3 - إرشاد الطالبين إلى شيوخ قاضي القضاة ابن ظهيرة جمال الدين، تحقيق د. موفق عبدالقادر، مطبوعات وزارة الأوقاف القطرية، 5ج. (يوزع من قبل الوزارة).
وقد سبق أن طبع جزء صغير من الكتاب في دار الغرب، ولكنها طبعة ناقصة جداً.
4 - الإمام ابن كثير وأثره في علوم الحديث، تأليف د. عدنان آل شلش، دار النفائس.
5 - ثبت شمس الدين البابلي، ويليه المربي الكابلي فيمن روى عن الشمس البابلي للزبيدي، تحقيق محمد ناصر العجمي، دار البشائر الإسلامية.
6 - المتعة في تعيين ساعة الإجابة يوم الجمعة، تأليف أبي الحسن مصطفى بن إسماعيل السليماني، دار الفضيلة، الرياض.
7 - فوائد أبي أحمد الحاكم، تحقيق د. أحمد فارس السلوم، دار ابن حزم.
8 - ذكر من لم يكن عنده إلا حديث واحد ولم يحدث عن شيخه إلا بحديث واحد، لأبي محمد الخلال، تحقيق رضا بو شامة الجزائري، دار القيم، دار ابن عفان.
وقد حقق الكتاب الشيخ سامي السلامة في رسالته للماجستير، وسيصدر قريباً عن دار أطلس.
9 - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي، (من كتاب الصلاة إلى صلاة الخوف) تحقيق د. عايض القرني، دار ابن حزم، 2ج.
10 - دراسة أحاديث: الرؤيا من أجزاء النبوة، رواية ودراية، تأليف د. حسن محمد عبه جي، مطبوعات مركز البحوث بكلية التربية، جامعة الملك سعود.
11 - حديث جبريل عليه السلام في الإيمان والإسلام والإحسان: ألفاظه وطرقه، دراسة حديثية تأليف د. عبدالعزيز الهليل، مطبوعات مركز البحوث بكلية التربية، جامعة الملك سعود.
12 - معرفة المخضرمين عند المحدثين، تأليف د أحمد الباتلي، مطبوعات مركز البحوث، بكلية التربية، جامعة الملك سعود.
28 / 8 / 1425 هـ
(8)
1 - مسند البزار (البحر الزخار)، الجزء 12، تحقيق عادل بن سعد، مكتبة العلوم والحكم.
2 - الأجوبة عن المسائل المستغربة، لابن عبدالبر، تحقيق عبدالخالق ماضي، مطبوعات وقف السلام.(/7)
3 - إثارة الفوائد المجموعة في الإشارة إلى الفرائد المسموعة، للعلائي، تحقيق د. مرزوق الزهراني، مكتبة العلوم والحكم، 2ج.
4 - قطعة من تفسير الإمام عبد بن حميد، اعتنى به مخلف بنيه العرف، دار ابن حزم.
5 - الأحاديث الصحاح الغرائب، للإمام المزي، تحقيق رياض الطائي، مكتبة المغني.
6 - جزء فيه خمسة أحاديث عن الأئمة الخمسة تخريج أبي القاسم علي بن بلبان الناصري، تحقيق رياض الطائي، مكتبة المغني.
7 - جزء فيه أحاديث السفر، لأبي اليمن عبدالصمد بن عساكر، تحقيق رياض الطائي، مكتبةالمغني.
8 - فوائد حديث الحافظ عبدالغني الأزدي عن شيوخه، تحقيق رياض الطائي، مكتبة المغني.
9 - مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه، للبوصيري، طبعة جديدة بتحقيق د. عوض الشهري، مطبوعات عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية.
10 - موارد ابن عساكر في تاريخ دمشق، إعداد د. طلال الجهني، مطبوعات عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية.
11 - أحاديث البيوع المنهي عنها , رواية ودراية، تأليف خالد الباتلي، دار كنوز أشبيليا.
12 - التسهيل في علم الجرح والتعديل، تأليف د. إبراهيم السعيد خليل، مكتبة الرشد.
13 - تخريج كتاب الفروع لابن مفلح، إعداد خالد القريوتي، مكتبة الرشد.
14 - التقريب في تخريج أحاديث تقريب الأسانيد، إعداد خالد الشلاحي، مؤسسة الرسالة.
15 - الاستيعاب في بيان الأسباب (أسباب نزول القرآن) تأليف سليم الهلالي، محمد بن موسى آل نصر، دار ابن الجوزي، 3ج.
16 - الزهر النضر في حال الخضر، لابن حجر، طبعة جديدة بتحقيق صلاح الدين مقبول، دار غراس.
6 / 11 / 1425 هـ
(9)
1 - مصطلحات الجرح والتعديل المتعارضة، تأليف د. جمال أسطيري، أضواء السلف، 2ج.
2 - معجم المختلطين، إعداد محمد طلعت، أضواء السلف.
3 - أشراط الساعة، لعبدالملك بن حبيب الأندلسي، تحقيق عبدالله الحسني، أضواء السلف.
4 - أحاديث الشيوخ الكبار، تحقيق د. حمزة أحمد الزين، دار الحديث، القاهرة.(/8)
ويحتوي على الأجزاء التالية:(حديث يزيد بن أبي حبيب، حديث ابن جريج، غرائب شعبة، حديث سفيان بن عيينة، حديث الحسن بن موسى، حديث عثمان بن مسلم الصفار).
5 - لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام، المجموعة السادسة، دار البشائر الإسلامية.
ويحتوي على الأجزاء التالية: تحفة الطلاب في مستثنيات كل ما كان أكثر عملا فهو أكثر في الثواب للنجم الغزي، تحقيق عبدالرؤف الكمالي، جزء التهنئة في الأعياد وغيرها للحافظ ابن حجر، تحقيق عبدالقادر النايلي، حصول البغية للسائل هل لأحد من أهل الجنة لحية للبرهان الناجي، تحقيق نظام يعقوبي، إرشاد الحائر إلى علم الأكابر ليوسف بن عبدالهادي، تحقيق وليد العلي، تشحيذ الأفهام في اطلاقات الأمر والنهي والاستفهام لعبدالله بن زيد الزبيدي، تحقيق المهدي محمد الحرازي، إجازة مفتي الشافعية محمد بن عبد الرحمن الغزي لعلي الدباغ، تحقيق محمد العجمي، الكلمات البينات في قوله تعالى:« وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات » لمرعي الكرمي، تحقيق محمد خير رمضان، السنا والسنوت في معرفة ما يتعلق بالقنوت للبرزنجي، تحقيق العربي الفرياطي، صوب الغمامة في إرسال طرف العمامة للكمال ابن أبي شريف، تحقيق عبدالرؤف الكمالي، أجوبة أبي عبدالله ابن البقال على أسئلة أبي زيد ابن العشاب، عناية خالد الحمداوي.
6 - كتاب حبذا كيس الحافظ، قراءة نقدية في كتاب « المنهج المقترح » لحاتم العوني، ويليه: بطلان الحد الذي ينتهي إليه الاصطلاح، تأليف د. أحمد الزهراني، دار الإمام مالك، أبو ظبي.
7 - اتحاف ذوي العلم والرسوخ بتراجم من أخذت عنه من الشيوخ، لابن الحاج السلمي، تحقيق محمد حمزة الكتاني، دار الكتب العلمية.
8 - حديث أبي الفضل الزهري، طبعة جديدة بتحقيق محمد حسن إسماعيل، دار الكتب العلمية.
9 - حماية البيئة والموارد الطبيعية في السنة النبوية، تأليف فهد الحمودي، دار أشبيليا (رسالة ماجستير).(/9)
10 - الرؤى والأحلام في السنة النبوية، تأليف عبدالله العمري، دار النفائس.
11 - الإفهام في شرح بلوغ المرام، للشيخ عبدالعزيز الراجحي، دار العاصمة، 2ج.
28 / 11 / 1425 هـ(/10)
العنوان: كتب السنة الصادرة سنة 1426هـ
رقم المقالة: 231
صاحب المقالة: د. محمد بن تركي التركي
-----------------------------------------
(1)
1 - الإيضاح الجلي في نقد مقولة: «صححه الحاكم ووافقه الذهبي»، ويليه: العيوب المنهجية في كتابات المستشرق شاخت المتعلقة بالسنة النبوية، تأليف د. خالد الدريس، دار المحدث.
2 - إشكال وجوابه في حديث أم حرام بنت ملحان، تأليف د. علي الصياح، دار المحدث.
3 - العلل الصغير، للترمذي، توثيق د. عادل الزرقي، دار المحدث.
4 - خلق أفعال العباد، للبخاري، طبعة جديدة بتحقيق فهيد الفهيد، دار أطلس، 2ج.
5 - مرويات قنوت الفجر، دراسة حديثية نقدية مقارنة، تأليف طلال الطرابيلي، مكتبة عباد الرحمن.
6 - غارة الفصل على المعتدين على كتب العلل، تأليف الشيخ مقبل الوادعي، دار الآثار، صنعاء.
7 - المعين على تفهم الأربعين، لابن الملقن، تحقيق عبدالعال مسعد، مكتبة الفاروق الحديثة.
8 - الزيادات الضعيفة في الأحاديث الصحيحة، تأليف عمرو عبدالمنعم، دار الضياء.
9 - الرياض المستطابة في صحيح وضعيف مفاريد الصحابة، تأليف يحيى الحجوري، الفاروق الحديثة.
10 - غنية المحتاج في ختم صحيح مسلم بن الحجاج، ومعه القول المعتبر في ختم النسائي رواية ابن الأحمر للسخاوي، طبعة جديدة بتحقيق د.جمال فرحات صاولي، كنوز إشبيليا للنشر.
11 - مهارة التخريج وعلوم الحديث رواية ودراية، تأليف د. محمد رأفت سعيد، دار الوفاء للطباعة.
12 - شيخ الإسلام ابن تيمية محدثاً، تأليف د.عدنان شلش، دار النفائس.
13 - بيوتات الحديث بدمشق، تأليف د. محمد بن عزوز، دار الفكر.
14 - المزيد في متصل الأسانيد، تأليف سميرة محمد سلامة، مكتبة الرشد.
15 - اختلاط الراوة الثقات، تأليف عبدالجبار سعيد، مكتبة الرشد.
16 - كتاب الصفات، للدارقطني، طبعة جديدة بتحقيق محمد يحيى الوصابي، دار الصميعي.(/1)
17 - نيل الأوطار بتخريج أحاديث كتاب الأذكار...، تأليف سليم الهلالي، دار ابن حزم.
25 / 1 / 1426 هـ
(2)
1 - منحة الباري بشرح صحيح البخاري، لشيخ الإسلام زكريا بن محمد الأنصاري، تحقيق سليمان العازمي، مكتبة الرشد، 10ج.
2 - مصباح الأريب في تقريب الرواة الذين ليسوا في تقريب التهذيب، جمع محمد أحمد المصنعي العنسي، مكتبة الفاروق الحديثة للطباعة، مكتبة صنعاء، 3ج.
3 - زوائد سنن أبي داود على الصحيحين والكلام على علل بعض أحاديثه، تأليف عبدالعزيز الطريفي، من منشورات ملتقى أهل الحديث، 2ج.
4 - سؤالات حديثية أجاب عليها د. حمزة المليباري، ويليه ملحقان: حوار حول أثر الجرح والتعديل في التصحيح والتعليل، والرد على من أنكر التباين المنهجي بين المتقدمين والمتأخرين في التصحيح والتعليل، ملتقى أهل الحديث.
5 - شرح سنن النسائي، المسمى: شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية بكشف أسرار السنن الصغرى النسائية، تأليف محمد المختار الشنقيطي.
6 - تحرير أحوال الرواة المختلف فيهم بما لا يوجب الرد (دراسة نقدية لكتاب: من تُكلم فيه وهو موثق) تأليف عمرو عبدالمنعم، مكتبة التدمرية.
7 - مسند أبي العباس السراج، ويليه مسند إبراهيم بن أدهم لابن منده، طبعة جديدة في مجلد واحد بتحقيق أحمد فتحي عبدالرحمن، دار الكتب العلمية.
8 - محض الشيد في مناقب سعيد بن زيد، لابن عبدالهادي يوسف بن حسن، مكتبة الرشد.
9 - الواضح المبين في ذكر من استشهد من المحبين، للحافظ علاء الدين مغلطاي بن قليج الحنفي، تحقيق سيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية
10 - العلل والمناكير في صحيح بن حبان وما انتقد عليه في بعض مسائل الاعتقاد، تأليف محمد عبد المنعم بن محمد، مكتبة ابن عباس، دار الضياء.
11 - علل حديث حج بيت الله الحرام في كل خمسة أعوام، تأليف د. يحيى الشهري، دار ابن حزم.
12 - ذيل طبقات الحنابلة، لابن رجب، تحقيق د. عبدالرحمن العثيمين، مكتبة العبيكان، 5ج.(/2)
13 - موسوعة علوم الحديث الشريف، ضمن موسوعات علوم أخرى، تصدرها وزارة الأوقاف المصرية بإشراف وزير الأوقاف د. محمود حمدي، شارك في الإشراف على هذا الجزء من الموسوعة د. أحمد معبد عبدالكريم.
14 - منهج علماء الحديث والسنة في أصول الدين، تأليف د. مصطفى محمد حلمي، دار ابن الجوزي، مصر.
فهرسة جعفر بن إدريس الكتاني، تحقيق د. محمد بن عزوز، دار ابن حزم.
5 / 2 / 1426 هـ
(3)
1 - الاتصال والانقطاع، للشيخ د. إبراهيم اللاحم، مكتبة الرشد، وهو الجزء الثاني من سلسلة نقد المرويات.
2 - أحاديث تعظيم الربا على الزنا، دراسة نقدية، تأليف د. علي الصياح، منشورات مركز البحوث بكلية التربية، جامعة الملك سعود.
3 - روايات ونسخ الجامع الصحيح للإمام البخاري دراسة وتحليل، إعداد د. محمد عبدالكريم بن عبيد، دار إمام الدعوة، الرياض.
4 - الإمام الحافظ عبدالله ابن الجارود النيسابوري وأثره في السنة النبوية، تأليف د. محمد عبدالكريم بن عبيد، دار إمام الدعوة، الرياض.
5 - صلة التكملة لوفيات النقلة، للحسيني، تحقيق عبدالله الكندري، دار ابن حزم.
6 - الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة، للزركشي، طبعة جديدة أفضل من السابقة، اعتمد فيها المحقق على مخطوطة جديدة، تحقيق د. محمد بنيامين أرول، مؤسسة الرسالة.
7 - كتاب البسملة، لأبي شامة المقدسي، تحقيق عدنان عبدالرزاق، من إصدارات المجمع الثقافي، أبو ظبي، (رسالة ماجستير في جامعة أم درمان).
8 - معرفة من تكلم فيه وهو موثق أو صالح الحديث، للذهبي، طبعة جديدة كاملة بتحقيق د. عبدالله الرحيلي (رسالة ماجستير).
9 - تسمية شيوخ أبي داود، للجياني، ومعه حاشية ابن الدباغ، طبعة جديدة بتحقيق د. زياد منصور، مكتبة العلوم والحكم.
10 - اتحاف المهرة في الكلام على حديث:«لا عدوى ولا طيرة»، للشوكاني، تحقيق راشد الغفيلي، دار أطلس.(/3)
11 - كتاب الكبائر للبرديجي، ويليه الزيادات على الكبائر للضياء المقدسي، تحقيق د. محمد بن تركي التركي، دار أطلس.
12 - معرفة أصحاب شعبة، إعداد د. محمد بن تركي التركي، منشورات مركز البحوث بكلية التربية، جامعة الملك سعود.(يطلب من مدير المركز: الرياض 11451 ص. ب 2458).
2 / 3 / 1426 هـ
(4)
1 - مشيخة سراج الدين القزويني، تحقيق د. عامر حسن صبري، دار البشائر.
2 - الإمام مالك وأثره في علم الحديث النبوي، إعداد د. مشعل الحدادي، غراس للنشر والتوزيع.
3 - كتاب الوفيات، للبرزالي، تحقيق عبدالله الكندري، غراس للنشر والتوزيع.
4 - مجموع فيه ثلاثة من الأجزاء الحديثية: جزء الحسن بن رشيق، جزء أبي العباس العُصيمي، جزء فيه مصافحات الإمام مسلم والإمام النسائي تخريج الدمياطي، تحقيق جاسم الفجي، غراس للنشر.
5 - منهج الإمام أحمد في إعلال الأحاديث، إعداد د. بشير علي عمر، مطبوعات وقف السلام الخيري.
6 - معرفة الصحابة عند المحدثين، تأليف د. أحمد الباتلي، مكتبة الرشد.
7 - الشافي في شرح مسند الشافعي، لابن الأثير، تحقيق أحمد سليمان، مكتبة الرشد، 5ج.
8 - عقود الدرر في علوم الأثر، لابن ناصر الدين، طبعة جديدة بتحقيق صبحي السامرائي، مصطفى إسماعيل، دار ابن حزم.
9 - المتقدم والمتأخر من المحدثين، ويليه: حكم الوجادة عند المحدثين، تأليف أبي يحيى الحدادي، دار ابن حزم.
10 - ألفية العراقي (التبصرة والتذكرة)، تحقيق العربي الفرياطي، مكتبة دار المنهاج.
11 - الزيادات على كتاب المزني، لأبي بكر النيسابوري، تحقيق د. خالد بن هايف بن عريج، دار الكوثر، أضواء السلف.
12 - صحيح الطب النبوي، إعداد ماجد البنكاني، دار النفائس.
13 - ابن قيم الجوزية وجهوده في خدمة السنة النبوية وعلومها، تأليف جمال محمد السيد، مطبوعات عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية.
7 / 4 / 1426 هـ
(5)(/4)
1 - الحديث الحسن لذاته ولغيره دراسة استقرائية نقدية، تأليف د. خالد الدريس، أضواء السلف، 5ج.
2 - الموسوعة العلمية الشاملة عن الإمام الحافظ يعقوب بن شيبة السدوسي، تأليف د. علي الصياح، أضواء السلف، 2ج.
3 - العلل، للدراقطني، من مسند أم الفضل بنت حمزة إلى آخر الكتاب، تحقيق طلاب وطالبات مرحلة الدكتوراه في شعبة التفسير والحديث بقسم الثقافة الإسلامية، جامعة الملك سعود، دار كنوز إشبيليا.
4 - الإبانة، لابن بطة (فضائل الصحابة)، تحقيق د. حمد التويجري، دار الرآية، 2ج.
5 - المداوي لعلل الجامع الصغير وشرحي المناوي، للغماري، طبعة جديدة، دار الكتب العلمية، 6ج.
6 - الموطأ برواية يحيى الليثي، طبعة جديدة على عدة نسخ خطية، تحقيق د. محمد مصطفى الأعظمي، مؤسسة زايد بن نهيان الخيرية، أبو ظبي، 8ج. (يوزع مجاناً ولا يباع).
7 - الأنوار في آيات النبي المختار صلى الله عليه وسلم، لعبدالرحمن الثعالبي، تحقيق الشريف قاهر، دار ابن حزم.
8 - المعلم في معرفة علوم الحديث وتطبيقاته العلمية والعملية، تأليف عمرو عبدالمنعم، دار التدمرية.
9 - تحرير علوم الحديث مع تدريبات عملية...، عمرو عبدالمنعم، دار ابن القيم، دار ابن عفان.
10 - منهج النقد عند المحدثين مع تدريبات عملية...، عمرو عبدالمنعم، دار ابن القيم، دار ابن عفان.
11 - تحرير قواعد الجرح والتعديل مع تدريبات عملية...، عمرو عبدالمنعم، دار ابن القيم، دار ابن عفان.
12 - الأجوبة المستوعبة، لابن عبدالبر، طبعة جديدة بتحقيق عمرو عبدالمنعم، دار ابن القيم.
13 - نيل الأوطار، للشوكاني، طبعة جديدة بتحقيق طارق عوض الله، دار ابن القيم، دار ابن عفان.
14 - توجيه النظر، للقاسمي، طبعة جديدة في مجلد بتحقيق موسى شيخ موسى، مؤسسة الرسالة.
15 - النفحة الإلهية بشرح الحديث المسلسل بالأولية، تأليف د. يحيى الشهري، دار ابن حزم.
28 / 4 / 1426 هـ
(6)(/5)
1 - التاريخ الأوسط، للبخاري، طبعة جديدة بتحقيق د. تيسير أبو حيمد، د. يحيى الثمالي، مكتبة الرشد، (رسالة دكتوراه)، 5ج.
2 - التراجم الساقطة من كتاب: إكمال تهذيب الكمال لمغلطاي، تحقيق طلاب وطالبات مرحلة الماجستير بقسم الثقافة الإسلامية، جامعة الملك سعود، دار المحدث.
3 - الحديث الحسن مطلقاً ومقيداً عند الإمام الترمذي، إعداد د. عمر حسن فلاته، دار الأنصاري.
4 - الشرح المكمل في نسب الحسن المهمل، لأبي موسى المديني، تحقيق د. عمر فلاته، دار الأنصاري.
5 - الفانيد في حلاوة الأسانيد، للسيوطي، طبعة جديدة بتحقيق د. مرزوق إبراهيم، دار الرسالة.
6 - خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، لابن الملقن، تحقيق عادل بن سعد، دار الرسالة.
7 - فوائد ابن أخي ميمي الدقاق، تحقيق نبيل جرار، أضواء السلف.
8 - أخلاق العلماء، للآجري، طبعة جديدة بتحقيق أحمد حاج عثمان، أضواء السلف.
9 - الحافظ عبدالغني المقدسي محدثاً، تأليف خالد مرغوب، دار الحرمين بقطر (رسالة دكتوراه).
10 - صلة التكملة لوفيات النقلة، لأبي القاسم الحسيني، تحقيق أبي يحيى الكندري، دار ابن حزم.
11 - مرويات أمهات المؤمنين في شئون النساء، تأليف صفية الطيب (رسالة ماجستير).
12 - القضاء والقدر، للبيهقي، طبعة جديدة بتحقيق د, صلاح الدين عباس شكر، مكتبة الرشد.
13 - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، للخلال، طبعة جديدة بتحقيق أيمن الصاوي، دار الرسالة.
14 - كلام الأقران بعضهم في بعض، تأليف مصطفى باحو، دار الضياء.
24 / 6 / 1426 هـ
(7)
1 - معرفة الصحابة، لابن مندة، تحقيق د. عامر حسن صبري، مطبوعات جامعة الإمارات.
2 - أخبار الشيوخ وأخلاقهم، لأبي بكر المروذي، تحقيق عامر صبري، دار البشائر.
3 - أحكام القرآن، لإسماعيل بن إسحاق القاضي، تحقيق عامر صبري، دار ابن حزم.(/6)
4 - ضوابط الجرح والتعديل، مع دراسة تحليلية لترجمة إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السّبيعي، تأليف د. عبدالعزيز بن إبراهيم العبداللطيف ـ رحمه الله ـ مكتبة العبيكان.
5 - مسند البزار، الجزء الثالث عشر، تحقيق عادل بن سعد، مكتبة العلوم والحكم.
6 - معجم شيوخ العلائي، تحقيق د. مرزوق هياس الزهراني، مكتبة العلوم والحكم.
7 - سلسلة الأحاديث الضعيفة، المجلد الرابع عشر (ثلاثة أجزاء)، مكتبة المعارف.
8 - مسند الإمام الشافعي، ويليه ترتيبه لسنجر، طبعة جديدة بتحقيق د. رفعت فوزي، دار البشائر، 3ج.
9 - لقاء العشر الأواخر من رمضان، المجموعة السابعة، دار البشائر.
10 - أحاديث العقيدة التي يوهم ظاهرها التعارض في الصحيحين، دراسة وترجيح، تأليف د. سليمان الدبيخي، دار المنهاج.
11 - التعليق على المنتقى من أخبار المصطفى، للشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ، الجزء الأول، دار المحدث.
12 - فتح المغيث في التعليق على كتاب اختصار علوم الحديث، تأليف عمرو عبدالمنعم، دار الضياء.
13 - تيسير نزهة النظر للمبتدئين، تأليف عمرو عبدالمنعم، دار الضياء.
14 - القياس في القرآن والسنة النبوية، تأليف وليد علي الحسين، مكتبة الرشد.
15 - الأحاديث المنتقدة في الصحيحين، تأليف مصطفى باحو، دار الضياء.
16 - العلة وأجناسها عند المحدثين، تأليف مصطفى باحو، دار الضياء.
14 / 9 / 1426 هـ
(8)
1 - فتح المغيث، للسخاوي، طبعة جديدة بتحقيق الشيخ د. عبدالكريم الخضير، د. محمد الفهيد، دار المنهاج، 5 ج، (رسائل دكتوراه).
2 - تحقيق الرغبة في توضيح النخبة، للشيخ د. عبدالكريم الخضير، دار المنهاج.
3 - أسباب نزول القرآن، للواحدي، طبعة جديدة وجيدة، بتحقيق د. ماهر الفحل، دار الميمان.
4 - جامع المسانيد، لابن الجوزي، تحقيق د. علي البواب، مكتبة الرشد، 8ج.
5 - الحديث المنكر عند نقاد الحديث، تأليف عبدالرحمن الشلمي، مكتبة الرشد.(/7)
6 - موسوعة شروح الموطأ (التمهيد، الاستذكار، القبس)، تحقيق د. عبدالله التركي، دار هجر.
7 - الإمام الخطابي وآثاره الحديثية، د. أحمد الباتلي، نشر عمادة البحث العلمي بجامعةالإمام محمد بن سعود
8 - محاضرات في الحديث التحليلي، تأليف أ.د. أبو لبابة الطاهر حسين، دار الغرب الإسلامي.
9 - منهج الإمام أحمد في التعليل وأثره في الجرح والتعديل من خلال كتابه العلل ومعرفة الرجال، تأليف د. أبو بكر بن الطيب كافي، دار ابن حزم (رسالة دكتوراه).
10 - النكت على تقريب التهذيب، للشيخ عبدالعزيز بن باز، إعتناء د. عبدالله الفوزان، دار المنهاج.
11 - الحسرات في من رحل للسماع من محدث فوجده مات، تأليف محمد بن عزوز، دار ابن حزم.
12 - حكم صوم يوم السبت في غير الفريضة، تأليف د. سعد الحميّد، دار التوحيد.
13 - حكم الشرب قائماً، تأليف د. سعد الحميّد، دار التوحيد.
14 - إتحاف الزائر وإطراف المقيم السائر، لعبدالصمد بن عساكر، نشر مركز بحوث ودراسات المدينة.
15 - تدوين السنة: نشأته وتطوره من القرن الأول إلى القرن التاسع، د. محمد مطر الزهراني، دار المنهاج.
16 - دراسات حديثية، تأليف د. محمد عمر بازمول، دار الإمام أحمد، القاهرة.
5 / 11 / 1426 هـ(/8)
العنوان: كتب السنة وعلومها الصادرة سنة 1428هـ (1)
رقم المقالة: 528
صاحب المقالة: د. محمد بن تركي التركي
-----------------------------------------
1 - أمالي المحاملي رواية ابن مهدي، ويليها رواية ابن الصلت، تحقيق حمدي عبدالمجيد السلفي، دار النوادر، دمشق.
2 - منهاج القاصدين في فضل الخلفاء الراشدين، لابن قدامة المقدسي، تحقيق د. فلاح السعيدي، غراس للنشر (رسالة دكتوراه).
3 - كتاب التوحيد، لابن منده، طبعة جديدة بتحقيق د.محمد الوهيبي و د.موسى الغصن، دار الفضيلة (رسائل ماجستير).
4 - كتاب بيان المسند والمرسل والمنقطع، لأبي عمرو الداني، تحقيق علي الكندي المرر، مؤسسة بينونة للنشر.
5 - كتاب الإلمام بآداب دخول الحمام، لأبي المحاسن الحسيني، تحقيق د. نور الدين جيلار، أضواء السلف.
6 - الجزء من فوائد أبي محمد الطامذي، ويليه فوائد محمد بن أحمد القطان، تحقيق سعود الديحاني، دار العاصمة.
7 - الإيناس بضعف حديث معاذ في الرأي والقياس، تأليف علي حسن عبدالحميد، دار الصواب، الأردن.
8 - مكانة الصحيحين والدفاع عن صحيح مسلم، و نقض قول ابن دحية الكلبي ومن قلَّده في تضعيف صيام الست من شوال، تأليف عبدالعزيز العتيبي، دار غراس للنشر.
9 - فتح الواحد العلي في الدفاع عن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، للشيخ عبدالله السعد، دار المحدث.
10 - توجيه المقصد بإكمال صحيح الأدب المفرد، تأليف زكريا غلام الباكستاني، مكتبة الرشد.
11 - حاشية جامعة على الفريدة بعلم المصطلح، للشيخ يوسف بن كساب، تحقيق فهد العجمي، مكتبة الرشد .
12 - نظم كتاب الاقتراح لابن دقيق العيد، للحافظ أبي الفضل العراقي، تحقيق مشهور آل سلمان، الدار الأثرية.
13 - التابعون الثقات المتكلم في سماعهم من الصحابة ممن لهم رواية عنهم في الكتب الستة من حرف (س ـ ع)، تأليف مبارك بن سيف الهاجري، مكتبة ابن القيم بالكويت (رسالة دكتوراه).(/1)
14 - النكت على العمدة في الأحكام، للزركشي، تحقيق نظر الفاريابي، دار طيبة.
15 - كتاب الأموال، لأبي عبيد القاسم بن سلام، طبعة جديدة فيها زيادات على الطبعات السابقة، تحقيق سيد رجب، دار الهدي النبوي، دار الفضيلة.
27 / 2/ 1428 هـ(/2)
العنوان: كتب السنة وعلومها الصادرة سنة 1428هـ (2)
رقم المقالة: 1805
صاحب المقالة: د. محمد بن تركي التركي
-----------------------------------------
1- "النكت الوفية بما في شرح الألفية" للبقاعي، تحقيق د. ماهر الفحل، مكتبة الرشد، 2 ج.
2- "مسند عبد الله بن وهب"، تحقيق محيي الدين البكاري، دار التوحيد، مصر.
3- "المسالك في شرح موطأ مالك"، للقاضي أبي بكر بن العربي، تحقيق محمد السليماني، دار الغرب الاسلامي، 8 ج .
4- "تهذيب السنن"، لابن القيم، تحقيق د. إسماعيل بن غازي، مكتبة المعارف، 5 ج.
5- "جزء هلال بن محمد الحفار"، تحقيق أحمد أبو سيف، الدار الأثرية، عمان، الأردن.
6- "الإيجاز شرح سنن أبي داود"، للنووي، تحقيق مشهور حسن، الدار الأثرية، عمان، الأردن.
7- "كتاب الفيصل في علم الحديث"، أو: "الفيصل في مشتبه النسبة"، للحافظ أبي بكر الحازمي، تحقيق سعود الديحاني، مكتبة الرشد، 2 ج.
8- "الطريقة الواضحة في تمييز الصنابحة"، لسراج الدين البلقيني، تحقيق مشهور حسن آل سلمان، الدار الأثريَّة.
9- "معرفة مدار الإسناد وبيان مكانته في علم علل الحديث"، تأليف محمد مجيز الخطيب الحسني، دار الميمان، 2 ج، (رسالة ماجستير في جامعة أم درمان).
10- "كشف اللثام شرح عمدة الأحكام"، للسفاريني، تحقيق نور الدين طالب، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت، 7 ج.
11- "شرح التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير" للنووي، للسخاوي، تحقيق علي الكندي، مؤسسة بينونة.
12- "بداية المحدث، ترتيب وتشجير ونظم متن النخبة". إعداد: ياسر النشمي، دار الضياء، الكويت.
13- "الجامع في أحاديث وآثار الفرائض"، زايد الوصابي، دار الآثار، صنعاء.
14- "لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام"، المجموعة التاسعة، الرسائل من(96-109)، دار البشائر الإسلامية.(/1)
15- "البيان في الفرق بين الصحيح والتصحيح"، دراسة في مصطلح الحديث، تأليف: عبدالحفيظ قطاش، دار الكتب العلمية.
16- "فضائل القرآن"، للفريابي، طبعة جديدة بتحقيق رمضان أيوب، دار النهضة.
27 / 11/ 1428 هـ(/2)
العنوان: كتب السنة وعلومها الصادرة سنة 1429هـ
رقم المقالة: 1940
صاحب المقالة: د. محمد بن تركي التركي
-----------------------------------------
1- البيان والتعريف بسرقة الحديث النبوي الشريف، تأليف أ.د موفق عبدالقادر، دار التوحيد.
2- علم الأثبات ومعاجم الشيوخ والمشيخات وفن كتابة التراجم، تأليف أ.د موفق عبدالقادر، دار التوحيد.
3- مستدرك التعليل على إرواء الغليل (دراسة حديثية تعنى ببيان الأحاديث التي صُححت في "الإرواء" وأعلّها الائمة المتقدمون مع شرح تلك العلل (قسم العبادات) تأليف د.أحمد الخليل، دار ابن الجوزي.
4- التلخيص شرح الجامع الصحيح، للنووي (كتاب بدء الوحي وكتاب الإيمان)، تحقيق نظر الفاريابي، دار طيبة، 2 ج.
5- السلسبيل في شرح ألفاظ وعبارات الجرح والتعديل، للذهبي، استخراج وترتيب خليل العربي، دار الامام البخاري بقطر.
6- ألفية العراقي، طبعة جديدة بتحقيق العربي الفرياطي، تقديم الشيخ عبدالكريم الخضير، دار المنهاج.
7- رعاية المسنين في السنة النبويه، د. أحمد الباتلي، دار الحضارة، الرياض.
8- صِفةُ حج النبي صلى الله عليه وسلم، للشيخ عبدالعزيز الطريفي، طبعة جديدة فيها زيادات، دار المنهاج.
9- صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، للشيخ عبدالعزيز الطريفي، دار المنهاج.
10- المسائل المهمة في الأذان والإقامة، للشيخ عبدالعزيز الطريفي، دار المنهاج.
11- كتاب التنبيه على الألفاظ التي وقع في نقلها وضبطها تصحيف وخطأ في تفسيرها ومعانيها وتحريف في كتاب الغريبين عن أبي عبيد أحمد بن محمد المؤدب الهروي، تأليف أبي الفضل السلامي، تحقيق حسين باناجه، كنوز أشبيليا.
12- دليل المكتبة العقدية (معجم موضوعي للكتب والرسائل والبحوث في العقية)، إعداد د. محمد الشايع، دار زدني للنشر والتوزيع.
13- الأحاديث الموضوعة التى تنافى توحيد العبادة، جمعاً ودراسة، تأليف أسامة عطايا، مكتبة الرشد، 2 ج.(/1)
14- التحصيل والبيان في سياق قصة السيد سلمان، للسخاوي، تحقيق أحمد الشقيرات، الدار الأثرية، عمان.
1 / 1 / 1429 هـ(/2)
العنوان: كتب السنة وعلومها
رقم المقالة: 180
صاحب المقالة: د. محمد بن تركي التركي
-----------------------------------------
الكتب الصادرة سنة 1427هـ
(1)
1 - فضائل القرآن، لأبي العباس المستغفري، تحقيق د. أحمد فارس السلوم، دار ابن حزم، 2ج.
2 - الطب النبوي، لأبي نعيم الأصبهاني، تحقيق مصطفى التركي، دار ابن حزم، 2ج.
3 - كتاب العلل، لابن أبي حاتم الرازي، طبعة جديدة بتحقيق د. سعد الحميد، د. خالد الجريسي، وقد طبع ثلاث طبعات: واحدة في سبعة مجلدات، والأخرى نفس الطبعة السابقة مضغوطة في مجلد واحد، وثالثة مختصرة الحواشي في مجلد واحد.
4 - الأحاديث والآثار الواردة في فضل اللغة العربية وذم اللحن، رواية ودراية، تأليف د. أحمد الباتلي، دار كنوز أشبيليا.
5 - الأنباء المستطابة في مناقب الصحابة والقرابة، لابن سيد الكل القفطي، تحقيق د. علي الطويل، دار عمار.
6 - السنن الكبرى للإمام النسائى، طبعة جديدة بتحقيق جادالله الخراش، مكتبة الرشد، 3ج.
7 - آراء المازري والقرطبي الاعتقادية من خلال شرحيهما لصحيح مسلم، دراسة وترجيح، تأليف د.عبدالله الرميان، دار ابن الجوزي، 2ج. (رسالة دكتوراه في جامعة أم القرى).
8 - التعليق على صحيح مسلم، للشيخ محمد بن عثيمين ـ رحمه الله ـ، إعداد: عمر المقبل، مكتبة الرشد.
9 - المحرر في أسباب نزول القرآن، من خلال الكتب الستة، دراسة الأسباب، رواية ودراية، تاليف د. خالد المزيني ، دار ابن الجوزي، 2ج (رسالة دكتوراه في جامعة الإمام).
10 - أحاديث ومرويات في الميزان:(حديث: قلب القرآن يس، و حديث: ما من عبد مؤمن إلا وله ذنب يعتاده الفينة بعد الفينة)، تأليف محمد عمرو عبداللطيف، مطبوعات ملتقى أهل الحديث .
11 - تأويل مختلف الحديث، لابن قتيبة، طبعة جديدة محققة على خمس نسخ خطية، تحقيق سليم بن عيد الهلال، دار ابن القيم، ودار ابن عفان.(/1)
12 - مختصر كتاب الروض الأنف للسهيلي، اختصار الإمام الذهبي، تحقيق د. عبدالعزيز الحرفوش، دار البشائر.
15 / 3 / 1427 هـ
(2)
1 - مسند أبي هريرة لأبي إسحاق العسكري، ويليه: أحاديث من المسند الصحيح لأبي حامد ابن الشرقي، تحقيق أ.د. عامر حسن صبري، دار البشائر.
2 - التاريخ الكبير، لابن أبي خيثمة (السفر الثاني) تحقيق صلاح هلل، الفاروق الحديثة للنشر.
3 - شرح بلوغ المرام، للشيخ سلمان العودة، كتاب الطهارة، مكتبة الرشد 4ج.
4 - أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، للشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ، مكتبة المعارف 3ج.
5 - شرح موقظة الذهبي، تأليف الشريف حاتم العوني، دار ابن الجوزي.
6 - تعقبات السيوطي على موضوعات ابن الجوزي، تحقيق د. عبدالله شعبان، دار مكة المكرمة، مصر.
7 - إتحاف السالك برواة الموطأ عن مالك، لابن ناصر الدين، طبعة جديدة بتحقيق نشأت المصري، المكتبة الإسلامية، القاهرة.
8 - فتح الغفار الجامع لأحكام سنة نبينا المختار، للقاضي الرباعي، مكتبة عالم الفوائد، 4ج.(/2)
9 - قرة العيون بتوثيق الأسانيد والمتون، تأليف د. نافذ حسين حماد، ويحتوي عدة أبحاث حديثية وهي: (أثر اختلاط سعيد بن أبي عروبة على مروياته في الكتب الستة، إسماعيل بن أبي أويس في ميزان النقاد، وموقف الشيخين منه في صحيحيهما، شيوخ معمر بن راشد وتلاميذه المضعف فيهم، دراسة تطبيقية على الصحيحين، مدلول مصطلح (لا يحتج به) عند أبي حاتم، دراسة تطبيقية على الرواة المتفق على إخراج حديثهم في الصحيحين، نفي النقاد سماع الرواة من الشيوخ، دراسة تطبيقية على أسانيد أخرجها البخاري في صحيحه، رأب الصدع لأحاديث المتهمين بالوضع ممن انفرد بهم البخاري عن مسلم، سويد بن سعيد في ميزان النقاد، ودراسة مروياته في صحيح مسلم، عُمَر النبي صلى الله عليه وسلم، دراسة توثيقية، تيسير الاطلاع على أخبار حجة الوداع، منهج الإمام الشافعي في التعامل مع الأحاديث المتعارضة، تعبير الصحابي بصيغ الزمن الماضي بين الرفع والوقف، البدء بالتسمية في السنة النبوية، مع تحقيق الرسائل التالية: حسن التعهد في أحاديث التسمية في التشهد، الفانيد في حلاوة الأسانيد، الزجر في الهجر، جزء في صلاة الضحى، كتاب المدلسين)، مكتبة الرشد، 3ج.
10 - مجموع رسائل ابن عبدالهادي، تحقيق حسين عكاشة، الفاروق الحديثة، القاهرة.
11 - أحاديث المعازف والغناء، دراسة حديثية نقديّة، تأليف محمد عبد الكريم عبد الرحمن، دار ابن حزم، (رسالة ماجستير).
22 / 4 / 1427 هـ
(3)
1 - مصنف ابن أبي شيبة، طبعة جديدة بتحقيق محمد عوامة، دار القبلة، 26ج.
2 - مكارم الأخلاق، للخرائطي، طبعة جديدة بتحقيق عبدالله الحميري، 4ج.
3 - الفتح المبين في المشيخة البلدانية، لضياء الدين المقدسي، تحقيق د. محمد مطيع الحافظ، دار البشائر، 3ج.
4 - المعجم المختص، للزبيدي، تحقيق محمد العجمي، نظام يعقوبي، دار البشائر.
5 - العدة شرح العمدة، لابن العطار الشافعي، تحقيق نظام يعقوبي، دار البشائر، 3ج.(/3)
6 - منهج الاستدلال في المذهب المالكي (تأسيس وتأصيل)، تأليف الحسين الحيان، دار البحوث للدراسات الإسلامية، دبي، 2ج.
7 - الإيجاز في شرح سنن أبي داود السجستاني، للنووي، تحقيق حسين عكاشة، مكتبة دار الكيان، الرياض.
8 - إرشاد القاصي والداني إلى تراجم شيوخ الطبراني، لأبي الطيب نايف المنصوري مكتبة دار الكيان.
9 - الرد على الجهمية، للدارمي، طبعة جديدة بتحقيق أحمد بن سالم المصري، مكتبة دار الكيان، الرياض.
10 - صحيح تفسير ابن كثير، تأليف مصطفى العدوي، دار ابن رجب، 4ج.
11 - المنتقى من أخبار المصطفى، للمجد ابن تيمية، تحقيق خالد الشلاحي، مؤسسة الرسالة، 4ج.
12 - كتاب المصاحف، لابن ابي داود، طبعة جديدة بتحقيق سليم الهلالي، دار غراس، الكويت.
13 - كتاب السنة، للمروزي، طبعة جديدة بتحقيق سليم الهلالي، دار غراس، الكويت.
14 - علم علل الحديث ودوره في حفظ السنة النبوية، تأليف د. وصي الله عباس، دار الإمام أحمد، القاهرة.
15 - معجم شيوخ الطبري الذين روى عنهم في كتبه المسندة، تأليف أكرم محمد الفالوجي، دار ابن عفان.
17 / 9 / 1427 هـ
(4)
1 - سؤالات السلمي للدارقطني، طبعة جديدة بتحقيق د. سعد الحميد، و د. خالد الجريسي، وهي أكمل طبعات الكتاب إذ وقف المحقق على نسخة جديدة لم يقف عليها غيره ممن حقق الكتاب.
2 - المعجم الكبير، للطبراني، قطعة جديدة من المجلد الحادي والعشرين، تحقيق د. سعد الحميد، و د. خالد الجريسي.
3 - جزء فيه بيان أحاديث أودعها البخاري ـ رحمه الله ـ كتابه الصحيح وبيّن عللها الحافظ الدارقطني، تحقيق د. سعد الحميد، مكتبة الصميعي.
4 - أنيس الساري في تخريج وتحقيق الأحاديث التي ذكرها الحافظ ابن حجر في فتح الباري، تأليف نبيل البصارة، مؤسسة الريان، 11ج.
5 - جمع القرآن، دراسة تحليلية لمروياته، تأليف د. أكرم الدليمي، دار الكتب العلمية.(/4)
6 - أحكام الذريعة إلى أحكام الشريعة، لجمال الدين السرمري الحنبلي، تحقيق حسين عكاشة، دار الكيان.
7 - سبل السلام، للصنعاني، طبعة جديدة بتعليق الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ، مكتبة المعارف 4ج.
8 - شرح رياض الصالحين، للشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ الجزء السادس والأخير، مدار الوطن.
9 - سؤالات البرقاني للدارقطني، طبعة جديدة كاملة بتحقيق محمد علي الأزهري، الفاروق الحديثة للنشر.
10 - سؤالات ابن أبي شيبة لابن المديني، طبعة جديدة بتحقيق محمد علي الأزهري، الفاروق الحديثة للنشر.
11 - سؤالات السجزي للحاكم، طبعة جديدة بتحقيق محمد علي الأزهري، الفاروق الحديثة للنشر.
12 - سؤالات السلمي للدارقطني، طبعة جديدة بتحقيق محمد علي الأزهري، الفاروق الحديثة للنشر.
13 - العلل، لابن المديني، طبعة جديدة بتحقيق محمد علي الأزهري، الفاروق الحديثة للنشر.
14 - معجم مشتبه أسامي المحدثين، ويليه كتاب الزيادات عليه، لأبي الفضل الهروي، طبعة جديدة بتحقيق محمد علي الأزهري، الفاروق الحديثة للنشر.
11 / 11 / 1427 هـ(/5)
العنوان: كتب عن الحج
رقم المقالة: 1767
صاحب المقالة:
-----------------------------------------
اضغط على اسم الكتاب لتحميله على جهازك
"شرح أخصر المختصرات في الحج" للشيخ محمد بن حامد القرني
"الحج وأصناف الناس الأربعة" للشيخ ندا أبو أحمد
"أحكام عرفة" د. صالح بن مقبل العصيمي
مختصر كتاب المناسك من الشرح الممتع على زاد المستقنع لسماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين
فقه الحج(/1)
العنوان: كتب قيِّمة.. إسلاميَّة بيِّنة (1)
رقم المقالة: 831
صاحب المقالة: محمد خير رمضان يوسف
-----------------------------------------
مقدمة
الحمدلله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن والاه، وبعد:
فإن لكل قارئ نظرته إلى الكتب، ربما تنطلق من اهتمامه وتخصصه، أو من حبه لموضوعات معينة، أو متابعته لمؤلفات كتّاب معينين في نتاجهم، فإذا تجاوز ذلك كان باحثاً وهادفاً لتكوين مكتبة خاصة تعينه على بحوثه، أو هاوياً ينتقي وينمق.
وقد رأيت كثيراً من الموضوعات المتكررة قُتِلت بحثاً وأُلِّف فيها كتبٌ عديدة حتى مُلَّت أو كادت، وموضوعات أخرى لم تُبحَث بعناية، أو بُحثت ولم يُكتب فيها إلا القليل، أو بُحثت جوانبُ منها دون الإحاطة بها.
وهناك موضوعات بُحثت بمنهج وأسلوب جديدَين متميزَين، تحتاج إلى إشادة وإبراز.
وبين هذا وذاك كان لي جولات بين الكتب والمكتبات، وقُدِّر لي أن أقف عليها وأتناولها وأنظر في موضوعاتها، فأرى أنها جديدة في بحثها، أو جامعة لأمور مستأثَرة، قلَّ من تطرق إليها أو جمعَها بهذه الصورة، فأكتب عنوانَ الكتاب واسم مؤلفه، وبياناته الكاملة، وأبين ما تطرق إليه، وربما أذكر نماذج مما عالجه المؤلف، أو نتيجة بحثه.
والهدف من هذا كلِّه الإشارة إليه، وتنبيه القارئ على موضوعه، وأنه بُحث؛ ليقتنيه أو يقرأه من شاء.
وهذا عرضٌ موجز لمجموعة من الكتب ذات الأوصاف السابقة، بينها رسائلُ جامعيةٌ عديدة، تشجِّع الناشرين على متابعة أصحابها وطلب نشرها - إن لم تكن نُشرت - أو تذكِّر باحثين باختيار موضوعات منها، أو على غِرارها؛ للبحث فيها وتقديمها للقراء.
على أن ذكرها هنا ليس تزكية لها جميعاً، وإنما هو تنويه بموضوعاتها وتنبيه على ما بُحث منها.
أدعو الله - تعالى - أن ينفع بها، وأن يعلِّمنا ما ينفعنا، إنه قريب مجيب.
أولاً: المعارف العامة
1- (صناعة الكتابة والكتاب في عهد الرسول والخلفاء الراشدين)(/1)
صناعة الكتابة والكتاب في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- والخلفاء الراشدين: العوامل والبوادر .. خلفية للحياة العلمية والكتابية في النصف الأول من القرن الأول الهجري. إعداد: ماجد بن عبود بادحدح، جدة: جامعة الملك عبد العزيز، 1420هـ (رسالة ماجستير).
يذكر الباحث أن المؤرخين القدماء والمُحدَثين لم يهتموا الاهتمام الكافي بدراسة المدة الزمنية موضوعَ الكتاب، بالرغم من أهميتها البالغة، وأنه بحثَ في مصادر عديدة حتى تمكن من التأريخ الدقيق للموضوع.
تحدث في الباب الأول عن الحياة العلمية، وأثر كتابة القرآن الكريم في صناعة الكتابة والكتاب، والعامل السياسي والإداري، وغيره.
ثم تحدث في الباب الثاني عن بوادر صناعة الكتابة والكتاب، فخصَّص بحثه الأول لأدوات الكتابة: القلم، الدَّواة، المداد، المحو؛ غسلاً وحكّاً وحرقاً، والتتريب، والإلاقَة.
ثم مواد الكتابة: الجلد وأنواعه: الأديم، الرَّق، القَضِيم، الكَتِف، اللَّوح، القَتَب، العَسِيب والكُرنافَة، العُرجون، الجريدة، اللخْفَة، البَرْدِيّ (القِرطاس)، المُهْرَق.
ثم أسماء المدوَّنات: الصَّحيفة، الكتاب، الطُّومار، السِّجِل، الصَّك، السِّفر، المَجَلَّة، الكُرَّاسة، الدَّفتر، الإِضْمامَة، السَّبُّورَة، الطُّنُوج، القَصَّة، الرُّقعة.
ثم تحدث عن أوعية حفظ المدوَّنات: الصُّندوق، بطن السيف، الكِنانة، المِخلاة، الرَّبْعَة، السَّفَط، الجِراب، الكُوَّة، الحقيبة أو العَيْبَة، الجُؤْنَة، القَصَبَة، الحُقَّة، الكُم، العُكن، العَقْص، العمامة وظهور الخزائن والمكتبات.
وخصص فصلاً للمكتبة في المدة الزمنية المذكورة.
وذكر الباحث نتائج كثيرة للبحث منها:
- إثبات صحة الرواية التي مَفادها أن مدينة الحِيرة كانت مصدراً من مصادر تعلُّم الصحابة وعرب الحجاز الكتابة، برغم رفض العلماء المعاصرين المهتمين بذلك.
- إثبات أن نشأة دواوين الإنشاء والجند كانت في عهده صلى الله عليه وسلم.(/2)
- جودة الحبر المستخدم في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعهد الخلفاء الراشدين، إذ ظل محتفظاً بوضوحه وصفائه عدة قرون.
- ظهر أن المواد المستخدَمة في الكتابة في العهد النبوي وعهد الخلفاء الراشدين كانت تُتخذ من البيئة المحيطة؛ فمن الحيوان كانت تتخذ الجلود والعظام مثل الكتف والطبق، ومن النبات كانت تتخذ الكرانيف والعسيب والعرجون والجريد، ومن الأحجار اللخاف، ومن الأخشاب الألواح والأقتاب.
- اهتم الرعيل الأول بحفظ المدونات العلمية والوثائق الرسمية والمراسلات الشخصية في أوعية خاصة بها.
- إنشاء أول مكتبة عامة في تاريخ الحضارة الإسلامية في أواخر النصف الأول من القرن الأول الهجري، وهي مكتبة محمد بن جبير بن مطعم النوفلي.
- كشفت القائمة الحصرية للكَتَبَة في النصف الأول من القرن الأول الهجري بعضاً من النتائج الإحصائية والتحليلية المتعلقة بالمكتبة في ذلك العهد.
2- (أحكام الكتب في الفقه الإسلامي)
إعداد: ياسين بن كرامة الله مخدوم. الرياض: جامعة الإمام، كلية الشريعة، 1424هـ، 764 صفحة. (رسالة ماجستير).
بحثٌ فيه موضوعات عديدة مما يخص الأحكام الشرعية المتصلة بالكتب.
من ذلك في العبادة: الاستجمار بالكتب، وحكم تطهيرها، واحتساب قيمة الكتب في نصاب الزكاة، والدخول بكتب العلم دار الحرب.
وفي المعاملات وفقه الأسرة: شراء الكتب الفاسدة والمبدلة لإتلافها، وبيع الكتب للكفار، وبيع التوراة والإنجيل، والنظر في الكتب المرهونة، وكيفية ضمان كتب المتلف، وإجارة الكتب، وإعارتها، وإصلاح المستعير الخطأ في الكتاب، وأحكام الكتب الموقوفة، وحكم هبتها، ووصية الإنسان بإتلاف كتبه، ودفع الكتب مهراً.
وأحكام الكتب في الحدود والتعزيرات: مثل إثبات حد القطع بسرقة الكتب، وإثبات الحد والتعزير على مؤلف الكتاب إن ثبت موجِب ذلك في كتابه، وحكم من تبرأ من كتب العلم الشرعية.(/3)
وتحدث في فصل عن أحكامها في باب الأدب والزينة: من ذلك حكم تقبيلها، والاتكاء عليها، وحرقها أو دفنها، وحكم الفتوى فيها، وحكم النظر في الكتب المحرمة، وحكم تحليتها بالذهب والفضة.
ثم فصَّل في حقوق التأليف والنشر والتوزيع والترجمة.
3- (الحق الأدبي للمؤلف في الفقه الإسلامي والقانون المقارن)
تأليف: عبدالله مبروك النجار. الرياض: دار المريخ، 1420هـ، 487 صفحة.
تقتصر هذه الدراسة على الجانب الأدبي من حقوق المؤلف، وما تستتبعه تلك الحقوق من حماية.
وقد قدم لها المؤلف بمقدمة موجزة قيمة، وأتبعها بأبواب وفصول، ومباحث ومطالب في غاية العمق والأهمية، وجمع لها من الشواهد والأدلة والنصوص، وتوسَّع بما لا يكاد يجارى فيه.
بعد أن عرَّف (الحق الأدبي) للمؤلف في الفقه الإسلامي، ثم (الوضعي)، ذكر وسائل حماية هذا الحق، وعرَّج فيها على الخطأ والضرر و(السرقات العلمية)، الجزئية منها والشاملة، و(الاقتباس غير المشروع)، والاعتداء على عنوان المصنِّف.
وذكر حالات التعويض في الفقه والقانون بما ينال المؤلف من ضرر، والجزاء الجنائي جرَّاء ذلك من حبس وغرامة ومصادرة، وعقوبات أخرى تبعيَّة، وكشف حال المعتدي، وإتلاف المصنَّف المعتدي، وأورد في آخِره ملحقَين؛ أولهما عن الاتفاقات المتعلقة بحقوق المؤلف، والآخر عن بعض القوانين المتعلقة بحماية حقوق المؤلف، بينها قانون حق التأليف العثماني، والاتفاقية العالمية لحقوق المؤلِّف، والاتفاقية العربية، ثم الإسلامية لحماية حقوقه.(/4)
وذكر المؤلف في الخاتمة أن قواعد الفقه الإسلامي وأحكامه قد استوعبت كلَّ ما تمخضت عنه الدراسات والنظم التي اهتمت بحقوق المؤلف، وتبلورت منذ ما يقرب من قرن من الزمان؛ بل سبقتها منذ أربعة عشر قرناً من الزمان في وضع الأسس القويمة لحماية هذه الطائفة من الحقوق وغيرها، بما يزيد في رسوخه وشموخه عما قررته التقنيات الوضعية فيها. وهو بالقطع لا يقل عنها في وضوح المبادئ التي تحكم هذه الطائفة من الحقوق، بما يبرهن دائماً أن شريعة الله سبّاقة في تحقيق كل ما فيه الخير للناس، وحفظ حقوقهم، وبما يدل بيقين على أنها الصالحة دائماً لحكم تصرفات الناس في كل زمان ومكان.
4- (الأقوال القويمة، في حكم النقل من الكتب القديمة)
لأبي الحسن إبراهيم بن عمر بن حسن البقاعي الشافعي؛ دراسة وتحقيق: سامي بن علي بن محمد القليطي العمري. مكة المكرمة، جامعة أم القرى، 1419هـ، (رسالة ماجستير).
ألَّف الإمام البقاعي (ت 885 هـ) كتابه المشهور "نظم الدرر، في تناسب الآيات والسور"، وقد استأنس فيه ببعض ما جاء في التوراة والإنجيل؛ لتأييد دين الإسلام، والردِّ على الخصوم، فعارضه على فعله هذا بعضُ خصومه، واتهموه أنه يريد إظهار التوراة والإنجيل على القرآن، وأن فعله هذا محرم!!
فألَّف كتابه هذا: "الأقوال القويمة، في حكم النقل من الكتب القديمة" للرد عليهم، وقد جعله في مقدمة وثمانية فصول وخاتمة، فيها بيان غرض من شنَّع عليه، وكلام علماء عصره بشأن كتابه "نظم الدرر"، ومسألة الكتاب، ثم حُكم النقل من الكتب السابقة لتأييد دين الإسلام، وأدلة ذلك الحكم، والشواهد المؤيِّدات الدالة على ذلك، وبيان كلام العلماء على الأدلة وعلى ما يتراءى أنه يخالفها، ثم ذكرَ بعضَ من نقل عن تلك الكتب من أعيان الأمة، وبعضَ ما نقلوه، والكلام على الكتب السماوية السابقة؛ هل هي مبدَّلة؟ وما المبدَّل منها؛ هل هو جميعها أم بعضها؟(/5)
والفصل الأخير: في بيان جواز النقل عن بني إسرائيل. وضمَّن الخاتمةَ فوائد عدة في مختلف العلوم والفنون.
وذكر المحقق في الخاتمة أن النظرَ في كتب أهل الملل والنحل والمخالفين، للرد عليهم من قِبَل أهل الفن والاختصاص من أهل العلم دل عليه الكتاب والسُّنة، وأقوال سلف الأمة وأعمالهم، وأن هذا العمل يُعدُّ من أهم طرق الدعوة إلى الدين والعقيدة.
وأنه لا يجوز لمن لم ترسخ قدمه في العلم أن يطَّلع على كتب المخالِفين المشحونة بالضلالات والشبهات.
وأن الرد على الخصم من كتابه وبما يعتقد، يُعدُّ من أقوى الأدلة والبراهين في الرد عليه ودحض شبهته.
وأخيراً: ذكر أن هذا الكتاب يُعدُّ من أوائل الكتب التي تناولت حكم النقل من الكتب القديمة في مؤلَّف مستقل.(/6)
العنوان: كتب قيِّمة.. إسلاميَّة بيِّنة (2)
رقم المقالة: 885
صاحب المقالة: محمد خير رمضان يوسف
-----------------------------------------
ثانياًَ: الدين
أ- آداب ودعوة:
1- (لماذا أتصدق؟)
لماذا أتصدق؟: سؤال وخمسون إجابة. جمع وترتيب وإعداد: مصطفى عبدالله مصطفى الشيخ. الرياض: مؤسسة الممتاز للطباعة، 1416هـ، 32 صفحة.
رسالة قصيرة، لكنها نفيسة!! لا يكاد المرء ينتهي من قراءتها حتى يشعر بعظمة هذا الدين، وما شرعه لصالح المجتمع الإسلاميِّ، وما فتحه من أبواب الخير التي تؤدي إلى الجنة؛ فيكون هذا العملُ لصالح المتصدِّق والمتصدَّق عليه.
ألقى المؤلف في رسالته هذا السؤال (لماذا أتصدَّق؟)، وأجاب عنه خمسين إجابة، منها:
- لأن الصدقةَ من السخاء، والسخاءُ صفةٌ من صفات الله - عزَّ وجلَّ.
- لأن محبةَ الناس من محبة الله، والناس يحبون مَنْ يبذُل ماله.
- أتصدَّق لأنني أطمعُ أن أكونَ من عباد الله الذين اختصَّهم لحوائج الناس، يفزع إليهم الناسُ في حوائجهم، وأولئك همُ الآمنونَ من عذاب الله.
- لأنها فَكاكي من النار.
- لأنها تمنعُ سبعين نوعاً من أنواع البلاء، أهونُها الجُذام والبَرَص.
- لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرنا أن نستنزل الرزقَ بالصدقة، ((أنفِق يا ابنَ آدمَ يُنْفَقْ عَليكَ)).
2- (أحكام الفقير والمسكين)
أحكام الفقير والمسكن في القرآن العظيم والسُّنة المطهرة. تأليف: محمد عمر بازمول، بيروت: دار البشائر الإسلامية، 1420هـ، 351 صفحة.
تحدَّث فيه عن حدِّ الفقير والمسكين، وفضلهما، والأحكام المتعلِّقة بأصحاب هذين الوصفَيْن، في تمهيد وثلاثة مقاصد وخاتمة.
وفي المَقْصَد مسائلُ منثورة عن الفقير والمسكين:
بحثٌ في أفضليَّة الفقير الصابر والغنيِّ الشاكر، وبيان حدِّ الفقر الذي تجوز معه المسألةُ وأخذُ الصدقة، وأنه لا جِزية على فقير عاجِز، وتجوز صدقةُ التطوُّع على الفقير الكافر.(/1)
وبحثٌ في فقراء الحرم، وآخرُ في فقراء الصحابة.
وذكر المؤلف أن السعيَ لرفع وصف الفقر والحاجة من الواجبات، وأن القويَّ المكتسِب لا حظَّ له في الصدقة، فإن عجَزَ عن الاكتساب، أولم يجد كَسباً، جازت له المسألةُ؛ بل وَجَبَت عليه.
3- (أحكام الأبوَيْن في الفقه الإسلامي)
إعداد: محمد بن عبدالله الغدير، الرياض: جامعة الملك سعود، قسم الثقافة الإسلامية، 1419هـ، 519 صفحة. (رسالة ماجستير).
لعل الجديدَ في هذا الكتاب أنه موثَّقٌ من مصادرَ فقهية معتمدة، وأن مؤلفه بسط القول فيه وأسهب، مع الالتزام بالمنهج العلمي (الأكاديمي).
تناول فيه مسؤوليةَ الابن تُجاه الأبوَين، وحكم البِرِّ والإحسان إليهما، وأهميته، وآدابه، وآثاره، وأسباب ظاهرة عُقوق الوالدَين، وبيان طرائق التكفير عن العُقوق. ثم بيان ما تجبُ طاعتُهما فيه وما تمنع، واستحقاقهما الميراث.
والباب الثاني: في مسؤولية الوالدَين، وممارستهما الولاية على أكمل وجه، وأنواع هذه الولاية.
وذكر في الخاتمة نتائجَ طيِّبة، منها:
- لم تقتصر الشريعةُ على بيان البِرِّ بالوالدَين حال حياتهما، بل أوضَحَت أن البِرَّ بالوالدَين يكون - أيضاً - بعد مماتهما؛ بالحجِّ عنهما، والدعاء لهما.
- من روعة الشريعة الإسلامية وسموها وتفوُّقها؛ أن جعلت الولايةَ على الأبناء على نوعَين، نوع يُقدَّم فيه الأب على الأم، وهي ولاية المال والنِّكاح؛ لأن الآباءَ أقدرُ على تحصيل مصلحة الأبناء فيهما، ونوع يُقدَّم فيه الأم على الأب، وهي ولاية الحضانة إلى سنٍّ معيَّنة؛ لأن الأمهات أقدرُ على التربية وأعرفُ بها، وأصبرُ وأرأفُ على الأبناء، ولحاجة الأبناء إلى الأمَّهات في تلك المرحلة.(/2)
- أبرزت الشريعةُ الإسلامية صورةً مشرِّفة من صور التكافل الاجتماعي الذي تتباهى به الأنظمةُ المعاصرة وتدعو إليه، وتَبرُز هذه الصورةُ بجلاء في نفقة الآباء على الأبناء حتى يَكبَروا ويكونوا قادرينَ على الكسب، وفي نفقة الأبناء على الأباء الذين لا مالَ لهم ولا كسب.
4- (اعتذارات الأئمَّة)
تأليف: خليل بن عثمان السبيعي. الرياض: دار الصميعي، 1420هـ، 119 صفحة.
جميلٌ أن يخطرَ على البال جمعُ ما اعتذرَ منه الأئمَّة الفضلاء، وهم أعلامُ الأمَّة، فيكونون بذلك أُسوةً صالحةً لآخرينَ من بعدهم، يعترفون بتقصيرهم، ولا يتكبَّرون.
على أن المؤلف -وفَّقه الله- جمع اعتذارات الأئمة في مقدِّمات كتبهم -غالباً- عما قد يفوتُهم، وأنهم لم يحيطوا بجمع ما يكتبون فيه، فيطلبون الصفحَ والتصحيح لما بدر من خطأ.
ولو أن المؤلف ضمَّ إلى كتابه ما اعتذر عنه الأئمة من أخطاء سابقة وقعوا فيها ثم رجعوا عنها وصحَّحوها، أو نقدوا علماء، ثم تبيَّن لهم أن المنقودين كانوا على حقٍّ، أو صدر منهم ما لا يَليق بحقِّ فلان فاعتذروا.. لو أن المؤلفَ ضمَّ هذا لكان أجدى وأنفع وأوقع في النفس.
ومثال ما أورد الجامعُ من اعتذارات الأئمَّة: ما ذكره الخطيبُ البغدادي -رحمه الله- في كتابه "الموضح لأوهام الجمع والتفريق": ((ولعل بعضَ مَن ينظر فيما سطَّرناه، ويقف على ما لكتابنا هذا ضمَّنَّاه، يُلحق سيِّئ الظن بنا، ويرى أنا عَمَدنا للطَّعن على مَن تقدَّمَنَا، وإظهار العيب لكُبراء شيوخنا وعلماء سلفنا! وأنَّى يكونُ ذلك وبهم ذُكِرنا، وبشَعاع ضيائهم تبصَّرنا، وباقتفاء رُسومهم تميَّزنا، وبسلوك سبيلهم عن الهمج تحيَّزنا؟! وما مَثَلُهم ومَثَلنا إلا ما ذكر أبو عَمرو بن العلاء: ما نحن فيمَن مَضى إلا كبَقْل في أُصول نخلٍ طِوال)).
5- (الإيضاح، في بيان أحكام المُزاح)
تأليف: يعقوب بن يوسف الحمد. بيروت: دار ابن حزم، 1420هـ، 146 صفحة.(/3)
بيَّن أقسام المزاح مع الأهل، والأولاد، والأصحاب: من مُباحٍ، وواجب، ومكروه, ومحرَّم. فمن المحرَّم ما يمسُّ ذات الله –تعالى- وما يمسُّ الأنبياء والرسل -عليهم الصلاةُ والسلام- وما يمسُّ شرع الله وأركان الدين.
وفي الباب الثاني: ذكر في ثلاثة فصول أنماطاً من المزاح، من هَديه -صلى الله عليه وسلم- في المزاح، ثم من هَدي الصحابة في ذلك -رضي الله عنهم- ثم التابعين رحمهم الله.
وفي الباب الأخير: تحدَّث عن حدود المزاح، وعاقبة كثرة الضَّحك، وأسباب الكثرة منه، ثم الوسائل العلاجية للحدِّ منها، مثل: تذكُّر أحوال الآخرة وقربِ الأجَل، والتفكُّر في الغرض الذي من أجله خُلقنا، والالتزام بالضوابط النبوية في المزاح، واستغلال الفراغ في الأعمال النافعة المباحة، ومصاحبة الأخيار وطلبة العلم الشرعي.
وخصَّص الفصلَ الأخير للمُزاح, وواقعنا الحالي. وفي آخره أبياتٌ لأبي العتاهية, هي:
أَنَلْهو وأَيامُنا تَذْهَبُ ونَلْعَبُ والدَّهْرُ لا يَلْعَبُ
أَيَلْهُو ويَلْعَبُ مَنْ نَفْسُهُ تَمُوتُ ومَنْ بَيْتُهُ يَخْرَبُ
أَرَى صُوَرَ اللَّهْوِ مَسمُوحَةً ولَكِنْ لَها رَوْنَقٌ مُذْهَبُ
سَيَصْدُقُ مَنْ ماتَ فِي هَجْرِهِ وَقَدْ كانَ فِي وَصْلِهِ يَكْذِبُ!
6- (الوسائل المشروعة والممنوعة في الدعوة إلى الله تعالى)
إعداد: محمد أزهري حاتم، الرياض: جامعة الإمام، 1420هـ، 560 ورقة. (رسالة ماجستير).
تبدو أهميَّة الموضوع من أن كثيراً من الأخطاء الحاصلة لدى الدعوة والدعاة إنما سببُها غيابُ المنهجيَّة المستنيرة بنور القرآن الكريم والسُّنة المطهَّرة، ومنهج السلف الصالح -رضي الله عنهم- في الدعوة إلى الله تعالى، حتى إن بعضَ الدعاة يغيب عنهم أيسرُ قواعد التعامل مع الآخرينَ والحكم عليهم.
ولا يستغني الداعيةُ المعاصر عن معرفة حُكم الوسائل المتوافرة في العصر الحاضر، التي لم تكن تُعرف في الحِقَب السابقة.(/4)
ويذكر الباحث أن هذا الموضوعَ جديد مبتكَر، لم يُدرَس دراسةً متخصِّصةً تجمع أشتاته وتلمُّ متفرِّقه، مع أهمية الدعاة والدعوة وحاجتهما إلى مثله.
وقد جعله في أربعة فصول تحت كلِّ فصل مباحث:
ففي الأول منها: ذكَر أهميةَ الوسائل الدعوية وخصائصها وضوابطها.
وفي الثاني: تحدَّث عن الوسائل المشروعة في الدعوة إلى الله -تعالى- والمختَلَف فيها.
وفي الثالث: الوسائل الممنوعة في الدعوة إلى الله، فذكر مَفهومها والمرادَ بها، ثم أنواعَها باعتبار أحكامها.
وانتهى في الخاتمة إلى أن الوسائلَ الممنوعة -من ناحية أسباب النهي عنها- تنقسم إلى:
أ- الوسائل الممنوعة لذاتها: وهي التي ورد النهيُ عنها في الشرع بسبب مفسدتها أو ضررٍ في ذاتها؛ كالشرك والكفر والسحر والزنى، والابتداع في الدين.
ب- والوسائل الممنوعة لغيرها: وهي التي جاء النهيُ عنها بسببٍ عارضٍ خارجٍ عنها، يؤدِّي العمل بها إلى مفاسدَ ممنوعة لذاتها، كمنع سبِّ المشركين إذا أدَّى إلى سبِّهم لله تعالى.
وذكر أيضاً أن هناك رخصاً جعلها الله –تعالى- أسباباً تُجيز استعمالَ بعض الوسائل الممنوعة في حالاتٍ خاصَّة غير معتادة، وقد اتَّضَح لنا جوازُ استخدام بعض الوسائل الممنوعة في الدعوة عند اقتضاء المصلحة الدعوية، أو لدفع مَفسدة عُظمى، أو للضرورة الملجِئة والحاجة الملحَّة، مع وجوب مراعاةِ الشروط والضوابط في ذلك.
7- (الاحتساب باليد، حُكمُه وأنواعُه وآدابُه)
إعداد: كوثر بنت حامد زبرماوي. الرياض: جامعة الإمام، 1421هـ، 527 صفحة، (ماجستير).
تذكر الباحثة أن أهميةَ الموضوع تكمُن في تخلِّي الكثيرين عن القيام بالاحتساب باليد مع وجود دواعيه وأَمْنِ عواقبه، محتجِّين بأنه يُنفِّر الناس ويتدخَّل في خصوصياتهم ويعتدي على حقوقهم.
وكذلك لتصحيح المفهوم القاصر للاحتساب باليد الذي يُحصَر في الضرب أو الخروج على الحاكم، ولعدم وجود بحث أو كتاب مستقلٍّ في هذا الموضوع.(/5)
وتحدثت في عدة فصول ومباحثَ عن مفهوم الاحتساب باليد، وحُكمه، والقواعد التي يجب مراعاتُها قبل تعرُّف حُكم هذا الاحتساب، وحالات عدم جوازه، وحالات استحبابه ووجوبه، وضوابط القيام به، وحالات الامتناع عنه، ثم آثار الاحتساب باليد.
وذكرت في النتائج أن المرادَ باليد في الاحتساب: اليد الحقيقية، وما يدلُّ عليه لفظُها من النفس أو الجماعة، أو القُدرة أو السلطة أو القَهر، أو الفعل أو القوة.
وأن الأصلَ في الاحتساب باليد الوجوب، لكنه قد يَحرُم في بعض الحالات أو يُكرَه، وقد تلحق به قرينةٌ تصرفه عن الوجوب إلى الاستحباب.
ونفت التلازمَ بين الاحتساب باليد والعُنف والغِلظة والفَظاظة، وبيَّنت أن هذا الاحتسابَ لا ينحصر في الإتلاف والضرب.
وأن من آثار الاحتساب باليد: حفظ الضروريات الخمس، والتربية، والتزكية للأفراد صغاراً وكباراً، والمحافظة على سلامة المجتمع من المنكرات الظاهرة، وسلامته من العقوبات الإلهية التي يصيب بها -عزَّ وجلَّ- الأممَ والأقوام، والمحافظة على الأمن العامِّ للمجتمع؛ بالحدِّ من الجرائم، والقبض على المجرمين والمفسدين.
8- (حُكم الإنكار في مسائل الخلاف)
تأليف: فضل إلهي، غجرانواله بباكستان: إدارة ترجمان الإسلامي. الرياض: توزيع مؤسسة الجريسي، 1417هـ، 134 صفحة.
المقصود بالإنكار: الاحتساب، وهو الأمرُ بالمعروف إذا ظهر تركُه، والنهيُ عن المنكر إذا ظهر فعلُه.
والمقصودُ بمسائل الخلاف: المسائل التي اختلف فيها علماءُ الأمة، سواء أكانت هذه المسائل غيرَ اجتهادية؛ كالمسائل التي وُجد فيها نصٌّ أو نصوص تدلُّ على صحة أحد الآراء فيها، أم كانت مسائلَ اجتهادية؛ وهي المسائلُ التي ليس فيها نصٌّ صريح يدلُّ على صحة أحد الآراء فيها.(/6)
وقد أورد المؤلف آراءَ العلماء في هذه القضيَّة وحشد لها الأدلَّة، منها رأيُ الإمام الغزالي، والماوردي، وأبي يعلى، والسيوطي، وأيَّد ما ذهب إليه الأئمَّةُ النووي، وابن تيمية، وابن القيم والشوكاني -رحمهم الله تعالى- غير أن معيارَ الإنكار في مسائل الخلاف هو الكتاب والسُّنة وليس مذاهب الناس، فمَن خالف النصَّ يُنكَر عليه، سواء أكان فعله موافقاً لمذهبه أم مخالفاً له.(/7)
العنوان: كتب قيِّمة.. إسلاميَّة بيِّنة (3)
رقم المقالة: 943
صاحب المقالة: محمد خير رمضان يوسف
-----------------------------------------
2- ثقافة إسلامية:
1 - (الشهرة)
الشهرة؛ أو: عالم الأضواء في ميزان شريعة الإسلام. تأليف: سعيد عبدالعظيم، الإسكندرية: دار الإيمان، 1410هـ، 206 صفحة.
بدأ الكاتب بقوله: ((الشهرة لها بريقٌ ولمعان، يكاد يخطَف أبصار الكثيرين من الناس، وهذا ما يجعلهم يتهافتون على مصاحبة المشهورين ومجالستهم، والاستماع إليهم، وتناقُل كلامهم، حتى ولو كانت فاسدة ومؤذية، مما ينطوي على خطر عظيم.
فالمشهورون - عادةً - هم القدوةُ والأسوة في نظر الناس، وقد أصبحت الشهرةُ صناعة وحرفة تقوم على أسس وضوابط، ويُبذل في سبيلها الكثيرُ من المال والجهد. وإبليسُ من أكثر الخلق شهرة!!)) إلى آخره.
وبيَّن المؤلف أحكام كثير من الأمور التي تدخل فيها الشهرة، مثل السَّبق والمنافسة، والشهرة بالمال والجاه، والسلطان، والرِّياضة، والجمال، والأدب، والفَن؛ كالغناء والرسم، والرَّقص والتمثيل.
وتعرَّض لأسباب الشهرة وصناعة المشاهير، وكيف صُنع المشاهير ببلادنا، وآفات الشهرة، وتفضيل المفضول على الفاضل بسبب الشهرة.
2 - (القوة في الإسلام)
القوة في الإسلام: دراسة تأصيلية. تأليف: غازي بن سعد المغلوث، الرياض: جامعة الإمام، قسم الثقافة الإسلامية، 1420هـ، 376 ورقة. (رسالة ماجستير).
يتسع معنى القوة في القرآن الكريم ليشملَ كلَّ ما يؤدي بالفرد والمجتمع والأمة إلى التفوُّق والتقدم. ولابد للإسلام من القوة؛ لإقامة منهج الله في الأرض، وليتولَّى قيادة البشرية.
والقوةُ في الإسلام مبنيةٌ على أسس وقواعد: كالإيمان الذي يبثُّ في النفس الثقة والصبر واليقين والتضحية، ثم العلم الذي يدلُّ على الخير ويميزه عن الشر، والتربية الربانية وما تثمره من قوة الإرادة والجَلَد وعدم الجزع واليأس.(/1)
ولابدَّ للإسلام من قوة؛ ليقفَ أمام أهل الباطل الذين يعارضون الحقَّ، ويقاتلون أهله، كما تقوم القوَّة بالحماية الداخلين في الإسلام من الاضطهاد والفتنة، ولضبط أمور المجتمع، وإشاعة الأمن والاستقرار، وتنفيذ العقوبات.
ووضع الإسلام عدداً من المبادئ تسير بالمجتمع إلى القوة التي يترسَّمها، ويدعو إلى القوة في المجال الاقتصادي، وفي المجال العسكري، وفي مجال المعرفة؛ لتأسيس الحضارة ونشر الحق، وفي مجال الآداب والأخلاق، وتوظيف العادات والتقاليد لخدمة العقيدة الإسلامية، والقوة الاجتماعية، بإعلاء شأن الفضائل.
أورد الكاتب هذه الأمور وغيرَها بأسلوب تأصيليٍّ في خمسة فصول هامة، تحتها مطالب ومباحث عديدة.
3 - (صنعة العظماء)
صنعة العظماء: كيف تصبح نجماً اجتماعياً. تأليف: علي الحمادي، بيروت: دار ابن حزم؛ دبي: مركز التفكير الإبداعي، 1419هـ، 145 صفحة - (سلسلة قواعد وفنون التعامل مع الآخرين، 6).
هل هناك طرقٌ علمية يمكن أن يمارسَها كل إنسان بلا استثناء، فيبني بها عَلاقة وطيدة مع الآخَرين، ويكون رمزاً اجتماعياً محبوباً ومحترماً لدى كثير من الناس؟
هذا ما يجيب عنه هذا الكتاب، فيبيِّن خمسة عوائق أولاً ويعالجها؛ هي: الشعور بالخجل، والشعور بالنقص، وعدم توافر مهارة الحوار والإقناع، وكثرة المشاغل وقلَّة الوقت، وعدم معرفة طرق بناء العَلاقات.
ثم يذكر (50) طريقة للعَلاقات الذكية التي تربطك بمجتمعك؛ لتكون نجماً لامعاً بينهم، ويطلب منك المؤلِّف أن تتأمَّل في هذه الطرق الخمسين، ثم تختار ما هو نافعٌ ومفيد، مراعياً بذلك أحوالَك وظروفَك، وإمكاناتك وقدراتك؛ إذ ربما يصعُب على المرء أن يمارسَ جميع الطرق الخمسين، ولكنَّ عليه أن يحاولَ.
ومن هذه الطرق:(/2)
القناعة أولاً، قائمة العَلاقات، عيادة المريض كسباً له، المشاركة في الأفراح، المساندة في الأتراح، اغتنام السفر، استثمار الشكاوى والمشكلات، أدوات الإعلام، عدم التكلُّف في إجابة الدعوة، المساجد والوصايا السبع، مجالس الحي، شبكة العَلاقات، الاستثمار الوظيفي، الطرق الإحدى عشرة، صناعة الألقاب، العَلاقات الطبيعية، الأسئلة الذكية، استثمار (السكرتير)، الحب السلوكي، بوابة الخير، الشفاعة الحسنة، إنزال الناس منازلهم، عادات اجتماعية ينبغي مراعاتها، وأخرى ينبغي تجنبها.
والكتاب فيه معالجة إسلامية، واستشهادٌ بنصوص من الكتاب والسنة، ومؤلفه مؤسِّس ورئيس مجلس إدارة (مركز التفكير الإبداعي) بدولة الإمارات العربية المتحدة.
4 - (صنِّف نفسك)
تأليف أحمد بن صالح الزهراني، جُدَّة: دار الأندلس الخضراء، 1420هـ، 192 صفحة - (معالم على طريق الصحوة، 15).
في هذا الكتاب فكرٌ وإبداع؛ فهو ينبِّهك على ما في دخيلة نفسك، وما تملكه من قُدرات ومواهب، قد تعرفها ولكن لا تهتمُّ بها، ولا تنمِّيها، ولا تعرف طريقَ السير بها إلى الأفضل، وإلى حيث يَفيد منها الآخرون.
وهذا منهجٌ، وترتيب، وتصنيف لهذه القدرات والمواهب، يبيِّن فروعها، وكوامنَها، والسبيل إلى إنتاجيتها.
وهو يبدأ بالأثر؛ ليطمئن المسلم إلى ما في الكتاب، وأن التصنيفَ جاء في سنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وسيرته مع أصحابه - رضوان الله عليهم.
فإن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يعرف أصحابَه وقدراتهم وطاقاتهم، فكان يضع كلَّ واحد في الموضع الذي يُنتج فيه أكثر.
فمثلاً: خصَّص - صلى الله عليه وسلم - بعضَ الصحابة لكتابة الوحي؛ لأنهم كتَّاب مَهَرَة، وفيهم الأمانة، وجعل بعضَهم لقيادة الجيوش لحُنكتهم وخبراتهم الحربية، وبعضهم للعملية الإعلامية؛ كحسَّان وابن رَواحة، وبعضهم للتفرُّغ للعلم، وغيرهم للسياسة والدعوة؛ إلى آخره.(/3)
ويذكر المؤلف: أن التصنيفَ الذاتي ليس قائماً على مجرَّد الرغبة وحبِّ المرء للعمل المعيَّن؛ بل يجب أن يكونَ قادراً على الإبداع فيه والإنتاج به؛ بحيثُ لا يكون مجرد مقلِّد ومردِّد لعمل غيره.
وهو يفتح لك آفاقاً من الأسئلة وأجوبتها؛ لتعرف ما إذا كنتَ متصفاً بشيء منها، ويبدأ معك بتصنيف نيَّتك، ثم قوتك وجَلَدك على العبادة أو على العلم، وهل أنت صاحب همَّة ونشاط وحب للحركة؟ هل أنت ذو مال؟ هل لك والدان أو أحدهما؟ هل لك بنات؟ هل تستطيع الاحتساب؟ لعلك من أُسود الله؟! هل أنت موظَّف في مصلحة عامة؟ هل أنت عاجز عن كل ما تقدَّم؟
5 - (ثقافة الطفل المسلم)
ثقافة الطفل المسلم: مفهومها وأسس بنائها، تأليف: أحمد بن عبد العزيز الحليبي، الرياض - دار الفضيلة، 1419هـ، 415 صفحة، (سلسلة الرسائل الجامعية، 1).
من أسباب اهتمام الكاتب بهذا الموضوع: أهميةُ إبراز دور الإسلام في بناء ثقافة الطفل المسلم، بديلاً للتثقيف الوافد، الذي يتعرَّض له الطفل المسلم في دياره، والتعريف بالعوامل المؤثِّرة فيه بناء وهدماً.
وفيه ثلاثةُ أبواب، تحت كلِّ باب فصول ومباحثُ متعددة، ذكر فيها العواملَ المؤثرة في ثقافة الطفل؛ من التخطيط لجمع برامج تثقيف الطفل، والأهلية الكافية لجميع المشاركين فيه، وسلامة الأهداف ووضوحها.
كما بيَّن أن أقوى العوامل الاجتماعية تأثيراً هي الأسرة، والمسجد، والمدرسة، والإعلام.
وذكر من تأثيرات الإعلام في الطفل - في وقت غياب الفكر الإسلامي عن ساحة التأثير الثقافي - أنه اصطبغت حياته بثقافة الغرب وطرائق تفكيره، وأنشأ لديه فوضى فكرية، واضطراباً في النظرة، وقصوراً في التصوُّر.(/4)
ومما أوصى به: أن تُشجَّع الدراسات التي تعالج قضايا الطفل ومشكلاته من وجهة نظر إسلامية، وأن تُنشأ أقسام خاصَّة بذلك في المرحلة الجامعية، تُعنى بأدب الطفل وصِحافته، وتشارك في إعداد المتخصِّصين في رعاية الطفل الثقافية، وأصل الكتاب رسالة "ماجستير" قُدِّمت إلى جامعة الإمام بالرياض، سنة 1409هـ.
6 - (الرواسب الفكرية)
تأليف: زيد بن عبد الكريم الزيد، الرياض: دار العاصمة، 1422هـ، 88 صفحة.
يقصد المؤلف الواردات التي لا تستند إلى مصدر شرعي؛ من خلفيات فكرية ورثها الشخص ممن قبله، أو تلقَّاها من محيطه القريب والبعيد، من أعراف وتقاليدَ وأفكار وتأثيرات خارجية؛ لتكونَ بعد ذلك من خصوصياته، وتعيشَ في أعماقه، حتى تصبحَ من المسلَّمات لديه، يحاكم إليها كلَّ جديد يَفِدُ عليه، ويجد معاناة في كلِّ ما يمسها بالنقص أو النقض.
ويعِّدد، ثم يشرح مكونات هذه الرواسب: وهي تربية الوالدين، والبيئة التي يعيش فيها الفرد، وثقافة المجتمع، والأعداء (الغزو الفكري).
ويربط المؤلف بين الموضوع والدعوة الإسلامية في تخصيصه، فيبيِّن أثرَ هذه الرواسب في الداعي والمدعوِّ، وأوصى بأهمية تعرُّف أحوال المدعوِّين، وبيئاتهم، وأفكارهم ومستوياتهم الثقافية، وإعطاء رواسب المدعوِّ الفكرية مكانتها في الدعوة إلى الله؛ إذ القفز عليها وتجاوزها يولِّد نتائجَ عكسية، وعدم التعجُّل في النتائج؛ إدراكاً لصعوبة قرار الاستجابة؛ نتيجةً لتراكم تلك الرواسب، وعدم اليأس من استجابة المدعوِّ.
7 - (الاستهزاء بالدِّين .. أحكامه وآثاره)
إعداد: أحمد بن حمد القرشي، مكة المكرمة: جامعة أم القرى، 1420هـ، 684 ورقة، (رسالة ماجستير).(/5)
تكمن أهمية الموضوع - كما يقول الباحث – في أن أصلَ دين الإسلام مبنيٌّ على تعظيم الله - تعالى - وتعظيم دينه، وتعظيم رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأن الاستهزاء بشيء من ذلك - أو بما يتعلَّق به - مُنافٍ لهذا الأصل العظيم، ومناقضٌ له أشدَّ المناقضة؛ فهو من نواقض الإسلام وقواطعه العظام. فالاستهزاء بشعيرة من شعائر الإسلام، أو بحُكم من أحكامه، أو بسُنَّة من سننه يَسلب صاحبه وصفَ الإيمان.
ثم إن الكتابَ والسنة مليئان بالحثِّ على تعظيم الله - تعالى - ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وشعائر الدين؛ مما يدلُّ على شدَّة خطر هذا الأمر.
وقد فَشا الاستهزاء بالدين في هذا العصر بصورة مذهلة في صفوف المثقَّفين، ودعاة (العلمنة) و(الحداثة)، والمذاهب الهدَّامة المخالفة لهدي الإسلام وتعاليمه.
ويُسهم الكتاب هنا في بيان وكشف الألفاظ والعبارات في الاستهزاء، وصُوَره، والتنبيه على خطورته، وبيان موقف المسلم من هذه الظاهرة.
وقد وزَّع الباحثُ موضوعَه على أربعة أبواب؛ فيها بيانٌ لصُوَر الاستهزاء، وآثار الاستهزاء والمستهزئين؛ من حيثُ العقوباتُ الدنيوية والأخروية.
8 - (رسالة إلى مؤمنة)
رسالة إلى مؤمنة: أحاديث لا تنقصها الصراحة. تأليف: محمد رشيد العويد، الرياض: دار الوطن، 1419هـ، (المجموعة الكاملة 1/5: 301 صفحة).
لم أتمالك نفسي من التنويه بهذا الكتاب الرائع وأنا اقرأ موضوعاتٍ منه، ولا أجد أكثرَ من القول: إن أيَّ امرأة أو رجل مؤمن إذا قرأه؛ فإنه لا بدَّ سيخرج بنتيجة مريحة، يشعر فيها بعظمة الإسلام، ورحمة الخالق بالإنسان، وفساد الأنظمة الاجتماعية العلمانية، ثم المؤامرات والدسائس التي تُحاك للمرأة المسلمة وغير المسلمة، ثم لا يسمع أحدٌ صوتَ الحق في غياهب ظلمات الغرائز والشهوات.
أما أُسلوب الكاتب، واختياره للموضوع، وإحاطتُه بعناصره الإسلامية، وشواهده العصرية، وأمثلته الرائعة؛ فحدِّث عنها ولا حرج.(/6)
وهو إن كان مجموع مقالات؛ فلم ترتح نفسي لمثل هذه المجاميع، إلا لأشخاصٍ محدودين؛ أولهم الشيخ الجليل علي الطنطاوي - رحمه الله - وكاتبنا هذا الذي أشبِّهه به، والتوفيق من الله.
9 - (نساء المسلمين)
بقلم الكاتبة التركية: فاطمة علية هانم؛ عرض ودراسة وتعليق: محمد إبراهيم سليم، القاهرة: مكتبة القرآن، 1410هـ، 160 صفحة.
لا تبدو أهمية الكتاب إلا بقراءته.
وبعضُ الكتب آنيَّة، تفقد قيمتها بعد زوال أهمية الموضوع المعالَج، وبعض الكتب لا يُمحى أثرها؛ لأهميتها، وأهمية الموضوعات المعالَجة فيها.
وهذا الكتاب من النوع الأخير.
وبعضُ الكتب يكفي أن تقرأَ جزءاً منها، وفي بعضها تكتفي بالاطِّلاع على المقدمة أو الفِهرس، وبعضها تشوِّقك إلى قراءتها كاملة، وتكون استفادتك منها بقدر ما قرأت منها.
وهذا الكتاب من النوع الأخير - أيضاً.
كاتبة قديرة، تملك ناصيةَ القلم، هي ابنةُ المؤرِّخ الشهير (جودت باشا)، مولدها بالأستانة عام 1279هـ. تعلَّمت العربية في سوريا، وأتقنت عدَّة لغات. دار بينها وبين عدد من الأدباء والفلاسفة والراهبات مناظراتٌ عديدة.
وفي هذا الكتاب حوارٌ بينها وبين راهبة فرنسية وفيلسوفة إنكليزية، جرى في استانبول عام 1308هـ في منزلها، وسجَّلت هذا الحوارَ الهامَّ بقلمها الرشيق، بأسلوب يجمع بين القصة والعلم، والحكاية والذِّكريات؛ فكان فيه تشويقٌ ظاهر، وفائدةٌ محقَّقة.
وجرى على ثلاثة محاور:
الأول: بين الكاتبة وسيدتين فرنسيتين، إحداهما نبيلةٌ أوروبية كاتبة، والأُخرى راهبة، في موضوعات؛ الرِّق، والخَدَم، وتعدُّد الزوجات، وحقِّ الطلاق المُعطى للرجل، وصيام رمضان وقيامه، وطعام الأتراك، ومريم وآل عمران، ومائدة عيسى - عليه السلام – وولادته، والصَّلب، والرفع، والأناجيل الأربعة، وبِشارَة عيسى بمحمد - صلى الله عليه وسلم.
وقد أبرزَت الكاتبة هذه القضايا في لَباقة ولُطف، يكتنفهما مجاملةٌ، مع أدب الضيافة الشرقية.(/7)
والثاني: بينها وبين فيلسوفة عالمة، إنكليزيةِ المحتد والنشأة؛ عن الزواج، والطلاق، والتبنِّي، والحجاب، وزوجات الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعلم الهيئة، ووَحدانية الله، والإنشاد الديني، ومدى موافقة الإسلام للعقل والحكمة.
والثالث: عن الموسيقا، واهتمام أوروبا وتركيا بأنواعٍ منها.
وقد تُرجم الكتاب إلى عدة لغات.
وأُشير هنا إلى مناظرات الشيخ (أحمد ديدات) مع أعلام النصارى في هذا العصر، التي طُبعت، وسُجِّلت على شرائط (فيديو).
وقبلها كتاب رائع، مازال يحتفظ بجِدَّته وأهميته، وهو: مناظرة في الردِّ على النصارى، من تأليف الإمام الجليل فخر الدين محمد بن عمر الرازي (ت 606هـ)؛ تحقيق: عبد المجيد النجار، بيروت: دار الغرب الإسلامي، 1407هـ، 92 صفحة.
10 - (يا معشر الرجال رفقاً بالنساء)
تأليف: نجاح بنت أحمد الظهار، جُدَّة: دار المحمدي، 1421هـ، 134 صفحة.
كتابٌ مفيدٌ، كتبته امرأة بقلم رجل، ففيه صراحةٌ عجيبة، وقوَّة في البيان، وحُجة ظاهرة، وإذا كانت كاتبتُه سمَّته أولاً "همسات جريئة في أُذُن آدم"؛ فإنها صرخاتٌ حادَّة، لامست صِمَاخ أذنيه؛ ليتفكَّر ويعتبر، ولا يَعُدَّ نفسه الأول دائماً، والمُحِقَّ في كل مرة.
وتذكُر الكاتبة أنها لاقت عَنَتاً حتى ظهر كتابُها مطبوعاً؛ لأن عدةَ رجال في عدة دور نشر فضَّلوا عدم نشره؛ لأنه يصدم كبرياءهم؛ ولأنهم لا يريدون أن يسمعوا نصحاً من امرأة، ولو كان من رجل لقَبلوا.
وهنيئاً للكاتبة في بلاغتها مع الأدلَّة الشرعية، وسلاماً عليها لو أنَّها رفقت بالرجل أكثر، ولم تسخَط عليه، وهي تريد منهم أن يرفقوا بالنساء، ولعلها رأت أنها لو لم تصرُخ لما سمعوا؟!
ومن العناوين الصارخة في هذا الكتاب: آدم والزينة، آدم الاتِّكالي، آدم والمادية، آدم مع أصدقائه، آدم الطعَّان اللعَّان، آدم وحواء المطلَّقة، آدم والبخل، حواء تناقش آدم.(/8)
العنوان: كتب قيِّمة.. إسلاميَّة بيِّنة (4)
رقم المقالة: 985
صاحب المقالة: محمد خير رمضان يوسف
-----------------------------------------
3- علوم القرآن والحديث والسيرة:
1 - (هداية الإنسان، إلى الاستغناء بالقرآن)
جمعه: يوسف بن حسن بن عبد الهادي المقدسي، المعروف بابن المَبْرِد، تحقيق ودراسة: محمد أنور صاحب بن محمد عمر. المدينة المنورة: الجامعة الإسلامية، 1419هـ (رسالة دكتوراه). وأصله كتاب: "الاستغناء بالقرآن، في طلب العلم والإيمان" لابن رجب الحنبلي، رتبه: ابن عبد الهادي، وزاد فيه
هذا الكتاب يحبِّب القرآنَ إلى النفس، ويشوِّق المسلم إلى قراءته والتلذُّذ بتلاوته، وأنصح كلَّ مسلم هجر القرآن، أو لا يجد حلاوةً له في قلبه أن يقرأه، أو يقرأ بعضَ فصوله؛ لترى الدموع تنحدر من عينيه، ويشعر بالخشية والرَّهبة، ثم يستأنس ويستكين أمام كتاب ربِّ العالمين.
وسيجد فيه القارئُ من الأخبار والحكايات عن سلفنا الصالحين - من علماء وأولياء - ما يدهش له ويعجب، وسيرى أنه مقصِّرٌ مع كتاب ربه أيَّما تقصير، وسيتمنى لو كان مثلَ واحد منهم، أو جرى له شيء مما جرى مع بعضهم.
وهذا سرد لبعض عناوين الفصول الواردة في الكتاب:
- طمأنينة القلوب وانشراحها، واستجلاب رقَّتها، وإزالة قسوتها، وجلاؤها بالقرآن.
- طعم القرآن وحلاوته وذوقه ورائحته، ولذَّته والتنعُّم به، وأن لذته من جنس لذات أهل الجنة.
- ما يُستجلَب من حلاوة القرآن.
- حبُّ القرآن، وأنه موجب لمحبة الله عزَّ وجلَّ.
- ذكر مَنْ كان لا يحبُّ البقاء في الدنيا والعافية إلا لأجل القرآن.
- ما جاء في اختيار قراءة القرآن على غيرها من الأعمال والفضائل.
- المشتَغِل بالقرآن عن الذكر والدعاء يُعطى أفضل ما أُعطيَ السائلون.
- الأُنس بالقرآن، ومَن كان القرآن أنيسه.
- من كان يستغرق في قراءة القرآن، ويُلهيه ذلك عن نفسه وجميع أحواله.(/1)
- في ذكر مَن كان يقوم بالآية ونحوها في ليلة يردِّدها.
- القراءة بالتشويق والتحزين والتخويف، وما ورد في ذلك.
- ما جاء في البكاء عند سماع القرآن وتلاوته، والتفكُّر فيه.
- في ذكر من هام على وجهه عند سماع القرآن.
- ذكر المكثرين من القرآن، ومَن كان القرآن غالب أوقاته.
2 - (الحلقات القرآنية)
الحلقات القرآنية: دراسة منهجية شاملة. تأليف: عبد المعطي محمد رياض طليمات. جُدَّة: برنامج تحفيظ القرآن الكريم، 1417هـ، 277 صفحة.
تختلف طبائع الناس في التعليم، وينبغي أن يكونَ هناك جامعٌ مشتركٌ لمن يقوم بالتدريس؛ حتى لا يندَّ التلاميذ، ولا ينشؤوا على اعوجاج، فهم ظلُّ المعلِّمين والآباء، وكيف يستقيم الظلُّ والعود أعوج؟!
وهذا كتابٌ جليلٌ، يقوِّم العملية التربوية في تعليم أشرف العلوم، هو تعليمُ كتاب ربِّنا - تبارك وتعالى - في دراسة منهجيَّة لما يجري في الحلقات القرآنية.
وأنصح كلَّ أخ يقوم بهذا العمل الجليل أن يقرأ الكتاب؛ ليتلافى أخطاءه، ويعتمدَ أساليب جديدة في التعليم؛ فالفائدة مؤكَّدة - إن شاء الله.
وهذه عناوينُ فصول الكتاب:
- أساليب التعليم في الحلقات القرآنية.
- عوامل التحفيز في الحلقة القرآنية.
- أخطاء منهجية؛ منها: إشاعة جوٍّ من التوتر، الإفراط في التساهل، اللجوء إلى أسلوب التخويف، التمسك الحرفي بطريقة معينة في التعليم، إغلاق باب الحوار، الإصرار على الخطأ، استمرار التعليم بعد انتهاء الوقت.
- مشكلات وحلول.
- تعامل معلم القرآن مع أولياء أمور الطلاب.
- عَلاقة المعلم بالمشرف المسؤول عن الحلقات.
- تقويم الحلقة القرآنية.
ونبه في الخاتمة على وجوب التطوير الدائم للكفاءة العلمية والمقدرة التعليمية، وعدم الاقتصار على جانب التلاوة والحفظ فقط؛ بل لابدَّ من الاهتمام بالجانب التربوي السلوكي.
3 - (تصويبات في فهم بعض الآيات)
تأليف: صلاح عبد الفتاح الخالدي. دمشق: دار القلم، 1407هـ، 255 صفحة.(/2)
أورد المؤلف ثلاثين آيةً ضلت أفهام بعض المسلمين المعاصرين فيها؛ حيث لم يفهموها فهماً صائباً، ولم يفسِّروها تفسيراً سليماً، فشوَّهوا مفاهيمها، وحرَّفوا معانيَها، وضيعوا حقائقها، وأبطلوا دلالاتها، وخرجوا منها بعكس ما ألقته وقرَّرته وأوحت به.
وموضوعاتُ هذه الآيات مختلفة، ومفاهيمها متنوعة؛ فمنها آياتٌ في الإيمان والعقيدة، ومنها آياتٌ في الجهاد والمجاهدة، ومنها آياتٌ في الدعوة والعمل والحركة، ومنها آياتٌ في الاقتصاد، والاجتماع، والسياسة، والتاريخ، والأحوال الشخصية.
ويجمع بين هذه الآيات أنها كلَّها لها أبعاد واقعية، ومفاهيم حياتية، وقيم معاشية، نعيشها في عصرنا عملياً، كما يقول المؤلف.
ويسبق هذه النماذجَ من الآيات مقدمةٌ علمية طيبة، فيها بيانُ وجوب تدبُّر القرآن والتحذير من القول في معانيه بدون علم، والعلوم التي يحتاج إليها الناظر، والآداب التي يراعيها في القرآن، ثم بيانٌ بآيات صوَّب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهمَها، وبحثٌ آخر في تصويب الصحابة لمفاهيم بعض الآيات، وذكر تزايد نسبة الأفهام الخاطئة في هذا الزمان.
4 - (التفسير الصحيح)
التفسير الصحيح: موسوعة الصحيح المسبور، من التفسير بالمأثور. إعداد: حكمت بن بشير بن ياسين. المدينة المنورة: دار المآثر، 1420هـ، 4 مجلدات.
كتابٌ جليل، وعملٌ جليل، لا يُقدِمُ عليه ولا يتحرَّاه إلا من أيَّده الله وأعانه.
ومؤلفه متخصصٌ في التفسير، أستاذٌ في (كلية القرآن الكريم والدراسات العليا) بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وله اطلاعٌ واسعٌ على علم الحديث وفنِّ التخريج، وأشرف على رسائل كثيرة، كما كتب فيما يجمع بين التفسير والإسناد الحديثي.(/3)
وله مشروعٌ آخر جليل بعنوان: "مرويات التفسير النبوي"، ذكر في مقدمة كتابه الذي نعرف به أنه سيُصدره قريباً، وكان لي مشروعٌ عزمتُ على تنفيذه، وهو "تفسير رسول الله - صلى الله عليه وسلم"، فلما قرأتُ ما ذكره المؤلف توقفتُ، وخاصةً بعد أن اتصلتُ به، وعلمتُ أن مادته متكاملةٌ عنده، ولم تبقَ إلا الدراسة. تقبل الله منا جميعاً صالح الأعمال.
وقد سلك المؤلف هذا الطريق، متحرِّياً ما ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في التفسير، وعن أصحابه - رضوان الله عليهم - يعني التفسير المأثور، فعكف على الأسانيد الواردة في التفسير، وانتقاء الصحيح والثابت منها، مع تركيز البحث على حُكم الأئمة النقَّاد على هذه الأسانيد، فإن لم يعثُر على قول صحابي؛ لجأ إلى ما ثبت من أقوال التابعين. وتحدث عن منهجه بالتفصيل في "مقدمته".
5 - (معجم مصطلحات الحديث)
معجم مصطلحات الحديث ولطائف الأسانيد. تأليف: محمد ضياء الرحمن الأعظمي. الرياض: أضواء السلف، 1420هـ، 563 صفحة.
سبق أن عرضتُ كتاب "معجم مصطلحات الحديث" في كتابي "كتب هادفة"، وهو غير هذا الكتاب، لكنَّ هذا أشملَ وأوسع، وقد يكمل أحدهما الآخر.
وهذه بحوثٌ في مصطلحات الحديث وعلومه، ولطائف أسانيده، رتَّبها على حروف المعجم، ويذكر المؤلف الدافعَ له على إخراجه؛ فيقول: ((وقد كنتُ تردَّدتُ كثيراً في القيام بهذا العمل؛ نظراً لوجود مراجعَ كثيرة في علوم الحديث، ولكن قوي عزمي عندما سُئلت عن كثير من المسائل في علوم الحديث، والجرح والتعديل، وأنا في سَفَر من الأسفار، وليس لدي من المراجع الكافية للإجابة الشافية، فرأيتُ أن أجمعَ هذه البحوث المتعلقة بعلوم الحديث المختلفة: كالمصطلح، والجرح والتعديل، ولطائف الأسانيد، وأهم كتب الحديث، وغيرها المنتثرة في بطون عشرات الكتب في دفتر واحد؛ ليغني حامله عن الأسفار في الأسفار.(/4)
مثاله في حرف اللام: اللحن في الحديث، لا أصل له، لا يساوي شيئاً، لا يَسْوى نَواة، لا يُقبل الجرح في شخص أجمعوا على تعديله، لنا ما روى لا ما رأى، ليس بشيء، ليس به بأس.
6 - (طفولة النبي - صلى الله عليه وسلم - في أدب الأطفال)
طفولة النبي - صلى الله عليه وسلم - في أدب الأطفال: دراسة نقدية. تأليف: محمد بسام ملص. عمان: المؤلف، 1420هـ، 104 صفحة.
نقدٌ علمي بآداب إسلامية عالية لكتاب: "طفولة النبي - صلى الله عليه وسلم - للأطفال"، تأليف: عبدالتواب يوسف، الذي اختير نموذجاً نقدياً من بين مجموعة كتب صدرت في هذا الموضوع. وكاتبه محمد بسام ملص معروفٌ بكتاباته العديدة للأطفال عن السيرة النبوية، ويتميز كتابه المذكور بتفاصيل تاريخية كثيرة.
يبين المؤلف في الفصل الأول مصادرَ الكتاب التي اعتمدها الكاتب، وينقد مواضعَ فيها. والأهم هو الفصل الرابع؛ الذي ذكر فيه أخطاء ومفتريات، عن حفر بئر زمزم، وقصة أصحاب الفيل، وغيرها، واحتواء الكتاب على 14 حديثاً لم يثبت منها سوى 6 فقط.
ويذكر أن الكتابَ يكاد يكون نسخةً مطابقة لأصل استشراقي غربي بعيد كل البعد عن روح الإسلام ومعانيه، وقيم السيرة النبوية، وأنه في بعض المواضع يُعدُّ أخطرَ كتاب في موضوعه وقع بين أيدي النشء، وخاصة أنه اتكأ على مرجع "حياة محمد" لمحمد حسين هيكل، الذي نُقِد بشدة.
وبيَّن أن ظهور الكتاب وانتشارَه في ديار الإسلام حصل في غياب - أو شبه غياب - النقد الموضوعي الملتزم بالحق.
ونصح الكاتبَ في الخاتمة بعدة أمور مهمة، منها:
- ألا يُنظَر إلى السيرة على أنها حكاياتٌ طريفة، وقصصٌ ظريفة، وحوادثُ غريبة مدهشة؛ بل ينظر إليها على أنها مدرسة، تقدِّم منهاج الحياة، الذي علينا أن نقتدي بمعلمه - عليه أفضل الصلاة والسلام.
- يجب بذل أقصى الجهود لتقديم السيرة صافيةً نقية من كلِّ ما شابها من أخبار لم تثبت صحتها.
- تقديم السيرة من مصادر تاريخية أمينة.(/5)
- الدقة والتحري في تقديم الأحاديث النبوية للنشء، باعتبار أن السُّنة هي المصدر الثاني للتشريع.
7 - (ساعات حرجة في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم)
تأليف: عبد الوهاب حمودة. القاهرة: المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة، 1383هـ، 109 صفحة، (المكتبة الثقافية؛ 81).
بحثٌ في جانبٍ من جوانب النفس النبوية - كما يقول الكاتب، وكشفٌ عن وجهٍ من وجوه عظمة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حياته المجاهدة؛ يقصد منه الإبانة عن سرِّ عزيمته النفاذة - صلوات الله عليه - في التغلُّب على ساعات الحرج التي كانت تنزل به. والتحدث عن قوة إرادته المصممة، ويقينه الصادق في ربه، وعن الصبر الذي لازمه طول سِني جهاده، وثباته الذي رافقه في الأزمات والمضايقات.
وفي مبحث (ساعات الحرج في مكة) ورد من الموضوعات: المدة الأولى للوحي، ثم فتوره وانقطاعه، وحزنه - صلى الله عليه وسلم - على مواقف قومه، وبينه وبين عمِّه أبي طالب، وفي الطائف عندما طُرد وسُبَّ، وصاح به سفهاء القوم، وفي حادثة الإسراء.
- وفي مبحث (ساعات الحرج في المدينة): في طريق الهجرة، ساعة الحرج في غزوة بدر، وفي غزوة بني المصطلِق، وحادثة الإفك.
وعند تقسيم فيء هوازن، واجتماع نسائه يسألنه التوسعة في النفقة، وفي أمر الحديبية، وفي مسألة أُسارى بدر، ومقتل القرَّاء في بئر معونة.
وبيان قوة شخصيته - صلى الله عليه وسلم - واستخدامها في ساعات الحرج، في حكمة وسهولة طبع.
8 - (زهر الأقاحي فيمن شُبِّه بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في ناحية من النواحي)
تأليف: محمد أحمد عباس. كراتشي؛ برمنغهام: دار الكتاب والسُّنة، 1421هـ، 203 صفحة.(/6)
كتاب نادرٌ جميل مفيد، عنوانه الكامل هو: "زهر الأقاحي، فيمن شُبِّه بالنبي - صلى الله عليه وسلم - أو صحبه الكرام، أو الأئمَّة الأعلام وغيرهم، في ناحية من نواحي الشَّبَه"، مع ذكر الشبه والتشبُّه المحمود، والشبه والتشبُّه المذموم، مع منوعات مختلفة ومؤتلفة، جعله المؤلف في سبعة أبواب، تحت كل باب أقسام، وهي:
- من شُبِّه بالنبي - صلى الله عليه وسلم في الخَلْق والصورة، في خُلُقه، في مشيته ولهجته وحديثه وفصاحته، في هديه ودلِّه وسمته، في ولائه ونصرته، في صلاته.
- من شُبِّه بنبيٍّ من الأنبياء - صلوات الله عليهم وسلامه - من شُبِّه من العلماء في تعليمهم الخير، وصدعهم بالحق بمقام الأنبياء.
- تشبُّه الملائكة الكرام بالصحابة أولي النهى والأحلام.
- من تشبَّه بأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من التابعين، ومَن بعدهم من الصالحين.
- من تشبَّه بالتابعين ومَن بعدهم من الصالحين، من شُبِّه بكبار التابعين، من شُبِّه بالتابعين.
- في رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام، وأن الشيطان لا يتشبَّه به.
- في تشبيهات مختلفة، في شَبَه الصالحين بالكافرين، وشَبَه الكافرين بالصالحين، ونحو ذلك، في تشبه إبليس بالشيخ النجدي وسراقة بن مالك.
- في تشبُّه المسلمين بأهل الكتاب والاقتداء بهم، في الأمر بمخالفة الهدي الظاهر للكفار، في الشرف وتحصيله والمجد وتأثيله، في وجوب الاقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم.
9 - (دلائل النبوة في القرن العشرين)
تأليف: مبارك البراك. ط3 مزيدة ومنقحة. المنصورة، مصر: مكتبة جزيرة الورد، 1420هـ، 151 صفحة.
يذكر فيه المؤلف الأحاديثَ النبوية الشريفة التي وافقت الأحداثَ الواقعة في القرن العشرين الميلادي، قسَّمه إلى ثلاثة أبواب، الأول: صحيح الأحاديث، والثاني: ضعيفها التي يشهد لها الواقع، والثالث: وقفاتٌ مع بعض أحاديث الكتاب. وحاول ترتيب الأحاديث حسب وقوعها في هذا القرن.(/7)
مثاله حديث: ((إن من أشراط الساعة أن يفشوَ المال ويكثُر، وتفشوَ التجارة)).
وحديث: ((ستكون معادنُ يحضرها شرارُ الناس)).
وحديث: ((ليشربنَّ ناسٌ من أمتي الخمرَ يسمُّونها بغير اسمها)).
وحديث: ((إن من أشراط الساعة ثلاثةً: إحداهن أن يُلتمس العلمُ عند الأصاغر)).
ومن الأحاديث الضعيفة:
((سيكون بعدكم أقوامٌ تُطوى لهم الأرض، وتُفتح لهم الدنيا، وتخدمهم بناتُ الأعاجم وأبناؤهم، وتُطوى لهم الأرض في أسرع الطَّرْف، حتى لو شاء أحدُهم أن يأتيَ شرقها أو غربها في ساعة فعل، ليسوا من الدنيا، وليست الدنيا منهم في شيء)).
.(/8)
العنوان: كتب قيِّمة.. إسلاميَّة بيِّنة (5)
رقم المقالة: 1052
صاحب المقالة: محمد خير رمضان يوسف
-----------------------------------------
ثانياً: الدين
4- ديانات وفرق:
1- (النزعة النصرانية في قاموس المنجد)
تأليف: إبراهيم عوض.. الطائف: دار الفاروق، 1411هـ، 51 صفحة.
كتاب وجيز، لكنه كاف للدلالة، ويستفيد منه العالم كما يستفيد العامي، ويستفيد منه المعلم كما يستفيد منه الطالب. وأُصبِّر نفسي لأعرِّف القارئ بعض ما كتبه المؤلف؛ فإن ما كتبه في الخاتمة أهم من الكتاب كله!
يفيد المؤلف -أولاً- أن القائمين على قاموس (المنجد) هم كتاب نصارى ورهبان، وبينهم بعض المسلمين؛ لكن عملهم مقصور في زوايا ضيقة، ومواد خاصة. فهو معجم نصراني!!
ويأتي بألفاظ يستشهد فيها بالنزعة النصرانية المغلَّفة بها في هذا القاموس، مع بيان ما تعرَّض له المصطلح الإسلامي فيه، مع شرح مصطلحات نصرانية وكهنوتية لا علاقة لها باللغة العربية، مثل: (الأبيلي) و(الأبرشية) و(الأكسر خوس)...إلخ!! مع الإشارة إلى وسائل الإعلام النصرانية، مجلاتهم، وصحفهم، وتراجم للقسس والرهبان، مع استبعاد أعلام الإسلام المعاصرين.
ثم يبيِّن ما يلاقيه هذا القاموس من عناية، وتزويد بالمصطلحات الجديدة، والأعلام المتوفين حديثاً، مع طباعته طباعة زاهية فاخرة، وطرحه في الأسواق كل عام، والإعداد لتوزيعه وتسويقه، مع سهولة أسلوبه، واستفادة طبقة كبيرة من المجتمع المثقف به، وأنه لا يوجد بين أمة الإسلام وعند العرب المسلمين عمل مثل هذا، يزوِّد الناس بالمصطلح الجديد ومعناه بما يوافق عقيدتهم، وترجمة أعلامهم المحدثين، وأبرز دعاتهم، ودعا إلى تبني (المنجد الإسلامي) بالمفهوم الذي ألمحت إليه.(/1)
أما (المعجم الوسيط) الذي أصدره مجمع الفقه العربية بالقاهرة؛ فذكر أنه ما زال يطبع الطبعة نفسها تصويراً، وأنه ليس فيها رسوم ملونة مثل (المنجد)، ولا إحصاءات، ولا خرائط، ولا صور (فوتوغرافية)، ولا قسم للأعلام، والتاريخ، والحضارة، والآداب...
2- (قواعد الردِّ على النصارى)
جمع ودراسة: محمد نور عبد الله.. المدينة المنورة: الجامعة الإسلامية، 1425هـ، 686صفحة، (رسالة ماجستير).
قواعد موجزة ومهمة تحتها مباحث ومطالب، لا يمكن معرفة تفاصيلها إلا بالرجوع إلى البحث، وأنا أذكر بعضها؛ لأشير بذلك إلى أهميتها، وإمكانية مطالعتها. من ذلك:
- دين النصارى غلوُّ في المخلوق وتنقُّص للخالق.
- ما سبَّ اللهَ أحدٌ ما سبَّ النصارى ربَّ العالمين.
- إن مثل عيسى مَثَلَ آدم.
- ما ثبت بطلانه على كلِّ تقدير فهو باطل في نفس الأمر.
- كلُّ شيئين اتَّحدا صارا شيئاً ثالثاً.
- المِثلان اللذان يسدُّ أحدهما مسدَّ الآخر؛ يجب لأحدهما ما يجب عليه، ويمتنع عليه ما يمتنع عليه، ويجوز عليه ما يجوز عليه.
- حكم أحد الشيئين حكم مثله.
- لو لم يكن محمد -صلى الله عليه وسلم- صادقاً؛ لكان المسيح -عليه السلام- كاذباً، وحاشاهما.
- إذا كان محمد -صلى الله عليه وسلم- صادقاً؛ كان دين النصارى باطلاً.
- لا يصدَّق النصارى ولا يكذَّبون فيما يحتمل الصدق والكذب.
- القرآن يؤخذ كلُّه.
- ما عُلم أنه ممتنع في صريح العقل لم يجز أن يخبر به رسول.
- يمتنع التصديق بالفرع مع القدح في الأصل.
- إن الأحكام العقلية على وزان الأحكام الحسية.
3- (الصابئون في حاضرهم وماضيهم)
هذا عنوان كتاب من تأليف: عبد الرزاق الحسني.. ط2، بغداد: المؤلف 1377هـ، 105صفحات.(/2)
يبحث في الصابئة، قديماً وحديثاً، في معتقداتهم الروحية، وفرقهم الدينية، وكتبهم (المقدسة)، وفي يحيى بن زكريا (يوحنا المعمدان) الذي يزعمون أنهم ينتمون إليه، وفي (طقوسهم) الدينية، وعاداتهم الاجتماعية، وأعيادهم القومية، وعددهم، ومساكنهم، وصناعتهم، والمحرَّمات عندهم!
والمقصود: صابئة العراق؛ فهذا موطنهم، ثم نزح بعضهم إلى بلاد أخرى، وقدر عددهم سنة 1947م بـ (6597) نسَمة في إحصاء حكومي.
والصابئي لا يكون صابئياً ما لم يولد من أب وأم صابئيين، وهم لا يسوِّغون زواج الصابئية بالأجنبي، ولا زواج الصابئي من أجنبية. وقد أدى هذا التشدد -في المحافظة على نقاوة الدم- إلى جعل هذا الفريق من البشر محصوراً في العدد، آخذاً بالتناقص سنة بعد أخرى، حتى إن الباحثين في تاريخ الأقوام والسلالات؛ يرون أنه قد لا ينصرم قرن واحد حتى ينقرض الصابئون من سفر الوجود، ولا يبقى لديانتهم إلا الذكر التاريخي!!
هذا؛ إلى أن حالتهم الاجتماعية، وعادات الزواج عندهم، وما تتطلبه من تعميد في الماء الجاري، سواء كان الوقت صيفاً أم شتاء، وكذلك تغسيل المحتَضَرِ وتكفينه قبل زهوق الروح من جسده، وضرورة اغتسال الصابئي في الماء الجاري للتطهر من الجنابة ونحوها؛ كل ذلك من شأنه أن يعرِّض هؤلاء القوم إلى الأمراض التي تؤدي إلى الوفاة حتماً، فالانقراض!
4- (الشَّبَك من فرق الغلاة في العراق)
الشبك من فرق الغلاة في العراق: أصلهم، لغتهم، قراهم، عقائدهم، أوابدهم، عاداتهم/ أحمد حامد الصراف.. بغداد: وزارة المعارف، 1373هـ، 314صفحة.(/3)
الشَّبَكُ جماعات من الأتراك تقطن أكثر من عشرين قرية في الجانب الشرقي من الموصل، عددهم بين عشرة آلاف وخمسة عشر ألفاً، وهم من بقايا الفرق الغالية في الإسلام، من الاثني عشرية الإمامية، يغالون في حب علي إلى درجة لا يُقرُّها الإسلام، ولا يصلُّون، وعوامُّهم الجهلة، وفي الحقيقة كلهم جهلة! ويقولون: نحن لا نصلي؛ لأن علياً -عليه السلام- جُرح وقتل وهو ذاهب إلى الصلاة! ولا يصومون، ولا يزكون، ولا يحجون، وكلهم يشربون الخمر، والتقية ركن من أركان عقيدتهم؛ فلا يبوحون لأحد بعقيدتهم، ولهم طرق عجيبة للانخراط في التصوف، ولا يُطلِّق الشبكي زوجته، فإذا طلقها؛ باع كل أملاكه حتى بيته، ويُجزِّئ قيمة ما باعه اثني عشر جزءاً، يعطي أحد عشر جزءاً منها لعالمهم، ثم يزور كربلاء لأجل ذلك..
وأشياء أخرى من عقائدهم وعاداتهم؛ يقف المرء أمامها حيران، ويحمد الله على نعمة العقيدة الصافية، والتزامه بكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ونهج الخلفاء الراشدين، رضي الله عنهم.
5- (النواقض لظهور الروافض)
تأليف: محمد بن عبد الباقي، المعروف بميرزا مخدوم، (ت 995هـ)؛ تحقيق: أحمد وأنس ابني سعيد مسفر القحطاني، (في رسالتي ماجستير)، مكة المكرمة، جامعة أم القرى، 1421هـ.
تأتي أهمية هذا الكتاب من كون مؤلفه عايش تحول الفرس من السنة إلى الشيعة، وقد كانت له جهود واضحة في الدفاع عن السنة وأهلها، والقيام بمناظرة كثير من علماء الرافضة، وقد اعترف له مؤرخوهم بذلك.(/4)
كما أنه كان داعياً إلى مذهب السنة في تلك البلاد، وقد تكللت جهوده بالنجاح؛ حين استطاع إقناع ابن سلطان العَجَم ببطلان مذهب أبيه، وقد تولى هذا الابن الحُكم بعد موت أبيه، فكان من أول أعماله أن قرَّب المؤلف وعلماءَ السنة من بلاطه، كما أنه قتل عدداً كبيراً من الرافضة، ومَنَعَ سبَّ الشيخين، إلاَّ أن شيوخ الرافضة لم يعجبهم ذلك؛ فقتلوه، وسجنوا المؤلف بدعوى أنه من أهل السنة، إلاَّ أنه استطاع الهروب من السجن متَّجهاً إلى الدولة العثمانية؛ التي ولي فيها قضاءَ مكة، وألَّف في تلك المدة هذا الكتاب، الذي يعتبر مرجعاً تاريخياً لعصر غامض؛ حُوِّل فيه كثير من بلاد السنة في فارس إلى بلاد شيعية، وذلك بواسطة سلاطين الدولة الصفوية، الذين ألزموا الناس باعتناق المذهب الشيعي.
ولقد صوَّر المؤلف- بواقع الخبير المعايش- أحوال أهل السنة في فارس، كما أنه فضح الروافض، وبيَّن معتقداتهم الفاسدة، مع ذكر الأدلة على ذلك من كتبهم.
6- (لله ثم للتاريخ)
لله ثم للتاريخ: كشف الأسرار وتبرئة الأئمة الأطهار/ حسين الموسوي[1]: د.م: د.ن، (1422هـ)، 120صفحة.
المؤلف نال درجة الاجتهاد، من الحوزة العلمية بالنجف، من يد زعيمها محمد الحسين آل كاشف الغطاء. ويذكر أنه كانت تستوقفه نصوص وتشغل باله، في مذهب الشيعة، فيها مطاعن في أهل البيت، ونصوص صريحة في الكفر بالله تعالى! وأنه ما كان يجرؤ على التفوَّه بها، ولا السؤال عنها! لكنَّ طلبَ الحق والشعورَ بالخطأ كانا يلاحقانه دائماً، حتى اضطر إلى مراجعة ما درسه، والوقوف على المصادر التي كانت تشغل فكره؛ ليتعمق فيها، ويضعها في ميزان الحق والنقد.
وبيَّن أن كتابه هذا يأتي مواكباً لكتابات موسى الموسوي وأحمد الكاتب.
ومن الموضوعات التي كتب فيها ناقداً ومصححاً:
- عبدُ الله بن سبأ؛ حيث ينكر الشيعةُ وجوده.(/5)
- والحقيقةُ في انتساب الشيعة لآل البيت، وتحت هذا الموضوع أمور عجيبة لا يصدق المرء أن تكون في مذهب الشيعة.
- ومنها تكلم الحمار مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقوله له: بأبي أنت وأمي، وأنه مع نوح في السفينة!!!
- وأشياء فيها طعن في علي وفاطمة والحسن والحسين، رضي الله عنهم أجمعين..
- ثم موضوع المتعة وما يتعلق بها، وقولهم: إن من تمتع؛ فكأنما زار الكعبة سبعين مرة، ومن لم يتمتع؛ فهو كافر!! وإن من تمتع أربع مرات فدرجته كدرجة الرسول، صلى الله عليه وسلم!!
- ثم ذكر أمراً خطيراً ينجرُّ من قضية المتعة، وهو "إعارة الفرج"، ومعناها أن يعطي الرجلُ امرأته وأَمته إلى رجل آخر، فيحل له أن يتمتع بها، أو أن يصنع بها ما يريد، فإذا ما أراد أن يسافر؛ أودع امرأته عند جاره...الخ!!!
- ثم القول بتحريف القرآن...
- وموقفهم من أهل السنة:
وأورد رواية الكليني في (الروضة) 8/135: "إن الناس كلهم أولاد زنا"، أو قال: "بغايا؛ ما خلا شيعتنا"!
وأورد قول الخميني في الرجل من أهل السنة: "فإن استطعت أن تأخذ ماله؛ فخذه وابعث إلينا بالخمس"!
وغير ذلك مما لا يعرفه أهل السنة عنهم.
وأورد في الخاتمة قول الإمام علي -كما في (الكافي) 8/338- عن شيعته: "ولو امتحنتهم؛ لما وجدتهم إلا مرتدين، ولو تمحصتهم؛ لما خلص من الألف واحد"!
7- (كسر الصنم)
كسر الصنم، أو: ما ورد في الكتب المذهبية من الأمور المخالفة للقرآن الكريم والعقل (نقض كتاب أصول الكافي للكُلَيني)/ تأليف: آية الله العظمى السيد أبي الفضل ابن الرضى البرقعي (ت 1413هـ)؛ ترجمة: عبد الرحيم ملا زاده البلوشي؛ قدم له وعلق عليه: عمر بن محمود أبو عمر. إيران: رابطة أهل السنة في إيران، المكتب رقم 3؛ عمَّان: دار البيارق، 1419هـ، 410 صفحات.(/6)
مؤلفه عالم متبحِّر، كان شيعياً، ثم اهتدى والتزم عقيدة الكتاب والسنة. وهو -هنا- ينقض كتاب (أصول الكافي) للكليني، الذي يعد أهم مرجع للشيعة الاثني عشرية، ويعد من كتب أحاديث الأحكام، فاهتمَّ بما يخالف القرآن والعقل من الأحاديث التي لم تصحَّ فيه، ونَقَدَها.
ويعني بـ (كسر الصنم): الكتابَ المذكور، الذي إن كُسر؛ فسيكون ضربة قاصمة للمذهب؛ لأنه يدعو إلى توحيد المذاهب والفرق الإسلامية، وهو الكتاب المخالف لكثير من أحكام الدين؛ فكان سبباً في عدم الاتحاد! يقول في المقدمة (ص29): "إن هذا الكتاب يجمع المتناقضات والأضداد، ويضم بين دفتيه من الخرافات ما لا يحصى".
وذكر في الصفحة نفسها أنه عرض هذا الكتاب على المسؤولين في إيران؛ ليبدو رأيهم، وإذا ما كان شيء من هذه الردود فيه خلاف للواقع؛ أصلحه وغيَّره، فلم يجيبوه، وعاملوه بقسوة، واستنتج أنهم لن يسمحوا بطبعه، كما ذكر المترجم أن كتبه ممنوعة في إيران.
وقال أيضاً في المقدمة: "ونحن -في هذا الكتاب- سنأتي على ذكر أخبار (الكافي) وأحاديثه التي تخالف الحجة الإلهية، وسنحقق في السند والمتن؛ لأنه إذا تبين فساد السند ورواته؛ تبيَّن للقارئ مَن هم الذين اختلقوا المذهب، وعمدوا للتفرقة بين المسلمين؛ بوضع الأخبار الملفقة. ومع الأسف؛ فإن العلماء المتمذهبين لم يحاولوا دراسة هذه المسائل والتحقيق فيها، بل قلدوا الرواة الذين سبقوهم، وكان الوضَّاعون -من أشباه المتعلمين وأصحاب الخرافات- قد أحدثوا هذه الأخبار في القرن الثاني أو الثالث، حيث لم يكن هناك حوزة علمية، أو مركز للبحوث، أو جامعات ذات مستوى علمي مرموق؛ لتمحص تلك الأخبار"...
وقد اجتهد المؤلف، واستعمل كل ما يملك، من علم وحجة ومنطق، بأسلوب علمي رصين مقنع؛ لينبه العقول، ويلفت نظر العلماء، الشيعة منهم خاصة؛ إلى أن في هذا الكتاب ما يخالف القرآنَ الكريم حقيقة، والسنةَ النبوية الناصعة!(/7)
وهو ينقض هذا الكتاب الأساس بعد أن نقل أقوال ثقات الشيعة: أنه أهم الكتب في المذهب؛ حيث نقل قول الشيخ النوري في (المستدرك) جـ3 ص532: "لم يؤلف مثل كتاب (الكافي) في الإسلام! وهو مدار مذهب الشيعة، ومن أكبر كتبهم وأجمعها".
وكتب كل من المجلِسي والممقاني وسائر علماء الشيعة فقالوا: "إن (الكافي) من أوثق وأضبط كتبنا"...
وذكر المؤلف أن (الكافي) يحتوي على (16199) حديثاً؛ يعتقد الشيعة أن رواتها عدول ثقات، بينما معظم رجال سنده من الضعفاء والمجهولين، ومن الناس المهملين وأصحاب العقائد الزائفة! ويستند في ذلك إلى أقوال علماء الرجال من الشيعة أنفسهم، ومن كتبهم أيضاً.
ــــــــــــــــــــــــــــ
[1] قلت: ولعله صدر كتابٌ؛ يذكُر عدم وجود مؤلِّف بهذا الاسم، وأنه اسم مستعار. والمهم الموضوع.(/8)
العنوان: كتب قيِّمة.. إسلاميَّة بيِّنة (6)
رقم المقالة: 1084
صاحب المقالة: محمد خير رمضان يوسف
-----------------------------------------
ثانياً: الدِّين
5- أصول الفقه وقواعده:
1- (المسائل الأصولية المختلف في أن لها ثمرة فقهية)
المسائل الأصولية المختلف في أن لها ثمرة فقهية وتحقيق الخلاف فيها/ علي بن صالح المحمادي.. مكة المكرمة: جامعة أم القرى، كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، 1417هـ، 362 ورقة، (رسالة ماجستير).
يبحث في المسائل الأصولية المختلف في أن لها ثمرة فقهية.. وذكر مُعِدُّه أنه اجتهد، فلم يجد مَن أَفرد هذا الموضوع بالتصنيف، مع أهميته، وقام ببحث أربع وعشرين مسألةً، منها اثنتا عشرة مسألة؛ الخلافُ فيها عمليٌّ يترتب عليه ثمرةٌ فقهية، وهي:
- الفرق بين الفرض والواجب.
- الخلاف حول الواجب المخيَّر.
- الخلاف بين المثبِتين للواجب الموسَّع والقائلين بأن الوجوب متعلِّق بآخر الوقت.
- إذا نُسخ الوجود؛ هل يبقى الجواز؟
- الزيادة على أقل ما يطلق عليه اسم الوجوب.
- هل المندوب مأمور به حقيقة؟
- هل المباح مأمور به؟
- تكليف الكفار بفروع الشريعة.
- هل المخاطب يعلم كونه مأموراً به قبل التمكن من الامتثال أم لا؟
- الخلاف في النسخ قبل ورود الخبر.
- الخلاف في الاحتجاج بالحديث المرسل.
- الخلاف فيمن يطلق عليه اسم الصحابي.
وبلغ عدد المسائل التي ليس للخلاف فيها ثمرة فقهية، بل الخلاف فيها لفظي؛ إحدى عشرة مسألة، وهي:
- الخلاف في حكم ما لا يتم الواجب إلا به.
- تحريم واحد لا بعينه.
- إطلاق الصحة في العبادات.
- المتروك لعذر مع لزوم القضاء؛ هل يكون واجباً؟
- الخلاف في واضع اللغة.
- نسخ الشرائع، عقلاً وشرعاً.
- هل تدخل النساء في الجموع المذكرة السالمة أو ضمائر جماعة الذكور؟
- هل للمفهوم عموم؟
- القياس في الأسباب، والشروط، والموانع.
- الخلاف في نوع دَلالة النص؛ أهي لفظية أم قياسية؟(/1)
- الخلاف في الاحتجاج بشرع من قبلنا.
وذكر أن مسألة واحدة ثمرتها أصولية، وهي: الخلاف في نسخ العبادة قبل التمكن من فعلها. ذكرها؛ لأنه من ثمارها مسألة: هل المخاطب يعلم كونه مأموراً به قبل التمكن من الامتثال، أم لا يعلم؟
2- (الرخصة الشرعية)
الرخصة الشرعية في الأصول والقواعد الفقهية، ونماذج تطبيقية في فتاوى شرعية لبعض المعاملات المالية/ عمر عبد الله كامل.. مكة المكرمة: المكتبة المكية، بيروت: دار ابن حزم، 1420هـ، 425 صفحة.
تحدث عن الرخصة، ومفهومها لدى أهل العلم، وما لها من خصائص، وضوابط، وآثار تعود على الفرد والمجتمع بالرخاء واليسر والفلاح، وذكر نماذج من تطبيقاتها، والفرق بين الحِيَلِ والمخارج، وانتقد الأخذ بالحيل المُفضية لاستحلال الحرام، ونفى أن تكون الحيل من الرخص الشرعية، أو أن تفضي إلى هذه الرخص.
وذكر أن أهل العلم قسَّموا الحيل إلى:
- حيل باطلة؛ لكونها وسائل إلى غايات تتعارض مع أصول التشريع وقواعده.
- وإلى حيل جائزة؛ سميت حيلاً من باب التجوز في التعبير، وإلا فهي مخارج تتفق مع أصول التشريع وقواعده.
ثم تحدث عن التلفيق، وأقوال أهل العلم في حكمه، وفرَّق بين ما يجوز منه وما لا يجوز.
وقبله: الأسباب الداعية إلى الترخيص، وهي: الضرورة، الحاجة، السفر، المرض، الإكراه، الخوف الشديد، الخطأ، الجهل، النسيان أو السهو، النقص، المشقة، عموم البلوى، الوسوسة، الترغيب في الدخول في الإسلام، وحداثة الدخول فيه.
وذكر أن الرخصة حكم استثنائي من أحكام عامة، اقتضاها التيسير.
وبَحَثَ القواعد الكلية الفرعية المندرجة تحت قاعدة (المشقة تجلب التيسير)، وهي:
- الأمر إذا ضاق اتسع.
- الضرورات تبيح المحظورات.
- الضرورات تُقَدَّر بقدرها.
- ما جاز لعذر؛ بطل بزواله.
- الحاجة تُنَزَّلُ منزلة الضرورة؛ عامة كانت أو خاصة.
- الاضطرار لا يُبطِل حق الغير.
- الضرر الأشد يُزال بالضرر الأخف.
- إذا تعذر الأصل؛ يصار إلى البدل.(/2)
- الميسور لا يسقط بالمعسور.
- ما لا يمكن التحرز عنه يكون عفواً.
- المجهول في الشريعة كالمعدوم والمعجوز عنه.
- للأكثر حكم الكل.
- الرخص لا تُناط بالمعاصي.
كما استعرض قضايا اقتصادية معاصرة، ونظر في معالجتها من قبل بعض علماء العصر، في ضوء الرخصة، وأحكامها، وتقسيماتها، وما لها من قيود وضوابط...
3- (عموم البلوى)
عموم البلوى: دراسة نظرية تطبيقية/ إعداد: مسلم بن محمد الدوسري.. الرياض: جامعة الإمام، كلية الشريعة، 1419هـ، 618 ورقة، (رسالة ماجستير).
المقصود بعموم البلوى: هو شمول وقوع الحادثة، مع تعلُّق التكليف بها، بحيث يعسرُ احترازُ المكلفين منها، أو استغناؤهم عن العمل بها؛ إلا بمشقة زائدة تقتضي التيسير والتخفيف، أو يحتاج جميع المكلفين -أو كثير منهم- إلى معرفة حكمها، وهو ما يقتضي كثرة السؤال عنه وإشهاره.
و (عموم البلوى) قاعدة فقهية يَستشهِد بها فقهاء الإسلام؛ لبيان أحكامٍ طارئة -حسب الظروف الزمانية والمكانية- لبلاء عام..
وقد ذكر الباحث أنه لم يقف على من كتب في هذا الموضوع بإفراده في كتاب[1]؛ فكان هذا سبباً لاختيار هذا الموضوع المهم والكتابة فيه، وأن الفقهاء يشيرون إلى هذا الموضوع دون وضع ضوابط معينة له، وهذا يعني وجود الحاجة إلى معرفة حقيقة عموم البلوى، وأسبابه، وشروط اعتباره في كل عصر، وعلى وجه الخصوص: في العصر الحاضر...
وذكر في شروط عدِّ عموم البلوى من أسباب التيسير:
- أن يكون عموم البلوى مُتَحَقَّقاً لا مُتَوَهَّماً.
- ألا يعارِض عمومَ البلوى نصٌ شرعي.
- أن يكون عموم البلوى من طبيعة الشيء وشأنه وحاله.
- ألا يُقصَد التلبُّس بما تعمُّ به البلوى بقصد الترخص.
- ألا يكون عموم البلوى -هنا- معصية!
- ألا يكون الترخص -في حال عموم البلوى- مقيَّداً بتلك الحال، ويزول بزواله.
وعقد باباً تطبيقياً عن بعض القضايا لعموم البلوى، منها:
- استعمال التقويم في تحديد مواقيت الصلاة.(/3)
- الطواف على سطح الحرم.
- استعمال المرأة حبوب منع الحيض في الصوم والحج.
- استقدام الخادمات بدون مَحرَم.
- بيع المعلَّبات والكتب والمجمَّدات في أغلفتها دون فتحها.
- استعمال التلقيح الصناعي (أو: أطفال الأنابيب).
- الحكم ببعض القرائن التي استجدَّت، كالبَصْمات، والتوقيعات، ونحوها.
- انتفاع الإنسان بأعضاء جسم آخر، حياً أو ميتاً.
وتوصَّل الباحث إلى نتائج علمية قيمة؛ منها قوله: عموم البلوى يُعد أحد الأمور التي بها تُضبَطُ المشقة؛ إذ إن المشاقَّ منها ما هو منضبط بأسباب معينة، وعموم البلوى يُعد سبباً في التيسير باعتباره مَظنة للمشقة... وأن اعتبار عموم البلوى سبباً في التيسير قد قامت عليه أدلة كثيرة من تصرفات الرسول -صلى الله عليه وسلم- وتصرفات الصحابة والتابعين -رضي الله عنهم- تفيد كلُّها القطع بعدِّ عموم البلوى سبباً في التيسير.
4- (المصلحة الملغاة في الشرع الإسلامي)
المصلحة الملغاة في الشرع الإسلامي وتطبيقاتها المعاصرة/ نور الدين مختار الخادمي؛ الرياض: مكتبة الرشد، 1426هـ، 104صفحات.
الوصف المناسب المُلغَى (أو المصلحة الملغاة): هو ما شهد الشرع ببطلانه.
أو: هو ما عُلم إلغاؤه، وثبت ردُّه من الشارع.
وعُرِّف -حديثاً- بأنه: الذي دلَّ الدليل الشرعي، الجزئي أو الكلي، على إبطاله وردَّه، وعلى عدم التعليل به، والقياس عليه؛ ولو كان في الظاهر مناسباً ومعقولاً.
مثاله: التكليف بما لا يُطاق وبما لا يَقدر عليه المكلف؛ كدوام قيام معظم الليل، والوِصال في الصوم وعدم قطعه بالإفطار، وترك الزواج والتناسل، ومداومة الاعتكاف على امتداد السنين والشهور.
وأورد المؤلف (27) مثالاً من الفقه الإسلامي، في الكتب السابقة والتطبيقات المعاصرة:
- كأذان العيدين والكسوفين.
- والجمع بين القصاص والدِّيَة في معاقبة القاتل.
- وقتل شخص؛ لأكله عند الجوع الشديد.
- وتجارة الأعضاء البشرية.(/4)
- والتلاعب بـ (الجِينات) والخصائص الوراثية.
- والإخلال بالوسطية الإسلامية، إفراطاً وتفريطاً.
- والتوسع في الابتداع، والتفنن فيه...
5- (فتح القادر في بيان أحكام النادر)
تأليف: علوان بن أحمد بن عبد الله الحبري الوصابي (1407هـ)، تحقيق: عبد الله بن محمد الطريفي، الرياض: المؤلف،1421هـ، 80 صفحة.
كتاب نادر، في موضوع نادر.
وهو في الفقه وقواعده، في: (حكم النادر).
فمن المعلوم أن الفقهاء -رحمهم الله- يبنون الأحكام على الغالب الشائع، ولا يُلحِقون الأحكام بالقياس على ما شذَّ وندر؛ قال يوسف بن عبد الهادي بن المبرِّد (ت: 909هـ) في (مغني ذوي الأفهام: 175): "العبرة بالغالب، والنادرُ لا حكم له، منها: أن الغالب على الأطفال عدم جَودة التصرف؛ فلا يَصح التصرف منهم، وإن وُجِد من بعضهم جودة التصرف؛ فهو نادر". اهـ.
وقد يُلغي الشرعُ الغالبَ رحمةً بالعباد، ولكن متى؟ وكيف؟ ثم هذا النادر؛ هل يُلحَق بالغالب؛ فيأخذ حكمه؟ أو يلحق بنفسه؛ فلا يأخذ حكم الغالب؟.. ذكر هذا الاستشكال مؤلف الكتاب في مقدمته، فقال:
"فطالما استشكلت الجمع بين قول أئمتنا في كتب الأصول والقواعد والفروع: (النادر يُلحَق بالغالب)، وقولهم: (النادر يُلحَق بنفسه)، وبعضهم يعبر عن هذا بأن (النادر لا حكم له). ولم أزل أبحث عن ضابط يرفع الإشكال؛ للوقوف على فروع ملحقة بالغالب، وفروع ملحقة بنفسها". ا هـ.
ومن الموضوعات التي بيَّنها:
- إذا نَدَرَ واحد أو اثنان في مخالفة بقية الأمة؛ فهل يكون قول الجمهور إجماعاً؟
- بعض الأمثلة على الحمل على النادر.
- حكم من غَسَلَ ما ندرت كثافته، كالحاجب والهُدْب والشارب.
- لو طالت مدة الاجتماع في مجلس الخِيار نادراً؛ فهل يبقى الخيار؟
6- (ضوابط صرف الأمر والنهي عن الوجوب والتحريم)(/5)
ضوابط صرف الأمر والنهي عن الوجوب والتحريم، وأثره في الأحكام الشرعية/ إعداد: خالد بن شجاع العتيبي.. المدينة المنورة: كلية الشريعة، 1420هـ، 433 ورقة، (دكتوراه).
من أهم مباحث أصول الفقه: الأمر والنهي، ويشير الأصوليون في مباحثهم الأصولية إلى صوارف الأمر والنهي، أي قد يأتي نصٌّ بالأمر؛ لكنَّ هناك صارفاً يصرفه عن الوجوب، أو التحريم إلى غيره.
وظهر للباحث أن هذا البحث لم يُبحث من قبل.. فما هي ضوابط هذا الصرف؟ وما أثره في الأحكام الشرعية؟
يجمع هذا البحث شتات هذه الصوارف والقرائن المتناثرة في كتب أهل العلم، وما يتعلق بها، ويرتِّبُها، ويحاول أن يصل إلى ضوابط تضبط هذا الموضوع، والنظر فيما يصلح قرينة صارفة، وما لا يصلح.
وفي الخاتمة ذكر نتائج طيبة، منها قوله:
- الأوامر والنواهي إذا جاءت مجردة عن القرائن؛ فإنها تقتضي الوجوب والتحريم.
- للقرائن دور كبير في صرف الأوامر والنواهي عن مقتضاهما.
- للتأويل أثر كبير -أيضاً- في صرف الأوامر والنواهي عن مقتضاهما.
- الأوامر والنواهي في الشريعة لا تجري في التأكيد مجرى واحداً، ولا تدخل تحت قصد واحد؛ فالأوامر المتعلقة بالأمور الضرورية ليست كالأوامر المتعلقة بالأمور الحاجية، ولا التحسينية، ولا الأمور المكمِّلة للضروريات، كالضروريات أنفسها، بل بينهما تفاوت معلوم...
7- (أحكام لزوم العقد)
إعداد عبد الرحمن بن عثمان الجلعود، المدينة المنورة: الجامعة الإسلامية، كلية الشريعة، 1421هـ، 736 صفحة.
الأصل في العقود أن توصف باللزوم، وهذا الأصل ليس مطَّرداً في جميع العقود؛ فمنها ما يناسبه اللزوم، وهو الأكثر، ومنها ما يناسبه الجواز، وهو الأقل...
ويترتب على لزوم العقد حقوق، في أكثر المعاملات، وهذا يستلزم بيان ضابط اللزوم، وما يترتب عليه من تبعات وأثار، كما أنه يستلزم بيان الموانع والسوالب التي تؤثر عليه.
ولم يُفرَد هذا الموضوع ببحث مستقل، كما يقول الباحث.(/6)
وقد جعله في ثلاثة أبواب، وفصول ومباحث ومطالب عديدة.
وذكر في الخاتمة نتائج طيبة:
فلزوم العقد ربط شرعي لأجزاء التصرف، بين عاقدين ليس لأحدهما الفَسخ دون قَبول الآخر؛ ما لم يكن لازماً لأحدهما فيختص الحكم به.
والعقود التي تكون لازمة للطرفين هي: البيع (ويندرج تحته: الصَّرْفُ، والسَّلَمُ، والشُّفْعَةُ)، والإجارة، والمزارَعة، والمساقاة، والحَوالة، والصُّلْحُ، والقِسْمَةُ، والنكاح، والخُلْعُ، والهُدْنَةُ، والعِتْقُ بِعِوَضٍ، والمكاتَبَةُ.
والعقود التي تكون لازمة في حق أحد الطرفين هي: الضَّمَانُ، والكَفَالَة، والوَقْفُ، والتَّدبِيرُ، والأمانةُ، والذِّمَّةُ.
والعقود التي تكون جائزة وتؤول إلى اللزوم للطرفين معاً هي: المضارَبَةُ، والمسابَقَةُ في بعض صورها.
والعقود التي تكون جائزة وتؤول إلى اللزوم في حق الطرف الواحد هي: الرَّهْنُ، والجَعَالَةُ، والقَرْضُ، والهِبَةُ، والعَارِيَّةُ، والمسابَقَةُ في بعض صورها، والوصيةُ.
والعقود الجائزة للطرفين هي: الوديعةُ، والوَكَالَةُ، والشَّرِكَةُ.
ثم أوجز آثاره العامة والخاصة، التي تختلف باختلاف المقصود من العقد...
---
[1] ما عدا رسالة سابقة بعنوان: (من أسباب التخفيف في الشريعة الإسلامية: العسر وعموم البلوى)، وهي رسالة دكتوراه، قدمت في جامعة الأزهر، 1408هـ.(/7)
العنوان: كتب قيِّمة.. إسلاميَّة بيِّنة (7)
رقم المقالة: 1113
صاحب المقالة: محمد خير رمضان يوسف
-----------------------------------------
6- عبادات ومعاملات:
1- (أحكام المتحيِّرة في الحيض)
أحكام المتحيِّرة في الحيض/ الإمام أبو الفرج الدارِمي محمد بن عبد الواحد (ت449هـ)، وقد صدر بتحقيق: أشرف بن عبد المقصود، الرياض: مكتبة أضواء السلف، 1418هـ، 465 صفحة.
المرأة المتحيِّرة: هي ناسية الوقت والعدد في أيام حيضها.
وتسمى أيضاً (المحيِّرة)؛ لأنها تحيِّر الفقيه في أمرها!
والنسيان قد يحصل بغفلة، أو إهمال، أو علَّة متطاولة؛ لمرض ونحوه، أو لجنون، وغير ذلك.
وقد صنف الإمام أبو الفرج الدارِمِي محمد بن عبد الواحد (ت449هـ) كتاباً رائعاً مفيداً في هذا الباب سماه "أحكام المتحيِّرة في الحيض"، ذكره الإمام النووي في المجموع، واختصر مقاصده في كراريس، وقال من ثَمَّ:
(وأما طريقة الدارمي؛ فإنها طريقة حسنة بديعة ونفيسة، بلغت في التحقيق والتنقيح والتدقيق، مشتملة على مجمل من النفائس الغريبات، والتنبيهات المهمات، استدرك فيها على الأصحاب أموراً ضرورية لابد من بيانها، وبسطها أبلغ بسط... وفيها من المستفادات ما ينبغي أن لا يُخلى هذا الكتاب من ذكر مقاصده، ولا يليق بطالب تحقيقِ بابِ الحيض -بل الفقه مطلقاً- جهالته، والإعراض عنه)[1].
2- (الأركان الأربعة)
الأركان الأربعة: الصلاة، الزكاة، الصوم، الحج: في ضوء الكتاب والسنة، مقارنة مع الديانات الأخرى/ أبو الحسن علي الحسني النَّدْوِيُّ، ط:3 (طبعة دار القلم الأولى)، دمشق: دار القلم، 1420هـ، 304 صفحات.(/1)
شيخُ العصر، العالم الجليل، والداعية الراشد، والفقيه المتعمِّق، أبو الحسن علي بن عبد الحي الحسني الندوي؛ هو أول عالم أقرأُ له وأنا مطمئن إليه من بين علمائنا الأجلاء، وهو مِن أوضح الناس فكراً، وصفاءَ روحٍ، وبراعة قلم، وينبغي أن تُعرض له كتب كثيرة، وليس هذا الكتاب فقط، الذي تُرجم إلى عدة لغات، ونفدت طبعته العربية الأولى في بضعة أشهر!!
تحدَّث في هذا الكتاب عن أركان الإسلام الأربعة: الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج؛ عن حقيقتها الشرعية، ومكانتها في الدين، وفي الحياة الفردية والاجتماعية، وعن مقاصدها وأسرارها، كما قرَّرها الكتاب والسنة، وفهمها المسلمون في القرون المشهود لها بالخير، والمتمسكون بلباب الدين، والراسخون في العلم في مختلف العصور والأجيال، في غير تكلَّف عميّ، وتنطَّع فلسفي، وتطرُّف شخصي! وفي غير خضوع لأفكار أجنبية، واتجاهات عصرية! وفي غير إخضاع لمعانيها وحكمها ونظمها ومناهجها؛ للفلسفات السياسية والمذاهب الاقتصادية والاجتماعية السائدة في عصورهم وأمصارهم.
وبدا للمؤلف أن يدرس هذه العبادات -وهي العبادات التي تلتقي عليها جميع الديانات التي كانت لها أيُّ صلة بالسماء، في عهد من العهود- في الديانات الأخرى، وهي التي لا يزال يدينُ بها خلق كثير وشعوب كبيرة في العالم المعاصر، وقارن بين أوضاع هذه العبادات ومناهجها وفلسفتها وأحكامها في هذه الديانات، وبين ما هو في الدين الإسلامي، واعتمد في ذلك على مصادر هذه الديانات الأصلية الموثوق بها عند أهلها، كما اعتمد -في الحديث عن أركان الإسلام الأربعة وعرضها وتفسيرها- على القرآن والحديث غالباً.(/2)
قال: (وقد كانت هذه المهمة عسيرة دقيقة؛ إذ الوضع الديني والفقهي في هذه الديانات يختلف عن الوضع الديني والفقهي عند المسلمين اختلافاً كبيراً، والباحث يواجه غموضاً واضطراباً عظيماً، وفراغاً علمياً هائلاً لا عهد له به في كتب الشريعة والفقه وتاريخ التشريع الإسلامي، وقد استطعت -بحول الله- أن أُخرِج في هذا الكتاب بدراسة مقارِنة تسدُّ – إلى حدِّ ما – فراغاً في هذا الموضوع.
وكان مما حفَّز المؤلف على هذا التأليف ما كان يشعر به من مدة طويلة من اضطراب الآراء والكتابات في تفسير هذه الأركان، ومقاصدها وغاياتها، وفوائدها ومصالحها، في هذا العصر، وإخضاعها، في جراءة كبيرة وتوسُّع وسخاء، للفلسفات العصرية والمذاهب الاقتصادية والسياسية، ومصطلحاتها وتعبيراتها المحدودة، حتى كادت هذه الأركان -في عقول من آمن بهذا التفسير، وخضع لهذا العرض- تفقد حقيقتها وقوَّتها، وتضيع مقاصدها التي شُرِعت لأجلها، وكاد معنى الإيمان والاحتساب يضيع من بين هذه التعبيرات المادية والتفسيرات العصرية، وكاد التفكير المادي يطغى على روح العبادة والإخلاص!!!
3- (صلاة التوبة)
صدرت عن دار عالم الفوائد: بمكة المكرمة، 1422هـ، 40 صفحة.
رسالة لطيفة، ألفها الأستاذ عبد الله بن عبد العزيز الجبرين، وتوصل فيها إلى ما يلي:
- ثبوت هذه الصلاة عن النبي، صلى الله عليه وسلم.
- تُشرَع عند توبة المسلم من أي ذنب، سواء كان من الكبائر أم من الصغائر، وسواء كانت هذه التوبة بعد اقتراف المعصية مباشرة أم بعد مضي زمن.
- هذه الصلاة تؤدَّى في جميع الأوقات، وإن كانت أوقات النهي.
- الصحيح من أقوال أهل العلم أن هذه الصلاة قبل التوبة، لا بعدها.
- هذه الصلاة -في أركانها وواجباتها وما يشترط لها- كصلاة النافلة، وهي ركعتان.
- يستحب مع هذه الصلاة فِعلُ بعض القُرُبات، كالصدقة، والذكر، والصيام، وغيرها.
4- (التَّكرار في غير العبادات)(/3)
التكرار في غير العبادات وأثره في الفقه الإسلامي/ إعداد: هشام بن عبد الملك آل الشيخ، الرياض: جامعة الملك سعود، كلية التربية،1421هـ، 384 ورقة، (ماجستير).
يذكر الباحث أنه رأى في حياة الناس أموراً تكون مكررة، يفعلها الإنسان من نفسه في تعامله مع الآخرين على سبيل النَّدْب أو الإباحة، أو يجبر على الإتيان بها مرة بعد المرة على سبيل الوجوب أو الإلزام.
ولأنه يحصل لبس وخفاء عند الكثيرين بسبب عدم معرفة حكم الشرع المطهر في هذه الأمور المتكررة، ولما لذلك من آثار فقهية عملية، وآثار اجتماعية؛ كان لابد من دراسة مستفيضة مبنية على التَّتّبُّعِ والاستقراء في الفقه الإسلامي؛ من أجل توضيح التكرار وأثره في المسائل التي قام بدراستها -موضوع هذا البحث- في جوانب الفقه الإسلامي ما عدا العبادات، والهدف هو جمع هذه المسائل، وبيان حكمها.
من هذه البحوث:
- تكرار النظر إلى المخطوبة.
- تكرار لفظ الطلاق.
- التكرار فيما يتصل بالرَّضاع.
- التكرار في الجِناية على النفس.
- التكرار في جريمة الزنا.
- تكرار السرقة.
- تكرار الرِّدَّة.
- تكرار نظر القاضي في القضية.
- تكرار نظر المفتي عند تَكرار الواقعة.
- تكرار دعوة غير المسلمين للإسلام.
- تكرار سب الدِّين من غير المسلم.
- تكرار أخذ الجِزية...
5- (الحوافز المرغِّبة في الشراء في الفقه الإسلامي)
تأليف: خالد بن عبد الله بن محمد المصلح، الرياض: جامعة الإمام، 1418هـ، 527 ورقة، (رسالة ماجستير).
يعني بالحوافز كلَّ ما يقوم به البائعُ أو المنتج من أعمال تعرِّف بالسِّلَع أو الخِدْمات، وتحثُّ عليها، وتدفع إلى اقتنائها وتملُّكها من صاحبها بالثمن، سواء كانت تلك الأعمال قبل عقد البيع أو بعده.
وأنواع الحوافز التي بحثها هي:
- الهدايا الترغيبية.
- المسابقات الترغيبية.
- التخفيضات الترغيبية.
- وكذلك الإعلانات والدعايات.
- ورَدُّ السلعة الترغيبي.
- والضمان والصيانة الترغيبيَّان.(/4)
- والاستبدال الترغيبي.
بيَّن حكم كل ذلك، مع التفصيل والأمثلة، وخاتمة موجزة.
ومما ذكره: أن التخفيض الترغيبي أنواع، وأن العادي منها جائز بجميع أنواعه؛ فالأصل -في تحديد أسعار السلع والخدمات- ارتباطُه بقُوَى العرض والطلب، وأن الراجح جواز بيع السلع والخدمات بأقل من سعر السوق.
ثم ذكر أنواع بطاقات التخفيض، وحكم كل نوع.
وأما الهدايا الترغيبية؛ إذا قدِّمت للشخصيات الاعتبارية؛ فلها حالان:
الحال الأولى: أن تقدَّم للجهة الاعتبارية نفسها، فحكمها -في هذه الحال- يختلف باختلاف مقصودِها:
- فإن كان غرضها التعريف بالسلعة؛ فإنها تكون جائزة، بَذلاً وقَبُولاً.
- أما إن كان القصد منها تسهيل أعمال الجهة المُهْدِيَةِ، أو ما أشبه ذلك؛ فإنها حينئذ تكون من الرِّشْوة المحرَّمة.
الحال الثانية: أن تقدم لمنسوبي الجهات الاعتبارية؛ فحكمها التحريم، بذلاًَ وقبولاً.
6- (المال المأخوذ ظلماً)
المال المأخوذ ظلماً وما يجب فيه في الفقه والنظام (بالسعودية)/ طارق بن محمد الخويطر، الرياض: دار إشبيليا، 1420هـ، 2 مجلدان (1135صفحة)، أصله: رسالة دكتوراه من المعهد العالي للقضاء التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
يُعرَف موضوعُ الكتاب من العنوان؛ ففيه:
- باب تمهيدي: عن أقسام المال، والآثار المترتبة على تقسيمه.
- ثم الباب الأول: في السرقة.
- والثاني: في الحِرَابة.
- والثالث: في الاختِلاس والانتِهاب، والفرق بين الاختلاس والسرقة، والفرق بين الاختلاس والانتهاب، وطرق إثباتهما.
- والرابع: في الغَصْب والرِّشْوة.
- والخامس: في جَحْد العارِيَّة، وخيانة الأمانة.
- والسادس: في الاستيلاء على اللُّقَطَة، والمعادن والكنوز.
وخُصِّصَ القسمُ الثاني من الكتاب لما يجب في أخذ المال ظلماً، وذَكَر:
- شروطَ توقيع العقوبة..
- وحقوقَ السجين..
- وتنفيذَ العقوبة التعزِيرِيَّة..
- وسقوط العقوبة وأسبابه.(/5)
- ثم أورد ست عشرة قضية واقعية جرت في المحاكم السعودية مع بيان حكمها، من سرقة، ورشوة، ونَشْل...الخ.
ولخص في الخاتمة ما توصل إليه من نتائج وتوصيات، ومما ذكره:
- لا قَطع على المختلِس، والمنتهِب، وجاحد العارِيَّة والوديعة، والغاصِب، ويُوقَعُ عليهم التعزيرُ الرَّادِعُ لفعلهم.
- لا يُقام الجَلْدُ في أي حالة يكون الضررُ غير مطلوب، كالجلد في شدة الحرِّ والبرد، وكجلد الحامل والمريض، ونحو ذلك.
- يكون القتل بأي طريقة تُريح المقتول، وليس ذلك محصوراً في السيف.
- تَسْقُطُ العقوبات التعزيرية بأمور، وهي: العفو، والتوبة، والموت.
7- (حرمة المال العام في ضوء الشريعة الاسلامية)
حرمة المال العام في ضوء الشريعة الاسلامية/ إعداد: حسين حسين شحاتة، القاهرة: دار النشر للجامعات، 1420هـ، 138 صفحة.
كتاب في غاية الأهمية، وفيه تنبيه وإنذار يَغفُل أو يتغافل عنه الكثيرون.
ومؤلفه أستاذ المحاسبة بجامعة الأزهر، ومحاسب قانوني، وخبير ضرائب.
يذكر في المقدمة: أن من المظاهر البارزة في هذا العصر الاعتداء على المال العام، سواء كان ملكاً للدولة، بصفتها المعنوية، أو لمجموعة من الناس، مثل مال الجمعيات، والهيئات، والمراكز، والنقابات، وما في حكم ذلك.
ومن صور هذه الاعتداءات المعروفة الآن:
- السرقة.
- والاختلاس.
- والغَلّ.
- وخيانة الأمانة.
- والرِّشوة.
- والإتلاف.
- وعدم إتقان العمل.
- وإضاعة الوقت.
- والتربُّحُ من الوظيفة.
- واستغلال المال العام لأغراض سياسية حزبية فئوية.
- والإسراف.
- والتبذير.
وغير ذلك من صور الضياع.
قال: ومن الأسباب المؤدِّية إلى الاعتداء على المال العام:
- ضعف العقيدة.
- وسوء الخلق.
- والجهل بالحلال والحرام.
- وعدم تطبيق أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية.
- وضعف النُّظُم والأجهزة المنوط بها حمايته.
- وتقصير ولي الأمر في القيام بالمسؤوليات التي حمَّله الله إياها.(/6)
قال: ويترتب على الاعتداء على المال العام جرائم خطيرة وسلبيات شتى، من أهمها: الفساد الاجتماعي، والاقتصادي، والسياسي، الذي أصاب الناس والمجتمع والأمة الإسلامية.
ثم يذكر أنه استشعر هذا الخطر العظيم (الاعتداء على المال العام) -مثل أي مسلم- وذلك في أثناء ممارسته لمهنته الوظيفية، محاسباً قانونياً، وخبيراً ومستشاراً مالياً، لعديد من شركات القطاع العام والمصالح الحكومية... ولدى اختياره مستشاراً وعضواً في لجان تحكيم وُدِّية في كثير من المنازَعات التي تتعلق بالمال على نحو عام..
وفي فصول أربعة؛ يذكر المؤلف أدلة، واستنتاجات، وقِصصاً، وعِبَراً عديدة.. وبيَّن أن الشريعة الإسلامية حرَّمت كل صور الاعتداء على المال العام، بكافة صوره، سواء كان مالاً خاصاً أو مالاً عاماً، وركزت على المال العام؛ لأنه يخص الناسَ جميعاً، ووضعت الحدودَ والضوابط التي لو طُبِّقَت لحققت الحماية الفعالة.
وذكر في الخاتمة: أسباب انتشار الاعتداء على المال العام، ونظم وأجهزة حمايته، وحسنات المنهج الإسلامي في ذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] المجموع 2/118، 344.(/7)
العنوان: كتب قيِّمة.. إسلاميَّة بيِّنة (8)
رقم المقالة: 1282
صاحب المقالة: محمد خير رمضان يوسف
-----------------------------------------
ثانياً: الدِّين
7- بحوث وموضوعات في الفقه الإسلامي:
1- (الموالاة في الفقه الإسلامي)
إعداد: محمد بن عبد العزيز الحمود، الرياض، جامعة الإمام، كلية الشريعة 1419هـ، 544 ورقة، رسالة دكتوراه.
المقصود بالموالاة هنا "التتابع"، كما في موالاة الوضوء، وقوله تعالى في كفارة القتل: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [النساء:92].
ويعرفه الفقهاء بأنه: المقاربة في الإتيان بالأقوال والأفعال.
وتأتي أهمية الموالاة في الفقه الإسلامي من أن الإخلال بها قد يؤثر في الاعتداد بالقول أو الفعل..
وذكر الباحث أنه لا يوجد في كتب الفقه باب جامع لأحكام الموالاة؛ بل هي مسائل متفرقة، وأن تخصيص كتابه بهذا الموضوع يعدُّ رِيادة فيه.
ثم بحث بالتفصيل: الموالاة في العبادات، وفي المعاملات، وأحكام الأسرة، وفي العقوبات، والصيد، والذبائح، والأيمان.
ومما توصل إليه في الخاتمة قوله:
- تشترط الموالاة بين النية والطهارة، لكن يجوز الفصل اليسير.
- ضابط الموالاة بين غسل أعضاء الوضوء هو عدم الجفاف؛ وذلك بغسل العضو قبل جفاف ما قبله.
- لا تجب الموالاة في الغسل، وإنما تستحب.
- لا تجب الموالاة بين التيمم والصلاة؛ فيجوز الفصل الطويل بينهما.
- تجب الموالاة بين كلمات التشهد...
- الموالاة بين الطواف والسعي سنة؛ فلا يضُّر الفصل بزمن طويل.
2- (أحكام الهزل في الفقه الإسلامي)
أحكام الهزل في الفقه الإسلامي: دراسة فقهية أصولية موازنة، إعداد: عبد الله بن فخري أنصاري، مكة المكرمة، جامعة أم القرى، كلية الشريعة، 1417هـ، رسالة ماجستير.(/1)
رسالة علمية، تناول فيها الباحث أحكام الهزل في الفقه الإسلامي، وهي التصرفات التي تصدر عن المكلف ويقصِد بها صورة الفعل المشروع دون حقيقته؛ إما لمجرد العبث، أو لغرض إيهام الناس أن التصرف الذي هَزَلَ به جِدٌّ.
وللوقوف على حقيقة هذه التصرفات؛ خصص الفصل التمهيدي للحديث عن دعامتي التصرف، وهما: الرضا، والتعبير عنه، وبحث حالات ارتباطهما، التي يظهر منها انفراد تصرفات الهازل بالقصد إلى المخالفة.
وخصص الباب الأول للحديث عن معنى الهزل وحقيقته، وتوضيح طرق تحققه، وأقسامه، وتنوع أغراضه إلى مشروع وغير مشروع، وبحث صلته بغيره من المعاني، كالحيل والتلجئة...
وبحث تأثير الهزل على التكليف باعتباره قاعدة فُرِّعت عليها أحكام الهزل، وظهر بذلك تأثيره على بعض التصرفات دون غيرها:
- ففي الاعتقادات: الهزل في إيقاع الإيمان أو الكفر بمنزلة القصد له.
- وفي العبادات: اتفق الفقهاء على أن الهزل فيها مخالف لقصد الشارع، مبطل للعبادة..
- وفي العقود: اختلف الفقهاء في مدى تأثير الهزل عليها، وذكر أن الأقرب للصواب هو أن العقود المالية المحضة، وما غلب عليه شبه التمليك مما يحتمل الفسخ؛ يؤثر فيها الهزل؛ فلا يلزم مع الهزل بيع ونحوه.
- أما العقود غير المالية مما لا يحتمل الفسخ، وفيه حق لله تعالى؛ فقد ذكر أنه لا يؤثر فيها الهزل، فيلزم مع الهزل النكاح والطلاق.. ونحوهما.
3- (أحكام المخاطرة بالنفس في الفقه الإسلامي)
أحكام المخاطرة بالنفس في الفقه الإسلامي، إعداد: نايف بن عبدالله النافع، الرياض، المعهد العالي للقضاء، 1425هـ، 218 ورقة، ماجستير.
رسالة نافعة محكمة، تحتاج إليها فئات من المجتمع الإسلامي، واطلاع باحثين من ملل أخرى ممن يهمهم أمن الأفراد والمجتمعات.
تحدَّث الباحث عن المخاطرة بالنفس في العبادات؛ مثل المريض الذي يضُّره الصوم فيصوم، وتحقق أو غلبة الهلاك في ركوب البحر لأداء الحج.(/2)
ثم عن المخاطرة بالنفس في باب الجهاد، وبيان اختلاف الفقهاء فيه، وفي باب الجنايات؛ كدفع الصائل (الدفاع عن النفس)، وإنقاذ الغريق، ومن في الحريق.
ثم المخاطرة بالنفس في باب الطب؛ كترك التداوي.. والتبرع بالأعضاء وشروطه، والقواعد الفقهية الواردة في ذلك، والموافقة على إجراء العملية مع كون نسبة نجاحها أو إهلاكها للنفس متساويين. والمخاطرة بالنفس في باب الألعاب والمسابقات؛ كالمصارعة، والملاكمة، وحمل الأثقال، وألعاب السيرك، وتسلق الجبال، وسباق السيارات، والدراجات النارية...
4- (أحكام اسم الآدمي في الفقه الإسلامي)
أحكام اسم الآدمي في الفقه الإسلامي وتطبيقاته القضائية، إعداد: تراك بن هليل الرويلي، الرياض، المعهد العالي للقضاء، 1424هـ، 175 ورقة، ماجستير.
بحث لطيف يدلُّ على علم وذوق ومتابعة لمفردات الفقه الإسلامي..
تحدث عن تسمية المولود، ووقته، وتسمية من مات بعد الولادة، والمستحب والمكروه والممنوع من الأسماء، ثم ضوابط تغيير الاسم وآثاره، فأحكام الكنية واللقب، وكذا الألقاب المستحبة والمحرمة والجائزة والمكروهة، وأتبع ذلك بذكر تطبيقات قضائية على تغيير الاسم في المحاكم الشرعية بالسعودية.
5- (أحكام الخدمة في الفقه الإسلامي)
إعداد: هيلة بنت عبد الرحمن اليابس، الرياض، جامعة الإمام، 1424هـ، 513 ورقة، ماجستير.
يعني الباحث بالخدمة: القيام بالحاجات الخاصة لشخص أو أشخاص أو مكان دون غيرهم، في زمن معين.
تحدث فيه عن الخدمة بين المسلم والكافر، وشروطها، والخدمة بين الوالد والولد، والخدمة بين الزوجين، وبين الرجل والمرأة الأجنبيين، وبين المكلف وغير المكلف، وعن مدة الخدمة وانقضائها، والآثار المترتبة عليها، وعن حقوق الخادم والمخدوم.
ومما توصل إليه الباحث من نتائج:
- استحباب خدمة الإخوان والكبار والضيوف والمساجد.
- خدمة الزوج مقدمة على خدمة الوالد والولد.(/3)
- خدمة الأجنبية للرجل المنفرد محرمة؛ خشية الوقوع في الخلوة والنظر المحرَّمين.
- يحرم على الخادم أن يؤجر نفسه لغير مستخدمه في مدة خدمته له.
- يجب على كل من الخادم والمخدوم إحسان معاملة الآخر.
6- (أحكام المسألة والاستجداء في الفقه الإسلامي)
إعداد: محمد بلو بن محمد يعقوب الخياط، مكة المكرمة، جامعة أم القرى، كلية الشريعة، 1422هـ، 367 ورقة، ماجستير.
رسالة علمية قديمة في موضوع مطروح ومعايش، فيه أحكام فقهية دقيقة، مع ترتيب سليم، ومناقشة متكاملة.
ومن النتائج التي توصل إليها الباحث الكريم:
- حث الإسلام على العمل والكسب الشريف، وأن يعتز المسلم بكرامته، ولا يهين نفسه أو يذلها بذل المسألة، ومن العزة أن لا يسأل الناس شيئاً ولو قلًَّ.
- يختلف حكم السؤال باختلاف الأحوال؛ فقد يكون محرماً، أو مباحاً، أو مكروهاً، أو واجباً، أو مندوباً.
- اتفق الفقهاء على أن أصل السؤال محرم، إلا أنه أبيح للضرورة والحاجة.
- جواز سؤال القرض، والعارية، واليسير الذي جرت به العادة؛ كشرب الماء، وشسع النعل، ولا يدخل ذلك في المسألة المذمومة.
- لا يجوز السؤال بوجه الله؛ إن كان في شيء من أمور الدنيا.
- تحريم سؤال القادر على العمل والاكتساب.
- سؤال الله -تعالى- هو المتعين والواجب؛ لأن في السؤال نوع ذلة وعبودية، ولا يليق بالمرء أن يبذلها إلا لله تعالى.
- من الآداب التي ينبغي على السائل المحتاج مراعاتها: أن يسأل الصالحين من الناس؛ لأنهم أقدر على قضاء الحاجة، ويعطون عن طيب نفس، ومن حلال، ولا يهتكون العرض، ولا يَمنُّون، وإن لم يجدوا ردوا السائل بالحسنى.
- يحرم الكذب في السؤال، ومن أخذ من الناس شيئاً وهو كاذب؛ فهو حرام وسحت، ولا يجوز إعطاء من تبين كذبه؛ لأن في ذلك إعانة له على باطله.
- يستحب مكافأة المحسن بالدعاء له.
7- (الخبرة ومجالاتها في الفقه الإسلامي)(/4)
إعداد: فاطمة بنت محمد الجارالله، الرياض، جامعة الإمام، 1422هـ، 2 مجلدان، دكتوراه.
بحث جديد مفيد، تعرف أهميته وموضوعاته من عنوانه؛ فمن ذلك: تعريف للخبرة، وكيف تكتسب، ومن يقدِّرها، وما هي موازينها في مختلف شؤون الحياة، وما هي شروط الخبير؛ كالطبيب، والخبير بالصيد، وناظر الوقف، والقاسِم، والمُزَكِّي، وفي القِبلة، والوقت، والحجاز، والطائف..
وفي شؤون العبادات عامة، وفي حصول الوفاة، والمعاملات؛ كتقويم المتلفات، والقول في الغرر، والحالات الخاصة بالنساء، وقسمة التركات، والحكم بين الزوجين.
وفي العقوبات؛ كتقدير الجِراح والشِّجَاج والتعزير، والقِيافة في النسب، والفراسة.، وحوادث المرور..
8- (أحكام الصناعة في الفقه الإسلامي)
أحكام الصناعة في الفقه الإسلامي: دراسة مقارنة، إعداد: محمد بن منصور المدخلي، الرياض، جامعة الإمام، 1419هـ، رسالة دكتوراه، 460 ورقة.
ذكر الباحث أنه لا توجد دراسة فقهية مقارنة -لموضوع الصناعة- تتناول جوانب البحث بكل دقة وتفصيل وعناية، وهذا يعني أن لبحثه هذا رِيادة في الميدان.
ورسالته في الماجستير كانت بعنوان: "المعادن في الفقه الإسلامي!".
عرَّف الصناعة، وبيَّن أنواعها، وأهميتها، وذكر حكم تعلمها، وحكم اتخاذ الصناعات الدنيئة والمداومة عليها، وحكم ترك الصناعة، والمفاضلة بين الصناعة، والتفرغ للعبادة، وأفضل الصناعات عند الفقهاء.
وبحث في أجرة الصُّنَّاع، وضمانهم، وتأمينهم، والاختلاف بين الصانع وصاحب العمل.
ثم بحث في عقد الاستصناع ومبطلاته، وتعريف شركة الصنائع وأنواعها، وعقد الترخيص الشرعي وأنواعه وحكمه، وعقد الاستثمار الصناعي وشروطه، وحكم منح غير المسلم حق الترخيص للاستثمار الصناعي في البلاد الإسلامية.
وفي الباب الثالث عقد فصلاً للأضرار الناشئة عن الصناعات وتعويضها.(/5)
وفصلاً آخر في الحسبة على الصناع، وذكر تحديد الأجور في الأعمال الصناعية، والمراقبة على العمل الصناعي، ومنع الغش فيه، وحكم الإجبار على بيع المصنوعات المحتكرة، وبيان صور الاحتكار الصناعي المستحدثة.
وفصَّل في آثار الصناعة على العبادة، وعلى المعاملات، وأحكام الأسرة في ذلك؛ كالحكم إذا أصدقها تعليم صناعة، ومدى اعتبار الصناعة من شروط الكفاءة، وحكم ثبوت الحضانة للأم الصانعة.
ثم بين آثار الصناعة على الجنايات والحدود والقضاء وما يلحق بها؛ كالاعتداء على الأطراف الصناعية، وما يترتب على إتلافها، وحكم القطع في سرقة المصنوعات المحرمة، وشهادة أصحاب المصانع.
9- (أحكام الأدوية في الشريعة الإسلامية)
من إعداد: حسن بن أحمد الفكي، المدينة المنورة، الجامعة الإسلامية، 1421هـ، 892 صفحة، رسالة دكتوراه.
ذكر الباحث أنه لم يجد من كتب في هذا الموضوع بالتفصيل، وإن كانت هناك بحوث في جوانب منه؛ ولذلك أقدم على الكتابة في هذا الأمر؛ لسد حاجة المسلمين.
وجعله في أربعة أبواب:
- بيّن في الباب الأول حقيقة الأدوية، وأحكام إعدادها، وتعاطيها.
- وفي الباب الثاني فصَّل أحكام الأدوية الحسية المادية، من أدوية بناتية نبَّه عليها الشرع، وأخرى على ما خالف الشرع؛ كالمخدرات والكحول، ثم الأدوية الحيوانية؛ كالعسل والإنسولين والجيلاتين والتِّرياق، ثم الأعضاء الإنسانية.
- وفي الباب الثالث ذكر الأدوية غير الحسية؛ مثل الرُّقى الشرعية، والأدوية النفسية الأخرى، وطريقة مداواتها، والوقاية منها.
- وخصص الباب الرابع للأحكام المتعلقة بآثار الأدوية -من حسية ومعنوية- مثل آثارها في باب الطهارة، والصلاة، ثم باب الصيام -مثل الغسيل الكلوي والإبر الوريدية- وباب الاعتكاف، والحج، والإحداد.
10- (الأحكام الخاصة بالروائح في الفقه الإسلامي)
إعداد: نورة بنت مسلم المحمادي، مكة المكرمة، جامعة أم القرى، 1422هـ، ماجستير.(/6)
موضوع الروائح جدير بأن يُتَفَقَّهَ فيه، خاصة أنه يرتبط بالحياة اليومية للإنسان، وقد يكون الجهل بمعرفة أحكامها سبباً في الإثم، بالإضافة إلى ما فيها من تحقيق المصالح، ودرء المفاسد، وحصول التآلف بين المسلمين؛ لما لها من أثر على الفرد والمجتمع؛ فالنفس تأنف من الروائح الكريهة، وتنشرح للطيبة..
وقد جعل الكاتب بحثه في أربعة فصول:
- جعل الأول للطهارة؛ مثل تطهير ما لحقته رائحة النجاسة، وتطييب الميت، وتطهير رائحة الفم، واختلاف حكم الرائحة باختلاف باعثها، والتطيب بالروائح المخلوطة بالمسكر.. وفي كل مبحث عدة مطالب.
- والثاني: في العبادات؛ كالرائحة الطيبة في الصلاة.، والروائح في الحج.
- والثالث: في العقود والعقوبات، وأثر الرائحة على عقد النكاح.
- والرابع: في منع الإضرار بالروائح، وفيه ثلاثة مباحث: في الجوار، وفي الصحة، وفي سلطة الدولة.
11- (الأحكام الطبية المتعلقة بالنساء في الفقه الإسلامي)
تأليف: محمد خالد منصور، عمان، دار النفائس، 1419هـ، 247صفحة، أصله رسالة ماجستير من كلية الشريعة بالجامعة الأردنية.
بحث علمي مهم، أصله رسالة علمية أكاديمية في الفقه وأصوله.
- الفصل الأول: أحكام الفحص الطبي؛ سلط فيه الضوء على مدى جواز نظر الرجل إلى المرأة حال القيام بالفحص الطبي، وأهلية الطبيب الفاحص ومساعديه، وحكم اشتراط الدِّين عند القيام بالفحص الطبي.
- الفصل الثاني: أحكام المعالجة الطبية للعقم وأسبابه عند النساء، وطرق علاجه، وحكم كل طريق، وحكم منع الحمل، الدائم والمؤقت، وحكم وسائل كل منهما.
- الفصل الثالث: أحكام الجراحة الطبية؛ حكم جراحة الولادة، والكحت، وتوسيع عنق الرحم، وحكم جراحة الخِتان، وحكم جراحة التجميل، وجراحة تغيير الجنس، وجراحة ثقب الأذن والأنف، وجراحة ثقب ورَتق غِشاء البَكارة.
12- (الانتفاع بالحيوان في الفقه الإسلامي)(/7)
إعداد: محمد بن علي خويري، الرياض، جامعة الملك سعود، 1419هـ، 2 مجلدان، رسالة ماجستير.
وُضِعَت كتبٌ فيما يَحلُّ ويحرم من الحيوان، لكن هذا البحث موسَّع؛ ففيه -بالإضافة إلى ذلك- أحكام الانتفاع بأجزاء الحيوان، وما يخرج منه، والمسابقة بالحيوان، وتفصيلات أخرى..
وبيَّن تحريم بيض الحيوان المحرَّم أكله، وتحريم أكل البيض؛ إذا تحوَّل دماً، وحكم أكل بيض ما له مخلب من الطير، وحكم أكل بيض الحيوان الميت، والبيض المسلوق بماء نجس.
وفيه مطلب في الانتفاع بدم الحيوان، وبيان حكم لبن الخيل، ولبن الجَلاَّلة، ولبن الحيوان الميت، وما يستثنى من الحيوان الميت تحريماً، وما اختلف في أكله من الطيور المتوحشة، وما اختلف في إباحة أكله من الحشرات.
وفي مسألة حكم أكل البيض المسلوق بماء نجس؛ ذكر اختلاف العلماء في مذهبين:
الأول: طاهر يجوز أكله، وهو مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنبلية.
الثاني: نجس لا يجوز أكله، وهو مذهب المالكية.
ثم ساق أدلة الطرفين..
13- (مُنْيَةُ الصيادين)
منية الصيادين في تعلَّم الاصطياد وأحكامه، لابن ملك؛ محمد بن عبد اللطيف بن فِرْشِتة (ت: بعد 854هـ)، يليها رسالة: فتوى الخواص في حِلِّ ما صِيد بالرصاص، محمود بن محمد الحمزاوي (ت: 1305هـ)، تحقيق: سائد بكداش، بيروت، دار البشائر الإسلامية، 1420هـ، 270صفحة.
يذكر المحقق أنه لم يجد كتاباً مطبوعاً في أحكام الصيد في الفقه الإسلامي لفقهائنا السابقين؛ ولذلك لجأ إلى البحث عن مخطوط في هذا الموضوع؛ فحقق هذا الكتاب.
وزعه المؤلف على أربعة فصول:
- الأول: فصل تمهيدي فسَّر فيه آياتٍ من القرآن الكريم، فيما أنعم الله به على الإنسان، من تسخير الأنعام، ومنافعها، ونحو ذلك. ثم تحدث عن مشروعية الاصطياد وإباحته، وما يحلُّ من الصيد وما يحرم.(/8)
- والفصل الثاني: عن الاصطياد بالجوارح المعلَّمة، وكيفية تعليمها، وأحكام صيدها، والاصطياد بالرمي، ونصب الشبكة، ونحوها، وأحكام صيد الحَرَم، وما يجوز بيعه من الحيوانات، وما يحرم.
- والفصل الثالث: في بيان صيد البحر وأحكامه.
