان: نصراني أصبح أخاً مسلماً بعد زيارة الألوكة
رقم المقالة: 2033
صاحب المقالة: خاص: الألوكة
-----------------------------------------
نصراني أصبح أخاً مسلماً بعد زيارة الألوكة:
تهنئة خاصّة بمناسبة إسلام الأخ
نزار الربضي من الأردن في التعليق السادس عشر على المقالة المنشورة في الألوكة بعنوان:
زواج المسلمة بغير المسلم... اجتهاد أم إفساد؟
على الرابط التالي: (زواج المسلمة بغير المسلم... اجتهاد أم إفساد؟)
نُهنِّئكَ - أخانا الحبيب - ونباركُ لكَ نَحنُ إخوانكَ في موقع الألوكة المبارك، على ما مَنَّ اللَّهُ به عليكَ من نعمةٍ بالدُّخول في الإسلام، ونُهنِّئك لاسْتِقبالِكَ عُمرًا جديدًا، وحياةً سعيدةً بإذن الله.
ونقولُها من قلوبنا:
هنيئًا لك، ثُمَّ هنيئًا لك، ثُمَّ هنيئًا لنا.
فَهنيئًا لَكَ - أخي الكريم - فلقدِ اختارَك اللَّهُ واصْطَفاكَ لِتَكونَ من عبادِه المسلمين.
ثُمَّ هنيئًا لكَ؛ فلقدِ انتَشَلَكَ اللَّهُ من أوْحَالِ الكُفْرِ والضلال إلى طريق الهُدى والاستقامة على الحق، إنه جواد كريم.
ثُمَّ هنيئًا لنا، ومرحبًا بك أخًا بيننا، وفردًا من أفراد هذه الأُمَّة المُسلِمة الَّتِي رضيتْ بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبِمُحمَّدٍ نبيًّا.
وتقبَّل تحيَّاتِ إخوانِك الحارَّة والمُفعمة بِالوُدِّ؛ فنَحْنُ إخوانُك في العقيدة نُشارِكُكَ الفرحةَ بِدُخولِك في الإسلام، فالمؤمنون كالبُنيان المرصوص يشدُّ بعضُه بعضًا، وندعو لك بالثَّباتِ على الإسلام والفِقْه في الدِّين؛ فإنَّها - والله - أعظمُ النِّعَم، والتَّوفيق الذي ليس بعده توفيق، وغايةُ السعادة المنشودة.(/1)
قال الله تعالى في القرآن الكريم: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 257].
وقال تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا} [آل عمران: 103].
وقال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام: 122].
وقال عزَّ وجلَّ: {فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام: 125].
وقال تعالى: {فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا} [الجن: 14].
وقال الله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} [الأنعام: 104].
ونسألُ الله أن يَحفظكَ ويُثَبِّتك على الحق، ويَختمَ لك بالحُسنَى ويُدخلك الجنة، ويَجمعَكَ مع النَّبيِّين والصِّدِّيقين والشهداء والصالحين.
ونَنْصحُكَ أن تعزِمَ عزمًا صادقًا على القيام بِجميعِ أوَامِرِ الشَّريعة، والبعد عن نواهيها، وأن تُطيعَ ربَّك الذي خلقكَ فسوَّاك فعدَلَكَ، وجعل لك السَّمعَ والبصرَ والعَقْلَ لِتَشْكُره، وأتَمَّ نعمتَه عليك وأسبغها لتسلم وتنقاد.(/2)
ثُم نَنصحُكَ إنْ لَم تتمكَّنْ من إِقَامَةِ شعائِرِ دِينِكَ في بلدِك لاضطهاد عشيرتك وذَوِيكَ أن تُهاجِرَ إلى بلدٍ آخَر من بلادِ الإسلام يُمكنك في أن تعبد الله؛ قال الله تعالى: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} [العنكبوت: 56].
كما يمكنك الحصول على أوراق رسْميَّة تُثْبِتُ إسلامك، تستطيع الزواجَ بِها ممن تريد، من المملكة العربية السعودية عَنْ طريق المَحاكم الشرعيَّة أو مراكز التَّعريفِ بالإسلام التَّابعة لدعوة الجاليات الوافدة على المملكة، أو بِالذَّهاب إلى مَشيخةِ الأزْهَر بِجمهورية مِصْر العربية؛ حيث يَقومون بإعطاء مَنْ يُشْهِرُ إسلامَه أوراقًا ثُبُوتيَّة رسميَّة ومُوَثَّقة تُثْبِتُ إسلامَه. وهذه الهيئات الرسمية كفيلة - بإذن الله - بتوفير الحماية اللازمة لك، وتقديم يد العون إليك.
ونُوصيك بالصبر الجميل على ما قد يَعرض لك من مواقف وضغوط، وبالعزم الأكيد الثابت على أن تَمضي قُدُمًا على طريق الهداية والرشاد، غيرَ عابئٍ بالمعوِّقين والمثبِّطين، ولا مكترِثٍ بالفاتنين والمضلِّلين؛ يقول تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10].
وفَّقكَ اللَّهُ لِما يُحِبُّ ويَرضى، وأخذ بنواصينا وناصيَتِكَ إلى البِرِّ والتقوى، ونتركُكَ في حِفْظِ الله ورِعايته، آملينَ أن يتجدَّد اتِّصالُك بنا على خير،،
هذا وصلى الله على نبيِّنا محمد وآله وصحبه.
والسلام عليكُم ورحْمةُ الله وبركاته.(/3)
العنوان: نظام القضاء ونظام ديوان المظالم الجديدان
رقم المقالة: 1509
صاحب المقالة: د. سعد بن مطر العتيبي
-----------------------------------------
نظام القضاء ونظام ديوان المظالم الجديدان
(قراءة دستورية)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقد صدر المرسوم الملكي ذو الرقم م/78 وتاريخ 19/9 / 1428 هـ بالموافقة على نظام القضاء، ونظام ديوان المظالم الجديدين؛ ومن مكة المكرمة كما هو في خبر وكالة الأنباء السعودية، وكأنّ صدوره من هناك إشارة أولى إلى خضوعه للوحي الإلهي؛ كتابًا وسنّة صحيحة.
وهذا ما يجب أن يكون، وهو ما جاء النص عليه صريحًا في ذكر ملامح هذين النظامين، في أكثر من موضع.
1) يُعدّ أول تنظيم مدوّن للنظام القضائي الإسلامي في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ثاني رجال السنة التشريعية التي أوصى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - باتِّباعها بعد اتبّاع سنته، وهو ما يعرف بكتاب عمر إلى أبي موسى، ذلك الكتاب الذي لقي عناية فائقة من علماء الإسلام وكبار محققيه، من مختلف المذاهب الفقهية، حتى شرحه بعضهم شرحًا مستقلاً فيما يزيد على أربعمائة صفحة، وهو التنظيم الذي قال فيه العلامة السرخسي: "يسمونه: كتاب سياسة القضاء وتدبير الحكم"؛ فليس التدوين التنظيمي أمرًا جديدًا على دولة الإسلام كما يظنّ بعض النّاس.
ومن هنا؛ فالتنظيمات التي تقع من ولاة الإسلام تحقيقًا لعدالته، لها سلف في صنيع الخليفة الراشد، والرشد فيها بقدر التزامها بأصول الإسلام وتشريعه.
وبعد تردد في الكتابة - بسبب الظرف الزماني، حَسَمَتْهُ رسالة هاتفية وصلتني من بعض الأفاضل، يطلب فيها كتابة مقال يوضِّح الأمر لعموم القُرَّاء، ويزيل اللبس الذي تُوهِمه بعض مقالات الكتّاب - جاء هذا المقال.(/1)
ومن هنا؛ فليس هذا المقال قراءة نظامية شاملة لهذين النظامين، فهذا ما لا يمكن أن يكون دقيقًا في مثل هذا الوقت، ولا سِيَّمَا أنني لم أقف – حتى هذه اللحظة - على شيء من مسودات مشروع النظام ومداولاته، وإنَّما هو قراءة دستورية لهما؛ إذ إنّ هذا الأمر هو ما يهم عموم النّاس في بلاد جَعَلت مَرجِع أنظمتها – بما في ذلك النظام الأساسي للحكم - كتابَ الله تعالى وسنّةَ رسوله - صلى الله عليه وسلم - وهذا صريح المادة السابعة من النظام الأساسي للحكم، ونصّها: "المادة السابعة: يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله وسنة رسوله.. وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة".
2) ومما يحسن التنبيه إليه في هذا المقام، أنَّ من المبادئ الدستورية المتفق عليها بين شُرَّاح القوانين وما يُعرف بالقضاء المقارن: مبدأ سمو الدستور، أي علوه على بقية الأنظمة والقوانين، ومرجعيته في التَّحَقُّق من مدى ملاءمتها وفق أصول قانونية مُعَيَّنَة، بحيث يكون حاكمًا عليها بالملاءمة (الدستورية) أو عدمها (عدم الدستورية).
ويتفرع عن ذلك ضرورة مراعاة السلطة التنظيمية، التي يسميها القانونيون "السلطة التشريعية" للدستور وتقيدها بقواعده في أثناء سنِّها للأنظمة.
كما يتفرع عنه حق الرقابة السلبية اللاحقة على الأنظمة والقوانين العادية وما دونها، إذا لم ينصّ الدستور على تحديد جهة تتولى الرقابة الدستورية على الأنظمة والقوانين؛ وهذا يعني أنَّ للمحاكم الامتناع عن تطبيق أي مخالفة نظامية للدستور، وعليها الحكم بما يتوافق معه مع تسبيب الحكم شرعًا.
3) وإذا أردنا بيان مدى مراعاة هذين النظامين للنظام الأساسي للحكم، الذي يُعد الوثيقة الدستورية في بلادنا حماها الله! فيمكننا الخلوص بالنتائج الرئيسة التالية:(/2)
أ) أكّدت المادة الأولى من نظام القضاء استقلال القضاة، وهو فرع عن استقلال السلطة القضائية، التي نصَّ عليها النظام الأساسي للحكم؛ فقد جاء نص المادة الأولى من نظام القضاء كما يلي: "المادة الأولى: القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير أحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية وليس لأحد التدخل في القضاء".
وهو توافق ظاهر مع المادة (السادسة والأربعون) من النظام الأساسي للحكم؛ فنصها: "القضاء سلطة مستقلة.. ولا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة الإسلامية".
ومفهوم استقلال القضاء في النظام الإسلامي يعني: عدم وقوع القضاء تحت تأثير سلبي لسلطة أو شخص أو أي مؤثِّر في الأحكام القضائية، بحيث ينحرف القضاء عن مقصوده المتمثل في الحكم بالحق وتحقيق العدل.
واستقلال القضاء من الضمانات التي يتفق عليها العقلاء، وقد جاء تأكيدها في النصوص الشرعية، من مثل قول الله تعالى: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} [المائدة:48]، وقوله: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ} [المائدة:48]، وعقَّب ذلك ببيان مآل الإخلال باستقلال القضاء في قوله سبحانه: { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:48]، وحكم الجاهلية نموذج التخلف الذي يتنافى مع التطوير وإيجابياته.
ومن مثل قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: ((من أعان على خصومة بظلم، لم يزل في سخط الله حتى ينزع))؛ رواه أبو داود وابن ماجه وغيرهما، وصححه غير واحد من أهل العلم.(/3)
وقد جاء التنبيه إلى هذه الضمانة العدلية في نظام القضاء العمري السابق ذكره، فقد جاء فيه ما نصّه: "آس بين النّاس في مجلسك وفي وجهك وقضائك حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييأس ضعيف من عدلك".
ويُميز كثير من القانونيين استقلال القضاء بما يُعرف بالفصل بين السلطات الثلاث: التنفيذية (التي تتولى تصريف شؤون البلاد وفق الأنظمة)، والتنظيمية (التي تتولى إصدار الأنظمة والقوانين)، والقضائية (التي تتولى القضاء والفصل بين المتنازعين). وهو معيار يَصْدق إن قُصد به الفصل بين السلطات فيما يخصها، لا الفصل التام كما يوهمه إطلاق الكلام فيه؛ إذ إنَّ الفصل التام نوع من التنظير للعدالة ليس إلا.
ومما يجدر بالذكر هنا أن النظام الأساسي للحكم في المملكة، جعل العلاقة بين السلطات الثلاث علاقة تعاون تكاملي في أداء وظائفها المستقلة، وفق النظام الأساسي للحكم وغيره من الأنظمة، كما هو مقتضى المادة (الرابعة والأربعون) منه؛ وهذا يقتضي أن يكون كل ذلك في إطار السياسة الشرعية؛ وهو على هذا، أمر له فلسفته في النظام السياسي الإسلامي، وكذا في رأي عدد من منظري المبادئ الدستورية الوضعية.
ومن هنا يفسّر صدور الموافقة على النظامين بمرسوم ملكي، وذلك استنادًا إلى المادَّة (السبعون) التي تنصّ على صدور الأنظمة والمعاهدات والاتفاقات بموجب مراسيم ملكية؛ وكذلك الشأن في الأمر الملكي، إضافة إلى ما يحمله معنى الأمر الملكي من قوة للمأمور به، تُساهِم عادةً في تسهيل ما قد يعترضه من عقبات مالية وإدارية وغيرها.
وهكذا ما تضمنه النظامان من النص على تتويج بعض قرارات المجلس الأعلى للقضاء بالأمر الملكي وما جاء في معناه.(/4)
ومما يحسن التنبيه إليه أن هذين الأمرين لا يُعدّان تدخلاً في السلطة القضائية بالمعنى الممنوع شرعاً وقانونًا، وإنَّما هو جزء من وظيفة ولي الأمر في سياسة الأمة سياسة شرعية، وإشرافه على تطبيق الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية كما هو مقتضى المادة (الخامسة والخمسون) من النظام الأساسي للحكم، ولا شك أنَّه جزء من الولاية الشرعية، ما دام في هذا الإطار.
وقد اتَّضَح الفصل بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية في شؤون القضاء ذاته في المادة (الحادية والسبعون) من النظام التي حصرت عمل وزارة العدل في الإشراف الإداري والمالي على المحاكم وكتابات العدل، ورفع ما تراه من المقترحات أو المشروعات التي من شأنها رفع المستوى اللائق بمرفق العدالة، وإنشاء مركز بحوث تابع لها، يتولى نشر الأحكام القضائية المختارة بعد موافقة المجلس الأعلى للقضاء.
ويُلحَظ أن عضو المجلس الأعلى للقضاء من وزارة العدل، هو وكيل الوزارة، الذي يجب أن يُختار من بين رجال القضاء العاملين أو السابقين، بشرط أن لا تقل درجته عن رئيس محكمة (ب) أو سبق له شغل هذه الدرجة.
ب) ومن الأمور التي تؤكِّد دستورية النظامين الجديدين: النصّ على أنَّ مرجعية الأحكام هي الشريعة الإسلامية، وما تفرع عنها من الأنظمة المرعيّة؛ وهنا تجدر الإشارة إلى أنَّ من أهم أسباب عدول المُنظِّم السعودي عن المسمى المُعَاصِر للأنظمة وهو (القانون)، جريانُ العرف المعاصر بأنّ القانون ما تَفَرَّع من الأحكام الوضعية المضادة للشريعة في الجملة؛ فأراد المنظِّم السعودي تأكيد انتماء تنظيمات المملكة العربية السعودية إلى الشريعة الإسلامية وانبثاقها عنها، بالعدول عن اللفظ المحتمل إلى اللفظ الأسلم.(/5)
وقد جاء النصّ الدستوري بوجوب تطبيق المحاكم لأحكام الشريعة الإسلامية في جميع القضايا المعروضة عليها، وذلك في المادة (الثامنة والأربعون) من النظام الأساسي للحكم، ونصّها: "تُطَبِّق المحاكم على القضايا المعروضة أمامها أحكام الشريعة الإسلامية وفقاً لما دلّ عليه الكتاب والسنّة، وما يُصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض مع الكتاب والسنة"؛ فالمرجعية في القضاء للشريعة الإسلامية، وهذا نص صريح في بطلان أي حكم غير شرعي، وإن استند إلى نظام صادرٍ من ولي الأمر.
كما جاء النص على تمام سلطان الشريعة على القضاء في (السادسة والأربعون)، وفي المادة الأولى من نظام القضاء الجديد، وأحالت إليها المادة الأولى في نظام ديوان المظالم الجديد، وقد ذكرتُ نص المادتين الأخيرتين في الفقرة (أ)، وكلاهما محكوم بالمادة السابعة من النظام الأساسي للحكم أيضًا.
ج) جاءت المادة الحادية والثلاثون، لتؤكِّد النصوص السابقة، بوضع آلية التنفيذ الصحيح لها، فنصت على الشروط الواجب توفرها فيمن يولَّى القضاء في المملكة كحدٍ أدنى من الشروط، وهي ما ورد في الفقرة (ج) من المادة ذاتها، ونصّها: "ج- أن يكون متمتعًا بالأهلية الكاملة للقضاء بحسب ما نص عليه شرعا ".
كما بينت هذه المادة آلية تحقيق ذلك في الواقع، في الفقرة (د) بذكر نوع التأهيل العلمي المناسب لتحقيق الشرط الوارد في الفقرة (ج)، ونص الفقرة (د): "أن يكون حاصلاً على شهادة إحدى كليات الشريعة بالمملكة، أو شهادة أخرى معادلة لها، بشرط أن ينجح - في الحالة الأخيرة - في امتحان خاص يعده المجلس الأعلى للقضاء".(/6)
وهذا شرط واضح يحقق مضمون الشرط الشرعي المُتَّفَق عليه بين العلماء في أهلية القضاء، الذي هو العلم بالأحكام الشرعية التي يقضي فيها، علمًا يشتمل على علم أصولها والارتياض بفروعها، لتتحقق المَلَكَةُ الفقهية المطلوبة، وهو أمر لا يتيسر لمن ليس له تخصص في علم الشريعة، وقد لا يتيسر في مَن تخرج من كلية شرعية خارج المملكة معادِلة لكلية الشريعة في المملكة؛ مما جعل المنظِّم يحتاط للشرط المتفق عليه شرعًا، المنصوص في الفقرة (ج) بتذييل الفقرة (د) بشرط إضافي في هذه الحالة، وذلك بالنص التالي: "بشرط أن ينجح - في الحالة الأخيرة - في امتحان خاص يُعدُّه المجلس الأعلى للقضاء ".
وهذه الشروط ذاتها ليست خاصة بمن يتولى القضاء فحسب، فقد اشترطها النظام - أيضًا - في من يُعَيَّن على وظيفة كاتب عدل، كما في المادة (السادسة والسبعون).
وإذا كان ما سبق هو الحد الأدنى من الشروط الواجب توفُّرها في القاضي؛ فإنَّ المواد (33 إلى 43) قد أضافت من الشروط ما يقوى بقوة الولاية، مما يعطي ارتياحًا شرعيًّا في قوة التأهيل لكل ولاية بحسبها.
ولا شكّ أنَّ هذه الشروط المهمّة الكاشفة عن مستوى التأهيل القضائي لمن يُقَلّد منصب القضاء، تجعله في مستوى من التأهيل الشرعي المطلوب شرعًا؛ حيث جمعت بين شروط علمية وشروط خبرة سابقة ومدد تجربة لاحقة، إضافة إلى التفتيش القضائي، تمنح المنصب القضائي نظرة احترام وثقة تجعل التسليم للحكم القضائي في أعلى درجاتها.
د) أكّد النظامان حصر القضاء في جهتيه الدستوريتين: المحاكم وديوان المظالم؛ ذلك أن النظام الأساسي للحكم قد حصر القضاء في هاتين الجهتين بمقتضى المادتين (التاسعة والأربعون) و(الثالثة والخمسون).(/7)
وهذا الحصر هو أحد ملامح هذين النظامين، فقد نصت تسمية المحاكم على بعض قضايا المحاكم العامة، التي كانت تحكم فيها دوائرُ قضائية ضمن اختصاصات استثنائية في ديوان المظالم، أو كانت تفصل فيها لجان خارج إطار القضاء،لم توصف بالمحاكم، فليس كل أعضائها مؤهل للقضاء، ولعلّ هذا مما ألجأ المنظِّم آنذاك إلى وصف ما تُصدره بأنَّه قرارات إدارية وليس أحكامًا قضائية شرعية؛ ومن ثم جاز التظلُّم ضدها أمام ديوان المظالم.
وقد جاء النص على أنواع المحاكم تحت تهاتين الجهتين، وإمكان إحداث محاكم جديدة ضمنهما في المادة التاسعة من نظام القضاء، مبيِّنة شموله لكل القضايا التي لا تدخل ضمن اختصاصات ديوان المظالم؛ وجاءت (المادة الثامنة) من نظام ديوان المظالم، مبيِّنة اقتصاره على اختصاصه الأصلي المتمثل في القضاء الإداري.
وقد يستنكر بعض الفضلاء وجود مسميات جديدة لبعض أنواع المحاكم في نظام القضاء الجديد، كالمحاكم التجارية والمحاكم العمالية؛ وإذا ما استذكرنا ما سبق بيانه من أنَّها - وفق هذا النظام ذاته - محاكم مُلزمة بالحكم بالشريعة، وأنَّ مؤهِّلات القاضي، فيها على النحو السابق بيانه، فإنَّه حينئذ لا خشية من هذه التسميات التخصصية، إذا ما تولاها المؤهّلون تأهيلاً شرعياً نظامياً، وحكموا فيها بمقتضى الكتاب والسنة، كما هو مقتضى النظام الأساسي.
هـ) جاء في المادة (الحادية عشرة) من نظام القضاء، بيان ولاية المحكمة العليا، وأنَّها تتولى: "مراقبة سلامة تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، وما يصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض معها في القضايا التي تدخل ضمن ولاية القضاء العام... ".
وجاء في المادة (الحادية عشرة) من نظام ديوان المظالم، اختصاصها بالنظر "في الاعتراضات على الأحكام التي تصدرها محاكم الاستئناف الإدارية، إذا كان محل الاعتراض: أ – مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية، أو الأنظمة التي لا تتعارض معها... ".(/8)
ويمكن أن يوصف هذا القدر من الولاية بأنَّه نوع من الرقابة الدستورية على الأحكام والقرارات التي تصدرها أو تؤيدها محاكم الاستئناف، فهي رقابة على دستورية الأحكام القضائية، لا ترقى إلى درجة اختصاصات ما يعرف بالمحاكم الدستورية إلا إذا ضُمِّنت رقابتها على الأحكام والقرارات رقابتها على مستنداتها النظامية؛ وعلى فرض عدم إمكان دخول رقابتها على الأنظمة تبعًا، فتبقى مختصة برقابة دستورية الأحكام والقرارات، وهو أمر لا يتعارض مع مسمى المحكمة العليا.
وعلى كل حال، فوجود هذا النوع من الرقابة مطلب مهم في النظامين، وإضافة تنظيمية تستحق الشكر.
ويُلحَظ أنَّ (المادة الثالثة عشرة) من نظام القضاء نصت على هيئة عامة برئاسة رئيس المحكمة العليا وعضوية جميع قضاتها تتولى فيما تتولى: أ- تقرير مبادئ عامة في المسائل المتعلقة بالقضاء. ب- النظر في المسائل التي ينص هذا النظام أو غيره من الأنظمة على نظرها من الهيئة العامة.
وفي الفقرة الأولى جاء تقرير المبادئ العامة بتنظيم واضح يفيد من السوابق القضائية، وبما أنها سوابق تخضع لمراقبة المحكمة العليا التي تُخضعها بولايتها لأحكام الشريعة الإسلامية، فستساهم في حصر القضايا التي يسوغ تدوينها، ليفيد منها القضاة فيما ينظرونه من قضايا.
وفي الفقرة الثانية ما قد يوحي بإمكان إضافة اختصاصات جديدة للمحكمة العليا وهيئتها العامة، وهو في حال حصوله أولى – في نظري- من المحكمة الدستورية، لأن جميع أعضائها من القضاة، وهو ما ليس شرطًا في تكوين المحاكم الدستورية، بل يُعدّ من عيوبها، كما هو الحال في النظام الفرنسي مثلاً.
وأخيرًا يمكن القول هنا باختصار: لقد انتصر التطوير التنظيمي على دعاوى الإصلاح الإعلامية، وبقيت لأنظمتنا أصالتها في محور أصولها، ومرونتها الدائرة حول هذا المحور.(/9)
هذه قراءة دستورية عامّة للنظامين، رأيت كتابتها مع ضيق الوقت تحقيقًا للأسباب السابق ذكرها أول المقال، ونسأل الله تعالى الذي وفّق ولاة أمرنا في الوصول إلى هذه الصيغة النظامية الدستورية، أن يوفقهم للسياسة الشرعية في تطبيقها، وأن يثيبهم على ذلك.(/10)
العنوان: نظرات جديدة في كتاب (الأعلام) للزركلي (1)
رقم المقالة: 335
صاحب المقالة: أحمد العلاونة
-----------------------------------------
كنت قد نشرت بضع نظرات واستدراكات على كتاب (الأعلام) لخيرالدين الزِّرِكْلي رحمه الله، ذلك الكتاب الذي لا يقاربُه كتاب في فنِّ التراجم منذ بضعة قرون، وإن لتراجمه مذاقاً خاصاً، فقد استنفر في تحبير هذا الكتاب خلاصة علمه وأدبه وذوقه وسعة اطلاعه ونتاج رحلاته وأعماله ومقتنياته، فتراجمُه - على اختصارها - فيها التصوير الدقيق لحال المترجَم ومرتبته، والاختصار لما يطول وصفُه من سيرته، والتنويه بأهمِّ أعماله ومؤلَّفاته والنوادر التي يقع عليها من آثاره.
وكان من دأبي أن أنشرَ ما يجتمع لديَّ أولاً بأول، خدمة لهذا الكتاب العظيم ومحبَّة لمؤلِّفه الذي أرجو الله تعالى أن يتقبَّل منه عمله وأن يجعلَه في ميزان حسناته.(/1)
وسيرى القارئ أن كثيراً مما سأورده في مقالتي هذه مدارُه على كتاب (جناية الصيَّادي على التَّاريخ) للأستاذ الفاضل عبدالرحمن بن سليمان الشايع. ولعل من المفيد أن أقدِّم بين يدي المقالة ترجمة مُقتضبة للصيَّادي، فهو: أبوالهدى محمد بن حسن الصيادي، ولد سنة 1266هـ وتوفي سنة 1328هـ, كان من كبار الدعاة إلى الطرق الصوفية في عصره، ومن المقرَّبين إلى السلطان عبدالحميد الثاني، تعلَّم بحلب ثم ترقَّى إلى أن ولي نقابة الأشراف فيها، ثم اتصل بالسلطان عبدالحميد الثاني فحظيَ عنده، واستمرَّ في خدمته زهاء ثلاثين سنة، وكان له من سعة النفوذ ومَضاء الكلمة عنده وعند حاشيته ما حصَّل به جاهاً عريضاً، فصار محطَّ أنظار العلماء والأدباء والشعراء، ولما خُلع السلطان عبدالحميد نُفيَ الصيَّادي إلى جزيرة الأمراء في رينكيبو فمات بها، وكان موفورَ الذكاء، ومن أمارات ذلك أنه حَرَصَ في كتبه أن يُسند دعاواه إلى مصادر سابقة، ثم يؤلِّف أو يقوم بتكليف من يؤلِّف تلك المصادر، وينسب أكثرَها إلى رجال لا وجود لهم، ثم يؤلِّف كتباً فيها تراجم لهم وينسبها إلى آخرين كذلك، وقد انتقده كثير من علماء عصره واتَّهموه بوضع كتب ونسبتها إلى مؤلِّفين متقدِّمين، وافتعال تراجمَ لا وجود لها، من هؤلاء العلماء: محمد راغب الطبَّاخ، وجمال الدين القاسمي، ومحمود شكري الألوسي، ومحمد سليم الجندي، ومحمد كرد علي، وخير الدين الزركلي الذي قال في ترجمته 6/94: "وصنَّف كتباً كثيرة أشكُّ في نسبتها إليه، فلعله كان يشير بالبحث أو يُملي جانباً منه فيكتبه له أحدُ العلماء ممَّن كانوا لا يفارقون مجلسه.... وله شعر ربما كان بعضُه أو كثير منه لغيره".(/2)
ويكاد جهد الصيادي ينصبُّ في مجرى واحد هو الطريقة الرفاعيَّة، من إعلاء شأن الطريقة، وتثبيت نسبها وإلحاقه بالنسب النبويِّ الشريف، ونسبة نفسه إلى عشيرة الصيَّاد، ونسبة الصيَّاد إلى الرفاعيَّة، ونسبة بني خالد الذين يزعم أنهم أخواله إلى خالد بن الوليد، مع أن المؤرِّخين يجزمون بانقطاع عَقِبِه، والردِّ على مخالفيه فيما تقدم، وغمز الطريقة القادريَّة نسباً وحالاً وتفضيل الرفاعيَّة عليها.
وقد أُخمل ذكره بعد وفاته، فكان خُمولاً عجيباً بعد أن كان ظهوره ظهوراً عجيباً، على ما يقول الأستاذ عبدالرحمن الشايع.
المجلد الأول:
ص148- الصيادي، أحمد بن عبدالرحيم الرفاعي الصيادي (ت670هـ) أحال على الأزهرية، وذيل كشف الظنون، ومعجم المطبوعات. وهذه الترجمة من تلفيق أبي الهدى الصيادي.ا نظر (جناية الصيادي على التاريخ) ص83.
ص154- الحارثي: أحمد بن عبدالكريم، عدَّ من كتبه: (الأدوية المفردة على ترتيب حروف أبجد). وأظنه يقصد على حروف المعجم أو الألف باء.
ص160- ابن العاقولي: أحمد بن عبدالله العاقولي الرفاعي (ت نحو 930هـ) وهذا الرجل لا وجود له، اختلقه أبوالهدى الصيَّادي، انظر (جناية الصيادي على التاريخ ) ص82 – 83، وقد أحال على (هدية العارفين) وقال: "وعنه أخذنا تقدير وفاته، وإن كان يعني بجده الإمام محمد بن محمد العاقولي، فذلك توفي سنة 797هـ - انظر ترجمته - ولا تكون بينه وبين حفيده هذه المدة الطويلة، ولم يذكره السخاوي في وفيات المئة التاسعة، ولا الغزِّي في أهل المئة العاشرة". فمرجع هذه الترجمة هو تلفيق الصيَّادي، وكان مما لحق بكتابه العظيم (الأعلام) أنه اعتمد في تراجم بعض أعلامه على كتب مما لفَّق أبو الهدى الصيَّادي، أو على فهارس أُدرج فيها أسماء مؤلَّفات مما زوَّر الصيادي.(/3)
ص165- الوزير الغساني: أحمد بن عبدالوهاب. سمى من كتبه: (شرح الهمزية والبردة) و(الجواهر السنية) وهما واحد (الجواهر السنيَّة في شرح الكواكب الدرِّية وما قاله الأعلام في الشعبة العراقيَّة) منه نسخة بخطِّ المؤلف في الخزانة الحسنيَّة (ز866)، وسمَّى أيضاً من كتبه (مقصورة) طويلة جداً و(شرحها) في مجلدين، و(تحفة الطالب بشرح مقصورة المناقب). قلت: (الشرح) و(التحفة) واحد، وقد تكرر ذكر (التحفة) ومنها نسخة بخط المؤلِّف كانت في خزانة الشيخ العربي بن أحمد الحريشي بفاس وعليه تقاريظ، ويوجد الجزء الأول منه في الخزانة العامة بالرِّباط (ج44) مع نسخة أخرى منه بنفس الخزانة (563ك) والجزء الثاني محفوظ بها أيضاً (81ق) وهو مبتور الطرفين، قلت أيضاً: كلمة الوزير ليست لقباً له، إنما هي اسم أسرته بالأندلس حملته معها إلى المغرب لما هاجرت إليه. انظر (أعلام المغرب العربي) 6: 254 - 261.
ص170- الأعظمي: أحمد عزت. يستدرك عليه اسم أبيه: عبدالحميد بن طه. لذا تنقل ترجمته إلى ص144 بعد ترجمة ابن تيمية. انظر (أعلام اليقظة الفكرية في العراق الحديث) ص107. ونسب إليه: (فصل القضاء في الفرق بين الضاد والظاء)، والصحيح أنه لسميِّه أحمد عزت (أفندي) بن رشيد البغدادي المتوفَّى عام 1933، كما في (معجم المؤلفين العراقيين) 1/90.
ص195- فريد الرفاعي: أحمد فريد ت1956. يُستدرك عليه تاريخ مولده 1892 كما في (موسوعة أعلام الفكر العربي) 3/70.
ص234- الوَتَري: أحمد بن محمد (ت980هـ)، نسب إليه: (روضة الناضرين وخلاصة مناقب الصالحين). وهذا الرجل لا حقيقة له، اختلقه أبو الهدى الصيَّادي، ونسب إليه هذا الكتاب، وجعله ينقل عن أحمد الزبرجدي المتوفَّى سنة 1084هـ. انظر (جناية الصيادي على التاريخ) ص58، 59، 65.(/4)
ص249- السقياني: أحمد بن محمد، والصحيح: السفياني (بالفاء) بعد السين. وقال في ترجمته: (صنَّف كتاباً سمَّاه (صناعة تسفير الكتب وحل الذهب) بفاس سنة 1919 مع ترجمة فرنسية للكتاب. وأظنُّه طُبع في حياته، ولم أره). قلت: طبع عام 1917 في 28 صفحة. انظر (معجم المطبوعات المغربية) 157.
ص260- الجلاد: أحمد بن موسى. والصحيح: ابن الجلاد، وقال: "له مصنَّفات" ولم يذكر أحدها، وله: (المقدِّمة الدرِّية في استنباط الصِّناعة الجبريَّة). انظر (مصادر الفكر الإسلامي في اليمن) 577.
ص247- الحَلَواني: أحمد بن محمد. سمَّى من كتبه: (المنحة السنيَّة) منظومة في التجويد، ولعلَّ الصحيح في القراءات.
المجلد الثاني:
ص58- بطرس البستاني: بطرس بن بولس. سمَّى من كتبه: (كشف الحجاب في علم الحساب)، و(مسك الدفاتر)، وهما كتابٌ واحد، وسَّع المعلِّم البستاني بعض أبواب الكتاب الأول وأعاد نشره بعد ثلاث سنوات بعنوان: (روضة التاجر في مسك الدفاتر)، لا (مسك الدفاتر). وسمَّى من كتبه أيضاً: (المصباح) وصواب الاسم وتمامه: (مصباح الطالب في بحث المطالب). انظر مقالة الدكتور عبداللطيف الطيباوي (المعلم بطرس البستاني) في مجلَّة (مجمَّع اللغة العربية بدمشق) 45/599. و(معجم المطبوعات العربية) 1/558ـ559، وفيه تسمية الكتاب الثاني: (روضة التجار في مبادئ مسك الدفاتر).
ص167- الشيرازي: حبيب الله، سمَّى من كتبه: (حاشية) على شرح العضد، و(الردود والنقود) علَّقه على (شرح المختصر العضدي)، ولعلهما واحد فليحقَّق.
ص241- برهان الدين: حسين بن عبدالعلاَّم الصيَّادي (ت1146هـ). هذه الترجمة ملفَّقة من قِبَل أبي الهدى الصيَّادي الذي يزعم أن صاحب هذه الترجمة جدُّه فترجمه في كتبه، وقد أحال الزركلي على (العقود الجوهرية) وصاحب العقود كلُّ ما عنده من الصيادي. انظر (جناية الصيادي على التاريخ) ص83.(/5)
ص255- الجَيَّاني: الحسين بن محمد. عدَّ من كتبه: (تقييد المهمل)، وقال: "ضبط فيه كلَّ ما يقع فيه اللَّبس من رجال الصحيحين"، و(كتاب ما يأتلف خطُّه ويختلف لفظُه من أسماء الرُّواة وكناهم وأنسابهم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ممَّن ذُكر في الصحيحين). والصواب: أن (ما يأتلف خطُّه ويختلف لفظُه) قطعةٌ من (تقييد المهمَل) بيَّن المؤلِّف في مقدمة (تقييد المهمل): "... فإنك سألتني أن أجمع لك ما اشتبه عليك مما يأتلف خطُّه ويختلف لفظُه من أسماء الرُّواة وكناهم وأنسابهم من الصحابة والتابعين". انظر مقدمة تحقيق الشيخ محمد نعيم العرقسوسي لكتاب (توضيح المشتبه) لابن ناصر الدين ج/1 ص27.
ص289- ابن حيان: حيان بن خلف. سمَّى من كتبه: (المبين)، ولعل الصحيح (المتين) كما ذكر الدكتور محمود علي مكي في مقدمة تحقيقه للجزء الأول من كتاب المقتبس لابن حيان ص56 - 62. وهذا مذكور أيضاً في وفيات الأعيان (طبعة إحسان عباس) 2/218، وأشار الدكتور إحسان عباس إلى وروده في بعض المصادر أحياناً بـ(المبين) وأشار إلى هذا أيضاً الأستاذ زهير فتح الله في حاشية الأعلام. هذا وقد ضاع هذا الكتاب، ولكن في كتب المؤلفين التالين لعصر ابن حيان نقولاً كثيرة منه، أهمُّها وأوفرها ما في (الذخيرة) لابن بسام الشنتريني، ولو استُخرجت تللك النقول من (الذخيرة) ومن بعض مراجع كتب تاريخ الأندلس - كما يقول الدكتور محمود علي مكي - لأمكن إعادة بناء جزء كبير منه، ويرجِّح الدكتور مكي أنه يبدأ بأحداث الفتنة البربرية التي انفجرت بالأندلس عام 399هـ، وينتهي قبل موت ابن حيان في نحو عام 463هـ.(/6)
ونسب إليه الزركلي كتاباً في (تراجم الصحابة) ولا أظنه إلا لابن حبان، المحدث المشهور، فقد أثبت الدكتور مكي بطلان نسبة (معرفة التابعين) لابن حيان، وذكر أن مفهرس مخطوطات الأسكوريال صحَّف ابن حبان إلى ابن حيان، وعلى هذا يمكن أن تكون نسبة هذا الكتاب عن طريق هذا المفهرِس. ولم أجد فيما بين يديَّ من مصادر ما يُثبت نسبة أيٍّ من هذين الكتابين لابن حيان، ولم يعهد عنه أنه ألَّف في غير تاريخ الأندلس، ولعل خطأ الزركلي أتى من (دائرة المعارف الإسلامية). وقد أشار الزركلي إلى هذين الكتابين في ترجمة ابن حبان 6/78.
ص323- البدوي: خليل بن ميخائيل. جاء فيها: "ثم أصدر جريدة (الأحوال) يومية ولا تزال تصدر إلى الآن" قلت: أصدرها يوميَّة على أنقاض (الفوائد) عام1891، وفي عام 1908 أصدرها مرَّتين في اليوم صباحيَّة ومسائيَّة، وتخلَّى عنها عام 1910 لقيصر بويز وشركاه، نشروها سنتين ونصف سنة، وتوقَّفت عام 1912، كما في (قاموس الصِّحافة اللبنانية) 54.
المجلد الثالث:
ص65- زينب الرفاعية: زينب بنت الإمام أحمد الرفاعي. أحال على (روضة الناظرين) للوتري، وقد تقدم الحديث عن الوتري (الوهمي) وقد افتعل الصيادي ترجمتها ليجعل جدَّه أحمد ابناً لها، فيكون سبطاً للرفاعي، مع كونه من عُصبته الرفاعية، فراراً مما قيل أن عقبه منقرض. انظر (جناية الصيادي على التاريخ ) ص83.
ص232- طه الراوي. سمَّى من كتبه: (نظرات في اللغة والأدب)، والصحيح (نظرات في اللغة والنحو) كما في ( معجم المؤلفين العراقيين) 2/175، و(أعلام اليقظة الفكرية في العراق الحديث) 173، وقد طُبع الكتاب ببيروت عام 1962 كما في المصدرين السابقين.
ص266- العقاد: عباس بن محمود. سمَّى من كتبه: (عن الله)، والصحيح: (الله).(/7)
ص314- الواسطي: عبدالرحمن بن عبدالمحسن الرِّفاعي، نسب إليه: (ترياق المحبِّين في مناقب أحمد الرفاعي وطبقات أتباعه). ونسبته إلى الرفاعيَّة، ونسبة هذا الكتاب إليه هما من تلفيق الصيَّادي. انظر (جناية الصيادي على التاريخ) ص84. قلت: وقد رجعت إلى (تاريخ ابن قاضي شُهبة) 1/384 فلم يذكر هاتين النسبتين.
المجلد الرابع:
ص42- عبدالقادر القرشي. ذكر من أسماء كتبه: (ترتيب تهذيب الأسماء واللغات) وقال: "لعله تهذيب الأسماء الواقعة في الهداية والخلاصة". قلت: بل (تهذيب الأسماء واللغات للنووي)، وانظر مقدمة الدكتور عبدالفتاح الحلو لكتاب (الجواهر المضية) ص43.
ص55- الرافعي: عبدالكريم بن محمد. نسب إليه: (سواد العينين) في مناقب أحمد الرفاعي، وقال: "وفي نسبة هذا الكتاب إليه شك". قلت: لا تصحُّ نسبته إليه، ولا شكَّ أن هذه النسبةَ جاءت عن طريق أبي الهدى الصيَّادي مما دسَّه في الكتب.
ص127- النَّجْري: عبدالله بن محمد. سمَّى من كتبه: (شرح الخمس مئة الآية المنظمة للأحكام الشرعية)، و(شفاء العليل في شرح خمس مئة آية من التنزيل)، وأظنُّهما واحداً فليحقَّق.
ص168- العاني: عبدالمنعم بن محمد. نسب إليه: (قاموس العاشقين في أخبار السيِّد حسين برهان الدين). و المترجَم لا حقيقة له، إنما هو من اختلاق الصيَّادي. انظر (جناية الصيادي على التاريخ) ص59، 65، 75. وانظر ما علَّقته في ترجمة حسين بن عبدالعلام.
ص274- الواسطي: علي بن الحسن. نسب إليه: (خلاصة الإكسير) في نسب الرِّفاعي، لأنه رأى الكتابَ مطبوعاً. وهذه النسبة خطأ، وهي من تلفيق الصيَّادي. وقد ترجم له الذهبيُّ في (معجم الشيوخ) 2/24، والصفَدي في (أعيان العصر) 3/327، وابن حجر في (الدرر الكامنة) 3/37، ولم ينسبوا إليه (روح الإكسير). انظر (جناية الصيادي على التاريخ) 76.(/8)
ص 297- ابن الرومي: علي بن العبَّاس. عدَّ من الكتب المصنَّفة في سيرته: (حياة ابن الرومي) لعبَّاس العقَّاد، والصحيح: (ابن الرومي حياتُه من شعره) وذكر التسمية الصحيحة في ترجمة العقَّاد 3/266.
المجلد الخامس:
ص37- عُمارة اليمني: عمارة بن علي. سمَّى من كتبه: (المفيد في أخبار زَبيد) وقال: "رأيته بجُدَّة عند بائع كتب يمني، لعلَّه المسمَّى (مختصر المفيد في أخبار زَبيد) المخطوط في شستربتي (5223)". قلت: هما واحد كما ظنَّ، وقد طُبع باسم: (المفيد في أخبار صنعاء وزَبيد) في لندن عام 1892 بتحقيق المستشرق كاي، ثم أعاد طبعه الدكتور حسن سليمان عام 1957، ثم بتحقيق الشيخ محمد بن علي الأكوَع عام 1965 مع إضافة قسم التراجم. انظر (مصادر الفكر الإسلامي في اليمن) 476.
ص47- السقاف: عمر بن سقاف. قال في ترجمته: "له منظومات في (الفلك) و(السيرة النبوية) و(مناقب علي بن عبدالله السقاف) جدِّه" ولم يذكر أسماءها، وهي: (عقد اليواقيت والجواهر في معرفة الأوائل وسيرة الرسول الطاهر) سيرة نبوية، و(المطاب السنية في الفوائد الفلكية)، و(موارد الألطاف في مناقب السيد عبدالله بن علي السقاف) لا علي بن عبدالله السقاف كما ذكر. انظر (مصادر الفكر الإسلامي في اليمن) 103، 530، 573.
ص50- الداغستاني: عمر بن عبدالسلام. نسب إليه: (تحفة الدهر في أعيان المدينة المنوَّرة) ونسبه إلى المرادي: محمد بن خليل 6/118. والصحيح أنه للداغستاني. انظر (الأعمال الكاملة للدكتور عاصم حمدان) 2/711 - 716.
المجلد السادس:(/9)
ص55- ابن دُكَين: محمد بن أبي بكر الرِّفاعي (ت750هـ). نسب إليه: (روضة الأعيان في أخبار مشاهير الزَّمان). وأحال على فهارس المخطوطات، وإيضاح المكنون وعنه أخذ وفاته. قلت: ابن دكين اسم بلا مسمًّى انتحله الصيَّادي وعزا إليه هذا الكتاب، على عادته في الافتراء والاختلاق. ولعل الباباني صاحب الإيضاح أخذ ترجمته من كتابَي الصيَّادي (الروض البسام 553) و(تنوير الأبصار 57). انظر (جناية الصيادي على التاريخ) 84. وقد رجعت إلى ما بين يديَّ من كتب تراجم القرن الثامن كالدرر الكامنة، وتاريخ ابن قاضي شُهبة، وأعيان العصر وأعوان النصر، فلم أجد له فيها ذكراً.
ص84- أبوجعفر الطوسي: محمد بن الحسن. تكرَّر ذكر كتابه: (الإيجاز)، أُشير إليه مرَّة مخطوطاً وأخرى مطبوعاً.
ص 106- كاشف الغطاء: محمد حسين بن علي. عدَّ من كتبه: (الوجيزة) في الفقه. وهو (وجيزة الأحكام) كما في معجم المؤلِّفين العراقيين 3/147، وعدَّ من كتبه: (ملخَّص الأغاني)، وهو (مختارات من شعراء الأغاني) وقد طُبع ببغداد عام 1950 كما في المصدر السابق 3/146.
ص204- الرفيعي: محمد بن عبدالرفيع. والصحيح: الربيعي كما هو بخطِّه في نهاية مخطوطة كتابه (الأنوار النبوية). ولعل الالتباس أتى من اسم والد المترجَم عبدالرفيع.(/10)
ص238- المخزومي: محمد بن عبدالله (ت885هـ) نسب إليه: (صحاح الأخبار في نسب السادة الفاطميَّة الأخيار) وقال: "ردَّ فيه على ابن الأثير في قوله: إن خالد بن الوليد انقرض عَقِبُه". وأحال على (العقود الجوهرية) لأحمد عزت الفاروقي، الذي جمع فيه بعض الشعراء الذين مدحوا أبا الهدى الصيَّادي. قلت: هذا الكتاب اختلقه الصيَّادي ونحله للمترجَم الذي لا وجود له إلا في مخيِّلة الصيَّادي، وأحال عليه بعضَ أكاذيبه، فكيف لسراج الدين المخزومي المتوفَّى سنة 885هـ أن ينقل عن أحمد الزبرجدي (الذي اختلقه الصيادي) والمتوفَّى بعده بقرنين (ت1084هـ) ؟ وأن ينقل عن (بحر الأنساب) المؤلَّف بعده بقرون؟.
هذا وقد وصفه الزِّرِكْلي بـ: شيخ الإسلام في عصره. ومع هذا لم يعرفه علماءُ عصره ولم يذكروه بمدح أو ذم، كالحافظ ابن حجر في كتابه (إنباء الغمر بأبناء العمر) و السخاوي في (الضوء اللامع في محاسن أهل القرن التاسع)، والبقاعي في (عنوان الزمان). وذكر السخاويُّ في كتابه (الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر) 1/66 عدداً ممَّن لقِّب بشيخ الإسلام في عصره وقبل عصره, ليس فيهم المخزومي.
ومرام مؤلِّفه - كما يقول الدكتور مصطفى جواد الذي لم يكن يعرف أن مؤلِّفه الصيَّادي - إثبات علويَّة الرِّفاعي (صاحب الطريقة التي ينتسب إليها الصيَّادي)، وأعقاب خالد بن الوليد. انظر (جناية الصيادي على التاريخ) ص57 – 61، وص67 - 69.
ص282- الأصيل: محمد بن علي بن غازي (ت638هـ). نسب إليه: (تاريخ المنصوري)، والصحيح أنه لابن نظيف الحموي: محمد بن علي بن عبدالعزيز (ت بعد631هـ) الذي لا يُعرف عنه إلا القليل، فلم تُعرف سنة ولادته ولا سنة وفاته. هذا وقد حقَّق (التاريخ المنصوري) الدكتور أبو العيد دودو، ونشره مجمع اللغة العربيَّة بدمشق عام 1402هـ= 1982م.(/11)
ص310- ابن عمار: محمد بن عمار. جاء في خاتمة ترجمته: "وللدكتور صلاح خالص، كتاب: (محمد بن عمار الأندلسي) ببغداد، في أدبه وسيرته". قلت: جمع الدكتور صلاح شعرَ المترجَم في هذا الكتاب، وهو مما يحسن أن يضاف.
المجلد السابع:
ص94- المدني ابن الحسني: محمد المدني بن محمد. كتب في الحاشية: "ومقال آخر للأستاذ محمد المنوني.. جاء في عنوانه اسم صاحب الترجمة (محمد بن المدني)". قلت: هذا هو الصحيح كما في خطِّه الذي أطلعني عليه الدكتور عباس عبدالله الجراري.
ص111- محمد مندور. يُستدرك عليه اسم أبيه: عبدالحميد بن موسى مندور. انظر (وديع فلسطين يتحدَّث عن أعلام عصره) 2/199. لذا تنقل ترجمته إلى المجلد السادس 187.
ص113- الروَّاس: محمد مهدي بن علي الرفاعي الحسيني الصيَّادي. هذا الرجل اسم بلا مسمًّى، زعمه الصيَّادي شيخاً له. انظر (جناية الصيادي على التاريخ) 23، 24، 85.
ص300- الطَّبَلاوي: منصور الطبلاوي. سمَّى من كتبه: (شرح) على تصريف العزي للتفتازاني. وهو: (طالع السعد على السعد) كما في (فهارس الخزانة الحسنيَّة - البلاغة والعَروض) ص117.
ص348- ابن المهلاَّ: ناصر بن عبدالحفيظ (ت1081هـ). سمَّى من كتبه: (المحرر النافع في قراءة نافع)، و(المقرر والمحرر في القراءات)، وهما واحد: (المقرر النافع الحاوي لقراءة نافع) منه نسخة بقلم المؤلِّف كُتبت سنة 1045هـ، انظر (مصادر الفكر الإسلامي) 34، وخطأ الزِّرِكْلي أتى من (إيضاح المكنون). هذا وقد قيل في وفاته: 1060، 1071.
المجلد الثامن:(/12)
ص 140- يحيى بن ثابت: يحيى بن ثابت بن حازم الرِّفاعي. كتب في الحاشية: "لم أجد المصدر الذي أَخذت عنه هذه الترجمة في الطبعة الأولى من الأعلام، ولعلَّها عن أحد الكتب المصنَّفة في سيرة السيد أحمد بن علي الرفاعي". قلت: هذه الترجمة مما دسَّه الصيَّادي في (مختصر أخبار الخلفاء) لابن الساعي علي بن أنجب (ص110 - 115). وهذا الكتاب تضمَّن سيراً مختصرة لخلفاء بني العبَّاس، إلا مواضعَ الزيادة والدسِّ، فهي نشوز واضح لا صلة له بالكتاب، والفصل الذي في آخر الكتاب مستلٌّ من كتاب (التعريف) لابن فضل الله العمري ص175 - 176 استطراداً في ذكر آل فضل من بني ربيعة وصلتهم بأعقاب خالد بن الوليد، وهو بنصِّه في (الروض البسام) للصيَّادي، وهو كلام على غثاثته وركاكته أشبه بأقاصيص العوام منه بكلام العلماء والمؤرخين. انظر (جناية الصيادي على التاريخ) 70 - 71، 85.
وعذر الزِّرِكْلي فيما وقع فيه من أخطاء هو تلفيق الصيَّادي ودسُّه في الكتب كما ذكرت في مطلع المقالة، ونقله من كتب لم تحقَّق جيداً، وفيها من التحريف والتصحيف والغلط المطبعي الكثير، وأخطاء المفهرسين وكثير منهم ليسوا على ثقافة واطِّلاع واسع، ثم الغفلة والنسيان اللذان يعتريان كل إنسان.(/13)
العنوان: نظرات جديدة في كتاب (الأعلام) للزركلي (2)
رقم المقالة: 1532
صاحب المقالة: أحمد العلاونة
-----------------------------------------
نظرات جديدة
في كتاب (الأعلام) لخير الدين الزِّرِكْلي
(القسم الثاني)
كنت قد نشرت من أشهر في هذا الموقع تصحيحات للكتاب المرجع المهم (الأعلام) لخير الدين الزِّرِكْلي وتعليقات عليه، ثم استجدَّت عندي تصحيحات وتعليقات، رأيت أن أضعَها بين يدي القراء ليفيدوا منها.
المجلد الأول:
ص78- الصابئ: إبراهيم بن هلال. جاء في ترجمته: "ولما ملك عضد الدولة بغداد قبض على الصابئ سنة 367 وسجنه، وأمر بأخذ أمواله. ولما ولي صمام الدولة (ابن عضد الدولة) أطلقه سنة 371". والصحيح: أن الذي أطلقه هو عضد الدولة نفسه، كما في (وفيات الأعيان) 1/52، و(سير أعلام النبلاء) 16/524، و(الوافي بالوفيات) 6/158. ثم إن عضد الدولة ملك حتى سنة وفاته (372هـ).
ص93- الشَّدَّادي: أحمد بن محمد (ت1146هـ) نسب إليه (حاشية [على] شرح ميارة على لامية الزقاق) والصحيح أن الحاشية لابن أخيه وسميِّه أحمد بن أحمد (ت1163هـ)، وكثيراً ما يخلط النسابون والمترجمون بينهما بسبب المعاصَرة وتشابه اسميهما، وينسبون ما لهذا لذاك. انظر (أعلام المغرب العربي) 6/320، و(سلوة الأنفاس) 3/ 242-243.
