84 - د. بلحاج العربي. شروط انعقاد الوصية في الفقه الإسلامي، المجلة الجزائرية للعلوم القانونية، 1990، العدد 2، ص392.
85 - د. توفيق الواعي وآخرون. المرشد الإسلامي في الفقه الطبي، دار الوفاء، المنصورة، 1988م.
86 - د. توفيق الواعي. حقيقة الموت في القرآن الكريم، ندوة الحياة الإنسانية، الكويت، 1985م، ص461.
87 - الشيخ جاد الحق. الفقه الإسلامي ومرونته، القاهرة، 1989م.
88 - الشيخ جاد الحق. بحوث وفتاوى في قضايا معاصرة، الأزهر، 1993م.
89 - الشيخ جاد الحق. تعريف الوفاة، مجلة الأزهر، 1992م، السنة 65.
90 - جلال الدين السيوطي. الأشباه والنظائر، مطبعة الحلبي، القاهرة، 1938م.
91 - جلال الدين السيوطي. شرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور، بيروت، 1989م.
92 - جعفر العاملي. الآداب الطبية في الإسلام، دار البلاغة، 1991م.
93 - جفال داود. المسائل الطبية المعاصرة وموقف الفقه الإسلامي منها، دار البشير، عمان، 1990م.
94 - الجصاص أبو بكر. أحكام القرآن، دار المصحف، مصر، بدون تاريخ.
95 - الحطاب. مواهب الجليل شرح مختصر خليل، مطبعة السعادة، القاهرة 1328هـ.
96 - الحافظ المنذري. مختصر صحيح مسلم، الكويت، 1979م.
97 - د. حسن منصور. المسئولية الطبية، الإسكندرية، بدون تاريخ.
98 - د. حسان الباشا. قبسات من الطب النبوي، مكتبة السوادي، جدة، 1993م.
99 - د. حسان حامد. نظرية المصالح المرسلة في الفقه الإسلامي، دار النهضة، مصر.
100 - الشيخ حسنين مخلوف. الفتاوى الإسلامية، دار الاعتصام، القاهرة، 1985م.
101 - د. حنيفة الخطيب. الطب عند العرب، بيروت، 1988م.
102 - د. حمدي عبدالرحمن. معصومية الجسد، جامعة عين شمس، 1979م.
103 - د. حسان حتحوت. استخدام الأجنة في البحث والعلاج، الكويت، 1989م.
104 - د. حسان حتحوت. متى تنتهي الحياة ؟ مجمع الفقه الإسلامي، 1986م.
105 - الحافظ بن رجب. أهوال القبور، مكتبة الصحابة، طنطا، 1406هـ.(171/148)
106 - د. حنا منير رياض. المسئولية الجنائية للأطباء، الإسكندرية، 1989م.
107 - د. حامد أحمد حامد. رحلة الإيمان في جسم الإنسان، دار القلم، دمشق، 1996م.
108 - د. حسن الشاذلي. حكم نقل أعضاء الإنسان. مطبعة الجمهورية، القاهرة، 1989م.
109 - الخرشي. شرح الخرشي على مختصر خليل، دار صادر، بيروت، بدون تاريخ.
110 - الخطيب الشربيني. مغني المحتاج، دار إحياء التراث، بيروت، 1978م.
111 - خالد عبدالرحمن العك. موسوعة الفقه المالكي، دار الحكمة، دمشق، 1993م.
112 - د. خالص جلبي. الطب محراب الإيمان، دار الكتب العربية، دمشق، 1974م.
113 - خالد الشايع. الحياة بعد الموت، الرياض، 1417هـ.
114 - الدردير أحمد. الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي، مطبعة الحلبي، القاهرة.
115 - د. رضا رضوان. الاستنساخ الآدمي، مجلة الوعي الإسلامي، نوفمبر 1997م، العدد 383، ص48.
116 - الرملي. نهاية المحتاج، المكتبة الإسلامية، بيروت، بدون تاريخ.
117 - ربيع السعودي. هادم اللذات، مطابع ابن تيمية، القاهرة، 1416هـ.
118 - الزيلعي. نصب الراية، دار الحديث، القاهرة، بدون تاريخ.
119 - الزرقاني. شرح الزرقاني على موطأ مالك، دار الفكر، بيروت، بدون تاريخ.
120 - د. الزحيلي (وهبة). الفقه الإسلامي وأدلته، دمشق، 1985م.
121 - د. الزحيلي (وهبة). نظرية الضرورة الشرعية، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1997م.
122 - د. الزحيلي (وهبة). الاستنساخ البشري، مجلة الشقائق، العدد 14، ص14.
123 - د. الزرقاء (مصطفى أحمد). المدخل الفقهي العام، دمشق، 1961م.
124 - د. زهير الزميلي. لماذا جعل الله الأمراض ؟ دار الفرقان، عمان، 1988م.
125 - د. زهير السباعي. خلق الطبيب المسلم، دار ابن القيم، الدمام، 1990م.
126 - د. زهير السباعي. و د. محمد علي البار. الطبيب أدبه وفقهه، دار القلم، دمشق، 1993م.
127 - د. زكريا الباز. إعطاء الكلى لزرعها، المجلة الجنائية، 1987، العدد 1، ص137.(171/149)
128 - د. زياد درويش. الطب الشرعي، دمشق، 1977م.
129 - زياد أحمد سلامة. أطفال الأنابيب، دار البيارق، بيروت، 1996م.
130 - الزبيدي (الحسني). اتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين، بيروت، بدون تاريخ.
131 - السرخسي (أبو بكر). المبسوط، مطبعة السعادة، القاهرة.
132 - سيد قطب. في ظلال القرآن، دار الشروق، 1979م.
133 - السيد سابق، فقه السنة، بيروت، 1989م.
134 - د. السنهوري، مصادر الحق في الفقه الإسلامي، دار الفكر، 1954م.
135 - د. سليمان محمد، الطب الشرعي، القاهرة، 1959م.
136 - سيف الدين السباعي. الإجهاض بين الفقه والطب، دار الكتب، بيروت، 1977م.
137 - سيد عبدالعاطي. سوق لبيع لحوم البشر، مجلة الجديدة، 21/5/1997م، ص4.
138 - د. سنيلك وآخرون. السكتة الدماغية، الدار العربية للعلوم، بيروت، 1995م.
139 - د. سيدني سميت و د. عبدالحميد عامر. الطب الشرعي، القاهرة، 1995م.
140 - د. سالم الزوي. المسئولية الطبية عن الإجهاض، بنغازي، ليبيا، 1991م.
141 - د. سُهير منتصر. المسئولية المدنية عن التجارب الطبية، دار النهضة، القاهرة، 1990م.
142 - د. سليمان قطاية. ابن النفيس الطبيب العربي، المؤسسة العربية للنشر. بيروت، 1984م.
143 - د. السيد الجميلي. إعجاز الطب النبوي، دار ابن زيدون، بيروت، الطبعة الثالثة.
144 - د. السيد الجميلي. سكرات الموت، مكتبة الهلال، بيروت، 1996م.
145 - د. السيد الجميلي. مواقف يوم القيامة، مكتبة الهلال، بيروت، 1994م.
146 - د. سليمان الأشقر. نهاية الحياة الإنسانية، مجمع الفقه الإسلامي، 1986م.
147 - د. سليمان عبدالوهاب. فقه الضرورة وتطبيقاته المعاصرة، جدة، 1993م.
148 - د. سمير الحلو. الطب الإسلامي، دار النفائس، 1997م.
149 - د. سعد العسيلي. المسئولية المدنية عن النشاط الطبي، بنغازي، ليبيا، 1994م.
150 - الشاطبي. الموافقات في أصول الشريعة، المكتبة التجارية، القاهرة.(171/150)
151 - الشوكاني. نيل الأوطار، المكتبة العلمية، بيروت، 1973م.
152 - الشيخ شلتوت. الفتاوى، القاهرة، 1980م.
153 - الشيخ الشرباصي. يسألونك في الدين والحياة، بيروت، 1980م.
154 - الشيخ الشعراوي. الفتاوى، الجزائر، 1998م.
155 - الشيخ الشعراوي. 100 سؤال وجواب في الفقه الإسلامي، الجزائر، 1983م.
156 - الشنقيطي محمد. أحكام الجراحة الطبية، مكتبة الصديق، الطائف، 1993م.
157 - د. شوقي الساهي. الفكر الإسلامي والقضايا الطبية المعاصرة، القاهرة، 1990م.
158 - د. شاهين فيصل و د. محمد سوقية. تعريف الموت من الناحية الطبية، المركز السعودي لزراعة الأعضاء، الرياض، 1418هـ.
159 - الصنعاني. سبل السلام، مطبعة مصطفى الحلبي، القاهرة، 1978م.
160 - د. صالح عبدالقيوم. زراعة الأعضاء في ضوء الشريعة الإسلامية، الرياض، 1416هـ.
161 - د. صبري الدمرداش. الاستنساخ قنبلة العصر، مكتبة العبيكان، الرياض، 1997م.
162 - صلاح شهاب الدين. الاستنساخ البشري، مجلة منار الإسلام، نوفمبر 1998، ص54.
163 - د. صالح السدلان. حكم زرع الأعضاء، صحيفة الشرق الأوسط، العدد 5493، الأحد 12/12/1993م.
164 - عبدالقادر عودة. التشريع الجنائي الإسلامي، القاهرة، 1997م.
165 - العز بن عبدالسلام. قواعد الأحكام في مصالح الأنام، دار الشرق، 1986م.
166 - الشيخ علي الخفيف. الضمان في الفقه الإسلامي، معهد البحوث، القاهرة.
167 - الشيخ عبدالقادر عطا. الحلال والحرام، بيروت، 1985م.
168 - د. عبدالحميد فراج. المنهج الحكيم في التحريم والتقويم، الإسكندرية، 1984م.
169 - د. عبدالرحمن النجار. مشروعية نقل الكلى، المجلة الجنائية، القاهرة، 1987، العدد 1.
170 - د. عبدالله الحديثي. الوفاة وعلاماتها، دار المسلم، الرياض، 1997م.
171 - عمر لطفي العالم. بعد عمليات زرع الدماغ ما موقف الفقه والقانون ؟، مجلة منار الإسلام، عدد نوفمبر 1998، ص66.(171/151)
172 - د. عبدالرحمن العوضي. التعريف الطبي للموت، م. إ. ع، ط، الكويت، 1996م.
173 - الشيخ عساف أحمد. الحلال والحرام في الإسلام، بيروت، 1989م.
174 - د. عمر الفحل. التلقيح الصناعي والقانون، مجلة المحامون، 1988م، ص245.
175 - د. عادل عبدالمجيد. حكم الرحم المؤجر. المؤتمر الطبي الإسلامي الدولي، الكويت، 1987م.
176 - د. علي قاسمي. مفهوم الموت في الثقافة العربية، مجلة المنهل، مارس 1998، ص80.
177 - علاء الدين مصطفى. البصمة الوراثية بين رأي الشرع والرأي الطبي، مجلة الفرقان، العدد 103، رجب 1419هـ، ص31.
178 - الشيخ عبدالعزيز بن باز. فتاوى، مؤسسة الدعوة الإسلامية، الرياض، 1415هـ.
179 - الشيخ عبدالعزيز بن باز. أحكام الجنائز، مطبعة النرجس، الرياض، 1418هـ.
180 - د. عبدالرزاق الكيلاني. الحقائق الطبية في الإسلام، دار القلم، دمشق، 1996م.
181 - د. عبدالحميد الشواربي. الخبرة الطبية في مسائل الطب الشرعي، الإسكندرية، 1993م.
182 - عصمت الله محمد. الانتفاع بأجزاء الآدمي في الفقه الإسلامي، لاهور، باكستان، 1993م.
183 - د. عبدالله باسلامة. رؤية إسلامية لقضايا طبية، جدة، 1417هـ.
184 - د. عبدالله باسلامة. الاستفادة من الأجنة الفائضة، م. إ. ع. ط، الكويت، 1989م.
185 - د. عبدالله باسلامة. الأجنة المشوهة خلقياً وحكم التخلص منها، مجمع الفقه الإسلامي، مكة المكرمة، 1986م.
186 - د. عبدالوهاب حومد. قتل الرحمة، مجلة عالم الفكر، 1973، العدد 3.
187 - د. عبدالوهاب حومد. المسئولية الجزائية للطبيب، مجلة الحقوق، 1981، العدد 2، ص133.
188 - د. عبدالرحمن النفيسه. مسئولية الأطباء، مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، الرياض، العدد 3، 1410هـ.
189 - د. العوضي أحلام. خروج الأحياء من الأموات والأموات من الأحياء، جدة، 1993م.
190 - د. عقيل العقيلي. حكم نقل الأعضاء في الفقه الإسلامي، مكتبة الصحابة، جدة، 1992م.(171/152)
191 - د. عبدالله السعيد. رواد الطب عند العرب، مكتبة الأقصى، عمان، 1994م.
192 - الشيخ عبدالحميد كشك. فتاوى الشيخ كشك، دار المختار الإسلامي، القاهرة.
193 - د. عبدالسلام السكري. نقل الأعضاء وزراعتها، الدار المصرية، القاهرة، 1989م.
194 - د. عبدالستار أبو غدة. بحوث في الفقه الطبي، دار الأقصى، القاهرة، 1991م.
195 - عبدالله الغامدي. مسئولية الطبيب المهنية، دار الأندلس، جدة، 1418هـ.
196 - د. علي حسن نجيدة. التزامات الطبيب، دار النهضة، القاهرة، 1992م.
197 - د. عز الدين فراج. الطب الإسلامي، دار الفكر العربي، القاهرة، بدون تاريخ.
198 - د. عبدالحي الفرماوي. الموت في الفكر الإسلامي، دار الاعتصام، القاهرة، 1991م.
199 - د. عبدالفتاح إدريس. حكم التداوي بالمحرمات، القاهرة، 1993م.
200 - عبداللطيف عاشور. سكرات الموت، مكتبة القرآن، 1986م.
201 - عبداللطيف عاشور. حياتنا بعد الموت، مكتبة القرآن، 1988م.
202 - عياض (القاضي). الشفا بتعريف حقوق المصطفى، دار الكتب العلمية، بيروت، 1979م.
203 - عبدالله التليدي. مشاهد الموت، دار ابن حزم، بيروت، 1993م.
204 - د. عبدالعزيز إسماعيل. الإسلام والطب الحديث، مجلة الأزهر، المجلد 7، ص691.
205 - د. عدلي خليل. الموسوعة القانونية في المهن الطبية، دار النهضة، القاهرة، 1981م.
206 - د. عبدالفتاح شوقي. تطور آداب المهنة الطبية، المؤتمر الخامس للطب الإسلامي، القاهرة، 1988م.
207 - د. عبدالحميد المنشاوي. الطب الشرعي، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، 1993م.
208 - د. عبدالفتاح مصباح. الاستنساخ بين العلم والدين، القاهرة، 1997م.
209 - عطا الله عبدالفتاح. زرع الأعضاء بين الحاضر والمستقبل، الكويت، بدون تاريخ.
210 - الغزالي (أبو حامد). إحياء علوم الدين، مطبعة مصطفى الحلبي، 1939م.
211 - الفخر الرازي. التفسير الكبير، دار الكتب، الطبعة الثانية، طهران.(171/153)
212 - د. فايز الكندري. مشروعية الاستنساخ الجيني البشري من الوجهة الثانونية، مجلة الحقوق، 1998م، العدد 22 ص783.
213 - فتاوى إسلامية. مجموعة من العلماء في المملكة العربية السعودية، دار القلم، بيروت، 1988م.
214 - الفتاوى الإسلامية. دار الإفتاء المصرية، وزارة الأوقاف، مصر.
215 - القرافي (شهاب الدين). الفروق، دار الفكر العربي، بيروت، 1973م.
216 - القرطبي. الجامع لأحكام القرآن الكريم، دار الكتب المصرية، القاهرة.
217 - القرطبي. التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة، المكتبة الأزهرية، مصر، 1980م.
218 - الشيخ القطان (مناع). التبرع بالكلى في ضوء قواعد الفقه الإسلامي، الرياض، 1416هـ.
219 - الشيخ القرضاوي (يوسف). فتاوى معاصرة، دار الوفاء، المنصورة، 1993م.
220 - الشيخ القرضاوي (يوسف). الحلال والحرام في الإسلام، بيروت، 1973م.
221 - الشيخ القرضاوي (يوسف). فتاوى شرعية، مجلة منار الإسلام، محرم، 1419هـ، ص44.
222 - د. قشقوش هدى. القتل بدافع الرحمة، دار النهضة، القاهرة، 1994م.
223 - قيس مبارك. التداوي والمسئولية الطبية في الإسلام. دمشق، 1991م.
224 - د. قنديل شبير. تشريح جسم الإنسان لأغراض التعليم الطبي. المؤتمر الدولي للمسئولية الطبية، بنغازي، أكتوبر 1978م.
225 - قيس الصقير. المسئولية المهنية الطبية في المملكة العربية السعودية، مطابع الابتكار، الخبر، 1416هـ.
226 - القصبي طلعت. نقل الأعضاء التناسلية في المرأة. الندوة الطبية الخامسة، الكويت، 1989م.
227 - قانون واجبات الطبيب وآدابه، نقابة الأطباء، جمهورية مصر العربية.
228 - القانون الطبي الجزائري رقم 90/17 الصادر في 31/7/1990م.
229 - القانون الكويتي رقم 7 لسنة 1983 المتعلق بعمليات زرع الكلى للمرضى.
230 - القانون الفرنسي رقم 1181 لسنة 1976 المتعلق بنقل وزرع الأعضاء البشرية.
231 - الكاساني. بدائع الصنائع، دار الكتب، بيروت، 1982م.(171/154)
232 - الموسوعة الفقهية. وزارة الأوقاف، الكويت، 1982م.
233 - الشيخ محمد حسنين مخلوف. فتاوى شرعية. القاهرة، 1965م.
234 - د. محمد نعيم ياسين. أبحاث في قضايا طبية معاصرة، دار النفائس، بيروت، 1996م.
235 - د. محمد نعيم ياسين. حكم بيع الأعضاء الآدمية، مجلة الحقوق، 1987م. العدد 1.
236 - د. محتسب بالله بسام. المسئولية الطبية المدنية والجزائية. بيروت، 1984م.
237 - د. محمد الشيرمي. البلاء من منظور إسلامي، مجلة الأزهر، عدد سبتمبر 1998م، ص728.
238 - د. موسى الخطيب. أسرار الموت، مكتبة دار الشعب، الرياض، بدون تاريخ.
239 - موسى شرف صالح. فتاوى النساء العصرية، بيروت، بدون تاريخ.
240 - معوض عبدالتواب. الطب الشرعي، الإسكندرية، 1987م.
241 - د. منذر الفضل. التصرف القانوني في الأعضاء البشرية، بغداد، 1990م.
242 - د. مأمون إبراهيم. البويضات الملقحة الزائدة، ندوة الرؤية الإسلامية، الكويت، 1987م.
243 - د. مأمون إبراهيم. الأجنة المجهضة أو الزائدة عن الحاجة في التجارب العلمية وزراعة الأعضاء، الندوة الطبية الخامسة، الكويت، أكتوبر 1989م.
244 - المركز السعودي لزراعة الأعضاء. التقرير السنوي 1417 – 1418هـ، الرياض، 1997م.
245 - المركز السعودي لزراعة الأعضاء. مجلة التواصل، رسالة شهرية، الرياض.
246 - د. محمد سعيد رمضان البوطي. قضايا فقهية معاصرة، مكتبة الفارابي، دمشق، 1992م.
247 - د. محمد سعيد رمضان البوطي. انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر، مجمع الفقه الإسلامي، 1987م.
248 - د. مختار مقدم. زراعة خلايا المخ، الندوة الطبية الخامسة، الكويت، أكتوبر 1989م.
249 - د. محمد قلعة جي. موسوعة فقه الحسن البصري، دار النفائس، بيروت، 1989م.
250 - الشيخ محمد بن عثيمين. فتاوى، مؤسسة الدعوة الإسلامية، الرياض، 1415هـ.
251 - محمد إبراهيم سليم. فقه ذوي الأعذار والمرضى، مكتبة القرآن، القاهرة، 1987م.(171/155)
252 - د. محمد الدقر. روائع الطب الإسلامي، دار المعاجم، دمشق، 1994م.
253 - د. مؤنس غانم. أسرار الموت بين العلم والدين، المجلة العربية، مارس 1984م.
254 - د. محمود النسيمي. الطب الإسلامي، طرابلس، لبنان، 1988م.
255 - د. مصطفى الذهبي. نقل الأعضاء بين الطب والدين، دار الحديث، القاهرة، 1993م.
256 - د. محمد عبدالجواد محمد. بحوث في الطب الإسلامي، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1991م.
257 - د. محمود علي السرطاوي. زرع الأعضاء في الشريعة الإسلامية، دراسات جامعة عمان، 1984، العدد 3.
258 - د. مديحة الخضري. الطب الشرعي والبحث الجنائي، الكتاب الجامعي، الإسكندرية، 1989م.
259 - د. محمد أحمد نجيب. الطب الإسلامي، القاهرة، 1982م.
260 - محمد عبدالعزيز إسماعيل. الاستنساخ، مطابع الكفاح، الاحساء، 1997م.
261 - د. محمد القاسم. المسئولية المدنية للطبيب، مجلة الحقوق، 1981، العدد 2، ص79.
262 - د. محمود نجيب حسني. الحق في سلامة الجسم، مجلة القانون والاقتصاد، السنة 29، ص565.
263 - د. محمود محمود مصطفى. رضا المجني عليه، مجلة القانون والاقتصاد، السنة 18، ص283.
264 - د. محمد أيمن صافي. غرس الأعضاء في جسم الإنسان، الطبعة الأولى، 1987م.
265 - د. محمد أيمن صافي. زرع الأعضاء في جسم الإنسان، مجمع الفقه الإسلامي، جدة، 1987م.
266 - د. محمد علي البار. أحكام التداوي، دار المنارة، جدة، 1995م.
267 - د. محمد علي البار. التداوي بالمحرمات، دار المنارة، جدة، 1995م.
268 - د. محمد علي البار. أخلاقيات التلقيح الصناعي، الدار السعودية، جدة، 1987م.
269 - د. محمد علي البار. الجنين المشوه والأمراض الخلقية، دار القلم، دمشق، 1986م.
270 - د. محمد علي البار. علم التشريح عند المسلمين، الدار السعودية، جدة، 1989م.
271 - د. محمد علي البار. المسئولية الطبية وأخلاقيات الطبيب، دار المنارة، جدة، 1995م.(171/156)
272 - د. محمد علي البار. هل هناك طب نبوي ؟، الدار السعودية، جدة، 1988م.
273 - د. محمد علي البار. سياسة تحديد النسل في الماضي والحاضر ووسائله. بيروت، 1991م.
274 - د. محمد علي البار. الفشل الكلوي وزرع الأعضاء، دار القلم، دمشق، 1992م.
275 - د. محمد علي البار. زرع الجلد ومعالجة الحروق، دار القلم، دمشق، 1992م.
276 - د. محمد علي البار. طفل الأنبوب، دار العلم، جدة، 1407هـ.
277 - د. محمد علي البار. موت القلب أو موت الدماغ، الدار السعودية، جدة، 1986م.
278 - د. محمد علي البار. ما الفرق بين الموت الإكلينيكي والموت الشرعي ؟، م. س. ز. أ، الرياض، 1418هـ.
279 - د. محمد علي البار. خلق الإنسان بين الطب والقرآن، الدار السعودية، جدة، 1995م.
280 - د. محمد علي البار. القضايا الفقهية والأخلاقية في زرع الأعضاء، دار القلم، دمشق، 1994م.
281 - د. محمد علي البار. مشكلات طبية تبحث عن حلول، دار المنارة، جدة، 1994م.
282 - د. محمد علي البار. الوجيز في علم الأجنة القرآني، الدار السعودية، جدة، 1986م.
283 - د. محمد علي البار. حكم الإنعاش، المؤتمر الرابع للطب الإسلامي، كراتشي، 1986م.
284 - د. محمد علي البار. التجارب على الأجنة المجهضة، الندوة الطبية الخامسة، الكويت، 1989م.
285 - د. محمد علي البار. زرع الأعضاء التناسلية، الندوة الطبية الخامسة، الكويت، 1989م.
286 - د. محمد علي البار. إنتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر، مجمع الفقه الإسلامي، الدورة 4، 1987م.
287 - ندى الدقر. موت الدماغ بين الطب والإسلام، دار الفكر، دمشق، 1997م.
288 - د. نوري ضياء. الطب القضائي، بغداد، 1980م.
289 - النووي. صحيح مسلم بشرح النووي، دار إحياء التراث، بيروت، 1972م.
290 - النووي. روضة الطالبين، المكتب الإسلامي، بيروت، بدون تاريخ.(171/157)
291 - نظام مزاولة مهنة الطب البشري وطب الأسنان، ولائحته التنفيذية، وزارة الصحة العمومية، المرسوم الملكي رقم م/3 بتاريخ 21/2/1409هـ، المملكة العربية السعودية.
292 - د. نجم عبدالواحد. إجهاض الأجنة المريضة وراثياً أو المشوهة خلقياً، مجلة المجتمع، العدد، 935، في 3/10/1989م.
293 - هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية. أبحاث هيئة كبار العلماء، الرياض، 1412هـ.
294 - هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية. حكم تشريح جثة المسلم، مجلة البحوث الإسلامية، المجلد 1، ص1407هـ.
295 - د. هشام الخطيب وآخرون. الطبيب المسلم وأخلاقيات المهنة، دار المناهج، عمان، 1989م.
296 - الشيخ يوسف الدجوي. تشريح الميت، مجلة الأزهر، العدد 7 و8، المجلد 9، ص31.
297 - د. يحيى شريف. مبادئ الطب الشرعي والسموم، جامعة عين شمس، 1969م.
298 - د. وجيه زين العابدين. الطبيب المسلم، مكتبة المنارة، جدة، 1987م.
299 - Adolophe (S). LA ResponsAbilitie medicale En matiERe Des GREFFES D OrganEs, These, Lyon, 1975.
300 - Baudouin (J). L incidence De Labiologie Et De La medicine Sur Le Droit civil. J. T, 1970, p. 217.
301 - Boyer Chammard (G). La ResponSabilite medicale, Paris, 1974.
302 - Charaf el – Dine (a). Droit dela transplantation De organes, These, Paris, 1975.
303 - Charaf el – Dine (a) commentaire Sur La Loi Du 22/12/1976 Relative Aux pre leve ments D organes, R.D.S.S, 1978, P. 217.
304 - Caro (g). La medicine En Question, Paris, 1969.
305 - Demarez (j). manual De medicine Legale. Bruxelles, 1967.
306 - DierKens (r). Les droits Sur le Cadavre De L Homme, Paris, 1966.
307 - Doll (j). La Discpline Des greffes D orgaNes, Paris, 1970.
308 - froge (e). A propos de La mort. Poitiiers, 1979, 1 p. 13.(171/158)
309 - hunry (a). La mort Par pitie, Rev. Bel. DR. Pen, 1952, p. 928.
310 - penneau (j). La Responsabilite medical, Paris, 1977.
311 - Nerson (r). L influence De La biologie Et De La medecine Sur Le Droit civil, rev. t.d.c, 1970, P. 661.
312 - SaVatier (j). Les prelevements D organes Apres deces, i.s.crim, poitiers, 1979, 1, p. 19.
313 - Savatier (r). Les problemes juridiques des transplantation D Organes, l.c.p, 1969, P. 224.
314 - Viriced (B). les Droits Du malade, these, Lyon, 1975.
315 - Xavier (r). les Droits Et les obligations Des medecins, Paris, 1971.
ـــــــــــــــــــــــ
[1] سورة الزمر، الآية 30.
[2] د. بلحاج العربي، الضمانات الشرعية لزرع الأعضاء في الفقه الطبي الإسلامي، الملتقى الدولي لزرع الأعضاء، الجزائر العاصمة، يوما 16 و17 نوفمبر 1985م، أخلاقيات المهنة الطبية في الفقه الطبي الإسلامي، ملتقى القانون والطب، جامعة سيدي بلعباس (الجزائر)، يوما 16 و17 أبريل 1992م، حكم الشريعة الإسلامية في أعمال الطب والجراحة المستحدثة، مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، الرياض، العدد 18، 1993م، ص53 وما بعدها، وفي نفس الاتجاه انظر: تلخيص هذا المقال في كتاب المركز السعودي لزراعة الأعضاء، الرياض، 1416هـ، ص44 وما بعدها.
[3] لم يظهر القانون الفرنسي الذي نظم أحكام المساس بالجثة إلا في سنة 1976م، بمقتضى القانون رقم 1181 لسنة 1976م المتعلق بنقل الأعضاء البشرية وزرعها.(171/159)
[4] وفي رواية أخرى: "إن كسر عظم المؤمن ميتاً مثل كسره حياً"، أخرجه مسلم (النووي في المجموع، ج5، 300)؛ وأخرجه أبو داود عن سعد بن سعيد الأنصاري (ج2، ص69)، ومالك في الموطأ (ص90)؛ وأحمد في مسنده (ج6، ص105)؛ وابن حبان في صحيحه (رقم 766)؛ والدارقطني (رقم 367)؛ والطحاوي في المشكل (ج2، ص108)؛ والسيوطي في الجامع الصغير وشرحه (ج4، ص550)؛ وصححه الألباني في إرواء الغليل (ج3، ص213)؛ وأحكام الجنائز، ص233.
[5] سنن ابن ماجة، باب النهي عن كسر عظام الميت، ج1، رقم 1617. وقال الألباني إسناده ضعيف، كما أن الزيادة ليست من الحديث بل هي تفسير بعض الرواة. انظر: أحكام الجنائز للشيخ الألباني، ص233.
[6] سورة الملك، من الآية 2.
[7] محمد علي الصابوني، صفوة التفاسير، ج3، ص392.
[8] الإمام الغزالي، سكرات الموت وشدته، ص40، تهذيب الشيخ زهير الكبي.
[9] د. موسى الخطيب، أسرار الموت، ص10: د. عبدالحي الفرماوي، الموت في الفكر الإسلامي، ص15؛ إبراهيم محمد الجمل. الحياة بعد الموت، ص12؛ الشيخ ربيع السعودي، هادم اللذات، ص6.
[10] سورة الجاثية، الآية 26.
[11] سورة الواقعة، الآية 60.
[12] مختصر تفسير ابن كثير، ج3، ص436.
[13] الجرجاني، التعريفات، ص94.
[14] أبو الحسن زكريا، معجم مقاييس اللغة، ج2، ص122.
[15] الرازي، مختار الصحاح، ص69 و266.
[16] الفخر الرازي، التفسير الكبير، ج2، ص89؛ الخرشي على مختصر خليل، ج2، ص113؛ حاشية ابن عابدين، ج2، ص189.
[17] البزدوي، كشف الأسرار، ج3، ص313؛ سيد قطب، في ظلال القرآن، ج1، ص1149؛ د. محمد قلعهجي، موسوعة الحسن البصري، ج2، ص860.
[18] دار الإفتاء المصرية، جلسة رقم 8، للدورة 33، بتاريخ 23 أبريل 1997م.(171/160)
[19] لم يذكر الفقهاء في تعريف الموت تعريفاً دقيقاً، وإنما عرفوا الموت بأنه ضد الحياة والحياة ضد الموت، والحد الفارق بينهما وجود الروح أو عدمه. وقد رفض بعض العلماء التعرض لأمور الروح لأن الروح من علم الله تعالى. انظر: تفسير الجلالين، ص244؛ القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج9، ط3، 1967م؛ سيد قطب، في ظلال القرآن، ج1، ص1149.
[20] سورة الأنبياء، من الآية 35؛ والعنكبوت، من الآية 57؛ وآل عمران، من الآية 185.
[21] سورة آل عمران من الآية 185.
[22] سورة الفرقان، الآية 49.
[23] سورة الروم، الآية 50.
[24] سورة مريم، من الآية 66.
[25] سورة مريم، من الآية 23.
[26] سورة النمل، الآية 80؛ سورة الروم، من الآية 52.
[27] سورة الزمر، من الآية 42.
[28] سورة الأنعام، من الآية 60.
[29] أخرجه البخاري في صحيحه عن جابر رضي الله عنه.
[30] متفق عليه عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه. قال العلماء بأن القرآن الكريم وهو يشبه النوم بالموت بين بأن الأمر هو أمر تشبيه ولا تماثل، ففي أثناء اليقظة تكون علاقة الجسد بالروح كاملة، وأما في أثناء النوم فتضعف هذه العلاقة، فالنائم ليس ميتاً حقيقة فهو حي ولكنها الوفاة الصغرى. د. أحمد شوقي إبراهيم، بحث مقدم لندوة الحياة الإنسانية بدايتها ونهايتها في المفهوم الإسلامي، ص373، و374؛ ندى محمد الدقر. موت الدماغ بين الطب والإسلام، ص97.
[31] سورة الأنعام، من الآية 122.
[32] سورة الروم، الآية 19.
[33] محمد عتريس، معجم التعبيرات القرآنية، ص463.
[34] سورة العنكبوت، الآية 57.
[35] سورة آل عمران، الآية 143.
[36] سورة المائدة، من الآية 106.
[37] سورة إبراهيم، من الآية 17.
[38] أخرجه الحارث بن أبي أسامة عن أنس وعراك بن مالك، ورواه ابن أبي الدنيا مرسلاً.
[39] سورة الرعد، من الآية 38.
[40] سورة المنافقون، من الآية 11.
[41] سورة النحل، من الآية 61.
[42] سورة الأعراف، من الآية 34.(171/161)
[43] سورة سبأ، الآية 30.
[44] سورة آل عمران، من الآية 145.
[45] سورة الأحزاب، من الآية 16.
[46] سورة النساء، من الآية 78.
[47] سورة آل عمران، الآية 168.
[48] سورة الجمعة، الآية 8.
[49] سورة القصص، من الآية 88.
[50] سورة الرحمن، الآية 26.
[51] سورة لقمان، من الآية 34.
[52] سورة الزمر، من الآية 42.
[53] سورة الزمر، من الآية 42.
[54] سيد قطب، في ظلال القرآن، ج7، ص145 و146.
[55] رواه الترمذي وقال حسن. وابن ماجة والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[56] الإمام الغزالي، سكرات الموت وشدته، ص12، تهذيب الشيخ زهير الكبي.
[57] رواه ابن ماجة مختصراً عن عمر رضي الله عنه، وابن أبي الدنيا بكماله بإسناد جيد.
[58] أخرجه أحمد في مسنده (ج4، ص124) والترمذي وابن ماجة ورواه أبو يعلى عن شداد بن أوس.
[59] أخرجه الديلمي عن أنس.
[60] أخرجه الطبراني والحاكم عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما مرسلاً بسند حسن. وذلك لأن الدنيا سجن المؤمن، إذ لا يزال فيها في عناء من مقاساة نفسه ورياضة شهواته، ومدافعة شيطانه، فالموت إطلاق له من هذا العذاب، والإطلاق تحفة في حقه. انظر: الحافظ بن رجب. أهوال القبور، ص9 وما بعدها؛ الإمام الغزالي، سكرات الموت وشدته، ص13 و14.
[61] أخرجه البيهقي في الشعب، وابن العربي في سراج المريدين وقال حسن صحيح، أي بمعنى أن الموت يطهره منها ويكفرها بعد اجتنابه الكبائر وإقامته الفرائض.
[62] متفق عليه عن أنس رضي الله عنه، انظر: صحيح البخاري، ج8، ص10 و11.
[63] أخرجه البيهقي في الشعب، عن أم حبيبة للجهنية.
[64] سورة القصص، من الآية 77.
[65] رواه البخاري في صحيحه، رقم 2092؛ ج11، ص99.
[66] أخرجه أحمد (ج1، ص391)، والترمذي (رقم 2378)، وابن ماجة (رقم 4109) وهو صحيح.
[67] أخرجه أحمد (ج5، ص126)، والترمذي (رقم 2459) وإسناده حسن.(171/162)
[68] قال أبو حامد الغزالي رحمه الله: ((الحمد لله الذي قصم بالموت رقاب الجبابرة، وكسر به ظهور الأكاسرة، وقصر به آمال القياصرة، فنقلوا من القصور إلى القبور، ومن ضياء العهود إلى ظلمة اللحود، ومن ملاعبة الغلمان إلى مقاساة الديدان، ومن التنعم بالطعام والشراب إلى التمرغ في التراب، ومن أنس العشرة إلى وحشة الوحدة...)) انظر: إحياء علوم الدين، ج15، كتاب ذكر الموت، ص102.
[69] ذكره د. موسى الخطيب، أسرار الموت، ص25.
[70] الإمام السيوطي، بشرى الكئيب بلقاء الحبيب، ص87؛ الإمام الغزالي، سكرات الموت، ص15.
[71] ذكره الشيخ ربيع السعودي، هادم اللذات، ص11.
[72] سورة البقرة، الآية 281.
[73] سورة النحل، من الآية 111.
[74] الإمام السيوطي، بشرى الكئيب بلقاء الحبيب، ص87؛ د. السيد الجميلي، مواقف يوم القيامة، ص17؛ د. محمد قلعة جي. موسوعة الحسن البصري، ج2، ص860.
[75] الإمام الغزالي، أحوال الميت، ص14؛ الشيخ الزبيدي، إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين، ج1، ص376؛ الحافظ رجب، أهوال القبور، ص21؛ ابن قيم الجوزية، الروح، ص8؛ د/ عبدالحي الفرماوي، الموت في الفكر الإسلامي، ص15.
[76] ذكره د. موسى الخطيب/ أسرار الموت، ص9.
[77] إن العباد لا يعرفون حقيقة الحياة وحقيقة الموت، سيد قطب، في ظلال القرآن، ج3، ص1300.
[78] الشيخ الزبيدي، إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين، ج1، ص376.
[79] ابن قيم الجوزية، الروح، ص8؛ الإمام الغزالي، أحوال الميت، ص14.
[80] سورة طه، الآية 55.
[81] سورة الأعراف، من الآية 25.
[82] الإمام السيوطي، شرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور، ص306؛ ابن قيم الجوزية. الروح، ص70؛ عبدالله التليدي. مشاهد الموت، ص55؛ الشيخ الألباني. أحكام الجنائز، ص66 وما بعدها؛ د. علي عبدالحميد. الموت عظاته وأحكامه، ص15.
[83] رواه البخاري والنسائي وأحمد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. انظر: فتح الباري، ج3، ص182.(171/163)
[84] عبداللطيف عاشور، حياتنا بعد الموت، ص15؛ الحافظ بن رجب. أهوال القبور، ص9؛ د. موسى الخطيب. أسرار الموت، ص15؛ الشيخ الزبيدي. إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين، ج1، ص376 وما بعدها.
[85] جزء من حديث أخرجه البخاري ومسلم.
[86] أخرجه أبو داود والحاكم والبيهقي والنووي وعبدالله بن أحمد في زوائد الزهد، وهو صحيح الإسناد.
[87] أخرجه أبو داود والحاكم وأحمد والنسائي وابن ماجة وصححه ابن القيم في أعلام الموقعين، ج1، ص214؛ انظر: الحديث بأكمله في أحكام الجنائز للألباني، ص156.
[88] سورة آل عمران، الآية 169.
[89] سورة البقرة، الآية 154.
[90] أخرجه البخاري. كتاب الجنائز، رقم 1290؛ ومسلم. كتاب الجنة وصفة نعيمها، رقم 5110؛ والترمذي. كتاب الجنائز، رقم 992.
[91] أما كيف يحدث ذلك فهذا من الأمور الغيبية التي اختص بها الله عز وجل نفسه.
[92] أخرجه مسلم في صحيحه.
[93] سورة الأنعام، من الآية 2.
[94] سورة لقمان، الآية 34، وروى الترمذي وغيره، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في تفسيره للآية الكريمة "وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ" أنه: (إذا قضى الله لعبد أن يموت بأرض جعل له إليها حاجة) أخرجه الترمذي، انظر: تيسير الوصول، ج4، ص51.
[95] رواه البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما في كتاب الاستسقاء.
[96] سورة الكهف، من الآية 26.
[97] سورة آل عمران، من الآية 145.
[98] سورة فاطر، من الآية 45.
[99] ابن حجر العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج11، ص362؛ د. عبدالحي الفرماوي. الموت في الفكر الإسلامي، ص42.
[100] سورة ق، الآية 19.
[101] سورة الأنعام، من الآية 93.
[102] سورة الأحزاب، من الآية 19.
[103] القرطبي. الجامع لأحكام القرآن، ج14، ص153.
[104] سورة محمد، من الآية 20.
[105] القرطبي. الجامع لأحكام القرآن، ج16، ص243؛ سيد قطب. في ظلال القرآن، ج6، ص336.(171/164)
[106] محمد علي الصابوني، صفوة التفاسير، ج3، ص227.
[107] الإمام الغزالي، سكرات الموت وشدته، ص46؛ د. السيد الجميلي، سكرات الموت، ص18؛ عبداللطيف عاشور، سكرات الموت، ص25؛ عبدالله التليدي، مشاهد الموت، ص55.
[108] سورة الواقعة، الآية 83 – 84.
[109] سورة القيامة، الآية 26.
[110] سورة النساء، من الآية 18.
[111] أخرجه الترمذي وابن ماجة عن ابن عمر رضي الله عنهما، وهو حديث حسن.
[112] سورة الأنعام، من الآية 61.
[113] الزمخشري. الكشاف، ج3، ص242.
[114] الإمام الغزالي. إحياء علوم الدين، ج4، ص574.
[115] د. مؤنس محمود غانم. أسرار الموت بين العلم والدين، المجلة العربية، عدد مارس 1984م؛ الشيخ طنطاوي جوهري. الجواهر في تفسير القرآن، ج3، ص231.
[116] د. فضل شاهين و د. محمد سوقية. تعريف الموت من الناحية الطبية، ص5 وما بعدها.
[117] ندى الدقر. موت الدماغ بين الطب والإسلام، ص136.
[118] سورة البقرة، من الآية 180.
[119] سورة البقرة، من الآية 133. أي حلت بيعقوب سكرات الموت، إذ لم كان المراد منه الموت الحقيقي (الذي يحدث بخروج الروح من الجسد) لما استطاع يعقوب عليه السلام أن يتكلم مع أبنائه.
[120] ندى الدقر المرجع السابق، ص136. فلا يعد المحتضر ميتاً من الناحية الشرعية، ولا تسري عليه أحكام الموت إلا بعد مفارقة الروح مفارقة تامة للجسد. انظر: د. محمد سعيد رمضان البوطي. قضايا فقهية معاصرة، ص127 وما بعدها.
[121] د. عبدالحي الفرماوي. الموت في الفكر الإسلامي، ص44.
[122] ذكره الإمام الغزالي. إحياء علوم الدين، ج4، ص574.
[123] رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة والنسائي وأحمد في مسنده، ج3، ص3.
[124] أخرجه الإمام أحمد، انظر: الفتح الرباني، ج7، ص57.
[125] رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها، وأحمد في مسنده (ج6، ص64)، والترمذي (رقم 979).
[126] رواه البخاري وابن ماجة وأحمد والترمذي (كتاب الجنائز، رقم 901).(171/165)
[127] أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، ج6، ص32؛ وأخرجه ابن أبي الدنيا مرسلاً.
[128] أخرجه ابن أبي الدنيا في الموت، انظر: عذاب القبر ونعيمه للقرطبي، ج1، ص29.
[129] سورة الواقعة، الآية 85.
[130] سورة الأنعام، من الآية 61.
[131] ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج2، ص138.
[132] سورة النحل، من الآية 32.
[133] سورة محمد، الآية 27.
[134] سورة الأنعام، من الآية 93.
[135] سورة السجدة، من الآية 11.
[136] ذكره ابن كثير في تفسيره، ج2، ص138.
[137] رواه مسلم في صحيحه.
[138] رواه مسلم عن أم مسلمة.
[139] أخرجه الشيخان عن عبادة بن الصامت، وابن أبي الدنيا في الموت عن علي موقوفاً.
[140] متفق عليه من حديث عبادة بن الصامت، انظر: تيسير الوصول، ج3، ص402؛ ورواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها، انظر: صحيح مسلم، ج8، ص65 و66.
[141] سورة العنكبوت، الآية 5.
[142] سورة الكهف، من الآية 110.
[143] سعد الدين التفتازاني. التنقيح والتوضيح، ج3، ص185؛ ابن قيم الجوزية. الروح، ص85؛ السيوطي. شرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور ص356؛ حاشية الأنصاري على البهجة، ج2، ص78؛ ابن قدامة. المغني، ج2، ص337.
[144] الفخر الرازي. التفسير الكبير، ج2، ص86؛ رشيد رضا. تفسير المنار، ج1، ص545؛ تفسير الجلالين، ص114.
[145] سورة يس، الآية 29.
[146] سيد قطب. في ظلال القرآن، ج5، ص2964.
[147] سورة الحاقة، من الآية 7.
[148] سورة القمر، الآية 19، 20.
[149] الشيخ محمد راجح. مختصر تفسير ابن كثير، ج2، ص567.
[150] سورة مريم، الآية 98.
[151] ندى الدقر. موت الدماغ بين الطب والإسلام، ص99.
[152] الشيخ المناوي. فيض القدير شرح الجامع الصغير، ص8309.
[153] أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، كتاب الجنائز، رقم 1528؛ وابن ماجة، كتاب الجنائز، رقم 1444؛ وأحمد باقي مسند الأنصار رقم 5332.
[154] النووي. صحيح مسلم بشرح النووي، ج6، ص222.(171/166)
[155] د. محمد علي البار. موت القلب أو موت الدماغ، ص102؛ د. فيصل شاهين، د. محمد سوقية. تعريف الموت من الناحية الطبية، ص13؛ د. عبدالرزاق الكيلاني. الحقائق الطبية في الإسلام، ص44؛ ندى الدقر. موت الدماغ بين الطب والإسلام، ص167.
[156] سورة إبراهيم، الآية 42.
[157] ابن الهمام. فتح القدير، ج2، ص68؛ حاشية رد المحتار لابن عابدين، ج2، ص189؛ الدرديري على الشرح الصغير، ج2، ص69؛ حاشية العدوي على شرح الخرشي، ج1، ص344؛ الخطيب الشربيني. مغني المحتاج، ج1، ص332؛ منصور البهوتي. كشاف القناع، ج2، ص84 و85.
[158] ابن نجيم. البحر الرائق شرح كنز الدقائق، ج2، ص183 و184.
[159] الخرشي. شرح الخرشي على مختصر خليل، ج2، ص122.
[160] النووي. روضة الطالبين، ج2، ص98 وج5، ص53.
[161] ابن قدامة. المغني، ج22، ص337.
[162] الغزالي. إحياء علوم الدين، ج4، ص449 وما بعدها.
[163] د. عبدالله الحديثي. الوفاة وعلاماتها بين الفقهاء والأطباء، ص24.
[164] د. وهبة الزحيلي. الفقه الإسلامي وأدلته، ج4، ص133؛ السيوطي. شرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور، ص54؛ ندى الدقر. موت الدماغ، ص92 و93.
[165] رواه البخاري ومسلم.
[166] سيد قطب. في ظلال القرآن، ج1، ص1149.
[167] د. محمد سعيد رمضان البوطي. قضايا فقهية معاصرة، ص127 وما بعدها.
[168] الشيخ جاد الحق. الفقه الإسلامي ومرونته. ص249.
[169] الفتاوى الإسلامية، المجلد العاشر، ص3714.
[170] لجنة الفتوى بالأزهر. فتوى مؤرخة في 8/8/1985م.
[171] يموت يومياً حوالي 50 مليون نسمة في العالم. انظر: موسوعة ((غوليير الأمريكية))، 1996م، العدد 8.
[172] ابن قدامة. المغني، ج2، ص337، مع العلم بأن الإمام النير المجتهد ابن قدامة رحمه الله توفي سنة 620هـ (الموافق 1223م).
[173] د. محمد قلعه جي. موسوعة لحسن البصري، ج1، ص852.
[174] النووي. المجموع، ج5، ص110.
[175] ابن رشد. بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ج1، ص164.(171/167)
[176] جريدة الأخبار (القاهرية)، الصادرة يوم 19/8/1985م.
[177] د. موسى الخطيب. أسرار الموت، ص162.
[178] د. موسى الخطيب. المرجع نفسه، ص160.
[179] د. عبد الحي الفرماوي. الموت في الفكر الإسلامي، ص58.
[180] جريدة أخبار اليوم (القاهرية)، يوم 9/4/1988م.
[181] د. أحمد شرف الدين. الأحكام الشرعية للأعمال الطبية، ص158 و159.
[182] ندى الدقر. موت الدماغ بين الطب والإسلام، ص182.
[183] د. محمد علي البار. هل هناك طب نبوي، ص354؛ د. عبدالله باسلامة. رؤية إسلامية لقضايا طبية، ص247؛ د. محمد سليمان. أصول الطب الشرعي، ص81 وما بعدها؛ د. محمد أيمن صافي. غرس الأعضاء في جسم الإنسان، ص15.
[184] فإن الدماغ إذا تلف كله لا يمكن استبداله، وهذا التلف الكامل والنهائي للدماغ الذي لا رجعة فيه هو ما يسمى طبياً ((بالوفاة الدماغية)). د. فيصل شاهين و د. محمد سوقية. تعريف الموت من الناحية الطبية، ص11؛ د. محمد الحاج. الوفاة الدماغية، بحث لمؤتمر الطب والقانون، جامعة دبي، مايو 1998م.
[185] وهي تتمثل في عدم حركة بؤبؤ العين للضوء الشديد، وعدم الرمش رغم وضع قطعة من القطن على قرنية العين، وعدم تحرك مقلة العين رغم إدخال ماء بارد في الأذن، وعدم التكمم أو الحكة عند لمس الحنك وباطن الحلق بمعلقة. انظر: ندى الدقر. موت الدماغ بين الطب والإسلام، ص65 وما بعدها.
[186] وبإعادة فحص وظائف الدماغ من فريق طبي آخر بعد مرور ساعات (6 ساعات في المدرسة البريطانية، و24 ساعة في مدرسة هارفارد الأمريكية). د. فيصل شاهين و د. محمد سوقية. تعريف الموت من الناحية الطبية، ص15، 17.
[187] د. محمد علي البار. الفشل الكلوي وزرع الأعضاء، ص149 وما بعدها؛ هل هناك طب نبوي، ص350؛ الطبيب أدبه وفقهه (بالاشتراك مع د. زهير السباعي)، ص189.
[188] د. يحيى شريف و د. محمد البهنساوي، مبادئ الطب الشرعي والسموم، ص1 – 12.(171/168)
[189] منذ القديم والموت يتحدد قانوناً وعرفاً وطباً بواسطة توقف التنفس والنبض، أي القلب والدورة الدموية.
[190] د. محمد عبد الجواد محمد. بحوث في الطب الإسلامي، ص147.
[191] وهو ما يعرف بمعيار ((هارفرد)) (HARVARD) الذي قال مخ ميت هو شخص ميت لا محالة.
[192] د. محمد أيمن صافي. غرس الأعضاء في جسم الإنسان، ص15.
[193] مجدي فهمي. خلافات حول زراعة الأعضاء، جريدة الأخبار المصرية، يوم 30/7/1985م.
[194] د. محمد علي البار. موت القلب أو موت الدماغ، ص102؛ ولنفس المؤلف، هل هناك طب نبوي، ص353.
[195] من المعروف طبياً أن ((الهيبوثلاموس)) هو الجزء من المخ الذي يتحكم في وظائف الجسم المختلفة وتناسقها، فإذا مات هذا الجزء توقف المخ عن عمله، والله أعلم. وبما أن جذع المخ (الدماغ) هو المتحكم في جهازي التنفس والقلب، فإن توقفه يؤدي لا محالة إلى توقف القلب والتنفس ولو بعد حين.
[196] د. محمد عمارة. مبادئ الطب الشرعي، ص3.
[197] د. محمد سليمان. أصول الطب الشرعي، ص88 – 104؛ د. سيدني سميث و د. عبدالحميد عامر. الطب الشرعي، ص37 وما بعدها؛ د. يحيى شريف وزميله. مبادئ الطب الشرعي والسموم، ص1 – 12.
[198] وكل نوع من هذه الأنواع يمثل مرحلة من مراحل الموت من الناحية الطبية.
[199] ولكل تظل خلايا الجسم حية لفترات قصيرة جداً، ولمدة تختلف من عضو لآخر؛ فالقلب والكلى والكبد والقرنية تظل حية لفترات قصيرة جداً، ويمكن استعمالها في عمليات زرع الأعضاء بنجاح تام لأن خلاياها ما تزال حية. د. محمد أيمن صافي. غرس الأعضاء في جسم الإنسان، ص22، وما بعدها.
[200] وفي هذه اللحظة بالذات تكون أمام جثة هذا المتوفى لها حرمتها وكرامتها الشرعية.(171/169)
[201] د. فيصل شاهين، د. محمد سوقية. تعريف الموت من الناحية الطبية، ص11؛ د. محمد علي البار. موت القلب أو موت الدماغ، ص90 وما بعدها؛ د. بكر أبو زيد. فقه النوازل، ص220 وما بعدها؛ د. أحمد شرف الدين. الأحكام الشرعية للأعمال الطبية، ص159.
[202] ندى الدقر. موت الدماغ بين الطب والإسلام، ص189؛ د. يوسف الدقر. مفهوم الوفاة في الدين الإسلامي والطب الحديث، المجلة السعودية لزرع الأعضاء، 1996م ص121 وما بعدها؛ د. محمد علي البار. المجلة الطبية السعودية باللغة الإنجليزية 1991م، العدد 12، ص28 وما بعدها.
[203] د. أحمد الشواربي. بحث مقدم للمؤتمر الطبي للتخدير والعناية المركزة، دمشق، 1993م؛ د. مأمون شقفة. بحث مقدم لمؤتمر الطب والقانون، جامعة دبي، مايو 1998.
[204] جريدة الخليج، يوم 16/11/1997م. وفيها قال الدكتور جون سنيدن (رئيس فريق طبي بريطاني) أنه ((سيكون باستطاعتنا استنبات الخلايا في المختبر ووضعها في الثلاجة وتزويد جراحي الدماغ بها حينما يحتاجون إليها)). انظر: عمر لطفي العالم. بعد عمليات زرع الدماغ ما موقف الفقه والقانون، مجلة منار الإسلام، عدد نوفمبر 1998م، ص66.
[205] د. محمد الحاج. بحث مقدم لمؤتمر الطب والقانون، جامعة دبي، مايو 1998م.
[206] كما أنه يمكن استبدال القلب الميت بزراعة قلب آلي دائم (مصنوع من مادة التيتانيوم وبحجم أصبع اليد)؛ انظر: رسالة جامعة الملك سعود، العدد 651، يوم 27/1/1419هـ.
[207] د. بلحاج العربي، حكم الشريعة الإسلامية في أعمال الطب والجراحة المستحدثة، ص83 و84.
[208] د. أحمد شوقي أبو خطوة. الإنعاش الصناعي بين الحظر والإباحة، بحث مقدم للمؤتمر الأول للجمعية المصرية للقانون الجنائي، القاهرة، مارس 1987، ولنفس المؤلف: القانون الجنائي والطب الحديث، ص189 وما بعدها.
[209] دار الإفتاء المصرية، فتوى بتاريخ 5/12/1979م، مذكورة سابقاً.(171/170)
[210] فتوى رقم 15964 بتاريخ 13/4/1414هـ، وفتوى رقم 12762 بتاريخ 9/4/1410هـ.
[211] مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثالثة المنعقدة بعمان من 11 – 16 أكتوبر 1986م، انظر: مجلة البحوث الإسلامية، 1991م، العدد 33، ص321.
[212] تقرير ندوة المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية المنعقدة بالكويت بتاريخ 5/1/1985م، ص687، وكذا ندوة ديسمبر 1996م، مطبوعات المنظمة، ص27 وما بعدها.
[213] فتوى مفتي جمهورية مصر في المؤتمر الطبي 16، كلية طب عين شمس، 1994م.
[214] الشيخ جاد الحق. الفقه الإسلامي ومرونته، ص249؛ د. أحمد شرف الدين. الأحكام الشرعية للأعمال الطبية، ص160؛ د. محمد علي البار. هل هناك طب نبوي، ص350.
[215] د. حسام الأهواني. المشاكل القانونية التي تثيرها عمليات زرع الأعضاء البشرية. مجلة العلوم القانونية والاقتصادية، 1975م، ص182؛ ولنفس المؤلف: تعليق على القانون الفرنسي رقم 1181 لسنة 1976م بشأن نقل وزرع الأعضاء البشرية، مجلة الحقوق (الكويت)، 1978م، العدد 2، ص368.
[216] ففي هذه الحالات قد يموت الدماغ، فتقوم أجهزة الإنعاش الصناعي بإنعاش القلب والتنفس وجعلهما يستمران في وظيفتيهما إصطناعياً. مما يعطي لجذع المخ فرصة ليشفى من الصدمة للعودة إلى العمل مرة أخرى، مما ينعش المريض، وقد تخلصه من الإغماءات وموت الدماغ طبقاً للحالة المرضية ولقدرته عز وجل.
[217] وحدات العناية المركزة لا توجد عادة إلا في المستشفيات الكبيرة، في وحدات مكلفة مادياً، ومجهزة تجهيزاً خاصاً، وتحتاج إلى نوع معين من الممرضين المختصين، وهي لا تتسع في الغالب لأكثر من بضعة أسرة.
[218] د. محمد علي البار، هل هناك طب نبوي، ص353.
[219] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية. فتوى رقم 12086 بتاريخ 30/6/1409هـ.
[220] د. فيصل شاهين و د. محمد سوقيه. تعريف الموت من الناحية الطبية، ص17.(171/171)
[221] د. فيصل شاهين. و د. محمد سوقيه. المرجع، نفسه ص12 وما بعدها؛ ندى الدقر. موت الدماغ بين الطب والإسلام، ص63 وما بعدها؛ د. محمد علي البار. هل هناك طب نبوي، ص353.
[222] د. سنليك. السكتة الدماغية، ص66 وما بعدها.
[223] وهو ما ذهب إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه منذ عدة قرون، وقبل أن يقول به أطباء الطب الحديث، من أن الموت شرعاً هو مفارقة الروح البدن وأماراته توقف عمل الدماغ. انظر: د. محمد قلعة جي. موسوعة عمر بن الخطاب، ص681.
[224] الشيخ جاد الحق. الفقه الإسلامي ومرونته، ص249؛ الشيخ يوسف القرضاوي. فتاوى معاصرة، ج2، ص529؛ د. عثمان سرور. الرعاية الطبية المركزة، جريدة الأهرام، 29/3/1976م، ص7.
[225] د. أحمد الشرباصي. يسألونك، ج1، ص604؛ الشيخ مصطفى الزرقاء. زرع الأعضاء، المسلمون، المجلد 9، العدد 23، ص182؛ د. عبدالرحمن الصابوني. زرع الأعضاء، مجلة العلوم القانونية والاقتصادية، المجلد 17، ص219؛ الشيخ يوسف القرضاوي. زرع الأعضاء، مجلة منار الإسلام، عدد محرم 1419هـ، ص44 وما بعدها.
[226] د. محمد علي البار. هل هناك طب نبوي ؟، ص354.
[227] د. فيصل شاهين و د. محمد سويقة. تعريف الموت من الناحية الطبية، ص15.
[228] الشيخ جاد الحق. الفقه الإسلامي ومرونته، ص249؛ الشيخ حسنين مخلوف. فتاوى شرعية، ج1، ص368؛ الشيخ الطنطاوي. جريدة المدينة، العدد 84، بتاريخ 27/1/1405هـ؛ الشيخ عبدالرحمن السعدون، مجلة البحوث الإسلامية، الرياض، العدد 4، ص1503؛ هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، فتوى رقم 99 بتاريخ 6/11/1406هـ؛ وفتوى رقم 62 بتاريخ 25/10/1398هـ دار الإفتاء المصرية. فتوى رقم 1069، الفتاوى الإسلامية، ص2505؛ وفتوى رقم 1323، ص3702.
[229] وذلك بغرض القيام بالإستقطاع المستوفي لشروطه الشرعية وبهدف علاجي من إنسان تعدت حالته موت الدماغ.(171/172)
[230] الشيخ يوسف القرضاوي. فتاوى معاصرة، ج2، ص528؛ ندى الدقر. موت الدماغ بين الطب والإسلام، ص211 وما بعدها.
[231] قرار رقم 5 د مؤرخ في 3/7/1986م، مجلة البحوث الإسلامية، 1991م، العدد 33، ص321.
[232] أعمال ندوة الحياة الإنسانية بدايتها ونهايتها، ص677 وما بعدها. والمذبوح شرعاً هو المحتضر في حالة اليأس الذي لم يبق له نطق ولا إبصار، وقد اتفق الجمهور على أنه لا قصاص على من أجهز على ذي حياة غير مستقرة ( وهو المذبوح ) بسب جناية، وهو في ذلك كمن اعتدى على ميت، فما عليه إلا التعزير، لأنه انتهك حرمة ميت. انظر: الخرشي على مختصر خليل، ج8، ص7 و8؛ النووي. المنهاج شرح مغني المحتاج، ج4، ص13؛ ابن عابدين. رد المحتار، ج5، ص350.
[233] د. أحمد شرف الدين. الأحكام الشرعية للأعمال الطبية، ص168.
[234] د. محمد علي البار. موت القلب أو موت الدماغ، ص102 و133؛ وللمؤلف نفسه: ما الفرق بين الموت الإكلينيكي والموت الشرعي ص38.
[235] د. محمد أيمن صافي. غرس الأعضاء في جسم الإنسان، ص12 و13.
[236] د. أحمد أبو خطوة. القانون الجنائي والطب الحديث، ص174.
[237] د. بكر أبو زيد. فقه النوازل، ص220.
[238] د. فيصل شاهين و د. محمد سوقية. تعريف الموت من الناحية الطبية، ص17.
[239] د. عبدالله باسلامة. رؤية إسلامية لقضايا طبية، ص254.
[240] لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، فتوى مؤرخة في 8/8/1985م. والتي جاء فيها: ((فإن لم يوص لا يجوز التشريح ونقل الأعضاء إلا بموافقة أهله، وعلى أن يكون ذلك بعد تحقق وفاة الميت بتوقف مخه ( أي دماغه ) عن أداء وظيفته، لا بتوقف قلبه، لأن القلب قد يتوقف والمخ ما زال قائماً بوظيفته فلا تتحقق الوفاة !!
[241] الشيخ محمد المختار السلامي. بحث للمجمع الفقهي الإسلامي في دورته العاشرة المنعقدة بجدة عام 1986م.
[242] ندى الدقر. موت الدماغ بين الطب والإسلام، ص158.(171/173)
[243] د. يوسف الدقر. مفهوم الوفاة في الدين الإسلامي والطب الحديث، المجلة السعودية لزرع الأعضاء، 1996م، ص121 وما بعدها.
[244] في دوراته 8 و9 و10 المنعقدة بمكة المكرمة، عام 1408هـ.
[245] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. فتوى رقم 6619 الصادر بتاريخ 15/2/1404هـ.
[246] د. محمد سعيد رمضان البوطي. قضايا فقهية معاصرة، ص127.
[247] د. توفيق الواعي. حقيقة الموت والحياة في القرآن الكريم، الأحكام الشرعية، أعمال ندوة الحياة الإنسانية بدايتها ونهايتها، الكويت، 1985م، ص461 وما بعدها.
[248] د. عقيل العقيلي. حكم نقل الأعضاء في الفقه الإسلامي، ص154.
[249] د. عبدالله الحديثي. الوفاة وعلاماتها بين الفقهاء والأطباء، ص40.
[250] د. محمد سعيد رمضان البوطي. المرجع السابق، ص127 وما بعدها.
[251] ندى الدقر. موت الدماغ بين الطب والإسلام، ص158؛ د. محمد علي البار. ما الفرق بين الموت الإكلينيكي والموت الشرعي ؟، ص36.
[252] وذلك لأنه من المعروف طبياً أنه لا يمكن استبدال الدماغ أو تعويضه أو تشغيله مرة أخرى.
[253] لقد تم إثبات مئات الحالات في الدراسات الطبية بأنه عندما يموت الدماغ، فلا تبقى الأعضاء الأخرى فترة طويلة بل تفسد واحدة تلو الأخرى، ثم يتوقف القلب رغم وجود المريض على جهاز التنفس الصناعي. د. فيصل شاهين و د. محمد سوقية، المرجع السابق، ص15.
[254] د. محمد علي البار. هل هناك طب نبوي، ص354.
[255] فيقوم الأطباء بفحص حركة التنفس بإيقاف جهاز التنفس الصناعي لمدة عشر دقائق، مع مراقبة مركزة لأي حركة تنفس تصدر عن المريض، فإذا تيقنوا وتأكدوا أنه لا يوجد أي تنفس كان هذا حكماً نهائياً بأن المريض في عداد الموتى. انظر: د. فيصل شاهين و د. محمد سوقية، المرجع المذكور، ص15.
[256] DEMAREZ (J). MANUEL DE MEDECINE legale p.639. savatier (j). le probleme des greffes d'organes preleves sur un cadaver, d, 1968, p19.(171/174)
[257] د. محمد علي البار. موت القلب أو موت الدماغ، ص83 وما بعدها؛ ندى الدقر. موت الدماغ بين الطب والإسلام، ص211 – 212 ومن الحالات التي تعالج في مراكز العناية المركزة بواسطة الإنعاش الصناعي الأوتوماتيكي: حوادث السيارات التي ينتج منها كسور متعددة بالجسم أهمها كسور القفص الصدري، وشلل الأطفال، وحالات التسمم المختلف، مرض التيتانوس، الغيبوبة الناتجة عن إصابات الرأس، عمليات جراحة القلب المفتوح، الفشل الكلوي، وكذا حالات بطء أو عدم انتظام ضربات القلب. انظر: د. أحمد جلال الجوهري. الإنعاش الصناعي من الناحية الطبية والإنسانية، مجلة الحقوق (الكويت)، 1981م، العدد 2، ص121 وما بعدها.
[258] د. عبدالله باسلامة. رؤية إسلامية لقضايا طبية، ص254؛ د. أحمد طه. الطب الإسلامي، ص165 – 166؛ د. أحمد سعد. زرع الأعضاء بين الحظر والإباحة، ص107؛ د. بلحاج العربي. حكم الشريعة الإسلامية في أعمال الطب والجراحة المستحدثة، مذكور سابقاً، ص80 وما بعدها.
[259] د. أحمد شرف الدين. الحدود الإنسانية والشرعية، والقانونية للإنعاش الصناعي، مجلة الحقوق، الكويت 1981م، العدد 2، ص105 وما بعدها.
[260] وهو المحتضر في حالة النزع، أو سكرات الموت، أو غمرات الموت، أو غشوة الموت، فهو لا يُعد شرعاً في صنف الأموات مهما اشتدت عليه، بل هو حي ويعامل معاملة الأحياء. انظر ابن حزم. المحلى، ج1، مجلد 7، ص518؛ الخطيب الشربيني. مغني المحتاج، ج4، ص13؛ سيد قطب. في ظلال القرآن، المجلد 6، ص3363.
[261] وذلك لأن الإنعاش هو نوع من أنواع التداوي المأمور به شرعاً، د. أحمد شرف الدين. الحدود الإنسانية والشرعية والقانونية للإنعاش الصناعي، مذكور سابقاً، ص106؛ ندى الدقر. موت الدماغ بين الطب والإسلام، ص214.
[262] د. محمد علي البار. موت القلب أو موت الدماغ، ص161؛ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك. التداوي والمسئولية الطبية في الشريعة الإسلامية، ص229 وما بعدها.(171/175)
[263] سيد قطب. في ظلال القرآن، ج1، ص2343 و2893؛ تفسير الجلالين، ص264 و508.
[264] سورة الأعلى، الآية 12 و13.
[265] سورة طه، الآية 74.
[266] وبالتالي بقاء الشخص حياً، وإن كانت حياة ظاهرة فقط لأنه سيموت حتماً. د. أحمد شرف الدين. المقال السابق، ص106؛ د. أحمد طه. الطب الإسلامي، ص166؛ د. أحمد سعد. زرع الأعضاء، ص105؛ د. أحمد شوقي أبو بخطوة. الإنعاش الصناعي بين الحظر والإباحة، بحث مقدم للملتقى الأول للجمعية المصرية للقانون الجنائي، القاهرة، مارس 1987م.
[267] د. سهير منتصر. المسئولية المدنية عن التجارب الطبية في ضوء قواعد المسئولية المدنية للأطباء، القاهرة، 1990م، ص10 وما بعدها؛ د. أحمد شرف الدين. الأحكام الشرعية للأعمال الطبية، ص162؛ د. عبدالله باسلامة. رؤية إسلامية لقضايا طبية، ص254.
[268] د. محمد علي البار. موت القلب أو موت الدماغ، ص161.
[269] د. بلحاج العربي. أخلاقيات المهنة الطبية في الفقه الطبي الإسلامي، فقرة 22 وما بعدها؛ حكم الشريعة الإسلامية في أعمال الطب والجراحة المستحدثة، المقال المذكور، ص81.
[270] د. أحمد شرف الدين. الحدود الإنسانية والشرعية والقانونية للإنعاش الصناعي، المقال المذكور، ص116؛ د. عبدالله باسلامة. رؤية إسلامية لقضايا طبية، ص254؛ ندى الدقر. موت الدماغ، ص214.
[271] د. أحمد شرف الدين. الأحكام الشرعية للأعمال الطبية، ص162.
[272] CHABAS (F). VERS UN CHANGEMENT DE NATURD DE L'OBLIGATION MEDICALE, J. C. P. 1973, 2541. COLLOQUE DE MARSEILLE SUR LES ETATS FRONTIERES ENTRE LA VIE ET LAMORT; FEVRIR 1966.
[273] قيس بن محمد مبارك. التداوي والمسئولية الطبية في الشريعة الإسلامية، ص100 وما بعدها.(171/176)
[274] الشيخ محمد أبو زهرة. مسئولية الأطباء، مجلة لواء الإسلام، العدد 12، السنة 20، ص53؛ د. سمير أورفلي. مسئولية الطبيب في الإنعاش الصناعي، مجلة المحامون، 1986م، العدد 5، ص558؛ الشيخ عبدالقادر عودة. التشريع الجنائي الإسلامي، ص520؛ د. أحمد شوقي أبو خطوة. القانون الجنائي والطب الحديث، ص180 – 181.
[275] لجنة الفتوى بالأزهر. فتوى بتاريخ 5/12/1979م، الفتاوى الإسلامية، المجلد 10، ص3714.
[276] د. محمد علي البار. هل هناك طب نبوي، ص350.
[277] هيئة كبار العلماء بالسعودية. فتوى رقم 6619 في 15/2/1404هـ.
[278] ندى الدقر. موت الدماغ بين الطب والإسلام، ص214؛ د. محمد علي البار. موت القلب أو موت الدماغ، ص161؛ د. أحمد شرف الدين. الحدود الإنسانية والشرعية والقانونية للإنعاش الصناعي، مذكور سابقاً، ص106.
[279] قيس بن محمد المبارك. التداوي والمسئولية الطبية في الشرعية الإسلامية، ص229.
[280] ذكره قيس بن محمد مبارك في كتابه المذكور، ص100.
[281] ذكره محمد علي البار في كتابه موت القلب أو موت الدماغ، ص161.
[282] د. عثمان سرور. الرعاية الطبية المركزة، جريدة الأهرام المصرية، 29/3/1976م، ص7؛ د. أحمد شرف الدين. المقال السابق، ص107.
[283] د. أحمد طه. الطب الإسلامي، ص166. توجد الآن في أمريكا مستشفيات ومراكز طبية متخصصة في معالجة المرضى الخاضعين للعناية المركزة والإنعاش الصناعي، وهي مستعدة لاستقبال المرضى الذين تتوقف قلوبهم عن العمل مهما طالت المدة.