- وختم الكتاب بالفصل الرابع: عن الذبائح وأحكامها.
وملحق بالكتاب فتوى لمفتي دمشق الشيخ محمود الحمزاوي -رحمه الله- كما في بيانات الكتاب.
قلت:
ومما كتب في هذا الموضوع حديثاً:
- أحكام الذبائح في الإسلام: الذبح، الصيد، الأُضحِية، العقيقة، محمد عبد القادر أبو فارس، الزرقاء، مكتبة المنارة، 1401هـ، 216صفحة.
- في عالم الصيد، أحمد حسن الباقوري، القاهرة، دار الفتح، 1393هـ، 254 صفحة.
- الصيد والذبائح، داود بن عبد الله الفطاني، القاهرة، دار إحياء الكتب العربية، 1343هـ، 32 صفحة.
- أحكام الصيد في الشريعة الإسلامية: دراسة مقارنة، عبد الله محمد الطريقي، الرياض، المؤلف، 1403هـ، 287 صفحة.
- الأطعمة وأحكام الصيد والذبائح، صالح بن فوزان الفوزان، ط2، الرياض، مكتبة المعارف، 1419هـ، 270 صفحة، أصله رسالة دكتوراه.
- فتاوى في الصيد، محمد بن صالح العثيمين، الرياض، دار الوطن، 1415هـ.
- الصيد والتذكية في الشريعة الإسلامية، عبد الحميد العبيدي، بغداد، دار الرسالة، 1395هـ.
14- (أحكام البحر في الفقه الإسلامي)
إسعاف أهل العصر بأحكام البحر: أول موسوعة فقهية شاملة لأحكام البحر، تأليف: عبد الله بن ياسين الحوالي الشمراني: الرياض: دار الوطن، 1420هـ، جـ1، 471 صفحة.
"إسعاف أهل العصر بأحكام البحر" بحث لطيف في موضوع نادر، ذكر المؤلف أنه لم ير من سبقه إلى مثل هذا التأليف.
وهو ثلاثة أجزاء:
- الأول: في العبادات.
- والثاني: في المعاملات.
- والأخير: جامع لبعض المسائل والفوائد والطرائف الخاصة بالبحر.
وجعل القسم الأول في ستة أبواب:
- المياه: حقيقة البحر؛ من حيث وضعه، وحكمه، وشرب مائه، وتحليته.(/9)
- الطهارة والنجاسات: الوضوء والغسل من ماء البحر، قضاء الحاجة في البحر، ورمي النجاسات فيه، حيوان البحر وأثره فيه، حكم ميتة الحيوان البحري من حيث النجاسة، حكم دم الحيوان البحري، حكم ما أُبين من حي.
- الصلاة في البحر: حكم الصلاة في السفينة المغصوبة، والتي فيها نجاسة، الصلاة على ساباط على النهر، وعلى البحر المتجمد، استقبال القبلة في السفينة للملاح وللركاب، حكم القيام فيها والركوع والسجود بالنسبة للملاح، السجود على ماء البحر وعلى ظهر السفينة، صلاة العُرْيان، أحكام صلاة الغريق، أحكام السفر في البحر.
- الزكاة: حكم زكاة ما يُستخرَج من البحر.
- الصيام: ابتداء الفطر للمسافر بحراً، حكم الفطر لأجل إنقاذ غريق.
- المناسك: حكم الحج والعمرة لمن كان البحر حائلاً بينه وبين مكة، حكم صيد البحر للمُحْرم.
والقسم الثاني يحتوي على أحكام المعاملات مما يتعلق بالبحر؛ من جهاد، وفرائض، وبيع، وجنايات، ودِيات، وحدود، وصيد، وذبائح، وأطعمة.
والثالث فيه مسائل عامة مختصة بالبحر؛ عجائبه، أول من صنع السفينة، الرحلة في البحر لطلب العلم، مع ذكر نماذج من رحلات العلماء البحرية، والإشارة إلى أول من رحل في البحر لطلب العلم...
وقد رأيت منه القسم الأول فقط.
قلت:
ثم وقفت على رسالة دكتوراه رائعة؛ بعنوان "أحكام البحر في الفقه الإسلامي"[1]، فيها مباحث جديدة، وتوثيق وتبويب علمي عالي المستوى، وأدعو الله -تعالى- أن يُكتب له النشر والانتشار.
ومن مباحثه: جريان الربا في المستخرجات البحرية، التأمين البحري وحكمه، ضمان نقل البضائع على ظهر السفينة، أجور وقوف السفن في الموانئ، إحياء الشواطئ والجزائر، الإقطاع البحري، ملكية مياه البحر وما يستخرج منه، الرياضات البحرية، حكم المسابقة على السفن بعوض، الشُّفْعة في السفن، حكم الدُّرَّة التي توجد في بطن السمكة، المياه الإقليمية، وأقسام المياه البحرية..
15- (أحكام الحشرات في الفقه الإسلامي)(/10)
تأليف: كمال بن صادق ياسين، الرياض، جامعة الإمام، كلية الشريعة، 1425هـ، 523 ورقة، رسالة ماجستير.
بيَّن فيه مصطلح الحشرات عند الفقهاء، ثم ذكر أنواعها؛ من حيث النفع والضرر، ومن حيث حكم أكلها؛ فعناية الإسلام ورحمته ورأفته بها.
ثم ذكر أحكام الحشرات في العبادة؛ من حيث الطهارة وما إليها، وزكاة نِتاجها؛ كالعسل والحرير، ثم حكمَها في المناسك؛ كقتلها في الحج.
ثم أحكامها في المعاملات؛ من حيث بيعها، وإجراء التجارب عليها، وإطعامها الكلاب ونحوها، وحكم استيرادها، وجعلها صَداقاً، وتأجيرها، وبيع لحمها، وأحكام قتلها؛ بآلة، أو دهساً، أو غرقاً، أو إبادة بمبيد، أو حرقها..
ثم أحكامها في الجناية، وضمان المتلفات، وحكم تسليطها على الأعداء في الحروب، وحكم سرقتها.
ثم أحكامها في الأطعمة، والأشربة، واللباس، والأدوية، وحكم التطعيم ضد الأمراض التي تنقلها، وحكم تشريحها.
ثم اتخاذها للتصوير واللعب والزينة؛ كبيان تصويرها، وتحنيطها، وصناعة اللعب على أشكالها، واتخاذ أشكالها لطرد الطيور عن الزروع.
ــــــــــــــــــــــــــ
[1] أعدها: عبد الرحمن بن أحمد عسيري، الرياض، جامعة الإمام، كلية الشريعة، 1419هـ، 549 ورقة.(/11)
العنوان: كتب قيِّمة .. إسلاميَّة بيِّنة (9)
رقم المقالة: 1503
صاحب المقالة: محمد خير رمضان يوسف
-----------------------------------------
8- النوازل الفقهية:
1- (المستجدات الفقهية استحالة النجاسات وأثرها في حِل الأشياء وطهارتها)
الزرقاء، الأردن: جامعة الزرقاء الأهلية، 1419هـ ، 428 صفحة.
يحتوي على بحوث المؤتمر الأول الذي عقدته جامعة الزرقاء الأهلية في الأردن بتاريخ 25/7/1998م؛ سعياً للوصول إلى حلول عملية لمشكلات الفضلات والمخلَّفات التي باتت تشكل خطراً كبيراً على البيئة في عالم يعجُّ بالصناعات المتنوعة، ورغبة في الوصول إلى أفكار ومقترحات تطبيقية تدعو إليها الحاجة في كثير من الصناعات، ولاسيما الغذائية والدوائية والمائية، مستندة إلى أحكام الشرع الحنيف.
وقد انبثقت فكرةُ هذا المؤتمر الفريد من خلال كثير من التساؤلات والاستفسارات التي تعرض لبعض أصحاب الصناعات التي تدخل النجاسات في موادها الأولية... وتتبين أهمية موضوعاته من خلال بيانها على النحو التالي:
- النظريات الفقهية في تطهير النجاسات/ د. إبراهيم الدبو.
- كيفية تطهير النجاسات / د. جمال أبو حسان.
- استحالة المكسرات والمائعات النجسة / د. جبر الفضيلات.
- استحالة المائعات النجسة من منظور فقهي وعلمي/ د. كايد قرعوش.
- تحديد الأعيان النجسة/ د. عمر الأشقر.
- المخلفات (الزراعية والنباتية والحيوانية ) واستعمالاتها كأعلاف /د. محمد يونس حرب.
- النجاسات المختلطة بالأعلاف وأثرها في المنتوجات الحيوانية في الفقه/ د. محمد عثمان شبير.
- استحالة النجاسة وأثرها في الخلطات العلفية/ د. عبد المجيد صلاحين.
- استحالة الأعيان النجسة واستعمالاتها في الصناعات الغذائية والدوائية/ د. حامد تكروري ود. محمد حميض.
- الجيلاتين: مصادره، طريقة استخلاصه، استعمالاته / إيادقنيبي.(/1)
- حكم استعمال النجاسات والمحرمات في الصناعات الغذائية والتجميلية ومدى انطباق أحكام الاستحالة عليها / د. عبد الناصر أبو البصل.
2- (المقاطعة الاقتصادية وأحكامها في الفقه الإسلامي)
إعداد: تركي بن عبد الله الرشودي، الرياض: جامعة الإمام، المعهد العالي للقضاء، 1425هـ ، 294 ورقة (رسالة ماجستير).
المقاطعة الاقتصادية تعني وقف العلائق التجارية مع فرد أو جماعة أو بلد لتحقيق غرض اقتصادي أو سياسي أو عسكري في السِّلم والحرب.
وبهذا يكون أكثر شمولاً من مفهوم العقوبات الاقتصادية، أو المعاملة الاقتصادية بالمثل، أو الحظر الاقتصادي.
ذكر الباحث لهذه المقاطعة أسباباً وأهدافاً وفوائد متعددة، وأنها تستهدف في الأساس أهل الحرب دون غيرهم، وأنها تكون واجبة في حالين:
إذا أمر بها إمام المسلمين، وإذا علم المسلم يقيناً أو بظن غالب أن قيمةَ ما يشتريه يُعين الكفار على إقامة دينهم وتقوية شوكتهم، أو يُعين على الإضرار بالمسلمين وقتالهم، ويُستثنى من هذا الوجوب أمران: البضائع والسلع الضرورية التي ليس لها بديل، كالأدوية والآلات الطبية والعسكرية ونحو ذلك، والبضائع والسلع الحاجية التي ليس لها بديل.
ثم ذكر ما يندب من المقاطعة، وأبعادها المتنوعة، وأنها سلاح فعال ومؤثر، ولكن بشرط أن يكون بوسائل وسبل مدروسة.
3- (الأحكام الفقهية المتعلقة بالهاتف)
للباحث: مساعد بن راشد العبدان، الرياض: المعهد العالي للقضاء، 1426هـ ، 240 ورقة (رسالة ماجستير).
مهد الباحث لموضوعه بحديث عن "التكييف الفقهي للهاتف"، ببيان متعلقات الهاتف الثابت والمحمول، العادي والعائلي، والمحمول ذي البطاقة مسبقة الدفع، والكبائن المحلية والمتوزعة.(/2)
في الفصل الأول: بيَّن ارتباط الهاتف بأبواب العبادات، مثل الدخول بالهاتف المحمول إلى الخلاء، وخاصة إذا كان محتوياً على آيات من القرآن الكريم، ومسّه بلا طهارة، والتعزية بالهاتف.. وزكاة البطاقات مسبقة الدفع، والرصيد المدَّخر للمكالمات.. والاعتماد على الهاتف في الإخبار عن رؤية الهلال، وحكمه للمعتكف، واستخدامه في مشاعر الحج.
والفصل الثاني: عن الهاتف المحمول في أبواب المعاملات المالية.. كحكم استبدال الجهاز القديم بالجديد، وتأجيره، وعزل الوكيل بالهاتف، وهبة المجهول..
والثالث: في أبواب فقه الأسرة.. كإجراء عقد النكاح بوسيلة الهاتف، وكذا الطلاق، والرجعة، وحكم إجابة دعوة وليمة عقد النكاح بالهاتف مشافهة، وشمول النفقة الواجبة للهاتف.
والرابع: الهاتف في أبواب الجنايات والحدود والقضاء وطرق الإثبات.. في بحوث جديدة ونادرة قيمة.
والخامس: في أبواب متفرقة، كالتصوير بالهاتف، والنغمات الموسيقية فيه، والرسائل المستخدمة فيه، والمظهر الخارجي له، والتجسُّس به، والإسراف فيه، وأحكام السلام وصلة الأرحام المتعلقة به، والمعاكسات.. والغش في الاختبارات والتفاخر..
4- (مدى مشروعية الاستشفاء بالدم البشري وأثر التصرف فيه)
مدى مشروعية الاستشفاء بالدم البشري وأثر التصرف فيه في الفقه الإسلامي والقانون المدني، تأليف: محمد عبد المقصود حسن داود، الإسكندرية: دار الجامعة الجديدة للنشر، 1420هـ ، 493صفحة، (المكتبة القانونية).
من النتائج التي توصل إليها الباحث المتخصِّص بعد دراسة وموازنة وإيراد شواهد ونصوص:
- يجوز تداوي النفس البشرية بما أحلَّ الله تناوله والتداوي به، وكذا يجوز تداويها بالمحرم إذا تعين علاجاً لها دون غيره من المباحث على يد طبيب مسلم حاذق.(/3)
- يجوز نقل الدم البشري للتداوي به عند الحاجة إليه، إذا تم في حدود القيود والضوابط الشرعية والقانونية التي لا تسمح بإهدار آدمية الإنسان أو الانتقاص من كرامته؛ ذلك أن نقل الدم إلى المريض الذي هو في حاجة ماسَّة إليه ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها، وعلاجٌ لا يمكن الاستعاضة عنه بأي دواء آخر.
- الدم البشري الطبيعي الخارج من غير السبيلَين، المسحوب بالإبرة أو بالحقنة وفي وسائل الحفظ أو التخزين بمصارف الدم، طاهر على ما انتهى إليه من الترجيح، إذا لم تتغير حاله بأي سبب يخرجه عن طبيعته، لما ثبت من تميز الدم البشري عن غيره من الدماء المسفوحة، ودماء الحيوانات، وغير ذلك من الدماء النجسة أو المستقذرة.
- الأصل في بيع الدم البشري الحرمة، لأنه جزء آدمي محترم شرعاً، ولاشك أن هذا ينسجم مع القواعد الأخلاقية والمبادئ الإنسانية، لأن بيع الدم البشري عمل مَشين يبعث على الاحتقار لصاحبه والحط من آدميته، حتى وإن كان بهدف إنقاذ حياة الآخرين، لما في ذلك من المتاجرة بالدماء البشرية بحجة التداوي بها.
ولكن إذا تعين الدم البشري دواءً منقذاً يتعذر وجود بديل له يقوم مقامه، ويكون له نفس آثاره في التداوي به، وتعذر الحصول عليه إلا بالشراء، فلا ضيرَ يلحق بالمشتري المحتاج إلى هذا الدم من الناحيتين الشرعية والقانونية، إعمالاً لقاعدة (الضرورات تبيح المحظورات)، ويكون الإثم في هذا الحالة على آخذ الثمن.
- مقايضة الدم البشري بمثيله أو بأحد عناصره، كمبادلة قنينة من الدم البشري بأخرى ذات فصيلة مغايرة، أو مبادلة مقدار من الدم بمقدار من البلازما مثلاً لا ضيرَ فيها، نظراً إلى أنها لا تمثل هدراً لكرامة الإنسان أو استغلالاً لحاجته، كما أنها تحقِّق مصالح الناس الضرورية والقطعية التي لا يُغني عنها سواها في إزالة العلل والأمراض، وذلك إعمالاً لقاعدة (الضرورات تُبيح المحظورات).(/4)
- أما مقايضة الدم البشري بغير جنسه أو أحد مشتقاته، كمبادلة مقدار من الدم بقطعة أرض زراعية، أو شقة سكنية أو نحو ذلك، فإن هذه مقايضةٌ شاذة وغير جائزة في الفقه الإسلامي والقانون المدني، لأنها تعني السماحَ بالمتاجرة في الدماء البشرية، ومعاملة الإنسان معاملة السِّلَع والدواب في سوق المضاربات والمعاملات المالية.
- التبرع بالدم أمر مندوب إليه شرعاً، فهو من باب تجهيز الغازي إذا كان الأمر يتعلق بمجاهد، كما أنه من باب الشكر لله تعالى على نعمة الصحة والعافية، إعمالاً للسنة الداعية إلى التصدق عن جميع البدن، كما أنه من أجلِّ القُرَب، لأن فيه إنقاذاً للحياة، ودفعاً للهلاك، ومواساة للمرضى، ومعاونة مشروعة لهم على مواجهة المرض، ووفاءً بحق الأخوة والإنسانية.
5- (الأسمدة والمبيدات الزراعية وأحكامها الفقهية)
إعداد: عبد العزيز بن سليمان السعوي، الرياض: المعهد العالي للقضاء، 1425هـ، 352 ورقة (ماجستير).
ذكر الباحث أنواع الأسمدة وخواصها، وحكم استخدام العضوية منها، والطاهرة، والنجسة، والعذرة، والأسمدة المعدنية، والهرمونات، ثم أحكام المبيدات بأنواعها الميكانيكية والبيولوجية والكيميائية والكهربائية، سواء أكان إبادةً بالنار، أم بالصعق الكهربائي، أم بالحبس، وما فيه ضرر على البيئة أو الإنسان، وحكم استخدام المعقِّمات الحديثة، واستخدام المبيدات في الحرم، وفي البيوت وبيعها، وطهارتها.
ثم تحدث عن ضمان الإتلاف بسبب هذه الأسمدة والمبيدات، إن كان التالف نفساً أو عضواً أو منفعة.(/5)
العنوان: كثر اللغط على بني أمية
رقم المقالة: 841
صاحب المقالة: أسامة إبراهيم سعد الدين
-----------------------------------------
كثر اللَّغَط على دولة بني أمية؛ فادَّعى البعض أنهم أرهقوا البلاد، وظلموا العباد، وفي هذا الادِّعاء مبالغة شديدة.
ولعل بعضهم قد قارن بين خلافتهم وبين الخلافتَيْن الراشدة والعباسية؛ فظنوا أنها لم تقدِّم أيَّ تطور للحياة الإسلامية - بمفهومها الحضاري - غير تلك الفتوحات التي امتدَّت شرقاً وغرباً، وبالغ بعض مؤرِّخينا المعاصرين من المتأثِّرين بالنظرة الاستشراقية فى تفسير أحداث التاريخ الإسلامي؛ فاعتبروها دولةً مغتَصِبةً للخلافة، متوقةً للزعامة، قامت دعائمها قويةً وطيدةً بعد أن شرَّدت آل البيت، وأبعدتهم عن الحياة السياسية، ثم حوَّلت الخلافة إلى مُلْكٍ عَضُوض يُتَوارث، والأدهى أن يذهب بعض هؤلاء المؤرخين إلى الاعتداء على خلفاء تلك الدولة بالتجريح والتشريح لمواقفهم وأفعالهم، كمعاوية بن أبى سفيان الصحابي الجليل - رضي الله عنه - وابنه يزيد بن معاوية، وعبدالملك بن مروان، وغيرهم .
ثم يقفون عند عمر بن عبدالعزيز - رحمه الله - ويعدُّونه النقطة الوحيدة المضيئة فى تلك الحقبة الزمنية المظلمة، ناسين - أو جاهلين - دور الخلفاء الآخرين فى نشر الإسلام، وإعلاء كلمته فى أرجاء الدنيا.
ولنا مع هؤلاء وقفة يسيرة؛ فإذا نظرنا إلى الخلافتَيْن السابقة واللاحقة لعهد بني أمية؛ لوجدنا الآتي:
الخلافة الراشدة:
وهي السابقة لعهد بني أمية؛ كانت فترة ربَّانية بحقٍّ[1]؛ لما فيها من ولع بالدين، وحب للعلم، وشغف بالدراسة، وزهد فى الدنيا؛ فرعاياها تلاميذ مدرسة النبي - صلى الله عليه وسلم - فأعظِمْ بها من مدرسة!- وخلفاؤها: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي - رضي الله عنهم أجمعين - فكم يتوقُ الناس لتلك الخلافة!!
الخلافة العبَّاسية:(/1)
وهي اللاحقة لخلافة بني أمية، وقد امتازت بالاهتمام بالبحث العلمي، وبالنهضة الأدبية والعلمية، وذلك بعد أن اتَّسعت رقعة الدولة الإسلامية شرقاً وغرباً، وحدث الانصهار بين الحضارة الإسلامية والحضارات القديمة؛ لتبرز الحضارة الإسلامية - في النهاية - بصورتها الرائعة، وبريقها الأخَّاذ.
وفى تلك الخلافة تم تدوين التاريخ وكتابته؛ فإنْ كانت إرهاصاته قد ظهرت فى عهد بني أمية، إلا أن حركة التأليف والتأريخ ظهرت بوضوح فى ذلك العصر، ويكفينا أن نعرف أنَّ تاريخ بني أمية قد كُتب فى عهد بني العباس - ألد أعدائهم - فكان فيه ما فيه من ظلم لهم وإجحاف بحقهم.
ومما سبق: نجد أنَّ لكلِّ حقبة من التاريخ مزاياها الخاصة؛ فدولةٌ راشدةٌ عادلةٌ، ثم دولةُ فتوحات ودراسات، ثم دولةٌ حضاريةٌ بالمعنى المادِّي والمعنوي، فما الثانية إلا نتيجة للأولى، وما الثالثة إلا خلاصة المرحلتين الأولى والثانية.
ونعود لمؤرخينا وكتاباتهم؛ فنجد أن ما كتبوه مستمدٌّ من مصدرَيْن:
الأوَّل: كتابات المستشرقين الحاقدين على الإسلام وتاريخه وحضارته، وخاصةً تلك الدولة التى أدخلت الإسلام شرقاً وغرباً، وما حصار القسطنطينية وفتح الأندلس عنَّا ببعيد[2]!
الثاني: الروايات الشيعية الملفَّقة والموضوعة فى كتب التاريخ الإسلامي، كتلك التي رويت عن أبي مِخْنَف، ذلك الشيعي الكذَّاب، وغيرها الكثير[3].
- ثم كيف لهم أن يجهلوا قدر تلك الدولة العظيمة، التى اتسعت رقعتها من حدود الصين شرقاً إلى جنوب فرنسا غرباً؟! كل هذا تحت خلافة واحدة، تُعلي كلمة التوحيد، وتنشر الإسلام في كل مكان؛ فإن كان لبعض خلفائها هنَّات؛ فلا نقف عندها طويلاً؛ فنعطي الأمر أكثر مما يستحق، ثم نذهب لنعمِّم، ونقول للناس: إنهم كانوا ظالمين معتدين! فهذا هو الخطأ البيِّن، والخطب الفادح.(/2)
تلك النظرة المغلوطة للتاريخ الإسلامي بدأت تظهر بوضوح فى القرن الماضي؛ حيث العلمانية تحكم قبضتها حول العالم الإسلامي، أما الآن، ومع تلك الصحوة الإسلامية التي لاحت بوادرها في الأفق، فإننا نَأْمُلُ كتاباتٍ إسلامية صادقة لتاريخنا، تتعرَّض للحق فتحقَّه وتدنيه، وتتعرَّض للباطل فتبطله وتقصيه.
ــــــــــــــــــــــ
[1] بدأت الموجة الأولى من الفتوحات الإسلامية في زمن الخلافة الرَّاشدة,كفتح الشام والعراق وفارس ومصر - ولكنِّي اقتصرت على إبراز السمة الأساسية لتلك الخلافة "ربانية عادلة" - ثم بلغت الفتوحات الإسلامية الذِّروة فى عهد بني أمية، بفتح بلاد السِّند وإفريقية والأندلس. وكان العهد الأموي زاخراً بالدراسات الإسلامية فى الفقه والحديث وعلوم الدين الأخرى، وظهر في الموالي الكثير من الوعَّاظ والمحدِّثين.
[2] فتحت الأندلس بقيادة موسى بن نصير وطارق بن زياد، في عام 92 هجرية، في خلافة الوليد بن عبدالملك.
[3] كان لرواة الشيعة ومؤرِّخيهم دورٌ بارزٌ في تشويه التاريخ الإسلامي، كما تبدَّى في "نهج البلاغة" لابن أبي الحديد، و"مروج الذهب" للمسعودي، وغيرها.(/3)
العنوان: كُرَّاسَةٌ جَامِعَة لِمَسَائِلَ نَافِعَة
رقم المقالة: 1086
صاحب المقالة: د. جمال عزون
-----------------------------------------
للفقيه العلاّمة المؤرّخ أبي القاسم عبد الرّحمن بن إسماعيل الدّمشقيّ
المعروف بأبي شامة المقدسيّ
(599 - 665 هـ)
عرض وتقديم
إنّ الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألاّ إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبدُه ورسوله.
أمّا بعد:
فهذا أثر نفيس من آثار الفقيه المحقّق، والعلاّمة المدقّق، أبي شامة المقدسي (599 - 665هـ)، سمّاه "كرّاسة جامعة لمسائل نافعة"، لخّص فيه خمس مؤلّفات له مفيدة، هي:
- "نور المسرى في تفسير آية الإسرا".
- و"نيّة الصّيام وما في يوم الشّكّ من الكلام".
- و"الواضح الجليّ في الرّدّ على الحنبلي".
- و"ضوء السّاري إلى معرفة رؤية الباري".
- و"المحقَّق من علم الأصول فيما يتعلّق بأفعال الرّسول، صلى الله عليه وسلم".
وهي مصنّفات مفردة لموضوعات مهمّة جليلة، لم يُخْلِهَا المؤلِّف من فوائد نافعة، وتوجيهات ماتعة، أهمّها الحرص على معرفة المسائل بالأدلّة الشّرعيّة؛ للوصول إلى الرّاجح من الأقوال التي وقع فيها الخلاف بين العلماء.
وتلك المصنّفات التي أفردها أبو شامة لمواضيع شتّى هي -في نظره- وسيلة جيّدة لإتقان الفنّ الذي عالجته تلك المصنّفات، وقد صرّح بهذا في المقدّمة، حيث قال:
(قد سبق منّي -والحمد لله كثيراً- مصنّفاتٌ في مسائلَ مخصوصةٍ من علوم متعدّدة شرعيّة، قصدتُّ بذلك أن تكون أُنْْمُوذجاً لقَصْدِ تحقيق ذلك العلم، وأنّه ينبغي لمن أراد تحصيل علم من تلك العلوم أن تكون همّتُه ساميةً إلى تحصيله على ذلك الوجه؛ فلا يَعْرِفُ محاسنَ الشّريعة ولا يجد لذّةَ العلم؛ إلاّ من كان كذلك.(/1)
وأمّا من يَقْنَعُ بأوائل الأشياء من كلّ علم، والحصولِ من ذلك على مجرّد الاسم؛ فهو مثلُ جائع يَقْنَعُ من الطّعام بشمّ الرّائحة، أو يَأْكُلُ لقمةً أو لقمتين! فما صفقتُه رابحة!!).
1 - عنوانُ الكتاب:
اسم الكتاب هو: "كرّاسة جامعة لمسائل نافعة"، كما هو مدبّج على غاشيته بخطّ النّاسخ عليّ بن أيّوب المقدسي، وهو المُثْبَتُ في سماعٍ نَقَلَهُ النّاسخ، عليه في الأصل تصحيحُ المؤلّف، ونصُّه:
(سمع جميعَ هذا الكتاب الأخير الملقّب بـ: "كرّاسة جامعة لمسائل نافعة" على مؤلِّفه، الشّيخ الإمام، العالم البارع، الحافظ العلاّمة، مفتي الفرق، شهاب الدّين، أبي محمّد، عبد الرّحمن بن إسماعيل بن إبراهيم الشّافعيّ، رضي الله عنه...).
وصحّح المؤلّفُ هذا السّماع قائلاً:
(هذا المكتوبُ صحيحٌ، ولله الحمد. كتبه: عبدُ الرّحمن بن إسماعيل الشّافعيّ، عفا الله عنه).
فلم يبق موضعٌ للشّكّ في صحّة هذا العنوان.
2 - توثيقُ نسبة الكتاب لأبي شامة:
لا مجال للشّكِّ -إطلاقاً- في أنّ هذا الكتاب الذي أمامنا هو كتاب "كرّاسة جامعة لمسائل نافعة" لأبي شامة المقدسيّ، فقد جاء منسوباً إليه في غاشية النّسخة، كما لم نجده معزوّاً لغيره.
ويؤكِّدُ صحّةَ هذه النّسبة أمران:
أوّلاً: الأسلوبُ واضحٌ أنّه من نسج أبي شامة لمن قارن بين كتابه هذا وسائر مؤلّفاته الأخرى.
ثانياً: سمّى في هذا الكتاب عدداً من مؤلّفاته؛ ففي المقدّمة يقول، رحمه الله تعالى:
(فقد سبق منّي -والحمد لله كثيراً- مصنّفاتٌ في مسائلَ مخصوصةٍ من علوم متعدّدة شرعيّة، قصدتُّ بذلك أن تكون أُنْْمُوذجاً لقَصْدِ تحقيق ذلك العلم، وأنّه ينبغي لمن أراد تحصيلَ علم من تلك العلوم أن تكون همّتُه ساميةً إلى تحصيله على ذلك الوجه؛ فلا يَعْرِفُ محاسنَ الشّريعة، ولا يجد لذّةَ العلم؛ إلاّ من كان كذلك.(/2)
وأمّا من يَقْنَعُ بأوائل الأشياء من كلّ علم، والحصولِ من ذلك على مجرّد الاسم؛ فهو مثلُ جائع يَقْنَعُ من الطّعام بشمّ الرّائحة، أو يَأْكُلُ لقمةً أو لقمتين! فما صفقتُه رابحة!!
وتلك المصنّفات في التّفسير والحديث والأصولين والفقه؛ فمنها: " نُور المَسْرَى في تفسير آية الإسرا"، و"شرح حديث مبعث المصطفى، صلى الله عليه وسلم"، و"الكلام في رؤية الله -عزّ وجلّ- في الدّار الآخرة"، و"المحقَّق من علم الأصول فيما يتعلّق بأفعال الرّسول، صلى الله عليه وسلم". وفي الفقه مسائل كثيرة منثورة، لكلّ واحدة تصنيف مستقلّ، ككتابَيْ "البَسْمَلَة"، و"كتاب نيّة الصّيام"، و"كتاب السّواك"، و"مسائل التّيمّم"، وغيره.
وفي نيّتي -والله الموفّق- أن أجمع كتاباً كبيراً أستوعب المسائل المهمّة فيه، وأسمّيه: "الجَمْعُ بين الفقه والأَثَر ورَدُّ ما اخْتُلِفَ فيه إلى القرآن والخَبَر بصحيح النَّظَر"[1]، ونيّةُ المؤمن أبلغ من عمله، والتّحدّثُ بالنِّعم شُكْرٌ).
ثالثاً: أحال المؤلِّفُ على هذا الكتاب في تأليفه المسمّى: "الواضح الجليّ في الرّدّ على الحنبلي"[2]، وسمّاه اختصاراً: "الكرّاسة الجامعة".
3 - تاريخُ تأليف الكتاب:
لم يفصح المؤلّف -رحمه الله تعالى- عن تاريخ فراغه من تصنيف هذا الكتاب، لكنّنا نعلم أنّه سُمع عليه في سبعة مجالس، آخرُها يوم الجمعة 9 جمادى الأولى من عام 663هـ، أي قبل وفاته بسنتين، وعمره حينئذ أربعٌ وستّون عاماً.
ونعلم -أيضاً- أنّ المؤلّف قد أحال -في المقدّمة- على مجموعة كتب سبق له تأليفُها، من ضمنها ما لخّصه في كتابه هذا، وهو"نُور المَسْرَى في تفسير آية الإسرا" الذي سُمع عليه سنة 652هـ[3]، وهذا يعني أنّ تأليف هذا الكتاب كان بين 652 و663هـ.
4 - موضوعُ الكتاب ومصادرُ المؤلِّف فيه:
لقد لخّص أبو شامة في هذه الكرّاسة مؤلّفاته الآتية:(/3)
"نور المسرى في تفسير آية الإسرا"، و"نيّة الصّيام وما في يوم الشّكّ من الكلام"، و"الواضح الجليّ في الرّدّ على الحنبلي"، و"ضوء السّاري إلى معرفة رؤية الباري"، و"المحقّق من علم الأصول فيما يتعلّق بأفعال الرّسول، صلى الله عليه وسلم".
وهي مصنّفات مفردة لموضوعات مفيدة، ومباحث مهمّة سديدة، ترشدنا عناوينها إلى مضامينها:
1 - "نور المسرى في تفسير آية الإسرا"[4]:
شرح فيه قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَْقْصَى}، مع الحديث عن معجزة الإسراء برسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى بيت المقدس، والعروج به إلى السّماء.
2 - "نيّة الصّيام وما في يوم الشّكّ من الكلام"[5]:
وتناول فيه أحكامَ الصّيام، مع التّوسّع في مسائل النّيّة المرتبطة به، والحديث -أيضاً- بتفصيل عن مباحث صوم يوم الشّكّ في دخول شهر رمضان وخروجه.
3 - "الواضح الجليّ في الرّدّ على الحنبلي"[6]:
تناول فيه ما يلي:
أ - مباحث عدّة تتعلّق بالإسراء والمعراج، ونصر فيه القول بتعدّد الإسراء، وأنّه كان قبل البعثة مناماً، وأمّا بَعْدَ البِعْثَةِ فأُسْرِيَ به يقظةً مراراً: مرّةً إلى بيت المقدس فقط، وهي التي كذّبه فيها كفّار قريش، ونزلت الآيةُ شاهدةً بصِدْقِه -صلى الله عليه وسلم- فيها. ومرّةً أُسْرِيَ به إلى بيت المقدس، ثمّ إلى السّماوات العُلَى، ثمّ إلى سِدْرَةِ المُنْتَهى. ومرّةً أُسْرِيَ به إلى السّماء من مكّةَ، ولم يأت بيتَ المقدس. وقد قرّر أبو شامة هذا -أيضاً- في كرّاسته هذه.
والكتاب في الأصل ردّ منه على عدد من الآراء ذهب إليها العلاّمة أبو عبد الله محمّد بن أحمد اليونيني (572 - 658هـ) في بحث له وسمه بـ: "رسالة في المعراج"[7]، وهي آراء رأى أبو شامة أنّ اليونينيّ أخطأ فيها وجانب الصّواب.(/4)
قال أبو شامة: (وجاءنا الخبر -أي سنة 658هـ- من بعلبكّ بوفاة الشّيخ محمّد اليونيني شيخ الحنابلة ببعلبكّ... وهو الذي صنّف أوراقاً فيما يتعلّق بإسراء النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- ليلةَ المعراج، وأخطأ فيه أنواعاً من الخطإ الفاحش؛ فصنّفتُ أنا في الرّدّ عليه كتاباً سمّيته: "الواضح الجليّ في الرّدّ على الحنبلي")[8].
وقد اشتدّ أبو شامة جدّاً في نقده لليونيني، ورماه بالتّعصّب للحنابلة ضدّ الشّافعيّة، وأظهر أبو شامة الانتساب بقوّة إلى مذهب أبي الحسن الأشعري، وأحال من رام معرفة آرائه إلى كتاب الحافظ ابن عساكر "تبيين كذب المفتري"[9].
وما ذهب إليه أبو شامة من القول بتعدّد الإسراء قول ضعيف، والذي عليه جمهور أهل العلم أنّ الإسراء كان مرّة واحدة بجسد وروحه -صلى الله عليه وسلم- من مكّة إلى بيت المقدس، ثمّ عرج به إلى السّماوات العلى.
قال العلاّمة ابن كثير، بعد أن ذكر عدداً من أحاديث الإسراء:
(وإذا حصل الوقوف على مجموع هذه الأحاديث، صحيحِها وحسنِها وضعيفِها؛ حصل مضمون ما اتّفقت عليه من مَسْرَى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مكّة إلى بيت المقدس، وأنّه مرّة واحدة، وإن اختلفت عبارات الرّواة في أدائه، أو زاد بعضهم فيه أو نقص منه؛ فإنّ الخطأ جائزٌ على من عدا الأنبياء، عليهم السّلام. ومن جعل -من النّاس- كلّ رواية خالفت الأخرى مرّة على حدة، فأثبت إسراءات متعدّدة؛ فقد أبعد وأغرب، وهرب إلى غير مهرب، ولم يتحصّل على مطلب!!
وقد صرّح بعضهم من المتأخّرين[10] بأنّه -عليه السّلام- أسري به مرّة من مكّة إلى بيت المقدس فقط، ومرّة من مكّة إلى السّماء فقط، ومرّة إلى بيت المقدس ومنه إلى السّماء، وفرح بهذا المسلك، وأنّه قد ظفر بشيء يخلص به من الإشكالات! وهذا بعيد جدّاً، ولم يُنقَل هذا عن أحد من السّلف، ولو تعدّد هذا التّعدّد؛ لأخبر النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- به أمّته، ولنقله النّاس على التّعدّد والتّكرّر)[11].(/5)
ب - الجمع بين حديثين ظاهرهما التّعارض:
الأوّل: قوله صلى الله عليه وسلم: ((إنّي لأوّلُ مَنْ يَرْفَعُ رَأْسَه بَعْدَ النَّفْخَةِ، فَإِذَا مُوسَى مُتَعلِّقٌ بِالعَرْشِ، فَلا أَدْرِي: أَحُوسِبَ بِصَعْقَةِ يَوْمِ الطُّورِ، أَمْ بُعِثَ قَبْلِي؟)).
وظاهرُه: أنّ أوّل من ينشقّ عنه القبر ويبعث هو رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
الثّاني: ما صحّ أنّه -صلى الله عليه وسلم- مرّ بموسى -عليه السّلام- ليلةَ أُسْرِيَ به، فرآه قائماً يصلّي في قبره، عند الكثيب الأحمر. وظاهره أنّ موسى بُعِث قبله، صلى الله عليه وسلم.
ج - تفصيل الكلام على النّفخات الحاصلة يوم القيامة[12].
4 - "ضوء السّاري إلى معرفة رؤية الباري"[13]:
أفرده لمسألة رؤية المؤمنين ربَّهم يوم القيامة، كما هو اعتقاد أهل السّنّة، وردّ فيه شُبَهَ نُفَاةِ الرّؤية، من المعتزلة وأضرابهم.
5 - "المحقَّق من علم الأصول، فيما يتعلّق بأفعال الرّسول، صلى الله عليه وسلم"[14]:
استقصى فيه المسائل المتعلّقة بأفعال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأحوالها، وآراء علماء أصول الفقه في قضيّة تعارض الأقوال والأفعال، إلى مباحث أصوليّة عديدة دلّت على قَدم أبي شامة الرّاسخة في علم الأصول.
وقد اعتمد -بلا شكّ- في هذه الكتب الخمسة على مصادر عديدة، كما هو دأبه في تصانيفه؛ لكنّي أحسبه -في كرّاسته هذه- قد اتّكأ أكثر على تلك الأصول الخمسة، حتّى لخّص منها زبدةً؛ حَبَّرها لنا فيما سمّاه: "كرّاسة جامعة لمسائل نافعة".
يؤكّد هذا قول المصنِّف: (وقد استوفيتُ الكلام في هذه المسألة -يعني الرّؤية- بأبسطَ من هذا الكلام في كتاب: "ضوء السّاري إلى معرفة رؤية الباري، عزّ وجلّ"، وهذا مختصره).(/6)
وقوله: (والتّفصيلُ -يعني في تعارض القول والفعل- مذكورٌ في كتاب "المحقَّق من علم الأصول، فيما يتعلّق بأفعال الرّسول، صلى الله عليه وسلم"؛ فمن أراد بَسْطَ القول في ذلك، وضَرْبَ الأمثلة والأدلّة؛ فعليه به).
وقوله: (ويتعلّق بهذه المسألة تفريعاتٌ كثيرةٌ وصُوَرٌ قد ذكرناها في كتاب "نيّة الصّيام"؛ الذي هذا المذكورُ هنا مختصرٌ منه، فمن أراد استقصاءَ الأدلّةِ، واستيعابَ المسائلِ في ذلك، والوقوفَ على كلام المصنِّفين فيه؛ فعليه به).
5 - وصف النّسخة الخطّيّة للكتاب:
هي نسخة خطّيّة فريدة منقولة من أصل مقروء على المؤلِّف، ومسموع عليه، وفي آخره خطُّه بتصحيح السّماع والقراءة، أفاد ذلك كاتبُ النّسخة وناقلُها، الشّيخُ العالمُ علاء الدّين، أبو الحسن عليّ بن أيّوب بن منصور المقدسيّ، فكتب بخطّه على غلاف النّسخة: (كتبه من أصل عليه خطُّ المصنِّف -رحمه الله- لنفسه: عليُّ بن أيّوب المقدسي، عفا الله عنهم).
كما نَقل في آخر الكتاب ما شاهده على ذلك الأصل من أسماء السّامعين له على المؤلّف، وتصحيحه للسمّاع والقراءة بخطِّه: (صورة خطّ الشّيخ المصنِّف المُسَمِّع تحته: هذا المكتوبُ صحيح ولله الحمد.كتبه: عبدُ الرّحمن بن إسماعيل الشّافعيّ، عفا الله عنه).
وقد آلت هذه النّسخة التي بخطّ عليّ بن أيّوب إلى مكتبة (تشستربتي)[15] بإيرلندا، ضمن مجموع نفيس كلّه بخطّه؛ حوى ما يلي:
1- "المرشد الوجيز إلى علوم تتعلّق بالكتاب العزيز".
2- "الخُطبة الكبرى".
3- "ضوء السّاري إلى معرفة رؤية الباري".
4- "كرّاسة جامعة لمسائل نافعة. وهو كتابنا هذا".
5- "المحقَّق من علم الأصول فيما يتعلّق بأفعال الرسول، صلى الله عليه وسلم".
6- "السّواك وما أشبه ذاك".
7- "نور المسرى في تفسير آية الإسرا".
8- "رسالة في المعراج".
9- "الواضح الجليّ في الرّدّ على الحنبلي".
10- "مختصر كتاب البسملة".(/7)
وكلّها لأبي شامة، سوى الثّامن؛ فهو لمحمّد بن أحمد اليونيني 658هـ، كما تقدّم لنا ذلك قريباً.
ترجمة عليّ بن أيّوب المقدسي ناسخ المخطوطة:
ناسخ كتابنا هذا والمجموعِ كلِّه المُضَمَّنِ فيه هو: علاء الدّين أبو الحسن عليّ بن أيّوب بن منصور المقدسيّ، الملقّب بعُلَيَّانْ[16] (666 - 748هـ)، أحدُ مشايخ العلم وأئمّته، كان محقِّقاً مدقِّقاً، ذا غرائب وفوائد[17]، وكان يحبّ كلامَ شيخ الإسلام ابن تيميّة، وينسخ منه الكثير، وله أشعارٌ في الاعتقاد السّلفي، وقد امتحن وأوذي بسبب ذلك، حتّى قال العلاّمة قاضي صفد، شمس الدّين، محمّد بن عبد الرّحمن العثماني الشّافعي:
(شيخُنا هذا من أجلّ المشايخ، كان شيخُ الإسلام تقيّ الدّين ابن تيميّة يعظّمه، ويقول عنه: هو شيخُ السُّنّة)[18].
وقد نسخ عَلَمُنا هذا مجموعَ (تشستربتي) في سنواتٍ متتابعةٍ، بدءاً من سنة 708هـ، وانتهاءً بسنة 713هـ، وكان فراغُه من انتساخ "كرّاسة جامعة" في العشر الوسط من شهر ربيع الآخر، سنة عشر وسبع مئة، بالمدرسة البادُرائيّة من دمشق، وهذه السَّنة 710هـ كان فيها أبو الحسن -رحمه الله- قد بلغ من العمر أربعاً وأربعين عاماً، ممتّعاً بعقله، ضابطاً لما يكتبه بقلمه. وقد عُمِّّرَ حتّى بلغ اثنين وثمانين عاماً، وحصل له عام 742هـ[19] -أي قبل موته بستّ سنين- اختلاطٌ في عقله وجفافٌ، وقاسى فقراً وشدّة.
قال الحافظ الذّهبي: (الإمام الفقيه، البارع المتقن، المحدِّث، بقيّة السّلف... سمع من ابن البخاري وجماعة، وقرأ بنفسه، ونسخ أجزاء، وكتب الكثير من الفقه والعلم بخطِّه المتقَن... ثمّ تحوّل إلى بلده، ودرّس بالصّلاحِيَّة. سمعتُ منه أحاديث قديماً... ثمّ تغيّر وجفّ دماغُه في سنة 742هـ)[20].(/8)
وقال أيضاً: (ومات بالقُدْسِ شيخُنا، الإمام علاءُ الدّين، أبو الحسن عليّ بن أيّوب بن منصور، أحدُ فقهاء الشّافعيّة، ومدرّس الصَّلاحِيَّة، عن بضع وثمانين سنة... برع في الفقه واللّغة والعربيّة، وعني بالحديث، وتفقّه بالشّيخ تاج الدّين[21]، ودرّس وأفتى، وناظر وأفاد، وسمع الكتب الكبار المطوَّلة، وكان يكتب اسمه في الطِّباق: عُلَيَّانْ، اختلط قبل موته بمدّة)[22].
وقال الصّفدي: (كتب بخطّه المليح كثيراً من كتب العلم، ولمّا بيعتْ في حياته؛ تغالى النّاسُ فيها لصحّتها)[23].
وقال ابن حجر العسقلاني: (طَلَبَ، ومَهَرَ، وأَكْثَرَ، وكتب عدّةَ مجاميع، وخطُّه وَسَطٌ، لكنّه في غاية الإتقان)[24].
وقال أيضاً: (عُني بالحديث، وطلب بنفسه، واشتغل بالفقه على مذهب الشّافعي... ونسخ المنهاج، وحرّره ضبطاً وإتقاناً، وبرع في الفقه والعربيّة... وكان يحبّ كلام ابن تيميّة، ونسخ منه الكثير، وله أشعار على طريقته في الاعتقاد[25]، وامتُحن وأوذي بسبب ذلك، وكان يكتب خطّاً صحيحاً في غاية الضّبط، وحصل له في أواخر عمره مبادىء اختلاط؛ فكان يلهج بذِكْرِ الجنّ، وأنّهم وَعَدُوه أن يُجْرُوا له نهراً من النِّيل إلى منزله بالقدس، ونهراً من الزّيت من نابلس إلى منزله أيضاً، وشرع في إعداد أماكن لذلك، فأخذوا على يده، وباعوا كتبه في حياته، وتَغَالى النّاس في أثمانها؛ رغبةً في صحّتها)[26].
وقال ابن فهد: (كان ثقةً عمدةً)[27].
ويتّضح بهذا أنّ الاختلاط الطّارىء على أبي الحسن هو جرّاء شيخوخة؛ جاوز صاحبُها ثمانين عاماً، ولا أثر لها إطلاقاً في تقييم نسخته من "الكرّاسة الجامعة"، التي انتسخها عام 710هـ، أي قبل اختلاطه باثنين وثلاثين عاماً، وقد وصف الحافظان الذّهبي وابن حجر وغيرهما خطّه بالإتقان، وحالها يدلّ على ذلك، ويضفي عليها مزيداً من الاطمئنان.(/9)
فرحم الله أبا شامة على ما ترك لنا من هذه الأعلاق النّفيسات، والآثار التي ظلّت دهراً على الرّفوف حبيسات، وجعلها ذخراً له في ميزان الحسنات، وزاده بها رفعة في الدّرجات، وغفر لنا ما صَدَر منّا من سيّئات وزلاّت، وأكرمنا في الآخرة بدخول الجنّات، برحمته التي وسعت البريّات.
بداية النّسخة الخطّيّة
ـــــــــــــــــــــــــ
[1] بقيت لنا مقدّمته الرّائقة الحافلة، التي سمّاها المؤلّف: "خُطبة الكتاب المؤمّل للرّدّ إلى الأمر الأوّل"، وقد يسّر المولى لكاتبه تحقيقَها، وتولّت مكتبة أضواء السّلف بالرّياض طبعها ونشرها.
[2] "الواضح الجلي"، ق 6 أ.
[3] انظر هذا السّماع في "نور المسرى 133- 134". وقد وقع خطأ مطبعي في نشرتي لكتاب المؤلِّف: "شرح الحديث المقتفى"؛ فكتبت 552هـ بدل 652هـ، فاقتضى التّنبيه هنا، وسبحان من لا يسهو.
[4] وأشير إليه على غلاف النّسخة بجملة: "تفسير آية الإسراء"، وهو مطبوع بتحقيق د. علي حسين البوّاب، نشرته مكتبة المعارف، الرّياض، عام 1406هـ.
[5] وأشير إليه على غلاف النّسخة بجملة: "نيّة الصّيام"، وهو من جملة ما فقد من تراث أبي شامة، ولا تُعلم له نسخة إلى يوم النّاس هذا.
[6] لا يزال مخطوطاً، وتحتفظ مكتبة (تشستربتي) بنسخة منه، تحت رقم: (3307/2)، ضمن المجموع الذي فيه كتابنا هذا: "كرّاسة جامعة لمسائل نافعة".
[7] لا يزال هو الآخر مخطوطاً، وتحتفظ مكتبة (تشستربتي) بنسخة منه، ضمن المجموع السّابق نفسه، تحت رقم: (3307/8).
[8] "الذّيل على الرّوضتين" 207. وذكر الكتاب -أيضاً- من قبل في ترجمته لنفسه 39.(/10)
[9] نشره قديماً محمّد زاهد الكوثري، وحشّاه بتعليقات فيها تمشعر جليّ، وتهكّم بأهل الحديث غير خفيّ. والذي أعتقده أنّ الإمام أبا الحسن الأشعري -رحمة الله عليه- استقرّ رأيه أخيراً -في أمور الاعتقاد- على طريقة أهل الحديث، وفي مقدّمتهم إمامهم أحمد بن حنبل، وبذلك صرّح في كتابه "الإبانة"، وهو آخر ما ألّف، وخاتمة ما صنّف. ونصر فيه أبو الحسن -بجلاء- إثباتَ الصّفات الإلهيّة إثباتاً يليق بجلال الله وكماله، دون تأويل أو تعطيل، أو تشبيه أو تمثيل.
[10] فيه تلميح إلى أبي شامة المقدسي.
[11] "تفسير ابن كثير" 3/24- 25، وانظر "زاد المعاد" 1/99، و"شرح العقيدة الطَّحَاوِيّة" 1/246، و"فتح الباري" 7/197.
[12] وقد أشير إلى هذا الكتاب: "الواضح الجليّ" على غلاف النّسخة الخطّيّة بجملة: "نفخات القيامة"، باعتبار التّفصيل الحاصل من المصنّف حول موضوع النّفخات.
[13] ويسمّى "ضوء السّاري إلى معرفة رؤية الباري"، وأشير إليه على غلاف النّسخة بجملة: "رؤية الباري، عزّ وجلّ"، وهو مطبوع بتحقيق د. أحمد عبد الرّحمن الشّريف، نشرته دار الصّحوة، بالقاهرة، عام 1405هـ. كما حقّقه أبو البيان، محمّد صِدِّيقُ الرّحمن، في أطروحته للدّكتوراه، بالجامعة الإسلاميّة ،بالمدينة النّبويّة.
[14] وأشير إليه على غلاف النّسخة بجملة: "أفعال رسوله، صلى الله عليه وسلم"، وهو مطبوع بتحقيق: أحمد الكويتي، نشرته دار الكتب الأثريّة، بالأردنّ، عام 1409هـ.
[15] انظر "قائمة المخطوطات العربيّة في مكتبة (تشستربتي)"، للمستشرق آرثر ج. آربري، المجموع رقم: 3307.
[16] بالتّصغير، وكان يكتب ذلك بخطّه أوّلاً. انظر "الدّرر الكامنة" 3/30.
[17] ظفرت له بكتاب نادر مخطوط اسمه: "الكتاب في تسلية المصاب"، تحتفظ بنسخة فريدة منه مكتبة (تشستربتي)، تحت رقم: 4308. انظر "قائمة المخطوطات العربيّة في مكتبة (تشستربتي) " 5/97.
[18] "طبقات الفقهاء الكبرى"، 128 ب.(/11)
[19] حَدَّد سنةَ اختلاطه الذّهبيُّ في "المعجم المختصّ" 163، والصَّفدي في "الوافي" 20/160، والعُليمي في "الأنس الجليل" 2/106.
[20] "المعجم المختصّ بالمحدّثين" 163.
[21] أبو محمّد، عبد الرّحمن بن إبراهيم، الفِزارِيُّ الشّافعي، المعروف بابن الفركاح، المتوفّى سنة 690هـ، انظر "الوافي بالوفيات" 18/58.
[22] "العبر" 1/308.
[23] "الوافي بالوفيات" 20/160.
[24] "لسان الميزان" 4/207.
[25] وهي طريقة سنّيّة، سلفيّة، أثريّة، قائمة على إثبات ما أثبته اللهُ لنفسه في كتابه، وما أثبته له رسولُه -صلى الله عليه وسلم- في صحيح سنّته؛ من صفات الجلال والكمال، دون تأويل، أو تفويض، أو تعطيل، أو تشبيه.
[26] انظر "الدّرر الكامنة" 3/30- 31.
[27] "لحظ الألحاظ" 113.(/12)
العنوان: كفاية فقراء الأمة
رقم المقالة: 717
صاحب المقالة: نعيمة عبد الفتاح ناصف
-----------------------------------------
تعرضنا في مقالة سابقة لمنهج الإسلام في مواجهة الفقر والحاجة، وتأمين الغذاء للعالم الإسلامي، الذي يتطلب التكامل الاقتصادي، بوصفه وسيلة إسلامية، وإحياء قيمة العمل بين أفراد الأمة.
ولكن؛ يظل جانب كبير من مشكلة الفقر في العالم الإسلامي متعلقاً بتلك الفئة من الفقراء والمساكين والمحتاجين، الذين لا يستطيعون توفير القوت لأنفسهم، إما لضعف، أو لعجز عن العمل، أو لمرض، أو لكبر سن، أو لبطالة وعدم توافر فرص الكسب والعمل.
وهنا يبرز فرض آخر من الفرائض الإسلامية، وهو الضمان والتكافل الاجتماعي، الذي يتحقق من خلال فريضة الزكاة، وغيرها من الصدقات؛ فالإسلام لم يترك تلك الفئة تتعرض للجوع والفقر والضياع، ولكنه وضع نظاماً يضمن لهؤلاء حد الكفاية، وهو المستوى اللائق للمعيشة، وهذا النظام هو الزكاة ونوافلها من الصدقات، وهو ما يمكن أن يطلق عليه: نظام الضمان الاجتماعي عند المسلمين، الذي يقوم - في الأساس- على الزكاة ونوافلها.
حد الكفاية، والمواساة:
وحد الكفاية، والمواساة، من عبقريات منهج الاقتصاد الإسلامي، وهو يختلف عن"حد الكفاف"، الذي تحدَّث عنه الفكر الاقتصادي الوضعي، في نظرته لمشكلة الفقر، التي يعتبرها ممثلة في عدم توافر الحد الأدنى اللازم للمعيشة؛ بمعني أن الفرد يعد فقيراً في ظل هذا الفكر الوضعي، عندما لا يتوافر له الحد الأدنى من المأكل والمشرب، والملبس والمأوى، الذي بدونه لا يستطيع أن يعيش ويكون مصيره الموت والهلاك.
أما "حد الكفاية" أو "حد الغنى" الذي تفرَّد به الإسلام، فهو مستوى أرقى من المعيشة؛ حيث يحقق للفرد حياة كريمة.(/1)
واصطلاح "حد الكفاية والمواساة" وإن لم يرد صراحةً في نص من نصوص القرآن أو السنة، إلا أنه يُستفاد من روح هذه النصوص، وقد ورد صراحة في تعبيرات أئمة الإسلام؛ فيقول الخليفة الثاني عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "إذا أعطيتم فأغنوا"، ويقول: "إني حريص على ألا أدع حاجة إلا سددتها، ما اتسع بعضنا لبعض، فإذا عجزنا، تأسينا في عيشتنا حتى نستوي في الكفاف".
ويقول عليّ بن أبي طالب – رضي الله عنه – "إن الله فرض على الأغنياء في أموالهم بقدر ما يكفي فقراءهم".
ويقول الإمام الماوردي - في كتابه "الأحكام السلطانية" -: "يُدفع إلى الفقير والمسكين من الزكاة ما يخرج به من اسم الفقر والمسكنة، إلى أدنى مراتب الغني"، ويقول أيضاً: "تقدير العطاء معتبر بالكفاية".
ويقول الإمام السرخسي - في كتابه "المبسوط" -: "على الإمام أن يتق الله في صرف الأموال إلى المصارف؛ فلا يدع فقيراً إلا أعطاه من الصدقات، حتى يغنيه وعياله، وإن احتاج بعض المسلمين، وليس في بيت المال من الصدقات شيء، أعطاهم الإمام ما يحتاجون إليه من بيت المال".
حق مقدس:
الأصل في الإسلام أن كل فرد مسلم مكلَّف بأن يوفِّر لنفسه حد الكفاية، بجهده وعمله، فان لم يستطع ذلك؛ لسبب خارج عن إرادته - كمرض أو عجز أو تعطُّل - تكفلت له بذلك الدولة الإسلامية من مال الزكاة؛ بحيث توفر له المستوى اللائق للمعيشة، بحسب ظروف وإمكانيات مجتمعه، ويعتبر ذلك حقاً مقدساً لكل فرد بوصفه إنساناً، أيّاً كانت ديانته أو جنسيته، طالما وجد ذلك الفرد في مجتمع المسلمين، بل هو - شرعاً - حق الله، الذي يعلو فوق كل الحقوق، وفي إنكاره أو إغفاله إنكار للدين نفسه؛ لقوله تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} [الماعون:1-3](/2)
ويقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((من ترك دَيْناً أو ضياعاً، فإليَّ وعليَّ))، أي: أولاداً صغاراً ضائعين لا مال لهم.
ويقول في حديث آخر: ((من ترك كلاً، فليأتني؛ فأنا مسؤول عنه كفيل به".
والضمان الاجتماعي بالمعنى المتقدم – أي: التزام الدولة الإسلامية بكفالة حد الكفاية والمواساة، لكل مواطن فيها، متى عجز عن كفاية نفسه؛ لسبب خارج عن إرادته - يعتبر الأساس الذي تقوم عليه مختلف أحكام الاقتصاد الإسلامي، والمحور الذي يقوم عليه سائر تطبيقاته، وهو من صميم الدين؛ لقوله تعالى: {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ } [البقرة:177].
ولقول النبي – صلى الله عليه وسلم –: ((ليس بمؤمن من بات شبعاناً وجاره جائع إلى جنبه، وهو يعلم))، وقوله – صلى الله عليه وسلم –: ((أيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائعاً، فقد برئت منهم ذمة الله ورسوله)).(/3)
ونظام الزكاة أيضاً هو حق مقدس في الإسلام؛ يلتزم به كل مجتمع مسلم، ولو أدى الأمر في مجتمع فقير تشح فيه الموارد والثروة ألا يحصل كل فرد على أكثر من حاجاته الضرورية، وذلك هو ما عبرت عنه الآية الكريمة: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [البقرة:219]، والعفو هو ما زاد عن الحاجة، بمعنى الكفاية، وعبر عنه الرسول – صلى الله عليه وسلم - بقوله: ((إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو، أو قل طعام عيالهم في المدينة، حملوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم بالسوية؛ فهم مني وأنا منهم)).
والإسلام يعتبر أن ترك أحد أفراد المجتمع الإسلامي فريسة للضياع والحرمان والجوع، هو عدوان على حق الله تعالى، وتكذيب بالدين.
التحرر من عبودية الحاجة:
وإذا كان العالم المعاصر قد عرف الضمان الاجتماعي حديثاً، نتيجة صراع الطبقات والمشكلات الاجتماعية المتولدة عن الثورة الصناعية، والتطور الاقتصادي، وصار هذا الضمان حقاً من حقوق الإنسان لدى هيئة الأمم المتحدة؛ حيث نصت المادة الخامسة والعشرين من وثيقة إعلان حقوق الإنسان على أنه "لكل إنسان الحق في الضمان، في حالة البطالة، والمرض، والعجز، والترمل، والشيخوخة، وفي الحالات الأخرى التي يفقد فيها المرء وسائل معيشته لأسباب خارجة عن إرادته"، فإن الإسلام قد قرر نظام التكافل الاجتماعي منذ أربعة عشر قرناً من الزمان، بوصفه ضرورة حتمية، للقضاء على البؤس والفقر، وتحرير الإنسان باسم الدين من عبودية الحاجة.
مدة تمام الكفاية:
وتقدير حد الكفاية يختلف من فرد إلى آخر، بحسب حالة المعيشة، وبحسب اختلاف الأمكنة والأزمنة، وقد اختلف الفقهاء في مدة تمام الكفاية، وهل هي يوم أم شهر؟ أم سنة؟ أم العمر كله؟ والراجح في ذلك مذهبان:(/4)
الأول: إعطاء الفقير كفاية العمر، بمعني أن يعطى الفقير ما يستأصل شأفة فقره، ويقضي على أسباب عوزه وفاقته، ويكفيه بصفة دائمة، ولا يحوجه إلى الزكاة مرة أخرى، وقد قال أصحاب هذا المذهب: فإن كان عادته الاحتراف يعطى ما يشتري به حرفته أو آلات حرفته، قلت قيمة ذلك أم كثرت، ويكون قدره بحيث يفي بكفايته غالباً، ويختلف ذلك باختلاف الحرف والبلاد والأزمان والأشخاص، فان لم يكن محترفاً، ولا يحسن صنعة أصلاً، ولا تجارة، ولا شيئاً من أنواع المكاسب، يُعطى كفاية العمر الغالب لأمثاله في بلاده، ومثلوا لذلك بأن يعطى ما يشتري به عقاراً يكريه ويستغل منه كفايته.
وهذا ما ذهب إليه الإمام الشافعي وأصحابه، ومن ذهب مذهبهم، وقد روي عن الإمام أحمد أنه أجاز أن يأخذ الفقير تمام كفايته دائماً بمتجر أو آله صنعة أو نحو ذلك.
والمذهب الثاني: إعطاء الفقير كفاية سنة، وهذا المذهب قال به المالكية، وجمهور الحنابلة، وآخرون من الفقهاء، وهو أن يُعطَى الفقير والمسكين من الزكاة ما تتم به كفايته، وكفاية من يعول، لمدة سنة كاملة، ولم ير أصحاب هذا الرأي ضرورة لإعطائه كفاية العمر، كما لم يروا أن يُعطَى أقل من كفايته السنة، وإنما حددت الكفاية بسنة لأنها – في العادة – أوسط ما يطلبه الفرد من ضمان العيش له ولأهله ولأن أموال الزكاة في غالبها حولية، فلا داعي لإعطاء كفاية العمر، وفي كل عام تأتي حصيلة جديدة من موارد الزكاة، ينفق منها على المستحقين.(/5)
والحقيقة إننا لا نستطيع الترجيح بين هذين المذهبين وتحديد أيهما أحق بالأخذ به، إذ إن كل منهما يؤخذ به في ظروف معينة، تبعاً لاختلاف أسباب الفقر والمسكنة، فإذا كان الفقر مرده عدم توافر المال، مع القدرة على الكسب، والعجز عن توفير عمل معين - فإنه يعطى الفقير والمسكين في هذه الحالة ما يمكنه من اقتناء أسباب كسب معيشته، والحصول على دخل منتظم يضمن له كفاية عمره؛ وذلك كالصانع الذي تنقصه أدوات صنعته، والتاجر الذي ينقصه رأس مال تجارته، والمزارع الذي لا يجد أرضاً يزرعها، فإذا وفرنا لهؤلاء ما يعينهم على العمل والكسب، نكون بذلك قد كفيناهم طوال عمرهم، وأخذنا بالمذهب الأول، ويكون هؤلاء الفقراء قد استغنوا نهائياً عن أموال الزكاة، بل قد يصبحوا بعد ذلك من دافعي الزكاة.
أما إذا كان الفقر والحاجة مرده العجز عن الكسب، لأسباب صحية كالأعمى والمريض والعاجز وكبير السن، أو لأسباب اجتماعية كالأرامل واليتامى من الأطفال، فإنه يعطى الفقير من أموال الزكاة كفاية السنة، كراتب شهري أو منحة دورية؛ حيث إن الزكاة حولية تجمع كل عام وتوزع على الفقراء والمساكين. وهنا نكون قد أخذنا بالمذهب الثاني الذي ينادي بإعطاء الفقير كفاية سنته.
التكافل الاجتماعي:
ولا يتوقف سعي الإسلام - لحماية الفقراء والمساكين، وتأمينهم من الفقر والجوع - على إقرار حد الكفاية، المتمثل في الزكاة، باعتبارها حق للفقراء في أموال الأغنياء - ولكنه دعا الأفراد إلى المساهمة - من جانبهم - في حماية تلك الفئات المحتاجة، من خلال التكافل الاجتماعي.(/6)
فتأمين حد الكفاية هو الضمان الاجتماعي في الإسلام، باعتباره تكليفاً إلهيّاً للدولة المسلمة، عليها القيام به وتنظيمه، وهو يختلف عن التأمين الاجتماعي والتكافل الاجتماعي، فالتأمين الاجتماعي تتولاه الدولة والمؤسسات الخاصة، وهو يتطلب مساهمة المستفيد باشتراكات يؤديها، وتمنح له مزايا التأمين الاجتماعي أيا كان نوعها متى توافرت فيه شروط استحقاقها، بغض النظر عن دخله.
والأخذ بالتأمين الاجتماعي في الإسلام، وغيره من صور التأمين المعروفة هو من قبيل العمل بالمصلحة.
أما التكافل الاجتماعي، فهو التزام الأفراد بعضهم نحو بعض، وهو لا يقتصر في الإسلام على مجرد التعاطف المعنوي من شعور الحب والبر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل يشمل - أيضاً - التعاطف المادي بالتزام كل فرد قادر بعون أخيه المحتاج.
والأخذ بالتكافل الاجتماعي في الإسلام هو من قبيل تطبيق النص، وهو ما يدل عليه مفهوم الآية الكريمة: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10]، وقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2].
وكذلك يدل عليه قول الرسول – صلى الله عليه وسلم –: ((من كان عنده فضل ظهر، فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل زاد، فليعد به على من لا زاد له)).
وقوله في حديث آخر: ((والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن من بات شبعاناً وجاره جائع وهو يعلم))، وقوله - في الحديث المتقدم -: ((إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم في المدينة، حملوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم بالسويَّة؛ فهم مني، وأنا منهم)).
وبهذه التوجيهات حث الإسلام المسلمين أن يراعوا رابطة الإخوة الإسلامية المقدَّسة، وينهضوا بشؤونها ومتطلباتها؛ فأوجب عليهم أن يكفل الغنيُ الفقيرَ، حسب إمكانياته وقدراته المالية ومما يزيد عن حد كفايته.(/7)
والتكافل في معناه أقوى من التعاون؛ لأن التعاون يشمل ما فيه مصلحة الأطراف جميعا، بل إن التعاون يكاد يكون سنة اجتماعية يؤيدها ويرعاها الدين؛ فلا حياة لمجتمع يأبى أفراده التعاون فيما بينهم، مع أنه يحقق مصالحهم جميعا.
ولكن التكافل الاجتماعي الذي يتميز به الإسلام يعني أن تمتد يد المساعدة من الغني إلى الفقير – سواء كان فرداً أو دولةً – ومن القوي إلى الضعيف، ومن العالِم إلى الجاهل، ومن صاحب الجدة لمن لا جدة عنده، بلا مقابل أو اشتراك أو تضحية من الطرف المتلقي، وقد ورد ذلك في الإسلام واضحاً مميزاً، فنجده يقيم ولاية متبادلة بين المؤمنين يدل عليها قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} [التوبة:71].
ومن هنا فإن التكافل في الإسلام ليس علاجاً لأزمة اجتماعية تنشأ في المجتمع، أو وقاية من ثورة الفقراء التي تهدد الأغنياء، ولكنه صفة ملازمة للمجتمع المسلم.
والتكافل المادي هو أرقى صور التكافل الاجتماعي في الإسلام؛ حيث يتحقق بالبذل والعطاء، من خلال التزام كل فرد بعون أخيه المحتاج، وتأمين حاجته، والتزام كل دوله إسلامية غنية بتقديم العون والمساعدة للدولة الفقيرة، التي يتعرض سكانها للعوز والجوع، ويتمثل التكافل المادي فيما يسميه علماء الفقه الإسلامي بحق القرابة وحق الجوار وحق الضيافة وحق الماعون وواجب الصدقة والإنفاق في سبيل الله.
المراجع:
1- الإسلام والمشكلة الاقتصادية؛ د. محمد شوقي الفنجري – مكتبة الانجلو المصرية – القاهرة.
2- المذهب الاقتصادي في الإسلام؛ د. محمد شوقي الفنجري – الهيئة المصرية العامة للكتاب 1986م.
3- مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام؛ د. يوسف القرصاوي – مكتبة وهبة – القاهرة.
4- الفقراء في ظل الرأسمالية والماركسية والإسلام؛ محمد الفروي.
5- أصول المجتمع الإسلامي؛ د. جمال الدين محمود – سلسلة دراسات في الإسلام.(/8)
العنوان: كلامُ الله .. قصيدة للفتية
رقم المقالة: 1776
صاحب المقالة: أمل مطر الشلوي
-----------------------------------------
كلام الله
كلامُ الله ما أسماه كتابٌ ماله أشْباهْ
تعالى اللهُ أوصاني تلاوتَه ولا أنساهْ
جمالُ الروحِ والفكرِ إذا أنصتُ لذْكْرِ*
لعلّ الله يحويني برحمته مدى العمرِ
فأقرأُ سورةَ النصْرِ وأحفظُ سورةَ العصْرِ
أحلّقُ في معانيها كأنّي نحلة الزهرِ
آياتٌ* كلها عبْرة وأخبارٌ حوتْ فكرة
تُنير الدرب في الدنيا لأبْلغ جَنّةَ الأخرى
تعليق (حضارة الكلمة):
الأخت أمل مطر..
نرحب بك مرة أخرى.. وبقصائدك المتميزة للأطفال..
نرجو لك التوفيق في خدمة الأدب الإسلامي وتطويره.
.. وننتظر المزيد.
ونلاحظ التالي:
* لذكر: التصحيح: لِلذكرِ.
* آياتٌ: حدث هنا خلل في الوزن – مجزوء الوافر.(/1)
العنوان: كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله
رقم المقالة: 259
صاحب المقالة: الشيخ إبراهيم الحقيل
-----------------------------------------
الحمد لله؛ تفرد بالجلال والكمال، وبالقوة والقهر والسلطان، لا يذل من والاه، ولا يعز من عاداه، أحمده حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ويرضى، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ العزيز الجبار، الكبير المتعال، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ كان أعلم الخلق بربه، وأشدهم ثقة فيه، وأكثرهم توكلا عليه، وإنابة إليه، وتصديقا بموعوده، حاصره المشركون فما تزعزع يقينه بالله تعالى، وأجمع الناس حربه فما رده ذلك عن تبليغ دينه، وفي هجرته وقف المشركون على باب الغار حتى قال صاحبه رضي الله عنه:(يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه، فقال عليه الصلاة والسلام: يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما) صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأتباعه إلى يوم الدين0
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وراقبوه فلا تعصوه، واعتصموا به وتوكلوا عليه (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا)0
أيها الناس: من نظر في أحوال المسلمين، وما أصابهم من ضعف وهوان، وتفرق واختلاف؛ أيقن بأن عللهم كثيرة، وأدواءهم خطيرة، وقد شملت مجالات كثيرة؛ ففيهم من العلل السياسية ما جعلهم مستضامين مستضعفين، يستجدون غيرهم الوقوف معهم، ويطلبون الحماية من غيرهم، وأعداؤهم يشعلون الحروب في أراضيهم ويوقفونها متى أرادوا، ولا مشورة لهم في ذلك، بل ويصدرون عليهم من القرارات ما يضعفهم، ويشترطون عليهم من الشروط ما يزيدهم ضعفا إلى ضعفهم، وذلة إلى ذلتهم0(/1)
وفيهم من الأدواء الاقتصادية ما جعل أكثر الدول الإسلامية عالة على غيرهم، يشترون خبزهم ببيع سيادتهم، ويهدرون كرامتهم في سبيل بقائهم، وقد غلَّتهم الدول المستكبرة بالمساعدات والقروض الربوية، وثرواتهم لغيرهم وليست لهم، ولا يسمح أعداؤهم لهم بالعتق من رقه وأسره، حتى إذا ما أراد العدو افتراس بلد مسلم، وهبَّتْ الدول الإسلامية لنجدته رفع الأصدقاء الأعداء أوراق المساعدات والقروض في وجهها، فلا يقدرون على حراك معها، وأعلى نسبة فقر عالمية هي في بعض دول أهل الإسلام0
وفي المسلمين من الأدواء الإعلامية والثقافية ما أفقد كثيرا منهم شخصيتهم، وأذابهم في المناهج المنحرفة، ومن رأى إلى أكثر القنوات الفضائية العربية والصحف والمجلات علم أنها لا تمثل شخصية الأمة، ولا تدافع عن حقوقها، ولا تسعى لنشر دينها وثقافتها، بل هي أشد ما تكون حربا على دين المسلمين وقيمهم وأخلاقهم، في مقابل الدعاية والترويج للمناهج المنحرفة، والسلوكيات المنحطة، والأخلاق الرديئة، عن طريق استنساخ كامل لبرامج ملاحدة الغرب وفساقهم0
وفي المسلمين من أدواء التفرق والاختلاف ما يجعل ثقة كثير منهم في أعدائهم أكثر من ثقتهم في إخوانهم، والخيانات المتتابعة التي مرت بها قضية فلسطين مثال شاهد على ذلك، سواء في عهود الحروب والمدافعة، أم في مراحل التفاوض والسلام والمناقشة، التي وقَّعها الأعداء مع كل دولة على حدة؛ ليزيدهم ضعفا إلى ضعفهم، وتفرقا إلى تفرقهم0(/2)
ومع هذه العلل المهلكة، وتلك الآفات المردية، يأتي المنافقون بهمتهم ومهمتهم في القضاء على هذه الأمة بالتخذيل والإرجاف، والوعيد والتخويف إن أصر المسلمون على دينهم، ولم يحيدوا عن قرآنهم، زاعمين أن بلاء المسلمين وانكسارهم وتخلفهم إنما كان بسبب الموروثات القديمة التي لا تناسب الزمن، مؤكدين على أن الأمم الأخرى ما تقدمت وعزت وانتصرت إلا لما نبذت موروثاتها وراءها ظهريا، فزاد هؤلاء المخذلون والمرجفون في ضعف الأمة وتمزقها وتقهقرها0
إنها أدواء عظيمة، وفتن كبيرة، أصابت كثيرا من المسلمين في مقاتلهم، وطاشت بها عقولهم، فتغيرت قناعاتهم، وتبدلت مواقفهم، وصاروا أبوقا للأعداء بدل الدفاع عن حقوقهم، ودعاية للمناهج المنحرفة بدل الدعوة إلى دينهم، ولقد شهدنا في خضم هذه الفتن والمحن تحولات كثيرة من الإيمان إلى النفاق، ومن الإسلام إلى الزندقة والإلحاد، ومن الدعوة إلى التمسك بالشريعة إلى الإصرار على التفلت منها، بل رأينا وسمعنا ذوي دعوة وحجى قد نقلوا أحاديثهم عن الإسلام إلى المذاهب الإنسانية، والإخاء البشري، وانتقلوا في استدلالاتهم من نصوص الوحيين إلى أقوال المفكرين الغربيين0 وأصابت هذه الأدواء المهلكة جمهور المسلمين باليأس والإحباط؛ لأنهم يرون أحوال المسلمين من سيء إلى أسوأ، ولم يثبت على قناعته بدينه كله، ولم يتنازل عن شيء منه إلا نُزُّاع من العلماء والدعاة والصالحين في كل بلد من بلدان المسلمين0(/3)
إن الناس في حال السلامة والعافية يثبتون، ولكن إذا تعاظمت الفتن، واستحكمت المحن، وازدادت الشرور، وتسلط الكافرون والمنافقون فلا يثبت إلا من ثبته الله تعالى من أفذاذ الرجال، ويوم ارتد المرتدون بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت إلا الصديق أبو بكر رضي الله عنه، فثبت الله تعالى الأمة بثباته رضي الله عنه، ويوم قالت المبتدعة بخلق القرآن، وامتحنوا الناس على ذلك لم يثبت على كثرة العلماء في ذلك الوقت إلا أحمد بن حنبل؛ فرفع الله تعالى بثباته المحنة، ونصر السنة0
إن المسلمين إزاء هذه الأحوال المتردية، والفتن المتلاطمة أحوج ما يكونون إلى استحضار هدي النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك؛ فقد أوذي صلى الله عليه وسلم، وأوذي أصحابه رضي الله عنهم، وهُجِّروا من ديارهم، واجتمعت عليهم قوى الشر والطغيان في ذلك الوقت، وما رأينا النبي صلى الله عليه وسلم متنازلا أو مغيرا، ولا يائسا محبطا؛ بل تحكي سيرته عليه الصلاة والسلام أنه في حال المحن والفتن، واشتداد الكرب، واجتماع الناس عليه وعلى دعوته، يكون أشد ثباتا وعزما، وأكثر تفاؤلا واستبشارا، وقد زخرت سيرته العطرة بأمثلة كثيرة على ذلك0
وفي أول الإسلام شكى المستضعفون من المؤمنين رضي الله عنهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يلقون من المشركين وقالوا له: (ألا تستنصرُ لنا ؟ ألا تدعو الله لنا ؟ قال عليه الصلاة والسلام: كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه، والله لَيُتِمَّنَّ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا اللهَ أو الذئبَ على غنمه ولكنكم تستعجلون) رواه الشيخان0
لقد حثهم عليه الصلاة والسلام على الثبات، وحكى لهم أخبار الثابتين ممن كانوا قبلهم، وبشرهم بالنصر رغم حالة الضعف التي يعيشونها0(/4)
وفي غزوة الخندق تحزبت الأحزاب على المسلمين، وحاصروا المدينة، ونقضت يهود من داخل المدينة عهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاشتد الكرب، وعظمت المحنة، ويكفي في وصف ذلك الموقف العصيب قول الله تعالى (إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا، هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا) ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كان واثقا بربه، موقنا بوعده ونصره، وكان في تلك الشدة يبشر أصحابه بالكنوز والفتوح والنصر؛ كما روى البراء بن عازب رضي الله عنه فقال:(لما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحفر الخندق عرض لنا فيه حجر لا يأخذ فيه المعول، فاشتكينا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقى ثوبه وأخذ المعول وقال: بسم الله، فضرب ضربة فكسر ثلث الصخرة وقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر الآن من مكاني هذا، قال: ثم ضرب أخرى وقال: بسم الله وكسر ثلثا آخر وقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض الآن، ثم ضرب ثالثة وقال: بسم الله فقطع الحجر وقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر باب صنعاء) رواه أحمد0(/5)
فلما اشتد البلاء على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه نافق ناس كثير، وتكلموا بكلام قبيح، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فيه الناس من البلاء والكرب جعل يبشرهم ويقول: والذي نفسي بيده ليفرجن عنكم ما ترون من الشدة والبلاء فإني لأرجو أن أطوف بالبيت العتيق آمنا، وأن يدفع الله عز وجل مفاتح الكعبة، وليُهْلِكن الله كسرى وقيصر، ولتنفقن كنوزهما في سبيل الله، فقال رجل ممن معه لأصحابه: ألا تعجبون من محمد يعدنا أن نطوف بالبيت العتيق وأن نغنم كنوز فارس والروم ونحن هنا لا يأمن أحدنا أن يذهب إلى الغائط، والله لما يعدنا إلا غرورا، وقال آخرون ممن معه: ائذن لنا فإن بيوتنا عورة، وقال آخرون: يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا)0(/6)
إنه لموقف عظيم، وتثبيت عجيب، يعدهم النبي صلى الله عليه وسلم بالأمن وهم في شدة الخوف، ويبشرهم بكنوز الأمم وهم في عوز وجوع ومخمصة، ويذكر لهم فتح المدن الكبرى في وقته وهم محاصرون في المدينة، وبينه وبين المدن التي بشر بفتحها أميال وأميال 0إنه الإيمان بالله تعالى، والثقة به، وتصديق وعده، إنه ثبات لا تزعزعه المحن، ولا تميد به الفتن، بل تزده شدة وصلابة في الحق، وإصرارا على تبليغ دين الله تعالى، فثبت المؤمنون معه، وفرحوا بهذا الفأل وهذه البشارة (ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما) وأما المنافقون فقالوا ما قالوا، وخذلوا وأرجفوا، وذهبوا خاسئين مذمومين، وكذبوا وصدق الله ورسوله، وجاء الأمن بعد الخوف، والغنى بعد العوز، ودخل المسلمون مكة وطافوا بالبيت، ودحر أهل الشرك والوثنية، وفتحت المدن التي بشر النبي صلى الله عليه وسلم بفتحها، وجلبت إلى المدينة كنوزها، ووضعت بين يدي عمر رضي الله عنه، أنطاع عليها الأموال العظيمة من ذهب وياقوت وزبرجد ولؤلؤ يتلألأ، فقال رضي الله عنه:أين سراقة بن جُعْشُم فأُتي به أشعرَ الذراعين دقيقَهما، فأعطاه عمر سواري كسرى، فقال: ألبسهما، ففعل فقال: قل: الله أكبر، قال: الله أكبر، قال: قل: الحمد لله الذي سلبهما من كسرى بنِ هرمز وألبسهما سراقةَ بن جُعْشُم أعرابيا من بني مُدْلج0(/7)
إن حالكم يا عباد الله في هذا الزمن كحال أسلافكم من قبل فتنة وامتحانا وابتلاء، وإن تفاوت ذلك بين قليل وكثير، وشديد وأشد، وسيكون في الأمة منافقون كما كانوا من قبل وسيكون في المسلمين سماعون لأراجيفهم وأباطيلهم، وتخويفهم بالكافرين كما كان ذلك في الصدر الأول، وسيثبت رجال في عصرنا هذا رغم شدة البلاء، وعظم الكرب، قد امتلأت قلوبهم إيمانا بالله تعالى، وثقة بنصره، وتصديقا بوعده، فإن أدركوا وقت النصر فازوا بالحسنتين حسنة الدنيا والآخرة، وإن قبضوا قبل ذلك لقوا ربهم ثابتين على دينهم، مستمسكين بشريعتهم، فكونوا يا عباد الله منهم؛ فإنهم قليل في خلق كثير0
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين)0بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم0
الخطبة الثانية
الحمد لله ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، واشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله،؛ بعثه الله تعالى رحمة للعالمين، وحجة على الخلق أجمعين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين0
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون)0(/8)
أيها المسلمون: منذ أن ابتلى الله عز وجل المسلمين باستيطان اليهود في فلسطين المحتلة، ومنطقة الشرق الإسلامي لم تهنأ بعيش، ولا نعم أهل فلسطين بأمن؛ ذلك أن الاحتلال الاستيطاني هو شر أنواع الاحتلال، ولا يكتب له النجاح إلا بإبادة شاملة لأهل البلاد الأصليين، وتهجير من يبقى منهم كما فعل الكاثوليك بالمسلمين في الأندلس، والبروتستانت بالهنود الحمر في أمريكا، ولم ينجح اليهود في هذا المسعى الآثم بفضل الله عز وجل ثم بثبات المسلمين في الأرض المباركة، وتمسكهم بحقهم في بيت المقدس، وزاد من مشكلة الاستيطان اليهودي أنهم محاطون بأعدائهم، وقد لعب بهم من وطنوهم في أرض ليست لهم، وزرعوهم في وسط أعدائهم؛ ولا بقاء لليهود إلا بافتعال الحروب في المنطقة، وهذا دأبهم منذ أن احتلوا الأرض المباركة، ويصرح ساستهم بذلك فرئسهم الهالك بيجن يقول (نحن نحارب، فنحن إذن نكون)0
ومن سياستهم المعلنة أنهم في كل عشر سنوات لا بد أن يشعلوا حربا جديدة، وقد يقلصون المدة إذا دعتهم الحاجة إلى ذلك، وفي هذا يقول شامير (يتعين علينا في كل عشر سنوات مرة أن نُجِلسَ العرب على كرسي طبيب الأسنان، كي نقلع أسنانهم التي نبتت حتى لا يعضونا بها)0
وقد أخبرنا القرآن عنهم بأنهم يسعون بالفساد، ويشعلون الحروب، وكان ما رأى المسلمون منهم لا يعدو قول القرآن فيهم (كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين)، فقطار السلام، لا يركبه اليهود إلا للوصول عبر محطاته إلى ميدان الحرب؛ وهذا أمر واضح لمن راقب أحوال القوم في القديم والحديث0(/9)
ومن رحمة الله تعالى بعباده أنه سبحانه يطفئ نار الحروب التي يفتعلونها، ويرد كيدهم وكيد حلفائهم في نحورهم، ومن المبشرات العظيمة أن إطفاء نيران حروبهم دليل على هزيمتهم وخسرانهم، ومشعر بنهاية أمرهم، واضمحلال دولتهم، وهذا ما ينذر به مؤرخوهم ومحللوهم بعد فشلهم في عدوانهم على لبنان؛ فالحمد لله الذي أطفأ نار حربهم، وكسر شوكتهم، وردهم خاسئين خاسرين0
وعلى المسلمين ألا يخدعوا بيهود ومن وراءهم، وبمادراتهم ومشاريعهم التي تريد من المسلمين الاستسلام الكامل لهم، وجعل مفاتيح المنطقة بأيديهم، فهم قوم غدر بهت لا يوقفهم عن أطماعهم، ولا يردهم عن غيهم وإفسادهم إلا القوة، ولا قوة للمسلمين إلا بالله تعالى، ولا نصر لهم إلا بنصر دينه، وإعلاء كلمته، وتحكيم شريعته (يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) فانصروا الله تعالى أيها المسلمون بالاستمساك بدينه، والثبات عليه، وعدم التنازل عن شيء منه مهما كلف الأمر0
انصروه سبحانه بتحكيم شريعته في القليل والكثير، والصغير والكبير، والجليل والحقير، اعملوا بشريعته في أنفسكم وأهلكم وأولادكم وأموالكم، وراقبوا الله تعالى في ذلك ولا تراقبوا خلقا مثلكم0
انصروه بإقامة فرائض دينكم، ومجانبة ما نهاكم عنه ربكم،
انصروه سبحانه بأداء الأمانات التي أثقلت كواهلكم، وتحمل المسؤوليات التي عليكم0
انصروه سبحانه بالثقة به وبدينه، وأنه الحق الذي لا باطل فيه، وأن ما عارضه فهو الباطل الذي لا حق فيه0
انصروه بإخلاص العمل له، وكثرة الالتجاء إليه، والاعتصام بحبله، والتوكل عليه؛ فإنكم إن فعلتم ذلك نصركم الله تعالى على أعدائكم، ولن تقف قوة مهما بلغت أمامكم؛ لأن الله تعالى معكم (وما يعلم جنود ربك إلا هو)0وصلوا وسلموا على ربكم000(/10)
العنوان: كلمة التوحيد .. مقتضاها ومدلولها
رقم المقالة: 1180
صاحب المقالة: الشيخ ناصر بن محمد بن مشري الغامدي
-----------------------------------------
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتقوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتقوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتقوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}؛ ]النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتقوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب: 71 -72].
أما بعد فيا أيها الناس:
اتقوا الله - سبحانه وتعالى - حق التقوى، اتقوا يوماً تُرجعون فيه إلى الله، يوم يُنفخ في الصور، ويُبعث من في القبور، ويُظهر المستور، يوم تُبلى السرائر، وتُكشف الضمائر، ويتميز البرُّ من الفاجر.
عباد الله:
يقول الله - تعالى -: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25]، {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31].
معاشر المسلمين:(/1)
التوحيد أول شيء بدأت به الرسل أقوامها، فما من نبي أُرسل لقومه إلا قال: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 59].
وكلمة التوحيد (لا إله إلا الله، محمد رسول الله): هي الأصل الأصيل الذي أَرسل الله به رسلَه، وأنزل به كتبه، وشرع لأجله شرائعه، من أجلها نُصِبت الموازين، ووُضِعَت الدواوين، وانقسمت الخليقة إلى مؤمنين أتقياء، وفجار أشقياء، وقامت سوق الجنة والنار.
أخذ الله بها الميثاق على الناس يوم خلقهم: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وأشهدهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ القِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 172].
إنها كلمة الإسلام، ومفتاح دار السلام، وهي كلمة التقوى والإخلاص، والعروة الوثقى الباقية، والعهد والأساس، والمفتاح الذي يُدخَل به في الدين، وبها تكون النجاة من الكفر والنار، من قالها عُصِم دمه وماله، وحسابه على الله - تعالى - فإن كان مؤمناً بها من قبله نجا من النار في الآخرة، ودخل الجنة؛ ((فإن الله قد حرَّم على النار مَنْ قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله))؛ متفقٌ عليه.
وهي الركن الحصين الذي تبدأ به المسيرة مع الله، قال المصطفى - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ - رضي الله عنه - حين بعثه إلى اليمن معلماً ومرشداً وحاكماً: ((إنك ستأتي قوماً أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعُهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك؛ فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك؛ فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم، فتردُّ على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك؛ فإياك وكرائمَ أموالهم، واتقِ دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجابٌ))؛ متفقٌ عليه.
عباد الله:(/2)
لا يستقيم بناءٌ على غير أساس، ولا فرعٌ على غير أصل، والأصل والأساس لهذا الدين هو كلمة التوحيد الخالدة: لا إله إلا الله، محمد رسول الله.
قال سعيد بن جُبيْر والضحَّاك في قول الله - تعالى -: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 256]. قالا: "هي كلمة التوحيد".
وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - في قول الله - تعالى -: {لاَ يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْداً} [مريم: 87]. قال: "العهدُ: هو شهادة أن لا إله إلا الله، والبراء من الحول والقوة إلا بالله، وألا ترجو إلا الله - عزَّ وجلَّ".
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلتُ أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له))؛ رواه مالك في "الموطأ".
وعند ابن حبان، والحاكم وصححه من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((قال موسى - عليه السلام -: يا ربّ، علمني شيئاً أذكركَ به. قال: يا موسى، قلُ: لا إله إلا الله. قال: يارب، كل عبادك يقولون هذا. قال: يا موسى، لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري، والأرضين السبع في كفَّة، ولا إله إلا الله في كفَّة، مالت بهنَّ لا إله إلا الله".
عباد الله:(/3)
على كلمة التوحيد الجليلة بنى الرسول - صلى الله عليه وسلم - دعوته، وربَّى أمته، وأنشأ جيلاً موحِّداً يعبد الله - تعالى - حقَّ العبادة، ويتبرَّأ من كلِّ شريكٍ مزعوم ووثنٍ معبود. ولقد كان الجاهليون قبل البَعثة في ضلال وجهل عميق، يتخبَّطون في فوضى التديُّن، وأوحال الخرافة، اتخذوا لأنفسهم معبودات مزيفة، وأصناماً هامدةً من حجر وطين، وتمر وعجين، يقصدونها في الرخاء، وينبذونها في الشدَّة، يتوجَّه إليها عابدها، حتى إذا جاع أكلها! وإذا ادلهمَّ به خَطْبٌ أو أصابه ضرٌّ، لم يَرَ إلا سراباً لامعاً، وتراباً هامداً؛ {واتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلاَ يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ ضَراًّ وَلاَ نَفْعاً وَلاَ يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلاَ حَيَاةً وَلاَ نُشُوراً} [الفرقان: 3].
ولكنَّ المصطفى - صلى الله عليه وسلم - حين جدَّد الملَّة الحنيفيَّة السمحة، وصَدَعَ بكلمة التوحيد الخالص؛ أبطل كلَّ هذه الفوضى، وهو مَنْ يدعو الناس جميعاً إلى التوحيد قائلاً: ((أريدهم على كلمة واحدة، تَدِينُ لهم بها العرب، وتؤدِّي العَجَمُ إليهم الجزية؛ لا إله إلا الله))؛ رواه الترمذي وحسَّنه، وأحمد.
ولم يزل على ذلك حتى اقتلع جذور الوثنية من نفوس القوم، وقام بعضهم يردِّد:
أَرَبٌّ واحِدٌ أَمْ أَلفُ رَبٍّ أَدِينُ إليه إذا تَقَاسَمتِ الأُمُورُ
تَرَكْتُ اللاتَ والعُزَّى جَمِيعاً كذلك يَفْعَلُ الرَّجُلُ البَصِيرُ
وأجلُّ من ذلك وأعظم؛ قول الحق - سبحانه وتعالى -: {أَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ} [يوسف: 39].
بل لقد جاء القرآن كله لبيان معنى شهادة التوحيد، وما تقتضيه، وما يناقضها.
عباد الله:(/4)
إن هذه الكلمة العظيمة ليست كلمةً مجرَّدةً تقال باللسان فقط، دون أن يكون لها أثرٌ في الجوارح والأعمال والسلوك؛ بل هي كلمة عظيمة الدلالة، واسعة المعنى، كبيرة المقتضَى، ذات شروط وأركان وآداب وأحكام؛ إذ تعني هذه الكلمة نفي الألوهية عمَّا سوى الله - عزَّ وجلَّ - من سائر المخلوقات، فلا عبادة لأصنام وأضرحة وأشجار، ولا طواف بقبور وأولياء ومزارات، ولا طاعة لمخلوق - كائناً من كان - في معصية الخالق – سبحانه.
كما تعني هذه الكلمة إثبات الألوهية لله بالبراءة من الشرك وأهله، وإخلاص العبادة لله، وخلوص القلب من التعلق بغير الله وحده.
إنها تعني: إفراد الله - تعالى - بالعبادة، والحب، والإجلال، والتعظيم، والخوف، والرجاء، والتوكل، والرغبة، والإنابة، والرهبة، فلا يُحَب غير الله، ولا يُخاف سواه، ولا يُرجى غيره، ولا يُتوكل إلا عليه، ولا يُرغب إلا إليه، ولا يُرهب إلا منه، ولا يُحلف إلا باسمه، ولا يُتاب إلا إليه، ولا يُطاع إلا أمره، ولا يُسجد إلا له، ولا يُستعان عند الشدائد إلا به، ولا يُلجأ عند المضائق إلا إليه، ولا يُذبح إلا له وباسمه، لا تصديق لساحر، ولا ذهاب لكاهن، ولا طاعة لعرَّاف ومشعوذ، يزعم أنه يعلم الغيب، ويدفع الضرَّ، ويجلب النفع؛ {قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السماوات وَالأَرْضِ الغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النمل: 65]. {فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 256].
إذ معنى الكفر بالطاغوت: خلع الأنداد والآلهة التي تُدعى من دون الله من القلب، وترك الشرك بها، وبغضه وعدوانه.(/5)
ومعنى الإيمان بالله: إفراده بالعبادة التي تتضمن غاية الحب مع غاية الذل والانقياد لأمره، وهذا هو الإيمان بالله، المستلزِم للإيمان بالرسل - عليم الصلاة والسلام - المستلزِم للإخلاص لله في العبودية. فمعنى لا إله إلا الله: الإقرار بها علماً ونطقاً وعملاً.
وإن من الفهم السقيم يا عباد الله أن تفهم كلمة التوحيد على أنه لا خالق إلا الله، ولا رازق إلا هو في معزل عن توحيد العبادة، فإن هذا هو الفهم الذي أقر به الكفار والمشركون في عصر النبوة، فلم يغن عنهم شيئاً؛ {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السماوات وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} [العنكبوت: 61].
ولقد كان المشركون - على جهلهم وضلالهم - يدركون المعنى العظيم لهذه الكلمة، ولكن الله - تعالى - لم يُرِدْ بهم خيراً؛ إذ لو أراد الله بهم خيراً لأسمعهم، ولكن حكمته - تعالى - اقتضت أن يكفروا برسوله ويعادوا أولياءه؛ {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُواًّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُفْسِدِينَ} [النمل: 14]. وقالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ وَانطَلَقَ المَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي المِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاقٌ} [ص: 5 -7].
وعلى شاكلتهم المنافقون، الذين تلهث ألسنتهم بهذه الكلمة في مجامع المسلمين، وعباداتهم، وغزواتهم، ولكن قلوبهم مشربة بنقيضها؛ وهو الكفر والجحود والعصيان، فصاروا في الدَّرَك الأسفل من النار، ولن تجد لهم نصيراً؛ {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [البقرة: 16].(/6)
فأين هذا المعنى الناصع لكلمة التوحيد الجليلة من أحوال كثير من المسلمين الذين طال عليهم الأمد، وغاب عنهم الوحي، فاندثرت عندهم معالم الحنيفية السمحة، وسرت فيهم شوائب الشرك، وتنازعتهم الشهوات الفاسدة التي لوثت عقيدة التوحيد الخالص في قلوبهم، وكدَّرت صفاء العقيدة المشرق في نفوسهم، فصرفوا أنواعاً من العبادة لغير الله، وألقوا زمام أعِنَّتهم إلى الشيطان، يقودهم - في مناسبة وغير مناسبة - إلى أضرحة الموتى، يطلبون المَدَدَ من الأولياء والصالحين، ويذبحون للقبور، ويصدِّقون السحرة، ويلهثون وراء المشعوذين والكهنة، مستصرخين بهم، يرجون منهم كشف الضُّرِّ، وجلب النفع، وشفاء المرضى، ورد الغوائب، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.
بل أين هذا المعنى الناصع لكلمة التوحيد - كما أراده الله - ممن ضيعوا مقتضياتها، لا يقيمون الصلاة، ولا يؤتون الزكاة، ولا يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار، ثم يطمعون بعد ذلك في أن يدخلوا الجنة، ويكرموا بما فيها من النعيم المقيم، ويزحزحوا عن النار.
قيل للحسن البصري - رحمه الله -: إن أناساً يقولون: من قال لا إله إلا الله دخل الجنة. فقال: "من قال لا إله إلا الله، فأدى حقها وفرضها دخل الجنة".
أيها المسلمون:
لقد ضلَّ كثيرٌ من المنتسبين إلى الإسلام الطريقَ، وأساؤوا العمل، تعلَّق المؤمنون بربٍّ خالقٍ مدبِّرٍ، إلهٍ واحدٍ، ينفع ويضر، ويثيب ويعاقب، وتعلقوا هم بعظام فانية، وأشلاء بالية، وقبور خاوية، ومخلوقات ضعيفة، لو كانت تملك شيئاً ما لبث أصحابها في التراب، وتعرضوا لصنوف الأذى والدمار.(/7)
وقف المسلمون بين يدي إله كريم يجيب دعوة المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء، يرفعون أَكُفَّ الضراعة إليه، ويطوفون ببيته، يرجون رحمته ويخشون عذابه، ووقف أولئك التائهون أمام أوثان جامدة، وطافوا حول أضرحة خاوية، لا تعرف مَنْ عبدها ممَّن لم يعبدها؛ بل لا تعدو أن تكون هشيماً تذروه الرياح، وتراباً يملأ العيون قذى.
فهل يستوي - يا عباد الله - من تتوزَّعه الأهواء، وتتنازعه الشهوات، لا يدري أين يتوجَّه، ولا لمن يكون له الرضا والخضوع، مع مَنْ خضع للواحد الفرد الصمد - سبحانه وتعالى - فنعِم ببرد اليقين، وراحة الاستقامة، ووضوح الطريق؟!
الحمد لله؛ بل أكثرهم لا يعلمون.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله - تعالى – فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:
فاتقوا الله أيها الناس، واعلموا أن التصديق بكلمة التوحيد يجعل المسلم ينفي أربعة أمور، ويثبت أربعة أخرى؛ فينفي الآلهة والطواغيت، والأنداد، والأرباب.
والآلهة: هي ما قُصد بشيء من العبادة من دون الله، من جلب خير، أو دفع ضرّ.
والطواغيتُ: هي من عُبِدَ وهو راضٍ، أو رُشِّح للعبادة.
والأنداد: هو ما جذبك عن دين الإسلام: من أهل أو مسكن أو عشيرة أو مال.
والأرباب: من أفتاك بمخالفة الحقِّ، فأطعته؛ قال - تعالى -: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31].
وأما الأمور التي يثبتها: فهي قصد الله - تعالى - بالعبادة، وتعظيمه، ومحبته، وخوفه والرجاء له.(/8)
وقد ذكر أهل العلم شروطاً سبعة لكلمة التوحيد، لا تنفع صاحبها إلا باجتماعها فيه، جمعها الناظم في قوله:
عِلْمٌ، يَقِينٌ، وصِدْقُكَ مَعَ مَحَبَةٍ، وانْقِيادٍ، والقَبُولِ لها
وزِيدَ ثَامِنُهَا الكُفْرَانُ مِنْكَ بِمَا سِوَى الإِلَهِ مِنْ الأَوْثَانِ قَدْ أُلِّهَا
فأول هذه الشروط: العلم بمعناها المراد منها؛ وهو عبادة الله وحده، والبراءة من عبادة من سواه، قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله؛ دخل الجنة))؛ رواه مسلم.
وثانيها: اليقين المنافي للشك؛ بأن يكون قائلها مستيقناً بمدلولها يقيناً جازماً؛ لقول الحق - سبحانه وتعالى -: {إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات: 15].
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبدٌ غير شاكٍّ فيهما إلا دخل الجنة))؛ رواه مسلم.
قال الإمام القرطبي - رحمه الله - في "شرحه" على صحيح مسلم: "باب: لا يكفي مجرد التلفظ بالشهادتين؛ بل لابد من استيقان القلب، وهذه الترجمة تنبيهٌ على فساد مذهب غُلاة المرجئة، القائلين بأن التلفظ بالشهادتين كافٍ في الإيمان، والأحاديث تدل على فساده؛ بل هو معلوم الفساد من الشريعة لمن وقف عليها؛ ولأنه يلزم منه تسويغ النفاق، والحكم للمنافق بالإيمان الصحيح، وهو باطلٌ قطعاً".
والشرط الثالث: القبول لما اقتضته هذه الكلمة بقلبه ولسانه.
والشرط الرابع: الانقياد التام لما دلَّت عليه؛ {وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [لقمان: 22].(/9)
وقال المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئتُ به))؛ رواه الطبراني وأبو نعيم، وصحَّحه النووي.
والخامس: الصدق المنافي للكذب، وهو أن يقولها صدقاً من قلبه، يواطئ قلبُه لسانَه عليها، لا كما فعل المنافقون الذين قال الله - تعالى - عنهم: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة: 8 -9].
والسادس من شروطها: الإخلاص لله، وهو تصفية العمل بصالح النية عن جميع شوائب الشرك؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قديرٌ، مخلصاً من قلبه، يصدِّق بها لسانه، إلا فتق الله لها السماء فتقاً، حتى ينظر إلى قائلها من أهل الأرض، وحقٌّ لعبد نظر الله إليه أن يعطيه سُؤْلَه))؛ رواه النَّسائي، وإسناده صحيحٌ.
وأما السابع من شروطها: فهو المحبة لهذه الكلمة، ولما اقتضته ودلَّت عليه، وكذا الحب لأهلها الملتزمين بشروطها، العاملين بها، وبُغْض ما يناقض ذلك، ولاءٌ وبراءٌ لله وفيه؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاثٌ من كُنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبّ إليه ممَّا سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يُقذف في النار))؛ متفقٌ عليه.
ومن علامة حب العبد لربه: تقديم محابِّه وإن خالفت هواه، وبغض ما يُبغضه الله وإن مال إليه هواه، وموالاة من والى الله ورسوله، ومعاداة من عاداهما، واتباع رسوله - صلى الله عليه وسلم - واقتفاء أثره، وقبول هَدْيِه.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.(/10)
العنوان: كليم الله موسى عليه السلام
رقم المقالة: 383
صاحب المقالة: الشيخ إبراهيم الحقيل
-----------------------------------------
النشأة والنبوة والهجرة
الحمد لله رب العالمين؛ يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم وإلى الله ترجع الأمور، نحمده كما ينبغي له أن يحمد، ونشكره فقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ عظيم في ذاته وصفاته، حكيم في أفعاله وقضائه، عدل في أحكامه وعقوباته، رحيم بعباده، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ اصطفاه الله تعالى من بين البشر، وجعله إمام الرسل، وصرف الله تعالى عنه شتم قريش وأذاهم، قال عليه الصلاة والسلام: (ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم، يشتمون مذمما ويلعنون مذمما وأنا محمد) صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واعلموا أن كل عام يمضي إنما يمضي من أعماركم، وأن كل عام يأتي إنما يقربكم من قبوركم، فاعملوا في دنياكم لآخرتكم ، وفي حياتكم لموتكم {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب}.
أيها الناس: يتفاضل البشر بعضهم على بعض بقدر صلاح قلوبهم، وزكاء أعمالهم، وقربهم من ربهم تبارك وتعالى، وإخلاص الدين له وحده عز وجل، وكل ما فيهم من الخير والهدى، والصلاح والتقى إنما هو محض فضل الله تعالى عليهم، فهو الذي هداهم واجتباهم.
وقد اختص سبحانه بعض البشر بمنازل ومقامات لا تكتسب، إن هي إلا محض اصطفاء منه سبحانه؛ كما اختص الأنبياء بالنبوة، والرسل بالرسالة، وفضل بعضهم على بعض، فأولو العزم من الرسل عليهم السلام أفضل من غيرهم، ومحمد عليه الصلاة والسلام أفضل أولي العزم.(/1)
والرسل عليهم السلام هم قدوة البشر، وهم هداية الخلق، وهم الواسطة إلى الله تعالى، ينزل عليهم كتبه، ويشرع لهم شرائعه، ويهديهم إلى صراطه المستقيم، والرسل عليهم السلام يبلغون عن الله تعالى رسالاته، ويهدون الناس لشريعته، فوجب على البشر تصديقهم والإيمان بهم، واتباعهم وطاعتهم، ومحبتهم في الله تعالى.
وما من رسول إلا أوذي في الله تعالى، وناله من عظيم الابتلاء ما ناله، وابتلي به قومه، فمنهم من آمن به، ومنهم من كفر، والمؤمن له إيمانه، والكافر عليه كفره.
ومن أشهر الرسل ذكرا، ومن أكثرهم ابتلاء: كليم الله تعالى موسى بن عمران عليه السلام؛ فقد ابتلي بأشهر طاغية عبَّدَ الناس لنفسه من دون الله تعالى، وكان ابتلاء قوم موسى بهذا الطاغوت قبل ولادة موسى عليه السلام؛ إذ كان يقتل أبناءهم، ويستبقي نساءهم، بسبب ما علمه من أن زوال ملك الفراعنة سيكون على يد واحد ممن يستضعفهم من بني إسرائيل، فأمعن في قتل أبنائهم حتى كان جنده يحصون الحوامل من بني إسرائيل لقتل من يولد من الأبناء، واستبقاء من يولد من البنات، وعظم بذلك كرب بني إسرائيل، واشتدت محنتهم، وكم من أبوين بكيا ابنا أو أبناء لهما، لا لشيء إلا احتياطا لملك فرعون وجنده {إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين} وقد وصف الله تعالى ما حاق ببني إسرائيل على يد فرعون بالبلاء العظيم، وجعل سبحانه وتعالى من منته عليهم أن نجاهم من ذلك ببعثة موسى عليه السلام {وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم}.(/2)
وكادت بنو إسرائيل أن تفنى وهم المسخرون في خدمة فرعون وجنده، فأمر فرعون بإبقاء أبناء بني إسرائيل سنة، وقتلهم سنة أخرى، وهذا يدل على طغيانه وعتوه، وإلا فهو يعلم أن الغلام الذي يهدد ملكه قد يولد في عام الاستبقاء، ويقدر الله عز وجل أن يولد هارون عليه السلام في سنة الاستبقاء، وحملت أمه بموسى عليه السلام في سنة القتل، فعظم به كربها، وازداد همها، وعزمت على إخفاء حملها، فاحتاطت حتى آن وضعه، فوضعته على غير علم من عيون فرعون وجنده، فألقى الله تعالى في روعها أن تخفيه في تابوت وتضعه في النيل، وكانت دارها على ساحله، فكانت ترضعه فإذا خافت أحدا وضعته في تابوته وأرسلته في الماء وحبل التابوت عندها تسحبه إذا أمنت، وترسله إذا خافت، فلما أراد الله تعالى أن يمضي قضاؤه، وأن ينفذ أمره، وأن يتربى موسى في بيت عدوه؛ نسيت أم موسى أن تربط طرف الحبل عندها، فمضى التابوت في الماء إلى حيث يريد الله تعالى {وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين} فكان هذا الحفظ والرعاية من الله تعالى لموسى عليه السلام من أعظم الآيات والمعجزات، وأكبر البشارات لأمه عليها السلام، ولا بشارة أكبر من ذلك إلا حين بشرت بأن ابنها سيكون من المرسلين.
وقد امتن الله تعالى على موسى عليه السلام بهذا الحفظ والرعاية لما خاطبه بالرسالة {ولقد مننا عليك مرة أخرى، إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى، أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له}.(/3)
ومن عجيب تدبير الله تعالى أن رعايته سبحانه وحفظه وعنايته قد أحاطت بموسى عليه السلام من كل جانب؛ فأمه عليها السلام لما ألقته في النيل وفقدته اشتد خوفها عليه، وحزنت حزنا شديدا، وكادت أن تكشف سرها، وتظهر لعدوها أمر طفلها، ولكن الله تعالى ثبتها، وربط على قلبها، وهذا من عظيم رعاية الله تعالى لها ولولدها عليهما السلام {وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين}.
ثم إن من لطف الله تعالى وعظيم تدبيره في ذلك: أن ألقى المحبة على موسى عليه السلام وهو في المهد، فما يراه أحد إلا أحبه رغما عنه؛ ليقع مراد الله تعالى من حفظه ورعايته في بيت عدوه؛ ولذلك قال سبحانه لموسى عليه السلام في معرض منته عليه {وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني}.
وكان من قدر الله تعالى: أن يظفر بطفل النيل أفراد من بيت فرعون فيأتون به إلى زوجه وكانت لا تنجب وهذا أيضا من تهيئة مكان لموسى في بيت فرعون، وفي قلب زوجته؛ ولربما لو كان لها ولد ما تعلقت به هذا التعلق. إنها رأته فأحبته فشفعت فيه لدى فرعون وخاطبته قائلة {قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا} إنها تجادل عنه، وتشفع فيه، وتحاور فرعون لأجله، وهي وفرعون لا يعلمان إرادة الله تعالى في هذا الغلام، وأن هلاك فرعون سيكون على يديه، وأن ملك الفراعنة سيؤول إلى بني إسرائيل بسببه؛ ولذلك عقب الله تعالى على هذه المحاورة بقوله سبحانه {وهم لا يشعرون} أي لا يعلمون ما خبئ لهم في هذا الغلام الذي يتحاوران فيه.(/4)
وقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن امرأة فرعون لما قالت له: قرة عين لي ولك، قال فرعون: يكون لك، فأما لي فلا حاجة لي فيه، ولو أقرَّ فرعون أن يكون قرة عين له كما أقرت امرأته لهداه الله تعالى كما هداها ولكن حرمه)وقد انتفعت امرأة فرعون بمقولتها {عسى أن ينفعنا} إذ نفعها الله تعالى به، وهداها من الكفر إلى الإيمان على يديه، وضرب سبحانه المثل بإيمانها في القرآن {وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجنى من فرعون وعمله ونجنى من القوم الظالمين}.
وعلى هذا المعنى العظيم يعلق ابن كثير رحمه الله تعالى: بأن البلاء موكل بالمنطق، فينبغي للعبد أن لا ينطق إلا بخير، وما ضرَّ فرعون لو سكت ولم ينطق بالسوء، ولكنْ من كتب عليه الشقاء أصابته سهامه، ونالته أسبابه. وكم من أب يقال له: هذا ولدك ينفعك غدا في كبرك، فيقول: لا، أو لا أحتاج إلى نفعهم، فيجري الله تعالى حكمه فيهم على ما قال أبوهم.
وصدق الله تعالى وعده، ومكن لعبده، وأوفى لأم موسى ما وعدها من ردِّ وليدها عليها بعد أن ألقته في اليم، فجاع الرضيع ولم يلتقم ثديا، ولم يقبل طعاما، ولا وجدوا حيلة لإرضاعه، وإسكان جوعه، وإسكات صياحه، وكان من قلق أمه عليه أن أرسلت أخته تلتمس خبره، فرأته يدار به على النساء لعله يقبل إحداهن فيرضع منها، فأشارت عليهم ببيتها وأمها، فعاد الرضيع إلى حضن أمه، والتقم ثديها، وشبع من لبنها، {وقالت لأخته قصيه فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون، وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون، فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون} وقد امتن الله تعالى على موسى عليه السلام بهذه النعمة العظيمة لما كلمه سبحانه فقال له: {إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن}.(/5)
عاش موسى عليه السلام في قصور فرعون يأكل أطيب الطعام، ويلبس أحسن اللباس، ويركب أفضل المراكب، ويتمتع بما يتمتع به أبناء الملوك، محفوظا بحفظ الله تعالى وعنايته ورعايته، وصدق سبحانه إذ خاطبه بقوله عز وجل: {ولتصنع على عيني}.
حتى إذا بلغ الفتى مبلغ الرجال، واستحكم خلْقُه وخُلُقَه، وكمل أربعين سنة بعثه الله تعالى رسولا يوحى إليه من أنوار العلم والمعرفة والنبوة ما لا يعلمه إلا الله تعالى {ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزى المحسنين} وبذلك تمت موعدة الله تعالى لأم موسى عليهما السلام حين قال لها: {إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين}.
ثم هيأ الله تعالى لموسى عليه السلام أسباب الهجرة من مصر إلى مدين بسبب قتله للقبطي الذي اعتدى على الإسرائيلي، وصار بسببه مطلوبا لدى فرعون وجنده {ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين، قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم، قال رب بما أنعمت على فلن أكون ظهيرا للمجرمين، فأصبح في المدينة خائفا يترقب فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه قال له موسى إنك لغوى مبين، فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين}.
ولا يزال الله تعالى يحوطه برعايته وعنايته، ويحفظه من مكر عدوه وبطشه؛ إذ سخر له من يخبره بما عزم عليه قوم فرعون من قتله، فكان ذلك سبب هجرته {وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملا يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجنى من القوم الظالمين}.(/6)
هاجر موسى عليه السلام خوفا من فرعون وبطشه، وليس معه طعام ولا متاع، وهكذا الرسل عليهم السلام تبتلى بالجوع والشدة، والفراق والهجرة، كما تبتلى بظلم الظالمين، وأذى المشركين، قال بن عباس رضي الله عنهما: (سار موسى عليه السلام من مصر إلى مدين ليس له طعام إلا البقل وورق الشجر وكان حافيا، فما وصل إلى مدين حتى سقطت نعل قدميه، وجلس في الظل وهو صفوة الله من خلقه، وإن بطنه للاصق بظهره من الجوع، وإن خضرة البقل لترى من داخل جوفه، وإنه لمحتاج إلى شق تمرة).
ولكنه عليه السلام كان قوي الإيمان، متوجها بقلبه إلى الله تعالى، متوكلا عليه، واثقا به، لا يتعلق بغيره، ولا يسأل سواه، فهيأ الله تعالى له أسباب الرعاية والكفاية في البلد التي قدم عليها، وسخر له عباده الصالحين، في قصة الفتاتين اللتين تسقيان ذودهما فأعانهما، فكان ذلك سبب عمله عند ذلك الرجل الصالح، وزواجه من ابنته، وهكذا الرسل عليهم السلام يكدون ويكدحون، ويغتربون ويستأجرون؛ لسد حاجاتهم الضرورية، وما من نبي إلا رعى الغنم؛ كما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم، فقال أصحابه: وأنت؟فقال: نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة) رواه البخاري.(/7)
فبَذْلُ الأسباب، وكسب العيش، والتعفف عما في أيدي الناس من شيم الأنبياء والمرسلين عليهم السلام، وكليم الله موسى عليه السلام أجَّر نفسه لخدمة الرجل الصالح، ورعي غنمه عقدا كاملا من عمره؛ ليتزوج الصالحة ابنة الصالح فيعف نفسه ويحصن فرجه، وكان ما وقع له من التيسير في ذلك ببركة دعائه الصالح، وتوجه قلبه إلى الله تعالى لما خرج مهاجرا من بطش فرعون وجنده {ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربى أن يهديني سواء السبيل ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقى حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لمآ أنزلت إلى من خير فقير فجاءته إحداهما تمشى على استحياء قالت إن أبى يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين، قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوى الأمين، قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين، قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان على والله على ما نقول وكيل}.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.....
الخطبة الثانية
الحمد لله؛ نحمده حمدا يليق بجلاله وعظيم سلطانه، ونشكره شكرا مزيدا على ألآئه وإحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه {ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون}.(/8)
أيها الناس: لما أكمل موسى عليه السلام أجله، وأدى الخدمة لوالد زوجه، فارقهم عائدا إلى مصر، وكلمه الله تعالى في الوادي المقدس طوى، وكلفه سبحانه بتبليغ فرعون وقومه رسالاته، ودعوتهم إلى عبادته وحده لا شريك له، فجرى لموسى عليه السلام مع فرعون ما جرى من التكذيب والأذى، والمخاصمة والمناظرة؛ مما بسط خبره في سور الأعراف ويونس وطه والشعراء والقصص، فلما خصمهم موسى عليه السلام بالحجة والبيان، وأثبت صدقه بالمعجزة والبرهان، ما كانت حيلة العاجزين عن إثبات كفرهم وعلوهم إلا بالبطش والظلم والقوة، وسعوا جادين في قتل موسى والمؤمنين؛ ليستمروا في تعبيد الناس لهم من دون الله تعالى؛ ولكن الله تعالى غالب على أمره، ونافذ في الخلق حكمه، فأنجى سبحانه وتعالى موسى ومن معه، وأغرق فرعون وجنده، وجعل ذلك آية لخلقه، وعبرة في مصير الظالمين، يتذكرها البشر عبر الأجيال، وينتفع بها قراء القرآن كلما رتلوا وقائع هذه القصة العظيمة، ووقع أمر الله تعالى الذي أخبر به حين قال {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا} فهم التقطوه بأيديهم، وربوه في قصورهم، وكان تحت أعينهم، ولم يعلموا أنه عدوهم، وهذا أبلغ في النكاية بهم، وأشد حسرة عليهم؛ لأنهم اختاروا أخذ ما يكون هلاكهم على يديه، بخلاف ما لو كان هلاكهم على يد غيره، فسبحان اللطيف الخبير، العليم الحكيم، الذي أتى فرعون وجنده من حيث لم يحتسبوا، وبأيدهم هم، لا بغيرهم {ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون}.(/9)
وهذه السنة الربانية العظيمة التي وقعت لموسى مع فرعون تتكرر في البشر؛ فكم من سلطان خسر سلطانه على يد ألصق الناس به، وأشدهم إحسانا إليه، فكان هلاكه وزوال ملكه على أيديهم سواء كان ذلك بحق أم بباطل، ولكن تدبير الله تعالى في ذلك لطيف عجيب؛ إذ يؤتى الحذر من مأمنه، ولا ينفع الاحتياط والتوقي لرد أمر الله تعالى وقدره، وهذا يوجب علينا أن لا نفر من الله تعالى إلا إليه، ولا نحذر منه إلا به، ولا نتقي قدره إلا بطاعته ودعائه؛ فإن الدعاء يرد القدر، وينفع فيما نزل وما لم ينزل، فعلقوا بالله تعالى قلوبكم، وفروا منه إليه. ولو كان الحذر رادَّا للقدر ، ونافعا لأحد؛ لنفع فرعون الذي قتل ولدان بني إسرائيل حذرا من هلاكه وزوال مملكته، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
أيها الإخوة: ولعظيم ما بين الأنبياء والرسل عليهم السلام من الأخوة والمحبة في الله تعالى: شرع نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم صيام اليوم الذي نُجِّي فيه موسى والمؤمنين معه، وأُهلك فرعون وجنده؛ شكرا لله تعالى على ذلك، وفرحا بنجاة المؤمنين، وهلاك المكذبين، روى ابن عباس رضي الله عنهما فقال: (قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، قال عليه الصلاة والسلام: فأنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه) متفق عليه. وفي حديث أبي قتادة رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام: (صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله) رواه مسلم.(/10)
ولما أكمل الله تعالى دينه، واستقرت شريعة الإسلام قصد النبي صلى الله عليه وسلم مخالفة أهل الكتاب، وقد كان قبل ذلك يحب موافقتهم لما معهم من الكتاب، فأمر عليه الصلاة والسلام بمخالفتهم في صوم يوم عاشوراء، وذلك بصيام يوم قبله أو بعده، ولما قال له أصحابه رضي الله عنهم عن يوم عاشوراء: (إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، قال صلى الله عليه وسلم: فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع، قال ابن عباس رضي الله عنهما: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه مسلم.
ألا فاتقوا الله ربكم - أيها المسلمون - واحرصوا على صيام هذا اليوم العظيم، وخالفوا أهل الكتاب فيه بصيام يوم قبله أو بعده، وقد كان الزهري رحمه الله تعالى يصوم يوم عاشوراء في السفر، وكان يأمر بفطر رمضان في السفر، فقيل له في ذلك، فقال: (رمضان له عدة من أيام أخر وعاشوراء يفوت).
وصلوا وسلموا على نبيكم......(/11)
العنوان: كليم الله موسى عليه السلام
رقم المقالة: 1926
صاحب المقالة: الشيخ إبراهيم الحقيل
-----------------------------------------
دعوة فرعون ومجادلته
الحمد لله رب العالمين؛ أرسل الرسل مبشرين ومنذرين، وأقام حجته على الخلق أجمعين، نحمده على عظيم منِّه، وواسع رحمته وفضله، ونشكره على جزيل هباته وعطاياه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ الخير بيديه، والشر ليس إليه، المَهْدِّيُ من هداه، نحنُ عبيده بين يديه، وبه وإليه، لا ملجأ لنا ولا منجى منه إلا إليه {فَفِرُّوا إِلَى الله إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الذاريات:50] وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله؛ هدانا به ربُنا عز وجل وزكانا وعلمنا ما لم نكن نعلم {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة:151]. صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله ربكم، واعتبروا بما مضى من آجالكم، واعمروا ما بقي منها بطاعة الله تعالى؛ فإن الأيام تمضي، والأكفان تنسج، وكل عام جديد تفرحون به فإنه من نقص أعماركم، ومسرع بكم إلى قبوركم، وإن الموت أقرب إلى أحدنا من شراك نعله، فأعدوا للموت وما بعده العدة، فلسوف تُسألون وتحاسبون، وبأعمالكم تجزون {وَالوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ* وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَظْلِمُونَ} [الأعراف:8-9].(/1)
أيها الناس: قصة موسى عليه السلام هي أعظم قصص الأنبياء المذكورين في القرآن، وهي أكبر من غيرها، وتبسط أكثر من سواها، وفيها من الفوائد علم غزير، ومن الدروس شيء كثير، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عامة نهاره يحدثنا عن بني إسرائيل.
إنها قصة عظيمة غلب فيها صاحب الحق بحقه وحجته وبرهانه أهل الباطل بجندهم وقوتهم وكثرتهم.
والدعوة إلى الله تعالى لها رجالها، ومواجهة الطغاة المستبدين الذين يُعَبِّدون البشر لأنفسهم من دون الله تعالى لها ميادينها وأساليبها، ولا يتقنها ويقوى عليها إلا أفذاذ الرجال، ممن سلمت قلوبهم من التعلق بغير الله تعالى، وأخلصوا دينهم له عز وجل.
وهكذا كان كليم الرحمن موسى بن عمران عليه السلام؛ فلقد اصطفاه الله تعالى مخلصا لبني إسرائيل من ظلم الفراعنة، واصطنعه عز وجل لنفسه، وصنعه سبحانه على عينه، وقدَّر تبارك وتعالى أن ينشأ موسى في بيت فرعون، فلما شبَّ واستوى آتاه الله تعالى حكما وعلما، وابتلاه بالهجرة من مصر إلى مدين، وعمل فيها أجيرا عند الرجل الصالح عقدا من الزمن، فعاد بأهله من مدين إلى مصر بعد طول الغربة، وفي الوادي المقدس طوى، أكرمه الله عز وجل برسالاته، واختصه بكلامه، وكلَّفه بأعظم مهمة يكلف بها بشر، وهي بلاغ الدين، وردع الطغاة المستبدين، وأشرك الله تعالى في هذا الأمر العظيم مع موسى أخاه هارون عليهما السلام؛ ليشد من أزره، ويكون أمضى لعزمه، وأقوى لقلبه {قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآَيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الغَالِبُونَ} [القصص:35].(/2)
إن أعسر شيء على النفوس البشرية دعوةُ الجبابرة المستكبرين، ومواجهة الطغاة المستبدين؛ لإحقاق الحق، ورفع الظلم؛ ذلك أن الطغاة من البشر لا يخافون الله تعالى في الناس، ولا يردعهم عن الظلم والبطش شفقة ولا رحمة، وقد أحيطوا بجيوش من العسكر ترهب الناس منهم، وجيوش أخرى من المرتزقة تطبل لهم، وتزين في أعينهم سوء عملهم، وتحرضهم على من يعترض على ظلمهم، أو يناصحهم فيه؛ فمن يواجههم وهذه حالهم؟! ولذا كان قول الحق عند سلطان جائر أعظم أنواع الجهاد.
وموسى وهارون عليهما السلام قد أُرسلا إلى فرعون، وفرعون هو فرعون ظلما وبطشا وقهرا للعباد، وتعبيدهم لذاته الحقيرة من دون الله تعالى، وما زال البشر بعد فرعون يضربون به المثل في الظلم والبغي والاستنكاف عن قبول الحق، فيقولون فيمن كان جبارا عنيدا ظالما: هذا فرعون.
قال الله تعالى لموسى عليه السلام {اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآَيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي * اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44].
ومن القول اللين الذي أمر الله تعالى به موسى عليه السلام ما جاء في قوله سبحانه {فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} [النَّازعات:18-19].
تأملوا يا عباد الله حلم الله تعالى ورحمته بعباده، وصبره عز وجل على آذاهم، يأمر موسى وهارون عليهما السلام أن يخاطبا فرعون بالرفق واللين، لعل قلبه يلين بالتذكرة والموعظة، وفرعونُ هو من نازع الله تعالى في ربوبيته، ومنع الناس من عبوديته!! وما حاجةُ الله تعالى إلى فرعون، وإلى مئة فرعون مثله؟! وإلى البشر كلهم، وإلى الخلق أجمعين حتى يتلطفهم، ويتودد إليهم، ويأمر بلين الخطاب معهم؟!(/3)
لا يحتاج الله تعالى إلى أحد منهم، ولا يرجو سبحانه منهم نفعا ولا يخشى عز وجل ضرا، ولكنها رحمته التي سبقت غضبه، وحلمه على الظالمين من عباده، وصبره على أذى المخلوقين؛ فالحمد له سبحانه إذ كان لنا ربا مليكا مدبرا، وكنا له خلقا عبيدا؛ فإنه كان صبورا حليما عفوا رحيما، قال يزيد الرقاشي عند قوله تعالى {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} [طه:44]: يا من يتحبب إلى من يعاديه فكيف بمن يتولاه ويناديه؟!
لقد كان موسى وهارون عليهما السلام يعلمان قسوة فرعون، وشدة بطشه؛ ولذا لما أمرهما الله تعالى بالذهاب لدعوته {قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى} [طه:45] فأمنَّهما من الخوف والفزع مَنْ يملك الأمن والخوف، ومَنْ له جنود السموات والأرض، ومَنْ يملك نواصيَ فرعون وجنده والخلق أجمعين، فكفى به سبحانه حافظا، وكفى به عز وجل وليًا ونصيرا {قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46] وبلَّغهما سبحانه وتعالى ما يقولان لفرعون إذا مَثَلا أمامه، وبماذا يخاطبانه {فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى * إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ العَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [طه:46-48].
فقام موسى وهارون عليهما السلام بأمر الله سبحانه خير قيام، وبلغا فرعون رسالة ربهما عز وجل، ويا لها من مهمة أدياها، ورسالة بلغاها، يعجز عن حملها وأدائها أكثر البشر!!
فكان جواب فرعون لهما جوابَ المستعلم الذي يريد معرفة ما وراءهما، وإلى أي مدى سيصلان في دعوتهما، وجرت بينهما محاورة ظهرت فيها قوة موسى عليه السلام أمام الطاغية، ورباطة جأشه، وبيان حجته، ووضوح دعوته بلا خوف ولا وجل، ولا تنازلات عن شيء من دين الله تعالى.(/4)
{قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى * قَالَ فَمَا بَالُ القُرُونِ الأُولَى * قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى * كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى * مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه:49-55].
وبهذه المحاورة العظيمة ألزم موسى عليه السلام فرعون بالحجة والبرهان، وظهرت حجةُ النبي، وبطلت حجة الطاغوت، فما ثَمَّ إلا الإيمان والانقياد، أو الاستكبار والعناد، واللجوء إلى أساليب العاجزين عن مقارعة الحجة بالحجة، وهو أسلوب كل طاغية لا يستطيع أن يُثبت باطله أمام الحق وأهله فيلجأ إلى التهديد والوعيد بالعذاب والنكال.
وهكذا قابل فرعون حجج موسى عليه السلام القاطعة، وبراهينه الساطعة بالتكذيب والوعيد {وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آَيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى * قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى * فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى} [طه:56-58].(/5)
ولكن أمر الله تعالى نافذ، وقدره غالب، ومشيئته فوق مشيئة خلقه؛ إذ سعى فرعون في جلب السحرة ومبارزتهم لموسى عليه السلام أمام الناس..سعى بذلك إلى فضح أمره، وإظهار تهافت حجته، وقوة الحق الذي جاء به موسى عليه السلام، فكان سحرة فرعون هم أولَ المؤمنين بالحق لما استبان لهم، وفي ذلك من هزيمة فرعون والنكاية به ما لا يوصف، فعذبهم ونكَّل بهم، وقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وصلَّبهم في جذوع النخل، وما ردهم ذلك عن إيمانهم شيئا. فما أقوى إيمانهم! وما أصبرهم على ما نالهم من العذاب والنكال في ذات الله تعالى!! رحمهم الله تعالى ورضي عنهم. وسبحان من هداهم إلى الحق في لمح البصر، ثم ثبتهم عليه إلى أن لقوا الله تعالى. قال ابن عباس رضي الله عنهما:كانوا أول النهار سحرة وفي آخر النهار شهداء بررة. {ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللهِ مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ المُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} [الكهف:17] بارك الله لي ولكم في القرآن...
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- وأطيعوه، وافتتحوا عامكم الجديد بخير أعمالكم، فإن الله تعالى مطلع على سركم وعلانيتكم، ومن افتتح عامه بالعمل الصالح فحري أن يمضي فيه، وأول العام شهر الله المحرم، وهو أول الأشهر الحرم؛ فإن الله عز وجل جعل فاتحة السنة بشهرٍ محرم، ووسطها بشهر رجبٍ وهو محرم، وخاتمتها بذي الحجة وهو محرم.(/6)
ففضيلة هذا الشهر العظيم أنه من الأشهر الحرم المنصوص عليها في القرآن الكريم في قول الله تعالى {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة:36].
فقد نهانا ربنا عز وجل أن نظلم أنفسنا في هذه الأشهر الحرم التي منها هذا الشهر، وإنْ كان ظلم النفس حراما في كل الأشهر؛ فإن هذا التحريم يتأكد في الأشهر الحرم، وظلم النفس يكون بالتقصير في الطاعات المأمور بها، وبانتهاك المحرمات المنهي عنها.
وجاء في حديث أبي بَكْرَةَ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ الزَّمَانَ قد اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يوم خَلَقَ الله السماوات وَالْأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا منها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ مُضَرَ الذي بين جُمَادَى وَشَعْبَانَ) رواه الشيخان.
كما أن لشهر محرم فضيلةً أخرى، وهي فضل صيام النافلة فيه على ما سواه من الأشهر؛ روى أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ الله الْمُحَرَّمُ ...) رواه مسلم.
وقد أضيف هذا الشهر العظيم في الحديث إلى الله تعالى(شهر الله المحرم) ومعلوم أن الصوم مختص بإضافته إلى الله تعالى من بين سائر الأعمال الصالحة؛ كما في حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقول الله عز وجل: الصَّوْمُ لي وأنا أَجْزِي بِهِ) متفق عليه. فناسب أن يتطوع العباد لله تعالى بالعمل المضاف إليه سبحانه وهو الصيام في الشهر المضاف إليه عز وجل وهو المحرم.(/7)
وجاء في حديث آخر أن الصيام ضياء، فمن افتتح عامه الجديد بالضياء فهو حري أن يسير به في عامه كله؛ لذا كان لصيام التطوع في محرم مزية على ما سواه من الشهور.
فمن لم يطق صيامه كله، فليصم منه ما يقدر عليه، ولا يفرطنَّ في التاسع والعاشر منه؛ لما في صيام العاشر من الفضل، فهو مكفر لسنة كاملة، ولما في صيام التاسع من مخالفة أهل الكتاب، وقد أمرنا بمخالفتهم.
ففي مشروعية صيام العاشر منه حديثُ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: (قَدِمَ النبي صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يوم عَاشُورَاءَ فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يَوْمٌ صَالِحٌ، هذا يَوْمٌ نَجَّى الله بَنِي إِسْرَائِيلَ من عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى، قال: فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ) متفق عليه.
وفي فضله حديث أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ على الله أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ التي قَبْلَهُ) رواه مسلم.
وفي فضيلة صيام التاسع معه حديثُ ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لَئِنْ بَقِيتُ إلى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ) رواه مسلم.
فلا تحرموا أنفسكم هذا الأجر العظيم في فاتحة هذا العام الجديد، واستقبلوه بخير أعمالكم، ولا تظلموا فيه أنفسكم؛ فإن الواحد منا لا يدري متى يباغته أجله، والسعيد من ختم عمره بصالح عمله، والشقي من لقي الله تعالى معرضا عن طاعته، منتهكا لحرماته {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالعِبَادِ} [آل عمران:30].
وصلوا وسلموا على نبيكم....(/8)
العنوان: كن ولا تكن في رمضان
رقم المقالة: 1263
صاحب المقالة: أبو الحارث
-----------------------------------------
1- كُنْ ممَّن يدخل بابَ الرَّيَّان:
عن سَهْلٍ رضي الله تعالى عنه عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنَّ في الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ له الرَّيَّانُ، يدخل منه الصَّائمونَ يَوْمَ القيامة، لا يدخل منه أحدٌ غيرهم، يُقَالُ: أين الصَّائمونَ؟ فيقومون، لا يدخل منه أحدٌ غيرهم، فإذا دخلوا أُغْلِقَ؛ فلم يدخل منه أحدٌ)). رواه البخاريُّ.
2- كُنْ ممَّن يُغْفَر له ما تقدَّم من ذنبه:
عن أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله تعالى عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَنْ صام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا؛ غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ من ذنبه، ومَنْ قام ليلة القَدْرِ إيمانًا واحتسابًا؛ غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ من ذنبه)). رواه البخاريُّ.
3- كُنْ ممَّن يُصلِّي الله والملائكة عليه:
عن أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ - رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((السَّحُورُ أَكْلُهُ بَرَكَةٌ؛ فلا تَدَعُوهُ، ولو أن يَجْرَعَ أحدكم جُرْعَةً من ماءٍ؛ فإنَّ اللَّه - عزَّ وجَلَّ - وملائكته يصلُّون على المُتَسَحِّرينَ))؛ رواه أحمد، وحسَّنه الأَلْبَانِيُّ في "صحيح الجامع برقم: 3638.
4- كُنْ ممَّن صام الدَّهر على الطريقة الصحيحة:
عن أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله تعالى عنه – قال: سمعتُ رسولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((شهر الصَّبر، وثلاثة أيامٍ من كلِّ شهرٍ؛ صَوْمُ الدَّهر))؛ رواه النَّسائِيُّ وأحمد. صحَّحه الألْبَانِيُّ في "صحيح الجامع"، برقم (3718).
عن أبي أيوب الأنصاريِّ - رضي الله تعالى عنه – قال: إنَّ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم – قال: ((مَنْ صام رمضان، ثمَّ أَتْبَعَهُ ستًّا من شَوَّالٍ؛ كان كصيام الدَّهر))؛ رواه مُسْلِمٌ.
5- كُنْ ممَّن يُضاعَف صيامه:(/1)
عن زيد بن خالدٍ الجُهَنِيِّ - رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ فَطَّرَ صائمًا؛ كان له مثل أَجْرِهِ، غير أنَّه لا يَنْقُصُ من أَجْرِ الصَّائم شيئًا))؛ رواه التِّرْمِذِيُّ، وصحَّحه الألْبَانِيُّ في "صحيح سنن التِّرْمِذِيِّ"، برقم (807).
6- كُنْ ممَّن يعمل عملاً لا مِثْل له:
عن أبي أُمامةَ - رضي الله تعالى عنه - أنَّه سأل رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: أيُّ العمل أفضلُ؟ قال: ((عليكَ بالصَّوْم؛ فإنَّه لا عِدْلَ له))؛ رواه النَّسائيُّ، وصحَّحه الألْبَانِيُّ في "صحيح سنن النَّسائي"، برقم (2222).
7- كُنْ ممَّن يفرح مرَّتَيْن لا مرَّة واحدة:
عن أبي هُرَيْرَةَ - رضي اللَّه عنه – قال: قال رسول اللَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((قال اللَّه: كلُّ عمل ابن آدم له، إلاَّ الصِّيام؛ فإنَّه لي، وأنا أجْزِي به، والصِّيام جُنَّةٌ، وإذا كان يوم صَوْم أحدكم فلا يَرْفُثْ ولا يَصْخَبْ؛ فإن سابَّه أحدٌ أو قاتلَه؛ فليقل: إنِّي امْرُؤٌ صائمٌ، والذي نَفْسُ محمَّدٍ بيده؛ لخُلُوفُ فم الصَّائم أطيب عند اللَّه من ريح المِسْك. للصَّائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقيَ ربَّه فرح بصوْمه))؛ رواه البخاريُّ.
8- كُنْ ممَّن لا يظمأ أبدًا:
عن سَهْل بن سعدٍ - رضي الله تعالى عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: ((للصَّائمين بابٌ في الجنَّة، يُقال له الرَّيَّان، لا يدخل فيه أحدٌ غيرهم، فإذا دخل آخِرهم أُغْلِقَ. مَنْ دخل فيه شرب، ومَنْ شرب لم يظمأ أبدًا))؛ رواه النَّسائيُّ، وصحَّحه الألْبَانِيُّ في "صحيح النَّسائي" برقم (2236).
9- كُنْ ممَّن يَجعل له وقايةً منَ النَّار:(/2)
عن أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله تعالى عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: ((الصِّيام جُنَّةٌ، وحِصْنٌ حصينٌ منَ النَّار))؛ رواه أحمد. قال الأَلْبَانِيُّ: "حسنٌ لغيرة" كما في "صحيح التَّرغيب والتَّرهيب" برقم (980).
10- كُنْ ممَّن يتخلَّق بأخلاق النبوَّة:
عن أبي الدَّرْدَاء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاثٌ مِنَ النُّبُوَّةِ: تعجِيل الإِفطارِ, وتأخِير السُّحورِ, ووَضْعُ اليمين على الشِّمال في الصَّلاة))؛ رواه الطَّبَرانيُّ في "الكبير"، وصحَّحه الألْبَانِيُّ في "صحيح الجامع" برقم (3038).
11- كُنْ ممَّن يُظهِر الدِّين:
عن أبي هُرَيْرَةَ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: ((لا يزال الدِّينُ ظاهرًا ما عَجَّلَ النَّاسُ الْفِطْرَ؛ لأنَّ اليهود والنَّصارى يؤخِّرون)). رواه أبو داود، وحسَّنه الأَلْبَانِيُّ في "صحيح سنن أبي داود" برقم (2353).
12- كُنْ ممَّن يأكل منَ الغداء المبارك:
عن المِقْدام بن مَعْدِي كَرِب، عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: ((عليكم بغداء السُّحور؛ فإنه هو الغداء المبارك))؛ رواه النَّسائيُّ، وصحَّحه الألْبَانِيُّ في "صحيح سنن النَّسائيِّ" برقم (2164).
13- كُنْ ممَّن يعمل عملاً لا يعلم جزاءه إلا الله:
عن أبي هُرَيْرَةَ - رضي اللَّه عنه – قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم – قال: ((كلُّ عمل ابن آدم له، إلا الصِّيام؛ فإنه لي، وأنا أجزي به))؛ رواه البخاريُّ.
14- لا يكن صيامك كصيام أهل الكتاب:
عن عمرو بن العاص - رضي الله تعالى عنه - أنَّ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم – قال: ((فَصْلُ ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب: أَكْلَةُ السَّحَر))؛ رواه مُسْلِمٌ.
15- لا تكُنْ ممَّن يٌحْرَم العتق من النار ويُحْرَم الدعوة المستجابة:
عن أبي هُرَيْرَةَ أَو عن أبي سعيدٍ - شَكٌ منَ الأعمش – قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -:(/3)
((إنَّ للَّه عُتَقَاءَ في كلِّ يومٍ وليلةٍ، لكلِّ عَبْدٍ منهم دعوةٌ مستجابةٌ))؛ رواه أحمد، وصحَّحه الألْبَانِيُّ في "صحيح الجامع" برقم (2169).
16- لا تكُنْ ممَّن يترك مكفِّرات الذُّنوب:
عن أبي هُرَيْرَةَ، أنَّ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: ((الصَّلَوَات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضانَ - مكفِّراتٌ ما بينهنَّ؛ إذا اجْتَنَبَ الكبائر)). رواه مُسْلِمٌ.
عن حُذَيْفَةَ قال: قال عمر - رضيَ اللَّه عنه -: ((مَنْ يحفظُ حديثًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الفتنة؟ قال حُذَيْفَةُ: أنا سمعته يقول: ((فتنة الرَّجل في أهله وماله وجاره - تكفِّرها الصَّلاة والصِّيام والصَّدقة)). رواه البخاريُّ.
17- لا تكُنْ ممَّن يُبْعِده الله فيدخل النار:
عن جابر بن سَمُرَةَ - رضيَ الله تعالى عنه – قال: صعد النبيُّ – صلى الله تعالى عليه وسلَّم المِنْبَرَ فقال: ((آمين، آمين، آمين)). فقال: ((أتاني جبرائيل - عليه الصلاة والسلام – فقال: يا محمَّد، مَنْ أدرك أحد أبوَيه، فمات، فدخل النَّار؛ فأبعده الله تعالى، فقُلْ: آمين. فقلتُ: آمين. فقال: يا محمَّد، مَنْ أدرك شهر رمضان، فمات، فلم يُغْفَر له، فأُدخل النَّار؛ فأبعده الله. فقُلْ: آمين. فقلتُ: آمين. فقال: ومَنْ ذُكِرْتُ عنده ولم يصلِّ عليك، فمات، فدخل النَّار؛ فأبعده الله. فقُلْ: آمين. فقلتُ: آمين))؛ رواه الطَّبرانيُّ وغيره. قال الأَلْبَانِيُّ: صحيحٌ لغيره، كما في "صحيح التَّرغيب والتَّرهيب" برقم (2491).
18- لا تكن ممَّن يُحْرَم الحج مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم:(/4)
عن ابن عبَّاسٍ، أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم – قال لامرأةٍ منَ الأنصار، يقال لها أمُّ سِنانٍ: ((ما منعكِ أن تكوني حججت معنا؟)). قالت: ناضحان كانا لأبي فلانٍ - زوجها - حجَّ هو وابنه على أحدهما، وكان الآخر يسقي عليه غلامنا. قال: ((فعُمْرَةٌ في رمضان تقضي حجَّةً)) أو ((حجَّةً معي))؛ رواه البخاريُّ.
19- لا تكن ممّن يُحْرَمِ البركة:
عن أنس بن مالكٍ - رضيَ الله عنه – قال: قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((تَسَحَّروا؛ فإنَّ في السَّحور بَرَكَةٌ))؛ رواه البخاريُّ.
20- لا تكن ممّن يعلَّق بعراقيبه، وتشقَّق أشداقُه:
عن أبي أُمامَة - رضيَ الله عنه – قال: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم – يقول: ((بينما أنا نائمٌ؛ أتاني رجلان، فأخذا بضبعيَّ؛ فأتيا بي جبلاً وعرًا, فقالا: اصعد؛ فقلتُ: إنّي لا أُطيقُهُ, فقالا: إنَّا سنسهِّله لكَ, فصعدتُ، حتَّى إذا كنتُ في سواء الجبل؛ إذا بأصواتٍ شديدةٍ, فقلتُ: ما هذه الأصوات؟ قالوا: هذه عواءُ أهل النَّار. ثمَّ انطلق بي، فإذا أنا بقومٍ معلَّقين بعراقيبهم، مشقِّقةً أشداقُهم دمًا, قلتُ: مَنْ هؤلاء؟ قال: الذين يُفْطِرون قبل تَحِلَّّة صومهم))؛ رواه ابن خُزَيْمَة، وصحَّحه الأَلْبَانِيُّ كما في "صحيح الترغيب والترهيب" برقم (2393).
وأخيرًا: لا تنسونا من صالح دعائكم، والحمد لله ربِّ العالمين.(/5)
العنوان: كنوز استخباراتية صهيونية!!
رقم المقالة: 1130
صاحب المقالة: نورا الشريف
-----------------------------------------
الدردشة والتفريغ العربي على الإنترنت.. كنوز استخباراتية صهيونية!!
دأب الكيان الصهيوني منذ عهود طويلة على تجنيد العملاء لخدمة أهدافه وتحقيق أمنياته في الاستيلاء شيئاً فشيئاً على أرض المعياد دون منازع بعد إغراق شبابها خاصة وشباب العالم العربي الثالث عموماً في مستنقع الخيانة.
فلم يتوانَ لحظة عن انتهاج أحدث الأساليب والتقنيات لتجنيد العملاء؛ من بين الإغراءات المادية وتوريط أصحاب النفوس الضعيفة في علاقات مشبوهة، ومن ثمّ المساومة إما الفضيحة وإما التعاون، فيختارون التعاون وبيع الوطن والأرض بفتات بخس من الشواكل.(/1)
وأخيراً أضحى الإنترنت الوسيلة الأسرع والأنجع في تجنيد المزيد من العملاء في ظل ما يعانونه؛ من فراغ بسبب البطالة، ومن كبت بسبب عدم الفرص لتنفيذ خطوط مستقبلهم الذي كانوا قد رسموه في الطفولة وريعان الشباب، فينكبون لإفراغ آلامهم وما يعانونه من إحباط على شاشات غرف الدردشة والمنتديات التي تزخر بها الشبكة العنكبوتية، يبدأون بالتفاعل مع كل فرد على الشبكة عربياً كان أو أجنبياً، يتحدثون في الأمور الخاصة والعامة دون وعي وإدراك، يقدمون مفاتيح شخصياتهم ونقاط ضعفهم للشبكات التي تعمد إلى تجنيد العملاء دون معرفة منهم بذلك، ويفاجؤون بأنهم سقطوا بعد ذلك في الخيانة، فلا يملكون عندها إلا بيع الوطن وإمداد تلك الشبكات التابعة للمخابرات الصهيونية بما تريده من معلومات، وتدلل على ذلك حالاتُ الاغتيال الناجحة التي نفذتها دولةُ الاحتلال في حق قيادات فلسطينية بإرشاد من العملاء بدءًا من اغتيالهم علي حسن سلامة في يناير 1979م وليس انتهاءً باغتيال الشيخ أحمد ياسين، مؤسس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في 22 من مارس 2004م مروراً باغتيال الكثير من القادة الفلسطينيين، وعلى رأسهم الرجل الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية خليل الوزير أبو جهاد الذي اغتيل في السادس عشر من إبريل 1988م.
التجنيد عبر الشات:(/2)
في ظل البطالة وعدم فرص العمل لدى الآلاف المؤلفة من الشباب العربي عامة والفلسطين خاصة نظراً للظروف الاقتصادية والسياسة القاضية بتضييق الحصار والخناق على الفلسطينيين أملاً في إذلالهم وقبولهم بالمساومة على الأرض والوطن، ومع الانفتاح التكنولوجي والثورة المعلوماتية الهائلة التي شهدها العالم بفعل انتشار الشبكة العنكبوتية باتت غرفة الشات والدردشة الصديق الأوحد للشباب العربي يهربون إليها من هموم واقعهم المأسوي يبثون فيها طموحاتهم وأحلامهم عبر الحديث عنها مع كل من يطرق باب غرفة الدردشة دون وعي وإدراك بأن ذلك يكون فخًا؛ ويكون هدفهم الأول والأخير التفريغ وإشباع رغبات لا يستطيعون تحقيقها على أرض الواقع لقصر ذات اليد وعدم الفرص، ولا يعنيهم إن أنفقوا ما لديهم من موارد مادية قليلة عليها، تجدهم يتحدثون عن الجنس ظناً منهم أنه وسيلة للبعد عن الأمور السياسية فيكشفون عن خبايا نفوسهم ونقاط ضعفهم ويتحدثون عن فقرهم وأحلامهم التي ذهبت أدراج الرياح يتحدثون عن أخص خصوصياتهم دون خوف أو وجل أو خجل أو حذر، فيكونون طعماً سائغاً وصيداً سهلاً لمن امتهنوا تجنيد العملاء عبر غرف الشات والمنتديات "المخابرات الإسرائيلية".(/3)
مؤخراً كشفت مجلة "لوماجازين ديسراييل" اليهودية والتي تصدر في فرنسا أن المخابرات الإسرائيلية والأمريكية تعمد إلى تجنيد عملائها عبر الإنترنت من خلال تحليل حوارات الدردشة التي يتبادلها الشبابُ العربي لساعات طويلة عبر الإنترنت والتي غالباً ما يصفها الشباب أنفسهم بأنها أمور تافهة وغير مهمة إلا أنها في حقيقة الأمر لدى الخبراء النفسيين تساعد على قراءة السلوك العربي وخاصة سلوك الشباب الذي يمثل أكثر من 70% من سكان الوطن العربي فتحدد المداخل التي تمكّن المخابرات الإسرائيلية من استقطابه لخدمة أهدافها دون أن يشعر بذلك إلا بعد التورط والوقوع في مستنقع الخيانة فلا يكون لديه مناص من الاستمرار في التعامل مقابل ثمن بخس لا يغني عن ذرة من تراب الوطن أو قطرة من دماء شهداء المقاومة الأحرار.
البداية:(/4)
في عام 1998م جاء ضابط المخابرات الإسرائيلي "موشي أهارون" - والذي وقف وراء الكثير من عمليات اغتيال القادة والشخصيات الفلسطينية في نيروبي وساحل العاج وتركيا وتونس ويوغسلافيا وإسبانيا وإيطاليا- إلى مقر وكالة الاستخبارات الأمريكية يقدم لها الحقائق (اللوجستيكية) الخاصة بالدول المارقة -كما تنعتها إدارة البيت الأبيض- والتي اعتادت المخابرات الإسرائيلية تقديمها للأمريكان، لكن الأمر لم يقتصر على ذلك فقط بل تعداه إلى محاولته إيجاد الدعم (اللوجستيكي) غير المعلوماتي المادي لتأسيس مكتب مخابراتي ثابت ومتحرك عبر الإنترنت، وتشير الصحيفة إلى أن الفكرة في بداية الأمر بدت غريبة إلا أنها مثيرة للاهتمام للأمريكان، واشترطوا أن يكونوا ضمن الشبكة، ولم يكن من المخابرات الإسرائيلية إلا الموافقة لأسباب مادية أولاً إذ إنها لم تكن قادرة على ضمان نجاح التجربة في ظل عدم المساعدة الأمريكية في توفير الأقمار الصناعية والمواقع البريدية التي تخدم الشات والدردشة بكل مجالاتها وتفرعاتها والتي هي الملهى والموطن الأساسي للشباب العربي المحبط في قارات العالم الخامس.
الكشف والتنفيذ:
ظل أمر المكتب طي الكتمان والسرية حتى عام 2001م تحديداً في شهر مايو؛ إذ أشارت جريدة التايمز إلى وجود شبكة مخابرات تعمل على جمع أكبر عدد من العملاء العرب عبر الإنترنت ومن ثمّ تجنيدهم واستغلالهم في الحصول على معلومات في غاية الأهمية تساعدها في تحقيق أهدافها بحلم "إسرائيل الكبرى" وأعلن في العام نفسه فعلياً عن تأسيس "مكتب المخابرات عبر الإنترنت" بقيادة ضباط من المخابرات الإسرائيلية ترأسهم موشي أهارون.
ما نشرته الصحيفة أثار جدلاً وامتعاضاً من السفارة الإسرائيلية في فرنسا وعبّر السفير الإسرائيلي في فرنسا عن امتعاضه وغضبه قائلاً: إن المجلة اليهودية كشفت أسراراً لا يحق لها أن تكشفها في حين ردت الصحيفة بأن ما نشرته يأتي في إطار الحق في المعرفة.(/5)
وفي الوقت نفسه نشرت جريدة اللومند الفرنسية أيضاً في السابع والعشرين من مايو 2002م ملفاً آخرَ عن حرب الإنترنت، مؤكدة وجودها منذ عشرات السنين، وأنها فقط توسعت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م فأضحت حرباً تدميرية تهدف إلى احتكار سوق الإنترنت من خلال مجموعة من المواقع الإلكترونية التي طفت إلى السطح بعد ذلك التاريخ، وأكدت الصحيفة أن ما يزيد عن 58% من المواقع تلك كانت فروعاً من أجهزة الاستخبارات للدول الأوروبية والعالمية كالولايات المتحدة وإسرائيل أولاً ومن ثم بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، ومن ثمّ توالى الكشف عن مواقع الإنترنت التي أطلقها رجال في الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية فكان أدون وردان صاحب الاسم اللامع في المخابرات الإسرائيلية في الداخل والخارج هو ذاته دانيال دوميليو صاحب موقع شباب حر الذي أطلق في العام 2003م وبمجرد الإعلان عن انطلاقته زاره أكثر من عشرة ملايين زائر من مختلف أقطار العالم إلا أنه توقف بعدما كشفته صحيفة الصنداي.
آلية التجنيد:
تقوم أجهزة المخابرات الإسرائيلية بمساعدة خبراء نفسيين؛ يقرؤون الشخصيات ويحللون سلوكياتهم واحتياجاتهم باستقطاب أصحاب النفوس الضعيفة منهم للعمل معها في مستنقع الخيانة أملاً في تحقيق حلم "إسرائيل الكبرى".(/6)
البداية تجيء من أن الشاب العربي المحبط من كافة الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية حوله يجد عبر غرف الشات والدردشات من يسمعه ويتحاور معه ويصغي إليه باهتمام ولا يعلم أن إصغاءه بهدف الحصول على معلومات دقيقة عن نفسيته تمكنهم مستقبلاً من تجنيده عميلاً محققاً لأهدافهم بائعاً لأهله ووطنه، يعطي الشاب كل ما لديه ويتحدث في أمور كثيرة وخاصة جداً ظناً منه أنه بذلك يبتعد عن بوتقة السياسة إلا أنه يقع فيها، والجدير بالذكر أن المخابرات الإسرائيلية تسعى جاهدة في هذه المواقع إلى توظيف ضباط نساء في هذه المهمة نظراً لأن الطلب عليهن أكبر في العالم الثالث ومنطقة الشرق الأوسط وفقاً للصحيفة، ناهيك عن أن الشباب عامةً مندفع لتعرف الجنس اللطيف في الغالب.
وفي السياق نفسه يشير جيرالد نيرو صاحب كتاب "مخاطر الإنترنت" الذي يعمل أستاذا بكلية علم النفس في جامعة بروفانس الفرنسية أن شبكة مخابرات الإنترنت التي يديرها مختصون نفسانيون إسرائيليون تعمد إلى استقطاب الشباب في دول محور الصراع العربي الفلسطيني ودول المحور الجنوب الأمريكي؛ إذ تمنحهم مساحة من الحوار الذي غالباً ما يفتقدونه في حياتهم اليومية فيتحدثون بطلاقة أكثر خاصة إذا ما استعملوا أسماءً مستعارة تتيح لهم حرية أوسع في الحوار، ناهيك عن أن الشباب غالباً ما تستقطبهم هذه المواقع بحثاً عن الجنس اللطيف للحوار فتكون المسألة سهلة لضباط المخابرات الإسرائيلية الذين يقومون بأدوارهم في غرف الدردشة؛ فيتم تجنيد العملاء انطلاقاً من الحوارات الخاصة في غرف الدردشة التي تشمل عادةً الحديث عن الصور الإباحية والجنس بحيث يسعى رجل المخابرات هنا إلى الإيقاع بذلك الشخص ودمجه في عالم العميل.(/7)
وترى د.مارى سيجال -إخصائية اجتماعية مختصة فى السلوك البشرى بجامعة (لوروا) ببلجيكا- أن مخابرات الإنترنت مصطلح جديد برغم وجوده حقيقة واقعية قبل غزو العراق حيث عمد الأمريكان إلى قراءة الشخصية العراقية من خلال الإنترنت وذلك باستقطاب أكبر عدد من العراقيين لدراسة شخصيتهم قبل البدء بغزو العراق، مبينةً أن استقطاب المعلومات لم يعد أمراً معقداً؛ فالعميل الآن أصبح جاهزاً يمكن إيجاده على الخط بدلاً من تجنيده بشكل مباشر وتضيف: "يمكن أيضاً تبادل المعلومات معه والكشف عن خفاياه وأسراره الخاصة والعامة بطريقة غير مباشرة، مؤكدة أن ضابط المخابرات الإسرائيلى الأمريكى وليام سميث -الذى عمل خلال الحرب الباردة ضمن فرقة المخابرات المعلوماتية- استطاع تجنيد شبان عاطلين عن العمل في أمريكا اللاتينية بكتابة تقارير عن الأوضاع السائدة في بلدانهم فكانت في غاية الأهمية والخطورة واستفاد منها استفادة كبيرة.(/8)
العنوان: كيف تؤدي الامتحان؟؟ أسرار تهمك!
رقم المقالة: 941
صاحب المقالة: خاص: الألوكة
-----------------------------------------
يتساءل كثير من الطلاب عن الطريقة الصحيحة في تأدية الامتحانات؛ ليتجنبوا الصعوبات التي قد تواجههم فيها - كسيطرة الخوف، وتحكم القلق، واضطراب الثقة في النفس - التي قد تؤدي -لا سمح الله- إلى اهتزاز الذاكرة، وفقدان المعلومات في وقت هم في أشد الحاجة إليها (عند الامتحانات)، وهو ما قد يسبب الفشلَ والرسوب، الذي بالإمكان تفاديه..
لهذا وغيره؛ فإنه ينبغي للطالب - مهما كان مستواه - أن يراعي نصائح الخبراء والمتخصصين، ويجعلها نُصبَ عينيه، لا سيما تلك المتعلقة بيوم الامتحان!
ليلة الامتحان:
من أهم ما يحتاجه الطالب الممتَحن هذه الليلةَ: هو الراحةُ النفسية والبدنية؛ ليستطيع الإجابة المرجوة في اليوم التالي (يوم الامتحان).
وفي هذه الليلة يقدم الخبراء التربيون، لكل طالبٍ مُقْدِمٍ على الامتحان؛ نصائحَ مهمة جداً، منها ما يلي:
1- التغذية السليمة في هذه الليلة: بتناول الأطعمة الجيدة، غير الدسمة أو صعبة الهضم؛ التي تربك الجهاز الهضمي، فتفسد على الطالب ليلتَه ويومه، فتتأثر بذلك إجابته.
2- النوم مبكراً، وعدم الإفراط في المذاكرة: لأن كثرة المذاكرة في هذه الليلة تجهد الذهن، وتضر بالتذكر! فعلى الطالب أن يكتفي في هذه الليلة بالمراجعة الخفيفة للمادة.
3- تجنب القلق: الذي يؤثر على أعصاب الطالب، فتجعله يرتبك ويفقد التركيز، وسرعان ما يتحول هذا القلق إلى خوف ورهبة؛ تشُلُّ قدرةَ الطالب على الفهم والحفظ والتذكر، كما تضعف شهيته؛ فيصاب بالوهن وسوء التغذية.
وعلاج ذلك: التوكلُ على الله، ثم الاهتمام بالمذاكرة، والاستعداد الدائم للامتحانات، والثقة بالنفس؛ التي هي مفتاح تذكر المعلومات.
4- تجنب المنبِّهات والمنوِّمات: لأن تأثيرها ضارٌّ، قد يؤدي إلى الفشل.(/1)
5- تأكد من برنامج الامتحان: وزمانه، ومكانه.
6- جهز ما يلزمك من أدوات الكتابة: مثل الأقلام، والمسطرة، وغيرها.
7- اضبط جرس المنبه على الوقت المناسب للاستيقاظ.
8- حاول أن تنام مدة ثماني ساعات تقريباً.
يوم الامتحان:
1- الاستيقاظ مبكراً؛ حتى تعطي نفسك فرصة الاغتسال، وارتداء ملابسك.
2- أداء صلاة الفجر في جماعة.
3- تناول طعام الإفطار الجيد؛ حتى لا تتعرض لانخفاض مستوى السكر في الدم، وما يترتب عليه من الشعور بالدوران أو الإغماء.
4- استعراض الخطوط العامة للمادة التي ستمتحن فيها.
5- الذهاب إلى مكان الامتحان قبل موعده؛ تحسباً لأي طارئ يطرأ في الطريق.
6- دعاء الخروج من المنزل؛ كما في حديث أنس -رضي الله عنه- أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:
((إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ: "بِسْمِ اللهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ، لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ"؛ يُقَالُ لَهُ: حَسْبُكَ! هُدِيتَ، وَكُفِيتَ، وَوُقِيتَ! وَتَنَحَّى عَنْهُ الشَّيْطَانُ)). رواه الترمذي وحسنه.
7- لا تنسَ أن تأخذ ساعتك معك، وكذلك أدوات الامتحان!
8- لا تتحدث مع أي زميل لك عن الامتحان؛ لأن ذلك يشتت انتباهك، وقد يعرضك لسماع شيء لا تعرفه؛ فتفقد ثقتك بنفسك.
أثناء الامتحان:
1- اجلس على مقعد الامتحان، وأنت هادئٌ مطمئنٌ رابطُ الجأش.
2- بعد استلام ورقة الإجابة: ابدأ بالبسملة، ثم اكتب البيانات المطلوبة على ورقة الإجابة، وهي عادةً: الاسمُ، واسمُ المادة، وغير ذلك..
3- اقرأ – بدقة - التعليماتِ في أعلى ورقة الأسئلة، ثم اقرأ الأسئلة كلَّها أولاً، وافهمها جيداً.
4- ابدأ بالسؤال السهل، وأجِّل السؤال الصعب!
5- وَزِّع الوقت على الأسئلة بالتساوي؛ إذا كانت الأسئلة متساوية الدرجات، أما إذا كانت الأسئلة غير متساوية الدرجات؛ فأعط السؤال ذا الدرجات الأكثر وقتاً أكبر.(/2)
6- حدد العناصر التي تتطلبها الإجابة عن السؤال قبل البدء بها، ثم أبرز هذه العناصر، وميزها عند شرحها.
7- إذا كانت الإجابة تتكون من عدة عناصر، ونسيت واحداً منها أو أكثر ،فاترك أسطراً فارغةً لهذا العنصر أو غيره، فإذا ما تذكرته كتبته في مكانه.
8- لتكن إجابتك مُباشِرةً، في صلب الموضوع، بخط واضح جميل، ولتكن الورقة نظيفةً خالية من الشطب والكشط.
9- احرص على الإجابة عن السؤال في حدود الوقت المحدد له.
10- راجع إجابتَك قبل تسليم الورقة؛ لأن تقويمك سيكون على دقة الإجابة وصحتها، ليس على السرعة فيها.
11- لا تهتمَّ بالطلاب من حولك، ولا تقلق إذا رأيتهم يكتبون أكثر منك!
12- لا تخرج قبل انتهاء وقت الامتحان، واستفد من وقتك في المراجعة.
أسئلة الامتحان:
كثير من الطلاب يجانبهم التوفيقُ في الإجابة؛ لأنهم لا يفهمون معنى السؤال، ويحيدون عن الإجابة الصحيحة!
ومما يساعدك على فهم المقصود من السؤال جيداً: تمييزُك للطريقة التي تصاغ بها الأسئلة.. فقد يكون السؤال مباشِراً، أو غير مباشِر، وقد يكون متعدد الجوانب، وقد يكون مغلقاً.. ولتوضيح طريقة الأسئلة ومقاصدها؛ إليك التالي:
أ- السؤال المباشر:
وهو عادة يبدأ بفعل أمر؛ مثل: (وَضِّحْ)، و(اشْرَحُ). ومعظم أسئلة الامتحان تكون على هذه الصورة المباشرة.
ومن هذه الأفعال:
1- (اشرح) أو (وضح): وهنا تتطلب الإجابة تفسيراً شاملاً للموضوع، مع بيان بعض الأمثلة.
2- (فسر): وهذا يعني شرحَ المعاني الجزئية والكلية للموضوع، وتفسيرَه تفسيراً دقيقاّ واضحاً.
3- (قارن): وهذا يعني عرضَ أوجه الشبه والاختلاف، والموازنة بينها.
4- (انقد): أي: اعرِضْ المحاسنَ والأضداد للموضوع، وأَبْدِ رأيَك، مع تأييده بمناقشة الأدلة أو البراهين.
5- (حدد): أي: حددْ المعنى الدقيق للموضوع.
6- (علل): أي: قدِّمْ الأسبابَ، وبين العلل، واشرح الاعتبارات؛ التي قام على أساسها القرار.
7- (لخص): أي: اكتب بإيجاز.(/3)
8- (اذكر): أي: اذكر أهم ما تعرفه عن الموضوع، بإيجاز، ووضوح، وترابط.
ب- السؤال غير المباشر:
وغالباً ما يأتي على صورة مثيرة، غير مباشرة، والإجابة عنه تكون على صورة غير مباشرة كذلك.
ج- السؤال متعدد الجوانب:
عليك -عند الإجابة عن مثل هذا السؤال- أن تحدد مقصد كل جانب منه، وتجيب عنه على حدة.
د- السؤال المغلق:
وهو سؤال عادي يعتريه التمويه؛ فينبغي التفكير في المعنى بدقة وذكاء.
عند التصحيح.. إلى ماذا ينظر المصحح؟؟
بالإضافة إلى التنسيق والترتيب والخط الجميل؛ ينظر المصحح إلى مجموعة عناصر، من أهمها:
- فهم الطالب: ومستوى هذا الفهم عند إجابته.
- التحليل: أي: مدى قدرة الطالب على التحليل العميق في إجابته.
- الصلة: أي: صلة الإجابة بالسؤال؛ فلا بد أن تكون الإجابة في صلب المقصود، وتتصل به اتصالاً وثيقاً دقيقاً.
- التعبير: أي: مدى قدرة الطالب على التعبير عن أفكاره ومعلوماته، بصفاء ووضوح، دون إطالةٍ تُمَلُّ، أو إيجازٍ يُخِلُّ.
وفي ضوء هذه العناصر وغيرها؛ يحدِّد ويقرِّر المصححُ الدرجة التي يستحقها الطالب.
وفقنا الله وإياكم إلى ما يحب ويرضى.(/4)
العنوان: كيف تتجنبين الغضب؟
رقم المقالة: 518
صاحب المقالة: د. إيمان الرواف
-----------------------------------------
وصف الإمام الغزالي الشخص الغاضب بالثور الذي لا يُملك زمامه، وقال: "أما أثره على الأعضاء فالضرب باليد، والرفس بالرجل، والمناصاة بالجبهة، والتهجم على المغضوب عليه والتمزيق لثوبه، والقتل، والجرح عند التمكن منه من غير مبالاة، فإن هرب منه المغضوب عليه اختفى من عينه أو فاته، وعجز عن التشفي منه رجع على نفسه فيمزق ثوب نفسه، ويلطم نفسه، وقد يضرب بيده على الأرض، ويعدو عدو السكران، وربما سقط صريعاً على الأرض لا يطيق العدو والنهوض لشدة الغضب، ويعتريه مثل الغشية، وربما يضرب الجمادات والحيوانات فيضرب القصعة مثلاً على الأرض فيكسرها، وقد يكسر المائدة برجله , أو يفعل أفعال المجانين فيشتم البهيمة ويخاطبها ويسبها كأنه يخاطب عاقلاً، وربما رفسته دابة فيرفس الدابة كما رفسته ويقابلها بذلك، وربما قابلها بعصاً أو سلاح ليشفي غيظه".
في حالة الغضب وفي جميع حالات الانفعال الشديد، يتعطل التفكير. ولذلك كثيراً ما يندم الإنسان على ما يصدر عنه أثناء الغضب من أقوال وأفعال. ولهذا السبب كان الرسول- صلى الله عليه وسلم- ينصح أصحابه بعدم إصدار أحكام هامة أثناء الغضب.
فعن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: " لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان ".
وبسبب تعطيل التفكير السليم أثناء الغضب قال الرسول- صلى الله وعليه وسلم- إن الطلاق لا يقع إذا نطق به الرجل وهو في حالة غضب شديد، فعن عائشة أن الرسول- صلى الله وعليه وسلم- قال: ((لا طلاق ولا عتاق في إغلاق)). والإغلاق هو الغضب الشديد الذي يعطل التفكير.
أقسام الغضب(/1)
قسم النبي - صلى الله عليه وسلم- الناس حسب الاستثارة التي تحدث في حالة الغضب، فقال: ((يكون الرجل سريع الغضب قريب الفيئة فهذه بهذه، ويكون بطيء الغضب بطيء الفيئة فهذه بهذه، فخيرهم بطيء الغضب سريع الفيئة، وشرهم سريع الغضب بطيء الفيئة...)) [مسند أحمد]، ويكشف الحديث عن الفروق بين الناس في استثارة انفعال الغضب، وصنف الناس بالنسبة لذلك إلى ثلاثة أصناف:
- بطيء الغضب؛ لا يغضب إلا نادراً، وإذا غضب فإنه يرجع عن غضبه ويعود هدوءه سريعاً، فهو حليم الطبع، وهذا هو أفضل الأنواع.
- سريع الغضب؛ يغضب لأتفه الأسباب، ولكنه سريع الرجوع عن الغضب وسريع العودة إلى هدوئه، فهو مع سرعة غضبه طيب النفس.
- سريع الغضب، وإذا غضب يستمر في غضبه ولا يرجع عنه بسهولة، ولا يعود إلى هدوئه إلا بعد زمن طويل وهذا هو أسوأ الناس.
المحمود والمذموم
كان الرسول - صلى الله وعليه وسلم - لا يغضب لشخصه وإنما يغضب للحق وإذا اجتُرِئ على حد من حدود الله. قال علي - رضي الله عنه-: ((كان رسول الله - صلى الله وعليه وسلم- لا يغضب للدنيا، فإذا أغضبه الحق لم يعرفه أحد، ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له)).
والغضب هو غليان دم القلب إرادةً للانتقام، فإن كان هذا الغليان لله -تعالى- ولدين الله كان هذا الغضب محموداً، وإن كان للنفس أو الهوى أو الدنيا كان هذا الغضب مذموماً، وإن كان الانتقام لله ولدين الله كان هذا الغضب محموداً مأموراً به، وإن كان الانتقام للنفس والهوى كان هذا الغضب مذموماً مأموراً بتركه، ففي الصحيح (ما انتقم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لنفسه إلا أن تنتهك محارم الله).
غاضبون وغاضبات
المرأة تشعر بالغضب، وقد تُظهِر غضبها وتثور، وهذا قد يعرضها للإصابة ببعض الاضطرابات النفسية، أو تقوم بكبت غضبها وإخفائه وتحويله إلى الداخل وهو ما يعرضها للاكتئاب.
أما غضب الرجل فيكون عادة مصحوباً بالعنف اللفظي والجسدي على النقيض من المرأة.(/2)
ثم إن غضب المرأة يحتاج إلى الاهتمام به والانتباه إليه، لأنه يساعدها في تحسين علاقاتها وتصحيح بعض الأخطاء في حياتها، لذا يمكن التعبير عنه بصورة سليمة بحيث يستمع الآخرون لغضبها. وربما لا يكون هذا ما سمعته المرأة أثناء تربيتها ففي الغالب كان يقال لها: (لا تغضبي)، وفي السابق كانت المرأة التي تغضب توصَف بعدم الأنوثة وبسمات بعيدة عن المدح والثناء، وبأنها ليست عقلانية. فيما كان من الطبيعي أن يشعر الرجل بالغضب ويعبر عنه. ولهذا كانت تعبر المرأة عن غضبها بصورة غير مباشرة عن طريق كتمانه، ولكن تجاهل الشعور الحقيقي للمرأة، وآمالها، وأحلامها، ومتطلباتها يؤدي إلى تراكم الغضب وهذا ما يؤدي في النهاية إلى خروجه سواء أرادت ذلك أم لا.
إن غضب المرأة يعتمد على تأثير الأسرة والثقافة والخلفية العرقية والعادات والمكانة الاجتماعية. وقد يكون السبب في غضب المرأة أيضاً أحد العوامل التالية:
- الضعف: عندما تكون المرأة غير قادرة على تغيير شخص ما أو شيء ما، أو عندما لا يسمعها الآخرون.
- المعاملة السيئة أو الظلم: عندما تعامَل المرأة بظلم أو باحتقار، أو عندما تصاب بالإحباط في تعاملها مع الآخرين كالزوج أو الصديقات.
- عدم المسؤولية: عندما يفشل الآخرون في تحمل المسؤولية الملقاة على عاتقهم.
- يصبح الزوج أحد أسباب غضب المرأة عندما يكون غيرَ متعاون في تربية الأولاد، ويرمي أغلب الحِمل على الأم، ثم إن كثرة اللوم بين الزوجين تؤثر كثيراً في دعم كل منهما للآخر.
- كشفت إحدى الدراسات أن الأمهات يبدين غضباً أكثر من الآباء، ومع كل طفل جديد يتزايد الغضب، وبالنسبة إلى المستوى الاقتصادي (دخل الأسرة) فإن وجود أطفال في الأسرة يزيد من المتطلبات الاقتصادية مع زيادة مشاعر الغضب لدى الوالدَين.
آثار الغضب(/3)
ثبت علمياً أن هناك ارتباطاً بين الغضب والأمراض الجسمية والنفسية كأمراض القلب، والبدانة، والصداع النصفي، والقرحة، وانخفاض تقدير الذات، والاكتئاب، وضعف العلاقات الشخصية، والاعتداء على الأطفال، وسوء العلاقات الزوجية، والطلاق، وإدمان الكحول والمخدرات، وضعف إنتاجية العمل، والضيق المستمر. ويؤدي التعبير عن الغضب بالفرد إلى تقديرات سلبية من قبَل الآخرين وإلى مفهوم سلبي للذات. ويقود إلى عدم احترام الآخرين للشخص.
ويشير الباحثون إلى أن للغضب غير المعبَّر عنه (المكبوت) آثاراً سيئة في الفرد، فهو يثير عدداً من الاضطرابات الجسمية كأمراض ضغط الدم، وأمراض القلب والأوعية الدموية كتصلب الشريان التاجي، والأمراض السرطانية، والقرحة، والقولون، والصداع النفسي.
ثم إن التعبير عن الغضب – وبالأخص الغضب المصاحَب بالعدوان اللفظي والجسدي- يكون مؤلماً للجسد والعقل والروح.
علينا فهم ما وراء الغضب من مشاعر. لأن الغضب عادة يعبر عن وجود مشكلة، وعدم التعبير عن الغضب لا يعالج المشكلة، فالتعبير عن الغضب بطريقة صحية يساعد في عملية العلاج أو حل المشكلة.
أما أبرز الآثار العضوية الناجمة عن الغضب فتتمثل في:
- الصداع أو الدوار: يُنتج الدماغ (الأدرينالين) الذي يسبب السرعة في العمليات، وإذالم تصل الكمية اللازمة من (الأكسجين) إلى الدماغ فقد يؤدي هذا إلى الإغماء أو الخلط.
- جفاف الفم: إنتاج اللعاب متطلب للهضم، ولما كان الهضم يتباطأ خلال الإثارة فإن اللعاب يصبح غير ضروري، ومن ثم لا ينتج.
- تنفس بطيء أو سريع أو سطحي، أو الشعور بوخز خفيف أو آلام الصدر أو عدم القدرة على التنفس: تقوم الرئتان بتزويد الدم بالمزيد من (الأكسجين) وهو ما يؤدي إلى سرعة التنفس. إلا أن خفض (الأكسجين) يسبب التنفس غير العميق.
- زيادة ضغط الدم: زيادة ضربات القلب أو الخفقان، يؤدي إلى ضخ المزيد من الدم إلى أنحاء الجسم محملاًً بالأكسجين لإنتاج الطاقة.(/4)
الهضم: تتباطأ عملية الهضم حيث إنها وظيفة غير أساسية، وقد يحدث غثيان.
- رؤية مشتتة: يتسع (البؤبؤ) ليسمح بدخول المزيد من الضوء للمساعدة في التركيز على الخطر. وتصبح أي مشتقات أخرى للنظر أقل وضوحاً.
- الشد العضلي للأكتاف وآلام الرقبة والظهر والرأس: تتقلَّص العضلات الكبيرة استعداداً للتعرف بهذا التوتر وهذا قد يسبب الألم وعدم الارتياح.
- الاحمرار والتعرُّق: يحتاج الجسم إلى التخلص من الحرارة الناتجة عن إنتاج الطاقة في الأوعية الشعرية الموجودة تحت الجلد وإفراز العرق من خلال مسام الجلد.
- الارتجاف: الحامض اللبني هو منتج ثانوي (مثل الحرارة) للطاقة، وإذا بقي في العضلات فإنه يصل كمادة سامة تسبب التقلص أو تشنُّج العضلات.
نحو العلاج
هناك العديد من الطرق الإسلامية لعلاج الغضب وهي موجودة في النظريات والتطبيقات الحديثة..
أولاً: الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم..
وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على الاستعاذة من الشيطان عند الغضب، فقد ثبت في الصحيح أنه استبَّ رجلان عند النبي - صلى الله عليه وسلم-، وأحدهما يسب صاحبه مغضباً، قد احمرَّ وجهه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد: لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)).
ثانياً: تغيير الحال، ويقابله الاسترخاء في النظريات الحديثة.
فعن أبي ذر أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع)) (مسند أحمد).
ثالثاً: الوضوء، ويقابله في النظريات الحديثة الاستحمام.
فعن عروة بن محمد بن السعدي أن الرسول - صلى الله عليه وسلم-قال: ((إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خُلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ)) (مسند أحمد).
رابعاً: السكوت، ويقابله نفس الشيء في النظريات الحديثة، حيث من الممكن للشخص الغاضب مغادرة المكان حتى يهدأ.(/5)
عن ابن عباس عن النبي- صلى الله وعليه وسلم- أنه قال: ((علموا ويسروا ولا تعسروا، وإذا غضب أحدكم فليسكت)) (مسند أحمد).
خامساً: الانصراف بالتفكير عن الأمر الذي أثار الغضب، ومن الممكن القيام بمجهود بدني لتبديد الطاقة البدنية والاضطراب العضلي اللذين أثارهما الانفعال.
كيف تتجنبين الغضب؟
ليس من الممكن تغيير الشخص بين يوم وليلة لأننا بشر، ولأن تصرفاته وطريقة تعبيره عن الغضب جاءت نتيجة سنوات عدة، فإن تغييرها يتطلَّب مدة طويلة.
وهناك عدد من المبادئ الأساسية للتحكم في الغضب قد تساعد الشخص على فهم غضبه:
- العدوان سلوك مكتسب ممكن تغييره. فبالرغم من ولادتنا مع عدوان متوقع فإننا مع النمو والنضج نتعلم طرقاً مختلفة للسلوك غير العدواني.
- معتقداتنا تؤثر في الطرق التي نفهم بها الآخرين ومواقفنا معهم. فعلى سبيل المثال الاعتقاد بأن الحياة يجب أن تكون دائماً عادلة يقود إلى الإحباط وخيبة الأمل، في حين معرفة أن الحياة ليست عادلة دائماً يعطينا نظرة أفضل لها.
- ما نشعر به يمكن أن يؤثر في طريقة تفكيرنا وسلوكنا، فالمشاعر الإيجابية والسلبية شيء موجود لدينا جميعاً، لكن الدرجة التي نجرب بها هذه المشاعر تؤثر في نظرتنا وفهمنا للموقف ومن ثم ردود أفعالنا. لذا فإن تعلم كيفية التغلب الذاتي على الطبيعة القوية لهذه المشاعر أو أي طرق أخرى لتخفيف آثارها يمكن أن يساعدنا على التحكم في سلوكنا.
- إن للغضب جانباً فسيولوجياً، والمعرفة المتزايدة لردة الفعل الجسدية يمكن أن تُستخدم منبِّهاً مبكراً ليساعدك على الهدوء.
- عادة ما يؤدي العدوان إلى نتائج سلبية لنا وللآخرين، ومعرفة النتائج السلبية للعدوان يدعم ويساعد على فهم فكرة أنه من الأفضل دائماً التحكم في الغضب. فالتحكم بعدوانك يؤدي إلى علاقات أفضل، وزيادة الثقة بالنفس، ونتائج إيجابية أكثر بوجه عام.(/6)
- إن فقد التحكم يكون عادة نتيجة لمثيرات صغيرة متراكمة لم يتعامل أحد بها.فالضغوط الموقفية مثل (الهموم المالية)، والضغوط الداخلية مثل (التوقعات المرتفعة عن النفس)، والصعوبات الشخصية مثل (مشاكل العلاقات) يمكن أن تعمل معاً لخلق ردة فعل عدوانية خارجة نسبياً عن الموقف الحقيقي.
- إن عدم التوازن في طريقة حياتك يزيد من احتمال سلوكك العدواني. فاتخاذ طريقة حياة متوازنة وصحية والاهتمام بالنفس واحتياجاتها يجعل الحياة ممتعة أكثر.
يمكن أن يكون للغضب مشاعر إيجابية وباعثة للقوة إذا استُخدم بطريقة بنَّاءة وفعَّالة. فالغضب هو ردة فعل طبيعية يمر بها أي شخص من وقت إلى آخر.
والهدف من التحكم الفعَّال في الغضب ليس إلغاء الغضب تماماً، ولكن إحسان إدخاله في السلوك بطريقة إيجابيَّة غير هدَّامة.(/7)
العنوان: كيف تتخلص من التسويف؟
رقم المقالة: 1120
صاحب المقالة: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
(سعيد) شاب مجتهد, لديه الكثيرُ من المهارات والقدرات الذهنية المميزة. قضى (سعيد) مدة الجامعة وما بعدها في حياة مستقرة، لكنها خالية من الإنتاج والتميز.. كان الجميعُ متعجبين من ضعف إنتاجه برغم ذكائه الذي لا يخفى على أحد.
