العنوان: رمضان يتحدث إلى الذين أفطروا أيامًا منه
رقم المقالة: 1260
صاحب المقالة: حسن عبدالحميد أبو جمعة
-----------------------------------------
أنا أودِّعكم، وقد لا ألتقي بكم، ربما عُدْتُ فوجدتُ بعضَكم تحت التُّراب في ظلمات القبر.
إلى الذين أفطروا بغير عُذْرٍ أقولُ: ستندمون - ولاتَ ساعةَ مَنْدَم - سيصحو منكم الضَّمير، ولو في الشَّيْخوخة، ستعضُّون أصابعَ الحسرة.
إذا تُبْتُم وأنبتم؛ فاقضوا أيامًا - لو علمتم حقًّا فضلها؛ لتمنَّيْتُم أن تكون أيام العمر.
اقضوا، واذرِفوا دموعَ النَّدم، أن ضاعت منكم أحلى أيام العمر، وألذّ ساعات السعادة.
ومَنْ كان منكم أفْطَر مع جماعٍ، منتهِكًا حرمةَ يومي؛ فليقضِ، وليُكَفِّر كفَّارةً مغلَّظةً.
أيها المريض:
نَصَحَكَ الطَّبيب بالإفطار، لا بأس عليكَ، فليس عليكَ حرجٌ، لكن تذكَّر قولَ ربِّكَ: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184].
أيها المسافر:
أخذتَ برخصة الإفطار، لا تَثْرِيبَ عليكَ، ولكن لا تنسَ الأيام التي أفطرتَها، وعليكَ بقضائها في أقرب فرصةٍ.
أيَّتها الحائض والنُّفَساء:
عذركما الله؛ فأفْطِرْنَ، وصُمْنَ أيامًا بعد رمضان بعدد ما أَفْطَرْتُنَّ.
أيتها الحامل والمرضِع:
إن خِفْتُنَّ على الوَلَد؛ أفْطِرْنَ إذن ولا بأس، يريد الله بِكُنَّ اليُسْرَ، ولكن عليكُنَّ القضاء مع الكفَّارة.
أيها الشَّيْخ:
علاك الشِّيبُ، وأَحْنَتِ الأيام ظهرَكَ، وأحببتَ رمضانَ، وأحبَّكَ الذي أحببتني من أجله. شقَّ عليكَ الصِّيام! لا تحزن؛ فلمثلكَ نزل قول الرَّبِّ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} [البقرة: 184]. أفْطِرْ، وفي الفدية متَّسعٌ.
يا مَنْ ابتلاكَ الله بمرضٍ مُزْمِنٍ فصبرت:
لا تيأسْ؛ فالرَّبُّ رحيمٌ، أفْطِرْ وافْدِ. أتدري ما الفدية؟ طعام مسكينٍ عن كلِّ يومٍ.
يا مَنْ وَجَبَ عليكم القضاء:(/1)
عُذِرْتُم بالفِطْر، ولكن أسرعوا بقضاء أيامي؛ فلا تدرون متى يحين الأجل، وحذارِ أن تصوموا أيام العيد قضاءً، واعلموا يا أصحاب الأعذار: إذا أخَّرْتُمُ القضاءَ حتى عُدْتُ إليكم في العام القادم - أن عليكم القضاء مع الفدية.
وإذا عجزتم عن القضاء؛ فلا يصومَنَّ أحدٌ عنكم في حياتكم، وإذا مِتُّم وعليكم صيام أيامٍ من أيامي، لم تستطيعوا صيامها، ولم تفرِّطوا في القضاء - فعليكم رحمة الله، وسأشفع لكم يوم الدِّين .. إنني دَيْنُ الله، ودَيْنُ الله أحقُّ بالوفاء والقضاء، والسَّلام عليكم يا أحباب، وإلى اللِّقاء.(/2)
العنوان: روح الشاعر
رقم المقالة: 492
صاحب المقالة: عيسى بن علي الجرابا
-----------------------------------------
مَا بَيْنَ خَافٍ مِنْ أَسَاهُ وظَاهِرِ يَحْيَا عَلَى أَمَلٍ نَدِيٍّ زَاهِرِ
صَقَلَتْهُ أَحْدَاثُ الزَّمَانِ فَصَاغَهَا لِلنَّاسِ عِقْدَ لآلِئٍ وَجَوَاهِرِ
يَخْتَارُ مِنْ رَوْضِ الحَيَاة وَيَنْتَقِي أَفْوَافَ زَهْرٍ مِنْ هَوَىً وَمَشَاعِرِ
يَشْدُو وَأَسْرَابُ الطُّيُوْرِ تَجَمَّعَتْ تُصْغِي لِلَحْنٍ عَبْقَرِيٍّ سَاحِرِ
أَسَرَ القُلُوْبَ جَمَالُ مَا يَشْدُو بِهِ وَالقَلْبُ يُوْلَعُ بِالجَمَالِ الآسِرِ
يَغْدُو وَخِنْجَرُ هَمِّهِ يَغْتَالُهُ مَا اهْتَمَّ لِلجُرْحِ العَمِيْقِ الغَائِرِ
وَفُؤَادُهُ لِلحُزْنِ أَمْسَى مَسْرَحاً تَجْرِي عَلَيْهِ فُصُوْلُ حَظٍّ عَاثِرِ
يَجْتَرُّ آلاماً عِظَاماً لَمْ تَزَلْ أَنْيَابُهَا تُدْمِي جَنَاحَ الطَّائِرِ
لَكِنَّهُ كَالصَّقْرِ ظَلَّ مُجَنِّحاً يَرْنُو إِلَى الدُّنْيَا بِمُقْلَةِ سَاخِرِ
يَبْكِي وَيَضْحَكُ حَامِلاً هَمَّ الوَرَى أَلَماً وَآمَالاً بِقَلْبٍ صَابِرِ
يَهْفُو إِلَى المَاضِي وَبَيْنَ ضُلُوْعِهِ ذِكْرَى يَرِقُّ لَهَا فُؤَادُ الذَّاكِرِ
وَيَبِيْتُ مُعْتَبِراً بِهِ مُسْتَعْبِراً مِنْ خَشْيَةِ الآتِي وَذُلِّ الحَاضِرِ
وَيَرَى الحَيَاةَ تَنَامُ فِي حِضْنِ الرَّدَى مَجْدٌ يُشَيَّدُ فَوْقَ مَجْدٍ غَابِرِ
وَيَعِيْشُ فِيْهَا كَالغَرِيْبِ وَقَلْبُهُ أَضْنَاهُ شَوْقُ مُسَافِرٍ لِمُسَافِرِ
وَيَظَلُّ يُسْرِجُ فِكْرَهُ بَيْنَ الدُّجَى قَبَساً يَتِيْهُ عَلَى الظَّلامِ الجَائِرِ
أَوَمَا تَرَاهُ كَشَمْعَةٍ رَقَصَتْ عَلَى كَفِّ الرَّدَى تَجْلُو دُرُوْبَ الحَائِرِ؟
فَمُنَاهُ أَنْ تَبْقَى الحَيَاةُ كَرِيْمَةً يَحْيَا الأَنَامُ بِهَا حَيَاةَ الظَّافِرِ
مَنْ ذَاكَ؟ قَالَ البَدْرُ يَسْأَلُ نَجْمَةً حَيْرَى بِنَبْرَةِ مُسْتَبِدٍّ آمِرِ(/1)
وَتَجَمَّعَتْ زُهْرُ النُّجُوْمِ وَقَدْ سَرَى رَجْعُ السُّؤَالِ لِيَسْتَقِرَّ بِخَاطِرِي
فَهَمَسْتُ فِي سَمْعِ الزَّمَانِ وَغَرَّدَتْ فَرَحاً حُرُوْفُ الشِّعْرِ فَوْقَ دَفَاتِرِي
تَذْوِي الحَيَاةُ وَتَضْمَحِلُّ وَتَنْطَفِي أَنْوَارُهَا وَتُضِيْءُ رُوْحُ الشَّاعِرِ(/2)
العنوان: روحي الأسمى
رقم المقالة: 1616
صاحب المقالة: أمل مطر الشلوي
-----------------------------------------
روحي الأسمى
روحي أقوى، روحي أسمى مهما اشتدت تلك الأزمة
مهما كانت مهما صارت لن تمحو من قلبي البسمة
إن جاءت مثل الإعصارِ بالقوة تقلع أزهاري
قد تؤذيني و بإصرارِ أو تنسفني وبلا رحمة
لكن روحي الأسمى تبقى تدعو مولاها كي ترقى
لمعاليٍ* ساميةٍ أنقى حتى من أضواء النجمة
تعليق "حضارة الكلمة":
الأخت الشاعرة/ أمل
نشكر لك -أولاً- تواصلك المستمر مع قسم حضارة الكلمة، وعلى هذه الرباعيات، متمنين لك مستقبلاً أدبيًّا حافلاً.
ثم نودّ أن نشير إلى ضرورة تقريب المعنى إلى ذهن الطفل فيما نكتبه له..
فهذا النصّ يعزز الثقة بالنفس لدى الأطفال..
ولكن، في مثل هذا النص التربوي لابدّ من ذكر أكثر من وسيلة أو طريقة تشرح للطفل كيف يكون واثقاً بنفسه وقويًّا بروحه..
يمكننا أن نقول: حين أرسم لوحة أكون واثقاً من نفسي/ حين أؤدي صلواتي أسمو بروحي.. إلَخ.
-كما نشير إلى ضرورة الدقة في اختيار الكلمات في نصوص الأطفال، فتركيب مثل: تنسفني وبلا رحمة؛ لا يناسب الطفل الصغير.
وفق الله الجميع لما فيه الخير.
* "لمعاليٍ" التصحيح: لمعالٍ.(/1)
العنوان: زُبيْدة بنت جعفر بن المنصور زوج الرَّشيد
رقم المقالة: 1904
صاحب المقالة: د. شوقي أبو خليل
-----------------------------------------
زُبيْدة بنت جعفر بن المنصور زوج الرَّشيد
* زُبيدة للمأمون بعد مقتل ابنها الأمين: "أهنيك بخلافة قد هَنَّأْتُ نفسي بها عنك قبل أن أراك، ولئن كنتُ قد فقدتُ ابنًا خليفةً، لقد عُوِّضْتُ ابنًا خليفة لم ألده، وما خَسِرَ مَنِ اعتاضَ مِثْلَكَ، ولا ثَكِلَتْ أُمٌّ مَلأتْ يَدَها مِنكَ، وأنا أسأل الله أَجْرًا على ما أَخَذَ، وإمتاعًا بما عوَّض".
أُمُّ جعفر زبيدةُ بنت جعفر بن أبي جعفر المنصور بن محمد بن علي بن عبدالله بن العباس بن عبدالمطَّلب بن هاشم.
سيدة جليلة، ذات يدٍ طُولَى في الحضارة والعُمران، والعطف على الأدباء والشُّعراء والأطباء، ومن ذوات العقل والرَّأي، والفصاحة والبلاغة.
أَعْرَسَ بها الرَّشيد سنة 165 هـ في خلافة المهدي ببغداد، فولدت له محمَّدًا الأمينَ، فأحبَّتْهُ حُبًّا عظيمًا جعلها تهيئ له كلَّ العوامل الَّتي تعتقدُها واصلةً به إلى عرش الخِلافة، ولما ولدتْ محمدًا الأمين قال مروان بن أبي حفصة:
لِلَّهِ دَرُّكِ يَا عَقِيلَةَ جَعْفَرِ مَاذَا وَلَدْتِ مِنَ النَّدَى وَالسُّؤْدُدِ
إِنَّ الخِلافَةَ قَدْ تَبَيَّنَ نُورُهَا لِلنَّاظِرِينَ عَلَى جَبِينِ مُحَمَّدِ
إِنِّي لأَعْلَمُ إِنَّهُ لَخَلِيفَةٌ إِنْ بَيْعَةٌ عُقِدَتْ وَإِنْ لَمْ تُعْقَدِ
فأمر له الرشيدُ بثلاثة آلاف دينار، وأمرت زبيدة أن يُحْشَى فُوهُ جَوْهَرًا، فكانت قيمتُهُ عشرةَ آلاف دينار.
واغتمَّتْ زُبيدة غَمًّا شديدًا لما ذَكَر الرَّشيدُ البَيْعَةَ لابنه المأمون، فدخلت على الرشيد تُعاتِبُهُ في ذلك أشدَّ المعاتبة، وتؤاخذه أعنفَ المؤاخذة:(/1)
فقال الرشيد: ويحكِ إنما هي أُمَّة محمد، ورعاية من استرعاني الله تعالى مُطَوَّقًا بعنقي، وقد عرفتِ ما بين ابني وابنِكِ، ليس ابنُكِ يا زبيدةُ أهلاً للخِلافة، ولا يصلح للرعيَّةِ.
قالت: ابني والله خيرٌ منَ ابنِكَ، وأصلح لما تريد، ليس بكبير سفيه، ولا صغير فيه[1]، أسخى منَ ابنِكَ نَفْسًا، وأشجع قلبًا.
فقال هارون: ويحك إن ابنك لأحب إلي، إلا أنها الخِلافة لا تصلح إلا لمن كان لها أهلاً، وبها مستحقًّا، ونحن مسؤولون عن هذا الخلق، ومأخوذون بهذا الأنام، فما أغنانا أن نَلْقَى الله بِوِزْرهم، وننقلب إليه بإثمهم، فاقْعُدي حتى أعرِضَ عليك ما بين ابْنِي وابْنِكِ.
فقعدت معه على الفراش، ثم دعا ابنه عبدالله المأمون، فلمَّا صار بباب المجلس سَلَّمَ على أبيه بالخِلافة، ووقف طويلاً وقد طَأْطَأَ برأسه، وأغضى ببصره، ينتظر الإذن حتى كادت قدماه تَرِمُ، ثم أذن له بالجلوس فجلس، فاستأذن بالكلام، فأذن له فتكلم، فحمد الله على ما منَّ به من رؤية أبيه، ويرغب إليه في تعجيل الفَرَجِ مِمَّا به، ثم استأذنه في الدُّنُوِّ من أبيه، فدنا منه، وجعل يَلْثم أسافل قدميه، ويُقبِّلُ باطن راحَتَيْهِ، ثم انثنى ساعيًا إلى زبيدة، فأقبل على تقبيل رأسِها، ثُمَّ انْثَنَى إلى قدميها، ثم رجع إلى مجلسه، فحَمِدَ الله إليها فيما منَّ به عليها من رِضَى أبيه عنها، وحُسْنِ رأْيِه فيها، ويسأله تعالى العون على بِرِّهِ، وأداءِ المفروض عليها من حقِّهِ، ويرغب أن يُوزِعَهَا شُكْرَهُ وحَمْدَهُ.
فقال الرشيدُ: يا بُنَيَّ إني أريد أن أَعْهَدَ إليكَ عهد الإمامة، وأُقْعِدَكَ مَقْعَدَ الخِلافة، فإنِّي قد رأيتُكَ أهلاً لها، وبها حقيقًا.(/2)
فاسْتَعْبَرَ عبدالله المأمون باكيًا، وصاح مُنتَحِبًا يَسألُ اللَّهَ العافِيةَ من ذَلِكَ، ويرغب إليه أن لا يُرِيَهُ فَقْدَ أبيه، فقال له: يا بُنَيَّ! إنّي أراني لما بي، وأنت أحقُّ، وسلِّمِ الأمرَ لِلَّه، وارض به، واسأله العَوْنَ عليه، فلا بد من عهدي يكون في يومي هذا، فقال عبدالله المأمون: يا أَبْتَاهُ! أخي أَحَقُّ منِّي، وابنُ سَيِّدَتِي، ولا إِخالُ إلا أنَّه أَقْوَى على هذا الأمر منِّي، وأشدُّ استطلاعًا، عَرَضَ اللهُ لك ما فيه الرشاد والخَلاص، وللعباد الخير والصلاح، ثم أذن له فقام خارجًا.
ثم دعا هارون بابنه محمَّدٍ الأمينِ، فأقبل يَجُرُّ ذَيْلَهُ، ويتبخْتَرُ في مِشْيَتِهِ، فمشى داخلاًً بنعْلِه، قد أُنْسِيَ السلامَ، وذهِل عن الكلام نَخْوَةً، وتَجَبُّرًا، وتعظُّمًا، وإعجابًا، فمشى حتى صار مستوِيًا مع أبيه على الفراش.
فقال هارون: ما تقول أَيْ بُنَيَّ، فإني أريد أن أعهد إليك؟
فقال: يا أمير المؤمنين، ومن أحق بذلك منِّي، وأنا أسنُّ وَلَدِكَ، وابنُ قُرَّة عَيْنِكَ؟!
فقال هارون: اخرج يا بنيّ.
ثم قال لزبيدةَ: كيف رأيت ما بين ابني وابنِكِ؟
فقالت: يا أمير المؤمنين، ابني أحقُّ بما تريد، وأَوْلَى بما لَدَيْكَ.
فقال هارون: فإذا أَقْرَرْتِ بالحق، وأنصفتِ ما رأيتِ، فأنا أعهد إلى ابني، ثُمَّ إلى ابنِكِ بعدُ. فكتب عَهْدَ عبدالله المأمون، ثم محمد الأمين بعدُ[2].
وكما سبق، كان الكِسَائِيُّ يُؤَدِّبُ الأمينَ بِشِدَّةٍ، ويقول: "إنَّ محمَّدًا مُرَشَّح للخلافة بعد أبيه، ولا يجوز التقصير في تأديبه"[3].(/3)
ولما قُتِلَ ابنُها الأمينُ، دخل إليها بعض خَدَمِها فقال: ما يُجْلِسُكِ وقد قُتِل أمير المؤمنين محمَّد؟ فقالت: ويلَكَ وما أصنع؟! فقال: تخرجين فتطلبين بثأره، كما خرجت عائشة تطلب بدم عثمان، فقالت: اخْسَأْ لا أُمَّ لَكَ، ما لِلنّساءِ وَطَلَبِ الثَّأْرِ ومُنَازَلَةِ الأبطالِ؟![4] وهذا يدلُّ على رجاحة عقلها.
ثُمَّ أمرتْ بثيابها فُسُوِّدَتْ، ولَبِسَتْ مِسَحًا من شَعْر، ودعت بدواة وقِرطاسٍ فكتبت إلى المأمون:
لِخَيْرِ إِمَامٍ قَامَ مِنْ خَيْرِ عُنْصُرِ وَأَفْضَلِ رَاقٍ[5] فَوْقَ أَعْوَادِ مِنْبَرِ
وَوَارِثِ[6] عِلْمِ الأَوَّلِينَ وَفَخْرِهِمْ[7] وَلِلْمَلِكِ المَأْمُونِ مِنْ أُمِّ جَعْفَرِ
كَتَبْتُ وَعَيْنِي تَسْتَهِلُّ دُمُوعُهَا إِلَيْكَ ابْنَ عَمِّي مِنْ جُفُونِي وَمَحْجِرِي
أُصِبْتُ بَأَدْنَى النَّاسِ مِنْكَ قَرَابَةً وَمَنْ زَالَ عَنْ كِبْدِي فَقَلَّ تَصَبُّرِي
أَتَى طَاهِرٌ[8] لا قَدَّسَ اللَّهُ طَاهِرًا فَمَا طَاهِرٌ فِي فِعْلِهِ[9] بِمُطَهَّرِ
فَأَبْرَزَنِي[10] مَكْشُوفَةَ الْوَجْهِ حَاسِرًا وَأَنْهَبَ أَمْوَالِي وَأَحْرَقَ أَدْؤُرِي [11]
يَعِزُّ عَلَى هَارُونَ مَا قَدْ لَقِيتُهُ وَمَا نَالَنِي مِنْ نَاقِصِ الْخَلْقِ أَعْوَرِ[12]
فَإِنْ كَانَ مَا أَسْدَى لأَمْرٍ أَمَرْتَهُ صَبَرْتُ لأَمْرٍ مِنْ قَدِيرٍ مُقَدِّرِ
وَقَدْ مَسَّنِي ضُرٌّ وَذُلُّ كَآبَةٍ وَأَرَّقَ عَيْنِي يَا ابْنَ عَمِّي تَفَكُّرِي[13]
وَهِمْتُ لِمَا لاقَيْتُ بَعْدَ مُصَابِهِ فَأَمْرِي عَظِيمٌ مُنْكَرٌ جِدُّ مُنْكَرِ
سَأَشْكُو الَّذِي لاقَيْتُهُ بَعْدَ فَقْدِهِ إِلَيْكَ شَكَاةَ الْمُسْتَهَامِ الْمُقَهَّرِ
وَأَرْجُو لِمَا قَدْ مَرَّ بِي مُذْ فَقَدْتُهُ فَأَنْتَ لِبَثِّي خَيْرُ رَبٍّ مُغَيِّرِ(/4)
فلمَّا قرأ المأمون شِعرها بَكَى، ثم قال: اللَّهُمَّ إني أقول كما قال أمير المؤمنين عليٌ لمَّا بَلَغَهُ قَتْلُ عثمانَ: والله ما قتلتُ، ولا أمرتُ، ولا رَضِيتُ، اللهمَّ حَبِّلْ قَلْبَ طاهر – بن الحسين - حُزْنًا".
ولمَّا لقيتِ المأمونَ قالتْ له: يا أمير المؤمنين، إن لكما يومًا تجتمعان فيه، وأرجو أن يغفر الله لكما إن شاء الله.
وفي رواية الخطيب البغداديِّ أن زبيدة قالت للمأمون عند دخوله بغدادَ: أُهَنِّيكَ بخلافة قد هَنَّأْتُ نفسي بها عنكَ قبل أن أراكَ، ولئن كنتُ قد فقدتُ ابنًا خليفَةً، لقد عُوِّضْتُ ابنًا خليفَةً لم أَلِدْهُ، وما خَسِرَ منِ اعْتَاضَ مِثْلَكَ، ولا ثَكِلَتْ أمٌّ مَلأتْ يَدَهَا مِنْكَ، وأنا أسأل الله أَجْرًا على ما أَخَذَ، وإمتاعًا بما عَوَّضَ، فأخذ المأمون بعد ذلك يَزِيدُ في تكريمه لزبيدةَ وأُسْرَتها.
لقد كانت زبيدة كاتبة، يُسمع من قَصْرها دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْل من قراءة القرآن الكريم، شَمِلَتْ بعَطْفِها الفقراءَ، وأربابَ التَّقْوَى والصلاح والعلماء، ومِن آثارها وأعمالها الجليلة التي خلفتها وانتفع بها المسلمون خيرَ انتفاع، أنها سَقَتْ أهل مكة الماء، بعد أن كانت الراوية عندهم بدينار، وأَسالَتِ المياهَ عَشْرَةَ أميال بِحَطِّ الجبال ونَحْتِ الصَّخْرِ، غَلْغَلَتْهُ من الحِلِّ إلى الحَرَم، ومَهَدَتِ الطريقَ لمائها في كُلِّ خَفْضٍ ورَفْع، وسهل وجبل ووَعْر، وعُرفت هذه العين بعين الشِّماسِ، وكان جملة ما أُنْفِقَ عَلَيْها مِما ذُكر وأحصي ألف ألف وسبع مائة ألف دينار.(/5)
ووصف اليَافِعِيُّ في القرن الثامن للهجرة تلك العَيْنَ، فقال: "إن آثارها باقية ومشتملة على عِمارة عظيمة عجيبة، مما يَتَنَزَّهُ برؤيتها على يمين الذاهب إلى مِنًى من مكة، ذات بُنْيان مُحْكَم في الجبال، تَقصُر العبارة عن وصف حُسنِهِ، وينزل الماء منه إلى موضع تحت الأرض عميقٍ، ذاتِ دَرَجٍ كثيرٍ جدًّا، لا يُوصَل إلى قراره إلا بهبوطٍ كالبير، يُسمُّونه لظُلْمَتِهِ، يفزع بعض الناس إذا نزل فيه وَحْدَهُ نهارًا فضلاً عنِ الليل"[14].
وبلغتْ نَفَقَاتُها في بعض حَجَّاتها ألفَ ألفِ دينار، وبلغت نَفَقَتُها في ستين يومًا أربعة وخمسين ألف درهم، فرفع إليها وكيلُها حسابَ النفقة، فنهته عن ذلك وقالت: ثواب الله بغير حساب.
وقال ابن جبير بعد أن ذكر المصانع، والبِرَكَ، والآبار، والمنازل التي من بغداد إلى مكة: إنَّ كل ذلك من آثار زبيدة، فانتدبتْ لذلك مُدَّةَ حياتها، فأبقت في هذه الطريق مَرَافِقَ ومنافع تَعُمُّ وَفْدَ الله تعالى كل سنة من لَدُنْ وفاتها إلى الآن، ولولا آثارُها الكريمة في ذلك، لما سُلِكَتْ هذه الطريقُ، والله كفيل بمجازاتها، والرضى عنها[15].
ويُنْسَبُ إلى زُبَيْدَة مسجد زبيدة أمِّ جعفر ببغدادَ، كان قريبًا من مسجد الشيخ معروف الكَرْخِيِّ، وقدِ انْدَرَسَ سنة 1195 هـ، وكان هذا المسجد واسعًا، وطيدَ البناء، قَوِيَّ الأركان، ولما بنى سليمان باشا الكبير والي بغداد سور الجانب الغربي استُعمِلَتْ أنقاضُهُ في بناء السور، ولم يبقَ من ذلك المسجد سوى قبرِ زبيدة، وعليه قبةٌ مَخْرُوطِيَّةُ الشكل من نوادر الفن المعماري.(/6)
وينسب إليها (المحدث): وهو منزل في طريق مكة بعد النقرة، على ستة أميال منها، فيه قصر وقبات متفرقة، وفيه بِركة وبيران ماؤها عذب، وينسب إليها (العنابة)، وهي بركة لزبيدة بعد قباب على ثلاثة أميال تلقاء سُمَيْرَاءَ، وبعد توز[16]، وماؤها مِلح غليظ، وينسب إليها بركة أمِّ جعفر، وهي في طريق مكة بين المغيثة[17] والعذيب[18]، وينسب إليها القنيعة، وهي بركة بين الثعلبية[19] والخزيمية[20] بطريق مكة، وينسب إليها الحسني، وهو بئر على ستة أميال من قَرَوْرَى[21] قرب معدن النقرة، وينسب إليها الزبيدية، وهي بركة بين المغيثة والعذيب، وبها قصر ومسجد عمرتهما زبيدة.
ومن أخبارها:
وقع خلاف بين هارون الرَّشيد وزُبيدة في بيت من الشعر هو:
إِنَّ الْعُيُونَ الَّتِي فِي طَرْفِهَا حَوَرٌ قَتَلْنَنَا ثُمَّ لَمْ يُحْيِينَ قَتْلانَا[22]
فكان الرشيد يقول: "يحيين": وزبيدة تقول: "يجنين" بالجيم والنون، فتخاطرا على ذلك بألفي دينار، ودعوا مسرورًا الخادم، وأعطياه على أن يخرج فيسأل أفضل من ببغداد من أهل العلم، فإن صوَّب قول الرشيد أعطاه ألفًا، وإن صوَّب قول زبيدة فألفها، وخرج مسرور بالشموع يطلب من يفتيه في ذلك فدُلَّ على الكسائي، وكان قريب عهد القدوم من الكوفة إلى بغداد، وكان يأوي إلى المسجد، فدخل مسرورٌ عليه بخيله وحشمه، فتحفز له الكسائي، فقال: لا بأس، إنه بيت أشكل علينا، واستفتاه في الكلمتين فصوبهما جميعًا، فأعطاه الألفين، فأصبح وقد استفاد بكلمة أوضحها ما أغناه، وهذا دليل على حسن تأتيه ولطافة أدبه[23].
وأنشد رجلٌ زبيدةَ:
أَزُبَيْدَةُ ابْنَةَ جَعْفَرٍ طُوبَى لِزَائِرِكِ المُثَابْ
تُعْطِينَ مِنْ رِجْلَيْكِ مَا تُعْطِي الأَكُفُّ مِنَ الرِّغَابْ(/7)
فوثب إليه الخَدَمُ يضربونه، فمنعتهم من ذلك، وقالت: أراد خيرًا وأخطأ، وهو أحبُّ إلينا مِمَّن أراد شَرًّا فأصاب؛ سمِع قولَهم: "شِمالُكِ أَنْدَى مِنْ يَمِينِ غَيْرِكِ"، فظَنَّ أنه إذا قال هكذا كان أبلغَ، أَعْطُوهُ مَا أَمَّلَ، وعَرِّفُوهُ مَا جَهِلَ.[24]
ومات لها قِرْدٌ، فساءَها ذلك، ونالها من الغمِّ ما عرفه الصغير والكبير من خاصَّتها، فكتب إليها أبو هارون العبدي: أيَّتُها السيِّدة الخطيرة، إنَّ موقِعَ الخطْبِ بِذَهاب الصغيرِ المعجِبِ، كموقع السرور بنَيْلِ الكثير المفرِح، ومن جَهِلَ قَدْرَ التعزية عنِ التافِهِ الخَفِيِّ، عَمِيَ عنِ التهنئة بالجليل السَّنِيِّ، فلا نَقَصَكِ اللَّه الزائدَ في سُرورِك، ولا حَرَمَكِ أَجْرَ الذاهب من صغيركِ، فأمرتْ له بجائزة[25].
اختلف الرشيدُ وأمُّ جعفر في اللوزينج والفَالَوْذَجِ أيهما أَطْيَبُ؟ فمالتْ زبيدة إلى تفضيل الفَالَوْذَج، ومال الرشيد إلى تفضيل اللوزينج، وتخاطرا على مائة دينار، فأَحْضَرَا أبا يوسف القاضي، وقالا له: يا يعقوبُ قدِ اخْتَلَفْنا في كذا على كذا وكذا، فاحكم فيه، فقال: يا أمير المؤمنين ما يُحْكَم على غائب، وهو مذهبُ أبي حنيفة، فأحضر له جامَيْنِ منَ المذكورَيْنِ، فطَفِقَ يَأْكُلُ من هذا مَرَّةً، ومن هذا مَرَّةً، وتحقَّق أنَّه إن حَكَمَ للرشيد لم يأْمَنْ غَضَبَ زُبيدة، وإن حكم لها لم يأمن غَضَبَ الرشيد، فلم يزل في الأكل إلى أن نَصَفَ الجامَيْنِ، فقال له الرشيد: إِيهِ أبا يوسفَ، فقال: يا أمير المؤمنين، ما رأيتُ خَصْمَيْنِ أَجْدَلَ منهما، كُلَّمَا أردتُ أن أُسَجِّلَ لأحدهما أَدْلَى الآخَرُ بحُجَّتِهِ، وقد حِرْتُ بينهما، فضَحِكَ الرشيدُ، وأعطاه المائة دينار، وانصرف مشكورًا[26].(/8)
هذه لمحات من حياة زبيدة بنت جعفر بن المنصور، التي تُوُفِّيَتْ ببغدادَ في جُمَادَى الأُولَى سنة 216 هـ، ولقد كانت سيدة مؤمنة جليلة، مُحِبَّة للعمران، عَطُوفَةً على ذوي الرأي والبلاغة والعلم.
ومِمَّا قيل فيها:
"امرأة لها اثنا عَشَرَ مَحرَمًا كُلٌّ منهم خليفةٌ: عاتكة بنت يزيد بن معاوية، يزيد أبوها، ومعاوية بن أبي سفيان جَدُّها، ومعاوية بن يزيد أخوها، وعبدالملك بن مروان زوجها، ومروان بن الحكم حَمُوها، ويزيد بن عبدالملك ابنها، والوليد وسليمان وهشام أبناء عبدالملك أولاد زوجها.
ومِثْلُها في بني العباس زُبيدة بنت جعْفَر بن المنصور، جدُّها المنصور، وأخوه السفَّاحُ، وزوجها الرشيد، وعمها المهدي، وابنها الأمين، وأبناء زوجها المأمون والمعتصم والواثق والمُتوكِّل"[27].
وزوجها الرشيد خليفة، سلم عليه بالخلافة عمه، وعم أبيه، وعم جده، سلم عليه سليمان بن المنصور، والعباس بن محمد عم أبيه المهديّ، وعبدالصمد بن علي عم جده أبي جعفر المنصور.
وابنُها مُحمَّد الأمين، ولَّى الرشيدُ الكسائيَّ تأديبَه وتأديبَ عبدالله المأمون، يقول الكسائيُّ: "فَكُنْتُ أُشَدِّدُ عليهما في الأدب، وآخُذُهما به أَخْذًا شديدًا، وبخاصَّةٍ محمَّدٌ، فأَتَتْنِي ذات يوم "خالصةُ" جارية أمِّ جعفر – زُبَيْدة – فقالت: يا كِسائيُّ، إنَّ السَّيّدةَ تَقْرَأُ عليْكَ السَّلام، وتقول لك: حاجتي إليك أن تَرْفُقَ بابنِي محمَّد؛ فإنَّه ثمرة فؤادي، وقُرَّةُ عَيْنِي، وأنا أَرِقُّ عليه رِقَّةً شديدة، فقُلْتُ لخالصةَ: إنَّ محمَّدًا مُرَشَّحٌ للخلافة بعد أبيه، ولا يجوز التقصير في تأديبه، فقالت خالصةُ: إنَّ لِرِقَّةِ السيِّدة سَبَبًا أنا مخبرَتُكَ به:(/9)
إنَّها في الليلة التي ولدتْهُ أُرِيَتْ في منامها كأن أربعَ نسوة أقبلنَ إليه، فاكْتَنَفْنَهُ عن يمينه وشماله وأمامه ووراءه، فقالتِ التي بين يديه: مَلِكٌ قليل العُمر، ضيِّقُ الصَّدر، عظيمُ الكِبْر، واهي الأمر، كثيرُ الوِزْرِ، شديدُ الغَدْر، وقالتِ الَّتي من ورائه: ملكٌ قَصَّاف، مُبذِّر مِتْلافٌ، قليل الإنصاف، كثير الإسراف، وقالتِ الَّتي عن يَمِينِهِ: ملكٌ ضخم، قليل الحِلم، كثير الإثم، قطُوع للرَّحِمِ. وقالت التي عن يساره: ملكٌ غدَّار، كثير العَثَار، ثم بكتْ خالصةُ وقالت: يا كِسَائِيُّ، وهل يُغني الحَذَر؟!"[28].
لم نَسُقْ ما قالتْهُ "خالصةُ" لصحة الصفات التي وردت بحقِّ ابن زبيدة محمَّدٍ الأمينِ، إنها رؤيا أوردتْها بعض الكتب مُنَمَّقَةً مَسْجُوعَةً، والحقيقة تقول: جلس الأصمعيُّ يَمْتَحِنُ ويَخْتَبِرُ الأمينَ والمأمونَ، فقال: "ثُمَّ أمَرنِي – الرَّشيدُ – مُطارَحَتْهُما، فكنتُ لا ألقي عليهما شيئًا من فنون الأدب إلا أجابا فيه وأصابا".
ورأيُنا أنَّ الأخبار التي وردتْ عن الأمين هي إمَّا أحلام، وإمَّا أنها كُتبت في عهد المأمون وإخوته؛ أي بعد انحسار العنصر العربيِّ وتغلُّبِ الشعوبيَّة، وما من شكٍّ أنَّ الرَّشيد كان يُقدِّم الأمين، ولولا ذلك فما الذي كان يمنعُهُ من تقديم المأمون؟! ورواية الأصمعيِّ عنهما تؤكد أن الأمين كان على مستوى الخلافة، غير أنَّ الحديث عنه تقرُّبًا من المأمون والفُرْس، وهل كان الرشيد منساقًا في عواطفه مع زبيدة؟! إنَّ ما جاء في هذا من أخبار الأمين والمأمون فيه نظر.
قال الرشيد لزبيدة يومًا: أتزوَّج عليكِ؟
قالتْ زُبيدة: لا يَحِلُّ لك أن تتزوَّج عليَّ.
قال: بلى.
قالت: بيني وبينك مَن شئتَ.
قال: ترضَيْنَ بسُفيانَ الثَّوريِّ؟
قالت: نعم. فوَجَّهَ إلى سفيان الثوريِّ.(/10)
فقال الرشيد: إنَّ زبيدة تزعم أنه لا يَحِلُّ لي أن أتزوج عليها، وقد قال الله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3]، ثم سكت؟:
فقال سفيان: تَمِّمِ الآيةَ، يريد أن يقرأ: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}، وأنت لا تَعْدِل، فأمر لسفيان بعشرة آلاف درهم، فأبى سُفيان أن يقبلها[29].
وجرى بين الرشيد وبين ابنةِ عَمِّهِ زبيدة مناظرةٌ ومُلاحاة في شيء من الأشياء، فقال الرشيد لها في عُرْضِ كلامه: أنت طالق إن لم أَكُنْ مِن أهل الجنَّة، ثم نَدِمَ واغتمَّا جميعًا بهذه اليمين، ونزلت بهما مصيبة لموضع ابنة عَمِّهِ منه، فجمع الفقهاء وسألهم عن هذه اليمين فلم يجد منها مَخْرَجًا، وفي جِلْسَةٍ ضَمَّتْ فقهاءَ من سائر الأمصار، تكلَّم كلهم باستثناء اللَّيْثِ بن سَعْد، فدعاه الرشيد وقرَّبه، فطلب من الرشيد إحضار مصحَفٍ جامع، فأمر به فأُحْضِرَ، فقال الليث بن سعد: يأخذه أميرُ المؤمنين فيتصفَّحه؛ حتى يصل إلى سورة الرحمن، فأخذ الرشيد وتصفَّحَهُ، حتَّى وصل إلى سورة الرحمن، فقال اللَّيْثُ: يقرأ أمير المؤمنين، فقرأ فلمَّا بلغ: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46]، قال: قِف يا أمير المؤمنين ههنا، فوقف، فقال: يقول أمير المؤمنين والله، فاشتدَّ على الرشيد وعليَّ ذلك، فقال له الرشيد: ما هذا؟! قال: يا أمير المؤمنين على هذا وقع الشرط، فنَكَّسَ أمير المؤمنين رأسه – وكانت زبيدة في بيت مُسْبَلٍ عليه سِتْرٌ قريبٍ من المجلس تسمع الخطاب – ثم رفع الرشيد رأسه إليه فقال: والله! قال الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم إلى أن بلغ آخِرَ اليمين، ثم قال الليث: إنك يا أمير المؤمنين تخاف مقام الله؟ قال الرشيد: إني أخاف مقام الله، فقال: يا أمير المؤمنين فهِيَ جنَّتان؛ وليستْ بِجَنَّة واحدة، كما ذكر الله تعالى في كتابه، ففَرِحَتْ زُبيدة، وقال الرشيد:(/11)
أحسنتَ والله بارك الله فيك، ثم أمر بالجوائز والخِلَعِ للَّيث بن سعد، وأمرت زبيدة له بضعف ما أمر به الرشيد، فحُمِلَ إليه، واستأذن في الرجوع إلى مصر، فحُمِلَ مُكَرَّمًا.
هذه هي زبيدة، التي تزوَّجها الرشيد عام 165 هـ، واسمُها الحقيقي (أَمَةُ العزيز)، وغَلَبَ عليها لقبُ زُبَيْدَةُ، لقد كان جَدُّها المنصور يداعبها في طفولتها: ويقول لها يا زبيدة (لبَضَاضَتِهَا ونَضَارَتِها)[30]، فغلب ذلك على اسمها.
لقد كانتْ كما وصفها ابن تَغْرِي بَرْدِي: "أعظم نساءِ عصرِها دِينًا وأصلاً وجمالاً وصيانة ومعروفًا، ولقد تركتْ على طريق الحَجِّ مَرَافِقَ ومنافِعَ عَمَّتِ الجميعَ قُرُونًا، وهكذا كانت بحقٍّ من فُضْلَيَاتِ النساء وشَهِيرَاتِهِنَّ".
تغمَّدها الله برحمتِهِ، وأجزل لها الثواب.
---
[1] هكذا وردت في "أعلام النساء"، ولعلها لا صغير في هذا الأمر (أي الخلافة).
[2] "أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام": 2/17 – 29 عن "الإمامة والسياسة".
[3] المرجع السابق: 2/20.
[4] "مروج الذهب" للمسعودي: 3/486، وهذا ليس طعنًا بالسيدة عائشة، إنما استفادت زبيدة من دروس التاريخ.
[5] في رواية "وأفضل سامٍ" .
[6] وفي رواية "لوارث".
[7] وفي رواية "وفهمهم".
[8] وفي رواية "لأطهر"، وطاهر هو: طاهر بن الحسين بن مصعب الخزاعي (أبو الطيب): (159 – 207 هـ / 775 – 822 م)، وهو الذي وطَّد المُلك للمأمون عندما زحف إلى بغداد، فهاجمها وظفر بالأمين وقتله سنة 198 هـ، وعقد البيعة للمأمون، وكان في نفس المأمون شيء عليه؛ لقتْله أخاه (الأمين) بغير مشورته، ولعله شعر بذلك، فلما استقر في خراسان، قطع خطبة المأمون، فقتله أحد غلمانه في تلك الليلة بمرو، وقيل مات مسمومًا. "الأعلام" 3/221.
[9] "فيما أتى".
[10] "فأخرجني".
[11] "آدري".
[12] تعني طاهرًا وكان أعورَ.
[13] تتمة الأبيات من "الطبري".(/12)
[14] "أعلام النساء": 2/27. "أوردنا النص بحرفيته، على الرغم مما فيه من انقطاع وأخطاء".
[15] "رحلة ابن جبير": 165. ورآها بعض الصالحين في المنام بعد وفاتها سنة 217 هـ، فقال لها: ما فعل الله بكِ؟ قالت: غفر لي بأول معول ضرب في طريق مكة. وينسب هذا الخبر خطأ إلى عبدالله بن المبارك؛ لأنه توفي قبلها أيام الرشيد.
[16] سميراء: منزل بطريق مكة بعد توز، وتوز منزل في طريق الحاج أيضًا.
[17] المغيثة: منزل في طريق مكة بعد العذيب نحو مكة.
[18] العذيب: ماء بين القادسية والمغيثة، بينه وبين القادسية أربعة أميال.
[19] الثعلبية: منزل من منازل الطريق إلى مكة من الكوفة بعد الشوق وقبل الخزيمية.
[20] الخزيمية: منزل من منازل الحاج بعد الثعلبية من الكوفة، وقيل الأجفر.
[21] قَرَوْرَى: موضع بين المعدن والحاجر على اثني عشر ميلاً من الحاجر.
[22] البيت لجرير، ديوانه: 595.
[23] "أمالي المرتضى": 235.
[24] "زهرة الآداب وثمرة الألباب": 349.
[25] المرجع السابق: 962.
[26] "وفيات الأعيان": 2/316.
[27] "صبح الأعشى في صناعة الإنشا": 1/440
[28] "الأخبار الطوال": 388.
[29] "حلية الأولياء": 6/278
[30] "وفيات الأعيان": 2/314.(/13)
زكاة الرواتب والأجور وإيرادات المهن الحرةالعنوان: زكاة الرواتب والأجور وإيرادات
المهن الحرة
رقم المقالة: 476
صاحب المقالة: بلة الحسن عمر مساعد
-----------------------------------------
ملخص البحث:
إن للزكاة مكانة عظيمة في الإسلام؛ فهي الركن الثالث بعد الشهادتين والصلاة، وقد
عُني بمباحثها العلماء قديماً وحديثاً، ولا يزال البحث يتجدد في هذه الشعيرة؛
لعناية الشارع بها، ولأنها تتعلق بالجانب المالي في حياة الناس.
وقد تناول هذا البحث زكاة موارد مالية حديثة، هي الرواتب والأجور، وإيرادات المهن
الحرة، التي ظهرت كمصادر كسب لها مكانتها في حياة الناس اليومية؛ فبينت الدراسة
الآراء الفقهية الواردة في حكم زكاتها، مع الأدلة، والمناقشة، والترجيح.
وخلص البحث إلى ترجيح القول بوجوب زكاتها، مع توضيح كيفية زكاتها، والمقدار الواجب
فيها، وذكر نماذج تطبيقية لذلك.
مقدمة:
فريضة الزكاة ركن من أركان الإسلام، تقوم بتنظيم شؤون حياة العباد اجتماعياً
واقتصادياً وروحياً، ولها دور جليل على مستوى الأفراد والجماعات، حيث تنمي روح
الإخاء بين الأغنياء والفقراء والمحتاجين، وقبل ذلك كله هي تطهير لنفس الغني من داء
الشُّح والبخل والطمع، قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ
وَتُزَكِّيهِم بِهَا} [التوبة:103].
وفي الزكاة تطهير لنفس الفقير والمحتاج من رذيلة الحقد، وداء الحسد، وآفة البغضاء،
فما أن يصل شيء من مال الغني لأخيه الفقير؛ إلا ويشعر الأخير بأن مَنْ حوله من
أبناء المجتمع الذين أنعم الله عليهم بالمال يمدون يد العون والمساعدة له؛ فيُدخل
ذلك السرور في قلبه نحوهم، وينعدم الحسد والبغضاء، ويتحقَّق ذلك كله طالما أن فريضة
الزكاة قائمة بين المسلمين على أكمل وجه، وفي جميع أنواع الأموال الزكويَّة.
وعلى الرغم من أن فريضة الزكاة شُرعت بنصٍّ صريح من الآيات القرآنية، وحدَّدت السنة(/1)
الشريفة مقاديرها وتفاصيلها، غير أن هناك مصادر كسب برزت في حياة الناس، تحتاج إلى
مزيد من إلقاء الضوء عليها، حتى يُتوصل إلى التكييف الفقهي الصحيح لها، تلكم
المصادر هي: رواتب الموظفين، وأجور العمال، وإيرادات أصحاب المهن الحرة، ونحوها،
وقد برزت كمصادر للدخل لدى الأفراد في العصر الحاضر مقابل عملهم، وجزاء جهدهم.
وسيعالج هذا البحث هذا الموضوع الهام والمعاصر، وذلك من خلال محاولة الإجابة عن
التساؤلات الآتية:
هل ورد عن النبي - صلي الله عليه وسلم - أو الخلفاء الراشدين، أو الأئمة الفقهاء
أخذهم لزكاة الرواتب؟ هل كانت تُعرف هذه الدخول بأسماء أخرى؟ وإذا لم يتناولها
السلف بالبحث والتفصيل؛ فمتى ناقشها الفقهاء المعاصرون؟ وما هي الآراء التي حولها؟
وما مستنَد كل رأي؟ وما الراجح منها؟ وعلى فرض وجوب الزكاة فيها، كيف تزكَّى؟ ومتى
تزكَّى، عند الحول أو عند القبض؟ وكيف ينزل التطبيق إلى الواقع؟
تمهيد:
أهمية الرواتب والأجور وإيرادات المهن الحرة كموارد للكسب [1، ص 256]
يطلق لفظ الراتب على ما يأخذه الإنسان بصفة مستمرة مقابل عمل يقوم به [2، ص187]،
جاء في "المعجم الوسيط": "الراتب: يقال رزق راتب: ثابت ودائم، ومنه الراتب الذي
يأخذه المستخدم أجراً على عمله". [3، جـ1، ص326] مُحْدَثَةٌ.
أما إيرادات المهن الحرة، فيراد بها: ما يحصل عليه أصحاب المهن الحرة في مقابل
العمل الذي يقومون به، كدخل الطبيب من عيادته الخاصة، ودخل المحامي، ومَنْ في
حكمهما.
وقديماً كان يسمَّى أجور العمال (أُعِطيَّات)، قال مالك في "الموطأ": "قال القاسم
بن محمد: وكان أبو بكر إذا أعطى الناس أُعطِيَّاتهم يسأل الرجل: هل عندك من مال
وجبت فيه الزكاة..." [4، جـ1، ص245].
ولما كانت فئات الموظفين والعمال والمهنيين في مجملها تمثل ثقلاً مقدَّراً في أي
مجتمع، وأن رواتب بعضهم تفوق في أحيان كثيرة دخول كثير ممن يعملون في التجارة(/2)
الزراعة؛ لذا كان لابد من الاهتمام بالنظر في إيجاب الزكاة في أموالهم؛ فان ثبت
شرعاً أخذ الزكاة منهم كان ذلك طُهْراً لأموالهم، واستكمالاً منهم لأركان دينهم،
وعوناً منهم لإخوانهم المحتاجين، لاسيما وقد أصبح للموظفين دخول عالية؛ لأن فيهم
الوزير، والمدير، والأستاذ الجامعي، والاستشاري الطبيب، والمحامي، وأمثالهم. كما
أصبح الصناع والمهنيون يحصلون على نسب كبيرة من الدخول لقاء أتعابهم.
المبحث الأول:
آراء الفقهاء وأدلتهم في حكم زكاة الرواتب وأجور العمال وإيرادات أصحاب المهن
الحرة:
لاشك أن رواتب الموظفين وأجور العمال وموارد المهنيين أصبحت في عصرنا الحاضر تمثل
موارد ضخمة ومتجددة لدى عدد ليس بالقليل من أصحاب هذه الفئات، وقد تباينت وجهات
النظر، لا في حكم الزكاة فيها فحسب؛ بل في متى تزكَّى، وفي مقدار الزكاة فيها، ولعل
مردَّ ذلك الخلاف كالآتي:
1- لم يرد فيها نصٌّ صريحٌ من كتاب أو سُنَّة.
2- لم تكن هذه الدخول معروفة في عهد النبوَّة، وإن عُرفت رواتب الجند والمرابطين في
عهد أبي بكر والخلفاء من بعده، وكانت تسمَّى الأُعْطِيَّات، ولكن دخول الوظائف
وأجور العمال ونحوهما على الوجه المعروف في عصرنا الحاضر لم تكن معهودة للفقهاء في
عصور الإسلام الأولى.
3- الاختلاف في قياسها على المال المستفاد.
4- الاختلاف بين الفقهاء في زكاة المال المستفاد، هل تكون عند استفادته أو بعد
الحول.
هذا وسنبدأ بقول الموجبين ومستنَدهم في ذلك، ثم نعرض لقول المانعين ومستنَدهم كذلك.
المطلب الأول:
قول الموجبين وأدلتهم:
1- يقول الشيخ محمد الغزالي: "إن مَنْ دخله لا يقل عن دخل الفلاح الذي تجب عليه
الزكاة يجب أن يخرج زكاة؛ فالطبيب، والمحامي، والمهندس، والصانع، وطوائف المحترفين
والموظفين وأشباههم تجب عليهم الزكاة، ولابد أن تُخرج من دخلهم الكبير، ولنا على
ذلك دليلان:
الأول: عموم النص في قول القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ(/3)
أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة:267]. ولاشك أن كسب الطبقات
الآنفة الذكر كسب طيب يجب الإنفاق منه.
والدليل الثاني: أن الإسلام لا يُتصور في حقِّه أن يفرض الزكاة على فلاح يملك خمسة
أفدنة، ويترك صاحب عمارة تدرُّ عليه مقدار محصول خمسين فداناً، أو يترك طبيباً يكسب
من عيادته في اليوم الواحد ما يكسبه الفلاح في عام طويل من أرضه، إذا أغلَّت بضعة
أرادب من القمح، ضُربت عليه الزكاة يوم حصاده!!.
لابد إذن من تقدير زكاة أولئك جميعاً، وما دامت العلة المشتركة التي يُناط بها
الحكم موجودة في الطرفيْن؛ فلا ينبغي المراء في إمضاء القياس وقبول نتائجه [5، ص166
وما بعدها].
2- وعرض الأساتذة: عبد الرحمن حسن، ومحمد أبو زهرة، وعبد الوهاب خلاف لهذا الموضوع
في محاضرتهم عن الزكاة، في حلقة الدراسات الاجتماعية، عام (1372هـ/ 1952م) بدمشق،
فأوجبوا فيه زكاة كسب العمل؛ حيث قالوا: "أما كسب العمل والمهن؛ فإنه يؤخذ منه زكاة
إن مضى عليه حَوْلٌ، وبلغ نِصَاباً.
واستدلُّوا على ذلك بقولهم: "أما كسب العمل والمهن الحرة؛ فإنَّا لا نعرف له
نظيراً، إلا في مسألة خاصة بالإجارة على مذهب أحمد - رضي الله عنه - فقد روي عنه
أنه قال فيمن أجَّر داره، فقبض كِرَاها، وبلغ نِصَاباً: إنه يجب عليه الزكاة إذا
استفاده من غير اشتراط؛ وإن هذه في الحقيقة تشبه كسب العمل، أو هو يشبهها، فتجب
الزكاة فيه إذا بلغ نصاباً [6، ص248]. ونصُّ المسألة كما قال ابن قدامة: "روي عن
أحمد فيمن باع داره - يعني: أجَّر داره - بعشرة آلاف إلى سنة، إذا قبض المال
يزكٍّيه. إنما نرى أن أحمد قال ذلك لأنه مَلَكَ الدراهمَ في أول الحَوْل، وصارت
دَيْنًا له على المشتري - أي: المستأجر - فإذا قبضه زكَّاه للحَوْل الذي مرَّ عليه
في مِلْكه، كسائر الديون، وقد صرَّح بهذا المعنى في رواية بكر بن محمد عن أبيه،(/4)
فقال: "إذا أكرى داراً أو عبداً في سنة بألف، فحصلت له الدراهم وقبضها، زكَّاها إذا
حال عليها الحَوْل من حين قبضها، وإن كانت على المكتري؛ فمن يوم وجب [ 7، جـ1،
ص490].
3- وأوجب يوسف القرضاوي في كتابه "فقه الزكاة" زكاةَ الرواتب والأجور، وإيرادات
المهن الحرة، واستدلَّ على ذلك بأنه مال مُستفاد، فقال: "تؤخذ الزكاة من الرواتب
ونحوها، والتكييف الفقهي الصحيح لهذا الكسب أنه مال مُستفاد" [8، جـ1، ص490].
4- ويقول حسين شحاته: "ويخضع إيراد كسب العمال بنوعَيْه للزكاة، واستدلَّ على ذلك
بقوله: ودليل خضوع إيراد كسب العمل بنوعَيْه للزكاة ثابت ومؤكد بما ورد في القران
الكريم من آيات، وبما بيَّنه الرسول العظيم من أحاديث، وما روي عن السلف الصالح من
اجتهادات".
أ - فقد ورد في القرآن الكريم قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ
أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ
الأَرْضِ} [البقرة:267]. ويعدُّ إيراد العمل هو ما كسبه الإنسان من بذل الجهود
العضلية والذهنية، وهو كسب طيب، يجب أن تؤدَّى زكاته، مثله مثل الفلاح الذي يعمل
ويكسب من الأرض، والتاجر الذي يعمل ويكسب من التجارة، والصانع الذي يعمل ويكدح من
الصناعة.
ب - أما الأحاديث التي تؤكِّد وجوب الزكاة في إيراد كسب العمل بنوعَيْه - باعتباره
مالاً مستفاداً - كثيرة، منها قوله - صلي الله عليه وسلم -: ((على كل مسلم صدقة)).
الحديث. أخرجه البخاري كما في "فتح الباري"، كتاب الزكاة، باب: على كل مسلم صدقة،
حديث رقم (1445) [9، جـ3، ص307] . كما قال الرسول -صلي الله عليه وسلم -: ((من
استفاد مالاً؛ فلا زكاة عليه حتى يحول عليه الحَوْل)) [10، جـ3، ص26]. رواه الترمذي
عن ابن عمر مرفوعاً وموقوفاً، وقال: "الموقوف أصح؛ لأن فيه من طريق المرفوع عبد
الرحمن بن زيد بن أسلم، ضعيف في الحديث، ضعَّفه أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني،(/5)
وغيرهما من أهل الحديث، وهو كثير الغلط". وحكم الألباني على المرفوع بالضعف، كما في
كتابه "ضعيف الجامع الصغير وزياداته"، [11، ص780].
جـ - كما ورد عن الخلفاء الراشدين أخذهم زكاة المال من الأُعْطِيَّات ومن المال
المستفاد، فيقول أبو عبيد: "روي عن عائشة ابنة قدامة بن مظعون، قالت: كان عثمان بن
عفان - رضي الله عنه - إذا خرج للعطاء أرسل إلى أبي، فقال: إن كان عندك مال قد وجبت
فيه الزكاة، حاسبناك فيه من عطائك" [1، ص ص254 - 225].
5- وممن قال بإخضاع الرواتب والأجور وإيرادات المهن الحرة ونحوها للزكاة، قياساً
على زكاة المال المُستفاد، كلٌّ من: أبو بكر الجزائري [12، ص33]، ومحمد سعيد وهبه
[13، ص233]، وعبد العزيز جمجوم [13، ص33]، ومحمد كمال عطية [14، ص ص 71 - 75، 123 –
126]، وسلطان بن محمد بن علي سلطان [15، ص119]، ومحمود أبو السعود [ 16، ص146 وما
بعدها]، ومحمود عاطف البنا [17، ص176 وما بعدها]، ومنذر قحف [18، ص73)، ويحيى أحمد
مصطفى قللي [19، ص73]، وجمعة محمد مكي [20، ص ص 199 - 204]، ومحمد العقلة [21،
ص164].
6- ونصَّ مرسوم فريضة الزكاة بالمملكة العربية السعودية رقم (8634) لعام (1370هـ)،
ولائحته التنفيذية الصادرة بالقرار الوزاري رقم (93)، وتاريخ (6/ 8/ 1370هـ، 13/ 5/
1951م)، وما لحق ذلك من مراسيم وتعديلات، بإخضاع رؤوس الأموال وغلاَّتها، وكلِّ
الواردات والأرباح والمكاسب التي تدخل على الأفراد والشركات من مزاولة تجارة، أو
صناعة، أو أعمال شخصية، أو ممتلكات ومقتنيات نقديَّة [22، ص135].
7 – وقد جاء في ندوة الغرفة التجارية الصناعية بالرياض، المنعقدة في (15/6/1411هـ،
1/1/1991م) ما نصُّه: والمملكة العربية السعودية منذ تأسيسها تقوم بجباية الزكاة
الظاهرة كالزروع والثمار والمواشي، أما الزكاة الباطنة -كالنقود وعروض التجارة -
فكانت تُترك للرعايا السعوديين ليدفعوها بمعرفتهم، إلى أن صدر نظام جباية فريضة(/6)
الزكاة بالمرسوم الملكي رقم [17/ 2/ 28/ 8634]، لعام (1370هـ/ 1951م)، باستيفاء
الزكاة الشرعية كاملةً من جميع الأفراد والشركات الذين يحملون الرعويَّة السعودية،
ويستند نظام فريضة الزكاة على مجموعة من الخصائص، أهمها: نظام جباية وفقاً لأحكام
الشريعة الإسلامية، فالنظام لم يقصر في جباية الزكاة على عروض التجارة فقط، بل شمل
جميع الأموال، سواء كانت ثروة عقارية كالعمارات، أو صناعية كالمصانع، أو مالية
كالأوراق المالية. وهذه الأموال يمكن تقسيمها إلى ثلاث مجموعات متميزة؛ بحيث تتضمن
كل مجموعة منها الأموال ذات الخصائص المشتركة:
فالأولى: رؤوس الأموال المنقولة؛ كالأنعام، والنقود، وعروض التجارة، والأوراق
المالية.
أما الثانية: فتشمل الأموال الثابتة؛ كالزروع والثمار، والمستغلاَّت كالعقار
والمصانع.
أما الثالثة: فتشمل المال المستفاد؛ ككسب العمل، والرواتب والأجور والمكافآت، وما
في حكمها، ودَخْل المهن الحرة؛ مثل الإيرادات التي يحصل عليها الأطباء، والمحامون،
والمحاسبون، والمهندسون، وغيرهم من أصحاب المهن الحرة والحِرَف [23، ص ص 16 - 17].
8- أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية، فتوى
رقم (282)، وتاريخ (11/ 11/ 1392هـ) بوجوب الزكاة على مَنْ ملك نصاباً من النقود،
كالذي يوفِّره الموظف شهرياً من مرتبه. فتوى رقم (282)، وتاريخ (11/ 11/ 1392هـ).
[24، ص ص 158 - 159].
9- ونصَّت وقائع وتوصيات مؤتمر الزكاة الأول بالكويت، المنعقد في (29 رجب 1404هـ،
الموافق 30/ 4/ 1984م) على وجوب زكاة الأجور والرواتب، وأرباح المهن الحرة وسائر
المكاسب" [25، ص ص 442 - 443].
10- ونصَّت المادة (22) من قانون الزكاة بجمهورية السودان، والبند (11) و (12)
لائحة الزكاة، لسنة 1413هـ/ 1993م على وجوب زكاة المرتبات والأجور، والمكافآت،
والمعاشات، ودخول أصحاب المهن الحرة والحرف [26، ص ص 7 – 8].
المطلب الثاني:(/7)
قول المانعين وأدلتهم:
لم أطَّلع على قول يخالف في إخضاع الرواتب والأجور ودخول المهن الحرة للزكاة، سوى
ما أورده كوثر الأبجي [ 27، ص 356]، ولم يسمِّ قائله، لكنه ذكر مستنَده بقوله:
"ولكن يقابل هذا الرأي - أي: رأي من أخضعها للزكاة - الرأي الثاني، ويستند إلى ما
يلي:
1- أن الثروات والدخول المستحدَثة التي لم توجد في عهد النبي - صلي الله عليه وسلم
- ولا في عصر الخلفاء الراشدين، ووجدت فقط في عصرنا هذا هي فقط التي يمكن الاجتهاد
فيها بالقياس على سائر أنواع الزكاة، بغرض إخضاعها للفريضة؛ حيث إن كافة أنواع
الثروات التي كانت موجودة في زمن النبي - صلي الله عليه وسلم - قد أُخضعت للزكاة،
وعلى ذلك تشمل الزكاة كافة ثروات العصر، أما الدخل الناتج عن كسب العمل فقد كان
موجوداً زمن النبي - صلي الله عليه وسلم - وزمن الخلفاء الراشدين من بعده، ومع ذلك
فلم يخضعها أحد للفريضة، ولو كان يمكن إخضاعها، لما أغفلتها الآيات الكريمة
والأحاديث الشريفة.
2- إن وجوب تزكية إيراد كسب العمل تخريجاً على أنه مال مُستفاد تخريجٌ حديثٌ؛ رغبةً
في إخضاع هذا الإيراد، ولو كان هو المال المُستفاد المقصود به في مراجع الفقه
الإسلامي؛ لما استعصى تخريجه على علماء العصور السالفة.
3- إن هذا المال سيخضع حتماً للزكاة بعد استقطاع الأعباء العائلية، متمثلاً في زكاة
النقدَيْن، فإذا كنَّا سنخضعه لزكاة كسب العمل، فهل سنعفيه حينئذٍ من زكاة
النقدَيْن منعاً للثني؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل يجوز أن نُخضع المال لزكاة ثم
تشريعها بالقياس، ونعفي المال من زكاة أصلية؟.
4- إن زكاة كسب العمل - تشبيهاً بضريبة كسب العمل - التي تُخضع المرتبات والأجور
وإيراد المهن الحرة للضريبة، ولا يصح أن نضيف للزكاة من المفاهيم والمبادئ الوضعية،
إلى جانب أن كسب العمل يخضع فعلاً في معظم المجتمعات الإسلامية لضرائب وضعية،(/8)
والمطلوب هو تخفيف الأعباء المالية على كسب العمل بصفة خاصة؛ نظراً لأنه يعتمد على
المقدرة الذهنية والعضلية للإنسان، وهو مَعِينٌ سريع النضوب، ويجب المحافظة عليه،
فإذا كانت الضرائب واقعاً مفروضاً في المجتمعات الإسلامية؛ فالأحرى بنا أن نخفِّف
الأعباء المالية، لا أن نضيف عبئاً جديداً.
5- إن الدولة المعاصرة تحتاج لإنفاق نفقات عامة كثيرة، في نواحٍ متعددة بخلاف مصارف
الزكاة، وعلى ذلك إذا كانت هناك إيرادات لم تفرض عليها الشريعة أصلاً زكاةً، مثل
كسب العمل - أي: الرواتب، والأجور، ودخل المهن الحرة - فالأوجب أن تُفرض عليها
ضريبة تخصص حصيلتها للإنفاق في أوجه المصارف الأخرى التي تحتاجها الدولة، بدلاً من
الاجتهاد الذي قد يصيب أو يخطئ في تشريع زكاة جديدة.
المطلب الثالث:
مناقشة الأدلة والترجيح:
1- الناظر في أدلة الموجبين يجدها تنحصر في الآتي:
أ - عموم النصوص من الكتاب والسنة [20 ، ص199]، كاستدلالهم بعموم قوله تعالى: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا
أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ} [البقرة:267]، واستدلالهم بحديث: ((على كل مسلم
صدقة)). قالوا: يا نبي الله، فمَنْ لم يجد؟ قال: ((يعمل بيده؛ فينفع نفسه ويتصدَّق
...))، الحديث. أخرجه البخاري كما في "الفتح"، في كتاب الزكاة، باب: على كل مسلم
صدقة، حديث رقم (1495)، [9، جـ3، ص307].
ب - القياس على المال المُستفاد [8، جـ1، ص490]، والمال المُستفاد: هو الكسب الذي
يحصل عليه، ليس من مالٍ عنده، ولا بديلاً عنه؛ بل استفاده بسبب مستقل؛ كأجرٍ عن
عمل، أو مكافأة، أو هبة، أو نحو ذلك، سواء كان من جنس مالٍ عنده، أم من جنس غيره
[8، جـ1، ص491؛ 1، ص257].
جـ - القياس على زكاة كسب الفلاح والتاجر والصانع [1، ص254]:
فكما يجب على الفلاح الذي يعمل ويكسب من تجارته، والصانع الذي يعمل ويكدح من(/9)
الصناعة، فكذا يجب على الموظف والعامل ونحوهما زكاة كسبهما؛ فالجميع كسب مقابل جهد
عضلي أو ذهني.
قلت: أما استدلال الموجبين بعموم الآية ففي محله، ويشهد له قول الإمام البخاري في
"صحيحه"، في كتاب الزكاة، باب صدقة الكسب والتجارة، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة:267]، إلى
قوله تعالى {وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [البقرة:267]، ونقل الحافظ
ابن حجر عند شرحه هذا الباب أحاديث: منها ما أخرجه الطبري من طريق هيثم، عن شعبة،
ولفظه: {مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ}، قال: ((من التجارة))، وَمِمَّا
أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ. قال: ((من الثمار)). وعن علي: قال في قوله:
{وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ} قال: "يعني الحبّ والثمر، كل شيء عليه
زكاة". وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: "يأمر الله عباده المؤمنين
بالإنفاق والمراد به الصدقة ها هنا". قال ابن عباس: "من طيبات ما رزقهم الله، من
الأموال التي اكتسبوها" [28، جـ1، ص303].
أما استدلالهم لإيجاب الزكاة في الرواتب ونحوها بعموم حديث: ((على كل مسلم صدقة))؛
رواه البخاري كما في "الفتح"، كتاب الزكاة [9، جـ 3، ص 307]. فلا وجه له فيما أرى؛
لأن المراد بالصدقة هنا: المعروف بعامة، ويدل على ذلك بعض ألفاظ الحديث، وما قاله
شرَّاح الحديث، قد قال ابن حجر: "وهل تلتحق هذه الصدقة بصدقة التطوع التي تحسب يوم
القيامة من الفرض الذي أخلَّ به؟ فيه نظر، والذي يظهر لي أنها غيرها، لما تبين من
حديث عائشة المذكور: أنها شُرعت بسبب عتق المفاصل، حيث قال في آخر هذا الحديث:
((فانه يمسي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار)) [9، جـ3، ص307].
وورد الحديث في صحيح مسلم بلفظ: ((على كل سُلامَى من أحدكم صدقة؛ فكل تسبيحة صدقة،(/10)
وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمرٌ بالمعروف صدقة، ونهيٌ عن
المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى)) [29، جـ1، ص499].
وقد أشار ابن حجر إلى ما ورد في لفظ مسلم: ((ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من
الضحى)) بقوله: "وهذا يؤيد ما قدمناه: أن هذه الصدقة لا يكمل منها ما يختل من
الفرض؛ لأن الزكاة لا تكمل الصلاة، ولا العكس، فدلَّ على افتراق الصدقتيْن. وإذا
كانت الصدقة الواردة في هذا الحديث: ((على كل مسلم صدقة)) تفارق الصدقة التي تشمل
الزكاة؛ فلا وجه إذن - ولو من جهة العموم - للاستدلال بهذا الحديث على إيجاب زكاة
الرواتب والأجور ونحوها.
أما إيجاب زكاة الرواتب والأجور ونحوها بالقياس على زكاة كسب الفلاح والتاجر
والصانع فواضح؛ لأن الجميع كسب مقابل جهد، أما وقد أوجب الشارع الزكاة في كسب
الفلاح إذا بلغ مقداراً معيناً، وكذا التاجر؛ فيمكن أن يقاس على ذلك إيجاب الزكاة
في الرواتب والأجور، وإيرادات المهن الحرة.
2- أما ما استدل به المانعون فنجمله في الآتي:
أ - أن الدخل الناتج عن كسب العمل – رواتب، وأجور، وإيرادات مهن - كان موجوداً زمن
النبي - صلي الله عليه وسلم - وزمن الخلفاء من بعده؛ فلم يخضعها أحد للفريضة، ولو
كان يمكن إخضاعها؛ لما أغفلتها الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة.
ب - أن إيجاب الزكاة في إيرادات كسب العمل تخريجاً على المال المُستفاد تخريجٌ
حديثٌ؛ رغبة في إخضاع هذا الإيراد، ولو كان هو المال المستفاد المقصود به في مراجع
الفقه الإسلامي؛ لما استعصى تخريجه على علماء العصور السالفة.
جـ - أن هذا المال سيخضع لزكاة النقدَيْن بعد استقطاع الأعباء العائلية، فإذا أُخضع
لزكاة كسب العمل، فترتب على ذلك إعفاءه من زكاة النقدَيْن، منعاً للثني، فهل يجوز
إخضاع مال لزكاةٍ تم تشريعها بالقياس، ويعفى من زكاةٍ أصلية؟.(/11)
د - إن زكاة كسب العمل – رواتب، أو أجور، أو إيراد مهن حرة - تشبه ضريبة كسب العمل
التي تخضع المرتبات والأجور وإيرادات المهن الحرة للضريبة، ولا يصحُّ أن نضيف
للزكاة من المفاهيم والمبادئ الوضعية.
الرد على ما استدلَّ به المانعون:
1- قولهم: "إن كسب العمل كان موجوداً زمن النبي - صلي الله عليه وسلم - وزمن
الخلفاء من بعده، ولم يخضعه أحدٌ للزكاة"! يُردُّ عليه بأن الدخول المكتسبة من عملٍ
ومهنٍ لم تكن ذات شأن في عهد الرسول - صلي الله عليه وسلم - مقارنةً بما هو عليه
حال كثير من الرواتب والدخول الآن، فقد رتَّب رسول الله - صلي الله عليه وسلم -
لعتَّاب بن أسيد لما ولاَّه مكة بعد الفتح درهمين كل يوم [30، جـ3، ص359]، وإذا كان
الولاة من خيرة الناس لم تتجاوز رواتبهم هذا الحد، فما بالك برواتب من هم دونهم إن
رُتِّبتْ لهم رواتب؟!.
أما بعد عهد النبوة؛ فقد ثبت أن ابن مسعود - رضي الله عنه - كان يزكِّي
الأُعْطِيَّات، فيأخذ من كل ألفٍ خمسة وعشرين.
وروى مالك في "الموطأ"، عن ابن شهاب قال: "أول من أخذ من الأُعْطِيَّة الزكاة
معاوية بن أبي سفيان" [4، جـ1، ص246]. قال القرضاوي: "لعله يريد أول من أخذها من
الخلفاء، فقد أخذها قبله ابن مسعود كما ذكرنا، أو لعله لم يبلغه فعل ابن مسعود؛ فقد
كان بالكوفة - يعني ابن مسعود - وابن شهاب بالمدينة [8، جـ1، ص501].
ونقل أبو عبيد: أن عمر بن عبد العزيز كان إذا أعطى الرجل عمالته أخذ منها الزكاة،
وإذا ردَّ المظالم أخذ منها الزكاة، وكان يأخذ الزكاة من الأُعْطِيَّة إذا خرجت
لأصحابها [31، ص437].
2- أما قولهم: "إن إيجاب الزكاة فيها تخريج على المال المُستفاد تخريجٌ حديثٌ"،
فيجاب عليه بأنه لمَّا كان تعريف المال المستفاد يشمل هذه الدخول؛ فلا وجه للتعليل
بأن علماء العصور السالفة لم يخرِّجوه، فعدم تخريجهم له مردُّه إلى أن الدخول في(/12)
تلك العصور لم تبلغ بأصحابها الغنى المشاهَد اليوم، فمظاهر الغنى تبدو واضحة في
عصرنا الحاضر على أصحاب الدخول العالية - من رواتب، وأجور، وإيرادات المهن الحرة -
سواء في مأكلهم، أو ملبسهم، أو مسكنهم، أو مركبهم.
3 – قولهم: "إن هذا المال يخضع لزكاة النقدَيْن؛ فلا وجه لإخضاعه لزكاةٍ تمَّ
تشريعها بالقياس، ويعفى من زكاة أصلية".
الردُّ: إن الرواتب، وأجور العمل، وإيرادات المهن، كلها أموال تدفع لمستحقيها نقداً
- غالباً - فإما أن تزكَّى - إن استُحقَّت فيها الزكاة - عند القبض، أو بعد
الحَوْل، على خلافٍ سيأتي بيانه في المبحث القادم، فما وجه القول بأن زكاة
النقدَيْن أصلية، وزكاة كسب العمل شُرعت بالقياس؛ فهي ليست أصلية، مع أننا نقرأ في
القرآن قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ
مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ} [البقرة:267].
ونجد في السُّنَّة قوله - صلي الله عليه وسلم -: ((... فأعلِمْهُم أن الله افترض
عليهم صدقةً في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم، وتُردُّ على فقرائهم))؛ رواه البخاري
كما في "الفتح" [9، جـ3، ص261].
4 - أما القول بأن: "زكاة كسب العمل – رواتب، وأجور، وإيرادات مهن حرة - تشبه ضريبة
كسب العمل التي تُخضع المرتبات للضريبة، ولا يصح أن نضيف للزكاة من المفاهيم
والمبادئ الوضعية".
الرد: إذا كانت الضريبة هي أقرب إلى الزكاة من حيث الوصف المالي المحاسبي في شكل كل
منهما، فإن الزكاة ليست في حقيقتها ضريبة على الإطلاق، وذلك بالمعنى المتعارف عليه
للضريبة، فالزكاة ركن عبادةٍ خاصةٍ بالمسلمين، تتمثل في صورة تصرف مالي، تتَّسم
بالدوام، ولا تتبدل أحكام الله فيها بتبدل الظروف الزمانية والمكانية، وبالتالي لا
تُستخدم لأهداف توجيهية موقوتة، وإنما تتحقق بها أهداف ثابتة مخصصة، روحية ومادية،(/13)
في حين أن الضريبة نظام مالي تصيب فيه الدولة وتخطئ، فهو من فكر البشر، تتبدل
أحكامه بتبدل الظروف الزمانية والمكانية، وتتحقق به في الأساس أهداف مادية بحتة
ومختلفة [32، ص330]؛ فلا وجه إذن للقول بأن زكاة كسب العمل أُضيفت من مفهوم
الضريبة؛ بل هذا كسبٌ توجَّب على صاحبه أداء فريضة الزكاة فيه - إن توافرت فيه
شروطها - بأدلة شرعية.
الترجيح:
مما سبق من عرض وتعليق على آراء وأدلة الفريقين - الموجبين والمانعين - يتضح لنا
ترجيح القول بوجوب زكاة الرواتب والأجور وإيرادات المهن الحرة، فمن كان له كسب عمل
- موظفاً، أو عاملاً، أو صاحب مهنة حرة - يفضل عن حاجته بقدر النِّصاب، وجبت عليه
الزكاة؛ لأنه يُعدُّ بذلك غنياً، قال - صلي الله عليه وسلم -: ((تؤخذ من أغنيائهم،
وتُردُ على فقرائهم))؛ أخرجه البخاري كما في "الفتح" [9، جـ3، ص261]. فالأغنياء
كلهم فُرضت عليهم الزكاة، سواء كان هذا الغنى معبَّراً عنه بثروة تملك من ذهب، أو
فضة، أو إبل، أو غنم، أو عروض تجارة، أو زراعة، فلا وجه لاستثناء أغنياء كسب العمل.
المبحث الثاني:
كيفية زكاة الرواتب والأجور وإيرادات المهن الحرة
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: نصاب الزكاة:
اختلف الفقهاء الموجبون في تحديد قيمة النِّصاب فيها إلى ثلاثة أقوال:
الأول: اعتبار نصابها بنصاب الزروع والثمار؛ فمن بلغ دخله ما قيمته خسمة أوسق، أو
خمسين كيلة مصرية أو (653 كيلو جرام وزناً من أدنى ما تخرجه الأرض كالشعير)؛ وجبت
عليه الزكاة.
وعلَّة ذلك: أن كسب العمل إيراد وثمرة مباشرة للعمل، فيقاس على زكاة الزروع والثمار
[5، ص ص 166- 168؛ 23، ص155].
الثاني: اعتبار نصابها نصاب النقود:
وحدُّوه بما قيمته 85 جراماً من الذهب، أي: ما يساوي عشرين مثقالاً، أو (200) درهم
من الفضة؛ وذلك لأن الناس يقبضون رواتبهم وأجورهم وإيراداتهم بالنقود؛ فالأولى أن
يكون المعتبر هو نصاب النقود [8، جـ1، ص ص 513 - 514].(/14)
الثالث: اعتبار نصاب الرواتب والأجور على نصاب النقود:
أي ما يعادل 85 جراماً من ذهب، أو 200 درهم من الفضة، واعتبار نصاب إيرادات المهن
الحرة على الزروع والثمار؛ فيكون نصابها ما يعادل قيمته خمس أوسق، أو (50 كيلة
مصرية)، أو (653 كيلو جرام وزناً من أدنى ما تخرجه الأرض كالشعير ) [1، ص258].
وعلِّة التفرقة في هذا - عندهم - أن كسب أصحاب الرواتب والأجور مصدره العمل فقط؛
أما كسب أصحاب المهن الحرة فمصدره رأس المال والعمل.
قلت: ولعل هذا التميُّز في معدلات الزكاة حسب مصادر الأموال ملحوظٌ في الأفكار
الضريبية المنادية بالتفرقة - في الضريبة - بين مال مصدره رأس المال، وآخر مصدره
العمل، وثالث مصدره خليط الاثنين [34، ص249].
ونرجِّح القول الثاني: لما ورد فيه من أن الجميع يتقاضون أجورهم بالنقود، إضافةً
إلى أن ما يتبقى لدى الواحد منهم بعد قضاء حاجاته وديونه - إن وجدت - يكون عادة في
صورة مدخرات نقديَّة، والمال المدَّخر قد فُرضت عليه الزكاة بمقدار ربع العشر.
كما يمكننا القول بأن قيمة معدني الذهب والفضة تتَّصف بالثبات النسبي في مقابل قيمة
الزروع والثمار؛ فإنها تتأثر بعوامل بيئية أو محلية، مما يجعلها لا تناسب أن يُقاس
على قيمتها نصاب زكاة الرواتب والأجور وإيرادات المهن الحرة.
هذا ولابد أن يكون مقدار النصاب المعتبر لوجوب الزكاة فيه من صافي الدخل، يعني: بعد
خصم الديون الحالَّة - إن وجدت - والحد الأدنى للمعيشة من الرواتب، كما تطرح
النفقات والتكاليف من إيرادات أصحاب المهن الحرة، فما بقي بعد هذا كله تؤخذ منه
الزكاة إذا بلغ نصاب النقود.
وقد نص الحنفية على أنه يشترط في المال الذي تجب فيه الزكاة - بالإضافة إلى شرط
النماء - شرط أن يكون نصاباً فاضلاً عن حاجته الأصلية؛ لأنه به يتحقق الغنى، فالمال
المُحتاج إليه حاجة أصلية لا يكون صاحبه غنيّاً عنه [35، جـ2، ص828].(/15)
واعتبر جمهور الفقهاء – المالكية، والشافعية، والحنابلة - شرط الفضل عن الحاجات
الأصلية داخلاً في شرط النماء، ولا حاجة للنص على اشتراطه، قال ابن قدامة: الزكاة
إنما تسقط عما أُعدَّ للاستعمال؛ لصرفه عن جهة النماء [7، جـ4، ص222].
وعلل الشربيني الخطيب عدم وجوب الزكاة في البقر العوامل، التي يستخدمها صاحبها في
حراثة الأرض؛ بأنها لا تقتنى للنماء؛ بل للاستعمال، كثياب البدن ومتاع الدار [36،
جـ1، ص380].
وعدَّ القرافي من شروط وجوب زكاة النقدَيْن التمكين من التنمية، قال: "يدل على
اعتباره إسقاط الزكاة عن العقار والمقتناة"، ومراده بالمقتناة؛ أي: ما يقتنيه المرء
للاستعمال، لا للنماء [37، جـ3، ص40].
وجاء في "فقه الزكاة" للقرضاوي: فالذي نرجحه ألا تؤخذ زكاة الرواتب والأجور إلا من
" الصافي " وإنما قلنا تؤخذ من صافي الإيراد أو الرواتب ليطرح منه الدين الحال إن
ثبت عليه ويعفى الحد الأدنى لمعيشته ومعيشة من يعوله، لأن الحد الأدنى لمعيشة
الإنسان أمر لا غنى له عنه، فهو من حاجته الأصلية والزكاة إنما تجب في نصاب فاضل عن
الحاجة الأصلية، كما تطرح النفقات والتكاليف لذوي المهن، فما بقي بعد هذا كله من
راتب السنة وإيرادها تؤخذ منه الزكاة إذا بلغ نصاب النقود فما كان من الرواتب
والأجور لا يبلغ في السنة نصاباً نقدياً - بعد طرح ما ذكرناه كرواتب بعض العمال
وصغار الموظفين فلا تؤخذ منه الزكاة [8، جـ2، ص517).
كيفية تقدير الحاجات الأساسية المعفاة من الزكاة:
ينبغي أن يراعى في إعفاء الحاجات الأصلية من الزكاة من دخل الشخص ما يلي:
1- ما يكفيه هو ومَنْ يعول من زوجة، وأولاد، ووالدَيْن، وسائر من تلزمه نفقته من
الأقارب، على أن يكون ذلك في حدود القصد والاعتدال، بلا إسراف ولا تبذير. قال - صلي
الله عليه وسلم -: ((كفى بالمرء إثماً أن يضيِّع من يَقُوت))؛ أخرجه أبو داود في(/16)
كتاب الزكاة، بابٌ في صلة الرحم [38، جـ2، ص132]، وأخرجه الحاكم في "المستدرك"،
وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرِّجاه، ووافقه الذهبي [39، جـ1، ص415]، وحكم
عليه الألباني بأنه حسن [40، جـ1، ص317).
2- حالة الشخص، ووضعه الاجتماعي، وعلاقته بجيرانه وأقاربه وأصدقائه، فينبغي أن تكون
حاجته الأصلية لائقة به.
3- ما على صاحب الدخل من ديون حالَّة؛ لأن قضاء الديون الحالَّة من الحاجات
الأساسية، وكذلك يلحق بالدَيْن الالتزامات المالية المستوجَبة عليه من قِبَل الجهات
الرسمية؛ كالضرائب، والمساهمات الإلزامية، فكلها تُنقص الدخول حتماً.
4- أن تكون الجهة القائمة على جمع الزكاة منوطاً بها تقدير الحدِّ الأدنى للمعيشة
دورياً، ويعلن ذلك، حتى يفرَّق بين أصحاب الدخول القليلة؛ فلا يدخلون[1]، وأصحاب
الدخول البالغة النِّصاب؛ فيدخلون.
المطلب الثاني: مقدار الزكاة الواجب
ذهب معظم الفقهاء المعاصرين إلى أن القدر الواجب في زكاة الرواتب والأجور وإيرادات
المهن الحرة، هو ربع العُشر فقط؛ عملاً بالنصوص التي أوجبت في النقود ربع العُشر؛
ولأن دخل الفرد يعتمد على العمل وحده، ومن ثَمَّ وجب تخفيف الزكاة عليه؛ رعاية
للطبقات العاملة، واستئناساً بما عمل به ابن مسعود وعمر بن عبد العزيز - رضي الله
عنهما - من اقتطاع الزكاة من العطاء إذا أعطوه، من كل ألف خمسة وعشرين [25، ص ص 442
- 443؛ 8، جـ1، ص ص 519 - 520؛ 21، ص166).
وذهب البعض إلى التفرقة بين زكاة الرواتب والأجور من جهة وزكاة إيرادات المهن الحرة
من جهة أخرى، فجعلوا مقدار الزكاة في الرواتب والأجور 2.5% وفي إيرادات المهن
الحرة: إما 5% إذا حسب على الإيراد الإجمالي، أو 10% إذا حسب على الإيراد الصافي
وذلك بعد استبعاد كافة التكاليف والمصاريف التي تكبدها المزكي في سبيل الحصول على
الإيراد [1، ص ص 258، 259]. وقد سبق لأصحاب هذا القول أن فرقوا - كما في المطلب(/17)
السابق - بين نصاب الزكاة في الرواتب والأجور فقاسوه على نصاب النقود، بينما قاسوا
نصاب إيرادات المهن الحرة على نصاب الزروع الثمار.
وكما سبق أن رجحنا - في المطلب الأول - القول بقياس نصاب الزكاة في الرواتب والأجور
وإيرادات المهن الحرة على نصاب النقود، باعتبار أن الجميع يتقاضون - أو يقبضون -
أجورهم بالنقود، فكذا هنا؛ لا نرى وجهاً للتفرقة بين الرواتب والأجور وإيرادات
المهن الحرة في المقدار الواجب؛ بل يلزم الجميع نسبة 2.5%، باعتبار أن المصدر في
الجميع العمل.
المطلب الثالث:
اشتراط الحول وعدمه في زكاتها
سبق أن ذكرنا أن من الموجبين من اعتبر وجوب الزكاة في الرواتب والأجور وإيرادات
المهن الحرة أنها مال مُستفاد - مُستفاد بسببٍ مستقل - وقد تعددت آراء الفقهاء حول
زكاة المال المُستفاد بسبب مستقل.
الرأي الأول: المال المُستفاد من غير جنس ما عنده، إن كان نصاباً؛ استقبل به
حَوْلاً وزكًّاه، ولا يُضمُّ إلى ما عنده؛ بل له حكم نفسه، وهذا قول الجمهور [7،
جـ4، ص ص75].
الرأي الثاني: أن الزكاة تجب فيه حين استفاده، روي ذلك عن ابن مسعود، وابن عباس،
ومعاوية من الصحابة، والأوزاعي من التابعين [7، جـ4، ص75].
ورجَّح ابن قدامة الرأي الأول - رأي الجمهور - حيث يُشترط للمال المُستفاد حَوَلاَن
الحَوْل، وذلك بقوله: "ولنا حديث عائشة، عن النبي - صلي الله عليه وسلم -: ((لا
زكاة في مال حتى يحُول عليه الحَوْل)) [7، جـ4، ص77]؛ والحديث أخرجه ابن ماجه، باب
من استفاد مالاً، من كتاب الزكاة، وصححه الألباني: في كتابه "صحيح سنن ابن ماجه"
[41، جـ2، ص98].
ورجَّح بعض الفقهاء المعاصرين الرأي الثاني، القاضي بوجوب إخراج زكاة المال
المستفاد في الحال، وذلك استناداً إلى حكمة تشريع الزكاة، ومصلحة الإسلام والمسلمين
في عصرنا هذا، وإلى أن اشتراط الحَوْل في كل مال - حتى المُستفاد منه - ليس فيه(/18)
نصٌّ في مرتبة الصحيح أو الحسن يقيد النصوص المطلقة، ولذا اختلف الصحابة والتابعون
فيه، باعتباره من الأمور الاجتهادية [8، جـ1، ص ص 505 – 510].
والواقع؛ أن القول باستحقاق الزكاة في المال المُستفاد حين استفادته لا يمنع من
اعتبار الحَوْل في إخراج زكاته، وذلك بأن تحدَّد الفترة التي تتخذ أساساً لتحديد
النِّصاب ومقدار الواجب؛ فيُضمُّ ما يحصل عليه الموظف، أو العامل، أو صاحب المهنة
الحرة، من إيرادات صافية خلال السنة؛ فتؤخذ منها الزكاة متى بلغت نصاب النقود، بعد
خصم الديون الحالَّة، وتكاليف الحصول على الدخل، وما يلزم من حاجته الأصلية.
فلو قدَّرنا أن دخل موظف، أو عامل، أو صاحب مهنة حرة يبلغ في الشهر أربعة آلاف
ريال؛ فإن حاصل إيراده السنوي يكون (48000) ريال، فيُقتطع من هذا المجموع ما عليه
من ديون حالَّة أثناء السنة، وما عليه من نفقات لنفسه ولمن يعول شرعاً أثناء السنة،
فإذا كان المتبقي بعد هذا الاقتطاع يبلغ نصاب النقود؛ زكَّي المقدار الباقي في
نهاية الحَوْل، الذي يحدِّد بدايته صاحب الدخل؛ بأن يجعل له شهراً يستقبل به العام،
فإذا جاء ذلك الشهر الذي أكمل به الحَوْل، يحسب ما بقي لديه من مال، فيُخرج زكاته
إن بلغ نصاباً، ولو لم يكن قد مر على آخر دفعة حصل عليها سوى بضعة أيام.
ووفقاً لاحتمال إنفاق المرء لهذا المال الفاضل في حاجته في أغراض أخرى، بأن يشتري
به أصولاً ثابتة أو عقاراً قبل نهاية الحَوْل؛ فإننا نرى أن يحدِّد الفرد من خلال
شهر واحد متوسط نفقاته، ثم ما فضل له من دخله يصبح هو وعاء الزكاة خلال الشهر، ثم
يضرب في اثني عشر، ويخرج الزكاة بنسبة 2.5% من المجموع؛ فكأنه قد وزع قدر الزكاة
على شهور السنة تقديراً؛ فيصبح هذا المقدَّر هو الواجب عليه كزكاةٍ في ذمته، في حال
إنفاقه للفاضل عن حاجته الأصلية في أغراض أخرى خلال العام.
المطلب الرابع:
1- حالات تطبيقية على زكاة الرواتب والأجور:
حالة (1):(/19)
موظف يعمل براتب شهري قدره (6500) ريال، وليس له مصدر سوى هذا الراتب، فإذا علم أن
نفقاته تقدر بـ (3800)، وأن سعر الجرام من الذهب (30) ريالاً، فما قيمة الزكاة
المستحقة عليه؟
الإيراد الكلي خلال العام = 6500 × 12= 78000 ريال.
يطرح مبلغ حاجاته الشخصية الأصلية 3800 × 12=45600 ريال
صافي الإيراد الفاضل عن حاجاته = 32400
النصاب المقرر = 85 × 30 = 2550
إذن صافي إيراد هذا الموظف الفاضل عن حاجاته يزيد على النِّصاب، ويخضع للزكاة بمعدل
2.5%.
قيمة الزكاة المستحقة(32400×2.5%) ÷ 1000810 ريالات
الزكاة الشهرية المستحقة810 × 1267.5 ريال
حالة (2):
موظف أو عامل يعمل براتب شهري قدره (2200) ريال، وليس له مصدر دخل سوى هذا الراتب،
فإذا علم أن نفقاته الشهرية تقدر بـ (2000) ريال، وأن سعر الجرام من الذهب (30)
ريالاً، فما هي قيمة الزكاة المستحقة عليه؟
الإيراد الكلي خلال العام2200 × 12 26400ريال
يطرح مبلغ حاجاته الشخصية2000× 12
= 240024000ريال
النصاب المقرر85 × 302550
إذن من مقارنة الفاضل له عن حاجاته من دخله، نجده دون النِّصاب؛ فلا زكاة عليه.
2 - حالات تطبيقية على زكاة إيرادات المهن الحرة:
حالة (1):
طبيب له عيادة خاصة، بها ثلاثة ممرضين، وعامل، فإذا كانت إيراداته ومصروفاته
بالريال السعودي خلال عام (1418هـ) كالآتي:
35000إيجار العيادة
25000بدل سكن
82000رواتب
60000آلات طبية ( معدل إهلاك 15% ) = 9000
150000أثاث ( معدل إهلاك 10% ) = 15000
40000مكيفات ( معدل إهلاك 10% ) = 4000
25000أجهزة طبية ( معدل إهلاك 10 % ) = 7500
20000 إيجار جهاز أشعة
10000أدوات طبية مستهلكة
24000مصروفات كهرباء
5500مواد تنظيف
5000غيارات طبية
4000كتب طبية
9000أدوات مشتراة
130000إيرادات طبية
100000فحوصات عامة
60000إيرادات المختبر
70000إيرادات العمليات
55000أتعاب حقن
75000إيرادات الأشعة(/20)
المطلوب استخراج حساب الزكاة المستحقة على هذا الطبيب لعام (1418هـ)، إذا علم أن
نفقات حاجاته الأصلية تقدر بمبلغ (5000) ريال، وأن سعر الجرام للذهب خلال ذلك العام
(30) ريالاً تقريباً.
الجواب
أولاً: إيرادات العام:
إيرادات طبية 130000 ريال
فحوصات عامة 100000 ريال
إيرادات المختبر 60000 ريال
إيرادات عمليات70000 ريال
أتعاب حقن55000 ريال
إيرادات الأشعة 85000 ريال
المجموع 5000000 ريال
ثانياً: مصروفات العام:
مواردأدوات طبية مستهلكة10000
غيارات طبية50000
كتب طبية40000
أدوية9000
مواد تنظيف5500
المجموع ( لمصروفات الموارد )33500
أجوررواتب820000
بدل سكن20000
إيجار جهاز أشعة20000
المجموع ( للرواتب)122000
إهلاكآلات طبية 15%9000
أثاث 10%15000
مكيفات 10%4000
أجهزة طبية 30%7500
المجموع (للإهلاكات)35500
مصروفات أخرى
إيجار35000
مصاريف كهرباء24000
المجموع (للمصروفات الأخرى)59000
المجموع الكلي للمصروفات250000
صافي الإيراد في العام = (500000 - 250000)25000
ثم يطرح صافي حاجات نفقاته الأصلية في العام50000
إذن يصبح وعاء الزكاة = 250000 - 50000200000
نصاب النقود = 85 × 30 = 2550
إذن الفاضل من دخله بعد خصم تكاليف الحصول على الدخل، وما يلزم حاجاته الأصلية على
النِّصاب، ويخضع لزكاة النقود بمعدل 2.5 %.
فتكون قيمة الزكاة المستحقة عن العام (1418هـ) لهذا الطبيب عن دخله في عيادته
الخاصة كالآتي: (200000 × 25) ÷ 1000 = 5000 ريال.
أما عن الشهر فتكون كالآتي: (5000 ÷ 12) = 416 ريال.
الحالة ( 2 )
محاسب قانوني يعمل في مكتب خاص، وكانت مصروفاته وإيراداته بالريال السعودي خلال عام
(1418هـ):
إيرادات العام450000
إيجار24000
رواتب120000
مصروفات كهرباء6000
مكيفات ( معدل إهلاك 10% )25000
أجهزة حاسوب (معدل إهلاك 10%30000
أثاث ( معدل إهلاك 10 % )15000
مصروفات: تلفون، تلكس، بريد5000(/21)
المطلوب: استخراج حساب الزكاة عليه خلال عام 1418 هـ، إذا كانت نفقات حاجاته
الأصلية تقدر بمبلغ 42000 ريال، وأن سعر جرام الذهب خلال ذلك العام 35 ريالاً
تقريباً.
الجواب:
أولاً: الإيرادات =450000
ثانياً: المصروفات:
إيجار24000
رواتب120000
مصروفات كهربائية6000
إهلاك مكيفات2500
إهلاك أجهزة حاسوب3000
إهلاك أثاث1500
مصروفات: تلفون وخلافه5000
نفقة حاجاته الأصلية42000
المجموع204000
إذن صافي الإيراد :450000 – 204000 = 246000
نصاب النقود = 85 × 35 = 2975
إذن؛ الفاضل من دخله بعد خصم تكاليف الحصول على الدخل، وما يلزم من حاجاته الأصلية
يزيد عن النِّصاب، ويخضع لزكاة النقود بمعدل 2.5%، فتكون قيمة الزكاة المستحقة عليه
لعام (1418هـ) كالآتي:
(246000 × 25) / 1000 = 6.150 ريالا
أما عن الشهر فتكون 6.150 / 12 = 512.5 ريال تقريباً.
الخاتمة في أهم النتائج
1 - إن الرواتب والأجور والمهن الحرة أصبحت تمثل نسبة كبيرة من مصادر الدخل لدى
الكثيرين من أفراد المجتمعات؛ فارتفع بذلك عدد غير قليل إلى درجة الغنى؛ مما يستوجب
عليهم الزكاة.
2 - إن هذه الزكاة تختصُّ بالدخل، وليست بالثروة أو رأس المال، فالمقصود هنا الدخل
الدوري والمتجدد.
3 - إن هذه الزكاة شخصية، قياساً على سائر الزكوات، الأمر الذي يستوجب مراعاة
الأعباء العائلية والشخصية الضرورية للمكلَّف، وتكاليف الحصول على الدخل والديون؛
فإن بلغ الفاضل عن ذلك قيمة نصاب النقود زكَّى، وإلا فلا.
4 - إن تقدير الحوائج الأصلية يختلف من شخص لآخر، وذلك باختلاف ظروف كل فرد،
واختلاف أفراد الأسرة، مما يجعل تقدير هذه الحوائج يخضع لتقدير المزكِّي نفسه،
طبقاً لظروفه الخاصة، وتقدير القائم على الزكاة.
5 – على الجهات المختصة تحديد تكاليف المعيشة دورياً - خلال كل عام - يراعى فيها
الظروف المعيشية التي يعيشها الناس، على أن يقدر ذلك بعناية ومن أهل الاختصاص؛ حتى(/22)
لا تؤخذ الزكاة من غير أهلها.
6 - يجب على كل موظف، أو عامل، أو صاحب مهنة حرة أن يتقي الله في كسبه، فلا يبخل
بحق الله إن كان مستحقاً؛ حتى يطهر نفسه وماله بهذه الشعيرة العظيمة وهي الزكاة،
فإن لم تقم الجهات الرسمية بتحصيلها، لزم على كل فرد القيام بذلك؛ لأنها فريضة
عينية، أي: متعينة على من وجبت عليه.
المراجع
1 - شحاتة، حسين. "محاسبة الزكاة، مفهوماً ونظاماً وتطبيقاً". القاهرة: دار التوزيع
والنشر، د. ت.
2 - الشرباصي، أحمد. "المعجم الاقتصادي الإسلامي". بيروت: دار الجيل، 1401 هـ.
3 - "المعجم الوسيط". ط2. القاهرة: مجمع اللغة العربية، د. ت.
4 - مالك، الإمام مالك بن أنس. "الموطأ". صححه، وعلق عليه محمد فؤاد عبد الباقي.
بيروت: دار إحياء التراث، د. ت.
5 - الغزالي، محمد. "الإسلام والأوضاع الاقتصادية". القاهرة: دار الصحوة للنشر،
1987م.
6 - "حلقة الدراسات الاجتماعية - محاضرات عن الزكاة". ط 7. دمشق: جامعة الدول
العربية، 1372 هـ / 1972 م.
7 - ابن قدامة، موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي.
"المغني". تحقيق عبد الله التركي وعبد الفتاح الحلو. ط3. الرياض: دار عالم الكتب،
1417هـ / 1997 م.
8 - القرضاوي، يوسف، "فقه الزكاة". ط 12. بيروت: مؤسسة الرسالة، 1406 هـ / 1985 م.
9 - ابن حجر، أحمد بن على العسقلاني. "فتح الباري". د. م. بيروت: المكتبة السلفية،
د. ت.
10 – الترمذي، أبو عيسى، محمد بن عيسى بن سَوْرَة. "سنن الترمذي". إسطنبول: المكتبة
الإسلامية بإسطنبول، (1981م).
11- الألباني، محمد ناصر الدين. "ضعيف الجامع الصغير وزياداته". ط 3. بيروت: المكتب
الإسلامي، (1410هـ/ 1990م).
12- الجزائري، أبو بكر جابر. "الجمل في زكاة العمل". المدينة المنورة: مطابع
الرشيد، (1402هـ).
13 – وهبة، محمد سعيد، وعبد العزيز جمجوم. "الزكاة في الميزان". جدة: تهامة للنشر،
(1404/ 1405هـ، 1984/ 1988م).(/23)
14- عطية، محمد كمال. "حالات تطبيقية في الزكاة". طـ 1. الإسكندرية: منشأة المعارف،
(1408هـ/ 1988م).
15 – سلطان، سلطان بن محمد بن على. "الزكاة، تطبيق محاسبي". الرياض: دار المريخ
للنشر، د. ت.
16 – أبو السعود، محمود. "فقه الزكاة المعاصر". طـ2. الكويت: دار القلم للنشر
والتوزيع، (1421هـ/ 1992م).
17- البنا، محمود عاطف. "نظام الزكاة والضرائب في المملكة العربية السعودية". ط1.
الرياض: دار العلوم، (1403هـ/ 1983م).
18 – قحف، محمد منذر. "المواد العلمية لبرنامج التدريب على تطبيق الزكاة في المجتمع
الإسلامي المعاصر"، ط1، جدة: المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، البنك الإسلامي
للتنمية، (1406هـ/ 1985هـ).
19 – قللي، يحيي أحمد مصطفى. "دراسات في الزكاة المحاسبة الضريبية، مع التطبيق على
المملكة العربية السعودية". الرياض: دار المريخ، د. ت.
20 - مكي، جمعة محمد. "زكاة الأموال وكيفية أدائها في الفقه الإسلامي". القاهرة:
دار الهدى، د. ت.
21- العقلة، محمد. "أحكام الزكاة والصدقة". ط1. عمان: مكتبة الرسالة الحديثة،
(1402هـ/ 1982هـ).
22 – "المجموعة السعودية لأنظمة الزكاة والصدقة والضرائب والطوابع والأوامر
والقرارات والمنشورات الصادرة بشأنها". جمع وترتيب سعيد محمد على آدم. ط2. جدة: دار
الأصفهاني، (1382هـ).
23 – "ندوة فريضة الزكاة وضريبة الدخل". الرياض: الغرفة التجارية الصناعية، المملكة
العربية السعودية، المنعقدة في (15/ 6/ 1411هـ، 1/ 1/ 1991م).
24- مجلة البحوث الإسلامية (1403/ 1404هـ).
25 – "أبحاث وأعمال مؤتمر الزكاة الأول". الكويت: بيت الزكاة، (1404هـ/ 1984م).
26 - "لائحة الزكاة لسنة (1413هـ/ 1993)". الخرطوم: ديوان الزكاة، جمهورية السودان.
27 – الأبجي، كوثر. "محاسبة الزكاة والضرائب في دولة الإمارات العربية". ط1. دبي:
دار القلم، (1407هـ/ 1987م).(/24)
28 – ابن كثير، الحافظ ابن كثير القرشي الدمشقي. "تفسير القرآن العظيم". ط5. بيروت:
مؤسسة الكتب (1416هـ/ 1966م).
29 – ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، محمد بن عبد الكريم الشيباني. "أسد الغابة في
معرفة الصحابة". بيروت: دار إحياء التراث العربي، د. ت.
31 – ابن سلام، أبو عبيد القاسم بن سلام. "الأموال". تحقيق محمد خليل هراس. بيروت:
دار الكتب العلمية، د. ت.
32- "المركز الإسلامي لأبحاث الاقتصاد الإسلامي". كتاب الاقتصاد الإسلامي. ط1.
القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، (1970م).
33 – شحاتة، شوقي إسماعيل. "محاسبة زكاة العمل، علماً وعملاً". ط1. القاهرة: مكتبة
الأنجلو المصرية، (1970م).
34 - "الاقتصاد الإسلامي، بحوث مختارة من المؤتمر العالمي للاقتصاد الإسلامي"، جدة:
جامعة الملك عبد العزيز، المركز العالمي لأبحاث الاقتصاد الإسلامي، (1985م).
35 – الكاساني، علاء الدين أبو بكر بن مسعود. "بدائع الصنائع". القاهرة. مطبعة
الإمام، (1972م).
36 – الخطيب، الشربيني. "مغني المحتاج". القاهرة: مطبعة مصطفى البابي الحلبي،
(1985م).
37- القرافي، شهاب الدين أحمد بن إدريس. "الذخيرة". تحقيق محمد الحجي. ط1. بيروت:
دار الغرب الإسلامي، (1994م).
38 – أبو داود سليمان بن الأشعث. "سنن أبي داود". اسطنبول: دار الدعوة، د. ت.
39 – الحاكم، أبو عبد الله محمد بن عبد الله. "المستدرك على الصحيحين". ط1. حيدر
آباد: مطبعة مجلس دائرة المعارف الإسلامية، (1314هـ).
40 – الألباني، محمد ناصر الدين. "صحيح سنن الترمذي باختصار السند". ط1. الرياض:
مكتب التربية العربي لدول الخليج، (1409هـ/ 1989م).
41 - الألباني، محمد ناصر الدين. "صحيح سنن ابن ماجه". ط1. الرياض: مكتبة المعارف،
(1417 هـ/ 1997م).
ـــــــــــــــــــــ
[1] لاحظ الباحث في تطبيق زكاة الرواتب والأجور في السودان بالنسبة للسودانيين
العاملين بالخارج أنها تتم على النحو الآتي:(/25)
في نهاية كل عام يحسب الراتب، ثم يضرب في 12، وذلك باعتبار أن الزكاة تؤخذ من دخل
الفرد في العام، ثم يُعفى له عن 60% مقابل حاجاته الأصلية، ثم تؤخذ الزكاة من
الباقي - وهو ما يعادل 40% - بنسبة 2.5%، وهذا الإجراء فيه خطأٌ فاحش؛ لأنه اعتبر
كل من أعفي له عن 60% من راتبه؛ كان ذلك كافياً له مقابل حاجاته الأصلية، فيؤخذ من
الباقي الزكاة إن بلغ النِّصاب.
وهذا الإجراء لا يكاد يستثني أحداً له أدنى راتب، اللهم إلا إذا كان راتب الشخص يقل
عن 600 ريال سعودي – مثلاً - لأن مبلغ الـ (600) مضروب في 12، يساوي (7200) في
العام، فإذا خصمنا منه ما يعادل 60%؛ فيبقى له (2880) ريالاً من دخله في العام،
فهذا المبلغ يساوي قدر نصاب النقود، فيؤخذ منه الزكاة، فأين الحدُّ الفاصل بين
الفقير والغني في هذا التطبيق، وقد نصَّ الفقهاء على أن شرط المال الذي تجب فيه
الزكاة أن يكون نصاباً فاضلاً عن حاجته الأصلية؛ لأنه به يتحقق الغنى [8، جـ2،
ص517].
ونرى تصحيحاً لهذا الخطأ في التطبيق: أن يحدَّد وعاء الزكاة بمبلغ محدد، حسب ظروف
المعيشة في كل بلد، وليكن مبلغ (2000) ريال سعودي لمن يعمل بالمملكة – مثلاً - فمن
يبلغ راتبه هذا الحد؛ يطبق عليه الإجراء السابق، بأن يعفى له عن 60%، وتؤخذ الزكاة
عن الباقي بنسبة 2.5 %، مع مراعاة ظروف كل شخص على حدةٍ، بمعنى أن من يثبت
للمسؤولين أن له ظروفاً عائلية خاصة، لا يكفيه هذا المبلغ المحدد - (2000) - أو ما
زاد عنه؛ فإنه لا يلزم شرعاً بدفع الزكاة إذا أثبت أن راتبه لا يكفيه؛ لأنه بذلك لا
يكون غنياً.
أما الاستمرار في تحصيل الزكاة على الوجه المذكور أعلاه؛ فإنه أشبه بالضريبة لا
الزكاة؛ لأن الزكاة لا تجب إلا على الأغنياء؛ لقوله - صلي الله عليه وسلم -: ((...
فأعلِمْهُم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم، وتردُّ على(/26)
فقرائهم))؛ رواه البخاري، كما في "فتح الباري" (9، جـ3، ص261). ( المرجع: زيارة
ميدانية لموقع تحصيل زكاة العاملين بالخارج بالقنصلية السودانية بالمملكة العربية
السعودية).(/27)
العنوان: زكاة الفطر
رقم المقالة: 1239
صاحب المقالة:
-----------------------------------------
تعريفها:
زكاة الفطر هي صدقة تجب بالفطر في رمضان، وأضيفت الزكاة إلى الفطر لأنها سبب وجوبها.
حكمتها ومشروعيتها:
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ((فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ))؛ رواه أبو داود 1371 قال النووي: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.
قوله: (طهرة): أي تطهيرا لنفس من صام رمضان، وقوله (والرفث) قال ابن الأثير: الرفث هنا هو الفحش من كلام، قوله (وطعمة): بضم الطاء وهو الطعام الذي يؤكل. قوله: (من أداها قبل الصلاة): أي قبل صلاة العيد، قوله (فهي زكاة مقبولة): المراد بالزكاة صدقة الفطر، قوله (صدقة من الصدقات): يعني التي يتصدق بها في سائر الأوقات. عون المعبود شرح أبي داود.
وقيل هي المقصودة بقوله تعالى في سورة الأعْلَى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15]; رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبِي الْعَالِيَةِ قَالا: ((أَدَّى زَكَاةَ الْفِطْرِ ثُمَّ خَرَجَ إلَى الصَّلاةِ)) أيْ صلاة العيد. أحكام القرآن للجصَّاص ج3: سورة الأعلى.
وعَنْ وَكِيعٍ بْنِ الْجَرَّاحِ - رحمه الله - قَالَ: زَكَاةُ الْفِطْرِ لِشَهْرِ رَمَضَانَ كَسَجْدَتِي السَّهْوِ لِلصَّلاةِ، تَجْبُرُ نُقْصَانَ الصَّوْمِ كَمَا يَجْبُرُ السُّجُودُ نُقْصَانَ الصَّلاةِ. المجموع للنووي ج6.
حكمها:(/1)
الصَّحِيحُ أَنَّهَا فَرْضٌ؛ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: (فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - زَكَاةَ الْفِطْرِ). وَلإجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهَا فَرْضٌ. المغني ج2 باب صدقة الفطر.
وقت وجوبها:
فَأَمَّا وَقْتُ الْوُجُوبِ فَهُوَ وَقْتُ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَإِنَّهَا تَجِبُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ شَهْرِ رَمَضَانَ. فَمَنْ تَزَوَّجَ، أَوْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ أَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَعَلَيْهِ الْفِطْرَةُ. وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْغُرُوبِ، لَمْ تَلْزَمْهُ.. وَمِنْ مَاتَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ الْفِطْرِ، فَعَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ (المغني ج2): فصل وقت وجوب زكاة الفطر.
على من تجب:
- زكاة الفطر تجب على المسلمين: عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: (فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالأنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ). البخاري 1407
- قال الشافعي - رحمه الله -: وَفِي حَدِيثِ نَافِعٍ دَلالَةٌ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَفْرِضْهَا إلا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ مُوَافَقَةٌ لِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّهُ جَعَلَ الزَّكَاةَ لِلْمُسْلِمِينَ طَهُورًا وَالطَّهُورُ لا يَكُونُ إلا لِلْمُسْلِمِينَ. الأم ج2 باب زكاة الفطر.(/2)
- تجب على المستطيع، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكُلُّ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ شَوَّالٌ وَعِنْدَهُ قُوتُهُ وَقُوتُ مَنْ يَقُوتُهُ يَوْمَهُ وَمَا يُؤَدِّي بِهِ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْهُ وَعَنْهُمْ أَدَّاهَا عَنْهُمْ وَعَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلا مَا يُؤَدِّي عَنْ بَعْضِهِمْ أَدَّاهَا عَنْ بَعْضٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلا سِوَى مُؤْنَتِهِ وَمُؤْنَتِهِمْ يَوْمَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ وَلا عَلَى مَنْ يَقُوتُ عَنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ. الأم ج2 باب زكاة الفطر.
- قال النووي - رحمه الله -: الْمُعْسِرُ لا فِطْرَةَ عَلَيْهِ بِلا خِلافٍ،.. وَالاعْتِبَارُ بِالْيَسَارِ وَالإِعْسَارِ بِحَالِ الْوُجُوبِ، فَمَنْ فَضَلَ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ لِلَيْلَةِ الْعِيدِ وَيَوْمِهِ صَاعٌ، فَهُوَ مُوسِرٌ، وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ فَهُوَ مُعْسِرٌ وَلا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فِي الْحَالِ. المجموع ج6.
شروط وجوب صدقة الفطر:
- يخرجها الإنسان المسلم عن نفسه وعمن ينفق عليهم من الزوجات والأقارب إذا لم يستطيعوا إخراجها عن أنفسهم فإن استطاعوا فالأولى أن يخرجوها هم، لأنهم المخاطبون بها أصلاً.
فعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا – قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاةِ. صحيح البخاري 1407(/3)
قال الشافعي رحمه الله: وَيُؤَدِّي وَلِيُّ الْمَعْتُوهِ وَالصَّبِيِّ عَنْهُمَا زَكَاةَ الْفِطْرِ وَعَمَّنْ تَلْزَمُهُمَا مُؤْنَتُهُ كَمَا يُؤَدِّي الصَّحِيحُ عَنْ نَفْسِهِ.. وإِنْ كَانَ فِيمَنْ يمونُ (أي يعول) كَافِرٌ لَمْ يَلْزَمْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْهُ لأَنَّهُ لا يَطْهُرْ بِالزَّكَاةِ. الأم ج2 باب زكاة الفطر.
وقال صاحب المهذب: قَالَ الْمُصَنِّفُ - رحمه الله تعالى -: (وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِطْرَتُهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِطْرَةُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ إذَا كَانُوا مُسْلِمِينَ وَوَجَدَ مَا يُؤَدِّي عَنْهُمْ فَاضِلا عَنْ النَّفَقَةِ، فَيَجِبُ عَلَى الأَبِ وَالأُمِّ وَعَلَى أَبِيهِمَا وَأُمِّهِمَا - وَإِنْ عَلَوا - فِطْرَةُ وَلَدِهِمَا وَوَلَدِ وَلَدِهِمَا - وَإِنْ سَفَلُوا - وَعَلَى الْوَلَدِ وَوَلَدِ الْوَلَدِ (وَإِنْ سَفَلُوا) فِطْرَةُ الأَبِ وَالأُمِّ وَأَبِيهِمَا وَأُمِّهِمَا - وَإِنْ عَلَوا - إذَا وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ نَفَقَتُهُمْ، المجموع ج6.
يُخْرِجُ الإنسانُ عن نفسه وزوجته - وإن كان لها مال - وأولاده الفقراء ووالديه الفقيرين، والبنت التي لم يدخل بها زوجها. فإن كان ولده غنيًّا لم يجب عليه أن يخرج عنه، ويُخرج الزوج عن مطلقته الرجعية لا الناشز ولا البائن، ولا يلزم الولد إخراج فطرة زوجة أبيه الفقير لأنه لا تجب عليه نفقتها.
ويبدأ بالأقرب فالأقرب، بنفسه فزوجته فأولاده ثم بقية القرابة أقربهم فأقربهم على حسب قانون الميراث.
- قال الشافعي - رحمه الله -: وَمَنْ قُلْت تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ، فَإِذَا وُلِدَ، أَوْ كَانَ فِي مِلْكِهِ، أَوْ عِيَالِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ نَهَارِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَغَابَتْ الشَّمْسُ لَيْلَةَ هِلالِ شَوَّالٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْهُ.. الأم: باب زكاة الفطر الثاني.(/4)
ولا تجب عن الحمل الذي في البطن إلا إن يتطوع بها فلا بأس.
وَإِنْ مَاتَ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْفِطْرَةُ قَبْلَ أَدَائِهَا، أُخْرِجَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ.. وَلَوْ مَاتَ مَنْ يَمُونُهُ، بَعْدَ وُجُوبِ الْفِطْرَةِ، لَمْ تَسْقُطْ. المغني ج2.
والخادم إذا كان له أُجْرَةٌ مُقَدَّرة كل يوم أو كُلَّ شهر لا يُخرج عنه الصدقة لأنه أجير والأجير لا يُنفق عليه. الموسوعة 23/339.
- وفِي إخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَنْ الْيَتِيمِ: قَالَ مَالِكٌ - رحمه الله -: يُؤَدِّي الْوَصِيُّ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ الْيَتَامَى الَّذِينَ عِنْدَهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا. المدونة ج1.
- إذا أسلم الكافر يوم الفطر: فقد قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاةَ الْفِطْرِ. المدونة ج1.
مقدار الزكاة:
مقدارها صاع من طعام بصاع النبي صلى الله عليه وسلم لما تقدم.
لحديث أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ "كُنَّا نُعْطِيهَا فِي زَمَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَاعًا مِنْ طَعَامٍ" رواه البخاري 1412.
والوزن يختلف باختلاف ما يملأ به الصاع، فعند إخراج الوزن لابد من التأكد أنه يعادل ملئ الصاع من النوع المخرَج منه... وهو مثل 3 كيلو من الرز تقريبًا.
الأصناف التي تؤدى منها:
الجنس الذي تُخرج منه هو طعام الآدميين، من تمر أو بر أو رز أو غيرها من طعام بني آدم.
ففي الصحيحين من حديث ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ((فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ)) - وكان الشعير يومذاك من طعامهم - البخاري 1408(/5)
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ: ((كُنَّا نُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ. وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَكَانَ طَعَامَنَا الشَّعِيرُ وَالزَّبِيبُ وَالأَقِطُ وَالتَّمْرُ))؛ رواه البخاري 1414.
فتخرج من غالب قوت البلد الذي يستعمله الناس وينتفعون به سواء كان قمحا أو رزًا أو تمرًا أو عدسًا...
قال الشافعي - رحمه الله -: وَإِنْ اقْتَاتَ قَوْمٌ ذُرَةً، أَوْ دُخْنًا، أَوْ سُلْتًا أَوْ أُرْزًا، أَوْ أَيَّ حَبَّةٍ مَا كَانَتْ مِمَّا فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَهُمْ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ مِنْهَا. الأمّ للشافعي ج2 باب الرجل يختلف قوته.
وقال النَّوَوِيُّ - رحمه الله -: قَالَ أَصْحَابُنَا: يُشْتَرَطُ فِي الْمُخْرَجِ مِنْ الْفِطْرَةِ أَنْ يَكُونَ مِنْ الأَقْوَاتِ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا الْعُشْرُ (أي في زكاة الحبوب والثمار)، فَلا يُجْزِئُ شَيْءٌ مِنْ غَيْرِهَا إلا الأَقِط وَالْجُبْنُ وَاللَّبَنُ.
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَكَذَا لَوْ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْجَزَائِرِ أَوْ غَيْرِهِمْ يَقْتَاتُونَ السَّمَكَ وَالْبَيْضَ فَلا يُجْزِئُهُمْ بِلا خِلافٍ، وَأَمَّا اللَّحْمُ فَالصَّوَابُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ: أَنَّهُ لا يُجْزِئُ قَوْلا وَاحِدًا... قَالَ أَصْحَابُنَا: وَكَذَا لَوْ اقْتَاتُوا ثَمَرَةً لا عُشْرَ فِيهَا كَالتِّينِ وَغَيْرِهِ لا يُجْزِئُ قَطْعًا. المجموع ج6: الواجب في زكاة الفطر.(/6)
وقال ابن القيم - رحمه الله -: فَإِنْ قِيلَ: فَأَنْتُمْ تُوجِبُونَ صَاعَ التَّمْرِ فِي كُلِّ مَكَان، سَوَاءٌ كَانَ قُوتًا لَهُمْ أَوْ لَمْ يَكُنْ. قِيلَ: هَذَا مِنْ مَسَائِلِ النِّزَاعِ وَمَوَارِدِ الاجْتِهَادِ، فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُوجِبُ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُوجِبُ فِي كُلِّ بَلَدٍ صَاعًا مِنْ قُوتِهِمْ، وَنَظِيرُ هَذَا تَعْيِينُهُ صلى الله عليه وسلم الأَصْنَافَ الْخَمْسَةَ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ وَأَنَّ كُلَّ بَلَدٍ يُخْرِجُونَ مِنْ قُوتِهِمْ مِقْدَارَ الصَّاعِ، وَهَذَا أَرْجَحُ وَأَقْرَبُ إلَى قَوَاعِدِ الشَّرْعِ، وَإِلا فَكَيْفَ يُكَلَّفُ مَنْ قُوتُهُمْ السَّمَكُ مَثَلا أَوْ الأَرُزُّ أَوْ الدُّخْنُ إلَى التَّمْرِ.. وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. إعلام الموقعين ج2.
القياس:
ويجوز إخراجها من المكرونة المصنوعة من القمح ولكن يتأكد أنَّ الوزن هو وزن صاع القمح.(/7)
وأمَّا إخراجُها مالاً فلا يجوز مطلقا لأنّ الشّارع فرضها طعاما لا مالاً وحدّد جِنْسها وهو الطّعام فلا يجوز الإخراج مِنْ غيره، ولأنّه أرادها ظاهرة لا خفيّة، ولأنّ الصحابة أخرجوها طعاما ونحن نتّبع ولا نبتدع، ثمّ إخراج زكاة الفطر بالطعام ينضبط بهذا الصّاع أمّا إخراجها نقودا فلا ينضبط، فعلى سعر أي شيء يُخرج؟، وقد تظهر فوائد لإخراجها قوتًا كما في حالات الاحتكار وارتفاع الأسعار والحروب والغلاء. ولو قال قائل: النقود أنفع للفقير ويشتري بها ما يشاء وقد يحتاج شيئًا آخَر غير الطعام، ثم قد يبيع الفقير الطعام ويخسر فيه، فالجواب عن هذا كله أن هناك مصادر أخرى لسدّ احتياجات الفقراء في المسكن والملبس وغيرها، وذلك من زكاة المال والصدقات العامة والهبات وغيرها، فَلْنَضَعْ الأمور في نصابها الشّرعي ونلتزم بما حدّده الشّارع، وهو قد فرضها صاعا من طعام: طُعمة للمساكين ونَحْنُ لَوْ أعطينا الفقير طعامًا مِنْ قوت البلد فإنه سيأكل منه ويستفيد عاجلا أو آجلا لأنَّ هذا مما يستعمله أصلا.
وبناء عليه فلا يجوز إعطاؤها مالا لسداد دَيْنِ شخص أو أجرة عملية جراحية لمريض أو تسديد قسط دراسة عن طالب محتاج ونحو ذلك فلهذا مصادر أخرى كما تقدم.
وقت الإخراج:
- تؤدى قبل صلاة العيد كما في الحديث أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم – (أَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاةِ). البخاري 1407
ووقت الدفع له وقت استحباب ووقت جواز.
فأما وقت الاستحباب فهو صباح يوم العيد للحديث السابق، ولهذا يسن تأخير صلاة العيد يوم الفطر ليتَّسِعَ الوقت لمن عليه إخراجها، ويفطر قبل الخروج.
كما يُسَنّ تعجيل صلاة العيد يوم الأضحى ليذهب الناس لذبح أضاحيهم ويأكلوا منها.(/8)
أما وقت الجواز فهو قبل العيد بيوم أو يومين. ففي صحيح البخاري عن نافع قال: "كان ابن عمر يعطي عن الصغير والكبير حتى إنه كان يعطي عن بنيّ وكان يعطيها الذين يقبلونها وكان يُعطون قبل الفطر بيوم أو بيومين".
ومعنى قوله (الذين يقبلونها) هم الجباة الذين ينصبهم الإمام لجمع صدقة الفطر.
وعَنْ نَافِعٍ: "إنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَبْعَثُ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ إلَى الَّذِي تُجْمَعُ عِنْدَهُ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمَيْنِ أَوْ بِثَلاثَةٍ". المدونة ج1 باب تعجيل الزكاة قبل حلولها.
ويكره تأخيرها بعد صلاة العيد وقال بعضهم يحرم وتكون قضاء واستُدِل لذلك بحديث: "مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ" رواه أبو داود 1371.
قال في عون المعبود شرح أبي داود: والظَّاهِرُ أنَّ مَنْ أَخْرَجَ الفطرة بعد الصلاة كان كَمَنْ لم يخرجها باعتبار اشتراكهما في ترك هذه الصدقة الواجبة. وقد ذَهَبَ أكثر العلماء إلى أنَّ إخراجها قبل صلاة العيد إنما هو مُسْتَحَبٌّ فَقَطْ، وجزموا بأنها تجزئ إلى آخر يوم الفطر، والحديث يردّ عليهم، وأمَّا تأخيرها عن يوم العيد. فقال ابن رسلان: إنه حرام بالاتفاق لأنها زكاة، فوجب أن يكون في تأخيرها إثم كما في إخراج الصلاة عن وقتها.
فيحرم إذن تأخيرها عن وقتها بلا عذر لأنه يفوت به المعنى المقصود، وهو إغناء الفقراء عن الطلب يوم السرور فلو أخَّرها بلا عذر عصى وقضى.(/9)
ويجب أن تصل إلى مستحقها أو من ينوب عنه من المتوكلين في وقتها قبل الصلاة، فلو أراد دفعها إلى شخص فلم يجده ولم يجد وكيلاً له وخاف خروج الوقت فعليه أن يدفعها إلى مستحق آخر ولا يؤخّرها عن وقتها، وإذا كان الشّخص يحب أن يدفع فطرته لفقير معيّن ويخشى أن لا يراه وقت إخراجِها فليأمره أن يوكل أحدًا بقبضها منه أو يوكله هو في قبضها له من نفسه فإذا جاء وقت دفعها فليأخذها له في كيس أو غيره ويبقيها أمانة عنده حتى يلقى صاحبها.
وإذا وكّل المزكّي شخصًا بإخراج الزكاة عنه فلا تبرأ الذمة حتى يتأكد أن الوكيل قد أخرجها ودفعها فعلاً.: مجالس شهر رمضان: أحكام زكاة الفطر للشيخ ابن عثيمين.
لمن تعطى:
تصرف زكاة الفطر إلى الأصناف الثمانية التي تصرف فيها زكاة المال وهذا هو قول الجمهور.
وذهب المالكية وهي رواية عن أحمد واختارها ابن تيميّة إلى تَخْصِيصِ صَرْفِها للفقراء والمساكين.
- (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَتُقْسَمُ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى مَنْ تُقْسَمُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْمَالِ لا يُجْزِئُ فِيهَا غَيْرُ ذَلِكَ،.. وَيَقْسِمُهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَفِي الرِّقَابِ وَهُمْ الْمُكَاتَبُونَ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ. كتاب الأم: باب ضيعة زكاة الفطر قبل قسمها.
- وقال النووي - رحمه الله -: بعدما ساق حديث ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِمُعَاذٍ رضي الله عنه: ((أَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ)).. قال: وَلا يَجُوزُ دَفْعُ شَيْءٍ مِنْ الزَّكَوَاتِ إلَى كَافِرٍ , سَوَاءٌ زَكَاةُ الْفِطْرِ وَزَكَاةُ الْمَالِ.. وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ: لا يُعْطَوْنَ (أي الكفار).(/10)
والمستَحِقّون لزكاة الفطر مِنَ الفقراء ومَنْ عَلَيْهِمْ دُيون لا يستطيعون وفاءها أو لا تكفيهم رواتبهم إلى آخر الشهر فيكونون مَساكين محتاجين فيعطون منها بقدر حاجتهم.
ولا يجوز لدافِعها شراؤها ممن دفعها إليه. فتاوى الشيخ ابن عثيمين.
إخراجها وتفريقها:
- الأفضل أنْ يَتَوَلَّى الإنسان قسْمها بنفسه: (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَأَخْتَارُ قَسْمَ زَكَاةِ الْفِطْرِ بِنَفْسِي عَلَى طَرْحِهَا عِنْدَ مَنْ تُجْمَعُ عِنْدَهُ.
- قال النووي - رحمه الله -: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي (الْمُخْتَصَرِ): وَتُقَسَّمُ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى مَنْ تُقَسَّمُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْمَالِ، وَأُحِبُّ دَفْعَهَا إلَى ذَوِي رَحِمِهِ الَّذِينَ لا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ بِحَالٍ، قَالَ: فَإِنْ طَرَحَهَا عِنْدَ مَنْ تُجْمَعُ عِنْدَهُ أَجْزَأَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.. و..الأَفْضَلَ أَنْ يُفَرِّقَ الْفِطْرَةَ بِنَفْسِهِ و.. لَوْ دَفَعَهَا إلَى الإِمَامِ أَوْ السَّاعِي أَوْ مَنْ تُجْمَعُ عِنْدَهُ الْفِطْرَةُ لِلنَّاسِ وَأَذِنَ لَهُ فِي إخْرَاجِهَا أَجْزَأَهُ، وَلَكِنَّ تَفْرِيقَهُ بِنَفْسِهِ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ. المجموع: ج6
- ويجوز أن يوكّل ثقة بإيصالِها إلى مُسْتَحِقّيها وأمَّا إن كان غير ثقة فلا، قال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُؤَمَّلِ: سَمِعْت ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ وَرَجُلٌ يَقُولُ لَهُ: إنَّ (فلانا) أَمَرَنِي أَنْ أَطْرَحَ زَكَاةَ الْفِطْرِ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَفْتَاكَ الْعِلْجُ بِغَيْرِ رَأْيِهِ؟ اقْسِمْهَا (أي تولّ أنت قسمتها بنفسك)، فَإِنَّمَا يُعْطِيهَا ابْنُ هِشَامٍ (أي الوالي الذي يجمعها في المسجد) أَحْرَاسَهُ وَمَنْ شَاءَ. (أي يعطيها لغير مستحقّيها). الأم: باب ضيعة زكاة الفطر قبل قسمها.(/11)
وَنَصَّ الإمام أحمد - رحمه الله - على أنه يَجُوزُ صَرْفُ صَاعٍ إلَى جَمَاعَةٍ، وَآصُعٍ إلَى وَاحِدٍ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنْهُ وَعَنْ عِيَالِهِ مِسْكِينًا وَاحِدًا. المدونة ج1 باب في قسم زكاة الفطر.
وإذا أعطى فقيرا أقلّ من صاع فلينبهه لأنّ الفقير قد يُخرجها عن نفسه.
ويجوز للفقير إذا أخذ الفطرة من شخص وزادت عن حاجته أن يدفعها هو عن نفسه أو أحد ممن يعولهم إذا علم أنها تامة مجزئة.
مكان الإخراج:
قال ابن قدامة رحمه الله: فَأَمَّا زَكَاةُ الْفِطْرِ فَإِنَّهُ يُفَرِّقُهَا فِي الْبَلَدِ الَّذِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِيهِ، سَوَاءٌ كَانَ مَالُهُ فِيهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لأَنَّهُ سَبَبُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ، فَفُرِّقَتْ فِي الْبَلَدِ الَّذِي سَبَبُهَا فِيهِ. المغني ج2 فصل إذا كان المزكي في بلد وماله في بلد.
وورد في المدونة في فقه الإمام مالك - رحمه الله -: قُلْتُ: مَا قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ إفْرِيقِيَّةَ وَهُوَ بِمِصْرَ يَوْمَ الْفِطْرِ أَيْنَ يُؤَدِّي زَكَاةَ الْفِطْرِ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: حَيْثُ هُوَ، قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ أَدَّى عَنْهُ أَهْلُهُ بِإِفْرِيقِيَّةَ أَجْزَأَهُ (ومصطلحهم في كلمة إفريقية يختلف عما هو عليه الآن) ج1. باب في إخراج المسافر زكاة الفطر.
نسأل الله أن يتقبّل منّا أجمعين، وأن يُلحقنا بالصالحين، وصلى الله على النبيّ الأمين وعلى آله وصحبه.(/12)
العنوان: زُلال الماء يُنهره الغَمام
رقم المقالة: 1090
صاحب المقالة: محمد بن ظافر الشهري
-----------------------------------------
زُلالُ الماءِ يُنْهِرُه الغمامُ ونورُ البدرِ يُظْهِرُه الظلامُ
ولو لم تَفجَأِ الأرزاءُ قوماً لما مِيزَ الأكارمُ واللئامُ
لأهلِ الغَدرِ في السَّراءِ سِتْرٌ وفي الضَّراءِ ينكشفُ اللثامُ
فيرمي الجارَ غدارٌ دنيءٌ ويَحمي الدارَ مقدامٌ هُمامُ
ولمّا كانت الأذنابُ خَلْفاًَ ذَمَمْنا الخلفَ وامتُدِحَ الأَمَامُ
لقد وَرِمَتْ أنوفُ الرومِ عُجْباً غداةَ غَزا العراقَ العَمُّ سامُ
وما عَلِمَ الفرنجةُ ما عراقٌ وما يَمَنٌ وما نجدٌ وشامُ
ولو عَلموا لما قَدِموا، أَتَغْشى عرينَ الأُسْدِ عالمةً نَعَامُ؟!
بلادُ المسلمين يَطِيبُ تارًا وتارًا لا يُطاقُ بها المُقامُ
فيومَ تُزارُ يحلو العيشُ فيها ويومَ تُثارُ فالموتُ الزُّؤَامُ
غزانا الرومُ يحدوهمْ مجوسٌ وعند أولاءِ لا تُرعى الذِّمامُ
غَزَوا يرجون إثخاناً وغُنْماً فكان الغُرْمُ حَظَّهُمُ وخاموا
وقد شاكُوا فلو قامُوا لأَدْمَوا كُعوبَهُمُ ولو قَعَدُوا لَقَامُوا
حَبَسْناهُمْ هُنا في حَيْصَ بَيْصٍ فلا نَصرٌ يُنالُ ولا انْهِزامُ
إذا ما قَعْقَعُوا هُجْنا إليهِمْ كآسادٍ يُهَيِّجُها بُغامُ
لَهُمْ في الكَرِّ أفئدةٌ رِقاقٌ وعندَ الفَرِّ أقْفِيَةٌ ضِخَامُ
فَأَصْمَى طِفْلُنا لمّا رآهُمْ ظِباءً ليس تُخطِئُها السِّهامُ
تَسوقُهُمُ صَفائِحُنا لِيُؤْتَوا صَحائفَ كُلُّ ما فيها أَثَامُ
صحائفَ مُخْزِياتٍ ليس فيها صلاةٌ أو زكاةٌ أو صيامُ
وبَشَّرَهُمْ نذيرُ الشؤمِ كَيْمَا يُثَبِّتَهمْ إذا حَمِسَ اللِّطامُ
بِنَارِ الحربِ تَخْبُو في لَيالٍ فلَقَّنَّاهُ أنّ اليومَ عامُ
تَصَلَّى الرومُ حَرَّ القتلِ حتى تَفَشَّى اللومُ فيهمْ والخِصامُ
فباتُوا بين مَهْجُوٍّ وهَاجٍ وإنَّهُمُ لمِنْ قَبْلُ النِّدَامُ(/1)
يقومُ حكيمُهُمْ فِيْهِمْ خطيباً وفي فِيْهِ الحشيشةُ والمُدَامُ
هُمُ في أرضنا رجسٌ فلسنا على تطهيرها مِنْهُمْ نُلامُ
تَوَلَّى الناسُ عنَّا فاعتصَمنا بحبل اللهِ، ذاكَ الاعتصامُ
لنا ربٌّ عظيمٌ ذو مِحالٍ له بطشٌ شديدٌ وانتقامُ
ومِنّا أحمدُ الهادي نبيٌّ لِرُسْلِ اللهِ قُدَّامٌ خِتامُ
لنا القرآنُ دستورٌ ونُورٌ وآدابٌ وطبٌّ و احتكامُ
لنا الصِّدِّيقُ والفاروقُ فَخرٌ وذو النورَين والصِّهرُ الإمامُ
لنا كلُّ العراقِ وكلُّ أرضٍ يَعيشُ الجنُّ فيها والأنامُ
لقد نادى المنادي فاستَجَبنا وفي يَدِنا اليَراعَةُ والحُسامُ
وليس لنا لدى الهَيجاءِ إلا خِياران الظُّهورُ أو الحِمَامُ
هُما شِربان ماؤُهما زُلالٌ مِزاجُهما أراكٌ أو بَشَامُ
ولا يُسقاهُما في الله إلا رجالٌ آمَنوا ثمَّ استَقاموا(/2)
العنوان: زمهرير الشتاء..حِكَمٌ وأحكام
رقم المقالة: 1953
صاحب المقالة: الشيخ إبراهيم الحقيل
-----------------------------------------
الحمد لله العليم الحكيم؛ لطف بعباده فلم يرهقهم عسرا، وما جعل عليهم في دينهم حرجا، فأنزل سبحانه المعونة على قدر المؤونة، وجعل الصبر على قدر البلاء، وأمر بأداء الواجبات حسب المستطاع {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] نحمده على ما هدانا وشرع لنا، ونشكره على ما أعطانا وأسبغ علينا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ بيده آجال العباد وأرزاقهم، وهو وحده القادر عليهم، ولو شاء سبحانه لأهلكهم بغتة {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآَخَرِينَ وَكَانَ اللهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا} [النساء:133] وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ كان رحيما بأمته، حريصا عليها، يَعِزُّ عليه عنتُها، ويترك العمل مخافة أن يفرض عليها، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ أعلام الهدى، وأُولي البر والتقوى، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- وأطيعوه، وخذوا من شدة ما يمر بكم في الدنيا من أحوالها وأكدارها وأزماتها معتبرا لشدة يوم القيامة وكربه؛ فإن كرب القيامة ينسي شدة الدنيا وكربها {يَوْمَ يَفِرُّ المَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:35-37].
أيها الناس: خلق الله تعالى الأرض وما عليها، وأهبط آدم إليها، وجعلها مستقرا لبني آدم بما سخر لهم فيها {قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [الأعراف:24].(/1)
ومنذ أن سكن البشر الأرض ورِزْقُ الله تعالى يأتيهم فيها، والكوارث الكونية سواء كانت عذابا أم ابتلاء لم تُفْنِ البشر كلهم، بل يبقى منهم بقية يتناسلون ويتكاثرون ويعمرون الأرض؛ لحكمة يريدها الله تعالى.
والشمس والقمر مسخران للأرض ومن عليها، ومقدران بما ينفع الناس ولا يهلكهم، ولو كانت الشمس أقرب إلى الأرض لأحرقتها ومن عليها، والناس يتأذون من الشمس في شدة الحر فكيف لو اقتربت!! ولو كانت الشمس أبعد عن الأرض لتجمدت الأرض ومن عليها، والعقلاء يدركون ذلك في شدة البرد المهلك، فيعلمون نعمة الله تعالى عليهم بتقدير موقع الشمس من الأرض، فسبحان من خلق كل شيء فقدره تقديرا.
وشدة البرد، وشدة الحر نَفَسَان من جهنم؛ لتذكير العباد في الدنيا بنار الآخرة؛ ليتقوا ما يوردهم إياها، ويأخذوا بأسباب النجاة منها، روى أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اشْتَكَتْ النَّارُ إلى رَبِّهَا فقالت: رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأَذِنَ لها بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ في الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ في الصَّيْفِ، فَأَشَدُّ ما تَجِدُونَ من الْحَرِّ وَأَشَدُّ ما تَجِدُونَ من الزَّمْهَرِيرِ) متفق عليه.
والبرد مهلك، كما أن الحر مؤذٍ، لكن الحَرَّ لا يهلك في الغالب؛ ولذا فالناس يخافون البرد ويتقونه أكثر من الحر، وقد دلَّ القرآن على هذا المعنى؛ ففي سورة النحل ذكر الله تعالى في أولها أصول النعم، ومنها بهيمة الأنعام وقال سبحانه فيها {وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [النحل:5] وفي آخر السورة ذكر مكملات هذه النعم من المتاع والأثاث ومنها قوله سبحانه {وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ} [النحل:81] وسرابيل البأس هي لباس الحرب، فلم يذكر لباس البرد من المكملات؛ لأنه عز وجل ذكره من الأصول والأساسات في أول السورة.(/2)
ومن كمال نعيم أهل الجنة أنهم لا يجدون فيها حرًَّا ولا بردا قال قتادة رحمه الله تعالى: عَلِم الله تعالى أنّ شدة الحر تؤذي وشدة البرد تؤذي فوقاهم أذاهما جميعا. {مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا} [الإنسان:13] والزمهرير هو البرد القاطع، قال ابن مسعود رضي الله عنه: هو لونٌ من العذاب.
وعن الأصمعي رحمه الله تعالى قال: كانت العرب تسمي الشتاء الفاضح-وكأنه والله أعلم يفضح الفقير، فلا صبرَ له عليه، بخلاف الحر فيصبر عليه- فقيل لامرأة منهم: أيما أشد عليكم القيظ أم القُرُّ؟ فقالت: يا سبحان الله، من جعل البؤس كالأذى؟ فجعلت الشتاء بؤسا والقيظ أذى.
والعرب تسمي الشتاء ذكرا والصيف أنثى؛ لقسوة الشتاء وشِدَّة غلظته، ولين الصيف وسهولة شكيمته.
قال الزمخشري: وعادتهم أن يذكروا الشتاء في كل صعب قاس، والصيف وإن تلظى قيظه وحمي صلاؤه وعظم بلاؤه فهو بالإضافة إلى الشتاء هوله هين على الفقراء؛ لما يلقونه فيه من الترح والبؤس؛ ولهذا قيل لبعضهم: ما أعددت للبرد؟ قال: طول الرعدة، وفظاظة الشدة.
ويُذكر عن عمر رضي الله عنه أنه كان يتعاهد رعيته إذا حضر الشتاء، ويكتب لهم قائلا: إنّ الشتاء قد حضر، وهو عدو فتأهبوا له أهبته من الصوف والخفاف والجوارب، واتخذوا الصوف شعارًا ودثارًا؛ فإنّ البرد عدو سريعٌ دخوله، بعيدٌ خروجه.
أيها الإخوة: ولأنَّ شدة البرد تؤذي الناس وقد تهلكهم؛ فإن الله تعالى قد خفَّف عنهم في كثير من الأحكام الشرعية لأجل ذلك؛ فأباح عز وجل لهم التيمم في شدة البرد، وعدم وجود وسائلَ لتسخين الماء؛ مما يُظَن معه الهلاك أو الضرر، وفي ذلك أقرَّ النبي عليه الصلاة والسلام عمرو بن العاص لما أجنب في غزاة وتيمم وصلى بالناس.(/3)
ولكن مجرد المشقة ليست عذرا في ترك الوضوء أو الاغتسال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرخص في ذلك لأجل المشقة فقط؛ ولأن الوضوء في البرد شاق على كل الناس، روى الإمام أحمد عن رَجُلٍ من ثَقِيفٍ قال: (سَأَلْنَا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم ثَلاَثاً فلم يُرَخِّصْ لنا فَقُلْنَا: إن أَرْضَنَا أَرْضٌ بَارِدَةٌ فَسَأَلْنَاهُ أن يُرَخِّصَ لنا في الطُّهُورِ فلم يُرَخِّصْ لنا).
ومن تخفيف الله تعالى على عباده، ورحمته عز وجل بهم: أن شرع سبحانه لهم المسح على الخفين.
وأباح لهم الصلاة في رحالهم إذا كان البرد شديدا مصحوبا بأمطار أو ريح تضر الناس وتؤذيهم؛ كما روى نَافِعٌ رحمه الله تعالى: (أَنَّ بن عُمَرَ أَذَّنَ بِالصَّلَاةِ في لَيْلَةٍ ذَاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ فقال: ألا صَلُّوا في الرِّحَالِ، ثُمَّ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ إذا كانت لَيْلَةٌ بَارِدَةٌ ذَاتُ مَطَرٍ يقول ألا صَلُّوا في الرِّحَالِ) رواه الشيخان واللفظ لمسلم.
وللمؤمن رخصةٌ في لبس القفازين أثناء الصلاة ذكرا كان أم أنثى؛ إذ لا مانع يمنع من ذلك.
وتغطيةُ الوجه أو بعضُه بلثام أو غيره مكروه في الصلاة، فإنْ احتاج له المصلي لاتقاء هواء بارد، كما لو صلى في الخلاء؛ زالت الكراهية، وجاز له ذلك.
ومع هذه التراخيص العظيمة للمؤمنين من رب العالمين فإنه سبحانه يُعْظِم لهم المثوبة على تحمل المكاره في طاعته عز وجل؛ فمن أسباب محو الخطايا ورفع الدرجات: إسباغُ الوضوء على المكروهات، كما جاءت بذلك الأحاديث، ومعلوم أن إسباغ الوضوء في شدة البرد، وكثرةِ الملابس على المتوضئ مما يكرهه ويشق عليه، لكنه يفعل ذلك قربةً لله تعالى، فاستحق ما رُتب عليه من أجر عظيم.
وليحذر المسلم من التقصير في إسباغ الوضوء، وترك غسل أجزاء من بعض الأعضاء، كالوجه والكعبين، ولا سيما المرفقين، مع كثرة اللباس، وعُسْرِ حَسْرِ الأكمام عنهما.(/4)
وتسخينُ الماء في شدةِ البرد مما يحفظ النفس من العطب والمرض، ويعين على إسباغِ الوضوء وإتمامِ الطاعة فلم يكن به كراهة، ويُخشى على من تنزَّه عنه قربةً من الغلو والتنطع.
قال شُراح الحديث: تسخينُ الماء لدفع برده ليقوى على العبادة لا يمنع من حصول الثواب المذكور.اهـ والله عز وجل لا حاجة له في تعذيبنا وإرهاقنا، فكلُّ ما أعان على إتمام العبادة، ولم يكن منصوصا على المنع منه، ولا يترتب عليه ضرر فمباح للمؤمن أن ينتفع به.
وليحذر العبدُ من سبِّ الريح وإن آذته ببردها وشدتها؛ فإنها من الله تعالى، وقد يُصاب بالحُمى من جراء البرد فلا يَسُبُّها أيضا؛ لأنها من الله تعالى؛ ولأنها تُحرق ذنوب العبد، وتخفف عنه، فكان فيها خير له ولو أقعدته وأسهرته وآذته.
ويَكثرُ في البرد إيقاد النار ووسائلِ التدفئة؛ فليحذر المسلم منها؛ فإن النار عدو له، وكم من حوادث هلك فيها أفراد وأسرٌ بسبب التساهل في ذلك، روى ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَا تَتْرُكُوا النَّارَ في بُيُوتِكُمْ حين تَنَامُونَ) وعن أبي مُوسَى رضي الله عنه قال:(احْتَرَقَ بَيْتٌ على أَهْلِهِ بِالْمَدِينَةِ من اللَّيْلِ فلما حُدِّثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بِشَأْنِهِمْ قال: (إِنَّ هذه النَّارَ إنما هِيَ عَدُوٌّ لَكُمْ فإذا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ) روى الحديثين البخاري ومسلم.
ويُكره أن تكون النار في قبلة المصلي فريضة كانت أم نافلة، ولو شُعْلَةَ مِدْفَأةٍ أو شمعة؛ لما فيه من التشبه بالمجوس الذين يُصَلُّون للنار أو إليها، وقد نُهينا عن التشبه بالكفار.
أسأل الله تعالى أن يرزقنا الفقه في الدين، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن يرزقنا العمل بما علمنا، إنه سميع مجيب.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية(/5)
الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله وأطيعوه {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} [البقرة:123].
أيها المسلمون: موجة البرد القارس التي أصابت كثيرا من الدول، وأضرت بكثير من البشر هي من دلائل قدرة الله تعالى على عباده، ولو شاء سبحانه لجمَّد الأرض ومن عليها، فلا يملكون لذلك دفعا ولا تخفيفا.
كما أن هذه الموجة الباردة تذكرنا نعم الله تعالى علينا؛ فإننا طوال العام وأعومًا سابقة نرفل في النعم، ونتمتع برزق الله تعالى؛ فلا نجد حرّاً يؤذينا، ولا نحس بردا يضرنا، بما خفف الله تعالى عنا، ورزقنا من الغذاء والكساء والمراكب والمتاع، حتى نسي كثير منا أنهم في نعمة الله تعالى، أو أنهم محتاجون إليها فبطروا وطغوا، فإذا لسعتنا موجةٌ كهذه ذكَّرتنا نعم الله تعالى علينا، فحقيقٌ بنا أن نبالغ في شكرها بأقوالنا وأفعالنا.
وهذه الموجة الباردة أثبتت لنا ضعف البشر، وافتقارهم إلى عفو الله تعالى عنهم، ورحمته بهم، وإنعامه عليهم، ولو عذبهم لكان ذلك عدلا منه سبحانه، ولكنه يعفو عن كثير.
وما أصاب الناس وما يصيبهم من الحر والقُرِّ والكوارث سببه تقصيرهم في طاعة الله تعالى، واجتراؤهم على معصيته، وضعفُ التناهي عن المنكر فيما بينهم، وهذه تذكرةُ الله تعالى لهم وإنذارُه وإعذاره، فلنحذر عقوبة الله تعالى {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ الله فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ الله إِلَّا القَوْمُ الخَاسِرُونَ} [الأعراف:99].(/6)
عباد الله: تذكروا في هذا البرد القارس أحوال الفقراء والمعدمين من إخوانكم؛ فلا يجدون كساء يحمي أجسادهم، ولا فراشا يقيهم صقيع الأرض، ولا طعاما يُقوِّي عودهم على البرد، ولا يملكون وسائل للتدفئة، ومنهم مَنْ بيوتهم مداخلُ ومخارج للهواء البارد من قلة ذات اليد، ومنهم من يسكنون صفيحا يجمدهم وأسرهم وأولادهم..فارحموهم رحمكم الله تعالى؛ فإنهم محتاجون إلى عونكم..
تلمسوا حاجاتهم، وأعينوهم في نوائبهم.. دفئهوهم وأسرهم وأولادهم، وبُلُّوا بالطعام أكبادهم..تلمسوهم بأنفسكم أو وكلاء عنكم في الأحياء الفقيرة، والبلاد البعيدة؛ فإن ذلك من شكر نعمة الله تعالى عليكم، ومن معونة إخوانكم {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ الله إِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة:110].
تذكروا يا عباد الله وأنتم تنعمون وأسركم وأولادكم بالدفء والشبع والاستقرار.. تذكروا إخوانا لكم شردتهم القوى الظالمة الغاشمة فهم ونساؤهم وأطفالهم في ملاجئ ومخيمات لا تقيهم من الهواء، ولا تحميهم من الصقيع، في فلسطين والعراق وأفغانستان والصومال، وغيرها من بلاد المسلمين المغتصبة..
تذكروا إخوانكم في غزة وقد حاصرهم اليهود، وخذلهم العالم كله؛ فمنعوا عنهم الطعام والكساء والوقود؛ ليوهنوا عزيمتهم، ويكسروا إرادتهم، وقد طال حصارهم حتى نفد ما عندهم أو يكاد، فمن لهم بعد الله تعالى إلا إخوانهم.(/7)
تذكروا أولئك كلَّهم فإنهم إخوانكم.. يا ترى ما هو حالهم وقد ضاقت عليهم الحيلة؟! وما هو حال نسائهم وأطفالهم في هذا البرد القارس مع شح الطعام وقلة اللباس، وانعدام وسائل التدفئة، سلوا الله تعالى لهم المعونة؛ فهم في حال لا يعلمها إلا الله تعالى، وأكثروا لهم من الدعاء؛ فإن إحساسكم بهم من إيمانكم، وهو دالٌ على حياة قلوبكم تجاه إخوانكم (وإِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا) (وتَرَى الْمُؤْمِنِينَ في تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إذا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى له سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) كما ثبتت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وصلوا وسلموا على نبيكم....(/8)
العنوان: زناد العوادي
رقم المقالة: 609
صاحب المقالة: عيسى بن علي الجرابا
-----------------------------------------
يُكَلِّفُنِي مَا لا أُطِيْقُ زَمَانِيَا
فَمَا لَكَ يَا هَذَا الزَّمَانُ وَمَا لِيَا؟
قَدَحْتَ زِنَاداً لِلعَوَادِي فَأَشْعَلَتْ
شُجُوْنِي وَأَجْرَتْ مِنْ دُمُوْعِي غَوَادِيَا
يَغَصُّ فُؤَادِي بِالهُمُوْمِ وَكُلَّمَا
هَمَسْتُ لَهُ صَبْراً تَفَجَّرَ شَاكِيَا!
تُبَعْثِرُنِي الآهَاتُ تَرْسُمُ صُوْرَتِي
خَيَالاً بِلا مَأْوَى يَجُوْبُ الفَيَافِيَا
وَيَلْبَسُنِي اللَّيْلُ الضَّرِيْرُ فَيَنْتَشِي
وَيَسْتَلُّ مِنْ عَيْنِي رَفِيْفَ أَمَانِيَا
وَيُغْرِقُنِي فِي لُجَّةٍ لا أَرَى بِهَا
سِوَى سَحْنَةٍ سَوْدَاءَ تَجْتَرُّ مَا بِيَا
وَكَأْسٍ مِنَ الأَحْلامِ لَمَّا تَكَسَّرَتْ
بِعَيْنِي قَلَيْتُ العَيْشَ كَأْساً وَسَاقِيَا!
إِذَا لاحَ طَيْفٌ كَمْ أُنَادِي... وَإِنَّمَا
يُجَاوِبُنِي بِاليَأْسِ رَجْعُ نِدَائِيَا
كَأَنِّي وَهَذَا اللَّيْلَ فِي حَمْأَةِ الوَغَى
أَرَاعَكَ مُبْيَضُّ الثََّلاثِيْنَ بَادِيَا؟
يَقُوْلُوْنَ مَنْ تَرْثِي؟ فَتَضْحَكُ أَحْرُفِي...
وَمَاذَا جَنَى مَنْ صَاغَ تِلْكَ المَرَاثِيَا؟
وَإِنْ كَانَ مَا أَوْدَعْتُ فِيْهِ حُشَاشَتِي
رِثَاءً فَمَنْ أَرْثِي بِهِ غَيْرَ حَالِيَا؟
عَجِبْتُ لِهَذَا الدَّهْرِ لَيْسَ بِنَاقِدٍ
وَأَعْجَبُ مِنْهُ النَّقْدُ يُغْضِي مُحَابِيَا
فَيَسْتَبْدِلُ الدَّيْجُوْرَ بِالنُّوْرِ مُرْخِصاً
وَيَبْتَاعُ بِالتِّبْرِ التُّرَابَ مُغَالِيَا
وَمِيْزَانُهُ طَاشَتْ بِهِ كِفَّةُ النُّهَى
فَمَاذَا تَبَقَّى وَالهَوَى صَارَ قَاضِيَا؟!
وَفِطْرَتُهُ البَيْضَاءُ مَنْكُوْسَةٌ فَكَمْ
تَرَى رَأْسَهُ أَرْضاً وَرِجْلَيْهِ عَالِيَا
فَقُدَّامُهُ خَلْفٌ وَمَا فَوْقَ... تَحْتُهُ
وَإِنْ قِيْلَ ذِي يُمْنَاكَ قَالَ شِمَالِيَا!(/1)
يَفِيْضُ زُلالُ المَاءِ مِنْ بَيْنِ كَفِّهِ
وَمَازَالَ كَالمَحْمُوْمِ يَرْكُضُ صَادِيَا!
وَمَا الدَّهْرُ مَقْصُوْدِي وَلَكِنْ أُهَيْلُهُ
وَهَلْ يَسْمَعُ المَيْتُ المُسَجَّى المُنَادِيَا؟!
أَلا لَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ ضَاقَ الثَّرَى بِنَا؟
ونَحْنُ الثَّرَى نَسْعَى إِلَيْهِ خَوَالِيَا
أُقَلِّبُ طَرْفَ الفِكْرِ مَا كُنْتُ سَاخِطاً
عَلَى مَا أَرَى كَلا وَلا كُنْتُ رَاضِيَا
وَمَا بَيْنَ آلامِي وَآمَالِيَ اغْتَلَتْ
حُرُوْبٌ وَقَدْ أَبْلَيْتُ فِيْهَا رِدَائِيَا
تُوَبِّخُنِي الأَشْوَاقُ أَيْنَ أَحِبَّةٌ؟
وَتَصْفَعُنِي الأَحْدَاثُ أَلاَّ تَلاقِيَا
أُجَرْجِرُ خَلْفِي ذِكْرَيَاتٍ مَرِيْرَةً
وَأُخْرَى أُنَاغِي فِي سَنَاهَا عَزَائِيَا
وَلَسْتُ كَمَا قَالُوا... وَلَكِنْ مَشَاعِرٌ
تُلِحُّ عَلَى شِعْرِي فَيَنْسَابُ شَادِيَا
أَأَكْتُمُهُ؟ مَا لِي بِذَلِكَ حِيْلَةٌ
وَبَيْنَ ضُلُوْعِي مَا يَضِجُّ مَآسِيَا
وَلَوْلا حُدَاءٌ مِنْ فَمِ الشِّعْرِ مَا ارْتَقَتْ
نُفُوْسٌ وَلا لاقَى الشَّجِيُّ مُوَاسِيَا
وَمَا الشَّاعِرُ الإِنْسَانُ إِلا كَبُلْبُلٍ
شَدَا رَائِحاً مِنْ غَيْرِ مَنٍّ وَغَادِيَا
وَلِلشِّعْرِ رُوْحٌ لَوْ خَلَتْ مِنْ ضِيَائِهَا
قُلُوْبُ البَرَايَا لاسْتَحَالَتْ لَيَالِيَا(/2)
العنوان: زندقة في برنامج إضاءات!
رقم المقالة: 1917
صاحب المقالة: د. خالد بن عبدالله المزيني
-----------------------------------------
زندقة في برنامج إضاءات!
أركون... التمهيد للردة العامة عن الإسلام
تفاجأت بإعلان المذيع السعودي: تركي الدخيل، بأنه سوف يستضيف هذا الأسبوع في برنامجه "إضاءات"، الدكتور الجزائري المتفرنس "محمد أركون"[1]، ومبعث الاستغراب أن هذا الرجل لا يملك أي مقوم من مقومات الفكر الصحيح، بل ولا المحايد، وجميع إنتاجه الفكري يكاد يدور حول الدعوة إلى إسقاط قدسية القرآن الكريم!!
فهو أحد الجفاة الكبار المنادين بنبذ القرآن الكريم، كما نبذت أوروبا كتابها ظهرياً!!
هذا فضلاً عن كونه أحد الخونة لوطنه إبان الاستعمار الفرنسي، بشهادة معاصريه من الفرنسيين، أمثال روجيه غارودي.
وقد قمتُ منذ سنوات بدراسة حول إنتاج "أركون" فوجدتُ أنه لا يعدو أن يكون زنديقاً كبيراً، إلا أن الفرق بينه وبين غيره أنه يصرح بزندقته، في حين يلمح إليها أصحابه!!
وأنوِّه إلى الدراسة المركَّزة التي أجراها أخونا الدكتور محمد بريش حول فكر أركون، وقام بتفنيد آرائه، وفضح عمالته، وقد نشرت قديماً في مجلة الهدى المغربية، حتى إن أركون قام بمراسلة المجلة ليوقف نشرها للدراسة، ثم إنه انهزم حين دعي إلى محاورة علمية مع الدكتور بريش، والوثائق حاضرة شاهدة، وأقترح على الدخيل أن يستضيف الدكتور بريش ليجلي حقيقة المسألة.
وهذا ملخص لدعوة أركون إلى أَنْسَنَة القرآن الكريم، مع مناقشتها باختصار لا يخل بالمقصود.
دعوى "أَنْسَنَة" القرآن الكريم
أ - تقرير الدعوى:
يَقْصِد أركون وغيره بـ"الأَنْسَنَة"؛ ذلك الموقف الذي يقدِّس الإنسانَ لذاته، ويعتبره مركزَ الكون، ومحورَ القيم[2]، ويفرِّقون بذلك بين "المركزيَّة الإنسانية"؛ و"المركزيَّة الإلهية"، ويرون أنَّ مشكلةَ المسلمين اليوم؛ هي في إيمانهم بأن الإله هو مركز الكون، ومصدر التشريع[3]!!(/1)
وهؤلاء يدعون إلى اعتبار "القرآن الكريم" كتاباً إنسانياً، لا ربانياً، بمعنى أنْ تُنزعَ منه القداسة والإحكام[4]، وأن يكونَ لكلِّ فردٍ حقُّ فهمِه وتفسيرِه؛ بحسب حاجاته الإنسانية، ومقتضيات أحواله، ومن ثم فلا يصح عند هؤلاء الاستناد إلى كتاب الله الكريم في تقرير الفتاوي لعموم الأمة وخصوص الأفراد.
يقول محمد أركون: "إن القرآن ليس إلا نصاً من جملة نصوصٍ أخرى، تحتوي على نفس مستوى التعقيد، والمعاني الفوّارة الغزيرة: كالتوراة والإنجيل، والنصوص المؤسِّسَة للبوذية أو الهندوسية، وكلُّ نصٍّ تأسيسي من هذه النصوص الكبرى؛ حَظِيَ بتوسعاتٍ تاريخيةٍ معينة، وقد يحظى بتوسعاتٍ أخرى في المستقبل"[5]اهـ، هذا مبلغ علمه في القرآن الكريم، أنه يستوي والكتب المحرفة، أو تلك التي اكتتبها بشرٌ من البشر!!
ب - القائم بهذه الدعوى:
لقد تورَّطَ في شَرَك هذه البدعةِ، أعني بدعة "الأنْسَنَة"؛ بعضُ المنتسبين إلى العروبة والإسلام، وكان الذي تولَّى كِبْرَها محمد أركون[6]، فقد تبنى هذا الرجل الدعوة إلى "أَنْسَنَة القرآن الكريم"، وكتَبَ فيها عدة كتب، وأجهَدَ نفسَه في تقريرها والمنافحَةِ عنها، إلا أنها بقِيَت قضية فلسفية غامضة، لم يستطع هو ولا رهْطُه من المتفلسفة الإنسانيين العرب[7] أن يقنعوا جمهور القراء بما يدَّعون، مثَلُهم في ذلك مَثَلُ المتفلسفة الوجوديين[8] من العرب.
جـ - استمداد هذه الدعوى:(/2)
يستمدُّ هؤلاء أفكارهم من الفلسفات المادية القديمة والحديثة، خاصة على مستوى المناهج، وطرائق البحث والتحليل[9]، تلك المناهج التي تعلي من شأن الإنسان والمادة، مقابلَ سلطة الدين والوحي، و"الفلسفة الإنسانية" تشبه في أفكارها وغموضها "الفلسفة الوجودية"، فكلاهما معادٍ للدين، منكرٌ للإله وللكتب والرسل في الجملة[10]، يقول أحد الوجوديين العرب: "الينبوع الدافق الثرّ للوجود الحيّ هو دائماً الإنسان، والإنسان فحسب، وإن نسيَ هو أو تناسى هذا الأصل فانشقَّ على نفسه، وفرض عنصراً من عناصره الوجودية على الآخر؛ حتى يجعل الصلة بينهما: صلة الخالق والمخلوق، والعابد والمعبود"[11]اهـ، وهذه دهرية محضة.
ويستمدُّ أركون خاصَّةً في دعوته هذه من فلاسفةٍ أوروبيين شتى، خصوصاً أولئك الذين نصروا المذهب الإنساني؛ ودعوا إليه، مثل "رينيه ديكارت" (1596-1650)، و"سبينوزا" (1632-1677م)، و"كانت" (172-1804م).
ومعلومٌ أنّ هؤلاء كانت كتاباتهم ثورةً على دين محرَّف، وكنيسةٍ منحرفةٍ مستبدة، فجاء أركون ليجعل من فكره امتداداً لهذا الاتجاه، ولكن المتفلسف هذه المرة؛ يثور على دينٍ صحيح؛ لا كنيسةَ فيه، وكتابٍ محفوظ؛ لا ريبَ فيه.
كما أنه يستمدُّ أيضاً في دعواه هذه من كتابات بعض المستشرقين المعاصرين، الذين يضاهئون بقولتهم؛ قول الذين كفروا من قبل[12].(/3)
ويستلهم أركون - دائما - في دعوته إلى نزع القداسة عن القرآن الكريم، وخلعِها على الإنسان؛ تلك الصرخة الإلحادية التي جاهر بها الفيلسوف الألماني "نيتشه" حين رفَعَ عقيرته قائلاً: "لقد مات الإله"!، وذلك إبَّانَ الثورة الصناعية في أوربا[13]. ولا يعنينا هنا ما الذي كان يقصده "نيتشه" من أُغلوطته هذه؛ وإنما المهم أن "أركون" أراد أن يقول لأهل الإسلام: يجب أن تتخلوا عن إيمانكم بالله وبكتابه لكي تتقدموا، كما أن الغرب استقل ركب الحضارة لما أن تخلى عن إيمانه وأناجيله[14]، وهذا قياسٌ لا يصحُّ؛ إلا إذا صحَّ قياس اللبن على الخمر، وهيهات.
إذَن فمادة هذا الرجل خليطٌ من فلسفاتٍ مادية تُعلي من شأن المخلوق والمادة، وتغضُّ من شأن الخالق – جل في علاه – والوحي المنزل.
د - مسوغات هذه الدعوى:
أما المسوِّغات التي يستند إليها هؤلاء في دعوتهم، فهي الضعف الحضاري الذي يعاني منه العرب والمسلمون، وهم يعزون ذلك إلى تمسك المسلمين "بتراثهم"، وتقديسهم للقرآن الكريم، ويقترحون عليهم إعادة النظر في هذه المسلَّمة، ويطرح أركون السؤال الآتي: "من الذي لا يشعر اليوم بالحاجة الملحَّة لإعادة التفكير جذرياً بمسألة النزعة الإنسانية في الوسط الإسلامي؟"[15]اهـ، والجواب: أنْ لا أحد، سوى أركون نفسه، وشرذمة قليلون ممن وافقه على هذه النحلة.
ويرى "أركون" أن من أعظم أسباب تخلف المسلمين اليوم، عودتُهم إلى دينهم خلال أربعين سنةً مضت، ولا يُخفي خيبة أمله في هذا الصدد، فقد كان يأمل أن يبتعد المسلمون عن دينهم، الذي هو في نظره لم يتعرض بعد للنقد المحايد!، ويقول: إن "الدراسات القرآنية؛ تعاني من تأخرٍ كبيرٍ بالقياس إلى الدراسات التوراتية والإنجيلية، التي ينبغي أن نقارنها بها باستمرار"[16]اهـ!!.(/4)
وبعد هذه الفرضية المتهافتة، الدالَّة على جهل "أركون" بدينه وكتابه، يبني عليها دعوى أوسع منها، فيقول: "وهذا التأخر يعكس التفاوت التاريخي، بين المجتمعات الإسلامية، والمجتمعات الأوربية أو الغربية. فالقرآن لا يزال يلعب دور المرجعية العليا المطلقة، في المجتمعات العربية والإسلامية. ولم تحلَّ محلّه أيّة مرجعيّة أخرى حتى الآن"، ثم يقول: "إنه المرجعية المطلقة، التي تحدد للناس ما هو الصَّح، وما هو الخطأ، ما هو الحق، وما هو الشرعي، وما هو القانوني، وما هي القيمة، الخ..."[17] اهـ!!.
وهنا تبرز بعض مظاهر الزندقة، في هذا الغلو العلماني والغلواء المادية، التي يَتَبَطَّنُها هذا الرجل، فهو لا يكتفي بالمطالبة بتنحية القرآن الكريم فحسب، بل يدعو إلى نزع القداسة منه، وإزالة الهيبة من نصه بالكامل، بل يتجرّأ على القول بأنّه: "ينبغي أن ننظر إلى القرآن من خلال مقارنته مع الكتب المشابهة له في الثقافات الأخرى - أي التوراة والإنجيل -، فالمقارنة هي أساس النظر والفهم"[18]اهـ!!.
هـ - نقض الدعوى:
بعد هذا العرض المجمل لموقف "أركون" من القرآن الكريم، يحسن أن أُقَرِّرَ الحقائق الآتية، نقضاً لهذه الدعوى:
1- إنَّ تقديسَ المسلمين للقرآن الكريم من أصول دينهم، والفرق - عندهم - بينه وبين سائر الكلام؛ كالفرق بين الخالق والمخلوق، إذ هم موقنون بصحة نسبته إلى علاّم الغيوب جل في علاه، تلقَّوه صحيحاً، خلفاً عن سلف، ونُقِلَ إليهم بالتواتر التام، قرناً بعد قرنٍ، لا ينفرد بذلك جيلٌ عن جيل، وهم يرونه رسالة الله إلى الثقلين الإنس والجن، من صدر البعثة النبوية، إلى آخر الزمان.(/5)
وقد ذمَّ الله سبحانه من لا يقدر هذا القرآن قدره حين يتلى عليه، فقال تعالى: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ ، كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ ، فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ}[19]، وامتدح عبادَه المؤمنين بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمَّاً وَعُمْيَاناً}[20]. وهذا فيصلُ تفرقةٍ بين الإسلام والزندقة، وقد حَكَى الإجماعَ على كفر من استخفَّ بالقرآنِ؛ غيرُ واحدٍ من أهل العلم، سواءٌ أعتقدَ الإهانةَ في قلبه أم لا[21].
وتشبيه "أركون" للقرآن بالتوراة والإنجيل المعاصرَين؛ دعوىً فَجَّة، ومغالطة غير مقبولة، فأي مقارنة بين كتاب سماوي محفوظ، وكتب محرفة بشهادة النقد العلمي الرصين، لقد أزرى "أركون" بهذه المقولة بالمنصفين من المستشرقين، الذين اعترفوا بسلامة القرآن من التحريف، وأشهَرَ بعضهم إسلامه، بعد ما تبين له الهدى، فقد شابه بهذا من قال الله تعالى عنهم: {فَقَدْ كَذَّبُوكُم بِمَا تَقُولُونَ}[22].
2- إن هذا الموقف تجاه القرآن الكريم، نابعٌ من تعظيمهم للمتكلم به أولاً، وهو الله – عز وجل -، وبرهانٌ على محبتهم له، واستجابة لأمره السامي، الوارد في قوله سبحانه: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}[23].(/6)
ومما لا شكَّ فيه أنَّ "كلَّ من أبغضَ شيئاً من نصوص الوحي؛ ففيه من عداوة الله ورسوله بحسب ذلك، ومن أحبَّ نصوص الوحي ففيه من وَلاية الله ورسوله بحسَب ذلك، وأصلُ العداوة البغض، كما أن أصلَ الولاية الحب"[24]، قال عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه -: "لا يَسألْ أحدُكم عن نفسه غيرَ القرآن، فإن كان يحب القرآن فهو يحب الله، وإن كان يبغض القرآن فهو يبغض الله"[25]، وتأمَّلَ قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ}[26].(/7)
3- إنَّ إنكار أركون وأضرابه للقرآن الكريم، والاستكبار عن الإذعان لحكمه، وجحد مكانته وحُرمته؛ لهو من عظائم الذنوب، بل إنه - لعمرُ الله - معلومٌ كفر من قال بهذا القول بالضرورة من دين الإسلام، إذ جحد هذا الأصل العظيم من أصول الإيمان، قال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُم بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ}[27]، وقال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[28]. وإذا كان أئمة السلف قد أكفروا غلاةَ الجهمية، وهم لم يَبلُغوا هذا المبلغ، وإنما حوَّمُوا حوله، وزعموا أنهم مقرّون به، بيدَ أنه عندهم مجرَّدُ أدلّةٍ لفظية، وظواهِر نقلية؛ لا تفيد علماً[29]، وأن العلمَ إنما يستفادُ من مقدماتهم الفلسفية حسبُ، وقد نقل ابن القيم عن بعض رؤساء الجهمية[30]: "ليس شيءٌ أبغض لقولنا من القرآن، فأَقِرُّوا به؛ ثم أَوِّلوه"[31]، كما نقل عن بشرٌ المريسي قوله: "إذا احتجوا عليكم بالقرآن؛ فغالطوهم بالتأويل، وإذا احتجوا بالأخبار؛ فادفعوها بالتكذيب"[32].(/8)
4- ثَمّة مشكله نفسية يعاني منها هؤلاء، بما فيهم "أركون" نفسه، أثَّرت على تفكيرهم ومناهجهم، تلك هي مشكلة الهزيمة الداخلية أمام التفوق المادي الغربي، و"أركون" ذلك العربي المهاجر، الذي قَبِلَ الفرنسيون به أستاذاً في كبرى جامعات فرنسا، وهي جامعة "السوربون"؛ يحاول أن يثبت للقوم أنه أكثر تحرراً منهم أنفسهم[33]، وربما شجعوه على ذلك فزاد تمرُّداً، وحين كتبَ طرفاً من سيرته الذاتية، أَوردَ ما يكشف بعضَ جوانب المشكلة، فقال: " يقولون - أي الغربيين - لي مستغربين أو مدهوشين: كيف يمكن لشخص مسلم مثلك أن يتحدث بهذه الطريقة؟، ياله من شيءٍ رائعٍ وباعث للأمل؛ أن نسمع مسلماً ليبراليّاً أو متحرراً مثلك!!، ولكن لا يمكن أن تحظى بصفة تمثيلية في بلادك، أو بين أبناء دينك، فخطابك يمشي على عكس التيار، أو عكس الإسلام"[34]اهـ. وأحسب أن هذا القدر كافٍ في بيان حقيقة الرجل، الذي ما يزال أعداء دينه يمدونه {فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ}[35].