[284] د. وجيه زين العابدين. الطبيب المسلم، ص109.
[285] د. أحمد شرف الدين. الحدود الإنسانية والشرعية والقانونية للإنعاش الصناعي، مذكور سابقاً، ص120.
[286] الشيخ جاد الحق. بحوث وفتاوى إسلامية في قضايا معاصرة، ص508 وما بعدها.
[287] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء التابعة لهيئة كبار العلماء بالسعودية. فتوى رقم 1286، والصادرة بتاريخ 30/6/1409هـ.(171/177)
[288] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية. فتوى رقم 12086 مؤرخة في 30/6/1409هـ.
[289] د. محمد علي البار. هل هناك طب نبوي ؟. ص350.
[290] د. فيصل شاهين و د. محمد سوقية. تعريف الموت من الناحية الطبية، ص11؛ د. أحمد الجوهري. الإنعاش الصناعي من الناحية الطبية والإنسانية، المقال المذكور، ص127.
[291] د. عبدالرزاق الكيلاني. الحقائق الطبية في الإسلام، ص66؛ د. أحمد شرف الدين. الحدود الإنسانية والشرعية والقانونية للإنعاش الصناعي، المقال المذكور، ص110، 111.
[292] سيد قطب. في ظلال القرآن، ج1، ص297.
[293] فعندما يأتي الأجل والقضاء يعمى البصر، كما يقال في الثقافة الشعبية العربية، انظر: د. علي قاسمي. مفهوم الموت في الثقافة العربية، مجلة المنهل، 1998م، عدد مارس ص80 وما بعدها.
[294] سورة الأعراف، الآية 158؛ وسورة الدخان، الآية 8.
[295] سورة آل عمران، الآية 156.
[296] سورة يس، الآية 12.
[297] سورة يونس، الآية 56.
[298] سورة الحجر، الآية 23.
[299] سورة المؤمنون، الآية 80، وسورة غافر، الآية 68.
[300] سورة البقرة، من الآية 258.
[301] سورة التوبة، من الآية 116.
[302] سورة الروم، من الآية 19.
[303] سورة المنافقون، من الآية 11.
[304] سورة الأعراف، من الآية 34.
[305] سورة آل عمران، من الآية 168.
[306] سورة الملك، الآية 2.
[307] محمد علي الصابوني. صفوة التفاسير، ج3، ص392.
[308] سورة الزمر، من الآية 42.
[309] القرطبي. الجامع لأحكام القرآن، ج15، ص260.
[310] الشوكاني. فتح القدير، ج4، ص465.
[311] د. أحمد شرف الدين. الحدود الإنسانية والشرعية والقانونية للإنعاش الصناعي، المقال المذكور، ص109.
[312] د. أحمد شرف الدين. الأحكام الشرعية للأعمال الطبية، ص177.
[313] د. أحمد طه. الطب الإسلامي، ص166.(171/178)
[314] انظر: المادة 25 من قانون مزاولة الطب الكويتي لسنة 1981م، والمادة 2 من قانون أخلاقيات مهنة الطب البشري في فرنسا. وانظر في هذا الخصوص:
Vitu (A). droit penal special, 1982, p. 1459 est
[315] انظر: لاحقاً حكم موت الرحمة في الشريعة الإسلامية، فقرة 58 وما بعدها.
[316] د. أحمد شوقي أبو خطوة. القانون الجنائي والطب الحديث، ص180 وما بعدها؛ د. محمود نجيب حسني. علاقة السببية في قانون العقوبات، ص387 وما بعدها.
[317] د. هدى حامد قشقوش. القتل بدافع الشفقة، ص44؛ د. عبدالوهاب حومد. المسئولية الطبية الجزائية، مجلة الحقوق، الكويت، 1981م، العدد 2، ص176 وما بعدها.
[318] MERLE ET VITU. TRAITE DE DROIT CRIMINEL, T. 1, P.535.
[319] BRATEL (J). SUR LA PONNE MORT, TRAVAUX DEL' INSTITUTE SC CRIM POITIERE, P. 47 ETS.
[320] ندى الدقر. موت الدماغ، ص214، و215؛ قيس بن محمد مبارك. التداوي والمسئولية الطبية في الشريعة الإسلامية، ص229؛ د. محمد علي البار. موت القلب أو موت الدماغ، 161.
[321] رواه الإمام أحمد في مسنده.
[322] رواه البخاري في صحيحه.
[323] الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي. فتاوى معاصرة، ج2، ص528.
[324] الشيخ ابن تيمية. الفتاوى الكبرى، ج4، ص260.
[325] رواه البخاري في صحيحه (كتاب المرضى)، ومسلم (في البر والصلة، 2265).
[326] د. أحمد طه. الطب الإسلامي، ص166؛ د. أحمد شرف الدين. الحدود الإنسانية والشرعية والقانونية للإنعاش الصناعي، المقال المذكور، ص107.
[327] الشيخ جاد الحق. الفقه الإسلامي ومرونته، ص250.
[328] الإمام الشافعي، الأم، ج8، ص3 و4. وقال الإمام أحمد رحمه الله، في رواية الفضل بن عبدالصمد: القرعة في كتاب الله، والذين يقولون القرعة قمار قوم جهال، ثم ذكر أنها في السنة، وكذلك قال في رواية ابنه صالح: أقرع النبي صلى الله عليه وسلم في خمسة مواضع، وهي في القرآن في موضعين.(171/179)
[329] العسقلاني. فتح الباري. بشرح صحيح البخاري، ج9، باب القرعة بين النساء.
[330] اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء بالسعودية، حكم تشريح جثة المسلم، مجلة البحوث الإسلامية، العدد 4، ص61.
[331] سورة آل عمران، من الآية 44.
[332] سورة الصافات، الآية 141.
[333] وهي حديث أم سلمة: أن قوماً أتوا النبي صلى الله عليه وسلم في مواريث وأشياء درست بينهم فأقرع بينهم، وحديث أبي هريرة حين تدارءا في دابة فأقرع بينهما، وحديث عمران بن حصين وابن المسيب الأعبد الستة فأقرع النبي صلى الله عليه وسلم فاعتق اثنين وأرق أربعة، وحديث أنه كان يقرع بين نسائه إذا أراد السفر، وحديث علي رضي الله عنه.
[334] دار الإفتاء المصرية، فتوى مؤرخة في 5/12/1979م. المجلد 10، ص3714.
[335] اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء بالسعودية. فتوى رقم 12086، بتاريخ 30/6/1409هـ.
[336] اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء بالسعودية. فتوى رقم 15964، بتاريخ 13/4/1414هـ.
[337] د. بلحاج العربي. حكم الشريعة الإسلامية في أعمال الطب والجراحة المستحدثة، المقال المذكور، ص84.
[338] اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء بالمملكة العربية السعودية. فتوى رقم 12086، بتاريخ 30/6/1409هـ.
[339] مجمع الفقه الإسلامي، قرار رقم 5 د، مؤرخ في 16/10/1986م، والصادر بعمان (الأردن).
[340] أعمال ندوة الحياة الإنسانية بدايتها ونهايتها في المفهوم الإسلامي، ص677 وما بعدها.
[341] المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي، في دورته العاشرة، المنعقدة في مكة المكرمة، عام 1408هـ.
[342] اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء بالمملكة العربية السعودية، فتوى رقم 12762، مؤرخة في 9/4/1410هـ.
[343] اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء بالمملكة العربية السعودية، فتوى رقم 6619، مؤرخة في 15/2/1404هـ.
[344] د. يوسف القرضاوي. فتاوى معاصرة، ج2، ص529.
[345] جريدة الخبر (الجزائرية)، يوم 1/12/1991م، ص1.(171/180)
[346] الإمام الغزالي. سكرات الموت وشدته، ص46.
[347] ابن قدامة. المغني، ج7، ص835، القرافي. الفروق، ج2، ص31، ابن حزم. المحلى، ج11، ص39، الحطاب. مواهب الجليل، ج6، ص244، البهوتي. كشاف القناع، ج5، ص516، الشربيني الخطيب. مغني المحتاج، ج4، ص38، ابن عابدين. رد المحتار، ج5، ص350، العز بن عبدالسلام. قواعد الأحكام، ج2، ص59، د. محمد عواد. جناية القتل العمد في الفقه الإسلامي، رسالة دكتوراة جامعة الأزهر. 1974م، ص130، الشيخ جاد الحق. مجلة الأزهر، عدد نوفمبر 1992م، ص616 وما بعدها.
[348] د. أحمد شرف الدين. الحدود الإنسانية والشرعية والقانونية للإنعاش الصناعي، مذكور سابقاً، ص106، ندى الدقر. موت الدماغ بين الطب والإسلام، ص144.
[349] الرملي. نهاية المحتاج، ج7، ص212.
[350] د. مصطفى الذهبي. نقل الأعضاء، ص113، د. أحمد سعد. زرع الأعضاء، ص120، د. عقيل العقيلي. حكم نقل الأعضاء، ص159، الشيخ علي الخفيف. الضمان، ج1، ص161.
[351] الشيخ محمد أبو زهرة. مسئولية الأطباء، المقال السابق، ص53 وما بعدها.
[352] د. أحمد شوقي أبو خطوة. القانون الجنائي والطب الحديث، ص187 وما بعدها.
[353] د. أحمد شرف الدين. الحدود الإنسانية والشرعية والقانونية للإنعاش الصناعي، المقال المذكور، ص107.
[354] ابن حزم. المحلى، ج7، ص518.
[355] الشربيني الخطيب. مغني المحتاج، ج4، ص13.
[356] ابن عابدين. رد المحتار على الدر المختار، ج5، ص350.
[357] د. وهبة الزحيلي. نظرية الضمان، ص279 – 280. وقال الحنفية بأنه لا قصاص في القتل تسبباً ولكن فيه الدية والعقوبات التعزيرية. انظر الكاساني. بدائع الصنائع، ج10، ص4628.
[358] الشيخ محمد أبو زهرة. مسئولية الأطباء، المقال المذكور، ص53 وما بعدها.
[359] د. عبدالعزيز المراغي. مسئولية الأطباء، المجلد 20، 1368هـ، ص415.
[360] انظر لاحقاً، فقرة 128 وما بعدها.(171/181)
[361] إن لحظة تحديد الوفاة تعني ميلاد جثة، ومن ثم انتقال الميت من نظام الدنيا إلى نظام الآخرة (وهو ما يسميه البعض نظام ما وراء الطبيعة).
[362] انظر توصيات ندوة الأساليب الطبية الحديثة والقانون الجنائي، جامعة القاهرة، نوفمبر 1993م، مجلة اتحاد الجامعات العربية، العدد 4، أكتوبر 1996م، ص179 وما بعدها.
[363] د. حمدي عبدالرحمن، معصومية الجسد، ص116 وما بعدها.
[364] انظر توصيات ندوة الحياة الإنسانية: بدايتها ونهايتها، الكويت، يناير 1985م.
[365] المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي، في دورته العاشرة، المنعقدة في مكة المكرمة، سنة 1408هـ.
[366] ابن الهمام. فتح القدير. ج1، ص247.
[367] الكاساني. بدائع الصنائع، ج1، ص279.
[368] د. محمد قلعة جي. موسوعة الحسن البصري، ج2، ص860.
[369] د. أحمد عوض بلال. الإجراءات الجنائية المقارنة، ص619.
[370] د. محمد قلعة جي. موسوعة الحسن البصري، ج2، ص860.
[371] د. بلحاج العربي. بحوث في فقه المعاملات، فقرة 72 وما بعدها.
[372] أما إذا كان النكاح فاسداً، ومات الزوج قبل الدخول فلا عدة فيه (لأنه لا أثر لعقد النكاح الفاسد قبل الدخول)، أما إذا كان بعد الدخول كانت عدة المرأة بثلاثة أقراء أو بثلاثة أشهر (البقرة 233، والطلاق 3). وإن كانت الزوجة حاملاً تزوج إذا انقضت عدتها بالوضع (الطلاق 4)، انظر د. بلحاج العربي. الوجيز في شرح قانون الأسرة الجزائري، ج1، ص373.
[373] د. محمد قلعة جي. موسوعة الحسن البصري، ج2، ص860.
[374] د. محمد قلعة جي. المرجع نفسه، ج2، ص860.
[375] ندى محمد الدقر. موت الدماغ بين الطب والإسلام، ص142.
[376] أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة والبيهقي وأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[377] د. بلحاج العربي. أحكام المواريث، ص58.(171/182)
[378] وهو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من المالكية والحنفية والشافعية، د. السنهوري. مصادر الحق، ج25، ص67، د. عيسوى أحمد، المداينات، ص295، د. محمد أبو يحيى، الاستدانة، ص311، الشيخ علي الخفيف. أثر الموت في حقوق الإنسان والتزاماته، مجلة القانون والإقتصاد، 1940.
[379] سورة النساء، الآية 11.
[380] رواه أحمد في مسنده بإسناد جيد.
[381] رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني وهو صحيح.
[382] الشيخ محمد الألباني. أحكام الجنائز وبدعها، ص12 وما بعدها. الشيخ عبدالعزيز بن باز، من أحكام الجنائز، ص7 وما بعدها.
[383] الواجب عند الأئمة الأربعة غسل واحد بالماء الخالص من غير إضافة شيء إليه، أما الغسلان الآخران فمستحبان، ويستحب أكثر أن يجعل في ماء الغسل الأخير كافور أو نحوه من الطيب، كما أن الواجب في تكفين الميت ثوب واحد، يعم جميع جسده وأن المستحب ثلاث قطع للكفن، ويشترط في الكفن ما يشترط في الساتر الواجب حين الصلاة. انظر سميح عاطف الزين، العبادات، ص74 وما بعدها.
[384] سميح عاطف الزين، العبادات، ص76 وما بعدها.
[385] رواه الدارقطني.
[386] رواه أحمد وأبو داود.
[387] سورة المائدة، من الآية 3.
[388] د. محمود الجليلي وإخوانه. المعجم الطبي العربي، موت الرحمة وقد درجت اللغات الأجنبية على تسميته بالوتانازيا أي القتل بدافع الرحمة أو الشفقة.
[389] د. عبدالوهاب حومد. القتل بدافع الشفقة، عالم الفكر، المجلد 4، 1973م. العدد 3 ص641 وما بعدها، د. هدى قشقوش، القتل بدافع الشفقة، ص6.
[390] اصطلاح قتل الرحمة جاء متناقضاً، لأن القتل والرحمة متناقضان في المعنى والمضمون، د. محمد عبدالجواد محمد، بحوث في الطب الإسلامي، ص133 وما بعدها، د. محمد علي البار، أحكام التداوي ص67، د. وجيه زين العابدين، الطبيب المسلم، ص111.(171/183)
[391] د. عبدالوهاب حومد. المسئولية الطبية الجزائية، مجلة الحقوق، الكويت، 1981م. العدد 2. 176، VOIR: PRADEL, (J) SUR LA BONNE MORT. TVX DE L'INSTITUT DE SC CRIMINELLES, POITIRS, 1979, 1, P.47 ET S, MERELE ET VITU, OP. CIT, T1, P535 ETS.
[392] عرفت القبائل البدائية قتل الرحمة، وما تزال قبائل الإسكيمو في القطب الشمالي وبعض القبائل في وسط إفريقيا تمارس هذه العادة إلى يومنا هذا.
[393] الكنيسة الكاثوليكية رفضت قتل الرحمة منذ البداية.
[394] د. عبدالوهاب حومد. القتل بدافع الشفقة، المقال المذكور ص651 وما بعدها.
[395] PRADEL (J). SUR LA BONNE MORT, OP. CIT, P47.
[396] وكذلك كان الفيلسوف الألماني ((نيتشه)) من أنصار هذا الرأي.
[397] كما ظهر في إيطاليا الإتجاه نفسه الذي يطالب بإباحة قتل الرحمة. انظر هدى قشقوش. القتل بدافع الشفقة، ص13، غير أن المحكمة الاتحادية الألمانية العليا، بتاريخ 28/11/1952 أصدرت حكماً مشهوراً قضى بجعل قتل الرحمة قتلاً مع سبق العمد والإصرار.
[398] د. محمد عبدالجواد محمد. بحوث في الطب الإسلامي، ص142 – 143، د. أحمد شوقي أبو خطوة. القانون الجنائي والطب الحديث، ص186 – 187. وكلمة (الأوتانازيا) (EUTHANASIE) في اللغة الفرنسية مكونة من مقطعين الأول: (EU) وتعني الطيب، والثاني (THANASIE) وتفيد الموت، والتعبير يعني الموت الطيب، أو الموت برفق، أو موت الرحمة، أو موت بلا معاناة.
[399] د. عبدالوهاب حومد. المسئولية الطبية الجزائية، المقال المذكور، ص177.
[400] د. عبدالوهاب حومد. نفس المرجع، ص178.
[401] د. محمد عبدالجواد محمد. بحوث في الطب الإسلامي، ص142 – 143، وللمؤلف نفسه: قتل الرحمة، بحث مقدم للمؤتمر الطبي الإسلامي الدولي،، جامعة عين شمس، فبراير 1987م.
[402] د. هدى قشقوش. القتل بدافع الشفقة. ص163 وما بعدها.(171/184)
[403] والواقع أن قتل الرحمة قد انتشر بين الأطباء الأمريكيين منذ أكثر من ربع قرن. ومما يزيد المشكلة تعقيداً أن الرأي العام يؤثر بعمق في نوع الحلول المقترحة للقتل إشفاقاً، وأنه في الغرب يتجه نحو تأييد القتل بدافع الشفقة. د. عبدالوهاب حومد. القتل بدافع الشفقة، المقال المذكور، ص163 وما يليها.
[404] د. عبدالوهاب حومد. المسئولية الطبية الجزائية، المقال المذكور، ص178.
[405] انظر مجلة الدعوة، موت الرحمة، العدد 8، 29/5/1412هـ، مع العلم أن معظم القوانين الغربية تجيز الإجهاض لغير سبب طبي، فما بالك بقتل الأطفال الذين يولدون مشوهين. د. محمد علي البار، سياسة ووسائل تحديد النسل، ص113.
[406] SONDAGE SOFRES, JOURNAL DE FRANCE, 18/11/1987, P1, ET7.
[407] وذلك بعد تعديل المادة 10 من قانون المراسيم الجنائزية، والتي تم صياغتها وإدخالها ضمن القانون الصادر في 2/12/1993م الجريدة الرسمية الهولندية، 1993، العدد 688.
[408] د. هدى قشقوش. القتل بدافع الشفقة، ص11.
[409] د. هدى قشقوش. المرجع نفسه ص11، وما بعدها، ونلاحظ بأن القانون الكندي الصادر في سنة 1977م اهتم بحماية حقوق الأطفال حماية خاصة.
[410] د. محمد عبدالجواد محمد. بحوث في الطب الإسلامي، ص144.
[411] د. محمد علي البار. أحكام التداوي، ص82 وما بعدها، عبدالله الغامدي. مسئولية الطبيب المهنية، ص57 وما يليها.
[412] وكذلك الحال في بلجيكا وإيطاليا وإسبانيا.
[413] د. عبدالوهاب حومد. المسئولية الطبية الجزائية. المقال المذكور، ص180.
[414] د. أحمد شوقي أبو خطوة. القانون الجنائي والطب الحديث. ص187 وما يليها.
[415] د. أحمد شوقي أبو خطوة. نفس المرجع، ص188، د. هدى قشقوش. القتل بدافع الشفقة، ص46.
VOIR AUSSI: PRADEL (J) SUR LA BONNE MORT, OP. CIT, P. 47
MERLE ET VITU. TRAITE DE DROIT CRIMINEL, T1, P534 ETS.(171/185)
[416] لكن في الدول العربية مآسي كثيرة تحدث بين جدران المستشفيات، انظر د. محمد علي البار. أحكام التداوي، ص89.
[417] المرسوم الملكي السامي، رقم/ 30 الصادر بتاريخ 21/2/1409هـ، عن وزارة الصحة.
[418] القانون الجزائري رقم 85/5 المؤرخ في 16/2/1985م المتعلق بحماية الصحة (الجريدة الرسمية الجزائرية، 1985م، العدد 8، ص176)، المعدل والمتمم بالقانون رقم 90/17 المؤرخ في 31/7/1990م (الجريدة الرسمية الجزائرية، 1990، العدد 35، ص1123).
[419] المادة 164 من القانون الطبي الجزائري رقم 17 لسنة 1990 ويجب أن يثبت الوفاة طبيبان على الأقل وطبيب شرعي (المادة 167 من القانون نفسه).
[420] د. أحمد شوقي أبو خطوة. القانون الجنائي والطب الحديث. ص187 – 188.
[421] د. محمود نجيب حسني. علاقة السببية في قانون العقوبات، ص387 وما يليها، د. رؤوف عبيد. السببية الجنائية بين الفقه والقضاء، ص323 وما بعدها، د. أحمد فتحي سرور. الوسيط في قانون العقوبات، القسم الخاص، ص535.
[422] المادة 2 من قانون أخلاقيات مهنة الطب في فرنسا، والمادة 367 من قانون الصحة العامة الفرنسي.
[423] سورة الأنعام، الآية 151، وسورة الإسراء، الآية 33.
[424] سورة النساء، الآية 92.
[425] سورة النساء، الآية 93.
[426] سورة النساء، الآية 29.
[427] سورة البقرة، الآية 195.
[428] سورة يوسف، الآية 87. وفي الآية نهي شديد عن اليأس من رحمة الله تعالى، معتبرة بذلك قرين الكفر. ومن ثم فإنه لا يجوز القنوط منها شرعاً.
[429] سورة المائدة، من الآية 32.
[430] سورة البقرة، الآية 84.
[431] سورة الإسراء، الآية 33.
[432] سورة الأحزاب، الآية 16.
[433] سورة الكهف، الآية 74.
[434] سورة المائدة، الآية 95.
[435] سورة المائدة، الآية 30.
[436] رواه النسائي في سننه، ج7، ص83، انظر الترغيب والترهيب للحافظ المنذري، ج3 ص293.(171/186)
[437] رواه أبو داود في سننه، كتاب الجهاد. وانظر صحيح البخاري بشرح فتح الباري، ج12، باب إثم من قتل ذمياً.
[438] رواه ابن ماجة في سننه.
[439] أخرجه الشيخان عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه.
[440] أخرجه البخاري، ج1، ص24، ومسلم. صحيح مسلم بشرح النووي، ج4، ص247.
[441] أخرجه مسلم، انظر صحيح مسلم بشرح النووي، ج1، ص307. والحديث جاء في قضية الرجل الذي انتحر في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم عقب المعركة وهو في صف المسلمين، بسبب جرح بليغ لم يستطع الصبر عليه، فقال فيه الرسول: (إنه من أهل النار) (رواه البخاري ومسلم) وانظر د. محمد علي البار. أحكام التداوي، ص100 و101.
[442] رواه الشيخان عن أبي زياد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه، صحيح البخاري، ج7، ص181، صحيح مسلم، ج1، ص72، وأخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة والنسائي عن أبي هريرة بألفاظ متقاربة وبإسناد صحيح. انظر سنن الترمذي، ج4، ص338.
[443] وفي إحداها: اجتنبوا السبع الموبقات.. انظر تفسير ابن كثير، ج2، ص236.
[444] أخرجه الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه، انظر رياض الصالحين، ص261.
[445] أخرجه النسائي في سننه.
[446] سورة إبراهيم، الآية 27.
[447] سورة يوسف، الآية 101.
[448] الشيخ عبدالقادر عودة. التشريع الجنائي الإسلامي، ج1، ص440، الشيخ محمد أبو زهرة. العقوبة في الفقه الإسلامي، ص78، د. وهبة الزحيلي. الفقه الإسلامي وأدلته، ج6، ص260، د. محمد عبدالجواد محمد. بحوث في الطب الإسلامي، ص159، د. محمد علي البار. أحكام التداوي، ص95.
[449] سورة يوسف، الآية 87.
[450] سورة الشعراء، الآية 80.
[451] سورة يس، الآية 78.
[452] سورة يس، الآية 79.
[453] ابن حزم. المحلى، ج7، ص418، ج10، ص518.
[454] سورة الأنعام، الآية 29.(171/187)
[455] انظر الباب 7 من الدستور الإسلامي للمهنة الطبية، والخاص بحرمة الحياة الإنسانية، على أنه يحرم على الطبيب أن يهدر الحياة ولو بدافع الشفقة فهذا حرام، وثيقة الكويت، يناير 1981م، ص53 و54.
[456] سورة البقرة، الآية 179.
[457] الشيخ يوسف القرضاوي. فتاوى معاصرة، ج2، ص525، الشيخ عبدالحميد كشك. فتاوى، ج1، ص59، د. محمد علي البار. أحكام التداوي، ص100 وما يليها، د. محمد عبدالجواد محمد. بحوث في الطب الإسلامي، ص159، د. عبدالرزاق الكيلاني. الحقائق الطبية في الإسلام، ص277، وما بعدها، د. أحمد طه. الطب الإسلامي، ص163، د. وجيه زين العابدين. الطبيب المسلم، ص109 وما بعدها.
[458] فتوى مؤرخة في 5/7/1989، وكان المفتي فضيلة الشيخ عطية صقر.
[459] الشيخ جاد الحق. فتاوى في قضايا معاصرة، ص508 وما يليها.
[460] فتوى صادرة عن فضيلة مفتي جمهورية مصر في المؤتمر الطبي السادس عشر بكلية طب عين شمس عام 1994م.
[461] القرار منشور في كتاب د. محمد علي البار. أحكام التداوي، ص107 – 110.
[462] رواه مسلم وأحمد والبيهقي.
[463] أخرجه الحاكم، ج1، ص339، وقال صحيح ووافقه الذهبي.
[464] د. عبدالرزاق الكيلاني. الحقائق الطبية في الإسلام، ص63 و64، د. محمد علي البار. أحكام التداوي، ص18 وما بعدها.
[465] ابن تيمية. الفتاوى الكبرى، ج4، ص260.
[466] ابن الجوزية. زاد المعاد، ج3، ص66 وما بعدها.
[467] د. يوسف القرضاوي. فتاوى معاصرة، ج2، ص528، وانظر د. زهير محمد الزميلي، زاد المريض والمبتلى، ص59 و60.
[468] رواه مسلم عن جابر، والبخاري عن أبي هريرة، وابن ماجة والحاكم وصححه عن ابن مسعود.
[469] رواه مسلم عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه في كتاب السلام، انظر تيسير الوصول إلى جامع الأصول من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم للشيخ عبدالرحمن بن علي، ج3، ص169.
[470] رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه الترمذي عن أسامة بن شريك.(171/188)
[471] رواه أبو داود في سننه (ج4، ص206) وأخرجه الطبراني ورجاله ثقات، انظر تيسير الوصول، ج3، ص169.
[472] وأن لا يخاف من الموت، لأنه حق لابد منه، ولأنه لا خلود في الأرض. وعندما يأتي الأجل والقضاء يعمى البصر ولا ينفع الدواء.
[473] وعندما سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن دواء يتداوى به المريض، هل يرد من قدر الله شيئاً ؟ فقال عليه الصلاة والسلام: هو من قدر الله. فالتداوي يدخل تحت مظلة لا ضرر ولا ضرار. وأن دفع الضرر مقدم على جلب المنفعة.
[474] سورة الشعراء، الآية 80.
[475] سورة الإسراء، من الآية 82.
[476] سورة يوسف، من الآية 100.
[477] أخرجه الترمذي انظر تيسير الوصول إلى جامع الأصول، ج3، ص169.
[478] د. عبدالهادي مصباح. الاستنساخ بين العلم والدين، ص20.
[479] العز بن عبدالسلام. قواعد الأحكام في مصالح الأنام، ج1، ص4.
[480] ذكره د. هشام الخطيب وإخوانه. الطبيب المسلم وأخلاقيات المهنة، ص16.
[481] د. خالص جلبي. الطب محراب الإيمان، ص5، د. أحمد طه. الطب الإسلامي، ص165، د. وجيه زين العابدين. الطبيب المسلم، 109 وما يليها، د. عبدالرزاق الكيلاني، الحقائق الطبية في الإسلام، ص277.
[482] د. زهير السباعي. خلق الطبيب المسلم، ص81 وما بعدها.
[483] رواه ابن ماجة في سننه، عن أبي سعيد الخدري، كتاب الجنائز، وهو حديث صحيح.
[484] رواه الترمذي عن أنس بن مالك ورواه ابن مردويه بسند جيد.
[485] رواه مسلم عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، كتاب البر والصلة والآداب.
[486] رواه أبو داود عن أم العلاء، كتاب الجنائز، وهو حديث حسن.
[487] د. زهير السباعي. و د. محمد علي البار. الطيب أدبه وفقهه، ص80 وما يليها، د. زهير السباعي. خلق الطبيب المسلم، ص81 وما بعدها.
[488] أخرجه الترمذي وابن ماجة وعبدالله بن أحمد في زوائد الزهد وابن أبي الدنيا في الترغيب وسنده حسن.(171/189)
[489] د. عبدالستار أبو غدة، بحوث في الفقه الطبي والصحة النفسية، ص162 وما بعدها.
[490] رواه مسلم، ج4، رقم 1721.
[491] سورة الأنبياء، الآية 35.
[492] سورة الملك، الآية 2.
[493] القرطبي. تفسير القرطبي، ج1، ص387.
[494] تفسير الصاوي على الجلالين، ج4، ص91.
[495] د. محمد الشبراوي، البلاء من منظور إسلامي، مجلة الأزهر سبتمبر 1998م، ص728، د. زهير محمد الرميلي. لماذا جعل الله الأمراض ؟ ص84 وما يليها.
[496] سورة الأنفال، الآية 17.
[497] سورة محمد، الآية 31.
[498] سورة الأعراف، من الآية 168.
[499] سورة الكهف، الآية 7.
[500] سورة البقرة، الآية 155.
[501] رواه الترمذي في سننه، ص520، وابن ماجة أيضاً، ص1334.
[502] إن أمكن وضع اليد، وإلا دعا له وهو بقربه.
[503] د. وجيه زين العابدين، الطبيب المسلم، ص113.
[504] د. أحمد طه. الطب الإسلامي، ص165.
[505] د. بلحاج العربي. أخلاقيات المهنة في الفقه الإسلامي، بحث مقدم لملتقى القانون والطب، جامعة سيدي بلعباس (الجزائر)، أبريل/ نيسان 1992م.
[506] د. أحمد شرف الدين. الأحكام الشرعية للأعمال الطبية، ص24.
[507] العز بن عبدالسلام. قواعد الأحكام في مصالح الأنام، ج1، ص140 و141.
[508] ابن قدامة. المغني، ج27، ص673، ابن حزم. المحلى، ج11، ص39 و40.
[509] الحديث تم تخريجه سابقاً.
[510] الشيخ البهوتي. كشاف القناع، تعليق الشيخ هلال، ج2، ص143.
[511] انظر الزيلعي. نصب الراية، ج3، ص376.
[512] رواه البيهقي. السنن الكبرى، ج8، ص143.
[513] أخرجه مالك في الموطأ، والبيهقي في السنن الكبرى.
[514] الشيخ محمد الألباني. أحكام الجنائز، ص235 و236.
[515] الفتاوى الإسلامية. المجلد 4، ص1331 وكان المفتي فضيلة الشيخ عبدالمجيد سليم، والحديث أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة والبيهقي في السنن الكبرى عن عائشة رضي الله عنها.(171/190)
[516] دار الإفتاء المصرية، الفتاوى الإسلامية، المجلد 7، ص2505. وكان المفتي فضيلة الشيخ محمد خاطر.
[517] دار الإفتاء المصرية، الفتاوى الإسلامية، المجلد 7، ص2552، وكان المفتي فضيلة الشيخ حسن مأمون.
[518] هيئة كبار العلماء بالسعودية. فتوى رقم 47، مؤرخة في 20/8/1396هـ.
[519] سورة عبس، الآية 21.
[520] أخرجه الترمذي والنسائي وأحمد.
[521] الشيخ البهوتي. كشاف القناع، تعليق الشيخ هلال، ج2، ص143.
[522] انظر صحيح مسلم، كتاب الجنائز باب النهي عن الجلوس على القبر، رقم 917، ج2، ص667.
[523] رواه البخاري وأحمد والترمذي وإسناده صحيح، انظر إرواء الغليل، ج3، ص208.
[524] رواه مسلم في صحيحه (ج3، 667 – 668) والطبراني في الكبير.
[525] رواه الديلمي.
[526] أخرجه بن أبي شيبة عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً.
[527] رواه البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والنسائي، وقوله عليه الصلاة والسلام: اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه (متفق عليه عن ابن عباس رضي الله عنهما)، وقوله عليه السلام: من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة (رواه البخاري ومسلم وأحمد).
[528] د. محمد نعيم ياسين. حكم بيع الأعضاء الآدمية، مجلة الحقوق، الكويت، 1987م. العدد 1، ص245.
[529] د. محمود النسيمي. الطب الإسلامي، ص43.
[530] د. حسان حتحوت، استخدام الأجنة في البحث والعلاج، بحث مقدم لندوة زرع الأعضاء، الكويت، أكتوبر، 1989م.
[531] قرار رقم 58/7/6، مؤرخ في مارس 1990م. في دورته السادسة المنعقدة بجدة في المملكة العربية السعودية.
[532] ابن منظور. لسان العرب، ج2، ص497.
[533] انظر المعجم الوسيط، ج1، ص480.(171/191)
[534] د. محمد علي البار. علم التشريح عند المسلمين، ص7، اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء لهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، حكم تشريح جثة المسلم، مجلة البحوث الإسلامية، المجلد الأول، ص1407 وما يليها، د. عز الدين فراج. الطب الإسلامي، ص44، د. هشام الخطيب. الوجيز في الطب الإسلامي، ص192.
[535] وبذلك استطاعت المومياء الفرعونية أن تبقى أكثر من خمسة آلاف عام.
[536] جريدة الوفد (القاهرية)، الصادرة يوم 24/1/1988م، ص5.
[537] د. محمد علي البار. علم التشريح عند المسلمين، ص15 وما بعدها، ومن 28 وما يليها، د. سلمان قطاية. ابن النفيس الطبيب العربي، ص119 وما بعدها.
[538] ذكر هذه المقولة د. شاكر شبير. تشريح جسم الإنسان لأغراض التعليم الطبي، المؤتمر الدولي عن المسئولية الطبية، بنغازي، ليبيا، أكتوبر 1987م، ص7.
[539] ذكرها د. محمد علي البار. علم التشريح عند المسلمين، ص39.
[540] ذكرها د. عبدالله باسلامة. رؤية إسلامية لقضايا طبية معاصرة، ص17.
[541] د. حامد أحمد حامد. رحلة الإيمان في جسم الإنسان، ص20، نور الدين عتر. فتح الجثة ومشكلات الإعلام الصحي. مجلة الوعي الإسلامي، العدد 64، ص52، د. شفيق عبدالملك. مبادئ التشريح، ص5 وما يليها.
[542] د. محمد علي البار. المرجع السابق، ص10.
[543] د. عبدالحميد الشواربي. الخبرة الجنائية في مسائل الطب الشرعي، ص42، د. مديحة الخضري. الطب الشرعي والبحث الجنائي، ص13، عبدالحميد المنشاوي. الطب الشرعي ودوره الفني في البحث عن الجريمة، ص10.
[544] رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، كتاب الطب.(171/192)
[545] رواه أبو داود عن أسامة بن شريك (في كتاب الطب)، وروى نحوه الترمذي وابن ماجة وأحمد من حديث زياد بن علاقة بن أسامة بن شريك، وأخرجه الشيخان برواية: عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء غير داء وأحد الهرم. انظر سنن أبي داود، كتاب الطب، ج4، ص3، تحقيق الشيخ محمد عبدالحميد.
[546] رواه أبو داود عن أبي الدرداء (في كتاب الطب) وأخرجه الطبراني ورجاله ثقات.
[547] هيئة كبار العلماء بالسعودية، فتوى رقم 47 مؤرخة في 20/8/1396م، وبحث اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء، حكم تشريح جثة المسلم، مجلة البحوث الإسلامية، 1398هـ، العدد 4، ص41 و42.
[548] سورة النحل، من الآية 90.
[549] سورة النساء، من الآية 58.
[550] سورة المائدة، من الآية 8.
[551] سورة النحل، من الآية 76.
[552] د. يحيى حقي. تاريخ الطب العربي، ص28 وما يليها، د. شاكر شبير، المقال السابق، ص20.
[553] العز بن عبدالسلام. قواعد الأحكام، ج1، ص97، ابن قدامة. المغني، ج2، ص551، ابن عابدين. رد المحتار، ج1، ص628، الشيخ محمد عليش. فتح العلي المالك ص135، ابن حزم. المحلى، ج5، ص166، النووي. المجموع، ج5، ص300 و301، ابن نجيم. الأشباه والنظائر، ج2، ص88.
[554] الخرشي على مختصر خليل، ج2، ص145، الكاساني. بدائع الصنائع، ج5، ص129، الرملي. نهاية المحتاج، ج3، ص39، ابن حزم. المحلى، ج5، ص166، الشوكاني. السيل الجرار، ج1، ص336، ابن قدامة. المغني، ج2، ص551.
[555] الشيخ البهوتي. كشاف القناع، ج2، ص132.
[556] د. أحمد شرف الدين. الأحكام الشرعية للأعمال الطبية، ص68، وما بعدها، د. محمد علي البار. علم التشريح عند المسلمين، ص47. الشيخ جاد الحق. الفتاوى الإسلامية. المجلد 10، ص3713.(171/193)
[557] دار الإفتاء المصرية. فتوى رقم 88، ج212، ص313 هيئة كبار العلماء بالسعودية، فتوى رقم 47، بتاريخ 20/8/1396هـ، لجنة الفتوى بالأزهر. فتوى رقم 490، مجلة الأزهر، نوفمبر 1962م، ص523.
[558] فتوى الشيخ الدجوي، مجلة الأزهر، المجلد 6، ص473، أو فتاوى الشيخ يوسف الدجوي، ج2، ص655 وما بعدها، هيئة كبار العلماء بالسعودية. فتوى رقم 47 بتاريخ 20/8/1396هـ.
[559] اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء، حكم تشريح جثة المسلم، مجلة البحوث الإسلامية، العدد 4، 1398هـ، ص41 و42، فتوى الشيخ عبدالمجيد سليم مؤرخة في 31/10/1937م.
[560] هناك اختلافات كثيرة بين جسم الإنسان وجسم حيوان ثديي يتعين على الطبيب معرفة تفاصيلها، ومنها الاختلافات المتعلقة بالهيكل العظمي وما يتصل به من مفاصل وعضلات، وتلك الخاصة بالأحشاء الداخلية كالمعدة والأمعاء والكلية والدماغ والتركيب الميكروسكوبي للأعضاء. انظر بحث اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء. المرجع المذكور، ص79 و80.
[561] د. محمد علي البار المرجع المشار إليه، ص46.
[562] يعد أبو القاسم خلف الزهراوي أعظم جراح ظهر في القرون الوسطى، ولد في القرن الرابع الهجري بالأندلس، وتوفي عام 427هـ (1036م) وعمل جراحاً للخليفة عبدالرحمن الثالث.
[563] د. يحيى حقي، تاريخ الطب العربي، ص29 – 30.
[564] الشيخ يوسف الدجوي. مجلة الأزهر، المجلد 6، ص473.
[565] الشيخ محمد بخيت. مجلة الأزهر، المجلد 6، ص627.
[566] الشيخ عبدالمجيد سليم. الفتاوى الإسلامية، المجلد 4، ص1331.
[567] الشيخ جاد الحق. الفتاوى الإسلامية، المجلد 10، ص3713.
[568] الشيخ محمد خاطر. الفتاوى الإسلامية، المجلد 7، ص2505.
[569] الشيخ حسن مأمون. الفتاوى الإسلامية، المجلد 7، ص2625.
[570] الشيخ محمد متولي الشعراوي. 100 سؤال وجواب في الفقه الإسلامي، ج1، ص78.
[571] الشيخ عبدالرحمن السعدي. مجلة البحوث الإسلامية، 1398هـ، العدد 4، ص74 وما يليها.(171/194)
[572] الشيخ حسنين مخلوف. فتاوى إسلامية، ج1، ص360.
[573] الشيخ أحمد الشرباصي. يسألونك في الدين والحياة، ج1، ص605.
[574] الشيخ إبراهيم اليعقوبي. شفاء التباريح في حكم التشريح، ص89.
[575] الشيخ عطا الله. الحلال والحرام، ص329.
[576] الشيخ يوسف القرضاوي. فتاوى معاصرة، ج2، ص535 – 536.
[577] الشيخ محمد الغزالي. أعمال الملتقى الدولي لزرع الأعضاء، الجزائر العاصمة يومي 16 و17 نوفمبر 1985م.
[578] الشيخ أبو الأعلى المودودي. رسائل ومسائل، ج2، ص149.
[579] د. أحمد شرف الدين. الأحكام الشرعية للأعمال الطبية، ص68 وما بعدها.
[580] د. محمد الحبيب الخوجة. بحث مقدم لمجمع الفقه الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي في دورته 9 لعام 1986م.
[581] د. محمد علي البار. علم التشريع عند المسلمين، ص48 – 49.
[582] د. محمد عبدالمجيد محمد. بحوث في الطب الإسلامي، ص27.
[583] د. بلحاج العربي بن أحمد. حكم الشريعة الإسلامية في أعمال الطب والجراحة المستحدثة، مذكور سابقاً. ص63 وما يليها، د. نور الدين عتر. فتح الجثة، مجلة الوعي الإسلامي، العدد 64، ص52، د. شاكر شبير. تشريح جسم الإنسان لأغراض التعليم الطبي، مذكور سابقاً، ص22 وما يليها، عصمت الله محمد، الانتفاع بأجزاء الآدمي، ص123 وما بعدها، د. مصطفى الذهبي. نقل الأعضاء، ص14 – 15، د. أمين محمد البطوش. الحكم الشرعي لاستقطاع الأعضاء وزرعها. مجلة البحوث الإسلامية، العدد 53، محرم 1419هـ، ص326.
[584] الفتاوى الإسلامية، المجلد 4، ص1331، وكان المفتي الشيخ عبدالمجيد سليم.
[585] فتوى رقم 47 بتاريخ 20/8/1396هـ، الدورة 9 برئاسة فضيلة الشيخ محمد علي الحركان.
[586] برئاسة فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن باز، بتاريخ 21/7/1396هـ، انظر بحث اللجنة: "حكم تشريح جثة المسلم" المشار إليه سابقاً.(171/195)
[587] في الفترة من 17/10/1987 إلى 21/10/1987م، والقرار منشور في كتاب "الفشل الكلوي وزرع الأعضاء" للدكتور الطبيب محمد علي البار، ص267 و268.
[588] منشور في كتاب عصمت الله محمد، الانتفاع بأجزاء الآدمي، ص276.
[589] منشور في المرجع نفسه، ص271.
[590] سبق تخريجه.
[591] الشيخ حسين مخلوف. فتاوى شرعية، ج1، ص360.
[592] د. بلحاج العربي. حكم الشريعة الإسلامية في أعمال الطب والجراحة المستحدثة، مذكور سابقاً، ص76.
[593] ابن قيم الجوزية. إعلام الموقعين، ج3، ص14: فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد.
[594] سورة الإسراء، من الآية 70.
[595] سبق تخريجه.
[596] الشيخ جاد الحق. الفتاوى الإسلامية، المجلد 10، ص3713، د. أحمد الشرباصي. يسألونك في الدين والحياة، ج1، ص605، د. أحمد شرف الدين. الأحكام الشرعية للأعمال الطبية، ص68 وما يليها.
[597] هيئة كبار العلماء بالسعودية. فتوى رقم 47 بتاريخ 20/8/1396هـ، الشيخ محمد متولي الشعراوي. 100 سؤال وجواب في الفقه الإسلامي، ج1، ص78، الشيخ إبراهيم اليعقوبي. شفاء التباريح في حكم التشريح، ص89.
[598] سورة التغابن، من الآية 16.
[599] رواه البخاري في صحيحه، ج1، رقم 13، ص14.
[600] سبق تخريجه.
[601] أخرجه بن أبي شيبة في المصنف عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً.
[602] دار الإفتاء المصرية. فتوى بتاريخ 31/10/1937م. مشار إليها سابقاً.
[603] هيئة كبار العلماء بالسعودية. فتوى رقم 47 بتاريخ 20/8/1396هـ، مشار إليها سابقاً، قرار المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي في دورته العاشرة المنعقدة بمكة المكرمة عام 1987م.
[604] دار الإفتاء المصرية. فتوى رقم 454، سجل 74، ص276، د. أحمد شرف الدين، الأحكام الشرعية للأعمال الطبية، ص211 – 212، د. محمد علي البار. علم التشريح عند المسلمين، ص40، د. محمد عبدالجواد محمد. بحوث في الطب الإسلامي، ص27.(171/196)
[605] هيئة كبار العلماء بالسعودية. فتوى رقم 47 بتاريخ 20/8/1396هـ، المشار إليها.
[606] وذلك لأن الأصل أنه لا يجوز تشريح جثة الإنسان الميت، لأن فيه هتكاً لحرمته، ولكنه مباح لأغراض تتحقق بها مصالح راجحة يقرها الشرع.
[607] دار الإفتاء المصرية. فتوى مؤرخة في 2/2/1972م. الفتاوى الإسلامية، المجلد 7، ص2505.
[608] دار الإفتاء المصرية. فتوى مؤرخة في 14/4/1959م. الفتاوى الإسلامية، المجلد 7، ص2552. وكان المفتي فضيلة الشيخ حسن مأمون، وهو ما أفتى به الشيخ أحمد هريدي في 23/10/1996م برقم 993.
[609] القانون المصري رقم 274 لسنة 1959م. مع العلم بأن القرنية تبقى حية حتى بعد موت القلب إلى غاية 12 ساعة في درجة حرارة عادية. و48 ساعة في غرفة باردة، و4 أيام كاملة بطريقة "ماكاري كوفمان".
[610] هيئة كبار العلماء بالسعودية قرار رقم 62، مؤرخ في 25/10/1398هـ.
وعلى إثر هذه الفتوى تم في المملكة العربية السعودية استئصال 254 قرنية من المتبرعين المتوفين دماغياً، وتمت زراعتها بنجاح تام من سنة 1986م إلى سنة 1997م. انظر التقرير السنوي 1997م للمركز السعودي لزراعة الأعضاء، الرياض، ص61.
[611] انظر لاحقاً فقرة 119 وما بعدها.
[612] د. بلحاج العربي. أخلاقيات المهنة الطبية في الفقه الإسلامي، بحث مقدم لملتقى الطب والقانون، جامعة سيدي بلعباس (الجزائر)، مذكور سابقاً، د. أمين محمد البطوش. الحكم الشرعي لاستقطاع الأعضاء وزرعها تبرعاً أو بيعاً، مذكور سابقاً، ص327 – 328.
[613] د. أمين محمد البطوش. الحكم الشرعي لاستقطاع الأعضاء وزرعها تبرعاً أو بيعاً، مذكور سابقاً، ص320.
[614] القرافي. الفروق، ج1، ص195، وكذا ص140.
[615] رواه ابن ماجة (ج1، ص416)، والترمذي (ج5، ص75).
[616] د. محمد علي البار. هل هناك طب نبوي، ص354.(171/197)
[617] الإجماع الطبي المعاصر يقوم على أساس جعل مفهوم موت الدماغ مساوياً لموت القلب، ولكنه لا يحكم شرعاً بموت المتوفى دماغياً إلا بعد توقف التنفس والقلب توقفاً تاماً ونهائياً بعد رفع الأجهزة المركبة على جسمه. انظر قرار مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثالثة المنعقدة في عمان في شهر أكتوبر 1986م، وقرار المجمع الفقهي الإسلامي في دورته العاشرة المنعقدة في مكة المكرمة في شهر أكتوبر 1987م.
[618] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. فتوى رقم 12086، بتاريخ 20/6/1409هـ لجنة مكونة على الأقل من ثلاثة أطباء اختصاصيين خبراء في أجهزة الإنعاش والطب الشرعي.
[619] عصمت الله محمد. الانتفاع بأجزاء الآدمي في الفقه الإسلامي، ص128 و129.
[620] عصمت الله محمد. نفس المرجع، ص129.
[621] رواه البخاري، رقم 4935، ج5، ص2005، ومسلم، رقم 1341، ج2، ص978.
[622] د. محمد علي البار. علم التشريح عند المسلمين، ص51.
[623] د. عبدالله باسلامة. رؤية إسلامية لقضايا طبية، ص235.
[624] سورة الإسراء، من الآية 85.
[625] د. محمد علي البار. خلق الإنسان بين الطب والقرآن، ص197، وللمؤلف نفسه: الوجيز في علم الأجنة القرآني، ص53، هل هناك طب نبوي ؟، ص173، انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر، ص19 وما بعدها.(171/198)
[626] من المعروف طبياً أن الخلايا العصبية المأخوذة من الجنين تستخدم الآن لعلاج بعض الأمراض المستعصية. وقد أجمع الفقهاء أنه لا يوجد ما يمنع شرعاً من نقل خلايا الجنين العصبية وزرعها في جهاز عصبي أو دماغ لإنسان محتاج مادام ذلك ضمن الشروط الشرعية التي يفرضها التطبيق السليم لقاعدة الترجيح بين المفاسد والمصالح، انظر د. مختار المهدي. زراعة خلايا الدماغ، ص9، د. محمد علي البار. التجارب على الأجنة المجهضة، ص9 وما يليها، د. محمد نعيم ياسين. أبحاث فقهية في قضايا طبية معاصرة، ص123، د. زياد أحمد سلامة. أطفال الأنابيب بين العلم والشريعة، ص214 وما بعدها، د. محمد أيمن صافي. غرس الأعضاء في جسم الإنسان، ص11 وما يليها.
[627] د. محمد نعيم ياسين. المرجع السابق، ص119، د. محمد علي البار. التجارب على الأجنة المجهضة، ص9 وما يليها، د. عبدالله باسلامة. رؤية إسلامية لقضايا طبية، ص235 وما بعدها.
[628] د. مأمون الحاج. البويضات الملقحة الزائدة عن الحاجة، ص452، د. زياد أحمد سلامة. أطفال الأنابيب، ص214، د. محمد علي البار. أخلاقيات التلقيح الصناعي، ص104، د. عبدالله باسلامة مصير الأجنة في البنوك، الكويت 18/4/1987م. د. حسان حتحوت. استخدام الأجنة في البحث والعلاج، الكويت، أكتوبر 1989م.
[629] د. عبدالله باسلامة. رؤية إسلامية لقضايا طبية، ص235 وما يليها، د. محمد نعيم ياسين، المرجع المذكور ص119.
[630] د. نجم عبدالواحد. إجهاض الأجنة المريضة وراثياً أو المشوهة خلقياً، مجلة المجتمع، عدد 935، 3/10/1989م، د. محمد علي البار. الوجيز في علم الأجنة القرآني، ص83 وما بعدها، وللمؤلف نفسه التجارب على الأجنة، 9 وما يليها وانظر أيضاً المجلة السعودية (باللغة الإنجليزية) 1991م العدد 12، ص280.
[631] د. محمد نعيم ياسين. المرجع السابق ص119.(171/199)
[632] القرارات 56، 57، 58، 59 و60 الصادرة عن المجمع الفقهي الإسلامي أباحت استخدام الأجنة مصدراً لزراعة الأعضاء وزراعة خلايا المخ والجهاز العصبي والبويضات الملقحة الزائدة عن الحاجة.
[633] د. محمد نعيم ياسين. المرجع المذكور، ص120 وما يليها، د. محمد علي البار. التجارب على الأجنة المجهضة، ص9 وما بعدها، زياد أحمد سلامة. أطفال الأنابيب، ص214 وما يليها.
[634] الشيخ يوسف القرضاوي. فتاوى معاصرة، ج2، ص540، د. أحمد الجابري. الجديد في الفتاوى الشرعية للأمراض النسائية والعقم، ص77، وما يليها، د. محمد علي البار. زرع الغدد والأعضاء التناسلية. ص7، د. طلعت أحمد القصبي. نقل الأعضاء التناسلية، ص4، د. محمد أيمن صافي. غرس الأعضاء في جسم الإنسان، ص13 وما بعدها.
[635] د. مأمون الحاج. البويضات الملقحة الزائدة عن الحاجة، ص452 – 455.
[636] د. عادل عبدالمجيد. حكم الرحم المؤجر في الشريعة الإسلامية، الكويت، 1981م.
[637] الشيخ محمد مأمون. طفلة الأنابيب، جريدة الجمهورية القاهرية، 3/8/1978م، الشيخ جاد الحق. التلقيح الصناعي، الفقه الإسلامي ومرونته، ص258، د. عمر فاروق الفحل. التلقيح الصناعي، مجلة المحامون، 1988م، ص45، زياد أحمد سلامة. المرجع السابق، ص221، د. محمد علي البار. خلق الإنسان بين الطب والقرآن، ص538.
[638] انظر لاحقاً حكم وضع الأجنة في البنوك فقرة 101.
[639] د. حسان حتحوت. استخدام الأجنة في البحث والعلاج، الكويت، 1989م، د. محمد علي البار. الموقف الفقهي والأخلاقي من قضية زرع الأعضاء، ص194.
[640] تستخدم الأجنة في زرع الأعضاء بدلاً من أعضاء أطفال أو بالغين، حيث ثبت طبياً أن أعضاء الأجنة أكثر ملاءمة للزرع، كاستخدامها في زرع خلايا المخ من الجهاز العصبي للجنين، ونخاع العظام، وخلايا الكبد، وخلايا الكلى، وخلايا بعض الأنسخة وغيرها.(171/200)
[641] إذا كان الجنين قابلاً لاستمرار الحياة، فيجب شرعاً أن يتجه العلاج الطبي إلى إنقاذه واستبقاء حياته والمحافظة عليها. انظر القرار رقم 56 لسنة 1990، وكذا القرار 58 لسنة 1990م لمجمع الفقه الإسلامي في دورته السادسة المنعقدة بجدة في شهر مارس 1990م.
[642] د. عبدالله باسلامة. رؤية إسلامية لقضايا طبية، ص29.
[643] د. مختار المهدي. زراعة خلايا الدماغ، ص9 وما يليها.
[644] حسن فتحي. نجاح إستنساخ الأجنة، إنجاز أم دمار يهدد الإنسانية، صحيفة الرأي العام الكويتية، العدد 10858، يوم الجمعة 14/3/1997م، د. فايز الكندري. مشروعية الاستنساخ الجيني البشري من الوجهة القانونية، مجلة الحقوق، 1998م. العدد 2، ص824 وما بعدها.
[645] انظر قرار المجمع الفقهي الإسلامي بشأن الاستنساخ في الدورة العاشرة المنعقدة بجدة عام 1418هـ، د. وهبة الزحيلي، الاستنساخ عبث يؤدي إلى الاحلال في العلاقات الأسرية، مجلة الشقائق، العدد 14، ص14 و15، د. محمد النبهان. الضوابط الإسلامية لتقنيات الإنجاب والهندسة الوراثية، مجلة منار الإسلام، عدد محرم 1419هـ (مايو 1998م)، ص68 وما يليها، د. رضا عبدالحكيم رضوان. الاستنساخ الآدمي معلقاً عليه بحقائق الشريعة الإسلامية، مجلة الوعي الإسلامي، العدد 383، رجب 1418هـ (نوفمبر 1997م)، ص48 وما بعدها، صلاح محمد شهاب الدين. الاستنساخ البشري بين الوهم والحقيقة، مجلة منار الإسلام، عدد نوفمبر 1998م، ص54 وما يليها. انظر لاحقاً حكم استنساخ الميت، فقرة 147 وما يليها.
[646] ومن ذلك أنه تم العثور على 1208 أجنة فائضة مهملة في ثلاجة مستشفى. انظر زياد أحمد سلامة. أطفال الأنابيب، ص266.
[647] الكاساني. بدائع الصنائع، ج5، ص130، العبدري. التاج والإكليل، ج2، ص254، الرملي. نهاية المحتاج، ج3، ص39، ابن قدامة. المغني، ج2، ص413، ابن حزم. المحلى، ج5، ص167، الشوكاني. السيل الجرار، ج1، ص336.(171/201)
[648] د. محمد علي البار. علم التشريح عند المسلمين، ص44، عصمت الله محمد. الانتفاع بأجزاء الآدمي، ص121، د. أحلام أحمد العوضي. خروج الأحياء من الأموات، ص30 وما بعدها.
[649] النووي. المجموع شرح المهذب، ج5، ص301.
[650] ابن قدامة. المغني، ج2، ص413 – 414.
[651] ابن حزم. المحلى، ج5، ص167.
[652] الخطيب الشربيني. مغني المحتاج، ج1، ص207.
[653] ابن عابدين. رد المحتار على الدر المختار، ج1، ص628.
[654] سورة المائدة، من الآية 32.
[655] دار الإفتاء المصرية. فتوى رقم 88، ج212، ص313.
[656] الشيخ جاد الحق. الفتاوى الإسلامية، مجلد 10، ص3713، الشيخ متولي الشعراوي. 100 سؤال وجواب، ج1، ص79، د. بلحاج العربي. حكم الشريعة الإسلامية في أعمال الطب والجراحة المستحدثة، ص64، د. محمد علي البار. علم التشريح عند المسلمين، ص44. غير أنه إذا دار الأمر بين موت الجنين وموت الأم، كان بقاؤها أولى لأنها أصله، إذ إنه ليس من المعقول أن نضحي بالأم في سبيل الجنين الذي لم تتأكد حياته. الشيخ شلتوت. الفتاوى، ص290، الشيخ جاد الحق. الفقه الإسلامي، ص211، الشيخ القرضاوي. الحلال والحرام، ص195.
[657] سورة الروم، من الآية 19.
[658] سورة آل عمران، من الآية 27.
[659] سورة يونس، من الآية 31.
[660] سبق تخريجه.
[661] الكاساني. بدائع الصنائع، ج5، ص129، الخرشي على مختصر خليل، ج2، ص145.
[662] ابن نجيم. الأشباه والنظائر، ج2، ص88.
[663] ابن حزم. المحلى، ج5، ص166، الشوكاني. السيل الجرار، ج1، ص336، الطوري. تكملة البحر الرائق، ج8، ص233.
[664] ابن حزم. المحلى، ج5، ص166.
[665] حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، ج1، ص429، الشيخ البهوتي. كشاف القناع، ج2، ص145، الرملي. نهاية المحتاج، ج3، ص39، علي جفال. المسائل الطبية المعاصرة وموقف الفقه الإسلامي منها، ص30 وما يليها.
[666] سورة التغابن، من الآية 16.
[667] العبدري. التاج والإكليل، ج2، ص253.(171/202)
[668] الرملي. نهاية المحتاج، ج2، ص145، المرداوي، الإنصاف، ج2، ص554.
[669] النووي. المجموع، ج5، ص300.
[670] الخطيب الشربيني. مغني المحتاج، ج1، ص300.
[671] فلا يشق بطن الميت شرعاً إلا عند عدم وجود من يلتزم بدفع قيمة المال أو مثله، لأن حرمة الميت (حق لله تعالى) هي أعظم درجة من حرمة المال (حق العباد).
[672] د. محمد علي البار. علم التشريح عند المسلمين، ص45.
[673] د. محمد علي البار. المرجع نفسه، ص45.
[674] الشيخ جاد الحق. الفتاوى الإسلامية، مجلد 10، ص3713، الشيخ الشعراوي 100 سؤال وجواب، ج1، ص79، د. أحمد شرف الدين. الأحكام الشرعية للأعمال الطبية، ص206.
[675] أخرجه أبو داود في سننه (ج2، ص69) وقواه النووي في المجموع وقال سنده حسن (ج5، ص300)، وهو حديث صحيح (الألباني. أحكام الجنائز، ص233).
[676] عصمت الله محمد. الانتفاع بأجزاء الآدمي، ص118.
[677] ولهذا جاء في كتب بعض الحنابلة أنه يحرم قطع شيء من أطراف الميت وإتلاف ذاته وإحراقه ولو أوصى به. انظر كشاف القناع، ج2، ص127.
[678] انظر سنن ابن ماجة، ج1، ص492.
[679] أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً.
[680] سورة الإسراء، من الآية 70.
[681] ابن قدامة. المغني، ج2، ص407 و408.
[682] الميت المسلم يدفن حيث مات. الشيخ عبدالعزيز بن باز. من أحكام الجنائز، ص61. والسنة العملية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام أن يدفن الموتى في مقابر البلد الذي ماتوا فيه. هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، فتاوى إسلامية، ج2، ص15 و16.
[683] الشيخ البهوتي. كشاف القناع، ج2، ص132.
[684] فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله، من أحكام الجنائز، ص55.
[685] سورة التغابن، من الآية 16.(171/203)
[686] ذكر بعض الفقهاء بأنه يحرم المثلة بالجثة، وقطع شيء من أطراف الميت، وإتلاف ذاته، وإحراقه، ولو أوصى به. انظر الشيخ البهوتي. كشاف القناع، تعليق الشيخ هلال، ج2، ص127، وقال البعض الآخر بأن حقوق الشخص على جثته هي حقوق شرعية خالصة لله تعالى فلا يجوز إسقاطها أو التنازل عنها. انظر القرطبي. الجامع لأحكام القرآن، ج2، ص102، القرافي. الفروق، ج1، ص195، الخطيب الشربيني. مغني المحتاج، ج10، ص248، ابن حزم. المحلى، ج1، ص1118، محمد المواق. التاج والإكليل، ج2، ص254.
[687] د. حمدي عبدالرحمن. معصومية الجسد، ص110 وما يليها، د. حسام الأهواني. المشاكل القانونية التي تثيرها عمليات زرع الأعضاء، ص116، الشيخ محمد أبو زهرة. الولاية على النفس، ص54 وما يليها.
[688] د. محمد نعيم ياسين. أبحاث فقهية في قضايا طبية معاصرة، ص176.
[689] الشيخ علي الخفيف. مدى تعلق الحقوق بالتركة. مجلة القانون والاقتصاد، 1944م. العدد 1 و 2، ص81 وما بعدها، د. أحمد شرف الدين. الأحكام الشرعية للأعمال الطبية، ص150، د. أحمد شوقي أبو خطوة. القانون الجنائي والطب الحديث، ص205 وما يليها، د. أمين محمد البطوش. الحكم الشرعي لاستقطاع الأعضاء وزرعها. مذكور سابقاً، ص335.
[690] ابن قدامة. المغني، ج6، ص73، ابن حزم. المحلى، ج1، ص124، الحطاب. مواهب الجليل، ج4، ص25، عبدالرحمن الجزيري. الفقه على المذاهب الأربعة، ج3، ص438.
[691] د. بلحاج العربي. أبحاث ومذكرات في القانون والفقه الإسلامي، ج1، ص176.
[692] سورة الإسراء، من الآية 70.
[693] الشيخ جاد الحق. الفقه الإسلامي ومرونته، ص248، د. محمد نعيم ياسين. التبرع بالأعضاء في ضوء القواعد الشرعية، مجلة الحقوق، 1988م، العدد 3، لجنة الفتوى بالأزهر. فتوى في 5/12/1979م. الفتاوى الإسلامية، المجلد 10، ص3714.
[694] د. أحمد شوقي أبو خطوة. القانون الجنائي والطب الحديث، ص205 و206.(171/204)
[695] د. أحمد شوقي أبو خطوة. المرجع نفسه، ص205.
[696] الشيخ محمد أبو زهرة. الولاية على النفس، ص54 و70.
[697] د. محمد نعيم ياسين. أبحاث فقهية في قضايا طبية معاصرة، ص176، ندى الدقر. موت الدماغ، ص205 وما يليها، د. بلحاج العربي. حكم الشريعة الإسلامية في أعمال الطب والجراحة المستحدثة، مذكور سابقاً، ص74.
[698] د. بدران أبو العينين بدران. المواريث والوصية والهبة، ص131 وما يليها، د. بلحاج العربي. الوجيز في شرح قانون الأسرة الجزائري، ج2، ص253 وما يليها.
[699] بأن تكون كتابية وعليها شهادة الشهود. غير أنه إكتفت معظم البلدان بالبطاقة التي يوافق فيها الشخص والتي يحملها معه، بما يسمح للأطباء سرعة الوصول إلى قرار في حالة موت دماغه.
[700] الشيخ يوسف القرضاوي. فتاوى معاصرة، ج2، ص535، د. أحمد شوقي أبو خطوة. القانون الجنائي والطب الحديث، ص205 وما بعدها، الشيخ جاد الحق. الفقه الإسلامي ومرونته، ص248.
[701] د. أحمد شرف الدين. الأحكام الشرعية للأعمال الطبية، ص148، د. محمد نعيم ياسين. بحوث فقهية في قضايا طبية معاصرة، ص176، د. حسام الأهواني. المشاكل القانونية التي تثيرها عمليات زرع الأعضاء، ص116 وما يليها المؤلف نفسه تعليق على القانون الفرنسي رقم 1181 لسنة 1976 بشأن نقل الأعضاء البشرية وزرعها مجلة الحقوق، 1978م، العدد 2، ص369 وما يليها.
[702] سورة البقرة، الآية 195.
[703] فتوى الشيخ جاد الحق، رقم 1323 في 5/12/1979م. المجلد 10، ص3704، قرار المجمع الفقهي الإسلامي في دورته الثامنة المنعقدة في مكة المكرمة من 19 – 28 يناير 1985م، لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، فتوى مؤرخة في 8/8/1985م. الموسوعة الفقهية، ص92، فقرة 151.(171/205)
[704] وهو ما جاء أيضاً في القانون الفرنسي الصادر في 15/11/1887م الخاص بحماية الجثة وتنظيم الجنازة، والقانون الفرنسي رقم 1181 لسنة 1976م المتعلق بنقل وزرع الأعضاء البشرية وزرعها في مادته 2/1. ويراقب المجلس الوطني لأخلاقيات العلوم الطبية بالجزائر احترام المبادئ الأخلاقية والعلمية التي تحكم الممارسات الطبية، وفقاً للمادة 168 من القانون الطبي الجزائري رقم 17190 لسنة 1990م.
[705] الشيخ يوسف القرضاوي. فتاوى معاصرة، ج2، ص535.
[706] د. أحمد شرف الدين. زراعة الأعضاء والقانون، مجلة الحقوق، 1997م، العدد 2، ص173 وما يليها، د. حسام الدين الأهواني. المشاكل القانونية التي تثيرها عمليات زرع الأعضاء البشرية، مجلة العلوم القانونية والاقتصادية، 1975م، ص215، د. أحمد شوقي أبو خطوة. القانون الجنائي والطب الحديث، ص208، د. أمين محمد البطوش. الحكم الشرعي لاستقطاع الأعضاء وزرعها تبرعاً أو بيعاً، مذكور سابقاً، ص342، ندى الدقر. موت الدماغ بين الطب والإسلام، ص205 وما بعدها.
[707] مجلة اتحاد الجامعات العربية، العدد 4، أكتوبر 1996م، ص183.
[708] فالجسم الحي أولى بالرعاية شرعاً من الجثة التي مصيرها التحول إلى رفات.
[709] د. حسام الدين الأهواني. تعليق على القانون الفرنسي رقم 1181 لسنة 1976م بشأن نقل الأعضاء البشرية وزرعها، مذكور سابقاً، ص368 و369.
[710] هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية. قرار رقم 47، بتاريخ 20/8/1396هـ، وقرار رقم 62 مؤرخ في 25/10/1398هـ.
[711] د. محمد نعيم ياسين. حكم بيع الأعضاء الآدمية، مجلة الحقوق، 1987م، العدد 1، ص245.(171/206)
[712] لا يجوز شرعاً أن يكون استقطاع الأعضاء الآدمية ولا زرعها موضوع معاملة مالية. الشيخ القرضاوي. فتاوى معاصرة، ج2، ص534، د. محمد نعيم ياسين. أبحاث فقهية في قضايا طبية معاصرة، ص176، د. بلحاج العربي. حكم الشريعة الإسلامية في أعمال الطب والجراحة المستحدثة، ص71، د. محمد علي البار. الموقف الأخلاقي والفقهي من قضية زرع الأعضاء، ص194 وما بعدها.
[713] الشيخ القرضاوي. فتاوى معاصرة، ج2، ص535.
[714] أخرجه البخاري وأحمد والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة.
[715] رواه مسلم، انظر مختصر صحيح مسلم للحافظ المنذري، رقم 1373.
[716] الشيخ يوسف القرضاوي. فتاوى معاصرة، ج2، ص539، لجنة الفتوى بالأزهر. فتوى في 23/3/1980م، الفتاوى الإسلامية، المجلد 9، ص3227، مجمع الفقه الإسلامي. قرار رقم 59 لسنة 1990م، د. محمد علي البار. زرع الأعضاء التناسلية، ص7 وما يليها، د. طلعت القصبي. نقل الأعضاء التناسلية في المرأة، ص4 و5، الشيخ عبدالله بن جبرين. الفتاوى الإسلامية، ج3، ص325 – 326.
[717] الشيخ يوسف القرضاوي. فتاوى معاصرة، ج2، ص540.
[718] د. عبدالقيوم صالح. زراعة الأعضاء في ضوء الشريعة الإسلامية، مذكور سابقاً، ص45. الشيخ يوسف القرضاوي. فتاوى شرعية مجلة منار الإسلام، عدد محرم 1419هـ، ص44 وما بعدها.
[719] هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية. قرار رقم 62 مؤرخ في 25/10/1398هـ، دار الإفتاء المصرية، فتوى رقم 1087 في 14/4/1959م، وفتوى رقم 1069 في 2/2/1972م.
[720] د. بلحاج العربي. حكم الشريعة الإسلامية في أعمال الطب والجراحة المستحدثة، ص69.
[721] د. محمد علي البار. الفشل الكلوي وزرع الأعضاء، ص154، الطبيب أدبه وفقهه، ص224 و225.
[722] لجنة الفتوى بالأزهر الشريف. فتوى مؤرخة في 8/8/1985م.(171/207)
[723] المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي في دورته العاشرة المنعقدة في مكة المكرمة عام 1408هـ، اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء بالمملكة العربية السعودية. فتوى رقم 6619، بتاريخ 15/2/1404هـ.
[724] د. فيصل شاهين و د. محمد سوقية. تعريف الموت من الناحية الطبية، ص20، د. محمد علي البار. ما الفرق بين الموت الإكلينيكي والموت الشرعي ؟، ص43.
[725] د. محمد علي البار. الفشل الكلوي وزرع الأعضاء، ص150، د. محمد أيمن صافي. غرس الأعضاء في جسم الإنسان، ص17 وما يليها. وهذه المشكلة تعد محلولة بالنسبة للفقهاء الذين قبلوا موت الدماغ بوصفه مساوياً لموت القلب. أما الفقهاء الذين لم يقبلوا بعد هذا المفهوم، فإنهم في الواقع لا يقبلون نقل الأعضاء سوى الأعضاء التي يمكن نقلها بعد توقف الدورة الدموية مثل القرنية والجلد والعظام والغضاريف.
[726] د. أحمد محمود سعد. زرع الأعضاء بين الحظر والإباحة، ص105 و106، د. محمد عبدالجواد محمد. بحوث في الطب الإسلامي، ص148، د. محمد نعيم ياسين. أبحاث فقهية في قضايا طبية معاصرة، ص177.
[727] لأنه إذا تعطل القلب عن القيام بوظيفته فسدت خلاياه، وخلايا بقية أعضاء الجسم بعد أن يتوقف وصول الدم إلى هذه الخلايا.
[728] د. زهير السباعي و د. محمد علي البار. الطبيب أدبه وفقهه، ص198.
[729] د. محمد نعيم ياسين. أبحاث فقهية في قضايا طبية معاصرة، ص177 وما بعدها.