لم يكن (سعيد) غافلاً عن مشكلته, ولذا قصد المساعدة من أحد المتخصصين: "تعرف يا دكتور.. مشكلتي أن لدي الكثير من الأفكار الذكية حول مشاريع واعدة ومبشرة, ولكنها عادةً ما تنتهي إلى مجاهلِ الإهمال والتناسي بسبب (التسويف), فأنا أؤجّل عملَ كل شيء إلى اللحظة الأخيرة، ثم أتغاضى عنه ويذهب مع الريح. لقد فقدتُ بسبب ذلك فرصاً كثيرة".
عندما تأملتُ في شكوى (سعيد) وجدتُها شائعة بين المميزين من الناس (وليس العاديين منهم!!) ممن ينتظِرُ منهم المجتمعُ الإبداعَ والمعونة. تعالَوْا خلال السطور القليلة التالية نستكشف كيف نتعامل مع التسويف؟
تعريف التسويف:
التسويف هو: اتخاذ قرار بتأخير عمل ما أو البتّ في أمر ما عمداً. عندما نلجأ للتسويف فإننا إما أن نُرجئَ العملَ إلى وقت ما في المستقبل؛ "سأزور صديقي يوما ما", أو أن يحين الوقتُ المحدد مسبقاً دون إنجاز العمل؛ "كنت سأبدأ بالكتابة هذا اليوم لولا أن أصدقائي أغروني بالخروج, فخرجت معهم وضاع الوقت". وبتعبير آخر: هو تأخيرُ عملِ ما كنتَ ترى أن إنجازَه كان ضروريا.
الدوافع الخفية للتسويف:
على الرغم من أن تأخيرَ بعض الأعمال لتكوين صورة أفضل عنها أو جمع معلومات أكثر أمرٌ ممدوح, لكني متيقن أنك تتذكرُ الكثيرَ من الأعمال أو القرارات التي عملت على تأخيرها دون سبب مقنع. والواقعُ أن قيامنا بهذا الفعل يُخفي خلفه أسباباً كثيرة, سيساعدك التعرف لها في كشفها ومقاومتها في المرة القادمة عندما تقع في حبال التسويف:
أولا: القلق:(/1)
حيث التسويفُ وتأخيرُ العمل سيحميك من القلق حول ظهور العمل بصورة غير مرضية، ومن ثم شعورك بالإخفاق وضعف الثقة بالنفس. وهذا ما يتكرر حدوثه لدى بعض الطلاب؛ إذ يتأخرون في البت في إعداد بحث التخرج مثلاً, ويقضون أوقاتهم عبثاً هنا وهناك لتلافي البداية التي قد تكشف عن ضعف فكرة المشروع أو قلة أهميته.
ثانيا: ضعف تحمل الإحباط:
يمتلك الكثير من الناس عتبة منخفضة لتحمل أي شعور سلبي أو إحباط أو ملل عندما يواجهون أي عقبة في أثناء قيامهم بعمل ما, ومن ثم فهم يستسلمون مباشرة ويلجئون للتسويف والمماطلة. فالمدخن الذي يقرر ترك التدخين يشعر في الأيام الأولى ببعض التغيرات المزعجة؛ مثل القلق والتوتر والغضب السريع (أعراض انسحابية)، وحينها يقررُ مباشرةً العودةَ إلى التدخين, وتأجيل فكرة الإقلاع إلى أجل غير مسمى.
والمشكلة أننا نشعر بالراحة والسعادة بسبب تأخير أي عمل يسبب لنا إزعاجا أو مضايقة, مع أن المشكلة تتضخم من حيث لا نشعر..!!
ثالثا: إبداء الاحتجاج والغضب:
قد نلجأ للتسويف وتأخير إنجاز عمل مهم كتعبير عن غضبنا تجاه شخص آخر؛ فقد تلح عليك زوجتُك أن تقوم ببعض الإصلاحات في المنزل مما يشعرك بالغضب والتضايق وتقرر أن تؤجلها؛ "حتى ترى مع من تتكلم!". وبالمثل يطلب منك رئيسُك في العمل القيامَ بمهمة إضافية فتثور ثائرتك؛ "هل يظن أني خادم لديه. سوف أريه!"، فتقرر تأجيل العمل فيغضب رئيسك، ويقدم عنك تقريراً سيئاً يحرمك من الترقية في السنة التالية..!!
قال أحدهم: ((التسويفُ هو القبر الذي نواري فيه أحلامَنا وطموحاتِنا والفرص النادرة في حياتنا..)).
عبارات شائعة لتسويغ التسويف:
- ما زلتُ أتهيأ للانتظام في العمل.(/2)
كثيرا ما نؤخرُ الابتداء بمشروع ما بحجة أننا نهيئ (مزاجنا) للدخول في جو العمل. حيث نجلس على الكرسي لمدة طويلة, ونقضي الوقت في الشرود, ومحاكاة النفس, وهكذا يمضي الوقت دون أي إنجاز. تذكر أن الوقوف على عتبة العمل لن يساعدك على إتمامه, بل إن الولوج فيه ومقارعته هو ما سيمنحك القدرة والهمة والحماس.
- أحب أن أترك العمل إلى آخر لحظة..
حيث يعتقد بعض المسوّفين أن أفضل أدائهم يكون في أثناء شعورهم بالضغط النفسي في اللحظات الأخيرة. ولك أن توازن بين عملين أنجزت أحدهما على عجل في اللحظات الأخيرة, وآخر أنجزته في وقت مبكر, وسترى قدر الإتقان الذي يمنحه الإنجاز على مهل.
العمل في اللحظات الأخيرة يحرمك من مراجعته, وتقليب النظر فيه, ووضعه في صورته النهائية, والاستعانة ببعض المواد الإضافية أو الزيادات المفيدة ليظهر العمل على أفضل وجه.
والفكرة المخادعة هنا أننا في اللحظات الأخيرة نجد أنفسنا مضطرين للعمل (حافز قوي للعمل) ولذا نعمل بجد ونرى ثمرة ذلك أمامنا. ولذا نعتقد أن ضغط اللحظات العصيبة هو السبب في الإنجاز. والحقيقة أننا لو امتلكنا حافزا قوياً ومثيراً لإنجاز العمل في وقت مبكر فسنجد نتائج باهرة تفوق في جودتها نتائج العمل في اللحظات الأخيرة.
- أنتظر لحظات الإلهام والإبداع.(/3)
ومن المسوغات الشائعة للتسويف انتظار لحظات الإلهام التي تثير مكامنَ الإبداع والتحفيز لدينا للقيام بعمل متميز. وهذه الفكرةُ نشأت على أساس أن الإبداع يتنزل على المبدعين كالوحي في لحظات من التجلي، وكأن الشعراء هم أول من أسسوا هذه الفكرة!. وعلى كل حال فقد أثبتت هذه الفكرة خطأها, فالأفكار الملهمة والأعمال العظيمة لم تكن حصيلة التسويف والانتظار وتجنب خوض أعماق القضايا والمشكلات. بل كانت نتيجة للعمل الدؤوب والمستمر في كل الحالات النفسية المتباينة التي نمر بها بين حين وآخر. قال أحد الحكماء: ((لا يأتي التحفيزُ والإلهام أولاً .. بل إن الأعمال المنجزة هي التي تأتي أولا. يجب أن تشحن طاقتك لابتداء العمل سواءً كنت تشعر بالإلهام أو لا تشعر. وحالما تبدأ بالخطوات الأولى في طريق الإنجاز فهذا كفيل بأن يُشعل فيك فتيل الهمة والإبداع والعمل أكثر وأكثر)).
- ضياع الوقت بالملهيات و(الثانويات).
لعلك صادفتَ هذا الصنف من الناس الذي يكون تسويف العمل لديه وتأخيره نتيجة أمور ثانوية يعطيها أهميةً مبالغا فيها, ومن ثم تشتته عن ابتداء العمل أو مواصلته. فبينما هو مقبل على عمله يسمع رنين الهاتف: "لعله أمر هام قد تكون زوجتي في مشكلة", ومن ثم تطرأ على ذهنه: "لا بد أن أعد قائمة التسوق", "سأعد كأسا من القهوة حتى أركز أكثر" وهكذا سلسلة من الأعمال الهامشية التي لا تغني ولا تسمن من جوع حتى يضيع الوقت دون فائدة تذكر.
وقد يختبئ التسويف خلف القيام بأعمال أقل ضرورة وأهمية بشكل يطغى على الأعمال الضرورية. فبدل الجلوس للانتهاء من مشروع هام ترانا ننشغل: ((لا بد أن أشاهد نشرة الأخبار)), ((صديقي فلان لم أره منذ مدة طويلة, ترى ما أخباره؟..)) وهكذا مشتتات قد يكون لها أهمية – وهنا الفخ - لكنها بشكل واضح أقل أهمية من إنجاز العمل الذي بين يديك.
من أين أبدأ..؟(/4)
بعد أن تعرّفنا معظم الأسباب والدوافع الخفية للتسويف.. دعونا نتذاكر في أفكار تساعدنا على التخلص من التسويف:
- لابد أن نبدأ بامتلاك الوعي الكافي لمعرفة الدافع الخفي وراء كل محاولة لتأجيل العمل الذي بين أيدينا.. هل هذا التأجيل بسبب خوفي من الإخفاق؟, أو هربا من مواجهة مشكلة ما؟ أو أنه استسلام مبكر أمام تحدٍ أو عائق أو أمر محبط؟
- الأمر الذي يحدد قدرتنا على المواصلة في العمل دون تسويف هو مقدار الحماسة التي نمتلكها لأداء العمل, ومقدار المتعة التي نجدها فيه, أو بما يعدنا من نتيجة سارة عند الانتهاء منه. وكما قال أحدهم: ((عندما تكون الكتابةُ تسبب ألماً في الرقبة, ومشاهدة التلفاز تمنحُنا المتعة والترفيه فليس من العسير أن نستنتج أننا سنؤجل الكتابة ونشاهد التلفاز)). والحل هنا هو شحن أنفسنا بالمتعة والحماسة عندما نقبل على الكتابة ونتأمل لذتها الحالية أو شعورنا الجميل عند الانتهاء من إنجازها.
- قم بتقسيم العمل إلى خطوات سهلة وعملية.. وتابع تقدمَك عبر أدائك لهذه الأعمال الصغيرة. وليكن شعارُك (دعني أرى), ولذلك أهمية كبيرة في مواصلة العمل.
فلو قلت لنفسك: إني سأحفظ كتاب الله فستقف مذهولاً أمام هذا العمل الضخم الذي أنت بصدده وستسوّف فيه كثيراً, ولكن عندما تنظر إلى عمل اليوم بأن تحفظ فقط نصف صفحة من القرآن, فستجد أنه أمر يسير يمكن القيام به. تذكر دائماً:
(القيام بعمل اليوم يمنحك رضا اليوم وفرص الغد).
والآن حان وقتُ العمل, اخطُ الخطوةَ الأولى.. ابدأ وستندهش من النتائج التي ستحققُها, وتذكّر أن أفضل وسيلة لتلافي الإخفاق والإحباط هي القعود مكتوف الأيدي دون عمل! .. فمن يعمل لا بد أن يخطئ, ولكننا نتعلم من الإخفاق أحيانا أكثر من النجاح.
أسأل الله التوفيق للجميع.(/5)
العنوان: كيف تتخلصين من السمنة؟
رقم المقالة: 1733
صاحب المقالة: خاص: الألوكة
-----------------------------------------
أكد مختصون في علم التغذية في السعودية ظهور تغييرات في الأنماط الغذائية في المجتمع السعودي خلال الثلاثين سنة الماضية بشكليها الكمِّيِّ والنوعيِّ، وهذا ما أدى بدوره إلى زيادة معدلات السمنة، وهو ما يدعو إلى الاهتمام بهذه الظاهرة المقلقة وغير الصحية.
وقد كَشَفَتِ الدراسات الصحيَّة التي أُجْرِيَتْ في السعودية في السنوات الأخيرة عن ارتفاع معدلات السمنة إلى مستويات كبيرة تصل إلى 52 في المائة من إجمالي تَعْدَادِ البالغين في المملكة في حين تصل هذه النسبة إلى 18 في المائة بين من هم في سن المراهقة و15 في المائة بين الأطفال قبل سن المدرسة، حتى الأطفال الرضع تفشت لديهم ظاهرة السِّمْنة وذلك بنسبة 7 في المائة!
وفي عام 1996 توصلت الدراسة التي أجراها الباحث عبد الله النعيم على 13 ألف فرد من الجنسين فوق 14 عامًا في جميع أنحاء السعودية، إلى أنَّ نسبة السمنة بين الرجال السعوديين بلغت 37 في المائة، فيما كانت 34 في المائة عند النساء.
وتشير تقارير إعلامية نُشِرَتْ مؤخرًا إلى أن السعودية تحتل المركز الثالث عالميًا بعد الولايات المتحدة والكويت في عدد الأشخاص المصابين بالسمنة.
- مشكلة السعوديات:
أكثر المتأثرين بهذه الظاهرة هن – بالتأكيد - النساء اللواتي يجتهدن على الداوم للمحافظة على رشاقة وجمال أجسامهن, خصوصًا في ظل "هجمة النحافة" التي تقودها عارضات الأزياء والفنَّانات العالميات عبر صورهن وأفلامهن، فالإحصاءات أظهرتْ أنَّ ثلث الإناث في السعودية لديهن مشكلة السمنة بسبب تناول الطعام المقلي الغني بالدهون مع قلة الحركة, بحيث تكون كمية السعرات الحرارية المتناولة أكبر من المحروقة, إضافة إلى أن الفتيات في السعودية لا يقمن بالحركة اللازمة لحرق كمية السعرات الحرارية التي يتناولنها.(/1)
وحسبَ دراسة محلية فإن 55 في المائة من السعوديات بين عمر الـ16 والـ30 عامًا يمضين معظم أوقاتِهنَّ في التواصل مع الأصدقاء عبر الأحاديث الهاتفية وإرسال رسائل الـSMS أو تبادل الزيارات أو الخروج إلى التسوّق, فيما تمضي 30 في المائة منهنَّ معظم أوقاتهن في مشاهدة التلفزيون, في حين تعيش 15 في المائة أخريات في العالم "الافتراضي", أي أمام أجهزة الكومبيوتر المتصلة بالإنترنت.
- لصحتك ورشاقتك:
يعاني المصابون بالسمنة أمراض القلب، وارتفاع ضغط الدم والسكر، وغيرها من الأمراض، وقد أشارت أحدث الأبحاث الأمريكية إلى أن مرض السمنة سيؤثر على متوسطي الأعمار، وأنه سيحصد الأرواح كأنه (إعصار تسونامي)، وفي بعض الدول تتسبب السمنة في الوفاة أكثر من مرض السرطان.
لذا ينصح المختصون باتباع النصائح الآتية من أجل صحتك ورشاقتك:
- دعي الكسل:
غالبًا ما تحدث السمنة نتيجة عدم الحركة حيث لوحظ أن كثيرًا من الناس - خاصة ونحن في عصر الرفاهية - تأكل ولا تبذل مجهودًا يساعد على احتراق المخزون داخل الجسم ولهذا تتراكم السكريات كدهنيات بالجسم وهو ما يؤدي إلى السمنة.
وينتج عن قلة الحركة ضمور في العضلات. وفقدان المرونة. وسرعة تزايد القلب في الراحة وينخفض الحد الأقصى لاستهلاك الأكسجين بصورة ملحوظة. إضافة إلى مشكلات في الجهاز التنفسي.
ويمكن تجنب الإصابة بالسمنة وغيرها من أمراض قلة الحركة بمزاولة ولو الحد الأدنى للنشاط البدني بصفة مستمرة كالرياضة والألعاب والتمرينات خصوصًا المشي؛ إذ ثبت أن له تأثيرًا إيجابيًا على الجسم خاصة العظام والأربطة والعضلات والجهاز العصبي.(/2)
أيضًا يؤدي النشاط البدني إلى خفض التوترات والضغوط الانفعالية وسوء التغذية فضلاً عن تقليل مستوى الدهون في الدم، وبناء على ذلك تقل احتمالات ترسيب (الكولسترول) و(ثلاثي الجليسرين) على جدران الشريانات والتي تكون سببًا في إعاقة مرور الدم في حالة أمراض القلب، وتقل الإصابة بأمراض تصلب الشرايين ولهذا تقل احتمالات حدوث جلطة الدم
ومن جهة أخرى فإن التمرينات البدنيَّة لها دورها العلاجي في تخفيف آلام منطقة أسفل الظهر، وعسر الهضم المزمن، وضمور العضلات وعلاج تصلب المفاصل.
- نظمي طعامك:
أفضل ريجيم وتوازن غذائي يتلخص في حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - "نَحْنُ قَوْمٌ لا نَأْكُلُ حَتَّى نَجُوعَ، وَإِذَا أَكَلْنَا لَا نَشْبَعُ"، وقد أثبتت التجارِب الواقعيَّة أنَّ مَن يسير على هذا النمط الغذائي يصحّ بدنه.
ولا تنس تجديد النية عند الأكل، فإذا أكلت لأجل قوة العبادة لم تَصْدُقْ نيتك إلا بأكل ما دون الشبع؛ حيث إن الشبع يمنع العبادة ولا يُقوِّي عليها، فمن ضرورة هذه النية كسر الشهوة وإيثار القناعة على الاتساع. قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم:- "مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِه، حَسْبُ ابْنِ آدَمَ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِن لمَ يَفْعَلْ فَثُلُث طَعَامٍ وثُلُثُ شَرَابٍ وثُلُثٌ لِلنَّفَسِ"َ.
يقول خبراء التغذية: إن تناول الطعام بكميات قليلة يصبح عملية مبهجة وعادة أصيلة للفرد بمرور الوقت, فالأمر لا يرتبط بالقيام بحساب عدد اللقيمات التي يتم تناولها, ولا بحرمان المرء مما يستلذ التهامه, بيد أنها ترتبط بمسألة الاعتدال في تناول تلك الكميات. قال – تعالى-: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31]
- احذري أدوية التخسيس:(/3)
يحذر المختصون من اتباع نظام تخسيس الوزن بدون استشارة طبيب فمن الممكن أن ينزل الجسم في أول الريجيم بسرعة ثم يتوقف بعد ذلك و يعود إلى الأكل بشراهة أكثر من ذي قبل.
وفي هذا الصدد يقول الدكتور أمير صالح - رئيس الجمعية الأمريكية للعلوم التقليدية واستشاري الطب البديل -: إن لكل مرحلة عمرية وزن مثالي يختلف من شخص لآخر ومن الأخطاء الشائعة أنه أصبح هناك من يدلي بدلوه ممن ليس له علم فينصحون بأخذ العقاقير التي ضد الشهية، وهذا أمر خطير حيث إن هذه العقاقير تصيب بالاكتئاب وهناك أدوية أخرى تؤثر على التمثيل الغذائي في الجسم وهذه الأدوية لها ضرر بالغ إذا أُخِذَتْ لفترات طويلة، وأيضًا أدوية مدرات البول التي تنقص من حجم المياه المختزن في جسم الإنسان وهذه المياه تخرج من الجسم بعض العناصر الهامة مثل (البوتاسيوم) الذي إذا انخفضت نسبته عن معدل معين كان سببًا في الأمراض.
ويضيف: مراقبة السعرات الحرارية أمر مهم لمن يريد نظامًا غذائيًا صحيًا بحيث لا تنزل عن 700 سعر حراري في اليوم لأنه إذا نزل عن ذلك فإن هذا يجعل (البروتينات) تتكسر، وأقرب بروتين يتكسر هو المتواجد في العضلات فيشعر الشخص بالإرهاق الشديد ويصبح عرضة للأمراض.(/4)
وتؤكد الدكتورة نجوى محمد - أستاذة العقاقير- ما سبق وتضيف: هناك خطورة الآن من انتشار مراكز التخسيس بشكل غير علمي وغير منظم وغير منضبط في ظل هوس النساء بقوام فتيات الإعلانات. فإذا كان الإقلال من بعض الأغذية والاعتماد على بعض من الأطعمة فقط يؤثر على التوازن الكيميائي في الجسم وحرمانه من بعض الأملاح و(الفيتامينات) يؤثر على حيوية وكفاءة الأعضاء الحيوية فما بالنا بالأعشاب مجهولة الهوية التي تعمل أحيانًا على تقليل مسامية الأنسجة الداخلية للمعدة والأمعاء وبعض من الأدوية أيضًا غير المسموح بها التي تستخدم دون أية استشارات طبية. كل هذه الممارسات قد تؤدى إمَّا لفشل بعض أعضاء الجسم في القيام بالعمليات الحيوية أو الهزال والضعف وفى بعض الأحيان قد تؤدي مثل هذه الأدوية والأعشاب إلى موت مفاجئ.
وتأكيدًا على ما سبق يقول الدكتور سعيد إبراهيم - صيدلي-: كثير من النساء يطلبن أدوية التخسيس وقد تكون هذه الأدوية لمرضى السكر وكثير منها يؤثر على الجهاز العصبي لكبت الشهية، ولكن لها أضرار جانبية تسبب صداعًا، وأرقًا وتوترًا، وعدمَ قدرةٍ على النوم، وشعورًا بالدوران والارتعاش، وزيادةَ ضغط الدم. وكثير من الصيادلة يرفضون التعامل أو إحضار مثل هذه الأدوية التي قد تكون مهربة أو مستوردة أو لعلاج أمراض معينة وتعطَى من خلال تشخيص طبيٍّ لفترات زمنية محددة.ولكن استخدامها بهذا الشكل العشوائي خطورةٌ على حياة الناس.(/5)
العنوان: كيف تتعالج بطعامك؟
رقم المقالة: 1594
صاحب المقالة: خاص: الألوكة
-----------------------------------------
قديماً قيل: "اجعل الطَّعامَ هو علاجكَ، واجعل العلاج هو طعامك".
وقد ثبت -حديثاً- صحة تلك المقولة بأن الطَّعام هو علاجٌ قويٌّ وفعَّالٌ؛ حيث وُجِد أنَّ الطَّعام يمكن أن يمنع ويعالج ويشفي -بإذن الله- من أمراضٍ عدَّة.
فقد أثبتت كثيرٌ من الأبحاث والتقارير الطبية أن (الفيتامينات) والأملاح المعدنية والعناصر الأخرى، الموجودة في الطَّعام؛ لها خاصيةُ الحماية من أمراضٍ عدَّةٍ؛ منها: السَّرطان، وسكَّر الدَّم، وضغط الدَّم المرتفع، وأمراض القلب، وتخلخل أو وهن العظام (OSTEOPROSIS).
كما أثبتت -أيضاً- أن إضافة المواد الكيميائية والحافظة للطعام تعجِّل بأعراض الشيخوخة المبكِّرة، ولهذا فإن بعض المشاكل الصحية -مثل حالات الإجهاض، وتشوهات الأجِنَّة- قد تنتج عن نقصٍ في بعض عناصر الطَّعام، مثل حمض (الفُولِيك - من مجموعة فيتامين B المركَّب).
فكرة راسخة!
كانت الفكرة الراسخة في أذهان الناس أن الطَّعام هو وقودٌ للجسم فقط، وليس للاستشفاء، وعليه؛ تزايد إقبال الناس على الطَّعام سابق التجهيز (المحفوظ)، الذي غالباً ما يكون محتوياً على كمية عالية من الدهون والمِلْح؛ مثل: (المقليَّات) و(المشويَّات) عند أصحاب المطاعم، والباعة الجائلين، ومحلات البقالة، وهذه الأطعمة ينقصها (الفيتامينات) والعناصر الهامة للوقاية من كثير من الأمراض.
وكما أن الطعام قد يكون سبباً مباشراً للعديد من الأمراض؛ فإنه كذلك قد يكون سبباً مباشراً في علاجها، فعلى سبيل المثال: (فيتامين E)، قد ثبت علمياً -بما لا يدع مجالاً للشكِّ- أن هذا الفيتامين يمكن أن يعطى -عملياً- مع علاج مرضى القلب؛ وذلك لمنع حدوث تلف بالشَّرايين التَّاجيَّة للقلب، ولمساعدة المرضى في الشفاء.(/1)
وذلك ينطبق -أيضاً- على (فيتامين ج)، الذي يساعد كثيراً في شفاء المرضى، حيث إن شُربَ عصير الليمون أو البرتقال أو الجوافة الطَّازج، في أثناء نوبات المرض؛ يعجل -بإذن الله- بتماثل المريض للشِّفاء.
الطعام.. والأمراض:
ولعلنا نستطيع الربط بين الطَّعام وحدوث الأمراض -على نحو أوضح- عند النظر في المجتمع الأمريكي، حيث إنه نموذج للشعوب الصناعية الكبرى، التي تعتمد -على نحو كلي أو شبه كلِّي- على تناول الطَّعام السريع سابق التجهيز، بكل ما فيه من مخاطر صحيَّةٍ مؤكدة؛ حيث يُصرَف -في الوقت الحاضر- (البلايين) من (الدولارات) على النظام الصحي في ذلك المجتمع (أمريكا)؛ بالرغم من الإمكانات الهائلة، في نواحي (التكنولوجيا) المتقدمة، والبحث العلمي الدؤوب عمَّا يمكن أن يفيد البشر.
ومن المعروف في الأوساط الصحية العالمية أن الشعب الأمريكي هو من أوائل الشعوب في العالم وأكثرها إصابةً بأمراض القلب والسَّرطان، وذلك نتيجة طبيعية لأنواع الأطعمة التي يتناولها؛ والغنى والرفاهية التي يتمتع بها.. وبالمقارنة مع شعوبٍ أخرى -في العالم- أقلَّ مالاً ورفاهيةً؛ نجدها أنعم صحةً، وأطول عُمْراً.
وقد أدرك العلماء بالبحث والمعرفة أن الشعوب التي تعيش على أكل الفاكهة والخَضْراوات والحبوب المختلفة (الغِلال)؛ هي شعوب تتمتع بالحماية من أمراض القلب والسَّرطان، وذلك على عكس الشعوب الغنية التي تأكل اللَّحم والبطاطس أو (النشويات)، ولا تأكل الفاكهة أو الخضراوات إلا قليلاً؛ فتلك الشعوب عُرْضَةٌ دائماً للأمراض المختلفة، التي تعرف باسم (أمراض المدنيَّة الحديثة)!
الفيتامينات اللازمة للحياة:
وقد وجد العلماء أن الأطعمة الواقية من الأمراض، وتلك المكوَّنة من الفاكهة والخضراوات والألياف؛ غنيةٌ بـ (الفيتامينات) اللازمة للحياة؛ مثل:(/2)
• (بيتا كاروتين): الذي يتحول في الجسم إلى فيتامين (أ)، كذلك يوجد فيتامين (ج) وفيتامين (E)، وبعض المعادن مثل: (السلنيوم) و(البوتاسيوم).
وقد وُجِد أن قلَّة تلك العناصر في الجسم مجتمعةً تؤدِّي إلى الأمراض المختلفة، التي تصيب الناس، بصرف النَّظر عن الجنس أو الشكل أو المكان.
كذلك فإن العلماء والباحثين قد وجدوا عناصرَ أخرى في الطَّعام الجيِّد، أطلقوا عليها اسم (الفيتوكميكالز)، ووجدوا أن تلك العناصر (PHYTOCHEMICALS) ربما تساعد في منع حدوث الأمراض المختلفة، ومن تلك العناصر نذكر:
• (الكيومارين): وهو موجود في بعض النباتات؛ مثل: البقدونس والعرقسوس والموالح، وهذه المادة ترقِّق الدَّم وتمنع تجلُّطه.
• (الإندول): يوجد في الكُرُنْبِ والقَرْنَبِيطِ وعيدان الكَرَفس، وهذا قد يساعد في منع حدوث سرطان الثَّدي، بإبطال مفعول (هرمون الإستروجين) في إثارة نمو الأورام، في أجزاء كثيرة من جسم المرأة.
• (حمض الإيلجيك): الموجود في العنب والفراولة، وهذا يفسد مفعولَ مسبِّبات السَّرَطان.
• (فيتاتز): الموجودة في الحبوب المختلفة، وهي تُبطِل مفعول (الإستروجينات) التي تشجِّع على حدوث الأورام لدى الإناث.
• (البكتين): وهو نوعٌ من الألياف الذَّائبة في الماء، الموجودة في التفاح و(الجريب فروت)، التي تساعد في خفض نسبة (الكولسترول)، وربما تحمي الجسم من الإصابة بمرض سكَّر الدم.
وعليه؛ فإن عمل هؤلاء الباحثين قد أثبت أن هناك علاقةً وطيدةً بين الطَّعام الذي نأكله والحالة الصحية التي تبدو عليها أجسادنا.
وقد أصدر معهد السَّرطان الوطني بأمريكا -حسب مفاهيم الطَّعام ومكوناته لدى الشعب الأمريكي- النتائج التالية للتدليل على تلك العلاقة القطعيَّة، بين نوع الطَّعام المأكول وحدوث المرض المقرون بهذا المأكول، ومنها نورد ما يلي:(/3)
• إن واحداً من ثلاثة من الأمريكيين سوف يصاب بالسَّرطان في مرحلةٍ سنِّيةٍ في حياته، وسوف تزداد هذه النسبة إلى واحد من اثنين في السنين القادمة.
• واحد من اثنين من الأمريكيين سوف يصاب حتماً بأحد أمراض القلب الشَّائعة.
• سرطان الثدي هو وباءٌ منتشرٌ بين النِّساء في أمريكا، ويصيب واحدة من تسع من النساء، وليس هناك نهاية مؤكَّدة لذلك الشَّبح القاتل.
• إن واحداً من أحد عشر رجلأ، فوق سن الخمسين؛ سوف يصاب بسرطان (البروستاتا).
• قرابة خمسة عشر إلى عشرين مليون أمريكي، فوق سن الخامسة والأربعين؛ سوف يصابون بمرض ترقق أو وهن العظام (OSTEOPROSIS)، الذي يؤدي إلى الكسور المختلفة، أو يفضي إلى الموت لدى بعض المرضى.
• أربعة عشر مليون أمريكي يعانون مرض سكَّر الدم أو مضاعفاته، الذي يساعد كثيراً في الإصابة بأمراض القلب. وإن خمساً وثلاثين بالمائة من جميع حالات السَّرطان -وقد تزيد إلى خمسين بالمائة- لها علاقةٌ بنوعيَّة الطَّعام الذي يؤكل، وإن الأكل له علاقةٌ مباشرةٌ بظهور أمراض القلب المختلفة، التي تعد الأولى في أسباب الوفاة بين الرجال والنساء.
كما أن هناك كثيراً من الأمراض تنجُم عن طبيعة الطَّعام المستهلَك، مثل وَهَن أو هشاشة العظام، وارتفاع ضغط الدِّم، وداء السُّكَّري، وكثيرٍ من الأمراض الأخرى الحادَّة والمزمنة.(/4)
العنوان: كيف تجعل الناس ينصتون إليك؟
رقم المقالة: 2008
صاحب المقالة: محمد النغيمش
-----------------------------------------
كيف تجعل الناس ينصتون إليك؟
ألا تشعر بالضيق والانزعاج عندما تسترسل في حديث ما لتجد أن من تُحَدِّثه أبعد ما يكون عن ما تقول، لا يسمع ولا يتفاعل؟ لماذا لا ينصت الناس إلينا أحيانًا؟ ماذا نفعل لدفعهم إلى الإنصات المثالي؟ إليك عزيزي القارئ 8 طُرق أساسية تجعل الآخرين ينصتون إليك:
1- وضوح هدف الحديث:
قد يؤدي عدم وضوح هدف المتحدِّث من كلامه إلى انصراف المستمعين عن حديثه، بطريقة أو بأخرى، وستكون مهمة المنصت مستحيلة، إذا كان المتحدث نفسه لا يعرف عن ماذا يتحدث، عدم وضوح الهدف ربما يولِّد فَهمًا مغلوطًا لدى المستمع، ومثال ذلك عندما يناديك شخص ما وأنت على وشك القيام من المجلس ويقول: "أريد معرفة رأيك في موضوع معين"، دون أن يوضح ماذا يريد، فإن ذلك يؤدي إلى مللك وشرودك عن حديثه.
2- حركات العين:
توزيع النظر أثناء الحديث يشحذ انتباه المستمعين، لذا ينصح بإمعان النظر فيمن تشعر بأنه قد شرد ذهنه قليلاً، فمن شأن ذلك أن يعيده إلى تركيزه عليك، ولقد أثبتت الدراسات العلمية أن حركات العينين الانتقالية للمتحدث هي أكثر وسيلة لإظهار التفاعل مع المستمعين، يقول السيد تشولار في مقال له بعنوان "في رمشة عين" أن "زيادة الرمش بالعين قد يعني أن المستمع يمر في مرحلة ضغط نفسي أو جسماني مثل القلق أو الغضب أو الملل"، أما انخفاض معدل الرمش فإنه "يشير أحيانًا إلى أن المُنصِت في حاجة إلى مزيد من المعلومات أو أنه ينصت إلى شيء يحتاج إلى تركيز عيني أكبر"، وبما أن التجربة خير برهان، لاحظ كيف تتوقف رموش عيني من نمتدحه عن الحركة بطريقة توحي إلينا برغبته بالمزيد من الإطراء والمدح، جرب ولاحظ الفرق.
3- الحديث المقبول والسهل الفهم:(/1)
التحدث بطريقة مقبولة وسهلة الفهم للآخرين تؤدي إلى إنصاتهم بشكل أفضل، لقد وعد الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم - من يتحدثون بالأحاديث الطيبة والرقيقة بمنزلة عظيمة؛ فقال: ((إن في الجنة غرفًا تُرى ظهورهُا من بطونِها، وبطونُها من ظهورِها، فقال أعرابي: لمن هي يا رسول الله؟ قال: لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى لله بالليل والناس نيام))؛ سنن الترمذي، وغالبًا ما تكون الشخصيات التي تتمتع بهذه الصفة محببة إلى الناس.
4- استخدام المستمع كمثال:
تخيل لو أنك سمعت اسمك أثناء حديث جانبي لاثنين في طرف المجلس، ماذا ستفعل؟ لا شك أن فضولك سيدفعك إلى الالتفات التلقائي لمعرفة ما يقال عنك، تلك الاستجابة الفطرية عند سماع الاسم يجب أن تُسْتَغَل لشد انتباه من يراد جرهم إلى حديث ما، فاستخدام المستمع كمثال أثناء الحديث هو بمثابة ضوء أحمر لامع لشد انتباهه، ولزيادة الانتباه يُفَضَّل أن يرافِق المناداة بالاسم الإشارة باليد أو الاكتفاء بالنظر المباشر إلى العين بعد إدارة كامل الجسم إلى الشخص المعني، فذلك يزيد التفاعل، تجذب هذه الطريقة شاردي الذهن إلى الحديث، وهي طريقة مُهَذَّبَة لإنهاء الأحاديث الجانبية وتحويل إنصاتهم إلى ما يقوله المتحدث.
5- البدء بذكر الحقائق أو القصص:
إن ذكر الحقائق والقصص في بداية الحديث يجذب الانتباه، فعندما تتعالى الأصوات في نقاش حاد عن "سبب الأمية في الدول العربية" مثلاً، تكون أفضل طريقة لجذب الانتباه هي أن تقول: "هل تعلمون أن الأمية انخفضت إلى نسبة كذا في عام كذا حسب آخر تقرير رسمي نشر مؤخرًا؟" وستجد أن الرؤوس اشرأبت إليك لمعرفة المزيد، وهنا يأتي دورك في مدهم بجمل سريعة وقصيرة من الحقائق لضمان المحافظة على انتباه المستمعين ومن ثَم دفعهم إلى الإنصات بجدية أكبر.
6- إعادة الجمل والأفكار:(/2)
يؤدي إعادة بعض جمل أو أفكار المتحدثين إلى تفاعل أكثر للمستمعين مع ما تقول، مثال ذلك أن تقول: "إنني أتفق مع نقطة محمد..."، أو "أعجبتني فكرة خالد..."، فالجملة الأخيرة لا تشد خالد فقط، بل الآخرين الذين سيكونون أكثر فضولاً لمعرفة ما الذي أعجبك في فكرة خالد، ما تعيده من جمل لا يعني تسليمك أو اتفاقك التام معها، ولكنه أحد الأساليب المعينة على تحقيق الإنصات الإيجابي.
7- تشجيعك الآخرين على المشاركة:
إن تشجيع المستمعين على المشاركة في الحديث يجعلهم أكثر تفاعلاً مع ما تقول، يمكن التشجيع بتوجيه أسئلة للمستمعين للتأكد من متابعتهم لحديثك، كأن تقول: "كيف ترى ذلك يا أحمد؟"، أو "هل تتفق معي يا علي أم لا؟"، وحتى لو كانوا غافلين عما تقول، فإن سؤالك سيعيد إليهم أهميتهم، ويوجههم إلى الإنصات إليك، كما يمكن أن تشجع المستمعين على المشاركة عبر طلب أفكار إضافية أو اقتراحات منهم، احرص على أن تعطي المستمع الفرصة الكافية للتعليق؛ فذلك يجعله يقظًا ومتابعًا.
8- استخدام الأيدي:
كان استخدام الأيدي وما زال سمة أساسية للمتحدثين المُؤَثِّرين وعلى رأسهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذ كان كثيرًا ما يستخدم يديه لشد انتباه المستمعين، على سبيل المثال قوله: ((يقول الله تبارك وتعالى: من تواضع لي هكذا، وظل النبي - عليه الصلاة والسلام - يشير بباطن كفه إلى الأرض، ويهوي به إلى الأرض، يقولون: فظل يخفض يده حتى أدناها إلى الأرض، رفعته هكذا، وقلب ظاهر كفه إلى السماء، حتى جعله في السماء))؛ رواه أحمد، إن استخدام الأيدي بمهارة هو أحد أسباب شد انتباه المستمعين.(/3)
العنوان: كيف تحافظين على سلامة طفلك؟
رقم المقالة: 894
صاحب المقالة: سلمى أبو حسين
-----------------------------------------
في بيتك..
كيف تحافظين على سلامة طفلك؟
في الأشهر الأولى من عمره يقضي الطفل معظم وقته في مهده الصغير فتطمئن الأم عليه، ولا يشغل بالها سوى إبعاد الآخرين عنه حتى يظل في أمان، لكن ما إن يكبر هذا الصغير ويدخل في مرحلة الحبو ثم المشي حتى تضع الأم عينيها وسط رأسها مراقبة إياه في كل حركاته وسكناته خوفاً عليه وحرصاً على سلامته، ويظل هذا عبئاً شاقاً عليها حتى يكبر الطفل ويعي ويتعلم كيف يقي نفسه من الأخطار.
وحتى لا تكون مهمة الحفاظ على سلامة الطفل مسؤولية شاقة لك يقدم الخبراء والمختصون النصائح التالية:
• النظام نقطة البداية:
** يرى التربويون أن إعادة تنظيم المنزل بحيث يصبح من الصعب على الطفل الوصول إلى الأشياء الخطرة تمثل نقطة بداية لحماية الطفل وتحقق أكبر قدر ممكن من الأمان له.
ففي أثناء الحبو والمشي تكون حركة الطفل أسرع، وقد يبدأ في التسلق ويلقي بنفسه في خضم المغامرة، على الرغم من افتقاده للمهارة اللازمة لذلك فعليك أن تعيدي تقييمك لكل شيء في منزلك بعد النظر إليه بعينيي طفلك.
** تأكدي من عدم وجود قطع أثاث بجانب الشبابيك أو الشرفات، فقد يتسلقها الطفل ويسقط منها على الشارع- لا قدر الله-
** إذا كانت هناك أماكن أو أركان خالية من وسائل السلامة اللازمة للطفل فيجب عليك الإسراع بتوفيرها فوراً وفي أقرب فرصة ومن بينها: حاجز لإغلاق الدرج، أدوات حماية زوايا قطع الأثاث، قطع معينة تحول دون إغلاق الباب حتى لاتنحشر فيها أصابع الطفل، وضع حاجز لمنع الطفل من فتح باب الشارع أو الحمام، مع ضرورة وضع حواجز عالية حول النباتات حتى لا يأكل منها الطفل أو يضعها في فمه.(/1)
** احتفظي بالأدوية، والمواد الكاوية، والمنظفات الكيماوية، والمبيدات الزراعية والحشرية في خزائن عالية مغلقة يصعب على الطفل فتحها.
وكل هذه الأشياء المبتكرة والعملية تعطي أفراد الأسرة شعوراً بالراحة والعيش بهدوء وسلام وتجنبهم القفز كل لحظة من مقاعدهم وأسِرَّتهم كلما شعروا باقتراب الخطر.
• مزيد من الحذر في الحمام:
** في البداية يجب اختيار حوض الاستحمام بما يتناسب مع عمر الطفل، فإن كان في أشهره الأولى يفضل اختيار "كرسي الشبك" وهو مقعد مزود بحزام أمان، وظهره مكون من شبك ليسمح بمرور المياه منه، ويعتبر من أفضل الأنواع التي تضمن الأمان لطفلك من الانزلاق بتأثير الماء والصابون.
** قبل وضع الطفل في حوض الاستحمام احرصي دائماً على التحقق من درجة حرارة الماء في الحوض باستخدام ميزان الحرارة وليس بكوع اليد كما هو متعارف عليه.
** لا تتركيه أبداً في حوض الاستحمام ولو لثوانٍ للرد على الهاتف أو فتح الباب فقد تكون هذه الثواني كافية ليغرق الطفل فيها في الماء- لا سمح الله- فالرضيع معرض في هذه السن للغرق في ستة سنتيمترات من الماء فقط. ويجب ألا يغري الأم انقطاع الطفل عن البكاء أو عدم طلب الأشياء المختلفة لدى اللعب بالماء بإبقائه في الحمام لوحده لأن ضريبة صمت الطفل وراحة الأم قد يدفعها الاثنان معاً فيما بعد. فضلاً عن أن الحمام قد يحتوي على المنظفات وأنواع الصابون وغير ذلك من المواد التي قد تؤذي طفلك.
• جنبيه دخول المطبخ:
** يفضل الخبراء منع الطفل من دخول المطبخ بمفرده لأن المطبخ مليء بالأدوات التي تهدد سلامة الأطفال ابتداء من السكاكين بأنواعها وانتهاء بالصحون والكؤوس وأفران الغاز والأدوات الكهربائية.
** على الأم أن تحرص على عدم قيام الطفل بمد يده أو العبث بالغاز والنار والمنظفات وغيرها وعدم الاقتراب من موقد الطبخ مهما كان نوعه. مع وضع حاجز أمام البوتاجاز، وحواجز لمنع الطفل فتح دواليب المطبخ.(/2)
• ألعاب تهدد طفلك:
** في البداية لابد من اختيار الألعاب الآمنة للأطفال والسماح لهم باللعب في مكان آمن أيضاً من أجل الحفاظ على صحتهم وضمان سلامتهم. فعلى كل أم وأب أن يختاروا اللعبة الصحيحة لأبنائهم والتي تتناسب مع أعمارهم وعقليتهم وحتى مع حجم أجسامهم.
** الخشاخيش والعضّاضات واللعب التي تخضع إلى مقاييس عالمية لاخوف منها, لكن الألعاب الدقيقة صغيرة الحجم خطر على طفلك فقد يضعها في فمه وتؤدي إلى اختناقه- لا قدر الله-
** احذري الألعاب التي بها سلاسل أو حبال فقد تلتف حول رقبة طفلك.
** احذري تواجد الأكياس البلاستيكية في يد طفلك فقد يضع رأسه داخلها فتحجب عنه الأكسجين.
** أبعدي النقود المعدنية أو المسامير والإبر عن طفلك؛ فهو لا يعي خطورتها. أبعدي مشابك الشعر؛ خوفاً من أن يضعها في فمه أو يحاول إدخالها في أذنه أو أنفه.
** لا تجعلي الأقلام في متناول يده خوفاً على عينيه، وإن كان لابد من الرسم والتلوين فليحدث ذلك في وجودك وتحت مراقبتك أو مراقبة إخوانه.
** تجنبي الألعاب الحادة التي لها سنون مدببة.
** تجنبي الألعاب الكهربائية حتى يبلغ طفلك عمراً يستطيع فيه استخدامها بأمان.
** تابعي جيداً بطاقة التعليمات المرفقة مع اللعبة كدليل إرشادي لمعرفة كيفية تشغيل اللعبة بالطريقة الآمنة التي لا تعرض الطفل للخطر.
• طفلك والكهرباء:
إذا بدأ الطفل بالحبو والحركة عليك أن ترفعي من طريقة كل ما يمكن أن يكون خطراً على سلامته وحياته، وفي مقدمة هذه الأشياء أفياش الكهرباء والتوصيلات إذ يُنصح بإلغائها تماما ًإذا كانت منخفضة وفي متناول يده, وأيضاً مفاتيح الكهرباء التي في الجدار، و من الأفضل وضع عازل بلاستيك للوقاية من عبث الطفل بها.
• غرفة آمنة:(/3)
نظراً لأن بيوتنا باتت تضيق بنا بسبب مساحاتها الصغيرة فإن الكثير من الأمهات يلجأن إلى اقتناء السرير ذي الطابقين من أجل الاستفادة من مساحة غرفة نوم الطفل بصورة أفضل، ولكن مثل هذا السرير قد يسقط منه الطفل الصغير أثناء نومه أو أثناء لعبه إضافة إلى ذلك فإن وضع السرير قرب النافذة قد يكون خطراً حقيقياً إذ إن الطفل قد يدفعه فضوله إلى فتح النافذة والاقتراب منها وقد يسقط منها لهذا يجب الحرص على إحكام إغلاق النوافذ في غرف الأطفال.
• نصائح الخبراء:
ولتحقيق مزيد من الأمان لطفلك داخل غرفته يقدم لك خبراء الديكور عدة نصائح منها:
** لا تجعلي في غرفة طفلك أجهزة كهربائية حتى لا يعبث بها كالبراد أو المكواة أو مجفف الشعر.
** ارفعي الأفياش الخاصة بالتوصيل والإنارة من أجل سلامة طفلك.
** لا تضعي التلفاز في غرفة الطفل الخاصة به لعدة أسباب:
1 - أنه يشغله عن المذاكرة.
2 - يجعله يتعود على الوحدة فنادراً ما تجدين طفلك متواجداً بينكم.
3 - حتى لا يخلو له الجو في مشاهدة ما يريد.
** لا تجعلي صندوق اللعب في وسط غرفة طفلك أو قريب منه حتى يعلم أن الحياة ليست للعب وإنما له وقت محدد.
** لا تضعي درج الأحذية داخل غرفة الطفل حتى لا تحمل الجراثيم والقاذورات معها.
** تجنبي استخدام الأغطية والوسائد والملاءات بكثرة على سرير الطفل.
** ضعي الناموسية على سرير الطفل حتى تجنبيه لسع الحشرات.
وأخيراً احتفظي بأرقام هواتف الإسعاف والمطافئ ومركز مقاومة التسمم للاحتياط فهذه الأرقام مهمة في أي منزل وإن كنا لا نستخدمها، وبمزيد من العناية والرعاية لطفلك لن تحاجي إليها - بمشيئة الله تعالى -.(/4)
العنوان: كيف تختار موضوع الخطبة؟
رقم المقالة: 1320
صاحب المقالة: الشيخ إبراهيم الحقيل
-----------------------------------------
يشتكي كثير من الخطباء من كيفية اختيار الموضوع، وبعضهم يرجع سبب ذلك إلى ندرة الموضوعات، التي يمكن أن يتناولها الخطيب وتناسب الناس، ولا سيما أن الخطبة متكررة كل أسبوع.
والسبب الرئيس لهذه النظرة عند الخطيب هي: قلة علمه، ومحدودية اطّلاعه ومعلوماته، وضعف نظرته إلى واقع الناس. وإلا فإنَّ الخطبة لو كانت تتكرر يوميًّا لما استطاع الخطيب أن يعالج جميع الموضوعات، التي يحتاجها الناس في هذا العصر المنفتح؛ الذي ضعفت فيه الديانة في قلوب الناس، وكثرت الفتن، فهم يحتاجون إلى تقوية إيمانهم، وترسيخ توحيدهم، وتعليمهم أقسامه، وما يُخلّ به من معتقدات أو أقوال أو أفعال قد تناقضه بالكلية، أو تنقص كماله.. يحتاجون إلى تصحيح عباداتهم؛ فأخطاءُ كثيرٍ منهم فيها كثيرة.. يحتاجون إلى بيان الحكم الشرعي في كثير من المعاملات والعادات، التي يَتَجَدَّدُ منها كل أسبوع العشرات من الصور غير ما يَفِدُ إليهم من خارج مجتمعهم.. يحتاجون إلى الحثّ على مكارم الأخلاق والتنفير من مساوئها، وإلى ترقيق القلوب، والتذكير بالآخرة. والموضوعات كثيرة جدًّا..
ويمكن تقسيم الجمعات إلى قسمين:
القسم الأول: جمعات توافق مناسبات مهمة، وهذه المناسبات على نوعين:
أ - مناسبات طارئة: كحدثٍ حَدَثَ في الحي أو البلد، واشتهر وعرفه الناس؛ فهم ينتظرون من الخطيب رأيًا فيما حدث. ومنها أيضًا: قضايا المسلمين التي تشتعل بين حين وآخر؛ كقضايا بيت المقدس والشيشان وكوسوفا ونحوها.
وينبغي للخطيب أن يعالج مِثْلَ هذه الموضوعات مُعَالَجَةً شرْعِيَّةً، تُبَيِّنُ حجم القضية الحقيقي بلا مبالغة ولا تهوين، ومن ثم يبين موقف المسلم في هذه القضية، وما يجب عليه تجاهها، فلا يكفي مجرد عرضها.(/1)
ويلاحظ أن بعض الخطباء قد تطغى عليه الحماسة في ذلك؛ فيبالغ في الموضوع أو يكثر من تكراره والحديث عنه على نمط واحد، وبأسلوب واحد، وهذا فيه مفاسد منها:
1- فقدانه المصداقية ولاسيما إذا انكشفتْ مبالغاتُه للناس؛ وبالتالي يضعف أخذ الناس عنه، أو التأثر بما يقول؛ لأنهم عرفوا عنه المبالغة.
2- ملال الناس، وانصرافهم عن تلك القضيَّة، وكما قيل: كثرة الإمساس تقلل الإحساس.
3- أن تركيزه على قضية معينة، وتَكرار ذلك سيكون على حساب موضوعات وقضايا، قد تكون لها أهمية مثل قضيته التي يكررها، وربما تكون أهم منها.
ب - مناسبات متكررة بتكرُّرِ الأعوام: كرمضان والحج وعاشوراء، والتحذير من بدع المولد والإسراء ورجب ونحوها.
وهذه المناسبات مريحة عند كثير من الخطباء؛ إذ لا يحتاجون إلى إعداد خطب جديدة في موضوعاتها، ولربما حفظ الناس خطبهم فيها من كثرة ترديدها، وأصابهم الملال منها.
بيد أنَّ هذه المناسبات تُقْلِقُ من يهتمون بخطبهم، ويحبون التجديد في موضوعاتها، ويودن إفادة الناس بكل وسيلة ممكنة.
ولتلافي التَّكرار في كل عام يمكن تفتيت الموضوع الواحد إلى موضوعات عدة، في كل عام يطرق الخطيب منها موضوعًا. وأضرب مثلاً لذلك؛ فبالمثال يتضح المقال:
درج الخطباء في ثالث جمعة من رمضان على الحديث عن غزوة بدر الكبرى[1]، ويقدمون لها بمقدمة عن نصر الله – تعالى - لعبادِه، وكون رمضان شهرًا للانتصارات والأمجاد.. ويسردون عددًا من المعارك التي وقعتْ في رمضان: غزوة بدر، وفتح مكة، وعين جالوت، وفتح الأندلس ونحوها، ثم يخصصون الخطبة بكاملها عن غزوة بدر، وهكذا في كل عام.
ومن الممكن لتلافي التَّكرار جمع الغزوات والأحداث الكبرى التي وقعت في رمضان، واختيار واحدةٍ منها في كل عام للحديث المفصَّل عنها. ويمكن أيضًا تفتيت الغزوة الواحدة إلى عدة موضوعات؛ في كل عام يطرق جانبًا جديدًا منها.(/2)
فغزوة بدر مثلاً يمكن إنشاء خطب عدة منها، كل واحدة تتناول جانبًا مختلفًا، فتتكون مجموعةٌ من الخطب موضوعاتها كالتالي:
سرد أحداث الغزوة كما في كتب السير، وهذا يعمله أكثر الخطباء كل عام.
وصف حال المسلمين قبل الغزوة: (الهجرة - المطاردة - المحاصرة - الضعف - القلة - الخوف) وحالهم بعدها: (ارتفاع معنوياتهم بالنصر، عز الإسلام، قوة المسلمين، رهبة اليهود والمنافقين).
وصف حال الفريقين المتقابلين: حال المؤمنين: (الدعاء، الحماس للقتال، بوادر التضحية والفداء، التعلق بالله تعالى) حال المشركين: (الكبرياء، محادة الله ورسوله، الاعتداد بالنفس، الاغترار بالكثرة، ممارسة العصيان، شرب الخمر وغناء القينات، كما هو قول أبي جهل).
تأييد الله - عزّ وجلَّ - لعباده المؤمنين: (النعاس، المطر، قتال الملائكة معهم، وفيه عدة أحاديث صحيحة، الرَّبْط على قلوبهم، تقليل العدو في أعينهم..) وخذلان الكافرين.
الحديث عن مصير المستكبرين عن دعوة الأنبياء - عليهم السلام - ويكون صرعى بدر من المشركين نموذجًا على ذلك، بذكر مجمل سيرتهم الكفرية وعنادهم، ثم ما جرى لهم، وفيه قصص مبكية من السيرة.
فهذه خمسة مواضيع، كل واحد منها يصلح أن يكون خطبة مستقلة، وهذه الموضوعات الخمسة في غزوة واحدة! ومن تدبَّر فيها أكثر استخرج موضوعات أخرى!!
والكلام عن المولد النبوي مثلاً يمكن تقسيمه أيضًا إلى عدة موضوعات منها:
بيان حقيقة محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأنها تكون باتّباعه لا بالابتداع، مع تقرير وجوب محبته من خلال نصوص الكتاب والسنة، وأقوال السلف الصالح، وبيان العلاقة بين محبته وتطبيق سنته. وهذا موضوعٌ ثري جدًّا، يمكن صنع خطبٍ عدة فيه.(/3)
تاريخ الاحتفال بالمولد النبوي، وبيان أنه بدأ بعد القرون المفضَّلة في المائة الرابعة للهجرة على أيدي بني عُبَيْدٍ الباطِنِيّينَ، وظلّ قرنين من الزمن لا يعرفه أهل السنة، حتى انتقل إليهم في المائة السادسة على يد شيخ صوفي، استحسن هذه البدعة. وبيانُ أنَّ دوافع إحداث هذا العيد عند بني عبيد كانت سياسية، ولم تكن بدافع محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - وآل بيته. ومع أهميَّة هذا البيان التاريخيّ في كشف حقيقة هذه البدعة النكراء، وتنفير الناس منها، فإنه قلّ أن سمِعْناه من خطبائنا ومحاضرينا.
ذكر المخالفات الشرعية في احتفالات المولد، من الغلو في الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي قد يَصِلُ إلى حدّ الشرك، إلى الأناشيد والأهاجيز الصوفية، إلى سائر المنكرات الأخرى كالاختلاط في بعضها، وكونها تنشد على أنغام الموسيقى أو الدفوف..
التنبيه على أنَّ الاشتغال بالبدعة يشغل عن السنة، وجعل المولد مثلاً لذلك، فما يُصْرَفُ فيه من جهد ووقت ومال، قد يَصْرِفُ عن كثير من السنن؛ بل ربما صرف عن الفرائض. وكثير ممن يحتفلون بتلك الموالد تظهر عليهم مخالفات شرعية، ويعلم من سيرة بعضهم تضييعُه للفرائض فضلاً عن المندوبات.
أخذ جانبٍ من سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - في مولده أو بعثته أو غير ذلك، ثم التنبيه على بدعة الاحتفال بمثل هذه المناسبات.
فهذه خمسة موضوعات كل واحد منها يصلح لأن يكون خطبة مستقلة.(/4)
والكلام عن عاشوراء أيضًا يمكن استخراج موضوعات عدة منه، ولا سيما أنه متعلق بقصة نجاة موسى - عليه السلام - وغرق فرعون. وهي أكثر القصص ورودًا في القرآن، وفيها جوانب كثيرة يمكن أن تكون موضوعات، وفي نهاية كل خطبة منها يتم التنبيه على سنية صيام يوم عاشوراء، كذلك الحديث عن مراحل صوم عاشوراء، وأنه كان واجبًا، ثم نسخ الوجوب إلى السُنِّيَّة بعد فرض رمضان، ثم في آخر سَنَةٍ قصد النبي - صلى الله عليه وسلم - مخالفة اليهود ،وأمر بصيام التاسع مع العاشر، وذكر فضل صيام هذا اليوم، وفضل شهر الله المحرم.
وهكذا يقال في بقيَّةِ المَوْضُوعات، تُطْرَحُ مِنْ جَوَانِبَ متعددة، كل جانِبٍ فيها يكون خطبة؛ مما يكون سببًا في إثراء المشروع الخطابي للأمة، وإفادة السامعين، والتجديد في الموضوعات التي يلقيها الخطيب.
القسم الثاني: جمعات لا توافق مناسبات معينة:
وهذه هي الأكثر، ويستطيع الخطيب أن يضع لها مخطَّطًا يسير عليه، ويشتمل هذا المخطَّطُ على موضوعاتٍ عدَّةٍ، وفي فنونٍ مُخْتَلِفَةٍ، ومن فوائد ذلك:
عدم حيرته في اختيار موضوع الخطبة، ولا سيما إذا ضاق الوقت عليه.
نضج الموضوعات التي يطرحها؛ إذْ قد يمرّ عليه شهور وهي تدور في مخيلته، وكلَّما حصَّل ما يفيده فيها من مطالعاته وقراءاته قيَّده، +أو استذكره.
سهولة بحثه عدة موضوعات إذا كانت في فن واحد، وتوفير كثير من الوقت؛ فمثلاً إذا كان في خطته خمسة موضوعات في العقيدة، فإنَّ جلسته لبحث واحد منها، كجلسته لبحثها كلها؛ إذ إن مصادرها واحدة، ومظانها متقاربة.
التنويع على المصلين وعدم إملالهم.
ويمكن تقسيم الموضوعات إلى أقسام كثيرة، يختار في كل جمعة منها قسمًا للحديث عن موضوع من موضوعاته ومن تلك الأقسام:
العقيدة وما يتعلق بها: وفيها موضوعات كثيرة، وكل موضوع منها يمكن استخراج عدد من الخطب فيه. ومن طالع المطولات من كتب العقيدة تبين له ذلك.(/5)
العبادات: وهي أيضًا باب واسع، وليس المعنى سرد الأحكام أو الإفتاء؛ ولكن المقصود تصحيح بعض الأخطاء فيها، وبيان فضائلها، والحث على المهجور منها... وهكذا.
المعاملات: وفيها موضوعات كثيرة أيضًا، ولاسيما أن كثيرًا من صورها يتجدد.
نص من الكتاب أو السنة، فيختار آية أو سورة قصيرة أو حديثًا ويذكر ما فيه من الفوائد، مع ربطه بواقع الناس ومعاشهم. ولا يكون مجرد سرد للفوائد، وقد لاحظت أنَّ لذلك أثرًا عظيمًا، حتى كأنَّ النَّاس لأوَّل مرة يستمعون إلى هذه السورة أو الآية، أو لأوَّل مرة يسمعون هذا الحديث مع أنه مشهور؛ ولكن لأنَّ فَهْمَهُمْ له كان خاطئًا، أو لأن الخطيب عرض لهم استنباطات جديدة، ومعانيَ مفيدة لم يعلموها من قبل.
الأخلاق والآداب: وهي باب طويل عريض، وفيه كتب متخصصة كثيرة، متقدمة ومتأخرة.
من قصص القرآن والسنة: ويمكن أن يلحق بفِقْرة (4) ويمكن أن يفصل عنها، ويكون هنا خاصًا بالقصص، وما سبق ذكره في غير القصص.
السير والتراجم: يختار شخصية بارزة، ويلقي الضوء على صاحبها، وأسباب بروزه واشتهاره، والاستفادة من أقواله وسيرته. سواء كان من الصحابة - رضي الله عنهم - أم من التابعين لهم بإحسان، أم من العلماء المشاهير قديمًا وحديثًا.
السيرة النبوية ومعارك الإسلام: يختار حدثًا أو معركة يتحدث عنها أو عن جانب منها، ويستخرج من ذلك الدروس والعبر.
موضوعات فكرية: ويذكر فيه المستجدَّات من الأفكار والمصطلحات والأحداث وموقف الشرع منها، كالديمقراطية والعلمانية والحداثة، والحضارة الغربية وموقف المسلم منها..
الفتن والملاحم وأشراط الساعة: وكل فتنة أو ملحمة أو علامة من علامات الساعة الكبرى، صالحة لأن تكون خطبة مستقلة؛ بل ربما أكثر من خطبة؛ لغزارة ما فيها من نصوص ومعلومات شرعية.(/6)
القيامة وأحوالها: وفيها من الموضوعات شيء كثير: الصراط، الميزان، البعث، الحساب، القنطرة، الحشر، الديوان... كذلك الجنة والنار، وفيهما موضوعات كثيرة: وصفهما، وصف أهلِهما، أعمال أهلهما، الطريق الموصلة إليهما.
المواعظ والرقائق: وهو باب واسع أيضًا.
هذه بعض الموضوعات الكلية، ويمكن تقسيم كل موضوع منها إلى موضوعات جزئية، في كل موضوع منها خطب كثيرة.
فالخطيب إذا عمل هذا التقسيم، ورتّبه في خطة محكمة بحيث يتعرض في كل جمعة لموضوع من هذه الموضوعات استفاد الفوائد التي ذكرتها آنفًا، إضافة إلى أنه يعلم الناس مجمل الشريعة، ويطلعهم على ما يحتاجون إليه في معادهم ومعاشهم. ويريح نفسه بحصر ذهنه عند الاختيار في موضوع واحد، بدل التشتت في موضوعات كثيرة.
والملاحظ: أن كثيرًا من الخطباء - ممن لا يراعون مثل هذا التقسيم والتنظيم - تنحصر خطبهم في موضوعات قليلة. ولربَّما أن بعضهم لم يتعرض لموضوع من هذه الموضوعات الكلية المهمة طيلة حياته الخطابية، التي قد تمتد إلى عشرات السنوات. والسبب أن كثيرًا من الموضوعات قد تغيب عن باله إذا لم يكن لديه خطة مكتوبة يسير عليها.(/7)
ومن الملاحظ أيضًا: أن كثيرًا من الخطباء يطرح موضوعات عامة، لا يتأثر بها المصلون، ولا يتفاعلون معها، ولربما كانت معلوماتهم فيها أثرى من معلومات الخطيب؛ فمثلاً في الحديث عن القيامة وأحوالها، تجد أن كثيرًا من الخطباء يريدون استيعاب يوم القيامة بأحواله وما يجري فيه في خطبة واحدة! وهذا غير ممكن، ويؤدي إلى التطويل والتشعب والمشقة على السامعين، كما يؤدي إلى العمومية والسطحية في الطرح، وضعف المعالجة كما هو مشاهد. فيوم القيامة كألف سنة مما تَعُدُّون كما هو نص القرآن، فكيف يريد الخطيب أن يختزل الحديث عن أحداث ألف سنة في نِصْفِ ساعة أو أقل؟! لكن لو قسم أحواله وأهواله، وخصّ كل حال منها بخطبة؛ لكان أعمق في طرحه ومعالجته، وأوسع في معلوماته، وأكثر فائدة وتأثيرًا في السامعين، وهكذا يقال في بقية الموضوعات.
تتابع الخطب في موضوع واحد:
يحلو لبعض الخطباء التركيز على موضوع من الموضوعات العامة، وعمل خطب كثيرة فيه تطرح تباعًا لفترة تطول أحيانًا وتمتد إلى سنوات، وتقصر أحيانًا بحسب ما عنده من مادة علمية في الموضوع الذي يطرحه.
وكثير ممن يختطُّ هذه الطريقة ينوّه في آخر الخطبة بأنه سيكمل بقية الموضوع في الخطبة التالية، ويرى أصحاب هذا المسلك أنه مفيد من جوانب عدة:
تشويق السامعين إلى الجمعة القادمة.
ربط موضوعات الخطب بعضها ببعض.
أن طرح موضوع كلي بهذا التسلسل أنفع للناس؛ فتكون الخطبة درسًا علميًّا إضافة إلى كونها خطبة، وأعرِفُ مِنَ الخُطَبَاءِ مَنْ حَصَرَ خُطَبَهُ في التفسير فقط سنواتٍ عدة، قد تزيد على عشر سنوات، وغيره حصرها في السيرة النبوية وهكذا.
وبعضهم يأخذ جانبًا معينًا كموضوع تربية الأولاد، أو أشراط الساعة، أو نحو ذلك، ويخطب فيه عشر خطب متتابعة أو أكثر، ثم ينتقل إلى موضوع آخر.(/8)
والذي يظهر لي أن الجمود على فن من الفنون كالتفسير أو السيرة.. أو على موضوع من الموضوعات، بحيث تكون الخطب فيه متوالية ليس حسنًا لما يلي:
أنه غير مأثور عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم أقِفْ - فيما اطّلعت عليه من سنته - أنه كان يقول لأصحابه - رضي الله عنهم -: سنُكْمِلُ في الخُطْبَةِ القادِمَةِ، أو موضوع الخطبة القادمة كذا، أو كان يذكر موضوعاتٍ مُتَوالية في فنٍّ واحد؛ بل المحفوظ من هديه - عليه السلام - أنه يذكر ما يحتاج الناس إليه، وما يُصْلِحُ شؤونَهُم، وهذا يكون متنوعًا في الغالب؛ لأنَّ حاجات الناس مختلفة باختلاف أفهامهم واهتماماتهم وأعمالهم. قال ابن القيم - رحمه اللهُ تعالى -: "وكان يُعَلم أصحابه في خطبته قواعد الإسلام وشرائعه، ويأمرهم وينهاهم في خطبته إذا عرض لهم أمر.. وكان يأمرهم بمقتضى الحال في خطبته؛ فإذا رأى منهم ذا فاقة وحاجة أمرهم بالصدقة وحضَّهم عليها... ".
وقد يُعْتَرَضُ على هذا بأنَّ أساليب الخطبة ووسائلها، والطريقة التي يختارها الخطيب اجتهادية، وليست توقيفية حتى يشترط أن يكون كل شيء فيها مأثورًا، وهذا محتمل، ولا سيما أن الفقهاء - فيما أعلم - لم يشترطوا تَجَنُّبَ ذلك في الخطبة لما ذكروا أركان وشروط الجمعة والخطبة.
وقد يجاب عن هذا الاعتراض بأنَّ دواعِيَ ذلك موجودة على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يفعله، والقاعدة أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا ترك شيئًا مع توافر دواعي العمل به عُلم أنه قَصَدَ تركه. ولعل الأمر واسع في هذه المسألة، ولها حظ كبير من الاجتهاد والنظر.
أنه قد يُؤَدّي إلى عكس ما أراده الخطيب من التشويق؛ لأنهم عرفوا الموضوع الذي سيخطب فيه سلفًا. والإنسان بطبعه يميل إلى اكتشاف المجهول، ويحب المفاجأة في مثل هذا الأمر.
أن هذه الطريقة تقيّد الخطيب، وتجعله محصورًا في فنٍّ واحد على حساب فنون أخرى يحتاج الناس إليها.(/9)
أن ما يستجد من أحداث يُربك خطة هذا النوع من الخطباء؛ فإما أن يخطبوا عما استجد، ويقطعوا سلسلتهم المتصلة في موضوع واحد، وإما أن يهملوا ما يحدث، وهذا غير مقبول عند السامعين.
أن من المصلين من لم يحضر الخطبة الماضية، وقد يكون فَهْمُ الخطبة الحاضرة مبنيًّا على حضور الماضية؛ فيقل انتفاع هؤلاء بالخطبة.
أن الخطيب قد يعرض له عارض من سفر أو مرض أو نحوه، فلا يستطيع الخطابة وإكمال الموضوع الذي ابتدأه؛ فيكون الموضوع مبتورًا.
لهذه الأسباب وغيرها أرى أن تلك الطريقة ليست حسنة، خاصة في المساجد العامة التي في المدن؛ لكن لو كان المسجد خاصًّا في مزرعة مثلاً أو قرية لا يحضر فيه غير أهلها فإنَّ كثيرًا من المفاسد المذكورة آنفًا قد ترتفع. ومع ذلك فلا أجد ميلاً لتلك الطريقة؛ لأنَّ الخطبة ليست درسًا، وبإمكان الخطيب أن يضع درسًا في مسجده، وتكون خطبه فيما يحتاجه الناس في معاشهم ومعادهم.
وما من موضوع يرى الخطيب أنه طويل ويريد تغطيته إلا ويستطيع تجزئته بطريقة أو أخرى بحيث لا يحتاج إلى جعله موضوعات متتابعة.
وبكل حال فإن حرص الخطيب، وجدّه في اختيار موضوعات خطبه، واستفادته من الخطباء الآخرين سيُعِينُهُ في هذا المجال كثيرًا. كما أنَّ اطلاع الخطيب، وغزارة علمه، واجتهاده في تحصيل العلم وطلبه، ومعرفته بأحوال الناس، وتلمُّس حاجاتهم، وقربه منهم؛ يجعله قريبًا من قلوبهم، عارفًا بهمومهم، قادرًا على معالجة مشاكلهم، في كل أسبوع يصعد درجات المنبر، ويخطب فيهم وهم له منصتون.
وإذا كان الخطيب كذلك فإن المصلين سيشتاقون إلى الجمعة، وينتظرون خطيبهم برغبة كبيرة، ويفرحون بإطلالته عليهم؛ مما يجعل الخطيب قريبًا من مستمعيه، وهذا حقيق بأن يجعل الخطبة تؤتي ثمارها، وتظهر فائدتها التي شرعت من أجلها.
---(/10)
[1] هذه حكاية للحال، ولا يعني ذلك عدم الحديث عن تلك الغزوة إلا في رمضان؛ بل ينبغي أن يكون الحديث عنها في رمضان، وفي غيره بحسب الحاجة إلى الحديث عنها، وهكذا كل الغزوات والمناسبات الأخرى، لا يظهر لي مانع من الحديث عنها في أي وقت، ويراعى في ذلك حاجة الناس إلى الموضوع. ومن غير المناسب الحديث عن المناسبة في غير وقتها؛ كالحديث عن فضائل شهر رمضان في شهر شوال!!(/11)
العنوان: كيف تروضين طفلك كثير الحركة؟
رقم المقالة: 594
صاحب المقالة: د. دعاء العدوي
-----------------------------------------
تشكو بعض الأمهات النشاطَ الزائد لطفلها، وتتساءل هل هذا النشاط طبيعي؟ وكيف يمكن تهذيبه؟
ولكل الأمهات نقول: خلق الله - سبحانه وتعالى - للطفل العديد من الطاقات، منها الطاقة الحركية، وليس من السهل أن نكبت هذه الطاقة داخل الطفل، ولكن بإمكاننا تهذيبها، وفق استعدادات الطفل.
وهناك التباس بين النشاط العادي لأي طفل والنشاط الزائد، فاللعب والحركة، مطلبان طبيعيان، وعنصران أساسيان من عناصر النمو الجسماني، والنفسي، والذهني، والاجتماعي للطفل، ولكنهما ينبغي أن يكونا في حدود المعايير الطبيعية، وإلا انقلبا إلى مرض هو ما يطلق عليه اسم "فرط النشاط"
والطفل الذي يعاني النشاطَ الزائد كمرض، ليس لديه القدرة على الراحة والاسترخاء، ويبدأ ظهور النشاط المفرط في سن الثالثة تقريباً، ولكنه يتضح بصورة جلية في سن دخول المدرسة؛ حيث يكون الطفل كثير الحركة، والقلق، والتململ، ويكون اندفاعياً في تصرفاته قليل التركيز، شارد الذهن، وغير قادر على توطيد صداقات، ولا يستطيع الجلوس طويلاً في مكان واحد.
صفات وأعراض النشاط الزائد:
قد يصاحب الطفلَ ذا النشاط الزائدِ بعضُ الصفات منها:
* تغير المزاج وعدم استطاعة التحكم في الانفعالات.
* عدم الثقة في النفس.
* عدم القدرة على اتخاذ القرار.
* السلبية وسرعة الشكوى، والغضب، والاكتئاب أغلب الأوقات.
* الاتجاه إلى العناد عند المعاقبة بشدة.
* حركة مستمرة مع عدم الجلوس إلا بمصاحبة الاهتزاز، والقفز.
* عدم التركيز لفترة كبيرة.
* عدم التكلم بطريقة جيدة (صوته عال – يتكلم كثيراً – يقول كلمات غير واضحة – صراخ فجائي – أحياناً يتهته – يقاطع المحادثات – يبدو شارداً في الكلام).
* عدم النوم بسهولة والتقلب كثيراً أثناء النوم، وأحلامه عبارة عن كوابيس وقد يبكي أثناء النوم.(/1)
أسباب النشاط الزائد:
من أهم أسباب النشاط الزائد للطفل: أن الطفل عادة يبحث عن اهتمام أبويه, ولفت انتباههم ولو بارتكاب الأفعال الخاطئة، والمشاغبة ليشعر بحبهم واهتمامهم حتى لو تعرض للضرب، وقد يدفعه حب الاستطلاع، واكتشاف ما حوله من أشياء بفكها، وتركيبها؛ فهو يمارس حقاً طبيعيا ليكتشف البيئة من حوله.
وأما الأسباب العامة لفرط النشاط لدى الأطفال، فهي متعددة؛ فقد تكون طبية كالأنيميا المزمنة، والأنيميا الوراثية، وضعف الغدة الورقية، ونقص السكر في الدم، والتسمم بالرصاص، والإصابة بالطفيليات، وضعف النظر والسمع، وإصابات بالمخ (أثناء الحمل – الولادة)، والحوادث التي تؤثر على الجمجمة.
وقد تحدث نتيجة لإصابة الطفل بالأمراض المعدية، خاصة الأمراض التي تؤدي إلى إصابة المخ مثل: الحمى الشوكية، والحميات المختلفة التي قد تؤثر في المخ إذا لم تعالج في الوقت المناسب بالعلاج السليم.
وتعد الوراثة والأمراض النفسية الناتجة عن تفكك الأسرة أو التعرض لحوادث خطرة، أو مواقف مؤلمة من العوامل المؤدية إلى إصابة الطفل بفرط النشاط.
وقد تتسبب بعض الأطعمة والمواد الحافظة في تطور وزيادة المرض لدى الأطفال المصابين لذا ينصح بتزويد الطفل بغذاء صحي خالٍ من الصبغات الصناعية للمواد الحافظة.
طرق العلاج:
هناك الطرق العلاجية النفسية لتحويل، وتبديل السلوكيات، وتطوير المعرفة، وكيفية تعامل المدرسة مع الطفل، وإن أمكن وضعه في أحد فصول التربية الخاصة المزودة بكوادر فنية تعني بكيفية التعامل مع هؤلاء الأطفال.
وللتعامل مع هذه الحالة يجب على الطبيب المعالج والأبوين، أن يجلسوا معاً للوقوف على متطلبات هذا الطفل اجتماعياً وتربوياً وعلمياً؛ لكي يدرك الأبوان كيفية التعامل مع الطفل، ويجب على الأبوين أن يعيدا ترتيب أثاث المنزل بما يتناسب مع نشاط الطفل الزائد، وإبعاد الأشياء سهلة الكسر والآلات الحادة عن متناول يديه.(/2)
خطوات علاجية ينصح بها الخبراء:
* أن نضع برنامجاً تربوياً لتفريغ هذه الطاقة وإلا فإنه سوف يرتجل اللعب فيصبح – بالفعل - (طفلاً مشاغباً) خاصة إن كان كل أصدقائه هكذا فإنه يكتسب العديد من الارتجالية في اللعب.
علينا أن نعلم الطفل مهارة تناسب سنه.
* نحاول أن نشغل وقت فراغه، وامتصاص حب الاستطلاع عنده بطريقة تربوية بأن نختار أنواع من الألعاب تتميز بالفك والتركيب (مثل المكعبات)، وتذكري أن (النفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل ) فما بالك بالطفل المسكين الذي لا يجد من يشغل له وقت فراغه.
* حتى ندرب الطفل على التركيز، والجلوس الهادئ علينا أن نقدم له بعض الألعاب الشيقة المتنوعة، ونجلس معه في البداية لنشرح له مضمون هذه اللعبة؛ حتى يرتبط بالجلوس أكثر، ولا يجوز أن نبدأ بتعويد الطفل على الجلوس فترة طويلة بتقديم شيء يحتاج إلى كتابة أو مجهودٍ ذهنيٍ كبيرٍ حتى لا يمل.
* نشجعه على الأعمال الحسنة وهذا ما يدفعه إلى القيام بها.
* حاولي ألا يكون رد فعلك على الأعمال السيئة كبيراً؛ حتى لا يكرر العمل مراراً ليشبع رغبته في لفت الأنظار.
وبتقدم سن الطفل يبدو أقل نشاطاً، ولكنهم يظلون يعانون المرض عند البلوغ، إلا أن النضج النفسي والاجتماعي، يساعدهم على توجيه هذه الطاقة الغير عادية إلى سلوكيات مقبولة في المجتمع باشتراكهم في الأنشطة الرياضية المختلفة، والعمل في الوظائف التي تتطلب نشاطاً غير عادي.
ونسبة كبيرة من الأطفال ذوي النشاط الزائد يقل لديهم هذا النشاط الزائد، ويصبحون أكثر تركيزاً بتقدم السن تقريباً، وما يتراوح بين ثلث ونصف الأطفال المصابين بفرط النشاط، يصبحون طبيعيين لا فرق بينهم وبين الآخرين عندما يصلون إلى سن الشباب.(/3)
العنوان: كيف تستعد للامتحانات؟؟
رقم المقالة: 928
صاحب المقالة: خاص: الألوكة
-----------------------------------------
كيف تستعد للامتحانات؟
نصائح ووصايا.. للنجاح
الامتحانات موسمٌ يتكرر, ولقاءٌ يتجدد، وهي مصدر قلقٍ وتوتُّر ورهبة لبعض الطلاب المقصِّرين في الاستعداد لها باكراً، وفرصةٌ سانحة للمراجعة وتثبيت المعلومات عند الجادِّين من الطلاب، وهي أيضاً لحظاتُ استنفار، وأيام اجتهاد، لكل المعنيِّين بها: الطالبِ، والأسرة، والقائمين عليه؛ فعليها يتوقَّف ثمرةُ المجهود, وحصاد العام، يبدي الطالب فيها حصيلته، ويظهر حقيقة ما اكتسبه.
والحقيقة الواضحة أن الكثير من الطلاب لا يعبؤون بالدراسة الجادة والمذاكرة الحقيقية إلا قبيل الامتحان بأسابيع قليلة! فيحاولون فيها استدراك ما سلف من الإهمال، وإصلاح ما انكسر من الأعمال، فتراهم ينعزلون، ويجتهدون، ويسهرون طويلاً ،وربما استعانوا بالمنبِّهات -كالشاي والقهوة- ظناً منهم أنها تنفعهم، وليست في الحقيقة كذلك؛ بل تؤثر سلباً على كفاءتهم الجسمية والعقلية.
وبسبب العجلة، التي يعيشها هؤلاء الطلاب في هذه الحالة، والهلع والخوف الذي يعتريهم من شبح الامتحانات؛ يخطئون كثيراً في السلوك الصحيح والتعامل السليم مع حالتهم هذه، فيذهب كثير من الوقت والجهد هباءً دون فائدة.
وحتى لا يتعلل هؤلاء الطلاب بأن الامتحان كان صعباً، أو أن تصحيحه كان غير عادل؛ يقدِّمُ الخبراءُ التربيون نصائحَهم ووصاياهم للتعامل السليم مع هذه الحالة، والخروج منها بأكبر الفوائد.
كيف تستعد للامتحان؟
الاستعداد للقيام بعمل ما أمرٌ طبيعيٌ قبل الإقدام عليه؛ فالمسافر يستعد للسَّفر بإعداد أمتعته، والرياضيٍّ يستعدُّ بالتَّدريب الجسمي والنفسي المتواصل قبل دخول المبارايات أو المسابقات.(/1)
وهكذا الأمر بالنسبة للطالب، فقبل دخوله الامتحانات؛ لا بد له أن يستعدَّ عقليّاً ونفسيّاً وجسميّاً لها, وإلا يصبحْ مَثَلُه كمَثَلُ الجنديِّ الذي يدخل الحرب بغير سلاح.
والاستعداد للامتحان أمرٌ يعتمد على الطالب أوَّلاً وأخيراً, وأهمُّ شيءٍ: بَدءُ الاستعداد في الوقت المناسب, حَسَب تقديره لحجم العمل المطلوبِ إنجازُه.
ولكي يساعدُكَ (موقعُ الألوكة) في ذلك؛ نقدِّم لكَ فيما يلي عشْرَ وصايا لاتِّباعها والعمل بها؛ حتى يتحقَّقَ لكَ النجاحُ والتفوُّقُ - بإذن الله تعالى.
وصايا ونصائح الخبراء
قبل أن نشرع في ذكر هذه الوصايا والنصائح؛ يجب عليك-أخي الطالب- أن تكون مستحضراً نيتك الخالصة لله تعالى فيما تقدم عليه من الامتحان، متوكلاً عليه، سائلاً منه وحدَه التوفيقَ والسداد، فإنه هو الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
1- هدِّئ من روعك، وأبعد عنك التوتُّرَ والقلقَ، وزِدْ من ثقتِكَ بنفسِكَ، ولا تستسلمْ لأحلام اليقظة، أو الشُّرود الفكري.
وحاول دائماً أن تتحلَّ بالشجاعة، والصبر، والهمة العالية، والثقة بالنفس، والتفاؤل بالنجاح؛ عند مذاكرة دروسِكَ، ولا تفكِّر في أيِّ شيءٍ بعيدٍ عنها؛ لأن "الوَسواس" لا يحلو له أن يهاجمكَ إلا عندما تستغرق في عمل شيءٍ؛ ليصرِفَكَ عنه. وهذا يحدث لكثيرٍ من الطُّلاب، كما يحدث لكثيرٍ من البشر، بل يحدث لكثيرٍ من المصلِّينَ في صلاتهم؛ ليُفسد لهم صلاتهم، ولذلك أمرَنا دينُنا أن نأخذ حِذْرَنَا، ولا ندَعَ الوساوسَ تشغلُنا عن عملنا، أو تحوِّلُنا عن هدفنا.
ومما يساعدُكَ في ذلك: ألا تَرْكَنَ للرَّاحة مدَّةً طويلةً في مقعدِكَ، وعندما تشعر بالكسل أو الشرود؛ اخرج قليلاً إلى الشُّرْفة؛ حيث الهواء الطَّلقُ، أو تناولْ بعضَ المرطِّبات أو العصائر، ويمكنك تناول الشَّاي أو القهوة؛ لكن لا تسرفْ فيها، ولا تتناولْ أيَّ أدويةٍ، إلا باستشارة الطَّبيب.(/2)
2- من أحسن أساليب الإعداد للامتحان: أن تلخِّص دروسَك، وكلَّ قراءاتِكَ المتعلِّقة بالمقرَّر في صفحاتٍ قليلة. وهذا يدفعكَ إلى النَّظر إلى المادَّة بإطارها العام، كما يدفعكَ إلى معرفة أهمِّ المعلومات التي تحويها.
3- راجع دروسكَ باستمرار، بطريقةٍ منظّمةٍ؛ راجع كلَّ الموادِّ الدِّراسية التي درستَها، وراجع كلَّ ما جمعتَهُ ولخَّصْتَهُ من أجل الدِّراسة، ولتكنْ مراجعتُكَ الأولى دقيقةً متمهِّلةً، ثم أسرع في المرَّات التالية.
تأكد أنَّكَ تفهمُ ما تقرأ، وأنك تستوعب مقصودَه، وإذا بدأتَ المراجعةَ فلا يُستحسَنُ أن تقرأ في مراجعَ أو مصادرَ جديدة؛ لأن القراءة الجديدة في اللحظات الأخيرة قلَّما تُستَوْعَبُ، وقد تُشوِّشُ ذاكرتَكَ.
4- راجع بإيجابيةٍ، لا بسلبيةٍ! لأن المراجعة تعني شيئاً أكبر من مجرد إعادة القراءة، أو المرور مروراً سريعاً على المذكِّرات والملخَّصات.
والمراجعة الإيجابية هي مراجعةٌ نشِطَةٌ فعَّالةٌ، تتفاعلُ فيها أنت مع المادَّة الدِّراسية تفاعلاً فكرياً نقديّاً تساؤليّاً.
ولتهتمَّ في مراجعتكَ بالمفاهيم والمصطلحات، والقوانين والنظريات، والأدلَّة والحُجَج والبراهين. ولخِّص مذكراتِكَ على بطاقات صغيرة؛ لترجع إليها من حين لآخر.
5- تعلَّم كيف تسترجع وتستخدم معلوماتِكَ، درِّب نفسَكَ على استرجاع الأفكار من عقلِكَ، وعلى استخدامها، وعلِّم نفسك كيف تربط الأفكارَ بعضَها ببعضٍ، وكيف تربط بينها وبين النظريات والقواعد والقوانين.
6- اهتمَّ بالمراجعة التعاونية؛ فمعظم الطلاب يراجعون دروسهم وحدهم، وبعض الطلاب يقلقون ويحزنون؛ لأنهم تخلَّفوا عن الرَّكْبِ! في حين أن طلاباً آخرين يفضِّلون مراجعة دروسهم مع بعض زملائهم.(/3)
ولهذه المراجعة التعاونية أهميَّتُها؛ فعندما تتدارسُ أسئلةَ المراجعة مع زملائكَ؛ تُحسُّ أنكَ لست وحيداً، وتتفاعل فكرياً مع زملائك، وتستطيعُ أن تعلِّق على نحو بنَّاءٍ على إجابات الآخرين، وتستطيعُ أن تحدِّد مستواكَ مقارنة بمستوياتهم، وهذا يحمِّسُكَ على العمل المتواصل، وبزيد من الثقة بالذات والتفاؤل لديك، وكذلك الأمر بالنسبة للآخرين. فضلاً عن أن هذه الطريقة فيها اقتصاد في الوقت.
7- احرص على جدول زمنيٍّ متوازن للمراجعة، وهذا يعني أن توزِّع مراجعاتِكَ على أكثر من مادةٍ كلَّ يوم، ولا تكتفِ بمراجعة موضوعاتٍ قليلة من مادَّةٍ واحدةٍ.
واحرص -في جدولِكَ الزمنيِّ- على التَّوازن في مراجعة كلِّ الموادِّ، وإعطاءِ كلِّ مادةٍ حقَّها من المراجعة. واحرص -أيضاً- على إعطاء نفسِكَ حقَّها من الرَّاحة والاستجمام، وتذكَّرْ دائماً أنك تُعِدُّ نفسَك لثمرة أدائكَ يومَ الامتحان.
8- إن من أسرار النَّجاح في الامتحان أن تتمرَّس حلَّ الأسئلة التي وردت في الامتحانات السابقة، أو التي تواجهها أنتَ لدى دراستِكَ للمقرَّر.
ومن المعروف أن معظم الامتحانات تسير على نمط واحد تقريباً، وامتحاناتُ أيِّ عامٍ لن تخرج -غالباً- عن امتحانات الأعوام السابقة، وأداؤك لأيِّ امتحانٍ سابقٍ يزيلُ عن نفسِكَ رهبةَ الامتحان، ويقلِّل من توتُّرِكَ، ويَزيد من ثقتِكَ بنفسِكَ، وتَكرُّرُ تعامُلِكَ مع أسئلة الامتحانات السابقة يولِّد ُعندَكَ نوعاً من الأُلفة لها.
ولكن، كُنْ على حَذَرٍ دائماً من الكلمات والعبارات التي تُصاغ منها الأسئلة، ولا تفترضْ -في صياغة السؤال- أنه يَرِدُ دائماً بهذه الطريقة؛ لأن الممتحِنِين -عادةً- أذكياءُ في صياغة السؤال القديم بكلماتٍ وعباراتٍ جديدة.
ويمكنك الرجوع إلى أسئلة امتحانات الأعوام السابقة؛ فهي ستفيدك كثيراً.
9- درِّبْ نفسَكَ على التخطيط للإجابة، ووَضْعِ إطارٍ فكريٍّ لها سلفاً، قبل البدء بها.(/4)
إن تعلُّم مهارات الإجابة عن أسئلة الامتحانات يأتي بالممارسة والتمرين.
10- كن أميناً مع نفسك في أداء واجبك، وليكن لديك التوجه الإيجابي نحو الامتحانات، وإنك ستُوفَّقُ بمشيئة الله - عز وجل - وعونه.(/5)
العنوان: كيف تصبحُ سعيداً؟
رقم المقالة: 1420
صاحب المقالة: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
قام العالمُ النفسي (مارتن سليجمان) بموازنة مستوى السعادة في دولتين هما (البرازيل) و(أمريكا).. ومن المعروف ذلك البون الشاسع بين الدولتين في الوضع الاقتصادي؛ إذ تعيش نسبة كبيرة من البرازيليين تحت خط الفقر، في حين ينعم الأمريكيون بحياة فارهة.. لكن المدهش أن الفرق في مستوى السعادة كان ضئيلاً جداً.. أنا لا أقول إن الأثرياء هم قوم أشقياء كما كان يُقال لنا قديماً، فهذا ليس بصحيح، لكن الفكرة أنه لا يوجد علاقة بين الثراء وبين الشعور بالسعادة.. فالسعداء يقومون بأشياء لا يفعلها الأشقياء، وهنا يكمن الفرق.
تابع معي الأفكار التالية:
أولاً: اعتدتُ أن أذهب مع بعض الشباب في رحلات جماعية.. وفي إحدى الرحلات لم أستطع الذهاب مع (الشلة).. وعندما عادوا سألتُ صديقين كلا على حدة عن انطباعهما عن الرحلة.. ما أدهشني هو أنه على الرغم من أنهما ذهبا معا إلا أنهما رجعا بانطباعين مختلفين؛ فالأول قال: (كانت رحلة رائعة، واستمتعنا فيها كثيرًا، حيث ضحكنا ولعبنا وأكلنا، كنا نتمنى أن تكون معنا). أما الثاني فقال: (أوه! من الجيد أنك لم تحضر.. كانت رحلة سيئة؛ فالجو لم يكن صافياً، واللعب لم يكن مرتباً، والأكل لا تسألْ عن طعمه!). أليس شيئاً غريباً أن نمر بتجربتين متشابهتين ونخرج بشعورين مختلفتين؟!. السببُ وراءَ هذا الاختلاف هو الاختلافُ فيما نسميه (عتبة السعادة)، فهي مرتفعة جداً لدى الأشقياء، ومنخفضة لدى السعداء.(/1)
ثانياً: ما الذي يسعدُك؟ سؤال مهم للغاية.. فكثير من الناس لا يعرف بالضبط ما الذي يُدخل السعادة على قلبه، وإذا سألته ذكر لك نشاطاً أو اثنين؛ كالخروج مع الشباب، ولعب كرة القدم.. والواقع أن هناك الكثير من المناشط التي لم نستكشفها أصلاً لنجد هل ستُدخل السعادة علينا أو لا، فكم منّا ذهب يوماً للعب كرة السلة، أو المساعدة في عمل خيري جماعي، أو حضور أمسية شعرية، أو غير ذلك من المناشط التي حكمنا عليها مسبقاً أنها مملة وأهملناها؟.
وقسم آخر من الناس يعرف ما الذي يُبهجه، لكنه بسبب سوء تنظيم الوقت لا يملك الوقت لممارسة ما يُسعده. سألتُ أحد أصدقائي الشعراء يوماً: ما الذي يسعدُك؟ فقال: قراءة ديوان شعر، فقلت له: متى كانت آخر مرة قرأتَ فيها ديوان شعر؟ قال: منذ شهرين..!
فمع مشاغل الحياة نجدُ أنفسنا محرومين من ممارسة ما يسعدنا، ثم نسأل لماذا لا نشعر بالسعادة؟!
ثالثاً: اغرِف من مَعين السعادة الحقيقية التي تغمر القلب بالطمأنينة والروحانية والهدوء والسلام النفسي، وذلك عبر تقوية العلاقة بالله العظيم.. فما أجملَ الوقوفَ على بابه والالتجاءَ إلى ركنه.. قم بتأدية ما يقوّي هذه العلاقة؛ كأداء ركعات في الليل، أو ترطيب لسانك بالذكر، وعبر أداء بعض أعمال الخير سراً.. يقول الإمام الجنيد رحمه الله: لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من سعادةٍ لجالدونا عليها بالسيوف.
رابعاً: فرضت علينا العولمةُ صورةً وحيدة للسعادة، وهي الانغماس في عدد لا يحصى من اللذائذ المؤقتة؛ كتناول وجبة مميزة (وغالية الثمن طبعاً)، والسفر إلى أقاصي الأرض بحثاً عن الترفيه، والشراء الذي لا حدود له من الملابس والحوائج الاستهلاكية الأخرى. وصرفت انتباهنا عن بناء حياة طيبة، حياة لها معنى، حياة نترك فيها بصمتَنا الخاصة عبر الكثير من النشاطات التي نحبها ونبرع في أدائها، والتي تترك أثراً جميلاً في أنفسنا وفي من حولنا.(/2)
لكي نملأ حياتنا بالسعادة لا بد أن نبتكر لأنفسنا رسالةً وهدفاً. إننا بحاجة إلى أن ننظر إلى الدنيا على أنها فرصة لكي نُظهر فيها أفضلَ ما نمتلك من مزايا ومهارات، ونحول أحلامنا إلى واقع نعيشه، وبذلك نبني عالماً يحلو لنا ولغيرنا العيشُ فيه. وليس النظر إلى الدنيا وكأنها (عالم ديزني) حيث الجريُ وراء اللذائذ التي لا تنتهي.. نأكلُ أكثر لنجوع أكثر!
خامساً: من الملاحظ أن ما نملكه وما حققناه من إنجازات غالباً ما يصبح مثل اللوحة نعلقها على الجدار، نستمتع بها لمدة معينة، ولكنها سرعان ما تصبح جزءاً من الجدار نفسه، لا نراها ولا تحظى بانتباهنا، وتتحول إلى جزء من الكنوز الكثيرة المنسية التي نملكها. يجب أن نعيد النظر فيما نملكه لكي يمنحنا قدراً كبيراً من السعادة والشعور بالرضا. وكما جاء في المثل القديم: الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى. ولا أدري لماذا لا يراه إلا المرضى! بل ينبغي أن أراه وأنا صحيح معافى، وأشعر بالغبطة لأني أملك هذا التاج، وأشكر الله الكريم كل صباح على نعمته وفضله. هذا لا ينطبق على الصحة فقط، بل إننا مُتوّجون بأنواع كثيرة من الأكاليل التي يمكن أن تمنحنا السعادة والسرور لو أعدنا النظر إليها من جديد.
سادساً: سجِّل تلك اللحظات والمواقف التي شعرت فيها بمشاعر إيجابية جميلة، سجلها على الورق، وقم بالعودة إليها وقراءتها، وتلميعها في ذهنك واستذكارها والتلذذ بها عبر إخبار أصدقائك وأحبابك عنها.
سابعاً: تذوق متع الدنيا: أعط انتباهك للّحظات الجميلة خلال يومك، استمتع بدفء الشمس وأنت تخطو من الظل إلى الشمس، استمتع بلذة شراب البرتقال، استمتع بجمال عبارة شاعر أو خطيب، وهكذا.. خذ صورة ذهنية لمثل هذه اللحظات الممتعة، واحتفظ بها لاستعادتها في اللحظات الأقل سعادة.(/3)
ثامناً: قم بأعمال لطيفة ويسيرة؛ قم بها بشكل عفوي.. (اسمح لشخص أن يتقدم عليك في الدور أمام المحاسب)، (افتح الباب لشخص ما للدخول قبلك)، وبشكل منتظم أيضاً (قدم وجبة عشاء لجاركم المسن مرة في الأسبوع). عندما تكون لطيفاً مع الآخرين من معارفك أو من الغرباء، فهذا سيحفز لديك سيلا من المشاعر الإيجابية. ستشعر بالكرم والقدرة والحميمية مع الآخرين، وستكسب احترامَ وتقديرَ الآخرين وابتسامتهم.
تاسعاً: اعترِف بالفضل للآخرين: عندما يُسدي لك أحدُهم نصيحة، أو يقوم بتصرف يسعدك، لا تتردد بأن تذهب لتقدم له الشكر على أنْ أمتعَك بلحظات جميلة: (اشكُر إمامَ المسجد لأنه يمتعك بصوته الندي عند تلاوته للقرآن)، (اشكر شرطيَّ المرور على جهده في تنظيم السير)، (اشكر عامل النظافة على جودة عمله)، وهكذا.
ختاماً: السعادةُ ليست كنزاً بعيداً عليك أن تبحث عنه، إنها أقرب من ذلك.. في داخلك.. في أعماق قلبك. وكل ما تحتاجه هو أن تصل إليها. السعادة تكمن في أن تعيش في اتفاق وود بين روحك وعقلك في اللحظة الآنية. فلن تصل إليها إذا جعلتها جزءاً من مستقبلك. فالسعادة ليست هدفاً، بل قرار مفاده: أن تعيش سعيداً هانئاً، أن تنظر إلى ما حولك بنظرة جديدة، وأن تتعامل مع الأشياء بأسلوب مختلف.
قابلتُ الكثيرين ممن ينتظرون الحصول على السعادة بعد أن يصلوا إلى ما يحلمون به: "لو امتلكتُ كذا.. لو حصلتُ على كذا فسوف أكون سعيداً". مثل هؤلاء لن يصلوا إلى السعادة. اجعل السعادة جزءاً من الطريق، جزءاً مما تقوم به كل يوم، وليست هدفاً تتمنى الوصول إليه. انظر إلى كل يوم جديد على أنه فرصة جديدة لكي تستمتع وتتعلم وتستكشف أشياءَ جديدة ولحظات جميلة ومواقف رائعة مع الآخرين.(/4)
العنوان: كيف تعد خطبة الجمعة؟!
رقم المقالة: 1256
صاحب المقالة: الشيخ إبراهيم الحقيل
-----------------------------------------
كثير من الخطباء لا يكتبون خطبهم التي يلقونها على الناس، ويكتفون بالارتجال - وبعضهم يضع عناصر أو رؤوس أقلام في ورقة صغيرة - أو بأخذ خطب غيرهم، وذلك باستعارتها أو تصويرها من كتبهم.
ومن سيئات الارتجال: أن الخطبة تُنسى وتَدْرس بانتهاء إلقائها، وبعض الخطباء المتميزين تسجل خطبهم وتباع في التسجيلات، وهذا أيضًا يحفظها مدة معينة، ثم تضيع بعد ذلك.. ولو سألت عن محاضرات أو خطب سجلت وانتشرت، وطارت في الآفاق قبل عشر سنوات لما وجدت لها أثرًا لا عند الناس، ولا في التسجيلات إلا عند بعض من يهتمون بحفظ مقتنياتهم، وهم قليل، ومع قلتهم أنّى لك العثور عليهم؛ لكنك لو سألت عن كتاب طبع قبل خمسين سنة أو أكثر، فالظَّنُّ أنك ستجده في المكتبات العامة، ومكتبات الجامعات، وعند أناس كثيرين.
وهذا يدلنا على أهمية الكتابة في حفظ جهود المحاضرين والخطباء؛ بل وطلاب العلم والعلماء. فكم من عالم طار صيته في الآفاق، إذا قرأت ترجمته عجبت من ثناء العلماء عليه، ليس له من التأليف إلا القليل؛ فكان أكثر نفعه مقصورًا على من حضروا زمنه، وتلقَّوْا عنه! وكم من عالم أَكْثَرَ من التأليف مع دقته وتحقيقه وجودة ما يكتب، فنفع الله تعالى الأمة بكتبه سنين عددًا؛ بل قرونًا متتابعة. وهذه كتب الأئمة: مالك والشافعي وأحمد والبخاري ومسلم وغيرهم، انتفعت بها الأمة منذ أن كتبوها في المائة الثالثة والرابعة إلى اليوم؛ بل وإلى ما يشاء الله تبارك وتعالى!!(/1)
إن الخطيب قد يُعد خطبة فيتقنها ثم تؤخذ منه فتُصوَّر وتوزع أو تطبع في كتاب، أو تُدخل في الشبكة العالمية (الانترنت) فيخطب بها مائة خطيب أو ألف خطيب أو أكثر في أنحاء مختلفة من الأرض؛ فينتفع بها خلق لا يعلم عددهم إلا الله – تعالى - لم يكن الخطيب وقت إعدادها يَتَصَوَّرُ انتفاع هذا العدد الهائل بها.
ولعلَّ ما سَبَقَ ذِكْرُه يدفع الخطباء إلى كتابة خطبهم، والعناية بإعدادها، مثل عناية المؤلف بكتابه؛ بل هم مُطالبون بما هو زيادة على ذلك؛ فإن المؤلف لا يستطيع أن يقرأ كتابه على عشرة ينصتون إليه باهتمام. والخطيب يقرأ خطبته التي كتبها على مئاتٍ يتعبدون الله – تعالى - بالإنصات إليه؛ وذلك من فضل الله - تعالى- على الخطباء، وواجب عليهم أن يشكروا الله - تعالى - على هذه النعمة العظيمة؛ وذلك بالإخلاص في إعداد الخطبة، والاجتهاد فيها، واحترام عقول من ينصتون إليهم، وإفادتهم قدر المستطاع.
لكل خطيب طريقته:
يختلف من يعدُّون خطبهم بأنفسهم من الخطباء؛ تبعًا لاختلاف اهتماماتهم، وعلمهم، وثقافتهم، ونوعية المصلين معهم، ومدى تفاعلهم مع الخطيب.
فبعض الخطباء يكتفي بأفكاره وخطراته عن الرجوع إلى المراجع والمصادر، ويخط بنانه ما يوحي به ذهنه وقت الكتابة، بغض النظر عن أهمية ما يكتب من عدمها، أو ترابط الموضوع من تفككه.
وبَعْضُ الخطباء يكتفي بمرجع واحد ينقل منه، أو يختصره ويُعدِّل عليه، ويرى أنه أحسن من غيره ممن لم يكتُبْ، أو كتب من ذهنه وخواطره.
ومن الخطباء من لا يكتب خطبته؛ حتى يقرأ في موضوعها عددًا من الكتب، ويراجع فيها مراجع كثيرة، وهؤلاء قلة، وفي الغالب أنَّ خُطَبَهُمْ تكون متميزة ومفيدة.(/2)
كذلك يختلف الخطباء في مدى اهتمامهم بالخطبة؛ فبعض الخطباء لا يفكر في موضوع الخطبة إلا ليلة الجمعة أو صباحها، أو قبل صعود المنبر بِوَقْتٍ غير كثير؛ بل إنني سمعت مرة خطيبًا في مجلس يفاخر بأنه يصعد المنبر، وليس في ذهنه موضوعٌ محدد، فيطرأ عليه الموضوع والمؤذن يؤذن، وهذا فيه استخفاف بعقول الناس، واستهانة بخطبة الجمعة، التي أولاها الشارع الحكيم عناية كبيرة.
بينما سمعت أنَّ بعض الخطباء المتميزين يبدأ تفكيره بموضوع الخطبة منذ نزوله من المنبر في الخطبة الماضية، وبين هذا وذاك مراحلُ متفاوتة من الحرص والاهتمام!
وقبل عرض مقترح لكيفية إعداد الخطبة، أحب التنبيه على أن الخطبة مثل الكتاب، والخطيب مثل المؤلف، ولكل كاتب أو خطيب أو مؤلف أو باحث طريقته في البحث؛ بيد أنَّ عرْضَ التجارب في هذه المجالات يحقق جملة من الفوائد لعل من أبرزها:
توجيه المبتدئ ومساعدته بإعطائه منهجًا مُجَرَّبًا في إعداد الخطبة.
قد تكون الطريقة التي أُعدُّ بها الخطبة فيها شيء من العسر، وهناك طُرُق أيسر منها، فحين أطَّلع عليها آخذ بها.
الإنسان في الأصل ناقص العمل، معرض للخطأ، والناس يكمل بعضهم بعضًا بتبادل تجارِبهم وخبراتهم، وفي اطلاعي على تجارِب الآخرين وطرائقهم في إعداد الخطبة تكميلٌ لنقص عندي، أو إصلاح لخطأ في طريقة الإعداد.
لهذا ولغيره فإنني أدعو كل خطيب أن يطرح على الخطباء طريقته في إعداد خطبته؛ حتى تتلاقح الأفكار، ويستفيد بعضنا من تجرِبة بعض، على أن لا يزعم الواحد منا أن طريقَتَهُ هي أحسن الطرق لكل الخطباء، فالطريقة التي تناسبني قد لا تناسبك، وقد أستفيد من تجرِبتك كلها أو من بَعْضِها ولو كان قليلاً، والمسألة اجتهاديَّةٌ، ومهارات الخطيب وثقافته وعلمه وذوقه عوامل مؤثرة في ذلك.
ويمكن عرض الخطوات اللازمة لإعداد الخطبة في الآتي:
1- اختيار الموضوع: وقد كتبت فيه مقدمة كاملة يمكن مراجعتها.(/3)
2- جمع النصوص والنقول والأفكار والعناصر للموضوع المختار، وبعد الجمع سيتضح للخطيب أن مادة الخطبة: إما أن تكون كثيرة؛ فيقسمها إلى أكثر من موضوع، وإما أن تكون مناسبة؛ فيكتفي بها، وإما أن تكون قليلة؛ فيزيد البحث في مظان أخرى، فإن ضاق عليه الوقت أجَّل هذا الموضوع، وبحث عن موضوع آخر تكون مادته متوافرة.
وينبغي في الجمع مراعاة ما يلي:
أ - البدء بالمصادر المتخصصة وجعلها أصلاً، ثم البحث عن مصادر أخرى مساعدة، فلو اختار مثلاً موضوع (الشكر)، يبدأ بالكُتُبِ المتخصِّصة في ذلك؛ ككتاب "الشكر" لابن أبي الدنيا، ثم يرجع إلى آيات الشكر في القرآن، وما قاله أهل التفسير، ثم الأحاديث وشروحاتها، ثم أبواب الشكر في كتب الآداب والمواعظ والأخلاق.. لأن الكتب المتخصصة في الموضوع ستكفيه ما يقارب ثلثي الموضوع أو نصفه على الأقل؛ فتخف عليه مؤنة البحث والتقصي. والكلام على مصادر الخطبة يحتاج إلى مقدمة مستقلة.
ب- أن ينطلق في عناصره وأفكاره من النصوص التي جمعها؛ فذلك أدعى للإقناع، وأيسر عليه، وبعض الخطباء قد تقدح الفكرة في ذهنه فتعجبه فيكتبها، ثم يعيا في البحث عن دليل يعضدها، ويقنع السامع بها؛ فيضيع وقته هدرًا في ذلك، ثم يشعر باليأس، وربما توقف عن الكتابة، أو يذكرها بلا دليل فلا تقنع السامع، وربما كانت خاطئة وهو لا يدري.
ولذا فإن صياغة الأفكار، ووضع العناصر على ضوء النصوص والنقول التي جمعها يُؤمنه من الخطأ - بإذن الله تعالى - ويريحه من التعب، ويقنع المستمعين؛ وبناءً عليه فإن جمع النصوص والنقول يكون قبل وضع الأفكار والعناصر للموضوع.
3- بعد جمع النصوص والنقول يقدر كثرتها من قلتها بالنسبة لخطبته، فإن كانت كثيرة قسمها على أكثر من خطبة على ما مضى تفصيله في مقدمة سابقة.(/4)
4- بعد اختيار النصوص والنقول التي سيجعلها في خُطْبَتِه يضع لها عناصر مختصرة (عناوين تدل عليها) فمثلاً عنده نص وهو قول الله – تعالى -: {وَإِذْ تَأذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأََزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7]. يجعل له عنوانًا أو عنصرًا: (الشكر يزيد النعمة).. وهكذا في بقية النصوص والنقول.
5 ـ يرتب العناصر التي وضعها بنصوصها حسب رؤيته التي يراها مناسبة لوضعها في الخطبة؛ فيجعل العناصر المترابطة متوالية.
فمثلاً في موضوع الشكر سيكون عنده عناصر في فوائد الشكر، وعناصر في عاقبة الكفر (كفر النعمة) وعناصر في نماذج للشاكرين، وعناصر في نماذج لمن كفروا النعمة.. فيضم العناصر بعضها مع بعض تحت موضوعاتها. ويكون هذا الترتيب بالترقيم والإشارة إلى العناصر لا بالكتابة من جديد؛ حتى لا يثقل على نفسه، ثم يسير في صياغة الموضوع على وَفْق الأرقام التي لديه، فلا يفوته شيء، ويكون موضوعه مترابطًا منسجمًا.
6 ـ بعد الفهرسة والترتيب يقرر ما للخطبة الأولى وما للثانية من العناصر المذكورة.
7 ـ ثم يبدأ بالصياغة حسب الخطة التي وضعها، والمادة التي جمعها.
وهناك أمور ينبغي التنبه لها أثناء الصياغة منها:
أ - الإخلاص لله – تعالى - في كتابته، واستحضار النية الخالصة، ومجاهدة النفس في ذلك؛ فلا تعجبه نفسه أثناء الكتابة، أو يتذكر مدح المصلين له، وماذا سيقولون عن خطبته؛ فإنه إن أخلص لله – تعالى - بارك الله في كتابته وجهده، ونفع به الأمة.
ب- أن يعيش مع الخطبة بقلبه، ويضع نفسه محل السامع، أي كأنه المخاطب بهذه الخطبة؛ لأن ذلك سيجعله يختار العبارات التي يرضاها ويحبها وتقنعه. فمثلاً لو كان يوجه نصيحة لواقعٍ في معصية معينة؛ فليضع نفسه مكان صاحب هذه المعصية، وكأنه المخاطب بهذا الخطاب، فذلك أدعى للتأثر، وأجود في انتقاء الألفاظ المناسبة.(/5)
وبعض الخطباء الذين لا يراعون هذه الناحية، تجدهم يترفعون على صاحب المعصية، ويخاطبونه من علو؛ فيكون عتابهم عنيفًا، ربما لا يقبله صاحب المعصية. لكنه لو وضع نفسه مكان صاحب المعصية، وبدأ بالعتاب فسيكون عتابًا رقيقًا، تقبله النفوس وتتأثر به.
ج ـ إن أَحَسَّ الخطيب أنَّ القلم لا يجاريه في الكتابة، وأنَّ أفكارَهُ مُشَتَّتَةٌ، وذهنه مشوَّشٌ فَلْيَتَوَقَّفْ عن الكتابة؛ حتى يزيل ما يشغله أو ينساه، ثم يعود إليها مرة أخرى.
د ـ إذا أشكلت عليه بعض الكلمات أو الجمل من جِهةِ إعْرابها أو صرفها أو دَلالتها على المعنى الذي يريده، أو كونها غير فصيحة فله خياران:
1- الرجوع إلى المعاجم اللغوية؛ للتأكُّدِ من صحة الكلمة، ومناسبتها للمعنى الذي أراده، أو سؤال من يعلم ذلك من أهل اللغة والنحو.
2- استبدال الكلمة أو الجملة التي يشك فيها بكلمة أو جملة أخرى يعلم صحتها، واللغة العربية غنية بالمترادفات من الكلمات والجمل.
وإن كنت أستحسن الطريقة الأولى؛ لكي ينمي الخطيب مهاراته اللغوية، وتزداد حصيلته من الكلمات والجمل.
هـ ـ العناية بعلامات الترقيم، وبداية الجمل ونهايتها؛ حتى يعينه ذلك على قراءة الخطبة بشكل صحيح، وعدم التعتعة والإعادة، وكثرة التوقف والتلكؤ.
أجزاء الخطبة:
أولاً: المقدمة: وهي التي يستهل بها الخطيب خطبته، ويهيئ السامعين لسماعها، ويجذبهم بها إليه. ونجاح الخطيب فيها كفيل بالنجاح في بقية خطبته؛ إذ إن عسيرات الأمور بداياتها.
وينبغي أن يراعي الخطيب فيها جملة أمور منها:
أ - أن تكون ذات صلة وثيقة بموضوع الخطبة، وممهِّدة له، ومهيِّئة الأذن لسماعه؛ قال ابن المقفع: "وليكن في صدر كلامك دليل على حاجتك".(/6)
وعلَّق عليه الجاحِظُ فقال: "فرِّق بين صدر خطبة النكاح، وبين صدر خطبة العيد، وخطبة الصلح، وخطبة الواهب؛ حتى يكون لكل فن من ذلك صدر يدل على عجزه؛ فإنه لا خير في كلام لا يدل على معناك، ولا يشير إلى مغزاك، وإلى العمود الذي إليه قصدت؛ والغرض الذي إليه نزعت"[1]·
ب- أن تَكُونَ مناسبة في طولها وقصرها لمجموع الخطبة، والملاحظ أن بعض الخطباء يطيل في المقدمة إطالة قد تستوعب أكثر الخطبة أو نصفها، وهذا قد يصيب السامعين بالملال، وربما يئِسوا من الدخول في الموضوع؛ فانصرفت أذهانهم عن الخطيب، وعكسهم من لا يعتنون بالمقدمة؛ فيشرعون في الموضوع مباشرة، ولم يتهيأ المستمعون بعد، وكلا الأمرين غير حسن والمطلوب الاعتدال في ذلك.
ثانيًا: صلب الموضوع: فبعد أن يمهد الخطيب لموضوعه في المقدمة، ويتهيأ السامعون لسماعه؛ يبدأ في الموضوع، وينبغي أن يراعي ما يلي:
أ - ترتيب الأفكار وتَسَلْسُلِها، بحيث لا ينتهي من فكرة إلا وقد أعطاها حقها من الاستدلال والإقناع، سواء كان الاستدلال لها بالنقل أم بالعقل، ولا يقفز إلى فكرة أخرى ثم يعود إلى الأولى مرَّةً أُخْرَى؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يُرْبِكُ السَّامِعَ وَيُشَوِّشُ عليه. ولا يتأتى ذلك للخطيب إلا إذا جَمَع مادَّةَ الخطبة من نصوص واستدلالات ونقولات وأفكار، ثم سلسلها ورتَّبها قَبْلَ أنْ يَبْدَأ بصياغتها.
ب- التوازن بين الأفكار، فلا يُشْبِع فكرة ويطيل فيها على حساب الأخريات، ومما يلاحظ عند كثير من الخطباء عَدَم التوازُن في ذلك؛ فتراه في أول الخطبة يشبع كل فكرة ويطيل فيها، ويحشد النصوص لها، ثم لما يحس بأنه تعب، وأتعب السامعين، وأطال عليهم؛ سرد الأفكار الباقية سردًا بلا استشهاد ولا إقناع، رغم أهميتها، وربما أنها أهم مما طرحه في الأول، وسبب ذلك: أنَّ الخطيب ليس عنده تصوُّر كاملٌ لخطبته، وما فيها من مادة، وكم تستغرق من وقت.(/7)
وعلاج هذه المشكلة: أن يقدر الخطيب وقت خطبته، ويستحسن ألا تزيد عن ثلث ساعة، فإن زاد لأهمية الموضوع فنصف ساعة على الأكثر لكلا الخطبتين. ويقدر كم تكون من ورقة حسب خطه وإلقائه، ويحسب كم فكرة عنده، وكم لها من نص، ومن ثم يُسْقِطُ الأفكار مع نصوصها، وما تحتاجه من صياغة على الأوراق التي قدَّرها من قبل، فلا تخلو حينئذ من إحدى حالات ثلاث:
1- أن تكون الأفكار بنصوصها وصياغتها متناسبة مع حجم المساحة التي قدرها ـ أي زمن الخطبة ـ فيبدأ بالصياغة مرتبًا الأفكارَ كما سبق ذكره، معطيًا كلَّ فكرة حقَّها من الأسطر بلا زيادة ولا نقص إلا شيئًا يسيرًا لا يُخلُّ بالخطبة.
2- أن تكون الأفكار بنصوصها وصياغتها أقل من المساحة التي قدرها، وفي هذه الحالة له خيارات عدة:
أن يقصر الخطبة فتكون أقلَّ من ثلث ساعة، فهو ينظر إلى استيعاب الموضوع، ولا يلتفت إلى الوقت.
أن يزيد أفكارًا ذات صلة بالموضوع بقدر المساحة المتبقية.
أن يسترسل في الصياغة ـ أي يطيل في صياغة كل فكرة ـ بحيث يغطي النقص.
أن يزيد في الاستدلالات لكل فكرة.
وعلى الخطيب أن يقدر الأصلح في ذلك بما يتناسب مع أحوال المصلين معه.
3- أن تكون الأفكار بنصوصها وصياغتها أطول من المساحة المقدرة؛ فإن كان الطول يسيرًا فيمضي، وإن كان كثيرًا فلا يخلو من إحدى حالتين:
أ - أن يمكن قسمة الموضوع إلى موضوعين فأكثر، بحيث يكون كل موضوع وحدة مستقلة فيقسمه، مثال ذلك: لو أراد الخطيب أن يتكلم عن حشر الناس يوم القيامة، وابتدأ حديثه منذ بعثهم من قبورهم، ثم حشرهم في العرصات··· فسيجد أن موضوع البعث صالحٌ لأن يكون موضوعًا مستقلاً؛ لكثرة ما فيه من نصوص، وهكذا موضوع الحشر، ثم ما بعد الحشر، وهو فصل القضاء؛ فيجعلها موضوعات عدة.(/8)
ب- أن لا يمكن قسمته بهذا الشكل؛ كأن يكون الموضوع بطوله وحدة متكاملة لا تجزأ؛ مثال ذلك: الحديث عند فوائد الأمراض وهي كثيرة، وفيها نصوص كثيرة أيضًا، فلو قدرنا أن فوائد الأمراض المنصوص عليها عشرون فائدة، وفيها من النصوص ثلاثون نصًّا؛ فلا شك أن خطبة واحدة لا يمكن أن تستوعبها ولا اثنتين؛ لكن بالإمكان ذكر سبع فوائد في كل خطبة بحيث تصير ثلاث خطب، أو عشر فوائد في كل خطبة بحيث تصير خطبتين؛ فيسرد الخطيب في كل من الخطبتين أو الثلاث فوائد الأمراض جملة، ويفصل في الفوائد التي اختارها لهذه الخطبة بنصوصها، ثم في خطبة أخرى يسرد ما فصله في الأولى جملة، ويفصل فيما لم يذكره وهكذا، ويكون عنده أكثر من خطبة في الموضوع.
ثالثًا: الخاتمة: بعضهم يجعلها في الخطبة الأولى، وينتقل في الخطبة الثانية إلى موضوع آخر، في الغالب أنه يكون موضوعًا وعظيًّا معتادًا، يذكر بالنار ويحث على التقوى، ويكون مسجوعًا، وهذا الأسلوب كان مستخدمًا عند خطبائنا قبل سنوات، ولا يزال بعض كبار السن منهم ينهجونه إلى اليوم.
وأكثر الخطباء في هذا العصر ـ حسب علمي ـ يجعلون الخطبة الثانية موصولة بالأولى وفي نفس موضوعها، وينهجون في ذلك منهجين:
أ - أن يلخص فيها موضوع الخطبة بعبارات مركزة؛ فتكون كخاتمة البحوث الإسلامية.
ب- أن يذكر المطلوب من السامعين حيال الموضوع الذي طرحه، ولعلّ هذا المنهج أحسن؛ لتلافي التَّكرار، ولحصول الفائدة من عرض الموضوع؛ ذلك أن المستمعين استمعوا في الخطبة الأولى إلى عرض الموضوع بأدلته النقلية والعقلية، فاقتنعوا بأهميته، وهم ينتظرون من الخطيبِ أن يبين لهم ما يجب عليهم تجاهه؛ فإن كان الموضوع عن سُنة مهجورة حفزهم لإحيائها، وإن كان منكرًا حثهم على إنكاره، وإن كان نصرة للمسلمين بيّن لهم طرق النصرة ومسالكها.(/9)
تنبيه مهم!! يلاحظ أن كثيرًا من الخطباء يجتهدون في جمع مادة الموضوع، وحشد النصوص له، وحسن الصياغة، وهذا يقنع المستمع بما ألقي عليه؛ لكنهم لا يذكرون واجب المستمع تجاه ما أُلقي حتى كأن الخطبة لم توجه للمستمع، وبالتالي لا تؤدي النتيجة المرجوة منها، وتجد أن الناس خرجوا من عند الخطيب متأثرين مثنين على خطبته وجمالها وقوتها، وأهمية موضوعها؛ لكنهم لم يُدْرِكُوا ما هو المطلوب منهم تجاه الموضوع المطروح..
وربما أنَّ بعضهم لفطنته فهم أنه معنيٌّ بهذا الموضوع، ومخاطب به، وعليه واجب تجاهه؛ لكنه لا يدري ماذا يفعل؟ أو ربما اجتهد فأخطأ؛ فينبغي للخطيب أن يلخص واجب كل مسلم تجاه الموضوع الذي أُلقي سواء على وجه الإجمال، أو بشيء من التفصيل والبيان؛ إذ إن هذا هو مقصود الخطبة: أن يخرج الناس من المسجد، وهم متشوقون لأداء ما يجب عليهم تجاه ما ألقاه الخطيب.
---
[1] "البيان والتبيين" (1/116).(/10)
العنوان: كيف تعودين طفلك النوم مبكراً؟
رقم المقالة: 272
صاحب المقالة: سلمى أبو حسين
-----------------------------------------
تشكو كثير من الأمهات من سهر أطفالهن وصعوبة إقناعهم بالذهاب إلى الفراش للنوم ليلاً وهذا ما يسبِّب لهن الكثير من الضيق وعدم الارتياح، لا سيما بعد نهار مليء بالأعمال المنزلية فضلاً عن الأعمال الأخرى التي تنتظرهن في فترة المساء.
وقد ذكرت إحدى الدراسات التي أجريت- بجامعة يوتا الأمريكية-: أن الخلود إلى النوم في ساعة مبكّرة من المساء ينتشر أساساً بين المسنين، لكنَّ هذا النمط من النوم قد يكون وراثياً في بعض الأسر.
وأوضح الباحثون الذين قدّموا نتائج بحثهم في المؤتمر السنوي المنعقد في (مونتريال) أنَّ بعض الأشخاص يفضّلون النهوض مبكِّراً بسبب الهدوء، واستعدادهم للعمل في مثل هذا الوقت، فيما يجد آخرون ساعات الصباح الأولى ظلماء موحشة.
وأظهرت نتائج البحث أنَّ ظاهرة الخلود إلى النوم مبكِّراً كانت متوارثة لدى بعض العوائل من جيل إلى آخر، مشيرةً إلى أنَّ مساهمة أحد الوالدين فقط بقسطه الوراثي من الجينات تكفي لكي يكتسب الطفل نمط النوم السائد في العائلة.
وفيما يلي بعض الطرق التي تساعدك في إقناع طفلك بالذهاب إلى الفراش للنوم مبكراً:
* كوني هادئة:
كوني حاذقة وهادئة في الوقت نفسه مع طفلك في حالة رفضه الذهاب إلى النوم، وذلك بالحديث معه بهدوء دون تشنُّج، مع التمسك بموقفك.
* لا تنامي بجانبه:(/1)
من الأفضل ألاَّ تعوِّدي طفلك النوم وأنت بجانبه؛ لأنَّ هذا التصرُّف سيصبح عادة سيئة لا يمكن التخلص منها بسهولة مستقبلاً. وأفضل درس يمكن تعليمه له هو إقناعه بالذهاب إلى النوم، ويمكن أن يتم ذلك باتباع بعض التصرفات الليلية قبل النوم، مثل: الاستحمام، أو قراءة كتاب أو الذهاب إلى السرير أو سماع جزء محبَّب من نشيده، وبهذه الطريقة سيعرف الطفل أنَّ موعد نومه قد حان، إلى جانب ذلك يمكن أن تجعليه يحسّ بالأمان، وذلك بقولك له أنَّك ستعودين بعد خمس دقائق إذا بقى في السرير.
* اختيارات قبل النوم:
لمساعدة طفلك في الإحساس باستقلاليته، اجعليه يطلب بعض الاختيارات المقبولة، مثل القصة التي يودُّ سماعها قبل النوم أو الآيات القرآنية أو الدعاء، أو ملابس النوم التي يحب ارتداءها، والغاية هي أن تلبِّي طلبين أو ثلاثة من طلباته، مع توضيح سعادتك باختياراته.
* لا لتضييع الوقت:
تكثُر طلبات الأطفال عند موعد النوم، طلب كأس ماء أو غيره، رغبة منه في إبقائك بجانبه أطول فترة ممكنة، وإذا شعرت بأنَّه يحاول أن يضيِّع الوقت بهذه الطلبات، لا تمنحيه هذه الفرصة، بل وجِّهيه إلى النوم.
ويمكنك مستقبلاً جمعُ كلِّ طلباته وجعلُها من متطلبات ما قبل النوم، مثل وضع كأس من الماء على الطاولة، وتوجيهه إلى الذهاب إلى دورة المياه، واحتضانه وتقبيله.
* سرير أكبر:
بعد سنّ الرابعة انقلي طفلك في النوم إلى سرير أكبر، وذلك الإجراء سيشعره بأنَّه صار أكبر سناً، وعليك انتهاز هذه الفرصة لتذكيره بأنَّ الطفل في هذه السنّ يتصرَّف من تلقاء نفسه ويذهب إلى النوم في موعده دون أن يدفعه شخص آخر إلى ذلك.
واستكمالاً لهذه الطرق يرشدنا الدكتور. حسّان شمسي باشا إلى جُملة من المعالجات لإشكالية السهر عند الأطفال ورفضهم الذهاب إلى النوم فيقول:
قدِّري حاجة طفلك من النوم، ولا ترسليه إلى سريره للنوم في وقت مبكِّر جداً.(/2)
حددي لطفلك وقتاً معيّناً للنوم، مع بعض المرونة. لا تقولي له :"تستطيع أن تسهر الليلة لأنّك كنت مطيعاً اليوم"؛ فإنَّ ذلك يُشعره بأنَّ الذهاب إلى النوم في الوقت المخصَّص ضربٌ من العقاب.
حاولي تنبيه طفلك باقتراب وقت النوم في الوقت المناسب، كي يستعد نفسياً وعملياً للنوم.
اجعلي من غرفته غرفة مشجِّعة على النوم، بأن تكون مرتَّبة وجميلة تحوي ألعابه المفضّلة.
اجعلي من وقت الذهاب إلى النوم وقتاً ممتعاً وسعيداً، وذلك بأن تحكي له حكاية، أو تقرئي له قصّة قبل النوم مثلاً.
شاركيه في الأمور التي يقوم بها في السرير كقراءة سورتي الإخلاص والمعوذتين، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ((- أنّ النبي- صلّى الله عليه وسلَّم- كان إذا آوى إلى فراشه كل ليلة، جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ فيهما "قل هو الله أحد" و"قل أعوذ بربِّ الفلق" و"قل أعوذ بربِّ النَّاس"، ثمّ يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات)).
قدِّري أحاسيسه ومشاعره، فاتركي بعض الضوء أو الباب مفتوحاً إن أراد ذلك مثلاً.
لا ترغمي طفلك على النوم عن طريق تخويفه بالعفاريت أو بالحرامي أو بالكلب أو بالغول أو ماشابه ذلك ممَّا يزيد مخاوف الطفل وقلقه النفسي.
لا تستخدمي العنف وتُكرهي طفلك على النوم، فلا بدّ أحياناً من اللجوء لشيء من المرونة في تحديد ساعة نوم الطفل، ولاشكّ أنَّ الإصرار على نوم الطفل في ساعة معيّنة دون مراعاة لظروفه وحالته النفسية، ودون مساعدته على تكوين عادة النوم في تلك الساعة بانتظام، قد يكون سبباً في إحداث أضرار بالغة تلحق بشخصية الطفل مستقبلاً.(/3)
إذا غادر الولد السرير من جديد فحاولي أن تعيديه إلى سريره بشيء من اللُطف والحزم، وإن كان عطشاناً فيمكنك أن تسقيه بعد أن يعود إلى سريره، وإذا شعرت بأنّه خائف فهدِّئي من روعه وتفهَّمي مخاوفَه. واحرصي على أن يذهب ابنُك إلى النوم وهو سعيد، لا أن ينام باكياً حانقاً، بل وحاولي أن توفِّري لطفلك جوًّاً مُشبَّعاً بالحبِّ والحنان فينام نوماً هانئاً.
عوِّدي أبناءك آداب النوم كالوضوء، والنوم على الشقِّ الأيمن، ووضع اليد تحت الخد. عن البراء بن عازب قال : قال رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- لرجل : ((إذا أويت إلى فراشك فتوضَّأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقّك الأيمن، ثم قل: ((اللَّهُمَّ أسلمتُ نفسي إليك، ووجّهتُ وجهي إليك، وفوَّضتُ أمري إليك، وألجأتُ ظهري إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت)). وعن حُذيفة- رضي الله عنه - أنَّ النبي - صلّى الله عليه وسلَّم - كان إذا أراد أن ينام وضع يده تحت رأسه ثمَّ قال: ((اللَّهُمَّ قني عذابك يوم تبعث عبادك)).(/4)
العنوان: كيف تكسبين حب واحترام الآخرين
رقم المقالة: 820
صاحب المقالة: إبراهيم الديب
-----------------------------------------
هل أنا جديرة بالاهتمام من الآخرين؟ هل أنا جديرة باحترامهم وتقديرهم وحبهم؟ أسئلة كثيرة ومتعددة تدور في ذهن المرأة، ولكي تتعرفي على إجابة هذه الأسئلة ومدى رضاك عن ذاتك وثقتك بنفسك، اقرئي السطور التالية:
يتم قياس ومعرفة حقيقة تقدير الذات عبر عمليتين: الأولى من خلال تقييم المرأة لنفسها دائماً وباستمرار بعد كل حديث أو موقف تمر به لتكتشف دوافعها لهذا التصرف وتقيم تصرفها قولاً وفعلاً، وبذلك تقف بوضوح على أوجه القصور والضعف وتعالجها فترتقي يوماً بعد يوم بمشاعرها وأفكارها وكلماتها وأفعالها وسلوكياتها.
والعملية الثانية نفسية ووجدانية تتمثل في إحساسها بأهميتها وحواراتها ويتم ذلك في ست نواحي مهمة:
• مواهبها الطبيعية الموروثة مثل الجمال والذكاء والمظهر العام والقدرات الطبيعية.
• الفضائل الأخلاقية والاستقامة.
• الإنجازات والنجاحات التي حققتيها في الحياة في المجالات الدراسية المختلفة والاجتماعية والعلمية والعاطفية.
• الشعور الذاتي بالأهلية بأن تكوني محبوبة.
• الشعور بالخصوصية والأهمية والجدارة والاحترام.
• الشعور بالقدرة على السيطرة على حياتك.
وعليه فإن تقدير الذات عند المرأة هو درجة شعورها بالرضا عن نفسها في عدة نواحي في مشاعرها وعواطفها وكيفية تكوينها وتوزيعها واهتماماتها وأفكارها ومستوى ونوع صداقاتها واستغلالها لوقتها وأعمالها وانجازاتها في الحياة وثقتها في إمكانياتها وهذا التقدير لا يبني على غرور خادع وإشباع للذات على حساب الآخرين.
فتقدير الذات لا يتحقق عادة بالتنافس مع الآخرين وكذلك ليس سجلاً لنجاحات المرأة أو إخفاقها في حياتها وتجاربها السابقة، إنما يستند إلى الشعور بالقدرة والكفاية والفاعلية في التعامل مع الحاضر والمستقبل.(/1)
وبصورة أوضح تقدير الذات هو مجموع المشاعر والمفاهيم التي تكونها المرأة عن نفسها واقتناعها بذاتها.
• والسؤال الآن: كيف تتمكنين من قياس تقديرك لذاتك؟
يتحدث علماء النفس والتربية عن العلاقة السلبية المباشرة بين ما يمتلكه الإنسان من قيم ومعتقدات ومفاهيم ومشاعر، وبين ما ينتجه من أقوال وأفعال وسلوكيات وذلك ما أكده الرسول - صلى الله عليه وسلم - حين قال: "لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم لسانه" لاحظي الارتباط الوثيق بين حالة القلب واللسان والإيمان.
ويمكنك بناء تقديرك لذاتك من خلال خمسة اتجاهات أساسية من المشاعر النفسية والوجدانية والعقلية، بكيفية جيدة ومرتبة وهي:
• الشعور بالأمان.
• الشعور بالهوية الذاتية الخاصة.
• الشعور بالانتماء
• الشعور بالهدف.
• الشعور بالكفاية والقدرة.
وباستكمال بناء هذه المشاعر الخمسة يتحقق الاستقرار والقوة النفسية، ويعلو ويسمو الإحساس بالذات، وأهمية احترامها وتقديرها والحفاظ عليها من أي جارحة تؤثر فيها؛ فتتميزي بين الناس ويمنحك الجميع الاحترام والتقدير، والإعجاب والحب ويسعى من حولك للاقتداء بك وتمثلك.
وللمتابعة المستمرة والترقي المستمر تذكري هذه الوصايا العملية؛ لتسجيلها في مفكرتك الخاصة، وتراجعي نفسك عليها كل يوم:
• من لا تتقدم للأمام تتراجع بين الأخريات.
• حرصك الدائم على ذاتك من أن ينالها أي نقص أو جارحة هو الذي يدفعك لتقدير ذاتك.
• الآخرون من حولك لم يمنحوك تقدير ذاتك إلا إذا منحتيهم أنت أولاً.
• لا تنشغلي بالمحيطين حولك فهم كثيرون لكن على جانبي الطريق الذي تسيرين فيه.
• لابد أن تلغي كلمة مستحيل من قاموسك.
• عندما تبلغين إعزاز الآخرين سيتحول أعداء الأمس إلى أصدقاء اليوم رغماً عن أنفسهم.
• اكتشفي نفسك
تعالي نكتشف حقيقة أنفسنا ومستوى تقديرنا لذاتنا من خلال ما ننتجه من سلوكيات حقيقية يومية.(/2)
الجدول التالي (1) يمكنك من الوقوف الدقيق على حقيقة ومستوى تقديرك لذاتك ومدى حاجتك إلى المزيد من الاعتزاز والاحترام وتقدير الذات:
جدول (1) مدى تقديرك لذاتكوقدرتك على كسب حب وتقدير الآخرين
م ... السلوكيات ... دائماَ ... أحياناً ... نادراً
1 ... كثرة البكاء في المواقف نتيجة الإحساس بالظلم والشعور بأنك ضحية. ... ... ...
2 ... العناد والتمرد والخروج على العادات والتقاليد. ... ... ...
3 ... الشك في الآخرين. ... ... ...
4 ... تحقير الآخرين ومضايقاتهم. ... ... ...
5 ... الكذب والغش والتلون والخداع. ... ... ...
6 ... الهروب من تحمل مسؤولية الفشل والتصرفات السلبية. ... ... ...
7 ... الانسحاب وتجنب المواجهة. ... ... ...
8 ... الاستغراق في أحلام اليقظة. ... ... ...
9 ... الانفلات والمراهقة العاطفية. ... ... ...
10 ... سرعة الغضب واتخاذ قرارات مفاجئة أو عكسية. ... ... ...
11 ... الفشل في إقامة علاقات طيبة مع الآخرين وندرة الصديقات. ... ... ...
12 ... التعامل السلبي مع الفشل بالهروب منه وعدم المحاولة مرة أخرى. ... ... ...
إذا كانت معظم إجاباتك (دائماً) فأنت ممن لديهن إحساس متدني بالذات
جدول (2)
مدى تقديرك لذاتك وقدرتك على كسب حب وتقدير الآخرين
م ... السلوكيات ... دائماً ... أحياناً ... نادراً
1 ... إقامة علاقات جيدة مع الآخرين وعدد كبير من الصديقات. ... ... ...
2 ... الرغبة في مساعدة الآخرين والتطوع لذلك فعلاً. ... ... ...
3 ... الاستجابة للتجديدات. ... ... ...
4 ... الإيجابية في التعامل مع المواقف المختلفة. ... ... ...
5 ... الجرأة والوضوح في التعبير عن الرأي. ... ... ...
6 ... الصدق والأمانة. ... ... ...
7 ... الالتزام والتمسك بالقيم والعادات وتقاليد المجتمع. ... ... ...
8 ... مواجهة المشاكل وعدم الهروب منها. ... ... ...
9 ... تحديد أهداف واضحة في مراحل حياتك المختلفة. ... ... ...(/3)
10 ... التعامل الإيجابي مع النجاح والمحافظة عليه وتنميته مع عدم الإحساس بالغرور. ... ... ...
11 ... التعامل الإيجابي مع الفشل بعدم الاستسلام له والمحاولة مرة ثانية حتى تتمكني من النجاح. ... ... ...
12 ... تتحملين مسؤولية خطئك وفشلك وتعترفين به ولا تلقي اللوم على الآخرين. ... ... ...
إذا كانت معظم إجاباتك (دائماً) فأنت ممن لديهن إحساس عالي بالذات.
برنامج عملي لبناء وتعزيز تقدير الذات
الخطوات:
• أولاً:الإحساس بالأمان.
بمعنى الشعور بالحماية والقدرة على الثقة في الآخرين ومعرفة ما هو متوقع مستقبلاً- بإذن الله- والقدرة على معرفة تسلسل الأحداث، والمعرفة الصحيحة لحدود قدرتك وكيفية الاستفادة منها، كذلك التخطيط لأسباب الخوف من المجهول والآخرين من حولك.
ومن الوسائل التي تعمق فيك الإحساس بالأمان:
• نسيان سوء المعاملة التي كانت تتم أحياناً في الطفولة.
• الاختيار الدقيق للصديقات حتى تطمئني للعيش معهن بروح الفريق الذي يكفل ويدعم بعضه بعضا.
• زيادة وتنمية المعرفة والثقافة العامة.
• تعميق الاتصال بالله تعالى بالإقلاع عن المعاصي والاجتهاد في الطاعات
• العمل على تكوين علاقات طيبة مع كل المحيطين بك حيث يمكنك العمل على تحييد من تعاديك، وكسب ود وحب المحايدين، وتعميق الاتصال والحب مع كل من يحبك وهكذا.
• ثانياً: الشعور بالهوية الذاتية.
اعرفي نفسك جيداً وأدركي ذاتك من خلال نظرة حقيقية واقعية لنقاط ضعفك وقوتك، وكيف تبدين في عيون الآخرين، كذلك اهتمامك واحترامك لذاتك من أن يصيبها جرح أو خلل في ذاتك ثم الآخرين.
ومن الأدوات والوسائل المعينة على ذلك:
• الاهتمام بمعرفة رد فعل الآخرين على سلوكك وتصرفاتك وسلوكياتك المختلفة.
• توخي الحذر الشديد مع الزميلات دون المستوى الأخلاقي والمعرفي والاجتماعي حتى لا تتأثري بهن فإن النفس سريعة التأثر بمن حولها دون أن تدري.(/4)
• العناية والتدقيق في اختيار الزميلات، ووضع معايير اجتماعية وأخلاقية ومعرفية لذلك الاختيار.
• طلب مشورة ونصيحة الكبار والمتخصصين والزميلات الموثوق بهن فقط
• التعامل الإيجابي مع النقد وملاحظات الآخرين.
• تنمية المواهب والقدرات الخاصة ومحاولة الاحتراف في أحدها.
• تحقيق قدر من النجاحات والانجازات والتميز الذي يعزز ثقتك بقدرتك على الفعل والانجاز والنجاح ومن ثم ثقتك بنفسك بدرجة كبيرة.
• ثالثاً: الشعور بالانتماء.
بمعنى الشعور بالخصوصية والأهمية، من خلال ارتباطك بكيان كبير تستمدين منه خصوصية ومرجعية وقوة واحترام المجتمع لك، مثل انتمائك لفريق عمل أو لنادي أو مؤسسة أو لفكرة معينة تلقى قبول واحترام المجتمع.وذلك من خلال:
• الانفتاح على المجتمع وتكوين شبكة علاقات عامة قوية ومنتقاة بعناية.
• العيِش بروح الفريق التي تعتمد على حسن الاتصال والتواصل والتعاون والتكامل والتكافل مع الآخرين.
• الانتماء لأحد الأندية أو الجمعيات النسائية أو الثقافية المختلفة.
• إتمام الدراسات العليا.
• العمل في مؤسسة كبيرة.
• المحافظة على الهوية وتجنب التقليد الأعمى.
• رابعاً: الشعور بالهدف.
حددي أهدافاً لحياتك بوجه عام ولمراحل عمرك الباقية ثم لكل عام ثم لكل شهر ثم لكل يوم مما يعنى أن لك رؤية واضحة لحياتك ورسالة مهمة تؤمنين بها وتعيشين لتحقيقها. ومن الأدوات والوسائل العملية المساعدة:
• معرفة الواقع الدقيق لحياتك الحالية.
• حصر أحلامك وطموحاتك.
• رسم خطة لحياتك وكأنك تعيشين حتى السبعين والثمانين من العمر، "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا".بدا واعمل لآ
• تحديد أهداف مرحلية من 5 إلى 6 سنوات ثم أهداف سنوية ثم شهرية.
• أهمية مراعاة الطموح في ظل الموضوعية.
• الاقتداء والتشبه والتأسي بالأعلام البارزات والناجحات في المجالات المختلفة.
• خامساً: الشعور بالكفاية والقدرة.(/5)
أي الاعتقاد الذاتي بالقدرة على انجاز الأعمال وتحقيق الأهداف والتغلب على المعوقات والمشاكل والتحديات التي يمكن أن تواجهك وذلك من خلال:
• استمرارية العمل بنشاط وسعة حركة، مع كثرة وتعدد وتنوع التجارب؛ مما يكسبك الكثير من المهارات والخبرات الحياتية المختلفة، التي تعزز قدرتك على الفعل والنجاح.
• سعة المعرفة والثقافة العامة، مع التخصص الثقافي الواسع في أحد الفروع التي تحبينها وتتميزين فيها.
• حصر وتذكر التجارب الناجحة السابقة التي قمت بها.
• دراسة وتحليل التجارب غير الناجحة التي مررت بها وتحديد أسباب عدم النجاح والخروج بوصايا عملية منها تساعدك على النجاح في المرات التالية.
• الميل إلى العملية وتطبيق ما تتعلمينه من معارف وما تكتسبينه من مهارات بمعنى التحول من ميدان التمني والنظرية إلى ميدان العمل والتطبيق.
• غض الطرف وربما تعمد إهمال المحبطين والمثبطين والمتشائمين فإنهم كثيرون، ولكنهم على جانبي طريق النجاح الذي تمشين فيه.(/6)
العنوان: كيف تكون إدارياً ناجحاً
رقم المقالة: 218
صاحب المقالة: د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
-----------------------------------------
هل يمكن لأي إنسان، سواء كان عادياً أم موظفاً في الدولة أم في القطاع الخاص، أن يصبح إدارياً ناجحاً ؟ الجواب بالإيجاب، وذلك عند توافر شرطين أساسيين:
الأول: توافر الاستعداد الذاتي أو الرغبة لدى الفرد في أن يصبح إدارياً.
الثاني: أن يمتلك ذلك الفرد جملة مهارات إدارة ذات طبيعة علمية، عليه أن يستوعبها استيعاباً ممتازاً ليسهل عليه تطبيقها.
وأسارع إلى القول إن هذين الشرطين متكاملان، إذ لا غنى لأحدهما عن الآخر, وإن تحقيق شرط دون الآخر يخل ولا شك بالمعادلة، حيث لا يمكن أن نتصور أداءً ناجحاً وجيداً بوجود المقدرة مع عدم الرغبة، وعكس ذلك صحيح. لذلك يجب على الفرد أن يسعى إلى تحقيق الطرفين معاً لضمان المستوى المطلوب من الأداء الإداري، وذلك من خلال الوعي التام لبعض الحقائق, ومن أهمها:
* الإدارة هي علم وفن، هي نظرية وتطبيق، هي فن تطبيق العلم، هي دراسة وممارسة انطلقت من العلم وطبقت بفن.
* الضرورة العلمية للإداري الناجح هي أن يتعرف على الوظائف الإدارية المكونة للعملية الإدارية، والتي اختلف علماء الإدارة والباحثون في تعدادها إلا أن الحد الأدنى المتفق عليه بين هؤلاء هو أربع وظائف هي: (التخطيط، التنظيم، التوجيه، الرقابة).
* الفرد المناسب في العمل الملائم في الوقت المحدد: مبدأ يطبق من خلال توصيف وتصنيف الوظائف والأعمال، وبالتالي الاختيار وفق معايير علمية موضوعية، بعيداً عن المؤثرات بأشكالها المختلفة.
* الوقت عنصر من عناصر الإنتاج إلا أنه عنصر غير قابل للتخزين، فما مضى منه لا يمكن استرجاعه, وبالتالي فهو جوهر عمل الإداري الناجح الذي يفترض به حسن إدارة الوقت مع رصد جميع مجالات هدره وضياعه.(/1)
* الإدارة الناجحة هي الإدارة التي تدمج بين الكفاءة والفاعلية, فالكفاءة هي حسن استخدام موارد المنظّمة بأنواعها البشرية والمادية والمالية. أما الفاعلية في عمل المنظّمة فتعني أنها قادرة على تحقيق أهدافها المرسومة. فالكفاءة والفاعلية هما باختصار قيام الإدارة بأداء الأعمال الصحيحة بطريقة صحيحة.
* يحتاج الإداري كي ينجح في عمله إلى جملة مهارات إنسانية تتمثل فيما يلي:
- الكفاءة الشخصية في تحمل المسؤولية واتخاذ القرارات التي تخدم المصلحة العامة ضمن حدود الواجبات والسلطات.
- القدرة على النقد الموضوعي واتصافه بالعدالة في تعامله مع الآخرين.
- أن يكون قدوة لمن يعملون معه في السلوك والالتزام.
- القدرة على الإقناع وإدارة النقاش والحوار.
- الثقة بالنفس وبقدرة الآخرين.
- توافر القدرة على تكوين العلاقات الإنسانية مع الآخرين.
- جملة من الصفات الشخصية منها: الصبر والتواضع والتفكير البنّاء المرن والاطلاع المستمر والقدرة على توضيح الأفكار والتمتع بروح وطنية وإيمان ديني عميق ...
* ثمة قيم أخلاقية يجب أن يؤمن بها الإداري ويطبقها ويعتاد عليها كسلوك ذاتي تلقائي من أبرزها:
- الالتزام بالسلوك النقي والتخلق بفضائل الاستقامة والأمانة .
- التحلي بأخلاقيات المروءة الإنسانية والحفاظ على أسرار موظفية.
- عدم اللجوء إلى استخدام معايير متباينة بتباين أفراد مجموعة إدارته.
* يحتاج الإداري الناجح إلى قدر من التعمق بالثقافة العلمية والاجتماعية والإنسانية . فالثقافة تتيح له فهم وإدراك الواقع الإداري بجميع عناصره وخصائصه ومتغيراته، وذلك بغرض إيجاد أفضل الطرق والأساليب والآليات لتحويل الواقع الذي يعيشه إلى واقع أفضل، ومن ثمّ يتعين على الإداري الناجح التعوّد على التثقيف الذاتي المنهجي وذلك لاستيعاب الأسس الواقعية للإدارة الناجحة، والتنظيم الإداري السليم، وتنفيذ أهداف المنظمة على نحو أدق، وفي وقت أقصر، وبكلفة أقل.(/2)
* يجب أن يتمتع الإداري بجملة من المهارات الإدارية، فالإدارة ليست منظومة واحدة وإنما مجموعة منظومات متعلقة بالاتصالات، وإدارة الاجتماعات، والحوافز، والتأديب، والمعلومات، والعلاقات العامة، وصنع القرارات الإدارية، وغير ذلك من المنظومات التي تشكل قلب الإدارة النابض.
* الإداري الناجح هو أيضاً القائد الذي حاز على ثقة موظفيه وآمن بقدراتهم, وإن المشورة واحترام آراءه الآخرين هي من أبرز الوسائل التي يمكن أن تصنع من الإداري قائداً، فمن خلال ممارسته النقد الموضوعي، والحوار الحر، وحب معرفة الحقيقة، يتم صنع القيادة.
صفوة القول في هذا الشأن أن الوقت يمضي سواء في إنجازات مثمرة أو بهدره دون طائل، وهناك العديد من الإداريين الذين يحلو لهم العيش في برج عاجي اعتقاداً منهم أن من يمتلك السلطة يسمح له بما لا يسمح لغيره، وهذا سوف يبقى سجين سلوكياته واعتقاداته ولن يتقدم خطوة واحدة، وإذا ما انتهى فلن يبق له ذكر يذكر به.
فالإداري الناجح هو أنموذج الإنسان الصحيح، الذي يهمه الصالح العام ويقود العمل كربان سفينة هدفه إيصالها إلى بر الأمان.(/3)
العنوان: كيف تكونُ قويَّ الشَّخصيَّة؟
رقم المقالة: 1607
صاحب المقالة: خاص: الألوكة
-----------------------------------------
عن أبي هُرَيْرَة - رضي اللهُ عنهُ - قال: قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ اللهَ إذا أحبَّ عَبْدًا دعا جِبْرِيلَ فقال: إنِّي أُحِبُّ فلانًا، فأَحِبَّهُ، قال: فيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثمَّ يُنادِي في السَّماء، فيقولُ: إنَّ اللهَ يحبُّ فلانًا؛ فأَحِبُّوهُ، فيُحِبُّهُ أهلُ السَّماء، قال: ثم يُوضَعُ له القَبُولُ في الأرض. وإذا أَبْغَضَ عَبْدًا دعا جِبْرِيلَ، فيقولُ: إنِّي أُبْغِضُ فلانًا؛ فَأَبْغِضْهُ، قال: فَيُبْغِضُهُ جبريلُ، ثم يُنادِي في أهل السَّماء: إنَّ اللهَ يُبْغِضُ فلانًا؛ فأَبْغِضُوهُ. قال: فيُبْغِضُونَهُ، ثم تُوضَعُ لهُ البَغْضَاءُ في الأرض))[1].
الشَّخصيَّة من أهمِّ عوامل النَّجاح في مختلف جوانب الحياة (زوجيَّة - اجتماعيَّة - عمليَّة)، ومن ثَمَّ وجب إلقاءُ الضَّوء عليها، ولو بصورة مختصرة.
فالشَّخصيَّة هي صفةٌ نِسْبيَّةٌ، وقوَّةٌ خَفِيَّةٌ توجدُ في كلِّ شخصٍ إلى حدٍّ ما، وتختلِفُ في نوعها وقوَّتها باختلاف الأشخاص؛ بمعنى أنَّها: مجموعةُ الفُرُوق التي تميِّزُ الشَّخصَ عن غَيرِهِ، وتَمْنَحُهُ قَبولاً لدى الآخَرِين وتأثيرًا فيهم.
وتتكوَّنُ الشَّخصيَّة القويَّة من عناصرَ جَوْهَرِيَّةٍ، منها:
1- الجاذبيَّةُ:
هي قوَّةٌ طبيعيَّةٌ، إن وُجِدَتْ في الشَّخص استطاعَ أن يجتذِبَ قلوبَ غيره ممن يتَّصِلونَ به بغير أن يتكلَّفَ أو يَتصنَّع ذلك، من خلال أَدَبِهِ، وعِلْمِهِ، وخُلُقِهِ، ورَجَاحَةِ عَقْلِهِ، وخِفَّةِ رُوحِهِ، وسُرعةِ بَدِيهَتِهِ، وحُسْنِ أسلُوبِهِ، ومُراعاةِ شُعُورِ غيره، فيحْصُلَ على غَرَضِهِ، ويكْسِبَ ثقةَ مَنْ حولَهُ.(/1)
قال رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إليَّ وأَقْرَبِكُمْ منِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القيامةِ أَحَاسِنَكُمْ أخلاقًا، وإنَّ أَبْغَضَكُمْ إليَّ وأَبْعَدَكُمْ منِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القيامة الثَّرْثَارُونَ والْمُتَشَدِّقُونَ والْمُتَفَيْهِقُونَ. قالوا: يا رسولَ اللَّهِ، قد عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ والمُتَشَدِّقُونَ؛ فما المُتَفَيْهِقُونَ؟ قال: المُتَكَبِّرُونَ))[2].
وعن ثَقيلِ الظِّلِّ قال الشَّاعرُ:
سَقَطَ الثَّقِيلُ مِنَ السَّفِينَةِ فِي الدُّجَى فَبَكَى عَلَيْهِ رِفَاقُهُ وَتَرَحَّمُوا
حَتَّى إِذَا طَلَعَ الصَّبَاحُ أَتَتْ بِهِ نَحْوَ السَّفِينَةِ مَوْجَةٌ تَتَقَدَّمُ
قَالَتْ: خُذُوهُ كَمَا أَتَانِي سَالِمًا لَمْ أَبْتَلِعْهُ لأنَّهُ لا يُهْضَمُ!!
2- الذَّكاءُ:
هو حُضُورُ الذِّهْن، وسُرعةُ البَدِيهَة، وصفاءُ القَرِيحَة، وللنَّشاط العقليِّ – الذَّكاء - تأثيرٌ كبيرٌ في شخصيَّة الإنسان؛ في أعمالِهِمْ، وأقوالِهِمْ ومَنْطِقِهِمْ وتفكيرِهِمُ المنظَّمِ، وآرائِهِمُ المرتَّبة، وأسلوبِهِمُ الجميل، وحُسْنِ اعتذارِهِمْ، وبُعْدِ نَظَرِهِمْ، وقُدْرَتِهِمْ على التخلُّص من أيَّة مشكلةٍ تعترضُهُمْ، بما أوتوا من نشاطٍ عقليٍّ، وحِدَّةِ ذِهْنٍ، وصِدْقِ حِسٍّ.
قيل للعبَّاس بن عبد المُطَّلبِ: "أَأَنْتَ أَكْبَرُ أَمْ رسولُ الله –صلَّى الله عليه وسلَّم-؟ قال: هو
-عليه الصَّلاة والسَّلام- أكبرُ مِنِّي، وأنا وُلِدْتُ قَبْلَهُ"!
وهكذا يساعد الذَّكاءُ على النَّجاة من أيِّ مَوْقفٍ طارئٍ، ويُنْقِذُ صاحبَهُ، ويحفظُ شخصيَّتَهُ، وله أثرٌ كبيرٌ في حُسْنِ الخُلُقِ والسُّلوكِ، والنَّجاحِ في الحياة.
قال الشَّاعرُ:
مَا عَاتَبَ الْمَرْءُ اللَّبِيبُ كَنَفْسِهِ وَالْمَرْءُ يُصْلِحُهُ الْجَلِيسُ الصَّالِحُ
3- المُشارَكةُ الشعورية:(/2)
من أهمِّ عناصر الشَّخصيَّة، تجعلُ القلبَ مُتَّقِدًا، يَشْعُرُ بشعور غَيْره، ويَقِيسُ نفسَه بمقياس سواهُ منَ النَّاس.
وفي الحديث؛ قال رسول الله –صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ في تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمِهِمْ وتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والحُمَّى))[3].
لذلك كان الشُّعورُ بمشاعر الآخَرينَ، ومشاركتُهُمْ أفراحَهُمْ وأحزانَهُمْ وأفكارَهُمْ وآلامَهُمْ سببًا في امتلاك قلوبِهِمْ.
غيرَ أنَّه ينبغي ألاَّ يتدخَّلَ الشعورُ والعاطفةُ في أقوالِنا وأفعالِنا وتحرُّكاتِنا تدخُّلاً كبيرًا؛ حتَّى نَزِنَ الأمورَ بميزان العَدالة والمَنْطِق، لا العاطفةِ، ومن ثَمَّ وَجَبَ ألاَّ نَنْظُرَ إلى الأمور من ناحيةٍ واحدةٍ (عاطفيَّةٍ)؛ حتَّى لا تُعْمِينا عن حقائق الأشياء، وعَلاقتِها بغيرها.
عن أبي هُرَيْرَة –رضي الله عنه– قال: قال رسول الله –صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((لا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حتَّى تُؤْمِنُوا، ولا تُؤْمِنُوا حتَّى تَحَابُّوا؛ أَلا أَدُلُّكُمْ على أَمْرٍ إذا أَنْتُمْ فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ))[4].
4- الشَّجاعة:(/3)
هي قوَّةٌ بها يَتمكَّنُ الإنسانُ منَ السَّيطرة على قُوَاهُ، مع ضبط نَفْسه وقتَ الخطر الذي يهدِّدُهُ، سواءٌ كان ذلك الخطر حقيقيًّا أو وهميًّا. وهي خيرُ مقياسٍ يُقاسُ به الإنسانُ في أوقات الشِّدَّة؛ إذ يُتَطَلَّبُ الثَّباتُ والإقدامُ، وهذه الفضيلةُ تبدو في ثبات القلب ورَبَاطَةِ الجَأْشِ والبَسَالةِ في مواجهة أيِّ مَوْقفٍ، وبِحَسَبِ العقل والمنطِق؛ لا سَبَبَ يدعو الإنسانَ إلى الخوف من بني جِنْسِهِ؛ لأنَّ الخوفَ غالبًا مبنيٌّ على الوَهْم، والثِّقَةُ تُوَلِّدُ الثِّقةَ، وتُوجِدُ التأثيرَ في قُلُوب الآخَرينَ؛ ذلك لأنَّ المؤمنَ يعلمُ أنَّه لن يُصيبَهُ إلا ما كَتَبَهُ اللهُ تعالى؛ قال سبحانهُ: {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 51].
ومَنْ ترسَّخَ الإيمانُ في قلبه كان شجاعًا، ولعل مِن أفضل مَوَاقف الشَّجاعة ما يكونُ اعترافا بالخطأ، ومحاولة إصلاحِهِ؛ فالاعترافُ بالحقِّ فضيلةٌ، والأمانةُ تقتضي الصَّراحةَ في القَوْل والفِعْل أيضًا.
إِذَا الْمَرْءُ أَعْيَتْهُ الْمُرُوءَةُ يَافِعًا فَمَطْلَبُهَا كَهْلاً عَلَيْهِ ثَقِيلُ(/4)
ولعلَّ ضبطَ النَّفس وكبح جِماحِها يتطلَّبُ قوَّةً وشجاعةً هائلةً؛ عن أبي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه– قال: قال رسول الله –صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ؛ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ))[5]؛ فيَقْهَرُ نفسَه بالحِلْم، ويَتغلَّبُ عليها بثَباتِه؛ فيَدْفَعُ السَّيِّئةَ بالحَسَنَة؛ قال تعالى: {وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: 34-35].
وكذا نَجِدُ أنَّ للشَّجاعة دَوْرًا كبيرًا في التغلُّب على الصِّعاب التي تَعْترضُ حياتَنا، ولنا في رسول الله –صلَّى الله عليه وسلَّم– وصحابتِهِ الأبرارِ أروعُ الأمثلة في الشَّجاعة والإقدام؛ قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا))، فقال رَجُلٌ: يا رسولَ اللَّهِ، أَنْصُرُهُ إذا كان مَظْلُومًا؛ أَفَرَأَيْتَ إذا كان ظَالِمًا! كيف أَنْصُرُهُ؟!! قال: ((تَحْجُزُهُ – أَوْ: تَمْنَعُهُ - مِنَ الظُّلْمِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ))[6].
5- الحِكْمَةُ:
إنَّ شخصيَّة الإنسان لا تكونُ متينةً إلا إذا زانَتْها الحكمةُ، والعِلْمُ، والحَزْمُ، ووَضْعُ الأشياءِ في مَواضِعِها، وتقدِيرُها حقَّ قَدْرِها؛ فالرَّجلُ الحكيمُ يكونُ سديدَ الرَّأيِ، بَعيدَ النَّظَرِ، حَسَنَ التَّقديرِ، يَتمسَّكُ بالحقِّ والعدلِ والنَّزاهةِ؛ قال تعالى: {وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيراً} [البقرة: 269].(/5)
فالحِكْمَةُ تَحْمِلُ الإنسانَ على العمل وَفْقَ العقل، وهي خُلاصَةُ الأخلاق، وأساسُ كلِّ فضيلةٍ، بما يُدْرِكُ به الإنسانُ عواقبَ الأمور، ويُميِّزُ بين الخير والشَّر، والحقِّ والباطل.
ومِنَ الحِكْمَةِ: التَّوَاضُعُ، والحِلْمُ، والاحْترامُ، والشَّجاعةُ.
عن أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ –رضي الله عنه– قال: سمعتُ رسولَ اللهِ –صلَّى الله عليه وسلَّم– يقولُ: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا؛ فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وذَلِكَ أَضْعَفُ الإيمانِ))[7].
وقال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((الكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ – أي: حَاسَبَها - وعَمِلَ لِمَا بَعْدَ المَوْتِ، والعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاها وتَمَنَّى على اللهِ الأمَانِيَّ))[8].
قال الشَّاعرُ:
يُعَدُّ رَفِيعُ الْقَوْمِ مَنْ كَانَ عَاقِلاً وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي قَوْمِهِ بِحَسِيبِ
وَإِنْ حَلَّ أَرْضًا عَاشَ فِيهَا بِعَقْلِهِ وَمَا عَاقِلٌ فِي بَلْدَةٍ بِغَرِيبِ
وقال آخَرُ:
اعْمَلْ وَأَنْتَ مِنَ الدُّنْيَا عَلَى حَذَرِ وَاعْلَمْ بِأَنَّكَ بَعْدَ الْمَوْتِ مَبْعُوثُ
اعْلَمْ بِأَنَّكَ مَا قَدَّمْتَ مِنْ عَمَلٍ مُحْصًى عَلَيْكَ وَمَا خَلَّفْتَ مَوْرُوثُ
6- التَّفاؤلُ:
لا شَكَّ أنَّ التَّفاؤلَ والتَّيَمُّنَ والنَّظَرَ إلى الأشياء بمنظارِ الفَأْلِ الحَسَنِ يُعطي صاحبَهُ شخصيَّة طيِّبةً ومَمْدُوحَةً؛ فعن أبي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه– قال: سمعتُ رسولَ اللهِ –صلَّى الله عليه وسلَّم– يقولُ: ((لا طِيَرَةَ، وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ)). قَالُوا: وما الْفَأْلُ؟ قال: الكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُها أَحَدُكُمْ))[9].
والرَّسولُ –صلَّى الله عليه وسلَّم– نهى عنِ الطِّيَرَة -وهي التَّشاؤمُ- وأحبَّ الفَأْلَ.(/6)
ولا نَقْصِدُ بالتَّفاؤل أن نُغْمِضَ أعيُنَنا عنِ الحقائق وعواقب الأمور، لكنَّ المقصودَ هو التفكيرُ بعين الأمل لا بعين اليَأْس، والمُتفائلُ يرضى بالماضي، خيرِه وشرِّه، ويَثِقُ بالمستقبَل، ثم يؤدِّي الواجبَ، ويَتركُ النتيجة لله سبحانه؛ قال تعالى: {يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 171].
والشَّخصيَّة القويَّة ينبغي لها التمسُّكُ بالتَّفاؤل، ويقودُها الأملُ، ويُحْيِيها الرَّجاءُ، وتُفَكِّرُ في النَّجاح أكثرَ منَ الإخفاق، وتميلُ إلى جانب الثِّقة أكثرَ منَ التردُّد، ويَتنافَى التشاؤمُ مع العقل السَّليم وقوَّة الإيمان؛ لأنَّ التشاؤمَ هو قِصَرُ النَّظَر، والوَسْوَسَة هي ضعفُ العقيدة؛ ففي التَّطَيُّرِ ظنٌّ بمعرفة الغَيْب، وما يعلمُ الغَيْبَ إلا اللهُ؛ قال تعالى: {وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [هود: 123]، وقولُه سبحانهُ: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} [البقرة: 216]، وقولُه تعالى: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيرًا} [الأحزاب: 47].
7- التَّواضُعُ وعدمُ التَّصَنُّع:
ويعني: سهولةَ الأخلاق، وتجنُّبَ العَظَمة والكِبرياء، والتباعُدَ عنِ الإعجاب والخُيَلاء، وهو حِلْيَةٌ يتحلَّى بها الإنسانُ؛ فيَسْمُو في الدُّنيا قَدْرُهُ، ويتملَّكُ صاحبُهُ مودَّةَ القلوب، وينالُ كلَّ مرغوبٍ ومحبوبٍ، وبه يُجْتَلَبُ المَجْدُ، ويُكْتَسَبُ الحمدُ؛ فمَنْ تَواضَعَ للهِ رَفَعَهُ، والمُتَظاهِرُ والمُتَصَنِّعُ حتمًا يتَّضحُ أمرُهُ لدى النَّاس، ويَبِينُ جَهْلُهُ وضَعْفُه، فيعلمونَ كَذِبَهُ؛ فيَحتقِرونَهُ وينْفِرُونَ منهُ، ويصيرُ ممقوتًا عندهمْ جميعًا.(/7)
فالتَّواضعُ في غير مَذَلَّةٍ سبيلٌ للنَّجاح والرِّفعة، والتَّصنُّع سبيلٌ للإخفاق والمهانة.
عن أبي هُرَيْرَة –رضي الله عنه– قال: قال رسول الله –صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ما نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وما زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزًّا، وما تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ))[10].
التواضعُ أساسٌ للشخصيَّة المحبوبة الجذَّابة، وإنَّنا نجْتَذِبُ غَيْرَنا بقَدْرِ حُبِّ غَيْرِنا لنا، ولنا في رسول الله –صلَّى الله عليه وسلَّم– وصحابتِه المَثَلُ والقُدْوَةُ؛ قال رسول الله –صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((إنَّه أوحِيَ إليَّ أنْ تواضعوا حتَّى لا يَفْخَرَ أحدٌ على أحدٍ، ولا يبغي أحدٌ على
أحدٍ))[11].
وقال رجلٌ: يا رسولَ الله؛ إنِّي أحبُّ أن يكونَ ردائي حسنًا، ونَعْلِي حسنةً؛ أفَمِنَ الكِبْرِ ذلكَ؟ فقال: ((لا، إنَّ اللهَ جميلٌ يحبُّ الجَمالَ))[12].
قال عبد المَلِك بنُ مَرْوَانَ: "أفضلُ الرِّجال مَنْ تَواضَعَ عن رِفْعَةٍ، وعفا عن قُدْرَةٍ، وأنْصَفَ عن قُوَّةٍ".
قال الشَّاعرُ:
عَجِبْتُ مِنْ مُعْجَبٍ بصُورَتِهِ وَكَانَ بِالأَمْسِ نُطْفَةً مَذِرَةْ
وَفِي غَدٍ بَعْدَ حُسْنِ طَلْعَتِهِ يَصِيرُ فِي اللَّحْدِ جِيفَةً قَذِرَةْ
وَهْوَ عَلَى تِيهِهِ وَنَخْوَتِهِ مَا بَيْنَ جَنْبَيْهِ يَحْمِلُ الْعُذْرَةْ
8- حُسْنُ المَظْهَر والقَوَام:
لمِظَهْرِ الإنسانِ أثرٌ في شخصيَّتِهِ، فالرَّجُلُ الصَّحيحُ الجِسْم، الحَسَنُ القامة، ربَّما لا يَحتاجُ في إظهار شخصيَّته والتَّأثير في غَيْره إلى ما يَحتاجُ إليه الشَّخصُ النَّحيفُ الجِسْم، المُشَوَّهُ الخِلْقَة؛ ففي حين تَجِدُ الأوَّلَ طبيعيًّا في معاملته؛ تجدُ الثَّانيَ مُحبًّا للتَّظاهُر، مُتَكَلِّفًا في أقواله وأفعاله، مُنْتَهِزًا كلَّ وسيلةٍ يستطيعُ أن يُظْهِرَ بها نفوذَهُ (عِلْمٌ – نَسَبٌ – مَالٌ – جَاهٌ – مَرَحٌ – فُكَاهَةٌ ...)(/8)
ذلك لأنَّ الإنسانَ حينما يُحِسُّ نَقْصًا في النَّاحية الجِسْميَّة مثلاً؛ تَراهُ يعمَلُ على أن يملأَ هذا الفراغَ، ويُكْمِلَ ذلكَ النَّقصَ منَ النَّاحية العقليَّة أو الخُلُقيَّة أو العِلْمِيَّة؛ حتَّى يُظْهِرَ شخصيَّتَهُ للملأ! وهكذا عَظَمةُ الخالق جلَّ وعلا؛ أن يعوِّضَ الإنسانَ بشيءٍ عمَّا فَقَدَهُ، وفي الحديث قال رسول الله –صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((إنَّ اللهَ لا يَنْظُرُ إلى أَجْسَامِكِمْ، ولا إلى صِوَرِكُمْ، ولكنْ يَنْظُرُ إلى قُلُوبِكُمْ))[13].
لذلك؛ لا ينبغي أن نَحْتَقِرَ إنسانًا، أو نَسْتَخِفَّ بمخلوقٍ، مهما يكنْ شأْنُهُ؛ فإنَّ مواهبَ الله
-تعالى- في الصُّدُور، لا في الثِّيابِ والظُّهُور.
قال رسولُ اللهِ –صلَّى الله عليه وسلَّم– في الحديث: ((مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى النَّاسِ فَلْيَتَوَكَّلَ على اللهِ تعالى، ومَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ أَغْنَى النَّاسِ فَلْيَكُنْ بما في يَدِ اللهِ عزَّ وجلَّ أَوْثقَ مِنْهُ بما في يَدَيْهِ، ومَنْ أَحَبَّ أنْ يَكُونَ أَكْرَمَ النَّاسِ فَلْيَتَّقِ اللهَ عزَّ وجلَّ))[14].
وقال ابنُ عمرَ – رضي الله عنهما-: "نُهِينَا عَنِ التَّكَلُّفِ"[15].
9- قُوَّةُ البيان:
لا شَكَّ أنَّ قُوَّةَ البيان، وفصاحةَ اللِّسان، وحُسْنَ المَنْطِق، والقُدْرَةَ على التَّأثير في السَّامع مع رَجَاحَة العقل تُكْسِبُ الإنسانَ شخصيَّةً قويَّةً، وتجعلُ لهُ مَنْزلةً بين سامِعِيهِ، وبلاغةُ اللِّسان وفصاحتُهُ لها قُدْرَةٌ كبيرةٌ على إقناع الآخَرين، ولنا في قصَّة سيِّدنا موسى -عليه السَّلامُ– وقفةٌ.
قال تعالى: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي} [القصص: 34].(/9)
فكان هارونُ عَوْنًا لأخيه -عليهما السَّلامُ- في إقناع فِرْعَوْنَ وقومِه، ولقد جاءَ في الحديث: ((مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ؛ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ))[16].
والفصاحةُ لا تعني الثَّرْثَرَةَ والتَّشَدُّقَ والتَّوَعُّرَ في الكلام، وإنَّما هي حُسْنُ التَّعبير عمَّا في النَّفْس، وقوَّةُ التَّأثير في المُسْتَمِع، والتَّكَلُّمُ من غير تَهَيُّبٍ أو تَخَوُّفٍ؛ بحيثُ يكونُ الكلامُ حُلْوًا رشيقًا، سَهْلاً عَذْبًا مؤثِّرًا. ولهذا؛ كان الأمرُ يَتَطَلَّبُ العِلْمَ بالشَّيءِ الذي نُريدُ الكلامَ عنهُ، وترتيبَ الأفكار لهُ، وما أجملَ الكلمةَ الصَّائبةَ في اللَّحظة المناسِبة، وكذا حُسْنُ الاستماع للمتكلِّم من آداب التَّخاطُب.
والرَّجلُ الفصيحُ تكونُ الأعناقُ إليه أَمْيَلَ، والعقولُ عنه أَفْهَمَ، والنُّفوسُ إليه أَسْرَعَ، وقد ذَكَّرَ اللهُ رسولَه –صلَّى الله عليه وسلَّم– حالَ قريشٍ وبلاغتَهُمْ؛ فقال: {وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} [المنافقون: 4]. فكلَّما كان اللِّسانُ أَبْيَنَ كان أَحْمَدَ، وقيل لجعفرِ بنِ يحيى البَرْمَكِيِّ: ما البيانُ؟ قال: أن يُحِيطَ لَفْظُكَ بمعنَاكْ، ويَكْشِفَ عن مَغْزَاكْ، ويُخْرِجَهُ منَ الشِّرْكَة، ولا يُسْتَعَانَ عليه بالفِكْرَة، ويكونَ سَلِيمًا منَ التَّكَلُّف، بعيدًا منَ الصَّنْعَة، بريئًا منَ التَّعقيد، غَنِيًّا عنِ التَّأويِل.
قال سهلُ بنُ هارونَ: "العقلُ رائدُ الرُّوحِ، والعِلْمُ رائدُ العقلِ، والبَيَانُ تَرْجُمَانُ العِلْمِ".
وقيل: "حياةُ المُروءةِ الصِّدْقُ، وحياةُ الرُّوحِ العفافُ، وحياةُ الحِلْمِ العِلْمُ، وحياةُ العِلْمِ البَيَانُ"، ولهذا؛ فإنَّ الكلمةَ إذا خَرَجَتْ منَ القلب وَقَعَتْ في القلب، وإذا خَرَجَتْ منَ اللِّسان لمْ تَتَجَاوَزِ الآذانَ.(/10)
قال –صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ، مَا يَتَبَيَّنُ فيها – (أي: لا يُفَكِّرَ فيها؛ أخير هي أمْ لا) - يَزِلُّ بها في النَّار أبْعَدَ مِمَّا بين المَشْرِق والمَغْرِب))[17].
قال الشَّاعرُ:
لِسَانُ الْفَتَى نِصْفٌ وَنِصْفٌ فُؤَادُهُ فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ صُورَةُ اللَّحْمِ وَالدَّمِ
وقال آخَرُ:
لا يُعْجِبَنَّكَ مِنْ خَطِيبٍ خُطْبَةٌ حَتَّى يَكُونَ مَعَ الْكَلامِ أَصِيلا
إِنَّ البيان لَفِي الْفُؤَادِ وَإِنَّمَا جُعِلَ اللِّسَانُ عَلَى الْفُؤَادِ دَلِيلا
أخيرًا:
إِذَا وَعَظْتَ فَأَوْجِزْ؛ فإنَّ كثيرَ الكلام يُنْسي بعضُه بعضًا، وأَصْلِحْ نفسَكَ يَصْلُحْ لكَ النَّاسُ.
10- الثِّقةُ بالنَّفْس:
من أهمِّ عناصر الشَّخصيَّة الثِّقةُ بالنَّفْس أوَّلاً، والاعتمادُ عليها ثانيًا، ومتى وُجِدَتِ الثِّقةُ بالنَّفْس؛ فمنَ السَّهْل الاعتمادُ عليها في كلِّ عملٍ ممكِنٍ منَ الأعمال النَّافعة، وفي التَّغلُّبِ على العقباتِ ومشاقِّ الحياة؛ قال تعالى: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159].
وإنَّ المؤمنَ يتوكَّلُ على الله -سبحانه- في كلِّ أموره؛ ولهذا فإنَّه يَثِقُ بنفسه، ويعتمدُ على ذاته في إنجاز كلِّ شؤونه، ملتمِسًا الأسبابَ والدَّواعيَ، من إلمامٍ بجوانب الموضوع، والثَّقةِ بالنَّفْس، والدِّقَةِ في الأداء وإتقانِه؛ بذلك يستطيعُ الشَّخصُ القيامَ بأعباء الحياة من غير اتِّكالٍ على غيره؛ فيؤدِّي واجبَهُ نحو نفسِه ومجتمعِه.(/11)
والرَّجلُ الواثقُ بنفسِه ثقةً بعيدةً عنِ الغرور والاسْتبداد، الواثق بقوله وفعله، يستطيعُ أن يواجهَ أيَّ موقف، ويُبَرْهِنَ على سَدَاده وصَوَابه، فيستطيعُ تدبيرَ حالِه، مُعِدًّا نفسَهُ للنُّزول إلى مُعْتَرَكِ الحياة، فيخرجُ للمجتمع رابِطَ الجَأْشِ، قويَّ العزيمة، ثابتَ القلب، مُسْتَلْهِمًا من قوَّة إيمانِهِ، ومُنِيبًا للهِ أمرَهُ.
قال تعالى: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88].
وقولُهُ عزَّ وجلَّ: {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً} [الأحزاب: 3].
وقال رسول الله –صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((لَوْ أنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ على اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ؛ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ؛ تَغْدُو خِمَاصًا وتَرُوحُ بِطَانًا))[18].
قال الشَّاعرُ:
تَوَكَّلْ عَلَى الرَّحْمَنِ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ وَلاَ تَرْغَبَنْ فِي الْعَجْزِ يَوْمًا عَنِ الطَّلَبْ
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ قَالَ لِمَرْيَمٍ وَهُزِّي إِلَيْكِ الجِذْعَ يَسَّاقَطِ الرُّطَبْ
وَلَوْ شَاءَ أَنْ تَجْنِيهِ مِنْ غَيْرِ هِزَّةٍ جَنَتْهُ وَلَكِنْ كُلُّ رِزْقٍ لَهُ سَبَبْ
11- اعْتِدَالُ المِزاج:
يقولُ علماءُ النَّفْس: إنَّ المِزاجَ هو الشَّخصيَّة الفِطْرِيَّةُ الطَّبيعيةُ - (الطَّبْع) - والنَّاسُ يختلفونَ في أَمْزِجَتِهِمْ كما يختلفون في شخصيَّاتِهِمْ؛ فنَجِدُ المتفائلَ، والمتشائمَ، وغيرَ المتسامحٍ، والمِقْدَامَ، والمُتَرَدِّدَ...إلخ، وذلك لأسبابٍ كثيرةٍ، منها الوِراثَةُ، والمُناخُ، والبيئةُ، والغُدَدُ وإفرازاتُها، وكذا الأمراضُ، وخلافُه.(/12)
والشَّخصُ إذا امتلكَ حُسْنَ طَبْعٍ، واعْتِدَالَ مِزاجٍ، وَحِلْمًا، وَلِينًا؛ كانت من دعائم شخصيَّتِه وقوَّتِها؛ وقد قال الله تعالى لرسولِه –صلَّى الله عليه وسلَّم-: {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159].
قال رسول الله –صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((إنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحبُّ الرِّفْقَ، ويُعْطي على الرِّفْقِ ما لا يُعْطي على العُنْفِ، وما لا يُعْطي على سِوَاهُ))[19].
وقولُهُ: ((إنَّ المؤمنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائمِ القَائمِ))[20].
وقوله: ((ألا أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ على النَّارِ؟ –أو: بِمَنْ تَحْرُمُ عليه النَّارُ؟- تَحْرُمُ على كُلِّ قَرِيبٍ هَيِّنٍ لَيِّنٍ سَهْلٍ))[21].
قال الشَّاعرُ:
تَأَنَّ ولا تَعْجَلْ بِلَوْمِكَ صَاحِبًا لَعَلَّ لَهُ عُذْرًا وَأَنْتَ تَلُومُ
وقال آخَرٌ:
إذا كُنْتَ في كُلِّ الأُمُورِ مُعَاتِبًا صَدِيقَكَ لَمْ تَلْقَ الَّذي لا تُعَاتِبُهْ
فَعِشْ وَاحِدًا أو صِلْ أَخَاكَ فَإنَّهُ مُقَارِفُ ذَنْبٍ تَارَةً وَمُجَانِبُهْ
إذا أَنْتَ لَمْ تَشْرَبْ مِرارًا على القَذَى ظَمِئْتَ وَأَيُّ النَّاسِ تَصْفُو مَشَارِبُهْ
وَمَنْ ذا الَّذي تُرْضَى سَجَايَاهُ كُلُّهَا كَفَى المَرْءَ نُبْلاً أَنْ تُعَدَّ مَعايبُهْ
وبعد أن وضَّحْنَا عناصرَ الشَّخصيَّة القويَّة؛ فإننا نؤكِّدُ أنَّ الشَّخصيَّة القويَّة لها دَوْرٌ كبيرٌ في نجاح الإنسان في مختلف شؤون حياته، ومن ثم تُعَدُّ خُطْوَةً مُهِمَّةً نحوَ السَّعادة.(/13)
عن أبي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه– قال: قال رسول الله –صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأَحَبُّ إلى الله من المؤمن الضَّعيف، وفي كلٍّ خيرٌ؛ احْرِصْ على ما يَنْفَعُكَ، واسْتَعِنْ بالله ولا تَعْجِزْ، وإن أصابَكَ شيءٌ فلا تَقُلْ: لو أنِّي فَعَلْتُ كذا كان كذا، ولكن قُلْ: قَدَرُ اللهُ وما شاءَ فَعَلَ؛ فإنَّ (لَوْ) تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطانِ))[22].
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[1] رواه مسلم.
[2] رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
[3] رواه مسلم.
[4] رواه مسلم.
[5] رواه مسلم.
[6] رواه البخاري.
[7] رواه مسلم.
[8] رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. وضعفه الألباني.
[9] رواه مسلم.
[10] رواه مسلم.
[11] رواه مسلم.
[12] رواه مسلم.
[13] رواه مسلم.
[14] رواه الحاكم.
[15] رواه البخاري.
[16] متَّفقٌ عليه.
[17] متَّفقٌ عليه.
[18] رواه الترمذي.
[19] رواه مسلم.
[20] رواه أبو داود.
[21] رواه الترمذي، وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
[22] رواه مسلم.(/14)
العنوان: كيف تكونُ معلماً محبوباً؟
رقم المقالة: 1530
صاحب المقالة: بدر بن محمد عيد الحسين
-----------------------------------------
كما أنّ العشبَ لا ينبُتُ في الصّخورِ الصمّ مهما سُقِي بماءِ المطر، فإنّ أذهانَ الطلاب لا تنتفعُ بمعارفِ المعلمِ مالم يُنَدِّها بابتسامةٍ حانية، ويُهيِّئْها بقصّةٍ شائقة؛ لأنّ أذهانَ التلاميذِ كالورود الرقيقة لا تفوحُ بالعطر إلا إذا حرّكها النسيمُ العليل، وأيقظَها سنا الشمس الدافئ...
تفنّنَ علماءُ التربيةِ من القدامى والمحدثين في ابتكارِ وصفةٍ تحملُ المتعلّمين على الانتباه، وتحفّزُهم على الانطلاق، وتفتّحُ عقولهم، فلم يجدوا أنجعَ من وصفة المحبّة...
يقولُ عالمُ الرياضياتِ الإنجليزيّ (برتراند راسل): "لن يصلَ أيُّ إنسانٍ إلى مرتبةِ المعلمِ الجيّد إلا إذا كانت لديه مشاعرُ الدفءِ والحبّ تجاهَ تلاميذه، وكانت لديه الرغبةُ الأصيلةُ لينقلَ لهم ما يؤمنُ هو نفسه بأنّه ذو قيمة"[1].
إذًا ما العواملُ التي تجعلُ المعلمَ محبوباً عند تلاميذه؟
أولاً: إظهارُ روحِ الدّعابة والمرح، فالابتسامة خيرُ رسالة، وأنجعُ لقاء بين المعلم وطلابه، وهذا من هَدي المصطفى -صلى الله عليه وسلّم- فقد قال -صلى الله عليه وسلّم-: "وتبسّمكَ في وجه أخيك صدقة"[2].