وكيف يقدِّم شيئاً مذكوراً في حقل الإسلاميات، وهو يتحدث عنها كالأجنبي المغلوب، بحيث يغدو أسيراً لأفكار الغالب، وهذه أولى مثارات الغلط لديه[36].
5- إنَّ من الجور في النظر أن يقارَن بين القرآن الكريم - كتاب الله المحفوظ -؛ وبين باقي الكتب السابقة، التي داخَلَها التحريفُ والزيادة والنقصان، ولا يستقيم هذا مع تمام العلم والعدل، فأما مع الظلم والجهل فمتصوَّرٌ، بل هو واقعٌ، كما رأينا في طريقة "أركون"، بل إنَّه ليمتنع مع تمام العلم والعدل أن يقف المرء من القرآن الكريم هذا الموقف الجافي المعانِد.(/9)
6- ليس من ذنبٍ للإسلام في أن يكون أركون أحد الذين شرقوا بدين الإسلام، أو عمُوا عن نوره، يقول أبو العباس ابن تيمية عن متأخري المتفلسفة: "وأما المتأخرون فهم لما ظهرت الملة الحنيفية الإبراهيمية التوحيدية، تارةً بنبوة عيسى - عليه السلام - لمَّا ظهرت النصارى على مملكة الصابئين بأرض الشام ومصر والروم وغيرها، ثم بنبوة خاتم المرسلين - صلى الله عليه وسلم -، وأظهر الله من نور النبوة شمساً طمَسَت ضوء الكواكب، وعاش السلف فيها برهةً طويلة، ثم خفي بعض نور النبوة، فعُرِّبَ بعضُ كتب الأعاجم الفلاسفة من الروم والفرس والهند، في أثناء الدولة العباسية، ثم طُلِبَت كتبهم في دولة المأمون من بلاد الروم، فَعُرِّبَت ودَرَسَها الناس، وظهر بسبب ذلك من البدع ما ظهر، وكان أكثر ما ظهر من علومهم الرياضية؛ كالحساب والهيئة أو الطبيعة كالطب أو المنطقية، فأما الإلهية فكلامهم فيها نزرٌ، وهو مع نزارته ليس غالبه عندهم يقيناً، وعند المسلمين من العلوم الإلهية الموروثة عن خاتم المرسلين ما ملأ العالم نوراً وهدى"[37]اهـ.
7- إنَّ زعم أركون بأن سبب ضعف المسلمين مادّيّاً وتقنياً هو تمسكُهم بالقرآن الكريم، وجعلُه مرجعيةً لهم، لا يمكن أن يقبله عقل، ولا يتفق مع حقائق التاريخ، فقد كان المسلمون أقوى الأمم، وأعظمها حضارةً وعمراناً؛ لما كانوا مستمسكين بكتابهم، فلما ضعف تمسكهم به، ضعفوا بقدر ذلك، وهذه الظاهرة ماثلة في أطوار الأمة كلها.(/10)
بل إنَّ أوربا ذاتها حرمت نور الإسلام، حين حيلَ بينها وبينه، وذلك لما طرقت أكفُّ الفاتحين المسلمين أبوابها، فقامت الكنيسة بنصبِ محاكم التفتيش لإيقاف أسلمةِ أوربا، وكلَّفت الكتَّابَ بتشويه صورة الإسلام ونبيه - صلى الله عليه وسلم - وكتابه، يقول المؤرِّخ البريطاني "ويلز" في كتابه "معالم تاريخ الإنسانية": "ولو تهيأ لرجل ذي بصيرةٍ نفَّاذة؛ أن ينظر إلى العالم في مفتتح القرن السادس عشر، فلعله كان يستنتج أنه لن تمضيَ إلا بضعة أجيال قليلة، لا يلبث بعدها العالم أجمع أن يصبح مغولياً، وربما أصبح إسلامياً"[38]اهـ.
وخلاصة القول في فكر "أركون"، أنه لا يهتم بصحة نسبة القرآن الكريم إلى الله – عز وجل - من عدمها، وإنما الذي يستهدفه، هو نزع القداسة والمرجعية منه، واعتباره نصاً حِكْميّاً، كسائر مقولات الحكماء، أو مأثورات القدماء.
وقد سئل هذا الرجل مرةً: "هل أنت مستعدٌّ لأن تضع موضعَ الشك، ولو آيةً واحدةً من القرآن؟"، فجاء جوابُه برفض الجواب بنعم، أو لا، بحجة أنَّ هذا منطقٌ قديم، وأنه لا يهتم بما إذا كانت تلك آية قرآنية أو لا، إذ المشكلة في نظره هي مشكلة "التقديس" كما يعبِّر، وعندما تُحَلُّ هذه المشكلة، فإنه يرى أننا سوف "نكتشفُ أن مشاكلَ الصحة والموثوقية، أو الاختراع والتحريف، الذي لحق بالنصوص؛ المتلقاة على أنها مقدسة، أقول - القائل أركون -: نكتشف بأن هذه المشاكل ثانوية في الحقيقة. إن منطق الثالث المرفوع - منطق الصحة أو اللاصحة - يبدو عندئذٍ تافهاً لا قيمة له"[39]اهـ.
وهذه إحدى مظاهر الخلل والاضطراب المنهجي لدى أركون، فهو تارة يعتبر أن مشكلة المسلمين هي أنهم يعتمدون القرآن مرجعاً لهم، بدون أن يقوموا بنقده تاريخياً، ثم لا يلبث أن يعود على كلامه بالنقض، ويَعُدُّ مسألة التوثيق التاريخي مسألة "تافهة".
ـــــــــــــــــــــــــــــ(/11)
[1] محمد أركون: مؤرخ ومفكر علماني، جزائري الأصل، ولد عام 1928م؛ بالجزائر، ودرس بها، ثم أتمها في باريس عام 1955م، حصل على الدكتوراه من جامعة " السوربون "، عام 1969م، وطبعت رسالته بعنوان " نزعة الأنسنة في الفكر العربي، جيل مسكويه والتوحيدي "، تأثر بكتابات المستشرقين حول مصادر الشريعة، ويعمل حالياً رئيس قسم الدراسات الإسلامية في الجامعة المذكورة، من مؤلفاته: " الفكر العربي "، و" الفكر الإسلامي، نقد واجتهاد "، و" تاريخية الفكر العربي الإسلامي "، و" من الاجتهاد إلى نقد العقل الإسلامي ".
[2] هذا الاتجاه انبعث من قلب الأكاديميات الغربية، وتتلمذ دعاتُه لكبار المستشرقين، وهؤلاء الدعاة رهطٌ ممن ينتسبون إلى الإسلام، بيد أنهم يفكرون بعقل " غربي "، ويزنون بمعايير غربية، ويبحثون في أصول الشريعة ومصادرها، مستضيئين بنار الفلسفات الغربية الوضعية.
[3] انظر: نزعة الأنسنة في الفكر العربي؛ لمحمد أركون (10) .
[4] الإحكام هنا بمعنى الثبات، وعدم القابلية للنسخ والتبديل، وهذا من معاني الإحكام، انظر القاموس المحيط، للفيروزآبادي، مادة حكم (1416).
[5] الفكر الأصولي؛ لمحمد أركون (36)، وقد تولى الردَّ على أطروحات هذا الرجل تفصيلاً: د. محمد بريش في سلسلة مقالات نشرت على التوالي في مجلة الهدى المغربية، التي كانت تصدر بفاس قبل أن تتوقف عن الصدور، انظر الأعداد (13 -19)، وذلك في المدة: من جمادى الأولى (1406هـ) إلى صفر (1409هـ).
[6] تقدّم التعريف به آنفاً.
[7] النزعة الإنسانية هي: اتجاه فكري عام، تشترك فيه العديد من المذاهب الفلسفية والأدبية والأخلاقية والعلمية، وقد ظهرت هذه النزعة في شكلها المعاصر؛ في عصر النهضة الصناعية في أوربا، انظر: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة (2/809)، ومجلة عالم الفكر (2/ع 3).(/12)
[8] الفلسفة الوجودية: فلسفة غربية حديثة، نشأت في أواخر القرن (19) الميلادي، وتستمد جذورها من الفلسفة اليونانية القديمة، وتعني: أنَّ مركز الوجود هو الإنسان لا غير، وفي الغرب - حيث نشأت الوجودية - وجودية ملحدة، ترفض الإيمان بوجود الخالق وتنكر الغيبيات، أو ما تسميه: الفلسفة الماورائية، وعلى رأس هذا المذهب الفيلسوفان الألمانيان مارتن هيدغر ونيتشه، ووجودية تعتقد بحلول الخالق في شخص المسيح، وزعيم هذا المذهب الفيلسوف الدانماركي كيركغارد، انظر: التيارات الكبرى للفكر الإنساني؛ د. حسين سبيتي (77-91)، دار المواسم، بيروت، ط أولى، 2002م.
[9] انظر: ميشيل فوكو في الفكر العربي المعاصر؛ د. الزواوي بغورة (67،66)، دار الطليعة، بيروت، ط أولى، 2001م.
[10] قد يوجد في هؤلاء من يقرُّ ببعض أصول الدين، مع إنكاره بعضها الآخر، ولا جَرَمَ فهي مذاهب مخترعة، لا تستند إلى قواعد محكَمَة.
[11] الإنسانية والوجودية في الفكر العربي، لعبد الرحمن بدوي (13)، دار القلم، بيروت، 1403هـ، ويقال إن عبد الرحمن بدوي قد تابَ في آخر حياته، ونقض ما كان يقرره، وبخاصة أنه ألَّف كتاباً في الرد على شبهات المستشرقين حولَ القرآن الكريم، أمثال مرجليوث وجولدتسيهر؛ الذين اختلقوا " الفرضيات والنظريات الزائفة الوهمية، ليستخلصوا منها ما يشاءون من نتائج تجانب الصواب "، كما قال في صفحة (8) من كتابه الذي أسماه " دفاعٌ عن القرآن ضد منتقديه "، مكتبة مدبولي الصغير، القاهرة، ط أولى، 1988م.
[12] ومن هؤلاء الذين استقى منهم أركون:
1- جويل.ل.كريمر: وكتابه "الفلسفة الإنسانية في نهضة الإسلام، الانبعاث الثقافي أثناء العصر البويهي "، منشورات بريل، ليدن، 1986م، بالإضافة إلى كتابه الآخر " الفلسفة في نهضة الإسلام، أبو سليمان السجستاني وحلقته العلمية "، بريل، ليدن، 1986م.(/13)
2- إيفريت.ك.راوزين: " رأي فيلسوف مسلم في النفس ومصيرها، كتاب العامري (الأمد على الأبد) "، الجمعية الشرقية الأمريكية، نيوهافن، 1988م.
3- جورج مقدسي: وكتابه "دور الفلسفة الإنسانية في الإسلام الكلاسيكي والغرب المسيحي "، مطبوعات جامعة أدنبرة، 1990م.
4- جوزيف فان إيس: وكتابه " اللاهوت والمجتمع في القرنين الثاني والثالث للهجرة، تاريخ الفكر الديني في بدايات الإسلام "، برهين، اكتملت أجزاؤه الستة في 1995م، وهو باللغة الألمانية.
ولا ينفكُّ محمد أركون يتحدث عن مزايا هذا الكتاب الأخير وعظمته، وأهميته الحاسمة بالنسبة للدراسات العربية والإسلامية، مما يكشف عن طبيعة المصادر التي يستقي منها فكرَه، انظر: نزعة الأنسنة؛ لمحمد أركون (6-7).
[13] انظر: المرجع السابق (24-25).
[14] وقضيةُ العقل هنا؛ أن يقبل قياس العكس، فيقال: إذا كان ترك الدين الفاسد يدفع إلى التقدم، فإن ترك الدين الصحيح يؤدي إلى التقهقر والتراجع.
[15] نزعة الأنسنة؛ لمحمد أركون (8).
[16] الفكر الأصولي؛ لمحمد أركون (22).
[17] المرجع السابق.
[18] المرجع السابق.
[19] المدثر (49-51).
[20] الفرقان (73).
[21] انظر: الشفا؛ للقاضي عياض (2/1101)، وروضة الطالبين؛ للنووي (10/64).
[22] الفرقان (19).
[23] الحج (32).
[24] الصواعق المرسلة؛ لابن القيم (3/1038) بتصرف يسير.
[25] المرجع السابق.
[26] الأنعام (112)، وانظر أيضاً: الصواعق المرسلة؛ لابن القيم (3/1038).
[27] فصلت (52).
[28] الأحقاف (10).
[29] الصواعق المرسلة؛ لابن القيم (2/633).
[30] ذكر ابن القيم أنه بشر المريسي أو غيره، أي: على الشك.
[31] الصواعق المرسلة؛ لابن القيم (3/1038) بتصرف يسير.(/14)
[32] المرجع السابق، وقد بين أبو العباس ابن تيمية - رحمه الله - مبدأ التجهُّم ومنتهاه، فقال: " فهم يعرضون عن كتاب الله في أول سلوكهم، ويعارضونه في منتهى سلوكهم "، [درء التعارض؛ لابن تيمية (10/316)]، قلت: وهذا مشاهد في نتاج بعض متثقفة عصرنا.
[33] وحال أركون في هذا؛ كحال كثيرٍ من المستغربين العرب، الذين فتنوا بالتقنية المادية للغرب، وأولعوا بغضارة عيشه، فكتبوا متأثرين بهذه الصدمة الحضارية، وقد قال بعضهم : (ما وضعتُ يدي في قصعة أحدٍ إلا ذللتُ له)، مجموع الفتاوي، لابن تيمية (1/98)، بواسطة : النظائر، د. بكر أبو زيد (297).
[34] قضايا في نقد العقل الديني؛ لمحمد أركون (22)، ترجمة: هاشم صالح، دار الطليعة، بيروت، ط أولى، 1998م.
[35] الأعراف (202).
[36] عقد العلامة ابن خلدون في "مقدمته" فصلاً فقال: "فصل في أن المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب..."، وبين وجه المغالطة النفسية في ذلك، فانظر: المقدمة؛ لابن خلدون (104).
[37] مجموع الفتاوي؛ لابن تيمية (2/83).
[38] معالم تاريخ الإنسانية؛ ويلز (3/966)، نقلاً عن: رؤية إسلامية لأحوال العالم المعاصر؛ لمحمد قطب، دار الوطن، الرياض، ط أولى، 1411هـ، (29).
[39] الفكر الإسلامي؛ لمحمد أركون (57- 58).(/15)
العنوان: زهرة الثلج البيضاء.. أدب بلغاري (1)
رقم المقالة: 1923
صاحب المقالة: خاص: الألوكة
-----------------------------------------
* منذ منتصف الخمسينيات، بدأت حركة الترجمة من البلغارية إلى العربية. بدءًا بقصائد خريستو بوتيف عام 1956، وقصائد نيقولا فابتساروف عام 1957. وفي السبعينيات تمت قفزة نوعية في حركة نقل الأدب البلغاري إلى العربية: فترجمت قصص لأبرز كتّابهم، وظهر الديوان البلغاري من ترجمة فؤاد الخشن، ومختارات شعرية بعنوان سيف دمشق من ترجمة أحمد سليمان الأحمد.
وقد كان أبرز المهتمين بهذا الأدب: أحمد سليمان الأحمد، وميخائيل عيد، وحسين راجي من سوريا، وفؤاد الخشن من لبنان، وكمال بطي ورشيد ياسين من العراق، وغيرهم.
وكانت ترجماتهم تلك تتم عن ترجمة البلغارية إلى العربية، أو عن طريق نقل الترجمات الإنجليزية والفرنسية إلى العربية.
* الشاعر والمترجم والناقد ميخائيل عيد (1936 – 2004) عرّفنا إلى أعمدة الأدب البلغاري، أمثال: فازوف، وخايتوف، ويوفكوف، وكرانفيلوف، وران بوسيلك، وأنجل كاراليتشف، وأليربيتا باغريانا، وايلين بيلين، وغينوف، وأندا ساروف، وغيرهم. وذلك من خلال ترجماته للشعر والنثر البلغاريَّين، للكبار والصغار. حيث ترجم عن اللغة البلغارية أكثر من خمسين كتاباً[1].
ومن كتابه (الأدب البلغاري المعاصر...) ننتقي لكم هذه النصوص الشعرية، وسنتبعها بنصوص أخرى إن شاء الله، لكي نصل بالقارئ الكريم إلى مزيد من التعرف إلى هذا الأدب العالمي..
زهرة الثلج البيضاء
إيفان فازوف (1850 – 1921)
زهرة الثلج البيضاء
أيتها الزهرة الجميلة،
أحبكِ..
ابتسامةَ الربيعِ العذبة
في هذه الساعة المبكرة.
.. بزغتِ في أيامٍ عاصفة
لكنّ السماء لازورديّة
فهلْ تحلُمينَ مثلنا أيتها الجميلة
بالأيام السعيدةِ القادمة؟
وهل تشاركيننا المشاعر ذاتَها؟!
إننا نحلمُ برؤية الربيع يولدُ أمامَنا
فيرويْ عطشنا إلى الجمال والفرح..(/1)
نحلمُ بالانعتاق مِن كابوس الهموم
الجاثم على صدورنا،
وبولادة فجرٍ جديد
يغمرُ منازلَنا بالضوء والسعادة.
... نحلمُ بكِ ومعكِ بحياةٍ لا خريفَ فيها
ولا شتاء
.. تظلُّ ربيعاً دائماً
فلا عذابَ ولا شقاء.
.. زهرة الثلج البيضاء،
يا مَن رأيتها في هذه الساعة المبكرة..
أيتها الزهرة الجميلة
أيتها الزهرة اللطيفة..
أحبّك.
• • • •
"الأرض تصمت"
أورلين أورلينوف (1931)
تصمتُ الأرضُ مثلّجةً مطمورة
حتى لتقول إنها ميتة!
لكنّ تحتَ الموتِ الثلجي
حبةَ قمحٍ
بعينينِ خضراوَينِ مُغْمَضَتينِ
تشجُّ بدأبٍ
صلابةَ الأرض.
.. بردٌ، ورياحٌ، وراية.
طوقٌ مِن جليدٍ يزنّرُ الأرضَ
وهي:
تصمتُ
.. وتلِد.
• • • •
"أمام المقطورة"
فلاديمير باشف (1935 – 1967)
عسيرٌ فِراقُ الأمّ دائماً
ها هي ذِيْ تقفُ أماميْ صامتة
السماءُ تمطرُ
وتنزلقُ الدموع
وتمتزجُ بالمطرِ فوقَ الوجنتين.
.. وحتى هذه الساعة الأخيرة
تريدُ أن توْهمَني
بأنها لا تبكي
وأنها لا ترى كيف أبكي![2]
ـــــــــــــــــــــــ
[1] مُلحق صحيفة الثورة الثقافي (دمشق)، الثلاثاء 1/2/2005، كتبه عيسى فتوح.
[2] النصوص مختارة من كتاب: الأدب البلغاري المعاصر؛ شيء من التاريخ ونصوص شعرية. لعدد من المؤلفين. ترجمة ميخائيل عيد. وزارة الثقافة بدمشق، 1999م.(/2)
العنوان: زواج المسلمة بغير المسلم... اجتهاد أم إفساد؟
رقم المقالة: 288
صاحب المقالة: أحلام علي
-----------------------------------------
وسط دهشة أهالي ثالث أكبر مدينة في شرق السودان (القضارف) عقدت مراسم زواج امرأة مسلمة من مسيحي في العلن، وهذه الواقعة هي أول رد فعل لفتوى الدكتور حسن الترابي- الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي السوداني المعارض- بجواز زواج المرأة المسلمة من رجل مسيحي، وجرت مراسم زواج الفتاة السودانية من الرجل الأثيوبي الجنسية على مدى ساعات في إحدى كنائس مدينة القضارف حيث منزل أهل الفتاة، ونقل شهود عيان عن الفتاة قولها: "إنها سعيدة بزواجها من عريسها المسيحي ومقتنعة بالفكرة وأنها تستند إلى فتوى الدكتور الترابي في هذا الخصوص " وذكر هؤلاء الشهود أن أهل الفتاة منقسمون على الخطوة التي أقدمت عليها العروس، فهناك من أيد وهناك من عارض، وتباينت ردود الفعل داخل وخارج السودان عن الآراء الفقهية المثيرة للجدل التي كان قد أطلقها لدى مشاركته في ندوة سياسية في مقر حزب الأمة: (الإصلاح والتجديد) الذي يقوده مبارك الفاضل في أم درمان وكان قد أفتى من قبل بجواز إمامة المرأة للرجال في الصلاة إذا كانت أكثر علماً وفقهاً في الدين من الرجل وبأن شهادة المرأة تساوي شهادة الرجل تماماً وتوازيه بناءً على هذا الأمر ونفى أن شهادة امرأتين تساوي شهادة رجل واحد وقال: " ليس ذلك من الدين أو الإسلام بل هي مجرد أوهام وأباطيل وتدليس أريد بها تغييب وسجن العقول في الأفكار الظلامية التي لا تمت للإسلام في شيء، ووصف من يحرم ذلك بأن مثل هذه الأقاويل هي تخرصات وتضليل الهدف منها جر المرأة إلى الوراء وأن منع زواج المرأة المسلمة من الكتابي لا أساس لها من الدين ولا تقوم على ساق من الشرع الحنيف".(/1)
ويرى جمهور الفقهاء إباحة زواج المسلم من نساء أهل الكتاب، وأجمعوا على حرمة زواج المسلمة من غير المسلم، وهذا أمر تعبدي، وإذا أردنا أن نلتمس حكمة لذلك فيمكن أن يقال: إن الإسلام عندما أباح للرجل الزواج من الكتابية فإنه أمر الزوج أن يحترم دينها لأن المسلم يؤمن بجميع الأنبياء، أما غير المسلم إذا تزوج من مسلمة فإنه لا يحترم عقيدتها، ولا يؤمن بنبيها مما يوقد النار في المنزل ويمنع السكينة والرحمة التي عليها قوام البيوت، فلهذا منع الإسلام مثل هذا الزواج.
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي: المسلمة لا تتزوج إلا مسلماً، والله تعالى يقول: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: من الآية221]، وقال: {وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} [البقرة: من الآية221]، ثم استثنى فقال: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: من الآية5]، فأباح زواج المحصنات من أهل الكتاب ولم يجز زواج الرجال من نساء المسلمين.
وحكمة ذلك: أن المسلم يؤمن بكل الرسل بما فيهم موسى وعيسى عليهم السلام، وبكل الكتب بما فيها التوراة والإنجيل، في حين لا يؤمن أهل الكتاب إلا برسولهم وكتابهم، وقد أجاز الإسلام لزوجة المسلم الكتابية أن تذهب إلى أماكن عبادتها كالكنيسة والمعبد، في حين لا يجيز هؤلاء الكتابيون للمسلمة- لو تزوجها أحدهم- أن تذهب للمسجد وتظهر شعائر الإسلام.(/2)
والأهم من ذلك: أن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، والزواج ولاية وقوامة، فيمكن أن يكون المسلم ولياً وقواماً على زوجته الكتابية، في حين لا يمكن أن يكون غير المسلم ولياً أو قواماً على المسلمة، فالله تعالى يقول: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء: من الآية141]، والزوجة عليها طاعة زوجها، فلو تزوجت المسلمة غير المسلم لتعارضت طاعتها له مع طاعتها لله تعالى ولرسوله- صلى الله عليه وسلم- ولعل هناك حكماً أخرى كامنة في منع زواج المسلمة من غير المسلم، يعلمها الله تعالى، العليم بما يصلح العباد {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}؟
وما على المؤمن بالله تعالى وبحكمته وعلمه؛ إلا أن يقول: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة: من الآية285]، ويقول الشيخ محمد الغزالي - رحمه الله - رب البيت المسلم يستحيل أن يمر بخاطره أن يهين موسى أو عيسى، إنه يحترمهما كما يحترم نبيه محمداً، ويصفهما بالوجاهة والرسالة وقوة العزم وصدق البلاغ، وهذا معنى يلقي السكينة في نفوس أتباعهما،أما اليهود والنصارى فإن ضغائنهم على محمد- صلى الله عليه وسلم- أعيت الأولين والآخرين، وقد استباحوا قذفه بكل نقيصة.
وفي عصرنا هذا منحت إنجلترا أعظم جائزة أدبية لكاتب نكرة، كل بضاعته شتم محمد- صلى الله عليه وسلم- والولوغ في عرضه والتهجم عل حرمه، فكيف تعيش مسلمة في بيت تلك بعض معالمه؟
إن الزواج ليس عشق ذكر لمفاتن أنثى، إنه إقامة بيت على السكينة النفسية والآداب الاجتماعية، في إطار محكم من الإيمان بالله، والعيش وفق هداياته، والعمل على إعلاء كلمته، وإبلاغ رسالاته وهذا الذي ذكر ما هو إلا محاولات لاستنباط الحكمة من المنع، ويبقى الكثير الذي لا يدركه إلا الله، على أن الفيصل في المسألة أنه أمر تعبدي محض.(/3)
وجاء في فتاوى الأزهر الشريف: صحيح أن الإسلام يجيز زواج المسلم من غير المسلمة - مسيحية أو يهودية - ولا يجيز زواج المسلمة من غير المسلم، وللوهلة الأولى يُعد ذلك من قبيل عدم المساواة، ولكن إذا عرف السبب الحقيقي لذلك انتفى العجب، وزال وَهْمُ انعدام المساواة، فهناك وجهة نظر إسلامية في هذا الصدد توضح الحكمة في ذلك، وكل تشريعات الإسلام مبنية على حكمة معينة ومصلحة حقيقية لكل الأطراف.
الزواج في الإسلام يقوم على " المودة والرحمة " والسكن النفسي، ويحرص الإسلام على أن تُبنى الأسرة على أسس سليمة تضمن الاستمرار للعلاقة الزوجية، والإسلام دين يحترم كل الأديان السماوية السابقة، ويجعل الإيمان بالأنبياء السابقين جميعاً جزءاً لا يتجزأ من العقيدة الإسلامية، وإذا تزوج مسلم من مسيحية أو يهودية فإن المسلم مأمور باحترام عقيدتها، ولا يجوز له - من وجهة النظر الإسلامية - أن يمنعها من ممارسة شعائر دينها، والذهاب من أجل ذلك إلى الكنيسة أو المعبد.
وهكذا يحرص الإسلام على توفير عنصر الاحترام من جانب الزوج لعقيدة زوجته وعبادتها، وفى ذلك ضمان وحماية للأسرة من الانهيار، أما إذا تزوج غير مسلم من مسلمة فإن عنصر الاحترام لعقيدة الزوجة يكون مفقودًا؛ فالمسلم يؤمن بالأديان السابقة، وبأنبياء الله السابقين، ويحترمهم ويوقرهم، ولكن غير المسلم لا يؤمن بنبي الإسلام، ولا يعترف به، بل يعتبره نبيّاً زائفاً وَيُصَدِّق - في العادة - كل ما يشاع ضد الإسلام وضد نبي الإسلام من افتراءات وأكاذيب، وما أكثر ما يشاع.(/4)
وحتى إذا لم يصرح الزوج غير المسلم بذلك أمام زوجته فإنها ستظل تعيش تحت وطأة شعور عدم الاحترام من جانب زوجها لعقيدتها. وهذا أمر لا تجدي فيه كلمات الترضية والمجاملة، فالقضية قضية مبدأ، وعنصر الاحترام المتبادل بين الزوج والزوجة أساس لاستمرار العلاقة الزوجية، وقد كان الإسلام منطقيّاً مع نفسه حين حرّم زواج المسلم من غير المسلمة التي تدين بدين غير المسيحية واليهودية، وذلك لنفس السبب الذي من أجله حرّم زواج المسلمة بغير المسلم، فالمسلم لا يؤمن إلا بالأديان السماوية وما عداها تُعد أدياناً بشرية، فعنصر التوقير والاحترام لعقيدة الزوجة في هذه الحالة - بعيداً عن المجاملات - يكون مفقودًا، وهذا يؤثر سلباً على العلاقة الزوجية، ولا يحقق " المودة والرحمة" المطلوبة في العلاقة الزوجية.
* قصص زيجات لمسلمات تزوجن من نصارى:
رغم إجماع المذاهب الفقهية الإسلامية على تحريم زواج المسلمة من غير المسلم.. إلا أن الوضع بالنسبة للمسلمات اللاتي يعشن في الغرب مختلف، ومن العربيات المسلمات المهاجرات - سواء من الجيل الأول أو الثاني - من تدير ظهرها لتلك الفتاوى وتقبل الزواج من غير دينها متحملة بذلك صعاباً اجتماعية شديدة.
تقول ز.أ - سودانية مقيمة بأسبانيا-: تزوجت من نصراني بعد أن أسلم بناءً على رغبتي وأنجبت منه ثلاثة أبناء وبعد سنوات اكتشفت أنه مازال على دينه ويذهب إلى الكنيسة مصطحباً ابني الكبير معه وأنا الآن أندم ندم شديد ولا أدري ماذا أفعل؟
* عظة في زيجة:(/5)
هذه القصة ترويها أم حازم صلاح فتقول: عندما كنا في أمريكا كان لنا جيران ينحدرون من أصل عربي وتعلقت ابنتهم بشاب أمريكي نصراني وجن جنون أبيها فماذا يقول لذويه ومعارفه ؟ وحاول إقناعها بشتى الطرق ولكن دون جدوى، وفي النهاية رضخ لرغبة ابنته - بعد أن هددته بترك البيت - وطلب مقابلة هذا الشاب وأقنعه بأن يعلن إسلامه صورياً حتى لا يتعرض للانتقادات واللوم ووافق الشاب وفي أثناء هذه المقابلة أعطاه الأب كتيب عن التعريف بالإسلام باللغة الإنجليزية وتزوجت الفتاة ومر عامين على زواجها وذات مرة وزوجها النصراني جالس يحتسي كوبا من الشاي وجد على الطاولة بجانبه هذا الكتيب الذي كان قد أعطاه له والد زوجته فأخذ يتصفحه بلا مبالاة فجذبته كلمات الكتاب وأعجب بعظمة هذا الدين وذهب إلى صهره ليسأله المزيد من المعلومات عن هذا الدين وبعد مدة وجيزة ذهب إلى المركز الإسلامي وأعلن إسلامه، ثم تعلم الصلاة وبدأ يصلي ووجد زوجته لا تصلى فطلب منها أن تصلي كما يأمرها دينها فرفضت ثم طلب منها أن تتحجب كما يأمرها دينها فلم ترضخ لذلك فقال لها أنت عاصية لربك لا تقيمين فرائض دينك كما أراد الله لذا فأنا لا أستطيع العيش معك وطلقها وتزوج من مسلمة محجبة.
وقد التقت جريدة "الحياة" اللندنية بنماذج من عربيات تزوجن من غير مسلمين، ورصدت عن قرب الصعوبات والمشاكل اللاتي تعرضن لها، كما رصدت حالات أخريات يواجهن صعوبات من نوع مختلف لأنهن لا يقبلن بهذا الزواج، "ربما أكون رسمت لنفسي مستقبلاً مع شخص رفضه أهلي لدينه، وبقيت أتجرع مرارة هذا الرفض"، هكذا تبدأ نهاد خالد حديثها عن نفسها، فهي فتاة مسلمة عربية رغبت في الزواج من شخص عربي (غير مسلم).
ما زالت نهاد تحب زوجها الذي اختارته، وهو يحبها على رغم اختلاف ديانتهما، وترى أنها لا تختلف معه في شيء، فهي تحترم مشاعره ومعتقداته الدينية، وهو كذلك.(/6)
السيدة نهاد تجيب بتحفظ بعد سؤالها عن المستقبل الديني لأطفالها لمن سيؤول: "تلك مسألة سابقة لأوانها، كوننا لم ننجب بعد، ولم نناقشها حتى هذا الوقت"، وتورد الصحيفة نموذجاً آخر هو حالة مريم.ف - 26عاما - التي تعتقد أن رفض والديها سفرها وحدها لاستكمال دراستها ما كان إلا لحدسهما بما قد يحدث نتيجة الوحدة التي ستعيشها، تعلق قلب مريم بشاب أميركي الجنسية عربي الأصل مسيحي الديانة، وعلى رغم اختلاف ديانتيهما، لم يمنعه ذلك من مصارحتها برغبته في الزواج منها، ولم يمنعها من قبوله زوجاً، بدأت معاناتها في كيفية مصارحتها أهلها، وكيف تقدم لهم زوج المستقبل، لم تخش جنسيته ولا أصوله العربية، التي هي سبب في كثير من الأحيان لرفض الأهل، كل ما تخوفت منه مصارحتهم بدينه، استجمعت قواها وتحدثت مع والدتها التي طلبت منها العودة في أسرع وقت ممكن، رفضت مريم طلب والدتها، ما اضطرها لوضع والدها في الصورة، فطالبها بالاستعجال في العودة، فأخبرته بأنها وخطيبها قد تزوجا فعلاً.
تقول مريم: ((إن ما ساعدني في الاستعجال بالزواج هو أنني من حاملي الجواز الأميركي حيث إنني من مواليد أميركا)). ولم تخجل من ذكر أنها عانت كثيراً نظرات زملائها وزميلاتها من المسلمين في الجامعة التي تدرس بها، وأنها كثيراً ما خجلت من أسلوب النصح المحمل باللوم لها ولاختيارها. وباتت تشعر الآن بالخوف على مستقبلها - كما تقول - ((بعد ما تعرضت زميلتها من دولة خليجية لسوء معاملة عائلتها ورفضها لها، إثر زواجها من أميركي غير مسلم كان زميلاً لها في الجامعة، وبعد خلاف معه تركته وهي حامل لتعود لأهلها وتلاقي منهم الرفض واللوم والعتب المستمر لمخالفتها رأيهم)).(/7)
ويعلق الدكتور عطية فياض- أستاذ الفقه بكلية الشريعة وأصول الدين بجامعة الملك خالد بمدينة أبها- على مثل هذه الزيجات قائلاً: يقول الله عز وجل: {وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} [البقرة: من الآية221]، وأن مثل هذه المرأة تكون قد ارتكبت إثماً وذنباً وزواجها غير صحيح ولا يمكن أن يصح هذا الزواج إلا إذا أسلم هذا الرجل وصح إسلامه وأكرر "صح إسلامه"، فقد منع الإسلام عبر القرآن والسنة زواج المسلمة بغير المسلم ولتعلم المرأة التي تُقدم على مثل هذه الزيجة أن الحب والغرام يجب أن يحتكم إلى الشرع ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به"، والأطفال الذين يأتون نتاج هذه الزيجة ينسبون إلى أبيهم بالإلحاق وليس بالزواج لأن الزواج باطل..باطل.(/8)
العنوان: "زواج المسيار" ومثلث الرعب!!
رقم المقالة: 1766
صاحب المقالة: تحقيق: سحر فؤاد أحمد
-----------------------------------------
أصبح "المسيار" موضوعًا لحوارات ونقاشات إعلامية واجتماعية؛ لاسيما في منطقة الخليج، وبالتحديد في السعودية؛ حيث بدأ هناك في منطقة القصيم- على يد وسيط- زواج رجل يُدعى: "فهد الغنيم" الذي حصل على فتوى من الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله - تجيز هذا النوع من الزواج.
"المسيار" له صور مشابهة في الماضي، فقد كان يسمى بالزواج السري أو الخفي، ويسمى كذلك "زواج الخميس"؛ حيث يذهب الزوج إلى هذه الزوجة في وقت الخميس، وبقية الأيام يقضيها عند زوجته الأولى،كما كان يسمى بزواج "الملفا"؛ حيث كان التجار يلجؤون إليه في أيام الترحال والسفر، فكان التاجر يتزوج وعند رحيله يترك زوجته عند أهلها ينفقون عليها، ولا يحدد لهم موعد الرجوع، وربما يرزق أولادًا منها.
التناول الإعلامي لزواج المسيار اهتم أغلبه بالإثارة، لاعتبارات النشر والتوزيع - لا سيما المطبوعات العلمانية - مما جعل المسيار ظاهرة إعلامية أكثر منها ظاهرة اجتماعية تتطلب معاييرَ مختلفة ومعالجة أهدأ وتحليلاً أعمق.
والمسيار زواج تام الشروط منتفي الموانع، يتم بين رجل وامرأة، يدرك كل منهما حاجة الآخر للبقاء مع أسرته، ويرضَى كل من الطرفين بجزء محدود من وجود الآخر معه، فمن جانب المرأة: قد تكون الفتاة وحيدة أبويها، ويُصِرَّان على عدم فراقها، وقد يكون لا خادم لهما غيرها، وقد يكون لديها بعض الموانع الصحية، أو غيرها من العوارض التي لا تؤهلها لتحمُّل مسؤولية بيت وأطفال وحدها، وقد تكون ذات أسرة وأطفال من زوج توفي - أو طلقت - والصغار لا يزالون بحاجة إلى وجودها بجانبهم في منزلهم... والكثير من الأسباب التي لا تُحصى.(/1)
وأما من جانب الرجل: فربما تكون الأسباب أكثر، فقد يرغب في الزواج بهذه الطريقة إلى أن تنْفَرِجَ الأزمة وتتهيأ الظروف لانتقال الزوجة معه إلى سكنه، فالزوج لا يأتي يوميًّا إلى البيت فهو يأتي وَقْتَمَا يريد، وربما تكون لديه زوجة أولى؛ والثانية التي تزوجها مسيارًا ليس لها حق مثل الأولى - يعني ليلة وليلة - وإنما ترضى بأن يأتيها مرة في الأسبوع أو مرة كل يومين أو ثلاثة بحسب ما يشتهي هو، أو بحسب ما يتيسر له - وربما يكون الرجل عنده زوجة وأولاد، ولا يستطيع أن يفتح بيتًا ثانيًا، فيجد في المسيار حلاً، وتتوافق رغبته مع رغبة نساء يردن ولو بعض زوج.
لقد أثار المتحفظون على "المسيار" اعتراضات وجيهة، تدور حول مدى استحقاقه لهذا الحجم من الاهتمام الإعلامي الصاخب، ودعوا إلى ضرورة دراسته وتقويمه بعيدًا عن صخب الإعلام، فما دام الموضوع شرعيًّا اجتماعيًّا؛ فيجب إذن أن يعالجه مختصون من هذين الحقلين، فإذا أردنا الحكم الشرعي للمسيار، فسبيلنا إلى ذلك العلماء، وإذا قصدنا تَعَرُّف الفعالية الاجتماعية لهذا الحل "المسيار"؛ فعلينا أن نسأل المستهدفين منه.
مثلث الرعب
الحديث عن زواج المسيار لا يمكن أن يتمَّ بمعزل عن أسباب ظهوره وظروف نشأته، فالمجتمعات العربية تعيش أزمة مشكلات: الطلاق، والعنوسة، والتَّرَمُّل، بوطأتها الشديدة وآثارها المدمرة، ففي استطلاع للرأي أجرته مجلة الأسرة على 363 فتاة من المملكة العربية السعودية رأت 46.6% منهنَّ أنَّ سبب ظهور زواج المسيار هو عنوسة المرأة أو طلاقها أو حاجتها إلى أطفال.(/2)
والعنوسة تختلف معالمها من بلد إلى آخر، ففي السعودية يطلقون على الفتاة "عانسًا" إذا بلغتِ الخامسةَ والعشرين ولم تتزوَّج، وفي مصر نَجِدُ أنَّ الجهاز المركزي للتعبئة العامَّة والإحصاء يعتبر من تَجَاوَزَ الخامِسَةَ والثلاثين من الشباب، ومن تجَاوَزَتِ الثلاثين من الفتيات بلا زواج "عوانس"، وبهذا المعيار يندرجُ ثُلُثُ شباب مصر تحت هذه الفئة، وعدم توافر الأرقام في بقية المجتمعات لا يعني أنَّ المشكلة مفتعلة، فهي واقع محسوس ومؤلم في آن واحد.
أمَّا الطلاق فهو أحد أهم العوامل المهددة للأسرة العربية حيث تشير الإحصائيات إلى ارتفاع نسبة الطلاق في دول الخليج؛ حيث بلغتْ في البحرين 21% وفي الإمارات 37% ووصلت هذه النسبة في السعودية والكويت وقطر إلى 38%، أما في المغرب فقد بلغت نسبة الطلاق إلى 30%. وفي مصر وصل إجمالي حالات الطلاق إلى 12% من حالات الزواج ترتفع إلى33% في مدينة القاهرة، وجدير بالذكر أنَّ 40% من المطلقات لم يتجاوز عمرهن 25 سنة، بل إن 67% من حالات الطلاق في الكويت تَقَعُ قبل مرور 5 سنوات من عمر الزواج.
غياب العائل ووجود الأرامل والأيتام أضاف بعدًا ثالثًا إلى مشكلتي الطلاق والعنوسة، كدوافع الرجال إلى "زواج المسيار". فهذا النوع من الزواج طُرِح بوصفه أحد وسائل معالجة هذا الثالوث.
في الإمارات مَثَلاً تَبَيَّن أنَّ زَوَاجَ المِسيار ربما يساهم في حل بعض المشكلات المتعلقة بالزواج، فوفقًا لدراسة رسمية نُشرت في الإمارات حديثًا فإن عدد العوانس قد وصل إلى 68%، من عدد الفتيات أي أنَّ في كل بيت إماراتي فتاة عانسًا، ووفقًا لأبحاث أجراها مكتب صندوق الزواج بالإمارات، فإنَّ نسبة المواطنين في الإمارات لا تتعدى 25%؛ ولذلك تضمن مشروع قانون الأحوال الشخصية الاعتراف بزواج المسيار، بالسماح بتسجيل عقود زواج المسيار في المحكمة، وفق شروط معينة، ينبغي للزوج والزوجة الالتزام بها.(/3)
وقال الدكتور أحمد الكبيسي- رئيس اللجنة التي أعدت القانون -: إن مواد المشروع أجازت الاعتراف بالمسيار بأثر رجعي، وأوضح أن اللجنة ناقشت شروط وضوابط عقد زواج المسيار وأجازته وفق إطار شرعي مستمد من تعاليم شريعتنا الإسلامية، وهذا العقد تتمتع فيه الزوجة بجميع حقوقها الزوجية من ميراث وتلتزم بالواجبات الزوجية، إلا أنه من حقها أن تتنازل عن طيب خاطر عن بعض حقوقها في النفقة والسكن والمبيت، ولكي يسجل هذا العقد بالمحكمة فلابد أن تتوفر فيه الشروط التالية:
أن يكون بمعرفة أهل الزوجة، وأن يباشر الولي العقد، وأن يتوفر فيه شرط الإشهار المحدود، الذي يتضمَّن معرفة ولي الزوجة وأهلها بهذا الزواج، غير أنه لم يشترط تنفيذ شرط الإشهار الكامل لصحة الزواج، وما لم يكن العقد مسجلاً بالمحكمة فلن يتم الاعتراف به والسماح بإجازته.
زواج شرعي
الدكتور يوسف القرضاوي يعتبر زواج المسيار زواجًا شرعيًّا، يختلف عن الزواج العادي بتنازل الزوجة فيه عن بعض حقوقها على الزوج، مثل حق النفقة أو المبيت الليلي.
وفي السياق نفسه يضيف الشيخ عبد الله بن منيع - عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة-: إنه زواج مستكمل لجميع أركانه وشروطه المعروفة؛ من رضا الطرفين، والولاية، والشهادة، والكفاءة، وفيه الصداق المُتَّفَق عليه، وبعد تمامه تثبت لطرفيه جميع الحقوق المترتبة على عقد الزوجية؛ من حيث النسل والإرث والعِدَّة والطلاق وغير ذلك، إلا أنَّ الزوجين قدِ اتَّفقا على ألا يكون للزوجة حق في المبيت أو السكن، ولا يثبت ذلك في العقد غالبًا.
جائز ولكن(/4)
ويقول الشيخ محمد صالح المنجد: شرع الله الزواج لأهداف متعددة، منها تكاثر النسل، والحفاظ على النوع الإنساني، وإنجاب الذرية، ومنها تحقيق العفاف، وصون الإنسان عن التورّط في الفواحش والمحرّمات، ومنها التعاون بين الرجل والمرأة على شؤون العيش وظروف الحياة والمؤانسة، ومنها إيجاد الود والسكينة والطمأنينة بين الزوجين، ومنها تربية الأولاد تربية قويمة في مظلة من الحنان والعطف.
وزواج المسيار يحقق بعض هذه الأهداف لا كلها، فالزوجة تتنازل عن حقها في النفقة وفي المبيت إن كان للزوج امرأة أخرى، والغرض الظاهر منه هو الاستمتاع، إما بسبب واضح من الرجُل لزيادة رغبته في المتعة، وإما من المرأة التي فاتها قطار الزواج لأسباب عديدة.
وحكم هذا الزواج- في تقديري- أنه صحيحٌ لاستكمال أركانه وشرائطه المطلوبة شرعًا؛ من رضا الولي والشهادة والإعلان، فإن فُقِد أحد هذه الشروط، لم يصحَّ عند جماعة من الفقهاء.
ولكن ضمانًا لمصلحة الزوجة وحقوقها على المدى البعيد، ينبغي أن تحرص المرأة على تسجيله في سجلات الدولة الرسمية؛ إذ إنه قد يموت الزوج فيطلب منها العدّة، وتستحق الميراث، وقد تُغيِّر رأيها، فتطالب بحقها في النفقة أو القَسْم الواجب، وتقول - بعد مدة -: أريد حقوقي كاملة وهذا حقها، ولا يجوز للزوج عندئذ أن يحبسها، فإما أن يعطيها حقوقها ويجعلها أسوة بزوجته الأخرى؛ فيأتي لهذه ليلة ولهذه ليلة وينفق عليها مثلما ينفق على الأخرى، ويسكنها مثلما تسكن الأخرى، وإلا يجب عليه أن يُسرّحها.(/5)
ويضيف المنجد: هذا الزواج لا يحقق جميع مقاصد الزواج الشرعية والإنسانية والاجتماعية على النحو الصحيح أو الأفضل؛ لذلك فإني أحذِّر منه ولا أرغِّب فيه، وأكرهه، فإن التزام أهداف الزواج الذي هو ميثاق غليظ، أي شديد الحرمة ومؤكَّد التَّعظيم والمبرَّة لا تظهر فيه بنحو واضح، فإن أصرّ الزوجان عليه، جاز وتحمَّلا آثاره، وربما وقع أحد الزوجين بظلم في رعاية الحقوق والقيام بالواجبات وأخصها العشرة الزوجية التي قد تحتجب أو تغيب مدة طويلة، فيصبح ذلك حرامًا وإن كان العقد صحيحًا.
ويؤكد هذا الكلام الدكتور يوسف القرضاوي حيث يقول: أنا لست من دعاة زواج المسيار ولا من المرغّبين فيه، وإن كان بعض المعترضين على المسيار يرون أن هذا الزواج لا يحقّق كل الأهداف المنشودة من الزواج الشرعي، فيما عدا المتعة والأنس بين الزوجين، فالزواج في الإسلام له مقاصد أوسع وأعمق من هذا مثل الإنجاب والسكن والمودة والرحمة، ومن هنا فإنَّ المسيار ليس هو الزواج الإسلامي المنشود، ولكنه الزواج الممكن الذي أوجبته ضرورات الحياة وتطور المجتمعات وظروف العيش، وعدم تحقيق كل الأهداف المرجوة لا يلغي القصد ولا يبطل الزواج إنما يخدشه وينال منه.
أسباب شتى(/6)
يقول الأستاذ عبدالملك بن يوسف المطلق - صاحب الدراسة الفقهية والاجتماعية عنزواج المسيار -: إن هناك أسبابًا تتعلق بالرجال، مثل رغبة بعضهم في التعدد من أجل المتعة التي ربما لا يجدها مع زوجته الأولى؛ حيث أوضح 66.3% من أفراد عينة من الرجال - البالغ عددهم 200 رجلاً - إن من أسباب ظهور زواج المسيار هو رغبة الرجل في المتعة وتحرزًا من علم الزوجة الأولى، في حين أن 85.9% ممن شملتهم الاستبانة يرون السبب هو هروب بعض الرجال من تبعات الزواج العادي وواجباته كما رأى 61.3% من أفراد العينة أن عدم استقرار الرجل في العمل وكثرة تردده على بعض المدن والبلدان؛ يضطر في كثير من الأحيان إلى هذا الزواج؛ حيث الحاجة إلى امرأة مع عدم استعداده تَحَمُّل مسؤولية الزواج كاملة.
ويضيف الأستاذ المطلق أسبابًا أخرى لزواج المسيار تتعلق بالمجتمع، كغلاء المهور وارتفاع تكاليف الزواج، ونظرة المجتمع بشيء من الازدراء للرجل الذي يرغب في التعدد، حيث يتهمه البعض بأنه شهواني ولا همَّ له إلا النساء، وقد يكون هذا الرجل بحاجة فعليَّة إلى امرأة تُعفّه لظروف خاصة قد تكون عند زوجته مما يدفعه للبحث عن زواج فيه ستر وبعيد عن أعين المجتمع فكانت هذه الصورة.
فروق
يخلط البعض بين زواج المسيار وغيره من صور الزواج الأخرى: كالزواج العرفي، وزواج المتعة، وزواج السر، لكن إذا كان هناك أوجه شبه بين المسيار وبين الأنواع الأخرى للزواج فإنَّ ثمَّة فروقًا واضحة بينهم:
فالزواج "العرفي" المكتمل للأركان والشروط هو زواج شرعي مثل زواج "المسيار" إلا أنه لا يوثَّق أبدًا في حين زواج المسيار يوثق في بعض الحالات.(/7)
أمَّا زواج المتعة فقد ثبت بطلانه وتحريمه بالكتاب والسنة والإجماع، حينما سُئلت السيدة عائشة عن زواج المتعة قالتْ: "بيني وبينكم كتاب الله". وقرأت الآية: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المعارج:29 -31]، ثُمَّ قالتْ: {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون:7]، ثم قالت: "فمن ابتغى وراء ما زوَّجه الله أو ملَّكه فقد عدا، وقال الشافعي: ليس في الإسلام شيء أُحِلّ ثُمَّ حُرّم ثُمَّ أُحِلَّ ثم حرم إلا المتعة".
وقال النبي – صلى الله عليه وسلم – في فتح مكة: ((يا أيها الناس إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرَّم ذلك إلى يوم القيامة، فَمَنْ كانَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ شيء، فلْيُخْلِ سَبيلَهُ، ولا تأخذوا مما آتيتموهُنَّ شيئًا)). ويختلف زواج المتعة كليًّا وجزئيًّا عن زواج المسيار الذي هو زواج شرعي بعقد.
لا يترتب على المتعة أي أثر من آثار الزواج الشرعي، من طلاق وعدة وتوارث - اللهم إلا إثبات النَّسب - بخلاف المسيار الذي يترتَّب عليه كل الآثار السابقة، كما أن الولي والشهود ليسوا شروطًا في زواج المتعة بخلاف المسيار.(/8)
من الناحية الشرعية لم يقُلْ أحَدٌ من العلماء بتحريم "المسيار"، بعضهم أحله، وبعضهم كرهه، وبعضهم تَحَمَّسَ له ودعا إليه، من الذين قالوا الإباحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – حيث قال: لا حرج إذا استوفى العقد الشروط المعتبرة شرعًا؛ وهي: وجود الولي، ورضا الزوجين، وحضور شاهدَيْنِ عَدْلَيْنِ على إجراء العقد، وسلامة الزوجين مِنَ الموانع؛ لعموم قول النبي – صلى الله عليه وسلم –: ((أحق ما أوفيتم من الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج)). وقوله- عليه الصلاة والسلام-: ((المسلمون عند شروطهم)). فإن اتفق الزوجان على أن تبقى المرأة عند أهلها أو على أنَّ القسم يكون لها نهارًا أو ليلاً أو في أيام معينة، فلا بأس في ذلك، بشرط إعلان النكاح وعدم إخفائه.
كما أباحه شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي؛ حيث سُئل عن زواج المسيار، فقال: العقد صحيح شرعًا، ومادام الاتفاق تَمَّ على عدم الوفاء بحقوق الزوجة، ورضيت هي بذلك فلا بأس؛ لأن الزواج الشرعي الصحيح قائم على المودَّة والرَّحمة، وعلى ما يتراضيان عليه ما دام حلالاً طيبًا بعيدًا عن الحرام.
تَحَفُّظ
أما الدكتور حسين بن محمد بن عبد الله آل الشيخ - بجامعة الإمام محمد بن سعود - فقد تحفَّظ عليه تحفظًا شديدًا، ويرى حصره في حالات خاصَّة جدًّا، وقال: إن زواج المسيار بالنظرة العامة إلى أركانه وشروطه جائزٌ شرعًا، ولكن لما في هذه الشروط من نتائج سيئة فهي فاسدة، وأضاف: "أرى أنَّ هذا الزواج جائز شرعًا مع قصره على حالات فردية خاصة، كالمعاقة جسديًّا مثلاً، أو نحو ذلك من الأمور التي يتحتَّم عليها البقاء مع أهلها، وقد يتساهل الناس فيه مما يسبب العزوف عن الزواج العادي".(/9)
وفي السياق نفسه يقول الدكتور إبراهيم زيد الكيلاني: حكمة الزواج - المفهومة من قوله تعالى: {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} [البقرة:187] في إنشاء أسرة صالحة، وأبناء صالحين، يرعاهم أب وأم- غير متوفرة في المسيار؛ ففي هذا الزواج يتَّفق رجل وامرأة على الزواج، ويستكملان سرًّا الشروط الشرعية، من موافقة الطرفين بالعقد وحضور شاهدين، ولكن الشرط الأكبر وهو الإشهار يغيبانه وهو ركن عظيم، فالزواج تتحقق حكمته بإقامة علاقة وميثاق غليظ بين الزوجين، وبين أسرتي المرأة والرجل، وداخل المجتمع الذي يبارك إعلان وإشهار الزواج.
الزواج في الإسلام عقد وميثاق غليظ، وليس رباطًا بين الزوجين فحسب؛ بل بين الزوجين وأسرتي الزوجين وعشيرتهما، وهذه الحكم غائبة في زواج المسيار، الذي يقوم علىإشباع الرغبة الجنسية فقط بين زوج وزوجة يخشيان من إعلان الزواج، ولكن يتم عقده بصوره مخالفة للشرع من ناحية الإشهار، يقول الله تعالى في كتابه الكريم: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ} [النساء: 34]، أي مطيعات ملتزمات بيوتَهن بما حفظ الله، أي: بما حفظ الله من حقوقهن، فأين القانتات المطيعات الملتزمات بيت الزوجية الحافظات لغيبة الزوج؟ وأول شرط من شروط عقد المسيار: أنها لا تلتزم بطاعة الزوج، وتخْرُج حيثما شاءت، وليس لها إلا ساعة من ليل أو نهار، وموعد كموعد العشاق وهذه خطوة في هدم الأسر والمجتمع، والسير به على طريق الحياة الغربية والمجتمع الغربي، القائم على تعدد الأصدقاء والصديقات.(/10)
العنوان: زيارة قبر الرسول
رقم المقالة: 1701
صاحب المقالة:
-----------------------------------------
زيارة قبر الرسول
المشروع في زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - كما نصَّ عليه أهل العلم، وذكره ابن قدامة في "المغني": "ثم تأتي القبر فتولي ظهرك القبلة وتستقبل وسطه، وتقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام عليك يا نبي الله وخِيرته من خَلقه وعباده، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أشهد أنك بلغت رسالات ربك، ونصحت لأمَّتك، ودعوت إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وعبدت الله حتى أتاك اليقين، فصلى الله عليك كثيرًا كما يحب ربنا ويرضى". اهـ.
وأما ما يفعله العامَّةُ من التمَسُّح بجدار قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - والاستغاثة به ونحوه، فذلك من الأمور التي يجب على المسلم الحذر منها، ويُنصَح بمراجعة فتوى شيخ الإسلام في ذلك.
فمن رَغِب في زيارة القبور والأضرحة ليتذكر الآخرة؛ فعليه التقيُّد بالأحكام الشرعية للزيارة، أما إذا كان الغرض من الزيارة دعاء الأموات أو الاستغاثة بهم، وغير ذلك من مظاهر الزيارات المحرَّمة - فلا يجوز؛ بل هو من أسباب الوقوع في الشرك الأكبر المُخرِج من المِلة.
فعلى العبد المسلم حقًّا أن يحرص على أن يلقى ربه بالتوحيد الخالص، الذي ينجيه الله به من النار ويدخله به الجنة.
كما يجب عليه أن تكون نيتُه في الزيارة هي زيارةَ المسجد النبوي، ثم زيارة قبر الرسول وصاحبيه تأتي تبعًا بعد ذلك؛ ففي الصحيحين عن أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم – قَالَ: ((لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَسْجِدِ الأَقْصَى)).(/1)
العنوان: سامح.. تعش حميداً
رقم المقالة: 781
صاحب المقالة: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
من المشاهد التاريخية المؤثرة في السيرة النبوية، تلك اللحظات التي وقفت فيها (قريش) بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد دخوله (مكة) فاتحاً منتصراً.. فقد كانوا جميعهم يلفهم الذعر والخوف الشديد وهم يستعرضون في أذهانهم السنوات الطويلة من الأذى والعذاب الذي كالوه للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الكرام، رضي الله عنهم.
ترى كيف سينتقم محمد - صلى الله عليه وسلم - منهم؟ ما العقوبة التي سينزلها بهم، والتي تتناسب مع أكثر من عشرين سنة من الإيذاء والتعذيب والحرب والتنكيل؟ عرف الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ما يدور في أذهان قريش؛ فسألهم: ما تظنون أني فاعل بكم؟ وكان الحكم التاريخي المذهل: ((اذهبوا فأنتم الطلقاء)).
هكذا؛ آلام أكثر من عشرين سنة وجروحها، يتجاوز عنها الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - في لحظة واحدة!. بأبي أنت وأمي يا رسول الله.
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد أن يعلّمَنا القيمة الرائعة التي تكمن وراء التسامح والعفو عن الناس؛ ذلك أن الأمر الأخر في الأحداث المؤلمة والظالمة التي نتعرض لها، هي أن الغضب ممن آلمونا يتحول إلى كراهية. وللأسف؛ تبقى هذه الكراهية لنا نحن، التي نحملها أينما ذهبنا وتبقى في قلوبنا في كل حين، وبذلك نعطي لشخص آخر الإذن ليس بإيذائنا مرة واحدة فحسب، بل بالاستمرار في التحكم في عالمنا الداخلي.
إن الكراهية تفسد حياتنا، في حين يعيش من سبّبها حياته الطبيعية كما هي!
أما التسامح فهو الوسيلة الفعَّالة لالتئام أشد الجروح النفسية إيلاماً. وهو الذي يحررنا من سجن الكراهية والخوف والشعور بالمرارة. وعندما تسامح شخصاً على ما فعله بك، فإنك في الواقع تقول له: "لم أعد أعطيك القوة والسلطة للتحكم في حياتي".(/1)
أعرف أنك تقول في نفسك: "هل أعفو عنه وكأن شيئاً لم يكن، وأحرره من إثم فعلته؟!" والسؤال هنا هو: من الذي سيتحرر؟! عندما نحتفظ بالذكرى الأليمة لشخص آذانا فإننا - ففي الواقع - نرتكب ثلاثة أخطاء:
(1) نحن نسمح لهذا الشخص أن يحتل جزءاً من عقولنا وأرواحنا، ولنا أن نسأل: هل يستحق ذلك أم لا؟!
(2) عندما تبرق تلك الذكرى المؤلمة تنبعث في أجسادنا العديد من المواد الكيميائية الضارة بها فيخلدُ لنا الألم والضرر.
(3) وأخيراً فإننا نعلن عن عجزنا وقصورنا في التعامل مع أمر مضى وانتهى.
يقول نلسون مانديلا: "عندما تحمل الشعور بالاستياء، تكن كمن يشرب سماً وينتظر من عدوه أن يموت".
خطوات عملية:
- إن أول عمل يستحق أن نقوم به هو أن نسامح أنفسنا في أمور دنيانا؛ فكم نرتكب من أخطاء وكم نخسر من أشياء، ثم نندم وننقم على أنفسنا بسبب هذه الزلات؛وهي أقدار الله أولاً وأخيراً، لقد حان الوقت أن تعفو عن نفسك، وأن ترضى بما رضيه الله لك، موقناً أن الخير فيما اختاره الله لك، ومستفيداً من أخطائك في المستقبل.
- التسامح ينمو مع الممارسة؛ لذا يجب أن تبدأ الآن، ابدأ بالتجاوز عن المضايقات الصغيرة. مارس ذلك كل يوم، عندما يتأخر صديقك عن موعده، سامحه، وعندما تتأخر الطائرة عن موعد إقلاعها، فقط انغمس في مقعدك دون ضيق، واستمتع بوقتك في المطار.
مع هذه الممارسة، سيتحول التسامح من عفو في موقف معين إلى فعل يومي، وصفة متأصلة في شخصيتنا نتجاوز بها عن أولئك الذين ضايقونا بأفعال صغيرة - كتجاوز الطريق بأسلوب خاطئ، أو تأخير مهم لعملنا - أو آذونا بظلم فاضح ترك ذكرى مؤلمة: (ظلم سياسي، تعذيب، تهجير، قتل لعزيز...).
- تقدم خطوة أخرى إلى الأمام، حتى تصل إلى أكثر الناس إيذاءً أو إيلاماً لك، تجاوز عنه.. سامحه.. كم هو أمر صعب، لكنه أمر يستحق كل معاناة.(/2)
- حاول أن تقلد ذلك الصحابي الجليل الذي بشره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجنة، ولما سأله أحد الصحابة عن فعله قال: "ما هو إلا ما رأيتَ، غير أني لا أجد في نفسي غِلاً لأحد من المسلمين". ما أروع هذا التميز!
عزيزي القارئ:
عندما تخلد إلى النوم هذه الليلة، سامح كل أولئك الذين آذوك، أو تحدثوا عنك بغير حق، أو أرادوا الإضرار بك. سامحهم وامنحهم عفوك، افعل ذلك كل ليلة، واستمتع بما سيمنحك الله جزاء تسامحك من هدوء ورضا، وسرور وحبور في الدنيا والآخرة. والله ولي التوفيق.(/3)
العنوان: سبتة ومليلية... ويتجدد الألم
رقم المقالة: 1624
صاحب المقالة: حامد الإدريسي
-----------------------------------------
هل خرج العالمُ الإسلامي من مرحلة الاستعمار؟
إن مجردَ التفكير في الجواب عن هذا السؤال يثيرُ مشاعرَ الأسى لدى أصحاب الغيرة من أبناء الأمة، الذين آثر بعضُهم نسيانَ هذا الموضوع سلوًّا عن ألم الهزيمة المرّ، لكن المحتل لا يريد لأبناء الأمة أن يتناسوا هذا الشعور، ولا يريد لهذا الألم أن يُمحى من ذاكرتنا...
لقد أعطى المغربُ نموذجاً للتسامح والتّنازل، ومع أن أراضيه محتلة، وخيراته مستباحة، فقد آثر السلامَ أو الاستسلام، وطبَّع علائقه مع إسبانيا حتى جعلها ثانيَ شريك اقتصادي له بعد فرنسا، وحاول أن يتلهى عن جرحه، ويسلي نفسه عن الورم الجاثم في جسمه، ورفع شعار "حسن الجوار"، لكنهم يأبون إلا أن يذكّروه بهذا الجرح، ولعلها إرادة الله أن يتذكر المغاربةُ أرضَهم المغصوبة، وتتحرك في أنفسهم حميةُ الإسلام.
تعرضت مدينتا سبتة ومليلية لهجمات الاحتلال النصراني الأوربي بعد تضعضع إمارة بني الأحمر في غرناطة الذي أعقبه سقوط آخر معقل للمسلمين في الأندلس: غرناطة، فقد كانت سنة 1492 من الميلاد، شاهدة على حال المسلمين التي أوصلهم إليها اقتتالُهم واختلافُهم.
ولم تتوقف حملة مملكة قشتالة والبرتغال عند هذا الحد، بل بدؤوا يزحفون على البلدان المجاورة لهم، بعد أن أطلق بابا الفاتيكان أياديهم في الساحل المتوسطي والساحل الأطلسي.(/1)
وقد سقطت سبتة في يد البرتغاليين عام 1415م، على يد الأمير هنري البحار، في حين بقيت مليلية تقاوم جيوش الإسبان حتى عام 1497م، إذ احتلت في إطار خطة عامة للإسبان والبرتغاليين لمحاصرة أقاليم الغرب الإسلامي واحتلال أراضيه، ومن ثم تحويلها إلى النصرانية، وكان هذا ما أرادته وعملت عليه ملكتهم "إزابيلا" الكاثوليكية، التي طالما حلمت بغزو بلاد المغرب لتحويل المسلمين المغاربة إلى الدين النصراني، ورفع علم الصليب على أرض المغرب الطاهرة.
وأصبحت سبتة إسبانية عندما تولى فليب الثاني ملك أسبانيا عرش البرتغال عام 1580، وبعد اعتراف إسبانيا باستقلال البرتغال تنازلت الأخيرة بمقتضى معاهدة لشبونة 1668 عن سبتة لأسبانيا، لتبقى المدينة أسيرة الإسبان منذ ذلك الحين إلى اليوم...
وقد حاول المغاربة في القرون التالية لاحتلال المدينتين استعادتهما من قبضة الغزو الصليبي النصراني، وكان أبرز هذه المحاولات محاولة المولى إسماعيل في القرن السادس عشر الميلادي، إذ حاصر المسلمون في هذا الوقت مدينة سبتة ولم يقدّر لهم أن يفتحوها، وكذلك محاولة المولى محمد بن عبد الله عام 1774م محاصرة مدينة مليلية، ولكنها لم تكن أفضل من سابقتها.
لم تنجح إسبانيا في تحويل مسلمي المدينتين عن دينهم مع كل ما بذلته من جهود متصلة لطمس المعالم الإسلامية فيهما، جهود يعرفها كل من قرأ تاريخ الاستعمار النصراني واليهودي للعالم الإسلامي؛ فقد قتلت العلماء، ودكت الصوامع، وهدمت المساجد، وتحولت المدينةُ التي كانت مآثرُها تفوق مآثرَ القيروان -إذ كان بها ألفُ مسجد ونحو مائتين وخمسين مكتبة- إلى مدينة ليس فيها إلا مساجد قليلة.(/2)
ومع كل هذه المحاولات لطمس هوية المسلمين في المدينتين، فقد ظلوا يحاولون التحرر من هذا الاستعمار، فبذلوا جهودًا كبيرة للتمرد على المحتلين في نهايات القرن الثامن عشر وبداية القرن العشرين، وبين عامي 1921و1926م قاد البطل المغربي محمد بن عبد الكريم الخطابي ثورة ضد الإسبان في الشمال المغربي، لكن إسبانيا تصدت له بالتحالف مع دول أوربية أخرى بعد أن أشعلت ثورته شرارة الجهاد في المدينتين؛ ولقد كادت هذه الثورات أن تنجح لولا إرادة الله عز وجل، وله في خلقه شؤون.
وقد حاول الجنرال "فرانكو" تسكين المشاعر الدينية والقومية عند سكان سبتة ومليلية لدعمه في حربه ضد حكومة الجبهة الشعبية، إذ وعدهم بمنحهم الاستقلال إذا ما تولى السلطة في إسبانيا، واستطاع بذلك تجنيد الآلاف منهم في الحرب الأهلية الإسبانية عام 1936م وكان وفاؤه بوعده كوفاء عرقوب، وليس هذا بغريب عليهم، وليس الاغترارُ بالوعود الكاذبة بغريب على المسلمين.
وقد وضعت إسبانيا إجراءات قانونية عدة للحد من هجرة المسلمين نحو المدينتين، بهدف محو الوجود الإسلامي بالتدرج، وشجعت في المقابل الهجرةَ الإسبانية وهجرةَ اليهود الذين تزايد عددُهم في الستينيات والسبعينيات خصوصًا في مدينة سبتة، كما ضيقت على السكان المسلمين هناك ومنعتهم من تراخيص البناء وحاصرت نشاطاتهم الدينية والثقافية.
وتأتي زيارة ملكهم "خوان" لسبتة، إثارة لتلك الجراح، وإشعالاً لنار ظلت خامدة مدة طويلة من الزمن، تصديقاً لقوله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120]، فنحن وإن شاركناهم الأموال والديار، وفتحنا لهم البيوت والقلوب، فهم لن يتخلصوا من أحقادهم، ولن يتركونا نعيش بسلام {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 62]...(/3)
لكن.. لعلَّ في طيات هذه النقم نعمًا، فكم من صفعة أنقذت من هلاك مبين، وقد رأينا كيف ثارت حشود هائلة من الشباب المغاربة ضد هذا الحدث، واستيقظت في نفوسهم هويتهم الإسلامية، {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لََّكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لََّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [سورة البقرة: 216].(/4)
العنوان: سبع خطوات تجعلكِ أجمل
رقم المقالة: 1523
صاحب المقالة: سحر فؤاد أحمد
-----------------------------------------
فطر الله - تعالى - النفس الإنسانية على حب الجمال، والله-سبحانه وتعالى – جميل يحب الجمال، وقد خلق الإنسان في أروع صورة جميلة، وأحسن تقويم، بل إن رؤية الجمال وتأمله يبعثان في النفس الرضا والبهجة، والشعور بالسعادة.
والمرأة جبلت على حب الزينة؛ فهي دائماً تبحث عن الجمال، وتسعى إليه مهما كلفها الأمر، ولكن الجمال ليس فقط في الصورة والجسد؛ فنحن لا نملك أجساداً -فقط- بل نملك أنفساً وأرواحاً، فلا معنى لجمال الوجه والمظهر دون أن نطهِّر الجوهر ونزكِّي النفس، وننشر السعادة لكل من حولنا؛ فالجمال الحقيقي في الكلمة الطيبة، والعقل الراجح، وهو ليس مجرد ملامح بل هو روح متألقة تبعث فيمن حولها البهجة، والطمأنينة، وتبث الخير وتتعامل مع الكون ومفرداته بذكاء عالٍ، وأخلاق حميدة، فزينة الوجه بنور الطاعة، والقلب بحلاوة الإيمان، والجسد بالخشوع والخضوع لله رب العالمين، والخلق بالحلم، والصبر، والقناعة، والرضا أجمل وأفضل -مائة مرة- من كل جمال ظاهري، ومساحيق زائفة، سريعاً ما تزول.
يقول الخبراء - تأكيداً لهذا المعنى -: (لا توجد امرأة دميمة) بمعنى: أنه لا يوجد فيها شيء جميل؛ فكل إنسان له في الجمال وعليه، المهم أن نواري عيوبنا، ونتعامل مع خصوصياتنا بصورة ذكية تبرز مساحة الجمال في الإطار الشرعي.
أما الأطباء وعلماء النفس فيرون أن الصحة والجمال توأمان، وأنه لا يكون الجمال ذا رونق وجاذبية إلا من صحة وعافية تريحان البدن من الآلام والأوجاع، وتمنحان الوجه نضارة وحيوية، ولكن هل يقتصر الجمال على ملامح الوجه والجسم؟ وهل من الممكن أن يكون الإنسان سليماً معافىً ودميماً قبيحاً في آن؟ أو أن الجمال الظاهري ما هو إلا رد فعل للجمال النفسي والروحي بجانب الصحة والعافية؟(/1)
نحن نحب الجمال ونهتم به سواءٌ كان خارجياً أم داخلياً.. لكن بشرط أن لا نحرِّم حلالاً، ولا نحل حراماً، وهذا هو الجمال الحقيقي للمرأة، فالستر هو الجمال، والمرأة العارية المتحدية لشرع الله بضاعة رخيصة، أما الجمال الحقيقي للمرأة فهو في التزامها، واهتمامها بعقلها ودينها، وأن تدرك دورها في حياة أسرتها ومجتمعها وأمَّتها، وأن تقبل على العلم، وأن تكون لديها ثروة فكرية وأخلاقية ودينية، فبدون هذه الأساسيات لا معنى لجمال الصورة الذي لا يدوم.
جمال الصورة ليس المعيار الوحيد الذي نحكم به على جمال المرأة؛ فسوء خلق المرأة قد يذهب بجمال الصورة فلا يكون له قيمة عندئذٍ؛ فالرجل وإن كان يهوى في المرأة جمالها الخارجي -اللافت للنظر- إلا أنه- أيضاً- يريدها أماً لأبنائه، وراعية لشؤونه، ومدبرة لأمره، ومطيعة له فيما يرضى الله - عز وجل - فقد يتزوج رجل وسيم من امرأةٍ متواضعة الجمال لأنه يرى فيها جمالاً آخر غير جمال الوجه، لعله طباعها المُريحة، أو أخلاقها الحميدة، أو مواقفها النبيلة...أو غير ذلك.
وصدق الشاعر إذ يقول:
لَيْسَ الْجَمَالُ بِأَثْوَابٍ تُزَيِّنُنَا إِنَّ الْجَمَالَ جَمَالُ الْعِلْمِ وَالأَدَبِ
واقتران جمال الروح وجمال الصورة يصنعان معزوفة جميلة تتنسم نغماتها المرأة فتتألق وتزدهر وتحس بالرضا، وهذا ما يمنحها جمالاً مضاعفاً، ومن جمال الروح والصورة معاً التمتع بالابتسامة الصافية التي تنير الوجه؛ فالابتسامة ترشح صاحبتها للعيش بذكاء، والبعد عن التوقف عند الأمور التافهة، والقدرة على التسامح الواعي الذي يحمي صاحبته من الأحقاد، واتساع الأفق، ونبذ الجدال، وترك الخصام، والتجمل بالصبر الجميل على ما نَكْرَه.
كيف تكونين جميلة؟
لكي تكوني جميلة ربما لا تحتاجين لأي من أنواع المساحيق؛ فأسلوب حياتك قد يصون جمالك ويجدده، وقد يدمره، ومما يحافظ على جمالك ويجدده:
القناعة والرضا:(/2)
القناعة والرضا أقصر الطرق إلى السعادة والجمال، وقد قرر أطباء التجميل أن الحياة الراضية السعيدة تمنح صاحبها جمالاً طبيعياً أخاذاً، وتجعله أكثر مقاومة للتجاعيد، وتمنحه دائماً مظهراً أصغر من سنه الحقيقي بأعوام.
والقنوع ليس لديه شعور بخيبة أمل؛ لأن حياة كل فرد ليست خالية تماماً من المتاعب والعوائق فلابد من أشياء تكدرها، وعندما يعتقد المرء أن حياته ينبغي أن تكون حالمة..وردية..حريرية فهو يعتقد الوهم، وهو ما يسبب له الإحباط، أما الشعور بالرضا فيبعث في النفس الطمأنينة والارتياح ، ولا تَنسَي أن الرضا بقضاء الله وقدرِه أحد أركان الإيمان، فإذا حاولتِ ذلك مستحضرة ثوابه كان لك الأجر والثواب في الآخرة، والسعادة، والجمال في الدنيا إن شاء الله.
ولعلك تعلمين أن الله - سبحانه - قد قسَّم عطاءه لعباده بالعدل؛ لأنه هو العدل نفسه، أليس العدل من أسماء الله الحسنى؟؟؟ فابحثي عن النعم التي منَّ الله - سبحانه - بها عليك، واحمديه عليها، واستفيدي منها؛ لأنك مهما فعلتِ فلن تأخذي أكثر من القيراطات المقسومة لك بعلمِ وخبرةِ من خلقك، وتذكري أنه لا توجد سعادة كاملة في الدنيا؛ لأنها جنة الكافر وسجن المؤمن، وإذا كنت غير قانعة بما لديك، فاحلمي بالجنة واسعَي إليها، ففيها ما لا عين رأت ولا أُذُن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وإنك هناك ستكونين أجمل من الحور العين، هل تعرفين لماذا؟ لأنك صبرتِ على طاعة الله، وجاهدتِ نفسك وهواك والشيطان، في حين خُلقت هي طائعة، ويجب ألا تنسي أن نعيم الدنيا فانٍ، ونعيم الجنة خالد بإذن الله، فأيهما تختارين؟؟؟
نقاء السريرة:(/3)
وهو أمر ليس بالسهل، ولكن إتقانه يأتي بالتمرين، ومع الوقت بأن تسامحي كل من أساء إليك، وأنت تستحضرين ثواب العفو عند الله، ويكفيك مدحه للعافين عن الناس في قوله - تعالى -: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران134] وقوله: {وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة237] وقوله:{فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى40].
و لكِ أن تتأملي ما قاله ابن القيم -رحمه الله- في مدارج السالكين: "والجود عشر مراتب، ثم ذكرها فقال: والسابعة الجود بالعِرض، كجود أبي ضمضم من الصحابة، كان إذا أصبح قال: اللهم لا مال لي أتصدق به على الناس فمَن شتمني أو قذفني، فهو في حِل، وقد تصدَّقتُ عليهم بِعِرضي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للصحابة الكرام مَن يستطيع منكم أن يكون كأبي ضمضم؟؟!!"
لا تقلقي:
المؤمن لا يخشى مصائب الحياة، فكل أمره خير، يقول - عليه الصلاة والسلام -: ((عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له)) رواه مسلم وأحمد، ويقول الله – تعالى -: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة216] فالقلق يفرز سموماً في الدم تؤثر سلبياً في الصحة، ومن ثم على الجمال.
أسعدي الآخرين:
من عظمة الإسلام أن أعطى جزيل الثواب على مساعدة الآخرين وقضاء حوائجهم، ومن ثم إسعادهم؛ فقد قال - صلى الله عليه وسلم - في ذلك أحاديث كثيرة، منها على سبيل المثال: ((مَن مشى في حاجة أخيه حتى يقضيها له فكأنما اعتكف في مسجدي هذا شهراً)) ومنها أيضاً: ((خير ُالناس أنفعهم للناس)) .(/4)
ولعلك تعلمين أن إسعادك للآخرين له فضلٌ آخر غير الثواب الجزيل، هو أن سعادتهم سوف تفيض عليك أنتِ راحة ورضا وسعادة، ومن ثم: جمالاً روحيا لا ُيوصَف.
ثقي بنفسك:
الثقة بالنفس جمال من نوع خاص لأنه يمتزج بالجاذبية، ومن أهم مصادر الثقة بالنفس يقينك بنصر الله مادمت مؤمنة، وأنه- سبحانه - معك أينما كُنتِ، وأنك على الحق بانتمائك للإسلام، ومما يعينك على ذلك أيضاً أن تكتشفي مواهبك التي منحك الله إياها، وتستثمرينها فيما يعود عليك بالنفع وعلى مَن حولك، ومن خلالها تقومين بإنجازات تُشعرك بقيمة ذاتك، فيتحول ذلك في النهاية إلى انشراحٍ في الصدر، وبهاءٍ في الوجه، بل وقوة في البدن أيضاً.
مارسي الرياضة:
للرياضة -التي حث عليها الإسلام- فوائد جمة لجسم الإنسان، فهي تنشط الدورة الدموية وتعين أعضاء الجسم على القيام بوظائفها بصورة سليمة، وهذا ما يؤثر إيجاباً في لون بشرتك ونقائها، خاصة إذا مارستيها في هواء نقي، فإن لم يتوفر لك ممارسة نوع معين من الرياضة، فلك أن تمارسي تمرينات اللياقة البدنية بالاطلاع عليها في كتاب، أو بممارستها مع شريط فيديو، أو برنامج تليفزيون، أو أن تمارسي رياضة المشي بصورة منتظمة.
تناولي أطعمة الجمال:
يقول الدكتور طارق يوسف - مؤلف كتاب كنوز طب الأعشاب - عن أطعمة الجمال: إنها الأطعمة التي تحتوي على الحديد، الذي يمنح الدم لونه القاني، ومن ثم يعطي البشرة لونها الوردي؛ فالدم النقي هو أهم أدوات التجميل، لذا يجب أن تأكلي قدراً كافياً من الأطعمة التي تحتوي على الحديد بصورة كبيرة مثل: العسل الأسود -الذي يقولون عنه إنه حديد سائل- والعدس، والبازلاء، والبنجر، والكبدة، والبيض، والسبانخ، والخرشوف، والرمان، هذا إضافة إلى تناول الخضر والفاكهة الطازجة، ومنها على وجه الخصوص: الجزر والتفاح، ومنتجات الألبان، خاصة الزبادي والجبن القريش، هذا مع الاعتدال في تناول النشويات والسكريات واللحوم.(/5)
العنوان: سجن جديد على الطريقة الإسرائيلية؟!
رقم المقالة: 637
صاحب المقالة: خاص: الألوكة
-----------------------------------------
هكذا قررت إدارة الاحتلال الأمريكي في العراق مؤخراً، وهكذا بدأت الأيادي العراقية الموالية للاحتلال بالبناء..
جدار أمني عازل يفرض طوقاً من الحصار على منطقة الأعظمية في العاصمة بغداد، ذات الأغلبية السنية، التي تتهمها واشنطن بالإرهاب والتطرف!!
سجن جديد لم يعرف له التاريخ سابقة، إلا في فلسطين المحتلة، عندما قرر الإسرائيليون عزل الفلسطينيين، بنفس التهمة الجاهزة لجميع المعادين لهم (الإرهاب!)؛ فأقاموا جداراً عازلاً يفصل الحياة الفلسطينية الداخلية عن العالم الخارجي؛ مما أدي إلى جوعٍ وعوزٍ وفقرٍ، وتقطُّع السبل في السفر والوصول لأراض فلسطينية أخرى، فضلاً عن المحاصيل الزراعية التي فسدت ومضى وقت قطافها وهي على الأشجار، فلا استيراد ولا تصدير، ولا تواصل ولا اتصال.
الأعظمية.. منطقة أهل السنة المحاصرين:
عانت مدينة الأعظمية - الواقعة شمال العاصمة بغداد - استنزافاً مستمراً ومتكرراً منذ أن وَطِئَت قوات الاحتلال بقدمها على أرض الرَّافِدَيْن، خاصة وأنها تعتبر مدينة ذات أغلبية سنية وسط مناطق ذات أغلبية شيعية؛ إذ يفصل بينها وبين منطقة الكاظمية (ذات الأغلبية الشيعية) نهر دجلة من جهة الغرب.
وسميت الأعظمية بهذا الاسم نسبة إلى الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان، كما يصفه أهالي المنطقة؛ لذلك فإن الكثير من المعالم في المدينة تحمل اسم الإمام أبي حنيفة.
وإذا كان الظهور الأخير للرئيس العراقي السابق صدام حسين قبيل احتلال العراق في منطقة (الأعظمية)، فإن ذلك ليس بسبب كافٍ لأن تكون هذه المنطقة هدفاً لعمليات القتل والتهجير والقصف المستمر من قِبَل الاحتلال وأعوانه، ولكن – للأسف - هذا ما يحدث هناك.(/1)
بعد دخول الاحتلال للمنطقة، وتسلّم الشيعة للمناصب الحكومية في العاصمة بغداد، أطلقت إدارة الاحتلال يد التنظيمات الشيعية لجعل العاصمة ذات أكثرية شيعية؛ كي تكون فيما بعد مركزاً لدولة شيعية إذا ما حدث التقسيم؛ لذلك عانت المناطق السنية الويلات على يد الميليشيات الشيعية التي اشتهرت بدمويتها وطرق التفنن في القتل بحق المسلمين من أهل السنة.
على سبيل المثال، فإن منطقة حي (الثورة) ذات الأغلبية السنية خلال العهد السابق، باتت اليوم تسمى منطقة (الصدر) مع توافد آلاف الشيعة وتهجير السنة منها، لتتحول إلى منطقة شيعية بامتياز، أما الأعظمية - التي تعتبر طريق عبور نحو الكاظمية الشيعية - فقد شهدت عمليات أمنية عديدة، أسفرت عن خسائر آلاف الأرواح..
من بين المسائل الأمنية التي يعانيها أهالي المنطقة، تحويل أحد أهم شوارعها - وهو شارع الشباب - إلى منطقة عسكرية محصنة، أفرغت المنطقة من محتواها؛ إذ يعتبر شارع الشباب أحد أهم شوارع المدينة، توجد فيه الجامعة الإسلامية وكليات ومدارس عديدة، ومحال تجارية متنوعة، ولكن الحكومة الشيعية زرعت فيه نقطة أمنية، وأغلقت الشارع، فحرمت الأهالي الانتفاع به.
كذلك فإن المنطقة تشهد إغلاقاً قسرياً للمحلات التجارية فيه، منذ وقت مبكر من الليل، ما يجعل المدينة تتحول إلى مدينة أشباح، ما أفقدها بريقها الحيوي والإنساني، فضلاً عن الخسائر المادية للتجار وأصحاب المحلات. أما مستشفى المنطقة الذي يُعرَف باسم (مستشفى النعمان) فإنه بات يفتقر إلى الحد الأدنى المطلوب في أي مشفى يحتاجه الأهالي في العلاجات والإسعاف والرعاية الطبية. كذلك فقد أغلقت محطة وقود الأعظمية، التي تعتبر مركزاً حيوياً هاماً لحياة الناس هناك، ما اضطر الأهالي للذهاب إلى المناطق الشيعية القريبة للحصول على الوقود، فحدث للعديد منهم عمليات قتل وسلب وتعذيب واعتقال.(/2)
أما المعاناة الحقيقية، فهي تلك التي تقوم بها القوات المحتلة باستمرار، إضافة إلى عمليات القتل التي تقوم بها الميليشيات الشيعية؛ إذ شهدت المنطقة عشرات العمليات العسكرية الأمريكية، بحجة محاربة المقاومة المسلحة، التي توصف حكومياً (بالإرهاب!).
وعلى الرغم من ذلك، شهدت المدينة عمليات بطويلة من قِبَل أبنائها، ليس فقط فيما يتعلق بالجانب المسلح كمقاومة الاحتلال، والتصدي وحماية المدنيين من هجمات الشرطة الشيعية، بل حتى في عمليات إنقاذ الشيعة ذاتهم، وهي الحادثة التي وقعت نهاية شهر أغسطس 2005، عندما سقط مئات الشيعية من على جسر (الأئمة) الواصل بين الأعظمية والكاظمية، خلال تدافع سببه إطلاق نار عناصر فيلق (بدر) الشيعي؛ حيث قفز عدة شبان من أهل السنة في مياه النهر، لإنقاذ أرواح الشيعة، من بينهم الشاب عثمان العبيدي، الذي أنقذ أرواح 6 من الشيعة، قبل أن يغرق بسبب التعب والإجهاد الذي حل به.
ولم يكن الحادث جديداً على أهالي المنطقة، الذين كانوا منذ القديم، يرحبون بالزوار الشيعة القادمين باتجاه منطقة (الكاظمية)، مجسدين روح التعاون والإخاء، إلا أن الطرف الآخر لم يحفظ المعروف، ولم يترك للود مكاناً.
الأعظمية تحت القصف الأمريكي والشيعي:
على غرار المناطق السنية الأخرى في العراق، شهدت الأعظمية عشرات العمليات العسكرية من قِبَل الاحتلال الأمريكي، ومن قِبَل الحكومة الشيعية الموالية لها، فضلاً عن الميليشيات الشيعية التي قامت بتصفية المئات من أبناء المنطقة.
ولا يمكن إحصاء جميع العمليات التي قامت بها تلك الجهات ضد أبناء المنطقة، ولكن يكفي الإشارة إلى بعضها؛ على سبيل المثال العملية العسكرية الواسعة التي وقعت في المنطقة، في شهر إبريل (نيسان) 2006، والتي طوّقت خلالها قوات الحكومة الشيعية المنطقة، وفرضت حظر تجوّل، وقتلت واعتقلت المئات من أبناء المنطقة، بحجة الدفاع عن مراكز الأمن فيها.(/3)
وجاءت العملية العسكرية بعد أن تأذّى الآلاف من أبناء المنطقة بسبب عمليات الميليشيات الشيعية المسلحة، التي اعتقلت وعذّبت العديد منهم، البعض منهم كان يموت بسبب اسمه، والآخر كان بسبب مروره في إحدى الأحياء الشيعية، والبعض كانت يُدَاهَم في منزله، فقام عدد من أبناء المنطقة بحمل السلاح، للدفاع عن المدنيين من أهل السنة هناك، ما استدعى تدخّل قوات حكومية بالمئات، أدت إلى حدوث مواجهات دموية.
كذلك فقد شهدت المنطقة عمليات قصف مستمرة ومتكررة بقذائف الهاون، التي كانت تسقط ليل نهار على منازل المدنيين ومحلاتهم التجارية، أدت إلى مقتل 6 منهم في إحدى عمليات القصف التي استهدفت سوقاً شعبياً، كما قُتلت أكثر من عائلة في منزلها، وقُتِل آخرون في محلاتهم، عدا عن الجرحى الذين لم يستطع المشفى الفقير تأمين المستلزمات الكافية لهم. وبرغم مطالبات أهلها بوقف عمليات القصف، إلا أن قوات الاحتلال تدعي - باستمرار - عدم مقدرتها تحديد المناطق التي تُطلَق القذائف منها!!
كذلك توجد حادثة شهيرة رافقت عمليات إنقاذ الغرقى الشيعية في أغسطس (آب) 2005، حيث قامت قوات وزارة الداخلية بقيادة بيان جبر صولاغ - وزير الداخلية آنذاك - باعتقال عدة شبان من أهل المدينة، وتعذيبهم وقتلهم، دون أي تهمة أو محاكمة, وقد أنكرت الوزارة قيامها بذلك، فيما اعتبره الأهالي - في ذلك الوقت - محاولة لزرع فتيل الفتنة بين السنة والشيعة.
أما آخر عملية عسكرية في المنطقة، فقد بدأت في الخامس من شهر أبريل (نيسان) الحالي، قامت خلالها قوات أمريكية وحكومية شيعية، بعمليات دهم وتفتيش شملت العديد من أحيائها. وجاءت العملية الأخيرة بحجة أن القاعدة الأمريكية التي أقيمت وسط المدينة تعرضت لسقوط أربع قذائف (هاون) أصابت اثنتان منهما القاعدة.(/4)
وخلال العملية الأخيرة؛ حدث إطلاق نار فيما حلقت مروحيات ومقاتلات أمريكية فوق سماء المدينة، وقُتِل العديد من المدنيين وجُرِح آخرون، فيما تضررت عشرات السيارات التابعة للأهالي العزَّل، كما أحرقت قوات الاحتلال عدة محلات تجارية.
واشتكى مواطنون من إطلاق قوات الاحتلال الأمريكية كلاباً مدربة على المواطنين؛ حيث أصيب العديد منهم بجروح خطرة نُقِلوا على إثرها إلى المستشفى.
الجدار العازل:
برغم العمليات العسكرية المستمرة، حافظ أهالي المدينة على بأسهم وشجاعتهم، واستمرت عمليات المقاومة المسلحة على قوات الاحتلال والقوات الشيعية الموالية له.
فالمدينة التي باتت محاصرة دائماً، تمكّنت من تأمين القدر الأدنى من الحماية لأبنائها، فضلاً عن قيامهم بعمليات هجومية استهدفت القاعدة العسكرية الأمريكية في المنطقة، ومراكز الشرطة الشيعية الموالية للاحتلال، ولكن؛ مع استمرار قوة المقاومة فيها، فكّرت قيادة الاحتلال بإقامة سور عازل حول المدينة.
الجدار العازل الذي تم الإعلان عنه يوم الجمعة 20 إبريل (نيسان)، بدأ الجيش الأمريكي العمل فيه منذ أسبوع تقريباً.. بطول 5 كيلومترات، وارتفاع 3,5 متر، ومن المفترض أن ينتهي العمل فيه مع نهاية الشهر الحالي.
وفي حال إتمام بناء الجدار بالفعل، سوف تتحول منطقة الأعظمية كلها إلى سجن داخلي، يُمنع الأهالي فيه من التعامل بحرية ومرونة مع المناطق العراقية الأخرى، وسيكون عليهم في كل مرة يذهبون فيها أو يعودون؛ المرور على نقاط تفتيش للقوات الأميركية والشرطة العراقية، مع ما يرافق ذلك من تأخير مستمر، وتزاحم وتكديس وتعطيل أعمال وضياع حقوق.(/5)
كما سيؤكد الجدار الجديد العزلة الطائفية التي يعيشها أهالي المنطقة، وقد يكون بداية لتقسيم طائفي، ليس فقط في العراق، بل في العاصمة بغداد، التي لم ينجح الاحتلال حتى الآن من طرد أهل السنة منها، الذين يراهنون باستمرار على بقائهم هناك، ودحر الاحتلال الأمريكي ولو بعد حين.
قيادة الاحتلال الأمريكية أعلنت أنها تحاول من خلال هذا الجدار، حماية المدنيين من أهل السنة في المنطقة!! ومنع خروج من تصفهم (بالانتحاريين) باتجاه المناطق الشيعية، أي إنها تحاول منع الاقتتال الطائفي بين الجانبين (السني والشيعي) من خلال عزل منطقة كاملة، وضرب حصار حولها.
ربما لم يتمكن الاحتلال من إقامة سجن يكفي لأكثر من 300 ألف مواطن يقيمون في حي الأعظمية، خاصة وأن المعتقلات العراقية السابقة، والأمريكية الجديدة، بدأت تعجّ بعشرات الآلاف من المعتقلين، لذلك قررت إدارة الاحتلال أن تأتي بالسجن إليهم، وتطوّقهم بالجدار الخرساني، ليصبح سجناً من نوع جديد.
ادعاءات أمريكية:
بطبيعة الحال، لن تعترف قيادة الاحتلال الأمريكية أن الجدار العازل يهدف إلى تقسيم العاصمة طائفياً، ويسجن طائفة السنة المُقاوِمة خلف أسوار سجن كبير؛ لذلك، بادر عدد من قادة الاحتلال بالإعلان عن (دوافع) أخرى، جعلتهم يقررون إقامة هذه السجون.
ولكي يكون الكلام أكثر دقة، فإن الأعظمية ليست المنطقة السنية الوحيدة التي يجري خنقها جغرافياً في بغداد، بل هناك أنباء عن إقامة سور آخر حول منطقة (الدورة) ذات الأغلبية السنية أيضاً، وهو ما أكدته صحيفة "وول ستريت جورنال" في عددها الصادر الجمعة 20 أبريل (نيسان).
ضابط العلاقات العامة الرقيب مايك بريور يقول في مقال نشره جيش الاحتلال الأميركي يوم الجمعة: "إن هذا السور (سور الأعظمية) هو أحد الأجزاء المركزية في استراتيجية جديدة لقوات التحالف والقوات العراقية لكسر حلقة العنف الطائفي".(/6)
ويضيف قائلاً: "إن الأعظمية أصبحت محاصرة وسط العنف الطائفي والأعمال الانتقامية".
أما الناطق العسكري باسم قوات الاحتلال الكولونيل كريستوفر جارفر، فادعى قائلاً: "ليس هدف الخطة الأمنية تقسيم كل شيء إلى مناطق صغيرة تغلق ببوابات".
وشد على يده خطابياً العقيد سكوت ماكليرن، الذي ذهب إلى أبعد من ذلك بالادعاء أن السور "سيحمي السنة الذين يعيشون في الأعظمية من هجمات المسلحين الشيعة، وسيمنع المسلحين السنة أيضاً من شن هجمات على مناطق شيعية!".
على كل حال، الحقيقة الأكيدة هنا: أن النقطة الوحيدة التي سوف تكتظُّ بالعراقيين من أهل السنة الداخلين والخارجين من منطقة الأعظمية، ابتداءً من نهاية الشهر الحالي - ستكون معززة بقوات من الشرطة العراقية الشيعية!!
فأي حماية تلك التي تتحدث عنها قيادة الاحتلال!!(/7)
العنوان: سجود السهو
رقم المقالة: 696
صاحب المقالة: سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين
-----------------------------------------
الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداًً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان، وسلم تسليماً.(/1)
أما بعد أيها الناس: اتقوا الله تعالى، وتفقهوا في دينكم، واعرفوا حدود ما أنزل الله على رسوله فإنه من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، واعلموا أن من أهم ما يجب عليكم معرفته أحكام الصلاة التي هي الركن الثاني من أركان الإسلام وعمود الدين، ومن أكثر ما يقع الخلل فيه سجود السهو في الصلاة حيث كان يجهله كثير من المصلين، فسجود السهو له أسباب وأحكام ومواضع ينبغي لكل مسلم معرفتها حتى يكون على بصيرة من أمره إذا وقع له ذلك، فأسباب سجود السهو إجمالا ثلاثة: الزيادة والنقص والشك، فأما الزيادة، فمتى زاد المصلي في صلاته ركوعاً أو سجوداً أو قياماً أو قعوداً أو ركعة كاملة فأكثر وجب عليه سجود السهو، ومحله بعد السلام كما وقع ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - قال ابن مسعود رضي الله عنه: ((صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - الظهر خمساً، فقيل له: أزيد في الصلاة؟ قال: وما ذلك، قالوا: صليت خمساً، فسجد سجدتين بعدما سلم)). رواه الجماعة، ومتى علم المصلى بالزيادة وهو في أثناء الزيادة وجب عليه الرجوع عن الزيادة، وسجود السهو، وإذا سلم المصلي قبل تمام الصلاة ناسياً، فذكر قبل أن تمضي مدة طويلة، وجب عليه أن يتمم صلاته، ويسجد للسهو بعد السلام، فقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم الظهر أو العصر ركعتين، ثم سلم فأخبروه بأنه نسي، فتقدم، وصلى ما بقي من صلاته، ثم سلم، ثم سجد سجدتين، ثم سلم))، وأما إذا طال الفصل، أو أحدث المصلي قبل أن يذكر نقص الصلاة، فإنه يعيد الصلاة من أولها؛ لأنه لا يمكن أن يبني آخر الصلاة على أولها مع طول الفصل أو انتقاض الطهارة. وأما النقص فمتى نقص المصلي شيئاً من واجبات الصلاة ناسياً وجب عليه سجود السهو جبراً لما نقص من صلاته، ويكون قبل السلام، فإذا نسي التشهد الأول، وقام إلى الركعة الثالثة، واستتم قائماً، فليمض في صلاته ولا يرجع، ثم يسجد سجدتين للسهو(/2)
قبل السلام، فعن عبد الله بن بحينة ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى، فقام في الركعتين، فسبحوا به، فمضى في صلاته، فلما كان في آخر الصلاة سجد قبل أن يسلم، ثم سلم)) متفق عليه، ومثل ذلك إذا نسي أن يقول: سبحان ربي العظيم في الركوع، أو سبحان ربي الأعلى في السجود، أو نسي شيئاً من التكبير غير تكبيرة الإحرام. وأما الشك، فإذا شك المصلي كم صلى ثلاثاً أم أربعاً، ولم يترجح عنده شيء، فليطرح الشك، وليبن على ما استيقن، وهو الأقل، فليتم عليه، ثم يسجد سجدتين قبل السلام، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا شك أحدكم في صلاته، فلم يدر كم صلى ثلاثاً، أما أربعاً، فليطرح الشك، وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمساً شفعن صلاته، وإن كان صلى إتمام كانتا ترغيماً للشيطان)). رواه أحمد ومسلم، وإذا شك المصلي هل صلى ثلاثاً أم أربعا، وترجح عنده أحد الأمرين بنى عليه، وأتم الصلاة على ما ترجح عنده، ثم سلم، ثم سجد سجدتين بعد السلام لما في الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا شك أحدكم في صلاته، فليتحر الصواب، فليتم عليه، ثم ليسلم، ثم ليسجد سجدتين)). هذه أيها المسلمون هي الأصول في سجود السهو، وقد تبين منها أن سجود السهوله موضعان موضع قبل السلام، وموضع بعده فمواضع سجود السهو بعد السلام ثلاثة: الأول إذا زاد في صلاته، الثاني إذا سلم قبل اتمامها، وهو من الزيادة في الواقع، الثالث إذا شك، فلم يدر كم صلى، وترجح عنده أحد الأمرين، وما عدا ذلك، فمحله قبل السلام. أيها الناس إن كثيراً من المصلين ينكرون سجود السهو بعد السلام، ويستغربونه، وذلك لأنهم يجهلون هذا الحكم الشرعي الذي يرى بعض العلماء أن ما كان من سجود السهو قبل السلام فهو واجب قبل السلام، وما كان بعده فواجب أن يكون بعده، وسبب جهلهم عدم تعلمهم لذلك، وعدم العمل به من أئمة المساجد وأئمة(/3)
المساجد منهم من لا يدري بذلك، ويحسب أن سجود السهو قبل السلام في كل حال، ومنهم من يدري، ولكن لا يعمل يقول أخشى من التشويش، وهذا ليس بعذر في ترك ما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - بل الحق الذي يكون به براءة الذمة ونشر السنة أن يسجد بعد السلام إذا كان موضع السجود بعد السلام حتى يعرف الناس ذلك، ويفهموه، ويعملوا به، ويزول عنهم التشويش، ويكون لفاعله أجر من أحيا سنة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفاً} [النساء:36-38]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم... الخ.(/4)
العنوان: سدل الستار على المسرحية الليبرالية
رقم المقالة: 832
صاحب المقالة: قمراء السبيعي
-----------------------------------------
برعاية راند: سدل الستار على الفصل الأخير من المسرحية الليبرالية الخاسرة!
كيف يمر على السمع والبصر إعلان للمنكر والمناداة له ؟! بل كيف لا يكون للمصلحين دور في وجه هذه المحاولات البغيضة، صوت ناصح به تُحرس الفضائل، وتُكبت الرذائل؟! من خلاله يؤخذ على أيدي السفهاء المحسوبين من مجتمعنا بكل أسف، فها نحن أولاء نشاهد ثُلَّة - لا كثَّرها الله - من أهل الريب والفتن يختالون في ثياب الإعلام، فقد عظمت جرأتهم، وبلغت مبلغاً لا يمكن السكوت عليه، لا سيما أنهم اتخذوا من بوابة المرأة السعودية مركزاً لشن غاراتهم الشرسة، وتصويرها بصورة سيئة لا ترضي جميع فئات الشعب المحافظة، تكررت محاولات عبثهم، ولمزهم في أجهزة رسمية إعلامية!
وأنا هنا أتساءل: لِمَ توجد بيننا ثلة تريد تكرار فصول المسرحية الغربية الخاسرة، وتنادي بصوت لا يسمع سوى صداه، بأن المرأة لن تصل إلى حقوقها إلا بالخروج على قيود مجتمعها والخروج على دينها قبلها؟!!
ولنمسك بخيوط هذه المسرحية من بدايتها:
أحداث سبتمبر أفرزت تياراً يسمّي نفسه (ليبراليا)، اتخذ من مبدأ الخصومة مع واقع المجتمع السعودي المتديّن والمحافظ جدّاً شعاراً له، فأصبح غير قادر على إحداث تحوّل اجتماعي، بطبيعة جماهيرية، فلجأ إلى الإعلام، الذي يسيطر على وسائله، مما جعله ظاهرة تطفو على السطح، ولكن بلا رؤية، ولا برنامج ، وتفتقد لعمق وتأييد شعبي.(/1)
يُعول الغرب عليهم كثيراً ، ويتجدد الأمل بالاحتلال من خلال هذه الأدوات، ليتم إحداث التغير من الداخل كما يأمُل "توماس فريدمان" في مقاله الذي نشرته صحيفة الشرق الأوسط في عددها رقم 8784 بتاريخ 12 / شوال / 1423 هـ والموافق 16/12/2002م، يثني فيه على بعض هؤلاء المرتزقة حيث يقول: (علينا أن لا نبالغ في الحديث عن نفوذ هؤلاء الكتاب أو في تجاهلهم، وعلينا أن نعي أنهم هناك، وأن الحادي عشر من سبتمبر شجعهم على الظهور، حيث أدى ذلك لاكتساب (طرحهم) المزيد من الزخم، تمنوا لهم التوفيق فهم أفضل ما يمكن أن نعلق عليه الآمال بشأن إحداث تغيير من الداخل وهو التغيير الوحيد الذي يهم الجميع).
بل إن تقريراً نُشر مؤخراً من مركز دراسات مؤسسة راند (RAND Corporation) في تقريرها الأخير 2007م، الذي مكثت المؤسسة في إعداده ثلاث سنوات ، ومن خلاله تُرسم خطةُ للسياسية الأمريكية في التعاملِ مع الأحداث في العالم أجمع، ومنها منطقة ما يسمونه بـ "الشرق الأوسط"، وقد حمل التقرير الأخير قضايا خطيرة جداً، وعنون للتقرير "بناء شبكات مسلمة معتدلة".
ووفقاً لما يذكره التقرير، فالتيار (الإسلامي) المعتدل المقصود هو ذلك التيار الذي:
1 - يرى عدم تطبيق الشريعة الإسلامية.
2 - يؤمن بحرية المرأة في اختيار "الرفيق"، وليس الزوج.
3- يدعم التيارات الليبرالية.
وهذا كما هو واضح ينطبق على توجهات القوم، الدراسة (أو التقرير) خطيرة كما هو واضح ومليئة بالأفكار السامة التي تركز على ما يسمونه "علمنة الإسلام"
الأمر المؤكد أن هذه الدراسة تركز - كما يقول مؤلفها الرئيسي في حوار صحفي - على أن "الهدف ليس طرح الصراع بين العالم الإسلامي والغرب، وإنما بين بعض العالم الإسلامي وبعضه".
فهل وصلت السذاجة لدى البعض إلى التصفيق لهذا الاختراق الخطير؟ والخضوع له طواعية؟!
ولنطلع على مقالاتهم:(/2)
نجد أنها تتميز بهشاشة الفكر، وسطحية النظر، والاستخفاف بعقلية القارئ، وهم يرددون تباعاً قضايا ملَّ القراء من تكرارها، ولا تدور إلا حول الطعن في الدعوة وأهلها واللمز في تحكيم الشريعة الإسلامية ، وبدعوى سقيمة يرددونها ألا وهي: مصلحة الأمة، وبدعوى تشغيل نصف المجتمع (المرأة) ، وبدعوى تحقيق المكاسب الاقتصادية العالية!!
فأجد أكثر الصفات التي تنطبق على تلك الخربشات صفتين لا ثالثة لهما:
أولاهما: الغموض: فلا يوجد لديهم أي وضوح فمقالاتهم متذبذبة وغارقة في الاصطلاحات الفلسفية الغريبة عن المجتمع (صحوي، حزبي، مجتمع تقليدي، وهابي، متشدد ... الخ)
ثانيتهما: التناقض: فحين تسأل أحدهم عن موقفه من حل القضايا ومشكلات المجتمع وفق الشريعة الإسلامية، قد لا يبدي معارضة واضحة صريحة، لكن حين تقرأ مقالاتهم تجد التنكرَ لذلك والتناقضَ، بل التهجمَ على الشريعة الإسلامية وأهلها ، وتلفيق التهم للدعاة والعلماء والتشكيك في مصداقيتهم وعدالتهم، وتلميع صورة الغرب ومنهجية حلوله لقضايا المجتمع.
ومن النماذج والشواهد على ذلك من الأقلام النسائية[1]:
* مرام مكاوي في مقال "مواطنة من الدرجة الثالثة" قالت: فصل الأطباء عن الطبيبات في أحد المؤتمرات .. موقف لا إنساني, ولو كنت في السعودية وكانت لدى القدرة على رفع قضية على المنظمين وعلى المستشفى لفعلت.
* هيفاء المنصور في مقال "المرأة السعودية تتحدى الكاميرا" قالت: ما يستحق التقدير للمرأة السعودية عندما وقفت تشجع في المدرجات, وسجلت اعتدادها بهويتها ورفضها للتخفي.
* مها الحجيلان: ساهمت العباءة بشكل مباشر في تعطيل بعض المهارات الأساسية عند المرأة كالكلام الحر الطبيعي تمنعه وتستبدل به وصوصة. وقالت: عباءة الرأس التي تجعل المرأة .. أشبة بطائر ضخم يمشى.(/3)
* نادين البدير في مقال "المرأة السعودية بين المصالح والأهواء" قالت: إلى متى ستستمر النساء في بلادي باتشاح السواد الحزين, والتواري في المقاعد الخلفية كالشياطين.
* ميرا الكعبى في مقال "الجاهلية الحديثة" قالت: أفكار الوأد الحديثة ما زالت تخيم على المجتمع فالمرأة ممنوعة من السفر إلا بتصريح ولي أمر, وهى ممنوعة من العمل ما لم تقدم موافقة ولي الأمر, وهى ممنوعة من الإقامة في النزل العامة والفنادق ما لم يرافقها محرم.
* نادين البدير في مقال "ثقافتنا وظاهرة التحرش" قالت: على من يرون المرأة شرا مستطيرا, فيوجهون لها النصائح ...كمراعاة الحشمة والابتعاد عن أدوات الزينة, وعدم نثر العطور لأن ذلك مدعاة للتحرش ... وأتساءل أي فكر هذا الذي توصل إلى أن عطراً يمكنه أن يثير الغرباء.
وما أود الإشارة له أيضاً، بما أنهم يطالبون بالانفتاحية، والتطور غير المحسوب، فليخبرونا منذ متى ونحن نطالب بالانغلاق على الذات والتقوقع على نمط تفكير أحادي ؟! بل ما نطمح إليه أن يتم التلاقح مع الحضارات الأخرى، ولكن لا بد أن يكون عن وعي وإرادة جادة للاستفادة من كل ما هو جيد، وبأسلوب حذر، ولذلك أن أي مبادرات أو ضغوط للتغيير القسري المخطط لا نقبله أبداً.
فنحن دائماً ما ندعو للإصلاح والتطور ولكن وَفق قيمنا، وثقافتنا، وتعاليم ديننا، وثوابتنا الإسلامية، وليس بناءً على ما يريده الغرب ولا بناءً على ثقافته وقيمه ورؤيته!
لا سيما وديننا الإسلامي ليس منهجا روحيا فحسب، بل هو منهج حياة متكامل يشمل المعاملات والعبادات والعلاقات على مستوى الأفراد والجماعات، لكنهم تعاموا عن شمولية الإسلام ومارسوا الانتقائية القصدية وَفق أهوائهم!.
لذا أقترح في الختام لسدل الستار على آخر فصول هذه المسرحية عدداً من التوصيات:(/4)
1- هناك جهود هائلة لتكريم هؤلاء الكتاب من قبل جهات غربية، ورأينا التهنئة تقدم لهم على صدر صفحات صحفنا، وتتوالى مقابلاتهم فخراً بتلك الجوائز والتكريم ، لمَ لا تتم المبادرة إلى تكريم الكتاب المنافحين عن دينهم ووطنهم دون مزايدات.
2- لابد من زيادة لعدد الزوايا الصحفية ، وزيادة المساحة للكتاب الذين يمثلون الصوت الشعبي الحقيقي المحافظ، بحيث تناقش هذه الزوايا القضايا العصرية التي تمر بها الأمة والمجتمع السعودي بشكل خاص، ولا تقتصر مشاركتهم على الرد على المتطاولين على شريعتنا السمحاء، وأقل الأمور أن تُنشأ جمعية تُعنى بكل ما يصدر مخالفاً للدين، والرد عليه رداً مؤصلاً، فالجهود الفردية حتماً ستفتر جهودها، وعلى العكس عندما تكون الجهود تسير وَفق منظومة ليكمل بعضها بعضاً.
3- لابد أن تكون هناك مرجعية دينية لكل صحيفة ، على غرار المخرج الفني فيها، وكذلك المصحح اللغوي، لتراعي كل ما يصدر من مخالفات لبنود السياسة الإعلامية كما في المادة الأولى من قرار مجلس الوزراء رقم 169 في 20/10/1402هـ والمادة الثانية التي تنص على "مناهضة التيارات والاتجاهات الصارفة للمسلمين عن دينهم والتصدي لها"، لاسيما أن نظام دولتنا - وفقها الله - ينطلق من أسس شرع الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وذلك حسب ما ورد في النظام الأساسي للحكم بالمادة السابعة.
4- إدراج لائحة للعقوبات تكون معروفة البنود ومتفقا عليها من قبل هيئة كبار العلماء ووزارة الإعلام، تطبق على كل مخالفة تخرج من أي عمود صحفي دون محسوبيات، وما هي ببعيدة عنا قضية ذلك الكويتب الذي صدر الحكم عليه بالجلد ثم بعد ذلك وبفضل جهود الجهة الخصم، تحولت العقوبة إلى غرامة مالية فقط!
ونصيحة أخيرة له ولمن على شاكلته نقول:
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا الذي كان قبل الموت يبنيها
فإن بناها بخيرٍ طاب مسكنه وإن بناها بشرٍّ خاب بانيها
ــــــــــــــــــــــــ(/5)
[1] (ما سبق من اقتباسات للكاتبات أعلاه مأخوذ بتصرف من مقال للأخت: فوزية الخليوي بعنوان "ما القاسم المشترك بين كاتبات الوطن!" ونشر في شبكة القلم بتاريخ 10-3-2007).(/6)
العنوان: سرية بئر معونة
رقم المقالة: 1629
صاحب المقالة: الشيخ إبراهيم الحقيل
-----------------------------------------
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70 – 71].
أما بعد: فإن أحسن الحديث كلام الله - تعالى - وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الناس: في زمن الهوانِ والانكسارِ، وعندما تحيط المصائب والنكبات بالمسلمين، ويتسلط عليهم أعداؤهم من كفار ومنافقين؛ فإن الواجب على المسلم في مثل تلك الأحوال أن يعتني بصلاح قلبه، ورباطةِ جأشه، وثباتِه على دينه، وقوتِه في الحق؛ لئلا يزيغَ مع الزائغين، ويهلك مع الهالكين.(/1)
ومما يعين على ثبات القلب، وسلامته من الفتنة، وصبره على البلاء: مطالعة أخبار الثابتين على الحق، المستسلمين لأمر الله - تعالى - وحكمه، الراضين بقضائه وقدره، المقرين بعلمه وحكمته، الموقنين بوعده ونصره؛ فإن سير هؤلاء الرجال تدفع المسلم إلى التأسي بهم في ثباتهم ويقينهم.
وكم في تاريخ الأمة المسلمة من رجال واجهوا المحن والبلايا بالثبات والصبر، واليقين بوعد الله - تعالى - ونصره، حتى وافتهم المنايا وهم لم يبدلوا دينهم، أو ينتكسوا على أعقابهم. حالهم كحال الصالحين من أتباع النبيين والمرسلين الذين حكى القرآن قصصهم، وأمر الله - تعالى - بالتأسي بهم في ثباتهم وصبرهم.
وإن كان المؤمنون يحزنون لما أصاب الأمة المسلمة من الضعف والمهانة، ومن تسلط الكافرين عليها، وشماتة المنافقين بها؛ فإن هذا الحزن قد أصاب خيار الأمة؛ ولكنه ما فتَّ في عضدهم، ولا وهن عزيمتهم، ولا أضعفهم عن القيام بحق الله - تعالى - عليهم من الإيمان والدعوة: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ * وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ المُرْسَلِينَ} [الأنعام 33 – 34].(/2)
ولما توقف الصحابة - رضي الله عنهم - عن مُقاتلة المشركين في أحد بعدما سمعوا الصارخ يصيح بأن محمدًا قد قتل عاتبهم الله - تعالى - وعذلهم على فرارهم وتركهم القتال، فقال سبحانه يخاطبهم: {أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144]، ثم أخبر - سبحانه - عن أحوال الأنبياء السابقين، ومدح ثباتهم على الحق رغم ما أصابهم من عظيم المحنة والبلاء، والقتل والتشريد، فقال - سبحانه -: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 146].
قال قتادة: {فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُوا} أي: بقتل نبيهم، {وَمَا اسْتَكَانُوا} أي: فما ارتدوا عن نصرتهم، ولا عن دينهم أن قاتلوا على ما قاتل عليه نبي الله - تعالى - حتى لحقوا بالله وما ذلّوا لعدوّهم[1]، وما كان قولهم في حال شدتهم: {إِلا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ * فَآَتَاهُمُ اللهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآَخِرَةِ وَاللهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ} [آل عمران: 147 – 148]، وثواب الدنيا الذي آتاهم الله - تعالى - إياه هو النصر والظفر وحسن العاقبة، فجمع لهم بين المثوبتين، ونالوا الحسنيين، نسأل الله - تعالى - أن يجعلنا كذلك، وأن يلحقنا بهم، إنه سميع مجيب.(/3)
أيها الإخوة: وكما ثبت قوم صالحون من الأمم الماضية على دينهم فإن رجالاً صالحين من هذه الأمة ثبتوا كذلك؛ ففي شهر صفر من السنة الرابعة للهجرة[2]، وقعت حادثة لجمع من خيار الصحابة وقرائهم - رضي الله عنهم - وأرضاهم، لقوا فيها ربهم، وهم ثابتون على دينهم، موقنون بوعد ربهم لهم.
إنهم جمعٌ من الصحابة بلغوا سبعين صحابيًّا، كانوا من زهَّادِ الصحابة، ومن خيار المسلمين وفضلائهم، كان الصحابة يسمونهم القراء؛ لكثرةِ قراءتهم للقرآن، وتهجدهم به في الليل.
كانوا يحتطبون بالنهار، ويصلون بالليل، ويضعون الماء في المسجد للمسلمين، ويطعمون فقراء الصحابة من طيب كسبهم؛ جرت عليهم محنةٌ عظيمة، وابتلاء كبير، وغدر بهم المشركون، فثبتوا على دينهم حتى لقوا الله - تعالى - غير مبدلين ولا مغيرين.
وملخصُ خبرهم: أن أبا براء عامر بن مالك المدعو "ملاعب الأسنَّة" قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، فدعاه إلى الإسلام، فأبى أن يسلم ولم يَبْعُد، وقال: "يا محمد، لو بعثت رجالاً من أصحابك إلى أهل نجدٍ رجوت أن يستجيبوا لك، ويتبعوا أمرك"، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إني أخاف عليهم أهل نجد)) فقال: "أنا جارٌ لهم أن يعرض لهم أحد"، فبعث معه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبعين من الأنصار شببةً يسمون القُرَّاء، وأمَّر عليهم المنذرَ بن عمرو الساعدي، فلما نزلوا ببئر معونة عسكروا بها، وسَرَّحَوا ظهرهم، وبعثوا حرامَ بن ملحان - رضي الله عنه - بكتاب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عدوّ الله عامر بن الطفيل، فلم ينظر فيه، وأمر رجلاً فطعن حرامًا بالحربة من خلفه، فلما أنفذها فيه، ورأى الدم، قال حرام: "فزتُ ورب الكعبة".(/4)
ثم استنفر عدو الله لفوره بني عامر إلى قتال الباقين فلم يجيبوه لأجل جوار أبي براء، فاستنفر بني سليم، فأجابته عُصَّية ورِعْلٌ وذكوان، فجاؤوا حتى أحاطوا بأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقاتلوا حتى قتلوا عن آخرهم إلا كعبَ بن زيد بن النجار فإنه ارتُثَّ بين القتلى - أي حمل من أرض المعركة جريحًا -[3]، فعاش حتى قتل يوم الخندق.
وكان عمرو بن أمية الضَمْري والمنذر بن عقبة بن عامر في سَرْح المسلمين، فرأيا الطير تحوم على موضع الوقعة، فنزل المنذرُ فقاتل المشركين حتى قتل مع أصحابه، وأُسر عمرو بن أمية الضَمْري، فلما أَخْبَرَ أنه من مضر جزَّ ابن الطفيل ناصيته، وأعتقه عن رقبةٍ كانت على أمه[4].
وقد وقعت كرامة لأحد القتلى رآها عدوّ الله عامر بن الطفيل فقد جاء في صحيح البخاري ان ابن الطفيل لما أسر عمرو بن أمية الضَّمْري أشار إلى أحد القتلى فقال: "من هذا؟"، فقال له عمرو بن أمية: "هذا عامر بن فُهيرة"، فقال: "لقد رأيته بعدما قتل رفع إلى السماء، حتى إني لأنظر إلى السماء بينه وبين الأرض ثم وضع"[5]، وجاء في رواية أخرى أن قاتله أسلم وقال: "دعاني إلى ذلك ما رأيت من عامر بن فُهيرة"[6].
وقد تأثر النبي - صلى الله عليه وسلم - لمقتلهم حتى قال أنس - رضي الله عنه -: "فما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجَدَ على شيء ما وجد عليهم"[7]؛ فقد كان عددهم يُوازِي عدد قتلى أحد، إضافة إلى أنهم من القرَّاء العبَّاد، وقد قتلوا غدرًا وغيلة؛ ولذلك دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - على قَتَلَتهم شهرًا كاملاً؛ كما جاء في الصحيحين من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - وفيه: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما بلغه خبرُ مقتل أصحابه وغدر بني سليم بهم قنت شهرًا يدعو في الصبح على أحياءٍ من أحياء العرب، على رعْل وذكوانَ وعُصَّيه وبني لحيان"[8].(/5)
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: "قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهرًا مُتتابعًا في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح، في دبر كل صلاة، إذا قال: سمع الله لمن حمده من الركعة الأخيرة يدعو عليهم، على حي من بني سليم، على رعل وذكوان وعصيَّة، ويؤمِّن مَنْ خَلْفَه"؛ رواه الإمام أحمد، وأبو داود، والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي[9].
وقد أخذ العُلماء من ذلك مشروعية القنوتِ في الصلوات الخمس في النازلة العظيمة تنزل بالمسلمين، كما أخذوا مشروعية الدعاء على المشركين المحاربين.. وهذا فيه ردٌّ على مَنْ زَعَمَ أنَّ الدُّعاء للمشركين بالهداية أولى من الدعاء عليهم بالهلاك والعذاب؛ كما يردّده بعض من لا علم عنده من الصحفيين وأشباههم، ينتقدون من يدعون عليهم، وما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ليترك الأولى إلى غيره.(/6)
والهَدْيُ النبوي في ذلك هو أكمل الهدْي، فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو لهم ويدعو عليهم، وموجبات الدعاء عليهم التي وجدت على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - موجودةٌ في عصرنا هذا، وهي عداوتهم لأهل الإسلام. وأحكام ديننا ومعاملتنا مع غيرنا قد جاء تفصيلها في الكتاب والسنة، فلا نحتاج في معرفتها إلى آراء جهلة، وأهواء ذَوِي هوى لا يعرفون شريعة الله - تعالى - وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه دعا على أهل الأحزاب بالنار وبالزلزلة والهزيمة، فقال - عليه الصَّلاة والسَّلام -: ((ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارًا))[10]، وقال: ((اللهم اهزمهم وزلزلهم))[11]، ودعا على أهل مُضَر بالجوع فقال - عليه الصَّلاة والسَّلام -: ((اللهم اشدد وطأتَكَ على مُضَر، اللهم سنين كسِني يُوسف))[12]، ودعا على أحياء من العرب، ودعا على أشخاص من صناديد المشركين سمَّاهم بأسمائهم ولعنهم في دعائه[13]؛ فكل ذلك مشروع ومن هديه وسنته المحفوظة، وقد بوب البخاري - رحمه الله تعالى - على هذه الأحاديث بقوله: "باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة"[14].
ولو ظن أنه إن دعا عليهم يدعون على المسلمين، فإنه لا يترك الدعاء عليهم لأجل ذلك؛ لما جاء في حديث عائشة - رضي الله عنها - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إنا نجاب عليهم ولا يجابون علينا))، وفي لفظ: ((يُستجاب لنا فيهم، ولا يُستجابُ لهم فينا))[15]، قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى -: "ففيه مشروعية الدعاء على المشركين ولو خشي الداعي أنهم يدعون عليه"[16].(/7)
وكما كان من هَدْي النبي - صلى الله عليه وسلم - وسنته الدعاء على المحاربين من المشركين فإن من سنته أيضًا الدعاء للمسالمين منهم بالهداية إذا كان يرجو إسلامهم، ويطمع في هدايتهم؛ كما جاء عنه - عليه الصلاة والسلام - أنه دعا لدوس[17]، ودعا لأم أبي هريرة - رضي الله عنهما -[18]، وقد بوَّب البُخَارِيّ على ذلك بقوله: "باب الدعاء للمشركين بالهدى ليتألفهم"[19].
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى -: "وقوله: (ليتألفهم) من تفقه المصنف إشارة منه إلى الفرق بين المقامين، وأنه - صلى الله عليه وسلم - كان تارة يدعو عليهم، وتارة يدعو لهم؛ فالحالة الأولى حيث تشتد شوكتهم، ويكثرُ أذاهم.. والحالة الثانيةُ حيث تُؤمَنُ غائلتهم، ويُرجى تألفهم كما في قصة دَوْس"[20].
أسأل الله - تعالى - أن يرزقنا الفقه في الدين، وأن يثبتنا على الحق المبين، وأن يكفينا شر الكافرين والمنافقين، إنه سميع مجيب، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه؛ كما يحب ربنا ويرضى، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ مُحَمَّدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أمَّا بعْدُ: فاتقوا الله - تعالى - وأطيعوه، واثبتوا على دينكم حتى تلقوا ربكم؛ ففي ذلك النجاة من عذاب الآخرة، والفوزُ بالنعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول: {وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الزُّمر: 61].
أيُّها الإخوة المؤمنون: تنطوي حادثة سرية بئر معونة، وما حصل للمسلمين فيها من عظيم الابتلاء على دروس مهمة، جديرٌ بالمسلم أن يتأملها، ويستفيدَ منها، ولا سيما في وقتٍ تعظم فيه المحن، وتشتد الأزمات.(/8)
فهذه الحادثة تبين بجلاء حقيقة المشركين، وشدة عداوتهم للمؤمنين، وغدرهم بهم حينما تسنح فرصة للغدر، كما تبرز حجمَ الابتلاء الذي ابتلي به هؤلاء النخبة من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد خرجوا يُعلمون الناس القرآن، فقُتلوا خيانةً وغدرًا.
وما كاد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم - يكفكفون دموعهم على شهداء أحد حتى ابْتُلُوا بقتل سبعين آخرين في هذه الحادثة المؤلمة، وليس بين الحادثين إلا قريبًا من ثلاثة أشهر[21]؛ فابتلاء يعقبه ابتلاء، وامتحان في إثر امتحان للطائفة المُؤْمِنَة، وليس المسلمون في هذا العصر بأكرم على الله - تعالى - من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام - رضي الله عنهم - الذين ابتلوا أشدَّ الابتلاء، ومن أراد ثواب الآخرة صبر على ابتلاءاتِ الدنيا. والابتلاءُ سنة ماضية يجريها الرب - تبارك وتعالى - على الأنبياء وأتباعهم.
ومن أهمِّ الدُّروس التي يحتاجها المسلم في هذا الزمن من تلك الحادثة: ثباتُ هذه العصابة المؤمنة على دينهم حتى لقوا الله - تعالى - وكان أشدَّ شيء حرصوا عليه وهم يلقون الله - تعالى - أن يبلغوا النبي - صلى الله عليه وسلم - ويبلغوا إخوانهم رضاهم عن الله - تعالى - بما أكرمهم به من الكرامة والشهادة، وبما أسبغ عليهم من الرضى عنهم حتى قالوا: "اللهم بلغ عنا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا"[22]، وفي رِوَاية قالوا: "ربنا أخبر إخواننا بما رضينا ورضيت عنا فأخبرهم عنهم"[23].(/9)
إنهم ما نالوا هذا الرِّضَا عن الله - تعالى - إلا لأنه - سبحانه - أرضاهم، وقد استحقوا هذا الرضا برحمة الله - تعالى - ثم بسبب ثباتهم على دينهم رغم المحنة والبلاء، حتى بذلوا نفوسهم رخيصة في سبيل ذلك، وما كان لهم من هم إلا أن يعلم إخوانهم مصيرهم، ورضا الله - تعالى - عنهم؛ حتى يثبتوا على دينهم مهما كانت الصوراف والتبعات؛ ذلك أن رضى الله - تعالى - يستحق كل تضحية.
وثمة ملاحظة لابد أن نفطن لها، وهي أن الخوف على الأنفس لا يُسوِّغ وقف الدعوة إلى الله - تعالى - فإذا ما عظُم مكرُ الكافرين، وافتراء المنافقين على عباد الله المؤمنين، وآذوهم بسبب دعوتهم إلى الله - تعالى - فإن ذلك ليس عذرًا صحيحًا لتعطيل الدعوة، حتى ولو كان في ذلك مظنة ذهاب النفوس، فقد رأينا النبي - صلى الله عليه وسلم - كان خائفًا في بداية الأمر من إرسال هذه السرية، وصرح بخوفه عليهم من الغدر؛ ولكنه غلَّب جانب مصلحة الدعوة، وتبليغِ الدين للناس على جانب الخوف على أصحابه، فكان ما كان من أمر الله - تعالى - وقدره.
فإذا كان الخوف على النفوس لا يسوِّغُ وقف الدعوة إلى الله - تعالى - وتعطيلها فما دونه من باب أولى؛ كالخوف على الجاه والمال وغيره.
ألاَّ فاتقوا الله ربكم، واثبتوا على دينكم، وادعوا إلى سبيل ربكم بالحكمة والموعظة الحسنة؛ حتى تلقوا الله - تعالى - فيرضى عنكم وترضوا عنه، وذلك الفوز العظيم.
وصلوا وسلموا على خير خلق الله؛ كما أمركم بذلك ربكم.
---
[1] انظر: "تفسير ابن كثير" (615)، عند تفسير الآية (146) من سورة آل عمران.
[2] "زاد المعاد" (3/246).
[3] قال الخطابي في "غريب الحديث" (2/211): "قوله: ارتث معناه: حمل من المعركة مثخنًا"، وقال القاسم بن سلام في "غريب الحديث" (4/378): "هو أن يحمل من المعركة وبه رمق، فإن حمل ميتًا فليس بارتثاث" ا هـ. وانظر: "الفائق" للزمخشري (2/37)، و"النهاية" لابن الأثير (2/196).(/10)
[4] قصتهم أخرجها الشيخان: البخاري في المغازي؛ باب غزوة الرجيع ورعل وذكوان وبئر معونة... (4088 - 4089 - 4090 - 4091 - 4092 - 4093 - 4094 - 4095 - 4096)، ومسلم في الإمارة باب ثبوت الجنة للشهيد (677)، والسياق الذي أوردته مأخوذ من مجموع الروايات، بالإضافة إلى زيادات من "طبقات ابن سعد" (2/40 ـ 41)، و"زاد المعاد" لابن القيم (2/246 ـ 248).
[5] هذه الرواية للبخاري برقم (4094).
[6] "فتح الباري" (7/451).
[7] هذه الرواية للبخاري في الدعوات باب الدعاء على المشركين (6394).
[8] هو حديث أنس في قصتهم المخرج في هامش (4).
[9] أخرجه أحمد (1/301 ـ 302) واللفظ له، وأبو داود في الصلاة باب القنوت في الصلوات (1443)، وصححه ابن خزيمة (618)، والحاكم وقال: على شرط البخاري، ووافقه الذهبي (1/225)، وصححه النووي في "المجموع" (3/482).
[10] أخرجه من حديث علي - رضي الله عنه - البخاري في الجهاد والسير باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة (2931)، ومسلم في المساجد باب الدليل لمن قال: الصلاة الوسطى هي صلاة العصر (627).
[11] أخرجه من حديث عبد الله بن أبي أوفى البخاريُّ في الجهاد والسير باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة (2933)، ومسلم في المساجد باب استحباب القنوت في جميع الصلوات (675).
[12] أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في الجهاد والسير باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة (2932)، ومسلم في المساجد باب استحباب القنوت في جميع الصلوات (675).
[13] وذلك مثل دعائه على أبي جهل، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأبي بن خلف، وعقبة بن أبي مُعَيْط، وأمية بن خلف... كما في حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - عند البخاري في الجهاد والسير باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة (4392)، ومسلم في الجهاد باب ما لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - من أذى المشركين والمنافقين (1794).(/11)
[14] وذلك في كتاب الجهاد والسير باب رقم (98)، وفي كتاب الدعوات أيضًا باب رقم: (58).
[15] أخرجه مسلم في السلام باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام، وكيف يرد عليهم (2166)، وأحمد (3/383)، واللفظ الآخر لإسحاق بن راهويه في "مسنده" (1685).
[16] "فتح الباري" (6/125).
[17] جاء ذلك في حديث أبي هريرة عند البخاري في الدعوات باب الدعاء للمشركين (6397)، ومسلم في فضائل الصحابة باب من فضائل غفار وأسلم (2524).
[18] كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عند مسلم في فضائل الصحابة باب فضائل أبي هريرة الدوسي (2491)، وأحمد (2/219 ـ 220).
[19] وذلك في كتاب الجهاد والسير رقم الباب (100)، وفي الدعوات الباب (59).
[20] "فتح الباري" (6/126). وها هنا مسائل عدة يحسن الحديث عنها:
المسألة الأولى: قال بعض العلماء: "إن الدعاء على الكفار منسوخ بقول الله – تعالى -: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128].
وقال الحافظ في "الفتح" (11/199): وحكى ابن بطال أن الدعاء للمشركين ناسخ للدعاء على المشركين، ودليله قوله - تعالى -: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ}، قال ـ أي ابن بطال ـ والأكثر على أن لا نسخ، وأن الدعاء على المشركين جائز، وإنما النهي عن ذلك في حق من يرجى تألفهم ودخولهم في الإسلام. ويحتمل في التوفيق بينهما أن الجواز حيث يكون في الدعاء ما يقتضي زجرهم عن تماديهم على الكفر، والمنع حيث يقع الدعاء عليهم بالهلاك على كفرهم" ا هـ.
وأدلة من قال بالنسخ:(/12)
حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع، فربما قال إذا قال سمع الله لمن حمده: ((اللهم ربنا ولك الحمد، اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة ابن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، اللهم اشدد وطأتك على مُضَر، واجعلها سنين كسني يوسف))، يجهر بذلك، وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر: ((اللهم الْعَن فلانًا وفلانًا لأحياء من العرب)) حتى أنزل الله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} الآية [آل عمران: 128] الآية، أخرجه البخاري في التفسير باب {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} (483)، ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة باب استحباب القنوت في جميع الصلوات إذا نزلت بالمسلمين نازلة (675)، وجاء في رواية مسلم: "ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما أنزل: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}" وفي لفظ آخر لمسلم: قال أبو هريرة - رضي الله عنه -: "ثم رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك الدعاء بعد، فقلت: أرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد ترك الدعاء لهم، قال: فقيل: ما تراهم قد قدموا؟".
حديث أنس - رضي الله عنه - قال: "قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهرًا بعد الركوع يدعو على أحياء من العرب ثم تركه"؛ أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الرجيع (4096)، ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة باب استحباب القنوت في جميع الصلاة (677) واللفظ لمسلم.
فهذان الحديثان وما في معناهما تنسخ ما كان جائزًا في أول الأمر من الدعاء على المشركين ولعنهم.
والقول بالنسخ مردود بما يلي:(/13)
حديث أنس - رضي الله عنه -: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كسرت رباعيته يوم أحد، وشج في جبهته حتى سال الدم على وجهه، فقال: ((كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم؟!)) فنزلت هذه الآية: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران: 128]، أخرجه البخاري تعليقًا في المغازي باب: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران: 128] قبل الحديث (4069)، ووصله مسلم في الجهاد باب غزوة أحد (1791)، وأحمد (3/99).
فإذا كانت الآية قد نزلت في شأن غزوة أحد خاصة، وكان سياقها في الحديث عن تلك الغزوة وما جرى للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولصحابته - رضي الله عنهم - من عظيم الابتلاء؛ فإن دعاءه على المشركين وقع بعدها، فغزوة أحد كانت في السنة الثالثة، وحادثة بئر معونة التي كانت سببًا في دعائه على بعض قبائل العرب كانت في السنة الرابعة مما يدل على أنه لا نسخ، وانظر: "فتح الباري" (8/75).
وجُمْهُور المُفَسِّرِين والعُلَماء على القول بعدم النسخ هنا، وأن الدعاء على المشركين مشروع.
قال ابن عطية - رحمه الله تعالى - في "المحرر الوجيز" (3/327): "وما ذكر في هذه الآية من أن هذه الآية ناسخة لدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - على المشركين كلام ضعيف كله، وليس هذا من مواضع الناسخ والمنسوخ".(/14)
وقال القرطبي - رحمه الله تعالى - في "تفسيره" (4/129): "زعم بعض الكوفيين أن هذه الآية ناسخة للقنوت الذي كان يفعله النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد الركوع". وساق القرطبي حديث أبي هريرة في دعائه ثم نزول هذه الآية ثم قال: "وليس هذا موضع نسخ؛ وإنما نبه الله - تعالى - نبيه على أن الأمر ليس إليه، وأنه لا يعلم من الغيب شيئًا إلا ما أعلمه، وأن الأمر كله لله، يتوب على من يشاء، ويعجل العقوبة لمن يشاء، والتقدير: ليس لك من الأمر شيء ولله ما في السموات وما في الأرض دونك ودونهم، يغفر لمن يشاء، ويتوب على من يشاء، فلا نسخ والله أعلم"، وقد ذكر الطبري معنى الآية بما لا نسخ فيها (4/86).
وقال شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله تعالى - في "الفتاوى" (21/156): "وليس لأحد أن يحتج على النسخ بما في الصحيحين عن ابن عمر أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة من الفجر يقول: ((اللهم العن فلانًا وفلانًا...)) بعدما يقول: ((سمع الله لمن حمده: ربنا ولك الحمد))، فأنزل الله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران: 128]، فإن هذا إنما يدل على ترك اللعنة لهم؛ لكونه ليس له من الأمر شيء لجواز توبتهم، وهذا إذا كان نهيًا فلا فرق فيه بين الصلاة وخارج الصلاة، والكلام إنما هو في الدعاء الجائز خارج الصلاة؛ كالدعاء لمعينين مستضعفين، والدعاء على معينين من الكفار بالنصرة عليهم، لا باللعنة ونحو ذلك".(/15)
وقال ابن عاشور - رحمه الله تعالى - في "التحرير والتنوير" (4/81): "وروى الترمذي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا على أربعة من المشركين، وسَمَّى أناسًا، فنزلت هذه الآية؛ لنهيه عن ذلك، ثم أسلموا، وقيل: "إنه هم بالدعاء، أو استأذن الله أن يدعو عليهم بالاستئصال فنُهِيَ"، ويرد هذه الوجوه ما في صحيح مسلم (1792) عن ابن مسعود قال: "كأني أنظر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يحكى نبيًّا من الأنبياء ضربه قوم وهو يمسح الدم عن وجهه..." ا هـ.
وقال ابن عاشور - أيضًا - (4/82): "وأغرب جماعة فقالوا: نزل قوله – تعالى -: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128] ناسخًا لما كان يدعو به النبي - صلى الله عليه وسلم - في قنوته على ذكوان وعصية ولحيان..." ثم قال ابن عاشور بعد أن نقل كلام ابن عطية: "وكيف يصح أن تكون نزلت لنسخ ذلك وهي متوسطة بين علل النصر الواقع يوم بدر، وتفسير ما وقع في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ترك الدعاء على المشركين بعد نزول هذه الآية" أخذًا بكامل الأدب؛ لأنَّ الله لما أعلمه في هذا بما يدل على أن الله أعلم بما فيه نفع الإسلام ونقمة الكفر ترك الدعاء عليهم؛ إذ لعلهم يسلموا" ا هـ.
ما رواه ابن خزيمة في "صحيحه" (2/155) برقم: (1100) من حديث عروة ابن الزبير أن عبدالرحمن بن عبدالقاري وكان في عهد عمر بن الخطاب مع عبدالله بن الأرقم على بيت المال: "أن عمر خرج ليلة في رمضان... وفيه: "فكان الناس يقومون أوله، وكانوا يلعنون الكفرة في النصف: ((اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك، ولا يؤمنون بوعدك، وخالف بين كلمتهم، وألق في قلوبهم الرعب، وألق عليهم رجزك وعذابك إله الحق...)) ورواه البيهقي (2/493) دون ذكر اللعن والدعاء على الكافرين. وصحح إسناد ابن خزيمة الألباني.(/16)
وعلى هذا كان عمل أهل المدينة؛ كما قال الأعرج عبدالرحمن بن هرمز - رحمه الله تعالى -: "ما أدركت الناس إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان" أخرجه مالك في "الموطأ" برقم: (253)، وعنه عبدالرزاق في "مصنفه" برقم: (7734).
وقال ابن عبدالبر في "الاستذكار" (5/172) : "والأعرج - وهو عبدالرحمن بن هرمز - أدرك جماعة من الصحابة، وكبار التابعين، وهذا هو العمل بالمدينة".
المسألة الثانية: أن الدعاء على الكفار ولعنهم مباح، وليس بواجب إن شاء فعله، وإن شاء تركه، والهدي النبوي في ذلك الدعاء للمسالمين منهم والدعاء على المحاربين منهم، كما نقل ذلك ابن عبدالبر - رحمه الله تعالى - في "الاستذكار" بعد أن ساق قول الأعرج (5/165) فقال: "ففيه إباحة لعن الكفرة، كانت لهم ذمة أم لم تكن، وليس ذلك بواجب؛ ولكنه مباح لمن فعله غضبًا لله في جحدهم الحق، وعداوتهم للدين وأهله،وأما قوله: "في رمضان" فمعناه: "أنهم كانوا يقنتون في الوتر في صلاة رمضان، ويلعنون الكفرة في القنوت؛ اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دعائه في القنوت على رعل وذكوان وبني لحيان، الذين قتلوا أصحاب بئر معونة".
وقال ابن عبدالبر - أيضًا - (5/172): "ومن فعل الصحابة وجلة التابعين بالمدينة في لعن الكفرة في القنوت أخذ العلماء لعن الكفرة في الخطبة الثانية من الخطبة والدعاء عليهم" ا هـ.(/17)
وقال شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله تعالى - (21/154): "وأما الدعاء على أهل الكتاب - كما يتخذه من يتخذه سنة راتبة في دعاء القنوت في النصف الأخير من شهر رمضان أو غيره - فهذا إنما هو منقول عن عمر بن الخطاب، أنه كان يدعو به لما كان يجاهد أهل الكتاب بالشام، وكان يدعو في المكتوبة، وهو موافق لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقنت أحيانًا يدعو للمؤمنين ويلعن الكافرين، ويذكر قبائل المشركين الذين يحاربونه؛ كمُضَر ورعْل وذكوان وعصية، وعمر لما قاتل أهل الكتاب قنت عليهم في المكتوبة؛ فالسنة أن يقنت عند النازلة، ويدعو فيها بما يناسب أولئك القوم المحاربين".
المسألة الثالثة: حكم الدعاء على مُعَيَّنٍ ولعنه:
ظاهر الأحاديث الجواز: فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد دعا على قبائل سماها، وعلى أشخاص ذكرهم بأسمائهم. ومن قال بأن قوله – تعالى -: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ}، ناسخ لدعائه - عليه الصلاة والسلام - عليهم بأسمائهم منع ذلك، وبعضهم جعل دعاءه عليه الصلاة والسلام خاصًّا به؛ لأنَّ الله - تعالى - قد علمه أنهم لا يؤمنون، وبعضهم عكس الأمر فجعل منع لعنهم خاصًّا به - عليه الصلاة والسلام - لأنَّه مجاب الدعوة.
قال ابن العربي - رحمه الله تعالى - في "أحكام القرآن" (4/312): "دعا نوح على الكافرين أجمعين، ودعا النبي - صلى الله عليه وسلم - على من تحزب على المؤمنين، وألب عليهم، وكان هذا أصلاً في الدعاء على الكفار في الجملة، فأما كافر معين لم تعلم خاتمته فلا يدعى عليه؛ لأن مآله عندنا مجهول، وربما كان عند الله معلوم الخاتمة للسعادة، وإنما خصَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - الدعاء على عتبة وشيبة وأصحابه؛ لعلمه بمآلهم، وما كشف له من الغطاء عن حالهم. والله أعلم".(/18)
وقال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى - (8/335): "والدعاء على جنس الظالمين الكفار مشروع مأمور به، وشرع القنوت والدعاء للمؤمنين والدعاء على الكافرين. أما الدعاء على مُعينين كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يلعن فلانًا وفلانًا، فهذا قد روي أنه منسوخ بقوله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ}. وذلك لِأَنَّ الْمُعَيَّنَ لَا يَعْلَمُ إنْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يَهْلِكَ؛ بل قد يكون ممن يتوب الله عليه، بخلاف الجنس فإنه إذا دُعِيَ عليهم بما فيه عز الدين وذل عدوه وقمعهم كان هذا دعاء بما يحبه الله ويرضاه؛ فإن الله يحب الإيمان وأهل الإيمان، وعلو أهل الإيمان وذل الكفار؛ فهذا دعاء بما يحب الله. وأما الدعاء على المعين لا يعلم أن الله يرضاه فغير مأمور به، وقد كان يفعل ثم نهي عنه؛ لأن الله قد يتوب عليه أو يعذبه".
وقال ابن مفلح - رحمه الله تعالى - في "الآداب الشرعية" (1/269): "ويجوز لعن الكفار عامًا، وهل يجوز لعن كافر معين؟ على رِوايتين. ونقل عن ابن تيميَّة قوله: "ولعن تارك الصلاة على وجه العموم جائز، وأما لعنة المعين: فالأولى تركها، لأنه يمكن أن يتوب".
وقال عن ابن تيميَّة في موضع آخر: "في لعن المعين من الكفار من أهل القبلة وغيرهم ومن الفساق بالاعتقاد أو بالعمل: لأصحابنا فيه أقوال: أحدها: أنه لا يجوز بحال وهو قول أبي بكر عبدالعزيز. والثاني: يجوز في الكافر دون الفاسق. والثالث: يجوز مطلقًا".
ونقل ابن مفلح (1/270) عن ابن الجوزي قوله: "وقد لعن أحمد بن حنبل من يستحق اللعن، فقال في رواية مسدد: "قالت الواقفية الملعونة، والمعتزلة الملعونة، وقال عبدالله بن أحمد الحنبلي: "سمعت أحمد بن حنبل يقول: على الجهمية لعنة الله، وكان الحسن يلعن الحجاج، وأحمد يقول: الحجاج رجل سوء. وقال ابن تيميَّة: "ليس في هذا عن أحمد لعنة معين لكن قول الحسن نعم" ا هـ.(/19)
وقال ابن مفلح (1/271): "وقال القاضي في "المعتمد": من حكمنا بكفرهم من المتأولين وغيرهم فجائز لعنتهم، نص عليه، وذكر أنه قال في اللفظية: على من جاء بهذا لعنة الله، عليه غضب الله، وذكر أنه قال عن قوم معينين: هتك الله الخبيث، وعن قوم: أخزاه الله، وقال في آخر: ملأ الله قبره نارًا، قال الشيخ تقي الدين: "لم أره نقل لعنة معينة إلا لعنة نوع، أو دعاء على معين بالعذاب، أو سبًّا له، لكن قال القاضي: "لم يفرق بين المطلق والمعين، وكذلك جدنا أبو البركات.
قال القاضي: فأمَّا فُسَّاق أهل الملة بالأفعال؛ كالزنا؛ والسرقة؛ وشرب الخمر؛ وقتل النفس؛ ونحو ذلك فهل يجوز لعنتهم أم لا؟ فقد توقف أحمد - رضي الله عنه - عن ذلك في رواية صالح. قلت لأبي: "الرجل يذكر عنده الحجاج أو غيره يلعنه؟ فقال: لا يعجبني، لو عم فقال: "ألا لعنة الله على الظالمين".
وقال ابن مفلح في "الآداب الشرعية" (1/272) "قال أبو بكر الخلال في "كتاب السنة": "الذي ذكره أبو عبدالله في التوقف في اللعنة فيه أحاديث كثيرة لا تخفى على أهل العلم، ويتبع قول الحسن وابن سيرين فهما الإمامان في زمانهما.
ويقول: لَعَنَ الله من قتل الحسين بن علي، لعن الله من قتل عثمان، لعن الله من قتل عليًّا، لعن الله من قتل معاوية بن أبي سفيان، ونقول: "لعنة الله على الظالمين إذا ذكر لنا رجل من أهل الفتن على ما تقلده أحمد".
قال القاضي: "فقد صرح الخلال باللَّعْنة، قال: "قال أبو بكر عبدالعزيز فيما وجدته في تعاليق أبي إسحاق: ليس لنا أن نلعن إلا من لعنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن طريق الإخبار عنه" اهـ.(/20)
وقال ابن مفلح في "الآداب الشرعية" (1/272) قال الشيخ تقي الدين: "المنصوص عن أحمد الذي قرره الخلال اللعن المطلق العام لا المعين كما قلنا في نصوص الوعيد والوعد، وكما نقول في الشهادة بالجنة والنار، فإنا نشهد بأن المؤمنين في الجنة، وأن الكافرين في النار، ونشهد بالجنة والنار لمن شهد له الكتاب والسنة، ولا نشهد بذلك لمعين إلا من شهد له النص أو شهد له الاستفاضة على قول. فالشهادة في الخبر؛ كاللعن في الطلب، والخبر والطلب نوعا الكلام؛ ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الطعانين واللعانين لا يكونون شهداء، ولا شفعاء يوم القيامة))؛ أخرجه مسلم (2598)، وأحمد (6/488)، وأبو داود (4908)، وابن حبان (5746)، فالشفاعة ضد اللعن كما أن الشهادة ضد اللعن، وكلام الخلال يقتضي أنه لا يلعن المعينين من الكفار فإنه ذكر قاتل عمر وكان كافرًا، ويقتضي أنه لا يلعن المعين من أهل الأهواء فإنه ذكر قاتل علي وكان خارجيًّا، ثم استدل القاضي للمنع بما جاء من ذم اللعن، وأن هؤلاء ترجى لهم المغفرة، لا تجوز لعنتهم؛ لأن اللعن يقتضي الطرد والإبعاد، بخلاف من حكم بكفره من المتأولين فإنهم مبعدون من الرحمة؛ كغيرهم من الكفار، واستدل على جواز ذلك وإطلاقه بالنصوص التي جاءت في اللعن وجميعها مطلقة؛ كالراشي والمرتشي؛ وآكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه". ا هـ.
وقال ابن مفلح في "الآداب الشرعية" (1/273): "قال الشيخ تقي الدين: "فصار للأصحاب في الفساق ثلاثة أقوال:
أحدها: المنع عمومًا وتعيينًا إلا برواية النص. والثاني: إجازتها. والثالث: التفريق وهو المنصوص.
وقد نقل عن أحمد لعنة أقوام معينين من دعاة أهل البدع؛ ولهذا فرق من فرق من الأصحاب بين لعنة الفاسق بالفعل، وبين دعاة أهل الضلال إما بناء على تكفيرهم، وإما بناء على أن ضررهم أشد".(/21)
ونقل ابن مفلح عن شيخ الإسلام قوله (1/274): "ومن جوز لعنة المبتدع المكفر معينًا فإنه يجوز لعنة الكافر المعين بطريق الأولى، ومن لم يجوز أن يلعن إلا من ثبت لعنه بالنص فإنه لا يجوز لعنة الكافر المعين. فمن لم يجوز إلا لعن المنصوص يرى أنه لا يجوز ذلك لا على وجه الانتصار، ولا على وجه الجهاد وإقامة الحدود؛ كالهجر؛ والتعزير؛ والتحذير".
وقال ابن مفلح (1/275): قال شيخ الإسلام: "وكذلك من لم يلعن المعين من أهل السنة أو من أهل القبلة أو مطلقًا، وأما من جوز لعنة الفاسق المعين على وجه البغض في الله - عزَّ وجلَّ- والبراءة منه، والتعزير فقد يجوز ذلك على وجه الانتصار أيضًا، ومن يرجح المنع من لعن المعين فقد يجيب عما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - بأحد أجوبة ثلاثة:
إما بأن ذلك منسوخ؛ كلعن من لعن في القنوت على ما قاله أبو هريرة.
وإما أن ذلك مما دخل في قوله: ((اللهم إنما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر فأيما مسلم سببته...)) لكن يقال هذا الحديث لا يدل على تحريم اللعنة، وإنما يدل على أنه يفعلها باجتهاده بالتعزير فجعل هذا الدعاء دافعًا عمن ليس لها بأهل.
وإما أن يقال: اللعن من النبي - صلى الله عليه وسلم - ثابت بالنص فقد يكون اطلع على عاقبة الملعون، وقد يقال: الأصل مشاركته في الفعل ولو كان لا يلعن إلا من علم أنه من أهل النار لما قال: ((إنما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر، فأيما مسلم سببته...)) فهذا يقتضي أنه كان يخاف أن يكون لعنه بما يحتاج أن يستدرك بما يقابله من الحسنات؛ فإنه معصوم، والاستدراك بهذا الدعاء يدفع ما يخافه من إصابة دعائه لمن لا يستحقه وإن كان باجتهاد؛ إذ هو باجتهاده الشرعي معصوم لأجل التأسي به.(/22)
وقد يقال: نُصُوص الفعل تدل على الجواز للظالم؛ كما يقتضي ذلك القياس؛ فإنَّ اللعنة هي البعد عن رحمة الله، ومعلوم أنه يجوز أن يُدْعَى عليه من العذاب بما يكون مبعدًا عن رحمة الله - عزَّ وجلَّ - في بعض المواضع كما تقدم، فاللعنة أولى أن تجوز، والنبي - صلى الله عليه وسلم - إنما نهى عن لعن من علم أنه يحب الله ورسوله، فمن علم أنه مؤمن في الباطن يحب الله ورسوله لا يلعن؛ لأن هذا مرحوم بخلاف من لا يكون كذل" ا هـ.
من أدلة جواز اللَّعْن:
حديث عائشة في لعن المعين: "استأذن رهط من اليهود على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: "السام عليكم"، فقالت: "عليكم السام واللعنة.."؛ أخرجه البخاري (6024)، ومسلم (2165)، وللبخاري (6030) قالت عائشة: "عليكم لعنة الله وغضب الله عليكم...".
قال ابن تيميَّة؛ كما في "الآداب الشرعية" (1/276): " والاستدلال بهذا الخبر في جواز لعن المعين وعدمه محتمل".
حديث ابن عمر: أن رجلًا كان اسمه عبدالله، وكان يلقب حمارًا جلده النبي - صلى الله عليه وسلم -... فقال رجل من القوم: "اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به؛ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تلعنوه فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله))؛ أخرجه البخاري (6780). قال الشيخ ابن تيميَّة: "فهذا ظاهر الدلالة".
ولمسلم (1695) من حديث بُرَيْدَة أن خالد بن الوليد لما رمى المرجومة بحجر فنضح الدم على وجهه فسبها..
قال في "النهاية": اللعن من الله - عزَّ وجلَّ -: الطرد والإبعاد، ومن الخلق السب والدعاء.
فظاهره جواز السب لولا التوبة" ا هـ من "الآداب الشرعية" (1/277).
ويحتمل أن منع اللعن للنبي - صلى الله عليه وسلم- لأنه مجاب الدعوة، وقد يتوب الله – تعالى - على الملعونين من المشركين فلذلك نُهِي عنه. انظر: "تفسير الرازي" (8/191).(/23)
قال أبو بكر ابن العربي في "أحكام القرآن" (1/74): "قال لي كثير من أشياخي: "إن الكافر المعين لا يجوز لعنه؛ لأن حاله عند الموافاة لا تعلم، وقد شرط الله - تعالى - في هذه الآية في إطلاق اللعنة الموافاة على الكفر".
وقد رُوِي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن أقوام بأعيانهم من الكفار، وفي صحيح مسلم (2007) عن عائشة - رضي الله عنها -: "دخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلان فكلماه بشيء فأغضباه فلعنهما"، وإنما كان ذلك لعلمه بمآلهما والصحيح عندي جواز لعنه لظاهر حاله، كجواز قتاله وقتله".
وفي الصحيحين: ((لعن المؤمن كقتله))؛ رواه البخاري (6652)، ومسلم (176)، وكذلك إن كان ذميًّا يجوز إصغاره فكذلك لعنه.
فأما العاصي المعين فلا يجوز لعنه اتفاقًا لما رُوِيَ أن النبي - صلى الله عليه وسلم –: "جيء بشارب خمر مرارًا..."؛ رواه البخاري (6780) فجعل له حرمة الأخوة، وهذا يوجب الشفقة.
وأما لعن العاصي مطلقًا فيجوز إجماعًا لما روي في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((لعن الله السارق يسرق البيضة))؛ رواه البخاري (6783)، ومسلم (1687)، وقد قال بعض علمائنا في تأويل هذه الآية: "إن معناه عليهم اللعنة يوم القيامة؛ كما قال – تعالى -: {ثُمَّ يَوْمَ القِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [العنكبوت: 25]، والذي عندي صحة لعنه في الدنيا لمن وافى كافرًا بظاهر الحال، وما ذكر الله عن الكفرة من لعنتهم وكفرهم فيما بينهم حالة أخرى، وبيان لحكم آخر، وحالة واقعة تعضد جواز اللعن في الدنيا، وتكون هذه الآية لجواز اللعن في الدنيا، فيكون للآيتين معنيان، فإن قيل: فهل تحكمون بجواز لعنة الله لمن كان على ظاهر الكفر، وقد علم الله موافاته مؤمنًا؟ قلنا: كذلك نقول، ولكن لعنة الله له حكمه بجواز لعنه لعباده المؤمنين أخذًا بظاهر حاله، والله أعلم بمآله" ا هـ من "أحكام القرآن" (1/76).(/24)
وقال القرطبي - رحمه الله تعالى - في تفسيره بعد أن نقل كلام ابن العربي السابق (2/127): "قلت: أما لعن الكفار جملة من غير تعيين فلا خلاف في ذلك" ثم نقل القرطبي كلام الأعرج.. ثم قال القرطبي: "قال علماؤنا: وسواء كانت لهم ذمة أم لم تكن، وليس ذلك بواجب، ولكنه مباح فعله؛ لجحدهم الحق، وعداوتهم للدين وأهله، وكذلك كل من جاهر بالمعاصي؛ كشراب الخمر، وأكلة الربا، ومن تشبه بالنساء... إلى غير ذلك مما ورد في الأحاديث لعنه".
وقال القرطبي (2/127): "ليس لعن الكافر بطريق الزجر له عن الكفر؛ بل هو جزاء على الكفر، وإظهار قبح كفره، كان الكافر ميتًا أو مجنونًا". وقال قوم من السلف: "إنه لا فائدة في لعن من جن أو مات منهم لا بطريق الجزاء ولا بطريق الزجر فإنه لا يتأثر به".
وتعقب القرطبي (1/127) ابن العربي في تقريره الاتفاق على عدم جواز لعن العاصي، وذكر حديث (شارب الخمر): ((لا تكونوا عونًا للشيطان)) فقال القرطبي: "وقد ذكره بعض العلماء خلافًا في لعن العاصي المعين، قال: وإنما قال - عليه السلام -: ((لا تكونوا عونًا للشيطان على أخيكم)) في حق نعيمان بعد إقامة الحد عليه، ومن أقيم عليه حد الله – تعالى - فلا ينبغي لعنه، ومن لم يقم عليه الحد فلعنته جائزة سواء سُمّي أو عين أم لا؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يلعن إلا من تجب عليه اللعنة ما دام على تلك الحالة الموجبة للعن، فإذا تاب منها وأقلع وطهره الحد فلا لعنة تتوجه عليه، وبيّن هذا قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرب)) فدل هذا الحديث مع صحته على أن التثريب واللعن إنما يكون قبل أخذ الحد، وقبل التوبة. والله أعلم" ا هـ.(/25)
وقال ابن كثير - رحمه الله تعالى - في تفسيره (1/299) عند تفسير الآية (161) من سورة البقرة: "لا خلاف في جواز لعن الكفار، وقد كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ومن بعده من الأئمة يلعنون الكفرة في القنوت وغيره. فأما الكافر المعين فقد ذهب جماعة من العلماء إلى أنه لا يلعن؛ لأنا لا ندري بما يختم الله له، واستدل بعضهم بالآية: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالمَلَائِكَةِ} [البقرة: 161].
وقالت طائفة أخرى: بل يجوز لعن الكافر المعين، واختاره الفقيه أبو بكر ابن العربي المالكي ولكنه احتج بحديث فيه ضعف، واستدل غيره بقوله - عليه السَّلام - في قصة الذي كان يؤتى به سكران فيحد... ((لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله)) (4/322) اهـ من ابن كثير.
وقال الألوسي - رحمه الله تعالى - في "روح المعاني" (9/324): "واعلم أنه لا خلاف في جواز لعن كافر معين تحقق موته على الكفر إن لم يتضمن إيذاء مسلم أو ذمي إذا قلنا باستوائه مع المسلم في حرمة الإيذاء، أما إن تضمن ذلك حرم".
وقال – أيضًا -: (9/324): "ثم إن لعن من يجوز لعنه لا أرى أنه عبادة إلا إذا تضمن مصلحة شرعية، وأما لعن كافر حي فالمشهور أنه حرام، ومقتضى كلام حجة الإسلام الغزالي أنه كفر؛ لما فيه من سؤال تثبيته على الكفر الذي هو سبب اللعنة، وسؤال ذلك كفر، ونص الزركشي على ارتضائه حيث قال عقبه: فتفطن لهذه المسألة فإنها غريبة، وحكمها متجه، وقد زل فيها جماعة، وقال العلامة ابن حجر في ذلك: ينبغي أن يقال: إن أراد بلعنه الدعاء عليه بتشديد الأمر أو أطلق لم يكفر، وإن أراد سؤال بقائه على الكفر والرضى ببقائه عليه كفر، ثم قال: فتدبر ذلك حق التدبر فإنه تفصيل متجه قضت به كلماتهم" ا هـ.(/26)
وروى مسلم في صحيحه في البر والصلة والآداب باب من لعنه النبي - صلى الله عليه وسلم - أو سبه أو دعا عليه وليس أهلاً لذلك كان له زكاة وأجرًا ورحمة... (2600) عن عائشة قالت: "دخل على رسول الله رجلان فكلماه بشيء لا أدري ما هو فأغضباه فلعنهما وسبهما، فلما خرجا قلت: يا رسول الله: "من أصاب من الخير شيئًا ما أصابه هذان، قال: ((وما ذاك؟)) قالت: "قلت: لعنتهما وسببتهما"، قال: ((أوما علمت ما شارطت عليه ربي؟)) قلت: ((اللهم إنما أنا بشر فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجرًا))؛ وله شاهد عن أبي هريرة – أيضًا - عند مسلم (2601)، وعن جابر (2602).
قال النَّوَوِيّ - رحمه الله تَعَالى -: (16/228- 229): "إنما يكون دُعاؤه عليه رحمة وكفارة وزكاة ونحو ذلك إذا لم يكن أهلاً للدعاء عليه، والسبِّ واللَّعْن ونحوه، وكان مُسْلمًا، وإلا فقد دعا - صلى الله عليه وسلم - على الكُفَّار والمُنَافِقِين ولم يكن ذلك لهم رحمة. فإن قيل: كيف يدعو على من ليس هو بأهل للدعاء عليه، أو يسبه، أو يلعنه ونحو ذلك؟، فالجواب ما أجاب به العلماء، ومختصره وجهان:
أحدهما: أن المراد ليس بأهل لذلك عند الله – تعالى - وفي باطن الأمر؛ ولكنه في الظَّاهر مستوجب له، فيظهر له - صلى الله عليه وسلم - استحقاقه لذلك بأمارة شَرْعِيَّة، ويكون في باطن الأمر ليس أهلاً لذلك، وهو - صلى الله عليه وسلم - مأمور بالحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر.(/27)
الثاني: أنَّ مَا وقع من سبه ودعائه ونحوه ليس بمقصود؛ بل مما جرت به عادة العرب في وصل كلامها بلا نية؛ كقوله: ((تربت يمينك...)) لا يقصد بشيء من ذلك حقيقة الدعاء، فخاف - صلى الله عليه وسلم - أن يصادف شيء من ذلك إجابة، فسأل ربه - سبحانه وتعالى - ورغب إليه في أن يجعل ذلك رحمة وكَفَّارة وقربة وطهورًا وأَجْرًا، وإنما كان يقع هذا منه في النادر الشَّاذِّ من الأَزْمان.. ولم يكن فاحشًا ولا متفحِّشًا ولا لعَّانًا ولا منتقمًا لنفسه..." ا هـ. وبنحو ذلك كان جواب القرطبي في "المُفْهِم" (6/584- 585).(/28)
وقال الألوسي - أيضًا - (9/324): "وكلعن الكافر الحي المعين بالشخص في الحرمة لعن الفاسق كذلك، وقال السراج البلقيني بجواز لعن العاصي المعين، واحتج على ذلك بحديث الصحيحين: ((إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء فبات غضبان، لعنتها الملائكة حتى تصبح))، وهو ظاهر فيما يَدَّعِيه، وقول ولده الجلال البلقيني في بحثه معه: "يحتمل أن يكون لعن الملائكة لها ليس بالخُصُوص بل بالعُمُوم بأن يقولوا: "لعن الله من دعاها زوجها إلى فراشه فأبت فبات غضبان بعيد جدًّا". ومما يؤيد قول السراج خبر مسلم أنه - صلى الله عليه وسلم - مرَّ بحمار وسم في وجهه فقال: ((لعن الله من فعل هذا))، وهو أبعد عن الاحتمال الذي ذكره ولده. وقد صح أنه - صلى الله عليه وسلم - لعن قبائل من العرب بأعيانهم،... وذكر حديث لعن رعل وذكوان..، ثم قال: "وفيه نوع تأييد لذلك أيضًا"، لكن قيل: إنه يجوز أن يكون قد علم - عليه الصلاة والسلام - موتهم، أو موت أكثرهم على الكفر فلم يلعن - صلى الله عليه وسلم - إلا من علم موته عليه، ولا يخفى عليك الأحوط في هذا الباب، فقد صح: ((من لعن شيئًا ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه))، وأرى الدعاء للعاصي المعين بالصلاح أحب من لعنه على القول بجوازه، وأرى لعن من لعنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالوصف أو بالشخص عبادة من حيث إن فيه اقتداءً برسول الله - عليه الصَّلاة والسلام - وكذا لعن من لعنه الله - تعالى - على الوجه الذي لعنه به)) ا هـ. وانظر: أيضًا (8/102- 103)، تفسيرسورة الإسراء: قول الله – تعالى -: {وَالشَّجَرَةَ المَلْعُونَةَ فِي القُرْآَنِ} [الإسراء: 60].
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [البقرة: 161].(/29)
قال الرازي: "في الآية دلالة على أن على المسلمين لعن من مات كافرًا، وأن زوال التكليف عنه بالموت لا يسقط عنا لعنه والبراءة منه؛ لأن قوله: {وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [البقرة: 161] قد اقتضى أمرنا بلعنه بعد موته، وهذا يدل على أن الكافر لو جُنّ لم يكن زوال التكليف عنه بالجنون مسقطًا للعنه والبراءة منه" اهـ من "تفسير الرازي" (4/151).
وقال الشيخ بكر أبو زيد في "المناهي اللفظية" (471): "فلا يلعن إلا من استحق اللعنة بنص من كتاب أو سنة وهي في الأمور الجامعة الآتية:
اللَّعْن بوصف عام مثل: لعنة عامة على الكافرين أو على الظالمين والكاذبين.
اللعن بوصف أخص منه مثل: لعن آكل الربا، ولعن الزناة، ولعن السراق والمرتشين، ونحو ذلك.
لعن الكافر المعين الذي مات على الكفر مثل: فرعون.
لعن كافر معين مات، ولم يظهر من شواهد الحال دخوله في الإسلام فيلعن. وإن توقى المسلم، وقال: لعنه الله إن مات كافرًا حسن.
لعن كافر معين حي؛ لعموم دخوله في لعنة الله على الكافرين، ولجواز قتله، وقتاله، ووجوب إعلان البراءة منه.
لعن المسلم العاصي ـ معينًا ـ أو الفاسق بفسقه، والفاجر بفجوره، فهذا اختلف أهل العلم في لعنه على قولين، والأكثر بل حكي الاتفاق عليه، على عدم جواز لعنه؛ لإمكان التوبة وغيرها من موانع لحوق اللعنة والوعيد مثل ما يحصل من الاستغفار، والتوبة، وتكاثر الحسنات وأنواع المكفرات الأخرى للذنوب، وإن ربي لغفور رحيم".(/30)
وقال ابن عبدالبر (5/166): "قد لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه..." إلى أن قال: "ولعن جماعة يطول ذكرهم قصدًا إلى لعنهم"، وليس لعنه هؤلاء، ولا من استحق اللعنة من باب من لعنه رسول الله، وشتمه عند غضب يغضبه، وهو يظنه أهلاً لذلك، ثم تبين له - إذا كان من البشر - غير ذلك، بل يكون لعنه له صلاة ورحمة؛ كما قال - عليه السَّلام -: ((إني اشترطت على ربي فقلت: إنما أنا بشر أرضى؛ كما يرضى البشر، وأغضب؛ كما يغضب البشر، فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن تجعلها له طهورًا وزكاة وقربة يقربه بها منه يوم القيامة))؛ أخرجه مسلم من حديث أنس في البر والصلة والآداب برقم: (2603).
وقال ابن عبدالبر في "التمهيد" (13/144- 145): "وفي لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النباش دليل على أن كل من أتى المُحَرَّمَات، وارتكب الكبائر المحظورات في أذى المسلمين وظلمهم جائز لعنه والله أعلم".
وقال في "التمهيد" (17/405): "وقد لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آكل الربا وموكله، واليهود وغيرهم، ومحال أن تكون لعنته لهؤلاء رحمة عليهم، فمن لعن من يستحق أن يلعن فمباح، ومن لعن من لا يستحق اللَّعْن فقد أثم، ومن ترك اللعن عند الغضب ولم يلعن مسلمًا ولم يسبه فذلك من عزم الأمور".
[21] وذلك أن غزوة أحد كانت في النصف من شوال سنة ثلاث، وسرية بئر معونة كانت في صفر سنة أربع، فيكون بينهما ثلاثة أشهر ونصف.
[22] هذا اللفظ لمسلم، وانظر الحديث مخرجًا في هامش (3).
[23] هذا اللفظ للبخاري في المغازي (4093).(/31)
العنوان: سعة العربية.. وضيق شانئيها
رقم المقالة: 978
صاحب المقالة: د. محمد حسان الطيان
-----------------------------------------
كتب كاتبٌ مقالاً في صحيفة يومية جعل عنوانه ((اللغة الضيقة)) نعَت فيه العربية بالضيق والعجز عن استيعاب مفردات العصر، وعدم الصلاحية للتعليم الجامعي، وراح يَكيل للعربية وأهلها صنوفَ التهم وغرائبَ الشتائم، لينتهي إلى غلو في القول وافتراء في الحكم جاء فيه:
"إذن ليس من المبالغة في شيءالقول: إننا إزاء لغة ميتة على المستوى العلمي".
وقد رأيتُ في هذا المقال وكاتبه رجلاً يهرِف بما لا يعرف، ويتطاول على ما لا يُحسن، ويتهم بلا دليل، وينفخ في غير فحم، ويعمل في غير معمل. فرأيت أن أردَّ عليه بخطرات تحمل حبَّ العربية وتكره شانئيها، وأحيله وأمثاله ممن يجهلون قيمةَ العربية وشأنَها إلى مقال كنت نشرته في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق تحت عنوان "العربية لغة العلم" (المجلد 80 الجزء 3).
فأقول وبالله المستعان:
لعمرُكَ ما ضاقَت لغاتٌ بأهلِها ولكن أخلاقَ الرِّجالِ تَضيقُ
لا عجبَ أعجبُ ممن يصف اللغة العربية بالميتة وهو يكتبُ بها.. ويقتاتُ من خيراتها.. ويفكر بمعرفتها! بل ويحيا بحياتها! وينعم في ظلها.