[730] د. فيصل شاهين و د. محمد سوقية. المرجع السابق، ص21.
[731] د. زهير السباعي و د. محمد علي البار. المرجع المشار إليه. ص198 و199.
[732] من المعروف طبياً، أنه يتم الآن نقل عدد من الأعضاء لمريض واحد. فقد تم زرع قلب وكبد وكلية لامرأة أمريكية عمرها 26 عاماً في مستشفى (بتسبرغ) في الولايات المتحدة الأمريكية في عملية واحدة. انظر "جريدة الشرق الأوسط" في عددها ليوم 5/12/1989م الصفحة الأخيرة.(171/208)
[733] د. محمد علي البار. الفشل الكلوي وزرع الأعضاء، ص224، وكتابه التداوي بالمحرمات، ص80 و81.
[734] د. فيصل شاهين، ود. محمد سوقية. المرجع السابق، ص23.
[735] بهذه الفتاوى ظهر عهد جديد في ميدان الطب، وهو تعريف موت الدماغ طبياً وبداية قبول هذا المفهوم شرعياً. ومن ثم انفتح باب زراعة الأعضاء من المتوفين دماغياً، أمكن إنقاذ مئات المرضى الذين يعانون من فشل نهائي لأعضائهم الحيوية المهمة. د. محمد علي البار. ما هو الفرق بين الموت الإكلينيكي والموت الشرعي، ص44.
[736] د. أحمد شوقي أبو خطوة. القانون الجنائي والطب الحديث، ص219 وما يليها، د. بلحاج العربي. الضمانات القانونية لزرع الأعضاء في القانون الطبي الجزائري، مشار إليه سابقاً، فقرة 25 وما بعدها.
[737] د. أحمد شرف الدين. الأحكام الشرعية للأعمال الطبية، ص73.
[738] الشيخ جاد الحق علي جاد. الفقه الإسلامي ومرونته، ص248.
[739] دار الإفتاء المصرية. فتوى رقم 1069، الفتاوى الإسلامية، المجلد 7، ص2505، لجنة الفتوى بالأزهر فتوى مؤرخة في 8/8/1985م. هيئة كبار العلماء بالسعودية. فتوى رقم 62 في 25/10/1398هـ، لجنة الإفتاء التابعة للمجلس الإسلامي الأعلى في الجزائر. فتوى مؤرخة في 20/4/1972م.
[740] انظر في حق الأولياء. القرافي. الفروق، ج1، ص195، الرملي. نهاية المحتاج، ج3، ص11، د. رياض الخاني. المظاهر القانونية لعمليات نقل القلب وزراعته بأعضاء الجسم البشري، المجلة الجنائية القومية، 1971م. العدد الأول، ص22.
[741] سورة الإسراء، الآية 33.
[742] سورة البقرة، الآية 178.
[743] الشيخ البهوتي. كشاف القناع، تعليق الشيخ هلال، ج2، ص143.
[744] الشيخ جاد الحق. الفقه الإسلامي ومرونته، ص248، د. أنور محمود دبور. أحكام الوصية في الفقه الإسلامي، ص210، د. أحمد محمود سعد. زرع الأعضاء بين الحظر والإباحة، ص120.
[745] لجنة الفتوى بالأزهر، فتوى مؤرخة في 8/8/1985م.(171/209)
[746] الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي. فتاوى معاصرة، ج2، ص537.
[747] هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية. قرار رقم 62 مؤرخ في 25/10/1398هـ.
[748] لابد من موافقة أهل الميت جميعاً وإلا كانت موافقتهم لاغية. مجمع الفقه الإسلامي. قرار رقم (1) د 4/8/88 مؤرخ في فبراير 1988م. دار الإفتاء المصرية. فتوى رقم 1323 في 5/12/1979م.
[749] هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية. فتوى رقم 99 في 6/11/1402هـ.
[750] سورة الأنفال، الآية 25. وقوله سبحانه: والفتنة أشد من القتل (سورة البقرة، الآية 191، 217).
[751] رواه الإمام الرافعي عن أنس بن مالك وأخرجه السيوطي في الجامع الصغير (رقم 5975) وأشار إلى ضعفه.
[752] رواه مالك وأحمد وابن ماجه، وحسنه الإمام النووي في الأذكار.
[753] عمل في منصب وكيل وزارة العدل في المملكة العربية السعودية، ورئيس مجمع الفقه الإسلامي.
[754] د. بكر أبو زيد. فقه النوازل، ج2، ص44 – 46.
[755] د. أحمد شوقي أبو خطوة. القانون الجنائي والطب الحديث، ص221 – 222، عصمت الله محمد. الانتفاع بأجزاء الآدمي في الفقه الإسلامي، ص137.
[756] د. بلحاج العربي. أبحاث ومذكرات في القانون والفقه الإسلامي، ج1، ص176.
[757] د. أحمد شوقي أبو خطوة. القانون الجنائي والطب الحديث، ص219. هذا ولا تثور هذه المسألة في البلدان العربية التي قامت بإلغاء عقوبة القتل من قوانينها الجنائية والعقابية.
[758] المادة الثالثة من القانون المصري رقم 103 لسنة 1962 الخاص بتنظيم بنك العيون. وكان هذا القانون قد ألغى القانون رقم 274 لسنة 1959م والمتعلق بإنشاء بنوك العيون.
[759] د. أحمد شوقي أبو خطوة. القانون الجنائي والطب الحديث، ص218 و219.
[760] المادة 72 من قانون السجون المصري المعدلة بالقانون رقم 119 لسنة 1974م.(171/210)
[761] أفتى مجمع الفقه الإسلامي بمقتضى قراره رقم 60/9/6 في دورته السادسة المنعقدة بجدة في شهر آذار (مارس) 1990م. بأنه يجوز إعادة العضو الذي استؤصل في حد أو قصاص بسبب خطأ في الحكم أو في التنفيذ.
[762] د. أحمد شوقي أبو خطوة. المرجع السابق، ص218.
[763] المادة الثانية من القانون الفرنسي رقم 1181 الصادر في 22/12/1976م والخاص بنقل الأعضاء.
[764] المادة الرابعة من قانون لوكسومبرج الصادر في 17/11/1958م.
[765] المادة الثامنة من القانون التشيكوسلوفاكي رقم 47 لسنة 1966م.
[766] وهو ما يسمونه "الموافقة المفترضة" وهي تعني أن الأطباء يستطيعون القيام باستقطاع بعض أعضاء الميت كالقرنية والكلية، دون الحاجة لموافقة خطية من أهل المتوفى، إلا إذا كان الميت قد عبر عن رفضه لذلك حال حياته.
[767] د. محمد علي البار. الفشل الكلوي وزرع الأعضاء، ص153.
[768] تأثر هذه المادة بالقانون الطبي الفرنسي رقم 1181 لسنة 1976م ظاهر، وهي ترتكز على مرونة فتوى المجلس الإسلامي الأعلى بالجزائر الصادرة بتاريخ 20/4/1972م بشأن زرع الأعضاء.
[769] الشيخ جاد الحق. الفتاوى الإسلامية، فتوى رقم 1323، ص3702.
[770] د. أحمد شوقي أبو خطوة. المرجع السابق، ص220.
[771] انظر القرارات في كتاب الدكتور عبدالله باسلامة. رؤية إسلامية لقضايا طبية، ص124 وما يليها.
[772] الشيخ يوسف القرضاوي. فتاوى معاصرة، ج2، ص537، لجنة الفتوى بالأزهر، فتوى بتاريخ 8/8/1985م. المشار إليها، هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية. فتوى رقم 62 في 25/10/1398هـ لجنة الإفتاء بالأردن. فتوى مؤرخة في 18/5/1977م.
[773] د. بلحاج العربي. حكم الشريعة الإسلامية في أعمال الطب والجراحة المستحدثة، مذكور سابقاً، ص77.
[774] جريدة الأهرام المصرية، 13/6/1986م، ص11.
[775] المركز السعودي لزرع الأعضاء، التقرير السنوي لعام 1997م. الرياض، 1997م.(171/211)
[776] د. أحمد شرف الدين. الأحكام الشرعية للأعمال الطبية، ص74 و80.
[777] دار الإفتاء المصرية. فتوى رقم 173/150 لسنة 1972م.
[778] مجمع الفقه الإسلامي. قرار رقم (1) د 4/8/88 مؤرخ في شهر فبراير 1988م.
[779] الشيخ يوسف القرضاوي. فتاوى معاصرة، ج2، ص537.
[780] الفتاوى الإسلامية، المجلد 7، ص2505. وكان المفتي الشيخ محمد خاطر رحمه الله تعالى.
[781] د. أحمد شرف الدين، الأحكام الشرعية للأعمال الطبية، ص74 و80، د. أحمد محمود سعد. زرع الأعضاء، ص122، الشيخ يوسف القرضاوي. فتاوى معاصرة، ج2، ص537.
[782] العز بن عبدالسلام. قواعد الأحكام في مصالح الأنام، ج1، ص88.
[783] الشيخ جاد الحق. الفقه الإسلامي ومرونته، ص248، فتوى رقم 1323 في 5/12/1979م، الفتاوى الإسلامية، المجلد 10، ص3702، د. شاكر شبير. المقال المذكور، ص22 وما يليها، د. مناع القطان. التبرع بالكلى في ضوء قواعد الفقه الإسلامي، ص9، فتوى الشيخ حسن مأمون في 6 شوال 1378هـ، دار الإفتاء المصرية. سجل 74 رقم 454، ص276، هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية. فتوى رقم 62 مؤرخة في 25/10/1398هـ.
[784] سورة البقرة، الآية 173.
[785] سورة الأنعام، الآية 119.
[786] سورة المائدة، الآية 3.
[787] الشيخ عبدالرحمن السعدي، الفتاوى السعدية، حكم زرع الأعضاء، الفتوى منشورة في كتاب زراعة الأعضاء للدكتور عبدالقيوم صالح، ص58. ويشترط للاستقطاع من جثة المسلم أن يكون المريض مسلماً، غير أنه يجوز شرعاً استبدال عضو من الجسم بآخر من غير المسلم. انظر فتوى الشيخ ابن جبرين. الفتاوى الإسلامية ج3، ص337.
[788] الكاساني. بدائع الصنائع، ج5، ص143، النووي. المجموع. ج9، ص41 وما يليها، ابن قدامة. المغني، ج8، ص602، حاشية الباجوري على شرح ابن قاسم المالكي، ج2، ص302.
[789] النووي. المجموع شرح المهذب. ج9، ص44.
[790] العز بن عبدالسلام. قواعد الأحكام في مصالح الأنام، ج1، ص89 و90.(171/212)
[791] الرملي. نهاية المحتاج، ج2، ص22. فقد أباح بعض الفقهاء القدامى في كتاباتهم استخدام الأسنان والعظام من الموتى في علاج الأحياء.
[792] العز بن عبدالسلام. المرجع السابق، ج1، ص55.
[793] الكاساني. بدائع الصنائع، ج5، ص143، حاشية الدسوقي، ج1، ص395، الشاطبي. الموافقات، ج22، ص322، حاشية الصاوي، ج1، ص301، ابن قدامة. المغني، ج11، ص94، النووي. المجموع، ج9، ص41.
[794] ابن قدامة. المغني، ج11، ص94، د. محمد علي البار. التداوي بالمحرمات. ص48 وما يليها.
[795] د. أحمد شرف الدين. المرجع السابق، ص150، د. وهبة الزحيلي. نظرية الضرورة الشرعية، ص66 – 72.
[796] هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية. فتوى رقم 62 في 25/11/1398هـ. دار الإفتاء المصرية – فتوى رقم 73/1966.
[797] دار الإفتاء المصرية. فتوى رقم 173/1972م، لجنة الفتوى بالأزهر الشريف. فتوى رقم 491 (غير منشورة).
[798] الحديث النبوي الشريف تم تخريجه سابقاً.
[799] ابن حجر العسقلاني. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ج2، ص602، الشيخ محمد بن ناصر الدين الألباني، إرواء الغليل، ج3، ص215، الشيخ جاد الحق. الفتاوى الإسلامية. المجلد 10، ص3713.
[800] وفي رواية ابن ماجة عن أم سلمة، ورد الحديث الشريف بلفظ: كسر عظم الميت ككسر عظم الحي في الإثم: انفرد به ابن ماجة وحسنه السيوطي في الجامع الصغير وشرحه، ج4، ص550، انظر سنن ابن ماجة، ج1، ص492.
[801] د. عبدالرزاق الكيلاني، الحقائق الطبية في الإسلام، ص50.
[802] سورة المائدة، من الآية 32.
[803] رواه مسلم وابن ماجة وأحمد عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه.
[804] د. عبدالرزاق الكيلاني. المرجع المذكور، ص51.
[805] سورة طه، الآية 55.
[806] د. أمين محمد البطوش. الحكم الشرعي لاستقطاع الأعضاء الآدمية وزرعها، مذكور سابقاً، ص336.
[807] د. فيصل شاهين و د. محمد سوقية. تعريف الموت من الناحية الطبية، ص20.(171/213)
[808] أجاز الفقه المعاصر نقل الدم من إنسان إلى إنسان آخر إذا دعت الحاجة إليه وأمن الخطر في نقله، مع كونه نجساً بنص القرآن الكريم في قوله تعالى: "أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا" سورة الأنعام من الآية 145.
[809] أجاز الفقه المعاصر كما ذكرنا سابقاً عمليات التشريح بما فيه من نشر وشق وبتر، إذا كان بهدف التعليم أو بهدف البحث الجنائي.
[810] هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، فتوى رقم 99 بتاريخ 6/11/1402هـ.
[811] الشيخ جاد الحق. فتوى في 5/12/1979م، الفقه الإسلامي ومرونته، ص248، د. أحمد الشرباصي، يسألونك، ج1، ص605، د. أحمد شرف الدين. الأحكام الشرعية للأعمال الطبية، ص204 – 205، د. زكريا الباز. إعطاء الكلى لزراعتها، المجلة الجنائية، 1987م. العدد 1، ص137، د. زهير السباعي، و د. محمد علي البار. الطبيب أدبه وفقهه، ص219 وما يليها.
[812] السرخسي. المبسوط، ج5، ص125، الحطاب. مواهب الجليل، ج1، ص230، وذهب النووي بأنه لا يجوز الانتفاع بأي جزء من أجزاء الآدمي بعد الموت لحرمته وكرامته ويتعين دفنه. انظر المجموع للنووي، ج2، ص560 و563. وهذا لقوله عليه الصلاة والسلام: إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها أو "لا شفاء في نجس"، انظر المجموع للنووي، ج2، ص138 و562.
[813] القرطبي. الجامع لأحكام القرآن، ج2، ص230.
[814] رواه أبو داود والترمذي وحسنه الألباني.
[815] المؤتمر الإسلامي الدولي المنعقد بماليزيا، فتوى في شهر أبريل 1969م، لجنة الفتوى بالأزهر، مجلة الأزهر، المجلد 2، ص744.
[816] فتوى رقم 62 في 25/10/1398هـ بشأن نقل قرنية العين من الميت إلى الحي، وانظر فتوى الشيخ جاد الحق المؤرخة في 5/12/1979م. بجواز أخذ الأعضاء من الموتى وفقاً للضوابط الشرعية.(171/214)
[817] الشيخ الدكتور مناع بن خليل القطان. التبرع بالكلى، مذكور سابقاً، ص6 و7، د. أمين محمد البطوش. الحكم الشرعي لاستقطاع الأعضاء وزرعها، مذكور سابقاً، ص345 وما يليها.
[818] سورة البقرة، من الآية 195.
[819] سورة التوبة، الآية 120.
[820] سورة النحل، الآية 128.
[821] سورة البقرة، من الآية 237.
[822] سورة المائدة، من الآية 32.
[823] أخرجه ابن عساكر، والسنة النبوية المطهرة قد عبرت عن التعاون والتضامن والوحدة الإنسانية ومدى ارتباط المؤمن بأخيه، لقوله صلى الله عليه وسلم: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى (متفق عليه عن النعمان بن بشير).
[824] سورة الحشر، الآية 9.
[825] رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[826] متفق عليه عن ابن عمر رضي الله عنهما.
[827] رواه البخاري، ج1، ص14.
[828] رواه مسلم، ج4، ص199.
[829] سورة المائدة، الآية 2.
[830] مجلة الطليعة، عدد يولية 1977، ص7.
[831] فتوى الشيخ حسن مأمون لنقل عيون الموتى بتاريخ 14/4/1959م (وعلى ضوء هذه الفتوى صدر في مصر القانون رقم 274 لسنة 1959 الذي ينظم بنك العيون وتلقي القرنيات من الموتى)، وفتوى الشيخ محمد خاطر بتاريخ 2/2/1972م. لإباحة سلخ جلد الميت لعلاج حروق الأحياء، وفتوى الشيخ جاد الحق بتاريخ 5/12/1979م لزرع الأعضاء من الموتى، وفتوى الشيخ حريدي بجواز غرس الأعضاء الصادرة سنة 1966م.
[832] فتوى رقم 62 في 25/10/1398هـ لنقل قرنية عين الميت، وفتوى رقم 99 في 6/11/1402هـ بشأن نقل الأعضاء وزرعها. فتوى رقم 65 في 7/2/1399هـ بشأن التبرع بالدم.(171/215)
[833] فتوى بتاريخ 20/4/1972م بشأن نقل الدم وزرع الأعضاء بما فيها زرع الأعضاء من الموتى وعلى ضوء هذه الفتوى صدر في الجزائر القانون رقم 85/5 المؤرخ في 16/2/1985م المعدل والمتمم بالقانون رقم 90/17 المؤرخ في 31/7/1990 الذي نظم نقل الأعضاء وزرعها.
[834] فتوى بتاريخ 18/5/1977م. بشأن نقل وزرع الأعضاء.
[835] فتوى وزارة الأوقاف الكويتية رقم 132/9 لسنة 1980م وتبعها القانون الكويتي الذي ينظم زرع الأعضاء تحت رقم 7 لسنة 1983م.
[836] نقلها عصمت الله محمد. الانتفاع بأجزاء الآدمي، ص280.
[837] فتوى المؤتمر الإسلامي الدولي المنعقد بماليزيا في شهر أبريل 1969م.
[838] في دورته الثامنة في سنة 1985م.
[839] في دورته الرابعة لسنة 1988م بشأن نقل الأعضاء من الحي أو الميت، ودورته السادسة لسنة 1990م. بشأن زراعة خلايا المخ، والبيضات الملقحة الزائدة واستخدام الأجنة في زرع الأعضاء، وزرع الأعضاء التناسلية.
[840] فتوى الشيخ حسنين مخلوف (1950) والشيخ حسن مأمون (رقم 88/249 في 9/6/1959م)، والشيخ محمد خاطر (رقم 105/173 في 3/2/1973م) والشيخ جاد الحق رقم 13/273 في 5/12/1979م.
[841] قرار مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثالثة المنعقدة بعمان في عام 1986م بشأن أجهزة الإنعاش الذي جعل فيه موت الدماغ مساوياً لموت القلب، كان له تأثير كبير على مشاريع زرع الأعضاء من الموتى إلى الأحياء.
[842] د. زكريا الباز. إعطاء الكلى لزراعتها، ص137 وما بعدها، د. عبدالرحمن النجار. مشروعية نقل الكلى، المجلة الجنائية، 1978م، العدد 1، ص101 وما يليها.
[843] د. محمد علي البار. الفشل الكلوي وزرع الأعضاء، ص153 و154، د. زهير السباعي و د. محمد علي البار. الطبيب أدبه وفقهه، ص224 و225، د. أيمن محمد صافي. غرس الأعضاء في جسم الإنسان، ص54.
[844] د. محمد علي البار. الفشل الكلوي وزرع الأعضاء، ص153.(171/216)
[845] فقبل التوصل إلى حل ناجع وحقيقي لهذه الظاهرة التي تعوق عمليات زرع الأعضاء تكون المخاطر دائماً راجحة، لأن الأمر يدخل بالضرورة في مجال التجارب العلمية الطبية، والتجربة تحتمل دائماً النجاح والفشل، انظر د. عبدالقيوم محمد صالح، زراعة الأعضاء في ضوء الشريعة الإسلامية، مشار إليه سابقاً، ص44 و45، د. محمد أيمن صافي. غرس الأعضاء في جسم الإنسان، ص26 وما يليها.
[846] د. أحمد شوقي أبو خطوة. القانون الجنائي والطب الحديث، ص7.
[847] د. بلحاج العربي. الضمانات القانونية لزرع الأعضاء في القانون الطبي الجزائري، مذكور سابقاً، فقرة 30 وما بعدها.
[848] لابد أن يتم تشخيص موت المتوفى من قبل فريق طبي لا علاقة له بفريق زرع الأعضاء (المادة 165 من القانون الطبي الجزائري رقم 90/17 المؤرخ في 31/7/1990).
[849] د. بلحاج العربي. أخلاقيات المهنة الطبية في الفقه الإسلامي، مذكور سابقاً، فقرة 25.
[850] د. فيصل شاهين، و د. محمد سوقية. تعريف الموت من الناحية الطبية، ص23.
[851] دار الإفتاء المصرية، فتوى رقم 88، ج212، ص313.
[852] د. بكر أبو زيد. فقه النوازل، ج2، ص44 – 46، منشورات مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مجلد 14، ص181 – 183 لعام 1988م.
[853] د. محمد علي البار. الطبيب وأدبه وفقهه، ص219.
[854] رواه أبو داود في سننه عن أبي الدرداء، ج4، ص206 و207 (رقم 3874).
[855] سورة فاطر، الآية 22.
[856] أخرجه البيهقي وابن عدي والطبراني وأبو نُعيم وأبو يعلى.
[857] د. محمد علي البار. زرع الجلد ومعالجة الحروق، ص12.
[858] رواه الترمذي وأبو داود والنسائي بإسناد حسن. انظر صحيح الترمذي بشرح ابن العربي المالكي، ج7، ص269، النووي. المجموع شرح المهذب، ج1، ص293.
[859] المجمع الفقهي الإسلامي، في دورته الثامنة، 19 – 28 يناير 1985م في مكة المكرمة.(171/217)
[860] رواه أبو داود وابن ماجة والترمذي وصححه، انظر نيل الأوطار، ج8، ص200. غير أنه يُحرم التداوي بالنجاسات والضفدع والتمائم والرقي. د. محمد علي البار. أحكام التداوي، ص14، وما بعدها، د. عبدالفتاح إدريس. حكم التداوي بالمحرمات، ص225 وما بعدها.
[861] قرار رقم 68/5/7 الصادر عن مجمع الفقه الإسلامي المنعقد بجدة في دورته السابعة بين 9 – 14 مايو 1992م. الشيخ جاد الحق. الفقه الإسلامي، ص245.
[862] الخطيب الشربيني. مغني المحتاج، ج1، ص190.
[863] فتوى المجلس الإسلامي الأعلى بالجزائر مؤرخة في 20/4/1972م. فتوى لجنة الإفتاء بالأردن مؤرخة في 18/5/1977.
[864] د. محمد علي البار. الطبيب وأدبه وفقهه، ص222.
[865] هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، فتوى رقم 15964 في 13/4/1414هـ، دار الإفتاء المصرية، فتوى رقم 173/150 لسنة 1972م وفتوى رقم 73 لسنة 1966، لجنة الفتوى بالأزهر. فتوى مؤرخة في 8/8/1985م.
[866] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية. فتوى رقم 12086 في 30/6/1409هـ.
[867] لجنة الفتوى بالأزهر. فتوى في 5/12/1979م. الفتاوى الإسلامية، المجلد 10، ص3714.
[868] انظر سابقاً، فقرة 91 وما بعدها.
[869] دار الإفتاء المصرية، فتوى رقم 88، ج212، ص313.
[870] لجنة الفتوى بالأزهر. فتوى رقم 491. مجلة الأزهر، المجلد 20، نوفمبر 1962، ص744، د. أحمد الشرباصي. يسألونك، ج1، ص604، د. يوسف القرضاوي، فتاوى معاصرة، ج2، ص538.
[871] لجنة الفتوى بالأزهر. فتوى رقم 491، المشار إليها، الشيخ مناع القطان، التبرع بالكلى في ضوء قواعد الفقه الإسلامي، ص8، د. محمد علي البار. الفشل الكلوي وزرع الأعضاء، ص139 وما يليها.(171/218)
[872] هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية. فتوى رقم 62 في 25/10/1398هـ، دار الإفتاء المصرية. فتوى رقم 73 لسنة 1966، وفتوى رقم 1087، الفتاوى الإسلامية، المجلد 7، ص2552، الشيخ حسنين مخلوف، فتاوى شرعية، ص364، فتوى الشيخ حسن مأمون في 6 شوال 1378هـ، فتوى الشيخ أحمد هويدي في 23/10/1966 برقم 993. فتوى الشيخ المودودي في شهر يناير 1962م. لجنة الإفتاء الجزائرية في 20/4/1972م.
[873] قرار المجمع الفقهي الإسلامي، في دورته الثامنة، المنعقدة في شهر يناير 1985م.
[874] فتوى الشيخ محمد خاطر في عام 1973م. دار الإفتاء المصرية. فتوى رقم 173/150 لسنة 1972 وفتوى رقم 1069، الفتاوى الإسلامية. المجلد 7، ص2505، قرار المجمع الفقهي الإسلامي في دورته الثامنة في شهر يناير 1985م. د. محمد علي البار. زرع الجلد ومعالجة الحروق، ص109 وما يليها.
[875] مجمع الفقه الإسلامي في دورته السادسة المنعقدة عام 1990م.
[876] هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية. فتوى رقم 99 في 6/11/1402هـ. فتوى مؤتمر العالم الإسلامي في سنة 1985م. فتوى المؤتمر الإسلامي الدولي بماليزيا عام 1969، فتوى مجمع الفقه الإسلامي في دورته الرابعة عام 1988م. فتوى الشيخ جاد الحق في 5/12/1979م. برقم 1323، الفتاوى الإسلامية، ص3702، قرار المجمع الفقهي الإسلامي في دورته الثامنة في شهر يناير 1985م، فتوى وزارة الأوقاف الكويتية في سنة 1980م. المجلس الجزائري الأعلى للفتوى، فتوى في 20/4/1972م. لجنة الإفتاء الأردنية، فتوى في 18/5/1977م فتوى الشيخ أحمد هويدي في سنة 1966م، فتوى الشيخ يوسف القرضاوي. فتاوى معاصرة، ج2، ص537، مجلة منار الإسلام، محرم 1419هـ، ص44، د. محمد سعيد رمضان البوطي. بحث لمجمع الفقه الإسلامي في دورته الرابعة بجدة عام 1408هـ.(171/219)
[877] هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية. فتوى رقم 47 في 20/6/1396هـ، دار الإفتاء المصرية فتوى رقم 639، الفتاوى الإسلامية، ص1331.
[878] مجمع الفقه الإسلامي في دورته الرابعة المنعقدة عام 1988.
[879] د. محمد أيمن صافي. غرس الأعضاء في جسم الإنسان، ص5. إن العمليات الجراحية التي أجريت منذ العام 1987م يقرب من 200 عملية زرع عصبية في عدد من بلدان العالم. مجلة منار الإسلام، عدد نوفمبر 1998م، ص69.
[880] أول عملية زرع كبد في الإنسان وقعت سنة 1964م وعاش بعدها المريض لمدة 16 يوماً، ثم توالى بعد ذلك إجراء عمليات نقل وزرع الكبد، ففي سنة 1974 تم إجراء 227 عملية زرع كبد في كثير من الدول، انظر سامي عزيز. من أجل آلاف المرضى زرع الكبد، مجلة الدوحة، مايو 1985م، العدد 113، ص60.
[881] يتم في مستشفى ميامي بفلوريدا بالولايات المتحدة الأمريكية زرع الأمعاء الدقيقة بخبرة 3 سنوات، انظر مجلة المستجدات الطبية، جوان (حزيران) 1998م. العدد 4، ص18.
[882] الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي. فتاوى معاصرة، ج2، ص539 – 540.
[883] د. محمد علي البار. سياسة تحديد النسل في الماضي والحاضر ووسائله، ص341، مجمع الفقه الإسلامي. قراره في دورته السادسة المنعقدة بجدة عام 1990م.
[884] الشيخ يوسف القرضاوي. فتاوى معاصرة، ج2، ص540، عمر لطفي العالم. بعد عمليات زرع الدماغ ما موقف القانون ؟، مجلة منار الإسلام، عدد نوفمبر 1998م، ص70.
[885] د. محمد علي البار. زرع الأعضاء التناسلية، ص7 وما يليها، د. طلعت القصبي، نقل الأعضاء التناسلية في المرأة وزرعها، ص4 و5، د. عبدالله باسلامة. رؤية إسلامية لقضايا طبية معاصرة، ص119، مجمع الفقه الإسلامي. قرار رقم 59 لسنة 1990م في دورته 6 المنعقدة بجدة.
[886] الشيخ يوسف القرضاوي. فتاوى معاصرة، ج2، ص538.
[887] سورة التوبة، الآية 28.(171/220)
[888] فيجوز شرعاً نقل القلب من جثة غير المسلم إذا دعت إليه الضرورة، وزرعه في جسم المسلم الحي، لأنه مجرد عضو كسائر الأعضاء، وهذا لا علاقة له بالمعنى الروحي المتعلق بكفر الشخص أو إسلامه.
[889] سورة الأعراف، الآية 179.
[890] سورة الحج، الآية 46.
[891] هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية. قرار رقم 62 مؤرخ في 25/10/1398هـ.
[892] الفتاوى الإسلامية، المجلد 7، ص2552، وكان المفتي فضيلة الشيخ حسن مأمون.
[893] الفتاوى الإسلامية، المجلد 7، ص2505، وكان المفتي فضيلة الشيخ محمد خاطر، مع العلم بأن الطبقات السطحية للجلد تبقى حية لمدة أقصاها 12 ساعة في درجة حرارة عادية.
[894] قرار رقم (5) د. 3/7/1986 في دورته الثالثة المنعقدة بعمان في أكتوبر 1986م.
[895] قرار رقم (1) د 4/8/1988 في دورته الرابعة المنعقدة بجدة في فبراير 1988م.
[896] قرار رقم 56/5/6 في دورته السادسة المنعقدة بجدة في شهر مارس 1990م.
[897] قرار رقم 57/6/6 في دورته السادسة المنعقدة بجدة في شهر مارس 1990م.
[898] قرار رقم 58/7/6 في دورته السادسة المنعقدة بجدة في شهر مارس 1990م.
[899] قرار رقم 59/8/6 في دورته السادسة المنعقدة بجدة في شهر مارس 1990م.
[900] قرار رقم 60/9/6 في دورته السادسة المنعقدة بجدة في شهر مارس 1990م.
[901] قرار رقم 68/5/7 في دورته السابعة المنعقدة بجدة في شهر مارس 1992م.
[902] في دورته الثامنة المنعقدة بمكة المكرمة في شهر يناير 1985م.
[903] العاشرة المنعقدة بمكة المكرمة في شهر أكتوبر 1985م.
[904] في دورته العاشرة المنعقدة بمكة المكرمة في شهر أكتوبر 1987م.(171/221)
[905] إن الأعضاء بعد أخذها من الجثة، وبقائها بعد تبريدها بواسطة محلول مثلج بالدفق المحدد، يمكنها أن تبقى حية لمدة أطول كالدماغ لدقائق معدودة، والقلب لساعتين، والكلى 72 ساعة، والكبد 8 ساعات، والبنكرياس 12 ساعة، والجلد لأسابيع، والعظام لأسابيع، وربما أشهر، والقرنية لغاية 4 أيام، والرئتين لمدة أقصاها 30 دقيقة، كما يمكن نقلها بسرعة بالطائرة من بلد إلى بلد آخر، واستخدامها لإنقاذ شخص آخر يوشك أن يحتضر. انظر د. محمد علي البار. الفشل الكلوي وزرع الأعضاء، ص155.
[906] دار الإفتاء المصرية، فتوى رقم 73 لسنة 1966م.
[907] الشيخ محمد حسنين مخلوف. فتاوى شرعية، ص364.
[908] سيد عبدالعاطي، سوق لبيع لحوم البشر، مجلة الجديدة، 1997م، العدد 4، د. محمد علي البار. الفشل الكلوي وزرع الأعضاء، ص144 و145.
[909] المحتالون يتزايدون لتهريب الأعضاء من سيريلانكا وبنجلاديش وتركيا والهند والبرازيل والصومال وإثيوبيا وأريتريا والسودان وغيرها.
[910] لمزيد من جرائم عصابات الأعضاء انظر د. محمد علي البار. الفشل الكلوي، ص143 وما بعدها.
[911] الشيخ جاد الحق. الفقه الإسلامي، ص259، حكم التلقيح الصناعي، الفتاوى الإسلامية، مجلد 9، ص3213، الشيخ محمد مأمون. طفل الأنابيب، صحيفة الجمهورية المصرية، 3/8/1978م. الشيخ محمد شلتوت، الفتاوى، ص289، الشيخ يوسف القرضاوي. فتاوى معاصرة، ص186، د. محمد علي البار. أخلاقيات التلقيح الصناعي. ص112، د. محمد نعيم ياسين. بحوث فقهية في قضايا طبية، ص126، د. عبدالله باسلامة. رؤية إسلامية، ص129، مصير الأجنة في البنوك، الكويت 18/4/1987م.
[912] الإمام الغزالي. إحياء علوم الدين، كتاب النكاح، ص47، ابن رشد. بداية المجتهد، ج2، ص348، ابن حزم، المحلى، ج11، ص35، حاشية الدسوقي، ج4، ص268.
[913] د. محمد علي البار. خلق الإنسان بين الطب والقرآن، ص538 وما بعدها.(171/222)
[914] د. محمد علي البار. أخلاقيات التلقيح الصناعي، ص113 – 114.
[915] د. عادل عبدالمجيد. حكم الرحم المؤجر في الشريعة الإسلامية، بحث مقدم للمؤتمر الطبي الإسلامي الدولي، الكويت، 1981م.
[916] د. زيادة أحمد سلامة. أطفال الأنابيب، ص207 وما بعدها.
[917] د. عبدالله باسلامة. مصير الأجنة في البنوك، بحث مقدم لندوة الرؤية الإسلامية لبعض الممارسات الطبية، الكويت، أبريل 1987م.
[918] الشيخ جاد الحق. الفقه الإسلامي، ص258، الشيخ شلتوت. الفتاوى، ص325، الشيخ الشعراوي. الفتاوى، ص117، الشيخ يوسف القرضاوي. الحلال والحرام، ص219، الشيخ محمد مأمون. طفل الأنابيب، جريدة الجمهورية القاهرية، 3/8/1987م، د. فارق الفحل. التلقيح الصناعي والقانون. مجلة المحامون، ص1988م، السنة 52، ص245.
[919] د. محمد علي البار. خلق الإنسان بين الطب والقرآن، ص538 وما بعدها، د. أحمد عمرو الجابري. الجديد في الفتاوى الشرعية للأمراض النسائية والعقم، ص77 وما بعدها.
[920] د. بلحاج العربي. حكم الشريعة الإسلامية في أعمال الطب والجراحة المستحدثة، ص58 وما بعدها.
[921] المنعقدة بعمان (الأردن) في شهر أكتوبر 1986م.
[922] من دورته الأولى لعام 1398هـ حتى الدورة الثامنة لعام 1405هـ.
[923] فتوى الأزهر الشريف، نشرت بجريدة الجمهورية المصرية، 3/8/1978م، ص8.
[924] الفتاوى الإسلامية، المجلد 9، ص3213.
[925] د. ماهر حتحوت. الإنجاب في ضوء الإسلام، ندوة الإنجاب في ضوء الإسلام، الكويت، 1983م، ص35، د. محمد الحفناوي. الرضاع وبنوك اللبن، ص49، الشيخ الشرباصي. يسألونك، ج5، ص129، الشيخ أحمد هويدي. الفتاوى، مجلد 6، ص2174.
[926] الإمام السيوطي. الأشباه والنظائر، ص61، ولابن نجيم، ص67.
[927] أخرجه البخاري والترمذي وأحمد من حديث أنس بن مالك. انظر صحيح البخاري، ج2، ص724.
[928] أخرجه البخاري (ج1، ص28)، ومسلم (ج3، ص1220، رقم 1599 بدون حرف فقد).(171/223)
[929] د. صبري الدمرداش. الاستنساخ قنبلة العصر. ص105، د. عبدالهادي مصباح. الاستنساخ بين العلم والدين ص49، محمد إسماعيل. الإستنساخ، ص129، د. رضا إسماعيل رضوان. الاستنساخ الآدمي معلقاً عليه بحقائق الشريعة الإسلامية، مجلة الوعي الإسلامي، العدد 383، رجب 1418هـ ص48، د. محمد فاروق النبهان. الضوابط الإسلامية لتقنيات الإنجاب والهندسة الوراثية، مجلة منار الإسلام، عدد محرم 1419هـ، ص68 وما يليها.
[930] الشيخ محمد صالح العثيمين. فتوى في صحيفة الأنباء، العدد 7478، 14/2/1997م، مفتي جمهورية مصر (د. نصر واصل). فتوى في صحيفة الأنباء، العدد 27506 11/4/1997م، ص11، رئيس جامعة الأزهر (د. أحمد هاشم). فتوى في مجلة الأفكار اللبنانية، 31/3/1997م. ص53، د. وهبة الزحيلي، مقال في مجلة الشقائق، العدد 14، ص14 و15. د. عجيل النشمي (عميد كلية الشريعة بجامعة الكويت) القبس، العدد 8515، 7/3/1997م. ص6.
[931] سورة الزمر، من الآية 6.
[932] سورة الواقعة، الآية 59.
[933] سورة العلق، الآية 5.
[934] سورة الإسراء، من الآية 85.
[935] سورة البقرة، من الآية 32.
[936] الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق. الاستنساخ، مجلة الأنباء، العدد 7496، 1/4/1997م. ص15.
[937] انظر مجلة منار الإسلام، العدد 8، شعبان 1419هـ، ص57.
[938] د. مختار الظواهري. الاستنساخ البشري، القبس، العدد 8533، 25/3/1997م، ص29.
[939] د. فايز عبدالله الكندري. مشروعية الاستنساخ الجيني البشري من الوجهة القانونية، مجلة الحقوق، الكويت، 1998م، العدد 2، ص783 وما يليها.
[940] د. أحمد شرف الدين. الأحكام الشرعية للأعمال الطبية، ص24.(171/224)
العنوان: الإخاء والصداقة والصحبة
رقم المقالة: 1546
صاحب المقالة:
-----------------------------------------
أولا: القرآن الكريم
{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ} [البقرة: 83].
{وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 103].
{وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النساء: 25].(172/1)
{مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ} [المائدة: 32].
{فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [التوبة: 11].
{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ} [الحجر: 47].
{الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67].
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات: 10].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13].
{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا} [الفرقان: 27 - 29].(172/2)
{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [لقمان: 14 - 15].
{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ} [الشعراء: 214 - 216].
ثانيًا: الحديث الشريف
الحديث الأول:
عن أبي هُرَيْرة - رضي الله عنه - قال : جاء رجلٌ إلى النبي- صلى الله عليه وسلم - فقال: "يا رسول الله، مَنْ أحَقُّ الناسِ بِحُسْن صَحابتي؟" قال : ((أمُّك)) ، قال: "ثم مَنْ؟" قال: ((أمُّك))، قال: "ثم مَنْ؟" قال: ((أمُّك))، قال: "ثم مَنْ؟" قال: ((أبُوك)).
الحديث الثاني:
أخبرنا أبو عبدالرحمن السُّلمي، قال: سمعتُ محمد بن أحمد الملامتي، يقول: سمعتُ أبا الحسين الوراق، يقول: سألتُ أبا عثمان، عن الصُّحْبة، فقال: "الصحبة مع الله بحسن الأدب، ودوام الهيبة، والصحبة مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - باتباع سنته، ولُزُوم ظاهر العلم، والصُّحْبة مع أولياء الله بالاحترام والحُرْمة، والصُّحْبة مع الأهل بحُسْن الخلق، والصُّحْبة مع الإخوان بدَوَام البشر والانْبِسَاط ما لم يَكُن إثمًا، والصُّحْبة مع الجُهَّال بالدُّعاء لهم، والرحمة عليهم، ورُؤية نِعْمة الله عَليك أنه لم يبتَلِكَ بِما ابْتَلاهُم به".
الحديث الثالث:(172/3)
عن عبدالله، أنه صحبه دِهقان، فلما انْتَهى إلى القنطرة اتَّسَعَتْ له الطريق، فأخذ فيه الدهقان، فاتبعه عبدالله بن مسعود بالسَّلام، قال: قلت: "أليس يكره هذا؟"، قال: "بلى، ولكن حَقّ الصُّحْبة".
الحديث الرابع:
عن أبي سعيد الخُدْرِي، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((لا تُصَاحِب إِلاَّ مُؤمنًا، وَلا يَأْكل طَعامك إِلا تَقِيّ)).
الحديث الخامس:
عن أبي ذَر أنَّه قال: يا رسول الله، الرجل يُحِبّ القَوْم ولا يستطيع أن يعمل كعملهم؟، قال: ((إِنَّك يا أبَا ذَرٍّ مَعَ مَنْ أَحْبَبتَ))، قال: "فإِنّي أُحِبُّ اللهَ ورَسُولَهُ، قال: ((أَنْت يَا أبا ذَرٍّ مَع مَنْ أَحْببتَ)).
الحديث السادس:
عن أبي موسى، قال: أَتَى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رجلٌ، فقال: "يا رسول الله، أرأيتَ رَجُلاً يُحِبّ القَوْم ولمَّا يَلْحقْ بهم؟"، قال: ((المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ)).
الحديث السابع:
قالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السُّوءِ؛ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ، وَكِيرِ الْحَدَّادِ، لا يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ، أَوْ تَجِد رِيحَهُ، وَكِيرُ الْحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ أَوْ ثَوْبَكَ أَوْ تَجِد مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً)).
الحديث الثامن:
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مثل الجليسِ الصَّالح مَثَل العَطَّار، إِنْ أصابَك منه، وإلا أصابك من ريحه، ومثلُ الجليسِ السُّوء مثل القين، إن أصابك منه، وإلا أصابَك من دخانه)).
الحديث التاسع:
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الوحدة خَيْرٌ مِنَ الجليس السُّوء، والجليس الصَّالح خَيْر مِنَ الوحْدَة، وإملاء الخير خَيْرٌ مِنَ السُّكوت، والسُّكوت خَيْر مِنْ إملاءِ الشَّر)).
الحديث العاشر:(172/4)
قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:((مَثَلُ الجليس الصالح؛ مثل الداريّ إن لم يُحذِك من عطره علقك من ريحه، ومثل الجليس السوء مثل الكِير إن لم يحرقك من شرار ناره علقك من نَتَنِه)).
ثانيًا: الشعر
قال الشاعر:
تَكَثَّرْ مِنَ الإِخْوَانِ مَا اسْطَعْتَ إنَّهُمْ بُطُونٌ إِذَا اسْتَنْجَدتَّهُمْ وَظُهُورُ
وَلَيْسَ كَثِيرًا أَلْفُ خِلٍّ وَصَاحِبٍٍ وَإِنَّ عَدُوًّا وَاحِدًا لَكَثِيرُ
وقال آخر:
فَإِنَّ الدَّاءَ أَكْثَرَ مَا تَرَاهُ يَكُونُ مِنَ الطَّعَامِ أَوِ الشَّرَابِ
وَإِنَّكَ قَلَّمَا اسْتَكْثَرْتَ إِلاَّ وَقَعْتَ عَلَى ذِئَابٍ فِي ثِيَابِ
فَدَعْ عَنْكَ الْكَثِيرَ فَكَمْ كَثِيرٍ يُعَابُ وَكَمْ قَلِيلٍ مُسْتَطَابُ
وأنشد الإمام أحمد بن يحيى ثعلب - رحمه الله -:
مَنْ عَفَّ خَفَّ عَلَى الصَّدِيقِ لِقَاؤُهُ وَأَخُو الْحَوائِجِ وَجْهُهُ مَبْذُولُ
وَأَخُوكَ مَنْ وَفَّرْتَ مَا فِي كِيسِهِ فَإِذَا اسْتَعْنَتَ بِهِ فَأَنْتَ ثَقِيلُ
وقال آخر:
تَجَنَّبْ صَدِيقَ السُّوءِ وَاصْرِمْ حِبَالَهُ وَإِنْ لَمْ تَجِدْ عَنْهُ مَحِيصًا فَدَارِهِ
وَأَحْبِبْ حَبيبَ الصِّدْقِ وَاحْذَرْ مِرَاءَهُ تَنَلْ مِنْهُ صَفْوَ الْوُدِّ مَا لَمْ تُمَارِهِ
وقال الخوارزمي:
لا تَصْحَبِ الْكَسْلانَ فِي حَاجَاتِهِ كَمْ صَالحٍ بِفَسَادِ آخَرَ يَفْسُدُ
عَدْوَى الْبَلِيدِ إِلَى الْجَلِيدِ سَرِيعَةٌ وَالْجَمْرُ يُوضَعُ فِي الرَّمَادِ فَيَخْمُدُ
وقال صالح بن جناح :
وَصَاحِبْ إِذَا صَاحَبْتَ حُرًّا مُبَرِّزًا يَزينُ وَيُزْرِي بِالْفَتَى قُرَنَاؤُه
وقال منصور بن محمد الكريزي :
أُغَمِّضُ عَيْنِي عَنْ صَدِيقِي كَأَنَّنِي لَدَيْهِ بِمَا يَأْتِي مِنَ الْقُبْحِ جَاهِلُ
وَمَا بِيَ جَهْلٌ غَيْرَ أَنَّ خَلِيقَتِي تُطِيقُ احْتِمَالَ الْكُرْهِ فِيمَا أُحَاوِلُ(172/5)
مَتَى مَا يُرِبْنِي مِفْصَلٌ فَقَطَعْتُهُ بَقِيتُ وَمَا لِي فِي نُهُوضِي مُفَاصِلُ
وَلَكِنْ أُدَارِيهِ وَإِنْ صَحَّ شَدَّنِي فَإِنْ هُوَ أَعْيَا كَانَ فِيهِ تَحَامُلُ
وَقَالَ الشَّاعِرُ:
إذَا مَا حَالَ عَهْدُ أَخِيكَ يَوْمًا وَحَادَ عَنِ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمْ
فَلاَ تَعْجَلْ بِلَوْمِكَ وَاسْتَدِمْهُ فَإِنَّ أَخَا الْحِفَاظِ الْمُسْتَدِيمْ
فَإِنْ تَكُ زَلَّةٌ مِنْهُ وَإلاَّ فَلا تَبْعُدْ عَنِ الْخُلُقِ الْكَرِيمْ
قال علي رضي الله عنه :
فَلا تَصْحَبْ أَخَا الْجَهْلِ وَإِيَّاكَ وَإِيَّاهُ
فَكَمْ مِنْ جَاهِلٍ أَرْدَى حَلِيمًا حِينَ آخَاهُ
يُقَاسُ الْمَرْءُ بِالْمَرْءِ إِذَا مَا الْمَرْءُ مَاشَاهُ
وَلِلشَّيْءِ مِنَ الشَّيْءِ مَقَاييسٌ وَأَشْبَاهُ
وَلِلْقَلْبِ عَلَى الْقَلْبِ دَلِيلٌ حِينَ يَلْقَاهُ
وقال آخر:
عَنِ الْمَرْءِ لا تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ فَكُلُّ قَرِينٍ بِالْمُقَارَنِ مُقْتَدِي
وقال آخر:
إِذَا مَا بَدَتْ مِنْ صَاحِبٍ لَكَ زَلَّةٌ فَكُنْ أَنْتَ مُحْتَالاً لِزَلَّتِهِ عُذْرَا
أُحِبُّ الْفَتَى يَنْفِي الفَوَاحِشَ سَمْعُهُ كَأَنَّ بِهِ عَنْ كُلِّ فَاحِشَةٍ وَقْرَا
سَليمُ دَوَاعِي الصَّدْرِ لا بَاسِطٌ أَذًى وَلا مَانِعٌ خَيْرًا، وَلا قَائِلٌ هَجْرَا
وقال آخر:
وَمَا بَقِيَتْ مِنَ اللَّذَّاتِ إِلاَّ مُحَادَثَةُ الرِّجَالِ ذَوِي العُقُولِ
وَقَدْ كُنَّا نَعُدُّهُمُ قَلِيلاً فَقَدْ صَارُوا أَقَلَّ مِنَ القَلِيلِ
وقال آخر
بَلَوْتُ النَّاسَ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ فَلَمْ أَرَ غَيْرَ خَيَّالٍ وَقَالِ
وَلَمْ أَرَ فِي الْخُطُوبِ أَشَدَّ وَقْعًا وَأمْضَى مِنْ مُعَادَاةِ الرِّجَالِ
وَذُقْتُ مَرَارَةَ الأَشْيَاءِ طُرًّا فَمَا شَيْءٌ أَمَرُّ مِنَ السُّؤَالِ
وقال آخر:
وَكُنْتُ إِذَا الصَّدِيقُ أَرَادَ غَيْظِي وَشَرَّقَنِي عَلَى ظَمَأٍ بِرِيقِي(172/6)
غَفَرْتُ ذُنُوبَهُ وَكَظَمْتُ غَيْظِي مَخَافَةَ أَنْ أَعِيشَ بِلا صَدِيقِ
وقال آخر:
إِذَا لَمْ أَجِدْ خِلاًّ تَقِيًّا فَوِحْدَتِي أَلَذُّ وَأَشْهَى مِنْ غَوِيٍّ أُعَاشِرُهْ
وَأَجْلِسُ وَحْدِي لِلْعِبَادَةِ آمِنًا أَقَرُّ لِعَيْنِي مِنْ جَلِيسٍ أُحَاذِرُهْ
وقال آخر
إِذَا مَا أَتَتْ مِنْ صَاحِبٍ لَكَ زَلَّةٌ فَكُنْ أَنْتَ مُحْتَالاً لِزَلَّتِهِ عُذْرا
وقال آخر:
إِنَّ أَخَاكَ الصِّدْقَ مَنْ يَسْعَي مَعَكْ وَمَنْ يَضُرُّ نَفْسَهُ لِيَنْفَعَكْ
وَمَنْ إِذَا رَيْبُ الزَّمَانِ صَدَّعَكْ شَتَّتَ فِيكَ شَمْلَهُ لِيَجْمَعَكْ
وقال آخر:
وَلَيْسَ أَخِي مَنْ وَدَّنِي بِلِسَانِهِ وَلَكِنْ أَخِي مَنْ وَدَّنِي وَهْوَ غَائِبُ
وَمَنْ مَالُهُ مَالِي إِذَا كُنْتُ مُعْدَمًا وَمَالِي لَهُ إِنْ أَعْوَزَتْهُ النَّوَائِبُ
وقال أبو تمَّام
مَنْ لِي بِإِنْسَانٍ إِذَا أَغْضَبْتُهُ وَجَهِلْتُ كَانَ الْحِلْمُ رَدَّ جَوَابِه
وَإِذَا صَبَوْتُ إِلَى المُدَامِ شَرِبْتُ مِنْ أَخْلاقِهِ وَسَكِرْتُ مِنْ آدَابِه
وَترَاهُ يُصْغِي لِلْحَدِيثِ بِطَرْفِهِ وَبِقَلْبِهِ وَلَعَلَّهُ أَدْرَى بِه
وقال آخر:
فَإِذَا ظَفِرْتَ بِذِي الْوَفَا ءِ فَحُطَّ رَحْلَكَ فِي رِحَابِهْ
فَأَخُوكَ مَنْ إِنْ غَابَ عَنْ كَ رَعَى وِدَادَكَ فِي غِيَابِهْ
وَإِذَا أَصَابَكَ مَا يَسُو ءُ رَأَى مُصَابَكَ مِنْ مُصَابِهْ
وَتَرَاهُ يَيْجَعُ إِنْ شَكَوَ تَ كَأَنَّ مَا بِكَ بَعْضُ مَا بِهْ
وقال عبدالله بن المبارك:
وَإِذَا صَاحَبْتَ فَاصْحَبْ مَاجِدًا ذَا حَياءٍ وَعَفَافٍ وَكَرَمْ
قَوْلُهُ لِلشَّيءِ: لا، إِنْ قُلْتَ لا وَإِذَا قُلْتَ: نَعَمْ قَالَ: نَعَمْ
وقال آخر:
أَنْتَ فِي النَّاسِ مُقَاسٌ بِالَّذِي اخْتَرْتَ خَلِيلاً
فَاصْحَبِ الأَخْيَارَ تَعْلُو وَتَنَلْ ذِكْرًا جَمِيلاً
وقال آخر:(172/7)
وَمَنْ لَمْ يُغْمِّضْ عَيْنَهُ عَنْ صَدِيقِهِ وَعَنْ بَعْضِ مَا فِيهِ يَمُتْ وَهْوَ عَاتِبُ
وقال آخر
إِذَا كُنْتَ فِي كُلِّ الأُمُورِ مُعَاتِبًا صَدِيقَكَ لَمْ تَلْقَ الَّذِي لا تُعَاتِبُهْ
فَعِشْ وَاحِدًا أَوْ صِلْ أَخَاكَ فَإِنَّهُ مُقَارِفُ ذَنْبٍ مَرَّةً وَمُجَانِبُهْ
إِذَا أَنْتَ لَمْ تَشْرَبْ مِرَارًا عَلَى الْقِذَى ظَمِئْتَ وَأَيُّ النَّاسِ تَصْفُو مَشَارِبُهْ
وقال آخر:
نَافِسْ إِذَا نَافَسْتَ فِي حِكْمَةٍ آخِ إِذَا آخَيْتَ أَهْلَ التُّقَى
مَا خَيْرُ مَنْ لا يُرْتَجَى نَفْعُهُ يَوْمًا ولا يُؤْمَنُ مِنْهُ الأَذَى
وقال آخر:
وَمَنْ يَكُنِ الغُرَابُ لَهُ دَلِيلاً يَمُرُّ بِهِ عَلَى جِيَفِ الْكِلابِ
وقال آخر:
فَمَا أَكْثَرَ الأَصْحَابَ حِينَ تَعُدُّهُمْ وَلَكِنَّهُمْ فِي النَّائِبَاتِ قَلِيلُ
وقال آخر:
خَلِيلِيَّ جَرَّبْتُ الزَّمَانَ وَأَهْلَهُ فَمَا نَالَنِي مِنْهُمْ سِوَى الْهَمِّ وَالْعَنَا
وَعَاشَرْتُ أَبْنَاءَ الزَّمَانِ فَلَمْ أَجِدْ خَلِيلاً يُوَفِّي بِالْعُهُودِ وَلا أَنَا
وقال آخر:
إِذَا كُنْتَ فِي قَوْمٍ فَصَاحِبْ خِيَارَهُمْ ولا تَصْحَبِ الأَرْدَى فَتَرْدَى مَعَ الرَّدِي
عَنِ الْمَرْءِ لا تَسْأََلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ فُكُلُّ قَرِينٍ بِالْمُقَارِنِ يَقْتَدِي
وقال الشاعر:
وَاحْذَرْ مُؤَاخَاةَ الدَّنِيءِ لأَنَّهُ يُعْدِي كَمَا يُعْدِي الصَّحِيحَ الأَجْرَبُ
وَاخْتَرْ صَدِيقَكَ وَاصْطَفِيهِ تَفَاخُرًا إِنَّ الْقَرِينَ إِلَى الْمُقَارِنِ يُنْسَبُ
وقال آخر:
مُجَالَسَةُ السَّفِيهِ سِفَاهُ رَأْيٍ وَمِنْ عَقْلٍ مُجَالَسَةُ الْحَكِيمِ
فَإِنَّكَ وَالْقَرِينَ مَعًا سَوَاءٌ كَمَا قُدَّ الأَدِيمُ مِنَ الأَدِيمِ
وقال الشافعي:
إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَرْعَاكَ إِلاَّ تَكَلُّفَا فَدَعْهُ وَلا تُكْثِرْ عَلَيْهِ التَّأَسُّفَا(172/8)
فَفِي النَّاسِ أَبْدَالٌ وَفِي التَّرْكِ رَاحَةٌ وَفِي الْقَلْبِ صَبْرٌ لِلْحَبِيبِ وَلَوْ جَفَا
فَمَا كُلُّ مَنْ تَهْوَاهُ يَهْوَاكَ قَلْبُهُ وَلا كُلُّ مَنْ صَافَيْتَهُ لَكَ قَدْ صَفَا
إِذَا لَمْ يَكُنْ صَفْوُ الْوِدَادِ طَبِيعَةً فَلا خَيْرَ فِي وُدٍّ يَجِيءُ تَكَلُّفَا
وَلا خَيْرَ فِي خِلٍّ يَخُونُ خَلِيلَهُ وَيَلْقَاهُ مِنْ بَعْدِ الْمَوَدَّةِ بِالْجَفَا
وَيُنْكِرُ عَيْشًا قَدْ تَقَادَمَ عَهْدُهُ وَيُظْهِرُ سِرًّا كَانَ بِالأَمْسِ قَدْ خَفَا
سَلامٌ عَلَى الدُّنْيَا إِذَا لَمْ يَكُنْ بِهَا صَدِيقٌ صَدُوقٌ صَادِقُ الْوَعْدِ مُنْصِفَا(172/9)
العنوان: الأخطاء الخاصَّة بالسَّعي بين الصَّفا والمروة
رقم المقالة: 1717
صاحب المقالة:
-----------------------------------------
الأخطاء الخاصَّة بالسَّعي بين الصَّفا والمروة
الخطأ الأوَّل:
الاعتقاد أنَّ الوضوء لازمٌ للسَّعي كلزومه للطَّواف:
والصواب: أنَّ الوضوء لا يلزم السَّعي، فيجوز السَّعي على غير وضوء؛ لأن السَّعي لم يكن بالمسجد الحرام، ولكنه ضُمَّ بعد ذلك؛ فدخل ضمن المسجد في هذه الأيام.
الخطأ الثَّاني:
قراءة الحجاج الآية: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}[البقرة: 158]، وذلك كل شوط:
والصواب: قراءتها مرَّةً واحدةً فقط عند الاقتراب من الصَّفا أوَّل مرَّة.
الخطأ الثَّالث:
تخصيص كلِّ شوط بدعاء معين:
والصواب: أنَّ الحاجَّ يدعو بما شاء من الأدعية، وليس هناك دعاءٌ مخصوصٌ لكلِّ شوطٍ من الأشواط، وينبغي ألاَّ يرفع صوته بالذِّكْر أثناء السَّعي، وهناك مَنْ يترك الأدعية الواردة أثناء صعوده وهبوطه ذهابًا وإيابًا، وهذا لا يُبْطِل السَّعي، ولكنه يُنْقِص الأجر.
الخطأ الرَّابع:
الرَّمَل بين الصَّفا والمروة في كلِّ المسافة:
والصواب: أنَّ الهرولة بين الميلَيْن الأخضرَيْن فقط، وليس في كلِّ المسافة ما بين الصَّفا والمروة.
الخطأ الخامس:
الرَّمَل بين الميلَيْن في الأشواط الثلاثة الأولى كما يُفْعَل في الطَّواف:
الصواب: أنَّ الرَّمَل بين الميلَيْن يكون في الأشواط السبعة كلِّها، وهو سنَّةٌ في حقِّ الرجال دون النساء، مع أن حِكْمَة الرَّمَل سببها امرأةٌ؛ وهي هاجر- عليها السَّلام - ولكنه ليس بواجبٍ عليهم ولا مستحبٍّ.
الخطأ السَّادس:
الاستمرار في السَّعي بين الصفا والمروة عند إقامة الصلاة، ظنًّا من بعض الحجَّاج أنه لا يجوز الفصل بين أشواط السَّعي:
والصواب: ضرورة قَطْع السَّعي عند إقامة الصلاة، ومعاودة السَّعي بعد الانتهاء منها، ولا يضرُّ الفصل بين الأشواط بالصلاة.(173/1)
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – عن الحكم إذا أقيمت الصلاة والحاجُّ أو المُعْتَمِر لم ينتهِ من إكمال الطواف أو السَّعي؟
فأجاب سماحته بما نصُّه: "يصلِّي مع الناس، ثم يكمل طوافه وسَعْيَه، ويبدأ من حيث انتهى".
الخطأ السَّابع:
اعتبار الشوط الأول من الصَّفا إلى الصَّفا:
والصواب: أنه من الصَّفا إلى المروة شوطٌ، ومن المروة إلى الصَّفا شوطٌ،،، وهكذا.
يقول الشَّوْكاني في "السيل الجرَّار": "لو كان السَّعي من الصفا إلى المروة، ثم منها إلى الصفا شوطًا؛ لكان قد طاف الطَّائف بين الصَّفا والمروة أربعَ عشرة مرَّةٍ لا سبعًا فقط، والذي ثبت في "الصحيحَيْن عن ابن عمر – رضي الله عنهما -: أنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - طاف بين الصفا والمروة سبعًا".
الخطأ الثَّامن:
صعود المرأة الصَّفا ومزاحمة الرِّجال:
قال ابن مُفْلِح - كما في "البدع" -: "والمرأة لا تَرْقى الصَّفا؛ لئلا تزاحم الرِّجال، ولأنه أَسْتَرُ لها".(173/2)
العنوان: الأخطاء الخاصَّة في عرفات
رقم المقالة: 1718
صاحب المقالة:
-----------------------------------------
الأخطاء الخاصَّة في عرفات
الخطأ الأوَّل:
النزول خارج حدود عرفة:
فبعض الحجَّاج ينزل خارج حدود عرفة، وبقاؤهم في أماكن نزولهم حتى تغرب الشمس، ثم ينصرفون إلى المزدلفة دون أن يقفوا بعرفة، وهذا خطأٌ جسيمٌ يفوِّت عليهم الحجَّ؛ لأنَّ: ((الحج عرفة)) كما في الحديث، وبتَرْكه يبطل الحج، والواجب على الحاجِّ أن يكون عند وقوفه داخل حدود عرفة، وعليه أن يتحرَّى ذلك، خصوصًا أنَّ هناك علامات إرشادية تدلُّ على ذلك.
الخطأ الثَّاني:
الانشغال في يوم عرفة بما لا يفيد؛ كالغيبة والنميمة وشرب الدُّخَّان:
والصواب: أن ينشغل الحاجُّ بما يفيده في دينه ودنياه؛ فيدعو بخير الدنيا أو بخيرَي الدنيا والآخِرة معًا، أو يهلِّل – يقول: لا إله إلا الله - أو يكبِّر – يقول: الله أكبر - لقول الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((خيرُ الدعاء دعاءُ يوم عرفة، وخيرُ ما قلتُ أنا والنبيُّون من قبلي: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كلِّ شيءٍ قدير))؛ رواه أحمد والتِّرمذي.
أو يلبِّي يقول: ((لبَّيْك اللَّهم لبَّيْك، لبَّيْك لا شريك لك لبَّيْك، إنَّ الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)). فهذا ما يفيده في هذا اليوم العظيم.
بل يصل الشَّطَط بالبعض فيصحب معه الألعاب؛ كالنرد - (الطاولة) – و(الكوتشينة) والشطرنج، أو (الشِّيشة)، أو الدخان، وقد تناسوا قول الله عزَّ وجلَّ: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 34].
الخطأ الثَّالث:
تكويم بعض الحجَّاج التراب والحصى في يوم عرفة في أماكن معينة:
وهو عملٌ لم يثبت في الشَّرع، وليس لهم في فعله دليلٌ.
الخطأ الرَّابع:
اعتقاد بعض الحجَّاج بوجوب الصعود على جبل الرَّحمة عند الصَّخرات كما وقف الرسول- صلَّى الله عليه وسلَّم:(174/1)
والصواب: جواز الوقوف في أيِّ مكانٍ من صعيد عرفات؛ فقد أخرج الإمام أحمد وأبو داود: أنَّ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - لما وقف عند الصَّخرات على جبل الرَّحمة قال: ((وقفتُ ها هنا، وعرفةُ كلُّها موقِفٌ)).
فلا ينبغي للحاجِّ أن يُتعب نفسه ويتجشَّم في الوصول إلى جبل الرَّحمة، مع أنه يجوز له التواجد في أيِّ مكانٍ من صعيد عرفات، خاصَّةً في هذه الأيام التي يكثر فيها الحجَّاج المتواجدون في عرفات، والذين يزيدون على الملايين الثلاثة، فلو أنَّ كلَّ الحجَّاج أرادوا أن يقفوا على الصَّخرات كما وقف الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - لحدث ما لا يُحْمَد عُقْباه من الإصابات بين جموع الحجَّاج نتيجة التدافع، كما يحدث عند رمي الجمرات.
فالأفضل الأخذ بالرُّخصة، وهي الوقوف في أيِّ مكانٍ من صعيد عرفات الطاهر، خاصةً للنِّساء وكبار السنِّ وذوي الأعذار، وفيه موافقةُ السنة أيضًا، لظاهر الحديث: ((وعرفةُ كلُّها موقِفٌ)).
الخطأ الخامس:
اعتقاد بعض الحجَّاج أن يسن للحاج صيام يوم عرفة:
والصواب: أنه ليس عليه صيامٌ يوم عرفة، ولم يَصُم رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عام حجِّهِ حجَّةَ الوداع يومَ عرفة، وفي "سنن أبي داود": "وأنَّ النبيَّ - صلي الله عليه وسلم - نهي عن صوم عرفةَ لمن بعرفةَ".
الخطأ السَّادس:
اعتقاد بعض الحجَّاج أنَّ في حقِّهم صلاةُ عيد الأضحى في الحرم المكِّيِّ أو في مِنى:
والصواب: أنَّ الحاجَّ ليس عليه صلاة الأضحى؛ لانشغاله بأعمال الحج، كما أنه ليس عليه صلاة جمعة إن وافقت عرفةُ يومَ جمعة.
قال مالك - رحمه الله -: "لا تجب الجمعة بعرفة ولا بمِنى أيام الحج".
الخطأ السَّابع:
الانصراف من عرفة قبل غروب الشمس:
وهذا لا يجوز؛ لأنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقف بعرفة حتى غربت الشمس،
وهو القائل: ((خذوا عنِّي مناسككم)).(174/2)
العنوان: الأخطاء عند المُزْدَلِفَة
رقم المقالة: 1713
صاحب المقالة:
-----------------------------------------
الأخطاء عند المُزْدَلِفَة
الخطأ الأوَّل:
الإيضاع – الإسراع - وقت الدَّفع من عرفة إلى مُزْدَلِفَة.
الخطأ الثَّاني:
الانشغال بالتقاط الحصى قبل أن يصلُّوا المغرب والعشاء (وذلك عند نزولهم إلى المُزْدَلِفَة):
فهم يعتقدون أنَّ حصى الجِمار لابدَّ أن يكون من مُزْدَلِفَة، مع أن الحصى يجوز أَخْذُهُ من أيِّ موضعٍ بالحَرَم، ما عدا ما هو بداخل أحواض الجِمار أو ما يسقط منها، أمَّا ما عداه فيجوز الرَّمي به.
يقول ابن باز – رحمه الله –: "وما يفعله بعض العامَّة من لَقْط الجِمار حين وصوله إلى مُزْدَلِفَة قبل الصلاة، واعتقاد كثيرٍ منهم أن ذلك مشروعٌ - فهو غلطٌ لا أصل له، والنبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لم يأمر أن يُلْتَقَط له الحصى إلاَّ بعد انصرافه من المِشْعَر إلى مِنى، ومن أيِّ موضعٍِ لَقَطَ الحصى أجزأه ذلك، ولا يتعيَّنُ لَقْطُهُ من مُزْدَلِفَة؛ بل يجوز له لَقْطُهُ من مِنى".
الخطأ الثَّالث:
تأخُّر بعض الحجَّاج، وعدم إتيانهم إلى المُزْدَلِفَة إلاَّ بعد فجر يوم النَّحْر:
وهذا خطأٌ، ومَنْ فعل ذلك لزمه دمٌ، والصواب: أن يأتيَ الحاجُّ إلى المُزْدَلِفَة إلى ما قبل الفجر.
الخطأ الرَّابع:
عدم المبيت بالمُزْدَلِفَة:
خصوصًا لمن لم يرخَّص لهم ذلك، وإنما الرُّخصة للضَّعَفَة والعجائز وتابعيهم.(175/1)
العنوان: الأخطاء عند رمي الجِمار
رقم المقالة: 1719
صاحب المقالة:
-----------------------------------------
الأخطاء عند رمي الجِمار
الخطأ الأوَّل:
غسل بعض الحجَّاج الحصى المراد الرَّجم به، وهذا غير صحيح؛ لأنه لم يثبت عنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولا عن صحابته فعل ذلك.
الخطأ الثَّاني:
رمي الجمار بحصى كبيرة وبالحذاء والخِفاف والأخشاب:
وهذا غير صحيح؛ لأن الرَّمْي بالحجر رمزٌ للتبرٌّء من الشيطان؛ فينبغي الاتِّباع، ولا ينبغي الابتداع، والنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((هلك المتنطِّعون، بمثل هذا فارموا)).
والسُّنة ألاَّ يتجاوز حجم الحصاة حبَّة الفول وحصى الخَذَف الذي يُشْبِه بَعْرَ الغنم؛ فقد أخرج ابن ماجه عن ابن عباس أنه قال: قال لي رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو على ناقته: ((الْقُطْ لي حصى)). فلَقَطْتُ له سبعَ حصيَاتٍ هي كحصى الخَذَف؛ فجعل - صلَّى الله عليه وسلَّم - ينفضهنَّ في كفِّه ويقول: ((أمثال هؤلاء ارموا)).
حصى الخَذَف: أكبر من الحمُّص قليلاً.
الخطأ الثَّالث:
اعتقاد بعض الحجَّاج أنهم يرمون الشيطان فعلاً:
فتجدهم يرمون الجِمار بشدَّةٍ وعنف، وصراخٍ وسبٍّ وشتمٍ لهذه الشياطين على زعمهم!
والصواب: أن هذه الجمرات الثَّلاث رمزٌ لتمثُّل الشيطان لسيدنا إبراهيم - عليه السَّلام - لمَّا أراد أن يذبح ولده إسماعيل - عليه السَّلام - ومحاولة صدِّه عنه، وفعل إبراهيم - عليه السَّلام - للرمي حينئذ لطرده عن الوسوسة له، فكأن الحاج حينما يرمي هذا الحجر المتمثِّل في الشيطان يعلن البراءة منه وعدم طاعته له، فإذا ما عاد إلى البلاد استقبح في نفسه أن يرجمه في هذه الأماكن المقدسة ويطيعه في بلاده وموطنه.
الخطأ الرابع:
انشغال الحجاج بالتلبية مع رمي جمرة العقبة:
والصواب: قطع التَّلْبية مع بدء الرمي؛ لتنافي المعيَّنَيْن.(176/1)
فالتَّلْبية: وهي إجابة دعاء إبراهيم - عليه السَّلام - بالحج، ومعناها: استجابةً لك يا ربِّ بعد استجابةٍ.
قال ابن قدامة في العمرة: والتلبية مأخوذةٌ من قولهم: لبَّ بالمكان إذا لزمه، فكأنه قال: أنا مقيمٌ على طاعتك وأمرك، وغير خارجٍ عن ذلك ولا شاردٍ عليك، وكرَّره لأنه أراد: إقامةً بعد إقامةً.
الرجم: معناه التبرؤ من الشيطان وإغوائه ووسوسته، فالذي يتناسب مع الرَّجْم هو التكبير وليس التَّلْبية، وهذا هو الثابت عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم.
فقد أخرج البخاري ومسلم عن الفضل بن عباس أنه قال: "كنتُ رديف النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - من جَمْع مُزْدَلِفَة إلى مِنَى؛ فلم يزل يلبِّي حتى رمى جمرة العقبة.