فالابتسامةُ تجعل الطالبَ يُقبل على المدرسة والدّرس برغبة وشوق فضلاً عن كونها تبدّد المخاوف من نفسه...
ثانياً: التشجيعُ على المواقف الحسنة والإجابات الصحيحة، وإذكاءُ روحِ التنافس بين الطلاب، وبذلك يوجّهُ اهتمامَهم إلى ما هو نافع، وذلك عن طريق المسابقات، وتكليفهم باستظهار الآيات من القرآن، والقصائد وعواصم الدول وغير ذلك. فالطلابُ طاقاتٌ كامنة تنتظرُ من يستثمرُها، وأذهانٌ هائمة تنتظرُ من يقودُها ويوجّهها.
"من أسمى فنون المعلم أن يوقظَ روح الحماسة لدى الطلبة للتعبير عن أفكارهم وآرائهم بطرق إبداعية"[3].(/1)
لقد أثبتت التجاربُ الميدانية التربويّة أنّ التشجيعَ في كلّ الأحوال ناجعٌ، ويؤثر تأثيرًا إيجابيًا على الطالب شريطةَ أن يكونَ في وقته، وبقدرِ الحاجة إليه، والأهمّ أن يكون متنوعاً، ومتقطعاً حتى لا يسأم الطالب.
"وكذلك ينبغي لكلّ معلم راشد أن يشيدَ بالمواقفِ الحسنة لتلاميذه، وينوّهَ بكلِّ من له موهبةٌ أو قدرة، وينمي فيه الطموح بالحق، والتفوق بالعدل، ولينبه الآخرين على فضلهم، فينافسوهم في الخير إن استطاعوا، أو يعترفوا لهم بالفضل إن عجزوا. وإن كلمة تقدير وتكريم من أستاذ له قدر في شأن أحد تلاميذه، قد تصنع منه- بتوفيق الله تعالى- نابغة من نوابغ العلم"[4].
ثالثاً: الاهتمام بشؤونهم وعوالمهم، فحريّ بالمعلم أن يسائلَ الطلاب عن المساجد التي يصلّون فيها، وعن المكتباتِ التي يشترون قصصَهم منها، وعن البرامج التلفزيونية النافعة التي يشاهدونها، وعن الأندية الرياضيّة التي يشجعونها، وإذا ما شعرَ الطلابُ باهتمام معلمهم باهتماماتهم فإنهم يمنحونه كلّ محبّتهم وتقديرهم ليصبحَ هو الأمَّ والأبَ والصديقَ والقائد.. ومن خلال ذلك يستطيعُ المعلمُ أن يستثمرَ هذه المحبّة فيما يعودُ على الأبناء بالخير والفائدة العلمية والأخلاقية... فيبثّ في نفوسهم حبَّ الإسلام، ويؤصِّلُ في قلوبهم القيمَ السامية والفضائل الراقية.. ويحبّبُهم في العلم..
رابعاً: محاورةُ الطلاب، فالحوار هو الفنُّ السّامي عند المعلمين، ونبضُ حسّهم الواعد، وأبجديّةُ أفكارهم الواعية، التي إنما تمتصُّ المعاني من نفوس الطلاب كما تمتصّ الزهورُ ذراتِ الهواء ثمّ تَبعثها من جديد أريجاً وعبقاً وسناً يُفتّق إبداعاتِ الطلاب، ويثيرُ ملكاتهم المعطاءة لتنتج عنها الآمال المنشودة والأماني الواعدة..
ومن أبرز فوائد الحوار بين المعلم والطالب:
- إقناعُ الطالب بحقيقة علميّة، أو معلومة ما.(/2)
- تعزيزُ ثقةِ الطالب بنفسه من خلال إيجادِ الفرصة المناسبة للتعبير عن أفكاره، والتخلّص من الخوف من مواجهة الآخرين.
- تنميةُ روابطِ الألفة والمحبّة مع المعلم.
- تنميةُ شخصية الطالب، وتعويدُه حلّ المشكلات بطرق جديدة.
- شدّ الانتباه والتّشويق.
- التّمييز بين الحقيقة، ووجهة النّظر.
- تعويدُ الطالب اختيار الكلمات المناسبة وردّ الحجة بالحجة.
- احترامُ رأي الطرف الآخر.
- إبعادُ الملل عن جوّ الفصل..
- مساعدةُ الطالب على التفاعل والتواصل مع حياته الاجتماعية بطريقة أفضل.
- ترسيخُ المعلومات.. لأنّ الحوار ذو طبيعة مؤثّرة ومحبّبة وجذّابة للطفل...
خامساً: التركيزُ على الجانب العمليّ، واستنتاجُ المعلومةِ من أفواه التلاميذ، فالطلاب يحبّون العمل، ويحبّون الاستكشافَ، ويسعَدون عندما يستنبطونَ حقيقةً علمية ما، وإنّ تركيزَ المعلم على الجانب التطبيقي ليفجّرُ الرغبةَ في نفوسهم، ويحفّزُ عقولَهم على التفكير، فإذا ما شرحَ المعلمُ درسَ أجزاء النبتة في الحديقة، أو أحضرها إلى الصفّ، وراحَ الطلاب يشاهدون الجذورَ والسّاق والأوراق، فلا شكّ أنّ فهمَهُم سيكون أكثرَ رسوخاً وثباتاً، وكذلك فإنّ بوسع معلم اللغة العربية أن يصطحبَ طلابه إلى الحديقة المجاورة ويجعل الطلاب يصِفون ما يشاهدونه، ومن الممكن أيضاً أن يُريَهم مادةً مصوّرة من خلال شاشات العرض التي باتت متوفّرة في معظم المدارس..
يقول جون لوك: "تدرّجوا في التدريس من السهل إلى الصعب، واعتمدوا على الأمثلة الحسية، ثم انتقلوا من المجردات، وتجنّبوا الشدّة، وركّزوا على المناقشة والمحاورة، ونوّعوا أساليب التدريس"[5].(/3)
ثمّ إنّ المعلمَ يستخدمُ الطريقةَ الاستنباطيةَ ومهارةَ طرحِ الأسئلة في تفتيحِ أذهانِ التلاميذ، لتلقّي المعلومة بعد تشوّق نفوسهم إليها، وتطلُّعِ عقولهم إلى معرفتها. ذكرَ الإمام البخاري في صحيحه باباً بعنوان "باب طرح الإمامِ المسألةَ على أصحابه ليختبر ما عندهم من العلم"، وأخرج فيه حديث عبد الله بن عمر أنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- قال: "إنّ من الشّجرة شجرةً لا يسقط ورقُها، وإنّها مثل المسلم حدّثوني ما هي؟ قال: فوقع الناس في شجر البوادي. قال عبد الله: فوقعَ في نفسي أنّها النخلة. ثمّ قالوا: حدّثنا ما هي يا رسول الله؟ قال: هي النخلة"[6].
سادساً: مرافقتهم في رحلاتهم الترفيهيّة والعلميّة لتزدادَ معرفتهُ بهم، وكلّما تمكّن المعلم من فهم السمات الشخصية لطلابه ازدادَ تفاعلاً معهم، ومحبةً لهم، ومن ثم يُصبح كالطبيب الذي يسهُلُ عليه أمرُ وصفةِ الدواء الناجعة إذا ما اتّضحَ له تشخيصُ الحالة، ولا بأس من زيارة المعلم طلابه عند مرضهم أو مرض ذويهم... تصوّروا فرحة الطالب وهو يرى معلمَه يزورُه وهو على سرير المرض.. حقاً إنه موقف يمتلئ خلقاً ونبلاً وإنسانية.
"يُعد القلبُ الذكي المتعاطف كلَّ شيء في المدرس، ولا يمكن أحدًا أن يقدّره حقّ قدره، وإنّ المرء ينظر بكلّ التقدير للمعلمين الرائعين، ولكن ينظر بامتنان أكثر إلى أولئك الذي أثروا في مشاعرنا الإنسانية"[7].
سابعاً: التغاضي عن هفواتهم الصّغيرة، فمن صفات القائد الناجح التغاضي عن بعض تصرّفات مرؤوسيه.
المعلم الودود لا يحاسبُ طلابَه على كلّ صغيرة وكبيرة، ولكنّه يتركُ جزءًا لطفولتهم النامية وفتوّتهم الثائرة، فتارةً يتجاهلُ إزاء تصرّف غير لائقٍ من طالب، فيناديه في الفسحة، ويتكلّم معه بأخوّة واحترام، عندئذ سيتأثّر الطالبُ ويندمُ على ما فعل، ويبتعدُ عن كلّ تصرّف غير لائق بإذن الله..(/4)
ثامناً: بثّ الحياة في المنهج، وتحويل السّطور إلى زهور، والصفحات إلى نجمات..
ليست المناهجُ في نظرِ المعلمين البناةِ سوى دروعٍ واقية لنسيجِ الأمة المتين، ومناجم ذهب متدفّقة توفّر لهم الحياة الرّغيدة ولأبنائهم المستقبلَ الآمن الواعد، وبساتين عامرة بشتى صنوف الثّمر والزّهر تجلبُ لهم الصّفاء والنّقاء، وتحملُ نفوسهم على تأمل عظمة صُنع الخالق جلّ جلاله... والرغبة في الاستزادة من طلب العلم والمعارف.
"لا أحد ينكر أنّ المنهج الدراسي على قدر كبير من الأهمية كمادة خام، ولكنّ الدفء هو العنصر الحيوي للنباتات الآخذة في النمو، وكذلك روح الطفل"[8].
تاسعاً: الإكثارُ من قراءة القصص، وتعويدُهم الإلقاء وتمثيل الأدوار المسرحيّة.
للقصص أثرٌ كبير في شدّ انتباه الطلاب، فَيُنصِتون إلى المعلم بحماسة، ويستغرقون في أحداث القصّة، ويتغلغلون بين الحروف، حتى إنهم يجعلون من أنفسهم جزءاً من عالم القصّة، ويتمثّلون نهجَ الأشخاص الذين يحبّونهم في القصّة كشخصية البطل، والكريم، وذاك الذي يُساعد المرضى، والذي يطردُ الثعلب لينقذَ الأرانب، ذاك الذي يطفئُ الحريقَ لينجوَ الأطفالُ الصغار، ولكلّ مرحلة من المراحل الدراسيّة قصصٌ تناسبها.. فالمعلم الحاذقُ يجعلُ من القصةِ سلاحاً يُعينهُ على ضبط الفصل، وتأصيلِ القيم والمفاهيم الأصيلة في نفوسهم فيروي ظمأَهم من سيرِ الصحابة والتابعين بما يحمل نفوسهم على الاستقامة..
وتعويدُ الطلاب الإلقاء أمام الزملاء في الصف يعوّدُهم الجرأة القدرة على مواجهة الآخرين
"دخلَ المأمون مرّةً بيت الديوان، فرأى غلاماً صغيراً على أذنه قلم. فقال له: من أنت ؟ قال: أنا الناشئ في دولتك، والمتقلّبُ في نعمتك، والمؤمّل لخدمتك، أنا الحسن بن رجاء، فعجب المأمون من حُسن إجابته، وقال: بالإحسان في البديهة تفاضلت العقولُ، ارفعوا هذا الغلام فوق مرتبته"[9].(/5)
وللمسرح دورٌ كبير في شدّ انتباه الأطفال وفهم الموقف التعليمي، والمعلم اليَقظ يُكثر من استعماله في المناهج؛ لأنّ الموقف المسرحيّ المؤثّر قد يُكسِبُ الطالب خُلُقاً يتبنّاه طوال حياته ويَعكُفُ عليه... فقد يكلّف المعلم طالبين بالمناظرة واحدٌ منهما يمثّل دور الصّيف والآخر دور الشّتاء.. إلخ. المهم أن ّباب المسرح واسع.
"ومن خصائص المسرحيّة أنْ تُقدِّم القيم والمُثل، وتؤكّد النماذج الرياديّة والمثاليّة، والمثل الرفيعة والمواقف النبيلة، وأن تثير في المتلقي خيالَه العاقل الراشد،... وتشجيع المغامرات التي تستهدف الكشف عن الألغاز والحلول، والحقائق، وتدور حول شخصيات لديها القدرةُ على تحمّل الصعاب في سبيل الآخرين، مما يبعثُ في الطفل القدرةَ على التكيف الاجتماعي والبيئي"[10].
عاشراً: العدل بين الطلاب، فيشاركُ الجميع، ويعطي الفرصةَ للجميع، فلا يميّزُ بين طالب وآخر، ويشيعُ المحبةَ والألفةَ بينهم، ويشجعُهم على الإيثارِ والتعاون ونبذِ الأثرة.. فالطلابُ على مقاعد التعلّم تتملّكُهم حساسيةٌ مفرطةٌ تجاهَ المعلمين، فهم يحاسبونهم على الابتسامات والنظرات، وإذا أعطى المعلمُ الفرصةَ لطالب مرتين على التوالي للإجابة عن سؤال ما، ولم يُعط الآخر، ضاقَ صدرُه، وأسرعَ يبوحُ بخلجاتِ نفسه الرقيقة معاتباً إياه، وهذا حصل معي غير مرّة؛ إذ إنّني كنتُ -ذات يوم- أضعُ النجومَ الملوّنة على دفاتر طلابي المتميزين، وبعد أن انتهيت، تبعني طالبٌ مسرعاً، وقال: أرجوك يا أستاذ، أنا لا أحبّ النجومَ البيض، ضَع لي نجمةً صفراء مثل زملائي...(/6)
أخي المعلم، أختي المعلمة، إنّ المحبّةَ زهرةُ الحياة، وربيعُ الكون، فأشيعوا المحبّة بين طلابكم، وعاملوهم باحترام، واحتملوا عالمَهم الثائر كازدهار الربيع، عالمهم الثرّ "بما يسكنُ فيه من البراءة والصفاء، وبما يشتجرُ فيه من خصومات ومشاكسات ومن أهواء ورغبات، وكدر وصفاء يقترنان معاً على نحو عجيب وفي وقت واحد عاكسَيْن عفوية عالم التلاميذ وتلقائيته"[11].
وفي الختام أتمنى على زملائي المعلمين أن يهتمّوا بتشييد جسور المحبّة بينهم وبين طلابهم قبل أن يشرعوا في رَصف المعلومات والمعارف في أذهانهم، وأن يتحَلّوا بروح الدعاة والبُناة، لا بروح القُضاة، وأن يحوّلوا غرفة الصّف إلى خميلة غنّاء، لا إلى أرض جرداء.....
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[1] كتاب أفضل النصائح للمعلمين- تشارلز ماكجوير، ديانا أبيتز- ص: 117.
[2] صحيح ابن حبان، ج2 ص: 221.
[3] [ألبرت أنشتاين] كتاب أفضل النصائح للمعلمين- تشارلز ماكجوير، ديانا أبيتز- ص: 117.
[4] كتاب الرسول والعلم، د. يوسف القرضاوي ص: 131.
[5] موقع إنترنت.
[6] البخاري مع الفتح1/156، عن كتاب الرسول والعلم د. يوسف القرضاوي.
[7] [كارل يونج]..كتاب أفضل النصائح للمعلمين -تشارلز ماكجوير، ديانا أبيتز ص: 4.
[8] المرجع السابق.
[9] كتاب تربية الأولاد في الإسلام، عبد الله ناصح علوان ص: 235.
[10] أدب الطفل من منظور إسلامي، د. نجاح بنت أحمد عبد الكريم الظهار، ص: 260-261.
[11] انظر تقديم كتابنا: "يوميات مربّ" د. وليد قصّاب.(/7)
العنوان: كيف نؤسس نظرية للنقد العربي؟
رقم المقالة: 531
صاحب المقالة: د. وليد قصّاب
-----------------------------------------
لم يهتمَّ نقدنا العربيُّ القديم بإنشاء نظرية متكاملة في النقد الأدبي، أو بتأسيس المذاهب والمدارس على طريقة النقد الحديث في هذه الأيام، بل كان – في مجمله – نقداً جزئياً قلَّ أن تناول العمل الأدبيَّ بأكمله.
كان – في أغلبه – على شكل آراء متناثرة مبعثرة، يتَّسم كثير منها بالأصالة والعُمق، ويتَّفق مع أحدث ما توصَّلت إليه المناهج النقديَّة الحديثة، ولكن الطابع العامَّ لهذه الآراء النقدية كان الإيجاز والجزئيَّة، ولم يأخذ شكلَ النظرية، أو المذهب، أو المنهج، بالمفهوم العلميِّ المعاصر.
في العصر العباسي نَضِجَ النقد العربي نضجاً كبيراً، وبدأ – في القرنين الرابع والخامس الهجريين خاصة – يتَّجه إلى العُمق والتكامل، وراح يعالج قضايا نقديَّة هامَّة: كاللفظ والمعنى، والطبع والصَّنعة، والقديم والحديث وغيرها، ثم تبلورت فيه شبه نظرية متكاملة للشعر تمثَّلت فيما عُرِف بمصطلح ((عمود الشعر)) الذي تحدَّث عنه – على خلاف في التصوُّر والأهداف – كلٌّ من الآمدي والقاضي الجرجاني والمرزوقي..
كما تشكَّلت على يدَيْ عبدالقاهر الجرجاني نظريةٌ نقدية بلاغية لغوية هي ((نظرية النَّظْم)) التي حاولت الخروج من عباءة الجزئية إلى ثوب النصِّ المتكامل، واجتهدت – بمهارة واقتدار مشهودَين – أن تتجاوزَ ثنائية ((اللفظ والمعنى)) الحادَّة إلى معالجة النصِّ الأدبيِّ في إطار من التكامل بين هذين العنصرين من خلال النَّظم أو ما أصبح يُعرف في الدراسات الحديثة بالأُسلوب.
ولكنَّ النقد العربيَّ القديم لم يُرزَق – للأسف الشديد – بعد الآمدي والجرجانيَّين وحازم القرطاجَنِّي – نقاداً كباراً على هذا المستوى، يكملون مسيرة التنظير الجادِّ له، ويستفيدون من الإنجازات الهامة التي حقَّقها هؤلاء.(/1)
ولكن ذلك كلَّه لا يعني – كما يحاول أن يُشيعَ بعض الباحثين المعاصرين – أن هذا النقد التراثيَّ سطحيٌّ، أو عديم الجدوى، أو أنه مما عفَّى عليه الزمن، أو أنه مما ينبغي أن يُتجاوز في أيِّ درس أدبيٍّ حديث..
إن في هذا النقد – كما ذكرنا – نظراتٍ عميقةً، وآراءً سديدة في غاية النفاسة، وإن كثيراً منها ليتَّفق مع أحدث ما توصَّلت إليه الدراسات الأدبية والنقدية المعاصرة، ولكنَّ هذه النظرات متناثرةٌ هنا وهناك، مبعثرةٌ عند هذا الناقد أو ذاك، وهي تحتاج إلى جمع ولملمة، حتى يُضمَّ النظير إلى نظيره، والشبيه إلى شبيهه، ومن جمع المتفرِّق، ولمِّ شتات المبعثر المتناثر، تُصنع نظرية نقدية عربية متكاملة، تقارب عناصرَ الأدب جميعَها.
إن النظرية النقدية المنشودَة لن نجدَها متكاملةً عند ناقد عربيٍّ واحد، ولكنها ستكون من صُنعنا، نصنعها من آراء النقَّاد القدماء بعد جمعها، وتصنيفها، وتفريعها إلى قضايا ومسائل تستقصي جميع عناصر العمل الأدبيِّ وأركانه.
في نقدنا العربيِّ التراثيِّ كلامٌ كثير على الشكل والمضمون، والصورة الأدبية، والخيال، والعاطفة، وعن طبيعة الإبداع، وماهيَّة الشعر، ووظيفة الأدب، وغير ذلك من القضايا والمسائل.
وإذا أُتيح لهذه الآراء المبعثرة من يجمعها وينسِّقها – على النحو الذي ذكرنا – فإن هذا سيكون عملاً عظيماً يسهم في بناء نظرية النقد العربيِّ المنشودَة، ويكون هو اللَّبِنَة الأساس في هذا البناء.(/2)
ولكنَّ الذي لا ينبغي أن نغفُلَ عن ذكره كذلك، وألا نتحرَّج من الإفصاح به، أن ما خلَّفه لنا نقادُنا العرب القدماء لا يكفي وحدَه لبناء نظريَّة أو منهج لنقد عربيٍّ أو إسلاميٍّ معاصر، بل لابد من أن نستعينَ – في أثناء ذلك كلِّه – بما يُلائمنا من آراء النقد الغربيِّ الحديث، مما لا يخرج عن قيمنا وذوقنا ولغتنا وطبيعة أدبنا العربيِّ والإسلاميِّ، وما أكثرَ ما يتوافر في هذا النقد من آراء قيِّمة، ونظرات صائبة سديدة، بل إن أحداً لا يشك أن ما بلغته الدراسات الأدبية والنقدية الحديثة من عمق واستقصاء، ومن منهجيَّة وضبط لا يكاد يُقارن بما تركه الأقدمون، ولا يمكن تجاوز ذلك كلِّه وإلا كنا نعيش خارج العصر..
إن الدراسات دائماً تتطوَّر، وإن أي نظرية أو منهج جديد هو حصيلةُ تراكم معرفيٍّ غزير ساهمت في صُنعه أجيال من الأمم والحضارات والشعوب في القديم وفي الحديث.
ولكنَّ ما ينبغي أن نفطن إليه، وألا يغيبَ عن تفكيرنا لحظة واحدة، أن أي منهج نقديٍّ عربيٍّ نتبناه في دراساتنا الحديثة يجب أن يكونَ أساسه الأكبر المكين قائماً على تراثنا وثقافتنا وقيمنا العربية والإسلامية الأصيلة، وأن تكونَ الأسس الأخرى الجديدة، أو المقتبَسة، أو المأخوذة من شرق أو غرب، متناغمةً مع هذا الأساس الأكبر، داعمةً له، بل قائمة عليه.(/3)
العنوان: كيف نُدرِّبُ أطفالَنا على صيامِ رمضان؟
رقم المقالة: 1447
صاحب المقالة: تحقيق: إيمان الحلواني
-----------------------------------------
• د. محمّد المرصفي: يجب استثمارُ إرادة الطفل ومكافأته بما يستحق.
• د. هيام الشاذلي: تدريجُ الصيام لن يُشعر ابنَك بأية متاعب صحية.
• د. شاهيناز محمود: الإفطارُ المتوازن وتأخير السحور يزيد من احتماله للصيام.
• د. أحمد يوسف سليمان: ليس تكليفًا، ولكنه درسٌ علّمه لنا الصحابة.
• • • •
يستقبلُ الأطفالُ شهرَ رمضان كلَّ عام بحفاوةٍ بالغةٍ قد تفوقُ حفاوةَ الكبارِ أنفسِهم، ويضعُ كلُّ طفل لنفسه طريقةً خاصة في الاحتفال بهذه المناسبة التي لا تتكرر إلا مرة واحدة كل عام.
فكيف نستغلُّ حفاوةَ أطفالنا بهذا الشهر الفاضل؟ وكيف نعلّمهم الصيام؟ وكيف نغرسُ في هذه القلوب البريئة تعاليمَ الإسلام وفرائضَه؟ وكيف نجعلُ شهرَ رمضان محطةَ وقود يتزودُ منها كلُّ المسلمين الكبيرُ منهم والصغيرُ بجرعة إيمانية تكفيه طوال العام؟...
هذه الأسئلة وغيرها لها إجابات في هذا التحقيق..
لا تنسَوا المكافأة:
الدكتور محمد المرصفي عميد كلية التربية بجامعة طنطا يؤكِّدُ أن الصومَ فرصة عظيمة لخلق إرادة قوية داخل الطفل وتعويده تحملَ المسؤولية، ويقول: من المناسب أن تقترن هذه التجربةُ بمكافأة مادية تُقدَّم في نهاية يوم الصوم، أو في نهاية الشهر الكريم، مع الأخذ في الاعتبار أن الطفل عادةً يحب المكافأةَ السريعة، وهو ما يدفعُه ويجعله يستمر فيما يقوم به من تكاليف، حتى تصبح هذه التكاليفُ عقيدةً وسلوكاً.
ويقول: ومن الطرق المفيدة هنا أيضاً أن يقترن الصومُ في حياة الطفل بذكريات مُفرحة وسارّة، وذلك يشجّع الطفلَ ويحفزه على انتظار شهر رمضان بتلهف وتوقع لما استودع في ذاكرته من أحداث مفرحة إبانَ صومِه أول مرة.(/1)
ويحذر د. المرصفي من الأخطاء التي يرتكبُها بعضُ أولياء الأمور، وذلك بمنعِهم أبناءَهم الصغار من الصوم بحجة الخوف على صحتهم، أو بحجة أنهم لم يبلغوا السن التي يجب عليهم فيها الصومُ، ويقول: في حقيقة الأمر هذا السلوكُ إساءة للأبناء، وليس إحساناً لهم كما يتصور البعض؛ فعلى الأهل أن ينتبهوا لهذه الأمور، وعليهم بالمقابل أن يستثمروا إقبالَ أبنائهم على الصوم، وذلك بتشجيعهم والأخذ بيدهم على هذا الطريق الذي يحتاجُ إلى دعم معنوي من الأهل قبل كل شيء. وأهم من ذلك أنه يجب على الأم ألا تخاف على طفلها من الصيام؛ لأنها ستفاجأ بطفلها مقبلاً على الصيام بحماسة شديدة جداً تشبهاً بوالديه وإخوته الكبار، ولما يحويه الشهرُ الكريم من عادات وتقاليد محببة، وبخاصة اجتماع العائلة حول مائدة الإفطار والسحور، ناهيك عن التقاليد الشعبية التي يتميز بها شهرُ رمضان في كل بلد من بلادنا الإسلامية.
ويرى د. المرصفي أن تدريبَ الأطفال على الصيام يجبُ أن يكون تدريجياً، ووَفْقَ الظروف الصحية للطفل، ففي شهر رمضان من كل عام يرى الطفلُ والديه والكبارَ من الأقارب والجيران والمدرسين يصومون، فيشعرُ بالغيرة والرغبة في تقليدهم، لذا يجب أن نعينه على ذلك، وننتهز هذه الفرصةَ بأن نشجعه ونتركه يصوم لمدة ساعتين مثلاً، ثم نزيدُ عدد الساعات حسب قدرة الطفل، وإذا رغب في الطعام تركناه حتى يشعر أن هذا أمر يخصه، وأنه شيء بينه وبين ربه، ولا ينبغي أبداً أن نخاف عليه من الضعف والهزال.
والأهم ألا ننسى مكافأته على اجتياز الصوم بنجاح، ويكونُ ذلك بزيادة مصروفه، ومعاملته بحنان ورقة أكثر.
يقوِّي مناعةَ الطفل:(/2)
الدكتورة هيام الشاذلي خبيرةُ التغذية بالمركز القومي للبحوث تؤكدُ أن صيامَ الأطفال غيرُ مضر؛ خاصة إذا أتم الطفلُ عشر سنوات؛ لأنّ الصوم ينشّط بعضَ الهرمونات خاصة هرمون النمو ينشط بالصيام، وكذلك بالنوم، وتقول: إن الصوم لا يعيق نمو الأطفال بعد السنوات العشر، ولكن يجب أن يكون الصومُ تدريجياً؛ يصوم بضع ساعات في اليوم، ثم يزيد عدد الساعات إلى أن يتم اليوم كله، وكذلك يكون اختيارياً وتحفيزياً، حتى لا نعلّم أطفالنا الكذب، أما قبل هذه السن فيجب مراعاة البنية الجسمية للأطفال وقابليتهم للصوم.
وقد أثبتت الدراساتُ والبحوثُ الميدانيةُ الحديثة التي أجريت على مجموعات من الأطفال الذين يصومون رمضان أن النمو البدني والنفسي لدى هؤلاء الأطفال يكون أحسنَ بكثير من غيرهم، وأنهم أكثر قدرة على تحمل المسؤولية.
وتقول: صيامُ الطفل وهو في العاشرة لن يُشعره بأية متاعبَ صحيةٍ؛ أما إذا صام وهو فى السابعة أو ما قبلها فسيكون ذلك خطرًا على صحته؛ لأن كل طفل في هذه السن سيكون في أمس الحاجة إلى المواد الغذائية التي تلاحق نموَّ جسمه السريع، وتحميه من الأمراض التي قد يتعرضُ لها.
وهناك أكثر من طريقة لتعويد الأطفال الصيام: الطريقة الأولى: اتباع طريقة التدرج بجعل الطفل يصوم حتى الساعة 12 ظهراً، ثم إلى الساعة 2 بعد الظهر، وبعد عدة أيام من تعويده الصيام للظهر، ثم حتى صلاة العصر إلى أن يصل لاستكمال اليوم صائماً حتى وقت أذان المغرب.
وهناك طرق أخرى هي تعويد الطفل الصيام على مرحلتين على عامين مختلفين أي يصوم في هذا العام نصف صيام ثم يصوم في العام المقبل صياماً كاملاً.
لا للصوم في هذه الحالات:(/3)
الدكتورة شاهيناز محمود أستاذة طب الأطفال بجامعة الأزهر ترى أنه يجب على كل أم مراقبةُ ابنها أو ابنتها في أثناء الصوم، فإذا شعرت بإرهاق شديد أو مرض على طفلها لا يتحملُ معه الصيامَ فينبغي لها أن تسارع بإطعامه، وتذكر أن هناك بعضَ الأمراض تمنعُ الطفل من الصيام، وخاصة أمراض الكلى؛ لاحتياج الطفل الدائم للسوائل، وكذلك أمراض السكري والسل والأنيميا، وقرحة المعدة وغيرها من الأمراض التي يبينها الطبيب المختص.
وتؤكد د. شاهيناز أن التدرج في صيام الأطفال بما يعني زيادةَ عدد ساعات الصوم يوماً بعد يوم وسنة بعد سنة يؤدي إلى توازن الجسم في استقبال التغيرات الفسيولوجية التي تحدث نتيجة للصيام، ومن ثم يستطيعُ الطفلُ الصيامَ وهو في حالة صحية سليمة ودون تعب أو مشقة وفى إيمان وخشوع.
لكُلّ أم:
تنصح د. شاهيناز بتعجيل إفطار الطفل بتناول بعض التمر أو العصائر المحببة له، أو الماء المحلى بكميات قليلة وبتمهل اقتداء بالنبي –صلى الله عليه وسلم– فقد كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم– يفطر على رطبات قبل أن يصلى، فإن لم تكن فعلى تمرات، فإن لم تكن حسا حَسَوَاتٍ من الماء .
ويجب ألاّ نجعل الطفلَ يشربُ الماء البارد مباشرة ساعةَ الإفطار؛ لأن ذلك يربك جهازَه الهضمي ويعطل الهضم، ويفضَّل تناولُ السوائل الدافئة مثل (الشوربة)؛ لأنها تنبه المعدة.
وتشير د. شاهيناز إلى أهمية أن يكون غذاءُ الإفطار متوازناً، وأن يحصل الطفل على السعرات الحرارية اللازمة له، وينصح باحتواء هذه الوجبة على البروتينات التي تساعد على بناء الأنسجة الجديدة وتعويض ما ينهدم منها.
ويراعى تأخيرُ وجبة السحور بقدر الإمكان اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.
وأخيراً يجب أن تراعي الأسرةُ الحدَّ من المجهود البدني الذي يبذلُه الطفل في الصيام، أما المجهود الذهني فمسموح به، ولذلك فالاستذكارُ غير مجهد، ويمكن أن يذاكر الأطفال خاصة وقت ما قبل الإفطار.
أسوةٌ بالصحابة:(/4)
الدكتور أحمد يوسف سليمان أستاذُ الشريعة الإسلامية يؤكد أن تعويد الأبناء أداء فرائض دينهم وتربيتهم عليها منذ وقت مبكر أمر ضروري جداً كي لا يشق الأمرُ عليهم حين البلوغ ويقول: تدريبُ الأبناء وتعويدهم صيام شهر رمضان يعد مدخلاً للالتزام بجميع تعاليم الإسلام الأخرى؛ كالصلاة، وقراءة القرآن، وحسن الخلق، واحترام الوقت، والنظام، ونحو ذلك من الأحكام والآداب الإسلامية التي ربما لا يسعفُ الوقت في غير رمضان لتعليمها وتلقينها.
ويشير الدكتور (أحمد يوسف) إلى أن الطفل غير مكلف بالصوم، ولكن كما كان يفعل الصحابةُ مع الأطفال يصومون ويلاعبونهم بالأشياء التي تنسيهم الطعامَ حتى يأتي المغربُ، ولا مانع من تعود الصوم يوماً أو بعض يوم؛ فيصوم الطفلُ إلى الظهر، ثم إلى العصر، ثم إلى المغرب، يصوم يوماً ويفطر يوماً، ثم يومين ويفطر ثم ثلاثة وهكذا.
ولابد من الترغيب في الصوم بالأشياء التي يحبها الأطفال من ترفيه وشراء أشياء ما دام صغيرا لا يدرك فضل الصوم عند الله، فإن أدرك فنحدثُه عن فوائد الصوم الصحية والنفسية والدنيوية والأخروية، هذا مع أب يصوم وأم تصوم، ولا تظهر له أنها تأكل في أيام حيضها حتى لا تهدم ما بنت.
ومن الطرق المفيدة والمجدية في تعويد الأطفال الصيام والإقبال عليه: التوجيه والإرشاد اللطيف، والتبيان لهم أن الصوم أحدُ أركان الإسلام، وأن الله -سبحانه وتعالى- شرعه لفوائد دينية ودنيوية، ومن ثم تشجيعهم على المبادرة إلى صيام هذا الشهر الكريم.(/5)
العنوان: كيف نرى حسناً ما ليس بالحسن؟!!
رقم المقالة: 1140
صاحب المقالة: د. حيدر عيدروس علي
-----------------------------------------
نُشِرت دراسةٌ للباحثة أروى الغلاييني، في قسم الدراسات الفكرية بموقع الألوكة، بعنوان: ((كيف يتم التفاعل مع وسائل الإعلام؟))، وفي معرض حديثها عن مخاطر التلفاز على الصبية قالت: ((وهذا أمر على الأسرة التنبه له، حيث تسمح بعض الأسر للأطفال (حتى السابعة من عمرهم) بمشاهدة بعض البرامج الخاصة بالكبار، بحجة أنهم لم يفهموا بعد، أو أنهم لا يعون ما يُعرض، بل إن الطفل بهذا السن يمتلك دقة الملاحظة، ويعتمد على بصره في التخيل وفي التذكر، ويحاول إيجاد منطق وتفسير لما يراه. ويؤثر على إدراكه سلباً أن يرى المُنكر والباطل والعيب -الذي يُنهى عنه في البيت والمدرسة- جميلاً منمقاً في التلفاز))!!.اهـ.
هكذا قالت! وهو قول يوافقُها عليه كثيرٌ من الباحثين والقراء، ولكنه من وجهة نظري قول متعقَّب؛ إذ إنه اعترافٌ صريح بتعدي الآثار السالبة عالمَ الصغار، ليُشرَبها الكبارُ في قلوبهم حتى يروا حسناً ما ليس بالحسن، فكلام الباحثة يدل على أن الكبار قد أباحوا لأنفسهم أن يشاهدوا ما لا يُسمح للصغار بمشاهدته بحجة أنهم كبار!! فتجدهم يُصدرون أوامرَهم للصغار بالابتعاد عن مكامن الخطر، وعن مشاهدة ما لا يسمح لهم بمشاهدته. مما يولد لدى الطفل أسئلة مختزنة في ذاكرته: ما الذي منعوني منه، ولماذا أمنع، وماذا يترتب على مقارفة الممنوع؟!!(/1)
لا سيما وقد ذكرت الكاتبة أن الطفل لديه إدراك ومقدرة على التذكر، وهذه حقيقة يعرفها المتابع المتأمِّل، وهو أمر قد عانيناه صغاراً، فقد كان الكبار يمنعوننا من أشياء يمارسونها أمامنا، ونقف أمامهم (وفي صدرونا شيء من "حتى"...)، وشتان بين ما كانوا يمنعوننا منه في ذلك العهد الأبيض، وبين ما يُمنعُ منه الأطفالُ في هذا العهد الذي اختلطت فيه الألوان؛ كانوا يمنعوننا من شرب الشاي الأحمر، ومن شرب القهوة؛ وهم يشربونهما أمامنا، ومن المكث بينهم في وقت القيلولة، في زمان كانوا فيه يقيلون، وقد اختزنت هذه الممنوعات في أذهاننا حتى كبرنا، فعرفنا فيما بعدُ شدةَ شفقتهم علينا، لما عرَفنا مضار الشاي الأحمر، والقهوة على الصغار، أما القيلولة -وهي من مسهلات قيام الليل- فما عاد أبناؤنا يعرفون حتى لفظها، ولماذا تكون، ومتى يحين وقتها؟!! لأننا لا نقيل، ولا يعرف الصلاةَ في الليل منا إلا القليلُ، فقد كانت الصلاة عند كبارنا أحلى من عصير القصب، أما صلاتُنا فما يجد أحدُنا فيها من حلاوة إلا كما يجده من ذاق طعماً باهتاً في القصب الناشف، هذا إذا وُفّق لتذوق حلاوة ما!! ولم يحدث هذا التغير لأن الأرض قد تبدلت غير الأرض، وإنما حدث ذلك بسبب تغير أنماط الحياة، فتغير تبعا لذلك ما بأنفسنا، وتردى ما بدواخلنا، فالأوائل {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 17-18].(/2)
وكان كبارُنا يذهبون في الغداة إلى الحقول أو المراعي، ثم بعد أن ترمَض الفصال قليلا يؤوبون إلى الديار لأخذ حظهم من الطعام ويخلدون قبل الظهر للراحة، وهذه الراحة تسمى القيلولة، يستعينون بها على دندنة عذبة في الأسحار، وقد رُوِي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((قيلوا فإن الشيطان لا يقيل))[1]، فكم -والله!- أغبط الأوائل على ما كانوا فيه من حلاوة العيش برغم امتزاجها بالشدة والتعب، وكم أختزن في ذاكرتي وأنا صبي تلك الدندنة العذبة في الأسحار.
فلما تجددت أشجان الذكرى تذكرت ما يردده الناس في ربوعنا من شعر يمتدحون به شيخاً عابداً، ويذكرون أن وقته يضيق عن الاستماع إلى المذياع؛ لما فيه من تضييع للأوقات، وإفساد للألباب بما فيه من موسيقى وألحان لم يأذن بها الله جل في علاه، وإن من صِدْق لهجته في الدعوة إلى الله تعالى أن جاء بالعُصاة من النوادي، وأبدلهم بالشرب الحرام حلالاً.
وتذكرت فيما تذكرت مشهداً عجيباً؛ بكى فيه عمنا عبد الرحيم ولد محمد -رحمه الله- لما رأى جهاز التلفاز في صحن المسيد[2]، برغم أنه أحضر لتعرض فيه بعض الأعمال الدرامية الإسلامية، ولكنه لم يفهم من دخول التلفاز إلى باحة المسيد إلا دخول الفساد، وهو ما لم يشاهده في أيام شبابه وعنفوانه، فماذا يا ترى يكون حاله لو شاهد الفضائيات الخليعة، ما أظن البكاء يزيل لوعته، ولن أبالغ إن قلت إنه سيصاب بلوثة في الدماغ لا يفيق منها إلا على خير في رحاب الدار الآخرة إن شاء الله.(/3)
أما عمنا الحاج علي ولد البلة -رحمه الله- فقد استدرجه أحدُ أقربائنا لمَّا كان في زيارة لحاضرة ولاية الجزيرة في السودان، فأدخله دار عرض سينمائية، بحجة أنها تعرض أعمال الزارعة والحصاد، مما كان أهلُنا يشاهدونه في عروض التوجيه المعنوي الجائلة بين القرى والهجر لشحذ همم الناس في بدايات ونهايات المواسم الزراعية، على جهاز العاكس الضوئي (البروجكتر)، فلبى عمنا الحاج علي الدعوة على هذا الأساس، وذهب لدار العرض وهو لا يدري أنه ممتحَن في فطرته السليمة القوية الثابتة، فلما شاهد مخالطة فتاة لفتى من الفتيان على نحو تأباه البغال والحمير، مما اعتاده الناس في هذه العقود الوخيمة، فأمسوا يشاهدونه في بيوتهم ومع أولادهم على اختلاف أعمارهم، ولم يكن عمنا الحاج علي يتصور حدوثه على مرأى منه، فلما شاهده نسي أنه يشاهد عرضاً سينمائياً، فوقف في مشهد عجيب، وصاح مزمجراً في المشاهدين كليث غابات غضوب، ممسكاً بعصاه وهو يردد: أليس لهذه الفتاة من ولي؟!! ولولا أن أخذ مرافقُه بيده لخارج الصالة لعكّر على المشاهدين وأفسد عليهم باطلَهم، وانتقم من عارضي العُهْر شَرَّ انتقام.(/4)
أما نحن فصرنا لا نقيل؛ لأن نمط الحياة قد تغير عندنا كما أسلفت، وتبعاً لذلك فقد هبطت دندنتنا لما هو أدنى، وصار همنا هو التعايش السلمي مع الباطل. وأذكر أنني -وبتأويل أقر بأنه غير صائب- وفَّرْتُ جهاز تلفاز لأسرتي، تحت ضغط الموازنة بين هرب أبنائي من بيتهم إلى بيوت عماتهم وخالاتهم وأعمامهم وأخوالهم، ليشاهدوا التلفاز عندهم، وبين مكثهم في البيت ومراقبتهم فيما يشاهدون، هكذا سهُل الأمر عليَّ، بحجة الأخذ بأخف الضررين، فاشتريت جهازاً من أحدث الأجهزة في وقته، وكنت أُحرّج على أفراد أسرتي، وأزجرهم عن مشاهدة المسلسلات، وآمرهم بإغلاق الجهاز في وقت بث تلك المواد الهابطة من الدراما الخليعة، لئلا يجرهم ذلك إلى انقلاب في الفكر، وانطماس في البصيرة؛ فيروا القبيح حسناً. وكنت إذا دخلت عليهم وهم يشاهدونها آمرهم بإغلاق العفن!! فانطبع ذلك في ذاكرة أصغر أبنائي، فأطل عليهم ذات ليلة ووجدهم يشاهدون المسلسل، فتقمّصني، وأمرهم قائلا: ((اقفلوا العفن دا))!!! فاندهشوا نظراً لصغر سنه.
وقد كفاني الله تعالى -وله الحمد والمنة- شر ذلك الجهاز، فقد سلط الله عليه أحد أبنائي بعد ذلك فحاول إخراجه إلى حيث يتحلقون حوله، كما يتحلق التلاميذ حول شيخ آسر، فيشاهدون المنكر محدقين كأنما على رؤوسهم الطير، فسقط منه وتلفت الشاشة، فلم أوفر لهم جهازا آخر، ولكنهم ادخروا من مصروفهم فاشتروا جهازاً ثانياً، وقد أعانهم على ذلك اجتهادي الذي ذكرت، فقضى الله على الجهاز الثاني بالتلف أيضاً، فما عادوا يجرؤون على الطلب، إلا على استحياء، والحمد لله.(/5)
ولو لم يكن في التلفاز من خطر إلا أنه يزين المنكر، حتى يجعله معروفاً لكفى، وليس أمامنا من حل إلا إنتاج برامج منقحة مفيدة، وهذا أيضاً مطلب أصعب من تناول النجوم، فنحن في عهد يراد بنا أن نغير مناهجنا التعليمية قسراً لتواكب العولمة، وليرضى عنها القطب الفرد، فكيف نجرؤ في ظل ذلك على عمل برامج مستمدة من مناهج يُرى فيها الفساد، ولا يقبلها لنا الأقطاب والأوتاد، وإلا فليأخذ رب كل أسرة مسلمة تشاهد العفن حظَّه من غضب الله، ليطاله سوط العذاب، والعياذ بالله.
بلا شك سيتهكّم الذين صدّق عليهم إبليسُ ظنه، ويعدون ذلك تغريداً خارج السرب، أما من أحكم عليهم الشيطانُ القبضة فإنهم لا يجدون وصفاً من أوصاف الازدراء إلا ورموا به من يطالبون بذلك، فتجدهم يقولون: هذه رجعية ساذجة، وأصولية متطرفة، ومن تمكن منهم من معرفة بعض مفردات لغة أجنبية يقول: هذه راديكالية!!!
وأما إخوان فاطمة من أهل الغيرة الإسلامية ممن يعتبرون هذا الجهاز وعاء يمكن أن يتقبل الخير فيبثه، فيكون فيه من الخير الكثير، ويمكن أن يتقبل الشر فيبثه فيكون فيه من الخطر شر مستطير، فلهولاء أقول: نعم بلا شك إنه وعاء، ولكننا نخصص الأوعية، فالقصرية؛ وهي وعاء يخصص للمرضى وذوي الأعذار ليقضوا حاجتهم فيه عند الضرورة لا يمكن أن نستخدمه في مجال الأكل والشرب ولو كان جديداً نظيفاً لم يسبق استخدامه؛ لأن النفس تعافه، ولو سلمت لنا فطرتنا لنبذنا دور البث التي تنشر الخير، ثم لا تترفع من إشاعة الفاحشة، ولعقدنا العزم على إنشاء دور لا تجمع مع الحق غيره، ولوعينا بقلوبنا قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور: 19].
ـــــــــــــــــــــــــ(/6)
[1] أخرجه أبو الشيخ في طبقات أصبهان (4/176)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (1/100، و218).
[2] المسيد لغة في المسجد، وقيل معناها: المكتب، أي الكُتَّاب، وانظر تاج العروس (8/236).(/7)
العنوان: كيف نستقبل رمضان؟
رقم المقالة: 1266
صاحب المقالة: الشيخ عائض بن عبدالله القرني
-----------------------------------------
أيها النَّاس:
أظلَّكم شهرٌ كريمٌ، وضَيْفٌ عظيمٌ.
لِنَعِشْ هذه اللحظات مع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وكيف استقبل الشَّهر العظيم، وكيف احتفى بالضَّيْف الكريم؛ فإنه المعصوم - بأبي هو وأمِّي - الذي على أقواله تُقَاسُ الأقوال، وعلى أعماله توزَنُ الأعمال، وعلى أحواله تصحَّح الأحوال.
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب: 21].
فلا إله إلا الله، ما أربح من اتَّبعه، واقتدى بسنَّته، واهتدى بسيرته .. ولا إله إلا الله، ماأعظم خسارة من تلفَّظ أقواله، ولم يتَّبعه على منواله، ولم يقتد بأحواله - عليه الصَّلاة والسَّلام.
في الحديث: أن الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان إذا رأى هلال رمضان قال: ((اللَّهم أَهِلَّهُ علينا باليُمْن والإيمان، والسَّلامة والسَّلام، هلالُ خيرٍ ورشدٍ، ربِّي وربُّكَ الله))؛ حديثٌ صحيحٌ.
وما أحسنَ نبضات التَّوْحيد، وما أحسنَ لمساتِ العقيدة في استقبال الشهر، يوم يقول للهلال في السماء: ((ربِّي وربُّكَ الله))! وكان المشركون يعبدونه من دون الله، كأنَّه يقول له: يا هلال، أنت مخلوقٌ كما أنا مخلوقٌ، وربِّي وربُّكَ الله يا هلال؛ فأنت لا تملك ضرًّا ولا نفعًا، ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا، ولا رزقًا ولاتدبيرًا، ولقد اخطأ خطأً عظيمًا، وغلط غلطًا بيِّنًا - مَنْ عَبَدَكَ من دون الله؛ فربِّي وربُّكَ الله. ثم يستهلُّ الشَّهر.
ورمضان فرصةٌ ثمينةٌ لا تعوَّض، ولحظةٌ من اللحظات الذهبيَّة في حياة المسلم، يُعْتِقُ الله كل ليلةٍ مائة ألفٍ ممَّن استوجبوا النار، فإذا كان آخر ليلةٍ؛ أعْتَقَ الله بقدر ما أعْتَقَ في تلك الليالي جميعًا.(/1)
فهل بعد هذا الفَضْل من فَضْلٍ؟
إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا شَابَتْ عَبِيدُهُمُ فِي رِقِّهِمْ عَتَقُوهُمْ عِتْقَ أَبْرَارِ
وَأَنْتَ يَا خَالِقِي أَوْلَى بِذَا كَرَمًا قَدْ شِيتَ فِي الرِّقِ فَاعْتِقْنِي مِنَ النَّارِ
يقول ابن عبَّاس - رضي الله عنهما -: "كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أجْوَدَ النَّاس، وكان أجْوَد ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل؛ فيُدارِسُه القرآن، ولقد كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أجْوَد بالخير من الرِّيح المُرْسَلَة.
والريح المرسلة: التي تهبُّ معطاءةً وكريمةً ورَخْوًا؛ فكان المصطفى - عليه الصَّلاة والسَّلام - أجودَ النَّاس في رمضان، ما سئل سؤالاً فقال: لا.
وفي رمضان: يُخَصَّصُ هذا الشَّهْر لقراءة القرآن، وقد فهم هذا علماء الأمَّة؛ فعطَّلوا الفُتْيَا، وحلْقاتِ العلم والتَّدْريس، والاتصالات الخارجيَّة بالنَّاس، وأخذوا المصحف؛ يتدارسونه، يضعون دواءَه على الجراحات، ويأخذون بَلْسَمَهُ على الأرض والأسقام؛ فيشفيهم ربُّ الأرض والسَّماء؛ لأنَّ هذا القرآن شفاءٌ، ونزل في الليل، وأتى في رمضان؛ ليحييَ الأمَّة المَيْتَة، التي ما عَرَفَتِ الحياة، ويُنِيرَ بصيرةَ الأمَّة التي ما عَرَفَتِ البصيرة، ويرفع رأس الأمَّة التي كانت في التُّراب.
لما أتى عليه الصلاة والسلام - قال لأمَّته في أوَّل رمضان ما قاله الله تبارك وتعالى: ((كلُّ عمل ابن آدم له، إلا الصِّيام؛ فإنَّه لي، وأنا أجزئ به))؛ لأنه سرٌّ بينكَ وبين الله، لا يطَّلِع على صيامِكَ إلا الله، ولا يعلم أنَّكَ صائمٌ إلا الله. بإمكانك أن تأكل وراء الجدران، وأن تشرب وراء الحيطان، ولكن: مَنِ الذي يعلم السرَّ وأخفى إلاَّ الله؟
مَنِ الذي يعلم أنَّك أكلتَ أو شربتَ أو تمتَّعْتَ إلا الله؟
هو ربُّ الظَّلام وربُّ الضِّياء.(/2)
فالصلاة تُصلَّى بمجمعٍ مِنَ النَّاس، والزكاة تزكَّى بمجمعٍ مِنَ النَّاس، والحجُّ يُحَجُّ بمجمعٍ مِنَ النَّاس، أما الصِّيامُ - فيا سبحان الله -: قد تختفي في الظلام، وتأكلُ وتشربُ، ويظنُّ النَّاسُ أنَّك صائمٌ، ولكنَّ الله يدري أنَّك لست بصائمٍ .. هو سرٌّ بينكَ وبين الله!
ثم انظر للتلطُّف في لفظ الحديث القدسي، يوم يقول الله تعالى: ((يَدَعُ طعامَه وشرابَه وشهوتَه من أجلي)). يقول الله: ((ولخُلُوفُ فمِ الصَّائم أَطْيَبُ عند الله من ريح المِسْك))؛ حديثٌ صحيحٌ.
يوم تهب رائحة الصَّوْم، ويتأذَّى منها النَّاس؛ تَنْبَعِثُ شذًا وعبيرًا، فتسبِّح عبر الأثير إلى الحي القيوم، فتكون كالمِسْك الخالص.
كل عمل ابن آدم له: الحسنة بمثلها، أو بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعفٍ، إلى أضعاف كثيرة، إلا الصِّيام؛ فلا يعلم ثوابه إلا الله.
وخصَّص الله للصَّائمين بابًا في الجنَّة، بابًا واسعًا، يدخل منه الصُّوَّام يوم القيامة، يناديهم الله بصوته إذا دخلوا: كلوا يا مَنْ لم يأكلوا، واشربوا يا مَنْ لم يشربوا، وتمتَّعوا يامن لم يتمتَّعوا.
وفي الحديث: ((إنَّ في الجنَّة بابًا يسمَّى الرَّيَّان، يدخل منه الصَّائمون، لايدخل منه غيرهم، فإذا دخلوا أُغْلِقَ الباب، فلا يدخل منه غيرهم))، وقال: ((مَنْ صام يومًا في سبيل الله؛ باعد الله وجهه عنِ النَّار سبعينَ خريفًا)).
فيا أيُّها المسلمون:
يا مَنْ وُلِدْتُم على لا إله إلا الله، ويا مَنْ شَبَبْتُم على لا إله إلا الله؛ جاءكم شهر رمضان، وأصبح منكم قابَ قوسَيْن أو أدنى؛ فالله الله، لا يخرجْ رمضان منكم وقد خاب الكثير؛ فإنه التَّوْبة، وإنَّه القَبُول منَ الله.
أكثروا فيه من الذِّكْر بآيات الله البيِّنات، واهجروا الأغانيَ الماجنات الخليعات السَّافلات السخيفات، التي أغوتِ القلوب عن ربِّها سبحانه.(/3)
فاغتنموه: أن تُعْتَقَ رقابُكم منَ النَّار، وأن تبيضَّ وجوهكم يوم تعرضون على الواحد القهَّار.
طوبى لبطونٍ جاعت في سبيل الله، هنيئًا لأكبادٍ ظمئت لمرضاة الله، هنيئًا لكم يوم أدرككم الشهر، تصومونه إيمانًا واحتسابًا، ويباهي بكم الملائكة من فوق سبع سموات.
فيا أيتها الأمَّة الخالدة، يا أيتها الأمَّة التي رضيَ الله عنها بمحسنها: كفِّروا عن سيِّائتكم في هذا الشهر، وجدِّدوا توبتكم مع الله.
فحياك الله يا رمضان؛ لتحطَّ عنها - بفضل الله - كلَّ خطيئةٍ وخسرانٍ، ولوردنا الحَوْضَ المورودَ، نشرب منه بإذن الله شربةً لانظمأ بعدها أبدًا.
بتصرُّف من كتاب "دورس المسجد في رمضان"، للشيخ: عائض القرني، صـ 90.(/4)
العنوان: كيف نستقبل شهر رمضان المبارك؟
رقم المقالة: 1264
صاحب المقالة: عبدالله بن جار الله الجار الله
-----------------------------------------
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
فقد كان سلفنا الصالح من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والتابعين لهم بإحسان يهتمون بشهر رمضان، ويفرحون بقدومه، كانوا يدعون الله أن يبلغهم رمضان ثم يدعونه أن يتقبله منهم، كانوا يصومون أيامه، ويحفظون صيامهم عمَّا يبطله أو ينقصه من اللغو، واللهو، واللعب، والغيبة، والنميمة، والكذب، وكانوا يحيون لياليه بالقيام، وتلاوة القرآن، كانوا يتعاهدون فيه الفقراء، والمساكين بالصدقة والإحسان، وإطعام الطعام، وتفطير الصوام، كانوا يجاهدون فيه أنفسهم بطاعة الله، ويجاهدون أعداء الإسلام في سبيل الله؛ لتكون كلمة الله هي العليا؛ ويكون الدين كله لله. فقد كانت غزوة بدر الكبرى التي انتصر فيها المسلمون على عدوهم في اليوم السابع عشر من رمضان؛ وكانت غزوة فتح مكة في عشرين من رمضان؛ حيث دخل الناس في دين الله أفواجًا، وأصبحت مكة دار إسلام.
فليس شهر رمضان شهر خمول، ونوم، وكسل؛ كما يظنه بعض الناس؛ ولكنه شهر جهاد وعبادة؛ وعمل لذا ينبغي لنا أن نستقبله بالفرح، والسرور، والحفاوة، والتكرم، وكيف لا نكون كذلك في شهر اختاره الله لفريضة الصيام، ومشروعية القيام، وإنزال القرآن الكريم لهداية الناس، وإخراجهم من الظلمات إلى النور؟ وكيف لا نفرح بشهر تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب النارن وتغل فيه الشياطين، وتضاعف فيه الحسنات، وترفع الدرجات، وتغفر الخطايا والسيئات؟.(/1)
ينبغي لنا أن ننتهز فرصة الحياة، والصحة، والشباب فنعمرها بطاعة الله وحسن عبادته، وأن ننتهز فرصة قدوم هذا الشهر الكريم؛ فنجدد العهد مع الله تعالى على التوبة الصادقة، في جميع الأوقات من جميع الذنوب والسيئات، وأن نلتزم بطاعة الله تعالى مدى الحياة؛ بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه؛ لنكون من الفائزين: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89].
وصدق الله العظيم إذ يقول: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًاعَظِيمًا} [الأحزاب:71]، وأن نحافظ على فعل الواجبات والمستحبات، وترك المحرمات والمكروهات في رمضان وغيره؛ عملاً بقول الله تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99]، أي حتى تموت، وقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:162].
ينبغي أن نستقبل هذا الشهر الكريم بالعزيمة الصادقة على صيامه وقيامه إيمانًا واحتسابًا لا تقليدا وتبعية للآخرين، وأن تصوم جوارحنا عن الآثام؛ من الكلام المحرم؛ والنظر المحرم؛ والاستماع المحرم؛ والأكل والشرب المحرم؛ لنفوز بالمغفرة؛ والعتق من النار. ينبغي لنا أن نحافظ على آداب الصيام من تأخير السحور إلى آخر جزء من الليل، وتعجيل الفطر إذا تحققنا غروب الشمس، والزيادة في أعمال الخير، وأن يقول الصائم إذا شُتِمَ: "إني صائم"، فلا يسب من سبه، ولا يقابل السيئة بمثلها؛ بل يقابلها بالكلمة التي هي أحسن؛ ليتم صومه ويقبل عمله. يجب علينا الإخلاص لله - عز وجل - في صلاتنا، وصيامنا، وجميع أعمالنا، فإن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان صالحا، وابتُغِيَ به وجهه. والعمل الصالح هو الخالص لله الموافق لسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -.(/2)
ينبغي للمُسْلِم أن يحافظ على صلاة التراويح، وهي قيام رمضان اقتداءً بالنبي - صلى الله عليه وسلم – وأصحابه، وخلفائه الراشدين؛ واحتسابًا للأجر والثواب المرتب عليها قال - صلى الله عليه وسلم –: ((مَنْ قام رمضان إيمانًا واحتسابًا؛ غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنبه))؛ متفق عليه. وأن يقوم المصلي مع الإمام حتى ينتهي؛ ليكتب له قيام ليلة، لحديث أبي ذر الذي رواه أحمد والترمذي وصححه.
وأن يُحْيِيَ ليالي العشر الأواخر من رمضان بالصلاة، وقراءة القرآن، والذكر، والدعاء، والاستغفار؛ اتباعًا للسنة؛ وطلبًا لليلة القدر التي هي خير من ألف شهر - ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر - وهي الليلة المباركة التي شرفها الله بإنزال القرآن فيها، وتنزل الملائكة والروح فيها، وهي الليلة التي من قامها إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِنْ ذنبه، وهي محصورة في العشر الأواخر من رمضان فينبغي للمُسْلِم أن يجتهد في كل ليلة منها بالصلاة، والتوبة، والذكر، والدعاء، والاستغفار، وسؤال الجنة، والنجاة من النار؛ لعل الله أن يتقبل منا؛ ويتوب علينا؛ ويدخلنا الجنة؛ وينجينا من النار؛ ووالدينا والمسلمين، وقد "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر الأواخر من رمضان أحيا ليله، وشد مئزره، وأيقظ أهله )) ولنا في رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم - أُسْوَة حسنة، وشد المئزر، فسر باعتزال النساء، وفسر بالتشمير في العبادة.
"وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتكف في العشر الأواخر من رمضان "، والمعتكف ممنوع من قرب النساء.
وينبغي للمسلم الصائم أن يحافظ على تلاوة القرآن الكريم، في رمضان وغيره بتدبر، وتفكر؛ ليكون حجة له عند ربه؛ وشفيعًا له يوم القيامة، وقد تكفل الله لمن قرأ القرآن، وعمل بما فيه أن لا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة بقوله تعالى: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} [طه:123].(/3)
وينبغي أن يتدارس القرآن مع غيره؛ ليفوزوا بالكرامات الأربع التي أخبر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله ((وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله في من عنده ))؛ رواه مسلم.
وينبغي للمسلم أن يُلِحَّ على الله بالدعاء، والاستغفار بالليل والنهار: في حال صيامه؛ وعند سحوره؛ فقد ثبت في الحديث الصحيح: "أن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا، كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: "من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فاغفر له حتى يطلع الفجر"؛ رواه مسلم في صحيحه.
وورد الحث على الدعاء في حال الصيام، وعند الإفطار، وأن من الدعوات المستجابة دعاء الصائم حتى يفطر، أو حين يفطر. وقد أمر الله بالدعاء، وتكفل بالإجابة: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [سورة غافر: 60].
وينبغي للمسلم أن يحفظ أوقات حياته القصيرة المحدودة، فما ينفعه من عبادة ربه المتنوعة القاصرة، والمتعدية ويصونها عما يضره في دينه، ودنياه، وآخرته، وخصوصا أوقات شهر رمضان الشريفة الفاضلة، التي لا تُعَوَّض ولا تقدر بثمن، وهي شاهدة للطائعين بطاعاتهم، وشاهدة على العاصين والغافلين بمعاصيهم وغفلاتهم.
وينبغي تنظيم الوقت بدقة؛ لِئَلاَّ يضيع منه شيء بدون عمل وفائدة. فإنك مسئول عن أوقاتك، ومحاسب عليها، ومَجْزِيّ على ما عملت فيها.
تنظيم الوقت(/4)
ويسرني أن أُتْحِفَ القارئ الكريم برسم خُطة مختصرة لتنظيم أوقات هذا الشهر الكريم، ولعلها أن يقاس عليها ما سواها من شهور الحياة القصيرة، فينبغي للمسلم إذا صلى الفجر أن يجلس في المسجد يقرأ القرآن الكريم، وأذكار الصباح، ويذكر الله تعالى؛ حتى تطلع الشمس؛ وبعد طلوعها بحوالي ربع ساعة. أي بعد خروج وقت النهي يصلي ركعتين، أو ما شاء الله؛ ليفوز بأجر حجة وعمرة تامة ؛كما في الحديث الذي رواه الترمذي وحسنه.
ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الكرام أسوة حسنة، فقد كانوا إذا صلوا الفجر جلسوا في المسجد يذكرون الله تعالى حتى تطلع الشمس، ويلاحظ أن المسلم إذا جلس في مُصَلاَّه لا يزال في صلاة وعبادة؛ كما وردت السنة بذلك، وبعد ذلك ينام إلى وقت العمل ثم يذهب إلى عمله، ولا ينسى مراقبة الله تعالى، وذكره في جميع أوقاته، وأن يحافظ على الصلوات الخمس في أوقاتها مع الجماعة، والذي ليس عنده عمل من الأفضل له أن ينام بعد الظهر؛ ليرتاح؛ وليستعين به على قيام الليل، فيكون نومه عبادة.
وبعد صلاة العصر يقرأ أذكار المساء وما تيسر من القرآن الكريم، وبعد المغرب وقت للعَشاء والراحة، وبعد ذلك يصلي العشاء والتراويح، وبعد صلاة التراويح يقضي حوائجه الضرورية لحياته اليومية المنوطة به لمدة ساعتين تقريبًا، ثم ينام إلى أن يحين وقت السحور، فيقوم ويذكر الله، ويتوضأ ويصلي ما كتب له، ثم يشغل نقسه فبل السحور، وبعده بذكر الله، والدعاء، والاستغفار، والتوبة، إلى أن يحين وقت صلاة الفجر.
والخلاصة أنه ينبغي للمسلم الراجي رحمةَ ربه؛ الخائف من عذابه؛ أن يراقب الله تعالى في جميع أوقاته: في سره؛ وعلانيته؛ وأن يلهج بذكر الله تعالى: قائمًا؛ وقاعدًا؛ وعلى جنبه؛ كما وصف الله المؤمنين بذلك، ومن علامات القَبول لزوم تقوى الله - عز وجل - لقوله تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27].(/5)
وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين، وسلم تسليما كثيرًا.(/6)
العنوان: كيف نصطاد الأرانب السحرية؟!
رقم المقالة: 1882
صاحب المقالة: الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق
-----------------------------------------
كيف نصطاد الأرانب السحرية؟!
* الحقيقة أننا ما زلنا مبهورين ومَشْدوهين أمام مارد الحضارة الأوروبية، الذي يتعاظَمُ أمامَنا يومًا بعد يوم، وأنَّنا ما زِلْنا لِلآن أيْضًا لا نعرف كيف نتصرَّف سياسيًّا، أو عسكريًّا، أوِ اجتماعيًّا، أو تربويًّا وتعليميًّا؛ الزمَنُ أسرعُ منا، والغزو الفكريّ والثقافيّ والاقتصاديّ للكلاب المتصارِعة علينا يصيبنا بالحَيْرَة والارتباك - وقد أصبحنا في عالم عجيب، ولا نملك فيه إلاَّ النوايا الطيبة، وهذه وحدها لا تكفي.
وهذه لمحة سريعة للواقع الأليم الذي تمرُّ به أُمَّة الإسلام في العصر الراهن، وتفصيل هذا الواقع أمر يطول شرحُهُ، ومشكلَتُنا هي أن نكون مستقبَلاً أو لا نكون، فنحن - بلا مِراء - نعيش خارج عصرنا في الوقت الراهن، وعندما أقول: نحن، فأنا أعني هذه الأمَّة الإسلامية والعربَ منهم بالذات، فالفوضَى الفكريَّةُ والسياسيَّةُ والاقتصاديَّةُ والأخلاقيَّة أيضًا التي نعيشها لا حدود لها، ولا ضوابط؛ ولذلك رفع مفكرو الغرب، والمراقبون السياسيون على هذه المنطقة اسم منطقة المفاجآت، ومنطقة: ((كلُّ شيءٍ جائزٌ))، و((كلُّ شيءٍ محتمَلٌ))!! وهذا حقٌّ، فمن كان يتصوَّر أن أعظم الدول العربية استقرارًا وأمنًا، والذي كان ملجأً لكافة اللاجئينَ السياسيين يقتل الإنسان في شوارعه على الهُوِيَّة؟! ومن كان يتصوَّر أن يتحوَّل بعضنا من العَداء الكامل مع اليهود إلى المطالبة بالسِّلم الكامل والودِّ الكامل معهم؟! ومَنْ كان يتصوَّر بعد الإجْماع العربيّ الكامل على حرب اليهود عام 1973 إلى التمزُّق العربيِّ الكامل عام 1977؟! ... ومن.. من.. ؟!
وهذا جانبٌ يسيرٌ جِدًّا منَ الانتقال من الضدِّ إلى الضدِّ، ومن النقيض إلى النقيض.(/1)
* لا أريد أن أقول: إنَّ كلَّ هذه الأمورَ تأتي عَفْوًا وبلا تدبير ومَكْر في الخارج والداخل؛ فهذه هي البلاهة بعينها، ولا أريد أن أقول أيضًا: إن كل هذه الأمور بتخطيط وتدبير كامل، وإننا فيها كالدُّمى بيد المحرِّك، لا فعل لنا مطلقًا، وهذه أيضًا بلاهة كاملة، فليس صحيحًا أنَّ سياستنا تُصنَع كلُّها في أرضنا، فالاستقلال السياسيُّ انتهى أمرُهُ في الأرض الآن، وليس صحيحًا أيضًا أننا يجب أن نكون صِفرًا، لا فعل لنا مطلقًا، وأنَّ روسيا وأمريكا هي التي يجب أن تتولى شؤوننا وتتحكم في مصائرنا، ويكفي كما يظن البعض أن يروا منا النوايا الحسنة.
* وباختصار نحن في دوامة، والخروج من هذه الدوامة المعاصرة والمزمِنَة أيضًا لا يتأتى إلاَّ بما يأتي:
أولاً: الاستقلال السياسي.
ثانيًا: اجتماع الأمة حول أهداف واضحة ومحددة.
ثالثًا: الاتِّفاق على خطوط عريضة (على الأقل) لعمل واحد؛ من أجل الهدف المشترك الواحد.
* والاستِقْلال السياسي لن يتأتى إلاَّ بأن تكون لهذه الأمَّة هُوِيَّةٌ عقائديَّة، وذاتٌ واحدة، تَفرِض عليها الاجتماع حول هدف واحد، وغاية واحدة، وقد ذكرنا في مقالات سابقة أنه يستحيل أن تجتمع الأمة على عقيدة غيرِ العقيدة الإسلامية، الَّتِي ما زالت تعيش في قلوب أبنائها، وتُذْكِي عواطِفَهُم، وتحرِّك مشاعرَهُم، وكل عقيدة بديلة لهذا الأمل الذي نشأت عليه أجيال هذه الأمَّة منذ أربعةَ عَشَرَ قَرْنًا فهو مهدَّد بالسقوط إن عاجلاً أو آجلاً، وما هو إلا عَبَث وإرهاق لا نَجْنِي من ورائها غيرَ السراب؛ بل الصاب والعَلْقَم، وعلى الذين لا يؤمنون إلاَّ بالدنيا فقط، ويحلُمون مع ذلك بالعِزَّة القومية، أو بِاسترجاع الكرامة العربيَّة أن يعلموا أيضًا أن بغير الإسلام لن يحصل لهم ما يريدون.(/2)
* ويستحيل أيضًا أن يَحصُلَ لنا استقلالٌ سياسيٌّ إلاَّ إذا شاركتِ الأُمَّة كلُّها في صُنع القرار السياسيِّ، ولا يجوزُ بَتاتًا أن يكون لِلحاكم وَحْدَهُ صلاحية ذلك، فالحاكم في الإسلام نائب عن الأمَّة، لا يعمل إلا بِمشورتها، ولا يسير إلاَّ برأيها، وقرارُهُ إذا كان عن غير موافقة الأُمَّة، ومَشورتها فهو باطل، ولذلك فليس نافلةً وتطوعًا أن يشارك المسلمون إمامَهم بالرأي؛ بل هو واجب مفروض إن تَخَلَّوْا عنه فهم آثِمون، وإنِ امتنع الحاكم عن أخذ رأي الأمَّة، ومَشورتها فحكمُهُ باطل، وهذا يعني أنَّ ممارسة الأمَّة الإسلاميةِ لحقِّها السياسيّ جزء من الدين، الذي فَرَضَهُ الله عليها؛ كما قال - صلى الله عليه وسلم -: ((الدين النصيحة)) (ثلاثًا)، قلنا: لمن؟ قال - عليه السلام -: ((لله، ولرسوله، ولكتابه، ولأَئِمَّة المسلمين وعامَّتِهم)) والنصيحة هنا بمعنى الإخلاص.
* وأيضًا استقلالُنا السياسيّ يعني أن تكون لنا هُوِيَّة خاصةٌ، وعقيدة خاصة في عالم تتقاسمه العقائد والأيديولوجيَّات، والمصالح، وكذلك في أن نشارك جميعًا - شعوبًا وحُكَّامًا - في صُنع قرارنا السياسيِّ، وأن يكون هذا حقًّا للأمَّة وواجبًا عليها، وإذا تم لنا هذا الأمر الأول استطعنا بعد ذلك أن نُحَدِّد على ضوء عقيدتنا ومشاركتنا جميعًا في صناعة مستقبل أمَّتنا، أن نُحَدِّد الأهدافَ التي نريدها. وهذه هي الخطوة الثانية:(/3)
وأهداف الإسلام باختصار: أن توجد الأُمَّة الراشدةُ التي تحيا عزيزةً مرهوبة الجانب، والتي تقيم الحقَّ والعدل في الأرض، والتي يجب أن تكون منارًا وهداية للعالمين، تدعوهم إلى الله، وتُخَلِّصُهُم منَ الضلال والتِّيه والبُعد عن خالقهم ومولاهم، وهذه مهمَّة جليلة؛ بل هي أعظم مُهِمَّة على سطح الأرض، فإذا عرفنا هَدَفَنَا في الحياة كأُمَّة ووَضَعْنا الخطوطَ العريضة، وسَلَكْنا الصِّراط المستقيم الذي يُوَصِّلُنا إلى أهدافنا: كيف نحقِّق عزَّتنا على الأرض؟ عِزَّتَنا السياسيةَ، وعِزَّتنا الاقتصادية، وعِزَّتنا الاجتماعية والأخلاقية، كيف نكون مِثالاً يحتذينا الناس، ولا نكون أُضحُوكَةً، وأُمثُولَةً للعالمين؛ كما هو حادث الآن.
* وهذه الأمور الثلاثة التي عرضْتُها آنفًا، هي في نظري المخرج من الدوامة الرهيبة التي تُعمِي أبصارَنا، وتقطع أنفاسنا في الوقت الحاضر، إنها طَرَفُ الخيط الذي يجب أن نلتقطه لنَخرج من هذه (الشرباكة)، إذا عرفنا ذواتنا وهويتنا، وحددنا أهدافنا في الحياة والوجود، ونَصَبْنَا صراطنا نحو هذه الأهداف، فَسَنَخْرُج سريعًا من الدَّوَّامة.
وأمَّا إذا ظَلَلْنَا ندور حول أنفسنا، ونسأل ما الهدف؟ وأين الطريق؟ أو عَصَبْنا أَعْيُنَنا وسِرْنا خلف الراعي، حيث نَعَقَ بنا -: فلن نَصِلَ إلى شيء مطلقا، وسنَظَلُّ في التِّيهِ السياسيِّ أبدًا.(/4)
وهؤلاء همُ السَّحَرَة، اليهودُ والأمريكيون والروس يلاحقوننا بألعابهم البَهْلَوَانِيَّة من كل جانب، الحرب في لُبنان، الصدام في الصومال، المستعمرات في سَيْناء، هذه الأرانب السحرية التي تَقفِز هنا وهناك، تُعمِي أبصارَنا، وتُضَلِّل عقولَنا، وتدور أعيننا حولها في دائرة كاملة كلَّ يوم فتدور رؤوسنا ولا نعود نفقه شيئًا، والحل سهل جِدًّا لو فقِهْنا قواعد اللعبة الدولية الشريرة؛ ولكن كيف نعرفها والأمَّة ما زالت دون سِنِّ الرُّشْدِ، والذين يَتَوَلَّوْن شؤونها لا يُطْلِعُونَها من أمرها على شيء؛ بلِ الأُمَّة ما زالت تبحث لها عن هُوِيَّة واسم.
17 فبراير 1978.(/5)
العنوان: كيف نعلم الناس؟
رقم المقالة: 1296
صاحب المقالة: الشيخ عائض بن عبدالله القرني
-----------------------------------------
إنَّ الحمد لله، نحمدهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وأحسنَ الهديِ هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعة ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
أيها الناس:
نحن على مشارف عام دراسيّ جديد تفتح فيه الجامعات والمعاهد والمدارس أبوابها ... ويخرج شبابنا وكريماتنا لتلقي العلم النافع، الذي يقربهم من الله – عز وجل – ويبعدهم عن طريق الضلال والغيّ.
والسؤال: ما هو موقفنا من العلم؟ وما هو العلم الذي نريده؟ وما هو واجب العلم علينا؟ وما هي مسؤولية الأساتذة الأخيار والمعلمين الأبرار تجاه شباب الأمة وكريمات الأمة وأجيال الأمة؟(/1)
غدًا يرسل الأب فلذة كبده إلى الأساتذة والمعلمين؛ فماذا يفعلون بهذه الأمانة، وبهذه المسؤولية التي جعلها الله في أعناقهم؟
أولاً: - أيها الأبرار – نادى الله بطلب العلم، ومدح العلم، وأثنى على العلماء وبجهلهم، وذكرهم في كثير من الآيات، وذم صنفًا آخر من العلماء ومقتهم وندد بهم وذمهم وذم مسعاهم.
* يقول الله سبحانه وتعالى لرسوله في أول طريق الدعوة وخطواتها: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ} [محمد: 19]. قبل أن تبدأ في الدعوة ... قبل أن تبدأ في الحياة ... قبل أن تبدأ في المسيرة عليك بطلب العلم: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ} [محمد: 19] املأ قلبك بالإيمان ... املأ جوارحك باليقين ... كن عبدًا لله قبل أن تتعلم العلم.
ثم يقول له ممتَنًّا عليه – يوم أخرجه من بين جبال مكة ووهادها وشعابها، ما تعلم في مدرسة، ولا دخل جامعة، ولا تلقى العلم على شيخ أستاذ وإنما كما قال الله تعالى: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء: 113]. مَنْ علمك؟ من هم شيوخك؟ من هم أساتذتك؟! الله الذي علمك ... والله الذي فقهك ... والله الذي نوَّر بصيرتك؛ {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19].
واستشهد الله بالعلماء وبطلبة العلم على أكبر شهادة في الدنيا، وعلى أكبر شهادة عرفتها الإنسانية ... وهي شهادة التوحيد، فقال عزّ من قائل: {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمًَا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 18]، فانظر كيف جعلهم شهداء على وحدانيته، وشهداء على ألوهيته! لعظم قدرهم.(/2)
ووصف الله طلبة العلم بأنهم يخشونه - تبارك وتعالى - وبأنهم يقفون عند حدوده، وبأنهم لا ينتهكون حرماته، وبأنهم يراقبونه في السر والعلن ... فالذي لا يراقب الله ليس بطالب علم، والذي لا يخشى الله ليس بطالب علم، والذي لا يتقي الله ليس بطالب علم: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [فاطر: 28].
ووصف الله طلبة العلم بأن عندهم من الفهم للدعوة، والفهم للدين والاستنباط من النصوص شيئًا كثيرًا، فقال: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: 43] ... هذه الرسالة الخالدة ... هذه المبادئ الأصيلة ... هذه الأهداف الجليلة لا يعقلها إلا من يفهم عن الله أمره ونهيه.
* ولم يأمر الله رسول صلى الله عليه وسلم بالتزود من شيء إلا بالتزود من العلم، فقال له: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114] لا يكتفي بعلم ولا يقف عند حدٍّ، وإنما همته تمر مرّ السحاب كل يوم في ازدياد، وكل ليلة في تحصيل، وكل ساعة في مواصلة، مع هذا الصرح العظيم: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]. فهذا هو العلم الذي يغبط عليه صاحبه ..
والله – عز وجل – قد حكم بين طلبة العلم وبين غيرهم فقال: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9]. وسكت عن الجواب للعلم به، وقال – سبحانه وتعالى -: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11].(/3)
فيا أيها المسلمون، يا أبناء من تعلموا العلم النافع الذي أوصلهم إلى الدرجات العليا في الجنة ... إن أبناءكم إذا لم يتعلموا العلم النافع ويطلبوه لمرضاة الواحد الأحد فأقلل به من علم! ويا لحسرة صاحبه ويا ندامته ويا خسارته، علم لا يجعلك تشهد أن لا إله إلا الله، ولا يجعلك تعظم الله ليس بعلم، علم لا يجعلك تشهد أن لا إله إلا الله، ولا يجعلك تعظم الله ليس بعلم، علم لا يجعلك تحافظ على الصلوات الخمس في جماعة ليس بعلم، علم لا يجعلك بارًّا بوالديك .. وصولاً لرحمك .. صادقًا وفيًّا .. خاشعًا منيبًا .. متقيًا سُنيًّا .. ليس بعلم، العلم ليس حفظ النصوص، فمن الناس من يحفظ القرآن ... ولكنه فاجر يلعنه القرآن وتلعنه السنة، ومن الناس من يدهده بالكلمات ... ولكن قلبه ما عرف الله.
ثم العنصر الثاني: كيف حول صلى الله عليه وسلم الجزيرة العربية من جزيرة يسكنها بدو ورُحَّل .. جزيرة لا تفهم شيئًا .. ولا تفقه شيئًا .. ولا تعي شيئًا .. أهلها قَتَلَةٌ نَهَبَة .. سَلَبَةٌ سَرَقَة .. زُناةٌ كَذَبَة، إلى خير أمة أخرجت للناس.
ويدعي القوميون أن العرب لهم مجد قبل الإسلام، أي مجد؟!! مجد الإبل والبقر والغنم؟ مجد القتل والنهب؟ مجد الحقد والضعينة؟! لا والذي رفع السماوات بلا عمد، ما بدأ مجدنا ولا تاريخنا ولا عظمتنا .. ولا ارتفعت رؤوسنا إلا برسالة المصطفى - صلى الله عليه وسلم.
أتى عليه الصلاة والسلام للأمة الضائعة، الأمة المسكينة، الأمة الضالة فهداها الله:
{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [الجمعة: 2].(/4)
لكن كيف علمهم؟ أعلمهم بالسوط والسيف؟ أعلمهم بالحبس والسجن؟ أعلمهم بالحديد والنار؟ .. لا والله: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159]، لو كنت سفاكا ما اجتمعت عليك القلوب، لو كنت قتالا نهابا ما أحبتك الأفئدة، لكن كما قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} [آل عمران: 159]، {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة: 128]، {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4].
أتيت أيها المصطفى إلى العرب الذين يتقاتلون من أجل مورد الشاة ومربط الناقة، فأتيت بالخلق .. بالبسمة .. باللين .. بالرفق .. بالنصيحة، فانقادت لك القلوب، فحررتها من وثنيتها ومن شركياتها، وقدتها إلى الله.
إن الدعاة الذين يحاولون اليوم أن يُصلحوا بالتجريح والعنف، وبالتعريض بالناس، وبالحملات العشوائية على بعض العلماء الذين لهم زلات انغمرت في بحار حسناتهم .. هؤلاء لا يفقهون .. هؤلاء لا يعلمون .. هؤلاء يفسدون أكثر مما يصلحون، وسوف يعلمون النتيجة.
يرسل الله موسى وهارون إلى فرعون السفّاك، فرعون المجرم، ثم يقول لهما سبحانه: {فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 44]. قال سفيان الثوري – كما في تفسير ابن كثير -: "القول اللين: كنِّياه أي ناديه بالكنية، وكنيته أبو مُرّة – مرر الله وجهه في النار – فأخذ موسى يقول: يا أبا مرة، إذا أسلمت أنعم الله عليك بملكك وصحتك وشبابك".(/5)
* فالرسول عليه الصلاة والسلام، جاء إلى هؤلاء البدو الرُّحَّل الذين لا يتفاهمون إلا بلغة الهَرَوات والعصي، أتى إليهم بالهدوء واللين حتى قاد قلوبهم إلى الله .. إنها معجزة!! إذا استطعت أن تؤلِّف بين غطفان وبني تميم، وتؤلِّف بين قريش والأوس والخزرج، وتؤلِّف بين هوازن وفزارة، حتى أصبحوا إخوانًا متحابين متصافين متقاربين.
أتاه عليه الصلاة والسلام، بدويٌّ جلف لا يفهم شيئًا .. تربى مع التيس والكلب، قال أنس بن مالك – رضي الله عنه -: ((كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه رداء نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة، فنظرت إلى صفحة عنق النبي صلى الله عليه وسلم وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته ثم قال: يا محمد أعطني من مال الله الذي عندك فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك ثم أمر له بعطاء))[1].
هكذا بكل بساطة يأمر له بعطاء، ولا يحاسبه على تعديه السَّافر، وإيذائه له بالقول والفعل.
فسبحان من علَّمه! وسبحان من ثبته! وسبحان من سدده أفلا يأخذ الأساتذة الأخيار والمعلمون الأبرار دروسًا من هذا الأسلوب الراقي في معاملة شباب المسلمين، لقد أخطأ كثير من الأساتذة والمدرسين يوم استخدموا السوط والعنف مع أبناء المسلمين، إن العنف لا يولد إلا عنفًا، وإن البغض لا يأتي إلا ببغض يقول عليه الصلاة والسلام: ((إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه))[2].
الدابة .. الجمل إذا رأى منك صلفًا ورأى منك حدة قطّع حباله، وغضب عليك، وأضمر لك العداء، فكيف بالأجيال .. كيف بأبناء المسلمين؟! كيف بالإنسان الذي يحسُّ ويشعر ويتألَّم.(/6)
والرسول صلى الله عليه وسلم كان في تعليمه يخاطب الناس على قدر عقولهم، وأستاذ الابتدائي ليس كأستاذ الجامعة، فالواجب عليه أن يصلَ إلى عقول هذا النشء .. إلى أفهامهم، فلا ينبغي له أن يكبِّر عليهم المعلومات أو يضخم عليهم القضايا لكن يخاطبهم بقدر عقولهم.
في "صحيح البخاري" أنه صلى الله عليه وسلم سمع أن أحد الأطفال المسلمين – أخو أنس – اسمه عمير أو أبو عمير كان له نُغر (طائر يلعب به) فمات الطائر فأراد صلى الله عليه وسلم أن يشارك هذا الطفل آلامه وأحزانه، فذهب إليه في بيته وأظهر الأسى له وقال: ((يا عمير ما فعل النُّغير))[3].
قال أهل العلم: فيه درس عظيم على أن الناس يخاطَبون على قدر عقولهم، وأن المعلومات تصلهم على قدر عقولهم.
كان عليه الصلاة والسلام إذا كلم الأعراب البدو الرحَّل خاطبهم بكلام يفهمونه .. بكلام على مستواهم وعلى ما تبلغ فهومهم، فإذا أتى إلى أبي بكر وعمر وعثمان وعلي – جلة الصحابة – كلمهم في القضايا الكبرى التي تؤثِّر في مسيرة الأمة.
كان عليه الصلاة والسلام ينهج في التعليم طرقًا شتى، منها: التعليم بالقدوة في نفسه، واللهِ ما قال كلمةً إلا عمل بها، واللهِ ما دعا الناس إلى خير إلا كان أول من يقودهم إليه .. كان متأثرًا بما يقول .. واثقًا من نفسه، يدعو إلى الصدق وهو صادق، يدعو إلى الصلاة وهو مصلٍّ، يدعو إلى الخشية وهو يخشى الله.(/7)
أما الذي يدعو وهو كاذب فلن يجعل الله في دعوته خيرًا، ولن يكون لها تأثير. يدعو بعض الناس – ونعوذ بالله أن نكون منهم – إلى برِّ الوالدين .. ويعقّ والديه، يدعو إلى صلة الرحم .. ويقطع رحمه .. فلا يجعل الله لكلامه نورًا ولا لدعوته تأثيرًا: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44] أما تستحون؟! تتكلمون كلامًا جميلاً وتحاضرون وتأسسون وتألفون .. ولكن الأفعال تكذب الأقوال. وهذا والله عار وخيبة لمن يفعل ذلك إن لم يتب إلى الله – سبحانه وتعالى.
فكان عليه الصلاة والسلام، يربي بالقدوة يرونه المعلم .. يره من يفد عليه ساعة من الزمن فيهتدي بمرآه لأنه يراه صادقًا أمينًا مخلصًا .. محبًا للخير .. قائدًا إلى البر وإلى التعاطف.
وكان يربي عليه الصلاة والسلام، بالتطبيق، فهل وعى الأساتذة هذا المبدأ؟! كان إذا أراد أن يعلم الناس الصلاة قام فصلى أمامهم.
إن كثرة الحصص النظرية والمحاضرات بلا تطبيق معناه إدخال المعلومات في الأذن وخروجها من الأذن الأخرى.
ولقد كان منهج النبي صلى الله عليه وسلم في التعليم مبنيًا على القدوة والأسوة، وليس كما يفعل الذين لا يجيدون إلا التنظير وليس لهم في جانب التطبيق نصيب.
ففي "الصحيحين" عن سهل بن سعد الساعدي قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على أعواد منبره وكبَّر وهو عليها، ثم ركع وهو عليها ثم نزل القهقري فسجد في أصل المنبر ثم عاد فلما فرغ أقبل على الناس فقال: ((يا أيها الناس إني صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي))[4].
فهذا هو الأسلوب الصحيح في التعليم، تلك هي القدوة الحسنة، والمنهج التربوي السليم في التوجيه، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة.(/8)
فهل فكَّر أحد من الأساتذة أن يقف بدل أن يكتب على السبورة معلومات لا تنفع أطفال المسلمين .. هل فكر أن يريهم الوضوء؟! أن يريهم الصلاة .. أن يريهم كيف يسبح الله – عز وجل – أن يريهم هيئة صلاة الكسوف والاستسقاء وصلاة الخوف؛ ليكون عِلم التطبيق نافعًا محفوظَا مجديًا وكان عليه الصلاة والسلام، يضرب الأمثال المذهلة التي تبقى في النفوس فلا تزول.
أراد أن يصف لهم فضل الصلوات الخمس، فماذا قال؟ وما طريقته في بيان ذلك؟
قال: ((أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل كل يوم منه خمس مرات، أيبقى من درنه شيء؟)). فقالوا: لا يا رسول الله. قال: ((فذاك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله به الخطايا))[5] ذهب صلى الله عليه وسلم مع الصحابة إلى السوق، فرأى جديًا أسك أي صغير الأذني،ن وهو مع ذلك ميت، فرفعه بيده الشريفة وقال لأصحابه: ((من يشتري هذا بدرهم؟)) قالوا: ما نحب أنه لنا بشيء وما نصنع به ؟قال: ((أتحبون أنه لكم؟))، قالوا: والله لو كان حيًا كان عيبًا فيه لأنه أسك، فكيف وهو ميت؟! فقال صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده للدنيا أهون على الله من هذا عليكم))[6].
هذا هو التعليم .. وهكذا يكون وضوح المناهج.
والعلم علمان: علم ضار لا ينفع، وهو العلم الذي يسلخ الشاب من مبادئه، ومن دينه، ومن تقواه، ومن خشيته لله، فيخرج يحمل شهادة .. وهو فاجر، ويحمل مؤهلاً علميًّا .. وهو فاسق، لا يعرف من الدين قليلاً ولا كثيرًا. فهذا هو العلم الضار: {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ} [البقرة: 102] علم لا يصل إلى القلوب .. علم لا تدمع منه العينان .. علم لا يدلك على كثرة الذكر والتلاوة وكثرة النوافل ويجعلك داعيًا .. ليس بعلم.
والعلم النافع سبق تفصيله، وللحديث بقية.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو التواب الرحيم.
الخطبة الثانية(/9)
الحمد لله، الحمد لله الذي كان بعباده خبيرًا بصيرًا، وتبارك الذي جعل في السماء بروجًا وجعل فيها سراجًا وقمرًا منيرًا، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذّكر أو أراد شكورًا.
والصلاة والسلام على من بعثه ربه هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد أيها الأخيار:
فإنني أدعو كل معلم وأستاذ أن يتقي الله – عز وجل – في أجيال المسلمين، وأن يخلص النيَّة؛ وأن يصدق مع الله – عز وجل – في تعليم شباب المسلمين.
ولا يظن أنها مجرد وظيفة واستلام راتب وقضاء وقت، لا والله .. الأمر أعظم من ذلك .. الأمر رسالة خالدة واتباع للرسول عليه الصلاة والسلام.
إن المعلم كاد أن يكون نبيًّا من الأنبياء، فإن اتباع الرسل عليهم الصلاة والسلام، وورثة الأنبياء هم الدعاة إلى الله، والأساتذة والمعلمون، فأدعو كل أستاذ أن يكون مربيًا، وأن يكون متقيًا لله، وأن يعلم أن هذه البلاد تختلف تمامًا عن كل البلاد – أقصد من غير بلاد المسلمين – في التعليم وفي التوجيه، فنحن لسنا في فرنسا ولا أمريكا ولا الصين، نحن في مهبط الوحي، وفي قبلة المسلمين، وفي بلاد الحرمين، نحن في بلاد انبعثت منها لا إله إلا الله، وانطلقت منها الدعوة الخالدة، وسرحت منها الكتائب التي فتحت بلاد الدنيا.
فعلمنا موصول بالله – عز وجل – علمنا يؤخذ من فوق سبع سماوات .. كتاب وسنة. ونحن لا نتعلم – ونسأل الله ألا نتعلم – لغير الأغراض التي يريدها الله – عز وجل.
فيا أيها الأستاذ: مهما كان تخصُّصُك – تاريخًا و جغرافيًا أو رياضيات أو تربية أو علم نفس – أنت معلم من المأجورين المشكورين في الإسلام. اجعل هذه المادة مادة عبادة، مادة صلة تصل الشباب بربهم – سبحانه وتعالى – فإنك والله مسؤول عن هذا الدرس وعن هذه المادة – التي تقدمها – عند الله.(/10)
لقد أزرى الله – عز وجل – وندَّد ببني إسرائيل يوم تعلموا علمًا وما استفادوا منه غضب الله عليهم ولعنهم: {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ} [المائدة: 13]. وبعدها: {وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ} [المائدة: 13].
تقول: ما للبركة في أرزاقنا قلَّت؟ ما للشباب – إلا من رحم الله – فسد؟ وما للأجسام أصابها المرض؟ {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ} [المائدة: 13] لو اتقينا الله في تطبيق العلم رحمنا الله – عز وجل – وأنزل علينا البركة من السماء.
ووصف الله بني إسرائيل بأنهم كالحمير، تعلموا علمًا لكن ما استفادوا به، حمارٌ عليه مجلدات، حمارٌ على ظهره مصنفات، هل يستفيد الحمار؟! دماغه دماغ حمار، تُكَلِّمُ الحمارَ ليَفهم .. ما يَفهم: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة: 5]. الآيات تُقرأ في الفصل صباح مساء، والأحاديث .. ولكن: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} [البقرة: 18].
يا شباب الإسلام: هذا القرآن وهذه السنة وهذه الجامعات وهذه المعاهد وهذه المدارس ما أقيمت إلا لتقودكم إلى جنة عرضها السماوات والأرض.(/11)
أما الخواجات فيتعلمون للدنيا: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم: 7] الخواجات ينتهي علمهم إلى المادة، لكنَّ ما وراء عالم الشهادة يخفقون فيه: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمِونَ} [النمل: 66]. {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف: 175-176]، هذا مثل لعالم السوء، لطالب العلم الفاجر.
رجل من بني إسرائيل اسمه بلعام بن باعوراء تعلم العلم، فلما تعلَّم العلم أراد الله أن يرفعه بالعلم ولكنه ما ارتفع .. خسيس!
جعل مكان التلاوة أغنية ماجنة! جعل مكان المصحف مجلة خليعة! جعل مكان الدروس وحلقات العلم رفقة السوء في المقاهي والملاهي! الليالي الحمراء .. الليالي السوداء في تاريخ الإنسان.فما اهتدى، قال عز من قائل: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا} [الأعراف: 175].
سبحان الله! يريد الله أن يكرم الإِنسان فيأبى الإِنسان، ويريد أن يلبسه ثوب الستر فيخلع ثوب الستر، ويريد أن يرفعه من الطين، ومن الرذيلة، ومن الفاحشة، فيأبى الإِنسان. فماذا مثله؟ كالكلب يلهث .. إذا أدخلته الظلَّ أخرج لسانه ولهث واضطرب نَفَسُه، وإن أخرجته في الشمس لهثَ وأخرج لسانه، الظل والشمس عنده سيان!!(/12)
ولذلك بعض الناس – نسأل الله ألا نكون منهم – يتعلَّم ويسمع المواعظ والخطب والنصائح فما تُغَيِّر في حياته ذرة.
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الأعراف: 175]، أغوى الناسَ؛ لأن الناس يقولون هذا في كلية الشريعة وأصول الدين وهو فاسق .. أعظم الناس زلة: العالم، فالعالم إذا زل زل به فئام كثير من الناس.
{وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا} [الأعراف: 176]. لو علم الله منه صدقًا ونصحًا لرفعه .. لكنه ما ارتفع!
فيا أيها الأساتذة: أروا الله من أنفسكم الصدق، ويا طلاب المسلمين أروا الله من أنفسكم النصح وطلب العلم لوجهه، والقوة في التحصيل.
إن هذه الدعوة تقام على علم، وإن من يهوِّن من شأن العلم أو يقلل من شأن الحلقات والدروس والتحصيل معناه أنه يضرب في صميم الإسلام، معناه أنه يهدم بمعوله حُسْنَ الإسلام، معناه نه يدوس كرامة الإسلام.
الإسلام ما بني إلا على علم، الإسلام ما أتى إلا على قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم. فبماذا ندعو الناس؟ أَنَصُفُّ لهم كلمات وحسب؟ أنجعل لهم خطبًا إنشائية رنانة طنانة، لا علم ولا توجيه .. لا نصوص ولا أدلة؟! فهذا نفعه قليل وفائدته محدودة.
* أيها المسلمون:(/13)
يبدأ هذا العام، ونسأل الله أن يكون عامًا حافلاً بالخير .. حافلاً باليُمْن .. حافلاً بالصدق والنصح، وأن يتقي أساتذتنا ربَّهم – جلا وعلا – وأن يحملوا الأمانة بصدق، وليعلموا أن الله سوف يسألهم: {يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88-89] {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً} [الفرقان: 27-29].
* عباد الله:
وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].
* وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((من صلَّى عليَّ صلاة صلَّى الله عليه بها عشرًا))[7].
اللهم صلِّ على نبيك وحبيبك محمد، اللهم واعرض صلاتنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين.
وارض اللهم عن أصحابه الأطهار من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
---
[1] أخرجه البخاري (7/40) كتاب اللباس، باب (18)، ومسلم (2/731) كتاب الزكاة، رقم (128).
[2] أخرجه مسلم (4/2004) كتاب البر والصلة، رقم (78).
[3] أخرجه البخاري (7/102) كتاب الأدب، باب (81) ومسلم (3/1692) كتاب الآداب رقم: (29).
[4] أخرجه البخاري (1/220) كتاب الجمعة، باب (26)، ومسلم (1/387) كتاب المساجد رقم (44).
[5] أخرجه البخاري (1/134) كتاب المواقيت، باب (6)، ومسلم (1/462) كتاب المساجد رقم (283).
[6] أخرجه مسلم (4/2272) كتاب الزهد رقم (2).
[7] أخرجه مسلم (1/288) رقم (384).(/14)
العنوان: "كيف نقرأ "!
رقم المقالة: 834
صاحب المقالة: إبراهيم العسعس
-----------------------------------------
في إحدى القرى...
طرَق "ساعي البريد" الباب، خرج الأبُ، فسلَّمهُ الساعي رسالةً، وقال: إنَّها لابنتك!
لم يكن الأب يعرف القراءة، وأخذت الهواجس والوساوس تنتابه؛ ممن الرسالة؟ وما مضمونها؟ وهل البنت...؟!
خرج مسرعاً إلى الطريق لعلَّه يجد من يقرأ له الرسالة لتطمئنَّ نفسُه، وجد معلمةَ المدرسة في الطريق، فقال: "هذا هو المطلوب!" سأل الأبُ: "أتقرئين لي هذه الرسالة التي وصلت لابنتي؟" أجابت المعلمةُ: "بالطبع!" فضَّت الرسالةَ، وبدأت بالقراءة... قرأت له رسالةَ غزل موجهةً لابنته من أحدهم!!
حمل الأبُ الرسالة، ومضى غاضباً، في الطريق لقي ابنَ صاحبِ البيت الذي يسكن فيه، فطلب منه أن يقرأ له الرسالة، يريد أن يتأكد! فقرأ الشاب، فإذا هي رجاءٌ من صاحب البيت للبنت أن تُذكِّر أباها بضرورة دفع أجرة البيت المُتراكمة عليه، عارضاً لها سوءَ الأحوال، وضيقَ ذات اليد!!
صاح الأبُ: "ما هذا؟! أصبح عندنا قراءتان لرسالةٍ واحدة! فما هي حقيقة الرسالة؟! لا بدُّ من ثالث ليُبيِّنَ لي ما في الرسالة".
فإذا بأحد الشباب ينتظرُ فرصتَه للعمل أو السفر، أعطاهُ الرسالة بعد أن شرحَ له الحال، قرأ الشاب، فتحدَّث عن صعوبة العيش في القرية، وقِلِّة فُرص العمل، وأنَّ من يُهاجر يجد فرصته في بلاد (الخواجات)!
شدَّ الرجل شعرَ رأسه، وصرخ: "ولكن، أين هي الحقيقة؟!" فلم يسمع إلاَّ صدى صوته، مع ضحكات من حوله من قُرَّاء الرسالة!!
لقد رأى كلٌّ منهم في الرسالة ما يُحبُّ أن يرى، وما في نفسه؛ لا ما هو موجود فيها فعلاً! لقد انعكست آمالُ كلٍّ منهم، ورغباته، وطبائعه على الرسالة، فلم يعُد يرى غيرها! وهكذا ضاعت الحقيقة بين هذه الآمال والرغبات والطبائع!!
الحقيقة الضائعة!(/1)
إنها قصة تقع، وإن لم تكن بحذافيرها، إذ إنَّ جانب الرمزية والمبالغة (الدرامية) واضح فيها! وهذا كله غير مهم، فالذي يعنينا الفكرة العميقة والخطيرة التي أرادت القصة إيصالها.
إنَّها تتحدث عن الحقيقة التي تضيع عندما تتحول القراءة إلى حوار مع النفس، يقرأ من خلالها القارئ ما في نفسه لا ما هو مكتوب! وفي هذه الحالة تفقد القراءة قيمتها وغايتها.
فالكلمة هنا لا دلالة محددة لها، لأنَّه بمثل هذه القراءة تصبح دلالات الكلمة لا نهاية لها؛ إذ يُمكن أن تكون دلالاتها بعدد ما على البسيطة من قراء! ومع الأسف الشديد فإن هذه القراءة هي قراءتنا! فليتنا لا نقرأ فحسب! بل إننا عندما نقرأ؛ نقرأ قراءة خاطئة! مُسيَّرة! قراءة أميَّة!!
قراءة أمِيَّة؟!
وكأنها جملة ينقضُ آخرُها أولَها! فكيف تكون قراءةً، وأميَّةً في الوقت نفسه؟! إنها لكذلك عندما تكون القراءة قراءةً للحروف فحسب دون فهم! ودون رابط بين أول الكلام وآخره، وبين كلمة في موضع وغيرها من الكلمات في مواضع أخرى! وبين قراءة الكلمة وقراءة الكون أو الواقع! هذه القراءة سمَّاها القرآن الحكيم (أُميَّةً!)، وعدَّ الذين يقرؤونها (أُميُّين!): {وَمِنْهُمْ أُمِيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ} [البقرة:78].
الأمانيُّ هي القراءة بلا وعي، ولذلك قال: {لاَ يَعْلَمُونَ}، ولم يقل: لا يقرؤون! فالقرآن يعدُّ الوقوف عند مستوى قراءة الحروف ضرباً من الأميَّة.
فكيف نقرأ؟
سأذكر ما نحن عليه، وما ينبغي أن نكون عليه في سياق واحد اختصاراً، وتحقيقاً للفائدة المرجوَّة في مقالة مضغوطة، فالقضية التي نتحدث عنها كثيرة الذيول، عميقة الأبعاد، تحتاج لكتاب مسترسل!(/2)
هل نقرأ باسم الله؟! لا تتسرع في الإجابة وتقل: بدأ الشيخ يَخلِط! فكلنا نبدأ قراءتنا باسم الله! وقد يأخذ منا الثناء على الله - سبحانه - صفحات، فهل هذا هو الذي طلبه الله - تعالى - في أول كلمة نزلت في آخر رسالة: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1]؟!
إنَّ أبعاد القراءة باسم الله كَسَعَة هذا الكون، حسبنا منها الإشارة إلى ما نحن بصدده - أعني القراءة التي تُحقِّق هدفها - إنَّها استحضار رقابة الله حذراً من الوقوع في الطغيان! الطغيانِ في الفهم.. فحمل النفس على الفهم تكليف.. الطغيان في الدخول على النص، وقد قررنا ما نريده وما لا نريده، قبل أن نقرأ حرفاً!! إنها (بسم الله) التي تقينا هذه المصارع. وكما بينت لنا النصوص أنَّ القراءة بلا علم ضلال؛ بينت لنا أنَّ القراءة دون (بسم الله) طغيان.
القراءة الذرية!
وهذه القراءة تُفكِّكُ النص، بل وتُفكِّكُ الجملة، وأكاد أقول: بل وتفككُ الكلمة! إنها تغوص في الكلمة وتعزلها عما حولها، ثم تخرج منها لتدخل فيما بعدها، دون أيِّ رابطٍ بينهما!
إنَّها قراءة تُقَطِّع النَّصَّ، وتجعلك تفهم كلَّ جملة وكلَّ كلمة - إنْ فهمت - بعيداً عن سياقها، ولذلك فإنها تبني على كلِّ كلمة فكرة وقضية جديدة، لا علاقة لها بقضية النص الواحدة؛ بمعنى أنها تمتصُّ - ولا أقول تفهم أو تستنتج! لأنَّ صاحب هذه القراءة يتفاعل مع النص تفاعلاً غريزياً، فلا يستطيع أن يفهم! - من كل كلمة أو جملة قضيةً منفصلة! إنَّ النص في هذه القراءة يتكون من جزر عديدة منعزل بعضها عن بعض!
يقابل هذه القراءة:
القراءة الإحاطية الشمولية:(/3)
التي تستعرض النصَّ كلَّه؛ لتفهم عنه ما يريد. وصاحبُ هذه القراءة يُدرك أنَّ أيَّ استبعاد لأيةِ كلمة - قصداً أو سهواً- سينتهي بالقارئ إلى نتائج لم يُردها النصُّ، وأنَّ الفرق بين وجود حرف وعدم وجوده يترتب عليه قضية هائلة رهيبة، قد تكون كالفرق بين الكفر والإيمان، كما في سورة (الكافرون)!
إنَّ سوء الفهم يعود إلى أنَّ القارئ يتناولُ النص، أو ينظر إليه من زاوية معينة لا إحاطة فيها، ولو سعى القارئ إلى امتلاك مهارة القراءة الشمولية، وتناولَ النَّصَّ من مُختلف الزوايا لَبنى فيما بينه وبين الكاتب جسراً متيناً من التواصل والتفاهم.
القراءة العصافيرية!!
وأعني بها القراءة التي لا تَراكُم فيها؛ فصاحبُ هذه القراءة لا يبني شيئاً، يعيش مع النصِّ في لحظة زمنية مُجمَّدة، وقد يستمتع بقراءته، وقد يبكي ويضحك، ثم يخرج منها وكأنَّه لم يقرأ شيئاً! فذاكرته مخرومة، مُستباحة، لا تُمسك ماءً ولا تُنْبِتُ كلأً، قُدرته على الاستحضار معدومة، والأمر عنده أُنُف، دائماً يبدأ من جديد، فهو حقاً كالعصفور الذي لا تجربة له، يقع في الفخِّ نفسه الذي وقع فيه قبل قليل! فكيف تتوقع أن يبنيَ هذا النَّمطُ حواراً مع النص؛ بقصد الوصول إلى الفائدة والتفاعل؟!
يقابل هذه القراءة:
القراءة التراكميَّة:
وهي قراءة تبني على ما سبق، وتربط اللاحق بالسابق، لِتُكوِّنَ - من بعدُ - مجموعةً من الأفكار والفوائد المتراكمة، التي بها يستطيع القارئ أنْ يَلِجَ إلى النصِّ؛ ليفهم عنه، ويتفاعل معه.
القراءة الغريزية:
لئن سألتَ صاحبَ هذه القراءة: لماذا تقرأ؟ لقال لك: أنا أقرأ لأنني أعرف القراءة! وأمتلك كُتباً! وعندي حاسوب! وأزيدك: أنا رابط "انترنت"!!! فلماذا لا أقرأ؟! فهل يستطيع هذا القارئ أن يفهم النص ويتفاعل معه؟!(/4)
إنَّ القارئ الغريزي ينظر إلى النصِّ ولا يُبصره!! نظر مَن على بصره غشاوة!! ويُفكك حروفه تلقائياً دون أنْ تدخل هذه القراءة إلى (برنامجه) الذهني، ومواقفه من النَّصِّ - رفضاً أو موافقةً - مواقف غريزية، لا عمل للعقل فيها، فهي ردَّات أفعال، وسوانح خواطر، وليست مما يقتضيه العقل والفكر!
(فبِمَن يُقابَل القارئ الغريزي؟!
إنه القارئ الواعي المريد، الذي يستقبل النص استقبالاً مقصوداً، عقله معه، وذهنه حاضر، يعرف لماذا يقرأ، ويعرف ماذا يقرأ، ويعرف كيف يقرأ، القراءة له نورٌ يمشي به يضيء له الطريق، ويحس معها بالدهشة التي يشعر بها من يتطلع للمعرفة.
إشكالية التَّحيز!
من أخطر ما يُعطِّل قيمة القراءة، ويُفقدها غايتها، أن يَدخُل القارئُ النص وهو مُتحيِّز بعاطفته إلى قناعة مبيتة لديه، فإذا فعل ذلك اختل معيار التقييم، وضلَّ مقياس الموضوعية! ولا يخفى على المراقب أن قراءتنا - على الأغلب - متحيزة عاطفياً وفكرياً؛ فنحن نحب أن نقرأ ما يدغدغ عواطفنا وإن خالف الحقيقة، ونأخذ موقفاً مبيتاً ممن نعرف أنه يخالفنا أو يطرح ما يزعجنا! وهذا يعني أن معيارنا في القراءة أهواؤنا، ورغباتنا، وقراراتنا السابقة، فمن وافقها فهو الذي لم تلد النساء مثله!!
ومن الأمثلة على ذلك: قضية السلبية والإيجابية.. فما هو مقياس السلبية والإيجابية عندنا؟ إنه ما نحب وما لا نحب! فإن قرأنا ما نتبنى ونحب فالكاتب إيجابي، وإلا فهو سلبي مُثبِّط!
ومثل ذلك: التفاؤل والتشاؤم؛ فمقياسهما لدينا حمَّال وجوه، والحَكَمُ في النهاية أهواؤنا ورغباتنا!
إنَّ القراءة المقابلة لهذه الآفة هي:
القراءة المحايدة!
وأستدركُ بقولي: "قدر الإمكان"! لأنني أدرك أن الحياد المطلق غير مقدور عليه، لكن نُسدِّد ونقارب، إلى الدرجة تكون فيها القراءة أقربَ ما يكون إلى الحياد، وأبعدَ ما يكون عن القرارات السابقة.(/5)
إنَّ القراءة المحايدة قراءة تحب الحقيقة ولو أزعجتها، وتقبل الحق ولو كان من أبغض الناس، بل ولو كان من أفسق الناس، كما كان يقول أحد الكبار:
اعملْ بِعلمي، ولا يمنعْكَ تقصيري! يَنفعْكَ علمي، ولا يَضرُرْكَ تقصيري!
والقراءة المحايدة موضوعية، تحتكم إلى المعلومة التي تنقل الواقع كما هو، وتعرض الحقيقة كما ينبغي، لا كما تحب.
وأخيراً:
القراءة المتسرعة:
وأعني بها: القراءة التي تأخذ موقفاً بادي الرأي، تخطف الكلمة أو الجملة خطفاً، ثم تبني عليه قصراً من وجهات النظر المتعجلة. ومن قرأ هذه القراءة فحتماً سينقطع التواصل والتفاهم بينه وبين الكاتب، وسيُحمِّل كلَّ ما يقرأ تحميلاً لا إنصاف فيه، وسيُوظِّف كلَّ ما يعرفه من آليات التعامل مع النصوص؛ ليدعم وجهة نظره المتسرعة، فيشرع باصطياد الثغرات، أو ما يظن أنها ثغرات!! ليَطرحَ الكاتبَ أرضاً، ويحملَ المحتمل على الصريح، ويناديَ على رؤوس الأشهاد؛ ملوِّحاً بالمحتمل: أنْ هذا هو كاتبكم العظيم فاحذروه!!
ويقابل هذه القراءة..
القراءة المتأنية المُنصفة:
التي لا تستعجل النتائج، وتعطي الكاتب الفرصة التي يستحقها للفهم عنه، وتحمل محتمله على صريحه، وتستخدم آليات فهم للوصول إلى الحقيقة.
وأخيراً، وتلخيصاً..
إنَّ القراءة المطلوبة:
هي القراءة المبنية على الإخلاص، والإنصاف، والفهم، والوعي، والتدبر. القراءةُ التي تربط، وتستنتج.
إن بداية النهضة هي قراءة صحيحة! ولا يمكن أن ينجح شعار "التوحيد أولاً" دون هذه القراءة! فلا عجب أن كانت هذه الكلمة أول كلمة، في آخر رسالة، هذه الكلمة التي لا أجد - في وصف عظمتها وخطورتها - أبلغَ مما قاله سيد - رحمه الله - فيها : "الكلمة التي أدهشت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأثارت معه وعليه العالم!". فلله درُّ سيد - رحمة الله عليه - وكيف لا؛ وهي التي وضعها القرآن (بداية) للذين حمَّلهم مسؤولية تغيير العالم، وقيادة البشرية.(/6)
وقد سُئل (فولتير) مرةً عمَّن سيقود العالم، فأجاب : "الذين يعرفون كيف يقرؤون!". وها هي المطابع في العالم الإسلامي تدفع في كل عام آلافاً من الكتب، وها هي الشواهد تدل على أن الذين يقودون العالم هم الذين يحسنون القراءة، ونحن لا زلنا قابعين خلف حدود القراءة الأمية، العصافيرية،... إلى آخر تلك القائمة القاتمة!
إننا نمتلك وسيلة الحضارة، ومنهج التقدم: (القرآن)، ومع ذلك فإن حالة الوهن التي نعيشها تحرمنا الإفادة من هذا الكتاب الحكيم. إن حوارنا حوار طُرْش، والتواصل فيما بيننا معدوم، ولقد يصدق علينا ما قاله حسن البنا رحمه الله: "إذا شرحت فكرتك لأحدهم عشرين مرة، ثم ظننت أنه قد فهمك؛ فأنت متفائل"!
وأختم بهذا الحديث الرائع، الذي يصف عجزنا عن القراءة المنتِجة، وكيف أن القراءة المطلوبة ليست مجرد قراءة الأحرف، فقد روى زياد بن لبيد فقال:
(ذكرَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - شيئاً، فقال: [وذاك عند ذهابِ العلم]، قُلنا: يا رسولَ الله! وكيف يذهبُ العلمُ ونحنُ قرأنا القرآنَ، ونُقرِئُه أبناءَنا، وأبناؤنا يُقرئون أبناءَهم؟! فقال : "ثَكِلتْكَ أمُّكَ يا ابنَ لبيد! إنْ كنتُ لأراكَ من أفقهِ رجلٍ بالمدينة! أوَ ليس هذه اليهودُ والنصارى يقرؤونَ التوراةَ والإنجيل، ولا ينتفعونَ ممَّا فيهما بشيءٍ؟!" رواه ابن ماجة وابن حبان بسند صحيح.(/7)
العنوان: كيف يتأسس مشروعنا الثقافي؟
رقم المقالة: 433
صاحب المقالة: د. وليد قصّاب
-----------------------------------------
عرف الفكر العربيُّ الحديث منذ مطلع ما عُرف بعصر النهضة - الذي يؤرَّخ له في العادة بحملة نابليون بونابرت على مصر سنة (1798م) - عدداً من المشروعات الحضاريَّة المختلفة. وهي مشروعاتٌ مختلفة المنازع والاتجاهات، طرحها أصحابُها في محاولة للنهوض بالأمَّة من كَبوتها المأساويَّة، واسترداد دورها الإيجابي الفاعل في عهود القوَّة والازدهار، عندما كانت تصنع الحضارة، وتُصدِّرها إلى العالم أجمع، فكانت مذكورة مَهيبة الجانب على مسرح التاريخ.
ولن نتوقَّف عند مشروعات ارتداديَّة دعت إلى الانسلاخ من فكر هذه الأمَّة وتراثها، وزيَّن لها الخَوَر النفسيُّ، والعبوديَّة للفكر الغربي، أن تراث المسلمين والعرب متخلِّفٌ بائد، وهو لا يصلح لنهضة حديثة تضع هذه الأمَّة في مَصافِّ الأمم المتحضِّرة الراقية.
ومن هذا القَبيل ما دعا إليه واحدٌ مثل يوسف الخال وأغلب أعضاء "مجلَّة الشعر اللبنانيَّة" التي أنشأها لهذا التوجُّه، فقد تنكَّرت هذه الطائفة للتُّراث العربي الإسلامي، وفرَّت منه للارتماء في أحضان التراثَين: الغربي المعاصر، والمتوسطي القديم، الذي سبق الحضارة الإسلاميَّة، وعدُّوا كلاً منهما مصدرَ الإلهام الحقيقي، معلنين انتهاء الدور الحضاريِّ العربيِّ وسقوطه وتخلُّفه[1].
وبدت حضارة الغرب الليبرالي هاجسَ هذا الفريق، فقد عدَّ الخال وطائفة من أتباعه حضارته عالميَّة إنسانيَّة، وأمعن في تنكُّره لهويَّة هذه الأمَّة وتراثها الفكري، إذ ردَّ العقل العربيَّ الإسلاميَّ إلى أصول إغريقيَّة، ملغياً – بنَزْوةِ هوى وحقدٍ دفينَين – حضارةَ أمَّة كاملة، بل منكراً أصالة هذه الحضارة وخصوصيَّتها.(/1)
ومن هذا الارتداد والانسلاخ ما دعا إليه واحد مثل أدونيس – الذي تذبذب بين عدَّة اتجاهات إيديولوجيَّة – من قطيعة مع التراث في مثل قوله: ((ما يسمِّيه التقليديُّون آفاقاً نسمِّيه قيوداً، ما يدعونه حقيقة ندعوه خطأ، ما يرونه مثالاً نراه انهياراً وتخلُّفاً.. إن عالمنا ليبدو من خلال المفاهيم التقليديَّة عالم زرائب ومستشفيات ومصحات..))[2].
ومن قبيل هذا ما دعا إليه جلال صادق العظم في موطن دفاعه عن سلمان رشدي، ونقد منتقديه وتجهيلهم، لأنهم لم يَقدِروا كتابه "آيات شيطانيَّة" حقَّ قدره فقال: ((حين أُمعن النظر في النتائج البعيدة المتضمَّنة في مواقع رشدي الأدبيَّة، وانتقاداته السياسيَّة، وسخريته الاجتماعيَّة، ومعارضته الدينيَّة، أستنتج أن العالم الإسلاميَّ بحاجة اليوم إلى حداثة العقل والعلم والتقدُّم والثورة بدلاً من أصالة الدِّين والشَّرع والتُّراث والرجعيَّة..))[3].
هكذا في إيهام ماكر خبيث بأن الشرع والدين متناقضان مع العقل والعلم. وهو كلام بائد ردَّه كثيرون، وفنَّدته دراسات علميَّة جادَّة.
لن نتوقف الآن عند أمثال هذه الدعوات التجديفيَّة الفاضحة التي رفضت تراثنا وقيمنا وتنكَّرت لهما، وعكست – على أقلِّ تقدير – شخصيَّة ناس من بني جلدتنا، ولكنهم منهزمون من الداخل، ساقطون في طَوق العبوديَّة للآخر، جاهلون أو متجاهلون أن العزَّة للإسلام ومُثُله وأهليه، كما قال تعالى: {وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ}.
أقول لن نتوقفَ الآن عند هذا القَبيل من الدعوات، فلذلك موضعٌ آخرُ، ولكننا نتوقَّف عند تلك المقترحات التي دعت إلى إنشاء المشروع الحضاريِّ العربيِّ المعاصر بالاستناد إلى قاعدة "التخير والانتقاء".(/2)
وتبدو هذه القاعدة وجيهةً في إطارها العام، فلم يعد كلُّ شيء موروث يصلح لنا، ونحن في عالم معاصر، استجدَّ فيه الصالح والطالح، والخير والشرُّ، ولابدَّ لنا فيه كذلك من أن نأخذَ وندع، وأن تكون لنا معاييرُ في الأخذ والتَّرك.
في هذا الإطار العامِّ الذي أشرنا إليه قُدِّمت مشروعاتٌ ثقافيَّة كثيرة، وقد اتفق الجميع – إلا في النادر الشاذ – على تأسيس المشروع الحضاريِّ الثقافيِّ على طرفين لا غنى لأحدهما عن الآخر، وهما "التراث" و"المعاصرة" تجمعهما قاعدة: "الانتقاء" أو "الاصطفاء" من كلِّ هذين الطرفين معاً.
وقد ادَّعى كلُّ مشروع – وهو يصطفي من التراث ما يصطفيه – أنه يتوقَّف منه عند الجوانب الحيويَّة المشرقة التي ما تزال فاعلة مؤثِّرة في هذا العصر، وذلك للبناء عليها، واتخاذها فَرشاً أو مِهاداً تاريخياً، أو منطلقاً لتأسيس الثقافة العربيَّة المعاصرة التي تلبِّي حاجات الأمَّة ومتطلَّبات العصر..
ولا شك في صلاحيَّة هذا التخطيط العامِّ لأيِّ مشروع ثقافيٍّ عربيٍّ منشود، وذلك لأن إدراكَ العلاقة الإيجابيَّة بين الماضي والحاضر هو جزء من الوعي الحضاريِّ والتاريخيِّ للإنسان، وهذا الإدراك يتمثَّل في الإيمان بحتميَّة التواصل بين التراث والمعاصرة، من خلال النظر إلى الماضي نظرةً نقديَّة فاحصة تجتنب الوقوعَ في شَرَك أمرين اثنين، يشكِّل كلٌّ منهما خطراً داهماً:
- الأول: تقديس الماضي تقديساً مطلقاً.
- الثاني: نبذ الماضي نبذاً مطلقاً.
وإذا بدا هذا التخطيط العامُّ الذي نتحدَّث عنه سليماً، وهو في الوقت ذاته في موضع اتفاق الجميع؛ فلماذا إذن هذا التنافُر والتضارب بين المشروعات الثقافيَّة المقتَرحَة، بل لماذا هذا التصادُم والتضاد على نحو ما يتصادم الحقُّ والباطل، والأبيضُ والأسود؟(/3)
إن سرَّ هذا التصادم يكمُن في الطرف الثالث من أطراف معادلة المشروع الثقافيِّ العربيِّ المقترَح، وهو "الانتقاء" أو لنقُل تحديداً في "معايير الانتقاء" فإذا كان "الأخذ" و"الترك" من التراث والحديث مما لا ينازع فيه أحدٌ، فإن ما يؤخَذ وما يُترَك هو الذي يتنازع فيه الكثيرون، وذلك في غَيبة المعايير التي تضبط المأخوذ والمتروك، وتحدِّد ما يسمِّيه الجميع ((الجوانب الحيويَّة الفاعلة)) من التراث أو من المعاصرة.
إن غَيبة هذه المعايير هي التي تجعل واحداً من أصحاب هذه المشروعات الثقافية – أدونيس – يقدِّم أدب الخلاعة والمجون أنموذجاً لهذه الجوانب المشرقة الحيويَّة، فيقول بصراحة: "هناك شعر أعدُّه عظيماً، سمَّاه بعض النقَّاد للسُّخرية والتنقيص من قيمته شعرَ التهتُّك والخلاعة والمجون، كشعر ابن الحجَّاج، وابن سُكَّرة، إنه من أهمِّ الشعر الذي كُتب في اللغة العربيَّة ومع ذلك فهو مكبوت ومقموع.. "[4].
ونقول: لن يتاحَ لأيِّ مشروع ثقافيٍّ عربيٍّ أن يأخذ طريقه إلى النور ما لم يتَّفق القوم على المعايير التي ينهض عليها، وهي معاييرُ لابدَّ أن تُستمدَّ من عقيدة الأمَّة، ولغتها، وقيمتها الفكريَّة والشعوريَّة، حتى تتجسَّد فيه خصوصيَّة هذا المشروع النابعةُ من خصوصيَّة الأمة التي يُراد له التعبير عنها، وتمثيلها.
ومثلما أن هذه المعايير هي التي تحكم التعاملَ مع التراث، فإنها ينبغي أن تحكم التعاملَ مع المعاصرة كذلك، حتى يُجسِّد المشروع الثقافيُّ المنشود ثقافةَ الحاضر العربيَّة الإسلاميَّة، الناهضة على دِعامتَين، هما:
- روح الأمَّة. وخلاصة تجربتها، ونظرتها إلى الكون والحياة والإنسان.
- روح الحاضر، وتلبية احتياجات العصر.
وفي إطار هذه المعايير قد توجد قراءات متعدِّدة، ووجهات نظر مختلفة، تُغني المشروع المنشود وتثريه، ولكنها لا تقف منه موقف الضدِّ من الضد..(/4)
إن اتكاء أيِّ مشروع حضاريٍّ يُقدَّم إلينا على فكر غربيٍّ، أو على إيديولوجيَّة علمانيَّة تستبعد الدين والعقيدة وذَوق الأمَّة وعاداتها وتقاليدها الأصيلة هو مشروعٌ مرفوض محكومٌ عليه بالإخفاق، لأنه ليس مشروعاً عربياً إسلامياً على أقل تقدير، بل هو مشروعٌ هجين من صُنع غيرنا..
لقد سمَّى الناقد الكاثوليكيُّ الحداثيُّ إيليوت إدراكَ المفكر - ليس لماضويَّة الماضي فحسب، بل لحضور هذا الماضي في ضميره - بـ (الحسِّ التاريخيِّ). والمشروعُ الحضاريُّ العربيُّ المعاصر الذي نَنشدُه مطالب باستحضار هذا الحسِّ، وإدراك المعايير التي تشكِّله، وهي معاييرُ ديناميكيَّة، ولكنها لا تفرِّط بثوابتَ فكريَّةٍ وعَقَديَّةٍ تمثِّل كيان الأمَّة وشخصيَّتها وتفرُّدها.
ــــــــــــــــــــ
[1] انظر كتاب "قضايا وشهادات: الحداثة: 2" مؤسسة عيبال، قبرص، مقال "محمد جمال باروت"، ص254-256.
[2] انظر "فن الشعر" لأدونيس: ص240.
[3] انظر مجلة الناقد، العدد: 54، كانون الأول: 1992م، ص37.
[4] انظر كتاب "في قضايا الشعر العربي المعاصر" نشر المنظمة العربية للتربية والثقافة، تونس: 1988م، ص159.(/5)
العنوان: كيف يتم التفاعل مع وسائل الإعلام
رقم المقالة: 1021
صاحب المقالة: أ. أروى الغلاييني
-----------------------------------------
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الرحمة المهداة للعالمين.
المقدمة
نتفق جميعاً على أن وسائل الإعلام تلعب دوراً كبيراً في مجتمعاتنا، ونتفق أيضاً على أن الأسرة لها دور كبير -قد يزيد، وقد ينقص- في التأثير على دور هذه الوسائل؛ لذلك جاء هذا المؤتمر -بمحاوره المتعددة- ليلقي الضوء على دور التربية في التعامل مع وسائل الإعلام.
إنه من الضرورة بمكان تزويد الأسرة بالإجراءات والخطوات التي تساعدها -بعون الله- في إكساب أفرادها -منذ طفولتهم المبكرة- مهارة التفاعل الواعي مع وسائل الإعلام، بحيث يصبحون مؤثرين بها أيضاً.
وقد اختير جهاز التلفاز نموذجاً لوسائل الإعلام؛ لأنّ التلفاز -من بين جميع وسائل الإعلام الأخرى- هو الذي يستحوذ على أغلب أوقات أطفالنا، مقارنة بالصحف والمجلات والإذاعة، "ففي بعض الدول يقضي الأطفال أوقاتاً أطول في مشاهدة التلفاز من الوقت الذي يقضونه في مدارسهم!".
وفي تقرير لمنظمة (اليونسكو) العالمية، رقم (33)؛ "يتبين أن الأطفال، في البلاد العربية، من سن السادسة إلى سن السادسة عشرة؛ يقضون ما بين اثنتي عشرة ساعة وأربع وعشرين ساعة أمام التلفاز أسبوعياً. وأنّ سن الخامسة حتى السابعة هو السن الذي يبدي فيه الطفل أقصى اهتمام بمشاهدة التلفاز"[1].
والسبب في أن أطفالنا يختارون التلفاز لقضاء الأوقات؛ هو أنه يخاطب حاستي السمع والبصر، إضافة إلى الطريقة التي تُقدَّم بها برامج الأطفال، حيث يؤكد الدكتور عاطف العبد: " أن الحركات والتعبيرات التي تظهر على وجه المذيع ونسمعها منه، الموجهة للأطفال؛ تساهم في توصيل الرسالة الإعلامية وتكملتها"[2].(/1)
وكل من يراقب الأطفال وهم يشاهدون برامج جذابة استخدمت فيها تقنية مُرضية من الصوت والصورة والإخراج؛ يجدهم وقد تجمعوا أمام الشاشة، ففغروا لها الأفواه والأعين، حتى إننا لنحسبهم رقوداً وهم أيقاظ!
لذلك؛ إن استطاعت الأسرة إكساب أطفالها مهارة التفاعل الواعي مع شاشة التلفاز؛ فإنهم سيتمكنون -بإذن الله- من استخدام الأدوات ذاتها مع بقية وسائل الإعلام.
وقد قُسمت هذه الورقة إلى فصلين:
الفصل الأول يستعرض:
أولاً: دلالة الأسرة في مجتمعنا.
ثانياً: مفهوم الإعلام، ومفهوم التربية الإعلامية.
ثالثاً: خصائص النمو في مرحلة الطفولة.
رابعاً: أثر التلفاز على الأطفال.
والفصل الثاني يستعرض:
أولاً: إرشادات وخطوات تُكسب الطفل مهارة التفاعل الواعي مع وسائل الإعلام.
ثانياً: اقتراحات لوزارة التربية والتعليم في السعودية لمساعدة الأسرة في تبني دورها الحيوي.
إن الأمية -التي على الأفراد والمجتمعات التنبه إليها- ليست فقط أمية القراءة والكتابة؛ بل عليهم أن ينتبهوا أيضاً إلى أمية التلفاز؛ إذ إن التركيز على إصدار حكم الإدانة أو المصادقة على التأثير القوي لوسائل الإعلام؛ قد انصرم عهده؛ لأنه أمرٌ مفروغ منه، وحان وقت التفاعل الواعي مع وسائل الإعلام واستثمارها. وهذا ما تهدف إليه الدراسة بعون الله.
الفصل الأول
أولاً- دلالة الأسرة في مجتمعاتنا:
ورد في لسان العرب: الأسرة "هي الدرع الحصين"[3]. وفي المعجم الوسيط معنى (الأسرة) لغوياً: يعني: القيد، يُقال: أَسَرَهُ أَسْراً وإِسَاراً: قَيَّدَهُ، وَأَسَرَهُ: أَخَذَهُ أسيراً.
ومن معانيها أيضاً: الأسرة هي أهل الرجل، وعشيرته، والجماعة يربطها أمر.
وتعرف الدكتورة سناء الخولي الأسرة "بأنها جماعة اجتماعية أساسية ودائمة، ونظام اجتماعي رئيس، وهي ليست أساس وجود المجتمع فحسب؛ بل هي مصدر الأخلاق، والدعامة الأولى لضبط السلوك، والإطار الذي يتلقى منه الإنسان أول دروس الحياة الاجتماعية"[4].(/2)
ودلالة الأسرة -لغة واصطلاحاً- في مجتمعاتنا توحي أن الأسرة يضمها رباط وثيق، هذا الرباط يعلم أفرادها القيم والأخلاق، ويقيدهم عن ارتكاب المعاصي والمنكرات.
والتوجيه القرآني الكريم والنبوي الشريف لم يتركا خياراً للأسرة أن تقوم بدورها، في التربية، وغرس الدين والأخلاق في نفوس الأطفال؛ بل ألزماها بذلك، فكما قال -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه الشيخان:
((... وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ، وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا، وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا))...
وبالمقابل؛ فإن هذين التوجيهين جعلا مسؤولية التربية جزءاً من عبوديتنا لله، نؤجر عليها، لقوله تعالى: {قُلْ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:162]، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((لأَنْ يُؤَدِّبَ الرَّجُلُ وَلَدَهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ)) رواه الترمذي.
وهذا المفهوم الجميل للتربية حوَّلها إلى سوار يزين المعصم، وليس عبئاً يثقل الكاهل، خاصة إن أُتقنَت التربية، فإن ذلك يورث محبة الله -جل وعلا- للعبد، لقوله -صلى الله عليه وسلم- ((إِنَّ اللهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ) رواه الطبراني.
وأي الأعمال أجل وأشرف من إتقان تربية الطفل، وتعهده بحسن الرعاية؛ حتى يصبح الاستثمار الأمثل للمجتمعات والأوطان والأمة، محققاً بذلك السعادة والنجاح لنفسه في الدارين؟ يقول الإمام الغزالي في إحيائه: "الصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفسية، فإن عوَّدَهُ الخير وعلمه؛ نشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة، وإن عوده الشر وأهمل إهمال البهائم؛ شقي وهلك، وصيانته بأن يؤدبه ويهذبه، ويعلمه محاسن الأخلاق"[5].(/3)
إن من دور الأسرة الحيوي ومسؤوليتها في هذا الزمن الذي وسم بتدفق المعلومات: تدريب أطفالها من سن مبكرة (من الرابعة) على التحدث عن أثر وسائل الإعلام وخطورتها، خاصة برامج التلفاز، ويستمر هذا في جميع مراحل نموهم، حتى إن أصبحوا شباباً؛ صاروا قادرين بكفاءة على نقدها، وتحليل مضامينها، ثم يتمكنوا بفعالية من استخدامها بنضج وذكاء؛ لإيصال أفكارهم وتطلعاتهم ونموذجهم الذي يمثلهم -فعلاً- إلى المجتمع؛ ليتحمل المجتمع مسؤولياته تجاه الشباب، ويساعده في تحقيق هذا النموذج.
وقد حذر د. إيهاب رمضان (استشاري المخ والأعصاب والصحة النفسية) من خطر التلفاز وآثاره السلبية قائلاً: "إن الحل لا يكمن في الابتعاد عن التلفاز نهائياً، ولكن لابد أن يكون وفق نظام محدد، مع ديمومة التشجيع على التواصل العاطفي والنفسي بين أفراد الأسرة، والتركيز على تعلم الطفل القيم الاجتماعية، وتعريفه بالخطأ والصواب"[6].
هذا النظام المحدد من شأنه أن ينقل الأسرة إلى حالة استثمار لجهاز التلفاز، بدلاً من أن تكون في حالة حرب، أو في وضع الهزيمة، وعدم الاقتصار على نقد محتوى برامج التلفاز، بل تستخدم هذا المحتوى في تحويله إلى أداة تثري ملكة النقد عند الطفل، والقدرة على الاختيار، ومهارة الحوار، واستخدام المنطق في الحكم على الأشياء[7].
إن على الأب والأم والراشد في الأسرة استشعار مسؤولياتهم وفهم التحدي، خاصة "أن الخطاب الإعلامي -بصفة خاصة- هو خطاب (مؤدلج)، وليس صحيحاً ما يردده بعض الإعلاميين والمثقفين العرب بقولهم: إن الحيادية أساس الرسالة الإعلامية، فكل إعلام منتم؛ إما لعقيدة، أو وطن، أو نظام. ومَثَلُ الإعلام غير المنتمي مثل بائع الصحف، الذي يوزع مضامين لا يفقه معناها. ودلائل هذه الحقيقة مبثوثة في الواقع المشاهد، وفي بطون الكتب الإعلامية المتخصصة"[8]. وبرامج الأطفال -التي تبث لهم، والتي أكثرها مستوردة- غير مستثناة من هذا الخطاب.(/4)
عند استخدام التلفاز؛ لا بد من الأخذ بالاعتبار أنه ليس شيئاً محايداً في المنزل، وأنه في اللحظة التي تضاء فيها الشاشة يتَّحد ذهن ومشاعر المشاهد -في عملية معقدة- لإدراك وفهم واستيعاب ما يُعرض، خاصة لدى الطفل، والآباء الحريصون على تربية أطفالهم عليهم أن يستخدموا هذا الجهاز؛ لينقل الطفل من حالة (الضحية) أو (المنهزم) التي تشكو منها أكثر الأسر، إلى وضع المنتصر والمستثمر لهذه الأداة، والسبيل إلى هذا -بعون الله- هو التربية الإعلامية التي نتناولها فيما يلي.
الفصل الأول
ثانياً- مفهوم الإعلام ومعناه ومفهوم التربية الإعلامية:
الإعلام:
ورد في المعجم العربي الأساسي، ص860، الصادر عن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم:
"(إعلام) مصدره (علم)، وهو النشر بواسطة الإذاعة والتلفاز والصحافة.
ومعنى الإعلام مجرداً: "هو حمل الخبر أو النبأ من جهة إلى أخرى.
ثم تطور حتى صار مفهومه تبني قضية من القضايا، وطرحها من خلال قناعات معينة بقصد إيصالها إلى المتلقي، سامعاً، أو مشاهداً، أو قارئاً"[9].
"والإنسان في نظر رجال الإعلام (نفس إعلامية) تتغذى بالخبر، وتنمو بالفكر، وتتعافى باللحن"[10].
التربية الإعلامية:
عرَّف مؤتمر (التربية من أجل عصر الإعلام والتقنية الرقمية) -الذي عقد في (فينا) في 18-20 أبريل 1999م- التربيةَ الإعلامية بأنها: "التربية التي تختص في التعامل مع كل وسائل الإعلام الاتصالي، وتشمل الكلمات، والرسوم المطبوعة، والصوت، والصورة الساكنة، والمتحركة؛ التي يتم تقديمها عن طريق أي نوع من أنواع التقنيات"[11].
وإذا نظرنا إلى تطور التربية الإعلامية؛ نجد أن الفهم السائد -في الخمسينات والستينات الميلادية- عن عقل المشاهد أنه كاللوح الأملس، فكانت الأجندة التعليمية هي (التطعيم)، وجعل المشاهد يميز بين الإعلام الجيد والإعلام الفاسد، وأن يقدر جمال الإعلام الجيد.(/5)
هذا المفهوم تطور في السبعينات والثمانينات الميلادية إلى توجيه أسئلة (إيديولوجية) للإعلام، بدلاً من الأسئلة الجمالية، على سبيل المثال:
كيف ولمصلحة مَن يعمل الإعلام؟ كيف ينتظمون؟ كيف ينتجون المعاني؟ كيف يعبرون عن الواقع؟ واقع مَن هو الذي يعبرون عنه؟
ثم -في التسعينات الميلادية- لم يعد الجمهور متلقياً أو ناقداً؛ فحسب بل ومنتجاً للمعاني الإعلامية، ذات الصلة بالنواحي الشخصية وبالمجتمع[12].
والهدف من التربية الإعلامية هو "تمكن أفراد المجتمع من الوصول إلى فهم لوسائل الإعلام الاتصالية التي تستخدم في مجتمعهم، والطريقة التي تعمل بها هذه الوسائل، ومن ثم تمكنهم من اكتساب المهارات في استخدام وسائل الإعلام للتفاهم مع الآخرين"[13].
والمتأمل في تعريف التربية الإعلامية، وفي الهدف الذي تسعى لتحقيقه، وتطورها حتى وصلت إلى ما وصلت إليه؛ يدرك أنها لا تخاطب ولا تحمل وسائل الإعلام -على نحو مباشر- مسؤولية الآثار السلبية التي يتعرض لها الأطفال إثر تعرضهم لهذه الوسائل؛ بل يرى أنها تتجه إلى متلقي ومستخدمي وسائل الإعلام، مطالبة الأسرة -التي هي الحضن الأول للمتلقي، والدرع الحصين له- أن تؤهل الطفل؛ لفهم ماهية الإعلام ووسائله، منذ طفولته المبكرة، وأول ما تفعله الأسرة هو التعرف على خصائص نمو المرحلة.
الفصل الأول
ثالثاً- خصائص النمو لدى الطفل:
يقسم العلماء مراحل نمو الطفل إلى الطفولة المبكرة، التي تبدأ من الميلاد حتى سن السادسة، والطفولة المتأخرة من سن السادسة وتستمر حتى سن الثانية عشر.
ونستعرض هنا خصائص النمو الإدراكي، والنمو الانفعالي، والنمو الديني الخلقي، والنمو الاجتماعي الوجداني للطفل، من سن الرابعة إلى سن السابعة؛ ليدرك الآباء مدى تأثير التلفاز على الأطفال في هذه السن.
1- النمو الإدراكي(/6)
لذلك؛ فالطفل حينما يرى برامج التلفاز -خاصة برامج العنف أو الإثارة أو الرعب- أو حينما يرى الشخصيات النمطية التي تقدمها الأفلام المستوردة، كانتصار الرجل الأبيض، وقدرته الخارقة على الطيران والقفز، (والخلوص من المآزق)؛ يظن أن هذا واقعاً يستطيع محاكاته، والشواهد كثيرة على ذلك نقرأ عنها في الصحف -كل يوم تقريباً- لأطفال تعرضوا لمخاطر جسيمة نتيجة لهذه المحاكاة.
وعندما يكبر الطفل يصبح دقيق الملاحظة، فيؤدي ذلك إلى دقة الإدراك الحسي لديه، ويتطور الخيال عنده، فيتحول إلى النوع الابتكاري، الذي يتصل بالحقيقة والواقع.
وتشتد لدى الطفل (من سن السادسة إلى الثانية عشرة) قوة العمليات العقلية، كالتصور والتخيل والتذكر، ويعتمد -نوعاً ما- على التصور البصري، ويبدأ بالانتقال -تدريجياً- من المحسوسات إلى المعنويات، ويفكر بها منطقياً[14].
وهذا أمر على الأسرة التنبه له، حيث تسمح بعض الأسر للأطفال (حتى السابعة من عمرهم) بمشاهدة بعض البرامج الخاصة بالكبار، بحجة أنهم لم يفهموا بعد، أو أنهم لا يعون ما يُعرض!! بل إن الطفل بهذا السن يمتلك دقة الملاحظة، ويعتمد على بصره في التخيل وفي التذكر، ويحاول إيجاد منطق وتفسير لما يراه. ويؤثر على إدراكه سلباً أن يرى المُنكر والباطل والعيب -الذي يُنهى عنه في البيت والمدرسة- جميلاً منمقاً في التلفاز[15].
2- النمو الانفعالي
بعد سن السادسة تقل حدة الانفعالات عند الطفل، وتزداد سيطرته عليها، ويصبح النمو الانفعالي لديه نمواً وجدانياً اجتماعياً، فيقل اعتماده على أبويه، ويرفض -نوعاً ما- الخضوع لاستبداد الكبار، ويندمج أكثر في مجموعة الأطفال؛ يستشعر القوة معهم، ويدين لهم بالولاء[16].(/7)
لذلك لابد للأسرة أن تتخذ من الحوار والنقاش الهادئ سبيلاً مع طفلها (في هذه السن) لإقناعه واستمالته لفكرة ما. ولنا في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الأسوة الحسنة، فهو -عليه الصلاة والسلام- حينما أراد تعليم عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- وهو غلام صغير كلمات هامة، لم يقلها -عليه الصلاة والسلام- مباشرة، إنما أردفه خلفه على بغلة، ثم مشى به ملياً لإشباع رغبة الغلام في الركوب، وبعد ذلك خاطبه الرسول بأسلوب ملاطفة وسؤال:
((يَا غُلاَمُ -وفي رواية: يَا غُلَيِّمُ- أَوَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ تَحْفَظُهُنَّ.. احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ...)) رواه الترمذي.
والغلام -لغةً- تطلق على الصبي من سن السابعة إلى العاشرة.
3- النمو الديني الخلقي
وفي سن السابعة يبدأ الطفل بالتمييز، ويبني على ذلك كثيراً من الأحكام، وفي هذا السن وجهّنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نبدأ بتعليم أولادنا الصلاة بقوله:
((عَلِّمُوا الصَّبِيَّ الصَّلاَةَ لِسَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا ابْنَ عَشْرِ سِنِينَ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا فِي المَضَاجِعِ)). رواه أبو داود.
وهذا الحديث المعجز في تلخيصه للنمو الديني والخلقي للطفل (من سن السابعة حتى العاشرة)؛ يثبت أن الطفل من السابعة قادر على التمييز بين الحق والباطل، فلابد للأسرة أن تعلمه وتوجهه ليتحمل مسؤولياته، وإن أخل بها فلابد من محاسبته على هذا التقصير. وفي هذه المرحلة من النمو الفكري يتكون لديه الكثير من السلوك والتصرفات.(/8)
إن خصائص النمو الديني الخلقي والاجتماعي لَتنذر بالخطر الشديد مَن يترك للطفل الحبل على غاربه لمشاهدة التلفاز، دون أن يرافقه في أثناء ذلك؛ لأن عقل الطفل سيضج بالأسئلة، وإن لم يجد من يجيبه عنها؛ فسيعوق نموَّه السليم. وشيئاً فشيئاً -لما للتلفاز من سلطة جذابة واستحواذ على عقل الطفل ومخيلته وحواسه- سيصبح التلفاز هو المكوِّن لسلوك وتصرفات الطفل، يحاكي من يراهم، أكثر من محاكاته لوالديه وأفراد أسرته، وهذه لعلها من أكثر الآثار السلبية على الطفل.
الفصل الأول
رابعاً- الآثار السلبية والآثار الأخرى للتلفاز:
ربما لم يجمع الخبراء والعلماء -على تعدد لغاتهم ومعتقداتهم ومشاربهم- على أمرٍ قدرَ إجماع خبراء وعلماء التربية وعلم النفس وعلم الاجتماع على خطر جهاز التلفاز وآثاره السلبية، خاصة على الطفل، حتى الذين يرون في التلفاز بعض فائدة فهم يؤكدون على ضرورة وجود الراشد مع الطفل، ليلفت نظره لهذه الفائدة.
بعض الآثار السلبية للتلفاز، من جوانب نفسية واجتماعية وصحية، نذكر منها:
1- يولِّد التلفاز الغلظة في المشاعر والبلادة في الأحاسيس؛ وذلك لأن الطفل يختلط لديه التمثيل بالواقع.
2- يولِّد الميول العدوانية لدى الطفل، ويتعهدها بالرعاية، فالعنف يُكتسب أسرع من المهارات الذهنية.
3- يُغذي التلفاز الطفل بالقيم الهابطة.
4- يُنحِّي الأسرة عن دورها في التربية، خاصة بعد خروج الأم للعمل، فصار مصدر القيم وسائلُ الإعلام، خاصة التلفاز.
5- يُساهم في تدني الذوق العام، حيث يتقبل الأطفال عروضه السمجة ويتجاوبون معها.
6- يثير الغرائز الجنسية مبكراً، قبل أن ينضج الطفل.
7- يصور الكذب والخداع والمراوغة بأنها ذكاء وحيلة ومهارة.(/9)
8- يصبغ المفهوم الحضاري صبغة مغايرة لحقيقته، فلفظة النجوم والأبطال لا يقصد بها الشخصيات التي أثرت وصنعت الأحداث (كالأنبياء والرسل -عليهم صلوات الله- أو الصحابة، أو الكُتاب والأدباء والأطباء والمعلمين وغيرهم) بل نجدهم -حصراً- من ساحة الفن والطرب والرياضة والتمثيل، أو أبطال (الأفلام الكرتونية المدبلجة)[18].
9- يصرف الأطفال عن واقعهم وحقائقهم، ويحذرهم؛ فلا يكاد الطفل المسلم يعرف عن حقيقة الحرب بين المسلمين واليهود/ وحقيقة المسجد الأقصى، ولا عن حقيقة الاحتلال الأمريكي للعراق!
10- يُعرِّض صحةَ الطفل للخطر بسبب الأرق والقلق.
11- يؤثر على بنية الطفل من حيث استقامة الظهر.
12- يحد التلفاز من ممارسة الطفل للعب والحركة.
13- يستنزف طاقتهم على الحفظ والتذكر بما يبثه من أغان قد تدعو كلماتها للعنف أو الإثارة أو التمرد على أوامر الكبار. وهذا الاستنزاف يأتي على حساب اهتمامهم بحفظ القرآن الكريم، وحفظ دروسهم، وحفظ المعاني التي تعزز عندهم العفة والأخلاق والقيم[19].
14- وُجد أن هناك علاقة وثيقة بين السُّمنة عند الأطفال وبين مداومة مشاهدة التلفاز؛ ذلك لأن الجلوس عند التلفاز لا يحتاج إلا إلى طاقة قليلة جداً، مقارنة بالأنشطة الأخرى، وغالباً يتعرض الطفل -وهو يشاهد التلفاز- لتأثير الإعلانات التي تزين له الأطعمة ذات السعرات الحرارية العالية غير المفيدة، التي تسمى (بالأطعمة الفارغة)، فيستجيب الطفل لهذه المغريات، ويتناول هذه الأطعمة.
15- يهدد الهوية الثقافية بواسطة تدفق المعلومات والأفكار فيما بين الثقافات[20].
16- يضعف قدرة الطفل على القراءة؛ لأنه يتعود على الصور السريعة المتداخلة الملونة، وهو ما لا يجده في صفحات الكتب، وضعف الطفل على القراءة يقوده إلى ضعف التحصيل العلمي الذي يُتَلَقَّى -على نحو رئيس- من الكتب الدراسية.(/10)
17- يحتل التلفاز مكان الحياة الأسرية والاجتماعية، فبوجوده يتضاءل وقت الكلام، والحوار، أو حتى الشكوى بين أفراد الأسرة، ويحل محل الأصدقاء، فيقلل ذلك من اكتساب الخبرات[21].
أما الآثار الأخرى للتلفاز، التي قد يطلق عليها (الإيجابية)؛
وإنه من الصعوبة بمكان تحديد الآثار غير الضارة على نحو مطلق وعام؛ لأن مفهوم (غير الضارة) يتحدد حسب خلفية الطفل الدينية بالدرجة الأولى، ثم بالخلفية الثقافية والاجتماعية له. فلو قلنا -مثلاً- إن من الآثار غير الضارة لبرامج التلفاز: التسلية والترفيه، والثقافة والإطلاع، والتعرف على حل للمشاكل الاجتماعية.. فأي من هذه البرامج تؤدي -فعلاً- الغرض الذي أعدت من أجله، دون أن تتعارض مع تعاليم ديننا الحنيف وأخلاقه[22]؟
لذلك لا مناص من التعامل مع التلفاز أداةً نديرها ونستثمرها، ونعلم أولادنا كيفية التفاعل الواعي معها، فيتكون لديهم الحس النقدي، والقدرة على اختيار ما يناسب تعاليم دينهم ورفض ما سواه. وهذا الذي سنتطرق إليه -بإذن الله- في الفصل الثاني من الدراسة.
الفصل الثاني
أولاً- إرشادات وخطوات تكسب الطفل مهارة التفاعل الواعي:
مع التلفاز:
عندما تتولى الأسرة دورها في بناء التفاعل الواعي مع وسائل الإعلام لدى أولادها، وتستشعر مسؤولياتها؛ لابد أن تلتفت إلى الجوانب الثلاثة للإنسان: الجانب المعرفي (التفكير)، والجانب الانفعالي (المشاعر والعواطف)، والجانب السلوكي؛ وذلك لتحقيق أفضل النتائج بإذن الله.
والاكتفاء بواحد دون الآخر لن يحقق النتيجة المرجوة؛ لأن "القيم الخلقية تتكون عند الإنسان عن طريق العمل ومواقف الخبرة، وذلك أنه لا يجب أن تنحصر الاهتمامات الأخلاقية على العقل فقط؛ بل يجب أن تكون لنا بمثابة طرق العمل نجربها في إزالة أسباب الشرور، ومصادر المتاعب والتناقض في مواجهة المواقف المختلفة، فهي وإن كانت غايات إلا أنها أدوات ووسائل للعمل"[23].(/11)
فبعد أن يتم شرح الفكرة الطيبة وغرسها في النفس غرساً صحيحاً، ستثمر عواطفَ ومشاعر نبيلة تحرك الإنسان -في الغالب- دون مؤثر خارجي، للقيام بسلوك إيجابي، يترجم تلك الفكرة وهذه المشاعر.
والجوانب الثلاثة للإنسان متداخلة تداخلاً كبيراً، ويؤثر الواحد منها في الآخر[24].
وفيما يلي تستعرض الدراسة بعض الإرشادات والخطوات التي تراعي الجوانب الثلاثة لدى الإنسان؛ حتى تطبقها الأسرة مع أطفالها؛ لتكسبهم مهارة التفاعل الواعي مع التلفاز.
وهذه الخطوات والإرشادات منها ما يختص بتهيئة الأبوين أنفسهما (أو الراشد الذي يتولى التربية) لتولي مسؤوليته المُكلف بها، ومنها ما له علاقة بإدارة التلفاز ذاته كونه جهازاً، ومنها ما يختص بالطريقة التي يشاهد بها الطفل التلفاز. وهذه الأمور الثلاثة لا يمكن الفصل بينها، إنما تقسم ليسهل متابعتها وتطبيقها، ومن البدهي أن الاعتناء بها جميعاً يحقق نتائج أفضل.
لعل من أول ما يجب أن يعتني به الأبوان: أن يكونا قدوة حسنة لأطفالهما. وهذا الجانب من الأمور التي سبق إليها المسلمون ودأبوا على التواصي بها. فقد روى الجاحظ أن عتبة بن أبي سفيان (لما دفعَ ولدَهُ إلى المؤدِّبِ؛ قال له: ليكنْ أولَ ما تبدأُ بهِ من إصلاحِ بَنيّ إصلاحُ نفسك! فإن أعينهم معقودةٌ بعينكَ، فالحسنُ عندَهم ما استحسنتَ، والقبيحُ ما استقبحتَ). وقد أثبتت الدراسات أن هناك علاقة وثيقة بين مشاهدة الكبير في البيت للتلفاز وبين مشاهدة الطفل له.(/12)
والوالدان اللذان يوجهان أولادهما للإقلال من مشاهدة التلفاز، ويمارسان هذا الفعل لن تلق كلماتهما وقعاً طيباً في نفوس الأطفال، حتى لو نفذ الطفل الأمر يظل غير مقتنع بما يفعله، وما أن يغيب الرقيب عنه سيعود -غالباً- لمارسة السلوك الذي توقف عنه دون قناعة داخلية منه، وكم هي جميلة هذه العبارة: (لا تتكلم فسلوكك يسمعني)! إن الآباء يدركون تماماً أن هناك فرق بين خبرة وثقافة الراشد وبين ثقافة وخبرة الطفل، ولكن الطفل لا يفهم هذا، وعليه؛ فلن يفهم لماذا يمنعه والداه من فعل سلوك، ثم يقومان بممارسته.
ومن الأخطاء الجسيمة التي تقع فيها الأمهات: جعل التلفاز (جليساً للأطفال)؛ لانشغالها وعدم تمكنها من اللعب مع طفلها أو الاهتمام به. ولتصحيح هذا الخطأ؛ نوصي الأم بأن تضع في متناول طفلها الصغير بدائل آمنة كالمكعبات، والألوان، والتراكيب، والكتب، والقصص، والصور وأطقم السفرة الخاصة بالأطفال بحيث يشغل الطفل بها نفسه، وتنصرف الأم لشؤونها[25]، دون أن تلجأ إلى التلفاز؛ لأنها أن فعلت عوَّدت طفلَها (دون أن تقصد) بأن تكون شاشة التلفاز هي أولى اختياراته في وقت الفراغ، معللاً نفسه أن هذا هو سلوك والدته من قبل!
والحديث عن خطورة أن يتحول التلفاز إلى (جليس أطفال) في السن الصغيرة يقودنا إلى ضرورة أن تُوجِدَ الأسرةُ لأولادها -بمرحلة الطفولة المتأخرة والمراهقة المبكرة- بدائل وأنشطة متنوعة ومتعددة وممتعة تغنيهم عن هذه الشاشة، وتعمق عندهم مفهوم العبودية لله -جل وعلا- وأن الوقت أغلى ما يملكون، وعليهم استثماره بما يسعدهم في الدنيا والآخرة[26].
وقد يعمد بعض الآباء والأمهات إلى مشاهدة برامجهم الخاصة بهم، بينما أولادهم الصغار في صحبتهم، ظناً منهم أن الأولاد لا يلتفتون، ولا ينجذبون لهذه البرامج؛ لعدم فهمهم لها!! والواقع المعايش والمشاهد يثبت عكس ذلك.(/13)
فمن المهم أن ندرك أن الأطفال اليوم يعرفون أكثر مما يفهمون، وإنهم يحبون أن يظهروا بمظهر الكبار، وأن يتحدثوا مثلهم، غير أن تفكيرهم ومستوى فهمهم ما زال طفلاً كأعمارهم، والسماح لهم بمشاهدة البرامج الموجهة والمعدة للكبار يعزز من هذه النزعة لدى الأطفال، خاصة أنهم سيشاهدون في البرامج الخاصة بالكبار ما يغريهم بتقليده، فهم لا يفرقون بين الحقيقة والخيال[27].
وعندما نستخدم مصطلح (إدارة التلفاز) فإننا نعني أن تختار الأسرة بعناية وقت المشاهدة ومحتوى المُشاهَد (بضم الميم وفتح الهاء). فبعض الأسر تتبع أسلوباً رسمياً نوعاً ما؛ فهي تقوم بتحديد الوقت والمحتوى بداية مع أطفالهم، وبعض الأسر تقوم بإطفاء التلفاز حينما تشعر أن أولادها قد مكثوا وقتاً طويلاً أمامه، أو أنهم يشاهدون مالا يناسبهم[28].
ولتسهيل المهمة نقترح أن تضع الأسرة هدفها مسبقاً من (إدارة التلفاز)، هذا الهدف الذي قد يتغير أو يتطور تبعاً لسن الطفل، وكأمثلة لهذه الأهداف نورد ما يلي:
- الإقلال من مشاهدة أطفالي لمشاهد العنف.
- ألا يتعود أولادي على الشاشات لملء وقت فراغهم.
- أن يمارس أولادي أنشطة أخرى تنشط خلايا دماغهم، وتحرك عضلاتهم.
- أن أقلل من الجمود الذي يعتري الأولاد عند مشاهدة التلفاز، وحتى يتواصلوا أكثر.
- أن أحمي أولادي من تأثير الإعلانات التجارية.
وهكذا.(/14)
ولا يُكتَفَى بوضع الهدف (وفرضه) على الأطفال من قبل الأسرة؛ إذ لا بد من الحوار والنقاش معهم في هذا الهدف، ومن البدهي أن تستخدم الأسرة مع أطفالها الصغار اللغة التي يفهمونها لإيصال هذه المعاني لهم، ومن ثم يعمل أفراد الأسرة على استخلاص الإرشادات التي تعينهم على تحقيق هدفهم الذي اتفقوا عليه جميعاً، على أن تصاغ الإرشادات بأسلوب الإثبات وليس النفي، وتخرج إخراجاً جميلاً، وتعلق قرب التلفاز، وفي غرف الأطفال، حتى يقرؤوها باستمرار، وتنتقل إلى عقلهم الباطن الذي يقوم بترجمتها سلوكاً وممارسات[29].
ولابد للأبوين -بطبيعة الحال- من متابعة الأطفال لقياس مدى تطبيقهم لهذه الإرشادات، ومدى فعالية الإرشادات؛ لتحقيق هدف الأسرة. وكمثال على هذه الإرشادات؛ إن كان الهدف (أن يمارس الأطفال أنشطة حركية تمرن عضلاتهم): من غير المجدي أن يقال للأطفال (لا تشاهدوا التلفاز!)، بل تكون التعليمات شبيهة بـ (بعد أن تفرغوا من اللعب بالحديقة، أو بعد عودتكم من النادي الرياضي بإمكانكم مشاهدة التلفاز)[30].
ومن أهم نقاط (إدارة التلفاز) اختيار وقت ومدة المشاهدة، ويساهم استخدام جهاز التسجيل في مساعدة الأسرة في التحكم بالوقت، فإن كان وقت البرنامج غير مناسب لجدول الأسرة؛ فيسجل ويعرض في الوقت المناسب، وإن كان البرنامج جيداً في مجمله، لكنه يتضمن بعض اللقطات والمشاهد التي تتعارض مع أخلاق الأسرة؛ يقوم الأبوان بحذف هذه المشاهد ثم عرضه لأطفالهم[31].(/15)
وينصح باستخدام (دليل قنوات التلفاز) -إن توفر- أو الرجوع إلى مواقع القنوات عن طريق الانترنت؛ لمعرفة البرامج وأوقات عرضها، فمن الخطأ أن تتعرف الأسرة على البرامج وأوقاتها عن طريق تقليب القنوات، فقد يشاهد الأطفال ويتعرضوا لما لا يناسبهم. ولإثراء خبرات الأطفال وتعليمهم مهارة الاختيار، وتنظيم الوقت؛ يطلب منهم إعداد دليل خاص ببرامجهم، بحيث يختارون البرامج بعد مشورة الأبوين بما يتفق وعمر وقدرات الطفل، واحتياجاته، ومشاعره[32].
ومن الأدوات الفعالة المفيدة للأسر؛ لإكساب أطفالها مهارة التفاعل مع التلفاز: تصميم واستخدام (ملف الأسرة التلفازي)، حيث يسجل يومياً على مدار الأسبوع:
- وقت تشغيل التلفاز.
- وقت إطفاءه.
- البرامج التي شوهدت.
- من الذي شاهدها.
ثم في نهاية الأسبوع يرصد ما يلي:
- عدد ساعات المشاهدة.
- من شاهد أكثر.
- من شاهد أقل.
- متى تواجدت الأسرة معاً.
- وما الذي شوهد[33].
ثم يدور نقاش مع الأولاد عن رصيد الأسبوع، بحيث يُوجَّهون ويُحفَّزون ويُكافَؤون، وليس بالضرورة أن يتولى إدارة النقاش أحد الأبوين، بل يمكن إسناده لأحد الأطفال (جميل أن يكون مدير الحوار هو الطفل الأقل مشاهدة).
ومن الأسئلة التي توجه في النقاش إلى الطفل الأقل مشاهدة:
- ماذا فعل بالوقت الذي لم يشاهد فيه التلفاز؟
- وماذا اكتسب خلال هذا الوقت؟
- وما أنجز وما هي مشاعره بهذا الانجاز؟
وعلى الأبوين إدارة دفة الحوار إدارة غير مباشرة؛ ليبين للأطفال الجدوى والمكسب من ممارسة أنشطة غير مشاهدة التلفاز.
أما عن الطريقة التي يشاهد الأطفال بها التلفاز؛ فقد أكدت الأبحاث والدراسات المختصة ضرورة مرافقة الراشد للطفل، والحديث معاً عن برامج التلفاز، حيث يؤدي هذا إلى جعل الطفل يفكر بمنطقية تجاه ما يُعرَض، ويقلل من مخاطر تفسيره لكل ما يعرض له على أنه حقيقة وليست خيالاً.(/16)
إثارة الحديث مع الطفل من شأنه أيضاً ردم الفجوة بين ما يراه الطفل وبين خبرته غير المتكاملة غير الناضجة، خاصة عند مشاهدته الثالوث المخيف (الرعب، والإثارة، والعنف): "إنني أنصح أن يشاهد الآباء والأطفال معاً البرامج التلفازية؛ عندما يكون الأطفال تحت سن السابعة، وأن يعتادوا الحديث عن البرامج التي شاهدوها. وبمجرد أن يعتاد الطفل على هذا الأسلوب في المشاهدة؛ يصبح من السهولة إجراء حوارات مثمرة مفيدة، كما أن المشاهدة المشتركة مجزية، وإن كان بدرجة أقل في المرحلة الواقعة ما بين سن السابعة والحادية عشرة"[34].
وأسئلة مثل: (هل ما تراه حقيقي؟ ما الذي تشعر به عندما ترى هذا المشهد؟ هل تحبه؟ ما الذي لا تحبه فيه؟ لماذا؟ ما الذي سيحدث بعد ذلك؟ لو كنت مكانه كيف ستتصرف؟ هل تعتقد أن هذه هي النهاية المناسبة؟ هل تعتقد أن هذا هو الحل الأفضل؟ لو كنت أنت الأب وأنا الابن؛ هل ستسمح لي بمشاهدة هذا البرنامج؟ لماذا نعم؟ ولماذا لا؟ ما الذي ستنبهني عليه؟ هل ما تراه يُرضي الله جل وعلا؟ هل يتفق مع أخلاقنا؟ كيف نعدله؟)، وغيرها من الأسئلة..
فعندما يطرحها الأبوان على الطفل؛ تدفعه للتفكير بمضمون البرامج التلفازية، ولا يأخذها مُسلمات. وبذلك يتحول (التلفاز)إن اضطررنا إلي إلى أداة توفر فرصاً إضافية للحوار، ولنقاش الآباء مع الأبناء، وذلك يزيد من فهم واستيعاب الأطفال.
كما أن من واجب الأبوين إرواء الطفل بالإجابة عن الأسئلة التي يلقيها، وعدم تأجيل ذلك مطلقاً. "إن تدريب الطفل وإكسابه مهارة المشاهدة الناقدة لبرامج التلفاز تجعله أقل عرضه لأخطار التلفاز"[35]. "وإذا ما كان الآباء مستعدين لترك أطفالهم يشاهدون الدسائس والمكائد في المجتمع بدون تعليق؛ فيجب ألا يلوموا سوى أنفسهم عندما يتقبل الطفلُ القيمَ الثابتة التي قدمتها برامج التلفاز أكثر من تقبله القيم التي يؤمن بها والداه!!"[36].(/17)
واستخدام جهاز التسجيل -قبل عرض البرامج على الطفل- يساعد الأبوين في إعداد الأسئلة التي يريدان إلقاءها على الطفل؛ ليثري تجربته، ويجعل الأبوين أكثر استعداداً لأسئلة الطفل إن ألقاها عليهما.
يقول (جيري ماندر) الخبير الأمريكي ملخصاً تجربته في حقل الإعلام: إنه ربما لا نستطيع أن نفعل أي شيء ضد الهندسة الوراثية، والقنابل (النيتروجية)، ولكننا نستطيع أن نقول: (لا) للتلفاز، ونستطيع أن نلقي بأجهزتنا في مقلب الزبالة، ويؤكد (ماندر) أن العالم سيكون مليئاً بالفائدة؛ لأن الشعوب ستعوض فقدان التلفاز باتصال بشري أكبر يبعث النشاط من جديد[37].
وبما أن أجهزة التلفاز لم تُرْمَ بعد؛ فلا أقل من أن يتولى الأبوان مسؤولياتهما في أن يكونا قدوة لأطفالهما، بالإقلال من المشاهدة، وأن يدربا أطفالهما على إدارة التلفاز باختيار محتوى ووقت ومدة المشاهدة، من قبل الأطفال ذاتهم، وأن يجلسا مع أطفالهما لدى المشاهدة بحيث تكون هذه الأوقات أوقات حوار ونقاش، لا أوقات جمود لا فائدة منها.
ولكن؛ من المسؤول عن إيصال هذا الوعي إلى الأبوين؟ والأسر؟
الفصل الثاني
ثانياً- اقتراحات لوزارة التربية والتعليم لمساعدة الأسرة في تبني دورها الحيوي:
"إن رجال التربية والإعلام يجمعون على أن التربية هي الأساس الأول في تحصين الأطفال والشباب، وأن المسؤولية تبدأ في الأسرة، ومن الوالدين خاصة، ثم من المدرسة والمسجد والمجتمع، فالطفل والشاب معرضان دوماً لمختلف أشكال التأثير في محيطهما، حيث تأتي وسائل الإعلام -خاصة- في المقدمة، وما لم تتوفر للطفل والشباب قاعدة تربوية متينة توجههم وتصونهم وتحفظهم؛ فإن تأثرهم بوسائل الإعلام يزيد مهما بلغت قلة ما يرد فيها"[38].(/18)
إن إجماع رجال التربية والإعلام على أن المسؤولية في تحصين الطفل والشاب من أثر الإعلام تبدأ في الأسرة؛ فإن مسؤولية التربويين والإعلاميين عظيمة في إيصال هذا الوعي إلى الأسر؛ لتتحمل هي -بدورها- وتأخذ على عاتقها حماية النشء من الآفات التي تهدده؛ وذلك بتعليم أطفالها وتدريبهم على مهارة التفاعل الواعي مع برامج التلفاز.
وإن لوزارة التربية دوراً كبيراً في ذلك، خاصة (الإدارة العامة للتوعية الإسلامية للبنات)، و(اللجنة الوطنية السعودية للطفولة)؛ فقد ورد في الرؤية للإدارة العامة للتوعية الإسلامية للبنات أنها "إعداد الشخصية المتزنة المعتزة بدينها قولاً وعملاً، والمحصنة أمام الأفكار المنحرفة والاتجاهات الحديثة المضللة، القادرة على التعامل مع التقنيات المتطورة بوعي وإدراك"[39].
وهذه رؤية سامية نبيلة، ولكن بالمقابل؛ لا تجد في البرامج المقدمة من الإدارة -لتحقيق هذه الرؤية- ما يكسب الشريحة المستهدفة من قبل الإدارة مهارةَ التفاعل الواعي مع الإعلام، برغم إدراكنا جميعاً أن معظم الأفكار المنحرفة والاتجاهات المضللة؛ ترد إلينا عبر وسائل الإعلام التي عبرت عنها رؤية الإدارة العامة للتوعية الإسلامية بـ (التقنيات المتطورة)، التي على المسلمة التفاعل معها بوعي وإدراك، وهذا هو بعينه (التفاعل الواعي).
لذلك؛ فقد تجلت الحاجة الملحة إلى ضرورة تدريب القائمين بالتوعية على إكساب الشريحة المستهدفة مهارة التفاعل الواعي مع وسائل الإعلام، خاصة مع التلفاز، بحيث يكون التعامل مع التلفاز وبرامجه تعامل المنتصر القادر على التمييز بين الخير والشر، ونقد المضامين السيئة، وتقدير الجميل منها.
بل تجاوز ذلك إلى الكتابة، ومخاطبة القائمين على البرامج؛ ليتوقفوا عن تقديم النموذج المغاير للشخصية المسلمة (كما وردت في الرؤية)، وأن تُحتَرَمَ رغبتُها في تقديم النموذج الذي يمثلها حقاً، ويكون ذلك بإشراف القائمين على التوعية.(/19)
والحديث عن الإدارة العامة للتوعية ينعطف بنا إلى الحديث عن شعبة النشاط الطلابي، وشعبة التوجيه والإرشاد، ووحدة التربية الإسلامية، بإدارات التعليم بالوزارة المعنية؛ بدعوتها إلى تضمين برامجها المقدمة لجميع الشرائح بالمجتمع (العاملين بحقول التعليم، والطلاب، والطالبات، والأسر) ما يبث الوعي بضرورة التعامل الواعي مع وسائل الإعلام، بحيث تُحوَّلُ إلى أداة للمتُلقي، ولا يكون المتلقي أسيراً لها[40].
ونستقرئ من المهام والاختصاصات للجنة الوطنية السعودية للطفولة ما يؤكد وضع إستراتيجية وطنية للطفل تساعد الجهات المعنية في المملكة العربية السعودية في تعزيز أوجه الرعاية التي يحتاجها الطفل[41].
إن من أوجب الرعاية: أن يعيش الطفل في بيئة آمنة توفر له النمو السليم، دينياً، ووجدانياً، وجسدياً، وتتيح له استخدام قدراته العقلية، وذكاءه، وتثري لغته، كل هذا لن يتأتى؛ إن بقيت الأسر تحرم أطفالها من التلفاز تماماً، وتبعدهم عنه اتقاء خطره، غافلة أن ما نجنب أولادنا من أخطار التلفاز يأتيهم بالحاسب الآلي، وبالجوال(البلوتوث)، وأن للتلفاز سلطة جذابة، لو قاومها الطفل أمام والديه؛ فلن يقاومها -ربما- وهما عنه غائبان! أو إن رفعت بعض الأسر راية الاستسلام للتلفاز، قائلة بإحباط: لن يصلح الوعظ ما أفسده التلفاز!! فيزداد الخرق اتساعاً على اتساع، ولن يتمكن أمهر الرقاع من خياطته!
والحل -كما تقترح هذه الدراسة- يكمن في تدريب كل المتعاملين مع الأطفال على مهارة التفاعل الواعي مع وسائل الإعلام؛ ليتولوا نقلها لأطفالهم:
شباب وشابات الوطن: استثمار المستقبل الحقيقي.
الخاتمة
تناولت هذه الدراسة محور (دور الأسرة في التفاعل الواعي مع الإعلام)، المقدمة ضمن أعمال المؤتمر الدولي الأول للتربية الإعلامية، فتعرَّضتْ -في الفصل الأول منها- إلى مفهوم الأسرة في مجتمعنا، وأشارت إلى قيمة (التربية) في الإسلام، كما جاءت النصوص القرآنية والنبوية.(/20)
ومن ثم عرفت مفهوم الإعلام تعريفاً عاماً، ومفهوم مصطلح التربية الإعلامية وهدفها.
ثم تطرقت الدراسة إلى الحديث عن خصائص النمو المختلفة للطفل (في العمر ما بين الرابعة والسابعة)، وربطت بين خصائص النمو وبين مشاهدة التلفاز.
ثم أوجزت الدراسة الآثار السلبية للتلفاز، والآثار الأخرى التي فضلت الدراسة عدم تسميتها الآثار (الإيجابية) وعللت ذلك.
وفي الفصل الثاني أوردت الدراسة إرشادات وخطوات تساعد الأبوين في استخدام التلفاز بجعله أداة تثري خبرات الطفل، وتنمي لديه القدرة على الاختيار الناقد، والمشاهدة الناقدة، وتكسبه القدرة على الحوار ومناقشة الأفكار بعقلانية وحيوية، وراعت هذه الإرشادات الجوانب الثلاثة للإنسان: الفكر، والمشاعر، والسلوك. مع تأكيد ضرورة الالتزام بوقت ومدة محددة للمشاهدة، يتزامن هذا مع كون الوالدين قدوة صالحة لأطفالهما.
يقول الشاعر الأميري[42]:
طِفْلٌ! وَعِبْءُ الطِّفْلِ يُوهِي الْقُوَى أَحْلَى الْمُنُى؛ حُفَّتْ بِدَيْجُورِ[43]
الطفل أحلى المنى، ولكن هذه المنى حفت بالظلمة، التي يَقصِد بها الشاعر المتاعبَ والآلام، يكابدها الأبوان لتحمل مسؤولية وأمانة التربية.
ولعل في المفهوم الذي تبنته الدراسة (وربما سبقت إلى ذلك): ضرورة أن تنتقل الأسرة العربية من معاملة التلفاز على أنه عدو لا يرجى منه خير، أو أنه مارد مرعب، يفتك بقيم الأسرة وأخلاقها، من الاستحالة تجنب مساوئه، ولا مفر من الإذعان والخضوع له؛ إلى مفهوم يجعل الأسرة تستخدم (جهاز التلفاز) وتستثمره في بناء الطفل، وتحريره من آثاره السلبية، ولعل تبني هذا المفهوم يخفف من حدة (الديجور) وسواده -بعون الله- و نكون قد داوينا بالذي كان هو الداء.(/21)
غير أن الأسرة العربية بحاجة ملحة إلى من يبث فيها الوعي بمسؤولياتها، ويعلمها كيف تتعامل مع التلفاز، وهذا مناط بمؤسسات المجتمع الحكومية، وغير الحكومية، وعلى رأسها وزارة التربية والتعليم، ووزارة الثقافة والإعلام.
وقد تقدمت الدراسة في فصلها الثاني إلى (الإدارة العامة للتوعية الإسلامية) و(اللجنة الوطنية السعودية للطفولة) بوزارة التربية والتعليم في المملكة العربية السعودية؛ بعدة اقتراحات تختص بنشر الوعي في الأسر.
والحمد لله رب العالمين.
ــــــــــــــــــــــــــــ
[1] (الفيديو والتلفزيون خطر مؤكد على الأولاد).
www..quraan- radio.com
[2] ناهد باشطح" الأطفال والتلفاز من بيده العصا".
www.alriyadh.com
[3] ابن منظور، (لسان العرب). مادة "أسرة".
[4] صلاح بن ردود الحارثي، (دور التربية الإسلامية في مواجهة التحديات الثقافية للعولمة)، جدة، مكتبة السوادي، 1424هـ، ص250.
[5] صلاح بن ردود الحارثي، المصدر السابق.
[6] نوره خالد السعد، (الآثار التربوية لبرامج التلفزيون على الأطفال).
www.almokhtsar.comwww.almokhastar.com
[7] انظر الفصل الثاني من هذه الدراسة.
[8] محمد بن سعود البشر، )حتى لا ننهزم بسلطة الإعلام ( .
www.Islamtoday.net
[9] يوسف العظم، (رحلة الضياع للإعلام العربي المعاصر)، جدة، الدار السعودية للنشر والتوزيع،1405 هـ، ص 9.
[10] منى حداد يكن، (أبناؤنا بين وسائل الإعلام وأخلاق الإسلام)، بيروت- مؤسسة الرسالة، 1403هـ- 1983م، ص15.
1 -(قضايا التربية الإعلامية).
www.meduconf.com
2 - المرجع السابق.
3- المرجع السابق.
[14] طه البنا وعبد المنعم بيومي، (كتاب علم النفس- المرحلة الثانوية)، السعودية، 1417هـ، ص89-90.
[15] انظر في هذه الدراسة عن ضرورة مرافقة الأطفال في أثناء مشاهدتهم التلفاز.
[16] طه البنا وعبد المنعم بيومي، المصدر السابق، ص 90-91.(/22)
[17] طه البنا وعبد المنعم بيومي، المصدر السابق، ص 90-91.
[18] يفسر أ/ عمرو خالد وجود أبطال (كرتونيين!)، مثل: (سوبر مان، وبات مان، وسبايدر مان)؛ بأن تاريخهم -أي: الغرب- يخلو من الأبطال الحقيقيين، فصنعوا لأنفسهم أبطالاً من الورق!!
[19] النقاط من (1) إلى (13) من كتاب طيبة اليحيى، (بصمات على ولدي)، حولي، الكويت، مكتبة المنار الإسلامية، 1409هـ، ص 23-40، بتصرف.
[20] (Grunwald Declaration on Media Education) .
www.Meduconf. .com
[21] (قراءة في كتاب مخاطر التلفاز على مخ الطفل).
www.islamtoday.net
[22] في نهاية السبعينات الميلادية عرضت مسرحية (مدرسة المشاغبين) التي عدت من أكثر المسرحيات (ترفيهية)، كان الممثل يردد فرحاً مسروراً (هي هي أبوي أحترق)، وكان الجمهور يضحك من هذه المقولة! هذا غير البرامج والمسلسلات التي صار من أساليب إضحاكها للجمهور السخرية من مظهر الشخص الملتزم بالسنة النبوية الشريفة.
[23] صابر طعيمة، (منهج الإسلام في تربية النشء وحمايته)، بيروت، دار الجيل، 1414هـ، ص337.
[24] انظر في البرمجة اللغوية العصبية (نموذج مرسيدس).
[25] Wayne Eastman ، المرجع السابق.
[26] انظر لطيبة اليحيى: (بصمات على ولدي) ص 81-83، فقد ذكرت بدائل متنوعة ومتميزة.
[27] انظر سابقاً: (خصائص النمو لدى الأطفال) في هذه الدراسة.
[28] لم يحدد الخبراء -في هذا المجال- مفهوم (الوقت الطويل في مشاهدة التلفاز)؛ فبعضهم يقارنه بالوقت الذي تستغرقه الأنشطة الأخرى، وبعضهم يرى أن أربع ساعات أكثر من المطلوب في الطفولة المبكرة.
[29] انظر (البرمجة اللغوية العصبية): الرسائل الإيجابية للذات.
[30] Wayne Eastman، المرجع السابق.
1- المرجع السابق.
2- المرجع السابق.
3- المرجع السابق.
[34] مجموعة من الباحثين، (التلفزيون والأطفال)، ترجمة أديب خضور، دمشق،1990م، ص35.
[35] Wayne Eastman ، المرجع السابق.(/23)
[36] أديب خضور، المرجع السابق.
[37] نوره السعد، المرجع السابق.
[38] عبد الرحمن الشبيلي، (خطر البث التلفزيوني على الطفل والشباب)، مجلة الأمن والحياة، العدد 155.
[39] الإدارة العامة للتوعية الإسلامية للبنات: www.moe.gov.sa .
[40] أعمل في التربية منذ 1409هـ، وإلى الآن؛ لم يسبق أن علمت بمثل هذا النشاط، كان الخطاب السائد خطورة الإعلام، دون التدريب على تلافي أخطاره.
2- اللجنة الوطنية السعودية للطفولة
www.moe.gov.com
[42] عمر بهاء الدين الأميري، (رياحين الجنة)، الرياض، العبيكان، 1426هـ، ص27.
[43] الدَّيْجُور: الظُّلْمة.(/24)
العنوان: كيف يستقبل العٍلمانيون رمضان؟
رقم المقالة: 1225
صاحب المقالة: أ.د. ناصر بن سليمان العمر
-----------------------------------------
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من اقتفى آثرهم وسلك سبيلهم بإحسانٍ إلى يوم الدين, وبعد:
فها قد جاء رمضان, أياماً معدودات، أسأل الله أن يوفِّقني وإيَّاكم فيه لما يحبُّ ويرضى, ولعل من الملاحظ عند دخول الشهر بعض القضايا المنهجية التي تتعلق بالصيام، ويَحْسُن التنبُّه إليها.
من أولها: ما أن يَهِلُّ الهلال، ويستبشر المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها ببزوغ قَرْنِه - حتى يُطِلُّ رأسُ النفاق، وتحاول العِلمانية البئيسة التي صُفِّد أعوانها دسَّ أنفها المريض, وفتح فاها؛ لتَبْعث منه ما يَزْكُم الأجواء.
فأحدهم يشكِّك في الصيام لاختلاف الأمصار, وآخر يطعن في العلماء لاختلاف المطالع، وثالثٌ ظَفَر بفَتْوَيَيْن متباينتَيْن في مسألةٍ من مسائل الصيام، التي ما أن يجيء الشهر حتى يكثر السؤال عنها؛ فتراه يُبْرِزْهما في كلِّ حينٍ؛ ليُثْبِت تناقض الدين!
باختصار؛ يريد المنافقون أن يقولوا: لا يحقُّ لكم - معشر الدعاة والعلماء والمشايخ - أن تختلفوا, فإذا اختلفتم؛ دلَّ ذلك على عدم صلاحِيَة ما عندكم, أو على عدم صلاحِيَة أهل الفتوى لديكم.
وبعض المساكين يغترُّ بمثل ذلك, والحقُّ الذي ينبغي أن يعلم أن الاختلاف سُنَّةٌ كونيَّةٌ ماضيةٌ في الأمم جميعًا, {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} {هود: 118}. ثم إن الخلاف واقعٌ في العلوم جميعاً؛ لتبايُن الأفهام، وورود الأوهام, ولاختلاف العلوم والآلات، ولأسبابٍ كثيرةٍ. لِيَطْلُبَها مَنْ يريدها في "رفع الملام عن الأئمة الأعلام"، لشيخ الإسلام - رحمه الله.(/1)
هذا وما زال الأطباء يختلفون, والمهندسون يختلفون، وهكذا سائر أصحاب العلوم التجريبية، وما سمعنا يومًا واعظًا عِلمانيًا يدَّعي عدم صلاحِيَة الهندسة، أو يطعن في علماء تلك العلوم ومختصِّيها، أو يَصِفَهم بالجهل والتناقض.