ص102- التنبكتي: أحمد بابا. أثبت سنةَ مولده (963هـ)، والصحيح (960هـ)؛ لما جاء في كتاب (نشر المثاني لأهل القرن الحادي عشر والثاني) للقادري، المطبوع في (موسوعة أعلام المغرب) 3/ 1279: "مولدي يوم الحادي والعشرين من ذي الحجة خاتم عام ستين وتسع مئة".(/1)
ص150- الجُراوي: أحمد بن عبدالسلام (ت609هـ). سمَّى من كتبه (صفوة الأدب ونخبة ديوان العرب)، و(مختصر صفوة الأدب)، وقال: "ولعل هذا والذي قبله واحد". قلت: بل هما مختلفان، كان الأصلُ متوافراً جدًّا بأيدي الناس، ثم قلَّ وعزَّ، ولا يُعرَف إلا المختصر. ويُستدرَك عليه تاريخ مولده (نحو525هـ) انظر (أعلام المغرب العربي) 4/ 23-26.
ص150- التونسي: أحمد بن عبدالسلام. أثبت وفاته نحو سنة (820هـ). وهي على الصواب (822هـ). انظر (أ علام المغرب العربي) 5 / 22.
ص163- الجَنْداري: أحمد بن عبدالله (ت1337هـ) يُستدرك عليه تاريخ مولده (1279هـ) وكان في صنعاء، كما في مصادر الفكر الإسلامي ص169.
ص165- الموَّاز: أحمد بن عبدالواحد. سمَّى من كتبه (حجة المدرسين)، وليس له من مصادر سوى (إتحاف المطالع - مخطوطاً)، والذي في مطبوع إتحاف المطالع في ضمن (موسوعة أعلام المغرب) 8/2929: (حجة المنذرين)، وهو كذلك في (معجم المطبوعات المغربية) 338، ولكن بالدال المهملة (المندرين) بدل المعجمة (المنذرين)، ولعله من خطأ الطبع.
ص189- ابن جُوصا: أحمد بن عنبر. ولعل الصحيح: جَوصا بفتح الجيم، ولعل الصحيح في اسم أبيه: عمير لا عنبر كما ذُكر في الهامش، وانظر (تاريخ الإسلام) 7 / 363، و(سير أعلام النبلاء) 15/ 15.
ص204- البَزِّي: أحمد بن محمد. أثبت وفاته (243هـ)، ولعل الصحيح (250هـ) كما أشار في الحاشية نقلاً عن (غاية النهاية)، وانظر (سير أعلام النبلاء) 12/51، و(طبقات القراء) 1 / 207، و(شذرات الذهب) 2 /120.
ص218- ابن أبي عرفة: أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي عرفة اللخمي العزفي. والصحيح: ابن أبي عزفة (بالزاي) كما في (الإيراد) للرعيني ص42 وهو من مراجعه مخطوطاً، ويؤيد هذا ما جاء في نسبه (العزفي)، والله أعلم.(/2)
ص221- الحسيني: أحمد بن محمد. قال بعد ذكره كتاب (صلة الصلة): ".. وهذه النسخة مخطوطةٌ في المكتبة البلدية بالإسكندرية". والصحيح أن الموجود فيها إنما هو كتاب (التكملة لوَفَيات النقلة) للمنذري على ما أخبرني محقِّق الكتابين د. بشار عواد معروف، وأعلمني أنه ليس لكتاب (صلة الصلة) سوى نسخةٍ فريدة بخطِّ مؤلفها في مكتبة كوبرلي، ثم كتب في مقدمة تحقيقه كتاب (صلة الصلة) 1/ 29 أن الزِّرِكْلي إنما اطَّلع على النسخة المصوَّرة في معهد المخطوطات، لكنه أخطأ في ذكر موطنها، فاشتبهت عليه بكتاب (التكملة لوَفَيات النقلة) الذي توجد قطعةٌ منه في مكتبة بلدية الإسكندرية.
ص252- الزمُّوري: أحمد بن محمد. كتب وفاته (1372هـ)، والصحيح (1373هـ)، كما في مرجعه الوحيد (الذيل التابع لإتحاف المطالع) المطبوع مع الإتحاف في ضمن (موسوعة أعلام المغرب) 9 /3288.
ص306- إسماعيل أباظة: جاء في ترجمته: "ولمصطفى الشهابي(؟) كتاب (إسماعيل أباظة باشا) في سيرته، وأشار في الحاشية إلى شكِّه في مصطفى الشهابي، ثم قال: "وهو غير الأمير مصطفى رئيس المجمع وصاحب المعجم الزراعي".
قلت: هو مصري، وله بعض التآليف، وكان الناس يظنونه الأمير مصطفى الشهابي الدمشقي، وهو (المصري) جارٌ لأستاذنا وديع فلسطين الذي أفادني بما كتبتُ، وقال لي: أظنه توفي من مدة قريبة.
ص323- قِوام السُّنَّة: إسماعيل بن محمد (ت535هـ). نسب إليه (إعراب القرآن) معتمداً على ما جاء في (فهرس شستربتي)، والصحيح أنه لعلي بن فضال المجاشعي (ت479هـ)، كما في الصفحة الأولى من المخطوطة. أما نسخة شستربتي فهي ناقصة. ثم إن المؤلف يروي عن الحوفي (ت430هـ)، ومكي القيسي (ت437هـ). ينظر ما كتبه الدكتور حاتم الضامن في مجلة (العرب) السنة 43، ص30-31.
المجلد الثاني:(/3)
ص5- ابن رستم: أفلح بن عبدالوهَّاب. أثبت وفاته (240هـ)، والصحيح (258هـ) وذكر أنه بويع بعد وفاة أبيه (190هـ)، والصحيح سنة (208هـ) كما في (معجم أعلام الإباضية) 2 / 60.
ص16- أمين الجندي: أحال في الحاشية إلى (حلية البشر) للبيطار. وعندما رجعت إلى المطبوع 1/ 343 ألفيت الحديثَ عن أمين الجندي مفتي دمشق المتوفى سنة (1295هـ).
ص63- ابن رستم: أبو بكر بن أفلح. أثبت وفاته (بعد 242هـ)، والصحيح (بعد 261هـ)، وذكر أنه وَلِيَ بعد أبيه سنة (240هـ)، والصحيح سنة (258هـ). انظر (معجم أعلام الإباضية) 2 /87.
ص181- الحداد: الحسن بن أحمد (ت515هـ)، جاء في ترجمته أن له المؤلفات التالية: (تاريخ أصبهان) و(معرفة الصحابة) و(علوم الحديث) و(الخلفاء الراشدين) و(جوامع الكلم) و(الفرائض) و(الثقلاء) و(المحبين مع المحبوبين). ومرجعه الوحيد (سير أعلام النبلاء) مخطوطاً. والصحيح أن هذه الكتب كلَّها من تأليف أبي نُعَيم الأصفهاني صاحب كتاب (حلية الأولياء)، والذي في (السير) 19/ 303: أن الحداد سمع هذه الكتبَ من أبي نُعَيم، ويبدو أن الزِّرِكْلي لم يتنبَّه إلى هذا.
ص200- ابن فضال: الحسن بن علي. نسب إليه (الملاحم)، ونسبه إلى الابن: علي بن الحسن في ج4 ص272.
ص210- الطبري: الحسن (أو الحسين) بن قاسم. سمَّى من كتبه (الإيضاح) بناءً على ما ذكره صاحب (كشف الظنون)، والصحيح: (الإفصاح) كما نصَّ على هذا ابن قاضي شهبة في (طبقات الشافعية) الترجمة رقم 79، والسُّبكي في (طبقات الشافعية الكبرى) 3 /280، وقد رجَّح الزِّرِكْلي قولَ ابن قاضي شهبة في الحاشية، ولكن الخطأ ظل مثبتاً في المتن.
ص253- السبيعي: حسين بن محسن. أثبت مولده سنة(1225هـ)، والصحيح (1245هـ). انظر (مصادر الفكر الإسلامي) ص91.(/4)
ص311- ابن البراذعي: خلف بن أبي القاسم. قال في خاتمة ترجمته: "ثم رحل إلى أصبهان فكان يدرس فيها الأدب إلى أن توفي". ولعل اشتبه عليه بالمارزي الذكي، كما يقول مراجعا (كتاب العمر) ص655، وجعل الزِّرِكْلي وفاته سنة (372هـ)، والصحيح أنها كانت بعد سنة (386هـ)، وكانت في صقلية. انظر (كتاب العمر) ص651.
ص338- درويش المقدادي: قال في ترجمته: "باحث عراقي من الكتَّاب". والصحيح: أنه فلسطيني وُلد في الطيبة بطولكرم، وتخرَّج في الجامعة الأميركية ببيروت عام 1918م، ووَلِيَ التدريس بدار المعلِّمين بالقدس 1922-1925، وأقام بالعراق مدرِّساً ببغداد والموصل 1927-1941، وشارك في ثورة رشيد عالي الكِيلاني سنة 1941، فاعتُقل وأُرجع إلى فلسطين معتقلاً إلى أن أُفرج عنه 1946، ولجأ إلى دمشقَ بعد نكبة فلسطين 1948، ودرس في جامعة دمشق حتى 1950، ثم عمل في معارف الكويت 1950-1961، وتوفِّي ببيروت. ومن أهم كتبه (تاريخنا) بالاشتراك مع أكرم زعيتر. انظر (من أعلام الفكر والأدب في فلسطين) ص592.
ويُستدرك على الزِّرِكْلي اسمُ أبيه (عبدالرحيم)؛ لذا تُقدَّم ترجمته على ترجمة الطالوي: درويش بن محمد. وكان مصدر الزِّرِكْلي الوحيد (معجم المؤلفين العراقيين) الذي لم يذكر شيئاً عن حياته سوى بعض مؤلفاته، منها ما طُبع بالعراق.
وجاء في كتاب (من أعلام الفكر): "عُرفت أسرته في بلدة الطيبة باسم (الحاج إبراهيم)، ولأسباب اختار درويش (المقدادي) اسماً لها لتحدُّرها من ذرية المقداد بن الأسود الصحابي".
وذكر المشرف على طبع (الأعلام) الأستاذ زهير فتح الله في الحاشية: أنه من أسرة فلسطينية معروفة، سكن العراق، واكتسب الجنسية العراقية. والصحيح أنه لم يكتسبها، وقد لقيتُ زوجته الثانية بعمَّان من نحو عشر سنوات في بيت الأستاذ حسن الكرمي.
المجلد الثالث:(/5)
ص37- رويم: رويم بن محمد. أثبت وفاته سنة (330هـ)، والصحيح (303هـ). انظر (سير أعلام النبلاء) 14 /235، و(البداية والنهاية) 14 /797. وقد أشار المشرف على طبع الكتاب الأستاذ زهير فتح الله رحمه الله إلى هذا في الهامش من غير عزوٍ إلى مصادر.
ص94- الشواف: سعيد بن سالم. أثبت وفاته (811هـ) اعتماداً على ما أثبت الأستاذ عبدالله الحِبْشي في (مصادر اليمن)، ثم تبيَّن للحِبْشي خطؤه وأن الصحيح (990هـ)، وأثبته في كتابه (مصادر الفكر الإسلامي) ص505.
ص136- الكلاعي: سليمان بن موسى. جاء في ترجمته: ".. قال النباهي.." والصحيح: (البُنَّاهي) بتقديم الباء المضمومة على النون المشدَّدة.
ص202- ابن الحداد: صدقة بن الحسين. أثبت ولادته (477هـ) تبعاً لابن رجب وابن العماد، وأرَّخه ابن الجوزي في (المنتظم): (497هـ) وهو يوافق قول الذهبي في (السير) 21/ 67: "مات سنة ثلاث وسبعين وخمس مئة وهو ابن عشر الثمانين". وهو أقربُ لموافقة كلام الذهبي، ولقرب عهد ابن الجوزي له، إذ هو معاصرٌ له. انظر (معجم مصنفات الحنابلة) 2 /271.
المجلد الرابع:
ص5- ابن عبدالحكم: عبدالله بن الحكم. نسب إليه (سيرة عمر بن عبدالعزيز)، ونسبه إلى ابنه محمد في ج6ص223، ولعله للأب.
ص7- ابن غلاب: عبدالسلام بن غالب. والصحيح: عبدالسلام بن عبد الغالب، كما في (معالم الإيمان)، وصدر مؤلفاته (الوجيز) و(الزهر الأسنى)، وكما في الحاشية نقلاً عن (هدية العارفين). انظر (كتاب العمر) ص484.(/6)
ص23- أبو فارس المريني: عبدالعزيز بن علي. نقل عن السلاوي قوله: "وهو الذي ذكره ابن خلدون في أول تاريخه الكبير، وألفه برسمه وحلى ديباجته باسمه". والصحيح أن الإهداء باسم أبي فارس عبدالعزيز بن أبي العباس أحمد بن أبي سالم إبراهيم بن أبي الحسن (ت799هـ) المترجَم في ص14 من هذا الجزء. وأتى هذا الخطأ من فساد النسخة المعتمدة في الطبع التي أسقطت آباء فارس إلى أبي الحسن، والمترجَم: عبدالعزيز بن علي توفِّي قبل أن يَشرع ابن خلدون في كتابة تاريخه. انظر الجزء الأول من (مقدمة ابن خلدون) بتحقيق العلامة إبراهيم شبوح ص105.
ص27- الفوراتي: عبدالعزيز بن محمد. والصحيح: الفُراتي، كما في الحاشية نقلاً عن (شجرة النور الزكية) ص323. وأكَّد لي ذلك أستاذُنا العلامة التونسي إبراهيم شبُّوح.
ص31- عبدالغفار القزويني: جاء في الحاشية: "و(غربال الزمان- خ)، وفيه وفاته سنة 667". قلت: جاء في المطبوع ص546 أن وفاته سنة 668، وقيل 665.
ص65- الكعبي: عبدالله بن أحمد (ت319هـ). جعل من مراجعه في كتابة ترجمته مخطوط (لقط الفرائد) لابن القاضي، وليس فيه ترجمةٌ للكعبي؛ لأن مؤلفه جمع فيه مَن كان في أول المئة الثامنة إلى آخر العاشرة.
ص66- أبو ذر الهروي: عبدالله بن أحمد. والصحيح: عبد بن أحمد، كما في (ترتيب المدارك) 7/ 229، وهو مصدره الوحيد، وانظر (سير أعلام النبلاء) 17/ 554.
ص98- أبوعبيد البكري: عبدالله بن عبدالعزيز. أثبت وفاته سنة (487هـ)، والأرجح سنة (496هـ)، على ما ذكر الدكتور عبدالله يوسف الغنيم في كتابه (مصادر البَكري ومنهجه الجغرافي) ص16، نقلاً عن الرواية التي تفرَّد بها الضبي في (بغية الملتمس) ص333. ورجَّح الدكتور الغنيم في كتابه ص15 أن مولدَه كان بين سنة 413 و423هـ. (والزِّرِكْلي لم يُثبت تاريخاً لمولده).(/7)
ص124- ابن الياسمين: عبدالله بن محمد. كتب في الحاشية: "وابن قنفذ [شرف الطالب] - خ وفيه: له كتاب العمدة". قلت: في المطبوع ضمن (موسوعة أعلام المغرب) 1/ 389 (العدد) بدل (العمدة)، ولعله الصحيح.
ص125- المُرْجاني: عبدالله بن محمد بن عبدالملك (ت699هـ)، نسب إليه (بهجة الشموس والأسرار في تاريخ هجرة المختار) متابعاً صاحب (هدية العارفين)، وهو ليس له، إنما هو لعبدالله بن عبدالملك. وجاء في الهامش باحتراز: "ومخطوطات الرياض.. وهو فيه عبدالله بن عبدالملك القرشي البكري المرجاني، أبو محمد ووفاته سنة 751؟".
ويبدو أن صاحب (هدية العارفين) جمع بين عبدالله بن محمد (كشف الظنون) ص1237، وعبدالله بن عبدالملك (كشف الظنون) ص259،949. انظر (كتاب العمر) ص151.
ص177- ابن القيري: عبدالواحد بن محمد.. المعروف بابن القيري. والصحيح: ابن القبري، بالباء بعد القاف. انظر (ترتيب المدارك) 8/ 144، و(تاريخ الإسلام) 10/ 74.
ص183- ابن رستم: عبدالوهَّاب بن عبدالرحمن. جعل وفاته (نحو 190هـ)، والصحيح (208هـ) كما ذكر في آخر الحاشية. انظر (معجم أعلام الإباضية) 2/ 283.
ص196- السقاف: عبيدالله بن محسن. أثبت وفاته (1290هـ)، والصحيح (1324هـ) كما في (مصادر الفكر الإسلامي) ص367. وقد اعتمد الزِّرِكْلي فيما أثبت على (مراجع تاريخ اليمن)، وقد تبيَّن لمؤلفه الشيخ عبدالله الحِبْشي خطؤه فصحَّحه في كتابه (مصادر الفكر الإسلامي).
ص204- ابن الضابط: عثمان بن أبي بكر. نسب إليه (الاقتصاد في القراءات السبع)، والصحيح أنه لأبي عَمرو الداني، كما في (كتاب العمر) ص294.
ص214- الحَبابي: عثمان بن محمد. جعل ولادته (1281هـ)، والصحيح (1282هـ) كما في مرجعه الوحيد (إتحاف المطالع) المطبوع في ضمن (موسوعة أعلام المغرب العربي) 8/ 2944.(/8)
ص239- عفيفة الأصبهانية: عفيفة بنت أحمد الفارقانية. والصحيح: الفارفانية، نسبةً إلى قرية فارفان من قرى أصبهان. انظر (تاريخ الإسلام) 13 /133، و(التكملة لوَفَيات النقلة) 2 /194.
ص251- الأمَيِّي: علي بن إبراهيم. أحال في الحاشية على (التكملة لوَفَيات النقلة) مخطوطاً. قلت: ليس له ذكرٌ في المطبوع، ووجدت ذكراً فيه لعلي بن إبراهيم الزَّناجِلي (3/ 636). وما ذكره الزِّرِكْلي مأخوذٌ من (صلة التكملة) 1/ 95، وقد أحال محقِّقه د. بشار عواد معروف -وهو محقِّق (التكملة) أيضاً- على مراجعَ ليس بينها (التكملة)، ولعل الزِّرِكْلي أراد (التكملة) لابن الأبَّار.
ص265- ابن الساعي: علي بن أنجب. عدَّ من مؤلفاته (ذيل تاريخ بغداد)، والصحيح (ذيل على ذيل ابن النجار على تاريخ بغداد). انظر مقدمة الدكتور أحمد شوقي بَنْبِين ومحمد سعيد حنشي في تحقيقهما (الدر الثمين في أسماء المصنفين) للمترجَم 1/ 47، وقد طُبع بأَخَرَةً، وذكره الزِّرِكْلي باسم (أخبار المصنفين).
ص272- صُرَّدُرّ: علي بن الحسن. كتب في ترجمته: "قال الذهبي: لم يكن في المتأخرين أرق طبعاً منه، مع جزالة وبلاغة".
قلت: هنا خطآن للذهبي والزِّرِكْلي رحمهما الله، أما خطأ الزِّرِكْلي فعزوه هذا القولَ للذهبي، وأما خطأ الذهبي فعزوه القول لابن النجار صاحب كتاب (ذيل تاريخ بغداد)، والصحيح أن هذا القولَ لابن المجلي، نقله عنه ابن النجار في (ذيل تاريخ بغداد) 3/ 293، ومن هنا نجد أن الذهبيَّ أخطأ فجاء الزِّرِكْلي فركَّب خطأ آخَر، ولعل سبب هذا عند الاثنين هو انتقال البصر.
ص313- أبو الوفاء البغدادي: علي بن عقيل. سمَّى من كتبه (الفصول في الفقه) و(كفاية المفتي) وهما واحد، كما في (معجم مصنفات الحنابلة) 2 /151.
المجلد الخامس:
ص7- ابن العفيف: علي بن محمد. أثبت وفاته (813هـ)، والصحيح (818هـ) كما في حاشية محقِّق (السحب الوابلة) 2 / 754. وانظر (معجم مصنفات الحنابلة) 4 /280.(/9)
ص132- الفاطمي الصقلي: الفاطمي بن الحسين. قال: إنه توفي بالمدينة المنوَّرة حاجاً، وكتب في الحاشية: "وقرأت على هامش مخطوطة أنه (المتوفَّى بمكة؟) فليحقَّق".
قلت: توفي بالوَباء في مكة ودُفن بالمعلى، كما في (إتحاف المطالع) المطبوع في ضمن (موسوعة أعلام المغرب) 8/ 2795.
ص149- البجاني: فضل بن سلمة بن جرير. لعل الصحيح في اسم جدِّه (حريز) بدل (جرير) كما في (ترتيب المدارك) 5/ 221.
ص172- البُرْزُلي: أبو القاسم بن أحمد. نسب إليه (الديوان الكبير)، وليس هذا بصحيح كما يقول معلِّقا (كتاب العمر) ص787. وذكر من مؤلَّفاته (جامع مسائل الأحكام مما نزل من القضايا للمفتين والحكام)، وقال: "قد يكون مختصراً من كتابه (الفتاوى)".
قلت: هما كتاب واحد. انظر (كتاب العمر) ص785.
ص174- الجرموزي: القاسم بن الحسن. نسب إليه (عقد الجواهر البهية في معرفة المملكة اليمنية)، والصحيح أنه للجرموزي: المطهر بن محمد الذي ترجمه الزِّرِكْلي في ج7 ص254. انظر (مصادر الفكر الإسلامي في اليمن) ص515.
ص310- التُّسْتُري: محمد بن أحمد. جاء في ترجمته: "قال القاضي عياض في ترتيب المدارك: طالعتها وانتقيت في هذا الكتاب عيونها".
قلت: هذا القول للفرغاني نقله عنه القاضي عياض في (ترتيب المدارك) 5/ 269.
ص311- ابن مجاهد: محمد بن أحمد. جاء في ترجمته: "قال القاضي عياض: رأيت سماعه في كتاب الأصيلي بخطه". والصحيح أن هذا الكلامَ للخطيب البغدادي نقله عنه القاضي عياض في (ترتيب المدارك) 6/ 197.
ص335- ابن عظوم: محمد بن أحمد. نسب إليه (تنبيه الأنام) في الشمائل والسيرة النبوية، ونسبه إلى ابنه عبدالجليل في ج3ص275. والصحيح أنه للابن. انظر (كتاب العمر) ص524، 802. وقال الزِّرِكْلي في حاشية ترجمة عبدالجليل: "وانظر سركيس 1/185 وهو فيه: عبدالجليل بن أحمد بن محمد؟".
قلت: الصحيح ما ذُكر في صدر الترجمة وما هو في ترجمة الأب (محمد).
المجلد السادس:(/10)
ص27- أبوحاتم الرازي (المحدث): محمد بن إدريس. نسب إليه (الزينة) و(أعلام النبوة) وهما ليسا له، ولكن لأبي حاتم الرازي (الإسماعيلي) أحمد بن حمدان، وقد نسبهما إليه على الصحيح في ترجمته ج1 ص119. أفادني بهذا الأخ العالم عادل مرشد.
ص39- السمرقندي: محمد بن أشرف. أحصى من مؤلفاته (الصحائف) و(الصحائف الإلهية) ولعلهما واحد، فليحقَّق.
ص60- الدلائي: محمد البكري بن محمد. والصحيح: محمد بن محمد، والبكري لقبه. وحقُّ هذه الترجمة أن توضعَ في المجلد السابع ص 68 قبل ترجمة البليدي.
ص89- الإمام محمد: محمد بن الحسن. نسب إليه (ذوب الذهب في محاسن من شاهدت من العرب وأهل الأدب) ونسبه إلى محسن بن الحسن في ج5ص286، والصحيح أنه لمحسن.
ص95- العرايشي: محمد بن الحسن. جعل وفاته (1352هـ)، والصحيح (1351هـ) كما في أحد مصدريه (إتحاف الطالع) المطبوع في ضمن (موسوعة أعلام المغرب) 8/ 3016.
ص99- أبو يعلى: محمد بن الحسين. عدَّ من كتبه (الكفاية في أصول الفقه) وقال: "المجلد الرابع منه في دار الكتب المصرية".
قلت: تبيَّن أن هذا المجلد قطعةٌ من كتاب (المغني) لابن قدامة؛ لأنه ينقل عن أبي يعلى وعن تلميذه ابن عقيل وأبي الخطاب) انظر (معجم مصنفات الحنابلة) 2 /51.
ص106- كاشف الغطاء: محمد حسين. سمَّى من كتبه (النفحات العنبرية)، والصحيح (العبقات العنبرية) كما أخبرني الدكتور جودت القزويني.
ص110- ابن زهرة: محمد بن حمزة، تاج الدين. والصحيح: تاج الدين بن محمد بن حمزة، كما في (در الحبب) ج1 ق1ص409. ومؤلفه (رضي الدين ابن الحنبلي) معاصرٌ له وعم جدِّه لأمه. لذا تنقل الترجمة إلى ج2 ص82، وتوضَع بعد ترجمة القاضي تاج الدين.
ص130- الغلابي: محمد بن زكريا. أثبت وفاته (298هـ)، والصحيح أنها في شوال290هـ كما ذكر الذهبي في (تاريخ الإسلام) 6/ 803، وانظر (سير أعلام النبلاء) 13/ 534. أما ابن الساعي فقد أرَّخها (289هـ). انظر (الدر الثمين) 1/ 140.(/11)
ص152- ابن إدريسو: محمد بن سليمان. أثبت وفاته سنة (1298هـ)، والأرجح أنها سنة (1313هـ). وأثبت من مؤلفاته (نظم عقيدة العزابة) نظم فيه كتاب (عقيدة العزابة) من تأليف عُمر بن جميعة. والصحيح: عَمرو بن جميعة.
وسمَّى من مؤلفاته (نظم كتاب النيل). قلت: هو (مسلك الذهب في الجوهر والدرر المهذب) يقع في 3030 بيت، نظم فيه كتاب (النيل) للثميني. انظر (معجم أعلام الإباضية) 2 /379.
ص153- محمد السليماني: (ت1344هـ). كرَّر ترجمته لاختلاف المصادر برسم (ابن الأعرج) محمد بن محمد (ت1344هـ) في ج7ص79. والأخيرة هي الصحيحة والأوسع. انظر (ترتيب الأعلام على الأعوام) 2/ 778.
ص164- ابن ملوكة: محمد بن صالح. سمَّى من تصانيفه (مريح المعاني)، والصحيح (مريح المغاني بتحرير المباني وتحقيق المعاني)، ولعله من خطأ الطبع، وانظر (كتاب العمر) ص564.
ص184- العُتْبي: محمد بن عبدالجبار. أثبت وفاته سنة (427هـ)، والصحيح (413هـ) كما في (الوافي بالوَفَيات) 3 /215، و(الدر الثمين في أسماء المصنفين)1 / 153.
ص185- النظيفي: محمد بن عبدالجواد. والصحيح: محمد بن عبدالواحد، كما في (إتحاف الطالع) المطبوع في ضمن (موسوعة أعلام المغرب) 9/ 3237. و(دليل مؤرخ المغرب) ص283. لذا تنقل الترجمة إلى ص255 وتوضع بعد ترجمة الحلو.
ص186- اليَعْفُري: محمد بن عبدالحق. ولعل الصحيح: اليَفُرَنِّي، كما في مقدمة محقق (الاقتضاب) للمترجَم، الدكتور عبدالرحمن العثيمين، وكما في فهرس (الإعلام) للمُرَّاكُشي.
ص207- بَنُّونة: محمد بن عبدالسلام. والصحيح: الحسن بن محمد بن عبدالسلام، كما في مصدره الوحيد (الذيل على إتحاف المطالع) المطبوع مع (إتحاف المطالع) في ضمن (موسوعة أعلام المغرب) 8/ 2978. و(دليل مؤرخ المغرب) ص42. لذا تنقل إلى المجلد الثاني ص221 وتوضع بعد ترجمة حسن الأنكرلي.(/12)
ص282- الأصيل: محمد بن علي بن غازي (ت638هـ)، نسب إليه (تاريخ المنصوري)، والصحيح أنه لابن نظيف الحموي: محمد بن علي بن عبدالعزيز (ت بعد631هـ) الذي لا يُعرَف عنه إلا القليل، فلم تُعرَف سنة ولادته ولا وفاته. هذا وقد حقَّق (التاريخ المنصوري) الدكتور أبو العيد دودو، ونشره مجمع اللغة العربية بدمشق عام 1402هـ = 1982م.
ص310- ابن عمار: محمد بن عمار. جاء في ترجمته: "وللدكتور صلاح خالص كتاب (محمد بن عمار الأندلسي- ط) ببغداد، في أدبه وسيرته".
قلت: جمع الدكتور صلاح شعرَ المترجَم في هذا الكتاب، وهو ما يَحسُن أن يُضاف.
ص319- المَرْزباني: محمد بن عمران. سمَّى من مؤلفاته (أخبار السيد الحميري)، وأشار إلى أنه مطبوع. والأرجح أنه قطعةٌ من كتاب (المفيد) الذي ذكره في ترجمته، وقد انفرد بذكره محسن الأمين العاملي في (أعيان الشيعة)، انظر مقدمة الدكتور محمود علي مكِّي لـ (معجم الشعراء للمرزباني) ص16.
المجلد السابع:
ص35- الوادي آشي: محمد بن محمد (000- 746هـ). أعاد ترجمته على الصحَّة برسم: محمد بن جابر (673-749هـ) في ج6ص68، غير أنه لم يذكر في ترجمته الأخيرة أهمَّ كتبه (برنامج الوادي آشي)، ولم يضعه بشهرته (الوادي آشي). وقد تعقَّبت الزِّرِكْلي في الترجمة الأولى في كتابي (نظرات في كتاب الأعلام) ص138، ولم أتنبه على التكرار إلا بأَخَرَة!
ص71- ماضور: محمد بن محمد أبو عبدالله ماضور التونسي. قال في ترجمته: "أندلسي الأصل والمولد والوفاة. من أهل (سليمان) الأندلسية (؟) وكانت تدعى بنت تونس. تفقَّه وتأدب بتونس".
قلت: إن الصحيح أنه أندلسي الأصل، هاجر أسلافه من الأندلس فارِّين بدينهم، وهم الذين بنَوا (سليمان) من ضمن القرى الكبيرة التي أنشأها المهاجرون الأندلسيون، وهي قرب مدينة الحمامات بتونس -كما أخبرني أستاذنا العلامة إبراهيم شبوح القيرواني- وُلد فيها وتوفي، لا كما ذكر الزِّرِكْلي أنه وُلد وتوفي بالأندلس.(/13)
ص73- اليازغي: محمد بن محمد. أثبت وفاته (بعد 1269هـ)، والصحيح أنها في شوال 1231هـ، كما في (إتحاف المطالع) المطبوع في ضمن (موسوعة أعلام المغرب) 7/ 1479هـ. وهو أحدُ مرجعَيه.
ص83- محمد غريط: محمد بن محمد المفضل بن محمد. والصحيح: محمد بن المفضل، كما في (إتحاف المطالع) المطبوع في ضمن (موسوعة أعلام المغرب) 9/ 3198، و(معجم المطبوعات المغربية) ص 258.
ص88- ابن أجا القونوي: محمد بن محمود (ت881هـ). يُستدرَك عليه عامُ مولده (820هـ) كما في (در الحبب في تاريخ أعيان حلب) ج2 ق1: 327.
ص120- ابن حَمُّوية: محمد بن المؤيد. أثبت وفاته (658هـ) نقلاً عن (شستربتي)، والصحيح (650هـ) كما ذكر في الحاشية، وانظر (تاريخ الإسلام) 14 /644، و(سير أعلام النبلاء) 23/ 284، و(هدية العارفين) 2 /124، وهو من مراجعه في الترجمة.
ص135- ابن زُرْب: محمد بن يبقى (ت381هـ). جاء في ترجمته: "وتوفي بقرطبة وهو على القضاء، ومدته فيه أكثر من ثلاثين عاماً"، والصحيح أن مدَّة توليه القضاء أربعة عشر عاماً، كما في (ترتيب المدارك) 7 /114، و(شجرة النور الزكية) 1 /100، ويؤيِّد هذا ما كتبه الزِّرِكْلي في ترجمته من أنه تولى القضاء بقرطبة سنة 367هـ.
ص140- محمد بهران: محمد بن يحيى. سمَّى من كتبه (الإنكار على متصوِّفة هذا الزمان) ولم يُشر إليه مخطوطاً أو مطبوعاً. واسمه (الكشف والبيان في الردِّ على متصوِّفة الزمان) منه نسخة بجامع صنعاء. انظر (مصادر الفكر الإسلامي في اليمن) ص337.
ص167- كُشاجِم: محمود بن الحسين. أثبت وفاته (360هـ)، ولعل الصحيح (330هـ)، انظر مناقشةَ الدكتور محمد عبدالله العزام للأقوال الواردة في تاريخ وفاته في مجلة (مجمع اللغة العربية بدمشق) 75/ 418-434.(/14)
وقال الزِّرِكْلي: "فكان من شعراء أبي الهيجاء عبدالله والد سيف الدولة"، وعلَّق الدكتور العزام في المصدر السابق ص420: "وهذا وهم في العبارة؛ لأن أبا الهيجاء لا علاقة له بحلب". وقال الزِّرِكْلي: "قيل: كان في أوَّليته طباخاً لسيف الدولة"، والصحيح أنه لم يعمل طباخاً. أما صلته بسيف الدولة فيقول الدكتور العزام: "صلته بسيف الدولة على فرض صحَّتها لم تقع إلا في آخر حياة كشاجم" المصدر السابق ص420.
ص280- أفيلال: مفضل بن محمد (ت1304هـ). يُستدرك عليه إثبات عام مولده (1239هـ) كما في (إتحاف المطالع) المطبوع في ضمن (موسوعة أعلام المغرب) 8/ 2770، وفيه اسمه: محمد المفضل.
المجلد الثامن:
ص70- ابن الأكفاني: هبة الله بن أحمد (ت524هـ). أحال في أول الحاشية في ص71 على (وَفَيات ابن الحبال) وهذا وَهَم، فابن الحبال توفي سنة (482هـ)، وقد ذكر في الكتاب وَفَيات (375-465هـ)، وقد نقل ابن الحبال في (وَفَياته) ص147 كلاماً عن ابن الأكفاني في هبة الله الشِّيرازي، ولعل الأمر التبس على الزِّرِكْلي.
ص199- الإسفراييني: يعقوب بن سليمان. سمَّى من كتبه: (المستظهر)، والصحيح (المستظهري) كما في (طبقات الشافعية الكبرى) 5/359، ولعله من خطأ الطبع.
ص243- الأزدي:
قلت: هذا القول للقاضي أبي بكر ابن الأخضر الداودي، وقد نقله عنه القاضي عياض بصيغة التمريض في (ترتيب المدارك) 5 /263، ونصُّه: "وزعم القاضي أبو بكر بن الأخضر الداودي في كتابه في أخبار أهل الظاهر أن أبا نصر هذا انتقل أخيراً عن مذهب مالك إلى مذهب داود".
يوسف بن عمر. أورد في ترجمته: "قال القاضي عياض: كان مالكياً وانتقل إلى مذهب داود..".(/15)
العنوان: نظرات في سورة (ق)
رقم المقالة: 1367
صاحب المقالة: الشيخ إبراهيم الحقيل
-----------------------------------------
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ مُحَمَّدًا عبده ورسوله - صلى الله وسلم وبارك عليه- وعلى آله، وأصحابه ومن سار على نهجهم، واهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا عباد الله اتقوا الله - تعالى - بفعل الأوامر، واجتناب الزواجر؛ فإنَّ النَّجاةَ في التَّقْوَى، وإنَّ الجَنَّةَ ثَمَنُ التقوى: {وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الزُّمر: 61]، {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَعْدَ الله لا يُخْلِفُ اللهُ المِيعَادَ} [الزُّمر: 20].
أيها المؤمنون: يحوي كتابُ الله - تعالى - ما ينفع البشريَّة في الدنيا والآخرة؛ إذ هو كلامُ الله - تعالى -، الذي خلق العالمين وهو أعلم بهم، وبما يصلحهم وينفعهم، هو الهدى والنجاةُ والصراطُ المستقيم، لا يضل مَنْ تَمَسَّكَ به أبدًا، وهو العلمُ الصحيح الذي لا يجوز عليه الخطأ والتبديل، أنزله العليم الخبير، الذي يعلم ما كان وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون.(/1)
أُنزل قبل مئات السنين، كانت خلالها البشريةُ تتزود من أنواع العلوم والمعارف، وتطمح إلى مزيد من المكتشفات في هذا الكون الذي لا تنقضي أسرارُه وعجائبه؛ اجتهد الإنسان في الاكتشاف والاختراع، وإجراء التجارب والاختبارات، بغية المزيد من المعرفة؛ ويُلاحظ خلال هذه القرونِ الطوال عدمُ معارضةِ القرآنِ لحقيقةٍ علميةٍ ثابتة؛ بل كان ما يُكتشفُ وتثبت حقيقتُه يوجد له أحيانًا ما يدل عليه في كتاب الله - تعالى - تصريحًا أو تلميحًا، أو إشارة أو إيماء.
وكتاب هذا شأنه فالعناية به يجب أن تكون من أولويات المسلمين؛ إذ هو دستورهم ونظامهم، وفيه سعادتهم وهناؤهم؛ لذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر تلاوته وتدبُّرَهُ، ويلتزم العمل به.
كان - صلى الله عليه وسلم - يردد على المنبر يوم الجمعة سورة من أعظم سوره في فصولها وأخبارها، في تذكيرها ومواعظها، ما حفظتها صحابية إلا من كثرة ما ردَّدها النبي - صلى الله عليه وسلم - على المنبر؛ حيث قالت أم هشامٍ بنتُ حارثة بن النعمان - رضي الله عنها -: "لقد كان تَنُّورنا وتَنُّور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واحدًا سنتين، أو سنةً وبعض سنة، وما أخذت: {ق * وَالقُرْآَنِ المَجِيدِ} [ق: 1] إلا عن لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس"؛ أخرجه مسلم[1]، وفي حديث آخر أنه كان يقرؤها في صلاة العيد[2]، قال العلماء: "والقصدُ أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ بهذه السورة في المجامع الكبار؛ كالعيد والجمع؛ لاشتمالها على ابتداء الخلق، والبعث والنشور والمعاد، والقيام والحساب، والجنة والنار، والثواب والعقاب، والترغيب والترهيب" [3]·(/2)
تبتدئ السورة بالقسم بهذا الكتاب المجيد، ثم تثني بعجب المشركين من بعثة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وتكذيبهم بالبعث والنشور، ثم الجواب عن عجبهم: {ق وَالقُرْآَنِ المَجِيدِ * بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ * قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ * بَلْ كَذَّبُوا بِالحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ}. [ق: 1-5].
ثم توجه الأنظار إلى نماذج من قدرة الله - تعالى -، ليس خلقُ الإنسان، وبعثُه إلا شيئًا قليلًا معها، وما خَلْقُ الإنسانِ بالنسبة لخلق السماوات وما فيها من أفلاكٍ ومصابيح !!
بنيان بلا عمد ليس فيه شقوق ولا فطور، وزينةٌ ليس لها مثيل، والأرض مدها، وأرساها بالجبال وزينها بالنبات، فأين من يتبصر ويعقل: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ* تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} [ق: 6 – 8].
ألا يكفي ذلك دليلا على عظمة الله وقدرته على الخلقِ والبعثِ كرة أخرى؟ بلى والله. ومع ذلك يضرب مثلاً عظيمًا يشابه إحياء البشر بعد الموت: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الخُرُوجُ} {ق: 9 - 11}.(/3)
نعم، إن إحياء الأرض بعد موتها دليلٌ على إحياء الإنسان بعد موته، ولكن طبيعة المصدودِ عن الحق العنادُ والاستكبار، فكما أنكر أهلُ مكة البعث فقد أنكره أقوام سابقون قبلهم وكذبوا المرسلين: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ * وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ} [ق: 12- 14]. ووالله لو عقلوا لأدركوا أن مَنْ خلق أَوَّلاً قادرٌ على أن يعيد الخلق مرة أخرى، وهل يُعجزُ الخالقَ البعثُ وقد ابتدأ الخلق؟! حاشاه - تعالى – وتقدس: {أَفَعَيِينَا بِالخَلْقِ الأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} [ق: 15].
تؤكدُ الآيات هذه الحقيقة، وتبينُ علمَ الله - تعالى - لأسرار هذه النفس البشرية، من هَمٍّ وإرادة وعَزْمٍ، ووساوسَ وخطرات. وهذا يدعو العبد إلى المراقبة الدائمة لله - تعالى -؛ لأنه أقربُ شيء إليه: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ} [ق: 16].
ومع ذلك وَكَّلَ الله به ملكين يَكْتُبَان خيره وشره: {إِذْ يَتَلَقَّى المُتَلَقِّيَانِ عَنِ اليَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 17-18] إنها مراقبةٌ دائمة، واهتمامٌ بهذا العبد الضعيف. ملائكةٌ ليس لهم عمل إلا مراقبة أفعاله وكتابة أقواله، فأيُّ منزلةٍ أكرمَ اللهُ بها بني آدم؟ وأيُّ ابتلاء يواجهونه؟!
أيليق بعد هذا التكريم وتلك المراقبة الدائمة أن يطلقَ العبدُ لنفسه العنان تقترف سيئ الأعمال، وتنطق قبيحَ الألفاظ؟! كان الأجدرُ بالعبدِ إذا همَّ بالمعصية، وخلا بنفسه، وتوارى عن الأنظار، أن يراقبَ الله الذي هو أقربُ إليه من حبل الوريد، ويستحيي من الكرام الكاتبين.(/4)
إنه وإن استخفى عن البشر، وأوصد الأبواب، فإنَّ ملائِكَةَ الرحمن تنظر إليه، وتسجل عليه، وأين يستخفي من الله الذي: {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه:7 ]، ولكن كثيرًا من العُصَاة يغفلون عن ذلك، ولا يتنبهون له إلا في ساعةٍ لا ينفع فيها تنبه ولا ادكار. إنها ساعة يخافُها كلُّ عبد، ويهرب منها كلُّ حي؛ ولكن لا مهرب، وما قُدِّرَ لابد واقع {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ المَوْتِ بِالحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق: 19].
يمكث العبد ما شاء الله أن يمكث في برزخه إلى ذلك اليوم العظيم، الذي يقومُ الناس فيه من قبورهم لله رب العالمين، وحينها ينتهي الظلم، ويقامُ العدل، ويحاسبُ العباد. تنصبُ الموازين، وتُنْشَرُ الدَّواوين، ويحضرُ الأشهاد، وتنطق الأركان.
ملائكةٌ تسوق العباد إلى المحشر، وملائكة تشهد عليهم؛ فيتنبه الغافل من غفلته، ويصبح نظره ثاقبًا يبصر كل شيء؛ ولكن بعد ماذا؟ بعد فواتِ الأوان: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ اليَوْمَ حَدِيدٌ}. {ق: 20 - 22}.(/5)
يبدأ الشهودُ من الملائكة بإلقاء شهاداتهم، كلُّ عبدٍ يشهد عليه قرينه بعمله، فالمعرضُ والمكذب ليس له إلا جهنم؛ حيث شهدت عليه الشهود بالجحود فيأمر الله به إلى جهنم: {وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ * أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ * الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آَخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي العَذَابِ الشَّدِيدِ} [ق: 23- 26]. فيُلقي العبدُ باللائمةِ على قرينه الشيطان الذي أغواه؛ لكن قرينه يتبرأُ منه ويخبر عن تأصل الضلال فيه؛ فيوقفُ اللهُ تلك المجادلة التي لا فائدة منها، ويتوعدُهم على ما اقترفوا من غير زيادة ولا ظلم؛ بل في غاية العدل والقسطاس المستقيم: {قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيد * قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [ق: 27-29].
إنه يومُ الحقِّ والعدل، والقضاءِ والفصل، كم يفوزُ فيه من عبادٍ كانوا من ضعفاء الناس في الدنيا، وكم يندمُ فيه آخرون كانوا من جبابرة الأرض!! كم من عزيز في الدنيا يُذلُ في ذلك اليوم، وكم من ذليل حقير في الدنيا يكون عزيزًا في القيامة!! مَنْ سعد في ذلك اليوم فلن يشقى أبدًا ومن شَقِيَ فيه فلن يسعد أبدًا ذهب المال، وتلاشى الجاه، وَتَوَلَّى الأهلُ والأولاد، وَتَفَرَّقَ الأحباب والأقران، وزالت الفوارقُ بين الناس ولم يبق إلا العمل! نعم والله لا يَبْقَى إلا العَمَلُ أمام محكمة الرحمن التي لا ظلم فيها ولا طغيان: {مَا يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاًّمٍ لِلْعَبِيدِ} [ق: 29].
إنه موقفٌ كلما تصوَّره المؤمن صغرت الدنيا في عينيه؛ حتى لا تساوي شيئًا؛ فالعملَ العملَ لذلك اليوم، قبل أن يكون الندم، فلا ينفع حينئذٍ ندم.(/6)
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وسنة سيد المرسلين، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم....
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله - صلى الله وسلم وبارك عليه- وعلى آله، وأصحابه إلى يوم الدين.
أما بعد: فلا يزالُ حديثُ السورة مُتَّصِلاً عن مشاهد ذلك اليوم العظيم الذي فيه: {تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ} [الحج: 2]، وكيف لايكون ذلك وجهنم يُلقى فيها أممٌ من البشر فلا تمتلئ بل تطلب المزيد: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق: 30].
وفي مقابل هؤلاء الظالمين تُعَدُّ الجنةُ لأهل التقوى الذين كانوا يخشون الله في الدنيا، الذين حفظوا أوامر الله فانقادوا لها، ونواهِيَه فجانبوها. راقبوا الله في الدنيا، وأقبلوا إليه منيبين؛ فكان جزاؤهم الجنة: {وَأُزْلِفَتِ الجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} [ق:31-33]. يالَبُشْرَاهم في الآخرة، بينما كان الظالمون خائفين، يكونون هم آمنين سالمين، يطلبون في الجنَّة ما يشاؤون فلا يمنعون. يالفرحتهم حينما يقال لهم: {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق: 34 – 35].(/7)
ومع ما يجدون في الجنَّة من النَّعيم المقيم مِمَّا لا عَيْن رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بَشَرٍ، مع كل ذلك لهم مزيد، ما هو المزيد يا ترى؟ إنه تجلي الجبار - تعالى وتقدَّس - لهم؛ حتى ينظروا إلى وجهه الكريم، يتجلى لهم ويكلمهم، ويسألونه فيعطيهم سؤلهم، ويرضى عنهم.
الله أكبر، ما أكبره من فوز! وما أعظمه من مزيد! الجنةُ ورضى الرحمن، ورؤيةُ وجهه الكريم، أسأل الله - تعالى - أن يجعلنا من أهل الجنة، وأن يرزقنا النظر إلى وجهه الكريم، ويرضى عنا رضًى لا يسخط علينا بعده أبدًا، ويسعدنا سعادة لا نشقى بعدها أبدًا إنه سميع مجيب.
أيها الإخوة: تعود السورة مرة أخرى إلى التذكير بما حلَّ بالسابقين من هلاك لما كذبوا الرسل، وتبين قدرة الخالق – سبحانه-: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي البِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ * وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق: 36 -38]. ومع ذلك كذب المكذبون، ولم يتذكروا أو يتعظوا؛ فجاء الأمر بالصبر على قولهم والاشتغال بالتسبيح في كل الأوقات.
وهكذا فإن المسلم المستمسك بدينه، الداعي إليه، إذا لاقى الاستهزاء والتكذيب وأصناف الأذى في الدين، فإنه مأمور أكثر من أي وقت بالصبر الجميل، وأن يهرع إلى الله - تعالى - بالتسبيح والذكر في كل وقت مع استحضار فناء الدنيا، وقرب الآخرة، وشدةِ الصيحة، وهولِ المحشر؛ فإن ذلك يسليه، ويقوي قلبه، ويزيدُ إيمانه، ويثبتُه أمام البلاء.(/8)
وكمْ يحتاج الملتزم بإسلامه، والداعي إلى الله - تعالى -، استحضار هذه الآيات المسلِّيات مع كثرة التسبيح والذكر في ظل هذا التآمر العالمي على الإسلام وأهله، ووصفهم بأقبح الأوصاف مع ذلة المسلمين وضعفهم: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الغُرُوبِ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ * وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ المُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الخُرُوجِ * إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا المَصِيرُ * يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ} [ق: 39 – 44].
ثم تعود السورة مرة أخرى إلى التذكير بالقرآن؛ لكي تقوم الحجة على الخلق: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} [ق: 45].
أسأل الله - تعالى - أن يرزقنا الاعتبار والتذكر، وتلاوة كتابه على الوجه الذي يرضيه عنا، وأن يجعلنا من المتدبرين العاملين بما فيه، إنه على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين.
---
[1] أخرجه مسلم في الجمعة باب تخفيف الصلاة والخطبة (873) واللفظ له، وأبو داود في الصلاة؛ باب الرجل يخطب على قوس (1100)، والنسائي في الجمعة؛ باب القراءة في الخطبة (3/107)، ووقع الخلاف بين العلماء هل كان يكتفي بقراءتها؟ وهل كان يقرؤها كاملة أم بعضها؟(/9)
قال الطيبي: "إن المراد أول السورة لا جميعها؛ لأنه - عليه الصلاة والسلام - لم يقرأ جميعها في الخطبة" أ.هـ. وقال القاري: "وفيه أنه لم يحفظ أنه - عليه الصلاة والسلام - كان يقرأ أولها في كل جمعة، وإلا لكانت قراءتها واجبة أو سنة مؤكدة؛ بل الظاهر أنه كان يقرأ في كل جمعة بعضها فحفظت الكل في الكل" أ.هـ. وتعقبهما ابن حجر المكي حيث قال: "يقرؤها كلها، وحَمْلُها على أول السورة صرف للنص عن ظاهره" أ.هـ. انظر: عون المعبود" (3/449) "وبذل المجهود" (6/100).
وقال الصنعاني: "وفيه دلالة لقراءة شيء من القرآن في الخطبة كما سبق، وقد قام الإجماع على عدم وجوب قراءة السورة المذكورة ولا بعضها في الخطبة، وكانت محافظته على هذه السورة اختيارًا منه لما هو الأحسن في الوعظ والتذكير" أ.هـ. "سبل السلام" (3/170-171)، وقال الشيخ ابن عثيمين: "والدليل على اشتراط قراءة الآية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ يوم الجمعة بـ {قَ *والقُرْآنِ المَجِيدِ} يخطب بها؛ ولكن هذا ليس بدليل؛ لأن لدينا قاعدة في أصول الفقه، وهي: أن الفعل المجرد لا يدل على الوجوب" "الشرح الممتع" (5/71).
[2] كما في حديث عبيد بن عبدالله بن عتبة الذي أخرجه مالك في "الموطأ" (1/180)، ومسلم في العيدين باب ما يقرأ به في صلاة العيدين (891)، والترمذي في الصلاة باب ما جاء في القراءة في العيدين (534)، والنسائي في العيدين باب القراءة في العيدين بـ {ق}، {واقتربت} (3/183).
[3] هذا قول الحافظ ابن كثير في أول تفسيره سورة {ق} (4/340)، ونحوه نقله النووي في شرحه على مسلم (6/229).
ملاحظة: تفسير هذه السورة مستفاد من تفاسير: "الطبري"، "والقرطبي"، "وابن كثير"، "والمحرر الوجيز" لابن عطية، "والتحرير والتنوير" لابن عاشور، "وتفسير السعدي".(/10)
العنوان: نظرات في "قواعد الإملاء"
رقم المقالة: 587
صاحب المقالة: د. يحيى مير علم
-----------------------------------------
توطئة:
يشتمل هذا البحث على مراجعة علمية نقدية لكتاب (قواعد الإملاء) الذي صدر عن مجمع اللغة العربية بدمشق ضمن مطبوعات سنة 1425هـ - 2004م، وجاء في (39) صفحة مصدّراً بتقديمٍ، تضمّن جُملةً من القضايا العلمية والمنهجية، يحسن إيرادُها موزّعةً على موضوعاتها لدواعٍ يقتضيها البحثُ لاحقاً في النقد والمعالجة، توخّيت فيها أن تجيءَ أقربَ ما تكون إلى الأصل الذي وردت فيه[1]:
أ - بيان أسباب النهوض بوضع هذه القواعد، فقد عاين أعضاء المجمع كثرةَ ما يقع فيه الكاتبون من الأخطاء الإملائية، وتعدّدَ طرق الكتابة في البلدان العربية، وذلك لاعتماد بعض مَنْ وضعوا قواعدَ الإملاء من المحدثين على طرائق السلف، واتّباع آخرين طرائقَ بلدانهم، وذلك لعدم وجود قواعد إملائية واضحة متفق عليها، وما يلقاه الكاتبون من عُسْرها، فضلاً عن اختلاف الأقدمين في تلك القواعد.
ب - إيراد أمثلة تشير إلى أصول الأقدمين التي فرضها عليهم خُلُوُّ كتابتهم من الشكل والإعجام كزيادة الألف في (مائة) والواو في (عَمْرو) وحذف الألف في مواضع من الأسماء.
جـ - بيان الدافع إلى وضع (قواعد الإملاء) والغاية المتوخّاة منها، فقد وجد المجمع أن من المفيد وضعَ قواعد إملائيةٍ تتحقق فيها شروط الوضوح والضبط والدقّة والإقلال من القواعد الشاذة مع توخّي التيسير على الكاتبين في كتابة ما تقع فيه الهمزة والألف الليّنة.(/1)
د - النصّ على أن لهم مآخذ على كتب قواعد الإملاء التي وضعها المحدثون، تتجلّى في وقوع اختلاف كبير فيما بينها، وذلك لأخذ بعضهم بقواعد السلف مع تعديل يسير، وتنكّب بعضهم لتلك القواعد، وأخذه بقواعد جديدة غير مألوفة، فضلاً عما تُكَلِّف الآخذين بها من العُسْر، وما ينتج عنها من قطع الصلة بالتراث العربي، وجنوح بعضهم إلى كتابة الكلمة كما يُنطق بها، وإلغاء كلّ الاستثناءات التي تخرج عن القاعدة، وعدم مراعاة الأحوال الخاصّة التي تقتضيها.