وعند البخاري من حديث عبدالرحمن بن زيد: أنه كان مع عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – حين رمى جمرة العقبة؛ فاستبطَن الوادي، حتى إذا حاذى بالشجرة اعترضها، فرمى بسبع حصياتٍ، يكبِّر مع كلِّ حصاةٍ.
يقول ابن قدامة: ويقطع التَّلْبية عند ابتداء الرمي.
الخطأ الخامس:
رمي بعض الحجَّاج الحصى جميعًا، دفعةً واحدةً:
وهذا خطأٌ، ومَنْ فعل هذا فإنه يُحسَب كلُّه كحصاةٍ واحدة، وعلى مَنْ فعل ذلك جمع حصى من جديد، وإعادة الرمي حصاة تلو الأخرى، مع التكبير مع كلِّ حصاه، وعدم الزيادة على التكبير أثناء الرمي.
الخطأ السادس:
إنابة بعض الحجَّاج غيرهم في الرمي من غير ضرورة أو عذر:
وهذا لا يجوز؛ لأن الإنابة لا تجوز إلا عند عدم الاستطاعة؛ لمرضٍ أو ضعفٍ أو نحوه.
الخطأ السابع:
تدافع الحجَّاج لرمي جمرة العقبة من طلوع الشمس إلى الزوال؛ لإصابة السُّنَّة، وهذا صحيحٌ.(176/2)
ولكن الأولى في ظلِّ هذا الزحام الشديد الذي يصل إلى الملايين في هذه الأيام أن تأخذ بالرُّخصة التي رخَّصها الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - للضَّعَفَة والنساء بالرمي في ليلة النَّحْر، ويمكن أن يستمرَّ الرمي من الزوال يوم النَّحر إلى الليل، حتى لا يتدافع الناس في وقت شروق الشمس حتى الزوال؛ فيحدث ما لا يُحمد عقباه، ويموت الحجَّاج تحت الأقدام بسبب التدافع على رمي الجمار.
وقد ثبت في "الصحيحَيْن": أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أذن للناس برمي جمرة العقبة ليلاً قبل زحمة الناس وتكاثرهم، كما استأذنته السيدة سَوْدَة بنت زَمْعَة – زوجته – لتصلِّي الصبح بمِنى وترمي جمرة العقبة، وقالت السيدة عائشة: "وَدِدْتُ لو أني استأذنته كما استأذنته سَوْدَة".
ومن المعلوم أنَّ الازدحام لم يكن كهذه الأيام، فليت الحجاج يأخذون بهذه الرخصة في ظلِّ الزحام الرهيب، وما جعل الله علينا في هذا الدِّين من حرج. قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78].(176/3)
العنوان: الأخطاء عند طواف الوداع
رقم المقالة: 1712
صاحب المقالة:
-----------------------------------------
الأخطاء عند طواف الوداع
الخطأ الأوَّل:
طواف الوداع قبل رمي الجمرات:
ينزل بعض الحجَّاج من منى يوم النَّفر قبل رمي الجمرات، فيطوف للوداع ثم يرجع إلى مِنَى، فيرمي الجمرات، ثم يسافر من هناك إلى بلده؛ فيكون آخِر عهده بالجِمار لا بالبيت.
ويوم النَّفْر هو اليوم الثاني عشر من ذي الحجة، إن تعجَّل فيه فانصرف بعد رمي الجمرات فيسمى (يوم النَّفر الأوَّل)، وإن تأخَّر حتى اليوم الثالث عشر من ذي الحجة - وهو ثالث أيام التَّشريق - ولم يتعجَّل فيسمى ذلك اليوم (يوم النَّفْر الثَّاني).
مع أن النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لا يَنْفرَنَّ أحدٌ حتى يكون آخِر عهده بالبيت الطواف)).
فطواف الوداع يجب أن يكون بعد الفراغ من أعمال الحج وقُبَيْل السَّفر مباشرةً، لا يُمْكَث بمكة بعده إلا لعارضٍ يسير.
الخطأ الثاني:
الخروج من المسجد الحرام بعد طواف الوداع القَهْقَرَى – بظهره - وهي بدعةٌ لم يفعلها النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم - ولا أصحابه الكرام .
الخطأ الثَّالث:
التفات بعضهم إلى الكعبة عند باب المسجد الحرام بعد انتهائهم من طواف الوداع،
ودعائهم بدعوات كالمودِّعين للكعبة، أو تلويحهم لها، وهي أيضًا بدعةٌ.(177/1)
العنوان: الإخلاص والرياء
رقم المقالة: 1104
صاحب المقالة: د. عبد المهيمن طحان
-----------------------------------------
أمر الله تعالى عباده أن يخلصوا في عبادتهم، فلا يريدوا بها إلا الفوز برضاه والجنة، والنجاة من سَخَطِه والنار، دون أي هدف آخر من مَتَاع الدنيا وزينتها. قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}، [البينة:5]. وجعل - سبحانه وتعالى - الإخلاص لوجهه الكريم في الأعمال الصالحة، شرطًَا لا بد منه لرجاء النجاح والفلاح يوم القيامة، فقال عز وجل: { فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف:110].
فكل عبادة يُؤَدِّيها العبد، وكل عمل من أعمال الخير يفعله، لا يقبل منه ما لم تكن نيته الباعثة على ذلك، خالصةً لله تعالى، من شوائب الرياء، والرغبة في متاع الدنيا؛ لأن الأعمال مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالنيَّاتِ والمقاصد، والدوافع الكامنة وراءها، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إنَّما الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وإنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى اللهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلى اللهِ وَرَسُولِهِ، ومَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لدُنْيَا يُصِيبُهَا أوِ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إلى مَا هَاجَرَ إلَيْه)). رواه البخاري ومسلم.(178/1)
في هذا الحديث الشريف يضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثلاً؛ ليكون دليلاً على ما وراءه من الأعمال، فالهجرة مع أنها من أَشَقِّ التكاليف، وأكثرها صعوبة على النفس؛ لأن فيها مُفَارَقَة الأهل، والولد، والمال، والأصدقاء، والوطن، فمع كل هذه التضحيات لا بد من النية الصادقة، حتى ينال المُهاجِر أجر المهاجرين في سبيل الله، لا بد أن يكون دافعه إلى الهجرة طلب رضاء الله تعالى ونصرة رسوله، وإلا فهجرته لا تعدو القصد الذي قصد إليه من متاع الدنيا، وليس له عند الله تعالى وراء ذلك شيءٌ.
لذا؛ فقد وَجَّه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنظار المسلمين، ولفت انتباههم إلى وجوب الاهتمام بتصحيح النيات، وتطهير القلوب، وإصلاح البواطن؛ لأنها هي المعتبرة عند الله تعالى، وعليها المعول في الثواب والعقاب.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: ((إنَّ اللهَ لا يَنْظُرُ إلى أَجْسَامِكُمْ ولا إلى صُوَرِكُمْ، ولَكِنْ يَنْظُرُ إلى قُلُوبِكُمْ)). رواه مسلم.
والرِّيَاء الذي يُحْبِطُ العمل، هو أن يعمل الإنسان العمل ليحمده الناس ويثنوا عليه، وقد بَيَّنَ الله - تعالى - في كتابه الكريم، أن الرياء يُحْبِط العمل، ويُبْطِل ثوابه، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَْذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ}، [البقرة: 264].
وبَيَّنَ لنا أن الرياء من صفات الكافرين والمنافقين. فقال سبحانه: {وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ} [الأنفال: 47]، وقال عَزَّ مَنْ قائل: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ الله وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ}، [النساء: 142].(178/2)
وربما يسأل سائل: ما حكم العمل عندما يكون الدافع إليه أمرين: الرغبة في رضاء الله تعالى، والرغبة في ثناء الناس؟. والجواب أن هذا العمل - كذلك - لا يقبله الله تعالى، ويرده على صاحبه؛ لأن الله تعالى لا يقبل من العباد إلا الإخلاص له وحده، بدون أن يُشْرِكُوا معه في نياتهم أحدًا.
عن أبي أُمَامَة - رضي الله عنه - قال: "جَاءَ رجلٌ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أرأيت رجلاً غَزَا يَلْتَمِسُ الأجر والذِّكْر، ما له؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا شَيءَ لَهُ)). فأعادها ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ويقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا شَيءَ لَهُ)). ثم قال: ((إنَّ الله - عز وجل - لا يَقْبَلُ مِنَ العَمَلِ إلاَّ مَا كان لَهُ خَالِصًا، وابْتُغِيَ به وَجْهَه)). رواه أبو داود، والنسائي بإسناد جيد.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((قال الله - عز وجل - أنا أَغْنَى الشُّرَكاء عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فيه مَعِيَ غَيْرِي تَرَكْتُه وشِرْكَه))؛ رواه مسلم.
فينبغي للمؤمن أن يُصَحِّح نيته، ويخلص قصده في عباداته وأعماله، وينبغي ألا يُحَدِّث الناس بأعماله الصالحة ليثنوا عليه، ويحمدوه بها، فإن ذلك يحبط ثواب عمله، أو ينتقص ثوابه، ومهما حاول أن يتظاهر أمام الناس بأنه لا يحدثهم ليحمدوه، ولا ليثنوا عليه، فإن الله - عز وجل - مُطَّلِع على حقيقة حاله، وسِرِّ فؤاده، فإذا كان يُسَمِّع الناس بأعماله يريد بذلك أن يُعَظِّموه ويُوَقِّروه، فإن الله تعالى يكشف للناس حقيقة مقصده، ويفضح بينهم سوء نيته، كما جاء عن جندب بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ سَمَّع سمَّع الله به، ومَنْ يُراءِ يُرَاءِ اللهُ به)) رواه البخاري ومسلم.(178/3)
ومِنْ أَعْظَم الرياء إثمًا، وأكبره جُرْمًا أن يَعْمَد الإنسان إلى الأعمال الصالحة التي يَبْتَغِي بها وجه الله - تعالى - عادة، والتي لا يَشُكُّ الناس في أن صاحبها يريد الأجر والمثوبة من الله - عز وجل -، يعمد إلى هذه الأعمال والعبادات، فيتخذها مَطِيَّة إلى ما يشتهي من مَتَاع الدنيا وزخرفها، ووسيلة لتحقيق مطامعه ولذائذه في الحياة، يخدع الناس مظهره الصالح، ويخفى عليهم باطنه الطالح.
لكن الله تعالى القائل: {قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَْرْضِ}، [آل عمران: 29]. يعلم حقيقة أمر هؤلاء، الذين يختلون الناس بالدين، فيكونون أول من تُسَعَّر بهم النار يوم القيامة، يُسْحَبُون على وجوههم حتى يلقوا فيها.(178/4)
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَيْه، رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ به، فَعَرَّفَه نِعْمَتَه فَعَرَفَهَا. قال: فما عَمِلْتَ فيها؟ قال: قاتَلْتُ فيك حتَّى اسْتُشْهِدْتُ. قال: كَذَبْتَ، ولكِنَّكَ قاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ: جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيل، ثُمَّ أُمِرَ به فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ. وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ، وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قال: فما عَمِلْتَ فيها؟ قال: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ، وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ. قال: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ؛ لِيُقَالَ: عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ، فقد قيل، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ. وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قال: فما عَمِلْتَ فيها؟ قال: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلاَّ أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ. قال: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ ، فقد قيل، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ))؛ رواه مسلم.
قال الحافظ ابن رَجَب الحنبلي: وفي الحديث أنَّ مُعَاوِيَة لما بلغه هذا الحديث، بكى حتى غُشِيَ عليه، فلما أفاق قال: صدق الله ورسوله، قال الله عز وجل: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآْخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ} [هود:16].(178/5)
فينبغي للمؤمن أن يهتمَّ بالإخلاص لله في أعماله، وأن يَحْذر الرياء، فإنه أخفى من دبيب النمل، وليسْتَعِن بالله على تطهير قلبه منه، وليرق نفسه بهذه الرقية من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنها إن أُخِذَتْ بصدق نفعت صاحبها بإذن الله تعالى.
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم فقال؛ ((يا أيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا هَذَا الشِّرْكَ، فإنَّهُ أَخْفَى مِنْ دَبيبِ النَّمْلِ)). فقال له من شاء الله أن يقول: وكيف نَتَّقِيه، وهو أَخْفَى من دبيب النَّمْل يا رسول الله؟ قال:(( قُولُوا اللَّهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ نُشْرِكَ بِكَ شَيئًا نَعْلَمُه، ونَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لا نَعْلَمُه))؛ رواه أحمد والطبراني ورواته ثقات.
وأخيراً، فإن العبد حين يُخْلِص النية لله تعالى، ويجتهد في كِتْمان أعماله الصالحة عن الناس، حذرًا من الرياء، فإن الله تعالى يظهر حاله للناس، ويُطْلعهم على صلاحه، فيحمدونه، ويثنون عليه، ولا حرج عليه عندها إذا داخله السرور بذلك، ما دام أنه لم يكن منه قصد إلى إظهار أعماله للناس، وهذا الثناء من الناس عليه، يعتبر بُشْرَى له بأن عمله قبله ربه، وأعد له الأجر والثواب الكريم عليه.
عن أبي ذر - رضي الله عنه – قال: "قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أرأيت الرجل يعمل العمل مِنَ الخير، ويحمده الناس عليه؟ قال: ((تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى المُؤْمِنِ)). رواه مسلم.(178/6)
العنوان: الإخلاص
رقم المقالة: 1229
صاحب المقالة: د. أمين بن عبدالله الشقاوي
-----------------------------------------
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وبعد:
فإن أعظم الأصول المهمة في دين الإسلام تحقيق الإخلاص لله تعالى في جميع العبادات، قال بعضهم: "الإخلاص هو ألا تطلب على عملك شاهدًا غير الله تعالى، ولا مُجَازيًا سواه"[1]. والإخلاص هو حقيقة الدين، ومفتاح دعوة الرسل، عليهم السلام.
قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5].
وقال تعالى: {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي} [الزمر: 14]، وقال سبحانه: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك: 2]... قال الفضيل: "أحسن عملاً أخلصه وأصوبه"، وقال: "إن العمل إذا كان خالصًا، ولم يكن صوابًا لم يُقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يُقبل؛ حتى يكون خالصًا صوابًا" والخالص ما كان لله والصواب ما كان على السنة[2].
وقال سبحانه: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ} [الشورى: 13].
قال أبو العالية: "وصاهم بالإخلاص في عبادته"، والإخلاص أعظم أعمال القلوب.(179/1)
قال ابن القيم – رحمه الله تعالى -: "ومن تأمَّلَ الشَّريعَةَ في مصادرها ومواردها، علم ارتباطَ أعمالِ الجوارح بأعمال القلوب، وأنها لا تنفع بدونها، وأن أعمال القلوب أفرض على العبد من أعمال الجوارح، وهل يميز المؤمن عن المنافق إلا بما في قلب كل واحد من الأعمال التي ميزت بينهما؟ وعبودية القلب أعظم من عبودية الجوارح، وأكثر وأدوم، فهي واجبة في كل وقت"[3].
والإخلاص شرط لقبول العمل، فإنَّ العمل لا يقبل إلا بشرطين:
أولاً: أن يكون العمل موافقًا لما شرعه الله في كتابه، أو بينه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فعن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ))[4].
ثانيًا: أن يكون العمل خالصًا لوجه الله تعالى؛ فعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُه إلَى اللهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلِيهِ))[5].
ومصداق ذلك قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110].
والإخلاص هو الأساس في قبول الدعاء، قال تعالى: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [غافر: 14].(179/2)
وفقدان الإخلاص سبب لرد العمل؛ عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ، قَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ: جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ، قَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ))[6] ولما بلغ هذا الحديثُ معاوية بكى بكاءً شديدًا، فلما أفاق قال: صدق الله ورسوله: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[7] [هود: 15، 16].(179/3)
وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أن رجلاً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يا رسول الله، الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه فمن في سبيل الله؟"، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ))[8].
وعن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - أن رجلاً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أرأيت رجلاً غزا يلتمس الأجر والذكر ما له؟" فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لاَ شَيْءَ لَهُ)) فأعادها ثلاث مرات ويقول له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لاَ شَيْءَ لَهُ)) ثم قال: ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ))[9].
قال الفضيل بن عياض: "ترك العمل لأجل الناس رياء، والعمل لأجلهم شرك، والإخلاص: الخلاص من هذين". وفي رواية عنه: "والإخلاص أن يعافيك الله منها"[10].
وقيل لسهل التستري: "أي شيء أشد على النفس؟" قال: "الإخلاص؛ لأنه ليس لها فيه نصيب"[11].
وقال سفيان الثوري: "ما عالجت شيئًا أشدّ علي من نيتي؛ إنها تتقلب علي".
وقال أحدهم: "إذا أخلص العبد انقطعت عنه كثرة الوساوس والرياء".
وقال بعض السلف: "من سلم له من عمره لحظة خالصة لوجه الله، نجا وذلك لعزة الإخلاص، وعسر تنقية القلب من هذه الشوائب؛ فإن الخالص هو الذي لا باعث له إلا طلب القرب من الله تعالى".
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] "نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم" (2/124).
[2] "مدارج السالكين" (2/93).
[3] "بدائع الفوائد" (3/330) نقلاً عن كتاب "الإخلاص والشرك الأصغر" ص5.(179/4)
[4] صحيح البخاري (2/267) برقم (2697) ، وصحيح مسلم (3/1343) برقم (1718) .
[5] صحيح البخاري (1311) برقم (1) ، وصحيح مسلم (3/1515) برقم (1907) .
[6] صحيح مسلم (3/1514) برقم (1905) .
[7] صحيح ابن حبان (2/138) رقم (408) .
[8] صحيح البخاري (2/309) برقم (2810) ، وصحيح مسلم (3/1512) برقم (1904).
[9] سنن النسائي (6/25) برقم (3140).
[10] "مدارج السالكين" (3/95).
[11] "مدارج السالكين" (2/95).(179/5)
العنوان: الأُخوَّة الجَريحة
رقم المقالة: 573
صاحب المقالة: نسرين بنت محمد حسام الدين الخطيب
-----------------------------------------
هناك... في ظلِّ تلك الشجرةِ السَّامقة.. زهراتٌ امتدَّت جُذورُها في أرضٍ نقيَّة طاهرة.. إنها أرضُ المحبَّة والصِّدق، وسُقيت بماءٍ عَذب فُرات، إنه ماءُ الإيمان والإحسان، وما زالت تَنمو وتَكبُر، وتَفوحُ بالطِّيب والعَبير.. ما دامَت مُستَظِلَّةً بشجَرة رضا الرَّحمن..
إنها زهراتُ الأُخوَّة.. الأُخوَّة الصَّادقة في الله.. الأُخوَّة التي تجمعُ القلوبَ، وتُؤنِسُ الأَرواح..
ولكنْ... ها هوَ الشَّيطان يُقبِل بأسلحَتِه الفَتَّاكة المدَمِّرة - الهَمْز واللَّمْز، والغِيبَة والنَّميمَة، والافتِراء والبُهْتان، والتجَسُّس وسُوء الظَّن... - جاءَ ليَجتَثَّ تلك الزهراتِ من جُذورها.. وليُحَطِّمَها ويُلقيَ بها، ليعيشَ سعادةَ الانتِصار، ولذَّةَ الفَرَح بالنَّجاح في الإيقاعِ بينَ القُلوب، وزَرع التَّنافُر والتَّدابُر بينَ الأُخْوَة والأحِبَّة والخِلاَّن..
دافعَ من دافع، وثبتَ من ثبت، وفرَّ الشَّيطانُ خاسِرًا مَهزومًا من بعض هَؤلاءِ الثَّابتينَ الصَّامدين، وذهبَ كيدُه هَباء: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}، فحَمى هَؤلاءِ زهراتِهم، فازدادَت نَضارةً وأريجًا؛ بقُوَّة إيمانهم، وصِدق أُخوَّتهم... ولكنَّه لم يَيئَس، فتربَّع على عَرشِه وتَعاظَم أمامَ فَريقٍ آخرَ منهُم.. ضَعُفوا وتَخاذَلوا، فلعِبَ بهم وأضَلَّهُم ضَلالاً كبيرًا: {لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِْنْسَانِ خَذُولاً} فضيَّع هَؤلاءِ زهراتِهم، وسقَطَت منهُم على قارِعَة الطَّريق، تَدوسُها أقدام الذَّاهِبينَ والعائِدينَ.. وهي تَئِنُّ من عُمقِ الجِراح، وتُرسِل الآهاتِ تَتْرى على أيَّامِ عزٍّ لها ضاعَت، ومَضَت إلى غَير رَجعَة.(180/1)
فيا أُخواني في الله... ويا أَخَواتي..الأخوَّةَ الأخوَّةَ.. الأخوَّةَ الأخوَّةَ.. حافِظُوا عليها، وتمسَّكوا بها، وحَذارِ حَذارِ أن تُضَيِّعوها..
إنها عُروَةٌ من أَوثَقِ عُرى الإيمان، وسَبَبٌ للفَوز بظِلِّ الله يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّه، يومَ لا تُغْني نَفسٌ عن نَفسٍ شيئًا، ولا يَنفَعُ مالٌ ولا بَنونَ إلَّا مَن أتى اللهَ بقَلبٍ سَليم، يومَ يكونُ الأخِلَّاءُ أعداءً مُتَدابِرينَ مُتَنافِرينَ، إلَّا المُتَّقينَ منهُم الذينَ تآخَوا في الله، وصَدقوا في الحبِّ فيه.(180/2)
العنوان: الإدارة إسلامية
رقم المقالة: 540
صاحب المقالة: د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
-----------------------------------------
من المقرر أن النظام الإسلامي كلٌّ لا يتجزأ, وهو مجموع تكاليف موجَّهة إلى الأفراد, كما أنه تكاليف عامة تُعنى بتنظيم الأمة عبر تشريعات تكفل لها البقاء بين الأمم, بل التفوق عليها.
ومن جملة تلك التعاليم الإرشاد إلى إتقان العمل واستفراغ الطاقة في أدائه على خير وجه؛ وهذا يتطلَّب إدارة واعية للعمل للوصول به إلى آفاق النجاح، إذ كيف ينتظم للعمل عِقدٌ دون النظر إلى إدارته, فهي وسيلة جدُّ مهمة لتحقيق المحصِّلة الكبرى لمجموع جهد العاملين.
من هذا المنظور نجد الإسلام يدعو إلى المشاركة الفاعلة في اتخاذ القرارات الهامة قبل البت بها, مع إشعار كل من شارك بأن عليه قسطاً من المسؤولية فيما استُشير فيه, وبذا يكون العمل بفريق متكامل يشد بعضه بعضاً.
والإدارة في الإسلام تدعو إلى الأخذ الجادِّ بالتخطيط الملائم للأعمال بعد تقرير تنفيذها, ليس ذلك فحسب، بل تدعو إلى تهيئة الظروف المناسبة للتنفيذ, مع متابعة بنَّاءة هادفة لسير العمل, والأخذ بعين الاعتبار حقوق كلٍّ من أصحاب العمل والعمال.
لقد خط الإسلام بهذا النظام الفذِّ معالم الطريق الصحيح للإدارة السليمة, والتي تنبري لتقريره أقلام علماء الإدارة في العصر الحديث, وإننا نجد المسلمين – عبر سجلِّهم الإداري – قد عمدوا حيناً إلى نمط مركزية الإدارة, وذلك فيما يتعلق بولاية الأمر العامة, وحيناً آخر إلى اللامركزية الإدارية, ويتمثل ذلك في حسن تقدير العامل لحيثيات تطبيق القرار, دونما أدنى خلل في تحقيق مقصود هذا القرار, بما يحقق المصلحة العامة المتوخاة منه.(181/1)
إن ما سبق منبثق من أصول وثوابتَ سطرت في كتابات يزخر بها الفكر الإسلامي, فها هو الفارابي يتحدث عن المثالية في الإدارة, وذاك الماوردي يبين أسس الإدارة الحكومية, والغزالي يكتب عن السلوك الإداري, وابن تيمية يرشد إلى الإصلاح الإداري, وابن خلدون يبحث في اجتماعيات الإدارة, وغيرهم كثير.
ومع أن أولئك جميعهم - أو غالبهم - لم يكن في حسبانهم حينما سطروا ما سطروه أنهم يضعون أسس حياة فكرية جديدة، ويرسمون قواعد إدارة المجتمع, فإن ما قدموه وما قاموا به قد صار في عصرنا من الغايات المرجوَّة في علم الإدارة, فقد حددوا في ذلك جملة دعائم ترتكز عليها الإدارة الإسلامية, ومنهاج الإداري المسلم, ومن ذلك:
1 - اعتبار العمل الجاد ضرورة حيوية للإنتاج.
2 - تقرير أن الإدارة هي أهم الوسائل لتنظيم جهد العمال.
3 - ضرورة اختيار الأصلح -من العمال- دون مجاملة.
4 - اعتبار القدوة الحسنة ضرورة لحسن الإدارة.
5 - اعتماد الشورى في اتخاذ القرار، والعمل بروح الفريق الواحد.
6 - أهمية الالتزام والطاعة وفق تنظيم تقتضيه مصلحة العمل.
7 - التجديد في العمل, وتحديد المسؤوليات في تنفيذه.
8 - التخطيط الملائم لكل عمل.
9 - الأخذ بالأسباب, بتطوير الوسائل العلمية, بما يخدم الارتقاء بجودة العمل.
10 - إجادة العمل وإتقانه.
11 - تقرير الجزاء الحسن مقابل العمل الجيد.
12 - إظهار المرونة في التعامل الإداري.
13 - تحقيق العدل في التعامل.
14 - التعاون, مع إيلاء العلاقات الإنسانية أهمية كبيرة.
15 - التيسير ومراعاة الظروف.
16 - محاسبة النفس والتقويم الذاتي المستمر.
هذه الصفات التي تمثل تكامل النظام الإداري الإسلامي, نجدها ماثلة نظرياً فيما دعت إليه الشريعة، وعملياً فيما سطرته السيرة النبوية العطرة, واقتدى به سائر الولاة المسلمين.(181/2)
في ضوء ما سبق يمكن القول: إن الإسلام ينظر إلى عملية الإدارة على أنها عملية متكاملة؛ بشرياً، ومادياً، ومعنوياً، كما يعدها توجيهاً عملياً لحياة الإنسان بمختلف أبعادها وأنماطها.(181/3)
العنوان: الإدارة الإستراتيجية.. لماذا؟!
رقم المقالة: 500
صاحب المقالة: محمود حسين عيسى
-----------------------------------------
كثيراً ما نقرأ ونسمع عن مصطلح - أو كلمة - " الإستراتيجية " حيث يرد في بعض الكتابات، ويتردد على ألسنة بعض المتحدثين في البرامج الإعلامية، وتفرد له بعض الكتب في بعض الكليات المتخصصة..! وتستخدمه بعض وسائل الإعلام المقروءة..!
فما موقع هذا المصطلح في واقعنا المعاصر؟! هل نستخدم فعلاً الإستراتيجية في أي منحى من مناحي حياتنا؟! أم أنه مصطلح نتشدق به فقط..؟! وهل الإستراتيجية.. تستحق أن نستخدمها فعلاً..؟! وإذا كانت أمورنا الحياتية تسير بنا حيث تسير.. فما الذي يدفعنا إلى استخدام الإستراتيجية؟!
ووجدتني بعد هذه الأسئلة مدفوعاً إلى كتابة هذه الدراسة الإجمالية - وستتبع بدراسات تفصيلية إن شاء الله - عن علم من العلوم التي ألحقت به كلمة "الإستراتيجية" وهو: علم الإدارة الإستراتيجية..
وأود بدايةً أن أوضح أن مفهوم أو عملية الإدارة الإستراتيجية طبقت ولا تزال تطبق بشكل أساسي في معظم بلدان العالم المتقدم، فتأخذ هذه الدول بالإدارة الإستراتيجية عامة.. والتخطيط الإستراتيجي خاصة.. في كل شؤونها.
وقد أخذت الشركات الصناعية، والمنظمات غير الربحية، والمؤسسات على اختلاف أشكالها وأحجامها، في تلك الدول المتقدمة بالإدارة الإستراتيجية أيضاً..! حيث أكدت دراسات عديدة أجريت على شركات ومنظمات أعمال أمريكية أن عدد الشركات والمنظمات التي اعتمدت مفهوم أو عملية الإدارة الإستراتيجية يفوق عدد الشركات والمنظمات التي لم تأخذ بهذا المفهوم، وأن المديرين الذين يأخذون بمفهوم الإدارة الإستراتيجية يعتقدون بأنه يؤدي إلى النجاح والنمو والاستمرار.(182/1)
وقد دلت إحدى الدراسات التي قام بها كل من (ليون وهاوس) عام 1970 م على أن الشركات ومنظمات الأعمال التي أخذت بمفهوم الإدارة الإستراتيجية - وفي القلب منه التفكير والتخطيط الإستراتيجي - في قطاعات صناعة الأدوية والمعدات والآلات - وهي شركات تنظر إلى المدى البعيد - فاقت بكثير الشركات ومنظمات الأعمال الأخرى المماثلة التي لم تأخذ بهذا المفهوم.. وذلك في مؤشرات المبيعات ومعدل العائد على رأس المال المملوك والعائد على الأسهم والعائد على رأس المال المستثمر، وهذا كله يؤثر - سلبياً وإيجابياً - على استقرار ؛ بل ووجود الشركات ومنظمات الأعمال في المدى المتوسط والبعيد.
وعلى النقيض مما تقدم.. لم يهتم العالم الإسلامي، والعالم العربي - على مستوى الدول أو على مستوى الشركات والمنظمات أو الجامعات والكليات المتخصصة- بالإدارة الإستراتيجية إلا في السنوات القليلة الماضية، وعلى نطاق محدود..!
والآن دعونا نتعرف ماهية الإستراتيجية.. ثم نتحدث عن عملية الإدارة الإستراتيجية..
الإستراتيجية:
اشتقت كلمة " إستراتيجية " من كلمة " استراتيجوس " وهي كلمة يونانية الأصل وتعني فن القيادة.
وقد اقتصر استخدام مفهوم " الإستراتيجية " منذ عدة قرون على العمليات الحربية.. وانتقل بعد ذلك إلى مجال الأعمال في النصف الأخير من القرن الماضي (القرن العشرين)، حيث طبق بشكل واسع في الولايات المتحدة الأمريكية، وسرعان ما انتقل إلى أوربا، ومن ثم إلى بعض البلدان النامية.
وللإستراتيجية عدة مفاهيم منها:
- الإستراتيجية هي اتجاه ونطاق دولة ما.. أو شركة ما.. أو منظمة ما.. على المدى البعيد. فوجود إستراتيجية واضحة المعالم لأية منظمة.. تمكنها بلا شك من استخدام مواردها المتاحة واستغلالها بشكل إيجابي فعال ومؤثر - إن لم يكن بالشكل الأمثل - مما يمكنها من الوفاء باحتياجات كل الأطراف المتعاملة معها، والأفراد الذين ضمنها..!(182/2)
- الإستراتيجية تعبر عن مسار يتم تفضيله، واختياره من بين عدة مسارات، بهدف تحقيق المنظمة أو الشركة أو...، رسالتها، وغاياتها، وأهدافها، ومن ثم تحقيق الاتجاه الذي ارتضته هذه المنظمة أو تلك الشركة لنفسها في المستقبل.
- مصطلح الإستراتيجية يطلق على الأهداف المحددة، وتحديد البدائل المتاحة، والاختيار بينها على أساس مقارنة التكاليف والفوائد المرتبطة بكل بديل، وتقييم كل البدائل، ومن ثم اختيار البديل الأفضل، والذي يطلق عليه البديل الإستراتيجي، ومن ثم توصيفه في برنامج زمني قبل التنفيذ.
الإدارة الإستراتيجية:
هناك العديد من التعريفات للإدارة الإستراتيجية لعديد من علماء الإدارة:
- يعرف Ansoff الإدارة الإستراتيجية strategic management بأنها: " تصور المنظمة (الشركة - المنشأة) لعلاقتها المتوقعة مع بيئتها بحيث يوضح هذا التصور نوع العمليات التي يجب القيام بها على المدى البعيد، والذي يجب أن تذهب إليه المنظمة، والغايات التي يجب أن تحققها.. "
- ويعرف (David 1995م) الإدارة الإستراتيجية: " هي علم وفن وصياغة وتنفيذ وتقييم القرارات الوظيفية المختلفة، والتي تمكن المنظمة من تحقيق أهدافها ".
- ويعرف Wheelen& Hunger 2004 الإدارة الإستراتيجية بأنها: " مجموعة من القرارات والتصرفات الإدارية التي تحدد أداء المنظمة في الأمد الطويل ".
- ويعرف الدكتور عبد الحميد عبد الفتاح المغربي 1999م الإدارة الإستراتيجية بأنها: " تصور الرؤى المستقبلية للمنظمة، وتصميم رسالتها وتحديد غاياتها على المدى البعيد، وتحديد أبعاد العلاقات المتوقعة بينها وبين بيئتها بما يسهم في بيان الفرص والمخاطر المحيطة بها، ونقاط القوة والضعف المميزة لها، وذلك بهدف اتخاذ القرارات الإستراتيجية المؤثرة على المدى البعيد ومراجعتها وتقويمها ".(182/3)
ومن خلال التعريفات الكثيرة التي لا يسمح المجال بذكرها، يمكن أن نقول: إن الإدارة الإستراتيجية.. هي تصور منظمة ما لمستقبلها (مركزها، ماذا ستكون عليه في المستقبل..) على المدى البعيد، وهذا التصور يحتم عليها أن تصمم رسالتها، وتحدد غاياتها وأهدافها والوسائل التي ستتبعها للوصول لهذا المستقبل، وتحدد أيضاً كيف ستتعامل مع بيئتها الداخلية والخارجية، بما يمكنها من استيضاح نقاط القوة والضعف التي تتصف بها، والفرص والمخاطر المحيطة بها، وكل ذلك يهدف إلى أن تتمكن هذه المنظمة من اتخاذ قراراتها الإستراتيجية الهامة والمؤثرة على المدى البعيد، وأيضا مراجعة وتقويم تلك القرارات.
فعملية الإدارة الإستراتيجية جزء هام في منظومة الفكر الإداري، حيث تتضمن الإدارة الإستراتيجية تحديد وتصميم وتنفيذ ثم تقييم القرارات الهامة للمنظمة - الاقتصادية على سبيل المثال - ذات الأثر طويل الأجل.. وهذه القرارات تهدف إلى زيادة القيمة الاقتصادية - بزيادة حصتها السوقية -، وزيادة القيمة المضافة لهذه المنظمة، وللاقتصاد الوطني، ومن ثم المجتمع ككل.
كما أن عملية الإدارة الإستراتيجية في المنظمات التي لا تهدف إلى تحقيق ربح Non profit organization تسعى إلى زيادة قيمة المنظمة من خلال فعالية أنشطتها وكفاءة أدائها، والذي ينعكس على زيادة رضا المتعاملين والمستفيدين من خدماتها.
وثمة فروق هامة بين الإدارة العامة، والإدارة الإستراتيجية، والإدارة بالأهداف:(182/4)
وهو أن الإدارة الإستراتيجية تختلف عن الإدارة العامة في توجهها الرئيس..ففي حين يتركز اهتمام الإدارة العامة بالشركة أو المنظمة من الداخل - بالعمل على تطبيق السياسات الموضوعة، وإنجاز الأهداف المحددة... إلخ - نجد تركيز واهتمام الإدارة الإستراتيجية أوسع من ذلك بكثير فهو يشمل المنظمة من الداخل والخارج في ذات الوقت.. فهي تنقب في البيئة الداخلية للمنظمة لتحديد نقاط القوة، ونقاط الضعف، وترصد وتراقب وتمسح البيئة الخارجية لتحديد الفرص المتاحة والتي يجب الظفر بها، فضلا عن تحديد المخاطر التي يحتمل أن تتعرض لها الشركة والعمل على الوقاية منها ودفعها.
والإدارة الإستراتيجية يقوم بها ويمارسها مديرون إستراتيجيون، لهم سمات وقدرات خاصة، أهمها سعة الأفق، وإعمال التفكير العميق، والأخذ بمبدأ المبادأة والبعد عن ردود الأفعال، ويتمتعون بمهارات خاصة تؤهلهم للابتكار والتجديد والإبداع، وهذه السمات وتلك القدرات الخاصة تمكنهم من الدراسة الفاعلية للبيئة الداخلية والبيئة الخارجية، مما تمكنهم من التفاعل معها بكفاءة عالية، ومن ثم تمكنهم من اقتناص الفرص التي تتهيأ لشركتهم أو منظمتهم، وتجنيبها المخاطر التي قد تتعرض لها أو تخفيف آثارها حين وقوعها، فضلا عن التحديد الواضح لمواطن القوة والضعف في شركتهم، والتي من خلالها يستطيعون الاستفادة من الموارد المتاحة لشركتهم أفضل استفادة.
والإدارة الإستراتيجية تركز أيضاً على استشراف المستقبل، وتعمل على تصميم غايات الشركة أو المنظمة - التي تأخذ بها - وتحديد أهدافها، وأنشطتها على المدى البعيد.. في حين نجد الإدارة بالأهداف تركز على تحقيق الأهداف قصيرة الأجل.(182/5)
ومما سبق عرضه تتضح لنا أهمية الإدارة الإستراتيجية، وتتضح تلك الأهمية أكثر من خلال اعتماد الإدارات العليا في العديد من الشركات ومنظمات الأعمال العالمية على الإدارة الإستراتيجية وجعلها خياراً رئيساً لإدارة شركاتها ومنظماتها، ويرجع ذلك الاعتماد إلى تحديات العولمة، والظروف العالمية المتقلبة وغير المواتية، فضلا عن التحديات المحلية والإقليمية التي تواجهها تلك الشركات.. هذه التحديات المتشعبة لا تستطيع وسائل الإدارة التقليدية مجابهتها.. دون أدنى شك..!
وبعد ذكر التعريفات المختلفة للإدارة الإستراتيجية، وتوضيح الفروق بينها وبين الإدارة العامة (التقليدية) وبين الإدارة بالأهداف، وأيضا توضيح أهميتها بالنسبة لمنظمات الأعمال والشركات وغيرها..، لابد من ذكر أهداف وفوائد الإدارة الإستراتيجية، وكذا التحديات والصعوبات التي تواجهها، فضلا عن مراحل الإدارة الإستراتيجية (بشكل موجز - كما سبق وذكرنا -).
أهداف الإدارة الإستراتيجية وفوائدها للشركات ومنظمات الأعمال:
1- تمكِّن الإدارة الإستراتيجية الشركة من استشراف المستقبل برؤية واضحة مما يساعدها على اتخاذ القرارات الإستراتيجية.. حيث تفرض صياغة الإستراتيجية على الشركة دقة توقع الأحداث المستقبلية الإيجابية والسلبية على السواء، والاستعداد للتعامل معها، وهذا يساعد بلا شك على استقرار الشركة، فضلا عن السيطرة على مستقبلها، ومن ثم العمل على زيادة نموها..
2- تساعد الإدارة الإستراتيجية الشركة أو منظمة الأعمال على إعادة الهيكلة التنظيمية الداخلية، ووضع السياسات والإجراءات والقواعد والأنظمة، وتقدير ما تحتاج إليه الشركة من القوى العاملة بالنحو الذي يزيد من قدرتها على التعامل مع البيئة الخارجية بكفاءة وفعالية، فضلا عن إدارة موارد الشركة بكفاءة أكثر وفاعلية أرفع.(182/6)
3- تساعد الإدارة الإستراتيجية الشركة أو منظمة الأعمال في تحديد عدة بدائل إستراتيجية ثم اختيار البديل الإستراتيجي الأفضل.
4- تساعد الإدارة الإستراتيجية الشركة أو منظمة الأعمال في تحديد الأولويات والأهمية النسبية لأعمال الشركة المختلفة سواء داخل أو خارج الشركة، وذلك عن طريق تحديد الغايات ووضع الأهداف طويلة الأجل والأهداف السنوية والسياسات التنفيذية لتلك الأعمال، وإجراء عمليات تخصيص وتوزيع الموارد المتاحة للشركة بالرجوع والاسترشاد بهذه الأولويات المحددة سلفاً.
5- تعمل الإدارة الإستراتيجية على توفير معايير موضوعية يسترشد بها في الحكم على مدى كفاءة إدارة الشركة وفعاليتها - دون استثناء - بدءاً من الإدارة العليا، ومروراً بالإدارة الوسطى، حتى الإدارة التنفيذية والمشرفين، وتساعد تلك المعايير أيضاً في زيادة فاعلية وكفاءة عمليات اتخاذ القرارات والتنسيق والرقابة واكتشاف وتصحيح الانحرافات المعيارية، أي بين المعايير والمنفذ.
6- تعمل الإدارة الإستراتيجية على تجميع البيانات والمعلومات باستمرار عن البيئة الداخلية للشركة، وذلك لتمكينها من تحديد نقاط القوة داخل الشركة والعمل على تنميتها، ونقاط الضعف والتهديدات والعمل على القضاء عليها أو التقليل منها، وتحديد نقاط القوة والضعف - بلا شك - يمكن المدير المسؤول من اكتشاف المشاكل مبكرًا ومن ثَمَّ يمكن الأخذ بزمام القيادة والمبادأة واتخاذ قرارات مدروسة من قبل، بدلاً من أن تكون القرارات ارتجالية في صورة رد فعل.
7- تعمل الإدارة الإستراتيجية على التركيز على البيئة الخارجية، وخاصة الأسواق التي تتعامل معها، والأسواق المستهدفة، وذلك انطلاقاً من أن استغلال الفرص ومقاومة المخاطر والتهديدات هو المعيار الأساسي لنجاح الشركات ومنظمات الأعمال.(182/7)
8- وجود نظام للإدارة الإستراتيجية يتكون من إجراءات وسياسات وخطوات تنفيذية معينة.. اشترك في وضعها كل العاملين بالشركة، ليشعر هؤلاء العاملون بمدى أهميتهم، مما ينعكس على أدائهم، فضلا عن رفع روحهم المعنوية، ومن ثم زيادة الولاء لشركتهم.
9- تساعد الإدارة الإستراتيجية الشركة أو منظمة الأعمال على تحقيق أفضل النتائج من الناحية الاقتصادية والمالية، فهي توفر دراسة عميقة للبيئة الداخلية والخارجية، والتي تمكن الشركة من توظيف إمكانياتها بطريقة فعالة ورشيدة، وتمكنها من معرفة منافسيها بدقة، وتمكنها أيضاً من دراسة السوق ومعرفة أذواق العملاء والمستهلكين... إلخ.
الصعوبات والتحديات التي تواجه الإستراتيجية:
إن التطور الهائل الذي يشهده العالم اليوم في المجالات كافة، خاصة في مجال الاتصالات، وما أحدثته من جعل العالم كله يعيش وكأنه في غرفة واحدة - وليس في قرية صغيرة -، وكذلك توافر سهولة حركة المواصلات بين الدول عما كانت عليه في الماضي، فضلا عن التقدم التكنولوجي الذي تشهده العديد من الصناعات، كل ذلك - وغيره - أدى إلى وجود صعوبات وتحديات كثيرة أشعلت المنافسة الكبيرة للسيطرة على الأسواق المحلية والإقليمية والعالمية بين الشركات ومنظمات الأعمال، هذه المنافسة وغيرها من التحديات والصعوبات فرضت على الشركات ومنظمات الأعمال العمل بالإدارة الإستراتيجية كي يمكنها من مواجهة أو التقليل من أثر هذه التحديات، والتي من أهمها:
1- زيادة وتيرة التغيرات:(182/8)
وذلك من حيث الكمية، والنوعية في جميع المنتجات، بل التغير السريع في بيئة الأعمال كلها، سواء البيئة الثقافية (أذواق العملاء)، أوالبيئة السياسية (النزاعات والحروب)، أوالبيئة الاقتصادية (اتفاقيات الجات، والتحالفات بين مجموعات من الدول... وغيرها)، والبيئة التكنولوجية والمعلوماتية، كل ذلك يفرض على الشركات ومنظمات الأعمال وضع إستراتيجيات دقيقة لكي تتعامل من خلالها مع الفرص والتهديدات.
2- ازدياد حدة المنافسة:
يقول د. سعد غالب ياسين: "لم تعد المنافسة مقتصرة على السعر وجودة المنتج فقط، بل تعددت الآن لتشمل كل أنشطة المنظمة، ولتصبح منافسة كونية أيضاً Global competition وتتضح هذه الصورة في ظهور منافسين جدد باستمرار، وهذا يفرض على الإدارة العليا وضع إستراتيجية ذات كفاءة عالية، وبعيدة المدى لمعالجة وضع المنظمة في أسواق مختلفة. وعلى سبيل المثال: قبل عشرين عاماً كانت شركة جنرال موتورز تتحدى العالم بصناعتها، ونموذجاً متألقاً تتطلع إليه بقية أقطار العالم، أما اليوم فنجدها تلهث من أجل البقاء على حد قول أحد مديريها ".. ومن المعروف أن شركة جنرال موتورز رائدة في تطبيق الإدارة الإستراتيجية.
3- من التحديات الخطيرة التي قد تواجه الإدارة الإستراتيجية:(182/9)
الجمود وعدم المرونة في التدريب والعمل والسعي للحصول على المعرفة، فنجاح الشركات ومنظمات الأعمال الآن يتطلب منها وضع برامج تدريبية عالية المستوى لكل العاملين بها، لكي تقف بهم على أحدث الوسائل التكنولوجية والمعلوماتية والمعرفية والثقافية عموماً، وفي مجال صناعتهم خصوصاً، فإذا توافر للشركة: العامل الماهر، والإداري الكفء، والإدارة النشطة، والخبير التسويقي، والخبير المالي، والمهندس المبدع، والمعلومة الصحيحة، والمعرفة المفيدة، أمكنها - أي الشركة - وضع إستراتيجيات وسياسات عملية مدروسة، وذات كفاءة وفاعلية عالية، تسهم بلا شك في زيادة رضا العميل عن المنتجات التي تقدمها الشركة، ومن ثم زيادة حصتها السوقية المحلية والإقليمية والدولية، ومضاعفة ثرواتها، مما يعود بالنفع الاقتصادي المباشر عليها، ويعمل على زيادة معدلات التنمية الاقتصادية في الدولة التي تنتمي إليها.
4- ومن التحديات أيضا ندرة الموارد:
إن الزيادة السكانية الكبيرة التي يشهدها العالم اليوم، والتي لم يصاحبها زيادة مماثلة في الموارد الطبيعية المكتشفة، أدى إلى ظهور واضح للصراعات بين الدول، وبين الشركات ومنظمات الأعمال على موارد الطاقة خاصة النفط، والماء، والكفاءات العلمية والفنية الماهرة، هذه الصراعات فرضت على الشركات ومنظمات الأعمال التفكير في وضع الإستراتيجيات التي تضمن من خلالها توفير ما تحتاج إليه من موارد بالمقدار الكافي، فضلا عن تأمين بقائها.
5- التحالفات والشراكات الإستراتيجية:
اتجهت كثير من الشركات منذ عقود زمنية قليلة إلى سياسة التحالفات والشراكات الإستراتيجية المفتوحة مع الشركات العالمية الكبرى، وذلك نتيجة لأسباب، أهمها:
- العولمة، وما أدت إليه من تلاشي الحدود السيادية بين الدول في مجال الأعمال.
- ازدياد حدة المنافسة الأجنبية في الأسواق المحلية والإقليمية.(182/10)
- حرية التبادل التجاري، وما فرضته الاتفاقيات الدولية، وخاصة اتفاقية (الجات) من تخفيضات هائلة للتعريفات الجمركية بين الدول الموقعة عليها.
- ندرة الموارد الطبيعية التي تعتمد عليها شركة ما في دولتها، وتوافرها في دولة شركة أخرى تعمل في نفس المجال.
مراحل الإدارة الإستراتيجية:
تمر عملية الإدارة الإستراتيجية بأربعة مراحل:
1- مرحلة التحليل والرصد البيئي:
تتعرف الشركات أو منظمات الأعمال بيئتها الداخلية والخارجية، عن طريق الخبرة، وجمع البيانات الإحصائية بالوسائل التقليدية وغير التقليدية والتي استحدثت نتيجة للتطورات الهائلة في عالم تكنولوجيا الاتصالات.
والتحليل البيئي هو استعراض وتقييم البيانات والمعلومات - التي تم الحصول عليها عن طريق مسح البيئة الداخلية والخارجية - ومن ثم تقديمها للمديرين الإستراتيجيين في الشركة أو منظمة الأعمال، والذين يقومون بتحليلها إستراتيجياً بهدف تحديد العوامل الإستراتيجية والتي سوف تحدد مستقبل الشركة أو منظمة الأعمال.
والطريقة الأكثر شيوعاً في تحليل البيئة الداخلية والخارجية هي طريقة SWOT Analysis، ويستخدم هذا المصطلح لتحليل البيئة الداخلية عن طريق عوامل القوة Strengths وعوامل الضعف Weaknesses، وهذه العوامل (القوة والضعف) قد لا تكون تحت سيطرة الإدارة العليا في المدى القصير، وتشتمل هذه العوامل على: ثقافة الشركة، وهيكلها، والموارد البشرية والمادية المتاحة. ومن المعلوم أن نقاط القوة داخل الشركة تشكل الخصائص والعوامل الرئيسة التي تستخدمها للحصول على الميزة التنافسية.
2- مرحلة صياغة الإستراتيجية:
وهي المرحلة التي توضع فيها الخطط طويلة الأمد، لتتمكَّن الإدارةُ العليا من استغلال الفرص، وتتجنب التهديدات، وتزيد نقاط القوة، وتحد من نقاط الضعف، بأسلوب إيجابي وفعال.
وتحتوي عملية صياغة الإستراتيجية التحديدَ الشاملَ والدقيق لكل من المجالات الآتية:(182/11)
أ - تحديد رسالة الشركة أو منظمة الأعمال Mission:
بعد تحديد الرؤية: Vision
وهي صورة المنظمة وطموحاتها في المستقبل، والتي لا يمكن تحقيقها في ظل الإمكانات الحالية وإن كان من الممكن الوصول إليها في الأمد البعيد.
تُحدَّد رسالة الشركة أو منظمة الأعمال، وهي وثيقة مكتوبة تمثل مرجعية ومرشداً رئيساً للشركة، تقارن وتقاس بها جميع القرارات قبل اتخاذها، وجميع السياسات قبل وبعد رسمها، وكذلك الإجراءات التنفيذية، وتشمل هذه الوثيقة مدة زمنية طويلة الأمد.
وتستطيع الشركة أو منظمة الأعمال بعد تحديد رسالتها أن تجيب عن هذه الأسئلة الهامة:
- ما هو عمل الشركة الآن؟
- وكيف سيكون وضع العمل في المستقبل؟
- لمن يؤدَّى هذا العمل؟
- لماذا أُسِّست الشركة؟
ب - تحديد الأهداف التي تستطيع الشركة أن تحققها على المدى البعيد:
من المعروف أن الأهداف ما هي إلا نتائج النشاط السابق تخطيطه والتي عملت الشركة على تحقيقه.
وتحدد الأهداف:
- ماذا يجب أن يُنجَز؟
- ومتى يكون الإنجاز؟
وهناك فرق بين الأهداف objectives والغايات Goals، فالأهداف تُشتق من الغايات. فالغايات هي حالة عامَّة لما يريد أن تحققه الشركة في المستقبل البعيد، مثلاً: تريد الشركة تعظيم الربح، أما الهدف فقد يكون تحقيق صافي الربح سنوياً بنسبة 10%، وهذا معناه السعي للغاية وهي تعظيم الربح.
ج - وضع الإستراتيجيات وتطويرها:
- الإستراتيجية الكلية أو إستراتيجية المنظمة corporate strategy.
- إستراتيجيات وحدات الأعمال business strategy.
- الإستراتيجيات الوظيفية function strategy.
د - وضع السياسات:(182/12)
يجري وضع السياسات - وهي مجموعة من المبادئ والمفاهيم - من قبل الإدارة العليا لكي تبين وتصف من خلالها القواعد والإجراءات الأساسية للتنفيذ. وتنبع السياسات من المصدر الرئيس وهو الإستراتيجية التي اختارتها الشركة، لتشكل هذه السياسات خطوط مرجعية يسترشد بها العاملون داخل الشركة في اتخاذ القرارات.
3- تنفيذ الإستراتيجية:
وهي العملية التي عن طريقها تُوضع الإستراتيجيات والسياسات موضع التنفيذ من خلال ما تضعه الإدارة العليا من برامج، وخطط، وميزانيات، وقواعد، وإجراءات... إلخ.
4- التقويم والسيطرة:
التقويم والمتابعة هما عملية مراقبة تقوم بها الإدارة العليا بهدف تحديد مدى نجاح خيارهم الإستراتيجي المطبق في تحقيق غايات وأهداف الشركة، ويتم التقويم على مستوى الشركة ككل، ومستوى وحدات الأعمال والوظائف.
التعريف ببعض أنواع الإستراتيجيات العامة المستخدمة في الشركات ومنظمات الأعمال:
1- إستراتيجية الريادة Cost Leadership Strategy:
وفيها تحقق الشركة أو منظمة الأعمال عائدا يفوق العائد السائد في القطاع الذي تنتمي إليه بالرغم من وجود منافسة قوية.
2- إستراتيجية التمايز Differentiation Strategy:
وفيها تحقق الشركة أو منظمة الأعمال عائداً يفوق العائد السائد في القطاع الذي تنتمي إليه فضلاً عن تعزيز القدرة الدفاعية للشركة لمواجهة المنافسين.
3 - إستراتيجية التركيز Focus Strategy:
وفي هذا النوع من الإستراتيجيات تركيز الشركة على نشاط واحد - لها ميزة نسبية فيه - أو التوجه إلى شرائح محددة من العملاء.
4- إستراتيجية الاستقرار Stability Strategy:
وفي هذا النوع من الإستراتيجيات تسعى الشركة أو منظمة الأعمال إلى المحافظة على مجموعة النشاطات الحالية، والوضع الاقتصادي الحالي.
5- إستراتيجيات النمو Growth Strategy:
وفي هذا النوع من الإستراتيجيات تقوم الشركة بالتركيز على تنمية المبيعات أو الأرباح أو الحصة من السوق... إلخ.(182/13)
6- إستراتيجيات الانكفاء (التقشف أو الترشيد) Retrenchment Strategy:
تستخدم الشركة هذه الإستراتيجية عندما يكون بقاؤها مهدداً لعدم تمكنها من الصمود في وجه المنافسين.
7- الإستراتيجية المركبة Combinations Strategy:
وفيها تقوم الشركة باعتماد مزيج (تنويع) من الإستراتيجيات العامة التي استعرضناها آنفاً.
المراجع
1- " الإدارة الإستراتيجية لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين "، د. عبد الحميد عبد الفتاح المغربي - القاهرة: مجموعة النيل العربي 1999م.
2- " الإدارة الإستراتيجية "، د. سعد غالب ياسين، عمان، دار اليازوزي، 1998م.
3- " الإدارة الإستراتيجية، الأصول والأسس العلمية "، د. محمد أحمد عوض، الدار الجامعية، الإسكندرية 2004م.
4- Anssof. H. I. (1965) , corporate strategy; an analytic approach to growth and expansion. New York ; McGrow - Hill.
5- David, F.R., (1995), strategic management , New Jersey , prentice hall.
6- Wheelen, T.H., and Hunger, (2004) , strategic management and business policy, New York: Addison - Wesley publishing co.,(182/14)
العنوان: الأدب الإسلامي والنقد الصامت!
رقم المقالة: 224
صاحب المقالة: د. مأمون فريز جرار
-----------------------------------------
مشكلات الأدب الإسلامي كثيرة.. والعقبات التي توضع أمامه متعددة.
ومن هذه العقبات والمشكلات ما يصطنعه أعداء هذا الأدب ومنها ماهو من صنع انصاره ودعاته.
وإذا كان أعداء الأدب الإسلامي يوصدون أمام نشره الأبواب، ويعتمون عليه، ويتجاهلونه، ولا يشيرون إليه في وسائل الإعلام التي يسيطرون عليها إلا مكرهين..
إذا كانوا يفعلون ذلك.. فإن أنصار الأدب الإسلامي شركاء لهم في المؤامرة.
ولنكن صرحاء في عرض هذه المشكلة التي نسهم فيها جميعاً.. ألا وهي قتل الأدب الإسلامي (بالنقد الصامت)!!
وهذا مصطلح جديد أتقدم به لبيان حال كثير منا تجاه ما يصدر من الأدب الإسلامي..
إن كثيراً منا لا يكلف نفسه عناء شراء ما يصدر من هذا الأدب. بل إن منا من لا يعني نفسه قراءة ما يهدي إليه إخوانه من إنتاجهم.
وإذا فعل ذلك فإنه يتبعه في كثير من الأحيان بالصمت.. والصمت عندي هو نقد رافض لهذا الأدب!
وهو أشد سوءاً من التعتيم الإعلامي الذي يمارسه الخصوم!
إن من حق بعضنا على بعض نحن السائرين في درب الأدب الإسلامي أن يكون بعضنا لبعض مرآة..
وأول تجليات ذلك أن يقرأ بعضنا لبعض، وأن يظهر ما في هذا الأدب الذي يقرؤه من الإيجابيات ويسعى إلى بيانها..
وأن يكشف ما فيه من السلبيات ليتم تلافيها في الإنتاج المقبل.
وأظن أن الأديب الواعي هو الذي يستفيد من النقد الذي يكشف عن أوجه القصور ويطرب له أكثر من طربه للنقد الذي يطري ويدغدغ شهوة الإعجاب بالنفس والإنتاج.
ولكن هذا لا يحدث في كثير من الأحيان..
ويظل نتاج الأدب الإسلامي حبيساً لا يتحدث عنه النقاد.. ولا يعلم به إلا القليل من القراء.
وكم واحد منا إذا ذكر فلان من الأدباء الإسلاميين نظر إلى من يشاطره الرأي فيه.. وأخفى وراء تلك النظرة نقداً صامتاً قاتلاً..(183/1)
إنني أدعو نفسي وإخواني من القادرين على الكتابة إلى أن نطلق هذا الصمت القاتل..
وأن ننطق بآرائنا في نتاج بعضنا..
وأن يكون ذلك بأسلوب لا يجرح ولا يؤذي..
يقول الحق، وينطق بالصدق، ويسهم في الإصلاح حتى يستوي الأدب الإسلامي على سوقه.. وينتشر بين الناس، ويؤدي رسالته.(183/2)
العنوان: الأدب في خدمة العقيدة
رقم المقالة: 562
صاحب المقالة: محمد صالح عبدالقادر
-----------------------------------------
بعدُ مناهجنا عن الحركة الانقلابية ومفاهيم الإسلام:
إن الدارس للأدب الحديث يقف على كثير من المفاهيم الجديدة في إطار النقد وفي إطار الإبداع. فهو يقف في التقسيم المذهبي للأدب على المدارس الأدبية من رمزية وإبداعية وإنطباعية وغيرها.
وفي إطار النقد يقف على النقد الموضوعي والذاتي والتحليلي وكثير من هذه المقاييس، وفي نطاق الإبداع على القصة والمقالة والرواية والمسرحية والشعر بفنونه وأشكاله، هذه الأنواع تمثل الاتجاهات الدراسية في الأدب بشكله الحاضر.
ورب سائل يسأل وما علاقة هذا بالعقيدة وبالإسلام ولكننا سنربط بين هاتين الظاهرتين ربطاً حكيماً إن شاء الله ظل الإسلام معزولاً عن الثورة الأدبية مدى هذه السنين الطويلة نتيجة لعوامل كثيرة أهمها هذا التأثر بالمناهج الأدبية ودراستها ونهضتها.
ورجع الأدباء إلى تراثنا فوجدوا فيه القصور والجمود على حد زعمهم وحاولوا أن يجددوا ويبعثوا فيه الحركة والحياة، فماذا فعلوا؟.
الحقيقة أنهم لجأوا إلى بعث قسم كبير منه بدراسات عميقة متواصلة على أصول من البحث الحكيم والمناهج العلمية الصحيحة ولكن ما هي الغاية من هذا البعث؟ وقبل أن نجيب على هذا السؤال نقول: ماذا درس الأدباء والمفكرون؟ وأي نوع من الأدب استأثر باهتمامهم؟.
لقد رجع الدارس الحديث إلى أدبنا العربي القديم فهاله هذا التراث الكبير من الشعر والنثر بشتى أشكاله. وصوره فحاول أن ينظمه ويصل ما بينه من فجوات ويشيع في ثناياه مفاهيم النقد الحديث فعاد إلى الأدب الجاهلي وخاصة الشعر منه وإلى الأدب الإسلامي وخاصة ما يتعلق بالفنون التي تخضع للمقاييس الجمالية فصب عليها اهتمامه وجهده.(184/1)
ولكن ماذا كانت النتيجة؟ وماذا أهملنا بهذه الدراسة؟ لقد التفتنا إلى الشعر الذي يتغنى بالعواطف والسياسة والعصبية وتركنا ذلك الجانب الذي يتصل بالفكر والروح والذي كان أساس حضارتنا.
فهل حققنا ما نريد فبعثنا حضارتنا من رقادها الطويل، وهنا يهجم علينا سؤال جوهري، إن الأدباء حين أرادوا أن يدرسوا اتجهوا إلى الأدب الجاهلي من مثل المعلقات والشعر الغزلي وشعر السياسة والفخر. فهل قامت الحضارة الإسلامية على مثل هذا، وهل بعث الأمة العربية شعر النابغة وامرؤ القيس وجرير أم بعثها القرآن وخطب الرسول صلى الله عليه وسلم وأحاديثه..... إن الإنسان الحكيم سوف لا يحتال في الجواب لأن التاريخ صادق وليس فيه ما يخضع للتزوير... ولنتجاوز هذه النقطة إلى غيرها.
بماذا تكون قيمة الأدب، وبصورة أخرى ما هو مقياسنا في تقييم الأدب وتقديره، الشكل أم الفكرة، أم كلاهما معاً، وبماذا يحصل التأثير؟؟.
لا شك أن للشكل قيمته الأصلية في هذا الموضوع فقد كان القرآن ذروة البيان العربي والحديث معجزة الأساليب فإذا كان الشكل هذه القيمة، فإلى أي حد يلعب دور الفكرة والمضمون الذي يحمله هذا الشكل، وإلى أي حد يجب أن يكون الإيمان قوياً بهذه الأفكار المنطلقة من الفن الكلامي.
تكلم الناس على مر العصور بعديد من ألوان الفن التعبيري فلجأ أناس إلى القصة وأناس إلى الشعر وإلى غير هذا من الفنون. وأنا لم أضع هذه الدراسة لا قول للناس اهجروا القصة والشعر والرواية. لا، إن الرجل العاقل لا يفعل ذلك، بل إنما يقول حولوا هذه الأشكال الجوفاء إلى خدم لأفكاركم. إن اللغة أداة الفكرة ووسيلة العقيدة، وما وصلنا إلى ما وصلنا إليه إلا في الوقت الذي جعلنا فيه الأدب غاية في ذاته. فالإسلام الشامل الكامل هو أول من سخر اللغة للأغراض العقائدية والقرآن نفسه نهج هذا النهج وكذلك فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وكل أولئك الأفذاذ والعباقرة من رجال الفكر والبيان في الإسلام.(184/2)
لقد اقترن تاريخ النضال العقائدي بتاريخ النضال الفكري والبلاغي في الإسلام، فمحمد كان رسولاً وكان قائداً وبليغاً في الوقت ذاته، وعمر وعلي كانوا عباقرة الحكم والعدل وعباقرة البيان والفصاحة. وطارق بن زياد فتح الأندلس بخطبته المشهورة قبل أن يفتحها بسنابك خيله وأسنة رماحه، وأبو حامد الغزالي حول الفكر الإسلامي عن انحرافه وعنايته بالظواهر والقشور بذلك البيان الأخاذ والفهم الحكيم.
هذا هو تاريخ الإسلام نضال عقائدي مركزه القلب وكفاح بطولي وسيلته العزم والسيف وغزو فكري أداته البيان والحجة واللسان.
ثم جاء أقوام اشاحوا بوجههم عن هذا وطالعونا بالتجديد، وجاؤا بنظريات باطلة ظاهرها جميل خداع وباطنها خسيس فارغ – كما عهد عن الغربي في جميع ظروفه وأطوار حياته.
فلنتكلم عن الغريب أولاً، ثم عن تأثرنا به ثانياً. ما من عاقل ينكر عظمة ما وصل إليه الغرب من السمو بفنون الكلام حتى صار أدبهم الذروة في كل شيء وصار الناس عالة عليهم في كل شيء في القصة والمسرح والرواية والشعر... فنون استوت عندهم إلى أبعد الحدود وأوجدوا من الدراسات النقدية ما يحاكي تلك العظمة ويطاولها. وكذلك في مجال الفكر والفلسفة والاجتماع والنفس. ولكن ماذا كانت النتيجة..؟ لعلني استبق الحوادث وأقول (فاقد الشيء لا يعطيه) إن الأدب الأوروبي أدب فارغ – مع كل أسف أدب يعني بالجمال ويعني بالصياغة ويأخذ من الحياة على علاتها، فهو منبتّ الجذور عن القيم والأخلاق وأكبر الأمثلة على ذلك الثورة الوجودية في هذا العصر والأدب الواقع عند الروس وكثير من هذه الأنواع.(184/3)
صحيح أن هناك أدباً يعني بالقيم المثالية والروحية ولكن ماذا يصنع هذا الأدب حينما يعبر عن هذه الأشياء؟ فهو لا يزيد على أن يحببنا بالفضيلة والخير والجمال عن طريق إثارة الذوق والخيال والعاطفة، فهو إذن أدب مترف مبهرج يخاطب النواحي الفضولية عند الإنسان لا مكامن الثورة والطاقة فيه. إنه أدب يدغدغ عواطفك وأفكارك ولا يحرقها بوهج الفكرة وشعاع الإيمان...
لقد تكلم الأوروبيون كثيراً وملؤا الدنيا بكتبهم وقصصهم. فهل أدخلوا الفضيلة إلى قلب إنسان، هل غيروا المجتمع إلى أفضل، هل صار الإنسان إنساناً في أدبهم وفنهم...؟ إن أدبهم لا يزيد على أن يعقد المشكلة بل أنه ليجعل المشكلة أساساً لفنه وإطاراً لعمله. ونحن بهذا قد عالجنا إلى هنا الجانب المشرق من أدبهم فما بالك لو طالعت أدب الهروب والضياع والإنحلال الذي شاعت كثير من أفكاره ومصطلاحاته في أدبنا حتى صرنا نجد من أدبائنا الشباب من يلون كتبه وأسلوبه بألفاظ من مثل: (الوجه الشمعي – القوائم السائل – اللحن المحترق – العالم الضبابي – وجهه كدودة ضخمة بيضاء – كمية من الضجيج المبهم – العالم الزجاجي المتحنط اللامنسجم – اللامنتمي – الوجودي) هذه التعابير التي أخذوها عن عالم لا يفهم معنى الوجود ومعنى الأخلاق عالم منبت الجذور منقطع الأصول، يعيش في كل ساعة من ساعات نهاره ألواناً بشعة من الرزيلة والحقد والتفاهة فالقيم معدومة ولا سبيل هناك إلى راحة العقل أو الضمير أو الشعور، ماذا يجري هناك بالنسبة للإنسان الذي تعطل عقله (أي تمييزه) وتعطل ضميره (أي أخلاقه) وإنسانيته (أي قلبه) سوف نستطيع أن نتمثل الصورة بسهولة، لابد من طاقة من الغرائز – على حد تعبير المفاهيم الجديدة – تسيير الإنسان، كحب البقاء والأثرة وحب التسلط وإشباع الرغبات الجنسية والميول الأخرى التي تنتج عن الميل والهوى بأكثر مما تنتج عن الحب والإيمان والإيثار. لقد عطل الإنسان الغربي حينما عطل إيمانه كثيراً من(184/4)
جوانب الحياة المثالية السعيدة. لقد صرنا نسمع منهم (الإنسان ذئب على أخيه الإنسان) كمذهب نظري وصرنا نرى الاستعمار كمذهب تطبيقي للجشع والظلم والاستغلال... وأقف هنا لأجد ماذا فعلنا نحن أو ماذا فعل رد الفعل عند أدبائنا:
استيقظ الشرق فوجد هذا الضجيج والعجيج من الأفكار والفنون والآداب فهاله الأمر واستهواه التقليد وهو الذي أثخنته الجراح وفقد الثقة والصلة بالماضي وكان لابد له من أن يفعل شيئاً، فماذا فعل؟
إن الأدباء والمتنورين لا يعذرون في هذا المجال بل إنني لا أتورع من أن أصرخ في وجوههم: مجرمون أنتم يامن تركتم عبقرية الإسلام، مجرمون أنتم يا أقزام الأدب المغفلين لقد جنيتم وإن المسؤولية غداً لعظيمة، لقد نسيتم ماذا يفعله الإنسان الحكيم في مثل هذا الموقف، إن الرجل الشجاع لا يترك السلاح إلا مضى في المعركة ليقف أعزلاً أو ليستبدل به سلاحاً آخر أضعف منه.
ولا أريد أن أزيد في اللوم – ولو أنه من أسس البناء – بل أود أن أعرج على عمل هؤلاء المجددين وأود أن أقصر بحثي على عمل واحد من هؤلاء: طلع علينا الدكتور طه المصري بنظرية الأدب الجاهلي والنظرية طويلة ومفصلة قائمة على هذا النهج من البحث العلمي واصطناع المنهج الديكارتي وقواعد النقد والدراسه الحديثين ولا يعنينا هذا النحو من الدراسة وعلاقته بالأدب وإنما يهمنا ما يتصل بعقيدتنا وإسلامنا فماذا كان أثر هذه النظرية أو ما هو مقدار ما دعت إليه من تحرر أو انعتاق من الإسلام ومفاهيمه..(184/5)
لقد فهم العرب قديماً وحديثاً أن لغتهم جاءت لتخدم هذا الدين ولتوضح مبادئه بشكل يساير العصور في خطها الطويل فخدم الشعر والنثر هذه الفكرة ومن ثم تشعبت علوم كثيرة كعلوم التفسير والحديث والكلام والفقه والسيرة وكلها علوم شرعية إسلامية توسعت في مختلف العصور وخدمت القضية الدينية بشكل واضح بين. ولعل هذا ما يفهمه الدارس بسهولة ويسر. ولكن ماذا فعلت نظرية طه حسين. وماذا أرادت هذه النظرية ومن شايعه في تأييدها من الدارسين؟ لنستفت شيئاً من كلامه ولنستنطقه استنطاقاً حرفياً ننقله من كتابه (في الأدب الجاهلي) من فصل عنوانه (الحرية والأدب) يقول: بعد كلام طويل أنه يريد من بحثه حرية الرأي في كل شيء إلى أن يصل للأدب ويقول بالحرف الواحد:
"أريد أن يظفر الأدب بهذه الحرية التي تمكنه من أن يدرس لنفسه، التي تمكنه من أن يكون غاية لا وسيلة، فالأدب عندنا وسيلة إلى الآن، أو قل إن الأدب عند اللذين يعلمونه ويحتكرونه وسيلة منذ كان عصر الجمود العقلي والسياسي.. بل قل إن اللغة كلها تدرس من حيث هي سبيل إلى تحقيق عرض آخر وهي من هذه الناحية مقدسة، وهي من هذه النتيجة مبتذلة".(184/6)
ويتابع حديثه ليقول أنها مقدسة لأنها من حيث هي سبيل إلى تحقيق غرض آخر وهي من هذه الناحية مقدسة وهي من هذه النتيجة مبتذلة، ويتابع حديثه ليقول أنها مقدسة لأنها لغة القرآن ومبتذلة لأنها لا تدرس لنفسها ثم يقول أن الدارس لا يستطيع أن يتناول هذه اللغة بشيء لأنها مقدسة ولأن العلوم الدينية هي المقدسة والجديرة بالاهتمام. سوف نرجئ الرد عليه حتى نرى ما هي هذه الحرية التي يريدها وكيف يريد أن يجرد اللغة من قداستها – كما يقول هو في الظاهر – وهو في الحقيقة إنما يريد أن يجردها من مهمتها الدينية إذ بلفتة بسيطة نستطيع أن ندرك أن هذه القداسة للغة العربية جاءتها من أنها لغة القرآن فإذا فصلنا بينها وبينه وبين هذا الدين فسيحقق غرضه وستظل اللغة غير مقدسة كما يريد. والحرية التي يريدها الدكتور طه أن يدرس الأدب كما يدرس العالم الطب أو علم الحيوان أو النبات لا يخشى في دراسته هذه أي سلطان. وأخيراً يلخص نظريته فيقول:
"والأدب في حاجة إذن إلى هذه الحرية هو في حاجة إلى أن لا يعتبر علماً دينياً ولا وسيلة دينية. وهو في حاجة أن يتحرر من هذا التقديس".