ولا عجبَ أعجبُ ممن ينعت العربية باللغة الضيقة وهو يعيش في بُحبوحَتها.. ويتزوَّد من سعتها.. ويرفل في رياضها!
ولا عجبَ أعجبُ ممن يزعم أن الافتخارَ باللغة ضرب من الزهو الأجوف واللغو الفارغ ثم إن رحتَ تبحث عما يزهو به لم تجد عنده شيئاً إلا هذا اللغو الفارغ!!.
نعيبُ لسانَنا والعيبُ فينا ولو نطقَ اللسانُ إذن هَجانا
وهل في الدنيا عاقلٌ لا يفخر بلسانه ولغته وهي مناط فكره، وعنوان هويته، ورمز انتمائه، ومستودع تراث أمته؟!
فكيف إذا كانت هذه اللغة هي العربية بشموخها وبيانها وتاريخها وقدسيتها!
كيف إذا كانت هذه اللغة هي العربية التي شهد لها القاصي والداني، والعدو قبل الصديق!(/1)
وهاك طائفة مما قاله غيرُ العرب فيها:
قال المستشرق الألماني فرنباغ: "ليست لغةُ العرب أغنى لغات العالم فحسب، بل إن الذين نبغوا في التأليف بها لا يكاد يأتي عليهم العدُّ، وإن اختلافَنا عنهم في الزمان والسجايا والأخلاق أقام بيننا - نحن الغرباءَ عن العربية - وبين ما ألفوه حجاباً لا يتبيَّن ما وراءه إلاَّ بصعوبة"[1].
وقال الفرنسي جاك بيرك: "إن أقوى القوى التي قاومت الاستعمارَ الفرنسي في المغرب هي اللغة العربية، بل اللغة العربية الكلاسيكية الفصحى بالذات، فهي التي حالت دون ذوبان المغرب في فرنسا، إن الكلاسيكيةَ العربية هي التي بلورت الأصالة الجزائرية، وقد كانت هذه الكلاسيكيةُ العربية عاملاً قوياً في بقاء الشعوب العربية"[2].
وقال وليم ورك: "إن للعربية ليناً ومرونةً يمكنانِها من التكيف وَفقاً لمقتضيات العصر".
وقال المستشرق الألماني كارل بروكلمان: "بلغت العربيةُ بفضل القرآن من الاتساع مدىً لا تكاد تعرفُه أيُّ لغةٍ أخرى من لغات الدنيا، والمسلمون جميعاً مؤمنون بأن العربيةَ وحدها اللسانُ الذي أُحِلّ لهم أن يستعملوه في صلاتهم..."[3].
وقال د. جورج سارتون: "وهبَ اللهُ اللغة العربية مرونةً جعلتها قادرةً على أن تدوَّن الوحيَ أحسن تدوين... بجميع دقائق معانيه ولغاته، وأن تعبِّر عنه بعباراتٍ عليها طلاوة وفيها متانة"[4].
أما أربابُ العربية وأهلوها فقد أنطقوها وهي القادرة على النطق والبيان، فقالت:
أنا البحرُ في أحشائه الدرُّ كامنٌ فهل سألوا الغواصَ عن صدفاتي؟
وذادوا عنها وهي المستعصيةُ على كل من تسوِّل له نفسه النيلَ منها أو الحطَّ من شأنها:
هل يَضيرُ البحرَ أمسى زاخراً أن رمى فيه غلامٌ بحجَرْ
فلن يضيرَ العربيةَ أن يعقَّها بعضُ أبنائها وقد برَّها الكثيرون!
ولن يضير العربيةَ أن يجحدَ فضلها بعضُ الجَحَدَة وقد عرف فضلها ذوو الفضل والرأي.!
إِنَّما يعرفُ ذا الفَضـ ـلِ منَ الناسِ ذَووهُ(/2)
ولن يضير العربيةَ أن يتهمها بعضُ المرجفين بها الطاعنين بقدرتها وقد شرَّفها الله سبحانه بأن أنزل القرآن الكريم بلسانها فصارت مثابةً للناس ومهوى للأفئدة وقبلة للعالمين.
{نزلَ به الرُّوحُ الأَمين* على قَلبِكَ لتكونَ من المنذِرين* بلسانٍ عربيٍّ مُبين} [الشعراء: 193-195].
ولن يضيرَ العربية - وهي العزيزة الأبية - أن يستشعر الذلَّ بها أناسٌ ذلت عليهم نفوسُهم فذلُّوا، وهانت عليهم عروبتهم فهانوا، وضاقت عليهم لغتهم بما رحبت فضاقوا:
وكم عزَّ أقوامٌ بعزِّ لغاتِ
وكيف تضيقُ العربية عن استيعاب مفردات العصر اليومَ وهي التي استوعبت ما هو أعظمُ من ذلك وأكبر! حين خرجت من ضيق الصحراء إلى سعة المدائن، ومن حدود البداوة إلى انطلاق الحضارة، فاستوعبت نتاجَ قرون متطاولة من الحضارة والعلم والمعرفة، وجعلت أفئدةَ الناس تهوي إليها، فصارت المقدَّمةَ دون غيرها في كلِّ علم وفن، وغدا إتقانها وحبها والتمسُّح بها شرفاً دونه كل شرف، واستطارت بين الناس مقولة:
"لأن أُهجى بالعربية خيرٌ لي من أن أُمدحَ بالفارسية أو بغيرها".
كيف تَعجِزُ العربية عن استيعاب مصطلحات العلم والتقنية اليوم؟ وكيف توصَف بالضيق وهي التي وَسِعَت كلمات الله سبحانه:
وسعتُ كتابَ اللهِ لفظاً وغايةً وما ضِقتُ عن آيٍ به وعِظاتِ
فكيفَ أَضيقُ اليومَ عن وَصفِ آلةٍ وتَنسيقِ أسماءٍ لمختَرَعاتِ
ألا أيهذا اللائمُ لعربيتك أعد نظراً في عروبتك..
ألا أيهذا اللائمُ للغتك أعد نظراً في انتمائك..
ألا أيهذا اللائمُ للغة قرآنك أعد نظراً في تديُّنك..
أعد نظراً يا عبد قيسٍ فربما أضاءت لك النارُ الحمارَ المقيَّدا
ولعمري إن ما تلقاه لغتنا من بني جلدتنا وديننا أقسى وأمرَّ مما تتلقاه من الآخرين!!
ولئن عُذر الآخرونَ فيما يتجنَّون أو يكيدون فأي عذر لهؤلاء؟!
يا ويحَ أمَّتِنا ممَّن يَكيدُ لها ومِن حَليفٍ له من نَبعِهِ يَردُ(/3)
ويحَ العروبةِ في أرضِ العروبةِ لا تَلقى المجيرَ وفيها الخائنُ النكدُ
ومع ذلك كلِّه ستبقى العربيةُ صرحاً شامخاً تتهاوى دونه الصروح..
وقلعةً راسخةً تتعاوى حولها الذئاب..
ومنارةً هادية يهدي بها الله من اتبع رضوانه سبلَ السلام.. ويصدُّ عنها من يزيغ عن السبيل القويم.
ألا إن شانئ العربية هو المشنوء..
ألا إن شانئ العربية هو الشنيء..
ألا إن شانئ العربية هو الأبتر..
أما العربيةُ فإنها كما قال سويدٌ اليشكري:
مَعقِلٌ يَأمَنُ مَن كانَ بِهِ غَلَبَتْ مَن قَبلَهُ أَن تُقتَلَعْ
غَلَبَت عاداً ومَن بَعدَهُمُ فَأَبَت بَعدُ فَلَيسَت تُتَّضَعْ
لا يَراها الناسُ إلا فَوقَهُم فَهْيَ تَأتي كَيفَ شاءَتْ وتَدَعْ
وَهوَ يَرميها ولَن يَبلُغَها رِعَةَ الجاهِلِ يَرضى ما صَنَعْ
كَمِهَت عَيناهُ حَتَّى اِبيَضَّتا فَهْوَ يَلحى نَفسَهُ لَمَّا نَزَعْ
إِذ رَأى أَن لَم يَضِرها جهدُهُ وَرَأى خَلقاءَ ما فِيها طَمَعْ
تَعضِبُ القَرنَ إِذا ناطَحَها وَإِذا صابَ بِها المردى اِنجَزَعْ
وإِذا ما رامَها أَعيا بِهِ قِلَّةُ العُدَّةِ قِدماً وَالجَدَعْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الفصحى لغة القرآن - أنور الجندي (ص 303).
[2] الفصحى لغة القرآن - أنور الجندي (ص 304).
[3] من قضايا اللغة العربية المعاصرة - المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ص 274).
[4] المصدر السابق.(/4)
العنوان: سفينة النجاة
رقم المقالة: 120
صاحب المقالة: عبدالتواب يوسف
-----------------------------------------
يُحْكى أنَّ جَماعَةً مِنَ النّاسِ كانَتْ تَعيشُ عَلى ضِفَّةِ نَهْرٍ، وَلكِنَّ الأرْضَ الَّتي تُحيطُ بِهِمْ غَيْرُ صالِحَةٍ لِلزِّراعَةِ، وَلَمْ يَكُنْ لَدَيْهِمْ مِنَ الدَّوابِّ ما يَكْفي لانْتِقالِهِمْ إلى أرْضٍ أُخْرى، فَفَكَّروا بِبِناءِ سَفينَةٍ كَبيرَةٍ تَنْقُلُهُمْ عَبْرَ النَّهْرِ إلى مَكانٍ آخَرَ فيهِ أرْضٌ خِصْبَةٌ.
تَعاوَنَ الْجَميعُ لِكَيْ يَصْنَعُوا سَفينَةً تُقِلُّهُمْ، وَبَعْدَ أيَّامٍ طَويلَةٍ مِنَ العَمَلِ الدَّؤوبِ وَالتَّعاوُنِ أصْبَحَ لَهُمْ سَفينَةٌ كَبيرَةٌ لَها شِراعٌ أبْيَضُ واسِعٌ.
فَرَتَّبَ النّاسُ أمْرَ رِحْلَتِهِمُ الَّتي قَدْ تَطولُ كَثيرًا، فَانْتَقَلوا إلى السَّفينَةِ اسْتِعْدادًا لِلانْطِلاقِ.
في السَّفينَةِ اخْتارَ بَعْضُهُمْ أنْ يَكونَ عَلى السَّطْحِ ليَتَمَتَّعَ بِالشَّمْسِ وَالْمَناظِرِ الْجَميلَةِ لِضِفافِ النَّهْرِ.
وَاخْتارَ آخَرونَ قاعَ السَّفينَةِ لأنَّهُمْ يَخافونَ الْماءَ، وَيَتَهَرَّبونَ مِنْ رُؤيَتِهِ، فَفَضَّلوا الرَّاحَةَ في قاعِ السَّفينَةِ.
اِنْطَلَقَتِ السَّفينَةُ تَمْخُرُ عُبابَ النَّهْرِ، وَتَخُوضُ مِياهَهُ وَقَدْ فَرَدَتْ شِراعَها لِلرِّيحِ الْوادِعَةِ تَدْفَعُها، وَكانَ الْجَميعُ سُعَداءَ بِرِحْلَتِهِمْ خاصَّةً أنَّ الرِّيحَ أَتَتْ بِما تَشْتَهي أنْفُسُهُمْ.. فارْتَفَعَ صَوْتُ بَعْضِهِمْ بِالْغِناءِ.. صَوْتٌ مِنَ السَّطْحِ.. وَآخَرُ منَ الْقاعِ!
ولَكِنَّ النَّاسَ الَّذينَ اخْتاروا الْقاعَ كانوا في حاجَةٍ دائِمَةٍ إلى الْماءِ، فَكانوا يَصْعَدونَ إلى السَّطْحِ، وَيُزاحِمونَ النّاسَ الَّذينَ اخْتاروا السَّطْحَ، لِكَيْ يَحْصُلوا عَلى الْماءِ.(/1)
فَضَاقَ الَّذينَ عَلى السَّطْحِ مِنْ رُكَّابِ الْقاعِ، كَما مَلَّ رُكَّابُ الْقاعِ مِنَ الصُّعودِ وَالْهُبوطِ، فَاشْتَدَّ النِّزاعُ بَيْنَهُمْ حَتَّى كادوا أنْ يَقْتَتِلوا فيما بَيْنَهُمْ.
فَاسْتَقَرَّ رَأْيُ بَعْضِهِمْ أَنْ يُحاوِلَ الطَّرَفانِ حَلَّ الأمْرِ بِهُدوءٍ ورَوِيَّةٍ.
فَأَخَذَ كُلُّ طَرَفٍ يُفَكِّرُ في حَلٍّ لِهذِهِ الْمُشْكِلةِ الَّتي أقْلَقَتْ راحَتَهُمْ جَميعًا!
فَكَّرَ رُكَّابُ الْقاعِ بِطَريقَةٍ أعْجَبَتْهُمْ، إذِ اقْتَرَحَ أحَدُهُمْ أنْ يَثْقُبوا أسْفَلَ السَّفينَةِ، لِيَأْخُذوا الْماءَ بِسُهولَةٍ، وَدُونَ أنْ يُضْطَرُّوا إلى الصُّعودِ وَالْهُبوطِ، أوِ الاِقْتِتالِ مَعَ رُكَّابِ السَّطْحِ. فَأخْرَجُوا الْمَعاوِلَ وَالْفُؤوسَ اسْتِِعْدادًا لِلْقِيامِ بِثَقْبِ الْقاعِ!
سَمِعَ رُكّابُ السَّطْحِ جَلَبَةَ الْفُؤوسِ وَالْمَعاوِلِ، فَهُرِعُوا إلى الأسْفَلِ لِيُشاهِدُوا رُكَّاب الْقاعِ يَسْتَعِدُّونَ لِثَقْبِ السَّفينَةِ، فَفَزِعُوا، وَقالَ لَهُمْ أحَدُهُمْ:
- ماذا تَفْعَلونَ؟!
قالوا: وَما شَأْنُكُمْ بِنا، نُريدُ أنْ نَأْخُذَ الْماءَ مِنْ ثَقْبٍ في الْقاعِ.
قالَ أحَدُ رُكَّابِ السَّطْحِ: وَلكِنَّ السَّفينَةَ سَتَغْرَقُ!
رَدَّ أحَدُ رُكَّابِ الْقاعِ: نَحْنُ أحْرارٌ بِالْمَكانِ الَّذي نَحْنُ فيهِ.
حارَ سُكَّانُ السَّطْحِ في أمْرِهِمْ، فَإنْ تَرَكُوهُمْ عَلى حُرِّيَّتِهِمْ غَرِقُوا جَميعًا، وَإنْ مَنَعوهُمْ أنْقَذوا أنْفُسَهُمْ جَميعًا مِنَ الْغَرَقِ وَالْهَلاكِ. ولَكِنْ كَيْفَ السَّبيلُ إلى مَنْعِهِمْ؟!
قالَ أحَدُ رُكَّابِ السَّطْحِ لِمَجْموعَتِهِ:
- يَجِبُ أنْ نُؤَمِّنَ لَهُمُ الْماءَ وَإلاَّ ثَقَبوا السَّفينَةَ فَنَغْرَقُ نَحْنُ وَهُمْ مَعًا.(/2)
فَاتَّفَقَ الطَّرَفانِ عَلى أنْ يَتَناوَبَ رُكَّابُ الْقاعِ لِكَيْ يُحْضِروا الْماءَ مِنْ سَطْحِ السَّفينَةِ بَدَلَ أنْ يَصْعَدوا جَميعًا، وَبذلِكَ لا يُزاحِمونَ رُكَّابَ السَّطْحِ وَيُخَفِّفونَ مِنْ عِبءِ الصُّعودِ وَالْهُبوطِ.
فَعادَ الْوِدُّ بَيْنَهُمْ، وَمَضَتِ السَّفينَةُ في طَريقِها آمِنَةً.
وَبَعْدَ أيَّامٍ وَصَلوا إلى أرْضٍ خَضْراءَ خِصْبَةٍ عامِرَةٍ بِالأَشْجارِ وَالثِّمارِ.. فَنَزَلوا وتَعاوَنوا عَلى بِناءِ مَساكِنَ لَهُمْ مُسْتَفيدينَ مِنَ الدَّرْسِ الَّذي تَعَلَّموهُ عَلى مَتْنِ السَّفينَةِ.
___________________________
حديث القصَّة:
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((مَثَلُ القائِمِ في حُدُودِ اللهِ، وَالواقِعِ فيها كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَصَارَ بَعْضُهُمْ أَعْلاها وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، وَكانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الماء مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ تَرَكُوهُمْ وَمَا أرَادُوا هَلَكُوا جَميعًا، وَإنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا)).
رواه البخاري
___________________________
شرح غريب الألفاظ:
(الْقَائِمُ في حُدُودِ اللهِ تَعَالَى) مَعْنَاهُ: الْمُنْكِرُ لها، الْقَائِمُ في دفْعِهَا وإزَالَتِهَا، وَالْمُرادُ بِالْحُدُودِ: مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ. و(اسْتَهَمُوا): اقْتَرَعُوا.(/3)
العنوان: سقط بين المصلين و...!!
رقم المقالة: 1219
صاحب المقالة: عبدالله بن عيسى
-----------------------------------------
رأيتُ رمضان قد مرَّ، وقد رأيتُه قد مرَّ سريعًا، ولم يمكُث، ولم يلبَث. ومحلُّ العِبرة في هذه المسألة: أن يعلم المرءُ أن عمره يمرُّ على هذه الحال التي لا يشعر بها؛ لأن عمره يمرُّ بهذه السرعة؛ فيومه يهدِم أسبوعه، وأسبوعه يهدِم شَهره، وشَهره يهدِم سَنته، وسَنته تهدِم عمره. يمرُّ يومه، ويمرُّ أسبوعه وشهره.
وهكذا انتهى عامه، وانتهى العام والعام، يوشِك أن يلاقي الله تعالى.
هذه الموعظة تبيِّن للمؤمنين سرعة انقضاء الدنيا، وسرعة إقبال الآخرة، وأنهم ينبغي أن يكونوا من أبناء الآخرة؛ فيستعدُّوا الاستعداد الكافي.
إن ربَّ رمضان هو ربُّ شوال، وربُّ شعبان، وربُّ بقية الأشهُر، وإن هذه الأشهر تمرُّ بهذه السرعة التي يمرُّ بها رمضان، وإن الحازم الحذِر، هو الذي يخاف أن يؤخذ بغتةً؛ فيوطِّن نفسه على الاجتهاد، وعلى الحذَر من أن ينقضي عمره على الغفلة أو المعصية.
وهذه الحال الأولى التي يتَّعظها المرء من هذه الموعظة: أن يعلم سرعة انقضاء عمره، وأنه إذا علم ذلك لم يسوِّف عملَ اليوم إلى الغد، ولم ينتظر ليقول: إن شاء الله... في العام القادم سوف أعتكف، وسوف أبدأ، وسوف كذا وكذا؛ لأنه لا يضمَن عمره، وأنه يوشِك أن ينتهي، وأن يرحل إلى الله تعالى، وهذا يوضِّح ما يكون المؤمنون عليه في كل أحوالهم من العمل الصالح.
وهو قول أنسٍ عنِ النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أَرَادَ اللَّهُ تعالى بعبدٍ خيرًا؛ اسْتَعْمَلَهُ)) قال: وما اسْتَعْمَلَهُ يا رسول اللَّه؟ قال: ((يُوَفِّقُهُ لعملٍ صالحٍ، ثمَّ يَقْبِضُهُ عليه)).
ومعنى ذلك: أنه لابد وأن يكون في كلِّ أحواله على أعمال صالحة؛ لأن هذه الدنيا توشِك أن تنتهي على هذا الحال الذي انتهى عليه رمضان، ويفرَّط كما فُرِّط في رمضان، خاب وخسر من أتى عليه رمضان.(/1)
خاب وخسر كذلك من أتى عليه عمره فمرَّ على هذا الحال، وهو يقول: غدًا، وهو في الغفلة، وهو في البُعْد، وهو في التَّقصير، وهو في الذُّنوب، وهو في المعاصي، حتى يفاجئه الموت.
أما المؤمنون المتقون - كما قال النبي صلى الله عليه وسلم - فهم الذين في محلِّ محبَّة الله تعالى كما قال: ((إذا أَرَادَ اللَّهُ تعالى بعبدٍ خيرًا اسْتَعْمَلَهُ قَالَ وَمَا اسْتَعْمَلَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ)).
والمؤمن لا يدري متى يُخْتَم له.. متى يرحل.. متى ينتقل إلى الله تعالى؛ لذلك كان حذرًا، فيكون في أعمالٍ صالحةٍ في كلِّ أحواله.. حتى إذا انتقل؛ انتقل إلى الله تعالى على عملٍ صالحٍ... حتى إذا انتقل؛ دُلَّ على أن الله تعالى يحبه، وأنه في موضع رحمة الله تعالى به، وإرادة الخير له.
انتهى من كتاب/ حال المؤمنين في رمضان للشيخ محمد الدِّبيسي.
وإليكم هذا الخبر!!! أحبتي في ليلة من ليالي هذا الشهر المبارك وفي احد مساجد تبوك بحي (النهضة)..
كان المسلمون يصلون صلاة التراويح وبين الصفوف كان ذالك الشيخ الكبير ناصب قدميه بين يدي الله عز وجل وفي نفس اللحظة . سقط ذلك الشيخ بين المصلين وقد فارق الحياة في بيت من بيوت الله وفي صلاة فاضلة في شهر فاضل!!!
كان موعد نهاية المداومة على الأعمال الصالحة وكانت من أعظم المواعظ للمصلين ولكل من سمع القصة. رحمك الله أيها الشيخ ذهبت وتركت من خلفك درساً {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}.(/2)
العنوان: سقوط بغداد
رقم المقالة: 1611
صاحب المقالة: الشيخ إبراهيم الحقيل
-----------------------------------------
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلِلْ فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70 – 71].
أما بعد: فإنَّ أحسن الحديث كلام الله – تعالى - وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الناس: في تعاقُب الليل والنهار، وتقلُّبات الأحوال والدول عِبْرَةٌ للمُعْتبرين، وتنبيه للغافلين. كما أن في اشتداد المصائب والمِحَن، وتعدُّد البلايا والفتن اختبارًا للعِبَاد، وتمحيصًا للقلوب، وتمييزًا للثابتين على الحق من الناكصين على أعقابهم.(/1)
وإذا كان التاريخ قد دَوَّن بالأمس في صفحاته سُقُوطَ بغداد، واستباحتها من قبل عُبَّاد الصليب[1]، بعد أيام شدائد أتت على أهل العراق من الحِصَار والتجويع، إلى التهديد والترويع، ثم تتويج ذلك بالقصف المُدَمِّر، والقتل الجماعي، والحرق بالقنابل والقذائف، إلى أن سَقَطَتْ في ظُروف غامضة لا يعلم أسرارها وخفاياها - بعد الله تعالى - إلاَّ المُتآمِرُون بها على أمة الإسلامة المنكوبة[2]. وستبدي الأيام - إن كان لنا عيش - ما أُخْفِيَ عنا من تفاصيل هذا الحدث الجَلَل.
إذا كان التاريخ قد دوَّن في صفحات شهر صَفَر هذه النازلةَ العظيمة التي نزلت بالمسلمين؛ بسبب تصرفات أقوام لا خَلاق لهم، قد استبدلوا عقيدةَ البعث الكافر بالإسلام ، وظلوا يهْتِفُون بها في وقت هم في أمَسِّ الحاجة إلى أن يهتفوا بجلال الله - تعالى - وعظمته، قد وَرَّطُوا الأُمَّة المسلمة في أزمات، نسأل الله - تعالى - اللُّطْف فيها.
إذا كان ذلك قد حصل فإنَّ شهر صفر - أيضًا - قد دُوِّن فيه سُقُوط مُريعٌ لبغداد قبل ثمانية قرون إلا ثنتين وثلاثين سنة على أيدي التتار[3]، وبين سقوطها الحاضر وسقوطها الماضي حلَّت بأهل بغداد عشراتٌ من الفتن والمِحَن، والقتل والتشريد، كما كان بين السُّقوطَيْن قواسمُ مشتركة تدل على أنَّ سنن الله - تعالى - لا تتغير ولا تتبدل: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَحْوِيلاً * أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا} [فاطر: 43 – 44].(/2)
لقد كانت بغداد في أول الإسلام قرية صغيرة، يُقام فيها سوقٌ كبيرة في كل شهر، فيأتيها تجار فارس وما حولها من البلدان، ولما وصل الفتح الإسلامي إلى بلاد فارس في عهد الخليفتين أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - أغار المثنى بن حارثة بجيشه على هذا السوق فغنموا ما غنموا، وذلك في السنة الثالثة عشرة للهجرة[4]. وبقيت على ما هي عليه ليس لها خبر يُذكر لا في تاريخ الخلافة الراشدة، ولا في الدولة الأموية. فلمَّا أن كانت الدولة العباسية مصَّرها الخليفة المنصور العباسي - رحمه الله تعالى - وانتقل إليها، وجعلها عاصمة الدولة الإسلامية آنذاك.
ابتدأ في بنائها بعد بحثٍ ومشورةٍ عام خمسة وأربعين ومائة للهجرة، فخطَّ البناء، وقدَّر المدينة، ووضع أول لبنة بيده وهو يقول: "بسم الله، والحمد لله، والأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين"، ثم قال: "ابنوا على بركة الله"[5]، وحضر بداية بنائها جمعٌ من أهل الخير والفضل والعلم يتقدمهم الإمام أبو حنيفة النعمان، وبعد أربع سنوات تم بناؤها، وسكنها الخليفة والمسلمون عام تسعة وأربعين ومئة للهجرة، وسميت مدينة السَّلام؛ لأن دجلة كان يقال له وادي السَّلام[6].(/3)
أصبحت بغدادُ بعد بنائها، وجعلها عاصمة للدولة الإسلامية مَوْئلاً للعلم والعلماء، ومقرًّا للقادة والساسة والتجار والصنَّاع، ومنها كانت تُعقد الألوية، وتُسير الجيوش لنصرة المُسْتَضْعَفِينَ، ونشر الدين، والحكم بالشريعة فيما بين الناس، وإليها يَفِدُ طلاب العلم من شَتَّى الأقطار؛ لطلب العلم على أيدي الأئمة الكبار؛ حتى أزهرت حضارتها، واتَّسع عمرانها، وصارت مهوى أفئدة الناس. من زارها لم يخرج منها، ومن سمع عنها اشتاق إليها؛ حتى قال الإمام الشافعي - رحمه الله تعالى - ليونس بن عبدالأعلى: «أيا يونس، دخلتَ بغداد؟ قال: لا، فقال الشافعي: أيا يونس، ما رأيت الدنيا ولا الناس"[7]، وقال أبو إسحاق الزجَّاج: "بغداد حاضرة الدنيا، وما عداها بادية"[8].
وقال ابن مُجاهد المقري: "رأيت أبا عمرو بن العلاء في النوم فقلت له: ما فعل الله بك؟ فقال: دعني مما فعل الله بي، من أقام ببغداد على السنة والجماعة ومات نقل من جنة إلى جنة"[9].(/4)
كانت تلك منزلتها عند أهلها وعند الوافدين عليها من شتى الأقطار؛ حتى سوَّدَ العلماء الكتب الكبيرة في تاريخها، ونظم الشعراء القصائد الكثيرة في مديحها، وتحسين الإقامة فيها؛ ولكنْ حقٌّ على الله - تعالى - أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه كما صح ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -[10] إذ مع تطاول السنين، وتعاقب الخلفاء؛ بدأت تضعف الخلافة العباسية شيئًا فشيئًا، حتى بلغ الضعف فيها مبلغه، وتحولت اهتمامات الخلفاء والأعيان من رفع راية الإسلام إلى الإقبال على الدنيا وزينتها وزخرفها، وأهملوا الجهاد في سبيل الله – تعالى - واشتغل الناس باللهو واللعب، والتنافس في الغنى والعمران. وقد وصف هذا الحال البائس الذي ينذر بالخطر الداهم المؤرخ ابن الأثير - رحمه الله تعالى - فقال: "فالله - تعالى - ينصر الإسلام والمسلمين نصرًا من عنده، فما نرى في ملوك الإسلام من له رغبةٌ في الجهاد، ولا في نصرة الدين، بل كلٌّ منهم مقبلٌ على لهوه ولعبه وظلم رعيته، وهذا أخوف عندي من العدو، وقال الله – تعالى -: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25]" اهـ كلامه[11].
وبعد ثمان وعشرين سنة فقط من كلام ابن الأثير هذا، كان هولاكو وجنده يعيثون فسادًا في بغداد!!(/5)
وإذا كانت معونة المنافقين من الرافضة والعِلْمانيين قد سهلت مهمة عُبَّاد الصليب في اقتحام بغداد؛ فإنَّ التاريخ قد أعاد نفسه؛ إذ كان سقوط بغداد في أيدي التتار بتدبير من منافقي ذلك العصر، وعلى رأسهم وزير الخليفة العباسي: ابن العلقمي الرافضي الذي ما حفظ للخليفة تقريبه وتوزيره، فحقد عليه وعلى المسلمين، وخطط لإقامة دولة لأهل طائفته وبدعته على رفات الدولة العباسية؛ فقلَّص أعداد الجيش من مائة ألف إلى عشرة آلاف فقط[12]، ثم كاتَبَ هولاكو وطمَّعه في الغزو، وزيَّن له أخذ بغداد. فلما حاصرها هولاكو بجنده أكمل الوزير ابن العلقمي مهمته النفاقية المعادية للإسلام والمسلمين بأن قام بالسفارة بين الخليفة المستعصم وهولاكو، وكان هولاكو راضيًا بالصلح، ومتهيِّبًا منِ اقتحام عاصمة الإسلام آنذاك، لولا أن ابن العلقمي هوَّن عليه أمر اقتحامها؛ بل وأشار عليه بقتل الخليفة، ثم زيَّن للخليفة أن يخرج إلى هولاكو لإتمام الصلح، وأخبره بأنَّ هولاكو سيزوّج ابْنَتَهُ منِ ابن الخليفة تتويجًا للصلح[13].
فخرج إليهم الخليفة في سبعمائة راكبٍ من القضاة والفقهاء ورؤوس الأمراء والدولة، فلمَّا اقتربُوا من مُعَسْكَرِ هولاكو حُجبوا عن الخليفة إلا سبعة عشر نفسًا، وأُنزل الباقون عنْ مراكبهم وقتلوا عن آخرهم[14].
وأُحضر الخليفة المستعصم بين يدي هولاكو، واضطربَ من هولِ ما رأى من الإهانة والجبروت، فوضعوه في كيس ثم أخذوا يرفسونه حتى مات[15]، وقتلوا معه ابنيه الأكبر والأوسط، وأسروا ابنه الأصغر وأخواته الثلاث، وألفًا من بنات بني العباس، وقتلوا أكابر الدولة؛ حتى إن الرجل كان يُستدعى من دار الخلافة، فيخرج بأولاده ونسائه، فيذهبون به إلى المقبرة، فيُذبح أمام أسرته كما تُذبح الشاة، ويأسرون من يختارون من بناته وجواريه[16].(/6)
وأعملوا السيوف في الرقاب مدة أربعين يومًا؛ فقتلوا العلماء والخطباء والأئمة وحملة القرآن، وعامة الناس، وتعطلت المساجد والجمعات مدة شهور ببغداد. ولما انقضت الأربعون يومًا بقيت بغداد خاوية على عروشها والقتلى في الطرقات كأنها التلال، وفسد الهواء من كثرة الجُثَث، فعمَّ الوباء، وأتى على البقية الباقية المختبئة من سيوف التتار حتى إن خطيبًا بعد انكشاف الغمة استهل خطبته بقوله: "الحمد الله الذي هَدَمَ بالموت مَشِيْدَ الأعمار، وحكم بالفناءِ على أهل هذه الديار"؛ يعني بغداد وما حولها[17].
وها هو التاريخ يعيد نفسه، فالشاشات المرئية تنقل أكوام الجثث المفحمة في العربات والبنايات، كما تنقل صور القتلى في الأزقة والطرقات.
وكعادة أعداء الدّين والملَّة إذا تمكَّنوا، فإنهم يطأون جميع من تمكَّنوا منهم حتى من أعانوهم على ظلمهم بخيانة المسلمين ومصانعة أعدائهم، وهكذا فعل التتار بابن العلقمي الخائن، فأذاقوه خِزْي الدنيا قبل عذاب الآخرة. ولم يكافئوه على معونته لهم، وخيانته لأهل الإسلام إلا بالإهانة والاحتقار؛ حتى إن المغولي كان يأتي إليه وهو جالسٌ في مجلسه، فيدخل بخيله في مجلسه، فتبول الخيل على فرشه وبساطه، ويصيبه شيء من رذاذ بولها وهو لا يقوى على الاعتراض من شدة الذل والهوان[18]، وقد رأته امرأة من أهل بغداد في ذُلِّه هذا فقالت له: "يا ابن العلقمي.. هكذا كان بنو العباس يعاملونك؟!"، فوقعت كلمتها في قلبه، وانقطع في داره إلى أن مات كمدًا وضيقًا، وذلك بعد ثلاثة أشهر فقط من خيانته الشنيعة، وما مات حتى رأى بعينيه، وسمع بأذنيه ما لا يُوصف من الذل والإهانة من المغول ومن المسلمين على حد سواء[19].
وهكذا يفعل أعداء الله - تعالى - بمن خانوا دينهم وأمتهم، يُذلونهم ويهينونهم، ولا يقيمون لهم وزنًا، ولو أظهروا خلاف ذلك أمام الناس.(/7)
ولا يسلم الخائن لأمته من ذل يراه في الدنيا ولو طال به المقام، ويُسلط الله – تعالى - عليه بسبب خيانته وظلمه من يهينه ويظلمه؛ كما قال – سبحانه -: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأنعام: 129].
أسأل الله - تعالى - أن يحفظنا والمسلمين من تحول عافيته، ومن فجاءة نقمته، ومن جميع سخطه، كما أسأله - تعالى - أن يحفظ بلاد المسلمين من كيد أعدائهم إنه سميع مجيب، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله - عِبَاد الله - وأطيعوه، واحذروا نقمته فلا تعصوه، فإن أخذه أليم شديد: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102].
أيها الناس: لئن كان عُبَّاد الصليب قد وطئت أقدامهم مدينة السلام، وعاصمة الإسلام في يوم من الأيام، وأحلُّوا فيها الدمار والفوضى، ويريدون نهب خيراتها وأرزاقها؛ فإن لهم يومًا من أيام الله - تعالى - سيُخرجون منها كما أُخرج غيرهم، وستُكسر جيوشهم التي ترى أنها أحرزت نصرًا عظيمًا بعد سقوط بغداد في أيديهم، نسأل الله - تعالى - أن يُعجِّل ذلك بمنِّه وكرمه، والتتار ما مكثوا عقب اجتياحهم لبغداد إلا سنتين فقط حتى كَسَرَهُم المسلمون في عين جالوت، فلم تقم لهم قائمة بعدها[20].(/8)
وأعظم انتصار يحققه المسلم في مثل هذه المِحَن والأزمات: ثباته على الحق، واستمساكه بدينه، ولو رأى أن الأمور تجري على خلاف ما يريد ويتمنَّى. أمَّا الذين لا يعرفون دين الله - تعالى - إلا في الرخاء، ويتخلَّون عن ولائهم لأمتهم في الشدائد؛ حِفاظًا على مكاسب دنيوية، أو خوفًا من عدو غاشم، أو اعتقادًا بأن الأمة لا تنتصر، أو أن إمكانيات العدو الهائلة لا تُقهر؛ فهؤلاء عليهم أن يراجعوا إيمانهم ويقينهم بالله - تعالى - وبقدرته وعظمته وجبروته، وليعلموا أن هذه المِحَن والأزمات هي معامل التصفية التي تميز الخبيث من الطيب، وتبين من كان انتماؤه لأمته إنما كان لأجل أنه يرجو نصرها، فإذا انكسرت في موقعة من المواقع انكسر إيمانه معها،وذهب يقينه، وضعف انتماؤه وولاؤه لإخوانه المسلمين. وتلك هي نفوس الضعفاء الذين يُسقطهم التاريخ من حسابه.
وإذا كان أفاضل البشر من النبيين والمرسلين قد عُذِّبوا وأوذوا، وطُورد أتباعهم وقتلوا، وزُلزلوا زلزالاً شديدًا، ولم يبدّلوا مواقفهم أو ييأسوا من نصر الله - تعالى - حتى جاءهم فرج الله - تعالى - بعد حين، فإنَّ أتباع الرسل كذلك يُبتلون، والواجب عليهم عدم اليأس والقنوط، واليقينُ بوعد الله - تعالى - ونصره لهذه الأمة المباركة ولو طال الزمن، وانتفش الباطل وأهله، وسواءٌ أدركنا ذلك أم لم ندركه.
إن من الناس من يتخذ دين الله - تعالى - وسيلة، ويجعل الغاية النصر والتمكين، فإذا لم تتحقق غايته تخلى عن الوسيلة، وبدَّل دينه، وغيَّر مواقفه، ولربما والى أعداء الله - تعالى- لأنه يراهم أقوى، وعادى إخوانه لأنهم الأضعف، فهذا انهزام معنوي مقيت. والواجب أن تكون غاية المسلم إقامة دين الله – تعالى - والثبات عليه في السراء والضراء، وفي العُسْر واليسر، فهذا هو الصدق مع الله - تعالى - الذي ينال به العبد رضاه وجنته، ويكون حريًّا بالنصر والتمكين.(/9)
وما أحوج الأمة في هذه الظروف العصيبة إلى التوبة من الذنوب، وصدق التعلق بجناب الله – تعالى - والعناية بصلاح القلوب، واستقامة الأحوال والأعمال، ومعرفة حقيقة أعداء الله - تعالى - من كُفًَّار ومنافقين، وإعداد العدة اللازمة لجهادهم، وردِّ عدوانهم وأذاهم عن المسلمين؛ فما دخل الكافرون بلدةً إلا أفسدوها، وأحلوا الفوضى فيها، وجعلوها سلبًا ونهبًا على عكس ما يعلنون، وما وُجد منافقون في أمةٍ إلا خانوها في أصعب الساعات، وأحرج الظروف، والتاريخ والواقع يشهدان بذلك.
أسال الله - تعالى - أن يجبر مصاب المسلمين، وأن يحفظهم من كيد أعدائهم من الكافرين والمنافقين، وأن يمنَّ علينا وعلى المسلمين بالثبات على الحق إلى الممات غير مبدلين ولا مغيرين، إنه نعم المولى ونعم النصير.
ألا وصلوا وسلموا على خير خلق الله كما أمركم بذلك ربكم.
---
[1] ابتدأت هذه الحرب الظالمة على العراق في ليلة الخميس 17/1/1424هـ، ودخلت القوات الأمريكية بغداد في يوم الأربعاء 7/2/1424هـ، وقبل هذه الحرب كانت هناك مناطق حظر جوي، وأراض عِدَّة في جنوب العراق قد انتزعت من العراق إضافة إلى الحصار والتجويع الذي فُرض عليها منذ حرب الخليج الثانية عام 1411هـ، مدة ثلاث عشرة سنة، مات من جرائه أكثر من مليون طفل عراقي من سوء التغذية والأمراض، وتم إفقار شعب العراق طوال هذه المدة، كان الله - تعالى - في عون المسلمين هناك، وأعظم لهم الأجر في مصيبتهم.(/10)
[2] سقطت بغداد فجأة ومن دون مُقَدّمَات، واختفت القيادات البعثية في العراق، وذاب الجنود في الناس، واختلفت الآراء حول هذا السقوط المفاجئ والمُحَيِّر؛ لأن الناس كانوا يتوقعون مُقاومة طويلة وشرسة تمتد إلى أشهر قبل أن يستولي الأمريكان والبريطانيون على بغداد، كيف! وبلدات صغيرة في العراق كأم قصر والفاو وغيرها صمدت أسابيع، وكبدت القوات الغازية خسائر كبيرة، وأهم الاحتمالات التي يتداولها الناس والمُحَلِّلُون إزاء هذا السقوط المفاجئ ثلاثة:
الأول: أن القيادة العراقية عقدت صفقة مع القوات الغازية يخرج بموجبها صدام حسين وأزلامه من العراق خفية، مقابل استيلاء القوات الغازية على بغداد ووقف كل أشكال المقاومة النظامية، وأصحاب هذا الاتجاه يدخلون روسيا في اللعبة، ويرون أنها متفقة مع أمريكا في ترتيب ذلك مقابل حفظ مصالح روسيا في العراق بعد احتلاله، وقبل ثلاثة أيام نشرت الصحف أن وزير الدفاع الأمريكي رامسفيلد صرح بأنه سيتصل بهاتف صدام الشخصي يدعوه فيه للاستسلام، وقبل سقوط العراق بأيام قليلة قامت رايس مستشارة الرئيس الأمريكي بزيارة إلى موسكو، قيل إن هدف هذه الزيارة ترتيب الصفقة بين روسيا وأمريكا وحزب البعث، وهدف الأمريكان من هذه الصفقة هو الاستيلاء على بغداد بأقل قدر ممكن من الخسائر، ولاسيما أنهم خسروا الكثير من الجنود في اقتحام البصرة والفاو وأم قصر، ومطار بغداد، وكان السفير الروسي قد خرج من بغداد باتجاه سوريا، وتم قصف قافلته، وجرح السفير؛ ظنًّا أن معه القيادة العراقية، ثم رجع السفير مرة أخرى وهو مجروح إلى بغداد، وهذا الرجوع محل ريبة وشك، وقبل يوم أو يومين من سقوط بغداد تعمدت القوات الأمريكية قصف مقر الصحفيين والإعلاميين وحجزهم عما يجري في بغداد؛ مما يدل على أن ثمة أمرًا يدبر.(/11)
وبعض أصحاب هذا الاتجاه يجعل كل العملية من أولها إلى آخرها مسرحية متفقًا عليها بين صدام وأمريكا، وأنه عميل قديم لهم، ويدعمون ذلك بعدم احتياطات بغداد بضرب الجسور التي على المناطق المحيطة ببغداد، وإشعال الحرائق في آبار النفط؛ لكي تعيق تقدم القوات الغازية؛ ولئلا يستفيد منها الأمريكان بعد انتزاع بغداد، وكل ذلك لم يحصل، والبعض الآخر يجعل هذا الاتفاق تم بعد معارك مطار بغداد التي سبقت السقوط بأسبوع تقريبًا حيث سقط ضحايا كثر من الطرفين.
الثاني: أن صدام وزبانيته من أعضاء حزب البعث قد قتلوا في غارة مخطط لها، وتم الاتفاق مع القيادات الأخرى على الاستسلام مع ضمان خروجهم سالمين من العراق.
الثالث: أنها عملية تكتيكية من العسكريين العراقيين؛ ليجعلوا الغزاة يتدفقون إلى بغداد، ثم تتم محاصرتهم والإثخان فيهم، وهذا بعيد جدًّا، وكل يوم لا يحصل فيه شيء يكشف عدم صحة هذا الاحتمال، والله - تعالى - أعلم بواقع الحال.
[3] كان سقوط بغداد في أيدي التتار في شهر صفر عام 656هـ، واختلف المؤرخون في عدد القتلى فمنهم من قال: مليون نفس، ومنهم من قال: مليونان، ومنهم من قال: ثمانمائة ألف نفس...
[4] انظر: "تاريخ الطبري" (2/329 و 376)، و"تاريخ خليفة" (1/118)، و"تاريخ بغداد" (1/26)، و"معجم البلدان" (1/457).
[5] "تاريخ الطبري" (4/458)، و"المنتظم" (8/72)، و"الكامل" (5/167)، و"النجوم الزاهرة" (1/340).
[6] "تاريخ بغداد" (1/58)، و"البداية والنهاية" (10/101)، و"معجم البلدان" (1/456).
[7] "تاريخ بغداد" (1/45)، و"معجم البلدان" (1/463)، و"وفيات الأعيان" (7/252)، و"المنتظم" (8/84).
[8] "معجم البلدان" (1/461).
[9] "تاريخ بغداد" (1/46)، و"معجم البلدان" (1/463).(/12)
[10] كما في حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - الذي أخرجه البخاري في الجهاد باب ناقة النبي - صلى الله عليه وسلم - (2872)، وأبو داود في الأدب باب كراهية الرفعة في الأمور (4802)، والنسائي في الخيل باب السبق (6/227).
[11] "الكامل" (10/491).
[12] وصار العساكر من جراء ذلك يسألون الناس في الأسواق والمساجد، انظر: "البداية والنهاية" (7/169)، و"السلوك لمعرفة دول الملوك" للمقريزي (1/413)، و"تاريخ الخلفاء" للسيوطي (187).
[13] انظر: "البداية والنهاية" (7/169)، و"تاريخ ابن خلدون" (5/542)، و"السلوك" (1/412)، و"فوات الوفيات" (1/152)، و"تاريخ الخلفاء" (187)، ويجمع المؤرخون على خيانة ابن العلقمي للخليفة العباسي المستعصم.
[14] "البداية والنهاية" (7/168)، و"سير أعلام النبلاء" (23/182).
[15] "البداية والنهاية" (7/169)، و"السير" (23/183).
[16] انظر: "البداية والنهاية" (7/169)، و"السير" (23/184)، وقد ذكر الذهبي - رحمه الله تعالى - أن للخليفة المستعصم عقبًا في وقته في أذربيجان من ابنه الأصغر الذي أسروه، يعني: في وقت الذهبي في القرن الثامن الهجري.
[17] "شذرات الذهب" (5/271).
[18] "فوات الوفيات" (2/152).
[19] "البداية والنهاية" (7/177 ـ 178).
[20] وذلك في معركة عين جالوت التي قادها القائد المظفر قطز، وكانت يوم الجمعة لخمس بقين من رمضان عام ثمان وخمسين وستمائة للهجرة.(/13)
العنوان: سكان الكهوف من الخليل
رقم المقالة: 1061
صاحب المقالة: سيف الدين يوسف
-----------------------------------------
من ينظر إلى صورة الغلاف يَحسَبه - للوهلة الأولى - منظرًا رومانسيًّا للغروب له علاقة بقصة رومانسية صِيغتْ بأسلوب مَنفلوطيٍّ جذَّاب، ولكن الكلمات المرفقة بالصورة لها دَلالات ومعانٍ أخرى بعيدة كلَّ البعد عن الرومانسية.
الالتجاء من العنف (عائلات فلسطينية تعيش في الكهوف).
أما عنوان المقال في الصفحة السابعة من المَجلة فهو: سكان الكهوف من الخليل.
منذ بداية الشهر أصبح العنف المتصاعد بين (فتح) و(حماس) في فِلَسْطِين رسميًا يُسمَّى بالحرب الأهلية، بينما ينحني كل من قادة فلسطين وإسرائيل والسياسة الدولية أمام العنف، ويُحافِظون على استمرار إطلاق النار.
يعيش أكثرُ من مائة عائلة فلسطينية منذ سنين في الكهوف، نَزَحوا من ديارهم من جرَّاء الحروب والْتَجَؤُوا إلى الكهوف.
مراسل مَجلة (TED) هشام صرصور ذهب إلى الجبال ليستكشِف قِصَص تلك العائلات المَنسِيَّة في الكهوف.
في الجبال الواقعة شمالَ الخليل تَعِيش أكثرُ من مائة عائلة في الكهوف: شباب، عجائزُ، أطفالٌ، كلهم أُجبروا - تحت ظروف قاهرة - على ترك بيوتهم ومَزارعهم من جَرَّاء العنف في فِلَسطِين.
وبعد جولة طويلة من البحث عن الهدف المحدد استأجرتُ سيارة أجرة، وذهبتُ من أجل البحث بمساعدة (مُنتَصِر) أحد سكان الكهوف.
- منتصر (17 عامًا)
هنا تسكن عائلتي، وُلِدتُ وترعرعتُ هنا في هذه الكهوف، حياتنا قاسية؛ ولكن لا نَستطِيع أن نذهب إلى جهة أخرى، لا يُوجَد عندنا كَهْرَباء، والحصول على الماء صعب جدًّا.(/1)
أذهب إلى المدرسة، ولكن مدرستي بعيدة جدًّا؛ فهي تَبعُد عن كهوفنا مسافةً قدرها 9كم، يَجِب عليَّ أن أمشي هذه المسافة على الأقدام، وهذا يعني أنني يجب أن أغادر البيت الساعة (الخامسة والنصف) فجرًا تقريبًا، وأن أبقى ساعتين ونصفًا في الطريق قبل أن أصل إلى المدرسة مرهقًا؛ لهذا تَجِدُني في الصباح مُتعبًا، وأشعر بالنُّعاس في الدروس الأولى، كما يجب عليَّ أن أعود مرة ثانية لأقطع مسافة 9كم إيابًا على الأقدام عائدًا إلى البيت. (إن جاز أن تُسمِّيَه بيتًا).
- أنا دائمًا تَعِبٌ، وأريد دائمًا أن أنام !!
لذلك تَجِدُني من الصعب أن أجد الوقت للدراسة، وخارجَ الكهوف ليس آمنًا.
وإذا أردتُ أن أذهب إلى الخارج فغالبًا ما أذهب إلى الصخرة هناك - قريبة منا - وأنظر إلى شعاع الشمس.
- عيسى (25 عامًا)
مُشكِلتنا ليستْ مشكلةً جديدة؛ فمُشكِلتُنا بدأتْ منذ عام 1947 عندما احتلَّ جيشُ (الجامعة العربية الأوروبية (A.E.L) فِلَسْطِينَ، وفَرَّ أجدادُنا من قرية (السمو) إلى هذه الكهوف، فقد كانوا خائفين من أن يأخذ الاحتلال الإسرائيليُّ أرضَنا لذلك بَقُوا سنين طِوال ليَتخلَّصوا من ذلك.
أما الآنَ فهناك جِيل جديد في هذه الكهوف؛ فهم قد كَبِروا هنا وأنا منهم، فلكي نَحمِي بلادَنا نحن باقُون هنا؛ ولأنه لا يوجد مكانٌ آخَرُ نَذهَب إليه.
إنه لمن الخطر بمكان أن تَعِيش في الكهوف، فهناك أفاعٍ وعقارِبُ كثيرة؛ فإذا لدغ المرء من حية أو عقرب - كما حدث منذ أسابيعَ - فيجب علينا أن نأخذه على الحمار لأقرب مستشفًى وهذا يبعد عنا 9كم.
هناك 120 عائلة تُسمِّي كهوفَها بُيوتًا وهناك 95 طفلاً دون 15عامًا.
حقًّا هذه ليستْ حياةً - لا يُوجَد تيار كهربائي - لا مياةَ كافية. ولا شكَّ أن الكهوف ليستْ أماكنَ صحيةً للسكن، نحن لا نَستطِيع أن نفعل شيئًا.(/2)
- إذا تَرَكْنا بيوتَ عائلاتنا وغادرناها سوف يَأخُذها الإسرائيليون، وليست هناك أية سلطة أو حكومة ستَعتَني بِنا.
نحن مُنعزِلون تمامًا عن الحياة المألوفة، والعالم لا ينظر إلينا ألبتةَ.
- مريم (75 عامًا)
آه.. إلى أين نذهب يا بني، قل لي! أتينا إلى هنا قبل بضعة أسابيع لكي نحمي أرضنا من الجيش لكننا لم نستطع الرجوع إلى قريتنا.
كان الأمر خطيرًا جدًّا، كان هناك عِراك وشَغَبٌ واقتتال، والجيش الإسرائيلي كان في كل مكان، فقد فجَّروا بَيتَنا في القرية؛ لذلك أُجبرنا على أن نَتَّخِذ من الكهوف بُيوتًا.
أين هؤلاء الذين يُسمَّون بالأمم المتحدة؟!
أين مُنظَّمات حقوق الإنسان؟!
يَجِب على الأمم المتحدة أن تَخجَل خجلاً شديدًا من نفسها.(/3)
العنوان: سلسلة الببليوغرافيا الإسلامية – الكتب والرسائل الجامعية
رقم المقالة: 1519
صاحب المقالة: لجنة برئاسة عمار تلاوي
-----------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
{ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ}
تنتج العقول البشرية آلاف الكتب والنشرات والصحف والمجلات والأعمال الإبداعية العلمية المدونة بشتى وسائل الحصر والتدوين، والتي تزايدت بشكل هائل في عصر التقانة الحديثة.
وما هي إلا صدى لقسم المولى عز وجل بالقلم وما ينتجه وإنه لمن الصعب على المسلم الواعي الاستعلام بالسرعة والدقة الكافيتين عن كل ما تنتجه العقول البشرية في عصر الانفجار المعرفي.
واختيار المرجع المعرفي المناسب للتواصل العلمي معه.
ولذلك فإن الببليوغرافيا الإسلامية نقلة نوعية في سبيل تحقيق ذلك.
أبو سعد الأثري
تصدير السلسلة
سلسلة البيبليوغرافيا الإسلامية
الحمد لله شرفنا بخدمة دينه الحنيف، ورفع أمتنا به فوق الأمم، وشرّع لها العلم طريقاً للهداية، ودليلاً للوصول، وصلى الله على الدليل الهادي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فمن المعروف أن العلوم الشرعية منها ما هو علم مقصود لذاته وهي (علوم المقاصد) كالتفسير والتوحيد والفقه...، ومنها ما هو مقصود لغيره (علوم الوسائل)، كأصول الحديث والفقه والعربية وعلم الفهرسة...
ونظراً لعظمة علوم الشريعة واتساعها وجلالة قدرها، فإن الواجب على الباحثين فيها أن يوسعوا دائرة علوم الوسائل التي تسهم في خدمتها وتيسير الوصول إليها، وخصوصاً في هذا العصر الذي تفاقمت فيه المعرفة، وازدادت فيه العلوم تكاثراً، كما تميز بالتقنية العلمية التي تختصر الجهد والوقت.
ولذلك فإن علوم الشريعة وما يتعلق بها من علماء ومدارس وكتب وعناوين هي مما يجب على مؤسسات البحث العلمي أن تمنحه فرصة الظهور، وتقدم له الخدمات التي تسهم في تطويره وذلك عبر علوم الوسائل المتنوعة.(/1)
سلسلة البيبليوغرافيا الإسلامية محاولة جادة لخدمة علوم الشريعة وما يتعلق بها، عن طريق الأدلة والتي تشمل الرسائل الجامعية أو الكتب والمؤلفات أو الجامعات والمعاهد الشرعية والنشرات البيبليوغرافية والتي تحتوي على معلومات هامة حول مواضيع متنوعة تنوع العلوم الشرعية.
ومن المعروف أن البيبليوغرافيا عمل مؤسساتي، غالباً ما تقوم فيه مجموعات كبيرة من الباحثين بهدف رصد كل جديد وإدخال البيانات بشكل متناسق ونشرها وتوزيعها.
وعسى أن تكون هذه السلسلة نواة لمؤسسة بيبليوغرافية مخصصة لرصد النتاج العلمي الإسلامي وفهرسة بياناته بالشكل الذي يخدم الباحثين أو كل من يحتاج إلى معلومات عنه على غرار بنوك المعلومات والمعارف والتي انتشرت بشكل كبير في الغرب وما ذلك على الله بعزيز.
هذا ويرجع مصطلح البيبليوغرافيا إلى العهد الإغريقي، وهو مركب من كلمتين (بيبليو) Biblio ومعناها كتاب، وغراف Graph ومعناها رسم أو وصف وتجميع التركيبة في كلمة واحدة تعني (وصف الكتاب).
وتأتي البيبليوغرافيا في الوقت الحاضر في مقدمة العلوم المكتبية من حيث جمع وحصر الإنتاج الفكري البشري، والتعريف به وتقديمه في القوائم البيبليوغرافيا، وفهارس المكتبات، والكشافات، ونشرات الاستخلاص، والأدلة، والمراصد البيبليوغرافية...
ولابد من الإشارة إلى أن هذا العلم ليس وليد القرن الحالي بل قد عرف علماء المسلمين البيبليوغرافية، وإن من أهم الأعمال البيبليوغرافية الإسلامية القديمة:
1- كتاب الفهرست لابن النديم، يعتبر من أرقى التصانيف التي وجدت في عصره، والتي وجدت لعدة قرون من بعده، من حيث شموليته التي عكست تماماً شتى مجالات المعرفة التي وجدت آنذاك.
2- مفتاح السعادة ومصباح السيادة عام 948ه، لطاش كبرى زاده وقد اعتبره المؤرخون والاختصاصيون مرجعاً بيبليوغرافياً قيماً يشتمل على أسماء الكتب المؤلفة في مختلف العلوم والمعارف البشرية.(/2)
3- كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون ألف كتاب كشف الظنون العالم التركي مصطفى بن عبدالله المشهور حاجي خليفة، وقد تأثر في كتابه هذا بكل من الفهرست لابن النديم، ومفتاح السعادة، ومصباح السيادة لطاش كبرى زاده فأخذ عنهما وسار على نهجهما.
وانتهى من تأليفه بعد عمل متواصل يبحث ويطالع ويجمع دام عشرون عاماً ليقدم بهذا العمل البيبليوغرافي خدمة جليلة لعلوم الشريعة، وللعاملين في المكتبات والاختصاصيين والباحثين والدارسين لحقبة طويلة لأكثر من عشرة قرون.
وغيرها من الأعمال البيبليوغرافية التي ألفها علماء الأمة الإسلامية وشكلت نواة لولادة هذا العلم الجليل وأساساً لانطلاقته.
مساحة سلسلة البيبليوغرافيا الإسلامية:
يسعدني في هذا التصدير للسلسلة وفي باكورة إصداراتها أن أبشر الأخوة الباحثين في العلوم الشرعية، والعاملين في حقل التأليف والتدريس والمكتبات أن هناك مشاريع بيبليوغرافية متنوعة خططها جاهزة وتحتاج للجهد والوقت فيسّر الله خروجها آمين.
وأن هذه المشاريع تشمل جوانب معرفية متنوعة ضمن الشريعة الإسلامية ويمكن إظهار بعض جوانبها بما يلي:
1- الكتب: وتشمل الرسائل الجامعية، والبحوث العلمية التي تقدم للترقية، وإصدارات المطابع، والكتيبات الصغيرة...
2- المجلات والصحف الإسلامية.
3- شبكة المعلومات العالمية (Internet) والتي تشمل:
• المواقع (صفحات الويب).
• كشافات عناوين البريد الإلكتروني.
4- الأشرطة وتشمل (الأقراص الصلبة للكومبيوتر وما تحتويه من برامج إسلامية والكاسيت الإسلامي وخصوصاً السلاسل العلمية وأشرطة الفيديو..).
5- الأدلة التنظيمية لموضوعات العلوم (الكشافات).
6- النشرات البيبليوغرافية والتي تضم أشياء مفيدة ومتنوعة مثل:
• الجمعيات الخيرية (مقراتها - أرقامها...).
• المعاهد الشرعية (مقرها - شروط الدراسة فيها...).
• الجامعات الإسلامية (مقرها - شروط الدراسة فيها...).(/3)
• دورات تحفيظ القرآن (مواعيدها - أماكنها...).
• دليل الدروس العلمية المقامة في المدن الإسلامية والدورات الصيفية.
• لوائح أرقام هواتف المشايخ وعناوينهم.
البيبليوغرافيا الإسلامية خطوة نحو مستقبل علمي منظّم مؤمن بالاستقراء الكامل، مسلح بالمعرفة الواعية، يعرف للوقت قيمته كما يعرف للنتاج البشري أهميته، ويتابع المسيرة التي خطاها النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعد صحابته الكرام وسلف هذه الأمة وعلمائها فيبني على خطاهم ويستفيد من نتاجهم.
وفي النهاية أرجو من المولى عز وجلّ أن يتقبل هذا العمل ويجعله في صحائف حسناتي يوم ألقاه وأنا الفقير إليه.
كما أسأله عز وجل أن ينفع بهذا الدليل أخوتي وزملائي وأساتذتي العاملين والباحثين في علوم السنة المشرّفة.
وأتمنى منهم أن يقدموا لي ملاحظاتهم على هذا العمل وعلى كل عمل يصدر عن اللجنة.
وأحب أن أتوجه بالشكر إلى كل الأخوة العاملين معي في اللجنة مع أنهم لم يشاركوا في هذا العمل لانشغالهم في أعمال أخرى - وفقهم الله لإتمامها - وإلى الذين قدموا لي العون والتسهيلات وكان لهم يد في إنجاز الدليل، وأخص منهم الأخوة في جامعة أم درمان - أصول الدين - قسم أبي النور حيث قدموا لي تسهيلات لم أجدها عند غيرهم والله من وراء القصد.
إلهي تقبل عملي = ولا تخيب أملي
واغفر ذنوبي كلها = قبل حلول الأجل
عمار تلاوي
دمشق - غرّة شوال/ 1423ه
((إرشادات مستخدم الدليل))
حدود التغطية:
يضم دليل الرسائل الجامعية في علوم الحديث النبوي على مستوى الماجستير والدكتوراه المناقشة والمسجلة، في معظم الجامعات الإسلامية التي تيسّر لي الوصول إليها من بداية تسجيلها للرسائل الجامعية إلى عام 2002 ميلادية، 1423 هجرية.
وقد بلغ عدد الرسائل في الدليل (1027) رسالة هي مجموع ما تمّ رصده بعون الله تعالى في هذه الفترة.
طريقة الترتيب:(/4)
رتبت الرسائل في الدليل ترتيباً موضوعياً نظراً لما يتميز به هذا التنوع من الترتيب من سهولة في الكشف عن موقع الرسالة، ويعطى نظرة عامة عن تطور كل فرع من فروع المعرفة التي يتم التصنيف لها.
كما رتبت الرسائل ضمن كل موضوع ترتيباً هجائياً بحسب عناوينها منعاً للتكرار، مع مراعاة ما يلي:
1- أداة التعريف (ال) لم يعتد بها في الترتيب الهجائي، فمثلاً رسالة بعنوان "العلة وطرق الكشف عنها" نجدها في حرف "العين" لا حرف الألف.
2- رقمت الرسائل ترقيماً مسلسلاً بغية استخدام هذه الأرقام في الكشافات الملحقة (كرابط) للإحالة إليها لبيان مكان الرسالة في الدليل، وكذلك لمعرفة العدد الإجمالي للرسائل الواردة فيه.
بيان الوصف والعرض:
روعي في الدليل أن يكون بيانات الوصف المعطاة عن كل رسالة كاملة ودقيقة قدر الإمكان رغم نقص تلك البيانات في القوائم الأصلية وتعارضها في بعض الأحيان، كما روعي أن يكون مرتبة على النحو التالي:
الرقم المسلسل:
عنوان الرسالة بخط غامق/ اسم الباحث - الدرجة العلمية - اسم الجامعة - الكلية ومكان وجودها - القسم - تاريخ التسجيل والمناقشة بالتسلسل بالهجري أو الميلادي - اسم المشرف - أسماء لجنة المناقشة إن وجدت - كونها منشورة أم غير منشورة فيما وصلنا إليه من معلومات.
مثال:
1 - التحقيق
0008
تعليق الإمام بدر الدين الزركشي (794ه) على مقدمة ابن الصلاح/ حسن نور حسن - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1417ه - م. محمد أحمد القاسم - ل. محمد أحمد القاسم - عبدالمجيد محمود عبدالمجيد - أحمد محمد نور سيف.
الكشافات:
إكمالاً للفائدة، ولسرعة توصل الباحث إلى ما يريد داخل الدليل، فقد ألحقت به كشافات هجائية تعطي الموقع عن طريق رقم الرسالة وهي:
• كشاف بأسماء الرسائل الجامعية.
• كشاف بأسماء الباحثين.(/5)
• كشاف بالكليات والأقسام حيث يفيد هذا الكشاف جهات الاختصاص في الوقوف على حركة النشاط العلمي للجامعة.
لمحة إحصائية عن الأطروحات الواردة في الدليل:
الجدول
الفصل الأول
أصول الحديث أو مصطلحه
1 - التحقيق
2 - التأليف
0001
الإرشاد في أصول الحديث للنووي (676ه)/ عبدالباري فتح الله - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - 1406ه.
0002
الاقتراح في بيان الاصطلاح لابن دقيق العيد (702ه)/ عامر حسن صبري - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1402ه - (منشورة).
0003
الاقتراح في بيان الاصطلاح لابن دقيق العيد (702ه)/ علي بن إبراهيم بن علي اليحيى - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1404ه - م. محمد أديب الصالح.
0004
أبو موسى المديني محدثاً (581ه)، مع تحقيق نزهة الحفاظ والفوائد/ محمد صالح الفلاح - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1400ه.
0005
أحاديث التعليق لابن الجوزي: من أول الكتاب إلى نهاية الأوقاف من كتاب الصلاة/ إبراهيم بن عبدالله بن عبدالرحمن اللاحم - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1408ه - م. أبو لبابة الطاهر حسين - ل. أبو لبابة الطاهر حسين.
0006
أداء ما وجب في وضع الوضاعتين في رجب لابن دحية الكلبي/ محمد بن سليمان الفوزان - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1405ه - م. محمد مبارك السيد - ل. محمد مبارك السيد.
1 - التحقيق
0007
أدب الإملاء والاستملاء للإمام أبي سعيد عبدالكريم السمعاني (562ه)/ أحمد محمد عبدالرحمن محمود - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1413ه - م. موفق عبدالله عبدالقادر.
0008(/6)
البحر الذي زخر في شرح ألفية المختصر للسيوطي (911ه): ابتداء من المسند إلى نهاية المرسل: دراسة وتحقيق/ عبدالباري بن حماد بن محمد الأنصاري - ماجستير - الجامعة الإسلامية –الحديث الشريف - علوم الحديث - 1416ه - م. عبدالعزيز بن محمد العبداللطيف.
0009
البحر الذي زخر في شرح ألفية المختصر للسيوطي (911ه)/ أنيس بن حمد بن طاهر الأندونيسي - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1406ه.
0010
تعقبات السيوطي على موضوعات ابن الجوزي: دراسة وتحقيق للإمام جلال الدين السيوطي/ حمود محمد ناصر الحمدان - ماجستير - جامعة القاهرة - دار العلوم - الشريعة الإسلامية - 1990 - م. رفعت فوزي عبدالمطلب.
1 - التحقيق
0011
تعليق الإمام بدر الدين الزركشي (794ه) على مقدمة ابن الصلاح/ حسن نور حسن - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1417ه - م. محمد أحمد القاسم - ل. محمد أحمد القاسم - عبدالمجيد محمود عبدالمجيد - أحمد محمد نور سيف.
0012
تلخيص العلل المتناهية في الأحاديث الواهية للذهبي/ محفوظ الرحمن زين الله - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1400ه.
0013
الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للبغدادي (463ه): دراسة وتحقيق وتعليق/ محمد رأفت سعيد - دكتوراه - جامعة القاهرة - دار العلوم - الشريعة الإسلامية - 1980 - م. عبدالمجيد محمود عبدالمجيد.
0014
رسوم التحديث في علوم الحديث لإبراهيم بن عمر الجعبري (732ه)/ أحمد المحني - ماجستير - جامعة أم درمان - أصول الدين - السنة - 1999 - م. أ. د. نور الدين عتر.
0015
رسوم التحديث في علوم الحديث للجعبري (732ه)/ محمد بن عبدالله الخضير - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1407ه - م. مسفر بن غرم الله الدميني.
0016(/7)
شرح تقريب النووي للسخاوي (903ه): تحقيق ودراسة/ عبدالهادي عليان القرشي - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة.
0017
العالي الرتبة شرح نظم النخبة للشمني (872ه): دراسة وتحقيق/ عثمان عيسى - ماجستير - المعهد الوطني لأصول الدين - الجزائر - أصول الدين - 1995.
0018
العالي الرتبة شرح نظم النخبة للشمني (872ه)/ معتز عبداللطيف الخطيب - ماجستير - جامعة أم درمان - أصول الدين - السنة - 2002 - م. أ. د. نور الدين عتر.
0019
العالي الرتبة شرح نظم النخبة لأبي العباس تقي الدين أحمد بن محمد الشمني (872ه) - دراسة وتحقيق/ حنان عبدالعزيز شافعي - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1418ه - م. عويد بن عباد المطرفي.
0020
الغاية شرح متن ابن الجزري الهداية في علم الرواية للسخاوي (902ه)/ محمد سيدي محمد الأمين - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1403ه - م. أحمد صقر.
0021
غرائب حديث شعبة لابن المظفر/ عبدالله بن عبدالعزيز الغصن - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1404ه - م. محمد مبارك السيد - ل. محمد مبارك السيد.
0022
الغماز اللماز للسمهودي/ فالح بن محمد الصغير - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1402ه - م. محمود الطحان - ل. محمود الطحان.
0023
فتح المغيث في شرح ألفية الحديث للسخاوي: النصف الثاني من معرفة كتابة - الحديث وكيفية ضبطه إلى نهاية المؤتلف والمختلف/ محمد بن عبدالله الفهيد - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1408ه - م. عبدالفتاح أبو غدة.
0024(/8)
فتح المغيث في شرح ألفية الحديث للسخاوي:النصف الأول/ عبدالكريم بن عبدالله الخضير - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1407ه - م. عبدالفتاح أبو غدة - ل. عبدالفتاح أبو غدة - أحمد محمد نور سيف - محمود أحمد ميره.
0025
الفصل للوصل المدرج في النقل للخطيب البغدادي/ محمد مطر عثمان الزهراني - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1407ه - م. أكرم العمري.
0026
الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي (463ه): تحقيق ودراسة وتخريج/ عبدالرزاق موسى أبو البصل - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1417ه - م. عبدالمجيد محمود عبدالمجيد - ل. عبدالمجيد محمود عبدالمجيد - وصي الله محمد عباس - محمود أحمد صالح ميرة.
0027
الكفاية لمعرفة أصول الرواية للخطيب البغدادي: من أوله إلى آخر باب ذكر - الحجة في إجازة رواية الحديث على المفتي: دراسة وتخريجاً/ محمد خالد عبيد - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1410ه - 1416ه - م. محمود أحمد ميرة.
0028
اللطائف من دقائق المعارف في علوم الحفاظ الأعارف لأبي موسى الأصبهاني/ برهان يوسف السقرق - ماجستير - جامعة أم درمان - أصول الدين - السنة - 2000 - م. أ. د. نور الدين عتر.
0029
المراسيل للإمام أبي داود/ عبدالله مساعد عبدالله الزهراني - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1408ه - م. عبدالمحسن العباد.
0030
مقدمة علوم الحديث، المسمى، الفلك الدوار تأليف الوزيري (914ه): تحقيق ودراسة/ علي حسن مثنى - ماجستير - جامعة القاهرة - دار العلوم - الشريعة الإسلامية - 1992 - م. رفعت فوزي عبدالمطلب.
0031(/9)
المقنع في علوم الحديث لابن الملقن (804ه)/ جاويد أعظم عبدالعظيم - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1403ه - م. أحمد محمد نور سيف.
0032
النكت على ابن الصلاح للحافظ ابن حجر العسقلاني (852ه)/ ربيع بن هادي عمير المدخلي - دكتوراه - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1400ه - م. محمد محمد أبو شهبة.
0033
النكت على ابن الصلاح للزركشي (794ه) (80 ورقة)/ زين العابدين بلا فريج - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1406ه.
0034
النكت الوفية بما في شرح الألفية للبقاعي (885ه): من بداية الكتاب إلى نهاية قسم - الحسن/ خبير خليل عبدالكريم - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1406ه.
0035
النكت الوفية بما في شرح الألفية للبقاعي: من أول باب كتابة التسميع حتى نهاية باب غريب ألفاظ الحديث: دراسة وتحقيق/ جمعان بن أحمد بن غرم الله الزهراني - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - علوم الحديث - 1417ه - م. حافظ بن محمد الحكمي.
0036
الوقوف على الموقوف لعمر بن بدر الموصلي/ المرتضى الزين أحمد - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1407ه - م. عبدالمحسن العباد.
0037
آراء المحدثين في الحديث الحسن لذاته ولغيره/ خالد منصور إدريس - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1416ه - م. وصي الله محمد عباس.
0038
اهتمام المحدثين بنقد الحديث متناً وسنداً، ودحض مزاعم المستشرقين وأتباعهم/ محمد بن لقمان السلفي - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1404 ه - م. محمد أديب الصالح (نشرت).
2- التأليف
0039(/10)
أخبار الآحاد في الحديث/ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - المعهد العالي للقضاء - الشريعة الإسلامية - 1390 ه - م. عبدالرزاق عفيفي - ل. عبدالرزاق عفيفي - مناع القطان - حسنين مخلوف.
0040
أسباب الاختلاف في قبول الأحاديث وردها عند المحدثين/ خلدون بن محمد الأحدب - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1402 ه - م. عبدالفتاح أبو غدة.
0041
أسباب ورود الحديث وأثر معرفتها في توجيه الأحكام/ لحسن الشرقاوي - دكتوراه - جامعة محمد الخامس - الآداب، الدار البيضاء - الدراسات الإسلامية - 1995 - م. زين العابدين بلافريج.
0042
2- التأليف
التصحيف وأثره في الحديث والفقه/ جمال أسطبري - ماجستير - جامعة محمد الخامس - الآداب والعلوم الإنسانية - الدراسات الإسلامية.
0043
الحديث الضعيف وحكم الاحتجاج به/ عبدالكريم بن عبدالله الخضير - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1402ه - م. محمد أديب الصالح (نشرت).
0044
الحديث المضطرب: دراسة وتطبيقاً على السنن الأربع/ أحمد بن عمر سالم بازمول - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1416ه - م. سليمان الصادق البيرة - ل. موفق عبدالله عبدالقادر - أحمد عطاء الله (نشرت).
0045
الحديث المرسل بين القبول والرد/ حصة عبدالعزيز بن محمد الصغير - ماجستير - الرئاسة العامة لتعليم البنات - التربية للبنات بمكة المكرمة - الدراسات الإسلامية - 1405ه - 1408ه - م. علي عبدالفتاح علي - ل. يحيى إسماعيل أحمد - يوسف محمد صديق (نشرت).
0046
الحديث المنكر: دراسة نظرية وتطبيقية في كتاب علل الحديث لابن أبي - حاتم/ عبدالسلام أحمد محمد أبو سمحة - ماجستير - الجامعة الأردنية - الشريعة - أصول الدين - 1999 - م. ياسر أحمد الشمالي.
0047(/11)
الحديث المنكر عند نقاد الحديث: دراسة نظرية تطبيقية/ عبدالرحمن نويفع السلمي - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1418 ه - م. أسامة خياط.
0048
حكم الاحتجاج بخبر الواحد إذا عمل الراوي بخلافه: دراسة تطبيقية مقارنة/ عبدالله عويض المطرفي - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1416ه - م. عبدالمجيد محمود عبدالمجيد - ل. محمد علي إبراهيم - شرف علي الشريف (نشرت).
0049
حكم العمل بالحديث الضعيف واثره في الأحكام: دراسة تطبيقية على ما ورد في قسم العبادات من جامع الترمذي من أحاديث ضعيفة عليها العمل/ محمد بن إبراهيم بن حسن السعيدي - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1417ه - م. صالح عوض النجار.
0050
الرواية بين القراء والمحدثين/ الحسين العمريش - جامعة محمد الخامس - دكتوراه - دار الحديث الحسنية - علوم الحديث - 2000م.
0051
الرواية على الإبهام والتعديل عليه عند الإمام الشافعي في الأحاديث المرفوعة/ عبدالرزاق موسى أبو البصل - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - 1410ه - م. عبدالعزيز العثيم.
0052
الرواية في الإسلام عند المحدثين/ زاهد شاه محمد إسماعيل - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1398ه - م. محمد محمد أبو شهبة.
0053
زيادة الثقات وموقف المحدثين والفقهاء منها: دراسة نقدية/ نور الله شوكت بيكر - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1417ه - م. سعدي مهدي الهاشمي.
0054
زيادة الثقة بين القبول والرد/ اسماء محمد سليمان الحميضي - ماجستير - جامعة الملك سعود - التربية - الثقافة الإسلامية - 1417ه.
0055(/12)
شروط العدالة في الراوي وتفريعاتها عند المحدثين/ عبدالله محمد أبو بكر - ماجستير - جامعة الملك سعود - التربية - الثقافة الإسلامية - 1405ه - محمد مصطفى الأعظمي.
0056
علوم الحديث بين النظرية والتطبيق/ إسماعيل حينوي - دكتوراه - جامعة محمد الخامس - الآداب، الدار البيضاء، بنمسيك - الدراسات الإسلامية - 1996 - م. عقي النماري.
0057
قرائن الترجيح في المحفوظ والشاذ وزيادة الثقة عند الحافظ ابن حجر في كتابه فتح الباري/ نادر السنوسي العمراني - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - علوم الحديث - 1419ه - م. عبدالعزيز بن محمد العبداللطيف.
0058
القواعد الاصطلاحية في صحيح البخاري وفتح الباري: دراسة تطبيقية/ أمل اسماعيل الصيني - ماجستير - الرئاسة العامة لتعليم البنات - التربية للبنات بمكة المكرمة - الدراسات الإسلامية - 1420ه.
0059
القواعد والمسائل الحديثية المختلف فيها بين المحدثين والأصوليين وأثر ذلك في قبول الأحاديث وردها/ أميرة علي عبدالله الصاعدي - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1415ه - م. محمد سعيد محمد حسن بخاري - ل. محمد علي إبراهيم (نشرت).
0060
مدونات في الحديث قبل الكتب الستة/ نورة عبدالرحمن العبدالكريم - ماجستير - الرئاسة العامة لتعليم البنات - التربية للبنات بالرياض - الدراسات الإسلامية - 1401ه - م. عائشة عبدالرحمن - م. أحمد لاشين.
0061
المرسل الخفي وعلاقته بالتدليس: دراسة نظرية وتطبيقية على مرويات الحسن البصري عن شيوخه من حرف الألف إلى عتبة بن غزوان رضي الله عنه/ حاتم بن عارف العبود - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1415ه.
0062
المرسل وحجيته/ عبدالعزيز سراج بليلة - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1402ه - م. يونس السنهوري.
0063(/13)
مسائل مصطلح الحديث عند الحافظ ابن عبدالبر الأندلسي: جمع وترتيب ودراسة/ إبراهيم حصيان إبراهيم العنزي - ماجستير - جامعة الملك سعود - التربية - 1417ه - 1420ه - م. عبدالله مرحول السوالمة.
0064
المشترك اللفظي في مصطلحات علماء الحديث وألفاظ الجرح والتعديل/ يحيى عبدالله الثمالي - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1414ه - 1417ه - م. محمد سعيد بخاري - ل. عبدالله علي الغامدي - وصي الله محمد عباس.
0065
مصطلح الحديث عند الإمام ابن القيم/ عبدالرحمن صالح عبدالله الصغير - ماجستير - جامعة الملك سعود - التربية - 1417ه - م. شاكر ذيب فياض.
0066
مقاييس نقد متون السنة/ مسفر غرم الله أحمد الدميني - دكتوراه - جامعة القاهرة - دار العلوم - الشريعة الإسلامية - 1982 - م. محمد بلتاجي حسن.
0067
مناهج المحدثين في تقوية الأحاديث الحسنة والضعيفة/ المرتضى الزين أحمد - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف- السنة - 1408 ه - م. ربيع هادي مدخلي (نشرت).
0068
نشأة علوم الحديث ومصطلحه/ محمد عجاج الخطيب - دكتوراه - جامعة القاهرة - دار العلوم - الشريعة الإسلامية - 1965 - م. علي حسب الله.
0069
النقد عند المحدثين: نشأته ومنهجه/ عبدالله علي أحمد حافظ - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1392ه - م. محمد مصطفى الأعظمي.
0070
الوضع في الحديث/ مبارك بن محمد بن حمد الدعيلج - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - المعهد العالي للقضاء - الشريعة الإسلامية - 1397ه - م. محمد بن عبدالوهاب البحيري.
0071
الوضع في الحديث/ عمر بن حسن بن عثمان فلاتة - دكتوراه - جامعة الأزهر - أصول الدين - الحديث وعلومه - 1397ه - م. مصطفى أمين التازي (نشرت).
0072(/14)
الوضع في الحديث وآثاره السيئة على الأمة/ نهاد عبدالحليم عبيد - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1401ه - م. محمد عبدالمنعم القيعي.
الفصل الثاني
جمع ودراسة وتخريج
1 - تحقيق
2 - التأليف
1 - التحقيق
0073
أحاديث الشيوخ والثقات لقاضي المارستان (535ه): تحقيق ودراسة/ حاتم بن عارف العبود - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1416ه - م. سعدي مهدي الهاشمي.
0074
البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير لابن الملقن (804ه): من باب صفة الصلاة من أوله إلى حديث جابر رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقد بين السبابة والإبهام: دراسة وتحقيق/ فيصل بن محمد بن خليفة العقيل - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - فقه السنة - 1417ه - م. عبدالله علي أبو سيف الجهني.
0075
البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير لابن الملقن: من باب سجود السهو إلى نهاية كتاب الجمعة/ عمر علي عبدالله محمد - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف –السنة - 1409ه - م. ربيع هادي مدخلي.
0076
البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير لابن الملقن: من باب الغسل إلى باب كتاب صفة الصلاة/ إقبال أحمد محمد إسحاق - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف –السنة - 1407ه.
0077
البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير لابن الملقن: من باب الوضوء إلى باب الغسل/ أحمد شريف الدين عبدالغني - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف –السنة - 1407ه.
0078(/15)
البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير لابن الملقن: من كتاب صلاة الخوف إلى باب لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول/ جمال محمد السيد عبدالحميد - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف –السنة - 1407ه.
0079
البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير لابن الملقن: من أول الكتاب إلى باب الوضوء/ إبراهيم بن علي العبيد السلمي - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف –السنة - 1414ه - م. ربيع هادي مدخلي.
0080
تاريخ بغداد: تخريج الأحاديث والآثار الواردة من أوله إلى نهاية ترجمة محمد بن مصعب أبي جعفر الدعاء، مع دراسة أسانيدها وبيان درجاتها/ علي بن عبدالله الجمعة - دكتوراه - جامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1410ه - م. فضل الرحمن الأنصاري.
0081
تحفة الطالب بمعرفة أحاديث مختصر ابن الحاجب لابن كثير (774ه)/ عبدالغني حميد محمود الكبيسي - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1403ه - م. محمد أحمد القاسم.
0082
تحفة الطالب بمعرفة أحاديث مختصر ابن الحاجب لابن كثير/ عبدالله بن عبدالرحمن المحيسن - ماجستير - جامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1406ه - م. نور الدين بويا جيلار.
0083
التعريف والإخبار بتخريج أحاديث الاختيار لابن قطلوبنا (879ه)/ محمد الماس يعقوبي - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1413ه - م. أحمد محمد نور سيف.
0084
تغليق التعليق لحافظ بن حجر (852ه): دراسة وتحقيق وشرح المفردات الغريبة/ سعيد عبدالرحمن موسى - دكتوراه - جامعة الأزهر - أصول الدين - الحديث وعلومه - 1985 - م. حسين عبدالحميد هاشم - أحمد عمر هاشم.
0085(/16)
تفسير ابن كثير: تخريج الأحاديث الواردة في سورة الرعد/ محمد عبده عبدالرحمن الكحلاني - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1401ه - م. السيد محمد الحكيم.
0086
تقريب البغية في ترتيب أحاديث الحلية للحافظ الهيثمي (807ه): من أول كتاب الخلافة إلى نهاية فضل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: تحقيق ودراسة/ كوثر محمد عمر جاد الله - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1416ه - م. عبدالحي حسين الفرماوي.
0087
تقريب البغية في ترتيب أحاديث الحلية للحافظ الهيثمي: من أول الكتاب إلى باب القنوط من كتاب الصلاة: تحقيق ودراسة/ خالد أحمد الخطيب - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1415ه.
0088
تقريب البغية في ترتيب أحاديث الحلية للحافظ الهيثمي: القسم الثاني، من باب الأذان إلى كتاب الصيام: تحقيق ودراسة/ عبدالرحمن محمد الحداد - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1415ه.
0089
تقريب البغية في ترتيب أحاديث الحلية للحافظ الهيثمي: القسم الثالث، من أول كتاب الصيام إلى نهاية كتاب الديات: تحقيق ودراسة/ أحمد بن صالح الغامدي - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1415ه.
0090
حديث علي بن حجر السعدي عن إسماعيل بن جعفر المدني (180ه) - عمر رفود رفيد السفياني - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - علوم الحديث - 1416ه - م. مرزوق بن هياس الزهراني (نشرت).
0091(/17)
حسن الأسوة بما ثبت من الله ورسوله في النسوة للشيخ محمد صديق القنوجي (1307ه): تخريج أحاديث وآثار القسم الرابع ودراسة أسانيدها والحكم عليها من أول باب ما ورد في المستحاضة إلى آخر باب ما ورد في أن اللعان يوجب التفريق بين الملاعين/ البندري عبدالله بن محمد المقرن - ماجستير جامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1413ه - 1416ه - م. محمد محمود بكار.
0092
حسن الأسوة بما ثبت من الله ورسوله في النسوة للشيخ محمد صديق القنوجي: تخريج أحاديث وآثار القسم الخامس ودراسة أسانيدها والحكم عليها من أول باب ما ورد في إلحاق الولد ودعوى النسب إلى آخر ما ورد في تغيير أسماء النساء/ إلهام بدر الجابري - ماجستير - جامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1413ه - 1417ه - م. محمد محمود بكار.
0093
حسن الأسوة بما ثبت من الله ورسوله في النسوة للشيخ محمد صديق القنوجي: تخريج أحاديث وآثار القسم الثاني ودراسة أسانيدها والحكم عليها من بداية الكتاب الثاني إلى باب ما ورد في رحمة المرأة للحيوان/ مشاعل راشد الدباس - ماجستير - جامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1413ه - 1416ه - م. محمد محمود بكار.
0094
حسن الأسوة بما ثبت من الله ورسوله في النسوة للشيخ محمد صديق القنوجي: تخريج أحاديث وآثار القسم الثاني ودراسة أسانيدها والحكم عليها من أول باب ما ورد في الشغار إلى آخر ما ورد في أحكام الحائض/ ليلى سعيد السابر القحطاني - ماجستير - جامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1413ه - 1416ه - م. محمد محمود بكار.
0095(/18)
حسن الأسوة بما ثبت من الله ورسوله في النسوة للشيخ محمد صديق القنوجي: من البداية إلى باب ما ورد في دية الجنين، تخريج أحاديثه ودراسة أسانيدها والحكم عليها/ شيخة مفرج المفرج - ماجستير - جامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1408ه - 1412ه - م. أحمد معبدعبدالكريم.
0096
دراسة تعقبات ابن التركماني (750ه) في الجوهر النقي على السنن الكبرى للبيهقي: من أول كتاب الصلاة إلى نهاية صلاة النافلة جماعة/ خالد مرغوب محمد أمين - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - فقه السنة - 1417ه - م. محمد ضياء الرحمن الأعظمي.
0097
دراسة تعقبات ابن التركماني في الجوهر النقي على السنن الكبرى للبيهقي: من أول الكتاب إلى نهاية كتاب الحيض/ حسين بن شريف العبدلي الفيفي - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - فقه السنة - 1417ه - م. محمد ضياء الرحمن الأعظمي.
0098
دراسة تعقبات ابن التركماني في الجوهر النقي على السنن الكبرى للبيهقي: من أول كتاب الحج إلى نهاية كتاب قسم الصدقات/ كوليبالي بازومانا - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - فقه السنة - 1417ه - م. محمد ضياء الرحمن الأعظمي.
0099
دراسة تعقبات ابن التركماني في الجوهر النقي على السنن الكبرى للبيهقي: من أول كتاب الصلاة إلى نهاية صلاة النافلة جماعة/ خالد مرغوب محمد أمين - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - فقه السنة - 1417ه - م. محمد ضياء الرحمن الأعظمي.
0100
دراسة تعقبات ابن التركماني في الجوهر النقي على السنن الكبرى للبيهقي: من أول كتاب الحدود إلى نهاية الكتاب/ قاسم بن محمد الطواشي - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - فقه السنة - 1417ه - م. محمد ضياء الرحمن الأعظمي.
0101(/19)
دراسة تعقبات ابن التركماني في الجوهر النقي على السنن الكبرى للبيهقي: من أول أبواب جماع فضل الجماعة والعذر بتركها إلى نهاية الكتاب/ عبدالرحمن صالح الشمراني - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - فقه السنة - 1417ه - م. محمد ضياء الرحمن الأعظمي.
0102
الفتح السماوي في تخريج أحاديث البيضاوي للمناوي (1031ه)/ أحمد مجتبى نذير عالم - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف –السنة - 1407ه - م. محمود أحمد ميرة.
0103
كشف المناهج والتناقيح في تخريج أحاديث المصابيح للمناوي (803ه): كتاب الإيمان والعلم والطهارة/ مصلح بن جزاء الحارثي - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف –السنة - 1408ه - 1412ه - م. العجمي دمنهوري خليفة.
0104
مختصر تلخيص الذهبي لمستدرك الحاكم لابن الملقن: القسم الأول/ عبدالرحمن حمد اللحيدان - ماجستير - جامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1405ه - م. أحمد معبدعبدالكريم.
0105
مختصر تلخيص الذهبي لمستدرك الحاكم لابن الملقن: القسم الثاني من أول كتاب معرفة الصحابة إلى نهاية الكتاب/ سعد بن عبدالله الحميد - ماجستير - جامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1407ه - م. أحمد معبدعبدالكريم.
0106
المعتبر في تخريج أحاديث المنهاج والمختصر للزركشي (794ه)/ عبدالرحيم محمد القشقري - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف –السنة - 1404ه.
0107
المعرفة والتاريخ للغسوي: تخريج الأحاديث والآثار ودراسة أسانيدها وبيان درجاتها/ عبدالله بن عبدالعزيز الغصن - دكتوراه - جامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1409ه - م. فضل الرحمن الأنصاري.
0108(/20)
نتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار لابن حجر (852ه): القسم الأول/ عبدالله بن صالح الدوسري - ماجستير - جامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1407ه - م. مسفر بن غرم الله الدميني.
0109
نتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار لابن حجر (852ه): القسم الثاني من بداية ص120 إلى نهاية المخطوط/ عبدالله بن علي الجعيثن - ماجستير - جامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1407ه - م. مسفر بن غرم الله الدميني.
0110
ابن جريج: مروياته وأقواله في التفسير من أول القرآن إلى آخر سورة الحج، دراسة حديثية وتفسيرية/ أميرة علي الصاعدي - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1418ه - م. سعدي مهدي الهاشمي.
0111
أبو إسحاق السبيعي (127ه) ومروياته في الكتب الستة: جمع ودراسة/ أحمد سعد غرم الله الغامدي - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1413ه - 1416 ه - م. وصي الله محمد عباس - ل. وصي الله محمد عباس - يوسف محمد صديق عبدالله - محمد سعيد محمد حسن بخاري.
0112
الإمام أبي جعفر الباقر: مروياته وآراؤه في كتب التفسير بالمأثور والسنة المطهرة/ أحمد عبدالله العمودي - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1418ه - م. منصور العبدلي.
0113
أبو هريرة (59ه) ومروياته في تفسيري الطبري وابن أبي حاتم/ محمد ياسين توكي ماجي - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1411ه - م. حسين محمد فلمبان.
0114
الأحاديث المصرح بقبولها في مجمع الزوائد: جمع وتخريج ودراسة أسانيدها/ عبدالله بن صالح الدوسري - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1408ه - 1413ه - م. مسفر بن غرم الله الدميني.
0115(/21)
الأحاديث الغريبة في جامع الترمذي: من أول أبواب الطهارة إلى نهاية أبواب الزهد/ محمد علي محمد صالح - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1405ه.
2 - التأليف
0116
الأحاديث التي يوردها الإمام البخاري في تراجم الأبواب ولم يصرح بكونها أحاديث ليست على شرطه/ صالح محمد الشهري - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1418ه.
0117
الأحاديث التي قال فيها البخاري لا يتابع عليه في التاريخ الكبير/ عبدالرحمن سليمان الشايع - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1419ه.
0118
الأحاديث التي ضعفها الحافظ ابن حجر في كتابه فتح الباري/ لطيفة عبدالملك مندورة - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1419ه.
0119
الأحاديث التي حكم عليها ابن مفلح في كتاب الفروع/ عبدالعزيز عبدالله محمد العوضي - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1418ه.
0120
الأحاديث التي انتقدها الإمام أبو داود في سننه/ إيمان محمد علي عزام - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الإسلامية المسائية - 1416ه.
0121
الأحاديث التي أعلها البخاري في كتابه التاريخ الكبير: أول الكتاب إلى نهاية ترجمة سعيد بن عمير الأنصاري: جمعاً ودراسة وتخريجاً/ عادل بن عبدالشكور الزرقي - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1414ه - 1416ه - فالح محمد الصغير.
0122
الأحاديث التي أعلها الإمام أحمد: جمعاً ودراسة ومقارنة/ عيسى محمد المسملي - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1417ه - م. سعدي مهدي الهاشمي.
0123(/22)
الأحاديث التي ضعفها الحافظ المنذري في كتابه الترغيب والترهيب/ إدريس موسى آدم إدريس - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1419ه.
0124
الأحاديث التي ضعفها الحافظ المنذري في كتاب الترغيب والترهيب: من أول الكتاب إلى نهاية المجلد الثاني باب الترهيب من اليمين الكاذب الغموس، جمعاً وتخريجاً ودراسة/ خالد صالح الزهراني - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1418ه - م. زين العابدين الجيلاني.
0125
الأحاديث التي حسنها أبو عيسى الترمذي وانفرد بإخراجها عن أصحاب الكتب الستة/ عبدالرحمن صالح محبي الدين - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1401ه - م. محمود أحمد ميرة (نشرت).
0126
أحاديث جامع أبي الحسن البسيوني: تخريج ودراسة/ خلفان بن محمد بن خلفان المنذري - ماجستير - جامعة القاهرة - دار العلوم - الشريعة الإسلامية - 1992 - م. رفعت فوزي عبدالمطلب - أحمد يوسف سليمان.
0127
الأحاديث الحسان الغرائب في جامع الإمام الترمذي: جمعاً ودراسة حديثية/ عبدالباري بن حماد بن محمد الأنصاري - دكتوراه - الجامعة الإٍسلامية - الحديث الشريف - علوم الحديث - 1418ه.
0128
أحاديث الصحابة الذين ليس لهم إلا حديث واحد: جمعاً ودراسة/ عبدالرحمن بن عبداللطيف الرشيدان - دكتوراه - الجامعة الإٍسلامية - الحديث الشريف - علوم الحديث - 1418ه - م. إبراهيم بن محمد نور سيف.
0129
أحاديث العبادات لقاسم بن أصبغ في كتاب التمهيد لابن عبدالبر: جمعاً ودراسة/ عبدالله محمد مدني - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - علوم الحديث - 1420ه - م. عبدالصمد بكر عابد.
0130(/23)
أحاديث عمدة الفقه لابن قدامة (744ه): تحقيق وتخريج/ لطيفة ناصر حمد الراشد - ماجستير - الرئاسة العامة لتعليم البنات - التربية للبنات بالرياض - الدراسات الإسلامية - 1405ه - 1408ه - م. هاشم عبدالفتاح جودة.
0131
أحاديث فضائل سور القرآن الكريم من تفسير الدر المنثور للسيوطي: تخريجها ودراسة أسانيدها والحكم عليها/ هند محمد بن علي الجار الله - ماجستير - الرئاسة العامة لتعليم البنات - الآداب للبنات بالرياض - الدراسات الإسلامية - 1411ه - 1414ه - م. إبراهيم محمد قنديل.
0132
الأحاديث الفعلية التي ظاهرها معارضة الأحاديث القولية في قسم العبادات: دراسة حديثية فقهية/ عبدالقيوم بن محمد ناصر السحيباني - دكتوراه - الجامعة الإٍسلامية - الحديث الشريف - فقه السنة - 1417ه - م. عبدالعزيز راجي الصاعدي.
0133
الأحاديث والآثار الواردة في فتح الباري شرح صحيح البخاري من كتاب بدء الوحي (جمعاً ودراسة)/ آسية محمد العصيل - ماجستير - الرئاسة العامة لتعليم البنات - التربية للبنات ببريدة - الدراسات الإسلامية - 1421ه - م. أحمد عايش الحمد.
0134
الأحاديث والآثار الواردة في كتاب لوامع الأنوار البهية للعلامة السفاريني: من بداية الكلام على الحوض إلى نهاية الكلام عن سبب فضل هذه الأمة من الباب الخامس تخريجاً دراسة/ بندر بن نافع العبدلي - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1421ه - م. علي عبدالله الجمعة.
0135
أحكام القرآن للجصاص (370ه): دراسة الأحاديث والآثار من قوله تعالى "الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس" الآية من سورة البقرة إلى آخر سورة آل عمران/ عمر محمد عمر باداؤود - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الإسلامية المسائية - 1415ه - م. عبدالباسط بلبول - ل. الشريف منصور العبدلي - وصي الله عباس.(/24)
0136
أحكام القرآن للجصاص: دراسة الأحاديث والآثار من قوله تعالى "الطلاق مرتان.. إلى قوله الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار" من الآية 229 إلى 274 من سورة البقرة/ عبدالله عبدالرحمن صالح الغامدي - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الإسلامية المسائية - 1416ه - م. منصور العبدلي - ل. عبدالعزيز الحميدة - محمد سيد بخاري.
0137
أحكام القرآن للجصاص: دراسة الأحاديث والآثار من أول سورة النساء إلى ما يحرم من النساء/ محمد بن عبدالله الرومي - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الإسلامية المسائية - 1412ه - م. عبدالباسط بلبول - ل. الشريف منصور العبدلي - يحيى أحمد إسماعيل - عبدالباسط بلبول.
0138
أحكام القرآن للجصاص: دراسة الأحاديث والآثار من قوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد" الآية إلى نهاية قوله تعالى "قل أمر ربي بالقسط" الآية/ محمد يوسف ملاوي - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الإسلامية المسائية - 1415ه - م. عبدالباسط بلبول - ل. عبدالله سعاف اللحياني - محمد الخضر الناجي.
0139
أحكام القرآن للجصاص: دراسة الأحاديث والآثار من الآية 33 من سورة المائدة إلى الآية 93 منها/ عبدالحليم محمد يحيى الغامدي - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الإسلامية المسائية - 1415ه - م. عبدالباسط بلبول - ل. منصور بن عون العبدلي - سليمان الصادق.
0140
أحكام القرآن للجصاص: دراسة الأحاديث والآثار من قوله تعالى ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله.. إلى قوله تعالى والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء/ عبدالباسط عبدالرشيد الصائغ - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الإسلامية المسائية - 1413ه.
0141(/25)
الرواة المختلف في صحبتهم ممن لهم رواية في الكتب الستة ومروياتهم فيها: جمعاً ودراسة/ كمال قالمي - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - علوم الحديث - 1420ه - م. محمد مطر الزهراني.
0142
أم المؤمنين عائشة ومروياتها في التفسير من الكتاب والسنة وتفسير الطبري/ محمود سليمان علي - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1410ه - م. عبدالعزيز بن عبدالله الحميدي.
0143
أنس بن مالك أحد الخمسة المكثرين: رواياته والرواة عنه/ إدريس بن الضاوية - دكتوراه - جامعة محمد الخامس - الآداب - تطوان - الدراسات الإسلامية - 1994 - م. إبراهيم بن الصديق.
0144
البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير لابن الملقن (804ه): من باب صفة الصلاة من أوله إلى حديث جابر رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقد بين السبابة والإبهام: دراسة وتحقيق/ فيصل بن محمد بن خليفة العقيل - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - فقه السنة - 1417ه - م. عبدالله علي أبو سيف الجهني.
0145
بعض مرويات أنس رضي الله عنه في مسند البزار/ هشام محمد أحمد بناني - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1411ه - م. محمد الخضر الناجي.
0146
تخريج أحاديث الروض المربع شرح زاد المستقنع للإمام منصور البهوتي (1051ه) والحكم عليها: من باب الربا والصرف في كتاب البيوع إلى نهاية الكتاب/ نورة عبدالله بن متعب الشهري - ماجستير - الرئاسة العامة لتعليم البنات - الآداب للبنات بالرياض - الدراسات الإسلامية - 1413ه - 1416ه - م. محمد بن عبدالله آل فهيد.
0147(/26)
تخريج أحاديث الروض المربع شرح زاد المستقنع للإمام منصور البهوتي والحكم عليها: من أول كتاب الجنائز إلى نهاية باب الخيار في البيع من كتاب المعاملات/ ليلى صالح بن عباد الله البديع - ماجستير - الرئاسة العامة لتعليم البنات - الآداب للبنات بالرياض - الدراسات الإسلامية - 1411ه - 1415ه - م. إبراهيم محمد قنديل.
0148
تخريج أحاديث الروض المربع شرح زاد المستقنع للإمام منصور البهوتي والحكم عليها: من مقدمة الكتاب إلى نهاية كتاب الصلاة/ هيلة فهد بن محمد الهذال - ماجستير - الرئاسة العامة لتعليم البنات - الآداب للبنات بالرياض - الدراسات الإسلامية - 1411ه - 1416ه - م. محمود عبدالخالق حلوة.
0149
تخريج أحاديث كتاب تاريخ واسط المرفوعة ودراسة أسانيدها والحكم عليها/ عبدالكريم بن أحمد الخلف - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1409ه - 1413ه - م. باسم فيصل الجوابرة.
0150
تخريج أحاديث كتاب ذكر أخبار أصبهان لأبي نعيم الأصبهاني: الجزء الثاني من أول من اسمه علي من حرف العين إلى آخر الكتاب/ مسعود محمد القحطاني - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1418ه - م. محمد أحمد القاسم.
0151
تخريج أحاديث كتاب ذكر أخبار أصبهان لأبي نعيم عن شيوخه غير أبي الشيخ ابن حبان من الأحاديث المرفوعة: الجزء الأول دراسة وتعليق/ خالد محمد أبو القاسم - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1418ه - م. محمد أحمد القاسم.
0152
تخريج أحاديث الكشاف للزيلعي (762ه): من أول سورة الفاتحة إلى نهاية سورة المائدة: تحقيق ودراسة/ علي عمر أحمد بادحدح - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1416ه - م. عبدالمجيد محمود عبدالمجيد - ل. عبدالمجيد محمود عبدالمجيد - رفعت فوزي عبدالمطلب - عويد بن عياد المطرفي.
0153(/27)
تخريج أحاديث الكشاف للزيلعي: من أول سورة سبأ إلى آخر سورة الناس: تحقيق ودراسة/ محمد بن أحمد بن علي باجابر - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1416ه - م. أحمد محمد نور سيف.
0154
تخريج الأحاديث النبوية الواردة في مدونة الإمام مالك بن أنس/ الطاهر محمد الدريدري - دكتوراه - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1403ه - م. سيد سابق.
0155
تخريج الأحاديث المرفوعة في تفسير الجلالين/ إبراهيم محمد أحمد أبو سليمان - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1404ه.
0156
تخريج الأحاديث المرفوعة المسندة في كتاب التاريخ الكبير للإمام البخاري/ محمد بن عبدالكريم بن عبيد - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1412ه - م. أحمد محمد نور سيف.
0157
تخريج الأحاديث والآثار الواردة في كتاب الإشراف على مسائل الخلاف للقاضي عبدالوهاب بن نصر المالكي (422ه)/ بدوي عبدالصمد الطاهر - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1415ه - م. أحمد محمد نور سيف.
0158
تخريج الأحاديث والآثار الواردة في كتاب الأموال لأبي عبيد/ عبدالصمد بن بكر بن إبراهيم بن عابد - دكتوراه - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1404ه.
0159
تخريج الأحاديث الواردة في تفسير ابن كثير: المجلد الأول (يشتمل على 727 حديث)/ حميد العبادي - ماجستير - جامعة محمد الخامس - الآداب - تطوان - الدراسات الإسلامية - 1995 - م. المكي أقلاينة.
0160
تخريج الأحاديث الواردة في تفسير ابن كثير: المجلد الثاني (يشتمل على 1338 حديث)/ الحسن أفقيرن - ماجستير - جامعة محمد الخامس - الآداب - تطوان - الدراسات الإسلامية - 1995 - م. المكي أقلاينة.
0161(/28)
تخريج أحاديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه من مسند الإمام أحمد/ عبدالله علي محمد أبو سيف الجهني - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1404ه.
0162
تخريج أحاديث وآثار كتاب الاعتصام للشاطبي/ عمر سليمان عبدالفتاح مكحل - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1405ه - م. أبو لبابة الطاهر حسين.
0163
تخريج مسند عائشة الوارد في مسند الإمام أحمد: 700 حديث الأولى/ إكرام الكنوني - ماجستير - جامعة محمد الخامس - الآداب تطوان - الدراسات الإسلامية - 1995 - م. المكي أقلاينة.
0164
التفسير من أول سورة الإسراء إلى نهاية سورة فاطر: جمعاً ودراسة/ عزيز الرحمن عبدالأحد - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1415ه - م. عويد بن عياد المطرفي.
0165
تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق للإمام الحافظ شمس الدين الذهبي (744ه): تحقيق ودراسة/ عبدالمحسن عبدالرحمن حميد - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الإسلامية المسائية - 1415ه - 1419ه - م. عبدالمجيد محمود عبدالمجيد - ل. أحمد الكبيسي - رفعت فوزي.
0166
تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق لشمس الدين بن عبدالهادي/ عامر حسن صبري - دكتوراه - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1406ه - م. أحمد محمد نور سيف.
0167
تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق لشمس الدين بن عبدالهادي: من أول كتاب الصيام إلى نهاية الكتاب/ أحمد بن علي بن أحمد القرني - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - فقه السنة - 1416ه - 1420ه - م. سليمان عبدالعزيز العريني - ل. محمد ضياء الرحمن الأعظمي - علي عبدالله الجمعة.
0168(/29)
تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق لشمس الدين الذهبي: تحقيق ودراسة من أول كتاب الزكاة إلى نهاية كتاب الحج/ صالح عبدالرحمن الغامدي - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1418ه - م. عبدالمجيد محمود عبدالمجيد.
0169
التنكيت والإفادة في تخريج أحاديث خاتمة سفر السعادة لابن همات زاده (1175ه)/ لولوة عبدالله حمد البسام - ماجستير - الرئاسة العامة لتعليم البنات - التربية للبنات بالرياض - الدراسات الإسلامية - 1402ه - 1407ه - م. محمود عبدالسميع الشعلان.
0170
توثيق مرويات الإمام سفيان الثوري في مسند الإمام أحمد وبيان اتجاهه الفقهي/ مريم إبراهيم هنداوي - دكتوراه - جامعة القاهرة - دار العلوم - الشريعة الإسلامية - 1989 - م. رفعت فوزي عبدالمطلب.
0171
ثلاثيات مسند الإمام أحمد بن حنبل "تخريج محب الدين المقدسي (613ه)"/ الجوهرة حمد بن علي المبارك - دكتوراه - الرئاسة العامة لتعليم البنات - التربية للبنات بالرياض - الدراسات الإسلامية - 1409ه - 1413ه - م. سعد سعد جاويش.
0172
جزء من أحاديث الإمام أبي عبدالله محمد بن يحيى الذهلي النيسابوري (258ه): دراسة وتحقيق/ عاطف عبدالحفيظ عبدالله منشي - ماجستير - الجامعة الوطنية - الدراسات العليا - الدراسات الإسلامية - 2000.
0173
جزء من حديث أبي سعيد الأشج (257ه): دراسة وتحقيق/ خالد جاسم محمد حسن - جامعة الملك سعود - التربية - الثقافة الإسلامية - 1412ه - 1415ه - م. شاكر ذيب فياض.
0174
جزء من حديث أبي عثمان عفان بن مسلم الصفار (220ه): دراسة وتحقيق/ هند محمد عبدالله المزروع - ماجستير - جامعة الملك سعود - التربية - الثقافة الإسلامية - 1415ه - 1418ه - م. عبدالله مرحول السوالمة.
0175(/30)
الجزء الرابع من حديث شعبة بن الحجاج وسفيان بن سعيد الثوري مما أغرب بعضهم على بعض، تصنيف أبي عبدالرحمن أحمد بن شعيب النسائي (215-303ه)/ مها سعدون فلاح العتيبي - ماجستير - جامعة الملك سعود - التربية - الثقافة الإسلامية - 1418ه - م. شاكر ذيب فياض.
0176
حماد بن سلمة ومروياته في مسند الإمام أحمد عن غير ثابت البناني/ محمد بن سليمان الفوزان - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1408ه - 1412ه - م. محمد محمود بكار.
0177
حديث علي بن حجر السعدي عن إسماعيل بن جعفر المدني (244ه): تحقيق ودراسة/ ناصر بن عبداللطيف البابطين - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1408ه - 1412ه - م. محمد محمود بكار.
0178
حديث أبي زكريا يحيى بن معين (233ه) برواية المروزي: الجزء الثاني: دراسة وتحقيق/ خالد عبدالله سبت السبيت - ماجستير - جامعة الملك سعود - التربية - الثقافة الإسلامية - 1412ه - 1415ه - م. عبدالله مرحول السوالمة - ل. أحمد محمد نور سيف - محمد الطاهر الجوابي.
0179
حديث أبي الفضل عبيد الله بن عبدالرحمن الزهري (ت381 ه) رواية محمد الجوهري (ت454ه): تحقيق ودراسة سبعة أجزاء حديثية/ حسن بن محمد بن علي البلوط - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1414ه - م. موفق عبدالله عبدالقادر.
0180
حديث علي بن حجر السعدي: الجزء الثالث: دراسة وتحقيق/ سعيد نزال وندي العنزي - جامعة الملك سعود - التربية - الثقافة الإسلامية - 1414ه - 1416ه - م. عبدالله مرحول السوالمة.
0181
دراسات حول ما يقول الترمذي فيه: حديث صحيح/ محمد علي محمد صالح - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1401ه - م. السيد محمد الحكيم.
0182(/31)
دراسة الأحاديث المخصصة لعموم السور الأربع الطوال: البقرة، آل عمران، النساء، المائدة في كتب السنة/ عبدالعزيز محمد إبراهيم العبداللطيف - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1399ه.
0183
دراسة الأحاديث والآثار الواردة في كتاب أحكام القرآن للجصاص (370ه): من قوله تعالى (ليس البر أن تولوا وجوهكم) إلى قوله (وأتموا الحج والعمرة لله): تحقيق ودراسة/ سجاد مصطفى كمال واعظ الدين - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الإسلامية المسائية - 1412ه - م. منصور العبدلي - ل. عبدالمجيد محمود - عبدالباسط بلبول.
0184
دراسة الأحاديث والآثار الواردة في كتاب أحكام القرآن للجصاص: من قوله تعالى في سورة التوبة (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله..) الآية إلى أول قوله تعالى في سورة يوسف (وشروه بثمن بخس)/ زهير عبدالحميد خياط - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الإسلامية المسائية - 1415ه - م. أحمد نافع الحربي - ل. غالب الحامضي - عبدالله سعاف اللحياني.
0185
دراسة الأحاديث والآثار الواردة في كتاب أحكام القرآن للجصاص: من الآية الثالثة من سورة النور إلى نهاية سورة السجدة/ زياد عبدالله أحمد ظفر - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الإسلامية المسائية - 1415ه - 1420ه - م.عبدالباسط بلبول - ل.غالب الحامضي –رفعت فوزي.
0186(/32)
دراسة الأحاديث والآثار الواردة في كتاب أحكام القرآن للإمام أبي الجصاص من بداية قوله تعالى (واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك) الآية 26 إلى قوله تعالى (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) الآية 2 من سورة النور/ ضيف الله خلف الله النمري - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الإسلامية المسائية - 1415ه - 1421ه - م. عبدالباسط بلبول - ل. أمين محمد باشا - أحمد نافع المورعي - عبدالباسط بلبول.
0187
دراسة الأحاديث والآثار الواردة في كتاب أحكام القرآن للإمام أبي الجصاص من قوله تعالى وشروه بثمن بخس الآية من سورة يوسف إلى قوله تعالى قل الله أعلم بما لبثوا الآية من سورة الكهف/ فاضل محمد حسن الزهراني - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الإسلامية المسائية - 1415ه - 1420ه - م. عبدالباسط بلبول - ل. عبدالمجيد محمود - غالب الحامض.
0188
دراسة الأحاديث والآثار الواردة في كتاب أحكام القرآن للإمام أبي بكر الجصاص: من قوله تعالى في سورة الأحزاب ما جعيل الله لرجل من قلبين في جوفه إلى نهاية سورة الرحمن: تحقيق ودراسة/ إسماعيل محمد البلوشي - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الإسلامية المسائية - 1417ه - 1421ه - م. عبدالحي حسين الفرماوي - ل. محمد رياض سيد قناوي - أحمد عطاء الله عبدالجواد.
0189
روايات المدلسين في صحيح مسلم: جمعها تخريجها الكلام عليها/ عواد حسين الخلف - ماجستير - جامعة الكويت - الشريعة والدراسات الإسلامية - الحديث وعلومه - 1998.
0190
الروايات المسندة عند ابن كثير من كتب التفاسير المفقودة/ غالب محمد هوايش - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1414ه - م. أمين محمد عطية باشا.
0191(/33)
زيد بن ثابت ومروياته في مسند الإمام أحمد/ فايز حمد محمد القرشي - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الإسلامية المسائية - 1401ه - م. العجمي دمنهوري خليفة.
0192
الصحيح المسند من التفسير النبوي للقرآن الكريم/ القاضي برهون - دكتوراه - جامعة محمد الخامس - الآداب الرباط - الدراسات الإسلامية - 1993 - م. أحمد أبو زيد.
0193
طاووس بن كيسان اليماني (106ه): مروياته وآثاره في التفسير من كتب التفسير بالمأثور وكتب السنة المشتهرة: جمع ودراسة/ عبدالله عثمان أحمد - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1413ه - م. محمد حسن الغماري.
0194
عبدالله بن مسعود ومروياته في التفسير: من سورة الزمر إلى نهاية القرآن الكريم/ عبدالعزيز سليمان محمد أبو صقر - ماجستير - جامعة الملك سعود - التربية - الثقافة الإسلامية - 1404ه - م. عبدالرحمن شاه ولي.
0195
عمرة بنت عبدالرحمن ومروياتها عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها/ وفاء اليحيى - ماجستير - الرئاسة العامة لتعليم البنات - التربية للبنات بالقصيم - الدراسات الإسلامية - 1417ه - م. علي عبدالله الجمعة.
0196
العلل الواردة في الأحاديث النبوية: مسانيد أبو بكر وعمر وعثمان وجزآن من مسند علي رضي الله عنهم/ محفوظ الرحمن زين الله - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1403ه - م. محمود أحمد ميرة.
0197
عكرمة مولى بن العباس وتتبع مروياته في صحيح البخاري/ مرزوق هياس سعيد الزهراني - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1399ه.
0198
غرر الفوائد المجموعة في بيان ما وقع في صحيح مسلم من الأحاديث المقطوعة/ صلاح الأمين محمد أحمد بلال - جامعة أم درمان الإسلامية - أصول الدين - السنة - م. محمد عوض الكريم الدوش.
0199(/34)
فتاوى إمام المفتين (صلى الله عليه وسلم) من كتاب إعلام الموقعين لابن القيم: تخريجها ودراسة أسانيدها والحكم عليها، من أول فصل (فتاوى في أنواع البيوع) إلى نهاية (وذكر فصول من فتاويه (صلى الله عليه وسلم) في أبواب متفرقة)/ لطيفة عبدالله الجلعود - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1412ه - م. أحمد معبدعبدالكريم.
0200
فتاوى إمام المفتين (صلى الله عليه وسلم) من كتاب إعلام الموقعين لابن القيم: تخريجها ودراسة أسانيدها والحكم عليها، من أولها إلى نهاية فصل (في فتاويه وإرشاداته لبعض الأعمال)/ ناصر بن إبراهيم العبودي - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1411ه - م. أحمد معبدعبدالكريم.
0201
فتاوى إمام المفتين (صلى الله عليه وسلم) من كتاب إعلام الموقعين لابن القيم: تخريجها ودراسة أسانيدها والحكم عليها، من أول بيان الرسول أحكام الحياة والموت إلى نهاية فصل الجوار حديث لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات أيسر من أن يسرق من بيت جاره/ حصة صالح العماري - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1414ه - 1418ه.
0202
فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: تحقيق ودراسة وتخريج الأحاديث والآثار الواردة من المجلد الحادي والعشرين/ عبدالله بن شاكر الجهني - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1414ه.
0203
فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: تحقيق ودراسة وتخريج الأحاديث والآثار من أول الجزء السابع عشر إلى نهاية الجزء الثامن عشر/ سعد بن عبدالعزيز الزيد - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1412ه.
0204(/35)
فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: تحقيق ودراسة وتخريج الأحاديث والآثار من أول الجزء الخامس عشر إلى نهاية الجزء السادس عشر/ مهدي بن محمد الحكمي - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1410ه - 1417ه - م. أبو لبابة الطاهر حسين.
0205
فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: تحقيق الأحاديث والآثار من المجلدين التاسع عشر والعشرين/ سمير بن سليمان العمران - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1414ه - 1417ه - م. مصطفى محمد السيد أبو عمارة.
0206
فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: تخريج أحاديث وآثار مجلدات ثلاث: منطق، سلوك، تصوف/ عبدالله بن محمد بن عبده الحكمي - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1410ه - م. محمد أديب الصالح.
0207
فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: تخريج أحاديث وآثار قسمي العقائد والعبادات من المجلد الأول إلى نهاية المجلد الثامن/ عبدالله بن عبدالرحمن الشريف - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1409ه - م. محمد أديب الصالح.
0208
القسم الأول من مرويات أهل الصفة في كتاب السنة/ صالحة سعيد ضيف الله الوادعي - ماجستير - الرئاسة العامة لتعليم البنات - الآداب للبنات بالدمام - الدراسات الإسلامية - 1416ه - م. عبدالبصير خليفة حسن.
0209
قتادة بن دعامة السدرسي: أقواله ومروياته في التفسير: من أول سورة الإسراء إلى نهاية سورة فاطر: جمعاً ودراسة/ عزيز الرحمن عبدالأحد - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1415ه - م. عويد بن عيار المطرفي.
0210(/36)
المأثور عن الإمام الشافعي في تفسير آيات الأحكام من كتبه المطبوعة من سورة الفاتحة إلى آخر سورة البقرة: جمعاً وتخريجاً/ أحمد بيهقي عبدالعظيم - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1419ه - م. محب الدين عبدالسبحان.
0211
المأثور عن الإمام الشافعي في تفسير آيات الأحكام من كتبه المطبوعة من بداية سورة آل عمران إلى نهاية سورة المائدة/ سامية عبدالوهاب سراج علي - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1419ه - م. محب الدين عبدالسبحان.
0212
ما اختلف في رفعه ووقفه من الأحاديث الواردة في كتاب الطهارة والصلاة من كتب العلل والتخريج: جمعاً ودراسة/ عواد بن حميد بن محمد الرويثي - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - علوم الحديث - 1417ه - م. حافظ بن محمد الحكمي.
0213
ما اختلف في رفعه ووقفه من الأحاديث الواردة في كتاب الزكاة والصيام من كتب العلل والتخريج: جمعاً ودراسة/ عمر رفود رفيد السفياني - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - علوم الحديث - 1421ه - م. محمد مطر الزهراني - غالب محمد الحامضي.
0214
ما سكت عنه الإمام أبو داود مما في إسناده ضعف/ محمد هادي علي المدخلي - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - علوم الحديث - 1414ه.
0215
مراسيل التابعين في سنن أبي داود/ جمال شوكت أحمد دلال - ماجستير - الجامعة الأردنية - الشريعة - أصول الدين - 1994 - م. محمد عيد الصاحب.
0216
مراسيل سعيد بن المسيب/ حسن علي محمد فتحي - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1410ه - م. محمد الخضر الناجي.
0217
مرويات الإمام البخاري في غير الصحيح: جمع، ترتيب، دراسة/ علي عبدالباسط مزيد - ماجستير - جامعة القاهرة - دار العلوم - الشريعة الإسلامية - 1992 - م. رفعت فوزي عبدالمطلب.
0218(/37)
مرويات الإمام الزهري المعلة في كتاب العلل للإمام الدار قطني: تخريجها ودراسة أسانيدها والحكم عليها/ عبدالله بن محمد دمغو - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1411ه - 1415ه - م. أحمد معبدعبدالكريم.
0219
مرويات الإمام الشافعي عن شيخه إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى/ محمد بن حسن الزيلعي الغماري - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1396ه - م. محمد محمد أبو شهبة.
0220
مرويات الإمام الشافعي في كتاب الأم (من أوله إلى أول كتاب البيوع): دراسة توثيقية/ محمد زين الدين سعيد - ماجستير - جامعة القاهرة - دار العلوم - الشريعة الإسلامية - 1986 - م. رفعت فوزي عبدالمطلب.
0221
مرويات الإمام الشافعي في كتاب الأم: دراسة توثيقية من ص175 في الجزء السادس حتى نهاية الكتاب (طبعة الشعب)/ محمد أحمد حسن محمود - ماجستير - جامعة القاهرة - دار العلوم - الشريعة الإسلامية - 1991.
0222
مرويات الإمام الشافعي في كتاب الأم: من أول كتاب البيوع إلى أول كتاب النكاح (دراسة توثيقية)/ ياسر إبراهيم أحمد - ماجستير - جامعة القاهرة - دار العلوم - الشريعة الإسلامية - 1993 - م. أحمد يوسف سليمان.
0223
مرويات ابن جريح وأقواله في التفسير من أول سورة المؤمنون إلى نهاية سورة الناس: جمعاً ودراسة وتخريجاً/ إحسان محمد علي عزام - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1418ه - م. محمد سعيد محمد حسن.
0224
مرويات ابن الزبير عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما في الكتب الستة: جمع ودراسة/ هاشم هزاع الشنبري - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1418ه - م. حسنين فلمبان.
0225(/38)
مرويات ابن لهيعة: جمع وترتيب ودراسة/ حياة سعيد عبدالدايم - ماجستير - جامعة القاهرة - دار العلوم - الشريعة الإسلامية - 1989 - 1997 - م. رفعت فوزي عبدالمطلب.
0226
مرويات ابن مسعود رضي الله عنه في الكتب الستة وموطأ مالك ومسند أحمد/ منصور بن عون العبدلي - دكتوراه - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1401ه - م. محمد أمين المصري.
0227
مرويات أبي أمامة الباهلي في مسند الإمام أحمد بن حنبل: دراسة/ محمد صديق محمد علي خان - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1402ه - م. محمد أبو النور الحديدي.
0228
مرويات أبي الدرداء في مسند الإمام أحمد بن حنبل/ محمد طاهر عبدالرحمن نور ولي - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1403ه - م. إسماعيل الدفتار.
0229
مرويات أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في مسند الإمام أحمد بن حنبل/ محمد صبران أفتدي الإندونيسي - دكتوراه - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1401ه - م. عبدالعظيم الغباشي.
0230
مرويات أبي عبيدة بن عبدالله بن مسعود عن أبيه: جمعاً ودراسة وتخريجاً/ عبدالله محمد بخاري - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1418ه - م. محمد بازمول.
0231
مرويات أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه في مسند الإمام أحمد بن حنبل: دراسة/ عبدالله مرحول السوالمة - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1400ه - م. أحمد محمد نور سيف.
0232
مرويات أبي هريرة في الكتب الستة وموقف الفقهاء: دراسة توثيقية/ محمد السيد محمود المغربي - ماجستير - جامعة القاهرة - دار العلوم - الشريعة الإسلامية - 1990 - م. رفعت فوزي عبدالمطلب.
0233(/39)
مرويات أبي هريرة من مسند البزار/ محمد بن سعيد صالح الزعير - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1411ه - م. محمد الخضر الناجي.
0234
مسند عائشة من كتاب مسند إسحاق بن راهويه: دراسة وتخريج/ عبدالغفور عبدالحق حسين - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1405ه.
0235
مرويات البراء بن عازب رضي الله عنه في مسند الإمام أحمد بن حنبل/ حسين عبدالحميد النقيب - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1403ه - م. سيد سابق.
0236
مرويات بريدة الأسلمي رضي الله عنه في مسند الإمام أحمد بن حنبل: دراسة/ حمد عبيد حمد المحمدي - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1401ه - م. سيد سابق.
0237
مرويات التفسير في معاجم الطبراني في سورة آل عمران: جمعاً ودراسة/ منى عمر السليم - ماجستير - الرئاسة العامة لتعليم البنات - التربية العامة لتعليم البنات - الدراسات الإسلامية - 1420ه - م. توفيق بن محمد علوان.
0238
مرويات جابر بن سمرة في مسند الإمام أحمد بن حنبل/ عزة ناصر حمد الراشد - ماجستير - الرئاسة العامة لتعليم البنات - التربية العامة لتعليم البنات - الدراسات الإسلامية - 1403ه - 1405ه- م. محمود شعلان.
0239
مرويات جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه في الكتب الستة وموطأ مالك ومسند أحمد/ أحمد يوسف أبو حلبية - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1402ه - م. محمد محمد أبو شهبة.
0240
مرويات جعفر الصادق في السنة النبوية وأحوال الرواة عنه ونماذج مما نسب إليه/ لطيفة إبراهيم القاسم الهادي - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1418ه - م. منصور العبدلي.
0241(/40)
مرويات حذيفة بن اليمان في مسند ابن حنبل/ رضا محمد صفي الدين السنوسي - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1403ه - م. أحمد صقر.
0242
مرويات الحكم بن عتيبة وفقهه/ داؤود رشيد هارون - ماجستير - جامعة القاهرة - دار العلوم - الشريعة الإسلامية - 1990 - م. أحمد يوسف سليمان.
0243
مرويات حميد الطويل عن أنس بين السماع والتدليس: دراسة نظرية وتطبيقية/ يحيى بن عبدالله الشهري - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1417ه - م. وصي الله محمد عباس - ل. وصي الله محمد عباس - سعدي مهدي الهاشمي - يوسف بن محمد الصديق.
0244
مرويات السدي الكبير وأقواله في التفسير: من سورة يوسف إلى سورة فاطر من كتب التفسير بالمأثور وكتب السنة: جمعاً ودراسة/ فائقة حسن الحسني - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1415ه - م. محمود عبيدات.
0245
مرويات سفيان بن عينية/ حنان السعيد أحمد عمر - ماجستير - جامعة القاهرة - دار العلوم - الشريعة الإسلامية - 1995 - م. محمد نبيل غنايم.
0246
مرويات سلمة بن الأكوع رضي الله عنه في الكتب الستة وموطأ مالك ومسند أحمد/ حكمت بشير ياسين - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1402ه - م. محمد عبدالمنعم.
0247
مرويات سليمان بن مهران الأعمش: جمع وتخريج ودراسة/ نافذ حسين عثمان حماد - ماجستير - جامعة القاهرة - دار العلوم - الشريعة الإسلامية - 1989 - م. رفعت فوزي عبدالمطلب.
0248
مرويات سماك بن حرب في صحيح مسلم والسنن الأربعة ومسند أحمد والمطالب العالية المسندة: جمعاً ودراسة حديثية فقهية/ محمد أحمد عبدالرحمن الخريصي - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1418ه - م. سليمان بن عبدالعزيز العريني.
0249(/41)
مرويات سمرة بن جندب الفزاري رضي الله عنه في مسند أحمد بن حنبل: دراسة/ عبدالعزيز عبيد الله الرحماني - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1401ه - م. عبدالحكيم السيد عثمان.
0250
مرويات سيف الدين بن عمر في تاريخ الطبري عن مقتل عثمان بن عفان: دراسة نقدية/ خالد محمد عبدالله الغيث - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1411ه - م. محمد الحبيب الهيلة - ل. منصور بن عون العبدلي.
0251
مرويات شعبة بن الحجاج في مسند الإمام أحمد بن حنبل: دراسة توثيقية/ سيد أحمد عبدالحميد كشك - دكتوراه - جامعة القاهرة - دار العلوم - الشريعة الإسلامية - 1988 - م. رفعت فوزي عبدالمطلب.
0252
مرويات الصحابة سهل بن الساعدي والعرياض بن سادية وثوبان في مسند الإمام أحمد بن حنبل/ عبدالله بن شفيع - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1403ه.
0253
مرويات عبادة بن الصامت الأنصاري رضي الله عنه في مسند الإمام أحمد بن حنبل/ فهد عيضة الأحمدي - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1401ه - م. أحمد عمر هاشم.
0254
مرويات عبدالله بن عمر في الكتب الستة واتجاهه/ نوال كامل محمد حسين - ماجستير - جامعة القاهرة - دار العلوم - الشريعة الإسلامية - 1985 - م. رفعت فوزي عبدالمطلب.
0255
مرويات عبدالله بن وهب: جمع وترتيب ودراسة مع تحقيق الجزء الموجود من موطأ عبدالله بن وهب/ أرشد مختار مختار أحمد - ماجستير - جامعة القاهرة - دار العلوم - الشريعة الإسلامية - 1989 - م. رفعت فوزي عبدالمطلب.
0256(/42)
مرويات عبدالله بن وهب المصري في السنن الأربعة: جمعاً ودراسة/ أحمد ذو النورين أحمد الحكي - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1411ه - م. محمد ولد سيدي ولد حبيب.
0257
مرويات عبدالملك بن عبدالعزيز بن جريج: تحقيق ودراسة وجمع وترتيب/ أحمد حسن عطية البكار - ماجستير - جامعة القاهرة - دار العلوم - الشريعة الإسلامية - 1995 - م. رفعت فوزي عبدالمطلب - أحمد يوسف سليمان.
0258
مرويات عقبة بن عامر الجهمي رضي الله عنه في مسند الإمام أحمد بن حنبل/ عبدالغني أحمد جبر التميمي - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1399ه - م. العجمي دمنهوري خليفة.
0259
مرويات عمران بن حصين رضي الله عنه في مسند أحمد بن حنبل/ عبدالرحمن محمد سراج - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1401ه - م. أحمد محمد نور سيف.
0260
مرويات محمد جرير الطبري في ميزان الجرح والتعديل: خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه/ خليد المقالي - دكتوراه - جامعة محمد الخامس - الآداب مكناس - الدراسات الإسلامية - 1995 - م. محمد أمحزون.
0261
مرويات معاذ بن جبل في مسند أحمد بن حنبل/ إبراهيم محمد نور سيف - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1403ه - م. محمد محمد أبو زهو.
0262
مرويات الموالي من التابعين في الكتب والسنة: دراسة وتحقيق/ ليلى عبدالكريم شكر الله الشكري - ماجستير - الرئاسة العامة لتعليم البنات - الآداب للبنات بالدمام - الدراسات الإسلامية - 1416ه - م. جاويد أعظم عبدالعظيم.
0263
مرويات موسى بن عقبة في المغازي/ باقشيش محمد - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1408ه - م. أكرم العمري.
0264(/43)
المرويات الموقوفة للخلفاء الراشدين الثلاثة الأول وبقية العشرة في التفسير: جمع ودراسة وتخريج/ فيصل عابد اللحياني - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1418ه - م. عبدالستار فتح الله سعيد.
0265
مرويات النعمان بن بشير رضي الله عنه في مسند أحمد بن حنبل/ محمد إلياس يعقوب - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1402ه - م. أحمد محمد نور سيف.
0266
مرويات هشيم بن بشير بين التدليس والإرسال الخفي من خلال السنن الأربعة ومسند أحمد والدارمي/ سامي عبيد الله أحمد خوجة - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1415ه.
0267
مرويات وآثار الإمام الشعبي: جمع وتخريج ودراسة فقهية وحديثية/ سحر أحمد محمد المنياوي - ماجستير - جامعة القاهرة - دار العلوم - الشريعة الإسلامية - 1995 - م. أحمد يوسف سليمان.
0268
مسانيد الخلفاء الأربعة من مسند البزار/ وليد حسن ظاهر العاني - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1407ه - 1412ه - م. عبدالمجيد محمود عبدالمجيد.
0269
مسند ابن عباس رضي الله عنهما من مسند البزار: تحقيق ودراسة/ فيصل عابد اللحياني - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1417ه - م. عبدالله بن علي الغامدي - ل. عبدالله بن علي الغامدي - عبدالله محمد شفيع - محمد الخضر الناجي.
0270
مسند أبي سعيد الخدري من كتاب المسند للإمام أحمد: ضبط أحاديثه وتخريجها وبيان أوجه كل منها مع التعليق عليه عند الحاجة/ عبدالموجود محمد عبداللطيف - دكتوراه - جامعة الأزهر - أصول الدين - الحديث وعلومه - 1980م - م. موسى شاهين لاشين.
0271(/44)
مسند أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها من مسند الإمام أحمد بن حنبل/ عبيد الله أبو القاسم محمد رفيق - ماجستير - جامعة الأزهر - أصول الدين - الحديث وعلومه - 1404ه .
0272
مسند أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من مسند إسحاق بن راهويه/ عبدالغفور عبدالحق البلوشي - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1405ه - م. محمود أحمد ميرة.
0273
مسند البصريين من كتاب المسند للإمام أحمد بن حنبل: ضبط أحاديثه وتحقيقيها وتخريجها وبيان درجة كل منها مع التعليق عليها عند الحاجة/ محمد محمود أحمد بكار - دكتوراه - جامعة الأزهر - أصول الدين - الحديث وعلومه - 1401ه م. موسى شاهين لاشين - عبدالموجود محمد عبداللطيف.
0274
مسند جابر بن عبدالله بن عمرو الأنصاري من مسند الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله/ عبدالعزيز بن عبدالرحمن العثيم - دكتوراه – جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1401ه - م. محمد محمد أبو شهبة.
0275
موافقة الخبر الخبر في تخريج آثار مختصر ابن الحاجب لابن حجر: من أول الكتاب إلى نهاية المجلس الرابع بعد المائة/ عبدالله أحمد سليمان الحمد - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1404ه.
0276
وكيع بن الجراح: أقواله ومروياته في التفسير، من أول سورة الفاتحة إلى نهاية سورة الكهف: جمعاً ودراسة وتخريجاً/ محمد وكيع القرشي - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1415ه.
0277
وكيع بن الجراح ومروياته في التفسير/ مها سليم الردادي - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1418ه -م. عبدالرحيم يحيى حمدو الغامدي.
الفصل الثالث
فكر السنة النبوية
0278(/45)
الابتداع وموقف المحدثين منه في القرون الهجرية الثلاثة الأولى/ إدريس ودغيري - ماجستير - جامعة محمد الخامس - الآداب والعلوم الإنسانية - الدراسات الإسلامية (نوقشت).
0279
أثر رواية الحديث في اختلاف الفقهاء/ عبدالحق بدير - دكتوراه - جامعة محمد الخامس - الآداب - بني ملال - الدراسات الإسلامية - 1993 - م. محمد الروكي.
0280
أثر السنة النبوية في الحياة الفكرية الإسلامية خلال القرون الثلاثة الأولى/ علي بن محمد يوسف - دكتوراه - جامعة محمد الخامس - الآداب - الرباط - الدراسات الإسلامية - 1995 - م. فاروق حمادة - محمد بلبشير.
0281
استقلال السنة بالتشريع: دراسة تأصيلية تطبيقية/ جهاد خيتي - ماجستير - جامعة أم درمان - أصول الدين - السنة - 1999 - م. أ. د. نور الدين عتر
0282
أصول الظاهرة النقدية عند المسلمين/ إبراهيم أبا محمد - دكتوراه - جامعة محمد الخامس - الآداب - الجديدة - الدراسات الإسلامية - 1994 - م. لحسن الداودي.
0283
البدعة وأثرها في الدراية والرواية - عائض بن عبدالله القرني - ماجستير - جامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1405ه - 1408ه - م. مسفر بن غرم الله الدميني.
0284
تصنيف منهج موسوعة حديثية كبرى/ عبدالقادر أحمد عبدالقادر - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1403ه.
0285
تطبيقات عملية لاستخدام الكومبيوتر في السنة النبوية/ عبدالقادر أحمد عبدالقادر - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1407ه - م. أكرم العمري.
0286
توثيق السنة في القرن التاسع الهجري/ رزق عبدالحكيم عامر - دكتوراه - جامعة القاهرة - دار العلوم - الشريعة الإسلامية - 1991 - م. رفعت فوزي عبدالمطلب.
0287(/46)
توثيق السنة في القرن الثاني الهجري: أسسه واتجاهاته/ رفعت فوزي عبدالمطلب - دكتوراه - - جامعة القاهرة - دار العلوم - الشريعة الإسلامية - 1976 - م. عبدالعظيم معاني.
0288
حجية السنة والرد على شبه المنكرين/ محمد بن لقمان السلفي - ماجستير - جامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية - المعهد العالي للقضاء - الشريعة الإسلامية - 1391ه - م. مناع خليل القطان.
0289
حقوق الإنسان في ضوء السنة النبوية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان/ جاسمية محمد شمس الدين - ماجستير - جامعة الكويت - الشريعة والدراسات الإسلامية - الحديث وعلومه - 1997.
0290
حكمة تشريع القصاص في ضوء السنة/ مطيع الله دخيل الله - دكتوراه - جامعة الأزهر - أصول الدين - الحديث وعلومه - 1980 - م. مصطفى أمين التازي - محمد شوقي خضر.
0291
الدعوة إلى التجديد في مناهج النقد عن المحدثين ومواجهتها/ عصام بن أحمد البشير - دكتوراه - جامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1406ه - م. عبدالمهدي عبدالهادي عبدالقادر - ل. عبدالمهدي عبدالهادي.
0292
السنة بين أنصارها وخصومها/ سعد محمد محمد الشيخ - دكتوراه - جامعة الأزهر - أصول الدين - الحديث وعلومه - 1976 - م. محمد السيد ندا.
0293
السنة عند الشيعة الإمامية/ محمد المسعودي - دكتوراه - جامعة محمد الأول - الآداب - وجدة - الدراسات الإسلامية - م. محمد الروكي.
0294
السنة قبل التدوين/ محمد عجاج الخطيب - ماجستير - جامعة القاهرة - دار العلوم - الشريعة الإسلامية - 1963 - م. علي حسب الله (نشرت).
0295
السنة المنشئة وغير المنشئة للأحكام/ سالم بن علي بن أحمد الذهب - دكتوراه - جامعة القاهرة - الحقوق - الشريعة الإسلامية - 2000 - م. يوسف قاسم.
0296(/47)
السنة النبوية الشريفة في القرن السادس الهجري/ محمود إبراهيم أحمد الديك - دكتوراه - جامعة القاهرة - دار العلوم - الشريعة الإسلامية - 1990 - م. محمد بلتاجي حسن.
0297
الشمائل النبوية في الغرب الإسلامي/ حسن حالي - دكتوراه - جامعة محمد الأول - الآداب - وجدة - الدراسات الإسلامية - 1995 - م. عبدالكريم مشهداني.
0298
المصادر الفرعية للحديث النبوي: تصنيف وتقويم/ عبدالعزيز فارح - دكتوراه - جامعة محمد الأول - الآداب - وجدة - الدراسات الإسلامية - 2000 - م. الشاهد البوشيخي.
0299
منهج البحث في الحديث النبوي: دراسة مقارنة مع منهج البحث في التاريخ/ عبدالرحمن عبدالقادر كردي - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1394ه - م. الحسيني عبدالمجيد هاشم.
0300
منهج الرسول في الدعوة الإسلامية بعد الهجرة/ فريد عبدالحي شتلة - دكتوراه - جامعة الأزهر - أصول الدين - الحديث وعلومه - 1977 - م. أحمد السيد الكومي.
0301
موقف السنة من المسئولية والجزاء/ حسن محمد صالح العناني - دكتوراه - جامعة الأزهر - أصول الدين - الحديث وعلومه - 1979 - م. أبو العلا علي أبو العلا.
1 - التحقيق
0302
موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية/ الأمين الصادق الأمين - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1415ه - م. أحمد محمد نور سيف - أحمد بن ناصر الحمد ل. الشريف منصور عون العبدلي - سيد عبدالعزيز السيلي (نشرت).
0303
النقد الحديثي عند الأحناف وأثره في قبول الحديث ورده/ عزيز بوجليب - ماجستير - جامعة محمد الخامس - الآداب - الدار البيضاء - الدراسات الإسلامية - 1995 - م. الحسين أيت سعيد.
الفصل الرابع
الجرح والتعديل
1 - التحقيق
2 - التأليف
0304(/48)
الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني (852ه): تحقيق وتعليق وتخريج الآثار وأعلام الصحابة الواردة فيها من أول الكتاب إلى نهاية حرف التاء/ عبدالرحمن بن عمري الصاعدي - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1415ه.
0305
الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني: تحقيق وتعليق وتخريج الآثار وأعلام الصحابة الواردة فيها من أول حرف الثاء إلى نهاية حرف الحاء/ عبدالله أحمد عرالي - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1415ه.
0306
الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني: تحقيق وتعليق وتخريج الآثار وأعلام الصحابة الواردة فيها من بداية حرف الخاء إلى نهاية حرف الزاي/ محمد نعيم علم خان - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1415ه.
0307
الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني: تحقيق وتعليق وتخريج الآثار وأعلام الصحابة الواردة فيها من بداية حرف الشين إلى نهاية حرف الطاء/ حنان علي محمد اليماني - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1417ه - م. عبدالرحيم يحيى حمود الغامدي.
0308
الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني: تحقيق وتعليق وتخريج الآثار وأعلام الصحابة الواردة فيها من أول حرف السين إلى آخره/ يوسف عبدالله الباحوث - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1417ه - م. عبدالله بن علي الغامدي.
0309
الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني: تحقيق وتعليق وتخريج الآثار وأعلام الصحابة الواردة فيها من أول حرف السين من أسماء النساء إلى آخر الكتاب: تحقيق وتعليق وتخريج/ عبدالهادي علي الزهراني - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1417ه - م. محمد حسن الغماري.
0310(/49)
الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني: حرف العين: تحقيق ودراسة/ عائشة عوض المشعبي - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1415ه - م. محمد حسن الغماري.
0311
الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني: من أول حرف الغين إلى نهاية حرف اللام: تحقيق ودراسة/ زكريا صالح عبده قائد - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1416ه - م. مطر أحمد الزهراني.
0312
الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني: من أول حرف الميم إلى نهاية حرف الميم: تحقيق ودراسة/ نزيهة عبداللطيف المغلوث - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1416ه - م. عبدالله بن علي الغامدي.
0313
الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني: دراسة وتحقيق من أول حرف النون إلى نهاية حرف الياء/ أحمد عون أحمد الزرقي - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1416ه - م. محمد عبيد.
0314
الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني: باب كنى الرجال: تحقيق ودراسة/ فريدة محمد أحمد الغامدي - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1416ه - م. منصور العبدلي.
0315
الإرشاد في معرفة علماء الحديث للخليلي (446ه)/ محمد سعيد عمر إدريس - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن مسعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1405ه - 1407ه - م. عبدالفتاح أبو غدة.
0316
إكمال تهذيب الكمال لعلاء الدين مغلطاي (762ه): من أول حرف الألف إلى نهاية ترجمة إبراهيم بن عيينة: تحقيق ودراسة/ عواد بن حميد بن محمد - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - علوم الحديث - 1416ه - م. عبدالصمد بن بكر عابد.
0317(/50)
إكمال تهذيب الكمال لعلاء الدين مغلطاي: من أول الجزء التاسع إلى آخر الجزء الرابع عشر: دراسة وتحقيق/ مصلح بن جزاء الحارثي - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - علوم الحديث - 1418ه - م. عبدالصمد بن بكر عابد.
0318
الإكمال في ذكر من له رواية في مسند أحمد بن حنبل ممن ليس في تهذيب الكمال للحسيني (765ه)/ عبدالله بن سرور محمد - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1408ه - م. أبو لبابة الطاهر حسين.
0319
انتخاب السلفي من أصول كتب الشيخ أبي الحسن الطيوري للسلفي (576ه): من الجزء التاسع إلى نهاية الكتاب (الجزء السابع عشر): دراسة وتحقيقاً/ عباس بن صخر الحسن - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - علوم الحديث - 1419ه - م. عبدالرحيم بن محمد القشقري.
0320
انتخاب السلفي من أصول كتب الشيخ أبي الحسن الطيوري: من أوله إلى نهاية الجزء الثامن: دراسة وتحقيقاً/ دسمان بن يحيى معالي - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - علوم الحديث - 1419ه - م. عبدالرحيم بن محمد القشقري.
0321
الإيثار في معرفة رواة الآثار لابن حجر العسقلاني/ سليمان بن عبدالعزيز سليمان العريني - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1401ه -.
0322
أبو زرعة العراقي (826ه) وكتابه تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل: من أول الكتاب إلى آخر ترجمة مطرف بن مطرف: دراسة وتحقيق/ حسن عثمان سنكاري - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1407ه - م. ربيع بن هادي مدخلي.
0323
أبو زرعة الرازي وجهوده في السنة النبوية في تحقيق كتابه الضعفاء وأجوبته على أسئلة البرذعي/ سعدي مهدي صالح الهاشمي - دكتوراه - جامعة الأزهر - أصول الدين - الحديث وعلومه - 1978 - م. الحسيني عبدالمجيد هاشم.
0324(/51)
أثر الحافظ ابن عساكر (571ه) في علم الرجال وتحقيق كتاب معجم الشيوخ/ عبدالله بن عبدالرحمن الشريف - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1403ه - م. محمد أديب الصالح.
0325
الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة للخطيب البغدادي (463ه)/ محمد بن عبدالله الفهيد - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1400ه - م. محمود الطحان.
0326
الأسامي والكنى لأبي أحمد الحاكم الكبير (378ه): دراسة وتحقيق/ يوسف بن محمد عبدالله الدخيل - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1411ه - م. حماد بن محمد الأنصاري.
0327
أطراف الأفراد والغرائب لابن طاهر القيسراني (507ه): القسم الرابع/ عبدالرحمن بن محمد الشريف - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1410ه - م. محمد أديب الصالح.
0328
أطراف الأفراد والغرائب لابن طاهر القيسراني: من أول رواية عبدالله بن عمر إلى نهاية رواية أبي إسحاق السبيعي/ عبدالله بن ناصر الشقاري - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1404ه - م. محمد أديب الصالح.
0329
أطراف الأفراد والغرائب لابن طاهر القيسراني: القسم الثاني/ خليل بن حسن حمادة - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها –1404ه - 1410ه - م. محمد أديب الصالح.
0330
أطراف الأفراد والغرائب للدار قطني للحافظ محمد القيسراني: من بداية الكتاب إلى نهاية مسند أنس بن مالك رضي الله عنه/ محمد نور المراغي - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها –1407ه - م. محمد أديب الصالح.
0331(/52)
بيان خطأ من أخطأ على الشافعي للبيهقي (458ه)/ نايف هاشم الدعيس - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1398ه.
0332
تاريخ أسماء الثقات ممن نقل عنهم العلم لابن شاهين (385ه)/ صالح بن عبدالله بن صالح المحطب - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها –14027ه - م. محمود الطحان.
0333
التاريخ الأوسط للبخاري: دراسة وتحقيق من الجزء الأول إلى نهاية الجزء الثالث/ تيسير سعد أبو حميد - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1419ه - م. موفق عبدالله عبدالقادر.
0334
التاريخ الأوسط للإمام الحافظ محمد بن اسماعيل البخاري: دراسة وتحقيق من بداية الجزء الرابع إلى نهاية الجزء السابع/ يحيى عبدالله الثمالي - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1419ه - م. موفق عبدالله عبدالقادر.
0335
تاريخ موالد العلماء ووفياتهم لابن زيد الربعي/ عبدالله بن أحمد بن سلمان الرشيد - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1401ه.
0336
تاريخ موالد العلماء ووفياتهم لابن زبر الربعي (379ه) دون ذيوله: دراسة وتحقيق/ عبدالله أحمد سليمان الحمد - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1401ه - م. محمود أحمد ميرة.
0337
تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل لأبي زرعة العراقي (826ه)/ محمد بن عبدالمحسن التركي - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1408ه - 1413ه - م. أبو لبابة الطاهر حسين.
0338
تقييد المهمل وتمييز المشكل للجياني (498ه): القسم الأول/ خالد بن إبراهيم الرومي - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1404ه - 1409ه - م. مسفر بن غرم الله الدميني.
0339(/53)
تقييد المهمل وتمييز المشكل للجياني: من بداية ترجمة ربيع إلى ترجمة عبدالرحمن الأعرج/ دخيل بن صالح اللحيدان - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1407ه - 1410ه - م. مسفر بن غرم الله الدميني.
0340
تقييد المهمل وتمييز المشكل للجياني (498ه): الجزء السابع/ إبراهيم ناصر سليمان الناصر - ماجستير - جامعة الملك سعود - التربية - الثقافة الإسلامية - 1404ه - م. محمد مصطفى الأعظمي.
0341
تقييد المهمل وتمييز المشكل للجياني/ محمد أبو الفضل - دكتوراه - جامعة محمد الخامس - الآداب - الدار البيضاء/عين الشق - الدراسات الإسلامية - 1988 - م. محمد أمين الإسماعيلي.
0342
التنبيه على الأوهام الواقعة في الصحيحين من قبل الرواة للجياني: قسم البخاري/ محمد صادق آيدن - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1404ه - م. خليل ملا خاطر.
0343
التوضيح لمبهمات الجامع الصحيح لسبط ابن العجمي (841ه): تحقيق ودراسة/ ليلى حسن العوفي - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1415ه.
0344
التوضيح لمبهمات الجامع الصحيح لسبط ابن العجمي: تحقيق ودراسة من كتاب الوصايا إلى آخر كتاب التوحيد/ جوهرة عبدالرحمن الصبيحي - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1415ه.
0345
الجرح والتعديل في الغرب الإسلامي في القرن الثالث والرابع الهجريين - واستدراكات مسلمة بن القاسم القرطبي على الإمام البخاري/ عبدالرحمن الشوري - دكتوراه - جامعة محمد الأول - الآداب - وجدة - الدراسات الإسلامية - 1995 - م. إبراهيم بن الصديق - محمد بالوالي.
0346(/54)
جمع ألفاظ الجرح والتعديل ودراستها من كتاب تهذيب التهذيب: ج1-3/ سلمان محمد الندوي - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1401ه - م. عبدالفتاح أبو غدة.
0347
الحافظ البرديجي محدثاً (351ه) وتحقيق كتاب طبقات الأسماء المفردة/ عبدالعزيز بن حمد المشعل - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1403ه - م. أحمد معبدعبدالكريم.
0348
در السحابة فيمن دخل مصر من الصحابة للسيوطي (911ه)/ سليمان بن محمد المليص - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1404ه - م. أبو لبابة الطاهر حسين.
0349
السابق واللاحق للخطيب البغدادي (463ه)/ محمد مطر عثمان الزهراني - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1401ه.
0350
سؤالات الآجري (360ه) لأبي داود السجستاني: أربعون ورقة من الجزء الرابع وبعض من الخامس: دراسة وتحقيق/ عبدالعزيز بن أحمد آل عبدالقادر - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - علوم الحديث - 1412ه - م. سعدي مهدي الهاشمي.
0351
سؤالات الآجري لأبي داود السجستاني في الرواة: الجزء الثالث/ محمد علي قاسم أحمد العمري - ماجستير -الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1399ه.
0352
سؤالات البرقاني والسلمي للإمام الدار قطني (385ه)/ خليل حسن حمادة - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1403ه - م. صالح أحمد رضا.
0353
سؤالات الترمذي للبخاري/ يوسف بن محمد عبدالله الدخيل - ماجستير -الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1400ه.
0354(/55)
صلة الجمع وعائد التذييل لموصل كتابي الإعلام والتكميل لأبي اسحاق العربي/ عبدالله عبدالكريم محمد - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1410ه - م. سعيد عبدالرحمن القزقي.
0355
الضعفاء والمتروكون لابن الجوزي (593ه): تحقيقاً ودراسة/ عبدالقادر عطا محمد أحمد سليمان - دكتوراه - جامعة الأزهر - أصول الدين - الحديث وعلومه - 1978 - م. موسى شاهين لاشين.
0356
الضعفاء والمتروكين للدارقطني (385ه): دراسة وتحقيق/ موفق عبدالله عبدالقادر - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1401ه - م. أحمد معبدعبدالكريم.
0357
طبقات المحدثين بأصبهان والواردين عليها لأبي الشيخ الأنصاري (369ه)/ عبدالغفور عبدالحق حسين - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1401ه.
0358
عجالة الإملاء المتيسرة في التذنيب على ما وقع من الوهم وغيره في كتاب الترغيب والترهيب للحافظ الناجي (900ه): من أول كتاب الحج إلى آخر الكتاب/ إبراهيم بن حماد الريس - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1409ه - م. باسم فيصل الجوابرة.
0359
عجالة الإملاء المتيسرة في التذنيب على ما وقع من الوهم وغيره في كتاب الترغيب والترهيب للحافظ الناجي: من أول الكتاب إلى آخر كتاب العيدين والأضحية/ محمد بن عبدالله القناص - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1409ه - م. باسم فيصل الجوابرة.
0360
غنية الملتمس وإيضاح الملتبس للخطيب البغدادي (463ه)/عبدالرحمن محمد شريف محمد - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1403ه - م. صالح أحمد رضا.
0361(/56)
الكامل في الضعفاء لابن عدي (365ه): القسم الأول/ عبدالرحمن بن عبدالكريم الزيد - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1407ه - م. صلاح الدين الإدلبي.
0362
الكامل في الضعفاء لابن عدي: القسم الثاني من ورقة 76-134/ كاملور محمدك بدن صاحب - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1407ه - م. صلاح الدين الإدلبي - ل. صلاح الدين الإدلبي - عزت عطية - فالح بن محمد الصغير.
0363
الكامل في الضعفاء لابن عدي: القسم الثالث/ محمد خالد عبيد - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1404ه - 1408ه - م. صلاح الدين الإدلبي.
0364
الكامل في الضعفاء لابن عدي: القسم الرابع/ يحيى مختار غزاوي - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1406ه - م. صلاح الدين الإدلبي - ل. صلاح الدين الإدلبي.
0365
الكامل في الضعفاء لابن عدي: القسم الخامس/ علمي طحلو جعل - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1407ه - م. صلاح الدين الإدلبي.
0366
الكامل في الضعفاء لابن عدي: القسم السادس/ عبدالله ابن إبراهيم الرشيد - ماجستير - جامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1408ه - م. صلاح الدين الإدلبي.
0367
الكامل في الضعفاء لابن عدي: من أول من اسمه سلم بن العلوي البصري إلى آخر ترجمة سفيان بن محمد/ أحمد بن عبدالقادر عزي - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1407ه - 1412ه - م. صلاح الدين الإدلبي.
0368(/57)
الكامل في الضعفاء لابن عدي: من أول ترجمة سويد بن إبراهيم إلى آخر ترجمة شبيب بن سليم/ محمد معصوم صادق المراغي - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1408ه - 1412ه - م. صلاح الدين الإدلبي.
0369
الكامل في الضعفاء لابن عدي: من أول من اسمه سليمان بن عمرو بن عبدالله إلى آخر ترجمة سلم الخواص/ عبدالرحمن بن إبراهيم الخميسي - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1407ه - 1410ه - م. صلاح الدين الإدلبي.
0370
الكامل في الضعفاء لابن عدي: من أول ترجمة شهاب بن خراش إلى آخر ترجمة طريف بن سليمان/ عبدالرحمن بن أحمد علوش المدخلي-ماجستير-جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين –السنة وعلومها - 1408ه - 1412ه - م. صلاح الدين الإدلبي.
0371
الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث لسبط بن العجمي (841ه)/ إبراهيم بن عبدالله بن عبدالرحمن اللاحم - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1401ه -م. عبدالفتاح أبو غدة.
0372
الكنى والأسماء للدولابي (310ه): من أول الكتاب إلى آخر حرف الزاي، دراسة وتحقيق/ سليمان سعد عسيري - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1417ه - م. عبدالستار فتح الله سعيد.
0373
الكنى والأسماء للدولابي: تحقيق ودراسة القسم الثاني/ سيد أحمد الإمام خطري - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1419ه - م. زين العابدين بلافريج.
0374
الكنى والأسماء لمسلم بن الحجاج (261ه)/ عبدالرحيم محمد القشقري - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1400ه.
0375(/58)
الكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الرواة الثقات لابن الكيال (939ه)/ عبدالقيوم عبدالنبي الباكستاني - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1397ه - م. أحمد صقر.
0376
المتفق والمفترق للخطيب البغدادي: النصف الأول/ محمد صادق آيدن - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1408ه - م. فضل الرحمن الأنصاري (نشرت).
0377
المستفاد من مبهمات المتن والإسناد للحافظ العراقي (826ه): تحقيقاً ودراسة/ محمد بن علي إبراهيم برو - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1409ه - 1414ه - م. عبدالحكيم السيد عتلم.
0378
مشيخة ابن البخاري تخريج ابن الظاهري/ عوض عتقي سعد الحازمي - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1412ه - م. عبدالمجيد محمود عبدالمجيد.
0379
معجم ابن الأعرابي (340ه): ستة أجزاء/ أحمد ميرين سياد - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1406ه.
0380
معجم أبي بكر الإسماعيلي (371ه)/ زياد محمد منصور - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1405ه.
0381
معجم الصحابة لأبي القاسم البغوي (ت 317ه): دراسة وتحقيق/ صباح زخنيتي - دكتوراه - جامعة محمد الأول - الآداب - وجدة - الدراسات الإسلامية - 1995 - م. حسين أبو لبابة - محمد بالوالي.
0382
معجم الصحابة لابن قانع (351ه): دراسة وتحقيق القسم الأخير من الكتاب/ إسماعيل عبدالستار الميمني - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1412ه - م. عبدالستار فتح الله سعيد.
0383
معرفة الصحابة لأبي نعيم (430ه): من أول الكتاب إلى حرف التاء/ محمد راضي حاج عثمان - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1406ه.
0384(/59)
معرفة المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين لابن حبان (354ه): من أوله إلى نهاية حرف الحاء: دراسة وتحقيق/ عيسى جاكيتي بن عبدالرحمن - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - علوم الحديث - 1419ه - م. مقبل بن مريشيد الرفيعي.
0385
معرفة المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين لابن حبان: من بداية حرف الخاء إلى نهاية حرف الغين: دراسة وتحقيق/ عبدالقادر طاهيروف حسن خانوفيش - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - علوم الحديث - 1419ه - م. مقبل بن مريشيد الرفيعي.
0386
معرفة المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين لابن حبان: من أول حرف الفاء إلى نهاية الكتاب: دراسة وتحقيقاً/ ناصروف سيف الله مجاهدوتش - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - علوم الحديث - 1419ه - م. مقبل بن مريشيد الرفيعي.
0387
مغاني الأخيار في رجال معاني الآثار لبدر الدين العيني (855ه): من أول الكتاب إلى نهاية حرف الزاي/ معوض بن بلال العوفي - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1412ه - م. ربيع هادي مدخلي.
0388
المقتنى في سرد الكنى للذهبي (748ه)/ محمد صالح مراد - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1400ه - م. حسين قاسم.
0389
من تلك فيهم وهو موثق للإمام الذهبي/ عبدالله بن ضيف الله الرحيلي - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1398ه - م. محمود الطحان.
0390
من روى عن أبيه عن جده لابن قطلوبغا (879ه)/ باسم فيصل أحمد الجوابرة - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1404ه.
0391
المنفردات والوحدان للإمام مسلم (261ه)/ حسين علي حسين - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1403ه - م. عبدالمهدي عبدالهادي عبدالقادر.
0392(/60)
المؤتلف والمختلف للدار القطني (385ه)/ موفق عبدالله عبدالقادر - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1406ه - م. خليل ملا خاطر - أحمد محمد نور سيف - ل. خليل ملا خاطر.
0393
نزهة الألباب في الألقاب لابن حجر العسقلاني (852ه)/ عبدالعزيز بن محمد السديري - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1406ه - م. عبدالفتاح أبو غدة - ل. عبدالفتاح أبو غدة.
0394
الاختلاف على الأعمش في كتاب العلل للدار قطني: تخريج ودراسة/ خالد عبدالله سبيت السبيت - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1416ه - م. عويد بن عياد المطرفي.
0395
الاختلاف على الراوي وأثره على الروايات والرواة مع دراسة تطبيقية على مرويات حماد بن سلمة في الكتب الستة/ حاكم بن عبيسان الحميدي المطيري - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1416ه - م. عبدالحميد عمر الأمين - ل. أحمد بن نافع المورعي - عبدالله سعاف اللحياني.
0396
التابعون الثقات الذين تكلم في سماعهم من الصحابة/ مبارك بن سيف هادي الهاجري - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1407ه - 1411ه - م. عبدالمحسن العباد.
0397
تقيد المهمل من الرواة في صحيح البخاري للجياني (498ه)/ عبدالله بن حمود التويجري - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - ماجستير - 1403ه - م. محمود الطحان.
0398
تعارض أحكام الإمام محمد بن حبان البستي على بعض الرواة في كتابيه الثقات والمجروحين/ أمين عبدالله سليمان الشقاوي - ماجستير - جامعة الملك سعود - التربية - الثقافة الإسلامية - 1417ه - 1419ه - م. محسن محمد عبدالناظر.
0399(/61)
التعريف بالرواة الذين سكت عنهم الحافظ الهيثمي أو قال لا أعرفهم في مجمع الزوائد/ مريم حسن القحطاني - ماجستير - جامعة الكويت - الشريعة والدراسات الإسلامية - الحديث وعلومه - 1998.
2 - التأليف
0400
توجيه اختلاف أقوال الذهبي في الرواة الذين تكلم فيهم في تلخيص المستدرك مع أقواله فيهم في الكاشف والمغني والميزان/ سعاد جعفر حمادي - ماجستير - جامعة الكويت - الشريعة والدراسات الإسلامية - الحديث وعلومه - 1997.
0401
الثقات الذين ضعفوا في بعض شيوخهم/ صالح حامد سعيد الرفاعي - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1407ه - م. محمود أحمد ميرة.
0402
الثقات في ميزان التعديل والرواية عند المحدثين: دراسة تطبيقية/ إيناس خالد المنيس - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1415ه - 1417ه - م. محمد الخضر الناجي.
0403
الحاوي لرجال الطحاوي للإمام حبيب الرحمن الأعظمي (من حرف أ إلى حرف الجيم)/ محمد عيد محمد وفا المنصور - ماجستير - جامعة أم درمان الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 2002 - م. أ. د. نور الدين عتر.
0404
الحاوي لرجال الطحاوي للإمام حبيب الرحمن الأعظمي (من حرف الحاء إلى حرف الراء)/ عبدالكافي عمر الكمش - ماجستير - جامعة أم درمان الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 2002 - م. أ. د. نور الدين عتر.
0405
الحاوي لرجال الطحاوي للإمام حبيب الرحمن الأعظمي (من حرف الزاي إلى حرف الظاء)/ فايز مصطفى اصطيلة - ماجستير - جامعة أم درمان الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 2002 - م. أ. د. نور الدين عتر.
0406(/62)
دراسة رجال ابن ماجه الذين تفرد بالإخراج عنهم عن بقية الكتب الستة الأخرى/ محمد بن ناصر القرني - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1407ه - م. باسم فيصل الجوابرة - ل. باسل فيصل الجوابرة - زياد محمد منصور - نور الدين بويا جيلار.
0407
دراسة المتكلم فيهم من رجال تقريب التهذيب/ عبدالعزيز بن سعد التخيفي - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1405ه - م. أبو لبابة الطاهر الحسن - ل. أبو لبابة الطاهر الحسن.
0408
الرجال الذين تكلم فيهم الترمذي في جامعه تجريداً وتحقيقاً/ حسن بن غانم الغانم - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1400ه - م. محمد السيد ندا.
0409
الرواة الذين اختلف أقوال الحافظ بن حجر فيهم من حرف ص إلى حرف ك/ عمرو طه السقاف - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1419ه - م. منصور العبدلي.
0410
الرواة الذين اختلف أقوال الحافظ بن حجر فيهم من حرف ل إلى آخر الكنى/ عمر إبراهيم محمد نور سيف - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1419ه - م. منصور العبدلي.
0411
الرواة الذين اختلفت أقوال الحافظ ابن حجر العسقلاني فيهم: دراسة موازنة لمئتين وخمسين راوي/ عبدالرحمن سعود العماج - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1418ه - م. أحمد بن نافع المودعي.
0412
الرواة الذين تكلم فيهم من صحيح مسلم/ سلطان سند عبدالمطلب العكايلة - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1401ه.
0413
الرواة المختلف في صحبتهم ممن لهم رواية في الكتب الستة ومروياتهم فيها: جمعاً ودراسة/ كمال قالمي - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - علوم الحديث - 1420ه - م. محمد مطر الزهراني.
0414(/63)
الرواة المسكوت عنهم في كتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: من حرف الألف إلى حرف الخاء/ إدريس بن محمد بن علي - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1413ه - م. محمود نادي عبيدات.
0415
الرواة المسكوت عنهم في كتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: من حرف الخاء إلى نهاية حرف الظاء/ عبدالرحمن محمد الحامد - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1413ه - م. عبدالمهدي عبدالهادي عبدالقادر.
0416
الروايات من الصحابيات ودورهن في تحمل وأداء الحديث/ انتصار إبراهيم عبدالرحمن العمر - ماجستير - الرئاسة العامة لتعليم البنات - الآداب للبنات بالدمام - الدراسات الإسلامية - 1404ه - 1413ه - م. البسيوني مصطفى الكومي.
0417
رواية الإمام البخاري في صحيحه عمن رمي بالاختلاط وضوابطه فيها/ خالد إبراهيم عبدالمحسن العبيد - ماجستير - جامعة الملك سعود - التربية - الثقافة الإسلامية - 1417ه - م. شاكر ذيب فياض.
0418
الضعفاء والمجهولون والمتروكون في مجتبى النسائي/ وصي الله بن محمد عباس - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1396ه - م. محمد الصادق عرجون.
0419
ضوابط تصحيح الإمام مسلم في صحيحه لمرديان أبي الزبير المكي بالعنونة عن جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله تعالى عنه/ خالد عبدالله رشيد العيد - ماجستير - جامعة الملك سعود - التربية - الثقافة الإسلامية - 1417ه - م. شاكر ذيب الفياض.
0420
طبقات الرواة عن الزهري ممن له رواية في الكتب الستة/ فاروق بن يوسف بن أحمد - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1407ه - 1411ه - م. حماد الأنصاري.
0421
طبقات الرواة عن هشام بن عروة/ عبدالله محمد الشهري - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1418ه - م. عبدالرحيم يحيى حمود الغامدي.
0422(/64)
طبقات الرواة عن الوليد بن مسلم القرشي ومروياتهم عنه في الكتب الستة/ سعاد صالح بابقي - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1418ه - م. سعدي مهدي الهاشمي.
0423
علم الجرح والتعديل في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري: أعلامه ومناهجه/ عائشة شهيد - دكتوراه - جامعة محمد الخامس - الآداب والدراسات الإسلامية - 1995 - م. فاروق حمادة.
0424
المتروكون الذين تفرد بهم ابن ماجة/ عبدالله مراد علي السلفي - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1393ه - م. الحسيني عبدالمجيد هاشم.
0425
المتروكون والمجهولون ومروياتهم في سنن أبي داود السجستاني/ محمد صبران أفندي الإندونيسي - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1396ه - م. محمد أمين المصري.
0426
المتروكون ومروياتهم في سنن الدارقطني/ محمد راضي حاج عثمان - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1401ه.
0427
المتروكون ومروياتهم في كتاب الجامع للإمام الترمذي/ موسى سكر بوقس الإندونيسي - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1394ه - م. محمد أمين المصري.
0428
المشترك اللفظي في مصطلحات علماء الحديث وألفاظ الجرح والتعديل/ يحيى عبدالله الثمالي - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1414ه - 1417ه - م. محمد سعيد البخاري - ل. عبدالله علي الغامدي - وصي الله محمد عباس.
0429
من وصف بلفظ مقبول في تقريب التهذيب للحافظ ابن حجر العسقلاني من غير رجال الصحيحين: دراسة وتحقيقاً/ عصام بن إبراهيم الحازمي - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1422ه - م. الأحمدي عبدالفتاح.
0430(/65)
نقد الرواة عند المحدثين في القرون الثلاثة الأولى: دراسة تطور النقد ومناهجه/ طحلو جعل علمي - دكتوراه - جامعة محمد الخامس - الآداب والعلوم الإنسانية - الدراسات الإسلامية.
0431
وهب بن منبه بين المجرحين والمعدلين/ شذى أحمد العبدالكريم - ماجستير - جامعة الكويت - الشريعة والدراسات الإسلامية - الحديث وعلومه - 1998.
الفصل الخامس
مناهج المحدثين
1- مناهج المحدثين في كتاب معين
2- المحدثون ومناهجهم في كتبهم
3- المحدثون ومناهجهم في أزمنة وأمكنة معينة
0432
الاتجاه الفقهي للإمام البخاري من خلال صحيحه/ محمد أحمد حسن إبراهيم - ماجستير - جامعة القاهرة - دار العلوم - الشريعة الإسلامية - 1993 - م. أحمد يوسف سليمان.
0433
أصول الخلاف في فقه الحديث من خلال كتابي التمهيد والاستذكار لابن عبدالبر القرطبي (ت 463 ه)/ خليد المقالي - دكتوراه - جامعة محمد الخامس - الآداب - مكناس - الدراسات الإسلامية - 1996 - م. زين العابدين بلافريج.
0434
الأصول الستة: روايتها ونسخها/ محمد إسحاق محمد إبراهيم خان - ماجستير - جامعة الملك سعود - التربية - الثقافة الإسلامية - 1405ه - م. محمد مصطفى الأعظمي.
0435
التصنيف على المعاجم للحديث النبوي الشريف: نشأته، أعلامه، مناهجه/ محمد مختار - جامعة محمد الخامس - الآداب - الرباط - الدراسات الإسلامية - 1993 - م. فاروق حمادة.
0436
جهود الحافظ ابن عساكر (571ه) الحديثية من خلال كتابه تاريخ دمشق: عرض ونقد/ محمد إسحق محمد إبراهيم خان - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1413ه - م. عبدالمنعم السيد نجم.
0437(/66)
الجوانب التعليمية في صحيح البخاري (كتاب المعلم) وشروحات ابن حجر العسقلاني/ إبراهيم محمد إبراهيم طوالبة - ماجستير - جامعة اليرموك - الشريعة والدراسات الإسلامية - أصول الدين - 1996 - م. مصطفى المشني - محمد عليمات - ل. محمد ملكاوي - فاروق السامرائي.
1 - مناهج المحدثين في كتاب
0438
دراسة نقدية في الجرح والتعديل لتاريخ الطبري: السيرة النبوية وعصر الخلفاء الراشدين/ الحسين الباز - ماجستير - جامعة محمد الخامس - الآداب - الرباط - الدراسات الإسلامية - 1987 - م. فاروق حمادة.
0439
الشفا للقاضي عياض: دراسة تحليلية ونقدية/ أحمد فكير - جامعة محمد الخامس - الآداب - أكادير - الدراسات الإسلامية - 1996 - م. عبدالرزاق هرماس.
0440
الصحيحان ومنهجهما وضوابط التصحيح على شرطهما/ محمد بنكيران - دكتوراه - جامعة محمد الخامس - الآداب - الرباط - الدراسات الإسلامية - 1993 - م. إبراهيم بن الصديق - فاروق حمادة.
0441
صحيح مسلم في الدراسات المغربية: رواية ودراية/ عبدالرزاق الجابي - ماجستير - جامعة محمد الخامس - الآداب - الرباط - الدراسات الإسلامية - 1986 - م. فاروق حمادة.
0442
صحيفتا عمرو ين شعيب وبهز بن حكيم عند المحدثين والفقهاء/ محمد علي بن الصديق - ماجستير - جامعة محمد الخامس - الآداب - الرباط - الدراسات الإسلامية - 1987 - م. فاروق حمادة (نشرت).
0443
صنعت أسانيد السنة في تاريخ ابن عساكر/ باسل أيمن الكسم - ماجستير - جامعة أم درمان - أصول الدين - السنة– 2002 - م. د. بديع السيد اللحام.