هـ - تقديرهم لجميع الطرائق والمحاولات التي قام بها الباحثون المحدثون في وضع قواعد الإملاء، غير أنهم لم يجدوا بينها طريقةً واحدةً صالحةً لأن يقع عليها الإجماعُ بين جميع الكاتبين وبين مختلف الأقطار.
و - إجماع رأي أعضاء المجمع على ضرورة وضع قواعد للإملاء العربي تتحقق فيها الشروط المتوخّاة، وهي: تحقيقُ التوافق ما أمكن بين نطق الكلمة وصورة كتابتها بغية التيسير على الكاتبين والقارئين، ومحاولة عدم قطع الصلة بين كتابتنا وكتابة أسلافنا ما أمكن ذلك، ومراعاة خصوصية اللغة العربية في أصول نحوها وصرفها، وكذلك في قيامها على اتصال حروفها في الكتابة والطباعة، وتوخّي القواعد المطردة وتجنب حالات الشذوذ ما وسعنا ذلك. وخُتم ذلك التقديم بأملهم أن تلقى القواعد التي انتهوا إليها رضا الكاتبين عنها، والأخذ بها، ونشرها في أقطار عربية أخرى، تحظى لديها بمثل ذلك.(/2)
لا ريب أن هناك حاجّةً ماسّة إلى قواعدَ معيارية وموحّدةٍ للإملاء العربي ؛ وذلك لأن موضوعَ قواعد الإملاء أو قواعد الكتابة العربية يُعَدُّ من القضايا اللغوية المُلِحّة التي تعاني منها اللغةُ العربية، فقد طال الخُلْف بين المصنّفين في كثيرٍ من قواعدها قديماً وحديثاً، ولا تزال الأصواتُ تجأرُ بالشكوى من عُسْرها، ومن كثرة الاختلاف في قواعدها، لذلك حظي الموضوعُ باهتمام المؤسسات التعليمية والعلمية والمجامع اللغوية عامّةً، وباهتمام مجمع اللغة العربية بالقاهرة خاصّةً[2]، وما فَتِئَت محاولاتُ الباحثين منذ منتصف القرن الماضي تتوالى في تقديم الاقتراحات وصولاً إلى تيسيرها على الكاتبين وتوحيد صورها، كما تنامى عددُ الكتب المعاصرة التي وقفها أصحابُها على قواعد الكتابة حتى جاوزت العشرات، على ما بينها من تفاوتٍ في: المنهج، والمادّة، والشرح، والتوثيق، والتفصيل، ومَبْلَغ حظّها من الدقّة والصواب، والزيادة والنقص، والملاحظ التي تتّجه عليها[3].
ولمّا كان بابُ الاجتهاد في هذا الموضوع لا يزال مُشْرعاً حتى تُقالَ كلمةُ الفصل فيه، وكنتُ - إلى ذلك - معنياً بموضوع قواعد الكتابة العربية أو الإملاء، فقد نهضت بتدريسها ثلاثة عشر عاماً (1993- 2006م) لطلبة وطالبات قسمي اللغة العربية وآدابها والدراسات الإسلامية في كلية التربية الأساسية بدولة الكويت، وبعد معاودة النظر في (قواعد الإملاء) المتقدّمة التي أصدرها المجمع والتي غدت في أيدي القراء والمختصين، يفيدون منها، ويحتكمون إليها تصحيحاً وتخطئةً = رأيت لزاماً عليّ أن أنهض بواجب العلم أولاً، وبحقّ هذه اللغة الشريفة عليّ ثانياً، فدوّنت ملاحظاتٍ متنوعةً على (قواعد الإملاء) بياناً لوجه الحقّ، وتصحيحاً لما شابها من ملاحظ مختلفة.(/3)
وتجدر الإشارةُ إلى أن الملاحظ التي سأتناولها في هذا المقال لن تكون من مواضع الخُلْف التي يتسعُ فيها باب القولُ، ويحقّ فيها لكلّ باحثٍ وراسخٍ أن يجتهد، ويأخذ بما يراه صواباً من الآراء، بل ستقتصر على ما يجب إعادةُ النظر فيه، وتصحيحُه، إلا ما اقتضت الضرورةُ الإشارةَ إليه لداعٍ ما، وعلى الجُمْلة فالملاحظُ علمية متنوّعة، تصحّح خطأً، أو تنفي شائبةً، أو تستدركُ نقصاً؛ أو تنبّه على زيادة لا وجه لإيرادها، أو على تنكّبٍ للدقّة؛ أو عدولٍ عن المصطلحات العلمية إلى غيرها؛ فضلاً عن ملاحظ أخرى منهجية، تدلّ على خلاف المنهج الصحيح المعتمد في كتب قواعد الكتابة، أو تشير إلى مواضع الاختلاف بين المنهج المرسوم في التقديم والمادة العلمية فيها.(/4)
إن النهوض بتصحيح ما جاء من أخطاء متنوّعة في كتاب المجمع (قواعد الإملاء) يكتسب أهمية كبيرة، لأنه صدر عن أعلى الهيئات العلمية المعنية بالحفاظ على اللغة العربية، وصونِها مما يتهددها، ومعالجةِ قضاياها المعاصرة، والنهوضِ بها، وتيسيرِها في التعلّم والتعليم، وتنميتِها لتواكب التطوّرَ التقني في جميع ميادين العلوم والفنون، إذ كان ما يصدر عنها من مطبوعات موضعَ ثقةٍ وتقدير من الخاصّة والعامّة، ومرجعاً يُحتكم إليه تصحيحاً وتخطئةً، وقدوةً يُؤتمّ بها في السلامة اللغوية، والدّقّة العلمية، وعلوّ الأساليب وبيانها، فضلاً عن الأمانة العلمية. ولا ريب أن هذا القدر الكبير من الأخطاء المختلفة التي شابت (قواعد الإملاء) تلك، لو وقعت في أيّ كتاب آخر من كتب قواعد الكتابة التي تصدرها دور النشر، على كثرتها، لما كان لها مثلُ هذا الشأن والأهمية. والنهوضُ بهذا الأمر يصبح ألزم وآكد إذا علمنا أن إنجاز (قواعد الإملاء) تلك استغرق نحو سنتين من عمل لجنة اللغة العربية وأصول النحو في المجمع، عقدت خلالها ستاً وعشرين جلسة في عام 2003م مستعينةً بملاحظات بعض أعضاء المجمع وغيرهم وبالتقرير المقدّم من لجنة وزارة التربية، لتطبعَ من بعدُ وترسلَ إلى وزارات: الإعلام، والتربية، والتعليم العالي، وغيرها من الجهات المعنية لاعتمادها والتزامها وتطبيقها[4].
على أنه قبل إيراد تلك الملاحظات يحسن بيانُ الأسس التي يجب أن تُراعى في وضع قواعد موحّدة للإملاء العربي، أهمّها:(/5)
أ - الأصل في الإملاء أن يطابق الرسمُ الإملائيُّ (المكتوبُ) المنطوقَ به، ولكن هذا غيرُ متحققٍ في جميع اللغات المكتوبة، لذا كان من المعلوم لدى المختصّين أنه كلّما كان الاختلافُ بين المنطوق والمكتوب قليلاً ومضبوطاً ومقنّناً كانت اللغةُ مثاليةً في التعلّم والتعليم والمعالجة الحاسوبية. وكان مما تتميز به اللغةُ العربيةُ أن هذه الفروقَ جِدُّ قليلةٍ، وهي محصورةٌ في حالاتٍ معدودة، أو في بضعةِ قوانينَ تنتظمها، مما يجعل إتقانها ومعالجتها أمراً ميسوراً بخلاف ما في اللغات الأخرى.
ب - التقليل من القواعد ما أمكن، وجعلها مطّردةً شاملةً، وحصر حالات الاستثناء أو الشذوذ أو الخروج عن القاعدة في أضيق الحدود. وقد أثبتت المعالجةُ الحاسوبيةُ للغة العربية أنها من أمثل اللغات وأكثرها طواعيةً لتلك المعالجة، وذلك لغلبة المعيارية والاطّراد في قواعدها: الصرف، وقواعد الإملاء أو الكتابة، والنحو، والمعاجم. على ما في بعضها من اختلافٍ أو شذوذ، ولا يخرج عن ذلك إلا موضوعُ الدلالة، لخصوصية اللغة العربية، وتعقّد العلاقات الدلالية فيها، والتداخل الكبير بين الحقيقة والمجاز.
جـ - عدم الخروج عن الصور المألوفة في الطباعة والكتابة ما أمكن ذلك تحقيقاً لاستمرار الصلة بين القديم والحديث، وتيسيراً لقراءة التراث المطبوع والإفادة منه.
د - الحرص على الربط بين قواعد الإملاء والقواعد النحوية والصرفية تحقيقاً لأهدافٍ تربويةٍ وجيهة، وذلك لارتباط معارف المنظومة اللغوية.(/6)
هـ - لا يمكن الوصولُ إلى قواعد إملاء أو كتابة دقيقة وصحيحة وموحّدة (معيارية) تتجاوز ما أُخذ على ما سبقها من محاولات، سواء أكانت بحوثاً أم كتباً أو مشاريع، ويتحقّق لها الذيوعُ والانتشار، وتُعتمد في جميع مطبوعات أقطار الوطن العربي وخارجه = ما لم يَجْرِ تخليصُها من الخلافات، والزيادات المقحمة، وتعدّد الوجوه، فضلاً عن الأخطاء العلمية والمنهجية والمصطلحية، مما نجد أمثلتَه واضحةً في كتبٍ غير قليلة من قواعد الكتابة، على ما بينها من تفاوت في المناهج والغايات؛ إذ يتسم غيرُ قليلٍ منها بالنقل والتكرار والمتابعة في الصواب والخطأ، وبإقحام موضوعات صرفية أو نحوية أو لغوية أو سواها، دون أيّ مسوّغ؛ لذا، كان من غير الصواب أخذُ جميع ما ورد فيها بالتسليم أو القبول دونَ تدقيقٍ أو تمحيص، لأن قدراً مما جاء فيها لا يعدو أن يكونَ خلافاتٍ، لا تنطوي على كبيرِ قيمةٍ، أو زياداتٍ من علوم مختلفة، لا وجهَ لإثباتها. على أنه يجب التنبيه إلى أن ما يجوز إيرادُه في بعضها، مما وُضع مرجعاً للخاصّة والأساتذة، وتغيّا أصحابُه الجمعَ والاستقصاءَ لكلّ ما يقع تحت أيديهم، والتوثيقَ لكلّ شاردةٍ وواردةٍ، بالإحالة على آراء المتقدمين ومقالاتهم وخلافاتهم ونقلها = لا يجوزُ فِعْلُ مثله لِمَنْ تغيّا الإيجازَ والاقتصادَ والإحكامَ والتقريبَ والتيسيَر وتخليصَ قواعد الإملاء أو الكتابة مما شابها من خلافات، وتعدّد في صور الرسم كما في جاء في " تقديم " المجمع لـ(قواعد الإملاء).
الفصل الأول
الملاحظات العامّة
أولاً: ملاحظات عامّة على الأبواب والموضوعات:(/7)
جاء ترتيبُ مادةِ (قواعد الإملاء) وتوزيعُها على الأبواب، وتقسيماتُها فيها، والتصرفُ في موضوعاتها، بزيادة ما ليس منها، وحذفِ ما هو منها = مغايراً لما هو مألوفٌ في أغلب كتب قواعد الكتابة، وقد نتج عنه خللٌ منهجي من جهة، وزيادةٌ ونقصٌ من جهة أخرى، ويظهر ذلك جلياً في الفهرس، فقد اشتملت (قواعدُ الإملاء) المتقدمة على أربعة أبواب، أولها: باب الهمزة بأنواعها الثلاثة: في أول الكلمة، وفي وسط الكلمة، والمتطرفة، وبعدها ورد تنوين الأسماء، وخُتم بهمزة الوصل! وثانيها: باب الألف اللينة موزّعةً على ثلاثة أقسام، الأول منها للمتوسطة، والثاني للمتطرفة، والثالث للألف اللينة في الأسماء الأعجمية! وثالثها: باب الزيادة والحذف في الحروف، جاء في قسمين، الأول للزيادة: زيادة الألف، وألف الإطلاق، والواو، والثاني للحذف: حذف الألف، والواو. والباب الرابع للفصل والوصل والتاء المبسوطة والتاء المربوطة! وخُتمت بالفهرس.
ويتجه على ما سبق بيانه وترتيبه في الأبواب وعناوينها وموضوعاتها جملةُ ملاحظ، هي:
1 - أُقحم موضوعُ تنوين الأسماء (ص18) في الباب الأول المخصّص للهمزة، وظاهر أنه لا وجهَ لهذا الإقحام. وأما زيادةُ الألف لتنوين النصب وحده فموضعُه البابُ الثالث في مواضع زيادة الألف طرفاً. ومعلوم أن الهمزة على تعدّد صورها هي حرفٌ صامت غير الألف المدّيّة، وليس لتنوين النصب علاقةٌ برسم الهمزة إلا إنْ كانت متطرفةً مفردةً على السطر، فإنها ترسم شاذةً على نبرة إذا وليها تنوينُ النصب، أو ألفُ الاثنين، وسبقها حرفُ اتصال مثل: عبئاً وعبئانِ، شيئاً وشيئانِ. وهذا ما لم يَرِدْ في الكلام على تنوين الأسماء ثمّة.(/8)
وفي الباب الأول أيضاً جرى تأخيرُ الحديث عن همزة الوصل إلى نهاية باب الهمزة بعد تنوين النصب (19 – 20) وهذا ليس صائباً، لأن موضعَها في الهمزة التي تقع أول الكلمة، وهي - كما هو معلوم - على نوعين: همزة وصل، وهمزة قطع، على ما بين الهمزتين من التباين في الصورة والماهية والمواضع، وعلى هذا كتبُ قواعد الكتابة، وسيرد لاحقاً في الملاحظات التفصيلية فضلُ بيانٍ لما شاب الكلامَ على الهمزتين من نقصٍ وخلل.
2 - وفي الباب الثاني اقْتُطِعَت الألفُ الليّنةُ في الأسماء الأعجمية (ص26) من القسم الثاني الخاص بالألف الليّنة آخر الكلمة، وذلك في مقابل القسم الأول الألف الليّنة في وسط الكلمة، وجُعلت قسماً ثالثاً برأسه. وهذا لا يجوز، ولا سابقةَ له في كتب قواعد الكتابة، لأن الألفَ الليّنة لا ترد إلا متوسطةً، أو متطرفةً في مواضعَ أو أنواعٍ من الكلمات، أحدها الأسماء الأعجمية.
3 - سقطت الألفُ التي تُزاد آخر الاسم المنصوب المنوّن من الباب الثالث الخاصّ بالحذف والزيادة في الحروف دون مسوّغ، على أهميتها وكثرة دورانها في العربية. كما أُفردت ألفُ الإطلاق (ص29) بعنوان مستقلّ بعد زيادة الألف في الباب نفسه، ولا داعي لذلك، لأنها إحدى ثلاثِ ألفات تُزاد طرفاً، أولُها الألفُ التي بعد واو ضمير الجمع في الأفعال، وثانيها ألفُ الإطلاق، وثالثها ألفُ تنوين النصب السابقة.
4 - وفي الباب الرابع الخاصّ بالفصل والوصل أُقحمت فيه التاءُ المبسوطة والتاءُ المربوطة، وهي باب مفردٌ في كتب قواعد الكتابة، والموضوعان مختلفان، ولا رابطَ يجمع بينهما، ولا سابقة لهذا فيما أعلم.(/9)
5 - أغفلت (قواعدُ الإملاء) بابَ علامات الترقيم، على أهميته البالغة في تعيين مواضع الفصل، والوقف، والابتداء، وتحديد أغراض الكلام، وأنواع النبرات الصوتية في القراءة. ولا شكّ أن التزام علامات الترقيم على نحوٍ دقيق يعينُ على دقّة إدراك المعاني، وفهم العبارات، عندما تكون تقاسيمُها وأجزاؤها مفصولةً أو موصولةً بعلامات تبيّن أغراضَها، وتوضّح مراميها. لذلك كان بابُ الترقيم وعلاماته في العربية على قدرٍ كبير من الأهمية، وهو ما جعل كُتُبَ قواعد الكتابة لا تستغني عنه، بل حملت أهمّيّتُه بعضَهم على إفراده بكتاب، كما صنع أديبُ العربية وشيخُها أحمد زكي باشا، ومَنْ حذا حذوه من المعاصرين[5] على أن موضعَه جاء في أغلبها آخِرَ الأبواب المتقدمة.
6 - عدم التزامِ منهجٍ علميّ محدّدٍ في معظم (قواعد الإملاء) وذلك يستغرق: عرضَ المادة العلمية، ومعالجتَها، وشرحَها، وتفصيلاتها، وأمثلتَها، وإيرادَ القواعد العامّة، والتعاريف، والملاحظات. وهذا يتجلّى بعقد موازنة بين ما جاء في أيِّ باب منها وبين نظيرها في كتب قواعد الكتابة المعتمدة التي تقتصرُ على موضوعات هذا العلم، والتي عُرف أصحابها بالدّقّة ورسوخ القدم. ولعلّ خير مثال لذلك الإشارةُ إلى ما أصاب باب الهمزة من ضروب الخلل المنهجي والعلمي. وفي الملاحظ المتقدّمة وفيما سيأتي من ملاحظات مفصّلة موزّعة على الأبواب = غُنيةٌ عن الإطالة، وتحاشٍ للتكرار، وتوخٍّ للاختصار.(/10)
7 – جاء كتابُ (قواعد الإملاء) على كبيرِ أهميّته، وخطورةِ موضوعه، وعظيمِ الحاجة إلى مثله، وطويلِ انتظاره، دونَ المأمول منه في المادّةِ والمعالجةِ والمنهج، يشهد لذلك جميعُ ما في البحث. على أن ملاحظةً عامّة تتصل بالمنهج، تجلّت في خُلُوِّه من ذكر أسماء المصادر والمراجع التي جرى الاعتماد عليها، فلم يُشَر إلى أيٍّ منها في أيِّ موضع من الكتاب، على مسيس الحاجة إلى مثلها توثيقاً للمادّة، وتمكيناً للقارئ من التحقق والتثبت في كلّ ما يستوقفه، وبخاصّة الاجتهادات والآراء التي جاءت مسبوقةً دون أيّ إشارة إلى ذلك، خلافاً لما تقتضيه الأمانةُ العلمية التي يحرص عليها المجمعُ، ويلتزمها في مطبوعاته ومجلّته، ويُلزم بها المؤلّفينَ فيما ينشره لهم من كتب أو مقالات.(/11)
8 – يتصل بالملاحظة السابقة صدورُ (قواعد الإملاء) أيضاً غُفْلاً من اسم مَنْ نهض بإعدادها، أو شارك فيها، أو أشرف عليها، أو راجعها، أو نظر فيها، أو كتب ملاحظات عليها، وذلك خلاف ما جاء في التقرير السنوي عن أعمال المجمع في دورة عام 2003م الذي نُشر في مجلة المجمع، فقد عُزيت فيه تلك القواعدُ إلى لجنة اللغة العربية وأصول النحو التي "عقدت ستاً وعشرين جلسة أثناء العام 2003 تمّ فيها ما يلي: أ - وضع (قواعد الإملاء) بالاستعانة بملاحظات بعض أعضاء المجمع، وملاحظات الأستاذ عاصم البيطار، والدكتور مازن المبارك، والتقرير المقدّم من لجنة وزارة التربية، وإحالتها لتعرض على مجلس المجمع للموافقة على طبعها، ثم إرسالها إلى وزارة الإعلام ووزارة التربية ووزارة التعليم العالي وسائر الجهات المعنية"[6]. على أنني سمعت من الأستاذ الدكتور مازن المبارك خلاف ذلك، فقد قرأ عليه الأستاذ المرحوم عاصم البيطار قدراً ضئيلاً منها في نحو صفحتين من قواعد رسم الهمزة، وتحفّظ على ما ورد فيهما من أخطاء[7]. وتكرّر هذا العزو إلى اللجنة نفسها في التقرير السنوي عن أعمال المجمع في دورة عام 2004م، واللفظ ثمّة "كان أهمُّ ما قامت به من أعمال: وضعَ قواعد الإملاء وإحالتها على مجلس المجمع (الذي أقرها في جلسته العاشرة) والاقتراح على المكتب طباعتها في كتيّب وتوزيعه"[8]. على أن آخرَ ما وقفت عليه كان جوابَ الأستاذ الدكتور إحسان النصّ عن سؤالٍ وجّهه إليه الأستاذ عادل أبو شنب في لقاء علميّ موثّق: "ما الذي تعدّه الآن؟" قال: "أعددت كتاب (قواعد الإملاء) وأعمل في تصحيح الأخطاء الشائعة وما أكثرها"[9]. ولا يخفى أن صدورها غُفلاً من الاسم جاء خلاف المألوف في الأعمال العلمية الجادّة التي تقتضي تحديدَ المسؤولية العلمية. ولا يغني عنه صدورُها تحت اسم المجمع وشارته، إذْ لو صحّ ذلك لوجدنا نظيراً لها في مطبوعات المجمع السابقة، على كثرة عددها، وجليل(/12)
قيمتها، وقِدَم العهد بها، وشهرة هذا الأمر تغني عن نصب الأدلة عليه، لأنها تطالع القارئَ في كلّ ما يصدر عن المجامع اللغوية والمؤسسات العلمية والجامعات وجهات النشر المسؤولة الجادّة، ولا يُلتفت إلى ما قد يخرج عن ذلك لخصوصية فيه، كأن يكون الكتابُ سجلاً لقرارات أو قوانين أو لبحوث قُدّمت في ندوات علمية أو مواسم ثقافية أو ما أشبهها. وكذلك لا يغني عنه ما ورد في (قواعد الإملاء) من الحديث بصيغة الجمع في مواضع من تقديمها، أو بصيغة الإجماع في الرأي على ضرورة وضع قواعدَ للإملاء العربي، تتحقق فيها الشروطُ المتوخّاة، أو في أنْ تلقى القواعدُ التي انتُهي إليها رضا الكاتبين عنها، أو ما أشبه ذلك؛ لأن جُلّ أعضاء المجمع ليسوا من ذوي الاختصاص في علوم العربية. ومعلوم أن إجماعَهم على (قواعد الإملاء) تلك، إن تحقّق، قد ينجح في جعل بعض أهل العلم يتهيبون نقدها أو تصحيحها تقديراً لمكانة المجمع العريقة، ولكنه لا يضفي الصوابَ عليها، ولا يرفع من شأنها، ولا يمنحها الشرعيةَ، ولا يكتب لها السيرورةَ في التطبيق أو الاستعمال، إذ لا يجدي في مثل هذا إلا إجماعُ ذوي الاختصاص.
ثانياً: ملاحظات عامّة مختلفة
1 – عدم التمييز بين الحالاتِ الشاذة التي لا تنطبق عليها القاعدةُ، والحالاتِ المعيارية التي تستغرقها القاعدةُ المطردة، وأوضح ما ظهر ذلك في قواعدِ رسم الهمزة وسطاً وطرفاً من الباب الأول، وفي قواعدِ رسم الألف الليّنة طرفاً من الباب الثاني. وسيأتي في الملاحظات التفصيلية الموزّعة على الأبواب فضلُ بيانٍ وتوثيق.(/13)
2 – إيراد السماعي غُفلاً من النصّ أو من التنبيه عليه، إذ كان قليلاً يُحفظ ولا يُقاس عليه، كما في الأسماء السماعية المعدودة المبدوءة بهمزة الوصل (ص19) فقد ذُكرت بعد مواضع همزة الوصل دون أيّ تنبيه أو إشارة إلى ذلك، واللفظ ثمّة " ووقعت هذه الألف في طائفة من الأسماء منها: اسم، اسمان، اثنان، اثنين، اثنتان، اثنتين، ابن، ابنة، امرؤ [امرأً وامرئٍ] امرأة، امرأتان، ايمُن الله [ألف هذه الكلمة ألف وصل عند النحاة، وهمزة قطع عند آخرين، أما أيم الله فهمزتها همزة قطع]".
3 – مضت الإشارةُ إلى سقوط باب علامات الترقيم من (قواعد الإملاء) وقد لوحظ قلّةُ التزامها أحياناً، أو عدم الدّقّة في التزامها، على أهمّيّتها الكبيرة التي سلف بيانها[10]، وفي غير قليلٍ ممّا نقلته عن (قواعد الإملاء) ما يشيرُ إلى صحّة ذلك، لأنني حافظت فيه على صورته التي ورد بها مطبوعاً، لبيان ما فيه من ملاحظ.
4 – العدول أحياناً عن المصطلحات العلمية الدقيقة المعتمدة في كتب قواعد الكتابة إلى عباراتٍ عامّة، أو مصطلحاتٍ خاصّة، جاءت غيرَ دقيقة، أو مجانبةً للصواب، وأحياناً لا سابقَ لها، ومن أمثلته:
أ - تسمية الألف الزائدة طرفاً لتنوين النصب بأنها ألف مدّ (ص17) والنصّ بتمامه "إذا لم تتصل الهمزة المتطرفة بما قبلها أو وقع قبلها واو المدّ أو واو ساكنة وكان الاسم منصوباً رُسمت الهمزة منفردة وألحقت ألف المدّ بآخر الاسم". وهذا غير صحيح، فهي ألف زائدة رسماً، ولا تنطق إلاّ عند الوقف، وتسقط من النطق وصلاً، وسيرد في الكلام على الهمزة المتطرفة زيادةُ بيان.(/14)
ب - استعمال مصطلحات ذاتية أو تعبيرات غير دقيقة، لا تقرّها العربيةُ، ولا أصل لها في كتب الأقدمين، ولا في المعتمد من كتب المعاصرين. وهذا بيّنٌ فيما ورد تحت عنوان (ملاحظة) من تسمية همزة الوصل عند الابتداء بها "ألفاً مهموزة" بدل (تنطق همزة) وجعل رسمها "ألفاً غير مهموزة" بدل (ترسم ألفاً) واللفظ ثمّة (ص19): "إذا ابتُدِئ بألف الوصل نُطِقت ألفاً مهموزة، ولكنها تُرسم ألفاً غير مهموزة، وإذا سُبقت بحرف أو اسم أو فعل (في الدرج) رُسمت ولم تُهمز". وظاهر أن الحديث عن نطقها ورسمها بدءاً ووصلاً كان غير دقيق، بل لا سابقة له، ومن المعلوم والمشهور أن في العربية حرفين: الهمزة والألف، وليس فيها ألف مهموزة، ولا ألف أخرى غير مهموزة، وهذا إنْ لم يكنْ خطأً فهو تجوّزٌ في العبارة غير مقبول.(/15)
ج - استعمال مصطلح "رسمت على ياء غير منقوطة" (ص16و23) وذلك في بيان صورة رسم الهمزة المتطرفة المكسور ما قبلها بدل: رسمت على صورة الياء، أو رُسمت ياءً، أو رسمت ياءً مُرْسَلةً، أو مُهْمَلَةً، على حدِّ تعبير بعضهم. وهذا مصطلح مبتدعٌ لا أصل له، إذ ليس في العربية إلاّ الياءُ والألفُ الليّنة التي ترسم على صورة الياء، إذا وقعت طرفاً في الأسماء والأفعال في الثلاثي، إن كانت منقلبةً عن ياء، وفيما فوق الثلاثي، أيّاً كان أصلُها، ما لم تُسبق بياء، نحو (هُدى - قضى - أعطى - انتهى - استغنى) على تفصيلٍ موضعُه في قواعدِ رسمِ الألف الليّنة طرفاً، وفي الأسماءِ المقصورة والأفعالِ المعتلة الناقصة في الصرف. وإن جاز في مثله أنْ يُقال للشُّداة من المتعلمين تيسيراً وتوضيحاً فلا يجوز إيرادُه في كتاب يصدر عن المجمع، يقتدي به الناس. ومن فضول القول الإشارةُ إلى أنه لا يُلتفت إلى ورود مثله في مصنَّفات المحدثين التي حفل بعضُها بإيراد الغثّ والسمين، والصواب والخطأ، مما لا سبيل إلى حصره، ولا فائدة في تتبعه. وسيتكرّر نظيرُه في مواضع مختلفة، تغني الإشارةُ إليها هنا عن تكرار الحديث عنها.
د - استعمال تعبيرات غير قائمة، تجافي الدقّة المتوخّاة في كتاب مثله، يعلّم أصول الكتابة الصحيحة، مثل قولهم (ص16): "خضعت لقواعد الهمزة المتوسطة أو فتخضع كتابة الهمزة لقواعد الهمزة المتوسطة". ومعلوم أن استعمال الخضوع للدلالة على رسم الهمزة وفق القاعدة هو خطأٌ شائعٌ، وغيرُ دقيقٍ، ولو قيل: عُومِلَت معاملة الهمزة المتوسطة، لكان أولى. ومثله عبارة(ص17): "وُضِعَت على نبرة". وظاهر ما في مصطلح الوضع من عموم يجافي الدّقّة، ومن عدولٍ غيرِ مسوّغٍ عن المصطلح الشائع والدقيق: رُسِمَت أو كُتِبَت.(/16)
هـ - هناك أمثلةٌ لظاهرة عدمِ إحكام الصياغة، وعدمِ الدّقّة أحياناً، والحشوِ والزيادة، بلا داعٍ أو مسوّغٍ، وأمثلتُه ظاهرةٌ في كثير من الفقرات حتى في القواعد العامة، على تفاوتٍ فيما بينها، ومن أمثلة ذلك ما ورد في همزة الوصل (ص19) تحت عنوان (ملاحظة) لدى تفصيل ما قد يسبق همزةَ الوصل من اسم أو حرف أو فعل، ثم إتباعها بالنص على أنها (في الدَّرْج) رُسمت، ولم تُهمز في النطق، مع أن مصطلح الدَّرْج المعتمد مُغْنٍ عن جميع ذلك.
و - اشتملت (قواعدُ الإملاء) على اجتهادات شخصية، وردت في مواضع مختلفة من بابي الهمزة، والزيادة والحذف، جاءت مصدرةً برأي القدماء غالباً، ومتبوعةً أحياناً بـ"والرأي" خلافاً لما ذهبوا إليه، وهي على الجُملة: حذف الألف وسطاً من (مئة)، وحذف الواو من (عَمْرو)، ورسم الهمزة المتوسطة المفردة بين واوين على واو (وَؤُول)، ورسم الهمزة المتوسطة بعد واو ساكنة أو بعد واو مضمومة مشدّدة على واو (ضَوْؤُكَ - تَبَوُّؤُكَ)، وإثبات الألف المحذوفة وسطاً في أسماء الأعلام (الرحمان - ياسين - الحارث - مالك - إسماعيل - إبراهيم - إسحاق - هارون - وغيرها) ما عدا (الله - طه)، وإثبات ألف (يا) الندائية إذا اتصلت بالأعلام وبعض الأسماء المبدوءة بهمزة (يا أسعد - يا أهل - يا أيّها - يا أيّتها)، وإثبات الواو المحذوفة وسطاً إذا سبقت بواو (داوود - طاووس - راووق - ناووس). وهذه الاجتهاداتُ أو الآراءُ - وإن وافقت الصوابَ أحياناً – هي مسبوقةٌ بما ورد في بعض كتب قواعد الكتابة التي صدرت في النصف الثاني من القرن الماضي، دون أيّ إشارة إلى هذا في أيّ موضع منها[11].
الفصل الثاني
الملاحظات التفصيلية
ملاحظات على الباب الأول:(/17)
تضمّن هذا البابُ الموسومُ بـ(الهمزة) قواعدَ رسمِ الهمزة موزّعةً على ثلاثة أقسام، أولها: الهمزة في أول الكلمة، وثانيها: الهمزة في وسط الكلمة، وثالثها: الهمزة المتطرفة، تلاها تنوينُ الأسماء، ثم همزةُ الوصل (ص7-20). ويتّجه على ما سبق ملاحظُ مختلفة سترد موزّعةً على الموضوعات السابقة.
أولاً: الهمزة في أول الكلمة
هناك جملةُ ملاحظَ على ما ورد في الحديث عن الهمزة أولَ الكلمة، وهي النوع الأول من باب الهمزة (ص7-11):
1 - جاء بناءُ الكلام ثمّةَ خلاف المألوف الذي جرت عليه كتبُ قواعد الكتابة من: بيان حقيقة الهمزة التي تقع في أول الكلمة، وأنها على نوعين، الأول: همزة الوصل (تعريفها، مواضعها، القياسية في الأفعال والأسماء والحروف، والسماعية في بضع كلمات، حركتها، حذفها). والثاني: همزة القطع (تعريفها، مواضعها في الأسماء والأفعال والحروف). وأما في (قواعد الإملاء) فلم يكن حظُّ همزتي الوصل والقطع فيها إلا بضعةَ أسطرٍ من أصل خمس صفحات، جاءت على نحوٍ غير دقيق متداخلةً ومتقطعةً، والباقي تفصيلاتٌ وأمثلةٌ كثيرةٌ مقحمة، ليست من أصل الموضوع، من مثل: اجتماع همزة الوصل مع همزة القطع التي تقع فاءً في الثلاثي المهموز مجرداً، ومزيداً في الخماسي والسداسي، وفي مصادر تلك الأفعال. وموضع هذا كما هو معلوم الهمزة المتوسطة حكماً، لأن همزة فاء الكلمة تُعاملُ معاملةَ الهمزةِ المتوسطة (ائْتِ - ائْتَزَرَ - ائْتِلاف). ومن مثل: اجتماع همزتي قطع في أنواعٍ من الكلمات، الأولى مفتوحة والثانية ساكنة، وما ينتج عنهما من إبدالهما ألفاً ممدودة (آمُرُ - آنَسَهُ - آداب - آنِيَة - آكِل - آزَرَهُ). وظاهر أن هذه التفصيلات وأمثلتها لا وجه لإيرادها هنا، ولذلك لم ترد في جُلّ كتب قواعد الكتابة، إذ كان موضعُها كتبَ الصرف.(/18)
2 - جرى تأخيرُ الكلام المفصّل عن (همزة الوصل) وموضوعاتها إلى آخر باب الهمزة (ص 19-20) أي بعد تنوين الأسماء، وما سبقه من الهمزة المتطرفة، وقبلها المتوسطة. وهذا خلافُ المنطق في الترتيب، وما استقرّ عليه الأمرُ في كتب هذا العلم، وقد نتج عنه تجزئةُ أوصال الموضوع الواحد. على أن تفصيل الحديث عن همزة الوصل ثمّة جاء غيرَ منهجي ولا منظّم، وتعوزه الدّقّة والتمام، خلاف ما تورده كتبُ قواعد الكتابة من موضوعات، تقدّمت الإشارةُ إليها آنفاً.
فقد اشتمل الحديثُ عنها على كلامٍ عامّ في أربعةِ أسطرٍ عن علةِّ مجيء همزة الوصل، ووقوعِها في أمر الثلاثي وما فوق الرباعي في الأفعال والمصادر، ثم أُتبعتْ بالأمثلة موزّعةً على هذه المواضع الثلاثة، وخُتمتْ بوقوع هذه الهمزة في طائفة من الأسماء، والنصّ في نهايتها على أنها تقعُ أيضاً في (أل) التعريف، وبعد ذلك ملاحظة عن نطقها بدءاً ووصلاً متبوعةً بأمثلةٍ توضّحها، تلتها ثلاثةُ أسطرٍ فقط عن همزة القطع مع أمثلةٍ عليها. ويتّجه على ذلك ملاحظُ، منها:
أ - كان العدولُ عن تعريف همزة الوصل إلى كلام عامّ يعلّل مجيئها، دون أن يُحدّد طبيعتَها بما يميزها عن همزة القطع، غيرَ صائبٍ وخلافَ المألوفِ والمشهور فضلاً عن المنهج العلمي.
ب - إيجازُ الإشارة إلى المواضع ثم إيرادُها مفصلةً تحت الأمثلة، جاء غيرَ سديد، فقد كان الصوابُ إيرادَها موزَّعةً على مواضعها في نوعين: القياسي في الأفعال والأسماء والحروف، ثم السماعي في الكلمات المعروفة.
جـ - إهمالُ النصِّ على أن ورودها في طائفة من الأسماء هو أمرٌ سماعيٌّ، ولو كان تركُ النصِّ عليه مُغنياً عن التصريح به، إذ قد يُفهم استنتاجاً، لما نصّت عليه كتبُ قواعد الكتابة.(/19)
3 - جاء الحديثُ عن همزة القطع غايةً في الإيجاز، وعلى نحوٍ مُخِلٍّ(ص20) فقد سقطت من العنوان المتقدّم "همزة الوصل" وكان حظُّها ثلاثةَ أسطرٍ في نهاية الحديث عن همزة الوصل متبوعةً ببضعةِ أمثلةٍ اكتفاءً بما ورد في همزة الوصل، لأن الهمزةَ في غير تلك المواضع تكون همزةَ قطع، ومع ذلك جاءت غيرَ دقيقة، واقتُصِرَ فيها على الإشارة إلى أنها ترد "في جميع الحروف باستثناء (أل) التعريف، وفي جميع الأسماء باستثناء الأسماء المذكورة آنفاً". والوجه أن تُذكرَ همزةُ القطع في العنوان مقرونةً بقسيمتها همزة الوصل، وأن يُذكرَ تعريفُها بما يكشفُ عن ماهيتها وصورتها، وأن تُذكرَ مواضعُها موزّعةً على الأسماء والأفعال والحروف، كما جرى عليه الأمرُ في كتب قواعد الكتابة، وهذا أولى من إقحام ما لا علاقة له بالموضوع. على أن فيها إلى ذلك نقصاً، يبدو جلياً في سقوط الإشارةِ هنا إلى موضعها في الأفعال في كلٍّ من: الثلاثي المهموز الفاء، والثلاثي المزيد بالهمزة في أوله في الماضي والأمر والمصدر (الرباعي): (أمَرَ - أكْرَمَ - أكْرِمْ - إكْرام). وأما عدمُ الدّقّة فمرده إلى النصّ على أنها تكون في جميع الحروف باستثناء (أل) التعريف، والأولى أن يقال في التعبير عنها: تكون في جميع حروف المعاني المبدوءة بهمزة ما عدا (أل) التعريف.
ثانياً: الهمزة التي في وسط الكلمة
ثمّة ملاحظُ على النوع الثاني، وهو (الهمزة التي في وسط الكلمة) فقد استغرق الحديثُ عنها أربع صفحات (12- 15) من (قواعد الإملاء):(/20)
1 - استُهلّ بعنوان "القاعدة العامّة" وردت تحته ثلاثةُ أسطر جاءت أقربَ إلى الشرح والتفصيل منها إلى القاعدة أو القانون، إذ اقتُصِرَ فيها على النظر إلى حركة الهمزة وحركة ما قبلها، ثم رسمها في صورة أقوى الحركتين، ثم بيان ترتيب الحركات، تلتها تطبيقاتٌ على القاعدة العامّة في ثلاثة فروع، بينهما ملاحظتان. ويتّجه على ما سُمّي بالقاعدة العامّة نقصٌ وقدرٌ من عدم الدقّة والإحكام، فقد أُهملت الإشارةُ إلى التوسط العارض للهمزة، وهو ما يسميه بعضهم بالهمزة شبه المتوسطة، وجاء الحديثُ عنها في الهمزة المتطرفة (ص16) ونُصّ عليه ثمّة أنها تخضعُ لقواعد الهمزة المتوسطة. والوجهُ النصُّ على التوسّط العارض في موضعه من قاعدة الهمزة المتوسطة، وإيرادُ أمثلته فيها، كما يجب إعادةُ النظر في القاعدة العامة لتكونَ محكمةً موجزةً، نحو قولنا: تُرسمُ الهمزةُ المتوسطة على حرف يناسبُ أقوى الحركتين سواء أكان توسّطُها أصلياً أم عارضاً.
2 – وردت ملاحظةٌ في نحو ثلاثةِ أسطرٍ عن زيادة القدماء الألفَ في لفظ (مائة) لدواعٍ زالت بإعجام العربية، تلاها اقتراح كتابتها بحذف الألف وفقَ القاعدة العامة خلافاً للقدماء، وذلك آخر "تطبيقات على القاعدة العامة" للهمزة المتوسطة إن كانت مكسورةً أو كان ما قبلها مكسوراً (ص13). وظاهر أن موضوعَ الملاحظة من قضايا باب الزيادة والحذف في الحروف لدى الحديث عن زيادة الألف وسطاً (ص28) ولكنه اقتصر ثمّة على زيادة الألف طرفاً، وأُغفِلت زيادتها أولاً ووسطاً، وذلك خلاف ما في كتب قواعد الكتابة.
3 - خُتم الكلامُ على الهمزة المتوسطة بـ(ملاحظات) خمسٍ، تضمنت ثلاثٌ منها أرقامها (3و4و5) الحالاتِ الشاذّةَ المشهورةَ في الهمزة المتوسطة، دون أيِّ إشارةٍ إلى أنها تخرج عن القاعدة أو شاذّة، على ملاحظ فيها سترد قريباً.(/21)
أ - خُصّصت الملاحظةُ الأولى منها للهمزة المتوسطة التي تُرسم مفردةً لوقوعها بين واوين كراهيةَ توالي الأمثال على رأي القدماء مثل (وَؤُول) وكان الرأيُ كتابتها على واو وفقَ القاعدة. وهذا اجتهادٌ يخالف المألوفَ والمشهورَ قديماً وحديثاً من قواعد الكتابة والشروطَ المتوخّاةَ التي مضت في التقديم من الحرص على إبقاء الصلة بين كتابتنا وكتابة الأقدمين. أعتقد أن منهجَ الأقدمين أولى بالاتباع، لأن استكراههم رسمَ ثلاثِ واواتٍ له ما يسوّغه، وهذا يبدو جلياً بالموازنة بين الصورتين في نحو (مَوْؤُوْدة - مَوْءُوْدة).
ب - وكانت الملاحظةُ الثانيةُ خاصّةً باجتماع الهمزة المتوسطة المفتوحة المسبوقة بفتح مع ألف المدّ، وإبدالهما مدّة فوق الألف (شآم - مآل). وهذه لا بأس في إيرادها هنا، وإن كان موضعُها كتبَ الصرف في أحكام التقاء الهمزة والألف.
وأمّا حالاتُ الشذوذ في الهمزة التي في وسط الكلمة فهي مشهورةٌ، وترتبطُ بحروف المدّ الثلاثة التي تسبقها، الأولى: الهمزة المتوسطة المفتوحة بعد ألف ترسم مفردةً مثل (براءَة - تساءل). والثانية: الهمزة المتوسطة المفتوحة أو المضمومة بعد واو ساكنة ترسم مفردةً مثل (مروْءَة - ضَوْءُه). وهذا خلافُ ما ورد في (قواعد الإملاء) فقد جُعلت الشاذّةُ، وهي المتوسطةُ المضمومةُ بعد واو ساكنة مع القياسية، وهي المضمومةُ بعد واو مضمومة مشدّدة، ونُصّ على أنهما ترسمان على واو (ضَوْؤُك - تَنُوْؤُونَ - تَبَوُّؤُكَ) ونُصّ على أنه خلافُ ما جرى عليه القدماءُ من رسم الهمزة مفردةً. أرى أن الفصلَ بين حالتي الشذوذ في الهمزة المتوسطة المفتوحة والمضمومة بعد واو ساكنة اجتهادٌ غيرُ صائب، وإن وافق بعضَ ما ورد في الكتب. وأما كراهية توالي الأمثال فقد مضى الحديثُ عن مثله في الملاحظة الأولى بما يغني عن الإعادة. والثالثة: الهمزة المتوسطة المفتوحة أو المضمومة بعد ياء ساكنة تُرسم على نبرة مثل (بِيْئَة - فَيْئُه).(/22)
ثالثاً: الهمزة المتطرفة
كذلك يتّجه على النوع الثالث المخصّص لـ(الهمزة المتطرفة) (ص16-17) بعضُ الملاحظات:
- أولها: يتعلق بلفظ القاعدة العامّة، فقد جاء أقربَ إلى الشرح منه إلى القاعدة المُحْكَمة الموجزة، إذ نصّ على أنها " ترسم بحسب حركة ما قبلها، سواء أكان ما قبلها حرفاً صحيحاً أم معتلاً ". وفي هذا إغفالٌ لجوهر القاعدة، وهو الرسمُ على صورة حرف يناسب حركةَ ما قبلها، فضلاً عن الحشو عند النص على طبيعة الحرف الذي قبلها، إن كان صحيحاً أو معتلاً، لأن القاعدة التي تحكمها هي حركةُ الحرف الذي قبلها، لا طبيعته صحّةً واعتلالاً.
- ثانيها: يتصل بالفقرة (أ) التي تضمّنت شرحاً للقاعدة العامّة والأمثلة عليها، إذ جاء في آخرها ما لفظه " فإن كان ما قبل الهمزة المتطرفة ساكناً كتبت مفردةً مهما تكن حركتها، سواء في الاسم أو في الفعل ". وهذا مثالٌ على زيادة ما لا داعي له من الاحتراز في الحركة أو في نوع الكلمة اسماً كانت أو فعلاً، إذ يكفي أن يقال في القاعدة: فإن كان ما قبلها ساكناً كُتبت مفردةً. وأمّا التعبير عن سابقتها بلفظ " وإن كان ما قبلها مكسوراً رسمت على ياء غير منقوطة ". فقد مضى الحديثُ عنه.(/23)
- اشتملت الفقرةُ (ب) من الهمزة المتطرفة على الهمزة المتوسطة حُكماً، أو المتوسطة توسطاً عارضاً، أو شِبْهَ المتوسطة، مع أمثلتها، وقد مضت الإشارةُ إلى سقوطها من موضعها في الهمزة المتوسطة في التعريف والشرح في الفقرة (أ) من (3). ويتّجه عليها ملاحظتان، الأولى: علميةٌ، وذلك في التعبير عنها بلغة أقربَ إلى الشرح والتفصيل منها إلى القاعدة المحكمة، والثانية: منهجية، لإيرادها في الهمزة المتطرفة خلافاً للقاعدة والمشهور والمعتمد في قواعد الكتابة، ثم النصّ عليها بآن واحد أنها تخضع لقواعد الهمزة المتوسطة، واللفظ ثمّة " إذا وقع بعد الهمزة المتطرفة ضمير نصب أو ضمير جر أو ياء المتكلم أو واو الجماعة خضعت لقواعد الهمزة المتوسطة ". وهذا التفصيلُ حشوٌ يغني عنه كلمةٌ واحدةٌ آخرَ تعريف الهمزة المتوسطة بأنها " ترسم على حرف يناسب أقوى الحركتين سواء أكان توسُّطُها أصلياً أم عارضاً ". وأما استعمال كلمة (خضعت) فقد مضى بيان ما فيها.(/24)
- تضمنت الفقرةُ (ج) الحالةَ الشاذّةَ الوحيدة في الهمزة المتطرفة عندما تكون مفردةً قبل تنوين النصب، وقبلها حرفٌ يقبل الوصل بما بعده، فإنها ترسم خلافَ القاعدة على نبرة، مثل (عِبْئاً - شَيْئاً). وقد جاء لفظُ القاعدة غيرَ محكم، ولم يُنصّ فيه على شذوذِها، ولفظها ثمّة " إذا سبقت الهمزة المتطرفة بياء المدّ أو ياء أصلية، وكان الاسم منصوباً وُضِعَت على نبرة وألحقت بها الألف ". والملاحظ أن غياب التفريق بين ما تنطبقُ عليه القاعدةُ وما يشذُّ عنها كان سمةً عامةً في (قواعد الإملاء) وكأن المنهج المتبع هو جمع كلّ التفصيلات والشروح والأمثلة تحت القاعدة موزعةً على فقراتٍ كثيرةٍ بلا منهج ينتظمُها، أو يسوِّغُ تعددها وموضوعاتها، وقد مضى نظيرُه فيما شذَّ عن الهمزة المتوسطة، وسيأتي لاحقاً ما يؤكّده. وأما استعمال كلمة (وضعت) في التعريف المتقدّم موضعَ المصطلح الشائع المعتمد في كتب قواعد الكتابة (رُسمت أو كُتبت) = فقد سبقت الإشارة إليه بما يغني عن تكراره.
- وأمّا الفقرة (د) فقد جاءت في تسعة أسطر، وتضمنت أمرين، لا وجه لإيرادهما:
أولهما: يتناولُ صورةَ الهمزة المتطرفة التي ترسم مفردةً لسكون ما قبلها، صحيحاً كان أو مدّاً، متبوعةً بتنوين النصب، أو غيرَ متبوعة، مثل (جُزْءاً - هُدُوءاً - ضَوْءاً). وهذه حالةٌ تستغرقها القاعدةُ، لا تحتاج إلى إفرادها بنوع مستقلّ. وأمّا صياغتها فلم تكن محكمة، فضلاً عما فيها من خطأ في المصطلح واللغة، واللفظُ ثمّة " إذا لم تتصل الهمزة المتطرفة بما قبلها أو وقع قبلها واو المدّ أو واو ساكنة وكان الاسم منصوباً رسمت الهمزة منفردةً وألحقت ألف المدّ بآخر الاسم ". وظاهر أن تسمية الألف الزائدة لتنوين النصب بأنها (ألف المدّ) كلام غير دقيق، مضت الإشارة إليه.
وثانيهما: كان تكراراً لما سبق في الفقرة السابقة (ج) إذا اتصلت الهمزة بما قبلها، مثل (بُطْئاً - شَيْئاً).(/25)
- كذلك جاءت الفقرةُ الأخيرة (هـ) مقحمةً، وهي تخصّ إحدى الحالات الأربعِ المستثناةِ من زيادة الألف طرفاً لتنوين النصب، وذلك إذا كانت الكلمةُ منتهيةً بهمزة بعد ألف، مثل (قضاءً). ومعلوم أن هذه الحالاتِ موضعُها بابُ الزيادة والحذف في الحروف (28) وهي في زيادة الألف طرفاً. ولا يسوغُ إيرادُها هنا لمجرد التنبيه على أن تنوين النصب يكون فوق الهمزة دونَ زيادةِ الألف، ولو صحَّ ذلك لكان الواجبُ الاستقصاءَ بإيراد الحالة الثانية الشبيهة بها، وهي الهمزةُ المتطرفة فوق ألف، إذا نُوّنت تنوينَ النصب، فإن التنوين يرسم فوق الهمزة، ولا تُزاد فيها الألفُ، مثل (ملجأً - نبأً).
لقد سبقت الإشارةُ في صدر الملاحظات العامّة إلى أن إيراد (تنوين الأسماء) في الباب الأول المخصص للهمزة عقب الهمزة المتطرفة(ص 18) مقحمٌ لا وجه له، ولا يسوّغه وروده في بعض المصنفات. وأمّا وجودُ علاقةٍ بين تنوينِ النصب ورسمِ الهمزة المتطرفة المفردة، سواء أكان ما قبلها حرفاً مفصولاً أو موصولاً = فقد جرى عرضه مفصّلاً مع أمثلته في صفحة كاملة (ص17).
ملاحظات على الباب الثاني:
اشتمل البابُ الثاني الموسومُ بـ(الألف اللينة) على قواعد رسم الألف الليّنة موزّعةً على أقسامٍ ثلاثةٍ، أولها: الألفُ الليّنة في وسط الكلمة، وثانيها: الألفُ الليّنة في آخر الكلمة، وثالثها: الألفُ الليّنة في الأسماء الأعجمية ص (21- 25). ويتّجه على ما ورد في هذا الباب جملةُ ملاحظ، يمكن إيجازها بما يلي:(/26)
1 – جاءت القاعدةُ العامّةُ للألف الليّنة في وسط الكلمة غيرَ دقيقة، وشابها نقصٌ وزيادةٌ، إذ أُغفل مصطلحُ التوسُّطِ العارضِ، وأُقحم فيها مصطلحُ المحوَّلة عن الأصل، ومصطلحُ المزيدة، ولذلك وردت الأمثلةُ ناقصةً، لأنها خلت من أمثلةِ أنواعِ التوسُّطِ العارض في الأفعال والأسماء والحروف، ولفظها " ترسم الألف اللينة التي تقع في وسط الكلمة ألفاً في جميع الأحوال سواء أكان توسطها من حيث الأصل أم كانت محوّلة عن أصل أم مزيدة، وسواء أوقعت في اسم أم في فعل ". وقد كان يغني عن هذه القاعدة المطولّة القول: تُرسم الألفُ اللينة في وسط الكلمة ألفاً سواء أكان توسُّطُها أصلياً أم عارضاً. وأمّا إقحامُ " المحوّلة عن أصل " في مقابل الألف اللينة المتوسطة توسطاً عارضاً، فلا وجه له، ولا سابقة له في كتاب معتمد من كتب هذا العلم. وبنحوه إقحامُ مصطلح " المزيدة " مقابل التوسط الأصلي والعارض للألف اللينة، ويصحّ فيه ما سبق آنفاً، ولا مسوّغ لذكرها أيضاً، لأن ألف الزيادة في مثل " مُتمايز - سابَقَ " صورتها واحدة، ولا أصل لها انقلبت عنه من واو أو ياء، كما في أنواع الألفاتِ الليّنةِ المتوسطةِ توسطاً أصلياً أو عارضاً في الأسماء والأفعال. وأمّا الأمثلةُ التي أعقبتها فقد زيد فيها أمثلةُ الألف المزيدة المتقدّمة التي لا داعي لها، وأُسقط منها أمثلةُ أنواع الكلمات التي يقع فيها التوسُّطُ العارض، وهي: الأسماءُ المقصورةُ المضافة إلى الضمائر، مثل (فتاك - هُداي - رضاك) والأفعالُ المعتلةُ الناقصةُ المتصلةُ بضمائر النصب، مثل (يرضاه - يخشاك - هداني) وبعضُ حروف الجرّ متصلةً بـ(ما) الاستفهامية، مثل: إلامَ؟ عَلامَ؟ حَتَّامَ؟ وهذه الحروفُ سقطت أيضاً الإشارةُ إليها في آخر القاعدة التي اقتصرت على وقوع الألف الليّنة المتوسطة في الاسم أو الفعل.(/27)
2 – اختص النوعُ الثاني من هذا الباب بالألف الليّنة في آخر الكلمة(ص22-25) وقد صُدّر بأن رسمها يخضع للقواعد الآتية، جرى توزيعُها على خمسةِ أقسامٍ أو أحرفٍ بترتيب أبجد، تخللتها ملاحظتان. ويتّجه على تلك القواعدِ والتفريعاتِ والملاحظاتِ جُملةُ أمور، أظهرها: أن صياغة تلك القواعد جاءت غيرَ محكمة، فقد اعتورها قَدْرٌ من: الحشو، والزيادة في التفريع والتقسيم بلا مسوّغ، والنقص، ومجافاة الدّقّة، والتباين في المنهج، والتداخل في الموضوعات، وتقطيع أجزاء الموضوع الواحد:
أ - مثالُ الحشو القاعدتان، الأولى وهي (أ) المعقودة لحروف المعاني المنتهية بألف ليّنة، والثانيةُ وهي (ب) الخاصّة بالألف الليّنة في الأسماء المبنيّة، حيث أُقحم فيهما النصُّ على عدد الأحرف التي يمكنُ أن تسبقَ الألفَ الليّنة. وهو ما لا داعي له، ولا فائدةَ منه، ولا يترتبُ عليه شيءٌ يغيّر من رسمها، ولذلك لم تذكره كتبُ قواعد الكتابة، ثم ما نتج عنه من طول القاعدة بلا مسوّغ، ولفظه(ص22): " أ – ترسم ألفاً في الحروف مطلقاً سواء أوقعت بعد حرف أم حرفين أم ثلاثة أحرف ". ومثله أيضاً: " ب – ترسم ألفاً في الأسماء المبنيّة سواء وقعت بعد حرف أو حرفين أو ثلاثة أحرف أو أربعة أحرف ". وقد كان يغني في الأولى القولُ: ترسم الألفُ اللينة في حروف المعاني ألفاً. وفي الثانية القولُ: ترسم الألفُ اللينة في الأسماء المبنية ألفاً.(/28)
ب - ومثالُ الزيادة في التفريع والتقسيم بلا مسوّغٍ إقحامُ القاعدة الثالثة (ج) المتعلقة بألف التثنية بأنها " ترسم ألفاً سواء وقعت في ضمير أو اسم أو فعل ". وهذا، على ما فيه من تزيّد في التفريع بلا طائل، موضعُ نظر، فالضمائرُ البارزةُ المنتهية بألف نحو (أنتما – هما) تدخل في جُملة الأسماء المبنيّة التي تقدم بيانُ قاعدتها، وألفُ التثنية أيّاً كانت علامة ً أم ضميراً ليست منقلبةً عن أصلٍ كما في أصل الألف الليّنة المتطرفة في الأسماء والأفعال، فضلاً عن أنها لا تُرسم إلاّ بصورةٍ واحدةٍ، ولذلك خلت من ذِكْرها كتبُ قواعد الكتابة إلا ما ندر وشذّ.