ويضرب لذلك مثلاً: كيف استقامت فنون التصوير والتمثيل والأدب في أوربا لما تخلصت من ظلام القرون الوسطى وسيطرة رجال الدين والحكم وقاعدته الأخيرة: فلتكن قاعدتنا إذن أن الأدب ليس علماً من علوم الوسائل يدرس لفهم القرآن والحديث فقط – وفقط هذه للاستدراك التطييبي إذا صح التعبير – وإنما هو علم يدرس لنفسه ويقصد به قبل كل شيء إلى تذوق الجمل الفني فيما يؤثر من الكلام.(184/7)
هنا ينتهي كلام الدكتور الجليل وانه لعمر الله قد تعب واضناه الدفاع والأخذ والرد عن حريته ومنهجه وعلمه ولكننا نحن لن نتعب أبداً ولن نلقي السلاح في الدفاع عن أدبنا وتراثنا كما نفهمه وكما يفهمه المنطق الصحيح الذي يقره الإسلام. لقد تعب من نظريته التي يؤمن بها هو وكثير غيره... ولكن يا ترى هل كان مصيباً أم مخطئاً، أم هل سلك بسبيل الحق في جدله ونقاشه إذ لعله يعتقد الصحة في كلامه إذا كان إيمانه بالأشياء يختلف ووجهة نظرنا.
ياسيدي الفاضل: إن الفكر والشعور السامي ينبع من التراث الأخلاقي والديني للشعور وبالطبع لن نتردد كثيراً قبل أن نقول أن أخلاقنا وتراثنا في صميمها منطلقة عن الإسلام، فهل يجدر بالأدب أن ينحرف عن هذا المنبع الأصيل، وإذا انحرف فإلى أين يسير. إلى أي المنابع... لا إن الحياة كلها تضيق وتعجز عن أن تضارع رسالة السماء وحكمة الأنبياء ونبوغ الإسلام.
وكلمة أخيرة في هذا المجال لابد أن أربط فيها بين كلمتي هذه وبين دراساتنا الحديثة ومناهجها وبين تراثنا الأدبي والفكري الإسلامي.
إن الشقة واسعة بين هذين الطرفين في كل ناحية من النواحي ولن يعدم الإنسان التدليل على ذلك فمناهجنا بعيدة كل البعد عن الإسلام ودراساتنا كذلك فلا نزال الآن نعني بالأدب الجاهلي وأدب النقائض وشعر الغزل والسياسة وغيره بأكثر مما نعني بأدب القرآن والرسول وبخطب الراشدين والإسلاميين. ولا زلنا نعنى بمذاهب الفكر الغربية المختلفة لا أقول أكثر فقط من تراثنا الفكري بل إننا لا نهتم بمفكرينا أبداً فلا يزال الفقهاء والمشرعون والمفكرون كالأشعري والغزالي وابن تيميه.. وغيرهم أناساً مجهولين في أدبنا ولم يتجدد في دراساتنا وأذهاننا، إن هؤلاء الأفذاذ ملء أذني الدهر لو أتيح لهم من يعني بهم ويظهرهم إلى الوجود على مستوى البحث القيم والدراسات المنظمة.(184/8)
إن الإسلام ضائع بين جاحد غافل وغبي جاهل ومؤمن متواكل. فإلى متى النوم أيها الغافلون وإن في بعث الإسلام بعث لمجدكم وأخلاقكم.(184/9)
العنوان: الأدب والغزو الفكري
رقم المقالة: 359
صاحب المقالة: د. نازك الملائكة
-----------------------------------------
لعل الفرق بين الغزو العسكري والغزو الفكري هو الفرق بين المحسوس والمعنوي، فهما كلاهما غزو، وإنما الفرق بينهما في الوسائل والنتائج وما يستثيران في الأمة من طرق المقاومة فالغزو العسكري يتصدى للقوة محافظاً على شيء من الصراحة والعدالة. أما الغزو الفكري فإنه لا يقتل بالنار والحديد وإنما يهدم بالكلمة والحرف والمعنى وسوى ذلك من سلاح غير محسوس، فهو ينطوي على الظلم والخبث معاً.
وإنما وجه الخطر في الغزو الفكري أنه يستهدف روح الأمة وجذورها فلا يلقيها إلا وهي أشبه بثمرة امتص رحيقها، فلم يبق منها غير القشر والنوى. وما ذلك إلا لأنه يمسخ شخصية الأمة: أي نبع الأصالة والإبداع فيها فيشلها عن النمو والحياة. بينما لا ينجح الغزو العسكري في أكثر من تخريب مظاهر السكن والعمران، وهي أمور يمكن تعويضها لأنها لا تمس جوهر الحضارة ولا روح الأمة.
ثم إن مقاومة الغزو العسكري أسهل من مقاومة الغزو الفكري لسببين اثنين:
الأول: أن الهجوم العسكري الصريح، يستثير أغلبية أفراد الأمة فيهبون للجهاد ودفع العدو، بينما لا يستثير الغزو الفكري إلا القلة المدركة من عقلاء الأمة وذوي الرأي فيها. وسر ذلك أن الأغلبية قلما تستطيع إدراك المعنويات، ولا هي تتحسس الخطر على حياتها من عدو يهاجم الأفكار والآراء.
والسبب الثاني: أن وسائل الأمة في مقاومة الغزو العسكري ميسورة، هي السلاح والفداء والجهاد، بينما لا يجدي مثل ذلك في مقاومة الغزو الفكري لأن العدو هنا غير مرئي ولا تقتله النار، فلابد للأمة أن تلجأ إلى أسلحة أصعب كالإرتفاع إلى آفاق الأخلاق والثقة بالنفس وكرامة الذهن العام.(185/1)
وبسبب هذه الاعتبارات كلها يسهل أن تغزى الأمم المتوحشة غزواً فكرياً، أما الأمم العريقة المتحضرة فإنها سرعان ما تنهض وتقاوم وتنتصر لأن روحها لا تموت.
ولقد عرفت الأمة العربية الغزو العسكري مراراً عديدة دون أن تعرف الغزو الفكري. ووجه ذلك أننا كنا في الماضي مصدر المعرفة والضياء في العالم، وقد أعطينا حضارتنا إلى الأمم المجاورة حتى ونحن مغزوون يحكمنا الأجانب، ومن أبسط الأدلة على هذا أن الفرس الذين حكموا الأرض العربية فترة، لم يحكمونا إلا عسكرياً لأننا كنا خلال ذلك نحكمهم فكرياً، فلم يغادروا أرضنا إلا وقد اتخذوا ديننا ولغتنا. ولذلك تعج لغتهم اليوم بآلاف الكلمات العربية، فإذا تكلم الفارسي بفصحى الفارسية تحول كلامه إلى العربية مع تغيير بسيط في قواعدها.
وأما في عصرنا هذا، بعد قرون الغزو الطويلة التي انهكتنا وشلت حياتنا، فإننا فقدنا القيادة العلمية والصناعية، وبات علينا أن نتعلم الدروس التي فاتتنا. ولقد كان يمكن لنا أن نختار ما نأخذ عن الغرب، فلا نسمح له أن يمس روحيتنا وجوهر حضارتنا، غير أن الذي وقع غير ذلك فقد غزانا الغرب على جبهات حياتنا كلها فلم يترك جانباً إلا حاول اقتحامه وهدمه. وقد كنا حتى الآن سلبيين في موقفنا من الغزاة، فتركناهم يغيرون نظام بيوتنا وطراز مدننا، وسمحنا لهم أن يلقنونا آداب مجتمعهم في السلوك والمعاملة وأسلوب الحديث وبتنا نلبس ما يلبسون ونأكل ما يأكلون. وما من شك في أن بعض ما أخذناه عنهم نافع وإنما ننكر موقفنا العام من هذه المدنية الوافدة. فقد بتنا نترك ما هو جوهري في حضارتنا وما نتفوق به على الغرب، لنأخذ مكانه بضاعة رخيصة تضر بنا.(185/2)
ولقد عرض للفكر العربي إنهيار مماثل بإزاء الحضارة الوافدة، بلغ في هذه السنين الأخيرة أقصاه، حتى أصبحنا نقلب المجلات العربية فنجد فيها مقالاً عن (آرثر ميلر) يجاوره مقال عن (بيير كورني) يليه مقال عن (برونو) ثم مقال عن (فولتير)، فنعجب من أن تفكيرنا بات منحصراً في آداب الغرب فلا نتحدث إلا عنهم وكأن ليس لنا أدب على الإطلاق. يضاف إلى ذلك أن هؤلاء الكتاب لا يتخذون موقفاً عربياً مما يكتبون عنه من أدب الغرب، وإنما يصدرون في تعليقاتهم عن عين الموقف الذي يصدر عنه الكاتب الغربي.
فلو ترجمنا المجلة إلى لغات أوربا لما وجد الغربي فيها أي جديد يشوقه. وما من انهيار يصيب أمة من الأمم أفظع من هذا، فإن إنتاج هؤلاء الاعلام الغربيين يحتوي على اتجاهات ومبادئ تخدم الفكر الغربي في صميمه، فلو ارتفعنا إلى مستوى شخصيتنا الحضارية لكانت لنا تحفظات واعتراضات على ما يقولون، لا لأننا ننكر ما في إنتاجهم من جوانب الجمال، وإنما لمجرد أننا أبناء أمة لها أدبها وحضارتها ودينها، فاختلاف وجهات النظر أمر بديهي متوقع، وأما الإعجاب بكل ما يقولون ويعتقدون، فلا يدل على أكثر من أننا قد فقدنا ايجابيتنا وبتنا لا نفكر.
ولقد شاع بين الناشئة العرب اليوم احساس ضعيف تمكن في نفوسهم مؤداه أن علينا إذا أردنا أن نبني الأدب العربي أن ننبذ تراثنا وماضينا جملة (وأن نقبل) التراث الغربي دونما مناقشة أو تدبر، وعلى أساس هذا الاحساس غرق الناشئة في الأخذ والاقتباس والتقليد، حتى بلغ الأمر مبلغ الخطورة. ولقد تأملت مظاهر الغزو في أدبنا الحديث طويلاً فوجدتها تكمن في أربع جهات سأجملها فيما يلي:(185/3)
1 – موقفنا من الأخلاق: وأول مظهر من مظاهر الغزو في أدبنا اليوم أننا فقدنا اللمسة الأخلاقية فيما نكتب، فمن سمات الفكر العربي الحق أنه فكر أخلاقي، يدعو إلى ارتفاع العقل الانساني إلى مراتب الخير والكمال. وحسبنا من ذلك أن كلمة (أدب) عند العرب كانت ترتبط بأدب النفس كل الارتباط، فالأديب هو الذي يروي من الشعر والنثر ما يرتفع بالروح ويسمو بالخلق. وقد بقي الشعر العربي، قبل اختلاط العرب بالأعاجم، صورة تنطق بالفضيلة والمروءة وكمال النفس، وقد قال أحد الخلفاء الأمويين لمعلم أولاده (علمهم الشعر يمجدوا، وينجدوا) لأن الشعر كان صورة النفس الماجدة ذات المروءة والخير. وقد ثبت هذا المعنى في عصورنا كلها. فبقي الأدب من شعر ونثر يعرض أروع الصور في السلوك والمعاملات كما يحفل بنماذج صافية من الأخلاق الجنسية. وبحسبنا أن نتذكر العشرات من دواوين الحماسة والشعر، ومجموعات الخطب والرسائل وأقاصيص النجدة والمروءة وكتب الإرشاد الأخلاقي. وقد ترك المتصوفة وحدهم تراثاً أخلاقياً عظيماً كله نبل وإنسانية. وحسبنا على سبيل المثال أن نشير إلى كتاب (الفتوحات المكية) لمحيي الدين بن عربي فقد وردت في الجزء الرابع منه مئات الصفحات في الأخلاق فيها من الخلق الكريم ما لا حدود لجماله وكماله. على أننا لا نحتاج أن نذهب بعيداً في التمثيل فإن كتابنا الكريم (القرآن) يعرض من صور الأخلاق ما يكفي للإفصاح عن روحية العرب. ومثله في الحديث النبوي وأخبار الصحابة وأدعية السجاد الإمام زين العابدين، وأمثالهم، ومؤلفات أدبية لا حصر لها في أدب النفس ومعاني الأخلاق. وقد تمثلت هذه القيم عملياً في قصصنا الشعبي عن سيف بن ذي يزن وعنترة العبسي وأبي زيد الهلالي وأمثالهم من قصص المروءة والبطولة.(185/4)
ولم تفقد كلمة (أدب) مدلولها الأخلاقي إلا في عصرنا، فنحن اليوم نكاد نصدر في ما نكتب عن المفهوم الغربي للكلمة حيث تعني كلمة أدب Literature المعلومات والعلم، ولا تتصل بالأخلاق. ويرجع فصل الغربيين بين الأدب والأخلاق إلى عهود قديمة فنحن نجد في مذهب أرسطو الذي أدرجه في كتابه عن الشعر Poetics إن جمال الأدب لا يستند إلى الأخلاق، وإنما هو معنى منعزل لا شأن له بأية قيمة خارجية، ومن السائغ عند أرسطو أن يكون الأدب جميلاً كل الجمال حتى وهو غير أخلاقي، فلا دخل للمبادئ والمثل في الأدب.(185/5)
وقد سيطر هذا المذهب على الفكر الأوربي فبقي يتحدر من صفحة إلى صفحة عبر تاريخ الأدب والنقد، وممن اسنده وأضاف إليه الناقد الألماني (ليسنغ) في كتابه المعروف Laocoon ولسنا ننكر أن طائفة صغيرة من مفكري الغرب قد رفضوا هذا المذهب ودعوا إلى ما يقرب من المفهوم العربي، ومن هؤلاء الشاعر الروماني هوراس، والناقد الانكليزي (فيليب سيدني)، والشاعر الألماني (فريدريك شيلر) إلا أن هذه الأصوات تاهت في خضم الفكر المادي فلم تؤثر تأثيراً محسوساً، وبقيت الصورة الثابتة لآداب الغرب منفصلة عن الأخلاق حتى قال الفيلسوف المعاصر (بنديتو كروتشه) نصاً: (لا شأن للأخلاق في الأدب) وهذا الحكم يعبر أفصح تعبير عن تيار التبذل والتحلل في أدب أوربا اليوم. وتمتد جذور هذا التيار إلى القرن التاسع عشر، وقد بالغ في الدعوة إليه أنصار المذهب الطبيعي، الذين جعلوا واجب الأديب أن يصف كل ما يقع للإنسان دونما اعتبار لقيم الأخلاق ومصلحة المجتمع. وحسبنا للتمثيل أن نشير إلى قصة (أميل زولا) المعنونة (غرمينا) فقد هبط إلى أدنى مستويات الروح والخلق، فوصف عالماً موبوءاً تلعب به الغرائز الحيوانية على شكل يلغي الحضارة ويرد الإنسانية إلى عهود الوحشية والبربرية. وما من شيء يبدو لنا أشد إيلاماً من هذا، فإن (زولا) يرتفع في القصة نفسها إلى آفاق عالية من الفن والإبداع، فكأنه يضع فنه وإنسانيته في خدمة التفسخ، ويساهم في قتل الحضارة.(185/6)
ولقد اقتبس أدباؤنا العرب هذه النظرة إلى الأدب في اتجاهيها.. السلوكي والجنسي حتى أصبح أدبنا يضم أشنع النماذج في الإنسانية والخلق. فالقصاصون المحدثون يصورون في قصصهم أشخاصاً يعاملون آباءهم في قسوة وخشونة واحتقار، ويرسمون أبطالاً يتطاولون على أساتذتهم. وكم في القصائد والقصص من بذاءة وتبذل في اللغة، وقد أصبح نموذج البطل أن يجعله المؤلف كثير السب واللعن، ضيق الصدر، ضعيف الخلق، لا يترفع عن شيء. وشاعت صورة البطل المثقف الذي يبصق في الطريق ولا يعترف بأية قيمة للأشياء والأشخاص. وكل هذا مناقش لأدب النفس العربية الذي عرفه تراثنا. وإنما هو موقف منقول من الغرب، فذلك ما نجد في القصص الحديثة هناك وفي المذكرات والرسائل، فكان من علامات الثقافة الجديدة هناك أن يكون الإنسان متبذلاً قاسياً مغروراً لا يتورع عن شيء.(185/7)
أما النظرة الجنسية في أدبنا الحديث فنلمسها في ذلك الركام الهائل مما كان قبل يسمى بالأدب المكشوف فأصبح اليوم لا يسمى حتى بذلك، لأن أدب الجنس أصبح يعتبر مظهراً من مظاهر الواقعية والتحرر الفكري والثقافة الحديثة. فما يكاد الناشئ يكتب حتى يصطنع الغرق في الرذائل والاستهتار بالقيم. ولا نهاية اليوم للكتب والمجلات التي تقذف بها المطابع ويصور فيها الإنسان العربي وكأنه قد تحول إلى حيوان أعجم لا يرتفع إلى أعلى الجسد والحواس. وقد قرأنا في دواوين الشعر التي صدرت هذه الأعوام عجباً عجاباً من الاسفاف والجموح، حتى أصبحت هذه ظاهرة أكيدة تطبع الإنتاج الجديد. ومن عجب أن الحكومات العربية ما زالت غافلة عن هذه الظاهرة، فلا نراها تتخذ إجراءاً بإزائها، لا في حقل النشر ولا في حقل التعليم والتوجيه. والواقع أن وراء هذه الظاهرة ثلاثة معان كلها خطير ينذر بالشر: أ – المعنى الأول أن هذا الأدب المتحلل الذي يهدم الأخلاق والمجتمع، يتعارض مع الدعوة القومية التي يعيش لها المجتمع العربي اليوم. فالقومية بناء وحياة، بينما أدب الجنس هدم وانتحار. تهدف القومية إلى بعث الأمة العربية بقدراتها الأصيلة وماضيها الحضاري الوهاج، بينما يهدف أدب الجنس إلى هدم الأخلاق والعقائد والقيم ومن ثم إلى هدم المجتمع. قال ابن خلدون في مقدمته: "إذا تأذن الله بانقراض الملك من أمة حملهم على ارتكاب المذمومات وانتحال الرذائل، وسلوك طرقها، فتفقد الفضائل منهم جملة ولا تزال في انتقاص إلى أن يخرج الملك من أيديهم".
واستشهد بالآية الكريمة: "وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرها" والحق أن من يتأمل هذا الأدب الجديد تأملاً نزيهاً ينتهي إلى الشعور بأننا نعمل للقومية العربية بينما نترك أدبنا يعمل ضدها..(185/8)
ب – المعنى الثاني: أن هذا الأدب لا يعبر تعبيراً سليماً عن البيئة العربية المعاصرة، وذلك لأن الفرد العربي المتوسط ما زال يعد قضية الشرف فوق كل القضايا. والمثل الأعلى في حياتنا الشعبية وفي حياة الأسرة العربية، هو مثل العفة والاحتشام وأدب اللسان. وإذن فإن هؤلاء الأدباء الناشئين قد انبتوا عن بيئتنا وباتت مراياهم تعكس أشباحاً وظلالاً من خارج الوطن العربي..
ج – والمعنى الثالث: أن هذا الأدب ليس أدباً صحياً سليماً. لأن تضخيم أثر الجنس في الحياة ينم عن إنحراف في الطبيعة الإنسانية، والإنسان السليم مزيج متوازن من العقل والروح والعاطفة والغريزة، لا يطغى فيه جانب على جانب. ومن كمال المجتمع أن تكون أغلبية أفراده من المتزنين الذين يعطون كل جانب من طبيعتهم حقه ولا نظنه يخفى أن الاستغراق في حماة الحواس ينتهي إلى زوال الكرامة وضعف الإرادة واختلاط الذهن. ومن ثم فإن طغيان المعاني الحسية على أدبنا ليس أقل من مظهر يدل على عدم التوازن وينذر بتصدع خطير في حياتنا العامة.(185/9)
2 – موقفنا من الدين: كان لإقبالنا الشديد على قراءة آداب الغرب ونقلها إلى لغتنا أثر سيء في حياتنا العقلية الحديثة، ما لبث أن أصابها بالانحراف، فلقد أخذنا عنهم فيما أخذنا موقفهم من الدين، والتقطنا نظرتهم المادية إلى الحياة، وموقفهم من الدين يختلف إختلافاً جسيماً عن موقفنا نحن – فإن الدين الإسلامي يرتبط كل الارتباط بالفكر، وقد قامت حول القرآن أركان اللغة والأدب والفقه والمنطق والتصوف والفلسفة جميعاً بحيث تعد هذه العلوم كلها تفريعات لعلم القرآن ترتكز إليه وتدور حوله. لا بل أن طلب العلم ونشره قد بقي هو نفسه واجباً دينياً مفروضاً يؤديه الطالب والعالم قربى إلى الله. ومن ذلك أن النحوي العلامة ابن مالك كان يخرج ويقف على باب مدرسته ويقول (هل من راغب في علم الحديث أو التفسير؟ قد أخلصتها من ذمتي)، فإن لم يجد راغباً أو طالباً قال (خرجت من آفة الكتمان) وتفسير ذلك أن العربي كان يعتقد أن الله حقاً (فيما استودع العلماء من فهم وعلم وأنه أخذ عليهم البيان) ((صورة معدلة من عبارة لعبدالعزيز بن يحيى الكناني (الحيدة) تحقيق جميل صليبا)) فلا يصح لهم السكوت عن نشر العلم وإظهار الحق وتعرية الباطل.
أما في أوروبا فإن الدين يتصف بشيء من الانعزال عن الحياة فلا يرتبط بالأدب والفكر إلا من بعيد، فالغربي يعد الدين لله، والأدب للحياة، وكأن الحياة نفسها ليست لله، كما يعتقد العربي. ولذلك الموقف سببان إثنان:
(الأول): أن المسيحية بتقريرها لقيام الخطيئة الأولى وبدعوتها إلى التكفير بالرهبنة والامتناع عن الزواج، قد احتفظت بنظرية مثالية لها جمالها غير أنها عسيرة التطبيق. ولذلك بعد الدين عن الحياة بعداً طبيعياً وهو أمر لم يعرفه المجتمع المسلم حيث الدين يجعل الزواج سنة مفروضة.(185/10)
(الثاني): أن المسيحية التي نزلت في بلاد العرب قد فشلت في تحويل الغربي تحويلاً كاملاً عن وثنية آبائه، فبقي ثنائي المعتقد، يصلي لله ويؤمن رغماً عنه بآلهة الإغريق، حتى أنه يقسم في حياته اليومية بجو بتير كبير آلهة الإغريق، وهو يذهب يوم الأحد إلى الكنيسة للصلاة، ولا يلبث أن يرجع إلى منزله ليقرأ الفلسفات اليونانية ويكتب أدباً طابعه وثني تتردد فيه أسماء الآلهة الشريرة التي كان يعبدها اليونان والرومان. وإنما نصف هذه الآلهة بأنها شريرة لأنها كما قرر سقراط نفسه لا تتورع عن ارتكاب الشر والجريمة والصغائر. فهي كالبشر وإنما تتفوق في القدرة على الإيذاء والظلم. وبسبب هذه الوثنية الغربية بقي المسيحيون العرب أوثق صلة بالمسيحية الحقة من مسيحيي الغرب.
ولقد دعا الغزاة وأعوانهم عبر السنين الماضية إلى أن نحتضن الثقافة الغربية بكل ما فيها دونما تدبر أو مناقشة، فكان مما أخذناه عنهم هذا الفصل العجيب بين الدين والحياة. وقد كان لذلك تأثير سيء في حياتنا وفكرنا، لأن الدين الإسلامي يكاد يكون هو الحياة نفسها، فلا نستطيع انتزاع أحدهما إلا بإنتزاع الآخر، فقد كان الإسلام ديناً إلهياً، وثورة سياسية وفكرية واجتماعية معاً. ولذلك اهتزت له الأرض العربية اهتزازاً خصباً، وأحدث انقلاباً عميقاً في مناحي الحياة معاً.(185/11)
ولم يترك الإسلام في حياة العربي شاردة ولا واردة إلا ضبطها وأحصاها، وقد كان القرآن كتاباً شاملاً فيه اللغة والأدب والشريعة والأخلاق جميعاً، فبني عليه تراثنا كله. فإذا فصلنا الدين عن الحياة لم يكن معنى ذلك إلا أن نفصل العروبة عن تراثها وحضارتها. ونحب أن نضيف إلى هذا، أن القرآن – باعتباره كتاب الدين الإسلامي والثقافة معاً – سيبقى أبداً كتاب كل عربي مهما كان دينه. فالمسيحي العربي الحضارة، لا يستطيع أن ينزع من نفسه وذهنه آثار القرآن، لأن التراث الإسلامي قد كان وما زال الثقافة الكبرى للعربي. وها نحن نرى إخواننا المسيحيين يحققون غير قليل من كتب التراث الإسلامي في إخلاص يثبت ما نقول أجمل إثبات.
ولقد اتخذ الأدب الجديد الذي ينشره اليافعون العرب موقف الغربيين من الدين، فظهرت عندنا الوثنية مصحوبة بالإلحاد في أدنى مستوياته، وهو مستوى الكفر بدافع التقليد والنقل، فلا شك في أن هذا الإلحاد أوطأ مرتبة من إلحاد مصدره شك يعتري النفس فيضللها ويحيرها. وقد واكب هذا ابتعاد الجيل اليافع عن القرآن وما فيه من أجواء روحية وكنوز أخلاقية وثروة لغوية وأدبية. وكل ذلك لا يبشر بالخير فإذا مضينا فيه قطعنا جذورها الحضارية وأضعنا الروح العربي جملة.(185/12)
3 – موقفنا من اللغة العربية: كانت وسيلة الغزاة العظمى في أضعاف لغتناء في الترجمة. والترجمة في ذاتها اغناء للغات ومد لآفاقها، فهي حق لنا وضرورة نتمسك بها. غير أن الأشياء النافعة في الحياة الإنسانية يمكن أن تتحول بسوء النية إلى شرر وضرر. ولذلك حرصت بعض المؤسسات المشبوهة والجماعات المغرضة على أن تعهد بترجمة أمهات الكتب الغربية إلى كتاب ضعاف غير متمكنين من العربية، فصاغوا تلك الكتب العظيمة صياغة حرفية ركيكة، كان لها أثران سيئان في حياتنا الفكرية: (الأول) أن كثرة قراءة هذه الترجمات قد نجحت في تحويل الركاكة إلى مذهب في التعبير، فأدى ذلك إلى أضعاف المستوى العام للغة و(الثاني) أن هذه الترجمة الركيكة حرمتنا فرصة تكتسب فيها لغتنا تعبيرات عربية جديدة لها الفصاحة والجدة معاً. لأن الكتاب المترجم إذا صيغ بعربية سليمة لها خصائص لغتنا أفاد اللغة وأغناها، أما إذا ترجم حرفياً فإنه يخسرنا كما نخسره.
والمثل الذي نختاره للترجمة الركيكة وما تصنع هو ترجمة الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد فقد ترجم هذا الكتاب (الجليل) الذي يقدسه المسلم والمسيحي معاً!! ترجمة ركيكة لا يقبلها الذوق السليم فأثرت في إضعاف الذوق الأدبي العام وأشاعت فينا العجمة، وإخواننا المسيحيون العرب ذوو حظ كبير من البلاغة العربية وقد نبغ منهم كتاب كبار وباحثون وشعراء اغنوا مكتبتنا فلا يصح لهم السكوت على مثل هذه الترجمة التي تشوه كتابهم ولغتهم معاً وتحرمنا قراءة سيرة السيد المسيح والتمتع بما لها من روحية وجمال.
وقد انحطت لغة الترجمات واقتربت من الحرفية عاماً بعد عام، حتى درجت اليوم منها لغة ركيكة قواعدها وأساليبها غير عربية. وسوف ندرج فيما يلي مظاهر العجمة العامة في هذه اللغة.(185/13)
1 - كثرة الاصطلاحات الأجنبية التي يصر المترجمون على ابقاء صيغتها الغربية مثل قولهم (فولكور وايديولوجية واكاديمية وكلاسيك، ومتافيزيكية وبيروقراطية وتكتيك، وليبرالية، وامبريالية وأمثال ذلك كثير).
2 - استعمال قواعد النحو اللاتيني مع أنها في مقاييسنا النحوية تعد غلطاً، مثل تعدد المضافات إلى مضاف إليه واحد وهو ما يسمى عندنا بلغة (قطع الله يد ورجل من قالها): ومثل الفصل بين المضاف والمضاف إليه بكلمات أجنبية، وهو ركيك مستحيل في لغتنا، لأن المتضايفين ينزلان منزلة الإسم الواحد. ومن هذه الأساليب السقيمة تقديم الحال على عامله كقولهم (محملا يعود سيدي) ومنها تتابع الإضافات كقولهم (تقرير رئيس لجنة مكافحة أمراض المنطقة الحارة) وكل هذه الأساليب الغربية تصدم السمع العربي صدماً أكيداً.
3 - استعمال أساليب بناء العبارة اللاتينية وهي تخالف أساليبنا مخالفة مرجعها إلى الفروق بين طبيعة اللغات. ومن ذلك تأخير الفعل في الجملة فلا يرد إلا بعد أن يتقدم عليه سطران كاملان من الظروف والمجرورات والمعطوفات كقولهم (بعناية شديدة واهتمام، ومن دون أن يتحدثوا في ذلك الموضوع مباشرة، أو يثيروه على نطاق عام، وبعد أن فرغوا من دراسة التقرير، اشتغلوا في توزيع الملابس على سكان الحي). وهذا مخالف لما تعرف لغتنا، حيث يتقدم الفعل على معمولاته، لأنه أشرف ما في العبارة، ولا يتقدم المعمول إلا في حدود الفصاحة في مجالات بلاغية محدودة.
4 - استعمال وسائل البلاغة اللاتينية بدلاً من العربية كقولهم (انسحب بانتظام، والسوق السوداء، والحرب الباردة، ومؤتمر القمة) حتى نكاد ننسى أن لنا تلك الكنوز من وسائل البلاغة ولسنا بهذا نحاول أن نغلق لغتنا بإزاء استعارة جميلة قد تنفعنا ترجمتها، وإنما نريد التنبيه إلى موقفنا العام من ذلك فنحن اليوم نكاد نقف عن التفكير باللغة العربية فنترجم كل صيغهم دونما تدبر.(185/14)
5 - تقليد العبارة الغربية الحديثة في تعقيدها وغموضها كما في كتب (هنري جميس) و(وولتر بيتر)، وذلك بالإكثار من الجمل الاعتراضية، والفصل بين المبتدأ والخبر بكلمات كثيرة تربك القارئ. ومنه أيضاً استعمال العبارات الطويلة طولاً فادحاً. وكل ذلك مما لا تسيغه بلاغتنا.
ولابد لنا بعد هذا الاستعراض أن نذكر بأن انكارنا للأساليب اللاتينية لا يعني أننا ننتقصها في لغاتها الأصلية، وإنما نعد تلك الأساليب بليغة في اللاتينية ركيكة في العربية، لأن لكل لغة قواعدها وقيمها البلاغية. وما قواعد اللغات إلا مزيج من نفسية الأمم وتاريخها وحضارتها، وفكر الأمة يرتبط بقواعد لغتها وأساليب بلاغتها كل الارتباط بحيث لا نملك أن نترجم لغات الغرب ترجمة حرفية إلا إذا قضينا أولاً على الفكر العربي. ومن الحق أن نشير كذلك إلى أن الترجمات الضعيفة في أسواقنا لا تصدر كلها عن سوء النية وإنما ضعف بعضها نتيجة الجهل باللغة والتراث.
وقد ابتليت العربية في هذا القرن بكثير من الدعوات المشبوهة التي نادى بها مغرضون يضمرون السوء للعروبة ولغتها، فرددها من العرب طائفتان: طائفة الشعوبيين الذين يقصدون إضعاف العربية، وطائفة البسطاء الذين تخدعهم ألفاظ الحرية والتجديد، فيسيئون دونما قصد. فمن هذه الدعوات، الدعوة إلى نبذ الحرف العربي واتخاذ اللاتيني في مكانه والدعوة إلى استعمال اللهجات العامية في الإذاعة وفي أدب القصة والمسرح.. وقد تصدى لهذه الدعوات كثير من كتابنا الأفاضل فناقشوها وردوها إلى أصلها المشبوه المريب. وما من جهة تستفيد من إثارة هذه القضايا مثل الغزاة، فهم يعلمون أنه إذا وقع الفصل بيننا وبين تراثنا انتهى الأمر بنا إلى أخطر تصدع عرفته الأمة.(185/15)
4 – موقفنا من المعنوية الغربية: يحرص الغزاة وأعوانهم من الشعوبيين على قتل المعنوية العربية وإحلال المعنوية الغربية محلها ويكادون اليوم ينجحون في ذلك، فقد طلع في السنوات الأخيرة أدب عربي جديد تنعكس فيه سمات النفسية الأوربية ومظاهر الأدب الغربي، وقد استعان الغزاة في عملهم هذا بوسائل معنوية مكنتهم من اجتذاب الجيل العربي الناشئ الذي يملك بقلة علمه وتجاربه استعداداً فطرياً للتأثر. والوسيلة الكبرى للتأثير في اليافعين هي استعمال القيم الرفيعة التي يحرصون عليها مثل الإنسانية والحرية، فباسم هذه القيم يتم تضليلهم فيوجهون توجيهاً يحطم المعنوية العربية.
أما الإنسانية فإن الشر الذي يتستر وراءها اليوم هو قولهم (الأدب العالمي). وبه يوحون لليافعين أن هناك أدباً عالمياً يتخطى الحدود ويعبر عن نفسية الشعوب أجمعين. بمعزل عن ظروفها وشخصيتها، وأن هذا الأدب لا يناقش وإنما يقبل في كل مكان، فمن لم يقبله كان جامداً أو رجعياً أو جاهلاً، وهم يضعون على عرش العالمية مجموعة من الأسماء الغربية في الغالب ويسألون الشباب أن يعجبوا بكل حرف يقوله أصحابها دونما فحص ولا مناقشة. وأبرز هذه الأسماء تأثيراً في حياتنا جان بول سارتر الأديب الفيلسوف الفرنسي اليهودي. وسارتر من الناحية الأدبية ذو فكر مبدع يسمو إلى الذرى العالية، وأنا أول من يقر له بالقيمة والقدرة.
وإنما وقع الانحراف المغرض في فرض آرائه على القارئ الطالع. ووجه ذلك أن الأديب الغربي قد يكون عظيم الشهرة ذا تأثير في أوربا كلها دون أن يعني ذلك أن آراءه تنفعنا أو تتفق مع مطاليب حياتنا الاجتماعية والفكرية.(185/16)
والواقع أن آراء سارتر أغلبها تناقض روحيتنا وحضارتنا فلا مصلحة لنا في اعتناقها إلا إذا أردنا أن نهدم أنفسنا. ذلك أن جان بول سارتر ناشر فلسفة الغثيان، ومضمونها أن المجتمع بغيض وأن وجود الناس حولنا هو الجحيم، وأن الأخلاق والمثل والتقاليد سخافات يتلهى بها السطحيون!! وأن الحياة خواء فارغ فلا يستحق الاهتمام فيه إلا الجسد والجنس، وأن الإنسان غير مسؤول لا أمام الله ولا أمام الضمير ولا أمام المجتمع. ولقد انتهى الجيل اليافع إلى تصديق خرافة العالمية فلم يقف عند الاعجاب بالأشكال الادبية واللفتات الفكرية والأساليب التعبيرية، وإنما قلد النظرة واعتنق الآراء.
وأما القيمة الثانية التي يستغلونها في تضليل اليافعين العرب، فهي الحرية، وقد زعموا أنها معنى مطلق لا يتقيد بشيء فكل حرية أفضل من كل تقيد. وما من الحاد اجتماعي وأخلاقي أفظع من هذا. فإن المطلق معنى لا وجود له في الحياة الإنسانية، لأن منفعة الجماعات تتحكم فيه فتقيده وتشذبه، وهذا الزعم يجعل الحرية تتعارض مع الفضيلة. ولا ينبغي للأخلاق أن يتعارض شيء منها مع شيء. وحسبنا دليلاً على ذلك التعارض، أن الحرية المطلقة للفرد تناقض مصلحة المجتمع، ولذلك تقيد بحفظ حقوق الآخرين، ومصلحة الجماعة كلها. وعلى هذا تبطل حجة الذين ينادون بحرية الأديب في نشر أدب الجنس والإلحاد، فإن هذا الأدب يهدم المجتمع ومن حق الجماعة أن ترفضه. فلا يحق للمواطن أن يطعن أمته في صميم كيانها الروحي والخلقي بدعوى حقه في الحرية.(185/17)
وهكذا اتجه أدبنا الحديث بدوافع من (الإنسانية وحرية الفكر) إلى ترديد آراء الغربيين دونما فحص أو مناقشة فانتشرت روحية التشاؤم في أدبنا شاع الاحساس بأن الحياة عبث وأن العدم خير من الوجود، وأن المشاعر الطيبة قيد للإنسان، وأن الإنسان غير مسؤول أمام شيء، ولا يمكن للباحث المتأمل إلا أن يلاحظ مدى بعد هذه النظرة عن طبيعة الحياة العربية اليوم، فنحن نمر بفترة خصيبة رائعة، وقد رأينا مدننا الكبيرة تنهض من الفراغ في ظرف ثلاثين سنة فقط، وشهدنا الاستقلال من الحكم الأجنبي وقيام الحكومات الوطنية ونهوض التعليم، ورأينا كيف اختلف جيلنا في معارفه وأسفاره وعلومه عن جيل آبائنا. واليوم نعيش فترة انتصارات القومية العربية وتكاد أعيننا تكتحل بفجر الوحدة. وما من شك في أن الفرد العربي أحسن حالاً وأكثر أملاً مما كان فلا ندري من أين يأتي هؤلاء الأدباء بالعدمية واليأس وإنكار الحياة. أترى حياتنا الأدبية تسير في اتجاه معاكس لحياتنا القومية؟ ونبحث عن الجواب عند نقادنا فلا نجد لديهم أكثر مما نسمع من الناقد الغربي من أن هذا الجيل – (كما يقولون) – (ذو تركيبة مزاجية معقدة تعقد الحياة التي يحياها) فكأنهم لا يرون الفرق العظيم بين الفرد العربي والفرد الأوربي. والواقع أن بيننا وبين الغرب ثلاثة فروق جوهرية.
(الأول): أننا أبناء أمة بالروح والروحيات وتضعها فوق المادة، بينما ما زال الغرب يؤمن بالمادة والماديات. ومن مظاهر إيمان الفرد البسيط هنا بالروح أنه يتوكل على الله في أموره كلها فلا يعرف اليأس ولا القنوط وهو مؤمن بالحياة كل الإيمان تنحدر إليه هذه النظرة من عهود سحيقة. وقد عرفنا في التراث العربي كله صفة الإيمان والتفاؤل، فحتى شعر الزهاد كان مليئاً بالحياة بما فيه من تطلع إلى الله، وإيمان بالأخلاق والتضحية ومساعدة الآخرين.(185/18)
(الثاني): أننا نختلف عن الغرب في الظروف التاريخية التي نمر بها، فنحن نمر بفترة حياة وانبعاث تهتز لها أرضنا كلها، إن مشاكلنا القومية وزحفنا نحو فلسطين، ومعركتنا في حرب الفقر والجهل والمرض والبطالة كل ذلك يمنحنا هدفاً يستغرق حياتنا وكياننا. والمعروف عند علماء النفس أن المشغولين لا يجدون وقتاً للقلق، واليأس والإحساس بالفراغ. وفي مقابلنا يجد الغربي نفسه فارغاً له كثير من الوقت وقليل من الأهداف. إن في حياته فراغاً روحياً عميقاً سببه عدم إيمانه بالله، وخلو حياته من الهدف الكبير الذي يضفي الجمال والرونق على الحياة.
(الثالث): وآخر الفروق بيننا وبينهم أن الغربي يرى غذاءه يصل إليه من طريق استعمار الأمم وسرقة قوتها، ومن ثم فهو يحس قلقاً غامضاً لا يعرفه العربي الذي يأكل القليل الحلال ويحمد الله وينهض إلى عمله. وقد أشار الفيلسوف الألماني المعاصر (البرت شفايتزر) في كتابه (فلسفة الحضارة) ترجمة الدكتور عبدالرحمن بدوي، إلى أثر هذا الظلم في نفسية الفرد الأوربي الذي أصبح لا يقوى على الإحساس بجمال الحياة.(185/19)
إن هذه الفروق بيننا وبين الغرب تجعل نقلنا لموقف اليأس والعدمية والفراغ أمراً لا معنى له سوى تخلينا عن كرامتنا ومصلحتنا وشخصيتنا. فكأننا نبكي في يوم عيدنا، ويحاول بعض الأدباء أن يبرروا الموقف بقولهم: إن هذا الحيل اليافع هو جيل المأساة الذي شهد ضياع فلسطين، فهو ينكر الحياة ويدعو إلى الموت لذلك السبب، وذلك تعليل أبعد عن الحقيقة من السابق، فإن المأساة التي وقعت عام 1948م قد ألهبت الوطن العربي كله بنار الكفاح والعروبة فقامت الثورات العظيمة في القاهرة والجزائر وبيروت وبغداد واليمن، وعبر هذه السنين لم تكن نفسيتنا متخاذلة فقد انبعثت آمال عظيمة، ونهضت العزة القومية في القلوب، وشهدنا لحظات سعادة عميقة، وانتصارات لا تنسى. فاللون الذي يغلب على حياتنا لون أخضر بهيج، وفي مثل هذا الإطار المشرق يصبح الأدب المتشائم المعلق على الصلبان أبعد ما يكون عن التعبير عن نفسية الأمة. إن أدباءنا وقفوا عن التعبير عن مشاعرهم وراحوا يكررون ما يقول الأديب الغربي. ولذلك نجد القومية العربية تغني بينما مسجلاتهم تذيع النواح وصراخ العدم، والفجر يتنفس على روابينا أجمل ما يكون بنيما تشع قصائدهم الظلام والموت.(185/20)
5 – الحلول والمقترحات: يبدو أن الدواء الناجع في مثل أزمتنا أن تكون لنا فلسفة شاملة تمس كل ما هو جوهري في الحياة العربية، وتقرر المبادئ والمثل الكاملة التي ترفع مجتمعنا إلى ذروة الكمال. ومن دون هذه الفلسفة لا نستطيع أن نجابه عدواً غزا حياتنا على الجهات كلها. والحق أن افتقارنا إلى نظرية فلسفية كاملة للحياة العربية بأبعادها كلها يجعلنا مضيعين لا ندري أين نتجه ولا ماذا نأخذ أو ندع. فلقد دخل حياتنا من العلوم والفنون والفلسفات ما قلب تفكيرنا وأحدث في جونا الفكري بلبلة خطيرة وانشقاقاً في وجهات النظر. ولذلك نرى المثقفين في العالم العربي منشعبين في الموضوعات كلها، كل يدين بمذهب. وقد يقال: إن هذا من الحيوية، فنقول: أنه ليس كذلك، فإنما يكون الخلاف من علامات الحيوية حين يكون المخالفون قلة في مقابل إجماع الأغلبية على شيء ما. أما عندما يزول الاجتماع ولا يبقى إلا الخلاف فإن ذلك ناقوس الخطر يدل على قيام تخلخل ذاهب في الأساس الفكري للأمة.
أما بنود هذه الفلسفة التي نطلبها فينبغي أن تدعو إلى وضعها الحكومات العربية، على أن تجمع لها أهل العلم والفضل والنظر والعربية، فيتفقوا على ما ينفع ويضر، ويحددوا الطريق. فإذا اجتمعوا على شيء أخذت الحكومات على نفسها تطبيق هذه الفلسفة تطبيقاً كاملاً بالوسائل التالية:
1 - تعديل مناهج التعليم في المدارس العربية تعديلاً يتناول الجذور والأسس مع الإلحاح على موضوع اللغة العربية، وإضافة موضوع الأخلاق إلى السنوات كلها.
2 - إنشاء مؤسسة عربية كبيرة تشرف على الترجمة وتنسق جهود المترجمين العرب في ديارهم كلها. وسيكون من واجب هذه المؤسسة أن تدرس ما يحتاج المواطن العربي إلى ترجمته دونما نظر إلى عالمية الأسماء، فقد يكون الأديب عالمياً وتكون فلسفته مناقضة لأهدافنا فتسيء إلينا بدلاً من أن تخدمنا.(185/21)
3 - إنشاء قانون جديد للطباعة والنشر يجعل الصحافة والإنتاج في خدمة الأمة العربية لا في مصلحة المؤسسات الأجنبية وتجار الأفكار والقيم. وهذا كفيل بأن يطهر الأسواق من كتب الجنس والابتذال والسطحية.
4 - تحديد مجال الإذاعات وخاصة المرئية منها، ووضع فلسفة عامة لمناهجها تراعى فيها مصلحة المواطن وستترفع هذه الفلسفة عن إقرار أفلام العصابات والسفاكين وروايات التفسخ الخلقي، لأن مشاهدة الصبيان والبنات لمثل هذه الأشرطة كل مساء حري بأن يهدم كل ما تبنيه المدرسة والتربية المنزلية من مثل أخلاقية.
وأخيراً أرجوا أن يعنى المؤتمر بإقامة جمعية موحدة للأدباء العرب لها فروع في كل قطر، تعمل في نشر التراث العربي وكشف جماله للجيل الناشئ، بإقامة معارض الكتب وإلقاء المحاضرات وتنظيم المناظرات وإصدار المجلات وتشجيع التأليف المتزن السليم. ونحو ذلك.
ومن الله التوفيق.(185/22)
العنوان: الادراك الاجتماعي لدى الأطفال العدوانيين وغير العدوانيين دراسة مقارنة
رقم المقالة: 450
صاحب المقالة: سمير يونس محمود
-----------------------------------------
المشكلة وأهميتها:
يعد الادراك الاجتماعي احد الموضوعات المعقدة التي تضم العديد من الموضوعات الفرعية الأخرى منها ((أخذ الدور والادراك الحسي ومشاطرة وجهات نظر الاخرين والاتصال والاخلاقية)) أما العالم المشترك بين جميع هذه الموضوعات فهو الافتراض الذي يرى أن الطفل بصفته فرداً يفكر ويسهم بفاعلية في تطوره الإجتماعي الخاص. حيث تفضي قدراته المعرفية ومهاراته إلى استنتاج كثير من المعاني والإعتبارات الإجتماعية من خلال تفاعلاته الإجتماعية مع الاخرين (Youniss, 1978, p. 174).
كما يعد العدوان احدى المشكلات الاجتماعية التي تحدث بإستمرار بين الأطفال في مواقف الحياة المدرسية المختلفة. لذا فإن ادارات المدارس تواجه الكثير من المشكلات السلوكية ذات الطابع العدائي بين الأطفال في المدارس ولعل أحد الأسباب التي تمهد لهذه المشكلات هو نقص كفاية القدرات المعرفية لبعض الأطفال وعجزهم في ادراك وتفسير المواقف السلوكية لاقرانهم المسببة للإستفزاز بقصد أو غير قصد، ونتيجة لذلك فقط تحصل العديد من المواجهات العدائية التي ينجم عنها اضرار نفسية وبدنية لعدد من الأطفال.(186/1)
أن مهمات الادراك الإجتماعي التي يقوم بها الطفل عبر تطوره ترتبط بتوضيح سلوكيات الافراد الاخرين وتمثلها، إذ يكتسب المعرفة والخبرات الإجتماعية عن طريق التفاعل معهم بفعالية تؤهله على تصور انماط ونماذج سلوكية يظهرها الاخرون تشكل أسساً لوضع استنتاجات بشأنها، هذه المهارة المعرفية – الإجتماعية تسمح له بالوصول إلى ما وراء الملامح الخارجية للسلوك، أي إلى الدوافع الداخلية للافراد – أفكارهم ومشاعرهم الخفية – ولكي يتوصل الطفل إلى انجاز هذه المهارة بكفاءة عليه أن يتعامل مع سلوكيات الافراد الاخرين المقبولة وغير المقبولة اجتماعياً بوصفها مفاتيح مهمة توصله الى استنتاجات معقولة. ومن هنا تتضح العلاقة المهمة التي تربط بين قدرات الطفل المعرفية – الإجتماعية وسلوكه الإجتماعي سواء كان سلوكاً مقبولاً أم عدوانياً. Shantz 1983, p 497, Youniss, 1978, pp182, 189)).
وفي دراسة أجراها (بوركا وكلينويلث Burka & Glinwick) قارنا فيها قدرات اخذ الدور (اخذ وجهات نظر ومشاعر الاخرين بنظر الإعتبار) لدى مجموعتين من الأطفال، عدوانيين وغير عدوانيين، ظهر أن الأطفال العدوانيين يتصفون بضعف قدرات أخذ الدور، فيما أظهرت دراسة (كوردك Kurdek) أن القدرات العالية في مهمات اخذ الدور لدى أطفال الصفين الأول والرابع الابتدائيين وخاصة الذكور قد ارتبطت بكثرة الخصام مع التلاميذ والمشاكسة في الصف، فضلا عن المشكلات السلوكية الأخرى (Shantz, 1983, p. 525).(186/2)
وابانت دراسات (Brendt & Brendt 1975; Piaget, 1977) ان لقدرات الطفل المعرفية الإجتماعية المكتسبة عبر النمو دوراً هاماً في استيعاب وتحليل القصد (نيات الاخرين) فيما اشارت دراسة (Dodge & Frame 1982) إلى أن الأطفال الذين يتصفون بالعدوانية يظهرون توقعات متحيزة عن نيات اقرانهم تتجلى في التفسيرات المخطوءة للاشارات السلوكية الصادرة عنهم التي تسبب عرضاً بعض النتائج السلبية، إذ تستند هذه التوقعات على طبيعة العمليات المعرفية التي عالج بها هؤلاء الأطفال تلك الإشارات.
أن نتائج هذه الدراسات والبحوث تثير تساؤلات جديرة بالاعتبار يمكن أن تشكل الإطار الموضوعي لأهمية البحث الحالي ومشكلته، حيث يمكن تحديد هذه التساؤلات بما يأتي:
هل يختلف إدراك الأطفال العدوانيين عن أقرانهم غير العدوانيين في فهم قصد الاقران المعروفين بالعدائية الذين يسببون نتائج سلبية لاولئك الأطفال في موقف غامض من حيث النية (القصد)؟
وهل يظهر الأطفال العدوانيون ردود فعل إنتقامية (أخذ الثأر) تجاه هؤلاء الاقران أكثر من الأطفال غير العدوانيين؟
وماذا عن توقع الأطفال العدوانيين وغير العدوانيين أنفسهم بشأن إستمرار العداء من الاقران العدوانيين، هل يختلفون في توقعهاتهم؟
وفضلاً عما تقدم فإن أهمية البحث الحالي تكمن فيما يأتي:
1 - أن الدراسات والبحوث السابقة في القطر العراقي – على حد علم الباحث لم تتناول موضوع الإدراك الإجتماعي وعلاقته بالعدوان، بل إن موضوع العدوان ذاته لم يلق اهتماماً كافياً حتى الآن ((فيما هناك تزايد في عدد الدراسات والبحوث التي تركز على دور الإدراك الإجتماعي في النمو الإجتماعي للأطفال وبخاصة في موضوع العدوان)) (Park & Slaby, p. 619)(186/3)
2 - اعطاء تصور عام لطبيعة الإدراك الإجتماعي للأطفال العدوانيين وغير العدوانيين، قد يسهم في تقديم فائدة للمعلمين تساعدهم في توجيه هؤلاء الأطفال، والارتقاء بمستوى الإدراك الإجتماعي لديهم بما ينسجم والقيم الإيجابية لمجتمعنا.
3 - معرفة ما إذا كان الإدراك الإجتماعي يتطور بتقدم الأطفال في الصف الدراسي (من الرابع إلى السادس الإبتدائي) بعد تثبيت أعمارهم في كل من الصفين المذكورين.
ان هذه الإعتبارات تظهر الأهمية الموضوعية للبحث ومبرر القيام به.
هدف البحث:
يهدف البحث إلى الإجابة عن السؤالين الآتيين:
1 - هل هناك فروق ذات دلالة إحصائية في الإدراك الإجتماعي مقاساً بالأسئلة الأربعة المستخدمة في أداة قياس الإدراك الإجتماعي بين الأطفال العدوانيين وغير العدوانيين؟
2 - هل هناك فروق ذات دلالة إحصائية في تطور الإدراك الإجتماعي – الموضح آنفاً – بين الأطفال العدوانيين وغير العدوانيين تبعاً لمتغير الصف الدراسي (الرابع والسادس الإبتدائيين)؟
حدود البحث:
اقتصر البحث الحالي على عينة من الاطفال الذكور فقط من تلاميذ الصف الرابع والسادس الابتدائيين من مدارس الذكور في مركز محافظة نينوى للسنة الدراسية 1991 – 1997.
تحديد المصطلحات
1 – الادراك الاجتماعي Social Cognition
يعرفه تايلور وفيسك على أنه: ((الكيفية التي تؤثر فيها البيئة الاجتماعية على فكر ومعتقدات وادراك الفرد، فضلاً عن العمليات المعرفية الاخرى له)) (Wade, 1990, p. 658).
وتعرفه شانتر من جهة ارتباطه بالسلوك الاجتماعي على أنه: ((القدرات الاجتماعية المتطورة (بانواع مختلفة) التي ترتبط إيجابياً بتكرار السلوك المقبول اجتماعياً، وسلبياً بتكرار السلوك غير المقبول اجتماعياً. (Shantz, 1983, p. 526).
ويعرفه ولمان: ((بأنه ادراك سلوكيات الفرد الآخر، التي توضح مشاعره ونياته، واتجاهاته)). (Wolman, 1973, pp. 243-274).(186/4)
أما التعريف الاجرائي للبحث الحالي فيتمثل بـ: نمط الاستجابات المناسبة التي يظهرها اطفال عينة البحث (عدوانيون، غير عدوانيين) سلباً أو ايجاباً في ادراكهم للاسئلة المستثارة في اداة قياس الادراك الاجتماعي.
2 – الطفل العدواني:
يعرف اجرائياً على أنه: الطفل الذي يحصل على درجة (48) فما فوق في اداة تقدير السلوك العدواني الخاصة بالمعلمين وباتفاق (5) معلمين أو أكثر من العدد الكلي البالغ (8) معلمين لكل وصف دراسي، ملحق (1).
الاطار النظري:
لقد اعتمد النموذج المعرفي – الإجتماعي إطاراً نظرياً مرجعياً للبحث، وقبل عرض هذا النموذج بشيء من التفصيل لابد من الاشارة إلى بعض الاتجاهات النظرية المفسرة لنشوء وتطور العدوان، التي يمكن تقسيمها إلى مجموعتين كما يأتي:
أولاً: الإتجاهات النظرية التي تنظر إلى داخل الفرد (عوامل بايولوجية):
من الاتجاهات النظرية التي تبحث في الاسباب الداخلية للعدوان، وجهة نظر لورينز Lorenz المعروفة ((بالاتجاه الايثولوجي)) الذي يحدد العدوان على أنه غريزة الدفاع عن الإنسان والحيوان وبتعبير آخر أن العدوان نظام غريزي يتمثل بالطاقة المتولدة داخل الكائن الحي، مستقلة عن مثيرات البيئة الخارجية. (Berkwitz, 1982, pp. 15-18; Park & Slaby, 1983, pp. 550-552).
وترى وجهة النظر الأخرى الممثلة بفرويد هي أن في داخل كل إنسان طاقة عدائية تظهر بثبات على الدوام، واذا سمح لها بالنمو (التعاظم) فإنها ستفضي إلى أعمال عنف، والكابح الوحيد لهذه الطاقة هو الانا الأعلى (الضمير) الذي يمثل النواهي، والانا الأعلى بنظر فرويد لا يولد مع الطفل ولكنه يتطور خلال سنوات الطفولة المتوسطة (Sacks & Krubat, 1988, p. 295).(186/5)
فضلاً عن هذين الاتجاهين هناك وجهتا نظر اخريين هما الاتجاه الفسيولوجي واتجاه الشذوذ الجيني (الكروموسومي)، حيث يهتم الأول بدراسة كيميائية الدم والدماغ، وقد أظهرت العديد من الدراسات الكلاسيكية التي أجريت على الحيوانات دور العوامل العصبية وبخاصة (الهايبوثلاموس الجانبي) في استثارة وكف العدوان، بيد أن المشكلة التي ما تزال مثيرة للجدل هي عدم وجود الأدلة الكافية التي تؤيد وجود مركز عنف في الدماغ الإنساني. (Sacks & Krubat, 1988, p. 298; Park & Slaby, 1983, pp. 558-562).
فيما يرى الاتجاه الثاني ((الشذوذ الجنسي)) أن لدى بعض الأفراد زيادة في كروموسوم Y بحيث يصبح النمط الجيني XYY بدلاً من النمط الاعتيادي XY، ويتصف هؤلاء الأفراد بطول الاجسام وضخامتها، وبارتكاب أعمال عنف وجريمة أكثر من الأفراد الطبيعيين. وتعد المعالجة التي قدمها ويلسون وهيرنشتاين (1985) في كتابهما ((الجريمة والطبيعة الانسانية)) من أكثر الأعمال حداثة في هذا الإتجاه، حيث إستند هذان الباحثان على مجموعة كبيرة من الدراسات الارتباطية حول هذا الموضوع، ومن بينها دراسات التوائم المتطابقة، والأطفال الذين تم تبنيهم، وقد استنتجا بأن العامل الوراثي يعد أحد المسببات الرئيسة المؤدية لإستخدام العنف وأعمال الجريمة على وفق ما أظهرته الإرتباطات الوراثية بين الأفراد الذين تمت دراستهم (Sacks & Krubat, 1988 p. 297).
ثانياً: الاتجاهات النظرية التي تنظر إلى خارج الفرد (عوامل بيئية):(186/6)
من هذه الاتجاهات نظرية الحافز لدولارد وميلر (Dollared & Miller) ومن ثم وجهة النظر الأكثر حداثة في هذا الاتجاه التي قدمها بيركوتز (Berkowitz)، ونظرية التعلم الاجتماعي لباندورا (Bandura) إذ ترى الأولى أن العدوان لا يستثار لدى الفرد بوساطة الغرائز فقط وإنما بتأثير الحوافز التي تستثيرها مثيرات البيئة الخارجية. أما التعبير الأكثر دقة وتأثيراً لهذا الاتجاه الذي قاد البحوث لاكثر من أربعة عقود، هو افتراض الاحباط – العدوان، وعلى وفق هذا الافتراض يحدث السلوك العدواني بافتراض مسبق دائماً يرتبط بوجود الاحباط، والعكس صحيح أن الاحباط يقود إلى انماط من العدوان.
أما النظرية الثانية: ((التعلم الاجتماعي)) فقد اكدت على عاملين رئيسيين هما:
1 - التأثيرات البيئية.
2 - تأثير الجانب المعرفي، واستراتيجية تنظيم الذات لدى الفرد.
تفترض هذه النظرية أن جزءاً كبيراً من السلوك العدواني يتم اكتسابه بوساطة تقليد النماذج مثل الآباء والاقران، فضلاً عن النماذج الاخرى التي تلاحظ من خلال التلفزيون والوسائل الاخرى، ويطلق على عملية الاكتساب هذه اسم ((التعلم بالملاحظة)) (Park & Slaby, 1983, pp. 554-556; Sacks & Krupat, 1988 p. 302).
النموذج المعرفي الاجتماعي Social-Cognitive Model
تم طرح هذا النموذج الوظيفي من دوج (Dodge, 1981)، حيث يشير هذا النموذج – الذي يسمى أيضاً بنموذج معالجة المعلومات Information Proeessing Model إلى أهمية العمليات الوسيطة الداخلية Mediators مثل: القواعد الداخلية المضمرة المتعلقة بالتصرف المطلوب والأحكام الاجتماعية وتفسير الاشارات الاجتماية والتبريرات واستنتاج مرامي دوافع الاخرين واقرار الردود السلوكية... الخ.(186/7)
يفترض هذا النموذج أن هناك مساراً تطورياً لدى الأطفال كلما تقدموا في السن فيما يتعلق بوضع تفسيرات اجتماعية حول السلوكيات المختلفة، كالمنازعات والشجار واشكال الاستفزاز العدائي الاخرى، ومن ثم تقرير الرد السلوكي المناسب، وتؤثر نتيجة الاحكام التي يتوصل إليها الطفل في أسلوب التصرف الذي سيقوم به في حالات مشابهة في فترات لاحقة أخرى، وعلى وفق هذا النموذج ينبغي على الطفل أن يعالج الاشارات (التي قد تكون اعتداءات لفظية أو بدنية) استناداً إلى نموذج مؤلف من خطوات خمس، والفشل في ذلك يزيد من احتمال حدوث السلوك المنحرف، والخطوات هي ما يأتي:
1 – عملية حل الرموز Decoding Process
عند استلام الطفل الاشارات الاجتماعية من البيئة خلال العمليات الحسية، عليه أن يدرك هذه الاشارات، وتكمن في هذه الخطوة قدرة الطفل في البحث عن الاشارات، والاهتمام والتركيز على المناسب منها، فمثلاً عندما يواجه استفزازاً من أحد الأقران كأن يضربه على مؤخرته يبدأ الطفل بالبحث عن اشارة ترتبط بقصد القرين الذي قام بهذا الفعل.
2 – عملية التفسير Interpretation Process
بعد ادراك الاشارة في الموقف يقوم الطفل بربطها مع الاحداث الماضية في خزين ذاكرته، ثم يبدأ بالبحث عن تفسير ممكن لهذه الاشارة التي تم ذكرها في الخطوة الأولى، أي أن يفسر إذا ما كان القرين الذي ضربه يقصد الاساءة أم المودة أو أن الفعل كان عرضياً، بعد ذلك يقارن الطفل بين المعلومات البيئية المتعارف عليها، والقواعد المختزنة في ذاكرته فقد تكون قاعدة الطفل إذا ضحك القرين الذي قام بضربه، فإن ذلك يعني ايذاءاً مقصوداً.
3 – عملية البحث عن الاستجابة Response Search Process(186/8)
بعد تفسير الموقف، يبدأ الطفل بالبحث عن استجابات سلوكية ممكنة، وتدخل في هذه الخطوة مهارات وقدرات الطفل المعرفية التي تعد محددات رئيسة في تكوين العديد من الاستجابات أو الحلول للمواقف، وبمعنى آخر قدرته على تطبيق قواعد الاستجابة التي قد تكون على النحو الأتي: إذا كان القرين يقصد ايذائي فأنا استطيع الرد عليه.
4 – عملية اتخاذ قرار الإستجابة Response Decision Process
يقوم الطفل في هذه الخطوة بتقويم النتائج المحتملة لكل استجابة كي يتسنى له تقويم كفاية الاستجابات الممكنة التي كونها. وتتطلب هذه المهارة تمثيلاً معرفياً عالي المستوى يساعده على أن يقرر الاستجابة السلوكية المناسبة.
5 – عملية تكوين الرموز Encoding Process
تتمثل ابرز ملامح هذه الخطوة بالمهارات الحركية التي اكتسبها الطفل من خلال الممارسة عبر التطور، ولهذه المهارات دور حاسم في اظهار الاستجابة السلوكية المناسبة والمختزنة في ذاكرة الطفل، التي يمكن استدعاؤها وقت الحاجة والطفل الذي قرر الاستجابة لفظياً إلى الاستفزاز الموجه من القرين في المثال السابق، ينبغي عليه امتلاك المهارة اللفظية لانجاز هذا العمل.
(Dodge, 1981, PPO 3-4; Park & Slaby, 1983, pp. 556-558)
ويرى بارك وسلابي أن هذا النموذج يقترح طرائق جديدة في دراسة العدوان تعد على جانب كبير من الأهمية وذلك بتركيزه على التغير الذي يحصل في مهارات الأطفال في معالجة المعلومات Information Processing من أجل الابتعاد عن المواجهة العدائية مع الآخرين قدر الامكان، بمعنى آخر تأكيده على الفروق الفردية والتطورية بين الأطفال المتعلقة بقدراتهم المعرفية – الاجتماعية التي يظهرونها تحت ظروف موقفية مختلفة. فضلاً عن ذلك يطرح هذا النموذج مجموعة جديدة من التصورات والتفسيرات لموضوع العدوان التي تقدم خدمة جديرة بالاعتبار تساهم في توجيه البحوث المستقبلية في هذا الميدان.
دراسات سابقة:(186/9)
سيتم عرض عدد من الدراسات السابقة بقدر صلتها بموضوع البحث الحالي وفيما يأتي عرض ملخص لهذه الدراسات مرتبة على وفق تاريخ اجرائها:
اجرت شانتر وفيدانوف دراسة استهدفت التعرف على ردود افعال مجموعة من الأطفال باعمار 7، 9، 12 سنة تجاه مواقف عدائية مفترضة يقوم فيها طفل بايذاء أطفال آخرين بدنياً، قصداً أو عرضياً. وقد قاست الباحثتان بعد ذلك حدة الانتقام العدائي، فيما لو كان الطفل الذي تتم مقابلته هو الضحية (المعتدى عليه) اظهرت النتائج تغيرات تطورية لصالح الأطفال الأكبر سناً ومن الفئة العمرية 9، 12 سنة الذين ابدوا ردود أفعال أقل عدائية تجاه المواقف التي تحصل عرضاً، فيما أظهر أطفال عمر 7 سنوات ردود فعل انتقامية متشابهة ازاء الموقف العدائي المقصود والعرضي (Shantz & Vcydanoff, 1973).
وقام رول وآخرون بدراسة استهدفت معرفة ما إذا كانت ردود أفعال الأطفال من الجنسين ومن أعمار 6، 9، 12 سنة تختلف تبعاً لاختلاف القصد الذي يكمن وراء السلوك العدائي. وقد تم توجيه اسئلة للأطفال يطلب منهم فيها تقويم عمل عدائي. وقد تم توجيه اسئلة للأطفال يطلب منهم فيها تقويم عمل عدائي يقوم به اقران لهم من نفس جنسهم تحت الظروف الثلاثة الآتية: أما بدافع شخصي (عدائي)، أو وسيلي للحصول على أشياء معينة، أو سلوك وسيلي مقبول اجتماعياً (كأن يتم استرجاع اشياء خطفها طفل معتد من أحد اقرانه). اشارت النتائج إلى أن معظم الأطفال ومن كلا الجنسين قد اكَّدوا على أن العدوان المرتكب بقصد مقبول اجتماعياً يعد أقل سوءً من النمطين الآخرين، وأظهر جميع الأطفال أحكاماً مختلفة تجاه المعلومات الغامضة حول القصد الذي يتضمنه العدوان (Rule & Others, 1974).(186/10)
وأجرى فيركسون ورول دراسة مقارنة بين مجموعتين من الأطفال في المرحلتين الدراسيتين الثانية والثامنة، حيث يطلب من كل طفل تقويم أفعال عدائية عرضت عليها باسلوب قصصي، أو يتضمن كل فعل عدائي مستويات مختلفة من المسؤولية. ابانت النتائج أن أطفال المرحلة الدراسية الثامنة يظهرون تمييزات مختلفة وفقاً لطبيعة الفعل العدائي، فالعدوان المقصود يستحق التوبيخ والعقاب بدرجة أكبر من العدوان غير المقصود. فيما فشل أطفال المرحلة الدراسية الثانية عموماً في تغيير معاييرهم التقويمية وفقاً للمستويات المختلفة المتعلقة بمسؤولية الفرد المعتدي (Ferguson and Rule, 1980).
وأجرى دوج دراسة استهدفت التعرف على الادراك الاجتماعي المتمثل بردود الفعل الانتقامية (العدوان المقابل) لعينة من الأطفال العدوانيين وغير العدوانيين من ثلاثة صفوف دراسية، الثاني، الرابع، السادس، واستخدم في الدراسة فلماً يعرض أمام الأطفال يظهر فيه طفل يقوم بإسقاط لعبة خشبية اثناء قيام قرينه بتركيبها، جرت بعدها مقابلات الأطفال بصورة فردية، وقد تم تصنيف ردود أفعال الأطفال على أساس نوع العداء، عداء مقصود، عداء غير مقصود (نية طيبة)، عداء في قصد غامض، ابانت النتائج أن جميع الأطفال العدوانيين وغير العدوانيين، قد اظهروا ردود أفعال عدوانية تجاه العدوان المقصود من القرين، فيما كانت ردود أفعال الأطفال العدوانيين تميل إلى الانتقام من القرين في القصد الغامض مقارنة بالأطفال غير العدوانيين (Dogde, 1988).
اجراءات البحث:
1 – عينة البحث وطريقة اختيارها(186/11)
تكونت عينة البحث من (56) طفلاً من الذكور فقط، اختيروا عشوائياً – على وفق جداول الاختيار العشوائي – من مدرستين ابتدائيتين تم اختيارها بالطريقة العشوائية ايضاً من المدارس الابتدائية الخاصة بالذكور في مركز محافظة نينوى والبالغ عددها (37) مدرسة، وقد كان نصف العينة من الصف الرابع، والنصف الآخر من الصف السادس الابتدائيين، بواقع (14) طفلاً عدوانياً و(14) طفلاً غير عدواني من كل صف دراسي، وقد اختيرت عينة البحث من تلاميذ الصفين الرابع والسادس الابتدائيين دون غيرهما وذلك لقدرة هؤلاء التلاميذ على الاجابة المكتوبة في اداة الاختيار السوسيومتري، فضلاً عن قدراتهم في استيعاب أداة قياس الإدراك الإجتماعي، وكذلك لمعرفة إذا ما كانت هناك فروق تطورية بين أطفال الصفين المذكورين. وقد استبعد كل طفل زاد عمره عن 5: 11 سنة، احدى عشرة سنة وخمسة أشهر في الصف الرابع أو 5: 13 سنة، ثلاث عشرة سنة وخمسة أشهر في الصف السادس عند بدء تطبيق الدراسة في تاريخ 20-11-1991 وذلك بالاعتماد على السجلات المدرسية.
وقد اختيرت عينة البحث طبقاً لاداثين اعدهما الباحث (سيتم وصفهما لاحقاً) استخدمنا لتصنيف الأطفال إلى مجموعتين (عدوانيون وغير عدوانيين) حيث كانت الاداة الأولى مقياس تقدير للسلوك العدواني خاصاً بالمعلمين أو الأداة الثانية طريقة الإختيار السوسيومتري (العلاقات الاجتماعية) التي شملت جميع التلاميذ البالغ عددهم الكلي (282) طفلاً، إذ بلغ عددهم في مدرسة الحدباء (65) طفلاً في الصف الرابع و(70) طفلاً في الصف السادس، فيما بلغ عدد التلاميذ في مدرسة الرشيد (68) طفلاً في الصف الرابع و(79) طفلاً في الصف السادس.
بعد ذلك جرى اختيار عينة التطبيق النهائي للبحث بالإستناد إلى جداول الإختيار العشوائي، وكما موضح في الجدول (1).