0444
فقه الإمام البخاري في الأطعمة والعقيقة والذبائح والصيد والأضاحي/ عابد زليب القثامي - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات العليا - الدراسات العليا الإسلامية المسائية - 1416ه - 1419ه - م. شرف بن علي الشريف - ل. عبدالمجيد - نزار الحمداني - شرف بن علي الشريف.
0445(/67)
فقه الإمام البخاري في الجنائز من جامعه الصحيح/ فهد عبدالله العريني - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات العليا - الدراسات العليا الإسلامية المسائية - 1415ه - 1419ه - م. نزار عبدالكريم الحمداني - ل. شرف بن علي الشريف - محمد علي إبراهيم.
0446
فقه الإمام البخاري في الحج والصيام في صحيحه: بحث ومقارنة/ نزار عبدالكريم سلطان - دكتوراه - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات العليا - الدراسات العليا الإسلامية المسائية - 1405ه - م. محمود عبدالدائم.
0447
فقه الإمام البخاري في النكاح من الجامع الصحيح مقارنة بفقه المذاهب الأربعة/ محسن أحمد القثامي - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات العليا - الدراسات العليا الإسلامية المسائية - 1417ه - م. عبدالمجيد محمود عبدالمجيد.
0448
فقه الإمام البخاري في الوضوء والغسل مقارناً بفقه أشهر المحدثين/ نور حسن قاروت - دكتوراه - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات العليا - الدراسات العليا الإسلامية المسائية - 1411ه - م. محمود عبدالدائم.
0449
فقه أبي داود السجستاني من خلال سنته/ المفضل بوزرهون - ماجستير - جامعة محمد الخامس - الآداب والعلوم الإنسانية - الدراسات الإسلامية.
0450
قضايا أصولية عند المحدثين: كتاب فتح الباري نموذجاً/ كريبان طيب - دكتوراه - جامعة محمد الخامس - الآداب - الدار البيضاء، بنمسيك - الدراسات الإسلامية - 1996 - م. عقي النماري.
0451
المدخل إلى شرح السنة للبغوي (510ه)/ علي عمر أحمد بادحدح - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1408ه - م. سليمان الصادق البيرة (نشرت).
0452
مفهوم المنكر في علل الحديث لابن أبي حاتم (327ه): تحقيق ودراسة/ زينب العيدان - ماجستير - الرئاسة العامة لتعليم البنات - التربية للبنات بالقصيم - الدراسات الإسلامية - 1417ه - م. علي بن عبدالله الجمعة.
0453(/68)
المقاصد الشرعية عند ابن حجر العسقلاني من خلال فتح الباري شرح صحيح البخاري/ عبدالمجيد بوسكيف - ماجستير - جامعة محمد الخامس - الآداب - الدار البيضاء - الدراسات الإسلامية - 1995 - م. عقي النماري.
0454
مناسبات تراجم البخاري لأحاديث الأبواب لابن جماعة/ علي بن عبدالرحيم الزبن - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1404ه - م. محمد مبارك السيد.
0455
مناهج أئمة شراح الجامع الصحيح للإمام البخاري في شرح كتاب التفسير: دراسة مقارنة/ عبدالله عبدالكريم العوضي - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1415ه.
0456
منهج ابن عبدالبر في الجرح والتعديل من خلال كتاب التمهيد/ محمد عبدرب النبي - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1412ه - م. عبدالعزيز العثيم.
0457
منهج ابن عبدالبر في كتابة الاستذكار/ أحمد ذو النورين أحمد الجكي - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1416ه.
0458
منهج الإمام البخاري في التفسير من خلال كتابه الصحيح/ سيد أحمد الإمام خطري - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1417ه - م. محمد الخضر الناجي - ل. سليمان الصادق البيرة - أحمد نافع المورعي.
0459
منهج الإمام الزيلعي في كتابه نصب الراية/ منصور محمود محمد الشرايري - ماجستير - الجامعة الأردنية - الشريعة - أصول الدين - 1999 - م. سلطان العكايلة.
0460
منهج الإمام الزرقاني (1122ه) في شرحه على الموطأ/ بندر سويلم آل غانم - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1415ه - م. أحمد نافع الحربي.
0461
منهج البيهقي للنقد من خلال كتاب السنن الكبرى/ أحمد نافع سليمان المورعي - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1410ه - م. عبدالباسط بلبول.(/69)
0462
منهج التصنيف في فقه تراجم الحديث/ عبداللطيف لشهب - ماجستير - جامعة مولاي إسماعيل - مكناس - الآداب والعلوم الإنسانية - الدراسات الإسلامية - 1999.
0463
منهج الحافظ ابن حجر في كتابه فتح الباري بشرح صحيح البخاري/ جميل أحمد منصور الشوادفي - دكتوراه - جامعة الأزهر - أصول الدين - الدعوة والثقافة الإسلامية - 1975 - م. سيد أحمد رمضان المسير.
0464
منهج الحافظ ابن حجر العسقلاني في دفاعه عن رجال صحيح البخاري المتكلم فيهم/ صالح عبدالله شديد الصياح - ماجستير - جامعة الملك سعود - التربية - الثقافة الإسلامية - 1417ه - 1418ه - م. محسن محمد عبدالناظر.
0465
منهج الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري شرح صحيح البخاري: من أول كتاب الصلاة إلى نهاية باب المرأة تطرح عن المصلى شيئاً من الأذى: دراسة وتحقيق/ عبدالله علي الجعيثن - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1410ه - 1416ه - م. فالح محمد الصغير.
0466
منهج الذهبي (748ه) في كتابه ميزان الاعتدال في نقد الرجال/ قاسم علي سعد - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1405ه.
0467
منهج الشيخ المباركفوري (1353ه) في كتابه تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي/ عبدالله بن رفدان الشهراني - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1416ه.
0468
منهج الكرماني (786ه) في كتاب الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري/ أحمد منجي حسين أحمد - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1416ه - م. أمين محمد عطية باشا - ل. عبدالمجيد محمود عبدالمجيد - وصي الله محمد عباس.
0469(/70)
منهج القاضي عياض (544ه) في كتابه إكمال المعلم بفوائد صحيح مسلم: من أوله إلى نهاية كتاب الإيمان/ الحسين بن محمد شواط - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1408ه - 1411ه - م. عبدالفتاح أبو غدة.
0470
المنهج النقدي الحديث عند ابن كثير (774ه) في كتابه البداية والنهاية/ أيمن محمود سليم العمري - ماجستير - الجامعة الأردنية - الشريعة - أصول الدين - 1998 - م. ياسر أحمد الشمالي.
0471
الموطأ في الدراسات المغربية: رواية ودراية/ البوبي لحسن الهمساس - ماجستير - جامعة محمد الخامس - الآداب والعلوم الإنسانية - الدراسات الإسلامية.
0472
نقد ابن حزم (456ه) للرواة في المحلى: دراسة/ إبراهيم بن محمد الصبيحي - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1406ه - م. أبو لبابة الطاهر حسين.
0473
ابن عدي ومنهجه في كتاب الكامل في ضعفاء الرجال/ زهير عثمان علي نور - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1410ه - م. محمد محمد الشريف - ل. سعد سعد رزق جاويش - أحمد محمد نور سيف.
0474
ابن قتيبة وجهوده في الدفاع عن منهج أهل السنة في التفسير والحديث من خلال كتابيه مشكل القرآن ومختلف الحديث/ حسن المعتمد - ماجستير - جامعة محمد الأول - الآداب - وجدة - الدراسات الإسلامية - 1995 - 1999 - م. محمد بالوالي.
0475
ابن مندة (395ه) وكتاب الإيمان/ علي محمد ناصر فقيهي - دكتوراه - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1399ه - م. محمد الغزالي (نشرت).
0476
ابن ناصر الدمشقي (842ه) وكتابه الإعلام بما وقع من الأوهام/ عبدرب النبي بن محمد - دكتوراه - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1405ه.
0477(/71)
الإمام ابن ماجه وكتابه السنن: تحقيق ودراسة وتقديم/ التمسماني محمد الفقير - ماجستير - جامعة محمد الخامس - الآداب والعلوم الإنسانية - الدراسات الإسلامية.
0478
ابن الملقن (804ه) ومنهجه في كتابه البدر المنير مع تحقيق مائة صفحة منه/ حسين محسن بن علي جابر - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1401ه - م. محمود أحمد ميرة.
0479
2- المحدثون ومناهجهم في كتبهم
أبو الوليد الباجي وشرحه للموطأ (المنتقى) منهجاً وموضوعاً/ محمد الزباخ - ماجستير - جامعة محمد الخامس - الآداب والعلوم الإنسانية - الدراسات الإسلامية.
0480
الإمام ابن الجوزي (597ه) محدثاً ومنهجه في كتابه الموضوعات/ قسم الله بن علي بن محمد مريود - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - ماجستير - 1403ه - م. خليل ملا خاطر.
0481
الإمام شرف الدين حسين بن محمد الطيبي (743ه) ومنهجه في كتابة الكاشف عن حقائق السنن/ فاتن حسن حلواني - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1414ه.
0482
الإمام الشوكاني (1250ه) ومنهجه في كتابه: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار/ خالد أحمد الخطيب - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1412ه - م. محمد حسن الغماري.
0483
الإمام محمد بن يحيى الذهلي محدثاً (258ه) مع تحقيق الجزء المنتقى من زهرياته/ سليمان سعيد مريزون العسيري - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1417ه - م. سليمان الصادق البيرة - ل. عبدالله علي الغامدي - محمد ولد سيدي كريم (نشرت).
0484
أبو بكر بن خزيمه (311ه) ومنهجه في كتابه الصحيح/ محمد بن علي إبراهيم برو - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1408ه - م. مسفر بن غرم الله الدميني - ل. مسفر بن غرم الله الدميني.
0485(/72)
أبو بكر المقرئ (381ه) وكتابه المعجم/ محمد صالح السليمان الفلاح - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1405ه.
0486
الحافظ ابن كثير وجهوده في الجرح والتعديل في تفسيره/ عبدالعزيز عبدالله إبراهيم الزير - ماجستير - جامعة الملك سعود - التربية - الثقافة الإسلامية - 1417ه - 1418ه - م. عبدالله مرحول السوالمة.
0487
الحافظ العقيلي (322ه) ومنهجه في كتاب الضعفاء الكبير/ عبدالإله صالح سعيد باقطيان - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1411ه - م. محمد محمد الشريف.
0488
الحافظ مغلطاي (762ه) وكتاب (إكمال تهذيب الكمال) لابن الملقن مع تحقيق قطعة منه/ محمد علي قاسم أحمد العمري - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1403ه.
0489
الخطابي (388ه) وآثاره الحديثية من خلال كتابيه: أعلام السنن، ومعالم السنن، ومنهجه فيهما/ أحمد بن عبدالله بن حمد الباتلي - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1408ه - 1410ه - م. أحمد معبدعبدالكريم.
0490
الدار قطني وسننه/ عبدالله بن ضيف الله الرحيلي - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1403ه - م. محمد الطحان - ل. محمد الطحان (نشرت).
0491
القاضي أبو يعلى (485ه) وكتابه الإيمان "الجزء الأول": دراسة وتحقيق/ سعود بن عبدالعزيز بن خلف الخلف - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الدعوة وأصول الدين - العقيدة - 1403ه - 1406ه - م. عبدالكريم مراد علي - ل. أحمد بن سعد بن حمدان الغامدي - أحمد بن عطية الغامدي.
0492
المدخل إلى معرفة الصحيحين للحاكم النيسابوري (405ه)/ إبراهيم بن علي الكليب - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1404ه - م. أحمد معبدعبدالكريم.
0493(/73)
منهج المفسرين المحدثين في تفسير آيات الأحكام/ عبدالله تاجدي - ماجستير - جامعة محمد الخامس - الآداب - الدار البيضاء - الدراسات الإسلامية - 1995 - م. عز الدين توفيق - أحمد بزوي.
0494
ابن الأمير الصنعاني: منهجه في علوم الحديث وفقهه/ محمد مخلص - ماجستير - جامعة محمد الخامس - الآداب والعلوم الإنسانية - الدراسات الإسلامية - 1996.
0495
ابن تيمية وآثاره في الدراسات الحديثية/ نادية البقالي - ماجستير - جامعة محمد الخامس - الآداب والعلوم الإنسانية - الدراسات الإسلامية.
0496
ابن رجب الحنبلي ومنهجه في علل الحديث/ الحسين محمد حسين - ماجستير - جامعة محمد الخامس - الآداب - الرباط - الدراسات الإسلامية - 1995 - 2000 - م. فاروق حمادة.
0497
ابن قيم الجوزية (751ه) وجهوده في خدمة السنة النبوية وعلومها/ جمال محمد السيد عبدالحميد - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1411ه - م. ربيع هادي مدخلي.
0498
ابن القيم ومنهجه في نقد السنة/ عبدالفتاح صديق - ماجستير - جامعة محمد الخامس - الآداب - الرباط - الدراسات الإسلامية - 1995 - م. محمد بلبشر - زين العابدين بلافريج.
0499
أبو بكر البيهقي وأثره في علوم الحديث/ أحمد يوسف سليمان شاهين - ماجستير - جامعة القاهرة - دار العلوم - الشريعة الإسلامية - 1975 - م. مصطفى زيد.
0500
أبو جعفر الطحاوي وأثره في الحديث/ عبدالمجيد محمود عبدالمجيد - ماجستير - جامعة القاهرة - دار العلوم - الشريعة الإسلامية - 1964 - م. مصطفى زيد.
3 - المحدثون ومناهجهم العامّة
0501
أبو داود السجستاني وأثره في علم الحديث/ معوض بن بلال العوفي - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1400ه - م. أحمد صقر.
0502(/74)
الإمام ابن قتيبة الدينوري وأثره في علوم الحديث/ فكري أنور سيد الخولي - ماجستير - جامعة القاهرة - دار العلوم - الشريعة الإسلامية - 1984 - م. عبدالله محمود شحاتة.
0503
الإمام أبو عمرو عثمان بن عبدالرحمن الشهرزوري المشهور بابن الصلاح: أثره في علم مصطلح الحديث/ عبدالرحمن العضراوي - ماجستير - جامعة محمد الخامس - الآداب والعلوم الإنسانية - الدراسات الإسلامية.
0504
الإمام الأوزاعي محدثاً حافظاً/ حسين محمد الملاح - ماجستير - كلية الإمام الأوزاعي لبنان - 1991 - م. أ. د. نور الدين عتر.
0505
الإمام الزيلعي ومنهجه في التخريج/ مريم إبراهيم هنداوي - ماجستير - جامعة القاهرة - دار العلوم - الشريعة الإسلامية - 1984 - م. عبدالمجيد محمود عبدالمجيد.
0506
الإمام السيوطي وجهوده في علم الحديث/ عبدالغني أيت - ماجستير - جامعة محمد الخامس - الآداب - مكناس - الدراسات الإسلامية - 1995 - م. محمد علوي بنصر.
0507
الإمام عبدالرحمن بن مهدي محدثاً/ أحمد بن علي توري - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1419ه.
0508
الإمام عبدالرحمن بن مهدي وجهوده في الدراسات الحديثية: جمع دراسة مقارنة/ عبدالحفيظ العبدلاوي - دكتوراه - جامعة محمد الأول - الآداب - وجدة - الدراسات الإسلامية - م. محمد بلوالي.
0509
الإمام علي بن المديني (234ه) ومنهجه في نقد الرجال/ إكرام الله إمداد الحق - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1408ه.
0510
الإمام القاري (1014ه) وأثره في الحديث الشريف/ خليل إبراهيم قوتلاي - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1404ه.
0511
الإمام مسلم وجهوده في السنة/ أميرة محمد أمين كتبي - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1418ه.
0512(/75)
الإمام النووي (686ه) وأثره في الحديث وعلومه/ أحمد عبدالعزيز قاسم الحداد - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1409ه - م. عبدالعزيز بن عبدالله الحميدي - ل. منصور بن عون العبدلي - حسنين محمد فلمبان.
0513
أبو بكر ابن العربي محدثاً (543ه)/ عبدالله بن عمر أبو طعيمة - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1416ه - م. سليمان الصادق البيرة.
0514
أبو بكر بن العربي (543ه) وجهوده في الدراسات الحديثية/ المكي أقلاينة - دكتوراه - جامعة محمد الخامس - الآداب - تطوان - الدراسات الإسلامية - 1994 - م. فاروق حمادة.
0515
أبو حاتم الرازي (277ه) وجهوده في خدمة السنة النبوية/ محمد خروبات - دكتوراه - جامعة محمد الخامس - الآداب - مراكش - الدراسات الإسلامية - 1990 - م. فاروق حمادة.
0516
بدر الدين العيني (855ه) وأثره في علم الحديث/ صالح يوسف معتوق - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1403ه - م. أحمد صقر.
0517
برهان الدين إبراهيم بن محمد الحلبي المعروف بسبط ابن العجمي (841ه) وجهوده في علم الحديث/ علي جابر الثبيتي - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1415ه - 1418ه - م. أمين محمد عطية باشا.
0518
توثيق متون السنة عند ابن تيمية/ رمضان الحسنين جمعة - ماجستير - جامعة القاهرة - دار العلوم - الشريعة الإسلامية - 1990 - م. رفعت فوزي عبدالمطلب.
0519
جهد المنذري (656ه) في علم الحديث/ لطيفة محمد نور مريكي - دكتوراه - الرئاسة العامة لتعليم البنات - التربية للبنات بجدة - الدراسات الإسلامية - 1411ه - 1416ه - م. علي عبدالفتاح علي.
0520
الحافظ ابن حجر: مجهوده في علم الجرح والتعديل/ سعيد الحسين آيت - ماجستير - جامعة محمد الخامس - الآداب والعلوم الإنسانية - الدراسات الإسلامية.(/76)
0521
الحافظ ابن عبدالبر (463ه) النمري حدثاً/ الطاهر بن الصادق الأنصاري - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1397ه - م. عبدالعظيم الغباشي.
0522
الحافظ ابن عبدالبر واثره في الحديث والفقه/ محمد إسماعيل الندوي - ماجستير - جامعة القاهرة - دار العلوم - الشريعة الإسلامية - 1964 - م. علي حسب الله.
0523
الحافظ شمس الدين محمد بن عبدالهادي (744ه) وآثاره الحديثية/ محمد بن سليمان الشارخ - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1411ه - م. أبو لبابة الطاهر حسين.
0524
الحافظ العراقي وجهوده في السنة/ أحمد معبدعبدالكريم - دكتوراه - جامعة الأزهر - أصول الدين - الحديث وعلومه - 1979 - م. موسى شاهين لاشين.
0525
الحافظ مغلطاي بن قليج (762ه) وجهوده في علم الحديث/ أحمد حاج عبدالرحمن - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1415ه.
0526
الحاكم أبو عبدالله النيسابوري وأثره في علوم الحديث/ سيد أحمد عبدالحميد كشك - ماجستير - جامعة القاهرة - دار العلوم - الشريعة الإسلامية - 1982 - م. عبدالمجيد محمود عبدالمجيد.
0527
الحراني (335ه) وجهوده في خدمة السنة/ محمد أحمد محمد القرشي - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1413ه - م. محمد صالح العتيق.
0528
الخطيب البغدادي (463ه) وجهوده في علم الحديث/ بابكر حمد الترابي - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1403ه - م. أبو العلا علي أبو العلا.
0529
الزهري (124ه) المحدث/ سليمان عبيد الحازمي - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1400ه - م. محمد محمد أبو شهبة.
0530(/77)
الزيلعي (762ه) محدثاً/ محمد بن أحمد بن علي باجابر - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - فقه السنة - 1413ه - م. عبدالله بن أحمد الحمد.
0531
السخاوي وأثره في علوم الحديث/ رزق عبدالحكيم عامر - ماجستير - جامعة القاهرة - دار العلوم - الشريعة الإسلامية - 1984 - م. عبدالله محمود شحاتة.
0532
سفيان الثوري (161ه) محدثاً/ حسنين بن حسنين فلمبان - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1398ه - م. الحسيني عبدالمجيد هاشم.
0533
السيدة عائشة رضي الله عنها والسنة النبوية/ سارة ناصر حمد الراشد - ماجستير - الرئاسة العامة لتعليم البنات - التربية للبنات بالرياض - الدراسات الإسلامية - 1399ه - م. محمد مصطفى الأعظمي - محمد فوقي حجاج.
0534
شعبة بن الحجاج (160ه): حياته، حديثه/ عبدالملك سكر عبدالله قاضي - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1398ه - م. الحسيني عبدالمجيد هاشم.
0535
شعبة بن الحجاج وجهوده في الحديث رواية ودراية/ نضال ناصر الشحمان - ماجستير - جامعة الكويت - الشريعة والدراسات الإسلامية - الحديث وعلومه - 1998.
0536
شيخ الإسلام ابن تيمية (728ه) وجهوده في الحديث/ عبدالرحمن بن عبدالجبار الفريواتي - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1407ه - م. عبدالمحسن العباد.
0537
الشيخ عبدالرحمن المعلمي وجهوده في السنة ورجالها/ منصور عبدالعزيز السماري - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1412ه - م. عبدالمحسن العباد (نشرت).
0538
الضياء المقدسي (643ه) وجهوده في علم الحديث/ حسناء بكري النجار - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1415ه.
0539(/78)
عبدالرحمن بن أبي حاتم الرازي واثره في علوم الحديث/ رفعت فوزي عبدالمطلب - ماجستير - جامعة القاهرة - دار العلوم - الشريعة الإسلامية - 1972 - م. عبدالعظيم معاني.
0540
عبدالرحمن المعلمي وجهوده في السنة/ هدى خالد بن إبراهيم بالي - ماجستير - الرئاسة العامة لتعليم البنات - التربية للبنات بمكة المكرمة - الدراسات الإسلامية - 1407ه - 1411ه.
0541
عبدالله بن المبارك (181ه) محدثاً وناقداً/ محمد سعيد محمد حسن - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1401ه - م. أحمد صقر.
0542
قتادة بن دعامة السدوسي وجهوده في الحديث رواية ودراية/ ناهدة ناصر الشحمان - جامعة الكويت - الشريعة والدراسات الإسلامية - الحديث وعلومه - 1998.
0543
القضايا الأصولية عند المحدثين: الحافظ نموذجاً/ عبدالفتاح الزنيفي - دكتوراه - جامعة محمد الخامس - الآداب - الدار البيضاء/ بنمسيك - الدراسات الإسلامية - 1994 - م. عقى النماري.
0544
محمد بن إبراهيم الوزير: مدرسته الحديثية باليمن/ محمد عبدالله أبو بكر - دكتوراه - جامعة محمد الخامس - الآداب - الدار الرباط - الدراسات الإسلامية - 1996 - م. فاروق حمادة.
0545
محمد بن حبان البستي (354ه) ومنهجه في الجرح والتعديل/ عداب بن محمود الحمش - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1406ه - م. أحمد محمد نور سيف.
0546
محمد بن يحيى الذهلي: آثاره ومنهجه في علوم الحديث/ عبدالوهاب عبدالعزيز زيد الزيد - ماجستير - جامعة الملك سعود - التربية - الثقافة الإسلامية - 1418ه - 1422ه - م. شاكر ذيب الخوالدة - ل. محمد طاهر الجوابي - حسن علي فتحي.
0547
المدرسة الفقهية عند المحدثين ومناهجها/ محمد القادري بوتشيش - دكتوراه - جامعة محمد الخامس - الآداب - جدة - الدراسات الإسلامية - م, محمد الطلحاوي.
0548(/79)
مصطلح الحديث عند الإمام ابن القيم/ عبدالرحمن صالح عبدالله الصغير - ماجستير - جامعة الملك سعود - التربية - الثقافة الإسلامية - 1417ه - م. شاكر ذيب الفياض.
0549
مسائل مصطلح الحديث عند الحافظ ابن عبدالبر الأندلسي: جمع وترتيب ودراسة/ إبراهيم حسيان إبراهيم العنزي - ماجستير - جامعة الملك سعود - التربية - الثقافة الإسلامية - 1417ه - 1420ه - م. عبدالله مرحول السوالمة.
0550
المكانة العلمية لعبدالرزاق بن همام الصنعاني في الحديث النبوي الشريف/ إسماعيل عبدالخالق عبدالعزيز الدفتار - دكتوراه - جامعة الأزهر - أصول الدين - الحديث وعلومه - 1777 - م. محمود عبدالغفار سليمان.
0551
مناهج العلماء الأحبار في تفسير أحاديث الأنوار تأليف محمد بن عبدالملك المنتوري المتوفى 834ه: دراسة وتحقيق/ أحمد الغازي - دكتوراه - جامعة محمد الأول –الآداب – وجدة - الدراسات الإسلامية –م. محمد بلوالي.
0552
منهج ابن سعد (230ه) في نقد الرواة من خلال الطبقات الكبرى/ محمد أحمد حامد الأزوري - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1417ه - م. عويد بن عياد المطرفي.
0553
منهج الإمام أحمد في إعلال الحديث/ بشير علي عمر - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - علوم الحديث – 1419ه-م. عبدالعزيز بن محمد العبداللطيف.
0554
منهج الإمام البخاري في نقد الرجال وأثره في التصحيح والتضعيف عند المحدثين/ فريد محمد هادي عبدالقادر - دكتوراه - جامعة محمد الخامس - الآداب - الرباط - الدراسات الإسلامية - 1996 - م. فاروق حمادة.
0555
منهج الحافظ بن حجر في تأويل مختلف الحديث وأثره في تفسير القرآن والحكم على الحديث/ محمد ناصري - دكتوراه - جامعة محمد الأول - الآداب - وجدة - الدراسات الإسلامية - م. محمد الروكي.
0556(/80)
المنهج الحديثي عند الإمام ابن حزم الأندلسي/ طه علي بوسريح - دكتوراه - جامعة الزيتونة - المعهد العالي للشريعة - علوم الحديث - 1995 - م. عبدالرحمن عون (نشرت).
0557
منهج النسائي في الجرح والتعديل، وجمع أقواله في الرجال/ قاسم بن علي سعد - دكتوراه - جامعة الإمام بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1406ه - 1412ه - م. أحمد محمد نور سيف.
0558
منهج النقد عند الحافظ أبي نعيم الأصفهاني (430ه)/ محمود مغراوي - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1413ه - م. عبدالمجيد محمود عبدالمجيد.
0559
موقف الإمامين البخاري ومسلم من اشتراط اللقيا والسماع في السند المعنعن بين المتعاصرين/ خالد منصور عبدالله إدريس - ماجستير - جامعة الملك سعود - التربية - الثقافة الإسلامية - 1412ه - 1415ه - م. شاكر ذيب فياض.
0560
نقد المتن عند الإمام النسائي في السنن الكبرى/ محمد مصلح محمد الزعبي - ماجستير - الجامعة الأردنية - الشريعة - أصول الدين - 1999 - م. سلطان العكايلة.
0561
يحيى بن سعيد القطان (198ه) محدثاً وناقداً/ عوض عتقي سعد الحازمي - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1399ه - م. محمد الصادق عرجون.
0562
يعقوب بن شيبة السدوسي (262ه): آثاره ومنهجه في الجرح والتعديل/ علي عبدالله شديد الصياح - ماجستير - جامعة الملك سعود - التربية - الثقافة الإسلامية - 1418ه - م. شاكر ذيب الفياض.
0563
الاتجاهات الفقهية عند المحدثين في القرن الثالث الهجري/ عبدالمجيد محمود عبدالمجيد - دكتوراه - جامعة القاهرة - دار العلوم - الشريعة الإسلامية - 1964 - م. مصطفى زيد.
0564
جهود علماء إندونيسيا في السنة/ داؤود رشيد هارون - دكتوراه - جامعة القاهرة - دار العلوم - الشريعة الإسلامية - 1996 - م. محمد نبيل غنايم.
0565(/81)
الحديث بأفريقية من القرن السادس إلى القرن الثامن/ ضوء بن سالم مسكين - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1407ه - م. أبو لبابة الطاهر حسين.
0566
الحديث الشريف وعلماؤه في بلاد شقيا (موريتانيا)/ محمد الحافظ ولد المجتبي - ماجستير - جامعة محمد الخامس - الآداب - الرباط - الدراسات الإسلامية - 1987 - م. فاروق حمادة.
0567
الحديث في بلاد الشام في عصري الصحابة والتابعين/ أحمد يوسف أبو حلبية - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1410ه - م. أبو لبابة الطاهر حسين.
3 - الحديث والمحدثون في أزمنة وأمكنة
0568
الحديث والمحدثون في القيروان حتى سنة تسع وأربعين وأربعمائة/ الحسين بن محمد شواط - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1407ه - م. أحمد معبدعبدالكريم - ل. أحمد معبدعبدالكريم - محمد أديب الصالح - أبو لبابة الطاهر حسين.
0569
الحديث والمحدثون في اليمامة/ محمد بن سليمان الشارخ - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1414ه.
0570
الحديث والمحدثون في اليمن من خلال القرون الثلاثة الأولى/ عبدالله بن بجاش الحميري - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1412ه - 1417ه .
0571
الحركة الحديثية وعلاقتها بالفقه في القرن السابع الهجري: ابن دقيق العيد - (ت 702ه) نموذجاَ/عبدالرزاق الجابي - دكتوراه - جامعة محمد الخامس - الآداب - الرباط - الدراسات الإسلامية - 1989 - م. فاروق حمادة.
0572
فقه الحديث بالغرب الإسلامي من القرن الخامس إلى العاشر الهجري: أعلامه وخصائصه/ فؤاد بوقجيج - دكتوراه - جامعة محمد الخامس - الآداب - مكناس - الدراسات الإسلامية - 1996 - م. عبدالسلام الهراس.
0573(/82)
محمد بن إبراهيم الوزير: مدرسته الحديثة باليمن/ محمد عبدالله أبو بكر - دكتوراه - جامعة محمد الخامس - الآداب - الرباط - الدراسات الإسلامية - 1996 - م. فاروق حمادة.
0574
مدرسة الحديث بالغرب الإسلامي من الفتح إلى نهاية القرن الثالث الهجري: جذورها، معالمها، مروياتها/ المصطفى غانم - ماجستير - جامعة محمد الخامس - الآداب والعلوم الإنسانية - الدراسات الإسلامية.
0575
مدرسة الحديث بالكوفة: رواية ودراسة حتى القرن الثالث/ عبدالعزيز بن أحمد الجاسم - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1406ه - 1409ه - م. فضل الله الأنصاري.
0576
مرويات السنة في تفاسير المحدثين في مصر/ بخيتة محمد علي الإبراهيم الدوسري - دكتوراه - جامعة القاهرة - دار العلوم - الشريعة الإسلامية - 1996 - م. محمد نبيل غنايم.
0577
الموالي في مكة ودورهم في خدمة الحديث النبوي رواية ودراسة خلال القرون الثلاثة الأولى/ مستورة رجا المطيري - ماجستير - جامعة الكويت - الشريعة والدراسات الإسلامية - الحديث وعلومه - 1998.
الفصل السادس
رواية الحديث
1- كتب الأبواب.
2- المسانيد.
3- المعاجم.
4- الأحاديث المشتهرة.
5- الفوائد.
6 - الأمالي.
7 - الطبقات.
8- الأحاديث القدسية
9- المستدركات والمستخرجات
0578
الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان: الجزء الثامن/ جاويد أعظم عبدالعظيم - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1413ه - عبدالمهدي عبدالهادي عبدالقادر.
0579
الأحاديث المختارة للضياء (643ه) المقدسي: القسم الأول/ عبدالله بن ضافر العمري - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1407ه - م. صالح أحمد رضا.
0580(/83)
الأحاديث المختارة للضياء المقدسي: القسم الثاني/ مهدي بن محمد الحكمي - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1408ه - م. صالح أحمد رضا.
0581
الأحاديث المختارة للضياء المقدسي: القسم الثالث من حديث عبدالرحمن بن عوف إلى آخر حديث الأسود بن سريع/ محمد بن هديب المهيدب - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1407ه - م. صالح أحمد رضا.
0582
الأحاديث المختارة للضياء المقدسي: القسم الرابع/ فراج بن فهد القحطاني - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1404ه - 1409ه - م. صالح أحمد رضا.
0583
الأحاديث المختارة للضياء المقدسي: القسم الخامس/ عبدالله بن علي الغانم - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1407ه - م. صالح أحمد رضا.
0584
1- كتب الأبواب
الجامع في الحديث للإمام الحافظ عبدالله بن وهب بن مسلم القرشي أبو محمد المصري المتوفى (197ه): تحقيق ودراسة/ مصطفى حسن حسين محمد أبو الخير - دكتوراه - جامعة الأزهر - أصول الدين - الحديث وعلومه - م. محمد شوقي خضر (نشرت).
0585
الجامع لشعب الإيمان للحافظ أبي بكر بن الحسين البيهقي (458ه) أربع شعب وهي: إخلاص العمل وترك الرياء، السرور بالحسنة والاغتمام بالسيئة، معالجة كل ذنب بالتوبة منه، القرابين والإبانة عن معناها: دراسة وتحقيق/ عبدالله بن سليمان بن عبدالله الغفيلي - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الدعوة وأصول الدين - العقيدة - 1405ه - 1407ه - م. حماد بن محمد الأنصاري - ل. محمد أمان الجامي - عبدالكريم مراد علي.
0586(/84)
الجامع لشعب الإيمان للحافظ أبي بكر بن الحسين البيهقي خمس شعب منه وهي: محبة النبي (ص)، تعظيم النبي (ص)، شح المرء بدينه، طلب العلم، نشر العلم: دراسة وتحقيق/ محمد بن عبدالوهاب بن محمد العقيل - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الدعوة وأصول الدين - العقيدة - 1403ه - 1407ه - م. حماد بن محمد الأنصاري - ل. محمد أمان الجامي - صالح بن عبدالله العبود.
0587
الجامع لشعب الإيمان للحافظ أبي بكر بن الحسين البيهقي ثلاث شعب منه: الخوف من الله تعالى، الرجاء من الله جل جلاله، التوكل على الله عز وجل والتسليم لأمره تعالى وتقدس: دراسة وتحقيق/ عبدالإله بن سلمان بن سالم الأحمد - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الدعوة وأصول الدين - العقيدة - 1404ه - 1406ه - م. حماد بن محمد الأنصاري - ل. حماد بن محمد الأنصاري - مرزوق بن هياس الزهراني - عبدالكريم مراد علي.
0588
الجامع لشعب الإيمان للحافظ أبي بكر بن الحسين البيهقي من أول الكتاب إلى نهاية الشعبة السابعة: دراسة وتحقيق/ فلاح بن ثاني شامان سعيدي - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الدعوة وأصول الدين - العقيدة - 1403ه - 1406ه - م. محمد أمان الجامي - ل. عبدالله بن محمد الغنيمان - عبدالعزيز بن راجي الصاعدي.
0589
الجامع لشعب الإيمان للحافظ أبي بكر بن الحسين البيهقي "الشعبة الثامنة والتاسعة والعاشرة": دراسة وتحقيق/ فلاح بن إسماعيل أحمد مندكار - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الدعوة وأصول الدين - العقيدة - 1403ه - 1406ه - م. محمد أمان الجامي - ل. عبدالمحسن بن حمد العباد - عبدالكريم مراد علي.
0590(/85)
الجامع لشعب الإيمان للحافظ أبي بكر بن الحسين البيهقي "الشعبة التاسعة عشر وهي باب من تعظيم القرآن": دراسة وتحقيق/ سعود بن عبدالعزيز بن سالم الدعجان - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الدعوة وأصول الدين - العقيدة - 1403ه - 1406ه - م. حماد بن محمد الأنصاري - ل. عبدالكريم مراد علي - محمد ربيع مدخلي.
0591
السنن للإمام سعيد بن منصور المروزي (227ه): من أول كتاب التفسير وفضائل القرآن إلى نهاية سورة المائدة/ سعد بن عبدالله الحميد - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1408ه - م. عبدالمنعم السيد نجم.
0592
سنن النسائي الكبرى: القسم الأول، من أول الكتاب إلى نهائة باب الإمامة والجماعة/ عبدالعزيز بن حمد المشعل - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1406ه - م. عزت علي عطية - ل. عزت علي عطية.
0593
سنن النسائي الكبرى: القسم الثاني/ إبراهيم بن علي الكليب - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1406ه - م. عزت علي عطية - ل. عزت علي عطية.
0594
سنن النسائي الكبرى: القسم الثالث/ موسى بن إسماعيل البسيط - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1409ه - م. عزت علي عطية.
0595
سنن النسائي الكبرى: القسم الرابع/ محمد بن ظفر الله بن عطاء الله - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1404ه - م. عزت علي عطية.
0596
سنن النسائي الكبرى: القسم الخامس/ صالح بن عبدالله بن صالح المحطب - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1404ه - م. عزت علي عطية.
0597(/86)
سنن النسائي الكبرى: القسم السادس/ علي بن إبراهيم اليحيى - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1404ه - 1409ه - م. عزت علي عطية - ل. عجمي دمنهوري - أبو لبابة حسين.
0598
المصنف لابن أبي شيبة (235ه) من أول كتاب الحج إلى باب الوقوف على الجمار يوم النحر/ عبدالله بن حمد بن حمود اللحيدان - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1410ه - م. محمود أحمد ميرة.
0599
معرفة السنن والآثار للإمام أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي: من أول الكتاب إلى آخر كتاب الطهارة/ ياسر أحمد علي الشمالي - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1413ه - م. سيد سابق.
0600
معرفة السنن والآثار للبيهقي: القسم الثالث من أول سجود التلاوة إلى آخر الجمع بين صلاتين بعذر المطر الذي هو آخر كتاب الصلاة: تحقيق ودراسة/ أحمد محمد يحيى زبيلة - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1414ه.
0601
معرفة السنن والآثار للبيهقي: من كتاب الزكاة إلى نهاية باب المواقيت من كتاب الحج: تحقيق ودراسة/ بدر إبراهيم الرخيص - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1415ه.
0602
معرفة السنن والآثار للبيهقي: من كتاب الجراح باب الرجل يقتل ابنته إلى نهاية كتاب السير: تحقيق ودراسة/ عبدالودود مقبول حنيف - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1415ه - م. محمد أحمد يوسف.
0603
معرفة السنن والآثار للبيهقي: من أول باب المواريث إلى بداية كتاب الصداق: تحقيق ودراسة/ مصطفى عمار عبدالرحيم منلا - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1416ه - م. محمد أحمد محمد القاسم - ل. محمد أحمد محمد القاسم - محمد بن حسن الغماري - عبدالصمد بكر إبراهيم عابد.
0604(/87)
معرفة السنن والآثار للبيهقي: من أول كتاب الصداق إلى نهاية كتاب الجراح - باب القود بين الرجال والنساء أو أول كتاب الجراح: تحقيق ودراسة/ حسن علي محمد فتحي - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1417ه - م. محمد أحمد القاسم - ل. محمد أحمد القاسم - عبدالله بن مرحول السوالمة - أحمد عطا الله عبدالجواد.
0605
معرفة السنن والآثار للبيهقي: من أول باب من قال إنما الربا في النسيئة إلى بداية باب المواريث: تحقيق ودراسة/ أحمد بن عايش عبداللطيف العاني - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1417ه - م. محمد أحمد القاسم.
0606
معرفة السنن والآثار للبيهقي: من كتاب السير حتى باب الأضحية: تحقيق ودراسة/ عبدالحميد جعفر الداغستاني - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1416ه.
0607
معرفة السنن والآثار للبيهقي: دراسة وتحقيق وتخريج وتعليق من كتاب الصيد إلى آخر الكتاب/ محمد حسين الحازمي - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1418ه - م. أمين محمد عطية باشا.
0608
معرفة السنن والآثار للبيهقي: دراسة وتحقيق من كتاب المناسك باب الإحرام إلى نهاية باب من قال إنما الربا في النسيئة من كتاب الينبوع والتداول فيما بينها/ مراد مصطفى الحسني - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - م. أحمد محمد نور سيف.
0609
مكارم الأخلاق للخرائطي(327ه): من أول باب ما يستحب للمرء الصالح إزالة الأذى عن الطريق حتى نهاية باب ما يستحب للمرء الصالح إذا آخى رجلاً أن يسأل عن اسمه واسم أبيه/ عبدالله بن جاش الحميري - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1407ه - 1411ه - م. شاكر ذيب فياض.
0610(/88)
مكارم الأخلاق للخرائطي: من أول باب ما يستحب للمرء أن يحسن الاختيار إلى نهاية الكتاب/ عبدالكريم بن عبدالله البديوي - ماجستير - جامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1408ه - 1412ه - م. شاكر ذيب فياض.
0611
المنهاج في شعب الإيمان للإمام الحليمي (403ه) المقدمة: تحقيق ودراسة/ شريفة فؤاد إسماعيل مرعي الشريف - ماجستير - الرئاسة العامة لتعليم البنات - التربية للبنات بمكة المكرمة - الدراسات الإسلامية - 1413ه - 1415ه.
0612
الموطأ الصغير لعبدالله بن وهب (197ه): من بداية الكتاب إلى نهاية كتاب الصوم/ أحمد بن محمد الأمين الشنقيطي - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1414ه.
0613
تسديد القوس في ترتيب مسند الفردوس لابن حجر: (700) حديث/ مصطفى سي يعقوب - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1406ه.
2 - المسانيد
0614
جامع المسانيد والسنن لابن كثير: الجزء الأول حرف الألف/ صالح أحمد مصلح الوعيل - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1405ه.
0615
جامع المسانيد والسنن لابن كثير: الجزء الأول من حرف الراء/ سلطان سند عبدالمطلب العكايلة - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1405ه.
0616
جامع المسانيد والسنن لابن كثير: الجزء الرابع (100) ورقة/ أحمد بن عيسى بن أحمد هادي - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1407ه - م. محمود أحمد ميرة.
0617
مسند ابن حزم الأندلسي: جمع ودراسة وتخريج/ عبدالكريم خلفي - دكتوراه - جامعة محمد الخامس - الآداب - الجديدة - الدراسات الإسلامية - 1996 - زين العابدين بلافريج.
0618(/89)
مسند الإمام الشافعي المرتب على الأبواب: من أول كتاب الوضوء إلى نهاية إيجاب الجمعة: تحقيق ودراسة/ اعتماد حمزة ياقوت سعداوي - دكتوراه - الرئاسة العامة لتعليم البنات - التربية للبنات بجدة - الدراسات الإسلامية - 1409ه - م. علي عبدالفتاح علي.
0619
مسند الإمام الشافعي المرتب على الأبواب: من أول كتاب العيدين إلى نهاية كتاب المناسك: تحقيق ودراسة/ لطفية محسن محيسن القرشي - دكتوراه - الرئاسة العامة لتعليم البنات - التربية للبنات بجدة - الدراسات الإسلامية - 1410ه - 1415ه - م. علي عبدالفتاح علي.
0620
مسند أبي يعلى الموصلي (307ه): القسم الرابع/ مسفر بن سعيد دماس - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1407ه - م. عبدالرزاق عفيفي - أبو لبابة الطاهر حسين.
0621
مسند أبي يعلي الموصلي: من حديث أنس: أن رسول الله (ص) كان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلى نهاية حديث عائشة (لو رأى رسول الله (ص) من النساء ما أرى)/ عبدالله بن وكيل الشيخ - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1409ه - م. عبدالرزاق عفيفي.
0622
مسند أبي يعلي الموصلي: القسم الثاني/ عبدالله بن حمود التويجري - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1407ه - م. عبدالرزاق عفيفي - أبو لبابة الطاهر حسين.
0623
مسند أبي يعلي الموصلي: القسم الأول/ فالح بن محمد الصغير - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1405ه - م. عبدالرزاق عفيفي.
0624
مسند أبي داود الطيالسي (204ه): من الأفراد عن أبي سعيد الخدري إلى ما رواه أبو صالح عن أبي هريرة/ عبدالعزيز بن محمد الماجد - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1408ه - م. باسل فيصل الجوابرة.
0625(/90)
مسند أبي داود الطيالسي: من مسند أسماء بنت يزيد الأنصاري إلى آخر مسند عبدالله بن عمر/ عبدالرحمن محمد المليص - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1408ه - م. باسل فيصل الجوابرة.
0626
مسند أبي داود الطيالسي: من مسند كعب بن عجرة إلى آخر مسند عائز بن عمرو المزني/ سعد بن عبدالعزيز الزيد - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1405ه - 1412ه - م. أحمد معبدعبدالكريم.
0627
مسند أبي داود الطيالسي: من مسند أبي بن كعب إلى نهاية مسند البراء بن عازب/ عبدالوهاب بن ناصر بن عبدالله الطريري - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1408ه - م. أحمد معبدعبدالكريم.
0628
مسند أبي داود الطيالسي: من أوله إلى نهاية مسند سعيد بن زيد/ محمد بن عبدالمحسن التركي - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1407ه - م. أحمد معبدعبدالكريم.
0629
مسند أبي داود الطيالسي: من بداية مسند عبدالله بن مسعود إلى نهاية مسند أبي موسى الأشعري/ إبراهيم بن عبدالله بن صالح الدويش - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1409ه - م. باسم فيصل الجوابرة.
0630
مسند أبي داود الطيالسي: من بداية ما رواه عبدالله بن رباح عن أبي هريرة إلى نهاية الكتاب: تحقيقاً ودراسة/ عادل بن محمد بن عبدالعزيز السبيعي - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1409ه - 1414ه - م. عبدالعزيز بن سعد التخيفي.
0631(/91)
مسند أبي داود الطيالسي: من بداية مسند أبي حازم إلى نهاية مسند ميمونة/ عبدالله بن شاكر الجهني - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1409ه - 1413ه - م. عبدالعزيز بن سعد التخيفي.
0632
مسند أبي داود الطيالسي: من بداية مسند جابر بن سمرة إلى نهاية مسند ثوبان/ علي مختار محمد محفوظ - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1409ه - 1414ه - م. عبدالعزيز بن سعد التخيفي.
0633
مسند أبي داود الطيالسي: من بداية مسند عوف بن مالك إلى نهاية مسند عروة بن الجعد، ومن بداية مسند أنس بن مالك إلى آخر ما رواه عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري/ فؤاد يوسف سدتش – ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1409ه - 1413ه - م. عبدالعزيز بن سعد التخيفي.
0634
مسند أبي نصر المروزي: من أول الكتاب إلى قوله: وفي مقدار ما ذكر كفاية لأهل الفهم والديانة/ محمد بن سليمان الربيش - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1405ه 1409ه - م. أبو لبابة الطاهر حسين.
0635
مسند البزار (292ه): القسم الأول من الجزء الثاني/ عبدالله محمد شفيع علي - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1412ه - م. عبدالمجيد محمود عبدالمجيد.
0636
مسند البزار: تحقيق جزء منه/ علي جابر الثبيتي - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1412ه - م. منصور العبدلي.
0637
مسند البزار: القسم الأخير من الجزء الثاني/ عبدالرحيم يحيى على الحمود - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1413ه - م. محمد محمد الشريف.
0638(/92)
مسند البزار: قسم من مسند أنس بن مالك رضي الله عنه: دراسة وتحقيق وتخريج/ حسناء بكري النجار - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1413ه - م. عبدالله بن علي الغامدي.
0639
مسند البزار: من حديث طلحة بن عبدالله إلى حديث يزيد بن الوليد عن إبراهيم عن علقمة عن عبدالله: تحقيق ودراسة/ إبراهيم محمد أحمد أبو سليمان - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1416ه - م. أمين محمد عطية باشا - ل. أحمد محمد نور سيف - عبدالباسط إبراهيم بلبول.
0640
مسند البزار: جزء من مسند أبي هريرة: تحقيق ودراسة/ أميرة محمد أمين كتبي - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1416ه - م. محمد سعيد بخاري.
0641
مسند البزار: من مسند قرة بن أياس إلى آخر ما أسنده أبو بردة بن نيار: تحقيق ودراسة/ عدنان عبدالله القطان - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1414ه.
0642
مسند البزار: من صحيفة 293 إلى 321 من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً وقع في أب العباس.. إلى آخر المسند، مع استكمال الناقص من مسند ابن عباس: تحقيق ودراسة/ بتول إبراهيم أحمد مغيربي - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1416ه - م. عبدالرحيم يحيى حمود الغامدي.
0643
مسند البزار: من حديث أبي حمزة ميمون عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود إلى نهاية المجلد الول: تحقيق ودراسة/ إبراهيم بن بكر علي عبدالله العروشي - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1416ه م. سيد سابق - ل. سيد سابق التهامي - عبدالمجيد محمود عبدالمجيد - عبدالستار فتح الله سعيد.
0644(/93)
مسند البصريين من كتاب المسند للإمام أحمد بن حنبل: ضبط أحاديثه وتحقيقها وتخريجها وبيان درجة كل منها مع التعليق عليها عند الحاجة/ محمد محمود أحمد بكار - دكتوراه - جامعة الأزهر - أصول الدين - الدراسات العليا والبحوث - 1401ه - م. موسى شاهين لاشين - عبدالموجود محمد عبداللطيف.
0645
مسند الشاميين بمسند الإمام أحمد/ علي محمد محمد حجاز - دكتوراه - جامعة الأزهر - أصول الدين - الدراسات العليا والبحوث - 1979 - م. أبو العلا علي أبو العلا.
0646
مسند الصحابة للروياني (307ه)/ مساعد بن سليمان الراشد الحميد - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1410ه - 1415ه - م. أبو لبابة الطاهر حسين.
0647
مسند عبدالله بن عمرو وصحيفته الصادقة/ محمد سيف الدين عليش - ماجستير - جامعة القاهرة - دار العلوم - الشريعة الإسلامية - 1960 - م. محمد محمد المدني.
0648
المسند المصنف لخلف بن القاسم (ت 393ه): جمع وتصنيف وتخريج/ مرميم بربور - جامعة محمد الخامس - الآداب وجدة - الدراسات الإسلامية - 1996 - م. عبدالكريم مشهداني.
0649
منتخب مسند عبدبن حميد/ سالم بن عبدالله الدخيل - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1407ه - م. محمد بن عبدالوهاب البحيري.
iopiopiopiopiopiopiopiopiop
3 - المعاجم
0650
معجم الطبراني الكبير: من الحديث 358 إلى 569: تحقيق ودراسة/ أيمن محمد عبدالعزيز عمرو - ماجستير - الجامعة الأردنية - الشريعة - أصول الدين - 1992 - م. سلطان سند العكايلة.
0651
معجم الطبراني الكبير: من الحديث رقم 1 إلى 149: تحقيق ودراسة/ عبدالله جورج يعقوب - ماجستير - الجامعة الأردنية - الشريعة - أصول الدين - 1994 - م. عمر ناجي عميرة.
4 - الأحاديث المشتهرة
0652(/94)
تسهيل السبيل إلى كشف الالتباس عما دار من الأحاديث بين الناس لمحمد غرس الدين الخليلي (من أول الكتاب إلى نهاية حرف التاء)/ مها محمد عدنان الحربلي - ماجستير - جامعة أم درمان - أصول الدين - السنة - 2002 - م. د. بديع السيد اللحام.
0653
تسهيل السبيل إلى كشف الالتباس عما دار من الأحاديث بين الناس لمحمد غرس الدين الخليلي (من بداية حرف الثاء إلى نهاية حرف الغين)/ صفاء محمد الخالد كاخي - ماجستير - جامعة أم درمان - أصول الدين - السنة - 2002 - م. د. بديع السيد اللحام.
0654
تسهيل السبيل إلى كشف الالتباس عما دار من الأحاديث بين الناس لمحمد غرس الدين الخليلي (من حرف القاف إلى نهاية حرف الميم)/ منار خليل عكاش - ماجستير - جامعة أم درمان - أصول الدين - السنة - 2002 - م. د. بديع السيد اللحام.
0655
تسهيل السبيل إلى كشف الالتباس عما دار من الأحاديث بين الناس لمحمد غرس الدين الخليلي (من حرف الميم إلى نهاية المخطوط)/ زبيدة محمد فائز صوان - ماجستير - جامعة أم درمان - أصول الدين - السنة - 2002 - م. د. بديع السيد اللحام.
0656
الشذرة في الأحاديث المشتهرة لمحمد بن طولون الصالحي (المولود 880ه والمتوفى 953ه): دراسة وتحقيق/ أحمد عبدالحفيظ أحمد - ماجستير - جامعة القاهرة - دار العلوم - الشريعة الإسلامية - 1995 - م. إسماعيل سالم عبدالعال - محمد نبيل غنايم.
5 - الفوائد
0657
الفوائد الشهير بالغيلانيات لأبي بكر الشافعي (354ه)/ حلمي كامل أسعد عبدالهادي - دكتوراه - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1403ه - م. إسماعيل الدفتار.
0658
الفوائد الشهير بالغيلانيات لأبي بكر الشافعي/ مرزوق هياس سعيد الشافعي - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1403ه.
0659(/95)
فوائد أبي بكر القاسم بن زكريا المطرز (305ه) وأماليه القديمة، الغرائب الحسان: دراسة وتحقيق/ ناصر محمد عثمان المنيع - ماجستير - جامعة الملك سعود - التربية - الثقافة الإسلامية - 1414ه - 1416ه - م. محمد أديب الصالح.
0660
الفوائد للسراج (805ه)/ أكرم حسين علي السندي - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1406ه.
6 - الأمالي
0661
أمالي أبي القاسم الحرفي (430ه): دراسة وتحقيق/ خالد محمد راجح أبو القاسم - ماجستير - جامعة الملك سعود - التربية - الثقافة الإسلامية - 1415ه - م. عبدالله مرحول السوالمة.
0662
الأمالي لأبي عبدالله محمد بن إبراهيم الجرجاني (ت 408ه): من أولها إلى نهاية المجلس الثاني عشر: تحقيق ودراسة/ هند محمد أحمد اليحيى - ماجستير - جامعة الملك سعود - التربية - الثقافة الإسلامية - 1418ه - م. محسن محمد عبدالناظر.
0663
الأمالي لأبي عبدالله محمد بن إبراهيم الجرجاني (ت 408ه): من أول المجلس الثالث عشر إلى نهاية المجلس الرابع والعشرين: تحقيق ودراسة/ هند محمد صالح الإبراهيم - ماجستير - جامعة الملك سعود - التربية - الثقافة الإسلامية - 1418ه - م. محسن محمد عبدالناظر.
0664
أمالي المحاملي (330ه)/ إبراهيم طه القيسي - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1406ه - م. همام عبدالرحمن سعيد.
7 - الطبقات
0665
الطبقات الكبرى لابن سعد (230ه): من تابعي أهل المدينة ومن بعدهم من الطبقة الثالثة إلى السادسة/ زياد محمد منصور - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1400ه.
0666
الطبقات الكبرى لابن سعد: من أول الكتاب إلى نهاية (وذكر البئار التي شرب منها رسول الله صلى الله عليه وسلم)/ صالح بن هادي الشمراني - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1413ه - م. محمود أحمد ميرة.(/96)
8 - الأحاديث القدسية
0667
الأحاديث القدسية: جمعاً ودراسة/ عمر علي عبدالله محمد - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - فقه السنة – 1413ه - م. عبدالعزيز راجي الصاعدي.
0668
المقاصد السنية في الأحاديث الإلهية لابن بلبان الفارسي (739ه)/ محمد عبدالصمد حسين - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1406ه - م. نور الدين بويا جيلار.
9 - المستدركات والمستخرجات
0669
الإلزامات والتتبع للدارقطني (385ه)/ مقبل بن هادي الوادعي - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - 1399ه.
0670
مستخرج أبي عوانة على صحيح مسلم: من الجزء الأول إلى آخر الجزء الثالث: دراسة وتحقيق/ مقبل مريشيد راشد العوفي - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - علوم الحديث - 1413ه - م. عبدالعزيز راجي الصاعدي.
0671
مستخرج أبي علي الحسن بن علي الطوسي على جامع أبي عيسى الترمذي والمسمى مختصر الأحكام: (107) ورقة/ أنيس بن أحمد بن طاهر الأندونيسي - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1407ه - 1412ه - م. حماد الأنصاري.
الفصل السابع
الحديث الموضوعي
1- تحقيق
2- تأليف
0672
أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وآدابه لابن حبان الأصفهاني (369ه)/ صالح بن محمد الوديان الصنيتان - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1405ه - 1410ه - م. فضل الرحمن الأنصاري - محمد أديب الصالح (نشرت).
0673
الأربعون الصغرى المخرجة في أحوال عباد الله تعالى وأخلاقهم للبيهقي/ محمد نور محمد أمين المراغي - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1401ه - م. صالح أحمد رضا - ل. صالح أحمد رضا.
0674(/97)
أشرف الوسائل إلى فهم الشمائل لابن حجر الهيثمي (973ه)/ عبدالله بن عطية الزهراني - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1419ه.
0675
البعث والنشور للبيهقي: قسم الأول من الكتاب/ عبدالعزيز بن راجي الصاعدي - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1403ه.
0676
الترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك لابن شاهين (873ه)/ صالح أحمد مصلح الوعيل - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1401ه.
0677
جامع الآثار في مولد المختار للحافظ بن ناصر الدين الدمشقي (842ه): دراسة وتحقيق/ رفيق حميد طه السامرائي - دكتوراه - جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية - الدراسات العليا والبحث العلمي - السنة وعلوم الحديث - 1418ه.
0678
1- التحقيق
خصائص علي بن أبي طالب للنسائي/ أحمد ميرين سياد - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1402ه - م. حماد الأنصاري.
0679
الدعاء للإمام الحافظ سليمان بن أحمد الطبراني (360ه)/ محمد سعيد محمد حسين البخاري - دكتوراه - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1404ه.
0680
الرؤية للدار قطني (385ه)/ سليم بن مسعد بن جبر الأحمدي - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1404ه.
0681
الزهد لأسد بن موسى (212ه): تحقيق ودراسة/ عبدالله سالم مزاحم باجابر - ماجستير - جامعة الملك سعود - التربية - الثقافة الإسلامية - 1411ه - 1414ه - م. محمد مصطفى الأعظمي.
0682
الزهد لوكيع بن الجراح (197ه)/ عبدالرحمن بن عبدالجبار الفريوائي - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1402ه - م. عبدالمحسن العباد (نشرت).
0683(/98)
سلاح المؤمن في الدعاء والذكر لابن الإمام (745ه)، ضبط أحاديثه وتخريجها: من أول الكتاب إلى باب الأدعية المتعلقة بالصيام وبيان درجة كل منها مع التعليق عليها عند الحاجة/ سارة ناصر حمد الراشد - دكتوراه - الرئاسة العامة لتعليم البنات - التربية للبنات بالرياض - الدراسات الإسلامية –1407ه - 1412ه - م. عزت علي عطية.
0684
السنة للإمام أحمد بن حنبل الشيباني/ محمد بن سعيد بن سالم القحطاني - دكتوراه - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1405ه.
0685
الشمائل المحمدية للترمذي/ مساعد محمد الحسني - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الإسلامية المسائية - 1419ه.
0686
عقد الدرر من أخبار المهدي المنتظر ليوسف بن يحيى السلمي (658ه)/ مهيب صالح عبدالرحمن - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1401ه - م. عبدالفتاح أبو غدة.
0687
عمل اليوم والليلة لابن السني: من باب ما يقول الرجل للرجل إذا ناداه إلى شهابه باب: كيف الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، دراسة وتخريجاً/ مالك محمد أحمد العمودي - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1421ه - م. عبدالرحمن عبدالحميد البر.
0688
فضائل الأوقات للإمام البيهقي (458ه)/ سلطان بن عبدالمحسن الخميس - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1408ه - 1411ه - م. العجمي دمنهوري خليفة.
0689
القدر للفريابي (301ه)/ جمال حمدي الذهبي - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1404ه. م. نور الدين بويا جيلار.
0690(/99)
القراءة خلف الإمام للإمام البيهقي: دراسة وتحقيق/ عيسى بن محمد المسلمي - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1415ه - م. وصي الله محمد عباس.
0691
مساوئ الأخلاق للخرائطي (327ه): دراسة وتحقيق/ أحمد محمد أحمد العليمي - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1402ه.
0692
المنهج السوي والمنهل الروي في الطب النبوي للسيوطي (911ه)/ حسن محمد مقبولي الأهدل - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1401ه.
0693
آداب العالم والمتعلم كما بينها السنة/ الجوهرة حمد بن علي المبارك - ماجستير - الرئاسة العامة لتعليم البنات - التربية للبنات بالرياض - الدراسات الإسلامية - 1401ه - 1405ه - م. محمد بن عبدالرحمن الراوي.
0694
إفراد أسماء الله تعالى وصفاته في الكتب الستة/ حصة عبدالعزيز بن محمد الصغير - دكتوراه - الرئاسة العامة لتعليم البنات - التربية للبنات بالرياض - الدراسات الإسلامية - 1412ه.
0695
أحاديث الإمارة رواية ودراية/ فهد بن عبدالعزيز العامر - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1414ه.
0696
أحاديث أحكام المواريث: جمع ودراسة/ عبدالرحمن بن أحمد عبده - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1399ه - م. السيد محمد الحكيم.
0697
أحاديث أشراط الساعة الصغرى/ صالح بن محمد الدخيل الله - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1408ه - 1412ه - م. ربيع هادي مدخلي.
0698
أحاديث الجمعة: دراسة نقدية/ عبدالقدوس محمد نذير - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1397ه - م. أحمد صقر.
0699(/100)
أحاديث الحدود والقصاص والتعزيرات: دراسة حديثية فقهية/ عبدالله بن محمد بن سعود آل مساعد - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - فقه السنة - 1419ه - م. عبدالله بن أحمد الحمد.
2 - التأليف
0700
الأحاديث الدالة على لزوم جماعة المسلمين/ حسين محسن بن علي جابر - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1401ه.
0701
أحاديث الدماء الطبيعية عند النساء في مسند الإمام أحمد: جميع ودراسة وتخريج/ نجلاء حمد المبارك - ماجستير - الرئاسة العامة لتعليم البنات - التربية للبنات بالرياض - الدراسات الإسلامية - 1409ه - 1313ه - م. عبدالغني أحمد مزهر.
0702
أحاديث سورة الكهف من تفسير ابن كثير: تحقيق وتخريج ودراسة/ محمد عبده عبدالرحمن الكحلاني - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1404ه - م. محمد سيد طنطاوي.
0703
أحاديث غزوة تبوك: دراسة نقدية وتخريجية/ عبدالقادر حبيب الله السندي - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1392ه - م. محمد خليل هراس.
0704
أحاديث الفتن والملاحم في كتب السنة: جمع وتبويب وتوثيق ودراسة/ عبدالعزيز دخان - دكتوراه - جامعة محمد الخامس - الآداب - فاس، ظهر المهراز - الدراسات الإسلامية - 1992 - م. عبدالسلام هراس.
0705
أحاديث الكبائر: جمعاً ودراسة/ صالح بن عبدالله بن مبارك الزبيدي - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - فقه السنة – 1417ه - م. عبدالله مراد علي.
0706
الأحاديث النبوية التي استدل بها على الإعجاز العلمي في فرعي الإنسان وعلم الفلك والأرض: جمع وتخريج ودراسة/ أحمد بن حسن الحارثي - ماجستير - الجامعة الإسلامية - فقه السنة - 1413ه - م. محمد ضياء الرحمن الأعظمي.
0707(/101)
أحاديث النكاح في الكتب الستة: دراسة توثيقية مع عرض موقف الفقهاء/ أحمد محمود إبراهيم عثمان - ماجستير - جامعة القاهرة - دار العلوم - الشريعة الإسلامية - 1991 - م. أحمد يوسف سليمان.
0708
أحاديث الهجرة/ سليمان بن علي بن محمد السعود - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1403ه.
0709
الأحاديث الواردة في أحكام النساء في العبادات: رواية ودراية/ فيصل بن حمود بن حمد الحيدري - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - فقه السنة - 1419ه - م. عبدالله مراد علي.
0710
الأحاديث الواردة في تحديد مقدار الصلوات الخمس: دراسة حديثية/ سليمان عبدالله السيف - ماجستير - جامعة الملك سعود - التربية - الثقافة الإسلامية - 1418ه - 1420ه - م. عبدالله مرحول سوالمة.
0711
الأحاديث الواردة في الشيطان والوقاية منه: جمعاً ودراسة/ عارف بن عبدالعالي بن محمد الشمراني - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - فقه السنة - 1419ه - م. عبدالعزيز بن سليمان البعيمي.
0712
الأحاديث الواردة في صفة الجنة والنار من الكتب التسعة: جمعاً ودراسة/ خالد بن محمد أيوب - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - علوم الحديث - 1416ه.
0713
الأحاديث الواردة في فضائل الصحابة في الكتب التسعة ومسندي أبي بكر الرازي وأبي يعلى الموصلي والمعاجم الثلاثة للطبراني: جمعاً ودراسة/ سعود بن عيد بن عمير الجربوعي - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - فقه السنة - 1419ه - م. عبدالعزيز راجي الصاعدي.
0714
الأحاديث الواردة في فضائل المدينة المنورة/ صالح حامد سعيد الرفاعي - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1411ه - م. عبدالمحسن العباد.
0715(/102)
الأحاديث الواردة في مخالفة الكفار: جمعاً وتبويباً وتخريجاً وتعليقاً/ علي إبراهيم سعود عجين - ماجستير - الجامعة الأردنية - الدراسات العليا - 1996 - م. سلطان سند العكايلة (نشرت).
0716
الأحاديث الواردة في مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته وأثر ذلك على أصحابه رضي الله عنهم: دراسة حديثية فقهية/ علي بن إبراهيم بن علي النهاري - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - فقه السنة - 1418ه - م. سليمان عبدالعزيز العريني.
0717
الأحاديث الواردة في المعاملات المالية المتعلقة بالمرأة في الكتب الستة: دراسة وتحقيقاً/ نورة عبدالله محمد الحساوي - ماجستير - الرئاسة العامة لتعليم البنات - الآداب للبنات بالدمام - الدراسات الإسلامية - 1416ه - م. جاويد أعظم عبدالعظيم.
0718
الأحاديث الواردة في المهدي في ميزان الجرح والتعديل/ عبدالعليم عبدالعظيم البستوي - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1398ه - محمد محمد أبو شهبة (نشرت).
0719
الأحاديث الواردة في المواريث/ عبدالرحمن أحمد عبده - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1399ه.
0720
الأسرة في السنة/ فوزي بن درامن - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية –أصول الدين - السنة وعلومها - 1405ه - م. محمد مبارك السيد.
0721
أقضية الخلفاء الراشدين: جمعاً ودراسة/ أركي نور محمد أركي - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - فقه السنة - 1416ه - م. محمد ضياء الرحمن الأعظمي.
0722
أقضية النبي صلى الله عليه وسلم/ محمد ضياء الرحمن الأعظمي عبدالله - دكتوراه - جامعة الأزهر - أصول الأزهر - الحديث وعلومه - 1977 - م. محمد محمد أبو شهبة.
0723(/103)
الأمثال النبوية في الكتب الستة وموطأ مالك/ مروان عبدالله محمد المحمدي - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1414ه - 1418ه - م. عويد بن عياد المطرفي.
0724
أمهات المؤمنين رضي الله عنهن: دراسة حديثية/ عبدالعزيز محمد إبراهيم العبداللطيف - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1405ه - م. أكرم العمري.
0725
الجهاد في السنة/ إبراهيم طه القيسي - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1400ه - م. خليل ملا خاطر.
0726
حقوق الآباء وحقوق الأبناء على الآباء/ مصطفى سي يعقوب - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1401ه.
0727
الخلافة في الإسلام وما ورد فيها من السنة/ يوسف محمد صديق - ماجستير - جامعة الإمام بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1399ه - م. محمود الطحان.
0728
الرحمة في السنة المطهرة/ زينب محمد الخضر الباجي - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1418ه - م. منصور العبدلي.
0729
رعاية الأيتام في السنة/ ليلى النصار - ماجستير - الرئاسة العامة لتعليم البنات - التربية للبنات بالقصيم - الدراسات الإسلامية - 1417ه - م. علي بن عبدالله الجمعة.
0730
رفع الحرج عن الأمة في ضوء الكتاب والسنة/ سعد سعد جاويش - دكتوراه - جامعة الأزهر - أصول الدين - الحديث وعلومه - 1976 - م. مصطفى أمين التازي.
0731
السفر وأحكامه في ضوء السنة المطهرة/ صالح بن محمد الونيان الصنيتان - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1404ه - م. أحمد معبدعبدالكريم.
0732
السنن والآثار في النهي عن التشبه بالكفار/ سهيل حسن عبدالغفار - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1401ه.
0733(/104)
الصحابيات الأنصاريات في مسند الإمام أحمد بن حنبل/ مريم ياسين محمد قطاني - ماجستير - الرئاسة العامة لتعليم البنات - الدراسات الإسلامية - 1401ه - 1405ه - م. محمود شعلان - مناع خليل القطان.
0734
صحة البدن في السنة/ اعتماد حمزة ياقوت سعداوي - ماجستير - الرئاسة العامة لتعليم البنات - التربية للبنات بجدة - الدراسات الإسلامية - 1400ه - 1406ه - م. علي عبدالفتاح علي.
0735
صفات المجاهدين كما وردت في الكتب الستة: جمع وتخريح ودراسة/ عدنان محمود محمد الكحلوت - ماجستير - جامعة أم درمان الإسلامية - أصول الدين - الدراسات العليا - 1415ه - م. صديق محمد مقبول - ل. با بكر الترابي - محمد عوض الكريم الدوش.
0736
الطب في السنة/ محمد أحمد محمد السنهوري - دكتوراه - جامعة الأزهر - أصول الدين - الحديث وعلومه - 1979 - م. موسى شاهين لاشين.
0737
غربة الإسلام وأحكامها في ضوء السنة/ سلمان بن فهد بن عبدالله العودة - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1408ه - م. أحمد معبدعبدالكريم.
0738
فتح مكة: دراسة حديثية/ محسن أحمد الدوم - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1400ه.
0739
فضائل الصحابيات من الكتب الستة والموطأ والدارمي/ نوال محمد أحمد أبو سليمان - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1417ه - م. محمد ولد سيدي ولد حبيب.
0740
القضاء والقضاة في الكتاب والسنة/ ذيب بن مصري بن ناصر القحطاني - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1402ه.
0741
كسب المال في ضوء السنة/ علي بن عبدالله الجمعة - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1405ه - م. عبدالمهدي عبدالهادي عبدالقادر.
0742(/105)
لباس المرأة المسلمة وزينتها في ضوء السنة/ إيناس شوقي السيد - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1414ه - 1416ه.
0743
لباس وزينة النساء في ضوء السنة الغراء/ الجوهرة إبراهيم ناصر الزاحم - ماجستير - الرئاسة العامة لتعليم البنات - التربية للبنات بجدة - الدراسات الإسلامية - 1413ه - 1417ه - م. موسى فرحات الزين.
0744
مرويات تاريخ يهود المدينة في عهد النبوة/ أكرم حسين علي السندي - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1400ه.
0745
مرويات الحدود في كتاب السنة: جمع وتوثيق ودراسة وموقف الفقهاء منها/ حسين أحمد عبدالغني سمرة - ماجستير - جامعة القاهرة - دار العلوم - الشريعة الإسلامية - 1990 - م. رفعت فوزي عبدالمطلب.
0746
مرويات الطهارة في الكتب الستة: دراسة توثيقية/ عبدالله محمد حسن دمغو - ماجستير - جامعة القاهرة - دار العلوم - الشريعة الإسلامية - 1986 - م. رفعت فوزي عبدالمطلب.
0747
مرويات العهد المكي من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم: دراسة/ عادل عبدالغفور الدمنهوري - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1409ه - م. أكرم العمري.
0748
مرويات غزوة أحد/ حسين أحمد صالح البكري - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1400ه.
0749
مرويات غزوة بدر/ أحمد محمد العليمي باوزير - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1399ه - م. السيد محمد الحكيم.
0750
مرويات غزوة بني المصطلق وهي غزوة المريسيع/ إبراهيم بن إبراهيم قريبي - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1399ه.
0751
مرويات غزوة الحديبية/ حافظ محمد عبدالله الحكمي - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1403ه.
0752(/106)
مرويات غزوة حنين: جمع، تحقيق، دراسة/ إبراهيم بن إبراهيم قريبي - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1404ه.
0753
مرويات غزوة الخندق/إبراهيم محمد عمير مدخلي - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1402ه.
0754
مرويات غزوة خيبر/عوض أحمد سلطان الشهري - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1400ه.
0755
مرويات نكاح المتعة/ محمد بن عبدالرحمن شميلة الأهدل - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1098ه - م. أكرم العمري (نشرت).
0756
المرويات الواردة بشأن الدجال في الكتب والسنة ومسند أحمد/ أحمد بن عيسى بن أحمد هادي - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1401ه.
0757
المرويات الواردة في أحكام الصبيان في الكتب الستة وموطأ مالك وسنن أحمد وسنن الدارمي: جمعاً وتخريجاً/ عبدالله مساعد عبدالله الزهراني - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1413ه.
0758
المرويات الواردة في الزجر عن أعمال يلعن فاعليها/ باسم فيصل أحمد الجوابرة - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1401ه.
0759
المرويات الواردة في لباس الرجل: صفته وآدابه: جمعاً ودراسة/ صالح بن غالب بن علي عواجي - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1419ه - م. حافظ بن محمد الحكمي.
0760
المساجد الثلاثة في ضوء السنة/ ياسر سليم الأشقر - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1404ه - م. مسفر بن غرم الله الدميني.
0761
المعجزات النبوية كما رواها الشيخان أو أحدهما/ عبدالعزيز بن عبدالرحمن العثيم - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1394ه - م. محد خليل هراس.
0762(/107)
المعجزات النبوية في السنة/ صالح بن هادي الشمراني - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1404ه - م. عبدالمهدي عبدالهادي عبدالقادر - ل. عبدالمهدي عبدالهادي.
0763
المنافقون في كتب السنة/ عبدالرحمن حميل قصاص - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1413ه - 1417ه - م. عبدالعزيز بن عبدالله الحميدي - ل. محمد ولد سيدي الحبيب - علي بن نفيع العلياني - محب الدين عبدالسبحان نور الدين.
0764
مناقب أمهات المؤمنين في السنة النبوية/ محمد بن سليمان الربيش - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1404ه - م. عبدالمهدي عبدالهادي عبدالقادر.
0765
مناقب الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم/ عبدالعزيز بن أحمد الجاسم - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1404ه - م. أحمد معبدعبدالكريم.
0766
هجرة المرأة وجهادها في السنة/ لطيفة محسن محيسن القرشي - ماجستير - الرئاسة العامة لتعليم البنات - التربية للبنات بجدة - الدراسات الإسلامية - 1404ه - 1408ه - م. علي عبدالفتاح علي.
0767
اليهود من خلال السنة المطهرة/ عبدالله بن ناصر الشقاري - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1403ه - م. محمد أديب الصالح - ل. عبدالمجيد محمد عبداللطيف - أحمد معبدعبدالكريم.
الفصل الثامن
الزوائد
1- تحقيق
2- تأليف
1 - التحقيق
0768
إتحاف السادة الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة للبوصيري (840ه): من بداية كتاب المساجد إلى آخر ما وجد من كتاب السهو: دراسة وتحقيق/ سليمان عبيد الحازمي - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1402ه - م. سعدي بن مهدي الهاشمي.
0769(/108)
إتحاف السادة الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة للبوصيري: من الجزية إلى بداية عتق أمهات الأولاد (70) ورقة من 121-190/ محمد مكي عبدالله - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1410ه - م. سعدي بن مهدي الهاشمي.
0770
إتحاف السادة الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة للبوصيري: من أول كتاب الطهارة إلى آخر كتاب الأذان مع دراسة لابن شيبة أحد أصحاب المسانيد/ سليمان علي محمد السعود - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1407ه - م. سعدي بن مهدي الهاشمي.
0771
إتحاف السادة الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة للبوصيري: من أول كتاب الأطعمة إلى أول كتاب الإمارة/ إبراهيم محمد نور سيف - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1410ه - م. سعدي بن مهدي الهاشمي.
0772
إتحاف السادة الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة للبوصيري: كتابي البيوع والنكاح/ إبراهيم محمد عمير مدخلي - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1408ه - م. سعدي بن مهدي الهاشمي.
0773
إتحاف السادة الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة للبوصيري: من كتاب الإيمان إلى نهاية كتاب العلم/ سليمان بن عبدالعزيز سليمان العريني - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1406ه.
0774
إتحاف السادة الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة للبوصيري: من كتاب الصداق إلى نهاية كتاب الحدود/ مقبل مريشيد راشد العوفي - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1408ه - م. سعدي بن مهدي الهاشمي.
0775
إتحاف السادة الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة للبوصيري: من الهجرة النبوية حتى أول غزوة خيبر/ عبدالكريم إبراهيم الغضية - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1410ه - م. سعدي بن مهدي الهاشمي.
0776(/109)
إتحاف السادة الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة للبوصيري: تحقيق ودراسة 63 ورقة/ محمد صالح الغامدي - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1413ه.
0777
بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث لنور الدين الهيثمي (807ه)/ حسين أحمد صالح البكري - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1405ه.
0778
تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة للحافظ ابن حجر: دراسة وتحقيق/ إكرام الله إمداد الحق - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1414ه - م. أحمد محمد نور سيف (نشرت).
0779
زوائد مسند أبو بكر البزار (852ه) على مسند الإمام أحمد والكتب الستة لابن حجر العسقلاني/ عبدالله مراد علي السلفي - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1404ه - م. حماد الأنصاري.
0780
غاية المقصد في زوائد المسند للهيثمي (807ه)/ سيف عبدالرحمن مصطفى - دكتوراه - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1404ه.
0781
غاية المقصد في زوائد المسند للهيثمي: القسم الثالث/ جهاد محمد بونجا - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1410ه - م. أحمد محمد نور سيف.
0782
مجمع البحرين في زوائد المعجمين للهيثمي: من أوله إلى بداية أبواب الإمام من كتاب الصلاة/ حافظ محمد عبدالله الحكمي - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1408ه - م. عبدالمحسن العباد.
0783
المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية لابن حجر العسقلاني: من أول الكتاب إلى نهاية باب النهي عن إتيان الحائض وكفارة ذلك وما يحل منها/ عبدالله بن عبدالمحسن التويجري - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1410ه - م. محمود أحمد ميرة.
0784(/110)
المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية لابن حجر العسقلاني: من باب الانتباذ في الأسقية إلى آخر باب ما يجب على الأمير من حسن السيرة وعدم الاستتار: دراسة وتحقيق/ جمال فرحات صاولي - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1410ه - 1415ه - م. عبدالله بن وكيل الشيخ.
0785
المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية لابن حجر العسقلاني: من أول كتاب الصيام إلى نهاية باب طواف المرأة/ فهد بن عبدالعزيز العامر - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1409ه - 1413ه - م. إبراهيم بن علي ل كليب.
0786
المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية لابن حجر العسقلاني: من أول باب متى يكبر التكبيرة الأولى إلى نهاية باب الأمر بالتجمل يوم الجمعة/ هيا حمود بن سعود العرموش - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1410ه - م. محمود أحمد ميرة.
0787
المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية لابن حجر العسقلاني: من أول باب الانصات للخطبة إلى نهاية كتاب الزكاة/ باسم خليل عناية - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1407ه - 1410ه - م. محمود أحمد ميرة.
0788
المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية لابن حجر العسقلاني: من بداية باب ما يحمل للعامل من أموال الرعية في كتاب الخلافة والإمارة إلى نهاية كتاب الأطعمة والأشربة: دراسة وتحقيق/ عبدالله بن محمد الشهراني - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1414ه - 1418ه.
0789(/111)
المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية لابن حجر العسقلاني: من بداية مناقب عثمان من كتاب المناقب إلى نهاية باب فضل الأنصار من كتاب المناقب: دراسة وتحقيق/ قاسم بن صالح بن فهد القاسم - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1411ه - 1415ه - م. عبدالكريم بن عبدالله الخضير.
0790
المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية لابن حجر العسقلاني: من بداية باب ترويج القلوب من كتاب العلم إلى نهاية باب فضل الدعاء من كتاب الأذكار والدعوات: دراسة وتحقيق/ عبدالله بن ظافر الشهري - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1414ه.
0791
المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية لابن حجر العسقلاني: من بداية كتاب الفتوح ذكر فترح العراق إلى نهاية الكتاب: دراسة وتحقيق/ عبدالقادر عبدالكريم عبدالعزيز جوندل - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1411ه - 1415ه - م. عبدالكريم بن عبدالله الخضير.
0792
المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية لابن حجر العسقلاني: من أول باب فضل قبائل من العرب من كتاب المناقب إلى نهاية باب عدد الفتن من كتاب الفتن: دراسة وتحقيق/ خالد بن عبدالرحمن البكر - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1411ه - 1415ه - م. عبدالكريم بن عبدالله الخضير.
0793
المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية لابن حجر العسقلاني: من أول باب الوكالة إلى نهاية باب الأوعية: دراسة وتحقيق/ عبدالرحمن عمر جردي المدخلي - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1410ه - 1414ه - م. عبدالله بن وكيل الشيخ.
0794(/112)
المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية لابن حجر العسقلاني: من أول كتاب الطب باب الأمر بالتداوي إلى نهاية باب عن عيب الناس من كتاب البر والصلة/ سمير بن سليمان العمران - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1411ه - 1413ه - م. عبدالعزيز بن حمد المشعل.
0795
المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية لابن حجر العسقلاني: من أول كتاب الصلاة إلى آخر باب النهوض إلى الصلاة/ ناصر بن محمد العبدالله - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1410ه - م. محمود أحمد ميرة.
0796
المقصد العلي في زوائد مسند أبي يعلى الموصلي للهيثمي (807ه): من أول الكتاب إلى الأدب عند زيارة قبر الرسول (صلى الله عليه وسلم)/ نايف هاشم الدعيس - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1400ه (نشرت).
iopiopiopiopiopiopiopiopiop
0797
تخريج أحاديث الزوائد المرفوعة في مصنف الإمام عبدالرزاق الصنعاني على الكتب الستة: القسم الأول من أول الكتاب حتى نهاية كتاب الحج، دراسة وتخريج وتعليق/ هشام أحمد البناني - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1418ه - م. أحمد محمد نور سيف.
0798
زوائد الإمام أبي داود على الأصول الثمانية: جمعاً ودراسة حديثية فقهية/ محمد هادي علي المدخلي - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - فقه السنة - 1416ه - م. عبدالرحمن صالح محيي الدين.
0799
زوائد الإمام الترمذي على الأصول الثمانية/ فيصل ابن محمد خليفة العقيل - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - فقه السنة - 1419ه - م. عبدالله بن أحمد الحمد.
0800(/113)
زوائد الإمام النسائي على الكتب الأربعة: البخاري، مسلم، أبي داود، الترمذي: جمع وتخريج ودراسة/ عبدالله مصطفى سعيد مرتجى - ماجستير - جامعة القاهرة - دار العلوم - الشريعة الإسلامية - 1992 - م. رفعت فوزي عبدالمطلب.
0801
زوائد الدارمي على الكتب الستة من الأحاديث المرفوعة/ سيف عبدالرحمن مصطفى - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1397ه - م. مصطفى أمين التازي.
0802
الزوائد الحديثية: دراسة وتقويم، الإمام الأكبر البوصيري نموذجاً/ محمد الفقير التمسماني - دكتوراه - جامعة محمد الخامس - الآداب - فاس، ظهر المهراز - الدراسات الإسلامية - 1992 - م. عبدالسلام الهراس.
0803
2- التأليف
زوائد رواة البيهقي في السنن الكبرى مع رواة الكتب العشرة: جمعاً ودراسة من أول الكتاب إلى آخر باب الترغيب في الآذان من كتاب الصلاة/ عبدالرحمن بن إبراهيم الخميسي - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1411ه - 1416ه - م. محمد الأحمدي أبو النور.
0804
زوائد رجال التاريخ الكبير للبخاري على تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني: القسم الثاني حرفا الباء والتاء (دراسة تحليلية)/ منال عبدالرحمن بن ناصر الدعيجي - ماجستير - الرئاسة العامة لتعليم البنات - الآداب للبنات بالرياض - الدراسات الإسلامية - 1416ه - 1420ه - م. محمود عبدالخالق حلوة.
0805
زوائد رجال التاريخ الكبير للبخاري على تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني: القسم الثالث حرفا الثاء والجيم (دراسة تحليلية)/ نورة فهد بن إبراهيم العيد - ماجستير - الرئاسة العامة لتعليم البنات - الآداب للبنات بالرياض - الدراسات الإسلامية - 1416ه - 1420ه - م. محمود عبدالخالق حلوة.
0806(/114)
زوائد رجال التاريخ الكبير للبخاري على تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني: القسم الرابع حرفا الحاء حتى بداية من اسمه حسان (دراسة تحليلية)/ عواطف علي بن محمد الجنوبي - ماجستير - الرئاسة العامة لتعليم البنات - الآداب للبنات بالرياض - الدراسات الإسلامية - 1417ه - 1420ه - م. محمود عبدالخالق حلوة.
0807
زوائد رجال التاريخ الكبير للبخاري على تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني: بداية ممن اسمه الحكم إلى نهاية من اسمه حنظلة مع تخريج حديث لكل راو منهم/ ليلى صالح بن عبدالله البديع - دكتوراه - الرئاسة العامة لتعليم البنات - الآداب للبنات بالرياض - الدراسات الإسلامية - 1418ه - م. إبراهيم بن محمد الصبيحي.
0808
زوائد رجال التاريخ الكبير للبخاري على تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني: من بداية من اسمه حنيبيز إلى نهاية من اسمه خزيمة مع تخريج حديث لكل راو منهم/ نورة عبدالله بن متعب الشهري - دكتوراه - الرئاسة العامة لتعليم البنات - الآداب للبنات بالرياض - الدراسات الإسلامية - 1418ه - م. علي عبدالله الزبن.
0809
زوائد رجال التاريخ الكبير للبخاري على تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني: بداية من اسمه حسان إلى نهاية من اسمه حفص مع تخريج حديث لكل راو منهم/ هيلة فهد بن محمد الهذال - دكتوراه - الرئاسة العامة لتعليم البنات - الآداب للبنات بالرياض - الدراسات الإسلامية - 1418ه - م. إبراهيم بن محمد الصبيحي.
0810
زوائد رجال التاريخ الكبير للبخاري على تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني: القسم الثامن ممن اسمه خشرم إلى نهاية من اسمه ذيال: دراسة تحليلية/ أمل فهد ابن صالح الشلهوب - دكتوراه - الرئاسة العامة لتعليم البنات - الآداب للبنات بالرياض - الدراسات الإسلامية - 1420ه - م. محمد أحمد ميرة.
0811(/115)
زوائد السنن الأربع على الصحيحين في أحاديث النكاح والرضاع: جمعاً وتخريجاً ودراسة/ عصام صالح محمد العويد - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1422ه - م. عبدالله عبدالمحسن التويجري.
0812
زوائد سنن الداراقطني على الكتب الستة: القسم الثاني/ نوال أحمد اللهيبي - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1413ه - م. جلال عجوي.
0813
زوائد سنن سعيد بن منصور على الكتب الستة من الأحاديث المرفوعة/ أحمد بن صالح بن أحمد الغامدي - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1413ه - 1415ه - عبدالله بن سعاف اللحياني.
0814
زوائد كتاب أدب المفرد على الكتب الستة/ صالح إسماعيل حاج محمد - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1412ه - م. منصور العبدلي.
0815
زوائد مصنف الإمام عبدالرزاق الصنعاني على الكتب الستة/ يوسف محمد صديق - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1401ه - م. محمود الطحان.
0816
زوائد مصنف الإمام عبدالرزاق الصنعاني على الكتب الستة من الأحاديث المرفوعة: دراسة وتخريج وتعليق القسم الأول من أول الكتاب حتى نهاية كتاب الحج/ هشام محمد أحمد بناتي - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1413ه - م. أحمد محمد نور سيف.
0817
زوائد مصنف الإمام عبدالرزاق الصنعاني على الكتب الستة من الأحاديث المرفوعة: دراسة وتخريج وتعليق من أول كتاب الجهاد حتى نهاية الكتاب/ عبدالرحمن أحمد الخريصي - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1413ه - م. أحمد محمد نور سيف.
0818(/116)
زوائد مصنف ابن أبي شيبة على الكتب الستة من الأحاديث المرفوعة: من بداية كتاب الإيمان والإسلام إلى نهاية كتاب الزهد، جمع ودراسة وتخريج/ يوسف محمد علمي - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1417ه - م. محمد أحمد القاسم.
0819
زوائد مصنف ابن أبي شيبة من الأحاديث المرفوعة على الكتب الستة: من كتاب الأوائل وكتاب الرد على أبي حنيفة وكتاب الفتن/ عبدالرحمن قاسم المهلي - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1418ه - م. غالب بن محمد الحامضي.
0820
زوائد مصنف ابن أبي شيبة على الكتب الستة من الأحاديث المرفوعة: تحقيق ودراسة وتخريج وتعليق من أول كتاب الأطعمة إلى نهاية كتاب الديات/ خزيمة صافي سراج - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1416ه - م. غالب بن محمد الحامضي.
0821
زوائد مصنف ابن أبي شيبة على الكتب الستة من الأحاديث المرفوعة: تحقيق ودراسة وتخريج وتعليق من كتاب الحج إلى نهاية كتاب الأدب/ محمد سعيد الزيد - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1413ه - م. عبدالستار فتح الله سعيد.
0822
زوائد مصنف ابن أبي شيبة على الكتب الستة من الأحاديث المرفوعة: من أول المصنف إلى آخر كتاب الأعيان والنذور/ حسين عبدالحميد النقيب - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1410ه - م. عبدالوهاب فايد.
0823
زوائد النسائي على بقية الستة/ عبدالله بن محمد بن عبدالله العمري - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - فقه السنة - 1416ه - م. عبدالله علي أبو سيف الجهني.
0824(/117)
شرح معاني الآثار للطحاوي (321ه): زوائد القسم الأول على الكتب الستة من أول الكتاب إلى نهاية باب القراءة خلف الإمام/ حمد بن إبراهيم الشتوي - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - ماجستير - 1408ه - م. عبدالله بن عبدالمحسن التركي.
الفصل التاسع
الشروح الحديثية
0825
ابن أرسلان الرملي (844ه) ومنهجه في كتاب شرح سنن أبي داود مع تحقيقه من أوله إلى باب في الإكسال/ محمد بن عبدالرحمن العمير - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1409ه - 1415ه - م. محمود أحمد ميرة.
0826
إكمال المعلم بفوائد صحيح مسلم للقاضي عياض (544ه): من أول كتاب القدر إلى نهاية الكتاب: تحقيق ودراسة/ قاري أحمد دين حاجي - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1414ه - م. عبدالستار فتح الله سعيد.
0827
إكمال المعلم بفوائد صحيح مسلم للقاضي عياض: من بداية كتاب النكاح إلى نهاية كتاب البيوع: تحقيق ودراسة/ قسم الله بن علي بن محمد مريود - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1416ه.
0828
إكمال المعلم بفوائد صحيح مسلم للقاضي عياض: من أول باب الإمارة إلى نهاية باب اللباس والزينة: تحقيق ودراسة/ منصور غلام مياه - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1415ه - م. وصي الله محمد عباس.
0829
إكمال المعلم بفوائد صحيح مسلم للقاضي عياض: من أول كتاب الفرائض إلى آخر كتاب الحدود: تحقيق ودراسة/ أحمد سعيد دماس الغامدي - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1415ه - م. منصور العبدلي.
0830(/118)
إكمال المعلم بفوائد صحيح مسلم للقاضي عياض: تحقيق ودراسة من كتاب الأقضية إلى الجهاد والسير/ عبدالله عبدالرحمن أحمد رمزي - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1418ه - م. عبدالباسط بلبول - ل. عبدالله محمد شفيع - منصور عون العبدلي.
0831
انتقاض الاعتراض للحافظ ابن حجر العسقلاني: دراسة وتحقيق من أول الكتاب إلى نهاية باب إذا رأت المستحاضة الطهر 68 لوحة/ ابتسام أحمد عمر باصديق - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1413ه - م. عبدالحميد عمر الأمين.
0832
أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري للإمام الخطابي (388ه)/ محمد بن سعد بن عبدالرحمن آل سعود - دكتوراه - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1406ه.
0833
بدر التمام في شرح بلوغ المرام للقاضي المغربي (1119ه): من أول الكتاب إلى نهاية الصلاة/ علي بن عبدالله الزبن - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1408ه - م. أحمد محمد نور سيف.
0834
ترتيب المسالك في شرح موطأ الإمام مالك لأبي بكر بن العربي (543ه): تحقيق ودراسة إلى باب الجهاد/ محمد سليماني - دكتوراه - جامعة محمد الخامس - الآداب والعلوم الإنسانية - الدراسات الإسلامية.
0835
تقريب المسالك لشرح موطأ مالك لأحمد بن الحاج المكي السدراتي (1253ه): تحقيق ودراسة/ وداد العيدوني - ماجستير - جامعة محمد الخامس - الآداب - تطوان - الدراسات الإسلامية - 1995 - 1999 - م. المكي أقلاينة - ل. محمد أمين المؤدب - عبدالخالق أحمدون - المكي أقلاينة - عبدالسلام فيغو - معمر نوري - محمد سلامة.
0836(/119)
تكملة شرح الترمذي للحافظ العراقي (806ه) من أول أبواب الجمعة إلى نهاية باب ما جاء في الأكل يوم الفطر قبل الخروج: دراسة وتحقيق/ عبيد الرحمن محمد حنيف - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - علوم الحديث - 1420ه - م. عبدالصمد بكر عابد.
0837
تنوير الحالك على موطأ مالك للإمام السيوطي: تحقيق ودراسة من كتاب الزكاة إلى آخر كتاب الحج/ محمد صلاح الخطيب - ماجستير - جامعة دمشق - الشريعة - القرآن والسنة - 2002 أ. د. نور الدين عتر.
0838
تنوير الحالك على موطأ مالك للإمام السيوطي: تحقيق ودراسة من كتاب الجمعة إلى آخر كتاب الجنائز/ ماجد العليوي - ماجستير - جامعة دمشق - الشريعة - القرآن والسنة - 2002 أ. د. نور الدين عتر.
0839
التوشيح على الجامع الصحيح للسيوطي: دراسة وتحقيق القسم الثاني/ حياة صديق عبدالواحد - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1418ه - م. محمد رياض.
0840
التوشيح على الجامع الصحيح للإمام السيوطي: دراسة وتحقيق القسم الأول من أول الكتاب إلى بداية كتاب الجنائز/ فائزة أحمد سالم بافرج - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1418ه - م. محمد رياض.
0841
التوضيح بشرح الجامع الصحيح لابن الملقن (804ه): من أول باب عمل صالح قبل القتال إلى آخر باب التكبير عند الحرب، تحقيق ودراسة/ إبراهيم بن محمد الغامدي - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1414ه - م. محمد سعيد بخاري.
0842(/120)
التوضيح بشرح الجامع الصحيح لابن الملقن: من أول باب قوله تعالى واتخذ الله إبراهيم خليلاً إلى آخر باب كان النبي صلى الله عليه وسلم تنام عينه ولا ينام قلبه: تحقيق ودراسة/ أحمد حاج محمد عثمان - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1413ه - 1417ه - م. منصور العبدلي - ل. غالب محمد الحامضي - محمد بن عبدالكريم بن عبيد.
0843
التوضيح بشرح الجامع الصحيح لابن الملقن: من أول كتاب الإكراه إلى كتاب الفتن: تحقيق ودراسة/ ابتسام عبدالله بادويس - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1415ه.
0844
التوضيح بشرح الجامع الصحيح لابن الملقن: من أول كتاب الأحكام إلى آخر كتاب الاعتصام: تحقيق ودراسة/ آمنة محمد الجبرتي - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1415ه.
0845
التوضيح بشرح الجامع الصحيح لابن الملقن: من باب طواف الوداع إلى آخر كتاب الحج: تحقيق ودراسة/ إدريس بن موسى آدم إدريس - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1417ه - م. محمد سعيد بخاري - ل. محمد سعيد بخاري - غالب بن محمد الحامضي - عوض بن عتقي الحازمي.
0846
التوضيح بشرح الجامع الصحيح لابن الملقن: تحقيق ودراسة من باب العيدين إلى باب الصلاة/ آمين زيني شفيع الدين - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1418ه - م. نايف العتيبي.
0847
التوضيح بشرح الجامع الصحيح لابن الملقن: من أول كتاب الصيام إلى أوائل باب صيام أيام البيض: تحقيق ودراسة/ أحمد الشريف محمد العرضاوي - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1417ه - م. عبدالحميد عمر الأمين - ل. عبدالحميد عمر الأمين - منصور العبدلي - نايف قبلان العتيبي.
0848(/121)
التوضيح بشرح الجامع الصحيح لابن الملقن: من أول كتاب الاستئذان إلى آخر كتاب الدعوات: تحقيق ودراسة/ أحمد جابر الشمراني - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1414ه.
0849
التوضيح بشرح الجامع الصحيح: من أول كتاب الصلاة إلى كتاب مواقيت الصلاة وفضلها، تحقيقاً ودراسة/ خلود سعد القرشي - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1418ه - م. محمد بازمول.
0850
التوضيح بشرح الجامع الصحيح لابن الملقن: تحقيق ودراسة من أول باب صيام أيام البيض إلى نهاية باب كراهية الصخب في السوق/ خالد عبدالله العساف - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1412ه - م. أحمد نافع الحربي.
0851
التوضيح بشرح الجامع الصحيح لابن الملقن: من أول باب الصبر عند الصدمة الأولى من كتاب الجنائز إلى آخر باب صدقة السر، تحقيق/ جامع فارح جاس حسن - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1411ه - م. عبدالله حامد سامبو.
0852
التوضيح بشرح الجامع الصحيح لابن الملقن: من كتاب الهدنة والموادعة إلى نهاية باب قصة يأجوج ومأجوج: تحقيق ودراسة/ خالد بريحان الحيص - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1413ه - 1417ه - م. عبدالله بن علي الغامدي - ل. عبدالرحيم حمود الغامدي - محب الدين عبدالسبحان واعظ.
0853
التوضيح بشرح الجامع الصحيح لابن الملقن: من باب ما يكره في رفع الصوت في التكبير إلى نهاية فرض الخمس ويشتمل على 74 لوحة: تحقيق ودراسة/ محمد إلياس محمد أنور - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1413ه - 1417ه - م. مطر أحمد الزهراني - ل. محمد عمر بازمول - محب الدين عبدالسبحان واعظ.
0854(/122)
التوضيح بشرح الجامع الصحيح لابن الملقن: من أول كتاب فضائل الصحابة باب إسلام الصحابي سلمان الفارسي رضي الله عنه: تحقيق ودراسة/ لولوة عبدالكريم القويفلي - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1414ه.
0855
التوضيح بشرح الجامع الصحيح لابن الملقن: من أول كتاب الحوالة إلى نهاية كتاب اللقطة: تحقيق ودراسة/ مسعود القحطاني - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1416ه - م. سليمان الصادق البيرة - ل. محمد سعيد محمد حسن بخاري - محمد طاهر نور ولي.
0856
التوضيح بشرح الجامع الصحيح لابن الملقن: من بداية كتاب المظالم إلى نهاية باب ما قبل في شهادة الزور: تحقيق ودراسة/ محمد بن ناصر القرني - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1416ه - م. رفعت فوزي عبدالمطلب - ل. رفعت فوزي عبدالمطلب - عبدالمجيد محمود عبدالمجيد.
0857
التوضيح بشرح الجامع الصحيح لابن الملقن: من أول كتاب الأشربة إلى نهاية كتاب الطب: تحقيق ودراسة/ محمد خالد عبدالهادي - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1417ه - م. سيد سابق.
0858
التوضيح بشرح الجامع الصحيح لابن الملقن: كتاب الحدود: تحقيق ودراسة/ محمد بخيت الحجيلي - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1414ه.
0859
التوضيح بشرح الجامع الصحيح لابن الملقن/ محمد كمال علي العروسي - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1416ه - م. محمد حسن الغماري.
0860
التوضيح بشرح الجامع الصحيح لابن الملقن: من باب شهادة الأعمى إلى نهاية باب قوله عز وجل من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، تحقيق ودراسة/ عبدالكريم مستور القرني - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1413ه - م. أحمد محمد نور سيف.
0861(/123)
التوضيح بشرح الجامع الصحيح لابن الملقن: من أول كتاب التفسير إلى آخره: تحقيق ودراسة/ عبدالله مقبل ظافر القرني - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1414ه.
0862
التوضيح بشرح الجامع الصحيح لابن الملقن: من بداية باب ما ذكر في الحجر الأسود إلى باب الطيب بعد رمي الجمار والحلق قبل الإفاضة: تحقيق ودراسة/ عبدالرزاق بن محمد الزبيري - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1416ه - م. محمد حسن الغماري.
0863
التوضيح بشرح الجامع الصحيح لابن الملقن: تحقيق ودراسة من باب الكيل على البائع والمعطي إلى باب إذا استأجر أرضاً فمات أحدهما من كتاب الإجارة/ عبدالرحمن محمد حسين العوفي - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1412ه - م. عبدالله بن سعاف اللحياني.
0864
التوضيح بشرح الجامع الصحيح لابن الملقن: من كتاب النفقات إلى نهاية الأضاحي: دراسة وتحقيق/ عزيز الرحمن عبدالأحد - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1417ه - م. أحمد عطا الله عبدالجواد.
0865
التوضيح بشرح الجامع الصحيح لابن الملقن: كتاب المعلم: دراسة وتحقيق/ عبدالله بن محمد العمري - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1414ه.
0866
التوضيح بشرح الجامع الصحيح لابن الملقن: كتاب الطلاق: تحقيق ودراسة/ وصي الدين رحيم بخش - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1414ه - م. عبدالعزيز عبدالله الحميدي.
0867(/124)
التوضيح بشرح الجامع الصحيح لابن الملقن: من باب إذا تصدق على غني وهو لا يعلم إلى نهاية كتاب الزكاة: تحقيق ودراسة/ فيصل جميل غزاوي - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1417ه - م. عبدالحميد عمر الأمين - ل. عبدالحميد عمر الأمين - محمد الخضر الناجي - غالب محمد الحامضي.
0868
التوضيح بشرح الجامع الصحيح لابن الملقن: كتاب اللباس: تحقيق ودراسة/ سلمى داؤود البلوشي - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1414ه.
0869
التوضيح بشرح الجامع الصحيح لابن الملقن: من أول كتاب الديات إلى نهاية كتاب استتابة المرتدين: تحقيق ودراسة/ هدى محمد عبدالعزيز التيسان - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1414ه.
0870
التوضيح بشرح الجامع الصحيح لابن الملقن: الإيمان: تحقيق ودراسة/ يوسف محمد علي عبدالله - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1415ه.
0871
التوضيح بشرح الجامع الصحيح لابن الملقن: كتاب الفرائض وكتاب الإيمان: تحقيق ودراسة/ ظافر بن عائض الشهري- ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1417ه - م. عبدالله بن سعاف اللحياني.
0872
التوضيح بشرح الجامع الصحيح لابن الملقن: من أول كتاب الحج إلى بداية باب ما ذكر في الحجر الأسود: تحقيق ودراسة/ طارق محمد إبراهيم- ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1417ه - م. محمد سعيد بخاري.
0873
التوضيح بشرح الجامع الصحيح لابن الملقن: كتاب المغازي: تحقيق ودراسة/ شريف عثمان أحمد - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1416ه.
0874(/125)
التوضيح بشرح الجامع الصحيح لابن الملقن: من أول كتاب فضائل القرآن إلى آخر كتاب النكاح: تحقيق ودراسة/ فتوحة صالح الأندونيسي - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1414ه.
0875
التوضيح بشرح الجامع الصحيح لابن الملقن: كتاب الآداب: تحقيق ودراسة/ نهلة محمود الرفاعي - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1414ه.
0876
التوضيح بشرح الجامع الصحيح لابن الملقن: تحقيق ودراسة من كتاب مواقيت الصلاة إلى غاية باب إذا كان بين الإمام والقوم حائط أو سترة/ زينب رزق الله هوساوي - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1418ه.
0877
تلخيص مسلم وشرحه المفهم لأبي العباس القرطبي ت 656ه: تحقيق ودراسة جزء الطهارة والصلاة/ يوسف عبدالرحمن الفرت - دكتوراه - جامعة القاهرة - دار العلوم - الشريعة الإسلامية - 1986 - م. رفعت فوزي عبدالمطلب.
0878
تنوير الحوالك شرح موطأ الإمام مالك للسيوطي من الحديث 1313 إلى الحديث 1591/ عبدالله بكري الطاهر - ماجستير - جامعة أم درمان - أصول الدين - السنة - 2002 - م. أ. د. نور الدين عتر
0879
تنوير الحوالك شرح موطأ الإمام مالك للسيوطي من الحديث 986 إلى الحديث 1312/ عبدالرحيم يوسفان - ماجستير - جامعة أم درمان - أصول الدين - السنة - 2002 - م. أ. د. نور الدين عتر
0880
تنوير الحوالك شرح موطأ الإمام مالك للسيوطي من الحديث 1592 إلى الحديث 1955/ محمد فواز مدينة - ماجستير - جامعة أم درمان - أصول الدين - السنة - 2002 - م. أ. د. نور الدين عتر
0881(/126)
الدلائل على معاني الحديث بالشاهد والمثل للإمام السرقسطي (302ه): من أول حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بعلالة شاة فأكل منها ثم لم يتوضأ إلى آخر حديث أسماء بنت أبى بكر رضي الله عنها: دراسة وتحقيقاً/ محمد بن عبدالله القاص - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1410ه - 1415ه - م. باسم فيصل الجوابرة - حسن هنداوي.
0882
شرح الإلمام بأحاديث الأحكام لابن دقيق العيد (702ه): من بداية حديث أبي هريرة مرفوعاً يغسل الإناء إذا ولغ فيه الكلب إلى بداية حديث حذيفة مرفوعاً لا تلبسوا الحرير والديباج: دراسة وتحقيق/ فهيد بن محمد الهويمل - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1412ه - 1416ه - م. محمد عبدالله الفهيد (نشرت).
0883
شرح الإلمام بأحاديث الأحكام لابن دقيق العيد: من أوله إلى بداية حديث أبي هريرة مرفوعاً يغسل الإناء إذا ولغ فيه الكلب سبع مرات: دراسة وتحقيق/ عبدالعزيز بن محمد السعيد - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1412ه - 1416ه - م. محمد عبدالله الفهيد (نشرت).
0884
شرح الإلمام بأحاديث الأحكام لابن دقيق العيد: من أول باب صفغة الوضوء ونواقضه وسنته إلى بداية حديث توضأ مرة مرة: دراسة وتحقيق/ بسام بن عبدالله صالح الغانم - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1413ه - 1415ه - م. محمد عبدالله الفهيد.
0885
شرح الإمام ابن رسلان لسنن أبي داود: من أول أبواب الوتر إلى آخر باب في الاستعفاف من كتاب الزكاة: دراسة وتحقيق/ فؤاد يوسف سيدتش - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1413ه - 1417ه - م. إبراهيم بن محمد الصبيحي.
0886(/127)
شرح الإمام ابن رسلان لسنن أبي داود: من أول باب ما جاء في الجنب ينام من كتاب الطهارة إلى آخر باب منى يؤمر الغلام بالصلاة من كتاب الصلاة: دراسة وتحقيقاً/ محمد بن عبدالله الخضير - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1410ه - م. محمود أحمد ميرة.
0887
شرح الإمام ابن رسلان لسنن أبي داود: من أول باب في افتتاح الصلاة من كتاب الصلاة إلى آخر باب من ذكر التورك في الرابعة من كتاب الصلاة: دراسة وتحقيقاً/ أحمد بن عبدالقادر عزي - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1413ه.
0888
شرح الإمام ابن رسلان لسنن أبي داود: من أول باب الصدقات على يد بني هاشم إلى آخر باب النزول بمنى: دراسة وتحقيقاً/ ملفي بن حسن ملفي الوليدي - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1413ه.
0889
شرح الإمام ابن رسلان لسنن أبي داود: من أول باب الأذان من كتاب الصلاة إلى آخر باب من قال لا يقطع الصلاة شيء: دراسة وتحقيق/ ناصر بن إبراهيم العبودي - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1412ه.
0890
شرح الإمام ابن رسلان لسنن أبي داود: من أول أبواب صلاة المسافر إلى آخر باب فيمن يقرأ السجدة بعد الصبح من كتاب الصلاة: دراسة وتحقيق/ سهيل حسن عبدالغفار - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1413ه - 1418ه.
0891
شرح بلوغ المرام للحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: تحقيق ودراسة من أوله إلى آخر كتاب الآذان/ سلمان بن فهد بن عبدالله العودة - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1413ه.
0892(/128)
شرح الجامع الصغير للحسن بن منصور الأوزجندي (592ه) المشهور بقاضي خان (الجزء الأول - من أول الكتاب إلى نهاية كتاب العتق): تحقيق ودراسة/ أسد الله محمد حنيف - دكتوراه - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1417ه.
0893
شرح الحافظ العراقي (806ه) للترمذي: من باب ما جاء في أن الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام إلى نهاية باب ما جاء لا تقبل صلاة الحائض إلا بخمار: تحقيق ودراسة/ عبدالله بن سالم بن سليم الأحمدي - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - فقه السنة - 1419ه - م. عبدالرحمن بن صالح محيي الدين.
0894
شرح الحافظ العراقي للترمذي: من باب ما جاء في الأربع قبل الظهر إلى نهاية باب فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: تحقيق ودراسة/ عبدالله بن عبدالعزيز بن عبدالله الفالح - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - فقه السنة - 1419ه - م. عبدالرحمن بن صالح محيي الدين.
0895
شرح الحافظ العراقي للترمذي: من باب ما جاء في كراهية السدل في الصلاة إلى نهاية باب ما جاء في إعادتها بعد طلوع الشمس: تحقيق ودراسة/ سعود ابن مصلح بن حمدي الصاعدي - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - فقه السنة - 1419ه - م. عبدالرحمن بن صالح محيي الدين.
0896
شرح صحيح البخاري لابن بطال: تحقيق ودراسة من بداية الترغيب في النكاح إلى نهاية ما يحل من النساء وما يحرم/ فريدة عبدالله سالم المطرفي - ماجستير - جامعة أم القرى - التربية - الحديث وعلومه - 1420ه.
0897
شرح صحيح البخاري لابن بطال القرطبي: من أول باب المسح على الخفين إلى نهاية التيمم: تحقيق ودراسة/ أمل فهد بن صالح الشلهوب - ماجستير - الرئاسة العامة لتعليم البنات - الآداب للبنات بالرياض - الدراسات الإسلامية - 1413ه - 1418ه - م. محمود عبدالخالق حلوة.
0898(/129)
شرح صحيح البخاري لابن بطال القرطبي: القسم الثاني المشتمل على كتابي الصلاة ومواقيتها: تحقيق ودراسة/ مريم ياسين محمد قطاني - دكتوراه - الرئاسة العامة لتعليم البنات - الآداب للبنات بالرياض - الدراسات الإسلامية - 1409ه - 1413ه - م. سعد سعد جاويش.
0899
شرح صحيح البخاري لابن بطال القرطبي: من بداية كتاب صلاة العيدين إلى نهاية باب من لم يصل الضحى ورآه واسعاً: تحقيق ودراسة/ لطيفة ناصر حمد الراشد - دكتوراه - الرئاسة العامة لتعليم البنات - الآداب للبنات بالرياض - الدراسات الإسلامية - 1412ه - م. محمود أحمد ميرة.
0900
شرح صحيح البخاري لابن بطال القرطبي: كتاب التوحيد: تحقيق ودراسة/ أسماء سليمان السويلم - ماجستير - الرئاسة العامة لتعليم البنات - الآداب للبنات بالرياض - الدراسات الإسلامية - 1413ه - 1417ه - م. نصر محمد نصر القاضي.
0901
شرح صحيح البخاري لابن بطال القرطبي: القسم الأول من أول الكتاب إلى نهاية باب الوضوء بالمد/ عزة ناصر حمد الراشد - دكتوراه - الرئاسة العامة لتعليم البنات - الآداب للبنات بالرياض - الدراسات الإسلامية - 1409ه - 1414ه - م. سعد سعد جاويش.
0902
شرح صحيح البخاري لابن بطال القرطبي: القسم الثالث من أول كتاب الآذان حتى آخر كتاب صلاة الخوف: تحقيق ودراسة/ رقية المحارب - دكتوراه - الرئاسة العامة لتعليم البنات - الآداب للبنات بالرياض - الدراسات الإسلامية - 1412ه - 1416ه - م. سعد سعد جاويش.
0903
شرح صحيح البخاري لابن بطال القرطبي: دعوة اليهود والنصارى وعلى ما يقاتلون عليه وما كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر والدعوة قبل القتال إلى آخر كتاب الجهاد: تحقيق ودراسة/ وفاء عبدالعزيز الزامل - دكتوراه - الرئاسة العامة لتعليم البنات - الآداب للبنات بالرياض - الدراسات الإسلامية - 1420ه - م. عبدالغني بن مزهر التميمي.
0904(/130)
شرح صحيح البخاري لابن بطال القرطبي: من بداية كتاب فضائل المدينة إلى باب حلية السيوف من كتاب الجهاد: تحقيق ودراسة/ نوال عبدالعزيز العيد - دكتوراه - الرئاسة العامة لتعليم البنات - الآداب للبنات بالرياض - الدراسات الإسلامية - 1420ه - م. محمود أحمد ميرة.
0905
شرح صحيح البخاري لابن بطال القرطبي: من بداية كتاب الطلاق إلى نهاية كتاب الإيلاء: دراسة وتحقيق/ ريم عبدالمحسن السويلم - ماجستير - الرئاسة العامة لتعليم البنات - الآداب للبنات بالرياض - الدراسات الإسلامية - 1420ه - م. عبدالغني بن مزهر التميمي.
0906
شرح صحيح البخاري لابن بطال القرطبي: تحقيق ودراسة من باب قوله تعالى يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقاً إلى نهاية كتاب الوصايا/ صباح جميل أحمد حسنين - ماجستير - الرئاسة العامة لتعليم البنات - الآداب للبنات بالرياض - الدراسات الإسلامية - 1420ه - م. سعد سعد جاويش.
0907
شرح صحيح البخاري لابن بطال القرطبي: تحقيق ودراسة من أول باب ما ذكر في الأسواق من كتاب البيوع إلى نهاية باب من استأجر أجيراً فترك الأجير أجره فعمل فيه المستأجر فزاد من كتاب الإجارة/ زكرية أحمد محمد غلفان - ماجستير - الرئاسة العامة لتعليم البنات - الآداب للبنات بالرياض - الدراسات الإسلامية - 1420ه.
0908
شرح صحيح البخاري لابن بطال القرطبي: تحقيق ودراسة من بداية كتاب الصيد والذبائح كتاب الأضاحي إلى نهاية كتاب الأشربة/ زينب محمد بكر هوساوي - ماجستير - الرئاسة العامة لتعليم البنات - الآداب للبنات بالرياض - الدراسات الإسلامية - 1420ه.
0909
شرح صحيح البخاري لابن بطال القرطبي: تحقيق ودراسة من بداية كتاب الخمس كتاب الجزية إلى نهاية كتاب العقيقة/ هناء محمد عبدالله الطويرقي - ماجستير - الرئاسة العامة لتعليم البنات - الآداب للبنات بالرياض - الدراسات الإسلامية - 1420ه.
0910(/131)
شرح صحيح البخاري لابن بطال القرطبي: بداية كتاب الإيمان والنذور كتاب كفارة اليمين إلى باب ما يكره من الخداع في البيع من كتاب البيوع/ زكية محمد بشير الفزاني - ماجستير - الرئاسة العامة لتعليم البنات - الآداب للبنات بالرياض - الدراسات الإسلامية - 1420ه.
0911
شرح صحيح البخاري لابن بطال القرطبي: باب فضل اتباع الجنائز إلى آخر كتاب الزكاة: تحقيق ودراسة/ انتصار إبراهيم العمر - دكتوراه - الرئاسة العامة لتعليم البنات - الآداب للبنات بالرياض - الدراسات الإسلامية - 1417ه - م. عبدالبصير خليفة حسن.
0912
شرح العلامة أحمد بن عجيبة (1224ه) على الجامع الصغير: دراسة وتحقيق/ علي إسماعيل تمام - ماجستير - جامعة محمد الخامس - الآداب والعلوم الإنسانية - الدراسات الإسلامية.
0913
طرح التثريب في شرح التقريب للحافظ ولي الدين أبي زرعة: من أول باب صلاة التطوع حتى نهاية باب صلاة الجمعة: تحقيق ودراسة/ بندر بن نافع العبدلي - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1413ه - 1417ه.
0914
طرح التثريب في شرح التقريب للحافظ ولي الدين أبي زرعة: من أول باب صلاة الجماعة والمشي إليها وحتى نهاية باب سجود السهو: تحقيق ودراسة/ محبوب أحمد محمد علي - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1413ه - 1417ه.
0915
طرح التثريب في شرح التقريب للحافظ ولي الدين أبي زرعة: من بداية كتاب الطلاق والتخيير إلى نهاية باب اشتباه الجاني بغيره: تحقيق ودراسة/ هيا عبدالله الدعيلج - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1414ه.
0916(/132)
طرح التثريب في شرح التقريب للحافظ ولي الدين أبي زرعة: من بدايةكتاب الجهاد إلى نهاية باب قتال البغاة والخوارج: تحقيق ودراسة/ هدى عبدالله الحبيب - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1414ه.
0917
طرح التثريب في شرح التقريب للحافظ ولي الدين أبي زرعة: من باب ليلة القدر من كتاب الصيام إلى نهاية كتاب الحج: تحقيق ودراسة/ أسامة بن أحمد محمد عبدالرحيم - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1414ه.
0918
طرح التثريب في شرح التقريب للحافظ ولي الدين أبي زرعة: من أول كتاب الأطعمة إلى نهاية كتاب النكاح: تحقيق ودراسة/ حسن بن علي الشوكاني– ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1414ه - 1417ه.
0919
العدة في شرح العمدة لابن العطار (1-117) ج1/ عبدالمجيد محمد الحاج عبدالله - ماجستير - جامعة أم درمان - أصول الدين - السنة - 1999 - م. أ. د. نور الدين عتر.
0920
العدة في شرح العمدة لابن العطار (184-286) ج2/ سوسن الملا - ماجستير - جامعة أم درمان - أصول الدين - السنة - 2000 - م. أ. د. نور الدين عتر.
0921
العدة في شرح العمدة لابن العطار (117-225) ج1/ علياء شيخ محمد - ماجستير - جامعة أم درمان - أصول الدين - السنة - 2000 - م. أ. د. نور الدين عتر.
0922
العدة في شرح العمدة لابن العطار (225-آخر) ج1 ومن 1-79 ج2/ أمامة الحبال - ماجستير - جامعة أم درمان - أصول الدين - السنة - 2000 - م. أ. د. نور الدين عتر.
0923
العدة في شرح العمدة (من الورقة 179 إلى 184) ج2/ لؤي الحفار - ماجستير - جامعة أم درمان - أصول الدين - السنة - 2000 - م. أ. د. نور الدين عتر.
0924(/133)
الفتح الذي شرح سنن الترمذي لابن سيد الناس (734ه): الجزء الأول/ عبدالرحمن صالح محيي الدين - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1407ه.
0925
الفتح المبين بشرح الأربعين لابن حجر الهيثمي من الحديث 18 إلى آخر الكتاب/ رياض العيسى - ماجستير - جامعة أم درمان - أصول الدين - السنة - 2002 - م. أ. د. نور الدين عتر.
0926
الفتح المبين بشرح الأربعين لابن حجر الهيثمي من أول الكتاب إلى الحديث 18/ عبدالقادر طه - ماجستير - جامعة أم درمان - أصول الدين - السنة - 2002 - م. أ. د. نور الدين عتر.
0927
الفوائد المنتخبة من أصول مسموعات الشيخ أبي محمد الحسن بن محمد بن شيبان بانتخاب الشيخ أبي عمرو محمد بن محمد بن محمد البحيري: تحقيق ودراسة إلى نهاية حديث السبعين ألفاً (في 53 لوحة)/ خالد بن صالح الزهراني - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1413ه - 1417ه - م. موفق عبدالله عبدالقادر - ل. محمد بن عمر بازمول - عوض بن عتقي الحازمي.
0928
القبس في شرح موطأ ابن أنس لأبي بكر العربي المعافري (198ه): القسم الأول/ محمد عبدالكريم - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1406ه.
0929
القبس في شرح موطأ مالك بن أنس لأبي بكر العربي المعافري القسم الثاني: تحقيق ودراسة/ زين فيلالي الحسن - دكتوراه - جامعة محمد الخامس - الآداب - فاس/ ظهر المهراز - الدراسات الإسلامية - 1992 - م. عبدالسلام الهراس.
0930
القرطبي ومنهجه في كتابه المفهم في حل ما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، مع تحقيقه من أوله إلى نهاية باب مضاعفة أجر الكتابي إذا آمن/ عبدالوهاب بن ناصر بن عبدالله الطريري - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1409ه - 1415ه - م. مروان محمد مصطفى شاهين.
0931(/134)
اللامع الصبيح في شرح الجامع الصحيح للإمام البرماوي (من بداية المخطوط إلى نهاية كتاب العلم/ خالد أحمد صليبي - ماجستير - جامعة أم درمان - أصول الدين - السنة– 2002 - م. د. بديع السيد اللحام.
0932
اللامع الصبيح في شرح الجامع الصحيح للإمام البرماوي (من بداية كتاب الوضوء إلى آخر كتاب الصلاة/ أحمد خلف مصطفى - ماجستير - جامعة أم درمان - أصول الدين - السنة– 2002 - م. د. بديع السيد اللحام.
0933
معالم السنن في شرح سنن أبي داود للخطابي (388ه): القسم الثاني من بداية كتاب الجنائز إلى أول كتاب الرهن: تحقيق ودراسة وتخريج/ عواطف أمين البساطي - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1416ه - م. محمد بن سعد بن عبدالرحمن آل سعود.
0934
معالم السنن في شرح سنن أبي داود للخطابي: القسم الثالث من أول كتاب الرهن إلى آخر الكتاب: تحقيق ودراسة وتخريج/ خالد بن مقبل اللهيبي - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1416ه - م. محمد بن سعد بن عبدالرحمن آل سعود.
0935
معالم السنن في شرح سنن أبي داود للخطابي: القسم الأول من بداية الكتاب إلى أول كتاب الجنائز: تحقيق ودراسة وتخريج/ محمد علي فارح - ماجستير - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1416ه - م. محمد بن سعد بن عبدالرحمن آل سعود.
0936
المسالك في شرح موطأ الإمام مالك لابن العربي (543ه): تحقيق ودراسة من باب الجهاد إلى آخر الكتاب/ عائشة سليماني - دكتوراه - جامعة محمد الخامس - الآداب والعلوم الإنسانية - الدراسات الإسلامية.
0937
مصباح الزجاجة للبوصيري (840ه): من كتاب اتباع السنة إلى إقامة الصلاة/ عوض أحمد سلطان الشهري - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1406ه.
0938(/135)
معاني الأخبار للإمام أبي بكر الكلاباذي (380ه) القسم الأخير: تحقيق ودراسة/ أحمد بن علي موسى توري - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1416ه - م. موفق عبدالله عبدالقادر - رضا نعسان معطي - ل. منصور بن عون العبدلي الشريف - محمد سعيد حسن بخاري.
0939
معاني الأخبار للإمام أبي بكر الكلاباذي: القسم الأول: تحقيق ودراسة/ عصام حاتم الموصلي - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1416ه - م. موفق عبدالله عبدالقادر - أحمد عبداللطيف.
0940
معاني الأخبار للإمام أبي بكر الكلاباذي: القسم الثاني: تحقيق ودراسة/ هشام حاتم الموصلي - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1417ه - م. موفق عبدالله عبدالقادر - رضا نعسان معطي - ل. محمد سعيد بخاري - عبدالله اللحياني.
0941
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي: من أول دخول النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة من الحج إلى آخر باب إنما تجب طاعة الإمام إذا لم يأمر بمعصية من الإمارة: دراسة وتحقيق/ خالد بن إبراهيم الرومي - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1410ه - 1416ه - م. مروان محمد مصطفى شاهين.
0942
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي: من أول كتاب الجنائز إلى آخر باب طواف الوداع من كتاب الحج: دراسة وتحقيق/ إبراهيم بن حماد الريس - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1410ه - 1416ه - م. عبدالحكم السيد عتلم.
0943
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي: تحقيق ودراسة من أول كتاب الصلاة إلى نهاية أبواب صلاة الكسوف/ عائض بن عبدالله القرني - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1410ه - م. عبدالحكم السيد عتلم.
0944(/136)
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي: من أول كتاب البيعة من الإمارة إلى آخر باب من قال أن البر والشعير صنف واحد من البيوع: دراسة وتحقيق/ محمد بن منصور العمران - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1410ه - 1414ه - م. عبدباسل فيصل الجوابرة.
0945
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي: من الحديث 1 إلى الحديث 80/ فارس عبدالله سلمون - ماجستير - جامعة أم درمان - أصول الدين - السنة - 2002 - م. أ. د. نور الدين عتر.
0946
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي: من الحديث 231 إلى الحديث 380/ أماني صلاح الدين سويد - ماجستير - جامعة أم درمان - أصول الدين - السنة - 2002 - م. أ. د. نور الدين عتر.
0947
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي: من الحديث 81 إلى الحديث 230/ فاطمة إسماعيل المجذوب - ماجستير - جامعة أم درمان - أصول الدين - السنة - 2002 - م. أ. د. نور الدين عتر.
0948
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي كتاب الجهاد والسير/ ابتسام أحمد الكاتب - ماجستير - جامعة أم درمان - أصول الدين - السنة - 2002 - م. أ. د. نور الدين عتر.
0949
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي من باب تحريم سبق الإمام بركوع أو سجود إلى آخر باب الاعتدال في السجود/ عدنان محمد زهير دنون - ماجستير - جامعة أم درمان - أصول الدين - السنة - 2000 - م. أ. د. نور الدين عتر.
0950
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي كتاب الحيض/ ارحابي محمد ارحابي - ماجستير - جامعة أم درمان - أصول الدين - السنة - 2000 - م. أ. د. نور الدين عتر.
0951
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي من باب ما يجمع صفة الصلاة إلى باب كراهة الصلاة في ثوب له أعلام/ قدور محمد جميل بنشي - ماجستير - جامعة أم درمان - أصول الدين - السنة - 2000 - م. أ. د. نور الدين عتر.
0952(/137)
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي من باب كراهة الصلاة في حضرة الطعام إلى باب الصلوات الخمس/ محمد غانم أحمد أبو الطواقي - ماجستير - جامعة أم درمان - أصول الدين - السنة - 2000 - م. أ. د. نور الدين عتر
0953
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي كتاب المساجد، باب استحباب الإبراد بالظهر إلى آخر الكتاب/ محمد يوسف محمد عادل زلغنة - ماجستير - جامعة أم درمان - أصول الدين - السنة - 2002 - م. أ. د. نور الدين عتر.
0954
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي كتاب الطهارة/ أبو زيد ويس علي - ماجستير - جامعة أم درمان - أصول الدين - السنة - 2002 - م. أ. د. نور الدين عتر.
0955
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي من بداية كتاب الصلاة إلى آخر باب الأمر بتحسين الصلاة وإتمامها/ عبدالرحمن جمال الزبدي - ماجستير - جامعة أم درمان - أصول الدين - السنة - 2002 - م. أ. د. نور الدين عتر.
0956
منهج الحافظ ولي الدين العراقي في إكماله لكتاب طرح التثريب في شرح التقريب: مع تحقيق القسم الأول من الكتاب ويبدأ من أول الكتاب إلى آخر باب الوضوء/ محمد يحيى بلال منيار - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1413ه - 1417ه.
0957
منهج الحافظ ولي الدين العراقي في إكماله لكتاب طرح التثريب في شرح التقريب: مع تحقيق ودراسة القسم الثاني من الكتاب ويبدأ من أول السواك وخصال الفطرة إلى نهاية المواقيت/ محمد بن عبدالله اللعبون - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1413ه - 1417ه.
0958(/138)
الميسر في شرح مصابيح السنة للإمام التوربشتي (661ه): من أول كتاب الحج إلى نهاية كتاب الجهاد/ إبراهيم ناصر سليمان الناصر - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1411ه - 1416ه - م. مسفر بن غرم الله الدميني.
0959
الميسر في شرح مصابيح السنة للإمام التوربشتي: من أوله إلى نهاية باب سجود القرآن/ عبدالرحمن بن عبدالكريم الزيد - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1408ه - 1415ه - م. مسفر بن غرم الله الدميني.
0960
الميسر في شرح مصابيح السنة للإمام التوربشتي: من أول باب أوقات النهي كتاب الصلاة إلى نهاية كتاب الدعوات: دراسة وتحقيقاً/ أحمد بن عبدالله بن حمد الباتلي - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1411ه - 1414ه - م. مسفر بن غرم الله الدميني.
0961
الميسر في شرح مصابيح السنة للإمام التوربشتي: من 7 حتى 142/ عبير محمد الحمصي - ماجستير - جامعة أم درمان - أصول الدين - السنة - 2000 - م. أ. د. نور الدين عتر.
0962
الميسر في شرح مصابيح السنة للإمام التوربشتي: من 142 حتى 293/ مؤمنة أحمد حميدو - ماجستير - جامعة أم درمان - أصول الدين - السنة - 2000 - م. أ. د. نور الدين عتر.
الفصل العاشر
فقه السنة
1- أحاديث الأحكام
2- فقه السنة وأصوله
1 - أحاديث الأحكام
0963
إرشاد الفقيه إلى أدلة التنبيه لابن كثير (774ه): من الطهارة إلى باب زكاة المعدن والركائز/ محمد إبراهيم خليل السامرائي - ماجستير - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1407ه - م. محمود أحمد ميرة.
0964(/139)
الإعلام سنته عليه السلام لمفلطاي (762ه): من أول الكتاب إلى آخر باب الأذنان من الرأس/ عبدالعزيز بن محمد الماجد - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1410ه - 1415ه - م. أحمد معبدعبدالكريم.
0965
الإعلام بفوائد عمدة الأحكام لابن الملقن (804ه): من بداية الكتاب إلى نهاية شرح حديث أبي هريرة إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء: دراسة وتحقيقاً/ هيا حمود بن سعد العرموش - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1410ه - 1417ه - م. أحمد معبدعبدالكريم.
0966
الأحاديث الفعلية التي ظاهرها معارضة الأحاديث القولية في قسم العبادات: دراسة حديثية فقهية/ عبدالقيوم ابن محمد ناصر السحيباني - - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - فقه السنة - 1417ه - م. عبدالعزيز راجي الصاعدي.
0967
الأحكام الكبرى لابن الخراط (581ه): الجزء الأول من القسم الثاني/ مهيب صالح عبدالرحمن - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1408ه - م. عبدالفتاح أبو غدة.
0968
أدلة الكفارات/ عبدالرحمن أحمد عبده –دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1402ه - م. السيد محمد الحكيم.
0969
خلاصة الأحكام للنووي (676ه): من كتاب ما ينهى عنه في الصلاة إلى كتاب صلاة الخوف/ عبدالرحمن بن صالح الزميع - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1409ه - م. نور الدين بويا جيلار.
0970
خلاصة الأحكام للنووي: من كتاب الصلاة إلى نهاية أبواب صفة الصلاة/ عبدالرحمن بن عبدالعزيز المجيدل - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1409ه - م. نور الدين بويا جيلار.
0971(/140)
خلاصة الأحكام للنووي: من بداية الكتاب إلى نهاية نهاية كتاب الحيض/ محمد بن منصور العمران - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1409ه - م. نور الدين بويا جيلار.
0972
خلاصة الأحكام للنووي (676ه): من أول كتاب صلاة الجمعة إلى نهاية غسل الشهيد وترك الصلاة عليه ودفنه بثيابه/ ملفي بن حسن ملفي الوليدي - ماجستير - جامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1412ه - م. عبدالمنعم السيد نجم.
0973
دفع إيهام تعارض أحاديث الأحكام في كتاب الطهارة/ رقية محمد عبدالعزيز المحارب - ماجستير - الرئاسة العامة لتعليم البنات - التربية للبنات بالرياض - الدراسات الإسلامية - 1407ه - 1410ه - م. إبراهيم عبدالفتاح حليبة.
0974
كفاية المستقنع لأدلة المقنع للمرداوي (769ه): من أول باب الطهارة إلى باب صلاة أهل الأعذار (144) صفحة/ إبراهيم بن علي العبيد السلمي - الجامعة الإسلامية الحديث الشريف –السنة - 1410ه - م. ربيع هادي مدخلي.
0975
iopiopiopiopiopiopiopiopiop
وهج الجمر في تحريم الخمر لابن دحية الكلبي (633ه)/ محمد بن ظفر الله بن عطاء الله - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1403ه - م. محمد أديب الصالح - ل. محمد أديب الصالح.
0976
الاجتهاد في الحديث الشريف وأثره في الفقه الإسلامي/ علي نايف بقاعي - دكتوراه - كلية الإمام الأوزاعي - لبنان - م. أ. د. نور الدينة عتر - 1997.
0977
التطبيق على مفهوم المختلفة بما ورد في ثمانين حديثاً من الأحاديث الواردة في المعاملات المالية في كتاب بلوغ المرام لابن حجر/ عبدالله عبدالقيوم عبدالرحيم - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1418ه.
0978(/141)
حجية السنة في التشريع الإسلامي/ مريم محمد باوزير - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1403ه - م. محمد الخضراوي.
2 - فقه وأصوله
0979
الدرس الأصولي عند المحدثين: الزركشي نموذجاً/ السعدية النجار - ماجستير - جامعة محمد الخامس - الآداب - الدار البيضاء - الدراسات الإسلامية - 1995 - م. عقي النماري.
0980
الدرس الأصولي وأثره في فقه الحديث النبوي: كتاب نيل الأوطار نموذجاً/ الطيب كريبان - ماجستير - جامعة محمد الخامس - الآداب - الدار البيضاء - الدراسات الإسلامية - 1995 - م. عقي النماري.
0981
السنة النبوية في الدراسات الأصولية/ إدريس الحنفي - ماجستير - جامعة محمد الخامس - الآداب - فاس، ظهر المهراز - الدراسات الإسلامية - 1993 - م. إبراهيم بن الصديق.
0982
فقه الحديث عند أبي عبيد وأثره في مسالك المجتهدين/ نور الدين الذروي - ماجستير - جامعة محمد الخامس - الآداب - الدار البيضاء - الدراسات الإسلامية - 1986 - م. فاروق حمادة.
0983
فقه الحديث النبوي: أسسه ومناهجه/ الحسن العلمي - دكتوراه - جامعة محمد الخامس - الآداب والعلوم الإنسانية - الدراسات الإسلامية - 1996.
0984
فقه النساء في الكتب الستة/ عائشة يحيى منصور أبو سبعة - ماجستير - الرئاسة العامة لتعليم البنات - التربية للبنات بجدة - الدراسات الإسلامية - 1413ه - 1417ه - م. صالح أحمد رضا.
الفصل الحادي عشر
علل الحديث
0985
التاريخ والعلل: تحقيق ودراسة لابن معين (233ه)/ أحمد محمد نور سيف هلال - دكتوراه - جامعة الأزهر - أصول الدين - الحديث وعلومه - 1976 - م. مصطفى أمين التازي.
0986
جزء من كلام الإمام أحمد في علل الحديث ومعرفة الرجال/ عبدالله بن وكيل الشيخ - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1404ه - م. أحمد معبدعبدالكريم.
0987(/142)
شرح علل الترمذي لابن رجب الحنبلي (795ه): دراسة وتحقيقاً/ همام عبدالرحيم سعيد السعيد - دكتوراه - جامعة الأزهر - أصول الدين - الحديث وعلومه - 1977 - م. موسى شاهين لاشين.
0988
طرق اكتشاف العلة في الحديث/ بكري محمد سلام عليك - ماجستير - جامعة أم درمان - أصول الدين - السنة وعلومها - 2002 - م. أ. د. نور الدين عتر.
0989
علل الترمذي الكبير/ حمزة ديب مصطفى - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1402ه - م. أحمد محمد نور سيف.
0990
علل الحديث لابن أبي حاتم: من أول الكتاب إلى نهاية مسألة حديث ابن عمر (قال صلى الله عليه وسلم: صلاة الغداة...): تحقيقاً وتخريجاً ودراسة/ عبدالله بن عبدالمحسن التويرجي - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1410ه - 1414ه - م. أحمد معبدعبدالكريم.
0991
علل الحديث لابن أبي حاتم: من أول المسألة الحادية والخمسين ومائتين إلى آخر المسألة الخمسمائة: تحقيقاً وتخريجاً ودراسة/ ناصر بن محمد العبدالله - دكتوراه - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1410ه - 1415ه - م. أحمد معبدعبدالكريم.
0992
مفهوم المنكر في علل الحديث لابن أبي حاتم: تحقيق ودراسة/ زينب العيدان - ماجستير - الرئاسة العامة لتعليم البنات - التربية للبنات بالقصيم - 1417ه - م. علي بن عبدالله الجمعة.
0993
منزلة مدار الإسناد في علم علل الحديث الشريف/ محمد مجير الحسني - ماجستير - جامعة أم درمان - أصول الدين - السنة - 1999 - م. أ. د. نور الدين عتر.
0994
مواطن الرواة وأثرها في علل الحديث: دراسة نظرية تطبيقية من خلال علل حديث معمر بن راشد وإسماعيل بن عياش/ أحمد يحيى أحمد الكندي - ماجستير - الجامعة الأردنية - الشريعة - أصول الدين - 1998 - م. محمد عيد الصاحب.
الفصل الثاني عشر(/143)
المباحث الحديثية العامة
1- مختلف الحديث ومشكله
2- لغة الحديث
3- ناسخ الحديث ومنسوخه
1 - مختلف الحديث ومشكله
0995
اختلاف الحديث للإمام الشافعي/ إبراهيم بن محمد الصبيحي - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1400ه - م. عبدالفتاح أبو غدة.
0996
اختلاف الحديث وعناية المحدثين به/ عبدالحميد مصطفى أبو شحادة - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1404ه - م. صالح أحمد رضا.
0997
اختلاف الروايات وأثره في الخلافات الفقهية/ عبدالحفيظ دومر - دكتوراه - جامعة محمد الأول - الآداب - وجدة - الدراسات الإسلامية - 1995 - م. عبدالكريم مشهداني.
0998
بيان مشكل الآثار للطحاوي (321ه): الجزء الثامن، تحقيق ودراسة/ محمد أبو الليث شمس الدين الخير أبادي - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - م. محمد الشريف.
0999
دفع إيهام تعارض أحاديث الأحكام في كتاب الطهارة/ رقية محمد عبدج العزيز المحارب - ماجستير - الرئاسة العامة لتعليم البنات - التربية للبنات بالرياض - الدراسات الإسلامية - 1407ه - 1410ه - م. إبراهيم عبدالفتاح حليبة.
1000
قواعد المحدثين في الترجيح ودفع التعارض في الأسانيد والمتون: جمع ودراسة تطبيقية/ عائشة محمد رجا الله الحربي - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1422 ه - م. وصي الله محمد عباس.
1001
مختلف الحديث بين الفقهاء والمحدثين: مع دراسة تطبيقية على مرويات حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم/ نافذ حسين عثمان حماد - دكتوراه - جامعة القاهرة - دار العلوم - الشريعة الإسلامية - 1992 - م. رفعت فوزي عبدالمطلب.
1002(/144)
مختلف الحديث وموقف النقاد والمحدثين منه/ أسامة عبدالله خياط - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1403ه - م. أحمد محمد نور سيف.
1003
مشكل الآثار للطحاوي: الجزء الأول/ محمد طاهر عبدالرحمن نور ولي - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1410ه - م. عبدالعزيز العثيم.
1004
مشكل الآثار للطحاوي: الجزء الثالث/ عبدالرحمن الهاشمي محمد متليني - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1410ه - م. سيد سابق.
1005
مشكل الآثار للطحاوي: الجزء الخامس/ خالد سيف الله سيفي إسلام الله - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1411ه - م. سيد سابق.
1006
مشكل الآثار للطحاوي: الجزء السادس/ حسن أحمد عمر اليك - دكتوراه - جامعة أم القرى - الدعوة وأصول الدين - الكتاب والسنة - 1410ه - م. عبدالباسط بلبول.
1007
منهج التوفيق والترجيح بين مختلف الحديث وأثره في الفقه الإسلامي/ عبدالمجيد محمد إسماعيل السوسوه - دكتوراه - جامعة القاهرة - الحقوق - الشريعة الإسلامية - 1987 - 1992 - م. يوسف محمود قاسم - ل. محمد محمود فرغلي - عبدالمجيد محمود طالب (نشرت).
1008
منهج الأصوليين والمحدثين في التعامل مع الأخبار المتعارضة/ سامر وفا مزيك - ماجستير - كلية الإمام الأوزاعي - بيروت - 2002 - م. د. عبدالعزيز حاجي.
1009
iopiopiopiopiopiopiopiopiop
وجوه الترجيح الحديثية في شرح مشكل الآثار للطحاوي/ صالح حمد محمد الحواس - ماجستير - جامعة الملك سعود - التربية - الثقافة الإسلامية - 1417ه - م. عبدالله مرحول السوالمة.
1010
الاحتجاج بالحديث النبوي في مجال اللغة/ المكي قصدي - ماجستير - جامعة محمد الخامس - الآداب - الدار البيضاء - الدراسات الإسلامية - - 1995 - م. عز الدين توفيق.
1011(/145)
الإيجاز والإطناب في البيان النبوي: قراءة في صحيح البخاري/ وداد راضي بن صالح الحربي - دكتوراه - الرئاسة العامة لتعليم البنات لتعليم البنات - الآداب للبنات بالرياض - الدراسات الإسلامية - 1420ه - م. عبدالموجود متولي بهنسي.
1012
الأمثال لأبي الشيخ (369ه) الأصبهاني/ إبراهيم يوسف عرسان ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1403ه - م. محمد مبارك السيد - ل. محمد مبارك السيد.
1013
تحفة الأبرار في شرح مشارق الأنوار للبايرتي (من 340 إلى 395/ب) + (من الورقة 418-422)/ وفاء مهدي عمار - ماجستير - جامعة أم درمان - أصول الدين - السنة - 2000 - م. أ. د. نور الدين عتر.
1014
تحفة الأبرار في شرح مشارق الأنوار للبايرتي (من ورقة 134 حتى 166) + (395-418)/ أحمد حسين عبدالكريم - ماجستير - جامعة أم درمان - أصول الدين - السنة - 2000 - م. أ. د. نور الدين عتر.
1015
تحفة الأبرار في شرح مشارق الأنوار للبايرتي (من 185 حتى 233) + (422-438)/ نجم الدين عبدالله العيسى - ماجستير - جامعة أم درمان - أصول الدين - السنة - 2000 - م. أ. د. نور الدين عتر.
1016
2- لغة الحديث
تحفة الأبرار في شرح مشارق الأنوار للبايرتي (من 234 حتى 266) + (311-340)/ محمد خير الشعال - ماجستير - جامعة أم درمان - أصول الدين - السنة - 2000 - م. أ. د. نور الدين عتر.
1017
تحفة الأبرار في شرح مشارق الأنوار للبايرتي (من 166 إلى 185) + (من الورقة 266-311)/ محمد هشام الحمصي - ماجستير - جامعة أم درمان - أصول الدين - السنة - 2000 - م. أ. د. نور الدين عتر.
1018
التناسب البياني في الحديث: دراسة في النظم المعنوي والصوتي/ نادية البقالي - دكتوراه - جامعة محمد الخامس - الآداب - الرباط - الدراسات الإسلامية - 1996 - م. إبراهيم بن الصديق.
1019(/146)
الحذف في الحديث الشريف في كتاب اللؤلؤ والمرجان: دراسة نحوية تطبيقية/ خلود عبدالله العمر - ماجستير - الرئاسة العامة لتعليم البنات - التربية للبنات بالرياض - الدراسات الإسلامية - 1420ه - م. عبدالحميد محمود حسان الوكيل.
1020
دراسة وتحقيق جزء من مخطوطة تحفة الأبرار من ورقة 66-133/ مؤمنة الباشا - ماجستير - جامعة دمشق - الشريعة - القرآن والسنة - 2000 - 2002 - أ. د. نور الدين عتر - د. بديع السيد لحام - د. نصار نصار.
1021
دراسة وتحقيق جزء من مخطوطة تحفة الأبرار من ورقة 1-65/ منى العسة - ماجستير - جامعة دمشق - الشريعة - القرآن والسنة - 2000 - 2002 - أ. د. نور الدين عتر - د. بديع السيد لحام - د. نصار نصار.
1022
الدلائل على معاني الحديث بالشاهد والمثل لقاسم ثابت بن حزم السرقسطي (ت - 302): دراسة وتحقيق/ بوشعيب صمان - دكتوراه - جامعة محمد الخامس - الآداب - الجديدة - الدراسات الإسلامية - 1996 - م. محمد الديباجي.
1023
القصة في السنة النبوية وآثارها التربوية/ سلطان محمد عبدالله العريان - ماجستير - جامعة اليرموك - الشريعة والدراسات الإسلامية - أصول الدين - 2000 - م. محمد العمري - شفيق علاونة.
3- ناسخ الحديث ومنسوخه
1024
إبراهيم بن عمر الجعبري (732ه) وكتابه رسوخ الأخبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار: دراسة وتحقيق/ محمد بن عبدالرحمن شميلة الأهدل - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1398ه - م. أكرم ضياء العمري.
1025
إعلام العالم بعد رسوخه بحقائق ناسخ الحديث ومنسوخه لابن الجوزي (597ه)/ أحمد بن عبدالله العماري الزهراني - ماجستير - جامعة أم القرى - الشريعة والدراسات الإسلامية - الدراسات العليا الشرعية - 1398ه - م. أحمد صقر.
1026
رسوخ الأخبار في منسوخ الأخبار للجعبري/ حسن محمد مقبولي الأهدل - دكتوراه - الجامعة الإسلامية - الحديث الشريف - السنة - 1405ه.
1027(/147)
النسخ في السنة المطهرة وأشهر ما صنف فيه/ عبدالله بن محمد بن عبده الحكمي - ماجستير - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أصول الدين - السنة وعلومها - 1404ه - م. محمد أديب الصالح.(/148)
العنوان: سماسرة الزواج يتاجرون بمشكلة العنوسة!
رقم المقالة: 1687
صاحب المقالة: محمد جمال عرفة
-----------------------------------------
لأنَّ شرَّ البليَّة ما يضحك، ولأن نسبة العنوسة في معظم الدول العربية بلغت مستويات عالية حتَّى ارتفع سنُّ زواج الفتيات إلى 35 سنة، فقدِ انْتَشَرَتْ مكاتب الزواج في كثير من البلدان، بَيْدَ أنَّ أغربها على الإطلاق كان الإعلان عن مكتب متخصّص في مصر لتزويج البنات إلى أجانب تحت شعار "الزواج المضمون".
تحت عناوين: "متخصّصون في زواج الأجانب، نوفر عريس وعروسة أجنبية، للجادّين فقط يرجى الاتصال"، نشرت إحدى الصحف الإعلانية إعلانًا غريبًا عن مكتب زواج تخصَّص في توفير الشريك الأجنبي، فهذه تونسية تطلب زوجًا مصريًا، وهذا كويتيٌ يطلب زوجة مصرية، وغيرها من الجنسيات، أمريكي، لبنانية، سويدي، بريطانية، وهكذا.
والغريب أن حجم الإقبال من المصريين والمصريات على هذا المكتب كبير - حسب تأكيد صحيفة "المصري اليوم" - إذ يتلقَّى يوميًّا ما لا يقل عن 50 مكالمة من فتياتٍ يردن الارتباط بعرب أو أجانب. وشرطُهن الوحيد أن تتوفَّر لهنَّ حياةٌ مرفهة، وأن تؤمن كل منهن مستقبلها، إما بمبالغ مالية أو بشقة تمليك، أو بمؤخَّر كبير، أما الشباب فأغلبهم يشترط السفر إلى الخارج مع زوجته الأجنبية.
ويقول المسؤولون عن المكتب: إنه يعمل بموافقة أمنيَّة ويوفر طريقة آمنة ومضمونة لمن يرغب في الارتباط من خارج مصر، بعيدًا عن مشاكل سماسرة الزواج، وإنَّ دقَّة الإجراءات في المكتب كانت سببًا في إقبال كثيرين عليه خارج وداخل مصر، وإنهم يتلقَّون طلبات الأجانب من خارج مصر، ويشترطون عليهم الحضور إلى القاهرة وهناك يترك العميل أو العميلة صورة جواز السفر والرَّغبات المطلوبة في شريك الحياة، وعن طريق الطلبات المسجلة يُوفق بين الطرفين وتُجرى المقابلات في المكتب، ليخرجا منه وهُما متفقان على كل شيء.(/1)
وتقول إحدى مسؤولات المكتب: إنَّ الإقبال على المكتب وخاصَّة زواج المصريات يعود إلى أنَّ العرب والأجانب يقدرون العروس المصرية ويعطونها حقها ويؤمنون مستقبلها أكثر من المصريين أنفسهم، وحتى لو فشلت حياتها مع الأجنبي لأيِّ سبب لا تخرج من هذه الزيجة بلا مقابل،وحقُّها مضمون في الشقَّة والمهر الكبير.
مشروع تجاري:
يقول خبراء في علم الاجتماع: إن هذا النوع من الزواج يقبل عليه المصريون البسطاء غالبًا من الشباب - خصوصًا في المصايف - بهدف الزواج من أجنبية تنتشله من البطالة ويسافر معها إلى العمل في بلادها، وتقبل عليه البنت المصريَّة للزَّواج من شخص عربيٍّ ثَرِيّ ينقذها من شبح العنوسة وحتى لو لم تكتمل الزيجة فالمستقبل مضمون لأنَّ مكاسب الطلاق أفضل من العنوسة وسوف تحصل العروس على بعض المكاسب المادية.
الدكتور عبد الرؤوف الصبغ - أستاذ الاجتماع - يعتبر هذه النوعية من المكاتب مجرد صورة شرعية لسماسرة الزواج، فهم يتعاملون مع الزواج بوصفه مشروعًا تجاريًّا، لا يجب أن تخرج منه الفتاة خاسرة، وكأنها تبيع نفسها لمن يؤمِّن مستقبلها، والشابّ أيضًا يبيع نفسه لمن تخرجه من مصر وتوفّر له فرصة السفر إلى الخارج.
ويقول: إنه ربَّما يبدو الشباب والفتيات معذورين في هذا، فالفتيات يهربن من شبح العنوسة، والشباب يهربون من البطالة، لكن المسؤولية كلها تقع على هذه المكاتب التي استغلت حالة العوَز التي يعانيها الشباب في جَنْيِ أرباح طائلة، في زيجات محكوم عليها بالفشل، وتُعَدّ ستارًا لأعمال أخرى تبتعد عن مشروعية الزواج، وكأنها تجارة رخيصة بأحلام الشباب المصري وآمالهم، وللأسف يديرها مصريون، احترفوا بيع الوهم للشباب بأية صورة وأي ثمن.
الربح قبل الزواج:(/2)
وضمن هذه الشطارة من جانب سماسرة الزواج تنشر إعلانات على محطات المترو أو جدران الجامعة أو داخل الأتوبيس عن مكاتب لتيسير الزواج تطمئن الشباب إلى إمكانية إيجاد شريك الحياة أو النصف الآخر دون عناء ومشقة في البحث عنه!.
بيد أن هذه المكاتب تطلب من كل من يتقدم لها صورة من البطاقة وصورة شخصية ومبالغ مالية لملء استمارة زواج تتراوح بين 20 إلى 150 جنيه ( 4- 30 دولار تقريبًا) وهكذا يربح أصحاب هذه المكاتب حتى ولو فشلت الزيجات التي يرتبون لها.
الاستمارة التي تتكون من جزأين؛ الأول منهما مخصَّص للبيانات الشخصية الخاصة بمقدِّم الطلب وتشمل: الاسم وتاريخ الميلاد، والديانة، والطول، والوزن، والمؤهل، والوظيفة، والعنوان، ورقم التليفون، ثم لون البشرة، والجنسية، والحالة الاجتماعية، ثم بضعة أسئلة عما إذا كان الراغب في الزواج يعاني أمراضًا مزمنة أو يستخدم عدسات لاصقة أو أجرى عملية ما ومدى الاستعداد للمشاركة في تكاليف الزواج. أما الجزء الثاني من الاستمارة فهو مخصص للمواصفات المطلوبة في النصف الآخر من حيث العمر، لون البشرة، المؤهل، المستوى الاجتماعي، وفي نهاية الاستمارة يوقّع على إقرارٍ بأنَّ المكتب غير مسؤول عن إخلال أحد الطرفين بالاتفاق المبدئي الذي تَمَّ في المكتب وإذا رغب أحد الطرفين في لقاء شخصي آخر تدفع رسوم جديدة ثم يدوّن رقم البطاقة.
وبعد ملء الاستمارة تعرض مجموعة من الصور الشخصية على العريس أو العروس لكي تختار من تراه مناسبًا لها ويُحدَّد موعد لإجراء مقابلة تعارُف بَيْنَهُما وبِحَدٍّ أَقْصَى خمس مقابلات، وإذا رغبت في مزيد من المقابلات يُدْفَع مبلغ جديد، وحينما يحدث اتفاق بين الطرفين تناقش جميع الأمور المتعلقة بالزواج في منزل العروس وهنا ينتهي دور المكتب.(/3)
أمَّا أطرف هذه المكاتب على الإطلاق فكان مكتب تزويج سيدات ورجال المجتمع من الأثرياء فقط الذي استضاف صاحبَهُ برنامج (الناس وأنا) في التلفزيون المصري في شهر رمضان، وأكد أنَّ زبائنه من علية القوم من الأثرياء فقط، وأنه يشترط ألا يقل دخل من يتقدَّم له للزواج من الرجال أو النساء عنْ 5 آلاف جنيه مصري ( قرابة ألف دولار )، والسبب واضح، فهي تجارة أكثر ربحًا!
مفتي مصر يجيز شركات الزواج
ولأن هذه المكاتب انتشرت بصورة وبائية كمصدر لربح أصحابها، ولأنها تنجح في بعض الأحيان في تزويج البنات، فقد أجاز مفتي مصر الدكتور علي جمعة – بتحفظ - الزواج عبر شركات الزواج المتخصّصة، بما قد يشمل الشركات على مواقع الإنترنت.
وقال في فتواه: يجوز شرعًا التوسّط في مسائل الزواج بين الناس من خلال ما يسمى بإعلانات شركات الزواج أو من خلال بعض المراكز، وذلك بإعطاء المعلومات عن كل طرف للآخر بدون غش أو تدليس وبعِلْمِ وليّ الزوجة الشرعي بكل هذه الخطوات عند إتمام عقد الزواج من مراحله الأولى وحتى إنجازه.
لكنه أشار في المقابل إلى أنَّ المركز إذا كان يهتم فقط بالمكسب التجاري ولا يراعي الحدود الشرعية في حرمة البيوت، وقام بتدليس في المعلومات، أو تشجيع للفتاة على الانفراد براغب الزواج منها من وراء أبيها أو أُسْرَتِها، فإنَّ هذا العمل يكون حرامًا والأموال التي يتربح منها هذا المركز تصبح أموالاً محرَّمةً، ولا يجوز التعامل مع هذه المراكز في تلك الحالة.
وناشدت دار الإفتاء المصرية في نهاية الفتوى المسلمين التنبّه إلى ما ذكرته من شروط في التعامل مع شركات الزواج المتخصصة، خاصَّة أنَّ بعض هذه الشركات يعلن أنَّ دار الإفتاء أباحت التوسط في مسائل الزواج بين الناس على عمومه.
وقد نشر المفتي هذه الفتوى ردًّا على سؤال من أحد الأشخاص في مشروعية إعلانات شركات الزواج.
المساجد لمواجهة العنوسة:(/4)
أدَّى تأخُّر سنّ الزواج (العنوسة) إلى تدخّل بعض المساجد في مصر للبحْثِ عن حلّ لِهذِهِ المشكلة بطريقة عمليَّة، حيث يقوم صاحب المشروع بتزويج الفتيات والشباب المسلم بسبب الأزمة التي تواجهها العديد من الأسر الراقية والمُتَواضعة في البحث عن عريس مناسب، خاصَّة أنَّ الكثيرين يتعرَّضُونَ لِلْحَرَجِ الشديد بسبب مثل هذه القضايا الاجتماعية الشائكة.
حيث يقوم المسجد بتوفير استمارات مجانية "ببيانات" لكل راغب في الزواج من الجنسين، ويتوقف دوره عند التوفيق بينهما من خلال المواصفات التي يطلبها كل طرف في الآخر، وبعد أن تتمَّ الخطبة يُترك لهما استكمال باقي المراحل.
ولأنَّ هدف المشروع هو القضاء على ظاهرة تأخّر سن الزواج وتشجيع الشباب على الزواج، فيقتصر دور المسجد هنا على تقديم الطرفين وتعريفهما ببعضهما البعض وفقًا للمواصفات التي دَوَّنها كل طرف في استمارات التعارف التي تتَّخذ طابعًا سريًا، ولا يسمح لأحد بالاطلاع عليها حتى نضمن الحفاظ على خصوصية كل المسجلين.
ومن المعوّقات التي تواجه مثل هذا المشروع أنَّه كشف عن أزمة حقيقية يواجهها شباب اليوم في تحديد مواصفات الشريك المناسب؛ فقد تبيَّن من خلال الاتصال المباشر واللقاءات التي تمَّت أنَّ الشَّباب بالذَّات يبالغ في مواصفات زوجة المستقبل.
125 مكتب زواج:
والغريب أنه خلال السنوات العشر الأخيرة انتشرت في مصر مكاتب الزواج التي تقوم بمهمة الخاطبة التقليديَّة التي كانت شائعة في القرن الماضي، واختفت في زحمة الحياة العصرية، وأصحاب هذه المكاتب يحصلون على موافقة من وزارتي الداخلية والشؤون الاجتماعية قبل مزاولة نشاطهم.(/5)
ويُقدَّر عدد هذه المكاتب (المسجلة) حاليًا بأكثر من 125 مكتبًا يسدّد كل راغب في تسجيل اسمه بها رسومًا قيمتها 50 جنيهًا مصريًا (8 دولارات أمريكية) للشباب والشابات، وتعتمد بعض هذه المكاتب على ما يطلق عليه الزواج الإلكتروني؛ حيْثُ يَتَوَلَّى التَّوفيقَ بين بيانات الطرفين آليًا عبر أجهزة الكمبيوتر التي ترشح كل طرف لمن يناسبه من خلال الاعتماد على المعايير والشروط التي أوردها في طلبه، ومدى انطباقها على المتقدمين في الجانب المقابل.
انتشرت في مدن القاهرة والجيزة والإسكندرية في الشهور الأخيرة شركات استثمارية تنحصر أنشطتها في التزويج أو "الجمع بين رأسين في الحلال" – على حسب التعبير المصري الدارج – وتتخذ مواقعها في الضواحي الراقية، وصارت تحقّق دخولاً عالية جذبت أخرى إلى هذه الأنشطة التي تتَّخِذُ شَكلاً قانونيًا. لكن كشفت بعض الصحف الحكومية من خلال تحقيقاتها أن هذه الشركات تبيع الوهم ولا توفر بديلاً حضاريًا لراغبي الزواج.(/6)
العنوان: سنة الاستخارة
رقم المقالة: 1360
صاحب المقالة: الشيخ إبراهيم الحقيل
-----------------------------------------
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلِل فلا هادِيَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70 – 71].
أما بعدُ: فإن أصدق الحديث كلام الله - تعالى -، وخير الهدي هَدْيُ محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشَرَّ الأمور مُحْدثاتها، وكل مُحْدَثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها المسلمون: لا يَنْفَك العباد عن حاجتهم لربهم في شؤونهم كلها، والمؤمن يسألُ الله العَوْن على أمور الدين والدنيا، ويستعين به فيها في كل ركعة يصليها فيقرأ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5].(/1)
وللناس أشغال يودون قضاءها، وحاجات يسعون في تحصيلها، والمؤمن مُوقِنٌ بأن تصريف الأمور وتدبيرها بيد الله - سبحانه وتعالى -، وأن العبد لا ينالُ خيرًا، ولا يصيبه شرٌ إلا بتقديره - جل جلاله -؛ كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن عباس - رضي الله عنهما -: ((واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله - تعالى - لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله - تعالى - عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف))؛ رواه الترمذي وقال: حسن صحيح[1]
يعلمُ المؤمن أن المقادير من خَيْر وشر، ونفع وضر ليست بيده، وأن ما يصيبه منها هو بإرادة الله - تعالى - وقضائه وقدره: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [القصص: 68].
ولم يمنع ذلك المؤمن من أن يضرب في الأرض، ويسعى فيما ينفعه في الدنيا والآخرة، ويسألَ الله - تعالى - العَوْن والسَّدَاد في أموره كلها.(/2)
وإن احتار بين أمرين لا يدري أيُّهُما خير له شُرِعَ له أن يستخيرَ اللهَ - سبْحانَهُ وتعالى - ويسألُه أن يُقَدِّرَ له ما فيه نَفْعُه، كما قال جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما -: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُعَلِّمُنا الاستخارة في الأمور كلِّها كما يُعَلِّمُنا السُّورَةَ من القرآن، يقول: ((إذا هَمَّ أحَدُكم بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ ركْعَتَيْنِ من غَيْرِ الفريضة، ثم ليقل: اللَّهُمَّ إنِّي أسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلمُ أن هذا الأمر خيرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال: عاجل أمرى وآجلهِ - فاقْدُرهُ لي، ويسِّرْهُ لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبةِ أمري - أو قال: عاجل أمري وآجله - فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقْدُرْ لي الخير حيث كان ثم أرضني به))؛ رواه البخاري[2].
وظاهِرٌ من لفظ الحديث حرصُ النبي - صلى الله عليه وسلم - على تعليم أصحابه هذا الدعاء العظيم؛ كما قال جابِرٌ: " يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها؛ كما يعلمنا السورة من القرآن".
والمعنى: أن العبدَ كما يحتاج إلى القراءة في الصلاة فيتعلم السورة من القرآن، فهو كذلك محتاج إلى حفظ دعاء الاستخارة؛ لكثرة أموره التي تحتاج إلى استخارة.
أو يكون المعنى: كما لا يجوز له أن يَزِيدَ في السورة من القرآن، ولا ينقص منها حرفًا، فكذلك لا يزيد في هذا الدعاء المأثور، ولا يَنقص منه شيئًا حالَ استخارته، فيحفظه كما يحفظُ السورة من القرآن[3].(/3)
ويبدأ وقت استخارته منذ هَمِّه بِفِعْلِ أمر من الأمور، واحتار هل يفعل أم لا يفعل، فيصلي ركعتين ينويها للاستخارة، فإن كان في وقتِ نَهْيٍ أخَّر استخارته إلى ما بَعْدَهُ إلا إذا كان الذي يَسْتَخِيرُ من أجله يفوت إذا أُخرت الصلاة، فيصلي في وقت النهي ويستخير؛ وذلك لأن صلاة الاستخارة من ذوات الأسباب، وذوات الأسباب يجوز فعلها في وقت النهي على الصحيح[4].
فإن منعه مانع من الصلاةِ؛ كالحيض للمرأة مع حاجتها إلى الاستخارة قبل زوال المانع فتستخيرُ بالدعاء فقط، قال النووي - رحمه الله تعالى -: "ولو تعذرت عليه الصلاة استخار بالدعاء"[5]. ولا يقدم الدعاء على الصلاة؛ بل يصلي ثم يدعو، قال ابن أبي جمرة - رحمه الله تعالى -: "الحكمة في تقديم الصلاةِ على الدعاء أن المرادَ بالاستخارة حصولُ الجمع بين خيري الدنيا والآخرة؛ فيحتاج إلى قرع باب الملك، ولا شيء لذلك أنجعُ من الصلاة لما فيها من تعظيم الله، والثناء عليه، والافتقار إليه مآلاً وحالاً"[6].
فإذا سلّم من صلاته دعا، وإن دعا قبل السلام صح ذلك، قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله تعالى -: "يجوزُ الدعاء في صلاة الاستخارة وغيرها قبل السلام وبعده، والدعاءُ قبل السلام أفضل؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر دعائه كان قبل السلام، والمصلي قبل السلام لم ينصرف فهذا أحسن"[7].
فإن كان المستخير لا يحفظ الدعاءَ دعا به من كتاب، أو كتبه في ورقة ثم يدعو منها بحضور قلب وخشوع وتعلق بالله - تعالى -، والأولى أن يحفظ المسلم هذا الدعاء المبارك لكثرة حاجته إليه؛ إذ هو متعلق بحاجاته، وحاجاتُه كثيرة ومستمرة؛ ولأنه قد يحتاج إلى الاستخارة في مكان لا يجد فيه هذا الدعاء مكتوبًا.
فإذا صلَّى ودعا واستخار الله - تعالى - أقدم على ما ينوي فعله، فإن كان خيرًا يسّره الله - تعالى - له، وإن كان شرًّا صَرَفَهُ الله - تعالى - عنه، وأبعده منه.(/4)
وما يعتقده بعض الناس من أن المستخير إذا استخار ربه في شيء فعليه أن ينتظر حتى يرى منامًا، وبناء على الرؤيا التي يراها يفعل أو لا يفعل فذلك لا أصل له، وقد لا يرى شيئًا ألبتة؛ لكنَّ العلماءَ قالوا: "ينبغي له أن يُفرِّغ قلبه من جميع الخواطر؛ حتى لا يكون مائلاً إلى أمرٍ من الأمور، ثم يفعلُ ما بدا له سواء انشرحت نفسه أم لا؛ فإن فيه الخير ما دام مستخيرًا وإن لم تنشرح نفسُه، وليس في الحديث تعليق الفعل على انشراح الصدر[8].
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى -: "والمعتمد أنه لا يفعل ما ينشرحُ به صدره مما له فيه هوًى قويٌ قبل الاستخارة"[9].
وبعض العلماء يَرَى أنه يقدم على ما انشرح صدره له بشرط أن لا يكون له فيه هوًى قبل الاستخارة[10]، وإنِ احتاج إلى تَكرار الاستخارة كَرَّرَها، وذلك فيما لو لم تتضح له الصورةُ، ولا وجهُ الخير فيما عَزَم عليه؛ وذلك لأن الاستخارة دعاء، والدعاء يُشرع تَكراره، وقال ابن الزبير - رضي الله عنه -: "إني مستخير ربي ثلاثًا"[11].
ولا تمنع الاستخارةُ استشارةَ ذَوِي الرأي السديد، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "ما نَدِمَ من استخار الخالق، وشاورَ المخلوقين، وتثبَّت في أمره"[12].
وقال الحسن - رحمه الله تعالى -: "ما شاور قوم قط إلا هُدوا لأرْشَد أمورهم"[13]. وقال الماوردي - رحمه الله تعالى -: "اعلم أن من الحزم لكل ذي لُبٍّ أن لا يبرم أمرًا، ولا يُمضيَ عزمًا إلا بمشورة ذي الرأي الناصح، ومطالعة ذي العقل الراجح؛ فإن الله تعالى أمر بالمشورة نبيه - صلى الله عليه وسلم - مع ما تكَفَّلَ به من إرشاده وعونه وتأييده، فقال تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159][14]".
والمشروع في حق المؤمن أن يجمع بين الاستخارة والاستشارة؛ فيستخير الله - تعالى - ويستشير الحكماء.(/5)
قال ابن الحاج المالكي - رحمه الله تعالى -: "والجمع بين الاستخارة والاستشارة من كمال الامتثال للسنة، فينبغي للمكلف أن لا يقتصر على إحداهما"[15].
وقال بعض السلف: "من حق العاقل أن يضيف إلى رأيه آراء العلماء، ويجمع إلى عقله عقول الحكماء، فالرأيُ الفذ ربما زل، والعقلُ الفرد ربما ضل"[16].
أسأل الله تعالى أن ينير بصائرنا، وأن يختار لنا، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا إنه سميع مجيب، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا طيِّبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغْفِرُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله - صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومَنِ اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله ـ عباد الله ـ واسألوه من فضله، وعوذوا به من سخطه.
أيها المؤمنون: تشرعُ الاستخارة في الأمور المباحة؛ كالسفر والزواج والتجارة ونحوها، أما الواجبات والمندوبات فلا يستخيرُ لها؛ بل يفعلها فورًا، فلا يستخيرُ هل يصلي أو لا يصلي. ولا تدخل الاستخارة في ترك المحرمات والمكروهات، فلا يستخير هل يسرق أم لا؛ إذ الواجب عليه: فعل الواجبات، وتركُ المحرمات، والسنة في حقه: فعل المندوبات، واجتناب المكروهات.
وقد يستخير العبدُ في أمر يتعلق بالعبادة لا لذات العبادة، وإنما لوسيلتها أو ما يحيط بها؛ وذلك مثل سفره للحج لاحتمال عدوٍ أو فتنةٍ أو تكون مشقة الحج مَضَرَّةً به لمرضٍ أو كبر أو نحو ذلك، فما كان مثل ذلك فله أن يستخير فيه؛ لأنه لم يستخر لذات الطاعة؛ وإنما لما قد يلحقه من جرائها[17].(/6)
وينبغي للمؤمن أن يعوِّد نفسه على الاستخارة، ولا يحتقر شيئًا يستخير الله فيه؛ إذ كبائر الأمور تبنى على صغيرها، ثم إن كثرة الاستخارة تدل على قوة توحيد العبد، وشدة تعلق قلبه بالله - تبارك وتعالى -؛ ذلك أنه فوض أمره لله - تعالى -، وتبرَّأ من حوله وقوته ورأيه، وسأل الله - تعالى - أن يختار له؛ لأنه موقن بأنَّ الله - تعالى - يعلم ما هو الخير له؛ ولذا يقول: "اللَّهُمَّ إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم؛ فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب" تبرؤٌ من الحول والقدرة والعلم، واعترافٌ بقدرة الله - تعالى - وعلمه، ولا يخذل الله - تعالى - عبدًا لاذ بِحِمَاه، وتعلق بجنابه، وطرق بابه.
والاستخارة نعمة من الله - تعالى - لهذه الأمة المباركة، وهي بديل عمَّا كان يفعله أهلُ الجاهلية من الاستقسام بالأزلام، قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: "وأغنانا عن الاستسقام بالأزلام؛ طلبًا لما هو خير وأنفع لنا بالاستخارة التي هي توحيد وتفويضٌ واستعانةٌ وتوكُّلٌ"[18].
ألا فاتقوا الله ربكم، وعَظِّمُوا أَمْرَه، واستخيروه في أموركم؛ فإن العبد لا ينفك عن الحاجة لله علام الغيوب: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216].
ألا وَصَلُّوا وسَلِّمُوا على نبيكم محمد؛ كما أمركم بذلك ربكم.
---
[1] أخرجه أحمد (1/307)، وأبو يَعْلَى (2556)، والتِّرْمِذِيّ في صفة القيامة باب (59)، وقال: حديث حسن صحيح (2516)، وعبد بن حُمَيْد (636)، والحاكم (3/541)، وحسنه الحافظ ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (1/360).(/7)
[2] أخرجه البخاري في التهجد باب ما جاء في التطوع مَثْنَى مَثْنَى (1162)، وفي الدعوات باب الدعاء عند الاستخارة (6382)، وأبو داود في الصلاة باب في الاستخارة (1583)، والترمذي في الوتر باب ما جاء في صلاة الاستخارة (480).
[3] انظر: "فتح الباري" لابن حجر (11/220)، و"المدخل" لابن الحاج (4/37).
[4] انظر: "مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" (23/215).
[5] "الأذكار" (112).
[6] "فتح الباري" لابن حجر (11/222).
[7] الدعاء عقب السلام هو قول الحفّاظ ابن حجر والشوكاني وابن باز - رحمهم الله - كما في "الفتح" (11/222)، و"نيل الأوطار" (3/89)، و"مجموع فتاوى" ابن باز (2/336)، وقالوا: إنه ظاهر الحديث؛ لأنه قال في الحديث: "ثم يقول" وهذا يفيد التراخي. وانظر: كلام شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (23/177)، والأمر واسع والحمد لله.