وظاهرٌ ما في العبارة أيضاً من تجوّزٍ بدا جليّاً في سقوط همزة التسوية قبل (وقعت) وفي استعمال (أو) بدل (أم) المعادِلَة لهمزة التسوية، وقد تكرّر نظيرُه في عِدّة مواضع. وهذا - وإن أجازه مجمع اللغة العربية بالقاهرة - هو خلافُ المشهور والأفصح وما عليه التنْزيلُ الحكيمُ وجمهورُ كلام العرب، وإن اغتُفِرَ مِثْلُه للطلبة وغير المختصين وعامّة المثقفين فلا يُغتَفَرُ لذوي الاختصاص ومَنْ فوقهم من النخبة، ولا شكّ أن المأمولَ من الهيئات العلمية المعنية بالحفاظ على اللغة العربية كالمجامع اللغوية وغيرها أن يجيء ما يصدر عنها موافقاً لأعلى الأساليب وأفصحها، إذ كانت قدوةً للناس في جميع ما يصدرُ عنها.
ج - ومثالُ التزيّد وعدمِ الدّقّة ما جاء في القاعدة (د) (ص23) المتعلقة بالألف الليّنة في الثلاثي من الأسماء والأفعال التي ترسم بحسب أصلها، فقد زيد فيها " أو مصدر " بعد النصّ على الاسم والفعل، وكأنه قسم ثالث، ولا يخفى أن المصدر يندرج في الاسم، وهو من أقسامه، يدلّ على ذلك الأمثلة الكثيرة التي وردت موزعّةً على الأصلين الواوي واليائي في الأفعال والأسماء دون المصدر.(/29)
د - ومثالُ التداخل مع عدم الدّقّة والنقصِ إتباعُ القاعدة السابقة ببيان طرق كيفية معرفة الأصل في الفعل، وذلك بإسناده إلى ضمائر الرفع، أو معرفة صيغة مضارعه، أو مصدره، ثم إيراد تطبيق عليها، وإتباعها ببيان معرفة الأصل في الاسم بتثنيته أو بجمعه، ثم ختمه بملاحظة تتعلق برسم الألف الليّنة في الأفعال الواوية واليائية. ومعلوم أن هذا موضوعٌ مستقلٌّ عن قواعدِ رسم الألف الليّنة طرفاً، ومثلُه يحتاج إلى عنوانٍ مفردِ عقبَ تلك القواعد، وإن كان مرتبطاً بواحدة منها، وعلى ذلك كثيرٌ من المصنّفين في قواعد الكتابة. وبنحوه إقحامُ التنبيهِ على الأفعال المشتركة بالواو والياء، والتدليلُ عليها بأمثلةٍ مختارةٍ في آخر القاعدة تحت عنوان ملاحظة(ص24) فقد كان الأولى أن تفردَ بعنوان جديدٍ مستقلّ بعد تلك القواعد، فضلاً عما وقع في العبارة من ترخّص في استعمال (أو) التي لأحد الشيئين موضعَ الواو التي للعطف، وذلك في قوله " ثمّة أفعال تكون واوية ويائية، فتكتب بالألف أو بالياء " لأن استعمال (أو) هنا يدلّ على أنها ترسم بأحد الوجهين لا بكليهما، كما تفيده الواو، يؤكّد ذلك إيرادُ أمثلةِ أربعةِ أفعالٍ بالوجهين معطوفةً بالواو. وأما النقصُ فظهر جلياً في قصر معرفة الأصل في الاسم على التثنية والجمع، وإغفال الردّ إلى المفرد، إن كانت الكلمة جمعاً، نحو (قُرى وقرية). ولا يخفى ما في عبارة الأصل من تجوّز " ولمعرفة الأصل في الفعل " بدل قولهم: ولمعرفة أصل الألف الليّنة في الأفعال المعتلة الناقصة. وفي نظيرها: " ولمعرفة الأصل في الاسم " في موضع قولهم: ولمعرفة أصل الألف اللينة في الأسماء المقصورة.(/30)
هـ - ومثالُ التباينِ في المنهج ما تلا القاعدة (د) بعد أمثلة الأصل الواوي واليائي في الثلاثي من الأسماء والأفعال، ثم تفصيل كيفية معرفة أصل الألف اللينة فيهما، فقد خُتم بالتنبيه على أنه " إذا كان الاسمُ اسمَ جنس أو مصدراً يرجع إلى فعله ". فقد ورد غُفلاً من التدليل عليه بأمثلة مع مسيس الحاجة إليه في اسم الجنس خصوصاً، وعدمِ الحاجة إليه في (الاسم المصدر) لما سبق من أن معرفةَ المصدر واحدةٌ من ثلاثِ طرقٍ، يُعرف بها أصلُ الألف الليّنة في الأفعال نحو (سعى: السعي).
و – ومثالُ عدمِ الإحكام والدّقّة والحشو والزيادة ما جاء في القاعدة (هـ) (ص24) الخاصّة برسمها فيما فوق الثلاثي من الأسماء والأفعال، فقد ورد لفظها " إذا وقعت الألف الليّنة في نهاية كلمة تجاوز ثلاثة أحرف فعلاً كانت أو اسماً رسمت في صورة الياء ". وقد كان في الوسع التعبيرُ عنها بأوجز من ذلك وأدقّ، كأن يقال في الألف الليّنة طرفاً أنها: ترسم ياءً أو على صورة الياء فيما فوق الثلاثي في الأسماء والأفعال. وليس " في صورة الياء " كما ورد. وبنحوه أيضاً ختمُ القاعدة وأمثلتها(ص25) بأن هذه الألف تقلب ياءً في المثنى وفيما يجمع بألف وتاء مزيدتين على صيغة جمع المؤنث السالم ". ولا يخفى أن هذا الكلام مقحمٌ بلا مسوّغٍ يقتضيه، وموضعُه معلومٌ في كتب الصرف والنحو، كما أنه ليس مقصوراً على الألف الليّنة فيما فوق الثلاثي في الأسماء والأفعال، بل ينطبق أيضاً على الثلاثي، فضلاً عمّا فيه من تكثّرٍ وإطالةٍ بدت واضحةً في النصّ على اسمين لمسمّى واحد، بما لا لبس فيه، وهو" فيما يجمع بألف وتاء مزيدتين على صيغة جمع المؤنث السالم " وكأنهما متغايران، أو كأن الثاني صيغةٌ من الصيغ التي يرد عليها الأول.(/31)
ز - ومثالُ القطعِ لأجزاء الموضوع الواحد مع عدم الدّقّة ما ورد في ختم قواعد رسم الألف الليّنة تحت عنوان (ملاحظة)(ص25) ولفظه: " استثناء من القاعدة السابقة ترسم الألف اللينة ألفاً إذا وقع قبل نهاية الفعل ياء " وإتباعها بالأمثلة. وحقّ هذا الاستثناءِ أن يجيء في موضعه من قاعدة رسم الألف الليّنة ياءً في الثلاثي، إن كانت منقلبةً عن ياء، وفيما فوق الثلاثي، في الأسماء والأفعال معاً، لا في الأفعال وحدها كما ورد في القواعد والأمثلة التي تلتها، نحو(دنيا - ثُريّا - يعيا - حيّا - استحيا).ولهذا نظائر وردت في مواضع أخرى، جرى فيها فصلُ الاستثناءِ عن القاعدة، وإفرادُه متأخراً بملاحظة.
ح - ومن أمثلةِ تباينِ المنهج إيرادُ بعض استثناءات تلك القواعد عقبَ القاعدةِ وأمثلتها، كما في رسم الألف الليّنة في الحروف وفي الأسماء المبنية، وإفرادها تحت عنوان (ملاحظة) في رسمها فيما فوق الثلاثي من الأسماء والأفعال. ومعلوم ما يقتضيه المنهجُ من وجوب أن يجري الأمرُ على سَنَنٍ واحدٍ في الاستثناءات.
3 - أما النوعُ الثالثُ من الباب الثاني فقد اختصّ بالألف الليّنة في الأسماء الأعجمية(ص26-27) حيث استُهلّ بالقاعدة العامّة وما تلاها من أمثلة، جاءت موزّعةً على الحروف الأبجدية: (أ) الثلاثي وما فوقه. (ب) أسماء المدن والقرى في بلاد الشام والعراق. (ج) أسماء القارات والدول والمدن والأعلام الأجنبية. (د) الأسماء المستثناة من ذلك قديمةً وحديثةً. (هـ) استبدال القدماء التاء المربوطة بالألف في الأسماء الأعجمية في الأندلس وغيرها. ويتّجه على ما سبق الملاحظُ الآتية:(/32)
أ – تقدمت الإشارةُ في الملاحظات العامة (2) إلى خطأ اقتطاع الألف الليّنة في آخر الأسماء الأعجمية من القسم الثاني الخاص بالألف الليّنة آخر الكلمة، وجعلها قسماً ثالثاً مفرداً، مع إسقاط الإشارة إلى موضعها، وهي كلمة (آخر) من العنوان، ممّا نتج عنه تقطيعُ أوصال الموضوع الواحد بلا وجهٍ مسوّغ، وذلك في مقابل القسم الأول (الألف الليّنة في وسط الكلمة).
ب - استغرقت قاعدةُ هذا النوع وأمثلتُه وتفريعاتُها نحواً من صفحتين، وقد كان في الوسع تقديمُ ذلك في بضعةِ أسطرٍ تتضمن القاعدةَ والأمثلةَ المنضبطةَ والشاذّة في موضعها من النوع الثاني الخاصّ بأنواع الكلمات التي تقع فيها الألفُ الليّنة طرفاً، وذلك بعد حذف ما ورد حشواً أو زيادةً في المادة أو في التفريع والتقسيم بلا داعٍ، مما لا نجد نظيراً له في الكتب المعتمدة، فلا حاجة إلى التنبيه على ما جرى عليه القدماءُ في رسم الأعلام الأجنبية بالتاء المربوطة في الأندلس والمشرق والمغرب، والحديث عن قاعدة رسم الألف الليّنة طرفاً في الأسماء الأجنبية.
ملاحظات على الباب الثالث:
استغرق هذا البابُ (الزيادة والحذف في الحروف) ستَّ صفحات (ص28-33). ومعلوم أنه من الأبوابِ المهمةِ في قواعد الإملاء، وذلك لأن الكتابة العربية تحوي حروفاً تُزاد رسماً (كتابةً) ولا يُنطق بها، وحروفاً تحذفُ رسماً ويُنطق بها، وهي بنوعيها قليلةٌ جداً، تحكمُها قواعدُ مطردةٌ أو معياريةٌ خلافاً لكثيرٍ من اللغاتِ المعاصرة التي تتسعُ فيها وجوهُ التباين بين المكتوب والمنطوق به،كما سلفت الإشارةُ إلى هذا في صدر المقال. وطبيعي أن يجيء هذا البابُ في نوعين:
- النوع الأول: (الزيادة في الحروف)(ص28-29) واقتُصر فيه على مواضعِ زيادةِ حرفي: الألف والواو، وجاءت بينهما ألفُ الإطلاق(ص29) بعنوان مفرد. ويتّجه على ما ورد ثمّة جُملةُ ملاحظ:(/33)
1 – نُصّ في مستهلّ الحديث عن الزيادة في الحروف على أنه " لا يزاد في الكتابة العربية إلاّ حرفان هما الألف والواو ". وهذا غير دقيق، لأن هاء السكت تزاد على أواخر الكلمات المنتهية بحركة بناء لازمة وجوباً أو جوازاً، وهي تٌنطق وقفاًً، وتسقط لفظاً في درج الكلام، وهذا هو الاختيار عند النحويين، وأجاز بعضهم لفظها وَقْفاً ودَرْجاً[12] نحو (فِهْ - رَهْ - مالِيَهْ - سلطانِيَهْ - لم يَرْمِهْ أو لم يرمِ). فإن اعتُذر عن إسقاطها باختلافها عن الألف والواو في الزيادة، فالجواب عنه أن ألف الإطلاق التي لا وجه لإيرادها أصلاً، لأنها تُزاد رسماً ولفظاً، قد وردت في (قواعد الإملاء) كما مضى قريباً، وهي بهذا أولى بالإسقاط من هاء السكت.
2 – اقتُصر في زيادة الألف في الفقرة (أ) على وقوعها طرفاً نهايةَ الكلمةِ في موضعين، أولهما: ألفُ التفريق بعد واو ضمير الجمع في الماضي والأمر والمضارع منصوباً ومجزوماً، وثانيهما: ألفُ الإطلاقِ نهايةَ البيتِ المنصوب الرويّ، مع الأمثلة لكلٍّ منهما. وهذا أيضاً غيرُ دقيق، ويشوبه نقصٌ غيرُ قليل، آيةُ ذلك أن هناك ثلاثةَ أنواعٍ من الألفات المزيدة لم ترد هنا في موضعها، وهي:
- الأولى: الألفُ التي تُزاد أولاً في جميع مواضع ألف الوصل (همزة الوصل) في الأفعال والأسماء و(أل) التعريف، لأنها في حقيقتها ألفٌ زائدةٌ يُتوصّلُ بها إلى النطق بالساكن بعدها، تنطقُ همزةً في البدء، وتسقطُ في الدَّرْج، وعلى هذا كثيرٌ من كتب قواعد الكتابة.(/34)
- والثانية: الألفُ التي تُزاد وسطاً في كلمة (مائة) لعلّةٍ معروفة، والعجيبُ أنها سقطت من موضعها هنا، وأُدرجت في الكلام على الهمزة المتوسطة تحت عنوان (ملاحظة)(ص13) نصّها " كتب القدماء لفظ (مئة) بزيادة ألف قبل الهمزة (مائة) ولم يبق ثمّة ضرورة لزيادة الألف لالتزام النقط في كتابتنا اليوم خلافاً للقدماء فتكتب وفق القاعدة العامة ". وظاهر أن موضعَها في زيادة الألف وسطاً، ولا يُسوِّغُ نقلَ الحديثِ عنها إلى قواعد رسم الهمزةِ المتوسطةِ الاجتهادُ المسبوقُ بحذف الألف، وأنها تكتبُ لذلك وفق القاعدة العامّة.
- والثالثة: الألفُ التي تُزاد طرفاً لتنوين النصب، وهي على شهرتها، وكثرةِ دورانها في الكلام، وورودِها في كتب قواعد الكتابة المعتمدة في هذا الموضع، كان حظُّها الإغفالَ هنا، مع أنها أُقحمت في نهاية الكلام على الهمزة المتطرفة (ص18). يدلُّ على ذلك أنه نُصّ فيها ثمّة على زيادتها، بلفظ " ويقتضي التنوين زيادة ألف على أواخر الأسماء المنصوبة غير الممنوعة من الصرف نكرةً كانت أو عَلَماً يقبل التنوين ". وهذا الكلام - على وروده في غير موضعه – تعوزُه الدّقّةُ والإحكام، إذ لا داعي لتفسير المراد من " الأسماء المنصوبة " بـ " غير الممنوعة من الصرف نكرة كانت أو علماً يقبل التنوين " فهو حشو، إذ تغني عنه كلمٌة واحدةٌ هي (المنوّنة) وصفاً للأسماء المنصوبة، فالنصُّ على التنوين كما هو معلوم يغني عن تقييدها بـ(غير الممنوعة من الصرف) وعن النصّ على النكرة والعلم، لأن الأصل فيهما التنوين الذي لا يكون حيث الإضافةُ والتعريفُ بـ(أل). ولا يخفى أن الإشارةَ إلى مثله تُعَدُّ من نافلة القول وفضوله، كما أن شهرتُها تغني عن التوثيق.(/35)
3 – وكذلك اقتُصر في زيادة الواو (ب) على كلمة (أُولى) وممدودها (أُولاء - أُولئك) وعلى كلمة (عَمْرو). والكلامُ في الموضعين غيرُ قائم، يشوبُه نقصٌ، وتعوزُه الدّقّة، كما أن ما صُدِّرَ بأنه " الرأي " في حذف واو (عَمْرو) يحتاج إلى إعادة نظر. دليلُ ذلك أن الواو تُزاد وسطاً في ثلاثِ كلمات، اقتصرت (قواعد الإملاء) على واحدةٍ منها (أُولى - أُولاء) وأسقطت (أُولو/ أُولي) بمعنى أصحاب، و(أُولات) بمعنى صاحبات، دونما مسوّغ، على شهرتهما في كتب هذا العلم، وكثرةِ ورودهما في القرآن الكريم. وأمّا زيادةُ الواو في آخر (عَمْرو) فقد كان التعبيرُ عن قاعدتها غيرَ دقيق، فضلاً عمّا صاحَبَه من اجتهاد غير صائب، واللفظُ ثمّة(ص29):" زاد القدماء الواو بعد راء اسم (عَمْرو) تفريقاً بين (عُمَر) و(عَمْرو). والرأي حذف هذه الواو والاكتفاء بوضع إشارة فتح فوق العين فنكتب (عَمْر) ". وذلك لأن زيادةَ الواو في كلمة (عَمْرو) مقيّدةٌ بحالتي الرفعِ والجرِّ دونَ النصبِ مع التنوين بضوابطَ معروفةٍ مشهورة، وجميعُ ذلك لم يُشَرْ إليه، مما جعل حكايةَ قاعدتها مسرفةً في التعميم، وبعيدةً عن الدقّة العلمية ولغةِ التخصص.(/36)
ونحوه الاجتهادُ الذي تصدّر بـ " والرأي " الذي يدلّ مُعَرَّفاً بأل على أنه الصواب، مستبعداً غيرَه من آراء، على ما فيه من مخالفةٍ للمشهورِ والشائعِ من قواعد الكتابة وأصولِ الأقدمين التي نصّت (قواعد الإملاء) في التقديم على شديدِ حرصها عليها، فضلاً عمّا فيه من تضحيةٍ بميزةٍ جليلةٍ تختصُّ بها العربيةُ دونَ كثيرٍ من اللغات الأخرى، وهي ميزةُ الاقتصاد في الكتابة العربية، إذْ تقتصرُ لغتُنا في الأصل والأعمِّ الأغلب على كتابة حروف المدّ (المصوّتات الطويلة) دون الحركات (المصوّتات القصيرة) إلا لداعٍ يقتضي الضبطَ بالشكل كُلّيّاً أو جُزْئيّاً. أحسب أن الاجتهادَ بحذف الواو والضبطِ بإثبات حركتين: فتح العين وسكون الميم (عَمْر) لا يحلّ مشكلةً، ولا ييسّر صعباً، كما أنه لن يُغري أحداً بالأخذ به، والعدولِ عما جرت به الأقلامُ، وألِفَه العامُّ والخاصُّ، وذلك لأمور، أظهرها ما في لغة هذا " الرأي " من مجافاةٍ للدّقّة العلمية وعدولٍ عن المصطلحات المشهورة إلى كلام عامّ، ينأى عن لغة التخصص، تجلى في التعبير عن الضبط بالشكل بفتح العين وسكون الميم في (عَمْر) باللفظ " والاكتفاء بوضع إشارة فتح فوق العين". أعتقد أن استعمالَ مصطلح (إشارة فتح) في موضع (حركة الفتح) مبتدعٌ وغير مسبوق.
4 – جرى إفرادُ " ألف الإطلاق " بعنوان بالحرف الأسود الفاحم وسط السطر(ص29) ما بين الحديث عن زيادة الألف وزيادة الواو، وكأنها موضوعٌ مستقلّ، دون أيّ مسوّغ لهذا الإفراد، لأنها فرعٌ عن زيادة الألف التي اقتُصر فيها على موضعين: الألف التي تلي واو ضمير الجمع، وألف الإطلاق.
- النوع الثاني: اختصّ هذا النوعُ بالحروف التي تُحذف في الكتابة، غير أن العنوان ثمّة اقتصر على كلمة " الحذف " واستغرق نحوَ أربعِ صفحات(ص30-33). ويتّجه عليها جُملةُ ملاحظَ، تؤولُ إلى عدمِ الدّقّة، والنقصِ، والحشوِ، والأخطاءِ العلمية والمنهجية، يمكن إيجازُها فيما يلي:(/37)
1 - استُهلّ الحديث عن (الحذف) بأنه " يقع الحذف في مذاهب القدماء في حرفين فقط، هما الألف والواو ". وهذا القطعُ بقصر الحذف على حرفين منسوباً إلى مذاهب القدماء لا يُسلّم به، فهناك حروفٌ أخرى يقع فيها الحذفُ لدى القدماء والمحدثين، أشهرُها حرفان، هما:
- (أل) التعريف: وذلك في نوعين من الكلمات، أولاهما: الأسماءُ المبدوءة باللام إذا دخلت عليها (أل) ثم دخل عليها لامٌ مكسورة أو مفتوحة، نحو: لَلَّبَنُ - لِلَّبَنِ، لَلَّحْمُ - لِلَّحْمِ، لَلَّيْلُ - لِلَّيْلِ. وثانيهما: الأسماءُ الموصولة التي تكتب بلامين إذا دخلت عليها لامٌ مكسورة أو مفتوحة، نحو: لَلّذانِ - لِلَّذَيْنِ - لَلَّتانِ - لِلَّتَيْنِ - لَِلَّائي...
- النون: تُحذف كتابةً أو رسماً في مواضع، أشهرها وأصحّها[13]:
* من حرفي الجرّ (مِنْ) و(عَنْ) إذا دخلتا على (ما) و(مَنْ) مثل: مِمّا وعَمّا ومِمّنْ وعَمّنْ.
* من (إنْ) الشرطية إذا اتصلت بـ(لا) النافية، أو (ما) الزائدة، مثل: (إلاّ تَنْصُروه فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ)[الأنفال73] و(إمّا يبلغَنَّ عِنْدَكَ الكِبَرَ أحدُهما أو كلاهما)[الإسراء23].
* من (أنْ) المصدرية إذا جاءت بعدها (لا) زائدةً أو نافيةً، مثل: (قالَ ما مَنَعَكَ ألاَّ تَسْجُدَ إذْ أمَرْتُكَ)[الأعراف12]. ويجب ألاّ تتأخَّرَ.(/38)
2 – اشتمل الحذف الأول " حذف الألف "(ص30-33) على جمع للمواضع التي تُحذف فيها الألفُ موزعّةً على أرقامٍ تسعةٍ، تخللتها بعضُ الاجتهادات، الثلاثةُ الأولى منها لمواضع مشهورة تُحذف فيها همزةُ الوصل، ولذلك توردها بعضُ كتب قواعد الكتابة في الحديث عن أحكام حذف همزة الوصل، واثنتان (الرابعة والتاسعة) لحذف الألف وسطاً، والأربعة الباقية (الخامسة والسادسة والسابعة والثامنة) لحذف الألف طرفاً. ويتّجه على ما ورد ثمّة ملاحظُ مختلفةٌ من عدم الدّقّة، والنقصِ، وعدمِ التفريق بين مواضع حذف الألف أولاً ووسطاً وطرفاً، وكذلك بين مواضع الحذف الواجب والجائز، ومن الخلطِ بين الرسم القرآني والرسم الكتابي المعاصر، والتجوّزِ في التعبير عن بعض تلك المواضع. بيانها فيما يأتي:
أ – جاء التعبيرُ عن قاعدة حذف الألف من كلمة (ابن) غيرَ دقيق، فقد عُزي الحذفُ فيها إلى القدماء والمحدثين، وتضمّن بعضَ شروطها، ثم تلتها الأمثلةُ متبوعةً بشرطٍ آخر(ص30) واللفظ ثمّة " تحذف في الكتابة لدى القدماء والمحدثين ألفُ (ابن) إذا وقعت هذه الكلمة مفردة بين علمين على ألاّ يفصل بينهما فاصل ". أرى إعادةَ النظر في تحرير القاعدة، وذلك بحذف النصّ على نسبة هذا الحذف إلى القدماء والمحدثين، لأنه لا يضيفُ جديداً، إذ كان معظمُ قواعد الكتابة يوافق منهجَ الأقدمين أو أصولهم، ومثلُه يصحُّ إثباتُه عندما تتفرد القاعدةُ بوقوع الاتفاق فيها بين القدماء والمحدثين، وهذا ما دعا كتبَ العلم إلى عدم الإشارة إليه إلاّ لداعٍ يقتضيه؛ وكذلك بحذف شرط عدم الفصل بينهما، كيلا يُتوهّم أن التعريفَ استغرق الشروطَ، كأن يقال مثلاً: تُحذف الألفُ من كلمة (ابن) إذا وقعت بين علمين صفةً مفردةً. ويمكن أن يُشار بعد الأمثلة إلى شروطٍ أو إلى ضوابطَ أخرى لحذفها، كما يُشارُ إلى أن ما يقال فيها ينطبق على مؤنثها (ابنة).(/39)
ب – ومن أمثلة عدم الدّقّة والحشو بلا داعٍ ما ورد في نهاية قاعدة حذف الألف من (أل) التعريف إذا سبقت باللام مفتوحةً أو مجرورةً(ص31)، فقد خُتم بالنصّ على ما يندرج في القاعدة، مع خلطٍ بحذفٍ آخرَ ذي قاعدةٍ أخرى، ولفظه ثمّة " وتحذف كذلك من أسماء الموصول المبدوءة باللام إذا سُبقت بلام، فنكتب: هذا الكتاب لِلّذي أتاك. لِلّذَيْنِ أتياك. الثواب لِلّذِيْنَ آمنوا ". وظاهر أن هذا الكلامَ لا حاجةَ إلى إيراده، وذلك لأن القاعدةَ السابقة له تستغرقُ حذفَ الألف من (أل) التعريف في كلّ اسم دخلت عليه، أو يبدأ بها، أو جاء مُحلّى بها، أيّاً كان نوعُ هذا الاسم، موصولاً أو غيرَ موصول. ومعلوم أن جميعَ الموصولات الخاصّة (الذي والتي وفروعهما) تلزمها (أل) التعريف فلا تحتاج إلى تقييد الأسماء الموصولة بـ(المبدوءة باللام). وأما الخلطُ فيظهر في إيرادِ دخول اللام على الاسم الموصول المثنّى الذي يكتب بلامين هنا " لِلّذَيْنِ أتياك " لأنه من بابةٍ أخرى، ولا يصحُّ إثباتُه هنا، فقد حُذف منه حرفان هما: الألف واللام، يعني (أل) كاملة، وبقيت اللام الثانية واللام الداخلة عليها، وقد مضى التنبيهُ على سقوطه من قسم الحذف قريباً.(/40)
ج – وكذلك جاء التعبيرُ عن الموضع الثالث لحذف الألف غيرَ دقيق، ولفظه (ص31): " تحذف الألف من كلمة (اسم) في البسملة فقط: بسم الله الرحمان الرحيم، وتثبت في الأحوال الأخرى، فنكتب: باسمك اللهم. الرئيس يتحدث باسم مرؤوسيه ". وذلك لأن النصّ على أن موضعها في البسملة، يعني نفي ما سواها، بما يغني عن الحصر بـ(فقط)، ولو وُصِفت البسملة بـ(التامّة) لكان أولى. وبنحوه التعبيرُ عن ثبوتها في غير البسملة بـ " الأحوال الأخرى " فهي ليست أحوالاً، بل هي صيغٌ للبسملة غير التامّة وغيرها.ومما يلتحق بما سبق ما جاء من مخالفة المتقدمين والمحدثين في كتابة كلمة " الرحمن " في البسملة التامّة بإثبات الألف، فهذا غير جائز، وإن وافق اجتهادُ (قواعد الإملاء) إثباتَ الألف في (الرحمن) وأشباهها، فهو مقصورٌ على الأعلام، أمّا رسمها في البسملة التامّة فله حكمٌ خاصٌّ.
د – وكذلك شاب التعبيرَ عن الموضع الرابع لحذف الألف غيرُ قليلٍ من مجافاةِ الدّقّة، وتنكُّبِ الصواب، والخلطِ بين قضايا من موضوعات مختلفة، ولفظه ثمّة (ص31): " في الكتابة الموروثة عن القدماء وفي رسم القرآن حُذفت الألف المتوسطة في طائفة من أسماء الأعلام وفي الأحرف التي تقع في أوائل السور القرآنية، واستعملت فيما بعد أسماء للأشخاص، ومنها: الله، الرحمن، طه، يس، الحرث (الحارث)، ملك (مالك)، إسمعيل، إبرهيم، إسحق، هرون، وغيرها. والرأي إثبات هذه الألف في جميع هذه الأسماء، باستثناء لفظ الجلالة، وفي لفظ (طه) لشيوع كتابتهما بهذه الصورة: الرحمان، ياسين، الحارث، مالك، إسماعيل، إبراهيم، إسحاق، هارون، وغيرها ". ويتّجه على ذلك ملاحظُ، منها:(/41)
- معلوم أن الرسمَ القرآنيّ أو خطّ المصحف لا يُقاس عليه، وهو أحد أنواعٍ ثلاثةٍ للكتابة العربية، ثانيها الكتابةُ العروضية التي تُصَوّرُ المنطوق به، وهذان الخطّان - كما هو مشهور - لا يُقاس عليهما، وثالثها الكتابةُ العادية أو المعاصرة التي هي موضوع البحث وقواعد الكتابة أو الإملاء، لذا لم يكن صائباً النصُّ على حذف الألف المتوسطة في الرسم القرآني في طائفةٍ من أسماء الأعلام، وفي الأحرفِ التي تقع في أوائل السور القرآنية، وأنها استُعملت فيما بعد أسماءً للأشخاص. ولو اقتُصر على ما صُدِّر به الحذفُ الرابع " في الكتابة الموروثة عن القدماء " لكان أولى، على ما في هذا التعبير من خروجٍ عن المألوف، ونأيٍ عن الدّقّة، لأن التعبيرَ عن مذاهب الأقدمين أو مقالاتهم أو مناهجهم أو طرائق الكتابة لديهم بـ " الموروث عن القدماء " غيرُ مناسبٍ من وجوه، يقدُمها أن الموروثَ يشمل الغثَّ والسمينَ، والرديءَ والجيدَ خلافاً للمذاهب أو المقالات أو المناهج التي تحوي صواباً يحتملُ الخطأ.
- يتصل بما سبق من عدم الدّقّة ما سلف من تصدير أمثلة أسماء الأعلام بـ " الله، الرحمن " بعد النصّ على أنها " استُعملت فيما بعد أسماءً للأشخاص، ومنها:.. " وظاهر أن في العبارة سهواً، لأن لفظ الجلالة - كما هو معلوم – خاصّ به سبحانه وتعالى، والأصل في حذف الألف من (الرحمن) أن تكون معرفة بـ(أل).(/42)
- تشترك الأمثلةُ المتقدّمةُ في حذف الألف منها وسطاً، بيد أنها ليست جميعاً على درجةٍ واحدة، كما أن حذفَها ليس موضعَ اتفاقٍ لدى المصنّفين، إذ كان أغلبُها لا يُثبت حذفَ الألف وسطاً في أكثر الأمثلة، لأن مَنْ أوردها منهم تابع فيها الرسمَ القرآني الذي لا يُقاس عليه فيما خالف فيه قواعدَ الكتابة، وإن كان موافقاً لها في معظمه. وأكثر كتب قواعد الكتابة تقتصرُ على إيراد بضع كلماتٍ مشهورة، وقع فيها حذفُ الألف وسطاً وجوباً، هي (الله - إله - الرحمن - السموات - لكنّْ - أولئك - طه). أما الأعلامُ الأخرى التي ذُكر بعضُها وغيرُها من الأسماء التي جرى بعضُ الأقدمين على حذف الألف منها وسطاً فهي كثيرة، وثمة اختلافٌ بينهم في حذفها، وقوعاً أو عدماً، ووجوباً أو جوازاً، وفي دواعيه أيضاً[14]. والأمرُ في الكتابة المعاصرة على خلافه.(/43)
هـ - اختصّ الموضعُ الخامسُ بحذف الألف طرفاً من (ها) التنبيه في مجموعة من الكلمات، ثم بالتنبيه على ثبوتها في غيرها دونَ إشارةٍ إلى قاعدةٍ تنتظمُ أمثلةَ هذا الحذف، واللفظ ثمّة (ص32) " حذفت الألف في الكتابة السائدة حتى اليوم من (ها) التنبيه في الألفاظ الآتية: هؤلاء، هذا، هذه، هذان، هأنذا، هأنتم. ولا تحذف في: هاته، ها هنا ". وظاهر ما في التعبير عن الحذف من قصور سببُه العدولُ عن القاعدة الناظمة إلى الاقتصار على الأمثلة التي يقع فيها الحذفُ، والتي لم يقع فيها، ولا شكّ أن حاجةَ القارئ إلى القاعدة أكبرُ من حاجته إلى الأمثلة وحدها، وقد كان الأولى أن تُسبق الأمثلةُ بالقاعدة المشهورة، نحو: تحذف الألف طرفاً من (ها) التنبيه إذا دخلت على اسم إشارة، ليس مبدوءاً بتاء، ولا بهاء، وليس بعده كاف. أما الأمثلة التي أوردتها (قواعد الإملاء) فقد شابها نقصٌ، إذ سقط منها المثالُ الثالث على عدم حذف الألف مع اسم الإشارة المبدوء بالتاء (هاتان - هاتين) أحسب أنه لو ذكرت القاعدة لكان فيها منبهةٌ على هذا السقط، فضلاً عن أن الأمثلةَ المذكورة جمعت بين أسماء الإشارة والضمائر التي تباشرها (ها) التنبيه، وقد كان الأولى الفصلُ بينهما، وذلك لأن حذف الألف من (ها) التنبيه مع أسماء الإشارة أقوى وأشيع وألزم خلافاً لحذفها مع الضمائرِ المبدوءةِ بهمزة، فهو إلى الجواز أدنى منه إلى الوجوب في الكتابة المعاصرة.(/44)
و - وأما الموضعُ السادسُ فقد خُصّص لحذف الألف طرفاً من (ذا) الإشارية إذا اتصلت بلام البعد متبوعةً بالأمثلة، تلاها التنبيهُ على عدم حذفها إذا تلتها لامُ الجرّ مكسورةً أو مفتوحةً، ثم الأمثلة الموضّحة (ص32). والحق أن ما سبق كان إلى الدّقّة أقرب لولا أن أمثلة القاعدة لم تجاوز ثلاثَ كلمات، اقتصرت على الإشارة للمذكر مفرداً ومثنى ومجموعاً. وقد وددتُ أن تستغرق الأمثلةُ أسماءَ الإشارة للمؤنث أيضاً (ذلِكِ، ذلِكما، ذلِكُنَّ) انسجاماً مع منهج (قواعد الإملاء) في استقصاء الأمثلة، ومنعاً لما قد ينشأ من لبس لدى القارئ بأن القاعدةَ تقتصرُ على ما ورد من أمثلة، وأن يشتمل التنبيهُ، إضافةً إلى ثبوت الألف إذا وليتها لامُ الجرّ، على صورة أخرى تثبت فيها الألفُ، وذلك إن اتصلت (ذا) الإشارية بكاف الخطاب دون لام البعد، مثل: ذاكَِ، ذاكما، ذاكم، ذاكنَّ. وكلاهما مما نجده في كثير من كتب قواعد الكتابة.
ز - استقلّ الموضعُ السابعُ بحذف الألف من (ما) الاستفهامية إذا سبقت بحرف جرٍّ متبوعةً بأمثلة، والتعقيب بأن الكلمتين حرف الجر و(ما) يصيران كالكلمة الواحدة (ص32). وهذا حسن، لكنْ يعوزه التنبيهُ على شرطٍ في (ما) لا بُدّ منه، ولا يتحقق حذفُ الألف منها إلاّ بانتفائه، وهو ألاّ تُركَّب (ما) مع (ذا)، فإن رُكِّبت فلا تُحذف ألفُها، مثل: لماذا؟ بماذا؟
ح - وآخِرُ مواضعِ حذف الألف طرفاً كان الموضعُ الثامن(ص32-33) الذي نصّ على أنه " جرى بعض القدماء على حذف ألف النداء (يا) إذا اتصلت باسم علم مبدوء بالهمزة، نحو: يأسعد. أو إذا سبقت لفظ (أي) نحو: يأيّها الناس، يأيّتها المرأة. والرأي إثبات الألف في جميع هذه المواضع مشاكلةً للنطق، فنكتب... ". ويتّجه على ما سبق ملاحظُ، منها:(/45)
- تصدير القاعدة بالعزو إلى ما جرى عليه بعضُ القدماء من حذف ألف (يا) الندائية، وحصرها في موضعين: اسم علم مبدوء بهمزة، وإذا سبقت لفظ (أيّ) وكذلك صياغتها = كان غيرَ دقيق، ويشوبه نقصٌ، ويحتاج إلى إعادة نظرٍ وتحريرٍ؛ وذلك لأن نسبتَه إلى بعض القدماء تعني أنه موضعُ خُلْف بينهم لا موضع اتفاق، وفيه إلى ذلك جمعٌ بين موضعي حذفٍ للألف من (يا) الندائية مختلفين في حكم الحذف، والدّقّةُ تقتضي أن يُفرّق بينهما، أو أن يُشار إلى أن حذفَها مع الأعلام المبدوءة بالهمزة جائز لا واجب[15]. أعتقد أن الشروطَ المتقدّمة في تصدير (قواعد الإملاء) والغايةَ المتوخّاة من وضعها بأن تكون قواعدَ موحّدةً معياريّةً، تأخذُ طريقَها إلى الشيوع، ويلتزمها الناسُ على اختلاف بلدانهم وطرائقهم، لا يناسبها منهجاً وتطبيقاً إيرادُ ما كان موضعَ اختلافٍ بين الأقدمين أو المعاصرين، بل يناسبُها اعتمادُ ما كان موضعَ اتفاقٍ أو إجماع.
- ويظهر عدمُ الدّقّة في إغفالِ التنبيه على أن حذفَها مع اسم العلم جائزٌ، وأنه ليس على إطلاقه، بل مشروطٌ بأن يكون العلمُ غيرَ ممدود، وزائداً على ثلاثة أحرف، ولم يُحذف منه شيءٌ، فلا تُحذف في مثل: يا آدم، ياإسحق. كما يبدو أيضاً في إسقاط الكلمة الثالثة من الموضع الثاني لحذفها، وهي لفظة (أهل) لأن كتبَ قواعد الكتابة تنصُّ على حذف الألف من (يا) الندائية مع هذه الكلمات الثلاث، فالحكم فيها واحدٌ، ولا وجهَ لإيراد اثنتين منها وإهمالِ الثالثة كما رأينا.(/46)
3 – وقد خُتم قسمُ (الحذف) بالحديث عن الحرف الثاني الذي يقع فيه الحذفُ، وهو حرف الواو (ص33) الذي جاء في ستة أسطر، حوت القاعدةَ والأمثلةَ والرأيَ في هذا الحذف، ولفظه ثمّة "حذف القدماء في كتابتهم واو المدّ في طائفة من الألفاظ إذا وقع قبلها واو كراهية توالي الأمثال. أمثلة: داوُد، طاوُس، راوُق، ناوُس. والرأي إثبات الواو في جميع هذه الألفاظ مشاكلةً للنطق، فنكتب: داوود، طاووس، راووق، ناووس". وعلى ذلك ملاحظُ تؤول إلى عدم الدّقّة والخلطِ بين أمثلة بينها فرقٌ من بعض الوجوه:
- أمّا عدمُ الدّقّة فيظهر في نسبة حذف واو المدّ وسطاً في تلك الألفاظ إلى القدماء في كتابتهم معللاً بكراهية توالي الأمثال. وليس الأمرُ كذلك، لأن حذفَ الواو في تلك الأمثلة، ليس موضعَ اتفاقٍ حتى يُنسبَ إلى القدماء، فقد نصّ الحريريّ على أنه مذهب الاختيار عند أهل العلم[16] ونقل السيوطيّ عن أبي حيان تجويزَ بعضهم كتابةَ الواوين على الأصل، وأن ابن الصائغ اختاره، والقياسُ خلافه كراهةَ اجتماع المثلين[17]. وهذا يدل على أن " الرأي " الذي أدّى إليه الاجتهادُ بإثبات الواو فيها، وإن اختلف وجهُ العلّة، فغدا مشاكلةَ النطقِ بدلَ كراهةِ توالي المثلين، ليس جديداً كما توحي بذلك دلالتُه وصياغتُه، بل هو وجهُ أجازه بعضُ الأقدمين، واختاره ابنُ الصائغ من أعلامهم، ولم يقتصر هذا على القدماء بل نصّ على مثله بعضُ المصنّفين من المحدثين[18].
- ويتجلّى الخلطُ بين الأشياء المختلفة من بعض الوجوه في الجمع بين أربعةِ أمثلةٍ متباينةٍ في درجة الحذف وعِلّته، وذلك لأن أكثرَ كتب قواعد الكتابة تقتصرُ على المثالين الأولين (داوُد - طاوُس) لاشتراكهما في العلّة، وهي الشهرة[19] وبعضُ مَنْ زاد عليهما كلمتين أو ثلاثة من هذه (ناوُس - راوُق - هاوُن) نبّه على أنه حذف جائز تخفيفاً أو كراهةَ اجتماع المثلين[20].
ملاحظات على الباب الرابع:(/47)
جمع البابُ الرابعُ بين موضوعين مختلفين من مواضيع قواعد الكتابة المشهورة التي يستقلّ كلّ منها بباب في جميع كتب هذا العلم، وهو أمرٌ غريب، لا سابق له، ولا مسوّغ من صلةٍ أو نسبٍ بينهما. ويتّجه على كلٍّ منهما ملاحظُ مختلفةٌ، سترد موزّعةً عليهما تباعاً.
أولاً: الفصل والوصل
أمّا أولهما فجاء موسوماً بـ(الفصل والوصل) وتضمّن أحكاماً كثيرةً تتعلّق بما يوصلُ بغيره من الكلمات، جاءت موزّعةً على تسعِ قواعدَ في نحو صفحتين ونصف(ص34- 36). وقد استُهلّت بالقول " الأصل في الكتابة أن يستقلّ كلّ لفظ بنفسه، إلاّ أن ثمّة حالات يتصل فيها الاسم أو الفعل أو الحرف بما قبله أو بما بعده وفقاً للقواعد الآتية.. ". ويتّجه على ما ورد في هذا الباب جُملةُ ملاحظَ مختلفة، تتعلّق بالمنهج، وعدمِ الدّقّة، والنقصِ، والحشو، والخلطِ بين أشياء متباينة من بعض الوجوه. يمكن إيجازُها فيما يأتي:
1 – أغفلت (قواعدُ الإملاء) تعريفَ كلٍّ من مصطلحي الفصل والوصل في مستهلّ الباب بما يحدّد معناهما أو دلالتهما، وهذا خلاف ما يقتضيه المنهجُ العلمي، وما درج عليه أصحابُ كتب قواعد الكتابة، إذ ليس كلُّ قارئٍ عالماً بمدلول عناوين الأبواب على نحوٍ دقيق. أما تعريفُهما فالوصلُ: جَعْلُ كلمتين فأكثر بمنْزلة كلمة واحدة، والفصلُ: كتابةُ الكلمة منفردةً أو مستقلّةً عمّا قبلها وعمّا بعدها. وأهمّ مما سبق عدمُ الإشارةِ من قريبٍ أو بعيدٍ إلى القاعدة العامّة التي تُعَدّ معياراً يميزُ ما يُكتب مفصولاً ممّا يُكتب موصولاً بغيره من الكلمات، على شهرتها وأهمّيّتها وسهولتِها وكبيرِ الحاجة إليها،. وهي أن كلّ ما يصحُّ الابتداءُ به والوقفُ عليه يجب أن يُكتب مفصولاً عن غيره، وهو الأصلُ في الكتابة العربية، وكلّ ما لا يصحُّ الابتداءُ به، أو الوقوفُ عليه، يجب أن يكتب موصولاً بغيره[21].(/48)
2 – وبنحو ما تقدم إغفالُ (قواعد الإملاء) لأنواع الكلمات التي تكتب مفصولةً، ولأنواع الكلمات التي تكتب موصولةً، وهما على قدرٍ كبيرٍ من الأهمية، إذ يجمعان الأشباهَ والنظائرَ في قواعدَ معدودةٍ، تستغرقُ ما لا يُحصى من الأسماء والأفعال، وهو ما حرص عليه كثيرٌ من مصنّفي قواعد الكتابة على تفاوتٍ فيما بينهم في المنهج[22]. ولا يغني عنه ما ورد في (قواعد الإملاء) من "حالات يتصل فيها الاسم أو الفعل أو الحرف بما قبله أو بما بعده وفق القواعد الآتية " وهي تسعُ قواعدَ مضت الإشارةُ إليها، وسيرد تفصيلُ الحديث عنها، لأنها اقتصرت على أحكام الوصل فيما حقُّه أن يكتبَ منفصلاً من الأدوات ذوات الأحكام الخاصّة، وهي (مَنْ، ما، لا، إذْ، ذا [ مع حبّ ]) متبوعةً بما سُمّي (ضمائر الوصل).
أمّا ما يكتب مفصولاً لصحّة الابتداء به والوقف عليه فهو: الأسماء الظاهرة، والأفعال، والضمائر المنفصلة، والحروف الموضوعة على حرفين فأكثر. وأمّا ما يكتب موصولاً، فهو أحد نوعين، أولهما: ما لا يصحُّ الابتداءُ به، فيجب وصلُه بما قبله، وهو: نونا التوكيد، وعلاماتُ التثنية والجمعُ السالم مذكراً ومؤنثاً، والضمائرُ البارزة المتصلة بأنواعها رفعاً ونصباً وجراً، وتاءُ التأنيث. وثانيهما: ما لا يصحُّ الوقفُ عليه، فيجب وصلُه بما بعده، وهو: حروفُ المعاني المفردة (الموضوعة على حرف واحد) والمركّبُ تركيباً مزجياً، وما رُكّب مع المئة من الآحاد، ولفظُ (أل) والظروفُ المضافة إلى (إذْ). وظاهر مما سلف أن كُلاً من النوعين يجب وصلُه لأنه لا يستقلّ بنفسه في النطق، والكتابة - كما هو معلوم - على تقدير الابتداء بالكلمة والوقف عليها.(/49)
3 – مضت الإشارةُ إلى أن القواعدَ التسعَ تضمّنت حالاتٍ يتصل فيها الاسمُ أو الفعلُ بما قبله أو بما بعده، وهذا يدلّ على أنها اقتصرت على أحكام الوصل دونَ الفصل إلاّ في القليل الذي اقتضى التنبيه عليه. وفي هذا قدرٌ من النقص، وإن كنا نعلم أن الأصلَ هو الفصلُ، وأن الوصلَ أكثرُ حاجةً إلى البيان والتفصيل. أمّا القواعدُ التسعُ فقد جمعت بين كلماتٍ تندرجُ فيما يوصل من الكلمات، لأنه لا يُبتدأ بها، وهي القواعدُ ذوات الأرقام (1 و2 و9) يقابلها تباعاً (إذْ، ذا، ضمائر الوصل) وقد كان يغني عن إيرادها إثباتُ أنواعِ ما يكتب موصولاً من الكلمات. وانفردت القواعدُ الستُّ الباقيةُ بأحكام وصل الأدوات الخاصّة (مَنْ، ما، لا) على تفصيل يبيّن ما شابها، سيرد قريباً.
4 – تكرّر في نهاية القواعد (3 و4 و7، و8) الخاصّة بالأدوات (مَنْ، ما، لا) عبارةٌ جاءت شِبْهَ لازمة، لفظها "وتراعى عند الوصل في هذه الأحوال قواعد الإدغام" أو "مع مراعاة قواعد الإدغام " أو "في حالة الإدغام". وذلك عندما تُوصلُ هذه الأدوات بـ(مِنْ، عَنْ، أنْ، إنْ) وهذا حشوٌ لا داعي له، لأن ما يطرأ من تغييرٍ على رسم الكلمة في تلك الأدوات لدى اتصالها بأحد هذه الحروف، هو موضوعُ بابٍ آخَرَ من أبواب قواعد الكتابة، وهو حذفُ النون (رسماً أو كتابةً) من باب الحذف والزيادة، وأكثرُ كتبِ هذا العلم على ذلك. وأمّا مَنْ يُسمّي ذلك إدغاماً فقد أصاب في علمي التجويد والصرف، لأن الإدغامَ وأحكامه، وما يجري فيه من إبدالِ الحرف الأول حرفاً من جنس الحرف الثاني، ثم إدغامه فيه، هو من موضوعات هذين العِلْمين، ولكنه جانب الصوابَ في قواعد الكتابة، لأن الإدغام ليس من أبواب هذا العلم، ولا من موضوعاته، ولو كان في إثبات مثله فائدةٌ في هذه المواضع لما أغفلتها كتبُ قواعد الكتابة.(/50)
5 – اختصّت القاعدةُ الثالثةُ بـ(مَنْ) وأنها ترد استفهاميةً وموصولةً، وتوصل بحرفي الجرّ (مِنْ - عَنْ). وهذا على الجُملة صحيح، وهو الغالبُ في الاستعمال، ولو استُقصيت حالات (مَنْ) أو أنواعها، وما يتصلُ بها من الحروف، لجاء الكلام أدنى إلى الدّقّة والاستيفاء. وذلك لأن ما يدخل عليها من حروف الجرّ هو ستة أحرف (مِنْ - عَنْ - في - الباء - اللام - الكاف) نحو: مِمّنْ - عَمّنْ - بِمَنْ - لِمَنْ - فيمَنْ - كَمَنْ. ومعلوم أن أشهرها (مِنْ - عَنْ) ولهما أحكامٌ مختلفةٌ عند اتصالهما بـ(مَنْ) هي: حذفُ النون رسماً، وإبدالُها ميماً، ثم إدغامُها في الميم الثانية كما سبق. كذلك لا يقتصر الأمرُ على نوعي (مَنْ) الاستفهامية والموصولية المشهورين، فهناك نوعان آخران، هما (مَنْ) الشرطية التي توصلُ بحروف الجرّ مع ما لها من حُكم الصدارة، مثل: مِمّنْ تتعلّمْ أتعلّمْ. وعَمّن تصفحْ أصفحْ. و(مَنْ) الموصوفة: نحو: عجبت مِمّنْ مُحِبٍّ لك يضرُّك. أي: من رجلٍ محبٍّ. وسنرى في الملاحظة التالية حرصَ (قواعد الإملاء) على إيراد هذا المعنى في الأداة (ما) على قلّته.
6 – كانت (ما) أوفرَ الأدواتِ حظّاً من القواعد، فقد استقلّت بأربعٍ منها، هي (4 و5 و6 و7). أمّا القاعدةُ الرابعةُ فكانت خاصّةً بـ(ما) الاستفهامية والموصولية والنكرة الموصوفة. ويتّجه على ما ورد ثمّة ملاحظ:(/51)
أ - اقتُصر في صياغتها على أنها " توصل (ما) الاستفهامية بحرف الجر الذي يسبقها في حالة الإدغام " واقتُصِرَ في المثال على حرف الجرّ (عن) ولم يُنصّ على ما يتصل بها من حروف الجرّ وهي: (مِنْ - عَنْ - في - إلى - حتّى - على - كي) نحو: مِمَّ؟ عَمَّ؟ فيمَ؟ إلامَ؟ حتّامَ؟ علامَ؟ كيمَهْ؟ لِمَ؟ ولِمَهْ؟ كذلك لم يُنصّ على حذف الألف منها كما سبق في مواضع حذف الألف طرفاً. وأمّا تقييدُ وصلها بحرف الجرّ في حالة الإدغام فحشو، لا داعي له، فضلاً عن أنه لا يصحّ إلاّ في الحرفين الأولين (مِنْ - عَنْ) كما هو واضح.