ولكن عندما تأتي الشريعة، ويأتي أهلها - يأتي تناقضهم, وفي القرآن نموذجٌ لاختلاف نبيَّيْن كريمَيْن في الحُكْم على مسألةٍ واحدةٍ, {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الانبياء: 78-79], ومع ذلك لم ينقص ذلك من قدرهما, وحتى لا يسبق ذلك إلى الذِّهن؛ فيظنُّ ظانٌّ أن جواب الولد الموافق للحقِّ يدل على قصورٍ ونَقْصٍ في الأب، عليهما السلام. قال سبحانه: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ * وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ} [الانبياء:79-80]. وبيَّن فضلهما، وما آسبغ عليهما من النِّعم في سورة النمل؛ قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ} [النمل: 15]. فهذا الاختلاف إذًا لم يُنْقِصْ من قدرهما, ولم يَبْخَس من علمها، مع أن الصواب كان واحدًا لا تناقض فيه.(/2)
وكذلك قُلْ في الخلاف الذي جرى في عصور الصحابة في مسائل أكثر من أن تُحْصَر؛ بل إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعلم الخَلْق، المسدَّد بالوحي - يقول في قضايا: ((لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ؛ لفعلتُ كذا وكذا)), ((ولئن بقيتُ إلى كذا لأفعلنَّ كذا))، وكم أجاب - صلى الله عليه وسلم - على مسائل أجاب عليها إجابةً أخرى, أو يزيد على الإجابة الأولى إيضاحًا، أو يضع لها قيداً ونحو ذلك, كما في قصَّة الأعمى الذي سأل عن الصلاة في المسجد, وقصة الذي سأله عن الشهيد، هل يغفر له كل ذنب؟ وغيرهما.
فإذا كان العلم قد يرى رأيًا، ثم يرى أوْلَى منه آخِرًا, فما بالكما باثنين؟! وكيف يعيب عاقلٌ مَنِ اختلفا، واختلاف العقول وقدراتها جِبِلَّةٌ وخِلْقَة, وتباين المعلومات متعلِّقٌ بحصولها ووصولها؟! فكل هذا يدل على أن الاختلاف في الاجتهادات السائغة لا يُنْقِصْ من قدر أصحابها المختلفين, ولا يطعن في أصل الدين.
فليُنْتَبَهْ لدسيسة المغرضين في هذا الشهر الكريم، والحمد لله رب العالمين.(/3)
العنوان: كيف ينظر العبد إلى نعم الله؟
رقم المقالة: 681
صاحب المقالة: سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين
-----------------------------------------
الحمد لله اللطيف بعباده فيما يجري به المقدور المدبر لهم بحكمته وعلمه وفي الميسور والمعسور الذي فاضل بينهم في الذوات والصفات وجميع الأمور ليبلوهم أيهم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في التقدير والتدبير، وأشهد أن محمداًً عبده ورسوله الذي فاق جميع الخلق في الصبر على الضراء، والشكر عند السرور صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان على ممر الأيام والدهور، وسلم تسليماً.(/1)
أما بعد أيها المؤمنون: اتقوا الله تعالى الذي خلقكم، ورزقكم، وعافاكم، وأنعم عليكم بالنعم الظاهرة والباطنة، وأولاكم، فإن المؤمن لا يزال في نعمة الله إن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له، وعليكم بالقناعة فإنها كنز لا ينفد، وذخر لا يفنى، فهي غنى بلا مال، وعز بلا جنود ولا رجال، فالقناعة أن يرضى الإنسان بما قدر الله له، وأن ينظر إلى من هو أدنى منه في العافية والمال والأهل، فإن ذلك أقرب إلى معرفة النعمة وشكرها، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم في هذه الأشياء، فإن ذلك يؤدي إلى القلق وكفران النعماء، فالمعافى في بدنه أو ماله أو أهله ينظر إلى من ابتلي بشيء منها ليعرف قدر نعمة الله عليه، وإذا كان هو مبتلى بشيء من ذلك، فلينظر إلى من هو أعظم ابتلاء منه، فإنه ما من مصيبة تصيب العبد إلا وفي الوجود ما هو أعظم منها فإذا كان غنياً، فلينظر إلى الفقير، وإذا كان فقيراً، فلينظر إلى من هو أفقر منه مما لا يملك الفتيل، ولا القطمير، ومهما أصيب المؤمن في شيء من دنياه، فإن ذلك ليس بشيء عند سلامة دينه الذي هو عصمة أمره في دنياه وأخراه، فدين الإسلام، ولله الحمد، هو الكسب الذي نعتز به، ونفاخر، وهو الذخر الذي نعده لليوم الآخر، الدين هو التجارة التي تنجي من العذاب الأليم، وتقرب العبد إلى المولى الرحيم، فيا أيها المبتلى اصبر على البلوى، واذكر من هو أعظم منك وأكثر، ضرراً، ثم انظر إلى ما أنعم الله به عليك من الإيمان، واستعن به على مقاومة المصائب بالصبر، ومقابلة النعم بالشكران.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.. الخ.(/2)
العنوان: كيفية الوضوء
رقم المقالة: 682
صاحب المقالة: سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين
-----------------------------------------
الحمد لله الملك العظيم البر الرحيم الذي يحكم بالحق، ويقضي بالعدل إن ربي على صراط مستقيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تنقذ قائلها من العذاب الأليم، وأشهد أن محمداًً عبده ورسوله الذي بين لأمته ما ينفعها من الخير وحذرها عن الشر الذي يوقعها في عذاب الجحيم صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم في نهجهم القويم، وسلم تسليماً.(/1)
أما بعد أيها الناس: اتقوا الله تعالى، واعرفوا ما أوجبه الله عليكم من أحكام دينكم، فإنه لا قوام للآخرة، بل ولا للدنيا، إلا بالتمسك بدين الله، والاقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد أوجب الله عليكم الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر إذا أردتم القيام للصلاة، من أراد منكم أن يصلي، فليتوضأ على الوجه المشروع، وصفة ذلك أن ينوي الوضوء، ثم يقول: بسم الله، ثم يغسل كفيه ثلاث مرات، ثم يتمضمض، ويستنشق ثلاث مرات، ثم يغسل وجهه كله ثلاثاً من الأذن إلى الأذن عرضاً، ومن منابت شعر الرأس إلى أسفل اللحية طولاً، لا يجوز أن يفرط بشيء من ذلك، ثم يغسل يديه إلى المرفقين ثلاثاً، ويجب أن يلاحظ المتوضيء كفيه عند غسل ذراعيه، فيغسلهما مع الذراعين، فإن بعض الناس يغفل عن ذلك، ولا يغسل إلا ذراعيه، وهو خطأ، ثم يمسح رأسه كله بيديه من مقدمه إلى قفاه، ويمسح أذنيه، فيدخل سباحتيه في صماخيهما، ويمسح بإبهاميه ظاهرهما، ثم يغسل رجليه مع الكعبين ثلاث مرات، ومن نسي منكم أن يسمي حتى فرغ، فوضوؤه صحيح، وإن ذكر في أثنائه سمى، واستمر على وضوئه، ومن كان منكم في يده، أو غيرها من أعضاء الوضوء جرح يضره الغسل، فلا يغسله، فإن وضع عليه دواء، أو خرقة، فيجب أن يكون ذلك بقدر الحاجة، وأما ما يفعله بعض الناس من أنه إذا كان جرح في رأس إصبعه، فإنه يشد خرقة على إصبعه كله من غير حاجة، فهذا لا يجوز بل عليه أن يكون بقدر حاجته، ثم بعد ذلك يمسح عليه عند الوضوء، ولا يحتاج إلى التيمم بعد ذلك، ومن توضأ منكم، فإنه ينتقض وضوؤه بالحدث من ريح، أو بول، أو غائط، وبأكل لحم الإبل كله حتى الشحم، والكبد، والكلى، والأمعاء، وغير ذلك سواء أكله نياً أو مطبوخاً، وكذلك ينقض الوضوء النوم الكثير، فأما النعاس، أو النوم القليل الذي يغلب على ظنه أنه لم يحدث فيه، فإنه لا ينقض، ومن تطهر، ثم شك هل أحدث، أو لا فليبن على اليقين، ولا يجب عليه أن يتوضأ؛ لأن الأصل(/2)
بقاء طهارته. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.. الخ.(/3)
العنوان: لئلا تخاف!
رقم المقالة: 570
صاحب المقالة: يمنى سلام
-----------------------------------------
لكل منا مخاوف تؤرقه، كلنا نخاف على أنفسنا ومن أنفسنا، نخاف على أنفسنا من الموت، المرض، الفقر، الحسد، الجن، السحر. ونخاف من أنفسنا أن تردينا - والعياذ بالله- في النار، ألا نثبت عند الفتن، أن نشرك مع الله شيئاً، كلنا نخاف لا شك.
لكني أعرف إنساناً لا يخاف، يصحو وينام قرير العين، مطمئناً على نفسه وأهله وماله، إنسان فقير لديه الحل لكل هذه المخاوف، حل يسير جداً لكنه فعال جداً جداً.
إنها بضعة كلمات يتلفَّظ بها عند شروق الشمس وعند غروبها، كلمات يقولها بتدبر ويقين، ثم ينطلق في حياته، يأخذ بالأسباب كي يحافظ على نفسه وصحته، يسعى لرزقه، يرعى أولاده، يرضي ربه و يَبعُد عما يغضبه، يفعل ذلك وقلبه مطمئن لأنه قالها.
إنها أذكار الصباح والمساء؛ فهو يعلم أنه إذا قالها بيقين، فإن الله عند ظن عبده به, وحبيبه – صلى الله عليه وسلم - لم يدع أي خوف يمكن أن يؤرقه إلا وعلَّمه أن يستعيذ بالله منه في الأذكار.
لقد كانت لديه مخاوف كثيرة في السابق، كانت هذه المخاوف تشل حركته بدلاً من أن تكون طاقة للحركة والسعي، كان يخاف السحر والحسد، لكنه قرأ حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي رواه الترمذي وقال عنه حسن صحيح: ((قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات؛ تكفيك من كل شيء)).
وأخرج ابن السني عن أنس - رضي الله عنه - عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((من قال حين يصبح: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، أُجير من الشيطان حتى يمسي)).
وقد قال - صلى الله عليه وسلم –: ((من قال: باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، لم يضرَّه شيء)).(/1)
ولأنه يحب أهله وأولاده؛ فهو يخاف عليهم كثيراً، لكنه عندما علم أن الله إذا استُودع شيئاً حفظه، أصبح يستودعهم الله كل يوم ويطمئن أنهم في حفظ الله.
وأحياناً كانت تصيبه الهموم والديون، ولكنه أخذ بنصيحة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي أوصى بها أبا أُمامة عندما اشتكى له همومه وديونه: ((قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال))، وقد فعلها أبو أُمامة فأذهب الله همه وقضى عنه دينه. أخرجه أبو داود.
وقد صار يداوم على دعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم عافني في بدني، اللهم عافني في سمعي, اللهم عافني في بصري, اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر، اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، لا إله إلا أنت.)) ثلاثاً. فلم يعد يقلق على صحته كما كان يفعل سابقاً.
وكان كلما زادت نعم الله عليه، ازداد قلقه عليها، وخوفه من ضياعها؛ إلى أن اطمأن قلبه باتباع حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من قال: اللهم إني أصبحت منك في نعمة، وعافية، وستر؛ فأتم عليَّ نعمتك وعافيتك وسترك في الدنيا والآخرة - ثلاث مرات إذا أصبح، وإذا أمسى - كان حقاً على الله - عز وجل - أن يتم عليه نعمته))؛ رواه ابن السني.
ثم إنه كان يخاف من نفسه أن يشرك مع الله شيئاً؛ فيجد عمله - والعياذ بالله - يوم القيامة هباءً منثوراً؛ فأصبح يجتهد في إصلاح نيته، ويقول الدعاء الذي علمه - صلى الله عليه وسلم – للصحابة؛ فعن أبي موسى الأشعري قال: ((خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم، فقال: يا أيها الناس، اتقوا هذا الشرك؛ فإنه أخفى من دبيب النمل؛ فقال من شاء الله أن يقول: وكيف نتَّقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله؟ قال: قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من أن نُشرك بك شيئاً نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه))، رواه أحمد.(/2)
وكان الخوف من الموت من أكثر المخاوف التي تنغِّص عليه حياته؛ فلم يكن يخاف من الموت نفسِهِ، ولكن من أن يكون مردُّه - والعياذ بالله - إلى النار، ولكن هدأ عندما قرأ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنَّ مَنْ قال سيد الاستغفار، موقناً بها، حين يمسي، فمات من ليلته، دخل الجنة. ومن قالها حين يصبح، موقناً بها، فمات مِنْ يومه، دخل الجنة.
ففي الترمذي - بسند جوَّده النوويُّ - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: ((من قال حين يمسي، وحين يصبح: اللهم إني أصبحت أشهدك، وأشهد حملة عرشك، وملائكتك، وجميع خلقك: أنك أنت الله لا إله إلا أنت، وأن محمداً عبدك ورسولك -: أعتق الله ربعه من النار، ومن قالها مرتين، أعتق الله نصفه من النار، ومن قالها ثلاثاً، أعتق الله ثلاثة أرباعه من النار، ومن قالها أربعاً، أعتقه الله من النار)).
كلها هموم؛ هموم الدنيا والآخرة؛ وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((من قال في كل يوم حين يصبح، وحين يمسي: حسبي الله لا إله إلا هو، عليه توكَّلت، وهو رب العرش العظيم؛ سبع مرات، كفاه الله - عز وجل - ما أهمَّه من أمر الدنيا والآخرة)).
إذاً لماذا هذه الابتلاءات؟
الإجابة يسيرة جداً؛ إن من يحافظ على هذه الأذكار هو مَنْ أراد الله - تعالى - له العافية في الدنيا والآخرة، ومن ينسى ويَكْسَل، فإنا نسأل الله له الرحمة؛ فلن يتشرف لسانٌ بذكر الله - تعالى - إلا إذا أذن الله له أن ينال هذا الشرف.(/3)
وإذا كان صحابة رسول الله - رضوان الله عليهم - كانوا لا يحملون همَّ الإجابة، وإنما يحملون همَّ الدعاء؛ ذلك لأنهم عرفوا أن من أُلهِمَ الدعاء بيقين في الإجابة، فقد أُلهِم الإجابة؛ فإن الله عند ظن عبده به، وأفضل مثال على ذلك ما قاله النووي: "جاء رجل لأبى الدرداء فقال: يا أبا الدرداء قد احترق بيتك, فقال: ما احترق، لم يكن الله ليفعل ذلك لكلمات سمعتهن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قالها أول النهار لم تصبه مصيبة حتى يمسي، ومن قالها آخر النهار لم تصبه مصيبة حتى يصبح: ((اللهم أنت ربى لا إله إلا أنت، عليك توكلت وأنت رب العرش العظيم، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، أعلم أن الله على كل شيء قدير، وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً، اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، إن ربي على صراط مستقيم))، وبالفعل احترقت البيوت وبيته لم يحترق".
وقد ذكر عبد الله السدحان في كتابه "كيف تعالج مريضك بالرقية الشرعية"، أن علينا ألا ندهش إذا رأينا إنساناً أصابه ضرر على الرغم من ذكره للدعاء؛ فقد قال: "نعم يُصاب الإنسان المتحصن إذا انفعل انفعالاً شديداً، وأشدها الغضب، وهو من الشيطان؛ فهو يضعف التحصين؛ فيكون منفذاً للشياطين، ولا أدل على ذلك من حادثة أبان بن عثمان؛ فإنه لما حدث بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من قال: باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم،لم يضرَّه شيء))، جعل المتحدث ينظر إليه، وقد أصابه الفالج (الشلل) فقال له: مالك تنظر إليَّ؟ والله ما كذبت على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكني غضبت. فهذا العالم الجليل أصيب وهو يحدث بهذا الحديث فمن دونه أولى بالإصابة، فمن انفعل فلابد من إعادة التحصين من جديد.
إذاً فالأذكار - مع اليقين والأخذ بالأسباب - هي الحصن الحصين.
نسأل الله ألا تحرمنا ذنوبُنا من أن نتشرف بذكره وشكره ودعائه.(/4)
اللهم اجعل نطقنا ذكراً، و صمتنا فكراً، ونظرنا عِبَراً.
والحمد لله ربِّ العالمين.(/5)
العنوان: لا تقولوا إنه معاق (نظرة المجتمع إلى المعاق)
رقم المقالة: 1681
صاحب المقالة: خاص: الألوكة
-----------------------------------------
لا تقولوا إنه معاق
لا تقل "إني معاقْ"
مُدَّ لي كفَّ الأخوّةْ
ستراني في السباقْ
أعبرُ الشوطَ بقوة
ما العمى أن تفقدَ العينُ الضياءْ
العمى أن تفقدَ النفسُ الأملْ
والذي يسمعُ أصوات الرجاءْ
لا يبالي إن عرَى السمعَ كللْ
رُبَّ طفلٍ مُقعَدٍ ليس يسيرْ
ذِكرهُ يسبحُ مابينَ الغيومْ
و أمانيْهِ إلى الشمس تطيرْ
ومراميهِ تناجيها النجومْ
المعاقون، أو ذوو الاحتياجات الخاصة: هم أشخاص يعانون من قصور في العقل أو الجسم أو النفس، ولا يستطيعون ممارسة بعض أعمالهم واكتساب طاقاتهم بشكل فعّال.
والمشكلة التي نحن بصدد الحديث عنها تكمن في "نظرة المجتمع إلى المعاق"..
فنجد الكثيرين ممن لا يراعون أبناءهم وإخوتهم من ذوي الاحتياجات الخاصة.. ولا تتعدى نظرتُهم الشفقةَ والعطف و التذمّرَ ولفتَ أنظارهم إلى قصورهم بسبب الإعاقة، متناسين أن الإعاقة قدَرٌ من الله وأن عليهم أن يرضَوه ولا يعترضوا عليه، ومتجاهلين أنهم معرَّضون للإعاقة في أي وقت..! وأنهم أناس مثلهم ولكنهم يفتقدون (حاسّةً ما).. فقط، وبدون تحفيزٍ لهم أو احترام أو توجيه أو تحبّب.. لتكون نظرة قاصرة محتاجة إلى توعية خاصة بحقوق المعاقين التي من أهمها العلاج والتعليم والنظر في حاجاتهم وقدراتهم الكامنة التي قد لا يملكها الإنسان الصحيح..
وفي تاريخنا الإسلامي، وعلى مر العصور السابقة.. حتى نصل إلى يومنا هذا؛ رأينا الكثير من المعاقين ممكن قدموا خدمات جليلة لمجتمعاتهم وللعالم أجمع..(/1)
وقد ضرب لنا الصحابي عمرو بن الجموح -رضي الله عنه- مثلاً إيمانيًّا رائعاً في ذلك، حين قال جاء رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يوم غزوة بدر يشكو أبناءه ويقول: (إن بَنيَّ يريدون أن يحبسوني عن الخروجِ معك إلى الجهاد، ووالله إني لأرجو أن أخطر بعرجتي هذه الجنة).. فما أجلّه من مثَل!
وقبل أن نتأمل ونتعلم من القصيدة التالية، نتذكر معاً القول المشهور: "ليس المعاقُ معاقَ الجسد؛ إنما المعاقُ معاقُ الفكر والخلُق"..
• • • • •
الحَقُّ أَنْ يَرْعاهُ أغلَى حُبِّنا
شِعْرُ: مُحَمَّد سَعْد دِيَاب
لا .. لا تَقُولُوا إِنَّهُ لَمُعَاقُ كَلاَّ وَلا هُوَ وَالْقُنُوطُ رِفَاقُ
فَهُوَ الإِرَدَاةُ كَمْ تُزَلْزِلُ رِيحُهَا صَخْرَ الطَّرِيقِ، أُوَارُهَا دَفَّاقُ
تَتَكَسَّرُ الأَهْوَالُ تَحْتَ صُمُودِهِ وَلِرَعْدِ عَزْمَتِهِ الوَلُودِ مَذَاقُ
يَرْنُو إِلَى هَامِ الذُّرَا.. فِي رُوحِهِ سَكَبَ الجَسَارَةَ بَيْرَقٌ خَفَّاقُ
وَيَصُوغُ مِن مَأْسَاتِهِ أُهْزُوجَهً تَهْوَى العُلا هِيَ بَارِقٌ خَلاَّقُ
وَنَظُنُّ أَنَّ إِعَاقَةً حَاقَتْ بِهِ سَتُمِيتُهُ وَعْدًا.. وَلاتَ لِحَاقُ
يَا بَئْسَنَا الرَّاؤُونَ مِحْنَةَ عُمْرِهِ هِيَ هَكَذَا يُضْنِي يَدَيهْ وَثَاقُ
هُوَ شَامِخٌ لا يَرْتَضِي مِن مُشْفِقٍ عَطْفًا، لَكَمْ يُؤْذِيهِ ذَا الإِشْفَاقُ
هُوَ طَاقَةُ الإِصْرَارِ لا شَطٌّ لَهَا هُوَ جَذْوَةٌ فَاضَتْ بِهَا الأَحْدَاقُ
يَسْتَبْدِلُ الْيَأْسَ الْمَرِيرَ تَفَاؤُلاً سَمْحًا، وَمِلءُ أَكُفِّهِ الإِشْرَاقُ
كَمْ نَابِغٍ حَفِلَ الرُّوَاةُ بِذِكْرِهِ وَهُوَ الْمُعَاقُ.. فَإِذْ بِهِ الْعِمْلاقُ
حَفَرَ اسْمَهُ حَفْرًا، فَضَاءَ بِرَسْمِهِ تَارِيخُ دُنْيَا، هَامَتِ الآفَاقُ
كَمْ مِنْ مُعَاقٍ كَانَ وَاحِدَ عَصْرِهِ زَانَ الشُّمُوسَ بَهَاؤُهُ الرَّقْرَاقُ(/2)
مِنْهُمْ أَتَى الْعُلَمَاءُ، مِنْهُمْ قَادَةٌ، مِنْهُمْ ثِقَاتٌ بَحْرُهُمْ صَفَّاقُ
تَاهَ الْوُجُودُ بِهِمْ وَسَطَّرَ نُورَهُمْ زَهْوًا، فَهُمْ رَيْحَانُهُ الْعَبَّاقُ
أَنَّى الْتَفَتْنَا فَالشَّوَاهِدُ ثَرَّةٌ لِفَيَالِقٍ إِنْجَازُهُا سَبَّاقُ
وَشَمُوا جَبِينَ الْبَدْرِ فَجْرًا صَادِحًا، غَرَسُوا السَّنَا.. فَإِذَا الدُّنَا إِبْرَاقُ
هُوَ هَذِهِ الأَمْجَادُ.. هَلْ مِنْ عَاهَةٍ قَدْ كَبَّلَتْهُ خُطًى فَقِيلَ مُعَاقُ؟!
الْحَقُّ أَنْ يَرْعَاهُ أَغْلَى حُبِّنَا .. أَنَّى مَشَى حَفَّتْ بِهِ الأَشْوَاقُ*
ــــــــــــــــــــــــــــــ
* مجلة الفيصل - عدد (223). المحرّم/ 1416هـ.(/3)
العنوان: لا يسخر قوم من قوم
رقم المقالة: 568
صاحب المقالة: الشيخ إبراهيم الحقيل
-----------------------------------------
الحمدلله؛ خلق الخلق فهداهم، وكلف البشر واصطفاهم، له الحكم فيما خلق، وله الحكمة فيما قضى وأوجب {قُلْ فَللهِ الحُجَّةُ البَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} {الأنعام:149} نحمده حمد الشاكرين، ونستغفره استغفار المذنبين، ونسأله من فضله العظيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ كرم الإنسان بالعقل، وهداه إلى الحق، {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:8-10] وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ بعثه الله تعالى ليتمم مكارم الأخلاق، ويدل على محاسن الأقوال والأفعال، فكان أكمل الناس خلقا، وأحسنهم قولا وفعلا {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم فقالت للسائل: (ألست تقرأ القرآن؟ قال: بلى، قالت: فإن خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن) صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واتبعوا ما أنزل من النور والهدى {يَا بَنِي آَدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الأعراف:36].(/1)
أيها الناس: خلق الله تعالى البشر، وفاضل بينهم، وجعل بعضهم في خدمة بعض؛ ابتلاء وتسخيرا {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ} [الأنعام:165] وفي الآية الأخرى {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} [الزُّخرف:32].
وهذه الرفعة في أمور الدنيا لا تستلزم الرفعة عند الله تعالى، بل يتفاضل الناس عند ربهم بالإيمان والعمل الصالح {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] ولهذا كان واجبا عليهم أن يتخلقوا فيما بينهم بالأخلاق الحسنة، فلا يسخر قويهم من ضعيفهم، ولا يهزأ سيدهم بمسودهم، ولا يحقر غنيهم فقيرهم.
وقد نهاهم الله تعالى عن التخلق بأخلاق الجاهلين فيما بينهم من السخرية واللمز والتنابز {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات:11].(/2)
إن السخرية بالناس خلق ذميم اتصف به من أبغضهم الله تعالى ومقتهم من الكفار والمنافقين، وقد ذكر الله تعالى سخريتهم بالمؤمنين، واستهزاءهم بهم، ولمزهم لهم، والحط منهم: فالكفار من قوم نوح عليه السلام كانوا يسخرون منه وممن اتبعه من المؤمنين {وَيَصْنَعُ الفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ} [هود:38] وهكذا كان دأب الكافرين في كل الأمم يسخرون من رسلهم كما اخبر الله تعالى عنهم {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الزُّخرف:7] وفي الآية الأخرى {يَا حَسْرَةً عَلَى العِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [يس:30].
وأما سخريتهم بالمؤمنين فجاء خبرها في قول الله تعالى {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا} [البقرة:212] وفي الآية الأخرى {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} [المطَّففين:29-30].
ويقولون ساخرين بالمؤمنين، محقرين لشأنهم، مصغرين أمرهم {أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا} [الأنعام:53].(/3)
وأما المنافقون فهم أكثر الناس سخرية بالرسل وأتباعهم، وبما جاءت به الرسل عليهم السلام من الحق والهدى {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [البقرة:14] وفي الآية الأخرى {يَحْذَرُ المُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ} [التوبة:64] وفي مقام آخر قال الله تعالى عنهم {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ المُطَّوِّعِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة:79].
وسيجد الكفار والمنافقون يوم القيامة عاقبة سخريتهم بالرسل وأتباعهم، وبما جاءت به الرسل عليهم السلام، وحينها يعرفون أن من كانوا يسخرون منهم كانوا هم أهل الحق والهدى، وأنهم هم أهل الباطل والضلال، وذلك حين يقال لهم {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ اليَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الفَائِزُونَ} [المؤمنون:109-111].
ويعجبون يوم القيامة حين لا يرون من كانوا يسخرون منهم في الدنيا معهم في النار، وقد كانوا يظنون أنهم على ضلال {وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الأَشْرَارِ * أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَارُ} [ص:62-63].(/4)
ويكون الضحك في الآخرة للمؤمنين حين يدخلون الجنة فيرون ما هم فيه من النعيم العظيم المقيم، ويرون من كانوا يسخرون منهم في الدنيا من الكفار والمنافقين في العذاب الأليم المهين {فَاليَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المطَّففين:34-36] نعم والله قد ثُوِّبوا وجوزوا بأعظم العذاب، وأشد النكال على كفرهم ونفاقهم، وعلى سخريتهم بالمؤمنين في الحياة الدنيا، نعوذ بالله تعالى من حالهم ومآلهم.
وإذا كانت السخرية من أخلاق الكفار والمنافقين فلا يليق بمسلم أن يتخلق بأخلاقهم، فيسخر من إخوانه المسلمين، أو يلمزهم، أو ينابزهم بألقاب فيها تحقير لهم، وحط من شأنهم وقد نهاه الله تعالى عن ذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره) رواه مسلم.
والسخرية من الناس تنم عن كبر في قلب صاحبها، وتعالٍ على من سخر بهم، فلا يرى لهم عليه حق التوقير والاحترام، ويأنف من أُخُوتهم وهم إخوانه في الدين، والكبر من كبائر الذنوب، وجاء في صحيح مسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر) ثم فسر عليه الصلاة والسلام الكبر بأنه (بطر الحق وغمط الناس) وغمط الناس هو احتقارهم وازدراؤهم؛ وذلك يحصل من النظر إلى النفس بعين الكمال وإلى غيره بعين النقص.
وقد يكون الدافع إلى سخرية المرء بأخيه المسلم: حسده له على نعمة لم يبلغها، ويرى أن أخاه لا يستحقها، فيبلغ به حسده، وظلمة قلبه عليه أن يسخر من أخيه ويحتقره ويتنقصه؛ ليحط من قدره، وينزله من مكانته، ويعلي من شأن نفسه، ويلفت الأنظار إليه، ولسان حاله يقول: أنا أحق به من نعمته.(/5)
والسخرية تقود إلى الغيبة وهي من كبائر الذنوب، فقد لا يستطيع السخرية بحضرة أخيه، فيسخر به من ورائه؛ فتكون سخرية وغيبة، ويكون هو بمثابة من أكل لحم أخيه ميتا.
وصاحب السخرية لا بد أن يكون همازا لمازا، واللمز هو المباشرة بالسوء والمكروه، والمواجهة بالقدح والعيب، ويكون بالقول. والهمز يكون بالفعل كأن يعيبه بالإشارة بالعين أو بالشدق أو بالرأس بحضرته أو عند توليه.
وهذان الخلقان الذميمان اتصف بهما بعض المشركين مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، فكانوا يهمزونهم ويلمزونهم، فأنزل الله تعالى فيهم سورة الهمزة {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة:1] وتوعدهم فيها بنار الله الموقدة {الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} [الهمزة:7-9].
فالهماز اللماز في الناس متصف بصفات المشركين، متخلق بأخلاق أهل السعير، ويناله من الوعيد في ذلك بقدر همزه ولمزه في إخوانه المسلمين. كما أن الهماز قد أخذ من الشياطين بعض صفاتهم التي أمر الله تعالى نبيه أن يتعوذ بالله تعالى منها {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} [المؤمنون:98].فالهماز من الشياطين يطعن بني آدم بالصرع والمس، والهماز من البشر يطعن أخاه بالعيب والنقص.
والهماز قد يسعى بالنميمة وهي من كبائر الذنوب، وقد حذر الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام منه {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [القلم:10-11].(/6)
وإذا فشت السخرية في الناس تنابزوا بالألقاب، وعيَّر بعضهم بعضا، فتنافرت قلوبهم، وانحلت روابطهم، فتعادوا وتهاجروا، وتدابروا وتباغضوا، ولم يكونوا عباد الله إخوانا؛ ولذا نهاهم الله تعالى عن التنابز بالألقاب، والتنادي بالعيوب والمعاير{وَلَا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ} [الحجرات:11] قال أبو جبيرة بن الضحاك رضي الله عنه: (فينا نزلت هذه الآية في بني سلمة {وَلَا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ} [الحجرات:11] قال: قدم علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس منا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يا فلان، فيقولون: مه يا رسول الله، إنه يغضب من هذا الاسم فأنزلت هذه الآية ) رواه أبو داود.
ولما عير أبو ذر رضي الله عنه رجلا بأمه غضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال له (يا أبا ذر أعيرته بأمه إنك امرؤ فيك جاهلية) رواه البخاري.
ولما عابت عائشة صفية رضي الله عنهما غضب النبي صلى الله عليه وسلم عليها، وبين لها عظيم ما فعلت؛ كما روت عائشة رضي الله عنها فقالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: (حسبك من صفية كذا وكذا -تعني قصيرة- فقال: لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته، قالت عائشة رضي الله عنها: وحكيتُ له إنسانا فقال: ما أحب أني حكيتُ إنسانا وأن لي كذا وكذا) رواه أبو داود.
والسخرية سبب للعداوة والخصومات، وقد ينتج عنها سباب واعتداء بالقول والفعل والمقاتلة؛ لأن الساخر قد يتمادى في سخريته، فلا يحتمل أخوه منه سخريته، فينتصر لنفسه بالقول أو بالفعل. وكم من خصومات ومشاجرات أضرت بأصحابها ولربما كان فيها قاتل ومقتول كانت شرارتها الأولى استهزاء أحد الخصمين بالآخر، نفخ الشيطان في نارها حتى آلت بأصحابها إلى المقاتلة!!(/7)
وبهذا يتبين لكل عاقل أن السخرية بالناس باب من الشر عظيم، يفتح أبواب الهمز واللمز والغيبة والنميمة، ويملأ القلوب ضغائن وأحقادا وعداوات، ويكفي رادعا عن السخرية بالآخرين أنها من صفات أهل النار من الكفار والمنافقين، فحري بكل مسلم أن يحفظ لسانه، ويتوقى في أقواله وأفعاله، ويحذر سبيل الهمازين اللمازين الذين يسخرون من عباد الله المؤمنين؛ لينجو مع الناجين، ولا يهلك مع الهالكين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ الله كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ الله وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِيرُ} [آل عمران:162].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية
الحمدلله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، ولا أمن إلا للمؤمنين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله النبي الأمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- وراقبوه، والزموا طاعته ولا تعصوه {وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ}.
أيها الناس: كان سلفنا الصالح رحمة الله تعالى عليهم يتوقون عيب غيرهم وقدحهم، والسخرية بهم، والحط منهم؛ حفاظا على الأخوة، وتأليفا للقلوب، وخوفا من الإثم، وحذرا من الوقوع في عيوب أهل العيوب، وكان ابن مسعود رضي الله عنه من أشد الناس في ذلك حتى نقل عنه قوله (لو سخرت من كلب لخشيت أن أكون كلبا) وكان رضي الله عنه يقول: (البلاء موكل بالقول) رواهما ابن أبي شيبة.
وجاء عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه قال: (لو رأيت رجلا يرضع شاة في الطريق فسخرت منه خفت أن لا أموت حتى أرضعها) رواه ابن أبي شيبة.(/8)
وكان إبراهيم النخعي رحمه الله تعالى يقول: (إني لأرى الشيء أكرهه فما يمنعني أن أتكلم فيه إلا مخافة أن أبتلى بمثله).
وقال يحيى بن جابر رحمه الله تعالى: (ما عاب رجل رجلا قط بعيب إلا ابتلاه الله بمثل ذلك العيب) وهذا واقع مشاهد، وقد يجده الإنسان في نفسه، فيسخر من شخص في صفة اتصف بها، أو فعلة فعلها، ثم إذا هو يفعل مثل فعلته، ويتخلق بصفته التي عابها منه، أو ضحك بسببها عليه، ويكون ذلك عاجلا أو آجلا، فإن لم تصبه أصابت ولده حتى يراها فيه، وهذا جزاء من جنس العمل، ولا يظلم ربك أحدا.
إن السخرية بالناس في هذا الزمن الذي كثر فيه الانحراف قد أضحت فنا من الفنون يُسوَّق له في وسائل الإعلام فيما يسمى بفن الفكاهة أو الكوميديا، يتقمص فيه الممثلون شخصيات من يريدون السخرية بهم في هيئاتهم أو طريقة كلامهم أو أفعالهم ليضحكوا الناس في كراسي المسارح أو من وراء الشاشات عليهم.وقد يتعدى ذلك إلى السخرية بالدين وأحكامه وأهله؛ لصد الناس عنه، وتنفيرهم منه، نعوذ بالله تعالى من الضلال.
ولا تسلم الصحف والمجلات من وباء السخرية بالناس فيما يسمى بالكاركتير والمقالات الساخرة التي لا تخلو من غمز أشخاص ولمزهم وإضحاك الناس عليهم، ويزعم أصحاب هذه التوجهات الساخرة أنهم يفعلون ذلك من باب النقد الهادف، ومحاولة الإصلاح، ولا يدري العقلاء كيف يكون الإصلاح في السخرية بالناس؟!
وثمة أشخاص متخصصون في صنع النوادر والنكت على أقوام بالبخل أو قلة المروءة، وعلى آخرين بالجشع والطمع، وعلى غيرهم بالغباء والغفلة، وهكذا دواليك... لا يتركون قبيلا من الناس، أو بلدا من البلدان إلا أبرزوا بعض عيوب أفراده وعمموها على جميعهم في طرائف ونكت يبثونها على العالمين. وهذا النوع من السخرية لا تكاد أرض تخلو منه، فأهل كل بقعة يخترعون النوادر على جيرانهم، ساخرين بهم، مقللين من شأنهم.(/9)
وقد يسخر بعض الناس بخدمهم وعمالهم، وقد يسخر المدرس ببعض طلابه، والمدير ببعض موظفيه، وقد تسخر الرعايا براعيها، والرؤساء بشعوبها، وقد يسخر أفراد المجتمع بعضهم ببعض، وتكون سخريتهم لهم بتقليد أصواتهم، أو محاكاة ما يضحك من أفعالهم، أو إظهار معايبهم، أو تعييرهم بقول أو فعل أو همز أو لمز أو إشارة أو إيماء أو غير ذلك، أو يسخرون بغيرهم في لسانهم أو جنسهم أو لونهم أو قبائلهم أو حِرَفهم أو عاداتهم أو صفاتهم حتى تغلب السخرية على كثير من الناس فتكون ديدنهم، ولا ينكرها عليهم غيرهم!!
وقد تُخص السخرية بمجالس وبرامج يتمتع فيها روادها ومشاهدوها بالهزء بعباد الله تعالى، والسخرية بهم، والضحك عليهم كما هو الحال في عصرنا هذا!! ومن هنا نفهم جواب النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أكثر ما يدخل الناس النار؟! فقال: (الفم والفرج). وفي حديث معاذ رضي الله عنه قال له النبي عليه الصلاة والسلام: (وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم) رواهما الترمذي وصححهما.
فرحم الله عبدا حفظ لسانه عن الهمز واللمز والسخرية بالناس، واشتغل بعيوب نفسه عن عيوب غيره (والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) ولله در يحيى بن معاذ رحمه الله تعالى حين قال: (من سلم منه الخلق رضي عنه الرب).
وصلوا وسلموا على نبيكم....(/10)
العنوان: لأَنكَ مُسْلِمٌ "نصّ تفعيلة"
رقم المقالة: 1657
صاحب المقالة: محمود مفلح
-----------------------------------------
إن من سنن الله تعالى، ومن الأدلة على محبته لعبده: ابتلاؤه لهُ في نفسه وماله وأهله..
وقد يكون هذا الابتلاء بالشر أو بالخير، بسلب نعمه أو إغداق نعمه، كما في قوله تعالى: {وَنبلُوْكُمْ بالشرِّ والخَيرِ فِتنةً}.
وجاء في الحديث: "أشدّ الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلى الرجل على حسب دينه".
والداعية المسلم هو أشدّ الناس تعرضاً لهذا الابتلاء.. وبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين؛ كما قال الإمام ابن تيمية.
الأديب الإسلامي الملتزم، الأستاذ/ محمود مفلح (ولد على ضفاف بحيرة طبريّا عام 1943) له تأثير مهم وكبير في خارطة الشعر الإسلامي الحديث، ومن مجموعاته الشعرية: مذكرات شهيد فلسطيني، وحكايات الشال الفلسطيني، وشموخا أيتها المآذن، والمرايا، والراية وإنها الصحوة.. إنها الصحوة، ولأنك مسلم، ونقوش إسلامية على الحجر الفلسطيني.
ومن أجمل ما أمتعَنا به هذا الشاعر الهرَم، قصيدةٌ عن الابتلاء الذي يتعرض له المسلم والداعية، بعنوان "لأنك مسلمٌ"..
نقرأ منها:
لأَنَّكَ مُسْلِمٌ سَتَرى الْعَذَابَا وَسَوْفَ تُوَاجِهُ الْعَجَبَ الْعُجَابَا!
سَتَحْمِلُ مِنْ هُمُومِ النَّاسِ طَوْدًا وَتَمْخُرُ مِنْ شُرُورِهِمُ عُبَابَا
لأَنَّكَّ مُسْلِمٌ سَتَمُوتُ هَمًّا وَهَمًّا وَاضْطِهَادًا وَاغْتِرَابَا!
سَتَسْأَلُ كُلَّ أَهْلِ الأَرْضِ عَدْلاً وَتُبْصِرُ - حِينَ تُبْصِرُهُ - سَرَابَا!
يَسُوءُكَ أَنْ تَرَى الطَّاغُوتَ يَعْلُو وَيَحْنِي الْمُسْلِمُونَ لَهُ الرِّقَابَا
• • • •
سَتَنْزِفُ فِي دُرُوبِكَ أَلْفَ جُرْحٍٍ وَتَمْضِي لا سُؤَالَ وَلا جَوَابَا
وَتَنْبَحُكَ الْكِلابُ بِلا حَيَاءٍ فَلا تَلْوِي الزِّمَامَ وَلا الرِّكَابَا
• • • •(/1)
تُغَرِّبُكَ السُّنُونُ وَكَمْ تَمَنَّى صَغِيرُكَ أَنْ يُعِيدَ عَلَيكَ "بَابَا"!
وَسَوْفَ تَعَضُّ مِنْ أَلَمٍ بَنَانًا وَسَوْفَ تَسَفُّ مِنْ جُوعٍ تُرَابَا
• • • •
لأَنَّكَ مُسْلِمٌ سَتَذُوقُ ضعْفًا وَتَشْرَبُ مِنْ كُؤُوسِ الْحِقْدِ صَابَا
سَتَسْألُ عَنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ حَتَّى تَظُنَّ اللَّيلَ مِنْ حَلَكٍ غُرَابَا!!
• • • •
وَسَوْفَ يُقَالُ إِنَّكَ حَنْبَلِيٌّ وَرَجْعِيٌّ، وَإِنَّ بِكَ اضْطِرَابَا!
وَإِنَّكَ لا تُلِينُ لَهُمْ جَنَابَا وَإِنَّكَ لا تُقِيمُ لَهُمْ حِسَابَا
وَغَيْرُكَ يَسْتَشِيطُ إِذَا اسْتَشَاطُوا وَيَغْضَبُ حِيْنَ يُبْصِرُهُمْ غِضَابَا
وَغَيْرُكَ لا يُجيدُ الرَّقْصَ إِلاَّ عَلَى أَوْتَارِهِمْ وَ لَهَا اسْتَجَابَا!
وَرَأْسُكَ يَا أَمِيرَ الْقَوْمِ قَاسٍ وَمِنْ قَبْلِ الْمَشِيبِ أَرَاهُ شَابَا!
• • • •
لأَنَّكَ مُسْلِمٌ سَتَظَلُّ عِبْئًا عَلَى الأَشْرَارِ تُرْهِقُهُمْ عَذَابَا
سَتَبْقَى فِي حُلُوقِهِمُ زُجَاجًا وَتسْطَعُ فِي ظَلامِهِمُ شِهَابَا
تُعَالِجُ حِقْدَهُمْ بِالْحُبِّ.. حَتَّى تَرَى الأَمْطَارَ تَنْسَكِبُ انْسِكَابَا
تُقَلِّمُ مِنْ خَبِيثِ الْقَوْلِ ظُفْرًا وَتَقْطَعُ مِنْ لَئِيمِ الْفِعْلِ نَابَا
• • • •
إِذَا زَرَعُوا الْجَفَاءَ زَرَعْتَ حُبًّا وَإِنْ غَدَرُوا بَسَطتَّ لَهُمْ جَنَابَا
تَعِيبُ عَلَيْهِمُ جُبْنًا وَجَهْلاً وَحَقُّ الْجَاهِلِيةِ أَنْ تُعَابَا
وَتَغْرِسُ فِيهِمُ الإِسْلامَ غَرْسًا.. فَقَدْ بَلَغَتْ شُرُورُهُمُ النِّصَابَا(/2)
العنوان: لتُسألُنَّ عن النَّعيم
رقم المقالة: 511
صاحب المقالة: رامي بن أحمد ذوالغنى
-----------------------------------------
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه نزلوا أضيافاً على رجل من الأنصار، وكانوا قد أخرجهم الجوعُ من بيوتهم، فجاءهم الأنصاريُّ بماء عذب وعِذْقٍ فيه بُسرٌ وتمر ورُطَب ثم ذبح شاة، فلما أكلوا ورووا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لتُسألُنَّ عن هذا النعيم يومَ القيامة، أخرجَكُم من بُيوتكم الجوعُ، ثم لم تَرجعوا حتى أصابكُم هذا النعيم).
وعند الترمذي: (هذا – والذي نفسي بيده – من النعيم الذي تُسألونَ عنه يومَ القيامة، ظلٌّ بارد، ورُطَبٌ طيِّب، وماءٌ بارد).
لذلك كان جابر بن عبدالله رضي الله عنهما إذا سُئل عن هذه الآية قال: النعيمُ مَلاذُّ المأكول والمشروب.
وعن مكحول: شبع البطون وبارد الشراب وظلال المساكن.
وعن الحسن: هو الغداء والعشاء.
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أول َما يُحاسَب به العبدُ يوم القيامة أن يقالَ له: ألم أُصحَّ لك جسمَك وأُرَوِّك من الماء البارد).
قال القاضي عياض: المراد السؤال عن القيام بحقِّ شُكره سبحانه وتعالى على نِعمه.
فإذا كان السؤال يوم القيامة عن نعيم غِذاء البدن، من شَربة الماء البارد فما فوقها، فكيف بالنعيم الذي ساقه الله إلى عباده ليكون غذاءً لأرواحهم، وقُوتاً لقلوبهم؛ وَحْياً أوحاهُ الله من فوق سبع سماوات إلى رسوله علماً نافعاً، وكتاباً محكماً، وديناً قيّماً؟!
قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِْيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقيمٍ}.(/1)
قال السعدي رحمه الله في بيان معنى الروح في الآية السابقة: (هو هذا القرآنُ الكريم سماه الله روحاً؛ لأن الروح يحيا بها الجسد، والقرآن تحيا به القلوب والأرواح، وتحيا به مصالح الدنيا والدين؛ لما فيه من الخير الكثير والعلم الغزير، وهو محض منةٍ من الله على رسوله وعباده المؤمنين من غير سببٍ منهم).
فنعمةُ الوحي -كتاباً وسنةً- من أجَلِّ النِّعم التي ينبغي على المسلم أن يجتهدَ في شكرها، قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا}، وقال: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، وقال: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا}.
قال العارفون: (شكرُ العامَّة على المطعم والمشرب والملبس وقُوْتِ الأبدان، وشكرُ الخاصَّة على التوحيد والإيمان وقُوْتِ القلوب).
ولهذا كان محمدُ بن كعب رحمه الله يؤوِّل الآيةَ فيقول: (النعيمُ ما أنعمَ الله علينا بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم)، قال عزوجل: {لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ..} الآية.
وكان من عظيم فضل الله على عباده أن جعلَ كتابه محكماً مفصلاً، عزيزاً مجيداً، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، مبَيَّناً لا غموض فيه ولا لبس، ولا اختلاف ولا تعارض، شفاءً للقلوب والأبدان، وهدىً ورحمة للإنس والجان، تكفَّل الرب بحفظه فقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، فلا تطالهُ يد التحريف، ولا يطرأُ عليه التغيير والتبديل إلى أن يرثَ الله الأرضَ ومن عليها.(/2)
ثم أتمَّ الله النعمة على عباده فجعل دينه كاملاً، لا يعتريه نقصٌ ولا يقبل زيادةً أو استدراكاً، فقال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِِسْلاَمَ دِينًا}، سهلاً سمحاً يسيراً، لا عُسر فيه ولا حَرَج، قال الحسن البصري رحمه الله: (النعيم هو تخفيف الشرائع وتيسير القرآن)، والرب جل وعلا يقول: {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ...} الآية، ويقول: {مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
* فهل أدَّى المسلمونَ شكرَ هذا النعيم الدينيِّ العظيم؟
لا والله، إلا قليلاً ممن رحم الله، فقد قابل الكثيرون نعمةَ القرآن بالهجران، فلم يتدبَّروا آياته، ولم يتخذوه منهجَ عملٍ يُحلُّون حلاله ويحرِّمون حرامه ويقفون عند حدوده، ولم يكتفوا به مَصدراً في التلقِّي...
وقابلوا نعمةَ حفظ الذِّكر بالاختلاف والافتراق، حتى كان اختلافُهم أكثرَ من اختلاف الأمم السابقة التي وَكَلَ اللهُ أمرَ حِفظ كتبها إليها...
وقابلوا نعمةَ كمال الدِّين بالابتداع والاختراع، ولسانُ حالهم يقول: الدِّين الذي مات عنه محمَّد وبلَّغَناه لا تحصل به الكفاية، ولا تُدرك به الغاية، بل لابدَّ من إضافات وزياداتٍ تواضعت عليها عقولهم واستحسنتها قلوبهم وأذواقهم...(/3)
وقابلوا نعمةَ يسر الإسلام وسماحته بالتعمُّق والتنطُّع والغلوِّ في الدين بغير حق، حتى كان ثمرةُ غلُوِّهم طرقاً جائرةً في التعبُّد والتقربِ إلى الله تعالى، تبرَّأ النبيُّ صلى الله عليه وسلم من أصحابها إذ قال: (من رغبَ عن سنَّتي فليس منِّي). ومناهجَ منحرفةً في إقامة حكم الله، محورها التكفيرُ والتدمير، وصف النبيُّ عليه الصلاة والسلام أصحابَها بقوله: (كلاب النار)...
نعوذ بالله من الخذلان، ونسأله أن يلهمنا الشُّكران، وأن يجعلَنا من القليل الذين قال عنهم: {.. وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}.
ومن هنا يظهر أن قوله سبحانه: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} قد جمع في خمس كلماتٍ أبواباً من العلم عظيمة؛ ففي هذه الآية: إثبات الربوبيَّة لله عز وجل، فالربُّ هو الذي يربِّي خلقَه بنعمه، وفيها إثباتُ إرسال الرسُل؛ لأن السؤال لا يكون إلا بعد إقامة الحجَّة، وإثبات المعاد، وإثبات الحساب والجزاء، والتنبيهُ على وجوب شُكر المنعم على نعمه وآلائه الدينيَّة والدنيويَّة.
اللهم اجعلنا من الذين يتلون كتابك حقَّ تلاوته، وارزقنا فهمَه وتدبُّره، ووفِّقنا إلى العمل به، وصلى الله على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم، والحمدلله ربِّ العالمين.(/4)
العنوان: (لتفسدن في الأرض مرتين) لمحمد علي دولة
رقم المقالة: 806
صاحب المقالة: خاص: الألوكة
-----------------------------------------
صورة غلاف الكتاب
هكذا اختار الأستاذ الفاضل محمد علي دولة قوله تعالى: {لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ} [الإسراء: 4] عنواناً لكتابه الجديد الصادر حديثاً، عن دار القلم بدمشق، هذه الدار التي أسَّسها بنفسه قبل أربعين سنةً أي في عام 1967م، وقد بلغت صفحات الكتاب 344 صفحة، أدار حديثَه فيه على الآية التي اتخذها عنواناً لكتابه، وهي شطرٌ من مضمون نبوءة سيدنا موسى صلى الله عليه وسلم، التي ذُكرت في التوراة، والتي قرأها جميعُ الأسباط، وهم متوجِّهون إلى الأرض المقدسة، بقيادته عليه السلام، فكان تحذير الله تعالى للقوم من الإفساد في الأرض التي ستُفتح عليهم، فأخبر ذلك الجيلَ والأجيالَ اللاحقة منهم أنه سيقعُ منهم عند وراثتهم للأرض المقدَّسة إفسادان عريضان، وعُلوَّان كبيران، في مرتين من الزمان، وسيبوءون بغضبٍ من الله يوجب عليهم عقابَه وانتقامه.
ففي المرَّة الأولى يسلِّط الله عليهم من يهزمُهم، ويقهرُهم، ويذلُّهم، دون أن يزيلَهم من بلادهم، ويستأصل شأفتهم.
وفي المرة الثانية يسلِّط الله عليهم من يدمِّر مملكتهم، ثم يطردُهم من فلسطين كلِّها، ويشرِّدُهم في الأرض، ويمزِّقهم فيها.
وتحدثت تلك النبوءة أيضاً عن مستقبل بني إسرائيل ومصيرهم، بعد أن يُطردوا من فلسطين، فأخبرت أنهم إن حاولوا الرجوعَ في الزمان القابل إلى هذه الأرض التي طُردوا منها فسوف يسلِّط الله عليهم من يُذلهم من جديد، ويُخزيهم، ويطردهم مرَّة أخرى من هذه الأرض المباركة: {وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا} [الإسراء: 8].(/1)
وفي سرده لما بيَّنته تلك النبوءة - في شطرها الأول - والتي ذكرها القرآنُ الكريم أيضاً، تكلَّم المصنف على طبائع اليهود، وما انطوَت عليه أخلاقُهم من فسق، وإفسادٍ في الأرض، وسفكٍ للدم الطاهر، وارتداد عن الدين، واستكبارٍ في الأرض بغير الحق، وما سوَّلت لهم أنفسهم الخبيثةُ بأنهم شعب الله المختار، وما نالهم من عقاب الله الأليم، في تينك المرتين، وما توعَّدهم به الله تعالى حال عودتهم.
وأرجأ الأستاذ محمد علي دولة كلامه على شطر النبوءة الثاني، والمتمثِّل في وعيد الجبار جلَّ جلالُه: {وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا} إلى كتاب آخر، سيصدرُ قريباً كما قال، ليقف القارئ من خلال هذه الكتابات على ديدن القوم، فنسأل الله أن يقرَّ أعيننا بتحقيق ما وعدَنا، وأن يجعلَ لنا في مثل هذه الكتابات الرَّصينة سلوى وبُشرى تشحذ نفوسنا المتلهِّفة لنصره العزيز.
ونختم هذا العرض الموجَز بسرد فهرس موضوعات الكتاب ليكونَ القارئ الكريم على معرفة بالموضوعات التي طرقها المؤلف في كتابه:
فهرس الموضوعات
المقدمة:
توضيح لابدَّ منه: (بنو إسرائيل هم اليهود لاحقاً).
الفصل الأول: اليهود وإفسادهم الدائم.
الفصل الثاني: نبوءة التوراة في إفساد اليهود قديماً في أرض فلسطين.
- نبوءة التوراة.
- أضواء على هذه النبوءة.
الفصل الثالث: الإفساد الأول.
- بنو إسرائيل يرثون الأرض المقدَّسة.
- بنو إسرائيل يفسدون في الأرض المقدَّسة ويُعاقبون على ذلك.
الفصل الرابع: ثم ردَدْنا لكم الكرَّة عليهم.
- رد الكرة لبني إسرائيل على أعدائهم.
- إمدادهم بالأموال والبنين والنفير الكثير.
الفصل الخامس: إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم.
الفصل السادس: الإفساد الثاني.
* المرحلة الأولى من إفسادهم الثاني.
- صور من إفسادهم وعلوهم في هذه المرحلة:
- ردتهم عن دينهم وعبادتهم للأصنام.
- سقوط المجتمع الإسرائيلي في حمأة الفسوق والفجور.(/2)
- اعتقادهم أنهم شعب الله المختار ولن يصيبهم لذلك شيء من المصائب.
- موقفهم الشائن من الأنبياء.
- نصوص مقدَّسة تصف إفساد بني إسرائيل بعد داود وسليمان عليهما السلام.
- تدمير ملك بني إسرائيل وسبي الأسباط.
- خراب أورشليم والمسجد.
* المرحلة الثانية من إفسادهم الثاني.
- لمحة تاريخية موجزة عن هذه الفترة.
- صور من إفسادهم وعلوِّهم في هذه المرحلة
1 – تحريفهم للتوراة.
2 – وصفهم الله بما لا يليق بجلاله.
3 – تلفيقهم التهم على الأنبياء الكرام.
4 – تقليدهم لليونان واتباعهم لهم في وثنيتهم القبيحة.
5 – فساد عدد من رؤساء الكهنة، وصراعهم على المنصب.
6 – الثورة التي قامت لنصرة الدين، ثم سلكت سبيل الفساد والمفسدين (الثورة المكابية).
7 – الفساد الذي اقترفته الصدوقيون والفرِّيسيُّون.
8 – طغيانهم وسفكهم للدم الغزير.
ثورة اليهود على الرومان.
- ثورتهم في أعوام 66 – 70م.
- ثورتهم في أعوام 132 – 135م.
النتائج المدمِّرة لثورة اليهود على الرومان.
1 – حرمان أمة اليهود من النبوَّة.
2 – سلب الأرض المباركة منهم.
3 – تدمير بلادهم.
4 – الطرد الكامل والشتات الكبير.
5 – ضرب الذلَّة والمسكنة عليهم، ونزول اللعنة والغضب بهم.
الفصل السابع: خلاصة وتعقيب.
- خاتمة.
- الإحالات والحواشي.
* فهرس الأعلام.
* فهرس الموضوعات.(/3)
العنوان: لتكن حياتنا.. كإكليل ورد..
رقم المقالة: 1013
صاحب المقالة: هيفاء الوتيد
-----------------------------------------
الحياةُ الزوجيةُ رِباطٌ مُقدس.. عَلاقةٌ بين رجل وامرأة.. كتب الله أن يكونَ كلٌّ منهما للآخر..! يبدأان العيشَ كعصفورين في قفص.. يغرِّدُ كل منهما للآخر.. يبنيان حياتَهما بأريج الحب.. وعبق الود.. يبادلُ كل منهما الآخرَ الاحترامَ والوفاء..!
تدورُ الأيام بسرعة.. ويُرزقان أحلى هدية من إله السموات والأرض.. طفل يتغنى البيت بضحكاته.. وترانيم بكائه..!! يملأ عليهما حياتَهما.. ويزيد شهدها شهدًا..!!
ومع فرحتهما بهذا الطفل.. ينسى كلٌّ منهما الآخرَ.. تلهى الزوجة عن زوجها دون أن تشعر.. وهو بدوره يكثر الخروج هَرَباً أو تجاهلاً بسبب هذا الوضع.. فيذبل حينَها وردُ الحب.. ويشيخ جمال الوُد..
تغرق الزوجة في الاهتمام بطفلها وفِلْذة كبدها.. وتلهى عن زوجها.. فينقلب قفصُ الحب إلى ساحة عراك.. يضيع فيها كلاهما.. لا سيما وأن السنة الأولى من الزواج يصعب فيها التفاهمُ بين الزوجين - أحياناً -.
فيا غاليتي.. قبل أن تصلي إلى هذه المرحلة.. ويتحول إكليلُ ورد حياتك إلى شعلة من نار؛ إليك بعضَ الهمسات:
- لا تدَعي اهتمامك بطفلك يُنسيك اهتمامَك بوالده؛ حتى لا تتحولَ علاقتُهما إلى نوع من الغيرة.
- نَمِّي صداقتَك وحبك لزوجك, وأعطيه فرصةً للشعور بذلك.
- لا بد أن تقتنعي أن ابنَك هو ابنه أيضاً، وله الحق في تربيته بأسلوبه الخاص.
- عند دخول زوجك إلى المنزل لا تبادريه بمشاكل الطفل, بل اختاري الوقتَ المناسب الذي يكون مستعداً فيه للحديث والمناقشة.
- مارسي بعض الألعاب بمشاركة زوجك وطفلك.. فذلك يضفي جواً من المتعة والألفة, ويزيل توتر الأب من مسؤولياته الجديدة، ويعلم أنك لم تهمليه.
- كوني نظيفة دائماً ومرتبة، ولا تنشغلي بطفلك عن نفسك.(/1)
- اسألي نفسك وأجيبي بصراحة: هل تشعرين بأن الطفل ابنكما معاً أو أنك أكثر ملكية له؟!!
- عيشي وإياه بعض الوقت بعيداً عن شخصية الأم والأب, استعيدا أيام زواجكما وذكرياته..
- استودعي طفلَك الله، وضعيه عند أهلك أو أهله.. وعيشا مع بعضكما بعض الوقت.
- وحذار حذار - مع زحمة الأيام وتصارع وتيرة الهموم - أن تجف المشاعرُ بينكما؛ فإن البيوت وإن كانت تبنى على الحب فإن دمارها يبدأ من جفاف المشاعر..
حينها تصبح العلاقة الزوجية جسداً بلا روح؟؟ وهذا بلا شك سيؤثر سلباً على تربية أبنائكما, وعلى حياتهم المستقبلية أيضاً..!!
فالحب ينتج أسراً قوية قوية لا تهدها الريحُ.. ولا تشتتها العواصف..!
فيا كل زوج وزوجة.. لا تجعلا همومَ الأبناء تنسيكما, نعم! هم أمانة في أعناقنا، ولا بد أن نربيهم أحسنَ تربية.. لكن حاولا قدرَ المستطاع أن تحافظا على مشاعر الحب بينكما, وتجديدها من حين لآخر, وإن تقدَّم بكما العمرُ.. فليس عيباً أن يعيش الإنسان حبّاً مع من وهبها له الله لتكون سكناً له ويكون سكناً لها..
حين يتم ذلك سيحصلُ أبناؤكما على أحسن تربية..
أدام الله الحب!
وشعشع الود بكل بيت جعل هدفَه بناءَ أسرة سعيدة.(/2)
العنوان: لذة الروح ومتعة الحياة.. هل من طموح؟
رقم المقالة: 659
صاحب المقالة: سحر فؤاد أحمد
-----------------------------------------
في سكون الليل وهدوئه تصفو الروح، وترق المشاعر، وتحلو المناجاة، حين يقبل العبد على مولاه؛ قال بعض العلماء: "ليس في الدنيا وقت يشبه نعيم أهل الجنة، إلا ما يجده أهل التملق في قلوبهم بالليل من حلاوة المناجاة"، والذائق لطعم المناجاة يجد الأنس والقرب في الصلاة.
ويبين أبو سليمان الداراني هذا الشعور بقوله: "أهل الليل بليلهم ألذ من أهل اللهو بلهوهم، ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا، ولو لم يعط الله - تعالى - أهل الليل في ثواب صلاتهم إلا ما يجدون من اللذة فيها، لكان الذي أعطاهم أفضل من صلاتهم".
وهذه اللذة لا يشعر بها إلا من جربها؛ ففي هذا الوقت من الليل يكون الهواء أكثر نقاءً، والجو أكثر صفاءً، والنسيم العليل يملأ الدنيا بعبيره، والسكون والهدوء يغمر الكون؛ فتشعر كأنك في عالم آخر، غير عالمنا الذي نعيش فيه، وكأن الدنيا كلها تستعد وتتزين لنزول رب العزة - سبحانه وتعالى - إلى سمائنا الدنيا، في الثلث الأخير من الليل؛ فلا تضيع على نفسك هذه اللذة، ولا تلك المتعة، وسارع إلى مناجاة الله - عز وجل - ودعائه في السَّحَر؛ لتفوز بالإجابة والغفران.
كان الفُضَيْل بنُ عياض - رضي الله عنه - يقول: "إذا غربتِ الشمس، فرحتُ بالظَّلام؛ كي ينام النّاس؛ فأخْلُو بالله، عزّ وجلّ".
وعندما سُئِل الحسنُ البصريُّ - رضي الله عنه -: "لماذا المجتهدون بالليل أجملُ النَّاس وجوهاً"؟ قال: "لأنهم خَلَوْا بالرحمن؛ فألبسهم الله من نوره".
وقيام الليل ليس هدفاً لذاته، وما يفعل الله بسهر العبد؟ لكنه وسيلة إلى ذكر الله، والتبتل إليه، والتوكل عليه، وإيجاد الفرد المسلم الأمين، والمجتمع الراشد.(/1)
ولقد حبب الله - عز وجل - إلى رسوله الخلاء في غار حراء، في فترة الإعداد لتلقى الرسالة؛ لضرورة هذا الأمر للدعاة إلى الله؛ فلابد لهم من فترات يخلون فيها مع أنفسهم، ويتزودون بما يعينهم على هذا الأمر؛ فالروح تحتاج إلى خلوة بعض الوقت، وانقطاع عن شواغل الأرض، وضجة الحياة، وهموم الناس؛ فلابد من فترة للتأمل والتدبر، والتعامل مع الكون الكبير وحقائقه.
وقيام الليل عبادة تصل القلب بالله – تعالى - وتجعله قادراً على التغلب على مغريات الحياة الفانية، وعلى مجاهدة النفس، في وقت هدأت فيه الأصوات، ونامت العيون وتقلب النّوام على الفرش.
لذا؛ كان قيام الليل من مقاييس العزيمة الصادقة، وسمات النفوس الكبيرة، وقد مدح الله عباده، وميزهم عن غيرهم بقوله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [الزمر:9].
وقيام الليل سنة مؤكَّدة، حث النبي - صلى الله عليه وسلم - على أدائها بقوله: ((عليكم بقيام الليل؛ فإنه دأب الصالحين قبلكم، ومقربة إلى ربكم، وتكفير للسيئات، ومنهاة عن الإثم، ومطردة للداء عن الجسد))؛ رواه الترمذي وأحمد.
وفي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل))، وقد حافظ - صلى الله عليه وسلم - على قيام الليل، ولم يتركه سفراً ولا حضراً، وقام - صلى الله عليه وسلم - وهو سيد ولد آدم المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر - حتى تفطّرت قدماه؛ فقيل له في ذلك؛ فقال: ((أفلا أكون عبداً شكوراً))؛ متفق عليه.
حلاوة ولذة(/2)
الذين جربوا لذة قيام الليل يُؤْثرون لقاء الله على الراحة، بل ويصل بهم الحد إلى هجر المضاجع ومجافاتها؛ لأن هناك ما هو أحب وأعظم؛ يقولُ تعالَى: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُون * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة:16]، أي: يخاصمون مواضع نومهم، ويُقْبلون على عبادة ربهم بقيام الليل.
وقد كان الصحابة في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - يحبّون قيام الليل، ويفضّلون الموت على ترك القيام؛ فقد طلب النبي - صلى الله عليه وسلم - من عبَّادِ بنِ بِشْرٍ - رضي الله عنه - أن يتولَّى حراسة المسلمين في إحدى المعارك؛ فأخذ يقوم الليل، وأثناء حراسته جاء أحد الأعداء؛ فضربه بسهم وقع في كتفه؛ فأخرج السّهم، وأكمل الصلاة؛ فضربه الرجل بسهم آخر؛ وقع في كتفِهِ؛ فأخرجَهُ وأكْمَل صلاته؛ فضُرِب بسهم ثالث؛ فأخرجه وركع وسجد وسلّم، ثم أيقظ أحد الصحابة؛ فقال له: لِمَ لَمْ توقظْنِي؟ فقال له: كنتُ في ركعتين، وكنت في قراءة لسورة مِن سور القرآن، لئن أقرؤُها أحبُّ إلَيَّ منْ خروج رُوحي.
وكان هناك غلام صالح يقوم الليل كله، وعندما سئل: مَا الَّذي يدفعكَ إلى ذلك؟ قال: إذا ذُكِرَتِ النَّارُ، اشتدَّ خوفِي، وإذا ذُكِرت الجنة، اشتدَّ شوقي، فلا أقدِر أنْ أنام.
الصحابي الجليل أنس بن مالك - رضي الله عنه - الذي كان يقَسِّمُ الليل؛ فيقوم الثلث الأول من الليل، ثم يوقظ زوجته؛ فتقوم الثلث الثاني، ثم توقظ الأمُّ ابنتَهما؛ فتقوم الثلث الأخير، وفي الليلة التالية، تقوم الأم الثلث الأول، ثم توقظ أنساً؛ ليقوم الثلث الثاني، ثمَّ يوقظ ابنته؛ لتقوم الثلث الأخير، وهكذا كان بيت أنس يحظى بشرف قيام الليل كاملاً، فيا لها من منزلة عظيمة! ويا له من شرف كبير!(/3)
وهذه جارية للحسن البصري - رضي الله عنه - عندما باعها رجعت إليه تقول: "يا مولاي، رُدَّني؛ لقد بعتَنِي إلى قوم لا يقومون الليل، ولا يصلون إلا الصلواتِ الخمس".
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يكثر من قيام الليل؛ حتى إن قيام الليل ترك أثراً واضحاً في ملامحه؛ فكثرة البكاء بين يدي الله في القيام؛ ترك خطين أسودين في وجهه، ومن أقواله: "لم يبق مِن حلاوةِ الدنيا إلا ثلاثة أشياء: قيام الليل، ولقاء الإخوان، والصلاة في جماعة". وكذلك ابن مسعود - رضي الله عنه - كان إذا هدأت العيون، يُسمع له دويٌّ كدويِّ النَّحْلِ، وهو يصلِّي.
وهذا أبو هريرة - رضي الله عنه - كان هو وامرأته وخادمه يقسمون الليل ثلاثاً، يصلي هذا، ثم يوقظ هذا. فالليل كله صلاة ومناجاة، ودموع وخشوع، وذكر وشكر، والشعار: "لا للفرش الوثيرة، والنوم اللذيذ".
ولله در الفضيل بن عياض، وهو يعرض وضعاً شعورياً إيمانياً بديعاً؛ حيث يقول: "أدركت أقواماً يستحيون من الله في سواد هذا الليل من طول الهجعة، إنما هو على الجنب؛ فإذا تحرك قال: ليس هذا لكِ، قومي خذي حظكِ من الآخرة".
ولا تنس أنهم كانوا بذلك التعب يتلذذون، وبالقيام يفرحون، وبعيون غير أعيننا إلى الليل ينظرون؛ فهو عندهم موطن تنتعش فيه الأرواح، وتبتهج وترتاح، وتتقلب بين مسرات وأفراح، وتكثر من المساءلة والإلحاح، فهي قائمة بين يدي خالقها، عاكفة على مناجاة بارئها، تتنسم من تلك النفحات، وتقتبس من أنوار تلك القربات، وما يَرِدُ عليها في تلك المقامات؛ ولذا جاءت وصاياهم وقد عملوا، وتذكيرهم وقد اعتبروا، وحثهم وقد سبقوا، فها هو الحسن ينادي بكم قائلاً: "كابِدوا الليل، ومدوا الصلاة إلى السحر، ثم اجلسوا في الدعاء والاستكانة والاستغفار".(/4)
وقال أبو محمد الجريري: "قصدتُ الجنيد؛ فوجدتُه يصلي؛ فأطال جداً، فلما فرغ قلتُ: قد كبرتَ، وَوَهَنَ عَظْمُكَ، ورق جلدكَ، وضعفتْ قوتكَ، ولو اقتصرتَ على بعض صلاتك؛ فقال: اسكت، طريق عرفنا به ربنا، لا ينبغي لنا أن نقتصر منه على بعضه، والنفس ما حملتها تتحمل، والصلاة صلة، والسجود قربة؛ ولهذا قال تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق:19]، ومن ترك طريق القرب، يوشك أن يُسلَك به طريق البعد".
ثمار وفوائد
ذَكَر القرآن صفات عباد الرحمن، ومنها قيام الليل، فهل تحب أن تكون من هؤلاء: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً} [الفرقان:63].
فقيام الليل ينقي القلب ويطهره، ويملأه بحب الطاعة، ومن يستحضر عظمة الله في تلك اللحظات، يجد أن الدنيا كلها هينة ضئيلة في عينيه؛ فأنت تترك كل الدنيا وتناجي مالكها؛ فيكون هذا دافعاً للخشوع في الصلاة، والإخلاص.
يقول ابن القيِّم: "إن الرجلين ليقاما في الصف، خلف نفس الإمام، وبين صلاتهما كما بين السَّماء والأرض. وذلك أنَّ قلب أحدهما تعدَّدتْ أمامه الصُّورُ، في حين قلب الآخر لا يبصر غير الله وطاعته، عز وجل".
وقف أبو ذر - رضي الله عنه - ذات يوم أمام الكعبة، وقال لأصحابه: "أليس إذا أراد أحدكم سفراً يستعدّ له بزاد؟ قالوا: نعم. قال: فسفر الآخرة أبعد مما تسافرون. فقالُوا: دُلَّنَا على زادِهِ. فقال: حجوا لعظائم الأمور، وصلوا ركعتين في ظلمة الليل؛ لوحشة القبور، وصومُوا يوماً شديداً حَرُّه؛ لطول يوم النّشور".(/5)
وعن أبي الدَّرداء، أنَّ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ثلاثةٌ يحبُّهمُ اللهُ، ويضحكُ إليهمْ، ويستبشرُ بِهِمْ: الذِي إذَا انكشفتْ فئةٌ، قاتلَ وراءَهَا بنفسِهِ للهِ - عز وجل - فإمَّا أنْ يُقتَلَ، وإمَّا أنْ ينصرَهُ الله - عز وجلّ – ويكفيهِ؛ فيقولُ: انظُرُوا إلَى عبدِي هذَا كيفَ صبرَ لِي بنفسِهِ، الَّذِي لهُ امرأةٌ حَسَنَةٌ وفِرَاشٌ لَيِّنٌ حَسَنٌ؛ فيقومُ مِنَ اللَّيلِ فيقولُ: يَذَرُ (يترك) شهوتَهُ ويذكُرُنِي، ولوْ شاءَ رَقَدَ (نام). والَّذِي إذَا كانَ فِي سفرٍ، وكانَ معهُ ركبٌ فسهرُوا ثُمَّ هَجَعُوا؛ فقامَ في السَّحَرِ فِي ضَرَّاءَ وسَرَّاءَ)).
قال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((أقربُ مَا يكونُ العبدُ من الرَّبِّ، في جوفِ اللَّيلِ الأخيرِ؛ فإنِ استطعتَ أنْ تكونَ مِمَّنْ يذكرُ اللهَ فِي تلكَ السَّاعةِ، فكُنْ))؛ الترمذي والنسائي.
وقد أوصى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقيام الليل؛ فقال: ((أيُّها النَّاسُ أفشُوا السَّلام، وأطعمُوا الطَّعام، وصِلُوا الأرحامَ، وصَلُّوا باللَّيلِ والنَّاسُ نِيَامٌ؛ تدخلُوا الجنةَ بسلامٍ))؛ الحاكم وابن ماجه والترمذي.
وقيام الليل يطرد الغفلة عن القلب؛ كما جاء في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من قام بعشر آيات، لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية، كتب من القانتين، ومن قام بألف آية، كتب من المقنطرين))؛ رواه أبوداود وابن حبان.
قال يحى بن معاذ: "دواء القلب خمسة أشياء: قراءة القرآن بالتفكر، وخلاء البطن، وقيام الليل، والتضرع عند السحر، ومجالسة الصالحين".
الإعجاز العلمي في قيام الليل(/6)
جاء في كتاب: "الوصفات المنزلية المجربة وأسرار الشفاء الطبيعية" لمجموعة من المؤلفين الأمريكيين، أن القيام من الفراش أثناء الليل، والحركة البسيطة داخل المنزل، والقيام ببعض التمرينات الرياضية الخفيفة، وتدليك الأطراف بالماء، والتنفس بعمق - له فوائد صحية عديدة.
والمتأمل لهذه النصائح، يجد أنها تماثل تماماً حركات الوضوء والصلاة عند قيام الليل، وقد سبق النبي - صلى الله عليه وسلم - كل هذه الأبحاث في الإشارة المعجزة إلى قيام الليل؛ فقال: ((عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله - عز وجل - ومنهاة عن الإثم، وتكفير للسيئات، ومطردة للداء من الجسد)).
وعن كيفية قيام الليل بطرد الداء من الجسد يقول الدكتور: "صلاح أحمد حسين" أستاذ الطب بجامعة أسيوط:
- "يؤدي قيام الليل إلى تقليل إفراز هرمون الكورتيزون (وهو الكورتيزون الطبيعي للجسد)، خصوصاً قبل الاستيقاظ بعدة ساعات، وهو ما يتوافق زمنياً مع وقت السحر(الثلث الأخير من الليل)؛ مما يقي من الزيادة المفاجئة في مستوي سكر الدم، الذي يمثل خطورة على مرضى السكر، ويقلل كذلك من الارتفاع المفاجئ في ضغط الدم، ويقي من السكتة المخية والأزمات القلبية في المرضى المعرضين لذلك.
- يقلل قيام الليل من مخاطر تخثر الدم في وريد العين الشبكي؛ الذي يحدث نتيجة لبطء سريان الدم في أثناء النوم، وزيادة لزوجة الدم بسبب قلة تناول السوائل، أو زيادة فقدانها، أو بسبب السمنة المفرطة وصعوبة التنفس؛ مما يعوق ارتجاع الدم الوريدي من الرأس.
- يؤدي قيام الليل إلى تحسن وليونة عند مرضى التهاب المفاصل المختلفة، سواء كانت روماتيزمية أو غيرها؛ نتيجة الحركة الخفيفة والتدليك بالماء عند الوضوء.
- قيام الليل علاج ناجح لما يعرف باسم: "مرض الإجهاد الزمني"؛ لما يوفره قيام الليل من انتظام في الحركة ما بين الجهد البسيط والمتوسط، الذي ثبتت فاعليته في علاج هذا المرض.(/7)
- يؤدي قيام الليل إلى تخلص الجسد مما يسمي بـ "الجليسيرات الثلاثية": وهي نوع من الدهون التي تتراكم في الدم، خصوصاً بعد تناول العشاء المحتوي على نسبة عالية من الدهون، التي تزيد من مخاطر الإصابة بأمراض شرايين القلب التاجية، بنسبة 32% في هؤلاء المرضى مقارنة بغيرهم.
- يقلل قيام الليل من خطر الوفيات بجميع الأسباب، خصوصاً الوفاة الناتجة عن السكتة القلبية، والدماغية، وبعض أنواع السرطان.
- يقلل قيام الليل من مخاطر الموت المفاجئ بسبب اضطراب ضربات القلب؛ لما يصاحبه من تنفس هواء نقي، خال من ملوثات النهار، وأهمها عوادم السيارات، ومسببات الحساسية.
- قيام الليل ينشط الذاكرة، وينبه وظائف المخ الذهنية المختلفة؛ لما فيه من قراءة وتدبر للقرآن، وذكر للأدعية، واسترجاع لأذكار الصباح والمساء؛ فيقي من أمراض: الزهايمر، وخرف الشيخوخة، والاكتئاب، وغيرها، وكذلك يؤدي قيام الليل إلى التخفيف من مرض طنين الأذن، الذي يحدث لأسباب غير معروفه".
حكم قيام الليل(/8)
كان قيام الليل فرضاً في أوَّل الأمر، حين قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلاً} [المزمل:1-4]، ثمَّ نُسِخ هذا الفرض إلى الندب بقوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآَخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المزمل:20].
يقول الإمام القرطبي: "وكان الرجل لا يدري متى نصف الليل من ثلثه؛ فيقوم حتى يصبح؛ مخافة أن يخطئ؛ فانتفخت أقدامهم، وانتقعت ألوانهم؛ فرحمهم الله وخفَّف عنهم". لأجل ذلك، خفَّف الله على المسلمين؛ رحمةً بهم، ولم يجعل القيام فرضاً، بل ندب إليه، وحثَّ عليه.
وقد ارتبط قيام الليل في أذهان الناس بشهر رمضان؛ نظراً لأنَّ رمضان هو شهر الصيام والقيام، ويتأكَّد هذا القيام في العشر الأواخر؛ حيث الاعتكاف والتهجُّد، ومسألة ارتباط القيام في أذهان الناس برمضان نابعةٌ من تقصير المسلمين - في غير رمضان - في القيام بهذه العبادة، واغتنام دقائق الليل الغالية؛ ولذلك غدا قيام الليل له مناسبةٌ، هي حلول شهر رمضان.(/9)
وهذا - بالطبع - ليس هو الأصل، فربُّ رمضان الذي نقوم له فيه هو ربُّ الشهور الأخرى، وهو - سبحانه - الذي ينزل كلَّ ليلةٍ في ثلثها الأخير؛ ليقول: ((من يدعوني فأستجيب له؟ ومن يسألني فأعطيه؟ ومن يستغفرني فأغفر له))؛ كما ثبت في الحديث المتَّفق عليه.
أسباب معينة على قيام الليل
فضيلة الشيخ محمد صالح المنجد يقول: هناك أسباب معينة على قيام الليل منها:
1- الإخلاص لله تعالى: فكلما قوي إخلاص العبد، كان أكثر توفيقاً إلى الطاعات والقربات؛ فالمعونة من الله تنزل على العباد على قدر هممهم ونياتهم ورغبتهم ورهبتهم، والخذلان ينزل عليهم على حسب ذلك؛ ولذا حرص السلف الكرام أشد الحرص على إخفاء الطاعات، كقيام الليل؛ سأل رجلٌ تميمَ بن أوس الداري - رضي الله عنه - فقال له: "كيف صلاتك بالليل؟ فغضب غضباً شديداً، ثم قال: والله لركعة أصليها في جوف الليل في السر، أحب إلي من أن أصلي الليل كله، ثم أقصه على الناس".
2- أن يستشعر مريد قيام الليل أن الله تعالى يدعوه للقيام: فإذا استشعر العبد أن مولاه يدعوه لذلك - وهو الغني عن طاعة الناس جميعاً - كان ذلك أدعى للاستجابة.
3 - معرفة فضل قيام الليل: فمن عرف فضل هذه العبادة، حرص على مناجاة الله تعالى، والوقوف بين يديه في ذلك الوقت.
4-النظر في حال السَّلف والصالحين في قيام الليل، ومدى لزومهم له: فقد كان السلف يتلذذون بقيام الليل، ويفرحون به أشد الفرح؛ قال عبد الله بن وهب: "كل ملذوذ إنما له لذة واحدة، إلا العبادة؛ فإن لها ثلاث لذات: إذا كنت فيها، وإذا تذكّرتها، وإذا أعطيت ثوابها". وقال ثابت البناني: "ما شيء أجده في قلبي ألذّ عندي من قيام الليل".(/10)
5- النوم على الجانب الأيمن: وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يرشد أمته إلى النوم على الجانب الأيمن؛ فعن حفصة - رضي الله عنها - قالت: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أخذ مضجعه، جعل يده اليمنى تحت خده الأيمن))؛ رواه الطبراني.
قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -: "وفي اضطجاعه - صلى الله عليه وسلم - على شقه الأيمن سر؛ وهو أن القلب معلّق في الجانب الأيسر؛ فإذا نام على شقه الأيسر، استثقل نوماً؛ لأنه يكون في دعة واستراحة؛ فيثقل نومه، فإذا نام على شقه الأيمن، فإنه يقلق، ولا يستغرق في النوم؛ لقلق القلب، وَطَلَبِهِ مُسْتَقَرّهُ، وميله إليه".
6-النوم على طهارة فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أتيت مضجعك، فتوضأ وضوءك للصلاة))؛ متفق عليه، وجاء من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((طهّروا هذه الأجساد؛ طهركم الله؛ فإنه ليس عبد يبيت طاهراً إلا بات معه في شعاره ملك، لا يتقلب ساعة من الليل إلا قال: اللهم اغفر لعبدك؛ فإنه بات طاهراً))؛ رواه الطبراني.
7- التبكير بالنوم: النوم بعد العشاء – مبكراً - وصية نبوية، وخصلة حميدة، وعادة صحية؛ ومما جاء في فضله حديث أبي برزة الأسلمي - رضي الله عنه - قال: ((إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يستحب أن يؤخر العشاء، وكان يكره النوم قبلها، والحديث بعدها))؛ رواه البخاري، وقال ابن رافع: كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ينِشّ الناس بدِرّته بعد العتمة، ويقول: قوموا؛ لعل الله يرزقكم صلاة.(/11)
8- المحافظة على الأذكار قبل النوم: فإن هذه الأذكار حصن حصين،؛ يقي بإذن الله من الشيطان، ويعين على القيام، ومن هذه الأذكار، ما ثبت من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا أوى أحدكم إلى فراشه، فلينفضه بداخلة إزاره؛ فإنه لا يدري ما خلّفه عليه، ثم ليضطجع على شقّه الأيمن، ثم ليقل: باسمك ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي، فارحمها، وإن أرسلتها، فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين))؛ متفق عليه.
وينبغي كذلك أن يحافظ المسلم على الأذكار الشرعية عند الاستيقاظ، ومنها: ما ثبت من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه - وسلم قال: ((إذا استيقظ أحدكم، فليقل: الحمد لله الذي رد علي روحي، وعافاني في جسدي، وأذن لي بذكره))؛ رواه الترمذي والنسائي.
9-الحرص على نومة القيلولة بالنهار - وهي إما قبل الظهر أو بعده - فعن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((قيلوا فإن الشياطين لا تقيل))؛ رواه الطبراني، وقال إسحاق بن عبدالله: القائلة من عمل أهل الخير، وهي مجمة للفؤاد مَقْواة على قيام الليل. ومرّ الحسن البصري بقوم في السوق في وسط النهار؛ فرأى صخبهم وضجيجهم؛ فقال: "أما يقيل هؤلاء؟! فقيل له: لا. فقال: إني لأرى ليلهم ليل سوء".
10- اجتناب كثرة الأكل والشرب: فإن الإكثار منهما من العوائق العظيمة التي تصرف المرء عن قيام الليل، قال سفيان الثوري: "عليكم بقلة الأكل؛ تملكوا قيام الليل". ورأى معقل بن حبيب قوماً يأكلون كثيراً؛ فقال: "ما نرى أصحابنا يريدون أن يصلوا الليلة". وقال وهب بن منبه: "ليس من بني آدم أحب إلى شيطانه من الأكول النوام".(/12)
11- مجاهدة النفس على القيام: وهذا من أعظم الوسائل المعينة على قيام الليل؛ لأن النفس البشرية - بطبيعتها - أمارة بالسوء، تميل إلى كل شر ومنكر؛ فمن أطاعها فيما تدعوا إليه، قادته إلى الهلاك والعطب، وقد أمرنا الله - تعالى - بالمجاهدة فقال: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} [الحج:78] وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69].
وعن فضالة بن عبيد - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((المجاهد من جاهد نفسه في الله))؛ رواه الترمذي وابن حبان. وفي حديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الرجل من أمتي يقوم من الليل يعالج نفسه إلى الطهور وعليه عُقَد، فإذا وضأ يديه، انحلت عقدة، وإذا وضأ وجهه، انحلت عقدة، وإذا مسح رأسه، انحلت عقدة، وإذا وضأ رجليه، انحلت عقدة؛ فيقول الله - عز وجل - للذين من وراء الحجاب: انظروا إلى عبدي هذا؛ يعالج نفسه، ويسألني، ما سألني عبدي فهو له))؛ رواه أحمد وابن حبان
12-اجتناب الذنوب والمعاصي: فإذا أراد المسلم أن يكون مما ينال شرف مناجاة الله تعالى، والأنس بذكره في ظلم الليل، فليحذر الذنوب؛ فإنه لا يُوفّق لقيام الليل من تلطخ بأدران المعاصي؛ قال رجل لإبراهيم بن أدهم: "إني لا أقدر على قيام الليل؛ فصف لي دواء؟ فقال: لا تعصه بالنهار؛ وهو يُقيمك بين يديه في الليل؛ فإن وقوفك بين يديه في الليل من أعظم الشرف، والعاصي لا يستحق ذلك الشرف".(/13)
وقال رجل للحسن البصري: "يا أبا سعيد: إني أبِيت معافى، وأحب قيام الليل، وأعِدّ طهوري، فما بالي لا أقوم؟ فقال الحسن: ذنوبك قيدتْك". وقال - رحمه الله -: "إن العبد ليذنب الذنب؛ فيحرم به قيام الليل، وصيام النهار". وقال الفضيل بن عياض: "إذا لم تقدر على قيام الليل، وصيام النهار، فاعلم أنك محروم مكبّل، كبلتك خطيئتك".(/14)
العنوان: لذلك عجبت
رقم المقالة: 1638
صاحب المقالة: سيف الدين يوسف
-----------------------------------------
حدَّث الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء قال: "قيل لرجل طال عمره: أتحب الموت؟ قال: لا. قيل: ولِمَ وقد ذهب عنك شهوة النساء والطعام؟! قال: أحب أن أسمع الأعاجيب"[1].
إنما أوردتُ هذه القِصَّة؛ لأنني تعجبتُ من مسألة أحب أن أوردها للعبرة؛ ليعتبر بها كل مسلم، وليشمر عن ساعد الجد في سبيل دينه العظيم، فكمْ من شخص قادرٍ، لا يشكو من فقر ولا مرض، ويتقاعس في نشر رسالة الإسلام! لا؛ بل هو مقصر في العبادات، والذكر والمطالعة والكتابة، وإن هو شاء فعل ذلك.
أمَّا القِصَّة؛ فَهِيَ زِيارةُ عَشَرَةِ إخوة ماليزِيّين إلى مسجد التوحيد، في مدينة أمرسفورت Amersfoort في هولندا، وحطُّوا رحالهم هناك، وباتوا بِضْعَة أيام، وبصحبتهم أشخاص آخرون: مغربيان، وصومالي، وتركي، وانضمَّ إليهم آخرون، فكانوا يخرجون في سبيل الله بعد صلاتي الظهر والعصر، ويتجوَّلون في المدينة، ويدعون المسلمين إلى ارتياد بيوت الله، والرجوع إلى كتابه العظيم سبحانه وتعالى، وتتعمَّد المجموعةُ ومثيلاتُها ارتيادَ الأماكن المشبوهة: المقاهي وحيث يشرب الخمر، ومقاهي تُباع فيها المخدِّرات، وهذه المقاهي مشروعة في هولندا؛ حيث تباع أنواع المخدِّرات (الخفيفة)، كما يقال! وهذه الأماكن يرتادها بعضُ أبناء الجالية المسلمة، ومع الأسف الشديد، مِنَ الذين غُرِّر بهم، والذين ضَلُّوا الطريق.
فالمجموعة المذكورة تذهب إلى تلك الأماكن، وتدعو هؤلاء العصاة للرجوع إلى دين الله – سبحانه - وترك المعاصي، وجزاء ذلك يتعرَّضون لمواقف شتَّى؛ فأحيانًا ينجحون في اصطحاب بعض هؤلاء، وأحيانًا يُرَدّون، وأحيانًا أخرى يُوبَّخون؛ ولكن الله - سبحانه وتعالى - لا يضيع أجر مَن أحسن عملاً.(/1)
فقد جلستُ مع أخ من هؤلاء الإخوة، واسمه محمد منير، وسألته عن بلده، بعد أن سمعت من بعض الإخوة الآخرين أنهم ماليزيون، فأكد الأخ محمد منير ذلك، وسألني بدوره: مَن أكون؟ فقلت له: كردي سوري، فقال: ما شاء الله! البطل المسلم صلاح الدين كان كرديًّا من كردستان، وأصبح يتحدَّث عنِ الواقِع الذي يَعِيشُه هذا الشعب المسلم المسكين، وأنَّهم يتواجدون في كلٍّ من الدول التالية: تركيا، إيران، العراق، سوريا.
وبعد لحظات من التعارف، يدخلون مباشرة في الحديث عن القرآن، الحديث، الذكر، الدين... فالأحاديث كلها تدور حول الإسلام، ولا يفتؤون يذكِّرون بعضهم بذلك، ويكرّرون الأحاديثَ الَّتي تُشْبِهُ بعْضها بعضًا أحيانًا؛ ولكن لسان حالهم يقول: وَذَكِّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين.
وإنما ذكرت العجب لسببين:
أولاً: لأن المجموعة قد تَرَكَتِ المال والبنين، وخرجت في سبيل الله، ولمدة أربعة أشهر، وإذا كان الشيء فريدًا بين كثير متجانس، فيصبح عجبًا أو قريبًا من العجب، فكم هو عدد المسلمين! وكم من المسلمين يضحون إلى هذه الدرجة، ويخرجون للدعوة في سبيل الله! وفوق هذا وذاك فقد زاروا 25 خمسة وعشرين مسجدًا في هولندا، ولم ينتهوا بعْدُ، منذ بداية رجب هـ - آب أغسطس الماضي، حيث تاريخ قدومهم، وسيذهبون في بدايَةِ ذي القعدة – نوفمبر إلى ألمانيا، وسيمكثُونَ هناك عشرة أيام، يدعونَ فيها إلى سبيل الله، ومِن ثم سيذهبون إلى الإمارات العربية المتحدة، وسيمْكُثُونَ هُناكَ ثلاثة أسابِيع يدعون فيها إلى الله، وهذا هو همهم الوحيد؛ فلا يذهبون للسياحة، ولا يأبهون بالنواحي الأخرى في الحياة؛ فهم لا يزورون المتاحف ولا الأماكن الأثرية؛ لأنهم وضعوا الله - سبحانه وتعالى - ورضاه ودعوته نصبَ أعينهم.(/2)
ثانيًا: كان بينهم شخص لفت نظري، ونظر البعض الآخر من مرتادي المسجد؛ حيث كان بين المجموعة شخصٌ كبير السن، قد تَجَاوَزَ الستين من عمره (66 عامًا)، وليس هذا فحسب، فهذا كان الابن! وكان في المجموعة والدُه أيضًا، وعمره قد ناهز التسعين عامًا (94 عامًا)! وقد خَرَجَ في هذه السِّنّ في سبيل الله، أفلا يدعو هذا إلى العجب وهو في هذه السن؟!! وقد احدودب ظهره، وقلَّت قدرته، وكثير من شباب المسلمين يقضون أوقاتهم في اللهو واللعب غير المجدي!!
وهذا الشَّيْخُ الشاب قد زار أربع عشرة دولة يدعو فيها الناس إلى الله - سبحانه وتعالى - وما ينفك يقرأ القرآن، أو يصلي، أو يَذْكُرُ اللَّه تعالى. وما استغربتُ له وتَعَجَّبْتُ أيْضًا هو أنَّه ومنذُ (22 عامًا) اثْنَيْنِ وعِشرين عامًا يخرج في كل عام، ولمدة أربعة أشهر، في سبيل الله سبحانه وتعالى!!!
وهذه نبذة عن هؤلاء الإخوة:
1 – خير العاملين (32): رجل أعمال، وتحدثت إليه، وأفادني بمعلومات حول المجموعة بالعربية والإنكليزية؛ وكما يُلاحَظ فإنَّ اسمه مُلْفِت للنظر.
2 – محمد منير: رجل أعمال، وقد أفادني أيضًا بمعلومات حول المجموعة أيضًا بالعربية والإنكليزية، وقد تعلَّم بعض مفردات اللغة الهولندية، خِلال زيارته هذه من بعض الإخوة المُقيمينَ هنا.
3 – إقبال: طالب في ألمانيا الْتَحَق بالمجموعة لثلاثة أيام.
4 – محمد أرسلان: رجل أعمال.
5- سمير أحمد: كان مُديرًا لمكتب من مكاتب شركة "شل" البترولية المعروفة قبل التقاعد في سنغافورة.
6 – عكاشة: طالب هندسة في ألمانيا التحق بالمجموعة لمدة ثلاثة أيام أيضًا.
7 – محمد حكيم: طالب هندسة ميكانيكا في ألمانيا أيضًا التحق بهم لثلاثة أيام فقط.
8 - الطبيب الاختصاصي محمد نصير: طبيب عُيون صاحب عيادة.
9 – الحاج محمد مختار بن الحاج عبدالرشيد (66): كان مُراقبًا زِراعيًّا قبل التقاعد في وزارة الزراعة.(/3)
10 – الشيخ الجليل الحاج عبدالرشيد (94): مُعلِّم وسياسي سابق.
وبعدُ؛ فهذه المجموعة، والمجموعة التي رافَقَتْهُمْ من بعض الإخوة المقيمينَ هنا، يستَحِقّونَ كُلَّ التقدير والاحترام، وأرجو أن تكون هذه الواقعة حافِزًا لنا جميعًا؛ كمسلمينَ أن نَسْتَيْقِظ فِعلاً، ونبدأ بالدعوة بالقول والعمل.
فجزاهم الله خيرًا ووفَّقهم لكُلّ خير، وأسأله أن يُيَسّر أُمُورَهم، ويغفر لهم ولنا، وللمسلمين أجمعين.
ــــــــــــــــــــــــــــ
[1] "عجائب الفكر وذخائر العِبَر": لمحمد خير رمضان يوسف، دار ابن حزم – نقلاً عن "ذكر أخبار أصبهان" لأبي نعيم الأصبهاني، طبع دار الكتب العلمية، بدلهي – 2/207.(/4)
العنوان: لستم وحدكم!
رقم المقالة: 1603
صاحب المقالة: زياد بن عابد المشوخي
-----------------------------------------
وسائلُ الإعلام تنقلُ لنا يومياً ما يجري في قطاع غزة، من حرب شاملة، وحصار ظالم لما يزيد عن مليون ونصف مليون مسلم في فلسطين، وتحديداً في قطاع غزة، لو لم يكن هؤلاء المحاصرون إخوةً لنا في الدين، لوجب علينا نصرتُهم من باب العدل، ورفع الظلم عنهم، فكيف وهم إخوة لنا في الدين، بل يقفون في الخندق الأول دفاعاً عن الأمة وعن مسجدها المسجد الأقصى المبارك، وضد أشد الناس عدواة لنا، الذين يساندهم ويقف معهم في تلك الحرب القذرة عُباد الصليب، ومن باع دينَه وخان أمتَه وضيع الأمانة.
قد علم الجميعُ أن أطماع ذلك الكِيان لا تقف عند حدود دول الجوار، بل تتجاوزها، ألم يصفهم لنا العليمُ الخبير: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [المائدة: 64].
إن من حق إخواننا المرابطين في تلك الأرض المقدسة أن نمد لهم يدَ العون، وأن نقدم لهم كلَّ ما نستطيع، فإنهم الحصنُ المتقدم الذي يقف في وجه أطماع الأعداء؛ فإنِ انْهارَ -لا قدر الله- تتابعت الحصونُ من بعده.
أما إخواننا فقد قدموا كلَّ التضحيات، وبذلوا الغاليَ والنفيس في سبيل الله، وضربوا أروعَ الأمثلة المعاصرة في البطولة والشجاعة والإقدام، برغم المخالفة والخذلان.
وإن مما يثبتُهم ويقوي عزائمَهم أن يتذكروا أنهم ليسوا وحدهم في الحرب، وإن كانت مأساتُهم هي الأعمق والأقدم، ومعركتهم هي الأخطر، وعدوهم هو الأشد عداوة، وأرضهم هي أرض الأنبياء، ومسرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفيها المسجد الأقصى المبارك.(/1)
لستم وحدكم، فإخوانُنا في العراق وقبلهم أفغانستان بعد أن نكأ الأعداء جرحها من جديد، وكذلك الصومال والشيشان وكشمير والفلبين وغيرها من المناطق التي يتعرض فيها المسلمون للإبادة كما في البوسنة والهرسك وكوسوفا سابقاً، يُعانون كما تُعانون، ويُجاهدون الأعداء بكل ما يستطيعون، وقد قل الناصرُ والمعين.
لستم وحدكم من ينالُه الألمُ، فإن كان عندكم شهداء فإن أعداءكم عندهم قتلى، وإن كان عندكم جرحى وأرامل وأيتام وخسائر فهم كذلك عندهم جرحى وأرامل وأيتام وخسائر، ولكن ما ننتظره ونرجوه لا ينتظرونه ولا يرجونه، قال تعالى: {وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} [النساء: 104]، قال ابن كثير: "الجراح والآلام، ولكن أنتم ترجون من الله المثوبة والنصر والتأييد، وهم لا يرجون شيئا من ذلك، فأنتم أولى بالجهاد منهم، وأشد رغبة في إقامة كلمة الله وإعلائها".(/2)
لستم وحدكم، قال تعالى:{إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ} [آل عمران: 140] قال ابن كثير: "أي: إن كنتم قد أصابتكم جراحٌ وقُتل منكم طائفةٌ، فقد أصاب أعداءَكم قريبٌ من ذلك من قتل وجراح {وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} أَيْ: نُدِيل عَلَيْكُمْ الْأَعْدَاء تَارَة وَإِنْ كَانَتْ لَكُمْ الْعَاقِبَة لِمَا لَنَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْحِكْمَة، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا}، قَالَ اِبْن عَبَّاس: فِي مِثْل هَذَا لِنَرَى مَنْ يَصْبِرُ عَلَى مُنَاجَزَة الْأَعْدَاء {وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء} يَعْنِي يُقْتَلُونَ فِي سَبِيله وَيَبْذُلُونَ مُهَجَهمْ فِي مَرْضَاته، {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} أَيْ يُكَفِّر عَنْهُمْ مِنْ ذُنُوبهمْ إِنْ كَانَتْ لَهُمْ ذُنُوب وَإِلا رَفَعَ لَهُمْ فِي دَرَجَاتهمْ بِحَسَبِ مَا أُصِيبُوا بِهِ. وَقَوْله: {وَيَمْحَق الْكَافِرِينَ} أَيْ: فَإِنَّهُمْ إِذَا ظَفِرُوا بَغَوْا وَبَطِرُوا فَيَكُون ذَلِكَ سَبَبَ دَمَارهمْ وَهَلَاكِهمْ وَمَحْقِهمْ وَفَنَائِهِمْ".(/3)
لستم وحدكم من أُوذي وعُذب وظُلم وسُجن في سبيل الله، تعالوا معي لننظر إلى خباب -رضي الله عنه- وهو يأتي لرسولنا -صلى الله عليه وسلم- ليشكوا له ما أصابه من أذى، فينقله صلى الله عليه وسلم ويذكره بحال إخوانه من الأمم قبلنا كيف كانوا يعذبون ويقتلون وهم ثابتون على دينهم، عَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ؛ قُلْنَا لَهُ: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا، قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرُ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ أَوْ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ"، أخرجه البخاري.
لستم وحدكم؛ فالله معكم بعونه ونصره وتأييده لكم، قال تعالى: {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ}، قال ابن كثير: {وَاَللَّهُ مَعَكُمْ} فِيهِ بِشَارَةٌ عَظِيمَةٌ بِالنَّصْرِ وَالظَّفَرِ عَلَى الْأَعْدَاء {وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} أَيْ وَلَنْ يُحْبِطَهَا وَيُبْطِلَهَا وَيَسْلُبَكُمْ إِيَّاهَا بَلْ يُوفِّيكُمْ ثَوَابهَا وَلَا يُنْقِصُكُمْ مِنْهَا شَيْئًا وَاَللَّه أَعْلَمُ".(/4)
لستم وحدكم، ونحسبكم ممن لا تضره المخالفة والخذلان، كما قال حبيبنا -صلى الله عليه وسلم-: " لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك، قالوا يا رسول الله: وأين هم، قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس" أخرجه أحمد.
لستم وحدكم، ولن يسلمكم إخوانكم، وسيدفع الأعداء ثمن جرائمهم وحصارهم وظلمهم وطغيانهم، ولن تبقى الديار مسلوبة والحرمات منتهكة والمقدسات مدنسة، والعاقبة للمتقين، قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47].
ولكنكم اليوم وحدكم تنالون شرف مقارعة أعداء الأنبياء، ووحدكم ترابطون في أرض الأنبياء، ووحدكم تحاصرون الحصار، ولأنتم أكبر الكبار في زمن الصَغار، ووحدكم تبددون وهم الكيان الصهيوني، ووحدكم تصطادون أفاعيه، ووحدكم تقهرونه ، ووحدكم يتمنى المجاهدون في كل مكان أن يكونوا معكم ليشاركوا في تحرير مسرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والانتقام من قتلة الأنبياء.(/5)
العنوان: لعدوهم قاهرون.. فماذا نحن فاعلون؟
رقم المقالة: 1892
صاحب المقالة: زياد بن عابد المشوخي
-----------------------------------------
"إسرائيل" هي الدولةُ الرابعةُ في ترتيبِ الدُّول المصدرةِ للسلاح في العالم، هكذا أعلن وزيرُ الحربِ الصهيونيُّ قبل أيام. هذه المعلومةُ ليست مفاجئةً لكون الكِيان الصهيوني جاء بقوة السلاح في قلب العالم الإسلامي، وهو منذ نشأته يعتمدُ على القوة العسكرية، وظل الأمنُ هو الهاجس اليومي للصهاينة وطغى على كل اهتماماتهم، فارتفعت الميزانيةُ العسكرية لتصل إلى30% من إجمالي الموازنة التي تدفعُ الولاياتُ المتحدة الأمريكية جزءًا كبيرًا منها على أنها مساعدات عسكرية لضمان تفوقه في تلك المنطقة، بالإضافة إلى تبادل الخبرات والبحوث المتعلقة بإنتاج الأسلحة.
قوة الكيان العسكرية تمنحه قوة سياسية إضافية مع احتكاره للسلاح النووي في المنطقة، وكذلك من ناحية تكنولوجية؛ فإن صناعاته تساعد على تطور الاقتصاد؛ إذ يصدر 75% من إنتاج الصناعات العسكرية بقيمة 3 مليارات دولار سنوياً، أي ما نسبته سدس الصادرات التجارية الصهيونية.
صنعت كل تلك الميزانيات والجهود والدعم بالإضافة للآلة الإعلامية من الجيش الصهيوني أسطورةَ الجيش الذي لا يُقهر، ومع ذلك كله فإن الجيش أصبح مصدر إحراج ومعرة للكيان الصهيوني، وما تقرير لجنة فينوغراد الحكومية بعد الحرب الأخيرة على لبنان -الذي تسبب في استقالة رئيس هيئة أركانه دان حالوتس وعدد من جنرالاته- إلا مؤشرٌ على حالة الضعف التي وصل إليها الجيشُ، في حين إن الحقائق تتجاوز رئيس الأركان، فقد ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن نحو 20% من أفراد الاحتياط في الجيش غير جاهزين للمشاركة في أي حرب بسبب عدم إتقانهم استخدام أنظمة الأسلحة ولمستواهم التدريبي السيئ للغاية -هذا هو المعلن، وما أُخفي أعظم - وقوات الاحتياط تمثل حوالي الثلثين من إجمالي تعداد الجيش الصهيوني.(/1)
كما أن المقاومة الفلسطينية استطاعت أن توجد حالة من التمرّد على قدسية الجيش وولاء الشعب الصهيوني له، فنمت ظاهرةُ التهرب من الخدمة العسكرية، حتى أصبح ما يتمناه وزيرُ الدفاع إيهود باراك هو "العودة إلى الأيام التي كان فيها التهرب من الجيش بمثابة وصمة قابيل (وصمة عار) على جبين المتهربين"، ناهيك عن ظاهرة الاتجار بالسلاح وبيعه للخصم، وأما الحديث عن البطولة فلا مكان له في مجتمع يحرص على الحياة أيًّا كانت تلك الحياة، كما أخبرنا الحكيم الخبير: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} [البقرة: 96].
لم يعد الشارع الصهيوني يثق بقدرة جيشه على حمايته، بل ولا المنظومة الأمنية، ذلك الجيش الذي يحارب من خلال طائرات أو دبابات كما وصفهم لنا الله عز وجل: {لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ} [الحشر: 14].
يدرك الصهاينة أن وجودهم في قلب العالم الإسلامي مرتبط بتفوقهم العسكري ودوام حالة الردع والإرهاب، وكلما قُهر الجيش الصهيوني في الميدان بفعل المقاومة وضرباتها، أَفرَغ غضبَه من خلال مجزرة أو جريمة ليستعيد بها شيئاً من كرامته المسلوبة. ووحشية الصهاينة اليوم تُظهر بجلاء مدى حالة العجز والضعف التي وصل إليها الكِيانُ الصهيوني، ليس من الجهة العسكرية فحسب بل من كل الجهات، إلا أن ضعفه وعجزه العسكري هو الأخطر لكونه أساساً من أسس بقائه.(/2)
يظن الصهاينة أنه بتلك المجازر والحصار ستتوقف المقاومةُ ويذعن الشعب المسلم، ولكن الذي يجري على أرض الواقع هو ما يلخصه قول الجنرال (شلومو غازيت) الرئيس الأسبق لشعبة الاستخبارات العسكرية الصهيونية في مقال نشرته صحيفة (معاريف): "إن الجمهور الفلسطيني لن ينقض على حركات المقاومة، ولن يثور ضد حكومة حماس، بل سيهب للانتقام من "إسرائيل"، خلافًا للهدف المنشود من العقوبات الاقتصادية الجماعية على الفلسطينيين. واعتبر غازيت أن اتخاذ قرار فرض العقوبات يمثل قصورًا في أداء القيادة "الإسرائيلية"، ويدلل على عجزها عن رؤية الصورة كاملة. أما الجنرال (غال هيرش) فقد صرح بأن: "أي حرب جديدة تخوضها "إسرائيل" قد تكون الأخيرة".
إنها النتائج العكسية للمخططات والمؤامرات؛ وذلك جعل بعض المحللين الصهاينة يعبرون عن حالة اليأس تلك بالقول: "إن الكيان الصهيوني اغتال عرفات لإنجاح مشروع الرئيس عباس، فخرج هذا المشروع بحكومة حماس, وحاولت الحكومة الصهيونية القضاء على حكومة حماس, فخرجت دولة حماس في غزة!!".
أما المقاومة في فلسطين فلم تتوقف يومًا ما، إلا أنها تمر بمراحل متعددة، وهي اليوم -ولله الحمد- قد بلغت أوج قوتها، مع الضعف الظاهر في الضفة الغربية، وسياسة ضبط النفس في قطاع غزة، مع منع أي طرف خارجي من الدخول في هذا الصراع حالياً.(/3)
الجيش الصهيوني يقف اليوم مقهوراً عاجزاً أمام فتية آمنوا بربهم لم يبالوا بوحشية الاحتلال وما أعده من عتاد، عملوا بالأسباب، صنعوا -على إمكاناتهم المحدودة- قوةً قادرة على المقاومة والمقارعة، بل على قهر الاحتلال، هذه فلسطين؛ أحداث متتابعة، وصراع شرس مع أشد الناس عداوة، يبدو المشهدُ هناك قاتماً لدى البعض، لا سيما عندما تتعمد بعضُ وسائل الإعلام قراءةَ الأحداث من خلال: {إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ} ولا تتجاوزها بإكمال الآية ونقل باقي الصورة {فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ} [النساء: 104]، وهكذا تتكون لدينا تلك الصورة المجتزأة.
مع كل تلك القوة العسكرية، وشدة عداوة اليهود للذين آمنوا وحصارهم الظالم وعدوانهم الغاشم وحربهم المفتوحة ضد الشعب الفلسطيني، فإن المسلمين في فلسطين يقهرون هذا الكيان ويذلونه ويدمرون أحلامه ومخططاته، وكلما ظن القوم أن مؤامرتهم قد نجحت وبدأت تؤتي ثمارها الخبيثة سرعان ما لاح في الأفق ما يدمرها ويجعلها {هَبَاءً مَنْثُوراً}، إنه خبر الصادق المصدوق؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء حتى يأتي أمرُ الله وهم على ذلك، قيل أين هم يا رسول الله؟ قال: ببيت المقدس وفي أكناف بيت المقدس" رواه أحمد في مسنده. وفي رواية الترمذي: "لا يضرهم من يخذلهم"، وفي رواية أخرى عند أحمد في مسنده: "وأرجو أن تكونوا هم يا أهل الشام"، فلا بد من اللأواء: الشدة والعناء والابتلاء.
إنها ضربات المقاومة القاهرة، فهم لعدوهم قاهرون.. ألم يقهرهم الشيخُ أحمد الياسين -رحمه الله- على ما عنده من الشلل الذي أصاب جميع أطرافه، عبرة وعظة لمن تتحرك أجسادُهم في حين ترتجف قلوبهم من هذا الكيان.(/4)
لعدوهم قاهرون.. حتى بالحجر؛ أقضوا مضاجع المحتل، ثم بالسكين، حتى أرغمت عملياتُهم الاستشهاديةُ الصهاينةَ على الهجرة العكسية وكلفتهم الخسائر الاقتصادية.
قهروا عدوهم فاضطر إلى "الهجرة المعاكسة" فقد كشفت دراسةٌ رسمية إسرائيلية أن 700 ألف إسرائيلي يعيشون بالخارج يرفضون العودة للدولة العبرية، بينهم نسبة كبيرة يمرون بعملية تحول عن اليهودية، كما أوضحت الدراسة التي أجرتها وزارة الهجرة والاستيعاب "الإسرائيلية" المعنية بشئون المهاجرين أن ربع الشباب الإسرائيلي الذين يعيشون في أوروبا يتزوجون من غير اليهوديات، في حين إن 60% منهم لم ينضموا للجاليات اليهودية هناك ولا يعملون في إطارها، وقد أظهرت دراسة أجريت قبل عامين أن 70% من الإسرائيليين يقرون بأنهم سيكونون سعداء لو استطاع أبناؤهم الحصول على جنسية أجنبية. وتفيد معطيات وزارة الهجرة أن أكثر من 100 ألف مهاجر روسي غادروا البلاد منذ عام 1990 وعادوا لروسيا أو أوكرانيا، وتفيد التقديرات أن في روسيا يعيش اليوم حوالي 70 ألفًا ممن يحملون جواز السفر الإسرائيلي. أما الجالية اليهودية في أمريكا فقد بدأت في فِقدان الاهتمام بدولة "إسرائيل" بحسب ما أظهره استطلاعٌ أجري مؤخراً، كما سجلت أقل نسبة للهجرة إلى الكيان في هذا العام.(/5)
لعدوهم قاهرون.. بأنفاق الجحيم التي عجلت بفرارهم من غزة، لعدوهم قاهرون بصواريخهم المحلية التي تتجاوز اليوم كل الجدران والحواجز، وصارت بديلا مناسباً عن العمليات الاستشهادية وصارت قوة ردع، عجز الكيان المصنع للسلاح والمصدر للتقنية أن يقف في وجهها، لكونها لا تخضع للمقاييس الصناعية الحربية التي يمكن التنبؤ بسرعتها واتجاهها ومداها، فالضعفُ يغدو بفضل الله سرَّ القوة والقهر لليهود، قال تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر: 31]، وها هو ذا وزير الأمن الداخلي في حكومة الاحتلال (أفي ديختر) يحذر من اتساع دائرة المناطق المستهدفة بالصواريخ الفلسطينية لتشمل حوالي ربع مليون صهيوني، ((سيكونون هدفا لحرب استنزاف)). مشيراً إلى أن عسقلان ومناطق أخرى ستدخل قريبًا إلى دائرة المناطق التي ستطالها الصواريخ الفلسطينية؛ إذ تشير المعلومات الأخيرة إلى أن القسام يمتلك صواريخ تصل لأهداف حساسة في مدينة عسقلان متجاوزة أطرافها، وها هو ذا رئيس بلدية سيدروت إيلي مويال يعلن عن استقالته بسبب عجز الجيش الصهيوني عن حماية الصهاينة.
لعدوهم قاهرون.. بثباتهم ورسوخهم أمام الحصار التاريخي الذي يجري اليوم فلم ولن تهنأ يهود بالأمان يوماً ما في فلسطين، حياتهم رعب وقلق واستنفار في كل حين منذ أسس هذا الكيان، تحقيقا لوعد الله: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأعراف: 167].(/6)
حتى لعبة السياسة والانتخابات والديمقراطية والتي طالما أتقنها القوم، قد هزموا فيها بعد فوز حركة حماس بالانتخابات، ومع كل المحاولات لإسقاط الحكومة يقلب المجاهدون المؤامرة على اليهود ومن خلفهم من المتآمرين، يحاول الاحتلال استفزاز المقاومة وجرها إلى حيث يريد، إلا أنها دائما ما تتعامل بالنفس الطويل والصبر وعدم استعجال النتائج أو حرق الأوراق.
قهروا عدوهم حتى غدت المستوطنات والمستوطنون عبئاً مالياً وأمنياً وسياسياً على الصهاينة، إلى درجة وصفت فيها المستوطنات بالسرطان الذي يأكل جسد المجتمع الصهيوني، وأما أرقام النازحين عن المستوطنات فالكشف عنها من المحرمات.
لعدوهم قاهرون، ويعلل الجيش الصهيوني تأخره عن اجتياح قطاع غزة تارةً بخشيته على مصير الجندي المأسور جلعاد شاليط، أو بتعاظم القدرة الصاروخية والعسكرية تارة أخرى، ولعل من آخر أخبار تلك القدرة ما نقلته الإذاعة العبرية عن مصادر أمنية أنها تلقت معلومات حول قيام حركة حماس بإنشاء وحدات عسكرية متكاملة ترتدي زي الجيش الصهيوني، بل وأشارت إلى تخوف الأجهزة الأمنية من إدخال وحدات لحماس ترتدي زي الجيش والوحدات الخاصة التابعة له عبر الأنفاق إلى داخل الكيان لتنفيذ عمليات.
سيبقى أهلنا على ثرى فلسطين المباركة لعدوهم قاهرين.. فما نحن فاعلون؟.. وإني لا أخشى عليهم ولا على مسرى رسولنا الكريم، إنما أخشى على أنفسنا أن نخذلهم فيصيبنا ما حذرنا منه الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "ما من امرئ يخذل امرأ مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب نصرته"، أخرجه أبو داود، والإمام أحمد في مسنده.(/7)
العنوان: لعل له عذراً وأنت تلوم!
رقم المقالة: 1031
صاحب المقالة: د. محمد حسان الطيان
-----------------------------------------
من جميل الأخلاق التي خلقَّنا بها الإسلام أن نلتمسَ لأخينا الأعذار، فقد ورد في الأثر: التمس لأخيك عُذراً، وما هذا العنوانُ الذي اخترناه لهذه الكلمة إلا شطرٌ تناهَبَه الشعراء وضمَّنوه قصائدَهم، ولعل أقدمهم صريع الغواني مسلم بن الوليد الأنصاري (ت 208هـ) حيثُ يقول:
لعلَّ له عُذراً وأنتَ تلومُ وكم لائمٍ قد لامَ وهوَ مُليمُ
وتبعه دِعبل الخُزاعي (ت 246هـ) حيثُ يقول:
تأنَّ ولا تعجَل بلَومِكَ صاحِبا لعلَّ له عُذراً وأنتَ تلومُ
ثم جاء أبو العلاء المعرِّي (ت 429هـ) فقال:
لكَ اللهُ لاتذْعَر وَليًّا بغَضبَةٍ لعلَّ له عُذراً وأنتَ تلومُ
والناظر في كتاب الله يقف على عشرات الآيات التي تدلُّ على سماحة الإسلام وسَعَة صدره حتى مع الكفَّار بل مع الأعداء الذين يُناصبونه العِداء.
اقرأ معي إن شئتَ خطابه للكفار في سورة الكافرون: {قُل يا أيها الكافِرون، لا أَعبُدُ ما تَعبُدون، ولا أنتُم عابِدونَ ما أَعبُد..} فمَبلغُ ما وصل إليه التباعُد والتنافُر معهم أن قال لهم: {لَكُم دينُكُم ولِيَ دِين}.
واقرأ معي إن شئتَ قوله في سورة سبأ الآية 24: {وإنَّا أوإيَّاكُم لَعلى هُدًى أَو في ضَلالٍ مُبين} تَعجَب لهذه السماحَة التي وصلت إلى حدِّ التسوية التامَّة والحَيدة التامَّة في المناظرة والمناقشة والجدَل.(/1)
أليس عَجيباً بعد ذلك أن يَضيقَ صدرُ المؤمن بأخيه المؤمن، فيُناصبَه العداء لأدنى ملابسة وأقلِّ مخالفة في الفَرعيات والفَرضيات والأمور الثانوية؟ مع أن أسلافَنا علَّمونا أن الخلافَ في الرأي لا يُفسد للودِّ قضية !ومع أن علماءنا ضربوا لنا أروعَ الأمثلة في التسامح والتوادِّ والتآلف وكان رائدهم في ذلك تلك المقولَة الرائعة: (لنتعاون فيما اتَّفقنا عليه وليَعذِر بعضُنا بعضاً فيما اختلَفنا فيه) وقدأُثر عنهُم في ذلك الكثير من مثل قولهم: (خُذ ما صَفا ودَع ما كَدَر)، وقول الشاعر:
خُذ من زَمانِكَ ما صَفا ودَعِ الَّذي فِيهِ الكَدَرْ
وقول ا لآخَر:
لعَمرُكَ ما ضاقَت بلادٌ بأَهلِها ولكِنَّ أخلاقَ الرِّجالِ تضيقُ
والذي لا ينقضي منه العَجَب أن نختلفَ اليوم في أشياءَ انقضى عهدُها وطال الزمان بها، ولسنا مكلَّفين بأن نحملَ تبعتها، فالله سبحانه يقول: {تِلكَ أمةٌ قد خلَت لها ما كَسَبَت ولكُم ما كَسَبتُم ولا تُسأَلونَ عمَّا كانوا يَعمَلون} [البقرة: 134]، فلمَ نختلف اليومَ في أُناس كانوا قد اختَلفوا، وقد أفضَوا إلى ربِّهم سبحانه وهو الأعلمُ بهم؟ وماذا يَفيدنا أن ننتصر لزيدٍ منهم أو عَمرو؟ أليست {كلُّ نفسٍ بما كَسَبَت رَهينَة}؟
أَوَلَم يقُل ربنا سبحانه: {ولاتَزرُ وازِرَةٌ وُزرَ أُخْرى} فلم نتحمَّلُ وزرَ الآخرين؟
أليست أوزارُنا ثقيلةً، فلمَ نزيدُها ثقلاً؟
وإذا أصرَّ نفرٌ منَّا على تحمُّل أوزار الآخرين فلمَ نتحمَّل ذلك معهم؟
أليس الأجدر بنا أن ندعَهم وشأنَهم؟ وأن نصونَ أنفسَنا ونترفَّعَ عما وقَعوا فيه، وأن نُحجمَ عما تورَّطوا فيه!.
ورحم الله القائل في هذا: (تلك فتنةٌ عصمَ الله منها سُيوفَنا أفَلا نَعصِمُ منها أَلسِنَتَنا؟).(/2)
ومن المؤسف حقًّا ألا يقتصرَ أمرُ التنافُر والتباعُد وضيق العَطَن على المذاهب والطوائف والفئات، وإنما يعدوهم ليفرِّق بين المرء وأخيه، والصديق وصديقه، والحِبِّ وحبيبه، ولو رحنا نبحث عن علَّة ذلك كلِّه
لوجدناها تكمُن في سوء الظنِّ وعدم التماس العُذر:
إذا ساءَ فعلُ المَرءِ ساءت ظُنونُه وصَدَّقَ ما يعتادُه من توَهُّمِ
وعادى مُحبِّيهِ بقَول عُداتِه وأصبحَ في لَيلٍ منَ الشكِّ مُظلِمِ
والحق أن الخاسرَ الأكبر بين الأصدقاء والإخوان هو ذاكَ الذي لا يأخذُ نفسه بالتماس العُذر لأصدقائه وإخوانه وحسن الظنِّ بهم؛ لأنه لا يَلبثُ حتى يفقدَهم جميعاً، ويبقى وحيداً فريداً لا صديقَ له ولا صاحبَ يحتملُه وِفاقَ ما قال بشار بن برد:
إذا كنتَ في كلِّ الأُمورِ مُعاتِباً صَديقَكَ لم تلقَ الَّذي لا تُعاتِبُه
فعِشْ واحِداً أو صِلْ أَخاكَ فإنَّهُ مُقارِفُ ذَنبٍ مَرَّةً و مُجانِبُه
إذا أنتَ لم تَشرَب مِراراً على القَذى ظَمِئتَ وأيُّ الناسِ تَصفو مَشارِبُه
ومَن ذا الَّذي تُرضى سَجاياهُ كُلُّها كَفى المرءُ نبلاً أن تُعدَّ مَعايبُه
ولاريبَ أن أبعد الناس عن الأخوَّة والصداقة والمحبَّة والأُلفَة هو ذاك الذي تأتيه مُعتذراً فلا يقبلُ لك عُذراً، وتُقبِل عليه فيُدبِر عنك، وتتلَطَّف له فيُغلِظ لك الكلام، وتصيرُ إلى ما قال الإمام الشافعيُّ:
ومِنَ البَليَّةِ أن تُحِبَّ ولا يُحِبَّكَ مَن تُحبُّهْ
ويَصُدُّ عنكَ بوَجهِهِ وتُلِحُّ أنتَ فلا تُغِبَّهْ
إن مَن اعتذر إليك محبٌّ لك سواءٌ صدق في اعتذاره أو كذب:
اقبَل مَعاذِيرَ مَن يأتيكَ مُعتَذِرا إن بَرَّ عِندَكَ فيما قال أو فَجَرا
لقَد أطاعَكَ مَن يُرضيكَ ظاهِرُهُ وقد أَعزَّكَ مَن يَعصيكَ مُستَتِرا
أيها المسلمُ وسِّع من صدرك، وحسِّن من خلقك، مُؤتَسياً بخير الخلق في سيرتك، و ليكُن شعارك دائماً عندما تجد في صديقك ما لا يَروق لك: لعلَّ له عُذراً وأنتَ تلومُ.(/3)
العنوان: لعله آخر رمضان!
رقم المقالة: 1267
صاحب المقالة: أبو عمار العتيبي
-----------------------------------------
إن الذي يرجع البصر في بلاد المسلمين، وهي تستقبل شهر رمضان في هذه الأيام، يجد بونًا شاسعًا بين ما نفعله في زماننا من مظاهر استقبال شهر رمضان، وما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم -، وإن القلب ليملي على البنان عبارات اللوعة والأسى، فيكتب البنان بمداد المدامع، وينفطر الجنان من الفتن الجوامع!
فالسلف - رحمهم الله - كانوا يدعون الله تعالى ستة أشهر حتى يبلغهم رمضان، فإذا بلغوه اجتهدوا في العبادة فيه، ودعوا الله سبحانه ستة أشهر أخرى أن يتقبله منهم.
أما أصحاب الفضائيات والإذاعات في زماننا؛ فإن معظمهم يستعد لرمضان قبل مجيئه بستة أشهر بحشد كل (فيلم) خليع، وكل (مسلسل) وضيع، وكل غناء ماجن للعرض على المسلمين في أيام وليالي رمضان؛ لأن (رمضان كريم) كما يعلنون!
ولسان حالهم يقول: شهر رمضان الذي أنزلت فيه الفوازير والمسلسلات!!
ولأن مردة شياطين الجن تصفد وتغل في شهر رمضان، عز على إخوانهم من شياطين الإنس الذين يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون! عز عليهم ذلك فناوؤا دين الله تعالى وناصبوه العداء، وأعلنوا الحرب ضده في رمضان بما يبثونه ليل نهار على مدار الساعة على كثير من الشبكات الأرضية والفضائية!
وقبل دخول شهر رمضان بأيام.. إذا ذهبت إلى الأسواق والمتاجر والجمعيات؛ ستجد الناس يجمعون أصنافًا وألوانًا من الطعام والشراب بكميات كبيرة، وكأنهم مقبلون على حرب ومجاعة، وليس على شهر التقوى والصيام!
فأين هم مما يحدث لإخوانهم المسلمين المشردين في هذه الأيام؟!(/1)
وما إن تغمر نفحات الشهر الكريم أرجاء الدنيا، حتى تنقلب حياة كثير من المسلمين رأسًا على عقب، فيتحولون إلى (خفافيش) فيجلسون طيلة الليل يجلسون أمام الشاشات، أو يجوبون الأسواق والملاهي والخيام الرمضانية والسهرات الدورية.. ثم ينامون قبل الفجر! وفي النهار نيام كجيف خبيثة!!
وعلى الرغم من أن معظم حكومات الدول الإسلامية تقلل ساعات العمل الرسمي في رمضان وتؤخر بداية الحضور، إلا أن السواد الأعظم من الموظفين والعاملين ينتابهم كسل وخمول وبلادة ذهن، ويعطلون مصالح البلاد والعباد، وإذا سألتهم قالوا: إننا صائمون! وكأن الصيام يدعوهم للكسل وترك العمل، وهي فرية يبرأ منها الصيام براءة الذئب من دم يوسف - عليه السلام -! فما عرف سلفنا الكرام الجِد والنشاط والعزيمة والقوة إلا في رمضان، وما وقعت غزوة بدر، وفتح مكة، وعين جالوت، وفتح الأندلس، وغيرها إلا في رمضان. والدراسات العلمية الحديثة أثبتت فوائد جمة للصيام..
فلماذا - أيها الموظفون - تتهمون الصيام بأنه سبب كسلكم وخمولكم؟!
آهٍ من لوعة ضيف عزيز كريم بين قوم من الساهين الغافلين!
أوَّاه لو كانوا لحق قدره يقدرون، أو يعرفون!
وإذا أردت أن تبكي، فاذرف الدمع مدرارًا، وأجرِ الحزن أنهارًا على الإعلانات التي تدعوك عبر وسائل الإعلام المختلفة إلى الاستمتاع بتناول السحور والتلذذ بمذاق الشيشة – النارجيلة - على أنغام المطرب.. ورقصات الفنانة.. وفرقة.. في الخيمة الرمضانية بـ..
وإذا سرت بعد منتصف الليل في رمضان في أي مدينة إسلامية سترى عجبًا عجابًا لو ترى عيناك! سترى المحلات والأسواق مفتحة الأبواب، وسترى العارية وذات الحجاب، وأصوات اللهو والأغاني تأبى إلا أن ترتفع فوق السحاب، والمعاصي عيانًا جهارًا، وانقلب الليل نهارًا!(/2)
فأين أين أرباب القيام؟! أين المحافظون على آداب الصيام؟! أين المجتهدون في الصيام والقيام؟! أين المجتهدون في جنح الظلام؟! فشهر رمضان مضمار السابقين، وغنيمة الصادقين، وقرة عيون المؤمنين.. وأيام وليالي رمضان كالتاج على رأس الزمان، وهي مغنم الخيرات لذوي الإيمان..
فطوبى لعبد تنبه من رقاده، وبالغ في حذاره، وأخذ من زمانه بأيدي بداره.. فيا غافلاً عن شهر رمضان اعرف زمانك.. يا كثير الحديث فيما يؤذي احفظ لسانك.. يا متلوثًا بأوحال الفضائيات والجلسات اغسل بالتوبة ما شَانَك!
إن إدراك رمضان من أجلِّ النِّعَم، فكم غيب الموت من صاحب، ووارى من حميم ساحب.. وكم اكتظت الأسِرَّة بالمرضى الذين تتفطر قلوبهم وأكبادهم، ويبكون دمًا لا دموعًا حتى يصوموا يومًا واحدًا من أيام رمضان، أو يقوموا ليلة واحدة من لياليه، ولكن.. حيل بينهم وبين ما يشتهون!
إن كثيرًا من المسلمين في هذا الزمان لم يفهموا حقيقة الصيام، وظنوا أن المقصود منه هو الإمساك عن الطعام والشراب والنكاح فقط! أمسكوا عما أحل الله لهم، لكنهم أفطروا على ما حرم الله عليهم! فأي معنى لصيام هذا الذي يقول عند أذان المغرب: (ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله)، ثم يشعل سيجارته!
وأي تقوى لهذا الذي يجمع الحسنات في النهار؛ من صيام وصلاة وصدقة وقراءة للقرآن..، ثم في الليل يصير عبدًا لشهوته، ويعكف على القنوات الفضائية، أو الشبكات العنكبوتية، أو زبونًا في الملاهي الليلية، والتجمعات الغوغائية، والخيام –المسماة زورًا- بالرمضانية؟! وإذا دعي إلى صلاة التراويح والقيام، تعلل بالحمى والأسقام، والبرد والزكام، وغواية اللئام!
ورب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش! ورب قائم حظه من قيامه السهر!(/3)
يروى أن الحسن بن صالح – وهو من الزهاد الورعين – كانت له جارية فاشتراها منه بعضهم، فلما انتصف الليل عند سيدها الجديد قامت تصيح في الدار: يا قوم الصلاة.. الصلاة، فقاموا فزعين، وسألوها: هل طلع الفجر؟!
فقالت: أنتم لا تصلون إلا المكتوبة؟! فلما أصبحت رجعت إلى الحسن بن صالح؛ وقالت له: لقد بعتني إلى قوم سوء لا يصلون إلا الفريضة، ولا يصومون إلا الفريضة؛ فردَّني فردَّها!
وقلتُ: قلبي يعتصرني خجلاً، ويتوارى قلمي حياءً وأنا أخط هذا الكلام؛ لأن من المسلمين اليوم من ضيع الفروض في رمضان بل و التراويح والقيام!
فيا مضيع الزمان فيما ينقص الإيمان.. يا معرضًا عن الأرباح متعرضًا للخسران.. أما لك من توبة؟! أما لك من أوبة؟! أما لك من حوبة؟! {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} [الحديد: 16] فقلوب المتقين إلى هذا الشهر تحن، ومن ألم فراقه تئن.. فإلى متى الغفلة؟!
فيا عباد الشهوات والشبهات
يا عباد الملاهي والمنتديات (الفاسدة)
يا عباد الشاشات والفضائيات
ما لكم لا ترجون لله وقارًا؟!
ولا تعرفون لشهر رمضان حلالاً أو حرامًا؟!
فيا من أدركت رمضان.. وأنت ضارب عنه صفحًا بالنسيان..
هل ضمنت لنفسك الفوز والغفران؟! أتراك اليوم تفيق من هذا الهوان؟!
قبل أن يرحل شهر القرآن، والعتق من النيران؟! لعله يكون – بالنسبة إليك - آخر رمضان!
يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجب
حتى عصى ربه في شهر شعبان
لقد أظلك شهر الصوم بعدهما
فلا تصيره أيضًا شهر عصيان
فيا باغي الخير أقبل أقبل.. ويا باغي الشر أقصر.. أقصر!
واحر قلباه! من لم يخرج من رمضان إلا بالجوع والعطش.. رغم أنفه في الطين والتراب من كان رصيده في رمضان من (الأفلام) و(المسلسلات)، وبرامج المسابقات!(/4)
فيا من أسرف على نفسه وأتبعها الهوى، وجانب الجادة في أيامه وغوى.. هاك رمضان قد أقبل فجدد فيه إيمانك، وامح به عصيانك، فهو – والله – نعمة كبيرة، ومنة كريمة، وفرصة وغنيمة..
فإن أبيت إلا العصيان.. وملازمة المعاصي في رمضان.. فتوضأ وكبر أربع تكبيرات، وصل على نفسك صلاة الجنازة..، فإنك حينئذ ميت!
اللهم بلغنا رمضان أعوامًا عديدة، وأزمنة مديدة، واجعلنا فيه من عتقائك من النار.
لا تنسونا من صالح الدعاء،(/5)
العنوان: لغة الإعلانات
رقم المقالة: 326
صاحب المقالة: أيمن بن أحمد ذوالغنى
-----------------------------------------
اللوحاتُ الإعلانيَّة، واللافتاتُ الطرقيَّة، من أرقى أدوات التواصُل بين المعلِن والمُستهلِك، وقد تبوَّأتِ اليومَ منزلةً سامِيَة في مَيدان الإعلام التجاري، وصار لها حضورٌ فعَّال في حياة العامَّة، فأنَّى التفَتَ المرءُ يقعْ بصرُه على إعلانٍ ما، وتتنافسُ هذه اللوحاتُ في شدِّ الأنظار وجذبِها إليها؛ من خلالِ الألوان الزَّاهية، والأضواء الباهرة، والعبارات المنمَّقة، ومن خلالِ الاعتماد على صُوَر بعض الشخصيَّات الجماهيرية المحبَّبة.
ومما يحسُن التنويهُ به، ما نراه من توظيفٍ لهذه الوسيلة الحضاريَّة في توجيهِ المجتمع التوجيهَ الإيجابيَّ البنَّاء، الذي يتغيَّا مصلحةَ المواطن، والارتقاءَ بمستوى وَعْيه، كاللوحاتِ التي تحذِّر من التدخينِ وتُظهر مضارَّه، في صور تَعرِضُ عاقبةَ المدخِّنين الوَخيمةَ، أو تلك التي تبيِّن نتائجَ السُّرعة المُفرطة في قيادة السيارات وأخطارَها، في صور معبِّرة مؤثِّرة.
أما الظاهرةُ الغريبةُ التي بدأت تشيعُ وتنتشِرُ عبر هذه اللوحات، فهي اللغةُ المعبِّرةُ عن مضمون الإعلانات، فبدَلَ أن نستفيدَ من هذه الوسيلة الإعلاميَّة المهمَّة للارتقاء بلغة الناس والجيل الجديد؛ باستعمال عباراتٍ إعلانيَّة فصيحة، وجملٍ تشويقيَّة صحيحة، بدأنا نرى لغةً تجاريَّةً إلى الرَّكاكة والضَّعف، بل الأنكى من هذا أن الإعلانات صارت تُكتَب باللغة العاميَّة الدارجة، وبعباراتٍ في غاية الإسفاف والانحدار، دونَ مراعاةٍ لذوق الناس، ولا احترامٍ لعقولهم، وهذا أمرٌ خطير، جِدُّ خطير!(/1)
إن اللغةَ العربيَّة الفُصحى هي لغةُ ديننا الحنيف، وكتابِ ربِّنا العزيز، ولغةُ تراثنا العلميِّ والثقافيِّ، وهي بعدُ لغتُنا القوميَّة التي نعتزُّ بها ونفتخِر، وهي لغةٌ عبقريَّة حيَّة، قادرةٌ على العَطاء والتجدُّد، وهي رِباطٌ وَثيقٌ يجمع هذه الأمة، من محيطِها إلى خليجِها، وإن اختلفَت أقطارُها وتباعَدَت، ومن هنا أن قال أميرُ الشعراء أحمد شوقي:
ويَجمَعُنا إذا اختَلَفَت دِيارٌ بَيانٌ غيرُ مُختَلِفٍ ونُطْقُ
فإذا ما تهاوَنَّا في شأنِ الفُصحى، ورَضِينا بنشر العاميَّة مكتوبةً، في إحدى أهم وسائل الإعلام، فإن هذا سيرسِّخ الضَّعفَ اللغويَّ عندنا، وسيعمِّق الهُوَّة بيننا وبين الفُصحى إلى أغوارٍ سحيقةٍ بعيدة، وسيزيد الطِّين بِلَّةً، والخَرقَ اتِّساعًا، في وقتٍ نحن أحوجُ ما نكون فيه إلى ما يوحِّد صفوفَنا، ويؤلِّف بين قُلوبنا، ويجعلُنا جسدًا واحدًا.
وبعدُ، فإن وِزارات الإعلام في بلادِنا ومجامعَ اللغة العربيَّة، ما انفَكَّت تَعقِدُ الندوات، وتُصدِرُ التوصيات والقرارات؛ بضَرورة اعتماد الفُصحى لغةً للإعلام في وسائله المختلِفَة، وتؤكِّد ضرورةَ مراقبةِ لغةِ الإعلانات، واستعمالِ اللغةِ السليمة فيها. ولم يبقَ إلا أن توضعَ هذه التوصياتُ والقَراراتُ في قيدِ التنفيذ والممارسة؛ لنحافظَ على لغتنا العربيَّة سليمةً معافاة، ومن ثَمَّ نحافظُ على هُوِيَّتنا وأصالتِنا.(/2)
العنوان: لغتنا الجميلة (1 - 3)
رقم المقالة: 924
صاحب المقالة: أيمن بن أحمد ذوالغنى
-----------------------------------------
لغتنا الجميلة (1)
لغتُنا العربية لغةٌ عبقريَّة شريفة، ثريَّةُ الألفاظ، دقيقةُ المعاني، تختلفُ دلالةُ الكلمة الواحدة من كلماتها باختلافِ حركة حرفٍ واحد من حروفها، وخيرُ ما يُمثَّل به في هذا المقام كلمة: ((البر))، فإن معناها يختلفُ باختلاف حركة الباء منها اختلافًا ظاهرًا، فالبُرُّ (بضمِّها): حَبُّ القَمح. والبِرُّ (بكسرها): الطَّاعةُ والصِّدقُ والصَّلاح والإحسان. والبَرُّ (بفتحها): اليابسةُ (ضدُّ البحر)، وصفةٌ للرجُل الصَّادق كثيرِ الطَّاعة، واسمٌ من أسماء الله تعالى الحُسنى.
وكثيرًا ما يقعُ المتكلِّمون والكَتَبَةُ في أخطاءٍ جَسيمةٍ من جرَّاءِ الخطأ في ضبطِ حرف واحد، فيُزيلون اللفظَ عن وجهه الصَّحيح، ويُحيلون الكلامَ عن معناه المراد.
وممَّا يدخلُ في هذه البابَة: الخطأُ في ضبط كلمة ((عنان))، فيقولون مثلاً: "بلغَ الغُبارُ عِنانَ السماء"، و"طاوَلَتِ الأحزانُ العِنانَ"، فيكسرون العينَ منها، فينأَونَ بها عما يَرومون ويقصِدون، وكان عليهم أن يفتحوا العينَ ليصيبوا مرادَهم، فالفرقُ شاسعٌ بين العِنان والعَنان.
أما العِنانُ (بالكسر): فهو سَيرُ اللِّجام الذي تُمسَك به الدابَّة وتُقاد. فهل للسَّماء من لِجامٍ تُقاد به وتُساق ؟!
وأما العَنانُ (بالفتح): فهو السَّحابُ، وما علا من السَّماء وارتفَع، وما يبدو من السَّماء للنَّاظر إليها.
ومن هنا كان الصَّوابَ الصُّراحَ فتحُ العين من كلمة (عنان) في المثالَين السابقَين، فنقول: "بلغَ الغُبارُ عَنانَ السماء"، و"طاوَلَتِ الأحزانُ العَنانَ". أما إذا قُلنا: "أخذَ الحادي بعِنانِ الناقة" فإننا نكسر العينَ من (عنان)، وبهذا نكونُ قد وضَعنا كلَّ لفظ في موضعه الصَّحيح، وهذا عينُ الحقِّ والصَّواب.(/1)
- نشرت في مجلَّة الرسالة التي تصدرها الشؤون الدينيَّة بمجموعة الجريسي بالرياض، العدد (20)، شهر ذي الحجَّة 1424 هـ.
- ونشرت في مجلَّة منارات السعوديَّة، العدد (15)، شهر ذي الحجَّة 1426 هـ.
لغتنا الجميلة (2)
تقدَّم في الحَلْقة السابقة بيانُ أهميَّة تحرِّي الصواب في ضبط الألفاظ، وما قد ينشأُ عن تغيير ضبط حرفٍ واحدٍ من فسادٍ في المعنى، ومخالفةٍ لقصد المتكلِّم.
ونَعرِضُ في هذه الحَلْقة لخطأ كثيرًا ما نسمعُه من الخطباء والمتكلِّمين، يَجنَحون إليه في مَعرِض الإطراء والثناء على بعض أهل العلم والثقافة، فيقولون: "فُلانٌ كُنَيِّفٌ مُلِئَ عِلمًا" (بتشديد الياء من كنيف وكسرها)، ظانِّينَ أنهم بقولهم المذكور قد أبانوا عن منزلةِ ممدوحهم الرفيعةِ في العلم، وأنه راسخٌ فيه، محيطٌ بجَنَباته.
وما دَرى أولئك المتكلِّمون أنهم بكلامهم الآنِف قد أساؤوا من حيثُ أرادوا الإحسان، وأنَّ ما حسِبوه مدحًا وتكريمًا ما هو إلا هجاءٌ مرٌّ مُقْذِع، وكان عليهم ليُصيبوا غرضَهم أن يقولوا: "فُلانٌ كُنَيْفٌ مُلِئَ عِلمًا" (بسكون الياء من كنيف).
فالبَونُ بين (الكُنَيِّف) و(الكُنَيْف) بعيدٌ، جِدُّ بعيد، ودونَكُم البيانَ:
أما الكُنَيِّفُ (بتشديد الياء المكسورة) فتصغيرُ كَنِيْف، والكَنِيْفُ: هو بيتُ الخَلاء المِرْحاض، وهو الحَظيرةُ من خشبٍ أو شجرٍ للإبِلِ والغَنَم، وهو الساتِرُ.
وأما الكُنَيْفُ (بسكون الياء) فتصغيرُ كِنْف، والكِنْفُ: هو الوِعاءُ (مثل الحقيبة) يضعُ فيه الراعي والصانعُ أدواتهما ومَتاعَهما. قال الفيُّومي: وبتصغيره (أي: كُنَيْف) أُطلِق على الشخص للتعظيم اهـ.
هذا وقد كان أميرُ المؤمنين عمرُ الفاروقُ رضي الله عنه يُعلي من شأن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، ويُنَوِّه بمكانته في العلم، ويُزكِّي بصيرتَه في الفقه بقوله: ((ابنُ مسعودٍ كُنَيْفٌ مُلِئَ عِلمًا)).(/2)
- نشرت في مجلَّة الرسالة التي تصدرها الشؤون الدينيَّة بمجموعة الجريسي بالرياض، العدد (22)، شهر صفر 1425 هـ.
- نشرت في مجلَّة منارات السعوديَّة، العدد (16)، شهر المحرَّم 1427 هـ.
لغتنا الجميلة (3)
لكلِّ لفظ في العربيَّة معنًى وُضِع له، وقد يدلُّ اللفظ الواحد على غير ما معنًى، وإذا ما أُلبِس اللفظُ معنًى غيرَ معناه الأصيل، أفضى ذلك إلى لَبْس وخَلْط وفساد، وتَحْفِلُ عاميَّاتُنا اليومَ بالكثير من الألفاظ المزالة عن معانيها، ولا تخفى الخطورةُ الكبيرة إذا ما اتصلت دلالاتُ تلك الألفاظ بأحكام شرعيَّة، يترتَّبُ عليها ثوابٌ وعقاب، وقَبولٌ ورد، فألفاظُ الشريعة يجب أن تُنزَّل على المعاني التي وُضِعت لها، لا على معانٍ أحدثَتها العامَّة.
فمن ذلك: إطلاقُ العامَّة لفظَ ((الكَعْب)) اسمًا لمؤخَّر القدم، ومعلومٌ أن الشارعَ أمرنا في الوضوء بغَسْل القدمَين مع الكعبين، ولا يصحُّ الوضوء إلا به، ومن هنا وَجَبَ معرفةُ المراد بالكعبين، أما مؤخَّر القدم فالصَّواب أن اسمه: ((العَقِب))، وهو المقصود في قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ((وَيلٌ للأعقابِ منَ النار)) [ البخاري (165) ] أي: ويلٌ لتارك غسلها في الوضوء، وأما الكَعْب: فهو العَظْمُ الناشِزُ (البارز) في جانب القَدَم، عند مُلتقى الساق والقَدَم، فيكونُ لكلِّ قَدَم كعبان، كَعْبٌ عن يَمنتِها وكَعْبٌ عن يَسرتِها.
ومن ذلك أيضًا: تسميتُهم مَوْصِلَ الذِّراع في العَضُد: ((الكُوْع))، والصَّواب أن اسمه: ((المَرْفِق))، وقد أُمرنا بغَسْله مع اليد في الوضوء، وأما الكُوْع: فهو العَظْم الذي في الرُّسْغ (الرسغ: مَفصِل الكفِّ) يلي الإبهامَ.(/3)
ومنها أيضًا: ما يكون في قولهم: يسجد المصلِّي على جَبينه، والصَّواب: يسجد على جَبهته؛ لأن الجَبْهَة هي: موضع السجود، وهي مُستَوى ما بين الحاجِبَين إلى مقدَّم شعر الرأس. وأما الجَبِين: فهو ما فوقَ الصُّدْغ (الصدغ: جانب الرأس بين العين والأذن)، فثَمَّة جَبينان: جَبينٌ عن يمين الجبهة، وجَبينٌ عن يسارها.
- نشرت في مجلَّة الرسالة التي تصدرها الشؤون الدينيَّة بمجموعة الجريسي بالرياض، العدد (23)، شهر ربيع الأوَّل 1425 هـ.
- نشرت في مجلَّة منارات السعوديَّة، العدد (17)، شهر صفر 1427 هـ.(/4)
العنوان: لغتنا الجميلة (4 - 5)
رقم المقالة: 1008
صاحب المقالة: أيمن بن أحمد ذوالغنى
-----------------------------------------
لغتنا الجميلة (4)
أجمع العربُ قديمًا وحديثًا على أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أفصحُ من نطق بالضَّاد، وأنه أُوتيَ جوامعَ الكَلِم، وأن كلامَه أبلغُ كلامٍ بعد كلام الله المعجِز؛ القرآن الكريم. ومن هنا كانت سنَّته القَوليَّة مصدرًا رئيسًا من مصادر العربيَّة، وميزانًا دقيقًا للفَصيح من القَول، ومثالاً يُحْتَذى لطالب البيان وناشِد التبيين.
وإن تعجَبْ فعَجَبٌ أن يتطرَّقَ اللحنُ والخَطَلُ إلى أحاديثِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، على ألسنتنا وأقلامنا؛ لأنها - على ما ألْمَعْنا - ميزانٌ، وإذا اختلَّ الميزان وقعَ من الفساد ما يَهول.
فالحِرصُ على أداء ألفاظ السنَّة النبويَّة على الوَجْه الصحيح الذي انتهَت به إلينا واجبٌ شرعيٌّ وعلميٌّ، لا يُقبَل التهاونُ به بحال.
ومما يلحَنون فيه - كتابةً ونُطقًا - من حديث النبيِّ صلى الله عليه وسلم:
قولُه في الحثِّ على إكرام الزوجة وحُسن عِشرتها: ((لا يَفْرَك مؤمنٌ مؤمنةً، إن كَرِهَ منها خُلُقًا رَضِيَ منها آخَرَ)) [أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة]، فيَضبِطونَه: (يفرُك) بضم الراء، وهو خطأٌ مُفسِد للمعنى، والصَّواب في ضبطه: (يَفْرَك) بفتح الراء، ومعناه: يُبْغِض، يقال: فَرِكَ الرجلُ امرأتَه يَفْرَكُها: إذا أبغَضَها.
وأكثرُ ما يُستعمَل هذا الفعلُ في بِغْضَة الزوجين، أي: بُغْض الرجل زوجتَه، أو بُغْضها إياه. وأما (يَفْرُك) فمعناه: يدلُك ويَحُتُّ، يقال: فَرَكَ الرجلُ السنبلَ والثوبَ ونحوَهما يَفْرُكُه: إذا دَلَكَه وحَتَّه بيده.(/1)
ومن ذلك أيضًا: ما يقعُ في ضبط الحديث: ((الحبَّةُ السوداءُ شِفاءٌ من كلِّ داءٍ إلا السَّامَ)) [ متفقٌ عليه من حديث أبي هريرة ]، فيَضبِطونه: (إلا السَّامَّ) بتشديد الميم؛ ظنًّا منهم أن المُرادَ بها: ما فيه السَّمُّ، وجذرَها (س م م)، وليس بذاك، والصَّواب فيها أنها مخفَّفةُ الميم، أي: (إلا السَّامَ) وهو: الموت، من الجذر (س و م)، والألفُ فيها منقلبةٌ عن واو.
- نشرت في مجلَّة الرسالة التي تصدرها الشؤون الدينيَّة بمجموعة الجريسي بالرياض، العدد (24) ، شهر ربيع الآخر 1425 هـ.
- ونشرت في مجلَّة منارات السعوديَّة، العدد (5)، شهر صفر 1426 هـ.
لغتنا الجميلة (5)
تقدَّم التنبيهُ على ضرورة نِشْدان الصواب في أداء ألفاظ السنَّة النبويَّة؛ فالحرصُ على أدائها على الوَجه الصحيح واجبٌ شرعيٌّ وعلميٌّ، لا يجوزُ التهاونُ به البتَّةَ.
ومما يلحَن فيه بعض الناس ويُخطِئون في ضَبطه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:
قولُه مبيِّنًا أن الله سبحانه قد كتب لكلِّ مخلوق أجلاً، وقدَّر له رزقًا، وما على العبد إلا أن يسعى لتحصيل الرِّزق من الطُّرق الحلال، قال صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثَ في رُوْعي؛ أن نَفْسًا لن تموتَ حتى تَسْتكمِلَ رزقَها؛ فاتَّقوا الله، وأَجْمِلوا في الطَّلَب)) [ أخرجه ابن أبي الدنيا في القناعة، والبيهقي في شُعَب الإيمان، من حديث ابن مسعود ]، فيَضبِطونَه: (في رَوْعي) بفتح الراء، وهو ضبطٌ مفسدٌ للمعنى، والصواب: ضمُّ الراء (في رُوْعي)؛ لأن الرُّوْع هو: القلبُ والنفْسُ، والذِّهنُ والعَقلُ.
والمراد: أن رُوحَ القُدُس - وهو: جبريلُ عليه السلام – نَفَثَ، أي: نفخَ - وَحْيًا وإلهامًا - في قلب النبيِّ صلى الله عليه وسلم ونفْسِه بالأمر المذكور.
وأما الرَّوْع بالفتح فهو: الفَزَعُ والخَوفُ، وهو غيرُ مرادٍ هنا.(/2)
ومن ذلك أيضًا: قولُه صلى الله عليه وسلم في بيان أهميَّة الدعوة إلى الله، وعِظَم أجر من يَهدي اللهُ به الشاردينَ الضالِّين، مخاطبًا خَتَنَه (زوج ابنته) وابنَ عمِّه عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه: ((فَوَاللهِ، لأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رجُلاً واحِدًا خَيرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ))[متفقٌ عليه من حديث سهل بن سعد]، فيَضبِطونَه: (النِّعَم) بكسر النون المشدَّدة؛ لتوهُّمِهم أنها جمعُ نِعْمَة، والحقُّ أنها (النَّعَم) بفتح النون المشدَّدة، وهو جمعٌ لا واحدَ له من لفظِه، يُطلَق على جماعة الإبِلِ والبَقَر والغَنَم،وأكثرُ ما يُطلَق على الإبِلِ خاصَّة، والمراد بحُمْر النَّعَم: كرائمُها وخِيارُها، قال الفيُّومي: وهو مَثَلٌ في كلِّ نفيس ((المصباح المنير)) (ح م ر). والعربُ تقول: خيرُ الإبِلِ حُمْرُها وصُهْبُها (الناقة الصَّهْباء هي: الشَّقْراء أو الحَمْراء).
- نشرت في مجلَّة الرسالة التي تصدرها الشؤون الدينيَّة بمجموعة الجريسي بالرياض، العدد (25) ، شهر جمادى الأولى 1425 هـ.
- نشرت في مجلَّة منارات السعوديَّة، العدد (6)، شهر ربيع الأول 1426 هـ.(/3)
العنوان: لغتنا الجميلة (6 - 8)
رقم المقالة: 1079
صاحب المقالة: أيمن بن أحمد ذوالغنى
-----------------------------------------
لغتنا الجميلة (6)
إذا اعترضَت طريقَ العبد عَقَبةٌ كَؤودٌ، أو استَعصى عليه أمرٌ من أمور الدُّنيا، فسبيلُه الصَّبرُ والالتجاءُ إلى الله بالدعاء، وقد علَّمَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم دعاءً تُذلَّل به الصِّعابُ، وتيسَّر به المشاقُّ، وهو قوله: ((اللهُمَّ لا سَهْلَ إلا ما جَعَلتَهُ سَهْلاً، وأنت تَجعَلُ الحَزْنَ إذا شئتَ سَهْلاً)) [أخرجه ابن حبان من حديث أنس]، فالله وَحدَه القادرُ على تَفريج الكُروب، وتيسير العَسير.
والحَزْنُ (بفتح الحاء، وسكون الزاي): ما غَلُظَ من الأرض وخَشُنَ وارتَفَع.
ومعناهُ في هذا الحديث: كلُّ أمر شاقٍّ وَعْر مُتَصَعِّب، وهو ضدُّ السَّهْل الهيِّن.
وما أكثرَ ما يُخطئ الخطباءُ والكَتَبَةُ فيضبطونها: الحَزَن (بفتح الحاء والزاي)، فيُحيلون المعنى عن وجهه المراد؛ لأن الحَزَن كالحُزْن، وهو: الهَمُّ والغَمُّ، ومنه قوله تعالى:{الحَمدُ لله الَّذي أذْهَبَ عنَّا الحَزَن}[فاطر / 34].
ومما يقعُ الوَهَمُ في ضبطه من حديث النبيِّ صلى الله عليه وسلم: قولُه: ((مَطْلُ الغَنيِّ ظُلمٌ)) [متفق عليه من حديث أبي هريرة]، فيقولون: مُطْل (بضم الميم)، والصواب: مَطْل (بفتحها)، والمَطْلُ: هو تأجيلُ مَوعِد الوَفاء بالحقِّ وتَسويفُه مرَّة بعد أُخرى.
وقد عدَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فاعلَ ذلك - مع قُدرته على أداء الحقِّ (من دَيْن، أو أُجْرة، أو مُكافَأة ...) - ظالمًا، وقد حرَّم الله سبحانه الظُّلمَ على نفسه، وجعَلَه بين الناس مُحرَّمًا، فيا لسوء عاقبة الظَّلَمة من الأثرياء المُوسِرين الذين يَمطُلونَ عمَّالهم وموظَّفيهم حقوقَهم !!(/1)
ومنه أيضًا: قولُه صلى الله عليه وسلم: ((لا رُقْيَةَ إلاَّ مِن عَينٍ أو حُمَة)) [أخرجه أحمد من حديث عِمرانَ بن حُصَين] فيضبطونها: حُمَّة (بتشديد الميم)، والحُمَّةُ والحُمَّى بمعنًى واحد، وهو: ارتفاعُ حرارة الجسم من مَرَضٍ وعِلَّة [من الجذر (ح م م)]، وليس هذا المرادَ في حديثنا، والصوابُ فيها: تخفيفُ الميم، حُمَة [من الجذر (ح م ي)]، وهي: سَمُّ كلِّ ما يَلدَغُ ويَلسَعُ، وتُطلَق أيضًا على الإبْرَة التي بها يُلدَغ ويُلسَع.
- نشرت في مجلَّة الرسالة التي تصدرها الشؤون الدينيَّة بمجموعة الجريسي بالرياض، العدد (26) ، شهر جمادى الآخرة 1425 هـ .
- ونشرت في مجلَّة منارات السعوديَّة، العدد (7)، شهر ربيع الآخر 1426 هـ .
لغتنا الجميلة (7)
تقدَّم في حَلَقات سابقة التنبيهُ على مجموعة من الأخطاء والأوهام التي تقعُ في ضبط بعض ألفاظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبيَّنَّا خطورةَ الخطأ فيها، وما قد يترتَّب على ذلك من خَلط في المعنى وفساد.
ونَعرضُ في هذه الحَلْقَة لخطأ يقعُ فيه خواصُّ طلبة العلم، بَلْهَ العامَّة، وهو: ضبطُ الفعل (تعجز) في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((المؤمنُ القَويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله منَ المؤمن الضَّعيف، وفي كُلٍّ خيرٌ، احرِصْ على ما ينفَعُك، واستعِنْ بالله ولا تَعْجِز، وإن أصابَكَ شيءٌ فلا تقُل: لو أنِّي فعَلتُ كان كذا وكذا، ولكنْ قُل: قَدَرُ الله وما شاءَ فعَل؛ فإنَّ لو تفتحُ عملَ الشيطان)) [أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة].(/2)
وقلَّما يُضبَط هذا الفعلُ على الصَّواب، وأكثرُ ما يُضبَط في الكتب رَسمًا، ويَنطِقُ به الخطباءُ والمتكلِّمون لفظًا: (تَعْجَز) بفتح الجيم، وهو خطأٌ مخالفٌ لما نصَّ عليه غيرُ إمام من شُرَّاح كتب السنَّة؛ من أنها: بكسر الجيم؛ لأن الفعلَ (عجز) هنا من العَجْز الذي هو: الضَّعفُ وانقطاعُ الحيلَة دونَ الأمر، فهو بوزن ضَرَبَ، أي: عَجَزَ يَعْجِزُ (بفتح الجيم في الماضي، وكسرها في المضارع).
وأما إذا كان بوزن فَرِحَ، أي: عَجِزَ يَعْجَزُ (بكسر الجيم في الماضي، وفتحها في المضارع) فيكون من العَجيزَة، وهي: مُؤخَّرُ المرأة، يقال: عَجِزَت المرأةُ تَعْجَزُ: إذا عَظُمَت عَجيزَتُها.
وذهب الفرَّاء إلى أن الفعلَ عَجِزَ (بالكسر) من العَجْز: لغةٌ لبعض قَيْس عَيْلان (قبيلة عربية)، وذهب غيرُه إلى أنها لغةٌ رديئةٌ.
قال الفيُّومي: وهذه اللغةُ غيرُ معروفة عند قَيْس عَيْلان، ونقل عن ابن الأعرابيِّ (وهو أحدُ أئمَّة العربيَّة ورواتها المتقدِّمين) قولَه: لا يُقال عَجِزَ الإنسانُ بالكسر: إلا إذا عَظُمَت عَجيزَتُه.
- نشرت في مجلَّة الرسالة التي تصدرها الشؤون الدينيَّة بمجموعة الجريسي بالرياض، العدد ( 28 ) ، شهر شعبان 1425 هـ .
- ونشرت في مجلَّة منارات السعوديَّة، العدد (9)، شهر جمادى الآخرة 1426 هـ .
لغتنا الجميلة (8)
صَعِدَ خطيبٌ المنبرَ في أول جُمُعةٍ من رمضانَ، وألقى خُطبةً بليغةً عصماءَ، عن فضل شهر الصَّوم، يرغِّب فيها المسلمين باغتنام الشَّهر الكريم بالعبادة والطاعات، ويَحُثُّهُم على الإكثار من النَّوافل والقُرُبات.(/3)
وكان مما استشهَدَ به الخطيبُ على فضيلة الصِّيام، قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم : ((الصِّيامُ جُنَّة)) [متفق عليه من حديث أبي هريرة]، ولكنه أخطأ في ضَبطه، وصحَّف نُطقَه، فجعلَه: (جَنَّة) بفتح الجيم، ولم يَفتأ يكرِّر الحديثَ، ويعيدُه مَلحونًا محرَّفًا، يقول: الصِّيامُ جَنَّة، نعم أيها الأُخْوَة، الصِّيامُ جَنَّةٌ عَرضُها السماواتُ والأرضُ، الصِّيامُ جَنَّةٌ فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أُذُنٌ سمعت، ولا خَطَرَ على قلب بشَر. كلُّ هذا وهو يفتح الجيم؛ متوهِّمًا أن المراد في الحديث: الجَنَّة، التي هي دارُ النعيم التي أعدَّها الله في الحياة الآخرة لأهل طاعَته من عباده المؤمنين، جَزاءً وِفاقًا؛ لإحسانهم في الحياة الدُّنيا.
وما إن نزلَ الخطيبُ عن المنبر حتى بادَرَه أحدُ المصلِّين بقوله: ولكنَّ الحديثَ يا شيخنا: ((الصِّيامُ جُنَّة)) بضم الجيم، أي: أنه وِقايَةٌ وسَتْر. فأُسقِطَ في يد الخطيب المسكين، وانقطَعَت دونه مسالكُ الاعتذار، وعَقَدَ لسانَه الاستحياءُ من هذا الموقف الحَرِج العَصيب، الذي لا يُحسَد عليه البتَّة.
ولو أنَّ الخطيبَ اطَّلَع على الروايات الأُخرى للحديث، لكان سَلِمَ مما وَقَعَ فيه، ومن تلك الروايات روايةٌ صريحةٌ بيِّنة، وهي بلفظ: ((الصَّومُ جُنَّةٌ منَ النَّار))، ومن هنا قال الإمامُ ابن العربيِّ المالكيُّ في تفسير الحديث: إنما كانَ الصَّومُ جُنَّةً من النار؛ لأنه إمساكٌ عن الشَّهَوات، والنارُ مَحفوفَةٌ بالشَّهَوات، فالحاصِلُ أنه إذا كَفَّ نفسَه عن الشَّهَوات في الدُّنيا، كان ذلكَ ساتِرًا له من النار في الآخِرة.
- نشرت في مجلَّة الرسالة التي تصدرها الشؤون الدينيَّة بمجموعة الجريسي بالرياض، العدد (29) ، شهر رمضان 1425 هـ .
- ونشرت في مجلَّة منارات السعوديَّة، العدد (12)، شهر رمضان 1426 هـ .(/4)
العنوان: لغتنا الجميلة (9 - 12)
رقم المقالة: 1341
صاحب المقالة: أيمن بن أحمد ذوالغنى
-----------------------------------------
لغتنا الجميلة (9)
حثَّنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على أن نُتبعَ شهرَ الصوم رمضانَ، بصيام ستَّة أيام من شَوَّال، وبيَّن الأجرَ العظيم الذي أعدَّه الله لصائمي تلك الأيام بقوله: ((مَن صامَ رمضانَ، ثم أتبَعَهُ ستًّا من شَوَّالٍ، كانَ كصيامِ الدَّهْرِ)) [أخرجه مسلم من حديث أبي أيوبَ الأنصاري].
ولقد أطلقَ العامَّةُ على هذه الأيام اسمَ: الأيامِ البِيْضِ، وهو خلطٌ منهم ووَهَم؛ ذلك أن الأيامَ الستةَ من شَوَّالٍ لا تسمَّى الأيامَ البِيْضَ، وهذا كغلطهم في إطلاقهم اسمَ صلاة الأوَّابين على ركَعات يُتَنَفَّل بها بين المغرب والعشاء، مع أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم بيَّن لنا في أحاديثَ صريحةٍ: أن صلاةَ الضُّحى هي صلاةُ الأوَّابين.
والصواب: أن أيامَ البِيْضِ التي رغَّبَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في صومها هي: ثلاثةُ أيام محدَّدة من كلِّ شَهر، فعن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه قال: أمَرَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن نصومَ من الشهر ثلاثةَ أيامِ البِيْضِ؛ ثلاثَ عشرةَ، وأربعَ عشرةَ، وخمسَ عشرةَ. [أخرجه ابن حبان]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((صيامُ ثلاثةِ أيامٍ من كلِّ شهرٍ صيامُ الدَّهْر، أيامِ البِيْضِ؛ صبيحةَ ثلاثَ عشرةَ، وأربعَ عشرةَ، وخمسَ عشرةَ)) [أخرجه النَّسائي من حديث جَرير بن عبد الله].
وجعلُهم البيضَ صفةً للأيام، في قولهم: الأيامُ البيضُ، غلطٌ أيضًا، والصواب: أيامُ البيضِ، والمراد: أيامُ الليالي البيضِ، وهي الأيامُ الثلاثةُ المذكورةُ في الحديث. وسمِّيت لياليها بيضًا؛ لأن القمرَ يطلُعُ فيها من أوَّلها إلى آخرها.
قال الجَواليقيُّ: من قال: الأيامُ البيضُ، فجعل البيضَ صفةَ الأيام، فقد أخطأ.(/1)
قال ابن الأثير: وأكثرُ ما تجيءُ الرواية: الأيامُ البيضُ، والصواب: أيامُ البيضِ بالإضافة؛ لأن البيضَ من صفةِ الليالي.
وقال النَّوويُّ: ويقعُ في كثير من كتب الفقه وغيرها: الأيامُ البيضُ، وهو خطأٌ عند أهل العربيَّة، معدودٌ في لحن العامَّة؛ لأن الأيامَ كلَّها بيضٌ، وإنما صوابه: أيامُ البيضِ.
- نشرت في مجلَّة الرسالة التي تصدرها الشؤون الدينيَّة بمجموعة الجريسي بالرياض، العدد (30)، شهر شوال 1425 هـ.
- ونشرت في مجلَّة منارات السعوديَّة، العدد (13)، شهر شوَّال 1426 هـ.
لغتنا الجميلة (10)
لم يدَعْ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من خيرٍ إلا وهَدانا إليه ورغَّبَنا فيه، ولم يَترُك من شرٍّ إلا ونَهانا عنه وحذَّرَنا منه.
ومن الخير الذي حثَّنا عليه: بناءُ المساجدِ وتشييدُها؛ لِما أعدَّ الله سبحانَه لبانيها من الأجر العَظيم والثَّواب الجَزيل في الآخرَة، قال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ بَنى للهِ مَسْجِدًا، ولو كمَفْحَص قَطاةٍ لِبَيْضِها، بَنى اللهُ له بيتًا في الجنَّة)) [أخرجه أحمد من حديث ابن عباس].
ومعنى (مَفْحَص القَطاة): المكانُ الذي تَبيضُ فيه القَطاةُ وتُفَرِّخ.
والقَطاةُ: نوعٌ من الحمام يُضرَب به المثلُ في الاهتِداء.
يُقال: فَحَصَت القَطاةُ فَحْصًا: حَفَرَت في الأرض مَوضِعًا تَبيضُ فيه، واسمُ ذلك الموضِع: (مَفْحَص) بفتح الميم والحاء، وجَمعُه: مَفاحِص.
وخُصَّت القَطاةُ بهذا: لأنَّها لا تبيضُ في شجَر، ولا على رأس جبَل، إنما تجعَلُ مَجْثِمَها على بَسيط الأرض، دون سائر الطَّير.(/2)
هذا وقد حَمَل أكثرُ العلماء قولَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ((ولو كمَفْحَص قَطاة)) على أنه تمثيلٌ على جهَة المبالغَة؛ لأن مِقدارَ مَفْحَص القَطاة لا يكفي للصَّلاة فيه، ويُمكن أن يُحملَ على أنه حَضٌّ على التعاون والتعاضُد في بناء بُيوت الله، وبَيانٌ لعِظَم الأجر على ذلك، حتى لو كانَ نصيبُ الفَرد المشترِك صغيرًا كمَفْحَص القَطاة.
ويخطئُ بعضُ الكتَّاب والخُطَباء فيَضبطونها: (مِفْحَص) بكسر الميم، بوزن (مِفْعَل)، والصَّواب أنها كما تقدم: بفتح الميم (مَفْحَص)، بوزن (مَفْعَل)؛ لأنها اسمُ مكانٍ من الفعل الثلاثيِّ: فَحَصَ، ومضارعُه: يَفحَصُ (مفتوح العين)، وما كان كذلكَ فإن اسم المكان منه يُصاغُ على وزن مَفْعَل.
أما (مِفْعَل): فوزنٌ من أوزان اسم الآلَة، ومنه: مِبْرَد، ومِقْوَد، ومِنْجَل، ومِقَصّ.
- نشرت في مجلَّة الرسالة التي تصدرها الشؤون الدينيَّة بمجموعة الجريسي بالرياض، العدد (32)، شهر ذي الحجة 1425 هـ.
- ونشرت في مجلَّة منارات السعوديَّة، العدد (8)، شهر جمادى الأولى 1426 هـ.
لغتنا الجميلة (11)
تقدَّم في الحَلْقة السابقة بيانُ خطأ بعض الكتَّاب والخطباء في كسرهم الميمَ من كلمة (مَفْحَص) في قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ((... ولو كمَفْحَص قَطاةٍ))، وذكرنا أن الصَّواب فتحُها؛ لأنها اسمُ مكانٍ من الفعل الثلاثيِّ: فَحَصَ، ومضارعُه: يَفحَصُ (مفتوح العين).
واسمُ المكان: هو اسمٌ يدلُّ على مكان الحَدَث.
نقول مثلاً: مَدْخَلُ المسجد واسعٌ، ومَخْرَجُ الحديقَة ضيِّقٌ. فالمدخَل: مكانُ الدخول، والمخرَج: مكانُ الخروج.
وقاعدةُ صَوغ اسم المكان هيِّنَة يَسيرة، ومعرفتُها تجنِّب المتكلِّمين كثيرًا من اللَّحْن والزَّلَل، وإليكُموها مختصرةً مبيَّنة:
يصاغ اسمُ المكان من الفعل الثُّلاثي على وزنين (مَفْعِل) و (مَفْعَل):(/3)
1- يكونُ على وزن (مَفْعِل): إذا كان مضارعُه مكسورَ العين، صحيحَ الآخر (أي: آخرُه ليس حرفَ علَّة).
من ذلك: مَجْلِس: اسمُ مكان من الفعل جَلَسَ يَجْلِسُ (مكسورَ عين المضارع، وهي هنا: حرفُ اللام).
2- يكونُ على وزن (مَفْعَل): فيما عدا ذلك (أي: حين يكون مضارعُه مفتوحَ العين، أو مضمومَها، أو معتَلَّ الآخر).
من ذلك: مَذْهَب: اسمُ مكان من الفعل ذَهَب يَذْهَب (مفتوحَ عين المضارع، وهي هنا: حرفُ الهاء).
ومَكْتَب: اسمُ مكان من الفعل كَتَبَ يَكْتُب (مضمومَ عين المضارع، وهي هنا: حرفُ التاء).
ومَلْهى: اسمُ مكان من الفعل لَها يَلْهو (معتلَّ الآخر بالواو).
ومَرْمَى: اسمُ مكان من الفعل رَمى يَرْمي (معتلَّ الآخر بالياء).
وبعدُ، فلم يَعُد عَسيرًا الاهتداءُ إلى الصَّواب في ضَبط كثير من أسماء المكان التي شاعَ الخطأُ في ضَبطها، كتابةً ونُطقًا، ومنها:
(مَخْبِز، ومَعْرِض، ومَخْفِر، ومَحْفِل، ومَدْفِن، ومَقْصِف، ومَغْرِس، ومَحْبِس)، فكلُّها بوزن (مَفْعِل)؛ لأن المضارعَ منها مكسورُ العين.
- نشرت في مجلَّة الرسالة التي تصدرها الشؤون الدينيَّة بمجموعة الجريسي بالرياض، العدد (33)، شهر المحرم 1426 هـ.
- ونشرت في مجلَّة منارات السعوديَّة، العدد (21)، شهرا رجب وشعبان 1427 هـ.
لغتنا الجميلة (12)
بيَّنَّا في الحَلْقَة السابقة القاعدةَ الضابطةَ لصَوْغ اسم المكان من الفعل الثُّلاثي، وهي قاعدةٌ مطَّردَة لم يشُذَّ عنها إلا ألفاظٌ يسيرةٌ سُمعَت عن العرب الفُصَحاء بوزن (مَفْعِل)، مع أنها مضمومةُ عين المُضارع، وأشهَرُها: مَطْلِع، ومَشْرِق، ومَغْرِب، ومَسْجِد.
ويَحسُن بنا استكمالاً للفائدة أن نذكرَ في هذه الحَلْقَة قاعدةَ صَوْغ اسم المكان من غير الثُّلاثي.
يُصاغ اسمُ المكان من الفعل غير الثُّلاثي: على وزن اسم المفعول،(/4)
أي: على وزن الفعل المُضارع مع إبدالِ حَرف المُضارَعَة ميمًا مضمومَة وفتحِ ما قبلَ الآخِر [أحرفُ المُضارَعَة هي أحرفُ (أنيت) أي: الهمزة والنون والياء والتاء، ولا يُبتَدَأُ الفعلُ المضارعُ إلا بأحدها].
فاسمُ المكان من الفعل الرُّباعيِّ (دحرج يُدَحرِج): مُدَحْرَج، نقول: الملعَبُ مُدَحْرَجُ الكُرَة، أي: مكانُ دَحرَجَتها.
واسمُ المكان من الفعل الخُماسيِّ (انطلق يَنطَلِق): مُنْطَلَق، نقول: مُنْطَلَقُنا إلى الرِّحلة محطَّةُ الحافلات، أي: مكانُ انْطِلاقِنا.
واسمُ المكان من الفعل السُّداسيِّ (استخرج يَسْتَخرِج): مُسْتَخْرَج، نقول: أعماقُ البحار مُسْتَخْرَجُ اللآلئِ والدُّرَر، أي: مكانُ استِخْراجِها.
هذا، ويُصاغُ اسمُ المكان من الأسماء على وزن (مَفْعَلَة) بفتح العين، للدَّلالة على كثرة الشَّيء في ذلك المكان.
فالمكانُ الذي يكثُر فيه الأُسُود يسمَّى: مَأْسَدَة، والذي يكثُر فيه السِّباع يسمَّى: مَسْبَعَة، والذي يكثُر فيه الذِّئاب يسمَّى: مَذْأَبَة، والذي يكثُر فيه العِنَب يسمَّى: مَعْنَبَة، والذي يكثُر فيه البِطِّيخ [بكسر الباء، وفتحُها لحنٌ] يسمَّى: مَبْطَخَة، والذي يكثُر فيه القَمْح يسمَّى: مَقْمَحَة.
- نشرت في مجلَّة الرسالة التي تصدرها الشؤون الدينيَّة بمجموعة الجريسي بالرياض، العدد (34)، شهر صفر 1426 هـ.
- ونشرت في مجلَّة منارات السعوديَّة، العدد (22)، شهر رمضان 1427 هـ.(/5)
العنوان: لغتنا الجميلة (13 - 15)
رقم المقالة: 1559
صاحب المقالة: أيمن بن أحمد ذوالغنى
-----------------------------------------
لغتنا الجميلة (13)
شاعَ في لغة الكتَّاب والخطباء اليومَ أنواعٌ من اللَّحْن والغَلَط، ولعلَّ من أكثر أضْرُب الخطأ ذُيوعًا: التخليطَ في أبنية الأسماء والأفعال، مع أن كثيرًا من هذه الأسماء والأفعال تكون واردةً على وَجهها الصَّحيح في الكتاب العَزيز وفي السنَّة النبويَّة المشرَّفَة.
ومن الأفعال التي يَكثُر الخطأ في ضَبطها: الفعل (يلبس)، فقلَّما يُصَرِّفونه من بابه الصحيح، ومن ذلك ما يَستشهدُ به بعضُ الوعَّاظ من حديثٍ يُروى عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يَخرُجُ في آخِرِ الزَّمان رجالٌ يَخْتِلونَ الدُّنيا بالدِّين، يَلْبَسُونَ للناسِ جُلودَ الضَّأْن من اللِّين، ألسِنَتُهُم أحلى من السُّكَّر، وقُلوبُهُم قُلوبُ الذِّئابِ..)) [أخرجه الترمذي، وهو حديث ضعيف].
والمرادُ بقوله: يَخْتِلونَ الدُّنيا بالدِّين، أي: يَطْلُبونَ الدُّنيا بعمل الآخِرَة.
وقوله: يَلْبَسُونَ للناسِ جُلودَ الضَّأْن: كنايةٌ عن إظهار اللِّين للناس، مع أن قلوبَهم تُكِنُّ خلافَ ذلك، وهو وَصْفٌ للمُنافقينَ الذين قال الله عنهم: {ومِنَ النَّاسِ مَن يُعجِبُكَ قَولُهُ في الحَياةِ الدُّنيا ويُشْهِدُ اللهَ على ما في قَلْبِهِ وهُوَ ألَدُّ الخِصَام} [البقرة 204].
فيَضْبطونَ قوله (يلبسون): بكسر الباء، وهو خطأٌ يَجْنَحُ بالمعنى عن وَجهه.
والصَّواب: أن هذا الفعلَ - في هذا السِّياق - من باب (تَعِبَ)، نقول: لَبِسَ الرجلُ الثَّوبَ يَلْبَسُه (بكسر الباء في الماضي، وفتحها في المضارع): إذا استَتَر به وأفرَغَه على جِسْمِه.(/1)
وقد وردَ الفعلُ بهذا المعنى في مواضِعَ من كتاب الله تعالى، منها قولُه سبحانَه في وَصْف أهل الجنَّة من المؤمنينَ المحسنين: {يَلْبَسُونَ من سُنْدُسٍ وإسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلينَ} [الدخان 53]، ومنها قولُه: {وهُوَ الَّذي سَخَّرَ البَحْرَ لِتَأكُلُوا مِنهُ لحَمًا طَرِيًّا وتَسْتَخْرِجُوا مِنهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها} [النحل 14].
ويأتي هذا الفعلُ من باب (ضَرَبَ) ولكن بمعنى: الخَلْط، يقال: لَبَسَ عليه الأمرَ يَلْبِسُه أي: خَلَطَه عليه وجَعَلَه مُشْكِلاً حتى لا يَعرفَ حقيقَتَه.
ومنه قولُه تعالى: {ولا تَلْبِسُوا الحَقَّ بالباطِلِ وتَكْتُمُوا الحَقَّ وأنتُم تَعْلَمُونَ} [البقرة 42]، وقولُه: {الَّذينَ آمَنُوا ولم يَلْبِسُوا إيمانَهُم بِظُلْمٍ أولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام 82].
- نشرت في مجلَّة الرسالة التي تصدرها الشؤون الدينيَّة بمجموعة الجريسي بالرياض، العدد (35) ، شهر ربيع الآخر 1426هـ.
- ونشرت في مجلَّة منارات السعوديَّة، العدد (10)، شهر رجب 1426هـ.
لغتنا الجميلة (14)
تتصرَّفُ الأفعالُ الثلاثيَّةُ المجرَّدةُ في العربيَّة من ستَّة أبواب؛ تَضْبطُ حركةَ عين الفعل في الماضي والمضارع، وقد جُمعَت هذه الأبوابُ - مرتَّبةً بحَسَبِ كَثْرَة دَوَرانها - في بيتٍ من النَّظْم هو:
فَتحُ ضَمٍّ، فَتحُ كَسرٍ، فَتحَتانْ كَسرُ فَتحٍ، ضَمُّ ضَمٍّ، كَسرَتانْ
فالبابُ الأوَّلُ وزنُه: (فَعَلَ يَفْعُلُ)؛ مثالُه: نَصَرَ يَنْصُرُ،
والبابُ الثاني وزنُه: (فَعَلَ يَفْعِلُ)؛ مثالُه: ضَرَبَ يَضْرِبُ،
والثالثُ وزنُه: (فَعَلَ يَفْعَلُ)؛ مثالُه: فَتَحَ يَفْتَحُ،
والرابعُ وزنُه: (فَعِلَ يَفْعَلُ)؛ مثالُه: فَرِحَ يَفْرَحُ،
والخامسُ وزنُه: (فَعُلَ يَفْعُلُ)؛ مثالُه: كَرُمَ يَكْرُمُ،
والسادسُ وزنُه: (فَعِلَ يَفْعِلُ)؛ مثالُه: حَسِبَ يَحْسِبُ.(/2)
وقد يأتي الفعلُ الواحدُ من بابَين أو أكثَرَ، بمعنًى واحدٍ، أو بمعانٍ مختلفَةٍ، ولا بُدَّ من تحرِّي الدقَّةِ في ضَبْط هذه الأفعال، وتَجَنُّبِ الخَلْط بينها.
ومنَ الأفعال التي قلَّما يُصيبُ الكتَّابُ والخُطَباءُ في ضَبطها: الفعلُ (يكبر) في قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ((رُفِعَ القَلَمُ عَن ثَلاثَةٍ: عَن النَّائمِ حَتَّى يَسْتَيقِظَ، وعَن المُبْتَلى حَتَّى يَبْرَأَ، وعَن الصَّبِيِّ حَتَّى يَكْبَرَ)) [أخرجه أبو داود من حديث أم المؤمنين عائشة]؛
فإنَّهُم يَضْبطونَه (يَكْبُر) بضَمِّ الباء، والصَّوابُ فَتحُها: (يَكْبَر)، فهذا الفعلُ يكونُ من الباب الرابع إذا أُريدَ به التقَدُّمُ في السِّنِّ؛ نقول: كَبِرَ الرجُلُ - أو الحَيَوانُ - يَكْبَرُ: إذا تقَدَّمَ في السِّنِّ.
ومنه قَولُه تعالى: {وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ} [النساء: 6]. والمُراد: لا تأكُلوا أموالَ اليَتامى مُسرِفينَ ومُبادرِينَ كِبَرَهُم، أي: مُسارِعينَ في إنفاقِها؛ مَخافَةَ أن يَكْبَروا فيأخُذوها منكُم.
ويكونُ هذا الفعلُ من الباب الخامس، إذا قُصِدَ به العِظَمُ، نقول: كَبُرَ الهَمُّ يَكْبُرُ: إذا عَظُمَ. ومن ذلك قَولُه تعالى: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا} [الكهف: 5].
قال الزَّمَخْشَريُّ في ((أساس البلاغة)): كَبُرَ الرجُلُ في قَدْرِهِ، وكَبِرَ في سِنِّهِ.
- نشرت في مجلَّة الرسالة التي تصدرها الشؤون الدينيَّة بمجموعة الجريسي بالرياض، العدد (37) ، شهر جمادى الأولى 1426هـ.