[8] انظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (13/203)، و"طبقات الشافعية الكبرى" للسبكي (9/206)، و"مجلة الحكمة" عدد (22) ص(529).
[9] "فتح الباري" (11/223).
[10] انظر: "مرقاة المفاتيح" للقاري (3/406).
[11] قال ذلك ابن الزبير - رضي الله عنهما - في شأن نقض الكعبة وبنائها على قواعد إبراهيم - عليه السلام -، وكان من قوله في ذلك: "إني مستخير ربي ثلاثًا ثم عازم على أمري.."؛ أخرجه مسلم في الحج باب نقض الكعبة وبنائها (1333).
[12] "الوابل الصيب" (247) عن "مجلة الحكمة" (22/537).
[13] "الدر المنثور" للسيوطي (1/159)
[14] "أدب الدنيا والدين" (422).
[15] "المدخل" لابن الحاج (4/40) عن "مجلة الحكمة" (22/536).
[16] المصدر السابق (4/41).
[17] انظر: "الأذكار للنووي" (112)، و"عمدة القاري" (7/233)، و"نيل الأوطار" (3/88)، و"الفتح الرباني" (5/52)، و"مجلة الحكمة" (22/515).
[18] "إغاثة اللهفان" (2/70).(/8)
العنوان: سنة السواك .. أحكام و آداب ومنافع
رقم المقالة: 1357
صاحب المقالة: الشيخ إبراهيم الحقيل
-----------------------------------------
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يَهْدِه الله فلا مُضِلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70 – 71].
أما بعد: فإنَّ أصدق الحديث كلام الله - تعالى -، وخير الهدي هَدْي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بِدْعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها المؤمنون: تعتني الشريعةُ ببدن الإنسان كما تعتني بقلبه، وتهتم بصلاح جسده كما تهتم بصلاح دينه وأخلاقه. لذا كانت نصوص الآداب والتهذيب تضاهي نصوص الأحكام والتشريع.(/1)
وهناك آدابٌ تُحَتِّمها الطِبَاعُ السوية؛ وتدعو إليها الفطر السليمة، ويتعارف عليها العقلاء من البشر؛ كالتحلي بالنظافة؛ والاهتمام بالزينة. فالاستنجاء من الأَذَى، وغسل اليدين قبل الطعام وبعده، وإماطة الأذى عن الطريق، ونظافة البدن واللباس، ومكان العمل والدار، أمور يتفق عليها جميع البشر، ويفعلها المسلم وقد يفعلها الكافر؛ إذ هي من عادات الإنسان العاقل السوي، فهو يكره القَذَر، ويحب النَّظَافَة.
لكن الإسلام من عنايته بأمور الحياة - التي قد يراها الناس من أمور العادة - رتَّبَ عليها أجورًا عظيمة، ورَغَّبَ فيها حتى أضحت سننًا، إذا فعلها المؤمن حِسبةً نال أجرًا عظيمًا، وثوابًا جزيلاً.
والعنايةُ بالفم ونظافته، وتطييب رائحته لحق النفس ولحق الغير، ليست تنفك عن عناية الشريعة واهتمامها؛ ولذا شرع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السواك، وَرَغَّبَ فيه، وأَكَّدَ عليه؛ حتى أصبح من السنن المؤكدة، قال ابن قدامة - رحمه الله تعالى -: "واتفق العلماء على أنه سُنَّة مُؤَكَّدة لحث النبي - صلى الله عليه وسلم - ومواظبته عليه، وترغيبه فيه، وندبه إليه، وتسميته إياه من الفطرة: ا.هـ [1]، قال النبي عليه الصلاة والسلام ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة))[2].(/2)
وما ترك النبي - عليه الصلاة والسلام - السواك حتى في المرض الذي مات فيه؛ بل كان السواك آخر فعلٍ فعله قبل أن يتشهد للموت، وهذا يدل على عظيم اهتمامه بشأنه، قالت عائشة - رضي الله عنها -: "دخل عبدالرحمن بنُ أبي بكر على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا مسندته إلى صدري ومع عبدالرحمن سواكٌ رطبٌ يستن به، فأبّده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصره، فأخذت السواك فقضمته ونفضته وطيبته، ثم دفعتُه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فاستنَّ به، فما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استنَّ استنانًا قط أحسن منه، فما عدا أن فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رفع يده أو إصبعه ثم قال: ((في الرفيق الأعلى ثلاثًا ثم قضى))؛ أخرجه البخاري[3]. قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى -: "وفيه دلالة على أَمْرِ السّواكِ لِكَوْنِهِ - صلى الله عليه وسلم - لم يخلّ به على ما هو فيه من شاغل المرض"[4].
وأمَّا نَوْعُ السّواك: فشجرُ الأراك، أو غيرُه مما يحصل به المقصود من النظافة، وقد كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَسَوَّكُ بالأراك، وثبت أنه تسوك بالجريد؛ كما في رِوَاية ابن أبي مُلَيْكَة عند البخاري من حديث عائشة - رضي الله عنها - في قصة سواكه عند موته[5]، قال ابن عبدالبر - رحمه الله تعالى -: "وكان سواكُ القوم الأراك والبَشَامَ. وكلُ ما يجلو الأسنان ولا يؤذيها ويطيب نكهة الفم فجائزٌ الاستياك به"[6].(/3)
وأما وقت السواك: فهو مستحب في جميع الأوقات، قال النبي - عليه الصلاة والسلام -: ((السواك مطهرة للفم مَرْضَاة للرب))؛ أخرجه النسائي والدارمي[7]. قال النووي - رحمه الله تعالى -: "لكن في خمسة أوقاتٍ أشدّ استحبابًا، أحدها: عند الصلاة سواء كان متطهرًا بماء أو بِتُراب، أو غير متطهر؛ كمن لم يجد ماءً ولا ترابًا، الثاني: عند الوضوء، الثالث: عند قراءة القرآن، الرابع: عند الاستيقاظ من النوم، الخامس: عند تغير الفم، وتغيرُه يكون بأشياء منها: ترك الأكل والشرب، ومنها: أكل ما له رائحة كريهة، ومنها: طول السكوت، ومنها: كثرة الكلام"[8].
قال الشوكاني: "وقد قامت الأدلة على استحبابه في جميع هذه الحالات التي ذكرها"[9]. كما في قول النَّبِيّ - عَلَيْهِ الصلاة والسلام -: ((لولا أنْ أَشُقَّ على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة))؛ متفق عليه[10]، وفي حديث آخر ((لولا أنْ أَشُقَّ على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء))؛ أخرجه مالك وأحمد [11]، وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك [12]، قالت عائشة - رضي الله عنها -: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يرقد من ليل ولا نهار فيستيقظ إلا تسوك قبل أن يتوضأ"؛ أخرجه أبو داود بإسناد حسن[13]، وفي حديث آخر: "كان - عليه الصلاة والسلام - لا ينام إلا والسواك عند رأسه، فإذا استيقظ بدأ بالسواك"[14]، وسئلت - رضي الله عنها -: "بأي شيء كان يبدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك"؛ أخرجه مسلم[15]، وقال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالليل ركعتين ركعتين ثم ينصرف فيستاك"؛ أخرجه ابن ماجه[16]، وروي عن علي - رضي الله عنه - أنه قال: "إن أفواهكم طُرُقٌ للقرآن فطيبوها بالسواك"[17].(/4)
وقد ذكر الفقهاء - رحمهم الله تعالى - أن السواك يكون على اللثة والأسنان، وسقف الحلق واللسان[18]؛ لأنها كُلّها مقصودةٌ بالنظافة والتطهير، وقد جاء في حديث أبي بُرَيْدَة عن أبيه - رضي الله عنهما - قال: "أتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نستحمله فرأيته يستاك على لسانه"؛ أخرجه مسلم، وأبو داود واللفظ له[19].
واستحب جمع منهم أن يكون السواكُ عَرضًا لحديث حذيفة - رضي الله عنه - قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام ليتهجد يشوص فاه بالسواك"؛ متفق عليه[20]. قال ابن العربي: "والشوص هو الإيساك عرضًا"[21]. والأرجح أنه يختار الطريقة التي تكون أكثر نظافة وأقل ضررًا، طولاً أو عرضًا؛ إذ مقصود السواك التنظيف.
والسواك سنة في حق النساء؛ كما هو في حق الرجال، ومن سقطت أسنانه فإنه يتسوك على لثته ولسانه وسقف حلقه؛ لأن الحكمة من السواك تنطبق على من له أسنان ومن لا أسنان له، وحتى يصيب ثواب السنَّة[22]. والصائم يتسوك قبل الزوال وبعده، ولا فرق في ذلك[23].
والأحسن أن يغسل المتسوك السواك قبل أن يتسوك؛ لحديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يعطيني السواك أغسله فأبدأ به فأستاك ثم أغسله ثم أدفعه إليه"؛ أخرجه أبو داود[24].
ويبدأ سواكه بجانب فمه الأيمن؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعجبه التيمن في كل شيء في ترجله وتنعله وتطهره وسواكه[25] ممسكًا المسواك بيده اليسرى[26]. قال شيخُ الإسلام ابن تيمية: "وذلك لأن السواك من باب إماطة الأذى فهو؛ كالاستنثار والامتخاط ونحو ذلك، مما فيه إزالة النجاسات؛ كالاستجمار ونحوه باليسرى، وإزالة الأذى واجبها ومستحبها باليسرى" ا.هـ كلامه[27].(/5)
ويومُ الجمعة عيدُ الأسبوع، شُرع فيه الغسلُ والزينة، وقرن مع ذلك السواك، قال - عليه الصلاة والسلام -: ((غُسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم وسواك، ويمسُّ من الطيب ما قدر عليه ))؛ أخرجه الشيخان[28].
نفعني الله وإياكم بهدي القرآن العظيم وبسنة سيد المرسلين...
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، أحمده وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله - صلى الله وسلم وبارك عليه -، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أيها المؤمنون: أهملَ كثيرٌ من الناس سُنَّة السواك تهاوُنًا بها، أو جهلاً بفضلها، أو استعاضة بغيرها عنها، ونبينا - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((السواكُ مَطْهَرة للفم مَرْضَاة للرب))؛ أخرجه أحمد بسند صحيح[29].
وفي هذه الجملة الموجزة يظهر اجتماع خيري الدنيا والآخرة في السواك؛ لأن الله - تعالى - إذا رضي عن العبد سهل له أمور الدنيا والآخرة.
وبلغ من عناية الشريعة بالسواك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أُمر به كثيرًا حتى قال: ((أُمرت بالسواك حتى خفت على أسناني))؛ أخرجه الطبراني[30]. وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أُمرت بالسواك حتى ظننت أو حسبت أنه سَينزل فيه قرآن))[31].
ونقل الصنعاني عن صاحب البدر المنير قوله: "قد ذُكر في السواكِ زيادةٌ على مائة حديث. فواعجبًا لسنةٍ تأتي فيها الأحاديث الكثيرة ثم يهملها كثير من الناس؛ بل كثير من الفقهاء، فهذه خيبة عظيمة" ا. هـ[32].(/6)
أيها الإخوة: بان لكم ما في هذه السنة المباركة من الخير الكثير، والأجر العظيم، فلا جهل يحول بينكم وبينها، وأما التهاون فلا يحسن أن يكون صارفًا عن سنن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وأما الاستغناء بغيره عنه فذلك من استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير، ولا ثمة مانعٌ للجمع بين ما هو خير وما هو أدنى.
وقد ذكر أرباب الطب الحديث من عرب وعجم، ومسلمين وغير مسلمين في أبحاثٍ كثيرة، وبعد تَجَارِب عديدة؛ أن السواك أنفع للفم من سائر المنظفات، وقرروا أن مفعول السواك في قتل الجراثيم يمتد إلى خمس ساعات على الأقل. أما أقوى المستحضرات الحديثة فلا يصل إلى عشرين دقيقة، وذكروا له أكثر من ست عشرة فائدة طبية[33]. وهذه المنافع منافع دنيوية، ويكفينا في ذلك - معشر المسلمين - مرضاةُ الرب، وامتثالُ سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم تطييب رائحة الفم للقرآن والصلاة والذكر، وحتى لا يتأذى الملائكةُ وجلساؤك من رائحة فمك.
فاتقوا الله ربكم، وامتثلوا سنة نبيكم، وأخلصوا لله نيتكم، واستحضروا في سواككم امتثال السنة، وطلب مرضاة الرب - سبحانه وتعالى -، قال الحافظ ابن حجر: "وينوي به الإتيان بالسنة"، قال ابن قاسم: "وذلك لأن السواك مما يُتَعَبَّد به" [34]
ألا وصلوا وسلّموا على نبيكم؛ كما أمركم بذلك ربكم.
---
[1] المغني لابن قدامة (1/134).
[2] أخرجه البخاري في الجمعة؛ باب السواك يوم الجمعة (887)، ومسلم في الطهارة باب السواك (252)، ونحوه عند أبي داود في الطهارة باب السواك (46)، والترمذي في الطهارة باب ماجاء في السواك (22)، والنسائي في الطهارة باب الرخصة في السواك بالعشي للصائم (1/12).
[3] أخرجه البخاري في المغازي باب مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - ووفاته (4438).
[4] فتح الباري (2/438).
[5] في المغازي باب مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - ووفاته (4451).
[6] الاستذكار لابن عبدالبر (3/272).(/7)
[7] أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (1/169)، والشافعي في "مسنده" (1/27)، وأحمد (6/47)، والبخاري معلقًا مجزومًا به، انظر: "فتح الباري" (4/187)، والنسائي في الطهارة باب الترغيب في السواك (1/10)، والدارمي (1/174)، وابن خزيمة (135)، والبيهقي في "الكبرى" (1/34)، وصححه ابن حبان (1067)، والألباني في "الإرواء" (65).
[8] شرح النووي على مسلم (3/181).
[9] نيل الأوطار للشوكاني (1/143).
[10] سبق تخريجه في هامش (2).
[11] أخرجه مالك في الطهارة باب ما جاء في السواك (115)، وأحمد (2/460)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/43)، والبيهقي في "الكبرى" (1/35)، وابن خزيمة (140)، وصححه الألباني في "الإرواء" (70).
[12] كما في حديث حذيفة عند البخاري في الجمعة باب السواك يوم الجمعة (889)، ومسلم في الطهارة باب السواك (254)، وأبي داود في الطهارة باب السواك لمن قام من الليل (55).
[13] أخرجه أبوداود في الطهارة باب السواك لمن قام من الليل (57)، ونحوه عند مسلم في الطهارة باب السواك (253).
[14] أخرجه أحمد (2/117)، وابن نصر في قيام الليل (43)، وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2111).
[15] أخرجه مسلم في الطهارة باب السواك (253).
[16] أخرجه ابن ماجه في الطهارة وسننها باب السواك (288)، وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه" (1/53).
[17] أخرجه ابن ماجه في الطهارة وسننها باب السواك موقوفاً على علي - رضي الله عنه - (236)، وضعفه الحافظ في "التلخيص الحبير" (1/10)، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة"، واحتمل أنه مرفوع، وعزاه للبيهقي في "الكبرى" (1/38)، والضياء في المختارة (1/201) انظر: "السلسلة الصحيحة" (1213).
[18] انظر: "الإنصاف للمرداوي" (1/118)، و"المبدع" لابن مفلح (1/102)، و"روضة الطالبين" للنووي (1/167)، و"حاشية ابن قاسم على الروض المربع" (1/154).(/8)
[19] أخرجه مسلم في الطهارة باب السواك (254)، وأبوداود في الطهارة باب كيف يستاك (49).
[20] ) أخرجه البخاري في الجمعة باب السواك يوم الجمعة (889)، ومسلم في الطهارة باب السواك واللفظ له (205).
[21] "عارضة الأحوذي" لابن العربي (1/40) وانظر: في ذلك "المغني" لابن قدامة (1/135)، و"المجموع" (1/281)، و"إحياء علوم الدين" (1/158).
[22] انظر: "رد المحتار" (1/236)، و"بلغة السالك" (1/49)، و"الإنصاف (1/118)، و"حاشية ابن قاسم على الروض المربع" (1/154)
[23] المسألة خلافية: فقد كره الحنابلة والشافعية السواك بعد الزوال، وهو مروي عن جمع من السلف، ورخص فيه جميع النهار الحنفية والمالكية وهو قول عند الشافعية واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وانظر: "الاستذكار" (10/254)، و"الحاوي الكبير" (3/467)، و"المجموع" (1/279) و"المغني" (1/138)، و"مجموع فتاوى شيخ الإسلام" (25/226). ولا شك في أن المرخصين أحظى بالدليل؛ إذ الأصل مشروعية السواك في كل وقت للصائم وغيره، وحديث خلوف فم الصائم ليس دليلاً صالحاً على منع السواك؛ إذ لا دلالة فيه. والأحاديث التي ذكروها وفيها دلالة على منعه لا يصح منها شيء، فيبقى الحكم على أصله وهو المشروعية في كل وقت؛ والله أعلم.
[24] أخرجه أبوداود في الطهارة باب غسل السواك (52)، وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (1/12).
[25] أخرجه البخاري في الوضوء باب التيمن في الوضوء والغسل (168)، ومسلم في الطهارة باب التيمن في الطهور وغيره (368)، وأبوداود في اللباس (4140)، والترمذي في الصلاة (608)، والنسائي في الطهارة(/9)
[26] هذه المسألة خلافية: فالأحناف والمالكية والشافعية وبعض المتأخرين من الحنابلة يرون أن السنة أن يستاك باليد اليمنى؛ لأنَّ اليد اليمنى لا تباشر القذر، ولأن السواك عبادة، واستدلوا بعموم استحباب التيمن في كل شيء وانظر في ذلك "رد المحتار (1/234)، و"مواهب الجليل" (1/265)، و"إعانة الطالبين" (1/45)، و"طرح التثريب" (2/71). ويرى الحنابلة سنية الاستياك باليسرى؛ نص عليه في الروض، وقال في الحاشية: على الصحيح من المذهب، وجزم به في الفائق وقال الشيخ: ماعلمت إمامًا خالف في الاستياك باليسرى؛ لأن الاستياك إنما شرع لإزالة ما في داخل الفم، وهذه العلة متفق عليها ا. هـ. بنصه من "حاشية ابن قاسم على الروض المربع" (1/154). والشيخ ابن عثيمين - رحمه الله تعالى - في "شرحه الممتع على الزاد" يرى أن الأمر في ذلك واسع لعدم ثبوت نص واضح، ونقل عن بعض المالكية التفصيل في ذلك، فإن تسوك لتطهير الفم عقب أكل أو نوم أو نحوه فيكون باليسرى؛ لأنه لإزالة الأذى. وإن تسوك لتحصيل السنة فباليمنى؛ لأنه مجرد قربة وعبادة ا. هـ. انظر: "الشرح الممتع" (1/127) والظاهر أن كلام شيخ الإسلام أوجه وقد فصل في تعليل ذلك، انظر: "مجموع الفتاوى" (21/108-112).
[27] مجموع فتاوى شيخ الإسلام (21/108).
[28] أخرجه البخاري في الجمعة باب الطيب يوم الجمعة (880)، ومسلم في الجمعة باب الطيب والسواك يوم الجمعة واللفظ له (846).
[29] انظر تخريجه في الهامش (7).(/10)
[30] أخرجه الطبراني في "الكبير" (11/453 - 454) برقم (12286) وفي "الأوسط"؛ كما في "مجمع البحرين" (86)، والضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة" (10/294) برقم (311) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - وأخرجه البزار؛ كما في "مختصر زوائد مسند البزار" للحافظ ابن حجر (1/256) برقم (367) بلفظ ((أمرت بالسواك حتى خشيت أن أُدْرَد، أو حتى خشيت على لثتي ولساني)) من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -، وقد ذكره الألباني في "السلسلة الصحيحة" وذكر له شواهد عدة، انظر: (4/77) برقم (1556).
[31] أخرجه أحمد (1/237)، والطيالسي بنحوه (2739)، وقال الهيثمي: رواه أبو يعلى وأحمد ورجاله ثقات، انظر: "مجمع الزوائد" (2/98)، وصححه الشيخ أحمد شاكر في شرحه على المسند (2125).
[32] سبل السلام للصنعاني (1/72).
[33] انظر في ذلك: بحثًا لطيفًا في "مجلة الحكمة" (8/79-86)، وحاشية د. عبدالمعطي قلعجي على الاستذكار لابن عبدالبر (3/266).
[34] "حاشية ابن قاسم على الروض المربع" (1/155).(/11)
العنوان: سنة أولى أمومة
رقم المقالة: 1098
صاحب المقالة: سحر فؤاد أحمد
-----------------------------------------
سنة أولى أمومة
نظافة طفلك تبدأ من حفاظه
كم مرة انتبهت إلى حفاظ طفلك؟ أم أنك توكلين تلك المهمة إلى الخادمة؛ لأن مجرد تصور حفاظ مليء بالقاذورات قد يثير اشمئزازك ويقززك؟
اهتمام الخادمة وحده لا يكفي لضمان نظافة طفلك وحمايته من التهاب الحفاظ؛ فالأمر يحتاج تدخلك، وإشرافك الدائم على تنظيف طفلك ليبقى جلده صحياً، ويشعر بالسعادة والرضا، وينام نوماً مريحاً، وهذه السطور تساعدك-بإذن الله- في تلك المهمة.
في البداية اختاري الحفاظ المناسب؛ بحيث تكون مادته ذات امتصاص عال حتى لا يتأثر الجلد من البول، ويجب أن يكون مريحاً حتى يستطيع الطفل التحرك به بسهولة.
لتغيير الحفاظ تحتاجين إلى:
• ماء دافئ.
• قطن أو شاش أو مناديل للمسح.
• كريم أو غسول أطفال لحماية بشرة طفلك.
• حفاظ جديد.
الخطوات:
• ضعي الطفل على بساط التغيير.
• اخلعي الحفاظ المبتل.
• امسحي مؤخرة الطفل من الجهة العليا لمنطقة الشرج إلى المنطقة الخلفية، خصوصاً للأنثى.
• عندما يجف الجلد ضعي كمية من الكريم، أو الغسول، أو البودرة الخاصة بالطفل في مناطق الجلد المنثنية.
• إذا كان جلد الطفل مفرط الحساسية، تستطيعين استعمال زيت الأطفال لتنظيف المنطقة الشرجية، ثم امسحي ما تبقى من الزيت بالشاش أو المناديل.(/1)
وتعليقاً على هذه الخطوات تقول الدكتورة سامية عبد اللطيف: عند تنظيف منطقة الحفاظ عند الإناث استخدمي الماء الدافئ، وقطعة قماش من القطن الناعم، وعند تنظيف السبيلين عند الإناث، ليكن اتجاه عملية التنظيف من الأمام إلى الخلف، وإلا فقد تدخل جراثيم الجهاز الهضمي إلى مجرى الجهاز البولي أو التناسلي، وهذا ما قد يؤدي إلى التهابات متكررة، ويجب تنظيف ثنايا الفرج بعناية، لا ترشي الفرج بالبودرة أبداً؛ لأن ذلك قد يؤدي إلى دخولها المجرى البولي أو التناسلي، وقد يؤدي هذا إلى التهابات آنية أو لاحقة.
وبالنسبة إلى الذكور لا توجد عناية خاصة لتنظيف منطقة الحفاظ ما لم يكن الطفل مختوناً؛ فيجب عدم تغطيسه بحوض الاستحمام حتى يشفى جرحه، ودائماً احمي الجرح بوضع شاش مغطى بالفازلين أو أي مرهم يحتوي على مضاد حيوي، ولكن إذا ظهر تورم أو احمرار أو قيح من مكان الجرح عليك مراجعة الطبيب.
طفح الحفاظ مشكلة لها حل:
تبحث كثير من الأمهات عن حل لمشكلات طفح الحفاظ عند الأطفال، وفي هذا الصدد يقول متخصصو الأمراض الجلدية: يحدث هذا الطفح المعروف بالسماط نتيجة احتكاك الجلد بالعناصر المهيجة التي تتكون من تفاعل الجراثيم الموجودة في البراز، مع المواد الكيماوية الموجودة في البول، ويؤدي هذا إلى حدوث تغير في لون الجلد مع احمرار وتقرحات جلدية خاصة إذا ترك الحفاظ لفترة طولية دون تغيير، أو إذا كان الطفل يعاني الإسهال.
ثم إن استخدام الأنسجة الصناعية، والحفاظات المعطَّرة، ومساحيق التنظيف الشديدة من العوامل التي تعمل على تهيج الجلد واحمراره.
وينصح المختصون بالتالي:
• غسل الجلد بالماء الدافئ ويكون من الأمام إلى الخلف؛ لمنع انتشار الجراثيم ثم تجفيف المنطقة جيداً بالمناديل أو فوطه خاصة نظيفة.
• تهوية الجلد بترك الطفل بدون حفاظ بعد غسله وتجفيفه لمدة 20 دقيقة أو أكثر في اليوم، خاصة إذا كان الجو دافئاً ومشمساً.(/2)
• وضع الكريمات المناسبة؛ فالجلد الجاف يحتاج إلى مراهم أو فازلين أما الرطب فيحتاج إلى أكسيد الزنك المركب مع زيت الخروع، ولا ينصح باستخدام بودرة الأطفال.
• عدم وضع الحفاظ إلا بعد التأكد من نظافة المنطقة وجفافها مع تبديله بصوره متكررة خلال اليوم.
• تجنب استعمال ملابس داخلية من البلاستيك طَوال الوقت، والاستعاضة عنها بالأنسجة القطنية، إلى جانب غسل ملابس الأطفال بمسحوق قلوي مع إضافة القليل من خل التفاح إلى مادة الشطف إذا كان الماء قاسياً، أو كان مسحوق الغسيل حمضياً.
• عدم استعمال الكريمات المحتوية على الكورتيزون بدون وصفة طبيب؛ لأنها قد تسبب مضاعفات للجلد.
• الاهتمام بغذاء الطفل، والابتعاد قدر الإمكان عن الفواكه شديدة الحمضية مع الحرص على إعطائه ما يكفي من الماء؛ حيث إن قلته تؤدي إلى جعل البول أكثر حمضية.
• إذا استمر الطفح الجلدي أكثر من ثلاثة أيام، يجب مراجعة الطبيب.
حافظات الأطفال والعقم:
أفادت دارسة ألمانية نشرت منذ زمن قريب بمجلة "أركايفز اوف ديزيزس ان تشايلد هود" أن حفاظات الأطفال المبطنة بالبلاستيك، يمكن أن تكون وراء ارتفاع إصابة الذكور بالعقم، وسرطانات الخصيتين، وأكد أطباء من قسم طب الأطفال في جامعة كييل شمال ألمانيا أن هذه الحفاظات تسبب حماوة حول الخصيتين يمكن أن تعيق نموَّهما في مرحلة مهمة من نمو الطفل، وراقب الأطباء 48 صبياً أصغرهم حديث الولادة وأكبرهم في سن أربعة سنوات، و7 أشهر ولاحظوا أن درجة الحرارة لدى الأطفال تزداد حتى درجة واحدة في منطقة الخصيتين عن معدل حرارة الجسم عند استخدام الحفاظات المبطنة بالنايلون، وكانت الحرارة أكثر ارتفاعاً لدى الأطفال الأصغر سناً.(/3)
وذكر الباحثون أن زيادة حرارة الخصيتين لفترة طويلة في الطفولة المبكرة يمكن أن تمثل عاملاً مهماً في تدني تعداد الحيامن (الحيوانات المنوية) في السائل المنوي، وهي ظاهرة في ارتفاع ملحوظ في الدول المتطورة على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية، وأيضاً سرطانات الخصيتين، وقال الأطباء: "إن الارتفاع المستمر لحرارة الخصيتين بمعدل درجة مئوية يمكن أن يؤثر في نضج خصيتي الطفل".
وبينت دراسات سابقة أن الحرارة مهمة جداً في النمو الطبيعي للخصيتين، وفي الحصول على نسبة عالية من الحيامن، ويؤثر تعريض الخصيتين لحرارة مرتفعة - ولو لفترة قصيرة - في الخصوبة كما هي الحال في حمامات البخار (الساونا) أو (الإصابة بالحمى).
ويضيف الأطباء: من العوامل الأخرى المؤثرة في الخصوبة: الملابس الداخلية الضيقة، وقلة الحركة، والتعرض للهرمونات الصناعية، والغذاء الفقير بمعدن السلينيوم.(/4)
العنوان: سنن العيد وأحكام الأضحية
رقم المقالة: 1800
صاحب المقالة: الشيخ عائض بن عبدالله القرني
-----------------------------------------
سنن العيد وأحكام الأضحية
الخطبة الأولى
أما بعد:
فإنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وأحسنَ الهدي هديُ محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وشرَّ الأمور مُحدَثاتُها، وكلَّ مُحدَثَة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالة في النار.
{الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاواتِ وَالأرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثْمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام: 1]. {الْحَمْدُ للَّهِ فَاطِرِ السَّمَاواتِ وَالأرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُوْلِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ} [فاطر: 1].
الحمد لله الذي كان بعباده خبيرًا بصيرًا، وتبارك الذي جعل في السماء بروجًا وجعل فيها سِراجًا وقمرًا مُنيرًا، وهو الذي جعل الليل والنهار خِلفَة لمن أراد أن يَذكَّر أو أراد شُكورًا.
وتبارك الذي نزَّل الفُرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا، الذي له ملك السماوات والأرض ولم يَتَّخذ ولدًا، ولم يكن له شريك في الملك، وخلق كلَّ شيء فقدَّره تقديرًا.
الحمد لله خيرًا ممَّا نقول، وفوق ما نَقول، ومثلَ ما نقول.
لك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بالقرآن، عزَّ جاهُك، وجلَّ ثناؤك، وتقدست أسماؤك، لا إله إلا أنت.
في السماء ما ملكت، وفي الأرض سلطانك، وفي البحر عظمتك، وفي الجنَّة رحمتك، وفي النَّار سَطْوتك، وفي كلِّ شيء حِكمتك وآيتك، لا إله إلا أنت.
اللهم لك الحمد حتى ترضا، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرِّضا.
الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر
الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر
الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر(/1)
الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بُكرَة وأصيلًا.
الله أكبر كلَّما لَمَع نجم ولاح، الله أكبر كلَّما تَضوَّع مِسْك وفاح، الله أكبر كلَّما غَرَّد حمام وناح. الله أكبر كلَّما رَجَع مُذنِب وتاب، الله أكبر كلَّما رَجَع عبدٌ وأناب، الله أكبر كلَّما وُسِّد الأمواتُ التُّراب. الله أكبر ما وَقَف الحجيج بصعيد عَرَفات، وباتوا بِمُزدَلِفة في أحسن مَبات، ورَمَوا بِمنًى تلك الجمرات. الله أكبر كلَّما ارتفع عَلَم الإسلام، الله أكبر كلَّما طِيف بالبيت الحرام، الله أكبر كلَّما دُكدِكت دولة الأصنام.
لا إله إلا الله .. لا إله إلا الله .. لا إله إلا الله .. لا إله إلا الله.
{كُلُّ شَيْء هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص: 88].
لا إله إلا الله: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ} [الرحمن: 26-27].
لا إله إلا الله يَفعَل ما يريد، لا إله إلا الله ذو العَرش المجيد، لا إله إلا الله ربُّ السماوات والأرض وهو على كلِّ شيء شهيد.
سبحان الله .. سبحان الله.
سبحان مِن قَهَر بقوَّته القياصرة، وكَسَر بعظمته الأكاسرة، الذين طَغَوا وبَغَوا، فأَرْداهم ظُلمُهم في الحافرة.(/2)
اللَّهم صلِّ على نبيِّك الذي بعثته بالدَّعوة المحمَّدية، وهدَيت به الإنسانية، وأَنرت به أفكار البَشَريَّة، وزلزلت به كِيان الوثنية. اللَّهم صلِّ وسلِّم على صاحب الحَوض المَورود، واللِّواء المَعقود، والصِّراط المَمدود. اللَّهم صلِّ وسلِّم على حامل لواء العزِّ في بني لؤي، وصاحب الطَّود المَنيف في بني عبد مناف بن قُصي، صاحب الغُرَّة والتَّحجيل، المذكور في التَّوراة والإنجيل. اللَّهم صلِّ على من رفعت له ذكره، وشرحت له صدره، ووضعت عنه وِزرَه. اللَّهم صلِّ وسلِّم على مَن جعلتَه خاتَمَ الأنبياء، وخير الأولياء وأبرَّ الأصفياء، ومَن تَرَكَنا على المَحجَّة البيضاء لا يَزيغ عنها إلَّا أهلُ الأهواء، وعلى آله وصحبه وسلِّم تسليمًا كثيرًا.
أيها الناس:
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته،،،
نعم، نعيش هذه المُناسَبَة الكبرى يوم نتذكَّر فضل لا إله إلا الله، وعظمة لا إله إلا الله، وقُدسيَّة لا إله إلا الله.
أيُّ أمَّة كنَّا قبل الإسلام، وأيُّ جيل كنَّا قبل الإيمان، وأيُّ كِيان نحن بغير القرآن؛ كنَّا قبل لا إله إلا الله أمَّة وَثَنيَّة، أمَّة لا تَعرِف الله، أمَّة تَسجُد للحجر، أمَّة تَغدِر، أمَّة يَقتُل بعضُها بعضًا، أمَّة عاقَّة، أمَّة لا تَعرِف مِن المبادئ شيئًا، فلمَّا أراد الله أن يَرفَع رأسها، وأن يُعلي مَجدها؛ أرسل إليها رسول الهُدى - صلَّى الله عليه وسلَّم.
{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمّيّينَ رَسُولاً مّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} [الجمعة: 2].
إِنَّ الْبَرِيَّةَ يَوْمَ مَبْعَثِ أَحْمَدٍ نَظَرَ الإِلَهُ لَهَا فَبَدَّلَ حَالَهَا
بَلْ كَرَّمَ الإِنْسَانَ حِيْنَ اخْتَارَ مِنْ خَيْرِ الْبَرِيَّةِ نَجْمَهَا وَهِلالَهَا(/3)
لَبِسَ الْمُرَقَّعَ وَهْوَ قَائِدُ أُمَّةٍ جَبَتِ الْكُنُوزَ فَكَسَّرَتْ أَغْلالَهَا
لَمَّا رَآهَا اللهُ تَمْشِي نَحْوَهُ لا تَنْتَظِرْ إلاَّ رِضَاهُ سَعَى لَهَا
فأتى - عليه الصلاة والسلام - فصَعَد على الصَّفا ونادى العشائِر والبُطون، ثم قال لهم لما اجتمعوا: ((قولوا: لا إله إلا الله، تُفلِحوا))، فقامت دعوته على لا إله إلا الله، كما كانت دعوة الأنبياء من قبله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَاْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25].
ومعنى لا إله إلا الله: لا معبودَ بحقٍّ إلا الله. ومعنى لا إله إلا الله: لا مَطلوب ولا مَرغوبَ ولا مَدعُوَّ إلا الله. ومعنى لا إله إلا الله: أن تَعيشَ عبدًا لله، فتكون حيًّا بقوَّة لا إله إلا الله، وتموت على لا إله إلا الله، وتدخُل الجنَّة على لا إله إلا الله. ومعنى لا إله إلا الله: أن تَرضا بالله ربًّا وإلهًا؛ فتَتحاكَم إلى شريعتِه، ولا تَرضا شريعةً غيرها، فمن رَضِي غيرها شريعة فعليه لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعين؛ لا يَقبَل الله منه صرفًا ولا عدلًا ولا كلامًا، ولا يَنظُر إليه ولا يُزكِّيه وله عذاب أليم. ومعنى لا إله إلا الله: أن ترضى برسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قُدوةً وإمامًا ومُربِّيًا ومُعلِّمًا؛ فتَجعَله أسوةً لك: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]. ومعنى لا إله إلا الله: أن تَرضى بالإسلام دينًا؛ فإنَّك إن لم تَرضَ به دينًا غَضِب الله عليك وكَشَف عنك سِتره ولم يحفظْك فيمن حفِظ ولا تولَّاك فيمن تولَّى.(/4)
جاء بها - صلَّى الله عليه وسلَّم - فأعلَنها صريحةً: أنه لا إله إلا الله، فاستجاب له من أراد الله رَفْع دَرَجتِه، وصُمَّ عنها من أراد الله عذابَه في الدنيا والآخرة،{إِنَّهُمْ كَانُواْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} [الصافات: 35]. واستجاب له أصحابه الأبرار، وأحبابه الأطهار، فقُتِلوا بين يديه: يأتي عبدُ الله بنُ عمرو الأنصاري يوم أحد فيَعلَم أنَّه لا إله إلا الله، ويَفيض حُبًّا لـ (لا إله إلا الله)، ويَرفَع طرفه قبل المعركة ويقول: "اللَّهم خُذ مِن دَمي هذا اليوم حتى ترضى"[1]، فُيقتَل ويُقطَع، يقول جابر بنُ عبد الله عن أبيه: "لمَّا كان يومَ أُحُد، جيء بأبي مُسَجًّى، وقد مُثِّل به، فأردت أن أرفَع الثوب فنهاني قومي، فرفعه رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - (أو أَمَر به فرُفِع)، فسمِع صوت باكيَةٍ أو صائحةٍ، فقال: ((من هذه؟))، فقالوا: "بنت عمرو - أو أخت عمرو - " فقال: ((ولم تبكي؟ فما زالت الملائكة تظلّه بأجنحتها حتى رُفع))". وفي رواية قال جابر: "فجَعَلت أكشِف الثَّوب عن وجهِه وأَبكي، وجَعَلوا يَنهَونني، ورسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لا ينهاني"، قال: "وجَعَلت فاطمة بنت عمرو تبكيه، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((تَبكيه أو لا تَبكيه، ما زالت الملائكةُ تُظِلُّه بأجنحتها حتى رَفعتُمُوه))"[2]. فجعل الله روحه، وأرواح إخوانه، في حواصِلِ طَيرٍ خضر تَرِد الجنَّة؛ فتأكُل مِن أشجارِها، وتَشرب مِن أنهارها، وتأوي إلى قَناديلَ مُعلَّقة بالعرش، حتى يَرِثَ الله الأرض ومَن عليها.
أيَّ أمَّةٍ كنَّا، وأيَّ أمَّة أصبحنا!! وأيَّ أمَّة سوف نكون!!
الله أكبر كبيرًا .. والحمد لله كثيرًا .. وسبحان الله بُكرَةً وأصيلاً.
عباد الله:(/5)
يا مَن لَبِس الجديد، يا مَن اغتَسَل بالماء البارِد، يا مَن أَتَيتُم إلى هذا المُصلَّى، هل ذَكرتُم مَن صلَّى معكم في العام الماضي من الآباء والأجداد، مِن الأحباب والأولاد؟ أين ذهبوا؟ كيف اختَطَفهم هادمُ اللَّذات، آخِذُ البنين والبنات، مُفرِّق الجماعات؟! أَسكَتَهم فما نَطَقوا، وأَرداهم فما تَكلَّموا، والله لقد وُسِّدوا التُّراب، وفارَقوا الأحباب، وابتَعدوا عن الأصحاب، فهم مِن الحُفَر المُظلِمة مُرتَهَنون بأعمالهم، كأنَّهم ما ضَحِكوا مع مَن ضَحِك، ولا أَكَلوا مَع مَن أَكَل، ولا شَرِبوا مع مَن شرب. اختَلَف على وجوههم الدُّود، وضاقَت عليهم ظُلمَةُ اللُّحود، وفارَقوا كلَّ مَرغوب ومَطلوب، وما بَقِيت معهم إلَّا الأعمال. فهل ذَكَر ذاكِر ذاك القُدوم؟! وهل أعدَّ لذاك المَصير؟! وهل أَعدَّ العُدَّة لذلك الموقِف الخَطير؟!
الله أكبر كبيرًا .. والحمد لله كثيرًا .. وسبحان الله بُكرَة وأصيلًا.
أيها الناس:
أُذكِّركم ونفسي بتلك الشَّعيرة العَظيمة بتلك الفَريضة الجَليلة؛ بالصَّلوات الخَمس، لاحظَّ في الإسلام لمَن تَرَكها؛ مَن تَرَكها فعليه لَعنةُ الله، مَن تَرَكها خَرَج مِن دين الله، مَن تَرَكها انقطع عنه حبلُ الله، مَن تَرَكها خَرَج مِن ذمَّة الله، مَن تَرَكها أُحِلَّ دَمُه ومَالُه وعِرضُه.(/6)
تارِك الصلاة عدوُّ لله، عدوٌّ لرسول الله، عدوٌّ لأولياء الله. تارِك الصلاة مُحارِب لمنهج الله. تارِك الصلاة مَغضوبٌ عَلَيه في السَّماء، مَغضوب عليه في الأرض. تارِك الصلاة تَلعَنُه الكائنات والعَجْماوات، تَتضرَّر النَّملة في جُحْرها مِن تارك الصلاة، وتَلعنَه الحيتان في الماء؛ لأنَّه تَرَك الصلاة. تارك الصَّلاة لا يُؤاكَل، ولا يُشارَب، ولا يُجالَس، ولا يُرافَق، ولا يُصدَّق، ولا يُؤتَمَن. تارِك الصَّلاة خَرَج مِن الملَّة، وتبرَّأ مِن عهد الله، ونَقَض مِيثاق الله. تارِك الصَّلاة يأتي ولا حُجَّة له يوم العرض الأكبر.
اللهَ الله في الصلاة؛ فإنَّها آخر وصايا محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - قبل فِراق الدنيا وهو في سكرات الموت.
عباد الله:
لاحظَّ في الإسلام لمن تَرَك الصلاة، أوصيكم ونفسي بِصلاة الجَماعَة، والمحافَظَة عليها في المساجد؛ فمَن صلَّاها بلا عُذرٍ في بيته فلا قَبِلَها الله؛ فإنَّ مِن شروط صحَّتها صلاتُها في جماعة؛ ولذلك يقول - عليه الصلاة والسلام -: ((والذي نفسي بيده، لقد هَمَمْت أن آمُر بالصَّلاة فتُقام، ثمَّ أخالِفَ إلى أُناسٍ لا يَشهَدون الصَّلاةَ معنا فأُحرِّق عليهم بُيوتَهم بالنار))[3].
الله أكبر كبيرًا .. والحمد لله كثيرًا .. وسبحان الله بُكرة وأصيلًا.
عباد الله:(/7)
أوصيكم ونفسي بعد تقوى الله - عزَّ وجلَّ - بصِلَة الرَّحِم؛ فإنَّ الله تبارك وتعالى لَعَن قاطعي الأرحام، فقال - عزَّ مِن قائل -: {وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوء الدَّارِ} [الرعد: 25]، وقال جلَّ ذِكرَه: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَتُقَطّعُواْ أَرْحَامَكُمْ * أَوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:22-23]؛ فقاطِع الرَّحِم مَلعون؛ لعنَه الله في كتابه، وصحَّ عنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: ((لمَّا خَلَق الله الخَلْق حتى إذا فَرَغ مِنهم قامت الرَّحِم فقالت: هذا مَقام العائذ بك مِن القَطيعة، فقال: ألا تَرضَين أن أصِل مَن وَصَلَك، وأقطَع مَن قَطَعك؟ قالت: بلى يا رب، قال: فذلك لك))[4]، فعهِد اللهُ أن يَصِل مَن وَصَل رَحِمَه، وعهِد اللهُ أن يَقطَع مَن قَطَع رَحِمه.
وهذا العيد - يا عباد الله - مِن أكبر الفرص للعودة إلى الحيِّ القيُّوم، فمَن لَم يَعُد إلى الله فما استفاد من العيد، ومَن لم يتفقَّد أرحامَه بالصِّلة والزِّيارة والبِرِّ فما عاش العيد؛ العيد أن تَصِل مَن قَطَعك، العيد أن تُعطِي مَن حَرَمك، العيد أن تَعفُوَ عمَّن ظَلَمك، العيد أن تَسُلَّ السَّخيمة مِن قَلبك، العيد أن تُخرِج البغضاءَ من رُوحك، العيد أن تَعود إلى جِيرانَك بالصَّفاء والحبِّ والبَسمة، العيد أن تُدخِل الطُّمأنينة في قُلوب المسلمين، العيد ألَّا يَخافَك مُسلِم، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((والله لا يُؤمِن، والله لا يُؤمن والله لا يؤمن))، قيل: "ومن يا رسول الله؟" قال: ((الذي لا يَأمَن جارُه بَوائقَه))[5].(/8)
الله أكبر كبيرًا .. والحمد لله كثيرًا .. وسبحان الله بُكرةً وأصيلًا.
عبادَ الله:
أُذكِّركم ونفسي آلاءَ الله ونِعَم الله وعطاءَ الله؛ فاشكروه سبحانه وتعالى يَزِدكم، فإنَّه مَن لم يَشكُر اللهَ - عزَّ وجلَّ - أصابه مَوعودُه سبحانه وتعالى مِن الهلاك والدَّمار: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مّن كُلّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} [النحل: 112].
انظروا أيَّ نِعمةِ نعيشها؛ نعمةَ الأمن في الأوطان، والصِّحَّة في الأبدان، وتَحكيم الشَّريعة والقرآن.
انظروا جيرانَنا مِن الدُّول والشعوب، يوم تَرَكوا تحكيم شرعِ الله وكتاب الله، غضِب الله عليهم، فأخذهم أخذ عزيز مقتدر؛ منهم من ابتلاه الله بالحروب فَدُكْدِكت منازله بالمدافِع والقنابل والصواريخ، وقُتِل أطفاله وشُرِّد عيالُه؛ فَلَم يَعلَم يمينه من شماله {وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102]. ومنهم من ابتلاه الله بالأمراض والأسقام التي لم تَكن مِن قبل؛ لأنَّه ارتكب الفاحشة وابتَعَد عن مَنهج الله وتَرَك شريعة الله؛ فعاش الخَوف والغَضَب والمَقْت في الدنيا والآخرة.
فاذكُروا هذه النِّعَم، وتصدَّقوا عنها بالشُّكر والبَذْل والعطاء وأداء ما افترض الله؛ فإنَّ كثيرًا مِن الشعوب التي تَرَونها تعيش الفقر والجوع - كانوا في أَرغدِ العَيش وأهنئه، لكنَّهم كفروا بنعمة الله وبدَّلوا دين الله وجَحَدوا شرعَ الله.(/9)
وهذه البلاد لمَّا أَنعَم الله عليها بتحكيم الشريعة، رَغِد عيشُها، وكَثُر خيرُها، وهَنَأ شعبُها؛ فليس لنا - والله - إلَّا أن نتمسَّك بهذا الدِّين، وأن نَعَضَّ بالنَّواجِذ على هَدي سيد المرسلين، فهذا هو السبيل الوحيد لاستبقاء النعم وعدم زوالها.
الله أكبر .. والحمد لله كثيرًا .. وسبحان الله بُكرة وأصيلًا.
أيها المسلمون:
تعيش الأمَّة الإسلاميَّة اليوم صحوة إسلاميَّة مُبارَكة، تعيش الأمَّة عَوْدًا حميدًا إلى الله.
نسأل الله أن يُبارِك هذه الصَّحوة، وأن يَحفَظَها، وأن يُثمِرها، وأن يُوجِّهها، وأن يَهديَها سواء السبيل.
لكننا نخاف على هذه الصحوة من صِنفين:
- مُتشدِّدٌ في دين الله، نفسُه نفسُ خارجي: عَلِم ظاهر القرآن، وأَخذَته العبادةُ عن حقائِق الإيمان؛ فكفَّر مَن شاء، وشَهِد لمَن شاء بالإيمان، وأَدخَل في الدِّين مَن شاء، وأَخرَج مِن الدِّين مَن شاء. فهذا أول ما نخافه على هذه الصحوة المباركة.
فليست العبادة كلَّ شيء، صحَّ عنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه قال عن الخوارج: ((يَحقِر أحدُكم صلاتَه مع صلاتهم، وصيامَه مَع صيامِهم، يَقرؤون القرآن لا يُجاوِز تَراقيَهم، يَمرُقون مِن الإسلام كما يَمرُق السَّهم مِن الرَّميَّة))[6]؛ وذلك لأنَّهم أخذوا ببعض النصوص وتركوا بعضَها، فلم يَتمكَّنوا من الاستنباط الصَّحيح، ولا عَرِفوا دلائل الألفاظ ومقاصِدَ الأدِلَّة؛ فضلُّوا وضَلَّوا حتى كفَّروا كثيرًا مِن الصَّحابة واستَحلُّوا دماءهم.(/10)
- ورجل مُستَهتر مُستهزئ منافقٌ جَعَل عِباد الله فاكهته؛ فاستَهزَأ بهم في المجالِس، وحقَّرهم في المنتديات، وجَعَل الدُّعاة غرضًا له؛ يَقَع في أعراضهم، ويَسخَر مِن حَرَكاتهم وسَكَناتهم وهيآتِهم: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئونَ * لا تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65-66]؛ ولذلك كان هذا منافقًا مَعلوم النِّفاق؛ لأنَّه جَعَل أولياء الله عُرضَة للاستهزاء والاستهتار؛ فسَمَّوا الصالحين والدُّعاة مُتطرِّفين ومُتزمِّتين وعِصابةً مَشبوهةً، وما أَطلَق ذلك إلَّا الصِّهْيَونِيَّةُ العالَميَّة والصَّليبيَّة العالَميَّة، وأتباعُهم مِن العلمانيِّين والمستغربين.
عباد الله، إنَّ هذه الصَّحوة ينبغي علينا تجاهها أمران:
أوَّلهما: أن نُبارِك ونَدعُوَ لمن قام عليها مِن وُلاة الأمور العاملين بكتاب الله وسنة رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومِن العلماء المخلصين النَّاصحين للأمَّة، ومِن الدُّعاة الأبرار الذين وجَّهوا الجيل إلى الطَّريق الصَّحيح.
والأمر الثاني: أن نتواصى بيننا في مساعدة أبنائنا وشبابنا في هذه المَسيرة، فقد وُجِد في البُيوت مِن الآباء مَن حارَب أبناءه يوم استقاموا ويوم اتَّجهوا إلى الله، وهذه حربٌ صَريحة على الله ومُحادَّة مَكشوفة لدينه.
الله أكبر كبيرًا .. والحمد لله كثيرًا .. وسبحان الله بُكرة وأصيلًا.
عباد الله:(/11)
أوصيكم بكتاب الله؛ أحِلُّوا حلاله، وحرِّموا حرامه، واعمَلوا بمُحكَمه، وآمِنوا بمتشابهه. كتابُ الله حبلُ الله المتين وصِراطُه المستقيم، كتابُ الله النُّور الذي لا ظُلمَة فيه، كتابُ الله الهدايَةُ التي لا ضَلال بعدها؛ {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88]، كتاب الله: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 42]، كتابُ الله مَن استمسك به بلَّغه اللهُ منازِلَ السعداء، ومَن صَدَف عنه كبَّه الله على وَجهِه في دَرَكات الأشقياء، اقرؤوه آناء الليل والنهار، ضَوِّعوا به بيوتكم، تَدارَسوه مع أبنائكم، اجعلوه قُربَة تتقرَّبون بها إلى ربكم.
الله أكبر كبيرًا .. والحمد لله كثيرًا .. وسبحان الله بُكرةً وأصيلًا.
عباد الله:
أوصيكم بالتَّوبة النَّصوحِ وبالاستغفار مِن الذُّنوب والخطايا، يقول سبحانه وتعالى: {قُلْ يا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]، ويقول جلَّ ذِكرُه: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَّغْفِرَةٌ مّن رَّبّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران: 135-136].
عبادَ الله:(/12)
إنَّ مِن المعاصي التي انتشرت بصورة كبيرة في أوساط الشباب وغيرهم - جريمة تَعاطي المُخدِّرات، وما انتشرت هذه الجريمة إلا بسبب البُعد عن الله وعن كتابه وسُنَّة رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فامتَلأت السُّجون بالشَّباب؛ لأنَّهم تَرَكوا طريق المَسجِد، وتَرَكوا تِلاوة القُرآن، وتَرَكوا حَلْقاتِ العِلم؛ فابتُلُوا بهذه الخبيثة: {فَلَمَّا زَاغُواْ أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف: 5].
ومِن المعاصي كذلك: تلك المِجَلَّات الخَليعة، التي أظهَرت المرأة معبودًا وصنمًا؛ فافتُتن بها شباب الإسلام؛ زَنَت أبصارُهم قبل فُروجِهم، فجَعَلوا الصُّورة الخَليعة - إلا مَن رحِم الله - معبودَهم، فأخذَهم الهوى، وأَصابهم الوَلَه، وضَلُّوا بالعشق؛ لأنَّ قلوبَهم لم تَمتلِئ بِذكر الله، ولم تُعمَّر بـ(لا إله إلا الله).
ومِن المعاصي كذلك - عباد الله -: ذلك الغناء والموسيقى الذي مَلأ البيوت - إلَّا بُيوتُ مَن رحِم الله - مِن أصوات المُغنِّين والمُغنِّيات والماجِنين والماجِنات - الأحياء منهم والأموات - وهذه مَعصيَة ظاهرة حُورِبَ اللهُ بها تَبارَك وتعالى.
فاللهَ اللهَ في التَّوبة النَّصوح، وفي العودة إلى الواحد الأحد سبحانه وتعالى.
الله أكبر كبيرًا .. والحمد لله كثيرًا .. وسبحان الله بُكرةً وأصيلًا.
العيدُ - يا عباد الله - مَعناه - كما سلف -: العَودة إلى الله، ثُمَّ العودة إلى كتابه، ثُمَّ العودة إلى سُنَّة رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم. العيد - يا عباد الله - ليس بصَفِّ الموائد الشَّهيَّة، ولا برُكوب المَراكب الوطيَّة، ولا بسُكنى الفِلَل البَهيَّة.(/13)
العيد لمن خاف يوم الوعيد، العيد لمن استعدَّ للعَرضِ على الرَّب سبحانه وتعالى، العيدُ لمن اتَّقى الله في السِّر والعَلَن، العيدُ لمن استعرَضَ صَحيفتَه فاستغفَر مِن السَّيِّئات وسَأَل اللهَ التَّوفيق للأعمال الصالحات، العيد لمن وَصَل ما بينه وبين الله وما بينه وبين العِباد، العيد لمن عَمَّر بيتَه بالقرآن وأخرَج آلاتِ اللَّهو ومُغرِيات الشَّيطان، العيد لمن أقام في بيته مَنهَج القرآن، العيدُ لمَن ضَوَّع مَنزِله بالأذكار الحسان.
إِذَا مَا كُنْتَ لِيْ عِيْدًا فَمَا أَصْنَعُ بِالْعِيْدِ؟!
جَرَى حُبُّكَ فِيْ قَلْبِي كَجَرْي الْمَاءِ فِي الْعُودِ
الله أكبر كبيرًا .. والحمد لله كثيرًا .. وسبحان الله بكرة وأصيلًا.
عباد الله، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنَّه هو التوَّاب الرحيم
الحمد لله .. الحمد لله رب العالمين، ولِيِّ الصالحين، ولا عُدوان إلَّا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المُتَّقين وحُجَّة الله على الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه وسلِّم تسليمًا كثيرًا.
عباد الله:
كان مِن هَدي المصطفى - صلَّى الله عليه وسلَّم - في العيدَين:
- أنه كان يُؤخِّر صلاة عيد الفطر، ويُعجِّل الأضحى، وكان يَخرُج في الأضحى قبل أن يَأكُل شيئًا، بخلاف عيد الفِطر فإنَّه كان يَأكُلُ تَمَرات كما أخبر أنس عنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - وفي رواية: "يأكُلُهن وِترًا" [7].
- وكان - صلَّى الله عليه وسلَّم - يَخرُج لابِسًا أحسنَ مَلابِسه، مُتطيِّبًا بالمسك، يمشي بسكينة ووقار، يُكبِّر ربَّه - تبارك وتعالى.
- وكان - عليه الصلاة والسلام - يَخرُج للعيد مِن طريق وَيَعود مِن طريق آخر، قال جابر بنُ عبد الله: "كان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا كان يَوم عيدٍ خالَف الطَّريق" [8]. وذكر العلماء لذلك حكمًا جليلة:(/14)
منها: إظهارُ قوَّة الإسلام والمسلمين في كلِّ مكان.
ومنها: أنَّك تَمُرُّ على أكبرِ عددٍ من المسلمين فتُسلِّم عليهم.
ومنها: إغاظَة أعداء الإسلام.
ومنها: قضاء حَوائجِ مَن له حاجَة مِن المُسلمين.
ومنها: أن يَشهَد لك الحَفَظة والملائكة الذين يَقِفون على الطُّرق.
الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر.
لا إله إلا الله .. والله أكبر.
الله أكبر .. ولله الحمد.
- وكان - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا وصل إلى المُصَلَّى يبدأ بالصلاة قبل الخطبة؛ فيُصلي ركعتين: يُكبِّر في الأولى قبل القراءة سبع تكبيرات منها تكبيرة الافتتاح، ثم يقرأ الفاتحة: و{سَبِّحِ اسْمَ رَبّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1]. وفي الرَّكعة الثانية يُكبِّر خمس تكبيرات ثم يقرأ الفاتحة: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}[9] [الغاشية: 1]. وربما قرأ في الأولى: {ق وَالْقُرْءانِ الْمَجِيدِ} [ق: 1]، والثانية: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ}[10] [القمر: 1].
- وكان - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا انتهى مِن الصَّلاة، وَقَف على راحلته مُستَقبلًا الناس وهم صفوف جلوس، فخَطَبهم بخُطبَة جَليلة، يُبيِّن فيها أُسُس العقائد والأحكام، ويَأمُر المسلمين بالصَّدقة، ثم يتوجَّه إلى النساء فيَخطُبُهن، ويُذَكِّرهنَّ.
عباد الله، يُسَن إذا رَجَع الإنسان مِن المُصلَّى يوم الأضحى أن يبدأ قبل كلِّ شيء بِذَبح أضحيته - إن كان مُستَطيعًا - فيُسمِّي ويُكبِّر، ويَذبَح الأضحية.
والأُضحيَة في الإسلام شأنُها جَليل وحِكَمها نَبيلة وعظيمة:
مِنها: أنَّها فداءٌ لإسماعيل - عليه السلام.
ومنها: أنَّها قُربَة إلى الله الواحد الأحد بالذَّبح في هذا اليوم العظيم، فإذا ذَبحتَها فإنَّ السُّنَّة أن تَأكُل ثُلُثَها، وأن تَتصدَّق بِثُلُثها، وأن تُهدِيَ ثُلُثها، وإن فعلت غير ذلك فالأمر فيه سَعَة، ولكنه خلاف الأولى.(/15)
والأضحية - يا عباد الله - لا بُدَّ أن تُستَسْمَن وأن تُختَار وأن تُصطَفى؛ لأنَّ الله طيِّب لا يَقبَل إلَّا طيِّبًا، فلا تُجزِئ العوراء البيِّنُ عَوَرُها، ولا المريضة البيِّنُ مَرَضُها، ولا العَرجاء البيِّنُ عَرَجُها، ولا الهَزيلَة، ولا العَضْباء: التي كُسر النِّصف مِن قَرنها أو أكثر، ولا ما قُطِع نِصف أُذُنها أو أكثر، ويُكرَه الشَّرقاء التي انشقَّت أُذُنُها طولًا، أو الخَرْقاء التي خُرِقت أُذُنُها.
والسُّنَّة ألَّا يَضحِّيَ مِن الضَّأن إلاَّ بالجَذَع [11] فأكبر، وأما المَعَز فالثَّنيَّة [12] فأكبر، سُنَّة نبيكم - عليه الصَّلاة والسلام.
فاذكروا الله على ما هداكم، وكبِّروه - سبحانه وتعالى - واحمَدوه على النِّعم الجليلة، والمواهب النَّبيلة؛ فإنَّه - والله - ما حُفِظت النِّعم إلا بالشُّكر، وما ضُيِّعَت إلَّا بالكُفر.
فنعوذ بالله أن نكون مِن قوم بدَّلوا نعمة الله كفرًا، وأحلُّوا قومهم دار البوار. ونعوذ بالله أن نَكون مِن قومٍ أنعم الله عليهم بِنَعَم فجَعَلوها أسبابًا إلى المعاصي وطُرُقًا للشَّهوات والمُخالَفات.
ـــــــــــــــــــــــــ
[1] لم أَقِف عليه.
[2] أخرجه البخاري في الجنائز، باب: (ما يكره مِن النِّياحَة على الميِّت) (1293)، ومسلم في : فضائل الصحابة، باب : (مِن فضائل عبد الله بن عمرو بن حرام) (2471)، من حديث جابر بن عبد الله - رضِيَ الله عنهما - بنحوه.
[3] أخرجه البخاري في: الأذان، باب: (وُجوب صلاة الجماعة) (644)، ومسلم في: المساجد ومواضع الصلاة، باب: (فضل صلاة الجماعة وبيان التَّشديد في التَّخلُّف) (651)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - بنحوه.
[4] أخرجه البخاري: في الأدب، باب: (مَن وَصَل وَصَلَه الله) (5987)، ومسلم في: البِرِّ والصِّلة، باب: (صِلَة الرَّحم وتحريم قطيعتها) (2554)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - بنحوه.(/16)
[5] أخرجه البخاري في: الأدب، باب: (إثم مَن لا يَأمَن جارُه بوائقَه) (6016)، من حديث أبي شُرَيح - رضِيَ الله عنه.
[6] أخرجَه البخاري في: المناقب، باب: (علامات النبوة في الإسلام) (3610)، ومسلم في: الزَّكاة، باب: (ذِكر الخوارج وصفاتِهم) (1064) واللفظ له، من حديث أبي سعيد الخدريِّ - رضي الله عنه.
[7] أخرجه البخاري في: العيدين، باب: (الأكل يوم الفطر قبل الخروج) (953).
[8] صحيح: أخرجه البخاري في: العيدين، باب: (مَن خالَف الطريق إذا رجع يوم العيد) (986).
[9] صحيح: أخرجه مسلم: الجمعة، باب: (ما يُقرَأ به في صلاة الجُمُعة) (878)، من حديث النُّعمان بن بَشير - رضي الله عنه.
[10] صحيح: أخرجه مسلم: كتاب صلاة العيدين، باب: (ما يَقرَؤه في صلاة العيدين) (891)، من حديث أبي واقِد اللَّيثي.
[11] قال ابن الأثير في "النهاية" (1/250): "أصل الجذع: من أسنان الدواب، وهو ما كان منها شابًّا فتيًّا ، فهو من الإبل ما دخل في السَّنة الخامسة، ومِن البَقَر والمَعَز ما دخل في السَّنة الثانية، وقيل: البَقَر في الثَّالثة، ومِن الضَّأْن ما تَمَّت له سَنَة، وقيل أقل منها".
[12] الثَّنيَّة من المَعَز: ما دخل في السَّنة الثالثة. "النهاية" (1/226).(/17)
العنوان: سنن الله تعالى في التدافع
رقم المقالة: 192
صاحب المقالة: الشيخ إبراهيم الحقيل
-----------------------------------------
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله..
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا) ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما).
أما بعد: فإن خير الكلام كتاب الله تعالى ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار.
أيها الناس: سنن الله تعالى في عباده لا تتبدل ولا تتغير ، ولا يمكن لأي قوة مهما بلغت أن تعطل لله تعالى أمرا ، أو ترد له قدرا ، أو تبطل سنة من سننه ( وكان أمر الله قدرا مقدورا ) ( إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) ( وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر ).
ومن سنته تبارك وتعالى أنْ قدَّر التدافع بين الإيمان والكفر ، وبين العدل والظلم ، وبين الحق والباطل ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين ) ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ) ومن سنته سبحانه أن شرع للمؤمنين مدافعة الكفر وأهله ، ومقارعتهم بالحجة والبرهان ، ومقاتلتهم باليد والسلاح.(/1)
لقد كانت سنة الله تعالى في الأمم الغابرة إهلاك المكذبين بعذاب من عنده ؛ كما أهلك قوم نوح بالطوفان ، وعادا بالدبور ، وثمود بالصيحة ، وقوم لوط بالخسف والقلب وحجارة السجيل ، وقوم شعيب بيوم الظلة . فلما بعث الله تعالى موسى عليه السلام ، وأهلك عدوه فرعون وقومه بالغرق أنزل التوراة على موسى عليه السلام ، وشرع فيها قتال الكفار ، وكان ذلك أولَ أمر الجهاد في الشرائع الربانية ، واستمر في بقية الشرائع بعده على ذلك ، وقد أشار القرآن إلى هذا المعنى في قول الله تعالى (ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى).وسيظل الجهاد قائما إلى آخر الزمان إلى أن يجاهد المسيح ابن مريم عليه السلام والمؤمنون معه الدجال وأتباعه من اليهود ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :( بعثت بالسيف حتى يعبد الله لا شريك له ، وجعل رزقي تحت ظل رمحي ، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري ) رواه أحمد. وبين أن الجهاد باق إلى يوم القيامة في قوله صلى الله عليه وسلم:( الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة الأجر والمغنم ) رواه البخاري(/2)
وكان من سنة الله تعالى لما شرع الجهاد ، وكلف العباد به: أنْ جعل الأيام دولا بين الحق والباطل ، فتكون الغلبة لأهل الحق تارة ، وتارة أخرى تكون لأهل الباطل ؛ وذلك ابتلاء وامتحانا للعباد ، وتمحيصا للقلوب ، وتمييزا للثابت على الحق من الناكص على عقبيه ، المبدل لدين الله تعالى ، والحكمة من هذه السنة الثابتة منصوص عليها في القرآن أيضا ( إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين ، وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ) وفي الآية الأخرى ( ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب ) وفي براءة ( أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون ) وفي العنكبوت (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ) وفي القتال (ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلوا بعضكم ببعض) وفي آخر السورة ( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم )(/3)
ثم كان من سنة الله تعالى أن كتب الغلبة لأهل الحق والإيمان والعدل على أهل الباطل والكفر والظلم ، ولكن بشرط أن يكونوا قائمين بأمر الله تعالى ، ناصرين لدينه ، مستمسكين بشريعته ، فإن غلبهم أعداؤهم فبسبب تقصيرهم في دينهم ، ومعصيتهم لربهم وهذه السنة العظيمة جاءت بذكرها آيات كثيرة في كتاب الله تعالى ، بل أقسم عليها الرب جل جلاله في قوله سبحانه ( ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز ) وفي آيات أخرى كثيرة ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا ) ( ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين ، إنهم لهم المنصورون ، وإن جندنا لهم الغالبون ) ( يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) ( كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ).(/4)
ولكن إن أخلَّ أهل الحق بهذا الشرط المتمثل في نصر الله تعالى بالاستمساك بدينه ، وتعظيم شريعته ، والعمل بها ، فقدوا سبب النصر ، وعوقبوا بالذل والهوان ، وتسلط الأعداء؛ تذكيرا لهم وتأديبا ، لعلهم إلى ربهم يرجعون ، وبدينهم يستمسكون ، وعن المعاصي ينتهون ، وهذا التأديب والتذكير ذاق شدته ومرارته أفاضل هذه الأمة حين عصى الرماة في أحد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ، فانقلب ميزان المعركة لصالح المشركين ، وكف الملائكة عن القتال إلا حماية للنبي صلى الله عليه وسلم ، وأصاب المسلمين كرب شديد ، وألمت بهم محنة عظيمة ، وأحاط المشركون بالنبي صلى الله عليه وسلم في نفر قليل من الصحابة رضي الله عنهم ، وشُجَّ رأس النبي صلى الله عليه وسلم ، وكُسِرت رباعيته ، وهُشِمت البيضة على رأسه ، وأشاع المشركون قتله ، وقُتل سبعون من خيار الصحابة رضي الله عنهم ، ومَثَّل المشركون ببعضهم ، وأُصيب أهل المدينة في آبائهم وأزواجهم وإخوانهم وأولادهم، وأنزل الله تعالى آيات كريمات تبين أن معصيتهم هي سبب مصابهم ( ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين ) إلى أن قال سبحانه ( أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير)
إنها حقائق من رب العالمين ، وإخبار العليم الخبير ، وليست تكهنات كهان ، أو استنتاجات خبراء ، أو تحليلات سياسيين، أو تخبطات صحفيين ، لا يرى أكثرهم أبعد من أنوفهم ، ولا يدركون سنن الله تعالى في خلقه ، ولا يحسنون التلقي عن كتابه الكريم.(/5)
إن الذل والهوان قد أصاب المسلمين في هذا الزمان على أيدي كفرة أهل الكتاب من بني إسرائيل من عباد العجل وعباد الصليب ، الملعونين في كتاب الله تعالى على لسان أنبيائهم داود وعيسى ابن مريم عليهم السلام ؛ فاستباحوا الديار ، واحتلوا البلدان ، ونهبوا الثروات والتفوا على القرارات ،وصاروا يلعبون بالمسلمين ذات اليمين وذات الشمال في مجالس ومنظمات أسست على الباطل ، وكانت قائمة على الظلم وراعية له منذ نشأتها إلى يومنا هذا.
لقد أقضت هذه الحال المزرية مضجع كل غيور على أمته ، وراح الكتاب والباحثون يشخصون المشكلة ، ويبحثون أسبابها ، ويقترحون الحلول لعلاجها ؛ فرأى أقوام منهم أن سببها تمسك المسلمين بموروثهم من دين وكتاب وسنة ، وأن العلاج في اطراح ذلك ، وأخذ دين الذين كفروا المتمثل في الديمقراطية والليبرالية ، والحرية المزعومة ، وهو ما تصيح به أكثر الإذاعات والفضائيات ، ويُسَوَّدُ في الصحف والمجلات مع كل نازلة تنزل وأزمة تتجدد ، يريدون إخراج الناس من دينهم ، وتجريدهم من مصدر عزهم وقوتهم ، وتالله إن هذا لهو البلاء الماحق ، والداء القاتل.(/6)
ورأى آخرون أن ما أصاب الأمة المسلمة ما هو إلا بسبب الركون إلى الدعة والكسل ، والتقاعس عن العمل في المجالات الدنيوية ، ويكثر حديث هؤلاء عن البناء الحضاري ، والتقدم التقني ، ويتكرر في خطابهم استخدام المصطلحات الانهزامية، كمصطلحات السلام والتعايش والإنسانية ونحوها ، وتجد استدلالهم بأقوال حكماء الكفار وفلاسفتهم أكثر من استدلالهم بالكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة ، حتى في مجالات الأخلاق والسلوك ؛ مما ينم عن انهزام أمام المناهج المنحرفة ، وانبهار بمنجزات الحضارة المعاصرة، وافتتان بالدنيا. ويرى هؤلاء أنه لا مخرج للأمة إلا بتغيير العقلية القديمة المألوفة إلى عقلية جديدة واسعة الآفاق ، متفتحة على الآخرين ، ونهاية مقولاتهم تلتقي مع مقولات الطائفة الأولى ، ولولا سابقة بعضهم في العلم والدعوة لربما نحو نحوها.
والحق الذي لا مرية فيه إن شاء الله تعالى أن ما أصاب المسلمين من ذل وهوان ما هو إلا بسبب الذنوب والمعاصي ، وهي التي أورثت التنازع والاختلاف ، وهي سبب تسلط الظالمين والكافرين ، وكل ما يذكر من أسباب التخلف والضعف فمرده إلى المعصية ؛ لأن المسلمين لا يصلحون إلا بطاعة الله تعالى ، ولا يهزمون إلا بمعصيته ، وإذا كانت معصية واحدة في غزوة أحد أورثت ذلا بعد عز ، وقلبت المعركة من نصر إلى هزيمة ، فكيف بمئات المعاصي التي تمتلئ بها بيوتنا وأسواقنا وأعمالنا ، كم في المسلمين من معاص سياسية واقتصادية واجتماعية وأخلاقية ، كم فيهم من ظلم وعدوان ، وبخس للحقوق ، وتضييع للأمانات ، وترك للواجبات ، ومسارعة إلى المحرمات ، يستوي في ذلك كبار القوم وأراذلهم.(/7)
إن الواحد من المسلمين لو أحصى ذنوبه في يومه وليلته ، سواء فيما يتعلق بحق ربه عز وجل ، أو حق نفسه ، أو حقوق الآخرين من والد ووالدة وزوج وولد ، وذي رحم وجوار ، وحقوق وظيفته وعمله ، وحقوق رعيته ودولته وأمته ، لو أحصى ذلك كله لعلم أن ذنوب يوم واحد كفيلة بحجب نصر الله تعالى ، وتنزل عقوبته ، وتسلط أعدائه ، فكيف إذا عدها في عام كامل ، ثم جمع معها ذنوب إخوانه المسلمين.
إنها الذنوب التي تورث الذل ، وتسبب التنازع والفشل ، وتؤدي إلى الضعف والعجز ، وتدفع إلى حب الدنيا وضعف الهمة للآخرة ، وليس بعد كلام الله تعالى في هذا الأمر كلام ، واقرؤوا إن شئتم سياق الآيات من سورة آل عمران في مصاب المسلمين في أحد وأسبابه تعرفوا أثر المعصية على الأفراد والجماعة والأمة ، كيف وهذا المعنى قد قرر في غير الحديث عن أحد في عدد من الآيات ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير ) وقد خاطب الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك (ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك ).
هذا هو الداء ، والعلاج في التوبة من هذا الداء ، والعودة إلى الله تعالى ، أفرادا وجماعات ، شعوبا وحكومات ، وإلا كان المزيد من الذل والهوان ، والظلم والاستضعاف نسأل الله تعالى أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين ، وأن يردنا إليه ردا جميلا ، وأن يعفو عن ذنوبنا ، وألا يؤاخذنا بما كسبت أيدينا، ولا بما فعل السفهاء منا إنه سميع قريب.
وأقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية
الحمد لله ؛ كتب الذل والهوان على الكافرين ، وجعل العاقبة للمتقين ، أحمده حمدا يليق بجلاله وسلطانه ، وأشكره على جزيل نعمه وإحسانه ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.(/8)
أما بعد : فاتقوا الله - عباد الله - وأطيعوه ، واحذروا المعاصي فإنها سبب الذل والهوان، والجوع والخوف ( وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ).
أيها المسلمون: ربنا جل جلاله هو خالق الخلق ، ومالك الملك ، ومدبر الأمر ، وبيده مقاليد كل شيء ، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن ، وهو على كل شيء قدير.
بيده سبحانه وتعالى الذل والعز ، والنصر والهزيمة ، وهو الذي يعطي ويمنع ، ويبسط ويقبض ، ويرفع ويضع ( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير) ( تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير ).
من ابتغى العزة فليطلبها منه وحده لا شريك له ، ولا عزة إلا في دينه الذي ارتضاه لعباده ( من كان يريد العزة فلله العزة جميعا ) أي من أرادها فليطلبها بطاعته بدليل قوله سبحانه بعد ذلك ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) ولا يضر المؤمن قدح الكفار والمنافقين في دينه ، أو انتقاصهم له ، فإن العزة فيه مهما قالوا ( ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا ) ولما قال المنافق:( ليخرجن الأعز منها الأذل ) كان الجواب ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون ) وبين سبحانه أن من والى الكفار يطلب العزة منهم فقد طلبها في غير محلها ( الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا ).
وبيده سبحانه النصر والتأييد ، ويطلب ذلك منه لا من أحد غيره مهما علا قدره ، ومهما بلغت قوته ( إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون )( وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم) (ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم ).(/9)
أفبعد هذه الآيات المحكمات الواضحات يسوع لمؤمن بالله تعالى أن يطلب العز والنصر من غير الله تعالى ، أو يبتغيه في غير دينه ، وقد قضى سبحانه بأن من نصره بالتمسك بدينه فسوف ينصره على أعدائه ؟
أيسوغ لمسلم أن يقنط من رحمة الله تعالى وهو يقرأ كتابه ؟ أو ييأس من عودة القوة والعزة والكرامة للأمة المسلمة ؛ لتحكم في الأرض بالعدل وقد امتلأت جورا وظلما ، وهو يعلم أن العاقبة للتقوى ، وأن المستقبل لهذه الأمة ، وأن دين الله تعالى عزيز رغم ضعف المسلمين؟
نحتاج فقط إلى التوبة النصوح التي يتخلص بها كل واحد منا من ذنوبه ، ويستشعر مسؤوليته ، ويحاسب نفسه ، ويراقب الله تعالى في كل شؤونه ، ويسعى في نصر المستضعفين من المسلمين في كل مكان بكل ما يستطيع من أنواع النصرة ، مع ثقته بربه عز وجل ، والإكثار من الدعاء والتضرع بين يديه سبحانه ؛ فإن الدعاء سلاح لا يخطئ ، وقوة لا تغلب ، وما تسلح الفاتحون من أسلافكم بسلاح أمضى منه ، سأل سليمان بن عبد الملك موسى بن نصير عليهم رحمة الله تعالى : (ما كنت تفزع إليه عند الحرب ؟ قال: الدعاء والصبر) ولما صافَّ قتيبة بن مسلم رحمه الله تعالى للترك ، وهاله أمرهم سأل عن محمد بن واسع رحمه الله تعالى ، فقيل: هو ذاك في الميمنة ، جامح على قوسه ، يبصبص بأصبعه نحو السماء ، قال: تلك الأصبع أحب إليَّ من مئة ألف سيف شهير وشاب طرير ) وكان صلاح الدين رحمه الله تعالى إذا سمع أن العدو داهم المسلمين خر ساجداً لله قائلاً: إلهي، قد انقطعت أسبابي الأرضية في دينك ، ولم يبق إلا الإخلاد إليك، والاعتصام بحبلك والاعتماد على فضلك، أنت حسبي ونعم الوكيل.
فثقوا بربكم -أيها المسلمون- وتعلقوا به ، وتوبوا إليه ، واسألوه فإنه سميع قريب مجيب وصلوا وسلموا..(/10)
العنوان: سهولة الإسلام وشموله لأنواع العبادات
رقم المقالة: 671
صاحب المقالة: سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين
-----------------------------------------
الحمد لله الذي جعل الآجال مقادير للأعمار، وجعل هذه الأعمار مواقيت للأعمال، وكتب الفلاح لمن شغلها بالأعمال الصالحات والخسارة لمن فرط فيها فأضاعها، وشغلها بالأعمال السيئات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب الأرض والسماوات، وأشهد أن محمداًً عبده ورسوله أفضل المخلوقات صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان ما تعاقبت الأزمان والأوقات وسلم تسليماً.(/1)
أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى، واعلموا أن عمل المؤمن لا ينتهي بانتهاء مواسم العبادة وإنما ينتهي بالموت؛ لأن العمر كله محل للطاعة، قال الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} فاعمروا أوقاتكم بطاعة الله وما يقربكم إليه، واعلموا أن الله تعالى قد سهل العبادة، ويسرها غاية التيسير، وجعل للخير أبواباً ليلجها من للخير يقصد ويسير، انظروا إلى الصلاة التي هي آكد أركان الإسلام بعد التوحيد تجدوها قليلة الكلفة كثيرة الأجر فهي خمس في الفعل وخمسون في الميزان مفرقة في أوقات مناسبة حتى لا يحصل الملل للكسلان، وإذا أقامها الإنسان في جماعة كانت الصلاة مع الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة، وهذه النوافل التابعة للمكتوبات اثنتا عشرة ركعة؛ أربع قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل صلاة الفجر من صلاهن بنى الله له بيتا في الجنة، وهذه الأذكار خلف الصلوات المكتوبات من سبح الله دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وحمد الله ثلاثاً وثلاثين، وكبر الله ثلاثاً وثلاثين فتلك تسع وتسعون، وقال: تمام المئة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير غفرت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر، وهذا الوتر سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: ((إن الله وتر يحب الوتر وأقله ركعة واحدة، وأكثره إحدى عشرة ركعة وهو مؤكد لا ينبغي للإنسان تركه)) قال الإمام أحمد: من ترك الوتر فهو رجل سوء لا ينبغي أن تقبل له شهادته، ووقت الوتر من صلاة العشاء الآخرة ولو في حال الجمع إلى طلوع الفجر، وإذا توضأ الإنسان فأسبغ الوضوء، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداًً عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء وهذه الصدقات إذا كانت بنية(/2)
خالصة ومن كسب طيب فإن الله يقبلها بيمينه ويربيها لصاحبها حتى يكون ما يعادل التمرة مثل الجبل العظيم، فالرجل ينفق على نفسه، وينفق على أهله، وينفق على ولده، وينفق على بهائمه يحتسب الأجر بذلك على الله، فيكون له أجر، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة، فيحمده عليها، ويشرب الشربة، فيحمده عليها)) وقال لسعد بن أبي وقاص: ((واعلم أنك لن تنفقنفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعله في فم امرأتك))، وقال: ((الساعي على الأرملة والمساكين كالمجاهد في سبيل الله، وأحسبه قال: كالصائم لا يفطر، وكالقائم لا يفتر))، والساعي على الأرملة والمساكين هو الذي يطلب الرزق لهم، ويكون في حاجتهم، فأولادك الصغار الذين لا يستطيعون القيام بأنفسهم هم عن المساكين، فالسعي عليهم كالجهاد في سبيل الله، وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((خلق الله ابن آدم على ستين وثلاث مئة مفصل من ذكر الله، وحمد الله، وهلل الله، وسبح الله، وعزل حجراً عن طريق المسلمين، أو عزل شوكة، أو عزل عظماً، أو أمر بمعروف، أو نهى عن منكر عدد تلك الستين والثلاث مئة أمسى من يومه، وقد زحزح نفسه عن النار، وقال: يصبح على كل سلامى يعني كل عضو من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزي من ذلك ركعتان يركعهما في الضحى)) وقال: ((ما أطعمت نفسك فهو لك صدقة، وما أطعمت ولدك فهو لك صدقة، وما أطعمت زوجك فهو لك صدقة))، وقال: ((في بضع أحدكم، يعني إتيان أهله صدقة))، فأبواب الخير كثيرة جدا، فالكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ(/3)
الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَ مَتَاعُ الْغُرُورِ}. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.. الخ.(/4)
العنوان: سهولة الدين وإصلاحه للمجتمع أيضاً
رقم المقالة: 666
صاحب المقالة: سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين
-----------------------------------------
الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور وتبارك الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور والحمد لله الذي شرع لعباده فيسر ودعاهم لما تزكوا به أنفسهم وتتطهر وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وكل شيء عنده بأجل مقدر وأشهد أن محمداًً عبده ورسوله أبلغ من وعظ وأصدق من وعد وأنصح من بشر وأنذر صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه خير صحب ومعشر وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم المحشر وسلم تسليماً.
أما بعد: أيها المسلمون اتقوا الله تعالى واعلموا أن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير فإذا كان يوم القيامة تبرأ منهم وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير.
ألا وإن من عداوة الشيطان أن يصور لكم دينكم أبشع تصوير يصوره لكم بأنه يحبس الحرية ويضيق على العبد ويكلفه بما لا يطيق ويمنعه من التقدم والانطلاق إلى غير ذلك مما يوسوس به لكم ولكن العاقل إذا تأمل أقل تأمل تبين له أن دين الإسلام هو دين اليسر والسهولة والتعقل والتقدم النافع والانطلاق إلى الخير.(/1)
أيها المسلمون: لقد بني الإسلام على خمسة أركان شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداًً عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً وكل هذه الأركان يسيرة سهلة على من يسرها الله عليه فهل من الصعب أن تشهد بلسانك معتقداً بقلبك بأنه لا إله إلا الله وأن محمداًً عبده ورسوله هل من حبس الحرية أن تكون عبداً لربك الذي خلقك ورزقك وأمدك بما تحتاجه وهيأك وأعدك لما يلزمك من شؤونك لا والله بل هذا هو الحرية وإنما حبس الحرية أن تكون عبدا لهواك أو للدرهم والدينار أو لفلان وفلان أم هل من حبس الحرية أن تكون متبعاً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي كانت سنته أفضل سنة، سنة مبنية على القصد بلا غلو ولا تفريط فليس فيها تهور تكون نتيجته عكسية وليس فيها تماوت وتفريط تفوت به الأمور بل هي طريقة وسط لا وكس فيها ولا شطط وإن أي إنسان يتجرد من متابعة نبيه - صلى الله عليه وسلم - فلا بد أن يكون متبعاً لغيره ممن ضل عن الصراط المستقيم فماذا بعد الحق إلا الضلال. أيها الناس هل من الصعوبة أن تقوم قانتاً في كل يوم وليلة خمس مرات فقط بهذه الصلوات الخمس تتنعم بذكر ربك وتحيي قلبك بالصلة به وتسأل ما شئت من حاجات دنياك وآخرتك وأقرب ما تكون من ربك وأنت ساجد ومع ذلك فهذه الصلوات الخمس لا تستغرق إلا جزءا يسيراً من وقتك وهي مفرقة على الساعات في اليوم والليلة حتى لا تتعب بأدائها دفعة واحدة ولئلا تنقطع الصلة بينك وبين ربك مدة أكثر ثم هذه الصلوات لها من النتائج الطيبة للقلب والإيمان والثواب ما هو معلوم فالصلوات الخمس مكفرات لما بينهن من الذنوب ما اجتنبت الكبائر. والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وهي نور في القلب والوجه والقبر والقيامة. أيها الناس هل من الصعوبة أن يبذل الإنسان جزءاً من ماله الذي أنعم الله به عليه لمواساة إخوانه الفقراء والغارمين أو من أجل مصلحة المسلمين والإسلام فالزكاة أمر(/2)
يسير من كل مائتي درهم خمسة دراهم ومن كل عشرين ديناراً نصف دينار فهل في ذلك من مشقة ألم يك في الأنظمة الجائرة أن يكون الإنسان مقيداً في ماله مشاركاً في كل جزء منه فاحمدوا الله على نعمة الإسلام واسألوه أن يثبتكم عليها ويحفظها لكم. أيها المسلمون هل من المشقة أن يصوم الإنسان شهراً واحداً من السنة تقرباً إلى الله وتقديراً لنعمته عليه بالغنى وتكميلاً لعبوديته بترك ما تشتهيه نفسه لما يرضي ربه ثم مع ذلك للصيام فوائد كثيرة معلومة أم هل من الصعوبة أن يؤدي العبد فريضة الحج مرة واحدة في العمر إن استطاع إلى ذلك سبيلاً فيتعبد لله تعالى بأداء المناسك وتعظيم الحرمات والشعائر ويحصل له الاجتماع بالمسلمين من كل قطر فيتعرف عليهم ويفيدهم ويفيدونه ثم من حج البيت ولم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة.
أيها المسلمون، الإسلام يأمركم بكل تقدم نافع قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} فأمرنا بالمشي في مناكب الأرض أي جهاتها ثم أمرنا بالأكل من رزقه ومعنى ذلك أن نسعى بطلب هذا الرزق إذ لا يمكن تحصيله إلا بأسبابه والناس يختلفون في سلوك ما يلائمهم من أسباب الرزق فمنهم من يحصله بالتجارة ومنهم من يحصله بالصناعة ومنهم من يحصله بالزراعة ومنهم من يحصله بالعمل إلى غير ذلك من أسباب الرزق ثم قال تعالى: {وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} وهذا تحذير من الله لعباده أن يسلكوا في تحصيل رزقهم سبلاً حرمها الله عليهم فإنهم راجعون إليه ومحاسبهم عليها.
فالإسلام دين اليسر والسهولة والمصالح والانطلاق النافع لا صعوبة فيه ولا تهور ولا خمول ولا فوضى فنسأل الله تعالى الكريم المنان الواسع الفضل أن يمن علينا وعليكم بلزوم الإسلام والوفاة على الإيمان إنه جواد كريم.(/3)
العنوان: سهولة الدين وإصلاحه للمجتمع
رقم المقالة: 665
صاحب المقالة: سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين
-----------------------------------------
الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور وتبارك الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور والحمد لله الذي شرع لعباده ويسر ودعاهم لما تزكو به نفوسهم وتتطهر وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وكل شيء عنده بأجل مقدر وأشهد أن محمداًً عبده ورسوله الذي بشر وأنذر صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان ما أشرق الضياء وأنور وسلم تسليماً.
أما بعد أيها الناس: اتقوا الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر:5،6] فإذا كان يوم القيامة تبرأ منهم وقال إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي وحينئذ ينادون بالويل والثبور يقولون لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير.
أيها المسلمون: إن من عداوة الشيطان أن يصور لكم دينكم بأبشع صورة وأشدها تنفيراً عنه إنه يصور لكم دينكم بأنه حبس للحرية وتضييق على العبد ومنع من التقدم والرفاهية هكذا يصور الشيطان لنا ديننا حتى لا نقبل عليه ولا نتمسك به وإن العاقل إذا نظر إلى الدين بعلم وعدل وجده بريئاً من كل هذه الصفات وإنه على العكس من ذلك فهو دين الحرية الحقة المعتدلة ودين السعة والسهولة والتقدم والسعادة ولنستعرض قليلاً من تشريعات هذا الدين لنقيس عليها ما سواها.(/1)
فالدين أيها المسلمون مبني على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداًً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت الحرام. وهذه الأصول الخمسة كلها يسيرة سهلة وكلها تهذيب للأخلاق وإصلاح للقلوب وتقويم للأحوال فشهادة أن لا إله إلا الله تجريد القلب من التأله والعبادة لأحد من المخلوقين وانحصار العبودية لله رب العالمين الذي من عليك بالوجود والرزق فأنت بالنسبة إليه عبد وبالنسبة إلى من سواه حر وإن من الحمق بمكان أن تنطلق من عبودية الله التي هي الحق وتقيد نفسك بعبودية هواك أو عبودية دنياك أو عبودية فلان وفلان وشهادة أن محمداًً رسول الله تجريد المتابعة لأحد من المخلوقين سوى رسول رب العالمين الذي كلف بالرسالة إليك وكلفت باتباع رسالته فعنها يسأل بلاغاً وأنت تسأل عنها اتباعا: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} وما من شك في أن كل واحد من الناس سوف يسير في عمله على خطة مرسومة فإما أن تكون طريقة النبيين أو طريق الضالين فانظر أي الطريقين أهدى وأقوم. أما إقامة الصلاة فما أيسرها وأسهلها وما أنفعها للقلب والبدن والفرد والمجتمع فهي صلة بينك وبين ربك تقوم بين يديه خاشعاً خاضعاً متقرباً إليه بما شرعه لك سائلاً منه حاجات دنياك وأخراك تنمي دينك وتحط ذنوبك وتلحقك بالصالحين وتستعين بها على أمور دينك ودنياك وتنهاك عن الفحشاء والمنكر.(/2)
أما إيتاء الزكاة وهو القسط المعلوم الذي تؤديه عن مالك لمواساة إخوانك أو لصالح الإسلام فما أيسره وما أنفعه يتطهر به المزكي من الأخلاق الرذيلة ومن الذنوب المثقلة إن الصدقة تطفيء الخطيئة كما يطفئ الماء النار وهو قسط ضئيل من مالك ربع العشر من الذهب والفضة والعروض من كل مائتين خمسة دراهم. أما صيام رمضان فشهر واحد في السنة تمتنع فيه في النهار عما تشتهيه نفسك من طعام وشراب ونكاح تقرباً إلى ربك وتقديماً لمرضاته على ما تشتهيه مع ما فيه من فوائد كثيرة معلومة. وأما حج البيت فمرة واحدة في العمر على المستطيع يتوجه إلى بيت الله وشعائره يعظم ربه عندها ويعبده ويسأله حوائج دينه ودنياه ولا تسأل المحب عن حبه لبيت حبيبه وأماكن قربه والتعبد له في تلك الأماكن العظيمة مع ما في الحج من المنافع الدينية والدنيوية.(/3)
ثم الإسلام أيها المسلمون مفخرة عظيمة لأهله لأنه يأمر بكل خلق فاضل وينهى عن كل خلق سافل يأمر بكل تقدم إلى ما فيه الخير، يقول الله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} - {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} - {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ} والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير)). ((احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا كان كذا فإن لو تفتح عمل الشيطان)) فهل بعد هذا من دليل أو برهان على أن هذا الدين دين الحق واليسر والسهولة والتقدم فلا باطل ولا عسر ولا تأخر ولكن حق ويسر وتقدم للخير ورجوع عن الشر ومن شك في ذلك فلينظر لتاريخ ماضينا وأمجادنا في الإسلام فتحوا القلوب بالإيمان والعلم وفتحوا البلاد بالحق والعدل نسأل الله أن يبصرنا في ديننا ويرزقنا التمسك به والوفاة عليه أنه جواد كريم.(/4)
العنوان: سورة الكهف (معالجتها للفتن)
رقم المقالة: 253
صاحب المقالة: الشيخ إبراهيم الحقيل
-----------------------------------------
(الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا) أحمده حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ويرضى، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ أنزل القرآن للتعبد بتلاوته، وتدبر آياته، والانتفاع بعظاته (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب) وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ آتاه الله تعالى الحكمة والكتاب، وشرفه بالدعوة إلى الهدى والإيمان (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله عز وجل، وبالعمل الصالح الذي ينفعكم في دنياكم وأخراكم (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقوني يا أولي الألباب).
أيها الناس: في القرآن من العظة والعبرة ما ليس في غيره من كلام الناس، وقصصه وأمثاله ليست كالقصص والأمثال الأخرى، فلا يذكر فيها إلا ما يحتاجه المكلفون مما يكون به صلاحهم في الحال والمآل، وما لا فائدة من معرفته فإن القرآن العظيم أهمل ذكره، وطوى عن الناس خبره، وهذا سبب من أسباب عدم الملال من تكرار القصة في القرآن، وكم يكرر المسلم في حياته من سورة يقرءوها، أو قصة في سورة، أو مثل مما ضربه الله تعالى للناس، وما يمل من ذلك، ولو كرر قصة من القصص البشرية أو مثلا من أمثال الحكماء لمل ذلك.
وسورة الكهف قد امتازت عن غيرها من السور بميزات عدة، وجاء فيها من الفضل والأجر ما لم يأت في غيرها، وإن كانت بعض السور أفضل منها كسورتي الفاتحة والإخلاص.(/1)
وسورة الكهف هي سورة يوم الجمعة؛ لأن المسلمين يقرءونها فيه؛ إتباعا للسنة، وتحريا للفضل، وطلبا للنور الذي يضيء لقارئها ما بينه وبين البيت العتيق، كما جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
وسورة الكهف قرأها أحد الصحابة رضي الله عنهم فوقعت له كرامة عظيمة وهو يقرأها؛ كما روى الشيخان من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال:(كان رجل يقرأ سورة الكهف وإلى جانبه حصان مربوط بشَطَنَين فتغشَّتُه سحابة فجعلت تدنو وتدنو وجعل فرسه ينفِر، فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال: تلك السكينة تنزلت للقرآن)
وحفظ الآيات العشر الأولى من سورة الكهف، أو قراءة الآيات العشر الأخيرة منها سبب للعصمة من أكبر فتنة في البشرية، وهي الفتنة بالدجال، وكل ذلك ثابت في أحاديث صحيحة، ولم يرد مثل ذلك في غيرها من السور والآيات.
إن سورة الكهف قد عرضت لأربع قِصص فيها من العظة والعبرة ما فيها، وهي قصة أصحاب الكهف التي سميت السورة بها، وقصة صاحب الجنتين، وقصة موسى مع الخضر عليهما السلام، وقصة ذي القرنين رحمه الله تعالى، وكل واحدة من هذه القصص الأربع قد عالجت فتنة من كبريات الفتن التي يسقط فيها كثير من الناس، فلا غرو أن تكون آيات منها سببا للعصمة من أكبر الفتن وهي فتنة الدجال.
إننا نتلوا في هذه السورة قصة أصحاب الكهف وهم فتية آمنوا بربهم في وسط أناس مشركين، وعلموا من حق الله تعالى عليهم ما علموا في قوم جاهلين؛ فكان ذلك سببا لفتنتهم في دينهم، فلم يستسلموا، ولم يتبعوا قومهم في ضلالهم، ولاوافقوهم على كفرهم؛ بل أعلنوا توحيدهم لله تعالى، كما أعلنوا براءتهم مما يعبد أهلوهم وعشيرتهم (إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا).(/2)
ثم أتبعوا القول بالعمل فتبرءوا من المشركين واعتزلوهم، وآووا إلى كهف ليعبدوا الله وحده لا شريك له، وليفروا من الفتنة في الدين، فكان جزاؤهم في الدنيا تلك الكرامة العظيمة التي نالتهم وهم في كهفهم، فنجوا بها من الكفار وكيدهم، وكانت كرامة الله تعالى لهم آية تتلى على مر العصور.
وفي التعقيب على هذه القصة العظيمة يأمر الله تعالى بصحبة الصالحين من عباده، واصطبار النفس على ذلك ولو لم يكونوا أهل مال وثراء ودنيا، مع مجانبة أهل الغفلة، وأتباع الهوى الذين لا يردعهم دينهم عن هواهم (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا).
ونستفيد من ذلك أن من أسباب الثبات على الدين: صحبة الصالحين ممن ثبتوا على دينهم ولو كانوا هم الأقل والأضعف، كما فعل أصحاب الكهف؛ إذ جانب كل واحد منهم أهله وعشيرته المشركين وهم أكثر وأقوى، وصاحب المؤمنين وهم الأقلون المستضعفون، وفي صحبة الصالحين من التثبيت على الدين، والإعانة عليه، وتحصيل الخير ما لا يعلمه إلا الله تعالى قال بعض الصالحين: من أحب أهل الخير نال بركتهم، كلب أحب الصالحين ذكره الله تعالى في القرآن
كما نستفيد من هذا التعقيب: أن إتباع الهوى، وطاعة أهل الغفلة عن ذكر الله تعالى سبب للفتنة في الدين، والتحول عنه شيئا شيئا، كما أن سبب إتباع الهوى، وطاعة أهل الغفلة هو طلب حظ من حظوظ الدنيا . ولو أن فتية الكهف أطاعوا أهل الغفلة من قومهم، واتبعوا أهواءهم؛ ميلا إلى الدنيا وزخارفها لما نجوا، ولما كان خبرهم آية تتلى.(/3)
وما أحوج المسلم في هذا الزمن الذي يموج بالفتن إلى فقه هذا الدرس العظيم من هذه القصة العجيبة، فيثبت على دينه ولو رأى قلة الثابتين، ويضحي بكل نفيس في سبيل ذلك؛ فإن الثمن جنة عرضها السماوات والأرض، وليحذر من الاغترار بالباطل وأهله مهما كانت قوتهم، وبلغت علومهم؛ فهم وحضارتهم إلى تباب وخسران ما لم يؤمنوا بالله تعالى وحده لا شريك له.
والمال فتنة من أكبر الفتن التي افتتن الناس بها قديما وحديثا، وزادت الفتنة به في هذا العصر بسبب سيادة النظم الرأسمالية على أسواق المال والأعمال في العالم؛ إذ حولته في عقول أتباعها من وسيلة ينتفع بها إلى غاية تلغى في سبيلها كل المبادئ والقيم والأخلاق. ونجد علاج هذه الفتنة في قصة صاحب الجنتين الذي أنعم الله تعالى عليه بما وصف في تلك السورة(واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا وفجرنا خلالهما نهرا) ولكنه افتتن بذلك، ونسي أمر الساعة، وتكبر على الناس بماله (فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا، ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا وما أظن الساعة قائمة).
فكان ثمرة افتتانه بماله، ونتيجة علوه على الناس بسببه أن أذهب الله تعالى زهرة جنته، وجعلها خرابا يبابا (وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهى خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا، ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا).(/4)
وبعد قراءة هذه القصة العجيبة نجد أن الله تعالى قد ضرب مثلا عظيما في الدنيا؛ بيانا لحقيقتها، وإثباتا لزوالها، وتحذيرا من الغرور بها (واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا، المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا) ثم ذكر سبحانه الآخرة والحساب، والكتاب الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.
فمن فتن بالمال فعطل الفرائض من أجله، وجاوز الحلال إلى الحرام في جمعه وإنفاقه، واستعلى على الناس به؛ فليأخذ عبرة وعظة من قصة صاحب الجنتين، ولينعم النظر في المثل الذي ضربه الله تعالى للدنيا عقب ذلك، وليتدبر الآيات التي تخبر عن شدة الحساب والكتاب الذي يحصي الصغيرة والكبيرة؛ فإنه إن فعل ذلك خاف المال وكثرته، وحاذر من فتنته.
ومن فتن هذا العصر: الفتنة بما فتح الله تعالى على البشرية من أنواع العلوم والمعارف التي قادت كثيرا من الناس إلى الكفر بالله تعالى، وتكذيب آياته، والإلحاد في أسمائه وصفاته؛ فزعم المفتونون بهذه العلوم والمعارف أن الإنسان هو مركز الكون، ومحور الوجود، وأنه سيطر على الطبيعة، وأنه لا وجود إلا للمادة، في إلحاد صارخ، وإلغاء لعالم الغيب، وإنكار للآخرة، بل زعم بعض ملاحدة هذا العصر أن الإنسان سيسيطر على الموت، وسيكتشف بلسم الحياة.
لقد فتنوا أشد الفتنة بالعلوم العصرية، وبسببها عبدوا الدنيا، وتركوا النظر في الموت وما بعده فنسوا الآخرة.
وقد يفتن الإنسان بالعلوم الشرعية فلا ينتفع بها قلبه، ولا تزيد إيمانه، ولا تقوده إلى ما يحبه الله تعالى ويرضاه من الأقوال والأعمال، وذلك حين يغتر العالم بعلمه، ويستعلي به على غيره، ويجعله مطية لدنياه، فيحرف الكلم عن مواضعه ليرضي الأهواء، وينصر الباطل على الحق، ويعتد برأيه ولو كان مخالفا للنصوص والإجماع.(/5)
ونجد علاج هذه الفتنة العظيمة في قصة موسى مع الخضر عليهما السلام؛ فنبي الله موسى عليه السلام، كليم الله جل جلاله، وهو من أولي العزم، وقد فضل على أكثر الرسل عليهم السلام، وأيده الله تعالى بالمعجزات، وأظهر على يديه الآيات، ودحر به السحرة وعلومهم، ومع ذلك كله لم يتكبر بما أعطاه الله تعالى من أنواع العلوم والمعارف، وما أجرى على يديه من الآيات والمعجزات، بل تواضع لله تعالى، ورحل يطلب العلم على يد الخضر عليه السلام، وقال مقولة التلميذ المطيع لأستاذه (ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا)
يقول موسى ذلك للخضر عليهما السلام وهو أفضل وأعلم بالله تعالى منه، وهو رسول والخضر عبد صالح، لكنْ عنده علم لا يعلمه موسى، فتعلم موسى عليه السلام منه.
ولما علَّم الخضر موسى عليهما السلام مما علمه الله تعالى لم يغترَّ بعلمه، بل نسب ذلك إلى الله تعالى؛ اعترافا بفضله، وحمدا له فقال (رحمةً من ربك وما فعلته عن أمري).
وما أحوج من فتنوا بالعلوم العصرية أن يعترفوا بفضل الله تعالى عليهم، وينسبوا علومهم إليه، ويسخروها في ذكره وشكره وحسن عبادته، فهو سبحانه الذي علمهم ما لم يكونوا يعلمون (علم الإنسان ما لم يعلم).(/6)
ولكن أهل الحضارة المعاصرة أعرضوا عن ذلك، ولم ينسبوا الفضل إلى الله تعالى فيما أعطوا من العلوم والمعارف، وما ملكوا من أسباب القوة والهيمنة، بل نسبوا ذلك إلى أنفسهم وإلى تجاربهم وخبراتهم، ولم يسخروا معارفهم وقوتهم في عبادة الله تعالى، ورفع الظلم، وإقامة العدل، بل سخروها في محاربة الله تعالى، ونشر الفساد، وظلم العباد، وقهر الناس والسعي في تبديل دينهم، وإفساد فطرهم وعقائدهم وأخلاقهم، والتسلط على بلدانهم، ونهب ثرواتهم، فما زادتهم علومهم وحضارتهم إلا إفسادا في الأرض، وعلوا على الناس، فجرت عليهم سنة الله تعالى التي جرت على أسلافهم من قبل، وبدت بوادر هزيمتهم وإذلالهم، وظهور المستضعفين عليهم، وأتاهم الله تعالى من حيث لم يحتسبوا؛ فكانت رفاهيتهم التي نتجت عن علومهم وحضارتهم سبب خورهم وضعفهم، وعدم قدرتهم على مقارعة أعدائهم، فكسرت شوكتهم على الملأ، وزالت هيبتهم من القلوب، وفضحوا شر فضيحة، ولم تغن عنهم معارفهم وتقنياتهم شيئا.
وتلك سنة الله تعالى في أمثالهم (فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا استكبارا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنة الأولين فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا) بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم....
الخطبة الثانية
الحمد لله على ما هدى، والشكر له على ما أعطى وأسدى، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واعتبروا بأحوال الذين مضوا من قبلكم، وأحسنوا التلقي عن كتاب ربكم.(/7)
أيها الناس: من أعظم الفتن التي يضعف أمامها أكثر البشر فتنة السلطان الغالب، والقوة القاهرة، التي تقود إلى البطش والظلم والأثرة، ونجد علاج هذه الفتنة الكبيرة في القصة الرابعة من هذه السورة العظيمة، وهي قصة ذي القرنين، الذي ملك مشارق الأرض ومغاربها، ودانت له الدول والممالك، وآتاه الله تعالى من كل شيء سببا، ومع ذلك لم يتجبر بسلطانه، ولا استعلى على الناس بقوته؛ بل سخر ذلك في إحقاق الحق، وإزهاق الباطل، وإقامة العدل، ورفع الظلم، ونصر المظلوم.
وثبت إيمانه وعدله، وصلاحه وإصلاحه في قوم ظهر عليهم فملك مدينتهم، وذلت له رقابهم، وخيره الله تعالى فيهم، فحكم فيهم بحكم الشريعة (ووجد عنها قوما قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا، قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا، وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا).(/8)
وظهر تسخيره لسلطانه وقوته فيما يحبه الله تعالى ويرضاه من رفع الظلم، ونصرة المستضعفين، في قوم من الترك شكوا إليه إغارة يأجوج ومأجوج عليهم، والإفساد في بلادهم، ورجوه أن يبني حاجزا يحجزهم عنهم مقابل خراج يدفعونه إليه، فعفَّ رحمه الله تعالى عن جُعْلِهم، وبادر إلى نجدتهم، ورفع الظلم عنهم، وبناء السد لهم، معترفا بفضل الله تعالى عليه بالسلطان والمال (قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا، قال ما مكنى فيه ربى خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما) أي:ما أعطاني ربي من الملك والمال خير من خراجكم، وطلب معونتهم على بناء السد فبناه لهم، ولما أتم بناءه لم يفاخر بذلك، أو يعلن به على الملأ، أو يمنَّ به على القوم؛ ليكتسب بذلك دعاية، أو يظهر به قوة، أو يحوز به شرفا، أو يسجله في سجل إنجازاته، بل نسب الفضل في ذلك لله تعالى صاحب الفضل والمنِّ، واعترف بقدرة الله تعالى على هذا السد وتدميره في أجلٍ لا يعلمه إلا هو سبحانه وتعالى (قال هذا رحمة من ربى فإذا جاء وعد ربى جعله دكاء وكان وعد ربى حقا).
إن سورة الكهف قد عالجت في قصصها هذه الفتن الأربع: فتنة الشرك في قصة الفتية، والفتنة بالمال في قصة صاحب الجنتين، والفتنة بالعلم والمعرفة في قصة موسى مع الخضر عليهما السلام، وفتنة السلطان في قصة ذي القرنين، ولو نظرنا في حال أكبر فتنة حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم وهي فتنة الدجال لوجدنا أن هذه الفتن الأربع قد اجتمعت كلها في الدجال:
فهو يفتن الناس في دينهم، ويدعوهم إلى الشرك، ويقهرهم عليه، وأعطاه الله تعالى من الآيات ما يكون فتنة للناس وابتلاء:
ففي فتنة المال يمر الدجال بالخربة فتتبعه كنوزها، ويأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت.(/9)
وفي فتنة العلم يخبر الدجال الرجل عن أبيه وأمه، ويقطع الرجل بسيفه حتى يمشي بين نصفيه ثم يدعوه فيأتي، ويشق الرجل بمنشاره من مفرق رأسه إلى قدميه ثم يعيده بأمر الله تعالى كما كان.
وفي فتنة السلطان يعيث في الأرض فسادا، ويسلط على الناس، وما من بلد إلا يبلغها سلطانه خلا مكة والمدينة، ويفر الناس إلى الجبال خوفا من سلطانه وبطشه.
فحري بمن كان من أهل سورة الكهف: قارئا لها، متدبرا لآياتها، عارفا بقصصها، حافظا للآيات العشر من أولها أن يحفظ من فتنة الدجال، فلا يغترُّ بكذبه وبهرجه، ولا تنطلي عليه أفعاله وما سخر الله تعالى له من الآيات، ولا يزدادُ فيه وفي فتنته إلا بصيرة على بصيرته، وإيمانا بالله تعالى مع إيمانه.
فاعرفوا - رحمكم الله تعالى - لهذه السورة قدرها، وتدبروا آياتها، وانتفعوا بقصصها، ولا سيما أنكم تكررونها في كل جمعة، واحفظوها فإن عجزتم فاحفظوا من آياتها ما يعصمكم من فتنة الدجال؛ فإنه شر غائب ينتظر.
وصلوا وسلموا على نبيكم كما أمركم بذلك ربكم ...(/10)
العنوان: سورة الكوثر
رقم المقالة: 1371
صاحب المقالة: الشيخ إبراهيم الحقيل
-----------------------------------------
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} {الأحزاب: 70- 71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كلام الله - تعالى -، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النَّار.
أيها الناس: أنزل الله - تعالى – القرآن؛ هُدًى ونورًا وشفاءً للصدور، يشفي من أمراضِ الشبهاتِ والشهواتِ، من تمسَّكَ به نَجَا، ومن حادَ عَنْهُ هَلَكَ، هو دليل السائرين إلى الله - تعالى -، وأنيسُ المتجافين عن مضاجعهم في جوف الليل، يتلونه ويتدبرونه، ويرجون وعده، ويخافون وعيده، ويعتبرون بعبره ومواعظه.(/1)
إنه كلام الله - تعالى - رب العالمين، ومالكِ يَوْمِ الدِّينِ، وخالق الناس أجمعين. لا أنيس لمن لم يَأْنَسْ به، ولا راحَةَ لِمَنْ لم يَتَدَبَّرْهُ ويعمل بما فيه، فهل يجوز لعاقل أن يستغني عنه بغيره! وأن يَسْتَبْدِلَ بِهِ سِواهُ مِنْ لَغْوِ الحديث، ومجالس الباطل، ومزامير الشيطان؟! لا يفعل ذلك وربي إلا مَنْ عَطَّلَ عَقْلَهُ، وَاتَّبَعَ هواه، فهو حريٌ بالهلاك إن لم يتدارَكْهُ الله برحمته، فيُعجل بتوبة نصوح.
أيها المؤمنون: هذا حديث عن سورة عظيمة في معانيها، قليلة في حروفها، لم تتجاوزْ آياتُها ثلاث آيات؛ لكن فيها من العلم والفضل ما سوَّد به المفسرون عشراتِ الصفحات، وما خفي عليهم من علمها ومعانيها أكثر.
اشتملت هذه السورة العظيمة على بِشَارة النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه أعطي الخير الكثير في الدنيا والآخرة، وأُمر بأن يشكر الله على ذلك بالإقبال على العبادة، وأن ذلك هو الكمالُ الحقُّ، لا ما يتطاول به المشركون على المسلمين بالثروة والنعمة، وهم مغضوب عليهم من الله - تعالى -؛ لأنهم أبغضوا رسله - عليهم السلام - وغضب الله - تعالى - بَتْرٌ لهم إذ كانوا بمحل السخط من الله - تعالى -[1].
وأما سبب نزولها: فما رواه ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "قدم كعبُ بن الأشرف مكَّة فقالت له قريش: "أنت سيدهم، ألا ترى إلى هذا الصنبر المنبتر من قومه؟ يزعم أنه خيرٌ مِنَّا ونَحْنُ أَهْلُ الحجيج، وأَهْلُ السدنة، وأهل السقاية، فقال: أنتم خَيْرٌ منه، قال: فنزلت {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} [الكوثر: 3]؛ رواه البَزَّار، وصححه ابن كثير[2]·
وذكر مجاهد وسعيد بن جبير وقتادة: "أنها نزلت في العاص بن وائل؛ ذلك أنه إذا ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "دعوه فإنه رجل أبتر لا عَقِبَ له، فإذا هلك انقطع ذكره" فأنزل الله هذه السورة[3]·(/2)
وقيل: "إن قريشًا كانوا يقولون لمن مات ذكورُ ولده: قد بتر فلان، فلما مات لرسول - صلى الله عليه وسلم - ابنه القاسم بمكة، وإبراهيم بالمدينة، قالوا: بتر محمد، فليس له من يقوم بأمره من بعده؛ فنزلت هذه الآية[4].
قال ابن كثير بعد أنْ ساق عددًا من الروايات: "وهذا يَعُمُّ جميعَ مَنِ اتَّصَفَ بِذَلِكَ مِمَّن ذكر وغيرهم"[5]·
تبتدئ السورة بتبشير النبي - صَلَّى الله عليه وسلم - بأنَّ الله - تعالى - قد أعطاه خيرًا كثيرًا، وذلك ردًّا على قول المشركين فيه لما مات أبناؤه: إنه أبتر؛ لأن انقطاع الولَدِ الذَّكَرِ مِنْ عَقِبِ الرجل ليس بترًا؛ إذ لا أثر له في كمال الإنسان[6]·
{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الكَوْثَرَ}، والكوثر في اللغة: اسمٌ لِلْخَيْرِ الكثير المُفْرِطِ في الكثرة[7]، ومن هذا الخَيْرِ الكثير الذي أكرم الله - تعالى - به نبيه محمدًا - صلى الله عليه وسلم -: نهرُ الكوثر في الجنة، كما روى أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم بَيْنَ أَظْهُرِنَا؛ إذْ أَغْفَى إغفاءة، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُبْتَسِمًا، فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: أنزلت عليَّ آنفًا سورة، فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} {الكوثر: 1- 3} ثم قال: ((أَتَدْرُونَ ما الكوثر))؟ فقلنا: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه نهر وعدنيه ربي - عزَّ وجل - عليه خير كثير، وهو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عددُ النجوم، فيُختلج العبد منهم، فأقول: ((رب، إنه من أمتي، فيقول: ما تدري ما أحدثوا بعدك))؛ رواه الشيخان واللفظ لمسلم[8]·(/3)
ومع ما في هذه البشارة العظيمة من الخير الكثير؛ فإن فيها أيضًا تسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وإزالة لما عسى أن يكون في خاطره من قول من قال فيه: هو أبتر، فقوبل معنى الأبتر وهو المنقطع بمعنى الكوثر وهو المتناهي في الكثرة؛ إبطالاً لقولهم[9]، ومقابلةً لهذا الخير العظيم الذي كرّم الله به نبينا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - فإنه أُمر بشكر الله - تعالى - على ذلك، وإخلاص العمل له وحده: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} والصلاةُ والنحر من أخصِّ العبادات وأعظمها. والمشركون يصلون لأصنامهم، وينحرون ويذبحون لها؛ فأُمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تكون صلاته خالصة لله - تعالى -، وأن يَكُونَ نَحْرُهُ خالِصًا له سبحانه·
وإخلاص العبادة لله - تعالى - فيه ردٌّ على المشركين في مقولاتهم وتنقيصهم للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وفيه إغاظَةٌ لَهُمْ، وإصرار على إقامة الدين لله - تعالى -، وإخلاص العبادة له دون مَنْ سِواه، وهذا أبلغ في الرَّدِّ من مقابلة مقولاتِهم بمقولات مثلها، فالإجابة على سبهم كانت بالفعل، أي: إنْ كُنْتُمْ تَتْنَقِصُونَنِي مِنْ أَجْلِ توحيدي، وإخلاصي لله - تعالى -؛ فإن تنقصكم لا يزيدني إلا صلابة في هذا الجانب.
فالأمر بإخلاص الصلاة والنحر لله - تعالى - عقب البشارة بإعطائه الكوثر فيه شكر لله - تعالى -، ورد على المشركين، وهذا من بلاغة القرآن: أن تدل الجمل القليلة على المعاني الكثيرة.(/4)
{إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} أيْ: مُبْغِضُكَ هُوَ المَقْطُوعُ، وليس بنفس المعنى الذي لمزوا به النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنَّ الذين لمزوه بانقطاع ورثته الذكور، لهم عقبٌ من الذكور[10]؛ ولكنهم مبتورون عن الخير، مقطوعون عمَّا ينفعهم في الدار الآخرة، والآية تشملُ كلَّ مبغِضٍ للنبي - صلى الله عليه وسلم - مات على ذلك من أهل الكفر والزندقة والإلحاد، فكلهم بُتْر من الخير بسبب شنآنهم على النبي - صلى الله عليه وسلم -
وكل مبغض للنبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه لا يضر إلا نفسه، ولا يقدر على فعل شيء سوى أن يبغضه، والمبغض إذا عجز عن الإيذاء يحترق قلبه غيظًا وحسدًا، وهذا ما حصل لأولئك المشركين، وهو ما يحصل لكل من أبغض النبي - صلى الله عليه وسلم -، وما ضرَّ ذلك رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، بل أعلى الله ذكره، ورفع شأنه، ونصر دينه، وتَكَفَّلَ بِحِفْظِه إلى يوم الدين.
قال المشركون: إنه بُتِرَ من ذُرِّيَّتِهِ الذكور؛ فأعطاه الله الخير الكثير، وأعطاه الكوثر نهرًا في الجنة، وجعل أمته أكثر الأمم، وأصحابه أفضل الأصحاب.
قال المشركون لما مات ابناه القاسم وإبراهيم: بُتر محمد فليس له من يقوم بأمره من بعده؛ فهيأ الله - تعالى - له صحابة كرامًا حملوا الدين فبلغوه، ودانوا بالإسلام فنشروه، وتعلموا العلم وعلَّموه، ثم سار على نهجهم أتباعُهم، وأتباعُ أتباعهم، حتى بلغ الإسلامُ ما بَلَغَ الليلُ والنَّهارُ، وما من بلد إلا وفيها من يقيم ذكر الله - تعالى -، ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويدين بالإسلام، فلله الحمد والفضل والشكر والثناء.(/5)
قال المشركون لكعب بن الأشرف: نحن خير أم هذا الصنيبر الأبيتر، فقال لهم: "بل أنتم خير منه" فأنزل الله - تعالى - في كعب[11]: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} [النساء: 51] وبتر الله كعبًا؛ كما بتر أئمة الكفر في غزوة بدر وما بعدها؛ حتَّى علا ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم -، ودانت له الأمم، وخذل أهل الشرك والكفر، وصدق الله - تعالى - لما قال: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ}؛ إذ انقطع كل مبغض للنبي - صلى الله عليه وسلم - من كل خير ولله الحمد والمنة·
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم:
{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} [ الكوثر: 1-3].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم..
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ مُحمَّدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله ـ عباد الله ـ وأخْلِصُوا له الدين: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ} [البيِّنة: 5].(/6)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: "سورة الكوثر ما أجلها من سورة! وأغزر فوائدها على اختصارها! وحقيقة معناها تعلم من آخرها؛ فإنه - سبحانه وتعالى - بتر شانئ رسوله من كل خير، فيبترُ ذكره وأهله وماله؛ فيخسر ذلك في الآخرة، ويبتر حياته فلا ينتفع بها، ولا يتزودُ فيها صالحًا لمعاده، ويبترُ قلبه، فلا يعي الخير ولا يؤهله لمعرفته ومحبته، والإيمان برسله، ويبترُ أعماله فلا يستعمله في طاعة، ويبتره من الأنصار فلا يجد له ناصرًا ولا عونًا، ويبتره من جميع القرب والأعمال الصالحة فلا يذوق لها طعمًا، ولا يجد لها حلاوة، وإن باشرها بظاهره فقلبه شارد عنها·
وهذا جزاء من شنأ بعض ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وردّه لأجل هواه أو متبوعه أو شيخه أو أميره أو كبيره؛ كمن شنأ آيات الصفات، وأحاديث الصفات، وتأولها على غير مراد الله ورسوله منها، أو حملها على ما يوافق مذهبه ومذهب طائفته، أو تمنى أن لا تكون آيات الصفات أنزلت، ولا أحاديث الصفات قالها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -...
وكذلك أهل السماع الذين يرقصون على سماع الغناء، والقصائد والدفوف والشبابات، إذا سمعوا القرآن يتلى ويقرأ في مجالسهم استطالوا ذلك واستثقلوه، فأي شنآن أعظم من هذا، وقس على هذا سائر الطوائف في هذا الباب.(/7)
وكذلك من آثر كلام الناس وعلومهم على القرآن والسنة، فلولا أنه شانئ لما جاء به الرسول ما فعل ذلك؛ حتى إن بعضهم لينسى القرآن بعد حفظه، ويشتغل بقول فلان وفلان، ولكن أعظم من شنأه وردَّه من كفر به وجحده، وجعله أساطير الأولين، وسحرًا يؤثر، فهذا أعظمُ وأطمُّ انبتارًا وكل من شنأه له نصيب من الانبتار على قدر شناءته له، فهؤلاء لما شنئوه وعادَوْهُ جازاهم الله بأن جعل الخير كله معاديًا لهم؛ فبترهم منه، وخص نبيه - صلى الله عليه وسلم - بضد ذلك، وهو أنه أعطاه الكوثر وهو من الخير الكثير الذي آتاه الله في الدنيا والآخرة، فمما أعطاه في الدنيا: الهدى والنصرَ والتأييد، وقرة العين والنفس، وشرح الصدر، ونعم قلبه بذكره وحبه بحيث لا يشبه نعيمَه نعيمٌ في الدنيا البتة.
وأعطاه في الآخرة الوسيلة، والمقامَ المحمود، وجعله أول من يُفتح له ولأمته باب الجنة، وأعطاه في الآخرة لواء الحمد، والحوض العظيم في موقف القيامة، إلى غير ذلك، وجعل المؤمنين كلَّهم أولاده، وهو أب لهم، وهذا ضد حال الأبتر الذي يشنؤه ويشنأ ما جاء به·
فالحذر الحذر ـ أيها الرجل ـ من أن تكره شيئًا مما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، أو تردَّه لأجل هواك، أو انتصارًا لمذهبك، أو لشيخك، أو لأجل اشتغالك بالشهوات أو بالدنيا؛ فإنَّ الله لم يوجب على أحد طاعة أحد إلا طاعة رسوله، والأخذ بما جاء به؛ بِحَيْثُ لو خالف العبد جميع الخلق واتَّبع الرسول ما سأله الله عن مخالفة أحد؛ فإن من يطيع أو يُطاع إنما يطاع تبعًا للرسول، وإلا لو أَمر بخلاف ما أَمر به الرسول ما أُطيع، فاعلم ذلك واسمع وأطع واتبع ولا تبتدع تكن أبتر مردودًا عليك عملك بل لا خير في عمل أبتر من الاتباع، ولا خير في المخالفة؛ والله أعلم" ا. هـ[12]·
إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا..
---
[1] التحرير والتنوير لابن عاشور (30/572)·(/8)
[2] أخرجه النسائي في تفسير سورة الكوثر من سننه الكبرى (6/524) برقم: (11707)، والطبري في تفسيره (30/213)، والبزار كما في كشف الأستار (2293)، "ومختصر زوائد البزار" لابن حجر (1538)، وعزاه الهيثمي في "الزوائد" (7/5-6)، للطبراني في الكبير، وقال: وفيه يونس بن سليمان الجمال ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح، وقال ابن كثير في تفسيره (4/891) بعد أن ساق إسناد البزار: هكذا رواه البزار وهو إسناد صحيح·
[3] تفسير ابن كثير (4/891)، والدر المنثور للسيوطي (6/690)·
[4] الجامع لأحكام القرآن للقُرْطُبِي (20/151)، وجاءتْ رِواياتٌ أُخْرَى ذَكَرَهَا المُفَسِّرُونَ منها: أنها نزلت في أبي جهل، وقيل: نزلت في عم النبي - صلى الله عليه وسلم - أبي لهب، وقيل: نزلت في عقبة ابن أبي مُعَيْط، وقيل غير ذلك· وانظر: "تفسير الرازي" (32/124)، "وتفسير ابن كثير" (4/891)، "والجامع لأحكام القرآن" (20/151)، "والدر المنثور" (6/690 ـ 691)·
[5] ) تفسير ابن كثير (4/891) وقال الرازي لما ساق الروايات: "واعلم أنه لا يبعد في كل أولئك الكفرة أن يقولوا مثل ذلك؛ فإنهم كانوا يقولون فيه ما هو أسوأ من ذلك، ولعل العاص بن وائل كان أكثرهم مواظبة على هذا القول، فلذلك اشتهرت الروايات بأن الآية نزلت فيه"(32/124)·
[6] "التحرير والتنوير" (30/572)·
[7] "الكشاف" للزمخشري (4/801)، "والبحر المحيط" لأبي حيان (8/521)·
[8] أخرجه البخاري مختصرًا في تفسير سورة الكوثر (4964)، ومسلم واللفظ له في الصلاة باب حجة من قال: البسملة آية من كل سورة (400)، وأبو داود في السنة باب الحوض (4747 ـ 4748)، والترمذي في تفسير سورة الكوثر (3357)، والنسائي في الصلاة باب قراءة (بسم الله الرحمن الرحيم) (3/133 ـ 134)·
[9] التحرير والتنوير (30/573)·(/9)
[10] ) فالعاص بن وائل ـ الذي حكى أكثر المفسرين أن الآية نزلت فيه ـ له عقب، وابنه الصحابي الجليل عمرو بن العاص، وابن ابنه الصحابي عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - وله عقب·
[11] هذه الرواية ذكرها القرطبي في تفسيره (20/151) وقوله: صنيبر هو تصغير: صنبر، ومعناه في اللغة: الرجل الفرد الضعيف الذليل بلا أهل وعقب وناصر· هكذا في القاموس (548) مادة (صنبر). والأبيتر: تصغير: أبتر، وأصله في اللغة: مقطوع الذنب من الدواب، ومنه: الحمار الأبتر الذي لا ذنب له، ويستعار لمن نقص منه ما هو من الخير في نظر الناس؛ تشبيهًا بالدابة المقطوع ذنبها تشبيه معقول بمحسوس، ويقال للذي لا عقب له ذكورًا: هو أبتر على الاستعارة، تشبيه متخيل بمحسوس، شبهوه بالدابة المقطوع ذنبها؛ لأنه قطع أثره في تخيل أهل العرف: انظر: القاموس مادة (بتر) (440) والكشاف (4/802)، والتحرير والتنوير (30/576)·
[12] مجموع فتاوى شيخ الإسلام مع بعض الاختصار (16/526 ـ 529)·
تنبيهان:
الأول: اختلف المفسرون في معنى الكوثر الذي أعطيه النبي - صلى الله عليه وسلم - على أقوال كثيرة أوصلها القرطبي في جامعه (20/147) إلى ستة عشر قولاً، وهي أفراد من الخير الكثير الذي أعطاه الله - تعالى - نبينا محمدًا - صلى الله عليه وسلم -، ومن أخصه: النهر الذي في الجنة، المسمى: الكوثر، كما دلَّ عليه حديث أنس - رضي الله عنه - السابق ذكره، ودلت عليه أحاديث أخرى منها:
حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: "الكوثر نهر أعْطِيَهُ نبيكم.." رواه البخاري (4965)، وحديث: ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الكوثر نهر في الجنة))؛ رواه الترمذي في تفسير سورة الكوثر وقال: حسن صحيح (8533)، وابن ماجه في الزهد باب صفة الجنة (4334)، وأحمد (2/112)·(/10)
ودليل أن النهر المسمى (الكوثر) من الخير الذي أعطيه النبي - صلى الله عليه وسلم - ما رواه البخاري في صحيحه (4966) من حديث أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال في الكوثر: "هو الخير الذي أعطاه الله إيَّاه". قال أبو بشر: قلت لسعيد بن جبير: "فإن الناس يزعمون أنه نهر في الجنة"! فقال سعيد: "النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه".
فعلى هذا يكون للكوثر معنيان:
الأول: عام وهو الخير الكثير، وقد استعمل الكوثر في اللغة بمعنى: الكثير من كل شيء، أو المفرط في الكثرة؛ كما في القاموس: مادة: كثر (602)، وعليه يحمل قول ابن عباس وسعيد بن جبير - رضي الله عنهم -·
الثاني: خاص وهو النهر الذي أكرم الله به رسوله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - في الجنة؛ كما دلت عليه الأحاديث الأخرى.. والله أعلم..
التنبيه الثاني: أطال بعض المفسرين في تفسيرهذه السورة القصيرة كالرازي؛ إذ استنفد في تفسيرها سبع عشرة صفحة كبيرة، وذكر فوائد عدة من ألفاظها ومعانيها، منها ما هو جيد ومقبول وتحتمله الآيات، ومنها ما هو متكلف، وفي بعضه نظر ومناقشة، وقد اجتهد في التدليل على بلاغة القرآن بإبراز معان كثيرة في أقصر سورة منه، على أن عادته في تفسيره الإسهاب والإطالة.(/11)
العنوان: سورة يوسف: قراءة نفسية
رقم المقالة: 560
صاحب المقالة: مصطفى مولود عشوي
-----------------------------------------
ملخص البحث:
تتجلى في سورة يوسف عدة مواضيع نفسية هامة، تشكل دروساً وعبراً لمن أراد التعلم والاعتبار؛ فالسورة حافلةٌ بمشاهد تتجلى فيها انفعالات الغيرة، والحزن، والغضب، والخوف، والسرور، وبمشاهد الابتلاء للنبي يوسف - عليه السلام - ابتلاء بغيره الإخوة، وابتلاء بالفتنة، وابتلاء بالسجن، وابتلاء بالملك والقوة، وفي السورة أيضاً مشهد لابتلاء النبي يعقوب - عليه السلام - بفقدان ابنه، وفقدان بصره، ومشهد لصبره الطويل، وعدم تسرب اليأس إلى قلبه رغم معاناته الشديدة. وتبين السورة أن طول الابتلاء - مهما طال - لا يعني اليأس من روح الله، والسورة حافلة أيضاً بمشاهد تتحقق فيها الرؤى؛ رؤيا صاحبَيْ يوسف في السجن، ورؤيا الملك، ورؤيا يوسف - عليه السلام.
وتوضح السورة انطباق سنن الطبيعة البشرية وقوانين تدافع قوى الشر والخير على الأنبياء والرسل، وإن كان الوحي يوجههم ويعصمهم من الزلل، كما توضح السورة مدى تحمل الأنبياء للأحزان والابتلاء والفتن، وتقدم السورة أيضاً نموذجاً للسموِّ الأخلاقي، والعفو عند المقدرة، من طرف قائد تولى أمانة الحكم في سنوات الرخاء وسنوات الشدة، وساس البلاد والعباد بالعدل والإحسان، فأخرج البلاد من الأزمة، وأغاث الناس الذين مسهم الضر في مختلف المناطق.
وتبيِّن السورة في الجانب النفسي دور الانفعالات في تحريك السلوك، كما تبين تفاعل وتكامل مختلف الجوانب التي تكوِّن الإنسان: الأبعاد الجسمية، والروحية، والعقلية، والوجدانية، والسلوكية، وكيفية تأثير كل جانب في الجوانب الأخرى، وتأثره بها.
مدخل:(/1)
سورة يوسف من السور التي تعتمد على القصة (القصص) لتعليم الناس دروساً في السلوك واستخلاص العبر من تجارب الآخرين، وسورة يوسف نموذج للآيات التي تتناول بالعرض المفصَّل حياة الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - ومحيطهم (النفسي - الاجتماعي)، وما لاقوه في سبيل الدعوة إلى الحق من متاعب وأهوال وأحزان. وهذه السورة نموذج للصراع بين الحق والباطل، وبين العقل والهوى، وبين المصالح الشخصية المبنيَّة على الأنانيَّة، وخدمة المصلحة العامة للأسرة والمجتمع والإنسانية، وهذه السورة أيضاً مثال واقعي يبيِّن كيف أن المظلوم قد يعامل كظالم، والبريء قد يصبح متَّهماً، وأن شخصاً - مهما علا مقامه ومكانته - قد يُحكم عليه زوراً وبهتاناً، ويُودع السجنَ مع المجرمين!.
وتتجلى في هذه السورة الانفعالات البشرية، والحياة الوجدانية للبشر كما هم في الواقع، دون أقنعة، وعندما يحاول بعضهم - مثل إخوة يوسف وامرأة العزيز - اصطناع أقنعة الخير والعفاف؛ فإنها لا تلبث أن تتساقط كما تتساقط أوراق الشجر في فصل الخريف.
وليست هذه القراءة النفسية لسورة (يوسف) إلا محاولة متواضعة لفهم هذه السورة من خلال تناولٍ نفسيٍّ للأحداث وأنماط السلوك الواردة في هذه السورة، وخاصةً الجانب الوجداني للإنسان، الذي صُوِّر في هذه السورة أحسن تصوير. ولعل هذا التناول يساعدنا على فهم القرآن الكريم من منظورٍ مختلفٍ عن بقية التناولات الأخرى المعتمَدة في كتب التفسير المعروفة.(/2)
ومن جهة أخرى؛ فإن هدف هذه الدراسة هو محاولة لفهم الإنسان، وخاصة الجانب الوجداني منه، ودوافعه وكيفية تأثير هذا الجانب في بقية الجوانب، والأبعاد التي تكوِّن الإنسان، سواء كانت روحية وجسمية، أم عقلية ووجدانية وسلوكية - كما جاء ذلك في القرآن الكريم - وكيفية التأثر بها أيضاً. وسيكون ما جاء في القرآن الكريم هو المنطلق لفهم الإنسان، وليس ما هو وارد في السيكولوجية الحديثة فحسب، كما لجأ إلى ذلك بعض علماء النفس المسلمين المعاصرين.
لقد كانت سورة يوسف - ولا تزال - موضوعاً للتأملات والدراسات؛ بل وللأعمال الفنية، بغضِّ النظر عن عمق هذه الدراسات وأهدافها.
فبالإضافة إلى تفاسير القرآن الكريم التي فسرت هذه السورة من زوايا مختلفة، فقد اتخذ (مالك بن نبي) - مثلاً - في كتابه "الظاهرة القرآنية"[1] هذه السورة نموذجاً لدراسة القرآن الكريم، كظاهرة من الممكن دراستها علمياً وموضوعياً، وقد وصل إلى نتيجة مُفادها: أن القرآن الكريم لا يمكن إلا أن يكون من تنزيل العزيز الحكيم. وقد قامت منهجية (مالك بن نبي) على مقارنة سورة يوسف في القرآن الكريم مع قصة يوسف كما جاءت في "العهد القديم"، حيث وجد اختلافات جوهرية بين القصتين!
وكانت هذه السورة موضوع مؤتمر انعقد بدمشق سنة 1926م، تحت عنوان (مؤتمر تفسير سورة يوسف)، تم فيه التعرض لطبائع الصهاينة وأخلاقهم وسلوكهم[2].
أحاول في هذه الدراسة عدم الخوض في التفاصيل والإسرائيليات والأحاديث الموضوعة المتصلة بقصة يوسف - عليه السلام - وأسجل هنا - مع الأسف -: أن بعض تفاسير القرآن الكريم حافلة بالإسرائيليات والروايات، التي لا يقبلها العقل السليم والذوق الرفيع حول قصة يوسف - عليه السلام.(/3)
ومهما يكن من أمر، فإن هذه السورة الكريمة قد نزلت - كما يؤكد ذلك كثير من المفسرين [3] - في عام اشتدت فيه الآلام والأحزان على رسول الله - صلي الله عليه وسلم - لوفاة زوجته خديجة - رضي الله عنها - وعمه أبي طالب؛ حتى عرف ذلك العام بـ (عام الحزن)، عامٌ اشتدت فيه الأحزان على رسول الله - صلي الله عليه وسلم - وعلى أتباعه، فنزلت هذه السورة لتعلم المسلمين كيفية التعامل مع الأحزان التي ترافق الشدائد ومصاعب الحياة؛ وذلك بعرض نموذج من حياة الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - الذين تعرضوا للأهوال والشدائد والأحزان؛ لكي يكون هذا النموذج مثالاً يُقتدى به في التعامل مع الأحزان، وقد قال عطاء في هذا المعنى: "لا يسمع سورةَ يوسف محزونٌ إلا استراح لها" [ 3].
ويلاحظ المتأمل في قصة يوسف مدى عمق الانفعالات التي تحرِّك الإنسان، وشدتها في دفعه للقيام ببعض أنماط السلوك، كما يلاحظ دور الإيمان - والجانب الروحي عموماً - في ضبط الانفعالات ومراقبتها، ودور تحكيم العقل في إعادة التوازن للجانب الانفعالي المضطرب، وفي ظهور الانفعالات الإيجابيَّة، بدلاً من الانفعالات السلبيَّة التي تطغى على سلوك الإنسان.
وباختصار؛ فإن سورة يوسف - عليه السلام - عبارةٌ عن آيات متناغمة، تتماوج فيها الانفعالات ظهوراً واختفاءً، قوةًَ وضعفاً، حسداً وإيثاراً، حباً وكراهيةً، حزناً وفرحاً، غضباً وسروراً. وهذه القصة نموذج أيضاً لتعليم الناس عموماً، والنشء خصوصاً؛ لتهذيب سلوكهم، وضبط انفعالاتهم، وكيفية الرجوع إلى الحق والفضيلة بعد الخطأ والرزيلة، باستعمال القصة الهادفة.(/4)
وينبغي أن أنبِّه في آخر هذا التقديم: أن محاولة القراءة هذه ليست تفسيراً للقرآن الكريم؛ بل هي محاولة لفهم القرآن الكريم من منظور علم النفس العام، ولا ينبغي أن يُفهم أن هذه المحاولة عبارة عن عمل نهائي في هذا المجال؛ بل عبارة عن تجربة أراد كاتبها أن يخوضها، وأن يقدمها للباحثين والمهتمين للمناقشة والإثراء.
الرؤيا:
تبدأ سورة يوسف بإثارة الانتباه - بحروف ثلاثة لا نعرف لها معنًى محدداً - إلى آيات الكتاب المبين، التي نزلت بلغة عربية على قوم لا يفهمون ولا يعرفون غيرها من اللغات، مما يوضح العلاقة الوثيقة بين اللغة والعقل. والقصة تعتمد أساساً على اللغة؛ وهل يمكن تأليف قصة أو إخراجها سينمائيا أو تلفزيونيا، أو رسماً وتصويراً، أو بأيِّ شكل من أشكال التعبير والاتصال دون لغة، مهما كانت هذه اللغة بسيطة أم معقدة، مجرَّدة أم مجسَّمة؟ وكما تعتمد القصة على اللغة؛ فإن القصة من أساليب تعليم اللغة، وتعليم السلوك وتغييره.
وهذه القصة لم يقتبسها النبي - صلي الله عليه وسلم - من اليهود والنصارى، كما لم يسمعها من القصَّاصين والرواة؛ بل الوحي مصدرُها، فالوحي هو مصدر المعرفة إلى جانب مصادر أخرى؛ مثل اللغة، والعقل، والطبيعة، ولولا هذا الوحي لكان محمد صلي الله عليه وسلم - ولبقي غافلاً عمَّا حدث في القرون الغابرة لغيره من الأنبياء والرسل، والأقوام والمجتمعات.(/5)
وبعد هذا المدخل عن مصدر المعرفة، وعلاقة اللغة بالعقل، تبدأ القصة بجلوس يوسف - وهو غلام لم يبلغ الحُلُم - ذات صباح قرب أبيه؛ ليقصَّ عليه الرؤيا التي ظهرت لعقله الصغير - ولا شك - غريبة، لم يستطع فهم دلالتها الرمزية المعقدة، مما أثار دهشته وتعجُّبه إلى درجة لم يستطع كتمان ما رأى، كيف يستطيع الكتمان في هذه السن؟! فلجأ إلى أبيه الذي كان يشعر بأنه أقرب وأحبُّ الناس إليه، فأسرَّ له برؤياه. أليس عجيباً أن يرى طفلٌ دون البلوغ أحد عشر كوكباً والشمس والقمر يسجدون له؟!! ما معنى أحد عشر كوكباً؟ ولماذا؟ وكيف تسجد له هذه الكواكب والشمس والقمر؟!
يجيب النبي يعقوب - عليه السلام - ابنه طالباً منه بكل حنان أن يكتم رؤياه، ولا يقصَّها على إخوته الذين - ولا شك - سيكيدون له كيداً إذا سمعوها؛ لما تحمله من دلالة، وهنا إشارة واضحة من طرف النبي يعقوب - عليه السلام - إلى أهمية الرؤيا من جهة، وعلاقتها بإخوة يوسف الذين كانوا كما يعلم - وهو أبوهم - يغارون منه بشدة، قد تصل إلى حدِّ الفتك بيوسف كما قد يزيِّن لهم الشيطان ذلك، وهنا إشارة إلى الغيرة التي تكون بين الناس؛ بل وحتى بين الإخوة، والي هذا الانفعال الذي يؤدي إلى القتل أو الإضرار بالآخر والآخرين، والتاريخ والواقع حافلٌ بقصص أدَّت فيها الغيرة إلى التخلص من الإخوة والأخوات، وغيرهم من الأقرباء، في سبيل الاستئثار بالمال أو الملْك أو القيادة، أو بمنصب أو بامرأة أو برجل.(/6)
والغيرة عادة ما تكون بين الإخوة ( نساء - نساء )، و(رجال - رجال )، و( رجال - نساء )، كما تكون بين ( ذكور - ذكور )، و( إناث - إناث ) و( ذكور - إناث )، زملاء العمل، وزملاء الحكم والسلطة، وغير ذلك من الأشكال التي يكون هدفها الاستئثار بشيء له قيمة دون الآخر أو الآخرين، وكما تكون الغيرة بين الأفراد؛ فقد تكون بين الجماعات والمجتمعات. والغيرة غالباً ما تكون بين الأقارب، ويكون الحسد بين غير الأقارب، والغيرة عادةً ما تكون بين طرفين أو أكثر.
والغيرة انفعال شديد تحركه انفعالات أخرى كالخوف والغضب، خوفٌ من ضياع شيء، أو خوفٌ من عدم الحصول عليه، مما يؤدي إلى غضب الشخص، وتحرُّك قوي العدوان في نفسه؛ دفاعاً عن ذاته وحمايةً لها، ولكن هذا الدفاع قد يشتطُّ؛ فيتحول إلى هجوم للقضاء على الطرف الآخر أو الأطراف الأخرى، وغالباً ما يلجأ إلى الحيلة والمكيدة للتخلص من الخصم؛ فلنر كيف لجأ إخوة يوسف - عليه السلام - بدافع من غيرتهم إلى الحيلة والمكيدة؛ للتخلص منه.
لم يشأ النبي يعقوب - عليه السلام - أن يفسر الرؤيا لابنه يوسف بطريقة مباشرة، ولكنه أفهمه بأن لهذه الرؤيا علاقة بإخوته، كما أن لها علاقة بمستقبله - وكذلك كل الرؤى؛ فإنها رمزية وذات دلالة تنبُّئية ( مستقبلية) - وأفهمه أيضاً: أن الله العليم الحكيم قد أكرمه بالقدرة على تأويل الأحاديث؛ أي: تعبير الرُّؤَى، كما أكرمه بمكانة عالية كما أكرم آل يعقوب من قبل؛ إبراهيم وإسحاق.(/7)
لقد كان إخوة يوسف - عليه السلام - ولا شك يشعرون أن أباهم يحبُّ يوسف أكثر مما يحبُّهم، أو هكذا خُيِّل إليهم، وكيف لا يحبُّ يعقوبُ يوسفَ وهو ابنه الأصغر، وهو المحروم من حنان الأم؟! ومن الطبيعي أن يحبَّ الأب ابنه الأصغر أكثر من الآخرين؛ لأنه أحوج من الآخرين إلى الرعاية والحماية، ولكنَّ الأبناء الأكبر سناً يعتقدون أن ذلك يُخِلُّ بالعدل بين الأبناء؛ مما قد يؤدي إلى حصول الإبن الأصغر على الاستئثار ليس بحبِّ الوالدين أو بحبَّ أحدهما فقط؛ بل الاستئثار أيضاً بما قد يجود عليه الأبوان من أموال وممتلكات، وغير ذلك من أساليب التفضيل. وهذا له ما يبرره في الواقع؛ إذ إلى جانب حاجة الطفل الأصغر إلى رعاية وحماية أكثر كما ينبغي الحال، فإن هذا الطفل غالباً ما يجد الصعاب قد مُهِّدت له بفضل كدح الأبوين لمدة طويلة، وبفضل كدِّ الإخوة والأخوات الأكبر سنّاً، الذين غالباً ما يقع عليهم عبء مساعدة الآباء والأمهات. وتبيِّن بعض الدراسات النفسية أن لترتيب الأبناء تأثيراً في سلوكهم وشخصيتهم بصفة عامة.
كان إخوة يوسف - عليه السلام - يشعرون أنهم أجدر بحبِّ أبيهم من يوسف، كيف لا يشعرون بذلك وهم جماعة (عصبة)، وقوة الجماعة أكبر من قوة الفرد! الجماعة أهم من الفرد، ودورها أعظم، كيف لا وهم جماعة (عشرة إخوة)، من أب وأم واحدة، بينما يوسف من أم أخرى!.
لقد أدت بهم الغيرة الشديدة إلى أن يحكموا على أبيهم بالضلال المبين، وإلى أن يحكموا على يوسف بالقتل؛ فالحكم هنا بالقتل واقع مع سبق الإصرار، ولكن سبق الإصرار هذا صاحبته نيَّة بالتوبة بعد اقتراف الجريمة، مما يدل على تصارع الخير والشر في نفوسهم بشدة، إلى درجة دفعت أحدهم إلى أن ينصح بعدم قتل يوسف، والاكتفاء بإلقائه في جُبٍّ (بئر)، لا يستطيع الخروج منه إلا بمساعدة المسافرين الذين سيمرون على الجبِّ للاستسقاء، وبالتالي لإنقاذ يوسف!.(/8)
وكأن نوازع الشر قد خفَّت قليلاً في نفوسهم؛ فاتفقوا على عدم قتل يوسف، والإجماع على إلقائه في الجُبِّ، مما يعطي له فرصة النجاة من الموت. ونلاحظ هنا كيف أن فرداً في جماعة قد يغيِّر اتجاه الجماعة كلها، ويؤثر في أحكامها وقراراتها وسلوكها بقوة الحجة، وبتجنيد الجانب الوجداني الإيجابي.
المكيدة والمصيدة:
لاشك أن أول خطوة يقوم بها الشخص الذي يغار من الآخر هي العمل على الفصل بين المحبوبين، والإيقاع بينهما بأي شكل من الأشكال، فكيف يصل أخوة يوسف إلى هدفهم؟ وكيف ينفردون بيوسف الذي يحظى بحماية ورعاية أبيه؟ وكيف يُفصل بينهما؟ لابد من حبك مكيدة ومؤامرة، واستدراجٌ إلى المصيدة؛ فما هي المكيدة؟ وما هي المصيدة؟ لابد من ارتداء الأقنعة! لابد من اصطناع قناع الحب بدلاً من الكراهية، وقناع الحماية والرعاية بدلاً من الغيرة والحسد، وقناع الأمان بدلاً من الغدر، وقناع البراءة بدلاً من الجريمة!.
{قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [يوسف:11-12].
فما كان جواب الأب؟
لقد عبر يعقوب - عليه السلام - عن حالته الوجدانية بأسلوب لبق؛ لكيلا يجرح مشاعرهم، حيث قال: {قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ} [يوسف:13]. لكنه لم يُخْفِ حزنه كما لم يُخْفِ خوفه؛ حزنه من افتراق يوسف عنه، وخوفه، ليس من أبناءه - ظاهرياً - بل من الذئب!.(/9)
لقد حاول يعقوب - عليه السلام - أن يجند الجانب الوجداني (السلبي) لديه (الحزن والخوف)؛ ليصرف أبناءه عن الحصول على هدفهم (يوسف)، ولكنه لم يفلح أمام إلحاحهم، وهم الذين لبسوا كل الأقنعة لمواجهة عواطف أبيهم، مهما كانت قوية ومؤثرة، فدعوا على أنفسهم بالويل والثبور إن أكل الذئب يوسف! لقد كانوا يعرفون حقاً بأن الذئب لن يجرؤ على أكل يوسف وهم عصبة من الشبان الأشدَّاء.
ورغم ذلك، فقد عمد إخوة يوسف إلى تجنيد الجانب الوجداني لتضليل أبيهم؛ فجاؤوا في المساء وهم يبكون، وكأنهم في حزن على يوسف الذي أكله الذئب عندما ذهبوا يستَبِقُون، وتركوا يوسف وحده حارساً لمتاعهم!. والبكاء وإن كان مظهراً من مظاهر الحزن إلا أنه لا يدل دائما على الحزن؛ فالبكاء قد يستعمل - وخاصةً من الإناث - للاستعطاف أو التضليل، وللحصول على هدف ما بصفة عامة. انظر إلى حجة إخوة يوسف للتعبير عن حزنهم وتضليل أبيهم؛ فقد جاؤوا - وهم جماعة - يبكون، فالجماعة التي تبكي أمام فرد واحد، لا يمكن ألاَّ تصدَّق، وإن كان أفرادها كاذبين في بكائهم؛ فضغط الجماعة وتأثيرها في الفرد معروف؛ ولذا فقد جاؤوا جميعاً يبكون (يتباكون)، كما جاؤوا على قميص يوسف بدم كذب؛ إتماماً لحبك خيوط الجريمة، وتضليل أية عملية تحقيق؛ ذلك لأنهم كانوا يعرفون أن أباهم يدرك تماماً ما يجول في نفوسهم؛ فأرادوا أن يضللوه بالقول والفعل. فقالوا: {وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} [يوسف:17]، أما بالفعل: {وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} [يوسف:18]. فانظر كيف أدتَّ الغيرة بإخوة يوسف إلى ارتكاب جريمة إلقاء أخيهم في الجُبِّ، والتخلص منه بأبخس الأثمان، والكذب على أبيهم. وهذا مثال واضح لكيفية تأثير الجانب الانفعالي في السلوك.
تجنيد الجانب الروحي:(/10)
شعر النبي يعقوب - عليه السلام - بحزن شديد يمزق قلبه لما أصاب ابنه الأصغر، ورغم ذلك فقد حاول أن يتذرَّع بالصبر: {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ } [يوسف:18]. ولكنَّ التذرُّع بالصبر والاستعانة بالله جاءا بعد أن اتهم أبناءه بأن أنفسهم قد سوَّلت لهم أمراً؛ وذلك حتى يوضِّح لهم بأن حيلتهم ومكيدتهم لم تَغِبْ عنه، ولم تستطع تضليله في واقع الأمر، وإن سكت على مضض. ويروى في هذا المعنى: أن النبي يعقوب قال لأبنائه: "كذبتم، لو أكله الذئب لخرق القميص"، وروي أيضاً أنه قال: "ما أحلم هذا الذئب، أكل ابني ولم يشق قميصه!" [ 4، ص164]. انظر كيف نسب النبي يعقوب صفة (الحلم) للذئب، وهي صفة بشرية؛ وذلك على سبيل التعريض بسلوك أبنائه.
وصبر النبي يعقوب - عليه السلام - على فراق ابنه وهو يعلم تفسير الرؤيا، كما يعلم بأن الله - سبحانه وتعالى - سيجمعه مع يوسف مرة أخرى؛ ولكنَّ صبر يعقوب قد طال. ولولا أنه كان يعلم من الله ما لم يكن أبناؤه يعلمون؛ لكان من الهالكين حزناً على ما أصاب يوسف، وكما جاء في "تفسير الفخر الرازي": فإن النبي يعقوب - عليه السلام - قد وقع في صراع بين الدواعي النفسانية التي تقتضي الجزع، وهي قوية، والدواعي الروحانية التي تدعو إلى الصبر والرضا. ودون معونة الله وتوفيقه؛ فإنه لن تحصل الغَلَبَة للصبر الجميل على الانفعالات الشديدة التي تستطيع تدمير الإنسان [ 5، ص107].(/11)
سنعود مرة أخري إلى صبر النبي يعقوب - عليه السلام - وحزنه الشديد، وكيف أثَّر فيه حزنه إلى درجة فقدان البصر، مما يدل على تأثير الجانب الوجداني في الجانب الجسمي (وابيضَّت عيناه)، وما قد يترتَّب على ذلك من ضعفٍ في الإحساس والإدراك! وقد حدث هذا بالنسبة للنبي يعقوب بسبب تغلب الجانب الوجداني فيه على الجانبين: الروحي والعقلي، وذلك لتغلُّب طبيعته البشرية عليه، وقد ناقش الزَّمَخْشَرِيُّ هذه النقطة، حيث قال: "فإن قلتَ: كيف جاز لنبي الله أن يبلغ به الجزع ذلك المبلَغ؟ قلتُ: الإنسان مجبول على أن لا يملك نفسه عند الشدائد من الحزن، ولذلك حُمِدَ صبره، وأن يضبط نفسه حتى لا يخرج إلى ما لا يَحْسُن" [ 6، ص339].
التخلص من يوسف:
وجاءت قافلة، وقصدت الجُبَّ للاستسقاء، وتعلَّق غلامٌ بالحبل، وأُخْرِجَ من الجُبِّ، مما أدَّى إلى تعجب الرجل - (واردهم) - ودهشته. وقد عبر عن تعجبه بالفرح؛ فقد راح يستسقي بالدلو ليغترف الماء، فإذا هو يغترف غلاماً غايةً في الحسن؛ فأيُّ بُشْرَى! ولكنَّ إخوة يوسف كانوا للساقي بالمرصاد: "لا يمكن أن تأخذ غلامنا هذا مجاناً، ولكننا نعرض عليك شراؤه بدراهم معدودة، بثمن بخس"! فانظر كيف فرَّطوا في أخيهم، وباعوه بدراهم معدودة، وكانوا فيه من الزاهدين بفعل غيرتهم منه، ورغبتهم في التخلص منه بأي وسيلة! فهدفهم الأساسي لم يكن تجاريّاً؛ إذ لم يرغبوا في الحصول على الأموال من بَيْع يوسف؛ بل الهدف هو التخلص منه؛ حتى لا تنكشف أقنعتهم من جهة، ويزيلونه من طريقهم إلى قلب أبيهم من جهة أخرى، فقد كان يوسف - حسب اعتقادهم - يقف حاجزاً منيعاً دون تحقيق هدفهم، وهو الاستئثار بحبِّ أبيهم.(/12)
وهكذا نجا يوسف من غيابات الجُبِّ؛ وهو أول سجن يدخله في حياته، وهو غلام، ولم يؤنسه في وحشته إلا وحي الله - تعالى - إليه، يا لرحمة الله بهذا الغلام الذي استبد به الجزع والهلع، وهو يُلقى في ظلمات الجُبِّ من طرف إخوته! ما أشد ظلم ذوي القربى! وكيف لا يكون شديداً ويوسف لا يعلم لماذا ألقي في ظلمات الجُبِّ، الذي -ولاشك - لو كانت فيه مياه كثيرة لغرق، ولكنَّ الجُبَّ كان زنزانة مظلمة، تحيطها المياه من كل الجهات، إلى ما فوق سرَّة الغلام، في أرض قاحلة، غاب عن ليلتها البدر!.
ولكن ضياء الوحي ونوره قد غمرا يوسف وهو في الجُبِّ، وآنسا وحشته، وأزالا غمَّه، {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} [يوسف:15]، وجاءه المدد من السماء، وانتُشل من الجب، ولكنه بِيَع مثل الرقيق، واشتراه رجلٌ ذو مكانة كبيرة في مصر، وأوصى زوجته بإكرامه؛ فقد توسَّم فيه الرجل خيراً ونفعاً، إلى حدِّ رغبته في تبنِّيه، وهذا كله من تدبير الله العليم الحكيم، الذي علم يوسف - عليه السلام - تأويل الأحاديث، وفَهْم الأحاديث، بينما أكثر الناس لا يحكمون إلا بالظاهر، ولا يدركون الحكمة من وراء الأحداث الكثيرة التي تقع لهم، أو تقع حواليهم!! وكيف يدركون الحكمة من وراء وقوع الأحداث؛ وهذا الإدراك يتطلَّب كثيراً من الخبرة والتجربة والتأمل!!.
الابتلاء بالهوى:
وكبر يوسف في بيت عزيز مصر، وبلغ أشدَّه، وآتاه الله الحكمة والعلم؛ جزاءَ إحسانه وإخلاصه في عمله، وجزاءَ صفاء سريرته، ولكنَّ الأيام لا تمضي دون امتحان وابتلاء، سواء كان هذا الابتلاء حسناً أم قبيحاً في ظاهره.(/13)
وتعرَّض يوسف - عليه السلام - إلى ابتلاء عظيم، وقد تمثَّل في امتحان مدى ضبطه للجانب الوجداني في شخصيته: امرأةٌ ذات مالٍ وجاهٍ وجمالٍ تراوده عن نفسه، بعد أن غلَّقت الأبواب وانفردت به، وحاولت أن تجرَّه إلى الهوى بكل ما أوتيت من جاهٍ وفتنةٍ، وهمَّت به، وهمَّ بها؛ لولا أن رأى برهان ربه. ويتلقَّى يوسف مرةً أخرى مدداً من السماء، وتدركه رحمة الله؛ ليصرف عنه السوء والفحشاء، ولولا ذلك لوقع أسير الهوى؛ والهوى: ميلٌ شديدٌ في الجانب الوجداني نحو الخضوع للشهوة، التي تثير في النفس بدورها مشاعر الحبِّ الشديد، والرغبة في التعلُّق، والحصول على اللذة.
والذي أختاره من التفاسير لهذه الحادثة تلخيص سيد قطب في "الظلال"؛ حيث وصف هذا الموقف بقوله: "وهو تصوير واقعي صادق لحالة النفس البشرية الصالحة في المقاومة والضعف، ثم الاعتصام بالله في النهاية والنجاة، وما كان يوسف سوى بشر. نعم، إنه بشر مختار، ومن ثَمَّ لم يتجاوز همُّه الميل النفسي في لحظة من اللحظات، فلما أن رأى برهان ربه الذي نبض في ضميره وقلبه، بعد لحظة الضعف الطارئة، عاد إلى الاعتصام والتأبي" [ 7، ص ص 227 - 228].
ولا شك أن رؤية يوسف لبرهان ربه قد أثارت في نفسه انفعالاتٍ مضادةً للاستجابات الجنسية الطبيعية؛ وهذه الانفعالات المضادة هي التقزز والاشمئزاز والنفور مما كان قد هَمَّ به، وقد دفعت به هذه المشاعر إلى الهروب؛ خوفاً من الوقوع في الفتنة، والهروب - سواء كان جسمياً (حركياً) أم نفسياً - وسيلةٌ للتخلص من المواقف المحرجة والشديدة، ولكن سيدة البيت لم تبرد، ولم تهدأ انفعالاتها، ولم تستطع ضبط هواها؛ فجرت وراءه لمنعه من الإفلات، ومزَّقت قميصه من دُبُرٍ!.(/14)
وفي هذه اللحظة الحرجة، تحدث مفاجأة شديدة ... لقد وجد يوسف وامرأة العزيز نفسيهما - وجهاً لوجه - مع سيد البيت، وعلى الرغم من المفاجأة؛ فإن لسان امرأة العزيز لم يلجم، وراح يتهم يوسف، ويحكم عليه بالسجن أو العذاب الأليم؛ ولكنَّ يوسف أيضاً لم تخرسه المفاجأة، وكيف تخرسه وهو بريء! فدافع عن براءته، وألقى بالتهمة على صاحبة البيت التي راودته عن نفسه.
وبدأ صاحب البيت يتفحص الوجوه، محاولاً إدراك الموقف المحرج؛ لاتخاذ قرار مناسب، وإصدار الحكم، فكيف يصدر حكماً وأمامه زوجته وغلامه، كلٌّ منهما يتهم الآخر؟! وجاء الحل من شاهدٍ من أهلها، الذي حاول أن يصدر الحكم بناءً على استعمال الذكاء، والاستدلال بقرائن غير أقوال المتخاصمين.{َشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ * فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} [يوسف:26-28]
في الواقع؛ ليس هناك في القرآن الكريم ما يدل على أن هذا الشاهد كان طفلاً؛ بل إن الشهادة التي أدلى بها تدل على ذكاء خارق، لا يمكن أن يصدر عن طفل في المهد، إلا إذا كان ذلك معجزةً - كما أورد ذلك بعض المفسرين، مثل الزَّمَخْشَرِيّ والطبري - وقد يكون هذا الشخص - كما يقول مفسرون آخرون - شخصاً ناضجاً مقرَّباً من العزيز وزوجته، فقصده العزيز يستنير برأيه في موضوع ادعاء زوجته، ودفاع غلامه، فجاء جوابه على ذلك الأسلوب القائم على الفراسة والنباهة.(/15)
المهم أن هذه الشهادة الذكية قد أنقذت يوسف من غضب سيده؛ الذي - وإن حاول ضبط أعصابه - لم يتورع عن توجيه التهمة إلى زوجته؛ وهو الخبير بمكائد النساء؛ فوصف كيدهن بأنه كيدٌ عظيم!! وهذا وصفٌ بليغٌ، حاول فيه عزيز مصر تعميمه على جميع النساء. الملاحظ فعلاً أن المرأة - نظراً لظروفها الاجتماعية - غالباً ما تحاول الوصول إلى أهدافها باستعمال الحيلة والمكيدة، وخاصةً في القضايا المتصلة بالجانب الوجداني، كالغيرة، والحبِّ، والبغض، والحسد، وتبيِّن الدراسات الميدانية المتعلقة بالجُنَح والجرائم: أن النساء يرتكبن جرائم جنسية أكثر من أي نوع آخر من الجُنَح والجرائم، مقارنةً بالرجال الذين يرتكبون جرائم السرقة أكثر من النساء [8].
ورغم إدراك صاحب البيت لخيانة زوجته، فإنه لم يحاول إلا توجيه لوم بسيط إليها، طالباً منها الاستغفار من ذنبها، فهل كان ذلك الرجل داهيةً أم ديوثاً؟! وهل كانت زوجته ذات سطوة تمنعه من رفع صوته في وجهها؟! ومهما كان الأمر؛ فإن غضب الرجل لم يؤدِّ به إلى اتخاذ أيِّ قرار حازم ضد زوجته، ولربما التبس عليه الأمر، واختلطت انفعالاته، فشعر بالحزن أكثر مما شعر بالغضب، ويختلف - بالطبع - رد الفعل الناجم عن الحزن عن رد الفعل الناجم عن الغضب، وقد رأي بعض المفسرين - كما جاء في "صفوة التفاسير" -: "أن العزيز كان قليل الغيرة؛ حيث لم ينتقم من زوجته الخائنة؛ لأنه كان سهلاً لين العريكة" [9].(/16)
قد يكون هذا التفسير لسلوك العزيز مقبولاً في إطار البيئة العربية والإسلامية، إلا أن هذا التفسير قد لا يكون مقبولاً في إطار الثقافات الأخرى، علماً بأن مركز العزيز يمنعه من تعريض شرفه وسمعته إلى تشويه أقبح، إن هو أفشى خيانة زوجته، كما أنه قد تكون للعزيز أسباب أخرى منعته من اللجوء إلى الانتقام من زوجته؛ قد يكون منها مثلاً حبه الشديد لها، أو عدم اقتناعه بخيانتها، كما قد يرجع ذلك إلى مكانة زوجته، وجاهها، وقربها من مراكز السلطة.
وفي الواقع؛ فإننا لا ندري - من خلال النص - ما الذي حدث بالضبط بين صاحب البيت وصاحبته، ولكن الفضيحة تجاوزت حدود البيت، وأصبحت قصة امرأة العزيز مع غلامها حديثاً تلوكه ألسنة الناس، وخاصةً نسوة المدينة، اللاتي رُحْنَ يتحدثْنَ عنها، ويصدرْنَ اللوم على سلوكها، ويصفْنَها بأنها في ضلالٍ مبينٍ، وكيف لا يوجهن إليها العتاب وهي امرأة عزيز مصر؟! وكيف لا تكون في ضلالٍ مبينٍ وقد شُغِفَت بحبِّ غلامها حبّاً وصل إلى سويداء قلبها، وسيطر على جوانحها سيطرةً شديدةً، وفقدت صوابها واتِّزانها، وراحت تراوده عن نفسه؟! فكيف سمحت لها نفسها بالتنازل؛ لتقع في حب غلامها وتخون زوجها؟! لقد كان سلوكها مصدراً لإثارة انفعالات التعجب والتقزز والغضب عند نساء المدينة؛ فأصدرْنَ عليها حكماً قاسياً، {إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} [يوسف:30]، وفي هذه الآية إشارة إلى دور الانفعالات أو الجانب الوجداني في تشكيل الاتجاهات والمواقف.(/17)
فكيف كان ردُّ فعل امرأة العزيز على حكم نساء المدينة ومواقفهنَّ؟ لقد اعتبرت كلامهنَّ وحكمهنَّ مكراً للنيل من قيمتها ومن شخصيتها؛ فمكرت بعد تفكُّر وتدبُّر، ولا شك أن تفكيرها قد شابه غضبٌ شديدٌ، وحزنٌ مكتومٌ من حكم النساء ضد سلوكها مع غلامها، فأرادت أن تدافع عن نفسها، وأن تقدِّم الدليل على صعوبة مقاومة هواها. ولتحقق هدفها؛ عمدت إلى تعريض النسوة إلى امتحان سلوكهنَّ؛ فدعتهنَّ لجلسة ترفيهية، تقدَّم فيها المشروبات والفواكه، ثم فاجأتهنَّ بإخراج الغلام عليهنَّ؛ فحدثت المفاجأة فعلاً، وحدثت الدهشة من رؤية جماله وبهائه! وشلَّت الدهشة ذهن النساء!.
وقد أدَّت بهنَّ دهشتهنَّ إلى نسيان أنفسهنَّ، وما كنَّ يقمْنَ به من تقطيع الفاكهة؛ فقطَّعنَ أيديهنَّ بدون وعي منهنَّ، {وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ} [يوسف:31]. يقال: إن يوسف كان آيةً في الجمال والبهاء؛ ففُتنت النساء به، كما فُتنت به امرأة العزيز من قبل، وقد أدَّت بهنَّ دهشتهنَّ - (انفعالهنَّ الشديد) - إلى تقطيع أيديهنَّ دون الشعور بالألم، وهذا دليل على كيفية تأثير الجانب الانفعالي في الجانب الجسمي؛ فالانفعال الشديد - كالغضب أو الحزن أو الدهشة - قد يؤدي إلى إيقاع الأذى بالجسم مثلاً، دون الشعور بالألم في تلك اللحظة. وهذا ما يُلاحظ عند بعض الطوائف الدينية التي يقوم أفرادها بإيقاع الأذى على أجسامهم، إلى حدِّ إدمائها، دون الشعور بالألم في تلك اللحظات، كما يُلاحظ أن بعض النساء في بعض البلدان يعمدنَ إلى لطم خدودهنَّ، وتمزيقها بأظافرهنَّ الطويلة، حتى إدمائها، جرَّاء الغضب الشديد من موقف، أو من شخص لا يستطعنَ مواجهتة بطريقةٍ عقلانيةٍ.(/18)
وبعد الدهشة الكبيرة التي صدمت نسوة المدينة إلى حدِّ تقطيع أيديهنَّ بالسكاكين، راحت امرأة العزيز تبرِّر سلوكها مع غلامها، بالدفاع عن نفسها أمام ضيفاتها، ولم تكتف امرأة العزيز بذلك؛ بل اعترفت أن الغلام قد استعصم، مما زاد من غضبها عليه، مهدِّدةً إيَّاه بالسجن أمام ضيفاتها، إن لم يفعل ما تأمره به سيدته، حتى يذوق في السجن طعم الهوان والمذلَّة والصَّغَار.
والتهديد بالسجن والإهانة سلاحٌ يستعمله أرباب السلطة المستبدُّون لإرهاب أعدائهم، وكسر مقاومتهم، ناسينَ - أو متناسين - أن حرمان أشخاصٍ من حريتهم معناه إثارة انفعالات قوية في نفوسهم، قد تصل إلى عكس ما كان يرجوه السجَّان ويبتغيه؛ ذلك أن السجن في حدِّ ذاته مدرسة للتأمل والدراسة والتعلم والإبداع لأصحاب الهِمَم والعقول الكبيرة، كما قد يكون مدرسةً للتخلُّص مما هو أسوأ من السجن!.
وهذا ما جعل يوسف - عليه السلام - يقول بأن السجن أحبُّ إليه مما يدعونه إليه من الهوى واللذة، رغم حلاوة هذه الأخيرة، وسهولة تقبُّلها من النفوس؛ وذلك عكس ما هو متوقع في السجن من قيود وحرمان، وآلام نفسية وجسمية. وبالنسبة ليوسف؛ فإن السجن منجاةٌ من كيد النساء وفتنتهنَّ، التي يعلم يقيناً بأنه من الصعب عليه مقاومتها إلى الأبد؛ فهو قبل كل شيء إنسان؛ وشابٌّ يافعٌ قد بلغ أشدَّه، محاطٌ بكل أسباب الفتنة التي لا تفتقر إليها النساء من حوله، وهي الجمال، والسلطة، والسطوة، والوقاحة، وقلة الحياء، ولكنَّ يوسف يدرك تماماً مصيره إذا استسلم لإغراء وفتنة النساء، ولهوى نفسه؛ فالمصير أن يوصم بالجهل، ويا له من عار أن يوصف بالجهل وهو الذي آتاه الله حكماً وعلماً، وهو الذي وصفه الله بأنه من المحسنين، إن هذا المصير يُشعر يوسف بتفاهة مكانته عند الله وانحطاطها، كما يُشعره بعدم احترام الذات؛ بل واحتقارها، مما يؤدي أيضاً إلى فقدان الثقة بنفسه.
النبي السجين:(/19)
رغم أن اختيار السجن قد يضع يوسف - عليه السلام - في موقف يكون فيه من الصاغرين - في أعين الناس على الأقل - إلا أن ذلك يحميه من الفتنة وأسبابها، كما أنه يرفع مقامه عند الله – تعالى - وقد استجاب الله لدعائه، وأنقذه من تسلُّط الهوى وسلطة المال والجاه؛ فصرف عنه كيد النساء؛ إذ حُكم عليه بالسجن حكماً احتياطيّاً.
لم يكن يوسف في السجن وحيداً كما كان في الجُبِّ؛ بل دخل معه السجن فتيان، ولا شك أنه قد نشأت بين الفتيان الثلاثة ألفة؛ جعلت كل واحد منهم يروي قصة سجنه، ويجد العزاء من خلال الاستماع إلى قصتَيْ زميليه الآخرين.
وتمضي الأيام ثقيلة في السجن، في انتظار الحكم النهائي، وفي صباح أحد الأيام، يقبل الفتيان على يوسف ليرويا ما رأيا في المنام، ويسألانه تأويل ما بدا لهما غريباً، وذلك لما توسَّما فيه من ذكاء وحسن خُلُق. ويبدو أن تأويل الأحلام شيءٌ كان يستأثر باهتمام الناس آنذاك استئثاراً كبيراً؛ إذ بعد رؤيا يوسف التي قصَّها لأبيه، تأتي في هذه السورة رؤيا الفتيان، ثم ستصادفنا في نفس السورة رؤيا ملك مصر، وهذا مما يدل على أهمية الرُّؤَى في فهم السلوك والتنبُّؤ به، ولكن عملية تعبير الرُّؤَى تحتاج إلى فهمٍ دقيقٍ، وذكاءٍ عالٍ؛ لما تحمله من رموز تبدو لغير الأذكياء طلاسم، يصعب فهمها وإدراك مراميها، ناهيك عن التنبُّؤ بما سيقع بناءً على تحليلها وتفسيرها.(/20)
ويتَّضح من سورة يوسف أن الرُّؤَى مصدرٌ للتنبؤ بالسلوك الذي قد يقع في المستقبل القريب أو المستقبل البعيد، وذلك من خلال دراسة الرؤى الثلاث الواردة في هذه السورة، وهي: رؤيا يوسف، ورؤيا الفتيان، ورؤيا الملك. ومما لا شك فيه أن الرؤيا - كما يُفهم من هذه السورة - لا تختصُّ بالأنبياء والمؤمنين فقط، كما لا يُشترط أن يفهم صاحبها أبعادها ومراميها قبل وقوعها، مما يستدعي الاستعانة بذوي الاختصاص في هذا المجال، مما يدل أيضاً على أن تعبير الرؤيا قد يصبح علماً مستقلاًّ عن بقية العلوم، له موضوعه ومنهجه، وإن كان يرتبط بمواضيع أخرى، مثل علم النفس، وعلم الأعصاب، والفسيولوجيا، وعلم الاجتماع الثقافي، الخ.