ب - تضمّن الشطرُ الثاني من القاعدة نفسها أحكامَ وصل (ما) الموصولة والنكرة الموصوفة. على أن صياغتها لم تكن دقيقةً، ولم تخلُ من الخطأ، واللفظ ثمّة (ص35) " وكذلك وصل (ما) سواء أكانت موصولة أم نكرة مقصودة بحروف الجر التي تسبقها مع مراعاة قواعد الإدغام، نحو: أبحث عمّا يمكنني عمله. وتوصل كذلك في كلمة (لا سيّما) ". وظاهر ما في النصّ من خطأ في موضعين: (وصل) في موضع (توصل)، و(مقصودة) بدل (موصوفة)، ومن مجافاة للدّقّة والنقص، وذلك يتجلّى في قصر ما يتصل بـ(ما) على حروف الجرّ، والصواب أنها توصل بالكلمات (مِنْ - عَنْ - في - سِيّ - نِعِم بكسر العين) مثل: سُررتُ ممّا عملتَه. اسألْ عمّا يعنيك. فكّرت فيما سمعت. يحبّ الناسُ الدنيا لا سيّما المال. (إنَّ اللهَ نِعِمّا يَعِظُكُم بِهِ)[النساء58]. ولا يخفى أن الدّقّةَ العلميةَ تقتضي أن يُجمع الحديثُ عما يوصل بـ(ما) في مكان واحد، تليه الأمثلة، ولو تحقق ذلك لأغنى عن استدراك وصلها بـ(لا سيّما) بعد المثال.(/52)
ج - استقلّت القاعدةُ الخامسةُ بـ(ما) المصدرية، ونُصّ على أنها تتصل بالظرف الذي يسبقها: حينما، ريثما، وقتما، وكُلّ (منصوبةً على الظرفية). وهذا صحيح إلى حدٍّ ما، لكن يشوبُه نقصٌ في موضعين، وفيه زيادة، وذلك يبدو واضحاً في قصر ما توصل به (ما) المصدرية على هذه الظروف الأربعة، لأن الذي عليه كتبُ قواعد الكتابة أنها توصل بـ(ريث، حين، مِثْلَ، قَبْلَ، كُلّ الظرفية) وقيل: الوصل والفصل جائزان في (ريثما ومِثْلما)[23]. وعلى هذا فالناقصُ من الكلمات التي توصل بها (ما) المصدرية كلمتان، هما: (قبل - مِثْل) والمقحمُ فيها (وقت). ولم أر - فيما رجعت إليه من المراجع - مَنْ ذكرها من المصنّفين. وأكبر من هذا نقصٌ آخر، وهو إغفالُ اتصالها بالحروف المفردة وضعاً، مثل الباء في: (سَلامٌ عَلَيْكُم بما صَبَرْتُم)[الرعد24] والكاف في (آمِنُوا كما آمَنَ الناسُ)[البقرة13] واللام في: أكبرته لما وفى بعهده[24].
د - أمّا القاعدةُ السادسةُ فقد جاءت وقفاً على أحكام وصل (ما) الكافّة، ونُصّ فيه ثمّة على أنه(ص35) " توصل (ما) الكافّة بالحروف المشبهة بالفعل التي كُفّت بها عن العمل، نحو: إنّما، أنّما، كأنّما، ليتما، لكنّما. وكذلك توصل في كلمة (رُبّ) ". وظاهر ما في الكلام المتقدّم من نقص وتجوّز؛ آيةُ ذلك إسقاطُ (لعلّ) من الحروف المشبهة بالفعل أو الناسخة، وقصرُها أيضاً على المذكور من تلك الحروف وعلى (رُبّ) وأخيراً إغفالُ أنواعٍ أخرى من الكلمات التي توصل بها، وهي:
- الأفعال (طالما، قلّما، جلّما، وكَثُرما) التي تكفّها عن رفع الفاعل [ يجوز أن تكون (ما) هنا مصدرية، وهي والفعل بعدها في تأويل مصدرٍ يقعُ فاعلاً ]. والغريبُ أن وصلها بهذه الأفعال لم تُشِر إليه (قواعد الإملاء) في (ما) المصدرية أيضاً.(/53)
- الظروف (حينما، بينما، قبلما، بعدما، عندما، حيثما، إذْما) وبعض حروف الجر، على خلاف بينهم فيها (رُبّ، الكاف، الباء، اللام، مِنْ) التي تكفّها عن الجرّ[25].
هـ - انفردت (ما) الزائدة بالقاعدة السابعة، وكان الحديثُ عنها غيرَ دقيق لما شابه من نقص، واللفظ ثمّة (ص35) " توصل (ما) الزائدة بما يسبقها حرفاً كان أو اسماً مع مراعاة قواعد الإدغام، نحو: حيثما، أينما، إمّا، أمّا، كيما " تلاها شاهد على (أينما). بيان ذلك ما نراه من نقصٍ في تحديد ما توصل به، ومن تعميمٍ في الكلام على ما توصل به اسماً كان أو حرفاً، ومن العدولِ عن الدّقّة العلمية المعتمدة في كتب هذا العلم التي تنصّ على أنواع ما توصلُ به من الكلمات، لأن مواضع (ما) الزائدة غير الكافّة:
- بعد أدوات الشرط: (إنْ، أيْنَ، أيّ، كيفما، حيثما).
- بين الجارّ والمجرور: إذ توصل بـ(مِنْ) و(عَنْ) وتُحذف النون منهما كتابةً، مثل (قال عَمّا قليلٍ ليُصْبِحُنَّ نادمينَ)[المؤمنون40] و(مِمّا خطيئاتِهِم أُغْرِقوا) [نوح25] و(فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُم)[آل عمران159].
- بين المتضايفين: مثل (أيَّما الأجَلَيْنِ قَضَيْتُ فلا عُدْوانَ عليّ) [القصص28].
- بعد (كي): أنْفِقْ كَيْما تَسْعَدَ.
يُضاف إلى ما سبق أن الأمثلةَ المذكورةَ في الكلام المنقول اقتصرت على أدوات الشرط، ومع ذلك جاءت ناقصةً، إذ سقط منها (كيفما، أيّما)، وأقحِمَ فيها خطأً (أمّا) ولا أدري من أين أخذت طريقها إلى هذه القاعدة، على خُلُوّ كتب قواعد الكتابة منها.(/54)
7 – أمّا القاعدةُ التاسعةُ الأخيرة فقد أخلصتها (قواعد الإملاء) للضمائر المتصلة، غير أن التعبيرَ عنها لم يكن دقيقاً، ولفظه ثمّة (ص36): "توصل ضمائر الوصل بما قبلها حرفاً كان أو اسماً أو فعلاً. إذا كان الحرف الذي قبل الآخر قابلاً للوصل نحو: له، كتابها، رأيتهم". ولا يخفى ما في العدول عن المصطلح النحوي المعتمد الشائع، وهو (الضمائر المتصلة) إلى مصطلح خاصّ للدلالة عليها (ضمائر الوصل) غير المعروف في كتب العربية والمصادر النحوية، من تنكّبٍ للدّقّة العلمية، فالوصلُ والفصلُ من مصطلحات قواعد الكتابة، والضمائرُ البارزةُ المنفصلة والمتصلة مع ضمير الفصل المعروف من مصطلحات النحو، وكأن هذا المصطلحَ تركيبٌ إضافيّ، جزؤه الأول من النحو، والثاني من قواعد الكتابة، فضلاً عما بين المصطلحين: (الضمائر المتصلة) و(ضمائر الوصل) من فرق في الدلالة. وأمّا اشتراطُ وصلِ ما سمّي بضمائر الوصل بما قبلها بـ " إذا كان الحرف الذي قبل الآخر قابلاً للوصل " فحشو لا داعي له؛ آيةُ ذلك أن الضمائرَ المتصلة تتصلُ بأنواع الكلمة: الفعل والاسم والحرف، كائناً ما كان الحرف الذي تنتهي به الكلمةُ من حروف الوصل أو القطع، نحو (دار: داري، دارك، داره. أعطى: أعطانا، أعطاكم، أعطاهم. رَجا: رَجَوه، رَجَوك، رَجَونا. إلى: إليك، إلينا، إليهم).
ثانياً: التاء المبسوطة والتاء المربوطة(/55)
هذا هو الموضوعُ الثاني من موضوعي الباب الرابع الذي ضمَّ بابين مختلفين مستقلّين من أبواب قواعد الكتابة، دونما رابط بينهما يسوّغه خلافَ ما عليه الأمر في مصنّفات هذا العلم قديماً وحديثاً، فإن كان وراء ذلك الحرصُ على الإيجاز وتقليلُ الأبواب في الفهرس فاجتهادٌ في غير محلّه، لأن إضافةَ باب خامس لفهرس (قواعد الإملاء) أولى من مخالفة المنهج السديد المتّبع قديماً وحديثاً في التصنيف. وقد جاء عرضُ هذا الموضوع مختصراً في نحو صفحة واحدة (ص37) على أنها لم تسلم من جُملة ملاحظَ مختلفةٍ تؤولُ إلى أخطاءٍ منهجيةٍ ولغويةٍ وحشوٍ، يقابله نقصٌ في إيرادِ ما له داعٍ يقتضي إثباتُه. يمكن إيجازها فيما يأتي:
1 - تسميةُ هذا الموضوع في الأصل لدى الأقدمين ومَنْ تبعهم من المحدثين المعتمدة كتبُهم (باب هاء التأنيث وتائه)[26]. وظاهر ما في التسمية من الدلالة على التأنيث بحرفيه: الهاء مربوطةً، والتاء: مفتوحةً (مبسوطة) وهو ما دعا بعضَهم إلى تسمية الباب بـ(تاء التأنيث)[27]. ومن المصنّفين مَنْ حافظ على هذه التسمية، ولكن قيّدها بالوصف الذي يشير إلى صورتي رسمها (تاء التأنيث المفتوحة والمربوطة)[28]. أمّا (قواعد الإملاء) فقد تَبِعَت مَنْ عدل من المصنّفين[29] عن مصطلح الأقدمين إلى تسمية الباب بما يدلُّ على صورتي رسم هاء التأنيث "التاء المبسوطة والتاء المربوطة" مع تقديمها (المبسوطة) على (المربوطة) التي هي الأصلُ في الدلالة على التأنيث خلاف الشائع في كتب العلم. أحسب أن الرغبة في تيسير القاعدة وتقريبِها حمل على اعتماد الشائع عنواناً للموضوع والتضحيةِ بمصطلح الأقدمين. ومثلُ هذا، إن كان مقبولاً من بعض المصنِّفين، فهو غيرُ مقبول من المجمع، لأن ما يصدرُ عنه يُقتدى به، ويُتلقّى بالتسليم والقبول، ويُحتكم إليه تصحيحاً وتخطئةً.(/56)
2 – استغرق الحديثُ عن (التاء المبسوطة) بدءاً من القاعدة العامّة وانتهاءً بالأمثلة جُلَّ الكلام أو الصفحة المشار إليها آنفاً، على أن صياغةَ تلك القاعدة خرجت عن المأمول والمألوف من توخّي الإيجاز والدّقّة، وعدلت عمّا يُؤَدَّى بأوجز عبارة وأسهلها، إلى كلامٍ شابه حشوٌ وتجوّز لغوي، واللفظ ثمّة: " القاعدة العامة: التاء التي تقع في آخر الكلمة إذا وُقف عليها بلفظها ولم تبدل هاءً عند الوقف كتبت مبسوطة سواء كانت للتأنيث أو كانت أصلية، وهي تلحق الأسماء والأفعال". ولا يخفى ما في الكلام السابق من حشوٍ، لأن لفظ " إذا وقف عليها " يغني عمّا تقدّمه " التاء التي تقع آخر الكلمة " إذ لا يكون وقفٌ في المشهور إلاّ على الحرف الأخير. وكذلك فإن ما تقدّم يستغرقُ جميعَ مواضعها بما يغني عن القول " سواء كانت للتأنيث أو كانت أصلية ". وأمّا التجوّزُ فظاهرٌ في إسقاط همزة التسوية بعد (سواء) وفي استعمال (أو) بدل (أم) المُعادِلَة للهمزة، وقد مضى الحديث عنه في ملاحظات الباب الثاني، وسيتكرر مثله قريباً في التاء المربوطة. ومثله التعقيب على القاعدة بأنها " تلحق الأسماء والأفعال " كان غيرَ دقيق، يؤكّدُ هذا ما جاء في آخر الكلام من أنها تلحق أربعة أحرف، وردت متبوعةً بأمثلتها، بلفظ " وتلحق التاء المبسوطة أربعة أحرف هي: رُبَّ: رُبَّة، ثُمَّ (العاطفة): ثُمَّة، لاتَ، لَيْتَ " وكان الأولى أن يقال: تلحق جميع أنواع الكلام،كما في الكتب المعتمدة[30].(/57)
3 – آثرتْ (قواعدُ الإملاءِ) إجمالَ الإشارة إلى موضوعين، الأول: مواضعُ (التاء المبسوطة) بأنها تلحق الأسماء والأفعال، وأتبعتها بأمثلةٍ كثيرةٍ استغرقت تلك المواضع، والثاني: مواضعُ (التاء المربوطة) التي لم تحظَ مع أمثلتها إلاّ بنحو ثلاثةِ أسطر، ولفظها ثمّة " وترسم تاء التأنيث مربوطةً إذا وُقف عليها بالهاء، سواء لحقت المؤنث أو المذكّر... " وهذا حسن، ولكن الأحسن منه ما جرى عليه كثيرٌ من المصنّفين[31] من تعداد مواضع كُلٍّ من هاءِ التأنيث التي تكتب مربوطةً، وتاءِ التأنيث التي تكتب مفتوحةً أو مبسوطةً،، مقرونةً بالأمثلة الموضّحة لكُلٍّ منهما.
كلمة أخيرة:
لا شكّ أن ما تقدّم من ملاحظَ مختلفةٍ لا يقللُ من أهمية موضوع (قواعد الإملاء) ودراسته التي صدرت عن مجمع اللغة العربية بدمشق، بل يسعى - كما مضى - إلى تصحيحها ونفي ما شابها من سهوٍ أو خطأٍ، لتكون أدنى إلى الكمال، تحقق الغايةَ التي أُعِدّت من أجلها، ولن يتحقق ذلك إلاّ بالإفادة من ملاحظات ذوي الاختصاص من المهتمين والمشتغلين والباحثين في قواعد الكتابة والإملاء والترقيم. وليس هذا بدعاً من الأمر، إذْ كان من المسلَّم به أنه: " لم يَعْرَ خَلْقٌ من السهو والغلط، فالكمال لله وحده، والنقص شامل للمخلوقين "[32].(/58)
أقترح أن يقوم مجمع اللغة العربية بدمشق، في ضوء ما ورد هنا في هذا البحث، وما قد يكون ورده مكتوباً، أو نُشِرَ مطبوعاً، من ملاحظات المختصّين والمهتمّين بهذا العلم من أعضاء المجمع وغيرهم، بإصدار طبعةٍ جديدةٍ منقحةٍ ومزيدة من (قواعد الإملاء)، تنهض بها لجنةٌ من ذوي الاختصاص المشتغلين في هذا العلم، تتجاوز هذه الطبعةُ ما أُخذ على سابقتها، وتصحّحُ جميعَ ما ورد فيها سهواً أو خطاً، وتستدركُ ما شابها من نقص، لتكون دليلاً موجزاً، يتضمّن الصحيحَ من قواعد الكتابة والإملاء والترقيم، ويتجاوز ما خالط كثيراً من كتب هذا العلم من موضوعات صرفية ونحوية ولغوية وغيرها مما يتصل باللهجات والقراءات وتاريخ الخطّ والكتابة وسواها، ويتجاوز كذلك ما اشتملت عليه تلك المصنّفات من خلافات كثيرة، تُرسّخُ التعدّدَ في صور الكتابة العربية، وتزيدُ من التباين فيما بين الكاتبين من أهل العربية على تباعد بلدانهم، وتنوّع قواعدهم، وهو ما لا يكاد يبرأ منه إلاّ عددٌ قليل من المصنّفات المفردة في هذا العلم. وهذا إنْ تحقّق فإنه سيضيف خدمةً جليلة للغة وأهلها، يفيدُ منها أهلُ العربية وعمومُ المثقفين والدارسين والمعلّمين، وتكون مأثرةً كريمةً في سجلّ إنجازات المجمع في خدمة لغة الضاد.(/59)
وقد رأيت من تمام الفائدة إتباعَ البحث بملحقين، أولهما: جدولٌ يشتملُ على قواعد رسم الهمزة، يستغرقُ جميعَ مواضعها بدءاً ووسطاً وطرفاً، وحالاتها القياسيةَ والشاذة، وضعه الأستاذ مروان البواب، ورد في نهاية الطبعة السادسة لـ(القاموس المحيط) ضمن "قواعد الإملاء والعدد وعلامات الترقيم" إعداد د.محمد حسان الطيان وأ.مروان البواب؛ وذلك لاعتقادي أنه من أفضل ما اطّلعتُ عليه في هذا الباب، أفدت منه ثلاثة عشر عاماً في تدريس قواعد رسم الهمزة للمختصين وغيرهم، وقد عرضته على كثير ممّن يشاركني في تدريس هذا العلم في بعض الجامعات، فلم أسمع منهم اعتراضاً أو استدراكاً عليه. وثانيهما: ملحقٌ ضمّ مراجعَ أخرى غيرَ مصادر البحث ومراجعه، اجتهدت في جمعها من أماكن مختلفة: المكتبات، والمراجع المختصّة، ومعارض الكتب، ومواقع عدّة في الشبكة العالمية (الشابكة/ الانترنت) تعين المهتمّين والباحثين والمصنّفين في تتبع قضايا هذا العلم.
أرجو في الختام أن يكون فيما قدّمت ما يفي بكبير حقّ اللغة العربية عليّ. على أن هذا ما أدّى إليه النظرُ والاجتهادُ، ووَسِعَه الجهدُ، وسمح به الوقتُ، وطبيعيّ ألاّ يكون مِثْلُ هذا البحثِ مبرّأً من لوازم النقص البشري. والله أعلم.
المصادر والمراجع
- أصول الإملاء، د. عبد اللطيف الخطيب، دار سعد الدين، دمشق، ط. الثالثة، 1994م.
- الإملاء التعليمي، د. شوقي المعري، دار الحارث، ط. أولى، دمشق 2003م.
- الإملاء العربي، أحمد قبش، مطبعة زيد بن ثابت، ط. ثانية، دمشق 1397هـ/1977م.
- الإملاء المبسط، عبد القادر محمد مايو، دار القلم العربي، حلب، ط. ثانية، 1425هـ/2004م.
- الإملاء الميسّر، زهدي أبو خليل، دار أسامة، عمان، ط. أولى، 1419هـ/1998م.
- الإملاء والترقيم في الكتابة العربية، عبد العليم إبراهيم، مكتبة غريب، القاهرة، 1975م.
- الإملاء والخط، فهد خليل زايد، دار النفائس، عمان، ط. أولى، 1427هـ/2007م.(/60)
- تاريخ الكتابة العربية وتطورها وأصول الإملاء العربي، محمود حاج حسين، وزارة الثقافة، دمشق 2004م.
- الترقيم وعلاماته في اللغة العربية، أحمد زكي باشا، تقديم وعناية عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، ط. الثالثة، 1416هـ/ 1995م.
- تسهيل الإملاء، فهد أحمد الجباوي، دار القلم، دمشق، ط. الثانية، 1422هـ/ 2001م.
- تعلّم الإملاء وتعليمه في اللغة العربية، نايف محمود معروف، دار النفائس، ط. سادسة، بيروت، هـ 1420هـ/1999م.
- دراسة في قواعد الإملاء، د.عبد الجواد الطيب، دار الأوزاعي، ط. ثانية، بيروت 1406هـ/1986م.
- دلائل الإملاء وأسرار الترقيم، عمر أوكان، أفريقيا الشرق.
- الشامل في الإملاء، د. محمد حسن الحمصي، دار الرشيد، دمشق، ط. الأولى، 1421هـ/ 2000م.
- صوى الإملاء لطلاب الحلقتين الإعدادية والثانوية، محمود الصافي، دار الإرشاد، حمص، ط. ثالثة، 1984م.
- فن الإملاء في العربية، د. عبد الفتاح الحموز، جزءان، دار عمار للنشر والتوزيع، الأردن، ط. الأولى، 1414هـ/ 1993م.
- فنّ الكتابة، عبد المعطي شلبي، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية، ط. أولى، 2001م.
- القاموس المحيط، الفيروزآبادي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط. السادسة، 1419هـ/1998م، ملحق قواعد العدد والإملاء، لوحة الهمزة.
- قواعد الإملاء، عبد السلام هارون، دار إيلاف الدولية، الكويت، ط. الأولى، 1425هـ/ 2004م.
- قواعد الإملاء، مجمع اللغة العربية، دمشق، 1425هـ/ 2004م.
- قواعد الكتابة العربية، لجنة من الأساتذة، الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب، الكويت 1985م.
- قواعد مقترحة لتوحيد الكتابة العربية، د.محمد علي سلطاني، دار الفكر،ط.أولى، دمشق 1415هـ/1995.
- كيف تكتب الهمزة؟ د. سامي الدهان، دار الشروق العربي، بيروت وحلب، بلا تاريخ.
- لآلئ الإملاء، محمد مامو، اليمامة للنشر والتوزيع، دمشق وبيروت، ط. الرابعة، 1426هـ/ 2005م.(/61)
- مذكرة في قواعد الإملاء، د. أحمد محمد قدور، دار الفكر، دمشق، ط. أولى 2002م.
- المرشد في الإملاء، محمود شاكر سعيد، ط. ثالثة، دار الشروق، عمان 1998م.
- المرشد في الإملاء، د.نبيل أبو حلتم، دار أسامة، عمان، ط. رابعة، 1419هـ/1998م.
- مشكلة الهمزة العربية، د. رمضان عبد التواب، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط. الأولى، 1417هـ/ 1996م.
- المطالع النصرية في الأصول الخطية للمطابع المصرية، أبو الوفاء نصر الهوريني، دار أضواء السلف للنشر والتوزيع ط. الأولى 1426هـ/ 2005م.
- المعجم المفصل في الإملاء، ناصيف يمّين، دار الكتب العلمية، بيروت، 1999م.
- معلّم الإملاء الحديث للطلاب والمعلمين والإعلاميين، محمد إبراهيم سليم، مكتبة القرآن، القاهرة، 1987م.
- المغني في قواعد الإملاء، د.خليل إبراهيم، الأهلية للنشر ودار الوراق ودار النيربين، عمان، ط. أولى 2002م.
- موسوعة الشامل في الكتابة والإملاء، موسى حسن الهديب، دار أسامة، الأردن، عمان، 2002م.
- الواضح في الإملاء العربي، محمد زرقان الفرخ، دار هدى وهبة، ط. الأولى 1413هـ/ 1993م.
- الواضح في الإملاء وعلامات الترقيم، يوسف عطا الطريفي، دار الإسراء، عمان، ط. أولى، 2005م.
الملحق
مراجع أخرى مفردة في الإملاء والكتابة العربية والترقيم
- أساسيات في تعلم مبادئ الإملاء والترقيم، سليم سلامة الروسان، ط. ثانية 1989م.
- أصول الكتابة العربية، الباجقني.
- الإملاء الصحيح، عبد الرؤوف المصري، مكتبة الأندلس، القدس 1968م.
- الإملاء العام، إلياس نصر الله، بيروت 1995م.
- الإملاء العربي، خالد يوسف، ط. ثانية، دار علاء الدين، دمشق 1998م.
- الإملاء العربي الميسر الشامل المجدول، فيصل حسين طحيمر العلي، مؤسسة علوم القرآن ودار ابن كثير، عجمان وبيروت 1990م.
- الإملاء المبسّط، خالدية شيرو، دار ومكتبة الهلال، بيروت 2001م.
- الإملاء الميسّر، يحيى يحيى، دار ابن حزم، بيروت، 1999م.(/62)
- الإملاء وتمرين الإملاء، الشيخ حسن والي، مصر 1322هـ.
- الإملاء والخطّ في الكتابة العربية، حلمي محمد عبد الهادي، ط. أولى، 1985م.
- الإيجاز في الإملاء العربي، ريم نصوح الخياط ويوسف علي البديوي، ط. أولى، 2005م.
- تحفة المراكز العلمية في القواعد الإملائية، عبد القوي العديني.
- الترقيم، عبد الرؤوف المصري، مكتبة الاستقلال، عمان، 1921م.
- تطور الكتابة العربية، السعيد الشرباصي، مصر 1946م.
- التقرير النهائي لتجربة تيسير الكتابة العربية،المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، القاهرة 1976 م و1977م.
- تقويم اليد واللسان، رفيق فاخوري ومحيي الدين درويش، ذكره صلاح الدين زعبلاوي في (معجم أخطاء الكتّاب) في كلامه على (هذا ضَوْءُه) (نقلاً عن الأستاذ مروان البواب).
- تيسير الكتابة العربية، مجمع فؤاد الأول 1946م. ومجمع اللغة العربية بالقاهرة 1961م.
- تيسير كتابة الهمزة، د. عبد العزبز نبوي ود. أحمد طاهر، القاهرة 1989م.
- الخلاصة في قواعد الإملاء وعلامات الترقيم، نبيل مسعد السيد غزي، دار غريب، القاهرة، 2000م.
- دراسات في علم الكتابة العربية، د. محمود عباس حمودة، مكتبة غريب، القاهرة.
- دليل الإملاء وقواعد الكتابة العربية، فتحي الخولي، القاهرة 1973م.
- رسالة في تيسير الإملاء القياسي، إلياس عطا الله، مكتبة لبنان، ناشرون، بيروت 2005م.
- رسالة في الكتابة العربية المنقحة، أنستاس الكرملي، بغداد 1935م.
- سراج الكتبة شرح تحفة الأحبة في رسم الحروف العربية، مصطفى طموم، مصر 1311هـ، مصورة دار البصائر بدمشق عن طبعة بولاق، ط. ثانية 1400هـ/ 1980م.
- علم الإملاء، أحمد عبد الجواد، دار الفكر، دمشق، ط. الأولى، 1982م.
- فنّ الكتابة الصحيحة، محمود سليمان ياقوت، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 2003م.
- فنّ الكتابة وأساليبها، د. رشدي الأشهب، مؤسسة ابن رشد،، القدس، 1983م.(/63)
- في أساسيات اللغة العربية، الكتابة الإملائية والوظيفية، عبد العزيز نبوي، مؤسسة المختار، القاهرة 2003م.
- القاعدة في تعليم القراءة والكتابة، معمر القدسي.
- قاعدة الأقوى لكل الهمزات، بشير محمد سلمو، القاهرة 1953م.
- قاموس الإملاء، عبد الحميد بدران، مصر 1330هـ.
- قصّة الإملاء، أحمد الخوص، دمشق 1995م.
- قواعد الإملاء العربي، محيي الدين درويش، حمص 1352هـ.
- قواعد التحرير، أمين كيلاني، حماة 1343هـ.
- قواعد الكتابة الإملائية: نشأتها وتطورها، محمد شكري وأحمد الفيومي، دار القلم، ط. ثانية، دبي 1988م.
- قواعد الكتابة العربية، خير الدين الأسدي، حلب 1341هـ.
- قواعد الكتابة والترقيم والخط، سليم سلامة الروسان، عمان، ط. أولى، 1989م.
- الكامل في الإملاء، كمال أبو مصلح، المكتبة الحديثة، بيروت، ط. أولى، 1973م.
- كتاب الإملاء، الشيخ حسين والي، القاهرة 1913م، ودار العلم، بيروت، ط. أولى 1985م.
- الكتابة وقواعد الإملاء، عبد الله علي مصطفى، دار القلم، ط. أولى، دبي 1990م.
- كيف تتعلّم الإملاء وتستخدم علامات الترقيم، ياسر سلامة، دار عالم الثقافة، عمان 2003م.
- اللغة العربية ومشاكل الكتابة، البشير بن سلامة، الدار التونسية 1971م.
- مباحث في الترقيم، صالح بن محمد الأسمري، دار ابن الأثير، الرياض 2002م.
- مراقي النجابة، عبد السلام القويسني، مصر 1327هـ.
- مرجع الطلاب في الإملاء، إبراهيم شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، 2001م.
- المرجع في قواعد الإملاء، راجي الأسمر، جروس برس، ط. أولى، طرابس، لبنان.
- مرشد الطلاب، أحمد عباسي، مصر 1332هـ.
- المرشد في كتابة الهمزات، جلال صالح، دار الزيدي، الطائف، ط. أولى، 1979م.
- المستشار في الإملاء والخطّ العربي، يوسف بدوي ويوسف الحاج أحمد وأحمد محمد السيد، دار ابن كثير، دمشق، ط. أولى 1994م.
- معجم الإملاء، محمد محيي الدين مينو، دبي، 2003م.(/64)
- معجم الإملاء، أدما طربيه، مكتبة لبنان، ناشرون، بيروت، 2000م.
- معجم الإملاء العربي، غريد الشيخ، دار الراتب الجامعية، ط. أولى، 2006م.
- معجم الهمزة، أدما طربيه، مكتبة لبنان، ناشرون، بيروت، 2000م.
- المفرد العلم في رسم القلم، أحمد الهاشمي، مصر 1319هـ.
- ملخّص قواعد الإملاء، إبراهيم بن سليم.
- المنار في الإملاء العربي، سعاد الصايغ.
- الموجز، جميل سلطان، دمشق 1351هـ.
- المورد في الإملاء، ياسين محمد سبيناتي، مكتبة العبيكان، الرياض، ط. أولى، 1997م.
- موسوعة الإملاء العربي، نظام معتمد في أكثر من 45 مدرسة ومعهد في عُمان، (الشبكة العالمية).
- موسوعة الإملاء كتابة ولفظاً، عبد المجيد الحرّ، دار الفكر العربي، بيروت، 2001م.
- نتيجة الإملاء، مصطفى عناني وعطية الأشقر، مصر 1350هـ.
- نتيجة الإملاء وقواعد الترقيم، مصطفى عناني، دار النفائس، بيروت، ط. الأولى، 1404هـ/ 1984م.
- نحو تقويم جديد للكتابة العربية، د. طالب عبد الرحمن، ط. أولى، 1999م.
- نخبة الإملاء، عبد الفتاح خليفة، مصر 1345هـ.
- الهداية إلى ضوابط الكتابة، إبراهيم عبد المطلب، بلا تاريخ.
- الهمزة في الإملاء العربي: المشكلة والحلّ، د. أحمد الخراط.
- الهمزة في اللغة العربية، دراسة لغوية، مصطفى التوني، القاهرة 1990م.
- الهمزة مشكلاتها وعلاجها، د. أحمد شوقي النجار، الرياض 1984م.
- الوجيز في قواعد الكتابة والترقيم، د. توفيق أسعد حمارشة.
ــــــــــــــــــــــــــ
[1] انظر: قواعد الإملاء 3 - 6 بتصرف يسير.(/65)
[2] صدر عن مجمع اللغة العربية بالقاهرة قراران في قواعد رسم الهمزة، الأول: صدر في 5/1/1960م ونشر في مجموعة القرارات العلمية من الدورة الأولى إلى الدورة الثامنة والعشرين ص 189 - 190 بعنوان " قواعد ضبط الهمزة وتنظيم كتابتها " وصدر الثاني في الدورة السادسة والأربعين 1978 - 1979 م ونشر في ملحق محاضر جلسات المجلس والمؤتمر ص 23 - 24 بعنوان " ضوابط رسم الهمزة " وهو المشروع الذي كان اقترحه د. رمضان عبد التواب واعتمده المجمع بعد مناقشته مع تعديل يسير، انظر القرارين مع التعديل في كتاب مشكلة الهمزة العربية ص 109 - 116.
[3] اشتملت قائمة المصادر والمراجع على كثير من تلك الكتب، وقد أفدت منها في إعداد هذا البحث، ورأيت الاقتصاد في الحواشي بعدم الإحالة عليها إلا إذا اقتضت الضرورة ذلك.
[4] انظر التقرير السنوي لأعمال مجمع اللغة العربية بدمشق، دورة عام 2003م في مجلة المجمع، المجلد 79، الجزء 3، ص 675. وسيرد النصّ بتمامه مع تفصيل وبيان في الفصل الأول، الملاحظات العامة، رقم (8).
[5] مثل كتاب (الترقيم وعلاماته في اللغة العربية) قدّم له بمقدمة مهمة واعتنى بنشره المرحوم عبد الفتاح أبو غدة، انظر الكتاب ص 3 - 13، ونحوه كتاب (فنّ الترقيم وأصوله وعلاماته في العربية) لعبد الفتاح الحموز، وكتاب (الترقيم) لعبد الرؤوف المصري، وكتاب (مباحث في الترقيم) لصالح بن محمد الأسمري. وثمة كتب أخرى جعلت الترقيم في عنوانها قسيماً لقواعد الإملاء مثل (نتيجة الإملاء وقواعد الترقيم) لمصطفى عناني، و(الوجيز في قواعد الكتابة والترقيم) لتوفيق أحمد حمارشة، و(الخلاصة في قواعد الإملاء وعلامات الترقيم) لنبيل مسعد السيد غزي، و(كيف تتعلّم الإملاء وتستخدم علامات الترقيم) لياسر سلامة، و(قواعد الكتابة والترقيم والخط) لسليم سلامة الروسان، وغيرها.
[6] مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، المجلد 79، الجزء 3، ص 675.(/66)
[7] العبارة المثبتة سمعتها من أستاذنا الدكتور مازن المبارك غيرَ مرةٍ في غيرِ ما مجلسٍ، وقد استأذنته فيما أثبته بلفظي فأقرّه.
[8] مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، المجلد 80، الجزء 2، ص 479 - 480.
[9] مجلة المعرفة، العدد 514، تموز 2006م، ص 325.
[10] انظر مثلاً: ص 17 الفقرتين ج، د. ونحوه أيضاً كثير مما نقلته عن (قواعد الإملاء) التي حافظت على ما ورد فيها من علامات الترقيم أيّاً كانت صورتها أو قدرها.
[11] انظر مثلاً (الإملاء والترقيم في الكتابة العربية) ص 109-126، الباب التاسع الموسوم بـ(قواعد الإملاء على بساط البحث) لعبد العليم إبراهيم. وهي منثورة على موضوعاتها في كتيّب (قواعد مقترحة لتوحيد الكتابة العربية) لمحمد علي سلطاني.
[12] تاريخ الكتابة العربية وتطورها 2/ 408-410، وأصول الإملاء ص 116، وفنّ الكتابة ص 43، والواضح في الإملاء والترقيم ص 41، والإملاء الميسر ص 82، والمرشد في الإملاء 45-46، والإملاء والخطّ ص 108-109، وتعلّم الإملاء وتعليمه ص 45-47، والمغني في قواعد الإملاء ص 139-140، والإملاء المبسط ص 82، وصوى الإملاء ص 133، والمرشد في الإملاء ص 61 – 62 (محمود سعيد).
[13] ثمّة مواضع أخرى تحذف فيها النون، أعرضنا عن إيرادها لأنها نحوية محضة، وإن ذكرتها بعض الكتب المعاصرة تكثّراً أو انسجاماً مع منهجها في الجمع والاستقصاء دون تفريق بين قواعد الكتابة والنحو والصرف واللهجات والرسم القرآني والقراءات.
[14] انظر مثلاً: أصول الإملاء ص 145 - 149، ومعلم الإملاء الحديث ص 67 - 69، ولآلئ الإملاء ص 95 - 99، والواضح في الإملاء العربي ص 122 - 124، والإملاء العربي ص 71، وتعلّم الإملاء وتعليمه ص 91، والإملاء المبسط ص 85-87، والمرشد في الإملاء ص 48 (محمود سعيد).
[15] انظر الإملاء والترقيم في الكتابة العربية ص 78، والإملاء المبسط ص 86، والمرشد في الإملاء ص 48 (محمود سعيد).(/67)
[16] درة الغواص ص 205، وانظر أصول الإملاء ص 143.
[17] همع الهوامع 6/334. وانظر: أصول الإملاء ص 143.
[18] ذكرها محمد إبراهيم سليم في كتابه: معلم الإملاء الحديث ص 72 ونصّ على أنها تحذف جوازاً، وعقب عليها بـ " ويقول الإملائيون: والأحسن عندنا إثباتها ".
[19] انظر مثلاً: المطالع النصرية في الأصول الخطية للمطابع المصرية ص 191، ومعلم الإملاء الحديث ص 72، وأصول الإملاء ص143، والواضح في الإملاء العربي ص 133، وتسهيل الإملاء ص 111، والشامل في الإملاء العربي 72، وتاريخ الكتابة العربية وتطورها 2/419-420، والمغني في قواعد الإملاء ص 135، وتعلّم الإملاء وتعليمه ص 40-41، والمرشد في الإملاء ص 50 (محمود سعيد).
[20] انظر: المطالع النصرية في الأصول الخطية ص 191، ومعلم الإملاء الحديث ص 72، وأصول الإملاء 143، والمغني في قواعد الإملاء ص 135.
[21] انظر: الإملاء والترقيم في الكتابة العربية ص 85، وأصول الإملاء ص 89، ومعلم الإملاء الحديث ص 76، وتسهيل الإملاء ص85، ولآلئ الإملاء ص 149، والإملاء العربي ص 87، وتاريخ الكتابة وتطورها 2/ 413، والمغني في قواعد الإملاء ص 167-172، وتعلّم الإملاء وتعليمه ص 51-53، وصوى الإملاء 139-140، والمرشد في الإملاء ص 63-65 (محمود سعيد).
[22] انظر: الإملاء والترقيم في الكتابة العربية ص 85، وأصول الإملاء ص 89، ومعلم الإملاء الحديث ص 76، وتسهيل الإملاء ص85، ولآلئ الإملاء ص 149، والإملاء العربي ص 87، وتاريخ الكتابة وتطورها 2/ 413، والمغني في قواعد الإملاء ص 167-172، وتعلّم الإملاء وتعليمه ص 51-53، وصوى الإملاء 139-140، والمرشد في الإملاء ص 63-65 (محمود سعيد).(/68)
[23] انظر: المطالع النصرية ص 56 - 57، والإملاء والترقيم ص 90، وأصول الإملاء ص 93 - 94، ومعلّم الإملاء الحديث ص 78، وقواعد الإملاء ص 56، ولآلئ الإملاء ص 151، والواضح في الإملاء العربي ص 150 - 152، والشامل في الإملاء العربي ص 85، وتسهيل الإملاء ص 92، ومذكرة في قواعد الإملاء ص 47، وتعلّم الإملاء وتعليمه ص 53، والمرشد في الإملاء ص 70 (محمود سعيد).
[24] انظر: المطالع النصرية ص 52 - 53، والإملاء والترقيم ص91، ومعلّم الإملاء الحديث ص 79، وأصول الإملاء 92، والواضح في الإملاء 147 - 148، وتسهيل الإملاء 90 - 91، والشامل في الإملاء ص 84، ولآلئ الإملاء ص 150، وقواعد الإملاء (هارون) ص 56، والإملاء العربي ص 89.
[25] انظر: المطالع النصرية ص 53 - 54، وأصول الإملاء ص 92 - 93، والإملاء والترقيم ص 91 - 92، ومعلّم الإملاء الحديث ص 80 - 81، وتسهيل الإملاء 91، ولآلئ الإملاء ص 150 - 151، والواضح في الإملاء ص 149، والشامل في الإملاء العربي ص 84، وقواعد الإملاء ص 56 - 57 (هارون)، ومذكرة في الإملاء ص 48، والإملاء العربي ص 90، وموسوعة الشامل في الكتابة والإملاء ص 240، وتعلّم الإملاء وتعليمه ص 52-53، والمرشد في الإملاء ص 71 (محمود سعيد).
[26] انظر مثلاً: المطالع النصرية ص 141، والإملاء والترقيم ص 93، وقواعد الإملاء ص 59.
[27] انظر مثلاً: أصول الإملاء ص 163، وتسهيل الإملاء ص 79.
[28] انظر مثلاً: معلّم الإملاء الحديث ص 89، والشامل في الإملاء ص 7 - 9، والإملاء العربي ص 11 - 14 والواضح في الإملاء وعلامات الترقيم ص 35، والإملاء المبسط ص 76-79، والمرشد في الإملاء ص 74-78 (محمود سعيد). وانفرد صاحب كتاب الإملاء الميسر ص 15 بتسميتها (التاء المقفلة والتاء المفتوحة).(/69)
[29] انظر مثلاً: لآلئ الإملاء ص 19 - 22، والواضح في الإملاء العربي ص 13 - 21، ومذكرة في قواعد الإملاء ص 41 - 43، وموسوعة الشامل في الكتابة والإملاء ص 187 – 192وتاريخ الكتابة العربية وتطورها 2/ 333 - 334، والمغني في قواعد الإملاء ص 126-132، وتعلّم الإملاء وتعليمه ص 24-27، وصوى الإملاء ص 103-113.
[30] انظر مثلاً: الإملاء والترقيم ص 93، وقواعد الإملاء ص 62 (هارون)، ولآلئ الإملاء ص 21، وموسوعة الشامل في الكتابة والإملاء ص 192، والمغني في قواعد الإملاء ص 126، وتعلّم الإملاء وتعليمه ص 24-25، وصوى الإملاء ص 105-106، والمرشد في الإملاء ص 76-78 (محمود سعيد).
[31] المطالع النصرية ص 141 - 145، والإملاء والترقيم ص 93 - 94، وأصول الإملاء ص 163 - 168، ومعلّم الإملاء الحديث ص 89 - 98، وتسهيل الإملاء ص 79 - 81، وقواعد الإملاء ص 61 - 63 (هارون) والواضح في الإملاء ص 13 - 21، ومذكرة في الإملاء ص 41 - 43، والإملاء العربي ص12 - 14، وموسوعة الشامل في الكتابة والإملاء ص 187 - 192، والمغني في قواعد الإملاء ص 126-132، وتعلّم الإملاء وتعليمه ص 24-27، والإملاء المبسط 76-79، والمرشد في الإملاء ص 74- 78 (محمود سعيد).
[32] مقدمة الإيضاح في علل النحو ص 39 - 40.(/70)
العنوان: نظرات في كتاب (( أعلام التراث في العصر الحديث ))
رقم المقالة: 182
صاحب المقالة: د. يحيى مير علم
-----------------------------------------
صدرت الطبعة الأولى من كتاب ((أعلام التراث في العصر الحديث)) عن دار العروبة بالكويت ودار ابن العماد في بيروت 1422هـ/ 2001م تأليف الأستاذ محمود الأرناؤوط، والكتاب يقع في جزء متوسط، جملته (252) صفحة.
ويحوي الكتاب بين دفتيه الإهداء الذي وقفه مؤلّفه على قائمة مختارة من أربعة وثلاثين علماً من أعلام التراث الأحياء الذين خدموا التراث العربي الإسلامي اعترافاً منه بفضلهم، يليه تقديم الكتاب بقلم العلاّمة الدكتور شاكر الفحام رئيس مجمع اللغة العربية بدمشق، وجاء في نحو ثلاث صفحات ونصف، ثم يليه تقديم ثانٍ للكتاب بقلم العلاّمة الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، وكان في زهاء صفحتين ونصف، ويتبع ذلك مقدمة المؤلّف التي جاءت مطوّلة في ما يزيد على عشر صفحات. ثم يلي ذلك مادةُ الكتاب التي اشتملت على تراجم لثمانين علماً، اختارهم المؤلّف من أعلام التراث في العصر الحديث، استغرقت من الصفحات ما بين ( 23 و 236). وخُتم الكتاب بقائمة المصادر والمراجع في ثماني صفحات (ص 237 - 244) ثم بفهرس لأسماء الأعلام المترجَم لهم (ص 245-252) جاء على ترتيبين، الأول: وفق ترتيبها الزمني في الكتاب على الأقدم وفاةً، فالذي يليه حتى يكون آخرُهم أحدثَهم وفاةً، والثاني: وفق ترتيبها الهجائي.(/1)
والكتاب المذكور من الأهمية بمكان، لأنه يندرج في فنّ التراجم والطبقات الذي يُعَدُّ مع الأحداث العامة الأساس الذي قام عليه علم التاريخ عند المسلمين. ومعلوم أن المكتبة العربية تغصّ بكتب التراجم على اختلاف مناهج بنائها، سواء أكان ذلك على القرون أم العلوم، أو الفنون، أو الأسماء، أو الأجناس، أو البلدان، أو الأنساب، أو الضبط للأعلام والكُنى والألقاب والأنساب، أو الفهارس والأثبات والبرامج، أو المناقب، أو غير ذلك مما يتصل بالحضارة العربية الإسلامية، وأمثلة ذلك جلية تغني الإشارة إليها عن تفصيل القول فيها. والكتاب المذكور يُصَنَّف في كتب التراجم على القرون، لأن جميع المترجَم لهم فيه ممّن عاشوا في القرن الرابع عشر الهجري حتى العقد الثاني من القرن الخامس عشر، أي ما يستغرق القرن العشرين في التقويم الميلادي بتمامه.
أولاً: مادة الكتاب و منهجه:(/2)
حوى الكتاب – على حدّ قول مؤلّفه – تراجم لـ ((أعلام التراث وشيوخ العلم من المحققين والناشرين والمستشرقين الذين كانوا السبب في إخراج ونشر معظم ما نشر من كتب التراث بتحقيقهم له أو بسعيهم في أمر تحقيقه ونشره، أو بتخريجهم لمن قام بخدمته وإخراجه للناس... ممن رحلوا عن الدنيا وخلفوا لنا ولأبناء الأمة أعمالاً ومآثر جليلة تذكر لهم على مر الأيام))[1]. وممّا تجدر الإشارة إليه أن للكتاب قصة لخصها المولّف بقوله: ((ونشرت معظم تراجمهم على حلقات في صحيفة " الأسبوع الأدبي " التي يصدرها اتحاد الكتاب العرب بدمشق خلال عامي 1419 – 1421هـ و 1990 – 2000 على هامش عملي كأمين لتحرير " مجلة التراث العربي ". ثم جمعت تلك التراجم في هذا الكتاب، وأجريت عليها قلم التحقيق والتدقيق والتوثيق والتعليق رغبة بأن يكون لأهل التراث مصنّف خاص بهم أسوةً بأرباب الفنون الأخرى، وكان بودّي أن أترجم لعدد آخر من أعلام التراث الذين عرفهم العصر الحديث في مختلف أرجاء العالم الإسلامي وخارجه، ممّن لهم فضل على نشر التراث وإحيائه لولا كثرة الأعمال التي بين يدي، فعسى أن يهيئ الله تعالى من يستكمل العمل في تدوين تراجم من لم أترجم له منهم))[2].(/3)
وقد أكّد المؤلّف حرصه على الإنصاف والموضوعية، واستشهد لذلك بالمقالة المشهورة للإمام مالك رحمه الله، وبكلام لحاجي خليفة ينصّ فيه على ما اشترطوه فيمن يكتب التاريخ والتراجم، وفيمن يكتب من عند نفسه، سأورده بلفظه وتمامه – على صورته - لأهميّته ولدواعٍ أخرى سيأتي بيانها في النقد، قال: ((حرصت على إنصاف الأعلام الذين كتبت تراجمهم ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، رغبة في أن أكتب ما يُقرأ و يُحمد في أيامنا والأيام القادمات إن شاء الله، من أبناء جيلنا وأبناء الأجيال اللاحقة من المهتمين بأعلام هذا الفن الراقي، وبروح حيادية متجردة، ولم أنصب من نفسي حكماً على أولئك الأعلام، فكتبت عمّن أتفق معه وعمّن أخالفه الرأي والاعتقاد بنَفَس واحد، ابتغيت منه وجه الله وتدوين الحقائق بعيداً عن العصبية التي أمقتها وأمقت أهلها، وعن العواطف والمحاباة أيضاً، غير ناسٍ قول الإمام مالك بن أنس رحمه الله الذي قال فيه: ما منّا إلا من رَدّ أو رُدّ عليه إلاّ صاحب هذا القبر، وأشار إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقول العلامة حاجي خليفة في مقدمته لكتابه الهام " سُلّم الوصول إلى طبقات الفحول ": اشترطوا فيمن كتب التراجم والتاريخ شروطاً، منها الصدق، وإذا نقل يعتمد اللفظ دون المعنى، وأن يكون ذلك الذي نقله أخذه في المذاكرة وكتبه بعد ذلك، وأن يسمّي المنقول عنه. فهذه شروط أربعة فيما ينقله. ويشترط فيه أيضاً لما يترجمه من عند نفسه، ولما عساه يطوّل في التراجم من المنقول ويقصّر، أن يكون عارفاً بحال صاحب الترجمة علماً وديناً وغيرهما من الصفات، وهذا عزيز جداً، وأن يكون حسن العبارة، عارفاً بمدلولات الألفاظ، وأن يكون حسن التصور حتى يتصور حال ترجمته جميع حال ذلك الشخص، ويعبر عنه بعبارة لا تزيد عليه وتنقص عنه، وألاّ يطلبه الهوى فيخيّل إليه هواه الإطناب في مدح من يحبه والتقصير في غيره...))[3].(/4)
وقد نص الكاتب مرتين على مراده من هذا الكتاب بقوله: ((أردت لهذا الكتاب أن يكون أنموذجاً بين أيدي الدارسين عن فهمي لفن التراجم والتاريخ، وللمعاني التي أراها في هذا الفن الجليل عند المسلمين السابقين واللاحقين من المنصفين))[4].
ومما هو جدير بالإشارة إليه أيضاً أن الكاتب أجاب عما يستوقف الناظر في هذا الكتاب من غلبة تراجم السوريين والمصريين، ومن عدم إيراد تراجم لبعض المشاهير من أعلام التراث في هذا العصر. فأجاب عن الأول بما هو معلوم من كون مصر وسورية أكثر البلدان اهتماماً بشؤون التراث تحقيقاً ونشراً ودراسة وإخراجاً، وبأن له معرفة شخصية بمعظم من ترجم لهم، أو بمن عرفهم عن قرب، وهو ثقة لديه، منبّهاً في الحاشية على مخالفته للمرحوم الدكتور محمود الطناحي فيما ذهب إليه في كتابه (مدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي) لإطنابه في الإشارة إلى فضل علماء مصر، وإخلاله بالكلام على فضل علماء سورية والبلدان الأخرى. وأجاب عن الثاني بما تقدم من مراده من كتابه أن يكون أنموذجاً بين أيدي الدارسين[5].
كما نبّه الكاتب في فقرة مطوّلة من مقدمته على منهجه فيمن ترجم لهم من المستشرقين والمشتغلين بشؤون التراث العربي الإسلامي من غير المسلمين بأنه ترجم لمن ((اعتقد أنه لا يصح إسقاط أمثالهم من كتاب كهذا يعنى بالترجمة للأعلام الذين خدموا التراث، وأسهموا بإحياء آثاره وما يتصل بها، بغض النظر عما يمكن أن يقال في الغايات والأهداف التي عملوا من أجل تحقيقها وإيصالها للدارسين العرب والمسلمين، فلا يصح في نظري انتقاص جهودهم النافعة...))[6].(/5)
أما عدمُ اشتغال الكاتب بالترجمة للأحياء من أعلام التراث فاعتذر عن ذلك بقوله:((صرفت النظر عن الترجمة لأعلام التراث الأحياء – أطال الله أعمارهم ونفعنا بهم – لما للترجمة للأحياء من الحرج للكاتب والمكتوب عنه سواء بسواء، فقد تفهم الترجمة للواحد منهم على أنها من باب التملّق، وأنا أكره التملّق، وأبغض أهله، والراضين عنه، أيّاً كان موقع الواحد منهم،من أهل عصره))[7].
ثانياً: مؤلّف الكتاب:
وأما مؤلّف الكتاب فهو الأستاذ الفاضل المحقّق محمود الأرناؤوط، باحث جادّ دؤوب منقطع إلى الاشتغال بالتراث تحقيقاً ونشراً وإخراجاً، غزير الإنتاج العلمي، عصامي النشأة والتكوين ثقافةً وعلماً، وهو فوق كلّ ذلك صديق قديم، وعلى الجملة فهو معروف لدى كثير من المشتغلين بالتراث العربي الإسلامي، ولولا أن المقام لا يسمح بالحديث عنه وعن جهوده في خدمة التراث، وأنني سأتهم بالعصبية ومجافاة الموضوعية، وأن في الكتاب – موضوع البحث – قدراً غير قليل من التعريف به وبسيرته الذاتية والعلمية وبفضله وقدره وأعماله، وردت في صور مختلفة = لكان لزاماً عليّ بيانُ ذلك. وأعتقد أني كُفيت مؤونة ذلك بما ورد في تقديم أستاذنا العلامة الدكتور شاكر الفحام رئيس مجمع اللغة العربية، فقد حظي الكاتب بقسط وافر من تقديمه للكتاب، تشجيعاً منه للكاتب، وذلك العهد به مع جميع الطلبة والباحثين والعاملين في العربية والتراث، وهذا خلق علمي أصيل يتحلّى به، ويشهد له به كلّ من عرفه وأفاد منه.كما حظي الكاتب بنحو ذلك في تقديم والده الأستاذ الشيخ المحدّث عبد القادر الأرناؤوط، وكذلك بما ورد على لسان المؤلّف نفسه في مقدمته، وفي مواضع كثيرة من التراجم والحواشي ممّا كان له به أدنى ملابسة. فقد نص في مقدمته على انصرافه إلى خدمة كتب التاريخ والرجال مدة عشرين عاماً، انتهت جملةُ أعماله فيها إلى ستين كتاباً، مرّ فيها بأدوار مختلفة، ثم عدّ منها ستة عشر كتاباً بين كبير وصغير،(/6)
أوردها مفصّلة في المتن، وموثّقة بإسهاب في حواشي المقدمة. لذا، وجدت في جميع ما ذكرته غُنيةً لي، تحاشياً للتكرار، وطلباً للإيجاز، ولزوماً للموضوعية.