- ونشرت في مجلَّة منارات السعوديَّة، العدد (11)، شهر شعبان 1426هـ.
لغتنا الجميلة (15)(/3)
الإسلامُ دينُ الفِطرَة، وشريعَتُه شريعَةٌ سَمْحَة، تقدِّر أحوالَ المؤمنين وحاجاتِهم، فلا تُعْنِتُهُم ولا تُكَلِّفُهُم من أمرِهم عُسْرا، بل تَنأى بهم عن المشَقَّة والعُسْر إلى التخفيف واليُسْر.
ومن هدي النبيِّ صلى الله عليه وسلم في التيسير: توجيهُه المصلِّيَ الذي يجدُ في صلاة الليل النُّعاسَ والإعياءَ، إلى أن يُخْلِدَ إلى الرَّاحَة والدَّعَة، حتى يذهبَ عنه النومُ والنَّصَب، ثم يقومَ ويصلِّيَ ما شاء من الركَعات؛ نَشيطَ الجسَد، حاضِرَ القلب والعقل؛ لأن الصَّلاةَ تَضيع ثَمَرتُها المُرْتَجاةُ وتَفقِدُ معناها مع ثِقَلِ الرأسِ ووَطْأَة النَّعْسِ، بل قد يَفُوهُ الناعسُ في صلاته بما لا يَليق من كلام.
يقول صلى الله عليه وسلم : ((إذا نَعَسَ أحَدُكُمْ وهُوَ يُصَلِّي فَلْيَرْقُد حتَّى يَذْهَبَ عنهُ النَّومُ؛ فإنَّ أحَدَكُم إذا صَلَّى وهُوَ ناعِسٌ، لعَلَّهُ يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ فيَسُبُّ نَفْسَه)) [متفق عليه من حديث عائشة].
وما يعنينا التنبيهُ عليه في قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم هو الفعلُ (نعس)، فقلَّما يُصَرَّفُ من بابه الصَّحيح، وغالبًا ما يُضْبَط خَطأً: نَعِسَ، يقولون مثلاً: نَعِسَ الطِّفلُ يَنْعَسُ، متوهِّمينَ أن هذا الفعلَ من الباب الرابع (باب: فرح)،
والصَّواب: أنه من الباب الأول (باب: نصر)، نقول: نَعَسَ الطِّفلُ يَنْعُسُ، ويأتي في لغةٍ أُخرى من الباب الثالث (باب: فتح)، نقول: نَعَسَ الطِّفلُ يَنْعَسُ،
وبهذا نلاحظُ أن الفعلَ (نعس) لا يكون في الماضي إلا مفتوحَ العين، في حينِ يجوزُ في مُضارعه الضَّمُّ والفَتحُ.(/4)
ومن الأفعال التي يكثُرُ الخطأُ في ضَبْطها أيضًا: الفعل (يعمد)، ففي الحديث عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنه: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتَمًا من ذَهَبٍ في يد رجُل، فنَزَعَهُ فطَرَحَهُ، وقال: ((يَعْمِدُ أحَدُكُم إلى جَمْرَةٍ من نارٍ فيَجْعَلُها في يَدِه؟!!))، فقيلَ للرجُل بعدَما ذهبَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : خُذ خاتَمَكَ انتَفِعْ به، قال: لا واللهِ، لا آخُذُه أبدًا وقد طَرَحَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. [أخرجه مسلم].
فالفعلُ (يَعْمِدُ) مضارع (عَمَدَ)، بمعنى: قَصَدَ، يتصَرَّفُ من الباب الثاني (باب: ضرب)، يُقال: عَمَدَ المظلومُ إلى القَضاء يَعْمِدُ، ويُخْطِئُ من يَجعَلُ هذا الفعلَ من الباب الثالث فيقول: عَمَدَ يَعْمَدُ.
ولكنَّه يأتي منَ الباب الرابع، أي: عَمِدَ يَعْمَدُ، ولكن بمعانٍ أُخْرى مُجانِفَةٍ لمعنى (القَصْد) المرادِ في الحديثِ المذكور.
- نشرت في مجلَّة الرسالة التي تصدرها الشؤون الدينيَّة بمجموعة الجريسي بالرياض، العدد (38) ، شهر جمادى الآخرة 1426هـ.
- ونشرت في مجلَّة منارات السعوديَّة، العدد (14)، شهر ذي القعدة 1426هـ.(/5)
العنوان: لقاء مع سماحة الشيخ عبدالله بن عقيل عبر الإذاعة (1)
رقم المقالة: 1651
صاحب المقالة: خاص: الألوكة
-----------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
لقاءان في إذاعة القرآن الكريم ضمن برنامج ((في موكب الدعوة))
مع سماحة الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل
إعداد وتقديم: محمد بن عبدالله المشوَّح
سنة 1419هـ
قام بتفريغهما ومقابلتهما: محمد زياد بن عمر التكلة
(1)
• • • •
[بعد المقدمة والترحيب].
فضيلة الشيخ عبدالله لعلنا نعود قليلا إلى الوراء ونسألكم عن ما يُعرف بمسقط الرأس، أين كانت الولادة والنشأة لفضيلتكم؟
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وُلدت في عنيزة سنة 1335 هجرية، الموافق 1916 ميلادية، ونشأت في كنف والدي رحمه الله، وكان من طلبة العلم ومن الشعراء والأدباء في عنيزة المعروفين، فتعلمت الكتابة على يديه، وعلى يد أخي الشيخ عقيل بن عبدالعزيز بن عقيل قاضي العارضة.
ثم دخلت كُتّاب ابن دامغ: عبدالعزيز بن دامغ، في مسجد أم حمار في عنيزة.
ولما فُتحت مدرسة الأستاذ صالح بن صالح دخلت معهم في الفوج الأول، حينما فتحها في البَرغوش قرب الجادة، وتعلمت فيها ما شاء الله.
ثم قدم الشيخ عبدالله القرعاوي من الهند، يحمل معلومات جديدة، ونصح وإخلاص، وفتح مدرسة في جانب بيته في سوق الفَرْعي بعنيزة، وجعل التعليم مجاناً، فرغب الوالد أن أدخل عنده، لأنه يعلّم الناس العلوم الشرعية: الفقه والحديث والتفسير والنحو، مع بقية العلوم الأخرى التي تعلّمها المدارس، فاستفدنا من الشيخ عبدالله القرعاوي رحمه الله علوما وآدابا وأخلاقا، وكان حريصا على تلاميذه، يُنفق عليهم من عنده، ويُلزمهم بأن يصلوا الصلوات التي توجد عنده، ويتفقدهم.(/1)
ثم بعد ذلك التحقت في طلاب الشيخ عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله، وهو شيخنا وأستاذنا ومعلمنا، وذلك في سنة 1349، وتعلمنا عند الشيخ رحمه الله علوماً عظيمة، من الفقه والتوحيد والتفسير وغيرها.
وفي آخر سنة 1353 أوعز الملك عبدالعزيز رحمه الله إلى الشيخ عمر بن سليم رحمه الله رئيس قضاة القصيم بأن يختار بضعة عشر من طلبة العلم والمشايخ؛ ليبعثهم إلى منطقة جازان، يكونون قضاة ودعاة ومرشدين، فصار اختيار عمنا الشيخ عبدالرحمن بن عقيل منهم، وكذلك شملني الأمر، وذهبت معهم، فسافرنا مع الشيخ عمر بن سليم رحمه الله إلى مكة للحج سنة 53، وحججنا مع الملك عبدالعزيز، وقابلناه مراراً، وحضرنا مجالسه رحمه الله، ودروسه التي كان تُلقى في مجلسه بعد صلاة العشاء: يجعل جلسة خاصة للمشايخ، في مكة، في قصر السقاف، في سطح هناك كبير، يجلسون الناس على كرويتات، وأمامهم مروحة جلّاسية، لأن الوقت حر، فإذا مرّت من عند أحدهم تنسّم نسيم البَرَاد.
كان الملك عبدالعزيز يجلس هذه المجالس في أثناء الحج؟
أيام الحج يجلس هو ورؤساء الوفود ويجلس هو وكبار المشايخ، لكن بعد العشاء جلسة رسمية للمشايخ، يحضر فيها الشيخ عبدالله بن حسن رئيس القضاة، والشيخ محمد بن مانع، ومشايخ مكة، وأئمة الحرم، وغيرهم.
ثم بعد الحج بشهرين وزعوا المشايخ الذين جاؤوا مع الشيخ عمر بن سليم على مناطق جازان، فكان عمّنا الشيخ عبدالرحمن بن عقيل قاضيا في جيزان، ومعه اثنان، أنا وعلي بن غضيّه، والشيخ عبدالله بن عودة السعوي قاض في صبيا، أبو محمد بن عودة، الشيخ، ومعه عبدالرحمن الجمعي، وصالح الراشد، والشيخ عثمان بن حمد المضيان قاض في أبو عريش، ومعه عبدالله بن عامر وصالح بن حميد، وعبدالرحمن بن محيميد قاض في صامطة، ومعه صالح العمرو، ومحمد الربع، رحمهم الله جميعا، توفوا رحمهم الله.(/2)
مكثنا على هذا مدة، كنت مع عمنا عبدالرحمن كملازم قضائي، وفي الإمامة والخطابة والدعوة والإرشاد، وفي معيّته، الخطاب الذي جاءنا محتفظ به، عندي الآن، الذي جاءنا من عبدالله بن حسن، يقول فيه: صدر أمر الملك بتعيين عبدالرحمن بن عقيل قاضياً في جيزان، وبمعيته أنتم وعلي بن غضيه. بمعيّته، ما قال يعني.. لا قال: قاضي، ولا قال: ملازم، ولا قال..
كم استمر بقاؤكم هناك يا شيخ؟
استمر بقاؤنا هناك مدة ثلاث سنوات، وبعدها استأذنت، ورجعت إلى وطني عنيزة، ومكثت هناك قرابة سنة.
ولما كان في رجب سنة 58 جاءت برقية من الملك عبدالعزيز إلى أمير عنيزة: بخصوص عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل، بدا لنا به لازم، بلغوه يتوجه إلينا ويراجع أمير بريدة عبدالله بن فيصل. فحاولت الاستئذان من أمير عنيزة، فقال: ليس لي في هذا تصرف، أنا مبلَّغ أنك تسافر.
حاولت الاعتذار؟
الاعتذار، فسافرت إلى بريدة، وحاولت مع الأمير ابن فيصل، فأجابني بمثل جواب أمير عنيزة ابن سليم، وأمر بترحيلي في سيارات الشبيلي التي كانت تحمل الخشب من القصيم إلى الرياض، لأن ما في سيارات متواصلة، والطرق غير معبدة ولا مزفتة، فأمر أمير بريدة ابن فيصل خادمه قال: ركّبوا فلان إلى جانب السواق، لا يركب فوق الخشب. -الناس يركبون فوق الخشب- فسافرنا، وأنا لا أعلم إلى أين أُوَجّه، إنما أنا أروح حسب أمر الملك، فقابلنا الشيخ عمر بن سليم رحمه الله في المستوي، راجعاً من الرياض إلى القصيم، وقد تعطلت سياراتهم، فسلّمنا عليه، وسألناه عن الخبر، قالوا.. أخبرنا تلاميذه الذين معه قالوا: إن عمك عبدالرحمن بن عقيل يلح على الملك عبدالعزيز بالاستقالة، وجاءه برقية، فأرسلها إلى الشيخ عمر، وقال: بلّغونا بمن يصلح بدله. فكتب تحتها حرفين: يصلح بدله ابن أخيه عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل الموجود في عنيزة. فأمر الملك بإحضاركم.(/3)
فقلت للشيخ عمر: يا شيخ! قضاء جيزان صعب عليّ، لا أستطيعه، ولكن هذا محمد بن عبدالله التويجري، مطوع القُصيعة سابقاً، هذا الآن قاض في أبو عريش، لو يكون هو في جيزان، لأن جيزان هي المركز العمومي، وأنا أكون في أبو عريش، أسهل عليّ، لأن عمري إذ ذاك 23 سنة، صغير السن. فوافق الشيخ واستحسنه، قال: يراجعون الملك. قلت: إذا رحت ما في مراجعة! اكتب لي الآن! قال: ما معي أوراق ولا عندي شيء! قلت له: أنا معي شنطة فيها أوراق. فحضّرت الشنطة، وأملى عليّ، وكتبت من إملائه كتابا للملك في ذلك، وأخذت الختم وختمته، وأخذت الكتاب، وسافرت معه للرياض.
أبقيت الكتاب عندي، لما سلمت على الملك، الملك أمر بتنزيلنا، نزلنا في بيت، وسلّمنا على المشايخ والإخوان، وجلسنا مع الشيخ محمد بن إبراهيم، أصلي معهم، مكثنا مدة، في الأخير استلحقونا، فلما استلحقونا لإبلاغنا بالأمر عرضت عليهم الكتاب الذي من الشيخ عمر، فاستحسنوه أيضا، وأمروا بذلك. كتب الملك كتابا إلى الأمير فيصل نائبه في الحجاز، وإلى رئيس القضاة، وإلى محمد بن ماضي أمير جيزان بذلك.
فسافرت، وقابلت الملك فيصل هناك، الأمير فيصل، ورئيس القضاة، وابن سليمان، وسافرنا بعد ذلك إلى جيزان، وباشرت العمل في أبي عريش في رمضان سنة 58، وكان عندي شيء من الخبرة بملازمتي مع عمي عبدالرحمن لما كان قاضي في جيزان ثلاث سنوات، وبقيت في أبو عريش مدة سنة تقريبا، ثم نُقلت إلى محكمة فَرَسان، وفرسان هذه جزيرة إلى جانب جيزان، جُزر، وقرى، وبلدان، ليست جزيرة واحدة، مكثت فيها قريب ستة أشهر أو سبعة أشهر، ثم جاء أمر آخر بنقلي وإعادتي إلى أبو عريش، فمكثت في أبو عريش إلى سنة 1364.
ما يقارب خمس سنوات؟(/4)
تقريبا خمس سنوات، ثم بعد ذلك أخذت إجازة، جعلت وكيلاً بدلي، وسافرت إلى القصيم، وبقيت هناك مدة، فلما تباطؤوني كتب أمير جازان إلى وزير الداخلية، ثم إلى أمير بريدة، ثم إلى أمير عنيزة، يستحثوني في الرجوع، فاعتذرت بأعذار إذ ذاك وظروف، ورجعت المعاملة، فلما كان بعد شهرين تقريبا جاء مثلها، واعتذرت مرة ثانية، فحينئذ لما رأوا الكتابات هذه ما تفيد أبرقوا للملك، وأبرق الملك إلى أمير عنيزة بأن أتوجه حالاً، فحينئذ لا مناص من تنفيذ أمر الملك.
حجزوا لي بالبريد.. وسافرت فيه إلى الرياض، وسكنت في الرياض مع المشايخ والإخوان، وكان الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله إذ ذاك يصحح نسخ كتاب الإنصاف، وكتاب المبدع، لأجل أمر الملك بطبعه، وكان المعني بذلك الشيخ عبدالرحمن بن قاسم رحمه الله، وكان يلتمس من الإخوان من يراجع معه النسخ، كل واحد يأخذ نسخة، فطلب مني أن أشاركهم، ففرحت بذلك، وصرت أحضر عند الشيخ محمد بن إبراهيم، آخذ نسخة من المخطوطة، والآخر يأخذ نسخة أخرى، ونقرأ على الشيخ، وإذا استشكل شيء بحثنا فيها، تصحيح الكلمة، وإلا تصحيح مرجعها، أو نحو ذلك.(/5)
صادف إذ ذاك قاضي الخَرْج -الخرج إذا أُطلق في ذلك الوقت المراد به الدِّلَم وما حولها، الذي يرأسه الشيخ عبدالعزيز بن باز، والخرج الآن الموجود يسمونه السَّيْح، لأنه عيون تسيح، وليس قرية، وإنما نخيل، وللملك فيه قصر، ويذهب له الملك بعض الأحيان- فصادف أن أُقيل الشيخ سالم الحناكي رحمه الله من الخرج، فلم أشعر إلا قد بعث لي إبراهيم الشايقي رحمه الله وكان هو من كبار رجال الديوان، وهو المعني بالمشايخ وشؤونهم مع الملك، فأرسل لي الشايقي، وقال: بكرة الساعة الثانية غروبي -بعد طلوع الشمس الضحى- تحضر هنا. فحضرت، فلما دخلت عليه في مجلسه، سلمت عليه، أجلسني وقام بأمر الملك، فسريعاً جاء واحد من الخدام، وقال لي: ابن عقيل؟ ومسك يدي، وأدخلني على الملك، ما في المجلس أحد إلا أربعة أو خمسة بعيدون عن الملك، باعدهم، فسلمت عليه، ففحصني بعينه، ناظرني، وقال: الأمر خير إن شاء الله، نبغيك تصير قاضي عند قصري في السيح بالخرج، فقلت: السهباء؟ فلفت نظره، وقال: لا... لا.. لا، السهباء بعيدة عندكم، السيح جنب قصري، جنب قصري.
فقلت له: يا طويل العمر أنا ما بعد بلغت مبلغ القضاء، خلوني أقرأ عند الشيخ محمد بن إبراهيم أدرس، وإذا بلغت المبلغ أنا بالسمع والطاعة. فالتفت إليّ ثانية، وقال: محمد بن إبراهيم؟! هذا تراه أخوي وولدي، شاوره ولا تخرج عن رأيه. قال: الشيخ محمد بن إبراهيم أخ لي وابن لي، وشاوره ولا تخرج عن رأيه، تعال يا إبراهيم الشايقي امش مع الأخ، وخلصوه.
فذهبت مع إبراهيم الشايقي وقلت له: ما أستطيع القضاء، أنا أبغي أدرس مع محمد بن إبراهيم! فضحك الشايقي، وقال: الذي دبّر هذا الأمر هو محمد بن إبراهيم، هو الذي عيّنك!(/6)
والعجيب أني كنت أمس عند الشيخ، وقبل أمس، وكل يوم أجلس عنده، وما قال لي شيء، ولا أشار لي بشيء، فخرجت من عند الشايقي، وذهبت للشيخ محمد بن إبراهيم، وأخبرته الخبر، فجعل يستطعم مني الكلام: أيش قال لك الملك؟ أن الشيخ محمد بن إبراهيم ولدٌ لي وأخ لي فشاوره ولا تخرج عن رأيه. فقال الشيخ محمد بن إبراهيم: استعن بالله، ما دام أمر الملك عليك استعن بالله وامتثل. فقلت: لا أستطيع أعمل بالقضاء، ولا أستطيع إلا إذا كان أنت تكون مرجعي وأشاورك فيما يُشكل عليّ وما أحتاج إليه من أسئلة، وإلا فأنا ما أستطيع. قال: فيك بركة، فيك بركة، وأنا مستعد لك. أو كلام هذا معناه.
فسافرت إلى الخرج، وبقيت فيه ما شاء الله، أشهر ليست طويلة، أربعة أشهر أو ثلاثة أشهر، ثم استأذنت بإجازة لأذهب إلى محل عملي الأول في أبي عريش، لي فيه أثاث، وعفش، وعائلة، فأذن لي ولي العهد، وأعطاني سيارة، رحت فيها إلى أبو عريش، وخلصت أشغالي، وجئت.
ولما رجعت بلّغني الشايقي، وقال: إنك معيّن الآن في نجران. فذهبت للشيخ محمد بن إبراهيم، وبلّغته بالخبر، فقال: هذا ليس بأمري، قال بلهجته: ما بذا من عندي، أو: ما فهمت.يقول لي. قال:ما يطلع من عندي. أو: ما فهمت. قلت: بلى فهمت. فذهبت للشايقي واعتذرت، فصمم، فصممت أني ما أروح لنجران.
كتب الشيخ على إثر ذلك كتابا -لم أشعر به إلا بعد وفاة الشيخ رحمه الله- إلى ولي العهد، والكتابة عندي، صورتها موجودة الآن، يقول: إلى ولي العهد، بعد السلام، من جهة عبدالله بن عقيل قاضي السيح سابقاً: بلّغتوني بأنه يكون قاضيا في نجران، وهذا لا بأس به، لكن المذكور فيه خير، ويؤمل أن يكون في أنفع من نجران، ونجران يكفيه ناصر بن جعوان قاضي الظهران سابقا، ما بينه وبين نجران إلا ثلاثة أيام، أو عبدالله بن عبدان الموجود الآن في بريدة بدون وظيفة، والسلام عليكم. وعليه ختم. والظاهر أنه بخط ابنه إبراهيم وزير العدل.(/7)
فلم أشعر بعد أيام: خمسة أو ستة أو عشرة إلا وقد بلّغني الشايقي مرة ثانية بأنه صدر الأمر بتعييني قاضيا في الرياض.
عام كم هذا يا شيخ عبدالله؟
عام 66 في شوال.
وكنت تلك المدة في الرياض؟
كنت تلك المدة في الرياض، نعم.
كنت تحضر مجالس الشيخ محمد؟
أحضر مجالس الشيخ، وعنده، فتعينت في الرياض، ما هو معنا بالرياض غير الشيخ إبراهيم بن سليمان قاض في الحاضرة، والشيخ سعود بن رشود قاض في البادية.
مكثنا ما شاء الله، ثم أُقيل الشيخ إبراهيم بن سليمان، وحولوا الشيخ سعود بن رشود من البادية للحاضرة، وعينوا بدل ابن رشود في البادية الشيخ محمد بن مهيزع، وبقيت إلى سنة 70، من سنة 66 إلى سنة 70 في محكمة الرياض.
وفي هذه السنة في آخرها شغرت وظيفة قضاء عنيزة لما أقيل الشيخ عبدالرحمن بن عَودان، فصدر الأمر من الملك عبدالعزيز رحمه الله بأن أسافر إلى عنيزة قاضياً فيها، فاعتذرت وألححت من قبل ولي العهد، ومن قبل الشيخ محمد بن إبراهيم، ولكن بدون جدوى، قالوا إذا صدر الأمر من الملك ما نستطيع، فسافرت إلى عنيزة، وبقيت فيها خمس سنوات، من سنة 70 إلى سنة 75.
ولما فُتحت دار الإفتاء برئاسة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله، وكان يلتمس لها أعضاء: جاءني كتاب من الشيخ وأنا في عنيزة على أننا طلبنا من الملك -لأن الملك سعود إذ ذاك ملك؛ بعد وفاة الملك عبدالعزيز- أن تكون عندنا عضوا في دار الإفتاء، فأحببنا إخبارك حتى أنك تكون على علم. بعدها بيوم أو يومين جاءتني برقية، عندي محفوظة: عينّاك عضوا في دار الإفتاء، فاستعن بالله، وخلّص أعمالك في عنيزة وتوجّه.
باشرت في الإفتاء في 1 رمضان سنة 1375، وبقيت فيها إلى جانب الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله قرابة 16 سنة أو 15 سنة، إلى أن توفي، أستفيد من علومه، وأخلاقه، وآدابه، ومخاطبته للناس، ومراجعته للرؤساء، والمراجعين يراجعونه، والقضاة.(/8)
بعد ذلك: بعد وفاة الشيخ صدر أمر من الملك فيصل بأن أنتقل إلى هيئة التمييز، لكن قبل ذلك لما توفي الشيخ محمد بن إبراهيم كان في مكتبه معاملات كبيرة كثيرة ضخمة يتولاها، فأمر الملك فيصل بأن تُشكل لجنة علمية من خمسة من المشايخ ينظرون في المعاملات التي في مكتب الشيخ محمد بن إبراهيم حتى يتمونها، وعيَّن أسماءهم: عبدالله بن عقيل، محمد بن عودة، راشد بن خنين، عمر المترك، عبدالله بن منيع، ويرأسهم أكبرهم سناً، فاجتمعنا ودرسنا الموضوع، وقالوا: إن أكبرهم سنًّا عبدالله بن عقيل، فصرت رئيس اللجنة هذه، ومكثنا فيها مدة حتى خلصنا المعاملات التي فيها، بعد ذلك أمر الملك فيصل بأن أكون عضوا في هيئة التمييز في الرياض، وذلك في سنة 91.
كم كان عدد أعضاء الهيئة في ذلك الوقت يا شيخ عبدالله؟
أعضاء هيئة التمييز: الرئيس عبدالعزيز بن رشيد، والشيخ محمد البواردي، والشيخ محمد بن سليم، والشيخ صالح بن غصون، والشيخ محمد بن جبير، وكنت معهم أنا.
بقيت في هيئة التمييز قرابة سنة، من 91 إلى 92.
تشكلت لجنة برئاسة الشيخ محمد بن جبير، اسمها: الهيئة القضائية العليا، وعيّنوني عضواً فيها، انتقلت من هيئة التمييز إلى الهيئة القضائية العليا.
اسمها هكذا أول ما أُنشئت: الهيئة القضائية العليا؟
نعم، يرأسها ابن جبير، وأعضاؤها: عبدالله بن عقيل، وصالح بن لحيدان، وعبدالمجيد حسن، وغنيم المبارك، فبقيت فيها إلى سنة 95 لما تشكل مجلس القضاء الأعلى.
[وهنا ختم المقدّم الحلقة بالشكر للشيخ، والوعد بإكمال الحديث في حلقة تالية].(/9)
العنوان: لقاء مع سماحة الشيخ عبدالله بن عقيل عبر الإذاعة (2)
رقم المقالة: 1782
صاحب المقالة: خاص: الألوكة
-----------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
لقاءان في إذاعة القرآن الكريم ضمن برنامج ((في موكب الدعوة))
مع سماحة الشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل
إعداد وتقديم: محمد بن عبد الله المشوَّح
سنة 1419
قام بتفريغهما ومقابلتهما: محمد زياد بن عمر التكلة
(2)
• • • •
[مقدمة استكمال الحوار في الحلقة الثانية والترحيب بالشيخ مجدداً]
فضيلة الشيخ عبد الله: استكملنا أو تحدثنا في الحلقة الماضية عن شيء مما يمكن أن نسميه تاريخ القضاء في المملكة العربية السعودية، والذي عاصرتم أجزاء كثيرة منه، منذ عهد الملك عبد العزيز رحمه الله، إلا أن الحديث توقف في اعتقادي عندما تفضلتم بالإشارة إلى إنشاء مجلس القضاء الأعلى، هل لكم أن تتفضلوا فضيلة الشيخ عبد الله بإيضاح لنا وللإخوة المستمعين والمستمعات عن إنشاء هذا المجلس، ثم التحاقكم بالعمل فيه؟
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.(/1)
سبق أن ذكرنا لكم عما يتعلق بالهيئة القضائية العليا، وأنها أُنشئت لتكون مرجعاً للقضاء فوق هيئة التمييز، ويكون الحُكم إذا صدر من القاضي ولم يَقنع أحد الخصمين بذلك فإنه يُعطى صورة الحكم، صك الحكم، حتى يتأمله ويعد عليه لائحة اعتراضية، بنفسه أو بمن شاء من طلبة العلم أو المحامين أو غير ذلك، ثم يعيده إلى القاضي مع المعاملة، فالقاضي يتأمل فيه، إن وجد فيه ما يوجب الرجوع عما حكم به وإلا رفعه إلى هيئة التمييز، هيئة التمييز لا بد أن يميّزه ثلاثة، إن لم يكن من الحدود، فإن كان من الحدود لابد أن يميّزه خمسة، كل هذا احتياطاً للحقوق والحدود، فإذا صدقته التمييز مثلاً أو لاحظت عليه أو نقضته، ثم لم يقتنع بذلك القاضي وأورد على ما جاء منهم إيرادات، وصار بينهم اختلاف: فالمرجع في هذا إلى الهيئة القضائية العليا، التي يرأسها الشيخ محمد بن جبير إذ ذاك، وكنت إذ ذاك عضواً معهم، فلما أنشئ مجلس القضاء الأعلى، على وقت الملك فيصل رحمه الله، وصار رئيسه هو الشيخ محمد الحركان رحمه الله، صار وزيرا للعدل، ورئيسا لمجلس القضاء الأعلى.
عام كم كان إنشاء هذا المجلس؟
عام 95، على وقت الملك خالد، بعد ذلك صدر المرسوم الملكي من الملك حالد بأن الهيئة القضائية العليا هذه تكون هي الهيئة الدائمة بمجلس القضاء الأعلى، وهم الشيخ محمد بن جبير الرئيس، والشيخ صالح بن لحيدان، والشيخ غنيم المبارك، والشيخ عبد المجيد حسن الجبرتي، وأنا معهم.(/2)
لكن فاتني أن أذكر قبل ذلك مجلس الأوقاف الأعلى، من على حياة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله، لما عُيِّن مجلس الأوقاف الأعلى وصار له أعضاء معيَّنون، منهم مندوب عن القضاء والإفتاء، يعيّنه الشيخ محمد بن إبراهيم، وكان رئيس مجلس الأوقاف الأعلى بالنيابة: الشيخ محمد عمر توفيق رحمه الله، وكتب لسماحة الشيخ محمد بن إبراهيم يطلب منه تعيين عضو من قبله، فأجابه بخطاب برقم وتاريخ على أن مندوبنا هو عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل، فتعينتُ عضواً في مجلس الأوقاف الأعلى، منذ تعينت إلى أن أُحلت إلى التقاعد، مقدار 16 سنة[1]، وذلك عام 87، من 87 إلى عام 1405، وينعقد على حسب ما يتهيأ لهم من المواد، تارة ينعقد في الرياض، تارة ينعقد في جدة، تارة ينعقد في الطائف، تارة ينعقد في المدينة، تارة في مكة، ومن الأعضاء إذ ذاك: الشيخ عثمان الصالح، والسيد حبيب محمود، والسيد أمين عطاس، والشيخ صالح الحصين، ثم بدله محمد الثميري، وتولى على وزارة الحج والأوقاف عدة، منهم محمد عمر توفيق، ومنهم محمد كتبي، ومنهم عبد الوهاب، وغيرهم.
أعود إلى مجلس القضاء الأعلى: مجلس القضاء الأعلى له نظام مصدَّق من المقام السامي، واستمر هذا، وكنت عضواً فيه، ثم بعد أن نُقل الشيخ محمد بن حركان من مجلس القضاء الأعلى ووزارة العدل إلى رابطة العالم الإسلامي، وتعيَّن الشيخ عبد الله بن حميد في مجلس القضاء الأعلى، وتعين الشيخ إبراهيم بن محمد بن إبراهيم في وزارة العدل -كانت بالأول مضمومة للشيخ محمد بن حركان، وبعده فُصلت، جعلت وزارة العدل وحدهم، ومجلس القضاء الأعلى وحدهم- عملنا مع الشيخ عبد الله بن حميد، ثم صدر الأمر بأن أكون أنا رئيس الهيئة الدائمة بمجلس القضاء الأعلى.(/3)
مجلس القضاء الأعلى له أعمال يومية، تتولاها الهيئة الدائمة التي أرأسها أنا، وله جلسات دورية يرأسها رئيس المجلس، وأعضاؤها أحد عشر عضواً، منهم الخمسة الموجودون الآن، ومنهم رئيس محكمة مكة، ورئيس محكمة المدينة، ورئيس محكمة جدة، ووكيل الوزارة، واثنان أيضاً معهم، فالمقصود أن مجموعهم أحد عشر عضواً، ينعقد دورياً، لتعيين القضاة، أو ترفيعهم، أو إحالة من يُحال منهم، أو أوامر سامية في قضايا مهمة يأمر ولي العهد لأجل أن ينظرها المجلس بهيئته العامة.
يعني يأتي من ولي الأمر أن تُنظر؟
من ولي الأمر.. يعني قضايا تتعلق بإحدى القبائل أو بأحد الأشخاص أو بأحد.. القضايا المهمة يأمر ولي الأمر بأن ينظرها المجلس بهيئته العامة، وإلا الأصل أنه ينظرها المجلس بهيئته الدائمة.
إذاً نستطيع أن نقول هذه هي أبرز اختصاصات مجلس القضاء الأعلى؟
نعم، هذه صفة المجلس.
استمريتم في مجلس القضاء الأعلى كم يا شيخ؟
استمرينا في مجلس القضاء الأعلى من التاريخ الذي ذكرت لكم في سنة 95 إلى 1405 حين بلغت السن النظامية، سبعين سنة، فصدر الأمر من ولي الأمر -أعزه الله- بالتمديد لنا، مددوا لنا سنة، ثم انتهى العمل.
ولكن بعد ذلك لما أن خادم الحرمين -وفقه الله- وافق على إنشاء بنك إسلامي يعمل بدون فوائد ربوية؛ وأذن لشركة الراجحي المصرفية للاستثمار أن تتولى هذا، وصار فيها مراجعات ومخابرات، وتم هذا: قيل لا بد لهم من هيئة شرعية يصححون لهم معاملاتهم، ويَرجعون إليها في ما يُشكل عليهم، فعُيِّنت هيئة، وعُيِّنتُ رئيساً لها، ومن أعضائها الشيخ صالح الحصيّن، وهو نائب الرئيس، ومنه أعضائها الشيخ مصطفى الزرقا، ومن أعضائها الشيخ عبد الله البسام، ومن أعضاها الشيخ عبد الله بن منيع، ومن أعضائها الشيخ الدكتور عبد الله بن زايد، وأخذنا على هذا مدة، حتى الآن وعمل الهيئة على هذه الصفة.
وما زلتم عضواً معهم؟(/4)
ما زلت رئيساً للهيئة إلى الآن، الهيئة الشرعية، تسمى: الهيئة الشرعية في شركة الراجحي المصرفية.
ولما صار في سنة 1418 -العام الماضي- أثير موضوع تحديد حرم المدينة المنورة، وكان قد صدر فيه على وقت الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله قرار من لجنة مكونة من عدة أشخاص، وانتدبني الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله إذ ذاك أكون مندوباً عنه أحضر معهم، فحضرنا إذ ذاك، ومشينا على الحدود، وراجعنا كلام العلماء فيما ورد في حدود المدينة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما بين لابَتَيها))، وقال: ((ما بين عَيْر إلى ثَور))، وأُثير في هذه السنة، وعُرض على هيئة كبار العلماء بأمر من المقام السامي، فبحثتْ في ذلك هيئة كبار العلماء ووجدت القرار السابق، فرأت الاكتفاء به، لأنه مستوفى، وقد وافق عليه سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله، وقيل: تطبقه لجنة، منهم عبد الله بن عقيل؛ حيث كان معهم فيما سبق، وتعينت اللجنة من: عبد الله بن عقيل، وعبد الله البسام، وعبد الله بن منيع، والسيد حبيب محمود، والشيخ عطية سالم، والشيخ أبوبكر الجزائري، ومعهم مهندسون وخبراء، فاجتمعوا اللجنة في المدينة في شهر ذي القعدة سنة 1418 ومكثت في المدينة مدة تتجول على الحدود والأماكن بمساعدة سمو أمير المدينة، حيث كلهم بذلوا مع الهيئة كل ما يُستطاع، جزاهم الله خيراً، وأصدرت الهيئة قرارها، المؤرخ في 2/8/1418، ولما اجتمعت اللجنة هذه وأرادوا أن يبدؤوا بالعمل قالوا: لا بد لهم من رئيس، فتداولوا الرأي فيما بينهم، وقالوا: يكون رئيسهم عبد الله بن عقيل، فبعد أن انتهى القرار أرجعتُه إلى الشيخ عبد العزيز بن باز لعرضه على هيئة كبار العلماء، وعُرض على هيئة كبار العلماء ووافقت عليه، ورُفع إلى المقام السامي: خادم الحرمين الشريفين ليطلع عليه والأمر بتنفيذه، ولا يزال عندهم إلى الآن[2].
وفيه تم تحديد معالم الحرم؟(/5)
تم تحديد حدود الحرم بالمدينة على أساس ما ورد في الأحاديث الصحيحة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المدينة حرام ما بين عَيْر إلى ثَور))، وفي حديث آخر: ((ما بين لابتيها))، اللابتين: الحرَّتين، الحرتين شرقاً وغرباً، وما بين عير إلى ثور: جنوباً وشمالاً. فحَدَّدها، وفي حديث آخر: ((بَريد في بريد)).
لكن هذه المعالم واضحة ما زالت الآن؟
الآن هي معدّة لأجل الترسيم ووضع الأنصاب بانتظار رجوعها من المقام السامي بالموافقة، وواعدونا بأنهم إذا جاءت نعود مرة ثانية إلى المدينة لنطبقها على موجب التحديد الأول.
شيء طيب، أحسنتم يا شيخ عبدالله، الحقيقة كل ما تفضلتم به كلام جميل ورائع، وبحاجة الناس للاطلاع على هذا التاريخ المهم جدا، سواء كان عن القضاء أو عن الأوقاف أو عن بعض الأمور الأخرى التي كُلِّفتم بالإشراف عليها، أو المشاركة فيها، لكنني أعود فضيلة الشيخ عبد الله كما يقولون: عوداً على بدء، فأكرر سؤالا سبق، وهو: أبرز المشايخ الذين استفدت منهم وتتلمذتم عليهم إجمالاً.
أبرز المشايخ الذين استفدنا منهم وتتلمذنا عليهم: شيخنا العلامة عبدالرحمن بن ناصر بن سعدي، حيث أنا نشأت معه في مدينة عنيزة، وتتلمذت عليه من صغري، حتى عُيِّنت في الوظيفة، وأخذت عنه العلوم التي كان يدرّسها في الفقه، والتوحيد، والحديث، والعقيدة، وكتب شيخ الإسلام ابن تيمية، والنحو، وغير ذلك.
أبرز الزملاء الذين كانوا معكم في حلقة الشيخ عبدالرحمن؟(/6)
كانوا معنا في ذلك الوقت، منهم: الشيخ محمد بن عبدالعزيز المطوَّع، تولى القضاء في عدة أماكن: في المجمعة، وفي عنيزة، وفي الخرج، ومنهم الشيخ محمد المنصور الزامل، كان من أكبر تلاميذ الشيخ، وكان يُنيبه في الخطبة، ومنهم عبد العزيز المحمد البسام، ومنهم سليمان الإبراهيم البسام، ومنهم عبد الله العبد الرحمن البسام، ومنهم عبد الله السليمان القاضي، أبو حمد القاضي الذي في المجلة، وغيرهم كثير.. كثير، أفواج كثيرة.
إذاً الشيخ عبد الرحمن يُعتبر شيخكم الأول؟
هو شيخنا الأول.
ثم شيخنا الثاني: محمد بن إبراهيم رحمه الله، الذي مكثتُ معه 16 سنة في دار الإفتاء، نستفيد من علومه، وأخلاقه، واتزانه، وكيف يخاطب الناس على اختلاف طبقاتهم، وهو مرجعٌ للجميع، نحن في دار الإفتاء يأتينا المراجعون من جميع الجهات، منهم من يأتي ابتداء، ومنهم من يأتي مبعوثاً من قبل الجهات المختصة، كلٌّ يراجع في مسائل العلم، ومسائل الدين، ومسائل المشاكل التي تقع بين القبائل، وغير ذلك، فهو رحمه الله علّامة.. علامة، استفدنا منه أخلاق، وعلوم، وآداب، واتزان، ورجولة، رحمه الله.
الشيخ عبدالرحمن بن سعدي لا شك فضيلة الشيخ عبد الله أنه مدرسة كاملة، سواء في علمه أو في أخلاقه، وفي منهجه في التدريس، وتعامله مع طلابه، وهذا شيء مشتهر عنه رحمه الله..
أبرز الصفات التي كان يحملها الشيخ عبدالرحمن بن سعدي، هل لكم أن تتفضلوا بشيء عنه؟(/7)
أول الصفات التي يحملها الشيخ عبدالرحمن بن سعدي أنه ديدنه.. وأنه هجّيراه: نفع المسلمين، صلاح النية للمسلمين، لا يحقد على أحد، ولا يُضمر لأحد سوءاً ولو أساء إليه، ومع ذلك يبذل نصحه للناس، في خطبه، وفي مجالسه، وفي دروسه، حتى في المجالس الخاصة التي يتعامل الناس فيها، لأنه رحمه الله يجيب الدعوة إذا دعي في القهوة خاصة، كما تعلمون: عادة أهل نجد يدعو بعضهم بعضاً للجلوس يتناولون القهوة وما شاكلها، فهو من دعاه إلى قهوة أجابه، فإذا جلس مع المدعوين للقهوة؛ وجعلوا الحديث في شيء: إن كان هذا الحديث نافعاً استمر به، فإن كان أنه مما لا جدوى فيه: أشار إلى بعض تلاميذه أن يُلقي سؤالا أو يبحث بحثا أو يورد مسألة، ثم يتولى الشيخ رحمه الله الجواب عليها والتفريع، ويخاطب كل أناس بمقدار مفهومهم ومعلوماتهم.
فمثلا إذا اجتمع معه طلبة علم بحث معهم بحثا علمياً.
لو فرضنا مثلا هناك أناس آخرون من الجماميل وأهل البَرّ والرحلات، فأدار البحث فيما يتعلق بشؤونهم، وكيف يصلون، وكيف يتيممون، وكيف إذا دخل الوقت، وكيف إذا خرج الوقت.
لو فرضنا مثلا أناس مجتمعين من أهل البيع والشراء والسماسرة، بحث فيما يتعلق بأمور البيع والشراء، وقضايا المبيع، والمواضع الربوية، وما إلى ذلك.
حتى للنساء، له جلسة للنساء، يبحث فيها ما يتعلق بأحكام النساء، وأحكام الحيض، وأحكام التيمم، ونحو ذلك.
فهو رحمه الله يجزئ وقته على حسب ما يتيسر له.
لكن يا شيخ عبدالله أعرف أيضا أنكم تفضلتم بتقديم تفسيره المعروف والمشهور، الذي عرفه القاصي والداني، والموسوم بتيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، وهو تفسير معروف للشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي، أبرز الخصائص التي حواها هذا التفسير، مما أوجد له هذا القبول الهائل والكبير بين أوساط طلبة العلم، بل حتى والعلماء وممن يهتمون بتفسير القرآن الكريم.(/8)
هذا يعود الله أعلم لأمرين، الأمر الأول: صلاح نية المؤلف، وإخلاصها، وأنه ينوي نفع المسلمين، وتقريب فهم كتاب الله إلى أذهانهم، والثاني: أنه رحمه الله فسّره بعبارة واضحة لا تنبو عنها أذهان طلبة العلم الكبار، ولا تصعب على أذهان المبتدئين، وتَرَك تعقيدات -مثلاً- بعض المفسرين في العبارات النحوية، أو مثلا العبارات التي تأتي في علوم البلاغة، والمعاني، والبديع، والمنطق، ونحو ذلك، تركها، والخوض أيضاً في الصفات، فصار كلاماً واضحاً يأتي به لأجل يبيّن للقارئ معنى الآية المقصود بهذا التعبير، ثم هو سليم، يعني أكثر التفاسير.. المفسرون رحمهم الله كثير منهم لا بد يصير فيه شيء عليه الاعتراض، إما من ناحية الصفات، أو من ناحية بعض التفاسير، وهذا عُرض على المشايخ؛ لما أن الملك عبد العزيز دعا الشيخ عبد الرحمن بن سعدي في سنة 1360 وقيل له: تأتي بتفسيرك، فجاء بالتفسير قبل أن يُطبع، في دفاتر مكتوبة مخطوطة، فجاء ووزّعوه على المشايخ، وتأملوه، ونظروا المواضع التي هي مظنة أن يكون فيها إما تأويل لبعض آيات الصفات، أو بعض الأشياء التي اختلف فيها، فاتفقوا كلهم على أنه ما فيه ولا كلمة ولا حرف ولا جملة ولا آية إلا موافقة لمنهج السلف، فلهذه الصفات امتاز هذا التفسير، مع أنه غير مطول، ما أطال به رحمه الله.(/9)
شيخ عبدالله، من هذا الحديث الطيب الجميل يقودنا إلى مسألة أخرى، وهي أنكم التحقتم بمدرستين من أعظم وأجلّ المدارس العلمية التي استقى منها العلماء في هذه البلاد، وهما مدرسة سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله، ومدرسة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن سعدي رحمه الله، وهما أيضا من العلماء الذين بسط الله لهم قبولاً، وقاموا بدورهم في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، والاختلاط بالناس والتنزل معهم، وفتح قلوبهم وأبوابهم للمسلمين جميعاً، هل لكم بوصية لطلبة العلم والعلماء خصوصاً بالسير على هذا المنهج الكريم الذي يوافق منهج سلف هذه الأمة في الارتباط مع الناس عموما ومع طلبة العلم ومع الشباب وتلقينهم وتدريسهم، والتنزل معهم وتوجيههم إلى ما يحتاجون إليه؟
نعم، وأزيد على هذا أن الشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله، فإنه رَأَس المجلس، وزاملناه في المدة الماضية، في سنة 95 إلى أن توفي سنة 1402، سبع سنوات، وهو أيضا شيخنا وأستاذنا، واستفدنا منه علوم، ومعارف، وحكم، وتجارب، رحمه الله، لأنه معروف بالحذق، والجودة، والعلم الجيد، والاحتراز من الناس، ما شاء الله عليه، فاستفدنا منه أيضا فوائد كثيرة رحمه الله، وهو جزاه الله خيراً أيضاً يعطف علينا ويرى أننا من أخص تلاميذه.
وأما الوصية فأنت أشرت إليها، وجزاك الله خيرا، هذا طيب، الوصية: وصية الله للأولين والآخرين: تقوى الله تبارك وتعالى، وأن على طلبة العلم خاصة، وعلى بقية المسلمين عامة تقوى الله تبارك وتعالى، وأعظم ما يصابر طلبة العلم: حفظ الوقت عن الضياع، كما قال ابن هبيرة -رحمه الله- الوزير:
الوقتُ أنفسُ ما عُنيتَ بحفظه وأراه أسهلُ ما عليك يَضيعُ(/10)
وأيضا عليهم أن يبذلوا النصح للمسلمين فيما وُلُّوا عليه، إن كان قاضياً، إن كان إماماً، إن كان مدرّساً، إن كان دكتوراً، أن يبذلوا جهدهم ووُسعهم في إيصال المعلومات إلى الطلاب والتلاميذ، وأن يحرصوا على نفعهم، وينبغي للأستاذ أن ينظر إلى مستوى طالب العلم ويخاطبه بكيفية ما يَعلم أنه على مستواه.
وكذلك أيضاً مسألة القضاء: ولله الحمد الحكومة أيدها الله جعلت للقضاة كوادر، وجعلت لهم تعليمات، وجعلت لهم حصانة، وجعلت لهم رواتب مغرية، ومكنتهم من أشياء ما كان الأولون يحلمون بها ولا يتمتعون بها، ما كان الأولون.. الذي يتولى القضاء قبل هذا الوقت إلا.. لهم رواتب، ولهم بَراوي[3] سنوية، إما مقدار من التمر وقت الزكاة، أو مقدار من البُر الحب، وإما خرج بسيط، الآن رتبوا الرواتب، وقرروا لهم المقررات، فعليهم شكر الله في هذه النعمة، وبذل المستطاع، حتى يؤدوا شكر ما أوجب الله عليهم، ويحللوا رواتبهم.
وأيضا ينبغي لكل قاض أنه مع عمله في القضاء لا يفوته موضوع التدريس، تدريس الإخوان في حلقات المساجد، فإنها هي التي تفيد العلم، وهي التي تفيد الطلاب، وحتى هو نفسُه القاضي أو العالم أو المدرس إذا جلس للناس استفاد مما يعلّم الناس، لأن العلم:
يَزيد بكثرة الإنفاق منه ويَنقص إن به كفًّا شَددتا
أحسنتم يا شيخ عبدالله.
[ثم خاتمة المقدم للبرنامج، وشكر الشيخ]
ــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] كذا.
[2] هذا الكلام سنة 1419، ثم صدرت فيه الموافقة من المقام السامي، ووُضعت الأنصاب والعلامات على حدود الحرم بصفة دائمة إن شاء الله. انظر: فتح الجليل (ص141-142).
[3] البروة معناها: المكافأة.(/11)
العنوان: "لكَ... تُقرعُ الأجراسُ"
رقم المقالة: 867
صاحب المقالة: إبراهيم العسعس
-----------------------------------------
"ما أحسنُ بيتٍ أعجبك في الشعر العربي ؟"
السائل: أحدُ أعضاء لجنة الامتحان النِّهائي في دار العلوم في مصر.
الوقت: عشرينيات القرن الماضي.
المادة: اللغة العربية، والامتحان شفوي، هذا أيام كان هناك علمٌ!
المسؤول: الطالب حسن البنا.
أجاب الطالب: " أحسنُ بيتٍ أعجبني قولُ طَرَفَةَ بنِ العبد في مُعلَّقته:
إذا القومُ قالوا مَن فتًى خِلتُ أنَّني عُنِيتُ فلم أَكْسَل ولم أتبلَّدِ
سُرَّ الشيخُ السائلُ بالجواب، وعرَف أنَّ هذا الطالب سيُضيف شيئاً للحياة. وقال له: "قُم يا فتى ... هذا سؤال يُسأل للنابهين من الطلبة في كل عام هنا، وفي الأزهر، فلم يُجب أحدٌ بمثل ما أجبتَ إلا الشيخ محمد عبده، إنني أرجو لك مستقبلا عظيما".
وبعد سنوات، صار الطالبُ: شيخاً، أسَّس الشيخُ حسن البنا جماعةَ الإخوان المسلمين.
وبعد سنوات أخرى صارُ الشيخُ: إماماً، أصبح الإمامُ حسن البنا وجماعتُه ملءَ السمع والبصر! ورحم الله الإمام.
وهكذا... فالعظمةُ تأبى إلاَّ أنْ تُعلن عن نفسها، ويأبى ما في النفس إلا أن يَظهر على فلتات اللسان، إنْ خيراً وإنْ شراً.
إنَّ النفس الأبيَّة إذا سمعت صيحةً لا تقفُ لتسأل، من ينادي؟ ومن المَدعو؟ بل تطيرُ إلى الصوت وفي حِسِّها أنها المعنيَّة لا غيرها! وكأنَّه لم يسمع الصوتَ أحدٌ إلا هي، وكأنه ما على الأرض أحدٌ إلا هي!(/1)
روى البخاري رحمه الله عن أنس رضي الله عنه قال: "... فَزِع أهلُ المدينة ذات ليلةٍ فانطلق ناسٌ قِبَلَ الصوت، فتلقاهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم " راجعاً وقد سبقهم إلى الصوت "... وهو يقول: " لم تُراعوا، لم تُراعوا " الحديث " (البخاري/ الجهاد/ 82 وفي غيره، ورواه غيره). لقد تعوَّد أهلُ الحديث أن يذكروا هذا الحديث في باب شجاعته صلى الله عليه وسلم، والأمر كذلك، ولكنِّي أشير إلى صفةٍ أخرى عظيمة فيه صلى الله عليه وسلم، تلك المسارعةُ والمبادرةُ إلى الفعل دون انتظار لأحدٍ أن يقوم به، أو التواكل على مبادرة الآخرين: (لعلهم يسارعون ويريحونني!) لم يُفكر على هذا النحو، بل إنك لترى أنَّه صلى الله عليه وسلم يُفكر ويتحرك وكأنه لا يوجد في المدينة سواه! لاحِظ قول الراوي (راجعاً وقد سبقهم إلى الصوت)!
وللذين يُفكرون، ويتساءلون: ما الذي فعله رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فيمن حوله! وكيف كان جيلُ الصحابة مُتفوقاً ذلك التفوق الذي لم يتكرر بذلك العدد، وبتلك الفاعلية! أقول: إنها تلك الفاعلية التي صاغها صلى الله عليه وسلم فيمن حوله، حتى وصل كلُّ واحدٍ منهم إلى الاعتقاد بأنَّ أيَّ غفلةٍ أو سِنَةٍ منه تعني أن يؤتى الإسلام من قِبَله، وتعني أن تُصاب الأمةُ بسببه، هكذا فهموا عنه صلى الله عليه وسلم قوله: " إنك على ثغرة فلا يُؤتينَّ من قِبَلِك " . وإنه ذلك الخطاب الذي أزال التَّبلُّد والتَّكاسل من نفوسهم، وزرع مكانَ السلبية والتحللِ من الالتزام، صفةَ الإيجابية والالتزام.(/2)
هذا هو الذي فعله صلى الله عليه وسلم، فصارت الفاعليةُ ظاهرةً اجتماعية، ونمطَ حياةٍ في الجيل الأول - أعني الصحابةَ رضوان الله عليهم -؛ لأنَّهم تربوا على منهجية تَعِي الإسلامَ من حيثُ هو عمارة للحياة والأرض، وليس فقط مجموعةً من العبادات تبدأ بسجادة الصلاة، وتنتهي برمي الجمار! لقد كان مقياسُ التدين عندهم: المسؤولية، والإرادة، والأخلاق، وهذه كلها تؤدي إلى التزام كلِّ ما هو مطلوب من العبادات، والسلوكيات الظاهرة! وتدبر معي هذه الكلمة لعالمٍ فقيه، ومفكرٍ عميق، لم يأخذ حقَّه من الاهتمام، ولم يصلنا من كتبه إلا القليل، إنه ابن عقيل الفقيه الحنبلي ! قال رحمه الله: "إذا أردتَ أنْ تعلم محلَّ الإسلام من أهل الزمان - زمانه هو! توفي عام 513هـ -، فلا تنظر إلى زِحامهم في أبواب الجوامع، ولا ضجيجهم بلبّيْك، وإنَّما انظر إلى مواطأتهم أعداءَ الشريعة".
إنَّ زرع مفهوم المسؤولية لدى الإنسان، وأنه هو الذي يصنعُ التاريخ، يُنشئ لديه إرادةً نحو التغيير لا يستطيع لها دفعاً، ونحو المبادرة، والتصدي والمسارعة لحمل المسؤولية. وهكذا ربَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم!
ثُمَّ إنه خَلَفَ من بعدهم خَلْفٌ أضاعوا المنهج، فضلَّت المفاهيم، فتحولت الفعالية والمسارعة والإحساس بالمسؤولية إلى حالات فردية، وطفرات شاذة، بعد أنْ كانت منهجًا عاماً! ولا عجب فالمفاهيم السليمة تُوجِد المناخ الجيد، وهو بدوره يُبْرز أحسن ما في الإنسان! والمفاهيمُ القاتلة أو الميتة، تُوجِد مناخاً سيئاً، وهو بدوره يُبْرز أسوأ ما في الإنسان!
فكيف حصل هذا؟!!
لقد وضع الإسلامُ الإنسانَ وجهاً لوجه أمامَ مسؤولياته في عمارة الأرض، وذلك من خلال منظومةٍ فكريةٍ مترابطة، غيَّرت نظرةَ المسلم الجديد للحياة، والكون، ولدور الإنسان فيهما:
- فهو فاعلٌ حقيقيٌّ لِما يصدر عنه من أفعال، إذن هو مسؤول عن عمله مسؤوليةً مباشرة.(/3)
- وإنَّ عمله جزء من إيمانه، فكما سيُسأل عن قناعاته القلبية، سيُسأل عن أعماله التي هي في الحقيقة انعكاس لهذه القناعات، ودليل عليها.
- وإنَّ التدين المنعزل عن الحياة تديُّنٌ مرفوض، لا يُقبَل من صاحبه، إذ ذات الصلاح لا يُنقذ الإنسان من فساد الدنيا، ومن مسؤوليته عن هذا الفساد، فلا بدَّ أن يكون مصلحاً كي يَرفع المسؤولية عن عاتقه، {وَمَا كانَ ربُّكَ ليُهْلكَ القُرى بِظُلْمٍ وأهلُهَا مُصِْلحُون}. هذه هي القضايا الأساسية التي صنعت الإنسانَ الذي غيَّر العالم! بالطبع أنا أتحدث عن القيم العملية. وإذن كانت هذه هي الثقافة المُوجِّهة للعقل المسلم، ثم بدأ الانحراف ينخر في هذه المفاهيم، فدخل الفكرُ الإرجائي على العقل المسلم فأفسد عمله، وقلَّل إنتاجيته، إن لم يكن أنهاها في كثير من الأحيان، لدى كثيرٍ من الناس! وانحرف مفهومُ القدر في الحسِّ المسلم من خلال الجبر المَحْض، أو من خلال النسخة المُعدَّلة على الجبر وهي كَسْبُ الأشاعرة، والتي لا تختلفُ عن الجبر إلا في شكل الكلمة، وقد صرَّح بذلك بعضُ كبارهم فقال معبراً عن نظرية الكسب التي حاول الأشاعرة تلفيقها من الاختيار والجبر "إنَّ الإنسانَ مجبورُ في صورة مُختار" (معالم أصول الدين: 107 للرازي). هذه الفكرة ألغت من ذهن المسلم أيَّ مسؤوليةٍ له على أفعاله، والأخطر أنَّها زرعت في عقله عبثية المبادرة إلى التغيير، فما هو إلا ريشة في مهب الريح! ثم كان الانحراف الثالث وهو اختلاف معيار الالتزام، فبعد أنْ كان يُقاس تدينُ المسلم بمدى حمله للهمِّ العام، تحوَّل إلى تديُّنٍ فرديٍّ، هدفُ صاحبه أن ينجوَ برأسه، وليذهب إلى الجحيم كلُّ الآخرين! وكلُّ قضايا الأمة! وقد يخطر على بال أحدهم أنَّ هذه المسائل، مسائل علمية يَقتصر بحثُها، ومن ثَمَّ أثرُها، على دور العلم، فهي مسائل أكاديمية، فما للناس وما لها؟! ولا شكَّ في أنَّ هذه النظرة خاطئة وخطيرة، ذلك أنَّ هذه الأفكار(/4)
صنعت الوجدانَ المسلم ولم يقف أثرها عند العلماء، فقد كانت الثقافةَ التي يُخاطَب بها المسلم، وهي التي شكَّلت سلوكَه ومواقفه من الأحداث، وحدَّدت نظرته لدوره في الحياة. لقد قَتلت هذه الأفكارُ القاتلة أيَّ مبادرةٍ أو فاعلية في المسلم، للدرجة التي يظنُّ عندها أنه لا علاقة له بشيءٍ ممَّا يحدث حوله، بل إلى الدرجة التي لا يظنُّ عندها أنُّه مخطئ! ومن عجائب الأمور أنَّني لاحظتُ وأنا أقدِّمُ موعظةً قصيرة لأهل المسجد - مثلاً - عن خللٍ أعرفُ أنَّ أغلب مَن أمامي مُبتلىً به، أنَّهم يتعجبون مِمَّن وقع في هذا الخلل، وتراهم ينظر بعضُهم إلى بعض، مُنكرين، مُتعجبين، ولسان حال كلٍّ منهم: الحمد لله الذي عافاني مِمَّا ابتلى به كثيراً من خلقه!!
إنَّ التغيير يبدأ في القيم والتصورات، وطريقةِ التفكير، وأسلوبِ مواجهة المشاكل، وتحديد الموقف من المسؤولية الإنسانية. ودون هذا لا يمكن أنْ تكون الحياة الإنسانية طبيعية، فضلاً عن تحقيق النَّهضة والتغيير. وهذه الأمور بالذات كانت وراء نهضة أوروبا منذ العصور الوسطى، فقد حصل انقلاب في القيم العملية في العقل الأوروبي بعد انتشار المذهب البروتستنتي، الذي كان من أهم أفكاره الأساسية: أهمية دور ومسؤولية الإنسان في إدارة الحياة، وإحياء المنطق العملي. وقد لاحظ بعض الباحثين الغربيين أنَّ ذلك الانقلاب الهائل بدأ في البلاد التي اعتنقت المذهب البروتستنتي. وحسب كلام هذا الباحث فإن "كلفن" - أحد مؤسسي البروتستنتية - أعطى أوروبا فكرتي العلم والعمل ورجوعاً إلى منطقتنا فإنَّ هذه القضايا إذا لم تأخذ ترتيبها الذي تستحقه على سُلَّم خطابنا المعاصر فإنَّ حالنا سيبقى كما هو، وسيبقى إنسانُ المنطقة يظنُّ أنَّه آخرُ المعنيين بأيِّ إصلاح، وسيقرعُ سمعَه النداءُ تِلوَ النداءِ لكنَّه سيظلُّ مُنْتَصِتاً، في حين إنَّ القلبُ في صَمَم ! وسيستمر بالسؤال بكلِّ بَلاهةٍ كلما سمع قرْعَ الأجراس:(/5)
لِمن تقرعُ الأجراسُ يا تُرى؟!!(/6)
العنوان: لكل مقام حال ومقال
رقم المقالة: 624
صاحب المقالة: مروان محمد أبو بكر
-----------------------------------------
من المسلمات عند كل ذي بصيرة اختيار التعبير المناسب للمقام، وهذا الذي علمنا له نبينا صلى الله عليه وسلم، فدعاء دخول المسجد يتناسب مع عظمة المكان وقداسته، ودعاء دخول الخلاء يناسب وذلك الموضع، ولا يستقيم إبدال دعاء هذا المقام بدعاء ذاك.
وبذات القدر فإن لكل مقام حال ينبغي للعاقل أن يكون عليه فحال المعزي يختلف تماماً عن حال المهنيء.
وفي هذا المعني يقول البراء بن عازب رضي الله عنه: "خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله، كأن على رؤوسنا الطير"[1].
فهاهم أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم يشيعون جنازة بحضور النبي صلي الله عليه وسلم ويخيم السكون والوقار علي الموكب فالمقام مقام تفكر واتعاظ واعتبار.
وفي مقام الجهاد يجوز التبختر في المشية ولا يجوز في غيره ولما كان يوم أحد أقبل أبو دجانة يتبختر في مشيته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه يتبختر: ( إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن)[2]، فيحق لكل مسلم أن يظهر العزة والشموخ والتعالي في ذلك المقام الذي يعترك فيه الحق مع الباطل.
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يختار لكل مقام ما يلائمه، بل ولكل مخاطب ما يناسبه، فيوصي الشيخ الكبير بذكر الله تعالى ويوصي الشاب القوي بالجهاد في سبيل الله، ويأتيه الأعرابي وهو غضب ثائر فيخاطبه بما يلين قلبه ويهذب خلقه، بل وكان عليه الصلاة والسلام يخاطب كل قوم بلهجتهم التي بها يتكلمون ولما سأله بعض الأعراب بلهجتهم الخاصة فقالوا له: "هل من أم بر أم صيام في أم سفر" أجابهم قائلاً: "ليس من أم بر أم صيام في أم سفر"[3].(/1)
ولم يكن حاله صلى الله عليه وسلم كحال الكثيرين ممن لا يفرق بين خطابه الموجه لوالده والموجه لأحد زملائه، أو أولئك الذين يلينون بين يدي أصدقائهم ويجفون على أزواجهم وأهلهم.
أن مما يدعو للعجب حال أولئك الذين يعشقون اليسير عكس التيار، فإن بعض الناس تجده في المناسبة المفرحة كالزواج مثلاً عابس الوجه واجماً يسير ببطء ويديم النظر في الأرض كأنه يبحث عن شيء ضائع، مما يثير دهشة الآخرين بل وقلقهم وحيرتهم ويبعث في النفوس إيحاء بأن خطباً جسيماً ألمّ ومصيبة عظيمة حلت.
وتجد هذا الشخص الكئيب في المناسبات السارة فرحاً مسروراً مستبشراً في مواقف محزنة، قد أكثر من حركته وتعالت ضحكاته ووزع الابتسامات يمينناً ويساراً ولا يزال يثرثر حتى تقول: "ليته سكت".
وكم تجد من هذا الصنف في المقبرة وأنتم تودعون أخاً عزيزًا فما يراك هذا الثرثار حتى يقبل نحوك مندفعاً اندفاع السهم ويسلم عليك سلاماً حاراً ويأخذك بين أحضانه ثم لا ينسى أن يختم ثرثرته قائلاً: (فرصة سعيدة!).
أما عن اضطراب القول عند هذا الصنف فحدث ولا حرج، فكم يدخل عليك أحدهم يعودك في وعكة ألمت بك فيسرد لك قائمة طويلة بأسماء من وافتهم المنية لماّ أصابهم هذا الداء الذي أصابك، ثم يعرج بعد ذلك معبراً عن إشفاقه الشديد لتدهور صحتك واحمرار عينيك وجفاف شفتيك، كما لا ينسى وهو يغادر أن يقول لأهلك إذا حصل أمر الله فأخبرونا.
ومن هذا الصنف ذلك القارئ الذي طلب منه أن يقرأ آياً من الذكر الحكيم قبل عقد الزواج فلم يجد لهذا المقام إلا قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 230].(/2)
إن ديننا دين يدعو إلى مراعاة شعور الآخرين ولقد كان رسولنا صلى الله عليه وسلم يختار لكل مقام ما يناسبه من الأقوال والتصرفات فما أحرانا أن نهتدي به في سمته ونبرز للناس هديه الاجتماعي كما نبرز هديه في اللباس والأكل والشرب ونحوه.
ـــــــــــــــــــــ
[1] رواه أبو داود وصححه الألباني.
[2] المعجم الكبير، (6508)، 7/104.
[3] شرح معاني الآثار،(2971)، 2/63.(/3)
العنوان: لكنَّ الله يَراني
رقم المقالة: 117
صاحب المقالة: نسرين بنت محمد حسام الدين الخطيب
-----------------------------------------
قبلَ سنة كان ابني الصَّغيرُ في الخامسة من العُمر،
وكنا حديثي عهد بجيران في بنائنا، وكان لهم طفلٌ في نحو سنِّ ولدي، فطلبوا منه الدخولَ عندهم ليلعبَ مع ابنهم،
استجبتُ لطلبهم، وسمحتُ لأحمدَ باللعب عندهم، وأوصيتُه ببعض الأمور؛ خشيةَ أن يسبِّبَ لهم إزعاجًا ما،
وكان مما أوصيتُه به: أن يلعبَ بهدوء بلا ضَجيج، وألاَّ يطلبَ منهم شيئًا، ولا يأكلَ عندهم طعامًا.
وفي أحد الأيام كان أحمدُ يلعب في دارهم، وحانَ وقت الغداء، ووُضعت المائدة، ودُعي ليُشاركَهُم الطعام،
فاعتذرَ منهم بأدب، وحينما ألحُّوا عليه وأكثَروا، صارحَهُم بالأمر قائلاً: أمي لا تسمَحُ لي،
فقال له جارُنا مازحًا: إن أمَّكَ لا تراك الآنَ ؟
فأجابه أحمدُ بثقة ويقين: لكنَّ الله يَراني.
في صباح اليوم التالي قصَّت عليَّ جارتي الخبر، تملؤها السعادةُ والدهشةُ معًا من موقف رفيق طفلها الجديد!
أجل، إن الأطفالَ كالأرض الخِصْبَة، إذا أُلقيَت فيها البذورُ الصالحة أنبتت نباتًا حَسَنًا، وأخرجَت ثمرًا يانعًا،
وإذا تُركَت وأُهملَت نبتت فيها الأشواكُ القبيحة المؤذية.
والتربيةُ السليمةُ تبدأ من لحظة قُدوم الطفل إلى الدنيا؛
فهو كالإسفَنجَة، يمتصُّ كل ما يمرُّ به، بلا تمييز بين غثٍّ وسَمين، ونافع وضار،
وهو يتلقَّى ما يدورُ حوله، ولو كان في ظاهره مشغولاً بألعابه وعالمه الخاصِّ؛
لذلك كان أهمَّ وأَولى ما يجبُ أن يُزرعَ في نفس الطفل: محبةُ الله، ومراقبتُه في السرِّ والعَلَن.
ومن المواقف الطَّريفة التي تدلُّ على ذلك، أنني في بعض الأحيان كنت أتجاذبُ مع زوجي الحديثَ عن إخواننا المسلمينَ في فلسطين،
وما يتعرَّضون له من إيذاء وظلم من اليهود أعداء الحقِّ والخير لعنَهُم الله، وبدعم من أعوانهم النصارى أخزاهُم الله،(/1)
وفي أثناء هذه الأحاديث لم نكن نُعير انتباهَنا لغلامنا الصغير، نظنُّه مشغولاً عنا بألعابه وأشيائه.
وذاتَ يوم كنتُ أُصغي إلى تلاوة للقرآن الكريم من المذياع، وفرخي الصغيرُ يلعب بعيدًا عني، في أحد أركان الغُرفة،
كان مُنهَمكًا بصُنع بيت من المكعَّبات، وكان حينها ابنَ ثلاث سنينَ ونصف،
وتلا القارئُ فيما تلا قولَه تعالى: { وقالت اليهودُ والنصارى نحنُ أبناءُ الله وأحبَّاؤُه {،
فإذا بأحمدَ ينتفضُ ويصرخ بغضَب: كذبوا كذبوا !!
ثم التفتَ إليَّ وقال مُستنكرًا: سمعتِ يا أمي ؟! اليهودُ والنصارى يقولون: إنهم أبناءُ الله وأحبَّاؤُه،
كذبوا، هم أعداءُ الله، أليس كذلك ؟!
لم أُجبه، فقد عقَدَت الدهشةُ لساني،
وأدرَكتُ أن أطفالنا يملكونَ من القُدُرات ويَعقلونَ من المعاني ما لا نتصوَّرُه،
وما علينا إلاَّ أن نقدِّرَ ذلك حقَّ التقدير، ونوليَه العنايةَ اللازمة،
وأن نكونَ حذرين في تربيتنا لهم، وسلوكنا معهم، فلا يسمعونَ منا ولا يرَونَ إلا ما يُرضي الله سبحانه.(/2)
العنوان: للرجال فقط!
رقم المقالة: 1507
صاحب المقالة: د. حيدر عيدروس علي
-----------------------------------------
عرض اللهُ على النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يجعل له بطحاءَ مكة ذهباً، فقال: ((لا يا ربِّ، ولكنْ أشبعُ يوماً، وأجوعُ يوماً، وقال -ثلاثاً أو نحو هذا-: فإذا جعتُ تضرعتُ إليك وذكرتُك، وإذا شبعتُ شكرتُك وحمدتُك))[1] ، فكان رزقُه -صلى الله عليه وسلم- في الدنيا الكفافَ، ومع ذلك فقد كان يحثُّ الأمين على الإنفاق، فيقول له: ((أنفقْ بلالُ، ولا تَخَافَنَّ مِنْ ذي العَرْشِ إقلالا))[2]، والحال هذه فقد جاءه أحدهم فشكا إليه الفاقةَ، ثم أتاه آخر فشكا إليه قطعَ السبيل، وكان سيدُ طيئ حاضراً، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((يا عَدِيُّ هل رأيتَ الحِيرةَ؟)) فقال عَدِيُّ بنُ حاتم الطائي-رضي الله عنه-: لم أرها، وقد أنبئتُ عنها، فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((لئن طالتْ بك حياةٌ لترَيَنَّ الظعينةَ ترتحلُ من الحِيرةِ حتى تطوفَ بالكعبةِ، لا تخافُ أحداً إلا اللهَ))[3].
صَدَّق عَدِيٌّ -رضي الله عنه- رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- عن يقين، ولكنه دهش من هذه النبوءة العظيمة، وسأل نفسه عن سلامة المسافِرة من الحيرة إلى الحجاز عبر صحراء النباج، مروراً بديار طيئ التي ما تزال -يومئذ- تغص بالدُّعَّار والأشرار، فأكرمه الله، فعاش حتى شاهد تحقيق هذه النبوة العظيمة.(/1)
وجاء نصرُ الله والفتحُ، وأكمل الله الدينَ، وأتم على الناس النعمةَ، ورضي لهم الإسلام ديناً، فآمنوا ودخلوا في دين الله أفواجاً، وألقى الإسلام بِجِرانِه إلى الأرض، فانزوى الدُّعَّار، وارعوى الأشرار، بعد أن كانوا قد سَعَّروا البلاد، وأرهبوا العباد، وتحققت النبوءة الكريمة، وعاشت أختُ فاطمة آمنةً في حِلِّها وترحالها، وصَدَّقتْ بكلمات ربها وكتبه ورسله، واستقامت على طاعة الله، ورعتْ مكارمَ الأخلاقِ في نفسها، وفي بيت زوجها، وتسربلتْ بلباس التقوى، فانصلح الولد وأمِن البلد، وكان ديدنها في ظل هذه النعمة التواري حياءً من أعين الناظرين، ولأنها أدركت أن النظرة أمضى من السهم الغشوم العائر، فلم تكن تخشى شيئاً أشد من خائنة الأعين، فاتخذت من دونها حجاباً لتأمن النظرات المفاجئة والخائنة معاً. وهذا التواري جعلها مَهِيبةً في صدور أهل الشر قبل أهل الخير.
كان الحجابُ حصنَها الواقي، ودرعها الحصين من تلك السهام، فعززته بحجاب مستور، تمثل في تحصنها بذكر الله تعالى وتلاوة آياته البيِّنات. وقد يئس أولو المكر السيئ أن يخترقوا الحجابَ الظاهر؛ كأنْ قد صار في أعينهم حائطاً صخرياً، يستعصي على المعاول القوية، في حين ظل الحجابُ المستور حرزاً منيعاً يتقهقرُ دونَه الشيطانُ وأعوانُه.
تولت المرأةُ تدبيرَ أمور التربية الجسدية والأخلاقية في البيت المسلم، فأشرفت على تنشئة الأفراد على الفطرة السليمة، والسلوك القويم، حتى تجاوز أحمد شوقي الحدَّ في تبجيلها، فقال:
لولا التقى لقلتُ لم يَخْلُقْ سواكِ الوَلَدَا
إن شئتِ كان العَيْرَ أو إن شئتِ كان الأسَدَا(/2)
وبفضل رعايتها ويقظتها تجاوز الكثيرُ من شبابِ المسلمين مكامنَ الخطر، فنجا أكثرُهم من مكر العدو وأعوانه، وسلم أغلبهم من أذى دخان العولمة الكثيف، وتسببت أخت فاطمة -برعايتها هذه- في نجاة عدد كبير من البشر مع الصَّخب العارم المتمثل في الاستفزاز والإجلابِ بالخيل والرَّجل، ودندنة أعوان إبليس وجنوده المتواصلة النشيطة لإزالة هذا النعيم الذي تعيش فيه المجتمعات المسلمة بصفة عامة، والمرأة فيها بصفة خاصة، حسداً من عند أنفسهم؛ لِجَرّهم لنظامٍ اجتماعي أثبت تخبطَه في الديار التي رعته، وغدا كثيرٌ من مُنظّريه يتخلون عنه، وينصحون بالرجوع إلى حصن الحريم.
جُبِلت المرأةُ على الحياء، وعُرفت به؛ لأنه شعبة من شعب الإيمان، وفضيلة أخلاقية سامية، وبه تتحقق العصمةُ من المنكرات، وقد تقرر ذلك في كلام النبوة الأولى: (إِذا لَمْ تَسْتَحْيِ فافْعَلْ مَا شِئْتَ)[4]، ولأجل ذلك فقد كان الحياءُ في النساء أشدَّ منه في الرجال، ولعظم مكانته في التحصين والعصمة، جَبَلَ الله عليه رسولَه -صلى الله عليه وسلم- حتى إن الصحابة الكرام وصفوه -صلى الله عليه وسلم- بأنه أشدُّ حياءً من العذراء في خدرها[5]، وقد عُرف بذلك منذ الصبا، فقد غُشي عليه من شدة الحياء وهو صبي[6]، إذ كان ينقل الحجارة للكعبة مع الناس، وعليه إزارُه، فقال له عمُّه العباس –رضي الله عنه-: يا بن أخي، لو حللتَ إزارك، فجعلتَه على منكبيك دون الحجارة، فحلَّه فجعله على منكبيه، فسقط مغشيًا عليه حياءً أن تنكشفَ عورتُه، فما رؤي بعد ذلك عرياناً؛ صلى الله عليه وسلم[7].
ولأن المرأة هي صمام الأمان ومحور ارتكاز الفضيلة، فإن صلَحت صلَح المجتمعُ كلُه، وإن فسَدت فسد المجتمعُ كلُه، فقد آلت إليها حراسةُ المكارم، ولأجل ذلك كان الحياءُ فيها أكثرَ من الرجال؛ لأنه لو نُزع منها لهوى المجتمعُ بأكمله إلى دركات الرذيلة السفلى.
وإنما الأممُ الأخلاقُ ما بقيت فإن همُ ذهبت أخلاقُهم ذهبوا(/3)
كانت أخوات فاطمة -وما زلن- لهن الوضعُ المتميز في المجتمع المسلم المعافى، فعشن مكرمات منعمات، بينما ظلت لِداتُهن في المجتمعات غيرِ المسلمة في الشرق والغرب يعانين الأمَرَّينِ من الامتهان والابتذال.
تميزت النساء على الرجال بأشياءَ ظاهرةٍ معلومة في الخِلْقة، ونتيجةً لذلك تميزت الأفعالُ بين النوعين، فغدا بعضُ أعمال البر حكراً على الرجال، وكذلك بعض المعاصي، فعلى سبيل المثال؛ لم تعرف المرأةُ في مجتمعات المسلمين حملَ الجنائز، ولم تعرف حملَ المعاول، كما قُصِرت بعضُ الآثام على الرجال دون النساء، لغلبة الحياء على النساء، فلم تعرف المجتمعاتُ المسلمة المحافِظةُ ظاهرةَ المرأة المدخنة، إلا في نطاقٍ ضيقٍ جداً في بعض فئات النساء؛ كبعض القابلات ومن في حكمهن، ولو فعلت ذلك إحداهن لفعلته على استحياء ووجل، وتحاولُ مع ذلك تسويغَه بظروف المهنة والوظيفة؛ وبأن الدماءَ والزَّفر يُرغمانِها على التماس ما يغير ذلك الوضعَ الْمَعِيف، فتجدُ نفسها مضطرةً لتناول (سيجارة) تسولُ لها نفسُها أنَّ فيها ما يدفع القزازةَ، كما أن بعض من يتأثرُ بهذه الفئة في جلسات التوليد ممن وقعن في هذه المعصية يفعلن ذلك في الركن القصي من البيت. ومع هذا فإن الأمرَ لم يتحول إلى ظاهرة عامة؛ بحيث تُرى المرأةُ المسلمةُ في الأسواق والمرافق العامة ترشف (السيجارة).(/4)
وقد دُهشتُ لما رأيتُ إحداهن وهي ترتدي زياً أشبهَ بزي الرجال، اجتهد مصممو الأزياء -من شياطين الإنس والجن- في تهيئته، فزيَّنوه، وصوَّروه لها بأنه فَِكاكها من الأغلال والآصار التي تكبلها، فارتدت بنطالاً مع قميص يناسبُه، وربطت شعرَها العسجدي، وأرسلته من خلفها لتعبث الريحُ بما تدلى منه وتحرر، وهي لا تعبأ بمن حولها من الناظرين، إذ الكل في نظرها سواء، لا فرق عندها بين الذكر والأنثى. وإمعاناً في الضلال حملت بين المشيرة والوسطى (سيجارةً) ظلت تهزُّها من خلفها بالإبهام لتنفُضَ عنها الرمادَ، وترشف منها جرعات تدفع بها إلى صدرها المحرور، وكأنها تحاول أن تملأ بها فؤادها الفارغ إلا من الحسرات والشجن، ثم تزفرها وترسل نظراتها الحيرى، كمن يبحث عن مفقود بين خيوط الدخان المتلاشية، وما إخالُ هذا المفقودَ إلا جلبابَ الحياء الذي انسرب مع دعاوى التحرر، فهرب معه العيش الهنيء في ظل زوجٍ كريمٍ شاكر لنعمتَي السكن والمودة.
ولقد تحصنت المرأةُ في مجتمعات المسلمين، وأصبح الغالب عليها الابتعاد عن الخنى، حتى ترسَّخ لدينا أن بعض أنواع الآثام إنما هي ((للرجال فقط))!، لِيقينِنا بأن الحياء قد تمكن في الأثنى أكثرَ من الذكر، حتى صرنا لا نتصورُ وقوعَ المرأة في بعض ذلك.(/5)
وقد زال عجبي لما عرفتُ أن تلك المرأة من الدِّيارِ الباردةِ الباردِ أهلُها، فترى بعضَ شبابهم وقد خلعوا جلباب الحياء، وأرخوا شعورهم، وحزموها من الخلف، وربما أزالوا الشوارب واللحى، ونتفوا ما نبت على السواعد والسوق والأعناق، وتلمَّعوا بألوان الدهن، ولعل بعضهم قد وضع الأصباغ على الخدود والشفاه، فأصبحوا نوعاً ثالثاً من البشر، وقلَّدهم على عَمًى بعضُ شبابنا، حتى تجرأ الناسُ على مناقشة أوضاع هذا المسيخ في بعض المجالس التشريعية في بعض بلاد المسلمين. وهذا ما هوِّن على بعض بناتنا خلعَ جلباب الحياء إذ رأين هؤلاء الفتية الأغرار الأشرار وقد خلا قاموسهم من: ((أخوك يا فاطمة درب السيل))[8] ، فإن لم نأخذ بنواصيهم ونأطرهم على الحق أطراً فسوف يستنسر البغاثُ، ويستأسد السِّنورُ.
ومن هنا تتأكد أهميةُ دور الأسرة، قبل دور مراكز التعليم والثقافة والإعلام، فمن البيت يبدأُ التحصينُ، ولضمان فاعلية التوجيه التربوي السليم لا بد من تعضيد دور الأسرة بمناشِطَ توجيهيةٍ سليمةٍ تبثُّها مراكزُ التعليم والثقافة والإعلام، فهل في الإمكان أن يُقدَّمَ إلى تلك المراكز أُولو الأحلامِ والنهى، بعد أن بلغ السيلُ الزبى، وجاوز الحزامُ الطُّبْيَيْن؟ أم يجدرُ بنا - ونحن نلاحظ التردي والانحدار في الثقافة المبثوثة عبر هذه الأجهزة- أن نسأل في انكسار وحسرة كما سأل الأعرابيُّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-: متى الساعة؟ لنجدَ السلوانَ في إجابة النبي -صلى الله عليه وسلم- له: ((فإذا ضُيعتِ الأمانةُ فانتظرِ الساعةَ، قال: كيف إضاعتُها؟ قال: إذا وُسِّدَ الأمرُ إلى غيرِ أهلِه فانتظرِ الساعة))[9]!.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] انظر حديث أبي أمامة رضي الله عنه في جامع الترمذي (2347م).
[2] انظر حديث أبي هريرة رضي الله عنه في مسند أبي يعلى (6040).
[3] انظر حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه في صحيح البخاري (3595).(/6)
[4] انظر حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه في صحيح البخاري (3483).
[5] انظر المتفق عليه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ في صحيح البخاري (3562)، وفي صحيح مسلم (2320).
[6] قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في فتح الباري (3/83):وأما سقوطه مغشيا عليه، فقيل: من شدة حيائه -صلى الله عليه وسلم- من تعريه؛ فإنه كان مجبولا على أجمل الأخلاق وأكملها منذ نشأ، ومن أعظمها شدة الحياء.اهـ.
[7] انظر المتفق عليه من حديث جابر رضي الله عنه؛ في صحيح البخاري (364)، وفي صحيح مسلم (340).
[8] درب السيل، هو: مجراه، وهو هنا صفة لفاطمة (رمز المرأة النقية)، وذلك كناية عن الطهر والنقاء، إذ المعروف بأن مجرى السيل من أطهر الأماكن، لذا كان أهلنا عندما يتكلمون عن الطهر والنقاء وكرم العريكة، يقولون: (درب السيل)، و (فاطمة درب السيل): عنوان حجوة قصت علينا في عهد الصبا الراحل.
[9] انظر حديث أبي هريرة رضي الله عنه في صحيح البخاري (59).(/7)
العنوان: للكون إله
رقم المقالة: 445
صاحب المقالة: شروق محمد سلمان
-----------------------------------------
(للكون إله).. قد يبدو العنوان غريباً عند المؤمنين أن للكون إلهاً، فهذه بدهية آمنوا بها، ويشهدونها في كل ما حولهم؛ بل وفي أنفسهم، ولكنه عنوان واجب الطرح، في ظل ما نرى ونسمع من اعتقادات تصل إلى الإلحاد - عياذا بالله - فثمة من ينسب الكون بأكمله إلى الطبيعة، وثمة من يقول إنه يطور نفسه بنفسه، وهناك من لا يؤمن بشيء ولا يحير جواباً إن سألته عمن خلق الكون، وهناك من يتأثر بهذه الشبهات وتلك الأقاويل، أو تنقدح في ذهنه أسئلة حول الخالق، وقد تبهره فورة التقدم العلمي، وتسيطر عليه زهوة الغرور؛ فينغمس في هذا المستنقع الإلحادي، الذي ينكر وجود خالق للكون ومدبر لأموره، وبعض علماء الغرب نفسه يقول: إن الإيمان ولو بحجر خير من ألا تؤمن بشيء، أو ترى العالم هملاً.
من هنا، جاء هذا الكتاب، جاء وليد عالم قلب نظره في الكون؛ فرأى كل ما فيه يدعو للإيمان بخالق ومسير ومسيطر، هو أكبر من هذا الكون وأعظم، وإلا تساوى معه في الحاجة إلى خالق!
الكتاب موضوع العرض اليوم هو: "للكون إله"، ونقرأ أسفل العنوان: "قراءة في كتابي الله؛ المنظور والمسطور"، وهو من تأليف الدكتور صبري الدمرداش - الأستاذ بجامعة الكويت - وقد أصدرته مكتبة المنار الإسلامية بالكويت، في 672 صفحة، مزودة بالصور الملونة والمخططات البيانية، عند الحاجة إليها.
يستعرض الكاتب - تحت عنوان: "التقدم المادي.. ذلك الإله الموهوم" - بعض مظاهر التقدم الحديث التي - إن لم تكن الحكمة قائداً لها - قد تتسبب في دمار كبير، ثم يعرّف بمواقف البشر تجاه ما يعايشونه من تقدم مذهل لا يرى ـ كما يصفه الكاتب ـ إلا بعين واحدة، هي المادة، ويفتقد العين الثانية، وهي الروح التي تبصر البعد الروحي للحياة؛ حيث يقول:(/1)
"وكان طبيعياً أن يفتتن بعض الناس بهذا النوع من التقدم، ومن ثم عبدوا هذا المسخ وقدسوه.
وأمام هذا الاستعراض غير المسبوق للقوى المادية للغرب بمختلف جوانبها، فقدنا نحن - أهل الشرق - ثقتنا بأنفسنا، وفي حمى الشعور بالنقص والتخلف تصور بعضنا ـ وخصوصا الشباب من أبنائنا ـ أن دياناتنا إن هي إلا ضرب من الخرافات المخجلة، التي يجب التخلص منها لنلحق بركب التقدم، وندخل في رحاب المعبد الجديد، معبد العلم؛ لنعبد الإله الموهوم، الذي هو المادة!
وسجد بعضنا مبهورين فاقدي الوعي، وقد اختلطت عليهم الوسيلة بالغاية، فجعلوا من التقدم المادي غاية، ونسوا أنه في الحق مجرد وسيلة، وينسى الإنسان في هذا التيه الذي أضاع فيه عمره أنه أخطأ؛ أخطأ مرة حينما تصور أن الكون بلا إله، وأنه قذف به إلى الدنيا بلا نواميس تحكمه ورب يسأله.
وأخطأ مرة أخرى حينما عبد التقدم المادي - الإلهه الذي صنعه بيديه - وجعل منه صدراً لسكينته وراحته؛ فإذا به هو نفسه الذي يسلبه سكينة النفس وراحة البال، بل إنه يصبح - في النهاية - الأداة التي تقصف عمره، وتهد المعبد على بانيه، وعلى ما فيه ومن فيه.
وأخطأ الإنسان مرة ثالثة؛ حينما تصور أن علوم الطبيعة من فيزيقا وكيمياء وبيولوجيا وطب وفلك، هي العلوم الحقة، وأن "الدين أفيون الشعوب".
ويتابع الكاتب تعليقه فيقول: "الدين ضرورة لا غنى عنها؛ لأنه هو الذي يرسم للعلوم الصغيرة غاياتها، ويحدد وظائفها في إطار الحياة المثلى. إن الدين هو الذي يقيم الضمير ويوقظه ويجعله يفعل فعله، وهو الذي يدلنا على أن كل العلوم - غيره - وسائل وليست غايات، كما أن التقدم المادي وهو نتاج تلك العلوم، هو في ذاته وسيلة وليس غاية، والمادة ذاتها مخلوقة مثلما نحن مخلوقون، وليست إلها يعبَد، وإنها لا تستطيع - وحدها - أن تمنح الإنسان سكينته وراحة باله؛ لأنها ناقصة، شأن كل ما في الكون.(/2)
والدين لا يرفض التقدم المادي، ولكنه يضعه في مكانه الصحيح، كوسيلة وليس غاية، والدين لا يرفض العلم بل يأمر به ويحض عليه، ولكنه يعتبره ـ مهما كان شأنه وشأوه ـ مجرد وسيلة للمعرفة ضمن وسائل أخرى عديدة يملكها الإنسان، كالفطرة والبداهة والبصيرة. ورفضُ العلم ورفض الأخذ بالتقدم المادي وأسبابه سيئ، سوءَ عبادة هذا التقدم، سواء بسواء.
وإننا لنجد في مشرقنا أحد اثنين: من يرفض العلم اكتفاءً بالدين، ومن يرفض الدين عبادةً للعلم. وكلا الاثنين خطؤه فادح، فهما لم يفهما المعنى الحقيقي للدين ولا المعنى الحقيقي للعلم".
يهدف المؤلف إلى إثبات أن الكون بنفسه ينطق بوجود إله له، وأن التأمل الدقيق يؤكد هذا وكذلك العلم، ويرد في كتابه على الأسئلة والشبهات التي يعرضها منكرو الإله الحق، ضمن إطار حواري مشوق، فيه الجدل، وفيه العلم، وفيه الفكر والتأمل، ويظهر لنا كل هذا عبر أمسيات حوارية، بين أفراد أسرة مؤمنة: الأب عالم في الفلك، والأم معلمة للفيزيقا، وأخوها أستاذ للعقيدة والدعوة، والابن طالب في كلية العلوم، والبنت طالبة في كلية الآداب، فتخصصاتهم مختلفة، وكل منهم يتحدث من العلم الذي آتاه الله، ويعرض الأسئلة التي يواجهها، ويوفق بين ما لديه من علم وما يجده من الآخرين، وتقدم لنا هذه الأسرة خمس أمسيات حوارية، تتركز كل واحدة منها حول جزء معين في الكون:
فالأولى: هي جولة في السماء الدنيا، مع منظومتنا الشمسية، والثانية: تنتقل إلى النجوم والمجرات وطبقات السماء، وفي الأمسية الثالثة: نتعرف على دستور الكون؛ فإن له قوانين وسنناً يمضي عليها، وتقوم حياته بها، وهي كلها تشهد بوحدانية الخالق، وفي الأمسية الرابعة تحدث عن سؤال حير البشرية وما زال؛ وهو: هل في الكون بشر غيرنا؟ ووضح الشروط اللازمة لنشأة الحياة واستمرارها.(/3)
أما الأمسية الخامسة: فينضم فيها إلى الأسرة المؤمنة زميل لابنهم، ولكنه يعاني الشك، ويستبد به القلق، ويعترض على كل شيء، ويكاد لا يؤمن بشيء؛ فيعرض كل الأسئلة والشبهات التي يتفوه بها الملحدون والمنخدعون بالتقدم المادي؛ فيرد عليها عالم الفلك وعالم الشريعة بإيمان وثقة ويقين.
تحمل هذه الأمسية عنوان: "الله خالق الكون ومبدعه"، وفيها يقف المؤلف عند بعض أسماء الله الحسنى، ويستعرض مظاهر من الكون، ومشاهد من الطبيعة، ونواميس يقوم عليها العالم، وكلها تثبت وجود الخالق، وتثبت له هذه الأسماء والصفات، وهذه الأسماء التي تناولتها الأسرة في أمسيتهم الخامسة المثبتة في هذا الكتاب هي:
الأول - الآخر - الحي - السميع - البصير - الواحد - القادر - الخالق - العليم - البديع - الحكيم - الهادي.
هذا الكتاب زاخر بالمعلومات العلمية، خاصة في ميدان علم الفلك والفضاء والفيزياء، وهي معلومات حقيقية ذات مراجع محددة في نهاية الكتاب، ويستعين بالقوانين العلمية الثابتة، ويستدل بها على وجود الخالق - عز وجل - ويدحض ادعاءات من يقول إن الكون خلق نفسه بنفسه، أو وجد مصادفة، أو غير ذلك مما يدعيه المدعون جهلاً أو ضلالاً، وكلها ردود علمية من واقع المكتشفات الحديثة، ويإثبات القوانين المؤكدة والمعادلات الرياضية والفيزيقية، ومصاحبة الدلائل القوية الناصعة، التي تؤيد ما يذهب إليه الكاتب في إثبات وجود الله عز وجل.
والكتاب مزود بصور توضيحية كثيرة، وجداول إحصائية وبيانية، كما يتبع طريقة جديدة في العرض في بعض الجزئيات؛ مثل التعريف بالكواكب عبر بطاقات شخصية لكل منها.(/4)
أما في نهاية الكتاب فيضع فصلاً على لسان الفقيه - وهو أخو الزوجة - يجمع فيه شهادات عن الله - عز وجل - ووجوده وقدرته وعظمته، فيتكلم فيه الفقيه عن (الله) - عز وجل - على ألسن السلف الصالح، يتبعه بفصل "الله في عيون علماء الطبيعيات"، من علوم الفلك والفيزيقا والكيمياء الحيوية وعلم الأحياء على لسان العالم الفلكي، ثم بفصل عن "الله في فكر المتفلسفين" من الغربيين والمسلمين ممن آمن به، ثم عند الذين أنكروه؛ فيقدم لنا مقاطع من أقوالهم في هذا الفصل.
وأحببت أن أنقل لكم بعض الأقوال، التي قال بها العالم الشهير ألبرت أينشتاين، ففيها تشبيهات تقرب الواقع، وفيها جزء من عقل هذا الإنسان، تبين أن العلم سبيل للإيمان بالفعل لكل ذي عقل.
ذهب جماعة من اللاهوتيين والأخلاقيين والعقليين والماديين إلى مكتب أينشتاين في معهد الدراسات العليا في جامعة برنستون؛ ليحكم بينهم في موضوع (الله)، بعد أن اختلفوا حوله، وسألوه: ما رأيك في الله؟
فأجاب: لو وُفقت أن أخترع آلة تمكنني من مخاطبة الميكروبات، فتحدثت مع ميكروب صغير واقف على رأس شعرة من شعرات رأس إنسان، وسألته: أين تجد نفسك؟ لقال لي: إني أرى نفسي على رأس شجرة شاهقة. عندئذ أقول له: إن هذه الشعرة التي أنت على رأسها إنما هي شعرة من شعرات رأس الإنسان، وإن الرأس عضو من أعضائه! فماذا تنظرون؟ هل لهذا الميكروب البكتيري أو الفيروسي المتناهي في الصغر - حجمه جزء واحد من مليار جزء من السنتيمتر المكعب، ووزنه جزء واحد من ترليون جزء من الجرام - أن يتصور جسامة حجم الإنسان ووزنه؟ كلا. إني بالنسبة إلى الله لأقل من ذلك الميكروب وأحط بمقدار لا يتناهى، فأنى لي أن أحيط بالله الذي أحاط بكل شيء؟(/5)
إن أعظم وأجمل شعور يصدر عن النفس البشرية هو ما كان نتيجة التطلع والتفكر والتأمل في الكون ومكنوناته، إن الذي لا يتحرك شعوره وتموج عاطفته نتيجة هذا التأمل؛ لهو حيّ كميّت. إن خفاء الكون وبعد أغواره وحالك ظلامه إنما يُخْفِي وراءه أشياءَ كثيرة منها الحكمة وفيها الجمال، ولا تستطيع عقولنا القاصرة إدراكها، إلا في صور بدائية بسيطة، هذا الإدراك للحكمة والإحساس بالجمال، ما هو إلا جوهر العبادة عند بني البشر، إن ديني هو إعجابي بتلك الروح السامية التي لا حد لها، تلك التي تتراءى في التفاصيل الصغيرة القليلة التي تستطيع إدراكها عقولنا الضعيفة العاجزة، وهو إيماني العاطفي العميق بوجود قدرة عاقلة مهيمنة، تتراءى حيثما نظرنا في هذا الكون المعجز للأفهام.
ويقول أينشتاين كذلك: إني لا أستطيع أن أتصور عالِما حقاً لا يدرك أن المبادئ الصحيحة لعالم الوجود مبنية على حكمة تجعلها مفهومة عند العقل. إن العلم بلا إيمان ليمشي مشية الأعرج، وإن الإيمان بغير علم ليتلمَس تلمُس الأعمى.
ذلك نموذج لموقف أنجب أقوالاً، تنضح بروح الإيمان المبني على العلم، وفي الكتاب نماذج كثيرة جديرة بالقراءة والتأمل، ومعلومات غنية، وحجج ساطعة، وأجواء إيمانية روحانية، يمكن أن نستحضرها في بيوتنا، بقراءة هذا الكتاب في جلسات جماعية، على الطريقة الحوارية الذي أظهره بها المؤلف، فنستفيد اجتماعاً أسرياً، وكنزاً علمياً، وفكراً عميقاً، وقوة إيمانية نحن في أمس الحاجة إليها، وحري بنا ألا نضيعها.(/6)
العنوان: لماذا المحرم للمرأة؟!
رقم المقالة: 1986
صاحب المقالة: د. أميرة بنت علي الصاعدي
-----------------------------------------
الإسلامُ دين عظيم وشامل، دين يحافظ على كل فرد من أبنائه، ويشرع لهم ما يحفظ عليهم دينَهم وأمنَهم وعرضَهم ومالَهم ودماءهم.
ومن القواعد الفقهية الجامعة أن "الشارع لا يأمرُ إلا بما مصلحتُه خالصةٌ أو راجحة، ولا ينهى إلا عما مفسدتُه خالصة أو راجحة".
هذه قاعدة جليلة، شملت الأوامر والنواهي كلها، ولو تأمل المسلمُ والمسلمة هذه القاعدة المهمة لانشرَحَ صدرُه لقبول أوامر الله بثقة وطمأنينة، وبما أراده الله له من المصالح الخالصة أو الراجحة، ولعزفت نفسُه عما نهى الله عنه بيسر وسهولة، وبغير أن يجد في نفسه حرجاً أو مشقة، ويسلم لله تسليماً، ولأدرك عظمةَ هذا الدين، الذي يهتم بجلب المصالح لأبنائه، ودفع المفاسد عنهم.
والمؤمنُ الموحد هو الذي يطمئن قلبُه لما قضى الله، وتطيب نفسه لما شرع الله من الأوامر والنواهي، فالله عزيز حكيم، عليم خبير.
والعاقل من بني آدم لا تهفو نفسه إلا لما يصلحها، ولا يُسعِدُ قلبَه إلا ما ينفعُه، كما أنه يفر من المفاسد والمكاره فرارَه من الأسد.
ولعلي أحاول تطبيق هذه القاعدة على أمرٍ نهى عنه الشارعُ، لنرى أثرَ عدم الامتثال لهذا النهي، وما يترتب عليه من مفاسدَ خالصةٍ أو راجحة، وفي المقابل نجد الامتثالَ لهذا النهي يدرأ عنا مفاسد، ويدفع عنا أذى متحققًا.
عن ابن عمر –رضي الله عنهما- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تسافر امرأة فوق ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم". رواه البخاري.
وعن أبي هريرة -رضى الله عنه- قال قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَيْسَ مَعَهَا حُرْمَةٌ)). رواه البخاري .
في هذين الحديثين نهي ظاهر عن سفر المرأة بغير محرم.(/1)
وقوله "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر"؛ الخطاب فيه للمؤمنات، فالمؤمنة هي المقصودة بهذا النهي، وهي التي تنتفع بخطاب الشارع وتنقاد له.
وكما تقرر في القاعدة السالفة الذكر: أن الشارع لا ينهى إلا عما مفسدته خالصة أو راجحة.
فلو نظرنا إلى سفر المرأة بلا محرم، لوجدنا أن المفاسد فيه إما خالصة وإما راجحة، ولا يخلو منها البتة.
وحرصاً على عِرض المؤمنة، ودرءًا للمفاسد المتوقعة، وحفاظاً على عفة وطهارة المسلمة، وحماية لِحِماها أن يقترب منه من لا يحل له ذلك، جاء الشارع ليشرع لها السفر بمحرم، وينهاها عن السفر إلا مع محرم.
ولصيانة أعراض المسلمين من التلوث بالزنا عدّ الإسلامُ الرجلَ الذي يُفرِّط في عرضه أو يتهاون فيه ديوثاً، تحرم عليه الجنة.
ومن منطلق كوني امرأة، ألقي الضوء على بعض المصالح والمفاسد المترتبة على هذه القضية، ولن أناقش القضية فقهياً، بل سأتكلم من الواقع العملي.
وحتى تتضح الصورة أعرض ثلاثة مواقف، لأستخلص منها الفوائد.
الموقف الأول:
امرأة تسافر مع محرمها في المطار.
أول ما تدخل المرأة المطار، تبحث عن مقعد لتجلس فيه، حتى ينتهي محرمها من إجراءات السفر.
الفوائد:
1- استفادة المرأة من وقتها مدة انتظارها، إما بقراءة القرآن أو الذكر أو قراءة كتاب نافع.
2- عدم تعرضها للرجال وابتعادها عن مواطن الفتن ومواضع الأنظار.
3- الراحة النفسية التي تشعر بها، حين ترى محرمها يوفر لها أسباب الراحة، ويخدمها ولا يرضى لها التعرض للرجال بلا حاجة.
4- اعتزازها وفخرها بوجود محرم معها، يحافظ عليها ويدفع عنها ما يسوءها.
5- احترام من حولها لها، وعدم التجرؤ على القرب منها أو الحديث معها ولا النظر إليها، فالمحرم حصانة للمرأة.
6- الأمن النفسي والفكري عند جلوسها قرب محرمها في مقعد الطائرة، وهذه خصوصية وميزة فائقة.
7- الحفاظ على حجابها وحيائها، والبقاء على الفطرة والأنوثة.(/2)
هذا ما أحسستُ به وأنا أجلس في المطار، وأرقب محرمي وهو يتحرك لإنهاء إجراءات السفر وقد كفاني مئونة ذلك.
فحمدتُ الله على هذه النعمة التي منّ الله بها على المرأة المؤمنة، إذ جعل لها الرجل قيّمًا عليها، يتولى جميعَ أمرها، ويكفيها شأنها، ويحفظ لها عرضها.
الموقف الثاني:
امرأة تسافر مع غير محرمها في المطار.
أول ما تدخل المطار تسرع لشحن أمتعتها، ثم تبادر لقطع تذاكر صعود الطائرة، وتسعى جاهدة من مكان إلى آخر لإنهاء إجراءات السفر.
المفاسد:
1- التعرض للرجال والكلام معهم لغير حاجة، ولو كان معها محرم لكفاها المئونة.
2- التعرض لمواطن الفتن ومواقع النظر، فمِمَّن حولها مَن يسدد النظر إليها، ومنهم من يعرض عليها خدمتها، وآخر يتودد إليها في الحديث ويترقق في العبارات.
3- التوتر النفسي الذي تمر به منذ دخولها المطار، فهي المسئولة عن حمل أمتعتها، وإنهاء جميع الإجراءات اللازمة للسفر، مع مزاحمة الرجال والوقوف في صفوفهم، مما يسبب لها حرجاً وقلقاً.
4- ثلم الحياء والعفاف، وسلب الأنوثة والفطرة، بسبب كثرة مخالطة الرجال ومحادثتهم.
5- إحساسها بالنقص والذل والانكسار، حين ترى النساء مع محارمهن مكرمات معززات مخدومات، ومحرمها آثر السلامة والراحة والدعة.
6- الموقف الصعب والمحرج حين يجلس بجانبها في الطائرة رجل أجنبي، لصيق لها ومجاور، تكاد تلمس يده يدها من شدة القرب، وربما سمع صوت أنفاسها، وشم رائحة عطرها، ومتع عينه بنظرات عينيها.
وهذا الحرج تشعرُ به من بقي فيها حياءٌ وعفة، فتتمنى أن تكون نسياً منسياً، أما إذا استرجلت المرأة، وفقدت حياءها وودعت أنوثتها، فلا حرج ولا غضاضة، وهذا ما رأيته بعيني، وإليكم هذا الموقف.
الموقف الثالث:(/3)
ثلاث فتيات في العشرين من أعمارهن، حاسرات عن وجوههن، وربما ظهر جزء من شعرهن، يصعدن الطائرة بلا محرم، جلسن في المقاعد التي أمامي، وبقي مقعدان خاليان، جلس فيهما شابان ثم تبين لهما أن مكانهما خطأ، فانتقلا إلى مكان آخر، ثم جاء رجل في الثلاثين من عمره، فجلس في المقعد الأخير، فبقي مقعد خالٍ يفصل بينه وبين الفتيات.
بعد مدة مضت، انتبهت لمن أمامي، وقد شغلني أمر الفتيات وحجابهن، وكنت أفكر في طريقة لنصحهن وتذكيرهن، نظرت أمامي فإذا الرجل قد انشغل في حديث مع الفتاة القريبة منه.
اندهشت وتفاجأت، وظننت أن رجلاً جلس في المقعد الخالي، فأخذ يتبادل معه الحديث، وعندما دققت النظر تأكدت أن الشاب يتحدث مع الفتاة، وقد استغرقا في حديثهما، وكأنه قريب لها، عزيز عندها.
سألت نفسي: لو كان محرم الفتاة معها هل يرضى لها بهذا الوضع؟
وهل يرضى هذا الرجل لأخته أو ابنته أو زوجته أن تجلس بجانب رجل غريب فيحادثها وتحادثه كما يفعل هو؟
هل يرضى بذلك من في قلبه ذرة إيمان؟
أيها الرجال الغُيُر على نسائهن هل يرضيكم أن يحصل هذا لنسائكم وبناتكم؟
أيها الرجال المخلصون هل ترضون ذلك لنساء المسلمين؟
أيها الأوفياء الصادقون إن كنتم لا ترضوه لنسائكم، فكيف تسمحون لهن بالسفر بغير محرم؟
يا أشباه الرجال لماذا تتعرضون لنساء المسلمين ولا ترضونه لنسائكم؟ والمؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
يا عقلاء إلى متى ونحن نتساهل في أعراضنا وعفافنا؟
يا شرفاء لماذا هذا التقصير والإهمال لمحارمكم وأهلكم؟
للأسف ذبحت الغيرة، ووئدت العفة، وقتلت الفضيلة بيد أهلها، فلا شرف ولا كرامة.
بعدما رأيت ما رأيت عزمتُ على الإنكار من باب الدين النصيحة، خاصة ونحن بين السماء والأرض، فإن سكتنا ورضينا ربما هلكنا وأهلكنا.
بحثت في حقيبتي عن ورقة وقلم، ثم بدأت أسطر لها هذه الكلمات:
"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أختي في الله
الدين النصيحة(/4)
إن الإسلام يأمرك بالحجاب الكامل، فلا يحل لك الكشف عن وجهك، ولا يحل لك الحديث مع رجل أجنبي، فأنت بين السماء والأرض، استشعري أن الله يراك ويسمع قولك، فتوبي إلى الله واستغفري لذنبك،واذكري الله خير لك".
هذا ما أذكره من الكلام، ثم قمت فقدمت لها الورقة، فقرأت الورقة ثم أعطتها للرجل فقرأها، ثم سكتا عن الكلام تماماً حتى نهاية الرحلة.
فحمدت الله أن نصيحتي لهما أثمرت حينها، وأني أنكرت منكراً، لو تُرك لغرقت السفينة وهلكنا.
فتذكرت قصة الشاعر الفاضل عبد الرحمن العشماوي مع المرأة المتبرجة التي جلست بجانبه في الطائرة، وأثر نصحه لها إذ تابت المرأة وتحجبت.
وهذا رابط القصة : hawaaworld.com.
فرب كلمة يلقيها الإنسان يريد بها خيرًا، تؤتي ثمارها بإذن الله.
والدعوة واجب كل مسلم، لو قمنا بها حق القيام لانحسر الشر، ولم يتجرأ أهل الباطل بالجهر بمعاصيهم، ولانتشرت الفضيلة واندرست الرذيلة.
وتذكرت قصة فتاتي مدين: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} [القصص: 25].
إنها تمشي مشية الفتاة الطاهرة الفاضلة العفيفة النظيفة حين تلقى الرجال، (على استحياء) في غير ما تبذل ولا تبرج ولا تبجح ولا إغواء. جاءته لتنهي إليه دعوة في أقصر لفظ وأخصره وأدله، يحكيه القرآن بقوله: (إن أبي يدعوك)، ومع الحياء الإبانة والدقة والوضوح، لا التلجلج والتعثر والربكة، وذلك كذلك من إيحاء الفطرة النظيفة السليمة المستقيمة. فالفتاة القويمة تستحيي بفطرتها عند لقاء الرجال والحديث معهم، ولكنها لثقتها بطهارتها واستقامتها لا تضطرب الاضطراب الذي يطمع ويغري ويهيج، إنما تتحدث في وضوح بالقدر المطلوب، ولا تزيد، قال ابن كثير:(/5)
(فجاءته إحداهما تمشي على استحياء) أي مشي الحرائر، كما روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب –رضي الله عنه– أنه قال: "جاءت مستترة بكم درعها"، وقال ابن أبي حاتم: قال عمر بن الخطاب –رضي الله عنه–: "جاءت تمشي على استحياء قائلة بثوبها على وجهها، ليست بسلفع من النساء خرّاجة ولاّجة".
والسلفع من النساء: الجريئة السليطة.
هذه مقتطفات من مقال رائع للأستاذ/ بهجت عبد الله بعنوان "إن أبي يدعوك.. دراسة تحليلية" وإليكم رابط المقال: almokhtsar.com
فإلى الذين يضيقون ذرعاً بهذه التكاليف، ويرون أن المحرم للمرأة قيد ثقيل وغل غليظ.
إلى الذين يريدون التحرر من الفضيلة، والتحلل من القيم النبيلة.
إلى الهاربين الفارين من دائرة ما أمر الله به ونهى عنه، إلى ما لم يأمر به ولِمَا نهى عنه، إليكم دعوة تأمل وتدبر فيما أمر الله به من مصالح ومفاسد، دعوة محبة ونصح للرجوع إلى حياض الدين ومنابع الخير.
إليكم أبعث همسات قلب امرأة تبكي حال أختها المسلمة المؤلم، حين تخلى عنها وليها القريب، وأعرض عنها قيّمها الحبيب، وأوكلها لنفسها، وتركها لهواها، وأسند إليها أمرها، فأصبحت تتخبط خبط عشواء، وتتقلب بين الأهواء والآراء، يطمع فيها المريض، ويستغل ضعفها الحقير، ويلعب بعواطفها اللئيم.
المرأة بغير وليها كطيرٍ مقصوصٍ جناحاه، كلما ارتفع وقع.
المرأة بلا محرمها فريسة سائغة، وصيد فريد، كلما انفرد وابتعد، كثر صائدوه، وزاد لاقطوه، وقلّ مدافعوه، وفقد حماه.
المرأة بغير وليها لقمة ساقطة، وحلوى مكشوفة، يسقط عليها الذباب، ويتذوقها الذئاب.
المرأة بغير محرمها سلعة رخيصة، وتجارة كاسدة، يقلّ ثمنها، ويعزّ طلبها.
المرأة بغير وليها بيت بلا أركان، ومركب بلا ربان، تلاطمها الرياح، وتلعب بها الأمواج.(/6)
لله ما أعظم هذا الدين وما أجمله، إذ عُني بالمرأة وكرمها، وصانها وحفظها، ومن أعظم ما كرمها به أن جعلَ الرجلَ قيّمًا عليها، قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34].
وإني امرأة من النساء، لا أخفي سراً أني ما خالفتُ وليّي في أمر إلا ندمت عليه؛ لأني أتبينُ أن الأمر الذي يراه هو أفضل من رأيي.
وما انفردتُ عنه بأمر إلا تبين لي خطؤه بعد حين.
وما أشار عليّ بأمر فلم آخذ به إلا فاتني خير عظيم.
وإن وجود محرمي معي عز أفتخر به، وشرف أناله، وتكريم يحفني.
ذكرت قريبةٌ لي قصةَ حجها مع ابنها البار، وأخذت تسرد لي الأحداث، وكانت تفخر بابنها وما كان يفعله معها في الحج من تفانٍ وبذل، وكانت تصف المواقف التي تمر بها، وكيف أنها كانت وابنتها كالأميرات –هكذا عبّرت– يجلسان جانباً وابنُها وصديقُه يرتبان لهما ويعدان لهما كل ما يحتاجانه، من مكان وطعام، وينظمان لهما الرحلة بتخطيط موفق وتنظيم دقيق، ويسلكان بهما الطرق المختصرة، فكانت رحلة ميسرة مباركة موفقة، بفضل هذا المحرم الصالح، والابن البار.
هذه لفتة مختصرة عن المحرم في حياة المرأة، والمرأة في حياة المحرم، تشريع عادل، وتكريم فاضل، وحياة هانئة مستقرة.
أخيراً أذكّر بقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36].
هذا حكم الله -عز وجل- وحكم رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فلا حكم لأحد بعد ذلك، ولا معقب.(/7)
العنوان: لماذا تحملته؟
رقم المقالة: 557
صاحب المقالة: علا الجمال
-----------------------------------------
رن جرس الهاتف، وكان المتحدث يوسف، وبعد السلام، دعاني لمنزله محدِّداً اليوم والساعة.. أغلقت الخط وأنا متعجب؛ لماذا دعاني يوسف؟! لقد كان ينظر إليَّ طَوال الدرس والكره يشع من عينيه، وعندما كنت أقول: بسم الله الرحـ... وقبل أن أكمل كان وجهه يصفرُّ، وينظر إلى الأرض والغيظ يملؤه، كأن بداخله بركاناً يوشك أن ينفجر، إننى أشك في إسلامه وأكرهه..
هل أسلم للهرب من بلده؟ ربما ارتكب جريمة في بلده وجاء للاختباء في بلدي التي تعامل الأجانب معاملة محترمة، أو ربما أسلم للزواج من المسلمة الثرية التي تعرَّفها في بلده وتزوجها.
عرفت يوسف في المركز الذي أدرِّس فيه العربية للناطقين بغيرها، وكنت أعامله برفق شديد، وكلما تجهَّم لسماع كلمة الإسلام أغير الموضوع؛ حتى لا أثير غضبه، لا أعرف لماذا؟ فأحياناً تختلط عليَّ مشاعري، فهل أنا أتحمله لأنني أريد أن يحب الإسلام والمسلمين؟ أم أنني أتحمله كي لا أفقد عملي؟ أم كي أكتسب سمعة طيبة؟ أم بسبب ماتربَّيت عليه منذ صغري؟ حيث كانت أمي تضربني بشدة إذا ضربت أحداً من أولاد الجيران، وتقول لي: لا تسبب لنا المشاكل مع الناس.. حقيقة لا أعلم جواباً عن هذه الأسئلة.
ولكنني كنت أحياناً أتعجب من أصدقائه المسلمين، الذين يحبون الإسلام، وكانوا يسألونني قبل مجيئه عن بعض المسائل الدينية بشغف ورغبة، وعندما يدخل الفصل يصمتون؛ احتراماً لكراهيته للدين، وأحياناً كانت تلتقي عيناي بعيني عبد الله زميله، كأنني أقول له إن يوسف منافق، وهو يبادلني نفس الإحساس، وبرغم ذلك عرفت من زميل لهم أنهم يجتمعون معاً كل أسبوع فى منزل أحدهم، وتساءلت في نفسي: كيف لا يؤثرون فيه؟(/1)
وأحياناً كنت أخرج عن شعوري عندما أراه، وأقول في بداية الحصة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وأنا أعنيه، ثم أشفق عليه عندما أرى اصفرار وجهه، وأهتم به اهتماماً زائداً، ثم فوجئت بعبد الله وقد أتى بطفله معه - لظروف خاصة - وهو يعتذر لي، فقلت له: لا بأس بحضوره في الفصل؛ فأخذه يوسف برفق شديد، وأجلسه على حجره، وربت عليه بحنان بالغ، لم أره من قبل على ملامح وجهه، وترك الطفل يكتب بالقلم كما يشاء على الكتاب مما ضايقني، ولكنني لم أتكلم؛ فهو -كما يبدو لي- لا يحترمني، ولا يحترم المادة...
وعندما انتهى الدرس حاول يوسف فتح الباب؛ ولكنه لم يفتح فتقدمت لأفتحه، وقلت: باسم الله؛ فانفتح الباب، وشعرت بالانتصار، وانتابه خجل طفيف.
وقبل انتهاء الكتاب المقرر طلب مني يوسف أن أدرِّس له في منزله؛ فرفضت؛ ظناً مني أن ذلك خيانة للمركز؛ فقال لي: سأترك المعهد حتى إذا رفضت؛ فوافقت، وعندما عرض عليَّ أجراً سخياً رفضت بشدة، برغم احتياجي الشديد إلى المال، فأمي مريضة بمرض عضال، وتراكمت الديون عليَّ، ولكني لا أستطيع أن آخذه رغماً عني..
وقلت له: أرجوك لا تسبب لي القلق، وعدم الراحة النفسية، والشعور بالذنب؛ فنظر إلي متأثراً وقد لانت ملامح وجهه وصمت..
واليوم ها هو يدعوني إلى بيته لا أعلم لماذا؟
ذهبت إليه، وعندما دخلت البيت، فوجئت بكل الطلبة في حفل صاخب، ثم فوجئت بيوسف يعانقني بشدة ويقول لي: أنت هكذا، رافعاً سبابته لأعلى، لقد أحببت الإسلام بسببك، لأول مرة أرى مسلماً طيباً، فمنذ قدمت إلى هنا لم أرَ إلا القسوة، ثم انفتح في الكلام يشكو قسوة الناس، وقسوة شرطي رآه يضرب لصاً بوحشية..
وقال: تقولون الإسلام، أين هذا الإسلام؟! إننا أفضل منكم، وأرحم منكم، وأنتم كذَّابون، كل كلامكم كذب، ومجاملاتكم كذب..
فقلت له: اعذرنا ربما هذا بسبب الفقر وضغوط الحياة، والأفضل ألا تعاشر المسلمين حتى تقرأ عن الإسلام.(/2)
حقاً؛ لقد نجح الاستعمار ومعاونوه من الببغاوات العرب على مسخ الشخصية المسلمة، فلا هي تتبع الإسلام، ولا تتبع الغرب في خيره..
ولكن شيئاً آخر.. حتى أنا، الله أعلم بي، لماذا تحملته؟
تعليق وتقويم أ. شمس الدين درمش على القصة
قصة لها إيجابيات كثيرة، فأفكارها مرتبة، وعرضها مشوق إذ لم تعرفنا الكاتبة بشخصيتها حتى نهاية القصة، والأخطاء الأسلوبية لا تذكر، وإبداء الرأي في بعضها لا يقلل من أهميتها.
- من العبارات التي يحسن حذفها: (وكان المتحدث يوسف، وبعد السلام)، لأن في سياق السرد ما يؤدي معناها.
- عبارة (وأقعده على حجره) الأفضل أن تكون (في حجره)؛ لأن (في) الظرفية أدلُّ على الاحتواء في معنى الحجر، بعكس (على) فيدل على الاستعلاء الحسي أو المعنوي.
- فكرة انزعاج يوسف من البسملة والتعوذ قد توحي إلى القارئ أن يوسف من فئة (اليزيدية) الذين يقدِّسون الشيطان، أو من عبدة الشيطان الجدد. فهو يمكن أن ينزعج من الحديث عن الإسلام عامة، أما التخصيص بالتعوذ فله إيحاء خاص.
- فكرة عدم انفتاح الباب فكرة سطحية لا تخدم القصة، لأن هذا الباب يدخل منه يوسف ويخرج باستمرار، فما معنى عدم انفتاحه، وربط الانفتاح بالبسملة غير موفق أيضاً؛ لأن الباب ينفتح بدون بسملة، وما حصل ليست كرامة خارقة للعادة.
- تُنصح الكاتبة بحذف السطرين الأخيرين من القصة، وربط تخلف المسلمين بالاستعمار في سلوكهم. نعم الاستعمار له دور سياسي في تمزيق بلاد المسلمين، ولكن لا علاقة له بسلوك الأخ مع أخيه والجار مع جاره.
وفي القصة يُترك للقارئ أن يتوصَّل إلى الفكرة ويتأثَّر بها من خلال السرد دون أن يلقِّنه الكاتب ذلك..
ولعل الكاتبة تقرأ مزيداً من القصص القصيرة لكتَّاب معروفين وتتمرن على أسلوب التركيز في العبارة وتكثيفها والله الموفق.(/3)
العنوان: لماذا تخشى السلطة الحوار؟
رقم المقالة: 1275
صاحب المقالة: خليل محمود الصمادي
-----------------------------------------
لا شكَّ أن الحوارَ من سِماتِ الإنسان الذي ميَّزه الله عن سائر المخلوقات، فمن خلال العقل الذي امتاز به يستطيع أن يفكر ويحاور ويحل المعضلات التي لا شك أنها ستتفاقم مع مرور الأيام لولا الحوارُ؛ بسبب النزاعات والحروب والاختلاف.
وليس الحوار بدعًا في القرن الحالي أو الذي سبقه، ولا هو من إفرازات العولمة أو النظام الدولي الجديد أو القطب الواحد، بل هو موجود قبل أن تتكون المجموعاتُ البشرية على الأرض، فربُّ العزة والجلال حاور إبليس عندما رفض السجود لآدم عليه السلام، ونوحٌ عليه السلام حاور قومه قرونًا عديدة، وكذا إبراهيمُ حاور النمروذ، وموسى حاور فرعون، وعيسى حاور قومه، ومحمد حاور الكفار والمشركين واليهود، وكذا جميع الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام حاوروا أقوامهم طوال مدة الدعوة، ولم يقتصر الحوار على الأنبياء والمرسلين، بل نجده ديدن القادة والسياسيين على مر التاريخ؛ عربهم وعجمهم، كُرْدهم وفرسهم، مسلميهم ومسيحييهم ويهودهم وبوذييهم، وغيرهم من الملل والنحل.
ويبدو أن الأمم التي جنحت للحوار وأحسنت استعماله فازت وسادت، وأما الأمم التي رفضت الحوار فقد انتهت وبادت؛ لأن الحضارة الإنسانية هي خلاصة الأفكار التي يؤمن بها الناس ويدافعون عنها ويحاجون بها جهارا ونهارا؛ لأنها في النهاية لصالح البشرية، وأما الذين يهربون من الحوار، أو يضعون العراقيل أمامه فهم الضعفاء الذين يخشون عرض بضاعتهم لأنها تخالف القيم والمبادئ والحق، فلا يُحسِن المحاورُ الدفاعَ عن أفكاره وأطروحاته ومواقفه؛ لأنها بلا شك لو عرضت لهزم، لذا يهربون من الحوار، وحتى لو هربوا فإنهم بلا شك خاسرون مع مرور الزمن وتنطبق عليهم القاعدة "البقاء للأصلح".(/1)
والمتتبع للمشكلة الفلسطينية في أيامنا هذه، ولا سيما في مسألة الخلاف بين حركتي حماس وفتح أو بين رئاسة الحكومة ورئاسة الوزراء، يجد العجب العجاب؛ يجد أن حركة حماس دأبت على مناشدة الرئاسة إلى الحوار منذ اليوم الأول للحسم العسكري ومن جميع صانعي القرار في الحركة من رئيس المكتب السياسي للحركة إلى أصغر مسؤول فيها وبغير قيد أو شرط، في الوقت الذي نجد فيه الرفض المطلق لكل أشكال الحوار من قبل التيار المناوئ للحركة، أي تيار فتح أو السلطة أو الرئاسة أو أوسلو؛ مسميات شتى لهدف واحد هو إفساد الحوار.
لقد أحسن بعض المراقبين ظنا بالفريق الثاني، وراهنوا على أن الحوار سيجرى بعد شهر أو شهرين، وعللوا ذلك بأن الضربة القاضية في غزة لا بد لها من أيام أو أسابيع حتى يتعافى المصاب من صدمته، ولكن وبعد مرور شهرين أو أكثر نجد أن لا آمال في الأفق، فيبدو أن المصارع الجبار تلقى الضربة على دماغه فلم يعد يحسن التفكير، فهو يحاور من أخرجه من دياره واحتل ملعبه ومرتعه ونكل به، في الوقت الذي يصر على عدم محاورة الشقيق والصديق والرفيق ويعُد محاورتَه من الكبائر.(/2)
تشاءم بعض المحللين منذ أن رفضت السلطة الحوار مع حماس منذ بداية الحسم في غزة وقالوا: لقد خرج الأمر من أيديهم، وليس باستطاعة أي مسؤول في السلطة حتى كبيرهم السيد (محمود عباس) من فتح أي حوار مع حركة حماس، وزادوا أن السلطة لو حاورت حركة حماس لانقطع عنها الدعم المادي والمعنوي والمباركة الأمريكية والإسرائيلية، وقد اتهمناهم بالشطط والتطرف وقلنا: "إن عقلاء السلطة -ولا سيما رئيسها- لا بد لهم من الحوار؛ لأنه في النهاية لصالح الشعب الفلسطيني الذي عانى الأمرين على اتجاهين؛ الاتجاه الأول: هو الاحتلال الإسرائيلي، وأما الاتجاه الثاني فهو التفلت الأمني الذي كان مدعوما من قبل بعض الأجهزة الأمنية البائدة، والذي لم يكن يرضي الكثيرين من عقلاء السلطة بما فيهم السيد عباس، وأنها فرصة للتخلص من العبث بمصير الناس والوطن.
يبدو أن الذين راهنوا على أن الحوار سيفتح بعد أن تهدأ النفوس ويتعافى المصارع الجبار قد خسروا وخابوا؛ لأن الأمر بالفعل قد خرج من أيدي أصحاب القرار في السلطة التي أصبح شعارها "لا حوار مع (الحمساويين) الأعداء، بل الحوار مع الإسرائيليين الأصدقاء" هل أصبحت حماس عدوة للسلطة أو الشعب الفلسطيني حتى يغلق الحوار معها؟! وهل أصبح الصهاينة شركاء استراتيجيين للسلطة لعدو مشترك كما يحلو لبوش أن يتبنى مثل هذه الأطروحات النارية؟!
بالأمس -خلال المؤتمر الصحفي مع وزير الخارجية الياباني- دقت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني يدها على الطاولة وصرحت أن فتح الحوار بين حماس والسلطة خطأ كبير!! إنها لغة شبه دبلوماسية صادرة عن وزارة الخارجية، وأما ترجمتها في وزارة الدفاع أو الداخلية الإسرائيلية فكما يلي "إن فتح أي حوار بين حماس والسلطة جريمة لا تغتفر، وإن أي مسؤول في السلطة يفكر في فتح باب الحوار فإنه يلعب بالنار!!".(/3)
لقد أصبح حالهم كما تقول الأغنية الشعبية "نارك ولا جنة هلي" ولا يسعنا إلا أن ندعو لهم بالتخلص من أصدقائهم الإسرائيليين والأمريكيين، والعودة إلى حوار أعدائهم (الحمساويين)، فعدو عاقل خير من صديق جاهل، بل أحمق ومخادع.(/4)
العنوان: لماذا لا تنجح مؤتمراتُهم للسلام؟
رقم المقالة: 1679
صاحب المقالة: زياد بن عابد المشوخي
-----------------------------------------
إنَّ ما يُسمَّى بمؤتمر السلام القادم مع الكيان الصهيوني ليس الأولَ من نوعه، وإن كان رئيسُ الوزراء الصهيوني -تقليلاً لحجمه- يفضلُ تسميتَه بـ"اجتماع"، ووصفه بقوله: "إن أنابوليس ليس للتفاوض بل للتحريك..!"، إذًا فإنه يأتي محاولة لإحياء اتفاقيات ومخططات سابقة، تلك الاتفاقيات والمخططات التي قُتلت من كثرة محاولات الإنعاش لها بلا جدوى، وسُرعان ما تنهار وتتحطم كل محاولة، فتصبح (هباء منثورًا) كما أخبرنا الله عز وجل: {وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} [إبراهيم: 46]. تجتمع الوفودُ وتوجَّه الدعوات، وفي الأماكن السياحية يكونُ اللقاءُ، وتُلتقط الصورُ، وتوزَّعُ الابتساماتُ، وتُرصَدُ الميزانياتُ، فلماذا لا تنجح إذاً؟
وللإجابة عن هذا التساؤل فإن علينا أن ندرك ما يلي:
1- هذه المؤتمرات لا تحمل في حقيقتها من السلام سوى رسم الكلمة (السلام) مفرغة من المضمون تماماً، لتعني عملياً في قاموس الشعوب الإسلامية وذاكرتهم: التنازل والتطبيع والاستسلام والذل والهوان.
2- الكيان الصهيوني يشارك في هذه المؤتمرات هربًا من المواجهة مع المقاومة، لتصبح هذه المؤتمراتُ جزءاً من الجدر التي يحتمي بها {لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ...} [الحشر: 14]، ويلتف من خلالها عن المواجهة ليطعن المقاومة بيد الطرف الآخر المُفاوض فهو عاجز حتى على أن يكون هو اليد، حتى الخنجر؛ فإن الولايات المتحدة وحلفاءها هم من سيوفره ويدفع ثمنه..!(/1)
3- التنازلات المقدمة من الطرف العربي تتعلق بقضايا مصيرية تقابَل بقضايا وهمية من قبل الكِيان الصهيوني الذي يتحدث عن الإفراج عن الأسرى ممن انتهت مدتُهم أو قاربت الانتهاء، وعادة ما يقوم بعمليات اعتقال واسعة قبل المفاوضات، وأما إيقاف الاستيطان فإن المراد به إيقاف بناء المستوطنات الجديدة، ولا يعني إيقاف توسيع المستوطنات القائمة، وغالباً ما تصادَر مساحاتٌ من الأراضي الفلسطينية قبل المفاوضات، وكذلك الحال بالنسبة للحواجز، فقد نقَلَ دوف حنين -عضو الكنيست من الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة- عن حركة "نساء ضد الحواجز- محسوم ووتش" فضيحة تكشف تورط إيهود براك بالكذب، وتقديمه قائمة وهمية إلى وزير الخارجية الأمريكية، بأسماء حواجز مختلقة ادعى بأن إسرائيل قد أزالتها علما بأنها لم تكن موجودة أصلا! ولا معنى لمقابلة القضايا المصيرية والأساسية بتلك القضايا..! فهذا تقزيم للقضية، وكيف لرعاة السلام أو المشاركين فيه قبول المشاركة أصلاً قبل تسوية تلك القضايا الإنسانية العادلة..!
4- من نقاط الإخفاق أن الطرف العربي المفاوض لا يمثل سوى نفسه، وليس له أية شرعية لا دستورية ولا قانونية وطنية ولا دينية، وهذا ما أوضحته بجلاء نتائجُ الانتخابات البلدية والتشريعية الأخيرة، وإن كان المفاوض الفلسطيني السابق يمتلك غزة وأريحا، فإن المفاوض الحالي ليس بيده سوى المنطقة الخضراء (المقاطعة)، وتقف اليوم الفصائل الفلسطينية كلها ضده ويتضح ذلك من خلال المؤتمرات التي عقدت في غزة، وأما على مستوى أوسع فملتقى القدس الدولي الذي انعقد في تركيا يوضح ذلك أيضًا.(/2)
5- ويتبع ما سبق أن ما يتم التفاوضُ عليه لا يملِك أحدٌ الحقَّ في التفاوض حوله، فمن يملك الحق في التنازل عن شبر من تلك الأرض المباركة؟! أم من يملك الحق في التنازل عن حق أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- في المسجد الأقصى؟! ومن يملك الحق في الحيلولة بين المسلمين وبين شد الرحال للمسجد الأقصى؟! ومن يملك الحق في قلب الحقائق القرآنية والنبوية؟! اليهود قتلةُ الأنبياء وصَفَهم المولى -عز وجل- بقوله: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة: 82]، كيف يصيرون اليومَ إرضاءً للبيت الأسود شركاءَ حقيقيين في السلام؟!(/3)
6- الأفعال الصهيونية على أرض الواقع تنسف كل شيء، وتمضي بخط متواز مع ما أخبرنا به الله -عز وجل- عن أفعالهم وأخلاقهم وجرائمهم {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [المائدة: 64]، {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 75]، ولست بصدد الحديث عن تلك الآيات والأحاديث أو تلك الجرائم والمجازر التي قام عليها الكيان الصهيوني ولا يزال يقتات عليها، ولعل من بين تلك الأفعال ما تناقلته الأنباء حول قيام جمعية إسرائيلية شبه حكومية مسؤولة عن إدارة حائط البراق والأنفاق بالبدء في تنفيذ مشروع سياحي جديد لحفر نفق بطول مئة متر يمر تحت البيوت في الحي الإسلامي في البلدة القديمة في القدس المحتلة، وذلك جعل الجامعة العربية تصدر بياناً تستنكر فيه بشدة، وتطالب الأمم المتحدة واليونسكو واللجنة الرباعية بالتدخل الفوري لوقف تلك الانتهاكات، ومنع الحكومة الإسرائيلية من الموافقة على هذا المشروع الذي يتعارض مع أحكام اتفاقيات جنيف الرابعة لعام 1949م، واتفاقية لاهاي بشأن حماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح لعام 1954م، والاتفاقية الخاصة بحماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي لعام 1972م، وجميع القرارات الدولية ذات الصلة، منبهة أن هذه الأعمال -فضلا عن كونها غير قانونية- تقوِّض الجهود المبذولة حاليًا لاستئناف عملية السلام، وتتعارض مع إجراءات بناء الثقة اللازمة لانعقاد المؤتمر الدولي للسلام المزمع عقدُه في أنابوليس بالولايات المتحدة الأمريكية... ومع هذا فالوفود تتابعت حتى لا يفوتها موسم السلام في أنابولس..!(/4)
7- عادة ما ترتبط تلك المفاوضات بظروف خاصة لا علاقة لها بتحقيق ما يسمى بالسلام، وفي هذا المؤتمر فإن الأمر يتعلق باستعدادات الإدارة الأمريكية لحرب قادمة، وهي بحاجة لإرضاء العرب ولو مؤقتاً. يوم واحد وأكثر من أربعين وفداً. بوش الذي قضى على دولتين (العراق وأفغانستان) وشارك في القضاء على الثالثة (الصومال)، ويخطط للقضاء على البقية، يعد اليوم بإنشاء دولة فلسطينية تذكرها مع اقتراب نهاية ولايته ليسجل خاتمة إيجابية، مع الاستعداد لحربه القادمة لضرب الاقتصاد العربي في الخليج، وقرب انسحابه من البيت الأبيض والعراق وإعلان حلفائه أن طالبان تسيطر على 54% من أفغانستان، أما أبو مازن الذي لم ولن يقدر على إيقاف أو القضاء على المقاومة مع كل الدعم الذي قُدم له ولأعوانه، و(عباس) لم يبق له في السلطة سوى عام وهو يبحث عن الشرعية في أنابوليس بعدما فقدها في غزة والضفة..! ولو التزم باتفاق مكة لحافظ على تاريخه، ولكنه بجرائمه وغدره قضى على نفسه، وأولمرت الذي يلاحق بسبب قضايا الفساد وبقايا الحرب الفائتة وسط غياب القيادات المؤثرة والقوية في الكيان والخلافات الداخلية؛ فهم كما وصفهم الله عز وجل: {... بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ} [الحشر: 14]، أضف إلى ذلك فِقدان ما يُسمى بقوة الردع التي طالما بناها الكِيانُ الصهيوني من جماجمِ وأشلاءِ الأبرياء من الأطفال والنساء، ولقد صرح الجنرال "يوسي بيليد" قائدُ المنطقة الشمالية السابق في جيش الاحتلال بأن (إسرائيل) فقدت قوةَ الردع في حرب لبنان الثانية، وتعاني تضخماً في القيادة، إلا أنه ذكر أن الحرب الأخيرة قربت الحرب القادمة بشكل دراماتيكي.(/5)
ولذلك فقد توقع عضو معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى؛ السفير دنيس روس، أن يكون مؤتمر أنابوليس مؤتمراً شكلياً يطغى عليه طابعُ الرسميات وإلقاء الخطب، وقال روس -الذي أدى أداء مهماً في صياغة اتفاقيات أوسلو للسلام في تسعينيات القرن الماضي-: "هناك عدم ثقة بمؤتمر أنابوليس؛ لأننا نطلب من سياسيين ضعفاء تقديم تنازلات تاريخية".
8- من أسباب الإخفاق فِقدانُ الوفد المفاوض العربي لأدنى أوراق للضغط؛ ومن أولها وأقواها المقاومة، التي لولاها لما جاءت السلطة الفلسطينية من تونس ابتداءً، بل إن من يقضي اليوم على المقاومة ويفاوض إنما يشارك في قتل نفسه عاجلاً أو آجلاً، وما الرئيس الراحل عنهم ببعيد..!
9- تعتمد تلك المؤتمرات على مبدأ التطبيع الذي لا يمكن تطبيقه على أرض الواقع، بل إنَّ محاولاتِ بعض الأنظمة تطبيقَه أدت إلى المزيد من الكراهية والرفض للكيان الصهيوني، وجرَّت على تلك الأنظمة المزيد من الخلافات الداخلية والاضطرابات السياسية.
10- الأطماع اليهودية لا تتوقف عند حد معين، وذلك يجعل تلك المؤتمرات مجرد أوراق لا معنى لها عند التطبيق، وكمثال يسير: بماذا سنفسر تلك العملة الصهيونية المتداولة في كل البنوك العالمية وقد رسم عليها خريطة ما يسمى بـ"إسرائيل الكبرى" متضمنة مساحات من الدول التالية: فلسطين والأردن ولبنان وسوريا كاملة وأجزاء من مصر والعراق والسعودية والكويت، فهل بقي مجالٌ للحديث عن الأمن القومي العربي؟!.. إن إيقاف التطبيع مع الصهاينة ليس حماية للحق الفلسطيني، بل لحقوق المسلمين في تلك الأرض وذلك المسجد، وحماية للدول العربية من الأطماع الصهيونية.(/6)
ومع أن الحكومات العربية قبلت الاعتراف بالكيان الصهيوني، بل بحدود 1948م وحديثهم اليوم يدور حول إنهاء الاحتلال في الأراضي المحتلة سنة 1967م، فقد تجاهل الصهاينة إزاء كل تلك التنازلات، ليخرج المفاوض الصهيوني اليوم مطالباً بالاعتراف بيهودية الدولة ليسقط حق العودة، بل ويمهد لتهجير (عرب 48)، ويدور الحديث اليوم عن مبدأ تبادل الأراضي؛ سيبدلون الأراضي، ويمنحونكم أراضي قاحلة مملوءة ببقايا المواد الكيماوية والنفايات، بعد أن يأخذوا الأرض التي توجد بها المياه الجوفية، ولكم أن تتخيلوا أي قيمة لأي أرض مقابل أرض بيت المقدس..!
وفي الختام وقبل إعلان إخفاق اجتماع الخريف ينبغي ألا ننسى تلك السواعد المباركة والأيدي الطاهرة والنفوس الأبية والقلوب الشجاعة التي تُقدم حين يحجم أولئك، وتضحي حين يبخل أولئك، وتثبت حين يتنازل أولئك، وتشمخ حينما ينكسر أولئك، وتعز حينما يذل أولئك، وتحمل الراية حين يبيع أولئك ويشترون؛ إنها المقاومة الفلسطينية التي ضربت لنا أروع الأمثلة في التضحية والشجاعة والبطولة والإقدام والفداء، إن مجموعة من المجاهدين -ترفع أكف الضراعة لله بأن يسدد رميها وتضرب ذلك الكيان وتمرغ أنفه بالتراب وتحطم أسطورة قوته- لكفيلة وحدها بالقضاء على كل تلك المؤامرات، والمؤتمرات، والاتفاقيات، والتنسيق الأمني، والحرب على دين الله، والمخططات للتهويد أو هدم المسجد الأقصى، فإلى الأمام، ولو كان للشعوب الحق في الاستفتاء لما اختاروا سواكم يا طلائع الإسلام وبشائر النصر، يا أيها المرابطون في بيت المقدس وأكنافه، وهنيئاً لكم هذا الشرف والمجد، فأنتم الأحياء في زمن الأموات، وأنتم الكبار في زمن الصغار، وأنتم الأمل في زمن اليأس، وأنتم النصر في زمن الهزيمة، فإلى الأمام يا كتائب الإيمان.(/7)
العنوان: لماذا نخسر رمضان؟؟
رقم المقالة: 1268
صاحب المقالة:
-----------------------------------------
بالأمس القريب ذرفت عيون الصالحين، دموع الحزن على فراق رمضان، وها هي اليوم تستقبله بدموع الفرح نسأل الله - عز وجل - أن نكون من أهل رمضان، وممن امتن الله عليهم بقيامه وصيامه، وأن يوفقنا للخير والصلاح والفلاح فيه.
رَمَضَانُ فِي قَلْبِي هَمَاهِمُ نَشْوَةٍ مِنْ قَبْلِ رُؤْيَةِ وَجْهِكَ الوَضَّاءِ
وَعَلَى فَمِي طَعْمٌ أُحِسُّ بِهِ مِنْ طَعْمِ تِلْكَ الجَنَّةِ الخَضْرَاءِ
قَالُوا بِأَنَّكَ قَادِمٌ فَتَهَلَّلَتْ بِالْبِشْرِ أَوْجُهُنَا وَبِالْخُيَلاَءِ
كل هذا الشوق، وكل هذا الحنين، ومع ذلك فهناك من يخسر رمضان، ويخسر فضله وأجره والعياذ بالله!! وربما لم يشعر ذلك الخاسر بلذة الصيام والقيام، ولا يعرف من رمضان إلا الجوع والعطش! فأي حرمان بعد هذا الحرمان نعوذ بالله من الخسران؟!
لماذا إذًا نخسر رمضان؟؟ سؤال يحتاج إلى إجابة. أليس الله يقول: {فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [البقرة: 64] لكني أذكرك وأحذرك من أمور ربما كانت سببًا لخسارة رمضان دون أن تشعر، فإياك إياك أن تخسر رمضان.
ويعلم الله ما أردت إلا الإصلاح، فلعل هذه الوقفات تكون لبنة أولى لكل من سمع هذا الموضوع؛ ليعيد بناء نفسه في هذا الشهر، فحرام أن يمن الله علينا بهذا الفضل، وهو إدراك رمضان، فنكفر هذه النعمة بالإسراف والتبذير في لياليه.(/1)
وأسباب خسارته كبيرة فمنها ما يخص الرجال، ومنها ما يخص النساء وربما اشتركا في بعض الأسباب.. وهنا وقفة مع بعض الأرباح في رمضان يبشرك بها الحبيب محمد - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)) ((مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)) ((مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ))، استغفار الملائكة للصائمين حتى يفطر، شهر العتق من النيران، رمضان إلى رمضان مكفر لما بينهما.
فلماذا يخسر البعض كل هذه الأرباح؟ وما هي أسباب خسارتنا لرمضان؟؟
أولاً عشرون سببًا أخاطب بها المرأة، وربما شارك الرجل في بعضها:
1- الغفلة عن النية وعدم احتساب الأجر، وأنكِ تركت الطعام والشراب، وابتعدت عن الشهوات لله وحده ((إلاَّ الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ))؛ كما في حديث أبي هريرة، وهو متفق عليه.
2- إهمال الصلوات الخمس، وتأخيرها عن وقتها، وأداؤها بكسل وخمول.
3- السهر، فهو من أعظم أسباب خسارة رمضان، فأكثر النساء يسهرن مع الأخوات على أحاديث القيل والقال، وربما حتى وقت السحر خمس ساعات أو أكثر على شيء غير مفيد.
4- كثرة الخمول والنوم والكسل، ولو نامت الليل لساعات؛ لجلست بعد الفجر في مصلاها تذكر الله، ولأصبحت نهارها طيبة النفس نشيطة.
5- ضياع الوقت في التفنن في المأكولات، والمرأة مشكورة مأجورة لقيامها على الصائمين، ولكن يمكنه اختصار الوقت في مطبخها.
6- سماع الغناء فالأذن تصوم أيضًا، وكيف تتلذذ بسماع القرآن، وهي تسمع قرآن الشيطان، ومنبت النفاق، ورقية الزنا؟!
7- مشاهدة التلفاز و المسلسلات، وسهر ليالي رمضان عليها.
8- قراءة المجلات والروايات والجرائد وما شابهها، وكان السلف يتركون طلب الحديث والعلم في رمضان.(/2)
9- التسويف وقد قطع هذا المرض أعمارنا في أفضل الشهور، حتى ليلة القدر لم تسلم من التسويف.. فمثلاً تريد المرأة أن تقرأ القرآن بعد الفجر لكنها متعبة من السهر، وبعد الظهر ولكنها مرهقة، وبعد العصر ولكنها مشغولة في المطبخ، وربما في الليل ولكنها مع القريبات و الجلسات ملتزمة..
10- الخروج للأسواق، وفيه فتن عظيمة، وقد تضيع فيه الحسنات التي جمعتها المرأة في رمضان.
11- التبرج والسفور، فالعباءة ناعمة مزركشة، والنقاب واسع، والعين كحيلتان، والروائح زكية، فما رأيك في قبول صومها؟!
12- الهاتف، إذ تقضي بعض الأخوات أوقاتًا طويلة في استخدامها للهاتف في أحاديث تافهة.
13- الغيبة والقيل والقال، فاحذري اللسان لا يفسد صيامك أخية.. فهل صامت مَن أكلت لحوم الناس وأعراضهم؟؟
14- إهمال العمل الوظيفي بحجة التعب.
15- إهمال تربية الأولاد، فالليل سهر ولعب، والنهار نوم وضياع للصلاة.
16- سوء خلق بعض الأخوات، فتراها سريعة الغضب والسب والشتم، فضيعت صيامها وحُرمت أجره.
17- الطمع والجشع وعدم الإنفاق في رمضان، وللصدقة في رمضان خصائص منها شرف الزمان، إعانة الصائمين على طاعاتهم، الجمع بين الصيام والصدقة موجبة للجنة.
18- صلاة التراويح، فلا تعجبي أن تكون صلاة التراويح سببًا في خسارة رمضان ألخصها في أسباب:
• خروج بعض النساء وهن متبرجات.
• خروجهن وهن متعطرات.
• الخلوة بالسائق الأجنبي الذي جاء بها إلى المسجد.
• اصطحابها الرضع والأطفال مما يشوه على المصلين.
• الجلوس بين الركعات للتحدث في أمور الدنيا، حتى إذا قرب الركوع قامت فركعت!
• صفوف النساء وعدم إتمامها والتراص فيها.
• اختلاط الرجال بالنساء عند الخروج.
19- الحيض والنفاس، ولاشك المرأة تؤجر عليها، فلا تغفلي عن ذكر الله والصدقة والقيام على الصائمين وخدمتهم.
20- الإعجاب بالنفس وأنها أفضل من غيرها وأحسن.
أما الأسباب الخاصة بالرجل:(/3)
1- عدم أداء الصلاة مع الجماعة والتساهل فيها((رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إلاَّ الجُوعُ وَالعَطَشُ)).
2- الرياضة، فإذا كان لابد فلتكن الرياضة ساعة أو 2، ثم تنظم المسابقة في تلاوة القران وحفظه.
3- الاستراحات والجلسات والملاحق أصبحت للأسف من أسباب خسارة رمضان.
4- التسكع في الشوارع والأسواق، وإيذاء الناس، والجلوس على الأرصفة.
5- المعاكسات سواءً في الأسواق أو الهواتف.
6- جلساء السوء وأصحاب الهمم الدنيئة.
7- الدخان والشيشة وهي من الأشياء المحرمة التي استمرأها الناس.
8- أكل الحرام ومنه الربا والغش والسرقة.
9- التزييف والخداع والنجش والحلف الكاذب.
10- الانسياق واللهثان وراء التجارة وكسب المال إلى حد التفريط في الواجبات.
11- الإهمال في العمل الوظيفي والتأخر عنه والخروج قبل وقته.
12- التهاون ببعض الذنوب والتعود عليها كحلق اللحية وإسبال الثوب، وهو المسكين لايعدها ذنبًا وهي محسوبة عليه.
13- آفات اللسان كالسباب والشتائم والغيبة وبذاءة اللسان والكذب {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18].
14- التساهل وعدم الجدية، ويتضح هذا في كثرة الضحك والتعليق وربما السخرية والاستهزاء.
15- الظلم، فمهما كان لك أعمال صالحة، ومهما حرمت في رمضان، فمادمت ظالمًا أخذت منك هذه الحسنات على قدر مظلمتك.
16- التفريط في النوافل عامة(صدقات- قراءة قران- العمرة- السواك- وركعتي الضحى- وقيام الليل والتراويح- وتفطير صائم).
17- الغفلة عن الغنيمة الباردة (الذكر- الدعاء- الاستغفار) فقد حُرم منه كثير من المسلمين.
18- التقصير في حق الوالدين والزوجة والأولاد، وعدم القيام بحقهم من أهم الأسباب التي يخسر بها المسلم رمضان.
19- الجهل أو التجاهل بفضائل رمضان وعظمته.
20- الغفلة عن الموت ونسيانه.(/4)
هذه بعض أسباب خسارة رمضان، ولعلكم تتساءلون ما هو العلاج؟ فأقول انظروا إلى كل سبب من الأسباب السابقة، ولتحاول الابتعاد عنه، وإذا أردنا أن نعلم عظيم خسارتنا لرمضان فلنجب على هذه الأسلة بصراحة تامة.....
• هل تقرأ القرآن بكثرة وهل تختمه بكثرة على الأقل مرة واحدة؟
• هل تحرص على أداء الصلوات في وقتها بطمأنينة وخشوع ومع جماعة المسلمين؟
• هل تحافظ على السنن الرواتب القبلية والبعدية؟
• هل تستحضرين النية في إعدادك للطعام لأهلك وتحتسبين الأجر على الله؟
• هل تصدقت وأطعمتي الطعام؟ فإذا قلتِ نعم، فبكم؟ وهل يقارب ما يصرف على الزينة؟
• هل تحرص على أداء صلاة التراويح بآدابها؟ وأنت هل تحرصين على صلاة التراويح في المسجد أو البيت؟
• كم ساعة تنامون في رمضان؟
• كم شريط نافع سمعته في رمضان؟
• كم ساعة تسهر وتسهرين؟ وعلى أي شيء؟
• كم عدد تلك الدقائق التي نقضيها في التسبيح والتهليل والتحميد؟
• هل وقفنا في مكان خالٍ وفي ظلمة ليل ورفعنا أكف الضراعة بالدعاء؟
• هل تستغلين الحلقات بالمناصحة والتفقه والدعوة إلى الله؟
• هل تجتهدين في طاعة زوجك ورعاية أولادك خلال هذا الشهر؟
• هل طهرنا بيوتنا من المنكرات؟ وهل طهرنا أموالنا من الربا والحرام؟
فاصدق مع نفسك مادام في العمر فسحة قبل أن تندم حين لا ينفع الندم.
عَلَيْكَ بِمَا يُفِيدُكَ فِي المَعَادِ وَمَا تَنْجُو بِهِ يَوْمَ التَّنَادِ
فَمَا لَكَ لَيْسَ يَنْفَعُ فِيكَ وَعْظٌ وَلاَ زَجْرٌ كَأنَّكَ مِنْ جَمَادِ
سَتَنْدَمَ إِنْ رَحَلْتَ بِغَيْرِ زَادٍ وَتَشْقَى إِذْ يُنَادِيكَ المُنادِي
فَلاَ تَفْرَحْ بِمَالٍ تَقْتَنِيهِ فَإِنَّك فِي مَعْكُوسِ المُرَادِ
وَتُبْ بِمَا جَنَيْتَ وَأَنْتَ حَيٌّ وَكُنْ مُتَنَبِّهًا مِنْ ذَا الرُّقَادِ
يَسُرُّكَ أَنْ تَكُونَ رَفِيقَ قَوْمٍ لَهُمْ زَادٌ وَأَنْتَ بِغَيْرِ زَادِ(/5)
هذه أربعون سببًا لخسارة رمضان، جمعتها تنبيهًا للغافل، وإعانة للذاكر، وتعليمًا للجاهل، واحذر هذه الأسباب تكن من الفائزين في رمضان.
جعلنا الله وإياك من الفائزين في رمضان وجنبنا الخسران.(/6)
العنوان: لماذا ندعو إلى اتباع السلف الصالح؟
رقم المقالة: 582
صاحب المقالة: محمد عيد العباسي
-----------------------------------------
الحمدلله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، أما بعد. فإن الذي يدعوني إلى كتابة هذا البحث هو أن مسألة الإقرار بفضل السلف ووجوب اتباع هديهم ومنهجهم وفهمهم للكتاب والّسُنْة هو الفارق الأكبر والفيصل الأظهر بين أهل السنة وبين أصحاب البدع والأهواء، فلذلك لزم كل داعية سلفي أن يفهم هذا الموضوع فهماً صحيحاً مدعوماً بالأدلة حتى ينجو من الضلال والانحراف، ويتمكن من هداية غيره إلى الصراط القويم. ومن الله أرجو العون والتوفيق.
من هم السلف:
السلف من كل أمة هم القوم المتقدمون السابقون، ويقابلهم الخلف الذين يجيئون بعدهم ويخلفونهم، وفي الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بقبور أهل المدينة فأقبل عليهم بوجهه فقال: ((السلام عليكم يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم أنتم سلفنا ونحن بالأثر))[1]. وقال الله - تعالى -: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59].
وقد ورد تحديد السلف بأنهم أهل القرون الثلاثة الأولى عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وذلك في قوله: ((خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم يأتي من بعد ذلك ناس يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن))[2].(/1)
- والقرن في لغة العرب تطلق على أهل كل زمان، وقيل: أربعون سنة، وقيل ثمانون، وقيل مئة، وقيل هو مطلق من الزمان، كذا قال ابن الأثير في "النهاية". والراجح أن المراد به هنا مئة سنة، فقد استعمله النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث آخر بهذا المعنى، وذلك في قوله - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن بسر المازني - رضي الله عنه -: ((لتبلغن قرناً)) فعاش مئة سنة[3]، ومات سنة ثمان وثمانين وهو ابن مئة سنة، كما قال العسقلاني في الإصابة، وهو آخر من مات بالشام من الصحابة.
وعن ابن عمر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى ذات ليلة صلاة العشاء في آخر حياته، فلما سلم قال: ((أرأيتم ليلتكم هذه، على رأس مئة سنة منها لا يبقى على ظهر الأرض ممن هو على ظهر الأرض أحد)). قال ابن عمر: فوهل الناس في مقالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك فيما يتحدثون من هذه الأحاديث عن مئة سنة، وإنما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يبقى اليوم ممن هو على ظهر الأرض)) يريد بذلك أن ينخرم ذلك القرن[4].
وبناء على ما سبق، فيمكننا أن نحدد المقصود بأهل القرون الثلاثة الفاضلة، أنهم الذين عاشوا بين عامي البعثة النبوية، وتمام عام ثلاث مئة للهجرة، وتشمل هذه المدة نحو خمسة أجيال من المسلمين، وهي مجموع الطبقات الاثنتي عشرة التي وضعها الحافظ ابن حجر في كتابه "التقريب" لمن ترجم لهم من أصحاب الكتب الستة، وتضم طبقات الصحابة، والتابعين، وأتابع التابعين، وتبع الأتباع، وتبع تبع الأتباع، وهؤلاء هم الذين يشملهم اسم السلف. وإنما أثنى عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووصفها بأنها خير القرون لأن غالب أهل تلك المدة كان يغلب عليهم صلاح المعتقد والسلوك، فكانوا على منهج النبوة والرشاد بخلاف من جاء بعدهم، الذين غلب عليهم الابتداع وسوء المعتقد والعمل، وكان الطالحون الفاسدون فيهم أكثر من الصالحين.(/2)
نعم كان في عهد السلف سيئون وأشرار ومبتدعون، ولكنهم كانوا قليلين، والغالب على الناس الصلاح والاستقامة بخلاف قرون الخلف التالية، وعلى كل حال فنحن إنما ندعوا إلى اتباع السلف الصالح وليس أي واحد من السلف، وهؤلاء هم الذين عناهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بحديثه عن الجماعة كما ورد في كثير من الأحاديث كقوله - صلى الله عليه وسلم -:
((عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة)) [5] وقوله: ((يد الله مع الجماعة)) [6].
سبب تفضيل السلف ومنهجهم:
وبعد تقرير ما سبق أعود إلى صلب الموضوع وهو بيان الأسباب التي تدعونا إلى اتباع السلف والدعوة إلى ذلك وأقول: - إن الذي يدعونا إلى ذلك بكل إصرار وحزم ويقين أمور كثيرة أهمها:
أولاً:- أن هذه القرون قد حظيت بثناء الله - تبارك وتعالى - وتزكية رسوله - صلى الله عليه وسلم - وتجد ذلك في كثير من الآيات والأحاديث، ولو ذهبت إلى استقصائها لطال المقام جداً، فأكتفي بذكر ثلاثة مواضع من كل من المرجعين.
فأما القرآن الكريم، فقد قال الله - تعالى - فيه: أ- {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100]. ب- وقال: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ... } [الفتح: 29].(/3)
ج- وقال سبحانه: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّؤوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤوفٌ رَحِيمٌ} الحشر 8 – 10.
وأما الأحاديث النبوية فأكتفي بثلاثة منها:
أ- الحديث الذي سبق قريباً، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((خير الناس قرني ثم الذين يلونهم))[7].
ب- عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)) [8].
ج- وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: رفع النبي - صلى الله عليه وسلم - رأسه إلى السماء، وكان كثيراً ما يرفع رأسه فقال: ((النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون)) [9].(/4)
- وهذه التزكية ثمينة جداً لمن يقدر الأمور حق قدرها، فحسبها أن تكون من الخالق العظيم والمدبر الحكيم العليم الخبير – سبحانه - ومن رسوله الخاتم وخير أنبيائه عليهم جميعاً أفضل الصلاة والتسليم، فلا جرم أن اتفق أهل السنة والجماعة على أن السلف خير أجيال البشرية جميعها على الإطلاق حاشا الأنبياء - عليهم السلام.
- ولم يكن هذا محاباة من الله - تعالى - ورسوله للسلف، كلا ثم كلا بل كان ذلك لما علم الله عنهم من الأهلية والاستحقاق، فكما أن الله - تعالى - قد اختار أنبياءه من صفوة بني آدم كما قال: {الله أعلم حيث يجعل رسالته} [الأنعام: 124]، فكذلك حين اختار أصحاب أنبيائه فقد اختارهم من خير الناس، وخاصة أصحاب آخرهم وخاتمهم محمد - صلى الله عليه وسلم - فهم خير الأصحاب والأتباع كما قال فقيه الصحابة عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ونحوه قول الصحابي الجليل عبد الله بن عمر - رضي الله عنه -[10]: "من كان منكم متأسياً فليتأس بأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، وأقومها هدياً، وأحسنها حالاً، قوماً اختارهم الله - تعالى - لصحبة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم، فإنهم كانوا على الهدي المستقيم" جامع بيان العلم لابن عبد البر (2/ 947) ط : دار ابن الجوزي وروي نحوه عن الحسن البصري ( ح ) في ( 2 / 946 )
- ثم إن الواقع التاريخي ليشهد يصدق هذا الثناء وهذه التزكية، فلم يعرف التاريخ مثل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وتابعيهم ومن اتبعهم بإحسان في إيمانهم وتقواهم، وحسن خلقهم، وصدق تعاملهم، وإحسانهم للخلق، ورحمتهم بهم، ومعرفتهم بالحق، ووقوفهم عند حدود الله، وعدلهم وإنصافهم، وعفتهم ونزاهتهم، ويكفي أن أعداءهم شهدوا لهم بذلك، وقد قيل: والفضل ما شهدت به الأعداء.(/5)
ثانياً:- أن الله - تعالى - أمرنا باتباعهم والاهتداء بهديهم، وتوعد من يخالف سبيلهم بالعذاب الأليم:
فليس اتباعهم والدعوة إلى الاقتداء بهم نزعة خاصة أو رأياً اجتهادياً قاله بعض الناس تعصباً لهم، بل هو أمر إلهي صريح، ونص نبوي صحيح، نطق به الكتاب العزيز، وثبت في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - الشريف، فقد قال – سبحانه -: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115]. وهل كان المؤمنون عند نزول هذه الآية الكريمة إلا إياهم؟
- وقال جل شأنه: {قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 136، 137]، وهل كان هذا الخطاب يوم نزول هذه الآية إلا لهم؟
- وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في موعظته البليغة التي وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون وقال عنها من رواها كأنها موعظة مودع لأصحابه: ((فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة))[11].
- وقال الرؤوف الرحيم - صلى الله عليه وسلم - بأمته موصياً إياها: ((اقتدوا باللذين من بعدي من أصحابي أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمار، وتمسكوا بعهد ابن مسعود)) [12].(/6)
- ويتضح بصورة قاطعة لا مرية فيها أن الله - تعالى - يأمرنا في هذه النصوص الصحيحة الصريحة باتباع سبيل السلف ومنهجهم وهديهم وفهمهم للدين وتطبيقهم له، بل ويهدد من يخرج عن سبيلهم بأشد عذاب، وأشقى مصير.
- فتأمل معي الآية الأولى، وانظر كيف قرن الخروج عن سبيل المؤمنين بمشاقة الرسول - صلى الله عليه وسلم - والخروج عليه، ولم يكتف بتهديد من يشاقق الرسول - صلى الله عليه وسلم - بل أضاف إليه تهديد من خرج عن سبيل المؤمنين، وسل نفسك - أخي القارئ -: من كان المؤمنون عند نزول الآية غير أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فهم المعنيون بذلك أولاً، ثم من سار على دربهم واقتدى بهم من بعدهم ثانياً.
- وهذا نفسه تجده في الآية الثانية إذ أمر الله - تعالى - المؤمنين أن يؤمنوا بالله وبما أنزل على أنبيائه جميعاً إيماناً مجملاً، وبما أنزل على عبده محمد - صلى الله عليه وسلم - إيماناً كاملا ثم حكم على الناس بالهداية والرشاد إذا آمنوا إيماناً مماثلاً ومطابقاً لإيمان الصحابة - رضي الله عنهم - وحكم على من يخرج عن إيمانهم، فيؤمن إيماناً مخالفاً لإيمانهم، ويعتقد ما لم يعتقدوه، أو خلاف ما اعتقدوه، حكم عليه بالضلال والخسران، وبأنه سيكون أمره إلى شقاق وخيبة وخسار. فهو هنا حينما قال: {بمثل ما آمنتم به} إنما يخاطب الصحابة دون غيرهم، الذين كانوا وحدهم المؤمنين في الأرض حينما نزلت هذه الآية الكريمة.
- ثم انتقل معي - أخي القارئ - إلى الحديثين الشريفين السابقين فماذا ترى؟ لقد وعظ النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه في الحديث الأول تلك الموعظة البليغة التي وصفها من حضرها بأنها وصية مودع، ومحضهم بتلك الوصية الثمينة - وكل أحد منا حين يوصي خاصته وأحباءه وصية الوداع فإنما يقدم لهم خلاصة ما تعلمه في الحياة وأثمن ما لديه من معرفة وخبرة وتجربة - فماذا كانت تلك الوصية؟(/7)
لقد أخبرهم أن الأمة بعده ستختلف اختلافاً كثيراً، وستتمزق شيعاً وأحزاباً، وستضل ضلالاً بعيداً، فدلهم على طريق النجاة، وهداهم إلى سبيل الخلاص، فما كان ذاك الطريق؟ إنه كان في أمرين لا ثالث لهما: أولهما التمسك بسنته - صلى الله عليه وسلم - ولا شك أن السنة هنا هي الشريعة والمنهج، فهي تتضمن مجموع الكتاب والسنة، وثانيهما التمسك بسنة صفوة أصحابه وخلص أتباعه وهم خلفاؤه الراشدون المهديون - رضي الله عنهم.
- وهنا يرد سؤال مهم: ترى لماذا لم يكتف النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمرهم باتباع سنته وطريقته وحدها؟ أليست كافية لهدايتهم حتى ألحقها بأمره إياهم باتباع سنة خلفائه الراشدين؟
- إن الجواب على هذا السؤال جدير بالتوقف عنده، وتأمله والتفكير فيه لكل من أراد السلامة والنجاة لنفسه وأحبته في الدنيا والآخرة.(/8)
- لقد علم النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يبدو - مما أوحي إليه أن هذه الشيع والأحزاب الضالة التي ستتفرق إليها أمته، كل منها سيدعي اتباع الكتاب والسنة، ولن تستطيع واحدة منها أن تتجرأ على التصريح بالخروج على الكتاب والسنة، لأنها إن فعلت ذلك سقطت ورفضت من الجميع، فاتخذت هذه الفرق حيلاً خبيثة ماكرة، وذلك بادعاء الإيمان بالكتاب والسنة واتباعهما لتغرر بذلك جماهير المسلمين، ثم تفرغهما من مضمونهما وتلتف على مقاصدهما، وتتخلص من دلالاتهما عن طريق أنواع من التأويل الغريب، ولي لعنق النصوص عجيب، فيه كثير من التكلف والتمحل، ولن يعدموا من وساوس الشياطين ما يمدهم بأنواع من التفسيرات المتعسفة، هذا فضلاً عن محاولة رد ما يمكن رده من الأحاديث المناقضة لأهوائهم بشتى الطرق كادعاء ضعفها أو نسخها أو غير ذلك. فكان من تدبير الله عز وجل المحكم لإبطال مكرهم هذا أن أوحى إلى نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يأمرهم إضافة إلى اتباع سنته المتمثلة في كتاب الله وسنة رسوله باتباع سنة أفضل أصحابه وأوثقهم، وهم خلفاؤه الراشدون والصفوة من أصحابه الآخرين مثل ابن مسعود وعمار وأُبَي ونحوهم، لذلك رباهم على عينه، ووثق بفهمهم وسداد منهجهم، وعلم عن طريق الوحي الإلهي إخلاصهم الدين لله والاستقامة على أمره، وبذلك أبطل خطتهم الخبيثة، وقطع عليهم سبيلهم المنحرف وأقام عليهم الحجة، فقد حفظ الله - تعالى - الصحابة جميعاً عن هذه المسالك الجائرة، وعلم - سبحانه - أن أحداً منهم لن يكون في واحدة منها، ولن يغتر بحيلهم ودعاواهم، وقد اتضح لكل المسلمين أن كل الفرق الضالة مخالفة لمنهج الصحابة الكرام، وهذا وحده كاف لبيان زيفها وضلالها لمن كان مخلصاً في معرفة الحق، وجاداً للوصول إليه.(/9)
ثالثاً:- لأن الأدلة من النقل والعقل والواقع التاريخي، والسنة الكونية للأمور تثبت أن منهج السلف الصالح هو المنهج الصحيح، وأن فهمهم للكتاب والسنة هو الفهم السديد:
وأن إدراكهم لروح الإسلام ومقاصده وتوجيهاته هو الإدراك الرشيد، وليست هذه دعوى مبنية على العاطفة والحماسة، بل هي حقيقة ناطقة تقررها براهين ساطعات، وبينات راسخات رسوخ الجبال الشاهقات الراسيات، فمن ذلك:
1- أن سادة السلف وهم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا عرباً أقحاحاً، رضعوا لغة العرب التي هي لغة القرآن، ولغة نبي الإسلام، رضعوها مع حليب أمهاتهم، وأتقنوا أساليبها ومراميها، وفقهوا بلاغتها ولهجاتها، ولم يحتاجوا لتعلمها عن طريق الكتب والمعلمين بعد الكبر، فلا يستطيع أحد أن ينكر ويكابر في أنهم يمتازون عن أجيال الخلف في هذه الناحية، ويتفوقون عليهم تفوقاً ظاهراً.
2- أنهم تلقوا القرآن غضاً طرياً، وهو ينزل على قلب محمد - صلى الله عليه وسلم - وعاينوا الأحداث التي مرت بهم وكانت سبباً لنزول كثير من آياته وسوره، فأدركوا مناسبات الآيات، وسياقها ووجهتها، وتفاعلوا معها، وفهموها حق فهمها، وهذا أيضاً جانب آخر مما امتازوا به على من جاء بعدهم.(/10)
3- أنهم سمعوا من النبي - صلى الله عليه وسلم - مباشرة دون واسطة فغالب ما نقلوه عنه أخذوه من فيه، وسمعوه فعاينوا لهجته وإشارته، وأدركوا منحاه ووجهته، وعرفوا مناسبة وروده ومقصده، بينما يحتاج من جاء بعدهم إلى دراسة واسعة وعميقة لعدة علوم. مثل علم مصطلح الحديث وعلم الجرح والتعديل، وعلم غريب الحديث، وعلم مشكل الحديث، وعلم الرجال والتراجم .. هذا فقط لمعرفة الحديث الثابت الذي قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - مما لم يثبت، ثم تأتي المرحلة الثانية وهي فهم متنه ومعناه وما يستنبط منه وما يستفاد، وهي رحلة شاقة لا يطيقها إلا الأفذاذ من الرجال، فلا أحد يستطيع أن ينكر تفوق السلف وخاصة الصحابة في ذلك على كل من عداهم تفوقاً بارزاً جلياً.
4- أن السلف الصالح تلقوا الإسلام وتعاليمه صافية نقية، لم يخلطوها بثقافات وافدة من أديان وثنية أو كتابية محرفة، أو فلسفات وضعية، أو علوم كلامية، بل كانوا على الفطرة السليمة، فعقولهم نظيفة، خالية من الشوائب والخلافات، صحيح أنهم كانوا قبل الإسلام على عقائد المشركين، لكن الشرك الذي كان في الجزيرة كان شركاً يسيراً سطحياً ساذجاً، لم يستند إلى نظريات معقدة، أو فلسفات مدروسة، فلم تكن له كتب ولا ثقافات، ولا مدارس فكرية وتعقيدات، بل كان مجرد ظنون وأوهام، ما إن بزغت عليها شمس الإسلام حتى أذابتها وأزالتها، ولئن عاند أهلها ودافعوا عنها مدة إلا أنه كان عناد المقلدين المتشبثين بما كان عليه الآباء والأجداد فحسب.(/11)
بينما كان الخلف في عامتهم قد أفسد فطرتهم وأضل عقولهم ما درسوه من علم المنطق والفلسفة والكلام، فاختلطت هذه الثقافات، والأفكار، بتعاليم الإسلام وثقافته، وحاولوا الجمع بين الثقافتين، ولكن كان هذا على حساب نقاء تعاليم الإسلام وتوجيهاته، فقدت نفوسهم رواءه، وشوه صنيعهم جماله، وأما السلف فكانوا بمنأى عن كل ذلك، ولهذا تميز فهمهم للدين بالأصالة والصفاء والسلامة من التبديل والتحريف.
5- أنهم عرفوا حقيقة الجاهلية التي جاء الإسلام للقضاء عليها، لأن بعضهم عاشها بنفسه، والآخرون كانوا حديثي عهد بها، نقلها إليهم أهلوهم وأقاربهم، فلما جاء الإسلام ميزوا بينه وبين الجاهلية، وأدركوا البون الشاسع بينهما، بينما فقد المتأخرون من أجيال الخلف معنى الجاهلية الحقيقي، فاختلط عليهم الأمر، فسوغوا أموراً في الإسلام هي من الجاهلية، والإسلام منها براء، وخذ مثلاً على ذلك، أمراً مشاهداً وملموساً في كثير من بلاد الإسلام وهو تعظيم الأولياء والصالحين، وقصد قبورهم وبناء أضرحتهم، والطواف حولها، والتبرك بها، والتوسل إلى الله بها، بل والنذر لها والذبح لها والاستغاثة بها، ذلك كله يظنه كثير من المسلمين في العالم الإسلامي اليوم مع الأسف جائزاً ومشروعاً، بل يعتقدون أنه من القربات التي يحبها الله ويرضاها، ويقرب من يتعاطاها، مع أن نصوص القرآن والسنة مستفيضة في إنكار ذلك ونقضه، لكنهم يظنون أن الإنكار كان منصبا على عبادة الأصنام فقط، وأما إذا توجه التقديس والعبادة لغير الأصنام كالأنبياء أو الأولياء فليس في ذلك بأس، وليس محل إنكار، ولو أمعنت النظر في سبب ذلك لوجدته في عدم معرفة حقيقة الجاهلية التي حاربها الإسلام.(/12)
- كثير من مسلمي اليوم يظنون أن التوحيد الذي هو لب الإسلام وأسه هو الإيمان بوجود الله الخالق البارئ الرازق المحيي المميت الضار النافع المدبر للأمور جميعاً - وهو ما يسمى بتوحيد الربوبية - ليس غير، مع أن هذا النوع من التوحيد وإن كان لازماً وحقاً إلا أنه لا يدخل صاحبه في الإسلام، ولا ينجي صاحبه من عذاب النار، ولا يدخله الجنان، وقد كان يقر بهذا النوع أئمة الكفر ورؤوس الشرك مثل أبي جهل وأبي لهب وعقبة بن أبي معيط والعاص بن وائل، والأخنس بن شريق والوليد بن المغيرة، والقرآن الكريم يقص ذلك علينا بأوضح بيان كقوله سبحانه: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ * اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [العنكبوت: 61- 63]. وقال جل شأنه: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ} [يونس: 31].(/13)
نعم كان الجاهليون يقرون بأن الله هو الخالق الرازق المدبر للأمور كلها، ومع ذلك يتوجهون بالتعظيم والتقديس والعبادة معه إلى الأوثان والأصنام، لا لأنهم يعتقدون أنها تنفع وتضر أو أن بيدها الأمر، كلا بل يعتقدون أنها واسطة تقربهم إلى الله - تعالى - وتشفع لهم عنده. وقد ذكر ذلك القرآن الكريم أيضاً فقال سبحانه فيه: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3]، وقال جل شأنه: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [يونس: 18].
وهذا نفسه ما يغفله كثير من مسلمي اليوم، وهم يظنون العبادة محصورة في الصلاة والصوم والزكاة والحج، ولا يفهمون أن النذر عبادة والذبح عبادة، والحلف عبادة، والتوكل عبادة، والرغبة والرهبة والحب والطاعة والانقياد والتذلل والتقديس، وأهم من ذلك كله الدعاء والاستغاثة أنها كلها من صميم العبادة، مع أن النصوص في ذلك متضافرة وكثيرة جداً وأنها يشملها ما اصطلح عليه العلماء بتوحيد الألوهية، بالإضافة إلى توحيد الأسماء والصفات، بل إن بعض المتعالمين من كتاب زماننا يدعي أن أنواع التوحيد هذه هي بدع وهابية، وليست من الإسلام في شيء، فتأمل، وابك معي على غربة الإسلام الذي وصل المسلمون فيه إلى أن جعلوا الشرك إسلاماً والإسلام شركاً، فانطبق عليهم قوله – سبحانه -: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} [يوسف: 106]، فإنا لله وإنا إليه راجعون.(/14)
- أما السلف فقد كانت عقيدة التوحيد بأنواعها من ربوبية وألوهية وتشريع وأسماء وصفات واضحة لا لبس فيها ولا غموض. وما ذلك إلا لأنهم عرفوا الجاهلية فاجتنبوها، وجهل الخلف الجاهلية فوقعوا فيها، ولذلك كان فاروق هذه الأمة الخليفة الراشد الثاني عمر - رضي الله عنه - محدثاً وملهماً حينما تخوف من ذلك فقال: "إني أخشى أن ينشأ في الإسلام قوم لا يعرفون الجاهلية، من لا يعرف الجاهلية لا يعرف الإسلام" أو كمال قال.
6- أن طبيعة الأشياء، وسنة الله في الدعوات في الحياة، لتؤكد أن أي دعوة أو فكرة تظهر في الحياة، سواء كانت إلهية أو وضعية بشرية، فإنها تكون على حقيقتها وأصلها عند ظهورها وأول نشوئها في عهد الداعي الأول إليها، وأنها ما إن يمر عليها حين من الدهر إلا وتبدأ يد التغيير والتبديل تعمل فيها، وكلما أوغلت في الزمن ازداد هذا التغيير والتبديل، تماماً كنبع الماء إذا نظرت إليه أول تفجره من الأرض فستراه رقراقاً صافياً، نظيفاً رائقاً، ولكنك إذا انتقلت إليه بعد عدة أميال فسيهولك ما تراه عليه من الكدر والنتن، والأوساخ والأوشاب.
- وهذا الذي جرى على دعوات الأنبياء تماماً، فنحن نعلم علم اليقين أن إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام - ما دعوا إلا إلى التوحيد، ثم ها هي دعوتهما بعد حين تنقلب على يد أتباعهما من العرب وغيرهم إلى شرك أكبر وعبادة أصنام، وهذا موسى وهارون وعيسى وأنبياء بني إسرائيل كلهم ما دعوا إلا إلى التوحيد، ثم هاهي دعواتهم تنقلب بعد مدة على أيدي أتباعهم إلى شرك ودعوى أن لله ولداً، وأن الإله ثالث ثلاثة، وأنه ينام ويندم ويعرض له ما يعرض للبشر. فما سبب ذلك؟ إنه لا شك تدخل البشر في دين الله، وإضافتهم إليه ما يرونه من آراء، وحذف ما لا يروقهم من أحكام، وتعديل ما يرونه من شرائع، وهكذا.(/15)
- وقد وقع هذا نفسه لديننا الإسلامي الحنيف الذي جاء به محمد بن عبد الله - صلوات الله وسلامه عليه - وقد أخبر - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك بنفسه فقال: ((لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر و ذراعاً بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه. قالوا: اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟!))[13].
- وروى الصحابي الجليل وأمين سر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - فقال: "كان الناس يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله. إنا كنا في جاهليته وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: ((نعم)). قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: ((نعم وفيه دخن)). قلت: وما دخنه؟ قال: ((قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر)). قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: ((نعم: دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها)). قلت: يا رسول الله. صفهم لنا: قال: ((هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا)). قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: ((تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)). قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: ((فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك))"[14].
- فقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم عما سيقع ووقع كما أخبر، وهذا من دلائل نبوته - صلى الله عليه وسلم - فقد بين أن الإسلام سيتغير بفعل الناس، الذين يضيفون إليه تفسيراتهم، وثقافاتهم، وأهواءهم، ويغيرون فيه ويبدلون، ويزيدون وينقصون، حتى يصبح المعروف منكراً، والمنكر معروفاً، كما ثبت في بعض الأحاديث، وحتى إذا ترك الناس البدعة قالوا: تركت السنة كما في أثر ابن مسعود - رضي الله عنه.(/16)
- أما السلف الأول فيكون الدين لديهم حديث عهد بالنزول، يكون صافياً نقياً، تحرسه يد النبوة، وتحفظه سلامة الفطرة وصحة المنهج، ويستمر زمن الخلافة الراشدة على ذلك، ثم يبدأ التغيير فيه، ولكن الغلبة تكون في عهد السلف للفهم الأصيل، وكلما قرب هذا العهد من نهايته كلما قوي تيار البدعة والأهواء، حتى إذا بدأ عهد الخلف كانت الغلبة لتيار البدعة والأهواء، ويبقى الصراع بين المذهبين حتى يأذن الله - سبحانه - بعودة الخلافة الراشدة من جديد، فتعود الحياة ثانية لمنهج السلف الرشيد، ويتقهقر تيار البدعة والأهواء إلى بعيد بعيد {وكذلك يضرب الله الحق والباطل} ليمتحن الله العباد، ويمحص الحق، ويبطل الفساد، ولله في خلقه شؤون، لا يعلمها إلا من يقول للشيء كن فيكون.
7- وأما الواقع التاريخي فواضح جلي للعيان، فمن يجهل ما كان عليه سلفنا الصالح - رضي الله عنهم - من الفهم الصحيح المعتدل الراشد للإسلام، ومن يجهل ما كانوا عليه من السيرة الحميدة، والسلوك الرشيد، والتعامل الأمين، والصدق والعفة والإخلاص، وحسن الخلق، والعدل، والرحمة والإحسان مع جميع الناس مسلمهم وكافرهم؟ بل وانتقل ذلك إلى الحيوان الأعجم، والجماد الأصم، فكانوا واقعاً عملياً لا كلاماً نظرياً، رحمة للعالمين، ولم يعرف التاريخ أرحم ولا أعدل ولا أتقى ولا أزكى ولا أطهر ولا أعبد ولا أخشى ولا أخشع، ولا أكثر مراقبة لله واستقامة على أمره منهم على مر الأزمان.
نعم لا أقول: إنهم معصومون، بل هم بشر يخطئون ويصيبون، ولكنهم أفضل البشر وخير البشر أجمعين.(/17)
رابعاً:- وأخيراً فإننا ندعو إلى اتباع هدي السلف الصالح، ومنهجهم وطريقتهم وفهمهم للدين لأن ذلك هو الطريق الوحيد لتحقيق الوحدة الإسلامية عملياً، والحفاظ عليها، هذه الوحدة التي هي من أعز أهداف المخلصين، والتي ينشدها المصلحون، والتي هي من أهم أسباب النصر والتمكين، والتي يتوق إليها جمهور المسلمين، ويرفع شعارها الزعماء والقادة، يخطبون بها ود الناخبين، ويستميلون تأييدهم في المناسبات، ويستثيرون حماستهم ومحبتهم في الانتخابات.
إن كل المسلمين المعدودين من أهل القبلة يدعون الإيمان بالكتاب والسنة والالتزام بهما والاهتداء بهديهما ومع ذلك تجد بينهم الخلاف والشقاق على أشدهما فلماذا؟
- إن ثمة أسباباً كثيرة، ولكن أهمها وأكبرها الاختلاف في فهم الكتاب والسنة، فكل فرقة تتبنى فهماً للكتاب والسنة مغايراً لفهم الفرق الأخرى، وكل منها يدعي الفهم الصحيح، ولا يتنازل عنه. فما هو المخرج وما هو الحل؟(/18)
- إن لكل منها أعلامه وآراءه، ومذهبه وأحكامه، فإذا جعلنا فهم أحدها هو الأصل المتبع، فسيرفض ذلك الآخرون، ويحتجون عليه، ويقولون: لماذا كان ذلك الفهم هو المتبع، وليس فهمنا؟ إن هذا تمييز بلا مبرر، ولن يقبل أبداً. وأما إذا قلنا للجميع: ليدع كل منا فهمه ورأيه وطريقته، ولنرجع جميعا إلى فهم من نقر جميعا بفضلهم، ونثق بعلمهم واستقامتهم ودينهم، وذلكم هو فهم خير الأمة وأفضلها، وأنقاها وأعلمها، وهم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - الأبرار، وآل بيته الأطهار، الذين مات النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راض، وثبتوا على العهد، ولم يغيروا ولم يبدلوا، إننا إذا فعلنا ذلك فلن يجد أحد منا غضاضة، ولن يثير ذلك في أي منا حساسية، فهذا هو الحل الأمثل، والمخرج الأفضل، لأن حب الصحابة الكرام، وآل البيت الأعلام مما يجمع عليه المسلمون جميعاً، وهو القاسم المشترك الأعظم بينهم، وبالإضافة إلى ذلك فهو المنهج الأقوم والسبيل الأسلم المؤيد بالحجة، والمدعوم بالبينة، والمستند إلى الوحي المعصوم كما سبق بيانه قريباً.