فماذا رأي الفتيان في المنام، وهما في السجن ينتظران مصيريهما؟ {قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف:36]. لم يتسرع يوسف في إعطاء الجواب، وإنْ طمأنهما من البداية بأنه على دراية بعلم التأويل، الذي علمه الله إيَّاه، وأنه سيعبِّر لهما رؤيَيْهما، فراح أولاً يبيِّن لهما كيف لم يركن إلى أسلوب حياة الكافرين، الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر، واتَّبع ملة آبائه الأنبياء: إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، وقرر يوسف - عليه السلام - أن الإيمان بالله، وعدم الشرك به من فضل الله عليه، وعلي آبائه، وعلي الناس، ولكنَّ أكثر الناس لا يشكرون، كما أكَّد على أن أكثر الناس لا يعلمون؛ لأنهم يعبدون أرباباً متفرقين، بدلاً من عبادة الله الواحد القهَّار.(/21)
وبعد هذا التذكير الذي قام به يوسف لتحضير نفسيَّة الفتيان، بدأ في تأويل رؤيَيْهما؛ حيث قال: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} [يوسف:41]. فانظر إلى الأسلوب المباشر في تفسير الرؤيا، بعد التحضير النفسي الذي قام به قبل ذلك، وانظر إلى الاختصار الشديد والواضح جدا في عملية التأويل، وانظر إلى المعاني الرمزية في الرؤيا، وكيف استطاع يوسف - عليه السلام - بذكائه ونفاذ بصيرته، أن يدرك - بإلهام من الله تعالى - القيمة التنبُّئيَّة للرؤيا، بناءً على فهمه لموقفَيْ صاحبَيْه في السجن، وبناءً على ما كانا يشعران به ويفكران فيه.
وإيماناً منه بنجاة أحدهما؛ طلب منه يوسف - عليه السلام - أن يتذكره بعد خروجه، وأن يذكره عند ربه، لعله يعيد النظر في الحكم الصادر ضده ظلماً وبهتاناً، ولكن الفتى انشغل بأمور دنياه، ونسي تماماً ما وصَّاه به يوسف، ولم يتذكر التماس يوسف بأن يذكر قصته عند الملك، إلا بعد أن سمع رؤيا الملك، وقد مضت قبل ذلك بضع سنين، قضاها يوسف - عليه السلام - في السجن صابراً محتسباً، ولك أن تتصور مختلف الانفعالات والأفكار التي جالت بذهن يوسف وهو يقاسي وحيداً آلام السجن، بعيداً عن أهله ووطنه، ولكنْ لم يكن يوسف وحيداً في السجن؛ بل كان الوحي معه، وكان يدرك تماماً مغزى الرؤيا التي رآها؛ فكان ذلك عزاءه ومحطَّ آماله، فلم ييئس، ولم يقنط، وبقي ينتظر الفرج.
رؤيا الملك:(/22)
ويشاء الله - تعالى - أن يُرى الملك رؤيا لم يستطع فهم مغزاها؛ فلجأ إلى حاشيته، يقصُّ رؤياه، لعله يجد لها تفسيراً: {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [يوسف:43]. فكيف أجابه الملأ الذين لم يفهموا معاني الرموز - (البقرات والسنبلات والسنين) - في الرؤيا؟ {قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ} [يوسف:44]. قد يبدو من هذا الجواب أن تأويل الأحلام لم يكنْ شيئاً معروفاً - كعلم - عند حاشية الملك، كما قد يرجع إلى أن أغلب الناس حينئذ - بل إلى الآن - لم يكونوا يعتقدون بأن للأحلام معاني ودلالات، وقدرة على التنبُّؤ بما سيقع مستقبلاً؛ بل يعتبرون الأحلام عبارة عن أضغاث، أي: خيالات وأوهام لا معنى لها، وفي هذا الموقف تجاهل - إن لم يكن جهلاً - لأحد مصادر المعرفة، التي قد تُفيد في فهم السلوك وغيره من الظواهر، إن بنيت على أساس من العلم المنهجي، بدلاً من "التخريف والتجديف" والادعاءات الكاذبة! ورغم هذا التجاهل والجهل، فقد اعترفت حاشية الملك بأنه لا علم لها بتأويل الأحلام؛ وفي هذا الاعتراف ما قد يدل على التواضع وعدم الادِّعاء، وإن كان إقراراً بجهلهم.(/23)
وجاء دور الذاكرة ليؤدي واجبه؛ فقد تذكر الذي كان في السجن مع يوسف صاحبَ سجنه، وتذكر قدرته على تأويل الأحلام؛ فطلب الترخيص له، ليسأل يوسف عن تعبير رؤيا الملك، وأسرع الخطى إلى السجن، وما التقى بيوسف حتى راح يستفتيه في رؤيا الملك ودلالتها، قائلاً: {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ} [يوسف:46]. فكان جواب يوسف - بعد أن أدرك المغزى الرمزي للرؤيا - عن السؤال مباشرةً، حيث قال: {تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} [يوسف:47-49]. ونلاحظ هنا أن يوسف - عليه السلام - لم يكن أسير انفعالاته؛ إذ راح يقدم الجواب عن طيب خاطر، ولم يحاول استغلال الموقف. ولاشك أن الملك قد أعجب إعجاباً شديداً بتعبير يوسف لرؤياه؛ فأمر بإحضاره، ولكن يوسف لم يمتثل هذه المرة لطلب الملك، بل ردَّ الرسول رداً جميلاً، طالباً منه أن يرجع إلى الملك، ويسأله عن النسوة اللاتي قطَّعنَ أيديهنَّ، وكِدْنَ له؛ لوضعه في السجن، حيث لبث بضع سنين، وفي هذا تعبير عن غضب يوسف على السلطة الحاكمة، التي لم تحاول تحرِّي الحقيقة وإنصاف المظلومين، وكان من أهداف يوسف من وراء ذلك: أن يدفع الملك ليتحرَّى بنفسه ما حدث، حتى تنجلي حقيقة الموقف، وينكشف المجرم، ويبرِّئ يوسف ذمَّته.
محاكمة النساء:(/24)
عندما سأل الملك نسوة المدينة عن مراودتهنَّ ليوسف، ومن هو المسئول عن ذلك، اعترفت النساء ببراءة يوسف، وعند هذا الحدِّ لم يكن هناك أمام امرأة العزيز إلا الاعتراف والإقرار بما قامت به؛ فقالت: {الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} [يوسف:51]. لقد اعترفت امرأة العزيز؛ فبرَّأت ساحة يوسف، وشهدت بصدقه، وبالتالي كذبها، وحمَّلت نفسه مسؤولية ما حدث، مشيرةً بصراحة إلى نفسها التي أمرتها بالسوء؛ أي: بالهوى والخضوع إلى نداءات اللذة، والتعسُّف في استخدام السلطة، ولا شك أن الانفعالات التي سيطرت على امرأة العزيز في هذه اللحظات قد تمثلت في الشعور بالإثم والندم على ما بدر منها، والغضب على سلوكها، مع مسحةٍ من الحزن.
ومما يُستخلص من قول امرأة العزيز: هو أن النفس أمَّارةٌ بالسوء أصلاً، أي: أن نوازع الشر جزء من الطبيعة البشرية، وهذه النوازع - حسب قولها - هي الغالبة عليه، ولا ينجو منها إلا مَنْ رحمه الله، وتداركه بغفرانه، مما يدل على أن الإيمان بالله - سبحانه وتعالى - واستدرار رحمته منجاةٌ من الوقوع فريسةً سهلةً لنوازع الشر؛ الشيء الذي يكوِّن في النفس مقاومةً روحيةً لهذه النوازع، التي وإن كان لا يقضي عليها تماما، إلا أنها تضعف بازدياد الإيمان، واستبدال نوازع الشر بنوازع الخير والرحمة والمغفرة، ويرينا هذا الإدراك مثالاً لكيفية تأثير الجانب الروحي في الجانب الوجداني وفي السلوك، كما يرينا إدراك امرأة العزيز لعدم فلاح مسعى الخائنين وكيدهم، رغم تجنيدهم القوي للانفعالات السلبيَّة الهدَّامة، مثل الغضب والغيرة والحسد.(/25)
أما الملك الذي قاضي النساء، فقد اقتنع تماماً ببراءة يوسف، ولم يخبرنا القرآن الكريم كيف حكم على امرأة العزيز؛ بل يخبرنا أن الملك اتخذ قراراً سريعاً بإحضار يوسف، وجعله من المقربين. وفي هذا القرار إنصافٌ ليوسف - عليه السلام - من جهة، وتعويضٌ لما تعرَّض له من ظلم واضطهاد من جهة أخرى، خاصةً وأن الملك أراد أن يستخلصه لنفسه، مما أشعر يوسف بمودَّة وتقدير الملك له، كيف لا، وقد قال له الملك: {قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ} [يوسف:54].
ولقد أورد الزَّمَخْشَرِيُّ في تفسيره لسورة يوسف عن قتادة: أن هذا دليل على أنه يجوز أن يتولى الإنسان عملاً من يد سلطان جائر، إذا علم أنه لا سبيل إلى الحكم بأمر الله ودفع الظلم إلا بذلك" [ 9، ص329].
تعليق على الرؤى الثلاث في سورة يوسف:
1- الملاحَظ أن كل الرؤى رمزية في مضمونها وأشخاصها، ويتطلَّب فهمها تأويل الرموز الواردة فيها.
2 - أن للرؤى دلالات ثقافية مرتبطة بالبيئة الجغرافية؛ وبدون فهم الثقافة السائدة؛ لا يمكن فهم وتأويل الرؤيا، فالرؤيا الأولي: (ليوسف - عليه السلام -) تتعلق برموز فلكية (الشمس، والقمر، والكواكب)، وهي رمز للعلوّ، وتتضمن تلك الرؤيا موضوع السجود؛ والسجود لا يكون إلا لعظيم (الله، الملك). والرؤيا الثانية: (لأصحاب يوسف في السجن)، تتضمن (الخمر، والخبز، والطير). والرؤيا الثالثة: (للملك) ذات مضمون زراعي (سنبلات، وبقرات).
3 - أن الرُّؤَى ذات قيمة تنبُّئيَّة؛ أي: القدرة على استكشاف ما سيجري في المستقبل، سواء كان هذا المستقبل قريباً أم بعيداً.
4 - أن الرُّؤَى قد لا تتحقق إلا بعد مرور سنوات عديدة، كما هو الشأن في رؤيا يوسف.(/26)
5 - أن الرُّؤَى تؤثر في الجانب الوجداني في الإنسان، فغالباً ما تحيره وتقلقه، وقد تدهشه وتحزنه، كما قد تسرُّه!! فالرؤيا قد تحمل بُشْرَى كما قد تحمل نذيراً؛ وبالتالي فهي تؤثر في أبعاد الإنسان: الوجدانية، والعقلية، والسلوكية.
6 - ليس كل ما يراه الإنسان في الأحلام عبارة عن رُؤَى؛ فقد يكون بعض ما يراه الإنسان في المنام أضغاث أحلام، وبالرغم من ذلك؛ فإن لهذه الأضغاث معاني وأهدافاً، ولكنها لا تحمل بالضرورة قيمة تنبُّئيَّة.
7 - قد تدل الأحلام على الصراعات، وإشباع الرغبات التي لا يستطيع الفرد إشباعها في اليقظة، ولكن الرؤيا غير ذلك؛ إذ أن قيمتها تتمثل في التنبُّؤ أساساً.
8 - تأتي الرؤيا واضحةً، وإن كانت بصفة رمزية، وقد تتكرر نفس الرؤيا عدة مرات، بينما تأتي الأحلام غير واضحة، ويقع فيها خلط، ولذا تسمَّى بالأضغاث؛ فالأضغاث جمع ضِغْث، وهي حزمة من الحشيش التي تخلط فيها الأعشاب الطرية بالأعشاب اليابسة؛ وكذلك تكون الأحلام مختلطة في أغلب الأحيان.
يوسف القائد:
بالإضافة إلى ما اتصَّف به يوسف - عليه السلام - من حسن الخَلْق والخُلُق، وما آتاه الله من العلم والحكمة؛ فقد برزت صفة القيادة في شخصيته؛ إذ بمجرد ما شعر بتقريب الملك له، ورغبة هذا الأخير في تحميله مسؤوليةً ما، ومكافأته على صبره، وعلى ما أبداه من الحكمة والمعرفة، تبرَّع بعرض خدماته لتحمُّل مسؤولية الخزينة والاقتصاد.(/27)
لقد أدرك يوسف أن البلاد ستعرف سبع سنين من الرخاء، تعقبها أزمةٌ اقتصاديةٌ تدوم سبع سنوات أيضاً، يسودها القحط والجفاف والمجاعة، مما يستدعي قيادةً تتميز بالأمانة والعلم؛ وهاتان خاصَّتان أساسيتان في القيادة، وخاصةً في المجال الاقتصادي، أمانةٌ وعلمٌ خلال سنوات الرخاء؛ حتى لا يحدث الإسراف والتبذير، والمحاباة وخدمة المصالح الشخصية، وعلمٌ بفنون التسيير، والتقويم، والتخطيط، والتنظيم، والتنفيذ، والإنتاج، وكذلك الأمانة والعلم خلال سنوات الأزمة؛ حتى يتحمَّل الناس عواقبها الوخيمة بالعدل، وتحقيق حسن التوزيع، وترشيد الاستهلاك، والتخطيط للخروج من الأزمة بتجنيد القوى العاملة إلى أقصى الحدود، وتشجيع الناس على الإنتاج أكثر من الاستهلاك؛ لتحقيق النمو الاقتصادي.
وهكذا مُكِّن ليوسف - عليه السلام - في الأرض؛ فأصبح يتبوَّأ منصباً رفيعاً، تحيطه العناية الإلهية في جهوده القائمة على إتقان العمل والإخلاص فيه، والسعي حثيثاً لتحسين فنون الزراعة، وما يرتبط بها من سقي، وتعهُّد، ورعاية، وحصاد، وجمع، وتخزين، وتوزيع. ولابد أن يكون الإنتاج في سنوات الرخاء أعلى من الاستهلاك، ولابد أن يكون احتياطي الموارد الغذائية كبيراً، ومبنيّاً على حسابات دقيقة؛ بحيث يغطي هذا الاحتياطي حاجة المجتمع خلال سنوات الأزمة.
ومما يستخلص من هذا الموقف:
أولاً: حاجة التنمية الاقتصادية - وتنمية المجتمع بصفة عامة - إلى قيادة رشيدة، من خصائصها الرئيسة: العلم، والأمانة، وإتقان العمل، وما ينضوي تحتها من خصائص فرعية.
ثانياً: ينبغي أن يكون السلوك الإنتاجي مدروساً؛ بحيث يحقِّق فائضاً في الإنتاج؛ فلا يمكن أن تتحقق تنميةٌ اقتصاديةٌ إذا كان الإنتاج مساوياً للاستهلاك، ويزداد الأمر سوءاً إذا كان الإنتاج أقل من الاستهلاك، كما هو الحال في الدول المتخلفة. وقد أفاض مالك بن نبي - مثلاً - في شرح العلاقة بين الحقوق والواجبات، والإنتاج والاستهلاك [10].(/28)
ثالثاً: يتطلب التمكُّن والتمكين في الأرض خصائص قيادية، كنتيجة للعلم والحكمة، والتمحيص والابتلاء، والخبرة والممارسة.
رابعاً: تتطلب القيادة المرتبطة بالوحي والإيمان والتقوى الاعتقاد الجازم في الحصول على الأجر في الآخرة، وأنه أحسن من كل أجر، بالإضافة إلى الخصائص الأخرى المشار إليها أعلاه.
ومسَّ القحط والجدب مصر والمناطق الأخرى، وبدأت القوافل تتوافد على خزينة الملك للحصول على المواد الغذائية - (الحبوب خاصةً) - التي تولى يوسف - عليه السلام - الإشراف على توزيعها، وجاء أخوته ضمن مَنْ جاء، فعرفهم، ولكنْ لم يعرفوه، وكيف يعرفونه وهم قد تخلصوا منه، وباعوه بثمن بخس، وتوقعوا له مصيراً سيئاً؟! ولاشك أن يوسف قد اندهش لرؤية إخوته، ولكنه لم يُبْدِ دهشته؛ بل ونجح في التحكم في انفعالاته، وضبط سلوكه كما ينبغي؛ فوفَّاهم الكيلَ، وعاملهم بإحسانٍ، وأنزلهم منزلاً حسناً.
ويتطلب منَّا هذا السلوك وقفة تأمل؛ لنرى أن يوسف الذي أُلقي في الجُبِّ، ويوسف الذي تعرض للفتنة، ويوسف الذي سُجن بضع سنين، ويوسف الذي تولى خزائن الأرض، قد أُرشد بالوحي خلال كل هذه المراحل من جهة، وأُنضج بالتجارب والخبرات المتعددة والمثيرة من جهة أخرى، وهذا ما جعل سلوكه مع إخوته وغيرهم يتَّسم بالنضج، والرُّشد، والاتِّزان الوجداني.(/29)
بالإضافة إلى هذا؛ فإن ليوسف هدفاً هاماً، وهو الإتيان بأخيه الشقيق إلى مصر؛ لكي يراه ويطمئن على أبيه. قد استعمل يوسف الترغيب والترهيب للحصول على هذا الهدف، فقال: {ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ} [يوسف:59]. ولا يخفى أن استعمال الترغيب أهمُّ من استعمال الترهيب للحصول على الهدف؛ ولذلك فقد عمد يوسف - عليه السلام - أولاً إلى استقبال إخوته استقبالاً جيداً، وإنزالهم منزلاً طيباً، وجهَّزهم أحسن تجهيز، وبعد ذلك عمد إلى الترهيب، وذلك بتهديدهم بعدم الكيل لهم، وعدم الاقتراب منه إذا لم يحضروا أخاهم من أبيهم المرة القادمة، وقد نجحت خطة يوسف - عليه السلام - في إقناع إخوته بضرورة إحضار أخيهم، وزيادةً في الضغط على إخوته، فقد أمر بإرجاع بضاعتهم لكي يستخدموها كحجة عند أبيهم حتى يقتنع بضرورة إرسال شقيق يوسف معهم بالفعل؛ فقد قالوا لأبيهم بأنهم قد مُنعوا من الكيل؛ إلا أن يرسل معهم أخاهم، واعدينَ بأنهم سيحمونه: {فَلَمَّا رَجِعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [يوسف:63]. ولكنَّ أباهم لم يصدِّق وعدهم، وكيف يصدِّقهم وقد وعدوه من قبل حمايةَ يوسف، ثم ادَّعوا بأن الذئب قد أكله؟! وطافت ذكرى يوسف الحزينة بذهن النبي يعقوب - عليه السلام - فذكَّر نفسه وأبناءه بأن الله هو {خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف: 64].(/30)
وعندما فتح الأبناء متاعهم اكتشفوا أن بضاعتهم قد رُدَّت إليهم مع الكيل؛ فأصيبوا بالدهشة، وبشيءٍ من الغضب والحزن على ذلك؛ فراحوا يستخدمون ردَّ البضاعة كورقة ضغط نفسيٍّ على أبيهم؛ فقالوا: {يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ} [يوسف:65]. لكنَّ أباهم الذي هزته ذكرى يوسف الحزينة لم يقتنع بسهولة، وهذا أمر طَبَعِيٌّ؛ لأن تغيير اتجاه شخص ما نحو أشخاص آخرين كان قد اتخذ موقفاً سلبيًّا ضدهم، يتطلب جهداً كبيراً في التأثير على جوانبه العقلية والوجدانية مجتمعة، وبالفعل؛ فإن أباهم لم يقتنع حتى أعطوه عهداً ومَوْثِقاً من الله بحماية أخيهم، وعدم التفريط فيه، وأَشْهَدَهم الله - تعالى - على ما قالوا.
وكشأن الآباء المهتمين بأبنائهم؛ راح النبي يعقوب - عليه السلام - يوصي أبناءه بعدم الدخول من باب واحد عند وصولهم إلى مصر؛ بل ينبغي لهم الدخول من أبواب متفرقة، فلماذا أوصاهم أبوهم بذلك؟ وما هي الحاجة التي أخفاها يعقوب في نفسه؟(/31)
يقال أن عدد إخوة يوسف هو أحد عشر أخاً، وتفسَّر نصيحة أبيهم بأن يدخلوا من أبواب متفرقة بخوفه عليهم من الإصابة بعيون الحاسدين، ورغم دخول أبناء يعقوب من أبواب متفرقة، "إلا أنهم أصابهم ما أصابهم من تفرُّق وافتضاح" كما قال الزَّمَخْشَرِيُّ في "تفسيره". ويقول الزَّمَخْشَرِيُّ في تفسيره "الكشاف" عن الإصابة بالعين، إنه: " يجوز أن يُحْدِثَ اللهُ - عزَّ وجلَّ - عند النظر إلى الشيء والإعجاب به نقصاناً فيه وخللاً من بعض الوجوه، ويكون ذلك ابتلاءً من الله، وامتحاناً لعباده؛ ليتميز المحقِّقون من أهل الحشو؛ فيقول المحقِّق: هذا فعل الله، ويقول الحَشَوِيُّ: هو أثر العين، كما قال – تعالى -: {وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا} [المدثر : 31]. وعن النبي - صلي الله عليه وسلم - أنه كان يعوِّذ الحسنَ والحسينَ، فيقول: ((أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل عين لامَّة، ومن كل شيطان وهامَّة)) [6، ص333].
وقد يُردُّ على رأي الزَّمَخْشَرِيِّ هذا برأي أهل السنة والجماعة، الذين يرون أن العين حقٌّ، وأن تأثير العين من قبيل ربط الأسباب بالمسبِّبات، كربط الإحراق بالنار، وأن الفاعل الحقيقي هو الله تعالى [ 11، ص488].
ومهما يكن؛ فإن موضوع (الإصابة بالعين) في حاجة إلى مزيد من الدراسات الشرعية والنفسية والثقافية؛ لتوضيح حقيقتها، وكيفية إحداث التأثير في الآخرين، وسبل علاجها بالرُّقية الشرعية مثلاً.(/32)
ورغم احتياط النبي يعقوب - عليه السلام - بهدف حماية أبنائه، فقد كان يعلم تماماً بأن ذلك الاحتياط - الدخول من أبواب متفرقة - لن يغني عنهم من الله شيئاً؛ فلله الحكم، وعليه فليتوكل المتوكلون. وهنا حكمةٌ بالغةٌ تتجلى في إيمان يعقوب - عليه السلام - بضرورة التوكل على الله - تعالى - واعتقاده الجازم بأن الحكم بيده – تعالى - ورغم اعتقاده الجازم، فإن ذلك لم يمنعه من اتخاذ الأسباب الضرورية، واعتماد الاحتياطات المناسبة لحماية أبنائه مما قد يصيبهم إن دخلوا من باب واحد، وفي هذا الموقف تمييزٌ واضحٌ بين التوكل والتواكل.
لم تكن نصيحة النبي يعقوب - عليه السلام - لأبنائه صادرةً من قلب أبٍ رحيمٍ شفيقٍ على أبنائه فحسب؛ بل إن نصيحته قائمةٌ على علمٍ أيضاً، وهذا العلم مما آتاه الله إيَّاه، حيث وصفه الله تعالى بقوله: {وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [يوسف:68]. وتشير الآية الكريمة إلى أن هذا العلم مما يجهله أكثر الناس، ولذلك لم يخبر أبناءه لماذا ينبغي لهم الدخول من أبواب متفرقة؛ بل كتم حاجته من وراء ذلك، ولاشك أن الأبناء قد قبلوا نصيحة أبيهم، وعملوا بها؛ ففرح لذلك، وانشرح صدره.(/33)
وأقبل إخوة يوسف مع أخيهم غير الشقيق؛ فانفرد يوسف - عليه السلام - بأخيه الشقيق، فكشف له عن شخصيته الحقيقية، فقال: {إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [يوسف:69]. لقد أراد يوسف أن يدخل السرور إلى قلب أخيه، وطرد الحزن منه جرَّاء ما كان يرتكبه إخوته الآخرون من حماقات، وكانت لحظاتٍ رائعةً، سادتها الدهشة والمفاجأة السارَّة، وفرح اللقاء بعد أحزان الفراق. ولكم أن تتصوروا سرور أخوَيْن شقيقَيْن التقيا بعد عدة سنوات من الحزن وانعدام بارقة أيِّ أمل، ويشاء الله ويمهد الأسباب للقاء الأخوَيْن في مكانٍ لم يخطر لهما من قبل على بال، ولكم أن تتخيلوا دهشة شقيق يوسف عندما يكشف له شقيقه عن شخصيته، وكيف لا يندهش وقد أُخبر من طرف إخوته أن الذئب قد افترس يوسف، وجاؤوا بقميصه ملطخاً بالدماء؟! كيف لا يندهش، وقد رأى بأمِّ عينيه دماً على قميص شقيقه؟! والآن يرى بأم عينيه يوسفَ وقد تبوَّأ مكانةً عظيمةً في قصر الملك؟! كيف لا يفاجأ، بينما لم يكن طموحه في مجيئه مع إخوته إلى مصر يتعدى الحصول على كيل بعير من الحبوب، والرجوع به إلى أبيه سالماً مع إخوته؟!.
وتتوالى المفاجآت، حيث ينادي المنادي إخوة يوسف، ويتهمهم بالسرقة، فيصابون بالدهشة والتعجب، فيقبلون على المنادي يستفسرون عمَّا ضاع، ويتعجب إخوة يوسف أكثر عندما يسمعون أن صِوَاع الملك قد سُرق، وأنه قد رُصدت مكافأةٌ لمَنْ يجده، وأن المنادي متحمسٌ جداً للحصول على المكافأة، ونلاحظ هنا قوة الدَّافعية عند المنادي، وتأثيرها في سلوكه بفعل المكافأة المغرية (حمل بعير). وتحت تأثير المفاجأة الشديدة والاتهام القوي، راح إخوة يوسف يحلفون لدفع التهمة عنهم، بأنهم ما جاؤوا إلى مصر ليفسدوا في الأرض، أو ليسرقوا، وإنما جاؤوا تجاراً، يستبدلون سلعة بسلعة.(/34)
ولكن ما هو جزاء إخوة يوسف إن وُجد صِوَاع الملك في رحالهم؟ لابد أن يعترفوا بجرمهم، وأن يقبلوا حكم الملك - أو من ينوب عنه – فيهم، كيف لا يقبلون بحكم الملك وهم ينكرون أنهم سارقون، وأنهم مفسدون، أو أنهم كاذبون؟!.
وبدأ التفتيش، ولتضليل إخوة يوسف بأن الأمر غير مدبَّر؛ بدأ في تفتيش أوعية إخوته غير الأشقاء قبل وعاء أخيه الشقيق، ولكنَّ الصِّوَاع لم يوجد إلا في رَحْل أخيه، وبهذا الإجراء الذي اتخذه يوسف؛ تمكَّن من أن يضمن بقاء أخيه معه بطريقة قانونية، وهذا يتطلَّب علماً، وفوق كل ذي علم عليم.
واندهش إخوة يوسف، وأخذتهم المفاجأة؛ فأصيبوا باضطراب شديد ظهر على وجوههم، وفي حركاتهم، وبعد استيعاب الصدمة تفطَّنوا إلى ضرورة الدفاع عن أنفسهم، وتبرير ما حدث بأيِّ شكل من الأشكال، فلم يجدوا عذراً ولا مبرِّراً مقبولاً إلاَّ أن يتهموا أخاهم بالسرقة، مضيفين إلى ذلك اتهام يوسف نفسه بالسرقة؛ وكأن لسان حالهم يقول: إن أخانا غير الشقيق قد سرق مثلما سرق أخوه الشقيق من قبل، بينما نحن الإخوة الأشقاء لسنا سارقين؛ فالعيب في الأخوَيْن الشقيقَيْن - يوسف وأخوه - وليس فينا.
ورغم صدور هذا الاتهام الخطير من طرف شبانٍ ثبتت عليهم السرقة؛ فلم يكن في وسع يوسف - عليه السلام - إلا أن يكون حليماً معهم، ولم يظهر ما شعر به بسبب هذا الاتهام، بل أخفى انفعالاته. ورغم ذلك؛ فإنه لم يتمالك نفسه في وصف إخوته بأنهم أشراراً {شَرٌّ مَّكَاناً} [يوسف:77]، وأنه يترك ما يصفون به يوسف وأخاه لله – تعالى- الذي يعلم كل شيء، وكأن يوسف بهذا القول يريد أن يوقظ الضمير عند أخوته، ويشعرهم بالذنب لما اقترفوه في حقِّ يوسف عند إلقائه في الجُبِّ، وبيعه مثل العبيد، وأكل ثمنه، ثم اتهامه بالسرقة.(/35)
ورغم صعوبة الموقف الذي وجد أخوه يوسف أنفسهم فيه أمام حاكم قوي، أقام عليهم الحجة بالسرقة، فقد تذكروا وعدهم لأبيهم بالحفاظ على أخيهم؛ فراحوا يستعطفون العزيز – يوسف - أن يأخذ أحدهم مكان أخيهم، مبرِّرين استعطافهم من جهةٍ بكبر سنِّ أبيهم {شَيْخاً كَبِيراً} [يوسف:78] الذي لن يتحمل صدمة ضياع ابنه الثاني، وبمدح العزيز ووصفه بالإحسان من جهةٍ أخرى، ونلاحظ هنا أن حجة إخوة يوسف في استعطافهم للعزيز قائمةٌ أساساً على تجنيد الجانب الوجداني عند العزيز؛ لعله يلين ويستجيب لاستعطافهم، ولكنَّ ردَّ العزيز كان منطقياً وعقلانياً؛ إذ رفض استعطافهم مبرِّرا ذلك بإقامة العدل؛ إذ ليس من العدل أن يأخذ شخصاً ما بجريرة شخصٍ آخر، وكيف يقام العدل إذا أُطلق (المجرم) الذي ثبتت عليه (السرقة)، وسُجن (البريء)؟!.(/36)
ألجم منطق العزيز ألسنة الشبان الذين أصيبوا بإحباط شديد، وفقدوا الأمل في إقناع العزيز واسترجاع أخيهم؛ فأخذوا يتناجون فيما بينهم ويتشاورون، فالموقف صعبٌ ومحرجٌ بالنسبة إليهم للغاية، سواءٌ أمام العزيز، أم أمام أبيهم الذي أخذ منهم مَوْثِقاً في عدم التفريط في أخيهم؛ وقد ذكَّرهم بهذا المَوْثِق أخوهم الأكبر، كما ذكَّرهم بتفريطهم في يوسف من قبل؛ إذ إن التفريط في أخيهم هذا سيضاف إلى تفريطهم في يوسف من قبل، مما سيُفقد مصداقيتهم عند أبيهم، ولذا أصرَّ أخوهم الأكبر على البقاء في مدينة العزيز؛ حتى يتلقى إذناً من أبيه بالمغادرة، أو يجعل الله له أمراً، وهو خير الحاكمين. ويطلب منهم أخوهم الأكبر بشيءٍ من الغضب الممزوج بالحزن أن يرجعوا إلى أبيهم، ويرووا له ما حدث بالضبط؛ قولوا لأبيكم: إن ابنك قد سرق ونحن نشهد على ذلك فقد أُخرج الصِّوَاع من رَحْلِه أمام أعيننا. وقولوا له: إن لم تصدِّقنا فاسأل القافلة التي جئنا فيها، واسأل أهل المدينة. وقولوا له أيضاً: لقد آتيناك مَوْثِقًا من الله أن نحافظ على أخينا، ولكنَّنا لم نكن نعلم الغيب، ولم نكن ندري بأنه سيسرق صِوَاع الملك، واشرحوا له أن هذه الحقائق كلها شهادات على صدقنا، وأنني قد بقيت هنا في انتظار أوامره؛ التزاماً بالعهد الذي عاهدناه عليه.
فكيف كان ردُّ فعل النبي يعقوب - عليه السلام - أمام هذا الخَطْب الجليل؟ ها هو ابنه الثاني يضيع منه كما ضاع يوسف من قبل، وسبب الضياع تهمة السرقة، وأي سرقة؟ سرقة صِوَاع الملك الذي أخرج من رَحْلِه أمام الملأ. ولا شك، أن الخبر طارت به الركبان، وانتقل من فاهٍ إلى فاهٍ، ومن قافلةٍ لقافلةٍ، ومن قبيلةٍ إلى أخرى.(/37)
ورغم تأكيد أبنائه لصدقهم؛ فإن النبي يعقوب - عليه السلام - لم يصدِّقهم، واتهمهم بأن أنفسهم قد دفعتهم ليدبِّروا مكيدةً لأخيهم، كما دبَّروا مكيدةً ليوسف من قبل، ولكن النبي يعقوب - عليه السلام - لم يجد دليلاً على اتهامهم؛ فاكتفى بالإشارة ملتجِأً إلى الصبر الجميل، متيقِّناً بأن الله - تعالى - سيجمعه مع ابنَيْه، كما يقتضي علمه وحكمته.
لم يجد النبي يعقوب - عليه السلام - بُدّاً من الابتعاد عن أبنائه؛ فقد أصبح لا يطيق الموقف، واستولى عليه الحزن الشديد (الاكتئاب)؛ بل أصيب بصدمة شديدة من الإحباط والاكتئاب أثرت في عينيه؛ فكُفَّ بصره، لعجزه عن التعبير الصريح عن ألمه، وتفريغ شحنات غضبه وحزنه جرَّاء تصرفات وأقوال أبنائه، وقد أدَّى به كبت انفعالاته إلى إصابته بكفِّ البصر، وفي هذا دليلٌ واضحٌ على كيفية تأثير الجانب الانفعالي في الجانب الجسمي - الحزن الشديد والعمى في هذه الحالة. وفي هذه الحالة إشارة إلى أن كبت الانفعالات قد يؤدي إلى اضطرابات نفسية - جسمية ( اكتئاب، عمى، قرحة ... الخ)، وليس الكبت الجنسي فقط هو الذي يؤدي إلى الاضطرابات النفسية، مثل العمى الهستيري، أو الشلل الهستيري، كما ادَّعى ذلك فرويد في (نظرية التحليل النفسي).
وفي الواقع؛ فإن حزن يعقوب - عليه السلام - كان شديداً وطويلاً إلى حدٍّ بَالَغَ فيه بعض المفسرين؛ فقال الزَّمَخْشَرِيُّ في "تفسيره" – مثلاً - يصف حزن النبي يعقوب، وطول مدته:(/38)
"الحزن كان سبب البكاء الذي حدث منه البياض؛ فكأنه حدث من الحزن. قيل: ما جفت عينا يعقوب من وقت فراق يوسف إلى حين لقائه ثمانين عاماً، وما على وجه الأرض أكرم على الله من يعقوب. وعن رسول الله - صلي الله عليه وسلم – : أنه سأل جبريل - عليه السلام –: ((ما بلغ من وجد يعقوب على يوسف؟)) قال: وَجْدُ سبعين ثكلى. قال: ((فما كان له من الأجر؟)) قال: مائة شهيد، وما ساء ظنُّه بالله ساعةً قطُّ" [6، ص339]. وبعد أن يورد الزَّمَخْشَرِيُّ هذه الرواية دون مناقشة مدى صحتها عقلاً ونقلاً، وخاصةً فيما يتعلق بعدد سنوات الحزن، انتقل إلى مناقشة الحالة النفسية للنبي يعقوب؛ فقال: "فان قلتَ: كيف جاز لنبيِّ الله أن يبلغ به الجزع ذلك المبلَغ؟ قلتُ: الإنسان مجبولٌ على أن لا يملك نفسه عند الشدائد من الحزن، ولذلك حُمد صبره، وأن يضبط نفسه؛ حتى لا يخرج إلى ما لا يحسن.
ولقد بكى رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ولدَه إبراهيم، وقال: ((القلب يجزع، والعين تدمع، ولا نقول ما يسخط الربَّ، وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون)). وإنما الجزع المذموم ما يقع من الجهلة من الصياح والنياحة، ولطم الصدور والوجوه، وتمزيق الثياب" [6، ص497].
ومما جاء في "الكشاف" أيضاً بخصوص موقف الرسول - صلي الله عليه وسلم - من الانفعالات: أنه قيل له - عليه الصلاة والسلام -: تبكي وقد نهيتنا عن البكاء؟ قال: ((ما نهيتكم عن البكاء، وإنما نهيتكم عن صوتَيْن أحمقَيْن: صوت عند الفرح، وصوت عند التَّرَح)) [6، ص498].(/39)
وقد تفطَّن أبناء يعقوب لما يعانيه أبوهم من حزنٍ شديدٍ، ولما قد ينجرُّ عن ذلك من اضطرابات؛ بل ومن هلاك: {قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ} [يوسف:85]. فما كان جواب يعقوب - عليه السلام - على تعليق أبنائه؟ لم يرد النبي يعقوب - عليه السلام - أن يشكو حزنه وألمه الشديد لأبنائه، مقتصراً في ذلك على الله – تعالى - ذلك لأنه قد علم من الله - تعالى - ما لم يكن أبناؤه يعلمون، فماذا كان يعقوب - عليه السلام - يعلم من الله – تعالى -؟
أمر يعقوب - عليه السلام - أبناءه أن يذهبوا يتحسَّسوا أخبار يوسف وأخيه، مما يدل على اعتقاده الجازم بأن يوسف ما يزال حيّاً، وأن الله - تعالى - سيجمعه معه ومع أخيه؛ ولم يكتف النبي يعقوب - عليه السلام - بإصدار الأمر؛ بل أوصى أبناءه ألاَّ يصيبهم اليأس في البحث عن يوسف وأخيه، والحصول عليهما؛ إذ ليس من صفات المؤمنين اليأس من رَوْح الله؛ فالله رحيم كريم. وهنا يفتح النبي يعقوب - عليه السلام - أمام أبنائه باب التفاؤل بدلاً من التشاؤم، وطريق الخير بدلا من الشر، وسبيل الأخذ بالعزيمة والأسباب بدلاً من التخاذل، والإحباط، وروح الهزيمة والتواكل، رغم ما كان يعانيه.
وجهز أبناء يعقوب - عليه السلام - بضاعتهم ليقصدوا عزيز مصر مرةً أخرى للمقايضة، والحصول على صدقاته، ودخلوا على العزيز على خجلٍ واستحياء، وهم يشكون إليه الضُّرَّ الذي مسَّهم وأهلهم جرَّاء الجدب والقحط، وعرضوا عليه بضاعتهم، راجين منه أن يتصدَّق عليهم، وهم يدعون الله له أن يجزيه خير جزاء.(/40)
وحان الوقت الذي ينبغي أن يكشف فيه العزيز عن سرِّه لأبناء يعقوب - عليه السلام - ففاجأهم بقوله: {قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ} [يوسف:89]. لم تكن المفاجأة في سؤال العزيز عن يوسف وأخيه فقط؛ بل في صيغة السؤال؛ حيث وجَّه إليهم سؤالاً استنكاريّاً، قرن العزيز فيه بين يوسف وأخيه من جهة، ووصف فيه سلوكهم بالجهل من جهة أخرى، ولعل صيغة السؤال ومؤشرات أخرى - قد تكون غير لفظية - هي التي نبَّهت أبناء يعقوب - عليه السلام - إلى أنهم بحضرة أخيهم يوسف.
ورغم المفاجأة الشديدة التي صعقتهم، فقد راحوا يتأملون بتمعن وجه العزيز، ويتبادلون النظرات وهم يهمسون، و{قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ} [يوسف:90]!!! ولمراقب هذا المشهد أن يتصور مدى الانفعال الشديد الذي أصاب إخوة يوسف جرَّاء المفاجأة، وجرَّاء انكشاف الحقيقة أمامهم، ولا شك أن ألسنتهم قد شُلَّت للحظات، وانسحب الدم بسرعة من وجوههم الشاحبة، ودقَّت قلوهم بسرعة فائقة، وارتجفت أوصالهم فَرَقاً وخجلاً من فعلهم الشنيع مع يوسف، وترقُّباً للخطر الذي أحدق بهم؛ فطأطؤوا رؤوسهم خوفاً وخجلاً.
احتفظ العزيز بهدوئه المعتاد، وأكدَّ لهم أنه هو يوسف ومعه أخوه، شاكراً نعم الله عليهما، مذكرا إياهم بأن التقوى والصبر هما وسيلتان للحصول على الأجر والثواب من عند الله، وتنبغي الإشارة هنا إلى اقتران التقوى بالصبر، مما يدل على الارتباط القوي بين الصفتين، وتأثيرهما في السلوك عند ارتباطهما.(/41)
وهذا الارتباط يدلنا على أن الصبر الحقيقي هو القائم على التقوى والإحسان، وليس الصبر القائم على الانهزام النفسي، والإحسان هو أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنك تعتقد اعتقاداً جازماً بأنه يراك، وإذا كنتَ في موقف البلاء والامتحان؛ فإنك تعتقد جازماً بأنه يراك ويرعاك. ويعضد هذه الحقيقة قوله تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2-3].
ويدلنا أيضاً هذا الارتباط بين التقوى والصبر على كيفية تأثير الجانب الروحي – التقوى - في الجانب السلوكي – الصبر - وقد تجلى تقوى يوسف في سلوكه مع امرأة العزيز، ونسوة المدينة، وصاحبيه في السجن، وفي تأويله لرؤيا الملك، وفي تسييره لشؤون اقتصاد البلد خلال سنوات الرخاء، وخلال سنوات الكساد الاقتصادي، ويتجلى أيضاً في سلوك يوسف مع إخوته الذين كانوا في موقف ضعف شديد؛ بل وفي موقفٍ مخجلٍ ومخْزٍ، لم يكن أمامهم فيه بُدٌّ إلا الاعتراف بخطئهم، والإقرار بأن الله - تعالى – قد فضَّل يوسف عليهم، وأن هذا الفضل والإيثار ليس من طرف أبيهم؛ بل هو من فضله - تعالى - على يوسف، الذي حباه – تعالى - بأجمل الصفات والسمات الخَلْقِيَّة والخُلُقِيَّة؛ إعداداً له لمواقف صعبة، ومواقع قيادية عالية، ليست المسؤولية فيها هينة.
لم يعمد يوسف إلى تجريح شعور إخوته، كما لم يستغل الضعف الشديد الذي كانوا عليه أمامه؛ بل عمد إلى رفع اللوم عنهم، والدعاء بأن يغفر الله لهم زلاَّتهم، وهو أرحم الراحمين. فانظر كيف قابل القائد العظيم الخطأ بالعفو، و"العفو عند المقدرة"، وكيف بدَّل انفعالاتهم السلبيَّة الشديدة - خوف وخجل - بالدعاء والاستغفار لهم؛ لتطمئن قلوبهم، وتسكن جوارحهم، مذكِّراً إيَّاهم برحمة الله، وهو أرحم الراحمين.(/42)
وبعد أن يسكن روعهم، وينالوا قسطاً من الراحة، يطلب يوسف من إخوته أن يذهبوا بقميصه إلى أبيهم، ويرموه على وجهه؛ ليرتدَّ إليه بصره، كما يطلب منهم أن يحضروا أهلهم أجمعين؛ ليكرمهم ويقرِّبهم إليه، لما في ذلك من صلةٍ للرحم، ولنا وقفةٌ هنا مع قميص يوسف - عليه السلام -.
قميص يوسف:
ما هي العلاقة بين قميص يوسف واسترداد البصر؟ قد يقال: إن القضية كلها تتعلق بمعجزة، وعليه؛ فلا داعي للبحث: لماذا شُفي بصر النبي يعقوب - عليه السلام - بعد إلقاء قميص يوسف - عليه السلام - على وجهه.
ولكنَّ التفسير بالمعجزة وتصديق المعجزات لا يمنع المرء من البحث والاستكشاف؛ فقد حاول مثلاً مختصٌّ في طب العيون بمصر أن يجيب عن هذا السؤال، من خلال إجراء بحث تجريبي؛ لاستكشاف تأثير العَرَق في علاج بعض أمراض العيون، فعزا استرجاع البصر إلى عَرَق يوسف، الذي كان جافًّا على القميص، ولقد وجد هذا الطبيب من خلال البحث التجريبي الذي أجراه أن العَرَق يشفي من بعض أمراض العيون [12].(/43)
هذا تصورٌ للعلاقة التي قد تكون بين القميص واسترداد البصر، ومنهجٌ في البحث العلمي قائمٌ على التجريب، ولكن من الممكن تفسير هذه العلاقة تفسيراً آخراً، لاشك أن العرق الجاف في قميص يوسف يحمل رائحةً خاصةً به، يعرفها النبي يعقوب - عليه السلام - تمام المعرفة، وكيف لا يعرفها وقد تعوَّد ضمَّ يوسف إلى صدره؟! ثم إن الشخص الكفيف البصر غالباً ما تكون حاسة الشم عند مرهفة، وكذلك الحواس الأخرى، وعندما شمَّ النبي يعقوب - عليه السلام - رائحةَ القميص، أدرك أن القميص قميص يوسف، وأن الرائحة رائحته؛ فهو إذًا ما يزال حيّاً بالتأكيد، وأنه قد أرسل قميصه إليه كرسالة تُرجع إليه أملُه بقرب لقائه مع يوسف وأخيه، ولاشك، أن هذه الرسالة كانت بمثابة صدمة إيجابية؛ أي أنها صدمةٌ في الاتجاه المعاكس للاكتئاب الشديد الذي أصيب به النبي يعقوب - عليه السلام - الذي صُدم بفقدان أعزِّ ولديْن لديه، وصُدم - دون شك - بسلوك أبنائه، وأصيب بخيبة أملٍ شديدةٍ جرَّاء سلوكهم الذي حركته انفعالات سلبيَّة شديدة، تمثلت في الغيرة من يوسف، وحقدهم على أبيهم؛ اعتقاداً منهم بأنه كان يفضِّل يوسف عليهم.(/44)
وقد حاول بعض المفسرين تفسير تأثير القميص في بصر النبي يعقوب بعوامل أخرى، حيث أورد الألوسي مثلاً عدة روايات، مفادها أن هذا القميص هو القميص المتوارث عن إبراهيم - عليه السلام - والذي كان في تعويذ يوسف، وأنه من قُمُص الجنة، وكان لا يقع على عاهة من عاهات الدنيا إلا أبرأها بإذن الله – تعالى. أو أنه كان القميص الذي قُدَّ من دُبُر [ 13، ص52]. وأورد الألوسي أيضاً: أن عودة البصر إلى النبي يعقوب "ليس إلا من خرق العادة، وليس الخارق بدعاً في هذه القصة" [ 13، ص55]. ويروي الألوسي تفسير ابن عباس الذي يتمثل في أن الله - تعالى - أشمَّ النبيَّ يعقوب ما عبق بالقميص من ريح يوسف - عليه السلام - من مسيرة ثمانية أيام، وفي روايةٍ عن الحسن: من مسيرة ثلاثين يوماً، وقيل: عشر ليالٍ [ 13، ص53]. وروى بعضهم - كما أورد الألوسي ذلك أيضاً - أن الريح استأذنت في إيصال عرق يوسف – عليه السلام – فأذن الله تعالى لها، وقال مجاهد: "صفقت الريح القميص؛ فراحت رواح الجنة في الدنيا، واتصلت بيعقوب - عليه السلام - فوجد ريح الجنة، فعلم أنه ليس في الدنيا من ريحها إلا ما كان من ذلك القميص؛ فقال ما قال" [13، ص53].
ومما يلاحظ هنا أن الألوسي نفسه قد أورد تفسيراً نفسياً لطيفاً لعودة بصر النبي يعقوب - عليه السلام – حيث قال: " أنه - عليه السلام - انتعش حتى قويَ قلبه وحرارته الغريزية؛ فأوصل نوره إلى الدماغ، وأدَّاه إلى البصر، ومن هذا الباب استشفاء العشاق بما يَهُبُّ عليهم من المعشوق، كما قال الشاعر:
وَإِنِّي لأَسْتَشْفِي بِكُلِّ غَمَامَةٍ يَهُبُّ بِهَا مِنْ نَحْوِ أَرْضِكِ رِيحُ
وقال آخر:
أَلاَ يَا نَسِيمَ الصُّبْحِ مَا لَكَ كُلَّمَا تَقَرَّبْتَ مِنَّا فَاحَ نَشْرُكَ طِيباَ
كَأَن سُلَيْمَى نُبِّئَتْ بِسِقَامِنا فَأَعْطَتْكَ رَيَّاهَا فَجِئْتَ طَبِيباَ
[ 13، ص55 ].(/45)
وأورد الألوسي أيضاً تفسيراً طبيّاً للظاهرة، وإن كان لا يتفق مع هذا التفسير الطبِّي، حيث قال: "يمكن أن يقال: لعل يوسف - عليه السلام - علم أن أباه ما عرا بصره ما عراه إلا من كثرة البكاء وضيق القلب؛ فإذا أُلقي عليه؛ فلابد أن يشرح صدره، وأن يحصل في قلبه الفرح الشديد، وذلك يقوى الروح، ويزيل الضعف عن القوى؛ فحينئذ يقوى بصره، ويزول عنه ذلك النقصان، فهذا القدر ما يكفي معرفته بالعقل؛ فإن القوانين الطبية تدل على صحته، وأنا لا أرى ذلك" [ 13، ص53].
لم يناقش الألوسي مختلف التفاسير التي أوردها، ولم يتعرَّض إلى مدى موافقتها للمنطق أو للتجربة، بل اعتبر أغلبها - إذا استثنينا التفسير الأخير الذي لم يتفق معه - من باب الخوارق. والسؤال إن كان الأمر كما أوردتْ ذلك بعض التفاسير: لماذا لم تصل رائحة يوسف إلى النبي يعقوب - عليه السلام - من قبل، عندما كان يوسف في الجُبِّ، أو في السجن، أو حتى بعد خروجه من السجن؟ والسؤال الآخر الذي قد يُطرح: لماذا أغفل المفسرون ما ورد في الآية من ضرورة إلقاء القميص على وجه النبي يعقوب ليرتدَّ بصيراً؟
وقد يطرح هنا سؤال مُفاده: كيف عرف يوسف أن إلقاء قميصه على وجه أبيه سيُرجع إليه البصر؟ والجواب: أن ذلك قد يكون بالوحي، كما قد يكون نتيجة الخبرات الطبية والنفسية المعروفة آنذاك. ومهما يكن؛ فإن العلاج لحزن النبي يعقوب - عليه السلام - كان علاجاً (نفسياً - فسيولوجياً)، تمثَّل في استعمال الروائح (ريح يوسف)، وفي صدمةٍ قويةٍ تمثلت في إلقاء قميص يوسف على وجه يعقوب - عليه السلام - ولنتذكر أن إخوة يوسف قد أحضروا قميصه إلى أبيه وهو ملطخ بالدماء.
وقد يسند هذا الافتراض ما جاء في تفسير الألوسي أيضاً: أن أحد إخوة يوسف أصر على أن يكون هو حامل قميص يوسف إلى أبيه، حيث احتج بقوله: "قد علمتم أني ذهبت إلى أبي بقميص التَّرْحَة، فدعوني أذهب إليه بقميص الفَرْحَة. فتركوه" [ 13، ص54].(/46)
وبعد هذه المناقشة البسيطة، قد يُكتفى بالقول بأن الموضوع كله لم يكن إلا معجزةً من الله - تعالى - ولا شك.
والظاهر من النص القرآني، أن النبي يعقوب - عليه السلام - كان ذا حاسة شمٍّ مرهفةِ جدّاً؛ إذ شم رائحة يوسف قبل إلقاء القميص على وجهه، حيث جاء في هذا المعنى: {وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ} [يوسف:94]. ولا عجب أن تكون لدى بعض الأشخاص - وخاصة مكفوفي البصر والسمع - حاسة الشم قوية، خاصةً في بيئة جوها غير ملوث؛ حيث يكون انتشار الروائح أسرع وأشمل، وهذا معروف بالملاحظة. وعلى كلٍّ؛ فإن هذه الاجتهادات لا تنفي وجه المعجزة في هذا الشأن، وأن الله على كل شيء قدير.
ولكن جلساء يعقوب شكَّكوا في إحساسه، واتهموه بالضلال، غير أن مجيء البشير وإلقاء القميص على وجه النبي يعقوب - عليه السلام - وارتداد بصره إليه أدهشهم؛ فأخذوا يحملقون فيه، وهم لا يكادون يصدِّقون ما يرونه بأعينهم. أما سرور النبي يعقوب - عليه السلام - بالبُشْرَى فلا يمكن قياسه إلا قياساً كيفيّاً، تجلَّى في استرداد البصر بعد سنين طويلة من البكاء والحزن، حتى ابيضَّت عيناه، وهذا يدلنا على أن الأنباء السارة والبشائر العظيمة قد تفعل في الجسم ونفسية الإنسان ما لا يمكن تصوره، من ردود الأفعال، وأنماط السلوك المختلفة كاسترجاع البصر بعد العمى، واسترداد النطق بعد البكم، والحركة بعد الشلل.(/47)
ولكن سرور النبي يعقب - عليه السلام - لم يمنعه من تذكير أبنائه بما قال لهم سابقاً، بأنه قد يعلم من الله ما لا يعلمون، ولم يكن ذلك - بالتأكيد - إلا وحياً، وأمام الدليل الذي قام أمام أعينهم؛ لم يتمالك أبناء يعقوب إلا الاعتراف بذنوبهم وأخطائهم؛ فترجُّوا أباهم بحرارة أن يستغفر الله لهم. ولك عزيزي القارئ أن تتصور مدى الشعور بالذنب الذي أحس به أبناء يعقوب جرَّاء أخطائهم، فتجلَّى شعورهم هذا في الكلمات التي استعملوها؛ حيث قالوا: {يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ} [يوسف:97]. فاعترفوا بالأخطاء وبالذنوب والشعور بالذنب، ولولا هذا الشعور ما طلبوا من أبيهم أن يستغفر الله لهم، لكنَّ طلبهم هذا وطلبهم من يوسف ذلك من قبل - ولا شك - كان سبيلاً للتخلص من الشعور الشديد بالذنب والخجل.
وإذا كان الاعتراف في القانون هو سيد الأدلة؛ فإنه من الناحية النفسية يخلِّص النفس البشرية من الصراع الذي قد تقع فيه، ومن الشعور الشديد بالذنب الذي يعذبها أشد العذاب، قد يتجاوز أي نوع من أنواع التعذيب الذي قد يتعرض له المذنب لو أقرَّ واعترف بذنبه، وإذا كان بعض المذنبين يعترفون بذنوبهم؛ للاستفادة من الظروف المخفَّفة نتيجة الاعتراف، فإن بعضهم يعترفون بذنوبهم لإراحة ضمائرهم - أولاً وقبل كل شيء - من العذاب النفسي الذي يعانونه.
وحزم النبي يعقوب - عليه السلام - أمتعته القليلة فوق جماله الهزيلة، ويمَّم وجهه شطر مصر مع أبنائه؛ للالتقاء بيوسف وأخيه، ويصلون إلى مصر منهوكي القوى بعد سفرٍ مُضْنٍ عبر صحارٍ وأراضٍ جرداءَ مقفرةَ.(/48)
وصل خبر وصولهم إلى العزيز، فيخرج مع أخيه وحاشيته لاستقبال أهله أحسن استقبال، ويُجلس أبوَيْه على أريكتين فخمتين، ولا يتمالك النبي يعقوب - عليه السلام - وحرمه وأبناؤه أنفسهم دون السجود للنبي يوسف - عليه السلام - لما رأوه من عظمة المُلْك، وجلال الموقف، وروعة المكان، وبديع الفنون، وحرارة الاستقبال. كما لم يتمالك يوسف - عليه السلام - نفسه من التعبير عن سروره، وشكره لله – تعالى - على ما حباه به من التفضيل، والمنزلة الرفيعة، والدرجة العالية؛ فذكَّر أباه برؤياه، ملمِّحاً إلى تأويلها بالموقف الذي وجدوا أنفسهم جميعا فيه، وهل هناك أحسن من وقوع الرؤيا كحقيقة تُرى بعد أن كانت نبوءة في عالم الغيب؟! وراح يوسف يعدِّد نعم الله - تعالى - عليه وعلى أهله، والتي تمثلت في:
- تحقُّق رؤياه التي رآها في طفولته.
- إخراجه من السجن بعد أن كادت له امرأة العزيز.
- مجيء أهله من البدو إلى الحضر، واجتماعه بهم.
- فشل الشيطان في الإيقاع والتفريق بينه وبين إخوته.
ولم يُغفل النبي يوسف - عليه السلام - بعد الحمد والشكر عن الدعاء بحسن الخاتمة؛ حتى يتوفاه الله مسلماً، ويلحقه بالصالحين من الأنبياء والشهداء، وحسن أولئك رفيقاً.
كل هذه الأحداث التي شكَّلت قصة يوسف - عليه السلام - والابتلاء الذي مرَّ به خلال مختلف مراحل حياته؛ في طفولته عندما ألقى في الجُبِّ، وفي شبابه عندما افتتنتْ به امرأة العزيز، وكادت أن توقعه في حبائلها، ووضعه في السجن لرفضه الرضوخ لشهواتها، وفي رجولته عندما تولى تسيير اقتصاد مصر خلال سبع سنوات من الرخاء، ثم خلال سبع سنوات أخرى من الكساد الاقتصادي، عبارةٌ عن دروسٍ وعبرٍ لمن أراد أن يعتبر.(/49)
ولا شك أن السنوات التي قضاها يوسف - عليه السلام - في الحكم والتسيير قد مكَّنت يوسف من إقامة العدل والقسط بين الناس، ومحاربة الفساد والمحاباة، والظلم والعدوان، واللامبالاة، لقد كانت سنواتٌ لإرساء القيم الإيجابيَّة، وقلع جذور الممارسات السلبيَّة، وإعلاء كلمة الله، والإحسان إلى عباده.
هذه الأحداث كانت من أنباء الغيب التي لم يطَّلع عليها النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - قبل الوحي، الذي شكل المصدر المعرفي الوحيد لنبينا – صلى الله عليه وسلم - وإلا لكانت الإسرائيليات قد طغت على معارفه، ولشوَّهت قصصه ورواياته.
وتأتينا قضيةٌ هامةٌ بعد هذه القصة، تكررت كثيراً في القرآن الكريم، وهي إقرار حقيقة، وهي أن أكثر الناس ليسوا بمؤمنين، وأن أكثرهم لا يشكرون، وأن أكثرهم لا يعلمون، وقد تكرر هذا التأكيد عدة مرات في القرآن الكريم، ويعضِّد هذا التكرار ما يُلاحظ بخصوص أغلبية سلوك الناس في هذه القضايا.
وقد جاء هذا التأكيد على موقف أغلبية الناس، ولو حرص النبي على إيمانهم، وقام بدعوتهم على أحسن ما يرام؛ فالقصة كلها عبرةٌ لمن أراد أن يعتبر من أولي الألباب، ولم تكن هذه القصة مفتراةٌ من النبي – صلى الله عليه وسلم - الذي كان أميناً، ولو كان من الذين اطَّلعوا على قصص التوراة والإنجيل؛ لجاءت روايته: إما مفتراةً كما افترى بنو إسرائيل وغيرهم على أنبيائهم، وإما مشوَّهةً يغلب عليها الخيال الجامح البعيد عن حقيقة الأحداث التي وقعت فعلاً ليوسف - عليه السلام - في مختلف مراحل عمره، ولحقيقة الأحداث من رخاء وكساد، التي حدثت في تلك الحِقْبة التاريخية.
ولعل هذه الرواية الصادقة التي صدرت عن مصدر معرفي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تصديقٌ للوحي الذي صدر من ربِّ العالمين للأنبياء والرسل - عليهم السلام - قبل نبينا – صلى الله عليه وسلم - عبر مراحل التاريخ.(/50)
وليس الهدف الخالد لهذا الوحي إلا إرساء دعائم الهدى والرحمة للمؤمنين، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
خلاصة:
ماذا يُستخلص من قصة يوسف - عليه السلام - في القرآن الكريم؟
القصة والسورة - بصفة عامة - غنية بالعظات والعبر، كما أنها غنية بالسنن والمواضيع النفسية وغيرها، الجديرة بالبحث العلمي، مثل موضوع الرُّؤَى، وعوامل الاكتئاب، ودور العامل الروحي في علاج الاكتئاب، وعلاج الاضطرابات (النفسية - الجسمية) علاجاً نفسياً وروحياً. ومهما يكن؛ ففيما يأتي بعض ما يمكن أن يُستخلص من هذه القصة:
1 - ابتلاء الأنبياء والأخيار، واختبارهم في مواقف متباينة، كأن يكون الابتلاء مرةً في مواقف الشدة - الضعف والحزن مثلاً - ومرةً أخرى في مواقف الرخاء - القوة والسرور.
2 - تعرُّض الأنبياء والأخيار إلى الظلم من ذوي القربى، وذوي الجاه والسلطة، وأن هذا التعرُّض قد يقع جرَّاء سنن التدافع بين الأفراد والمجتمعات.
3 - لا يعني طول الابتلاء اليأس من روح الله - تعالى.
4 - الانفعالات والجانب الوجداني بصفة عامة جزءٌ أساسٌ في الطبيعة البشرية.
5 - تأثير الجانب الوجداني في السلوك، سواء كان هذا السلوك نشاطاً ذهنياً أم جسمياً، وقد يصل هذا التأثير إلى حدِّ تعطيل بعض وظائف الأعضاء.
6 - لا يدلُّ وقوع الظلم على الأخيار والأنبياء وطول مدته على انتصار الظلم على العدل، والباطل على الحق؛ فإن الله تعالى يُمْهل ولا يُهْمل.
7 - انتصار الحق على الباطل، والعدل على الجور، والخير على الشر، مهما طال الزمان، وساد الظلم والطغيان.
8 - العفو عند المقدرة من عوامل استتباب الأمن والعدل.
9 - القيادة الصالحة والفعالة شرطٌ أساسٌ لتسيير البلاد والعباد في الشدة والرخاء، وتحقيق العدل والنماء.
10 - انطباق سنن الطبيعة البشرية، وقوانين التدافع بين الناس على الأنبياء والأخيار، وإن كان الوحي يوجِّه الأنبياء والرسل ويعصمهم.(/51)
11 - أكثر الناس لا يشكرون نعم الله – تعالى - وفضائله عليهم؛ فكيف يشكرون غيرهم من الناس إن كانوا لله لا يشكرون؟!
المراجع
[1] - ابن نبي، مالك. الظاهرة القرآنية. ترجمة عبد الصبور شاهين. دمشق: دار الفكر، 1984م.
[2] - الغزي، عبد الله العلمي. مؤتمر تفسير سورة يوسف. ط1. دمشق: مطابع دار الفكر بدمشق، (1381 هـ / 1961م).
[3] - ابن كثير، إسماعيل القرشي. تفسير القرآن العظيم، الرياض: دار طيبة، (1999م).
[4] - الطبري، محمد بن جرير. جامع البيان عن تأويل آي القرآن. جـ2. القاهرة: مصطفى البابي الحلبي، (1954م).
[5] - الرازي، محمد فخر الدين. التفسير الكبير. القاهرة: دار الفكر، د. ت.
[6] - الزمخشري، جاد الله محمود بن عمر. الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل. جـ2. بيروت: دار الكتاب العربي، د. ت.
[7] - قطب، سيد. في ظلال القرآن. جـ4. ط5. بيروت: دار إحياء التراث العربي، (1386هـ/ 1967م).
[8] - عشوي، مصطفى. " الجنوح في ضوء علم النفس ". حوليَّات جامعة الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية، 2 (1992م)، 20 – 45.
[9] - الصابوني، محمد على. صفوة التفاسير. جـ2. طـ4. بيروت: دار القرآن الكريم، 1402هـ/ 1981م.
[10] - ابن نبي، مالك. شروط النهضة. ترجمة عبد الصبور شاهين. دمشق: دار الفكر، 1996م.
[11] - الإسكندري، ناصر الدين أحمد بن المنير. الإنصاف فيما تضمنه الكشاف من الاعتزال. بيروت: دار الكتاب العربي، د. ت.
[12] - "براءة اختراع دولية لأول قطرة عيون قرآنية". مجلة الإعجاز العلمي، (1979م)، 3 – 5.
[13] – الألوسي، أبو الثناء شهاب الدين. روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني. بيروت: دار إحياء التراث العربي، د. ت.(/52)
العنوان: (سوزانا فينتر) مَن أهلُ الشذوذ؟ [1-2]
رقم المقالة: 1997
صاحب المقالة: إبراهيم الأزرق
-----------------------------------------
(سوزانا فينتر) مَن أهلُ الشذوذ لا أبالكِ؟
تناقلت وسائلُ الإعلام خبرَ تطاولٍ جديدٍ على شخص النبي -صلى الله عليه وسلم- وعلى دين الإسلام، والمجرمةُ هذه المرةَ امرأةٌ تدعى سوزانا فينتر (Susanne Winter)؛ مرشحة حزب الحرية النمساوي عن مدينة جراس جنوب شرق النمسا، والحزبُ المذكور حزب يميني لِبْرالي معروف بتطرفه وميله للعنصرية الرافضة لما يسمى بالهجرة، وقد أظهر عداءَه للإسلام، وقد كانت النمسا تعد دولةً محايدة تؤدي عمل الوسيط بين الغرب والشرق إلى حين انضمام هذا الحزب عام 2000م للائتلاف الحاكم، وقد أضر كثيراً بعلاقات النمسا الخارجية؛ حتى إنَّ الاتحادَ الأوربي فرض عقوباتٍ على النمسا إلى حين خروج هذا الحزب من الحكم. غير أن شعبية الحزب منذ عام 2000م وحتى الانتخابات الأخيرة في تزايد مطرد، وقد بلغت نسبةُ تمثيله في البرلمان 11% بعدد 21 مقعداً لنوابه ومنهم هذه المرأة. وقد أيدها الحزبُ على لسان رئيسه هانز شترايخر (Heinz-Christian Strache)، وعندما زرتُ الموقعَ الرسمي للحزب بعد تنامي الأنباء بما قالته، وجدتُ على صفحته الأولى ثلاثة أخبار تتضمنُ تأييدَها والذبَّ عنها من قبل الحزب.
كان أولئك -المرأة وحزبها- هم المجرمين أيها السادة!
أما الجريمةُ فمجملُها الإساءةُ المتكررة المتعمدة إلى نبينا -صلى الله عليه وسلم- يها السادة.
وإلى دين الإسلام.
وأقف هنا مع إساءة صدرت من المذكورة، ونراها تتكرر من حين إلى آخر مِن قِبَل غربيين تحرريين -أو كما يقال لِبْراليين- كهؤلاء أو متدينين كجيري فاينز وأمثاله.
ألا وهي تهمة الشذوذ والتعدي على القصر.(/1)
وقبل البدء بنقاش هذه التهمة من الناحية العقلية القانونية في هذه المقالة -إذ المقامُ لا يتسع لأكثرَ من ذلك- ينبغي أن نعلم أن النمسا تبيح وَفقاً لقانونها ممارسةَ الجنس من سن ست عشرة سنة، وقد تأذن فيه لمن كان في سن الرابعة عشرة لمن يكبره بسنتين! والعجيب في هذا أنها تزعم أن من كانوا دون ذلك ربما لا يدركون مخاطرَ الاتصال ولهذا منعته، ولو صحت تلك العلةُ لما سوغوا لبنت أربعة عشر عاماً أن تواقع من لا يعي المخاطر! وكان الأجدر بهم أن يسوغوه مع من يعيها. وأياً ما كان فقانون النمسا يجرم ويحرم ما سوى ذلك، وقد يبدو لضعيف الرأي أن هذا القانون لا كبيرَ إشكال فيه، أما من أمعن النظر فسوف يعلم أن هذا هو الشذوذ بعينه، وأن سوزانا رمتنا بداء بني جلدتِها، فهم ينصون على أن الاتصال الجنسي -لمن كان في إطار السن القانوني- جائز سائغ، ولو لم يكن ثمَّ زواج! بل ولو كان رجل يسافح رجلاً، أو امرأة تساحق امرأة.
أجلكم الله عن حياة لا ترضاها البهائم!
ولك أن تعجب هنا من حزبٍ الشذوذُ قانونُ بلدِه يجرم غيرَه بحجة التعدي على القُصّر!
إن كثيراً من الأحزاب اللبرالية الغربية تدعو جهاراً نهاراً إلى إباحة الشذوذ، ومن المفارقات أن النائب المتطرف بالبرلمان الهولندي ورئيس حزب الحرية هناك: جيرت فيلدرز (Geert wilders)، صاحب الموقف المشهور في الدعوة إلى منع القرآن وتحريم الإسلام في هولندا، كان يصرح في أثناء تصريحات سوزانا هذه بأنه سوف يخرج فِلْماً يبين فيه "كيف يحض القرآن على التعصب ضد النساء، والمثليين"، فهذا يهاجمُ الإسلامَ ونبيه لأنه يمنع الشذوذ الذي يريدون، بينما تتهم هذه أهلَ الإسلام ونبي العالمين بالشذوذ، فتأمل تناقضَها الذي لا ينسجم حتى مع دعوات الأحزاب اللبرالية كحزبها حزب الحرية! بل ولا بمطالب دعاة الحرية على ما سيأتي.(/2)
وإذا كانت سوزانا تقول: "كيف لإنسانٍ سوي أن يتزوج طفلة في مثل هذا العمر؟ ألا يعد ذلك شذوذاً حسب مفهوم اليوم وقسوة منه"، فنحن نقول: وماذا تسمين ما يبيحه قانونُك من إتيان الذكران للذكران، والنساء لمثلهن؟ هل من شذوذ أعظم من أن تَرَي ذلك شيئاً عادياً؟!
نعم إن شريعتنا الإسلامية تبيح عقد النكاح ولو لطفل من قِبَل وليه على طفلة من قبل وليها إن رأيا المصلحة في ذلك، وتبيح أن يعقد البالغ على الصغيرة، وليس في هذا نوع شذوذ، ولا قسوة، اللهم إلاّ إن كانت المرأةُ الصغيرة لا يوطأ مثلُها، أو كان الوطء يؤذيها، ووطِئها العاقدُ، فهذا إضرار بها؛ شريعة محمد -صلى الله عليه وسلم- نهت عنه قبل ما يزيد عن ألف وأربعمائة سنة، بل منعت مما يؤذي المرأة القوية البالغة كالإتيان حال الطمث قبل التطهر، والإتيان في الدبر، الذي تقره قوانين قوم السوء الكافرين، وإذا كان الأمر كذلك فكيف يقارف الأذى بنفسه أكمل الناس عقلاً وخلقاً صلى الله عليه وسلم.
إن النبي -صلى الله عليه وسلم- تزوج بعائشة وهي بنت ست سنين لكنه لم يبن بها إلاّ بعد أن بلغت مبلغاً يصلح أن تكون فيه ذات بعل، وكان ذلك بالنسبة لتكوين أم المؤمنين عائشة وهي في سن التاسعة.
وأي عقل عند من منع من الاقتران بالحلال بين رجل وامرأة بلغت مبلغ النساء لا لعلة معتبرة؟ ثم يبيح الشذوذ بين مثليي الجنس؟!
ومن زعم أن عائشة لم تكن قد بلغت ذلك المبلغ أو أن الضرر لحقها فقد غالط بوهمه الفاسد حقائقَ التاريخ المثبتة. ولعل هذه واحدة من فوائد نقل الأخبار في غيرتها عليه صلى الله عليه وسلم، وفي حرصها على ليلتها منه.
ومع ذلك تقول المجرمة النمساوية: "اقتران محمد بزوجته عائشة وهي في سن صغيرة يعد -وفق معاييرنا المعاصرة- تعدياً جنسياً على الأطفال".
ولنقف مع هذه الكلمة لتعرف أي درك من التخبط والضلال يقع فيه من خالف شريعة رب العالمين، فيذهبون في التشريع إلى أهواء متباينة يخالف بعضها بعضاً.(/3)
إن مسألة الشذوذ والتعدي على القصر تضطرب الدولُ الغربية فيها اضطراباً كثيراً، فتضع كل واحدة منها سناً قانونية لجواز الاتصال الجنسي، وقد يتغير القانون حيناً بعد حين بحسب ضغوط المجتمع، وقد يكون في الدولة الواحدة عدة قوانين متباينة، فالنمسا قانونها يجعل سن الرضا ما بين أربعة عشر إلى ستة عشر عاماً في الجملة، أما الولايات المتحدة الأمريكية فلم تضع قانوناً عاماً؛ بل لكل ولاية قانونُها الذي تختار فيه سناً يجعل الرضا بالاتصال الجنسي لا يدخل في نطاق الغصب أو الممنوعات، والمقصود بالاتصال الجنسي عندهم الشرعي، أو الفجور بالزنا، أو بين الذكر والذكر! أو بين الأنثى والأنثى!! غير أن هذين الأخيرين شذوذ لا يشرع في كل الولايات الأمريكية وإن شرع في كثير من دول العالم الذي يسمونه متحضرًا كالنمسا وهولندا. والشاهد أن ولاية كارولاينا الجنوبيه على سبيل المثال تأذن قوانينُها في الاتصال الجنسي بين الذكر والأنثى إن بلغت الأنثى أربعة عشر عاماً من عمرها.
وفي كثير من الولايات لا يمثل الاتصالُ الجنسي من سن الرابعة عشر فما دون جرماً إذا كان الفارق بين المتصلين عشر سنوات فأقل.
ومع ذلك يطالب بعضُ اللبراليين بأن يكون السن القانوني لممارسة الجنس بالتراضي بين القصر هو عشر سنين، وكثيراً ما يذكر دعاةُ هذا الاتجاه قصصاً وأخباراً واقعية على سبيل التندر بها على مفارقات القضاء، وبإمكان الباحث أن يجد مقالات غربية كثيرة على شبكة الإنترنت في هذا الشأن.
أما الدول الأخرى فكثيرٌ منها يجيز الاتصال الجنسي عند بلوغ الفتاة الرابعةَ عشر من عمرها، ولن أسرد أسماء الدول فالقائمة طويلة، وأذكر دولاً أخرى غربية وشرقية وأفريقية يجوز وفقاً لقانونهم الاتصال الجنسي من حين بلوغ سن الثالثة عشرة كإسبانيا، والأرجنين، واليابان، وكوريا الجنوبية، وقبرص، وبركينافاسو، ونيجيريا، وغيرها كثير.(/4)
بل إن القانون الكندي –في الجملة- والفلبيني والبنمي والمكسيكسي لا يمنع من ذلك في سن الثانية عشرة.
وكثير من الدول الإسلامية لا تقيد جواز الاتصال الجنسي بعمر، بل وحتى الدول الغربية كـ(قرين لاند) الجزيرة التابعة للإدارة الدنماركية، التي منحت حكماً ذاتياً عام 1978م، وكذلك نيكراجوا بأمريكا الوسطى، وساموا الأمريكية، وسانت مارتن الجزيرة الاستوائية المقسمة بين فرنسا وهولندا، وجزيرة توفالو الواقعة بالقرب من أستراليا رابع أصغر دولة في العالم وقد كانت تابعة لبريطانيا، وفي آسيا كوريا الشمالية، وفي أفريقيا ليسوتو (مملكة داخل اتحاد جنوب أفريقيا)، وموزمبيق، وغيرها كل هذه لم تحدد سناً أدنى.
فما الذي جعل النمسا قاضية على تصرفات العالم وفقاً لقانونها القاصر؟
ولِمَ لَمْ تعتبر هذه الدولة بقدر الجرائم الجنسية المسجلة فيها تحت بند القصر، فتقر أن الرغبة الفطرية قد تنشأ عند من كان دون سن الرابعة عشرة التي فرضوها؟ علماً بأن بعض الإحصاءات الغربية تفيد أن بين كل عشرة قصر من المراهقين ثلاثة يمارسون نشاطاً جنسياً! وفي إحصائية نمساوية ذكر أنه يتم البلاغ عن خمسمائة حالة اعتداء جنسي على القصر سنوياً، أما الدراسات فتقدر وقوع ما بين عشرة إلى خمسة وعشرين ألف حالة في العام الواحد، وذلك نظراً لأن أكثر الحوادث لا يتم الإبلاغ عنها وفقاً للدراسات المسحية والاستبيانات، وإذا كان هذا شأن الاعتداء فكيف إذا جمعنا إليه حالات التراضي؟(/5)
ثم إن محاكمة النمسا وفقاً لقوانين دول أخرى وأعرافها يقضي بأنها شاذة جنسياً لو أخذنا بمنطق سوزانا، فإن السن القانونية لممارسة الاتصال الجنسي في دولة مدغشقر مثلاً هي واحد وعشرين عاماً سواء للرجال مع النساء أو للمثليين!! وفي كثير من الدول الغربية تبلغ السن القانونية ثمانية عشر عاماً، وتجرم ما دون ذلك بل تعده اغتصاباً حتى وإن كان بالتراضي، وفي دول أخرى تبلغ السن القانونية الدنيا سبعة عشر عاماً، فإذا جئنا نحاكم النمسا إلى قوانين نحو أربعين دولة غربية وشرقية وأمريكية وغيرها وكان النمساويون يوافقون على تسمية تجاوز السن القانوني شذوذاً أو تعدياً وهم يبيحونه منذ السادسة عشرة أو الرابعة عشرة فقد حكمت عليهم بالشذوذ إذاً قوانين أكثر من خمسين دولة تقريباً! أما نحن فلا نلتزم ذلك ولا نعده شذوذاً ولا تعدياً –إلاّ بقيود- فلا ينطبق علينا الوصف.
وإذا لم ترض حكومة النمسا بحكم أولئك، ورأتهم غيرَ قيِّمين عليها وعلى تصرفاتها، فنحن كذلك لا نرى النمسا قيمةً على تصرفات غيرها! وإن كانت تُعد في التاريخ الماضي دولة عظمى، ويبدو أن هذه الخلفية هي التي تدفع حزب الحرية إلى الميل للعنصرية والطعن في الآخرين، وينسى هؤلاء أن دولة الإسلام كانت أعظم! ولا تزال كذلك بقيمها.
ومن ذلك حكمها في مثل هذا الشأن؛ فإن الصواب الذي دل عليه العقل ما قضى به الشرع الإسلامي، فالمُرْضِي للفِطَر والمُشْبِع للغرائز بأمثل السبل -ضمن خضم هذا الاضطراب بين الدول في تقدير السن القانوني لجواز الاقتران بين الزوجين- هو ما جاء به الإسلامُ، وحاصلُه إباحُ عقد الزواج من غير تقييد، وإباحة الوطء لمن كان مثلها يوطأ، وتحريم بل تغليظ الشذوذ الذي تجاهر بالإعلان به النمسا وغيرها.(/6)
وعودا إلى سوزانا؛ قول سوزانا: "اقتران محمد بزوجته عائشة وهي في سن صغيرة يُعد -وَفق معاييرِنا المعاصرة- تعديًا جنسياً على الأطفال"، ونقل عنها -فض الله فاها!- قولها: "إنه تزوج عائشة وهي ابنة ست سنين، فكيف لإنسانٍ سوي أن يتزوج ويعاشر طفلة في مثل هذا العمر؟ ألا يعد ذلك شذوذاً حسب مفهوم اليوم وقسوة منه"!
وقد سبق أن بينتُ مفهوم اليوم –الذي تدعيه- وواقع الدول الكافرة في هذا الشأن، فكثيرٌ منها لا يعارضُ هذا، وبعضها يعارضُه بغير حجة ظاهرة، كما يعارض القانون النمساوي الذي تلتزم هي به.
وأزيد ههنا بياناً ليعلم العاقلُ سفهَ هذه المرأة وضعف رأي أمثالها ممن تفوهوا بنحو كلامها، فأقول: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- لَمّا بنى بعائشة وهي ابنة تسع لم ينكر أحدٌ عليه هذا، ولا تكلم به المنافقون الحاضرون الذين هم أحرصُ الناس على الكيد والطعن في النبي -صلى الله عليه وسلم- مع أن ذلك كان أولَ مَقْدَمِه المدينةَ، وكانت الشوكةُ والصولة حينها لابن أبي وأمثاله. وذلك يدل على أنَّ في عرفهم –كما هو عرف كل عاقل- جوازَ البناء بمن بلغت مبلغ النساء وإن كانت صغيرة السن. ولم يكن هذا شأن العرب وحدهم وتأتي الإشارة إلى هذا المعنى.
والشاهد أن المنافقين كانوا أعلم بواقع ذلك الجيل، وأعرفَ به وبالمعهود فيه، ولهذا لم ينكر هذا أحدٌ من متقدميهم، بل ولا متقدمي النصارى ولا اليهود على عداوتهم وبحثهم عن كل سبيل للطعن في الرسول والرسالة.(/7)
بل إن كان منكراً فكيف يفعله من يدعي الرسالة؟ ولماذا يفتح باباً للطعن فيه مع أن بإمكانه -لو كان كما يقولون- أن يخفيه أو يستعيض عنه بمائة مملوكة لا يُدرى عن حالهن شيء، فالرق والتسري كان شائعاً مقبولاً عند جميع الأمم –ولي أن أقول كان ديمقراطياً مائة بالمائة وفقاً لمعايير تلك العصور!- ولم يكن من بنات أفكار أهل الإسلام، بل هو شيء مذكور في التوراة والإنجيل! مارَسَ أبشعَ أنواعه الذين لا يعترفون برب كفرعون من أسلاف هؤلاء العلمانيين.
ثم إن اتهام النبي -صلى الله عليه وسلم- بالشذوذ وبالتعدي على القصر يذكرنا بشنشنة قديمة لقتلة الأنبياء في المسيح ابن مريم وأمه، فقد اتهموهما بالشذوذ في تلمودهم، فقالوا في تلمودهم: "إن يسوع المسيح كان ابناً غير شرعي، حملته أمُّه خلالَ مدة الحيض من العسكري بانديرا بمباشرة الزنا"، وفي كتاب صمويل الثاني[1] يرمون داود عليه السلام بالزنا بزوجة (أُورِيَّا الحِثِّيّ) في فصل كامل عُنوِنَ له بـ(خطيئة داود وخداعه)، فقد بعث على زعمهم داود -عليه السلام- هذا الرجل ليموت في الحرب ويتزوج امرأته التي فجر بها، وكانت قد حملت منه، والعجيب أن في ثنايا القصة ما يبين أن أُوريا الحِثِّيَّ -هذا الذي صوروه مظلوماً- تزوج من تلك المرأة وهي طفلة (تنام في حضنه كأنها ابنته)! ومع ذلك لم تَنتقد هذه المرأةُ وأمثالُها من هذا شيئاً، وجاءوا لينتقدوا ما تقره العقولُ السوية!
والعجب أنهم يطعنون في نبينا لتزوجه تسع نساء ثم يذكرون لداود نبيهم الذي يعظمون في كتبهم المعتمدة ما لم يكن لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- عُشْره! بل يذكرون عن سليمان بن داود -عليهما السلام- أنه كانت له سبعمائة زوجة وثلاثمائة محظية، فانحرفن بقلبه عن الرب[2]! وقالوا: أولع سليمان بنساء غريبات كثيرات، مع أنه كان منهياً من الزواج منهن، إلاّ أنه فعل!.
ويزعمون أن لوطاً شرب الخمر وواقع ابنتيه البكر والصغيرة[3].(/8)
فعجباً لمن في ملتهم واعتقادهم مثلُ هذا ثم يأتون يشنعون على ما أحله الله لرسوله -صلى الله عليه وسلم- من الزوجات مع ظهور حِكَمِه العظيمة؛ فقد تضافرت الأمارات الدالة على أن زواجه منهن –رضي الله عنهن- كانت له حكم عظيمة.
ومما تجدر الإشارة إليه أخيراً أن هؤلاء اللبراليين لا يجرؤون على الطعن الصريح في سليمان أو داود عليهما السلام، مع أن ما يقدحون في نبينا بسببه موجود في غيره من أنبياء بني إسرائيل، غير أن هدي نبينا فيه أكمل وأقوم، ومع ذلك يجبُن حتى (اللادينيون) منهم على الطعن في أولئك الأنبياء عليهم السلام، وهذا راجع إلى سببين فيما أحسب؛ أما الأول فلعدم رسوخ قناعتهم بما يقولون، يلبِّسون على الناس فقط لأغراض عنصرية أو سياسية أو غيرها، وأما الثاني فلأنه لو فعل ذلك منهم متكبر جبار فسوف يُقاد بكل سهولة من أذُنه إلى أقرب زنزانة بحجة معاداة السامية! أما إذا كان الكلام في نبي الإسلام -عليه الصلاة والسلام- فهنا يفتح المجال لحرية الرأي! ولهذا فإن على المسلم أن ينتصر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكل سبيل حتى يعلم هؤلاء ومن وراءهم أن جرائمهم لن تمر بغير عقاب.
ــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الفصل الحادي عشر وما بعده.
[2] بسط هذا في سفر الملوك الأول في الفصل الحادي عشر وعنوانه: (زوجات سليمان).
[3] كما في سفر التكوين 19/30-38 وعنوان الفصل: خطيئة بنتي لوط.(/9)
العنوان: سياحة في عقول الأدباء والشعراء
رقم المقالة: 1170
صاحب المقالة: أحمد أبو زيد
-----------------------------------------
الحياة الجادة في حاجة إلى محطات للاسترواح، والعقل المشغول طول الوقت بشواغل الحياة، في حاجة بين الحين والآخر إلى نزهة فكرية، يغذي بها روحه بحِكَم الأوّلين والآخرين، وأقوالهم، ومواقفهم.
والنزهة والسياحة في عقول البلغاء والفصحاء، من الأدباء والشعراء والعلماء؛ لذة لا يدرك حلاوتها إلا من كان محباً للغة العربية وعلومها، مقبلاً على القراءة والإطلاع في بيانها، شعراً ونثراً.
فقد قيل للمأمون يوماً: ما ألذُّ الأشياء إليك؟ قال: التنزُّه في عقول الناس.
وقال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: (عليكم بطرائف الأخبار؛ فإنها من عِلم الملوك والسادة، وبها تُنال المنزلة والحَظْوة منهم).
وسمع الرشيد من سهل بن هارون كلاماً أعجبه؛ فقال له: يا سَهْلُ، من رَوَى من الشعر أحسَنه وأرصنه، ومن الحديث أفصحَه وأوضَحه، إذا رام آن يقولَ لم يُعْجزه القول.
وقال الحكماء: يسود المرء بأربعة أشياء: بالعقل، والأدب، والعلم، والمال.
وفي ذلك يقول عبيد بن الأبرص:
إذا أنت لم تعمل برأي ولم تطع أولي الرأي أو تسكن إلى أمر مرشد
ولم تجتنب ذم العشيرة كلها وتدفع عنهم باللسان وباليد
وتحلم عن جهَّالها وتحوطها وتقمع عنها نخوة المتهدد
فلست وان عللت نفسك بالمنى بذي سؤدد باد ولا قرب سؤدد
ونجد علي بن الجهم يفضل الأدب على المال، فيقول:
لو قيل لي تملك الدنيا بأجمعها ولا تكون أديبا تحسن الأدبا
لقلت لا أبتغي هذا بذاك ولا أرى الى غيره مستدعيا أربا
لجلسة مع أديب في مذاكرة أنفي بها الهم أو أستجلب الطربا
أشهى إلي من الدنيا وزخرفها ومثلها فضة أو ملئها ذهبا
* صديق الأصمعي *
ولنبدأ سياحتنا هذه الفكرية مع الأصمعي، ونتركه يحكي لنا عن واحد من أهل الأدب الذين عرفهم؛ يقول الأصمعي:(/1)
كان لي صديق من أهل الأدب والمروءة والحسب قد أتى عليه ثلاثة أعصار، مشتهر بحفظ العلوم والأخبار، والمُلَح والأشعار، وكان لا تسكن حركاته، ولا تتوفر لذَّاته؛ إلا في قضاء حوائج الإخوان، وإدخال السرور على من عرفه من الناس، فألهاني ما شهدت منه عمّا وُصِف لي عنه، فقلت له يوماً: ما هذا الذي تفعله؟ وما قواك على ما تصنعه؟
فقال: يا أصمعي، إني شهدت الأيام في اخضرار عيشها، ورأيت تصرُّفها، وحلبت الدهر أشطُرَه، ولهوت في ريعان الشباب، وجالست العلماء، وصحبت أهل التصابي، فما طربت بما سمعت، ولا ابتهجت بما رأيت، كابتهاجي لنشر نعمة، وشفاعة شافع في طلب شاكر، يرجو بذلك الحياة في العاجل، وجزيل الثواب في الآجل، واني لأتشوق إلى الرجل الأديب، تشوق المريض إلى الطبيب، وأطرب إليه كطرب المحب إلى الحبيب، وأنشد يقول:
وإذا الأديب مع الأديب تحدَّثَا كانا من الآداب في بستان
لا شيء أحسن منهما في مجلس يتطاعمان جواهراً بلسان
* الفتى العاشق *
وحكى الأصمعي -أيضاً- فقال:
بينما كنت أسير في بادية الحجاز؛ إذ مررت بحجر قد كتب عليه هذا البيت:
أيا معشر العشاق، بالله خَبِّروا إذا حلَّ عشق بالفتى كيف يصنع؟
فكتب الأصمعي تحت ذلك البيت:
يداري هواه ثم يكتم سرَّه ويخشع في كل الأمور ويخضع!
ثم عاد في اليوم التالي الى المكان نفسه، فوجد تحت البيت الذي كتبه هذا البيت!
وكيف يداري، والهوى قاتلُ الفتى وفي كل يوم قلبُه يتقطع؟
فكتب الأصمعي تحت ذلك البيت:
إذا لم يجد صبراً لكتمان سرِّه فليس له شيء سوى الموت ينفع!
قال الأصمعي:
فعدت في اليوم الثالث إلى الصخرة، فوجدت شاباً ملقى تحت ذلك الحجر، وقد فارق الحياة ،وقد كتب في رقعة من الجلد:
سمعنا، أطعنا، ثم متنا فبلغوا سلامي إلى من كان للوصل يمنع
* المخبر والجوهر *(/2)
ودخل المختار بن أبي عبيد على معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- وكانت عليه عباءة رثَّة فاستحقره، فقال له المختار: يا أمير المؤمنين، إن العباءة لا تكلمك، ولكنْ يكلمك من فيها، وأنشد:
أما وإنْ كان أثوابي ملفقة ليست بخز ولا من نسج كتان
فان في المجد هماتي وفي لغتي فصاحة ولساني غير لحان
ودخل ضمرة بن ضمرة على المنذر بن ماء السماء، وهو إذ ذاك ملك الحيرة واليمامة، وكان ضمرة ذا عقل وعلم وحلم وحكمة وشجاعة، إلا أنه كان دميم الخلقة، قصير القامة، وكان ذِكره قد شاع في الآفاق لما فيه من الخصال المحمودة، فلما رآه المنذر احتقره لدمامة خِلقته وقصر قامته، فقال: سماعك بالمُعَيْدِيِّ خير من أن تراه.
فقال له ضمرة: أيها الملك، ليس المرء بحسنه وجماله، وبهائه وكماله، وهيئته وثيابه، لا والله؛ حتى يشرِّفه أصغراه، لسانه وقلبه، ويعلو به أكبراه، همته ولبُّه، وقد قال الشاعر:
رأيت العِزَّ في أدب وعلم وفي الجهل المذلةُ والهوانُ
وما حُسنُ الرجال لهم بفخر إذا لم يُسعِدِ الحُسْنَ البيانُ
كفى للمرء عيباً أن تراه له وجه وليس له لسانُ!
* الشعر بضاعة مزجاة *
ويحكى أن جماعة من الشعراء اجتمعوا بباب أبي الغيث؛ لكي يمتدحوه بقصائدهم، ويأخذوا العطايا، فلم يأذن لهم بالدخول، فكتبوا إليه:
أيها العزيز، قد مسَّنا الضر ودبت به الخطوب إلينا
ولدينا بضاعة مزجاة قل طِلابها فبارت لدينا
فأزل ضرنا وأوف لنا الكيل بما شئت أو تصدق علينا
فعندما قرأ هذه الأبيات أحسن إليهم، وانصرفوا.
* رثاء الأب *
ومن قبيل الكلام الحسن في الرثاء: ما قالته تلك الأعرابية التي وقفت على قبر أبيها ترثيه، فقالت:
يا أبت، إن في الله -تبارك وتعالى- من فقدك عوضاً، وفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مصيبتك أسوة.
ثم قالت:(/3)
اللهم، نَزلَ بك عبدك مقفراً من الزاد، ومخشوشن المهاد، غنياً عما في أيدي العباد، فقيراً إلى ما في يدك يا جواد، وأنت خير من نزل به المؤمِّلون، واستغنى بفضله المُقلُّون، وولج في سَعة رحمته المذنبون، اللهم فليكن قِرى عبدك منك رحمتك، ومهاده جنتك.
ثم انصرفت.
* البلاغة وأصحاب الصناعات *
وفي محطة أخرى من محطات سياحتنا هذه الفكرية في عقول الأدباء والشعراء؛ نقف مع مجموعة من أصحاب الصناعات، اجتمعوا، فوصف كل منهم البلاغة من طريق صناعته:
فقال الجوهري:
أحسنُ الكلام نظماً ما ثقبَته يَد الفكرة، ونظمته الفِطْنة، ووُصِل جَوْهَرُ معانيه في سُموط ألفاظه، فاحتملته نحورُ الرواة.
وقال العطار:
أطيبُ الكلامِ ما عُجِنَ عَنْبَرُ ألفاظه بمسْك مَعَانيه، ففاح نسيمُ نَشَقِه، وسطعت رائحة عبَقه، فتعلّقت به الرُوَاة، وتعطَّرت به السَّراة.
وقال الصائغ:
خيرُ الكلام ما أَحْمَيْتَه بكِير الفِكر، وسبَكْتَه بمشَاعِل النَّظر، وخلَّصته من خَبَث الإطناب، فبرز بروزَ الإبريز، في معنى وَجيز.
وقال الصيرفي:
خيرُ الكلام ما نَقَدَتْهُ يدُ البصيرة، وجلَته عين الروية، ووزنْتَه بمِعْيار الفصاحة، فلا نظر يُزَيِّفه، ولا سماعَ يُبَهْرِجُه.
وقال الحداد:
أحسن الكلام ما نصبتَ عليه مِنْفَخة القريحة، وأشعلْتَ عليه نارَ البصيرة، ثم أخرجتَه من فحم الإفحام، ورقَّقته بفطِّيس الإفهام.
وقال النجار:
خيرُ الكلام ما أحكمتَ نَجْرَ معناه بقَدُوم التقدير، ونَشَرْتَه بمنشار التدبير، فصار باباً لبيت البيان، وعارِضة لسَقفِ اللسان.
وقال الحائك:
أحسنُ الكلام ما اتَّصَلت لُحمة ألفاظه بسَدَى معانيه، فخرج مُفوَّفاً مُنيراً، وموشَّى محبراً.
وقال الجمّال:
البليغُ من أخذَ بخِطام كلامه، فأناخَه في مَبْرك المعنى، ثم جعل الاختصار له عِقَالاً، والإيجاز له مَجالاً، فلم يَندَّ عن الآذان، ولم يشذَّ عن الأذهان.
* وصف الخلفاء *(/4)
وقال معاوية بن أبي سفيان لصعصعة بن صوحان: صف لي عمر بن الخطاب!
فقال: كان عالماً برعيته، عادلاً في قضيَّته، عارياً من الكبر، قَبولاً للعذر، سهل الحجاب، مَصون الباب، متحرِّياً للصواب، رفيقاً بالضعيف، غير مُحاب للقريب، ولا جاف للغريب.
وقال معاوية -أيضاً- لضرار الصدائي: يا ضرار، صف لي علياً!
قال: اعفني يا أمير المؤمنين.
قال: لَتصفنَّه!
قال: أما إذ لابد من وصفه؛ فكان -والله- بعيد المدى، شديد القُوى، يقول فصلاً، ويحكم عدلاً، يتفجَّر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته.
وكان والله غزير العَبرة، طويل الفكرة، يقلِّب كفَّه، ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن.
وكان فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه، وينبئنا اذا استنبأناه، ونحن، مع تقريبه إيانا، وقربه منا؛ لا نكاد نكلمه لهيبته، ولا نبتدئه لعظمته، يعظِّم أهل الدين، ويحب المساكين، ولا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله.
وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، وقد مثل في محرابه، قابضاً على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، ويقول:
يا دنيا، إليك عني، غُرِّي غيري! ألي تعرَّضْتِ؟ أم إليَّ تشوقتِ؟ هيهات! هيهات! لقد باينتك ثلاثاً لا رجعة فيها؛ فعمرك قصير، وخطرك حقير، وخطبك يسير. آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق.
فبكى معاوية حتى أخضلت دموعه لحيته، وقال: رحم الله أبا الحسن، فلقد كان كذلك، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال حزن من ذُبِحَ وحيدُها في حجرها.
* وصف صديق *
ولنقف في محطة أخرى مع عبد الله بن المقفع، وهو يصف صديقاً له، يقول:
كان لي أخ أعظم الناس في عيني، وكان رأسما عظَّمه في عيني صغر الدنيا في عينه.
وكان خارجاً من سلطان بطنه؛ فلا يشتهي ما لا يجد، ولا يكثر إذا وجد.
وكان لا يأشر عند نعمة، ولا يستكين عند مصيبة.(/5)
وكان خارجاً من سلطان لسانه؛ فلا يتكلم بما لا يعلم، ولا يماري فيما علم.
وكان خارجاً من سلطان الجهالة؛ فلا يتقدَّم -أبداً- إلا على ثقة بمنفعة.
وكان أكثر دهره صامتاً، فاذا قال بذَّ القائلين.
وكان ضعيفاً مستضعَفاً، فإذاجدّ الجدّ؛ فهو الليث عادياً.
وكان لا يدخل في دعوى، ولا يشارك في مِراء، ولا يدلي بحجة؛ حتى يرى قاضياً فَهِما وشهوداً عُدُولاً.
وكان لا يلوم أحداً فيما يكون العُذر في مثلِه؛ حتى يعلم ما عذرُه.
وكان لا يشكو وجعَه إلا عند من يرجو عنده البرء، ولا يستشير صاحبا إلا أن يرجو منه النصيحة.
وكان لا يتبرَّم، ولا يتسخَّط، ولا يتشَكَّى، ولا يتشهَّى، ولا ينتقم من العدو، ولا يغفُل عن الولي، ولا يخُصُّ نفسه بشيء دون إخوانه، من اهتمامه وحيلته وقوّته.
فعليك بهذه الأخلاق إن أطقتها، ولن تطيق. ولكنَّ أخذ القليل خيرٌ من ترك الجميع.
* فطنة كعب الأسدي *
ولنقف مع فطنة أحد الصحابة، وهو كعب الأسدي؛ فقد ذكر الزبير بن بكار، عن محمد بن معن الغفاري، قال:
أتت امرأة إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقالت:
يا أمير المؤمنين، إن زوجي يصوم النهار، ويقوم الليل، وأنا أكره أن أشكوه، وهو يعمل بطاعة الله، عز وجل!
فقال لها: (نعم الزوج زوجك!).
فجعلت تكرر عليه القول، وهو يكرر عليها الجواب..
فقال له كعب الأسدي: يا أمير المؤمنين، هذه المرأة تشكو زوجها في مباعدته إياها عن فراشه!
فقال عمر: (كما فهمت كلامها فاقض بينهما).
فقال كعب: علي بزوجها..
فأُتي به، فقال له: إن امرأتك هذه تشكوك.
قال: أفي طعام أم شراب؟
قال لا!!
فقالت المرأة:
يا أيها القاضي الحكيم رشدهْ ألهى خليلي عن فراشي مسجدهْ
زهَّده في مضجعي تعبُّدهْ فاقض القضا كعبُ ولا ترددهْ
نهاره وليله ما يرقدهْ فلست في أمر النساء أحمدهْ!
فقال زوجها:
زهَّدني في فرشها وفي الحجلْ أني امرؤ أذهلَني ما قد نزلْ
في سورة النحل وفي السبع الطِّوَلْ وفي كتاب الله تخويفٌ جللْ(/6)
فقال كعب:
إن لها عليك حقاً يا رجل نصيبُها في أربع لمن عَقل
فأعطها ذاك ودعْ عنك العِلل!
ثم قال: إن الله -عز وجل- قد أحل لك من النساء مثنى وثلاث ورباع؛ فلك ثلاثة أيام ولياليهن، تعبَّدْ فيهن ربك.
فقال عمر: (والله، ما أدري من أي أمريك أعجب؟ أمن فهمك أمرهما؟ أم من حكمك بينهما؟ اذهب فقد وليتك قضاء البصرة).
* الجود والكرم *
ومن أعظم ما قيل من الشعر في الجود والكرم: قول أمية بن أبي الصلت لعبد الله بن جُدعان، وكان من كرماء العرب:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني حياؤك، إن شيمتك الحياءُ!
وعلمُك بالأمور وأنت قِرْمٌ لك الحَسَب المهذَّب والسَّناء
كريم لا يغيِّرُه صباح عن الخُلُق الجميل ولا مساء
تباري الريحَ مَكرُمةً ومجداً إذا ما الكلب أحجره الشتاء
اذا أثنى عليك المرء يوماً كفاه من تعرضه الثناء
* مآرب العصا *
ولقي الحجاج أعرابياً، فقال: من أين أتيت؟
قال من البادية.
قال ما بيدك؟
قال: عصا، أركِزُها لصلاتي، وأُعِدُّها لِعُداتي، وأسوقُ بها دابَّتي، وأَقوى بها على سَفَري، وأعتمد عليها في مشيتي؛ لِيتَّسِعَ بها خَطْوي، وأعبُرُ بها النهرَ فتؤمِّنُني، وأُلْقي عليها كِسائي؛ فيستُرُني من الحَرِّ، ويقيني من القَرِّ، وتُدني ما بَعُدَ مني، وهي مِحْمَلُ سُفْرَتي، وعَلاقة إدَاوَتي، ومِشجب ثيابي، أعتمد بها عند الضَّراب، وأقرع بها الأبواب، وأتقي بها عَقور الكلاب، تنوب عن الرُّمح في الطِّعان، وعن الحَرْبة عند منازلة الأقران، ورثتُها عن أبي، وأورِّثُها بعدي ابني، وأهشُّ بها على غنمي، ولي فيها مآرب أخرى، كثيرة لا تحصى.
* منابع السعادة *
ولنقف مع السعادة، ومعانيها، عند العلماء والأدباء والشعراء؛ فالسعادة، كما يقول الدكتور يوسف القرضاوي:
"شيء ينبع من داخل الإنسان، ولا يستورد من خارجه، وإذا كانت السعادة شجرة منبتُها النفس البشرية، والقلب الإنساني؛ فإن الإيمان بالله وبالدار الآخرة هو ماؤها.. وغذاؤها.. وهواؤها".(/7)
ويقول أديب مصر مصطفى لطفي المنفلوطي، رحمه الله:
"حسبك من السعادة في الدنيا: ضمير نقي.. ونفس هادئة.. وقلب شريف".
وتجاربنا في الحياة -كما يقول الدكتور أحمد أمين- تدلنا على أن الإيمان بالله موردٌ من أعذب موارد السعادة ومناهلها، وإن أكبر سبب لشقاء الأسر وجود أبناء وبنات فيها لا يرعون الله في تصرفاتهم، وإنما يرعون أهواءهم وملذاتِهم، وإذا فشا الدِّين في أسرة؛ فشت فيها السعادة.
ويقول الدكتور كامل يعقوب:
"والحقيقة التي لامستها في حياتي -كطبيب- أن أوفر الناس حظاً من هدوء النفس هم أكثر نصيباً من قوة الإيمان.. وأشدهم تعلُّقاً بأهداب الدين".
ويقول الدكتور مصطفى السباعي:
"زُرِ المحكمةَ مرة في العام؛ لتعرف فضل الله عليك في حسن الخلق..
وزر المستشفى مرة في الشهر؛ لتعرف فضل الله عليك في الصحة والمرض..
وزر الحديقة مرة في الأسبوع؛ لتعرف فضل الله عليك في جمال الطبيعة..
وزر المكتبة مرة في اليوم؛ لتعرف فضل الله عليك في العقل..
وزر القبر كل آن؛ لتعرف فضل الله عليك في نعم الحياة".
ويقول أيضاً:
"إذا همَّت نفسُك بالمعصية؛ فذكرها بالله.
فإذا لم ترجع؛ فذكرها بأخلاق الرجال.
فإذا لم ترتدع؛ فذكرها بالفضيحة إذا علم بها الناس!
فإذا لم ترجع؛ فاعلم أنك في تلك الساعة انقلبت إلى حيوان!!".
وفي هذا المعنى يقول نابغة بن شيبان:
إن من يركب الفواحش سِرّاً حين يخلو بسره غيرُخالي
كيف يخلو وعنده كاتباه شاهداه وربُّه ذو الجلال؟!
* زهد عمر بن عبد العزيز *
وكان عمر بن عبد العزيز -وهو أمير من أمراء الدولة الأموية- يغيّر الثوبَ من حريرٍ في اليوم أكثر من مرة، وعنده الذهب والفضة، الخدم والقصور، المطاعم والمشارب، وكل ما اشتهى وطلب وتمنى.
ولما تولى الخلافة، وصار مُلك الأمة الإسلامية تحت يديه؛ انسلخ من ذلك كله، وزهد فيما تحت يديه!!(/8)
وقف على المنبر يوم الجمعة فبكى، وقد بايعتْه الأمة، وحَولَه الأمراءُ، والوزراء، والعلماء، والشعراء، وقواد الجيش، فقال: خذوا بيعتكم!!
قالوا: ما نريد إلا أنت!
فتولاها، فما مرّ عليه أسبوع، إلا وقد هزل وضعف وتغيّر لونه، ما عنده إلا ثوب واحد!!
قالوا لزوجته: مالِ عمرَ تغيَّرَ؟!
قالت: والله، ما ينام الليل، والله، إنه يأوي إلى فراشه، فيتقلّب كأنه ينام على الجمر، يقول: آه آه، توليت أمر أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- يسألني يوم القيامة عن الفقير، والمسكين، والطفل، والأرملة.
وقال له أحد العلماء، وهو ابن زياد: يا أمير المؤمنين، رأيناك وأنت ولي مكة، قبل أن تتولى الملك، في نعمة، وفي صحة، وفي عافية، فمالك تغيَّرتَ؟!
فبكى، حتى كادت أضلاعه تختلف، ثم قال:
كيف بك يا ابن زياد، لو رأيتَني في القبر بعد ثلاثة أيام، يومَ أُجَرَّدُ عن الثياب، وأتوسَّد التراب، وأفارق الأحباب، وأترك الأصحاب؟ كيف لو رأيتني بعد ثلاث! والله، لرأيت منظراً يسوؤك!
ورحم الله القائل:
والله لو عاش الفتى في عمرِهِ ألْفاً من الأعوام مالكَ أمرِهِ
متنعماً فيها بكل لذيذةٍ متلذذاً فيها بسكنى قصرِهِ
لا يعتريه الهمُّ طولَ حياتِهِ كلا، ولا تَرِدُ الهمومُ بصدرِهِ
ما كان ذلك كلُّه في أن يفي فيها بأول ليلةٍ في قبرِهِ
وخطب عمر بن عبد العزيز يوماً، فقال:
أيها الناس، إن لكل سفر زاداً لا محالة، فتزودوا لسفركم من الدنيا إلى الآخرة بالتقوى، وكونوا كمن عاين ما أعدَّ اللهُ من ثوابه وعقابه، فترغبوا وترهبوا، ولا يطولَنَّ عليكم الأمد؛ فتقسوا قلوبكم، وتنقادوا لعدوكم.
وكان-رضي الله عنه- يتمثل دائماً بهذه الأبيات:
نهارك يا مغرور سهوٌ وغفلةٌ وليلُك نومٌ والأسى لك لازمُ
تُسَرُّ بما يفنى وتَفرَح بالمُنَى كما سُرَّ باللَّذَّاتِ في النوم حالمُ
وسعيُكَ فيما سوف تَكرَه غِبَّهُ كذلك في الدنيا تعيش البهائمُ!
* أبو العتاهية وموعظة بليغة *(/9)
وأتى أبو العتاهية لسلطان من السلاطين ببغداد، غرَّته قصورُه العظيمة ، فدخل عليه يهنئه على تلك القصور، فقال له:
عِشْ ما بَدَا لكَ سالماً في ظِلّ شاهقَةِ القُصورِ
يجري عليكَ بِمَا أردتَ معَ الغُدُوِّ معَ البُكُورِ
فإذا النّفوسُ تَغَرْغَرَتْ بزفيرِ حَشرجَةِ الصّدورِ
فَهُناكَ تَعلَم مُوقِناً مَا كُنْتَ إلاَّ فِي غُرُورِ
فبكى السلطان حتى أغمي عليه.
المراجع:
1. عين الأدب والسياسة وزين الحسب والرياسة، أبو الحسن، علي بن عبد الرحمن بن هذيل، مكتبة مصطفى الحلبي، مصر، 1969م.
2. معراج البيان، علام سلامة، دار الكتب المصرية، القاهرة، 1929م.
3. الإيمان ينبوع السعادة، الدكتور حسان شمسي باشا، موقع الدكتور حسان شمسي باشا على الإنترنت.
4. شنين الدموع، د.عبد العزيز الخويطر، كتيب المجلة العربية، العدد 123، ربيع الأول 1428هـ/ أبريل 2007م.(/10)
العنوان: سيرة الشيخ علي الطنطاوي
رقم المقالة: 1797
صاحب المقالة: مجاهد ديرانية
-----------------------------------------
عاش جدي الشيخ علي الطنطاوي - رحمه الله - حياة حافلة بالأحداث زاخرة بالأعمال الجليلة، وقد أتيح له تسجيل بعضها، كما أتيح لغيره تسجيل بعضها الآخر. ومع ذلك فإن كل ما تم تسجيله عن حياته لا يتسع لها لامتدادها، وكثرة أحداثها. ولعلنا في هذا المقال نغطي بعض الجوانب الجديرة من هذه الحياة العظيمة.
أصله وأسرته:
حيث إن لقب جدي هو الطنطاوي فإن الذي يتبادر إلى الذهن أن أصله من طنطا في مصر، والأمر - بالفعل - كذلك. فقد نزح جده منها إلى دمشق سنة 1255هـ، أي منذ قرن وثلاثة أرباع القرن، برفقة عمه. وكان عمه هذا عالماً أزهرياً، حمل علمه معه إلى ديار الشام، حيث جدد فيها العناية بالعلوم العقلية ولا سيما الفلك والرياضيات.
مات سنة 1306هـ، أي قبل أن يولد جدي بإحدى وعشرين سنة. وترجمته في الكتاب القيم "روض البشر" للشيخ عبد الرزاق البيطار، وفي كتاب "الحدائق" للشيخ عبد المجيد الخاني - وهما تلميذاه - وقد جاء في ترجمته: "هو محمد بن مصطفى، الطنطاوي مولداً، الدمشقي موطناً، الشافعي مذهباً. وكان فقيهاً عالماً بالعربية والفلسفة والعلوم، ومن آثاره "البسيط" وهو آلة فلكية الموضوع في منارة العروس بالجامع الأموي. ومن نظر في تراجم علماء الشام في القرن الماضي وجد الكثير منهم قد قرأ عليه وقعد بين يديه"[1].
هكذا كان ابتداء أمر أسرة الطنطاوي في الشام. أما جد جدي الذي جاء من مصر برفقة عمه الشيخ محمد فهو: أحمد بن علي بن مصطفى، وقد كان إمام طابور متقاعداً في الجيش العثماني. وقد وصفه جدي لنا[2] فعلمنا من وصفه أنه كان نظامياً حريصاً على الترتيب؛ كل شيء في حياته بحساب، المنام والقيام والطعام. وقد سكن أولاً مع عمه في داره الكبيرة وتزوج ابنته؛ لذلك كان يعرف نفسه بأنه سبط الطنطاوي أي ابن بنته[3].(/1)
هذا هو جد جدي، أما أبوه الشيخ مصطفى الطنطاوي، فقد كان من العلماء المعدودين في الشام، وانتهت إليه أمانة الفتوى في دمشق، كان من صدور الفقهاء ومن الطبقة الأولى من المعلمين والمربين[4].
وكان الشيخ مصطفى مديراً للمدرسة التجارية التي دَرَس فيها جدي، وكانت مدرسة جامعة، فيها قسم للحضانة، وقسم للابتدائي، وقسم للإعدادي والثانوي، مجموع سنوات الدراسة فيها اثنتا عشرة سنة، وبعد ما ترك مديرية المدرسة ولي منصب رئيس ديوان محكمة النقض عام 1918م إلى أن توفي في عام 1925م وكان عمرُ جدي - حينذاك - ست عشرة سنة وثلاثة أشهر[5].
وأسرة أمه أيضاً من الأسر العلمية في الشام فهي: رئيفة بنت الشيخ أبي الفتح الخطيب، وأصل أسرتها من بغداد، ثم نزلت حماة ونزح فرع منها إلى قرية عذراء (عدرا) شرقي طريق دمشق - حلب مشرفة على الغوطة، وانتقل منهم إلى دمشق الشيخ عبد الرحمن بن محمد الخطيب المدفون في مقبرة الدحداح سنة 1199هـ. وقد بلغت ذريته الآلاف وغدت من أكبر الأسر الدمشقية[6]، وكثير من أفرادها من العلماء المعدودين ولهم تراجم في كتب الرجال، وخاله، أخو أمه، هو محب الدين الخطيب، الذي استوطن مصر وأنشأ فيها صحيفتي "الفتح" و"الزهراء" وكان له أثر في الدعوة فيها في مطلع هذا القرن.
نشأته ودراسته:
كان علي الطنطاوي من أوائل الذين جمعوا في الدراسة بين طريقي التلقي على المشايخ والدراسة في المدارس النظامية، وقد عَد من مشايخه الذين قرأ عليهم - في حاشية طويلة في أول كتابه "تعريف عام بدين الإسلام" - طائفة منهم يجاوزون الأربعين.(/2)
تلقى دراسته الابتدائية الأولى في العهد العثماني، فكان طالباً في المدرسة التجارية التي كان أبوه مديراً لها إلى سنة 1918م، ثم في المدرسة السلطانية الثانية، وبعدها في المدرسة الجقمقية، ثم في مدرسة حكومية أخرى إلى سنة 1923م، حين دخل مكتب عنبر الذي كان الثانوية الكاملة الوحيدة في دمشق حينذاك، ومنه نال (البكالوريا) الثانوية العامة سنة 1928م. لقد عاش جدي في هذه المدرسة ستاً من أغنى سني حياته، لم ينس أثرها ولم تغب عنه ذكراها إلى آخر أيامه[7].
بعد ذلك ذهب إلى مصر ودخل دار العلوم العليا، وكان أول طالب من الشام يؤم مصر للدراسة العالية، ولكنه لم يتم السنة الأولى، وعاد إلى دمشق في السنة التالية 1929م، فدرس الحقوق في جامعتها حتى نال (الليسانس) الإجازة الجامعية سنة 1933م. وقد رأى - لما كان في مصر - لجاناً للطلبة لها مشاركة في العمل الشعبي والنضالي، فلما عاد إلى الشام دعا إلى تأليف لجان على تلك الصورة؛ فأُلفت لجنة للطلبة سميت "اللجنة العليا لطلاب سوريا" وانتخب رئيساً لها وقادها نحواً من ثلاث سنين. وكانت لجنة الطلبة هذه بمثابة اللجنة التنفيذية للكتلة الوطنية التي كانت تقود النضال ضد الاستعمار الفرنسي للشام، وهي التي كانت تنظم المظاهرات والإضرابات، وهي التي تولت إبطال الانتخابات المزورة سنة 1931م.
وقد علمتم أن أباه توفي وعمره ست عشرة سنة، فكان عليه أن ينهض بأعباء أسرة فيها أم وخمسة من الإخوة والأخوات هو أكبرهم.
ومن أجل ذلك فكر في ترك الدراسة، واتجه إلى التجارة، ولكن الله صرفه عن هذا الطريق وعاد إلى الدراسة ليكمل طريقه فيها[8].
ثم ماتت أمه وهو في الرابعة والعشرين، فكانت تلك واحدة من أكبر الصدمات التي تلقاها في حياته بعد صدمته بموت والده. ولقد شهدته مراراً يذكرها ويذكر موتها - وقد مضى على موتها أكثر من ستين سنة - وأشهد أنه ما ذكرها إلا وفاضت عيناه[9].
في الصحافة:(/3)
نشر علي الطنطاوي أول مقالة له في جريدة عامة في عام 1926م، نشرها له الأستاذ محمد كرد علي في جريدة "المقتبس"، وكان في السابعة عشرة من عمره[10] وبعد هذه المقالة لم ينقطع علي الطنطاوي من الصحافة أبداً، فعمل بها في كل أوقات حياته ونشر في كثير من الصحف، شارك في تحرير مجلتي خاله محب الدين الخطيب، "الفتح" و"الزهراء" حين زار مصر سنة 1926م، ولما عاد إلى الشام - في السنة التالية - عمل في جريدة "فتى العرب" مع الأديب الكبير معروف الأرناؤوط، ثم في "ألف باء" مع شيخ الصحافة السورية يوسف العيسى، ثم كان مدير تحرير جريدة "الأيام" التي أصدرتها الكتلة الوطنية سنة 1931م ورأس تحريرها الأستاذ الكبير عارف النكدي، وله فيها كتابات وطنية كثيرة. وخلال ذلك كان يكتب في "الناقد" و"الشعب" وسواهما من الصحف. وفي سنة 1933م أنشأ الزيات المجلة الكبرى، "الرسالة" فكان جدي واحداً من كتابها واستمر فيها عشرين سنة إلى أن احتجبت سنة 1953م. وكتب - إضافة إلى كل ذلك - سنوات في مجلة "المسلمون"، وفي "الأيام" و"النصر". وحين جاء إلى المملكة نشر في مجلة "الحج" في مكة، وفي جريدة "المدينة"، وأخيراً نشر ذكرياته في "الشرق الأوسط" على مدى نحو من خمس سنين، وله مقالات متناثرة في عشرات من الصحف والمجلات التي كان يعجِز - هو نفسه - عن حصرها وتذكر أسمائها.
وقد بقيت الصحافة أبداً العمل الأثير لديه[11]، وفي الذكريات المنشورة - الجزء الثاني، الحلقات 35-37 - تفصيل ممتع وأخبار كثيرة طريفة مفيدة عن اشتغاله بالصحافة وعن الذين اشتغل معهم فيها، فمن شاء فليرجع إليها هناك.
في التعليم:(/4)
إذا كانت الصحافة هي المهنة التي أحبها علي الطنطاوي، فإن التعليم هو العمل الذي ملأ حياته كلها، لقد كان يقول عن نفسه إنه أقدم المعلمين في الدنيا أو من أقدمهم. وكيف لا يكون كذلك وهو قد بدأ بالتعليم ولما يزل طالباً في المرحلة الثانوية؟! لقد بدأ بالتدريس في المدارس الأهلية بالشام، في الأمينية والجوهرية والكاملية، وهو في السابعة عشرة أو الثامنة عشرة ممن عمره في عام 1345 هجرية، وقد طبعت محاضراته التي ألقاها على طلبه الكلية العلمية الوطنية في دروس الأدب العربي عن بشار بن برد في كتاب عام 1930م - أي حين كان في الحادية والعشرين من العمر.
بعد ذلك صار معلماً ابتدائياً في مدارس الحكومة سنة 1931م حين أغلقت السلطات جريدة "الأيام" التي كان يعمل مديراً لتحريرها، وبقي في الابتدائي إلى سنة 1935م. وكانت حياته في تلك المدة سلسلة من المشكلات؛ بسبب مواقفه الوطنية وجرأته في مقاومة الفرنسيين وأعوانهم في الحكومة، فما زال يُنقَل من مدينة إلى مدينة، ومن قرية إلى قرية، حتى طوف بأرجاء سوريا جميعاً: من أطراف جبل الشيخ جنوباً إلى دير الزور في أقصى الشَّمال والشرق، ولكن شيئاً من ذلك لم يصرفه عن التعليم، أو يقعد به عن المضي فيه، اقرؤوا كيف وصف في ذكرياته[12] تنقله بين المدارس في القرى، وفي الجبال وفي الحرّات، في أيام القُرِّ وفي أيام الحر، يخوض في الثلوج وينام مع العقارب. صور لو قرأها فتيان اليوم لعجبوا كيف يطيقها إنسان، ولكننا نجده ماضياً بعزيمة وهمة لا يني ولا يكل[13].(/5)
لقد بدأ جدي التعليم مدرساً في المدارس الابتدائية في القرى، وقد انطلق إلى هذا العمل مشحوناً بحماسة ندَر أن نجد لها مثيلاً لدى معلم صبيان. ولكن طموحه كان أكبر من تعليم صبيان، كان - أبداً - يريد أن يصب ما في رأسه من علم، أو في جَعبته من إبداع حيث عمل، ومع أي أناس اشتغل. ها هو ذا يقول عن عمله مع تلاميذ المدرسة الابتدائية بقرية سلمية التي علم فيها سنة 1932م: "وكنت - من حماستي، ومما وجدت من ذكاء التلاميذ وحسن استجابتهم ورغبتهم في الاستفادة والتحصيل - أريد أن أجعل منهم كُتّاباً وخطباء، وجعلت من دروس التاريخ محاضرات وطنية، لا مجرد معرفة بأحداث الماضي" [14].
ولما نقل إلى قرية سقبا - من قرى الغوطة، قرب دمشق - في السنة التالية صار مسؤولاً عن مدرسة ابتدائية فيها أكثر من مئة من التلاميذ[15].
بعد ذلك انتقل إلى العراق - عام 1936م - مدرساً في الثانوية المركزية في بغداد، ثم في ثانويتها الغربية، ودار العلوم الشرعية في الأعظمية - التي صارت كلية الشريعة - ولكن روحه - الوثابة التي لم يتركها وراءه حين قدم العراق - وجرأته في الحق - ذلك الطبع الذي لم يفارقه قط - فعلا به في العراق ما فعلاه به في الشام، فما لبث أن نُقل مرة بعد مرة، فعلَّم في كركوك في أقصى الشَّمال وفي البصرة في أقصى الجنوب. وقد تركت تلك الحقبة في نفسه ذكريات لم ينسها، وأحب بغداد حتى ألَّف فيها كتاباً[16]. وكانت تجربته في التعليم الثانوي هناك مختلفة عن تجربته في التعليم الابتدائي في الشام أيما اختلاف، فقد انتقل من تلقين تلاميذ صغار محدودي الإدراك إلى تعليم طلاب كبار يتلهفون للتَّلقي والتعلُّم، فتفجرت قريحته ونَثَر ذخائر علمه بدون حساب[17].
بقي علي الطنطاوي يدرس في العراق حتى عام 1939م، لم ينقطع عنه غير سنة واحدة أمضاها في بيروت مدرساً في الكلية الشرعية فيها عام 1937م.(/6)
ثم رجع إلى دمشق فعُين أستاذاً معاوناً في مكتب عنبر الذي صار يدعى مدرسة التجهيز، وهي الثانوية الرسمية حينئذ بالشام، ولكنه لم يكف عن شغبه ومواقفه التي تسبب له المتاعب، وكان واحد من هذه المواقف في احتفال أقيم بذكرى المولد، فما لبث أن جاء الأمر بنقله إلى دير الزور. وهكذا صار معلِّماً في الدير سنة 1940م.
وألقى هناك خطبة جمعة حماسية ثار الناس بعدها غاضبين على الاستعمار الفرنسي، ولم يستطع الجنود الفرنسيون اعتقاله، ولكن لم يسمح له بالعودة إلى التدريس في دير الزور ثانية[18].
في القضاء:
انتهى الأمر بجدي في إجازة قسرية بعد حوادث دير الزور أواخر سنة 1940م. لقد أرادوا له أمراً، وأراد الله له أمراً، وكان الخير فيما اختاره له الله، فلقد هيأت له هذه الحادثة ترك التعليم والدخول في سلك القضاء، دخله ليمضي فيه ربع قرن[19] كاملاً، خمسة وعشرين عامًا من أخصب أعوام حياته. خرج من الباب الضيق للحياة ممَثَّلاً في التعليم بمدرسة ابتدائية في قرية، ودخلها من أوسع أبوابها قاضياً في النبك ثم في دوما من قرى دمشق، ثم قاضياً ممتازاً في دمشق، فمستشاراً لمحكمة النقض في الشام ثم مستشاراً لمحكمة النقض في القاهرة أيام الوَحدة مع مصر.
هذه المرة أيضاً ظهر نبوغ علي الطنطاوي وبان تميزه. لقد أراد - أبداً - أن يكون متقناً لعمله مجيداً له مخلصاً فيه، وما كان ليقبل أن يستغفله أو يستغله أحد، فلما نجح في امتحان القضاء وعُيِّن قاضياً في النبك - وهي بلدة في جبال القلمون - لم يسارع إلى استلام العمل، بل طلب من الوزارة أن تمهله شهراً، حتى يعرف المعاملات كلها: من عقد النكاح، وحصر الإرث، وتنظيم الوصية، إلى الحكم في قضايا الإرث والوقف والزواج "[20].(/7)
وبعد هذا الاستعداد وفَّقه الله فكان ابتداء عمله بالقضاء خير ابتداء، فقد قابلته في محكمة النبك قضية ضخمة جداً، إضبارتها تعدل في عدد صفحاتها - كما قال - جزأين من القاموس المحيط، لا جزءاً واحداً، وكان كبار المحامين يأتون من دمشق للنظر فيها، فنظر فيها فبدا له أمر لم يكن أحد قد انتبه له، فإذا القرار. انتهت المحاكمة، ونظر إليهم فإذا هم مثل الذي يصحو من حلُم عجيب، وقد تنبهوا إلى أنهم كانوا يسيرون في طريق لا يوصل، ويضحكون من أنفسهم، ويهنئونه على هذا القرار. وذهبوا فحدثوا به في الأوساط القضائية في الشام، فكان - والحمد لله - خير ابتداء لعمله في القضاء"[21].
أمضى جدي في النبك قاضياً نحو أحد عشر شهراً، ثم كانت تنقلات في وزارة العدل بين القضاة فنقل قاضياً إلى دوما، وهي قرية من القرى المحيطة بدمشق، وكانت محكمة دوما هي الطريق إلى محكمة دمشق، فمن ولي قضاءها انتقل منها فصار قاضيا في المحكمة الكبرى في دمشق. قال: "وقد انتُدبت أول الأمر أياماً معدودة إلى محكمة دمشق فكان انتدابي إليها وعملي الرسمي في دوما، ثم صرت قاضياً رسمياً في دمشق، ثم القاضي الأول في المحكمة، الذي كانوا يدعونه القاضي الممتاز"[22].
لقد صار قاضي دمشق الممتاز، فماذا صنع في هذا الموقع الذي شغله عشر سنين كاملات، من سنة 1943م إلى سنة 1953م حين نقل مستشاراً لمحكمة النقض، لقد أحس بالمسؤولية الجسيمة التي ألقيت عليه حين صار إليه أمر المحكمة الشرعية، فلبث ليالي أرِقاً يفكر ماذا يصنع حتى اهتدى إلى فكرة عجيبة انتظم بها أمر المحكمة[23]، وانقطع بها ما كان من علل التسويف على العامة أو المحاباة للخاصة.
أما تفصيل سيرته، وما عمِلَه في محكمة دمشق فله حديث طويل، فانظروه في آخر الجزء الرابع من الذكريات المنشورة.(/8)
وقد اقترح - حين كان قاضياً في دوماً - وضْعَ قانون كامل للأحوال الشخصية، فكُلف بذلك عام 1947م وأُوفد إلى مصر مع عضو محكمة الاستئناف الأستاذ نهاد القاسم - الذي صار وزيراً للعدل أيام الوَحدة - فأمضيا تلك السنة كلها هناك، حيث كُلِّف هو بدرس مشروعات القوانين الجديدة للمواريث والوصية وسواها، كما كلف زميله بدرس مشروع القانون المدني. وقد أعدَّ هو مشروع قانون الأحوال الشخصية كلها، وصار هذا المشروع أساساً للقانون الحالي، وأُشِير إلى ذلك في مذكرته الإيضاحية.
وكان القانون يخول القاضي الشرعي في دمشق رئاسة مجلس الأوقاف وعمدة الثانويات الشرعية، فصار علي الطنطاوي مسؤولاً عن ذلك كله خلال عشر السنين التي أمضاها في قضاء دمشق، فقرر أنظمة الامتحانات في الثانويات الشرعية، وكان له يد في تعديل قانون الأوقاف ومنهج الثانويات ثم كلف عام 1960 م بوضع مناهج الدروس فيها فوضعها وحده - بعد ما سافر إلى مصر واجتمع فيها بالقائمين على إدارة التعليم في الأزهر - واعتمدت كما وضعها.
رحلاته:
وقد كانت له مشاركة في طائفة من المؤتمرات، منها حلقة الدراسات الاجتماعية التي عقدتها جامعة الدول العربية في دمشق في عهد أديب الشيشكلي، ومؤتمر الشعوب العربية لنصرة الجزائر، ومؤتمر تأسيس رابطة العالم الإسلامي، واثنين من المؤتمرات السنوية لاتحاد الطلبة المسلمين في أوروبا. ولكن أهم مشاركة له كانت في المؤتمر الإسلامي الشعبي في القدس عام 1953م، والذي تمخضت عنه سفرته الطويلة في سبيل الدعاية لفلسطين، وقد جاب فيها باكستان والهند والملايو وأندونيسيا.
ولم تكن تلك أول رحلة طويلة يرحلها - وإن كانت الأبعد والأطول - فقد شارك في عام 1935م في الرحلة الأولى لكشف طريق الحج البري بين دمشق ومكة، وقد حفلت تلك الرحلة بالغرائب، وحُفت بها المخاطر، ومن أحب الاطلاع على تفاصيلها فلينظره في كتاب: "من نفحات الحرم".
في المملكة العربية السعودية:(/9)
في عام 1963م قدم جدي إلى الرياض مدرساً في الكليات والمعاهد؛ وكان هذا هو الاسم الذي يطلق على كليتي الشريعة واللغة العربية، وقد صارت - من بعد - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وفي نهاية السنة عاد إلى دمشق لإجراء عملية جراحية بسبب حصوة في الكُلْية عازماً ألا يعود إلى المملكة في السنة التالية، إلا أن عرْضاً بالانتقال إلى مكة للتدريس فيها حمله على التراجع عن هذا القرار.
وهكذا انتقل علي الطنطاوي إلى مكة ليمضي فيها وفي جُدَّة خمساً وثلاثين سنة، فأقام في أجياد مجاوراً للحرم إحدى وعشرين سنة من عام 1964م إلى عام 1985م، ثم انتقل إلى العزيزية - في طرف مكة من جهة منى - فسكنها سبع سنوات، ثم إلى جُدّة فأقام فيها حتى وفاته - يرحمه الله - في عام 1999م.
بدأ جدي هذه المرحلة الجديدة من حياته بالتدريس في كلية التربية بمكة، ثم لم يلبث أن كلف بتنفيذ برنامج للتوعية الإسلامية[24]، فترك الكلية وراح يطوف على الجامعات والمعاهد والمدارس في أنحاء المملكة؛ لإلقاء الدروس والمحاضرات، وتفرغ للفتوى يجيب عن أسئلة الناس في الحرم - في مجلس له هناك - أو في بيته ساعات كل يوم، ثم بدأ برنامجيه: "مسائل ومشكلات" في الإذاعة، و"نور وهداية" في الرائي اللذين قدر لهما أن يكونا أطول البرامج عمراً في تاريخ إذاعة المملكة ورائيها.(/10)
هذه السنوات الخمس والثلاثون كانت حافلة بالعطاء الفكري للشيخ، ولا سيما في برنامجيه اللذين استقطبا - على مر السنين - ملايين المستمعين والمشاهدين وتعلق بهما الناس على اختلاف ميولهم وأعمارهم وأجناسهم وجنسياتهم، ولم يكن ذلك بالأمر الغريب، فلقد كان علي الطنطاوي من أقدم مذيعي العالم العربي، فقد بدأ يذيع من إذاعة الشرق الأدنى من يافا في أوائل الثلاثينيات، وأذاع من إذاعة بغداد سنة 1937م، ومن إذاعة دمشق من سنة 1942 م لأكثر من عَقدين متصلين، وأخيراً من إذاعة المملكة العربية السعودية ورائيها نحو ربع قرن متصل من الزمان.
هذا العمل ملأ عليه وقته كله خلال تلك السنوات، وقد عشت معه - عليه رحمة الله - بعضاً من تلك الأيام، ما زلت أسترجع ذكراها إلى اليوم. لقد جئت إلى المملكة في مطلع عام 1977م لدراسة الهندسة في جامعة الملك عبد العزيز بجُدَّة، وكنت أمضي في نهاية كل أسبوع يومين أو ثلاثة أيام في بيته بمكة، فأراه كيف يصنع. كان يمضي كل يوم ساعات عاكفاً على أسئلة المستمعين والمشاهدين قراءة وفرزاً ليختار منها ما يصلح للإجابة، وما كان يسعه أن يجيب عن كل سؤال يأتيه؛ لأنه كان يستلم من الأسئلة في كل أسبوع مئاتٍ - حقيقة لا مجازاً - ووقت البرنامجين لا يكاد يتسع لغير عشر منها أو عشرين، ثم كان يراجع المسائل في أمهات الكتب، ويضع تعليقات على الأسئلة بخطة في بعض الأحيان. وكان - فوق ذلك - يتفرغ للإجابة عن أسئلة المستفتين بالهاتف بين العصر والمغرب كل يوم.(/11)
ولطالما أعلن في الإذاعة والرائي أن ذلك هو الوقت الذي يتلقى فيه الأسئلة، ولكن الهاتف كان يرن كل ساعة من ليل أو نهار! فإذا جاء المغرب كان ينطلق إلى الحرم فيجلس في موضع له هناك لا يفارقه بين العشاءين فيأتيه من الناس من شاء، ويسأله من شاء، فكان ذلك مجلساً مفتوحاً للعلم والفتوى، فإذا عاد من الحرم بعد العشاء فلا يستقبل أحداً - كما أنه لا يستقبل أحداً قبل العصر - ويعود إلى قراءته ومراجعاته وشؤون أهل بيته.
هكذا أمضى جدي تلك السنوات، حتى إذا جاوز الثمانين بدأ جسمه - الذي حمله في مسيرة حياته الطويلة الحافلة - بالتعب، وما عاد يقوى على العمل، فآثر ترك الإذاعة والرائي.
وكان - قبل ذلك - قد لبث نحو خمس سنين ينشر ذكرياته في الصحف، حلقة كل يوم خميس، فلما صار كذلك وقف نشرها - وكانت قد قاربت مئتين وخمسين حلقة - وودع القراء فقال: "لقد عزمت على أن أطوي أوراقي، وأمسح قلمي، وآوي إلى عزلة فكرية كالعزلة المادية التي أعيشها من سنين، فلا أكاد أخرج من بيتي، ولا أكاد ألقى أحداً من رفاقي وصحبي"[25] وقد مُنح جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام عام 1990م.
عزلته ووفاته:(/12)
أغلق عليه باب بيته واعتزل الناس إلا قليلاً من المقربين يأتونه في معظم الليالي زائرين، فصار ذلك له مجلساً يطل من خلاله على الدنيا، وصار منتدى أدبياً وعلمياً تبحث فيه مسائل العلم والفقه واللغة والأدب والتاريخ. وبات الشيخ - في آخر أيامه - ينسى بعضاً من شؤون يومه، فربما صلى الفريضة مرتين يخشى أن يكون نسيها، وربما نسي ما كان في اليوم الذي مضى، ولكن الله أكرمه فحفظ عليه توقد ذهنه ووعاء ذاكرته حتى آخر يوم في حياته. لقد صار أخيراً يتورع عن الفتوى مخافة الزلل والنسيان، ولكن الواقع أنه كان قادراً على استرجاع المسائل والأحكام بأحسن مما يستطعيه كثير من الرجال والشبان، وكان - حتى في الشهر الذي توفي فيه - تفتتح بين يديه القصيدة لم يرها من عشر سنين أو عشرين فيتم أبياتها ويبين غامضها، ويُذكَر العَلَم فيترجِم له، وربما اختُلف في ضبط مفردة من مفردات اللغة أو في معناها فيقول هي كذلك، فنفتح القاموس المحيط - وهو إلى جواره، بقي كذلك حتى آخر يوم - فإذا هي كما قال.
ومضت به على هذه الحال سنوات حتى كَلَّ قلبه الكبير، فما عاد قادراً على المضي بعد، فلما كانت آخر السنوات أدخل المستشفى مرات، وهو يشكو كل مرة ضعفاً في قلبه، وكانت الأزمات متباعدة في أول الأمر ثم تقاربت، حتى إذا جاءت السنة الأخيرة تكاثرت حتى بات كثير التنقل بين البيت والمستشفى. ثم أتم الله قضاءه فمضى إلى حيث يمضي كل حي، وفاضت روحه - عليها رحمة الله - بعد عِشاء يوم الجمعة، الثالث من ربيع الأول 1420هـ، الموافق للثامن عشر من حزيران، عام 1999م في قسم العناية المركزة بمستشفى الملك فهد بجُدة، ودفن في مقبرة العدل بمكة المكرمة في اليوم التالي بعد ما صُلِّي عليه في الحرم المكي الشريف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الذكريات: 1/133.
[2] الحديث عنه في: الذكريات 1/143.
[3] الذكريات: 1/144.
[4] الذكريات: 2/11، وتعريف عام، ص5.
[5] الذكريات: 8/35.(/13)
[6] الذكريات: 1/201 وما بعدها.
[7] في الذكريات حديث طويل عن مكتب عنبر، انظر: 1/103 – 130، 149-174.
[8] الذكريات: 8/26.
[9] الذكريات: 2/142.
[10] من حديث النفس، ص 149.
[11] الذكريات: 2/5.
[12] في آخر الجزء الثاني وأول الثالث.
[13] الذكريات: 3/12.
[14] الذكريات: 2/221.
[15] الذكريات: 3/10.
[16] بغداد: مشاهدات وذكريات، ص 15.
[17] الذكريات: 3/293، وفي آخر هذا الجزء وأول الذي يليه تفصيل عن الدروس التي كان يلقيها على الطلاب هناك.
[18] الذكريات: 4/159.
[19] مارس جدي القضاء عملياً من عام 1941 إلى حين سفره إلى المملكة العربية السعودية في عام 1963، أي نحواً من ثلاث وعشرين سنة، ولكنه بقي - رسمياً - قاضياً حتى أواسط عام 1966م.
[20] الذكريات: 4/166.
[21] الذكريات: 4/167.
[22] الذكريات: 4/259.
[23] الذكريات: 4/271 وما بعدها.
[24] بدأ هذا البرنامج نحو عام 1967، وكان له - قبله - برنامج عنوانه "صور من أمجادنا".
[25] الذكريات: 8/340.(/14)
العنوان: سيرة حكيم الأمة أبي الدَّرْداء رضيَ الله عنه
رقم المقالة: 1399
صاحب المقالة: الشيخ إبراهيم الحقيل
-----------------------------------------
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَنْ يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، {يَا أَيُّهَا النَّاس اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
فإنَّ قراءة التاريخ، وتأمل سِيَرِ الغابرين، والاستفادةَ من علومهم وتجاربهم في الحياة؛ تنمِّي العقول، وتَصْقِل المواهب؛ ويكاد مَنْ فعل ذلك ألاَّ يخطئ أبدًا، وأن يكون الصواب والتَّوْفيق حليفه دومًا، ما دام مستضيئًا بنور الكتاب وهَدْي السُّنة النبوية؛ ذلك أنَّ الأحداث تتشابه، الصوابُ في حادثةٍ منها غالبًا ما يكون هو الصواب فيها كلِّها، والخطأ في واحدةٍ منها غالبًا ما يكون خطئًا فيها كلِّها. وما التاريخ إلا صُوَرٌ متكرِّرةٌ، وحوادثُ متجددةٌ، تنتقل من مكان إلى مكان، ومن زمان إلى زمان، والبشر حيالها يخطئون ويصيبون. لكن مَنْ قرأ تاريخ السابقين، ووقف على تجارِبهم؛ كان عنِ الخطأ بعيدًا، ومنَ الصواب قريبًا.(/1)
ومن هذا المنطلق؛ نحتاج إلى النَّظر في سِيَر الرِّجال وأحوال الماضين، لاسيَّما مَنْ ساروا على الطريق الصحيحة، ولم يحيدوا عنها قِيدَ أُنْمُلَة؛ حتى بلغوا المنزلة ونالوا الكرامة، رجال الصَّدر الأوَّل من هذه الأمَّة، الذين نشروا الإسلام، وصَدَقوا الوَعْد، وأوفوا بما عاهدوا؛ فرضيَ الله عنهم وأرضاهم، وجزاهم عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
أيها الإخوة:
وهذه دروسٌ من حياة أحدهم، كان مشهورًا بالعقل والحكمة، موصوفًا بالزُّهد والعبادة. أصبحت أقواله منارًا للباحثين، وطريقًا للسالكين، أسلم وشَهِدَ أُحُدًا وما بعدها[1]، وأخذ القرآن عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وكان من كتَّاب الوحي[2]. رحل في عهد عمر إلى الشام يعلِّم الناس القرآن[3]، ويُذْكَرُ أنَّه أوَّل مَنْ سَنَّ حلْقات تحفيظ القرآن، وجاء في بعض الروايات أنهم عدُّوا مَنْ في حَلْقَته، فإذا هم يزيدون على ألفٍ وستمائة قارئٍ يعلِّمهم القرآن[4].
ثم استعمل على القضاء؛ فكان أوَّل قاضٍ لدمشق، جاء الناس يهنئونه بالقضاء؛ فقال: "أتهنِّئوني بالقضاء، وقد جُعِلْتُ على رأس مَهْواةٍ مَزَلَّتُها أبعدُ من عَدَنَ أَبَيْنَ. ولو علم الناس ما في القضاء لأخذوه بالدُّوَل؛ رغبةً عنه وكراهيةً له، ولو يعلم الناس ما في الأذان لأخذوه بالدُّوَل؛ رغبةً فيه وحرصًا عليه"[5].
ذلكم أبو الدَّرْداء عُوَيْمرُ بنُ عامرٍ الأنصاريُّ الخزرجيُّ[6]، حكيم هذه الأمَّة كما في بعض المراسيل وأقوال السَّلف[7]. ثم كانت له أقوالٌ أكَّدت أن كلامَه كلامُ حكيم، قال - رضيَ الله عنه -: "كنتُ تاجرًا قبل أن يُبْعَث النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فلما بُعِثَ محمَّدٌ؛ زاولتُ التجارة والعبادة؛ فلم تجتمعا؛ فأخذتُ العبادة وتركتُ التجارة"[8]. فهو - رضيَ الله عنه - لما رأى أن التجارة تزاحم العبادة، ورأى من نفسه عدم القدرة على جمعهما؛ أقبل على الأفضل.(/2)
ومنَ الناس مَنْ يستطيع الجَمْع بينهما، كما كان أبو بكر - رضيَ الله عنه - تاجرًا عابدًا عالمًا، وكذلك عبدالرحمن بن عوف - رضيَ الله عنه.
فالميزان: القدرة على الجمع بينهما، فمَنْ كان قادرًا فذلك أفضل، ومَنْ لم يكن قادرًا؛ فالعبادة في حقِّه أفضل[9].
كان أبو الدَّرْداء - رضيَ الله عنه - من علماء الصحابة وعبَّادهم، آخى النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بينه وبين سلمان، فزار سلمانُ أبا الدَّرْداء، فرأى أمَّ الدَّرْداء متبذِّلة؛ فقال لها: ما شأنُكِ؟ قالت: أخوكَ أبو الدَّرْداء ليس له حاجةٌ في الدنيا. فجاء أبو الدَّرْداء، فصنع له طعامًا، فقال له: كُلْ. قال: فإني صائمٌ. قال سلمان: ما أنا بآكلٍ حتى تأكل. قال: فأكل. فلمَّا كان الليل؛ ذهب أبو الدَّرْداء يقوم. قال: نَمْ. فنام، ثم ذهب يقوم فقال: نَمْ. فلما كان من آخِر الليل قال سلمان: قُمِ الآنَ. فصَلَّيَا. فقال له سلمان: إن لربِّك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه. فأتى النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فذكر ذلك له؛ فقال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((صَدَقَ سلمان))؛ أخرجه البخاريُّ[10].
وأما عِلْمُهُ؛ فكما قال القاسمُ بن عبدالرَّحمن: "كان أبو الدَّرْداء منَ الذين أوتوا العلم"، وقال أبوذرٍّ لأبي الدَّرْداء: "ما حَمَلَتْ وَرْقاء، ولا أظلَّتْ خضراء - أعلم منكَ يا أبا الدَّرْداء"، ومن أجل علمه كان الناس محتاجين إليه، متزاحمين عنده، كما يُتزاحم على أبواب السلاطين. قال عبدالله بن سعيد: "رأيتُ أبا الدَّرْداء دخل مسجد النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومعه الأتباع مثل ما يكون مع السلطان، بين سائلٍ عن فريضة، وبين سائلٍ عن حساب، وبين سائلٍ عن شِعْر، وبين سائلٍ عن حديث، وبين سائلٍ عن معضلة"[11].(/3)
ثمَّ إنه كان مزكِّيًا لعلمه، يعلِّم الناس ويُقرئهم، وما أقبل الناس عليه إلاَّ لعلمه، ولأنه كان عاملاً بعلمه، فلا يَعْلَم شيئًا إلا عمل به على الفور. قال ابن إسحاق: "كان الصحابة يقولون: أتْبَعُنا للعلم والعمل أبو الدَّرْداء"[12].
لقد كان - رضيَ الله عنه - موصوفًا بالعقل والحكمة، حتى إن ابن عمر - رضيَ الله عنهما - يقول: "حدِّثونا عن العاقلَيْن؛ معاذٍ وأبي الدَّرْداء"[13].
ولا أدلَّ على عقله وحكمته من أنه كان يُديم التفكُّر والاعتبار.
سُئلت أمُّ الدَّرْداء: "أيُّ عبادةِ أبي الدَّرْداء كانت أكثر؟ قالت: التفكُّر والاعتبار"[14]. وكيف لا يكون دائم التفكر وهو القائل: "تفكُّر ساعةٍ خيرٌ من قيام ليلة"؟![15]
ومن حكمته - رضيَ الله عنه – ما رواه أبو قِلابة: "أنَّ أبا الدَّرْداء مرَّ على رجل قد أصاب ذنبًا، وكانوا يسبُّونه؛ فقال: أرأيتم لو وجدتموه في قَلِيبٍ؛ ألم تكونوا مُسْتَخْرِجِيه؟ قالوا: بلى. قال: فلا تسبُّوا أخاكم، واحمدوا الله الذي عافاكم. قالوا: أفلا نُبْغِضُه؟ قال: إنما أبْغَضُ عمله، فإذا تركه فهو أخي"[16].
وقال - رضيَ الله عنه -: "إني لآمركم بالمعروف وما أفعله، ولكن لعلَّ الله يأجرني فيه"[17].
وكتب إلى خالد بن مسلم: "سلامٌ عليكَ، أمَّا بعد: فإنَّ العبد إذا عمل بمعصية الله أبغضه الله، فإذا أبغضه الله بغَّضه إلى عباده". ومن أقواله في العلم والتعلُّم قوله: "لنْ تكون عالمًا حتى تكون متعلِّمًا، ولا تكون متعلِّمًا حتى تكون بما علمت عاملاً. إن أخوف ما أخاف إذا وُقفتُ للحساب أن يُقال لي: ما عملت فيما علمت"[18].
وخاطب الناس قائلاً: "ما لي أرى علماءَكم يذهبون، وجهَّالكم لا يتعلَّمون؟! تعلَّموا؛ فإن العالم والمتعلِّم شريكان في الأجر"[19].(/4)
وجاءه رجلٌ فقال: أوصني: فقال: "اذكر الله في السَّرَّاء؛ يذكركَ في الضَّرَّاء، وإذا ذكرتَ الموتى فاجعل نفسكَ كأحدهم، وإذا أشرفتْ نفسُكَ على شيءٍ منَ الدنيا؛ فانظر إلى ما يصير"[20].
ومن وصاياه - رضيَ الله عنه - قوله: "اعبد الله كأنك تراه، وعدَّ نفسكَ في الموتى، وإياك ودعوة المظلوم، واعلم أن قليلاً يغنيك خيرٌ من كثير يلهيك، وأن البِرَّ لا يبلى، وأن الإثم لا يُنسى"[21].
ومن حِكَمه في المال والغنى قوله: "أهل الأموال يأكلون ونأكل، ويشربون ونشرب، ويلبسون ونلبس، ويركبون ونركب، ولهم فضولُ أموالٍ ينظرون إليها وننظر إليها معهم، وحسابها عليهم، ونحنٌ منها برآء"[22].
وقال: "الحمد لله الذي جعل الأغنياء يتمنُّون أنهم مثلنا عند الموت، ولا نتمنَّى أننا مثلهم حينئذٍ، ما أنصفنا إخوانُنا الأغنياء، يحبوننا على الدِّين ويعادوننا على الدُّنيا"![23].
وحكمته - رضيَ الله عنه - لم تقتصر على أمور الدين؛ بل إنه كان حكيمًا حتى في أمور الدنيا وتصريف الأموال، ومن ذلك قوله: "أعوذ بالله من تفرقة القلب. قيل: وما تفرقة القلب؟ قال: أن يُجْعَلَ لي في كل وادٍ مالٌ"[24].
ومن حكمته أنه كان يقدم من الأدعية الأهم فالمهم، فقد أُوجِعَتْ عينُه حتى ذهبت؛ فقيل له: "لو دعوتَ الله؟ فقال: ما فرغتُ بعد من دعائه لذنوبي؛ فكيف أدعو لعيني؟!"[25].
ينضُّم إلى هذا الفضل والحكمة: كثرة ذِكْرٍ وتسبيحٍ، وقد ذُكِرَ عنه أنه لا يَفْتُرُ منَ الذِّكْر، قيل له: "كم تسبِّح كلَّ يومٍ؟ قال: مائة ألفٍ، إلاَّ أن تخطئ الأصابع"[26].
وكان يدعو لأصحابه كثيرًا؛ قالت أمُّ الدَّرْداء: "كان لأبي الدَّرْداء ستون وثلاثمائة خليلٍ في الله، يدعو لهم في الصلاة، فقلت له في ذلك؛ فقال: إنه ليس رجلٌ يدعو لأخيه في الغيب، إلاَّ وَكَّلَ الله به مَلَكَيْن يقولان: ولك بمثل، أفلا أرغب أن تدعو لي الملائكة؟!"[27].(/5)
ومن عجيب اعتباره: أنه في انتصارات المسلمين، يعتبِر بما حلَّ بالعدوِّ قبل أن يفرح بالنَّصر. قال جُبَيْر بن نُفَيْر: "لما فُتحتْ قبرص؛ مُرَّ بالسَّبْيِّ على أبي الدَّرْداء؛ فبكى؛ فقلت له: تبكي في مثل هذا اليوم الذي أعزَّ الله فيه الإسلام وأهله؟ قال: يا جُبيْر، بينا هذه الأمَّة قاهرةٌ ظاهرةٌ؛ إذْ عصوا الله فلقوا ما ترى، ما أهون العباد على الله إذا هم عصوه"[28]. فلم تُنْسِهِ فرحة النصر الاعتبارَ بما حلَّ بالعدو لمَّا خالفوا أمر الله، ومَنْ مِنَ العباد يعتبِر في مواطن الفرح والسُّرور؟!
فرضيَ الله عنه وأرضاه، ما أكثر حكمته، وما أشدَّ اعتباره، ورضيَ الله عنِ الصحابة أجمعين، وجمعنا بهم في دار النعيم.
وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثَّانية
الحمد لله، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، كما يحبُّ ربُّنا ويرضى، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدِّين.
أما بعد:
فيا عباد الله، اتقوا الله تعالى وأطيعوه، واحذروا غضبه فلا تعصوه، وخذوا من هَدْي الصالحين، واعتبِروا بأخبار الماضين.
أيها الإخوة:
كان أبو الدَّرْداء - رضيَ الله عنه - يحبُّ البقاء في الدُّنيا؛ ليتزوَّد منَ الأعمال الصالحات للآخِرة؛ قال - رضيَ الله عنه -: "لولا ثلاثٌ ما أحببت البقاء: ساعةُ ظمأ الهواجر، والسُّجودُ في الليل، ومجالسةُ أقوامٍ ينتقون جيِّد الكلام كما يُنتقى أطايبُ التَّمر"[29].
ولا زالتِ الحِكْمة على لسانه حتى في حال مرضه؛ فقد اشتكى مرَّةً؛ فدخل عليه أصحابه فقالوا: "يا أبا الدَّرْداء، ما تشتكي؟ قال: اشتكي ذنوبي. قالوا: فما تشتهي؟ قال: أشتهي الجنة. قالوا: أفلا ندعوا لك طبيبًا؟ قال: هو الذي أضجعني"[30].(/6)
وظلَّ - رضيَ الله عنه - يعظ الناس حتى في حال احتضاره وموته وقدومه على ربه، قالت أمُّ الدَّرْداء: "لما احتُضِرَ أبو الدَّرْداء جعل يقول: مَنْ يعملُ ليومي هذا؟ مَنْ يعملُ لمضجعي هذا؟"[31].
وبكى عند موته؛ فقالت له أمُّ الدَّرْداء: "وأنت تبكي يا صاحب رسول الله؟ قال: نعم، وما لي لا أبكي، ولا أدري علام أهجم من ذنوبي"[32].
توفِّيَ قبل مقتل عثمان - رضيَ الله عنه - وعن عثمان[33]، توفِّي ومعه شهادة بالإيمان من رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقد قال للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يومًا: بلغني أنَّك تقول إن ناسًا من أمتي سيكفرون بعد إيمانهم. قال: ((أجل يا أبا الدَّرْداء، ولستَ منهم))؛ أخرجه الطِّبرانيُّ[34].
أيها الإخوة:
كانت هذه أجزاء من سيرة هذا الإمام الحكيم .. أجزاءٌ من أيامه وحياته، وعلمه وعبادته، وأقواله وأفعاله .. سيرةٌ من أنصع السِّيَر في جبين التاريخ، وصورةٌ من أجمل الصُّوَر التي حفظتها دواوين الإسلام؛ فهل يعقل أن يستبدل أهلُ الإسلام الذي هو أدنى بالذي هو خير؟!
هل يعقل أن يستبدلوا سيرة محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وسيرة أصحابه - رضيَ الله عنهم وأرضاهم - بأخبار السَّاقطين والسَّاقطات، والتَّافهين والتَّافهات، من أهل التمثيل الخليع، أو الغناء الرَّقيع، أو اللاَّهين والرِّياضيين؟!
فمتى يستفيق الناس من غفلتهم متى؟ ومتى يدركون قدر كنوزهم ومدَّخراتهم التي حفظها الله تعالى لهم بتدوين علماء الإسلام وحفاظهم؟ فإدراك ذلك يعني استشعار المسؤولية، واستشعارُ المسؤولية سببُ نهضة الأمَّة ونصرِها على عدوِّها، وإن ذلك لقريبٌ متى ما أدَّى كلُّ فردٍ دَوْرَه، ومتى ما رُبِّيَتْ أجيالُ الأمَّة على أخلاق سَلَفَهِا وسِيَرهم، وما ذلك على الله بعزيز.
ألا وصلُّوا وسلِّموا على خير خَلْق الله، كما أمركم بذلك ربُّكم،،،
---(/7)
[1] اختلف في شهوده أحدًا، والراجح أنه شهدها ذكر ذلك ابن الأثير في أسد الغابة (4/307) والحافظ ابن حجر، وذكر أنه أبلى فيها حتى قال فيه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "نعم الفارس عويمر". انظر: الإصابة (7/183) وسير أعلام النبلاء (2/338) والحديث مرسل في الطبقات (7/392) والمستدرك (3/337).
[2] انظر: سير أعلام النبلاء (2/339).
[3] جاء ذلك في قصة طويلة أخرجها ابن سعد (2/356) والبخاري في التاريخ الصغير (1/41).
[4] انظر: سير أعلام النبلاء (2/346).
[5] أخرجه ابن سعد (7/275).
[6] وقع خلاف كبير في اسمه واسم أبيه فقيل: عويمر بن عامر، وقيل: عويمر ابن زيد، وقيل: عويمر بن قيس، وقيل: عامر بن مالك، وقيل: عويمر بن عبدالله، وقيل: عويمر بن ثعلبة... انظر: الطبقات (7/274) وأسد الغابة (4/306) والسير (2/335) والإصابة (7/183).
[7] كما في الحديث المرسل "حكيم أمتي عويمر" وقد ضعفه السيوطي في الجامع الصغير بعد أن نسبه للطبراني في الأوسط (3752) وكذا المناوي في فيض القدير (3/396) وكذا الألباني في ضعيف الجامع (2739). وأما أقوال السلف فمنها قول ابن عمر - رضيَ الله عنه -ما المخرج في هامش (13).
[8] أخرجه ابن سعد (7/275) وذكره الهيثمي في المجمع وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح (9/367).
[9] انظر: سير أعلام النبلاء ففيه كلام جيد حول ذلك (2/338).
[10] أخرجه البخاري في الصوم باب من أقسم على أخيه ليفطر في التطوع (1968) والترمذي في الزهد باب (63) وقال: حديث صحيح (2413).
[11] أخرجه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (7/27).
[12] التاريخ الكبير للبخاري (7/77).
[13] الطبقات (2/350) والجرح والتعديل (7/27).
[14] الحلية (7/300) والزهد لابن المبارك (286).
[15] الطبقات (7/275).
[16] أسد الغابة (4/307).
[17] السير (2/345).
[18] الطبقات (2/357).
[19] شعب الإيمان للبيهقي (1196) وانظر: الحلية (2/212-213).(/8)
[20] الحلية (1/209) والسير (2/350).
[21] السير (2/350) وإحياء علوم الدين (3/110).
[22] الزهد لابن المبارك (592) والسير (2/350) وإحياء علوم الدين (2/146).
[23] السير (2/350).
[24] السير (2/348).
[25] السير (2/349).
[26] السير (2/348).
[27] السير (2/351).
[28] الحلية (1/217) وذم الهوى لابن الجوزي (211) والسير (2/351).
[29] السير (2/349).
[30] الطبقات (7/276) والزهد لابن أبي عاصم (134) وروي ذلك عن ابن مسعود - رضيَ الله عنه - كما مرّ في سيرته.
[31] السير (2/352).
[32] أسد الغابة (4/307).
[33] تاريخ دمشق لأبي زرعة (1/220) والسير (2/353).
[34] أخرجه الطبراني وقال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح غير أبي عبدالله الأشعري وهو ثقة. انظر: مجمع الزوائد (9/367).(/9)
العنوان: سيرة مجاهد (أبو دُجانة الأنصاري)
رقم المقالة: 1398
صاحب المقالة: الشيخ إبراهيم الحقيل
-----------------------------------------
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَنْ يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، {يَا أَيُّهَا النَّاس اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
فلقد علِم صحابةُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّ في الجهاد فضلاً لا يُضاهى، وخيرًا لا يتناهى، وأيقنوا أنَّ الجنة تحت ظلال السيوف، وأن الرِّيَّ الأعظم في شرب كؤوس الحُتُوف، فشمَّروا للجهاد عن ساق الاجتهاد، ونفروا إلى ذوي الكفر والعناد .. جهَّزوا الجيوش والسَّرايا، وبذلوا في سبيل الله العطايا .. أقرضوا أموالهم لمن يضاعفها ويزكِّيها، ودفعوا سلع النفوس من غير مماطلة لمشتريها .. ضربوا الكافرين فوق الأعناق، واستعذبوا من المنيَّة مرَّ المذاق، وباعوا الحياة الفانية بالعَيْش الباق[1].(/1)
روى أبو بكر بن عبدالله بن قيس الأشعريُ - رضيَ الله عنه - قال: "سمعتُ أبي وهو بحَضْرة العدوِّ يقول: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف)). فقام رجلٌ رثُّ الهيئة؛ فقال: يا أبا موسى، أنت سمعتَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول هذا؟ قال: نعم. قال: فرجع إلى أصحابه؛ فقال: أقرأُ عليكم السَّلام. ثمَّ كَسَرَ جَفْنَ سيفه فألقاه، ثم مشى بسيفه إلى العدوِّ؛ فضرب به حتى قُتِلَ"؛ أخرجه مسلمٌ والتِّرْمِذِيُّ[2].
كان السَّابقون من أصحاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - مهاجرين وأنصارًا، المهاجرون لهم الهجرة، والأنصار لهم النُّصرة، وجميعهم تعاهدوا على عبادة الله وحده، وطاعة نبيه، ونشر دينه، والجهاد في سبيله، حتى قال قائلُ الأنصار في بدرٍ لما استشارهم النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في قتال المشركين: "امضِ لما أردتَ فنحن معك، فوالذي بعثك بالحقِّ لو استعرضتَ بنا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلَّف منا رجلٌ واحدٌ"[3].
والحديث عن الجهاد والمجاهدين، والأنصار والمهاجرين - حديثٌ تحبُّه النفوس المؤمنة، التي لم تنخدع بعد بالرموز المزوَّرة من أهل المبادئ المنحرفة، والأفكار الهدَّامة، وذوي الانحلال الأخلاقيِّ؛ ممَّن ينشرون الفساد باسم الفن والإثارة.
وهذه نظرةٌ في سِيرة عَلَمٍ من أعلام الجهاد، وبطلٍ من أبطال الإسلام، إذا ذُكِرَتْ أُحُدٌ لازم ذِكْرُهُ ذكرها؛ فقد كان بلاؤه فيها عظيمًا، مع حُسْنِ بلائه في بدر وحُنَيْن، وخيبر واليمامة التي كان استشهاده بها.
ذلكم أبو دُجانة، سِمَاك بنُ خَرَشَة السَّاعديُّ الأنصاريُّ - رضيَ الله عنه وأرضاه.(/2)
كان من المستقبلين للنبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يوم هجرته، وكان مع سعد بن عُبادةَ والمنذر بن عمرو يقولون: "هلمَّ يا رسول الله إلى العزِّ والثَّرْوَة، والقوَّة والجَلَد والعَدَد"، آخذين بخَطَام ناقته؛ لكنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يقول لهم ولغيرهم: ((خلُّوا سبيلها؛ فإنها مأمورةٌ))[4].
وكان الأسودُ بن المطلب منَ المستهزئين برسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - المحاربين لدعوته؛ فدعا عليه النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن يعمى ويَثْكِلَ وَلَدَهُ، فجلس في ظلِّ شجرةٍ؛ فجعل جبريل يضرب وجهه وعينيه بورقها وشَوْكها حتى عميَ. وقيل: أومأ إليه فعميَ؛ فشغله ذلك عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقُتل ابنه معه كافرًا، قتله أبو دُجانة - رضيَ الله عنه[5].
وفي أُحُد؛ جرَّد النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - سيفًا باترًا، ونادى أصحابه: ((مَنْ يأخذ هذا السيف بحقِّه؟ فقام إليه رجالٌ يأخذوه؛ منهم: عليُّ بن أبي طالب والزبيرُ بن العوام وعمُر بن الخطاب - رضيَ الله عنهم. حتى قام إليه أبو دُجانة؛ فقال: وما حقُّه يا رسول الله؟ قال: ((أن تضرب به وجوه العدو حتى ينحني)). قال: أنا آخذه بحقِّه يا رسول الله. فأعطاه إيَّاه.
كان أبو دُجانة رجلاً شجاعًا يختال عند الحرب، وكانت له عُصابةٌ حمراء، إذا اعْتَصَبَ بها علم الناس أنه سيقاتل حتى الموت، فلما أخذ السيف عَصَبَ رأسه بتلك العُصابة[6].
أقبل أبو دُجانة معلَّمًا بعُصابته الحمراء، آخذًا سيف رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - مصمِّمًا على أداء حقِّه؛ فقاتل حتى أمعن في الناس، وجعل لا يلقى مشركًا إلا قتله.(/3)
وأخذ يهدُّ صفوف المشركين هدًّا؛ حتى قال الزُّبير بن العوَّام: "وجدتُ في نفسي حين سألتُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - السيفَ فمَنَعَنِيه وأعطاه أبا دُجانة، وقلتُ في نفسي: أنا ابن صفيَّة عمَّته، ومن قريش، وقد قمتُ إليه فسألتُه إيَّاه قبله؛ فآتاه إيَّاه وتركني! والله لأنظرنَّ ما يصنع؟ فاتَّبعته، فأخرج عُصابةً له حمراءَ؛ فعصب بها رأسه؛ فقالت الأنصار: أخرج أبو دُجانة عصابة الموت! فجعل لا يلقى أحدًا إلا قتله، ولا يرتفع له شيءٌ إلا هَتَكَه وأَفْراهُ. وكان في المشركين رجلٌ لا يَدَعُ لنا جريحًا إلا ذَفَّف عليه، فجعل كلُّ واحدٍ منهما يدنو من صاحبه، فدعوتُ الله أن يجمع بينهما، فالتقيا فاختلفا ضربتَيْن، فضرب المشركُ أبا دُجانة؛ فاتَّقاه بدَرَقَته، فعضَّت بسيفه، فضربه أبو دُجانة فقتله".
واخترق أبو دُجانة صفوف المشركين يهدّها ويفرِّقها، حتى خلص إلى نسوة قريش. قال - رضيَ الله عنه -: "رأيتُ إنسانًا يخمش الناس خمشًا شديدًا؛ فصمدتُ له، فلما حملتُ عليه السَّيف وَلْوَلَ، فإذا امرأةٌ، فأكرمتُ سيف رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن أضرب به امرأةً".
فلما رأى الزُّبير - رضيَ الله عنه - أفاعيل أبي دُجانة في المشركين؛ رضيَ وقال: "الله ورسوله أعلم"[7].
وكان عُبيد بن حاجز العامري من الشجعان، أقبل على المسلمين يعدو كأنه سَبُعٌ ضارٍ، فضرب رجلاً من المسلمين، فجرحه، فوَثَبَ إليه أبو دُجانة؛ فناوشه ساعةً، ثم ذبحه بالسيف ذبحًا[8].
ولما دارت الدائرة على المسلمين في أُحُد؛ ثَبَتَ أبو دُجانة يدافع عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثم جعل من جسده تُرْسًا دون رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقع النَّبْل في ظهره وهو منحنٍ على رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - حتى كَثُرَتْ فيه النَّبْل، ومع كثرة النَّبْل الذي أصابه، والجراح التي أنهكته؛ فإن أبا دُجانة سَلِمَ منَ الموت[9].(/4)
ولقد أثنى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - على قتال أبي دُجانة في أُحُد، حيث أعطى عليٌ فاطمةَ - رضيَ الله عنهما - سيفه بعد أُحُد، وقال: "هاكِ السيف؛ فإنها قد شَفَتْنِي". فقال له: ((لئن كنتَ أجدتَ الضرب بسيفكَ، لقد أجاد سَهْل بن حُنَيْف، وأبو دُجانة، وعاصمُ بن ثابت الأقْلَح، والحارث بن الصِّمَة"[10].
وشارك - رضيَ الله عنه - في حصار بني النَّضير، ونَدَبَه النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - مع علي بن أبي طالب وسهل بن حُنَيْف في عشرةٍ من أصحابه لملاحقة اليهود الذين أرادوا أَخْذ المسلمين على حين غِرَّة، فأدركوهم فقتلوهم، وطرحت رؤوسهم في بعض البئار[11].
وفي خيبر، وحينما حَمِيَتِ المبارزة بين اليهود والصحابة - خرج يهوديٌّ يدعو إلى المبارزة؛ فخرج له رجلٌ من آل جحش، فقتله اليهودي، ثم دعا إلى المبارزة؛ فخرج إليه أبو دُجانة، وقد عصب رأسه بعُصابته الحمراء فوق المِغْفَر، يختال في مشيته، فبَدَرَه أبو دُجانة فضربه، فقطع رجله، ثم ذفَّف وأخذ سَلَبَه: دِرْعَه وسيفه، فجاء به إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فنَفَّلَه رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ذلك، وأحجم اليهود عن البِراز؛ فكبَّر المسلمون، ثم تحاملوا على حصن اليهود فدخلوه، يَقْدُمُهم أبو دُجانة - رضيَ الله عنه - حتى فتحوه[12].
وفي حُنَيْن؛ أصابت أبا دُجانة جراحٌ شديدةٌ، وأبلى بلاءً حسنًا[13]، وحضر - رضيَ الله عنه - غزوة العُسْرَة، وأعطاه النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - راية الخزرج[14].
ولما توفِّيَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - واصل أبو دُجانة جهاده مع الصدِّيق بكل شجاعة وإقدام، وكان تحت إمرة خالد بن الوليد - رضيَ الله عنه - في قتال مُسَيْلِمَة ومَنْ معه من المرتدِّين؛ بل كان من المشاركين في قتل عدو الله مُسَيْلِمَة.(/5)
روي عن أنس بن مالك - رضيَ الله عنه - أنه قال: "رمى أبو دُجانة بنفسه يوم اليمامة إلى داخل الحديقة - وكانت تسمَّى حديقة الموت - فانكسرت رِجْله؛ فقاتل وهو مكسور الرجل حتى قُتل - رضيَ الله عنه وأرضاه"[15].
فلله دَرُّه، ما أشجعه وما أقواه، وما أشد رغبته فيما عند الله.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [الأحزاب:23].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الخطبة الثَّانية
الحمد لله، حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه، كما يحبُّ ربنا ويرضى، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه ومَنْ سار على نَهجهم إلى يوم الدِّين.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله - بفعل ما أمر، واجتناب الفواحش ما بَطَنَ منها وما ظهر: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ} [الأنفال: 29].
أيها الإخوة المؤمنون:
كان ذلك استعراضًا سريعًا لبعض فصول سيرة صاحبٍ جليل، وتذكيرًا بملاحم الجهاد والقوة، والشجاعة والإقدام، التي دوَّنتها السِّيَر والتاريخ لأبي دُجانة - رضيَ الله عنه وأرضاه.
ومع كل هذه القوة والشدَّة؛ فإن أبا دُجانة لم يكن له حظٌّ من الدنيا وافرٌ؛ بل عاش فقيرًا - رضيَ الله عنه - ولما قسم رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أرضَ بني النضير بعد إجلائهم بين المهاجرين، لم يُعْطِ الأنصار شيئًا، سوى سَهْل بن حُنَيْف وأبي دُجانة؛ فإنه أعطاهما لفقرهما - رضيَ الله عنهما[16].(/6)
لقد كان أبو دُجانة محلَّ ثقة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وكان أهلاً لتحمُّل المسؤوليات، وورد أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لمَّا خرج إلى حجَّة الوداع؛ استعمله على المدينة[17] - وهو أهل لذلك رضيَ الله عنه.
ومع هذه المنزلة التي يتبوَّؤها أبو دُجانة من كَسْب ثقة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وجهاده وتضحيَّاته؛ لم يكن مُفاخِرًا بعمله، أو ذاكرًا له؛ بل كان يُزْرِي بنفسه.
وقد حباه الله نعمةً أخرى عظيمة، وهي سلامة القلب؛ قال زيد بن أسْلَم: دُخِلَ على أبي دُجانة وهو مريضٌ، وكان وجهه يتهلَّل؛ فقيل له: "ما لوجهك يتهلَّل؟ فقال: ما من عملِ شيء أوثقُ عندي من اثنتين: كنتُ لا أتكلَّم فيما لا يعنيني، والأخرى: فكان قلبي للمسلمين سليمًا"[18].