وقد رأيت أن لمؤلّف الكتاب الصديق الأستاذ محمود الأرناؤوط حقاً في عنقي، يجب أداؤه نهوضاً بأمانة العلم أولاً، وواجب النصح ثانياً، ونزولاً عند رغبته ثالثاً في ألاّ يبخل عليه أحد من أهل العلم بملاحظاتهم وتوجيهاتهم حيث قال: ((هذا ما أردته من تأليفي لهذا الكتاب، فإن أحسنت فذلك ما عملت له جاهداً، وإن غفلت وأخطأت، فأنا معترف بوهمي وضعفي وتقصيري وقلة تحصيلي، والمأمول من أهل هذا الفن أن لا يبخلوا علي بملاحظاتهم وتوجيهاتهم السديدة للأخذ بها في طبعات الكتاب القادمة، فقديماً قال كاتب العراق في عصره إبراهيم بن العباس الصولي: المتصفح للكتاب أبصر بمواقع الخلل فيه من منشئه))[8].(/7)
لذا، صحّ العزم مني بعد قراءة الكتاب ومعاودة النظر فيه أن أكتب مقالاً يتناول الكتاب وقيمته، ومنهج مؤلّفه فيه، وينبّه على ما ورد فيه من سهو أو خطأ أو وَهْم أو مخالفة للمنهج المرسوم أو مجانبة للموضوعية أو غير ذلك مما يجب بيانه، على أن ذلك - على أهميته - لا يقلّل من شأن الكتاب، ولا من قيمة صاحبه، بل سيجعل طبعة الكتاب القادمة أدنى إلى الكمال، إذا أفاد المؤلّف منها، وأخذ بما صحّ فيها، فضلاً على أنه يصحح كثيراً مما تداوله الناس في هذه الطبعة. ف ((النقد يجبر النقص، ويقوّم المعوجّ، ويصلح المنآد)) و ((جودة العلم لا تتكون إلا بجودة النقد، ولولا النقد لبطل كثير علم، ولاختلط بالعلم اختلاطاً لا خلاص منه، ولا حيلة فيه))[9]. وليس هذا المقال بدعاً من الأمر، فقد تعقّب الأستاذ أحمد العلاونة كتابَ (الأعلام) للمرحوم خير الدين الزركلي في كتابه (ذيل الأعلام) وذكر مآخذه عليه، وأضاف إليها مآخذ الشيخ محمد أحمد دهمان والقاضي إسماعيل الأكوع. على أني لا أزعم لما صنعت استقصاء، بل هو جهد المقلّ، ولعلّ غيري من أهل العلم يستدرك ما فاتني التنبيه عليه. وسأورد ملحوظاتي موزعةً على ما ينتظمها من معانٍ تحقيقاً للإيجاز، مع الحرص على توثيقها بنقل كلام المؤلّف نفسه.
ثالثاً: المآخذ على الكتاب :
وقفني النظر في الكتاب على قدر كبير من المآخذ، رأيت إثباتها موزّعة على الملحوظات العامة التي تستغرق مجموع ما ورد فيه، وعلى ما جاء في كُلٍّ من: المقدمة، والتراجم، والحواشي، ومنهج الكتاب، وختمت ذلك بما وقفت عليه من أخطاء أخرى، جلّها مردّه إلى الطباعة.
1 - ملحوظات عامة:(/8)
لا يخفى على أحد أهميةُ اللغة في ثقافة أيّ أمة من الأمم، كما لا يخفى أيضاً شأنُ اللغة وضرورة إتقانها في كتابة التاريخ والتراجم، فهي الأداة التي يعبر بها عنهما. وطبيعي ألا تتحقق الدقة في أداء أيّ معنى لحدث أو ترجمة إلا إذا تحقق إتقان الكاتب للغة، فاستكمل الأدوات اللغوية اللازمة، من الدراية العامة بأسرار العربية وعلومها وأساليبها وقوانينها، لذا كان اشتراطُهم تحققَ ذلك فيمن يكتب التراجم والتاريخ أمراً مفروغاً منه، بل تعدّى الأمر ذلك إلى اشتراطهم مثله فيمن ينظر في كتب القوم. يشهد لهذا ما قرره الحافظ المزّي في مقدمة كتاب له في التراجم، قال: ((وينبغي للناظر في كتابنا هذا أن يكون قد حصّل طرفاً صالحاً من علم العربية، نحوها ولغتها وتصريفها، ومن علم الأصول والفروع، ومن علم الحديث والتواريخ وأيام الناس، فإنه إذا كان كذلك كثُر انتفاعه به، وتمكن من معرفة صحيح الحديث وضعيفه، وذلك خصوصية المحدّث التي مَنْ نالها، وقام بشرائطها ساد أهل زمانه في هذا العلم))[10]. كما يشهد بصحته ما نقله المؤلّف نفسه عن حاجي خليفة في مقدمته لكتابه (سُلَّم الوصول إلى طبقات الفحول) وضمّنه مقدمته، وسبق أن أوردته بتمامه، بيّن فيه ما اشترطوه فيمن يكتب التراجم والتاريخ، وما يشترط فيمن يكتب من عنده، ولا بأس هنا من إعادة ما يتصل باللغة منه، قال: ((.. وأن يكون حسن العبارة عارفاً بمدلولات الألفاظ، وأن يكون حسن التصور حتى يتصور حال ترجمته جميع ذلك الشخص، ويعبر عنه بعبارة لا تزيد عنه ولا تنقص عنه..))[11]. وظاهر أن مراده بحسن العبارة دقتها، وهذا لا يتحقق إلا إذا كان عارفاً بمدلولات الألفاظ فضلاً عما هو مطلوب من الدراية بالعربية وأساليبها ونحوها وتصريفها.
والحق أن الناظر في الكتاب يرى واضحاً ما يدلّ على عدم تحقق ذلك، وقد تجلّى ما سبق في صور شتّى، منها:
1 – شيوع لغة الصحافة في جميع الكتاب:(/9)
لغة الكتاب جاءت أقرب ما تكون إلى لغة الصحافة بكل ما تحمله من أخطاء لغوية وشائعة، وركاكة في الأسلوب، وتجوّز في استعمال الدارج والعامي من التعبيرات، وحشو وتزيّد، لا مسوّغ له إلا ملء صفحات تزيد من حجم الكتاب، ولا تفيد القارئ شيئاً، وقد تنتهي بالمؤلّف إلى الانقياد إلى العاطفة والهوى والذاتية وإقحام قناعاته الشخصية، وربما قادته إلى الخطابية والوعظ والتنظير، كل ذلك نرى أمثلة له في هذا الكتاب الذي يفترض أن يكتب بلغة سليمة، ودقيقة، لا زيادة فيها ولا نقص، فضلاً على الموضوعية والإنصاف. سأقتصر على أمثلة من ذلك مما ورد في مقدمة المؤلف، والتراجم، والحواشي، توخياً للإيجاز، والدلالة بها على غيرها:
أ – الأخطاء اللغوية:
اشتمل الكتاب على قدر غير قليل من ضروب الأخطاء اللغوية الشائعة، والتعبيرات الصحفية التي تشوبها أوضار الركاكة والضعف والعامية، وعدم الدقة في التعبير عن المعاني، ونحو ذلك، سأثبت بعض ما وقفت عليه من أمثلة كلّ منها، مصدّرةً برقم الصفحة، ومتبوعةً بلفظ المؤلّف في الكتاب:
استعماله الكاف في موضع الحال:
- ص 16: ((.. وذلك على هامش عملي كأمين تحرير مجلة التراث العربي..)). الصواب: عملي أميناً لتحرير.
- ص 63: ((.. وحين بلغ الثلاثين اختارته جامعة بلرم عاصمة صقلية للعمل كأستاذ فيها..).
- ص 165: ((.. و أزيح عن عمله كرئيس للمشيخة الإسلامية..)).
- ص 108: ((.. ودُعي للتدريس كأستاذ زائر..)).
- ص 123: ((.. فاختير للعمل كأستاذ في الجامعة السورية..)).
- تعديته (تكلّم، والكلام) ب (عن) في موضع (على):
- ص 16: (( شاركت في الكلام عن بعضهم..)) و ((تكلمت عن معظمهم في برنامج..)).
- ص 144، ح 1: ((.. و قال فيه أحد العلماء الذين تكلموا عنه..)).
استعماله (التنويه) في موضع (التنبيه):(/10)
- ص 19: ((.. ولا بدّ لي من التنويه إلى أنني..)) وهي من الأخطاء الشائعة، ومعلوم أن بينهما فرقاً كبيراً، ف (التنويه) مصدر للفعل نوَّه، والتنويه بالشيء: الإشادة به ورفع ذكره ومدحه وشهره. و أما (التنبيه) فهو مصدر للفعل (نبّه)، ومنه نبّه فلاناً للشيء أو على الشيء: إذا أطلعه عليه.
استعماله (بشكل خاص) في موضع (خاصةً / بخاصة / على نحوٍ خاص / بوجهٍ خاص):
ص 18: ((.. الأول عدد تراجم السوريين والمصريين الكبير بشكل خاص..)).
- ص 83: ((.. وكان يشجع الشبان بشكل خاص، ويأخذ بأيديهم ويدفع بهم خطوات إلى الأمام..)).
- ص 176: ((.. وكانت له صلات بعلماء مصر وأدبائها بشكل خاص..)).
- استعماله (بشكل عام) في موضع (عامةً / بعامة / على نحو عام / بوجهٍ عام):
- ص 133: ((.. واعترف له الخصوم قبل الأحباب بالعلم والفضل وسعة الدائرة في النحو خاصة وفي العربية بشكل عام)). وفي عبارته إلى ذلك شاهد آخر على لغة الصحافة في تعبيره عن تمكن المترجم من علم النحو وعلو كعبه فيه: ((وسعة الدائرة في النحو)).
- ص 75: ((.. وهو من خيرة ما كتب في هذا الموضوع على أيدي المستشرقين بصورة عامة.. وكان مرجعاً للباحثين والدارسين في مجال الاستشراق في روسيا وبلدان الاتحاد السوفييتي السابق بصورة عامة..)).
- تعديته الفعل (أفاد) بالباء:
ومعلوم أنه متعدّ بنفسه إلى مفعول واحد أو مفعولين، نحو قولك: أفاد فلانٌ علماً: استفاده وكسبه، وأفاد فلانٌ فلاناً علماً: أكسبه إياه. نحو قوله:
- ص 108 ح 1 : ((.. وأفدت بالكثير مما ورد في هذه الترجمة منه..)) الصواب: أفدت الكثير.
- تعديته الفعل (أكّد) ب (على):
ومعلوم كذلك أنه يتعدى بنفسه، قال:
- ص 189 – 190: ((.. وأيّد ذلك وأكّد عليه الأستاذ الفاضل..)). والصواب (وأكّده).
- استعماله (بينما) في غير محلّها، إذ لها الصدارة في الجملة:(/11)
- ص 36 ((.. ولهذا اعتبره بعضهم من رواد الفكر النير.. بينما قال فيه آخرون..)) والصواب: (على حين / في حين ) قال فيه آخرون .
- استعماله (تواجد) بمعنى الوجود:
- ص 192 ((..ولا غنى لباحث ومحقق ومهتم بشؤون المخطوطات العربية ومراكز تواجدها عنه)). ومعلوم أن هذا خطأ شائع، لأن (تواجد) تظاهر بالوَجْد، وهو الحب الشديد أو الحزن.
- استعماله (حيثما) في غير الشرط والظرفية المكانية:
- ص 207 ((.. ويقرع المتهاونين منهم حيثما أتاحت الفرصة له ذلك)). وهي اسم شرط جازم في محلّ نصب على الظرفية المكانية، مثل: حيثما تقرأْ تجدْ خطأ .
- جمعه في الاستعمال بين الفعل المجهول الفاعل وبين الدلالة على فاعله:
- ص 69: ((.. وانتُقد من قبل الدارسين العرب..)) الصواب: وانتقده الدارسون العرب.
- ص 235 ((00 وأصبح من أهم الخبراء في شأنها، يُسأل عنها من قبل العلماء والطلبة..)).
الصواب: يسأله عنها العلماءُ والطلبة.
- استعماله (يتلمّس) في موضع (يلمس):
- ص 125: ((.. فكان يقدمها لمن يتلمّس منه العلم والفهم..)) الصواب: لمن كان يلمس فيه. وذلك لأن تلمّس الشيء: تطلّبه مرة بعد مرة، واللمس: المسّ باليد. ولا يخفى أن استعماله في المعاني مجاز.
- ص 159 ((.. ويأخذ بيد مَنْ يتلمّس فيه الاستعداد منهم..)). الصواب: مَنْ يلمس فيه.
- تعديته الفعل (شارك) بالباء بدل (في):
- ص 14 ((.. الذي بلغ منزلة لم يشاركه بها أحد..)).
- ص 209 ((.. شارك خلالها بتأسيس رابطة العالم الإسلامي)).
- تعديته الفعل (تردد) ب (على) بدل (إلى):
- ص 209 ((.. وتردد أثناء وجوده في مصر على العلامة الشيخ محمد زاهد الكوثري)). يقال: تردد إلى فلان: رجع إليه مرة بعد أخرى.
ب - تعبيرات صحفية أقرب إلى لغة العامة:
وأمثلتها فاشية تطالع القارئ في كثير من تراجم الكتاب، نحو:
- ص 57: ((.. وهي من أهم المجموعات النفيسة التي تفتخر بها تلك المكتبة الكبرى، وترفع الرأس بها عالياً..)).(/12)
- ص 231: ((.. و لقي مساندة غير عادية من الأستاذ زهير الشاويش..)). و ظاهر أن وصفه (مساندة) بأنها (غير عادية) في موضع كبيرة أو قوية، جعل العبارة صحفية أقرب إلى كلام العامة.
- ص 116: ((.. ويصوم دون أن يتناول الطعام في السَّحور..)) في موضع: دون سحور / أن يتسحّر. وذلك لأن (السَّحُور) ما يؤكل في السَّحَر ويشرب، و (تسَحَّر): أكل السَّحور، و(السَّحَر): قبيل الصبح، ولعله أراده، فعبر عنه ب (السّحور) وبينهما فرق كبير لا يخفى، ولا يجوز هذا الجمع في عبارته بين (يتناول الطعام) و (السّحور) لأن كليهما يدل على الطعام.
- ص 151: ((.. وخلّف مؤلّفات وأبحاثاً كثيرة ذوات صلة حميمة بالتراث العربي والإسلامي)).
- ص 229: ((.. وخلّف مؤلّفات وتحقيقات وتعليقات كثيرة ذوات صلة حميمة بالتراث العربي والإسلامي..)).
وغير خافٍ أن وصفه لصلة أعمال المترجَم له بالتراث بأنها (ذوات صلة حميمة بالتراث) يتجاوز لغة الصحافة والأخطاء الشائعة إلى الدلالة على ما هو أبعد من ذلك، فالصلة لا توصف بالحميمة إلاّ إذا كانت في دائرة العلاقات الإنسانية بين القرابة أو غيرهم، والصلة في غير ذلك توصف بأنها قوية أو متينة أو وثيقة أو وشيجة أو نحو ذلك.
ج – عدم الدقة في التعبير عن المعاني:
حوى الكتاب قدراً من أمثلة هذا النوع، من ذلك تعبيره عما أفاده السلف من ترجمة أمهات الكتب في العلوم والفلسفة والحكمة من اليونان والفرس والرومان في عهد الخليفة المأمون وما بعده حين نشطت حركة الترجمة والنقل، بقوله:(/13)
- ص 19: ((ولقد أفاد الأسلاف القدامى من اليونان والفرس والرومان في أمور دنيوية كثيرة)). ولا ريب أن ترجمة الأقدمين لكتب الطب والهندسة والرياضيات والفلك والفلسفة والحكمة وغيرها أجلّ من أن يعبر عنها ب (أمور دنيوية كثيرة). فإن كان مراده بذلك جميع العلوم والفنون ما خلا العقائد والإلهيات، لأنها تخالف عقيدة التوحيد في ديننا الحنيف، وغالب الظن أن يكون هذا مراده، فالعبارة غير دقيقة علمياً.
ونحو ذلك تعبيره عن المجالات العلمية التي أفادها المجمع من العلاّمة المرحوم أحمد راتب النفاخ بكلام عام، لا يدل على شيء محدد، أو اختصاص علمي، أو مجال أسهم فيه، قال:
- ص 184: ((.. فانتفع العاملون في المجمع من خبرته في أمور مختلفة..)). فضلاً على ما في تعبيره عن أعضاء المجمع بـ(العاملون في المجمع)، وهم الإداريون على اختلاف وظائفهم وشرائحهم، من تجوّز.
ومثله تعبيره عن كثرة مَنِ انتفع بعلمه - رحمه الله – بعبارة، صدرها من مأثور التراث، وعجزها كلام عادي أقرب ما يكون إلى حديث العامة، إضافةً إلى أنه كلام لا يصحّ عقلاً ولا واقعاً، ولفظه: ((.. وأكل الناسُ بعلمه، ولم يأكل هو وأهل داره منه شيئاً)). ومعلوم لذوي الاختصاص أن أصل العبارة كلمة للنضر بن شميل في شيخه الخليل بن أحمد الفراهيدي: أكلنا الدنيا بعلم الخليل، وهو في خُصٍّ بالبصرة لا يُشْعَر به. وفرق ما بين العبارتين مما لا يخفى على أحد.
ومن ذلك تعبيره عن الإنصاف والموضوعية بقوله:
- ص 17: ((.. و بروح حيادية متجردة..)) ولا ريب أن هذا التعبير يتجاوز لغة الصحافة والأخطاء الشائعة والتعبيرات العامية إلى ما هو أبعد دلالة من ذلك، فالروح لا توصف بالحيادية، و لا بالمتجرّدة، كما أن معناها اللغوي لا يستقيم مع ما يريده الكاتب ضمن هذا السياق.(/14)
ومن المعلوم أن (الحياد / الحيادية) مصطلح سياسي يدل على عدم الميل إلى أيّ طرف في النزاع. وأن (المتجردة) مؤنث اسم الفاعل من (تجرّد) الرجل من ثيابه إذا تعرى، ولو أن الكاتب قيدها بحرف الجر ومجروره لخرج من هذا المحظور، كأن يقول مثلاً: مجرّدة من الهوى.
2 – شيوع ظاهرة الحشو والتزيّد في الكلام في جميع الكتاب:
وأمثلة ذلك تطالع القارئ في مواضع من المقدمة ونهايات التراجم خاصة دونما وجه يسوّغ ذلك، ممّا نتج عنه زيادة في عدّة صفحات الكتاب، وخروج الكاتب عن الموضوعية والإنصاف إلى الإنشائية أو الخطابية أو الوعظ أو التنظير أو انتقاص الآخرين أو الاستسلام للهوى والقناعات الشخصية والإعجاب بنفسه الذي تجلّى بصور مختلفة مباشرة وغير مباشرة. ولا ريب أن جميع ذلك لا موضع له في كتابة التراجم لمجافاته الدقة والموضوعية. وسأقتصر من ذلك على أمثلة، تشهد لما تقدم، وتدل على ما وراءها:(/15)
ختمه تراجم الكتاب إلا ما ندر (تراجم غير المسلمين) ببضعة أسطر يؤرخ فيها لوفاة المترجَم له، ويتبعها ببيان أثرها في نفوس طلابه وقرابته ومحبيه وبلده وأهل العلم وغيرهم، ثم الدعاء له بالرحمة وسكن فسيح الجنان، وإثابته بحسن الجزاء وغير ذلك. وهي عبارات كثيرة جاءت متقاربة غالباً، ومتطابقة أحياناً. وكان في وسع الكاتب أن يسلك طريق الدقة والإيجاز، ويختصر بضعة أسطر من نهاية كل ترجمة، لا يعني القارئَ مما ورد فيها إلا تاريخُ الوفاة. و قد نتج عن هذا في تقديري زيادة نحو كراستين في حجم الكتاب. بيان ذلك أن أغلب التراجم جاءت في نحو صفحتين وبضعة أسطر من الصفحة الثالثة، تشتمل على ما تقدم بيانه من ضروب التكثّر والحشو، ثم يلي ذلك بياض في معظم تلك الصفحات. و لو اقتصر الكاتب على تاريخ الوفاة، وأسقط ما سواه مما ذكرت، ما لم تدع إلى ذلك ضرورةٌ، لاستغنى عن الصفحة الثالثة في معظم تلك التراجم، وربما أعانه على ذلك إسقاط أشباه ذلك من التراجم[12]. ولم يقتصر ذلك على ما كان من التراجم في نحو صفحتين أو زيادة بضعة أسطر مما أشرنا إليه وأحلنا عليه في الحاشية، بل نجد نظيره فيما ورد في نهايات التراجم الأخرى التي استغرقت ثلاث صفحات[13]، وهي أقل مما تقدم، ونجده أيضاً فيما جاء من التراجم في أربع صفحات[14]، وهو نادر.
ومن أمثلة ذلك ما ورد في ختام ترجمة الدكتور طه حسين بعد تأريخ وفاته، قال:
- ص 132: ((.. فكان لنبأ وفاته وقع الصاعقة على الرؤوس بمصر والعالم العربي ومواطن الاستشراق، رحمه الله برحمته الواسعة، وأسكنه فسيح جنانه، وجزاه عن أمته وطلبة العلم فيها خير الجزاء)).
وهذا يكاد يطابق في لفظه ما أورده في ختام ترجمة المرحوم خير الدين الزركلي بعد تسع صفحات من سابقه، ونصه:(/16)
- ص 141: ((.. فكان لنبأ وفاته وقع الصاعقة على رؤوس أهل العلم والأدب والشعر في الوطن العربي والعالم الإسلامي ومواطن الاستشراق، رحمه الله برحمته الواسعة، وأسكنه فسيح جنانه، وجزاه عن طلبة العلم خير الجزاء)). ولا ينقض ذلك التقاربَ والتطابق زيادةُ كلمة أو نقصان أخرى، ولا تقديمُ كلمة أو تأخير أخرى، ليكون ذلك فارقاً يسيراً يناسب الترجمة وخصوصيتها.
ومن أمثلة ما سبق أيضاً ما نراه في ختام ترجمة سعيد الكرمي، قال:
- ص 59: ((.. وكان لنبأ وفاته بالغ الأثر في نفوس أصحابه وأحبابه وتلامذته وأهل العلم عموماً، وعرفوا فضله وشعروا بالفراغ الكبير الذي خلفه برحيله عن الدنيا، رحمه الله برحمته الواسعة وجزاه عن العلم وأهله خير ما يجزي عباده الصالحين)). [كذا في الأصل (وعرفوا) ولعل الصواب: ممن عرفوا] .
وهذا شبيه جداً بما ورد في ختام ترجمة عبد الله الأنصاري، قال:
- ص 182: ((.. فكان لنبأ وفاته بالغ الأثر في نفوس تلامذته وأحبابه وأهل بلده والبلدان الخليجية الأخرى، وفي كل مكان عرف به من أطراف العالم العربي والعالم الإسلامي، رحمه الله برحمته الواسعة، وأسكنه فسيح جنانه، وجزاه عن أمته وطلبة العلم فيها خير ما يجزي عباده الصالحين المخلصين)).(/17)
ولا ريب أن ما تقدم من الحشو والتزيّد والتكثّر والإنشائية لا موضع له في كتابة التراجم، وهو كذلك لا علاقة له بالتدين والحرص على الثواب، وما أشبه هذا مما قد يُعتذر به، وهو مما لا يحتاج إليه القارئ والباحث، فضلاً على أن التشابه والتقارب والاتفاق فيها يجعل واحدة منها تصلح لجميع المواضع، إن لم يكن فيها خصوصية في كلمة أو كلمتين، وكل ذلك مما يجب إسقاطه. والعجيب أن المؤلّف الكريم عدّ المرحوم خير الدين الزركلي صاحب (الأعلام) واحداً من أربعة أثّروا فيه، ونص على أنه: ((.. بلغ منزلة لم يشاركه بها أحد من المعاصرين المشتغلين بهذا الفن، وتأثر به جميع من عمل بفن التراجم في الأقطار العربية من بعده))[15]. ومع ذلك لم يتخذه إماماً له في الدقة والإيجاز، وتجنّب الحشو وفضول الكلام، ولزوم الإنصاف والموضوعية.
3 – المبالغة في الحديث عن الذات والأعمال وإقحام الآراء الخاصة:
ثمّة ملحوظة جاءت غاية في الوضوح، وهي إسراف الكاتب في الاهتمام بذاته، وفي سرد أعماله وتوثيقها وأخبار مشاركاته، وصداقاته ولقاءاته، وإقحامه لآرائه وقناعاته ومبادئه، وغلوه في تعظيم ما أضافه إلى نفسه، أو ما كان له به أدنى ملابسة، أو ما كان منه بسبب، سواء أكان قرابة أم غيرها، وجميع ذلك وأمثاله من الخروج إلى الوعظ والتنظير والإنشائية وانتقاص الآخرين، مما تجلّى في صور مختلفة، قاده إلى ضروب من الحشو والتزيّد والتكثّر، وإقحام ما لا ينبغي أن يذكر في المقدّمة ولا في التراجم و لا في الحواشي، وجعله أسيراً للهوى والعاطفة، مجانباً للإنصاف والموضوعية، متنكباً للمنهج العلمي ولما سطره في مقدمته من أنه أخذ نفسه به، مما سبق في صدر المقال لدى الحديث عن منهجه. وأمثلة ذلك فاشية في الكتاب جميعه: المقدمة والتراجم والحواشي، سترد أمثلة كثيرة لما تقدّم موزّعة على كلّ منها.
2 - ملحوظات على المقدّمة:(/18)
مضت الإشارة إلى أن مقدمة المؤلّف استغرقت نحو عشر صفحات (11-20)، تضمنت أشياء مهمة تتصل بالمنهج المتّبع، والغاية المتوخاة، وشكر ذوي الفضل، غير أنها حوت كثيراً مما لا ينبغي أن يكون مثلُه في أيّ مقدمة، وسيرى القارئ أن أكثر ما جاء في المقدمة مما هذه سبيله، وإليك بيانه:
أ – حوت المقدّمة قائمة مطوّلة بستة عشر كتاباً للمؤلّف في التاريخ والتراجم: ولم يقتصر الأمر على ذلك بل جاءت موثقة غاية التوثيق، فاستغرقت ما يزيد على ثلاث صفحات.
ب - اشتملت المقدمة على (29) حاشية: جلّها توثيق لأعمال المؤلّف، ونشاطاته الإعلامية وقناعاته الذاتية، ليس فيها إلاّ حاشية واحدة (ص 15، ح 3) تبين منهج ترتيب الأعلام المترجَم لهم، وما سوى ذلك لا شأن للمقدمة به. مثل قوله:
- (ص 17، ح 1): ((وكم دفعت ثمن الإنصاف فيما تقدم من سنوات الحياة، وأعلم علم اليقين بأنني سأدفعه فيما سيأتي من السنوات القادمة، ولكنني لن أتراجع عن الإنصاف ما حييت، ولن أعبأ بأولئك الذين لا يرون إلا أنفسهم، ولا يرضيهم إلا المنطق المعكوس)).
- (ص 18، ح 1): في تعليقه على الآية {ولا يجرمنكم شنآنُ قومٍ على ألاّ تعدلوا اعْدِلوا هو أقربُ للتقوى} وذلك في حاشية من خمسة أسطر، ضمنها تفسير ابن كثير.
ج – تكرار حديث المؤلّف عن ذاته ومبادئه وقناعاته: وما يحبه وما يبغضه، وتعجّبه ممن لا يتحلّى بالإنصاف مثله، وحضّه عليه، ووعظه وتذكيره لهم، وكأنه في مجلس وعظ لا في مقدمة كتاب في التراجم:
- ص 17: ((.. ولم أنصب نفسي حكماً على أولئك الأعلام، فكتبت عمن أتفق معه وعمن أخالفه الرأي والاعتقاد بنَفَس واحد، ابتغيت منه وجه الله، وتدوين الحقائق، بعيداً عن العصبية التي أمقتها، وأمقت أهلها وعن العواطف والمحاباة...(/19)
ولا ينقضي عجبي ممن بلغ منزلة عالية في العلم، ولم يعرف الإنصاف إلى نفسه سبيلاً، فينظر فيمن يريد الترجمة له بعين واحدة، فتراه إما مادحاً مدح عاشق، أعمى العشق قلبه وبصيرته، وإما ذاماً ذمّ من استغلق أمر الحقيقة عليه، فراح يكيل التهم لمن لا يتفق معه في اعتقاد أو مذهب أو رأي أو اختصاص، قد يشترك معه فيه بشكل أو بآخر متناسياً قوله تعالى {ولا يجرمنكم شنآنُ قومٍ على ألاّ تَعْدِلوا اعْدِلوا هو أقربُ للتقوى} فالإنصاف الإنصاف يا أهل المروءات، فاليوم دنيا ونعيم زائل، وغداً آخرة ونعيم لا يزول لمن جاء الله بقلب سليم من الغل والحسد والبغضاء والتحامل، والتجنّي على الآخرين بغير حقّ)).
ثم كرر شيئاً مما تقدم في آخر المقدمة، قال:
- ص 19 – 20: ((.. ولقد أفاد الأسلاف القدامى من اليونان والفرس والرومان في أمور دنيوية كثيرة، فما بالنا نحن في هذه الأيام نبالغ في ذم مَنْ يقتضي منطق الإنصاف ذكره وشكره على ما قدم من أعمال نافعة جادة... ولا بد لي من الإشارة إلى أمر هام جداً ألا وهو أنني صرفت النظر عن الترجمة لأعلام التراث من الأحياء _ أطال الله أعمارهم ونفعنا بهم _ فقد تفهم الترجمة للواحد منهم على أنها من باب التملق، وأنا أكره التملق، وأبغض أهله، والراضين عنه، أياً كان موقع الواحد منهم من أهل عصره)).
3 - ملحوظات على التراجم:
اشتملت تراجم الكتاب على ملحوظات غير قليلة، سأقتصر على إيراد نماذج منها موزّعة على عناوين تجمعها، هي ظاهرة:
أ - الحشو والتزيّد في كتابة التراجم:
وأمثلة ذلك كثيرة، تجلّت في صور مختلفة، منها:
- تفصيله ما هو معلوم بالإجمال لدى الشُّداة وعامة المثقفين ومن لديهم أدنى مُسْكة من العلم، فضلاً على المختصين من الباحثين وأهل العلم. من مثل تعداده الكتب الستة مفصلة بعد إجمال الإشارة إليها:(/20)
- ص 199: ((.. فكان يقرأ على الطلبة من الكتب الستة في الحديث النبوي وهي: (صحيح البخاري) و (صحيح مسلم) و (سنن أبي داود) و (سنن الترمذي) و (السنن الصغرى) للنسائي و(سنن ابن ماجه)). ومعلوم أن مصطلح (الكتب الستة) إذا أطلق فلا يراد به غير هذه الكتب، وهو ما يغني أيضاً عن تقييدها بأنها (في الحديث النبوي) وعن سردها مفصلة.
ولم يقتصر على ذلك بل كرّرها ثانيةً بعد نحو ثلاث صفحات (ص 202).
- فشو ظاهرة الحشو والتكثّر والتزيّد في متن الكتاب (التراجم) وفي الحواشي، وأمثلة ذلك كثيرة، منها:
- ص 41: ((وكان عزباً، لم يتزوج، ولم ينجب لانصرافه للعلم، وطلبة العلم، والعمل على نشر العلم)).
وظاهر أن نصه على أنه كان عزباً يغني عن أنه لم يتزوج، وعن أنه لم ينجب، فضلاً على أن نفي الإنجاب يكون لِمَن تزوج، لا لمن لم يتزوج، كما أن في تكرار كلمة (العلم) ثلاث مرات في تعليل ذلك حشواً وليناً للعبارة.
- ص 51: ((ولا ينكر فضله على العلم في بعض ما خلفه إلا خصومه ومن سلك مسلكهم، ولا ينتصر له إلا أحبابه ومن سلك مسلكه، وهذا حال الكبار من الناس في كل زمان ومكان)).
- ص 154 في ترجمة الشيخ عبد الله النوري: ((.. و (خالدون في تاريخ الكويت) وهو من أهم مؤلفاته، تحدث فيه عن رجالات الكويت في فترات مختلفة ومن شرائح مختلفة، فإنك تجد فيه ترجمة الأمير والعالم والأديب والشيخ الكبير، وقد اقتضت حكمة الله تعالى أن ينتقل إلى جوار الله تعالى دون أن يراه منشوراً، فنشرته بعد وفاته شركة ذات السلاسل في الكويت وألحقت بآخره ترجمته، وقد كتبها الأستاذ فرحان عبد الله أحمد الفرحان، وتولى التقديم له تلميذه الدكتور عبد العزيز المنصور)).(/21)
ولا يخفى أن مثل هذا الإسهاب والحشو في الحديث عن أهمية الكتاب وموضوعه وقصة طباعته وما تضمنه وغير ذلك مما لا يجوز أن يكون مثله في حاشية كتاب في التراجم، بله أن يقحم في متن الترجمة، فضلاً على ما فيه من خروج على المنهج، ولو جاز الكلام على مؤلفات المترجَم لهم بنحو ذلك لجاء هذا الكتاب في أجزاء.
- عدوله عن وصف مؤلّفات كثير من المترجمين بأنها (تراثية) إلى وصفها بعبارة ركيكة، أصبحت شبه لازمة له، نحو قوله:
- ص 24: ((وقد خلف الكثير من المؤلفات والمصنفات ذوات الصبغة التراثية الصرفة)).
وقد تكررت هذه العبارة كثيراً في الكتاب، انظر نحو ذلك في الصفحات (ص 50، 55، 59، 129، 131، 154، 156، 162، 176). وقد انتهى وَلَعُ الكاتب بتكرار هذه إلى أن يستعملها في وصف مؤلّفات غير تراثية، من ذلك ما ورد في:
- ص 213، 214: ((وكان مقلاً من التأليف، فلم يؤلّف سوى ثلاثة مؤلفات ذوات صبغة تراثية، هي: منسك مختصر للحج، ومنسك مطول للحج، ووِرْد مختصر من كلام الله تعالى وكلام سيد البشر..)).
على أن الكاتب هنا قد جانب الصواب في وصفه للمؤلّفات الثلاثة بأنها (ذوات صبغة تراثية)، فليس لها أدنى علاقة بالتراث، بل لا وجه لإيراد صاحب الترجمة في الكتاب، وهو - على جلالة قدره وعلمه - لم يخطّ سطراً في التراث، وسيأتي زيادة بيان لهذا.
ب - شيوع التعبيرات الصحفية في كلامه على التراجم :
ولمّا كانت هذه التعبيرات جِدَّ متباينة اقتضى ذلك التدليل عليها بإيراد نماذج متعددة منها، نحو قوله:(/22)
- ص 50: ((وكان متقناً، ضابطاً، شديد الولع بإخراج مؤلفاته مشكولة شكلاً تاماً نتيجة تمكنه من العربية تمكناً بعيد المدى)). وفي العبارة – إلى ذلك – خطأ علمي، وذلك في تعليله ولوع المترجَم له بالضبط التام لمؤلّفاته، فهو يرى أن ذلك يعود إلى غاية تمكّنه من العربية ! ؟ وهذا غريب، إذ يلزم عنه أن كلّ مَنْ يفعل ذلك، فيسرف في ضبط كتبه، يكون قد بلغ الغاية في التمكن من العربية.
- ص 24: ((.. ما استطاع إلى ذلك سبيلاً..)). وقد تكرر نظيرها في (ص 91 و 299).
- ص 123: ((.. رحّالة، محب للتراث إلى أبعد الحدود)). وبنحوه ما ورد في (ص 210).
: ((.. والحرص على دفع أهل العلم من الشبان خطوات إلى الأمام)).
- ص 131: ((.. يحل لهم مشاكلهم، ويأخذ بأيديهم إلى شاطئ الأمان)).
- ص 204: ((.. وتأثر به إلى أبعد حدود التأثر)).
- ص 205: ((وخلف عدداً كبيراً من المؤلفات والتحقيقات ذوات الشأن العالي في نظر جماهير المشتغلين بالتراث العربي الإسلامي)).
- ص 207: ((فقد كان في عداد فرسانه الكبار على الساحة العربية)).
- ص 233: ((وقد تأثر بمنهجه عدد كبير من المشتغلين بالحديث النبوي على الساحة العلمية في أيامنا)).
- اشتملت التراجم على كثير من الآراء الذاتية والقناعات الشخصية للكاتب: تجلّت في صور مختلفة، وقد مازجها قدر غير يسير من الإنشائية والهوى والذاتية، مما لا يجوز مثله في التراجم، وحسبي هنا أن أذكر أمثلة لذلك تضاف إلى ما سبق:
- ص 176: ((.. وكان أبي النفس كريمها بعيداً كل البعد عن التزلف، حريصاً على المال بسبب نشأته العصامية، وعدم اعتماده على أحد غير الله تعالى في جمع ما جمع، وبناء ما بنى)).
وظاهر أن ما أورده المؤلف من تعليل حرص المترجم على المال قناعة ذاتية، لا يُسلّم له بها، ولو صح ما قاله لكان الحرص على المال لازماً لكل مَنْ كانت نشأته عصامية، فضلاً على ما فيها من حشو.(/23)
- ص 59: ((.. وهو في غاية النفاسة، ولعل الله أن يقيض له من يخرجه لأول مرة في طبعة جديدة متقنة مدققة مفهرسة لما للرجل من فضل على العربية والفقه والفتوى والعلم في ديار العرب بصورة عامة، والمأمول أن تتصدر الكتاب – في حال خروجه على أيدي الدارسين – دراسة وافية تتناول سيرة الرجل وأخباره بشيء من التفصيل)).
ج - عدم الدقة في ترجمة بعض الأعلام:
وقد تجلّى ذلك في صور عدة، من زيادة أو نقص أو إنشائية، أو غير ذلك. سأعرض أمثلة منها ثم أعقب عليها بما يوضّحها:
- ص 183: ((..هو أحمد راتب بن مرسي النفاخ، علامة، محقق، أستاذ جيل من طراز رفيع)).
- ص 206: ((.. هو سعيد بن محمد أحمد الأفغاني الدمشقي، علامة، بحاثة، محقق، مربّ من طراز نادر)).
- ص 215: ((.. هو محمود بن محمد شاكر المصري، علامة كبير، محقق عظيم، أستاذ جيل من طراز نادر)).
- ص 223: ((.. هو حماد بن محمد التادمكي الخزرجي الأنصاري المدني، علامة، محدث، محقق، مرب من طراز نادر)).
- ص 225: ((هو محمود بن محمد الطناحي المصري، عالم بالعربية، خبير كبير بشؤون التراث العربي، محقق من طراز رفيع)).
- ص 175: ((.. هو أحمد بن محمد حسن بن يوسف عبيد الدمشقي، عالم، شاعر، محقق، وراق من طراز نادر)).
وظاهر ما في الأوصاف المتقدمة لكل من المترجَم لهم من تقارب أو تشابه أو تطابق، على ما بينهم من تباين وتفاوت في الأقدار والاختصاصات، وعلى ما فيها من نقص أو زيادة. من ذلك
أنه اقتصر في وصف المرحوم الأستاذ أحمد راتب النفاخ على ثلاثة أوصاف ((علامة، محقق، أستاذ جيل من طراز رفيع)) وهي لا تدل على الاختصاص الذي عُرف به، إذ كان شيخ العربية في بلاد الشام، ومن أعلم الناس بالقراءات. وقل مثل ذلك في صفات المرحوم الأستاذ محمود شاكر، فلا يكفي أن يصفه بأنه ((علامة كبير، محقق عظيم، أستاذ جيل من طراز نادر)) ولم يخبر القارئ أنه شيخ العربية في مصر، وأديب وناقد ولغوي ومفكر.(/24)
ومن أمثلة ما تقدم أيضاً وصفه بعض الأعلام بأوصاف متقاربة أو متطابقة، على ما بينهم من تفاوت كبير في الأقدار والاختصاصات، نحو وصفه المترجَم بأنه من نوادر الدهر أو نوابغه أو أفراده علماً أو فضلاً أو فهماً أو خبرة. وفيما يلي أمثلة تتضمن ما قاله في ترجمة بعض الأعلام:
- ص 82: ((هو محمد بن عبد الرزاق بن محمد كرد علي، علامة، مؤرخ، محقق، كبير الشان، أحد أفراد الدهر علماً وفضلاً وأثراً في العصر الحديث)).
- ص 109: ((هو يوسف بن رشيد العش الطرابلسي الحلبي الدمشقي، عالم، أديب، ألمعي، من نوادر بلاد الشام في العصر الحديث علماً وفهماً)).
- ص 157 في ختام ترجمة محمد أبو الفضل إبراهيم: ((.. وبالجملة فقد كان نادرة من نوادر الدهر علماً وخبرة وفضلاً)).
- ص 158: ((هو شكري بن عمر فيصل الدمشقي، عالم، أديب، باحث، محقق، أستاذ كبير، ونادرة من نوادر الدهر خلقاً وفضلاً في الشام)).
- ص 164:((هو أحمد بن علي إسماعيلوفيتش، عالم، باحث، مفكر،من نوادر الدهر في العصر الحديث علماً وفضلاً وألمعية)).
-ص 204: ((هو محمد بهجة بن محمود بن عبد القادر الأثري العراقي، علامة، أديب، محقق، من نوابغ الدهر علماً وفضلاً في العصر الحديث)).(/25)
وواضح مما تقدم أن الصفة الأخيرة التي أضفاها على الأعلام، على ما فيها تشابه أو مطابقة، فيها قدر كبير من المبالغة، وذلك عندما يمنحها الكاتب لمن هو دون الشهرة، ولم يلحق بركب الكبار، ممن لهم جهود عظيمة في خدمة التراث العربي، بل لَمِنْ إثباته ضمن (أعلام التراث) هو موضع نظر في أحسن الأحوال، وفي أسوئها لا يجوز إدراجه فيهم، إذ لم يترك أحدهم بشهادة المؤلف إلاّ كتاباً في الاستشراق وعدداً من المقالات، نسبت إليه بلا توثيق، أعني الدكتور أحمد إسماعيلوفيتش الذي بالغ الكاتب في إعجابه به، لداعٍ ما من هوى أو عصبية، فعدّه ((من نوادر الدهر في العصر الحديث علماً وفضلاً وألمعيةً)). وأسهب في ترجمته والرفع من شأنه، وسيأتي فضل بيان لهذا.
ومن أمثلة ذلك أيضاً وَلَعُ الكاتب بعقد مقابلة بين الخصوم والأحباب في حديثه عن بعض التراجم، بما يظهر المترجَم كأن له خصوماً، اصطرعوا مع أحبابه، وقد لا يكون ثمة شيء من ذلك، نحو:
- ص51 في ترجمة يوسف النبهاني: ((.. ولا ينكر فضله على العلم في بعض ما خلفه إلا خصومه ومن سلك مسلكهم، ولا ينتصر له إلا أحبابه ومن سلك مسلكه..)).
- ص 133 في ترجمة محمد محيي الدين عبد الحميد: ((.. واعترف له الخصوم قبل الأحباب بالعلم والفضل..)).
- ص 196 في ترجمة عبد الفتاح الحلو: ((.. وكان نشاطه ودأبه مما يشهد به خصومه قبل أحبابه..)).
- ص 210 في ترجمة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة: ((.. والحق أنه كان في موقع متوسط بين ما كان يرفعه إليه أحبابه، وما كان ينزل به إليه خصومه..)).
- ص 228 في ترجمة الشيخ عبد العزيز بن باز: ((.. وقد أجمع على فضله وعلو منزلته خصومه وأحبابه)).(/26)
- ص 233 في ترجمة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني: ((ورفعه أحبابه فوق قدره، ونزل به خصومه إلى درك لا يليق بأمثاله، والحق أنه كان في منزلة بين المنزلتين، فلم يبلغ ما رفعه إليه أحبابه، ولم ينزل إلى الدرك الذي أنزله إليه خصومه... ولم يملك أدوات الفقه باعتراف أحبابه قبل خصومه... ولاحترمه خصومه قبل أحبابه)).
د - حرص الكاتب على نقد الكبار:
ولعلّه استند في ذلك إلى ما ذكره في المقدمة من التزامه الإنصاف والحياد والتجرد، كما تقدم بيانه، وقد بدا ذلك النقد في صور عدة، أظهرها ما كان في سياق مدح قليل أو كثير، مثل:
- ص 168 في ترجمة عمر رضا كحالة: ((وخلف مؤلفات وتحقيقات تدل على تضلعه في المكتبة العربية الإسلامية، ولكنه لم يكن ضابطاً الضبط الذي كان عليه العلامة خير الدين الزركلي)).
والنقد هنا - كما هو ظاهر - جاء استدراكاً على مديح تقدمه، ومعتمداً أسلوب الموازنة بين المترجم وغيره.
- ص 184 في ترجمة العلامة المرحوم أحمد راتب النفاخ: ((وكان طيب القلب، حاد الطبع، سريع الغضب، كثير الانتقاد للمشتغلين غير المتقنين لصناعة التحقيق، وما كان منهم في نظره من استوفى شروط العمل في صناعة التحقيق إلا النزر اليسير)).(/27)
وقد جاء النقد هنا مثل سابقه في سياق المدح، اقتصر فيه المؤلف على أنه ((كان طيب القلب)) على كثرة الصفات الكريمة التي كان يتحلى بها، رحمه الله، مما شاع أمره، وانعقدت عليه خناصر أهل العلم، ونصّ عليه ذووه في غير ما مناسبة، ونشر على صفحات مجلة المجمع وغيرها (مثل ما قيل في حفل استقباله عضواً في المجمع، وفي حفل تأبينه، وما نشر عنه في الصحف والمجلات). على حين انتقده بثلاث: حدة الطبع، وسرعة الغضب، وكثرة الانتقاد للمشتغلين غير المتقنين لصناعة التحقيق، وأتبع الأخيرة بما يؤكد أنها قدح لا يحتمل المدح، لأن النزر اليسير فقط هم الذين استوفوا شروط التحقيق في نظره. والحق أن في هذه العبارة – زيادة على ما سبق – إعذاراً لمن كان – رحمه الله - ينتقدهم من المحققين غير المتقنين. ومعلوم أن أكثر مَنْ كان ينتقدهم كانت قناعتُه فيهم توافق قناعةَ كثير من أهل العلم.
- ص 207 في ترجمة المرحوم العلامة سعيد الأفغاني: ((وكان في البحث والتأليف أفضل حالاً منه في الضبط والتحقيق على كثرة علمه وبعد صيته)).
وظاهر أن النقد هنا اعتمد الكاتب فيه الموازنة بين حال المترجم في البحث والتأليف وحاله في الضبط والتحقيق، وأنه كان في الثانية دون الأولى، يفتقر إلى الإتقان والتجويد في الضبط والتحقيق، وفي هذا ما فيه من الجرأة في النقد والغلو فيه، ومجافاة الإنصاف والموضوعية مع أن الكاتب يفتخر في غير ما موضع بأن المترجَم له شيخه وأستاذه، ومن مصادره الموثوقة في المشافهة.
- ص209 في ترجمة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة: ((وأتقن إلى أبعد الحدود إخراج كتب مصطلح الحديث النبوي الشريف، ولكنه لم يتصدّ لتخريج الأحاديث، ودراسة أسانيدها، والحكم عليها من جهة الصحة والحسن والضعف مع أنه يمتلك أدوات ذلك الأمر)).(/28)
والنقد هنا كما سلف جاء استدراكاً على امتداحه بإتقان إخراج كتب مصطلح الحديث، فانتقده لأنه لم يتصدّ – على حد تعبيره – إلى تخريج الأحاديث ودراسة الأسانيد والحكم عليها مع امتلاكه الأدوات، دون أن يلتمس له عذراً في ذلك، من ورع أو هيبة أو خوف من أن يجانبه الصوابُ في الحكم. ولا يخفى أن الكاتب بهذا العمل ترك للقارئ الاستنتاج بالمخالفة أن مَنْ يتصدى إلى تخريج الأحاديث ودراسة الأسانيد هو أعلى مقاماً، وأكثر جرأة، وأغزر علماً وكفاية.
- وربما سلك الكاتب طريقاً غير مباشرة في إيراد نقده للمترجم: فلا يصرح بنقده، بل يفهم ذلك من خلال ردّه على من ينتقده ودفاعه عنه، وإسهابه في الاعتذار له، نحو قوله:
- ص 135 في ترجمة محمد محيي الدين عبد الحميد: ((ولا ينتقص من قدره ما قيل عنه بأنه كان لا يعمل بيده في شؤون التحقيق في آخر عمره، بل كان يعتمد في ذلك على مجموعة من طلابه، لأنه كان فوق أولئك الطلاب علماً وفهماً وفضلاً، وكانوا يرجعون إليه في حل المشكلات وفهم المعضلات، والوصول إلى جادة الصواب)).
ولا يخفى أن هذا الكلام لا يدل على نقد المؤلّف للمترجَم له، بل هو دفاع عنه، وإعذار له ورفع لما قد يتجه عليه، فضلاً على ما يتضمنه من إعلام بأنه راض بهذا المنهج، من حيث اعتماد المحقق على آخرين يفوقهم علماً وفهماً وفضلاً، حسبه أنهم يرجعون إليه في حل المعضلات والمشكلات.
- وقد يسوق الكاتب النقد على سبيل الإخبار، بما يشعر ضمناً أنه لا علاقة له به، وأنه غير موافق عليه، ثم يتبع ذلك ما يعززه، من الإشادة بالمترجَم له، وكيل المديح له، والدفاع عنه، نحو قوله:(/29)
- ص89 في ترجمة حبيب الزيات: ((وقد أخذ عليه الكثيرون تعصبه للنصرانية، واهتمامه الخاص بتتبع آثار أتباعها على نحو لم يسبق إليه، ومع ذلك فإن له جهوداً هامة في خدمة التراث العربي الإسلامي، تذكر له ويشكر عليها، وكانت له جهود مشكورة في مجال الصحافة العلمية الراقية، لا ينكرها عليه إلا من لم يرزق أيّ قدر من الإنصاف، كما كانت له مع العصامية صولات وجولات، فقد أنشأ نفسه بنفسه، وكون ثروة بجهده وتعبه)).
وظاهر ما في الكلام المتقدم من التنكب للموضوعية والإنصاف، والمبالغة في الإطراء، وإقحام معلومات شخصية، لا علاقة لها بالترجمة، ولا تهمّ القارئ، وقد لا تثبت صحّتها عند التحقيق، وأنّى للكاتب أو غيره أن يعلم على وجه اليقين مصادر ثروات الآخرين ؟ كلّ ذلك بغية الوصول إلى إثبات خلاف ما أخذه عليه الكثيرون.
هـ - تصحيحات لأخطاء وقعت في التراجم:
اشتملت بعض التراجم على معلومات شابها قدر من الخطأ، يمكن إرجاع أكثره إلى السرعة أو غيرها، من ذلك مثلاً:
- ص135 في ترجمة الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد نص الكاتب على أن الزركلي امتدحه، قال: ((وقد امتدحه مَنْ ترجم له من العلماء كالعلامة خير الدين الزركلي..)).(/30)
والواقع خلاف ما قال، وذلك لأن الزركلي نصّ على أنه (اشتهر بتصحيح المطبوعات أو تحقيقها، فأشرف على طبع عشرات منها). ومردّ ذلك إلى تسرّع المؤلّف في فهم كلامه الذي أغضب المرحوم الدكتور محمود الطناحي، فردّ على الزركلي وانتصر للشيخ محيي الدين، قال: ((ولم ينصفه الزركلي رحمه الله حين ترجم له في الأعلام 7/92 ترجمة موجزة، قال فيها: " واشتهر بتصحيح المطبوعات أو تحقيقها فأشرف على طبع عشرات منها ". وهذه كلمة قليلة في حق الشيخ محيي الدين، لا تفي بعلمه وجهوده، ثم إنها قد تلتقي مع الذين يهوّنون من أثر الشيخ وجهوده، مع أن الزركلي رحمه الله من المؤرخين المنصفين العارفين للناس أقدارهم، ثم إنه خالط علماء مصر زمناً أيام إقامته بالقاهرة، ثم هو أديب ناقد، يعرف فرق ما بين الطبعات، ويستطيع أن يميز الخبيث منها من الطيب))[16].
- ص 134 في ترجمة محيي الدين عبد الحميد: ((.. والإنصاف في شؤون الخلاف بين النحاة الكوفيين والبصريين لابن الأنباري)). والصواب: الإنصاف في مسائل الخلاف.
- ص 217 في ترجمة المرحوم محمود شاكر ((فمن مؤلفاته: مع المتنبي ..)) والصواب:(المتنبي) وهذا الخطأ نبّه عليه أحمد العلاونة في مراجعته لكتاب (إتمام الإعلام) ضمن ما أخذه على مؤلفيه: د/ نزار أباظة، ومحمد رياض المالح[17]. وقد تابعهما المؤلّف على ذلك.
و - نقص في مصادر ترجمة بعض الأعلام:(/31)
جاءت مصادر ترجمة الأعلام متفاوتة في حجمها وقدرها تبعاً لشهرة أصحابها، ومكانتهم، وكثرة آثارهم، وقِدَم وفاتهم، وغير ذلك، على أن أكثر الأعلام المترجمين جاءت مصادر ترجماتهم متوسطة الحجم، في حين كانت مصادر ترجمة بعضهم غنية[18]، وبالمقابل كانت مصادر ترجمة بعضهم الآخر فقيرة جداً، اقتصرت على مرجع أو مرجعين[19]. وسيرد لاحقاً زيادة بيان وتفسير لذلك. ومما يتجه على توثيق المؤلّف لبعض الأعلام المترجَم لهم وجودُ نقص في مصادر ترجماتهم، مع توفر تلك المصادر بين أيدي الناس. من ذلك مثلاً:
- ص 40: أورد قائمة بمصادر ترجمة الشيخ عبد القادر بدران، وهي – على كثرتها، وتفاوت قيمتها - خلت من كتاب مهم، وقفه صاحبه على حياة المترجَم وآثاره، أعني كتاب (علاّمة الشام عبد القادر بدران الدمشقي: حياته وآثاره) بقلم محمد بن ناصر العجمي، دار البشائر، بيروت 1417هـ/1997م.