وبهذا يتحقق الحلم الكبير لأمة الإسلام، هذا الحلم الذي سيكون مفتاحًا للفتح المبين، والنصر العظيم على الحاقدين والشانئين، وهو سبيل العزة والتمكين للإسلام والمسلمين في العالمين بعون الله وتأييده، {ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم}.
- فيا أبناء الإسلام، ويا من هو حريص على ما فيه خير الإسلام والمسلمين وعزتهم، ويا من يغار على مصالحهم وسعادتهم، هذا هو الطريق، فلنجتمع عليه، ولنسع إليه، بكل قوة وصدق وإخلاص، فكفانا خلافاً ونزاعاً، وعداوة وشقاقاً، ولنضع أيدينا بعضها في بعض، ولنجتمع على كلمة سواء، ولندع كل أسباب الفرقة، ولنأخذ بأسباب الوحدة، فإننا إذا فعلنا ذلك فلنستبشر بنصر الله وتأييده، وعونه وتسديده.(/19)
فعسى أن يلقى هذا آذاناً مصغية من المخلصين، وسعياً وجداً من الصادقين، وما توفيقنا إلا بالله، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــ
[1] رواه الترمذي (3/369/ الجنائز 59) 1053 عن ابن عباس، وقال: "حديث حسن غريب" وضعفه الألباني.
[2] رواه البخاري (3/ 151 الشهادات 9، و4/189/ فضائل الصحابة 10، و7/173/ الرقاق 7، و7/233/ الإيمان 27) عن عمران بن حصين، وكذلك (7/ 174/ الرقاق 7، و7/224/ الإيمان والنذور 10) عن عبدالله بن مسعود، ورواه أحمد (1/ 378و 417 ...) ورواه مسلم (ص1962 - 1965 فضائل الصحابة 52) عن ابن مسعود وعمران بن حصين وأبي هريرة.
[3] رواه أحمد (4/ 189) و(29/235/689/3) طبعة مؤسسة الرسالة، وحسنه الشيخ شعيب. والبخاري في (التاريخ الصغير).
[4] رواه أحمد (2/ 88و 121) والبخاري (4/ 1/ 149/ مواقيت 40) وأبو داود (ملاحم 108/ 4348) ومسلم والترمذي (فتن 64/ 2252).
[5] رواه الترمذي (الفتن 7/ رقم 2165) عن ابن عمر من أبيه، وقال: حديث حسن صحيح، وصححه الألباني.
[6] رواه الترمذي (الفتن 7/ 2166) وقال: حديث حسن غريب، وصححه الألباني كذلك.
[7] بعضهم يرويه: ((خير القرون قرني ..)) ولم يرد في شيء من الروايات بهذا اللفظ.
[8] رواه البخاري (فضائل الصحابة 6/4/ صـ195) ومسلم (فضائل الصحابة 53/ صـ1967-1968) عن أبي سعيد وأبي هريرة، ورواه أبو داود (سنة 10/ 4658) والترمذي (مناقب 58/ 3861) وأحمد (3/ 11).
[9] رواه مسلم (فضائل الصحابة 51/ صـ 1961).
[10] عزاه محقق جامع بيان العلم إلى الحلية 1/ 305-306 لأبي نعيم قال ابن مسعود رضي الله عنه: (رواه أبو نعيم في الحلية (1) ص ثلاثمائة وخمس - ثلاثمائة وست)(/20)
[11] رواه أبو داود (السنة 5/5/13/ رقم 4607) واللفظ له، والترمذي (العلم 16/ رقم 2676) وابن ماجه (المقدمة 6/ 42و 43و 44) والحاكم (العلم 1/ 175/ 329) كلهم عن العرباض بن سارية - رضي الله عنه - وصححه، ووافقه الذهبي والألباني، وقال الترمذي: حسن صحيح.
[12] رواه الترمذي (المناقب 37/3805) عن ابن مسعود، وقال الترمذي: (هذا حديث حسن غريب)، ورواه أحمد (5/ 382و 385). ) وابن ماجه (المقدمة 11/97) عن حذيفة، وصححه الألباني في (السلسلة الصحيحة 1233 وصحيح الجامع - 1143و 1144).
[13] رواه الشيخان وأحمد وغيرهم عن أبي سعيد الخدري، ورواه أحمد والحاكم عن أبي هريرة.
[14] رواه البخاري (الفتن 11/8/93 والمناقب 4/178) ومسلم (ص 1475 / 1847).(/21)
العنوان: لماذا نطلب علوم العربية؟
رقم المقالة: 994
صاحب المقالة: أبو مالك وائل العوضي
-----------------------------------------
العربيةُ هي لغة هذه الشريعة المباركة، وفهمُ كل كلام متوقفٌ على فهم اللغة التي يُقال بها ويُكتب، وعلماؤنا يعبرون عن ذلك بقولهم علوم الآلة، أي العلوم التي لا تُقصد لذاتها، وإنما تقصد لكي تستعمل في الوصول لغيرها، فهي كأنها آلةٌ أو أداة يستعملها الإنسان ليتوصل بها إلى مطلوبه، فالمقصود من زراعة الأرض استخراجُ النبات منها، ولا يكون ذلك إلا باستعمال الآلات الموصلة إليه من الفأس والمحراث ونحو ذلك.
ولو قيل للحائك الخبير: اصنع هذا الثوب بلا مقص لما استطاع، وكذلك لو قيل للخباز الماهر: اصنع لنا خبزاً بغير فرن لما استطاع.
ولذلك ذكر جمعٌ من أهل العلم أن علوم العربية تُقدَّم في الطلب على علوم المقاصد؛ لأن الوسائلَ والآلات هي التي يُتوصل بها إلى المقاصد، فمن غير المعقول أن تُقدَّم المقاصد على الوسائل، بل لو أمكن الوصول إلى المقاصد بلا وسائل لكانت الوسائلُ تحصيلاً للحاصل بلا فائدة.
وعلومُ العربية على تنوُّعها واختلافها إنما تُطلب لغرض واحد، وهو تصحيحُ الفهم للكلام وما يتبع ذلك من تصحيح كلام المتكلم؛ ليكون أقدرَ على توصيل مراده للسامع، فإذا كان طالبُ العربية لا يحسن فهمَ الكلام صار ما طلبه كالعدم؛ لأنه لم يستفد منه، وإذا كان طالبُ العربية لا يحسن إيصالَ مراده للسامع صار محتاجاً إلى إعادة التعلم.
ولذلك ينبغي لطالب علوم العربية أن يكونَ هذا غرضه من طلبها؛ أن يصحِّح فهمه للكلام، وأن يحسن كلامه بحيث يُفهم عنه، وأن يضعَ هذه الغاية نُصب عينه في كل علم، بل في كل باب، بل في كل مسألة من مسائل العلم يدرسها.(/1)
وبرغم وضوح الفكرة السابقة وسهولة قَبول العقل لها - حتى إن بعض الناس قد يقول: إن هذا الكلامَ لا معنى تحته؛ لأنه من البدهيات – فإن الواقع يقول: إن كثيراً من أهل العلم - فضلاً عن طلبة العلم - بعيدون كل البعد عن هذا الكلام.
فأنت إذا تأملت في كلام أهل العلم وجدت خطأً كثيراً في الفهم، والدليلُ على ذلك أنهم في كثير من الأمور يختلفون في الفهم، مع اتفاقهم على أن الفهمَ الصحيح واحد، فدل على أن باقي الفهوم خطأ، فكأنهم اتفقوا على أن أكثرَ فهومهم خطأ.
ولكي تعرف أن كثيراً ممن يدرسون علوم العربية على تنوعها بعيدون عن هذا الأمر، تأمل تاريخ الأمة وعلماءها، تجد الخطأ في الفهم في الصدر الأول قليلاً، ثم يزدادُ شيئاً في عصور التابعين وتابعيهم، لا سيما ممن دخلوا الإسلام من الأعاجم، ثم يزدادُ كثيراً بعد دخول علوم اليونان وتقديمها على علوم الإسلام، ثم يزداد كثيراً جداً في عصور المتأخرين حتى تحسب أنك في غربة عن الفهم، وتبحث عن العاقل فلا تكاد تجد!
مرِضْتُ منَ الحمقى فلم أُدرِكِ المُنى تَمَنَّيْتُ أن أُشفى برُؤيةِ عاقلِ
وتجد الخطأ ممن لم يدرس علومَ العربية، وهذا واضح، ولكنك إذا وجدتَ الخطأ ممن درس علوم العربية فاعلم أنه لم يدرسها على الوجه الصحيح الذي قدَّمنا ذكره، وإنما كان قُصارى أمره طُروس يسطِّرها، ورسوم يحصلها، كما قيل:
زواملُ للأشعارِ لا علمَ عندَهُم بِجَيِّدِها إلا كعِلمِ الأباعرِ
لعَمرُكَ ما يَدري البعيرُ إذا غَدا بأَوساقِه أو راحَ ما في الغَرائرِ
وقد يكون طَلَبَها على وجهها في الظاهر، ولكنه لم يُخلص النيةَ ولم يقصد طلبَ الحق، فعاقبه الله بأن حَرَمَه الفهم، كما قال تعالى: {واتَّقوا الله ويُعلِّمكُم الله} [البقرة: 282]، فاحذر أن تكونَ سيِّئ النية في طلب العلم، فيعاقبك الله بمثل هذه العقوبات، فهي مهلكة.(/2)
العنوان: لماذا ينصحُ أهلُ العلم بحفظ المتون؟
رقم المقالة: 1042
صاحب المقالة: أبو مالك وائل العوضي
-----------------------------------------
أعرفُ بعضَ الناس ممن له سنواتٌ طوال في طلب العلم، ودرَسَ كثيرا من الكتب في كثير من العلوم الشرعية، ولكن إذا ناقشته في مسألة من المسائل لم يكد يستحضر شيئا مما درس!
أيش تعريف الإجماع؟ أيش تعريف القياس؟ أيش أركان الوضوء؟
أيش أخوات كان؟ أيش موانع الصرف؟
أيش الفرق بين المقطوع والمنقطع؟
أيش أنواع التشبيه؟
أيش الفرق بين التفسير والتأويل؟
أيش أسماء العشرة المبشرين بالجنة؟
... إلخ إلخ!
وأعرفُ بعضَ الناس مِمَّن إذا قيل له: لماذا لا تحفظ المتون؟ لماذا لا تدرس أصول الفقه؟ لماذا لا تدرس علوم البلاغة؟ لماذا لا تدرس النحو والصرف؟ يقول لك: وهل الصحابة درسوا هذه العلوم؟! العلم قال الله قال رسوله فقط! العلم هو القرآن والحديث فقط!
وأعرفُ بعضَ الناس ممن إذا قيل له: قال الخليلُ بن أحمد كذا، وقال ابنُ مالك كذا، وقال الشاعرُ كذا، يقول لك: أين الأسانيدُ الصحيحة إلى هؤلاء أنهم قالوا هذا الكلام؟!!
وأعرفُ بعضَ الناس ممن شرع في طلب العلم، فجلس في مجلس الشيخ الذي يشرح ألفية السيوطي مثلا، فوجد الشيخ استغرق عدة مجالس في أسابيعَ ولم ينتهِ من عشرة أبيات! فقال في نفسه: متى أنتهي من هذا؟ هذا يستغرق عمرا ثم أحتاج عمرا بعده لدراسة الأصول، وعمرا آخر لدراسة النحو، وعمرا آخر لدراسة الفقه، وهكذا! فتراه ينقطع عن العلم بالكلية، أو يقرأ في الكتب بغير شيخ على الإطلاق!
وأعرفُ بعض الناس ممن قرأ كتابا مختصرا في كل فن من الفنون، فاعتقد العصمة في مؤلفه فصار يَقبَلُ كل ما يوافقه، ويرد كل ما يخالفه، ولا يَعُدُّ ما خرج عن هذه الكتب علما على الإطلاق!
لماذا ظهرت هذه الإشكالات السابق ذكرها؟! وما السبب في ذلك؟(/1)
السبب أننا نجهل معنى العلم، ونجهل أكثر كيف نصل إلى العلم، ونجهل أكثر كيف نحتفظ بهذا العلم!
العلم كالشجرة؛ لها أصل وأساس، ولها جذع وفروع، ولها أغصان وأوراق.
وكما تتفاوت الأشجار يتفاوت العلم عند الناس؛
فبعض الناس عنده العلم راسخا كالشجرة التليدة الراسخة منذ آلاف السنين لا تتأثر بالعوارض!
وبعض الناس عنده العلم بازخا عاليا ولكن أصله ضعيف إذا أتته ريحُ الشبهات وعواصف المشككات انقلعت شجرته من أصلها!
وبعض الناس عنده علم كثير بغير أساس كالشجرة الكثيرة الفروع والأغصان إذا كانت مقطوعة من الأرض!
وبعض الناس عنده العلم الراسخ ذو الأصول والفروع كالشجرة الكبيرة ذات الأغصان الكثيرة، ولكنها بلا ثمر لا تفيد الناس شيئا ولا تستفيد!
وبعض الناس عنده العلم الراسخ الذي يستخدمه في الضلال والإضلال، كالشجرة العظيمة تأخذ من الأرض ماء وغذاء طيبا، فتخرج ثمرا خبيثا يتأذى منه الناس ريحا ومنظرا!
وبعض الناس عنده العلم الراسخ كالشجرة الطيبة، ذات الأصول المركوزة، والفروع المنثورة، والأغصان الوارفة، والثمار اليانعة، تأخذ طيبا فتعطي طيبا، يأكل منها الناس فيحمدوها طُعما وريحا، فإذا ما صارت عجوزا وآذنت بالرحيل طفق الناس يأخذون من بذورها ما يستعملونه مزدرعا لهم في الأرض التي تخرج بعشرات الأشجار الأخرى الطيبة التي تنفع الناس أيضا، ويستمر العطاء!
والمتون لطالب العلم كهذه البذرة لهذه الأشجار، عليها تُبتنى الشجرة العظيمة، وبها يزداد كل يوم فروعا وأغصانا تستمد نورها من أصل هذه البذرة؛ فالورقة لا تصلح بغير غصن، والغصن لا يصلح بغير فرع، والفرع لا يصلح بغير جذع، والجذع لا يصلح بغير أصل الشجرة.
- فالمتون هي التي تجمع العلم في رأس الإنسان فيستطيع أن يستحضر ما يشاء بسهولة!
- والمتون هي التي تضمن للإنسان أن لم يفته شيء من أصول العلوم!
- والمتون هي التي تفرق بين الطالب الذي يشتغل بالفروع بغير تأصيل وبين صاحب التأصيل الأصيل!(/2)
- والمتون هي التي تختصر عليك أعماراً بَذَلَها من قبلك علماؤنا حتى أتوك بالزبدة والخلاصة التي تحتاج أنت إلى أضعاف أضعاف عمرك حتى تحصلها وحدك!
- والمتون هي التي تبقى معك بعد سنوات طوال من القراءة في كتب لا تلبث أن تنساها!
- والمتون هي التي تجعلك واثقاً من كلامك في مجلس المدارسة والمناظرة، فيسلم لك المؤالف والمخالف!
- والمتون هي التي تجعل لكلامك حلاوة وطلاوة، فيكون له وقع عند العامة والخاصة!
- والمتون هي الشهادة التي لها قيمة حقيقية في زمن كثرت فيها شهادات الزور!
- والمتون هي الأساس الذي تستطيع أن تسقيه كل ما تحصله من ماء العلم الطيب فيرسخ في ذهنك، بدلا من وضع هذا الماء في قيعان لا أصل لها فلا يكاد يبقى منه شيء!
أما الذي يقول: لم يفعله الصحابة! فنقول له:
- إذا فتحت كتابا واحدا من كتب أهل العلم فأنت كاذب أفاك! لأنهم لم يفتحوا الكتب!
- وإذا لم تكن عربيا سليقيا قحا فأنت مُدَّعٍ مُبطِل! لأن جلهم كانوا عربا أقحاحا!
- وإذا لم تخبرنا كيف عرفت ذلك من الصحابة من غير الكتب فأنت متناقض متضارب!
- وإذا لم تعرفنا كيف نطلب العلم من غير كتب أهل العلم فأنت جهول ظلوم!
ولهذا كله كان علماؤنا الأجلاء يوصون بحفظ المتون، ويقولون دائما: من حفظ المتون حاز الفنون.(/3)
العنوان: لمحات من سيرة: عمرو بن العاص رضيَ الله عنه
رقم المقالة: 1387
صاحب المقالة: الشيخ إبراهيم الحقيل
-----------------------------------------
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَنْ يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، {يَا أَيُّهَا النَّاس اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
فيحتاج المسلمون إلى تذكيرهم بسير رجالاتهم، وأخبار سابقيهم، والوقوف على صفاتهم وأفعالهم؛ للاقتفاء والتأسِّي؛ ومن أجل تخفيف سَيْل الغزو الثقافي، والمَسْخ الأخلاقيِّ الذي يتتابع على عقول الناشئة والكبار، رجالاً ونساءً. يجرّهم إلى الإعجاب برموز الشرق والغرب من الكافرين والمنافقين، أو من فسَّاق المسلمين وشذَّاذهم، في زمنٍ يسير فيه كثيرٌ من المسلمين خلف كلِّ زائفٍ منَ الحضارة، ويقلِّدون كلَّ رمزٍ من رموزها، ويتَّبعونهم حذو القَذَّة بالقَذَّة، كما أخبر عن ذلك رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم[1].
فسيرة الصحابة ومن اهتدى بهداهم يجب أن تكون الأنموذج الذي يرُبَّى عليه شباب المسلمين وناشئتهم، إن كان المسلمون يريدون صلاحًا وعزًّا.(/1)
ويتأكَّد الحديث عن سيرتهم وأيامهم إذا كان المنافقون والكافرون يجلبون بخيلهم ورَجْلهم؛ لتشويه تلك الصورة النَّاصعة في تاريخ البشرية، ويُعلنون نَبْذَ كلَّ قديم، ويصيحون بطرح ما عَلَقَ في الأذهان من الماضي، زعمًا أن ذلك سبب التخلُّف والرجعيَّة، حتى ولو كان دين الله تعالى متمثِّلاً في القرآن العظيم وسنَّة سيد المرسلين - عليه الصَّلاة والسَّلام - وأخبار صحبه الكرام - رضيَ الله عنهم وأرضاهم. هذه مقولة المنافقين، وهذا وِزْرُهُم: {أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [الأنعام: 31].
أيها الإخوة:
وهذه لمحاتٌ من سيرة داهيةٍ من دُهَاة العرب، وفَذٍّ من أفذاذ قريش، يُضْرَب به المَثَل في الفِطْنَة والدَّهاء والحزم، تأخَّر إسلامه إلى الثامنة من الهجرة؛ حيث هاجر فيها ومَثَلَ بين يَدَي رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - معلنًا إسلامه.
لمَّا سئل عن سبب تأخُّر إسلامه وهو صاحب العقل الراجح قال - رضيَ الله عنه وأرضاه -: "إنَّا كنَّا مع قومٍ لهم علينا تقدُّمٌ وسنٌّ، توازي حلومُهم الجبال، ما سلكوا فجًّا فتبعناهم إلا وجدناه سهلاً، فلما أنكروا على النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنكرنا معهم، ولم نفكِّر في أمرنا، وقلَّدناهم، فلَّما ذهبوا وصار الأمر إلينا؛ نظرنا في أمر النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فإذا الأمر بيِّنٌ؛ فوقع في قلبي الإسلام"[2].
إنه عمرو بن العاص - رضيَ الله عنه وأرضاه - يحكي قصة إسلامه فيقول: "لما انصرفنا من الخندق جمعتُ رجالاً من قريش، فقلتُ: والله إنَّ أمر محمد يعلو علوًّا منكرًا، والله ما يقوم له شيءٌ، وقد رأيتُ رأيًا. قالوا: وما هو؟ قلتُ: أن نلحق بالنجاشيِّ على حاميتنا؛ فإن ظفر قومُنا، فنحن مَنْ قد عرفوا، نرجعُ إليهم. وإن يظفر محمدٌ فنكون تحت يدي النجاشيِّ، أحبُّ إلينا من أن نكون تحت يَدَي محمد. قالوا: أصبتَ. قلتُ: فابتاعوا له هدايا".(/2)
قال: "وقَدِمنا عليه، فوافقنا عنده عمرو بن أُميَّة الضَّمْري، قد بعثه النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في أمر جعفر وأصحابه، فلما رأيته قلتُ: لعلِّي أقتُلُه، وأُدخلتِ الهدايا؛ فقال النجاشيُّ: مرحبًا وأهلاً بصديقي. وعُجِبَ بالهدية. فقلتُ: أيها الملك! إني رأيتُ رسول محمد عندكَ، وهو رجلٌ قد وَتَرَنا، وقتل أشرافنا، فأعطِينَهُ أضربْ عنقه. فغضب، وضرب أنفه ضربةً ظننتُ أنَّه قد كسره، فلو انشقَّتْ ليَ الأرض دخلتُ فيها. وقلتُ: لو ظننتُ أنكَ تكره هذا لم أسألْكَهُ. فقال: سألتني أن أعطيكَ رسول رجلٍ يأتيه الناموس الذي كان يأتي موسى الأكبر تقتُله - يعني جبريل عليه السلام -؟! فقلتُ: وإن ذاك لكذلك؟ قال: نعم، والله إني لكَ ناصحٌ فاتَّبِعْهُ، فوالله ليظهرنَّ كما ظهر موسى وجنودُه. قلتُ: أيها الملك، فبايعني أنت له على الإسلام. فقال: نعم. فبسط يده، فبايعته لرسول الله صلَّى الله عليه وسلم على الإسلام، وخرجتُ على أصحابي وقد حال رأيي؛ فقالوا: ماوراءَكَ؟ فقلتُ: خيرٌ.
فلما أمسيتُ؛ جلست على راحلتي، وانطلقتُ وتركتُهم، فوالله إني لأهوى إذ لقيتُ خالدَ بنَ الوليد، فقلتُ: إلى أين يا أبا سليمان؟ قال: أذهبُ والله أُسْلِمُ؛ إنه والله لقد استقام المَيْسَم، إنَّ الرجل لنبيٌّ ما أشكُ فيه. فقلتُ: وأنا والله.
فقدِمنا المدينة، فقلتُ: يارسول الله، أبايعُكَ على أن يُغْفَر لي ما تقدَّم من ذنبي. ولم أذكر ما تأخَّر؛ فقال لي: ((يا عمرو، بايعْ؛ فإنَّ الإسلام يَجُبُّ ما كان قبله))؛ أخرجه أحمد والحاكم[3].
وفرح رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بإسلامه وإسلام خالد، يقول عمرو - رضيَ الله عنه -: "ما عَدَلَ بي رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وبخالدٍ منذ أسلمنا أحدًا من أصحابه في حربه"؛ أخرجه البَيْهَقِيُّ[4].(/3)
وشهد له النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم – بالإيمان؛ فقال: ((ابنا العاص مؤمنان: هشام وعمرو))؛ أخرجه أحمد والحاكم وصحَّحه[5].
وكانت ثقة النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيه كبيرةٌ - خاصَّةً في أمور الحرب - فقد ولاَّه قيادة جيشٍ فيه أبو بكر وعمرُ وكبارُ الصحابة.
يقول عمرو - رضيَ الله عنه -: بعث إليَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: ((خُذْ عليكَ ثيابكَ وسلاحكَ، ثم ائتني)). فأتيتُه وهو يتوضَّأ، فصَعَّد فيَّ النَّظَرَ، ثم طأطأه؛ فقال: إني أريد أن أبعثك على جيشٍ، فيُسلِّمَكَ الله ويُغْنِمَكَ، وأرغبُ لك من المال رغبةً صالحةً)). قال: قلتُ: يا رسول الله، ما أسلمت من أجل المال، ولكني أسلمتُ رغبةً في الإسلام، وأن أكون مع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم. فقال: ((ياعمرو، نِعْمَ المال الصَّالح للمَرْءِ الصَّالح))؛ أخرجه أحمد والحاكم وصحَّحه[6].
ولمَّا خرج الصحابة في (ذات السَّلاسل) تحت إمْرَة عمرو - رضيَ الله عنه - أصابهم بردٌ شديدٌ؛ فأرادوا أن يوقدوا نارًا، فمنعهم، حتى قال عمر بن الخطاب لأبي بكر: "ألا ترى إلى ما صنع بالناس، يمنعهم منافعهم"!! فقال أبوبكر: "دَعْهُ، فإنَّما ولاَّه رسول الله علينا لعلمه بالحرب"، وفي رواية: "أنهم لما قدموا شكوه إلى النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: يا نبيَّ الله، كان فيهم قلَّةٌ، فخشيتُ أن يرى العدو قلَّتهم، ونهيتُهم أن يتَّبعوا العدوَّ؛ مخافة أن يكون لهم كمينٌ". فأعجب ذلك رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم –"[7].(/4)
كان رضيَ الله عنه فقيهًا، اجتهد؛ فأقرَّه النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - على اجتهاده؛ روى عبدالرحمن بن جُبَيْر، عن عمرو بن العاص قال: "احتلمتُ في ليلةٍ باردةٍ، في غزوة ذات السلاسل، فأشفقتُ إنِ اغتسلتُ أن أهلك، فتيمَّمْتُ، ثمَّ صلَّيْتُ بأصحابي الصُّبْحَ، فذكروا ذلك للنبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: ((يا عمرو، صلَّيْتَ بأصحابكَ وأنت جُنُبٌ؟! فأخبرتُه بالذي منعني من الاغتسال، وقلتُ: إني سمعت الله يقول: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29]؛ فضحك رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولم يَقُلْ شيئًا"؛ أخرجه أبو داود، وصحَّحه ابن حبَّان والحاكم[8].
ومن مناقبه - رضيَ الله عنه -: أنه هدم صنم سُوَاعٍ بعد فتح مكة، وفي عهد أبي بكر حارب قُضَاعَة لما ارْتدُّوا عنِ الإسلام، وكان في معركة اليرموك على ميمنة الجيش الإسلامي، وثَبَتَ في مكانه حين أصاب الرُّومُ أعينَ سبعمائةٍ منَ المسلمين، ومعه أصحاب الرايات، وقاتل الروم بقوَّةٍ حتى كتب الله تعالى النَّصر للمسلمين، وله مشاركات فاعلة في فتح الشام، وهو الذي فتح مصر[9].
وكان عمر بن الخطاب - رضيَ الله عنه - معجبًا بدهائه، حتى إن عمر إذا استضعف رجلاً في رأيه قال: "أشهد أنَّ خالقكَ وخالقَ عمروٍ واحدٌ"؛ يريدُ: خالق الأضداد[10].
ولم يدفعه دهاؤه وحِنْكَتُهُ إلى الغرور والتكبُّر؛ بل كان حسن الخُلُق، يقول قَبِيصَةُ بن جابر: "صحبتُ عمرو بن العاص، فما رأيتُ رجلاً أَبْيَنَ قرآنًا، ولا أكرم خُلُقًا، ولا أشْبَهَ سريرةً بعلانيةٍ منه"[11].
فرضيَ الله عنه وأرضاه، وجعل دار الخُلْد مثواه.
وأقول قولي هذا، وأستغفرُ الله لي ولكم، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثَّانية(/5)
الحمد لله، حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه، كما يحبُّ ربُّنا ويرضى، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومَنْ سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدِّين.
أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله - كما أمر، واجتنبوا الفواحش ما بَطَنَ منها وما ظَهَرَ.
أيها الإخوة المؤمنون:
كان لهذا الصحابيِّ الجليل قصَّةٌ في تأخُّر إسلامه، وقصَّةٌ في سبب إسلامه، وقصَّةٌ عند احتضاره، عاتب فيها نفسه، ورجا رحمة ربه، ووصف الموت وشدَّته وصفًا دقيقًا.
أخرج ابن سعد أن عمرًا قال: "عجبًا لمن نزل به الموت وعقلُه معه، كيف لا يصفه؟ فلما نزل به الموت، ذكَّره ابنه بقوله وقال: صِفْهُ. قال: يا بني، الموت أجلُّ من أن يُوصَف؛ ولكني سأصِفُ لك: أجدُني كأنَّ جبل رُضْوَى على عنقي، وكأن في جوفي الشَّوْك، وأجدُني كأنَّ نَفَسي يخرج من إبرة"![12].
هذا وصفُ احتضار رجلٍ صَحِبَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وشهد له بالإيمان، وأبلى في الإسلام بلاءً حسنًا، وقضى دهرًا من عمره مجاهدًا في سبيل الله تعالى، يا ترى كيف سيكون احتضارنا ونحن بهذا التَّقصير والعصيان؟!
نسأل الله تعالى أن يتولاَّنا بعفوه ورحمته.(/6)
قال ابن شُمَاسة المَهْري: "حَضَرْنا عمرو بن العاص وهو في سياقة الموت، فبكى طويلاً، وحوَّل وجهه إلى الجدار، فجعل ابنه يقول: يا أبتاهُ، أَمَا بشَّرَكَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بكذا؟ أما بَشَّرَكَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بكذا؟ قال: فأقبل بوجهه فقال: إن أفضل ما نُعِدُّ: شهادةَ أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، إني قد كنتُ على أطباق ثلاث، لقد رأيتني وما أحدٌ أشدَّ بغضًا لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - منِّي، ولا أحَبَّ إليَّ أن أكون قد استمكنتُ منه فقتلتُه، فلو مُتُّ على تلك الحال؛ لكنتُ من أهل النار. فلما جعل الله الإسلام في قلبي؛ أتيتُ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقلتُ: ابسطْ يمينَكَ فلأبَايعْك؛ فبَسَطَ يمينه. قال: فقبضتُ يدي. قال: ((ما لك يا عمرو؟)). قال: قلتُ: أردتُ أن أشترطَ، قال: ((تشترطُ بماذا؟)). قلتُ: أن يُغْفَرَ لي. قال: ((أما علمتَ أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله؟)). وما كان أحدٌ أحبُّ إليَّ من رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولا أجلُّ في عيْني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عينيَّ منه إجلالاً له، ولو سُئلتُ أن أصفه ما أطقتُ؛ لأنِّي لم أكن أملأ عينيَّ منه، ولو مُتُّ على تلك الحال لرجوتُ أن أكون من أهل الجنة. ثم وُلِّينا أشياءَ ما أدري ما حالي فيها، فإذا أنا مُتُّ، فلا تصحبني نائحةٌ ولا نارٌ، فإذا دفنتموني؛ فشنُّوا عليَّ التراب شَنًّا، ثم أقيموا حول قبري قدر ما تُنْحَرُ جَزُورٍ ويقسم لحمها؛ حتى أستانس بكم، وأنظر ماذا أراجعُ به رسلَ ربي"؛ أخرجه مسلمٌ في "صحيحه"[13].(/7)
وعن ثابت البُناني قال: "كان عمرو على مصر، فثَقُل؛ فقال لصاحب شرطته: أَدخلْ وجوه أصحابكَ. فلما دخلوا نظر إليهم وقال: ها قد بلغتُ هذه الحال، ردُّوها عنِّي. فقالوا: مثلُك أيها الأمير يقول هذا؟ هذا أمر الله الذي لا مردَّ له. قال: قد عَرَفْتُ؛ ولكن أحببت أن تتَّعظوا، لا إله إلا الله. فلم يزل يقولها حتى مات[14].
وفي رواية عن عبدالله بن عمرو: أن أباه قال عند موته: "اللهم إنك أمرتنا فأضَعْنا، ونهيتنا فركَبْنا، فلا بريءٌ فأعتذر، ولا عزيزٌ فأنتصر؛ ولكن لا إله إلا أنت". وما زال يقولها حتى مات"[15].
كانت وفاته ليلة عيد الفطر، سنة ثلاث وأربعين، وصلَّى عليه ابنه عبدالله، ودُفن يوم العيد - رضيَ الله عنه وأرضاه -[16] وقد قارب التِّسعين.
{إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56].
---
[1] سير أعلام النبلاء (3/55).
[2] نسب قريش للزبير بن بكار (410) والإصابة (7/122) إلا أنه تصحف فيها إلى "وكانوا ممن يوارى حلومهم الخبال...".
[3] أخرجه أحمد (4/198) وابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام (2/476) والواقدي في المغازي (2/741) والحاكم (3/454) وقال الساعاتي: سنده جيد (21/134) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني ورجالهما ثقات (9/351) وفي رواية أحمد (المنسم) بالنون وفي رواية الحاكم بالياء (الميسم) وانظر في معناها ص (72) من هذا المجلد.
[4] أخرجه البيهقي في الدلائل (4/343).
[5] أخرجه أحمد (2/327) والحاكم وصححه على شرط مسلم (3/240) وابن سعد (4/191) ويشهد له قصته مع سالم مولى أبي حذيفة حيث وصفهما الرسول عليه الصلاة والسلام بأنهما مؤمنان كما في مسند أحمد (4/203) وعزاه المزي في تحفة الأشراف للنسائي في الكبرى (8/155) وحسنه الحافظ في الإصابة (7/124) وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح (9/300).(/8)
[6] أخرجه أحمد واللفظ له (4/196) والبخاري في الأدب المفرد (299) وصححه ابن حبان (2277) والحاكم وقال: على شرط مسلم، ووافقه الذهبي (2/2) وعزاه الهيثمي للطبراني في الكبير والأوسط ولأبي يعلى وقال: ورجال أحمد وأبي يعلى رجال الصحيح (9/353) وحسنه الحافظ في الإصابة (7/124).
[7] كلا الروايتين في تاريخ ابن عساكر، وانظر: السير للذهبي (3/66).
[8] أخرجه أبوداود في الطهارة باب إذا خاف الجنب البرد تيمم (334) والبيهقي (1/225) والحاكم وصححه ووافقه الذهبي (1/177) وعلقه البخاري، وقوى سنده الحافظ ابن حجر (1/385).
[9] انظر: الفتوح لابن عبدالحكم (83) وتاريخ الطبري (3/249) والكامل لابن الأثير (2/346-156) والإصابة (7/124) .
[10] وفيات الأعيان (7/215) ونحوه في الإصابة (7/124) والاستيعاب (1188).
[11] الإصابة (7/123).
[12] طبقات ابن سعد (4/260) والسير للذهبي (3/75).
[13] أخرجه مسلم في كتاب الإيمان باب كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الهجرة والحج (121).
[14] سير أعلام النبلاء ( 3/76).
[15] طبقات ابن سعد (4/260) والسير (3/77).
[16] انظر: مجمع الزوائد (9/354) وطبقات ابن سعد (4/261) والسير (3/77) والإصابة (7/125).(/9)
العنوان: لن تسرقوا أفراحنا
رقم المقالة: 1520
صاحب المقالة: زياد بن عابد المشوخي
-----------------------------------------
سنفرحُ بهذا العيد برغم الجراح، ولن يسرق الأعداءُ منا الفرحةَ، ولا من أطفالنا البسمة..
لن تسرقوا أفراحَنا بحصارِكم إخوانَنا... ألم يُحاصَر النبيُّ الكريم –صلى الله عليه وسلم- وصحبُه -رضوان الله عليهم- في الشِّعْب، بعدما زادت حيرةُ المشركين إذْ نفدت منهم الحيلُ، فتحالفوا على الحصار وكتبوا صحيفةَ الظلم، ثلاثة أعوام في شعب أبي طالب، حتى لجأ المسلمون إلى أكل الأوراق والجلود، وحتى كان يُسمع من وراء الشعب أصواتُ نسائهم وصبيانهم يتضاغون من الجوع، وفي النهاية نقضت الصحيفة، وانكسر الحصار، وما انكسرت عزيمةُ المؤمنين، وكيف تنكسر عزيمتُنا ونحن نقرأ قوله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 5-6].
فسنزداد تمسكاً بديننا وحقوقنا مستذكرين قول ربنا: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران: 140].(/1)
لن تسرقوا أفراحنا بمجازركم وجرائمكم... فشهداؤنا أحياء، إنهم أحياء عند ربهم، عند خير جوار، والمصائب مع الصبر ستنقلب إلى رحمة: {وَلا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ * وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 154-157]، ودماؤهم الزكية تذكرنا بأن قتلة الأنبياء بالأمس هم قتلة أتباع الأنبياء اليوم، وتذكرنا بحملات الصليب التي إن عادت فإنها سرعان ما تنتهي وترجع خائبة بإذن الله.
لن تسرقوا أفراحنا بحرماننا من شد الرحال للأقصى... فإن طال الزمان فإنا عائدون...قادمون، وإن جعلتم من حدودكم وحواجزكم حائلاً بيننا وبين الصلاة في المسجد الأقصى، فلكم الخزي في الدنيا والعذاب العظيم في الآخرة، قال عز وجل: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة: 114].(/2)
لن تسرقوا أفراحنا بسجنكم لإخواننا وأخواتنا... فأنينُ الأسرى وصوتُ قيودهم سيحررنا من الدنيا وقيودها، وسنمضي من أجل حريتهم ذاكرين إخوةً لنا ذكّرنا بهم رسولُنا لما أتاه خباب -رضي الله عنه- وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا؟ أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟، قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ، فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ أَوْ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ" ... ستكسر القيود ويعود الأحبة، وليتمن الله هذا الأمر.
لن تسرقوا أفراحنا باحتلال أرضنا... فقد سقطت بغدادُ بأيدي التتار، والقدسُ بأيدي الصليب، وعادت عزيزةً بعدما عدنا لديننا وتوحدت راياتُنا، وإنا على يقين بأننا عائدون، والعاقبة للمتقين؛ قال تعالى: {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 138].
لن تسرقوا أفراحنا بتحالفكم وتحزبكم ضدنا... وسنزداد إيماناً وتسليماً لله، وسنقول كما قال إخواننا: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22].(/3)
لن تسرقوا أفراحنا وإن تأخر نصرُنا... فوعد الله بين أعيننا: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55]، وسنسرع بالسير وإن تكاثرت على جنبات الطريق الجراح، وعيوننا ترمق من بعيد وعدَ الله لنا بالنصر والتمكين: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [غافر: 51].
لن تسرقوا أفراحنا، فلنا معكم موعد لم ولن ننساه، قال صلى الله عليه وسلم: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمْ الْمُسْلِمُونَ، حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوْ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ، يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ".
لن تسرقوا أفراحنا بشتم رسولنا... فذكره العطر تكفل الله برفعه {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: 4]، وسننشر ديننا لننقذ العالم من ظلمات الكفر، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [الحديد: 9].(/4)
لن تسرقوا أفراحنا بتشويهكم لإسلامنا واتهامنا بالإرهاب!!!... فنور ديننا لن يطفأ بأفواهكم؛ قال تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة: 32]، وقال صلى الله عليه وسلم: "لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ؛ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ".
بل سنفرح... وسنرسُم البسمةَ على وجه الفقير والمسكين وأهل الشهيد والأسير، ألم يقل رسولنا -صلى الله عليه وسلم-: "من جهَّز غازيًا فقد غزا, ومن خلَف غازيًا في أهله وماله فقد غزا"، وقال عليه الصلاة والسلام: "أيكم خلَفَ الخارجَ في أهله وماله، كان له مثلُ نصف أجر الخارج".
وسنعمل بأمر رسولنا -صلى الله عليه وسلم-: "أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم"، وسنغنيهم عن السؤال في هذا اليوم.
لن تسرقوا أفراحنا... فاليوم نبتسم بمكة المكرمة والمدينة النبوية، وغداً بإذن الله سنشد الرحال إلى القدس، قال صلى الله عليه وسلم: "لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى"، وسنبتسم في القدس وفي بغداد وفي كل مكان بإذن الله.(/5)
لن تسرقوا أفراحنا... وإن ملكتُم الصواريخَ والطائرات والبارجات ... فإرادتُنا أقوى منكم ومما ملكتم، والملك كله لله، قال تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26]، فهو سبحانه من نسأله العزة والتمكين، وللكافرين الذل والهوان في الدنيا والآخرة، وإن تقلبوا حيناً، قال تعالى: {لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ} [آل عمران: 196].
سنفرح.. لكن أفراحنا لن تنسينا جراحَ إخواننا... لأنَّ جراحَهم هي جراحُنا، لأننا كما قال حبيبنا صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ في تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمِهِمْ وتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى منهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَد بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى" رواه البخاري ومسلم، وإن ضعف هذا الجسد حيناً فإنه سرعان ما سيتعافى مما ألم به.
وسيعفو بعضنا عن بعض، لأننا نحب أن يعفو الله عنا، قال تعالى: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 22]، وليس في قلوبنا متسع للخصام والتقاطع فيما بيننا، فهي أصغر حجماً من أن تحمل الحقد على مسلم، وأكبر قدرة على أن تحمل هم إخواننا المسلمين، وأن تخفق بذكر الله وحمده..(/6)
وسيصفح بعضنا عن بعض، ولنطبق ما نقرؤه من أمر الله عز وجل لنا: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 103].
ليس في قلوبنا متسع لنحزن أو نهون ونحن نسمع قول ربنا: { وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139].
وسنشد على جراحنا وننهض من جديد من بين الركام والأشلاء والدماء؛ {وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 104].
ولن ننطلق إلى السلم المهين والمذل، وقد نهانا الله عن ذلك؛ فقال -عز من قائل-: {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 35].
وكل عام وأنتم يا أحبتي بخير، وكل عام وأمتنا بخير، وكل عام وأقصانا بخير، وكل عام وقلوبنا مجتمعة كما نجتمع لصلاة العيد، وقلوبنا متصافية ومتصافحة قبل أيدينا، وإن حال بيننا الأعداء بأجسادنا فقلوبنا لا تتفرق.(/7)
العنوان: لن تطفأ أنوارُك يا غزة...
رقم المقالة: 2002
صاحب المقالة: زياد بن عابد المشوخي
-----------------------------------------
تبدو أنوارُها مطفأة وغارقة في الظلام، لكنها تضيء للأمة كلها الطريقَ، وترسُم لها ملامحَ النصر القادم، وتُؤْذن بميلاد صبح جديد. قد يسأل البعض عن سر هذه الهجمة الشرسة العمياء تجاه قطاع غزة، ولم يكن هنالك فعل يستحق هذه الهجمة ولا ما قبلها، فنحن هنا لا نتحدث عن ردود أفعال، فما غرض الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الأطراف التي لم تكتفِ بالسكوت بل قدمت المسوغات لهذا العدوان، ومهدت له، ووفرت له الغطاء، (بوش) الذي وقف في القدس -قبل أن يرقص في المنطقة- وقال: "إنني أتفهم أي عملية عسكرية تجاه غزة". لا (رام الله) ولا غيرها بدت ذات علاقة بتصريحات بوش أو أفعال أولمرت على الأرض، وكلما زاد الصمت المريب... زاد العدوان الرهيب...
غزة.. حاصروها فحاصرتهم، أرادوا كسرها فكسرتهم، أرادوها نموذجًا للانهزام فأصبحت نموذجاً للثبات، خططوا لاغتيال قادتها فكشفت المؤامرة وفضحتهم، وهي في كل يوم ومع كل دفقة دم من شهيد تفضح المتآمرين، الصهاينة ومن معهم يريدون كسر هذا النموذج وتحطيمه لتنهار معه الإرادةُ الإسلامية في كل مكان، تمنوا أن يجعلوها عبرة للمسلمين ولكنها غدت رمزاً للتحدي والممانعة والصبر والثبات والشموخ والعزة والكرامة، لا تسل عن حجمها، فهي الصغيرة الكبيرة، ولا تسل عن إمكاناتها فهي المحدودة العظيمة، ولا تسل عن قدراتها فهي الضعيفة القوية، ولا تسل عن صواريخها فهي البدائية المتطورة، وهي لم تبالِ بمن خذلها، ولا بمن خالفها، أقريب هو أم بعيد، أعربي هو أم أعجمي، ماضية في طريقها طريق العزة التي زادت عليها بنقطة.(/1)
هل لنا أن نتخيل انقطاع الكهرباء..؟ هل حاولت الوضوء فجراً في هذا الشتاء وبالماء البارد؟! هل حاولت الجلوس دون مدفأة؟! هل لك أن تتخيل الأطفال في الحاضنات بالمستشفيات وقد انقطعت الكهرباء؟! هل تخيلت أحوال مرضى الكلى والقلب؟! هل شاهدت الأم وهي تقوم بالتنفس الصناعي لابنها بيدها ويتناوب أهل البيت على إجراء التنفس الصناعي له؟! هل تخيلت شعور الأب أو الأم وهو يقف عاجزاً عن إنقاذ فلذة كبده؟! هل تخيلت البيت وقد انقطعت الكهرباء عن الثلاجات؟! كيف سيحفظ الطعام إن وجد لديهم، هل تخيلت أباً يبعث بابنه لشراء الخبز فلا يجده؟! هل تخيلت صبرهم وثباتهم مع كل هذه المأساة، هل تخيلت شعورهم وهم يسمعون من يحمل حركة (حماس) مسؤولية الحصار، هل تخيلت تعطل 3900 مصنع، هل تخيلت توقف الخدمات، بل هل شاهدت الطائرات الصهيونية وهي تقصف المدنيين، فيجتمع الناس لإنقاذ الجرحى ويمسكون بالأشلاء هاتفين: لا تبكوا على الشهيد... عند الله مولود جديد...
إيه يا غزة الأماجد صبرا أنت علمتنا البطولة دهرا
إن يكن أظلم المساء عليكم فاشتداد الظلام ينجب فجرا
أترى كانت الجاهلية الأولى أكثر نخوة ومروءة وشهامة من الكثيرين اليوم..! ألم يلبس زهير بن أبي أمية حلة، وطاف بالبيت سبعًا، ثم أقبل على الناس -بعد أن عزم على نقض صحيفة حصار النبي الكريم وصحبه في شعب أبي طالب- فقال : يا أهل مكة، أنأكل الطعام ونلبس الثياب وبنو هاشم هلكى، لا يباع ولا يبتاع منهم ؟ والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة.(/2)
يخطئ من يراهن على بقاء قوة الولايات المتحدة الأمريكية، يخطئ من يراهن على تمرد الشعب الفلسطيني على حكومته الشرعية، إن على أولئك أن يدركوا أن الشعب الفلسطيني المسلم الذي ضحى وبذل في سبيل الله لن يتنازل عن الثوابت من أجل راتب أو لقمة العيش، إن الشعب الذي عاش في الخيام ليتمسك بالأرض لن يضيره قطعُ كهرباء أو ماء.. إن قطع الكهرباء يعكس حالة الصدمة التي أصابت الكيان الصهيوني بعد الحسم والتطهير الذي حصل في غزة وخسارة حلفائه، ولا يزال الكيان متوجسًا خيفة من تكرار الأمر في الضفة الغربية وهو ما سيكون ولو بعد حين، {وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا} [الإسراء: 51].
إنني على يقين من انفراج الأزمة، بل إن الاحتلال الصهيوني سيدفع ثمن هذه الجرائم، وإن الواجب على كل فرد من الأمة كل بحسب إمكاناته وقدراته أن يساعد على فك الحصار عن غزة ونصرة أهلها، وإني لا أخشى على إخواننا في غزة ولا على مسرى رسولنا الكريم، إنما أخشى على أنفسنا أن نخذلهم فيصيبنا ما رُوِي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من قوله: "ما من امرئ يخذل امرأ مسلمًا في موضع تُنتهك فيه حرمتُه وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلمًا في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب نصرته" (أخرجه الإمام أحمد في مسنده وأبو داود وضعفه الألباني).
ولا يزال بيد الشعوب المسلمة الكثيرُ من الوسائل لنصرة إخواننا المرابطين في بيت المقدس وأكنافه، ولم تعد هذه الشعوب تعول على الكثير مما كانت تعول عليه في الماضي.(/3)
العنوان: لن ننساك يا غزة
رقم المقالة: 2028
صاحب المقالة: الشيخ إبراهيم بن صالح العجلان
-----------------------------------------
معاشر المسلمين..!
ذبلت الأجساد، وجفَّت الأكباد.. قرقرت البطون، وظمئت الأجواف.
أطفال يصرخون، وشيوخ يئنون.. مرضى يتوجَّعون، ورجال حائرون.
إنه مشهد من مشاهد الإحصار، وأثر من آثاره.
ونحن نشاهد اليوم فصلاً من فصول مآسينا في غزة، فنرجع بالذاكرة إلى الوراء، ونقطع حجب الزمان، لنقترب من صفحة في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- لا تنسى، لنسلي بذلك مصابَنا، ولنصحِّح في الحياة مسيرنا.
إنها..... قصة المقاطعة الباغية، والحصار الظالم الذي لها خير البشر -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الكرام -رضي الله عنهم- في شعب أبي طالب.
إخوة الإيمان..!
ها هي ذي دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- في عامها السابع تتعاظم يوماً بعد يوم، ويعلو شأنُها، ويتعالى شأوُها، وانتقل المسلمون من حياة الكتمان والاستخفاء، إلى مرحلة الجهر بالتوحيد والاستعلاء....... فطاش من قريش صوابها، واضطربت حبالها، واشتعلت أفران الحمم في صدورها، وبالأخص بعد إسلام حمزة بن عبد المطلب، وعمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- اللَّذَين قلبا موازين القوة، وأصبح المشركون بعدها يضعون للفئة المستضعفة حسابات أخرى.
أجمعت قريش أمرَها على قتل النبي -صلى الله عليه وسلم- فبلغ ذلك أبا طالب عم النبي -صلى الله عليه وسلم- فجمع أبو طالب بني هاشم مؤمنهم وكافرهم، وأخبرهم بمكيدة قريش، فتحركت فيهم حميَّةُ الدم والنسب، فقرَّروا أن ينحازوا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في شِعب بمكة يقال له: شِعب أبي طالب، وانحاز معهم حميَّةً أيضاً بنو المطلب بن عبد مناف.
رأت قريش هذه الحمية والمنعة، فعرفت أن دون ذلك دماء وأشلاء، ورؤوس ونفوس.(/1)
فقررت قريش معاقبة هذه الفئة المسلمة المارقة ومن تعاطف معها، فاجتمع رؤساؤهم في خيف بني كنانة، (ويسمى اليوم بالمعابدة)، اجتمعوا على مقاطعة بني هاشم وبني المطلب اقتصاديًا واجتماعيًا، وكتبوا في ذلك كتابًا:
(ألا يزوجوا إليهم، ولا يتزوجوا منهم، ولا يبيعوهم شيئًا، ولا يبتاعوا منهم شيئًا، ولا يكلموهم، ولا يجالسوهم) حتى يسلّموا إليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وعُلقت هذه الصحيفة الظالمة في جوف الكعبة تأكيدًا على التزام ما فيها.
وكان الذي كتب هذه الصحيفة منصور بن عكرمة العبدري، فدعا عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- فشلت أصابعه.
سارع المشركون في تطبيق هذا الحصار عمليًا، فلم يتركوا طعامًا يدخل مكة، ولا بيعًا إلا بادروا فاشتروه بأضعاف ثمنه حتى لا يشتريه بنو هاشم ولا يبيعونهم شيئًا مما عندهم أبدًا.
وهكذا قلَّ الطعامُ، ونقص الزادُ، وجهد المسلمون وأقاربهم وحلفاؤهم من هذا الحصار، والتضييق الاقتصادي.
أما أبو طالب عمّ النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد وقف موقفًا عظيمًا شريفًا في حماية النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يبيت الليل مستيقظًا، يحمل سلاحه، ويطوف في الشعب مع جماعة من بني هاشم، ثم ينامون النهار، وكان أبو طالب يأمر حمزة والعباس أن يرابطا على مدخل الشِّعب ليرصدا تحركات المشركين، خوفًا من غدر أو غيلة تستهدف حياة ابن أخيه.
بل بلغ من خوفه وحرصه على حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يطلب من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن ينام على فراشه، ويأمر أحد بنيه أن ينام مكان النبي -صلى الله عليه وسلم-.
مضت الأيام والأشهر وحال المسلمين المحاصرين يزداد من سوء إلى أسوأ، وعم الجوعُ بين أهل الشِّعب، وندر الكلام، وقلت الحركة، وكان يُسمع من وراء الشِّعب أصواتُ النساء والصبيان يتضاغون من الجوع، وبلغ بالناس من الخماصة شيء لا يكاد يصدق حتى أكلوا ما يمكن أكله.(/2)
ولعل موقفًا واحدًا يصور لنا شيئًا من حالة الجوع التي عاناها النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن معه من المحصورين.
فها هو ذا سعد بن أبي وقاص يذكر لنا موقفًا لا ينساه في الشِّعب؛ فيقول: (خرجت ذات يوم ونحن في الشعب لأقضي حاجتي فسمعت قعقعة تحت البول، فإذا هي قطعة من جلد بعير يابسة، فأخذتها فغسلتها، ثم أحرقتها، ثم رضضتها، وسففتها بالماء، فتقويت بها ثلاث ليال).
يحدث هذا في الشِّعب، وأهل مكة مقيمون في ديارهم مطمئنون، منعّمون.
ومن المواقف المذكورة أيام الحصار:
أن بعض المشركين كان يتعاطف مع أرحامه المحصورين هناك، فكانوا يرسلون إليهم حملات إغاثية ليلاً، يستخفون بها عن أعين قريش.
فكان أحدُ المشركين -وهو هشام بن عمرو العامري- يحمل البعير بالطعام والثياب، ويأخذ بخطام البعير حتى يقف على رأس الشِّعب، ثم يخلع خطام البعير ويطلقه في الشعب. وكان حكيم بن حزام يرسل الطعام لعمته خديجة بنت خويلد سراً، فرآه أبو جهل يوماً، فجعل يمانعه عن إيصال الطعام، ويهدد بفضحه والتشهير به، فجاء أبو البختري بن هشام فوقف مع حكيم بن حزام، وحصلت مشادة بينه وبين أبي جهل انتهت برض رأس أبي جهل بحجر حتى أدماه، وانطلق حكيم إلى عمته بالطعام.
الشاهد من هذه المواقف.... أن المعونات الغذائية كانت تدخل إلى الشِّعب سراً، وكانت قليلة جداً..
إخوة الإيمان..!
مع ما أصاب المسلمين من الجهد والبلاء في الشِّعب، إلا أن هذا البلاء لم يكن شراً محضاً، بل كان يحمل في طياته من الخيرية للدعوة المحمدية، ما لا يدركه البشرُ بعقولهم.
فمع ما في هذا البلاء من رفعة الدرجات وتكفير السيئات لأهل الإيمان، إلا أن هذه المقاطعة والتجويع القهري، كان حدثاً إعلاميًا تسامع له العربُ، وتساءلوا عن سبب هذه المحاصرة الاقتصادية، التي أخرجت قريشًا عن رشدها ووقارها، فجعل العربُ في غير مكة يتلمسون أخبار هذا النبي، ويتلهّفون لمعرفة حقيقة دعوته.(/3)
فكان ذلك الحصارُ سببًا في أن تخرج الدعوة المحمدية من إقليمية مكة إلى عالمية الجزيرة العربية آنذاك.
عباد الله..!
ومضت ثلاثة أعوام من عمر ذلك الحصار الآثم، والمسلمون يستعينون على مدافعة ذلك القدر الإلهي بالصبر والمصابرة، وانتظار الفرج من الله تعالى.
ونزل الوحي من الله تعالى على قلب سيد المرسلين ليخبره بأن تلك الصحيفة قد سلّط الله عليها دويبة ضعيفة فأكلت ورقتها إلا ما كان فيها من ذكر الله عز وجل.
أخبر المصطفى -صلى الله عليه وسلم- عمّه أبا طالب بخبر السماء، فانطلق أبو طالب إلى قريش
ليخبرهم بأمر الصحيفة وأن الأرضة قد أكلتها إلا اسم الله، ثم ساومهم أبو طالب على هذه المعلومة الغائبة عنهم فقال: إن كان كلامُ ابن أخي حقاً فانتهوا عن قطيعتنا، وإن يك كاذبًا دفعته إليكم، فقالوا: قد أنصفتنا.
ومشى الجميع إلى جوف الكعبة، فوجدوا الصحيفة كما أخبر عنها النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ولكن أبى العنادُ والاستكبار إلا أن يركب رؤوسَ رؤسائهم، فأبوا إلا المضي في المقاطعة والمحاصرة..
بعد هذا الموقف وطول المقام على بني هاشم في الشِّعب، تحركت مروءةُ رجال من قريش، فاجتمع نفرٌ منهم ليلا، وتلاوموا على هذه الصحيفة الظالمة، والرحم المقطَّعة، وتحركت فيهم وشائجُ النخوة والشهامة، فقرروا نقضَ الصحيفة وإنهاء حياة الضر التي قاساها بنو هاشم طوال أعوام ثلاثة، فلم يصبحوا من ليلتهم تلك إلا وقد يمموا شطر تلك الصحيفة ومزقوها، ليعلنوا بعدها إنهاءَ أزمة الحصار، وإخراج بني هاشم وبني عبد المطلب من هذا الشِّعب.
في السنة العاشرة من بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- يخرج سيد البشر -صلى الله عليه وسلم- هو ومن معه من الشِّعب ومحنة الحصار، وهم أصلبُ إيماناً، وأشد ثباتًا على الدين، وهكذا الأحداث والابتلاءات تصنع للأمة الرجال، وتخرج للمستقبل الأبطال.
إخوة الإيمان..!(/4)
كانت أيامُ الشِّعب وأحداثُها عالقةً بذهن النبي -صلى اله عليه وسلم- ولم ينسَها مع الأيام، ولم يتجاهل أكرم الخلق -صلى الله عليه وسلم- لأهل الوفاء أو ينسَ فضلهم، فكان عليه الصلاة والسلام بعد ذلك يشرك بني المطلب مع بني هاشم من خمس الغنيمة، ويقول:
(إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد)، وكان يقول : (إنا وبني المطلب لم نفترق في جاهلية ولا إسلام).
وفي يوم بدر كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يوصي صحابته مراراً أن يتركوا أبا البختري بن هشام ولا يقتلوه، لمواقفه أيام المقاطعة، وأثره في نقض الصحيفة.
وبقيت معالم الشّعب في ذكريات النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم دخل مكة فاتحًا، فحينما كسر الأصنام وأزال الوثنية الجاهلية، وفتح مكة، أمر أصحابه أن تضرب له خيمة في شعب أبي طالب حتى ترى البشرية صدق وعد الله لنبيه -صلى الله عليه وسلم-، فهذه البقعة التي شهدت يومًا من الدهر تأوهاتِ الجائعين، وصبرَ المستضعفين، ها هي ذي اليوم تشهد مقامَ نبي الله عزيزًا شامخًا، ولا أثر للشرك، ولا آثار للمشركين، وصدق الله وعده: {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128].
وبقيت أطياف مكة -الحصار وأطلال الشِّعب- ماثلةً للنبي -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يودع الدنيا بأشهر معدودات، فها هو ذا رسول الله في حجة الوداع وقد رمى جمرة العقبة في اليوم الثالث عشر ثم دفع إلى مكة، فأقام عمداً بالمحصَّب -وهو خيف بني كنانة- الذي اجتمعت فيه قريش قبل أكثر من ثلاث عشرة سنة على المقاطعة والحصار.(/5)
أقام النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا المكان حتى يربي الأمة على اليقين بصدق موعود الله تعالى، فهذه الأماكن كانت يومًا ما موقع معاهدات، وتوقيع اتفاقيات، على محاصرة الفئة المسلمة، ها هو ذا اليوم الذي يشهد على بقعته مقام أولئك المستضعفين المضطهدين، وهم في عزٍ ومنعة وكمال نعمة، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 33، الصف: 9].
بارك الله لي ولكم....
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على عبده المصطفى، وعلى آله وصحبه ومن اجتبى، أما بعد، فيا إخوة الإيمان..!
ها هو ذا التاريخ يعيد نفسه، وها هي ذي السنن الكونية تتكرر، وها هي ذي سياسة تجويع الشعوب وتجفيف البطون يشاهدها العالم رأي العين، في عصر المباهاة بالديمقراطية، والمفاخرة بالقيم الإنسانية.
ها هم اليهود اليوم ومن حالفهم من عباد الصليب وطواغيت البيت الأبيض يتحالفون على إبادة جماعية لأهل غزة، بفرض حصار كامل عليها حتى ضاقت بهم الأرض، وأظلمت عليهم الدنيا، وأصبحت بطون الأرض خيرًا لكثير منهم من هذا الوضع المأسوي الذي لا يطاق.
لقد صورت عدسات الإعلام مقدار المعاناة، والشظف المعيشي هناك، انقطعت الكهرباء وعم الظلام بالليل، وعز الطعام، وقل الماء النقي، وتقاسم الناسُ الخبز، وتعطلت المستشفيات، وحرم المرضى من الدواء، بل حتى الأكفان لمواراة الموتى عدمت عندهم.
صار الناس يتحركون هنا وهناك، بحثًا عما يسكت بطونهم، ويروي أجوافهم.
أكثر من مليوني مسلم يعيشون هذه المعاناة في هذا السجن، بُحَّت أصواتُهم وتعالت صيحاتُهم، وتتابعت استغاثاتُهم بدول الإسلام، وأمم الكفر، لإنقاذهم من هذه الكارثة والموت الذي ينتظرهم.(/6)
إنها والله حالة تدمي القلب، وتفت الفؤاد فتَّاً، على هذا المصير المأسوي الذي يلاقيه إخواننا في فلسطين..
لقد كشف لنا هذا الحصار الآثم زيفَ الشعارات البراقة، التي تنادي بها دول النصرانية الطاغية الباغية.
رأينا هذه الديمقراطية، وحق الشعوب في تقرير المصير، رأي العين في فلسطين.
رأينا رحمة الغرب المتحضر بالإنسان، حينما يختنق شعبٌ بأكمله، لأنه اختار أن لا يركع لساستهم وسياستهم.
وكشف لنا هذا الحصار أيضا: ضعف لُحمة الأخوة الإسلامية، وبرودة النخوة العربية، فإذا لم تتحرك فينا النصرة الإسلامية، فأين الشهامة العربية؟!
وإذا ماتت منا هذه النخوة، فأين الضمير الإنساني عن نجدة هؤلاء، الذين يلاقون شبح الموت البطيء؟!
نعم.. لقد قعدت شعوبُ المسلمين عن نصرة إخوانهم المنكوبين هناك بسبب اتفاقيات الذل، ومعاهدات الهوان، التي شاركت فيها دولُ الجوار على محاصرة الشعب الفلسطيني وزيادة معاناته وتحمل تبعاته.
إخوة الإيمان..!
ويبقى السؤال الأهم: لماذا حوصرت غزة دون بقية مدن فلسطين؟!!!!!!!
لأن غزة هي التي تحتضن بين جنبيها أبطال فلسطين، الذين رفعوا راية الجهاد، أمام الغطرسة اليهودية.
لأنَّ أبطال غزة هم الذين قالوا مرحبًا بالمنايا في سبيل كرامة الأمة وعزتها وحفظ مقدساتها.
لأن أبطال غزة رفضوا حياة الركوع والذل والهوان، ورفضوا منطق الاستسلام باسم السلام، أمام من لا يؤمن بعهد ولا ميثاق.
إنهم الأبطال الذين قدموا دماءهم وأموالهم وأولادهم، ثمنًا لقضية فلسطين..
إنهم الرجال الذين علموا الأمة كفكفة الدموع، وقالوا لها بعزة وشموخ:
لا تبكوا على الشهيد، فعندنا مولود جديد
يذكر بني صهيون بسعد وابن الوليد
فصبرًا يا أهل الرباط، صبرًا يا شامة الأمة ومجدها، صبرًا يا من نفضتم غبار الغفلة والهوان عن جبين الامة.
وبشراكم قول النبي -صلى الله عليه وسلم-:(/7)
(لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم، إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك. قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال : ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس). [رواه الإمام أحمد وغيره].
هذا خبر إخواننا في الثغور هناك، فما خبرنا نحن هنا؟
إخوة الإيمان..!
إن ما يزيد جراحاتنا جرحًا، حياة الغفلة وعدم المبالاة بقضايا المسلمين.
وقلِّب نظرك في قنوات الإعلام العربي: ترَ الرقصَ والتعري، في الوقت الذي يتضاغى فيه أطفال غزة ونساؤها من الخصاصة، ويتألمون من قرس البرد ولذعاته.
ومما يزيد مآسينا إيلاماً أيضا: تلك المفاهيم المنكوسة، والأقلام الموبوءة التي تحمل كارثة الحصار على المظلوم، ويصمتون عن الجلاد الغاصب الذي أسس للظلم وأتى به هناك، ناهيكم عن تلك الأقلام التي لا يعنيها شأنُ القضية الفلسطينية في شيء، ولم تحبِّر لنا يومًا مقالا في نصرتهم، ورفع معاناتهم، وإنما هي مشغولة بتحرير المرأة، وحجاب المرأة، وقيادة المرأة، ورفض محرم المراة.
وأخيرًا.. عباد الله
فإن نصرة إخواننا المظلومين المحاصرين واجب شرعي، ولئن حاصر بنو صهيون الماء والغذاء، والعلاج والدواء، فإنهم لن يحاصروا مدد السماء.
فارفعوا أيها المسلمون أكف الضراعة، في أوقات الإجابة، وألحّوا وألظّوا إلى الله أن يرفع المعاناة، ويكشف الحصار، مع التعاون والتواصي على إيصال الإعانة والإغاثة لهم بأسرع وقت، فالأمر لا يحتمل مزيدًا من التأخر والتردد.
ولا ننسَ عباد الله مع هذه الاحداث أن نرتبط بالله، وأن يزيد يقينُنا ثقةً بموعود الله، فالمصائب مدرسة لصياغة رجال المجد، وجيل التمكين لن يخرج إلا من رحم الفواجع، فأمِّلوا أيها المسلمون وأبشروا خيرًا، وأصلحوا أنفسكم ومجتمعاتكم، تصلح لكم أوطانُكم وبلدانكم.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد.(/8)
العنوان: لندن.. أولى محطات تصدير العنف العراقي إلى الخارج
رقم المقالة: 1017
صاحب المقالة: معمر الخليل
-----------------------------------------
على الطريقة العراقية.. حدثت للمرة الأولى هجماتٌ واستعدادات لهجمات في الشوارع اللندنية، كادت تودي بحياة الآلاف.. في سلسلة لا يعرف أحدٌ متى بدأ التخطيطُ لها، أو كيف ستنتهي.
هكذا بكل سهولة، بدأ تصدير العنف العراقي إلى الخارج، لتكون أولى محطاته في العاصمة البريطانية.. وأغلب الظن أنها لن تكون الأخيرة. وهي وإن جاءت متأخرة شيئا، بعد أكثر من أربع سنوات على احتلال العراق، إلا أنها جاءت بقوة وتركيز، فأفقدت الشرطةَ البريطانية القدرةَ على متابعة ما يحدث بصورة كاملة، ورفعت حالة التأهب هناك إلى أعلى درجاتها، مع اعتقالات متعددة لمن وُصفوا أنهم "مشتبه بهم".
تذكرنا التفجيراتُ الجديدة بموجة التفجيرات التي حدثت في العالم بعد احتلال أفغانستان، وتنامي دور القاعدة في عدة دول عالمية، والذي أخذ طابع التفخيخ وزرع المتفجرات في وسائل النقل خاصة؛ كما حدث في مترو الأنفاق في لندن خلال شهر يوليو 2005، وانفجار القطار في مدريد في مارس 2004، وفي الحالتين تم الجمع ما بين وسائل النقل، والأعداد الكبيرة للناس، وهي مقاربة إلى حد ما للتفجير الشهير الذي وقع عبر وسيلة نقل أيضاً (الطائرة) في سبتمبر 2001 بنيويورك. وكذلك عبر أسلوب تفجير الملاهي والنوادي الليلية كما حدث في بالي بإندونيسيا عام 2002 وعام 2005، وتفجيرات الدار البيضاء في مايو 2003.(/1)
في العراق، أشعلت السياراتُ المفخخة شوارعَ بغداد والمدن العراقية الأخرى، كنوع من أنواع الهجمات الانتقامية المتبادلة في سلسلة العنف الطائفي، أو كنوع من أنواع الجهاد ضد قوات الاحتلال. ووجدت صدى لها في لندن.. فالتنفيذُ هذه المرة جرى تماماً كما يجري في العراق، وهو ما أشار إليه صراحة لورد ستيفينز (قائد شرطة العاصمة البريطانية سابقاً والمستشار في شؤون الإرهاب حالياً) بالقول: "إن القاعدة قد استوردت تكتيكاتِ بغدادَ إلى شوارع المملكة المتحدة"، في إشارة إلى أن الحوادث الجديدة كانت مشابهة كثيراً لما يحدث في العراق بشكل يومي، منذ أن احتلت القواتُ الأمريكية والبريطانية البلادَ عام 2003.
أصابعُ الاتهام أشارت منذ البداية إلى تنظيم القاعدة، ذلك التنظيم الذي يُعتقد بصورة كبيرة أنه من أنشط الجماعات المسلحة في العراق، وينفذ الكثير من الهجمات عبر السيارات المفخخة، لذلك فإن أحدَ أكبر الاهتمامات التي شغلت بال وزارة الداخلية البريطانية هي "التعامل مع الأيديولوجية التي يتم بها تجنيد أفراد للقيام بأعمال إرهابية"، حسبما وصفت وزيرة الداخلية الجديدة (جاكي سميث)، وهو تصريح يعطي بصورة مباشرة رسالة مفادها، أن العنف الذي تشهده بريطانيا حالياً، مستورد من الخارج.
هذه التصريحات جاءت في وقت تشير فيه الدلالاتُ الأمنية إلى عدم معرفة الشرطة البريطانية أين تم تجميع القنبلة ووضعها في سيارة الجيب ومن شارك في ذلك. وهو أمر كشفه محاولاتُ الشرطة تتبعَ مسار سيارة الجيب التي استخدمت في الهجوم على مطار جلاسكو.(/2)
وهذا يتضح أيضاً من خلال البحث المتواصل ودراسة آلاف الساعات من تسجيلات الكاميرات الأمنية المنتشرة بصورة كبيرة في لندن، والتي زرعت عقب التفجيرات الأولى قبل عدة سنوات. ولا يخفي بيتر كلارك (مفوض الشرطة وأحد أكبر المسؤولين في محاربة الإرهاب) ذلك، إذ صرّح لأجهزة الإعلام البريطانية بالقول: "أنا متيقن تماما أننا في الأيام المقبلة أو الأسابيع المقبلة! سنتمكن من الحصول على معلومات دقيقة عن الوسائل التي استخدمها الإرهابيون، والطرق التي خططوا بها لهجماتهم ولأي منظمة ينتمون". كما قال: "إن الفحوص التي تجرى على سيارات المهاجمين ذات أهمية كبرى، وإن المحققين يدرسون آلاف الساعات من تسجيلات الكاميرات الامنية".
ربما سيكون على السلطات البريطانية أن تتعامل بأكبر قدر من الجدية مع هذه الهجمات، ولا نستغرب أن تستمر الاعتقالات والمطاردات والمداهمات مدة طويلة، فالعنفُ المستورد من مكان مشتعل تماماً كالعراق، لن يمكن بسهولة العثور على خلية مسلحة واحدة، أو ينتهي عند حدود تجاوز الهجمات الأخيرة. ربما حتى هذه الهجمات تشير إلى حجم العمل الهجومي القادم، الذي قد يضرب لندن بصورة مستمرة، فالهجمات لم تكن محدودة، ويبدو أنه تم التخطيط لها مسبقاً، وتم تنفيذها على مراحل، وبصورة غاية في الخطورة.
وإن كانت كاميرات المراقبة المزروعة في محطات المترو تستطيع تحديد أوصاف أشخاص معينين، دخلوا مترو الأنفاق وهم يحملون حقائب مشتبه بها، فإن السيارات التي تملأ مدينة كبيرة ومزدحمة كلندن، سيكون من الصعب والعسير فيها، تحديد ملامح السيارات المفخخة منها، أو تحديد الوجهة التي قَدِمت منها، أو اتجهت إليها.(/3)
وربما هذا التكتيك الجديد، أخرج الجهة المنفذة (القاعدة أو غيرها) من إحراج "تحرك الأشخاص ميدانياً" ليقدم بدلاً من ذلك إمكانيةَ تحريك السيارات، وتنقلها في العديد من الأماكن الهامة والحساسة، خاصة المطارات، التي تعد مكاناً لتجمع عدد كبير من الناس، كما هو الحال في انفجار سيارة الشيروكي في مبنى المسافرين بمطار غلاسجو. أو قرب الملاهي الليلة، كما حدث مع سيارتي المرسيدس، اللتين كانتا تقفان في شارع (هاي ماركيت) بمنطقة (ويست إند) بوسط لندن، بمكان قريب من ملهى ليلي. قبل أن تقوم شرطة المرور بنقل إحداهما إلى كراج في "بارك لين" بسبب وقوفها المخالف للسير. أو مواقف سيارات، كما حدث في السيارة الثالثة، التي قالت الشرطة "إنها فككتها" في مواقف للسيارات بمشفى بايزلي القريب من غلاسكو (أسكتلندا).
الشرطة البريطانية تعتقل اليوم خمسة مشتبه فيهم، يعتقد أن جميعهم من غير البريطانيين ومن دول الشرق الأوسط، حسب التسريبات التي نشرتها الشرطة البريطانية، والتي تحاول من خلالها إرسال رسائل تطمئن البريطانيين أنها "في طريقها إلى اعتقال المنفذين، وأن الأمور تسير نحو الأحسن" لتساند التصريحات التي يطلقها المسؤولون البريطانيون حول ذلك.
من بين المعتقلين -حسب تصريح الشرطة البريطانية- لبناني يدعى محمد آشا، يبلغ من العمر 26 عاماً، ويعيش في بريطانيا ويعمل طبيباً في إحدى المستشفيات، وامرأة تبلغ من العمر 27 عاما كانت برفقته عندما أجبرت الشرطة سيارتهما على التوقف في إحدى الطرق السريعة. مع العلم أن الصحافة البريطانية أشارت إلى احتمال أن يكون هذان الطبيبان هما قائدي سيارتي المرسيدس اللتين تم إبطال شحنتهما المتفجرة وسط لندن.
كما قبضت الشرطة على شخص ثالث (26 عاماً) في مدينة ليفربول يوم الأحد. فضلاً عن الشخصين اللذين اقتحما بوابة مطار مدينة غلاسكو يوم السبت، حيث يرقد أحدهما في المستشفى في وضع حرج بسبب إصابته بحروق شديدة.(/4)
وبرغم أن التحقيقات الأولية لم تظهر ما إذا كان هذان المعتقلان الأخيران هما منفذا العملية؛ أم أن سيارتهما زرعت بمتفجرات دون علمهما، إلا أن السلطات البريطانية قدمتهما على أنهما "متورطان في التنفيذ".
ويبدو أن الصحف البريطانية لم يفتها الربطُ بين التفجيرات في لندن، والعنفُ المتصاعد في العراق، لذلك كتبت "الديلي تليغراف" في افتتاحيتها يوم السبت 30 يونيو تقول: "إن الدرس الذي يجب أن نتعلمه هو أن الفصل بين التهديدات الإرهابية الداخلية والخارجية آخذ في التلاشي، فالسيارات الملغمة التي تم العثور عليها أمس كانت نموذجا لمثيلاتها التي تسببت في مجازر بالعراق والتي بدأت تظهر في أفغانستان".
كما قالت صحيفة "الغارديان": "إن قنابل أسطوانات الغاز تستخدم بمعدل متزايد بواسطة المسلحين في العراق، كما استخدمها أيضا تنظيم القاعدة في هجوم على عمال نفط غربيين بالجزائر في يناير الماضي".
فيما كتبت صحيفة "التايمز" تقول: "إن الشرطة أعربت عن خشيتها من أن السيارات التي تم العثور عليها أمس قد تكون علامة على بداية حملة تفجيرات على الطريقة العراقية في شوارع لندن، وأن الأدوات التي تم العثور عليها تشبه إلى حد كبير القنابل التي يتم زرعها في بغداد".
هو درس حقيقي -كما تقول الديلي تليغراف- يجب أن يتعلمه البريطانيون، فالعصر اليوم حوّل العالم إلى قرية صغيرة، ليس فقط في التواصل والطب والإعلام، بل أيضاً في العنف، الذي تزرعه بريطانيا وأمريكا وغيرها في بعض دول العالم، وعليها أن تتوقع حصاده على أراضيها في أي وقت!(/5)
العنوان: لهيبُ المعيشة..!!
رقم المقالة: 1457
صاحب المقالة: هيفاء الوتيد
-----------------------------------------
حرارةٌ مرتفعةٌ.. تمتلئُ بها أجواؤنا.. تقف إلى جانبها حُممٌ ملتهبة من الأسعار.. انفجرت بها براكينُ الاقتصاد والعقار.. فأصبحت أمورُ المعيشة لهيبًا كاويًا..!!!!
غلاءُ المأكل والمسكن، وأمور الحياة الأخرى في تزايد.. وميزانيةُ بعض الأسر تكاد تختنق..!!
إيجارٌ وكهرباء وماء وهاتف وأقساط.. وأمور معيشية أخرى.. وأبناء وزوجة.. كل هذا ينتظر "راتبًا" آخر الشهر.. ومن ثم تعيشُ بعضُ الأسر في ضغط نفسي واجتماعي.. حتى يأتي موعده..!!
والكثيرُ من الناس -وللأسف- يغيبُ عن حياتهم الترشيدُ.. ولا يضعون سقفًا لإنفاقهم.. وبناء على ذلك نجدُهم ينفقون أموالَهم بعشوائية.. تُفني ما في أيديهم من مال.. ومن ثم يلجؤون إلى الدَّين أو الأقساط.. التي غرِق فيها كثيرٌ من الناس حتى أصبح كلُّ شيء في حياتهم بالتقسيط..!!!
فيا كُلَّ من يعاني اختناقًا في ميزانيته.. ضع جدولاً معينًا لإنفاقك.. فالتخطيطُ السليم يبارك بإذن الله، ويساعدك في الحفاظ على المال.
أما إن كان الزوجان عاملين فأرى أن الأزمةَ تخف قليلا عن كاهل الزوج.. وما أجملَ أن يكون هناك تعاونٌ بين الزوجة وزوجها في النفقة والإنفاق.
لهيبُ المعيشة هذه الأيام..يحتم علينا ألا نبالغ في كل شيء.. ألا يكون السفرُ كل سنة واجبًا أو ركنًا في الحياة.. وإن تبعه ديونٌ وديون..!!
الاقتصادُ والتفكير في بيت العمر.. بيتٌ تمتلكه الأسرة بعيدًا عن أَسْر الإيجارات.. ينام الإنسان على أرضيته قريرَ العين.. مرتاحَ البال.. وقد أمن الاستقرار لأبنائه.. وأمّن مستقبلهم..!!
إن المحافظة على الميزانية تتطلبُ معرفةَ الوالدين بالخطط المستقبلية للعائلة والأهداف التي يسعيان لتحقيقها حتى يتمكنا من ادّخار بعض المال الذي يلبي حاجات الأسرة المستقبلية من بناء البيت وزواج الأولاد وغيرها..(/1)
ثم إنه مما لا بد منه أن يجلس الزوجان مع أبنائهم للتحدث عن الميزانية وكتابة الحسابات حتى يتعلم الابنُ أن الوالدين يخططان للأسرة ويقدران ما يُنفَق، فليس كلُّ ما يشتهيه يشتريه.. إلا إذا سمحت الميزانية بذلك، كما أن الأبناء يستفيدون من ذلك في التخطيط لحياتهم المستقبلية..!
وفي جلسة الأب مع الأبناء يضعُ جدولا لإنفاق أبنائه وبناته شهريًا.. إضافة إلى (فاتورة) الجوال والهاتف والكهرباء؛ فيضع حدًا ائتمانيًا لكل (فاتورة) لا يتجاوزُه، وذلك سيساعده قطعًا على التقليل مما ينفقُه، والمحافظة على الميزانية سليمة..
وأن يُعلّم الزوجان أبناءهما بأن يعيشوا في مستواهم وليس بمستويات من هم أعلى منهم.. فغرسُ القناعة في الأبناء شيء رائع جدا..!
على الزوجين أيضًا أن يتبنّيا أسلوبًا مبتكرًا للتوفير من الإيرادات حتى تكون الميزانية قوية.. فمثلا يسميان أسبوعا من الأسابيع (لا شيء) ويحاولان التقليل فيه من الإنفاق قدر الإمكان.. وأن يقتطعا مبلغًا معينًا ليدخلاه في حساب معين لا يُمس، وكأنه مصروف ثابت شهريًا، لكنه يكون للتوفير ولحالات الطوارئ.
وأخيرًا..
أيتها الزوجة! أنت اقتصادُ الأسرة.. فلا تكوني زوجةً تحب التباهي والتقليد على حساب الميزانية.. ولا تعكري حياتك وحياة زوجك بالديون من أجل أن تعيشي برفاهية.. وثقي أن التوسط في كل شيء هو خير الأمور.. فلا طعم للرفاهية في الحياة مع تراكم الديون!!
رزقني الله وإياكم حسن التصرف والقناعة في العيش..(/2)
العنوان: لو تكلمتْ الرمالُ لبكتْ الطيرُ والبغالُ
رقم المقالة: 1581
صاحب المقالة: د. حيدر عيدروس علي
-----------------------------------------
إنَّ تلالاً من الرمال كانت بجانب قريتنا، منها ما هو معروفٌ باسمه، ومنها ما لم يُسَم، ومما هو معروف: (قوز الدُّقير)، و(قوز علي)، و(قوز البَلُولة)، وتلال أخرى لم يهتم الناسُ بتسميتها في زماننا هذا، فقد تغير نمطُ حياتنا عما قبل، فانشغل الناس عن مثل هذه الأمور، كما شغلوا عن التفكر والتدبر، وهو أمر مشاهَد في الناس إلا من رحم الله، وقد رحلت تلك التلالُ، ورحل قبلها من سُميت به، وسنقف فيما يلي على صور الرحيل، التي رَسَمت لوحة للمعتبرين.
فإلى جنوب القرية بَسَقت شجرتان متشابهتان من أشجار السَّيَال، فأطلق الناس عليهما التويمات. وقد زالتا، وزال معهما كثيرٌ من السَّيَال، والأَراك، والتُّنْضُب، ولم يبق إلا شيء من سِدْر قليل. فلما زال الشجرُ لم تعد لتلك التلال مقدرةٌ على مقاومة الرياح، فعجَزت عن القرار، إذْ كان الشجرُ حزامًا واقيًا تتكسر دونه قوةُ الرياح، فتعجِز عن حمل ذرات الرمال، فتأخذها الحسرةُ من العجز فترتفع غضبى، لتشفي غيظها من الشجر، ولسان حالها يقول: سأبعد عنك العارض الهطل، فتحمل المزن بإذن ربها إلى بلد آخر، حتى إذا ثقل غالَبَتْه، فتراه يتراكبُ كالجبال، فتعجز الرياح عن حمله، فتولول وتستنجد بالرعد، فيدوي بزمجرة عظيمة، فيبكي السحابُ من المغالبة والزجر، لتحيى بدموعه الأرضُ بعد موتها.
وكأني بتلك الرمال الظاعنة قد وقفت على أطلال لنا بالقرب من (قوز علي)، ولسان حالها يقول:
هل بالطلول لسائل رد أم هل لها بتكلم عَهْدُ
درس الجديدُ جديدُ معهدِها فكأنما هي ريطة جَرْدُ
من طول ما يبكي الغمامُ على عَرَصاتها ويقهقه الرَّعْدُ(/1)
وكأني بطير السنبر قد فهم أشجان الرمال، فقد كانت هذه الطيرُ تحط على عروش بيوتنا، وعلى أشجار السَّيَال الباسقة من حولنا، مع تباشير الخريف، فتبني وُكُناتِها، فلما انتبهت على رمزية الشجن في حركة الرمال نظرت فلم تجد من الشجر إلا القصير الهزيل، مما هو في متناول أيادي الصغار، فأصغت علَّها تسمع أصوات الكبار من الآباء والأجداد الذين كانوا يجيرونها من عبث الصبية، فلما لم تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا، ولَّت ولسانُ حالها يقول:
هل بالطلول لنازل ترحيب أم هل لسائلها الغداة مجيبُ
لعبت بها هُوجُ الرياح تحثها وطفاء من غرر السحاب تصوبُ
وعفت معالِمَها الخطوبُ فما بها بعد الحبائب منزل محبوبُ
أما نحن فقد خلفناهم، وصرنا آباء وأجدادًا، ولم تعد لنا القدرةُ على الأمر والنهي، بل حتى على زجر الصغار، فنعوذ بالله أن ينطبق علينا قول حسان رضي الله عنه:
لا بأس بالقوم من طُول ومن عِظَم جسمُ البغال وأحلامُ العصافيرِ
لقد غادر الطيرُ الديار، وتجلت لوحة الرحيل، فلعلنا نراها في حركة الرمال، وفي تغير ملامح الجمال، وفي تصدع الجبال، وفي تبدل أحلام الرجال!(/2)
وإن مما يُرقِّي من ذوقنا لنرى هذه العبر؛ أن نُرعِي السمعَ لقول الله تعالى: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا * وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا} [مريم: (97، و98)]، ولقوله تعالى: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} [الأحزاب: (62)]، وكذلك لقوله عز وجل: {وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ * وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ} [إبراهيم: (44، و45)].(/3)
وكلنا يعلم أن الساعة تقوم في يوم الجمعة، لما رواه الإمام مالك من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: خرجت إلى الطُّور، فلقيت كعب الأحبار، فجلست معه فحدثني عن التوراة، وحدثته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان فيما حدثته أن قلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أهبط من الجنة، وفيه تيب عليه، وفيه مات، وفيه تقوم الساعة، وما من دابة إلا وهي مُصِيخة[1] يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس، شفقا من الساعة، إلا الجن والإنس، وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه. قال كعب: ذلك في كل سنة يوم، فقلت: بل في كل جمعة، فقرأ كعب التوراة، فقال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم[2]. ولكننا مع ذلك نضيع ليلَ الجمعة في اللهو والسمر الفارغ، حتى إذا قرُب الفجر نمنا، وبال الشيطانُ في آذاننا، أما الطيرُ وكثيرٌ من الدواب فتستيقظ منخوبة فزعة عند فجر الجمعة، ولا تهنأ إلا إذا طلعت شمسُها، كما تقدم في الحديث، وكأنها من فرط ما بها تردد قول الناعي:
لكل شيء إذا ما تم نقصانُ فلا يغر بطيب العيش إنسانُ
هي الأمور كما شاهدتها دُول من سره زمنٌ ساءته أزمانُ
وهذه الدار لا تبقي على أحد ولا يدوم على حال لها شانُ
إلى قوله:
أين الملوك ذوو التيجان من يمن وأين منهم أكاليل وتيجانُ
وأين ما شاده شداد في إرم وأين ما ساسه في الفرس ساسانُ
وأين ما حازه قارون من ذهب وأين عاد وشداد وقحطانُ(/4)
لا والله! إننا -أخي الكريم- أكرم على الله عز وجل من الطير والبغال وسائر الدواب، فقد خلقنا في أحسن تقويم، فلنكن على قدر هذا التكريم، فإن الله قد خاطبنا فقال: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ * رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ*} [آل عمران: 190-193].
نعم! {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ}، إنها آية عظيمة، لما نزلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ظل يبكي حتى بل حجره، ثم بكى، فلم يزل يبكي حتى بل لحيته، ثم بكى، فلم يزل يبكي حتى بل الأرض، فجاء بلال -رضي الله عنه- يُؤْذِنه بالصلاة، فلما رآه يبكي، قال: يا رسول الله لم تبكي، وقد غفر الله لك ما تقدم وما تأخر؟ قال: ((أفلا أكون عبدًا شكورا؟ لقد نزلت عليَّ الليلة آية؛ ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها))[3]!!!
ـــــــــــــــــــــــــــ
[1] مصيخة: مستمعة، ومنصتة، وقد رويت بالسين المهملة بدل الصاد، وانظر النهاية في غريب الحديث (صيخ).
[2] رواه الإمام مالك في الموطأ (ص 108-109).
[3] أخرجه أبو حاتم ابن حبان في صحيحه (620)، وأبو الشيخ ابن حيان في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (ص186)؛ من حديث عائشة رضي الله عنها.(/5)
العنوان: ليس الجهاد للدفاع فقط
رقم المقالة: 322
صاحب المقالة: د. محمد بن لطفي الصباغ
-----------------------------------------
إخواني وأخواتي
أبنائي وبناتي
السلام عليكم ورحمة الله، وبعد
فقد وقفتُ على كلمة قيِّمة لسماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، رحمه الله عنوانُها هو: ((ليس الجهاد للدفاع فقط))، وهي في الأصل محاضرةٌ ألقاها سماحتُه في المدينة المنوَّرة عام 1388هـ، وهي منشورةٌ في الجزء الثالث من (مجموع فتاوى ابن باز) من صفحة 171 إلى صفحة 201، فأحببتُ أن أوردَ في هذه الكلمة فحوى تلك المقالة الطيِّبة التي تضمَّنت الرأيَ الصحيح في الجهاد. وأدعو الراغبين في التوسُّع في الموضوع إلى الرُّجوع إلى كلمة الشيخ يرحمه الله، فقد أجادَ وأفاد، وأتى بالأدلَّة الملزمة من الكتاب والسنَّة وكلام العلماء الدالَّة على فساد هذا القول. أقول: وحبَّذا لو أفردها بالطَّبع بعض الحسنين.
إخواني وأخواتي
لقد مضى علماءُ هذه الأمَّة عبر القرون على تقرير أن الجهادَ نوعان: فرضُ عينٍ، وفرضُ كفايةٍ.
فأما الجهادُ العينيُّ فيكون في الحالات الآتية:
1 – إذا حضر المسلمُ القتالَ وكان في عداد المجاهدين في المعركة فيجبُ عليه وجوباً عينيًّا أن يستمرَّ في القتال لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الأنفال: 45)، ولقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَْدْبَارَ} (الأنفال: 15).
2 – إذا استنفر الإمام رجلاً بعينه أضحى الجهادُ في حقِّه فرضَ عين. لقوله صلى الله عليه وسلم: ((وإذا استُنفِرتُم فانفِرُوا)) رواه البخاري برقم (2783)، ومسلم برقم (1353).(/1)
3 – إذا هاجم الكفَّارُ بلداً من بلاد المسلمين فالجهادُ في هذه الحالة فرضُ عين، فيجب على أهلها دفعُه وقتاله؛ يجب على الحرِّ والعبد والولد والمدين بلا إذنٍ من سيِّد وأبوين وغَريم؛ لأن دخول الكفَّار دار الإسلام خطبٌ عظيم لا سبيل إلى إهماله، بل لابُدَّ من الجِدِّ في دفعه بما يمكن.
وفي غير هذه الحالات فالمسلمون المكلَّفون مأمورون بالجهاد في سبيل الله لنشر دين الله. والجهاد في هذه الحالة فرضُ كفايه إذا قام به من يتحقَّق به المطلوبُ سقط عن الباقين، وإن لم يفعلوا أثِمَ القادرون.
قال الشيخ عبدالعزيز بن باز:
[ويجبُ على الأعيان إذا اقتضت الأسبابُ ذلك، كما لو حضر الصفَّ، أو حُصِر بلدُه، أو استَنفَرَه الإمام، ففي هذه المسائل الثلاث يتعيَّن القتال:
* إذا حضر الصفَّيْن ليس له أن ينصرفَ ولا أن يفرَّ.
* وكذلك إذا حاصر بلدَهُ العدوُّ وجب عليه وعلى أهل البلد أن يقاتلوا ويدافعوا بكلِّ ما يستطيعون من قوَّة.
* وكذلك إذا استنفرَه الإمام وجب النَّفير.
فالمقصود أنَّ الله فرض الجهاد وجعله فرضاً على المسلمين وهو فرضُ كفاية، إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين وصار في حقِّهم سنَّةً مؤكَّدة].
واستمرَّ أمرُ العلماء على هذا إلى مطلع القرن الرابعَ عشرَ الهجري المنصرم، إذ عظمت هجمات الكَفَرَة على بلاد المسلمين، واحتلُّوا - وا أسفاه- معظمَ بلادهم، وأخضعوا الباقيَ إلى نفوذهم، وقضَوا على الخلافة، وشنُّوا حملة فكريَّة شرسة على الإسلام، ووصَموه بأنه دينٌ همجيٌّ يتطلَّع إلى سفك الدِّماء.(/2)
فقام نفرٌ من أهل العلم يريدون الدِّفاعَ عن الإسلام واسترضاءَ هؤلاء الأعداء فقالوا: ليس في الإسلام حروبٌ هجوميَّة، بل كلُّ ما جاء به الإسلام في هذا الشأن أنَّه يبيح للمسلم إذا اعتُدي عليه أن يردَّ العدوانَ وأن يدافعَ عن نفسه، وعَمَدوا إلى بعض الآيات النازلة في حالاتٍ خاصَّة فعمَّموها. فعلوا ذلك ليرضى الكفَّار، فلم يصلوا إلى ما كانوا يريدون، فلم يوقفِ الأعداءُ هجماتهم، ولم يصلوا إلى ما ابتغوَه من رضاهُم، وكيف يصلون إلى ذلك والله تبارك وتعالى يقول: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} (البقرة: 120).
إنَّ الإسلام الدينُ الخالد، وهو آخرُ الرسالات السماويَّة، ولذا كانت رسالته إلى الناس كافَّة قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} (سبأ: 28)، وقد كُلِّف الرسول صلى الله عليه وسلم بتبليغه والدعوة إليه. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} (المائدة: 67).
وقال صلى الله عليه وسلم: ((أُمِرتُ أ ن أُقاتلَ الناسَ حتَّى يَشهدوا أن لا إلهَ إلَّا الله وأنَّ محمداً رسولُ الله، ويُقيموا الصَّلاةَ، ويُؤتوا الزَّكاةَ، فإذا فَعلوا ذلك عَصَموا منِّي دماءَهُم وأموالَهُم إلَّا بحَقِّ الإسلام، وحِسابُهُم على الله تعالى)) رواه البخاري (25) ومسلم (22).
وكُلِّف المسلمون بتبليغ هذا الدِّين، قال صلى الله عليه وسلم: ((بلِّغوا عنِّي ولو آية)) رواه البخاري (3461). فأُمَّة الإسلام مُكلَّفة بدعوة الناس إلى عقيدة التوحيد، فإن استجابَ المدعوُّون كانوا مسلمين، وإن أَبَوا الدخولَ في الإسلام ودفعَ الجزية لم يكن هناك سبيلٌ إلَّا المواجهة.
قال الشيخ عبدالعزيز بن باز:(/3)
[وهكذا أرسلَ الله محمداً صلى الله عليه وسلم ليقضيَ على النُّظُم الفاسدة في المجتمع الإنسانيِّ والأخلاق المنحرفة والظُّلم والجَور، وليُحلَّ محلَّها نُظُماً صالحة، وأحكاماً عادلة، فبعثه ربُّه ليزيل ما في الأرض من الظُّلم والطُّغيان وليقضيَ على الفساد، وليُزيحَ النُّظُمَ الفاسدةَ والطواغيت المستبدَّة الذين يتحكَّمون في الناس بالباطل، ويظلمونَهم ويتعدُّون على حُقوقهم ويستعبدونهم].
ثم قال: [فلمَّا هاجرَ صلى الله عليه وسلم إلى المدينة واستقرَّ به القَرار في المدينة... أَذِنَ الله له ولأصحابه في القتال وأنزل في ذلك قولَه سبحانه: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} (الحج: 39)... أذن لهم بالقتال والجهاد، ثم فرضَ الله ذلك وأَوجَبَه بقوله جلَّ وعزَّ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} (البقرة: 216)، وأوجَبَ عليهم سبحانه الجهادَ والقتالَ وأنزل فيه الآيات الكثيرة، وحرَّض عليه... فكان أولاً مُباحاً مأذوناً فيه ثم فريضةً على الكفاية].
ثم أورد الشيخ حُججَ القائلين بأن الجهادَ للدفاع وردَّها ثم قال: [وبهذا يُعلَم بُطلانُ هذا القول وأنه لا أساسَ له، ولا وجهَ له من الصِّحة].
والحمدلله رب العالمين(/4)
العنوان: ليس بالتقنية وحدها تأمن الأوطان
رقم المقالة: 323
صاحب المقالة: د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
-----------------------------------------
تشهد التقنية في عصرنا تحولاتٍ جذريةٍ لم يسبق لها مثيل من قبل، حتى صح وصفه بعصر "الثورة المعلوماتية" وذلك بسبب التقدم الهائل في مجال الاتصالات وأنظمة المعلومات الإلكترونية بصورة مذهلة شملت معظم نواحي الحياة. ولاشك بأن هذا التطور المتسارع قد أفادت منه الدول، وأسهم بشكل فعَّال في كشف وملاحقة شبكات منحرفة، كشبكات الجريمة المنظمة، وعصابات ترويج المخدرات العالمية، وغيرها، مستخدمة في ذلك تقنيات حديثة كتقنية البطاقات الذكية، وتقنية تحديد هوية الأشخاص بواسطة الكشف الضوئي على شبكية العين، أو من خلال بصمات اليد، أو نبرة الصوت، أو فحص الحمض النووي، إلى غير ذلك من التقنيات.(/1)
لقد كان لهذه التطورات التقنية الأثر الإيجابي الكبير في تحقيق الرفاهية للبشرية ، إلا أن أثرها السلبي بات لا يستهان به ، فقد أظهرت دراسات لباحثين أن عالم الجريمة - وبخاصة جرائم الإرهاب - قد أفاد بشكل ملفت من هذه التقنيات، فتزايدت أخطاره، واستشرت أضراره مهددة الأمن الوطني لكثير من الدول، حيث سخرت هذه التنظيمات كافة الوسائل المتقدمة لتحقيق مآربها الدنيئة وتعزيز أنشطتها الرامية إلى تقويض المجتمعات والنيل من استقرارها، حيث منحتها وسائل الاتصال المتقدمة مرونة أكبر في تدفق سيل المعلومات، وتبادل الأفكار، ونشر البيانات، وتلقي التوجيهات، وإعطاء التعليمات لكافة أعضاء الشبكة حيثما وجدوا من أنحاء العالم. حتى إن بعض تلك المنظمات باتت توجه قدراتها لحرب متوقعة معتمدة ابتداءً وانتهاءً على هذه الأنظمة الحديثة، ما يدفعنا للقول بأن اعتماد بعض المجتمعات على التقنية الرقمية في مختلف أنشطتها قد تسبب في ثغرات أمنية خطيرة بما ينذر بظهور تحديات هائلة من خلال استغلال تلك الجماعات بل والأفراد لهذه النظم. ناهيك عن سهولة الحصول على تلك التقنية نظراً للانخفاض المطَّرد في أسعارها بما يتيح امتلاكها وتسخيرها في عنصر السرية والسرعة في التواصل الذي تعتمده تلك التنظيمات، وأدهى من ذلك كله السهولة البالغة في التواصل مع جمهور الناس من خلال تلك الوسائل، بما يحقق رغبة هؤلاء المنحرفين في تهيئة حالة عامة من الرعب توهم المجتمع بقدرة تلك الشبكات على ضرب الهدف الذي تريد في الوقت الذي تختار!!(/2)
ولابد من الإشارة هنا إلى أن الآثار المترتبة على تخريب هؤلاء لبعض شبكات المعلومات الوطنية العسكرية والاقتصادية وغيرها، هي أكبر بكثير من تلك الآثار الناجمة عن تنفيذ بعض العمليات الإرهابية المباشرة على مقارِّ حكومية، وهنا تظهر خطورة حوسبة البنى التحتية لدولة ما، حيث لا يكون هؤلاء مضطرين لمواجهة احتياطات تتخذ عادة لتوفر حماية عالية للأهداف والمنشآت الحيوية، خاصة إذا علمنا أن بعض تلك الشبكات تمتلك خبرات متقدمة في حقل التكنولوجيا المتطورة، بما يلقي مزيداً من الصعوبة الملقاة على كاهل الأجهزة المعنية بمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، ويدعوها بإلحاح إلى ابتكار حلول متقدمة لهذه المعضلة بما يفوِّت على هؤلاء تحقيق أهدافهم المتوخاة.
لكن ذلك - مع أهميته البالغة - قد لا يكون كافياً إلا إذا اقترن بغرس وازع الإيمان لدى أفراد المجتمعات، فالإيمان هو أمان للأوطان كما هو أمان للأفراد، هذا الإيمان الذي يدعو إلى مزيد من رصِّ الصف والمودة والتكافل بل والإبداع في العمل والإنتاج، إنه الوصفة العجيبة التي تجعل من أصاب حداً يطلب إقامته عليه، بل ويصرّ على ذلك، إنه عطف الغني على الفقير، وحنّو القوي على الضعيف، إنه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتناصح لخير الوطن، يعرف كل مؤمن ما عليه فيؤديه، وما له فلا يطالب بأكثر منه.(/3)
إن التوقي من الجريمة والإفساد في الأرض وتنقية المجتمع بزرع أسس الفضائل فيه، هو أجدى بكثير من انتظار وقوع المآسي ومن ثمَّ معالجة آثارها وفرض العقوبات على الآثمين، وهنا دعوة إلى مزيد من التحصين في الصف الوطني، والتوعية الإيمانية الصادقة، بما يدعو العلماء العاملين والدعاة المصلحين، إلى مضاعفة الجهد الخيِّر، وبما يثقل كاهل المربين والآباء والمدرسين، بالعمل على تكامل التربية الإيمانية والوطنية في المنزل والمدرسة والمجتمع، فلو أننا رسّخنا مفهوم التبرؤ ممن يحمل السلاح على الأمة مثلاً، وأنه من الإثم العظيم ضرب رقاب المسلمين بعضهم بعضاً، وأنه من الحُوب الكبير خفر ذمة المستأمنين، وقتل المعاهَدين، كما أعلمناهم بأن من أعظم نعم الله على الأمة توادّ أهلها وتراحمهم، وأن يسعى كلهم في ذمة أدناهم، لو رسّخنا هذه المفاهيم السامية لنعمت المجتمعات ابتداء بالأمن والأمان ولا حاجة لنا بعدها إلا إلى مزيد من العمل والإنتاج رفعة لوطننا ومنعة له.(/4)
العنوان: ليست المشكلة في ما أعطاه الله قيصر!
رقم المقالة: 791
صاحب المقالة: إبراهيم الأزرق
-----------------------------------------
عُرف أن العلمانية مبدأ يقوم على فصل الدين عن الدنيا، أو بتعبير يراه بعضهم أدق: إقامة الحياة على غير الدين، والشعار الشهير لدعاة العلمانية: دع ما لله لله وما لقيصر لقيصر.
ومن البدهي أن هذا الفصل، يكون فيما (تدخَّل!) فيه الدين من تشريعات مختلفة، وإن كان التعبير الأدق هو محاولة استئصال قلب الأمة النابض واستبداله بآخر مصنوع، فالدين ليس هو البديل - كما يزعم البعض - بل هو الأصل الأصيل الذي جاء لهداية البشرية وصلاحها، ثم جاءت الشياطين والأهواء بعجرها وبجرها فاجتالت الناس عنه.
ومن المعروف أيضاً أن هذا العزل للدين ليس فيما أوكله لهم من تنظيم وإدارة أمور دنياهم، أو ما أعطاهم له من حقوق وصلاحيات، ولكن فيما سلبهم إياه من (حريات!) هكذا زعموا.
وفي الحقيقة أثبت التاريخ أن الأديان المحرفة سلبت الناس كثيراً من الحريات، وتصادمت مع كثير من المسلمات، ولأن أهلها يؤمنون بها، ولايؤمنون بتحريفها، نشأت العلمانية حلاً يمثل مخرجاً أمثلا لتلك المجتمعات من قبضة الأغلال والآصار التي أحكمتها يد الرهبان والأحبار، فلما كان قطاع عريض يعتقد رجالاته بأن دينهم حق، وهذا الحق إن أُجرِي على شؤون حياتيةٍ كثيرة وأساسية تعارض معها، فالحل إذاً أن لا يجرى عليها وأن لاتقوم الدولة عليه، فلا تعارض حينها بين كونهم علمانيين ومع ذلك لهم دين ينصاعون له في مواطن شتى، على الرغم من إقامتهم حياتهم وشؤون دنياهم على غيره، ولتوضيح ذلك أضرب مثالين:(/1)
الأول: ابن يرى أن والده لايحسن التقدير في مجال معين، ويرى أنه بلغ من العقل في ذلك المجال ما لم يبلغه أبوه، فإذا أصدر والده أمراً يخالف ماقرره، لم يعبأ به كثيراً فهو يرى أن هذا من تخصصه لامن تخصص والده. ولكن قد يأمره والده بأمر يرى صوابه، وإن كان لايندرج تحت تخصصه، إلاّ أنه ههنا يطيعه، وهذه حال بعض العلمانيين مع شرائعهم، وتجد مثل هذا الصنف يصر على أنه متدين، وربما ذكر أحدهم أنه يقرأ الإنجيل كل صباح، بل ربما القرآن!
أما المثال الثاني: فهو لأناس ضعفت العلاقة بينهم وبين أديانهم، فهم أقل تمسكاً والتزاماً بشرعهم، غير أنهم يرون أن ثمة صلة لاتزال تربطهم به فهم ينسبون لدين أو يحسبون عليه على أي حال، ومثل هؤلاء مثل الابن العاق الذي قد لا يعبأ بأمر أمره به والده يرى أن فيه كبتاً لحريته فهو (عاق)، ولايخرجه من هذا العقوق أن يطيع له أمراً يوافق إرادته، فهو عاق وسيفعل ما أراد في الحالين طالما أن له القدرة على ذلك، إذاً لا قيمة لأمر والده من جهة منعه إذا أراد أن يفعل، ولكن لا يعني ذلك أنه لا قيمة له في شحذ همته وحثه على الإقدام على ما أراد فعله! أو كفه عما أراد تركه، وهذا طبع في النفس البشرية، فإذا أرادت أن تقدم على فعل مقتنعاً بصوابه، يسرك ويشحذ همتك ويزيد في عزمك حث صديق لك أو قريب.
وهكذا حال العلمانيين مع شرائعهم، فهما أحد رجلين يصورهما المثالان المضروبان.
ومن هنا فقد يكون الغرب علمانياً، ولكن لايعني هذا أنه لا قواسم مشتركة بين العلمانية وكافة الأيديولوجيات أو أنها لاتلتقي في نقاط، بل قد تكون هناك دوافع أيديولوجية تلتقي مع الفكر العلماني في قضية معينة أو لاتتعارض مع كون صاحبها علماني.
فلايعني كون دولة ما علمانية ألا تدفعها دوافع أيديولوجية لسن تشريع معين في ما يسمى بالأحوال الشخصية مثلاً، أو على الأقل لا يعني كونها علمانية أن لا توافق بعض تشريعاتها تشريعات جاءت بها الأديان السماوية.(/2)
ولايعني كذلك كون فلان علمانياً عربياً عدم حكم الفكر القومي لتصرفاته أو بعضها، وكذلك اليهودي العلماني ليس بالضرورة أن يكون متحرراً من فكر عنصري، بل قد تحكم العربي القومية العربية مع كونه علمانياً في كثير من القضايا السياسية، أو على الأقل قد تجيء تشريعات علمانية موافقة لفكر القومية العربية أو حتى الإسلام، وكذلك اليهودي بالنسبة لعنصريته.
وهذا الأمر يشهده الناس في تصرفات بعض الدول الغربية ولعل من الأمثلة غزو الولايات المتحدة الأمريكية للعراق، فقد يكاد يطبق المحللون على أن خلفه أبعاد صهيونية ولك أن تقول منطلقات دينية أو أيديولوجية، وإن كانوا يتفاوتون في عمق فهمهم لهذه المنطلقات ومدى أهميتها إذا ما قورنت بالدوافع الاقتصادية والسياسية الأخرى، إذاً فلم ينف كون الدولة علمانية وجود دوافع أيديولوجية تحكم بعض تصرفاتها.
وبينما كان الموقف السياسي يحاول ستر الدوافع الأصولية المشتركة مع مصالحه، كان رجال الدين من اليمين الأصولي النصراني أو اليهودي يدعمون حرب العراق بل يؤم أئمتهم الإدارة الأمريكية في الصلاة من أجلها!
وعلى صعيد آخر لو تأملت كلاً من اليمين لدويلة اليهود في الأرض المغتصبة واليسار المتحرر لم تجد كبير اختلاف والسبب هو اتفاقهما حول القضية الجوهرية وهي ما أمر الله به قيصر في شأن الأرض، فجميعهم يرى أن يطاع الأمر، وإن اختلفت محركات كل فئة ودوافعها، ولذا فلعل المتأمل يجد أن الخلاف في تصنيف دولة إسرائيل هل هي دولة علمانية أو دينية ليس في الحقيقة له كبير أثر، وذلك لالتقاء الأهواء البشرية العلمانية مع العقيدة اليهودية لجميع الصهاينة.(/3)
والمقصود أن العلمانية قائمة على عدم التزام الدين في شؤون الحكم ومعارضته إجمالاً، ولكن لايعني هذا المخالفة لكافة تفاصيله ورفض دستوره السياسي بنداً بنداً، فلا يجب على العلماني مخالفة الدين في كل جزئية ليبني قانونه الخاص، ولكن يأخذ منه ما شاء ويحكم بالوضع على ما شاء، فهم يقولون دع ما لله لله وما لقيصر لقيصر. فإذا أعطى الله قيصر عطية فلا يلزم ردها على كل حال، وإذا جاءهم المرسوم الرباني أو الدستور (الكتاب) فلهم أن يؤمنوا ببعض ويكفروا ببعض أو يتخذوا بين ذلك سبيلاً!
ولذلك قد يقود الحوار مع العلمانيين إلى نقاط اتفاق على بنود سياسية، ولكن يجب أن نعي عند الاتفاق في بند سياسي أموراً لعل من أهمها:
1 - أن ذلك الاتفاق ظاهرة لا تخرج صاحبها عن كونه ليبرالي أو علماني، فلا يقال حصل نوع تقارب، أو كسب أحدٌ من الجانبين الآخر لمجرد الاتفاق على بند.
2 - لا يلزم أن يكون الموقف العلماني ثابتاً لا يتغير بل متى ما اقتضت المصلحة والظروف تغيير المواقف وتبني أجندة أخرى فلا شرع يقيدهم، وعليه فينبغي ألا يُطمأن لهم أويركن إليهم، ولكن هذا لا يمنع من التعامل معهم في الإطار التكتيكي لا الاستراتيجي.
3 - شكل آليات التنفيذ ليس بالضرورة أن يكون شرعياً يخضع للأيدلوجيات التي تؤيد الفكرة المعينة عند أهل العلمنة، ولهذا يحسن وضع التصور الإسلامي لها حتى يكون الاتفاق ذا جدوى.
وإذا تبين ما سبق فإن من البدهي أن تجد ليبرالياً أو علمانياً يصلى ويصوم ويزعم أنه مسلم، بل أبعد من ذلك، لا وجه للعجب حتى وإن نادى ليبرالي بأهمية بعض الأجهزة الشرعية كمحاكم الأحوال الشخصية مثلاً، فضلاً عن الالتقاء معه في بند إثر تفاوض.
فشعار العلماني: دع ما لله لله، ومال لقيصر لقيصر.(/4)
ولسان حال المؤمن: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ}، فالأمر كله لله، وقيصر وما ملكَ ملكٌ لله.
أما إذا أعطى الله قيصر أعطية فهنا لا مجال للخلاف، ولا يعني الاتفاق على ذلك تقارباً أو إئتلافا!(/5)
العنوان: ليل بلا قنديل
رقم المقالة: 340
صاحب المقالة: وائل بن يوسف العريني
-----------------------------------------
مسح جبينه ليُسقط حبات الرمل التي علقت به جراء سقوطه في أرض الحديقة ، التفت علَّه يجد من يساعده في النهوض ، لا أحد ، الكل غارق في نومه صبيحة ذاك اليوم ، فاليوم عطلة ومن ذا الخَبِل الذي يترك نوم العطلة .
نظر إلى مكان السقوط ، هناك كرسيه يقف متأرجحاً تلامس عجلتان منه الأرض، استرجع الحادثة ، ما الذي أعثرني حتى سقطت ؟ إنها أنبوبة الماء المعترضة ، لطالما حاذرتها ، اليوم أتى الوقت الذي يغفلُ فيه الرقيب.. كان يحدث نفسه وعيناه تسبحان في خضرة الحديقة .. وقعت عينه على وردة حمراء ، تتأرجح مع نسمات الهواء الرقيقة وكأنها مزهوة بشبابها ونضارتها .
اعتمد على يديه وزحف حتى اقترب من تلك الوردة ، تأمَّلها ، تأمل ساقها ، تأمل ورقتين تمسكان الساق في وجل .. أو ربما ظن هو ذلك ، هل تخاف تلك الورقتان السقوط ، لماذا ؟ أنا سقطت قبل قليل ولكني لا أزال كما أنا ، توقف عند هذا الهاجس وأخذ يردد " كما أنا " ، وما الفارق ؟ هل تلك الورقتان إن سقطتا ستبقيان كما هما ، بالطبع لا ، ستذبلان ثم تيبسان ثم .. لا لا ، الأفضل أن تبقيا ممسكتين بالساق ، تشبثا حتى لا تذهبا إلى النسيان ، إلى لعبةٍ في يد الريح .
عاد يتأمل الوردة وساقها ، ثمة شيء غريب يجعله يتوقف .. يفكر .. لماذا الوردة تبدو منتفخة في حين الساق دقيق ؟ ، نعم الساق دقيق ويحمل أكبر من طاقته ، هل سيأتي يوم ويسأم من ذاك الحمل ؟ ثم هو مُثقَلٌ بالورقتين ، ما أشدَّ صبرك أيها الساق !! ، وساقاي لا يحملانني برغم حجمهما المعقول .. الحمد لله على كل حال .
في هذه الأثناء تمايل الساق فأخذت الوردة تتأرجح يمنة ويسرة ، إلى الأمام وإلى الخلف ، ولكن سرعان ما سكن الساق فارتاحت الوردة من هذا العناء .(/1)
أعاده هذا المشهد إلى كرسيه ومشهد سقوطه ، لِمَ لم يجنبني الكرسي السقوط كما جنب الساق الوردة السقوط ؟ الآن فهمت ، الساق يغذي الوردة فحرص عليها وحماها ، أما أنا .. أما أنا .. راح يزحف حتى غادر الحديقة .
التفت .. الكرسي لا يزال تتأرجح إحدى عجلاته مع الريح ، لا يزال جاثماً على إحدى قدميه وإحدى يديه ويصور نظرة ساخرة .. في حين الوردة تنعم بأرجوحة الساق .. تتمايل .. تضحك .. فرَّت منه دمعة .. انزلقت .. وقعت على رخام الفناء .. عاد يزحف باتجاه القصر .
تمت(/2)
العنوان: ليَهنِكِ قافلاتِ الحجّ - قصيدة
رقم المقالة: 1846
صاحب المقالة: خالدة بنت أحمد باجنيد
-----------------------------------------
إكمالاً لحملة الحجِّ الأدبية واللغوية التي قام بها قسم (حضارة الكلمة) في الأسابيع الأخيرة، والتي تنتهي بالحنين والشوق والمعايدة بهذا الموسم العظيم من مواسم الخير..
يسرّنا أن نقرأ هذه القصيدة التي أرسلتها لنا الشاعرة خالدة باجنيد، وقد امتزج فيها الشوق والحنين إلى المشاعر والحج بنكهة المكان الخاصة وبأسماء تلك البقاع الطاهرة:
إلى القوافلِ الإيمانية السائرة حجاً لبيتِ الله الحرام... هاكم قلبي.. خذوه إلى تيك البقاعِ المقدسة.. فأنا.. كنتُ هناك يوماً.. واليومَ قلبي يبعثُ التحنانا..
ليهنكِ قافلاتِ الحجِّ تلبيةً وإذعانا[1]
بمعدوداتِ أيامٍ بها أثقلتِ ميزانا
لكِِ البُشرى.. فيا للرَّكْبِ ما أصفاكَ إيمانا
وما أضناك يا قلبي بعيداً عنهمُ الآنَا
بعيداً لا تواتي البيتَ إحراماً وطوفانا
بعيداً ههُنا والنبضُ يُجري الروحَ تحنانا
بعيداً يا (مِنى).. والبعدُ يُذْوِيْ القلبَ ظمآنا
وما لي فيكِ (ترويةٌ) تساقيني كما كانا
بعيداً.. كيف لي (عرفاتُ) عنكِ اليومَ حرمانا؟
وكيفَ أُهَدهِدُ الذكرى على أطلالِ لُقيانا؟
بعيداً.. قافلاتِ البرِّ إذْ يغشاكِ غفرانا
ويسْري ما سرتْ (لبيكَ) جلجلةً وخُضعانا
ويحدوني (النفيرُ) إذا مغيبُ الشمسِ وافانا
وروحاً حلّقتْ بالحبِّ في الرحمنِ إخوانا
قلوباً لستُ أنساها.. ندى طهرٍ تلفّانا
بعيداً.. هل ترى تجفو به يا قلبُ أزمانا؟
ألا سقياً -حجيجَ البيتِ- فضلَ الربّ ريّانا
ويا للبعدِ ألهبنا بلفحِ الشوقِ أظمانا
له ما أشرقتْ شمسٌ إلى (التشريقِ) واتانا
و(للجمراتِ) يسبقنا ليرمي الذنبَ كفرانا
له (التكبيرُ) (والمسعى) فيا للأمسِ ما كانا
ويا لليومِ .. مُوجدةٌ تهزّ القلبَ فرقانا
ويا (عيداً) بدوحِ الحجِّ غرّيداً تغنّانا
فهلْ لي إذ نأيتُ هنا ب(عيد الحجِّ) نشوانا(/1)
سلامي اليومَ أرسله إلى الحجاجِ لهفانا
لعلي بالعزاءِ .. وهلْ أرى للقلبِ سلوانا؟
تعليق (حضارة الكلمة):
الأخت خالدة باجنيد..
سرّنا هذا التواصل مع (حضارة الكلمة).. ومع طليعة "شاعرات الألوكة"..
وننتظر منكم المزيد والأقوى من القصائد الإسلامية، المنطلقة من تصوّر إسلامي يصحح العلاقة بين الأدب والعقيدة ويحقق الانسجام بين المسلم وحسِّه الأدبي.
.. قلمٌ إسلاميٌّ واعِد .. نرى له مستقبلاً مثمراً خيّراً، إن شاء الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] لِيَهْنِكِ: أي هنيئاً لكِ يا قوافل الحج. وفي حديث أبي بن كعب رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا المنذر، أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟" قال قلت: الله ورسوله أعلم . قال: "يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟" قال قلت: "اللهُ لا إلهَ إلاّ هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ". قال: فضرب في صدري وقال: "والله لِيَهْنِكَ العلمُ أبا المُنذر". رواه الإمامُ مسلم... وهذا من كريم تعامله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه.(/2)
العنوان: مؤلفات في الطب النبوي
رقم المقالة: 522
صاحب المقالة: عادل محمد علي الشيخ حسين
-----------------------------------------
هناك العشرات من المؤلفات القديمة والحديثة التي تناولت الطب المحمدي أو النبوي، وقد كثرت في السنوات الأخيرة وبالأخص من 1980- 1997م، المؤلفات والنصوص التي تتناول طب الرسول صلى الله عليه وسلم، وتحث البشر على أن يأخذوا بهذه النصائح والإرشادات وبالذات فيما يتعلق بالتداوي والعلاج بأنواع النباتات والأعشاب.
ونجد فيما بين هذه المراجع والمصادر الغث والسمين وقبل أن نستعرض ما هو معروف لنا من كتب ومصنفات، مخطوطة كانت أو مطبوعة في مكتبة الطب النبوي ونحصر ما وصلنا من هذه المراجع والمصادر المهمة لابد أن نعرف بهذا الطب الواسع والمؤثر في حياة الإنسانية جمعاء.
يقول محمد نزار الدقر في تعريفه الطب النبوي: ((الطب النبوي مجموع ما ثبت وروده عن النبي صلى الله عليه وسلم مما له علاقة بالطب، سواء كانت آيات قرآنية أو أحاديث نبوية شريفة، ويتضمن وصفات داوى بها النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه رضوان الله عليهم ممن سأله الشفاء أو أنه دعا إلى التداوي بها، كما يتضمن توصيات تتعلق بصحة الإنسان في أحوال حياته من مأكل ومشرب ومسكن ومنكح، وتشمل تشريعات تتعلق بأمور التداوي وأدب الطب في ممارسة المهنة وضمان المتطبب في منظار الشريعة الإسلامية)).
أ – مؤلفات مستقلة تناولت الطب النبوي قديماً:
لقد عني الكثير من العلماء العرب والمسلمين بجمع ما ورد عن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في الأدوية، وصنفوا في ذلك مؤلفات مستقلة، دونوا فيها ما أثِر عنه عليه الصلاة والسلام، ونشروا ذلك بين الناس، لينتفعوا بما جاء فيها من هدي نبوي يشفي القلب والبدن ومن هذه الكتب التي وصلت إلينا ما يلي:(/1)
1 - الطب النبوي للإمام علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق (ت203هـ) كتبها بناء على طلب من الخليفة المأمون، وقد حقق هذا الكتاب محمد علي البار بعنوان (الإمام علي الرضا ورسالته في الطب النبوي – الرسالة الذهبية) وصدرت عن دار المناهل، بيروت، 1992م، ط2.
2 - كتاب الطب النبوي لعبدالله بن حبيب الأندلسي (ت238هـ)، حققه محمد علي البار، وزينه بحاشية علمية ممتازة وصدر عام 1993م. ومع أن هذا الكتاب يعتبر صغير الحجم إلا أنه وثيقة هامة تكشف عن اطلاع الفقهاء منذ وقت مبكر على العلوم الطبية وعلاقتها بالقضايا الفقهية الصرفة والشرائع الدينية والأحاديث النبوية الشريفة في هذا المجال المهم.
3 - مختصر في الطب، عبدالملك بن حبيب [ضمن كتاب الطب والأطباء في الأندلس الإسلامية] تأليف محمد العربي الخطابي، دار الغرب الإسلامي، ج1، 85- 110.
4 - الطب النبوي لأبي بكر أحمد بن محمد الدينوري، المعروف بابن السني (ت364هـ)، اقتصره على جمع الأحاديث النبوية المتعلقة بالطب دون التطرق إلى الشرح الطبي الموضوعي.
5 - الطب النبوي، للحافظ أبو نعيم الأصبهاني (ت430هـ)، يعتبر أول كتاب يجمع عدداً كبيراً من الآثار المتعلقة بالطب المسندة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم. وهو مخطوط.
6 - الطب النبوي (الأربعين الطبية المستخرجة من سنن ابن ماجة) لعبداللطيف البغدادي (الموفق) (ت629هـ)، حققه عبدالله كنون، ونشرته وزارة الأوقاف في المملكة المغربية.
7 - الطب من الكتاب والسنة، لعبداللطيف البغدادي (الموفق)، تحقيق عبدالمعطي قلعجي، وصدر في بيروت عن دار المعرفة، سنة 1986م.
8 - الطب النبوي للحافظ ضياء الدين محمد عبدالواحد المقدسي (ت646هـ)، حققه مجدي فتحي السيد، وصدر عن دار الصحابة للتراث بطنطا، مصر، 1989م.
9 - الشفاء في الطب المسند عن السيد المصطفى، لأحمد ابن يوسف التيفاشي (ت651هـ). وقد حققه عبدالمعطي قلعجي وصدر عن دار المعرفة، بيروت، 1988م.(/2)
10 - الأحكام النبوية في الصناعة الطبية، لعلي بن عبدالكريم بن طرخان الكحال الحموي (ت720هـ)، تحقيق عبدالسلام هاشم حافظ، مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، 1955م.
11 - الطب النبوي، للإمام الحافظ محمد شمس الدين الذهبي (ت748هـ)، تحقيق: مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، 1961م.
12 - الطب النبوي للإمام محمد بن أبي بكر شمس الدين المعروف بابن قيم الجوزية (ت751هـ)، تحقيق: عبدالمعطي قلعجي، دار التراث، القاهرة 1978م، ثم توالت عدة تحقيقات وطبعات متباينة في أقطار عربية كثيرة.
ويذكر يوسف علي بديوي قائلاً: إن هذا الكتاب ليس لابن القيم بل هو للبغدادي وقد حققه هو وطبعه في دمشق – بيروت، سنة 1990م، وصدر عن دار ابن كثير تحت عنوان الطب النبوي لعبداللطيف البغدادي (الموفق).
13 - أربعون باباً في الطب لمحمد بن أبي الفتح البعلي الحنبلي، تحقيق: أحمد البزرة وعلي رضا عبدالله، وصدر عن دار ابن كثير، دمشق، 1985م.
14 - المنهج السوي والمنهل الروي في الطب النبوي للإمام الحافظ جلال الدين السيوطي (ت911هـ)، تحقيق: حسن مقبولي الأهدل، مكتبة الجيل بصنعاء ومؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، 1986م.
15 - مقامات السيوطي الأدبية – الطبية لجلال الدين السيوطي، تحقيق محمد إبراهيم سليم، مكتبة الساعي، الرياض، 1989م.
16 - المنهل الروي في الطب النبوي، لمحمد بن أحمد بن طولون (شمس الدين)، تعليق: عزيز يبك، أنوار المعارف، حيدر أباد، الهند، 1987م.
17 - رسالة في الطب النبوي، لابن حزم الظاهري الأندلسي علي بن أحمد (ت456هـ) [سير أعلام النبلاء، جزء منه في ترجمته، بيروت، 1969م].
18 - السير القوي في الطب النبوي لمحمد بن عبدالرحمن السخاوي (ت902هـ) [هدية العارفين للبغدادي، 2/220].
19 - شفاء الأنام في طب أمة الإسلام، ليوسف بن محمد السرمري العبادي الحنبلي (ت776هـ) [هدية 5/558، وفي ذيل 2/49: شفاء الآلام].(/3)
20 - الطب النبوي لجعفر بن محمد المستغفري (ت432هـ) [كشف 1095]، [خ في مركز كتب خانة سي في إستانبول برقم 2814]، [ط: طهران 1293].
21 - الطب النبوي، لمحمد بن إبراهيم بن ساعد الأنصاري، المعروف بابن الأكفاني (ت749هـ)، [خ: تيمورية، طب2].
22 - الطب النبوي، لمحمد الصفتي الزينبي [خ: تيمورية 131 طب].
23 - الطب النبوي، لداود بن فرج [أسماء الكتب، المتمم لكشف الظنون 211].
24 - طب النبي صلى الله عليه وسلم، لأبي القاسم الحسن بن محمد المحدث النيسابوري (ت406هـ)، [خ: بغداد أوقاف 10/3799 سيرة].
25 - المختار في اختصار الطب النبوي، لنجم الدين محمد ابن محمد الغزي (ت1061هـ)، [هدية 2/285].
26 - الطب النبوي، أبو بكر [أحمد بن أبي عاصم الضحاك الشيباني] (ت287هـ)، يقال إنه مفقود.
27 - لقط المنافع في الطب، للإمام أبي الفرج عبدالرحمن ابن علي بن محمد الجوزي القرشي التيمي الصديقي [نسبة إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه] (ت597هـ)، فيه الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة في مجال الطب. وله مخطوطات عديدة في مكتبات تركيا ومكتبة الجامع الكبير بصنعاء وغيرها من المكتبات.
28 - الطب الروحاني، لابن الجوزي أيضاً [تحدث فيه عن علاج الهم والحزن والغم.. إلخ، بالقرآن والسنة المطهرة].
29 - تذكرة في الطب النبوي، لبدر الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة الكناني (ت733هـ). له مخطوطة في مكتبة [أدنة برقم 1156].
ب – المؤلفات التي تناولت الطب النبوي في فصول منها:
1 - الجامع الصحيح للإمام البخاري [محمد بن إسماعيل]، طبع مرات كثيرة.
2 - شرح صحيح البخاري (فتح الباري)، لابن حجر العسقلاني. طبع مرات عديدة.
3 - شرح صحيح مسلم، للنووي [محيي الدين شرف]، طبع عدة مرات.
4 - سنن الترمذي، للترمذي [أبو عيسى محمد بن عيسى]، طبع مرات عديدة.
5 - سنن ابن ماجة، لابن ماجة [أبو عبدالله محمد بن يزيد القزويني]. له طبعات عديدة.(/4)
6 - جامع الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم لابن الأثير [أبو السعادات]، له عدة طبعات أحسنها بتحقيق: عبدالقادر الأرناؤوط، دار الفكر، بيروت، 1969م.
7 - تخريج ودراسة أحاديث الطب النبوي في الأمهات الست، لأحمد بن محمد زبيلة، مكة المكرمة، 1988م.
8 - سنن أبي داود، لأبي داود [سليمان بن الأشعث]، له عدة طبعات أحسنها بتحقيق: محمد محيي الدين عبدالحميد، دار الباز للنشر والتوزيع، مكة المكرمة.
9 - سنن النسائي، شرح الحافظ السيوطي، له طبعات عديدة.
10 - زاد المسير في علم التفسير، لابن الجوزي، طبع مرات عديدة.
11 - تفسير الفخر الرازي، لمحمد فخر الدين الرازي، له طبعات عديدة.
12 - تفسير ابن كثير، لابن كثير، له عدة طبعات.
13 - الموطأ، للإمام مالك بن أنس، له عدة طبعات.
14 - النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير، له طبعات عديدة.
15 - المعجم المفهرس لألفاظ الحديث الشريف، الاتحاد الأممي للمجامع العلمية، إستانبول، دار الدعوة، 1988م.
16 - صحيح الجامع الصغير وزياداته، ناصر الدين الألباني، له عدة طبعات.
17 - الجامع الصغير، لجلال الدين السيوطي. له طبعات عديدة.
18 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، للهيثمي، له طبعات كثيرة.
19 - الجامع الصحيح للترمذي، له طبعات عديدة.
20 - الشمائل المحمدية، للترمذي، تحقيق: عزت الدعاس، حمص، 1968م.
21 - صحيح مسلم، لمسلم بن الحجاج، له الكثير من الطبعات، أفضلها بتحقيق: محمد فؤاد عبدالباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
22 - المسند للإمام أحمد بن حنبل، له طبعات كثيرة.
23 - مسند الشافعي، صححه وراجع أصوله، يوسف الحسني وعزت الحسيني، دار الكتب العلمية، بيروت، 1951م.
24 - مسند الشهاب: للقضاعي، تحقيق حموي السلفي، مؤسسة الرسالة، ط1، 1985م.
25 - مسند الطيالسي لأبي داود الطيالسي، دار المعرفة، بيروت.
ج – المؤلفات الحديثة التي تناولت الطب النبوي مستقلة كانت أم في فصول منها:(/5)
1 - روائد الطب الإسلامي، محمد نزار الدقر، دمشق، 1994م.
2 - بين الطب والإسلام، حامد الغوابي، القاهرة، 1961م، وسبق أن نشرت هذه المقالات بالعنوان نفسه في مجلة لواء الإسلام بشكل متسلسل.
3 - استشارات طبية في ضوء الإسلام، إبراهيم الراوي، نشرت في مجلة حضارة الإسلام، بشكل متسلسل [تدور حول الإعجاز العلمي في العديد من الأحاديث النبوية].
4 - الطب النبوي والعلم الحديث، محمود ناظم النسيمي، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1987م، 3 أجزاء.
5 - القشرة والصلع والشيب والحناء، حسان شمسي باشا، مكتبة الوادي، جدة – السعودية، ط1، 1995م.
6 - الشفاء بالحبة السوداء بين الإعجاز النبوي والطب الحديث، حسان شمسي باشا، دار القلم، دمشق – بيروت، 1994م، ط1.
7 - العلاج بالثوم والبصل، حسان شمسي باشا، جدة، ط1، 1992م، ط2، 1994م.
8 - قبسات من الطب النبوي: والأدلة العلمية الحديثة، حسان شمسي باشا، ط1، 1991م، ط2، 1993م.
9 - هل هناك طب نبوي ؟ محمد علي البار، الدار السعودية، جدة، ط2، 1990م.
10 - العدوي بين الطب وحديث المصطفى، الدار السعودية، جدة، ط7، 1987م.
11 - قبسات من الطب النبوي العلاجي [السنا والسنوت]، محمد علي البار، مكتبة الشرق الإسلامي، جدة، 1992م، ط1.
12 - الحبة السوداء (حبة البركة)، من الإعجاز الطبي في الأحاديث النبوية الشريفة، عبدالله السعيد، دار الضياء، الأردن، ط1، 1989م.
13 - الكمأة، عبدالله السعيد [من الإعجاز الطبي في الأحاديث النبوية الشريفة]، دار الضياء، الأردن، عمان، ط1، 1989م.
14 - علم الوراثة، عبدالله السعيد، [من الإعجاز الطبي في الأحاديث النبوية الشريفة]، عمان، الأردن، ط1، 1989م.
15 - الطب النفسي، عبدالله السعيد [من الإعجاز الطبي في الأحاديث النبوية الشريفة]، عمان – الأردن.
16 - الرطب والنخلة، عبدالله السعيد، [من الإعجاز الطبي في الأحاديث النبوية الشريفة].(/6)
17 - الحجر الصحي، عبدالله السعيد، [من الإعجاز الطبي في الأحاديث النبوية الشريفة].
18 - معجزات في الطب للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، محمد سعيد البوطي، ط1.
19 - في رحاب الطب النبوي، نجيب الكيلاني، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1982م، ط2.
20 - أحاديث في الصحة، نبيل الطويل [فيه مجموعة من الأحاديث النبوية في الصحة قام بشرحها]، المكتب الإسلامي، دمشق، 1963م.
21 - الطب الوقائي النبوي، محمود الحاج قاسم، الموصل، العراق، 1988م.
22 - الطب الوقائي في الإسلام، أحمد شوقي الفنجري، الهيئة العامة المصرية للكتاب، القاهرة.
23 - السواك، محمد علي البار، دار المنارة، جدة، ط1، 1994م.
24 - الحبة السوداء في الطب الشعبي، الفاضل العبيد عمر، مكتبة دار المطبوعات الحديثة، جدة.
25 - الشفاء في الحبة السوداء، لطيب عبدالله طيب، الكويت.
26 - الحبة السوداء دواء لكل داء، محمد كمال عبدالعزيز، مكتبة ابن سينا، القاهرة.
27 - مفردات النبات بين اللغة والاستعمال، محمود مصطفى الدمياطي، مجلة المقتطف، الأجزاء، 5، 1، 2، 3، 4، 5، 2، 3، 4، 1، 2، 3، 4، 5، 1، 2، 3، 1، 3، 2، 4، القاهرة، 1935- 1939م، ص569- 572، 81- 84، 165- 168، 324- 328، 468- 472، 589- 593، 225- 229، 368- 371، 483- 486، 52- 55، 208- 212، 337- 340، 456- 458، 589- 592، 71- 74، 203- 205، 293- 296، 86- 90، 325، 328، 197- 200، 449- 451.(/7)
العنوان: ما أجملَه من وشاح
رقم المقالة: 1182
صاحب المقالة: وسمية سليمان
-----------------------------------------
ما السببُ في كون أمهاتنا الأوائل قد توشحن به، والآن نراه قد بدأ يتزلزل من على أكتافهن؟!
ما السبب في اندثار الفتنة من قبل وتفاقمها الآن وانتشار الذنوب وعدم احتقارها؟!
كل ذلك وراء (وشاح الحياء).
كانت أمهاتُنا الأوائل قد توشحن بالحياء، وما أجملَه من وشاح، وما أجملَه من زينة!
فقد كان الدافعَ وراء الكثير من الأخلاق الفاضلة، كُنّ يتحسسنه من حين لآخر.
كانت عفيفة وقورة حيية، ليست بجريئة ولا رجلة في النساء، (لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال) متفق عليه.
لم تكن نامصة؛ لأن وشاحها يمنعها من ارتكاب كل ما يوجب اللعن من نمص وغيره.
لم تكن فاحشة بذيئة يجري على لسانها لعنُ الناس لأنه كبيرة من الكبائر.
تخفض لوالديها جناح الذل من الرحمة حياء منها، ولا ترفع رأسها وعينها على معلمتها جراءة وبذاءة.
تُحسن التبعلَ لزوجها حتى كانت مُعِدة لأمهات المستقبل وصانعةَ أبطال.
تشبثت بحجابها؛ سترها وعفتها، لم تزين أو تطرز أو تتصنع المسوّغات، منساقة لدعاة التحرير بسبب وشاحها الأصلي الذي توشحت به "حياؤها".
لأنه شعبة من شعب الإيمان (الإيمان بضع وسبعون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان).
لله درُّها، وما أجملَه من وشاح!
ولكن.. الآن أين وشاح أمل؟ هل تلاشى أو اضمحل وطار مع الريح؟ أم هل هو موجود ولكنه قصير شفاف؟! ما السبب وراء تقلصه؟ ألأنها أصبحت خراجة ولاجة؟!
أم بسبب العزوف والتراخي بالحجاب؟!
أسباب كثيرة يمكن حصرها فيما يلي:
- ضعف الوازع الديني.
- الإقبال على الدنيا وشهواتها تجعل (أمل) تقبل على اللبس العاري الفاضح.
- ممارسة النمص الموجب للعن والطرد من رحمة الله مما يجرئ على معاصٍ أخرى.
- الاستهانة بالحجاب وغطاء الوجه.
- الاستهانة بالصلاة لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.(/1)
- القنوات الفضائية وما تعرضه مما يخل بالحياء والآداب، فتجعل تلك المناظر الفاضحة عادية في نظرها.
مات وشاح (أمل)!
تعددت الأسباب والموت واحد.
ولكن (أمل) لها من اسمها نصيب. أملي أن تعود وتتراجع..
(أمل)! تحسسي وشاحَك، أهو موجود؟ تمسكي به.
جميل أن نتمسك بالحياء مع مواكبة التطور في المجتمع من علم وعمل في مجالات مختلفة
وتكون المسلمة متواصية ملتزمة بحجابها وحيائها.
فهل تتوشح به؟!(/2)
العنوان: ما أحوجنا إلى الوسطية في هذا العالم المتطرف
رقم المقالة: 839
صاحب المقالة: خليل محمود الصمادي
-----------------------------------------
ما أحوجنا اليوم إلى نشر ثقافة الوسطية، ولا سيما في عصرنا هذا؛ لأن أعداء الإسلام دأبوا منذ مدة من الزمن على محاربة الإسلام، واتهامه بالتطرف حيناً، وبالتزمت أحياناً، وبالإرهاب دوماً، لا لشيء إلا لتنفير الناس منه، ويا للأسف! تكاد هذه الترهات تنطلي حتى على بعض المحسوبين على الإسلام والمسلمين، ويا للأسف مرة أخرى! عندما يجد أعداء الإسلام من يتخذ من التطبيق الخاطئ للإسلام شرعة ومنهاجاً، فيتذرعون بهذه المواقف، ويتفننون في إظهارها للناس في كافة وسائل الإعلام، في حين يطمسون فيه الصوت المعتدل، الذي يمثل غالب المسلمين، فكراً وسلوكاً وانتشاراً.
ولا شكَّ أنَّ الإسلام يتميز عن سائر الشعائر والمعتقدات بالوسطية والاعتدال، بل إن منهجه قائمٌ على هذه الصفة في كل مجالاته، والوسطية شعاره منذ أن أرسل الله الرسل بدين الحق، من لدن نوح - عليه السلام - إلى سيد المرسلين محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون الحق هم الأمة الوسط، والوسطية عند المسلمين هي الصراط المستقيم، وكذا هي الهداية والخيرية بلا شك، وقد عبر الله - سبحانه - عن ذلك بقوله: {وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا}[1]،وقوله: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[2].
ومن فضائل الإسلام أنه يدعو إلى الاقتصاد والاعتدال في التكاليف والأحكام، وذلك في نصوص شرعية صحيحة، لا تحتاج إلى تفسير أو تأويل، قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[3]، وقال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا}[4].(/1)
ثم إن المنهج الذي جاء به القرآن الكريم إلى الحياة البشرية قائم على الاعتدال، في كل ما دعا إليه وأمر به وحث عليه، وهو الحكم العدل؛ الذي إن تمسك به الناس سلموا وسعدوا ونجوا في الدنيا والآخرة، ولذا نجد للوسطية أثراً في كل حكم من أحكامه، وفي كل آية من آياته، ونلمس معانيها في مواضع لا تكاد تُحصى؛ لكثرتها، وتنوعها، وتكررها في المضامين المختلفة، من أوامرَ ونواهٍ، ومواعظ وزواجر، وأحكام وأخبار، ودعاء وطلب، وفقه وقصص، وتذكير وبيان.
وإنها لوسطية ناصعةٌ تشرق مع كل حرف في قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}[5].
وفي قوله تعالى: {وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}[6].
وإنها لدعوةٌ إلى الاعتدال ونبذ الغلو والتطرف في مواجهة الآخرين، حتى يتم تبليغ الرسالة على خير وجه، فتؤتي أكلها، دون إثارة أحقاد، وبعث ضغائن؛ تمحو جهد الداعية، وتؤدي إلى ردة فعل غير مرغوبة.
ولقد سيطرت فكرة الانفصام بين الروح والجسد على كثير من العقائد والفلسفات، وانبعث من هذا الانفصام جنوح شديد إلى أحدهما على حساب الآخر، فظهر اتجاهان بارزان: أحدهما أغرق وبالغ في حق الجسم، والآخر على النقيض من ذلك؛ كان كل اهتمامه في حق الروح[7].(/2)
فالذين أصبحت القيم المادية عندهم محور الحياة حوَّلوا الإنسان إلى آلة تتحرك، وقدَّسوا المحسوسات، وغرقوا في الشهوات، ولم يروا غير المنافع الدنيوية العاجلة، وهذا منهج النفعية المادية، الذي تمثل في المادية الماركسية، أو الرأسمالية المادية[8]، والذين رأوا الجسد سجناً للروح ابتدعوا رهبانية قاسية حرمت النفس من ملذات الحياة، وعزلتها عن الحياة، وكبتت غرائزها، كما قال تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ}[9].
وجاء الإسلام ليصحح المسألة، ويهدي الناس إلى أقوم السبل، وأعدل الطرق، الطريق الوسط؛ بين عبادة المادة ونسيان حق الروح، وبين إرهاق الروح ونسيان حق البدن، ليعطي كل ذي حق حقه، وفقاً لقوله تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}[10].
والرسول - صلى الله عليه وسلم - من وسط قومه، أي خيرهم وأفضلهم، وسيرته وسنته كلها قائمة على معنى الوسطية والاعتدال، في كل النواحي والمجالات؛ من عبادات، وشعائر، ومعاملات، وحُكم، وقضاء، وحدود، ومعاهدات، وحروب.. وغير ذلك[11].
وجاءت سيرته - صلى الله عليه وسلم - نموذجاً في الاعتدال، وثبت أنه ((ما خُيّرَ بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثماً))[12].(/3)
وقد روى أنس رضي الله عنه: (أنه جاء ثلاثة رهط إلى بيوت النبي - صلى الله عليه وسلم - يسألون عن عبادته، فلما أخبروا بها كأنهم تقالُّوها، وقالوا: أين نحن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد غُفِر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟! فقال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبداً، وقال الآخر: وأنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال الثالث: وأنا أعتزل النساء ولا أتزوج أبدًا، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟! أما والله، إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، ولكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني))[13].
وفي حديث آخر: (قال صلى الله عليه وسلم: ((وفي بُضْع أحدكم صدقة!)) قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟! قال: ((أرأيتم لو وضعها في حرام؛ أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر)) )[14].
والأمثلة كثيرة لوسطية الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أموره كلها، وقد تميزت حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - في جميع جوانبها بالاتزان والاعتدال، وكان مثلاً في تطبيق المنهج الوسط، الذي جاء به من عند الله سبحانه، حيث انعكس ذلك المنهج على تصرفاته وسلوكه القويم، فكانت حياته نبراسًا لأمته من بعده في التوازن والاعتدال.
وكان - صلى الله عليه وسلم - حريصاً على توجيه أصحابه إلى التوازن المقسط بين دينهم ودنياهم، وبين حظ أنفسهم وحق ربهم، وبين متعة البدن ونعيم الروح، فإذا رأى من بعضهم غلوًا في جانبٍ؛ قوّمه بالحكمة، وردّه إلى سواء الصراط.
وهكذا تعلم الصحابة أن يوازنوا بين مطالب دنياهم وآخرتهم، وأن يعملوا للدنيا كأحسن ما يعمل أهل الدنيا، ويعملوا للآخرة كأحسن ما يعمل أهل الآخرة[15].(/4)
وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القدوة في الاعتدال؛ حين طبَّق ذلك ليرى صحابته فعله ويقتدوا به؛ فعن جابر رضي الله عنه: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان، فصام حتى بلغ كراع الغميم، فصام الناس، ثم دعا بقدح من ماءٍ فرفعه، حتى نظر الناس إليه، ثم شرب، فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام، فقال: ((أولئك العصاة! أولئك العصاة!)). وفي رواية: فقيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام، وإنما ينظرون فيما فعلت، فدعا بقدحٍ من ماء بعد العصر)[16].
فهذا الحديث يبين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ترك الصيام في السفر؛ ليقدم القدوة لأصحابه، الذين شق عليهم الصيام، فأفطر ليفطروا، وسمى المخالفين له في إفطاره: عصاة؛ لأن الغلو في مثل هذه الأمور يؤدي إلى المعصية.
ومن هديه - صلى الله عليه وسلم - الاقتصاد في الموعظة، كما روى ذلك ابن مسعود رضي الله عنه: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخولنا بالموعظة في الأيام؛ كراهة السآمة علينا)، وبوَّب عليه البخاري باباً بعنوان: (ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتخولهم بالموعظة والعلم كي لا ينفروا)[17].
وقد أخذ ابن عباس - رضي الله عنهما - بهذا الأدب، فوجه عكرمة قائلاً: (حدث الناس كل جمعة، فإن أبيت فمرتين، فإن أكثرت فثلاث مرات، ولا تُمِلَّ الناس هذا القرآن)[18].
وأخذ أكثر الصحابة بهذا الهدي النبوي الشريف، وعملوا به. فعن أبي وائل قال: (كان عبد الله بن مسعود يذكِّر الناس في كل خميس، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن، لوددتُ أنك ذكرتنا كلَّ يوم، قال: أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم، وإني أتخوّلكم بالموعظة كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتخوّلنا بها مخافة السآمة علينا)[19].(/5)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: (دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - المسجد، فإذا حبلٌ ممدود بين الساريتين، فقال: ((ما هذا الحبل؟)) قالوا: هذا حبلٌ لزينب، فإذا فترت تعلقت به! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا! حُلُّوه، ليصلِّ أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليقعد)))[20].
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: (بينما النبي - صلى الله عليه وسلم – يخطب؛ إذا هو برجل قائم، فسأل عنه، فقالوا: أبو إسرائيل، نذر أن يقوم في الشمس ولا يقعد، ولا يستظل ولا يتكلم، ويصوم! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مروه فليتكلم، وليستظل، وليقعد، وليتم صومه)) )[21].
ولم يكن - صلى الله عليه وسلم - يقبل من أصحابه أي نوع من الغلو والتطرف والغلظة في المعاملة، حيث وردت في سيرته مواقف عدة تبين هذا، ومنها الموقف مع ذلك الرجل الذي بال في المسجد فثار عليه الصحابة، وكادوا يوقعون به! فنهاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن زجره، وقال: ((دعوه! وأهريقوا على بوله ذَنوبًا من ماء – أو: سَجْلاً - فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين))[22].
ويقول ابن حجر العسقلاني معلقاً ًعلى هذه الأحاديث: (وفي هذه الأحاديث: أن الغلو ومجاوزة القصد في العبادة وغيرها مذموم، وأن المحمود من ذلك ما أمكنت المواظبة معه، وأمن صاحبه العُجْب، وغيرَه من المهلكات)[23].
وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول عن نفسه: ((إن الله لم يبعثني معنتاً، ولا متعنتاً، ولكن بعثني معلماً ميسراً))[24].
وكان يراعي أحوال المأمومين في الصلاة، فمنهم العاجز الكبير الذي لا يقوى على الوقوف طويلاً، والأم التي تركت صغارًا وبالها مشغول، والصغير الذي يمل الإطالة في الوقوف أو الجلوس، ولذلك كان يقول: ((إني لأقوم في الصلاة أريد أن أُطَوِّلَ فيها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوّز في صلاتي؛ كراهية أن أشق على أمه))[25].(/6)
وكان - صلى الله عليه وسلم - يغضب ممن يطيل بالناس في الصلاة، ويَعُدُّهم مُنَفِّرين، أو فتَّانين، وذلك ليتشربوا منه خلق التيسير، وقد روى ابن مسعود: (أن رجلاً قال: يا رسول الله، إني لأتأخر عن الصلاة في الفجر مما يطيل بنا فلان فيها! فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما رأيته غضب في موضع كان أشدَّ غضبا منه يومئذٍ، ثم قال: ((يا أيُّها الناس، إن منكم منفِّرين، فمن أمَّ الناس فليتجوَّز، فإن خلفه الضعيف والكبير وذا الحاجة)) )[26].
لو تأملنا حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - في مختلف جوانبها لوجدناها تفيض بالوسطية والاعتدال، في كل أحوالها، ونستطيع أن نستخلص منها منهجًا معتدلاً في كل الجوانب الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والثقافية، وغيرها.
وإنَّ الظروف الحاضرة لا تساعد على الشطط في الطلب، ولا تقبل التقلب والتردد، فإذا كان التوسط في الأمور عمل الأنبياء؛ فإننا بحاجة إلى التوسط في كل عمل نقوم به، سواء العمل للدنيا أو العمل للآخرة، اقتداءً بهم وسيراً على نهجهم.
هذه وسطية الإسلام، فلا إيغال في الروح، ولا نسيان لحق الجسم! بل وسطية واعتدال؛ لا تحرم على النفس الطيبات، ولا تطلق يدها في الملذات، فما (ذهب إليه الإسلام من الجمع بين حق الروح وهو العبادة، وحق البدن وهو متطلباته؛ هو ما يوافق الفطرة السليمة)[27].
وتعد الوسطية في كل الأمور من أهم مزايا المنهج الإسلامي، والأمة الإسلامية هي الأمة الوسط، بمعنى استغلال جميع طاقاتها وجهودها في البناء والعمران، المادي، والتربوي، والعلمي، والثقافي، من غير إفراط ولا تفريط، فهي تحقق التوازن بين الفرد والجماعة، وبين الدين والدنيا، وبين العقل والقوة، وبين المثالية والواقعية، وبين الروحانية والمادية، وغيرها.(/7)
يقول الشيخ محمد عبده: (لقد ظهر الإسلام لا روحياً مجرداً، ولا جسدياً جامداً، بل إنسانياً وسطاً بين ذلك، يأخذ من كلٍ بنصيب، فتوافرت له من ملاءمة الفطرة البشرية ما لم يتوافر لغيره.. ولذلك سمي: دين الفطرة)[28].
ويقول (هاملتون جب): (أؤمن بأن الإسلام لا تزال له رسالة يؤديها إلى الإنسانية جمعاء، إذ يقف وسطاً بين الشرق والغرب، وإنه أثبت - أكثر مما أثبت أي نظامٍ سواه - مقدرةً على التوفيق والتأليف بين الأجناس المختلفة، فإذا لم يكن بدٌّ من وسيطٍ يسوي ما بين الشرق والغرب من نزاعٍ وخصام؛ فهذا الوسيط هو الإسلام)[29].
ولكن أين الغرب اليوم مما قاله (هاملتون جب)؟ لقد اتخذ الغرب ووسائل إعلامه من بعض التفجيرات، التي ربما يكون أكثرها صناعة استخبارات عالمية، أو من بعض الأفكار المنحرفة، أو من الممارسات الخاطئة؛ نماذجَ براقةً يغرسونها - في كل مناسبة وغير مناسبة - في ذهن المشاهد الغربي؛ حتى يقترن الإسلام في ذهنه بالإرهاب، حتى غدا المسلم في الإعلام الغربي نموذجاً للذي لا تعرف البشاشة طريقاً إلى وجهه، والذي يعامل الناس بفظاظة، الناقمِ على الناس والمجتمع، أو الغارقِ في البحث عن شهوة النساء المباحة، أو المتفتح إلى أبعد الحدود على الغرب بما فيه من نساء وشراب وقمار، والهارب من ظلم مجتمعه.
أما المسلم المعتدل فلا وجود له في آلة الإعلام الغربية، لا ضيفاً في البرامج الحوارية، ولا معلقاً على ما يحدث، ولا كاتباً في صحفهم! وكم من داعية مسلم معتدل اشتكى من تجاهل الإعلام له، في حين كانت فضائياتهم وصحفهم وإذاعاتهم تعج بأخبار التطرف والإرهاب، ومن يدافع عنهم من المسلمين!!(/8)
وما أحوجنا اليوم إلى نشر ثقافة الوسطية والاعتدال، على مستوى العالم كله؛ حتى نبين للناس مزايا الدين الإسلامي؛ من أجل تصحيح النمط الخاطئ، الذي كاد أن يلصق بالإسلام من غير دراية. فالغربي الذي يريد أن يدخل في الإسلام تهمه الوسطية، وربما يكون يبحث عنها بعد أن ملَّ من النظام المادي البحت، أو هرب من الرهبانية التي يراها أمامه!
وعلى دعاة الإسلام النهوض بهذه الأعباء، ولا سيما في عصر الفضاء المفتوح، والشبكة العنكبوتية، وعليهم الوقوف أمام آلة الإعلام الغربية الجبارة، التي تكيد للإسلام وأهله؛ لتصحيح الصور الخاطئة عن الإسلام، التي أصبحت - بلا شك - مادة دسمة في إعلام اليوم، قد يساهم في صناعتها بعض المسلمين، إما عن حسن نية، أو عن فهم خاطئ للإسلام!
ـــــــــــــــــــــــ
[1] سورة الفتح: الآية 2.
[2] سورة الشورى: الآية 52.
[3] سورة البقرة: الآية 185.
[4] سورة النساء: الآية 28.
[5] سورة النحل: الآية 125.
[6] سورة فصلت: الآية 34.
[7] الزيد، زيد بن عبدالكريم: الوسطية في الإسلام، تعريف وتطبيق، الرياض، ط2، (1412هـ)، دار العاصمة، ص 38.
[8] انظر عمر الخطيب: لمحات في الثقافة الإسلامية، بيروت، مؤسسة الرسالة، ط2، 1397ه، ص364.
[9] سورة الحديد: الآية 27.
[10] الزيد: الوسطية في الإسلام، ص45، والآية 77 من سورة القصص.
[11] انظر: ابن حميد، صالح بن عبد الله: الوسطية في الإسلام، المجلة العربية، رمضان 1415 هـ.
[12] البخاري: الجامع الصحيح، كتاب الأدب، رقم 6126، ومسلم: الصحيح 15/ 83.
[13] البخاري: الجامع الصحيح، كتاب النكاح 9/104 برقم 5063.
[14] مسلم: الصحيح، كتاب الزكاة برقم 1006.
[15] انظر: القرضاوي، يوسف: الخصائص العامة للإسلام، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط3، (1405هـ)، ص144-145.
[16] مسلم: صحيح مسلم، باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية، حديث رقم (2610) و (2611).(/9)
[17] الجامع الصحيح 1/162 برقم 68.
[18] البخاري: الجامع الصحيح 11/138 برقم 6337 باب ما يكره من السجع في الدعاء.
[19] البخاري: الجامع الصحيح 1/163 برقم 70، باب من جعل لأهل العلم أيامًا معلومة.
[20] البخاري: الجامع الصحيح، باب ما يكره من التشديد في العبادة 3/36 برقم 1150.
[21] البخاري: الجامع الصحيح، كتاب الأيمان والنذور، باب النذر فيما لا يملك وفي معصية، برقم (6704).
[22] البخاري: الجامع الصحيح كتاب الأدب، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم يسروا ولا تعسروا برقم (6128) و(فتح الباري 10/524).
[23] فتح الباري 10/526.
[24] مسلم: كتاب الطلاق، باب 4، الحديث (29-1478) (2/1105).
[25] البخاري: الصحيح 2/201 باب من أخف الصلاة عند بكاء الصبي برقم 707. في موسوعة الحديث الشريف.
[26] المصدر نفسه، 2/200 برقم 704.
[27] الزيد: الوسطية في الإسلام، ص50.
[28] القراوي، مطلق: المنهج الإسلامي، الوعي الإسلامي، العدد 391، ربيع الأول، (1419هـ)، ص49.
[29] العمار، حمد: أساليب الدعوة الإسلامية، دار إشبيلية، الرياض ط3، (1418هـ)، ص189.(/10)
العنوان: ما السبيل إلى حياة أفضل؟
رقم المقالة: 1728
صاحب المقالة: د. مصطفى حلمي
-----------------------------------------
ما السبيل إلى حياة أفضل؟
" توجيهات شيخ الإسلام ابن تيميَّة في تزكية النفس، وتحسين الأخلاق، وإصلاح المجتمع"
الوحي الإلهي هو المنقذ؛ وليس الفكر الإنساني
الدين مصدر الإلزام الخلقي والأحكام الشرعية
النفس سعادتها وشقاؤها
أفضل النِّعَم التي تتم بها السعادة هي نعمة الإيمان
ضرورة الصدق وإخلاص النية في أعمال الدين والدنيا
أنواع الأعمال وكيف نختارها
محاسن الأخلاق
تمهيد:
بعد الانتهاء من شرح العقيدة الإسلامية، وبيان معالمها ومشتملاتها، يحسُن بنا سلوك الطريق العملي نحو الحياة الإسلامية، الجديرة بأن نحياها كمسلمين، نتحرَّى فيها الصدق مع النفس التزامًا بأوامر الله – تعالى - ونواهيه، باذلين الوُسع ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً؛ سعيًا وراء الحياة الأفضل فالأفضل، لأنفسنا ولمجتمعاتنا، ولأمتنا.
وكنا قد أشرنا في مقدمة الطبعة الأولى إلى علة اهتمامنا بشيخ الإسلام؛ حيث يتميَّز بسلامة المنهج، ووضوح الأفكار، والاستناد إلى الحجج والأدلة، فضلاً عن إحاطته العميقة بتفسير القرآن الكريم، ودرايته الواسعة الدقيقة بالأحاديث النبوية، والاستناد في اجتهاداته وآرائه ومواقفه إلى النصوص الشرعية.
وما الاستفادة بتراث علمائنا إلا بإذاعتها، ونشرها على نطاق واسع، ووضعها موضع التنفيذ - لا فرق بين السابق والمعاصر - لأننا نَوَدُّ الاستفادة من آرائهم في حل مشكلاتنا المعاصرة؛ لأن البعث الحضاريَّ الإسلاميَّ يأتي أولاً بتغيير النفس وتزكيتها، ومعرفة ذاتيَّة الأُمَّة ودَوْرها، وما حيلتنا إذا كان القاسم المشترك الأعظم في حضارَتِنا الإسلاميَّة أنَّها نَشَأَتْ وتَرَعْرَعَتْ بين يديِ الدين؛ بعقيدته وشريعته وقيمه؟ وهي في إحيائها واستمرارها لن تقوم إلا وَفْق هذا القانون.(/1)
أما العناية بالخِطط والمناهج والأهداف بغير تربية الإنسان وتعديل السلوك؛ فإنها جهود ضائعة تَذْرُوها الرياح..!! فهل نطمع في إقناع القادة والساسة وأصحاب الرأي والقلم بضرورة الاهتمام بفرعَيْ هذا الطريق معًا، وبنفس القدْر من العناية والاهتمام؟
ولا يَصدر رأينا هذا منَ استهانة بقدْر الخِطط والبرامج؛ بل نرى أنَّنا أشدُّ ما نكون حاجةً إلى التخطيط العلميّ، ومتابعة التنفيذ العمليّ بدقة وحزم، ونأمل أن نرى أُمتنا وفقًا لهذا التخطيط المحكَم، تتسابق مع غيرها في عصر الفضاء والكمبيوتر.
ولكن الإعداد النفسي والعلمي، ومخاطبة عقول الناس بالإقناع، وحَثُّهم على المنافسة في تحقيق الأهداف ـ: كل هذه الوسائل لا بد أن تكون ملازِمة ومصاحِبة للخِطَط النظريَّة؛ إذ ما جدواها بغير رجال مقتنعين بجدواها، ومؤمنين بأهدافها؟! بحيث تجمعهم عقيدة راسخة وإيمان قويٍّ؟!
وكانت كتابات الشيخ في أغلبها فتاوى واجتهاداتٍ؛ للرد على أسئلة واستفسارات المسلمين حينذاك، ومن ثَمَّ فإنَّ إجاباتِهِ توضح مشكلات عصره، مقترنةً بالتجارِب التي خاضها، وربما تُشبِه - في ملامحها العامَّة - ما نُعانيه الآن؛ إذ قام بتنقية الدين مما شابَهُ من البدع الاعتقاديَّة والعباديَّة، وحارب مظاهر الفساد والظلم المتفشية في المجتمع، وجاهد في سبيل الله لصَدّ الهجمات (الاستعمارية) التخريبية للتتار، وبرهن على عجز الفِكْر الفلسفي - في منابذته لحقائق الوحي الإلهيِّ - لتحقيق الحياة السعيدة للإنسان، فإنَّ شرع الله تعالى هو الكفيل وحدَهُ بتحقيق هذه الحياة؛ لأن الله تعالى هو خالق الإنسان، وهو الأعلم به.
ونعتقد أنَّنا إِزاءَ الاتِّجاهات الفلسفيَّة، وآثار القوانين الوضعية على الفرد والمجتمع، ومشكلات الحضارة المادية، والتَّنافُس على حياة الرفاهية، ونسيان الغرض الأصليّ الذي خلقنا من أجله، نعتقد أنَّ استنباطاتِهِ للنصوص تَكْفُل لنا الرؤية وسْطَ هذا الضباب القاتم.(/2)
وعملاً باستنباطاته للقرآن والحديث، فإنَّهُ يُوَجّهنا - نحن المعاصرين - لبداية القرن الخامسَ عَشَرَ الهجريَّ أيضًا - لكي نستمدّ منهما تصوراتِنا الصحيحةَ، فتَسْلَمَ عقيدتنا، ونأمل في حسن المصير من جهة، كما ترفعنا إلى قمم قلاع المقاومة؛ فنقف في وجه الطوفان المدمر للغزو، الذي بدأ منذ نحو قرن مضى، وما زال مستمرًّا.
إنه فعلاً طوفان مدمر بلا أدنى مبالغة، وإذا طالبَنا القارئُ بالدليل، فإليه رأي الفيلسوف المسلم "رجاء جارودي"، الذي يشفق على الشخصية الإنسانية أمام طغيان الأجهزة الحديثة، التي حوَّلت الإنسان إلى مجرد ألعوبة في يدها؛ تشكله كيف تشاء؛ إذ يقول: "إنَّ القوَّة المخيفة ليس فقط للوسائل الجماهيرية في نشر الثقافة؛ من صحافة وإعلان وإذاعة وتليفزيون وسينما؛ بل قوة الأجهزة التي تدير تلك الوسائل؛ بهدف إخضاع سلوك الأفراد لأغراض اقتصادية وأخلاقية وسياسية، خلقت وضعًا واقعيًّا، أصبح فيه أكثر جوانب سلوك الأفراد ظهورًا هو خضوعهم لمخططات بنيانية، وذلك ابتداء من المونتاج الإعلاني لردود الفعل المشروطة، حتى كليشيهات المناظر العاطفية، مارِّين بردود الفعل السياسية عند الجماهير، تلك الردود المتبلورة في صيغ، أعدت إعدادًا مسبقًا"[1].
الوحي الإلهي هو المنقذ؛ وليس الفكر الإنساني:
كان نقد ابن تيميَّة يمثل أحد الأسلحة لحماية ذاتية الأمة في مواجهة الثقافة اليونانية، وصدها ومنع تسربها للمسلمين، وكان هذا دأب علماء السُّنة، وينبغي أن يستمر؛ كدور أساسي لعلمائنا في معركة الصراع بين الغرب الأوروبي والشرق الإسلامي، استمساكًا بمنبع الإسلام: الكتاب والسُّنة.(/3)
والمنهج لا يحتاج إلى إعادة شرح؛ فإن استدلال الشيخ بالكتاب والسُّنة من الوضوح بحيث يكاد يختفي هو نفسه وراء الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي يستنبطها، كل ما فعله هو أنه يذكرنا بها؛ إذ قدمها لنا في صورة نسق متكامل، يتناول الإنسان: نفسه وإرادته ومصيره وما يسعده وما يشقيه، ولا يكتفي بالتفسير؛ بل يحرك الإنسان بتذكيره بالوعد والوعيد، ويحذر من المهالك على طريق الحياة، مبيِّنًا صلة الاعتقادات بالأعمال، ودور العبادات في إصلاح النفس، وكيف تحقق السعادة والطمأنينة النفسية، وإصلاح المجتمع بتطبيق شريعة الله، يظهر الصبغة العملية الواضحة في الإسلام: أنه دين (حركي ارتقائي)، يصعد بالإنسان قدمًا؛ ليصل إلى مرتبة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
نقده للفكر الفلسفي[2]:
تنبَّه شيخ الإسلام إلى عجز الفكر الفلسفي عن تحقيق السعادة للإنسان في حياته الراهنة، فضلاً عن الحياة الآخرة، وأظهر ما يتضمَّنه الكتاب والسُّنة من نصوص عن الإنسان وماهيته، وسعيه الحثيث إلى تحقيق المنافع والملذَّات، واجتنابه ما يجلب الأضرار والآلام.
وكان ابن تيميَّة معارضًا لآراء الفلاسفة العمليَّة الأخلاقية أيضًا، وخلاصة المآخذ التي وجَّهَها إلى الفلاسفة اليونان - ومَن تبعهم من المسلمين - أن ما ذكروه من العمل لا يخضع لقواعد ملزمة، وإنما متعلق بالندب، أي اختيارًا لا إلزامًا، كما أنهم لم يثبتوا خاصية للنفس، وهي محبة الله تعالى وتوحيده؛ بل لم يعرفوا كمال تلك النفس، أضف إلى ذلك أن علمهم بالله تعالى قليل، مشتمل على كثير من الباطل، بينما يتحقق كمال النفس في العلم والإرادة معًا؛ العلم بالله تعالى وإرادة مرضاته، وابتغاء وجهه عز وجل.
إنه بهذا التحليل لا يوجه نقده للفكر الفلسفي اليوناني فحسب؛ بل للفكر الفلسفي عامة؛ لأن ظواهر القصور في هذا الفكر ما زالت قائمة، ويسجلها الباحثون والكُتَّاب، ويلحظها الفلاسفة الغربيون أنفسهم.(/4)
يصف "كولن ولسن" النقطة التي وصل إليها تفكير القرن العشرين بقوله: "من المتوقع أن تصف الأجيال الآتية النصف الأول من هذا القرن بأنه عصر اللا معنى، ففِقْدان المعنى والهدف يجثم على أدبنا وفننا وفلسفتنا، هذا الشعور العامّ بأن التأكيدات التي يمنحها الدين قد ضاعت، ولا يُمْكِنُنا استبدالها، فتحليل العلم للمشكلات العلمية يَزيد في اتساع هوة الفراغ المؤلم، ومن خلال هذا تبدو الثقافة الغربية تعاني الانهيار والانتكاس لما لا يقلّ عن مائة سنة، إذ إن الأمر ليس إلا مسألة تفكير في معرفة المدة التي تستمر فيها قبل أن يلتهمها الإفلاس الماحق"[3].
ولنَعُدْ لنقد شيخ الإسلام التفصيلي لفلاسفة اليونان، ومَن تبعهم:
إن القصور يرجع إلى ثلاثة أسباب:
الأول: أنَّ الحكمة النظرية - أو الفلسفة عندهم - وهي أصل العمل، لا تتضمن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وهو العلم الذي تهتدي به النفوس.
الثاني: أن الحكمة العملية لا تتضمن الأعمال، التي تسعد بها النفوس الإنسانية، وتنجو من عذاب الله تعالى.
الثالث: أن غاية الحدّ الأوسط - عند أرسطو ومَن سار على دربه - هو تعديل الشهوة والغضب بالعفَّة والحِلم؛ أي إن مقصودهم تركُ الإسراف فيهما، أضف إلى ذلك أنَّ الفلاسفة لم يضعوا حدًّا فاصلاً قاطعًا بين ما تَحصل به النجاة والسعادة، وما يسبب الشقاء والعذاب، بينما فعل ذلك الرسل والأنبياء؛ حيث بيَّنوه وأوضحوه، وقد قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33].
ويظهر من هذه الآية التحريمُ المطلق بلا إباحة لأحد من الخلق بأي حال من الأحوال، بخلاف الميتة والدم ولحم الخنزير وغير ذلك؛ فإنه يحرم في حال ويباح في حال.(/5)
ولكي يتبين التفسير الصحيح لهذه الآية: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]. يقارن ابن تيميَّة بينها وبين آيات أخرى تتضمن لام التعليل؛ كقوله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185]، وقوله: {كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [الحج: 37]، وقوله: {ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المائدة: 97]، وقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [النساء: 64]، فهو سبحانه لم يرسله إلا ليطاع، ثم قد يطاع وقد يُعصى، وكذلك ما خلقهم إلا للعبادة، ثم قد يَعبدون أو لا يَعبدون، فلم يذكر سبحانه وتعالى أنه خلقهم ليجعلهم هم عابدين، ولكن ذكر أنه فعل:
الأول: أي الخلق؛ ليفعلوا هم.
الثَّاني: أي العبادة، فيكونون هم الفاعلين لها، فيحصل بفِعْلِهِمْ سَعَادَتُهم وما يُحِبُّه ويرضاه لهم؛ إِذْ إِنَّ كُلَّ ما خلقه وأَمَرَ بِهِ غايتُه محبوبةٌ لله ولعباده، وفيه حكمة له، وفيه رحمة لعباده[4].
الدين مصدر الإلزام الخلقي والأحكام الشرعية:
والتعليل للتحريم المطلق يرجع في رأي ابن تيميَّة إلى أن الفواحش متعلقة بالشهوة، والبغي بغير الحق يتصل بالغضب، والشرك بالله فساد في أصل العدل، فالشرك ظلم عظيم، وفساد العلم يرتبط بالقول على الله بغير علم، وهكذا حرَّم سبحانه وتعالى هذه الأربعة؛ (وهي فساد الشهوة والغضب، وفساد العدل والعلم)، ويظهر لنا مما تقدم أنه يهتم باستخراج القواعد الأخلاقية، التي تنظم سلوك الإنسان، وأنه يخضع هذا السلوك لنظام محدد، استخلصه من القرآن الحكيم.(/6)
إذا اخترنا تعريف (سدجويك) للأخلاق بأنها مجموعة قوانين شرعها للناس إلهٌ[5]، فإننا نجد هذا المفهوم أكثر دقة وتفصيلاً عند الشيخ السلفي؛ إذ أوضح أن رسالة الرسل والأنبياء جميعًا جاءت بأمر عبادة الله سبحانه وحدَهُ في مثل قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]، وقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25]، وقوله - لمَّا ذكر قَصص الأنبياء -: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ * وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ} [الأنبياء: 92 - 93]، وقوله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56].(/7)
نفهم من هذه الآيات وغيرها، أن الغاية التي تتم بها سعادة البشر ونجاتهم، هي عبادة الله وحده؛ حيث أرسل الرسل والكتب لهذه الغاية، فلا تصلح النفوس وتزكو إلا بها، ويفسر ابن تيميَّة قوله تعالى: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت: 6 - 7]، بأنهم لا يؤتون ما تزكو به نفوسهم من التوحيد والإيمان، ومن ثَمَّ فإنهم يستحقون العذاب؛ لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]، وفي هذا الأمر تتفق رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - مع رسالتَيْ موسى وعيسى عليهما السلام؛ حيثُ وَرَدَتْ أوَّلَ الوصايا العشر، التي أنزلها الله على موسى، حيث قال له: " أنا الله لا إله إلا أنا، إلهك الذي أخرجتك من أرض مصر"، وقد شهد المسيح - عليه السلام - أن هذه هي أعظم وصية في الناموس، وهكذا اتَّفقت كثير من الكتب الإلهية على عبادة الله وحده، فلا نجاة للنفس الإنسانية ولا سعادة ولا كمال إلا بأنْ يَكُونَ الله معبودَها ومحبوبَها، الذي لا أحبَّ إليها منه[6].
وقد أخبر الله تعالى في غير موضع من القرآن عن الرسول، أنه يتلو عليهم آياته، ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وتفسير هذه الآيات أنه بتلاوتها يحصل العلم؛ لأن الآيات هي الدَّلالات والعلامات؛ أي إنها تدلهم على المطلوب من تصديق الرسول فيما أخبر به "وأما التزكية فهي تحصل بطاعته فيما يأمرهم به؛ من عبادة الله وحده وطاعته، فالتزكية تكون بطاعة أمره"[7].
مفهوم الدين إذن له شقان:
أحدهما: هو تزكية النفس بعبادة الله وحده.(/8)
والثاني: الطاعة فيما أمر به الله سبحانه، فجِماع الدين أمر ونَهْي[8]، وقد وردت الآيات التي تصف محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بأنه {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157]، ومنها يظهر كمال رسالته؛ "فإنه - صلى الله عليه وسلم - هو الذي أمر الله على لسانه بكل معروف، ونهى عن كل منكر، وأحل كل طيب، وحرم كل خبيث"[9]. وجاءت الحدود والعقوبات داعية إلى فعل الواجبات وترك الحرمات، ولم تفسد أمور كثيرة من الناس إلا بسبب تعطيل الحدود الشرعية[10].
وساق ابن تيميَّة الحديثَيْنِ الدالَّيْنِ على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم:
أحدهما: ((إنما بعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق)).
والثاني: ((مَثَلي ومَثَل الأنبياء كمَثَل رجل بنى دارًا فأتمها وأكملها إلا موضع لَبِنَة، فكان الناس يطوفون بها ويعجبون من حسنها، ويقولون لولا موضع اللَّبِنَة؟! فأنا تلك اللَّبِنَة)).(/9)
أما الرسل قبله، فقد كان الله تعالى يُحرِّم على أممهم بعض الطيِّبات؛ كما قال: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} [النساء: 160]، وكما قال: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ} [آل عمران: 93]، فربما لم يُحرِّم عليهم جميع الخبائث، وقد أكمل الله تعالى الدين للأمة الإسلامية بقوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3] وجعل ميزة هذه الأُمَّة الأمرَ بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فوصفها بما وصف بها نبيها؛ إذ لم يتم الأمر بجميع المعروف والنهي عن كل منكر؛ إلا بوساطة الرسول "الذي تمَّم الله به مكارم الأخلاق المتدرّجة في المعروف"[11].
ويهتم ابن تيميَّة بتفاصيل العقوبات الشرعية؛ إذ لا يتم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا بها، فيوضح الحدود التي يقيمها ولاة الأمور؛ لأنَّ الله يَزَعُ بالسلطان ما لا يزع بالقرآن[12].
إنَّ تطبيق شرع الله تعالى إذن هو ضرورة أخلاقية، وضرورة اجتماعيَّة، ويتَّضح من كلّ ما تقدَّم أنَّ مجموعة الأحكام الشرعية المتدرِّجة تحت مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لها صفة الإلزام، ولهذا فَقَدْ شُرِعتِ العقوباتُ داعيةً إلى فِعْلِ الواجبات، وتَرْكِ المُحَرَّمات[13].(/10)
ولئنْ كان الثوابُ والعقابُ من جنس العمل في قَدَر الله، فإنَّ من عَدْلِه سبحانه الذي تقوم به السماء والأرض أن يكون ذلك في شَرْعِه أيضًا "ولهذا شرع قطع يد المحارب ورِجْله، وشرع القصاص في الدماء والأموال"[14]؛ بل إنَّه ينْبَغِي حسْمُ مادَّة الشَّرّ والمعصية وسدُّ ذريعته، مثال ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يخلُوَنَّ الرجل بامرأة، فإنَّ الشيطانَ ثالِثُهما))، وَنَهى عنِ الخلوة بأجنبيّة، والسفرِ بها؛ لأنَّه ذريعةٌ إلى الشَّرّ، وقد تقيَّد الخلفاء الراشدون بهذه القواعد وطبَّقوها[15].
ونرى أنَّ ابنَ تيميَّة يتَّخذ موقفا سليمًا في رده الإلزام في القوانين الأخلاقية إلى إرادة الله وأحكامه المطلقة، ودور العقوبات الشرعية في إصلاح المجتمعات.
الإنسان بين رغباته الحسيَّة وإِرَادَتِه:
يُعَرّف ابن تيميَّة الإنسانَ بأنَّهُ: "حيٌّ، حسَّاس، متحرّك بالإرادة"[16] فله إرادة دائمًا، أمَّا الغاية من هذه الإرادة فَهِيَ: إمَّا المال، وإمَّا الجاه، وإمَّا محبَّة الرجل للمرأة، وإما محبتها للرجل، وإما غير ذلك من الأمور المطلوبة في الدنيا، أمَّا كمال الإنسان فيتحقق في أن يكون مراده هو اللهَ سبحانه، فيصبح منتهى حبه فتتحقق له العزة؛ لأنَّ من لم يكن عبدًا لله، فلا بد من أن يصبح عبدًا لغيره من أنواع المحبوبات التي تستعبده[17].(/11)
ولهذا كان المَثَل الأعلى الذي ينبغِي أن يسير بمقتضاه سلوك الإنسان المؤمن، أن يكون مراده هو الإلهَ "الذي يستحق أن يكون محبوبًا لذاته، وهذا هو العلة الغائية، الذي هو علةٌ فاعلة للعلة الفاعلة"[18] إنَّنا نراه هُنَا يردّ أخلاقيَّة الفعل إلى النتائج والآثار، وإلى البواعث أيضًا، فالنفوس في حاجة إلى الله؛ من حيثُ هو معبودُها ومحبوبها ومنتهى مرادها، ومن حيث هو ربها وخالقها[19]؛ فالباعث على السلوك هو محبة الله جل شأنه، أما الهدف فهو أن يُراد بالأعمال وجه الله، وقد جاء الحديث يؤيد هذا المعنى في قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((إن أوَّل ثلاثة تُسجر بهم جهنم: رجل طلب العلم وعلَّمه، وقرأ القرآن وأقرأه؛ ليقول الناس هو عالم وقارئ، ورجل قاتَلَ وجاهَدَ؛ ليقول الناس هو شجاع وجريء، ورجل تصدَّق وأعطى؛ ليقول الناس هو جواد سخي))، إن هؤلاء الثلاثة الذين يبتغون الرياء والسمعة، يقِفون على طرف النقيض من أولئك الذين جعلوا أعمالهم ابتغاء مرضاة الله وحده، فكانوا على القِمَّة من حيث الأفعالُ الأخلاقيَّةُ كما يريدها الإسلام، حيث أوردهم الله سبحانه بعد النبيين في المرتبة، وهم الصديقون والشهداء والصالحون "فإنَّ مَن تعلَّم العلم الذي بعث اللهُ به رسلَه، وعلَّمه لوجه الله كان صدِّيقًا، ومَن قاتَلَ لتكون كلمة الله هي العليا، وقُتل كان شهيدًا، ومَن تصدق يبتغي بذلك وجه الله كان صالحًا"[20].
فالإنسان إذن له إرادة، وعَمَل بهذه الإرادة، وإذا كان يستهدف بإرادته طَلَبَ اللذَّة في المأكولات والمشروبات، وما تشتهيه الأنفس بما أحلَّ الله، فهذه كلها من قبيل نِعَم الله على عباده، فقد تعرَّف الله سبحانه إلى عبده بالنِّعَم؛ ليَشْكُرَه منذ ولادته طفلاً، فالحياة نعمة، وإدراك اللذات نعمة "وأما الإيمان فهو أعظم النِّعم، وبه تتم النِّعم"[21].(/12)
وإذا كان لفظ العبودية يتضمن كمال الذل والحب، فإن حب العبد لربه يحرك إرادة القلب، وبقدر هذه المحبة يقدم الإنسان على فِعْل ما يُرضي الله "فإذا كانت المحبة تامة، استلزمت إرادة جازمة في حصول المحبوبات"[22]:
ويضرب ابن تيميَّة على ذلك مَثَلاً بالجهاد؛ الذي هو بذل ما في وسع المؤمن وقدرته في تنفيذ ما يحبه الله، ودفع ما يكرهه، والمحب لله ولرسوله يحتمل أكثر من غيره ممن يطلبون أغراضًا أخرى؛ كطلب الرياسة أو المال أو أمور أخرى، قد تجلب لهم ضررًا، ويسلكون طرقًا متعددة للحصول على مطلوباتهم، ومن ثَمَّ يخضعون لهذه الرغبات والأهواء، بينما المؤمن أشد حبًّا لله؛ كما وصفه الله تعالى بقوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: 165]، وهنا يقول ابن تيميَّة: "إذا تبيَّن هذا، فكلما ازداد القلب حبًّا لله، ازداد له عبودية وحريَّة عما سواه، وكلما ازداد له عبودية، ازداد له حبًّا وحرية عما سواه"[23].
ولكنه يضع شرطًا لهذه المحبة؛ حتى يصبح سلوك الفرد بما يَرضى اللهُ؛ لأنه إذا ضَعُف العقل، وقلَّ العلم بالدين، وفي النفس محبة انبسطت النفس بحقها؛ فتقع في الرذائل[24]، ولهذا فإنَّه يقرن نجاة من عقاب، مستشْهِدًا بِقَوْلِ مَن قال مِن السلف: "مَن عَبَدَ الله بِالحُبّ وحده فهو زنديق، ومَن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومَن عبَده بالخوف وحده فهو حروري - أي كالخوارج - ومَن عَبَدَه بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن"[25].(/13)
ومع هذا تبقى المحبة أصلاً لكل عمل ديني؛ حيث يرجع إليها الخوف والرجاء، والدليل على ذلك الآيات القرآنية، التي تتناول الرجاء والخوف: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} [الإسراء: 57] فإنَّ "الراجيَ الطامع إنَّما يطمع فيما يحبه؛ لا فيما يبغضه، والخائف يفر من الخوف لينال المحبوب"[26].
النفس سعادتها وشقاؤها:
للنفس قوَّتان: القوَّة العلمية، والقوة العملية[27]، كما أنَّ لها نوعين من الحياة: إحداهما: طبيعيَّة كحياة البهائم، وهِيَ ليْسَتِ الحياةَ الكاملة النافعة التي خُلق لأجلها الإنسانُ، والثانية: الحياة الكاملة النافعة، أي ما ينتفع به الحيُّ؛ لأنَّهُ لا بدَّ له من لذَّة يريدها، أو أَلَمٍ يَتَجَنَّبُه.
والنَّفْسُ بطبيعتها متحوِّلة، فهي حية، والإرادة والحركة الإرادية من لوازم الحياة، والإرادة والعمل من لوازم ذاتها "فإذا هداها الله علَّمَها ما ينفعها وما يضرها، فأرادت ما ينفعها، وتركت ما يضرها"[28].
وقد تفضل الله سبحانه على بني آدم بأمرين هما أصل السعادة: الفطرة، والهداية العامة.
ففيما يتعلق بالفطرة يأتي ابن تيميَّة بتفسيره للآية: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 172]، وقوله - تعالى -: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [الروم: 30].
وكذلك الحديثانِ:
قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((كلّ مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه)).(/14)
وقوله: ((يقول الله – تعالى -: خلقتُ عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين، وحرَّمتْ عليهِمْ ما أَحْلَلْتُ لهم، وأمرتْهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانًا))[29].