الجدول (1)
عدد الأطفال في المدرستين المشمولتين بالدراسة وعدد أفراد العينة المختارة منهما(186/12)
الأطفال المدارس ... تصنيف الأطفال إلى عدواني وغير عدواني ... عدد أفراد العينة المختارة
... الصف الرابع ... الصف السادس ... الصف الرابع ... الصف السادس
... عدواني ... غير عدواني ... عدواني ... غير عدواني ... عدواني ... غير عدواني ... عدواني ... غير عدواني
مدرسة الحدباء ... 12 ... 53 ... 13 ... 57 ... 8 ... 4 ... 9 ... 7
مدرسة الرشيد ... 7 ... 61 ... 8 ... 71 ... 6 ... 10 ... 5 ... 7
المجموع ... 19 ... 114 ... 21 ... 128 ... 14 ... 14 ... 14 ... 14
133 ... 149 ... 28 ... 28
282 ... 56
2 – أدوات البحث:
لغرض تحقيق أهداف البحث فقد اعتمد على الأدوات الآتية:
1 – أداة لتقدير السلوك العدواني للأطفال خاصة بالمعلمين
أعد الباحث أداة لتقدير السلوك العدواني للأطفال خاصة بالمعلمين، وقد مر بناء الأداة بخطوات كان أولها توجيه سؤال مفاده ((ما أبرز الصفات السلوكية التي يتصف بها الطفل العدواني؟)) إلى عينة مؤلفة من (14) معلماً اختيروا عشوائياً من أربع مدارس ابتدائية، وبعد تفريغ اجابات المعلمين، والاطلاع على الأدبيات والدراسات السابقة (ابراهيم 1988، طه 1989، Wieikiewicz, 1986, P.9) تم وضع (16) فقرة للاداة بصيغتها النهائية، ولغرض احتساب درجة الإستجابة على كل فقرة واستخراج الدرجة الكلية لكل طفل فقد وزعت الدرجات على كل فقرة من فقرات المقياس طبقاً لبدائل خمسة: وهي: تنطبق بدرجة كبيرة جداً، تنطبق بدرجة كبيرة، تنطبق بدرجة متوسطة تنطبق بدرجة قليلة، لا تنطبق.(186/13)
أما الأوزان فقد حددت من 5 درجات إلى درجة واحدة، إذ تتراوح الدرجة الكلية لكل طفل من (80) درجة حداً أقصى إلى 16 درجة حداً أدنى أما المتوسط المعيارى الذي اعتمد حداً فاصلاً بين الطفل العدواني وغير العدواني فقد بلغ (48) درجة، أي أن الطفل الذي يحصل على 48 درجة فما فوق يصنف ضمن الأطفال العدوانيين. وقد اختير (8) معلمين من كل صف دراسي في المدرستين للاجابة على الاداة، حيث وضع لكل طفل استمارة خاصة به ملحق (1) يجيب عليها المعلمون على انفراد، ويعد الطفل عدوانياً إذا حصل على (48) درجة فما فوق، وبأتفاق أكثر من نصف المعلمين الذين اجابوا على الاداة من كل صف دراسي.
2 – اداة الاختيار السوسيومتري (العلاقات الإجتماعية)
تكونت هذه الأداة من سؤالين رئيسين يجيب عليهما جميع الأطفال في الصفين الدراسيين وهما.
1 – اذكر اسماء ثلاثة من زملائك ممن يتصفون بـ: التعاون والتسامح، الطيبة، وعدم الاعتداء على الآخرين.
2 – اذكر اسماء ثلاثة من زملائك ممن يتصفون بـ: الاعتداء على الآخرين اتلاف لوازم وممتلكات المدرسة والأطفال، شتم التلاميذ.
جرى بعد ذلك حساب التكرارات التي حصل عليها كل طفل وقد اعتبرت هذه الاداة محكاً آخر للكشف عن الاطفال العدوانيين، فضلاً عن أهمية التعرف على أسماء الأطفال العدوانيين التي حددها الأطفال انفسهم من أفراد عينة البحث لغرض الإستفادة منها أثناء المقابلات الفردية التي تجري معهم كشخصيات تقوم بالفعل الغامض من حيث النية (القصد) في القصة الافتراضية المستخدمة في اداة قياس الإدراك الإجتماعي.
3 – اداة قياس الإدراك الإجتماعي وطريقة التصحيح(186/14)
تم اختيار الاداة التي وضعها دوج (Dodge, 1988, P. 604) اداة للبحث الحالي في قياس الإدراك الإجتماعي للأطفال، تتكون الأداة في الأصل من قصتين إفتراضيتين تصف كل منهما حدثاً غامضاً، تعقبهما أربعة اسئلة رئيسة، قام الباحث بترجمتها[1]، وحيث أن القصتين تؤديان نفس الغرض فقد اختار الباحث احداهما، وفيما يأتي عرض للقصة المستخدمة في البحث والأسئلة المستثارة حولها وطريقة التصحيح.
تتضمن القصة الإفتراضية حدثاً غامضاً يواجه الطفل، وذلك بأن يطلب منه الباحث أن يتخيل نفسه وهو يلعب في ساحة المدرسة يطبطب في الكرة وعندما حصل زميله (اسم حقيقي لطفل عدواني) على الكرة رماها بقوة، وقد ادى ذلك إلى ارتطامها بظهره مما سبب له ألماً شديداً.
وبعد أن يتم التأكد من استيعاب الطفل للقصة اثناء المقابلة يبدأ توجيه الأسئلة الأربعة الرئيسة الآتية:
1 - بماذا يمكن أن تفسر قصد الزميل من السلوك الذي قام به، هل هو سلوك عدائي مقصود أم غير مقصود؟
يحصل الطفل على درجة واحدة، إذ عزا هذا السلوك إلى قصد عدائي وإذا اجاب بأنه سيفكر في قصد الزميل قبل اصدار الحكم، أو أن سلوكه عرضي وغير مقصود فإنه يحصل على درجتين.
2 - بماذا سترد على هذا الزميل، هل ستنتقم منه أم لا؟
درجة واحدة إذا قرر الإنتقام (اخذ الثأر) ودرجتان إذا رفض الرد الإنتقامي (العدوان المقابل).
3 - هل تتوقع أن سلوك هذا الزميل سيتكرر مستقبلاً بعد هذه النتيجة السلبية؟
درجة واحدة إذا أجاب بأن هذا الزميل سيستمر بالاعتداء، ودرجتان إذا اجاب بالنفي (عدم توقع تكرار مثل هذا السلوك) –.
4 - هل ستقوم بالفعل نفسه الذي قام به الزميل، إذا كنت في موقف مشابه؟
درجة واحدة إذا اجاب بنعم، ودرجتان إذا عبر عن رفضه القيام بالفعل.(186/15)
جرت جميع مقابلات الأطفال بالأسلوب العيادي الفردي (في غرفة معاون المدرسة، أو المكتبة) فقد وضعت استمارة خاصة مؤشر فيها اسماء الأطفال الذين ستتم مقابلتهم على وفق نظام يستدعى فيه طفل عدواني ثم يليه طفل غير عدواني وهكذا، وقد كان توجيه الأسئلة يجري بأسلوب واحد لجميع الأطفال وبلهجة شعبية سهلة الإدراك وقريبة من فهم الأطفال لها، وذلك عملاً بنتائج التطبيق الإستطلاعي على عينة عشوائية مؤلفة من (12) طفلاً، حيث اشارت هذه النتائج إلى صحة هذا الأمر فضلاً عن استخدام عدد من الاسئلة الإستكشافية للتأكد من ثبات اجابات الطفل التي تنم عن الثقة بنفسه وقدراته، انظر ملحق (2).
4 – الصدق
استخدم الصدق الظاهري للتحقق من صدق الأدوات المستخدمة في البحث لذا فقد تم عرض اداة تقدير السلوك العدواني للاطفال الخاصة بالمعلمين، واداة قياس الادراك الإجتماعي على مجموعة من الخبراء[2] للتأكد من صدقها وملاءمتها لاهداف البحث الحالي، وفي ضوء ملاحظات الخبراء تم تعديل (5) فقرات في الأداة الأولى، واعادة صياغة سؤال واحد من اسئلة الإدراك الإجتماعي الأربعة دون احداث تغيير في المعنى الأصلي للسؤال.
5 – الشباب
استخرج معامل ثبات اداة قياس الإدراك الإجتماعي بطريقة اعادة الإختبار على عينة مؤلفة من (15) طفلاً، سبعة منهم عدوانيون وثمانية غير عدوانيين وقد كان طول الفترة الفاصلة بين التطبيقين (14) يوماً، استخرجت بعدها معاملات الثبات بإستخدام معادلة بيرسون (البياتي واثناسيوس 1977)، حيث بلغ معامل الإرتباط في السؤال الأول (0.81) وفي السؤال الثاني (0.72) فيما بلغ معامل الإرتباط في السؤالين الثالث والرابع (0.81) و(0.91) على التوالي.
6 – الأسلوب الاحصائي(186/16)
اعتمد البحث الحالي تصميم القطاعات المجتزأة Split-Plot Design وهو تصميم تجريبي عاملي يعالج أثر متغيري البحث المستقلين (الصف الدراسي: رابع، سادس، والأطفال: عدواني وغير عدواني ضمن كل صف دراسي) – على كل سؤال من اسئلة الإدراك الإجتماعي الأربعة (المتغيرات التابعة)، التي يمثل كل منها وحدة قطاع متكامل Whoie Plot في المعالجة الاحصائية. (Steel & Torrie, 1960. P.232).
كما استخدم اختبار دنكن البعدي لمقارنة الفروق بين المتوسطات (المصدر نفسه: ص107، 108).
عرض النتائج ومناقشتها
استجابة للهدفين الرئيسين الأول والثاني في هذا البحث اللذين اثارا التساؤل عن دلالة الفروق في الإدراك الاجتماعي بين الأطفال العدوانيين وغير العدوانيين ؛ وكذلك الفروق بينهما تبعاً لمتغير الصف الدراسي، فقد استخدم تصميم القطاعات المجتزأة Split-Plot Design للاجابة على هذين الهدفين على حد سواء، وقد استخرج متوسط درجات الأطفال في كل مجموعة من المجموعات الأربع (عدواني، وغير عدواني ضمن كل صف دراسي)، وكذلك تم ايجاد الإنحرافات المعيارية لهذه المتوسطات انظر جدول (2).
وبما أن المعالجة الاحصائية لأثر المتغيرين المستقلين، الصف الدراسي (الرابع والسادس الابتدائيين) ؛ والأطفال) عدواني، وغير عدواني في كل صف) قد تمت بوساطة تصميم القطاعات المجتزأة، اذ تعد كل معالجة لأثر هذين المتغيرين على كل سؤال من اسئلة الإدراك الإجتماعي (المتغيرات التابعة) بمثابة قطاع متكامل ضمن القطاع الكلي الذي يضم جميع الأسئلة وبهذا تصبح المعالجة الإحصائية مؤلفة من (4) قطاعات رئيسة تم إجراؤها على برنامج (R.C.B.D) في الحاسب الآلي.
جدول (2)
متوسط درجات افراد عينة البحث في اسئلة الإدراك الإجتماعي الأربعة وانحرافاتها المعيارية في كل من الصفين الرابع والسادس
الصف الدراسي ... الأطفال ... المتوسط والإنحراف المعياري ... اسئلة الإدراك الإجتماعي (المتغيرات التابعة)(186/17)
... ... عزو الطفل لنوع القصد ... رد الفعل الإنتقامي (اخذ الثأر) ... توقع تكرار السلوك نفسه في المستقبل ... اخذ دور الصديق أو القيام بالفعل نفسه
... عدواني م ... 1.71 ... 1.35 ... 1.75 ... 1.78
... ع ... 0.45 ... 0.47 ... 0.49 ... 0.41
الرابع ... غير م ... 1.78 ... 1.78 ... 1.78 ... 1.92
... عدواني ع ... 0.41 ... 0.41 ... 0.41 ... 0.25
... عداوني م ... 1.57 ... 1.42 ... 1.64 ... 1.71
... ع ... 0.49 ... 0.49 ... 0.47 ... 0.45
السادس ... غير م ... 1.85 ... 1.78 ... 1.71 ... 1.92
... عدواني ع ... 0.34 ... 0.41 ... 0.45 ... 0.25
وفيما يأتي عرض لنتائج التحليل.
أولاً: تحليل درجات السؤال الأول
اظهرت النتائج عدم وجود أثر دال احصائياً لمتغيري الصف الدراسي (رابع، سادس) ونمط الأطفال (عدواني وغير عدواني)، حيث كانت القيم الفائية المحسوبة أقل من القيم الجدولية البالغة (4.67) و(4.24) عند مستوى دلالة 0.05 ودرجات حرية (13.1) و(26.1) على التوالي، انظر جدول (3).
جدول (3)
تحليل التباين لدرجات السؤال الأول
مصدر التباين ... مجموع المربعات ... درجات الحرية ... معدل مجموع المربعات ... القيم الفائية ... مستوى الدلالة
التكرار ... 4.2321 ... 13 ... 0.3255 ... 1.89 ... غير دالة
(أ) الصف الدراسي (رابع، سادس) ... 0.0179 ... 1 ... 0.01791 ... 0.10 ... غير دالة
الخطأ بسبب العامل (أ) ... 2.2321 ... 13 ... 0.1717 ... ـــــــــــــــ ... ـــــــــــــــ
(ب): نمط الأطفال (عدوانيون، غير عدوانيين) ... 0.4464 ... 1 ... 0.4464 ... 2.98 ... غير دالة
تفاعل (أ) × (ب) ... 0.1607 ... 1 ... 0.1607 ... 1.07 ... غير دالة
الخطأ بسبب العامل (ب) ... 3.8929 ... 26 ... 0.1497 ... ـــــــــــــــ ... ـــــــــــــــ
الكلي ... 10.9821 ... 55
ثانياً: تحليل درجات السؤال الثاني(186/18)
ابانت نتائج التحليل وجود أثر دال احصائياً لمتغير نمط الطفل (عدواني، غير عدواني)، فيما لم يظهر أثر دال لمتغير الصف الدراسي، وقد بلغت القيمة الفائية المحسوبة (8.88) وعند مقارنتها بالقيمة الغائبة الجدولية البالغة (4.67) عند مستوى دلالة 0.05 ودرجات حرية (13.1) يظهر أن القيمة الفائية المحسوبة كانت أعلى من القيمة الجدولية، وهذا مما يدل على وجود أثر لمتغير نمط الطفل، انظر جدول (4).
جدول (4)
تحليل التباين لدرجات السؤال الثاني
مصدر التباين ... مجموع المربعات ... درجات الحرية ... معدل مجموع المربعات ... القيم الفائية ... مستوى الدلالة
التكرار ... 1.8036 ... 13 ... 0.1387 ... 0.55 ... غير دالة
(أ) الصف الدراسي (رابع، سادس) ... 0.0179 ... 1 ... 0.0179 ... 0.071 ... غير دالة
الخطأ بسبب العامل (أ) ... 3.2321 ... 13 ... 0.2486 ... ـــــــــــــــ ... ـــــــــــــــ
(ب) نمط الأطفال (عدوانيون، غير عدوانيين) ... 2.1607 ... 1 ... 2.1607 ... 8.88 ... دالة[3]
تفاعل (أ) × (ب) ... 0.0179 ... 1 ... 0.0179 ... 0.073 ... غير دالة
الخطأ بسبب العامل (ب) ... 6.3214 ... 26 ... 0.2431 ... ـــــــــــــــ ... ـــــــــــــــ
الكلي ... 13.5536 ... 55
ولمعرفة أي المتوسطات تختلف عن غيرها بفروق ذات دلالة احصائية ولصالح أي من مجموعات الأطفال الاربع (عدواني وغير عدواني في كل صف دراسي) فقد استخدم اختبار دنكن البعدي للمقارنات المتعددة Steel & Torrie, 1960. P.107-108 وظهر ما يأتي:(186/19)
1 – ظهرت فروق دالة احصائياً بين متوسط درجات الأطفال غير العدوانيين في الصف الرابع البالغ (1.78)، ومتوسط درجات الأطفال العدوانيين البالغ (1.35) في الصف ذاته، حيث بلغ الفرق بين متوسطيهما (0.43) وهو أعلى من القيمة المحسوبة لأقل مدى معنوي L.S.R البالغة (0.30) وأن هذا الفرق بين القيمتين دال احصائياً عند مستوى دلالة 0.05 ولصالح الأطفال غير العدوانيين، انظر جدول (5):
جدول (5)
نتائج المقارنات المتعددة باختيار دنكن بين متوسطات درجات السؤال الثاني
متوسط درجات مجموعات الأطفال الأربع ... 1.78 ... 1.78 ... 1.42 ... 1.35
الفرق بين المتوسطات ... صفر* ... 0.36 ... 0.07 ...
... 0.36* ... ... ...
... 0.43* ... 0.43* ... ...
القيم المحسوبة لأقل مدى معنوي L.S.R ... 0.29 ... 0.30 ... 0.34 ...
وبالطريقة نفسها تمت مقارنة متوسطي درجات الأطفال غير العدوانيين والأطفال العدوانيين في الصف السادس، إذ بلغ الفرق بينهما (0.36) وهو أعلى من القيمة المحسوبة لأقل مدى معنوي L.S.R البالغة (0.34) وإن هذا الفرق دال احصائياً عند مستوى دلالة 0.05 ولصالح الأطفال غير العدوانيين كما أظهرت المقارنة بين متوسط درجات الأطفال غير العدوانيين في الصف الرابع البالغ (1.78) ومتوسط درجات الأطفال العدوانيين في الصف السادس البالغ (1.42) وجود فرق دال احصائياً ولصالح الأطفال غير العدوانيين، انظر جدول (5) فيما لم تظهر المقارنة بين مجموعتي الأطفال غير العدوانيين في الصفين الرابع والسادس وجود فرق ذا دلالة احصائية بسبب تساوي متوسطي درجاتهما.
ثالثاً: تحليل درجات السؤال الثالث(186/20)
ابانت النتائج عدم وجود أثر دال احصائياً لمتغيري البحث المستقلين، الصف الدراسي (رابع، سادس) ونمط الأطفال (عدواني، غير عدواني) إذ كانت القيم الفائية المحسوبة أقل من القيم الجدولية البالغة (4.67) و(4.24) عند مستوى دلالة 0.05، درجات حرية (13.1) و(26.1) على التوالي، انظر جدول (6).
جدول (6)
تحليل التباين لدرجات السؤال الثالث
مصدر التباين ... مجموع المربعات ... درجات الحرية ... معدل مجموع المربعات ... القيم الفائية ... مستوى الدلالة
التكرار ... 4.7143 ... 13 ... 0.3626 ... 3.14 ... غير دالة
(أ) الصف الدراسي (رابع، سادس) ... صفر ... 1 ... صفر ... صفر ... صفر
الخطأ بسبب العامل (أ) ... 1.5000 ... 13 ... 0.1154 ... ـــــــــــــــ ... ـــــــــــــــ
(ب) نمط الأطفال (عدوانيون، غير عدوانيين) ... 0.2857 ... 1 ... 0.2857 ... 1.31 ... غير دالة
تفاعل (أ) × (ب) ... 0.0714 ... 1 ... 0.0714 ... 0.32 ... غير دالة
الخطأ بسبب العامل (ب) ... 5.6429 ... 26 ... 0.2170 ... ـــــــــــــــ ... ـــــــــــــــ
الكلي ... 12.2143 ... 55
رابعاً: تحليل السؤال الرابع
اظهرت النتائج عدم وجود أثر دال احصائياً لمتغيري البحث المستقلين، الصف الدراسي (رابع، سادس) ونمط الأطفال (عدواني، غير عدواني) اذ كانت القيم الفائية المحسوبة أقل من القيم الجدولية البالغة (4.67) و(4.24) عند مستوى دلالة 0.05 ودرجات حرية (13.1) و(26.1) على التوالي، انظر جدول (7).
جدول (7)
تحليل التباين لدرجات السؤال الرابع
مصدر التباين ... مجموع المربعات ... درجات الحرية ... معدل مجموع المربعات ... القيم الفائية ... مستوى الدلالة
التكرار ... 1.8036 ... 13 ... 0.1387 ... 1.46 ... غير دالة
(أ) الصف الدراسي (رابع، سادس) ... 0.0179 ... 1 ... 0.0179 ... 0.18 ... غير دالة
الخطأ بسبب العامل (أ) ... 1.2321 ... 13 ... 0.0948 ... ـــــــــ ... ـــــــــ(186/21)
(ب) نمط الأطفال (عدوانيون، غير عدوانيين) ... 0.4464 ... 1 ... 0.4464 ... 2.87 ... غير دالة
تفاعل (أ) × (ب) ... 0.0179 ... 1 ... 0.0179 ... 0.11 ... غير دالة
الخطأ بسبب العامل (ب) ... 4.0357 ... 26 ... ـــــــــ ... ـــــــــ ... ـــــــــ
الكلي ... 7.5536 ... 55
بناء على النتائج التي تم التوصل إليها، الموضحة آنفاً يظهر عدم وجود فروق دالة احصائياً بين الأطفال العدوانيين وغير العدوانيين في السؤال الأول المتعلق بالقصد العدائي للقرين وتتفق هذه النتيجة مع نتائج دراسات (Dodge, 1988rF; Eguson and Rule, 1980; Rule and Others, 1970). التي لم تظهر فروقاً دالة احصائياً بين الأطفال من أعمار 8 سنوات فما فوق، ولكنها اشارت إلى وجود فروق عند مقارنة الأعمار المذكورة بالأطفال الأصغر سناً من أعمار 5 – 7 سنوات، فيما اقتصر البحث الحالي على عينة من أطفال الصفين الرابع والسادس الابتدائيين تتراوح أعمارهم بين 5: 9 سنة حداً أدنى و5: 13 حداً أقصى وفي هذا العمر يتسم تفكير الطفل الإجتماعي بالتبادلية مع الآخرين، فضلاً عن تطور قدراته في استنتاج القصد (نيات الآخرين) الذي يصعب رؤيته مباشرة لمعرفة ما إذا كان الفعل قصدياً أو عرضياً.(186/22)
وابانت النتائج وجود فروق دالة احصائياً في السؤال الثاني الذي يتعلق برد الفعل الإنتقامي (أخذ الثأر) بين الأطفال العدوانيين وغير العدوانيين في كلا الصفين ولصالح الأطفال غير العدوانيين، إذ رفض اغلبيتهم أخذ الثأر، وتتفق هذه النتيجة مع نتائج دراسة (Dodge, 1988) التي اظهرت أن الأطفال العدوانيين أكثر استعداداً لرد الفعل العدائي (عدوان مقابل) وربما يعود السبب في هذا الفرق إلىأساليب التنشئة الإجتماعية، سيما أن بعض الآباء والأمهات يشجعون ابناءهم على رد الفعل وأخذ الثأر، إذ يعد هذا السلوك من قبيل الشجاعة، كما أن ضعف الكفاءة المعرفية في معالجة الإشارات الإجتماعية تحت ظروف موقفية مختلفة، كالاثارة الانفعالية العالية والإندفاع السريع يعدان من الأسباب المهمة التي تعطل الوظيفة المعرفية للاطفال (Park & Slaby, 1983, P.558)، ومع أن عدداً من الأطفال وخاصة العدوانيين قد أشار إلى أهمية معرفة القصد إلا أنهم اكدوا على رد الفعل بالوقت نفسه.
وأما السؤال الثالث عن توقع الأطفال ما إذا كان القرين الذي قام بالفعل السلبي سيكرر ذلك مستقبلاً، لم يظهر فرق دال احصائياً بين الأطفال العدوانيين وغير العدوانيين، أي لم يتوقع أي من الأطفال المجموعات الأربع أن الأفعال العدائية ستستمر للاقران الذين يتصفون بالنزعة العدائية، فيما اشارت دراسة (Dodge, 1988) إلى أن الأطفال العدوانيين يتوقعون بدرجة أكبر من الأطفال غير العدوانيين أن سلوك الطفل العدواني سيستمر وعلى نحو عدائي أيضاً.
وفيما يتعلق بالسؤال الرابع عن مدى استعداد الطفل في القيام بسلوك القرين في مواقف أخرى مشابهة، لم تظهر النتائج فروقاً دالة بين مجموعات الأطفال، وقد يعود السبب في ذلك إلى إدراك الأطفال أن الأفعال التي تسبب نتائج سلبية لا تحظى بقبول المجتمع، على الأقل من الناحية الظاهرية، فضلاً عن العقوبة أو التوبيخ الذي سيواجهونه جراء مثل هذه الأفعال.(186/23)
وبالنسبة للهدف الثاني الذي أثار التساؤل حول ما إذا كانت هناك فروق تطورية في الإدراك الإجتماعي بين الأطفال العدوانيين والأطفال غير العدوانيين في كل من الصفين الرابع والسادس، إذ لم تظهر النتائج أية فروق دالة احصائياً، بل إن الأطفال غير العدوانيين من الصف الرابع اظهروا تقدماً في السؤال الثاني المتعلق برد الفعل الإنتقامي أعلى من الأطفال العدوانيين في الصف السادس، ومن الجدير بالملاحظة أن هذه النتائج قد لا تتفق مع المسار التطوري الذي يراه النموذج المعرفي – الإجتماعي، وقد لا يرجع السبب في هذا إلى عدم وجود فروق بين الأطفال العدوانيين وغير العدوانيين في الصفين الدراسيين أصلاً، بقدر ما يعود ذلك إلى محددات أخرى بتعلق بعضها بالبحث الحالي مثل، قلة عدد افراد عينته، واقتصارها على فئتين عمريتين تمثلان الصفين الرابع والسادس الإبتدائيين، وعدم امتدادها إلى الفئات العمرية الأصغر سناً، أن هذين المحددين قد يساهمان في تقليل درجة التباين بين أطفال عينة البحث التي تؤثر بدورها على احتمال ظهور فروق دالة بينهم فضلاً عما تقدم قد يكون للعامل الإقتصادي الإجتماعي وطبيعة التنشئة الإجتماعية تأثير في هذه النتائج.
التوصيات:
في ضوء النتائج التي تم التوصل إليها يوصي الباحث بما يأتي:
ضرورة التعاون بين ادارات المدارس وهيئاتها التعليمية مع اولياء أمور التلاميذ عن طريق مجالس الآباء والمعلمين، أو القنوات الأخرى فيما يتعلق بتوجيه الأطفال على تجنب الممارسات السلوكية السلبية مثل أخذ الثأر، والإعتداء على حقوق الآخرين، والتأكيد على القيم والتقاليد والسلوكيات المقبولة اجتماعياً كالتعاون والتسامح... الخ بغية ترجمتها إلى ممارسات وانشطة سلوكية في حياتهم اليومية.
المقترحات:(186/24)
بما أن البحث قد اقتصر على عينة صغيرة نسبياً من تلاميذ الصفين الرابع والسادس الإبتدائيين، واستكمالاً للفائدة من الدراسات العلمية اللاحقة يقترح الباحث ما يأتي.
اجراء دراسات أخرى لعينات تضم فئات عمرية أخرى، تستقصي العلاقة بين الإدراك الإجتماعي للاطفال العدوانيين وغير العدوانيين والمتغيرات الآتية: النمو الخلقي، اساليب التنشئة الإجتماعية، الريف والمدينة، المستوى الإقتصادي الإجتماعي.
المصادر:
1 - ابراهيم، يوسف حنا ((تقديم المواقف السلوكية للاطفال في دار الحضانة)) مجلة العلوم التربوية والنفسية، العدد العاشر، (1988).
2 - البياتي، عبدالجبار توفيق، واثناسيوس، زكريا، الإحصاء الوصفي والاستدلالي في التربية وعلم النفس، مطبعة مؤسسة الثقافة العمالية بغداد، (1977).
3 - طه، مضر عباس، النمو الخلقي للاحداث الاسوياء والعدوانيين، جامعة بغداد، كلية الاداب، رسالة ماجستير غير منشورة (1989).
4 - Berekwitz, L. simple view of aggression. In Kerbs, D. (Ed)., Reading in Social Psychology, Contemporary Perspectives, 2th ed, harper Row, Newyork, (1982).
5 - Brendt.T.J.& Brendt, E.C. ((Children's use of Motives and Person intentionality in Perception and moral judgment)). Child Developments 1975, 46m 904-912.
6 - Dodge, K.A. & Frame, C.I. ((Social Cognitive biases and deficits in aggressive boys)). Child Development, 1982, 53, 620-635.
7 - Dodge, K.A. ((Social cognition and Children's aggressive behavior)). In Hetherington, E.N., & Parke R.P., (Eds), Contemp orary Reading In Child Psychology. 3th ed, Mc Graw-Hill, Newyork, (1988).(186/25)
8 - Dodge, K.A. ((Behavioral antecedents of peer ejection and isoaltion)). Paper presented at the meeting of the society for research in child development., Boston, April, 1981, PP. 1-33.
9 - Feryuson, T.J. & Rule, B.G, ((Effects of inferential set, out-come Severity, and bsis of responsibility on Children's evaluations of aggressive acts)). Developmental psychology, 1980, 16, 141-146.
10 - Park, D.R. & Slaby, G.R. ((The development of aggression)). In Mussen, P. (Ed), Carmichaels Manual of Child Psychology, vo14, 4th ed. Wiley, Newyork, 1983, pp. 548-641.
11 - Piaget, Jean. The Moral J udgment of the Child, Penguin book, England, (1977).
12 - Rule, B.G.; Nesdale, A.R.; Mc Ara, M. ((Children Reactions to information about the intxntions underlying on aggressive act)). Child Development, 1974, 45, 79-798.
13 - Sacks, M.J.; Krupat, E. Social Psychology and its Application Harper and Row, Newyork, (1988).
14 - Shantz, C.U. ((Social Cognition)). In Mussen, P. (Ed), Carmichaels Manual of Child Psychology vo1.3. 4th ed., wiley, Newyork, 1983, PP. 495-555.
15 - Shantz, D.W.; voydanoff, D.A ((Situational effects on retaliatory aggression at three agelevels)). Child Development, 1973, 44, 149-153.
16 - Steel R.; Torrie, J.H. Principles and Procedure of Statistics. Mc Graw-Hill, Newyork, (1960).
17 - Wade, C.; Tavris, C.Psychology, 2th ed, Harper and Row, Newyork (1990).
18 - Wielkiewicz, Z,R.M. Behavior Management In the School. Pergamon Press, Newyork, (1986).
19 - Wolman, B. Dictionary of Behavioral Science, Van Nostrand, Newyork, (1973).(186/26)
20 - Youniss, J. ((Anther Perspectives on Social cognition)). In A. Pick (Ed;) Minnesota Symposia on Child Psychology (vo1.9) Minneapolis: University of Minnesota apress, (1975).
ـــــــــــــــــــ
[1] عرضت الترجمة على مجموعة من الخبراء للتأكد من صحتها وهم:
1 – الدكتور عدنان خالد/ قسم اللغة الانكليزية/ كلية التربية/ جامعة الموصل.
2 – المدرس السيد سعد قاسم الاسدي/ قسم اللغة الانكليزية/ كلية التربية/ جامعة الموصل.
3 – السيد صلاح سليم علي/ ماجستير ترجمة/ مركز الدراسات التركية/ جامعة الموصل.
[2] تألفت مجموعة الخبراء من السادة:
1 – الاستاذ المساعد السيد يوسف حنا ابراهيم/ كلية التربية/ جامعة الموصل.
2 – الاستاذ المساعد السيد صباح حنا هرمز/ كلية التربية/ جامعة الموصل.
3 – الاستاذ المساعد السيد فاضل محسن الازيرجاوي/ كلية التربية/ جامعة الموصل.
4 – الاستاذ المساعد السيد عاصم محمود الندا/ كلية التربية/ جامعة الموصل.
5 – الدكتور المدرس قصي توفيق غزال/ كلية التربية/ جامعة الموصل.
6 – الدكتور المدرس كامل عبدالحميد عباس/ كلية التربية/ جامعة الموصل.
[3] دالة عند مستوى 0.05.
* مستوى دلالة 0.05 درجة حرية (26) قيم دنكن الجدولية (2.91)، (306)، (3.4).(186/27)
العنوان: الأدوية النفسية
رقم المقالة: 1831
صاحب المقالة: د. عادل الدمرداش
-----------------------------------------
الأدوية النفسية
تنقسم الأدوية النفسية إلى الفئات التالية:
أ - مُهدّئات عُظْمى:
تستخدم في علاج الأمراض العقلية؛ كالفِصام، واضطرابات أخرى، وهي لا تُسَبّب الإدمان مثل: اللارجاكتيل.
ب - مضادات الاكتئاب:
التي تستعمل لعلاج مرض الاكتئاب، وهي لا تسبب الإدمان أيضًا مثل: التربيتزول، والتوفرانيل.
ج - المهدئات الصغرى:
التي تسبب الهدوء، وتزيل القلق النفسي، والتوتر بدون أن تسبب النعاس في جرعات صغيرة مثل: مركَّبات البنزودايازبين Benzodiazepines ؛ كالفاليوم؛ والليبريوم، وهي تسبب الإدمان، وقد أُدْرجت من قبل هيئة الصحة العالمية مع الخمر والمنومات في مجموعة واحدة.
د - المنومات:
وهي أدوية تسبب النعاس والنوم في جرعات بسيطة، وقابليتها لإحداث الإدمان عالية.
المنومات:
تنقسم هذه الأدوية إلى نوعينِ:
أ - مشتقات حامض الباربيتوريك: اكتشف الدكتور باير Bayer الألماني الباربيتوريك Barbituric سنة 1862، وسمَّاه كذلك نسبة إلى القديسة St. Barbara باربارا في رواية، ونسبة إلى ساقية تعمل في حانة في مدينة ميونيخ اسمها باربارا في رواية أخرى.
واستخدمت الباربيتورات لأول مرة في الطب سنة 1903 بواسطة فيشر، وفون ميرنج، وتنقسم الباربيتورات من حيث مفعولها إلى مركبات مفعولها قصير للغاية مثل الثيوبنتون، ويستمر مفعولها بين نصف ساعة واحدة، وتستخدم كلها عن طريق الوريد، وتستخدم طبيًّا في إحداث التخدير العام قبل إجراء العمليات الجراحية.(187/1)
والنوع الثاني قصير المفعول، ويستمر مفعولها بين 2 – 6 ساعات مثل: النموبيوتال Nembutal ، ومركبات متوسطة المفعول يستمر تأثيرها بين 6 – 8 ساعات مثل: الأميتال Amytal ، ومركبات طويلة المفعول يستمر تأثيرها بين 8 – 16 ساعة مثل: اللومينال Luminal الذي يستخدم في علاج مرض الصرع. ويؤدي استعمالها المفرط أو المستمر إلى الإدمان.
ب – منومات ليست من مشتقات حامض الباربيتوريك؛ مثل: الكلورال، والبارلد هايد، والماندراكس، والدوريدن، والهيمينيفرين، والموجادون، وكان المعتقد أنها أقل ضررًا من الباربيتورات في البداية؛ ولكن ثبت مؤخرًا أنها تؤدي للإدمان، وتشبه الباربيتورات في تأثيرها.
تهبط المنومات وظائف المخ مثل الخمر، فتضعف القدرة على التركيز والانتباه، وتنخفض القدرة على قيادة المركبات بكفاءة، والمهارات الحركية الأخرى كالسباحة، ويشعر المتعاطي بالنشوة في البداية ثُمَّ النُّعاس والنَّوم ثُمَّ الخُمُول وضعف حِدَّة الإِبْصار، والخطأ في تقدير مُدَّة المُؤثّرات السمعيَّة، واختلال صواب الحكم على الأمور، ويتصوَّر المتعاطي أنَّ الزَّمَنَ يَمُرّ بِسُرْعَة، وتُخَفِّفُ المُنَوّمات من حدَّةِ إدْراك الألم، وإن كانت لا تسكن الألم بالمعنى المفهوم؛ بل إن الباربيتورات تضعف مفعول مسكنات الألم، وهذه حقيقة ينبغي مراعاتها عند علاج مريض يشكو من الألم والأرق معًا.(187/2)
وتهبط المنومات وظائف مراكز التنفس خاصَّة إن كان الشخص مصابًا بأمراض الجهاز التنفسي المُزْمنة، كما أنَّها تخفض ضغط الدم، وكمية الدم التي يضخها القلب، وفي الجرعات الكبيرة تهبط عضلة القلب نفسها، ويسبب الإسراف في تعاطي المنومات الإمساك، وإذا استعمل الشخص المنوّم يوميًّا لمدة 90 يومًا تظهر عليه علامات التحمّل خلال 14 يومًا، فتنخفض عدد ساعات النوم وتظهر على المتعاطي علامات التسمّم الخفيفة، ويحتاج لزيادة الجرعة للحصول على نفس المفعول، والمُسْرِف في تعاطي المنومات لا يتأثر بجرعات كبيرة من الخمر لحدوث ما يسمى بالتحمّل المشترك بين الخمر والمنومات، والسبب في ظاهرة التحمل أن المنومات تنشط خمائر الكبد، فيتم التَّخَلُّص مِنها بسرعة، ولذلك يحتاج المتعاطي المسرف لجرعات أكبر.
وبعد امتصاص المنومات في الدم تنتقل في كل الجسم؛ ولكنها تتركز بصورة خاصة في المخ.
ويتم تمثيل المنومات أساسًا في الكَبِد ولا تُفْرِزُ الكليتان إلا كميَّةً قليلةً من المنوم بتركيبة الأصلي، ويتمّ تكسيرُ المنوّمات في الكبد إلى مشتقَّاتٍ بسيطةٍ تُفرز في البول وفي البراز.
التَّسمُّم الحادّ:
يُصابُ الأشخاصُ بِالتَّسَمُّم الحادّ عِنْدَما يَأْخُذون جُرْعَةً من المنوّم، ثُمَّ يَسْتَيْقِظُونَ أَثْناءَ اللَّيْلِ، ويتعاطَوْنَ جُرعاتٍ أُخْرَى أثناءَ إِصَابَتِهِم بِالنسيان أو الذهول بعد الجرعة الأولى، وكثيرًا ما ينتج التسمّم عندما يتعاطى الشخص المنومات مع الخمر أو العقاقير الأخرى، وعند محاولة الانتحار؛ وتبلغ نسبة الذين ينتحرون أو يحاولون الانتحار بواسطة المنومات 7 %.(187/3)
ويشعر المُتعاطِي بِالكَسَلِ والنُّعاس واهتزاز المُقْلَتَيْنِ، وثِقَل اللسان، والترنّح، وضعف التركيز، ثم يصاب بالغيبوبة التي يُصاحِبُها انْخِفاضُ ضَغْطِ الدم، وهبوط مركز التَّنَفّس والدَّورة الدموية، وشلّ الكُلْيَتَيْنِ، والالْتِهاب الرِّئَوِيّ، ويؤدّي التَّسمُّم إلى الوفاة إذا لم يتمَّ إسعاف المريض بسرعة في المستشفى العام.
وقد يشعر المصابُ بَعْدَ اسْتِعادَتِه الوعي بعدم الاستقرار والهذيان أحيانًا، واضطراب النوم بضعة أسابيع.
ويبدأ الطبيب بمحاولة التعرّف على نوع المنوم الذي تعاطاه الشخص، وتقدير نسبته في الدم، ويقوم بغسل المعدة إذا كانت الفترة بين التعاطي والحضور للمستشفى أقل من 8 ساعات، ثم يبدأ في تطبيق وسائل الإنعاش باستخدام منشطات الدورة الدموية، وإدخال أنبوب في القصبة الهوائية، وإعطاء المصاب الأوكسجين، واستخدام السوائل التي ترفع قلوية الدم في الوريد، والبول، ونسبة الأملاح التي تنخفض أثناء التسمم ويحتاجها الجسم. ويستخدم أحيانًا الميز الغشائي Peritoneal Dialysis عن طريق البريتون أو الكلية الصناعية لسحب المنوم من الدم. وبالإضافة لذلك يَصِفُ الطَّبيبُ المُضادَّات الحيويَّة؛ لعلاج المضاعفات ومضادات التشنج إذا احتاج الأمر.
الفرق بين المنوّمات والمهدّئات:
أشهر المُهدّئات الصُّغْرى المسْتَعْمَلَة هي مُشتقَّات البنزود يازيبين، ومن أكثرها انتشارًا الفاليوم واللّيبريوم والأتيفان، والفرق بَيْنَهُما وبين المنوّمات تتلخَّصُ فيما يلي:
أ ـ أنَّ المُهدّئات أقلُّ خطرًا من المنومات إذا تَنَاوَلَها الشَّخْصُ في جُرعاتٍ زائدة.
ب – أنَّها تُسَبِّبُ النَّوْمَ الَّذِي يُمْكِنُ إيقاظَ النَّائِمِ منه بِسُهولَةٍ؛ كما أنَّها تُزِيلُ القَلَقَ بِدُونِ إِحْداثِ النُّعاسِ.
ج – أنَّ الاعتماد العضوي أضعف من المنومات.(187/4)
د – أن المهدئات لا تنشط خمائر الكبد بحيث تؤثر على تمثيل الأدوية، والمهدئات الصغرى تسبب النوم بسرعة.
ومن عيوب هذه الأدوية أنها تؤدي إلى ظهور السلوك العدواني والهياج العصبي، بدلاً من السكينة في بعض المرضى، وتسبّب النّسيان، وتؤدي إلى الخليط في المسنين، وتسبب الإدمان في بعض الحالات بنسبةِ حالةٍ واحدةٍ لِكُلّ 5 ملايين مريض مُتَعاطٍ شهريًّا، وتستعمل هذه الأدوية في علاج الصرع، وإحداث استرخاء العضلات وفي تهدئة المرضى قبل العلميات الجراحية؛ وتمثل هذه الأدوية في الكبد وتحول إلى مركبات أخرى فعالة.
الفاليوم والليبريوم يستمر مفعولهما 90 ساعة، بينما يستغرق مفعول بزتيفان 8 ساعات وكذلك الموجادون، وكذلك تفضل هذه المركبات لعلاج الأرق.
يشبه علاج التسمم الحاد في الأعراض والعلاج ما ذكرناه عن المنومات.
النوم والأرق:
يتكون النوم من نمطينِ مختلفينِ، نوم حركة العينين السريعة REM ، التقليدي NREM ، يسود النوع الثاني في بداية النوم ويستمر لمدة دقيقة، ثم تبدأ فترة نوم حركة العينين السريعة، وتستمر 90 دقيقة أيضًا، وتحدث أثناءها الأحلام، ويمر النائم أثناء النوم التقليدي بأربع مراحل:(187/5)
المرحلة الأولى: تبدأ في أول الليل، وتظهر في تخطيط المخ موجات متوسطة البطء (ثيتا)، وفي المرحلة الثانية تظهر الموجات المغزلية، أما في المرحلة الثالثة والرابعة فتنتشر الموجات البطيئة التي تبلغ سرعتها 2 – 3 ذبذبات في الثانية في التخطيط، وأثناء النوم التقليدي يضعف نشاط الجهاز العصبي الذاتي أو اللاإرادي، فينخفض ضغط الدم، ويبطؤ النبض والتنفس، وترتخي العضلات، وتنخفض درجة الحرارة. أما أثناء نوم حركة العينين السريعة فيمر النائم بعكس المراحل السابقة بحيث يبدو تخطيط مخه الكهربائي شبيهًا بتخطيط الشخص المستيقظ، وينشط الجهاز العصبي الذاتي، فيرتفع الضغط، ويسرع النبض والتنفس، وتظهر الحركات العضلية العشوائية، وينتصب العضو التناسلي، ويصحب ذلك كله تحرك مقلتي العينين بسرعة في اتّجاه أفقي أو دائري مع ظهور الأحلام، ويتكرر هذان النمطان على التوالي بين 4 – 5 مرَّات في الليلة الواحدة في شخص ينام 8 ساعات.
وتُخِلّ المنومات والمهدئات بهذه الدورة، فيشعر المتعاطي بضعف التركيز، والكسل، والخمول، والتعب، وسرعة الإثارة في الصباح؛ لأن هذه الأدوية تلغي نوم حركة العينين السريعة، وتمنع ظهور الأحلام، لذلك يلجأ المتعاطي إلى تناول المنوم في الليلة التالية لعلاج هذه الأعراض، وإذا حرمنا شخصًا من نوم لمدة أيام (يحدث ذلك في مختبرات خاصة)، فإنه يشعر بسرعة الإثارة والقلق والتوتر. فيزيد من جرعة الدواء للتخلص من هذه الأعراض المزعجة؛ لأنه إذا انقطع عن هذه الأدوية فجأة يعود نوم حركة العينين السريعة بصورة مكثفة فيشعر بالكوابيس والأحلام المزعجة وتقطع النوم، فيضطر إلى استعمال المنوم أو المهدئ مرة أخرى.(187/6)
الأرق من الشكاوى الأساسية التي من أجلها يتناول الناس المهدئات والمنومات. ونعرف الأرق: بأنه الاعتقاد أو الشعور بأن الشخص لا ينام فترة كافية، ويميل الشخص الأرق إلى المبالغة في تقدير الفترة التي يحتاجها حتى يبدأ بالنوم؛ كما يميل في نفس الوقت إلى تخفيف تقديره لعدد ساعات النوم الفعلي.
وإذا أيْقَظْنَا شخصًا يشكو من الأرق أثناء النوم التقليدي فإنه ينكر أنه كان نائمًا.
ويعرف كيلز الأرق بأنَّه: العجز عن بدء النوم خلال 45 دقيقة من الذهاب إلى الفراش، أو الصعوبة في الاستمرار في النوم بحيث يستيقظ الشخص 6 مرات، أو أكثر خلال الليلة الواحدة، أو إذا بلغت كمية النوم الكلية أقل من 6 ساعات، أو عند حدوث ظاهرة من هاتين الظاهرتين في 4 ليال في الأسبوع على الأقل. ويصنف الأشخاص الذين يعانون من الأرق إلى الفئات التالية:
1 - الشخص المتوتر الذي يرقد في فراشه لمدة ساعات، وهو مستيقظ وعاجز عن الاسترخاء، ثم ينام جيدًا بعد فترة.
2 – الشخص المرهق الذي ينام مبكرًا ويستيقظ في الفجر، وهذا النوع لا يحتاج إلى منوم؛ بل إلى فترة نوم أثناء الظهيرة.
3 - الشخص الذي يستيقظ عدة مرات أثناء الليل دون سبب واضح.
4 - الأشخاص الذين يستيقظون عدة مرات أثناء الليل من الآلام الجسمية، ويحتاج هؤلاء إلى مسكن للألم بالإضافة إلى منوم.
5 – المصابون بمرض الاكتئاب، الذين يختل نومهم فينامون في أول الليل، ويستيقظون في ساعات مبكرة وتراودهم الأفكار الانتحارية واليأس. وعلاج هذا النوع من المرضى بمضادات الاكتئاب، وليس بوصف المنومات التي تزيد حالتهم سوءًا.
6 - يسبب الكافين الذي تحتوي عليه القهوة والشاي ومشروبات الكولا الغازية الأرق والصعوبة في بدء النوم. أمَّا الخمر فقد تساعد الشخص على بدء النوم؛ ولكنها تسبب الأرق المبكر.
علاج الأرق:(187/7)
يتوقَّفُ علاجُ الأَرَقِ على دراسة حياة الشخص وعاداته، وقد لا يحتاج إلا بعض النصائح البسيطة إذا استَبْعَدْنَا الحالات الجسميَّة المؤلمة، والاضطرابات النفسية ومن أهم هذه الإشارات:
1 – خذ حمامًا دافئًا قبل النوم بساعة؛ ليساعدك على الاسترخاء.
2 – اقرأ كتابًا مملاًّ وأنت في فراشك في ضوء خافت.
3 – اشرب الحليب الدافئ قبل النوم؛ لأنه يساعد على إفراز مادة التريبتوفان في المخ، وهي مادة طبيعية تساعد على النوم.
4 - استخدم تمارين الاسترخاء الموصوفة في ملحق الكتاب.
5 - تفيد الإعادة الحيوية بواسطة الطبيب في علاج الأرق المزمن.
6 - عد أرقامًا من 100 إلى 1 .
7 – ارفع قدميك على وسادة بحيث يرتفع مستواها عن مستوى الرأس فيتدفق الدم إلى المخ ويساعد على النوم.
8 - يساعد الجماع في حالة المتزوجين قبل النوم على الاسترخاء والنعاس.
9 - اترك ذهنك يشرد والأفكار تأتي وتذهب دون أن تحاول التحكم فيها.
10 - الصلاة والتأمل قبل النوم.
11 - الرياضة البدنية العنيفة 3 – 4 ساعات قبل النوم مع تحاشِي التمارين التي لا تتناسب مع سنك إذا كان عمرك فوق 40 سنة، أو إذا كنت مصابًا بمرض عضوي.
12 – انتظم في مواعيد النوم والاستيقاظ.
13 – نم في غرفة باردة صيفًا ودافئة شتاءً.(187/8)
وإذا فشلت كل هذه الوسائل؛ فالشخص عادة بحاجة إلى مهدئ أو منوم بعد استشارة الطبيب. ونفضل عادةً وصف أحد مشتقَّات البنزوديازبين مثل الموجادون أو التيمازيبام؛ لأنها لا تغير نمط النوم إلا بقدر بسيط، وأنها أكثر أمانًا، والخطر من تناول جرعة كبيرة أقل منه في المنومات الأخرى؛ كما أنها لا تسبب تنشيط خمائر الكبد فيصاب الشخص بالتحمل، أو تتعارض حينئذ مع أدوية أخرى يتناولها المريض مثل: منومات الباربيتوريك. والمنوم الآخر الذي يفضله الأطباء بعد المركبات السابقة مشتقات الكلورال، وينبه الطبيب على المريض ألا يتناول المنوم قبل 20 دقيقة من دخوله الفراش حتَّى لا يصاب بالدوخة، ولئلاَّ ينام في دورة المياه، أو حوض الاستحمام وهو تحت تأثير الدواء.
والاتجاه الحديث في البلاد المتقدّمة يميل إلى إنشاء عيادات متخصصة في علاج اضطرابات النوم Sleep Clinics ، حيث يقوم المتخصّصون بِدِراسة هذه الاضطرابات بالأجهزة الحديثة، ومن ضِمْنِها جهاز تخطيط العضلات وجهاز تخطيط المُخّ الكهربائي لتشخيص نوع الاضطراب، ووصف العلاج المناسب سواء كان العلاج دواء، أو كان مما يتم بواسطة العلاج النفسي المسلكي.
إدمان المنومات:
ينتشر إدمان المنوّمات بين متوسّطي الأعمار وبخاصَّة بين النساء. وقد قلَّ استخدام مشتقَّات الباربيتوريك، وحلَّت محلَّها أدوية أخرى لا يقل ضررها عنها.
ومن المؤسف أن عددًا من الشباب يستخدم المنومات بدلاً من الخمر عند تعذُّر الحصول عليها، أو يمزجها مع الخمر حتى تزداد فعاليتها، ويدمن بعض مدمني الخمر السابقين على المنومات بعد إقلاعهم عنها.
ويفيد جلات سنة 1974 أن عدد وصفات الباربيتوريك بلغ 15 مليون وصفة في الفترة الواقعة بين سنة 1961 وسنة 1968، وزاد عدد المنومات الأخرى من 3.4 مليون في سنة 1961 إلى 5.8 مليون سنة 1968؛ أي بنسبة 1.6 % إلى 2.2 % من العدد الكلي للوصفات التي يكتبها الممارس العام في المملكة المتحدة.(187/9)
ويقدّر نفس المؤلّف نسبة المدمنين في المملكة المتحدة بـ 0.2 % من السكان والنسبة في ازدياد، ومن أشهر المنوّمات التي يستخدمها المدمنون الذين فحصهم المؤلف الماندراكس أو الريفونال والتوينال. وفي دراسة قام بها دمرداش وزملاؤه سنة 1976 كانت نسبة مدمني المندركس بين 70 مريضًا بمستشفى الطب النفسي بدولة الكويت 16 %، والتوينال 14 %، والنيمبيوتال 1% (1981)، وتشبه أسباب إدمان المنومات الأسباب التي ذكرتها في الباب الخاصّ بالخمر مع بعض الفروق التي من ضمنها:
أ – أن مسؤولية إدمان المنومات يقع جزءٌ كبير منها على عاتق الأطباء الذين يستسهلون صرف هذه الموادّ للمرضى، وبسخاء غير مطلوب دون الإصغاء الجيد لشكوى المريض من جهة، وإلى انعدام روح المسؤولية عند بعض شركات الأدوية التي تدعي في النشرات التي توزعها بأن المركب لا يسبب الإدمان؛ ليتضح فيما بعد خطأ هذا الادعاء من جهة أخرى.
ب – أن إدمان المنومات أكثر انتشارًا بين من يتداولونها من عملهم؛ كالأطباء، والصيادلة، وأفراد الهيئة التمريضية، ومن يعملون في شركات الأدوية، وهو أمر يتفق مع ما أشرنا إليه تحت عنوان سهولة الحصول على المادة.
ج – يؤدي استعمال المنوم يوميًّا وبصورة منتظمة لمدة 3 – 4 أسابيع إلى الإدمان، وذلك في جرعة تبلغ 400 مجم من النمبيوتال أو ما يعادلها من المنومات الأخرى.
أعراض إدمان المنومات:
كان الدكتور ويليام ولكوكس البريطاني أول من نبه زملاءه إلى أن المنومات تسبب الإدمان سنة 1934، وقوبل رأيه حينذاك بالتحفّظ أو السخرية من زملائه إلى أن اتضح صواب رأيه بعد 30 سنة.(187/10)
ويشعر المدمن ببطء التفكير والنسيان والخلط، وضعف التركيز، وعدم القدرة على حسن التقدير، كما أنه يعاني من تقلب انفعالاته وسرعة الإثارة؛ ومدمن المنومات لا يمكن الاعتماد عليه، ويميل إلى الانزواء وإهمال عمله. وتتدهور علاقاته مع الناس، وتضطرب حالته المادية وحياته الأسرية، كما تتدهور كفاءة المدمن الذهنية ومهاراته الحركية مثل: قيادة السيارة.
ومن المعروف أن مدمني المنومات كثيرًا ما يصابون بالاكتئاب، ويحاولون الانتحار، أو ينتحرون فعلاً؛ لسهولة الحصول على المنوم. وقد بلغت حالات التسمم بالمنومات في أحد مراكز العلاج في أدنبرة بين سنة 1968، وسنة 1970، 70 % وبلغت نسبة الوفيات 2 %.
ومن أعراض الإدمان الجسمية: بطء الحركة، والترنّح، وثقل اللسان، والدوخة، واهتزاز العينين، ورعشة اليدين، والإمساك، وهبوط ضغط الدم، والضعف الجنسي في الذكور، واضطرابات العادة الشهرية في الإناث؛ ويشكو مُدْمِنُ المُنَوّمات من نوبات التعتيم مثل: مدمن الخمر.
ولكنَّه لا يصاب بمضاعفات إدمان الخمر الأخرى، وعند الامتناع الفجائي عن النوم يشعر المُدْمن بعد 24 ساعة بالقلق الشديد، وعدم القدرة على الاستقرار في مكان واحد، والأرق المستمر، وعدم القدرة على إدراك الزمان والمكان، والهذيان، والرعشة، والدوخة، وانخفاض ضغط الدم عند وقوفه، وقد يشعر أيضًا بالهلوسات البصرية المخيفة مثل: مدمن الخمر والنوبات الصرعية المتكررة، ويصاب بعضُهم بنوبات من المرض العقلي التي يعانون أثناءها من المعتقدات الوهمية الباطلة الشبيهة بتلك التي تصيب مريض الفصام. وتستمر أعراض الامتناع لمدة 3 أيام وتحتاج إلى العلاج السريع؛ لأنَّها قد تؤدّي للوفاة.
تأثير المنومات على الجنين:
يُصاب أطفال الأمهات المصابات بمرض الصرع، واللاتي يعالجن باللومينال (باربيتوريك) يصاب أطفالهن بالتشوهات مثل: انشقاق الحنك والشفة، وعيوب القلب الخلقية.(187/11)
وبالإضافة لذلك يُصاب جنين الأم المُدْمنة التي تحقن نفسها بالمنوم في الوريد بالإدمان على المنومات، فتبدو على الطفل علامات عدم الاستقرار، والاضطرابات، والرعشة، وارتفاع درجة الحرارة، وتبدأ هذه الأعراض عادة بعد 6 أيام من الولادة.
ويحتاج هؤلاءِ الأطفال إلى جُرعات صغيرة من المُهدّئات يتم تقليل جرعتها بالتدريج.
الوقاية والعلاج:
تعتمد الوِقاية على إدراج المنوّمات ذات القابليّة العالية لإحداث الإدمان في الجدول رقم 2، الَّذي حدَّدتْه اتفاقيَّة فيينا سنة 1971 بالأدوية النفسية، والتي تخول وزير الصحة الحق في إدراج أي مادة يرى فيها خطورة في قوائم خاصة معدة لذلك، بحيث يحظر صرفها إلا بواسطة الأخصائيين وتسجل هذه الأدوية في دفاتر خاصة. أما المركبات المُدْرَجة في القائمة رقم 1 فيحظر استيرادُها وتداولها إلا لأغراض البحث العلمي، وبعد موافقة الجهات المسؤولة.
والتوعية الخاصة بالمنومات توجه أساسًا للأطباء، ثم للجمهور بصفة عامة. وقد تتبع أساليب مشابهة للتي تتبع في حالة الخمر.
ويتم علاج حالات التسمم الحادة في المستشفى العام ثم ينقل المريض إلى مستشفى الطب النفسي، حيث يسحب منه المنوم بإعطائه مهدئًا له تأثير مضاد للصرع في نفس الوقت، ثم يسحب المهدئ بالتدريج، ويتم خلال ذلك تقويم حالة المريض، وتطبيق وسائل العلاج الأخرى التي ذكرناها في حالة الخمر باستثناء العلاج بالتنفير الذي لا يفيد في حالة المنومات، ويستخدم بدلا منه العلاج بالاسترخاء، والتدريب على مواجه الأرق والمواقف الموترة بدون عقاقير.
المهدئات:(187/12)
بلغ عدد الأشخاص الذين يتناولون مهدئات الفاليوم والليبريوم في الولايات المتحدة 80 مليون نسمة، وفي المملكة المُتَّحدة ارتفع عدد وصفات المهدئات من 6.2 مليون سنة 1961 م إلى 17.1 مليون سنة 1971م، وفي سنة 1975 بلغ عدد الوصفات الطبية الخاصة بالأدوية النفسية في بريطانيا 47.5 مليون وصفة، منها 43 % مهدئات، و35 % منومات، 17% مضادَّات اكتئاب. وفي الولايات المتحدة يتناول شخص من كل 4 دواء نفسيًّا، وهذه الأرقام تتحدث عن نفسها ولا تحتاج إلى تعليق. وتأثير المُهدئات أخف من تأثير المنومات، وأقل ضررًا بصورة عامة. واستخدامها مفيد من الناحية العلاجية في القلق النفسي والأمراض النفسية الجسمية مثل: ارتفاع ضغط الدم، وجلطة القلب، وقرحة المعدة، والصرع؛ ولكن باستثناء الحالات المذكورة لا يجد المؤلف في وصف هذه المركبات دون ضوابط، أو لمدد طويلة مبررًا مقنعًا. فقد ثبت مؤخرًا أن هذه الأدوية تُسبب الإدمان وأعراض الامتناع التي تشبه أعراض الامتناع عن المنومات؛ ولكن بصورة أخف، كما أن الجُرْعة القاتلة من المهدئات أكبر بكثير من الجرعة المماثلة بالنسبة للمنومات، وقد يقودنا ذلك إلى السؤال التالي:
لماذا يلجأ هذا العدد الكبير من الناس إلى هذه المركبات؟(187/13)
يبدو أن الإنسان هو الكائن الحي الوحيد الذي يتعاطى الأدوية كما قال الدكتور/ ويليام أوزلر، كما أنَّه يُحاول الهروبَ من الواقع عندما يُواجِه المشاكل، ولا شكَّ أنَّنا نعيش حاليًّا في عصر الأقراص والأدوية. فالإنسان المعاصر يستخدم قرصًا لمنع الحمل، وقرصًا آخر لينام إذا شعر بالأرق. وقرصًا لتخفيف الوزن. وآخر لفتح الشهية، وقرصًا لينشطه وهكذا. إنَّ مِثْلَ هذه الحضارة المبنيَّة على العقاقير تَضُرّ بالإنسان؛ لأنها تحول بينه وبين الانفعالات المشروعة والحيوية التي يحتاج إلى استشعارها نفسيًّا. فتحمّل الألم البَسيط والتعبير عن الغضب أو الحزن بِصُورة مقبولة، أمرٌ ضروريٌّ لِصحة الإنسان النفسية. وإلغاء هذه المشاعر بِصُورة مصطنعة قد يؤدّي إلى المضاعفات، ويحول الإنسان في النهاية إلى آلة وقودها الأقراص. ولنا أن نتصور خسارة البشرية لو أن العباقرة والفنانين تعاطَوُا المهدئات والمنومات لتغيير انفعالاتهم. تلك الانفعالات التي كانت المحرك الأساسي للإبداع والتراث الذي تركوه لنا؛ وخلاصة كل ذلك في قاعدة هامة هي:
"كلما اقترب الإنسان من الطبيعة في نَمَطِ مَعِيشَتِه قلَّت فُرْصَةُ إصابته بالعلل والأمراض".
ويشبه علاج إدمانِ المهدئات ما ذكر عن علاج المنومات.
بعض النصائح للذين يستخدمون المهدئات أو المنومات:
1 – اتبع الجرعة التي يصفها الطبيب، ولا تتجاوزْها بأي حال من الأحوال بوحي من ذاتك؛ لأن ذلك يؤدي إلى الاحتمال (تحمل الجسم لجرعات أكبر) والإدمان.
2 – إذا شعرت أنك لا تحتاج إلى مهدئ أو منوم فمن حقك أن ترفض الدواء.
3 – إذا شعرت أنَّ الدواء لا يفيدك فراجِع طبيبك وأخبره بذلك.
4 – لا تشرب الخمر إذا كنت تستعمل مهدئات أو منومات؛ لأن هذه الأدوية تزيد من مفعول الخمر، ومن مُضاعفاتِها، وتسبّب التسمّم والسكر بسرعة.
5 – احفظ هذه الأدوية في مكان أمين بعيدًا عن متناول يد الأطفال.(187/14)
6 – إذا كُنْتَ تستعمل منومًا فخذ الجرعة، ثم احفظ علبة الدواء في غرفة أخرى غير غرفة النوم حتى لا تتجاوز الجرعة الموصوفة.
7 – تجنَّب قيادة السيارة أو تشغيل الآلات الخطرة إذا كنت تستعمل هذه الأدوية، وخذ رأي طبيبك إذا كنت مضطرًّا لذلك.
8 – إذا كنت تستعمل المهدئات أو المنومات لمدة شهور، فلا تحاول الامتناع عنها فجأة واستشر طبيبك المعالج الذي سيساعدك على الامتناع عنها تدريجيًّا.
9 – تذكّر أنَّ المنومات والمهدئات تتفاعل مع الأدوية الأخرى لتسبب أعراضًا غير مرغوب فيها، فهي تتفاعل مع الأدوية التي تزيد سيولة الدم، والتي يستخدمها مرضى الجلطة، ومع بعض مضادات الحيويات، وأدوية الحساسية، وبعض مضادات الاكتئاب.
10 - تذكر أن 10 أمثال الجرعة التي يصفها لك الطبيب قد يؤدي إلى الوفاة.
11 - تعلَّمْ وسائل الإسعاف؛ لمساعدة الأشخاص الذين يتناولون جرعة كبيرة قبل نقلهم للمستشفى.(187/15)
العنوان: الأديب العربي الكبير د.مصطفى محمود لـ((الأدب الإسلامي))
رقم المقالة: 460
صاحب المقالة: سماح أحمد
-----------------------------------------
الأديب العربي الكبير د.مصطفى محمود لـ((الأدب الإسلامي)):
الأعمال الأدبية التي فيها إلحاد أو إغراء بالجنس إسفاف وانحلال
الأديب والمفكر العربي الكبير الدكتور مصطفى محمود الحائز على جائزة الدولة التقديرية لإبداعاته الفكرية والأدبية في الرواية والمسرحية والقصة... بلغ رصيده الفكري أربعة وثمانين كتابًا حول مختلف الإبداعات الفكرية والثقافية والدينية.
التقينا معه وتطرق الحوار لعدد من القضايا ذات الصلة بالأدب وبخاصة بالأدب الإسلامي، والموقف من المعارضين له وقضايا أخرى.
* بداية: إذا قدمنا الدكتور والأديب العربي الكبير مصطفى محمود للقارئ والأديب العربي عن النشأة والأفكار القديمة والحديثة.. فما الذي تقوله في ذلك؟
أقول لهم إنه لا يمكن الحديث عن النشأة والأفكار في سطور وإنما كل شيء عن حياتي ونشأتي وأفكاري ورواياتي ومسرحياتي موجودة في كتبي الأربعة والثمانين، فمن أراد أن يعرف كل شيء عني فليقرأ أفكاري التي سجلتها في كتبي ومقالاتي في الصحف المختلفة. فما ذنبي أنهم لا يقرؤون. لأنه من الصعوبة تلخيص أفكاري وتاريخي، لأن تلخيص تاريخي الفكري والأدبي أمر صعب، ولا يتأتى ذلك إلا بالقراءة، ومن خلال القراءة يتأكد لهم أنني لم أتراجع عن مبدأ أو قول أو فكر أو رأي في أي قضية تحدثت فيها في بداياتي أو في أواخر حياتي فكل ما كتبته هو مسؤوليتي حتى لو كان فيه أخطاء، ففي النهاية أنا بشر أصيب وأخطئ، وأي عمل بشري معرض أن يكون فيه أخطاء.
هناك إبداع
* هل ترى وسط هبوط المستوى الأدبي والإبداعي في الأمة والعالم.. أن هناك إبداعًا حقيقيًا بين أبناء الأمة العربية والإسلامية؟(188/1)
نعم هناك إبداع، وهناك مبدعون حقيقيون في الأمة العربية والإسلامية. وهناك عناصر إيجابية جيدة يجب أن تدعم وتساند وتشجع من خلال الهيئات والمؤسسات الأدبية والثقافية في العالم العربي والإسلامي. وهناك تجاوزات وإبداع فاسد ومخل ومنحرف لا يمت للإبداع والأدب في شيء، وهذا هو ما يجب مواجهته ووقفه بكل السبل.
* هل ترى أن المؤسسات الثقافية والأدبية في الأمة تحمي وترعى الأدباء النافعين لأوطانهم والذين يدعون إلى الفضيلة في أعمالهم الإبداعية؟
لا يمكن أن نجد مؤسسة ثقافية أو أدبية في العالم العربي تحمي ((الانحلال)) في الأدب لأنه لا يتصور أن دولة عربية أو إسلامية تحمي الانحلال والخروج عن الآداب، والذين يختارون هذا الطريق المعوج في الأدب لا يلومون إلا أنفسهم لأن التاريخ لن يذكرهم إلا بكل سوء.
رابطة الأدب الإسلامي
* ما تقويمكم لأداء رابطة الأدب الإسلامي التي لها تسعة مكاتب في عدد من الدول في العالم العربي والإسلامي هي: مصر والسعودية والأردن والمغرب والسودان والهند وباكستان وبنجلاديش وتركيا؟.
وجود رابطة تضم الأدباء الذين لهم كتابات ذات الطابع أو التصور الإسلامي شيء عظيم وجميل أيضًا. ونرحب بكل ماهو إسلامي ينفع الأمة العربية والإسلامية شريطة أن يؤدي هذا العمل تقدمًا وازدهارًا ونفعًا للعرب والمسلمين. ولا يعقل أن يعارض عاقل أدبًا مثل الأدب الإسلامي الذي هو رفيع المستوى وله مكانته في التاريخ.
توظيف الأعمال الأدبية
* في تصوركم كيف نوظف الأعمال والفنون الأدبية والإبداعية من رواية وقصة ونثر وشعر ومسرحية في خدمة قضايا الأمة والدفاع عنها؟(188/2)
نعم، يمكن أن نوظف الأعمال الإبداعية والأدبية المختلفة لخدمة قضايا الأمة العربية والإسلامية مثل قضية فلسطين والعراق وكشمير والشيشان وغيرها من القضايا المهمة، وقد فعلت ذلك في معظم أعمالي الأدبية ومسرحياتي المختلفة. فالأدب بألوانه وأشكاله المختلفة يجب أن يساهم برؤيته في التعبير عن هموم وواقع وآمال وطموحات الأمة العربية والإسلامية وشعوبها، وإذا لم يفعل الأدب ذلك فيكون دوره غائبًا.
المذاهب الأدبية الدخيلة
* المذاهب الأدبية العالمية الدخيلة والمخالفة لمنهج ومذهب الأدب الإسلامي تذهب إلى الجنس والإلحاد في الشعر وكافة الفنون الأدبية هو إبداع وحرية في الأدب فما تقويمكم لذلك؟ فهل يعد الإلحاد والإغراء بالجنس إبداعًا في الرؤية الأدبية الإسلامية؟!
أولاً يجب أن نعترف أن المذاهب الأدبية العالمية أو الأيديولوجيات والفلسفات العالمية في الأدب فيها إيجابيات وليست كلها سلبيات، وقد اتفقنا أننا نأخذ ما فيها من إيجابيات ونرفض ما فيها من سلبيات.
أما الأعمال الأدبية التي تعتمد على الإلحاد والإغراء بالجنس أو الانحطاط في القول والعَرْض فهذا ليس إبداعًا وإنما هو إسفاف وتطاول، وكلها مرفوضة وليست أدبًا أو إبداعًا، لأن كل ما يخالف أخلاقنا وثوابتنا الإسلامية في الأدب والشعر والقصة والرواية فهو مرفوض ولا يعد أدبًا أو إبداعًا.
وهذا الاتجاه المنحل الذي يدعو للإباحية والانحلال والإلحاد يوجد في مختلف دول العالم ولا نعترف بكل هذه الأعمال لأنها أعمال لا تضيف إلى الأدب والإبداع شيئًا غير أنها تسيء إليه، فميزان الإبداع هو النفع، فإذا لم يتحقق النفع للإنسان والأمة والوطن فلا يعد العمل إبداعًا.
أسلمة الأدب
* ما تصوركم للدور الذي يمكن أن يلعبه الأدب الإسلامي في النهوض بواقع وقضايا الأمة العربية والإٍسلامية؟ وهل توافق على مصطلح أسلمة الأدب أم أن الأدب أدب ولا يجوز أن نطلق عليه صفة أو ننسبه إلى دين؟(188/3)
الحقيقة أن الأدب أدب. الآداب الإسلامية وغير الإسلامية كلها موجودة على الساحة فيجب أن نأخذ منها ما ينفعنا في حياتنا، وعلينا أن ننتقي من الأدب الموجود ما يصلح شؤوننا كأسرة وكأمة وكوطن وكدين وعقيدة وهوية فعلينا أن نستفيد من الآداب العالمية أو المحلية أو الإقليمية ونأخذ منها إيجابيتها ونتجنب سلبياتها مما لا يتفق مع الفطرة أو الهوية أو العقيدة أو غير ذلك. لأنه لا يمكن أن ننكر الآداب الغربية برمتها ونقول إنها لا تصلح لنا، وإنما يجب أن نأخذ من إيجابيات هذه الآداب والفنون والإبداعات ما يناسبنا، ونرفض ما يخالف حضارتنا وعقيدتنا، فالحضارة الغربية فيها إيجابيات كما أن فيها سلبيات، ولا يمنع أنها هي السائدة الآن والرائدة فالعقل يوجب أن نأخذ منها النافع ونرفض الضار لنا.