أيها الإخوة:
هذه النماذج من البشر هي التي ينبغي أن تُبْكَى كما يجب أن تُحْتَذى .. هم السُّرُج التي تضيء الطريق الصحيح، وتدلُّ على الصراط المستقيم في ظلام التخبُّطات الفكرية، والانحراف الأخلاقي، والعيش من أجل الدنيا، والتكالب عليها.
إن تجرُّد هؤلاء الرجال من الدنيا جعلهم يفتكون بأشدِّ الناس فتكًا، لا يقف أمامهم شيءٌ، وهل يمكن أن يقف في وجه مَنْ يريد المَنِيَّة شيءٌ مهما بلغت قوَّته؟!
إن عَيْش هؤلاء الرجال من أجل الآخِرة، وتسخير الدُّنيا سبيلاً إليها، وعدم الاهتمام بلذائذها - جعل منهم جيشًا جهاديًّا قويًّا، لا يهاب المنايا، ولا يكلُّ من كثرة القتال، ولا يهتمُّ لبعد البلدان. إنما همُّه أن ينشر دين الله في الأرض، ويقيم شَرْعَه؛ فأَسقطوا الدولتَيْن العظيمتين في وقتهم: فارس والروم، بعددٍ وعتادٍ قليل، لكن بإيمانٍ قويٍّ راسخ.
والمسلمون في هذا الوقت يمثِّلون أعدادًا كثيرة، لكن نزعت منهم البركة، وحلَّ بينهم الخلاف والتنافر؛ لأن الدُّنيا صارت هدفًا بديلاً عن الآخِرة عند كثيرٍ منهم، يتقاتلون من أجلها، فماذا كانت العاقبة؟!(/7)
لقد كانت مزيدًا من الذُّلِّ والهوان، وتسلُّط الأعداء في كلِّ مكان. فهل ندرك ونحن نطالع تلك السيرة ومثيلاتها أن للنَّصر أسبابًا إذا عملها المسلمون نُصروا بإذن الله تعالى، وإذا تركوها كان الفصل بينهم وبين عدوِّهم كثرة المتاع، وقوة العَتاد.
أسأل الله تعالى أن يردَّنا إليه ردًّا جميلاً، وأن يرفع عن المسلمين الذِّلة والهوان، إنه سميعٌ مجيبٌ.
وصلُّوا وسلِّموا على محمد بن عبدالله، كما أمركم بذلك ربكم.
---
[1] بتصرف من علو الهمه لمحمد أحمد المقدم (298).
[2] أخرجه مسلم في الإمارة باب ثبوت الجنة للشهيد (1902) والترمذي في فضائل الجهاد باب ما جاء أيُّ الأعمال أفضل (1659).
[3] القائل هو سعد بن معاذ - رضيَ الله عنه - وقيل: سعد بن عبادة - رضيَ الله عنه. انظر: صحيح مسلم (1779) والبداية والنهاية (3/351) وسيرة ابن هشام (2/305).
[4] الثقات لابن حبان (1/134) والسيرة الحلبية (2/244) وسبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد للصالحي الشامي (3/272).
[5] الكامل في التاريخ لابن الأثير (2/50).
[6] الرحيق المختوم للمباركفوري (256) وقصة أخذ السيف أخرجها مسلم في فضائل الصحابة باب فضائل أبي دُجانة (2470) وأحمد في المسند (3/123) والحاكم وصححه (3/230) وانظر: تاريخ الطبري (2/63) والكامل لابن الأثير (2/106) ودلائل النبوة (3/234) وسبل الهدى والرشاد (4/194).
[7] جاء بألفاظ متقاربة في كتب السير، وقصة الزبير أخرجها الحاكم وصححها ووافقه الذهبي (3/230) والبيهقي في دلائل النبوة (3/233) وقال الهيثمي: رواه البزار ورجاله ثقات، انظر : مجمع الزوائد (6/109).
[8] سبل الهدى والرشاد (4/209).
[9] حادثة جعل أبي دُجانة ظهره ترسًا لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أخرجها البيهقي في دلائل النبوة (3/234) وهي في سيرة ابن هشام (3/118) وفي الكامل (2/108) والرحيق المختوم (271).(/8)
[10] أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (3/204) وابن الأثير في أسد الغابة (2/551) وأورده الهيثمي في المجمع وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح (6/123).
[11] سبل الهدى والرشاد (4/322).
[12] أخرجه الواقدي في المغازي (2/666) وعنه البيهقي في الدلائل (4/224) وهو في سبل الهدى والرشاد (5/149).
[13] سبل الهدى والرشاد (5/330).
[14] سبل الهدى والرشاد (5/443).
[15] أخرجه الحاكم من رواية الواقدي وهو متروك الحديث (3/229) وابن سعد في الطبقات كما في سير أعلام النبلاء (1/243) وخبر قتاله وهو مكسور الرجل في أسد الغابة (2/551) ومشاركته في قتل مسيلمة في أسد الغابة أيضًا (6/93) والمشهور أن البراء بن مالك - رضيَ الله عنه - هو الذي رمي في الحديقة، ولا يمنع أن يكون البراء وأبو دُجانة كلاهما رمي في الحديقة.
[16] انظر: مصنف عبدالرازق (5/358) وسنن أبي داود كتاب الخراج باب في خبر النضير (3004) وفيه أنه أعطى لرجلين من الأنصار ولم يسمهما، والطبري في تاريخه (2/85) وابن الأثير في الكامل (2/119).
[17] وقيل: استعمل سباع بن عُرْفُطة، وانظر: سبل الهدى والرشاد (8/450).
[18] أخرجه ابن سعد (3/556) وهو في سير أعلام النبلاء (1/243).(/9)
العنوان: سيف الله المسلول: خالد بن الوليد رضيَ الله عنه
رقم المقالة: 1385
صاحب المقالة: الشيخ إبراهيم الحقيل
-----------------------------------------
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومَنْ سار على نهجهم، واهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فهي وصية الله لنا ولمن قبلنا، [وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللهُ غَنِيًّا حَمِيدًا] {النساء:131}.
أيها المؤمنون:
ليست سيرةُ أبي بكر، ولا سيرة عمر، وليست سيرةُ سعد وخالد وأولئك الأبطال العظماء إلا فصولاً متشابهة، أو نسخًا مكرَّرة من سيرة المعجزة الكبرى في تاريخ البشر.. سيرة الانبعاث الأعظم لقوى الخير في الإنسان، سيرة الفتح الذي حيَّر نوابغ القُوَّاد، وأعلام المؤرِّخين.. سيرة الجندي الذي كان منزويًا وراء الرمال، نائمًا في وهج الشمس، لا يعرف المجد إلا في الحب والحرب.. في كأس خمر أو قصيدة شعر، أو غزوة سَلْبٍ ونَهْب، فلما هذَّبته مدرسة الإيمان؛ صيَّرته الجندي الأكمل في تاريخ الحروب.
لم يعرف التاريخ جنديًّا أخلص منه لدينه، ولا أقدم منه إلى غايته، ولا يعرف نفسًا أطهر من نفسه، ولا سيفًا أمضى من سيفه. الجندي الذي مشى في كل وادٍ، وصعد كلَّ جبلٍ، خاض البحار، وعبر الأنهار، وجاب الأرض كلَّها حتى نصب للإسلام على كلِّ رابيةٍ رايةً، وأبقى للإسلام في كلِّ أرضٍ وطنًا لا تقوى على استلابه من أهله مِرْدَة الشياطين[1].(/1)
هؤلاء هم صحابة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم ورضيَ الله عنهم وأرضاهم - وهذا أحدهم: كان فارس الإسلام، وليث المشاهد، وقائدَ الجُنْد المجاهدين، هاجر مسلمًا في السنة الثامنة للهجرة[2]، فلقيه عمرو بن العاص في الطريق؛ فقال له: "إلى أين أبا سليمان؟ قال: أذهبُ والله أُسْلِمُ، إنه والله لقد استقام المَنْسَم - أي الطريق - إن الرجل لنبيٌّ ما أشكُّ فيه..."[3].
شهد مؤتة والفتح وحُنَيْنًا، وحارب أهل الرِّدَّة، وغزا العراق، وشهد حروب الشام، وهدم العُزَّى فلا عُزَّى بعدها. قاتل الأعداء من كلِّ الأجناس، وصارع الأبطال، وبارز الشجعان، ولم يبقَ في جسده قيدَ شِبْرٍ إلاَّ وعليه طابع الشهداء، ثم بعد ذلك ما مات إلا على فراشه! فلا نامت أعين الجبناء[4].
لما استُشهد قادة جيش مؤتة: زيدٌ ثم جعفرٌ ثم ابنُ رواحة - رضيَ الله عنهم وأرضاهم - أخذ الرَّاية ثابتُ بن أَقْرَم؛ فقال: "يا معشر المسلمين، اصطلِحوا على رجلٍ منكم. قالوا: أنتَ. قال: ما أنا بفاعلٍ، فاصطلح الناس على خالد بن الوليد..."[5].
حمل خالدٌ الراية، وما معه إلا بقية ثلاثة آلاف، ويحيط به من العدو مئتا ألف، وليس في الدنيا قائدٌ يستطيع أن ينقذ هذه القبضةَ من الرجال من وسط هذا اللُّج، إلا أن يأتيَ بأعجوبة؛ وقد أتى بها خالد، واستطاع أن يخرج من لُجَّة البحر من غير أن يبتلَّ، وأن ينسحب من وسط اللهب من غير أن يحترق، وأن يسجِّل للذكاء العربي الذي هذَّبه الإسلام هذه المَنْقَبَة في تاريخ الحروب[6].
لقد عمل خطةً أنقذ بها الجيش من الإبادة، شهد قادة الأعداء قبل الأصدقاء أن تاريخ الحروب لم يسجِّل مثلها؛ إذ كان يقاتل وهو يحتال للخلوص بالجيش من هذا المأزق المتضايق. وقتالُ الانسحاب شاقٌّ ومرهقٌ، لاسيَّما وخالد لا يريد إشعار الروم بالحفاظ على الجيش وسحبه.(/2)
ودخل الليلُ على المتحاربين فتوقف القتال، فأعاد خالد تنظيم قواته القليلة، فجعل مقدمتَه ساقته، وساقتَه مقدمتَه، وميمنتَه ميسرتَه، وميسرتَه ميمنتَه؛ فأنكر الأعداءُ ما كانوا يعرفون من رايات وهيئة المسلمين، وقالوا: قد جاءهم مددٌ؛ فرُعبوا، وكان هدفُ خالد مناوشتهم وإلحاقَ الخسائر بهم دون إدخال المسلمين في حرب عامة معهم، تكون خطرًا عليهم، واكتفى بذلك، ثم آثر الانصراف بمَنْ معه[7].
وهذا العمل من خالد جعل النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يسمِّيه سيف الله، ويطلق على الغزوة فتحًا؛ حيث قال عليه الصَّلاة والسَّلام: ((ثم أخذ الراية سيفٌ من سيوف الله، حتى فتح الله عليهم))؛ أخرجه البخاريُّ[8].
وكان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لا يَعْدِلُ به وبعمرو بن العاص في الحرب أحدًا منذ أسلما[9].
وأثنى عليه النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: ((نِعْمَ عبدالله وأخو العشيرة خالد بن الوليد))؛ أخرجه أحمد والحاكم[10].
وأثنى على عقله؛ فقال عليه الصَّلاة والسَّلام: ((قد كنتُ أرى لك عقلاً رجوْتُ ألاَّ يسلمكَ إلاَّ إلى خيرٍ)).
وهذا العقل الذي مُدِحَ به خالدٌ صنع الأعاجيب في الحروب، وأبرز العبقريَّات في الشَّدائد.
كان - رضيَ الله عنه - لا ينام ولا يُنِيمُ إلاَّ على تعبئةٍ، ولا يخفى عليه من أمر عدوِّه شيءٌ[11].
ومن عجائب ذكائه ودهائه في فتح الأنبار:
أن العدو حفروا خندقًا يمنع المسلمين الوصولَ إليهم، فما كان من خالد - رضيَ الله عنه - إلا أن أمر بالإبل فنُحِرَتْ، ثم ألقاها في الخندق، وجعلها جسورًا في الخندق المحفور، حتى وصل إلى العدو وفتح الأنبار[12].(/3)
امتاز خالد - رضيَ الله عنه - في قيادة الجيش بحسن التنظيم، وسرعة الحركة، التي بَهَرَ بها عقول قادة الجيوش، العرب منهم والعجم؛ حيث انتقل بعشرة آلاف من الحِيرَة في العراق إلى الشام، مخترقًا الصحراء التي ليس فيها نقطةُ ماء، إلا ما حمله على ظهور الإبل، وما ابتكره من حمل الماء في بطونها؛ فحبس الإبل عن الماء حتى ظمأت، ثم أوردها عليه حتى ارتوت، ثم قطع شفاهها، فأصبح الماء في بطونها نقيًّا، ينحرون عددًا منها كل يوم؛ فيأكلونها ويشربون ما في بطونها من ماءٍ نقيٍّ[13]. كانت المسافةُ تقارب تسعمائة كِيلٍ، قطعها خالدٌ بجيشٍ جرَّارٍ في مدَّة لا تتجاوز خمسة أيام[14].
إنَّ الواحد منَّا لو قطع هذه المسافة بعربته لاحتاج أن يرتاح من عناء سفره؛ ولكنَّ خالدًا وجيشه قطعها على ظهور الإبل تحت شمس الهاجرة، ووسط برد الليل، مع الجوع والعطش والخوف.
فلما وصل رأى أمامه جيشًا كثيفًا منَ الروم، وجيشًا أكثف منه يتجمَّع قريبًا منه، والمجموع مئتان وأربعون ألف مقاتل مدجَّجين بالسلاح، وجيشُ المسلمين لا يزيد على ستةٍ وأربعين ألف مقاتلٍ، سلاحهم ضعيفٌ، ومنزلهم بعيدٌ، والمدد عنهم منقطعٌ. فما شكا خالدٌ بعد رحلته تعبًا، ولا ابتغى راحةً؛ بل حمل التَّبِعَة كاملةً، وبادر إلى العمل، وجمع فصائل الجيش تحت قيادته، ونظَّمه فأحسن تنظيمه.
وعمد إلى الجيش الرُّوميِّ الأدنى، فضربه في أجنادين ضربةً أذهبت رَوْعَه، وأطارت صوابه، ومزَّقته شرَّ ممزَّقٍ.
ثم وَثَبَ إلى الجيش الآخر في اليرموك، ويوم اليرموك هو اليومُ الأغرُّ في سيرة خالد - رضيَ الله عنه - وهو من أيام الإسلام المعدودات[15]، كسر فيه خالدٌ جيش الرُّوم القويِّ، وفرَّق شَمْلَه الكثيف، وولَّى الرُّوم مدبرين، ودخلت الشام في حظيرة الإسلام، بعد أن بكاها هرقل الروم وهو يقول: "عليكِ السَّلام.. سلامًا لا اجتماع بعده، ولا يعود إليكِ روميٌّ أبدًا إلاَّ خائفًا"[16].(/4)
فأين خالدٌ وجيشُه يرون الروم تصول وتجول في أرض الله، وتأمر وتنهى، وتعاهد وتغدر، وتقاطع مَنْ تشاء! وتضرب مَنْ تشاء! متى تشاء!! بكل أمنٍ واستعلاء، وتَغَطْرُسٍ وكبرياء!! ولا يمنعها أحدٌ، بعد أن أضاع الخَلَف كثيرًا مما كان عليه السَّلَف؟!! فالله المستعان.
لقد كان أعداءُ خالد - رضيَ الله عنه - يعلمون قوة إيمانه، ويدركون حدَّةَ عقلِه ودهائه، ألبسهم ثياب الهزيمة ثوبًا من بعد ثوب، وجرَّعهم كؤوس الذلِّ كأسًا من بعد كأس، وعرفه الروم حقَّ المعرفة.
وفي معركة الفِراض قال الروم لخالد: "إما أن تعبروا إلينا وإما أن نعبر إليكم. فقال خالد: بل اعبروا إلينا. قالوا: فتنحُّوا حتى نعبر. فقال خالد: لانفعل، ولكن اعبروا أسفل منَّا. وعندئذٍ قالت الروم والفرس بعضهم لبعض: احتسبوا مِلْكَكُم، هذا رجلٌ يقاتل عن دين، وله عقلٌ وعِلْمٌ، ووالله ليُنْصَّرَنَّ ولنُخْذَلَنَّ، فعبروا أسفل من جيش خالد، فاقتتلوا اقتتالاً شديدًا حتى هزمهم خالد وجندُه[17].
وفي معركةِ كاظِمة: نزل على غير ماءٍ، ثم أمر مناديه فنادى: "جالدوهم على الماء؛ فلعَمْري ليصيرنَّ الماء لأصْبَرِ الفريقَيْن، وأكرم الجندَيْن"[18].
وكان - رضيَ الله عنه - لا يعتبِر بالكَثْرة قدر اعتباره بالصبر والتنظيم والإقدام؛ فمن مأثورات قوله: "إنما تكثرُ الجنودُ بالنَّصر، وتقلُّ بالخِذلان، لا بعدد الرجال[19].
ومع هذه القيادة والسِّيادة؛ لم يكن بذلك القائد الذي يوجِّه جنده ولا يُقْدِم، أو يخطِّط للمعركة ولا يقاتل؛ بل كان يستأثر دون جنده بالمخاطر، ويؤثرهم بالخير والأمان، ويحبُّ لهم ما يحبذُ لنفسه، وكان حبُّهم له يزداد كلما ازداد إقدامًا وبلاءً وشجاعةً، بدليل أن جندَه الذين قاتلوا معه المرتدِّين، وصاحبوه في قتاله في العراق والشام - عندما عادوا إلى العراق نسوا الفخر كله، إلاَّ فخرهم بأيامهم مع خالد - رضيَ الله عنه وأرضاه[20].(/5)
ويكفي دليلاً على شدَّة بأسه وإقدامه أنه قاتل في مؤتة قتالاً مريرًا، حتى تكسرت تسعةُ أسيافٍ في يده، لولا أنَّ البخاريَّ أخرج ذلك في "صحيحه"؛ لما كان يُصَدَّق[21].
ويوم الوَلَجَة في حرب الفرس؛ جَبُن الناس عن فارسٍ كان يَعْدِلُ في الحرب ألف رجلٍ، فخرج إليه خالدٌ، فبارزه فصرعه.
وما جيشٌ قابلَ جيش خالدٍ إلاَّ كان مهزومًا، وما ذاق خالدٌ طعم الهزيمة، لا في الجاهلية ولا في الإسلام.
ولما وَلِيَ عمرُ الخلافة؛ خاف افتتان الناس بخالدٍ وانتصاراته، وعقله ودهائه؛ فعزله عن القيادة؛ ليُفْهِمَهُم أنَّ النصر منَ الله، وأنَّ الله ينصرهم بخالدٍ وبغير خالد؛ ليتَّكلوا على الله لا على بشرٍ، مهما سما وعلا شأنه. فأبى خالد إلا أن يضمَّ إلى انتصاراته العسكرية انتصاره على نفسه، فامتثل وأطاع، وصار جنديًّا تحت إمْرَة أبي عبيدة - رضيَ الله عنه - وقال قولته المشهورة: "إني لا أقاتل لعمر؛ ولكني أقاتل لربِّ عمر"[22]. فرضيَ الله عنه وأرضاه، وجعل الفردوس الأعلى مأواه.
وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثَّانية
الحمد لله، حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه، كما يحبُّ ربنا ويرضى، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، والتَّابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.
أما بعد:
فإن خالدًا - رضيَ الله عنه وأرضاه - لم يتخلَّف عن غزوةٍ منذ أسلم، وكان في طليعة جيوش المسلمين الجرَّارة، ومن أبرزهم حضورًا في المعارك الحاسمة، حتى شغله الجهاد عن كثرة قراءة القرآن. ونعم الشاغلُ الجهادُ في سبيل الله تعالى؛ قال قيس بن أبي حازم: "سمعت خالدًا يقول: منعني الجهادُ كثيرًا منَ القراءة"[23].(/6)
ومع شجاعته وإقدامه، ورغم كثرة المعارك التي حضرها، والجراح التي أصابت جسده؛ حتى ما فيه موضعُ شِبْرٍ إلاَّ وفيه جرحٌ؛ فإن الله تعالى كتب له السَّلامة في حروبه، وقدَّر له أن يموت على فراشه.
يقول - رضيَ الله عنه -: "لقد حضرتُ مائة زحفٍ أو زهاءَها، وما في جسدي موضعُ شِبْرٍ إلاَّ وفيه ضربة أو طعنةٌ أو رميةٌ، وها أنا أموت على فراشي كما يموت العَيْر؛ فلا نامت أعين الجبناء"[24].
لقد قويَ إيمانُه، حتى بلغ من قوَّته أنه أُشرب حبَّ الجهاد في سبيل الله تعالى وخدمة دينه، كان همُّه الأكبر الجهاد في سبيل الله، تعلق به قلبُه دون كلِّ محبوب، ولا أدلّ على ذلك من قوله: "ما من ليلة يُهدى إليَّ فيها عروسٌ أنا لها محبٌ، أحبَّ إليَّ من ليلةٍ شديدة البرد، كثيرة الجليد، في سريةِّ أُصَبِّح فيها العدو"[25].
فلله درُّ خالدٍ - رضيَ الله عنه وأرضاه - وهذا الشعور يملك عليه قلبَه، وتمتلئ به نفسُه، حتى يكون همُّه الأكبر الجهادَ في سبيل الله تعالى، وخدمة دينه.
وما تحطَّمت عروشُ كسرى وقيصر، وفتحت بلدانُ الشرق والغرب إلاَّ على أيدي رجالٍ كان هذا همُّهم، وذاك شعورهم. ولما تغيَّر ذلك الهمُّ في خَلَفِهم، وانحصر في الدنيا وحطامها؛ ذلُّوا وانهزموا، وهانوا واستُبيحوا، فهل من خالدٍ وأمثال خالدٍ يعود فيهم يومًا؟!
عن أبي وائل قال: لما حضرتْ خالدًا الوفاة قال: "لقد طلبتُ القتلَ مظانَّه، فلم يُقَدَّر لي إلا أن أموت على فراشي، وما من عملي شيءٌ أرجى عندي بعد التوحيد من ليلة بتُّها وأنا متترسٌ، والسماء تُهِلني، ننتظر الصبح حتى نغير على الكفار". ثم قال: "إذا مِتُّ فانظروا إلى سلاحي وفرسي، فاجعلوه عدَّةً في سبيل الله"[26].
فلما توفِّيَ خرج عمرُ على جنازته وقال: "ما على آل الوليد أن يَسْفَحْنَ على خالد من دموعهنَّ، ما لم يكن نَقْعًا أو لِقَلْقَلَةٍ"[27].(/7)
ورضي الله عن خالد؛ لم يخلِّف تركةً وهو الذي فتح الفتوح، وهدم العروش، وغنم الغنائم، وحمل مثاقيل الذهب والفضة؛ لأنه قاتل لله تعالى لا للدرهم والدينار، ولا للعرش والسُّلطة التي يتقاتل الناس عليها، ويبذلون في سبيلها كلَّ شيء.
قال نافع: "لمَّا مات خالدٌ؛ لم يَدَعْ إلا فرسَه وسلاحه وغلامه؛ فقال عمر: رحم الله أبا سليمان، كان على غير ما ظنناه به"[28].
وقال عمر لما مات خالد: "قد ثُلِمَ الإسلام ثَلْمَةً لا تُرْتَقُ"[29].
وقال: "كان والله سدَّادًا لنحور العدو، ميمون النَّقيبَة"[30].
ولقد كان - رضيَ الله عنه - جديرًا بمقولة أبي بكر - رضيَ الله عنه -: "عجز النساء أن يَلِدْنَ مثل خالد"[31]، وصدق الصدِّيق - رضيَ الله عنه وأرضاه.
أيها الإخوة:
كانت تلك أجزاءٌ يسيرةٌ من سيرة هذا البطل الكرَّار، والقائد المِقدام، الذي عاش ستِّين سنة، قضى ما يقارب شطرها في الجهاد في سبيل الله تعالى، فرضيَ الله عنه، ورضي عن الصحابة أجمعين.
ألا وصلُّوا وسلِّموا على محمد بن عبدالله، كما أمركم بذلك ربُّكم.
---
[1] بتصرف يسير من: رجال من التاريخ للشيخ علي الطنطاوي (45).
[2] انظر: سير أعلام النبلاء (1/366) والإصابة (1/70).
[3] أخرجه أحمد (4/198) وابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام (2/276) والواقدي في المغازي (2/741) والحاكم (3/454) وقال الساعاتي: سنده جيد (21/134) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني ورجالهما ثقات (9/351). وفي رواية أحمد (المنْسم) وفي رواية الحاكم (الميسم) بالياء بدل النون. قال السهيلي: "من رواه (المِيسَمُ) فهي العلامة، أي: قد تبين الأمر واستقامت الدلالة، ومن رواه (المَنْسَم) بفتح الميم وبالنون، فمعناه: استقام الطريق، ووجبت الهجرة، والمنسم مقدّم خف البعير، وكنّي به عن الطريق للتوجه به فيه" الروض الأنف (6/386).
[4] سير أعلام النبلاء (1/366).
[5] انظر: صحيح السيرة النبوية لإبراهيم العلي (391).(/8)
[6] رجال من التاريخ (47-48).
[7] انظر: فقه السيرة للغزالي (368) والرحيق المختوم (391).
[8] جاء ذلك في أحاديث عدة كما في حديث أبي عبيدة عند أحمد (4/90) وحديث أنس عند البخاري في فضائل الصحابة باب مناقب خالد بن الوليد (3757) وحديث وحشي بن حرب عند أحمد (1/8) والحاكم (3/298) وعزاه الهيثمي للطبراني وقال: رجالهما ثقات (9/348).
[9] أخرجه البيهقي في الدلائل (4/343).
[10] أخرجه أحمد (1/8) والحاكم (3/298) والطبراني في الكبير (4/12) قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني ورجالهما ثقات (9/348).
[11] أخرجه ابن سعد في الطبقات (4/252) وابن عساكر كما في تهذيب تاريخ دمشق (5/97).
[12] انظر: تاريخ الطبري (3/439) والكامل لابن الأثير (2/394).
[13] انظر: تاريخ الطبري (3/374) والكامل لابن الأثير (2/394).
[14] كانت المسافة بالتحديد ثمانمائة وستين كيلاً (860)، وانظر: تاريخ الطبري (3/408) ورجال من التاريخ (48).
[15] رجال من التاريخ (49).
[16] تاريخ الطبري (2/446).
[17] تاريخ الطبري (3/383) والكامل لابن الأثير (2/399).
[18] تاريخ الطبري (3/349).
[19] تاريخ الطبري (3/397) والكامل لابن الأثير (2/412).
[20] انظر: تاريخ الطبري (3/349) والقيادة العسكرية في عهد الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - للدكتور عبدالله الرشيد (599).
[21] أخرجه أحمد في فضائل الصحابة (1475) والبخاري في المغازي باب غزوة مؤتة (4265-4266) والبيهقي في الدلائل (4/373) وابن سعد في الطبقات (4/253) والحاكم (3/42).
[22] رجال من التاريخ (51)، وراجع: ج (2) ص (92).
[23] أخرجه أبو يعلى في مسنده (13/143) برقم (7188) قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح (9/350) وصححه البوصيري في مختصر اتحاف السادة المهرة (7671) وصححه الحافظ ابن حجر في المطالب العاليه (4/277) برقم (4008).
[24] انظر: أسد الغابة (2/143) والاستيعاب (3/169).(/9)
[25] أخرجه أبو يعلى في مسنده (13/141) برقم (7185) وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح (9/350) وانظر: الثقات لابن حبان (3/101).
[26] أخرجه ابن المبارك في الجهاد (53) والخرائطي في مكارم الأخلاق (177) والطبراني في الكبير (4/106) برقم (3812).
[27] أخرجه ابن المبارك في الجهاد (53) ونحوه عند الحاكم في المستدرك مختصرًا وسكت عنه الذهبي في التلخيص (3/297) وعلقه البخاري (3/160) وقال الحافظ في الفتح: وصله المصنف في التاريخ الأوسط (3/161)، وانظر: التاريخ الصغير للبخاري (1/46) وسير أعلام النبلاء (1/383) والإصابة (3/74) والنقع: وضع التراب على الرأس، واللقلقة: رفع الصوت.
[28] أخرجه ابن سعد في الطبقات (7/279) وذكره الذهبي في السير بلفظ: كان على ماظنناه به (1/383) والمعنى مختلف تمامًا.
[29] تهذيب تاريخ ابن عساكر (5/93).
[30] تهذيب تاريخ ابن عساكر (5/113).
[31] تاريخ الطبري (3/359) والكامل لابن الأثير (2/389).(/10)
العنوان: شباب (الإنترنت) .. مخاطر ومحاذير
رقم المقالة: 443
صاحب المقالة: نعيمة عبد الفتاح ناصف
-----------------------------------------
- الأرقام العالمية تشير إلى أن استخدام الشباب للشابكة (الإنترنت) بدأ يتزايد بسرعة شديدة على مستوى دول العالم.
- إذا غابت الضوابط الأخلاقية لدى الشباب، فسيصبح هذا الوافد الجديد وسيلة هدم وتدمير للقيم والأخلاق والأسر والمجتمعات.
- المواقع الإباحية المتاحة لزوار الشابكة تتزايد يوماً بعد يوم ويصل عددها إلى الملايين.
* * *
قد لا نبالغ إذا أطلقنا على الجيل الحالي من الأطفال والشباب لقب "جيل الإنترنت" فالأرقام العالمية تشير إلى أن استخدام الشباب للشابكة بدأ يتزايد بسرعة شديدة على مستوى دول العالم، والخطورة في ذلك أن الشابكة (الإنترنت) تفتح أبواب الإباحية بكل صورها أمام الشباب، نتيجة غياب الضوابط الأخلاقية، والذي يجعل منها وسيلة هدم وتدمير للقيم والأخلاق والأسر والمجتمعات.
ففي الولايات المتحدة الأمريكية أظهرت إحصائية حديثة أن عدد الأمريكيين من عمر سنتين إلى المراهقين بعمر 17 سنة من المستخدمين للشابكة (الإنترنت) تضاعف ثلاث مرات منذ عام 1997، وتشير الإحصائية إلى أن أكثر من 25 مليون حَدَثٍ استخدموا الشابكة خلال عام 2000 مقابل ثمانية ملايين خلال عام 1997، ومن المؤكد أن هذا الرقم قد تضاعف عدة مرات منذ عام 2000م حتى الآن، ومن المتوقع أن يتضاعف عدة مرات في السنوات القليلة القادمة.
ومن هنا فقد فتح الحاسوب آفاقاً جديدة أمام الشباب، وتحولت الشابكة (الإنترنت) بالنسبة لهم إلى ساحر جديد يستهلك الوقت، ويضع أمامهم مجالات واسعة للمغامرة غير مأمونة العواقب، مما بات يشكل تهديداً قوياً للقيم الأخلاقية، ويجعلهم عرضة لأنواع مختلفة من المعلومات والصور والأحداث التي لا تتناسب مع مراحلهم السنية.(/1)
وفي عالمنا العربي والإسلامي بدأ (الإنترنت) ينتشر وإن كان بمعدلات أقل من انتشاره في أمريكا والغرب، وبدأنا نرى مقاهي (الإنترنت) التي أصبحت مشهداً مألوفاً في شوارع المدن العربية والإسلامية، وكثيراً ما نرى لافتات هذه المقاهي لجذب الشباب إلى قضاء أوقات فراغهم أمام شاشاتها التي قد لا تتوافر لهم في منازلهم.
ومقاهي (الإنترنت) هي نواد تتيح لروَّادها الدخول في عالم الشابكة، والمشاركة في تجمُّعات المحادثة عليها، والتجول بين مواقعها بكل ما تحتوي عليه من خير وشر.
ففي شوارع القاهرة ومدن أخرى كثيرة أصبحت اللافتات التي تعلن عن وجود مقاهي (الإنترنت) مظهراً مألوفاً، وأصبح بإمكان المواطنين ممن لديهم دراية بالإنترنت أن يبعثوا الرسائل الإلكترونية التي يتبادلون فيها الآراء عن الحياة والعلاقات الاجتماعية والشؤون الجارية.
* الوافد الجديد:
السؤال الذي يطرح نفسه مع انتشار هذا الوافد الجديد هو: ماذا يرى الشباب على الإنترنت؟ وما المواقع التي يحرصون على تصفحها والتجول فيها؟
إن هناك مؤشرات قوية تقول: إن قطاعاً كبيراً من الشباب يستخدمون (الإنترنت) في تبادل المواعيد، وإقامة علاقات إباحيَّة مع فتيات من دول مختلفة، ومن يدخل غرف الحوار والمحادثة (الدردشة/ الشات) يدرك هذا الأمر جيداً، ولذا نقول: إن الشابكة أصبحت سلاحاً ذا حدَّين، وإذا غابت الضوابط الأخلاقية لدى الشباب، فسيصبح هذا الوافد الجديد وسيلةَ هدم وتدمير للقيم والأخلاق والأسر والمجتمعات.
لقد أصبحت الشابكة ملتقى للشباب من الجنسين، الذين يخشون من التلاقي علانية، إذ أصبح بوسعهم التواصل فيما بينهم عبر البريد الإلكتروني، أو تبادل أطراف الحديث عبر غرف المحادثة (الدردشة)، كما أن الشباب العرب الذين قد يضطرون إلى زيجات تقليدية يستعينون الآن بالشابكة للقاء شريك حياتهم عبر مواقع التخاطب الإلكتروني.
* الأخطار الأخلاقية:(/2)
لعل الأخطار الأخلاقية للشابكة على الشباب تتزايد يوماً بعد يوم، فقد فتحت لهم أبواب الإباحيَّة بكل صورها، وبلا حدود أو ضوابط، وألقت بهم في محيط من الإباحيَّة متلاطم، وخضم من الرَّذيلة عميق، يسحق الفتى والفتاة ليلقي بهما في بحر الرذيلة والانحراف، فحجم ترويج الإباحية وتصديرها عبر الشابكة فاق كل الحدود والتصورات، برغم المخاطر العظيمة التي تجرُّها الإباحيَّة على المجتمعات.
ولقد ذكرت وزارة العدل الأمريكية في دراسة لها أن تجارة المواد الإباحية تجارة رائجة جداً، يبلغ رأس مالها نحو مليار دولار، ولها أواصر وثيقة تربطها بالجريمة المنظَّمة، وإن تجارة الإباحيَّة هذه تشمل وسائل عديدة كالكتب، والمجلات، وأشرطة الفيديو، والقنوات الفضائية الإباحيَّة والشابكة.
وتفيد الإحصاءات الصادرة من الاستخبارات الأمريكية (FBI) أن تجارة الإباحيَّة هي ثالث أكبر مصدر دخل للجريمة المنظمة بعد المخدرات والقمار، إذ بأيديهم 85% من أرباح المجلات والأفلام الإباحية.
وفي أمريكا وحدها - كما يقول الدكتور مشعل بن عبدالله القدهي الأستاذ المساعد في معهد بحوث الحاسب الآلي في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية - أكثر من تسع مئة (900) دار سنما متخصِّصة بالأفلام الإباحيَّة، وأكثر من خمس عشرة ألف (15000) مكتبة ومحل فيديو تتاجر بأفلام ومجلات إباحية. ومع أن أمريكا في الماضي كانت تحارب إلى درجة كبيرة انتشار الإباحية في مجتمعها بفرض بعض الأنظمة والقوانين، فإن من الملاحظ في هذا العصر أن المعارضين لانتشار الإباحيَّة بدؤوا يخسرون هذه الحرب، فقد نجحت (الاستوديوهات) في تخفيف المراقبة على الأفلام الإباحيَّة.
ولقد أُلغي في أمريكا بأَخَرَة قانون "العفَّة في الاتصالات" ليتمكَّن الناس من الاستمرار في أعمال الإباحيَّة دون أي قيود قانونية. ومن المعلوم أن أمريكا هي أولى دول العالم في إنتاج المواد الإباحيَّة.
* مواقع مرفوضة:(/3)
تمثل الشابكة (الإنترنت) في الوقت الحاضر أكثر الطرق نجاحاً في نشر الإباحية إذ إن صفحات النسيج العالمي المتعلقة بها تمثل بلا منافس أشد الصفحات إقبالاً في العالم.
وتغص الشابكة بآلاف المواقع الإباحية، وتشير التقارير إلى أن ما لا يقل عن ثلاثين موقعاً جديداً - في المتوسط - يُنشأ يومياً على الشابكة..لا هدف لأصحابها سوى تقديم العروض المبتذلة، واصطياد الصبية والشباب، لابتزاز أموالهم، وتدميرهم أخلاقياً.
وهناك شركة وتحالف وثيق بين مروِّجي الإباحية، ومصممي برامج القرصنة واللصوصية، فهذا يروج لذاك، وذاك يدعو إلى هذا.. والنتيجة خراب للقيم ودمار للأخلاق.. في ظلِّ حرية مزيفة، بهرجتها الصِّهيَونيَّة، وفرضتها من خلال قوى الضغط (العاصرة) للسياسات ومتخذي القرارات. وهذا جاك لايت يؤكد أن "الشباب الأمريكي غارق في الرذائل حتى أذنيه.. والتكنولوجيا أفسدته، وجعلت منه شاباً مخنثاً.. وعبداً للشذوذ..".
وتُقدَّر عدد الصفحات الإباحيَّة في الشابكة بنحو 5 % من مجموع الصفحات الكلية فيها، وهذا النسبة تُعد قليلةً، لكنها لا تقدم الصورة الحقيقية لحجم المشكلة، إذ يزداد إقبال رواد (الإنترنت) على هذه المواقع، فشركة playboy الإباحية مثلاً تقول: إن 4-7 ملايين زائر يتصفحون موقعهم في الأسبوع الواحد.
* زيادة الإقبال:
وتفيد الإحصاءات بأن 63% من المراهقين الذين يرتادون صفحات المواقع الإباحية لا يدري أولياء أمورهم طبيعة ما يتصفحونه، وأن أكثر مستخدمي المواد الإباحية تراوح أعمارهم بين 12و 17 سنة، والصفحات الإباحية تمثل بلا منافس أكثر فئات صفحات الإنترنت بحثاً وطلباً.(/4)
ولذلك صرحت وزارة العدل الأمريكية قائلة : لم يسبق في أي مدة من تاريخ وسائل الإعلام بأمريكا أن تفشى مثل هذا العدد الهائل من المواد الإباحية أمام الكثرة من الأطفال والشباب. وتفيد إحصاءات الوزارة بأن تفشي هذه الوسائل من الأسباب المباشرة في تفشي أنواع أخرى من الجرائم والمآسي الاجتماعية كالقتل والسرقة والاغتصاب والشذوذ.
ففي دراسة أمريكية حديثة تأكد أن الشراء والبيع عبر الشابكة (الإنترنت)، ونشر المواد الجنسية، والمقامرة وبرامج الأحاديث.. أصبحت مثل المخدرات بالنسبة لفئات من الناس يشعرون بالوحدة والحساسية المفرطة بحيث يلجؤون إليها بحثاً عن الاستمتاع والإثارة دون الإحساس بالذنب..
وبهذا أصبحت ظاهرة (الإنترنت) تهدد حياة بعض الأسر بالمشكلات العائلية والانفصالات الزوجية؛ بسبب انصراف الأزواج عن حياتهم الزوجية ومسؤولياتهم العائلية ليغرقوا أمام شاشات الشابكة.
* أطفال الشابكة (الإنترنت):
لا يتوقف الأمر على الشباب اليافعين فقط، بل إن شاشة الشابكة المبهرة تجذب ملايين الأطفال على مستوى العالم ، الذين يتجوَّلون في المواقع المختلفة دون إدراك واعٍ لما يقدم لهم فيها، وأثره في ثقافة الطفل وقيمه وأخلاقه، خاصة في عالمنا العربي والإسلامي الذي شهد ازدياداً كبيراً في استخدام الشابكة في السنوات الأخيرة.
والأثر السلبي على الأطفال لا يمكن تجاهله، فالأرقام تؤكد أن 58 % من مستخدمي الشابكة من الطلبة الأمريكان انخفض مستواهم الدراسي، و86 % من المدرِّسين يرون أن تعلق الأطفال بالشابكة لا يفيدهم دراسيًّا.
وحذَّر بحث أجري في بريطانيا أيضاً من أن الجيل الأصغر من البريطانيين ليس لديه معرفة بمفردات الشابكة مع أنهم يستخدمونها بكثافة، وقال البحث: إنه بالرغم من أن العديد من أطفال بريطانيا يتمتعون بإمكانية استخدام (الإنترنت)، فإنهم يفتقدون فهم أيسر وأهم المصطلحات المطلوبة لاستخدامها.(/5)
ويكشف البحث عن أن 85 % من الأطفال البريطانيين الذين تراوح أعمارهم بين العاشرة والخامسة عشرة لديهم حواسيب منزلية، وأن 62 % من هذه الحواسيب متصلة بالشابكة.
ومن النتائج التي أظهرها البحث أن السبب الرئيس الذي يدفع الصغار إلى استخدام الشابكة هو التعلُّم حيث يتصل 48 % منهم من أجل الحصول على المعلومات والحقائق، في حين يكون هدف 26 % منهم هو مطالعة بريدهم الإلكتروني.
* ضوابط لابد منها:
إن مسؤولية وقاية الجيل المسلم من هذا الوافد الجديد تقع بالدرجة الأولى على عاتق الوالدين، إذ عليهما تحصين أبنائهم بالتربية والدين والأخلاق من كلِّ ما هو إباحي وفاسد على الشابكة، وتوفير الوسائل التي من شأنها ضبط مغامرات الشباب في عالم الشابكة والحاسوب مثلما يفعلان تماماً في مجالات الحياة عامة، كما تقع المسؤولية على عاتق مؤسسات التربية والتنشئة المختلفة والمؤسسات الدينية التي يجب أن تقوم بدورها في توعية الشباب وتحصينهم من الاستخدامات السيئة للشابكة، وتوجيههم إلى المواقع المفيدة والبنَّاءة، سواء كانت مواقع إسلامية أو ثقافية أو اجتماعية أو أدبية أو تاريخية.
وهناك برامج حاسوب يمكنها حجب معظم المواقع غير المرغوب فيها بالنسبة للأطفال، وهناك أيضا تقنية أخرى لمنع التجول الخطر للأطفال في مواقع الإنترنت المختلفة، وذلك عن طريق استخدام برامج الرقابة، ومن المقترحات التي يفضل اتخاذها في حالة استخدام الأطفال الخاطئ للشابكة فصل الكهرباء وإغلاق الجهاز.
وبات من المعروف أن الدول التي تفرض قوانين صارمة على نشر المواد الإباحية تنخفض فيها نسبة الجرائم، وبرامج الحجب والمنع ممكنة، وقد جُرِّبت في بعض المدارس الأمريكية وحققت نسبة نجاح تصل إلى أكثر من 99 %، مما يستدعي تضافر الجهود وتطوير التقنيات لحماية الجيل الصاعد من الخطر الإباحي الهادم عبر الشابكة.
* المراجع:(/6)
1 - إدمان الحاسب يؤدي لعاهات دائمة عند الأطفال - جريدة البيان - الثلاثاء 2 رمضان 1421 هـ - 28 نوفمبر 2000م.
2 - روشتة سريعة لوقاية الأطفال من مخاطر الإنترنت - مجلة صحتك - العدد 12 - يناير 2000م.
3 - حوار حول الإباحية في الإنترنت - سلطان الخثلان - مجلة الجندي المسلم - العدد 102 - ذو الحجة 1421هـ - مارس2001م.
4 - الثورة الإباحية - مجلة الفرقان - العدد 126 السنة الثانية عشرة - رجب 1412 هـ أكتوبر 2000م.
5 - هجمة صهيونية عبر الإنترنت - حسني عبد المعز عبد الحافظ - الجندي المسلم - العدد 99 - ربيع الأول 1421هـ.
6 - موقع بي بي سي اون لاين - 27 سبتمبر 2000م.
7 - الإنترنت إدمان القرن الجديد - مجلة الجيل - العدد 319 - 22 فبراير 2000م.
8 - مرض العصر..إدمان الإنترنت - د. نادية العوضي - الإسلام على الإنترنت - 10 يونية 2000م.(/7)
العنوان: شبحُ الكيس.. قصة للأطفال
رقم المقالة: 2000
صاحب المقالة: ثناء صلال الحمود
-----------------------------------------
ها هو ذا يومُ العطلة قد جاء بعد انتظار وشوق.
فقد اعتاد أفراد الأسرة أن يجتمعوا في هذا اليوم ويتبادلوا الأحاديث الجميلة
حيث يلاعب الأبُ صغاره فتنقضي الساعات وكأنّها دقائق.
في المساء خرجَ جميعُ أفراد الأسرة إلى السوق لشراء حوائجهم.
وعندما عادوا إلى المنزل، حملَ كلُّ واحد منهم كيساً.. لأن حَمْلَ الأكياس ليس مَهَمةً شاقة بنظر البراعم البريئة بقدر ما هو متعةٌ وعملٌ محبب يستحقّان المنافسة..
امتطى حَمَلةُ الأكياس الدّرَجَ، وما بين تدافعٍ وتسابق؛ أنجزوا المهمّة بنجاح، بينما راحت الأم تضعُ الأشياء في أماكنها.
لمْ تمضِ سوى دقائق معدودةٍ حتى دوّتْ صرخةُ محمد في أرجاء المنزل.
سكتَ لبرهةٍ ثمّ صرخَ بذُعرٍ للمرة الثانية...
لقد صرخ صرخة ثالثة ..!
أحسّت الأم أنّ هناك شيئاً غيرَ طبيعي يجري في الغرفة، الأمر الذي دفعها لتأجيل ترتيب الخضار والفواكه لترى ما يحدثُ عن كثب.
دخلت الأمُّ .. وإذْ بولدها تميم يلبسُ الكيس الأسود برأسه، ويطارد شقيقَه محمداً، كان محمدٌ يركض أمامه كظبيةٍ صغيرة تفرُّ من نمرٍ جائع..
أسرعَتِ الأمُّ، وانتزعت الكيسَ من رأس تميم، ثم ضمّت محمداً إلى صدرها وهدّأت من روعه وأعطته علبة َ حليب..
لقد أنسى طعمُ الحليب اللذيذ موقفَ الذعر الذي عاشه محمد لبعض الوقت..
عندئذ قالت الأم لمحمد: إنّ القناع الذي كان يلبسه تميم مجرّد كيس ...
هيّا المسه يا محمد، وهات علبة صلصالك الملوّنة وخبّئها فيه...
امتطى محمدٌ الكرسيّ، وأحضر علبةَ الصلصال من فوق الخزانة، ثمّ أودَعها الكيس، وراح يلوّح به...
توجّهت الأم بعد ذلك نحو تميم وقالت: هل أعجبك مافعلْتَه بأخيك ؟
ألا تعلم أنه ما زال صغيراً، ويخيفه أيّ شيء لا يألفه..؟ وربّما سبب له ذلك عقدة نفسية..
ألا تحبّ أخاك يا بنيّ ... ؟(/1)
تأثّر تميم وقال: أنا لم أقصد تخويفه، ولكن أردتُ اللعِبَ معه، ولم أكنْ أدري أنّ ارتداء الكيس بالرأس مخيفٌ لهذه الدرجة!
قالت الأم: كان ينبغي عليك أن تتوقّف عن اللعب عندما صرخَ أخوك.
ثمّ هل تعلم أن الكيسَ يحبس الهواء عن فمك وأنفك وربّما سبّب لك الاختناق؟؟
توجّه تميم من فَورهِ نحوَ شقيقه محمد، وصافحه بحنان، وقال له: سامحني يا محمد .. لن أخيفك بعد اليوم.(/2)
العنوان: شبهات مقتل عثمان رضي الله عنه وردها
رقم المقالة: 796
صاحب المقالة: الشيخ إبراهيم الحقيل
-----------------------------------------
الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.. {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالًا كثيرًا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبًا} { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا) أما بعد: فإن خير الكلام كتاب الله تعالى وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
أيها الناس: للقلوب أمراض كما أن للأبدان أمراضًا، وأمراض القلوب أعصى من أمراض الأبدان، وهي أشد فتكًا بالإنسان ؛ لأنها متعلقة بدينه، وتحدد مصيره في آخرته، ومن كان مريض القلب فزاده الله تعالى مرضا إلى مرضه بسبب صده عن سبيل الله تعالى فإنه من المنافقين أهل الدرك الأسفل من النار الذين قال الله تعالى فيهم {في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا} {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم} ومن أعظم أمراض القلوب التي تورد أصحابها المهالك في الدنيا والآخرة: الشبهات التي تعلق بالقلوب حتى يظن أصحابها أنهم على هدى وهم على ضلال، ويحسبون أنهم يحسنون صنعًا وهم مخطئون، وما وقع في البدعة من وقع فيها من أهل الإسلام إلا بالشبهات والأهواء.(/1)
بل إن أول فتنة عظيمة وقعت في هذه الأمة نتجت عن شبهات داخلت قلوب أصحابها فأوردتهم المهالك في الدنيا، وعلقوا بسببها في رقابهم دم الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، والله تعالى أعلم بعاقبتهم في الآخرة.
لقد نقموا على الخليفة ما نقموا، فركبهم أهل السوء والنفاق، ومبتغو الفتنة والشقاق، يلقون إليهم قالتهم، ويسيرونهم بشائعتهم، ويقذفون في قلوبهم شبهاتهم؛ حتى مكنوا من قلوبهم شبهات ما ردوها من بدايتها، ولا استفتوا فيها العلماء الراسخين في العلم من الصحابة وكبار التابعين، بل استسلموا لها، فتمكنت من قلوبهم، وعظمت بها نفوسهم، حتى تهيأوا للشر والفتنة فخرج بهم الرؤوس الظالمون في جيش كثيف على عثمان رضي الله عنه؛ يظهرون لهم الإصلاح، ويهتفون فيهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فأحسنوا الظن بهم وما أحسنوا، وظنوا السوء بخليفتهم وبئس ما ظنوا، فكانوا أهل المنكر والفتنة والفساد.
لقد حسبوا أنهم بصنيعهم هذا للإسلام ينصرون، وفي البلاد يصلحون، ولله تعالى يتقربون، وهم المفسدون ولكن أكثرهم لا يعلمون.
لما وصلوا المدينة النبوية، وأعلنوا خروجهم على الخليفة، وأخذوا يشغبون على الناس، ويلقون إليهم بشبهاتهم، ويبثون فيهم شائعاتهم؛ نصح لهم عثمان رضي الله عنه وهو الخليفة الناصح لرعيته، وعرض شبهاتهم وأجاب عنها، لعلهم يتذكرون، وعن غيهم يرجعون.
قام عثمان رضي الله عنه في الناس خطيبًا فقال رضي الله عنه وأرضاه: إن هؤلاء ذكروا أمورا قد علموا منها مثل الذي علمتم إلا أنهم زعموا أنهم يذاكرونيها ليوجبوها علي عند من لا يعلم، وقالوا: أتم الصلاة في السفر وكانت لا تتم، ألا وإني قدمت بلدا فيه أهلي فأتممت لهذين الأمرين أو كذلك؟ قال الناس: اللهم نعم.(/2)
وقالوا: وحميت حمى، وإني والله ما حميت إلا ما حمي قبلي – يعني ما حماه قبله أبو بكر وعمر لإبل الصدقة-والله ما حموا شيئا لأحد، ما حموا إلا غلب عليه أهل المدينة ثم لم يمنعوا من رعيه أحدا، واقتصروا لصدقات المسلمين يحمونها لئلا يكون بين من يليها وبين أحد تنازع، ثم ما منعوا ولا نحوا منها أحدا إلا من ساق درهما، ومالي من بعير غير راحلتين، ومالي ثاغية ولا راغية، وإني قد وليت وأنا أكثر العرب بعيرا وشاء، فمالي اليوم شاة ولا بعير غير بعيرين لحجي، أكذلك؟ قال الناس: اللهم نعم.
وقالوا: كان القرآن كتبا فتركتها إلا واحدا – يعنون جمع عثمان المصاحف في مصحف واحد - ألا وإن القرآن واحد، جاء من عند واحد، وإنما أنا في ذلك تابع لهؤلاء، أكذلك؟ قالوا: نعم.
وعندما أجاب رضي الله عنه عن شبهاتهم بهذه الأجوبة المفحمة لهم سألوه أن يقيلهم من بقية شبهاتهم ولكنه رضي الله عنه أراد أن يوضح للناس حقيقتهم، ويكشف لهم خطيئتهم، ويزيل الشبهات من قلوبهم، فمضى يجيبهم وقال: وقالوا إني رددت الحكم – يعني ابن أبي العاص وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد نفاه إلى الطائف ثم أرجعه إلى مكة -وقد سيره رسول الله، والحكم مكي سيره رسول الله من مكة إلى الطائف ثم رده رسول الله، فرسول الله سيره، ورسول الله رده، أكذلك؟ قال الناس: اللهم نعم.
وقالوا: استعملت الأحداث فلم أستعمل إلا مجتمعا محتملا مرضيا، وهؤلاء أهل عملهم فسلوهم عنه، وهؤلاء أهل بلده، ولقد ولى من قبلي أحدث منهم وقيل في ذلك لرسول الله أشد مما قيل لي في استعماله أسامة، أكذاك؟ قالوا: اللهم نعم يعيبون للناس ما لا يفسرون.
وقالوا: إني أعطيت ابن أبي سرح ما أفاء الله عليه وإني إنما نفلته خمس ما أفاء الله عليه من الخمس لما فتح إفريقية، فكان مائة ألف وقد أنفذ مثل ذلك أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، ومع ذلك زعم الجند أنهم يكرهون ذلك فرددته عليهم، وليس ذاك لهم، أكذاك؟ قالوا: نعم.(/3)
وقالوا: إني أحب أهل بيتي وأعطيهم؛فأما حبي لهم فإنه لم يحملني على جور، بل أحمل الحقوق عليهم، وأما إعطاؤهم فإني ما أعطيهم إلا من مالي، ولا أستحل أموال المسلمين لنفسي ولا لأحد من الناس، ولقد كنت أعطي العطية الكبيرة الرغيبة من صلب مالي أزمان رسول الله وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما وأنا يومئذ شحيح حريص أفحين أتيت على أسنان أهل بيتي، وفني عمري، وودعت الذي لي في أهلي؛ قال الملحدون ما قالوا!! إني والله ما أخذت من مصر من الأمصار مالا ولا فضلا فيجوز ذلك لمن قاله، ولقد رددت على تلك الأمصار الأموال ولم يحضروا إلى المدينة إلا الأخماس من الغنائم، ولا يحل لي منها شيء، فولي المسلمون وضعها في أهلها دوني، ولا تبلغت من مال الله عز وجل بفلس فما فوقه، ولا أتبلغ به، ما آكل إلا في مالي.
وقالوا: أعطيت الأرض رجالا، وإن هذا الأرضين شاركهم فيها المهاجرون والأنصار أيام افتتحت فمن أقام بمكانه من هذه الفتوح فهو أسوة أهله، ومن رجع إلى أهله لم يذهب ذلك ما حوى الله عز وجل، فنظرت في الذي يصيبهم مما أفاء الله عليهم فبعته لهم بأمرهم من رجال أهل عقار ببلاد العرب فنقلت إليهم نصيبهم فهو في أيديهم دوني...
فلما أزال عثمان رضي الله عنه شبهاتهم لأن له أكثر الناس، حتى ممن خرجوا عليه، وأبى المسلمون إلا قتل الخوارج عليه، ولكنه رضي الله عنه كان رحيما برعيته، صبورًا على أذية المؤذين منهم، فأبى رضي الله عنه إلا العفو عنهم وتركهم يرتحلون غير مأخوذين ولا محاسبين على فعلتهم الشنيعة.
ولكن عفوه عنهم ما زاد رؤوسهم إلا عتوا ونفورا، فرجعوا إلى بلادهم على أن يغزوهم مع الحجاج كالحجاج وتكاتبوا، وتواصوا بالشر فيما بينهم، وقالوا موعدكم ضواحي المدينة في شوال، وعادوا مرة أخرى وقد اشتد شرهم، وعظمت فتنتهم، فحاصروا خليفتهم، ثم قتلوه ونهبوا ماله، واستحلوا بيت مال المسلمين، وبقتله رضي الله عنه وضع السيف في هذه الأمة فلا يرفع إلى يوم القيامة.(/4)
نعوذ بالله من الفتن ما بطن منها وما ظهر، ونسأله سبحانه الهداية للحق والثبات عليه، والعصمة من الضلالة والهوى، وأقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا يليق بجلال ربنا وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه...
أيها الناس: كثير من الشبه التي ترد على القلوب في مسائل الدين، وفي حقوق السلاطين وما لهم وما عليهم، يحتاج الناس في إزالتها إلى من يحسن التعامل معها من أهل العلم والفضل، وأصحاب الحكمة والعقل، وإلا فتكت بأصحابها، وأدخلت المسلمين في دوامة من الشر والفتنة لا خلاص لهم منها إلا أن يشاء الله تعالى.
وما وقع من أحداث مأساوية في كثير من بلاد المسلمين، وبالأخص في تلك البلاد المباركة، على أيدي بعض أبنائها، إنما هو ناتج عن شبهات وردت على قلوبهم، أخطئوا معها طريق الإصلاح، وظنوه في رفع السلاح، ونكث البيعة، والخروج على السلطان؛فكانوا سببًا في ضرب المسلمين بعضهم ببعض، وأشمتوا بالأمة الكفار والمنافقين، ومكنوا لأهل الفساد والإلحاد التسلق على الأحداث، ونشر البغي والفساد، ثم كانت نهاية كثير منهم أليمة، والله أعلم بما يلقون به ربهم، وفي رقابهم دماء معصومة، وفي ذلك أبلغ العبرة والعظة لكل من يستسلم للشبهات، ولا يراجع العلماء الربانيين فيها.
ولو أنهم ما استسلموا للشبهات التي داخلت قلوبهم، ولا أعاروا عقولهم غيرهم، لما فعلوا في بلاد المسلمين ما فعلوا.
ولو أنهم فهموا نصوص الكتاب والسنة، ولم يخرقوا إجماع الأمة، لما ضلوا الصراط المستقيم، ولما رفعوا السلاح على المسلمين، واستحلوا الدماء المحرمة التي شأنها عند الله تعالى عظيم.(/5)
ولو أنهم فقهوا المصالح والمفاسد، وعرفوا ترتيب الأوليات، لأدركوا أن الإفساد لا يكون إصلاحا، وأن قصد الآمنين، والإفساد في بلاد المسلمين، لن تكون عاقبته إلا خراب الدين والدنيا.
والمسئول عن ذلك كله الشبهات التي ترد على القلوب فتفسدها، فيظن أصحابها أنهم يصلحون وهم يفسدون، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، أن المتشربين بالشبهات معهم منقولات ظنوها صدقا ولم يكن لهم خبرة بأنها كذب، ومعهم من الآيات والأحاديث الصحيحة تأويلات ظنوها مرادة من النص ولم تكن كذلك، ومعهم نوع من القياس والرأي ظنوه حقا وهو باطل، ثم قال رحمه الله تعالى: فهذا مجموع ما يورث الشبه في ذلك إذا خلت النفوس عن الهوى، وقل أن يخلو أكثر الناس عن الهوى {إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى} سورة النجم 23(/6)
وقال تلميذه ابن القيم رحمه الله تعالى: الشبهة وارد يرد على القلب يحول بينه وبين انكشاف الحق له، فمتى باشر القلب حقيقة العلم لم تؤثر تلك الشبهة فيه بل يقوى علمه ويقينه بردها، ومعرفة بطلانها، ومتى لم يباشر حقيقة العلم بالحق قلبه قدحت فيه الشك بأول وهلة، فإن تداركها وإلا تتابعت على قلبه أمثالها حتى يصير شاكا مرتابا، والقلب يتوارده جيشان من الباطل: جيش شهوات الغي، وجيش شبهات الباطل، فأيما قلب صغا إليها، وركن إليها تشربها، وامتلأ بها، فينضح لسانه وجوارحه بموجبها، فإن أشرب شبهات الباطل تفجرت على لسانه الشكوك والشبهات والايرادات، فيظن الجاهل أن ذلك لسعة علمه وإنما ذلك من عدم علمه ويقينه وقال لي شيخ الإسلام رضي الله عنه وقد جعلت أورد عليه إيردا بعد إيراد: لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة، فيتشربها فلا ينضح إلا بها ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها فيراها بصفائه، ويدفعها بصلابته، وإلا فاذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليها صار مقرا للشبهات أو كما قال، قال ابن القيم: فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك، وإنما سميت الشبهة شبهة لاشتباه الحق بالباطل فيها؛ فإنها تلبس ثوب الحق على جسم الباطل، وأكثر الناس أصحاب حسن ظاهر، فينظر الناظر فيما ألبسته من اللباس فيعتقد صحتها، وأما صاحب العلم واليقين فإنه لا يغتر بذلك بل يجاوز نظره إلى باطنها وما تحت لباسها فينكشف له حقيقتها. أ. هـ كلامه
أسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يحفظ بلادهم من الفساد والمفسدين، وأن يعصم شبابهم من الشهوات والشبهات، وأن يمن عليهم بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام إنه سميع مجيب. والحمدلله رب العالمين.(/7)
العنوان: شبهة الجرح وتزيين الوقيعة
رقم المقالة: 1937
صاحب المقالة: إبراهيم الأزرق
-----------------------------------------
من الشبه التي تُستحَلُّ بها الوقيعةُ في بعض أهل السنة: الجَرْح
من البدهي أنه لا يقع أحدٌ في أحد ثم يقول: إنما أنا مغتاب، أو سابّ، حقي التأديب! فالإنصاف عزيز، والظلم والجهل طبع إنساني {إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً} [الأحزاب: 72]، وأخطأ من ظن أن الإنسانية وصفُ مدح بإطلاق، وتأمَّلْ أكثر إطلاق لفظ الإنسان في القرآن، وكيف وُصِف!
وكثير من عوام المسلمين -بحمد الله- إذا وعظتَه وذكّرته بالله على حين سانِحة أقرَّ بخطئه، وإن كان قد يسرد ما استدعى تلك الوقيعة منه، وكل ذلك مما يُمكن علاجُه في الغالب. غير أن طائفة من الناس تعُدّ الغيبة وانتقاص الفضلاء ديناً وقربة، ومن اعتقد ذلك فلا تَسَلْ عن آحاد السباب والقدح المنبثقة عنه إذ لا حدَّ لها، والحجة عندهم أن الغيبة في الله، وانتقاص الناس دربٌ من دروب التجريح، الذي جرى عليه السلفُ في عصور الرواية، وأن التحذير من المبتدعة وجرحهم ببدعتهم سبيلٌ لأهل السنة سابلةٌ، وطريقٌ لأئمة السنة مطروقةٌ.
نعم لا يُنكَر أن من الغيبة ما يكون في الله، كما قال شعبة[1]، بيد أنه لم يكن طعنُ أولئك الأئمة على الأعلام المنتسبين للسنة يتجاوز في كثير من الأحيان جهةَ قبول الرواية أو ردها، ولهذا تجد أحدهم يطعن في الراوي وهو يعرف له منزلته، كما قال أحد أئمة هذا الشأن -وهو يحيى بن معين رحمه الله-: إنا لنطعن على أقوام لعلهم قد حَطُّوا رحالَهم في الجنة منذ أكثر من مائتي سنة. قال ابن مهرويه: دخلت على عبدالرحمن بن أبي حاتم، وهو يقرأ على الناس كتاب الجرح والتعديل، فحدثته بهذه الحكاية فبكى، وارتعدت يداه حتى سقط الكتاب من يده، وجعل يبكي ويستعيدني الحكايةَ، ولم يقرأ في ذلك المجلس شيئاً[2].(/1)
فلله درُّهم، ما أعظمَ ورعَهم! وهذا الورع اقتضى شهادتهم بالإمامة لبعض أهل العلم في أبوابٍ من العلم مع تضعيفهم لهم في الرواية، كحفص بن سليمان إمام القراءة، والواقدي إمام المغازي والسير.
ولم يقتضِ ترك الرواية عنهم وتضعيفهم فيها، ترك أخذ العلم أو التحذير منهم، وإنما حذروا الناس منهم من جهة تحمل الرواية عنهم، وكان تحذيرهم في هذا السياق.
ولهذا تجد في كتب الجرح والتعديل الثناء على رجل ووصفه بالفقه، مع تضعيفهم له أو طعن بعضهم في روايته، كابن لَهِيعة القاضي ضعَّفوه في الرواية، وشهدوا له بالعلم والفقه، حتى قال شيخ الإسلام: "كان من أهل العلم والدين باتفاق العلماء"[3]، وإذا قرأت في كتب التراجم وجدت عدداً من الفضلاء والقضاة قيل فيه: تكلموا فيه، ضعيف، متروك، كذبوه! مع أنهم قضاة ما رفعَهم إلى تلك المنزلة -في تلك العصور- إلاّ علمُهم وفقهُهم الذي لا ينازعون فيه.
وهذا يدل على أن جرحهم لهم كان في تحمل الرواية، لا في أخذ الفقه والعلم عنهم. وإن وقع كلام من بعضهم خارج هذا الصدد لم يكن محل قبول بمجرده، فكيف يكون حجة! قال الذهبي: "قد تكلم خلق من التابعين بعضُهم في بعض، وتحاربوا، وجرت أمورٌ لا يمكن شرحها، فلا فائدة في بثها، ووقع في كتب التواريخ وكتب الجرح والتعديل أمور عجيبة! والعاقل خصمُ نفسه، (ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)، و(لحوم العلماء مسمومة)، وما نقل من ذلك لتبيين غلط العالم، وكثرة وهمه، أو نقص حفظه، فليس من هذا النمط، بل لتوضيح الحديث الصحيح من الحسن، والحسن من الضعيف"[4].
وإذا تبين هذا سقطت دعوى الطعن في بعض علماءِ ودعاةِ أهل السنة بحجة الجرح والتعديل من أصلها، فهل مَن يتحدثون اليوم بتلك الحجة غرضهم النمط الذي أشار إليه الذهبي؟ ولا سيما في هذه الأعصار التي دُوّن فيها العلم، ولم يعد ينتصب فيها للرواية أحد، وإن حصل شيء من هذا كان فَضْلة.(/2)
قال القرافي في الفروق: "التجريح والتعديل في الشهود عند الحاكم عند توقع الحكم بقول المجرح ولو في مستقبل الزمان، أما عند غير الحاكم فيحرم لعدم الحاجة لذلك، والتفكه بأعراض المسلمين حرام، والأصل فيها العصمة. وكذلك رواة الحديث يجوز وضع الكتب في جرح المجروح منهم والإخبار بذلك لطلبة العلم الحاملين لذلك لمن ينتفع به، وهذا الباب أوسع من أمر الشهود; لأنه لا يختص بحكام بل يجوز وضع ذلك لمن يضبطه وينقله، وإن لم تعلم عين الناقل; لأنه يجري مجرى ضبط السنة والأحاديث، وطالب ذلك غير متعين، ويشترط في هذين القسمين أن تكون النية فيه خالصة لله -تعالى- في نصيحة المسلمين عند حكامهم، وفي ضبط شرائعهم، أما متى كان لأجل عداوة أو تفكه بالأعراض وجرياً مع الهوى فذلك حرام، وإن حصلت به المصالح عند الحكام والرواة، فإن المعصية قد تجر للمصلحة كمن قتل كافراً يظنه مسلماً فإنه عاص بظنه، وإن حصلت المصلحة بقتل الكافر.."[5]، فتأمل كيف قيّد المسألة، وتأمل كيف أطلقها بعضُ المعاصرين. ووالله ما الخوف على المطعون فيه بأشد من الخوف على طاعنه، "قال أبو الحارث: سمعت أبا عبدالله غير مرة يقول: ما تكلم أحد في الناس إلا سقط وذهب حديثه، قد كان بالبصرة رجل يقال له الأفطس، كان يروي عن الأعمش والناس، وكانت له مجالس، وكان صحيح الحديث، إلاّ أنه كان لا يسلم على لسانه أحد، فذهب حديثُه وذِكْرُه.
وقال في رواية الأثرم وذكر الأفطس واسمه عبدالله بن سلمة، قال: إنما سقط بلسانه، فليس نسمع أحداً يذكره.
وتكلم يحيى بن معين في أبي بدر، فدعا عليه، قال أحمد: فأُراه استجيب له. والمراد بذلك والله أعلم عدم التثبت والغيبة بغير حق.(/3)
وقال أبو زرعة عن عبدالله بن سلمة الأفطس: كان عندي صدوقاً، لكنه كان يتكلم في عبدالواحد بن زياد، ويحيى القطان، وذكر له يونس بن أبي إسحاق فقال: لا ينتهي يونس حتى يقول سمعت البراء. قال أبو زرعة فانظر كيف يرُدُّ أمره، كل من لم يتكلم في هذا الشأن على الديانة فإنما يعطب نفسه، وكان الثوري ومالك يتكلمون في الناس على الديانة فينفذ قولهم، وكل من لم يتكلم فيهم على غير الديانة يرجع الأمر عليه"[6].
فينبغي أن نتنبه أن الجرح والتعديل في عصور الرواية لم يكن ليسوّغ إساءة الأدب، وإنما يسوغ ضرباً من الجرح خاصاً في مواطن، إذا توفر شرطه، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ينظر ضعفاء العقيلي 1/11 و15 و39.
[2] تاريخ دمشق 35/365.
[3] الرد على البكري 1/308.
[4] سير أعلام النبلاء 10/93-94.
[5] الفروق 4/206-207.
[6] الآداب الشرعية لابن مفلح 2/142-143.(/4)
العنوان: شرح الشواهد الشعرية، في أُمَّات الكتب النحوية
رقم المقالة: 964
صاحب المقالة: خليل محمود الصمادي
-----------------------------------------
الناشر: مؤسسة الرسالة، ط1، 1427هـ/ 2007م.
ثلاثة مجلدات.
قراءة في كتاب:
"شرح الشواهد الشعرية، في أُمَّات الكتب النحوية"
لمحمد محمد حسن شُرَّاب
تمتاز لغتنا العربية بالنحو، الذي هو عماد ضبطها، وتمتاز كتب النحو بالشواهد القرآنية والشعرية، وبشواهد الأحاديث الشريفة، وبأقوال العرب، إلا أن الشواهد الشعرية اشتُهرت أكثر من غيرها؛ بسبب كثرتها، وقوة احتجاج كلِّ فريق بما لديه من بضاعة شعرية، وقد تكون منحولةً لتقوية فريق على آخر، أو تكون صحيحة أو مهملة أو غير ذلك.
ولا يخلو كتاب نحوي من شواهد شعرية، لاسيما الكتب التي تمثل آراء المدارس الفكرية القديمة؛ كمدرسة الكوفة والبصرة وغيرهما.
وقد اهتم الباحثون قديماً وحديثاً بهذه الشواهد؛ شرحاً، وتحقيقاً، واستدلالاً.
وأخيراً؛ أصدر الأستاذ الشيخ محمد محمد حسن شُرَّاب كتاباً في هذا الفن، جمع فيه الشواهد الشعرية، ورتَّبها على حروف المعجم، فبلغت أربعةَ آلاف شاهد، من الهمزة إلى الياء، جمعها من أمَّات كتب النحو، مبتدئاً بكتب (سيبويه) المتوفى سنة 180هـ - 796م، ومنتهياً بكتاب جامع الدروس العربية للشيخ (مصطفى الغلاييني) المتوفى سنة 1364هـ/ 1944م.
ولا يُعد الأستاذ شُرَّاب أوَّل مَن جمع هذه الشواهد الشعرية ضمن كتاب واحد؛ فقد سبقه إلى هذا الفن مؤلِّفان؛ هما:
- شيخ المحقِّقين الأستاذ عبدالسلام هارون؛ حيث وضع "معجم شواهد العربية"، جمع فيه بين شواهد النحو وشواهد العَروض، وعلوم البلاغة، وخصائص العربية وأسرارها. لكنَّه لم يذكر من الشواهد إلا قوافيها، وأثبتَ أمامَ كل شاهد مصادرَهُ.
- أما الثاني: فهو الدكتور حنا جميل حدَّاد، من الأردن؛ حيث صنع "معجم شواهد النحو العربية" 1984م، وأثبت الشواهد كاملةً، وذكر لكل شاهد مصادرَه.(/1)
ولعل القارئ يتساءل: إذا كان هناك كتابان في الشواهد النحوية؛ فما الجديد الذي جاء في كتاب الأستاذ شُرَّاب؟!
من خلال المقدمة يوضِّح المؤلفُ - أو (الجامع للشواهد الشعرية) - الجديدَ الذي جاء به. يقول في (ص6) من الجزء الأول: "ولكنني وجدت عملهما مقصوراً نَفْعُهُ على العلماء والباحثين، الذين يمتلكون المصادر النحوية التي حوت الشَّواهد، أما طلبة العلم، وصغار الباحثين، والمعلِّمون، وهواة قراءة الشعر، والمتأدِّبون؛ فإنهم لا يستفيدون من المعجمَيْن السابقَيْن، وقد لا يبلُّ هذان المصدران عطشَهم، لأنَّ امتلاكَ المصادر النحوية كلِّها أمرٌ عسيرٌ، ولأنَّ بيئات المثقفين متباينة؛ بعضهم يسكن المدينة الكبيرة، التي تتوافر فيها المكتبات العامة والخاصة، وبعضهم يسكن القرية أو المدينة الصغيرة، التي لا يوجد فيها إلا القليل من المكتبات، وإذا وُجِدَت المكتبة، فلا تضمُّ إلا نماذج قليلة من الكتب.
ويتابع كلامه: "وعَنَيْتُ مِنْ بين مَنْ ذكرتهم المعلِّمينَ، الذين يعملون في مدارس نائية عن العاصمة والمدن الكبرى، وليس في مكتبات مدارسهم إلا القليل من الكتب، فمثل هؤلاء إذا أراد أحدهم أن يعرف مدلول شاهد نحوي، وكان عنده أحد المعجمَيْن السابقَيْن؛ فإنه لن يجد ضالَّته فيهما، وقد يدلاَّنه على مصدر ليس موجوداً في مكتبته أو مكتبة مدرسته، وبهذا لا يفيد نفسه، ولا يفيد تلاميذه، ولذلك فكرتُ في صناعة معجم للشواهد النحوية، خفيف حمله، كثير نفعه، قد يغني عن حِمل بعير من كتب النحو"!!
بهذا الكلام يسوِّغ الأستاذ شُرَّاب وضعه لهذا المعجم؛ فهو يشفق على المعلِّمين والطلاب من حِمل بعير من كتب النحو، ولا أرى إلا أنَّ مصنِّفي الكتب التراثية على البرامج الحاسوبية - في يومنا هذا - قد أشفقوا علينا أكثر من الأستاذ شُرَّاب؛ إذ جعلوا ما تحمله عشرات الأباعر على (قرص مُدْمَج) واحد!! يستفيد منه جميع المهتمين.
منهجه في المعجم:(/2)
1- أورد المؤلف جميعَ الشواهد النحوية من المصادر القديمة، وأضاف إليها مصدراً من العصر الحديث، هو: "جامع الدروس العربية" للشيخ مصطفى الغلاييني؛ إذ يعدُّه المؤلف جامعاً لموضوعات العربية، إضافةً إلى ثناء شيخه سعيد الأفغاني على الكتاب والمؤلِّف.
2- أثبت الشاهدَ تامّاً، مع ضبط حروفه.
3- عزا الشاهدَ إلى قائله - إنْ كان معروفاً - وكثيراً ما ضمَّ للشاهدِ ما قبله وما بعده؛ ليُفْهَم من السِّياق.
4- ذكر المصدر النحوي للبيت المستشهَد به.
5- شرح ما ظهر أنَّه غامضٌ من معنى البيت.
6- دلَّ على موضع الشاهد الذي استشهد النحاة بالبيت من أجله، وربما أضاف شاهداً آخرَ لم يبينه مَنْ سبقه.
7- أعرب ما يحتاج إلى الإعراب من غير موضع الشاهد.
8- أدلى برأيه في حال وجود خلافٍ بين النحويين، وربما رجَّح أحدَ الأقوال.
9- مزجَ بين الرأي النحوي والذوق الأدبي، وكثيراً ما رجَّح الذوق الأدبي على الصنعة النحوية.
10- اعتمد مناهجَ النقد التاريخي واللغوي والأدبي في تقويمه لمناسبة البيت أو القصيدة.
11- استنبط من بعض الشواهد عبراً تاريخيةً، وربطها بالحاضر، ولاسيما المتعلقة بمصائب الأمة.
مصادره النحوية:
اختار المؤلف زُهاءَ ثلاثين مرجعاً، أثبتها في مقدمة الكتاب، ورتبها هجائياً، مبتدئاً بـ(الأشموني) المتوفى 900هـ، مؤلف "منهج السالك، إلى ألفيَّة ابن مالك"، ثم "الإنصاف، في مسائل الخلاف، بين النحويين، البصريين والكوفيين" للأنباري، المتوفى سنة 577هـ، ومنتهياً بـ(ياسين) المتوفى 1061هـ، في كتابه "حاشية ياسين على كتاب التصريح".
آراء المؤلف في الشواهد:
امتاز الأستاذ شُرَّاب عن غيره ممَّن صنَّف في الشواهد الشعرية بآراء نقدية في النحو، والأدب، والأخلاق العامة؛ منها:(/3)
1- أخذ على علماء النحو حصرَهم للشواهد الشعرية بين العصر الجاهلي ونهاية العصر الأموي، ويرى أن ذلك حَجْرٌ وتضييقٌ؛ لأنَّ في الشعر العباسي ما يضاهي ويفوق ما استشهدوا به من العصر الذي حدَّدوه.
2- ليس كل الشعر الجاهلي له سندٌ متَّصلٌ موثوقٌ، وكثيرٌ منه منحولٌ؛ فامرؤ القيس - مثلاً - لا يصحُّ له إلا نيفٌ وعشرون قصيدة، بين طويلة وقطعة، على رأي ابن رشيق في "العمدة"، في حين أن المنسوب له زُهاء ألف بيت!!
3- يرى الأستاذ شُرَّاب أن قصائد الجاهليين ليست كلها منحولة؛ فقد يكون لها أصلٌ قليلٌ، ولكن زِيدَ عليها.
4- يرى ألاَّ يؤخذ التاريخ الإسلامي من القصائد أو الشواهد الشعرية؛ لأن رواة الشعر وجدوا نصوصاً يرويها الناس، وليس معها قصة، فحرصوا على أن يكون لكل بيت قصة؛ فوقعوا في الوضع والكذب والاختلاق والظن، فرَوَوا ما قيل لهم - أو تخيَّلوا - قصةً، وقد نبَّه في المعجم على كثير من المناسبات التاريخية المصنوعة، وبيَّن كذبها.
5- يرى أنَّ الشواهد الشعرية لا تشملُ القواعدَ النحوية كلَّها، وأكثر الشواهد النحوية ما كانت موضع خلاف، أو فيما شذَّ عن القاعدة، أما المسائل المتَّفق عليها فقليلةٌ في الشواهد.
6- يرى أنَّ علماء العربية الأوائل قسَّموا قواعد النحو إلى قياسية - يصحُّ القياس عليها - وإلى سماعية، أو قليلة، أو شاذة - لا يصح القياس عليها - لندرة شواهدها عندهم، وقد تابعهم المؤلِّفون على هذا التقسيم إلى العصر الحديث، ولكن المؤلف يرى أن حكمهم قام على استقراء النصوص التي وصلت إليهم، ولكن ظهر فيما بعد أنَّ استقراءَ هؤلاءِ كان ناقصاً؛ لأنَّهم لمْ يطَّلعوا على الشواهد كلها.(/4)
وضرب مثلاً على ذلك: دخول (الـ) على الفعل؛ إذ عدُّوه من الشذوذ والضرورة؛ لأنهم لم يكونوا يملكون إلا شاهداً أو شاهدَيْن، في حين أحصى البغدادي في "خزانة الأدب" ثمانية شواهد شعرية. ويرى شُرَّاب أن هذه الثمانية - وربما هناك شواهد أخرى لم تبلغنا - تُخرج القاعدة من الشذوذ إلى حدِّ الكثرة.
وكذا ناقش مسألة اللغة التي تجمع بين الفاعل الظاهر والضمير المتصل المشهورة بـ (أكلوني البراغيث)، ويرى أنها صحيحة، بسبب ورودها بشاهدَيْن من القرآن الكريم: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} [الأنبياء: 3]، {ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ} [المائدة: 71]، وفي الحديث الشريف: ((يتعاقبون فيكم ملائكة)).
7- يرى أن علماء اللغة أخطؤوا في استبعادهم الأحاديثَ النبوية من الاستشهاد، ويناقش المسألة بإسهاب، مستعرضاً آراء المؤيدين والمعارضين، خاتماً برأيه المؤِّيد للاستشهاد بالحديث الشريف.
8- يرى أنَّه لم تصلْنا من مؤلفات الكوفيين ما يروي الغليل، وما وصلنا جاء عن طريق خصومهم البصريين، مطعوناً فيه، وقد تعصَّب النحويون على الكوفيين، وبالغوا في الردِّ عليهم إلى حدِّ الغلوِّ، ووصل أثر العصبية إلى العصر الحديث؛ فلا يكاد يَعرفُ المتعلمون في المدارس إلا المذهب البصري في النحو، ويرى أن تُراجعَ مقررات القواعد؛ للأخذ بالمذهبَيْن البصري والكوفي؛ لأن في ذلك توسعةً وتسهيلاً لقواعد اللغة العربية، التي أخذت تتفلَّت من أقلام المثقفين وألسنتهم.
نماذج من عمل المؤلف:
أورد المؤلف - كما أسلفنا - زُهاء أربعة آلاف شاهد شعري، وكانت له طريقة خاصة في بحثه، قد تتجاوز الشاهد النحوي ودلالاته، وسأورد نماذج منها لتكتمل الصورة.
- جاء في بيت الأَخْطل:
إنَّ مَنْ يَدْخُلِ الْكَنِيسَةَ يَوْماً يَلْقَ فِيهَا جَآذِراً وَظِباءَ.
قال المؤلف: "البيت منسوبٌ في كتب النحو للأخطل، وهو ليس له؛ لأن النصراني يحترم(/5)
مكان عبادته؛ فلن يتغزَّل في فتيات الكنيسة".
والبيت في "المُغني" شاهدٌ على رفع المبتدأ بعد (إنَّ) المكسورة الهمزة، وقد يكون اسمها ضمير شأن محذوف. وفي البيت:
مَنْ: اسم شرط، مبتدأ، وله الصدارة؛ فلا يعمل فيه ما قبله (الهمْع: جـ 1/ 136؛ شرح أبيات المغني: جـ 1/185؛ الخزانة: جـ 5/ 420).
- وأما في تخريج الشاهد:
لا أَشْتَهِي يَا قَوْمِ إِلاَّ كَارِهاً بَابَ الأَمِيرِ وَلا دِفَاعَ الحَاجِبِ
فينسبه للشاعر موسى بن جابر الحنفي، ويؤيد أبا العلاء في قوله: "موسى منقولٌ عن العبرانية، ولم أعلم أنَّ في العرب منْ سُمِّي بموسى زمان الجاهلية، وإنما حدث هذا في الإسلام".
ويقول: "ولا اعتراض على كلام أبي العلاء، وقد ذكر المرزباني عشرة شعراء ممن تسموا بـ (موسى) وتتبَّعتُ هؤلاء الشعراء، فوجدتهم إسلاميين، ما عدا (موسى بن جابر) صاحب الشاهد، و(موسى بن حكيم العبشمي)، لم يذكر المرزباني زمنَه. وعلى هذا؛ فقول أبي العلاء هو الصحيح، والله أعلم".
- أما تخريجه للشاهد التالي:
يَا بَارِيَ الْقَوْسِ بَرْياً لَسْتَ تُحْسِنُهَا لا تُفْسِدَنْهَا وَأَعْطِ القَوْسَ بَارِيهَا
فيقول: "لم يُعرف قائله، وآخره المثل المشهور: (أَعْطِ القوسَ بَارِيهَا)؛ أي: استعن على عملك بأهل المعرفة والحذق فيه. وأوردوه على أنه قد يقدَّر النصب على الياء في السعة... وحقُّ الفتحة أن تظهر على الياء، ولكن سكّن الياء، وقدّر الفتحة".
قال أبو أحمد - أي المؤلف -: "الأمثال العربية تمثل حال المجتمع، وكانت العرب أمةَ حرب في جاهليتها، وأمةَ جهاد في إسلامها؛ فجاء هذا المثل واصفاً جوانب من حياتها.
وفي العصر الحديث؛ صار همُّ العرب لقمة العيش؛ فجاءت أمثلتهم في إتقان الصنعة تمثل اهتمامهم، فقالوا في معنى "أَعْطِ القوسَ بَارِيهَا": أَعْطِ الخبز لخبَّازه، ولو أكل نصفه!!(/6)
أرأيتَ الدَّرك الأسفل الذي انحططنا إليه، أقول - في أواخر سنة 1413هـ -: لعلها سياسةٌ فُرضت علينا؛ لاستئصال روح الجهاد من نفوسنا، وإشغالنا بالطعام، دون أن نصل إلى الطعام إلا بشقِّ الأنفُس! ومما يدلك على هذا: أنه عندما تحركت الروح الجهادية في نفوس الشباب وصفوها بالتطرُّف، وهم يذكرون التطرف في الدين، ولكنهم يريدون حماسة الجهاد للدفاع عن الإسلام".
(الخزانة: جـ 8/ 349، وشرح شواهد الشافية: 411)، والبيت منسوب للحطيئة، وليس في ديوانه.
وفي ختام حرف الياء يختم الشيخ شُرَّاب كتابه بهذا التعريف: "انتهى كتاب "شرح الشواهد الشعرية، في أمَّات الكتب النحوية"، الذي صنفه في حي النصر بالمدينة النبوية، في السنوات الأخيرة من الجِوار الطيِّب، الذي انتهى جسماً، ودام روحاً سنة 1414هـ. وفرغت من قراءة تجرِبة التَّنضيد في داريا الشام، جوار أبي مسلم الخَوْلاني، ليلة الإثنين الحادي عشر من ربيع المولد النبوي 1417هـ، الموافق الخامس من آب سنة 1996م، والحمد لله على نعمائه".
ومن الجدير ذكره أن الطبعة الأولى للكتاب صدرت عام 1427هـ/ 2007م، أي بعد الفراغ من تصنيفه بثلاثة عشر عاماً، وبعد مراجعته بأحد عشر عاماً، ولم أدْرِ ما سبب التأخير في نشره هذه السنين الطوال، أللعرض والطلب، أم لأسباب أخرى؟!
يمتاز الكتاب بوجود الفهارس التالية:
1- فهرس الشعراء: وقد رتبه على حروف المعجم، وذكر رقم الصفحة عند كل شاعر؛ تسهيلاً للرجوع للشاهد.
2- فهرس القوافي: ذكر فيه القافية، ورقمها، والجزء والصفحة، واسم الشاعر، والموضوع النحوي، وكذا رتَّبها من الهمزة إلى الياء.
3- فهرس الموضوعات: أي موضوعات النحو والشواهد؛ كالاشتغال، والاشتقاق، وأفعل التفضيل... وغيرها من الموضوعات.(/7)
4- فهرس اللطائف والنوادر: ذكر فيه أشهر اللطائف والنوادر النحوية، كحذف التاء من (حائل) و(حائض)، و(أوهام سيبويه في التاريخ)، و(الحمير: هل تزكَّى)، و(شوقي يسرق شعر شاعر جاهلي في وصف النخيل)... وغيرها.
5- الفهرس العام: وهو متضمنٌ فهارس الأجزاء الثلاثة.
وفي الختام لابد من التعريف بالشيخ محمد بن محمد حسن شُرَّاب:
فقد ولد في خان يونس من قضاء غزة، سنة 1938م، تعلَّم في مدارسها، ثم تابع دراسته في الأزهر عام (1953 – 1956م)، ثم انتقل في تباشير الوحدة بين مصر وسوريا عام 1959م إلى جامعة دمشق للدراسة فيها، وتخرج في كلية الآداب واللغة العربية عام 1963م، ثم أكمل دراسته التربوية؛ فنال دبلوم التربية من الجامعة نفسها، وتابع دراسته في معهد الدراسات الإسلامية بالقاهرة (ماجستير الدراسات الإسلامية) 1980م.
تعاقد مدرساً مع المملكة العربية السعودية (1964 - 1994)، وعمل في حائل والدمام والمدينة المنورة، وقضى فيها ثلاثين عاماً بين التدريس والمحاضرات في النوادي الأدبية والمجالس العلمية.
احترف الكتابة منذ عام 1980م، فصدر له حتى عام 2007م أكثر من ثلاثين كتاباً في تراجم المدن والرجال، واللغة، والنحو، والتاريخ.
عاد إلى دمشق، وسكن في ناحية داريا في الغوطة الغربية، في بيت ريفي يشبه بيوت خان يونس.
يمتاز الأستاذ شُرَّاب بثقافته الواسعة؛ ففي تاريخ فلسطين ومدنها ورجالها لا يُشقُّ له غبار، وفي تاريخ المملكة العربية السعودية - لاسيما المدينة المنورة التي أمضى بها زمناً طويلاً - تراه عالماً بها أكثر من سكانها، أما في اللغة والنحو والصرف؛ فكأنك تستمع إلى سيبويه أو ابن مالك أو ابن هشام؛ فهو حافظٌ لشواهدها، ضليعٌ بأسرارها، عارفٌ ببلاغتها، وما هذا التصنيف إلا دليلٌ على ذلك.
• صنف الأستاذ عدداً من الكتب الأدبية والموسوعية؛ منها:
- أخبار الوادي المبارك (العقيق). دار التراث بالمدينة، 1984م.(/8)
- المدينة في العصر الأموي. دار التراث بالمدينة، 1985م.
- المعالم الأثيرة، في السنَّة والسيرة. دار القلم بدمشق.
- في أصول التاريخ العربي الإسلامي. دار القلم بدمشق.
- تميم الداري: راهب أهل عصره، وعابد أهل فلسطين. دار القلم بدمشق.
- المدينة النبوية في فجر الإسلام وعصر الراشدين. دار القلم بدمشق.
- الإمام محمد بن شهاب الزهري: عالم الحجاز والشام. دار القلم بدمشق.
- أبو عبيد بن الجراح. دار القلم بدمشق.
- عز الدين القسَّام: شيخ المجاهدين في فلسطين. دار القلم بدمشق.
- معجم بلدان فلسطين. دار المأمون للتراث، دمشق.
- معجم أسماء المدن والقرى الفلسطينية، وتفسير معانيها. الدار الأهلية، عمَّان.
- معجم العشائر الفلسطينية، ورجالات الأدب والجهاد. عمَّان، المكتبة الأهلية، 2002م.
- بيت المقدس والمسجد الأقصى. دار القلم بدمشق.
- القول المبين، في تاريخ القدس وفلسطين. دار السقَّا في داريا.
- العرب واليهود في التاريخ. دار السقا في داريا.
- قضية ولا صلاح الدين لها. دار السقا في داريا.
- الحديث النبوي مصدر للتشريع. دار السقا في داريا.
- الشوارد النحوية. دار المأمون بدمشق.
- معجم الشواهد الشعرية في كتب النحو. دار البشير، عمَّان.
- شعراء من المملكة العربية السعودية. دار المأمون ودار قتيبة، دمشق، 2006م.
- موسوعة بيت المقدس والمسجد الأقصى. الدار الأهلية، عمَّان.
- تاريخ الكتابة وتدوين العلم. دار الصديق، دمشق.
- شعراء فلسطين. الدار الأهلية، عمَّان، 2005م.
- حسان بن ثابت. دار الصديق، دمشق.
- قصة (بانت سعاد). دار الصديق، دمشق.
- مدينة حيفا. الدار الأهلية، عمَّان، 2005م.
- مدينة الخليل. الدار الأهلية، عمَّان، 2005م.
- مدينة الناصرة. الدار الأهلية، عمَّان، 2005م.
- مدينة عكا. الدار الأهلية، عمَّان، 2005م.
- مدينة غزَّة. الدار الأهلية، عمَّان، 2005م.
- مدينة القدس. الدار الأهلية، عمَّان 2005م.(/9)
- اللَّد والرَّملة. الدار الأهلية، عمَّان 2005م.
* نشر العشرات من المقالات في المجلات والصحف السعودية؛ مثل: عكاظ، والبلاد، والمنهل، والحرس الوطني، والفيصل، والشرق، ودارة الملك عبدالعزيز، والنور في لندن.
* حاضَرَ في عدد من المراكز الثقافية في سوريا، وكان ضيفاً على عدد من البرامج التلفازية الأدبية.
* عضو في اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين بدمشق.(/10)
العنوان: شرح بعض أسماء الله الحسنى أيضاً
رقم المقالة: 617
صاحب المقالة: سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين
-----------------------------------------
الحمد لله العلي الأعلى الكامل في أسمائه الحسنى وصفاته العليا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نرجو بها النجاة من سوء المأوى ونؤمل بها الفوز بالنعيم المقيم والدرجات العلى وأشهد أن محمداًً عبده ورسوله المصطفى وخليله المجتبى صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه النجباء وعلى التابعين لهم بإحسان ما دامت الأرض والسماء وسلم تسليماً.
أما بعد؛ فإن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة وإحصاؤها هو معرفة لفظها ومعناها والتعبد لله بمقتضاها فاتقوا الله أيها المسلمون وحققوا هذه الأسماء وما تدل عليه من الصفات العظيمة والمعاني الجليلة لتعبدوا ربكم على بصيرة فإنه لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون.(/1)
أيها الناس: في هذه الجمعة سنتكلم على ثلاثة أسماء من أسماء الله تعالى (العزيز) فلله العزة جميعاً ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين فهو العزيز الذي لا يغلب فما من جموع ولا أجناد ولا قوة إلا وهي ذليلة أمام عزة الله ذلت لعزته الصعاب ولانت لقوته الشدائد الصلاب: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ * كَتَبَ اللَّهُ لاَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [البقرة:249]. ومن أسماء الله تعالى (الحكيم) فهو سبحانه الحاكم والخلق محكومون له الحكم كله وإليه يرجع الأمر كله يحكم على عباده بقضائه وقدره ويحكم بينهم بدينه وشرعه ثم يوم القيامة يحكم بينهم بالجزاء بين فضله وعدله فلا حاكم إلا الله ولا يجوز تحكيم قانون ولا نظام سوى حكم الله: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً * ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:59-61]، فهو سبحانه الحاكم على عباده لا راد لحكمه وقضائه ولا حكم فوق حكمه.(/2)
وللحكيم معنى آخر وهو ذو الحكمة. والحكمة ضد السفه فهي وضع الأشياء في مواضعها اللائقة بها ولذلك كانت أحكام الله الكونية والشرعية والجزائية مقرونة بالحكمة ومربوطة بها فلم يخلق سبحانه شيئاً عبثاً ولم يترك خلقه سدى لا يؤمرون ولا ينهون ولا يثابون ولا يعاقبون فما أعطى الله شيئاً إلا لحكمة وما منع شيئاً إلا لحكمة ولا أنعم إلا لحكمة ولا أصاب بمصيبة إلا لحكمة وما أمر الله بشيء إلا والحكمة في فعله والتزامه ولا نهى عن شيء إلا والحكمة في تركه واجتنابه يقول الله تعالى مقرراً هذه الصفة العظيمة صفة الحكمة: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ}{فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لاَ إِلَهَ إِلاَ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}، {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ}{مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلاَ بِالْحَقِّ}، {أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} [القيامة:36]، {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ * أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص:27،28].
أيها المسلمون: لقد تبين أن للحكيم معنيين أحدهما الحاكم الذي له الحكم المطلق الكامل من جميع الوجوه والمعنى الثاني أنه ذو الحكمة الذي لم يخلق شيئاً عبثاً ولم يشرع شيئاً باطلاً ولم يجز عاملاً إلا بما عمل، المحسن بالإحسان والمسيء بمثل سيئته وله معنى ثالث وهو المحكم الذي أحكم كل شيء خلقه فما في خلق الرحمن من تفاوت ولا تناقض ولا خلل صنع الله الذي أتقن كل شيء وليس في شرعه من تناقض ولا اختلاف ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً.(/3)
ومن أسماء الله تعالى "القوي" والقوة ضد الضعف فهو سبحانه وتعالى يخلق المخلوقات العظيمة من غير ضعف فلم يزل ولا يزال قوياً والخلق ضعفاء، ضعفاء في ذاتهم وضعفاء في أعمالهم يقول الله تعالى مقرراً هذه الصفة العظيمة: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق:38] يعني من تعب ولا ضعف فهو القوي ذو القوة الكاملة والخلق ضعفاء مهما بلغت قوتهم: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً} [الروم:54] وهؤلاء عاد إرم ذات العماد والقوة، كان بعضهم يحمل الصخرة العظيمة من غير مبالاة حتى بلغ بهم الغرور أن قالوا من أشد منا قوة فقال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [فصلت:15] فكل قوة مهما عظمت فهي ضعيفة أمام قوة الخالق العظيم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف:180]، بارك الله لي ولكم.. الخ.(/4)
العنوان: شرح بعض أسماء الله الحسنى
رقم المقالة: 614
صاحب المقالة: سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين
-----------------------------------------
الحمد لله العلي الأعلى الكامل في أسمائه الحسنى وصفاته العليا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أرجو بها النجاة من سوء المأوى وآمل بها الفوز بالنعيم المقيم والدرجات العلى وأشهد أن محمداًً عبده ورسوله المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه النجباء وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم المعاد والجزاء وسلم تسليماً.
أما بعد أيها الناس اتقوا الله تعالى واعرفوا ما لله تعالى من الأسماء والصفات فإن معرفة ذلك زيادة في الإيمان وبصيرة في دين الله وعرفان، ولله تعالى تسعة وتسعون اسماً من أحصاها دخل الجنة ألا وإن إحصاءها أن يعرف العبد لفظها ومعناها ويتعبد لله تعالى بموجبها ومقتضاها.(/1)
فمن أسمائه تعالى (الحي القيوم) وهو اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى فهو الحي الكامل في حياته حياة لم يسبقها عدم ولا يلحقها زوال فهو الحي الذي لا يموت وهو الباقي وكل من عليها فان، أما القيوم الذي قام بنفسه فاستغنى عن جميع خلقه وفي الحديث القدسي أن الله تعالى يقول: ((يا عبادي: لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً. يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك في ملكي شيئاً يا عبادي: لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا غمس في البحر ذلك بأني جواد واجد ماجد أفعل ما أريد عطائي كلام وعذابي كلام إنما أمري لشيء إذا أردته أن أقول له كن فيكون)) وللقيوم معنى آخر وهو القائم على غيره فكل ما في السماوات والأرض فإنه مضطر إلى الله لا قيام له ولا ثبات ولا وجود إلا بالله: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ}.(/2)
ومن أسمائه تعالى (العليم) الذي يعلم كل شيء جملة وتفصيلا فلا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:59]، {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد:4]، {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان:34].
ومن أسمائه تعالى (القدير) ذو القدرة الكاملة فما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض وإنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون أرأيتم كيف خلق هذا الكون العظيم في ستة أيام ثم استوى على العرش خلق هذا الكون بأرضه وسمائه وشمسه وقمره وبحره وبره ووهاده وجباله وأنهاره وبحاره وبقوله وأشجاره ورطبه ويابسه وظاهره وباطنه خلق هذا الكون على أحسن نظام وأتمه لمصالح عباده خلقه كله في ستة أيام ولو شاء لخلقه بلحظة ولكنه حكيم يقدر الأمور بأسبابها. أيها المسلمون إن ما غاب عنا من مشاهد قدرته أعظم وأعظم بكثير مما نشاهده فلقد جاء في الحديث: ((إن السماوات السبع والأرضين السبع بالنسبة إلى الكرسي الذي وسع السماوات والأرض كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض وإن نسبة هذا الكرسي إلى العرش كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض)) فسبحان الله العلي الكبير القوي القدير.(/3)
ومن أسمائه تعالى (السميع البصير) يسمع كل شيء ويرى كل شيء لا يخفى عليه دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلق في ظلمات ثلاث إن جهرت بقولك سمعه وإن أسررت به لصاحبك سمعه وإن أخفيته في نفسك سمعه وأبلغ من ذلك أنه يعلم ما توسوس به نفسك وإن لم تنطق به. إن فعلت فعلا ظاهراً رآك وإن فعلت فعلاً باطناً ولو في جوف بيت مظلم رآك وإن تحركت بجميع بدنك رآك وإن حركت عضوا من أعضائك رآك وأبلغ من ذلك أنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
ومن أسماء الله تعالى (الرحمن الرحيم) فكل ما نحن فيه من نعمة فهي من آثار رحمته معاشنا من آثار رحمته وصحتنا من رحمته وأموالنا وأولادنا من رحمته. الليل والنهار والمطر والنبات من رحمته. الأمن والرغد من رحمته. إرسال الرسل وإنزال الكتب من رحمته.: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل:18]، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف:180]، بارك الله لي ولكم.(/4)
العنوان: شرح بعض الأسماء الحسنى أيضاً
رقم المقالة: 615
صاحب المقالة: سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين
-----------------------------------------
الحمد لله المتفرد بكمال الصفات المتنزه عن العيوب والنقائص والآفات خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ولو شاء لخلقها في لحظات له الملك وله الحمد وله الخلق وله الأمر في جميع الأوقات فسبحانه من إله عظيم وملك رب رحيم ولطيف بالعباد عليم وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك به في ألوهيته وربوبيته والأسماء والصفات وأشهد أن محمداًً عبده ورسوله المصطفى على جميع البريات صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان مدى الأوقات وسلم تسليماً.
أما بعد أيها الناس اتقوا الله تعالى واعرفوا ما له من الأسماء الحسنى والصفات الكاملة العليا فإن معرفة ذلك زيادة في الإيمان وتثبيت على الحق وإيقان وعبادة الله على بصيرة وبرهان فمن أسماء الله تعالى "الملك" وهو ذو السلطان الكامل والملك الشامل المتصرف بخلقه كما يشاء من غير ممانع ولا مدافع {مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} [هود:56] له الملك المطلق {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء23] يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير وهو على كل شيء قدير بيده ملكوت السماوات والأرض يحيي ويميت يغني فقيراً ويفقر غنياً ويضع شريفاً ويرفع وضيعاً ويوجد معدوماً ويعدم موجوداً ويبتلي بالنعم ويبتلي بالمصائب ليبلو عباده أيشكرون النعمة أم يكفرون وهل يصبرون على المصائب أو يجزعون يقلب الله الليل والنهار بالرخاء والشدة والأمن والمخافة كل يوم في شأن، ملكه ظاهر في السماوات وفي الأرض ويظهر تماماً حينما يتلاشى الملك عن كل أحد حينما يعرض الخلائق عليه فرادى كما خلقوا أول مرة هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار.(/1)
ومن أسمائه تعالى (الجبار) وله ثلاث معان جبر القوة وجبر الرحمة وجبر العلو فأما جبر القوة فهو تعالى الجبار الذي يقهر الجبابرة ويغلبهم بجبروته وعظمته فكل جبار وإن عظم فهو تحت قهر الله وجبروته وفي يده وقبضته وأما جبر الرحمة فإنه سبحانه يجبر الضعيف بالغنى والقوة ويجبر الكسير بالسلامة ويجبر المنكسرة قلوبهم بإزالة كسرها وإحلال الفرج والطمأنينة فيها وما يحصل لهم من الثواب والعاقبة الحميدة إذا صبروا على ذلك من أجله وأما جبر العلو فإنه سبحانه فوق خلقه عال عليهم وهو مع علوه عليهم قريب منهم يسمع أقوالهم ويرى أفعالهم ويعلم ما توسوس به نفوسهم.
ومن أسمائه تعالى (القدوس السلام) فأما القدوس فهو الذي تقدس وتعالى عن كل نقص وعيب فالنقص لا يجوز عليه ولا يمكن في حقه لأنه تعالى الرب الكامل المستحق للعبادة وأما السلام فهو السالم من كل نقص وعيب ومن مشابهة المخلوقين أو مماثلتهم ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وفي الحديث أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقولون قبل أن يفرض عليهم التشهد: السلام على الله من عباده السلام على جبريل السلام على فلان وفلان فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تقولوا السلام على الله من عباده فإن الله هو السلام)).
أيها الناس: تفكروا في أسماء الله وصفاته واعرفوا معناها وتعبدوا لله تعالى بها وانظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله فيهما من الآيات الدالة عليه التي هي مقتضى أسمائه وصفاته فإن في كل شيء له آية تدل على أنه واحد.(/2)
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحشر:22-24]، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.. الخ.(/3)
العنوان: شرح بعض الأسماء الحسنى
رقم المقالة: 613
صاحب المقالة: سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين
-----------------------------------------
الحمد لله ذي الصفات الكاملة العليا والأسماء الفاضلة الحسنى خلق الأرض والسماوات العلي الرحمن على العرش استوى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته وربوبيته وتدبيره ولا نظير له في صفاته ولا راد لتقديره وأشهد أن محمداًً عبده ورسوله الذي خضع لربه واستعان به في صغير أمره وجليله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين عرفوا الحق بدليله وسلم تسليماً.(/1)
أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى واعلموا أن الله لا شريك له في جميع صفاته ولا مضاهي له في أسمائه وتقديراته فهو (الله) الذي تألهه القلوب بالمحبة والود والتعظيم وهو (الرحمن الرحيم) الذي هو أرحم بعباده من الوالدة بولدها فما من نعمة وجدت إلا من رحمته وما من نقمة دفعت إلا من آثار رحمته وهو (الملك) مالك العالم كله علوه وسفله لا يتحرك متحرك إلا بعلمه وإرادته وما يسكن من ساكن إلا بعلمه وإرادته وهو (القدوس) الذي تقدس وتنزه عن النقائص والعيوب فلقد خلق السماوات بما فيها من النجوم والأفلاك وخلق الأرض بما فيها من البحار والأشجار والجبال والمصالح والأقوات خلق كل ذلك وما بين السماوات والأرض في ستة أيام سواء للسائلين وما مسه من تعب ولا آفات وهو (القوي القهار) فما من مخلوق إلا وتحت قدرته وقهره وما من جبروت إلا وقد ذل لعظمته وسطوته وهو (العليم) الذي يعلم السر وأخفى ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه يعلم ما توسوس به نفس العبد قبل أن يتكلم به وهو الرقيب الشاهد عليه في كل حالاته وما يغيب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر وهو (العلي الأعلى) هو العلي في ذاته فوق عرشه العلي في صفاته فما يشبهه أحد من خلقه وهو (الجبار) الذي يجبر الكسير والضعيف ويأخذ القوي بالقهر المنيف وهو (الغفور) الذي يغفر الذنوب وإن عظمت ويستر العيوب وإن كثرت وفي الحديث القدسي عنه تبارك وتعالى قال: ((يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي يا ابن آدم لو أتيتني بملء الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بملئها مغفرة)). وهو (الخلاق القدير) الذي أمسك بقدرته السماوات والأرض أن تزولا ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه وهو (الحكيم) في شرعه وقدره فما(/2)
خلق شيئاً عبثاً ولا شرع عبادة لهوا ولعباً ومع ذلك فله الحكم آخراً وأولاً وهو (الغني) بذاته عن جميع مخلوقاته وهو (الكريم) بجزيل عطائه وهباته فيده لا تغيضها نفقة ملآى سحاء الليل والنهار. أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض فإنه لم يغض ما في يمينه حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه وفي الحديث قال الله تعالى: ((يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر)) وفي رواية: ((ذلك بأني جواد واجد ماجد أفعل ما أريد عطائي كلام، وعذابي كلام، إنما أمري لشيء إذا أردته أن أقول له كن فيكون)).
إخواني: هذا شيء يسير من أسماء الله تعالى وما لها من المعاني وإن أسماءه تعالى لا يحصى لها تعداد وله منها تسعة وتسعون من أحصاها دخل الجنة وإحصاؤها هو معرفتها لفظاً ومعنى والتعبد لله بها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف:180]، بارك الله لي ولكم.(/3)
العنوان: شرح بعض من الأسماء الحسنى أيضاً
رقم المقالة: 616
صاحب المقالة: سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين
-----------------------------------------
الحمد لله العلي الأعلى الكامل في الأسماء الحسنى والصفات العليا رب السماوات ورب الأرض ورب الآخرة والأولى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الفضل والجود الذي لا يحصى وأشهد أن محمداًً عبده ورسوله أفضل من تعبد لله ودعا صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن بهداهم اهتدى وسلم تسليماً.(/1)
أما بعد أيها الناس: اتقوا الله تعالى وأعلموا أن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة واحصاؤها معرفة لفظها ومعناها والتعبد لله بها فمن أسمائه تعالى (الله الحي القيوم العليم القدير السميع البصير الرحمن الرحيم العزيز الحكيم القوي الملك القدوس السلام الجبار) ومن أسمائه تعالى (المتكبر) أي ذو الكبرياء والعظمة فالكبرياء وصفه المختص به فليس لأحد من المخلوقين أن ينازعه في ذلك ومن نازعه في الكبرياء أذاقه الله الذل والهوان والمتكبرون يحشرون يوم القيامة أمثال الذر يطؤهم الناس بأقدامهم. أما البارئ فإنه لكمال عظمته وعزه وقهره وملكه اختص سبحانه بالكبرياء والعظمة ومن أسمائه تعالى (الخالق) الذي خلق السماوات والأرض وما فيهما من المصالح وما بينهما من المخلوقات خلقها الله تعالى كلها في ستة أيام وأحسن خلقها وأكمله ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ولا تناقض: {فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ} [الملك:3،4]، {فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ}، {يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لاَ إِلَهَ إِلاَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحج:5]، {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ} [الزمر:6]: ظلمة البطن وظلمة الرحم وظلمة غشاء الجنين في بطن أمه ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو فأنى تصرفون يقدر لكم في ذلك الموضع من الغذاء ما لا يستطيع أحد أن يوصله إليكم وذلك بواسطة السرة المنغرسة في عروق الرحم فتمتص من الدم وما يتغذى به جسم الجنين ولا يحتاج معه إلى البول والغائط فسبحان الله رب العالمين خلق الله تعالى كرسيه وعرشه وهما من أعظم المخلوقات فالكرسي وسع السماوات(/2)
والأرض وما السماوات السبع والأرضون السبع بالنسبة إليه إلا كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض والعرش استوى عليه الرحمن وهو أعظم المخلوقات وأعلاها وما الكرسي بالنسبة إليه إلا كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض.
أيها المسلمون: إن هذه المخلوقات العظيمة وما فيها من الإتقان والكمال لتدل دلالة ظاهرة على عظمة خالقها وكماله وأنه أتقن كل شيء وأحسن كل شيء خلقه فتبارك الله أحسن الخالقين.
ومن أسماء الله تعالى (الرزاق) الذي عم برزقه كل شيء فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها. رزق الله الأجنة في بطون الأمهات والحيتان في قعار البحار والسباع في مهامه القفار والطيور في أعالي الأوكار ورزق كل حيوان وهداه لتحصيل معاشه فأعطى كل شيء خلقه ثم هدى ولو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو في الصباح خماصاً جائعة ثم تروح في المساء بطاناً ممتلئة بطونها بما يسر الله لها من الرزق والأقوات ومن رزق الله تعالى ما يمن الله به على من شاء من خلقه من حسن الخلق وسماحة النفس ومن رزقه تعالى ما يمن الله به على من يشاء من العلم النافع والإيمان الصحيح والعمل الصالح الدائب وهذا أعظم رزق يمن الله به على العبد: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ * وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} [الطلاق:2،3]، وهو سبحانه المعطي المانع فكم من سائل أعطاه سؤله وكم من محتاج أعطاه حاجته ودفع ضرورته وإنه تعالى ليستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً وكم منع سبحانه من بلاء انعقدت أسبابه فمنعه عن عباده ودفعه عنهم فلا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع وهو سبحانه الذي بيده النفع والضر إن جاءك نفع فمن الله وإن حصل عليك ضر لم يكشفه سواه ولو اجتمعت الأمة على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء(/3)
قد كتبه الله لك ولو اجتمع الناس على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك فربك هو هو المدبر المتصرف بخلقه كما يشاء فالجأ إليه عند الشدائد تجده قريباً وافزع إليه بالدعاء تجده مجيباً وإذا عملت سوءاً أو ظلمت نفسك فاستغفره تجده غفوراً رحيما.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف:180]، بارك الله لي ولكم... الخ.(/4)
العنوان: شرح قول النبي - صلى الله عليه وسلم - الدين النصيحة
رقم المقالة: 735
صاحب المقالة: سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين
-----------------------------------------
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداًً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً.
أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى واعلموا أن النصيحة هي أساس الدين وقوامه، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولآئمة المسلمين وعامتهم)) فمتى نصح العبد في هذه الأمور فقد استكمل الدين، ومن قصر في النصيحة بشيء منها فقد نقص دينه بحسب ما قصر فيه.
أما النصيحة لله فهي الإخلاص له وصدق القصد في طلب مرضاته، بأن يكون الإنسان عبداً لله حقيقة راضياً بقضائه قانعاً بعطائه متمثلاً لأوامره مجتنباً لنواهيه مخلصاً له في ذلك كله لا يقصد به رياء ولا سمعة.(/1)
وأما النصيحة لكتاب الله فهي تلاوته بامتثال أوامره واجتناب نواهيه وتصديق أخباره، والذب عنه وحمايته من تحريف المبطلين وزيغ الملحدين، واعتقاد أنه كلام رب العالمين تكلم به وألقاه على جبريل فنزل به على قلب النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأما النصيحة لرسوله فهي محبته واتباعه ظاهراً وباطناً، ونصرته حياً وميتاً، وتقديم قوله وهديه على قول كل أحد وهديه. وأما النصحية لأئمة المسلمين فهو صدق الولاء لهم وإرشادهم لما فيه خير الأمة في دينها ودنياها، ومساعدتهم في إقامة ذلك، والسمع والطاعة لأوامرهم ما لم يأمروا بمعصية الله، واعتقاد أنهم أئمة متبوعون فيما أمروا به لأن ضد ذلك هو الغش والعناد لأوامرهم والتفرق والفوضى التي لا نهاية لها، فإنه لو جاز لكل واحد أن يركب رأسه وأن يعتز برأيه ويعتقد أنه هو المسدد الصواب وهو المحنك الذي لا يدانيه أحد، لزم من ذلك الفوضى والتفرق والتشتت؛ ولذلك جاءت النصوص القرآنية والسنة النبوية بالأمر بطاعة ولاة الأمور لأن ذلك من النصيحة لهم التي بها تمام الدين فقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية)) وقال: ((من خلع يداً من الطاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له)) وقال: ((اسمعوا وأطيعوا وإن أمر عليكم عبد حبشي)) وقال عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -: ((بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة في منشطناً ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان)). وأما النصيحة لعامة المسلمين فهي أن تحب لهم ما تحب لنفسك، وأن تفتح لهم أبواب الخير وتحثهم عليها وتغلق دونهم أبواب الشر وتحذرهم منها، وأن تبادل المؤمنين المودة والإخاء،(/2)
وأن تنشر محاسنهم وتستر مساوئهم وتنصر ظالمهم ومظلومهم، تنصر ظالمهم بمنعه من الظلم وتنصر مظلومهم بدفع الظلم عنه.
فمتى قام المجتمع على هذه الأسس: النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، عاش عيشة راضية حميدة ومات ميتة حق سعيدة. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران:103،104].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.. إلخ.(/3)
العنوان: شرح كتاب الحج من "عمدة الفقه"
رقم المقالة: 1708
صاحب المقالة: الدكتور محمد سعد اليوبي
-----------------------------------------
شرح كتاب الحج من "عمدة الفقه"
للدكتور محمد سعد اليوبي
الحج في اللغة: القصد، أو القصد إلى مُعظَّم، أو كثرة الاختلاف إلى معظَّم، ومنه قول السعدي:
أَلَمْ تَعْلَمِي يَا أُمَّ أَسْعَدَ أَنَّمَا تَخَطَّأَنِي رَيْبُ الْمَنُونِ لأكْبَرَا
وَأَشْهَدَ مِنْ عَوْفٍ حُلُولاً كَثِيرَةً يَحُجُّونَ سِبَّ الزِّبْرِقَانِ الْمُزَعْفَرَا
أي يقصدونه قصدًا كثيرًا.
الحج: بالفتح وبالكسر، فيقال: الحَجُّ و الحِجُّ؛ لكن الفتح أشهر وأغلب، وإلا [فقد] قُرئ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97]، و{ولله على الناس حَجُّ البيت}، هذا الأشهر في الحج، وعكسه شهر ذي الحِجة، فإن الكسر فيه أشهر من الفتح، فيقال: ذي الحِجة أشهر من ذي الحَجة.
أما في الاصطلاح: فقيل هو: "قصد مكة؛ لأداء ركن من أركان الإسلام".
وقيل هو: "قصْد مكان مخصوص، لعمل مخصوص، في زمن مخصوص".
"مكان مخصوص": أي قصد مكة والمشاعر.
"لعمل مخصوص": هي أعمال الحج؛ من الطواف، والسعي، والوقوف بعرفة، والمبيت بمزدلفة ومِنى، ورمي الجمار، وغير ذلك.
"زمن مخصوص": أي في أشهر الحج.
لكن هذا التعريف الأخير عليه اعتراض؛ لأن مَن جاء إلى المسجد، وأراد أن يصلي، فإنه قصد مكانًا مخصوصًا، لعمل مخصوص، في زمن مخصوص.
وكل ما يُذكَر من تعريفات لا تسلم من اعتراض، والحج واضح لا يحتاج إلى تعريف؛ بل الحج أوضح من هذه التعريفات التي تُذكَر، ولهذا يقال: إن تعريف الواضحات لا يزيدها إلا غموضًا.
ولكن على طالب العلم أن يمرِّن نفسه على التعريفات اللُّغوية والاصطلاحية.
والعُمْرة في اللغة: الزيارة.
وأما في الاصطلاح: زيارة البيت؛ لعمل مخصوص.(/1)
وينبغي أن نَذكُر دائمًا أمرًا مهمًّا أمام العبادات، وهو التماس الحِكَم التشريعية من هذه العبادات؛ لأن الله - عز وجل - شرع الأحكام لغايات عظيمة، ومقاصد مهمة، وأهداف سامية، ينبغي على الإنسان أن يقف عليها؛ لأنه متى ما أدرك الحِكْمة تَرتَّب على ذلك أداء العبادة على الوجه الصحيح، الذي يتناسب ومقاصد تلك العبادة.
والحج عبادةٌ عظيمة، فرضها الله - عز وجل - على عباده، ونحن نعرض بعض الحِكْم التي ذكرها العلماء فيه، ثم نبيِّن ما ترتب على الجهل بها في أداء الناس في هذه الشعيرة، وفيه من الحِكَم والفوائد ما لا يعلمه إلا الله - عز وجل - ومِن هذه الحِكَم:
الحِكمة الأولى: أنه عبادة لله - عز وجل -:
وكل عبادة لها مقصد عام، هذا المقصد هو الخضوع والتذلل لله، وهذا في جميع العبادات أنها من حِكَمها العظيمة الخضوع والتذلل لله تبارك وتعالى، ومتى حصل هذا القصد للعبد، وكان خاضعًا متذللاً لربه - تبارك وتعالى - فإنه حينئذ يعنى بهذه العبادة؛ لأنه يريد أن يحقق هذا القصد، فأنت حين تصلي تستشعر هذه الغاية، وهو إظهار الخضوع والتذلل لله عز وجل، وحين تحج، وحين تعتمر، وحين تطوف بالبيت...
فإذًا كل عبادةٍ مقصدُها العام الخشوعُ والتذلل؛ حتى يظهر فقر العبد لله - عز وجل - أنه عبد لله كلفه بما شاء – سبحانه - فليس له أن يعترض على الله، عز وجل.
الحِكمة الثانية: إقامة ذكر الله - عز وجل -:
فمَن تأمل الآيات التي وردت في الحج، يجد هذا جليًّا واضحًا فيها، فإن الله - عز وجل - ذَكَرَ آيات تتعلق بالحج، وذكر فيها أهمية الذِّكْر، فقال - عز وجل -:(/2)
1- {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ * ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} [البقرة: 198 – 200].
2- {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ}[البقرة: 203].
3- {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 27 – 28].
فتلاحظ أن هذه الآيات جميعًا ذُكر فيها أهمية الذكر في الحج، وقد ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ((إنما جُعل الطواف بالبيت، وبين الصفا والمروة، ورمي الجمار؛ لأقامة ذكر الله)).
فهذه الحِكمة، وهذا المقصد العظيم الذي شُرع من أجله الحج، كثيرٌ من الناس في غفلة عنه، لذا يرتكبون أفعالاً كثيرة مخالفة لهذا المقصد، أو لا عَلاقة لها بالحج، وذلك حين يشتغلون باللهو، وبالقيل والقال.
فأنت تلاحظ أنه مِن حين يُحرم الحاج يلبي لله - عز وجل - وهذا ذكر لله، وفي الطواف يذكر الله، وفي السعي يذكر الله، وفي عرفات يذكر الله، وعند المشعر الحرام يذكر الله، وفي كل فعلٍ من أفعال الحج ذِكرٌ لله.
الحِكمة الثالثة: أن يستشعر الإنسان ما هو قادمٌ عليه من المصير:
فحين يتجرد من ثيابه التي كان يلبسها، يُذكِّره ذلك بالآخرة، ففي الحج تذكيرٌ بالآخرة؛ فكأنه يُقال للإنسان: إنك في يوم من الأيام ستتجرد من ملابسك، وستودع هذه الدنيا!
الحِكمة الرابعة: أن في الحج اجتماع المسلمين:(/3)
وهذا مقصد عظيم، ففيه وَحدة المسلمين، وجمع كلمتهم، ووَحدة صفهم، فهذا المقصد العظيم رأيناه ظاهرًا في صلاة الجماعة، التي تتكرر في اليوم خمس مرات في المساجد، فهذا اجتماع مصغر، يلتقي فيه أصحاب الحي في اليوم خمس مرات، في بيت من بيوت الله - عز وجل - يؤدُّون فريضةً من فرائض الله، ثم يأتي اجتماع أكبر، وهو يوم الجمعة، وهو اجتماع أسبوعي، ثم يأتي اجتماع في السَّنة مرتين، وهو الاجتماع لصلاة العيدين (عيد الفطر وعيد الأضحى)، ثم يأتي الحج، وهو الاجتماع السنوي للمسلمين، وهو واجب في العمر مرة؛ كما يأتي في كلام المؤلف - رحمه الله تعالى - وفي هذا الاجتماع منافعُ كثيرةٌ؛ كما قال الله - عز وجل -:
{لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} [الحج: 28]، فقوله - عز وجل -: {مَنَافِعَ} كلمة مطلقة تشمل: المنافع الأخلاقية والدينية، والاجتماعية، والاقتصادية،...، وقد ذكر العلماء - رحمهم الله تعالى - كثيرًا من المنافع التي تترتب على الاجتماع في الحج، فمنها: تعرُّف المسلمين على بلاد بعضهم، وعلى أحوالهم، ويتعرف التاجر على مواطن التجارة في البلدان المختلفة، ويتعرف على ما يحتاج إليه المسلمون في كل مكان من بقاع الأرض.
بالإضافة إلى أن هذا الاجتماع مظهرٌ من مظاهر وَحدة المسلمين؛ لأنهم يظهرون بلباس واحد، ويجتمعون في مكان واحد، يدعون ربًّا واحدًا، ويقومون بأعمال واحدة، لا فرق بين غنيهم وفقيرهم، فهذا مظهر أيضًا من مظاهر اجتماعهم ووَحدة كلمتهم.
الحِكمة الخامسة: في الحج مغفرة الذنوب وابتغاء الثواب:
وهذا أعظم ما يسعى إليه الإنسان، فإن الرسول – صلى الله عليه وسلم – قال: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة)):
والحج المبرور هو الذي:
1- أن يكون خالصًا لله عز وجل.
2- أن يمتثل العبد فيه لأوامر الله، ويجتنب نواهيه العامة والخاصة.
3- أن يكون فيه المال حلالاً.(/4)
4- أن يكون صاحبه متبعًا لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – في أداء النسك.
وقال – صلى الله عليه وسلم –: ((مَن حج هذا البيت، ولم يرفث ولم يفسق؛ رجع من ذنوبه كيوم ولدته أُمه))، فهذا أيضًا مقصد عظيم، يسعى إليه المسلمون.
الحِكمة السادسة: إحياء سنة إبراهيم - عليه السلام -:
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"يجب الحج والعمرة مرة في العمر".
1- وجوب الحج:
أما وجوب الحج فبإجماع العلماء - رحمهم الله تعالى - وبدَلالة الكتاب، والسُّنة. والحج فريضة فرضها الله - عز وجل - وركن من أركان الإسلام.
والدليل على وجوب الحج من الكتاب: قوله – تعالى -: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97].
والدليل على وجوبه من السُّنة:
1- ما في الصحيحين من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال: ((بُني الإسلام على خمسٍ: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت)).
2- ما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "خطبنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم - فقال: ((أيها الناس، إن الله قد فرض عليكم الحج فحجُّوا))، فقام رجلٌ فقال: "أكل عام يا رسول الله؟"، فسكت حتى قالها ثلاثًا، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((لو قلتُ نعم؛ لوجبت، ولما استطعتم))، ثم قال – صلى الله عليه وسلم -: ((ذروني ما تركتكم؛ فإنما هلك مَن كان قبلكم بكثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بأمرٍ؛ فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا)).
وقد أجمع المسلمون على وجوب الحج وفرضيته على مَن استطاع إليه سبيلاً.
2- وجوب العمرة:
أما العمرة، ففي وجوبها في مذهب الإمام أحمد روايتان، هما قولان للعلماء، وهناك رواية ثالثة عندهم:(/5)
الرواية الأولى: أن العمرة واجبة: وهي المشهورة عندهم، وهي المذهب، وهي قول الشافعي في المشهور، كما ذكر ذلك النووي.
وأدلة هذا القول هي:
1- قول النبي – صلى الله عليه وسلم - كما في حديث عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: "يا رسول الله: هل على النساء جهادٌ؟"، قال: ((نعم، عليهن جهاد لا قتال فيه؛ الحج والعمرة)).
قالوا: وجه الدَّلالة من هذا الحديث: أن ((على)) للوجوب؛ لأنه قال: ((عليهن الحج والعمرة))؛ أي يجب عليهن الحج والعمرة.
2- حديث أبي رزين العقيلي أنه قال: "يا رسول الله: إن أبي شيخٌ كبير؛ لا يستطيع الحج والعمرة، والظعن؟"، فقال له الرسول – صلى الله عليه وسلم -: ((حُجَّ عن أبيك، واعتمر))؛ وهذا الحديث خرَّجه الإمام أحمد، وأصحاب السنن، وصححه النووي.
ولكن هذا الحديث في الحقيقة لا يدل على الوجوب؛ لأنه ربما أراد هذا أنه: هل يحج عنه تطوعًا أو لا؟ فليس في الحديث ما يدل على الوجوب، لكن حديث عائشة - رضي الله عنها - ظاهر في هذا، والله أعلم.
3- حديث زيد بن ثابت، وحديث جابر: ((الحج والعمرة فريضتان))؛ لكن الحديث ضعيف.
الرواية الثانية: أن العمرة ليست واجبه (مستحبة): واستدل هؤلاء بحديث جابر عند أحمد وابن ماجه والبيهقي، أنه قال: إن أعرابيًا جاء إلى النبي – صلى الله عليه وسلم - فقال: "أخبرني عن العمرة، أواجبة هي؟"، قال – صلى الله عليه وسلم -: ((لا، وأن تعتمر خيرٌ لك))؛ لكن هذا الحديث ضعيف، وأطال النووي في "المجموع" في بيان ضعفه، وقال الحافظ في "بلوغ المرام": "والراجحُ وَقْفُهُ".
الرواية الثالثة: أنها واجبة؛ إلا على المكي؛ يعني تجب على الأُفُقي دون المكي، ودليل هذه الرواية هو قول ابن عباس - رضي الله عنه -: "يا أهل مكة لا عمرة عليكم؛ إنما عمرتكم طوافكم بالبيت".
والظاهر - والله تعالى أعلم - أن العمرة واجبه، وذلك لما يلي:(/6)
1- لصحة حديث عائشة - رضي الله عنها - وقوة دَلالته، ولحديث أبي رزين العقيلي المتقدمين.
2- أن أحاديثَ الوجوب ناقلةٌ عن الأصل، وعكسها مُبْقٍ على الأصل، وإذا تعارض – عندنا – حديثان: أحدهما ناقلٌ عن الأصل، والآخر مُبْقٍ على الأصل؛ فإنه يُقدَّم الناقل عن الأصل على المبقي على الأصل؛ فأحاديث الوجوب ناقلة عن الأصل (لأن الأصل براءة الذمة، وعدم الوجوب)؛ فتقدم أحاديث الوجوب.
3- أن الوجوب مُقدَّم على غير الوجوب؛ لأن فيه إبراءً للذمة، ولأن فيه احتياطًا للعبادة؛ فإن الذي يعتمر بنية الفريضة؛ فإنه تبرأ ذمته بإجماع العلماء، وإن مَن اعتمر بنيَّة النَّفْل؛ فإنه لا تبرأ ذمته عند بعض العلماء، الذين يرون الوجوب، وإذا تردد الأمر بين الإجزاء وعدمه؛ فالأَوْلى أن يأتي الإنسان بالأحوط:
وَذُو احْتِيَاطٍ فِي أُمُورِ الدِّينِ مَنْ فَرَّ مِنْ شَكٍّ إِلَى يَقِينِ
مسألة: إذا لم يُحدِّد النية في العمرة أو الحج؛ هل هي فريضة أو نافلة، فما الحُكْم؟
الجواب: إذا كان لم يؤدِّ الفريضة؛ فهي فريضة.
أما قول المؤلف - رحمه الله تعالى -: "في العمر مرة واحدة"، فقد تقدم في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال: ((لو قلتُ نعم؛ لوجبتْ، ولَمَا استطعتم)).
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -: "على المسلم العاقل البالغ الحر؛ إذا استطاع إليه سبيلاً".
شروط الحج خمسة وهي:
1- الإسلام.
2- العقل.
3- البلوغ.
4- الحرية.
5- الاستطاعة.
وهذه الخمسة جمعها عثمان بن قائد النجدي بقوله:
اَلْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ وَاجِبَانِ فِي الْعُمْرِ مَرَّةً بِلا تَوَانِي
بِشَرْطِ إِسْلامٍ كَذَا حُرِّيَّهْ عَقْلٍ بُلُوغٍ قُدْرَةٍ جَلِيَّهْ
وسيأتي معنا - إن شاء الله تعالى - شرطٌ سادس في حق المرأة، وهو وجود مَحرَمها.
هذه الشروط الخمسة تقسّم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: شروط وجوب وصحة.
القسم الثاني: شروط وجوب وإجزاء.(/7)
القسم الثالث: شروط وجوب فقط.
القسم الأول: شروط وجوب وصحة:
وهي الإسلام والعقل؛ يعني لا يجب الحج، ولا يصح من الكافر والمجنون.
لا يصح من المجنون لأنه ليس مكلَّفًا؛ لأن من شرط التكليف: العقل وفَهْم الخطاب، وهذا
لا يَعقِل ولا يَفهَم الخطاب، فكيف يصح منه القصد إلى العبادة؟! والحج عبادة تحتاج إلى نية، وإلى قصد؛ ولقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((رُفِع القلم عن ثلاثة - وذكر منهم - المجنون حتى يعقل)).
والكافر فيه خلاف - تقدم معنا في أكثر من موضع -: هل الكافر مخاطَب بفروع الشريعة أو لا؟ والصحيحُ أنهم مخاطبون بفروع الشريعة؛ بمعنى أنهم يحاسبون عليها في الآخرة، زيادةً على حسابهم وعذابهم؛ لتركهم التوحيد؛ يعني أنهم محاسبون على الصلاة، وعلى الصيام، والزكاة، وصلة الأرحام والبِرِّ...
فلو حجَّ الكافرُ فلا يُقبَل منه؛ لقوله – تعالى -: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23].
القسم الثاني: شروط وجوب وإجزاء:
وهي البلوغ والحرية؛ فالحج لا يجب على الصبي والعبد، ولو حجَّا صح منهما، و لا يجزئ عنهما.
أما كون الحج لا يجب عليهما: فلأن الصبي غير مكلَّف؛ لقول الرسول – صلى الله عليه وسلم -: ((رُفع القلم عن ثلاثة: - وذكر منهم - الصبي حتى يكبر))، ولأن العبد لا مال له، ومِن شرْط الحج: (وجود المال)، فإن كان له مالٌ، فمالُه لسيده، ثم إنه مشغول بخدمة سيده، فلا يجب عليه الحج؛ لكن إن أَذِنَ له السيدُ بالحج صحَّ حجه.
أما كون الحج يصح منهما: فالصبي؛ لما ثبت في صحيح مسلم من حديث ابن عباس: "أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - لقي ركْبًا بالروحاء، فقال: ((مَنِ القوم؟))، قالوا: "المسلمون"، فقالوا: "مَنْ أنتَ؟" قال: ((أنا رسول الله))، فرفعت إليه امرأة صبيًّا، فقالت: "يا رسول الله، ألهذا حج؟!"، قال: ((نعم، ولكِ أجرٌ))، فهذا دليل على صحة الحج من الصبي.(/8)
وأما العبد، فلأنه مكلَّف؛ لذلك يصح منه، وإنما لم يجب عليه تخفيفًا لا تغليظًا.
أما كون الحج لا يجزئ عنهما؛ فلما ثبت عند الشافعي والحاكم والبيهقي والطبراني، وصح إسناده موقوفًا ومرفوعًا عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:
((أيما صبيٍّ حجَّ ثم بلغ الحِنْث؛ فعليه أن يحج حجةً أُخرى، وأيما عبدٍ حجَّ ثم أُعتق؛ فعليه أن يحج حجةً أُخرى)) فنلاحظ أنه أقر الحج منهما، وأمرهما بحجةٍ أُخرى، فدل على أن الحج لا يجزئ عن الصبي والعبد.
عتق العبد، وبلوغ الصبي في الحج له عدة حالات:
الحالة الأولى: أن يُعتق العبد، أو يَبلغ الصبي بعد الفراغ من الحج:
ففي هذه الحالة لا يجزئ عنهما؛ لوجود الحديث، ونقل ابن المنذر والترمذي الإجماعَ على هذا؛ حتى قال الترمذي: "لم يخالف في هذا إلا مَن شذ ممن لا يعتد بخلافهم".
الحالة الثانية: أن يُعتق العبد، أو يَبلغ الصبي قبل أن يتلبَّسا بشيء من أفعال الحج:
ففي هذه الحالة لا إشكال أنهما يُحرِمان، وحجُّهما صحيحٌ، وإذا قلنا إن الحج واجب على الفور؛ فيلزم الصبي الإحرام من حين البلوغ، والعبد من حين العتق.
الحالة الثالثة: أن يُعتق العبد، أو يبلغ الصبي، وهو متلبس بالحج:
هذه الحالة فيها خلاف بين العلماء: فعند المالكية لا يجزئهما؛ لأن هذه العبادة نَفْل، فلا تنقلب إلى فريضة.
وفي مذهب الحنابلة التفصيل:
1- إن سعى سعيَ الحج قبل الوقوف بعرفة؛ فإنه لا يجزئهما؛ لأن السعي لا يكرر
مرة أخرى.
2- وإن لم يسعَ سعيَ الحج؛ فهنا تحتها ثلاث صور:
الصورة الأولى:أن يكون هذا قبل عرفة، فهذا لا إشكال فيه، ويكون حجه صحيحًا.
الصورة الثانية: أن يكون في وقت عرفة ولم يخرج منها، فهنا حجه صحيح، ويكون مجزئًا عن حجة الفريضة.(/9)
الصورة الثالثة: أن يخرج من عرفة، ففي هذه الحالة إذا خرج من عرفة و رجع إليها في الوقت؛ فهذا يجزئه عن حجة الإسلام، وإن لم يرجع لا يجزئه؛ لفوات الوقوف بعرفة؛ لأن الحج
عرفة.
وعمدة هذا ما ورد عن ابن عباس أنه قال: "الصبي إذا بلغ في عرفة، والعبد إذا عتق في عرفة: أنه يجزئهما عن حجة الإسلام، وإذا عتق العبد في جَمْعٍ، أو بلغ الصبي في جمع؛ فإنه لا يجزئهما".
أما عتق العبد وبلوغ الصبي في العمرة:
فإذا كان العتق أو البلوغ في أثناء الطواف؛ فهذا لا يجزئه، وإن حصل قبل الطواف؛ فإنه يجزئه.
القسم الثالث: شروط وجوب فقط:
يعني ليست شروطًا في الصحة، ولا شروطًا في الإجزاء، فعندما نقول: "شروط وجوب"؛ يعني
لا يجب على أصحاب هذا القسم الحج؛ ولكنه يصح منهم، ويجزئ عنهم.
وتحت هذا القسم أمران:
الأمر الأول: المَحْرَم في حق المرأة، والمرأة إذا حجَّتْ بغير مَحرَم؛ فإنها آثمة، وحجها صحيح (وسيتكلم المؤلف عن هذا).
الأمر الثاني: الاستطاعة، فغير المستطيع إذا تجشم وتكلف الحج؛ فإنه يصح منه،
ويجزئ عنه، (وسيتكلم المؤلف عن هذا بالتفصيل).
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"الاستطاعة: أن يجد زادًا وراحلة بآلتهما مما يصلح لمثله، فاضلاً عما يحتاج إليه لقضاء دَيْنه، ومؤونة نفسه وعياله على الدوام".
الدليلُ على أن الاستطاعة شرطٌ قولُه – تعالى -: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران:97]، وقد فسَّر المؤلِّف - رحمه الله تعالى - الاستطاعةَ بوجود الزاد والراحلة، وورد في هذا حديث: ((الاستطاعة: الزاد والراحلة))؛ لكنه ضعيف، والعلماء - رحمهم الله تعالى - قالوا: الاستطاعة إذا أُطلقت؛ تشمل خمسة أشياء:
1- الزاد.
2- الراحلة.
3- إمكان المسير.
4- أمن الطريق.
5- الاستطاعة بالبدن.(/10)
1- الزاد: والمراد به: أن يكون عند الإنسان ما يحتاج إليه؛ من طعام وشراب وملبوس، لذهابه إلى الحج وإيابه منه؛ حتى يصل إلى محله.
والمؤلف يقول: "أن يملك زادًا"؛ أي يكون مالكًا له، سواء كان عنده حاصلاً، أو يشتريه من السوق، إذا وجده يُباع بثمن مثله، ولم يجحف بماله، فإذا وجده يُباع بأكثر من ثمن المِثْل، أو يجحف بماله؛ فلا يكون في هذه الحالة مستطيعًا، ومثله مثال الماء، فإذا وجده يُباع بأكثر من ثمن المِثْل، أو وجده يجحف بماله؛ فإنه يتيمم، وكذلك هذا إذا وجد الزاد يُباع بأكثر من ثمن المثل؛ فهذا يكون غير مستطيع.
2- الراحلة: والمراد بها: المركوب الذي يتوصل به الإنسان إلى مكة، سواء كان ذلك بشراء، أو بكراء، وليس شرطًا أن يكون مالكًا له؛ بل لو وجد بأجرة المثل، بحيث لا يجحف بماله؛ فإنه يكون مستطيعًا لذلك؛ لكن هذه الراحلة لا تُشترط في كل أحد:
فالناس على قسمين:
القسم الأول: بعيد عن مكة:
و هو الذي بينه وبين مكة مسافة القصر؛ فهذا يشترط في حقه وجود الراحلة.
القسم الثاني: قريب من مكة:
وهو مَن كان ساكنًا في مكة، أو بينه وبينها أقل من مسافة القصر، فهنا ننظر:
إن كان ممن يستطيع المشي: فإنه لا يُشترط الراحلة في حقه، ولذا يُلغز بهذه المسألة فيقال: فقيرٌ لا يجد راحلة، فيجب عليه الحج، مَن هو؟ هو القريب من مكة، الذي يستطيع المشي. وأما إن كان لا يستطيع المشي: فيشترط في حقه وجود الراحلة.
وقول المؤلف: "مما يصلح لمثله".(/11)
يعني أن يجد الراحلة الصالحة لمثله، بحيث يستطيع أداء الحج بها، من غير مشقة زائدة، فلو وجد سيارة يشق عليه ركوبها، أو طول مدة السفر فيها، ووجد طائرة لا يشق عليه السفر فيها، فالطائرة صالحة لمثله، وكذلك الحال في سيارة مكيفة وأخرى غير مكيفة، وكذلك لو وجد - مثلاً - سيارة بثمن زائد عن ثمن المثل؛ كأن يجد - مثلاً - سيارة بألف ريال، والذي يصلح له - مثلاً - سيارة بمائة ريال، فهذا لم يجد ما يصلح لمثله؛ فلا يجب عليه الحج بهذا.
وقوله: "بآلتهما".
يعني آلة الزاد والراحلة؛ فآلة الزاد: الوعاء الذي يطبخ فيه أو يشرب فيه، وآلة الراحلة: ما يوضع عليها من هودج ونحوه.
وقوله: "فاضلاً عما يحتاج إليه لقضاء دَيْنه، ومؤونة نفسه وعياله على الدوام".
نفهم من هذا أن الزاد والراحلة لهما شرطان:
الشرط الأول: أن تكون صالحة لمثله: تقدم توضيح ذلك.
الشرط الثاني: أن يكون ذلك فاضلاً عما يحتاج إليه؛ من مسكن، وخادم، وقضاء دينه، ومؤنته ومؤنة عياله على الدوام، وضرب المؤلف لهذا عدة صور:
الصورة الأولى: أن يستطيع أن يشتري زادًا وراحلة؛ لكنه لا يستطيع ذلك إلا إذا باع مسكنه؛ فهذا ليس فاضلاً عن المسكن، فلا يبيع مسكنه.
الصورة الثانية:
أن يكون عنده خادم يحتاج إليه، ولا يستطيع أن يحصِّل الزاد والراحلة
إلا بترك هذا الخادم، فهنا يقال له: لا تترك خادمك؛ لأن هذا ليس فاضلاً.
الصورة الثالثة:
الدَّيْن الذي يمنع الحج، هو الدين الذي لا يبقى بعده الإنسان مستطيعًا للحج،(/12)
فلو فُرض أن إنسانًا يكفيه لحجِّه خمسةُ آلاف، وعنده ثمانية آلاف وعليه ستة آلاف دَيْن، فهذه الستة تنقص الثمانية فتصبح ألفَيْن، فلا تكفي لحجه؛ فهذا غير مستطيع، فعليه أن يقضي الدَّيْن؛ لأن الدَّيْن أحق وآكد من الحج؛ لتعلقه بحقوق الآدميين، ولذا قُدِّم الدَّيْن على وجوب الزكاة، فهو مانع من وجوب الزكاة، مع تعلق حق الفقراء بها ومع حاجتهم إليها؛ فلأن يُقدَّم على الحج - الذي هو حق خالص لله عز وجل - من باب أولى، وسواء في ذلك الدَّيْن لآدمي معين، أو من حقوق الله – تعالى - كالزكاة أو الكفارات.. أي أن يجد ما يزيد عن قضاء دينه؛ لأن قضاء الدين من حوائجه الأصلية، ويتعلق به حقوق الآدميين؛ فهو آكد.
الصورة الرابعة: مؤنته ومؤنة عياله على الدوام:
أي يذهب إلى الحج ويرجع، وعند عياله ما يكفيهم، وسواء كانت هذه المؤنة عينية، أو أشياء مستثمرة؛ كأن يكون عنده محل تجاري، فيبيعه ويحج به، فهذا ليس فاضلاً عن مؤنة عياله؛ لأن نفقته ونفقة عياله على هذا المتجر.
وعبارة المؤلف هذه أولى منها ما في "الزاد" و"التنقيح" وغيره أنه قال: "والقادر: مَن أمكنه الركوب، ووجد زادًا وراحلة صالحين لمثله، بعد قضاء الواجبات والنفقات الشرعية، والحوائج الأصلية".
"بعد قضاء الواجبات": كالديون، سواء كانت لله أو لعباده.
"النفقات الشرعية": أي نفقته ونفقة عياله ومَن يعوله.
"الحوائج الأصلية": كالمسكن والمركوب وكتب العلم...
3- أمن الطريق: أي أن يكون الطريق مأمؤنًا؛ لا يخاف الإنسان فيه لا على نفسه، ولا على ماله، ولا على عرضه، ولا يوجد فيه خفارة (وهو ما يدفع من مال؛ مثل الضرائب وغيرها). أما إذا كان الطريق مخوفًا؛ يخاف الإنسان فيه من سبُع، أو من عدو؛ فإنه لا يجب عليه الحج.
والخفارة محل خلاف بين العلماء: فبعضهم قال: لا يدفع رشوة في العبادة فلا تصح، وبعضهم قال: إن كانت هذه الخفارة يسيرة، لا تضر بماله؛ فيدفعها، وهذا هو الظاهر.(/13)
4- إمكان المسير: وهو اتساع الوقت؛ أي أن يكون هناك وقت كافٍ للوصول إلى مكة بسير معتاد، أما لو وجد الزاد والراحلة، ولم يبقَ من وقت الحج ما يوصله إلى مكة؛ إلا بسير يخرج عن العادة ويخرج عن المألوف، فهنا لا يجب عليه الحج؛ لأن السير إذا كان فوق المعتاد، ففيه مشقة وإجهاد.
وهذان الأخيران (أمن الطريق، وإمكان المسير)، مِن الحنابلة مَن عدَّهما من شروط وجوب الحج، فلا يجب على الإنسان الحج؛ إلا إن كان الطريق مأمونًا، وأمكن المسير إلى الحج، بحيث يكون هناك وقت يكفي لوصوله إلى مكة، فإن مات لا شيء عليه.
ومنهم مَن قال: إن هذين الشرطين (أمن الطريق، وإمكان المسير) ليسا من شروط
الوجوب؛ بل هما شرطا أداء، يعني يجب الحج في ذمته؛ أي أنه لو اكتملت عنده بقيت الشروط ولم يبقَ عنده إلا أمن الطريق و إمكان المسير؛ فإن الحج يجب في ذمته، بحيث لو مات يجب الحج في التركة، يعني يستقر الحج في ذمته، وإذا مات أُخرج من التركة ما يُحج به عنه.
والظاهر - والله تعالى أعلم - أنهما شرط في الوجوب.
5- الاستطاعة بالبدن: بحيث يكون عند الإنسان قوة، يستطيع أن يَثْبُتَ بها على الراحلة، فإذا كانت ليست عنده قوة، يستطيع أن يثبت بها على الراحلة؛ فهنا لا يجب عليه الحج بنفسه.
إذًا الاستطاعة عندنا نوعان:
النوع الأول: استطاعة بنفسه؛ أي مباشرة الحج بنفسه: فهذه يشترط فيها الشروط الخمسة السابقة.
النوع الثاني: استطاعة بالغير؛ أي أداء الحج بالغير: وهذا يشترط فيه شرطان:
الشرط الأول: أن يكون عاجزًا عن الحج؛ لكبره أو مرض لا يرجى برؤه، ودليل هذا حديث ابن عباس في المرأة التي جاءت للنبي – صلى الله عليه وسلم - فقالت: "يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركتْ أبي شيخًا كبيرًا، لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفحج عنه؟"، قال: ((حجي عنه))، فهذا دليل على صحة النيابة عن العاجز.(/14)
الشرط الثاني: أن يوجد عند العاجز مالٌ، يستطيع بهذا المال أن يقيم مَن يحج عنه، فيدفع عنه ثمن الزاد والراحلة، ويدفع له نفقة الحج.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"ويشترط للمرأة وجود مَحرَمها، وهو زوجها، ومَن تَحرُم عليه على التأبيد؛ بنسب أو بسبب مباح".
هذا هو الشرط السادس (شرط وجوب) من شروط الحج، يختص بالمرأة، وهو: أن يكون لها مَحرَم، وهذا المحرم هو: زوجها، ومَن تحرم عليه على التأبيد؛ بنسب أو سببٍ مباح:
1- مَن تَحرُم عليه على التأبيد:
والمُحرَّمات على التأبيد سبْعٌ، كما في قوله - تعالى -: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ} [النساء: 23].
أُمهاتكم: أي أن الولد مَحرَم لأمه.
بناتكم: أي أن الأب محرم لبنته.
أخواتكم: أي أن الأخ محرم لأخته.
عماتكم: أي أن ابن الأخ محرم لعمته.
خالاتكم: أي ابن الأخت محرم لخالته.
بنات الأخ: أي أن العم محرم لبنت أخيه.
بنات الأخت: أي أن الخال محرم لبنت أخته.
2- مَن تحرم عليه بسبب مباح: وهذا تحته أمران:
الأمر الأول: بسبب الرضاع:
ويحرم مَن الرضاع ما يحرم من النسب؛ أي ما يقابل هؤلاء المحرمات على التأبيد.
الأمر الثاني: بسبب المصاهرة:
وهن أربع:
1- زوجة الأب، فالابن محرم لزوجة أبيه.
2- زوجة الابن، فالأب محرم لزوجة ابنه.
3- أم الزوجة، فزوج البنت محرم لأمها.
4- بنت الزوجة إذا دخل بأمها، فزوج الأم محرم للبنت.
ويشترط في المَحْرَم:
1- أن يكون بالغًا.
2- أن يكون عاقلاً؛ فلا يكون صبيًّا، ولا مجنونًا؛ لأن المقصود من المَحْرَم هو حفظ المرأة، والصبي والمجنون لا يستطيع أن يحفظها.(/15)
والدليل على اشتراط المحرم ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يخطب، يقول: ((لا يخلونَّ رجلٌ بامرأة؛ إلا ومعها ذو محرَم، ولا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم))، فقام رجلٌ فقال: "يا رسول الله، إن امرأتي خرجت حاجَّةً، وإني اكتُتبت في غزوة كذا وكذا؟"، فقال الرسول – صلى الله عليه وسلم -: ((انطلق، فحجَّ مع امرأتك)).
إذًا هذا دليل على أنه لا يجوز للمرأة أن تسافر؛ إلا ومعها ذو محرم، ولا يجب عليها الحج إذا لم تجد مَحرَمًا.
وبذلك يُعلَم خطأ أولئك الذين يأتون بالخادمات، ويسلمونهن لمكاتب تحجيج الخادمات، ولا يوجد محرم معهن، فإن هذا ليس بصحيح، وإن كان بعض العلماء يرى: أن المرأة تحج مع النساء المأمونات، فإن هذا ليس بصحيح؛ لأنه يخالف حديث الرسول – صلى الله عليه وسلم - ولا حجة لأحد مع سُنة النبي، صلى الله عليه وسلم.
وهذا الشرط هو شرط وجوب؛ بمعنى أن المرأة لو ماتت ولم تجد مَحْرَمًا [ولم تحج]؛ لا شيء عليها.
وعلى القول الثاني أن المَحْرَم من شروط لزوم الأداء؛ أنها لو تحقق لها جميع الشروط، ولم تجد مَحْرَمًا تحج معه فماتت؛ فإنه يُحَج عنها، ويكون الحج في الذمة؛ أي يؤخذ من مالها.
و إن مات المَحْرَم في الطريق، وقد تباعدت عن بلدها؛ فإنها تتم؛ لأنها لا بد لها من السفر بدون مَحْرَم، فتكمل حاجتها وشأنها، وإن كانت قريبه؛ رجعت، فتكون كالمحصرة.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"فمَن فرَّط حتى مات؛ أُخرج عنه من ماله حجة وعمرة".(/16)
يعني مَن فرَّط في الحج والعمرة بعد اكتمال الشروط، ولم يحج، وليس له عذر؛ فإنه يُحج عنه مِن تَرِكَتِه؛ لأن هذا دَيْنٌ لله يجب أن يُخرج كبقية الديون المتعلقة بالتركة، فيُقدَّم على الوصية وعلى الإرث، والدليل على ذلك كما في الصحيح من حديث ابن عباس: أن امرأةً جاءت إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم - فقالت: "يا رسول الله، إن أمي نذرت أن تحج، فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟"، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((نعم، حجي عن أمِّك؛ أريتِ لو كان على أُمِّكِ دَيْن أكنتِ قاضيته؟))، قالت: "نعم"، فقال: ((فاقضوا الله؛ فالله أحق بالوفاء))، هذا في النذر، وفي الفريضة من باب أَوْلى.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"ولا يصح من كافر ولا مجنون، ويصح من الصبي والعبد ولا يجزئ عنهما [يعني عن حج الفريضة]، ويصح من غير المستطيع والمرأة بغير مَحرَم".
تقدم الكلام عن هذا كله في الشروط.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"ومَن حج عن غيره، ولم يكن حج عن نفسه أو نذره أو عن نفله، وفَعَلَه قبل حجة الإسلام؛
وقع حجه عن فرض نفسه دون غيره".
أي إذا حج الإنسان عن غيره، ولم يكن حج عن نفسه؛ فهذا الحج ينقلب إلى حج الفريضة، فلو أن شخصًا قال لشخص: حُجَّ عني، فحَجَّ عنه، ولم يكن هذا النائب قد حج عن نفسه؛ فإن هذه الحجة تنقلب إلى حجة الفريضة عن هذا النائب، وعلى النائب أن يرد ما أخذ إذا أخذ شيئًا، والدليل على ذلك حديث ابن عباس: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - سمع رجلاً يقول: "لبيك عن شُبْرُمَةَ"، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((ومَن شبرمة؟))، قال: "أخٌ أو قريبٌ لي"، قال: ((هل حججت عن نفسك؟)) قال: "لا"، قال: ((حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة))؛ أخرجه أبو داود، وابن ماجه، وابن حبان، وصحح البيهقي إسناده، والإمام أحمد وَقْفَه.(/17)
قال العلماء: هذا دليل على أنه يجب على الإنسان أن يحج عن نفسه أولاً؛ فقد ورد في بعض الروايات أنه قال: ((هذه عنك، ثم حج عن شبرمة)).
وإذا نذر أن يحج وهو لم يؤدِّ الفريضة؛ فإنه إذا أحرم بهذه الحجة التي نذرها؛ فإنها تنقلب إلى حجة الفريضة، وإذا أراد أن يتنفَّل بالحجة، وهو لم يحج حجَّ الفريضةِ؛ فإنها تنقلب أيضًا إلى حجة الفريضة.
باب المواقيت
المواقيت: جمع ميقات، والميقات هو الحد المعين.
والمراد بالمواقيت: المواضع والأزمنة التي حددها الشارع للإحرام.
والمواقيت على قسمين: مواقيت مكانية، ومواقيت زمانية.
والمؤلف - رحمه الله تعالى - تكلم عن هذين القسمين في هذا الباب:
المواقيت المكانية:
قال المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"وميقات أهل المدينة: ذو الحليفة، وأهل الشام والمغرب ومصر: الجحفة، واليمن: يلملم
ولنجد: قرن، وللمشرق: ذات عرق".
هذه المواقيت الأصل فيها:
1- ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس - رضي الله عنه -: "أنَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم - وقَّت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفةَ، ولأهل نجد قرنَ المنازل، ولأَهل اليمن يلملمَ، وقال: ((هُنَّ لهُن، ولمَن أتى عليهن مِن غير أهلهن ممن أراد الحجَّ أو العمرة، ومَن كان دون ذلك فمِن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة))، فهذا الحديث أصلٌ عظيمٌ في المواقيت.
2- ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر - رضي الله عنه -: أنّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم - قال: ((يُهلُّ أهل المدينة من ذي الحليفة، وأهل الشام من الجحفة، وأهل نجد من قَرْنٍ)). قال عبدالله: وبلغني أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - قال: ((ويُهلُّ أهل اليمن من يلملم)).
فهذه المواقيت التي ذكرها المؤلف - رحمه الله تعالى - وردت في هذين الحديثين، وأما ذات عرق سيأتي الكلام عنها إن شاء الله تعالى.
الميقات الأول: ذو الحليفة:(/18)
الحليفة: تصغير الحلفة وهو نبات، سميت بذلك لكثرته فيها، وهي أبعد المواقيت عن مكة، وتعرف الآن: (بآبار علي)، ويبعد هذا الميقات عن مكة عشرة مراحل، وهو ميقات أهل المدينة.
والمراد بالمدينة في كلام المؤلف: مدينة الرسول – صلى الله عليه وسلم - لأن هذا الإطلاق ينصرف إليها، والألف واللام فيها للعهد.
الميقات الثاني: الجحفة:
وسميت بالجحفة؛ لأن السيول اجتحفتها أو أجحفتها، وتسمى مَهْيَعَة على وزن علقمة، أو مَهِيعة على وزن لطيفة؛ لكنّ الأول أرجح، وهي الآن قرية خربة بقرب رابغ، والناس لا يحرمون منها، وإنما يحرمون من رابغ بدلاً منها، وتبعد عن مكة بأربع مراحل، والبعض يرى أنها تبعد ست مراحل، والصواب أنها تبعد عن مكة ما يقارب أربع مراحل.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -: "الجحفة: ميقات أهل الشام والمغرب ومصر"؛ أما الشام ومصر فبنص الحديث، فقد جاء عند النسائي من حديث عائشة: "وقَّت النبي – صلى الله عليه وسلم - لأهل الشام ومصر الجحفة))؛ لكن المؤلف - رحمه الله تعالى - أراد أن يعطيك حُكْمًا عامًّا، فكل مَن أتى من أهل المغرب أو غيره عن طريق الشام، فميقاته الجحفة، فكل من لا يمر بميقات ذي الحليفة، سواء كان من جهة شمال الجزيرة أو من غربها، فإن ميقاته الجحفة إذا مَرَّ بها.
الميقات الثالث: قرن المنازل:
ويبعد مرحلتين عن مكة، ويعرف الآن بالسيل الكبير، وهو ميقات أهل نجد وكل مَن جاء من تلك الناحية.
الميقات الرابع: يلملم:
ويقال أيضًا: ألملم، أصل يلملم هي بالهمزة (ألملم)؛ لكنها قُلبت ياءً للتخفيف، وتعرف الآن بالسعدية، وهو ميقات أهل اليمن، وهي على مرحلتين من مكة تقريبًا.
و المرحلة تقارب 40 كم إلى 45 كم تقريبًا، وهي مسيرة يوم وليلة. ولذا قال بعضهم:
قَرْنٌ يَلَمْلَمُ ذَاتُ عِرْقٍ كُلُّهَا فِي الْبُعْدِ مَرْحَلَتَانِ مِنْ أُمِّ الْقُرَى(/19)
وَلِذِي الْحُلَيْفَةِ بِالْمَرَاحِلِ عَشْرَةٌ وَبِهَا لِجُحْفَةَ أَرْبَعٌ فَاخْبِرْ تَرَى
الميقات الخامس: ذات عِرْق:
سميت بذلك لعرق فيها، والعرق هو الجبل الصغير، وموقعها هو: الحد الفاصل بين تهامة ونجد، وتعرف الآن بالضَّرِيبَة، والعلماء - رحمهم الله تعالى - اختلفوا في ذات عرق: مَن وَقَّتَها؟ هل وقَّتها رسول الله – صلى الله عليه وسلم - أو وقَّتها عمر - رضي الله عنه -؟!
فمن العلماء مَن قال: وقَّتَها رسول الله – صلى الله عليه وسلم - وذلك:
1- لما في صحيح مسلم من حديث أبي الزبير قال: سمعت جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - يُسأل عن المُهَلِّ؟ فقال: سمعت - أحسبه رفع الحديث إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم - فقال: ((مُهَلُّ أهل المدينة من ذي الحليفة، والطريق الآخر الجحفة، ومُهَلُّ أهل العراق من ذات عِرْقٍ، ومُهَلُّ أهل نجد من قَرْن، ومُهَلُّ أهل اليمن من يلملم)).
فهذا الحديث يُشعر بأن النبي – صلى الله عليه وسلم - هو الذي وقَّت لهم ذلك.
وقوله: ((مُهَلُّ))؛ أي محل إهلاله بالحج، وأصل الإهلال هو رفع الصوت بالتلبية، ثم تُوسع فيه وأُطلق على الإحرام.
2- لما جاء في سنن أبي داود والنسائي من حديث عائشة أن الرسول – صلى الله عليه وسلم -: ((وقَّت لأهل العراق ذات عِرْق)).
وقال بعض العلماء: بل وقَّتها عمر - رضي الله عنه - وذلك:
لما في صحيح البخاري من حديث ابن عمر أنه قال: "لما فُتح هذان المصران (الكوفة والبصرة) أتوا إلى عمر - رضي الله عنه - فقالوا: "يا أمير المؤمنين: إن الرسول – صلى الله عليه وسلم - وقَّت لأهل نجد قرنًا، وهو جورٌ عن طريقنا، وإنا إنْ أردنا قرنًا شَقَّ علينا!"، فقال لهم عمر - رضي الله عنه -: "انظروا حذوها من طريقكم، فحدَّ لهم ذات عرق".(/20)
والخطب في هذا سهل لا يترتب عليه أثر فقهي؛ لأنه ربما يقال: إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - هو الذي وقَّته، وإن عمر - رضي الله عنه - اجتهد في ذلك، فوافق اجتهاده ما قاله النبي – صلى الله عليه وسلم - لأنه كان موفَّقًا للصواب في اجتهاداته، وقد وافق القرآن في كثير من أحكامه.
فكل مَن جاء من المشرق، سواء كان من جهة خُرسان، أو من جهة العراق، أو غيرهم من أهل المشرق؛ فميقاتهم ذات عرق، الذي حدده النبي – صلى الله عليه وسلم - أو عمر - رضي الله عنه - على الخلاف المشهور.
هذه المواقيت جمعها بعضهم في بيتين فقال:
عِرْقُ الْعِرَاقِ يَلَمْلَمُ الْيَمَنِ وَبِذِي الْحُلَيْفَةِ يُحْرِمُ الْمَدَنِي
لِلشَّامِ جُحْفَةُ إِنْ مَرَرْتَ بِهَا وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنُ فَاسْتَبِنِ
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"فهذه المواقيت لأهلها، ولكل مَن يمر عليها".
أي هذه المواقيت هي لأهلها الذين ذكرهم المؤلف - رحمه الله تعالى -:
فذي الحليفة لأهل المدينة، والجحفة لأهل الشام ومصر والمغرب، ويلملم لأهل اليمن، ولأهل نجد قرن، وذات عرق لأهل المشرق. فهذه المواقيت لأهلها، ومَن مر عليها من غير أهلها؛ لقول الرسول – صلى الله عليه وسلم -: ((هنّ لهنَّ ولمَن أتى عليهن من غير أهلهن، ممن أراد الحج أو العمرة))، فالشامي مثلاً: إذا مر بميقات ذي الحليفة، فإنه يُحرم منه، ولا يؤخر إحرامه إلى الجحفة، مع أن الميقات الأصلي له هو الجحفة، كذلك النجدي إذا مرَّ بذي الحليفة، فإنه يُحرِم منها ولا يرجع إلى ميقاته، الذي هو قرن المنازل... وهكذا.
فكل مَن أتى على ميقات؛ فإنه يحرم منه ولا يتجاوزه إلا مُحرِمًا، وهذا هو الصحيح من أقوال العلماء، رحمهم الله تعالى.
وقال بعض العلماء: إذا جاء الشامي عن طريق المدينة، فإن له أن يؤخر الإحرام إلى الجحفة؛ لأن ميقاته الأصلي الجحفة، وهذا هو مذهب الحنفية والمالكية، واختاره شيخ الإسلام.(/21)
والقول الصحيح هو: أن مَن أتى على الميقات، فإنه يجب أن يُحرِم منه، وليس له أن يؤخر الإحرام إلى ميقاته الأصلي؛ لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((هنَّ لهنَّ ولمن أتى عليهن من غير أهلهن، ممن أراد الحج أو العمرة)).
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"ومَن منزلُه دون الميقات، فميقاتُه من منزله".
أي مَن كان دون الميقات، فهذا يُهِلُّ من أهله، أي يُحرِم من بلده الذي هو فيه، ويحرم من منزله الذي هو فيه؛ لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((ومَن كان دون ذلك، فمِن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة))، وفي لفظ أنه قال: ((ومَن كان دون ذلك فمُهَلُّهُ من أهله، وكذلك حتى أهلُ مكة))، فالذي دون الميقات يُحرِم من أهله، ومن أمثلة من دون الميقات: أهل عسفان، أو خليص أو بحرة، أو جدة... أو غير ذلك ممن كان داخل المواقيت، هؤلاء يُحرِمون من بلدتهم.
قال العلماء: مَن كان دون الميقات، إن كان في مسكنٍ وحده، فإن ميقاته هو نفس مسكنه، ويُحرِم من بيته، وإن كان في بلدة أو في قرية أو في مدينة، فإن كل القرية هي ميقات له؛ فله أن يُحرِم من أي جهاتها شاء.
وبعضهم يقول: يُحرِم من الجانب الأبعد عن مكة؛ حتى يكون أعظم لأجره، ولكن ليس في هذا دليل، والله أعلم.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى-:
"حتى أهل مكة يُهِلُّون منها لحجهم، ويهلون للعمرة من أدنى الحل".
أي أن أهلُ مكة يهلون أو يحرِمون للحج من مكة؛ لقول الرسول – صلى الله عليه وسلم -: ((حتى أهلُ مكة من مكة)).
والمقصود بأهل مكة: مَن كان بها، سواء كان مقيمًا بها أو جاء إليها زائرًا، فليس شرطًا أن يكون مقيمًا بها، فالمُتَمَتِّع إذا أتى بعمرة، وأراد أن يُحرِم بالحج؛ يُحرِم من نفس مكة، كما فعل أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم - كما في حديث جابر - رضي الله عنه - كما في صحيح مسلم: "أن النبي – صلى الله عليه وسلم - أمرهم أن يُهلُّوا من الأبطح". فأهل مكة من مكة، وأهل الحرم من الحرم.(/22)
لكنهم إذا أرادوا الإحرام للعمرة يخرجون إلى أدنى الحل، والدليل على هذا: "أن النبي – صلى الله عليه وسلم - أمر عبدالرحمن بن أبي بكر أن يُعمر أُخته عائشة من التنعيم".
فأمره أن يخرج بها إلى الحل؛ حتى تأتي بالعمرة، ولو كان يجوز الإحرام للعمرة من الحرم، لما كلفها النبي – صلى الله عليه وسلم - هذه المشقة والتعب، حتى تُحرم من الحل، ثم ترجع وتطوف بالبيت، وهذا هو الصحيح.
وقال بعض العلماء: إن حديث ابن عباس عام؛ لأنه قال: ((ممن أراد الحج أو العمرة... حتى أهل مكة يهلون من مكة))؛ لكن الظاهر - والله تعالى أعلم -: أن هذا - وإن كان عامًّا - فهو مخصص بأمر النبي – صلى الله عليه وسلم - لعبدالرحمن.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"ومَن لم يكن طريقه على ميقات، فميقاته حذو أقربها إليه".
أي مَن أراد الحج أو العمرة ولم يأتِ على ميقات؛ كإنسان سلك طريقًا ليس أمامه ميقات، فمِن أين يُحرِم؟ هذا يُحرِم من حذو الميقات؛ فإنه إذا وازى الميقات المحدَّد شرعًا، فإنه يُحرِم بمحاذاته، كإنسان يأتي من البحر فإذا حاذى الجحفة فإنه يُحرِم، والدليل على اعتبار
المحاذاة: أن عمر - رضي الله عنه - قال لأهل العراق لما جاؤوه: "انظروا حذوها من
طريقكم"؛ أي انظروا ما يقابلها من طريقكم حتى تُحرِموا منه، وهذا هو الدليل لما يفتي به العلماء على أن مَن كان في طائرة، فإنه يُحرِم من الجو إذا حاذى الميقات، وكذلك مَن كان في سفينة في البحر، فإنه يُحرِم إذا حاذى الميقات، هذا إذا كان يعرف حذو الميقات.
مسألة: لو أن إنسانًا سلك طريقًا ليس فيه ميقات، ولا يعرف حذو الميقات، فماذا يفعل؟!
الجواب: يُحرِم قبل الميقات بكثير؛ حتى يتيقن أنه حاذى الميقات وهو مُحرِم، فمثلاً إذا ركب الطائرة، وكانت لا تعلن الطائرة إذا حاذت الميقات، فإنه يُحرِم إذا صعد إلى الطائرة.
خلاصة المسائل السابقة:
أن الناس على قسمين:(/23)
القسم الأول: مَنْ كان خارج المواقيت: فهذا له حالتان:
الحالة الأولى: أن يمر بميقات، فهذا يُحرِم من الميقات، سواء كان ميقاته الأصلي أو غير
ميقاته.
الحالة الثانية: لا يمر بميقات، فهذا يُحرِم إذا حاذى الميقات.
القسم الثاني: مَنْ كان داخل المواقيت: فهذا أيضًا له حالتان:
الحالة الأولى: إذا كان من أهل الحرم، فإنه يُحرِم من الحرم للحج، ويُحرم للعمرة من الحل؛ حتى يجمع في إحرامه بين الحل والحرم.
الحالة الثانية: أن يكون بين الحرم وبين المواقيت، فإنه يُحرم من أهله، كما قال النبي، صلى الله عليه وسلم.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"ولا يجوز لمن أراد دخول مكة تجاوزُ الميقات غيرَ مُحرِم؛ إلا لقتال مباح، وحاجةٍ متكررة؛ كالحطّاب ونحوه".
هذه المسألة فيها تفصيل:
مَن تجاوز الميقات له ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن يتجاوز الميقات وهو لا يريد الحرم؛ بل يريد غيره، كإنسان تجاوز الميقات، ولكنه لا يريد الحرم؛ بل يريد الفريش أو بدر أو جدة، فهذا لا يلزمه إحرام بإجماع العلماء.
الحالة الثانية: إذا كان يريد الحرم، ويريد حجًّا أو عمرة، فهذا يلزمه الإحرام بإجماع العلماء؛
لأن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال: ((ممن أراد الحج أو العمرة))، فهذا أراد الحج والعمرة، فلا يجوز له أن يتجاوز الميقات إلا مُحرِمًا.
الحالة الثالثة: أن يتجاوز الميقات وهو يُريد الحرم، ولا يريد نسكًا؛ كإنسان أراد مكة، أو أراد الحرم فأراد مِنى أو مزدلفة؛ لكنه لا يريد حجًّا ولا عمرة، فهذا تحته ثلاثة أقسام:(/24)
القسم الأول: مَن دخل لقتال مباح (القتال بمكة لم يُبَحْ إلا لرسول الله – صلى الله عليه وسلم - في ساعةٍ من نهار، ثم عادت إلى مكة حرمتها إلى يوم القيامة)، أو لحاجةٍ متكررة؛ كالذين يدخلون بالخضار مثلاً أو بالمواد الغذائية، أو الحطَّاب، أو صاحب البريد، أو موظف بوظيفة فكل يوم يدخل مكة، فهؤلاء أصحاب حاجة متكررة، لا يلزمهم إحرام في المذهب، وبعضهم يحكي الإجماع على ذلك؛ لأن في ذلك مشقة، ولا حرج في الدين، ولأن النبي – صلى الله عليه وسلم - دخل مكة وعلى رأسه المِغْفَر، فدل على أنه ليس بمُحرِم.
القسم الثاني: مَن أراد الحرم؛ لكنه غير مكلَّف كالصبي والمجنون، أو مَن لا يجب عليه الحج؛ كالعبد مثلاً، فهؤلاء لا يلزمهم إحرام.
القسم الثالث: المكلَّف إذا أراد دخول الحرم لغير قتال مباح أو حاجةٍ متكررة؛ كشخص ذهب لعرس أو زيارة أقاربه، فهذا هو محل الخلاف:
ففي رواية في المذهب: مثل هذا الشخص لا بد أن يُحرِم، وهي التي يرجحها المؤلف هنا.