ويستخلص ابْنُ تيميَّة من ذلك أن النفس إذا تُركتْ بفطرتها كانت مُقِرَّة لله بالألوهية، مُحِبَّةً له، تعبد إياه لا تشرك به شيئًا؛ ولكن سبب فسادها أن شياطين الإنس والجن يفسدونها بما يوحي بعضهم إلى بعض من الباطل[30].
وأمَّا الهداية فهي هداية الله سبحانه بما جعل في بني البشر بالفطرة من المعرفة وأسباب العلم، وبما أنزل من الكتب وأرسل من الرسل؛ إذ يتَّضح من قصص الأنبياء اشتراكُ نفوس الناس من جنس ما كان في نفوس المكذِّبين للرسل، ولم يكن بالبشر حاجة إلى الاعتبار بمن لا يشبههم؛ ولكن الأمر كما قال تعالى: {كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ} [البقرة: 118]، وقوله - عز وجل -: {يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ} [التوبة: 30]، وتظهر الحُجَّة؛ لأنه لولا "أن في نفوس الناس من جنس ما كان في نفوس المكذِّبين للرسل - فرعونَ ومَن قبله - لم يكن بنا حاجة إلى الاعتبار بمن لا نشبهه قط"[31].
ولذلك تتمثل الهداية العامة للناس فيما جَعَل الله فيهم بالفطرة من المعرفة وأساليب العلم، قال تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1 – 5]، وقال تعالى: {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآَنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن: 1 – 4]، وقال تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} [الأعلى: 1 – 3]، وقال - عز وجل -: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد: 10].(/15)
وأفضل النِّعَم التي تتم بها السعادة هي نعمة الإيمان:
وقد خُلقتِ النفس الإنسانية متحركةً بالطبع، حركةً لا بد فيها من الشر، لحكمة بالغة، ورحمة سابغة، وإذا لم تخلقْ بهذا الوجه لكانت لخلقٍ آخَرَ غير الإنسان، وهذا هو الاستفسار الذي ورد على لسان الملائكة في قوله تعالى: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} [البقرة: 30][32].
والذنب من لوازم نفس الإنسان، ولذا فهو يحتاج إلى الهُدى في كل لحظة؛ بل إنه إلى الهُدى أحوج منه إلى المأكل والمشرب، وطلب الهُدى في دعاء الفاتحة يعني أنَّ العبد فقير إلى ربه - عزَّ وجلَّ - وهو في حاجة دائمًا إلى تعليم ربه، "فالقرآن والسُّنة إنما تذكر فيهما الأمور العامة الكليَّة... لا يذكر ما يُخَصّ به كل عبد، ولهذا أمر الإنسان في مثل هذا بسؤال الهدى إلى الصراط المستقيم، يتناول هذا كله؛ يتناول التعريف بما جاء به الرسول مُفَصَّلاً، ويتناول التعريف بما يدخل في أوامره الكليات، ويتناول إلهام العمل بعلمه"[33] فالإنسان في حاجة دائمة إلى هداية ربه في العلم والعمل.
ولئن كان الذنب شرًّا بالإضافة إلى العبد، فإن الحكمة منه تتضح في الحالتين:
الأولى: أن الذنب يوجب ذل العبد لربه - سبحانه وتعالى - فيحصل للمؤمن بسبب ذنبه من الحسنات ما لم يكن يحصل له بدونها، كذلك فإنَّه إمَّا أن يتوب، فيصبح من التَّوَّابين الذين يحبهم الله، وإما أن يكفِّر الله عنه بالمصائب، يصبِرُ عليها فترتفع درجاته[34].
والثانية: أنَّ الإنسان يظلّ حذرًا من نفسه، ولا يركن إليها؛ لأنها مصدر الشر، فيستعيذ بالله من شرورها ومن سيئات أعماله، سائلاً الله - عز وجل - إعانته على الطاعة، "فبذلك يحصل له كل خير ويندفع عنه كل شر"[35].
عِلَّةُ السَّيّئات: اجتماع الجهل مع الهوى:(/16)
ولكن، كيف يُحَذِّرنا الشَّيْخُ منَ الوُقُوع في الذنوب والسيئات، ويَحُثّنا على فعل الحسنات، إنه يرى أنَّ مِنْ خصائِصِ العقل أن يسعى الإنسان لِجلب ما يفيده ودفْع ما يضُرُّه، فإذا اجتمع العقل والعلم، رَدَعَ العبدُ نفسَه عنِ السيئات؛ لأنَّ العالِم هو الذي يخشى الله، كما قال السلف، وذلك تفسيرًا لقوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]، وذلك "يقتضي أنَّ كُلَّ مَن خَشِيَ الله فهو عالم"[36]، والعلم بما أَنْذَرَتْ بِهِ الرُّسُل يوجب الخشية الدافعة إلى فعل الحسنات وترْك السيئات، وعلى العكس؛ فإنَّ كل عاصٍ هو جاهل ليس بتامِّ العلم[37].
وفِعْلُ السيّئاتِ يرجع إلى اجتماع الجهل مع الهوى؛ فإنَّ الغواية إمَّا أن يعرفَها الإنسانُ معرفةً مؤكّدة؛ فيتجنَّب إتيانَها، وإمَّا أن يجزم بضررٍ مرجوح، فلا يفعل السيئة؛ لأنَّ مرتكب الذنوب لن يُقْدِم على فعلها إذا عَلِم أنَّه سيعاقب، فإن عدم الجزم أو العجز عن الترجيح فربما بسبب الغفلة، "والغفلة من أضداد العلم"[38].
أما أعظم السيئات فهي جحود الخالق - جل شأنه - والشرك به، كما فَعَلَ إبليس وفرعون، فالأول يريد أن يُعبَد ويُطاع من دون الله، وأن يصرف الإنسان عن عبادة الله وطاعته، والثاني ادَّعى الألوهية بقوله: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات: 24]، وقوله لموسى - عليه السلام -: {لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} [الشعراء: 29]، ويرى ابن تيميَّة أن في سائر النفوس شُعْبَةً من ظُلم وجهل هذين الجاحدين فإن لم "يُعِنِ الله العبد ويهديَهُ، وقع في بعض ما وقع فيه إبليس وفرعون بحَسَب الإمكان"[39]؛ لأنه في تخيله للنفس البشرية يلاحظ أنها مشحونة بحب العلو والرياسة[40].(/17)
يضاف إلى ذلك أنَّ النَّفس لا تحمل داعيَ الظلم لغيرها بالعلوّ عليه، والحسد له، والتعدي عليه في حقه فَحَسْب؛ بل إنَّ فيها أيضًا داعيَ الظلم لنفسِها بتناوُلِ الشهوات القبيحة؛ كالزنا وأكل الخبائث، ولذا يقسم الناس ثلاثة أقسام:
الأول: مَن يرضى إذا أعطي مِمَّا يشتهيه من الشهوات، والحلال والحرام ويزول غضبه؛ فهو ينظر إلى المعروف والمنْكَر من زاوية رغباته؛ فإن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، فهو أحيانًا ينكر المعروف ويحبذ المنكر طبقًا لما حصل عليه، وهذا هو الإنسان الظلوم الجهول.
الثاني: قوم لهم ديانة صحيحة، يخلصون لله وهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات، يخلصون لله وحده، ويصبرون على ما يلاقون من أذى، فهم من خير أمة أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله.
والقسم الثالث: قوم يجتمع فيهم ما لبعض القسمين الأول والثاني، وهم أغلب المؤمنين[41]، أمَّا تقسيمهم من حيث نفوسُهم: فالأولون هم أصحاب النفوس الأمارة بالسوء، والأوسطون هم أهل النفوس المطمئنة، التي قيل فيها {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر: 27 – 30]، وأهل هذا القسم - الثالث - هم أصحاب النفوس اللَّوَّامة، التي تفعل الذنب ثم تلوم صاحبها عليه، وتخلط عملاً صالحًا وآخر سيئًا[42].
ولكن، ما الباعث الذي يدفع الإنسان إلى ارتكاب السيئات دون الحسنات؟:
يجيب ابن تيميَّة عن ذلك بأنَّ سبب ما يوقع الناسَ في السيئات هو الجهلُ؛ أي عدم العلم بكونها تضرهم ضررًا راجحًا، أو الظَّنُّ بأنها تنفعهم نفعًا راجحًا، "ولهذا يسمى حال فعل السيئات: الجاهلية، فإنه يصاحبها حال من حال الجاهلية"[43].(/18)
ولم يتركِ ابن تيميَّة المسألة معلَّقة؛ بل قدم الحلول التي تأخذ بيد الإنسان إلى فعل الحسنات[44]؛ وهي خشية الله، والقضاء على الهوى بالإخلاص، ثم التوبة عملاً بقوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام: 54]، فلا يزال المؤمن يخرج من الظلمات إلى النور، ويتجدَّد له العلم والإيمان؛ فيتوب مما تركه وفعله، ويزداد هدى "والتوبة تصقل القلب، وتجليه مما عرض له من رين الذنب المشار إليه في الآية: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14]، وكما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أن العبد إذا أذنب نُكتت في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب واستغفر صقل قلبه، وإن زاد زيد فيها حتى تعلو قلبه))"[45].
إنَّ دافع السلوك ينبغي إذن أن يكون العبوديةَ لله سبحانه واتباع أوامره واجتناب نواهيه، وباختصار هو تزكية النفس، التي يتضمَّن زوال جميع الشرور؛ من الفواحش والظلم والشرك والكذب وغير ذلك، عن طريق إتيان العمل الصالح، وفعل الحسنات، فالعلم الصالح "هو فعل الحسنات، والحسنات هي ما أحبَّه الله ورسوله، وهو ما أمر به من إيجاب واستحباب"[46].
ضرورة الصدق وإخلاص النية في أعمال الدين والدنيا:(/19)
في بحث ابن تيميَّة عن أهميَّة الأمور الباطنة من العلوم والأعمال عَرَضَ لعدة مسائل، ترتبط بضرورة الصدق والإخلاص وعقد النية، وكلُّها تتَّصل بالحديث: ((القلب مَلِك، والأعضاء جنوده، فإذا طاب الملك طابَتْ جُنُودُه، وإذا خَبُثَ خَبُثَتْ جُنُودُه))، ومن هذا الحديث يتطرَّق إلى عَلاقة البواعث بالسلوك، فإذا بحثنا في النتائج التي وصل إليها شيخ الإسلام، فإنَّنا نراه يقرر أنَّ أصل الدين في الحقيقة هو الأمور الباطنة من العلوم والأعمال "وأن الأعمال الظاهرة لا تنفع بدونها"[47]، ومفهوم الدين عنده يتسع فيشمل العقائد والعبادات، وقواعد السلوك؛ حيث وقع اختياره على الآية الجامعة التي تتناول كل هذا في قوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177].
وبنظرة شاملة جامعة بين العمل الفردي والتكافل الاجتماعي بالتعاون على البر والتقوى، يقول شيخ الإسلام: "والسعي سعيان:
سعي فيما نصب للرزق: كالصناعة والزراعة والتجارة.
وسعي بالدعاء والتوكل والإحسان إلى الخلق ونحو ذلك، فإن الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه"[48].(/20)
ويذكر ابن تيميَّة أن الآية الآنفةَ الذِّكْرِ في وصف الصادقين في دعوى البِرِّ "الذي هو جماع الدين"[49]، وعلى العكس وردت آيات تصف المنافقين في مثل قوله تعالى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة: 10]، فوَصَفَهُم بالكذب في هذه الآية وغيرها، فالصادق هو الذي يصدق في قصده ونيته، وطلبه وإرادته، وعمله وخبره وكلامه، والمنافق على الضد يكذب، ويصبح مرائيًا في عمله، لا يصدر عن نية صادقة، قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ} [النساء: 142].
والإخلاص في العقيدة والعمل هو حقيقة الإسلام؛ "إذ الإسلام هو الاستسلام لله؛ لا لغيره"[50] ويندرج تحتَهُ الأعمالُ الباطنة؛ كمحبة الله، والإخلاص له، والتوكل عليه، والرضا عنه، ونحو ذلك، وهي كلها "خير محض، وهي حسنة محبوبة في حق كل النبيين والصديقين والشهداء والصالحين"[51] ثم يقرر ابن تيميَّة بعد هذا أن النية للعمل كالروح للجسد[52].(/21)
ويقع اختيار ابن تيميَّة على حديث قُدُسِيٍّ، يستشهد به في مجال العمل وبواعثه في صلة العبد بربه عز وجل، وصلته بالناس أيضًا، فقد روى الطبراني في كتاب الدعاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((يقول الله: يا ابن آدم إنما هي أربع: واحدة لي، وواحدة لك، وواحدة بيني وبينك، وواحدة بينك وبين خَلْقي، فأمَّا التي لي فتعبدني لا تشرك بي شيئًا، وأما التي هي لك فعملُك، أُجازيك به أحوجَ ما تكون إليه، وأما التي بيني وبينك فمنك الدعاء وعليَّ الإجابة، وأما التي بينك وبين خَلْقي فأتِ للناس ما تحب أن يأتوا إليك))[53]، ويشرح ابن تيميَّة هذا الحديث فيوضح أن العبد يحب ويريد ابتداءً ما يراه ملائمًا له، والله تعالى يحب ويرضى الغاية المقصودة في رضاه، والوسيلة المتَّبعة في ذلك[54]، ونحن نفهم من الحديث أيضًا القاعدة التي تحدد علاقة الناس بعضهم ببعض في الأعمال.
وإذا كان لا بد من النية في القلب، فإن القلب يحتاج إلى أن يُرَبَّى وينمو عن طريق تزكيته، ووسيلته القرآن الذي يزيل الأمراض الموجبة للإرادات الفاسدة، "حتى يصلح القلب فتصلح إرادته، ويعود إلى فِطرته التي فُطِر عليها، كما يعود البدن إلى الحال الطبيعي، ويتغذَّى القلب من الإيمان والقرآن بما يُزَكِّيه ويؤيده، كما يتغذى البدن بما ينميه ويقوِّمه، فإنَّ زكاة القلب مثل نماء البدن"[55].(/22)
والأعمال تابعة للاعتقادات، فإن صلحتْ صلحتْ، وإن فسدتْ فسدتْ أيضًا، ولذا فإن الله يحاسب العبد على النية حتى لو لم يقدم على العمل، فإن مَن كان عازمًا على الفعل عزمًا جازمًا، وفَعَلَ ما يقدر عليه منه، كان بمنزلة الفاعل "كما جاء في السنن فيمن تطهر في بيته، ثم ذهب إلى المسجد؛ ليدرك الجماعة فوجدها قد فاتت، أنه يكتب له أجر صلاة الجماعة"[56]، وكذلك مَن همَّ بسيئة ولم يفعلها كُتبَ له حسنة كاملة، وهذا هو تفسيره لقوله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} [يوسف: 24]، والبرهان المذكور في الآية هو برهان الإيمان الذي حصل في قلبه؛ فصرف الله به ما كان همَّ به، وكتب له حسنة كاملة، ولم يكتب عليه خطيئة؛ إذ فَعَلَ خيرًا ولم يفعل سيئة[57].
مِمَّا تقدَّم يتَّضح أنَّ ابنَ تيميَّة يقرِّر أنه لا بد للعمل من ركنين: النية والحركة، مستندًا إلى حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((أصدق الأسماء حارث وهمام))، ويقول: "فكل أحد حارث وهمام له عمل ونية؛ لكن النيَّة المحمودة التي يتقبلها الله ويثيب عليها أن يراد وجه الله بذلك العمل، والعمل المحمود هو الصالح، وهو المأمور به[58].
أنواع الأعمال وكيف نختارها:
ينطلق ابن تيميَّة من قاعدة أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي؛ بل يذهب إلى أكثر من هذا، فيجعل من التفكير العقلي والتأمل في آيات الله تعالى أسبابًا لترسيخ الإيمان في القلب وتعميقه، وصلة العقل بالإيمان هنا تذكرنا بكلمة جارودي الجامعة: "إن الإيمان عقل بغير حدود".
إن عوامل تقوية الإيمان كثيرة؛ مثل: استماع القرآن، ورؤية أهل الإيمان والنظر في أحوالهم، ومعرفة أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعجزاته، والنظر في آيات الله تعالى، والتفكر في أحوال الإنسان نفسه، والضروريات التي يحدثها الله للعبد تضطره إلى الذل إلى الله والاستسلام له، واللجوء إليه[59].(/23)
ومع هذه الطرق الدائرة في فَلَك النظر والتفكر والتأمل والدراسة العلمية، يأتي البحث عن الطرق العلمية التي يَقوى بها الإيمان، فهل نبدأ بالزهد أم بالعلم أم بالعبادة؟ أم نجمع بين ذلك كله بحسب الطاقة؟:
أجاب شيخ الإسلام بقوله:
" لا بد من الإيمان الواجب، والعبادة والواجبة، والزهد الواجب، ثم الناس يتفاضلون في الإيمان، كتفاضُلهم في شُعَبِه، وكل إنسان يطلب ما يمكنه طلبه، ويقدم ما يَقْدِرُ على تقديمه من الفضائل، والناس يتفاضلون في هذا الباب: فمنهم مَن يكون العلم أيسر عليه من الزهد، ومنهم من يكون الزهد أيسر عليه، ومنهم من تكون العبادة أيسر عليه منهما، فالمشروع لكل إنسان يفعل ما يَقْدِرُ عليه من الخير، كما قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16].
وإذا ازدحمت شُعَب الإيمان، قَدَّمَ ما كان أرضى لله وهو عليه أقدَرُ، فقد يكون على المفضول أقدرَ منه على الفاضل، ويحصُل له أفضلُ مما يحصل من الفاضل، فالأفضل لهذا أن يطلب ما هو أنفع له، وهو في حقه أفضل، ولا يطلب ما هو أفضل مطلقًا، إذا كان متعذِّرًا في حقه أو متعسرًا يفوّته ما هو أفضل له وأنفع، كمن يقرأ القرآن بالليل فيتدبره وينتفع بتلاوته، والصلاة تثقل عليه ولا ينتفع منها بعمل، أو ينتفع بالذكر أعظم مما ينتفع بالقراءة، فأي عمل كان له أنفع ولله أطوع أفضل في حقه من تكلف عمل ما لا يأتي به في وجهه".
ويقسم الزهد إلى قسمين:
أحدهما: الزهد ضدّ الرغبة؛ كالبغض المخالف للمحبة، والكراهية المخالفة للإرادة.
والثاني: الشيء المزهود فيه.
وبالمعنى الأول: فإنَّ حقيقة المشروع منه أن يكون كراهية العبد وبغضه وحبه تابعًا لحب الله وبغضه، ورضاه وسخطه، فيحبّ ما أحبه الله، ويبغض ما أبغضه الله، ويرضى ما يرضاه، ويسخط ما يُسخِط الله، بحيث لا يكون تابعًا هواه؛ بل لأمر مولاه.(/24)
وبالمعنى الثاني: فمن الملاحظ أن كثيرًا من الزهاد في الحياة الدنيا، أعرضوا عن فضولها، ولم يقبلوا على ما أحبه الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وليس مثل هذا الزهد يأمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولهذا كان في المشركين زُهاد، وفي أهل الكتاب زُهاد، وفي أهل البدع زُهاد.
والآن، بعد أن عرفنا أنَّ سلوكنا ينبغي أن يكون تابعًا لما يحبه الله تعالى ويرضاه، ووَفْقًا لما يأمرنا به وينهانا، فما الطريق للوصول إلى ذلك؟!
يجيب الشيخ على ذلك مستدِلاً بالحديث الصحيح: ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف... ))، وما دام الأمر كذلك فينبغي علينا الاجتهادُ في فعل المأمور وترْك المحظور، والاستعانة به - عز وجل - على ذلك، ففي صحيح مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خيرٌ، احرص على ما ينفعك، واستَعِنْ بِاللَّه ولا تعجِز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا؛ ولكن قل: قدَّر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان)).
وفي السنن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى على رجل فقال المقضيُّ عليه: "حسبي الله ونعم الوكيل" فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله يلوم على العجز؛ ولكن عليك بالكَيْس، فإذا غلبك أمر فقل: حسبي الله ونعم الوكيل)).
ويشرح ابنُ تيميَّة الحديثَ بِبَيانِ أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قد أمر العبد بأن يحرص على ما ينفعه، ويستعين بالله على ذلك.
ولكنَّ المنفعة في الحديث مشروطةٌ بالاجتهاد في الخير، وهو العبادة، فإنَّ كل ما ينفع العبدَ فهو مأمور بطلبه، وإنما ينهى عن طلب ما يضرّه - وإن اعتقد أنه ينفعه - كما يطلب المحرمات وهي تضره، ويطلب المفضول الذي لا ينفعه، والله تعالى أباح للمؤمنين الطيبات، وهي ما تنفعهم، وحرَّم عليهم الخبائث، وهي ما تضرهم[60].(/25)
ولكن، ربما يَرِدُ بخاطر القارئ ما يجول في الأذهان من ارتباط الأوامر الدينية بالنفع والضرر؛ أي: هل الأوامر تتعلَّق فقط بتحقيق النفع وتجنّب الضرر، أم هناك حِكَم أخرى في بعض الأوامر الدينية نجهل الحكمة منها؟!:
إزاء هذه الخواطر يجيبنا ابن تيميَّة:
ينظر شيخ الإسلام إلى الحكمة من الأوامر الدينية الشرعية مقسِّمًا إياها إلى ثلاثة أقسام:
إحداها: أن تكون في نفس الفعل؛ وإن لم يأمر به؛ كما في الصدق والعدل ونحوها من المصالح الحاصلة لمن فعل ذلك، وإن لم يؤمر به، والله تعالى يأمر بالصلاح وينهى عن الفساد، فإنه سبحانه يأمر بالعدل وينهى عن الظلم، ولهذا لاحظ ابن تيميَّة أن الله تعالى يَنصُر الدولة العادلةَ، وإن كانتْ كافرة، ولا يَنْصُرُ الدَّوْلَةَ الظالمة، ولو كانت مؤمنة.
والنوع الثاني: أنَّ ما أمر به وَنَهَى عنْهُ صار متَّصفًا بحسنٍ اكتسبه من الأمر، وقُبْحٍ اكتسبه من النهي؛ كالخمر التي كانت لم تحرَّم ثم حرمت؛ فصارت خبيثة، والصلاة إلى الصخرة ببيت المقدس التي كانت حسنة، فلما نهى عنها صارت قبيحة، فإنَّ ما أمر به يحبه ويرضاه، وما نهى عنه يبغضه ويسخطه، وهو إذا أحب عبدًا ووالاه أعطاه من الصفات الحسنة ما يمتاز بها على مَن أبغضه وعاداه، وكذلك المكان والزمان الذي يُحبّه ويُعظّمه؛ كالكعبة وشهر رمضان، يخصّه بصفات يميزه بها على ما سواه، بحيث يحصل في ذلك الزمان والمكان من رحمته وإحسانه ونعمته ما لا يحصل في غيره.
فإن قيل: الخمر قبل التحريم وبعده سواء، فتخصيصها بالخبث بعد التحريم ترجيح بلا مرجح؟!:(/26)
قيل ليس كذلك؛ بل إنَّما حرمها في الوقت الذي كانت الحكمة تقتضي تحريمها، وليس معنى كون الشيء حسنًا وسيئًا مثل كونه أسود وأبيض؛ بل هو من جنس كونه نافعًا وضارًّا، وملائمًا ومنافرًا وصديقًا وعدوًّا، ونحو هذا من الصفات القائمة بالموصوف التي تتغير بتغير الأحوال، فقد يكون الشَّيْءُ نافعًا في وقت ضارًّا في وقت، والشيء الضارّ قد يُترك تحريمه إذا كانت مفسدة التحريم أرجح؛ كما لو حرمت الخمر في أول الإسلام، فإن النفوس كانت قد اعتادتها عادة شديدة، ولم يكن حصل عندهم من قوة الإيمان ما يقبلون ذلك التحريم، ولا كان إيمانهم ودينهم تامًّا حتى لم يبقَ فيه نقص إلا ما يحصل بشرب الخمر مِن صدها عن ذكر الله وعن الصلاة، فلهذا وقع التدريج في تحريمها؛ فأنزل الله أولاً فيه: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: 219]، ثم أنزل فيها - لما شربها طائفة وصلَّوْا، فغلط الإمام أثناء القراءة - آيةَ النهي عن الصلاة سكارى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43]، ثم أنزل الله آية التحريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 90 – 91].(/27)
والنوع الثالث: أن تكون الحكمة ناشئةً من نفس الأمر، وليس في الفعل أَلبتةَ مصلحةٌ، لكن المقصود ابتلاء العبد: هل يطيع أو يعصي، فإذا اعتقد الوجوب، وعزم على الفعل حصل المقصود بالأمر فينسخ حينئذ، كما جرى للخليل في قصة الذبح: فإنه لم يكن الذبح مصلحة، ولا كان هو مطلبَ الرَّبِّ في نفس الأمر؛ بل كان مراد الرب ابتلاءَ إبراهيم؛ ليقدِّم طاعة ربه ومحبته على محبة الولد، ولا يبقى الله أن يهبه إياه وهو خليل الله، فأراد تعالى تكميل خُلَّته لله بأن لا يبقى في قلبه ما يزاحم به محبة ربه:
{فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ} [الصافات: 103 - 106]، ومثل هذا الحديث الذي في صحيح البخاري؛ حديث أبرص وأقرع وأعمى، كان المقصود ابتلاءهم لا نفس الفعل[61].
وفيما يلي نص الحديث المشار إليه:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن ثلاثة من بني إسرائيل، أبرص وأقرع وأعمى، أراد الله أن يبتليَهم، فبعث إليهم مَلَكًا، فأتى الأبرص فقال: أي شيء أَحَبُّ إليك؟ قال: لون حسن، وجلد حسن، ويذهب عني الذي قذرني الناس، فمسحه، فذهب قَذَرُهُ، وأُعطي لونًا حسنًا، قال: فأي المال أَحَبّ إليك؟ قال: الإبل، أو قال البقر - شكَّ الراوي - فأُعطي ناقة عشراء، فقال: بارك الله لك فيها، فأتى الأقرع، فقال: أي شيء أَحَبّ إليك؟ قال: شَعْر حسن، ويذهب عني هذا الذي قذرني الناس، فمسحه فذهب عنه وأُعطِيَ شعرًا حسنًا، قال: فأي المال أَحَبُّ إليك؟ قال: البقر، فأعطي بقرة حاملاً قال: بارك الله لك فيها.(/28)
فأَتَى الأعمى فقال: أي شيء أَحَبُّ إليك؟ قال: أن يرد الله إلي بصري فأُبصر الناس، فمسحه فردَّ الله إليه بصره، قال: فأي المال أَحَبُّ إليك؟ قال: الغنم فأُعطي شاةً والدًا، فأنتج هذا، وولدا هذا، فكان لهذا وادٍ من الإبل، ولهذا وادٍ من البقر، ولهذا وادٍ من الغنم، ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته، فقال: رجل مسكين، قد انقطعت بي الحبال في سفري؛ فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن، والجلد الحسن، والمال، بعيرًا أتبلَّغ به في سفري، فقال: الحقوق كثيرة فقال: كأني أعرفك، ألم تكن أبرص؛ يقذَرُك الناس؟! فقيرًا، فأعطاك الله؟! فقال: إنما ورثت هذا المال كابرًا عن كابر، فقال: إن كنت كاذبًا فصيرك الله إلى ما كنتَ، وأتى الأقرع في صورته وهيئته، فقال له مثل ما قال لهذا، وردَّ عليه مثل ما ردَّ هذا فقال: إن كنت كاذبًا فصيرك الله إلى ما كنتَ.
وأتى الأعمى في صورته وهيئته، فقال: رجل مسكين وابن سبيل، انقطعت بي الحبال في سفري؛ فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي ردَّ عليك بصرك، شاةً أتبلَّغ بها في سفري، فقال: قد كنتُ أعمى فردَّ الله إليَّ بصري، فخذ ما شئتَ ودعْ ما شئتَ، فوالله لا أجهدك اليوم بشيء أخذتَهُ لله عز وجل، فقال: أمسك مالك، فإنما ابتُلِيتُمْ، فقد رضي الله عنك، وسخط على صاحبيك))؛ قال النووي متَّفق عليه، "رياض الصالحين" باب المراقبة.(/29)
وفي ضوء هذا الشرح يأتي إلى تفسير قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، فهي متعلقة بالإرادة الدينية الشرعية، وقد يقع مرادها وقد لا يقع، والمعنى: إن الغاية التي نحب لهم ونرضى لهم، والتي أمروا بفعلها، هي العبادة؛ فهو العمل الذي خلق العباد له، أي هو الذي يحصل كمالهم وصلاحهم، الذي به يكونون مَرْضِيِّينَ محبوبين، فمن لم تحصل منه هذه الغاية، كان عادمًا لما يحب ويرضى، ويراد له الإرادة الدينية التي فيها سعادته ونجاته، وعادمًا لكماله وصلاحه، العدم المستلزم فساده وعذابه[62].
محاسن الأخلاق:
وهنا يتخذ شيخ الإسلام من العبادات الدِّعامَةَ الأساسيةَ لمحاسن الأخلاق ومكارمها:
ففي دائرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يجعل ابن تيميَّة في باب المعروف أعمالَ العبادات كلها، والإيمان بالله تعالى وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والإحسان وهو أن يعبد الإنسان ربه كأنه يراه، فإن لم يكن يراه فإن الله يراه، وسائر ما أمر الله به ورسوله من الأمور الباطنة والظاهرة؛ أي إخلاص الدين لله والتوكل عليه، والرجاء لرحمته، والخشية من عذابه، والصبر لحكمه، والتسليم لأمره، وكلها من الأمور التي تلمح فيها مدى قوة البواعث على الأعمال، ثم يَقرن ابن تيميَّة بين العبادات وغيرها من أنواع السلوك، التي تُعَدّ أقربَ إلى محيط الأخلاق، ولكن الاقتران يدلنا على أنه لا يفرق بينها وبين أعمال العبادات؛ لأنَّ قواعد الأخلاق في الإسلام لا يمكن فصْلُها عن أصوله، إنه بعد سرد تفاصيل أعمال العبادات على سبيل الحصر يأتي بغيرها من الأعمال بقوله: "ومثل صدق الحديث، والوفاء بالعهود، وأداء الأمانات إلى أهلها، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والتعاون على البر والتقوى، والإحسان إلى الجار واليتيم والمسكين وابن السبيل والصاحب والزوجة، والسلوك، والعدل في المقال والفعال".(/30)
وهكذا يضم ابن تيميَّة هذا كله تحت اسم (المعروف) المأمور به، ويبدو أنه يعد ما ورد في آخر عبارته من قبيل أخلاق الكافَّة، التي ينبغي عليهم التقيُّد بها، ثم يذكر بعد ذلك ما يرتقي بالإنسان إلى مكارم الأخلاق المندوب إليها، مثل "أن تصل مَن قطعك، وتعطي مَن حرمك، وتعفو عمن ظلمك" قال الله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى: 40 - 43][63].
يفهم من الآية أن محاسن الأخلاق تقتضي "أن تصل مَن قطعك بالسلام والإكرام والدعاء له والاستغفار، والثناء عليه، والزيادة له، وتعطي مَن حَرَمَك من التعليم والمنفعة والمال، وتعفو عمن ظلمك في دم أو مال أو عرض"، ويَعتبرُ أنَّ بعض هذا واجب، وبعضه مستحب[64].
أما الخلق العظيم، الذي وصف به الله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - فإنه يعني "الدين الجامع لجميع ما أمر الله به مطلقًا"، وهو أيضًا ما عبَّرت عنه السيدة عائشة - رضي الله عنها - بقولها: "كان خُلُقه القرآنَ"، حقيقة ذلك امتثال ما يحبه الله تعالى بطيب نفس وانشراح صدر[65].
ويتضح لنا بدليلٍ آخَرَ فَهْمُ ابن تيميَّة لشمول دائرة الإسلام جوانبَ العقائد والعبادات والأخلاق أيضًا؛ لأنَّ بيان ما تقدم كله يدخل تحت الأمر بتقوى الله؛ فإن تقوى الله تجمع "فكل ما أمر الله به إيجابًا واسحبابًا، وما نهى عنه تحريمًا وتنزيهًا، وهذا يجمع حقوق الله وحقوق العباد"[66].(/31)
ومضى شارحًا ما وصى به النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذًا لما بعثه إلى اليمن: ((اتقِ الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالِقِ الناس بخلق حسن))، "فقد تضمن هذا الحديث حقَّ الله من عمل الصالح وإصلاح الفاسد، وحق الناس وهو أن يخالقهم بخلق حسن"[67]، وتقوى الله تشمل هذا كله؛ لأنَّ التَّقْوى هي: فعل ما أمر الله به، وتركُ ما نهى الله عنه[68]، والتقوى أيضًا هي الدين كله، لكن ينبوع الخير وأصله إخلاص العبد لربه عبادةً واستعانة، كما في قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5][69].
إن إخلاص العبد لربه عبادةً وعملاً هو يُنبوع الخير، فما هي أعمال الخير؟:
يورد ابن تيميَّة حديثًا ورد على لسان موسى - عليه السلام -: ((قال موسى: يارب، أيُّ عبادك أَحَبُّ إليك؟ قال: الذي يَذْكُرُنِي ولا ينساني، قال: أيُّ عبادك أعلم؟ قال: الذي يطلب عِلْم الناس إلى علمه؛ ليجد كلمة تدل على هدى، أو ترده عن رَدى، قال: أيُّ عبادك أحلم؟ قال: الذي يَحْكُم على نفسه كما يحكم على غيره، ويحكم لغيره كما يحكم لنفسه)) "فذكر في الحديث الحب، والعلم والعدل، وذلك جماع الخير"[70].
أما تفصيل ذلك فيأتي على الترتيب الآتي:(/32)
إنه يَعني بالمحبة أن يكون القلب محبًّا لله وحده مخلصًا له الدين، ويضرب مثلاً على ذلك بيوسف - عليه السلام - الذي كان مُحِبًّا لله مخلصًا له فوصفه تعالى بقوله: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف: 24]، بعكس امرأة العزيز التي كانت مشْرِكة فابتليت بالعشق، ولا يُبتلى به أحدٌ إلا لنقص توحيده وإيمانه، ولكن القلب المنيب إلى الله الخائف منه، يصرف عنه محبته إلى غيره، ويدفعه فعل الطاعة، محبة لله وخوفًا منه، ولما كان الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فإنَّ المؤمن كلمَّا فعل الطاعة وترك المعاصي، قَوِيَ حبُّه لله وخوفه منه، "فيزيل ما في القلب من محبَّة غيره ومخافة غيره"[71]، وقد بيَّن الله أنَّ محبته توجب اتباع الرسول بقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31]، فالاتباع والتقيُّد بقواعد الشرع، بعكس الذين زعموا محبة الله، ولم يتقيدوا بشريعته؛ إذ قالت اليهود والنصارى: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة: 18]، وهذا ادعاء للمحبة دون دليل مع ما فيه من مخالفة الشريعة ما لا يوجد في أهل الخشية، ولهذا قرن الله الخشية بها في قوله تعالى: {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ} [ق: 32 – 34].(/33)
والعلم أيضًا أحد البواعث على فعل الخير، والعلم النافع هو أصل الهدى، الذي يؤدِّي إلى الحقّ، وهو الرشاد، ومصدر الضلال العملُ بغير عِلْم؛ كما أنَّ سبب اتباع الهوى هو الغَيّ قال تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم: 1 - 2]، وكان معاذ بن جبل يرشد إلى طلب العلم والحثّ عليه، قال: "عليكم بالعلم؛ فإنَّ طلبه لله عبادة، ومعرِفَتَهُ خشية، والبحث عنه جهادٌ، وتَعلُّمَه لمن لا يَعْلَمه صدقة، ومذاكرتَه تسبيح، به يعرف الله ويعبد، به يُمجَّد ويُوَّد، يرفع الله بالعِلْم أقوامًا، يجعلهم للناس قادة وأئمة، يهتدون بهم وينتهون إلى رأيهم"، ولذا كان ابنُ تيميَّة يذهب إلى أن الدين كله هو علم بالحق وعمل به[72].
أما عن العدل كأساس لكل خير، فإن من رأي الشيخ السلفي أن صلاح حال الإنسان في العدل، وأن فساده في الظلم[73]، وتتضح ضرورة إقامة العدل والحُكْم به من قوله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد: 25]، "فذكر اللَّهُ أنَّه أنزل الكتاب والميزان، وأنَّه أنزل الحديد لأجل القيام بالقسط، ولهذا كان قوام الدين بكتاب يهدي وسيف ينصر"[74].(/34)
كما حرَّم الله البغي بغير الحق؛ فالعدل أساس استقامة أمور الناس، وإنِ اشتركوا في أنواع من الإثم، ولا تستقيم أمورهم مع الظلم في الحقوق، وإن لم يشتركوا في الإثم، ولهذا قيل: "إن الله يقيم الدولة العادلة، وإن كانت كافرة، ولا يقيم الدولة الظالمة، وإن كانت مسلمة"[75]، وقد جاء الحديث أيضًا محرِّمًا للظلم؛ إذ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس ذنبٌ أسرعُ عقوبةً من البغي وقطيعة الرحم))، فبيَّن الحديث أن الباغي والظالم يُصرعان في الدنيا بالرغم من احتمال أن يُصبحا مرحومين في الآخرة.
والنفس الإنسانية فيها داعي الظلم لغيرها بواسطة العلو عليه، والحسد له والتعدي عليه في حقوقه، كما أنها تظلم نفسها "بتناول الشهوات القبيحة؛ كالزنا، وأكل الخبائث"[76].
ولهذا شُرِعَ الأَمْرُ بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لتضييق الخناق على الأعمال الناجمة عن ظلم الناس بعضهم لبعض، وظُلْمِهم لأنفسهم بفعل المنكرات، ويؤمر بما فيه من داعي الخير، الذي يدعوه إلى العلم والصدق وأداء الأمانة، أن يقابل السيئات بضدها من الحسنات "كما يقابل الطيب المرض بضده؛ فيؤمر بأن يصلح نفسه، وذلك بشيئين: فعل الحسنات وترك السيئات"[77].
انتهى بحمد الله تعالى.
---
[1] جارودي: "نظرات حول الإنسان" ص 299 ترجمة د. يحيى هويدي، المجلس الأعلى للثقافة 1983م.
[2] أو الأيديولوجي بلغة عصرنا.
[3] كولن ولسن: "ما بعد اللا منتمي" ص 15، "فلسفة المستقبل" ترجمة يوسف شرورو، وعمر يمق ـ دار الآداب ـ بيروت سنة 1981 م.
[4] "فتاوى" ج 8، ص 55 - 56.
[5] سدجويك: "المجمل في تاريخ علم الأخلاق" ص 78.
[6] ابن تيمية: "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح" ج4 ص 106.
[7] ابن تيمية: "النبوات" ص 172.
[8] "الحسبة" ص 10.
[9] المصدر نفسه ص 63.
[10] "السياسة الشرعية" ص 85 – 86.
[11] ابن تيمية: "الحسبة" ص 64.
[12] المصدر نفسه ص 50.
[13] "السياسة الشرعية" ص 162.
[14] "الحسبة" ص 62.(/35)
[15] "السياسة الشرعية" ص 163 وما بعدها.
[16] ابن تيمية: "العبودية في الإسلام" ص 32.
[17] المصدر نفسه ص 32.
[18] "الجواب الصحيح" ج 4 ص 109.
[19] المصدر نفسه ص 107 – 108.
[20] "الحسبة" ص 110.
[21] ابن تيمية: "جامع الرسائل" ص 110.
[22] "العبودية في الإسلام" ص 30.
[23] ن. م. ص 1 ذ
[24] ن. م. ص 39
[25] "جامع الرسائل" ص 112.
[26] "التحفة العراقية في الأعمال القلبية" ص 71.
[27] ابن تيمية: "الجواب الصحيح" ج 4 ص 109.
[28] ابن تيمية: "الحسنة والسيئة" ص 65.
[29] الحديث الأول ورد في الصحيحين، والثاني ورد في صحيح مسلم.
[30] ابن تيمية: "الحسنة والسيئة" ص 66.
[31] ابن تيمية: "الحسنة والسيئة" ص 84.
[32] المصدر نفسه ص 79 – 80.
[33] ابن تيمية: :أمراض القلوب وشفاؤها".
[34] ابن تيمية: "الحسنة والسيئة" ص 83.
[35] المصدر نفسه ص 83.
[36] ابن تيمية: "الحسنة والسيئة" ص 63.
[37] المصدر نفسه ص 65.
[38] المصدر نفسه ص 60.
[39] ابن تيمية: "الحسنة والسيئة" ص 86.
[40] المصدر نفسه ص 86.
[41] ابن تيمية: "الحسبة" ص 88
[42] المصدر نفسه ص 88.
[43] ابن تيمية: "الحسنة والسيئة" ص 62.
[44] "العبودية في الإسلام" ص 37.
[45] "جامع الرسائل" ص 237.
[46] ابن تيمية: "العبودية في الإسلام" ص 18.
[47] "التحفة العراقية في الأعمال القلبية" ص 43.
[48] "الفتاوى" ج 8 ص 541، ط. الرياض سنة 1398 هـ.
[49] المصدر نفسه ص 42.
[50] المصدر نفسه ص 43.
[51] المصدر نفسه ص 44.
[52] مجموع الفتاوى: 2 / 458.
[53] "السياسة الشرعية" ص 71، وانظر أيضًا ص 116.
[54] "التحفة العراقية" ص 46.
[55] "أمراض القلوب وشفاؤها" ص 6.
[56] "فتاوى ابن تيمية" ج 1 ص 101.
[57] "أمراض القلوب وشفاؤها" ص 9.
[58] "الحسبة" ص 76.
[59] "الفتاوى" ج 7 ص 650.
[60] "فتاوى" ج 7 ص 652 - 654.(/36)
[61] ابن تيمية: "جواب أهل العلم والإيمان" ص 199 - 201، ط. دار الكتب العلمية بيروت، 1394 هـ - 1974 م.
[62] "مجموعة الرسائل الكبرى" ج 2 ص 78.
[63] المصدر نفسه ص 234.
[64] ابن تيمية: "مجموعة الرسائل الكبرى" ج 1 ص 316 – 317.
[65] ابن تيمية: "مجموعة الرسائل الكبرى" ج1 ص 234.
[66] المصدر نفسه ص 234 – 235.
[67] المصدر نفسه ص 234.
[68] المصدر نفسه ص 310.
[69] المصدر نفسه ص 235.
[70] "التحفة العراقية في الأعمال القلبية" ص 85.
[71] "أمراض القلوب وشفاؤها" ص 30.
[72] المصدر نفسه ص 58.
[73] "أمراض القلوب وشفاؤها" ص 31.
[74] التحفة العراقية ص 42.
[75] "الحسبة" ص 86.
[76] نفس المصدر والصفحة.
[77] نفس المصدر ص 92.
• • • • •
مقالات ذات صلة:
• • العروبة عند ابن تيمية(/37)
العنوان: ما بُني من الأفعال على حرف واحد
رقم المقالة: 298
صاحب المقالة: د. محمد حسان الطيان
-----------------------------------------
حكى السيوطي في (البغية) أن أبا حاتم السجستاني[1] دخل بغداد فسُئل عن قوله تعالى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ}[2]، ما يقال منه للواحد ؟ فقال: قِ، فقال: فالاثنين ؟ فقال: قيا. قال فالجمع ؟ قال: قوا، قال: فاجمع لي الثلاثة، قال: قِ، قيا، قوا.
قال وفي ناحية المسجد رجل جالس معه قماش، فقال لواحد: احتفظ بثيابي حتى أجيء، ومضى إلى صاحب الشُّرطة، وقال: إني ظفرت بقومٍ زنادقة يقرؤون القرآن على صياح الديك. فما شعرنا حتى هجم علينا الأعوان والشُّرطة فأخذونا وأحضرونا مجلس صاحب الشُّرْطة، فسألنا فتقدمت إليه وأعلمته بالخبر وقد اجتمع خلق من خلق الله، ينظرون ما يكون، فعنَّفني وقال: مثلك يطلق لسانه عند العامة بمثل هذا ! وعمَد إلى أصحابي فضربهم عشرة عشرة، وقال: لا تعودوا إلى مثل هذا، فعاد أبو حاتم إلى البصرة سريعاً، ولم يُقِمْ ببغداد ولم يأخذ عنه أهلها[3].
فعل وقى وأمثاله عند الإسناد:
سقت هذه القصة لأتوقف عند فعل (وقى) وما لفَّ لفّه مما يسمّى في العربية باللّفيف المفروق, إذ تحذف مه فاؤه لدى تصرّفه في المضارع كما تحذف من المثال الواوي (كوعد يعِد، وورد يرِد (لوقوعها بين عدوتيها الياء المفتوحة والكسرة فيصير: (يقي) ثم يُبنى على حذف حرف العلة من آخره لدى تصرفه في الأمر كما يُبنى كل معتل ناقص كـ (اسعَ، وامشِ، وادنُ) فيصير (قِ) أي إنه يبقى على حرف واحد هو عين الكلمة.
وقد جمع هذه الأفعال ابن مالك صاحب الألفية مبيّناً كيفية إسنادها للواحد المذكر، ثم المثنى مطلقاً، ثم الجمع المذكر، ثم الواحدة ثم جمعها، وذلك في عشر أبيات طريفة - ليست من الألفية - يقول فيها:
إنّي أقولُ لمنْ تُرجى مودَّتُهُ قِ المستجير قياهُ قُوهُ قِي قِينَ(/1)
وإنْ صرفتَ لوَالٍ شُغْلَ آخرَ قُلْ لِ شُغْلَ هذا لِياهُ لُوهُ لِي لِينَ
وإنْ وشَى ثوبَ غيري قلتُ في ضجرٍ شِ الثوبَ وَيْكَ شِياهُ شُوهُ شِي شِينَ
وقُلْ لقاتِل إنسانٍ على خطأٍ دِ مَنْ قتَلْتَ دِياهُ دُوهُ دِي دِينَ
وإنْ همُ لمْ يَرَوْا رأيي أَقُولُ لهمْ رَ الرأيَ وَيْكَ رَياه رَوْه رَيْ رَيْنَ
وإنْ همُ لمْ يَعُوا قوْلِي أَقُولُ لهمْ ع ِالقولَ مِنِّي عِياهُ عُوهُ عِي عِينَ
وإن أمَرْتَ بِوَأْيٍ للمُحِبِّ فقلْ إِ مَنْ تُحِبُّ إياهُ أوهُ إِي إينَ
وإنْ أردْتَ الوَنَى وَهْوَ الفُتُورُ فقلْ نِ يا خَلِيلِي نِياهُ نُوهُ نِي نِينَ
وإنْ أبَى أن يَفِي بالعهدِ قلتُ لَهُ فِ يا فلانُ فِياهُ فُوهُ فِي فِينَ
وقُلْ لساكِنِ قلْبِي إنْ سِوَاكَ بِهِ جِ القلبَ مِنِّي جِياهُ جُوهُ جِي جِينَ[4]
ذكر هذه الأبيات الشيخ الخضري في حاشيته على ابن عقيل ثم أردفها بالقول: (فهذه عشرة أفعال كلها بالكسر إلا (رَ) فيفتح في جميع أمثلته لفتح عين مضارعه، وكلها متعدية إلا (نِ) فلازم لأنه بمعنى تأنَّ. فالهاء في نِيَاه هاء المصدر لا المفعول به)[5].
والحقُّ أن هذه الأبيات لا تحيط بكل ما في العربية من أفعال اللفيف المفروق وإنما تقتصر على تسعة منها هي كل ما جاء مكسوراً فيها، أمّا (رَ) وهو المفتوح الوحيد فيها فليس من هذا الضرب، وإنما هو ناقص مهموز العين، إذ إن أصله (رأى) ومضارعه (يرأى) إلا أنَّ همزته تسقط تخفيفاً فيبقى على (يرى) ثم يبنى على حذف حرف العلة من آخره في صيغة الأمر فيبقى على (رَ) ووزنه (فَـ) لأن ما سقط منه هو العين واللام خلافاً لسائر الأفعال المذكورة في الأبيات إذ إنَّ وزنها (عِ) لأن ما سقط منها هو الفاء واللام.
* شواهد على اللفيف المفروق(/2)
وأما مبلغ عدة اللفيف المفروق في العربية فهو ثمانية عشر فعلاً وفق ما دلَّ عليه إحصاؤنا للأفعال العربية في المعجم الحاسوبي[6]. يضاف إليها أربعة أفعال لم نثبتها في معجمنا لضعف روايتها وانفراد بعض المعجمات بها. ويبلغ المجموع بها اثنين وعشرين فعلاً، فإذا استثنينا ما جاء في الأبيات السالفة منها، بقي لدينا ثلاثة عشر فعلاً تحتاج إلى مزيد بيان وإيضاح، وسأسردها فيما يلي مشفوعة بأبوابها الصرفية، ومصادرها، ومعانيها المختلفة، مع شواهد لها، محيلاً على أشهر المعجمات التي وردت فيها:
1 - وَثَى: أورد صاحب اللسان هذا الفعل بمعنى وشى في رواية - انفرد بها ابن الأعرابي وهو مولع بالنوادر - هذا نصها:
(وثى به إلى السلطان: وشى، عن ابن الأعرابي، وأنشد:
يجمع للرِّعاءِ في ثلاثِ
طولَ الصَّوى وقلةَ الإرْعاثِ
جمعَكَ للمُخاصم المُواثي
كأنه جاء على واثاه، والمعروف عندنا أثى)[7].
على حين عدّ صاحب القاموس الوثيَ لغةً في الوثء[8], وهو وصْمٌ يصيب اللحم ولا يبلغ العظمَ فيَرِمُ[9]، قال: (الوَثْيُ الوثْءُ ووُثِيَتْ يده بالضم فهي مَوْثِيَّة)[10].
وزاد صاحب التاج: (ونصُّ الليث وُثِيَتْ يدُهُ كرُمِيَتْ)[11].
ولم يرد هذا الفعل في إحصائنا الحاسوبي السالف لضعف روايته.
2 - وحَى: وَحَى يحِي وحياً، وقد ورد هذا الفعل بعدةِ معانٍ أشهرها:
أ - الإشارة والإلهام: قال: وَحَيْتُ إليه الكلام وأوْحَيْتُ[12].
ب - الكتابة: يقال: وَحَيْتُ الكتاب أَحِيه وَحْياً أي كتبْتُه. قال العجاج:
حتّى نَحَاهم جدُّنا والنّاحي
لقَدَرٍ كانَ وحاهُ الواحي
بثرْمَداءَ جهْرةَ الفِضاحِ
جـ - الإسراع: وحى وتوحّى بالشيء أسرع[13].
3 - وَخَى: وَخَى يخِي وخْياً إذا توجه لوجه، ووخى الأمر: قصده.
أنشد الأصمعي:
قالتْ ولم تقصِدْ له ولم تَخِهْ
ما بالُ شيخٍ آضَ من تشيُّخِهْ
كالكُرّزِ المربوطِ بين أَفْرُخِهْ[14] ؟
وقال الشاعر:(/3)
لو أبصرَتْ أبْكَمَ أعْمى أصْلَخا إذاً لسَمًّى واهتدى أنَّى وَخَى
أي أنَّى توجّه[15].
4 - وذِي: جاء في اللسان: (ابن الأعرابي: هو الوَذْيُ والوَذِيُّ، وقد أوذَى ووَذِي[16]. وهذا الفعل مما استدركه الزبيدي في التاج على القاموس، قال: (ومما يستدرك عليه: الوذْيُ: هو الودي، لما يخرج من الذكر بعد البول، لغة فيه عن ابن الأعرابي، ويُشدَّد أيضاً، وقد وذِي وأوذَى. ونقل ابن القطّاع عن ابن دريد وَذَى الحمارُ: أدْلَى[17] بالدال المهملة[18]، وشهوة وذِيّة كغَبِيَّة أي حقيرة)[19]. ولم يرد هذا الفعل في إحصائنا أيضاً.
5 - ورى: وَرَى يرِي وَرْياً. وورِي يرِي وَيورَى ورْياً ووُرِيًّا ورِيةً. وله معانٍ أشهرها:
أ - ورى القيحُ جوفَهُ يرِيه ورْياً أكَلَه، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لأن يمتلئ جوفُ أحدكم قيحاً حتى يرِيَهُ خيرٌ له من أن يمتلئ شِعراً).
وتقول منه: رِ يا رجل، وريا للاثنين، ورُوا للجماعة، وللمرأة رِي، وللمرأتين رِيا، وللنسوة رِينَ، والاسم الوَرَى بالتحريك[20].
ب - وَرَتِ النارُ ترِي وَرْياً ورِيَةً حسنةً، وَوَرِيَ الزَّند يرِي ووَرَى يرِي ويورَى وَرْياً ووُرِيًّا ورِيَةً، وهو وارٍ ووَرِيٌّ: اتَّقَد. قال الشاعر:
وجَدْنا زَنْدَ جدِّهمُ ورِيًّا وزِنْدَ بني هَوازِنَ غير وارِي[21]
جـ - وَرِيَ المخُّ كَوَلِيَ: اكتنز[22].
6 - وزى: وزَى يزِي. وقد عدَّه صاحب القاموس[23] واويًّا إذ رسم واواً قبله فتعقَّبه الزّبيدي بقوله: ( (و) هكذا في النسخ كأنه اغترَّ بما في نسخ الصحاح من كتابة الوزا بالألف فحسب أنه واوي، وقد صرَّح ابن عديس وغيره من الأئمة نقلاً عن البطليوسي أن الوزى يكتب بالياء لأن الفاء واللام لا يكونان واواً في حرف واحد، كما كرهوا أن تكون العين واللام في مثل قووت من القوّة فردُّوه إلى فعلت فقالوا قويت فتأمل ذلك)[24]. ولهذا الفعل معنيان:(/4)
أ - وَزَى الشيءُ يزِي: اجتمع وتقبّض[25] .
ب - وزَى فلاناً الأمرُ أي غاظه، ووزاه الحسدُ: قال يزيد بن الحكم:
إذا ساف من أعْيارِ صَيْفٍ مَصامة وزاهُ نشيجٌ عندها وشهيقُ
ولا يخفى ما بين المعنيين من صلة؛ لأن المغيظ تنقبض أسارير وجهه وتجتمع.
7 - وسى: وسَى رأسَهُ وأوْساهُ إذا حلقه بالمُوسَى[26]، وهو مما استدركه صاحب التاج على القاموس أيضاً، قال: (ومما يستدرك عليه الوسْيُ الحلْقُ، وقد وَسَى رأسَهُ كأوْسى)[27].
8 - وصى: وصَى يصِي وَصْياً: وصلَ واتّصل. جاء في اللسان:
ووصَى الرجلَ وصياً: وَصَلَهُ: ووصَى الشيءَ بغيره وصياً: وصله. أبو عبيد: وصيتُ الشيء ووصلتُه سواء: قال ذو الرمّة:
نَصِي الليلَ بالأيّام, حتى صلاتُنا مُقاسَمَةُ يَشتَقُّ أنصافَها السَّفْرُ[28]
ثم قال: (قال الأصمعي: وصَى الشيءُ يصي إذا اتّصل، ووصّاه غيره يصِيه وصلَه). هذا وقد انفرد صاحب القاموس بإيراد معنى لهذا الفعل يجعله في زمرة الأضداد، قال: (وَصَى كوَعَى: خسَّ بعد رفْعة واتَّزنَ بعد خِفَّةٍ)[29]. إلا أنّ الزبيدي تعقّبه بقوله: (قلت لم أر هذا لأحد من الأئمة وقد مرَّ هذا المعنى في (لشا) عن ابن الأعرابي)[30].
9 - وطى: نصَّ عليه صاحب اللسان بقوله: (وَطِيتُهُ وطْأً: لغة في وَطِئْتُهُ)[31].
وهو مما استدركه الزبيدي على القاموس حيث قال: (ومما يستدرك عليه: وطِيتُه لغة في وطِئْتُهُ عن سيبويه، وقد تقدَّم)[32]. وجاء في مادة (وطأ): (وقرأ بعضهم: {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [ طه: 1 - 2 ] بتسكين الهاء وقالوا أراد: طَأِ الأرض بقدميك جميعاً ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع إحدى رجليه في صلاته. قال ابن جني: فالهاء على هذا بدل من همزة طأ)[33].(/5)
قلت: وهذه القراءة تنسب إلى الحسن كما جاء في مختصر شواذّ القرآن لابن خالويه[34]. على حين نسبها أبو حيان في البحر إلى فرقة ؛ منهم الحسن وعكرمة وأبو حنيفة وورش في اختياره[35] .
وقد أورد أبو حيان في تفسير {طه} على قراءة الجهور - أي طاها - قولاً يلتقي مع ما جاء في اللسان، قال: (وقيل طا فعل أمر، وأصله طأ الأرضَ، أي طأ الأرض بقدميك ولا تراوح، إذ كان يراوح حتى تورَّمت قدماه).
ولم يرد هذا الفعل في إحصائنا الحاسوبي لأننا استبعدنا اللغات.
10 - وكى: وَكَى القِرْبَةَ وأوكاها وأوكى عليها إذا شدَّ وِكاءَها أي رِباطَها[36]، جاء في التاج: (.. قال وأوكى رباعياً أفصح من الثلاثي كما في الفصيح وغيره. قلت: ولذا اقتصر عليه الجوهري)[37].
11 - ومى: وَمَى يمِي. أورده صاحب اللسان بقَوله: (الفرّاء: أومى يومي وومَى يمِي مثل أوحى ووحى)[38]. والإيماء الإشارة بالأعضاء. وهو مما استدركه الزبيدي على القاموس في التاج[39]. ولم يرد هذا الفعل في إحصائنا.
12 - وهى: وهَى يهِي: ووَهيَ يهِي وهياً، كوعَى وولِي: تخرَّق وانشقَّ واسترخى رباطُهُ. قال ابن هرْمة:
فإن الغيثَ قد وهِيتْ كُلاهُ ببطحاءِ السَّيالة فالنظيمِ[40]
13 - يدي: يدَى يدِي، ويدِي يَيْدَى. يتصرف من بابين ولكل منهما معنى أو أكثر:
أ - يدِي فلانٌ من يدِه كرضي: ذهبت يده وَيَبِسَتْ، ومنه قول الكميت:
فأيٌّ ما يكنْ يكُ وهْو منّا بأيدٍ ما وَبَطْنَ ولا يَدِينا[41]
ب ـ يَدَيْتُ الرجلَ يَدْياً: أصبت يده أو ضربتها فهو مَيْديٌّ.
ويَدَيتُ الرجل: اتخذت عنده يداً، كأيديت عنده يداً فأنا مودٍ وهو مودًى إليه.
قال بعض بني أسد:
يَدَيتُ على ابنِ حسحاسِ بنِ وهْبٍ بأسفلِ ذي الجِذاةِ يَدَ الكريم
وأنشد شمر لابن أحمر:
يدٌ ما قد يَدَيْتُ على سُكَينٍ وعبد الله، إذ نهِشَ الكُفُوفُ[42]
أفعال أخرى تبقى على حرف واحد:(/6)
وبعدُ فليس هذا الضرب من الأفعال - أعني ما يبقى على حرف واحد في صيغة الأمر - مقصوراً على اللفيف المفروق، بل تدخل فيه أنواع صرفية أخرى كما رأينا في (رأى) التي تصبح على (رَ) وكما ذكر ابن جني في (بأى) التي تخفف في الأمور فتغدو (بَ)[43]. وعليه فإن معظم حروف العربية يمكن أن تستعمل على هذا النحو، وقد أفرد لها ابن جني فصلاً من كتاب سر الصناعة عنونه بقوله: (وهذا فصل لإفراد الحروف في الأمر ونظمها على المألوف من استعمال حروف المعجم)[44] أتى فيه على حروف العربية حرفاً حرفاً، ونصَّ على إغفال ما أغفل منها - أي لم يستعمل منه فعل أمر - وهي سبعة أحرف: (الضاد, والطاء، والظاء، والغين, والواو، والمدّة, والياء). وكل هذه الحروف مهمل في المعجمات أيضاً عدا الطاء، فقد ورد لغةً في وطِئ كما تقدّم.
إن إنعام النظر في جملة ما ورد من هذه الأفعال في العربية يفضي بنا إلى ملاحظة جملة من الأمور أهمها:
- كل هذه الأفعال واوي الفاء، عدا الأخيرة وهو (يدي) فيائيٌّ، ولم يمنع ذلك من وجود (ودي) الواوي.(/7)
- جل هذه الأفعال يتصرف من باب ضرب (الباب الثاني: فتح كسر) وبعضها يجمع إليه باب حسِب (الباب السادس: كسرتان) فيتصرف من بابين (كورِي ووهِي) وبعضها يقتصر على الباب السادس (كَوَلِي). وفي جميع ذلك ينبغي حذف الفاء لوقوعها بين عدوتيها كما سلف بيانه، غير أن هناك فعلاً واحداً اقتصر تصرُّفه على باب عَلِمَ (الباب الرابع: كسر فتح) وهو: (وجِي يوجَى) بمعنى حفِي، مما يقتضي ثبوت الفاء فيه في صيغتي المضاري والأمر لعدم وقوعها بين عدوتيها ؛ إذ انفتح ما بعدها. على أن ابن مالك لم يستعمل هذا الفعل في أبياته السالفة بهذا المعنى، وإنما استعمله بمعنى اللكز والقطع، مما يدل على أنه تسهيل لفعل (وجأ يجأ)[45]. وهو أيضاً مفتوح العين، وإن حذفت فاؤه كما حذفت من يَهَب ويضَع، مما يقتضي فتح العين في صيغة الأمر أيضاً، فنقول منه (جَ) يا فلان وليس (جِ) كما ورد في الأبيات، وعليه فثمَّة فعلان مفتوحان لا فعل واحد كما جاء في حاشية الخضري في النقل المتقدم. إلا أن ابن جني حكى لغةً لبعض العرب (جا يجي) بغير همز ثم قال: (فإذا أمرت قلت: جِ يا رجلُ، وجِيا، وجُوا، وجِي يا امرأة، وجِيا، وجِينَ، فاعرفه)[46].
وقبل أن أختم القول عنَّ لي أن أنظم ما فات ابن مالك رحمه الله نظمُهُ من هذه الأفعال، فقلت محاكياً نظمه:
إنّي أقولُ لمنْ طالت قطيعَتُهُ صِ الرَّحْمَ ويك صِياهُ صُوهُ صِي صِينَ
وإنْ وشَيْتَ بقوم مفسدين فقلْ ثِ بالمسيء ثِياهُ ثُوهُ ثِي ثِينَ
وإنْ أمرتَ بكَتْبٍ للكتابِ فقل حِ يا صديقي حِياهُ حُوهُ حِي حِينَ
كذا تقول من الإيماء في خَفَرٍ مِ يا خليلي مِياهُ مُوهُ مِي مِينَ
وإنْ أشرْتَ بقصْدٍ للمسيرِ فقلْ خِ الدَّربَ نهجاً خِياهُ خُوهُ خِي خِينَ
وإن فرَغْتُ من الإحرامِ نُودِيَ بي سِ الرأسَ حالاً سِياهُ سُوهُ سِي سِينَ
وإنْ قصدتَ اتَّقاد الزَّند قلت له رِ يا زُنيدُ رِياهُ رُوهُ رِي رِينَ(/8)
وقلْ لمن يُكثرُ الإسرافَ في بَطَرٍ كِ الكيسَ وَيْكَ كِياهُ كُوهُ كِي كِينَ
وقلْ للابسِ ثوبٍ بعد طولِ بِلًى هِ الثوبَ وَيْكَ هِياهُ هُوهُ هِي هِينَ
وإنْ أمرتَ بغيظٍ للعدوِّ فقلْ زِ القومَ جميعاً زِياهُ زُوهُ زِي زِينَ
وقُلْ لمن يزدهي كبراً وعجرفةً طَ التُّربَ وَيكَ طَياهُ طَوهُ طَيْ طَيْنَ
وإن أمرتَ بوذْيٍ قلت في ضَحِكٍ ذِ يا حماري ذِياهُ ذُوهُ ذِي ذِينَ
ـــــــــــــــــــــــ
[1] الإمام العلامة سهل بن محمد بن عثمان السجستاني ثم البصري, مقرئ نحوي لغوي, أخذ عن أبي زيد الأنصاري والأصمعي ويعقوب الحضرمي, وتصدّر للإقراء والحديث والعربية. حدّث عنه أبو داود والنسائي وعدد كثير, وتخّرج به أئمة منهم المبرد, وله باع طويل في اللغة والشعر والعروض واستخراج المعمّى. خلّف آثاراً كثيرةً منها: إعراب القرآن, والمقصور والممدود, وما يلحن فيه العامة, والقراءات, واختلاف المصاحف. وكان يقول قرأت كتاب سيبويه على الأخفش مرتين. توفي سنة 255هـ, سير أعلام النبلاء 12/268 ـ 270. وانظر طبقات النحويين واللغويين للزُّبيدي 94 ـ 96, وبغية الوعاة 1/606.
[2] التحريم: 6.
[3] بغية الوعاة 1/606
[4] حاشية الخضري على ابن عقيل 31, وحاشية تشويق الخلان على شرح الآجرّومية 94, والفضل في تنبيهي على هذه الأبيات ومصدرها ينصرف إلى شيخنا العلامة محمد صالح الفرفور رحمه الله تعالى وجزاه الجزاء الأوفى.
[5] حاشية الخضراوي 31.
[6] انظر (إحصاء الأفعال العربية في المعجم الحاسوبي) ص24.
[7] اللسان (وثى).
[8] القاموس (وثى).
[9] اللسان (وثاً).
[10] القاموس (وثى).
[11] التاج (وثي).
[12] اللسان والتاج (وحى).
[13] اللسان والقاموس (وحى).
[14] اللسان (وخى). وفي القاموس: (توخّى رضاه: تحرّاه, كوخاه).
[15] اللسان (وخى وصلخ) التاج (وخى).
[16] اللسان (وذي).
[17] أدلى الفرس وغيره: أخرج جردانَهُ ليبول أو يضرب. اللسان (دلا).(/9)
[18] الذي في طبعة التاج الحديثة (طبعة المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدولة الكويت): (وذى الحمارُ: أذْلَى, بالذال المعجمة) وقد عزا المحقق ذلك إلى كتاب الأفعال 3/334.
[19] التاج (وذي).
[20] اللسان (وري).
[21] اللسان (وري).
[22] القاموس (وري).
[23] القاموس (وزا).
[24] التاج (وزي).
[25] اللسان (وزي).
[26] اللسان (وسي).
[27] التاج (وسي).
[28] اللسان (وصي).
[29] القاموس (وصي).
[30] التاج (وصى).
[31] اللسان (وطي).
[32] التاج (وطي).
[33] اللسان والتاج (وطأ).
[34] مختصر في شواذ القرآن من كتاب البديع 87.
[35] البحر المحيط 6/224. وانظر معجم القراءات للدكتور عبد اللطيف الخطيب 5/407 ـ 408.
[36] اللسان والقاموس (وكى).
[37] التاج (وكي).
[38] اللسان (ومي).
[39] التاج (ومي).
[40] اللسان والقاموس (وهي).
[41] وبطن: ضعُفن, ويدين: شَللْنَ. اللسان والتاج (يدي).
[42] اللسان (يدي).
[43] سر الصناعة 2/822.
[44] سر الصناعة 2/831.
[45] جاء في اللسان (وجأ) تعليقاً على حديث: (أنه ضحّى بكبشين موجوءين): (ومنهم من يرويه مَوْجِيَّين بغير همز على التخفيف, فيكون من وجيتُهُ وجياً فهو موجِيٌّ).
[46] سر الصناعة 2/823 ـ 824.(/10)
العنوان: ماذا بعد رمضان
رقم المقالة: 1269
صاحب المقالة: إعداد القسم العلمي
-----------------------------------------
أحبتي في الله: لقد كان شهررمضان ميدانًا يتنافس فيه المتنافسون، ويتسابق فيه المتسابقون، ويحسن فيه المؤمنون، تروضت فيه النفوس على الطاعة، وتربت فيه على الفضيلة، وترفعت فيه عن الخطيئة، وتعالت عن الرذيلة، واكتسبت فيه كل خير وهدى، وتزودت فيه من الرشاد والبر والتقى، وسمت فيه النفوس إلي جنة الفردوس، وتطلعت فيه لرضى الملك القدوس، وتعالت فيه الهمم وارتفعت، وسمت فيه العزائم فخشعت القلوب ودمعت الأعين وخضعت الجوارح وزكت النفوس وتهذبت الأخلاق.
فَيَا عَيْنُ جُودِي مَنْ بِالدَّمْعِ مِنْ أَسَفٍ عَلَى فِرَاقِ لَيَالٍ ذَاتِ أَنْوَارِ
عَلَى لَيَالٍ لِشَهْرِ الصَّوْمِ مَا جُعِلَتْ إلاَّ لِتَمْحِيصِ آثَامٍ وَأَوْزَارِ
مَا كَانَ أَحْسَنَنَا وَالشَّمْلُ مُجْتَمِعٌ مِنَّا المُصَلِّي وَمِنَّا القَانِتُ القَارِي
فَابْكُوا عَلَى مَا مَضَى مِنَ الشَّهْرِ وَاغْتَنِمُوا مَا قَدْ بَقِي مِنْ فَضْلِ أَعْمَارِ
ولنا مع ختام الشهر الكريم واستقبال العيد السعيد عدة وقفات وفوائد وعظات.
1- الوقفة الأولى (لا تكن رمضانيًّا)
أيها الأحبة: لقد اعتادت النفوس في شهر الخير والبركات وموسم المغفرة والرحمات، على الإقبال على الطاعات، والمسارعة في الخيرات، والتنافس في سائر القربات، ولكن بمجرد إعلان ليلة العيد نجد الكثير من المسلمين قد تنكبوا الطريق، وضلوا السبيل وانحرفوا عن الصراط المستقيم، وانفلتوا من الطاعات، وانغمسوا في الملاهي والملذات، وسارعوا إلى المعاصي والشهوات، بل وقعوا في كبائر الإثم وعظائم الموبقات.
ولقد ذم السلف هذا الصنف من الناس وهذا النوع من الأجناس.
قيل لبِشْرٍ: "إن قومًا يجتهدون ويتعبدون في رمضان". فقال: "بئس القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان، إن الصالح يجتهد ويتعبد السنة كلها".(/1)
وسئل الشبلي: "أيهما أفضل رجب أو شعبان" فقال: "كن ربانيًّا، ولا تكن شعبانيًّا".
فيا أخي الحبيب: لازم طاعة الله - عز وجل - على الدوام، فرَبُّ شعبان ورمضان هو رب الشهور كلها، فليس لعموم الطاعة زمن محدد، وليس للتقوى موسم مخصص، فعمل العبد لا ينتهي بموسم، ولا ينقضي عن مناسبة، بل العبد مأمور بالعمل حتى الممات {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99]. وعن علقمة قال: قلت لعائشة: "هل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخص شيئًا من الأيام؟".
قالت: "لا بل كان عمله دِيمةً"؛ بخ ( 1987) مسلم بشرح النووي (6/72).
فكان - صلى الله عليه وسلم - يستمر في العمل الصالح، ويداوم على العبادة ويواظب على الطاعة.
ومن علامة توفيق الله - عز وجل - وقبوله العمل أن يتبع الحسنة بعد الحسنة، ويوفقه على المواظبة على فعل الخير، ولزوم طريق الاستقامة وطريق الهداية قال تعالى:{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد: 17].
وما يفعله الكثير من المسلمين بعد انقضاء الشهر الكريم من التكاسل عن الطاعات، وتضييع الفرائض والواجبات، والتساهل في الذنوب والسيئات، والانجراف والارتكاس في الموبقات، فهذا كله من تبديل نعمة كفرًا، وفاعله كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثًا، وكمن يبني قصرًا ويهد مصرًا.
2- الوقفة الثانية (المؤمن بين الخوف والرجاء)
يقول الحافظ ابن رجب في "اللطائف": "لقد كان السلف الصالح يجتهدون في إتمام العمل وإكماله وإتقانه، ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله ويخافون من رده وإبطاله".
قال علي - رضي الله عنه -: "كونوا لقبول العمل أشد اهتمامًا منكم بالعمل، ألم تسمعوا الله - عز وجل – يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27]".(/2)
وعن فضالة بن عبيد قال: "لأن أكون أعلم أن الله قد تقبل منى مثقال حبة من خردل أحب إلي من الدنيا وما فيها؛ لأنه يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27]. ومن بلغ مرتبة المتقين حتى يكون من المقبولين؟!"
وقال عبدالعزيز بن أبي رواد: "أدر كتهم يجتهدون في العمل الصالح فإذا فعلوه وقع عليهم الهم أيقبل منهم أم يرد".
وروي عن علي أنه كان ينادي في آخر ليلة من رمضان: "ياليت شعري من المقبول فنهنيه، ومن المحروم فنعزيه".
وقد جاء عن عائشة أنها سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الآية {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون: 60]: "أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون".
قال:((لاَ يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لاَ يُقْبَلَ مِنْهُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ))؛ رواه الترمذي (3175) وابن ماجة (4198)، وهو في الصحيحة (162).
ولكن على المسلم أن يحسن ظنه بربه، وأنه غفور رحيم جواد كريم، يقبل اليسير؛ فيسير العبد في طريقه الى الله – عز وجل - بالخوف والرجاء كجناحي الطائر متأسيًا في ذلك بهدي الأنبياء وطريقة الأولياء قال تعالى عن المرسلين: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90]
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ))؛ رواه مسلم (2877).
3- الوقفة الثالثة (عرفت فالزم)
أخي الحبيب: عرفت أثر العبادة، وذقت طعم الإيمان، وحلاوة الطاعة، ولذة المناجاة؛ فعليك أن تحافظ على هذه المكاسب، وتلك المنجزات، فتحرص على الطاعة، وتقبل على العبادة، وتلزم الطريق المستقيم والهدي القويم.(/3)
ورؤوس الأعمال التي زكت فيها النفوس، ورقت القلوب، ودمعت الأعين، وارتفعت فيها الأكف، من الصيام والقيام والصدقة والإحسان والذكر والتلاوة والدعاء والالتجاء، ليست مقتصرة على رمضان، وليست مختصة بشهر الصيام، بل من الأعمال والعبادات والقرب والطاعات، ما سبب لتضعيف الحسنات وتكفير السيئات ورفع الدرجات، ولكننا عنها غافلون وفيها مفرطون، فالصلوات الخمس كفارة لما بينهما، وكذا الجمعة إلى الجمعة، وإذا كان رمضان هو شهر الدعاء، ففي الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله شيئًا إلا أعطاه الله إياه.
وكذا الصدقة والإحسان والذكر والتلاوة، مشروعة في وقت، وأجرها ثابت في كل حين. فعليك أخي الحبيب بالعزيمة الصادقة، والإرادة الجازمة، والنية الخالصة على مواصلة العبادة، والاستمرار على الطاعة، والمداومة الأعمال الصالحة، والاستفادة من هذه الغنائم الباردة، والفضائل المتعددة والمتنوعة، والأزمنة الفاضلة.
4- الوقفة الرابعة (صيام الست)
لابد للعبد في طريقه إلى الله - عز وجل - من تقصير في الاستقامة، ومن نقص في الطاعة، وخلل في الهداية؛ ولهذا قال الله تعالى: {فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ} {فصلت: 6} فيجبر التقصير بالاستغفار، ويسد الخلل بالتوبة والأوبة، ويكمل النقص بنوافل العبادات، كما جاء في الحديث المرفوع عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنْ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ))؛ رواه الترمذي (413).(/4)
ومن النوافل التي حث عليها الشارع ورغب فيها وأرشد على القيام بها، صيامُ ست من شوال فعن أبي أيوب الأنصاري قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ صَامَ رَمضَانَ وَأَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ كُلَّهُ))؛ رواه مسلم.
فاتقوا الله أيها الأخوة، وجدوا في العمل، واعتبروا بما سلف؛ فالفرص تفوت، والأجل موقوت والإقامة محدودة، والأيام معدودة {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المنافقون: 11].(/5)
العنوان: ماذا بعد رمضان
رقم المقالة: 1525
صاحب المقالة: الشيخ إبراهيم الحقيل
-----------------------------------------
الحمد لله ذي العرش المجيد؛ يحيي ويميت، ويبديء ويعيد، وهو فعال لما يريد، نحمده على جزيل عطائه، وعظيم مَنَّهِ، فقد أحسن بنا إذ مدّ في أعمارنا، ومتعنا بقواتنا، حتى بلغنا نهاية شهرنا، وأعاننا في صيامنا وقيامنا، فله الحمد لا نحصي ثناء عليه كما أثنى هو على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وسعت رحمته كل شيء فكتبها لعباده المؤمنين، وأبعد عنها الكافرين {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف:156].
وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله؛ بشرنا وأنذرنا، وبلغنا دين ربنا، ونصح لنا، وأشفق علينا، فجزاه الله تعالى عنا وعن المسلمين خير الجزاء، وصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ كانوا يستبقون إلى العمل الصالح استباق أهل الدنيا إلى دنياهم، وقد جعلوا زمانهم كله رمضان في طاعة الله تعالى، واجتناب معصيته، والتابعين لهم بإحسان.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى -أيها المسلمون- واعتبروا بمرور أيامكم، وانقضاء شهوركم وأعوامكم؛ فما ذلكم والله إلا من أعماركم، ولن تجدوا في قبوركم وآخرتكم إلا ما قدمتم في دنياكم {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ سَرِيعُ الحِسَابِ} [البقرة:200-202].(/1)
أيها الناس: إن كان رمضان قد انقضى بما أودع العباد فيه من أعمالهم، فإن الإنسان لا ينقضي عمله إلا بالموت، ويكتب عليه فيما بقي من عمره ما عمل من خير ومن شر؛ ولذا أمرنا ربنا جل جلاله بأن نجعل غاية سعينا الموت، فلا يوقفنا عن العمل الصالح إلا هو {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ اليَقِينُ} [الحجر:99].
وأهل الإيمان يتزودون من الأعمال الصالحة، كما أن أهل الفجور والعصيان يكتب عليهم ما يعملون من سيئات، روى أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:(إذا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عنه عَمَلُهُ إلا من ثَلَاثَةٍ: إلا من صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أو وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له) رواه مسلم. فأخبر عليه الصلاة والسلام أن الموت هو قاطع العمل، وليس انتهاء شهر رمضان كما يفعله كثير من الناس، يهجرون القرآن والمساجد بعد رمضان.
ولأجل أن عمل الإنسان لا ينقطع إلا بموته كان طول عمر المؤمن خيرا له لتزوده من الطاعات، واكتسابه الحسنات، فَكُرِه في حقه أن يتمنى الموت أو يدعو على نفسه به؛ كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا يَتَمَنَّى أحدكم الْمَوْتَ ولا يَدْعُ بِهِ من قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ إنه إذا مَاتَ أحدكم انْقَطَعَ عَمَلُهُ وَإِنَّهُ لَا يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ عُمْرُهُ إلا خَيْرًا) رواه مسلم.
ولكن كثيرا من المسلمين في غفلة عن هذه الأحاديث العظيمة، وما تحويه من معان جليلة، فلا يعرفون من نعمة بقائهم في الدنيا، ومَدِّ الله تعالى لهم في أعمارهم إلا أنهم بقوا للتمتع بالشهوات، وجمع الحطام، والتكاثر في الأموال والأولاد، والعمل للدنيا وهي تفنى، وهم عنها زائلون، مع تفريطهم في عمل الآخرة وهي تبقى، وهم فيها مخلدون؛ فاجتهدوا فيما كُفُوا، وغفلوا عما كُلِّفوا.(/2)
إن الله عز وجل لا تنفعه طاعتنا، ولا تضره معصيتنا، كيف؟ وهو الغني عنا، وقد قال سبحانه في الحديث القدسي (يا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي) رواه مسلم.
وهو سبحانه وتعالى غني عن تعذيبنا وإرهاقنا؛ ولذا اختار لنا من الدين أحكمه وأحسنه وأيسره {مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} [المائدة:6] وفي الآية الأخرى {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78].
ولم يكلفنا عز وجل من الأعمال ما لم نطق: دعاه المؤمنون فقالوا {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة:286] فقال سبحانه وتعالى: (قد فعلت) رواه مسلم. وقال نبيه عليه الصلاة والسلام: (يا أَيُّهَا الناس خُذُوا من الْأَعْمَالِ ما تُطِيقُونَ فإن اللَّهَ لَا يَمَلُّ حتى تَمَلُّوا وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إلى الله ما دَامَ وَإِنْ قَلَّ) رواه الشيخان من حديث عائشة رضي الله عنها.
وكما أنه عز وجل لم يعذب البشر في الدنيا إلا بما كسبت أيديهم، وما يعفو عنه أكثر مما يؤاخذهم به؛ فكذلك لا يعذبهم في الآخرة إلا بما اقترفوا، وما يتجاوز عنه أكثر مما يؤاخذ به {مَا يَفْعَلُ اللهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللهُ شَاكِرًا عَلِيمًا} [النساء:147].(/3)
ولذا كان سبحانه وتعالى شديد الفرح بتوبة من يتوب من عباده؛ لغناه عن تعذيبهم، وإرادته الخير والفلاح لهم في الدنيا والآخرة عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: (للهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ من رَجُلٍ في أَرْضٍ دَوِّيَّةٍ مَهْلَكَةٍ معه رَاحِلَتُهُ عليها طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وقد ذَهَبَتْ فَطَلَبَهَا حتى أَدْرَكَهُ الْعَطَشُ ثُمَّ قال أَرْجِعُ إلى مَكَانِيَ الذي كنت فيه فَأَنَامُ حتى أَمُوتَ فَوَضَعَ رَأْسَهُ على سَاعِدِهِ لِيَمُوتَ فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَاحِلَتُهُ وَعَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَاللهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ من هذا بِرَاحِلَتِهِ وَزَادِهِ) رواه مسلم.
وهو سبحانه أرحم بعباده من أنفسهم، وأسرع إلى عباده إذا أقبلوا عليه من سرعتهم إليه، وقد كتب عز وجل أن رحمته تسبق غضبه، روى أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يقول الله تَعَالَى: أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وأنا معه إذا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي في ملأ ذَكَرْتُهُ في ملأ خَيْرٍ منهم وَإِنْ تَقَرَّبَ إلي شبرا تَقَرَّبْتُ إليه ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إلي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إليه بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً) رواه الشيخان.
وفي لفظ لمسلم: (إِنَّ اللَّهَ قال: إذا تَلَقَّانِي عَبْدِي بِشِبْرٍ تَلَقَّيْتُهُ بِذِرَاعٍ وإذا تَلَقَّانِي بِذِرَاعٍ تَلَقَّيْتُهُ بِبَاعٍ وإذا تَلَقَّانِي بِبَاعٍ جئته أَتَيْتُهُ بِأَسْرَعَ) فلماذا لا نقبل على الله تعالى وهو يريدنا، ولماذا نَفِرُّ من عبادته بعد رمضان ولا مفرَّ لنا منه إلا إليه.(/4)
لقد أقبلنا عليه في رمضان بقلوبنا، واجتهدنا في أعمالنا، ولازمنا مساجدنا، ولم تفارقنا مصاحفنا، ورأينا صلاحا في قلوبنا، ووجدنا لذة عظيمة لم نجدها في أي شيء من متاع الدنيا، أتُرانا بعد رمضان نفارق ذلك، ونبتعد عنه، ونحن نعلم أن ربنا أسرع إلينا من سرعتنا إليه، ونحرم أنفسنا لذة عبادته وطاعته، والانكسار بين يديه، والافتقار إليه، ونحن الفقراء إليه وهو الغني عنا؟!
قال إبراهيم بن أدهم لأبي يوسف الغسولي: يا أبا يوسف، لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من النعيم والسرور لجالدونا بالسيوف أيامَ الحياة على ما نحن فيه من لذيذ العيش وقلة التعب، فقلت له: يا أبا إسحاق، طلب القوم الراحة والنعيم فأخطأوا الطريق المستقيم.
ومن تأمل حالنا، وقارنه بحال سلفنا الصالح عجب من ذلك؛ إذ نعجب بقليل عملنا، وتزهو نفوسنا، ولا نخاف الرد وعدم القبول. أما سلفنا الصلاح فمع كثرة عملهم، وشدة اجتهادهم يخافون من عدم القبول، ويدعون الله تعالى ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، فإذا بلَّغهم إياه دعوه ستة أشهر أن يتقبله منهم، وحقَّ فيهم وفي أمثالهم قول الله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون:57-61].
ورضا العبد بطاعته دليل على حسن ظنه بنفسه، وجهله بحقوق العبودية، وعدم علمه بما يستحقه الرب جل جلاله وبما يليق أن يعامل به.
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: فالرضا بالطاعة من رعونات النفس وحماقتها، وأرباب العزائم والبصائر أشد ما يكونون استغفارا عقيب الطاعات؛ لشهودهم تقصيرهم فيها، وترك القيام لله بها كما يليق بجلاله وكبريائه. اهـ.(/5)
فحذار يا عباد الله أن تغتروا بعملكم في رمضان، وتتركوا العمل بعده؛ فإن الطاعة المتقبلة تقود إلى الطاعة، كما أن المعصية تولد معصية أخرى.
جعلنا الله تعالى من أهل الطاعة والاستقامة، وخلف علينا رمضان بخير، وتقبل منا الصيام والقيام.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم....
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- وأطيعوه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ} [الحشر:18-19].
أيها المسلمون: أشكروا الله تعالى على ما منَّ به عليكم من صيام رمضان وقيامه، والهجوا بدعائه أن يتقبل أعمالكم، وأن يصلح قلوبكم؛ فإن الله عز وجل لا ينظر إلى صوركم وأجسامكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم.(/6)
واشكروه عز وجل إذ هداكم للعيدين الشرعيين، وقد ضلَّ عنهما أكثر البشر، ومن شكر الله تعالى على هذه النعمة العظيمة الاقتصار على العيدين الشرعيين: الفطر والأضحى، وعدم إحداث أعياد أخرى، أو المشاركة فيها، مهما كانت مناسبتها، ومهما زينها المزخرفون، وسوغها المسوغون؛ فإن الأعياد من الشرائع، ولا يحلُّ للناس أن يبتدعوا الشرائع، وإنما تؤخذ الشرائع من دين الله تعالى: من كتابه عز وجل، أو من سنة نبيه محمد عليه الصلاة والسلام، وإلا كان ذلك افتياتا على الله تعالى في شرع شيء لم يأذن به. وقد ذم الله تعالى المشركين بما يشرعون لأنفسهم وأتباعهم من الشرائع والمناسك {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ} [الشُّورى:21] وأخبر عز وجل أن لكل أمة من الأمم شريعتها ومنهجها، {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة:48] وشريعة محمد عليه الصلاة والسلام وأتباعه هي شريعة الإسلام، والإسلام في باب الأعياد قد فرض العيدين الشرعيين، وأبطل ما سواهما، فلا يحل أن يتخذ المسلمون أعيادا غيرهما، ولا أن يستبدلوا بهما سواهما، وإلا كان ذلك من كفر نعمة الله تعالى على ما هدانا للعيدين الكبيرين، وهو من استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير، وذلك سبب اندراس الشريعة، وغربة الدين، وسيادة الجهل، وتحكم الهوى، كما هو واقع في كثير من بلاد المسلمين الذين تهاونوا في مسألة الابتداع في الدين؛ حتى حلت البدعة محل السنة، والضلال مكان الهدى، والجهل بدل العلم، نسال الله تعالى أن يبصرنا بالحق، وأن يعننا على التزامه.
ومن شكر نعمة الله تعالى على العيد:اجتناب المنكرات من الغناء والمعازف والاختلاط، وتبرج النساء وسفورهن، وبروزهن في الأماكن العامة بأبهى حلة، فيكون في ذلك فتنة وفساد عريض، قد تنتج عنه الفواحش التي عذبت بها بعض الأمم قبلنا.(/7)
وقد أمرنا الله تعالى بشكره في هذا اليوم العظيم {وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة:185] وكيف يُشكر اللهُ تعالى بمخالفة أمره، وإتيان نهيه في هذا اليوم الذي شرعه لنا عيدا، وأمرنا بشكره عز وجل فيه.
وإن من تمام العهد مع الله تعالى: المحافظة على فرائضه بعد رمضان، وعدم التفريط فيها، وإتباعها بالنوافل التي تكمل نقصها، وترقع خروقها، وذلك من علامات القبول إن شاء الله تعالى، وما صام المؤمن وقام لله تعالى إلا وهو يرجو القبول، فليأخذ بأسبابه، ولا ينكص على عقبيه.
وقد حثنا نبينا محمد عليه الصلاة والسلام على صيام ستة أيام من شوال عقب رمضان؛ كما في حديث أبي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: (من صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا من شَوَّالٍ كان كَصِيَامِ الدَّهْرِ) رواه مسلم.
وعن ثَوْبَانَ رضي الله عنه عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صَامَ رَمَضَانَ فَشَهْرٌ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدِ الْفِطْرِ فَذَلِكَ تَمَامُ صِيَامِ السَّنَةِ) رواه أحمد.
فاحرصوا رحمكم الله تعالى على صيامها مجتمعة أو متفرقة، في أول الشهر أو وسطه أو آخره، فأيا ما فعل المكلف من ذلك أجزأه، واستحق الأجر المرتب عليها إن قبل الله تعالى منه.
ومن كان عليه قضاء أيام من رمضان فلا يحل له أن يصومها حتى يقضي ما عليه، ويبرئ ذمته من فريضة الله تعالى، والفرائض تقدم على النوافل.
واختموا شهركم بصالح أعمالكم ، وأكثروا من الاستغفار، وسلوا الله تعالى القبول؛ فإن المعول عليه في الأعمال قبولها، ولا تغتروا بعملكم، ولا تسيئوا الظن بربكم، وكونوا بين الخوف والرجاء، ترجون ربكم، وتخافون تقصيركم.
وصلوا وسلموا على نبيكم...(/8)
العنوان: ماذا تفعلين لو شب حريق؟
رقم المقالة: 1135
صاحب المقالة: خاص: الألوكة
-----------------------------------------
هل تخيلت نفسك – لا قدر الله – في مواجهة حريق؟ وكيف تتصرفين وقتها؟ هل ستساهمين في إخماد الحريق وإنقاذ الآخرين؟ أم ستبحثين عن مخرج للهرب من ذلك المارد الذي يأكل الأخضر واليابس؟
إن منع اندلاع الحرائق من ممارسات السلامة التي تحظى بأهمية كبيرة؛ حيث تأتي النيران على كل ما تجده في طريقها، وعلى الرغم من أن خسائر البيوت أو الممتلكات أمر مؤسف للغاية، إلا أن آثار الحريق على الأرواح تعد أفدح الخسائر على الإطلاق؛ فالبيت يمكن إعادة بنائه، والممتلكات يمكن تعويضها، ولكن كيف يمكننا إعادة الحياة لعزيز فقدناه بسبب الحريق، تلك خسارة لاسبيل لتعويضها، ثم إن التشوهات الجسدية، والجراح النفسية التي يخلفها الحريق ربما لا تندمل مهما طال العمر.
الإسعافات الأولية:
على الرغم من أن منع الحرائق يجب أن يكون هدفنا الدائم والمستمر، إلا أنه من المهم أن نعرف كيفية إجراء الإسعافات الأولية؛ فالعلاج في المراحل المبكرة قد يقلل إلى حد كبير من حجم الإصابات، بل ربما يكون سبباً في إنقاذ حياة مصاب، وتختلف هذه الإسعافات باختلاف نوع الإصابة على النحو التالي:
استنشاق الدخان:
من المعروف أن الأدخنة والأبخرة السامة تنبعث في الهواء عند اندلاع الحريق، واستنشاق تلك الأبخرة يمكن أن يؤدي إلى الموت لأنه يضعف قدرة الجسم في الحصول على ما يحتاجه من الأكسجين للقيام بوظائفه الحيوية، وفى حالة استنشاق الدخان وعدم توفر الأكسجين للمصاب بصورة كافية؛ فقد ينجم عن ذلك: صعوبة التنفس والإغماء وتوقف التنفس وتوقف القلب.
وفي هذه الحالة ينصح الخبراء بإتباع الإجراءات التالية لإنقاذ المصابين باستنشاق الدخان:
• تأكدي من أنه قد أُبْلِغَت الجهة المسؤولة عن الطوارئ إذا كان هذا ممكناً، وأن المساعدة في طريقها إليك.(/1)
• انقلي المصاب إلى منطقه جيدة التهوية للتنفس إذا كان هذا الإجراء لا يهدد سلامتك.
• إذا كان المصاب فاقداً للوعي بادري فوراً بفحص النبض، والتنفس لديه.
• إذا كان نبض المصاب قد توقف، ابدئي فوراً إجراء عملية إنعاش للقلب والرئتين، إذا كنت قد تلقيت تدريباً على ذلك، أما في حالة عدم قدرة المصاب على التنفس فعليك أن تبادري فوراً بإجراء تنفس اصطناعي لإنقاذه.
• إذا كان المصاب واعياً فساعديه على الاستلقاء.
• احرصي على تهدئة المصاب بقدر المستطاع وابعثي الطمأنينة في نفسه.
• لا تعطي المصاب أي طعام أو شراب أثناء انتظار وصول فريق الطوارئ.
الحروق:
تنتج الحروق عن الحرارة المنبعثة من النيران التي قد تدمر أنسجة الجسم، وتختلف طرق علاجها باختلاف نوع الحروق ودرجة شدتها.
فهناك حروق يسيرة تتمثل في احمرار الجلد الخارجي وانتفاخه قليلاً، ويعالج ذلك بحماية المنطقة المصابة في ماء بارد - لا ثلج – وتجفيفها، وتغطيتها، وعدم استخدام مواد مطهرة أو مراهم، وعدم إزالة الأنسجة الملتصقة، وعدم فتح البثور.
والدرجة الثانية للحروق تكون باحمرار الجلد الخارجي، ووجود بثور لتأثير الجلد الداخلي.
أما الدرجة الخطيرة فتتمثل في تشوُّه الجلد، وتفحمه، وفي هذه الحالة لا يستخدم الماء، ولا ينزع الجلد بل يغطى، ولابد أن ينقل المصاب فوراً إلى المستشفى.
ولمعالجة الحروق التي تسببها حرارة النيران اتبعي الخطوات التالية:
• أَطْفِئِي الحريق ما أمكنك ذلك، أو أَبْعِدِي المصاب عن مصدر الحريق.
• بَرِّدِي موضع الحرق حتى بعد إزالة مصدر الحريق؛ فالأنسجة الدقيقة تستمر في الاحتراق لعدة دقائق، وهو ما يسبب المزيد من الضرر؛ لذا يلزم تبريد أي بقعة محترقة بصب كمية وافرة من الماء البارد عليها فوراً من أي مصدر للماء متوفر بجوارك كحوض الغسيل، أو دش الحمام، أو خرطوم حريق.(/2)
• غطي الحروق باستخدام ضمادات جافة أو معقمة، أو أي قطعة قماش نظيفة، أو ملاءة نظيفة لتغطية الحروق الكبيرة؛ فذلك سوف يخفف من الألم، ويقلل من المضاعفات الناجمة عن الحرارة إلى أدنى حد ممكن، ثم إنه يمنع التلوث، ويقي من التعرض للعوامل الجوية.
تجنبي:
• وضع الثلج مباشرة إلا على الحروق الثانوية البسيطة فقط.
• لمس الحرق بأي شيء حتى ولو بيديك.
• إزالة قطع القماش التي تلصق بالمنطقة التي أصابها الحرق.
• قطع بثور الجلد المحروق التي تحتها ماء.
• وضع مرهم على الحروق المفتوحة.
• معالجة الحروق باستخدام بعض المواد المنزلية، مثل: الزبد، ومعجون الأسنان، واللانولين، والحليب، والطماطم، وغير ذلك.
انقلي المصاب إلى أقرب وحدة إسعاف في الحالات الآتية:
• إذا كان المصاب يعاني صعوبةً في التنفس.
• إذا كان الحرق قد شمل أكثر من جزء في الجسم، مثل الذراع والرجل.
• إذا كان الحرق قد شمل مناطق حساسة مثل الرأس، أو العنق، أو اليدين، أو الرجلين، أو الأعضاء التناسلية.
• إذا كان الحرق ناشئاً عن مصادر أخرى غير الحرارة مثل: المواد المتفجرة، والمواد الكاوية، والكهرباء.
• إذا كان المصاب طفلاً أو كهلاً.
• أثناء انتظارك سيارة الإسعاف، أبق المصاب مستلقياً على الأرض، ولكي تساعدي على خفض حرارة الجسم التي تنشأ عن الحروق، غطي المصاب ببطانية، وحافظي وبقية الموجودين على الهدوء، وطمئني المصاب، وكوني مطمئنة، وبذلك تكونين قد أحسنت التصرف.
مطفئة الحريق:
في الوقت الذي يجب أن تكون فيه الأولوية للوقاية من الحرائق، فإن تركيب مطفئات الحريق في المنزل، ومعرفة كيفية استخدامها قد يساعدان على مكافحة الحريق في مرحلة مبكرة قبل أن يخرج عن نطاق السيطرة.(/3)
إن مُطْفِئَات الحريق التي تُنقل باليد والْمُعدَّة للاستخدام بالمنازل، لم تصمم لمكافحة الحرائق الكبيرة، أو التي تنتشر بسرعة، ومع ذلك فهي مفيدة في مكافحة الحرائق الصغيرة، وإذا استعملت هذه المطفئات بالصورة الصحيحة فإنها قد تكون سبباً في إنقاذ الأرواح والممتلكات، إما بإطفاء هذا النوع من الحريق، أو احتوائه لحين وصول فريق إدارة الإطفاء.
إذا كان مجرد وجود مطفئة الحريق في متناول، يدك لا يحول دون اتخاذ الاحتياطات الوقائية لمنع نشوب أي حريق، فإنه من المهم معرفة المعلومات الأساسية الخاصة باستخدام مطفئات الحريق.
اختيار مطفئة الحريق:
• لا تشتري إلا مطفئات الحريق التي جرى اختبارها، واعتمادها من قبل مختبر معتمد.
• عند اختيار مطفئة الحريق استفيدي من البطاقات المعلقة على جانبها لكي تساعدك على اختيار أكثر المطفئات ملاءمة لاحتياجاتك.
• إن جميع مطفئات الحريق بها بطاقات معنونة تستخدم فيها الرموز القياسية التي توضح نوع الحرائق التي يمكن أن تطفئها، ووجود الخط الأحمر على أي رمز يعني: أن هذه المطفئة لا يمكن استخدامها لإطفاء ذلك النوع من الحرائق.
• يجب أن تكون مطفئة الحريق التي تستعملينها ملائمة لنوع وحجم الحريق الذي تجرى مكافحته، فإذا استخدمتِ نوعاً غير مناسب من المطفئات؛ فإن ذلك قد يهدد حياتك وقد يكون سبباً في انتشار اللهب.
كيف تستعملين طفاية الحريق؟
1- سحب مسمار الأمان من الطفاية.
2- الضغط على يد الطفاية مع توجيه المواد الصادرة من الطفاية إلى قاعدة اللهب.
3- مكافحة الحريق بإعطاء ظهرك للريح للحماية من اللهب والدخان والحرارة.
4- اقذفي المادة الصادرة من الطفاية على بعد ثلاثة أقدام من موقع الحريق.
5- في الأماكن الواسعة تكون المكافحة على صورة الحصد من اليمين للشمال والعكس حتى الوصول إلى وسط النار.(/4)
6- وأخيراً لا تحاولي إطفاء النار إذا كنت سَتُعَرِّضِين نفسك للخطر، أو لا تعرفين كيفية تشغيل الْمُطْفِئَة، أو غير متأكدة من أن الْمُطْفِئَة في حالة صالحة للعمل، واستعيضي عن ذلك بالخروج من المنزل، واستدعاء إدارة الإطفاء من هاتف أقرب مكان لك.(/5)
العنوان: ماذا عن الخدم في رمضان؟
رقم المقالة: 1226
صاحب المقالة: خالد الحليبي
-----------------------------------------
أخي الصائم:
ها أنت ذا تقضي أياماً تفيض بالبهاء كما يهوى القلب التَّقي، وتتقلَّب في نعيم العبادة كما يتمنَّى العبد المحبُّ لمولاه, وتحرص على التخفُّف من أعمال الدنيا؛ ليَفْرُغ فؤادك لما هو أعزّ وأجلّ. فأهنِّئك بكلِّ هذا الثَّراء الربَّاني.
وأُذَكِّرُكَ - أخي الصائم - بأن هناك من يتمنَّى منك أن تلحظه بعين رعايتك، وشيءٍ من اهتمامك، ويود لو يُذَكِّرَك بنفسه. إنه مسلمٌ، يتمنَّى منك أن يحظى بخصوصيَّةٍ في المعاملة، تتناسب مع خصوصية رمضان.
إنهم تحت يديك، أجراء، يترقَّبون إشارتك، وينظرون مواضع نظرك؛ ليُلبُّوا لك كل طلباتك. خدمٌ، كانوا بين أهلهم أسيادًا، فأذلَّتهم الحاجة والمَسْكَنَة؛ حتى ساقوا نساءهم للخدمة في بيتك وبيوت بني ديارك - خارج ديارهم – مرغمين، وساقوا شبابهم سائقين وعاملين، يرضوْن بأدنى المِهَن، ويتغرَّبون من أجل رواتبَ زهيدةٍ، لا ترفعهم من حال الفقر إلى الغنى غالبًا، ولكنها تقيم أوَدَهم، وتشبع جوْعة أطفالهم، وتحفظ ماء وجوههم عن دنس الاستجداء وذلِّ المسألة.
أفلا تستحقُّ هذه الفئة منك لفتةً حانيةً تؤجر عليها في رمضان؟
إنهم مثلك مسلمون، يصومون كما تصوم، ويتمنون أن يقوموا من الأعمال الصالحة في هذا الشهر بمثل ما تقوم؛ فهلاَّ خفَّفتَ عنهم بعض الأعمال، وفرَّغتهم جزءًا من الوقت؛ ليفرغوا لقراءة القرآن أو صلاة القيام؟!
هذا هو أملي فيك، فكما أنك تسعى إلى فقيرٍ لتعطيه، وإلى محتاجٍ لتعينه، وإلى ملهوفٍ لتُغيثه؛ فلن تنسى إن شاء مَنْ هم في بيتك أو مؤسستك.(/1)
ودعني - أخي الصائم - ألتفتُ إلى صِنفٍ آخر منَ الناس لا يزالون قلَّةً - ولله الحمد - أعيذُك أن تكون واحدًا منهم، أولئك الذين تولوا على هؤلاء الفقراء فظلموهم، كثرت أموالهم، ولكنهم ماطلوهم في إعطائهم حقوقهم، وأخَّروا رواتبهم، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول : ((أعْطِ الأجير أجرَه قبل أن يجفَّ عَرَقَه))؛ رواه ابن ماجه. وأمنوا هم في ديارهم، ولكنهم خوَّفوا هؤلاء الغرباء بقطع أرزاقهم، وإرجاعهم إلى ديارهم مقهورين مفلِسين، وأراحوا هم أجسامهم، وأرهقوا هؤلاء البؤساء بالأعمال المضنِيَة، ولم يفرِّقوا حتى بين رمضان وغيره، فبينما هم زادوا لأنفسهم ساعات النَّوم والرَّاحة - تركوا هؤلاء المساكين يَشْقُون ليل نهار، بعد أن خلط الناس بين الأوقات في رمضان، فلا يكادون يجدون وقتًا يلتقطون فيه أنفاسهم مع هؤلاء الأسياد - عفوًا - الظَّلَمَة لأنفسهم ولغيرهم.
يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((نعم، هم إخوانكم، جعلهم الله تحت أيدَيكم. فمن جعل الله أخاه تحت يده؛ فليُطعمْهُ مما يأكل، وليُلْبِسْهُ مما يلبس، ولا يكلِّفْه من العمل ما يَغْلِبَه، فإن كلفه ما يَغْلِبَه؛ فليُعِنْهُ عليه))؛ رواه البخاري.
ولا أدري؛ كيف أمِنَ هؤلاء من عاقبة الظُّلم، والرسول - صلى الله عليه وسلم – يقول: ((اتقوا الظُّلم؛ فإن الظُّلم ظُلُماتٍ يوم القيامة))؛ رواه مسلم؟! وكيف لم يقلقوا بعد ظلمهم - خوفًا من دعوةٍ ليس بينها وبين الله حجابٌ؟!.
أخي الصائم:
كما ترجو الأجر في صيامك وقيامك، فاطلُبْه في التخفيف عن خدمِك وعمَّالك في هذا الشهر، وإسداء المعروف لهم، والسَّماح لهم بأداء العبادات والطاعات، حتى لو كانت تستدعي سفراً إلى مكَّة لأداء العمرة؛ فلتحتسبْ ذلك عند الله؛ فإنما هي فرصةٌ ثمينةٌ لهم ماداموا بين ظهرانينا، قريبين منَ الحرم، ولك في ذلك الأجر - إن شاء الله.(/2)
العنوان: ماذا قال الشعب الجزائري لحكومته
رقم المقالة: 880
صاحب المقالة: معمر الخليل
-----------------------------------------
ماذا قال الشعبُ الجزائري لحكومته في الانتخابات الأخيرة؟
بين متشائم ومتفائل وحيادي، انتهت الانتخابات البرلمانية الجزائرية يوم الخميس الماضي، واضعةً البلاد على بداية طريق جديد، تفرض عليه المرحلة أن يكون أكثر شفافية، وأكثر قرباً من الشعب.
وبرغم أن الانتخابات الأخيرة لم تأت بجديد فيما يتعلق بالأكثرية السياسية التي اعتلت الحكم، خاصة وأن الائتلاف الحاكم حافظ على الأغلبية المطلقة، إلا أن الأحداث التي رافقت الانتخابات، أو سبقته، شكّلت سمة أساسية من سمات المرحلة. هكذا على الأقل يجب أن ينظر الساسة الجزائريون إليها، إن كانوا يريدون بالفعل مصلحة العباد والبلاد.
التيار الإسلامي.. إقصاء بالقوة:
خلال الانتخابات البرلمانية التي جرت في ديسمبر 1991م، والتي فازت فيها جبهة الإنقاذ الوطني الإسلامية، نفّذ الجيش الجزائر انقلاباً على الشرعية الدستورية، فأقصى الجبهة، وأدخل البلاد في مواجهات مسلحة، بدعم خارجي.
منذ ذلك الوقت، ظهرت هناك سياسة جزائرية ثابتة، تقتضي إقصاء أي فوز سياسي للإسلاميين، أو وأد أي فوز محتمل، حتى على الصعيد الشعبي، واستمر التضييق على التيارات الإسلامية السياسية، بحظر جبهة الإنقاذ، ومحاصرة التيارات الإسلامية، وإطلاق حملة أمنية ضد الإسلاميين الذين انتهج بعضهم أسلوب الرد المسلح خياراً للوقوف في وجه الجيش.
لم تقم للجبهة الإسلامية بعد ذلك قائمة، وبدلاً من ذلك اعتقل قادتها، فما كان من الأهالي الذين صوتوا في تلك الانتخابات لصالحها، إلا مقاطعة الانتخابات، ففسح المجال أمام التيارات الأخرى لتولي مقاليد السلطة.(/1)
وبرغم ذلك، استطاعت بعض الأحزاب الإسلامية المعتدلة، متابعةَ العملية السياسية السلمية، فدخلت الانتخابات التشريعية عاماً بعد آخر، لتصل أحزابٌ مثل حركة مجتمع السلم بقيادة أبو جرة سلطاني، لشغل 38 مقعداً في انتخابات عام 2002م، قبل أن تحقق مكسباً كبيراً جديداً في الانتخابات الأخيرة، بزيادة 14 مقعداً ليصبح مجموعُ ما تمتلكه الحركة اليوم 52 مقعداً.
أما الحزب الإسلامي "حركة الإصلاح الوطني" التي يتزعمها عبد الله جاب الله، فقد كانت مثالاً جديداً لتدخل الدولة ضد الأحزاب الإسلامية، فبعد أن انشقت مجموعة من الحزب عن رئيسها جاب الله، جاء قرارُ وزارة الداخلية الجزائرية لصالح المنشقين الجدد، الذين أقسم جاب الله أنهم سيحصلون على أقل من 10 مقاعد في الانتخابات البرلمانية، وبالفعل خسر الحزب الذي كان يمتلك 43 مقعداً، وكان مرشحاً لحصد مقاعد أكبر، غالبية مقاعده؛ ليجني 3 مقاعد فقط!!
أما أقدم حزب إسلامي في الجزائر وهو "حركة النهضة" الذي كان يملك مقعداً واحداً خلال انتخابات 2002م، فقد فاز بـ4 مقاعد جديدة، ليصبح مجموع ما يمتلك 5 مقاعد.
ويؤكد المراقبون السياسيون، أنه لولا تدخل الدولة في حزب "الإصلاح الوطني" والسماح للمنشقين فقط بالترشح للانتخابات البرلمانية، لحقق التيار الإسلامي فوزاً كبيراً، يزيد عن 100 مقعد على أقل التقديرات.
ويعطي التدخل الحكومي في حزب النهضة مؤشراً لبقاء سياسة الدولة في الحد من نجاح أي حزب إسلامي، بأي طريقة كانت، وهو ما جعل البعض يتخوّف على مستقبل حركة مجتمع السلم خلال الأعوام المقبلة.
الحضور القوي لجبهة الإنقاذ:
على الرغم من حظرها وملاحقة قادتها، إلا أن جبهة الإنقاذ كانت حاضرة بقوة هذه المرة. وبرغم أن القادة السياسيين في الجزائر حاولوا التقليل من شأنها، إلا أنها قالت كلمتها.(/2)
وتَمَثَّل الحضورُ للجبهة المحظورة في الدعوة التي أطلقها رئيسها عباسي مدني لمقاطعة الانتخابات، وهي نفسها الدعوة التي أطلقها الرجل الثاني في الجبهة علي بلحاج. وبالفعل كان عدد المقاطعين للانتخابات البرلمانية في عام 2007م عدداً كبيراً، لدرجة وصفها الكثيرون بأنها "كارثية".
فمن أصل 18.7 مليون ناخب يحق لهم التصويت، لم يصوّت سوى 5 ملايين شخص تقريباً (35.65%)، وذلك يعني أن 13 مليون ناخب تقريباً قاطعوا الانتخابات، بنسبة (64.35%)، وهو حدث يحسب لصالح الجبهة التي لا تزال حاضرة بقوة في قلوب الجزائريين.
وهذا الأمر لم يعد يستطيع أحد أن يخفيه، فعلى سبيل المثال، تورد شبكة البي بي سي البريطانية، رأياً لإحدى السيدات خلال الانتخابات التي جرت الخميس الماضي، تقول فيه: "لم أشارك في أي انتخابات منذ أن ألغت الحكومة الجزائرية الانتخابات التي فازت بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ، الإدلاء بصوتي في الانتخابات قد يكون واجبا وطنيا لكني لا أؤمن بأنه سيكون ذا فائدة. ليست لدي أي تطلعات أو آمال".
وفي هذا الصدد كتب الصحفي مصطفى فرحات في تعليقه على الانتخابات الأخيرة: "امتناع أغلبية المواطنين عن المشاركة في الانتخابات أثّر في طبيعة النتائج؛ لأن كثيرا من المتعاطفين مع الإسلاميين فقدوا ثقتهم بالتغيير وفضلوا الامتناع عن التصويت".
ولقد حاول علي بلحاج أن يكون حاضراً خلال المؤتمر الذي عقده يزيد زرهوني (وزير الداخلية الجزائري) يوم الجمعة، لإعلان نتائج الانتخابات، إلا أن السلطات منعته من الدخول، واعتقلته واقتادته إلى مركز الشرطة، فيما يبدو وكأنه عملية اعتقال جديدة، بسبب التصريحات التي أطلقها حول مقاطعة الانتخابات.(/3)
أحد صحفيي جريدة الشرق الأوسط، حصل من بلحاج على تصريح قبل اعتقاله بوقت قصير، ربما يفسّر ما كان ينوي إعلانه في المؤتمر، خلال تجمّع وسائل الإعلام هناك، إذ نقلت الصحيفة عنه قوله: "إن مقاطعة الجزائريين للانتخابات تشير إلى رفض صريح لكل المشاريع التي تأتي من السلطة".
وبعيداً عن دعوى الجبهة للمقاطعة، فإن ثَمة مشاكلَ أخرى تؤرق الجزائريين الذين رفضوا الاقتراع، ومن أهمها تلك الوعود الزائفة والمستمرة من قبل الأحزاب الحاكمة، والتي تأتي مطلع كل انتخابات، لتنتهي مع إعلان الفائزين.. فيما يبقى المواطن حائراً منتظراً، لتحقيق أي من الوعود السابقة.
راضية، فتاة جزائرية تبلغ من العمر 26 عاماً، كانت إحدى اللواتي قاطعن الانتخابات، كتبت لشبكة البي بي سي تقول: "لا أؤمن بالانتخابات ومن ثم فإني لا أدلي بصوتي، فالحملات الانتخابية مجرد كلام لا يترجم إلى أفعال وإنجازات. ومثلما الشأن بالنسبة إلى الانتخابات السابقة، لا يختلف الساسة الحاليون عمن سبقوهم".
مليون ورقة بيضاء:
من بين الذين رفضوا التصويت لصالح الانتخابات، وقاطعوا البرامج السياسية المعلنة، نحو مليون جزائري، قرروا المقاطعة بطريقة جديدة، حيث قدموا أوراقهم "بيضاء" ووضعوها في صناديق الاقتراع، لإرسال رسالة صريحة لقادة الجزائر، بأن التغيير حان، وأن عليهم أن يكونوا أكثر قرباً من الشعب، الذي تزداد معاناته يوماً بعد يوم.
وقد انتبهت الحكومة لهذه الرسالة، وظهر هذا الأمر جلياً باعتراف وزير الداخلية به، وبرغم أنه اعترف أيضاً بمضمون الرسالة، عندما قال: " إنهم صوتوا بأوراق بيضاء لأنهم في الوقت نفسه غير مقتنعين بجدوى هذه الانتخابات" إلا أنه حاول أن يسيّس هذا التصرف بطريقة أخرى، إذ جعل الذين صوتوا بأوراق بيضاء "أرادوا أن يعبروا عن رفضهم الإذعانَ للأصوات التي نادت بالمقاطعة وخاصة من طرف ما يسمى بتنظيم "القاعدة في بلاد "الرافدين" حسب قوله.(/4)
وإن كان السبب الثاني يختلف حوله الكثيرون، بين مؤيد لنظرة الوزير، ومعارض لها باعتبار أنها شكل من أشكال المقاطعة، يبقى السبب الأول مؤكداً، وهو معرفة "عدم جدوى هذه الانتخابات".
ففي كل مرة يَعِدُ فيها الحزب الحاكم بإجراء تغييرات جذرية لصالح "المواطن" يصبح المواطن أول ضحايا السياسيين الجزائريين، عبر زيادة الفجوة بين القادة والشعب.. دون وجود أي تمثيل حقيقي لمصالحهم، وإن وجد، فإنه لا يتمتع بأغلبية كافية لفرض أولوياته.
الفوز لمن؟!
بعيداً عن توصيف حالة التيارات الإسلامية في البرلمان، نجد أن الانتخابات قلبت موازين بعض الأحزاب والتيارات السياسية في الدولة.. التي قد يصل مداها إلى قلب الحكومة ذاتها.
فرئيس الحكومة الحالي عبد العزيز بلخادم، وعد قبل الانتخابات، أن يقدم استقالته إن لم يحصل حزبه الحاكم على أغلبية البرلمان، ولكن الانتخابات الجديدة لم تعط بلخادم رجاءه، بالعكس، سلبت منه 63 مقعداً، ليصبح عدد مقاعده اليوم 136 مقعداً فقط.
في حين حصد الحزبان الآخران المشاركان في الحكومة، على 14 مقعداً إضافياً لكل منهما، وهما الحزب الوطني الديمقراطي الذي يقوده رئيس الوزراء الأسبق أحمد أويحي (61 مقعداً) وحركة مجتمع السلم (52 مقعداً)، وهو ما يعني أن الحكومة القادمة ستتضمن تعديلات محورية في موازين الحقائب التابعة للحزبين الأخيرين. خاصة إذا ما كوَّنا تحالفاً داخلياً.(/5)
أما الأحزاب الأخرى التي شاركت في الانتخابات، فإن النتائج جاءت لصالح بعضها على حساب حزب بلخادم، ففي حين تراجع الحزب الحاكم، استطاعت الأحزاب الصغيرة اقتسام تَرِكَتِه في البرلمان، لتحصد مقاعد إضافية، من بينها حزب العمال (يسار راديكالي) الذي ترأسه لويزة حنون، والذي حصل على 26 مقعداً. وتنبع قوة الحزب من موقف الموالين لجبهة الإنقاذ الإسلامية المحظورة منه، حيث عارض حزب العمال تدخل الجيش عام 1991م للإطاحة بفوز الجبهة، فحدا بأنصار الجبهة لاتخاذ موقف معتدل منه.
كما استعاد (التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية) تمثيله في البرلمان بعد مقاطعة انتخابات عام 2002م ليحصد 19 مقعداً.
أما النواب المستقلون "الأحرار" فقد جنى 3 مقاعد إضافية، ليصبح مجموع مقاعده 33. وحصدت الجبهة الوطنية الجزائرية 13 مقعداً، في حين حصدت حركة الشباب والديمقراطية 5 مقاعد.
ويحلو للبعض إطلاق اسم "برلمان المسنين" للبرلمان الجديد، الذي يكوّن المسنون فيه غالبية كبيرة، وهو مؤشر يراه البعض دليلاً على موقف شبابي معارض للانتخابات، حيث لم يحظ بالفوز من بين فئة الشباب "أقل من 30 عاماً" سوى 4 أعضاء، في حين فاز المرشحون من فئة المسنين "ما فوق الستين عاماً" بـ 43 مقعداً!!
وأهم من كل ذلك اليوم: كيف سيتعامل البرلمان والحكومة القادمة مع مطالب الشعب، وأي الوعود سوف تنفذ، وإلى أين سيذهب ملف "المصالحة" الذي أطلقه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة قبل أعوام قليلة..!!(/6)
العنوان: ماذا قدَّم المجتمع لفتاة اليوم لتأهيلها لدورها المستقبلي؟
رقم المقالة: 1440
صاحب المقالة: د. محمد بن لطفي الصباغ
-----------------------------------------
إخوتي وأخواتي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
أصارحكم القول: إن الإجابة عن هذا السؤال تؤلم كلّ غيور؛ لأنها تنذر بخطر ماحق، غَفَل عنه كثير من الناس. وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
لا نريد أن نخادع أنفسنا ونحاول إقناعها بعرض جانب مشرق ضئيل في مجتمعنا، فهذا التصرف قد يخفّف علينا من وقع الشعور بالكارثة، ولكنّه غير موضوعي وغير سليم.
أنا أعرف أنّ هناك جانبًا مشرقًا يقوم في زوايا بعض البلاد الإسلامية نجا من كثير من المآسي التي عمت البلاد الأخرى، وهذا الجانب بالنسبة للفتاة وليدٌ مازال يحبو، ويترصده أعداء الله يريدون تجفيف ينابيعه، وتشويه صورته، والقضاء عليه، ولكنّه جانب ضئيل ضئيل إذا قيس بالواقع الضخم الذي يحياه المسلمون.. لابدّ من تقرير هذه الحقيقة المرّة إذا أردنا أن نكون صادقين مع أنفسنا.
يا أخي. مدّ بصرك وانظر إلى خارطة بلاد المسلمين وتعرّف إلى واقع مجتمعاتها والفتاة المسلمة فيها، فسترى العجب العجاب، ولا تحصر نفسك وملاحظتك بواحد من تلك البلاد.. إنّك سترى إن ذاك الجانب المشرق الذي أشرنا إليه جانب هزيل يكاد يختفي ويتوارى في تلك البلاد.
إن المجتمع فتح أمام الفتاة كل أبواب الفساد والفسق والتحلل والفجور، وأغلق في وجهها كلّ أبواب الخير والاستقامة والسداد.(/1)
وإني لأحسب أنّ القراء الكرام قد وقفوا على ما يُدعى بـ(تجفيف المتابع)، ويعنون بهذا الشعار أن لا تكون هناك دراسة شرعية سليمة للكتاب والسنة وعلوم الشريعة، وأن لا تكون هناك توعية بواقع المسلمين الأليم.. ومن أجل ذلك فقد أغلقت في بعض البلاد معظم المدارس الدينية للفتيات والفتيان، وما بقي من تلك المدارس تعرّضت مناهجها إلى المسخ والإفساد وتشويه أحكام الدين. ثم أدخلوا الضيم على شهادة المدارس فلم تعد مقبولة في كثير من الجهات..
إنّ هذا لمكر عظيم، وعدوان أثيم، ولكنّ الأمر لم يقف عند هذا الحدّ بل إنّ المجتمع هذا ألزم الفتاة بالاختلاط في المدارس وهُمْ في سن المراهقة.. كان ذلك في معظم العالم الإسلامي ما عدا هذه المملكة التي نسأل الله لها الثبات على الحق.
كان هذا الاختلاط الإلزاميّ في الجامعات في كل العالم الإسلامي ما عدا المملكة، وكان في كثير من البلدان الإسلاميّة في المدارس المتوسطة والثانوية. ومعلوم أنّ الفتى والفتاة في هذه السنّ يُعانون من هجمة الجنس الشديدة، ويكون كلّ طرف في حالة تشوّق إلى لقاء الطرف الآخر، فإذا كان التوجيه الإسلاميّ ضعيفًا أو معدومًا، ولم تكن مخافة الله مستقرة في أعماق القلوب، وإذا زالت الكلفة بين الفتى والفتاة، يتضاحكون ويمزح بعضهم مع بعض.. كان الجو مهيأً للجريمة والعياذ بالله.. وفي ذلك الفساد الكبير.
ثم أقدم هذا المجتمع على إلزام الفتاة بخلع حجابها في المدرسة والجامعة والطريق، ألم يأتكم نبأ هذه الفاجعة التي حصلت في بلد من بلاد المسلمين، عندما نزلت قوات لها صلة بحكومة ذلك البلد وصارت تطوف في الشوارع وكلما رأت امراة محجّبة نزعت حجابها وصادرته بالقوة كان هذا من سنوات، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.(/2)
أولم يأتكم نبأ المرأة المحجّبة التي اختارها شعبها لتكون نائبة عنه في البرلمان، فلمّا دخلت مجلس النواب وهي محجّبة طالبوها بخلع حجابها فأبت، فأسقطوا عنها عضوية البرلمان وطردوها.. كان هذا في بلد من بلاد المسلمين، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
ثم قدّم هذا المجتمع للفتاة وسائل الإعلام الممتعة الجذّابة من إذاعة وتلفاز، وفي هذه الوسائل السم الزعاف والكيد للعقيدة والخلق الكريم.. وبذلك أضحت هذه الأدوات في أكثر البلاد من أكبر أدوات الهدم.. ولاسيما التلفاز حيث كانت التمثيليات والمسلسلات تزيّن للفتاة الخروج عن طاعة الوالدين، وتشجّعها على ممارسة حرّيتها الطليقة كما تهوى، وعلى الجرأة على التقاليد المتصلة بادين.
ثم أدخل هذا المجتمع عددًا من القتيات الأوساط القذرة العفنة المنتنة التي يسمونها الأوساط الفنيّة، وجعل منهنّ بطلات في تمثيليّات هدّامة وأقام البلاجات على الشواطئ للفتيات مع الرجال وعدّ ذلك مظهرًا من مظاهر التقدّم، وفتح هذا المجتمع للفتاة أبواب دور السينما، وكانت في بعض البلاد حفلات خاصة بالنساء، كان هذا في أول الأمر، ثم ألغي هذا التفريق وأصبحت عامة مختلطة.. ثم دخلت السينما بيوت المسلمين بل وخيامهم عن طريق التلفاز والمحطات الفضائية، وما أدراك ما المحطات الفضائية.
وقامت صحافة خسيسة تنصر الباطل وتهاجم الحقّ بطرق خفيّة وظاهرة تشكّك بحقائق الدين، وتغرس الإعجاب بالكفّار ومدنيّتهم القائمة على استعباد الدين الباطل الذي يدينون به، وإن كانوا مازالوا في أعماقهم متعصبين لدينهم الباطل، حاقدين على المسلمين، قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفى صدورهم أكبر.. وتُشيع هذه الصحف الفاحشة عن طريق القصص الماجن الهابط وعن طريق نشر الأخبار الشنيعة.(/3)
أقول: فكيف لفتاةٍ هذا حالها أن تقوم بدور إصلاحي، وإن تُعدّ أجيال المستقبل إعدادًا متينًا؟ إنّها لم تؤهّل له قط.. بل أهّلت – وا أسفاه – لتكون عنصرًا من عناصر الهدم..
إن هذا هو الواقع في معظم بلاد المسلمين.. وأمّا الشريحة من الناس الذين لا يزالون محافظين على دينهم وقيمهم فهي شريحة ضئيلة كما سبق أن قلنا.
إنّ إدراكنا لحقيقة الواقع الذي تمرّ فيه الفتاة المسلمة، والكيد الذي يكاد لها هو الخطوة المتقدمة في طريق العلاج. ولا يفيدنا أبدًا أن نغمض عيوننا عن هذا الواقع، ونخادع أنفسنا.. إنه يجب أن نعلم أن قوى هائلة تكيد لفتايتنا في الخفاء وفي العلن.. وبعض هذه القوى أجنبيّ وبعضها الآخر محليّ.
وتستخدم هذه القوى في كيدها نتاج أضخم حضارة ماديّة عرفها البشر.
ومع ذلك فلا يجوز أن نيأس ولا أن نتقاعس.. إنّ علينا أن نعمل ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، ولم يكلّفنا الله أن نحقق النتائج.. بل كلّفنا أن نعمل العمل القائم على الإخلاص والتخطيط والصبر والاستمرار.
إنّ دور الفتاة دور عظيم.. إنها ستكون زوجة ثم أمًّا.. وينبغي أن تكون أبدًا داعية إلى الخير.
إنّ المجتمع الحاليّ لم يقدّم للفتاة شيئًا مما كان يجب أن يقدّمه إليها من عقيدة سليمة. وخلق مستقيم، ورغبة في الخير، واهتمام بشؤون المسلمين، ودعوتهم إلى الخير والحق.
ونحمد الله عزَّ وجلَّ أن البيت المسلم ما يزال في كثير من بلاد المسلمين على الرغم من كل ذاك الكيد والمكر ما يزال يقوم بجهود طيبة مباركة... ولكن البيت ليس وحده في الميدان، فهناك المدرسة، وهناك المجتمع بمؤسساته المختلفة.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى العمل المجدي فالمجال متاح، والإمكانات متوافرة ولله الحمد والمطلوب الآن من العلماء وقادة الفكر والمعلمين والمعلمات والكتّاب ورجال الإعلام التخطيط ثم العمل متعاونين.
والله ولي التوفيق، وصلى الله على محمد وآله.
والحمد لله رب العالمين.(/4)
العنوان: ماذا لو أعيدت الانتخابات وفازت حماس!
رقم المقالة: 220
صاحب المقالة: خليل محمود الصمادي
-----------------------------------------
المراقب للساحة الفلسطينية في يومنا هذا ومنذ أكثر من خمسة أشهر لا ينفك يسمع وصفات سحرية لحل المعضلة الفلسطينية والتي تتمثل في طروح عديدة؛ ربما كان أشهرها وأقواها على الساحة الإعلامية: إعادة انتخاب أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني، وتشكيل حكومة فلسطينية للخروج من الأزمة التي سببتها حركة حماس؛ بسبب فوزها في الانتخابات وتشكيلها للحكومة الفلسطينية وحدها دون مشاركة الفصائل الأخرى، علماً بأن الحركة وقبل تشكيل هذه الحكومة عرضت على جميع الفصائل المشاركة في تشكيل الحكومة لكنها رفضت المشاركة تحت قيادة حماس.
لا شك أن إعادة الانتخابات بعد تسعة أشهر من إجرائها أمر غريب في المفاهيم الديمقراطية، فالشعب كما تدعي حركة حماس قد اختار ممثليه لأربع سنوات، ولا يمكن أن تجرى الانتخابات قبل انتهاء دورة المجلس التشريعي الحالي، ويقولون :إن المجلس السابق تجاوز الأربع سنوات إلى عشر فلمَ لم يجر الانتخابات في موعدها؟ وكذلك المجلس الوطني الفلسطيني المشكل من الداخل والخارج لم يعرف الانتخابات أصلاً إذ جلُّ أعضائه معينون.
لو سلَّمنا جدلاً أن حماس قبلت بمبدأ إعادة الانتخابات واستعدت لها كما في الانتخابات السابقة فهل ستفوز؟(/1)
كثير من المراقبين المحسوبين على حماس أو من المستقلين يرون أن حماس ستفوز في انتخابات الإعادة، وستحقق عدداً أكبر من المقاعد مما حققته في انتخاباتها الأخيرة، هذا إذا أجريت الانتخابات في جوٍّ من الشفافية والنزاهة كما شهد القريب والبعيد في الانتخابات الأخيرة، فالمنظِّرون يقولون: إن حركة حماس وبالرغم من حملات المحاصرة والمناكفة استطاعت أن تثبت لشعبها وللعالم الخروج من هذه الأشراك التي نُصبت لها من الأصدقاء والأعداء، وما جولة رئيس الوزراء إسماعيل هنية إلا دليل على ذلك، وما الحملة المستعرة حين قدومه إلا برهان على نجاح جولته، ويستدلُّون على قوة حماس بالمهرجانات التي تحشد فيها عشرات الآلاف ولا سيما في معقلهم بمدينة غزة.
فإذا كانت النتائج مضمونة لحركة حماس فلمَ تتخوَّف من إجراء الانتخابات المبكرة؟
يستطيع المراقب أن يستشف أن الحركة تمانع إعادة الانتخابات لعدة أسباب منها:
إن الانتخابات الحالية ما زالت في مهدها، وهي دستورية، ونزيهة بشهادة الجميع، فلمَ الإعادة ؟
إن الدعايات الانتخابية ترهق المجتمع الفلسطيني، فإنفاق الملايين على الحملات لا يتحمَّله مجتمع محاصر، يشكو الجوع وقلة المال.
إن إجراء انتخابات لن ينهي المشكلة؛ لأن الاستحقاقات الدولية أكبر من نتائج الانتخابات، فهدفها إنهاء نفوذ حماس وإقصاؤها لا غير.
إن الصراع الدائر الآن ليس بين حماس وفتح، بل بين برنامجين؛ برنامج حماس الذي يمثل الشرعية الشعبية، وبرنامج فتح الذي يمثل الشرعية الدولية واستحقاقات أوسلو، ويرون أنَّ إعادة الانتخابات لا ترمي إلى فكِّ الحصار عن الشعب الفلسطيني بقدر ما تهدف إلى السير في خرائط الطرق ذات المنزلقات الخطرة في نظر حماس .
إن الانتخابات التي ستجرى سيشوبها التزوير والبلطجة وشراء الأصوات بقوة من الأطراف الأخرى، وبمباركة الدول الغربية الديمقراطية؛ لأنها -أي الدول الغربية- أصبحت تبحث عن ديمقراطيات تناسبها.(/2)
ربما هذه هي الأسباب التي ستدعو حركة حماس للإحجام عن قبول الانتخابات التي دعا إليها الرئيس الفلسطيني السيد محمود عباس في خطابه الأخير برام الله 16/12/2006.
ولو سلَّمنا جدلاً أن الحركة قبلت بإجراء الانتخابات، وأجريت في نزاهة وشفافية، وفازت حماس بأكثر مما عليه الآن، فهل سيلجأ المتضرِّرون أيضاً إلى إعادة الانتخابات ويقولون كما يقول الشوام: (الثالثة ثبَّاتة).
مع أنَّ الإجابة معروفة سلفاً من قِبَل حماس التي ستقول كما يقول المصريون: (هُوَّ لِعْب عِيال؟!!).(/3)
العنوان: ماذا وراء عودة الصدر المفاجئة إلى العراق؟!!
رقم المقالة: 899
صاحب المقالة: خاص: الألوكة
-----------------------------------------
فجأة، كما اختفى قبل أكثر من أربعة أشهر؛ ظهر الزعيم الشيعي الشاب مقتدى الصدر في العراق، صعد المنبر في مسجده بالكوفة يوم الجمعة الماضي، وألقى خطبة نارية، هاجم فيها الاحتلال الأمريكي للعراق، وادعى أنه يناصر العراقيين جميعاً، الشيعة والسنة! داعياً إلى نبذ الاقتتال الطائفي، والوقوف في وجه الاحتلال الأمريكي، وشد أواصر السلام بين رجال الدين الشيعة والسنة!
هكذا.. دون مقدمات؛ ظهر مقتدى الصدر، محاولاً أن يجعل من نفسه "زعيماً لكل العراقيين". وفي حين طبّل الشيعة له، ورحب بعض القياديين بعودته؛ تساءل الكثير من العراقيين وغيرهم: "لماذا هذه العودة الآن؟ وماذا يحاول الصدر أن يفعله في العراق اليوم؟"
عودة الصدر:
الصدر ظهر لأول مرة علناً، بعد غياب أكثر من 4 أربعة أشهر، في مسجده بالكوفة، يوم الجمعة الماضي، حيث ألقى خطبة أنكر فيها احتلال العراق، مدعياً أنه يقف إلى جانب الصلح الوطني بين العراقيين على اختلاف طوائفهم.
ومن المعروف أن الصدر يقود ما يعرف باسم "جيش المهدي"، الذي هو (ميليشيات) مسلحة منظمة، تضم عشرات الآلاف من المقاتلين الشيعة، يتمركزون في وسط وجنوب العراق، وقد دخلت في مواجهات مسلحة مباشرة مع قوات الاحتلال الأمريكية عدة مرات، منذ بداية احتلال العراق عام 2003م.(/1)
وتؤكد التقارير الأمريكية والعراقية أن (ميليشيات) الصدر متورطة في الكثير من موجات العنف الطائفي بين السنة والشيعة، وأنها مسؤولة عن تصعيد العنف، واستهداف العراقيين السنة، وتصفية الفلسطينيين الذين يقيمون في بغداد وضواحيها وفي الجنوب، وتنفيذ عمليات خطف لطالباتٍ وطلابٍ في الجامعات العراقية، وقتل الناس استناداً إلى الهوية، وتقديم الدعم للجماعات الشيعية التي تنفذ عمليات الإبادة بحق المسلمين السنة، وقطع طريق الحجاج الذين سافروا أو عادوا من مكة المكرمة في موسم الحج الأخير، وغيرها من العمليات الإجرامية، التي أرهبت الناس، وبثت الفوضى في العراق، وصعّدت من موجات العنف المتبادل الانتقامي بين الطائفتين.
في خطابه الذي ألقاه يوم الجمعة، ناشد!! مقتدى الصدر، علماء المسلمين، من أهل السنة ورجال الدين الشيعة، أن يتحدوا في مواجهة الوجود العسكري الأمريكي! وقال: "أقول لإخواننا السنيين في العراق: إننا إخوة!"، مدعياً أنه على استعداد لمد يده للسنة العراقيين من أجل التوحد معهم! وقال: "أخص الأخوة السنة بالذكر، فلا يفرق بيننا المحتل، فأهلاً بهم، وأنا مستعد للتعاون معهم... وهذه يدي أمدها إليهم"!
وأضاف قائلاً: "أطالب الحكومة بعدم إطالة أمد الاحتلال، ولو يوماً واحداً، لأنها لم تخوَّل ذلك، خاصة بعد جمع التوقيعات من النواب، والمظاهرات المليونية المطالبة بذلك".
وتابع: "أسمع بين الحين والآخر تصادماً بين "جيش المهدي" وقوات الجيش والشرطة العراقية، وحسب علمي مَن يقف وراء هذا التصادم هو المحتل، ليخلق بذلك ذريعة لبقائه، وأنصح الأخوة الأعزاء في "جيش المهدي" باللجوء إلى الطرق السلمية - إن اعتدى عليهم ضعافُ النفوس - كالاعتصامات والتظاهرات".
وزعم الصدر أنه نصير لكل العراقيين، ومستعد للدفاع عن مصالح السنة والمسيحيين أيضاً، وأكد سلطته على (ميليشيا) "جيش المهدي"، ودعاها إلى وقف القتال مع القوات العراقية.
الحالة العراقية:(/2)
إذا نظرنا إلى حال العراق اليوم، وحال المنطقة المحيطة به أيضاً؛ فإننا قد نستطيع استقراء بعض من الأسباب، التي قد تكون دفعت بالصدر للعودة إلى العراق اليوم.
فعلى الصعيد الداخلي: يشهد العراق غياباً لقيادات شيعية مهمة، بدءاً من المرجع الشيعي علي السيستاني، الذي مضى وقت طويل دون أن يقحم نفسه في الأمور السياسية، واكتفى بدلاً من ذلك بنشر فكره بواسطة رجل الدين الشيعي أحمد الصافي، الذي يؤم المصلين الشيعة، ويلقي خطبة الجمعة في المسجد الحسيني بكربلاء.. وانتهاءً بالزعيم الشيعي عبد العزيز الحكيم، الذي يعاني أورام السرطان في صدره، بناءً على تشخيص معهد (هيوستن) الطبي في أميركا، وهو - الآن - يعالج في أحد مشافي إيران! تاركاً أكبر التنظيمات الشيعية السياسية - (كتلة الائتلاف العراقي الموحد)، وكذلك (المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في العراق) - بيدِ نوابه، الذين لا يعدون ثقلاً حقيقياً في العراق.
وبخلوِّ الساحة العراقية من القياديات الشيعية؛ تبرز أهمية عودة الصدر الآن، وأهمية دعواه نبذ العنف، وتكثيف الجهود ضد الاحتلال الأمريكي، وهي المطالب الأهم لدى الكثير من العراقيين، الذين أتعبتهم النزاعات الطائفية، وأدخلهم الاحتلال في دوامة من الفقر، والبطالة، وفقدان الخدمات الإنسانية، وأدنى مقومات الحياة الكريمة.
وعلى الصعيد الحكومي: نجد أن حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي تعاني تخبطاً وعدم استقرار، لتزايدِ أعمال العنف الداخلية، وعدمِ قدرتها على الوفاء بأي من الوعود، التي أطلقتها للعراقيين قبل الانتخابات (البرلمانية) الأخيرة.(/3)
وهذه الحكومة لا يخفى على أحد قلة حيلتها، وهوانها على أعدائها، وأصدقائها أيضاً، من الأمريكيين، والقيادات الشيعية الداخلية، ففي خطبته الأخيرة يوم الجمعة الماضي؛ وجه أحمد الصافي (ممثل المرجع الشيعي علي السيستاني) انتقاداً حاداً إلى الحكومة، ومجلس النواب العراقي، واصفاً أداءها بأنه "ضعيف في التصدي للإرهاب وللضغوط الخارجية"، وقال: "إننا في حيرة من أمرنا! ولا ندري من نخاطب، وإلى أين نتجه؟! ولا أحد يستمع لنداءات هذا الشعب".
ومع الآمال الجديدة في الانتخابات العراقية القادمة؛ تبرز أهمية عودة الصدر في هذا الوقت، من أجل دعم حزبه، وزيادة عدد مؤيديه، للحصول على أصوات أكبر، قد تؤدي إلى فوزه بمقاعد أكثر في (البرلمان) المقبل.
ولتيار الصدر تجربة مع الحكومة الحالية، فهو يتمتع فيها بست حقائب وزارية، وربع عدد مقاعد الائتلاف الشيعي في (البرلمان)، وعليه؛ فإن دعماً إضافياً له قد يؤدي إلى تشكيله جبهة قوية النفوذ في البرلمان والحكومة القادمة.
وربما كان انسحاب وزرائه الستة من الحكومة - قبل أشهر - رسالةً إلى العراقيين، تشير إلى عدم رضى مقتدى الصدر عن سياسة هذه الحكومة، وتوجهاتها، خاصة فيما يتعلق بالاحتلال الأمريكي، بعد أن جمع نواب الصدر توقيعات نحو 133 نائباً؛ لمطالبة واشنطن (بجدولة) انسحاب زمني لها من العراق.
المنطقة المشتعلة:
أما على الصعيد الخارجي، وتحديداً فيما يحدث حول العراق: فإن التصعيد - الذي تشهده المنطقة بين الأمريكيين والإيرانيين - يحمل دلالات ذات مغزى بعيد.(/4)
فطهران - بدفعها للصدر للعودة إلى العراق، ودعمه سياسياً وعسكرياً - تكون قد أرسلت رسالة إلى واشنطن، مفادها: أن القادة المؤثرين في العراق يُصنعون في إيران، وأنها قادرة على إيجاد جبهة داخلية ضد الأمريكيين، وهو ما يعني مزيداً من المقاومة المسلحة الشيعية، ومزيداً من العمليات التفجيرية، ومزيداً من القتلى الأمريكيين، في حين يعاني الرئيس الأمريكي (جورج بوش) انتقاداتٍ داخليةً حادة، بسبب الخسائر المتزايدة في صفوف الجنود الأمريكيين بالعراق، خاصة أن واشنطن تتهم إيران بأنها تصدر القنابل المستخدمة في التفجير على جانبي الطريق، التي أدت إلى ارتفاع أعداد القتلى الأمريكيين كثيراً، حسب رأي الأمريكيين.
واستدل الأميركيون على ذلك بالقنابل التي عثر عليها على جانبي الطريق، التي تشير إلى أن صناعتها في إيران.
الصدر - الذي لجأ إلى طهران قبل أكثر من أربعة أشهر - أظهر قدراً كبيراً من الموالاة لإيران، وبقي هناك مدة طويلة، شذّب فيها مواقفه الارتجالية، وتبنى مواقف جديدة، أملتها عليه طهران، التي تعيش شبح حرب باردة مع الأمريكيين، بسبب ملفها النووي الشائك. لذلك؛ فالمرحلة المقبلة لا تقبل رجالاً ليسوا على قدر المسؤولية، ومع غياب الحكيم، والتزام السيستاني الحياد تقريباً؛ يبدو الصدر قد حظي بالفرصة الكبرى لدعم طهران له، الذي هو - ربما - أكثرُ ما يحتاج إليه في المرحلة المقبلة.
وفور عودته؛ اشتعلت مواجهات مسلحة بين أفراد (ميليشيا) "جيش المهدي" والجيش الأمريكي، قتل فيها أكثر من 8 ثمانيةٍ من أفراد جيشه. وربما أرادت قيادة الاحتلال الأمريكي الرد على رسالة طهران، بأن القوات الأمريكية قادرة على مواجهة (ميليشيات) الصدر في عقر دارها، خاصة في ظل قدوم قوات أمريكية جديدة إلى العراق في الأيام القادمة.
موقف السياسيين العراقيين من عودة الصدر:(/5)
السياسيون العراقيون الشيعة تفاءلوا بعودة الصدر! مدعين أن عودته ستؤدي إلى مضاعفة الجهود لإيقاف العنف الطائفي، على الرغم من أن (ميليشيات) الصدر تعتبر من أكثر (الميليشيات) التي تحارِب وتلاحِق وتقتل العراقيين السنة، في بغداد خاصة ومناطق العراق عموماً.
عباس البياتي (العضو الشيعي في البرلمان)، وهو من الذين طبّلوا لعودة الصدر؛ قال: "عودة مقتدى الصدر ضرورة في هذا الحين... لأن قدرته على إعطاء أوامر لأنصاره ستهدئ الوضع الأمني والسياسي"، إشارةً واضحةً إلى أن (ميليشاته) هي من تقوم بالكثير من عمليات الإبادة بحق السنة!!
وعلى الطرف الآخر؛ حاول بعض السياسيين السنة توجيه رسالة إلى الصدر، في أهمية إيجاد مخرج من الوضع الأمني المتردي، حيث نقلت "الوكالة العراقية للإعلام" عن إياد السامرائي (النائب عن الحزب الإسلامي العراقي) قوله: "وجود الصدر في العراق سيساعد في التزام مؤيديه بسياسة الصلح الوطني"، وأضاف "نرحب بندائه للصلح الوطني، وهو الأمر الذي كنا نطالب به منذ البداية".
كما أعرب طارق الهاشمي (نائب الرئيس العراقي، رئيس الحزب الإسلامي السني) عن اعتقاده أن الصدر هو الزعيم الأشد تأثيراً على (ميليشيا) "جيش المهدي"، غير أنه شكك في قدرة الصدر على السيطرة على أفراد (الميليشيا) الشيعية كافة التي تقف وراء الهجمات الطائفية ضد السنة.
كذلك رحبت الحكومة العراقية بعودة الصدر؛ إذ قالت مريم الريس (مستشارة المالكي): "أرادت الكثير من القنوات الفضائية تسليط الضوء على هذا الموضوع، باعتباره اختفاءً، وكأنما هناك اتهام موجه إليه!! هذا الأمر غير صحيح".
وأضافت قائلة: "لا أعتبرها عودة، لأنه كان دائم التواصل مع جماعته، وقد عبر في خطابه عن الوحدة، فهو لم يتحدث عن جهة معينة... وهذا ما نرجوه من كل قادتنا السياسيين"!!(/6)
العنوان: ماذا يحدث في لبنان؟!
رقم المقالة: 866
صاحب المقالة: خاص: الألوكة
-----------------------------------------
في أسوأ مواجهات مسلحة منذ الحرب الأهلية، التي استمرت بين عامي 1975 و1990م؛ تشهد لبنان هذه الأيام موجة من العنف المتبادل، وسط مخاوف من أن تؤدي الأزمة الجديدة إلى تنامي العداء، واتساع الفجوة، بين فصائلَ وحركاتٍ سياسية هناك.
فاليوم، وبعد يومين فقط من بدء المواجهات المسلحة بين القوات اللبنانية الحكومية وجماعة (فتح الإسلام)؛ سقط ما لا يقل عن 50 خمسين قتيلاً، وعددٌ أكبرُ غير محدد من الجرحى، الكثير منهم مدنيون، في حين لا تزال الفتنة قابلة لمزيد من التصعيد.
ولم يعد الرصاص والنيران التي تطلقها الأسلحة الخفيفة هي اللغة السائدة هناك؛ بل تطور الأمر سريعاً لتشن القوات اللبنانية حرباً حقيقة، باستخدام الأسلحة الثقيلة، كالدبابات والمدفعية الثقيلة في قصف معسكرات اللاجئين الفلسطينيين في طرابلس، في محاولة يعتبرها البعض "فاشلة" للفضاء على تنظيم (فتح الإسلام) المتهم بالانتماء لتنظيم القاعدة.
وبات من السهل مشاهدة الحرائق وأعمدة الدخان الكثيف، وهي تتصاعد من عدة مناطق، تتمحور كلها في منطقة "مخيم اللاجئين الفلسطينيين"، فضلاً عن تدمير واسع في المباني المتهالكة، التي صمدت طويلاً أمام الفقر والعوز الفلسطيني، داخل المناطق شبه المعدمة في لبنان.
اللاجئون المحاربون..
بسبب تمركزهم داخل مخيم "نهر البارد" في ضواحي مدينة طرابلس الشمالية؛ فإن فكرة القضاء على التنظيم الذي انشق عن تنظيم (فتح الانتفاضة) يبدو صعباً للغاية، على الرغم من أن عدد مقاتليه لا يتجاوز 200 المئتين بأحسن التقديرات.(/1)
فحسب التقارير التي أوردتها الحكومة اللبنانية؛ يتخذ تنظيم (فتح الإسلام) من المناطق المدنية داخل المخيم مخبأً له، وهو ما يفسر سقوط العديد من القتلى بين المدنيين، بلغ تعدادهم حتى الآن (9) تسعة، خاصة أن القصف اللبناني المدفعي جاء عشوائياً.
وقد نقلت وكالة (فرانس برس) عن أبي سالم (الناطق باسم التنظيم) قوله: "إن الجيش لا يقصفنا فقط، بل عشوائياً!"، دلالة على أن القذائف سقطت فوق منازل الفلسطينيين المدنيين، الذين لا علاقة لهم بالتنظيم!
الجيش اللبناني يفسر استخدامه للقصف العشوائي بسبب عدم مقدرته على الوصول إلى أعضاء التنظيم، فالأمر يتطلب عمليات اقتحام، وهذا يعني حدوث مواجهات بين الجيش - الذي تكبد غالبية القتلى الخمسين الذين سقطوا في اليومين الماضيين - وبين أنصار (فتح الإسلام)، خاصة مع تطابق عدة تقارير عن وجود أسلحة متطورة معهم، واختبائهم بين أزقة المخيم الضيقة، والروح المعنوية العالية التي يتمتعون بها، على حد قول وسائل إعلام لبنانية وعالمية.
وفي حين أدت هدنة بين الجانبين إلى تهدئةٍ ووقفٍ لإطلاق النار؛ يؤكد اللاجئون الفلسطينيون هناك أنهم يعانون نقصاً حاداً في المواد (التموينية) الضرورية، ونقصاً في المستحضرات الطبية، وانقطاعاً شبه دائم للتيار الكهربائي، وهو ما يزيد من محنة أولئك الفلسطينيين، الذين لجؤوا إلى لبنان، بعد أن تقطعت بهم السبل في عدة دول عربية في السابق.
بحسب الإحصاءات شبه الرسمية؛ فإن عدد اللاجئين الفلسطينيين في مخيم (نهر البارد) يبلغ نحو 31000 واحد وثلاثين ألف فلسطيني، يعيشون في أوضاع متردية، بسبب الفقر والبطالة اللذين يزيدان من مأساتهم، وكذلك بسبب صغر مساحة المخيم، واكتظاظ شوارعه الضيقة بالأبنية، التي لا تتجاوز (3) ثلاثة طوابق في أحسن الأحوال.(/2)
حول المخيم يمكن مشاهدة القوات اللبنانية - هناك - وقد نشرت مدفعيات وعربات عسكرية ومئات الجنود المسلحين، الذين قتل نحو 30 ثلاثين شخصاً منهم، وجرح 27 سبعة وعشرون آخرون، في أول يومين من المواجهات.
وفي حين قامت القوات اللبنانية بإطلاق قذائف المدفعية على المخيم؛ رد المسلحون هناك بإطلاق قذائف (الهاون) والصواريخ المحمولة على الكتف.
فتح الإسلام؟!
الحركة التي انشقت العام الماضي عن تنظيم (فتح الانتفاضة) - التي انشقت هي الأخرى في الثمانينات عن حركة (فتح) - تقول: "إنها حركة تحرير فلسطينية"، إلا أن الكثيرين يتهمونها بالانتماء لتنظيم القاعدة، أو على الأقل السير على منهجها، بطموح لتنفيذ هجمات خارج لبنان.
وفي حين يُعتبَر تنظيم (فتح الانتفاضة) تنظيماً مقرباً من النظام الحاكم في سوريا؛ فإن المراقبين السياسيين يتهمون (فتح الإسلام) بموالاة سوريا أيضاً، ويرون الأحداث الأخيرة محاولةً سوريةً جديدةً لإحداث فتنة في لبنان، لزعزعة البلد، وهو ما بدا واضحاً في تعليقٍ لوزيرة الشؤون الاجتماعية، النائبة بالبرلمان اللبناني، نائلة معوض، بقولها: "إن جماعة (فتح الإسلام) ذات ميول سورية، وتتلقى الأوامر من هناك". وأيضاً في تصريح اللواء أشرف ريفي (مدير عام قوى الأمن الداخلي)، حين قال: "إن (فتح الإسلام) على صلة بالقاعدة، وإنها تقلدها, لكنها في الحقيقة صنعت في سوريا!".
وهذا ما نفته سوريا، وعبرت عنه بإغلاق نقطتين حدوديتين مع لبنان في الشمال، كما أعلن وليد المعلم (وزير الخارجية السوري) أن بلاده لا تمتُّ بأية صلة بتنظيم فتح الإسلام، وأنها طلبت مساعدة (الإنتربول)؛ لإلقاء القبض على بعض قادة التنظيم.
مزيد من القتال.. مزيد من الأزمات..(/3)
الأزمة الأخيرة أضافت تهديداً جديداً أمام حكومة فؤاد السنيورة (رئيس الوزراء اللبناني)، الذي يواجه مشكلة سياسية مصيرية مع المعارضة الشيعية، التي تطالب باستقالة الحكومة، وإجراء انتخابات مبكرة، مع تأكيدها عدم إلقائها السلاح.
والمراقب للمشهد السياسي اللبناني يدرك أن المشكلة في تفاقم مستمر، وأن الحفاظ على وحدة البلد، لا يسانده إلا الخوف من شبح الحرب الأهلية السابقة، التي أحرقت الأخضر واليابس، وأدخلت البلاد في دوامة من الصراع والدمار والخراب؛ لا تزال تعاني منه حتى الآن. لذلك فإن كل الأمور تبدو متعلقة بخيط "الوحدة الوطنية" الهش، الذي يُرى الملاذَ الوحيدَ لتجنب حرب مسلحة، برغم نمو الحرب السياسية والكلامية بين الأطياف اللبنانية المتصارعة.
ولِوأدِ الفتنةِ؛ فإن العديد من التيارات - داخل لبنان - حاولت التدخل لوقف ما يمكن أن يكون تهديداً للسلم الوطني؛ منها حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، التي أعلن ممثلها في لبنان (أبو أحمد الرفاعي): أن مقاتلي (فتح الإسلام) وَعَدُوه بوقف إطلاق النار، وانسحابٍ من مواقع المواجهة مع الجيش اللبناني؛ بعد أن أوقف الجيش قصفه للمخيم بعد مغرب يوم الاثنين.
وتزداد المخاوف من امتداد الفتنة إلى خارج المخيم، في ظل وجود (نهر البارد!) في منطقة السنة اللبنانيين، الذين يكثرون في طرابلس، خاصة بعد حدوث تفجيرين - على الأقل - خارج المخيم؛ استهدف أحدهما منطقة للنصارى في العاصمة بيروت، وأدى إلى مقتل امرأة هناك. وبرغم عدم وجود ما يدل - قطعياً - على ارتباط بين القضيتين؛ إلا أن تزامن التفجير مع المواجهات أضفى نوعاً من "الطائفية" على القضية الأولى.
وقد لام العديد من السياسيين السنيورةَ على إشعال هذه الحرب بين اللبنانيين والفلسطينيين في المخيم، فالوقت لا يسمح بحدوث مثل هذه المواجهات، التي تزيد من حدة الاحتكاك بين الخليط غير المتجانس في لبنان.(/4)
فالقصف العشوائي للمخيم الفلسطيني في طرابلس قد يشعل حركاتِ غضبٍ واسعة في العالم العربي، خاصة أن فلسطين المحتلة تشهد حالياً عمليات قصف مستمرة؛ أدت إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى، وسط تهديد إسرائيلي بتصفية قادة حماس.
كما أن الموقف الأمريكي الذي جاء مناصراً للسنيورة، قد يساهم هو الآخر في زيادة الغضب الفلسطيني داخل وخارج لبنان. ولم يقتصر التأييد للسنيورة من البيت الأبيض الذي قال: " نحن ندعم جهود رئيس الوزراء فؤاد السنيورة، في التعامل مع هذا القتال المندلع في بلده"؛ بل جاء أيضاً من الرئيس الأمريكي (جورج بوش)، الذي صرّح في وقت متأخر من ليلة الاثنين بالقول: "إن الحاجة باتت ملحة لكبح جماح الإسلاميين"!!
وقال: "لابد من إيقاف هؤلاء الذين يحاولون القضاء على (الديمقراطية) اليافعة في لبنان!"، حسب قوله.
كما أدلت الخارجية الأمريكية بدلوها أيضاً، بإعلان المتحدث باسمها، عن دعم الولايات المتحدة للجيش اللبناني في مواجهة ما أسماه "استفزازات من قبل المتطرفين في المخيم"!
صلات مع القاعدة؟!
ليس غريباً أن يأتي موقف الولايات المتحدة سلبياً من التنظيم الإسلامي، المتهم بالانتماء للقاعدة، خاصة أن زعيم التنظيم هو (شاكر العبسي)، الفلسطيني الذي اتهمته السلطات الأردنية بالمشاركة في اغتيال الدبلوماسي الأمريكي (لورنس فولي) في عمان عام 2002.
وتقول التقارير الأمنية اللبنانية: "إن العبسي لجأ إلى مخيم (نهر البارد) في الخريف الماضي، بعد أن طرده الأمن السوري من دمشق، حيث كان معتقلاً هناك".(/5)
وحسب معلومات استخباراتية نشرتها وكالة (الأسوشيتد برس) الأمريكية؛ فإن العبسي استطاع أن يجند أكثر من 100 مئة مقاتل من الدول العربية، يؤمنون بفكرة: "الجهاد خيار استراتيجي لمواجهة أعداء الإسلام"، وهو يتبع (أيديولوجية) زعيم القاعدة، دون أن تكون هناك معلومات مؤكدة عن انتمائه للقاعدة، أو وجود صلات حقيقية بينه وبين التنظيم المحظور عالمياً.
كما يوجد بين قادة التنظيم أحدُ المشتبه بهم في الإعداد لهجومٍ؛ كان من المفترض أن يستهدف محطات القطارات في ألمانيا العام الماضي؛ حسب معلومات نشرتها وكالاتُ الأنباء الغربية، وقد لقي حتفه في المواجهات الأخيرة مع الجيش اللبناني.
وهذه المعلومات على الرغم من عدم وجود ما يسندها على نحو كاف؛ إلا أن ترابط فكر قادة التنظيم مع فكر القاعدة، كفيل بإلصاق التهمة به، وجعله جزءاً من "أزمة عالمية يجب القضاء عليها"؛ حسبما تؤكد واشنطن!
توقعات ومخاوف..
بعد إعلان التنظيم صباح الثلاثاء أنه مسؤول عن التفجيرين الذين وقعا في لبنان، في اليومين الأخيرين، وتجدد الاشتباكات بين الجانبين؛ تبدو الأمور قد اتجهت إلى مزيد من التصعيد.
فالتنظيم الذي يعتمد في قوته على قوة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، الذين يقترب عددهم من 400000 أربع مئة ألف لاجئ. وبتسليحه الجيد، وإيمانه بفكرة يراها "دينية"؛ فإنه من غير المتوقع أن يلقي سلاحه، أو يستسلم للجيش اللبناني بسهولة.
كما أن حكومة السنيورة، التي حصلت على الدعم الأمريكي والأوروبي الكافي لاقتلاع التنظيم - على الرغم من كسره اتفاقية عام 1969، التي تقضي بعدم دخول القوات اللبنانية إلى المخيمات الفلسطينية - تبدو ماضية بقوة، في سبيل تلقين الفلسطينيين درساً في كيفية احترام سيادة اللبنانيين على الأراضي اللبنانية!(/6)
العنوان: ماذا يعني إعلان إيران الأخير إنتاجها الوقود النووي الصناعي؟!
رقم المقالة: 583
صاحب المقالة: فايز السيد علي
-----------------------------------------
مع إعلان الرئيس الإيراني أحمدي نجاد الأخير، خلال ما أطلق عليه اسم "العيد النووي" الأول في إيران، تكون إيران قد دخلت نادي الوقود النووي العالمي، وأصبح بإمكانها إتمام دورة الوقود النووي كاملة على أراضيها وفي مفاعلاتها المحلية.
هذا الإعلان شكّل للدول الغربية تحدياً جديداً، لا يقل عن التحديات السابقة التي دأب نجاد على إعلانها كلما اشتدت الأزمة بينهم، وربما يفوق الإعلان الجديد سابقيه.
العام الماضي، وفي ذات التاريخ الذي أصبح ينظر إليه على أنه "العيد النووي الإيراني"، أعلن أحمدي نجاد أن إيران نجحت في تخصيب اليورانيوم بنسبة 3.5 في المائة، وهو يعني أنها لا تزال بحاجة إلى 1.5% أخرى فقط من التخصيب، للوصول إلى الوقود النووي اللازم لتشغيل محطات الطاقة النووية التي تنوي إنشاءها.
وقبل أشهر، أعلنت إيران عن تشغيل أول سلسلتين لأجهزة الطرد المركزية لتخصيب اليورانيوم، كل منها تتكون من 164 جهازاً بموقع (ناتانز) النووي، وكذلك إقامة سلسلتين أخريين لم يتم تشغيلهما بعد. إلا أن وكالة الطاقة الذرية ردت بأنها "غير متأكدة من قدرة إيران على ذلك"، ولكن التفتيش الدولي الذي أعقب التصريحات الإيرانية أكد حقيقة الإعلان.
أما العيد النووي الأول الذي صادف يوم 9 إبريل الحالي، فقد أعلن الرئيس الإيراني خلاله في احتفالات بمنشأة ناتانز النووية (الأكثر إثارة للجدل) أن إيران دخلت المرحلة الصناعية من إنتاج الوقود النووي، مؤكداً أن بلاده "ستدافع عن حقها في الطاقة النووية حتى النهاية"، وأنه "لا رجوع عن طريقنا نحو التطور"!(/1)
ورغم أن نجاد لم يعلن هذه المرة عدد أجهزة الطرد المركزية التي بدأت إيران بتشغيلها هذه المرة للوصول إلى "الإنتاج الصناعي"، إلا أن بعض المسؤولين الآخرين، قالوا: "إنها شغلت 3 آلاف جهاز طرد مركزي". قبل أن يعلن غلام رضا أغا زاده (رئيس الوكالة الإيرانية للطاقة الذرية) في اليوم التالي للعيد النووي الأول، أن إيران "مصممة على تثبيت خمسين ألف جهاز طرد مركزي في مصنع (ناتانز) لتخصيب اليورانيوم"، مؤكداً وجود أماكن سرية تحت أرض المصنع تكفي لتشغيل هذا العدد الكافي من أجهزة الطرد.
الإعلان الجديد يوافق التوقعات التي أطلقها محمود البرادعي (مدير عام وكالة الطاقة الذرية) قبل أشهر، والذي قال فيه: "إن إيران قد تدخل مرحلة الإنتاج الصناعي للوقود النووي الصيف القادم".
ولكن على الفور، أعلنت بعض الدول الغربية، وكذلك الوكالة الذرية، أنها تستبعد وجود 3 آلاف جهاز طرد مركزي عاملة في إيران، حيث تشير تقديرات خبراء الأمم المتحدة إلى امتلاك إيران 1000 جهاز طرد مركزي فقط في ناتانز، وأنها لم تبدأ بعد عملية التخصيب.
وعلى العموم، يمكن للمفتشين الدوليين التأكد من ذلك خلال الزيارة القادمة لهم إلى هذه المحطة، والتي من المقرر أن تجرى في وقت لاحق من هذا الشهر.
ما هي أجهزة الطرد المركزية؟ ولم الخوف؟
تحتاج أية دولة من أجل الوصول إلى إنتاج أسلحة نووية، إلى عمليات معقدة بدءاً من تعدين اليورانيوم، وصولاً إلى إنتاج قنابل نووية.
وبشكل عام، يعتبر اليورانيوم المادة الخام الرئيسة المستخدمة للأغراض السلمية والمدنية، وأيضاً لإنتاج الأسلحة النووية. ويتمحور كل العمل المتعلق بالأنشطة النووية في مسألة تخصيب اليورانيوم-238، وهو ما يعني "زيادة نسبة ذرات اليورانيوم -235 الانشطاري في اليورانيوم"، حيث يؤدي انشطار هذه الذرة إلى توليد حرارة هائلة.(/2)
والفرق بين اليورانيوم-238 واليورانيوم- 235 أن الأول أكثر ثقلاً وأعلى نسبة في اليورانيوم الخام، وهو لا يؤدي الغرض في الانشطار النووي، وتبلغ نسبته في اليورانيوم الخام 99.3%، فيما يتمتع اليورانيوم-235 بقدرة انشطار عالية، ويوجد منه 7 ذرات فقط في كل ألف ذرة من ذرات اليورانيوم الخام.
وأكثر ما تحتاجه الدول في بداية تعاملها مع اليورانيوم، هو استخراجه من الأرض، وتنقيته، خاصة وأنه نادراً ما يعثر عليه على شكل خام يستفاد منه. قبل أن يتم طحنه وتكريره كيميائياً، ثم إعادة تشكيله على شكل معدن صلب يطلق عليه اسم "الكعكة الصفراء" حيث يصبح لون المعدن الجديد أصفراً ذهبياً، يحتوي على 60 – 70% على الأقل يورانيوم.
ولتحويل هذا المعدن إلى مادة يستفاد منها للأغراض السلمية أو العسكرية، تحتاج الدول إلى جهود ضخمة تعرف باسم "التخصيب"، ولا يمكن الانتقال إلى هذه الحالة قبل أن يتحوّل اليورانيوم إلى غاز يعرف باسم "سداسي فلوريد اليورانيوم" عبر تسخينه إلى درجة حرارة 64 درجة مئوية. وتهدف هذه العملية إلى زيادة كمية ذرات اليورانيوم-235، خاصة وأن هذا النظير يعتبر من أكفأ نظائر اليورانيوم قدرة على الانقسام الذاتي الذي يكفي للبدء بسلسلة من الانشطار النووي، إذ توّلد كل ذرة منشطرة من اليورانيوم حرارة كبيرة فضلا عن إطلاق نيترونين أو ثلاثة، يؤدي اصطدام أي منها بذرة يورانيوم أخرى إلى انقسام هذه الذرة، وهكذا.. مع ملاحظة أن ذلك كله يحدث بأجزاء من الثانية.
هذا الانشطار النووي هو أصل العمل في الأسلحة النووية، وكذلك في المفاعلات النووية، ولكن باختلاف حجم الانشطار وسرعته ومقدار اليورانيوم-235 فيه.. إذ يكفي أن يكون اليورانيوم مخصباً بنسبة 2-3% منه يورانيوم-235 ليكون قابلاً للتفاعل في المفاعلات النووية، فيما تحتاج القنابل النووية إلى نسبة تخصيب تصل إلى 90% يورانيوم-235 أو أكثر.(/3)
ولتخصيب اليورانيوم تحتاج الدول إلى الاستعانة بأجهزة الطرد المركزية، التي تعمل على مبدأ تدوير غاز سداسي فلوريد اليورانيوم في غرفة أسطوانية بسرعات كبيرة جداً ( تصل إلى 60-70 ألف دورة بالدقيقة) ما يؤدي إلى انفصال النظير يورانيوم-238 الأكثر كثافة عن النظير يورانيوم-235 الأخف. ويتحرك اليورانيوم-238 الأثقل نحو قاع الغرفة حيث يتم استخلاصه، بينما تتجمع ذرات اليورانيوم-235 الأخف قرب المركز حيث يتم تجميعها.
وبعد ذلك يضخ اليورانيوم-235 في جهاز طرد مركزي آخر، وتتكرر تلك العملية عدة مرات عبر سلسلة من أجهزة الطرد المركزية.
ويعرف اليورانيوم المتبقي - وهو بالأساس من اليورانيوم-238 بعد إزالة كافة ذرات اليورانيوم-235 منه - باليورانيوم المنضب، وهو معدن ثقيل ومشع بشكل بسيط ويستخدم كمكون في القذائف الخارقة للدروع وغيرها من الذخائر.
اليورانيوم المخصّب المستخلص، يعرف في المفاعلات النووية باسم "الوقود النووي"، حيث يأخذ شكل كريات حجم كل واحدة منها تقريباً بحجم العملة، وبطول بوصة واحدة، يتم تجميعها على شكل قضبان، وتحفظ في أماكن مضغوطة شديدة العزل.
هذه القضبان النووية أو ما يعرف باسم "الوقود النووي" تصبح أساساً لعمل المفاعلات النووية، حيث توضع في المفاعلات لتوليد انشطار ذاتي يؤّمن إطلاق حرارة عالية جداً، تساهم في تسخين المياه لتكوين البخار وتشغيل التوربينات وتوليد الطاقة اللازمة لتشغيل الغواصات وغيرها.
المشكلة الرئيسة في قضية التخصيب أو الحصول على الوقود النووي، هو أن أجهزة الطرد المركزية يمكن لها أن تخصّب اليورانيوم إلى درجات نقاوة عالية، على سبيل المثال، فإن 1500 جهاز طرد مركزي، يمكن لها أن تؤمن تخصيب يورانيوم خلال عام واحد لإنتاج يورانيوم - 235 كاف لإنتاج قنبلة نووية.(/4)
وإذا كانت هيئة الطاقة الذرية قادرة على مراقبة إنتاج اليورانيوم وتخصيبه في مفاعلات إيران النووية، وبالتالي عدم السماح بتخصيب اليورانيوم لدرجة نقاوة عالية، فإن المشكلة تبقى موجودة عبر مخلفات المفاعلات النووية العادية. إذ أن تذويب الغلاف الخارجي المعدني للقضبان النووية المستخدمة في المفاعلات النووية، في حامض النيتريك الساخن، يؤدي إلى الحصول على اليورانيوم بنسبة (96%)، والذي يعاد استخدامه في المفاعلات، فيما تبقى نفاية شديدة الإشعاع بنسبة (3%)، فضلا عن البلوتونيوم بنسبة (1%).
وهذا البلوتونيوم يبدو مغرياً كثيراً هو الآخر للدول التي ترغب في امتلاك أسلحة نووية، ذلك أن البلوتونيوم يتمتع بعدة مزايا لا تتوفر في اليورانيوم كمكون لسلاح نووي. إذ يكفي نحو أربعة كيلوجرامات من البلوتونيوم لصناعة قنبلة، تصل القوة التفجيرية فيها إلى 20 كيلوطن.
ولإنتاج 12 كيلوجراما من البلوتونيوم في العام، لا يلزم سوى منشأة معالجة صغيرة نسبيا، من السهولة بمكان إخفائها داخل مبنى صغير يبدو عادياً من الخارج.
إيران.. والتحدي المستمر:
رغم التصريحات المستمرة التي تعلن فيها الدول الغربية بإمكانية تنفيذ ضربة عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية، إلا أن طهران تبدو ماضية قدماً باتجاه الحصول على التقنية النووية الكافية للوصول إلى طريق "اللاعودة" في إنتاج اليورانيوم المخصب. وطريق اللاعودة يعني أن طهران سيكون في مقدورها بأي وقت إنتاج قنبلة نووية إذا ما رغبت في ذلك.
وتتركز سيناريوهات ضرب إيران، بتوجيه ضربات عسكرية محددة، تستهدف المنشآت النووية في البلاد، بهدف تدميرها، وتفويت الفرصة على طهران المضي قدماً لإنتاج القدرة النووية الكاملة.(/5)
المنشآت الإيرانية النووية متعددة، وتبلغ حتى الآن أربعة، هي محطة بوشهر لتوليد الطاقة الكهربائية عبر الطاقة النووية، ومحطة أصفهان لتحويل اليورانيوم إلى غاز سداسي الفلوريد، ومحطة أراك للمياه الثقيلة، وأخيراً محطة (ناتانز) لتخصيب اليورانيوم، والتي تعتبر الأحدث في سلسلة المحطات النووية الإيرانية، والأكثر إثارة للجدل) ويبدو أن طهران قد تحسبت لقيام طائرات معادية بشن غارات خاطفة عليها، لذلك فقد أقامت هذه المحطة الأساسية في وسط إيران.
وحسب بعض التقارير التي نشرتها وكالة الطاقة الذرية، فإن مفاعل (ناتانز) حين يتم العمل به قد يضم حوالي 50 ألف من أنابيب نقل الغاز المتطورة، ما يسمح لإيران بإنتاج ما يكفي من اليورانيوم من درجة الأسلحة لتطوير ما يزيد عن 20 سلاحا نوويا كل عام.
ربما حاولت طهران عبر اعتقال البحارة البريطانيين الخمسة عشر مؤخراً، توجيه رسالة إلى العالم الغربي، مفاده أن السيادة الإيرانية على أراضيها ومياهها الإقليمية سيادة كاملة، يجب على الآخرين الاعتراف بها واحترامها، وأنها قادرة على ردع أي تدخل عسكري، ومواجهة أية مخاطر قد تهدد أمنها وسلامتها.
وهي على كل حال عليها أن تثبت قدرتها على امتلاك السلاح النووي، ثم تنسحب من اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية، قبل أن تقوم أي جهة بتنفيذ ضربات عسكرية موجّهة، تؤخّر آمالها سنوات أخرى، في الوقت الذي تفكر فيه الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، بتوجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، تحدث أكبر قدرة تدميرية فيها، قبل أن تتوصل الأخيرة لقدرة إنتاجية حقيقية لهذا السلاح، لا يعلم أحد سيهدد من، أو يوجه ضد من!(/6)
العنوان: ماذا يعني انسياقُ الشباب وراء العولمة الأخلاقية؟!
رقم المقالة: 1441
صاحب المقالة: د. أسامة عثمان
-----------------------------------------
عندما أدركتْ أمريكا والدول الغربية أنّ الأفكار المعادية للدين والمعاندةَ له قد سقطت في حومة صراعها مع الحق الذي أثبتت الأحداثُ -بعد النصوص- صدقَه، راحت تلوذ بسلاح أكثرَ استهواءً، ولعله –آنيا- أشدُّ مَضاءً، ذاك هو إشعال الغرائز، بحملات محمومة، وسيل جارف من المثيرات المنحطة التي تتغيّا قتلَ المرُوءة، ولا سيما عند الشباب، قوةِ المجتمعات، وعصبِ التغيير والبناء.
ولما كان التصورُ الإسلامي عن الحياة الدنيا مغايرًا للتصورات الكافرة، والغربية –بخاصة- عنها، فقد كان من الطبيعي أن ينهج المسلمُ تجاهها نهجًا يناسب وصفها بدار عبور إلى الآخرة، وفرصة للفلاح في الدار الخالدة... ففي الوقت الذي قامت فيه الحضارةُ الغربية الحديثة على تقديس الحرية الشخصية، وتمجيد الفرد، وتمكينه من نيل أكبر قدر ممكن من المتع الجسدية...، قامت حضارتُنا على النظرة إلى الفرد المسلم على أنه جزء فاعل في جماعة، وإلى المتع المباحة على أنها بُلْغة إلى العيش الحلال، وسبيل للتقوّي على الطاعة.
ولهذا فإن الضرر الذي يلحقه الانجرارُ وراء الشهوات المحرمة -التي تُلوِّح بها الحضارة الغربية- بالمسلمين ومجتمعاتهم أشدُّ فتكا منه في المجتمعات الغربية نفسها؛ ذلك أنه يخلخل قيمنا والبنية الخاصة لأمتنا وأنساقها المحددة... ولا يحدث مثل هذا الضرر في المجتمعات التي بنيت على الفساد من أول يوم.
خلفيات المشكلة ومظاهرها:(/1)
لقد أدى وقوع العرب تحت التأثير الغربي المباشر -من خلال الاحتلال الفرنسي لمصر عام 1798م والغزو الثقافي لعقول المسلمين- إلى شعور قسم من المفكرين بهزة قوية، وقفت أمامهم الحضارة الغربية مثالا غالبا، أولع المغلوب بتقليده، وظهر ذلك التأثير في مظهرين، أحدهما أوضح من الآخر، وهو الداعي إلى (التباهي) في ثقافة الغرب، يمثله طه حسين ولطفي السيد وغيرهما، والآخرُ لم يجهر بما جهر به الأول، ولكنه همس محاولا التوفيق بين ثقافة الأمة والثقافة الجديدة، وأبرزهم رفاعة الطهطاوي وعبد الرحمن الكواكبي وغيرهما. وقد خطّ كل فريق له في مستقبل الفكر العربي خطا ممتدا؛ لكن الواقع أعضل الفريقين وأعياهما؛ فلا العرب قبلوا الاندثار أو الانحلال، ثم التشكل، ولا محاولاتُ التوفيق أفلحت في إحداث التقارب مع الغرب، أو في إنهاض العرب.
وأنتجت هذه الحالة الصعبة والخطرة معا، ضياعا وفراغا تحياهما الشعوب العربية اليوم، تجلى في فئة الشباب، في وقت استأثرت فيه المؤثرات الغربية بالنصيب الأوفر من التأثير الفاعل المنظم بتقنية عالية، وراحت آلة العولمة الثقافية والإعلامية تحرث في أرض العرب؛ فتقطع تلك الجذور السطحية، وتعزق فيها من بذورها.
والآن تحل في أوساطٍ من شباب المسلمين قيم الحرية الشخصية بمفهومها الغربي محل الحفاظ على الشرف والعرض، وتأتي النفعية الفردية والمداجاة والتذبذب مكان الروح الجماعية والأنفة، وغلبت عليهم ثقافة عدوانية قاسية بدلا من التراحم ونصرة المظلوم، وإغاثة الملهوف وقرى الضيف... وقد كان للأنظمة الاقتصادية والقيم الاجتماعية والأخلاقية التي تفرزها نظمٌ سياسية حاكمة أثر واضح في تكوين تلك الصفات السلبية التي تنزلت من البعض منزلة الطباع!(/2)
أفرزت تلك الحالة لدى البعض شعورًا بالإحباط تسرب إلى النماذج والقدوات؛ فانسحب جمهرة من الآباء والمربين من مسؤولياتهم، وتخلوا عن أدوارهم؛ فاستبدت بالأبناء مؤثراتُ الإعلام الغربي والتابع له، فملأت الفراغ، وأصبح التلفاز والإنترنت والفيديوكليب آباء وأمهات، يملؤون لهم فراغهم المعرفي والعاطفي، ولم ترحم تلك الوسائل، أو تقتصد، بل أسرفت وأفرطت، وتسارعت وتائر التغريب وتصاعدت جرعاته.
العولمة الأخلاقية:
ليس من أهداف هذا المقال الاستفاضة في مصطلح العولمة، ولا بيان أنواعها، فقد أنفق فيها وقت طويل، وسُوِّدت من أجلها ألوف الصفحات... غير أن ما يهمنا هو تسليط بعض الضوء على ما يمكن أن يسمى بعولمة الأخلاق، وبيان تناقضها مع هوية الأمة، والآثار الظاهرة منها.
والخطورة فيها أنها تسعى إلى تجريد المسلم من خصائصه بجعله بحسب تعبير البعض "الإنسان الطبيعي" الذي يفسره الدكتور عبد الوهاب المسيري بأنه إنسان يتسم بسمات عامة "أضيفت" إليها الحضارة، أي أنها ليست أصيلة فيه، وبذلك تتحول الهوية إلى مسألة مضافة آليا، مجرد زخرفة، وهكذا يصبح المشروع الإنساني هو العودة إلى الإنسان الطبيعي متجاوزين الزخارف الإضافية. فالعولمة هي في جوهرها العودة إلى هذا الإنسان الطبيعي الذي لا يعرف الحدود ولا الهوية ولا الخصوصية، وليس عنده أي إدراك أو اكتراث بالقيم الأخلاقية والمعنوية مثل الكرامة والارتباط بالأرض والوطن والتضحية. [عبد الوهاب المسيري : أسئلة الهوية – الجزيرة نت].(/3)
ويلخص كاتب فرنسي بعض الآثار المرّة الناجمة عن العولمة ومنها آثار نفسية وأخلاقية بقوله: "فكلما ازداد هذا النظام الرأسمالي الجشع إمعانًا وانتشارًا بالعولمة، ازدادت الانتفاضات والحروب العرقية والقبلية والعنصرية والدينية للتفتيش عن الهوية القومية في المستقبل. وكلما تَفَشَّت المعلوماتية والأجهزة التلفزيونية والسلكية واللاسلكية، تكبلت الأيدي بقيود العبودية، وازدادت مظاهر الوحدة والانعزال والخوف والهلع من غير عائلة ولا قبيلة ولا وطن. وكلما ازداد معدل الحياة سوف تزداد وسائل القتل، وكلما ازدادت وسائل الرفاهية سوف تزداد أكثر فأكثر جرائم البربرية والعبودية" [ما العولمة – محمد جلال العظم – وحسن حنفي، ص20].
ويشترك هذا القول في بعض جوانبه مع قول ابن خلدون من قبل: "وأهل الحضر لكثرة ما يعانون من فنون الملاذّ وعوائد الترف والإقبال على الدنيا والعكوف على شهواتهم منها قد تلونت أنفسُهم بكثير من مذمومات الخُلُق والشر، وبعدت عليهم طرق الخير ومسالكه" [مقدمة ابن خلدون].
ولكننا لا نذهب مذهبه على إطلاقه؛ إذ ثمة عوامل فكرية أخرى تتحكم في همة الإنسان رقيا وانحطاطا، غير أننا لا ننكر أثر التنعم الزائد، والنمط الاستهلاكي -ولا سيما حين تضعف الملكات الفكرية- في الإفساد والترهل المعنوي والمادي.
وينبغي تأكيد واحدة من مخاطر العولمة الثقافية التي تضمنها كلام الكاتب الفرنسي، وهي الخطر الأخلاقي والاجتماعي ويتمثل في سلوك العزلة، حيث يتهتك النسيج الاجتماعي، وتحل محله العلاقة بالأشياء، مثل التلفاز والإنترنت.
تساؤل وتصويب:
إذا كنا -نحن المسلمين- لسنا مثل الغربيين، ولا نستطيع أن نكون مثلهم ولا منهم، فماذا سنكون، إن لم نكن أنفسنا؟! وماذا يعني استهداف الجانب الخلقي؟
لعل الجهود العجيبة المفرطة التي يقومون بها لتدمير الخلق تشي بأهمية هذا الحصن المهدد؛ لأنه باختصار، الإنسان، وماذا بعد خسران الإنسان، أو الشاب؟!(/4)
لقد عمل الأمريكان على إدخال أفلام الجنس إلى غرف نوم المسلمين، إذ ترافق احتلالهم للعراق وشيوع هذه المظاهر، بالإضافة إلى ترويج المخدرات؟!
"ولقد انتشرت في العراق ظاهرتان: الأولى ظاهرة المخدرات، والثانية ظاهرة شرائح الدي في دي. المادتان، مواد التخدير، ومادة الأفلام على الشرائح ومنها الأفلام الجنسية... وكذلك شرائح لأفلام العنف وأفلام روائية فاضحة تباع في الأسواق العراقية بطباعة أنيقة ونوعية صورة جيدة، بمعنى أنها مطبوعة عبر ما يطلق عليه (Glass Master) وليست مستنسخة بالأسود عبر الشرائح المتداولة في السوق. وسعر هذه الشرائح دولاران فقط، وارتفع سعرها في السنة الأخيرة 2007 إلى أربعة دولارات. وإذا ما تأملنا أسعار هذه الشرائح وهي موجودة ضمن علب بلاستيكية أنيقة ومغلفة بغلاف ملون، فإن طباعتها مع قيمة الشريحة الخام مع الغلاف الملون واللاصق الداخلي على الشريحة، مضافا إليها السلفنة، ثم عمليات الشحن بطريقة غير مشروعة (التهريب) عبر البحار ودفع الرشوات لإمرارها من المراكز الحدودية ضمن فوضى الواقع السياسي في العراق، عملية غير اقتصادية للمنتج بل هي عملية خاسرة، فلماذا تصدر هذه الثقافة للعراقيين؟ ومن يقف وراءها؟ ولأي هدف؟" [الجزيرة الثقافية، 23/7/2007، العدد (208)، ثقافة الوافدين.. ثقافة الغد الآتي، قاسم حول].
وقد صدق الله العظيم إذ يقول: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال: 36].(/5)