- ص 46: كذلك لم تشتمل قائمة مصادر ترجمة العلامة أحمد تيمور باشا على كتاب (حياة العلامة أحمد تيمور باشا: ذكريات شخصية) بقلم محمد كرد علي، ويليه (مقالات بأقلام معاصريه) جمعها واعتنى بها محمد بن ناصر العجمي، دار البشائر في بيروت 1417هـ/1996.(/32)
- ص 230: ترجم للشيخ المحدّث محمد ناصر الدين الألباني، واقتصر في توثيق ترجمته على ما جاء في مجلتي (تراثنا) الكويتية و(الأصالة) الأردنية، وعلى ما كتب عنه في بعض الصحف العربية، ومشافهة الكاتب للشيخين المحدثين: عبد القادر الأرناؤوط و شعيب الأرناؤوط، وللمرحوم الشيخ أمين لطفي. وهذا بلا ريب جِدُّ قليل، لا يناسب شهرة المترجَم له، ومكانته العلمية، وكثرة آثاره، وذيوع صيته، وانتشار طلبته ومحبيه والآخذين بمنهجه في العالم الإسلامي. ومعلوم أنه لا يجوز للكاتب أن يهمل الاطلاع على ما صُنّف في المترجَم من كتب مفردة، ويسقط الإشارة إليها، كائنةً ما كانت قناعته فيها، وفي أصحابها، وفي المترجَم له، من ذلك كتاب (حياة الألباني وآثاره وثناء العلماء عليه) تصنيف محمد بن إبراهيم الشيباني (جزءان في 914 صفحة)، وكتاب (محدّث العصر محمد ناصر الدين الألباني) بقلم سمير محمد الزهيري (في 106 صفحة)، وكتاب (محمد ناصر الدين الألباني: محدّث العصر وناصر السنة) تأليف إبراهيم محمد العلي (في 119 صفحة).
ز - حقيقة مشافهات الكاتب في توثيق ترجمة بعض الأعلام:(/33)
اعتمد الكاتب في توثيق بعض التراجم على مشافهات، جاءت متفاوتةً كثرةً وقلّةً، بحسب معرفته بعدد مَنْ كان له صلة بالمترجَم له، ممن يثق به، من أساتذته وأصدقائه[20]، وقد أغفل الكاتب أيّ إشارة، في المقدمة أو غيرها، إلى حقيقة مثل هذا التوثيق، هل وجّه إلى هؤلاء المذكورين أسئلة محددة تتعلّق بالمترجَم له، وأجابوه عنها، فيتحمّلوا بذلك مسؤوليتها ؟ أم أنه أطلعهم على ما كتب ووافقوا عليه بعد أن أجروا عليه ما ينبغي من التعديل أو الحذف أو الزيادة ؟ أم أنه أجاز لنفسه أن يثبت أسماءهم تكثّراً وتقويةً، معتمداً في ذلك على صلته بهم، أيّاً كانت درجتها واهيةً أو قويةً، وعلى معرفتهم بالمترجَم له، دون أن يسألهم عن أيّ شيء محدد، ودون أن يقرؤوا ما نُسب إليهم، ودون أن يؤخذ رأيهم في إثبات أسمائهم ؟ وفي هذه الحالة فإنهم لا يتحملون مسؤولية ما نُسب إليهم في التراجم. أخشى أن تكون جميع مشافهات الكاتب من النوع الأخير، يشهد لذلك أن كاتب هذا البحث صديق للمؤلّف، وقد عدّه ممن يثق بهم، وذكر اسمه مرتين في توثيق المرحومين: الدكتور شكري فيصل، والعلاّمة أحمد راتب النفاخ، وثالثة في جملة تلامذته المقربين منه[21]. وعلى الرغم من علمه أنني سعدت بصحبتي لأستاذنا شيخ العربية في بلاد الشام المرحوم أحمد راتب النفاخ نحو عقدين من الزمن، أفدت فيها من غزير علمه وفضله = لم أُسأل عن أيّ شيء محدّد يتعلق به ولا بغيره، ولم أعلم بأمر الكتاب إلاّ بأخَرَة حين أهدانيه المؤلّف مشكوراً في 14 جمادى الآخرة 1423هـ. على أني لست الوحيد في هذا، فقد أخبرني بنحو هذا بعض الزملاء الأفاضل الذين عدّهم المؤلّف من مصادر مشافهاته، وهم من الشهرة بمكان، توقفوا مثلي عند هذا الأمر. لذا كنت أتمنى على الكاتب أن يحدد حقيقة تلك المشافهات، وأن ينصّ على حدود مسؤولية أصحابها، وأن يطلعنا على ما يعنينا من أمر التراجم قبل إصدار الكتاب، فنكون مسؤولين عما ورد في تلك التراجم،(/34)
وهذا بلا ريب سيعود بالنفع على الكتاب دقةً وشمولاً، ولا بأس إذا رأى غير ذلك أن ينصّ على عدم مسؤوليتهم عما ورد في التراجم التي ذُكِروا في مصادر توثيقها.
4 - ملحوظات على الحواشي:
كذلك تضمنت حواشي التراجم قدراً غير قليل مما لا ضرورة توجب إيراده من توثيق لمعلومة أو خبر، أو تفصيل لمجمل، أو شرح لغامض، أو ما أشبه ذلك. وجلّ حواشي التراجم كانت توثيقاً مسهباً لأعمال المؤلّف، أو ما كان منه بسبب أو صلة من قرابة أو صداقة أو معرفة بالمحقق أو المراجع، أو دار النشر، أو بقصة الطبعة، أو بما وقع من خلاف بين المحققين، أو بينهم وبين دار النشر، أو ما أشبه ذلك[22]. على أن توثيق المطبوع من آثار المترجم لهم وتحقيقاتهم، وإن لم يشر المؤلف إلى منهجه فيه في المقدمة، لا يحتمله كتاب في التراجم يغصّ بأسماء الكتب، ولكثير منها طبعات عديدة، لا سبيل إلى استقصائها أو إثباتها، ولهذا وغيره اقتصر المرحوم الزركلي في (الأعلام) على الإشارة بالرمز إلى ما كان مطبوعاً أو مخطوطاً، وسيرد فضل بيان لهذا في الملحوظات المنهجية. ومن أمثلة ما تقدم من ضروب الحواشي:(/35)
- (ص137 - 138 ح1): في تعليق المؤلف على تأسيس الدكتور حسن كليشي فرع الاستشراق بجامعة برشتنا ورعايته لجيل من دارسي الاستشراق: ((والتحق بتلك المجموعة سنة (1394هـ/1974م) صديقي وابن عمتي الدكتور محمد موفق الأرناؤوط، الذي تابع مراحل دراسته الجامعية العالية في تلك الجامعة بعد أن تخرج في قسم اللغة العربية بجامعة دمشق، ومارس التدريس في ذلك الفرع بجامعة برشتنا سنوات عديدة، وكتب من هناك في الصحافة العربية، ونشر بعض مؤلفاته وترجماته ومقالاته من هناك، ثم غادر فرع الاستشراق والإقليم وعاد إلى دمشق حين بدأت الإشكالات العرقية مع بداية الثمانينات/ وانتقل منها إلى الأردن، وعمل في جامعة اليرموك أولاً، ثم في جامعة آل البيت، وهو الآن مدير لمعهد بيت الحكمة التابع لتلك الجامعة وأحد أعضاء هيئة التدريس فيها)).
ولا يخفى على أحد أن هذه الحاشية المطولة بتمامها لا موضع لها في كتاب للتراجم، وقفه مؤلفه على الأعلام الراحلين، واعتذر عن الترجمة للأحياء حتى لا تكون تملقاً، فهو- على ما ذكر – يكره التملق، ويبغض أهله، والراضين عنه. والحاشية خلاف ذلك، فهي أشبه أن تكون سيرة ذاتية وعلمية لصديقه وابن عمته محمد موفق الأرناؤوط، المعروف سابقاً بـ(محمد موفاكو)[23] فضلاً على أسفاره وأعماله الوظيفية، وآخر منصب شغله.
- ص (ص134، ح1) في تعليقه على كتاب: (المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد) للعليمي في حاشية مطوّلة:(/36)
((وقد أخرج النصف الأول منه وصدر في القاهرة. ثم أعاد إخراج ذلك القسم الأستاذ عادل نويهض في طبعة سقيمة كثيرة الخطأ والسقط والتحريف، وليته أبقاه على حاله التي تركه عليها الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد، واكتفى بإعداد الفهارس له. ثم قمت بالاشتراك مع الأساتذة رياض عبد الحميد مراد، محيي الدين نجيب، إبراهيم صالح، حسن إسماعيل مروة، بإعادة تحقيق ذلك القسم، وإتمام تحقيق ما لم يحقق منه، بإشراف والدي وأستاذي المحدث الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، الذي تولى علاوة على الإشراف على تحقيق الكتاب تخريج الأحاديث الواردة فيه، وتولّت نشره دار صادر ببيروت، ودار البشائر بدمشق سنة (1417هـ/1997م). وكان هذا الكتاب أهم إنجازات مكتب ابن عساكر لتحقيق وتصحيح كتب التراث بدمشق الذي أسسته وأخرجت فيه عدداً كبيراً من الأعمال العلمية، والحمد لله)).
وفي الحاشية المتقدمة من ضروب الحشو ما لا يخفى، وما لا ترى نظيراً له في كتب التراجم.
- (ص96 – 97، ح 2): في تعليقه على (صحيح ابن حبان):
((ثم تصدت مؤسسة الرسالة ببيروت لإعادة تحقيق الجزء الأول منه، وإتمام تحقيق الأقسام الأخرى، فصدر الجزء الأول منه عنها في طبعته الأولى بتحقيق أستاذنا المحدث الشيخ شعيب الأرناؤوط، والأستاذ المحقق حسين سليم الأسد الداراني بعد تكليفهما من قبلها بتحقيقه وقيامهما بمعظم أمور تحقيق الكتاب، ثم أعادت إصدار الجزء الأول وباقي أجزاء الكتاب في طبعة جديدة، حملت اسم أستاذنا المحدث الشيخ شعيب الأرناؤوط بمفرده عقب خلاف جرى بينه وبين شريكه في تحقيق الكتاب، فيما يتصل بأسلوب إخراجه، ومن الذي/ سيكون من حقه البتّ الأخير بدرجة كل حديث ورد في الكتاب من خارج الصحيحين)).(/37)
وظاهر ما في الحاشية من فضول القول وتفصيل الخلاف، مما لا يحسن إيراد مثله في الكتب المحققة بله التراجم التي لا تحتمل مثل هذا الإسهاب في التوثيق في كل كتاب محقق. وقد أحسن المؤلف إذ قصر هذا وأمثاله على ما كان منه بسبب دون غيره من المطبوع.
- (ص27، ح1): في تعليقه على كتاب (المرآة الوضية في الكرة الأرضية):
((وهو بالغ الأهمية، وكنت اقتنيت نسخة منه ثم قدمتها هدية لمكتبة الأسد الوطنية بدمشق لتحفظ فيها مع الكتب النادرة)).
وفي الحاشية ما لا يخفى مما لا يجوز أن يرد في أيّ كتاب، لأن المؤلّف وغيره من أهل العلم، ممن يعمل في تحقيق كتب السنة النبوية والتراجم والرجال والتاريخ = هم أكثر الناس إفادة من مخطوطات المكتبة الظاهرية التي آلت إلى مكتبة الأسد الوطنية، والتي تعد أغنى مكتبات العالم بهذه الآثار، لذا فإن إهداء كتاب مطبوع إليها، سواء أكان طوعاً وابتداءً أم تبادلاً وضرورةً، مع جليل خدماتها لأمثاله من الباحثين = أهون من أن تفرد له حاشية، حتى لو كان المهدى مكتبة كاملة، وأفرد بحاشية، لكانت في غير موضعها الصحيح.(/38)
- (ص 140-141، ح1): في تعليقه على كتاب خير الدين الزركلي (الإعلام بمن ليس في الأعلام) الذي استدرك فيه التراجم التي فاتته في كتابه (الأعلام) ثم ألحقه بطبعته الرابعة التي نشرت بعد وفاته، وذلك في حاشية مطولة بلغت[24] سطراً، حوت توثيق الطبعة المذكورة، ومآخذه عليها، والتدليل على صحة ما قاله، وحاجتها إلى خبير يحسن صنعها، ثم عرض بإسهاب أربعة ذيول، وضعت على كتاب (الأعلام)، ولم ينس الكاتب الإعلام بمن يُعِدّ لإصدار الطبعة الثانية من أصدقائه، ولا التنبيه على سبقه إلى الدعوة إلى إتمام (الأعلام) معززاً بالإحالة على مجلة وكتاب له، وثّق طبعاته في نحو ثلاثة أسطر، مع أن ذلك سبق في المقدمة (ص14) وسيأتي للمرة الثالثة في المصادر والمراجع (ص241). وهذه أطول حاشية في الكتاب، وقد حوت قدراً غير قليل من الملاحظ، فاقتضى ذلك إيرادها بتمامها بياناً لما سبق، وتدليلاً عليه. ونصها:
- (ص 140-141، ح1): ((وقد أشرف على طبعها الأستاذ زهير فتح الله، وأصدرتها دار العلم للملايين ببيروت، وقد حصلت فيها أخطاء كثيرة، وسقطت منها تراجم وإحالات عديدة، وأقحمت فيها تراجم لا علاقة للزركلي بها، وهو ما لم يكن مأمولاً من دار مثلها تتمتع بسمعة عريضة في الأوساط العلمية، مثال ذلك ترجمة الأديب العالم الحقوقي الأستاذ ظافر القاسمي الذي توفي بعد الزركلي سنة 1404هـ=1984م، وهو مما لا يجوز فعله بأيّ حال، ولذلك كلّه فالكتاب بأمسّ الحاجة إلى إعادة إخراجه على يد من يحسن هذا الفن، ويتمسك بأصوله، وشروط العمل به / ثم صدرت أربعة ذيول لكتاب الأعلام في الآونة الأخيرة، وهي:
أ – (تتمة الأعلام) للأستاذ محمد خير رمضان يوسف، ونشرته دار ابن حزم ببيروت.
ب – (ذيل الأعلام) للأستاذ أحمد العلاونة، ونشرته دار المنارة بجدة.(/39)
ج – (إتمام الأعلام) لصديقي الدكتور نزار أباظه، والأستاذ محمد رياض المالح، رحمه الله، ونشرته دار صادر ببيروت، وهو أكثر الذيول الثلاثة التزاماً بمنهج العلامة الزركلي في كتابه.
ويقوم الدكتور نزار أباظة الآن بإعداد الطبعة الثانية من (إتمام الأعلام) منفرداً، وقد أضاف إليها عدداً كبيراً من التراجم للأعلام الراحلين إلى نهاية القرن العشرين، وسيصدر في مستهلّ عام 2001م إن شاء الله.
د – (فوات الأعلام مع الاستدراكات والإسهام في إتمام الأعلام) للأديب السعودي الكبير الأستاذ عبد العزيز الرفاعي، رحمه الله، ونشرته دار الرفاعي بالرياض وسوف أقوم بإتمام ما بدأ به الأستاذ الرفاعي بعون الله تعالى.
وكنت أول مَنْ دعا إلى تصنيف (ذيل) لكتاب (الأعلام) أو (مستدرك) عليه من خلال مقالتي عن الزركلي وكتابه (الأعلام) المنشورة في مجلة الثقافة الأسبوعية الدمشقية سنة 1398هـ = 1978م ثم في كتابي (الكشكول الصغير) الصادر عن مؤسسة الرسالة في بيروت سنة 1401هـ =1981م ثم عن مكتبة دار العروبة للنشر والتوزيع بالكويت، ودار ابن العماد ببيروت سنة 1413هـ = 1992م)).
وفي الحاشية المتقدمة مواضع كثيرة تستأهل النظر والتنبيه، غير أن المقام لا يسمح بذلك، وهي على الجملة لا تخرج عن نظائرها فيما تقدم من ملاحظ.
5 - ملحوظات على المنهج:(/40)
تقدم في صدر المقال ما ذكره المؤلّف في مقدمته مما يتصل ببيان منهجه في الكتاب الذي وقفه على تراجم أعلام التراث وشيوخ العلم من المحققين والناشرين والمستشرقين، لأنهم كانوا وراء معظم ما نشر من التراث، أو لأنهم سعوا في تحقيقه ونشره، أو خرّجوا من قام بخدمته، ممن رحلوا وخلفوا أعمالاً جليلة، وأنه اقتصر على ثمانين منهم، ينتمون إلى أكثر من عشرين بلداً، وأنه رغب عن الترجمة للأحياء لما فيها من حرج للمترجِم والمترجَم له، وأنه التزم الإنصاف والموضوعية، وأنه تغيا من كتابه أن يكون أنموذجاً بين أيدي الدارسين عن فهمه للتراجم والتاريخ، وما رآه فيهما من المعاني لدى المنصفين من المسلمين[25]. ويمكن إيجاز الملحوظات المنهجية فيما يأتي:
أ – اشتمال الكتاب على تراجم لغير أعلام التراث:
ما تقدم على إيجازه يدل على أن الكتاب وقفه مؤلّفه على أعلام التراث وشيوخ العلم من ثلاثة أصناف: المحققين والناشرين والمستشرقين، وما يأتي بعد ذلك من كلامه هو زيادة بيان وتفسير وقيود. وهذا يعني أن الأعلام على اختلاف أقدارهم واختصاصاتهم ونفعهم وأثرهم - إن لم يكونوا من أعلام التراث: محققين أو ناشرين أو مستشرقين - لا موضع لهم في تراجم الكتاب. والحق أن جلّ من أورده المترجِم من الأعلام كان من هذه الأصناف الثلاثة، وهذا حسن، غير أن الناظر في الكتاب يرى بجلاء أن بعض المترجم لهم لا صلة لهم بالتراث، وإن وجدت صلة بينهم وبين التراث فهي جِدُّ واهية، لا ترقى بهم إلى أن يُعدّوا من أعلام التراث، وهم في أحسن الأحوال من الأعلام غير النابهين. آية ذلك انعدام آثارهم التراثية، أو قلّتها، وعدم اشتهارهم، بل عدم معرفة جمهور العاملين في التراث بهم، وسأقتصر على أمثلة من ذلك، مستغنياً بإثبات رقم الصفحة والترجمة عن التصريح بالاسم لدواعٍ شتى، لا تخفى على القارئ، ومدللاً على صحة ذلك بما ورد في الترجمة. قال:(/41)
- (ص 104 ترجمة 31) نص المؤلّف فيها على أن المترجم: ((لم يخلف من الآثار العلمية ما ينسجم ومكانته المرموقة وتحصيله العالي، فقد انصرفت جهوده في معظمها نحو التعليم والدعوة إلى دين الله عز وجل. فمن آثاره: (ثبته) المخطوط المحفوظ في دار الكتب الظاهرية بدمشق تحت رقم (11223) عام. ويقع في (38) ورقة، وكتاب في (الإصلاح) وهو مخطوط أيضاً، وبعض الرسائل الصغيرة)). وما تقدم يظهر بوضوح أنه ليس من أعلام التراث بأصنافهم الثلاثة، وما خلفه على قلته لا صلة له بالتراث المحقق، ولا يرقى به حتى يسلك في أعلام التراث. على أن ما سبق لا يقلل من شأن المترجَم له، ولا من كبير منزلته، ووفرة إجازاته، وحميد أخلاقه، وكثرة من يقبّل يده في الطريق.
- (ص125، ترجمة 39) نص المؤلّف على أن صاحبها: ((لم يعمل في التأليف والتحقيق بنفسه لكنه كان السبب في تأليف وتحقيق العشرات من الكتب النافعة)). وهذا كلام عام يجب توثيقه على الأقل بإيراد أسماء أشهر تلك الكتب التي وصفها بأنها نافعة، لينسجم مع كبير حرصه على وصف مؤلفات المترجم لهم بأنها تراثية أو ذوات صبغة تراثية. وكذلك لتسويغ إيراده في تراجم الكتاب، وهو لم يخطّ سطراً في تأليف أو تحقيق. وطبيعي ألا يقلل هذا من شأن المترجَم له ورفيع منزلته، وكريم خصاله، وكثرة إنفاقه، وضخامة مكتبته، وغير ذلك.(/42)
- (ص 164، ترجمة 53): نص المؤلف فيها على أن المترجم له: ((خلف العديد من البحوث والمقالات إضافة إلى كتابه " فلسفة الاستشراق في الأدب العربي المعاصر "..)). وظاهر مما سبق أن المترجَم له لم يخلف إلا أطروحة الدكتوراه في الاستشراق، وما عبر عنه – بلا توثيق من إحالة على مجلة أو غيرها – بـ (العديد من البحوث والمقالات). وجميع ذلك لا صلة له بالتراث، لأن المترجَم له، وإن درس فلسفة الاستشراق، فإنه لم يحقق أو يفهرس شيئاً من التراث. ولا يغير من ذلك ما عقب به الكاتب من قناعة ذاتية، ترفع من شأن أطروحة الدكتوراه. لذا لا يصحّ بحال من الأحوال أن يدرج أمثاله في تراجم أعلام التراث، على أن في ترجمته ما هو أعظم خطراً من هذا الخطأ المنهجي، وهو وصف المؤلّف له بأنه (من نوادر الدهر في العصر الحديث علماً وفضلاً وألمعية) !؟ وهو دون ذلك بكثير، ولا يخفى على أيّ قارئ تفسير إقحام الكاتب للمترجَم له في الكتاب، وغلوه في وصفه، فليس وراء ذلك إلا الهوى والعصبية، وفي هذا ما يجافي الإنصاف والموضوعية وما يخرج عن المنهج المرسوم.
- (ص 212، ترجمة 72) نص المؤلّف فيها على أن المترجم له: ((كان مقلاً من التأليف فلم يؤلف سوى ثلاثة مؤلفات ذوات صبغة تراثية / هي: " منسك مختصر للحج " و " منسك مطول للحج " و " ورد مختصر من كلام الله تعالى وكلام سيد البشر "..)) وظاهر أن الثلاثة على قصرها ليست تراثية كما وصفها المؤلّف، إذ لا يعقل أن ينظم في سلك أعلام التراث كلُّ من صنف رسائل صغيرة في الفقه أو غيره من علوم الشريعة أو غيرها، ولو صح هذا لخرج مبلغهم عن الحصر، ولكان موضع ترجمتهم كتب الأعلام أو المؤلفين. وجميع ما سبق لا ينتقص من قدر المترجَم له، ولا من شهرته في بلده، ولا من كريم أخلاقه، ولا من حرصه على تصحيح الكتب. فالمترجَم له بشهادة أقرب الناس إليه - ممن أعلم - لم يخطّ سطراً في التراث تحقيقاً أو نشراً.(/43)
- (ص 136، ترجمة 43): لم ينص الكاتب في هذه الترجمة على أن لصاحبها مؤلفات أو مقالات، بل اقتصر في أثناء تفصيل حياته ودراسته وتنقلاته على خبر حصوله على الدكتوراه بموضوع (أقدم الوثائق الوقفية باللغة العربية في مقدونيا) وأنه أسس فرع الاستشراق في جامعة برشتينا، واختار من يساعده من الشباب في التدريس. وعلّق عليه بحاشية مطوّلة ترجم فيها لأحدهم، وهو كما تقدم صديقه وابن عمته، وأنه ترجم مختارات من الأدب العربي إلى القراء الألبان واليوغسلاف، وأن له دراسات متخصصة مثل (الوجه الآخر للاتحاد والترقي) و(الحاج جلبي) و(المعجم العربي الصربوكرواتي). وجميع ما سبق لا يسوغ للمؤلّف إدراج صاحب الترجمة في أعلام التراث، فهو على كونه مستشرقاً ليس له مما يتصل بالتراث إلا موضوع أطروحة الدكتوراه، ولا يغير شيئاً من ذلك وصفُ المؤلّف له بأنه (من كبار المستشرقين بالبلقان في العصر الحديث) ! ولا من إسهابه في ترجمة حياته ودراسته ومن ساعده ممن يلوذ بالكاتب. ولو صحّ أنه من كبار المستشرقين في العصر الحديث لتعددت مصادر ترجمته، وهي تقتصر على مجلة أردنية، وعلى مقدمة كتابه (الوجه الآخر للاتحاد والترقي). أخشى أن يكون لإقحام ترجمته في أعلام التراث حظّ من الهوى والعصبية كما وجدنا نحو ذلك في غيره.
ب – الخروج عن الموضوعية والإنصاف في بعض التراجم:(/44)
حرص الكاتب في غير ما موضع من المقدمة على تأكيد التزامه الإنصاف والموضوعية، وقد نجح في هذا على الجملة، بيد أنه خرج عن ذلك أحياناً، تجلى ذلك في صور متعددة، مضى شيء منها في مواضع مختلفة من البحث، وقد راوح ما بين إفراطه في الإعجاب لداعٍ ما، حمله على الغلو في سرد تفاصيل، ليست بذات شأن كبير ولا صغير، والتماس الأعذار لما قد يتجه على المترجَم له، وإقحام الآراء الشخصية والقناعات الخاصة، للرفع من شأنه، وما بين تفريطه في حق المترجَم له، بالتركيز على ما يؤخذ عليه، وعرضه بلسان خصومه، مما يغيب معه أيُّ أثر للموضوعية والإنصاف.
وأظهر ما بدا ذلك في ترجمة الشيخ المحدّث محمد ناصر الدين الألباني (ص230 – 233)، فقد ترجم له المؤلف في نحو أربع صفحات، وهي أطول تراجم الكتاب، غير أنها اشتملت على مواضع تدل في مجموعها على أن ترجمته كانت أدنى إلى تشويه صورته بدل إنصافه، فقد نثر في مواضع من الترجمة قدراً من المآخذ وردت بصور عدة من نحو: ((وحبب إليه الجدل والنقاش.. وهو الذي أحب الجدل والنقاش يافعاً.. وأخذ يطالب والده بالدليل لآراء المذهب الحنفي، فكان والده يسخر منه ويقول له: (الحديث مهنة المفاليس) وتطور ذلك إلى شيء من الخلاف بينهما لفترة طويلة.. واعترض عليه كثيرون من أهل العلم في الشام وسواها أول الأمر، وناصره / قلة من المتعلمين وطلبة العلم.. وكان شديداً على خصومه إلى حد بعيد، ينقدهم بلا هوادة، ولا سيما في مقدمات كتبه)) ولم يكتف بذلك بل أفرد له فقرة مطولة وقفها على بعض ما يؤخذ عليه – خلافاً لمنهجه في جميع تراجم الكتاب، من حيث قصر الإشارة إلى المآخذ، وتجشم عناء الاعتذار للمترجَم له – حتى جاءت تلك الفقرة أشبه بلائحة اتهام. ولفظه فيها :(/45)
((ومما يؤخذ عليه: عدم التزامه بمذهب من المذاهب المعتبرة، وإقحام نفسه في أمور الفقه، ولم يكن فقيهاً لدرجة تجعله مرجعاً في الفقه، ولم يملك أدوات الفقه باعتراف أحبابه قبل خصومه، مما أوقعه بأخطاء ومخالفات كثيرة، لا تليق بمن كان في منزلته، وإطلاق لسانه بأئمة العلم من فقهاء الأمة كإمام الفقهاء أبي حنيفة النعمان، وتشدده في مناظرة خصومه، وعدم احترامه لهم، ودفعه بالشباب ممن أخذوا به إلى الاعتراض على من هم أعلى منهم شأناً في العلم من غير كفاية. ولولا هذه الأمور التي أخذت عليه لكان له شأن آخر، ولاحترمه خصومه قبل أحبابه، والكمال لله وحده)).(/46)
إن قراءة مدققة لما سبق من كلام المؤلّف في صاحب الترجمة يدل على مخالفته المنهج الذي رسمه في المقدمة من التزام الإنصاف والموضوعية، وعلى تنكبه لهما، وإلحاحه على إبراز المآخذ وتكرارها وعرضها بما يحمل القارئ على السخرية، مستظهراً بسخرية والد المترجَم له، ومقالته العاميّة له (الحديث مهنة المفاليس) ونصه على خلافه مع والده مدة طويلة، واعتراض كثير من أهل العلم عليه، وكثرة ذامّيه، وشدته على خصومه، ثم إفراده فقرة مطوّلة، وقفها على بعض ما يؤخذ عليه (ومما يؤخذ عليه) ثم عدوله عن لغة المترجِم المنصِف الموجِز في المآخذ إلى لغة الخصم الذي يتكثر منها، ويدلل عليها، ويبالغ فيها، ويختار لها الألفاظ المناسبة، ويسوقها على أنها حقائق مسلّم بها، لا تستأهل النظر فيها ومناقشتها، بله الاعتراض عليها، والدفاع عنه، أو الاعتذار له، وهل يعقل أن يؤخذ على مثله عدم التزامه مذهباً من المذاهب المعتبرة، وقد أنفق نحو سبعين سنة من حياته في خدمة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ومصادر السنة النبوية، فأخرج ما يزيد على مئة كتاب، وانتهت إليه الأستاذية والمشيخة في اختصاصه بشهادة المنصفين من أهل العلم في العالم الإسلامي، وقد سمعت ذلك غير مرة وفي غير ما مناسبة من الشيخين الفاضلين المحدثين المحققين: شعيب الأرناؤوط و عبد القادر الأناؤوط، اللذين يدين لهما المؤلّف بتكوينه العلمي، ولا يرقى أحد إلى درجة ثقته بهما، ولا حصر لعدد مرات دوران اسميهما في الكتاب، وإن كان هذا لا يعني موافقتهما له في كلّ ما اجتهد به مما جانب فيه الصواب. فالتزام أحد المذاهب الأربعة ليس مأخذاً في حق أمثال المترجَم له ممن بلغوا درجته من العلم، ووقفوا على الأدلة، ودرسوا الأسانيد، وعرفوا أحوال رجالها جرحاً وتعديلاً، وإن كان ذلك مأخذاً في حق غيره ممن هم دونه، وممن لا يملكون أدوات النظر في الأدلة. يؤكد ذلك ويدلّ عليه ما قاله الشيخ المحقّق المحدّث شعيب(/47)
الأرناؤوط في ختام مقدمة تحقيق أول كتاب له (سنة 1390هـ/1970م): ((.. وقبل أن أختم كلمتي لا بدّ لي من إزجاء الشكر الجزيل للأستاذ المحقق الشيخ ناصر الدين الألباني الذي كان له الفضل في استخراج هذا الكنز النفيس من كنوز أجدادنا العظماء والإشارة بطبعه))[26].
وللقارئ أن يقيس بقية المآخذ على ما سلف، ليقف على أمثال ذلك، إذ كان في وسع المؤلّف الاقتصار على بيان حال المترجَم له في الفقه بأنها دون منزلته في الحديث، ولكنه عبر عنها مسهباً بلغة الخصم مختاراً لها ما يناسب غرضه من العبارات، من أنه أقحم نفسه في أمور الفقه، وأنه ليس مرجعاً فيه، وأنه لا يمتلك أدواته بشهادة أحبابه قبل خصومه ؟! وأنه وقع لذلك في أخطاء ومخالفات كثيرة لا تليق به. ولا عجب، فثمة مآخذ أخرى مسوقة بلغة أكثر دلالة على ذلك، من مثل استعماله تعبير إطلاق لسان المترجَم له بالأئمة، وضربه مثلاً لذلك بإمام الفقهاء أبي حنيفة.
فإذا أضفت إلى ما تقدم مآخذ أخرى من التشدد في مناظرة خصومه، وعدم احترام لهم، ثم ختمه بما هو أدهى وأعظم، وهو تحميل المؤلّف للمترجَم له مسؤولية دفع الشباب المفتونين به إلى الاعتراض على مَنْ فوقهم دون كفاية. وليس في هذا أدنى قدر من الإنصاف والموضوعية، إذ لا تخلو مدرسة فكرية أو جماعة دينية سلفية كانت أم صوفية من نماذج شاذة، تغلو في قناعاتها أو سلوكياتها، فيصدر عنها ما لا يرضى من قول أو عمل، لذا كان من غير الإنصاف تحميل المترجَم له مسؤولية مَنْ شذّ من الآخذين بمنهجه.
وددت بحق أن يسلك المؤلّف منهج الحافظ الذهبي الذي عدّه في المقدمة واحداً من أربعة أثّروا فيه، حين ترجم للحجاج – وهو من هو ظلماً وجوراً – فقال: ((وله حسنات مغمورة في بحر ذنوبه، وأمره إلى الله، وله توحيد في الجملة))[27].
ج – الاختلاف في منهج إيراد تفصيلات الترجمة للأعلام:(/48)
يرى القارئ بجلاء أن الكاتب التزم منهجاً عاماً في الترجمة للأعلام، يتصدّر كلاً منها العنوانُ، وفوقه رقم الترجمة، وتحته اسم المترجَم له موثِّقاً مصادرَ ترجمته في الحاشية، وتحته اسم بلده. ثم تبدأ الترجمة باسم المترجَم له ونسبته وأبرز صفاته. ويتبع ذلك في فقرة ثانية ولادته وتنقلاته ودراسته أو شهاداته أو إجازاته، ويليها ما عرف به، ثم تعقبها آثاره ومؤلفاته، ويختمها بتأريخ وفاته وأثرها في الآخرين والدعاء له. وهذا مما يحمد للكاتب، وقد وددت أن يكون هناك منهج يجري وفقه إيرادُ تفصيلات تراجم الكتاب، فتكون على نسق واحد، من حيث الإيجاز والإسهاب، والطول والقصر، في إيراد المعلومات التفصيلية لحياة المترجَم له ونشأته ودراسته وتنقلاته وشهاداته وأخباره وشيوخه وتلامذته ومَنْ أثنى عليه، وغير ذلك. وأمثلة ذلك كثيرة في الكتاب:
- من ذلك أنه يسرف أحياناً في معلومات جزئية تتصل بحياة بعض المترجم لهم ودراستهم وتنقلاتهم وشهاداتهم ودرجاتها، وغالباً ما يكون ذلك في التراجم المغمورة[28] تعويضاً عن نقص مادة ترجمتهم، لتخرج في نحو صفحتين، على حين تجيء غاية في الإيجاز في تراجم أخرى، كالتراجم المشهورة.
- ومن ذلك أنه يسهب أحياناً في ترجمة العلم، فيسرد أسماء أشهر تلاميذه موزعين على بلدانهم (28)، ولا يذكر في المقابل أحداً ممن تخرج على غيره حتى ولو كان بينهم أعلام بلغوا الغاية في الشهرة[29].
- ومن ذلك تفاوت منهجه في الحديث عمن أثنى على المترجَم له، فقد لا يذكر شيئاً من ذلك، على شهرته، ورفيع منزلته، وكثرة مادحيه[30]، وقد يوجز فيذكر واحداً ممن أثنى على عليه[31]، وقد يسهب فيسرد أسماء كثيرة، معظمهم من ذوي المناصب والجاه[32].(/49)
- ومن ذلك ما نراه من تفاوت أحياناً في حجم فقرات التراجم، فقد تطول الفقرة حتى تستغرق الترجمةَ كاملة أو معظمها: حياة المترجَم له ودراسته ومؤلفاته ووفاته وأثرها في الآخرين، فتملأ صفحتين أو أكثر[33]، وبالمقابل نجد تراجم تقصر فيها الفقرات حتى تغدو سطراً أو دونه، فتتعدد هذه الفقرات، وتتقطع أوصال الترجمة، ممّا ينتج عنه زيادة عدد الأسطر أو الفقرات[34].
- ومن ذلك عدم نسبته بعض المترجم لهم إلى بلدانهم أو مدنهم كما هي عادته، فقد درج على نسبة المترجمين السوريين إلى مدنهم التي ولدوا فيها، وعلى نسبة غيرهم إلى بلدانهم[35]، إلا ثلاثة أعلام، لم ينصّ على نسبتهم عقب إيراده أسماءهم[36].
- ومن ذلك ما يراه القارئ أحياناً من التكرار في توثيق بعض كتب المؤلّف وغيرها، فقد تكرر ثلاث مرات توثيق كتابيه الصغيرين: (الكشكول الصغير)[37]، و(عناقيد ثقافية)[38] وتكرر مرتين كتابه الثالث (زهرات الياسمين)[39]. كما تكرر تنبيهه في الحاشية على منهجه في ترتيب المترجمين[40].
أخطاء أخرى دون ما تقدّم :
ثمّة أخطاء مختلفة، جلها مرده إلى الطباعة، وهي يسيرة الشأن، وقفت عليها في قراءة الكتاب، فرأيت مفيداً وضعها في آخر البحث، وهي:
- ص123: ((.. فاختيير للعمل..)) والصواب: فاختير .
- ص124: ((.. وقد صف فيه حياته)) والصواب: وصف.
- ص136: ((..الألباني الأصل المقدوني الكوسوفاري اليوغسلافي)) والصواب: الكوسوفي.
- ص184: ((..وربطته في أثناء ذلك صداقة حميمة أستاذنا العلامة..)) والصواب: بأستاذنا.
- ص184: ((.. رحمه اللهِ)) الصواب: رحمه اللهُ.
- ص205: ((.. يحاكي فيما كتبه كبار القدماء من الأدباء والأئمة،وتواضع وعفة وحرص على الإتقان)). وظاهر أن عجز العبارة منقطع عن صدرها، والمعنى يقوم بتغيير يسير، نحو: مع تواضع.
- ص249: ((أحمد إسماعيلوفيتش البوسنة 161)) والصواب: (164).
- ص251: ((محمد صالح الفرفور سورية 164)) والصواب: (161).(/50)
- ص252: ((محمد نصيف السعودية 128)) والصواب: (125).
- ص94 قال في ترجمة كارل بروكلمان: ((وصنع فهرسان للمخطوطات العربية بمدينتي برسلا وهامبورك)). والصواب: وصنع فهرسين..وأحسب أن مردّ هذا الخطأ يعود إلى نقل العبارة من (الأعلام) للمرحوم الزركلي دون مراعاة ما يقتضيه السياق الذي وضعت فيه، وعبارة الأصل ثمّة ((ولبروكلمان تاريخ الشعوب الإسلامية... وفهرسان لخزانتي برسلا وهامبورغ، يعرّفان بمخطوطاتهما العربية))[41].
- ص69: ((.. وهو ما لم يكن يُأمل من مثله من كبار الدارسين)). والخطأ هنا في الرسم، والصواب: يُؤَمّل.
رابعاً: المقترحات:
ثمّة جملة من المقترحات أضعها بين يدي المؤلّف الكريم إضافة إلى جميع ما تقدّم من ملحوظات ومآخذ وردت في المقدمة والتراجم والحواشي، أحسبها تفيد الكتاب في الطبعات القادمة، وتجعله أدنى إلى الإتقان والتجويد، يمكن إيجازها فيما يأتي:
1 – عدم الاقتصار على تأريخ المولد والوفاة بالسنة، بل تقييده باليوم أو الليلة والشهر والسنة ما أمكن ذلك، وهذا إن بدا صعباً في تحديد المولد لبعده، فهو يسير في الوفاة لقرب العهد بها غالباً.
2 – إغناء الكتاب بإضافة صورة صغيرة لكلّ مترجَم له في زاوية رأس الصفحة، وبإضافة صورة لخطّه إن أمكن أيضاً.
3 – حذف اسم البلد المثبت تحت اسم المترجَم له، إذ لا فائدة منه، فهو منسوب إلى بلده عقب إيراد اسمه، وغالباً ما يتكرر ذلك في الفقرة التالية لدى تأريخ ولادته وتفصيل حياته ودراسته[42]، وأقترح أن يثبت في موضعه تاريخ الولادة والوفاة بالهجري والميلادي كما صنع المرحوم الزركلي في (الأعلام). وهذا يناسب منهج المؤلّف في ترتيب الأعلام على الأقدم وفاة، مما يسهّل على الباحث والمطالع الظفر سريعاً بطلبته بدل أن يقرأ الترجمة ويستخرج وفاته منها.(/51)
4 – إعادة النظر في قائمة الإهداء التي ضمّت أربعة وثلاثين اسماً (أعلام التراث الأحياء) لحذف اسم مَن لبّى نداء ربه، وأصبح في عداد الراحلين، وكذلك لحذف مَن ليس من أعلام التراث بأصنافهم الثلاثة: (المحققين والناشرين والمستشرقين) على حدّ ما رسمه المؤلّف في منهجه، وإن كان مشهوراً في اختصاصه، رفيعاً في منصبه، جليلاً في قدره.
ولا يفوتني في الختام أن أهنّئ المؤلّف الكريم على إنجازه هذا الكتاب، وأرجو أن أرى طبعة الكتاب الثانية وغيرها من أعماله النافعة خلواً من الملاحظ المتقدمة وأمثالها. وهي على كثرتها لا تقلل من شأن الكتاب، ولا من قدر مؤلّفه، بل ترقى بالكتاب، إن أخذ بها، إلى أن يدنو من الكمال، ولولا واجب النهوض بأمانة العلم، وكبير ثقتي بالكاتب، وعلمي أنه يرحب بالنقد، ولا يرى بأساً به، بل يراه ضرورياً لتطوير نفسه وإتقان عمله = لما جشّمت نفسي عناء هذا البحث، آية ذلك تواضعه ورجاؤه وحضّه لأهل العلم في المقدمة أن ينهضوا بمسؤولياتهم في قوله ((.. وإن غفلت وأخطأت فأنا معترف بوهمي وضعفي وتقصيري وقّلة تحصيلي، والمأمول من أهل هذا الفن أن لا يبخلوا علي بملاحظاتهم وتوجيهاتهم السديدة للأخذ بها في طبعات الكتاب القادمة، فقديماً قال كاتب العراق في عصره إبراهيم الصولي: المتصفّح للكتاب أبصر بمواقع الخلل فيه من منشئه))[43].
المراجع
1 – الأعلام، خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، ط. العاشرة، 1992 م.
2 – أعلام التراث في العصر الحديث، تأليف محمود الأرناؤوط، مكتبة دار العروبة بالكويت ودار
ابن العماد في بيروت، ط. الأولى، 1422هـ / 2001 م.
3 – تهذيب الكمال في أسماء الرجال، الحافظ المزّي، تحقيق د. بشار عواد معروف، مؤسسة
الرسالة، بيروت، ط. السادسة، 1415هـ / 1994 م.
4 – الثقافة الألبانية في الأبجدية العربية، د. محمد موفاكو، سلسلة عالم المعرفة، العدد 67، آب /
أغسطس 1983 م.(/52)
5 – حياة الألباني وآثاره وثناء العلماء عليه، تصنيف محمد بن إبراهيم الشيباني، جزءان، الدار
السلفية، ط. الأولى، 1407هـ / 1987 م.
6 – سير أعلام النبلاء، الحافظ الذهبي، تحقيق فئة من الأساتذة، إشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط،
مؤسسة الرسالة، بيروت، ط. الثالثة، 1405هـ / 1985 م.
7 – مجلة عالم الكتب، المجلد (22)، العددان (5 و 6)، 1422هـ / 2001 م.
8 – محدّث العصر محمد ناصر الدين الألباني، بقلم سمير بن محمد الزهيري، دار المغني للنشر
والتوزيع، الرياض، ط. الأولى، 1420هـ.
9 – محمد ناصر الدين الألباني محدّث العصر وناصر السنة، تأليف إبراهيم محمد العلي، دار القلم،
سلسلة (علماء ومفكرون معاصرون)، دمشق، ط. الأولى، 1422هـ / 2001 م.
10 – مدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي، د. محمود الطناحي، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط.
الأولى، 1405هـ / 1984 م.
11 – مسند أبي بكر الصديق، تصنيف أحمد بن علي المروزي، تحقيق الشيخ شعيب الأرناؤوط،ط.
الثالثة، المكتب الإسلامي، بيروت، 1399هـ.
12 – مقالات محمود محمد الطناحي، دار البشائر الإسلامية، ط. الأولى، بيروت، 1422هـ /
2002 م.
ـــــــــــــــــــــــــــ
[1] أعلام التراث: ص 15
[2] أعلام التراث:ص16.
[3] أعلام التراث: ص17.
[4] أعلام التراث: ص18 و 19.
[5] أعلام التراث: ص18 و 19.
[6] أعلام التراث: ص19.
[7] أعلام التراث: ص20.
[8] أعلام التراث: ص20.
[9] مقالات الطناحي: 2/592 نقلاً عن المرحوم العلامة محمود شاكر.
[10] تهذيب الكمال في أسماء الرجال: 1 / 156.
[11] أعلام التراث: ص17.
[12] انظر مثلاً نهايات التراجم في الصفحة الثالثة لكل من التراجم الآتية: ص 25، 45، 48، 65، 70، 73، 76، 84، 87، 100، 106، 119، 127، 132، 144، 152 157، 163، 171، 174، 180، 190، 208، 211، 214.
[13] انظر نهايات التراجم في الصفحات الآتية: ص 135، 141، 185، 217، 236.(/53)
[14] ولعلها الترجمة الوحيدة، انظر أعلام التراث: ص 232.
[15] أعلام التراث: ص 14 – 15.
[16] مدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي: ص 77.
[17] مجلة عالم الكتب، المجلد 22، العددان (5، 6) ص 525، 1422ه/2001م.
[18] أعلام التراث: ص 40، 82، 98، 142، 158، 175.
[19] أعلام التراث: ص 136، 164، 202، 212، 218، 223.
[20] أعلام التراث، التراجم : (51) ص 158، (60) ص 183، و (70) ص 206، و (73) ص 215.
[21] أعلام التراث: ص 158، 183، 185.
[22] أعلام التراث، حواشي الصفحات: 24، 27، 30، 36، 41، 42، 50، 61، 89، 96، 97، 102، 103، 108، 110، 118-119، 131-132، 137، 138، 140-141، 144، 156.
[23] مؤلّف كتاب (الثقافة الألبانية في الأبجدية العربية) سلسلة عالم المعرفة، العدد 68، آب / أغسطس 1983.
[24] انظر مقدمة المؤلف: ص 15 - 20.
[25] انظر مسند أبي بكر الصديق: ص 9.
[26] سير أعلام النبلاء: 4 / 343.
[27] أعلام التراث، التراجم: (53) ص 164، و (43) ص 136، و (72) ص 212.
[28] أعلام التراث، الترجمة (73) 215.
[29] أعلام التراث، الترجمة (52) ص161. وقد تخرّج عليه كثيرون يقدمهم: الشيخ المحدّث شعيب الأرناؤوط، والشيخ المحدّث عبد القادر الأرناؤوط، والشيخ عبد الرزاق الحلبي،والشيخ أديب الكلاس، وأنجال الشيخ المترجَم رحمه الله: منهم الشيخ الدكتور عبد اللطيف فرفور، والشيخ الدكتور حسام الدين الفرفور، وغيرهم.
[30] أعلام التراث: الترجمة (78) ص 228.
[31] أعلام التراث: الترجمة (59) ص 182.
[32] أعلام التراث: الترجمة (80) ص 236.
[33] أعلام التراث: الترجمتان (1) ص 23 – 25، و (80) ص 234 _ 236.
[34] أعلام التراث، الترجمتان (45) ص 142 _ 143، و (72) 212 _ 213.
[35] ما عدا اثنين من المترجمين، نسبهم إلى مدنهم، انظر الترجمتين (47) ص 147، و (39) ص 125.
[36] أعلام التراث، التراجم: (23) ص82، و(60) ص 183، و(75) ص 220.
[37] أعلام التراث: ص 14، و141، 241.(/54)
[38] أعلام التراث: ص 14، و 89، و241.
[39] أعلام التراث: ص 14، و240.
[40] أعلام التراث: المقدمة ص 15، والفهرس ص 245.
[41] كتاب الأعلام للزركلي 5 / 212.
[42] أعلام التراث: الترجمة (7) ص 200. ومثلها كثير من التراجم.
[43] أعلام التراث: ص 20.(/55)
العنوان: نظرة في (نثر الجواهر والدرر في علماء القرن الرابع عشر)
رقم المقالة: 263
صاحب المقالة: أحمد العلاونة
-----------------------------------------
نثر الجواهر والدرر في علماء القرن الرابع عشر
وبذيله عقد الجوهر في علماء الربع الأول من القرن الخامس عشر
إعداد الدكتور يوسف المرعشلي
يضم هذا الكتاب - كما يقول مؤلفه الدكتور يوسف المرعشلي - علماء القرن الرابع عشر الهجري الذين كانت وَفَياتهم بين سنتي 1301 - 1400هـ، وقد رتَّبهم بحسب الترتيب الألف بائي، ثم ذيَّله بعلماء الربع الأول من القرن الخامس عشر الهجري من الأموات والأحياء.
وكان صدوره عن دار المعرفة - ببيروت 1427هـ = 2006م، في مجلدين، بلغ عدد صفحاتهما 2199 صفحة.
وحين تناهى إليَّ صدور هذا الكتاب استبشرت خيراً، وظننت أنه سيفيدني فيما أنا بصدده من بحوث وكتابات، ولكن سرعان ما تبدَّد استبشاري بعد اطلاعي عليه؛ لأمور أكتفي بذكر أهمها:
أوَّلاً- إن معظم الكتاب (مسلوخ) من كتاب (الأعلام) للعلامة خير الدين الزِّرِكْلي رحمه الله، الذي هاجمه المرعشلي في مقدمة كتابه ص 26 قائلاً:
"... ولكنه يغفل كثيراً من الأعلام، ويذكر أعلاماً لا فائدة من ذكرهم، ولا يُقَرُّ على أحكامه على بعض الأشخاص، ولم يكن حيادياً منصفاً شأن المؤرخ النزيه، وكأنه متأثِّر بأفكار الغرب أو ساعده في كتابته من هم من غير المسلمين أو نقل عنهم من مراجعهم على عهدتهم دونما مراجعة أو تصحيح أو تعليق منه".
حقاً إن كتاب (الأعلام) مأكول مذموم، يأخذ منه بعض الباحثين ما يحتاجون إليه ثم يذمُّونه، ويطعنون بصاحبه.
ولم يكتف المرعشلي بـ(سلخ) التراجم منه فحسب، بل (سلخ) كثيراً من الخطوط المثبَتَة فيه أيضاً.
وإلى القارئ أمثلة من (سطوه) على (الأعلام):
1 - ص1617 ترجمة معروف الرصافي، هذه الترجمة مع مراجعها - عدا بيتين من الشعر - (مسلوخة) من الأعلام.(/1)
وسيدهش القارئ عندما يقرأ في حاشية الترجمة: "من ترجمة له بخطِّه تلقيتها منه سنة 1912"؛ لأن المرعشلي من مواليد سنة 1952، أي أن الترجمة وصلت إليه قبل مولده بأربعين سنة، فما أثبته إنما هو من كلام الزِّرِكْلي رحمه الله الذي هاجمه في المقدمة وأزرى بكتابه!
2 - نموذج الخط ص1685 ترجمة يوسف الخالدي، وهي (مسلوخة) من الأعلام مع مراجعها.
جاء في حاشيته: "...وترجمة له عندي بخطِّه بعث بها إلى الشيخ علي الليثي من فيينا حيث كان معلماً للعربية والتركية، مؤرخة في 11 محرم 1292"، وكتب المرعشلي تحت خطه: "من رسالة بعث بها إلى الشيخ علي الليثي عندي"، وضمير المتكلم يعود - في ظاهره - إلى المرعشلي، ولكنه في الحقيقة يعود إلى الزِّرِكْلي.
وقد تكرَّر قوله: (عندي) كثيراً تحت الخطوط. ولو أن المرعشلي كان يحيل إلى (الأعلام) مباشرة لكان أكرم له، وأبرأ لعرضه، وأصون لكرامته.
وقد أتبع ترجمة الخالدي بترجمتين (مسلوختين) من (الأعلام) أيضاً.
3 - ص1141 ترجمة الشيخ محمد نصيف، وهي (مسلوخة) من الأعلام حرفاً حرفاً وكلمة كلمة.
جاء فيها: "... وسألته عن أصل نسبه فأجاب..."، وضمير المتكلِّم - في ظاهره - يعود إلى المرعشلي، لكنه يعود في حقيقته إلى الزِّرِكْلي؛ لأن الكلام هو كلامه.
وكتب تحت خط الشيخ نصيف: "من رسالة بعث بها للمؤلف بخطِّه عام 1374"، فمن هو المؤلف؟ إنه خير الدين الزِّرِكْلي، وكان عُمرُ المرعشلي حين إرسال الرسالة سنتين.
4 - ص218 ترجمة أحمد الهيبة، وهي (مسلوخة) من (الأعلام).
جاء في حاشيتها : "وقد أطلت في هذه الترجمة لعلاقتها بتاريخ المغرب الحديث ولأنها تكاد تكون مجهولة"، فمن الذي أطال في الترجمة؟ إنه الزِّرِكْلي وليس المرعشلي.
5 - ص435 ترجمة رشاد عبدالمطلب وهي (مسلوخة) من (الأعلام).
كتب المرعشلي تحت خط رشاد: "من ختام رسالة أرسلها المترجَم له للمؤلف"، وسيفهم القارئ أن المؤلف هو المرعشلي، ولكن الصحيح أنه الزِّرِكْلي.(/2)
6 - ص1064 ترجمة محمد الخانجي، أثبتها من (الأعلام).
ومن المضحك أنه جعل مذكرات الزِّرِكْلي مذكرات له.
7 - ومن التراجم التي (أخذها) من الأعلام مع مراجعها (للتمثيل فقط): فريد الرفاعي ص147، أحمد ياسين الخياري 219، إدريس العلوي 220، أبوبكر خوقير 281، سليم اليعقوبي 482، طه الراوي 551، عبدالله العنقري 593، العثماني 609، عبدالفتاح الصعيدي 763، عبدالقادر عودة 786.
ثانياً- إغارته على كتاب (تتمة الأعلام) للأستاذ محمد خير رمضان يوسف، فما (أخذه) منه لا يكاد يحصى، وبعضه يضحك الثكلى، فقد كتب تحت خط أحمد محمد جمال ص1735: "خطه وتوقيعه من خلال رسالة بعث بها إلى المؤلف"، والمؤلف هو المرعشلي كما لا يخفى، ولكن الإهداء كما هو واضح لمحمد خير رمضان.
ثم إن العبارة التي كان يثبتها الأستاذ محمد خير في تتمة الأعلام تحت خط المترجم: "وانظر المستدرك" كان المرعشلي يثبتها أيضاً مع خط المترجم، دون الالتفات إلى مغزاها، فلا يدري القارئ في أي مستدرك ينظر! وأين هو هذا المستدرك! انظر على سبيل المثال ص1837، 1999.
وسأذكر بعض التراجم التي (أخذها) المرعشلي من تتمة الأعلام (من رسم إبراهيم فقط) حرفاً حرفاً وكلمة كلمة، وقليل ما أذكره كثير: ترجمة إبراهيم أحمد بورقعة ص1692، إبراهيم الأبياري 1693، إبراهيم فودة 1701، إبراهيم الرفاعي 1703، إبراهيم الجفالي 1704، إبراهيم عزت 1705، إبراهيم القطان 1707، إبراهيم محمد الشورى 1707، إبراهيم محمد المبيض 1708.