والصحيح: أنه لا يجب عليه الإحرام ولا يلزمه؛ كالقسمين السابقين؛ لأن الرسول – صلى الله عليه وسلم - كما في حديث ابن عباس قال: ((هنّ لهنّ ولمن أتى عليهن من غير أهلهن، ممن أراد الحج أو العمرة)). فمفهوم هذا أن مَن لم يُردْ حجًّا ولا عمرة أنه لا يلزمه الإحرامُ.
إذًا عندنا في هذه المسألة طرفان، ووسط:
الطرف الأول: مَن كان لا يريد الحرم، ولا يريد حجًّا ولا عمرة، فهذا لا يلزمه الإحرام بالإجماع.
الطرف الثاني: مَن كان يريد الحرم، ويريد نسكًا، فبالإجماع يلزمه الإحرام.
الوسط: وهو الذي يريد الحرم، ولا يريد نسكًا، فهذا فيه الخلاف.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"ثم إذا أراد النسك أحرم من موضعه".(/25)
يعني إنسان تجاوز الميقات، وهو لا يريد حجًّا ولا عمرة، فلما تجاوز الميقات بدا له أن يأتي بعمرة أو أن يحج، فهذا يُحرِم مِن موضعه من حيث أنشأ؛ أي من حيث طرأتْ عليه نية الحج أو نية العمرة، ولا شيء عليه.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"وإن جاوزه غيرَ مُحرِمٍ رَجَعَ فأحرم من الميقات، ولا دم عليه؛ لأنه أحرم من ميقاته، فإن أحرم من دونه، فعليه دم، سواء رجع إلى الميقات أو لم يرجع".
هذا التفصيل في هذه الجملة فيمَن: أراد الحج أو العمرة وتجاوز الميقات ولم يُحرِم منه، فهذا له حالتان كما ذكر المؤلف:
الحالة الأولى: أن يرجع إلى الميقات قبل أن يُحرِم؛ كإنسان من المدينة أراد العمرة، فلما وصل إلى مركز التفتيش مثلاً، تَذَكَّر أنه تجاوز الميقات، فهذا إن رجع ولم يتلبَّس بالإحرام؛ أي لم ينوِ نية الدخول في النسك (ليس الإحرام هو لبس ثياب الإحرام؛ بل الإحرام هو نية الدخول في النسك)، فإذا رجع إلى ذي الحليفة وأحرم منها؛ لا شيء عليه؛ لأنه أحرم من الميقات.
الحالة الثانية: أن يُحرِم من موضعه الذي هو فيه: فهذا عليه دم، رجع أم لم يرجع، وإذا رجع لا يجزئ عنه الرجوع، وعليه دم؛ لأنه ترك نُسكًا، وقد استقر الدم في ذمته، فلا يسقط عنه، ولأنه عقد النية فلا تنتقض هذه النية التي عقدها.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"والأفضل أن لا يحرم قبل الميقات، فإن فعل فهو مُحرِم".
أي ما حُكْم مَن أحرم قبل الميقات؟ هل يَحْرُم عليه أو يُكرَه له؟ وإذا قلنا بالتحريم، هل يصح إحرامه أو لا يصح؟
يقول المؤلف: "الأفضل أنه لا يحرِم قبل الميقات، وإن أحرم انعقد إحرامه، وإحرامه صحيح".
مسألة: لماذا مِن الأفضل أن لا يُحرِم من قبل الميقات؟
الجواب: لأمرين:(/26)
الأمر الأول: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - لم يحرم إلا من الميقات، والرسول – صلى الله عليه وسلم - لا يختار إلا الأفضل والأكمل، وأكملُ الهدي وخير الهدي هديُ نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم.
فالأفضل ألا يحرم إلا من الميقات، كما فعل الرسول – صلى الله عليه وسلم - ، ولذا ذُكر عن الإمام مالك - رحمه الله تعالى -: أن رجلاً جاء إليه فقال الرجل: مِن أين أُحرم؟ قال من الميقات، قال: أريت إن أحرمت قبل الميقات؟ قال: أكره لك ذلك، قال: وما تكره؟! قال: أخشى عليك الفتنة، قال: وأي فتنة؟! قال: قوله – تعالى -: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]، فتقول: قد اختصني الله بما لم يختص به رسوله – صلى الله عليه وسلم - أو فعلتُ فعلاً أفضل من فعل رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
الأمر الثاني: أن الإنسان إذا أحرم قبل الميقات، فإنه يحمِّل نفسه مسؤولية، ويُضيِّق على نفسه واسعًا، فإنه ربما يأتي بمحظور، فينبغي له أن يستمتع بحله ما استطاع، ولا يضيِّق على نفسه؛ لأنه ربما يُحرِم قبل الميقات، ويرتكب محظورًا، فيأثم ويلزمه ما يلزم مَن ارتكب محظورًا.
أما إجزاء الإحرام وانعقاد الإحرام، فهذا بإجماع العلماء، ونقل الإجماع ابن المنذر، والنووي في "المجموع" وابن قدامه في "المغني"، وإن كان هناك مَنْ يحكي خلافًا عن الظاهرية؛ أنه لا يجزئ لو أحرم قبل الميقات.
المواقيت الزمانية:
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"وأشهر الحج: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة".
أشهر الحج عند الحنابلة هي شهران وعشرة أيام: شوال وذو القعدة وعشرة أيام ذي الحجة، فعندهم أن يوم النحر داخل في أشهر الحج؛ لأنه هو يوم الحج الأكبر، وهو الذي فيه أكثر أعمال الحج؛ من الرمي والطواف والحلق والذبح.(/27)
وعند الشافعية هي: شوال وذو القعدة إلى طلوع الفجر من يوم النحر، فعندهم ليس يوم النحر من أشهر الحج المذكورة.
وعند المالكية أن أشهُر الحج ثلاثة: شوال وذو القعدة وذو الحجة كاملاً.
والصحيح - والله تعالى أعلم -: أن أشهر الحج هي شوال وذو القعدة وذو الحجة كاملاً؛ لأن الله - عز وجل - قال: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197]، وهذا جمع، وأقل الجمع ثلاثة.
والذي ينبني على الخلاف في أشهر الحج هو تأخير طواف الإفاضة.
والمشهور في مذهب الحنابلة أنه لو أحرم قبل أشهر الحج، فإحرامه صحيح، إن بقي على إحرامه.
أما العمرة فليس لها ميقات زماني؛ فكلُّ السَّنة وقت للعمرة، والميقات الزماني يختص بالحج دون العمرة.
باب الإحرام
الإحرام في اللغة: مصدر أحرمَ، إذا دخل في التحريم؛ كأشتى إذا دخل في الشتاء، أو أربع إذا دخل في الربيع، أو أنجد إذا دخل نجدًا... وهكذا.
وفي الاصطلاح: هو نية الدخول في النسك (سواء كان حجًّا أو عمرة). وليس الإحرام هو لبس ثياب الإحرام، وليس الإحرام هو مجرد الإرادة؛ ولكنه نية الدخول في النسك.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"مَن أراد الإحرام استُحب له أن يغتسل ويتنظف ويتطيب، ويتجرد عن المخيط، ويلبس إزارًا ورداءً أبيضين نظيفين، ثم يصلي ركعتين ويحرم عقيبهما".
ذكر المؤلف - رحمه الله تعالى - ستة أمور تستحب عند الإحرام، وهي:
الأمر الأول: الاغتسال:
فهو كالاغتسال للجنابة تمامًا من حيث الصفة، وهذا الاغتسال يُسَنُّ لكل مَن أراد الإحرام، حتى المرأة إذا كانت حائضًا أو نفساء يُسنُّ لها الاغتسال؛ لأن هذا الاغتسال المراد به التنظيف، ويدل على سُنِّيَّته عدة أدلة، منها:
1- ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم - أنه اغتسل حين أحرم.
2- وقد أمر النبي – صلى الله عليه وسلم - أسماء بنت عميس لما ولدت محمد بن أبي بكر في ذي الحليفة، أمرها أن تغتسل وتهل بالحج.(/28)
3- وكذلك أمر النبي – صلى الله عليه وسلم - عائشة لما حاضت أن تغتسل وتهل بالحج.
فإذًا هذا الاغتسال يُسنُّ لكل مَن أراد الحج أو العمرة، وهو للتنظيف، ولأن الإنسان يشهد مجتمعًا من الناس، فسُنَّ له أن يكون نظيفًا على أحسن هيئة.
مسألة: لو أن إنسانًا لم يجد ماءً يغتسل به، فهل له أن يتيمم؟ أو ليس له ذلك؟
الجواب: في هذه المسألة قولان:
القول الأول: أنه يشرع له التيمم إذا لم يجد ماءً، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة،
وكذلك الصحيح عند الشافعية، وقالوا: إن التيمم يقوم مقام الغسل الواجب والمستحب.
القول الثاني: أنه لا يسن ولا يُشرع التيمم إذا لم يجد الإنسان الماء، وهو قول آخر عند الحنابلة، وكذلك هو قول الحنفية والمالكية، واختاره ابن قدامه وشيخ الإسلام ابن تيمية.
والظاهر- والله تعالى أعلم -: أنه لا يُشرع التيمم إذا لم يجد الإنسان الماء، لأن الفرق بين الغسل الواجب وبين الغسل المستحب: أنه في الغسل الواجب إنما جاز التيمم؛ لاستباحة الصلاة، وكذلك لما في الماء من التنظيف، و الغسل في الإحرام للتنظيف، والتيمم لا يحقق هذا المقصد؛ بل لا يزيد المُحرِم إلا شعثًا وتغييرًا، فلا يُستَحب له أن يتيمم.
الأمر الثاني: التنظيف:
والمراد بالتنظيف: إزالة الشعث، وقطع الرائحة، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، وحلق العانة،
وهو غير الغسل السابق؛ يعني يستحب لمن أراد الإحرام أن يتنظف ويُزيل هذه الأشياء.
قالوا: الدليل على استحباب هذه الأشياء أمران:
الأمر الأول: أن الإحرام يُسن له الاغتسال، فيسن له التنظيف من هذه الأمور.
الأمر الثاني: أن مدة الإحرام تطول، وقد يحتاج الإنسان إلى أخذ شيءٍ من شعره أو ظفره، وهو منهيٌ عن أخذ ذلك في الإحرام، فربما يحتاج إليه، فعليه أن يبادر بأخذه قبل الإحرام.
لكن ينبغي التنبيه على أمرين:(/29)
الأمر الأول: أن محل الاستحباب فيما إذا كان الإنسان يحتاج إلى أخذ ذلك؛ وليس في حق كل أحد، وهذا الذي رجحه شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى - في "الفتاوى"؛ لأن هذا لم يُنقل عن الرسول – صلى الله عليه وسلم - ولا عن الصحابة - رضوان الله عليهم - لكن إذا كان الإنسان يحتاج إلى التنظيف، فينبغي له أن يتنظف.
الأمر الثاني: أن محل ذلك في غير عشرِ ذي الحجة لمن أراد أن يُضحي؛ لأن الإنسان إذا كان يريد التضحية، فإنه منهيٌ أن يأخذ من شعره أو بشره شيئًا.
فلو فُرض أن التنظيف نُقل، فهو منقول لأنهم كانوا يذهبون إلى الحج مبكِّرين، مع أنه لم يُنقل
إلا عن بعض العلماء، أنهم كانوا يستحبون هذا، وليس في ذلك دليل، فإذا لم يَحتَجِ الإنسان إلى هذا الأمر فلا يأخذ؛ لأنه لم يُنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الأمر الثالث: التطيب قبل الإحرام:
والتطيب إما أن يكون في البدن أو في ثوب الإحرام:
أولاً: التطيب في البدن:
فإنه مستحب عند جمهور العلماء، سواء تطيب بما تبقَى عينُه؛ كالمسك وغيره، أو ما لا تبقى عينُه، ويبقى أثرُه؛ كالبخور أو ماء الورد وما أشبه ذلك، فإنه يتطيب في بدنه قبل أن يُحرِم،
والدليل على ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت:
"كنتُ أُطيِّب رسول الله – صلى الله عليه وسلم - لإحرامه قبل أن يُحرِم، ولحِلِّه قبل أن يطوف بالبيت"، فكانت عائشة - رضي الله عنها - تطيب الرسول – صلى الله عليه وسلم - لإحرامه قبل أن يحرم، والإنسان ليس ممنوعًا من استدامة الطيب في البدن، فإذا تطيب في بدنه، فله أن يستديم ذلك في الإحرام؛ لكن ليس له أن يتطيب بعد أن يحرِم.
والدليل على استدامته ما ثبت في بعض روايات عائشة قالت: "كأني أنظر إلى وبيص (أو وبيض) الطيب في مفارق رسول – صلى الله عليه وسلم - وهو محرِم"، فدل هذا على استدامته.(/30)
فإن قيل: ما الجواب عما ثبت في الصحيح من حديث يعلى بن أُمية قال: "جاء رجلٌ إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم - فقال: "كيف ترى في رجلٍ أحرم بعمرةٍ، وهو مُتَضَمِّخٌ بطيب؟"، فسكت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ساعة، ثم أُوحي إليه، ثم سُرِّي عنه، فقال: ((أين الذي سأل عن العمرة؟))، فأوتي برجل، فقال الرسول – صلى الله عليه وسلم -: ((اغسل الطيب الذي بك ثلاث مرات، وانزع عنك الجبة، ثم اصنع في عمرتك كما تصنع في حجتك))؛ فظاهر هذا الحديث أنه لا يجوز للإنسان أن يتطيب قبل الإحرام؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم - أمره أن يغسل الطيب الذي عليه ثلاث مرات، وأمره أن ينزع الجبة التي كان يلبسها، فظاهر هذا المنع، وهو ما تَمَسَّك به المالكية في نهيهم عن استدامة الطِّيب للمحرِم؟!
قلنا الجواب من وجوه:
الوجه الأول: أن قصة صاحب الجبة هذه كانت بعد حُنَيْن بالجعرانة سنة ثمانٍ، وقول عائشة - رضي الله عنها -: "كنت أُطيب الرسول – صلى الله عليه وسلم - لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت" كان في حجة الوداع سنة عشر؛ فحديث عائشة متأخر، والعمل بالمتأخر واجب عند التعارض.
الوجه الثاني: أن هذا الرجل الذي سأل، كان في جبته زعفران، والزعفران منهيٌ عنه في حق الرجل، سواء كان في الإحرام أو في غيره، كما قال في حديث ابن عمر: ((ولا يلبس ثوبًا مسَّه وَرْسٌ أو زعفران))، لأن في بعض روايات حديث الجبة: ((عليه جبة بها أثر خلوق))، وفي بعضها: ((عليه ردْع من زعفران))، فدلَّ على أن هذه الجبة كان فيها زعفران، فنهاه النبي – صلى الله عليه وسلم – عنها، وأمره أن يغسل بدنه.
الوجه الثالث: قيل إن هذا محمول على أن الرجل تطيَّب بعد الإحرام، فأمره النبي – صلى الله عليه وسلم - أن يغسل ما به من الطيب، وأن ينزع جبته، وهذا الذي مال إليه النووي - رحمه الله تعالى - في "المجموع"، وقال: هو المتعين جمعًا بين الأحاديث.
مسألة:(/31)
إذا تطيب الإنسان فله أن يستديم الطيب في بدنه - كما قلنا سابقًا - ولكن إذا نقل الإنسان الطِّيب من موضع إلى موضع؛ كأن يتطيب في رأسه أو في وجهه، ثم ينقله بيده إلى باقي جسمه، فهل معنى هذا أنه تطيب تطيبًا جديدًا، فتلزمه الفديةُ؟
الجواب:
قال العلماء: إذا كان هذا الإنسان متعمدًا، فتلزمه الفدية، وإن كان غير متعمد؛ كأن يعرق مثلاً، فيسيل الطيب على وجهه ونحو ذلك، فإنه لا شيء عليه؛ لما في سنن أبي داود عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كنا نخرج مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم - إلى مكة فنضمِّد جباهنا بالسُّك المطيَّب عند الإحرام، فإذا عرِقتْ إحدانا سال على وجهها، فيرى النبي – صلى الله عليه وسلم - ذلك ولا ينهانا"، فدلَّ هذا على أنه إذا سال أو انتقل من غير تعمد من الإنسان، فإنه لا شيء عليه.
ثانيًا: التطيب في ثياب الإحرام:
ذهب أكثر العلماء إلى أنه يُكره أن يُطيِّب الإنسانُ ثوبَ الإحرام.
ومشهور مذهب الحنابلة: أنه يُكره له أن يطيب الثوب، فإذا نزعه فليس له أن يلبسه، فإذا لبسه مرةً أُخرى بعد أن ينزعه، فعليه فدية؛ لأنه يعدُّ تطيبًا جديدًا.
وذهب بعضهم إلى أنه يَحرُم أن يطيب ثوب الإحرام؛ لأن هذا يؤدي به إلى فعل محظور.
والظاهر - والله تعالى أعلم -: أنه يكره للمحرِم أن يطيب ثوب الإحرام؛ لأن هذا هو الذي يدل عليه حديث الجبة.
الأمر الرابع: لبس الإزار والرداء:
الإزار هو: ما يلف على أسفل الجسم.
والرداء هو: ما يرتديه على كتفيه.
لما ثبت في الصحيح عن ابن عباس: "أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - انطلق من المدينة بعدما ترجل وادهن، ولبس إزاره ورداءه هو وأصحابه، فلم ينهَ عن شيء من الأردية والأُزُر؛ إلا المزعفرة التي تردع على الجلد"، ولما في مسند الإمام أحمد، و صحيح أبي عوانة وغيره، عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: "ليُحرِم أحدكم في إزار ورداء ونعلين".(/32)
وقول المؤلف - رحمه الله تعالى -: "أبيضين"، وذلك لحديث ابن عباس: ((مِن خير ثيابكم البياض؛ فالبسوها، وكفِّنوا فيها موتاكم))؛ رواه أبو داود والترمذي.
وقول المؤلف - رحمه الله تعالى -: "نظيفين"؛ يعني لا يشترط أن يكونا جديدين، المهم أن يكونا نظيفين، سواء كانا جديدين أو مغسولين.
الأمر الخامس: التجرد عن المخيط:
يعني ينزع المخيط، وإذا أُطلق المخيط في هذا الباب فالمراد به ما خِيطَ على قدْر البدن، أو على قدْر عضوٍ منه؛ كالقميص لا على البدن، أو السراويل لأسفل البدن، أو العمامة للرأس، فكل ما خيط على قدر العضو فهذا مخيط، وليس المراد بالمخيط هو كل ما فيه خياطة، لأن الإنسان قد يلبس إزارًا مخيطًا؛ لكن لا تكون الخياطة على قدر البدن؛ بل تكون رقعه منه فيها خياطة، فهذا لا يضر.
وقال العلماء: إن كلمة "مخيط" لم تَرِدْ في الألفاظ الشرعية؛ وإنما هذا اصطلاح من الفقهاء، ولهذا وقع بسبب هذا اللفظ لبسٌ عند كثير من الناس، فيأتي شخص فيستفتي، فيقول: أنا ألبس ساعة فيها خياطة، فهل هذا جائز؟! وآخر يقول: أنا ألبس إزارًا في طرفه خياطة، فما حُكْم
ذلك؟
الأمر السادس: أن يصلي ركعتين عند الإحرام:
جمهور العلماء - رحمهم الله تعالى - يقولون: إنه يستحب للإنسان أن يصلي ركعتين ثم يُحرِم بعدهما، لما ثبت في الصحيح عن ابن عباس قال: سمعت عمر يقول: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يقول بوادي العقيق: ((أتاني آتٍ من ربي فقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة))؛ الوادي المبارك: وادي العقيق عند ذي الحليفة.
في هذا الحديث ارتباط بين صلاة ركعتين وبين الإحرام.
ورأي شيخ الإسلام: أنه ليس للإحرام صلاة تخصه، فإن صلى الفريضة أو سُنة يؤخرها، أحرم بعدها؛ وإلا لا يُشرع له أن يصلي من أجل الإحرام.
والظاهر - والله تعالى أعلم -: أن حديث عمر - رضي الله عنه - يدل على أن للإحرام صلاة.(/33)
وقوله: "ويحرِم عقيبهما": أي يُهِلُّ بالحج بعد الركعتين؛ يعني بعدهما، لأنه هكذا ورد عن النبي – صلى الله عليه وسلم - فأهلَّ بالحج بعد الصلاة، وقيل: أهلَّ به حين استوت به راحلته، وقيل: أهلَّ حين علا البيداء، وحكى ابن عباس أن كلاًّ منهم حكى ما سمع من النبي – صلى الله عليه وسلم - وقد يكون حصل من النبي – صلى الله عليه وسلم - هذا جميعًا، فنقل كل واحد منهم ما سمع.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"وهو أن ينوي الإحرام، ويستحب أن ينطق بما أحرم به".
أي أن ينوي الإنسان الدخول بالنسك بقلبه مع التلبية، ويستحب أن ينطق بها، فإن أراد الإفراد قال: لبيك اللهم حجًّا، وإن أراد التمتع: قال لبيك اللهم عمرةً، وإن أراد القِران قال: لبيك اللهم عمرةً وحجًّا.
واستحباب النطق بالنية له دليل من حديث عمر - رضي الله عنه - وهو قوله: ((وقل عمرةً في حجة))، والقول إنما يكون حقيقة في القول اللساني، فيجوز له في هذا الموطن أن يقول ذلك، وأن يجهر بما أحرم به.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"ويَشترط ويقول: اللهم إني أريد النسك الفلاني، فإن حبسني حابس، فمَحِلِّي حيث حبستني".
معنى يشترط: أي أن يقول بعد النية: "إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني"، ودليل الاشتراط ما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة: "أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - دخل على ضباعة بنت الزبير بن عبدالمطلب، فقالت: يا رسول الله، إني أُريد الحج، وأنا شاكية - يعني مريضة –"، فقال لها الرسول – صلى الله عليه وسلم -: ((حجي، واشترطي أن محلي حيث حبستني))، فأمرها النبي – صلى الله عليه وسلم - أن تشترط.
قال العلماء - رحمهم الله تعالى -: فائدة الاشتراط شيئان:
الأول: إنْ حبسه حابس فله أن يتحلل من إحرامه، سواء حبسه مرض أو عدو أو ذهاب
نفقة.
الثاني: أنه إذا تحلل من إحرامه لا شيء عليه، أي لا دم عليه ولا صوم.
وهل الاشتراط مستحب لكل مريدٍ للحج والعمرة؟ ثلاثة أقوال للعلماء:(/34)
القول الأول: استحباب الاشتراط مطلقًا، وهذا هو مشهور مذهب الحنابلة، والصحيح من مذهب الشافعية؛ لحديث ضباعة المتقدِّم، ووجه الدَّلالة منه: أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؛ فالنبي – صلى الله عليه وسلم - إذا وجَّه الحُكْم لشخص فهو عام لهذا الشخص وللأمة؛ لأنه لا يمكن للنبي – صلى الله عليه وسلم - أن يخاطب كل شخص بانفراده، فإذا خاطب واحدًا من الأمة بحُكْم من الأحكام، اشتركتْ معه بقيةُ الأمة في ذلك الحُكْم.
القول الثاني: أنه لا يستحب الاشتراط؛ لأن هذه قضية عَيْن خاصة بضباعة بنت الزبير، بدليل أن النبي – صلى الله عليه وسلم - لم يرشد جميع الصحابة إلى ذلك، ومنهم على الأقل أسماء بنت عميس، التي ولدت محمد بن أبي بكر في ذي الحليفة؛ إذ الغالب أن فترة النفاس تطول، وربما تأتي إلى مكة قبل أن تَطهُر، ولم يرشدها النبي – صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك.
القول الثالث: يستحب الاشتراط في حق مَن كانت حاله مثل حال ضباعة بنت الزبير، فإذا أحرم الإنسان وهو مريض، أو كان خائفًا من عدو؛ فله أن يشترط، وإلا فلا، وهذا رأي شيخ الإسلام، وهذا هو الظاهر، والله تعالى أعلم.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"وهو مخير بين التمتع والإفراد والقِران".
وهو مخير بين ثلاثة أنساك وهي: التمتع، القران، والإفراد، والدليل على التخيير بين هذه الثلاثة: ما ثبت في الصحيحين عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "خرجنا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم - عام حجة الوداع: فمنَّا مَن أهلَّ بعمرة، ومنَّا مَن أهلَّ بعمرة وحجة، ومنَّا مَن أهلَّ بالحج، وأهلَّ الرسول – صلى الله عليه وسلم - بالحج، وكنت في مَن أهَلَّ بعمرة".
فهذه ثلاثة أنساك يُخيَّر بينها الإنسان عند جماهير العلماء، ومنهم الأئمة الأربعة.
ويرى ابن عباس - رضي الله عنه - وجوب التمتع؛ ولكن بعض الصحابة من الخلفاء الراشدين كان يكره التمتع، فهذا يدل على أنه ليس بواجب.(/35)
وقال شيخ الإسلام: إن هذه الأنساك الثلاثة جائزة، وإن وجوب التمتع كان خاصًّا بأصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم - لأنهم المخاطبون بالأمر أولاً في هذه المسألة، ثم لأن النبي – صلى الله عليه وسلم - غضب حين لم يفعلوا، ويدل على هذا قول أبي ذر: "إن المتعة كانت خاصة لنا".
فالوجوب هو الخاص، ويدل من حيث الاستحباب في حديث سراقة لما سأل النبي – صلى الله عليه وسلم - قال: "أريتَ عمرتنا هذه، أَلِعَامِنَا هذا أم للأبد؟" قال: ((بل للأبد))، فيدل من حيث الاستحباب أنه مستحب لجميع الأمة، ومن حيث خصوصية الوجوب فهذا كان خاصًّا بالصحابة؛ حتى لا يتعارض ما نقل عن أبي ذر مع ما ثبت في حديث سراقة.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"وأفضلها التمتع ثم الإفراد ثم القران".
وهذه المسألة فيها ثلاثة أقوال للعلماء - رحمهم الله تعالى -:
القول الأول: الأفضل التمتع، وهو المشهور من مذهب الحنابلة.
القول الثاني: الأفضل الإفراد، وهو قول المالكية، والصحيح عند الشافعية.
القول الثالث: الأفضل القران، وهو مذهب الحنفية.
والصحيح من ذلك - والله تعالى أعلم - التفصيل:
1- الأفضل لمَن ساق الهدْي القِرانُ؛ لأنه نسك النبي – صلى الله عليه وسلم - الذي أهلَّ به، ولأنه الذي أمره الله به لقوله – صلى الله عليه وسلم -: ((أتاني آتٍ من ربي فقال: صلِّ ركعتين في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة)).
2- الأفضل لمن لم يَسُقِ الهدْي التمتعُ؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم - أمر الذين أهلُّوا بالحج، ولم يسوقوا هديًا بالتحلل وفسْخِ الحج إلى عمرة، وغضب لما تأخروا عن ذلك، وقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ؛ لما سُقتُ الهدْي، ولجعلْتُها عمرة))، والنبي – صلى الله عليه وسلم - لا ينقلهم إلا إلى الأفضل، ولا يتأسف إلا عليه؛ فدلَّ على أنه الأفضل لمن لم يسق الهدي.(/36)
3- الأفضل الإفراد لمن أنشأ سفرًا للعمرة وسفرًا للحج، فيكون أتى بالعمرة بسفر مستقل، ثم رجع إلى أهله، ثم أحرم بالحج؛ لأن هذا يعني جاء بنسكين في سفرين، أما المتمتع والقارن فإنه أتى بنسكين في سفرٍ واحد.
وهذا التفصيل يدل على أنه ليس هناك نسك أفضل بإطلاق؛ بل هو بحسب حالة الشخص؛ فتارةً القران أفضل، وتارةً التمتع أفضل، وتارةً الإفراد أفضل.
شرع المؤلف - رحمه الله تعالى - الآن يبين صفة كل نسك من الأنساك الثلاثة:
1- صفة التمتع:
فيقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"والتمتع أن يحرِم بالعمرة في أشهر الحج ويفرغ منها، ثم يحرم بالحج في عامه".
أولاً: يقول عند الإحرام: "لبيك اللهم عمرة"، أو يقول: "لبيك اللهم عمرة متمتعًا بها إلى الحج".
ثانيًا: أن الإنسان يأتي بعمرة كما يأتي بعمرة في أي شهر من أشهر السنة؛ لكن ينبغي في عمرة التمتع أن تكون من حين إحرامه في أشهر الحج (وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة)، أما لو جاء بها قبل أشهر الحج أو بعدها، فلا يُنظر إلى ذلك، ثم يفرغ من هذه العمرة؛ أي أنه لا يُدخل عليها الحج؛ لأنه لو أدخل عليها الحج أصبح قارنًا.
ثالثًا: ثم يتحلل من العمرة تحلُّلاً كاملاً، فيَحِلُّ له كل شيء كما لو كان حلالاً؛ أي أنه بعد أن يفرغ من العمرة يتحلل منها تحللاً كاملاً، فيقصر أو يحلق، والتقصير أفضل في هذا؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم - أمر مَن لم يسق الهدي أن يقصر بعد العمرة.(/37)
رابعًا: ثم يُحرِم بالحج من عامه، أما لو أتى بالعمرة مثلاً في هذه السنة في شوال، أو في ذي القعدة، ثم في السنة القادمة أتى بالحج؛ لا يكون متمتعًا، ثم يوم التروية يُسَنُّ له أن يُحرم من المكان الذي هو فيه في مكة، ثم يذهب إلى منى، ثم إلى عرفة، ثم إلى مزدلفة، ثم عليه يوم النحر هدي لتمتعه، فإن لم يجد هديًا فإنه يصوم عشرة أيام، كما جاء في القُرآن، ثم يرجع ويطوف طواف الإفاضة، وعليه بعد طواف الإفاضة سعيٌ آخر؛ فإن السعي الأول لعمرته وهذا لحجه.
2- صفة الإفراد:
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"والإفراد أن يحرم بالحج وحده".
يعني يقول عند الإحرام: "لبيك اللهم حجًّا"، ثم يذهب إلى مكة فيطوف طواف القدوم، ويسعى إن شاء وليس عليه سعيٌ أخر، أو يؤخر السعي إلى ما بعد طواف الإفاضة، فهو مخيرٌ في ذلك، ويبقى على إحرامه بعد طواف القدوم، وليس عليه هدي؛ لكنه لا يُحل إلا بعد رمي جمرة العقبة - على ما يأتي تفصيله في صفة الحج، إن شاء الله تعالى.
3- صفة القِران:
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"والقران أن يُحرم بهما، أو يحرم بالعمرة ثم يُدخل عليها الحج، ولو أحرم بالحج ثم أدخل عليه العمرة، لم ينعقد إحرامه بالعمرة".
القران يعني أن يقرن بين العمرة والحج في سفرٍ واحدٍ، فيقول: "لبيك اللهم عمرة في
حجة"، أو "لبيك اللهم عمرةً وحجة"، فهو يقرن بين الحج والعمرة، وله ثلاث صور:
الصورة الأولى: الإحرام من الميقات بالعمرة والحج، كما فعل النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((لبيك اللهم عمرةً وحجة)).
الصورة الثانية: أن يحرم من الميقات بالعمرة فقط، كأنه يريد العمرة فيقول: "لبيك اللهم عمرة"، ثم قبل أن يشرع في الطواف يُدخل الحج على العمرة، ويدل على هذا: "أنه لما حاضت عائشة - رضي الله عنها - قبل أن تصل مكة، وكانت مُحرِمة بعمرة، أمرها – صلى الله عليه وسلم - أن تُهِلَّ بالحج"، فهنا أدخلت الحج على العمرة.(/38)
الصورة الثالثة: أن يُحرم من الميقات بالحج فقط فيقول: "لبيك اللهم حجًّا"، ثم يُدخل العمرة على الحج، هذه الصورة يقول المؤلف - رحمه الله تعالى - لا تجوز، وهو المشهور عند الحنابلة؛ لأنه إدخال الأصغر على الأكبر، ولأنه لا يستفيد شيئًا.
ومن العلماء مَن قال: إنه يجوز إدخال العمرة على الحج، واستدلوا بحديث عائشة: "أن النبي – صلى الله عليه وسلم - أحرم بالحج، ثم لما أتاه الآتي، قال له: قل لبيك اللهم حجًّا وعمرة"، فيفهم من هذا أنه أدخل العمرة على الحج.
والأحوط ألا يفعل هذه الصورة الثالثة؛ لوجود الخلاف بين العلماء.
هناك عدة أمور يجب التنبه لها:
1- يجب على المتمتع والقارن دم نسك، إذا لم يكونا من حاضري المسجد الحرام، ودليل هذا قوله - تعالى -: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196].
وهذا الدم هو دم شكران، وليس دم جبران؛ لأن هذا الدم حصل لشكر الله - عز وجل - على التمتع بالعمرة إلى الحج، أو على ترك أحد السفرين؛ لأنه أتى بنسكين في سفر واحد، فيشكر الله - عز وجل - على ذلك.
2- حيض المرأة في الحج له عدة صور:
الصورة الأولى: أن يكون الحيض عند الإحرام قبل أن تحرم، فلها أن تحرم كما مر معنا في حديث عائشة أن الرسول – صلى الله عليه وسلم -: "أمر أسماء بنت عميس أن تغتسل وتهلَّ بالحج"، فهذا لا يمنعها من نية الحج، وكذلك كما ورد في حديث عائشة: "أن النبي – صلى الله عليه وسلم - أمرها أن تهل بالحج"، فهذا لا إشكال فيه إن كان قبل الإحرام.
الصورة الثانية: إذا كانت أحرمت وجاءها الحيض، ننظر بماذا أحرمت؟(/39)
فإذا كانت أحرمت بعمرة؛ يعني متمتعة؛ فهذه حالها كحال عائشة - رضي الله عنها - أي إذا كانت لا يمكن أن تطهر قبل يوم عرفة، فإنه في هذه الحالة تُدخل الحج على العمرة كما فعلت عائشة - رضي الله عنها - وإذا كان يمكن أن تطهر قبل يوم عرفه، فتنتهي من عمرتها، ثم تحرم بالحج، فإنها تبقى على إحرامها.
وإذا كانت أحرمت بالحج وحده، أو أحرمت قارنة ابتداءً، ثم جاءها الحيض، فإنها تفعلُ ما يفعله الحاج؛ غير أنه لا تطوف بالبيت، فتذهب إلى منى، ثم إلى عرفة، ثم إذا كان يوم النحر طهرت، طافت طواف الإفاضة وسعت، وإذا تأخر طهرُها حتى أيام التشريق وما بعدها، فعلى وليِّها أن يجلس معها حتى تطهر، ثم تطوف طواف الإفاضة وتسعى، وتكون في هذه الحالة على إحرامها، ولا يحصل لها التحلل الأكبر. أما إذا لم يبقَ عليها إلا طواف الوداع، ففي هذه الحالة لا وداع عليها، لأن النبي – صلى الله عليه وسلم - أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت طوافًا؛ إلا أنه رُخِّص فيه للحائض، ولأن النبي – صلى الله عليه وسلم - لما سأل عن صفية، قالوا: إنها قد حاضت، قال: ((أحابستنا هي؟!))، قالوا: قد طافت يارسول الله (يعني طواف الإفاضة)، قال: ((فلتنفر إذًا)).
فحديث صفية دل على أمرين:
الأمر الأول: دل على أن مَن لم تطُفْ طواف الإفاضة، أن ذلك يحبسها، وذلك أن النبي – صلى الله عليه وسلم - سأل وقال: ((أحابستنا هي؟!))، قالوا: إنها قد أفاضت، قال: ((فلتنفر إذًا))، فدل على أن مَن لم تطف طواف الإفاضة تَحبِس مَن معها، حتى تؤدي طواف الإفاضة.
الأمر الثاني: أن مَن طافت طواف الإفاضة، ولم يبقَ عليها إلا الوداع، فإنه لا وداع عليها.
3- أن مَن أحرم مطلقًا صحَّ، وله صرفه إلى ما شاء:(/40)
أي مَن أحرم ولم يُعَيِّن نسكًا معيَّنًا؛ فلم ينوِ أنه مفرد، أو قارن، أو متمتع، فيصح هذا الإحرام، ولا يشترط تعيين النسك الذي أحرم به، فله أن يصرفه إلى ما شاء، فإن شاء جعله عمرة، وإن شاء جعله حجًّا، وإن شاء جعله عمرةً وحجًّ؛ أي إن شاء جعل نفسه قارنًا أو مفردًا أو متمتعًا.
4- مَن أحرم بنسك ونسيه فما حُكْم ذلك؟
أي إذا أحرم بنسك؛ كأن يكون إفرادًا أو قرانًا أو تمتعًا، ثم نسيه ففيه قولان:
القول الأول: يصرفه إلى عمرة؛ لأنه إن كان أحرم بعمرة فقد أصاب، وإن كان أحرم بالحج فيجوز فسخ الحج إلى العمرة.
القول الثاني: يصرفه إلى أيهما شاء إلى حج أو إلى عمرة.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"فإذا استوى على راحلته لبى فقال: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك".
ما حُكْم التلبية؟
التلبية مستحبة عند جمهور العلماء، وليست واجبة؛ خلافًا للمالكية، وليست شرطًا؛ خلافًا للحنفية.
مسألة: متى يلبي الحاج؟ هل يلبي بعد الصلاة؟ أو يلبي إذا استوى على راحلته؟ أو يلبي إذا علا البيداء؟
الجواب: اختلف العلماء - رحمهم الله تعالى - في ذلك على ثلاثة أقوال، وجمع ابن عباس - رضي الله عنه - بين هذه الأقوال فقال: "مِن الناس مَن سمع النبي – صلى الله عليه وسلم - يلبي بعد الصلاة، فنقل ذلك، ولم يسمع تلبيته عندما استوى على راحلته، ومنهم مَن سمع النبي – صلى الله عليه وسلم - يلبي حينما استوت به راحلته، فنقل ذلك، ولم يسمعه يلبي بعد الصلاة، ومنهم مَن رآه يلبي لما علا البيداء من ذي الحليفة، فنقل ذلك، ولم يسمعه يلبي حينما استوت به راحلته". فالاختلاف نظرًا لسماعهم لتلبية النبي صلى الله عليه وسلم.
صفة التلبية:
"لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك".
معنى التلبية:(/41)
القول الأول: لبيك على صيغة التثنية مثل حنانيك؛ أي إجابة بعد إجابة، فكأن هذا إجابة لدعاء إبراهيم حين نادى، فوعده الله - عز وجل - أنه سيبلغ صوته إلى الناس، فإن الله - عز وجل - لما دعا الناس إلى الحج لبُّوا؛ أي أجابوا داعي الله إلى الحج.
القول الثاني: إنها مأخوذة من لبَّ بالمكان إذا أقام به، كأنه يقول: يارب أنا مقيم على طاعتك إقامة بعد إقامة.
القول الثالث: لبيك مأخوذة من (اللُّب) وهو خالص الشيء: كأنه يقول: يارب لك إخلاصي، ولك خالص عبادتي وطاعتي.
القول الرابع: هي مأخوذة من (لبب كذا) إذا أخذ بتلابيبه؛ كأنه يقول: جئتك يارب منقادًا لأمرك، خاضعًا ذليلاً كما ينقاد مَن يؤخذ بتلابيب ثوبه.
ما يستفاد من التلبية:
1- تُشعر الإنسان بالاستجابة لأمر الله - عز وجل - وبامتثال أمره.
2- تشعر بما لله من التوحيد، وبالاعتراف بنعمة الله، وبالشكر لله - عز وجل - وبالإخلاص له سبحانه.
3- تحيي شعيرة التوحيد، فقوله: ((لا شريك لك لبيك)) هو معنى لا إله إلا الله، فالرسول – صلى الله عليه وسلم - لما جاء إلى مكة يلبي بهذه التلبية يحيي بها شعيرة التوحيد، ويحيي بها هذا الأمر العظيم، الذي أخلَّ به أهلُ مكة كثيرًا في عهده – صلى الله عليه وسلم - فجاء يقرر التوحيد في أكثر من موقف في حجه، صلوات الله وسلامه عليه.
4- حمد الله وثناؤه على كل حال، فقال: ((إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك)).
حكم الزيادة على ألفاظ التلبية:
ألفاظ التلبية السابقة هي الواردة عن النبي – صلى الله عليه وسلم - وعند العلماء أنه لا يستحب الزيادة على هذه الصيغة، ولا يكره:
فقولهم: "لا يستحب الزيادة على التلبية"؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم - لم يزد عليها.(/42)
وقولهم: "لا تكره الزيادة عليها"؛ يعني أن الزيادة جائزة؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم - سمعهم يزيدون، فكان ابن عمر - رضي الله عنهما - يقول: "لبيك وسعديك، والخير بيديك، والرغباء إليك والعمل، لبيك ذا المعارج، لبيك ذا الفواضل".
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"ويستحب الإكثار منها ورفع الصوت بها لغير النساء".
ويستحب رفع الصوت بالتلبية: ويدل على ذلك:
1- قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((أفضل الحج: العَجُّ والثَّجُّ))؛ حديث حسن، أخرجه الترمذي والدارمي، والعج: رفع الصوت بالتلبية، والثج: إراقة دم الهدي.
2- قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي ومَنْ معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية))؛ أخرجه أصحاب السنن، وصححه الألباني.
3- ما ثبت عن أنس - رضي الله عنه -: "أن أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم - كانوا يصرخون بالتلبية صراخًا".
4- وجاء عن أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم -: "أنهم كانوا لا يبلغون الرَّوْحاء حتى تبح أصواتهم"، وذلك من رفعهم أصواتَهم بالتلبية.
ويستحب الإكثار من التلبية:
ويدل على ذلك: قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((ما من ملبٍّ يلبي إلا لبى ما عن يمينه وعن شماله من حجر و شجر، حتى تنقطع الأرض من هنا وهنا - بقدر ما يرى الرائي -)).
فينبغي للإنسان أن يكثر من هذه التلبية، كما ورد عن النبي – صلى الله عليه وسلم - وعن أصحابه، فكثير من الحجاج يغفلون عن هذا الأمر، ويشتغلون بما لا يعنيهم، ويتركون أمر التلبية جانبًا.
قول المؤلف - رحمه الله تعالى -: "لغير النساء"؛ لأن المرأة لا ينبغي لها أن ترفع صوتها بالتلبية، فربما أثَّر ذلك في الرجال، فلا ترفع صوتها إلا بقدر ما تُسمع رفيقتها.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:(/43)
"وهي آكد فيما إذا علأنشزًا، أو هبط واديًا، أو سمع ملبيًا، أو فعل محظورًا ناسيًا، أو لقي ركبًا، وفي أدبار الصلاة المكتوبة، وبالأسحار وإقبال الليل والنهار".
هذه ثمانية مواطن ذكرها المؤلف - رحمه الله تعالى - يستحب فيها رفع الصوت بالتلبية،
وفي ذلك حديث ذكره ابن عساكر في تخريجه لأحاديث "المهذب"، وهو: "أنه – صلى الله عليه وسلم - كان يلبي إذا لقي راكبًا، أو علا أكمة، أو هبط واديًا، وفي أدبار الصلوات المكتوبة، ومن آخر الليل"، وفيه حديث في الصحيح: أن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال: ((كأني أنظر إلى موسى هابطًا من الثنية، له جُؤار إلى الله - عز وجل - بالتلبية)).
باب محظورات الإحرام
قوله: "محظورات": هي صفةٌ لمحذوف تقديره: الأشياء المحظورات.
المحظور في اللغة: الممنوع.
فهذه الأشياء التي سيذكرها المؤلف - رحمه الله تعالى - ممنوعةٌ ومحرَّمةٌ على المحرِم.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"وهي تسعة: الأول والثاني: حلْق الشَّعر، وقلم الظفر، ففي ثلاثة منها دم، وفي كل واحد مما دونه مُدُّ طعام، وهو ربع الصاع. وإن خرج في عينه شَعر فقلعه، أو نزل شعره فغطى عينَه، أو انكسر ظفره فقصَّه؛ فلا شيء عليه".
المحظور الأول: حَلْقُ الشَّعر: وهذا بإجماع العلماء أن المحرِم يُمنع منه، والأصل في
ذلك:
1- قوله - تعالى -: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196]، فهذا نص في حلق الشعر.
2- حديث كَعْبِ بن عُجْرَةَ لما قال له الرسول – صلى الله عليه وسلم -: ((لعلك تؤذيك هوام رأسك؟))، قال: "نعم يا رسول الله"، قال: ((احلق رأسك، وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، أو انسك شاة))، فخيَّره النبي – صلى الله عليه وسلم - بين هذه الأشياء الثلاثة.(/44)
وقول المؤلف - رحمه الله تعالى -: "حلق الشعر"، هذا لا مفهوم له؛ فإن النتف أو القص في معنى الحلق، يعني لا فرق بين أن يحلق شعره، أو أن يزيله بأي نوع من أنواع الإزالة: بالنتف أو بالقص، أو بغيره من الأشياء التي يزال بها الشعر.
مسألة: هل الألف واللام في "الشعر" للعهد؛ أي يكون المعنى شعر الرأس؟ أو المراد به الاستغراق؛ أي كل شعر الجسم لا يجوز للإنسان أن يأخذ منه؟
الجواب: اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: أن المحرِمَ ممنوعٌ مِن أخذ شيء من شعره، سواء كان شَعْر الرأس، أو شعر البدن أو غيره؛ فجميع الشعر من المحظورات، لا يجوز للإنسان أن يَحلِق شيئًا منه، فأما شعر الرأس فبنص الآية، وأما غيره فبالقياس عليه، وهو قول جمهور العلماء.
القول الثاني: أن المُحرَّم على المُحرِم هو حلق شعر الرأس دون غيره؛ لأن غير شعر الرأس لم يَثْبُتْ فيه نص من الكتاب، ولا عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - وهذا هو قول الظاهرية. وهذا القول قوي، ولهذا قال الشيخ الأمين - رحمه الله تعالى - في "أضواء البيان": "اعلم أني لا أعلَم نصًّا أو مستندًا، لمَن قال بتحريم غير شعر الرأس من كتاب ولا سُنة".
المحظور الثاني: تقليم الظفر: نقل ابنُ قدامة في "المغني" الإجماعَ على أن المُحرِم ممنوعٌ من تقليم أظفاره. واستدل بعضهم بقوله – تعالى -:{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} [الحج: 29]، قال ابن عباس - رضي الله عنه -: "التفث هو: حلق الرأس، وتقليم الأظفار"، لأنه إذا كان مباحًا له يوم النحر، دلَّ على أنه ممنوع قبل ذلك، فذكر هذا بعد أن ذكر الهدي، وذكر ما ينحره الإنسان، ثم قال: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ}، وهذا هو رأي جمهور العلماء، وفيه خلاف للظاهرية.
تنبيه:(/45)
المؤلف - رحمه الله تعالى - بعد أن ذكر المحظورين - حلق الرأس وتقليم الأظفار - ذَكَرَ أحكامًا متعلقة بالمحظورين؛ لأنهما من باب واحد؛ فالحُكْم الذي يقال في حلق الشعر، يقال في تقليم الأظفار.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"ففي ثلاثة منها دمٌ".
أي إذا حَلَقَ الإنسانُ ثلاثَ شعرات، أو قلَّمَ ثلاثةَ أظفارٍ ففيه دم، وقوله: "فيها دم" هذه العبارة فيها تسامح، والأَوْلى أن يقول: فيها فدية؛ لأن الفدية ليست دمًا متعينًا؛ بل هو مخيرٌ بين أن يذبح شاة، أو أن يصوم ثلاثة أيام، أو أن يُطعِم ستة مساكين.
مسألة: على ماذا يَصْدُقُ حلْق الشعر؟
الجواب: في رواية عند الحنابلة ثلاث شعرات، وهذه التي اختارها المؤلف؛ لأن هذا هو أقل ما يَصْدُق عليه الجَمْع.
وفي رواية أخرى عندهم أنها أربع شعرات، واختارها الخرقي.
وعند المالكية كل ما يماط به الأذى؛ أي كل ما تحصل به إماطة الأذى، فهذا فيه فدية.
وعند الحنفية ربع الرأس.
هذه الأقوال كلها مبنية على أن الله - عز وجل - نهى المُحرِم أن يَحلِق شَعرَه، وليس في ذلك تحديد، والظاهر قولُ مَن قال: إنه أكثره، أو قال: ما يماط به الأذى، فهذا هو الأَوْلى.
وقوله - رحمه الله تعالى -:
"وفي كل واحد مما دونه مد طعام، وهو ربع الصاع".
أي لو حلق شعرةً، أو قص ظفرًا؛ ففيه مُدُّ طعام، وأقل من الشعرة، أو أقل من الأظفر؛ فلا يُنظر إليه؛ بل يَأخذ حُكْم الشعرة الواحد، والظفر الواحد.
وقوله: "مُدُّ طعام"، لأن الله - عز وجل - جعل في جزاء الصيد، لمن لم يجد الحيوان، الإطعامَ،
وإنما قيل بالفدية في بعض الشَّعر؛ لأن ما وجبتْ الفدية في جملته وجبتْ في أبعاضه، وكذلك الحال هنا.
ثم قال: "ربع صاع" لأن هذا أقل فدية، وهي إطعام مسكين، وهو مُدٌّ.
وبعض العلماء قال: يتصدق بأي شيء، وهذا هو الأقرب؛ أنه ليس هناك تحديد؛ بل لو قيل: إنه لا يتصدق، وهذا مما يتسامح فيه، [لكان] أَوْلى.
وقوله - رحمه الله تعالى -:(/46)
"وإن خرج في عينه شعر فقلعه، أو نزل شعره فغطى عينه، أو انكسر ظفره؛ فلا شيء عليه".
هذه المسألة كلها ترجع إلى قاعدة، وهي قاعدة مهمة، وهي:
"أن مَن أتلف شيئًا لدفع أذاه لم يَضْمَنْهُ، وإن أتلفه لدفع أذى غيره به ضَمِنَهُ".
وتوضيح هذه القاعدة: أن الشعر مادام هو بنفسه أذًى للمُحرِم، أو آذى المُحرِمَ فقصَّه أو حَلَقَه، فلا شيء على المُحرِم، ولا يضمن؛ لأنه فعل ذلك من أجل دفع أذى الشَّعر؛ لكن لو كان في المُحرِم قَمْلٌ، فحَلَقَ الشَّعر، فهنا الأذى ليس من الشعر؛ وإنما من القمل، لكن هذا القمل لا يُدفَع أذاه إلا بحلْق الشعر، ففي هذه الحالة يضمن؛ كما في حديث كعب بن عُجْرَة؛ لأنه أتلف الشعر من أجل دفْع أذى غيره، وهو القمل.
هذه القاعدة لها فروع كثيرة، من ذلك: الصيد للمُحرِم، إذا صال عليه (يعني آذاه بنفسه) وقتله لم يضمنه؛ لكن لو قَتَلَ الصيدَ لدفع أذى غيره؛ يعني كدفع الجوع، كأن يكون في مَخْمَصَةٍ، فوجد صيدًا، فقتله؛ فهنا يضمن الصيد. كذلك لو صال عليه حيوانٌ لآدمي فقتله لم يضمنه؛ لكن إذا قتل هذا الحيوان لدفع المخمصة، ضمنه.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"الثالث: لبس المخيط، إلا أن لا يجد إزارًا، فيلبس سراويل، أو لا يجد نعلين، فيلبس خفين، ولا فدية عليه".(/47)
المراد بالمخيط: كل ما خِيط على قدْر البدن كله، أو على قدر عضو منه، فيدخل تحت هذا الثوب الذي نلبسه، والقُمُص، والسراويل، والخفاف، والشراريب والجوارب، والقفازات، وكذلك الطاقية لأنها على قدر العضو، والأصل في هذا ما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر - رضي الله عنه -: أن رجلاً قال لرسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "ما يلبس المحرِم؟"، قال: ((لا يلبس القُمُص، ولا العمائمَ، ولا السراويلاتِ، ولا البرانس، ولا الخِفَاف؛ إلا أحدٌ لا يجد نعلين فليَلْبس الخفين، وليقطعهما أسفلَ من الكعبين، ولا تلبسوا من الثياب شيئًا مسَّه زعفران أو وَرْس))، فالرسول – صلى الله عليه وسلم - نبَّه بهذا الحديث على ما يُلبَس أعلى البدن، وهو القُمُص، أو أسفل البدن وهو السراويلات، أو ما يلبس في الرِّجْل وهو الخف، أو ما يلبس على البدن كله وهو البرانس، وكذلك العمائم على الرأس.
يقول المؤلف:
"إلا أن لا يجد إزارًا فيلبس سراويل، أو لا يجد نعلين فيلبس خفين، ولا فدية عليه".
وهذا يدل عليه حديث ابن عباس - رضي الله عنه - في الصحيحين قال: "سمعت الرسول – صلى الله عليه وسلم - يخطب بعرفات يقول: ((السراويل لمن لم يجد الإزار، والخُفَّان لمن لم يجد النعلين))، يعني المحرِم"، فالرسول – صلى الله عليه وسلم - نبَّه على هذا الأمر، فالذي لا يجد إزارًا، له أن يلبس السراويل على هيئته، ولا فدية عليه، وإذا لم يجد النعلين لَبِسَ الخفين مع أن الخف مخيط على قدر العضو.
مسألة: مَن لم يجد نعلين ولبس خفين، هل يقطعهما أسفل الكعبين أو لا يقطعهما؟
الجواب: العلماء اختلفوا هل يقطع الخف أو لا؟ على قولين:
القول الأول: جمهور العلماء على أن الخفَّ يُقطَع حتى يكون أسفل الكعبين لحديث ابن عمر، رضي الله عنه.(/48)
القول الثاني: ذهب الحنابلة إلى أن الخف لا يُقطَع؛ يعني لو لبسه على حالته لا شيء عليه، واستدلوا بحديث ابن عباس، وفيه أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يذكر فيه القطع، وقالوا: حديث ابن عمر كان في المدينة، وحديث ابن عباس كان في عرفة؛ فهو متأخر، وقد حَضَرَ النبيَّ – صلى الله عليه وسلم - بعرفة مَن لم يحضر كلامَه بالمدينة، ولو كان ذلك واجبًا لبيَّنه الرسول – صلى الله عليه وسلم - لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
وأجاب الجمهور عن حديث ابن عباس بأنه مُطلَق، وحديث ابن عمر مُقيَّد؛ فيُحْمَل المطلق على المقيد، علمًا بأن حديث ابن عمر فيه زيادة؛ فيجب الأخذ بها.
والظاهر- والله تعالى أعلم -: أنه يجب القطع كما في حديث ابن عمر.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"الرابع: تغطية الرأس، والأذنان منه".
تغطيةُ الرأس ممنوعٌ منها المحرِمُ بإجماع العلماء، والدليل على ذلك:
1- ما تقدم من حديث ابن عمر من النهي عن العمائم والبرانس.
2- قول الرسول – صلى الله عليه وسلم - في الذي وَقَصَتْه دابتُه: ((لا تُخَمِّروا رأسه؛ فإنه يُبعث يوم القيامة مُلبيًا))، فبيَّن الرسول – صلى الله عليه وسلم - أنه على إحرامه، وأنه ممنوع من تغطية الرأس.
وتغطية الرأس لها حالات:
الحالة الأولى: أن يغطيه بملاصق؛ كأن يغطيه بطاقية أو بعمامة، أو بما أشبه ذلك مما هو معتادٌ لُبْسُه على الرأس؛ فهذا ممنوع بإجماع العلماء.
الحالة الثانية: أن يغطيه بوضع شيء عليه؛ يعني بتلبيده، مثل أن يلبده بالعسل أو بالصمغ، أو بشيء شبيه بهذا كالحناء، فهذا جائز بالنص والإجماع:
أما النص: فلقول ابن عمر - رضي الله عنه – "رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يُهِلُّ مُلبِّدًا"؛ يعني يلبد الرأس؛ حتى يبقى الشعر كما هو، فهذا فيه نوع تغطية؛ لكنه مع ذلك لا يضر.
وأمّا الإجماع: فقد أجمع العلماء على جواز ذلك.(/49)
الحالة الثالثة: أن يغطيه بحَمْل متاعٍ عليه؛ كإنسان يحمل متاعه على رأسه، فهذه تغطية للرأس، هل تجوز أو لا تجوز؟
اختلف العلماء - رحمهم الله تعالى - في ذلك على قولين:
القول الأول: أنه لا شيء عليه إذا غطاه، وهو مذهب الحنابلة والمالكية؛ لأن هذا لا يُقصد به الستر غالبًا.
القول الثاني: أن عليه الفدية إذا غطاه، وهو مذهب الشافعية.
والصحيح في هذا التفصيل: إذا كان الإنسان يضع على رأسه شيئًا بقصد التغطية، فعليه الفدية، وإلا فلا، وهو اختيار ابن عقيل من الحنابلة.
الحالة الرابعة: أن يغطي رأسه، أو أن يستظل بظل شجرة أو بالشمسية أو بظل السيارة، فهذا جائز، ويدل على ذلك: "أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ أن تُنصَبَ له قبةٌ من شَعَرٍ بنَمِرَة، فنُصِبتْ له، والرسول – صلى الله عليه وسلم – محرِم"، فدلَّ ذلك على أنه لا مانع أن يستظل المحرِمُ.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"والأذنان منه".
لما روى ابن عباس عن الرسول – صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((الأذنان من الرأس))، فإذا كانت من الرأس؛ فيجب على المحرِم ألا يغطيها.
مسألة: هل الوجه كالرأس أو لا في التغطية؟
الجواب: للعلماء في هذه المسألة قولان:
القول الأول: أنه يَحْرُم على المحرِم أن يغطي وجهه، وهو مذهب المالكية والحنفية، ورواية عن الإمام أحمد، والدليل على ذلك ما ثبت في صحيح مسلم، في حديث الذي وَقَصَتْه دابتُه أنه قال: ((لا تخمروا رأسه ولا وجهه)).
القول الثاني: أنه يباح للمحرِم أن يغطي وجهَهُ، وهو قول الشافعية، ورواية عن الإمام أحمد، وقالوا: زيادةُ ((ولا تغطوا وجهه)) زيادةٌ غير محفوظة؛ فبناءً على ذلك يجوز له أن يغطي وجهه.
والقول الراجح - والله تعالى أعلم -: أنه لا يجوز للمحرِم أن يغطي وجهه؛ لأن رواية الزيادة ثابتة وصحيحة.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"الخامس: الطِّيب في بدنه وثيابه".(/50)
الدليل على كون الطِّيب من محظورات الإحرام، وعلى كونه مُحرَّمًا على المُحرِم، ما تقدم سابقًا معنا في الأحاديث الصحيحة منها:
1- قصة الرجل الذي وَقَصَتْه دابتُه، فقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم - فيه: ((لا تمسوه طِيبًا)).
2- حديث ابن عمر - رضي الله عنه - عن النبي – صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((ولا تلبسوا من الثياب شيئًا مسَّه زعفران أو وَرْسٌ)).
3- حديث صاحب الجُبَّة، حيث أمره النبي – صلى الله عليه وسلم - أن يغسل ما به من الطِّيب ثلاثًا، وقال له:
((وانزع عنك الجبة)).
لكن يَرِدُ هنا مسألتان:
المسألة الأولى: ما الطِّيب المحرَّم؟
الجواب:
الطيب المحرَّم هو: ما قُصِد منه الطِّيب، فليس كل رائحة طيبة أو تستطاب تكون طيبًا؛ بل ما قُصد منه الطِّيب، أو كان الغالب فيه ذلك، هذا هو المحرَّم على المُحرِم.
فالطِّيب المُحَرَّم، للعلماء فيه ضوابطُ مختلفة، فقال ابن قدامة - رحمه الله تعالى -:
"النبات الذي تستطاب رائحته على ثلاثة أضرب:
الضرب الأول: ما لا يُنبَتُ للطيب ولا يُتخذ منه - يعني لا يُقصد منه الطيب ولا يُتخذ منه - كنبات الصحراء: مثل الشِّيح والقَيْصُوم والخَزَامَى وغيرها، وكذلك الفاكهة: كالسفرجل
والتفاح، وما لا يُقصد منه الطيب بتاتًا من الأشجار؛ فهذا الضرب لا خلاف أنه لا فدية على مَن شمَّه أو مَسَّه.
الضرب الثاني: ما يُنبَتُ للطيب ولا يُتخذ منه؛ كالريحان، فهذا فيه وجهان عند الحنابلة، وأصح الوجهين: أنه لا فدية على مَن مسه أو شمه.
الضرب الثالث: ما يُنبَت للطيب ويُتخذ منه؛ كالورد وغيره، فأصح الروايات عن الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - أن مَن مسه أو شمه عليه فدية".
لكن الطِّيب على قسمين:
القسم الأول: ورد فيه نص؛ كالزعفران وغيره، فهذا يُتبع فيه النص.
القسم الثاني: لم يَرِد فيه نص، فالمرجع فيه إلى عُرْف الناس، فما عدَّه الناس طيبًا فإنه يَحرُمُ على المُحرِم أن يَمَسَّه.(/51)
المسألة الثانية: ما هي أوجه الاستعمال المحرَّمة في الطيب؟
الجواب: ذكر المؤلف - رحمه الله تعالى - أنه في البدن وفي الثياب.
والعلماء - رحمهم الله تعالى - قالوا: إن أوجه الاستعمال المحرَّمة في الطيب هي:
1- المس.
2- الشم.
3- صبغ الثياب به.
4- الادهان.
5- استعماله في الأكل.
6- الاحتقان به.
1- مس الطيب:
فهذا واضح من حديث الرجل الذي وقصته دابته، قال – صلى الله عليه وسلم -:
((لا تمسوه طيبًا))، والطيب من حيث المس على قسمين:
القسم الأول: طيب لا يَعْلَقُ باليد منه شيءٌ إذا مسسناه؛ كالعود أو قطع الكافور مثلاً، فمثل هذا لا فدية في مسه.
القسم الثاني: ما يعلق باليد منه شيء؛ كالطيب السائل أو المائع أو المسحوق، فهذا فيه الفدية.
2- شم الطيب: على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يَشمَّه المحرِم من غير قصد؛ كأن يمر بالكعبة وهي تُطيَّب، فيجد رائحة الطيب، أو يمر بعطَّار عنده طيب فيجد الرائحة، فهذا لا شيء عليه باتفاق العلماء.
القسم الثاني: أن يقصد شم الطيب؛ لكن هذا القصد من أجل الشراء منه، فهذا قال بعض العلماء: لا شيء عليه، وهذا الذي رجحه ابن القيم - رحمه الله تعالى - فقال: ليس في شم الطيب دليل، لكنه حُرِّم تحريم الوسائل، وما حُرِّم تحريم الوسائل جاز للحاجة؛ كتحريم النظر للمرأة الأجنبية، فإنه محرَّم تحريم الوسائل؛ لكنه يجوز النظر للمخطوبة للحاجة، فكذلك الطيب يجوز للحاجة إذا أراد الإنسان أن يشتري فلا مانع من أن يشمه.
القسم الثالث: أن يشم الطيب بقصد التلذذ به، فهذا لا يجوز، ومَن فعله فعليه الفدية.
3- صبغ الثياب بالطيب: فهذا فيه قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((لاتلبسوا شيئًا من الثياب مسَّه زعفران أو وَرْس)).
4- الادِّهان بالطيب: على قسمين:
القسم الأول: دهان فيه طيب، فهذا لا يجوز الادِّهان به؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تمسوه طيبًا)).(/52)
القسم الثاني: دهان لا طيب فيه، فيجوز الادِّهان به، وبعض العلماء كَرِهَه وقال: لا يجوز، لا لكونه طيبًا؛ بل لكونه يُزيل التفث، أو يُزيل الشعر من الرأس، وبعضهم قال: لا يجوز استعمال الدهان في الرأس واللحية؛ حتى لا يُسقط شيئًا من الشعر.
والصحيح الجواز إذا لم يكن فيه طيب.
5- أكل الطيب: ففيه خلاف بين العلماء إذا استعمل الطيب فيه:
فمذهب الحنابلة والشافعية أن استعمال الطيب في الأكل أو الشرب محرَّم على المُحرِم، سواء كان نيئًا أو كان مطبوخًا متى ما وجد ريحه، فإذا فعل فإن عليه الفدية.
وبعض العلماء يرى أنه إذا كان مطبوخًا لا فدية فيه، سواء ذهب لونه وريحه وطعمه أو لا؛ لأن الطبخ يُحيل الطيب عن حقيقته؛ وهو مذهب المالكية والحنفية.
والظاهر - والله تعالى أعلم - أنه لا شيء في وضعه في الأكل؛ لأنه لا نص في ذلك، وأيضًا لا يسمى عادةً مَن يأكل ما فيه طيب متطيبًا.
لكن ينبغي للإنسان أن يجتنبه خروجًا مِن خلاف مَن خالف مِن العلماء.
6- الاحتقان بالطيب: لأن الاحتقان نوع من المس المنهي عنه.
مسألة: ما الفرق بين هذه المسألة وبين المسألة المتقدمة، وهي: وضع الطيب قبل الإحرام؟
الجواب: هذه المسألة في ابتداء الطيب في الإحرام؛ يعني هل يجوز لك أن تتطيب بعد أن تُحرِم، سواء كان في الثياب أو كان في البدن، وأما المسألة المتقدمة فهي في الاستمرار.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"السادس: قتل الصيد، وهو ما كان وحشيًّا مباحًا، وأما الأهلي فلا يَحرُم، وأما صيد البحر فإنه مباح".
الدليل على كون قتل الصيد من محظورات الإحرام:
1- قوله – تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95].
2- قوله - تعالى -: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96].
مسألة: هل هناك ما يُلحق بالقتل؟(/53)
الجواب: نعم، فلا يجوز للمُحرِم أن يدل على الصيد، ولا يُشير إليه، ولا يُعين عليه، ولا أن يأكله إذا صِيدَ مِن أجْله، والدليل على هذا ما في الصحيح عن أبي قتادة - رضي الله عنه -: "أنه كان مع أصحابه فرأَوْا حُمُرًا وحشية، فحمل عليها أبو قتادة - رضي الله عنه - فعقر منها أتانًا، فنزل أصحابه فأكلوا منها، فلما أكلوا منها كأنهم تحرَّجوا، فقالوا: أكلنا لحمًا ونحن مُحرِمُون (يعني لحم صيد)، فأتوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: "يا رسول الله، إنا أحرمْنا، وكان أبو قتادة لم يُحرِم، فرأينا حُمُرَ وحشٍ فحمل عليها أبو قتادة، فعقر منها أتانًا فنزلنا فأكلنا منها، وتركنا منها بقية، فقال لهم الرسول – صلى الله عليه وسلم -: ((هل منكم أحدٌ أمره بذلك أو أشار إليه بشيء؟))، قالوا: "لا"، قال: ((فكلوا ما بقي من لحمها))، وفي بعض الروايات عند مسلم أنه قال لهم النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((أمنكم أحدٌ أمره أن يحمل عليها، أو أشار إليها))، وفي بعضها كذلك عند مسلم قال لهم النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((أَشَرْتُم أو أَعَنْتُم أو أَصَدْتُم)). وفي بعض الروايات: "أنه سقط منه سوطه، فقال: ناولوني السوط، قالوا: والله لأنعينك عليها بشيء، فنزل فأخذ سوطه فعقرها"، فهذا كله يدل على أنه لا يجوز للمُحرِم أن يأكل من لحم الصيد؛ إذا صاده بنفسه، أو أشار إليه، أو أعان عليه، أو دل عليه.
مسألة: هل يجوز للمُحرِم أن يأكل من الصيد؟
الجواب: إن كان صِيدَ من أجله فإنه لا يجوز له أن يأكل منه، وإن لم يُصد من أجله جاز له أن يأكل منه، والدليل على هذا ما في سنن الترمذي وأبي داود عن جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - قال: ((صَيْدُ البَرِّ حلال لكم؛ ما لم تصيدوه، أو يُصد لكم)).(/54)
فإن قيل: ما الجواب عن حديث الصَّعْب بن جَثَّامَة الليثي الذي في الصحيحين: "أنه أهدى إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم - حمارًا وحشيًّا بالأَبْوَاء أو بوَدَّان، فرَدَّه الرسول – صلى الله عليه وسلم - فلما رأى الرسول – صلى الله عليه وسلم - ما في وجهه قال: ((إنا لم نردَّه عليك إلا أنَّا حُرُم))، فيدل هذا على أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - ردَّه عليه لأنه كان محرِمًا؟
قلنا: الجواب: أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - ربما عَلِمَ أن الصعب إنما صَادَهُ مِن أجله؛ فلم يأكل منه النبي – صلى الله عليه وسلم - لذلك.
مسألة: ما الصيد المُحرَّم على المُحرِم؟
الجواب: هو ما جَمَعَ ثلاث صفات:
الصفة الأولى: أن يكون بَرِّيًّا: فأخرج صَيْدَ البحر، قال - عز وجل -: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} [المائدة: 96]، فصيد البحر الذي لا يعيش إلا في الماء حلالٌ على المُحرِم، وإذا كان يعيش في الماء وفي البَرِّ؛ فإنه يُغلَّب جانب الحظر على جانب الإباحة، وعند الحنابلة العِبرة في هذا بالمكان الذي يفرخ ويبيض فيه.
الصفة الثانية: أن يكون وحشيًّا: يعني ليس أهليًّا؛ فبناءً على هذا يكون الأهلي ليس بمحرَّم؛ كبهيمة الأنعام وغيرها، والعِبرة في هذا بالأصل لا بالحال الذي عليه الآن، فما كان أصلُه وحشيًّا فإنه يَحرُم حتى وإن استأنس أو تأهل؛ فالحَمَامُ أصلُه وحشيٌّ، فلا يجوز اصطياده حتى وإن استأنس، وكذلك بهيمة الأنعام أصلها أهلي، فإن توحشت فإنه يجوز اصطيادها وأكلها.
الصفة الثالثة: أن يكون مباحًا: فإن كان محرَّمًا؛ أي يَحرُم أكلُه، فلا مانع من اصطياده، وما تولد بين مباحٍ ومحرَّم يُغلَّب جانب التحريم.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"السابع: عقد النكاح حرام، ولا فدية فيه".
لا يجوز للمُحرِم أن يَعْقِدَ لنفسه؛ أي لا يجوز أن يَقْبَل النكاح لنفسه، ولا أن يقبله لغيره،(/55)
ولا يكون وليًّا فيه، ولا وكيلاً، وذلك لما ثبت في صحيح مسلم من حديث عثمان:
أنه قال: قال الرسول – صلى الله عليه وسلم -: ((لا يَنْكِح المُحرِم، ولا يُنْكِح، ولا يخطب))، فهذا الحديث واضح في المنع من النكاح للمُحرِم، وكذلك لا يجوز للمُحرِمة أن تتزوج.
فإن قيل: ما الجواب عن حديث ابن عباس - رضي الله عنه – "أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - تزوج ميمونة وهو مُحرِم"؟
قلنا: الجواب عنه من عدة وجوه:
الوجه الأول: أن حديث ابن عباس مُعارَض بمِثْلِه، فقد ثبت في صحيح مسلم عن يزيد الأصم
قال: "حدثتني ميمونة بنت الحارث: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - تزوجها وهو حلال، وكانت خالتي وخالة ابن عباس"، فهذا الحديث مقدَّم على حديث ابن عباس؛ لأنه إذا تعارض عندنا خبران، راوي أحد الخبرين صاحب القصة، فخَبَرُه مقدَّم على خبر غيره، فهنا في حديث يزيد الأصم أخبر أن ميمونة حدثته بذلك، وهي صاحبة القصة.
الوجه الثاني: ثبت عند الإمام أحمد وغيره أن أبا رافع قال: "تزوج الرسول – صلى الله عليه وسلم - ميمونة وهو حلال، وبَنَى بها وهو حلال، وكنتُ الرسول بينهما"، فأبو رافع قد باشر القصة؛ فهو أَوْلى من ابن عباس، رضي الله عنه.
الوجه الثالث: أن ابن عباس - رضي الله عنه - كان صغيرًا لا يُدرك في ذلك الوقت حقائق الأمور.
الوجه الرابع: أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - ربما تزوج ميمونة وهو حلال؛ لكنه لم يُظهر أمر التزويج إلا وهو مُحرِم؛ فظن ابن عباس - رضي الله عنه - أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - تزوجها وهو مُحرِم.
الوجه الخامس: أنه إذا تعارَض القول والفعل، فالقول مقدَّمٌ على الفعل؛ لأن الفعل يحتمل الخصوصية، فإن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يَنْكِح المُحرِم، ولا يُنْكِح، ولا يخطب))، فهذا هو القول، والفعل هو ما ذكره ابن عباس، رضي الله عنه.(/56)
فبناءً على ذلك، يترجح - والله تعالى أعلم - أنه لا يجوز للمُحرِم أن يعقد النكاح، وإن عَقَدَ النكاح وهو مُحرِم، فلا فدية عليه؛ لكن العقد فاسد.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"الثامن: المباشرة لشهوة فيما دون الفرج، فإن أنزل بها فعليه بدنة، وإلا ففيها شاة، وحجه صحيح".
المباشرة فيما دون الفرج: كالوطء في غير الفرج، أو التقبيل، أو اللمس بشهوة. إذا فعل المُحرِم ذلك فله حالتان:
الحالة الأولى: أن يحصل منه إنزال مَني:
فهنا يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -: "عليه بدنة"، لماذا؟ قالوا: تشبيهًا له بالغسل، فكما أن الغُسل يجب بإنزال المني، بغض النظر عن الجِماع وغيره، فكذلك البدنة تجب بإنزال المني، بغض النظر عن الجِماع وغيره. فهم قاسوا الإنزال على الجِماع؛ فكما أن الجماع فيه بدنة، فكذلك الإنزال فيه بدنة بجامع اللذة في كلٍّ منهما.
الحالة الثانية: إن لم يحصل منه إنزال مني:
فهنا يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -: "عليه شاة"؛ يعني فيه فدية الأذى.
وقصدهم بفدية الأذى: شاة، أو إطعام ستة مساكين، أو صيام ثلاثة أيام على التخيير.
والظاهر - والله تعالى أعلم -: أن الجميع فيه فدية الأذى - أنزل أو لم يُنزل - لعدم وجود الدليل المقنع في هذا، والله تعالى أعلم.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"التاسع: الوطء في الفرج، فإن كان قبل التحلل الأول؛ فَسَدَ الحج، ووجب المضي في فاسده، والحج مِن قابل، ويجب على المُجامِع بدنة، وإن كان بعد التحلل الأول ففيه شاة، ويُحرِم من التنعيم ليطوف محرِمًا، وإن وطئ في العمرة أفسدها، ولا يفسد النسك بغيره".(/57)
الوطء في الفرج يعني: تغييب الحشفة في الفرج؛ أي تغييب رأس الذَّكَر في الفرج، وهذا الذي يترتب عليه الأحكام الشرعية المعروفة، وهذا هو أعظم المحظورات؛ إذْ يترتب عليه إفساد الحج والعمرة، وجميع المحظورات لا يفسد بها الحج، والجِماع مَنهيٌّ عنه بنص القرآن، قال الله - عز وجل -: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197]، قال ابن عباس - رضي الله عنه -: "الرفث هو: غشيان النساء، والتقبيل، والغمز".
وإذا جامع الإنسان في الحج فله حالتان:
الحالة الأولى: قبل التحلل الأول:
كأن يجامع ليلة عرفة، أو يجامع في المزدلفة، أو يجامع يوم العيد قبل الرمي وقبل الحلْق، فهذا يقول المؤلف يترتب على جِماعه أربعة أمور:
الأمر الأول: فساد حجه.
الأمر الثاني: المضي في فاسده.
الأمر الثالث: الحج من قابل.
الأمر الرابع: وجوب بدنةٍ عليه.
وهذه الأمور الأربعة منقولة عن ابن عمر - رضي الله عنه - كما في البيهقي، وهو أثر صحيح، وكذلك عن ابن عباس وعن عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهم - فهذه آثار عن الصحابة، ولم يُعرَف لهم مخالف؛ فكان ذلك إجماعًا.
وبعض هذه الأمور تدل عليها النصوص، فالمضي في فاسده؛ لأن الله – تعالى - أمر بإتمام الحج والعمرة، فعليه أن يُتم الحج والعمرة حتى ينتهي، ثم عليه الحج من قابل.
الحالة الثانية: بعد التحلل الأول:
كأن يجامع بعد أن يرمي الجمار ويَحلِق، وقبل أن يطوف طواف الإفاضة، فهذا يترتب على جِماعه أمران:
الأمر الأول: وجوب شاة عليه، لماذا لم يقُلْ عليه بدنة؟ قالوا: لأن الإحرام بعد التحلل الأول أخف من الإحرام قبل التحلل الأول، فهنا عليه شاة؛ أي عليه فدية الأذى.(/58)
الأمر الثاني: يُحرِم من الحِلِّ، سواء كان من التنعيم أو من غيره، حتى يطوف في إحرام صحيح؛ لأن الإحرام الأول فَسَدَ بالجِماع، فيحتاج أن يُحرِم حتى يطوف في إحرامٍ صحيح، وبعض العلماء يقول: يأتي بعمرة، وفي الحقيقة لم أطّلع على دليل لهذا القول، وخصوصًا مَن يقول يُحرِم مِن الحِلِّ؛ يعني ليس هناك دليل ولا آثار عن الصحابة تثبت هذا، والله أعلم.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"والمرأة كالرجل، إلا أن إحرامها في وجهها، ولها لبس المخيط".
أي والمرأة كالرجل في محظورات الإحرام السابقة: فلا يجوز لها أن تتطيب، ولا أن تصيد، ولا أن تأخذ من شَعْرها شيئًا، ولا تُقلِّم أظفارها...، لكن المؤلف يقول: "إلا أن إحرام المرأة في وجهها"، وأصلُ هذا الكلام أثرٌ مروي عن ابن عمر أنه قال: "إحرام الرجل في رأسه، وإحرام المرأة في وجهها"، قال في "المبدع": "رواه الدارقطني بإسناد جيد".
وهذه مسألة خلافية: هل وجه المرأة كرأس الرجل المُحرِم، أو كبدنه؟
إن قلنا: إن وجه المرأة كرأس الرجل، فيَحرُم عليها أن تغطي وجهها مطلقًا، سواء كان بمَخِيط أو بغيره؛ كما يَحرُم على الرجل أن يُغطي رأسه بمخيط أو بغيره، وإن قلنا: إن وجه المرأة كبدن الرجل المُحرِم، فيَحرُم على المرأة أن تغطي وجهها بمخيط، ولا يَحرُم عليها أن تغطيه بغيره، وهذا الذي ذهب إليه ابن القيم - رحمه الله تعالى -: أن وجه المرأة كبدن المُحرِم، فيَحرُم أن تلبس عليه مخيطًا؛ كالنقاب والبرقع، ولا يَحرُم عليها أن تطرح جلبابًا على وجهها، أو أن تطرح غطاءً على وجهها، إذا لم يكن مخيطًا على قدر الوجه، وقال: "وما روي عن ابن عمر حديثٌ لا أصل له، ولم يَروِه أحدٌ من أصحاب الكتب المعتمد عليها، ولا يُعرَف له إسناد، ولا تقوم به الحُجة". فبناءً على رأي ابن القيم: يَحرُم عليها المخيط في أمرين: في وجهها، وفي يديها؛ لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تنتقب المرأة، ولا تلبس القفازين)).(/59)
وعلى رأي الجمهور في يديها فقط، ولها - عند جميع العلماء - أن تغطي يدها بشيء غير مَخِيط؛ كأن تغطيها بعباءتها، لكن لا تغطيها بمخيط مصنوع على قدْر العضو، أما الشراب فلها أن تَلبسه؛ لأنها ليست ممنوعة من المخيط في رِجْلها.
باب الفدية
الفدية: مأخوذة مِن فَداه، وفاداه: إذا أعطى فداءه، فأنقذه وفداه بنفسه.
والمراد بها: حقٌّ مُعَيَّن شرعًا لجبْر نقصٍ؛ مِن ترْك واجب، أو فِعل محظورٍ، أو بسبب نُسُك.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"وهي على ضربين: الضرب الأول: على التخيير، وهي فدية الأذى واللبس والطيب، فله الخيار بين صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ثلاثة آصُع من تَمْرٍ لستة مساكين، أو ذبح شاة، وجزاء الصيد مِثْلُ ما قَتَلَ من النَّعَم؛ إلا الطائر فإن فيه قيمته، إلا الحمامة ففيها شاة، والنعامة فيها بدنة، ويتخير بين إخراج المِثْل وتقويمه بطعام، فيُطعِم كلَّ مسكين مُدًّا، أو يصوم عن كل مدٍّ يومًا".
الضرب الأول: ما هو على التخيير:
وهو نوعان:
النوع الأول: فدية الأذى:
وهي فدية خمسة محظورات: حلق الرأس، وتقليم الأظفار، وتغطية الرأس، واللبس، والطيب، ويدل على ذلك:
1- قوله - تعالى -: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196].
2- حديث كعب بن عُجْرة السابق: ((احلق رأسك، وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، أو انسُك شاة))، ولفظ (أو) للتخيير، فيُخيَّر بين صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين ثلاثةَ آصُع؛ أي لكل مسكين نصف صاع، أو ذبح شاة.
والمنصوص عليه: حلق الرأس، وغيره ملحق به قياسًا بجامع الترفُّه.(/60)
وقول المؤلف - رحمه الله تعالى -: "أو إطعام ثلاثة آصع من تمر لستة مساكين" هكذا وردت في حديث كعب بن عجرة: ((احلق رأسك، ثم اذبح شاةً نُسُكًا، أو صم ثلاثة أيام، أو أطعم ثلاثة آصع من تمرٍ على ستةِ مساكين))، وفي بعض الروايات: ((أو تصدق بِفَرَقٍ بين ستة مساكين، أو انسك ما تيسر))، والفرَق - بفتح الراء وسكونها -: مكيال معروف، يسع ثلاثة آصع.
والظاهر عدم التفريق بين التمر وغيره.
النوع الثاني: جزاء الصيد: فإنه يُخير بين المِثْل وتقويمه بطعام، فيُطعم كلَّ مسكين مُدًّا، أو يصوم عن كل مُدٍّ يومًا، والدليل على التخيير قوله – تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} [المائدة: 95].
واعلم أن الصيد على قسمين:
القسم الأول: ما له مِثْل:
فالواجب فيه أحد ثلاثة أشياء على التخيير: المِثْل، أو الإطعام، أو الصيام.
والمثل نوعان:
النوع الأول: ما قَضَتْ به الصحابة، ففيه ما قضت به:
الصيد: حمار الوحش. المِثْل: بقرة. مَن حَكَم به من الصحابة: عمر، (وحكم فيه ابن عباس وأبو عبيدة ببدنة).
الصيد: بقرة الوحش. المثل: بقرة. مَن حكم به من الصحابة: ابن مسعود، رضي الله عنه.
الصيد:الإيَّل (الذكر من الأوعال). المثل: بقرة. مَن حكم به من الصحابه: ابن عباس، رضي الله عنه.
الصيد: الثَّيْتَل (الوعل المُسِن). المثل: بقرة. مَن حكم به من الصحابة: ابن عمر، رضي الله عنه.
الصيد: الوعل (تيس الجبل). المثل: بقرة. مَن حكم به من الصحابة: ابن عمر، رضي الله عنه.(/61)
الصيد: الضبع. المثل: كبش. من حكم به من الصحابة: عمر، وابن عباس، وعلي، وجابر - رضي الله عنهم - وقد ورد فيه حديث عن النبي، صلى الله عليه وسلم.
الصيد: الغزال. المثل: عنز. من حكم به من الصحابة: عمر، ابن عباس، رضي الله عنهما.
الصيد: الوبر، والضب. المثل: جدي. من حكم به من الصحابة: عمر، عبدالرحمن بن عوف، رضي الله عنهما.
الصيد: اليربوع. المثل: جفرة لها أربعة أشهر. من حكم به من الصحابة: عمر، وابن مسعود، وجابر، رضي الله عنهم.
الصيد: الأرنب. المثل: عَنَاق. من حكم به من الصحابة: عمر، رضي الله عنه.
الصيد: الحمام. المثل: شاة. من حكم به من الصحابة: عمر، ابن عباس، عثمان، ابن عمر.
الصيد: النعامة. المثل: بدنة. من حكم به من الصحابة: عمر، وعثمان، وعلي، وزيد، وابن عباس، ومعاوية، رضي الله عنهم.
النوع الثاني: مالم تقضِ فيه الصحابة:
فيرجع فيه إلى قول عَدْلَيْن من أهل الخبرة، ويجوز أن يكون القاتل أحدهما لنص الآية:
{يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95]، فيحكمان فيه بأشْبَهِ الأشياء من النَّعَم من حيث الخِلْقة؛ لا من حيث القيمة بدليل أن قضاء الصحابة لم يكن بالمِثْل في القيمة.
ومتى اختار المِثل فإنه يُشترط فيه أن يكون من بهيمة الأنعام، ويذبحه ويوزعه على الفقراء.
القسم الثاني: ما لا مِثْلَ له:
وهو سائر الطير، ففيه قيمته في موضعه الذي أتلفه فيه، وذلك لأن الطير صيد، وفُسِّر قوله – تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} [المائدة: 94] بالفرخ والبيض، وما لا يقدر أن يَفرَّ من صغار الصيد، وقوله – تعالى -: {وَرِمَاحُكُمْ} يعني الكبار.
فإذًا يضمن الطير وبيضه لما ثبت عن ابن عباس: "في بيض النعام قيمته"؛ أخرجه عبدالرزاق.(/62)
ويستثنى من الطيور أنواع لها مِثْل، وذلك كالنعامة، والحمام، وهو: كل ما يعب الماء ويشرب فيدخل فيه الفَوَاخِت، والوَرَاشِين، والقُمْرِيُّ، والدُبْسِيُّ، والقَطَا؛ لأن كل واحدةٍ من هذه تسميها العرب حمامًا، وقال الكسائي: "كل مطوَّق حمام" فعلى هذا الحَجَل حمام لأنه مطوَّق.
ومتى اختار الإطعام: فإنه يقوِّم المِثْل - على أرجح الأقوال - لا الصيد؛ لأن الواجب المِثْل أو بدله.
فإذا اختار الإطعام: قوَّم المثل بدراهم، والدراهم بطعام، ويتصدق به على المساكين، فيُطعِم كلَّ مسكين مُدًّا، ولا يجزئ إخراج القيمة؛ لأن الله – تعالى - خيَّره بين ثلاثة أشياء، والقيمة ليست منها.
والطعام هنا هو الطعام المخرَج في الفطرة: تمر،أو بُرّ، ونحو ذلك.
مثال:
قَتَلَ صيدًا قيمةُ مِثْله (300 ريال)، فيشتري بالثلاثمائة ريال طعامًا، ويوزعه على الفقراء والمساكين، لكل مسكين مُدُّ بُرٍّ، أو نصف صاع من غيره، وقيل: نصف صاع في الجميع.
ومتى اختار الصيام: يقوِّم المِثْل بالدراهم، والدراهم بالطعام، ثم يصوم عن كل مسكين يومًا.
مثال:
قتل صيدًا قيمة مِثْلِه (300 ريال)، وهي قيمة (60 صاعًا)، والصاع = 4 أمداد، فيكون الناتج 60 × 4 = 240 مُدًّا، فيصوم عن كل مُدٍّ يومًا، فيصوم (240) يومًا، هذا إذا قلنا يعطي مدًّا لكل مسكين.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"الضرب الثاني: على الترتيب، وهو: المتمتع يلزمه شاة، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع. وفدية الجماع بدنة، فإن لم يجد فصيام كصيام المتمتع، وكذلك الحُكْم في دم الفوات، والمحصَر يلزمه دمٌ، فإن لم يجد فصيام عشرة أيام".
الضرب الثاني: ما هو على الترتيب:
وهو أربعة أنواع:
النوع الأول: دم المتعة والقِران:(/63)
يجب فيه الهَدْي، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، والدليل قوله – تعالى -: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة: 196].
"والقارن": وهذا عند جمهور العلماء، وخالف في ذلك الظاهرية.
والهدي هو ما يجزئ في الأضحية: شاة، أو سُبْع بدنة أو بقرة، يقول ابن عمر - رضي الله عنه -: "كنا نتمتع مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم - فنذبح البقرة عن سبعة، نشترك فيها".
وشروط الهدي:
1- أن يكون من بهيمة الأنعام.
2- أن يكون سليمًا من العيوب المانعة من الإجزاء في الأضاحي.
3- أن يكون في زمان الذبح ومكانه.
فمن لم يجد هَدْيًا صام ثلاثة أيام في الحج، وصيام الثلاثة الأيام التي في الحج يتصور فيها ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن يصومها المُتَمَتِّع قبل إحرامه بالعمرة والحج، فهذا لا يجوز باتفاق العلماء، ونُقل عن الإمام أحمد رواية؛ لكن أنكرها ابن قدامة وقال: "يُنَزَّه أحمد عن مثل هذا، وذلك لأنه تقديم لها على سببها".
الحالة الثانية: بعد الإحرام بالعمرة وقبل الإحرام بالحج، اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: وهو مذهب المالكية والشافعية، أنه لا يجوز إلا بعد الإحرام بالحج؛ لأنه
قال: {فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196].
القول الثاني: وهو مذهب الحنفية والحنابلة: أنه يجوز الصيام إذا أحرم بالعمرة، وفي رواية عند أحمد إذا حلَّ من العمرة، ودليلهم على جواز الصيام في العمرة: أن إحرام العمرة أحد إحرامي المُتمتِّع، و{فِي الْحَجِّ} فيه تقدير: (وقت الحج أو أشهره)، ويجوز التقديم على وقت الوجوب؛ لوجود السبب، كتقديم الكفارة على الحِنْث.
الحالة الثالثة: بعد الإحرام بالحج، اختلف العلماء في وقتها في الحج على أقوال:(/64)
القول الأول: يصوم بين إحرامه بالحج ويوم عرفة، بحيث يكون آخرها يوم عرفة، فيُحرِم قبل فجر يوم السابع؛ حتى يصوم: (السابع، والثامن، والتاسع)، وهذا قول الحنابلة.
القول الثاني: عند الشافعي يجعل آخرها يوم التروية؛ لأن الصيام بعرفة مكروه.
ويقول الحنابلة: جاز صيام يوم عرفة للحاجة.
فإن لم يصم قبل أيام التشريق صام أيام التشريق؛ لقول ابن عمر وعائشة - رضي الله عنهما -: "لم يُرخَّص في أيام التشريق أن يُصَمْنَ إلا لمَن لا يجد الهدْي".
ومِن العلماء مَن استدل على عدم جواز الصيام فيها بقوله – صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح مسلم من حديث نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ: ((أيامُ التشريق أيامُ أكل وشرب، وذكر لله))؛ لأنه صرَّح بأنها أيام أكل وشرب وذكر لله؛ أي لا تُصام.
وسبعة أيام إذا رجع: أي إذا رجع إلى أهله، وهل يجوز في الطريق؟ للعلماء قولان:
القول الأول: الجواز، ذهب إليه الحنابلة والمالكية والحنفية.
القول الثاني: عدم الجواز، ذهب إليه الشافعية، وهذا هو الظاهر؛ لأن قوله: {إِذَا رَجَعْتُمْ}
قد جاء مفسَّرًا في حديث ابن عمر في الصحيحين: ((إذا رجع إلى أهله)).
ملحوظة: لا يشترط التتابع في صيام المتمتِّع ولا التفريق، لا في الثلاثة، ولا في السبعة، والله تعالى أعلم.
النوع الثاني: فدية الوطء:
يجب فيه بدنة، فإن لم يجد صام عشرة أيام؛ ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع؛ كدم المتعة، لقضاء الصحابة به، قياسًا على التمتع.
النوع الثالث: دم الفوات:
والمراد بالفوات: فوات الحج، وهو أن يأتي عرفة بعد فجر يوم النحر، والدليل قول عمر لهَبَّار بن الأسوَد لما فاته الحج: "إذا كان عام قابل فاحجج، فإن وجدت سَعَة فأهدِ، فإن لم تجد فصُمْ ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعت، إن شاء الله"، ويتحلل بعمرة.
النوع الرابع: الإحصار:(/65)
أصل الحصر: المَنْع، يقال: حَصَرَه العدو فهو محصور، وأحصره المرض فهو محصَر، هذا ما قاله أكثر أهل اللغة، فقوله – تعالى -: {وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ} [التوبة: 5] في العدو (مِن حَصَرَ)، وفي غير العدو قوله – تعالى -: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: 273]؛ أي أحصرهم الفقرُ والحاجة، وقيل عكسه.
وقد اختلف العلماء في معنى الإحصار في قوله – تعالى -: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196]، على ثلاثة أقوال:
القول الأول: المراد به حصر العدو خاصَّة، دون المرض ونحوه، وهذا قول المالكية والشافعية، والمشهور عند الحنابلة، واستدلوا على ذلك:
أولاً: بسبب نزول الآية، وهو صدُّ المشركين النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه، وهم مُحرِمُون بعمرة عام الحديبية، وصورة سبب النزول قطعية الدخول؛ فلا يمكن إخراجها بمخصص.
ثانيًا: ما ورد من الآثار عن الصحابة في أن المحصَر بمرض لا يتحلل؛ إلا بالطواف والسعي، من ذلك:
1- ما رواه الشافعي في مسنده عن ابن عباس أنه قال: "لا حَصْرَ إلا حصر العدو"؛ قال النووي في "المجموع": إسناده على شرط البخاري ومسلم، وصححه ابن حجر.
2- ما رواه البخاري والنسائي عن ابن عمر أنه قال: "أليس حَسْبُكم سُنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم - إن حُبِسَ أحدكم عن الحج طاف بالبيت وبالصفا والمروة، ثم يَحِلُّ من كل شيء حتى يحج عامًا قابلاً، فيُهدي، أو يصوم إن لم يجد هديًا".
و في دَلالة هذا الحديث على المراد نَظَرٌ؛ لأنه لم يقُل إن الحبس من مرضٍ، إلا أن يقال: إنه عامٌّ في كل حبس، وخرج حبس العدو بالإجماع - لو صح - وبقي ما عداه على الأصل.(/66)
القول الثاني: الإحصار عامٌّ في العدو وغيره؛ كالمرض، وذهاب النفقة، وجميع العوائق المانعة من الوصول إلى الحرم، وممن قال بهذا ابن مسعود ومجاهد، وهو مذهب أبي حنيفة، وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد اختارها شيخ الإسلام، واستدلوا بما رواه أحمد، وأصحاب السنن الأربعة، وابن خزيمة، والحاكم، والبيهقي، عن عكرمة عن الحجاج بن عمرو الأنصاري - رضي الله عنه - قال: "سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يقول: ((مَنْ كُسِرَ أو عَرِجَ فقد حَلَّ، وعليه حجة أخرى))؛ وذكرت ذلك لابن عباس وأبي هريرة فقالا: صدق"؛ صحح النووي إسناده.
القول الثالث: أن الإحصار خاص بالمرض؛ بناءً على المعنى اللغوي.
وقد اختار الشيخ الأمين - رحمه الله تعالى - أن الإحصار خاص بالعدو دون غيره.
والظاهر - والله تعالى أعلم - أن الإحصار عام في العدو وغيره.
قول المؤلف - رحمه الله تعالى -: "المحصر يلزمه دمٌ"؛ لقوله – تعالى -: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196].
وقوله - رحمه الله تعالى -: "فإن لم يجد فصيام عشرة أيام"، اختلف العلماء فيمن لم يجد هديًا، فهل له بدل أو لا؟ على قولين:
القول الأول: لا بدل له، وهو قول المالكية والحنفية؛ لأنه لم يُذكر في القرآن، واختلف هؤلاء على قولين:
القول الأول: إن لم يجد هديًا يبقى محرِمًا حتى يجد هديًا، أو يطوف، وهو قول الحنفية.
القول الثاني: إن لم يجد هديًا حَلَّ بدونه، وإن تيسر له بعد ذلك هدي.
القول الثاني: أن له بدلاً، واختلف هؤلاء في البدل على أقوال:
1- صوم عشرة أيام: وإلى هذا ذهب الإمام أحمد والشافعي في إحدى الروايات؛ لأنه ترك واجبًا من واجبات الحج، فأشبه المتمتِّع الذي ترفَّه بترك أحد السفرين.(/67)
2- الإطعام: في أصح الروايات عند الشافعية، فتُقوَّم الشاة ويتصدق بقيمتها طعامًا، فإن عجز صام عن كل مُدٍّ يومًا (قياسًا على جزاء الصيد)، وقيل إطعام فدية الأذى (إطعام ثلاثة آصُع لستة مساكين).
3- صوم ثلاثة أيام:
قال الشيخ الأمين - رحمه الله تعالى -: "وليس على شيء من هذه الأقوال دليل واضح، وأقربها قياسه على التمتع".
والظاهر - والله تعالى أعلم -: أنه لا صيام عليه:
1- لأنه لم يذكره في القرآن.
2- لم يأمر به النبي – صلى الله عليه وسلم - مَن معه، ولا بد أن يكون فيهم مَن لم يجد الهدي، والمنقول أنهم تحللوا جميعًا، ومَن يقول بالبدل يقول لا يتحلل حتى يصوم.
متى يحصل تحلل المحصَر؟
يحصل تحلل المحصر بثلاثة أشياء:
1- النية، لأن المحصر يريد الخروج من العبادة قبل إكمالها؛ فافتقر إلى النية، ولأن الذبح قد يكون لغير الحِلِّ، فلم يتخصص إلا بقصده، بخلاف الرمي فإنه لا يكون إلا للنسك، فاحتاج إلى قصده.
2- ذبح الهدي، أو الصيام عند مَن يرى ذلك، والدليل على النحر الآية.
قال ابن قدامه: "فإن نوى التحلل قبل الهدي أو الصيام، لم يتحلل، وكان على إحرامه حتى ينحر الهدي أو يصوم... إلى أن قال: فإن فعل شيئًا قبل ذلك فعليه فديته".
3- الحلق، الصحيح أنه نسك لا بد منه لأمر النبي – صلى الله عليه وسلم - للصحابة - رضي الله عنهم – بذلك.
مسألة: على القول بأن الحلق نسك، فأيهما يُقدَّم النحر أو الحلق؟
الجواب: يقدم النحر وذلك لما يأتي:
1- ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم - أنه نَحَرَ قبل أن يَحلِق في عمرة الحديبية، وفي حجة الوداع.
2- دل القرآن على أن النحر قبل الحلق في موضعين:
الموضع الأول: قوله – تعالى -: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196].(/68)
الموضع الثاني: قوله – تعالى -: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج: 28]، فقوله – تعالى -: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ}؛ أي ذكر اسمه – تعالى - عند نحر البدن، وقد قال - تعالى - بعده عاطفًا بثم، التي هي للترتيب: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} [الحج: 29]، وقضاء التفث يدخل فيه - بلأنزاع - إزالةُ الشعر بالحلق.
لكن مَنْ قدَّم فلا حرج عليه؛ لعموم قوله – صلى الله عليه وسلم -: ((افعل ولا حرج)).
مسألة: ولا يجب على المحصَر قضاءٌ؛ إلا إذا كانت حجتُه حجةَ الإسلام، أو كانت نذرًا، والدليل أن النبي – صلى الله عليه وسلم - لم يأمر مَنْ كان معه بالقضاء، ولم يعتمر معه في عمرة القضية جميعُ مَن صُدَّ في الحديبية، فكانوا في عمرة الإحصار (1400) ألف وأربعمائة، وفي القضية أقل من ذلك، وإنما سميت عمرة القضية والقضاء؛ لأنها العمرة التي قاضاهم عليها، فأضيفت العمرة إلى مصدر فعله.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"ومَن كرر محظورًا من جنسٍ - غير قتل الصيد - فكفارة واحدة، فإن كفَّر عن الأول قبل فعل
الثاني سقط حُكْم ما كفر عنه. وإن فعل محظورًا من أجناس، فلكل واحد كفارة".
تكلم المؤلف - رحمه الله تعالى - هنا عن حُكْم مَن كرَّر محظورًا:
مَن كرر محظورًا، لا يخلو ذلك المحظور من حالتين:
الحالة الأولى: أن يكون من جنسٍ واحد:
كمَن حَلَقَ أكثر من مرة، أو قلَّم أظفاره أكثر من مرة، فهذا فيه كفارة واحدة، إذا لم يكفر عن الأول؛ إلا جزاء الصيد، فإذا صاد غزالين - ولو في رمية واحدة - فعلى كل واحد جزاء.
الحالة الثانية: أن يكون من أجناس:
كأن يحلق رأسه، ويتطيب، ويصيد؛ ففي كل واحد كفارة.
وبناءً على ذلك نقول إن فاعل المحظور له حالتان:(/69)
الحالة الأولى: ما يلزمه فيه كفارة واحدة، وذلك بشرطين:
الشرط الأول: أن يكون المحظور من جنس واحد.
الشرط الثاني: ألا يكون قد كفَّر عن الأول.
الحالة الثانية: ما يلزمه أكثر من كفارة، وذلك في الحالات التالية:
1- إذا كان المحظور (قتلَ صيدٍ)، ولو كان من جنس واحد.
2- إذا كان المحظور من أجناس متعددة.
3- إذا كفر عن المحظور الأول.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"والحلق والتقليم والوطء وقتل الصيد يستوي عَمْدُه وسَهْوُه، وسائر المحظورات لا شيء في سهوه".
قسم المؤلف - رحمه الله تعالى - المحظورات إلى قسمين:
القسم الأول: لا تأثير للخطأ فيه؛ فيستوي عمده وسهوه:
وهو كل ما فيه إتلاف لا يمكن تلافيه، وهي أربعة محظورات: الحلق، والتقليم، والوطء، وقتل الصيد.
القسم الثاني: قسم للخطأ فيه تأثير:
وهو ما عدا ذلك من محظورات الإحرام؛ كالطيب، واللباس، واستدلوا على هذا بحديث يعلى ابن أمية المتقدم، حيث أمره النبي – صلى الله عليه وسلم - بغسل الطيب ونزع الجبة، ولم يأمره بالفدية، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، فدلَّ على أن الجاهل معذور، والناسي مثله، وكذلك الإكراه؛ لأنه يمكن تدارك الخطأ في ذلك بأن يزيل الطيب، أو ينزع اللباس.
والظاهر - والله تعالى أعلم -: أن الناسي لا شيء عليه في الجميع؛ لقوله – تعالى -: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286]،قال الله: قد فعلتُ.
وبخصوص الصيد قال – تعالى -: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة: 95]، فنصَّ على العَمْد، فدلَّ على أن الناسي لا شيء عليه.
فإن قيل: أليس إذا قتل إنسانًا، أو أتلف مالَ غيره ناسيًا عليه الضمان؟
نقول: بلى؛ ولكن هذا إذا تعلق بحق الآدمي، أما حق الله فقد رفع عنه المؤاخذة.
وتنقسم المحظورات من حيث العمد إلى قسمين:
القسم الأول: لا فدية فيه، وهو عقد النكاح.(/70)
القسم الثاني: فيه الفدية بالإجماع، وهي: الحلق، والتقليم، والوطء، وقتل الصيد، والطيب، واللباس.
فائدة: مَن ارتكب محظورًا من محظورات الإحرام، لا يخلو من ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن يرتكب المحظور عالمًا، ذاكرًا، عامدًا، من غير عذر، فهذا عليه أمران:
الأمر الأول: الفدية.
الأمر الثاني: الإثم.
وهنا يجب التنبيه على أمرٍ تساهل فيه كثير من الناس، حيث يَرتكب المحظور، ويَترك المأمور، ويقول أفدي ويكفي، وهذا تساهل ناجم عن الجهل بتعظيم حرمات الله، وعن سوء الفَهْم لكلام العلماء، فقد شدد الله وحذَّر من ارتكاب المحظورات، فقال – سبحانه -:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المائدة: 94]،فانظر كيف ختم الآية بهذا الوعيد الشديد! وكذلك ختم الآية التي بعدها، بعد أن بيَّن أحكام الصيد وجزاءه، فقال: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ}[المائدة: 95]، قال شريح وسعيد بن جبير: "يحكم عليه في أول مرة، فإذا عاد لم يحكم، وقيل له: اذهب ينتقم الله منك!"، ومما يجب أن يعلمه هذا المتساهل أن أهم مقصد من العبادات تحقيقُ تقوى الله، ولا تحصل إلا بفعل المأمور واجتناب المحظور، وهذا شرط في قبول الأعمال عند الله – تعالى - لقوله: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}[المائدة: 27]، فلا يثاب على عمل لا تقوى فيه، وإن كان جميع الفقهاء سيفتونه بظاهر الحُكْم، ولا يرون فساد حجه بذلك؛ لكن ليس كل عملٍ حَكَمْنا بصحته من حيث النظر الفقهي، يكون مقبولاً عند الله؛ فصلاة شارب الخمر والآبق صحيحة، لا يؤمرون بقضائها، وقد أخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنها لا تُقبَل منه.(/71)
وقد جاء الأمر بالتقوى في الحج في قوله – تعالى-: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة: 197]، وفي قوله: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [البقرة: 203].
فعلى المسلم أن يتأمل قصده من الحج، أليس قصده أن تُغفر ذنوبه وتُكفر سيئاته، ويرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، ويكون حجه حجًّا مبرورًا ليس له جزاءٌ إلا الجنة؟!
إذا كان هذا قصده، فعليه أن يحرص على فعل مأمورات الحج وترك محظوراته.
الحالة الثانية: أن يرتكب المحظور عالمًا، ذاكرًا، متعمدًا لعذر: فهذا عليه الفدية ولا إثم عليه للآية، ولحديث كعب ابن عُجرة المتقدم.
الحالة الثالثة: أن يرتكب المحظور جاهلاً، أو ناسيًا، أو مخطئًا: فهذا فيه الخلاف المتقدم، والظاهر أنه لا شيء عليه. والله أعلم.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"وكل هدي أو إطعام فهو لمساكين الحرم؛ إلا فدية الأذى، فإنه يفرقها في الموضع الذي حلق به، وهدْي المحصَر ينحره في موضعه، وأما الصيام فيجزئه بكل مكان".
الفدية من حيث موضعها على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ما يفعل داخل الحرم:
1- الهدي الواجب والمستحب؛ مثل هدي التمتع والقِران؛ لقوله – تعالى -: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196]،ومحله الحرم.
2- الهدي الذي لترك واجب؛ لأنه هدي وجب لترك نسك.
3- جزاء الصيد، لقوله – تعالى -: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95].
القسم الثاني: ما يُفعل حيث وُجِد سببه:
1- فدية الأذى لحديث كعب بن عُجْرة، حيث أمره بالفدية بالحديبة، ولم يأمره أن يبعثه إلى الحرم، وكذلك اللباس، والطيب، وتغطية الرأس.(/72)
2- هدي المحصَر حيث أحصر؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم - نحر في الحديبية بالحل، باتفاق أهل السير.
القسم الثالث: ما يفعله حيث شاء:
وهو الصيام، يفعله حيث شاء باتفاق العلماء؛ إلا في التمتع كما تقدم.
المراد بمساكين الحَرَم: "مَن كان داخل حدود الحرم، سواء كانوا من أهله المقيمين فيه، أو من الوافدين عليه من الحجاج ممن يجوز دفع الزكاة إليهم".
قاعدة: "ما جاز ذبحه خارج الحرم حيث وُجد سببه، جاز في الحرم ولا عكس".
ضابط: "ما وجب لترك واجبٍ ملحقٌ بدم المتعة"؛ أي أن المتمتع عليه هدي، فإن لم يجد صام عشرة أيام، فقاسوا ما وجب لترك واجب على هدي التمتع؛ لأن التمتع فيه ترفُّه بترك أحد السفرين، وهذا فيه ترك لما وجب عليه، فأشبهه من هذا الوجه، والله تعالى أعلم.
باب دخول مكة
هذا الباب عقده المؤلف - رحمه الله تعالى - ليُبيَّن ما ينبغي أن يفعله الحاج والمعتمر في داخل مكة، ومعظم مسائل هذا الباب هي مشتركة بين الحج والعمرة، تدور على ما يفعله داخل مكة منذُ دخولها، و في داخل الحرم من طواف وسعي، والهيئات التي ينبغي أن يأتي بها، وسيأتي - إن شاء الله - بعد هذا الباب بابٌ يختص بصفة الحج.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"يُستحب أن يدخل مكة مِن أعلاها".(/73)
أي يستحب أن يدخل الحاج أو المعتمر مكة من أعلاها، وهذا ثابت في الصحيحين من حديث عائشة - رضي الله عنها -: "أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - دخل مكة من أعلاها وخرج من أسفلها"، وجاء مفسَّرًا في حديث ابن عمر - رضي الله عنه - في الصحيحين قال: "دخل رسول الله – صلى الله عليه وسلم - من كَدَاءٍ من الثنية العليا، وخرج من الثنية السفلى"، وكذلك ثبت عن عائشة - رضي الله عنه - أنها قالت: "دخل رسول الله – صلى الله عليه وسلم - من كَداء وخرج من كُدا"، فهذا موضع دخول النبي – صلى الله عليه وسلم – مكة، فقد دخلها من أعلاها من جهة كَداء (وهو ما يُعرف الآن بالحجون، ومن جهة المعلاة التي هي مقبرة أهل مكة) من هذا الطريق دخل النبي – صلى الله عليه وسلم - وهناك ضابط لطيف ينبغي للإنسان أن يعرفه بين كَداء وكُدا، فيقال: افتح وادخل، واضمم واخرج؛ يعني أنه إذا أردت أن تعرف من أين دخل النبي – صلى الله عليه وسلم - فهو دخل من كَداء بالفتح، وخرج من كُدا بالضم.
مسألة: هل كان دخوله – صلى الله عليه وسلم - مكة من هذا الطريق لأمرٍ يختص به؛ أي على سبيل التعبُّد والتقرب، أو حصل منه ذلك اتفاقًا؛ لأنه هو الطريق المتيسر له؟
الجواب: انقسم العلماء في هذه المسألة إلى فريقين: منهم مَن يرى أن هذا حصل من النبي – صلى الله عليه وسلم – اتفاقًا؛ لأن هذا الطريق هو الأيسر له، فكل إنسان يدخل إلى الحرم من الطريق الأيسر له، فمن كان من جنوب مكة دخل من جنوبها، وإذا كان من شمالها دخل من شمالها، بحسب ما يتفق له.
ومنهم مَن قال: إن النبي – صلى الله عليه وسلم - دخل من هذا الطريق لقصدٍ فيه، أو لأمرٍ يختص به، فينبغي لكل داخل إلى مكة - حتى وإن جاء من جنوبها، أو من شرقها، أو من غربها - أن يدخل من الطريق الذي دخل منه النبي، صلى الله عليه وسلم.(/74)
وهناك أمر آخر ينبغي للإنسان أن يعلمه، وهو: أنه يستحب لداخل مكة أن يغتسل، فقد ثبت هذا في الصحيح عن ابن عمر - رضي الله عنه -: "أنه كان إذا دخل أدنى الحرم، أمسكَ عن التلبية، ثم يبيت بذي طوى (وهي آبار الزاهر)، ثم يصلي به الصبح ويغتسل، وكان يُحدِّث أن النبي – صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك"، وهذا الغسل هو أحد الأغسال الثابتة في الحج؛ فإن الثابت ثلاثة أغسال:
الأول: عند الإحرام.
الثاني: عند دخول مكة.
الثالث: بعرفة.
ولم يثبت غيرها على سبيل التقرُّب، أما إذا احتاج الإنسان إلى الغُسل، فله أن يغتسل في أي وقت، وفي أي مكان.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"ويدخل المسجد من باب بني شيبة؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم - دخل منه".
ورد ذلك في حديث عند البيهقي وغيره، وباب بني شيبة هو المسمَّى بباب السلام.
ويقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"فإذا رأى البيت رفع يديه".
رفع اليدين عند رؤية البيت ثابت في "مصنَّف ابن أبي شيبة" موقوفًا على ابن عباس بسند صحيح، ولم يَثبُت مرفوعًا إلى النبي – صلى الله عليه وسلم - وهناك حديث: ((أنه لا ترفع الأيدي إلا في سبعةِ مواطن)) وذكر منها عند رؤية البيت؛ لكنه ضعيف، لكن رفع اليدين عند رؤية البيت ثابت من فعل ابن عباس، رضي الله عنه.
وحين نقول "يرفع اليدين" يعني يرفع يديه كرفعها للدعاء، لا كما يفعله كثيرٌ من الناس أنه يُشير إلى البيت، فإن هذه الإشارة ثابتة فقط عند الحَجَر، لمن لم يستطع أن يستلمه.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"وكبر الله وحمده".
التكبير جاء عند البيهقي في حديث مرسل عند رؤية البيت.
"ودعا".
الدعاء ثبت عند البيهقي بسند حسن عن سعيد بن المُسَيَّب قال: "سمعت من عمر - رضي الله عنه - كلمةً ما بقي أحدٌ من الناس سمعها غيري، سمعته يقول: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، فحيِّنا ربنا بالسلام"، فهذا ثابت عن عمر، رضي الله عنه.(/75)
ويستحب أن يقول عند دخول المسجد الذكر الوارد في عامة المساجد.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"ثم يبتدئ بطواف العمرة إن كان معتمرًا، أو بطواف القدوم إن كان مفرِدًا أو قارنًا".
أول ما يفعله الحاج أو المعتمر هو الطواف بالبيت، فينبغي أن لا يلوي على شيء إذا دخل مكة، وليكن أول ما يبدأ به هو الطواف بالبيت، كما فعل النبي – صلى الله عليه وسلم - كما في حديث عائشة - رضي الله عنها -: "أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - أول ما دخل مكة توضأ ثم طاف بالبيت"، وكذلك فعل الخلفاء الراشدون مِن بعده، فقال العلماء يستحب للإنسان أن يبدأ بالطواف قبل كل شيء؛ قبل استئجار المحل، وقبل أن ينظر في أي أمر من أموره.
وهذا الطواف إما أن يكون طواف قدوم، ويكون في حق القارن والمفرِد، أو يكون طواف العمرة فيمن أتى بعمرة منفردة، أو في حق المتمتع، وقد ذكر النووي - رحمه الله تعالى - لهذا الطواف خمسة أسماء فقال:
يسمى طواف القدوم، والقادم، والورود، والوارد، والتحية.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"فيضطبع بردائه، فيجعل وسطه تحت عاتقه الأيمن، وطرفيه على عاتقه الأيسر".
الاضطباع: افتعال من الضَّبُع، وهو عضد الإنسان، وأصل اضطبع: (اضْتبع) ولكن قُلِبت التاء طاءً؛ لأن التاء إذا جاءت بعد ضاد أو صاد ساكنة قُلبتْ طاءً، كما تقول اصطبر فأصلها اصْتبر.
والمراد بالاضطباع: هو أن يَجعل وسطَ الرداء تحت كتفه اليمنى، ويجعل طرفيه على كتفه اليسرى؛ فيخالف بين طرفيه، وهذا ثابت عن النبي، صلى الله عليه وسلم.
ملحوظة: الاضطباع لا يكون إلا في طواف القدوم خاصة.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"ويبدأ بالحجر الأسود فيستلمه ويُقبِّله".
الاستلام: افتعال، إما من السَّلام وهو التحية، أو السِّلام وهو الحجر، يقال استلم الحجر إذا مسه؛ لأن الحجر يسمى السِّلام.
والمراد باستلام الحجر هو: مسه ومسحه باليد.
ولاستلام الحجر ثلاث مراتب:(/76)
المرتبة الأولى: أن يستلمه ويُقبِّله ويسجد عليه، وهذا اتباع واقتداء بسُنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم - وقد ثبت هذا في أحاديث كثيرة، منها:
1- حديث الزبير بن عربي قال: "سأل رجلٌ ابن عمر - رضي الله عنه - عن استلام الحجر فقال: "رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يستلمه ويُقبِّله"، قال: "أرأيت إن زُحِمْتُ؟ أرأيت إن غُلِبتُ؟"، قال له ابن عمر - رضي الله عنه -: "دع أرأيت في اليمن، رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يستلمه ويقبله!".
2- حديث عمر - رضي الله عنه - الثابت في الصحيحين أنه قبَّل الحجر، وقال: "والله إني لأقبِّلُك، وإني أعلم أنك حجرٌ؛ لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي – صلى الله عليه وسلم - يقبِّلُك ما قبَّلتك".
وأما السجود على الحجر: فثابت عن عمر وابن عباس، في مسند الطيالسي، ومستدرك الحاكم كما في "إرواء الغليل"، والله تعالى أعلم.
وفي تقبيل الحجر الأسود ثواب عظيم، فقد ثبت في سنن الترمذي، ومستدرك الحاكم، وصحيح ابن خزيمة أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - قال: ((ليبعثن الله الحجر يوم القيامة، له عينان يُبصر بهما، ولسان ينطق به، يشهد على مَن استلمه بحق)).
المرتبة الثانية: أن لا يستطيع الإنسان تقبيله؛ لكنه يستطيع أن يستلمه بشيء، فإذا لم يستطع أن يقبِّل الحجر، فإنه يَمَسُّ الحجرَ إما بيده أو بشيء معه، ثم يُقبِّل ما استلمه به، ويدل على هذا:
1- حديث ابن عمر في صحيح مسلم، عن نافع قال: "رأيت ابن عمر - رضي الله عنه - يستلم الحجر بيده، ثم قبَّل يده، وقال: "ما تركته منذُ رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يفعله".
2- حديث أبي الطفيل، الثابت في صحيح مسلم: "أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - قبّل الركن بمحجن، ثم قبَّل المحجن".(/77)
المرتبة الثالثة: أن يُشير إليه إشارة، ولا يُقبِّل ما أشار به إليه، وهذا ثابت في صحيح البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: "طاف رسول الله – صلى الله عليه وسلم - على بعيرٍ، كلما أتى الركن أشار إليه بشيء عنده وكبَّر".
قال المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"ويقول: بسم الله والله أكبر، اللهم إيمانًا بك، وتصديقًا بكتابك، ووفاءً بعهدك، واتباعًا لسنة نبيك محمد، صلى الله عليه وسلم".
قوله: "بسم الله" ثابت عن ابن عمر - رضي الله عنه - عند استلام الحجر، قال الحافظ في "التلخيص": روى البيهقي والطبراني في الأوسط والدعاء، من حديث ابن عمر: "أنه كان إذا استلم الحجر قال: بسم الله، والله أكبر"؛ وسنده صحيح.
قوله: "الله أكبر" ثابت في حديث ابن عباس السابق: "كلما أتى الحجر أشار إليه بشيء عنده وكبَّر".
قوله: "اللهم إيمانًا بك، وتصديقًا بكتابك، ووفاءً بعهدك، واتباعًا لسنة نبيك محمد، صلى الله عليه وسلم"، فهذا ورد فيه حديث؛ لكنه ضعيف.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"ثم يأخذ عن يمينه، ويجعل البيت عن يساره".
حينما يستلم الإنسانُ الحجرَ، فإنه يكون مستقبلاً للحجر، ثم يأخذ على يمينه، فيكون البيت عن يساره، وهذا هو الوارد عن النبي – صلى الله عليه وسلم - ولو عكس لم يجزئ.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"فيطوف سبعًا؛ يرمُل في الثلاثة الأُوَل من الحجر إلى الحجر، ويمشي في الأربعة الأخرى".
الرمل هو: الإسراع مع مقاربة الخُطا بدون وثب، فيرمل في الأشواط الثلاثة الأول، ويدل على هذا:
1- حديث ابن عمر - رضي الله عنه - الثابت في صحيح مسلم: "أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - خبَّ ثلاثًا ومشى أربعًا".
2- حديث جابر - رضي الله عنه - الثابت: "أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - رمل في الثلاثة الأول من الحجر إلى الحجر".
ملحوظة: الرمل في طواف القدوم خاصة.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:(/78)
"وكلما حاذى الركن اليماني والحجر استلمهما وكبَّر وهلَّل".
الأركان بالنسبة للاستلام والتقبيل والإشارة على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ركنٌ يُقبَّل ويُستلم ويُشار إليه، وهو الحجر الأسود، و كلما حاذاه استلمه وكبَّر، كما ورد في المرة الأولى.
مسألة: هل في الشوط الأخير من الطواف، يستلم ويكبِّر أو لا؟
الجواب: الذي يُفهم من كلام ابن عباس أنه قال: "كلما أتى الركن أشار إليه بشيء عنده وكبَّر" وكلمة: (كلما) من ألفاظ العموم، فيُفهم منه أنه يفعل ذلك في جميع الطواف بما في ذلك الشوط الأخير.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه إنما يكون التكبير والاستلام في بداية الشوط.
القسم الثاني: يُستلم ولا يُقبَّل ولا يُشار إليه، وهو الركن اليماني، وهذا ثابت عن ابن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: "ما رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يستلم إلا الركنين اليماني والأسود".
القسم الثالث: لا يُستلم ولا يُقبَّل ولا يُشار إليه، وهما الركنان الشاميان، وقد ورد في مسند أحمد وغيره: "أن معاوية - رضي الله عنه - لمّا طاف جعل يستلم الأركان كلها، فقال له ابن عباس: لِمَ تستلم الركنين (يعني الشاميين) ولم يستلمهما النبي – صلى الله عليه وسلم -؟! قال: ليس شيء من البيت مهجورًا، فقال ابن عباس: لقد كان لكم في رسول الله أُسوة حسنة، قال: صدقت".
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"ويقول بين الركنين: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار".
هذا وارد في سنن أبي داود أن النبي – صلى الله عليه وسلم - كان يقول ذلك، وقد ورد هذا اللفظ أيضًا في القرآن بعد سياق أحكام الحج.
"ويدعو في سائره بما أحب".(/79)
أي ويدعو في سائر الطواف بما أحب، فليس هناك شيء يخص الطواف من الأدعية؛ غير هذا الدعاء الوارد عن النبي – صلى الله عليه وسلم - ولم يَثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء من ذلك؛ لا من قوله، ولا من فعله، ولا من تعليمه؛ بل للإنسان أن يدعو، وأن يقرأ القرآن، وأن يُسبح الله وأن يحمده وأن يهلله، وأن يقول ما شاء من الذكر، وهو أقرب إلى خشوع القلب وإلى حضوره؛ لأن الإنسان حينما يقرأ من كتاب، أو يسمع مُطوِّفًا يطوِّفه، فإنه ربما لا يعقل معنى ما يقول، ويحصل أيضًا فيه إساءة للآخرين من الضجيج الذي يحصل حول الطواف، فكل إنسان يرفع صوته على الآخر، فيتشوش الطائف، ولا يعرف ماذا يقول.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"ثم يصلي ركعتين خلف المقام".
لما ثبت في حديث جابر قال: "ثم نفذ النبي – صلى الله عليه وسلم - إلى المقام فقرأ:
{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125]، ويصلي ركعتين يقرأ في الأولى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1]، وفي الثانية: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1]".
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"ويعود إلى الركن فيستلمه".
وذلك لما ثبت في الصحيح من حديث جابر: "أنه رجع إلى الركن فاستلمه بعد الركعتين"، ثم يرجع إلى السعي.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"ثم يخرج إلى الصفا من بابه، فيرقى عليه، ويكبِّر الله ويهلِّله ويدعوه، ثم ينزل فيمشي إلى العَلَم، ثم يسعى إلى العَلَم الآخر، ثم يمشي حتى يأتي المروة فيفعل كفعله على الصفا، ثم ينزل فيمشي في موضع مشيه، ويسعى في موضع سعيه، حتى يُكمل سبعة أشواط، يحتسب بالذهاب سعية، وبالرجوع سعية، يفتتح بالصفا ويختم بالمروة".
هذا ما ينبغي للإنسان أن يفعله في السعي، وقد ثبت هذا كله في حديث جابر الطويل في(/80)
الصحيح في صفة حجة النبي – صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ثم خرج مِنَ الباب إلى الصفا، فلما دنا مِنَ الصَّفا قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158]، ((أَبدأُ بما بدأَ الله به))، فبدأ بالصفا، فرقي عليه، حتى رأى البيت، فاستقبل القبلة، فوحَّد الله، وكبَّره، وقال: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لهُ الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده))، ثم دعا بين ذلك، قال مثل ذلك ثلاث مراتٍ، ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبَّت قدماهُ في بطن الوادي سعى (أسرع بين العَلَمين، وهما الآن معروفان في المسعى فيهما أنوار خضراء)، حتى إذا صعدتا، مشى حتى أتى المروة، ففعل على المروة كما فعل على الصفا"؛ يعني يستقبل القبلة، ويوحد الله، ويكبره، ويدعو، ويفعل ذلك ثلاث مرات.
وليس في هذا الحديث ولا في غيره أن الإنسان يُشير إلى الكعبة؛ بل عليه أن يرفع يديه إذا أراد أن يدعو، ولكن كثير من الناس يصعد على الصفا ويُشير بيده فهذا لم يثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم - لكن الثابت هو الدعاء، ورفع اليدين في الدعاء.
وقول المؤلف - رحمه الله تعالى -: "و يمشي في موضع مشيه، ويسعى في موضع
سعيه"؛ يعني يمشي في قدومه من المروة في الموضع الذي يقابله من الصفا، الذي مشى فيه في الأول، فإذا وصلْتَ إلى المكان الذي أسرعتَ فيه في الأول في بطن الوادي أسرعتَ؛ كما أسرعتَ وأنت ذاهب إلى المروة؛ لأنه لم يكن هناك حاجز موضوع في القديم - كما هو الحال الآن - بين الذاهب إلى المروة والقادم منها؛ بل كان المكان واحدًا.
مسألة: لو أن إنسانًا سعى سبعة أشواط؛ لكنه بدأ بالمروة ولم يبدأ بالصفا، فما الحُكْم؟
الجواب: لا يحتسب له الشوط الأول الذي بدأ فيه من المروة، وعليه أن يأتي بآخر؛ لأنه إنما فعل ستة فقط.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:(/81)
"ثم يقصر من شعره إن كان معتمرًا وقد حلَّ؛ إلا المتمتع إن كان معه هدْي، والقارِن والمُفرِد فإنه لا يَحل".
إن كان معتمرًا قصَّر من شعره، هذا إذا كان معتمرًا عمرةَ تَمتُّعٍ؛ فالتقصير أفضل له لأن النبي – صلى الله عليه وسلم - أَمَر مَن كان معهم هدي أن يقصروا؛ لكن إذا كانت هذه العمرة ليست عمرةَ تمتُّع، فالأحسن أن يَحلِق، والقارن والمفرد ليس فيه إشكال أنه لا يحل.
مسألة: جاء في صحيح مسلم من حديث جابر: أن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال: ((لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ لَمَا سُقْتُ الهدْي، ولجعلْتُها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل، وليجعلها عمرة))، يُفهم منه أن مَن معه هدي لا يحل، فهل المراد بهذا القارن أم المتمتع؟
الجواب: هذه الصورة على المذهب فيها إشكال، وهو: أنه كيف يكون متمتِّعًا، ولا يحل من عمرته؟ قالوا: يُدخِل الحج على العمرة إذا كان معه هدي، لكن هل يكون قارنًا؟ قالوا:
لا يكون قارنًا؛ بل يكون متمتعًا، وعليه طواف وسعي للحج؛ لكنه لا يحل.
و يُلغز بهذه المسألة فيقال: متمتع لم يحل بعد عمرته؟ والجواب: هو المتمتع إذا ساق الهدي.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"والمرأة كالرجل، إلا أنها لا ترمل في طواف ولا سعي".
المرأة كالرجل فيما تقدم في جميع الأحكام؛ لكن ليس عليها رمل لا في الطواف ولا في السعي؛ أي أنها لا تهرول في السعي، وهذا ثابت عن ابن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: "ليس على المرأة سعي في طوافها بالبيت، ولا بين الصفا والمروة".
ويقصد بالسعي هنا: الإسراع، أي الرمل، والسبب في ذلك هو أن هذا يؤدي إلى تَكَشُّف المرأة، وأيضًا المراد من الإسراع هو إظهار الجَلَد، والمرأة لا يُراد منها ذلك.
شروط الطواف:
المؤلف - رحمه الله تعالى - لم يتكلم عن شروط الطواف، ويا حبذا - رحمه الله تعالى - لو تعرض لها هنا؛ فهذا الموطن المناسب دون غيره، فمن شروط الطواف:
1- النية.(/82)
2- الطهارة من الأحداث والأخباث؛ أي أن يكون متطهرًا في بدنه وثيابه، والطهارة في البقعة التي يطوف عليها.
3- ستر العورة؛ كما قال – صلى الله عليه وسلم -: ((لا يطوف بالبيت عريان)).
4- دخول الوقت فيما يُشترَط له وقت؛ كطواف الإفاضة.
5- الموالاة، أن يوالي بين الأشواط لا يقطعها، فإذا أحدث أستأنف الطواف، وكذلك إذا فصل بين الأشواط بفاصل طويل، فإنه يستأنف؛ لكن لو كان الفاصل يسيرًا، أو أُقيمت الصلاة، أو صلى على جنازة؛ فإن هذا لا يضر.
6- أن يطوف بجميع البيت، فلو دخل من الحِجْر، فلا يكون هذا الطواف صحيحًا؛ لأن الحِجْر من البيت كما ثبت في الحديث، كذلك لو طاف على جدار الكعبة لا يُعتَدُّ بذلك.
7- أن يجعل البيت عن يساره.
8- أن يطوف سبعًا، أي أن يستوعب المطاف، فلو بدأ بعد الحجر بقليل أو بخطوة فلا يعتبر له ذلك الطواف، ويحل الثاني محل الأول.
فعُلِم من هذا أنه لو لم يتم السبعة؛ كأن يطوف ستة أو خمسة، أن طوافه لا يصح.
شروط السعي:
1- النية. 2- أن يكون بعد طواف، ولو كان مسنونًا.
3- في المذهب الموالاة؛ لكن الصحيح عدم اشتراطها.
4- ينبغي أن يستوعب جميع المسعى؛ أي يستوعب جميع المكان بالسعي، فلو ترك خطوة منه لم يصح، والمراد باستيعاب المسعى هو: ما بين الصفا والمروة، أما صعود الصفا والمروة، فهذا ليس بشرط.
5- تكميل السبعة.
باب صفة الحج
سيتكلم المؤلف - رحمه الله تعالى - في هذا الباب عن صفة الحج، وهو على وجه التحديد
ما يتعلق بفعل الحاج بيوم التروية، ومِنى، وعرفة، والنحر، فهو في هذا الباب يركز على الأعمال المتعلقة بهذه الأيام.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"وإذا كان يوم التروية، فمَن كان حلالاً أحرم من مكة وخرج إلى عرفات".
ويوم التروية هو: اليوم الثامن من ذي الحجة، سُمي بذلك لأن الناس يتروون فيه الماء لمنى وعرفة.
وكل يوم من أيام الحج له اسم خاص به:
فاليوم الثامن: يوم التروية.
واليوم التاسع: يوم عرفة.(/83)
واليوم العاشر: يوم النحر.
واليوم الحادي عشر: يوم القر؛ لأن الناس يقرون فيه بمنى.
واليوم الثاني عشر: يوم النفر الأول.
واليوم الثالث عشر: يوم النفر الثاني.
وهذه العبارة من المؤلف فيها اختصارٌ يُفهِم غير المراد، فهو في الحقيقة لا يخرج إلى عرفة؛ إنما يخرج إلى منى كما في حديث جابر - رضي الله عنه - في صفة حجة النبي – صلى الله عليه وسلم - قال: "فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج، وركب رسول الله – صلى الله عليه وسلم - فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس، وأمر بقُبَّة من شَعَر تُضرب له بنمرة".
ما يُسنُّ أن يفعله الحاج يوم التروية بمنى، سواء كان من أهل مكة المُقيمين بها أو كان ممن أتاها من الحجاج:
1- أن يُحرِم يوم الثامن من أي موضع، وليس بالضرورة أن يكون بمكة؛ بل يُحرم من المكان الذي هو نازلٌ فيه.
2- أن يُحرِم قبل الزوال؛ حتى يصلي بمنى خمس صلوات، كما صلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث جابر قال: "وركب رسول الله – صلى الله عليه وسلم - فصلى بها - أي بمنى - الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر".
3- أن يبيت بمنى ليلة عرفة؛ أي ليلة التاسع.
4- أن لا يخرج منها حتى تطلع الشمس، كما في حديث جابر قال: "وركب رسول الله – صلى الله عليه وسلم - فصلى بها - أي بمنى - الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس".
فهذه هي السنن التي لا ينبغي للإنسان أن يفرِّط فيها، فإن كثيرًا من الناس يتساهلون في هذه السنن، وذلك لسرعة المواصلات في هذا العصر، نعم قد يطرأ على الإنسان الحج؛ أمَّا أن يتساهل، وأن لا يذهب إلا في اليوم التاسع بعد أن يصلي الظهر، فهذا فيه مخاطرة بحجه؛ لأنه قد يفوته الحج، وتفوته سنن عظيمة أتى بها الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا شك أن فيها خيرًا عظيمًا.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:(/84)
"وخرج إلى عرفات، فإذا زالت الشمس يوم عرفة صلى الظهر والعصر، يَجمَع بينهما بأذان وإقامتين، ثم يروح إلى الموقف - وعرفات كلها موقف إلا بطن عُرَنَةَ - ويستحب أن يقف في موقف النبي - صلى الله عليه وسلم - أو قريبًا منه على الجبل، قريبًا من الصخرات، ويجعل حبل المشاة بين يديه، ويستقبل القبلة، ويكون راكبًا، ويكثر من قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، ويجتهد في الدعاء والرغبة إلى الله - عز وجل - إلى غروب الشمس".
هذه الأعمال التي يقوم بها الحاج في يوم عرفة، فالحاج يتوجه إلى عرفة بعد منى بعد أن تطلع الشمس - كما علمنا - والأصل في هذا حجة النبي – صلى الله عليه وسلم - لأن النبي – صلى الله عليه وسلم - بيَّن الحجَّ بفعله وقال: ((لتأخذوا عني مناسككم))، وقد جاء في حديث جابر - رضي الله عنه - الطويل في صحيح مسلم: "أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - جاء نَمِرَة، ووجدها قد نُصبَ له بها قبةٌ من شعر، فنزل بها النبي – صلى الله عليه وسلم - حتى إذا زاغت الشمس، أمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم - بالقصواء فرُحلَتْ له، فأتى بطن الوادي فخطب الناس، ثم أُذِّن ثم أُقيمت الصلاة، فصلى الظهر، ثم أُقيم فصلى العصر - أي جمع النبي – صلى الله عليه وسلم - بين الظهر والعصر - ثم ركب الرسول – صلى الله عليه وسلم - حتى أتى بطن الوادي، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل حبل المشاة بين يديه، واستقبل القبلة، ولم يزل – صلى الله عليه وسلم - حتى غربت الشمس".
وما يفعله الحاج في يوم عرفة ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ركن:
وهو الوجود بعرفة، وهذا يشترط فيه:
1- أن يكون في نفس عرفة؛ أي في أرضها، وليس في عُرَنَة ولا في نَمِرَة.
2- أن يكون أهلاً للعبادة؛ يعني لا يكون كافرًا، ولا مجنونًا ولا مغمى عليه، وأن يكون
مُحرِمًا.(/85)
3- أن يكون وقوفه في الوقت المحدد للوقوف، وهو من زوال الشمس يوم عرفة إلى فجر يوم
النحر.
والعلماء متفقون على أن آخر الوقوف هو طلوع الفجر من يوم النحر؛ لكنهم اختلفوا في أول الوقوف متى يكون؟
فعند الحنابلة أن الوقوف يوم عرفة يكون من طلوع فجر يوم عرفة إلى طلوع فجر يوم النحر، واستدلوا على قولهم بحديث عُرْوَةَ بنِ مُضَرِّس أنه أتى إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم - حين خرج للصلاة في مزدلفة، فقال: "يا رسول الله، جئت من جبال طيئ، أكلَلْتُ راحلتي، وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبلٍ إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟!" فقال – صلى الله عليه وسلم -: ((مَن شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهارًا؛ فقد تم حجه وقضى تفثه))، فبناءً على هذا قالوا: وقف ليلاً أو نهارًا؛ أي في أي ساعة، أو أي لحظة من ليل أو نهار وقف، ولو قبل الزوال؛ فالحج صحيح.
وجمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنفية على أن وقت الوقوف يكون من بعد زوال يوم عرفة إلى طلوع فجر يوم النحر.
وثمرة الخلاف: عند الجمهور مَن وقف قبل الزوال، ثم خرج من عرفة؛ فإن حجَّه ليس
بصحيح، وعند الحنابلة حجه صحيح، وإن كان ترك واجبًا، وهو الوقوف إلى غروب الشمس.
وأجاب الجمهور عن حديث عروة بن مضرّس بقولهم: إن هذا الحديث صحيح؛ لكن يُخصَّص بفعل النبي – صلى الله عليه وسلم - وبفعل الصحابة؛ فإنهم لم يقفوا إلا بعد الزوال، وفِعلُ – صلى الله عليه وسلم - مفسِّرٌ لقوله الثابت في حديث عروة بن مضرس. فلو وقف الإنسان بها بعد الزوال، ولو لحظة، ولو كان نائمًا؛ فإن وقوفه صحيح.
القسم الثاني: واجب:
وهو البقاء بعرفة إلى غروب الشمس، وسيأتي هذا في الواجبات حيث يذكرها المؤلف.
القسم الثالث: سُنة: وهي كثيرة منها:(/86)
1- النزول بنَمِرَة؛ كما نزل النبي – صلى الله عليه وسلم - إن تيسر ذلك، قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: نزل النبي – صلى الله عليه وسلم – بنمرة، وصلى بعُرَنَة، ووقف بعرفة.
2- أن لا يدخل عرفة إلا بعد الزوال.
3- أن يغتسل ليوم عرفة؛ فقد ورد ذلك عن الصحابة، رضي الله عنهم.
4- أن يَجمَع بين الظهر والعصر جَمْعَ تقديم، ويقصر الظهر والعصر، وهذا على أصح الأقوال لجميع الحجاج، سواء منهم مَن كان مِن خارج مكة أو مَن كان مِن أهل مكة.
5- أن يقف في موقف رسول الله – صلى الله عليه وسلم - عند الصخرات؛ كما جاء في حديث جابر - رضي الله عنه - والصخرات هي: مجموعة أحجار في أسفل جبل عرفة، وهذا غير الصعود إلى الجبل، فإنه لم يَرِدْ عن النبي – صلى الله عليه وسلم - وذكر النووي وشيخ الإسلام أنه لا مزية لهذا الجبل (المسمى جبل الرحمة) على غيره.
6- أن يكون مستقبلاً القبلةَ، كما جاء في حديث جابر - رضي الله عنه - قال: "واستقبل القبلة، فلم يزل واقفًا حتى غربت الشمس".
7- أن يكون مُفطِرًا في ذلك اليوم، كما ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم - ولأن هذا مما يُعينه على الدعاء، وعلى التضرع لله، عز وجل.
8- أن يكون راكبًا؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم - وقف راكبًا على القصواء، وبعض العلماء قال: إن كان هذا ممن يُقتدَى به أو يستفتى؛ فينبغي له أن يقف راكبًا، وإلا فله أن يفعل ما يراه أصلح لقلبه، فإن رأى الأصلح له أن يركب ركب، سواء كان على راحلة، أو على سيارة، أو ما أشبه ذلك، وإن رأى أن الأفضل له ولقلبه هو أن يدعو الله جالسًا، ويذكره جالسًا فعل ذلك، والأمر واسع في هذا.(/87)
9- أن يفرغ نفسه وقلبه من الشواغل، وأن يكون همه ذكر الله - عز وجل - وأن يجتهد في هذا اليوم العظيم وفي هذا اليوم الكريم، الذي جاء في فضله عن رسول – صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح مسلم أنه قال: ((ما من يومٍ أكثر أن يعتق الله فيه عبدًا من النار مِن يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ماذا أراد هؤلاء؟))، وفي مسند أحمد: ((أن الله - عز وجل - يباهي بأهل عرفات أهلَ السماء، فيقول: انظروا إلى عبادي؛ جاؤوني شُعْثًا
غُبْرًا))، فيجتهد العبد في هذا اليوم العظيم بالذكر والدعاء، وجاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((أفضلُ الدعاء دعاءُ يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير))، والزيادة التي ذكرها المؤلف وهي قوله: "بيده الخير" في "شُعَب الإيمان" للبيهقي.
وإن قال قائل: إن هذا ثناء؛ وليس بدعاء؟
قلنا: قد وُجِّهَ هذا السؤالُ إلى سفيان بن عيينه - رحمه الله تعالى - فقال: "ألم تسمع قول القائل:
أَأَذْكُرُ حَاجَتِي أَمْ قَدْ كَفَانِي = حَيَاؤُكَ إِنَّ شِيمَتَكَ الْحَيَاءُ
إِذَا أَثْنَى عَلَيْكَ الْمَرْءُ يَوْمًا = كَفَاهُ مِنْ تَعَرُّضِهِ الثَّنَاءُ"(/88)
فالله - عز وجل - رحيم بعباده، فينبغي للإنسان أن يُظهر فاقته في هذا اليوم العظيم، وأن يُظهر حاجته، وأن يتذلل و يخضع إلى الله، وأن يُظهر التوبة بين يدي الله - عز وجل - وأن يتوب إليه صادقًا من قلبه؛ فإن الله لن يَردَّه خائبًا، فعلى الحاج أن يجتهد في هذا اليوم العظيم، الذي يجتمع فيه الناس على ذلكم الصعيد، وكلٌّ يرجو من ربه مغفرة الذنوب، وكلٌّ يُنزل حوائجه بربه - تبارك وتعالى - فتراهم متضرعين خاشعين، القلوب منهم وجلة، والأبصار منهم خاشعة، والعيون دامعة، وكلهم يدعو ربه تبارك وتعالى، ولا تكاد تغيب الشمس في ذلك اليوم إلا ورأيت نفوسًا تكاد أن تتقطع؛ خوفًا ألا تعود إلى هذا اليوم مرة أخرى، فينبغي للإنسان أن يجتهد، وأن يُري الله من نفسه خيرًا في هذا اليوم العظيم.
وليس هناك ذِكْر محدد، لكنه يُكثر من هذا الذي ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم - ويدعو بما شاء، ويحرص على جوامع الدعاء.
10- أن يُكثر من أعمال الخير في هذا اليوم، وأن يُحسن للمسلمين؛ لأن هذا اليوم من عشر ذي الحجة، التي قال فيها النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله فيهن من عشر ذي الحجة))، قالوا: "ولا الجهاد في سبيل الله؟"، قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله؛ إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك بشيء))، فكيف إذا كان هذا اليوم اجتمع فيه هذا الفضل مع فضل يوم عرفة؟!
وقول المؤلف - رحمه الله تعالى -: "حبل المشاة"؛ يعني طريق المشاة، وأصل الحبل هو تَجمُّع الرمل، لكن أُطلق على مكان تجمع المشاة.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:(/89)
"ثم يدفع مع الإمام إلى مزدلفة على طريق المأزِمَيْن، وعليه السكينة والوقار، ويكون مُلبِّيًا، ذاكرًا لله عز وجل، فإذا وصل إلى مزدلفة صلى بها المغرب والعشاء قبل حطِّ الرحال، يَجمَع بينهما، ثم يبيت بها، ثم يصلي الفجر بغَلَسٍ، ويأتي المَشْعرَ الحرام فيقف عنده ويدعو، ويُستحب أن يكون من دعائه: اللهم وقفتنا فيه، وأريتنا إياه؛ فوفِّقْنا لذكْرك كما هديتنا، واغفر لنا وارحمنا كما وعدتنا بقولك، وقولك الحق: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ * ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 198 – 199]، ويقف حتى يسفر جدًّا، ثم يدفع قبل طلوع الشمس".
هذه الجملة التي ذكرها المؤلف وردت أيضًا في حديث جابر - رضي الله عنه - قال: "فإن النبي – صلى الله عليه وسلم - لم يزل واقفًا حتى غربت الشمس، وذهبت الصفرة قليلاً وغاب القرص، ثم دفع رسول الله – صلى الله عليه وسلم - وشنق للقصواء الزمام، حتى إن رأسها ليُصيب مَوْرِكَ رَحْله، ثم قال للناس بيده اليمنى: ((السَّكينةَ السَّكينةَ))، فإذا أتى حبلاً من الحبال أرخى لها قليلاً حتى تصعد، حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يسبح بينهما ثم اضطجع - صلى الله عليه وسلم - حتى طلع الفجر، وصلى الفجر حين تبيَّن له الصبح، ثم ركب حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة فدعا الله وكبره وهلله ووحده، فلم يزل واقفًا حتى أسفر جدًّا، ثم دفع حين طلعت الشمس"، وهذا هو مجموع ما ذكره المؤلف، رحمه الله تعالى.
ما يفعله الحاج في طريقه إلى مزدلفة:
1- ينبغي ألا يدفع قبل دفع الإمام، والمراد بالإمام هنا أمير الحج؛ لأن الحج لا بد له من أمير، وهذا منقول عن السلف.(/90)
2- عليه بالسَّكينة كما أمر النبي – صلى الله عليه وسلم - لما قال لهم: ((السكينةَ السكينةَ))، وفي حديث الفضل بن عباس: أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - سمع وراءه زجرًا شديدًا وضربًا وصوتًا للإبل، فأشار – صلى الله عليه وسلم - بسوطه: ((أيها الناس، عليكم بالسكينة، فإن البِرَّ ليس بالإيضاع - أي ليس بالإسراع -)).
3- يدفع عن طريق المأزِمين، والمأزِمان تثنية مأزِم، والمأزِمُ هو الموضع بين جبلين، وهو بعد عرفة، فالنبي – صلى الله عليه وسلم - ذهب من طريق وهو متجهٌ إلى عرفة، وذلك عن طريق ضَبٍّ، ثم لما رجع عن طريق المأزمين.
وطريق ضَبٍّ: هو الطريق الموجود الآن، الذي إذا جئت معه كانت المزدلفة عن يسارك، وأنت ذاهب إلى عرفة، وطريق المأزمين هو الذي إذا جئت معه كانت المزدلفة عن يمينك، وأنت ذاهب إلى مزدلفة.
فالنبي – صلى الله عليه وسلم - ذهب من طريق ورجع من طريق آخر، وهذا كثير في فعل النبي - – صلى الله عليه وسلم - كما ورد في العيد، فإنه ذهب من طريق، ورجع من طريق آخر، وكذلك كما مرَّ معنا في دخول مكة، أنه دخل من كَداء وخرج من كُدًا.
4- أن يكون ملبيًا ذاكرًا لله - عز وجل - لأن الله - عز وجل - قال: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} [البقرة: 198]، وكما ثبت في حديث الفضل: "أن النبي – صلى الله عليه وسلم - لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة".
ما يفعله الحاج إذا وصل مزدلفة:
1- أن يصلي بها المغرب والعشاء.
2- أن يعجِّل الصلاة قبل حطِّ الرحْل؛ كما في حديث أُسامة: "أنه أفاض مع النبي – صلى الله عليه وسلم - من عرفة، فنزل النبي – صلى الله عليه وسلم - الشِّعْب فبال، ثم توضأ ولم يُسبغ، فقال له أُسامة: "الصلاةَ"، فقال الرسول – صلى الله عليه وسلم -: ((الصلاةُ أمامك))، حتى أتى المزدلفة، فأُقيمت الصلاة فصلى المغرب، ثم أناخ كلُّ إنسانٍ بعيرَه في منزله، ثم أُقيمت الصلاة فصلى العشاء، ولم يُسبح بينهما".(/91)
مسألة: هل يصلي الوتر ليلة مزدلفة؟
الجواب: الأحاديث التي تكلَّمتْ عن حجة النبي – صلى الله عليه وسلم - ليس فيها ذكر للوتر، وحتى كُتُب العلماء لم تتعرض للوتر: هل يُصلى أو لا يصلى؟ ففي حديث ابن عمر - رضي الله عنه - في الصحيح قال: "إنه لم يسبح بينهما - أي بين المغرب والعشاء - ولا على أثر كل واحدةٍ منهما"؛ لكن قال بعض العلماء: إن الوتر يُصلى لأن النبي – صلى الله عليه وسلم - ما كان يَدَعُه في سفرٍ ولا حضر، ولم يُذكْر للعِلْم به.
3- أن يبيت بمزدلفة، وسيأتي حكم هذا المبيت في واجبات الحج - إن شاء الله تعالى - وتفصيل ذلك من حيث الوقت.
4- يصلي بها الفجر، والسُّنة أن يصلي الفجر بمزدلفة في أول وقتها، وفي حديث ابن مسعود "حتى يقال أطلع الفجر أم لم يطلع؟"؛ حتى يتسع الوقت للذكر والدعاء.
5- ثم يقف بالمَشعَر الحرام، وسمي حرامًا؛ لحرمة الصيد به، أو لأنه من الحرم، أو لأنه ذو حرمة. والمشعر الحرام هو: جبلٌ صغير يسمى قُزَح. ومن العلماء من يرى أن المشعر الحرام مزدلفة كلها. ومزدلفة لها عدة أسماء منها: المشعر الحرام، وجمع، ومزدلفة.
فيقف بالمشعر الحرام كما وقف النبي – صلى الله عليه وسلم - إن تيسر له ذلك؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال: ((وقفت ها هنا، ومزدلفة كلها موقف)). وكذلك قال في عرفة: ((وقفت ها هنا، وعرفة كلها موقف)) وقال في منى: ((نحرت ها هنا، ومنى كلها منحر))، وهذا من رحمة الله - عز وجل – بعباده؛ أنه لو لزم جميعَ الحجاج أن يقفوا في الموقف الذي وقف فيه الرسول – صلى الله عليه وسلم - لحصلت مفسدة عظيمة، ولا يمكن لأحدٍ أن يأتي بالحج بحال من الأحوال على هذه الصورة.
وهنا قاعدة عظيمة لو علمها كثيرٌ من الناس، لأراحوا أنفسهم من كثيرٍ من التعب والعناء الذي يجدونه، وهي:(/92)
"أن الفضيلة المتعلقة بذات العبادة أَوْلى من الفضيلة المتعلقة بمكانها أو زمانها"؛ أي إذا كان الإنسان يمكن أن يؤدي عبادته بخشوع، في أي مكان من أجزاء المكان الجائز شرعًا من مزدلفة أو من عرفة، فهو أولى من أن يتحرى الفضيلة التي في المكان؛ لأن الخشوع صفة ذاتية للعبادة. وبعض الناس يُتعب نفسه حتى يقف عند الصخرات، فربما بسبب حرصه على هذه الفضيلة يؤذي مسلمًا، وربما يشتم، وعلى أقل الأحوال يكون في كرْبٍ عظيم، وفي مشقة وفي عناء، لا يستطيع أن يذكر الله - عز وجل - على الوجه اللائق، وكذلك الحال في مزدلفة، فالإنسان يعمل الأيسر له، وينظر دائمًا فيما يتحقق به الخشوع على أكمل الوجوه، ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
6- فإذا وقف بالمشعر الحرام، دعا الله وكبَّره وهلَّله، مستقبلَ القبلة كما في حديث جابر قال:
"فدعا الله وكبره وهلله ووحَّده"، ويستقبل القبلة في دعائه وفي ذكره لله عز وجل. وهذا الدعاء الذي ذكره المؤلف - رحمه الله تعالى - ليس له خصوصية في المشعر الحرام؛ بل بأي دعاء له أن يدعو.
7- ثم يبقى في المشعر الحرام حتى يُسفر جدًّا؛ يعني حتى يتبين له النهار إلا أن الشمس لم تطلع، فيخرج منها إلى منى، مخالفةً لحال المشركين؛ لأن المشركين لم يكونوا يخرجون من مزدلفة حتى تطلع الشمس، ويقولون: أَشْرِقْ ثَبِير كيما نُغِير، وثَبِير هو: (الجبل الذي يقع على يمينك، وأنت متجه إلى منى؛ لأن الشمس تطلع من جهته)، والرسول – صلى الله عليه وسلم - في حجته خالف المشركين في مواقف كثيرة؛ منها:
1- أمر بفسخ الحج إلى عمرة، وكان المشركون يرون من أفجر الفجور العمرة في أشهر الحج.
2- لما اتجه النبي – صلى الله عليه وسلم - من مِنى لم تَشُكَّ قريش أن النبي – صلى الله عليه وسلم - لن يتجاوز المشعر الحرام؛ لأن قريشًا لم تكن تتجاوز ذلك المكان، ويقولون: نحن أهل الحرم فلأنخرج منه.(/93)
3- لم يخرج من عرفة حتى غربت الشمس وغاب القرص، وكانوا يخرجون منها إذا كانت الشمس على رؤوس الجبال؛ كالعمائم على رؤوس الرجال.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"فإذا بلغ مُحَسِّرًا أسرع قدْر رمية بحَجَر، حتى يأتي مِنًى فيبتدئ بجمرة العقبة، فيرميها بسبع حصيات كحصى الخذف، يُكبِّر مع كل حصاة، ويرفع يديه في الرمي، ويقطع التلبية بابتداء الرمي، ويستبطن الوادي، ويستقبل القبلة، ولا يقف عندها، ثم ينحر هديه، ثم يحلق رأسه أو يقصره، ثم قد حَلَّ له كل شيء إلا النساء، ثم يفيض إلى مكة فيطوف للزيارة، وهو الطواف الواجب الذي به تمام الحج، ثم يسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتعًا، أو ممن لم يسعَ مع طواف القدوم، ثم قد حلَّ من كل شيء.
ما يفعله الحاج في طريقه من مزدلفة إلى منى:
1- من السنة الثابتة عن النبي – صلى الله عليه وسلم - أنه لما أتى مُحَسِّرًا حرك قليلاً - يعني أسرع - وكذلك كان ابن عمر يحرك دابته بمقدار رمية حجر - كما ذكر المؤلف - وكما نُقل عن ابن عمر في موطَّأ مالك. ومُحَسِّر: وادي بين مزدلفة ومنى، فهو ليس من مزدلفة، وليس من منى، كما أن هناك واديًا وهو عُرَنَة ليس من عرفة، ولا من مزدلفة، فكل مَشْعَرٍ بينه وبين المشعر الآخر فاصلٌ، ليس من هذا، ولا من هذا.
وبعض العلماء قال: إن هذا الإسراع من أجل أن هذا الوادي أُحسر فيه الفيل، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - كعادته إذا مر بمواطن العذاب؛ فإنه يُسرع، فإنه لما مر بدار ثمود تقنَّع - صلى الله عليه وسلم - وأسرع وقال: ((لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين؛ إلا وأنتم باكون، أو متباكون؛ لا يصيبكم ما أصابهم))، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يَحذَر هذا ويُحذِّر المؤمنين أيضًا من مواطن العذاب، فلا ينبغي للإنسان أن يقصد هذه الأماكن، التي عُذِّب فيها أقوام لكفرهم بالله - عز وجل - وأن يجعلها موطن زيارة له، يزورها ويذهب إليها.(/94)
2- يلتقط في طريقه حصيات، وإن التقطها من مِنى فلا بأس، و أن تكون الحصاة كحصى الخذف، والخذف أصله الرمي، وهو الذي يرمى به بين السَّبَّابة والإبهام، فهو حصى صغير حتى قال العلماء عنه: إنه أكبر من الحمص، وأصغر من البندق، والبعض قال: هو أصغر من أنملة الإصبع عرضًا وطولاً، يعني حجمه ما يقارب حجم الزيتون، أو أقل، أو حول هذا الحجم. والمسألة تقريبية وليست مسألة محددة، فبعض الناس يأتي بحجر، فيقول: هل هذا يُرمى به أو لا يرمى به؟! فالمسألة يستوي فيها جميع الناس إذا عرفوا الضابط، فالمهم أن يتركوا الغلو؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم - أمر ابن العباس أن يلتقط له حصى، ثم لما التقط له حصى أخذه وقلَّبَه في يده، وقال: ((بمثل هؤلاء فارموا، وإياكم الغلوَّ في الدين؛ فإنما أهلك من كان قبلكم الغلوُّ في الدين)).
ما يفعله الحاج إذا وصل منى:
يرمي جمرة العقبة بسبع حصيات كما رماها النبي – صلى الله عليه وسلم - ضحى يوم النحر إذا تيسر له ذلك؛ وإلا فإن الوقت يمتد إلى الليل، والأحسن أن يرميها قبل المغرب، لكن لو رمى بعد المغرب فإنه لا شيء عليه في أصح أقوال العلماء. وقد تقدمت القاعدة عندنا: "أن الفضيلة المتعلقة بذات العبادة أولى من الفضيلة المتعلقة بزمانها أو مكانها"، فإذا كان أمامك وقت ترمي فيه بخشوع، وتأتي بالأذكار الواردة في العبادة، فتكبِّر مع كل حصاة من غير زحام، أولى من الوقت الآخر الذي يمكن أن تحقق فيه فضيلة الوقت فترمي في الضحى؛ لكن لا تستطيع أن تذكر الله، ولا أن تتأكد من الحصى هل وقع في المرمى أو لا؟(/95)
وقالوا: رمي جمرة العقبة هو تحية منى. والعقبة: جبل صغير هناك عليه هذه الجمرة، وكانت من جهة واحدة فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فرماها، والسُّنة أن يستقبل الجمار، فتكون منى عن يمينه، ومكة عن يساره، فيرميها بسبع حصيات، يُكبِّر مع كل حصاة كما ثبت في حديث جابر - رضي الله عنه - ولا يقف عندها؛ لأنها ليست موقفًا، ويأتي معنا في رمي الجمرات الثلاث أنه يقف عند الصغرى والوسطى، ولا يقف عند جمرة العقبة في جميع الأيام.
مسألة: متى يقطع التلبية؟ هل يقطع التلبية عند آخر حصاة أو عند أول حصاة؟
الجواب: جاء في صحيح ابن خزيمة أنه يقطع التلبية عند آخر حصاة.
مسألة: هل يحصل التحلل الأول إذا فعل اثنين من الثلاثة: (الرمي أو الحلق أو الطواف)، أو يحصل بمجرد رمي جمرة العقبة؟
الجواب: عن الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - روايتان:
الرواية الأولى: لا يحصل إلا باثنين من الثلاثة: (رمي جمرة العقبة أو الحلق أو الطواف).
الرواية الثانية: يحصل بمجرد الرمي، وذهب إليه الإمام مالك وأبو ثَوْر، واختاره ابن قدامة وقال: وهو الصحيح إن شاء الله، ويدل عليه حديث عائشة في مسند الإمام أحمد، وإسناده على شرط الشيخين قالت: "طيبت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - بذَرِيرَة لإحرامه قبل أن يُحرِم، وللحل بعد أن رمى جمرة العقبة، وقبل أن يطوف بالبيت"، وأما حديث عائشة - رضي الله عنها - الذي في سنن أبي داود وغيره: ((إذا رميتم جمرة العقبة، وحَلَقْتُم فقد حللتم))؛ فهذا الحديث ضعيف، ولو صح هذا الحديث لكان نصًّا في محل النزاع.
ويحصل التحلل الأكبر بإتمام الأمور الثلاثة: الرمي، والحلق، وطواف الإفاضة، والسعي لمن كان عليه سعي كالمتمتِّع، وكذلك القارن والمفرد إذا لم يسعَ بعد طواف القدوم فإن عليه سعيًا.
وطواف الإفاضة ركن من أركان الحج، وسيأتي الكلام عنه - إن شاء الله تعالى - في الأركان.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:(/96)
"ويُستحب أن يشرب من ماء زمزم لما أحبَّ، ويتضلع منه، ثم يقول: اللهم اجعله لنا عِلْمًا نافعًا، ورزقًا واسعًا، وريًّا وشبعًا وشفاء من كل داء، واغسل به قلبي، واملأه من خشيتك وحكمتك".
ورد عن النبي – صلى الله عليه وسلم - أنه شرب من ماء زمزم، وقال عنه: ((ماء زمزم لما شُرِبَ له))؛ فينبغي للإنسان أن يشرب منه وأن يدعو الله، عز وجل.
وهذا الدعاء الذي ذكره المؤلف - رحمه الله تعالى - منقول عن ابن عباس؛ لكنه ليس بصحيح. والدعاء الأمر فيه واسع، فما دام قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((ماء زمزم لما شرب له))؛ فينبغي للإنسان أن يشربه للعِلْم، أو للظمأ، أو للشفاء، أو لغير ذلك؛ فهو لما شرب له، وعلى الإنسان أن يشربه وهو مصدِّق بقول الرسول – صلى الله عليه وسلم - وسينفعه بإذن الله.
باب ما يفعله بعد الحِلِّ
يتحدث المؤلف - رحمه الله تعالى - الآن عن ما يعمله الإنسان بمنى، وما يكون آخر أعماله في الحج.
فيقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"ثم يرجع إلى منى، ولا يبيت لياليها إلا بها".
أي بعد أن يطوف طواف الإفاضة، ويسعى إن كان عليه سعي، يرجع إلى منى ولا يبيت إلا بها؛ أي في ليالي التشريق، وهي: الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر.
والمبيت بمنى في هذه الليالي واجبٌ من واجبات الحج، والدليل على ذلك:
1- أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - رخَّصَ للعباس أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته، كما في الصحيحين.
2- ما في سنن ابن ماجه عن ابن عباس: "أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: لم يرخّص لأحدٍ أن يبيت بمكة إلا للعباس؛ من أجل سقايته".(/97)
قال العلماء: وهذا يدل على أن المبيت بمنى واجب؛ لأن الرخصة لا تكون إلا في مقابل عزيمة، فرخَّص الرسول – صلى الله عليه وسلم - للعباس من أجل سقايته، ومن أجل ما يقوم به من مصلحةٍ عامة، وهو سقاية الحجاج، وكذلك مَن كان في حُكْمه، أو مَن توفر فيه هذا المعنى، هذا يدل على وجوب المبيت بمنى، وقصدهم بالمبيت: هو أن يبقى الإنسان أكثر الليل بمنى.
وسيأتي معنا - إن شاء الله تعالى - في واجبات الحج.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"فيرمي بها الجمرات بعد الزوال من أيامها، كل جمرة بسبع حصيات، يبتدئ بالجمرة الأولى، فيستقبل القبلة ويرميها بسبع حصيات، كما رمى جمرة العقبة، ثم يتقدم فيقف فيدعو
الله، ثم يأتي الوسطى فيرميها كذلك، ثم يرمي جمرة العقبة ولا يقف عندها، ثم يرمي في اليوم الثاني كذلك".
تكلم المؤلف - رحمه الله تعالى - في هذه الجملة عن واجب الرمي، وشروطه، وكيفيته:
وجوب الرمي:
يجب على الحاج أن يرمي الجمرات الثلاثة في أيام التشريق عند جمهور العلماء؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم - كما في حديث جابر قال: "رمى النبي – صلى الله عليه وسلم - جمرة العقبة يوم النحر ضُحًى، وأما بعدُ فإذا زالت الشمس"؛ أي في أيام التشريق يرمي النبي – صلى الله عليه وسلم - إذا زالت الشمس.
وقال ابن عمر - رضي الله عنه -: "كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا".
شروط الرمي:
الشرط الأول: أن يكون في الوقت، وهو بعد الزوال، فلا يجوز لأحدٍ أن يرمي في أيام التشريق قبل الزوال؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم - كما تقدم - إنما رمى بعد زوال الشمس، وقال – صلى الله عليه وسلم -: ((لتأخذوا عني مناسككم))، ولأن الرمي قبل الزوال ليس عليه أمر النبي – صلى الله عليه وسلم - وقد قال: ((مَن عمل عملاً ليس عليه أمرنا؛ فهو رَدٌّ))؛ أي مردود على صاحبه، وهو عمل باطل، فلا يجوز لأحدٍ أن يرمي قبل الزوال بحال.(/98)
الشرط الثاني: الترتيب بين هذه الجمرات، فيرمي الجمرة الصغرى التي تلي مسجد الخيف، ثم يرمي الوسطى، ثم يرمي جمرة العقبة، وعلى هذا الترتيب يرمي الحاج، فإن عكس لم يصح رميه، فإنما تصح له جمرة العقبة الصغرى؛ لأنها آخر ما يرمي، فيرمي الوسطى ثم الكبرى، والترتيب شرط عند جمهور العلماء؛ لأنه فعل النبي – صلى الله عليه وسلم - وقد أمر أن نأخذ عنه مناسكنا.
الشرط الثالث: العدد، فلا يجوز للإنسان أن يرمي الجمرة بأقل من سبع حصيات على أصح أقوال العلماء؛ لثبوت ذلك عن النبي – صلى الله عليه وسلم - في أحاديث كثيرة. ولو أن إنسانًا رمى الحصيات السبع دفعةً واحدة، فإنها لا تقع إلا عن حصاة واحدة، فعليه أن يرمي ست حصيات.
الشرط الرابع: أن يقع الحجر في المرمى، وهو مكان الرمي، وليس المراد أن يصيب العمود الشاخص، فهذا ليس مقصودًا.
كيفية الرمي:
أو الصفة التي يرمي بها الجمرة، فإنه يرمي الجمرة الصغرى التي تلي مسجد الخيف بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، ثم يتقدم قليلاً يعني عن الجمرة، ويرفع يديه ويدعو طويلاً كما ثبت عن ابن عمر - رضي الله عنه - في صحيح البخاري: "أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات، يُكبِّر على إثر كل حصاة، ثم يتقدم حتى يُسْهِل فيقوم مستقبل القبلة، فيقوم طويلاً ويدعو ويرفع يديه، ثم يرمي الوسطى، ثم يأخذ ذات الشمال فيسهِل، ويقوم مستقبل القبلة، فيقوم طويلاً ويدعو، ويرفع يديه، ويقوم طويلاً، ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي، ولا يقف عندها، ثم ينصرف فيقول: هكذا رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يفعله"،
وعند ابن أبي شيبة بإسناد صحيح: "أن ابن عمر كان يقوم عند الجمرتين مقدار ما يقرأ سورة البقرة".
وهذا موقف من مواقف الدعاء، وقد قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ثبت عنه الدعاء ورفع اليدين في ستةِ مواضع في حجه:
1- على الصفا.
2- على المروة.
3- في عرفة.(/99)
4- على المشعر الحرام.
5- عند الجمرة الصغرى.
6- عند الجمرة الوسطى.
مسألة: هل يجوز للإنسان أن يؤخر الرمي في اليوم الحادي عشر، ويرمي في اليوم الثاني عشر؟
الجواب: هذه المسألة مبنية على مسألة: هل أيام التشريق كيوم واحد في الرمي، أو أن لكل يومٍ حُكْمًا يخصه؟
الذي ذهب إليه الحنابلة والشافعية أن أيام التشريق كيومٍ واحد؛ فبناءً على ذلك يجوز للإنسان أن يؤخر الرمي في اليوم الحادي عشر، ويرمي في اليوم الثاني عشر، ويكون هذا أداءً وليس
قضاءً.
وذهب بعض العلماء أنه لا يجوز؛ بل لكل يوم حُكْم يخصه، وهذا هو الأظهر، والله أعلم.
مسألة: يتساهل كثير من الناس في التوكيل في الرمي، وليس هناك عذر إلا الزحام، فهل يجوز هذا؟
الجواب: الزحام ليس عذرًا على كل حال، فيمكن للإنسان أن يتحين الأوقات التي ليس فيها زحام، وقلَّ أن يحتاج الإنسان إلى التوكيل، لو علم أن وقت الرمي متسع جدًّا إلى الليل، فبعض الناس يريد أن يرمي بعد الزوال مباشرةً، فيُهلِك نفسه ومن معه، والأولى أن يؤخر وأن ينتظر ويرمي بنفسه، والرمي بنفسه متى ما أمكن واجبٌ؛ فلا يجوز أن يوكل غيره، وبعض الناس يرى أن التوكيل عن المرأة على كل حال، فيرمي عن امرأته، سواء كانت ضعيفة أو ليست ضعيفة، وهذا لا يجوز.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"فإن أحب أن يتعجل في يومين خرج قبل الغروب، فإن غربت الشمس وهو بمنى، لزمه المبيت بمنى، والرمي من غد".
فإن أحب أن يتعجل في يومين؛ لقول الله – تعالى -: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [البقرة: 203]، فالله - عز وجل - أجاز في كتابه التعجلَ والتأخير.(/100)
والمراد بالتعجل: أن يتعجل في اليومين الأولين من أيام التشريق، فمن أراد أن يتعجل؛ فعليه أن يخرج من منى قبل غروب الشمس، وهو قول جمهور العلماء، ويدل على هذا قول ابن عمر - رضي الله عنه -: "مَن غربت عليه الشمس بمنى فعليه أن يبقى حتى يرمي من الغد"، ولأن الله - عز وجل - قال: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ}، والذي غربت عليه الشمس لم يتعجل في يومين؛ لأن اليوم اسم للنهار، كما ذكر ابن قدامة، رحمه الله تعالى. لكن لو غربت عليه الشمس وهو مستعد للرحيل، وهو سائرٌ بسيارته أو بدابته، فإن هذا يخرج، ولا شيء عليه في أصح أقوال العلماء، والله أعلم.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"فإن كان متمتعًا أو قارنًا فقد انقضى حجه وعمرته، وإن كان مفردًا خرج إلى التنعيم فأحرم بالعمرة منه، ثم يأتي مكة فيطوف ويسعى ويحلق أو يقصر، فإن لم يكن له شعر استحب أن يمر الموس على رأسه، وقد تم حجه وعمرته".
هذا الكلام الذي ذكره المؤلف - رحمه الله تعالى - فيه نظر من جهتين:
أولاً: في قوله أن المفرد يأتي بعمرة بعد حجه، فإنه لم يثبت عن – صلى الله عليه وسلم - لا من قوله ولا من فعله أن يأمر مَن كان مفردًا أن يأتي بعمرة. لكن لو أراد الإنسان أن يأتي بعمرة، ولم يكن قد أتى بعمرة قبل حجه - إذا قلنا بوجوب العمرة - فإنه يأتي بها لا على أنها مستحبة، أو أنها مكملة لحجه؛ بل يأتي بها على أنها عمرة كأيِّ عمرةٍ يأتي بها في حياته، أما أن تكون مكملة للإفراد، أو يكون هذا مما يستحب للإنسان أن يفعله، فهذا مما لا دليل عليه فيما يظهر، والله أعلم.
ثانيًا: قوله: "إن لم يكن له شَعْر فعليه أن يمر الموس على رأسه"، فكثير من العلماء لا يستحب هذا؛ لأن الحلق هو وسيلة إلى التحلل، فإذا لم يكن هناك شعر سقطت الوسيلة، لسقوط مقصدها؛ لأن الوسائل تسقط إذا سقطت المقاصد، والله تعالى أعلم.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:(/101)
"وليس في عمل القارن زيادة على عمل المفرِد؛ لكن عليه وعلى المتمتع دمٌ؛ لقوله – تعالى -:
{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196].
الكلام عن الصيام، وكيفيته، ومتى يكون: هل يكون قبل النحر، أو يكون في أيام
التشريق؟ وهل يكون قبل العمرة، أو بعد أن يُحرِم بالعمرة، أو لا يجوز حتى يُحرِم بالحج؟
قد تكلمنا عنه في باب الفدية.
ولا فرق بين المُفرِد والقارِن، إلا أن القارن عليه دم، وهذا عند جمهور العلماء؛ لأن القارن متمتِّع من حيث العموم؛ لأنه ترفَّهَ بإسقاط أحدِ السفرين، فهو من حيث المعنى في حُكْم المتمتِّع عند جمهور العلماء، أما من حيث الأعمال، فعملُ المفرِد وعمل القارن سواءٌ من حيث الطواف
والسعي...
إذًا لا فرق بين المفرد والقارن إلا من حيث النية عند الإحرام، ووجوب الدم على القارن.
يقول المؤلف - رحمه الله تعالى -:
"وإذا أراد القفول لم يخرج حتى يودع البيت بطواف عند فراغه من جميع أموره؛ حتى يكون آخر عهده بالبيت، فإن اشتغل بعده بتجارة أعاده".
هذا طواف الوداع، وهو واجب من واجبات الحج وذلك:
1- لما ثبت في صحيح مسلم عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: كان ينصرف الناس في كل وجه، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((لا ينفرن أحدٌ حتى يكون آخر عهده بالبيت)).
2- ولما في الصحيحين من حديث ابن عباس أنه قال: "أُمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت؛ إلا أنه خُفِّف عن الحائض".(/102)