المعارضون للأدب الإسلامي
* ما رأيكم فيمن يعارضون الأدب الإسلامي في الساحة الأدبية العالمية والمحلية.. وما تقويمكم لهؤلاء المعارضين؟
الذي يعارض الأدب الإسلامي ((رجل قصير النظر)) إذ كيف يعارض شيئًا عظيمًا مثل الأدب الإسلامي؟! فهو منسوب إلى الإسلام، فمن يعارض الأدب الإسلامي كمن يعارض الإسلام! لأنني أعلم أن الأدب الإسلامي يستمد هديه ويستقي من القرآن الكريم والذين يعارضون هذا الأدب ويعرفون أنه يستمد قوته وهديه من القرآن فهم متخلفون منحرفون ولا يمكن وصفهم بالأدباء.
* ماهو في تصوركم الدور العربي الذي يمكن القيام به في ظل الأحداث الراهنة في الأمة ومواجهة السيطرة والهيمنة العالمية الطاغية؟(188/4)
لابد أن نقر ونعترف أن العرب ليس بمقدورهم وإمكانياتهم مواجهة القوة العظمى في العالم، فإلى جانب فروق القوة العسكرية هناك فروق كبيرة في العلم الذي يمكن الجانب الآخر من التزود بأضخم وأحدث الأجهزة العسكرية والقنابل الذرية والأسلحة الفتاكة المتطورة. فالعرب أمام قوة انفردت بالقوة العسكرية والعلمية والتكنولوجيا المتطورة، ولا نعلم كيف سيسير التاريخ؟ وهل ستظهر قوة أخرى جديدة؟! هذا ما ستجيب عنه الأيام والأعوام القادمة.
وإلى أن تأتي هذه القوة وهذا العصر لابد للعرب والمسلمين أن يتوحدوا في كلمتهم ورأيهم حول مختلف القضايا السياسية والدينية وأن يعرفوا الله تعالى حق معرفته، وأن يخلصوا لله سبحانه وتعالى في التوبة والعبادة والتوكل، حينئذ يأتي الفرج والنصر.
* نريد كلمة أخيرة للأدباء الإسلاميين أو الأدباء الذين يدعون إلى الفضائل في الأعمال والأقوال والسلوك؟
أقول لكل أديب أو مبدع في الأمة العربية والإسلامية أو العالم وهم كثير: عليهم أن يقرؤوا التاريخ كله لأن الأدب هو قراءة وعلم وأن يستفيدوا من علم الآخرين كما يستفيدون من الأخطاء ومن الإيجابيات.(188/5)
العنوان: الآراء السياسية في القرآن
رقم المقالة: 357
صاحب المقالة: أبي الأعلى المودودي
-----------------------------------------
إن مفهوم الحاكمية مشروح في الآية التالية: {إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش، يغشي الليل النهار، يطلبه حثيثا، والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره، ألا له الخلق والأمر، تبارك الله رب العالمين}. (سورة الأعراف 54).
من الصعب أن نفهم بالتحديد ما يعني بـ((استوى على العرش)) من الممكن أن الله سبحانه وتعالى عين مكاناً ما كمركز لهذا الكون غير المحدود وجعله منزل الحكم لهذا الكون. وأن هذا المكان – من حيث يحكم الكون، هو المسمى ((العرش)) ومن الممكن أيضاً أن الكلمة قد استعملت كرمز للسلطة والسيادة، و((استوى على العرش)) تدل على أن الله، بعد خلق الكون، قد قبض على زمام القوة وأصبح حاكمه وملكه. ومهما كانت طبيعة الحادث، فإن أهميته وقيمته ((الاستواء على العرش)) الحقيقية، أن الله ليس مجرد خالق للعالم، بل إنه أيضاً حاكمه والمسيطر عليه. إن هذا التصور مهم، وإن القرآن ليريد هذه النقطة أن تكون مدركة تماماً من قبل الإنسان.
ليس الله ذاك الذي خلق العالم ثم انسحب، (تصور الهندوك أن الله انسحب بعد خلق الكون) إن رأي التراجع هذا باطل. إن الخالق لم يبتر صلته بالكون بعد خلقه. إنه لا يزال يقوده ويرعاه. إنه يقود كل صورة فيه. وكل السلطة والقوة في يديه: من أصغر ذرة غبار إلى السديم الضخم، كل شيء خاضع لإرادته ومطيع لأوامره، وقدر الخليقة يعتمد عليه. وهكذا فالقرآن يهدم أساس الشرك، والإلحاد، وعبادة النفس، وإذا لم ينظر الإنسان لله كخالق وحاكم، وإذا ظن أن الله قد أفاد من صلته بالكون وانه الآن ليس له قول نافذ في مجراه، فإن النتيجة الطبيعية لهذا الرأي يكون إما العجرفة وإن كل سلطة إنما للإنسان أو إتحاد قوى أخرى كآلهة. والقرآن قد هدم كلية إمكانية أيهما.(189/1)
يستعمل القرآن بالتكرار، مفردات لها صلة بالملكية والحكومة لتدل على صلة الله بالكون. والاستنتاج الواضح أن الملك الحقيقي للسموات والأرض إنما هو الله، وانه إليه فقط ترجع الحاكمية للكون. ثم إن الكون كله وحدة منظمة مراقبة من قبل سلطة واحدة. وهكذا فإن أي آخر يدعي الشراكة أو الحاكمية المطلقة، إما لنفسه أو لمجموعة، أو منظمة، إنما هو مصاب بالضلال. والطريق المعقول للإنسان أن يعترف بالخالق، والعظيم كالآله والغاية في العبادة في المعنى الديني للكلمة، والحاكم الوحيد، والسيد والملك في معناها السياسي والاجتماعي.
وتتوضح هذه النقطة أكثر بهذا التعبير: ((له الخلق والأمر)) وهذه تقرر بوضوح أن الله ليس الخالق فحسب ولكنه أيضاً الآمر والحاكم. إنه لم يدع خليقته تحت رحمة الآخرين ليوجهوه كما يشاءون، ولم يجعل أي جزء منه حراً كلية ليفعل ما يشاء. إن الله هو الحاكم الحقيقي ويباشر مراقبة حقيقية على مملكته. الليل والنهار لا يعقبان بعضهما من نفسيهما، ولا تتغير الفصول مصادفة، ولكنها إرادة الله التي تنظم هذا كله. إنه يستطيع أن يحدث أن تغيير في أي مكان يريد. وكل شيء خاضع لإرادته ويطيعه دون ريب. والكل يعمل في الطريقة التي يريدها الله. وإنه لمطلب طبيعي لكونه الخالق الذي يجب أن تحكم إرادته وقانونه إطلاقاً.(189/2)
وآية اخرى من القرآن تلقي ضوءاً على هذا الرأي. {هو الذي له ملك السماوات والأرض}. إن الله هو الحاكم الوحيد، طبقاً لهذه الآية، وهو ملك الكون كله، ولا أحد يشاركه حتى جزءاً من سلطته. إنه الحاكم المطلق وتظهر هذه الآية بأنه وحده يمكن أن يكون الله، لأن الفرد إنما يقدم عبادته إلى ذلك الذي يزاول القوة والسلطة، وليس حتى الأحمق بمستعد أن ينحني أمام أحد يعرفه خال من القوة والسلطة. ولو تحقق الناس أن كل القوة عند الله لما انحنى أحد أمام أي شخص آخر أو التمس مساعدته وتوجيهه. سلطة الله فقط يجب أن يعترف بها، وأوامره فقط يجب أن تطاع، ولا يطاع قانون فيه معصية لله.
إن الاعتراف بسلطة الله لهو من لب المفهوم الإسلامي للحاكمية الآلهية.
إن نقطة الإختلاف بين رسل الله والكافرين قد كانت دائماً أن الرسل طلبوا طاعة تامة لله، واعترافاً بحاكميته المطلقة في الميدان الإجتماعي والثقافي والسياسي والميادين الأخرى. ولكن أولئك أصحاب القوة سواء كانوا رؤساء، أو عظماء قبائل، أو ملوكاً وطغاة رفضوا أن يتركوا سلطتهم ويعترفوا بسلطة الله المطلقة. والآية الآتية توضح هذا الموقف: {وقال موسى ربي أعلمُ بمن جاء بالهدى من عنده ومن تكون له عاقبة الدار إِنه لا يفلح الظالمون، وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إِله غيري، فاوقد لي يا هامان على الطين، فاجعل لي صرحاً لعلِّي اطلع إلى إِله موسى وإني لأظنه من الكاذبين}. (سورة القصص 37، 38).
ادعى فرعون الألوهية، وبهذا الإدعاء لم يستطع أن يعني أنه كان خالق السموات والأرض ولم يستطع أي شخص آخر أن يعتقد أنه هو الذي خلقهما. ولا يمكن أن يعني أنه وحده (فرعون) كان المتوجه إليه في العبادة، لأن المصريين عبدوا جمعاً من الآلهة. وقد عبد فرعون نفسه عدة آلهة وارجع مركزه المجيد إلى كونه قد أعتبر تلميذ إله الشمس.(189/3)
وعلى هذا الأساس، فإن إعتبار فرعون للألوهية قد عنى فقط أنه أراد أن يطاع كالملك والسلطان المطلق. ومن وجهة النظر هذه فإن مركزه لم يكن غير شبيه بمركز الحكومات التي أهملت الشريعة المعلنة من قبل الله وادعت السلطة القانونية والسياسية لانفسها. ومثل هذه الحكومات يمكن أن تتنازل عن المركز الحكومي إلى أي شخص: إلى سلطان أو مستبد، إلى إرادة مَرَدَه، وما داموا يدعون أن القوانين التي شرعوها يجب أن تحكم مطلقاً وليست تلك التي انزلت من قبل الله ورسوله، فإنه لن يكون هنالك اختلاف في المبدأ بينهم وبين الفراعنة. ان طبيعة الإدعاء واحدة، وليس هنالك اختلاف بين فرعون الذي سمى نفسه إلهاً والحكومات العلمانية الحديثة التي تعتبر نفسها حاكمة مطلقة.
إن الحاكمية في الإسلام لله وحده وهو وحده المشرع.
ونتيجة منطقية المفهوم للحاكمية، أن التنظيم السياسي للحكومة الإسلامية قد سمي ((الخلافة)). الإنسان خليفة الله في الأرض، وكخليفة فإن مهمته في الحياة أن ينفذ ويقرر أوامر الله من حيث حاكميته، وتبعاً للقرآن {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة} (البقرة 30).
الخليفة يتمتع بحقوق معينة، ليس كحق خاص له، بل كممثل وخليفة لربه. وليست سلطته وراثية بل انتداب. وهو ليس حراً يعمل ما يريد، ولكن عليه أن يعمل تبعاً لتعاليم عقيدته. فإذا خالف العقيدة وادعى لنفسه القوة التي لا تخصه، وإذا خالف أوامر الله فإن سلوكه لا يتمشى ومركزه الحقيقي.
وغاية الأوامر القرآنية السديدة إن الإنسان يجب أن يحقق منزلة الخلافة، وتبعاً لواجبه فإنه يجب أن يطيع أوامر الله. يتبع إرشاداته ويشيد إرادته في الأرض. وإذا عاكس الإنسان فإنه سيهوي فريسة للشيطان – عدو الإنسان الخالد، وسيضل.(189/4)
هذه الخلافة إنما هي خلافة عامة. إنها أساساً تخص كل الجنس البشري، وليست منفعة موقوفة على فرد واحد، أو عائلة، أو قبيلة، أو طبقة أو طائفة. ولكن حيث أنها تطلب إقراراً بالله كسلطان، فإن أولئك فقد يقرون بهذا وهم المسلمون. لأي طبقة أو طائفة انتموا، لهم الحق بمزاولتها (الخلافة). ولهذا يتمتع بالخلافة كل المسلمين وليست مقتصرة على طائفة أو طبقة أو سلالة ملكية.
وكما قلنا قبلاً، فإنها تأتي من مفهوم حاكمية الله وخلافة الإنسان، أي أن الإنسان يجب أن يتبع القانون المعطى من الله. وهذا ما يؤكده القرآن مراراً وتكراراً: {ولا تقولوا لما تصف السنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام... الخ الآية}. فتوضح هذه الآية بجلاء أن سلطة إعلان شيء ليكون حراماً أو حلالاً إنما يخص الله وحده ولا يتمتع أحد آخر حتى بجزء من ذلك. ويعني هذا أن سلطة التشريع مخولة لله وحده، ويكون مخطئاً كل من يحاول من نفسه أن يعلن أن شيئاً يكون حراماً أو غير ذلك. دعه أولاً يعترف بسلطة الله ثم يزاول سلطة تمثيلية ليستنتج أحكاماً من تلك التي اعطاه الله أياها.(189/5)
التشريع من غير المسؤول – إعلان أشياء أنها قانونية وأخرى غير قانونية دون إشارة إلى توجيه الله، وقد وصف كالكذب على الله وإنما يكون هذا لأنه مبني إما على وجهة نظر أن الله قد ترك للإنسان الحرية ليشرع كما يريد أو عالماً بأنه لا يملك السلطة، يشرع في تعام تام عن توجيه الله، حتى حيث يطلب أن يتفق التشريع وذلك التوجيه. وفي كلا الحالتين يكذب الإنسان، وفي مكان آخر يقول القرآن: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون.. الظالمون.. الفاسقون..} (النساء). يحذر الله هنا، أن أولئك الذين لا يديرون شئونهم تبعاً لما أنزل الله من شرع ولا يعززونه، أنهم (أولاً) كافرون (ثانياً) ظالمون (ثالثاً) فاسقون. إن الذي يعصي شريعة الله مجرم ذو ثلاثة آثام: كفر وظلم وفسق. أولاً، هذا العصيان يعني أنه مستهتر بسلطة الله، وانه رافض تلقي أوامره – وهذا كفر. ثانياً، أنه يقرر اقتراف الظلم: لأن أمر الله عدل طاهر كامل، وأي انحراف عنه ينتج عنه الظلم والجور. وأخيراً، بما أن الإنسان عبد لله، وبعصيان أوامر سيده فإنه يخرج عن ولائه وطاعته له، وعمله عمل فسق. وعندما ينحرف الإنسان عن الشريعة فإنه يرتكب الجرائم الثلاث. ومن المستحيل أن يعصي الإنسان توجيه الله ثم لا يكون مجرماً بهذه الجرائم الثلاث. وسيكون مقدار الجرم حسب قدر الانحراف والعصيان. فإذا أهمل الإنسان أوامر الله واعتبرها فاسدة أو مريبة أو غير مناسبة وحكّم رأيه الخاص أو رأي أي إنسان آخر، كشيء صالح، فإنه كافر وظالم وفاسق من الطراز الأكبر ويخرج عن نطاق الإسلام. وإذا اعترف بسلطة الله، ولكنه في الميدان العملي لا يسير حسب أوامر الله، حينئذ، مع أنه لم يخرج عن حظيرة الأمة، فإن إيمانه بالتأكيد، يمتزج بالكفر والظلم والفسق وإنه ليس مسلماً خالصاً حقيقياً. وإذا كان هناك إنسان يطيع الله في بعض الميادين ويعصيه في أخرى، فإن إيمانه أيضاً يمتزج بالكفر والظلم والفسق إلى الحد الذي يعصي(189/6)
فيه الله.
وحكمة الآية السابقة أن الطريق الصحيح، العادل، الفطن للمسلم، هو أن يتبع شريعة الله ويقيمها في حياته ومجتمعه.
ورسالة كل الانبياء كانت واحدة: اعتراف بسلطة الله واتباع له. وكما جاء في القرآن قال عيسى عليه السلام: {ومصدقاً لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم، وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون، إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم}. (آل عمران 50، 51).
تقرر هذه الآية بوضوح إن رسالة عيسى، كجميع رسالات الله، شملت ثلاث نقاط أساسية: أولاً: الحاكمية لله وحده – إنه هو الذي يجب أن يعبد، وأنها قيادته التي يجب أن يبنى عليها الكيان الخالص للأخلاق والمجتمع.(189/7)
العنوان: الإرشاد النفسي: خطواته وكيفيته (نموذج إسلامي)
رقم المقالة: 376
صاحب المقالة: د. عبدالعزيز بن محمد النغيمشي
-----------------------------------------
تقديم وتعريف:
التوجيه أو الإرشاد النفسي عملية تتضمن مجموعة من الخدمات التي تقدّم للأفراد لمساعدتهم على فهم أنفسهم، وإدراك مشكلاتهم، والإنتفاع بقدراتهم في التغلب على هذه المشكلات وفي تحقيق أقصى ما يستطيعون الوصول إليه من نمو وتكامل في شخصياتهم[1].
وهذه العملية بهذا الوصف الذي يجمع بين معظم التعريفات الواردة عن الإرشاد كمصطلح حديث عملية ليست جديدة، وليست سهلة أما عدم جدتها فلأننا نعتقد أن المنهج الرباني المتمثل بالإسلام – بصفته ديناً شاملاً – قد تضمن عملية الإرشاد والتوجيه وأصلها وفرعها، فالقرآن كتاب هداية وإرشاد، والسنة والسيرة تفصيل وتطبيق لذلك، وأما عدم سهولتها فلأن عملية الإرشاد المذكورة تحتاج إلى علم وقدرة ومهارة في آن واحد.
وفي هذا البحث المختصر لن نتناول تفصيلات موضوع الإرشاد والخلفيات النظرية المتعددة له، ولن نتعرض إلى المدارس المختلفة في النظر والتطبيق في ميدان الإرشاد النفسي، إنما نعرض صورة إجمالية لعملية الإرشاد تتضمن بعض الشروط والأساليب وبعض النظرات والحقائق الأساسية في عملية الإرشاد مما تفتقده عملية الإرشاد في البيئة الإسلامية الحالية.
هذا البحث يجيب على السؤال الآتي:
س: كيف تتم عملية إرشاد الفرد في ظل المنهج الإسلامي؟(190/1)
وإجابة هذا السؤال تتضمن مراحل متلاحقة من حيث الزمن والإجراء ينبغي أن تشتمل عليها العملية الإرشادية، وأن تكون هذه المراحل واضحة لمن يقومون بالإرشاد النفسي كخطوات منطقية لكل عملية تتضمن علاقة إنسانية تقصد التأثير بالإتجاه الإيجابي، وهذه المراحل لا يتصور الانفصال بينها إلا في الإطار النظري بل هي مراحل متداخلة يخدم بعضها بعضاً، وفي شكل (1) ما يوضح هذه المراحل المتتابعة للعملية الإرشادية، ولأن الإرشاد يعد عملية، وليس أدباً أو وعظاً أو فلسفة، ولكي ننحو منحى عملياً ربطنا هذا النموذج بمرحلة معينة من مراحل النمو ليتم التمثيل والتوضيح واستعملنا مرحلة الشباب لأهميتها.
الواجبات قبل الإرشاد
الأهداف:
تجتمع مقاصد الإرشاد في استثمار طاقات الشباب الذاتية والتهيئة لبناء أو تعديل فكرهم وسلوكهم. وتوجيه اهتماماتهم، ورفع مستوى الإستجابة الداخلية للتهذيب النفسي والخلقي ويمكن أن تفصل بعض هذه الأهداف بما يأتي:
1 - الكشف عن الحاجات الحقيقية لدى الشباب والمشكلات التي يتعرضون لها.
2 - مساعدة الشباب على فهم أنفسهم في مراحل النمو المختلفة، والوصول بنمو الشباب إلى أحسن مستوياته.
3 - إمداد الشباب بمجموعة من الخدمات مثل: التعريف بالوسط التعليمي وبكيفيات بناء العلاقات الأسرية والإِجتماعية والطلابية، وبالإِرشاد النفسي والمساعدة على وضع الأهداف الدراسية والمهنية[2].
4 - اكتشاف واستخدام الوسائل الإِرشادية المختلفة التي تدعم العملية التعليمية وتؤدي إلى الشوق والشغف بها[3].
5 - المساعدة على حل المشكلات النفسية والتعليمية التي يواجهها الشاب في الوسط التربوي.(190/2)
وهذه الأهداف عامة للإرشاد والتوجيه، ولابد عند القيام بالإِرشاد النفسي من تحديد الأهداف الخاصة للحالة المراد علاجها، وللعملية التوجيهية التي سيقوم بها المرشد على نطاق فردي أو جماعي أو داخل الوسط التعليمي، فإذا كانت الحالة مثلاً هي إخفاق طالب في دراسته أو تخلفه عن زملائه، فيجب وضع أهداف محددة للعملية الإرشادية التي سيقوم بها الموجه لعلاج هذه المشكلة بالنسبة لهذا الطالب.
والإرشاد بهذه الأهداف يمثل جزءاً من مهمة الداعية في الإسلام. والإسلام منهج شامل للحياة ييسر للناس السعادة والسواء والصحة النفسية، ويرشد المرشدين إلى الطريق الأمثل لتحقيق الذات، ونمو الشخصية، وترقي النفس في مدارج الكمال الإنساني.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ}[4].
{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلاَلٍ مُّبِينٍ}[5].
والقرآن يعالج ويرشد الإِنسان بطرق مختلفة، فتارة بطريق القدوة، وتارة بالإِستدلال العقلي وتارة بمخاطبة الوجدان بالموعظة والعبرة وتارة بغير ذلك.
فالطريقة الاقتدائية مثل قوله تعالى:
{فَبَعَثَ اللهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُريَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَي أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُوَن مِثْلَ هَذَا الغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ}[6].
والطريقة الاستدلالية مثل قوله تعالى:
{ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}[7].
والطريقة الوعظية مثل قوله تعالى:(190/3)
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ، يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ}[8].
وكأن من مقاصد القرآن استخدام الأساليب المتنوعة في الإِرشاد وتنبيه المرشدين لذلك مع أن الهدف واحد وهو معالجة النفس البشرية وتزكيتها في المواقف المختلفة.
معرفة المسترشد
ثم لابد من معرفة الشاب الذي هو موضوع الإرشاد، وهذه المعرفة تأخذ اتجاهين:
معرفة حال الشاب عامة في هذه المرحلة ((مرحلة الشباب)).
2 – معرفة حال الشاب الخاص الذي سيتم إرشاده، صفاته وتاريخه وظروفه، وتاريخ الحالة.. إلخ.
والأمر الأول يتم الاستعداد له من قبل المرشد منذ أن كوّن شقافته حول الإِرشاد فهو لابد أن يكون قد أطلع على الثقافة المتخصصة في هذا الميدان في فروع علم النفس والتربية والإِجتماع من جانب، والسيرة والتاريخ والثقافة الإِسلامية وما يلزم من معلومات شرعية من جانب آخر.
وأما الأمر الثاني فلابد من إلمام المرشد الداعية بالأساليب والطرق والكيفيات التي توصله إلى معلومات شرعية من جانب آخر.
وأما الأمر الثاني فلابد من إلمام المرشد الداعية بالأساليب والطرق والكيفيات التي توصله إلى معلومات كافية وصحيحة عن الحالة، وإلى تفسير هذه المعلومات وتحليلها من أجل إعطاء إرشاد مناسب للحالة.
ويتناول هذا البحث الجوانب التي ينبغي الإِشارة إليها حول الثقافة الإسلامية والتخصصية في مجال معرفة الشباب.
1 – تحديد فترة الشباب:(190/4)
ليس هناك قول حاسم وواحد في تحديد سن البلوغ أو سن الشباب عند علماء الإسلام، فبعض الفقهاء يقرر أن الحد الأدنى للبلوغ يقع في بداية العاشرة والأعلى بالثامنة عشرة، كما هو قول أبي حنيفة (رحمه الله)، ويتفق الجمهور وفيهم أحمد والشافعي على أن سن خمسة عشر يعد هو حد البلوغ على ما في حديث ابن عمر عندما عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه ثم لما عرض يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة أجازة، وقد جعل هذا عمر بن عبدالعزيز حداً بين الصغار والكبار[9].
ويستدل أيضاً على البلوغ بالتغيرات الخارجية مثل نبات شعر العانة، ويترتب عليه تحمل المسئولية، كما ورد في استعراض بني قريظة لمعرفة صبيانهم من رجالهم.
((عن عطيه القرظي، قال: كنت في سبى بني قريظة فكانوا ينظرون، فمن أنبت الشعر قتل، ومن لم ينبت لم يقتل، فكنت فيمن لم ينبت[10].
أما سن الأشد فقد ورد في قول الله تعالى:
{حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نَعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ المُسْلِمِينَ}[11].
وحدد ابن عباس بداية الأشد بثمان عشرة، وفسر الأشد ببلوغ مرحلة النكاح[12] قال تعالى: {وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ}[13].(190/5)
والمتخصصون المحدثون في علم النفس ليس لديهم تحديد قاطع لفترة المراهقة والشباب، فهناك وجهات نظر مختلفة ذلك أن التغيرات التي تحدث فيهما تتم في مدة تتراوح ما بين تسع سنوات وخمس عشرة سنة ويختلف الأطفال فيما بينهم في السن التي يبدأون فيها بالدخول في مرحلة المراهقة، ويرى – مثلاً – الدكتور سعد جلال أن فترة المراهقة والشباب تقع بين سن العاشرة إلى سن الثلاثين، ويقسمها إلى ثلاث فترات، فترة ما قبل الحلم، وفترة الفتوّة وهي تقابل في نظره المراهقة، وتمتد إلى سن الواحدة والعشرين، وفترة الرشد إلى سن الثلاثين.
ويشير سعد جلال إلى أن سن الشباب يبدأ من البلوغ إلى سن الثلاثين[14].
ويرى عمر الشيباني أن بداية مرحلة الشباب ونهايتها يمتد من سن الثانية عشرة إلى سن الخامسة والعشرين بالنسبة للغالبية من أبناء المدن، الذين ساروا سيراً طبيعياً في نموهم وتعليمهم وهو يرى أنهما بهذا التحديد تتقابل مع مراحل التعليم في البلاد العربية المتوسطة والثانوية والجامعية، أي أن طلاب كل هذه المدارس يعتبرون من الشباب ومعنيون ببرامج الشباب[15].
وقد أخذ مؤتمر وزراء الشباب العرب عام 1969م بوجهة النظر القائلة بأن فترة الشباب تقع بين سن الخامسة عشرة والخامسة والعشرين[16].
ومن هذه الآراء المتعددة يمكن الخلوص إلى أن هناك فترة يتفق عليها المختصون، تلك الفترة هي الواقعة ما بين (15 إلى 25)، وهذه الفترة مشتملة في سن الشباب أو الأشد عند علماء الإسلام، حيث تكون بداية بلوغ القوة البدنية والإِدراكية والمعرفية، وهؤلاء هم الذين خاطبهم الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج))[17].
2 – الاطلاع على تاريخ الشبان:(190/6)
أول ما ينبغي على مرشد الشباب – بهذا التحديد المذكور آنفاً – الإِطلاع على التاريخ الشبابي من خلال قصص القرآن وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة وشباب الإِسلام ليكوّن رصيداً للنموذج السوي المتزن من الشباب وليكوّن نبراساً عملياً لوقاية الشباب وإرشادهم.
وما لم يكن المرشد مطلعاً على أحوال فتوة الأنبياء وفتوة الرسول صلى الله عليه وسلم وفتوة الأجيال الأولى من شباب المسلمين عندما كان المسلمون في أوج مجدهم وقوتهم وفي أعلى المستويات من الإِستقامة وممارسة دور الهداية والإِرشاد للمجتمعات، ما لم يكن كذلك فهذا أول نقص في ثقافة المرشد عن الشباب وأحوالهم، ونحن نعلم أن العصبة المؤمنة التي تركزت في دار الأرقم في مكة – وعلى يديها تحقق نصر الإِسلام – كان أكثرهم شباباً، فعمر رضي الله عنه كان عمر سبعاً وعشرين، وعثمان كان عمره قرابة الثلاثين، وعلي رضي الله عنه كان أصغر من أسلم من الصبيان وهكذا كان عبدالله بن مسعود، وعبدالرحمن بن عوف، والأرقم بن أبي الأرقم وسعيد بن زيد، ومصعب بن عمير، وبلال بن رباح، وعمّار بن يسار، وعشرات غيرهم.. بل مئات.. كلهم كانوا شباباً[18].
والإِطلاع على شباب هؤلاء الشباب وكيف تعاملوا مع أنفسهم، وكيف أدوا أدوارهم وأشبعوا حاجاتهم ومطالبهم العضوية والنفسية والإِجتماعية، وكيف تم إرشادهم بالمنهج الرباني عموماً وعلى يدي النبي صلى الله عليه وسلم خصوصاً. وكذلك إرشاد بعضهم لبعض، الإِطلاع على هذا يعد خلفية ضرورية توجيه إرشاد أبناء المسلمين. والنماذج العلمية في هذا كثيرة لا تحصى نشير إلى بعضها[19].
أبو بكر: (دورة في الدعوة والإِرشاد، موقفه في الإِسراء والمعراج، مواقفه في الهجرة، أمثلة صدقه وتصديقه).
علي بن أبي طالب: (دوره في الهجرة، قصته في إسلام أبي ذر، دوره القيادي، مشاركته في المعارك والمسئووليات).(190/7)
مصعب بن عمير: (موقفه من الجاهلية أول إسلامه، دوره في التعليم والإِرشاد، مشاركته في المعارك، استشهاده).
3 – إدراك طبيعة الشباب واستعداداتهم:
ويجب أن يلم المرشد بطبيعة هذه المرحلة (المراهقة والشباب)، ومن ذلك علمه بهشاشة البناء الفكري ورقة العاطفة والوجدان، والاستعداد للإِستقامة أو الإِنحراف، وأن سهولة إنحراف الشباب وصعوبة سيطرتهم على غرائزهم أمر متوقع، ومن ثم هناك حاجة ماسة للإِرشاد إلى المجاهدة والصبر[20] اللذين يؤديان إلى الشعور بالنجاح والإِنتظار على الضعف والشهوات والمغريات. وقد ورد في الأثر ((عجب ربكم من شاب ليست له صبوة)) كما دلت النصوص على عظم شأن المجاهدة التي يمارسها الشاب مع نفسه، ومن ذلك حديث ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله..)) ويذكر منهم ((شاب نشأ في عبادة ربه))[21] لما يتميز به الشاب من غرائز عنيفة وحاجات ملحة تطلب الإِشباع السريع، وقد ضرب الله المثل بقصة يوسف الشاب وانتصاراته المذهلة على الرغبات النفسية والبيئية والنوازع البشرية الأرضية، قال تعالى: {قَالَتْ فَذَالِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا ءَامُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّنَ الصَّاغِرِينَ، قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ}[22].(190/8)
والإِطلاع أيضاً على الدراسات التي تبين هذا النزوع وتلك الطبيعة وبروزها في مرحلة الشباب ضروري للمرشد، الذي يريد أن يتعامل مع الواقع، وقد دلت الدراسات[23] على أن الصراع النفسي يحدث في هذه المرحلة بكثرة، ففي الدراسة التي أجراها كونكلين على عينة من طلبة المدارس الثانوية، وجد أن 26% منهم يمارسون ((ذاتين)) مختلفتين في وقت واحد، والتقارير والبحوث التي تتحدث عن أنسب مراحل العمر لظهور الفصام ذات دلالة في هذا الصدد، فقد ذكر ستركير (E.A. Srecker ) في بحث له أن حوالي 70% من حالات المرض تحدث بين الخامسة عشرة والثلاثين، وذكر ترد قولد (A.F. Tred Gold ) أن مما له دلالة فعلاً أن ما لا يقل عن 75% من الحالات تبدأ بين الخامسة عشرة والخامسة والعشرين ويشير مصطفى سويف إلى أن الإحصائية المستخلصة من سجلات الإِستقبال بمستشفى الأمراض العقلية بالعباسية في مصر تبين أن حوالي 67% من الفصاميين تتراوح أعمارهم بين 16، و25 سنة[24].
4 – الاستعداد المعرفي للاسترشاد:
ثم لابد من العلم بالاستعداد المعرفي للاسترشاد عند الشباب ومعرفة موقف الشباب من الكبار والنظرة التي من خلالها يحكم الشاب على من هم أكبر منهم، ووجود أو إنعدام الجسور بين الطرفين، وهذه المعلومة ضرورية للمرشد الذي يريد أن يصل إلى عقول الشباب، ويخاطب وجدانهم، في هدايتهم وحل مشكلاتهم، وفي هذا المجال يدّعى الشباب وخصوصاً في المراهقة أن الراشدين لم يعودوا يفهمونهم ويدركون ظروفهم، ومشكلاتهم، ويؤيد ذلك بحوث عديدة منها بحث أجرى في تركيا وزع فيه استخبار على 3000 من المراهقين وكان من بين الأسئلة: (هل تظن أن الكبار يفهمونك على حقيقتك؟) فكانت النتيجة أن معظم المراهقين الذين تزيد أعمارهم على 14 سنة أجابوا بالنفي[25].(190/9)
ولعل إنصراف المراهقين والشباب إلى الفئات من العمر نفسه، وقرب بعضهم من بعض يدل على وجود الشعور بالتفاهم بينهم، حيث يرى المراهق أن صديقه فقط هو القادر على فهمه، ومن ثم فإنه يكون هو مصدر الاستشارة والتأييد والتوجيه. على أن هذه النزعة إلى الأعراض عن الراشدين، وعدم استشارتهم تخف ويبدأ الشاب بعد المراهقة أو في نهايتها يعود أدراجه ليستأنس برأي الكبار، ويطلب التفاهم معهم، والنصيحة منهم، وقد أشارت بعض الدراسات إلى ذلك فقد دلت دراسة قام بها الباحث على عينة من (1560) طالباً وطالبة من المدارس الثانوية بمدينة الرياض على أن الطلاب في عمر (16، 17، 18) ((وهو وسط المراهقة)) أقل توجهاً إلى الأساتذة، بينما الشباب في عمر (20، 21، 22 وما فوق)[26] يكثر توجههم إلى الكبار للاسترشاد والاستشارة. وفي دراسة لكيورتز Curtis على عينة حجمها (9056) مراهق استنتج منها أن الإِعجاب والإِقبال على آراء الكبار يضعف في سني المراهقة الأولى، كما أن الإِعجاب بآراء الأصدقاء أو الزملاء يكون محدوداً في نهاية المراهقة بخلاف الحال في السنوات الأولى للمراهقة[27].
ويرى عدد من الباحثين ضرورة حساب هذه الاتجاهات عند التعامل مع الشباب، ومحاولة بناء صداقة وأخوة يتم من خلالها ممارسة الإرشاد والنصيحة، وأن يحاول المرشد إزالة الحواجز والعقبات التي يرى المراهقون والشباب وجودها بينهم وبين الكبار، وذلك بفهمهم وتقدير حاجاتهم ومطالب نموهم مع المحافظة على صفة الاستاذية في الفكر والسلوك، والتي تهئ للاقتداء والقناعة بطلب المشورة من قبل الشباب.
5 – مطالب النمو في مرحلة الشباب:(190/10)
معرفة مطالب النمو لدى الشباب وحاجاتهم النفسية كالحاجة إلى الأمن والرفقة والتقدير والنجاح والمكانة الاجتماعية وغير ذلك مما هو مفصل في كتب علم النفس والتربية، وقد أشار المتخصصون في هذا المجال إلى قوائم بالحاجات المهمة للشباب[28] منها ما ينطبق على الشباب عموماً ومنها ما لا ينطبق إلا على بيئات معينة، ولا ينطبق على البيئة الإِسلامية. وللشباب في المنهج الإسلامي حاجات أخرى تضاف إلى قوائم الحاجات، كالحاجة إلى الهداية، وإلى السكن النفسي المتمثل بالزواج المبكر، والحاجة إلى التوبة من ثقل الخطايا والذنوب.
قال تعالى:
{مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا}[29].
وقال تعالى:
{وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا}[30].
وقال تعالى:
{وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُواْ عَنِ السَّيِّئَاتِ}[31].
التهيئة للإِرشاد ((القابلية))
والقابلية تعني استعداد المرء للاستشارة والاسترشاد وذلك بزوال العوائق التي يمكن أن تقف حائلاً بين الإِنسان وبين الإِستفادة، والإِقتناع بالنصيحة وبوجوب الأسباب والدواعي التي تدفعه وتحثه على سماعها وتطبيقها وهذه الهيئات للإِرشاد، والمتمثلة في وجود الدواعي وإرتفاع العوائق تدور في ثلاثة محاور:
1 - في صفات المرشد.
2 - في مصادر التلقي عند المسترشد.
3 - في الاستعداد النفسي للإِسترشاد.
في صفات المرشد:
فأما صفات المرشد فلابد أن يتوفر فيه ما يأتي:
1 – الصدق والإِخلاص: حيث تمثل صفة الإِخلاص حجر الأساس الذي يتكئ عليه الممارس للأعمال الإِرشادية والدعوية، وفقد هذه الصفة يمثل أول عائق في طريق الإرشاد.
{فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَا}[32].(190/11)
2 – القدوة فالشباب الذي يرى المرشد يؤجل ويهمل لا يمكن أن يتعلم منه النظام والجدية، والمراهق الذي يرد المرشد يدخن ويكذب ويسرق من عمله ولا يصلي لا يمكن أن يتعلم ترك التدخين والصدق والأمانة والمحافظة على الصلاة، والشاب الذي يرى المرشد مضطرب النفس سئ الخلق، لا يمكن أن يسترشد به في صحة النفس وحسن الخلق. ذلك أن فاقد الشئ لا يعطيه، وسلوك المرشد في هذه الحال يمثل عائقاً دون الاسترشاد بتوجيهاته مهما كانت المحاولة وإمكانات التخصص.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونْ، كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ}[33].
{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}[34].
وقد أدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه فاعلية هذه الخصلة حين كان يجمع أهل بيته فيقول لهم: ((إني قد نهيت الناس عن كذا وكذا، وإن الناس ينظرون إليكم، كما ينظر الطير إلى اللحم، فإن وقعتم وقعوا وإن هبتم هابوا، وإني والله لا أوتى برجل وقع فيما نهيت الناس عنه إلا أضعفت له العذاب، لمكانه مني، فمن شاء منكم فليتقدم ومن شاء فليتأخر[35] وهكذا فإن قوة الفعل تواكب قوة القول من حيث التأثير، لا سيما في مواطن الإِرشاد والعلاج والتربية، وقد كان عمر – بهذا السبب – فأمر الناس وينهاهم فلا يتأخر أحد عن السمع والطاعة والإِستجابة.
ومن المعلوم لدى المربين والمرشدين أن التعلم بالملاحظة (أي الاقتداء) أحد النماذج المهمة والمؤثرة والتي تفرض نفسها في الواقع، وقد أثبت جدواها في التغيير، وقد بينت دراسات عديدة، أن التلاميذ يتأثرون بسلوك معلميهم وتصرفاتهم، أكثر من تأثرهم بأقوالهم ونصائحهم فالمعلم المستجيب والمتعاون والايثاري والودود.. إلخ يزود طلابه بأنماط سلوكية هامة تسعى التربية إلى تكوينها جاهدة عن الأجيال[36].(190/12)
إن التربية والإِرشاد بالقدوة الصالحة هي العماد في تقويم الإِعوجاج، وهي الباب إلى ترقية الشباب نحو الفضائل والمكرمات النبيلة والأساليب الصحيحة الحميدة.
3 – العلم: فالمرشد ينبغي أن يكون عالماً بأصول الإِرشاد والتوجيه سواء ما كان من المصادر الشرعية، أو من المراجع المتخصصة الحديثة. وكون المرشد يعرف بقلة العلم، وضحالة الإِطلاع، وإنعدام متابعة المعلومات يؤدي بالشباب إلى الإِعراض عنه، والزهادة بما عنده، فلا يقصدونه لتوجيههم وحل مشكلاتهم وحال هذا المرشد كحال من قال فيه الشاعر.
أما ذوو الجهل فارغب عن مجالسهم ((قد ضل من كانت العميان تهديه))
والعلم يمهد لقبول المرشد والأخذ برأيه والعناية بنصحه:
{قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ}[37].
4 – توفر القدرات والوسائل: وهذا جانب مكمل للعلم، فإن العلم وحده لا يكفي لإِحداث التغيير بل لابد من القدرات ووسائل التغيير، سواء كانت هذه القدرات قدرات شخصية ونفسية أو قدرات مادية وإدارية. ولذلك فإن عملية الإِرشاد قد تعاق أو تتعثر لا لفقد العلم أو الإِخلاص أو القدوة في المرشد، وإنما لفقد القدرة والإِمكانية.
في مصادر التلقي عند المسترشد:
وأما مصادر التلقي عند المسترشد وهو المحور الثاني للتهيئة فمن المعلوم أن هناك عوائق كثيرة تحول دون وصول الإِرشاد إلى مستحقه تتمثل في جهات التحكم، ومصادر التوجيه للشاب، فهو ينتمي إلى أسرة وإلى صحبة، وهو يتلقى من وسائل الإِعلام، ومؤسسات المجتمع المختلفة. كل هذه مصادر للتلقي إما أن تهئ للإِرشاد وإما أن تعوقه، ونوضح هذا الجانب بمثالين:
1 – المثال الأول:(190/13)
من الأسرة كمؤثر مهم في سلوك الشاب وفكره، حيث أن الأسرة[38] تعتبر المحضن الأول الذي يتفاعل معه الفرد منذ البداية الأولى لحياته، وهي إما أن تكون مساعدة للفرد على إشباع حاجاته الجسمية والنفسية الأساسية، وعلى تحقيق نموه المتكامل إذا كانت العلاقة به تقوم على أسس سليمة، أو تكون معرقلة لإِشباع حاجات الفرد، ومثبطة لهمته ومطامحه وغير مبالية بدوره ومستقبله، ومن ثم تحول بين الإِرشاد وبين الشباب بصورة مباشرة أو غير مباشرة. المباشرة تكون بعدم الإِهتمام بإرشاد الشباب وتوجيهه وإشغاله عن ذلك أو الحيلولة بينه وبين جهات الإِرشاد والتوجيه، بدلاً من توثيقها وحث الشباب على السماع منها واستثمارها. وغير المباشرة تكون بالرصيد التراكمي من سوء المعاملة للشباب أثناء طفولته ومراهقته وتقييد حريته ومعاملته كطفل صغير، والتسلط عليه بطريقة لا تسمح بتنمية روح المبادأة والمشورة ومناقشة الآراء.
وهذا ينعكس على استعدادات الشاب للإِسترشاد والإِستعانة بآراء الآخرين ومناقشتهم للوصول إلى أفضل الطرق لسلامة النمو، وحل المشكلات التعليمية والنفسية.
إن إيجاد الذهنية القابلة للنصيحة المبنية على الاقتناع الفكري بضرورة المداولة والمحاورة في مشكلات الشاب وقضاياه أمر لابد منه، إذا كانت الأسرة قد أفسدت الذهنية وأفقدتها القابلية.
2 – والمثال الثاني:(190/14)
هو الأعلام كمصدر مهم من مصادر التلقي، والتي يتم عبرها تلقي عشرات الأنواع من ثقافة الوسيلة وثقافة الغاية ومن منابع مختلفة، ومصدر التلقي هذا مصدر جماهيري يمارس دور التوجيه والإِرشاد بطريقته الخاصة، والباحث في تأثير وسائل الأعلام الجماهيرية على الشباب توجيهاً وإرشاداً، عليه أن يمعن النظر في التأثير بعيد المدى الذي يمكن لهذه الوسائل أن تحدثه في عقليات الشباب ونفسياتهم، وسلوكهم الإجتماعي، وأن يأخذ في حسبانه البعد التراكمي للوسائل الإعلامية التي يتلقاها الشباب في مختلف مراحل حياتهم وخصوصاً في مرحلة الصبوة والمراهقة والفتوة.
((إن رسالة واحدة تهدف إلى تغيير موقف ما أو تحوير سلوك إجتماعي معين، قد لا يكون لها أثر مباشر وسريع على نفسيات الشباب... ولكن تراكم عدد كبير من الرسائل الإعلامية بطرق مشوقة وجذابة وعبر مدى زمني ممتد وهي تركز على موقف معين أو تبشر بسلوك محدد قد يكسب ذلك الموقف أو السلوك شرعية إجتماعية ويكسر الحواجز النفسية بين الجمهور وبين ذلك الموقف أو السلوك المعتاد عليه ويتقبله واقعاً معترفاً به))[39].
وهذا يبدي صعوبة إيصال الإِرشاد إلى الشاب الذي يتلقى من هذه الوسائل بمحتوياتها المعاصرة والتي يظهر عليها الإِنحراف مما ينعكس على واقع الشباب الخلقي التأثر بالإِرشاد، وقد بين الله في القرآن أثر التراكم على القلب وتكوينه للحجب والموانع التي تحول بينه وبين التأثر بالموعظة والإِحساس بالمصيبة، والشعور بالوازع أو الدافع إلى الخير وطلبه قال تعالى:
{إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ ءَايَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ، كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}[40].(190/15)
أي غطى على قلوبهم ما كانوا يكسبون من الإثم والمعصية، والقلب الذي يعتاد على المعصية ينطمس ويظلم، ويرين عليه غطاء كثيف يحجب النور عنه ويحجبه عن النور، ويفقده الحساسية شيئاً فشيئاً حتى يتبلد ويموت[41].. ومما يؤسف له ويزيد الأمر سوءاً أن معظم الناس يعلمون هذه الخطورة لوسائل الإعلام ولكنهم رغم ذلك لا يهتمون بتصحيح أوضاعهم، وتحصين نفوسهم، والعمل على حجب أو تخفيف هذه الآثار المتراكمة، ففي دراسة قام بها الدكتور عبدالرحمن عيسوي على الآثار النفسية والإجتماعية للتلفزيون وجد أن التلفزيون يضر أكثر مما ينفع عند الغالبية من أفراد المجتمع، حيث ان 72% من العينة الإحصائية قالت أن ضرره أكثر من نفعه[42].
في الاستعداد النفسي للاسترشاد:
المحور الثالث للتهيئة ويتمثل في الاستعداد النفسي للإسترشاد وهذا الجانب يتعلق بصاحب القضية أو المشكلة، وهو الطالب – هنا – والحديث في هذا الموضوع من ألصق الأمور بموضوع الإرشاد، فإن صاحب المشكلة هو موضوع الإرشاد ومقصوده، وكما أنه لابد من استعداد الطالب النفسي للتعلم، فإنه لابد من استعداد الطالب للإسترشاد، ولهذا جعل بعض[43] المخططين لتعليم القيم والأخلاق مرحلة قبلية لابد من توفرها سموها: (الاستقبال)، وهو أول مراحل هذا التعلم، إذ أن الإستعداد النفسي والإنتباه الإختياري لسماع الإرشاد والنظر فيه أول خطوة، ولا يتم ما بعدها إلا بها، وفي بعض الأحيان يواجه المربون الصعوبات والعقبات في سبيل تحقيق هذا المستوى الضروري للتربية.
قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}[44].
وقال تعالى: {فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ، وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي ءَاذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ}[45].(190/16)
ويتركز إهتمام المرشد في هذه المرحلة التي هي نهاية عملية التهيئة وبداية عملية الإرشاد على جلب إنتباه الطالب إلى أهمية الإرشاد وإيجاد الرغبة لديه في الإستقبال والسماع.
الإرشاد
عملية الإرشاد ومفهومها:
إن عملية الإرشاد هي: ((عملية تعليمية تساعد الفرد على أن يفهم نفسه بالتعرف على الجوانب الكلية المشكلة لشخصيته، حتى يتمكن من إتخاذ قراراته بنفسه، وحل مشكلاته بموضوعية مجردة، مما يسهم في نموه الشخصي والإجتماعي والتربوي والمهني))[46] ويتم ذلك خلال علاقة تعاونية بينه وبين المرشد النفسي.
وهذا القالب لعملية الإرشاد والذي يتفق عليه المنظرون للإرشاد النفسي مع إختلاف الصياغة[47] يتفق مع السياق الإسلامي لعلاج الإنحرافات والمشكلات النفسية والسلوكية، التي قد يعيشها الفرد المسلم في المجتمع إلا أن المنطلقات والمحتويات والوسائل تختلف كثيراً أو قليلاً عما هو مطروح في الإرشاد الغربي – كما سنرى –.
والإرشاد النفسي بالتعريف السابق يشتمل على عناصر خمسة[48]:
1 – أنه عملية:
أي أنه ليس حديثاً عارضاً بل هو مفهوم يتصف بالاستمرارية وتحتاج هذه العملية إلى فترات من الزمن منتظمة حتى تتاح الفرصة للمرشد النفسي أن يلاحظ ما قد يطرأ من التغيرات في سلوك المسترشد.
2 – أنه عملية تعليمية:
فهو ليس نصيحة أو حلاً جاهزاً، وإنما هو مساعدة المسترشد على تعلم كيفية عوض مشكلته، وكيفية التعرف على جوانب شخصيته، وكيف يحل المشكلة على ضوء ذلك.
3 – أنه مساعدة:
وهذا من أهم عناصر الإرشاد النفسي بل إن بعض المتخصصين يصفون عملية الإرشاد بأنها: (المساعدة) أي أن عملية الإرشاد = المساعدة، واعتبروا هذا العنصر هو المفتاح الأساسي للعملية.
4 – أنه مبني على العلاقة الإنسانية:
فالصلة الأخوية والمشاركة الوجدانية بين المرشد النفسي والمسترشدين يتوقف عليهما نجاح العملية الإرشادية.
5 – المرشد النفسي يكون مهنياً متدرباً:(190/17)
فالمرشد ينبغي أن يتصف بالخبرة والخلفية الشاملة في علم النفس والتربية، ويفضل من عمل في مهنة التدريس أو العلاج النفسي أو من تدرب على الإرشاد، وأثبت جدارته كل وفق مجال عمله.
وجهة الإرشاد في المنهج الإسلامي:
أما عندما نتكلم عن المنطلقات والمحتويات والوسائل فإننا نجد أن المنهج الإسلامي قد طرح رؤية مستقلة عن النفس البشرية، وحاجاتها وطريقة إشباع تلك الحاجات، وأسس هذا الطرح في النقاط الثلاث التالية، والتي يجب أن يعيها المرشد المسلم ويتعامل على أساس منها:
1- الحاجات.
2- ضوابط إشباع الحاجات وكيفياته.
3- كيفية بناء الشخصية وترقيها (تشكل الشخصية).
الحاجات:
إن للإنسان حاجات جسمية ونفسية تجعله يحس بضرورة إشباعها، وسد مطالبها، وعندما يحول حائل بين الحاجة وبين الإشباع يقع الاضطراب النفسي أو الجسمي أو كلاهما، فالجوع يشير إلى الحاجة للطعام، والإرهاق يشير إلى الحاجة للنوم، والخوف إلى الحاجة إلى الأمان، والعثور بالوحدة إلى الحاجة للرفقة وهكذا، ومن يمنع شيئاً من هذه الحاجات يقع له الاضطراب فمنع النوم يؤدي إلى إنهيار الجسم، وفقد الأمن يؤدي إلى القلق والخوف، وفقد الرفقة يؤدي إلى إنهيار الجسم، وفقد الأمن يؤدي إلى القلق والخوف، وفقد الرفقة يؤدي إلى الإغتراب والوحشة، وتلك تمثل إضطرابات جسمية أو نفسية، وفي منهج الإسلام بيان لحاجات الإنسان النفسية وأهميتها، ومن أهم الحاجات التي أشار إليها القرآن أو السنة الحاجة إلى الأمن والطمأنينة.
قال تعالى: {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ}[49].
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((من أصبح منكم معافي في جسده، آمنا في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا))[50].(190/18)
والحاجة إلى الحب: أي حب الآخرين له حسب درجات علاقاتهم به.
قال تعالى:
{وَالَّذِينَ تَبَوَءُو الدَّارَ وَالإْيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ}[51].
وكان المهاجرون أحوج ما يكونون إلى هذه المحبة، فقد تركوا بلادهم وأموالهم وأهلهم، وأقبلوا على ديار جديدة، وبيئة غريبة، وقد ضمن لهم المنهج الإسلامي هذه المحبة، حيث أمد الأنصار رضي الله عنهم إخوانهم المهاجرين بما يحتاجون إليه من محبة وقبول وتأييد ومؤازرة.
وقال صلى الله عليه وسلم:
((والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابوا. أولا أدلكم على شئ إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم))[52].
والحاجة إلى الحرية إلى التقدير وإلى النجاح وإلى غير ذلك[53] من الحاجات التي يقصد الإسلام إلى إشباعها، ونظرة الإسلام إلى الحاجات أوسع وأدق مما ذكره علماء النفس سواء من حيث المنطلق أو من حيث الحاجة ذاتها أو من حيث طريقة إشباعها، فالإسلام ينظر إلى تكوين الإنسان على أنه يشتمل على الجسد والروح معاً:
{إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقُ بَشَراً مِّن طِينٍ، فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ}[54].
فالإنسان قبضة من طين الأرض تتمثل في حقيقة الجسد: العضلات والأعضاء والأحشاء والأكسجين والحديد والأيدروجين.. إلخ وهو نفخة من روح تتمثل في الجانب الروحي للإنسان: في الوعي والإدراك والعقل والإرادة والعاطفة وفي الخير والبر والإخاء.. إلخ وشواهد ثقلة الجسم كثيرة وهي تمثل اتجاهات في السلوك:
{خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ}[55].
{وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا}[56].
{إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ}[57].
وشواهد سمو الروح كثيرة وهي تمثل اتجاهات في السلوك أيضاً:(190/19)
{قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ البَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ، قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ}[58].
{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً}[59].
وعلى هذا الأساس الآنف الذكر قامت الحاجات منبعثة من هذا التكوين الفريد. فالحاجات إما أن تنطلق من الروح، أو من الجسد، أو منهما جميعاً ولا فصل بينهما فهو تكوين ممتزج مترابط، ولتميز هذا الأساس جدت حاجات لم ينتبه لها علماء النفس، واختلفت حاجات لإختلاف الأساس الذي بنيت عليه ونشير هنا إلى بعضها:
1 – الحاجة إلى الهداية التي تتمثل في التطلع والرغبة في التعرف الواعي على الخالق البارئ، والجدير بالذكر أن الشباب – بغير الإرشاد السليم – يتعرض للشك الفلسفي في قضايا الألوهية والوحي والبعث والنشور.. ولكنه حتى عندئذ يعاني قلقاً روحياً لا ذهنياً فحسب لأن الجانب الروحي في كيانه متفتح وفي حالة نشاط. وحين لا يجد الزاد الصحيح فإنه يضطرب ويختل، ويكون القلق هو العرض الدال على ذلك..[60].
وقد نص القرآن على هذا في السورة العظيمة سورة الفاتحة:
{اِهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ}.
إذ أن الحاجة إلى الهداية أمر مهم للإنسان ونعمة عظيمة من الرحمن.
{يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَىَّ إِسْلاَمَكُم بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقينَ}[61].
فالهداية إلى الإيمان نعمة كالطعام والشراب والهواء يمتن الله بها على من يشاء من عباده فتمتلئ بها جوانحه، ويطمئن قلبه، ويقابلها التيه والضياع الذي يشعر معه الفرد بالحاجة إلى من يهديه الطريق ويقوده إلى الجادة.(190/20)
2 – الحاجة إلى التوبة: حيث تتناسب مع طبيعة الإنسان المعرض للخطأ والإنحراف والقابل للندم والأسف والرجوع.
{وَتُوبُواْ إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَ المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[62].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون الله فيستغفرون فيغفر لهم))[63].
3 – الحاجة إلى ذكر من الغفلة والنسيان:
قال تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِىَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً}[64].
{وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً}[65].
{أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}[66].
والأذكار الشرعية المطلقة والمقيدة لتلبية الحاجة إلى الذكر كثيرة ليس هذا مقام سردها وهي تدل على الحاجة الماسة للذكر وعلى كونه ضرورة الإنسان المطبوع على الغفلة والمستهدف من قبل الشيطان وجنده.
4 – الحاجة إلى الإنتماء: وهي من الحاجات المذكورة في علم النفس، لكن الإسلام أسسها بطريقة مختلفة. فالإنسان يحتاج إلى الجماعة أو الحزب وينفر من العزلة والوحدة. وقد أسس الإسلام هذه الحاجة على مبادئ مرنة وواسعة يمكن أن تسع الناس جميعاً. {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[67].
فلم يجعل الإنتماء على أساس الأرض أو اللون أو الجنس، وإنما جعله على أساس العقيدة والفكر، وعلى أساس الوحدة النفسية والقلبية المبنية على وحدة الشعور والولاء والتوجه.
قال تعالى: {إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[68].
{وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً}[69].
إشباع الحاجات:(190/21)
أما طريقة إشباع الحاجات وكيفياته فقد بينه المنهج الإسلامي، وشرع لكل جانب من جوانب حياة الإنسان هدياً، وبدخول الإنسان في الإسلام يصبح مخاطباً بهذا الهدي الذي ينظم له كيفيات السلوك، والتعامل مع الجهات المختلفة للحياة، والذي يشرع له من الأحكام والآداب والنظم ما يتلاءم مع طبعه وجبلته وطاقته النفسية، إذ الشريعة الإسلامية شريعة الفطرة والتيسير، نزلت من عند الله الخالق البارئ فهي ((نوره الذي به أبصر المبصرون، وهداه الذي به اهتدى المهتدون، وشفاؤه التام الذي به دواء كل عليل، وطريقه المستقيم الذي من استقام عليه فقد استقام على سواء السبيل، فهي قرة العيون، وحياة القلوب ولذة الأرواح، فهي بها الحياة والغذاء والدواء والنور والشفاء والعصمة))[70].
ولبيان الإطار العام أو المحاور التي تنظم مطالب الإنسان وكيفيات الإشباع، نشير إلى مقاصد الشريعة الإسلامية والترتيبات الهرمية للمطالب داخل هذه المقاصد. فالشريعة جاءت لخدمة مقاصد رئيسية هي:
1 - حفظ الدين.
2 - حفظ النفس.
3 - حفظ العقل.
4 - حفظ النسل.
5 - حفظ المال.
وتتم خدمة هذه المقاصد حسب موقع المطلب الجرئي في التسلسل الهرمي التالي من الأهم إلى الأقل أهمية:
1 - الضروريات وهي: مصالح لا قيام لحياة الإنسان بدونها، وإذا فاتت حل الفساد واختل النظام الإنساني.
2 - الحاجيات وهي: مصالح يحتاج إليها الإنسان ليعيش بيسر وسهولة، وإذا فاتت يصيبه ضيق وحرج.
3 - التحسينات وهي: مصالح ترجع إلى محاسن العادات والأخذ بما يليق مما يقع موقع التحسين والتيسير.(190/22)
وحاجات الإنسان كلها سواء ما بيّنه المنهج الإسلامي أو ما بينته أبحاث علم النفس مما ينسجم مع المنهج الإسلامي تدخل في هذه المقاصد، فحفظ الدين يدخل فيه حاجة الإنسان إلى الدينونة والعبودية والهداية، وحاجته إلى الهوية المميّزة له. وحفظ النفس يدخل فيه رغبة الإنسان في الحياة وكراهية الموت والحاجة إلى الطعام والشراب والهواء وتجنب الألم والبرودة والحرارة. وفي حفظ العقل تدخل حاجة الإنسان إلى التفكير والاستطلاع والمعرفة، ورغبته في إكمال الناقص من الأشياء والميل للمنطقية والترتيب. وفي حفظ النسل تدخل الحاجة لإشباع الغريزة الجنسية، والحاجة للأمومة والأبوة والبنوة، والحاجة للحنان والمساندة والاحترام. وفي حفظ المال تدخل الحاجة للملكية الفردية، ويدخل فيه حب المال والجاه والسلطان وتحقيق الذات عن طريق العمل والدور أو الوظيفة.
ومن البدهى أن هذه المقاصد الخمسة لا ينفصل بعضها عن بعض انفصالاً تاماً، بل هي متداخلة يخدم بعضها بعضاً، ويكمل بعضها الآخر، وبعض الحاجات تعدّ مشتركة بين أكثر من مقصد من مقاصد الشريعة.(190/23)
ويمكن أن نمثّل للحاجات وكيفية ضبطها – من خلال مفهوم مقاصد الشريعة والتدرج في تحقيقها – بالحاجة إلى الطعام، فالطعام به يحفظ الإنسان نفسه، ويقيم جسمه، وهذا الحفظ تارة يكون ضرورياً وهو ما يقيم أصل الحياة ويدفع الموت عن الإنسان، ولهذا أباح الله الأكل من الميتة لسدّ الرمق، وتارة يكون حاجيا وهو ما يمدّ الجسم بحاجاته المهمة وعناصره المتكاملة، وتارة يكون تحسينياً يشمل كماليات الطعام كبعض التوابل والمقبلات والمرطبات.. إلخ، وبالتدرج نفسه يقع الحكم الشرعي من الوجوب إلى الندب إلى الإباحة، فطلب الطعام والسعي له والتزويد به يكون تارة فرضاً لازماً وهو ما يقيم الحياة ويدفع الموت، وتارة يكون واجباً أو مستحباً وهو ما يتناوله الإنسان عادة من العناصر والمكونات الغذائية التي يحتاج إليها الجسم لكماله سوائه وتارة يكون مباحاً وهو في حق كماليات الطعام.
ومثال آخر هو الحاجة إلى اللباس والتي أشار إليها القرآن عند قوله تعالى عن آدم عليه السلام:
{فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَى، فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ}[71].
وعند قوله تعالى:
{يَا بَنِي ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ ءَايَاتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ}[72].(190/24)
فالإنسان يحتاج إلى الستر واللباس بطبعه وفطرته، ولا يشعر بآدميته وكرامته وكماله إلا باقتناء اللباس واستعماله، لكن هذا الاقتناء تارة يكون ضرورياً وهو ستر ما لابد من ستره كالعورة، وتارة يكون حاجيا وهو اللباس العادي الذي لا يستغنى عنه غالب الناس، ولا يشعرون بالراحة واليسر إلا به، وتارة يكون تحسينياً وهو كماليات اللباس. وقد أشارت الآية الآنفة الذكر إلى هذه الدرجات قال تعالى:
{قَدْ أَنَزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً}.
وقد أورد بن كثير رحمه الله هذا في تفسيره مبيناً أن اللباس يكون لستر العورات، والرياش والريش ما يتجمل به ظاهراً، فالأول من الضروريات، والريش من التكملات والزيادات[73]. والحكم الشرعي يسير متدرجاً وفق هذه المستويات، فالنوع الأول هو أوجبها وألزمها، والثاني يقع بين الوجوب والندب، والثالث يغلب أن يكون مباحاً.
وهكذا لو تناولنا الحاجة إلى الولد أو (الأبوة والأمومة) وهي داخلة في مقصد حفظ النسل، فلولا وجود الشعور الفطري بالأبوة والأمومة، ووجود الميل الطبيعي للولد لما استقام أمر استمرار النسل وحفظه، ولتعرض الجنس للإنقراض. وهذا الحفظ درجات، فأحياناً يكون ضرورياً لازماً، ويدخل في هذا منع الإختصاء، ومنع اطراد العزوبة، ومنع استئصال الرحم، ومنع الإجهاض. وأحياناً يكون حاجياً مهماً كالنكاح بصورته الشرعية، وكالحاق الأبناء بالآباء، فإن ذلك يسهم إسهاماً جوهرياً في حفظ النسل. وأحياناً يكون تحسينياً كالإكثار من الأولاد، وتعدد الزوجات ونحو ذلك[74].(190/25)
وموضوع مقاصد الشريعة موضوع طويل، بحثه بعض العلماء[75] لبيان كيفية سلوك المسلم وتعامله مع الواقع والمستجدات في كل حين، وليس هنا موضع التفصيل فيه وإنما وجبت الإشارة إليه في سياق الحديث عن كيفية إشباع الحاجات والمطالب في المنهج النفسي الإسلامي، وهو باب مهم في موضوع ضبط السلوك وتربية الشخصية، وتحديد المقبول والمفروض من أنواع الإشباع.
ثم بعد الوضوح النظري لكيفية إشباع الحاجات تأتي الممارسة الفعلية والمواجهة العلمية حيث تبرز هذه المطالب والحاجات وهي أكثر ما تكون وأشد ما تكون إلحاحاً في فترة الفتوة والشباب، بسبب تميزها بالحيوية والجدة والقوة وفقد الحياة، فالحاجة إلى الطعام، والشراب، والنكاح، والنجاح، والتقدير، والذكر، والإستطلاع، والسكن النفسي، والهداية، والتوبة، والإنتماء وغير ذلك تكون واضحة مشتدة، في هذه المرحلة. وهنا تبرز أهمية مفاهيم المواجهة والممارسة للإشباع، حيث أن للمنهج النفسي الإسلامي مفاهيم معرفية نفسية ذات مصطلحات خاصة، تصف طبيعة العلاقة بين الحاجات المتعددة الملحة وأنواع وطرق إشباعها، ومن هذه المفاهيم:
1 - الابتلاء.
2 - الوسطية (الاعتدال في الإشباع).
3 - المجاهدة.
4 - الصبر.
وفيما يلي إشارة إلى إثنين منها:
1 – مفهوم الابتلاء: حيث أن الحياة إنما خلقت للإبتلاء والإختبار والنظر، في عمل هذا الإنسان وسلوكه أحسن هو أم سئ أمعروف أم منكر أسوي أم شاذ قال تعالى:
{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالحَيَاةِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}[76].
{إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ}[77].
{وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}[78].
وتتصف حياة الإنسان في هذا الوجود بالمعاناة والمشقة:
{لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ}[79].
{يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ}[80].(190/26)
وإذاً فالمعاناة والشدة في طبيعة الحياة ووجود الخيارات وأنواع المطلوبات يجعل الإنسان في حالة اختبار وإمتحان في مسالكه، واختياراته وهذا هو مفهوم الإبتلاء الذي يحرص المنهج النفسي الإسلامي على وضوحه عند المسلم وتحسيسه به.
2 – مفهوم المجاهدة: مادامت الحاجات والمطالب موجودة متأصلة في الإنسان ولابد من إشباعها، ولابد من كيفية معينة للإشباع وفق المنهج الإسلامي – كما مر – وما دام هذا الإشباع بهذه الكيفية المحددة نوع من الإبتلاء لهذا الإنسان للنظر أيستقيم في إشباع هذه الحاجات أم ينحرف، إذاً فلابد من عملية المجاهدة والمقاومة في سبيل الفوز على عناصر الشر ودواعي الفتنة، وذلك بإشباع حاجات النفس إشباعاً متكيفاً مع الضوابط والهيئات الشرعية المبنية على أصولها المستقلة في المنهج الإسلامي.
قال تعالى:
{وَالَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}[81].
ومن قول الرسول صلى الله عليه وسلم:
((حجبت النار بالشهوات وحجبت الجنة بالمكاره))[82].
وهكذا تستمر المجاهدة متمثلة في تعدد المطالب وتجددها، وفي قدرة الفرد وإرادته لضبط إشباعها حسب الكيفية المقصودة من الشارع، ومن خلال النصر والهزيمة في هذه المجاهدة والمقاومة يتم الترقي أو الهبوط في سلم الإيمان.
تشكل الشخصية:
عملية الإرشاد تعني بمعرفة كيفية تشكل الشخصية، وكيفية تعديل هذا التشكيل، وهذه المعرفة تساعد على تحديد الخلل في شخصية المسترشد وعلى العمل لعلاجها وفق التصور النفسي الإسلامي لبناء الشخصية.(190/27)
ويرتبط موضوع إشباع الحاجات إرتباطاً وثيقاً بتكوين الشخصية إذ أن حاجات الإنسان النابعة من كيانه وطريقة إشباعها يؤثران في بناء شخصيته، وقد ذكرنا إغفال علماء النفس لجوانب من حاجات الإنسان عندما تطرقنا لموضوع الحاجات، ومن أسباب هذا الإغفال إعراض علماء النفس عن الشق الآخر من كيان الإنسان وهو الجانب الروحي. ويرى محمد عثمان نجاتي أن هذا الاغفال ((أدى إلى قصور واضح في فهمهم للشخصية الإنسانية وفي معرفتهم للعوامل المحددة للشخصية السوية وغير السوية، كما أدى هذا إلى عدم اهتدائهم إلى تكوين مفهوم واضح دقيق للصحة النفسية))[83].
ونحن نرى أيضاً أن إغفال الجانب الروحي خصوصاً، وإغفال النظر إلى طبيعة حياة الإنسان وغاياته عموماً، أدى إلى عدم الاهتداء إلى الطريقة الشاملة والمناسبة لبناء الشخصية، وإلى ربط ذلك بمفاهيم بنائية داخلية وخارجية متناسبة مع هذه الطبيعة.
وفي رأي الباحث أن الشخصية تتشكل في المنهج الإسلامي من خلال ترقيها في درجات الإيمان – وفق المفهوم الشرعي للإيمان – ولربط ما سبق ذكره من إشباع الحاجات وكيفياته بتشكل الشخصية يمكن تصور ذلك في سلسلة من ثلاث حلقات كما في شكل (2).
إن الشخصية تنبني في البيئة الإسلامية وفق مفهومي الدين والإيمان[84] اللذين يقررهما القرآن والسنة والنبوية، وذلك بتدرجها في سلم الإيمان الذي يؤهلها لاكتساب صفات وسمات معينة حسب الدرجة التي تقع فيها. أما المبادئ التي ينبغي عليها هذا التصور فتتمثل في أربعة مبادئ لمفهوم الإيمان وآثاره وهي:
1 - أن العمل والسلوك مكون رئيسي للإيمان.
2 - أن الإيمان يزيد وينقص.
3 - أن المؤمنين يتفاوتون في الإيمان.
4 - أن للمؤمنين صفات وسمات.
وتمثل هذه المبادئ الأربعة تسلسلاً مرتباً أي أن الأول يؤدي إلى الثاني والثاني يؤدي إلى الثالث وهكذا، والشكل (3) يبين ذلك الترتيب.
المبدأ الأول:(190/28)
إن الأعمال والممارسات أو السلوك – في مصطلح علم النفس داخل في مسمى الإيمان إلى جانب الاعتقاد والشعور.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الإيمان بضع وستون شعبة – وفي رواية بضع وسبعون شعبة – أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان))[85].
فالإيمان له شعب متعددة وكل شعبة منه تسمى إيماناً فالصلاة من الإيمان والزكاة والصوم والحج كذلك، والأعمال الباطنة كالتوكل والإنابة إلى الله من الإيمان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى تنتهي هذه الشعب إلى إماطة الأذى عن الطريق[86].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان))[87]. وفي رواية ((ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل))[88]. وهذا يدل على قوة الإيمان وضعفه بحسب الأعمال كماً وكيفاً، وهو مبدأ مهم في مجال دراسة السلوك وتوجيهه وتنميته، ويترتب عليه تصور واسع وشامل لأنشطة الإنسان وجزئيات سلوكه، فصومه وصلاته وصدقه وبره وصلته وخلقه ومعاملته وزياراته وأعماله وتجارته وجميع أنواع سلوكه، الصغيرة والكبيرة، هي أجزاء في الإيمان سلباً أو إيجاباً سواء كانت أجزاء هذا السلوك فردية أم إجتماعية عبادية أو عادية فهي إنجاز وتحصيل للإيمان أو خسارة فيه حسب اتجاه السلوك، وموقعه من الكيفيات الشرعية المحددة للفرد المسلم.
قال بن عمر رضي الله عنه: (( لقد لبثنا برهة من دهر، وأحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن تنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فنتعلم حلالها وحرامها، وأمرها وزاجرها وما ينبغي أن يوقف عنده منها، كما يتعلم أحدكم السورة. ولقد رأيت رجالاً يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان يقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يعرف حلاله ولا حرامه، ولا أمره ولا زاجره، ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه وينثره نثر الدقل))[89].(190/29)
ويقول جندب بن عبدالله: ((كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن غلمان حزاوره فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيماناً))[90].
وبهذا يفهم للإيمان ندرك أنه محل للتحصيل والانجاز، إذ أن الأعمال والممارسات داخلة فيه، فالفرد في حالة تحصيل يومي للإيمان حسب أنواع سلوكه وهيئاته ومقداره.