ثالثاً- من اللافت أن المرعشلي لم يثبت خطوطاً سوى ما في الأعلام وتتمة الأعلام، عدا النزر اليسير من الخطوط لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة.(/3)
ومن اللافت أيضاً أن صورة المسجد النبوي المثبتة مع ترجمة الشيخ عبدالعزيز بن صالح ص1932 هي نفسها المثبتة في تتمة الأعلام، على كثرة صوره، وكذلك صورة مدرسة الفلاح في ترجمة إبراهيم الجفالي ص1704، وغلاف مجلة الدعوة (الهندية) في ترجمة محمد سليمان الندوي ص2056، وغلاف مذكرات محمد عزة دروزة ص2098.
رابعاً- لم يترجم المؤلِّف للزِّرِكْلي الذي (أكل) كتابه وذمَّه، ولم يترجم أيضاً لعلي الطنطاوي، ومحمود محمد شاكر، ومحمود الطناحي، ومحمود شيت خطاب، وابن باز، وابن عثيمين، ومحمد بن علي الأكوع، ومحمد ناصر الدين الألباني، مع أن كتابه يغصُّ بالمجاهيل.
خامساً- لم يترجم من الأحياء إلا: أحمد بن عاشور المكِّي ص1723 الذي وصفه بمُسنِد العصر مع أنه من مواليد 1399هـ، ومالك السنوسي ص1732، وحبيب الله المظاهري 1780، وحسين عسيران 1792، والحبيب الشاطري 1824، وشفيق يموت1840، وعبدالله التليدي 1876، وعبدالله المخلافي 1895، وعبد الغني الدقر (توفي فيما بعد)، وعبدالفتاح راوة 1943، وعبدالكريم زيدان 1960، وأبو تراب (توفي فيما بعد)، ومحمد تيسير المخزومي 2033 وكرَّره ص2117، ومحمد علوي المالكي 2037، ومحمود سعيد ممدوح 2145.
وقد سردت أسماء من ترجم من الأحياء ليقفَ القارئ على مدى تقصير المؤلف!
ومن الملاحظ أيضاً أنه يطيل في تراجم شيوخه حتى لو كانوا من المجاهيل.
هذا ما سنح به الخاطر في التعريف بهذا الكتاب الذي لم يأت بجديد، ولم نر أثراً للأمانة العلميَّة التي يجب أن يتحلَّى بها الباحث، فضلاً عن اتباع الهوى في نهج مؤلفه، ووقوعه في كلِّ ما اتهم به صاحب (الأعلام) من إغفاله لكثير من الأعلام، وترجمته أعلاماً ليسوا أعلاماً ولا فائدة من ذكرهم، وتنكُّبه جادَّة الحياد والإنصاف شأن المؤرخ النزيه!!(/4)
العنوان: نعم للاَّدينيّ ولا للدِّيني!!
رقم المقالة: 1118
صاحب المقالة: د. وليد قصّاب
-----------------------------------------
لو شاء الباحثُ لسوَّد الصَّفحاتِ الكثيرةَ في تسويغ الدَّعوة إلى الأدب الإسلامي، وبيانِ ضرورته في هذا العصر خاصَّة، وإذا كان تبنِّي كلِّ فكرٍ يمثِّل هُويَّة الأُمَّة التي ننتمي إليها هو من البَدَهِيَّات التي لا تحتاج إلى مسوِّغٍ أصلاً؛ فإنَّه -من قبيل المجادلة بالتي هي أحسن- نذكرُ أنَّ على رأس هذه المسوِّغاتِ -إن كان لابدَّ من مسوِّغاتٍ لمَنْ لا يقتنع إلا بها- تفشِّي الدَّعوةِ إلى أدبٍ غيرِ إسلاميٍّ؛ بل إلى كلِّ أدبٍ غيرِ دينيٍّ، ولا خُلُقيٍّ، ولا هادِفٍ؛ بل إلى مُعاداة كلِّ أدبٍ من هذا القبيلِ، وإقصائِه، والتَّعْتيمِ عليه، أو الاِنتقاصِ من قَدْرِه والإزْرَاءِ به، وعدِّه لوناً من ألوان القَوْل المتخلِّف الرَّجْعِيِّ!
إنَّ الأدب الذي يدعو إليه اليومَ مَنْ يُسمَّوْن زُوراً و بُهْتاناً "رموزَ الأدب العربي المعاصر!" هو الأدبُ اللادينيّ، أو قُلْ -بتعبير أصرحَ وأوضحَ- أدبُ الإلحاد والزَّندقة والمجون، الأدبُ الذي يعتدي على الدِّين والقِيَم والأخلاق، وهم -في هذه الدعوةِ الدؤوبِ- لا يَرَوْنَ "الإبداعَ" غيرَهُ. الإبداعُ الحقيقيُّ عندهم هو التَّحرُّر من هذا الذي يسمُّونه: "أغلالَ الدِّين والأخلاق والأعراف!".
يَرْصُدُ مَنْ يسمَّى "أحدَ كبارِ النُّقاد المعاصرين" -وهو كمال أبو ديب- ملامحَ الأدب الحقيقيِّ المعتبَر، فإذا هو: أدبُ الخطيئة، أدب المُحَرَّم!! إذ إن ثَمَّةَ تعارضاً -كما يدَّعي- بين القداسة والحداثة.
(ارتبطَتْ في الثقافات البَشَرية شهوةُ الاكتشاف باقْتِراف الخطيئة، بالخروج على السُّلْطة، بالشَّهوة الجنسيَّة!
اقترافُ الخطيئة يمثِّلُ مكوِّناً (بِنْيَوِيّاً) للحَدَاثَة في مراحلَ تاريخيةٍ مختلفةٍ.(/1)
الخطيئةُ رمزُ التَّجَدُّد وانفجار الحياة، والقدرة على قهر الموت، وابْتِعَاث الحيوية..)[1].
وفي هذه الدَّعوة إلى انتهاك المُحَرَّم، واقتناصِ اللذَّة وحدها؛ يقول الكاتب المغربي "المشهور" (محمد بنيس) في تقديمه لكتاب "الاسم العربي الجريح"، للكاتب المغربي (عبد الكريم الخطيبي)، عازفاً على وَتَر (أبي ديب)، أو عازفاً (أبو ديب) على وَتَرِه:
(لقد اهترأ العالَم العربي، بتراكم المفاهيم والقِيَم المتعالية، التي تفصل بين الإنسان وجسمه، الإنسان ومستقبله، تُحرِّم متعتَهُ وشهوتَهُ وتغيُّرَهُ، ومن غير مبالغةٍ نقول: إنَّ التَّحرُّر العربي يفترضُ تحرُّر الجسم هو الآخر، وقد آن لهذه السماءِ المتعاليةِ أن تكُفَّ عن تغييب جسمنا وتشطيره إلى نور وظلام، يمين ويسار، خير وشرّ، ملائكةٍ وشياطينَ!! آنَ لهذا الجسمِ أن يحتفل بشهوته ومتعته.."[2].
و(عبد الكريم الخطيبي) -الذي يُشيد به (محمد بنيس) ويقدِّم لكتابه- هو من هذه الطُّيورِ الواقعةِ على أشكالها! وهو يقول في كتابه السَّابق، موطِنِ الإشادة:
(إنَّ قراءةَ القرآن مهيِّئةٌ للجِماع! إنَّ القرآنَ هو الكلام الشعائري الفاتحُ للشَّهيَّة!! إنَّه وسيلةُ الجِماع.. والله يحدِّد الآدابَ الشَّبَقِيَّةَ، والنبيُّ يُشرِّعها، والكاتبُ يدوِّنها..!!!)[3].
أرأيتَ اجتراءً على الله ورسوله، وعلى الدِّين والأخلاق والفضيلة، أكثرَ من هذا الاجتراءِ، في كلام متهافت سخيف؟!!
إنَّ هذا هو الأدبُ الذي تدعو إليه طائفةٌ غيرُ قليلة من المشهورِين والكبراء، وإنَّ الاستهتار الدِّينيَّ، والعبثَ بالمقدَّساتِ، والتفحُّشَ بالألفاظ والعباراتِ؛ هو من الملامح الكبرى التي لا تُخطِئها عَيْنٌ لهذا المسمَّى "أدباً حَدَاثِيّاً".(/2)
يقول أحد الكبراء مُشيداً بأبي نُوَاس؛ لأنَّه في زَعْمِهِ: (شاعرُ الخطيئة؛ لأنَّه شاعر الحريَّة! فحيث تَنغَلِق أبوابُ الحرية؛ تصبحُ الخطيئةُ مقدَّسةً؛ بل إنَّ النُّواسيَّ يأنفُ أن يَقْنَعَ إلا بالحرام ولذِيذِهِ!! فالخطيئةُ -بالنسبة إليه، في إطار الحياة التي يَحْياها- ضرورةٌ كِيَانِيَّةٌ؛ لأنَّها رمز الحريَّة، رمزُ التَّمرُّد والخلاص)[4].
ومِن رَكْبِ الكُبَراء هؤلاءِ (جلال صادق العَظْم)، الذي لا يكتفي بالدِّفاع عن (سلمان رشدي) الذي افترى على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتجرَّأ عليه، وعلى نسائه العفيفاتِ الطاهراتِ؛ ولكنه قَرَنَ ذلك بالدَّعوة الصُّراحِ إلى الإلحاد! وهو يدعو المسلمِين -من باب شهامته وحرصه على مصلحتهم!- أن يستبدلوا ما يسمِّيه "حَدَاثَةَ العقل والعِلْم" بأصالة الدِّين والشَّرع، في إيهامٍ خبيثٍ بأنَّ العقلَ والدِّينَ متناقِضان، أو أنهما لا يمكن أن يلتقيا!
يقول الرَّجلُ في الإشادة بـ"آيات شيطانية"، وفي انتقاص جميع من نقدوها وتجهيلهم: (حين أُمْعِنُ النَّظَرَ في النَّتائج البعيدة المتضمَّنة في مواقعِ (رشدي) الأدبية، وانتقاداته السياسية، وسخريته الاجتماعية، ومعارضته الدينية؛ أستنتجُ أنَّ العالمَ الإسلاميَّ بحاجةٍ -اليومَ- إلى حَدَاثَةِ العقل والعِلْم، والتَّقدُّم والثَّورة، بدلاً من أصالة الدِّين والشَّرع والتراث والرَّجْعَة..!!)[5].
ماذا يَتوقَّعُ المَرْءُ من أقوال هؤلاء القومِ، الذين سوَّدوا عشراتِ الآلاف من الصفحاتِ في الدَّعوة إلى مثل هذا الأدبِ الإلحاديِّ الإباحيِّ الهَجِينِ, من غير أن نجد مَنْ يأخذُ على أيديهم، أو يشدِّد النكيرَ عليهم؟!(/3)
بل إنَّ الملاحَظ -الذي لا يخفى على أحد- أنَّ هؤلاء هم وحدهمُ الذين يتصدَّرون اليومَ واجهةَ الثَّقافة العربية المعاصِرة، وهم وحدهم المُنَصَّبُونَ -على رُغْم أَنْف الجميع- رموزاً لهذه الثقافة، ورادةً لها، وهم وحدهم الذين يَحصُدون الجوائزَ العربيةَ والدُّوَلِيَّة، ويملؤون صدور الصُّحف وأعمدة المجلاتِ الذَّائعةِ السيَّارةِ.
وإذا ما نَفَرَتْ طائفةٌ من شرفاء هذه الأمةِ لتَذُودَ عن دينها وعقيدتها، ولتَذُودَ عن الفضيلة والشَّرف، وعن جميع القِيَم النَّبيلة التي انتهكها هؤلاء الكُبَراءُ، وصغارٌ مُقَلِّدُونَ رَضُوا أن يكونوا أذناباً لهم؛ فَدَعَتْ إلى أدبٍ هادِفٍ أصيلٍ، ينطلق من عقيدة الأمَّة وذَوْقِها؛ قامتِ الدُّنيا ولم تكد تقعد:
- لماذا تدعو هذه الطائفةُ إلى أدب إسلاميٍّ؟!
- ما هذه البِدْعَةُ المُسْتَحْدَثَةُ؟!
- ما هذا الخروجُ على المألوف؟!!
- إنَّ هذا لم يعْرِفْه النَّقْدُ العربي، ولا ذكره الآباءُ والأجداد، ولا نظَّروا له!
- هذا تصنيفٌ للأدب والأدباء.
- وهذا احتكامٌ إلى (الأَيْدُيولوجيا)!
- وهذا إقحامٌ لغير الأدبيِّ في الأدبيِّ...
إلى غير ذلك من حُجَجٍ واهيةٍ مُتهافِتةٍ، هم أَوْلَى بكثيرٍ منها، ولكن، كما قيل: "رَمَتْنِي بِدَائِهَا وانْسَلَّتْ"!
لماذا يُباحُ لهؤلاء الكبراءِ -وهم كثرةٌ غيرُ منكورةٍ ولا مجهولةٍ- أن يدْعُوا إلى أدبٍ غيرِ دينيٍّ؛ بل إلى أدبٍ إلحاديٍّ غيرِ خُلُقِيٍّ، ولا يُتاحُ لطائفةٍ أن تدعوَ إلى أدبٍ دينيٍّ إسلاميٍّ؟!(/4)
كيف يَسُوغُ -في منطِق أمَّةٍ عقيدتُها الإسلام ودستورُها كتابُ الله، وشعارُها الفضيلةُ والنُبْل- أن يحظى فيها ناسٌ يدْعُون جِهاراً عِياناً -كما رأيتَ- في نماذجَ يسيرةٍ جدّاً أوردناها- إلى أدبٍ يَهزَأُ بالدِّين، ويعتدي على الذَّات الإلهية نفسِها، ويروِّج لكلِّ إباحيةٍ ومنكرٍ، ثم إذا قام في وجه هؤلاءِ قومٌ ينتصرون لدِينهم؛ اتُّهِموا بأنَّهم "أُصولِيُّون"! أو "سَلفِيُّون"! أو "رَجْعِيُّون"!! أو... أو...
لكنْ؛ في زمن السقوط والانحطاط: "يُرى حَسَناً ما ليس بالحَسَن"!!
إنَّ الأدب الإسلاميَّ إذا لم يكن إلا انتصاراً للدِّين ممن يعتدي عليه ليلاً ونهاراً في هذا الزَّمن؛ فكفاه شَرَفاً، وكفاه فخراً.
ــــــــــــــــــــــــــــ
[1] انظر: "مجلة فصول"، المجلد الرَّابع، العدد الثالث، 1984م، ص 59-60.
[2] مقدِّمة كتاب "الاسم العربي الجريح"، لعبد الكريم الخطيبي: ص 8.
[3] السابق: 101، 112.
[4] أدونيس، في كتابه "مقدِّمة للشعر العربي"، ص 52.
[5] "مجلة النَّاقد"، العدد الرابع والخمسون، كانون الأول/1992م، ص 37.(/5)
العنوان: نقض دعوى حرية الرأي
رقم المقالة: 508
صاحب المقالة: الشيخ إبراهيم الحقيل
-----------------------------------------
الحمد لله رب العالمين؛ خلق الخلق فأحاطهم بقدرته وعلمه، وقضى فيهم بحكمه وحكمته {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الخِيَرَةُ سُبْحَانَ الله وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [القصص:68] نحمده على جزيل عطائه، ونشكره على عظيم امتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له {لَهُ الحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآَخِرَةِ وَلَهُ الحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:70]، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله؛ أرسله بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا، وقضى بهيمنة دينه على كل الأفكار والملل، والآراء والنحل {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الحَقِّ} [المائدة:48] صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ أنقى هذه الأمة قلوبا، وأزكاهم أعمالا، أخلصوا لربهم، واتبعوا نبيهم، ونصروا دينهم، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله عز وجل؛ فإنكم في زمن كثرت فتنه، واشتدت محنه، وازدادت غربة الدين وأهله فيه، فتمسكوا بدينكم ولو تفلت الناس منه، والزموا هدي نبيكم صلى الله عليه وسلم ولو أحدثوا فيه؛ فإن العبد يسأل يوم القيامة عن عمله لا عن عمل غيره {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} [الزُّخرف:43-44].(/1)
أيها الناس: يحتكم البشر فيما بينهم في كل زمان ومكان إلى ما يرتضونه من شريعة أو عرف أو قانون؛ فأتباع الشريعة الربانية لا يرضون بغير شريعة ربهم حكما بينهم، فهي قانونهم ونظامهم، يقفون عند حدودها، ويلتزمون قيودها. وأهل الشرائع المحرفة أو المبدلة يفعلون ذلك فيما ارتضوه من شرائعهم، والملاحدة لهم قانون يلتزمونه فيما بينهم، بل إن جهلة الناس من أعراب الصحراء، ومن يعيشون في الأدغال، ولم يطلعوا على شيء من الحضارات والمعارف لهم أعرافهم وأنظمتهم التي ينظمون بها شئونهم، ويعرف أفرادهم بواسطتها حقوقهم، ولا يوجد بشر مهما كانوا ليس لهم نظام ولا قانون يلتزمونه، وهذا من أبين الأدلة على أن الإنسان مفتقر للعبودية، فإما أن يكون عبدا لخالقه سبحانه، وإما أن يكون عبدا لمخلوق مثله، ولا يوجد شيء في الأرض يسمى حرية مطلقة لا في الأفعال ولا في الأقوال. خلافا لما يزعمه الزاعمون من أن الإنسان ولد حرا بلا قيود عليه فله أن يدين بما يشاء، وأن يفكر كيف يشاء، وأن يقول ويفعل ما شاء، ويكتب وينشر ما شاء، وهذه كلها دعاوى عريضة ليس لها وجود في واقع البشر لا في زماننا هذا ولا قبله، ولا في دول الشرق ولا في دول الغرب، بل الموجود في كل زمان ومكان وفي كل الدول وعند كل البشر أنظمة وقوانين تضبط أقوال الناس وأفعالهم، وليس من حق أحد في أي جزء من الأرض أن يقول ما يشاء، أو يفعل ما يشاء، أو ينشر ما يشاء. هذا هو الواقع المشاهد.
وفي شريعة الإسلام للعبد حدود في أقواله وأفعاله لا يجوز له تجاوزها وإلا حوسب عليها في الدنيا والآخرة {تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} [البقرة:187] وفي آية أخرى {تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة:229] وفي آية ثالثة {وَتِلْكَ حُدُودُ الله وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ الله فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطَّلاق:1].(/2)
وفي الإسلام ليس للإنسان أن يقول ما يشاء، أو يكتب ما يشاء، أو ينشر ما يشاء؛ فقد يقول كلمة أو يكتبها أو ينشرها فيكفر بها، ويستحق القتل بسببها، وقد يقول السوء في شخص فيجلد حدا أو تعزيرا. فإن لم يكن مسلما فليس له أن يسب الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم أو دين الإسلام وإلا استحق القتل. وليس له أن يقذف بالسوء أحدا من المسلمين وإلا عوقب. هكذا يؤاخذ الإنسان بما يقول وبما يكتب مسلما كان أم كافرا.
والرأي أو الكلمة التي يزعم بعض الناس أن الإنسان حرٌ فيها قد تودي بالإنسان إلى النار، وتستجلب غضب الجبار جل وعلا وهي مجرد كلمة أو رأي قاله؛ كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(إن العبد ليتكلم بالكلمة ينزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب)رواه مسلم، وفي لفظ للترمذي (يهوي بها سبعين خريفا في النار) ولما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يكفوا ألسنتهم عما لا ينفع من الكلام قال له معاذ رضي الله عنه:(وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم)رواه الترمذي وصححه.
وفي كل قوانين البشر الوضعية المعاصرة ضوابط لما يقال وما يكتب وما ينشر، وعقوبات لتجاوز هذه الضوابط خلافا لما يزعمه دعاة الحرية بأثوابها الغربية في بلاد المسلمين؛ ولذا قرنوا في تعريفاتهم للحرية بين الحرية والمسئولية، وجعلوا حرية الشخص تنتهي عند حرية الآخر، وجعلوا من ضمن الأذى الممنوع في باب حرية الرأي: الأذية بالقول أو الكتابة، كالكذب على الأشخاص أو النميمة فيما بينهم أو نشر إشاعة مغرضة تضر ببعضهم، وقوانينهم تعاقب على كل هذه التصرفات التي يسمونها غير مسئولة، ولا يجيزونها بدعوى حرية الرأي أو حرية الكتابة والنشر. وكم سمعنا من قضايا رفعت على أقوام تسمى دعاوى التشهير.(/3)
ولو صاح بالناس إنسان في أكبر بلاد الدنيا حرية أن حريقا قد اشتعل بالقرب منهم، أو أن قنبلة قد وضعت في طائرتهم وكان كاذبا متعمدا للكذب لعوقب على ذلك؛ لأنه من باب الأذى للناس وترويعهم، والإزعاج للسلطات المسئولة، ولا تشفع دعوى حرية الرأي، أو محبة المزاح لصاحبها في مثل ذلك، مع أنه لم يعتد على أحد لا بقول ولا بفعل.
وكل دولة فيها من القوانين ما يُجَرِّم إفشاء الأسرار للدول الأخرى، وقد تصل عقوبة ذلك إلى القتل، مع أن مفشي الأسرار لم يتجاوز إلا أن قال قولا، أو كتب كتابا نبذه إلى من ينتفع منهم.
ولو شهد شاهد على قضية ثم اتضح كذبه في شهادته لعاقبته كل قوانين القضاء في الأرض، شرعية كانت أم وضعية، مع أنه بشاهدته لم يخرج عن إطار القول، وبعض الناس قد يكون مولعا بشهادة الزور، أو يتأكل بها، ولم يقل أحد من العالمين إن شهادة الزور تجوز من باب حرية الرأي.
وفي البلاد الغربية تمنع الكتب، وتحجب المقالات، وتُقَيَّدُ حرية الرأي والكتابة والنشر، إذا خالفت سياسة المهيمنين على الأحزاب المتنفذة، أو كان فيها فضح لممارساتهم، أو تجييش للجماهير ضدهم، أو كان فيها ما يعكر على مشاريعهم الاستعمارية، وفي الدولة الليبرالية الأولى في العالم منعوا كتاب الخديعة الكبرى؛ لما فيه من تشكيك فيما يسمى بأحداث سبتمبر، مع أنه لا يعدو أن يكون رأيا رآه صاحبه، وحلل الحدث بموجب رأيه.(/4)
ولما وقفت الصحفية الأمريكية ريتشل كوري أمام بلدوزر يهودي في محاولة منها لمنع سائقه من تدمير منزل فلسطيني، فدهسها البلدوزر عن عمد ثم عاد إلى الخلف ليدهسها مرة أخرى، لما فعلت ذلك وفقدت حياتها ثمنا لموقفها الشجاع تفاعل معها زميلة لها فأرادت أن تعمل مسرحية باسمها، فمنعت من ذلك في بلاد الحرية التي يؤمها دعاة الحرية عندنا، وهذا المنع الذي يعد اغتيالا لحرية الرأي علق عليه أشهر الصحفيين الإنجليز ساخرا وهو يقول: كانت شجاعة ريتشل من النوع الخطأ، وكانت تدافع عن حرية الشعب الخطأ.
وباحثة أمريكية نصرانية درست كتب الشيخ المجدد ابن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، وخلصت في مقابلة لها إلى أن كتب الشيخ رحمه الله تعالى لا علاقة لها بما يجري في الأرض من عنف وإرهاب، خلافا لما يروجه زنادقة العصر، فاتهمت بأنها وهابية وهي نصرانية، ولم تشفع لها حرية الرأي، وكونها باحثة متجردة في ذلك.
ولن يجد أي سائح أو باحث في كل البلاد الغربية التي هي قبلة حرية الرأي في هذا العصر أي كتاب يشكك في المحارق النازية لليهود، أو يقلل من خسائرها، أو يوجد مسوغات لها، ولو سولت لكاتب غربي نفسه أن يبحث عن حقيقة ذلك، وينشره على الناس لكان مصيره المحاكمة والسجن، ولحوسبت دار النشر التي تنشر له، ولسحب كتابه من الأسواق تحت دعوى معاداة السامية، مع أن ذلك لا يخرج عن مجرد الرأي والبحث.وقد أوذي في سبيل ذلك عدد من الباحثين والمؤرخين والصحفيين الغربيين.
وفي البلاد الأولى في الحرية فصلت مؤرخة أمريكية من مجلس النواب لمجرد أنها قالت: وجهة نظر النازيين بصرف النظر عن عدم شعبيتها لا تزال وجهة نظر، ولا تأخذ حقها في التعبير.(/5)
وفي كندا حكم قاض على امرأة بالسجن مدى الحياة لأنها ذبحت زوجها بسكين، ثم علق على بشاعة جريمتها بقوله: لقد ثبت أن المرأة تستطيع أن تكون أكثر عنفا من الرجل، حتى النازي لم يعذب ضحاياه اليهود قبل قتلهم. فثارت ثورة الجمعيات النسوية واليهودية عليه حتى أفقدته منصبه بسبب هذا التعليق البسيط الذي لا يخرج عن كونه رأيا رآه.
وحوسب أستاذ جامعي في فرنسا لأنه أنكر أن يكون الأرمن قد تعرضوا لإبادة جماعية على أيدي القوات العثمانية في القرن الفائت.
وكم من كتب في بلاد الغرب صودرت، ومقالات حجبت، ومسرحيات ألغيت، وكم من كُتَّاب حوسبوا وسجنوا على قضايا فكرية، وآراء رأوها، ولا سيما إذا تعلق ذلك باليهود وتاريخهم.
وقد بان بهذه الحوادث -وغيرها كثير- أنه لا يوجد حرية مطلقة في الكتابة والنشر والرأي في أي مكان في الأرض، وأن الإنسان في الغرب قد يجرم ويعاقب على رأي رآه، أو كتاب أصدره، أو مقال نشره، أو قول أذاعه، إذا خالف قوانينهم، أو أزعج المتنفذين في بلادهم.
والمسوقون لبضاعتهم الرديئة في بلاد المسلمين يرددون خلفهم كالبله والمعاتيه ما يلقونه عليهم من دروس الحرية دون نظر أو مناقشة أو سؤال عما ينتهكونه هم من حريات الرأي والنشر إذا لم تتوافق مع أهوائهم.
وبهذا يتبين حجم من يزعمون أنهم مفكرون ومثقفون، وينتفخون على الناس بألقابهم التي لا تساوي شيئا أمام الحقائق، وهم يستوردون أسوأ البضائع الغربية؛ ليفرضوها في بلاد المسلمين بالاستبداد والكذب والتخويف.
حمى الله تعالى بلادنا وبلاد المسلمين من شرهم وكيدهم، وردهم على أعقابهم خاسرين.إنه سميع قريب
وأقول ما تسمعون.....
الخطبة الثانية(/6)
الحمد لله؛ اصطفانا من عباده مؤمنين، وجعلنا من خير أمم العالمين، نحمده على ما اصطفانا واجتبانا، ونشكره على ما أولانا وأعطانا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه {وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ} [البقرة:223].
أيها المسلمون: يعتقد المؤمن أن الله تعالى هو الخالق المدبر، له الأمر وله الحكم في خلقه، لا رادَّ لأمره ولا معقب لحكمه، وأما البشر فهم عبيد مخلوقون؛ فوجب أن يكون لهم حدود ينتهون إليها ولا يجاوزونها في أقوالهم وأفعالهم وأفكارهم، ولكن الزنادقة يرفضون ذلك لأنهم جعلوا الإنسان مركز الكون والمتصرف فيه بما يشاء، وتلك هي الفكرة التي انطلق منها ملاحدة الغرب، ثم تلقفها عنهم ملاحدة العرب؛ ليبيحوا للإنسان بها فعل ما يشاء، وقول ما يشاء، واعتقاد ما يشاء، وأي قيود دينية أو أخلاقية أو عرفية على ذلك فهي مرفوضة عند هؤلاء الملاحدة؛ لأنها تعارض الحرية المقررة عندهم المبنية على فكرة تأليه الإنسان، وكونه مركز الكون.
إنهم يصيحون في مجتمعاتهم وعلى حكوماتهم يطالبونهم بحرية الرأي، وحرية النشر، وتحطيم القيود الرقابية على ما ينشرونه من قيح أفكارهم، وردغة شهواتهم، سواء كانت قيودا دينية أم سياسية أم أخلاقية، مستشهدين بدساتير الغرب ومنظماته الحقوقيه، وكأنها الحق الذي لا باطل فيه، مع أنه قد بان لنا أن حرية الرأي والنشر في البلاد الغربية لا تخلو من انتقائية ظالمة، وليست مطلقة من كل القيود.(/7)
ثم إن هؤلاء المنحرفين التي ابتليت بهم أمة الإسلام يمارسون ما هو أبشع من انتقائية الغرب، فلا يسمحون لأحد بانتقادهم ولا مناقشة أفكارهم، ولا منع خبالهم، ويفرضون فكرهم الخبيث على جمهور المسلمين بأشد جرائم التزوير والاستبداد، والإقصائية والإرهاب.
إنهم يزعمون أنهم لا يرتضون في باب حرية الرأي الكذب على الناس، والتشهير بهم، وبث الشائعات المغرضة ضدهم، وهم يفترون الكذب على العلماء والدعاة والصالحين، ويشهرون بهم، ويختلقون الإشاعات عليهم.
ويزعمون أنهم لا يبيحون في باب الحريات أذية الغير ولو بالرأي، وأي أذى أعظم من أذيتهم للمؤمنين في ربهم جل جلاله وقد روجوا لكتب إنكاره، وزعم موته والانتصار عليه تعالى الله عن إفكهم علوا كبيرا، وآذوا المؤمنين في الملائكة والرسل عليهم السلام ففسحوا لكتب السخرية بهم، وتكذيبهم، وآذوا المؤمنين في شريعة ربهم فملئوا معرضهم بكتب الطعن فيها وانتقاصها وردها وتكذيبها وتحريفها.
ناهيكم عن روايات الإثم والفجور، وكتب العهر والشذوذ، ودواوين الفسق والمجون لأشهر زنادقة العرب والعجم، تعرض للمراهقين والمراهقات والنساء والرجال، وكأنهم يسوقون بضاعتهم الفاسدة في قوم لا يؤمنون بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وكأنهم لا يعرفون من الناس إلا أنهم شهوانيون منحرفون لا يطفئ سعارهم إلا كتبهم ودواوينهم ورواياتهم المنحلة الهابطة، فأي إهانة أهانوها لجمهور المسلمين؟ وأي جريمة اقترفوها في حق البلاد والعباد باسم حرية الرأي وحرية النشر؟ وأي استبداد أعظم من استبدادهم حين فرضوا حرية غربية شوهاء عرجاء معارضة للإسلام على جمهور المسلمين الذين لا يرضون بغير الإسلام بديلا؟! وأي إرهاب فكري أشد من إرهابهم حين صادروا حرية الناس في الرأي والاختيار، وألزموهم برؤاهم الضيقة وهم الأقلية المتنكرة لدينها وأوطانها وأمتها؟! عاملهم الله تعالى بما يستحقون.(/8)
إنهم باسم حرية النشر، وحرية الرأي قد روجوا للكتب والرويات والدواوين التي تطعن في جلال الله تعالى وعظمته، وتسخر من ملائكته ورسله، وتكذب كتبه وشرعه، وتبيح الفواحش بأنواعها.
إن هؤلاء المنحرفين الشهوانيين يعظمون البشر أشدَّ من تعظيم الله سبحانه تعالى -هذا إذا كانوا يعظمونه- ويظهرون احترامهم للإنسان كإنسان أكثر من احترامهم للملائكة والرسل والصحابة وسلف هذه الأمة، فهم يزعمون أنهم لا يجيزون شتيمة الناس بعضهم لبعض، ولا الكذب عليهم، ولا السخرية بهم، ولا بث الشائعات المغرضة عنهم، ولو من باب حرية الرأي وحرية النشر، ولكنهم يجيزون الكذب على الله تعالى وعلى ملائكته ورسله عليهم السلام، ويجيزون الطعن في خيار هذه الأمة وسلفها الصالح، ويكذبون بالثوابت والمسلمات، ويسفهون النبوءات والديانات، ويدمرون الفطرة والأخلاق.
وإذا كان الله تعالى قد نهى عن سب آلهة المشركين مع استحقاقها للسب لئلا يسبوا الله تعالى {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ الله فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام:108] فكيف إذا بفسح الكتب التي تسب الله تعالى وملائكته وكتبه ورسله لتأخذ مواقعها في بيوت المسلمين ومكتباتهم. نعوذ بالله تعالى من الهوى والضلال، ونسأله الهدى والرشاد.
اللهم إنا نبرأ إليك مما قالوا ومما فعلوا ومما نشروا، اللهم إن أنزلت عذابا بسبب ما فعلوا فخصهم به ولا تجعله عاما على عبادك، اللهم احفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كيد الكائدين، وفساد المفسدين، وتربص المتربصين، وردهم على أعقابهم خاسرين، أنت مولانا فنعم المولى ونعم النصير.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد....(/9)
العنوان: نماذج عملية لتصميم استراتيجيةِ إدارة الموارد البشرية
رقم المقالة: 1364
صاحب المقالة: محمود حسين عيسى
-----------------------------------------
بعد أن تحدثنا في الدراسة السابقة عن كيفيةِ بناءِ استراتيجيةِ إدارةِ الموارد البشرية كشق نظريّ، رأينا -من باب استكمال النفع- أن نبين عمليةَ بناء استراتيجية إدارة الموارد البشرية كشق عملي، مستعينين ببعض نماذج عملية قام بها متخصصون وباحثون في مجال بناء استراتيجيات متخصصة في إدارة الموارد البشرية.
وسوف نبدأ بعرض النموذج الأكثر شيوعاً واستخداماً وانتشاراً في عملية بناء استراتيجية إدارة الموارد البشرية؛ ألا وهو:
"نموذج التفاعل البيئي القائم على أساس موارد المنظمة
The resource based model"
وقد قامت فكرةُ هذا النموذج على أساس التكامل والتفاعل والتداخل ما بين بيئة المنظمة الداخلية وبيئتها الخارجية، فمن المتعارف عليه أن بناء الاستراتيجية العامة، والاستراتيجيات الخاصة بوحدات العمل، والاستراتيجيات الخاصة بالوظائف لأي منظمة، إنما يعتمد في المقام الأول على تحليل وتتبع شامل للبيئتين الداخلية والخارجية للمنظمة، إذ لا تستطيع المنظمةُ أن تحقق استراتيجيتَها إلا من خلال تحديد واضح وشامل لنقاط قوتها وضعفها (وهذا ما تقوم به عملية تحليل البيئة الداخلية)، وتحديد الفرص الاستثمارية والمخاطر التي قد تتعرض لها المنظمة (وهذا ما تقوم به عملية تحليل البيئة الخارجية).
ومن المؤكد أن المنظمة القوية هي المنظمةُ التي تمتلك مواردَ كثيرة ومتنوعة، ومن أهم هذه الموارد: المورد أو العنصر البشري ذو الكفاءة والمهارة العالية، الذي عن طريقه تستطيعُ المنظمة أن تنفذ استراتيجيتها.
ويعتمد "نموذج التفاعل البيئي القائم على أساس موارد المنظمة" على عدة ركائز منها:
أولاً: المسح والتحليل البيئي الداخلي والخارجي للمنظمة:(/1)
تتعرف منظماتُ الأعمال بيئتَها الداخلية والخارجية، عن طريق الخبرة، وجمع البيانات الإحصائية بالوسائل التقليدية وغير التقليدية التي استُحدثت نتيجة للتطورات الهائلة في عالم تكنولوجيا الاتصالات، والتقدم التقني والعلمي بصفة عامة.
والتحليل البيئي هو استعراض وتقييم البيانات والمعلومات -التي تم الحصول عليها عن طريق تتبع البيئة الداخلية والخارجية- ومن ثَمَّ تقديمها للمديرين الاستراتيجيين في منظمة الأعمال، الذين يقومون بتحليلها استراتيجياً بهدف تحديد العوامل الاستراتيجية التي سوف تحدد مستقبل الشركة أو منظمة الأعمال.
والطريقة الأكثر شيوعاً في تحليل البيئة الداخلية والخارجية هي طريقة SWOT Analysis، ويستخدم هذا المصطلحُ لتحليل البيئة الداخلية عن طريق عوامل القوة Strengths وعوامل الضعف Weaknesses، وهذه العوامل (القوة والضعف) ربما لا تكون تحت سيطرة الإدارة العليا في المدى القصير، وتشتمل هذه العوامل على: ثقافة الشركة، وهيكلها، والموارد البشرية والمادية المتاحة. ومن المعلوم أن نقاط القوة داخل الشركة تكوّن الخصائص والعوامل الرئيسة التي تستخدمها للحصول على الميزة التنافسية.
ويمكننا القول: إن القاعدة الأساسية في بناء استراتيجية المنظمة هي القيام بعملية المسح والتحليل البيئي الذي يتكون من:
أ– تحليل البيئة الداخلية Internal environment scan:
ويهدف هذا المسح والتحليل البيئي الداخلي إلى تحديد دقيق لجوانب القوة التي تتصف بها المنظمة وتميزها عن منافسيها، وجوانب الضعف الكامنة داخل المنظمة التي تهدد أعمالها ونشاطاتها، بل قد يكون لها انعكاسات سلبية على مستقبل المنظمة.
ب– تحليل البيئة الخارجية External environment scan:(/2)
ويهدف هذا التحليل إلى تحديد الفرص الاستثمارية المتاحة أمام المنظمة التي يجب عليها أن تقتنصها، وتحديد المخاطر التي قد تتعرض لها المنظمة، التي قد تؤثر على نشاطها بالتحجيم أو بالتوقف والزوال.
ثانياً: الموارد المتنوعة التي تمتلكها المنظمة:
إن أية منظمة أعمال تمتلك نوعين من الموارد:
النوع الأول: الموارد المادية.
النوع الثاني: الموارد البشرية؛ والتي تقوم بعملية استخدام إدارة الموارد المادية.
ومنظمة الأعمال عن طريق هذين النوعين من الموارد -بعد أن تقوم بتحليل دقيق وشامل لهذه الموارد لتحديد مواطن القوة والضعف بها كخطوة هامة من خطوات بناء استراتيجيتها– تستطيع أن تقوم بعملية تحقيق وتنفيذ استراتيجيتها المتضمنة لرسالتها، وغاياتها، وأهدافها... إلخ
وتتصف موارد المنظمة المادية والبشرية بعدة خصائص منها:
- موارد ذات ندرة.
- موارد ذات قيمة.
- موارد تتمتع بصفة الاستدامة.
- موارد متميزة.
- موارد ذات طاقة عالية.
- موارد يصعب بيعها أو التنازل عنها.
ثالثاً: تعليم وتدريب الموارد البشرية:
إن من المهام الأساسية التي تتبناها استراتيجية إدارة الموارد البشرية.. مهام التعلم والتدريب والتنمية للموارد البشرية المتوافرة والمتاحة، والمستهدفة للمنظمة.. بهدف إكسابها المهارات والخبرات اللازمة للتعامل مع خصائص موارد المنظمة المادية المتغيرة.
وعن طريق الموارد البشرية الماهرة ذات الكفاءة والخبرة تتمكن المنظمةُ من استغلال الفرص المتاحة، والتغلب من ناحية أخرى على المخاطر التي قد تتعرض لها.
وعملية التعلم والتدريب للموارد البشرية يجب أن يراعى فيها الخصائصُ المميزة والصفات الأساسية للموارد المادية؛ فمثلا: إذا كانت الموارد أو العناصر المادية غالية الثمن -ماكينة ذات قيمة عالية– فهنا يجب أن تدرَّب العمالة على التعامل معها بحذر شديد.. وهكذا.
رابعاً: التقنية:(/3)
يركز نموذج التفاعل البيئي القائم على أساس موارد المنظمة على أهمية تدريب الموارد البشرية على التكنولوجيا الحديثة والمتقدمة.. وذلك لإكساب هذه الموارد البشرية –على اختلاف مستوياتها ومراكزها الوظيفية داخل المنظمة– المهارات، والخبرات، والمعرفة اللازمة للتعامل مع هذه التكنولوجيا؛ كل في موقعه.. والهدف من وراء ذلك هو تحقيق التطور المطلوب للمنظمة لتواكب التقدم التكنولوجي المتوافر لدى منافسيها.. حتى يتسنى لها الحفاظُ على موقعها التنافسي، وحصتها السوقية.
خامساً: التحفيز:
يؤكد نموذج التفاعل البيئي القائم على أساس موارد المنظمة على عملية تحفيز الموارد البشرية، وذلك لتحقيق الاستخدام الأمثل والأجدى لموارد المنظمة المادية، واستغلال الفرص الاستثمارية المتاحة، ومواجهة المخاطر التي قد تتعرض لها المنظمة.
إن التحفيز الجيد -المبني على الأسس العلمية والواقع الحقيقي داخل المنظمة- للموارد البشرية يؤدي إلى:
1- تقوية ولاء وانتماء الموارد البشرية للمنظمة.
2- دفع وتشجيع الموارد البشرية على الإبداع والابتكار والتميز.
3- تشجيع الموارد البشرية على البذل والعطاء للمنظمة.
4- حث ودفع الموارد البشرية إلى المحافظة على ممتلكات، ومكتسبات المنظمة.
نموذج ديفيد جست David Gust model
قام David Gust بوضع هذا النموذج عام 1997م وذلك بعد إجراء الكثير من التجارب، والتطبيقات العملية لما يقارب عقدًا من الزمان.
نموذج ديفيد جست عن إطار واستراتيجية إدارة الموارد البشرية
وقد خلص نموذج Gust إلى عدة مضامين أو مفاهيم:
أولاً: إن استراتيجية إدارة الموارد البشرية تهدف إلى:(/4)
1- تحقيق الإبداع والابتكار، وتأصيله في نفوس الموارد أو العناصر البشرية داخل المنظمة لتبدع وتبتكر كل جديد، فضلا عن التطوير المستمر للمنتجات القائمة، وتقديم الجديد والأفضل دائماً للسوق، مما يؤدي بدوره إلى المحافظة على عملاء المنظمة، بالإضافة إلى جذب عملاء ومستهلكين جدد، مما يعضد من مكانة المنظمة، ويعمل على زيادة حصتها السوقية، ومن ثم زيادة المبيعات وتحقيق المزيد من العوائد والأرباح.
2- تحقيق الجودة في المنتجات والسلع.. من خلال أداء عالي المستوى للعناصر البشرية داخل المنظمة، وهذه الجودة العالية للمنتجات والسلع تحقق بلا شك الولاءَ لدى عملاء المنظمة وإقبالهم على شراء هذه المنتجات، مما يؤدي أيضاً إلى زيادة الأرباح، والتمكين للمنظمة في السوق.
3- تخفيض تكلفة الإنتاج من خلال العمل على ترشيد وتقليل النفقات والمصروفات -مع مراعاة عدم الإخلال بالعملية الإنتاجية ومتطلبات الجودة العالية- مع تحقيق أعلى معدلات أو قدر من المخرجات بأقل قدر من المدخلات.
ثانياً: ممارسات إدارة الموارد البشرية:
هذه الممارسات تعبر عن الوظائف، والمهام التي تقوم بها وتؤديها إدارة الموارد البشرية داخل المنظمة، إذ تقوم بوضع الأنظمة، والسياسات، والبرامج، والإجراءات، وتقوم أيضاً بتنفيذ عمليات تتعلق بالوظائف، والمهام، والجوانب الآتية:
1- استقطاب أفضل وأنسب الموارد أو العناصر البشرية المتوافرة والمتاحة في سوق العمل.
2- انتقاء أفضل وأنسب العناصر البشرية المتقدمة لشغل الوظائف الشاغرة داخل المنظمة.
3- تعليم وتدريب وتنمية الموارد البشرية بصفة دائمة.
4- وضع نظام شامل وموضوعي لتقدير أداء الموارد البشرية، والقيام بمساعدة مديري ورؤساء الإدارات والأقسام على تطبيق هذا النظام بشكل موضوعي وفعّال.
5- وضع نظام تعويضات وحوافز شامل وفعال.. يحقق حاجات ومتطلبات وآمال الموارد البشرية.(/5)
6- تهيئة وتوفير ظروف عمل مناسبة وملائمة وصحية، تحقق وتضمن السلامة والأمان للموارد البشرية، وتعمل في الوقت نفسه على حمايتهم من مخاطر العمل التي قد يتعرضون لها.
7- تهيئة وتوفير الظروف البيئية التي تعمل على تنمية الولاء والانتماء لدى الموارد البشرية تجاه المنظمة، وجعلهم يشعرون بأنهم جزء وكيان هام في المنظمة، وأن مستقبلهم مرتبط بتقدم ونمو ومستقبل المنظمة.
ثالثاً: نتائج ممارسات إدارة الموارد البشرية:
تسعى إدارة الموارد البشرية إلى النجاح في تنفيذ خططها، ونشاطاتها، وتظهر نتائج هذا السعي من خلال تحقق النتائج التالية:
1- زيادة درجات الانتماء والولاء لدى الموارد البشرية للمنظمة.
2- تحقيق المرونة والانسيابية في أداء الوظائف والأعمال والمهام والنشاطات التي تقوم بها العناصر البشرية.
3- شعور بالرضا والارتياح يتولد في نفوس العناصر البشرية تجاه العمل في المنظمة.
رابعاً: نتائج سلوك الموارد البشرية:
1- تحقيق مستويات عالية وكبيرة من الدافعية لدى العناصر البشرية نحو العمل في المنظمة.
2- تحقيق درجات عالية من الإخلاص من قبل الموارد البشرية في العمل داخل المنظمة.
3- تحقيق درجات عالية من الالتزام في نفوس العناصر البشرية، ينعكس على سلوكهم في العمل داخل المنظمة.
4- توليد الغيرة في نفوس الموارد البشرية على المصلحة العامة والخاصة، وسمعة المنظمة.
خامساً: نتائج الأداء الكلي للمنظمة:
1- تحقيق معدلات عالية، وزيادة كبيرة في الإنتاجية.
2- تحقيق معدلات عالية في جودة المنتجات.
3- تحقيق وتوليد الأفكار والابتكارات والإبداعات لدى الموارد البشرية، وذلك يؤدي إلى إنتاج سلع وخدمات متميزة ومتطورة، تحقق التميز، والموقع التنافسي الأفضل للمنظمة.
4- تحقيق رضا العملاء والمستهلكين، إذ توفر لهم المنظمة المنتجات بالكميات المناسبة، والجودة العالية، وذلك يشبع رغباتهم وأذواقهم، ويفي باحتياجاتهم.(/6)
5- تحقيق رضا العاملين، إذ توفر لهم المنظمة بيئة العمل المناسبة، والحوافز والتعويضات، والمزايا الإضافية، والخدمات، والرعاية الاجتماعية والنفسية، ويعمل هذا الرضا من قبل العاملين على تفجير طاقاتهم، وإبداعاتهم، وابتكاراتهم.
6- انخفاض معدل دوران العمل.
7- تحقيق معدلات ربحية عالية، وذلك يمكّن المنظمة من زيادة الاستثمارات، وزيادة قدراتها الإنتاجية والتنافسية، فضلا عن محافظتها على نظم الحوافز والتعويضات، والعمل على زيادتها، وزيادة الاستثمار في الموارد البشرية.
8- تمكين المنظمة من وضع برامج تنموية شاملة، وطموحة للمستقبل.
9- تحقيق الاستمرارية والبقاء للمنظمة.
نموذج التطابق الاستراتيجي
The matching strategic model
إن التطابق أو التكامل أو التوافق التام بين استراتيجية إدارة الموارد البشرية، والاستراتيجية العامة للمنظمة.. أمر هام ومطلوب طبقاً لمفهوم نموذج التطابق الاستراتيجي.
يعتمد نموذج التطابق الاستراتيجي على قاعدة تحقيق التكامل والتوافق بين استراتيجية إدارة الموارد البشرية، واستراتيجية المنظمة العامة.
إن استراتيجية إدارة الموارد البشرية لا بد أن تتوافق بشكل تام مع استراتيجية المنظمة، أي تعمل على تحقيق استراتيجية المنظمة من حيث الرسالة، والغايات، والأهداف... إلخ، وهذا يستوجب بالضرورة التنسيق التام، والتوافق والتكامل فيما بين إدارة الموارد البشرية، ونشاطاتها، وممارساتها مع جميع الإدارات الأخرى داخل المنظمة، وذلك لتجنب التضارب والاختلاف، ومن ثم الخروج عن مسار الخطط العامة للمنظمة..! فضلا عن عدم تحقيق المنظمة ككل لاستراتيجيتها.
ووفقاً لنموذج التطابق الاستراتيجي، فإن أي تغيير في استراتيجية المنظمة يستلزم إجراء تغيير فوري في استراتيجية إدارة الموارد البشرية، بحيث يتم الحفاظ على التوافق، والتكامل، والسير في الاتجاه المخطط له لتحقيق استراتيجية المنظمة.(/7)
إن استقرار استراتيجية إدارة الموارد البشرية يعتمد في الأساس –بل يتوقف– على استقرار استراتيجية المنظمة، إذ تمثل استراتيجية إدارة الموارد البشرية (المتغير التابع) جزءاً من استراتيجية المنظمة (المتغير المستقل) وهذا أمر طبيعي؛ أن يتبع المتغير التابع المتغير المستقل.
المراجع:
1 - Mitzberg H.Ahlshad, B, and Lampel J. strategy sofar: A guided tour through the wild of strategic management. Free press, New york, 1998, pp. 27-35.
2 - John Brotton, Jeffry Gold, op. cit, p.5, chapter (1).(/8)
العنوان: نماذج من أحكام الصلاة
رقم المقالة: 694
صاحب المقالة: سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين
-----------------------------------------
الحمد لله الذي وعد المحافظين على الصلاة أجراً عظيماً وأعد لهم جنات الفردوس نعيماً مقيماً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فأنعم به رباً رحيماً كريماً، وأشهد أن محمداًً عبده ورسوله أفضل المصلين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً.(/1)
أما بعد: أيها الناس اتقوا الله، وحافظوا على الصلوات، وأقيموها في الجمع والجماعات، ولا تضيعوها، وتهملوها فتقعوا في المهلكات، قال الله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاَةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً} فمن أضاع الصلاة، ولم يتب من ذلك لقي الغي في الدنيا والآخرة، والغي هو الخسران المبين، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: الغي واد في جهنم بعيد القعر، خبيث الطعم، فمن كان محافظاً عليها فليحمد الله على نعمته، ويسأله الثبات على ذلك، ومن لم يكن محافظاً عليها، فليتب إلى الله من ذنبه، وليرجع إلى ربه قبل أن يزيغ قلبه، فيكون من الهالكين حافظوا عليها بفعل شروطها وأركانها وواجباتها وسننها، فإذا أتي أحدكم الصلاة، فليسبغ الوضوء، ثم ليستقبل القبلة، فإن استقبال القبلة لا بد منه في الصلاة قال الله تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}. ثم يستفتح الصلاة بما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يتعوذ، ويقرأ فاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها ووجوبها على الإمام والمأموم والمنفرد لعموم الحديث، وعدم المخصص الصحيح، وينبغي للأئمة أئمة المساجد أن يراعوا حال المأمومين في الركعتين بعد التشهد الأول، فيتأنوا في قراءة الفاتحة حتى يكملها المأمومون الذين خلفهم، فإذا قرأ الفاتحة قرأ بعدها ما تيسر من القرآن يكون في المغرب بقصار المفصل غالباً، والسنة أن يقرأ أحياناً بغير قصار المفصل بما لا يشق على المأمومين، فقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ فيها بسورة الأعراف، وقرأ فيها بسورة محمد، وقرأ فيها بسورة الطور، وقرأ فيها بسورة المرسلات، ويكون في الفجر من طوال المفصل، ويكون في الظهر والعصر والعشاء من أواسط المفصل إلا أن القراءة في الظهر تكون أطول من قراءة العصر،(/2)
فإذا فرغ من القراءة ركع، وقال سبحان ربي العظيم الواجب مرة، وأدنى الكمال ثلاث، ثم يرفع رأسه قائلاً سمع الله لمن حمده، فإذا تم قيامه، قال: ربنا ولك الحمد، وإن كان مأموماً قال حين الرفع: ربنا ولك الحمد، ولا يقول: سمع الله لمن حمده لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((فإذا قال يعني الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد))، ثم يسجد على أعضائه السبعة الجبهة والأنف تبع لها، واليدين، والركبتين، وأطرف القدمين، ولا يجوز أن يرفع رجليه عن الأرض، ولا أن يرفع أنفه، ولا شيئاً من هذه الأعضاء عن محل سجوده، ولا يجوز أن يسجد بجبهته على كفيه، فأما السجود على المنديل أو غيره من الأشياء المنفصلة عن المصلي فلا بأس به لكن تركه أفضل، وأما الأشياء المتصلة به كثوبه، وغترته، فيكره السجود عليه، إلا من حاجة، ويقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى، ولا يجوز للمصلي أن يقرأ القرآن، وهو راكع، أو ساجد لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((كشف النبي - صلى الله عليه وسلم - الستر ورأسه معصوب في مرضه الذي مات فيه، والناس صفوف خلف أبي بكر، فقال: (اللهم هل بلغت) ثلاث مرات)). إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم، أو ترى له ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً وساجداً. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ((نهاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قراءة القرآن وأنا راكع أو ساجد))، فأما إذا دعا في سجوده بآية من القرآن وهو لم يقصد القراءة، وإنما قصد الدعاء، فهذا لا بأس به مثل أن يقول: ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار، أو غيرها من آيات الدعاء، فهذا لا بأس به، ثم يرفع من السجود، فيقول بين السجدتين اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني، وعافني، وارزقني، ثم يفعل ذلك في صلاته كلها، وعليكم بالطمأنينة في الصلاة، فإنه لا صلاة لمن لا يطمئن في صلاته.(/3)
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [المجادلة:58].
بارك الله لي ولكم.. الخ.(/4)
العنوان: نماذج من الآداب الفاضلة وضدها
رقم المقالة: 680
صاحب المقالة: سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين
-----------------------------------------
الحمد لله الذي أرسل رسله بالهدى ودين الحق ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض، فهدى به من الضلالة، وبصر به من العمى، وهدى به إلى صراط مستقيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة نرجو بها النجاة من العذاب الأليم والفوز بالنعيم المقيم، وأشهد أن محمداًً عبده ورسوله المصطفى الكريم صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً.(/1)