المبدأ الثاني:
أن الإيمان يزيد وينقص وفق مقدار السلوك واتجاهه، وهذا يترتب على المفهوم السابق الذي يجعل السلوك والأعمال جزءاً من الإيمان، فالإيمان المشتمل على السلوك يزيد وينمو بالطاعة وينقص وينحسر بالمعصية.
قال تعالى:
{إِنِّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً}[91].
وقال تعالى:
{وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}[92].
وهذه الزيادة في الإيمان المذكورة في الآيات ليست مجرد التصديق بأن الله أنزلها بل زادتهم إيماناً بحسب مقتضى الآية وما يترتب عليها من أمر أو نهي أو تشريع[93].
ويتبين من هذا أن الإيمان موضوع تحصيلي يشبه المادة التي تعد أو توزن والتي يحدث لها الزيادة كما يحدث لها النقصان بحسب السلوك المكتسب، وأن للإيمان أثراً تراكمياً وفقاً للتحصيل العلمي والعملي الذي قد يصل إلى مستوى عالٍ من الكم والكيف حتى يكون الإيمان أمثال الجبال.
قال مالك بن دينار: ((الإيمان يبدو في القلب ضعيفاً ضئيلاً كالبقلة فإن صاحبه تعاهده فسقاه بالعلوم النافعة والأعمال الصالحة وإماط عنه الدغل وما يضعفه ويوهنه، أوشك أن ينمو ويزداد، ويصير أمثال الجبال..))[94].
وقيل لبعض السلف: ((يزداد الإيمان وينقص؟ ((قال: نعم يزداد حتى يصير أمثال الجبال. وينقص حتى يصير أمثال الهباء))[95].(190/30)
ونخلص من هذا إلى أن دخول الأعمال في الإيمان يؤدي به إلى الزيادة أو النقصان عبر البرنامج اليومي لسلوك الفرد، وأن هذا المبدأ ذو قيمة نفسية داخلية وذو قيمة سلوكية خارجية، لأن الأعمال غذاء يكوّن الإيمان والإيمان الداخلي المتعمق في النفس دافع لمزيد من السلوك والعمل.
المبدأ الثالث:
أن الناس يتفاوتون في الإسلام والإيمان على مراتب، وهذا مبني على درجات إيمانهم المشتمل على السلوك. ولذلك فإن الناس طبقات ودرجات في مستوى الإيمان يبدأ من وجود أصل الإيمان والذي يعد في أدنى المستويات وينتهي إلى الطبقات العليا السابقة إلى الخيرات.
قال تعالى:
{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقُ بِالْخَيْرَاتِ}[96].
فالظالم لنفسه هو المسلم ظاهراً وباطناً[97]. ولابد أن يكون معه إيمان، ولكن لم يأت بالواجب، والمقتصد الذي أدى الواجب وترك المحرم، والسابق بالخيرات هو المحسن الذي عبد الله كأنه يراه وهو يقع في الدرجات العالية من الإيمان.
ثم إن هذا الترتيب ينبني عليه إختلاف الدرجات في الجزاء الأخروي:
قال تعالى:
{فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ المُقَرَّبِينَ، فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ، وَأَمَّا إِن كَاَن مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ}[98].
المبدأ الرابع:
أن لشخصيات المؤمنين سمات وصفات تتفاوت حسب درجاتهم في الإسلام والإيمان وقد سبقت الإشارة إلى بعض أقسام المؤمنين التي وردت في القرآن تحت أنماط معينة كالشخصية الظالمة لنفسها والمقتصدة والسابقة بالخيرات.
قال تعالى:
{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقُ بِالخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ}.(190/31)
فالنمط الظالم لنفسه هو المفرط في فعل بعض الواجبات المرتكب لبعض المحرمات، والنمط المقتصد هو الذي اقتصر على التزام الواجبات واجتناب المحرمات فلم يزد على ذلك ولم ينقص منه، وهؤلاء هم الأبرار وأصحاب اليمين[99]. والنمط السابق بالخيرات هو الذي يتقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض، ويترك ما لا بأس به خوفاً مما به بأس، سمته دوام التقرب إلى الله والمزيد من الطاعات[100] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى قال: ((من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب. وما تقرب إلى عبدي بشئ أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصره به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطيته، ولئن استعاذني لأعيذنّه، وما ترددت عن سئ أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته))[101].
وإذا كان هذا تفاوت ما بين المؤمنين أتباع الرسل فكيف تفاوت ما بينهم وبين الرسل وقد ذكر الله تبارك وتعالى أن الرسل متفاضلون:
{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ}[102].
وأفضل الرسل أولو العزم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام، لما لهم من صفات تميزوا بها. فالناس متفاوتون في الدين بتفاوت الإيمان فأفضلهم وأعلاهم أولو العزم من الرسل، وأدناهم المخلطون من أهل التوحيد وبين ذلك درجات لا يحيط بها إلا الله عزّ وجل[103].(190/32)
ومن الواضح في تعريف هذه الأنماط أو الطبقات الناحية الإجرائية العملية، فهي ليست تعريفات نظرية أو عامة، وإنما تصف هيئة السلوك وفقه متطلبات الهدي الإسلامي، فالمقتصد مثلاً – هو الذي اقتصر على التزام الواجبات وإجتناب المحرمات، فالتعريف محدد وواضح، ورغم وجود هذه التعريفات لبعض الأنماط إلا أن هذا المبدأ هو أحوج المبادئ إلى الاستقصاء للوصول إلى أنواع أوصاف المؤمنين، وطبقاتهم من القرآن الكريم ومن السنة وشروحاتها ومن أقوال سلف الأمة وعلمائها، ليتسنى تحديد هذه الأنماط أو بعضها كي تكون أهدافاً عملية لبناء الشخصية المسلمة، وليتسنى اقتراح البرامج والسبل لتحقيق هذه الأهداف وفق التسلسل والكيفيات المذكورة في المصادر الإسلامية، ووفق ما يقترحه النفسيون أو التربويون فيما هو محل للاجتهاد.
وهكذا يتبين – مما سبق – أن المنهج النفسي الإسلامي ينطلق في نظرته للإرشاد والعلاج من نظرة شاملة ومتكاملة للإنسان، الذي هو محل الإرشاد فحاجات الإنسان النابعة من كيانه وطبيعته الحلقة الأولى في التعرف على الحالة أو المشكلة، وقد فصل المنهج الإسلامي هذه الحاجات سواء كانت متفقة مع طرح النفسيين أم مختلفة أو جديدة، وهيئة الإشباع وضوابطه هي الحلقة الثانية وهي ذات أثر فعال في بناء عادات الإنسان ومسالكه في سوائه وانحرافه – وقد وضع الإسلام منهجاً واضحاً ومحدداً لضوابط الإشباع وكيفياته، ولم يغفل المنهج الإسلامي تكوين الشخصية ومحدداتها، وكيفيات بنائها وأنماطها، لأنها الكيان المتكامل للفرد، والذي تظهر عليه هيئات السواء أو الإنحراف، وتكمن فيه أسباب الصحة والمرض، وتلك الحلقة المهيمنة والمكمّلة للعملية الإرشادية والعلاجية.
وبمقارنة مختصرة بين مدارس علم النفس المختلفة وبينها وبين المدرسة النفسية الإسلامية نجد الفروقات الجوهرية والشكلية.(190/33)
فعند دراسة آراء المدارس النفسية المختلفة وأسسها الإرشادية نجد اختلافاً كبيراً فيما بينها حول النظرة إلى طبيعة الإنسان، ومحددات شخصيته بين مفهوم يجعل البيئة الخارجية تحدد الإنسان وتشكَّله، ومفهوم يجعل الحاجات والغرائز الداخلية هي التي تحدده وتشكِّله، وبين مفهوم يجعل الإنسان كائناً قادراً على الإختيار وحراً في التصرف والتأثر، ومفهوم يجعل الإنسان – في أساسه – آلة تدار عبر الحوافز والمعززات المختلفة من ثواب وعقاب.
وقد تتفق وجهات نظر الكثيرين منهم على إمكانية التغيير في الإنسان لكن بدرجات متفاوتة[104].
وهذا الإختلاف في أسس النظريات هو أهم أسباب الاختلاف والتناقض في أهداف الإرشاد وعملياته وطرقه بين المدارس المختلفة، فإذا نظرنا إلى أهداف الإرشاد عند هذه المدارس وجدنا إختلافاً واسعاً، فبعض المدارس يهدف إلى إعادة بناء شخصية المسترشد، وبعضها كالمدرسة السلوكية (Skinner ) وغيره يهدف إلى التركيز على إزالة المعاناة والألم بمعرفة العرض ومعالجته، وبعضها وخاصة الذين يركزون على الفرد مثل روجرز (Rogers ) أو على الإنسان مثل ماسلوا (Maslow ) يهدف إلى تنمية معنى الحياة عند الفرد وتوفير الخدمات لنموه إلى أقصى حد أو تنمية أشخاص يحققون ذواتهم.
ورغم محاولات بعض علماء النفس[105]. التوفيق بين هذه الأهداف المختلفة والذهاب إلى أن هذه المدارس – وإن اختلفت – تمثل مراحل إرشادية أو علاجية، كل مدرسة منها تركز في أهدافها على مرحلة من هذه المراحل، أي أن هناك مدارس تركز على الأهداف المباشرة وأخرى على الأهداف الوسيطة وثالثة على الأهداف النهائية.(190/34)
رغم هذه المحاولات إلا أن الفروق قائمة، إذ أن آراء المرشدين المنتمين لهذه المدارس مختلفة المنطلقات والتفسيرات للإنحراف أو المرض النفسي الذي يعاني منه المسترشد، فالعلة في المعاناة النفسية عند سكنر (Skinner ) شكلية سلوكية، يتم السيطرة عليها عن طريق التحكم في المتغيرات البيئية بإستخدام جداول التدعيم وبرامج تشكيل السلوك[106]. والعلة عند فرويد تكمن في أعماق الإنسان وفي تاريخه الماضي، وقد يتم السيطرة عليها عبر التحليل النفسي والوصول إلى الأسباب اللاشعورية للمشكلة[107]. والعلة عند ماسلو (Maslow ) تكمن في بنيان الشخصية ومدى تكاملها وتحقيقها لذاتها ومطالبها المختلفة، وتتم السيطرة عليها بإشباع حاجات الإنسان وفق التدريج المقترح في النظرية الإنسانية[108]. وهكذا فالإختلاف في النظرة إلى الإنسان ثم الإختلاف في تفسير الظاهرة المرضية يؤديان للإختلاف في أهداف العلاج وأشكاله.
والمنهج النفسي الإسلامي – كما أشرنا – يختلف في نظرته لطبيعة الإنسان، وفي نظرته لما ينتاب هذه الطبيعة من أعراض انحرافية ومرضية عن المناهج الأخرى، ويختلف أيضاً في تفسيراته ومعالجته لأزمات ومشكلات الفرد النفسية.
فالاهتمام يبدأ في النظر إلى الإنسان وطبيعة تكوينه ثم إلى الأسس والمقومات التي بنيت عليها شخصية الفرد، ثم إلى حالة التفاوت والافتراق التي وقعت بين الصورة النموذجية للشخصية، والصورة المرضية القائمة ثم إلى كيفية إعادة تشكيل الشخصية لتستقر على أحسن وضع ممكن وفق المعايير والإجراءات الشرعية.
((ملخص البحث))
الإسلام منهج شامل للحياة ييسر للناس السعادة والسواء والصحة النفسية، ويرشد إلى الطريق الأمثل لتحقيق الذات، ونمو الشخصية، وترقيها في مدارج الكمال الإنساني، وهو – أيضاً – يخبر طبيعة النفس البشرية، ويعالج مشكلاتها، ويستنقذها من مواطن التيه والضعف والإنحراف، قال تعالى:(190/35)
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ}.
ويهدف هذا البحث إلى معالجة الإجابة على سواء يتعلق بالإرشاد النفسي هو: كيف تتم عملية إرشاد الفرد في ظلّ المنهج الإسلامي؟.
وقد تم عرض نموذج للمراحل التي تشتمل عليها العملية الإرشادية في ضوء المنهج الإسلامي – كما يراها الباحث – في تسلسل منطقي متلاحق ومترابط، يبدأ بمرحلة ما قبل الإرشاد وتشتمل على عملين إجرائيين هما: وضع الأهداف، ومعرفة المسترشد، ويثني بمرحلة التهيئة، وتشتمل على عملين – أيضاً – هما إزالة العوائق المعرقلة للإرشاد، وإيجاد الدواعي، ويثلث بمرحلة الإرشاد، وتشتمل على مرتكزاته، وكيفياته، وطرقه، والمرحلة الرابعة هي: ما بعد الإرشاد، وتعني بتقويم الإرشاد، والقيام بتعديل الأساليب والطرق عند الحاجة. والجزء الأكبر من هذا البحث يعالج المرحلة الثالثة (الإرشاد) إذا أنه جوهر البحث ومقصده. ولكي يأخذ البحث منحى عملياً فقد ربط النموذج بمرحلة معينة من مراحل النمو – وهي مرحلة المراهقة والشباب – ليتم التمثيل والتوضيح من خلالها، كما زوّد البحث بالأشكال المساعدة على تصوّر التسلسل المنطقي لبعض المبادئ المطروحة في البحث.(190/36)
بدأ البحث ببيان الواجبات قبل الإرشاد ومن أهمها: و ضع الأهداف العامة للإرشاد في مرحلة ما – كمرحلة الشباب – ووضع الأهداف الخاصة لحالة أو فرد بعينه، وقد بيّن الباحث بعض هذه الأهداف، ثم انتقل إلى عملية التعرف على المسترشد وعناصرها، مستخدماً نوعاً من المسترشدين – للتمثيل – هم الشباب، فتطرق إلى أهمية معرفة المرشد لحدود فترة الشباب، ومعرفة التاريخ الشبابي الإسلامي المعروض في قصص القرآن، وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وسيرة الصحابة والسلف وغيرهم، وإدراك طبيعة مرحلة الشباب واستعدادهم، ومن ذلك هشاشة البناء الفكري، ورقة العاطفة، والإستعداد للاضطرابات الشخصية، وتطرق – أيضاً – إلى أهمية العلم بالإستعداد المعرفي للإسترشاد، ومعرفة موقف الشباب من الكبار، ومدى إقبال المسترشد على المرشد وإنصرافه عنه، والعنصر الأخير في التعرف على المسترشد هو معرفة مطالب النمو لدى الشباب وحاجاتهم النفسية، سواء كانت مطالب عامة لكل الشباب، أم مطالب خاصة بالشباب المسلم.
أما مرحلة التهيئة – المتعلقة بإيجاد الدواعي وإزالة العواطف – فموضوعاتها تدور في ثلاثة محاور: الأول في صفات المرشد، وقد تناول أهم الصفات – من وجهة نظر الباحث – التي تهئ لجدوى الإرشاد وقبوله وهي: الصدق والإخلاص، والقدوة، والعلم، وتوفر القدرات والوسائل. والثاني في مصادر التلقي عند المسترشد، ومن أهم المصادر الميسّرة للإرشاد أو المعيقة له الأسرة، والإعلام، وقد بين البحث أثر هذين المصدرين على المسترشد سلباً أو إيجاباً في مرحلة التهيئة للإرشاد. والثالث في الاستعداد النفسي للإسترشاد، ويمثل نهاية عملية التهيئة، وبداية عملية الإرشاد، حيث يعمل المرشد على جلب إنتباه المسترشد إلى أهمية الإرشاد، وإيجاد الرغبة في الإستقبال والسماع.
وفي مرحلة الإرشاد – وهي جوهر العملية الإرشادية – ثم تناول وجهة الإرشاد في المنهج الإسلامي من خلال ثلاثة عناصر، هي:
1 - الحاجات.(190/37)
2 - ضوابط إشباع الحاجات.
3 - كيفية تشكّل الشخصية.
وتمثل هذه العناصر مساقاً متصلاً يكمن السواء والإنحراف النفسيين فيه أو في أحد عناصره، ومن ثم يتم بناء الشخصية بناء سوياً أو منحرفاً. والحالات المسترشدة التي تعاني من الاضطراب النفسي لابد أن تدرس في ضوء هذا المساق.
فأما الحاجات فقد تناولها المنهج الإسلامي تناولاً يتفق – أحياناً – مع وجهة النظر النفسية الحديثة، ويختلف – أحياناً – أخرى، وذلك للإختلاف في تفسير طبيعة النفس البشرية، وقد عرض البحث أنواعاً من الحاجات مثل الحاجة إلى الأمن، وإلى المحبة، وإلى الإنتماء، ومثل الحاجة إلى الهداية، وإلى الذكر، وإلى التوبة.
ثم يأتي بعد ذلك موضوع إشباع الحاجات الذي يخضع لنظام دقيق – في الإسلام – من حيث الكم والكيف والطريقة، ويسير وفق الهدي الإسلامي المبني على تصوّر شامل عن فطرة الإنسان وخصاله.
وقد بين البحث الأطر والمسارات التي تحكم وتوجه عملية الإشباع، وتتمثل هذه المسارات في مقاصد الشريعة الخمسة وهي:
1 - حفظ العقل.
2 - حفظ النفس.
3 - حفظ العقل.
4 - حفظ النسل.
5 - حفظ المال.
وفي الترتيبات الهرمية داخل هذه المقاصد وهي:
1 - حفظ الدين.
2 - حفظ النفس.
3 - حفظ العقل.
4 - حفظ النسل.
5 - حفظ المال.
وفي الترتيبات الهرمية داخل هذه المقاصد وهي:
1 - الضروريات.
2 - الحاجيات.
3 - التحسينات.
ففي كل مقصد تشبع الحاجة في مستويات ثلاثة، تبدأ من الأهم إلى الأقل أهمية، فأحياناً تكون ضرورية، وأحياناً تكون حاجية، وأحياناً تكون تحسينية، وقد شرح الباحث ذلك ومثل له بثلاثة أمثلة وهي:
1 - الحاجة للطعام.
2 - والحاجة للباس.
3 - والحاجة للولد.
ثم بعد إيضاح كيفيات الإشباع ومساراته في المنهج الإسلامي، بين الباحث بعض مفاهيم المواجهة والتطبيق التي يحرص المنهج الإسلامي النفسي على تأسيسها في نفسية الممارس وهو يقوم بإشباع حاجاته ومطالبه، ومنها:
1 - مفهوم الابتلاء.(190/38)
2 - ومفهوم الوسطية.
3 - ومفهوم المجاهدة.
4 - ومفهوم الصبر، وتم إيضاح إثنين من هذه المفاهيم.
أما تشكل الشخصية – وهو العنصر الثالث في مرحلة الإرشاد – فيخضع هو – أيضاً – لنظام محدد في المنهج الإسلامي، وقد رأى الباحث أن تكوين الشخصية في البيئة الإسلامية يتم وفق التسلسل الذي يتضمنه مفهوم الإيمان، كما يقرره القرآن والسنة، وأن الشخصية تتشكل من خلال ترقبها في سلم الإيمان الذي يؤهلها لإكتساب صفات وسمات معينة حسب الدرجة التي تقع فيها. أما المبادئ التي تحكم هذا التسلسل فهي أربعة – يترتب بعضها على بعض – أولها:
أن السلوك مكوّن رئيس للإيمان، أي أن الإيمان محل للتحصيل والانجاز عن طريق الأعمال والممارسات اليومية للفرد، ويكون مستوى التحصيل بحسب الإنسجام مع كيفية إشباع الحاجات في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية ودرجاتها المذكورة سابقاً. وثانيها:
أن الإيمان يزيد وينقص وفق مقدار السلوك وكيفية، يزيد بالطاعة وينحسر بالمعصية، وعليه فإن للإيمان أثراً تراكمياً وفقاً للتحصيل العملي الذي قد يصل إلى مستوى عال في الكم والكيف، حتى يكون أمثال الحبال. وثالثها:
أن المؤمنين يتفاوتون في الإيمان، ولذلك فإن الناس طبقات ودرجات في مستوى الإيمان يبدأ من وجود أصل الإيمان الذي يعدّ أدنى المستويات، وينتهي إلى الطبقات العليا السابقة بالخيرات. ورابعها:
أن لشخصيات المؤمنين سمات تتفاوت بحسب درجاتهم في مقدار الإيمان، وأن هناك – بناء على ذلك – أنماطاً للشخصية بحسب مستوياتها الإيمانية، كالشخصية الظالمة لنفسها، والشخصية المقتصدة، والشخصية السابقة. وبهذا يتضح أن في المنهج الإسلامي بيان لمحددات الشخصية وأنماطها، وكيفية بناءها بناء متكاملاً، ويتضح أيضاً أن الاختلال في بناء الشخصية وفي توسيمها، وما يظهر عليها من شذوذ أو اضطراب يكمن في اختلال طريقة البناء، وفي فقد أو اختلال المعايير والسمات التي تحاكم إليها الشخصية، أو تبني عليها.(190/39)
وقد عرض البحث – أخيراً – مقارنة مختصرة بين المدرسة النفسية الإسلامية وبين مدارس علم النفس في النظرة إلى طبيعة الإنسان، وإلى أسس بناء شخصيته، وفي نظرتها للإرشاد.
مراجع البحث
1 - توق (محيى الدين) وعدس (عبدالرحمن): أساسيات علم النفس التربوي، نيويورك: جون وايلي وأولاده، 1984م.
2 - ابن تيمية (أحمد) (شيخ الإسلام): الإيمان، بيروت: المكتب الإسلامي، 1392هـ.
3 - جلال (سعد): المرجع في علم النفس، القاهرة: دار الفكر العربي، 1985م.
4 - ابن الجوزي (عبدالرحمن بن علي): مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية، 1402هـ – 1982م.
5 - الحكمي (حافظ بن أحمد): معارج القبول، المطبعة السلفية، 1392هـ/ 1404هـ.
6 - الحنفي (علي بن أبي العز): شرح العقيدة الطحاوية، بيروت: المكتب الإسلامي، 1978م.
7 - زهران (حامد عبدالسلام): الصحة النفسية والعلاج النفسي، القاهرة عالم الكتب، 1978م.
8 - السباعي (مصطفى): السيرة النبوية، دار الكتب العربية، الطبعة الأولى، 1392هـ – 1972م.
9 - السفاريني (محمد بن أحمد): لوامع الأنوار البهية، دمشق: مؤسسة الخافقين، 1402هـ.
10 - السمالوطي (نبيل محمد): الإسلام وقضايا علم النفس، جدة: دار الشروق، 1400هـ.
11 - سويف (مصطفى): الأسس النفسية للتكامل الاجتماعين القاهرة: دار المعارف، 1981م.
12 - الشاطبي (أبو إسحاق إبراهيم): الموافقات بيروت: دار المعرفة.
13 - الشيباني (عمر محمد التومي): الأسس النفسية والتربوية لرعاية الشباب، بيروت: دار الثقافة، 1973م.
14 - صالح (محمد عزمي): إرشاد طلاب الجامعات (بحث) الرياض: مقدم إلى حلقة التوجيه والإرشاد النفسي من 25/6 إلى 4/7/1405هـ، قسم علم النفس، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.(190/40)
15 - طاش (عبدالقادر): أثر وسائل الإعلام في توجيه الشباب (بحث)، الرياض: مقدم إلى حلقة التوجيه والإرشاد النفسي من 25/6 إلى 4/7/1405هـ، قسم علم النفس، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
16 - العسقلاني (ابن حجر): فتح الباري، القاهرة: دار الريان للتراث، 1407هـ.
17 - علوان (عبدالله): تربية الأولاد في الإسلام، بيروت: دار السلام، 1398هـ.
18 - عمر (محمد ماهر): المرشد النفسي المدرسي، القاهرة: دار النهضة العربية، 1984م.
19 - القاضي (يوسف) وبالجن (مقداد): علم النفس التربوي في الإسلام، الرياض: دار المريخ، 1401هـ.
20 - قطب (سيد): في ظلال القرآن، بيروت: دار إحياء التراث العربي 1386هـ.
21 - قطب (محمد): منهج التربية الإسلامية (الجزء الثاني)، بيروت: دار الشروق، 1400هـ.
22 - ابن القيم: أعلام الموقعين، بيروت: دار الجبل.
23 - ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، بيروت: دار الأندلس، 1385هـ.
24 - ابن ماجه: سنن ابن ماجه، تحقيق محمد مصطفى الأعظمي، الرياض: شركة الطباعة العربية السعودية، 1404هـ – 1984م.
25 - المباركفوري: تحفة الأحوذي، القاهرة: مكتبة ابن تيمية، 1407هـ.
26 - مرسى (سيد عبدالحميد): الشخصية السوية، القاهرة: مكتبة وهبة، 1406هـ.
27 - ابن منده (محمد بن اسحاق): كتاب الإيمان، بيروت: مؤسسة الرسالة، 1406هـ.
28 - نجاتي (محمد عثمان): الحديث النبوي وعلم النفس، بيروت: دار الشروق، 1409هـ – 1989م.
29 - نشواتي (عبدالمجيد): علم النفس التربوي، عمان: دار الفرقان، 1404هـ.
30 - النووي: صحيح مسلم بشرح النووي، المطبعة المصرية ومكتبتها، 1349هـ.
ــــــــــــــــــــ
[1] انظر حامد عبدالسلام زهران: الصحة النفسية والعلاج النفسي، ص291، 292، وأنظر عمر التومي الشيباني: الأسس النفسية والتربوية لرعاية الشباب، ص524.
[2] سيد عبدالحميد مرسي: الشخصية السوية، ص179.(190/41)
[3] محمد عزمي صالح: إرشاد طلاب الجامعات، الرياض: بحث مقدم إلى حلقة التوجيه والإرشاد النفسي من 25/6–4/7/1405هـ قسم علم النفس جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ص5.
[4] يونس: 57.
[5] الجمعة: 2.
[6] المائدة: 31.
[7] الزمر: 29.
[8] الحج: 2,1.
[9] يوسف القاضي، مقداد بالجن: علم النفس التربوي في الإسلام، ص114، 115، وأنظر بن حجر: فتح الباري: 5/327.
[10] أخرجه أبو داود، سنن أبي داود: 4/561 وأخرجه الترمذي وابن ماجة وأحمد أيضاً. وأنظر أيضاً ابن كثير، تفسير القرآن العظيم: 2/204 عند تفسير قوله تعالى: "وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح".
[11] الأحقاف: 15.
[12] أنظر يوسف القاضي، مقداد بالجن: علم النفس التربوي في الإسلام، ص133.
[13] النساء: 6.
[14] سعد جلال: المرجع في علم النفس، ص373، 374.
[15] عمر محمد النومي الشيباني: الأسس النفسية والتربوية لرعاية الشباب، ص39.
[16] المرجع السابق: ص38.
[17] أخرجه البخاري ومسلم.
[18] مصطفى السباعي: السيرة النبوية، ص82، 83.
[19] وأنظر عبدالله علوان: تربية الأولاد في الإسلام، ص1083، 1084، وأنظر أيضاً الصفحات 303 – 308 وكذلك 568، 569.
[20] أنظر الحديث عن هذا في مفاهيم المواجهة الإسلامية عند الكلام عن إشباع الحاجات، ص27.
[21] أخرجه البخاري، أنظر ابن حجر، فتح الباري: 2/168.
[22] يوسف: 32، 33.
[23] أنظر مصطفى سويف: الأسس النفسية للتكامل الاجتماعي، 233 – 234.
[24] أنظر المرجع السابق، ص234.
[25] انظر المرجع السابق، ص233.
[26] Noghaimshi, A. Students' Perception of Teachers and Student- Teacher personal Intersction, P. 1448.
[27] Curtis, R.L. ''Adolescent Orientations Toward Parents and Peers'', Adolescence, 10 (40): 481-494.
[28] انظر عمر الشيباني: الأساسي النفسية والتربوية لرعاية الشباب، ص127 – 130.
[29] الإسراء: 15.
[30] الروم: 21.
[31] الشورى: 25.(190/42)
[32] الكهف: 110.
[33] الصف: 2، 3.
[34] البقرة: 44.
[35] عبدالرحمن بن الجوزي: مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، ص240.
[36] أنظر عبدالمجيد نشواتي: علم النفس التربوي، ص354 – 359.
[37] الزمر: 9.
[38] انظر عمر الشيباني: الأسس النفسية والتربوية لرعاية الشباب ص149 – 151.
[39] عبدالقادر طاش: أثر وسائل الإعلام ودورنا في توجيه الشباب، الرياض، بحث مقدم إلى حلقة التوجيه والإرشاد النفسي من 15/6 – 4/7/1405هـ قسم علم النفس، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ص7، 8.
[40] المطففين: 13، 14.
[41] سيد قطب: في ظلال القرآن: 8/505.
[42] عبدالرحمن عيسوي: الآثار النفسية والاجتماعية للتليفزيون العربي، ص147.
[43] توق وعدس: أساسيات علم النفس التربوي، ص48.
[44] ق: 37.
[45] فصلت: 4، 5.
[46] محمد ماهر عمر: المرشد النفسي المدرسي، ص40.
[47] أنظر مثلاً حامد عبدالسلام زهران: الصحة النفسية والعلاج النفسي، ص291، 292.
[48] أنظر ماهر عمر: المرشد النفسي المدرسي، ص48 – 42.
[49] النحل: 112.
[50] أخرجه ابن ماجة، أنظر سنن ابن ماجة: 2/415، رقم الحديث 4193، وأخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب، أنظر الباركفوري: تحفة الأحوذي، 7/11، 12. قوله حيزت: حمعت.
[51] الحشر: 9.
[52] أخرجه مسلم. أنظر مسلم بشرح النووي: 2/35.
[53] أنظر مثلاً نبيل السمالوطي: الإسلام وقضايا علم النفس، ص189 – 113.
[54] سورة ص: 71، 72.
[55] سورة الأنبياء: 37.
[56] سورة الفجر: 20.
[57] سورة يوسف: 53.
[58] الأنعام: 63، 64.
[59] الإنسان: 8.
[60] أنظر محمد قطب: منهج التربية الإسلامية، الجزء الثاني، ص269.
[61] الحجرات: 17.
[62] النور: 31.
[63] أخرجه مسلم، أنظر مسلم بشرح النووي: 17/65.
[64] طه: 15.
[65] الكهف: 24.
[66] الرعد: 28.
[67] الأنبياء: 107.
[68] الحجرات: 10.
[69] آل عمران: 103.
[70] ابن القيم، أعلام الموقعين: 3/3.
[71] سورة طه: 120، 121.(190/43)
[72] سورة الأعراف: 26.
[73] انظر ابن كثير، تفسير القرآن العظيم: 3/155.
[74] بعض هذه الأمثلة اقتبسناها من كتاب: مقاصد الشريعة الإسلامية للشيخ محمد الطاهر بن عاشور، الصفحات 78 – 83.
[75] انظر – مثلاً – الشاطبي، الموافقات: 2/8.
[76] الملك: 2.
[77] الإنسان: 2.
[78] الأنبياء: 35.
[79] البلد: 4.
[80] الاشتقاق: 6.
[81] العنكبوت: 69.
[82] أخرجه البخاري، أنظر ابن حجر: فتح الباري 11/327، وأخرجه مسلم أيضاً.
[83] محمد عثمان نجاتي: الحديث النبوي وعلم النفس، ص276، 277.
[84] أنظر في مفهومي الدين والإيمان، محمد بن أحمد السفاريني، لوامع الأنوار البهية: 1/428، 429.
[85] أخرجه مسلم أنظر مسلم بشرح النووي: 2/3.
[86] انظر علي بن أبي العز الحنفي. شرح العقيدة الطحاوية، ص382.
[87] أخرجه مسلم أنظر مسلم بشرح النووي: 2/25.
[88] لمسلم أيضاً أنظر مسلم بشرح النووي، 2/27.
[89] محمد ابن اسحاق بن منده/ كتاب الإيمان، ص369، 370. قوله (نشر الدقل) وهو ردئ التمر ويابسه.
[90] المرجع السابق، ص370.
[91] الأنفال: 2.
[92] التوبة: 124.
[93] أنظر ابن تيمية: الإيمان، ص315، 216.
[94] المرجع السابق: ص213.
[95] المرجع السابق: ص213.
[96] فاطر: 32.
[97] ذكرنا ظاهراً وباطناً احترازاً من المناطق لأنه لا يدخل في هذه الأصناف أنظر المرجع السابق، ص351.
[98] الواقعة: 88 – 91.
[99] كما ورد في سورة الواقعة وسورة المطففين.
[100] أنظر المرجع السابق، ص351، وأنظر محمد بن أحمد السفاريني لوامع الأنوار البهية، 1/403.
[101] أخرجه البخاري، أنظر ابن حجر، فتح الباري: 11/348، 349.
[102] سورة البقرة: 253.
[103] أنظر حافظ بن أحمد الحكمي: معارج القبول: 2/280 – 286.
[104] Patterson, C. H. Theories of Counsling and Psychotherapy, P, 523-525.
[105] أنظر المرجع السابق، (الفصل الأخير).(190/44)
[106] أنظر سارونوف أ. مدنيك وآخرون: التعلم، ترجمة محمد عماد الدين اسماعيل، ص73، 74.
[107] أنظر جوليان روتر: علم النفس الاكلنيكي، ترجمة عطية محمود هنا، ص141 – 143.
[108] Monite, C. Beneath the Mask, P 560? 562.(190/45)
العنوان: الإرهاب والكباب
رقم المقالة: 1965
صاحب المقالة: محمود توفيق حسين
-----------------------------------------
(الإرهاب والكباب) اسم لفيلم مصري للممثل (عادل أمام).. لكنه يعني بالنسبة لي الكثيرَ.. أنا أتعذب الآن وأنا أكتب هذا الموضوع.. صداع رهيب يدمر رأسي.... لماذا؟
ليس لأنني معَ أو ضدَّ الإرهاب، ولكن لسبب شخصي يحرمني كثيرًا من أن أدلي بدلوي في هذا البئر المليء بالدلاء الغائر الماء، وهو أنني منذ أن عرض هذا الفيلم وأنا مصاب بوسواس قهري، فكلما سمعتُ أو نطقت كلمة (الإرهاب) ترددت في أعماقي بشكل لا إرادي كلمة (والكباب والكباب والكباب).. وكلمة الإرهاب أصبحت تتردد كثيرًا كثيرًا؛ فتخيلوا حجم العذاب.. والكباب.
هذا مع إحساسي أن الفيلم لا يقدم أي رابط بين الاثنين، لا بالمباشرة ولا بالرمز، ولا بالتكعيبية، وهذا هو الحال في كل شيء تقريبًا؛ حيث تُلقى إلينا المفاهيمُ والمصطلحات لننطقها أو لنرددها في أعماقنا من غير أن نفهم، في إطار حملاتٍ مستعِرَة ينضم إليها المطبِّلون بغير إخلاص حقيقي، فتفرض علينا روابط وهمية وساذجة.
وقد نجحوا إذن، نعم، أنا شخصيا ربَطَ عقلي بين الإرهاب والكباب، على الأقل من ناحية الارتباط السمعي، ومعظم العالم اختار أن يربط بين الإرهاب والإسلام، من خلال وسائط إعلامية زاعقة ومهيِّجة و(ساديّة)؛ عمومًا صداع الرابط الأول أرحم من خداع الرابط الثاني، غير أني في حاجة لعلاج نفسي.
لنعد إلى الفيلم إياه من غير نطق اسمه؛ حتى لا تتردد في رأسي لمدة 15 دقيقة كلمة: (والكبا..)، إنه لايسيء (للإرها...ن) على الخصوص، بل للمتدينين عموما -الشخصية الإسلامية التي كانت به كانت مقدمة كشخصية متزمتة وليست إرهابية، لكن في مناخ الحملة يمكنك أن تحطّم كل شيء- وكل الأفلام التي ظهرت بعد هذا الفيلم سارت على دربه، بل وأسوأ.(191/1)
يقدم هذا الفيلم وإخوانه الشخصية (الإرها..ة) وكأنه الأرنب (روجرز) -الشخصية (السنيمائية الكرتونية)- ولكن في شكل شرير؛ مسخ ثلاثي الأبعاد، تستطيع أن تضحك منه أو تنفر منه، ولكنك لا تستطيع أن تراه إنسانًا. هذا مع أن الأفلام والروايات العالمية لم يقصّر مبدعوها في إبراز الجانب الإنساني في المنحرفين: مثل اللص كما في رواية (اللص والكلاب)، أو الشاذ كما رواية (قطة على صفيح ساخن)، أو المرتزق كما في (ذهب مع الريح)، أو القاتل كما في (الإخوة كرامازوف)، أو زعيم المافيا كما في (الأب الروحي). نعم، لم يظهر كل هؤلاء مسوخًا، بل بشرًا يشبهوننا، إلا هذا الإرهابي، الذي لم يقربه المبدعُ كما اقترب من الشاذ والقاتل، فهو أقرب إلي (الكارتون)، يبدو أنه -لدواعٍ أمنية وخوفًا من أن ينقلب السحرُ على الساحر- لم يُتَحْ للمبدعين العرب فرصة، أو لم يرغبوا في تقديم تلك الشخصية أو حتى شخصية الملتزم المتزمت بشكل معمق في الرواية أو الفيلم.
هل لديهم خوف على الجمهور أن يتعلق (بالإرها..) إذا ظهر كإنسان غيرته ظروف معينة؟
إذا كانت الإجابة بنعم في شكل سكوت علامة للرضا، فأقول: إذن لماذا لا يخافون على المشاهدين العرب من تقليد زعيم المافيا أو المرتزق؟
أقول إن (الإرها..) هو الشخص الوحيد الذي قتله المبدعون، ثم مثلوا به، ثم بصقوا عليه، وحرمونا بهذا السخف وهذه السطحية من أن نتعلم شيئًا، وأن نفهم شيئًا عن الكيفية التي يتحول به شخص طيب دمث إلى (إرها..).(191/2)
ومن الطبيعي أن يشعر بعضُ المشاهدين أن تلك الشخصية موجودة في الواقع، كما يوجد الهدف في ميدان الرماية، للتصويب عليها وليس للتفاعل مع باقي الشخصيات، ومن ثم تصير مشاهدة (إرها..) من لحم ودم خارج الشاشة حلمًا للبعض؛ حتى يستطيع أن يميز بين الحقيقة والخيال، فمن الجيد أن ترى الأرنب (روجرز) أمامك حيًّا يتنفّس. وساعتها يكفي (الإرها..) أن يسلمَ بود حتى تذوب الصورةُ الذهنية كجبل جليد تعرَّض لشمس أغسطس الاستوائية.
إن تعامل صناع السينما مع قضية شائكة وهامة كقضية التطرف الديني ما زال يعد تعاملا قاصرًا عن الولوج في العوالم الداخلية للشخصية (الإرها..) أو المتزمتة، تعامل يعد مثالا (للتغميس) خارج الصحن، ويصل كثيرًا إلى حد التهافت في تقديم صورة شديدة العبثية عن الملتزم دينيا نفسه، وفي مناخ الحملة كل المكاسب ستتحقق، إلا الهدف الأصلي، وهو مناقشة قضايانا الأمنية والاجتماعية والسلوكية بطريقة تحصِّننا من التطرف.
إن كتابة الرواية -وكذا إنتاج (الدراما)- وكأنها صادرة عن إدارة الشئون المعنوية بالقوات المسلحة أو منتجها مسئول حزبي؛ شيءٌ من العبث، هذا لم يعد مناسبًا لعصر السيولة الفكرية الحالي، حيث القريةُ صغيرة جدًّا، ولم يعد هناك جانب آخر للنهر، والشباب غير المثقف عندما يجد مصادفةً عدوَّه اللدود على أرض الواقع أقلَّ عدوانية مما هو عليه في الحالة (روجرز) الروائية أو (السينمائية) ولديه ككل البشر جانب إنساني جيد: مثلا عندما تقدِّم له واجب ضيافة فإنه يقول: شكرًا، أو يقول: جزاك الله خيرًا. وهذه آداب بسيطة لم تضفِها عليه الإبداعاتُ العربية، أقول عندما يقابله فساعتها فقط سيكون لحكايات (أمنا الغولة) السياسية أثرٌ عكسي، وسيعرف الشابُّ أنه كوَّن صورة ذهنية عن هذا المختلف بناءً على تشويهات قدَّمتها مصادرُ غير أمينة، بل جاهلة، وكل همّها غش الأنظمة من خلال إبداع لا يُثمر. ساعتها فقط قد لا نأمن العواقب.(191/3)
أخيرًا.. إذا كان المبدعون والكتَّاب والصحفيون يعتبروننا أطفالا لا نستطيع التمييز، ومن السهل غوايتنا فهناك طريقة أخري سهلة ومأمونة للحفاظ على المشاهدين من أن يتأثروا بهذا الملتزم دينيا الذي قدّموه رجلا لا يكف عن التحديق في أجساد النساء، وتمتلئ عيناه بالحقد، وينافق رؤساءه ويدق أسافين في زملائه، ولا يتردد في الكذب، أو من أن يتأثروا بالإرهابي الذي يتصف بحقد غريب تجاه البشرية ويتلقى أوامرَ من قادته بشكل آلي، ولا يبتسم حتى في وجه أطفاله.
وهي طريقة ستوفر على المشاهدين مجهودًا في تحليل وتفسير الشخصيات؛ لأن هذا متعب وجالب للصداع، والناس ليس لديها وقت للتحليل. فليعلقوا على صدر الممثل لدور (الإرها..) أو المتشدد لوحة ورقية مكتوب عليها (ده وِحِش) أو (ترى هذا خايس).
هذا ما عندي....
هل عندكم علاج للوسواس القهري؟(191/4)
العنوان: الإساءة للمقدسات الإسلامية.. منهجية الغرب وأهدافه
رقم المقالة: 1661
صاحب المقالة: عصام زيدان
-----------------------------------------
تكررت الإساءةُ إلى مقدَّسات المسلمين في الآونة الأخيرة تكرارًا لافتًا للنظر؛ نالت من النبي الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- ومن كتاب الله -عز وجل- وغير ذلك من المقدسات.. كما تنوعت مصادرُها وتعددت اتجاهاتُها، وكان آخرها إقدام شركة إيطالية على تسويق أغطية مراحيض تحمل آياتٍ كريماتٍ من سورة البقرة؛ وهو ما ينم عن منهجية غربية ثابتة في مواجهة معتقدات الأمة وثوابتها.
ونحاول في هذا المقال عرضَ المنهجية الغربية في الإساءة إلى المقدسات الإسلامية، ثم أهداف هذه الحملة ومنطلقاتها.
المنهجية الغربية في الإساءة للمقدسات الإسلامية
الغرب في إساءته تلك القبيحة للأمة انطلق من منهجية واضحة وراسخة في ذهنه، ولم يكن ذلك خبط عشواء أو ارتجالا كما يزعم البعض، أو فقط ردّةَ فعل على هجمات الحادي عشر من سبتمبر، التي ضربت الولايات المتحدة الأمريكية، بل نرى تناغمًا من ورائه قوى تحركُه في ظلام الجهل والحقد الغربي على الأمة الإسلامية.
وهذه بعض خيوط ذلك المنهج الآثم من واقع ما مر بنا من تجارِبَ مريرةٍ انتُهِكت فيها أعظمُ مقدسات الإسلام:
1- شمول الإساءة لكل ما هو مقدس في الإسلام:
الإساءة الغربية للمقدسات الإسلامية لم تقتصر على شئ واحد، بل تعددت أوجه الإساءة؛ فبعضُها تعرض للإسلام نفسه، وانتهاكات أخرى وُجِّهت لكتاب الله عز وجل، وثالثة عرّضت بالنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- ورابعة وجهت إلى بعض شعائر الدين كالحجاب والصيام.(192/1)
- فقد انتهكت حرمة كتاب الله ووضع في القاذورات والمرحاض في سجون جوانتانامو نكاية في المعتقلين هناك، وشيء من ذلك أيضًا شهدته سجونُ الاحتلال الصهيوني، وفي رسالة نشرتها صحيفة "فولكسكرانت" بعنوان "كفى.. امنعوا القرآن"؛ وصف النائبُ الهولندي جيرت فيلدرز، رئيسُ حزب الحرية المصحفَ بأنه كتاب فاشي، وطالب بمنعه من البلاد.
- وتعرّض النبي -صلى الله عليه وسلم- للسخرية من خلال الرسوم المسيئة في صحف الدانمارك والنرويج والسويد، هذا فضلاً عن المقالات التي عرضت له ولحياته بطريقة مهينة تنم عن حقد دفين.
- واقترن الإسلام بـ"الإرهاب" بعد الهجمة التي قادتها الولايات المتحدة عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وظهرت الدعواتُ اليمينية التي تدعو إلى طرد المسلمين من أوروبا، متزامنةً مع تصريح بابا الفاتيكان بأن الإسلام انتشر بالإكراه وحد السيف.
- ويواجه النقابُ والحجاب حربًا مستعرة في عدد من الدول الأوروبية؛ إذ أبدى مفوض العدل بالاتحاد الأوروبي "فرانكو فاتيني" معارضتَه للحجاب؛ زاعمًا أن ارتداء المرأة المسلمة له داخل المجتمعات الغربية يزيد عملية الاندماج صعوبةً، وأنه يتعارض مع القيم والنظم الأوروبية الحضارية.
كما أصدرت فرنسا قانونًا يحظر ارتداء الحجاب في المدارس، وتحظر بعضُ الولايات الألمانية على المعلمات في المدارس الحكومية ارتداء الحجاب، وكذلك حظرت إيطاليا جميع أغطية الوجه بأن أعادت العمل بقوانين قديمة كانت قد صدرت لمواجهة ما يسمى "الإرهاب" المحلي.
2- الهجوم من قِبل جميع التيارات والشخصيات:
لم يعد التهجم على الإسلام والنيل من مقدساته حكرًا على فئة بعينها، غالية في تصوراتها، يمينية في أفكارها ومعتقداتها، بل شمل القطاعات الغربية كافة، بما فيها من رجال السياسة والصحافيين والممثلين ورسامي الكاريكاتير، وشرائح عدة من المجتمع الغربي.(192/2)
- فرئيس حزب التقدم المسيحي النرويجي "كارلي هاغين"، المعادي للعرب والمسلمين، تهجّم علانية على رسول الإسلام الذي هو في نظره يجبر الأطفالَ على قتل الآخرين (لأسلمة العالم).
- والكاهن والواعظ السويدي "رينار سوغارد" وصف في جريدة "افتون بلادت" رسولَ الإسلام بأنه مرتبك للغاية ومزواج ويحب النساء، وخصوصًا الصغيرات منهن؛ حيث تزوّج بفتاة لم يتعدَّ عمرُها تسعَ سنوات.
- وصحيفة "مغازينات" النرويجية أعادت نشر 12 رسمًا ساخرًا للرسول؛ بدعوى حرية التعبير، وذلك بعد أن نشرتها "يلاندز بوسطن".
فالغرب يحرص على تنوّع مصدر الإساءة، فمرة تأتي من الفاتيكان، ومرة من السويد، وثالثة من الدانمارك.. وهكذا تأتي السهامُ من عدة جوانب ومن عدة دول وجهات؛ بهدف تفريق الجهود الإسلامية ومنع تجمعها على مصدر واحد وتشتيت قوتها، وحتى لا تحملَ عاصمةٌ واحدة أو جهةٌ ما عبءَ المواجهة وحدَها.
3- العناية الغربية ببعض الأقلام المهاجرة واستغلالها:
استغل الغربُ بعضَ الأقلام المغمورة اللاهثة وراء الثروة والشهرة وأعطاها ما تريد؛ في سبيل أن تغمس أقلامها في تلك المؤامرة، وتسلط سهامَ نقدها المسمومة على الإسلام والمسلمين، ووجدت بالفعل بغيتها في فئة ضالة لم يكن أولها المفتون "سلمان رشدي"، صاحب كتاب "آيات شيطانية"، ولن تكون الكاتبة البنجالية المولد المرتدة عن الإسلام "تسليمة نسرين" آخرَ هؤلاء الموتورين الباحثين عن السراب.(192/3)
وإلى جانب هؤلاء يُبرز الغرب ويُعنَى بأولئك الذين فُتنوا عن دينهم بالردة، بل ويسعى جاهدًا ليفتح أمامهم المجالَ للطعن في الإسلام وتكوين الجمعيات والمنتديات الخاصة بهذا الشأن، ومن هؤلاء رئيس "جمعية المرتدين عن الإسلام في هولندا" إحسان جامعي، الذي ارتد عن الإسلام بعد تفجيرات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية، وأسس مع زميلته ليلي برادة، وهي ناشطة في الحزب الليبرالي "جمعية المرتدين عن الإسلام في هولندا"، بدعم من اثنين من نقّاد الإسلام المعروفين بهولندا، وهما رجل القانون أفشين إليان والفيلسوف بول كليتور.
4- الاستمرارية في الإساءة:
فالغرب يصر على الإساءة، ويمضي فيها قدمًا، حتى لا تكاد تمر الأيامُ القلائل إلا وتحمل الرياحُ الغربية إساءةً جديدة من جهة مغايرة، ومع كل مرة يرفضُ الاعتذار عما بدر منه ويسوغها بحرية التعبير المكفولة هناك، والتي لا يعرف لها نظير في بلاد العرب والمسلمين.
الأهداف الغربية من تعمد الإساءة للمقدسات الإسلامية
الغرب يهدف من وراء هذه المنهجية المنظمة في النيل من مقدسات المسلمين وعقائدهم إلى عدة أهداف منها الآتي:
1- جس نبض الشارع العربي والإسلامي:
فالغرب يسعى لمعرفة حرارة التديّن في الشارع المسلم، والمصادر التي تقود إلى توهج هذه الحرارة، والعوامل التي تؤثر فيها، على نحو ما تفعل "إسرائيل" بالنسبة للمسجد الأقصى؛ إذ تختبر نية المسلمين تجاه مخططاتها الرامية إلى تقويض المسجد المبارك؛ وبناء على ردود الأفعال تحدد إحداثيات أفعالها المقبلة.
2- جعل الإساءة إلى مقدسات المسلمين أمرًا طبيعيًا:(192/4)
فالغرب يعمل على امتصاص ردود الفعل الشعبية المندفعة عقب كل حادثة، ثم يعاود الإساءةَ مرة أخرى؛ حتى يتكون شعورٌ داخلي لدى المسلمين بكون هذا الأمر طبيعيًا ومتقبلاً؛ وهو ما قد يكون له تأثير في منزلة هذه المعتقدات والمقدسات لدى المسلمين على مرور الأجيال، فيتم "تذويب" معالم الدين رويدًا حتى تظهر أجيالٌ ممسوخة تستحيي من هويتها وانتمائها الديني، وتجري لاهثة وراء الغرب وقيمه الخاوية التي يستعلي بها.
3- تكوين رأي عام غربي مناهض للإسلام:
يسعى الغرب جاهدًا لتكوين رأي عام معادٍ للإسلام والمسلمين؛ من خلال التعرض المباشر لمقدسات الدين، وإظهار الإسلام على أنه نموذج للرجعية والتخلف، وأن دعاته همجيون لا يؤمنون بحرية الرأي والمعتقد.
والرأي عندي أن دافع الغرب في ذلك هو إجهاض أي توجّه يقود الشعوب هناك لرؤية الإسلام بوجهه الحقيقي كما أنزله الله، والخوف من "أسلمة القارة الأوروبية"، وهو الأمر الذي لم يعد خافيًا على أحد؛ حتى نطقت به أفواهُ الغرب مرارًا، منهم رئيسُ الحزب المسيحي الاشتراكي والحليف الرئيس في الائتلاف الحاكم الألماني "إدموند شتويبر"، وصرح به كذلك "جيورج جاينزفاين" السكرتير الخاص للبابا بنديكيت السادس؛ محذرًا من ذوبان هوية القارة المسيحية.
فالغرب يسعى جديًا لفرز عالم اليوم بين "شرق إسلامي إرهابي مدمّر" و"غرب مسيحي ديمقراطي متحضر"، وتأجيج الصراعات مع الإسلام بالنيل منه؛ ووضعه في موضع العدو هو سبيلهم إلى ذلك.
4- الخشية من ركائز النهضة الإسلامية:(192/5)
الغرب يدرك جيدًا أن نهضة هذه الأمة لن تكون إلا بالتمسك بمرجعيتها الدينية وثوابتها وهويتها الإسلامية، ومن ثَم فهو يخشى من يقظة العملاق مرة أخرى، وهو ما قد يقوِّض أحلامَه في سيادة الكون، خاصة مع التآكل الحادث في حضارته المادية التي أَشْقَت الإنسانيةَ التي باتت متطلعةً للمنقذ من هذا الضلال والشقاء المزخرف بمادية طاغية استعبدت الإنسانَ الغربي وأنهكت قواه الروحية.
أدرك الغرب تلك الحقيقة، فراح يقابلها بمحاولة القضاء على مرتكزات النهضة الإسلامية، المتمثلة في ثوابت الأمة ومقدساتها؛ خشية القادم الذي يزيله من كرسي الريادة، ويضعه حيث مكانه الصحيح في قاع الحضارة الإنسانية.
5- وضع الإسلام في صورة متدنية عن بقية المعتقدات:
لا شك أن هذه الإساءة للمعتقدات الإسلامية يقابلها تشدّد مفرط في أية إشارة أو عبارة تشكك فيما ترى "إسرائيل" أنه من مقتضيات وجودها أو تاريخها، ومن ذلك الحديث عن "الهولوكست" الذي كان السجنُ والملاحقةُ القضائية جزاءَ من تعرّض له بالإنكار أو حتى مجرد التشكيك مهما علت منزلتُه وطالت قامته الأكاديمية والعلمية، وشيء من ذلك أيضًا لمن تعرّض للمسيحية أو المسيح عليه السلام.
من هنا ندرك رغبة الغرب في إخراج الإسلام من بين المقدسات، وجعله في منزلة متدنية عن بقية الأديان؛ في محاولة لتهميش أتباعه وجعلهم خارج السياق التاريخي والحضاري، كغيرهم من أصحاب المعتقدات المنكفئة على نفسها البعيدة عن مجرى التأثير الحضاري.
بقي القول بأن مواجهة تلك الإساءة للمعتقدات الإسلامية تحتاج إلى دأب وصبر طويل، وتكاتف الجبهات المختلفة التي تستلهم في مواجهتها رُوحَ الجهاد والدفع عن الدين الخاتم، الذي فيه خلاصُ البشرية من أسقامها وأمراضها، واضعة نصب عينها أنه لن يكون النصر إلا بالصبر والمصابرة التي تعين على بلوغ المأرب والمراد، والإخلاص الذي يترفّع عن (أجندات) خاصة وأهداف جانبية تضيع في وسطها القضية المحورية.(192/6)
العنوان: الأستاذ عاصم البيطار.. وأمانة العلم والتعليم
رقم المقالة: 962
صاحب المقالة: د. محمد حسان الطيان
-----------------------------------------
{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}
هذا رجلٌ.. عَلَمٌ.. فَذٌّ.. صان أمانة العلم، وحمل راية العربية، وجاهد دونها، وعلّم أجيالا من عشاقها، وارتحل في سبيلها، وهُدي إليها. ثم مات دونها..
لم تنحن له هامة، ولا هدأ له جانب، ولا انخفضت له راية.بل بقي واقفا مجاهدا لا يلين له جانب، ولا ينعطف له سبيل. حتى لقي ربه على جهاده وسعيه فعسى أن يكتبه الله مع المجاهدين ويحشره مع المتقين، ويبعثه مع المحسنين، ويعلي قدره يوم الدين. يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
لا أعلم أحدا من بين أساتذتنا كلهم على علو شأنهم ورفعة قدرهم أفاد طلبته كما أفادهم الأستاذ عاصم البيطار، ولا أعلم أحدا منهم أحبه الطلبة كما أحبوا الأستاذ عاصم، ولا أعلم أحدا أبعد أثراً في الطلبة من الأستاذ عاصم.
ذلك أنه كان معلما بحق، اكتملت لديه المعرفة النحوية، و استوت في ذهنه التحليلات الصرفية، وجمع إليها صنوفا من الخبرة التربوية وضروبا من الآداب السلوكية، وفنونا من الأخلاق الاجتماعية، وزين ذلك كله بتاج من مكارم الأخلاق..فما شئت من علم في حلم، ومعرفة في فهم، وتربية في عزم، أنس في حب، وتعمق في فكاهة، ودراية في سماحة.
والعلم إن لم تكتنفه شمائل تعليه كان مطية الإخفاق
لا تحسبن العلم ينفع وحده ما لم يتوّج ربه بخلاق
قابلته منصرفي من حضور مناقشة للدكتوراه في كلية الآداب بجامعة دمشق فسلمت سلام المشتاق لأستاذ باعدت بينه وبين تلامذته الأسفار، ثم قلت له: مازلت أذكر يا سيدي أنك أكثر من درّس في قسم اللغة العربية نفعا للطلبة وإفادة لهم، وبناء لقاعدتهم النحوية فما سر ذلك؟(193/1)
فأجاب: يا بني لقد كنت في غابر أيامي مدرسا للعربية في ثانويات دمشق. وعندما خير لي أن أدرس النحو في الجامعة أخذت للأمر أهميته وأعددت له عدته واحتشدت له بكل ما أملك فلم أدع مرجعا للنحو إلا عدت إليه، عاكفا عليه، باحثا فيه، وأخبرت والدي الشيخ بهجة البيطار – رحمه الله- فقال: يا بني حسنا صنعت، ولكن عليك قبل ذلك أن تصل إلى قلب الطالب فإذا أحبك الطالب انتفع بك وأفاد منك، وإلا أعرض عنك ولم يفدك علمك شيئا.
اجعل علاقتك بطلبتك علاقة ود ومحبة، فإذا أفلحت في ذلك أوصلت إليهم ما تريد من معرفة، وإلا بقيت معرفتك لنفسك. ابن مع الطالب جسرا تعبر فيه إلى قلبه، وإذا ملكت قلبه أمكنك من عقله.
وكذا كان... فالطلبة كل الطلبة كانوا يجمعون على حب الأستاذ عاصم. والطلبة كل الطلبة كانوا يحضرون محاضرة الأستاذ عاصم، والطلبة كل الطلبة كانوا يفيدون من علم الأستاذ عاصم..والطلبة كلهم ينهلون من علم الأستاذ عاصم.
وجه عليه من الحياء سماحةٌ ومحبة تجري مع الأنفاسِ
وإذا أحب الله يوماً عبده أجرى عليه محبةً في الناسِ
كنا نحضر محاضرة الأستاذ عاصم فنجد فيها العلم والمتعة والمعرفة والأنس والفن والفكاهة والنحو والأدب. ما أذكر أنه بدأ محاضرة من محاضراته كما يبدأ معظم الأساتذة محاضراتهم فيلجون إلى موضوع بحثهم دون مقدمات أو استهلالات.(193/2)
فكما أن لكل قصيدة مطلعا يحشد فيه الشاعر كل فنه وبلاغته وظرفه وطرافته كذلك كان لكل محاضرة من محاضرات الأستاذ عاصم مطلع يأخذ فيه بيد الطلبة إلى بحر النحو العميق، فإما أن يبتدئ ببيت شعر، أو آية كريمة، أو حديث شريف، أو قصة نادرة، أو خبر طريف، أو مثل معجب، أو قصيدة وافاه بها طالب من الطلاب، أو حدث كان له أثر في الناس والمجتمع، أو طرفة يحكيها، أو حكمة يرويها، أو حادثة جرت له في الجامعة، أو من أحد من رجالات العلم الذين تطرب لذكرهم الأسماع وتشد لسيرتهم الألباب، ويحلو بحديثهم المكان والزمان. وما هو إلا أن تجد نفسك وسط بحث من بحوث النحو أو درس من دروس الصرف، أو إعراب من الأعاريب أو تحليل من التحليلات، يرسمه الأستاذ على السبورة بخط بلغ الغاية في التجويد والإتقان والملاحة والإحسان،وكأنه اللوحة الساحرة أبدعتها ريشة فنان.
ويأتي كل ذلك سهلا ميسورا لا تكاد تجد فيه أي عنت أو صعوبة.فما كان أحد في محاضرة شيخنا البيطار يشعر بملل أو يداخله الملال، وما كان أحد في محاضرة شيخنا البيطار ينصرف عنه بكلمة أو يتشاغل عنه بحديث، بل كان الجميع يستمعون وكأن على رؤوسهم الطير، ويحدجونه بأبصارهم وينصتون إليه بأسماعهم ويحفونه بقلوبهم.
أرأيت إلى الشاعرالملهم ينشد وسط الجموع قصيدة عصماء والقلوب تهفو إليه من كل جانب... أرأيت إلى الخطيب المصقع يهدر بخطبة عصماء والجموع تحيط به من كل جانب...
أرأيت إلى الإمام الخاشع يؤم جموع المصلين يتلو آيات الرحمن يحبرها تحبيرا والمؤتمون مأخوذون بما يرتل متابعون لما يتلو. كأني بالأستاذ عاصم كان كذلك رحمه الله وأسبغ عليه شآبيب مغفرته.
كان – والله – سمحا سهلا، كأنما بينه وبين القلوب نسب، أو بينه وبين الحياة سبب، وإنما هو عيادة مريض وتحفة قادم وواسطة عقد.
فتى صيغ من ماء البشاشة وجهه فألفاظه جود وأنفاسه مجد(193/3)
ما أذكر أني تخلفت عن محاضرة من محاضراته، بل إني كنت ألحق به إلى كلية الشريعة فاستمع إلى محاضراته هنالك.
وانقضت السنة الأولى ونجحت في مادته، وكنت الأول فيها على أقراني، ولكني لم أترك محاضراته أبدا، ولم يكن يحاضر إلا على طلبة السنة الأولى، فكنت تراني كلما سنحت لي الفرصة أنسل بين طلبة السنة الأولى فأقاسمهم متعة الحضور عند الشيخ عاصم البيطار، ومن هنا أن تعرفت إلى كثير من نجباء الطلبة في الدفعات التي تلت دفعتنا من مثل الأستاذ الدكتور محمد الدالي، والأستاذ الدكتور عبد الكريم حسين، والأستاذ عمر مارديني، والأستاذ صالح السمر، وغيرهم ممن صار ملء السمع والبصر.
ولازلت أذكر تلك المحاضرات التي كانت تبدأ بمناقضات شعرية يتزعمها طالبان من شعراء تلك الدفعة لقب أولهما نفسه بالثعلب، ولقب الآخر نفسه بالعقرب، وعشنا بينهما زمنا رغدا صنعه شيخنا البيطار رحمه الله.
وكنت أختلف إلى مكتبه في القسم أسأله عن أشياء عنّت لي أو صعبت عليّ أرجو منه بسط الكلام عليها، وكثيرا ما كنت ألقى أستاذنا النّفاخ هناك- وكانا في مكتب واحد- فما أذكر أني سألته عن مسألة بحضور النّفاخ إلا أحالها إلى النّفاخ بأدب بالغ وخلق كريم نادر.
ولم نكن آنذاك نجرؤ على سؤال النّفاخ أو حتى الكلام معه، بل نكتفي بسماع محاضراته ثم نتهيب أن نلقاه، فكان لقاؤنا له بمعيّة الأستاذ عاصم تمهيدا لصحبته وملازمته التي امتدت نحوا من خمسة عشر عاما نهلنا من علمه ما شاء الله لنا أن ننهل، وأفدنا من معرفته ما شاء الله لنا أن نفيد. رحمهما الله وبرد مضجعيهما، وجزاهما عن العربية وأهلها خير الجزاء.(193/4)
ولم يقتصر نفع أستاذنا البيطار علينا في جامعة دمشق، بل مضى ضاربا في الأرض ليفيد الطلبة في جامعات شتى ، كجامعات المملكة العربية السعودية وجامعات الإمارات...وليفيد أهل العلم الذين عرفوا فضله وأمُّوهُ من كل مكان فكان نعم المجيب لهم ونعم المعين على نوائب دهرهم.بل إن نفعه امتد ليشمل المشاركة في الموسوعات العلمية، كالموسوعة العربية الكبرى وموسوعة العماد، والإشراف اللغوي على المجلات الراقية، كمجلة الفيصل التي استأثرت بجهوده نحو عقد من الزمن فكان له أثر واضح في سلامة لغتها ونضارة أسلوبها.
ثم عاد إلى بلده ليتوج عمله العلمي بانتخابه عضوا عاملا في مجمع اللغة العربية بدمشق، وليتوج رسالته التعليمية بالتدريس في قسم التخصص بمعهد الفتح الإسلامي- فرع جامعة الأزهر بدمشق، حيث أمضى آخر أيامه على منبر التعليم الذي ارتضاه لنفسه، ولقي وجه ربه في يوم الجمعة الأزهر(17 جمادى الأولى1426هـ = 24/6/2005م).
بقي أن أقول إن شيخنا الأستاذ عاصم كان سليل بيت أقام فيه أهلوه للعلم دولة وللخلق والفضل والنبل أمة؛ فأبوه بهجة الشام وريحانتها الشيخ بهجة البيطار، وجده علامة الشام ومؤرخها الشيخ عبد الرزاق البيطار، ولو رحت أعدد أعلام ذلك البيت من أساطين العلم وعدوله لما وسعتني هذه العجالة، وإنما حسبي أن أشير إلى أن آل البيطار كانوا من أشهر بيوتات العلم في دمشق الشام، بل إن أثرهم قد امتد ليشمل مناطق كثيرة في عالمنا الإسلامي.
وفي جده الشيخ عبد الرزاق البيطار يقول الشاعر:
أفديه عبدا إلى الرزاق ذا شيم تألفت من سناها غرة الزمن
وسيدا من بني البيطار والده بدر الهدى حسن ناهيك من حسن
وفيه وفي آبائه يصح قول الشاعر:
وما يك من خير أتوه فإنما توارثه آباء أبائهم قبلُ
وهل ينبت الخطي إلا وشيجه وتغرس إلا في منابتها النخلُ
سعى بعدهم قوم لكي يدركوهمُ فلم يفعلوا ولم يليموا ولم يألوا(193/5)
رحمه الله، وجزاه عن العربية وأهلها خير ما جزى عالما عن قومه ولغته.(193/6)
العنوان: الأستاذ.. يوسف الصيداوي.. نمطٌ لا يُنسى
رقم المقالة: 186
صاحب المقالة: د. محمد حسان الطيان
-----------------------------------------
"اذكروا مَن عندكم من الرجال الذين ينفعونكم في الشدائد، ودونوا أسماءهم في جريدة، لئلا تنسَوهم، ونوّهوا بهم عند كل سانحة، واحرصوا عليهم حرصكم على أعز عزيز... تجاوزوا عن سيئاتهم، وانتفعوا بحسناتهم".
(الشيخ طاهر الجزائري).
الصيداوي!.. وما أدراك ما الصيداوي؟ نمط من الإبداع عجيب، فن وأدب.. علم وطرب.. أنس ومعرفة.. نحو وتجويد.. نقد وفصاحة.. ذوق وبيان.. تجديد وأصالة، ظَرف وفكاهة..
ذلكم هو عالم الصيداوي! عالم يمور بالعجائب.. ويشتمل على الأطايب والغرائب! فبينا يحدثك في النحو ومشاكله الشائكة يأتيك بأعذب الأشعار وأطرف الأخبار. وبينا يحدثك في الفن والغناء واللحن والأنغام يأتيك بأعمق الأفكار وأعظم الأسرار.. يغوص في لغة القرآن فتخاله الزمخشري أو أبا حيان، ويبحر في الفصاحة والبيان فتخاله الجاحظ أو سحبان. ويتناول الأنغام والألحان فتخاله السنباطي أو القصبجي.. ويعرض للنقد والأدب فتخاله العقاد أو الرافعي.. ويتفكه بالطُّرف والتسلية والمزاح والنكت فتخاله الريحاني أو المازني.
كل ذلك في بيان ساحر.. وحضور جاذب.. وظَرف وفكاهة.. وفطنة وكياسة..
ملقّنٌ ملهمٌ فيما يحاولُهُ جمٌّ خواطرُهُ جوّابُ آفاقِ
الصيداوي والعربية:(194/1)
والصيداوي رجل قضية.. إنها اللغة العربية.. همُّهُ وسَدَمُهُ ونجواهُ ورجواهُ.. رافقها وصادقها.. فلانت له.. وسمَتْ به.. رضع لبانها مع لبان أمه.. وحفظ كتابها وهو غضُّ العود طريّه.. فأتقنه ورتّله.. وحباه الله عذوبة في الصوت وزيادة في الحلق ومزماراً من مزامير داود فتغنّى بالقرآن وحبّره.. فهفت إليه الأفئدة.. وتلذَّذت بسماعه الآذان وتصدَّر للقراءة والترتيل.. وطار صيته بين الناس.. حتى وصل أمره إلى رئيس الجمهورية السورية الشيخ تاج الدين ابن الشيخ بدر الدين الحسني فاستقدمه واستمع إليه وأكرم وفادته وعينه مقرئاً في الإذاعة السورية الناشئة آنذاك.. فكان أول وأصغر من قرأ فيها القرآن ببثٍّ مباشر حيٍّ يخرج من فم الصيداوي لتتلقفه الآذان في كل مكان!
وهكذا حذق الصيداوي القرآن وأتقنه، ثم جمع إلى إتقانه نصوصاً من نهج البلاغة كان يحفظها عن ظهر قلب ويتصدر لإسماعها الناس على ملأ في البيوتات والحسينيات وفي الأمسيات والاحتفالات.. فكانت له مع القرآن نعم الزاد في مسيرته اللغوية التي لم تتوقف إلا مع آخر نفس في حياته.
قال لي مرة: ما نفعني شيء في حياتي كما نفعني القرآن الكريم إنه كالكلاشنكوف (البندقية الروسية) فما هو إلا أن أضغط الزناد حتى تأتي الاستجابة رشّاً.
أجل فقد أسَّس الصيداوي رحمه الله بنيانه اللغوي ومعرفته العربية على أساس متين آتى أكله طيباً بإذن ربه. إذ فتح عينيه على أجمل نصوص العربية فخلبَتْه وفتنَتْه وانطلق يطلب المزيد، ويعبُّ من روائع بيان السماء وبدائع بيان الأرض بعد السماء، فكان من أدرى الناس بمواطن السجود ومواضع الإعجاز والإعجاب.
ويا طالما حدثنا عن إعجاب الفرزدق ببيت عدي بن الرقاع العاملي:
تُزجي أغنَّ كأنّ إبرةَ روقِهِ قلمٌ أصاب من الدواة مدادَها(194/2)
وفيه ـ كما يقول العلاّمة الدكتور عبد الله الطيب رحمه الله ـ وصف صريحٌ لرَوْقِ الشادن حين برز كأنه بطرفه المحدد الصغير إبرة وكأنه حرفُ قلمٍ أصاب سواد مداد، ثم هو بلا ريب وصف ضمني للقلم يوشك لقوة حيويته أن يكون صريحاً ويُشعر بأن المقصود بالوصف هو القلم لا قرن الظبية[1].
ولازلت أذكر آخر لقاء ضمَّنا، وكان كالعهد به حريصاً على اللقاء كلما عدت من مغتربي إلى دمشق، كان ذلك في العطلة النصفية من عام 2003 أي في الشهر الثاني منها، وعقد اللقاء في بيت أخينا الحبيب الأستاذ مروان البواب وحضره كل من الأستاذ الدكتور مكي الحسني والأخ الدكتور يحيى مير علم.. وتكلم الصيداوي فأجاد وأفاد.. وأبدع وأمتع وكان من ذلك أن حدثنا عن أبيات راقت له، قرأها في العقد الفريد [6/47] للمسوِّر بن مخرمة ذاك المحب الولهان الذي ترك زوجته طلباً للرزق، فلما تباعدت الديار خطرت له وتلفّت قلبه، فكَرَّ راجعاً إليها وهو يقول:
بينما نحن من بلاكث بالقا عِ سراعاً والعيسُ تهوي هُوِيّا
خطرتْ خطرةٌ على القلب من ذكـ ـراكِ وَهْناً فما استطعت مُضِيّا
قلتُ لبيكِ إذ عادني لك الشو ـق وللحادين كُرّا المَطِيّا
ولا أدلّ على تذوقه للشعر، وحفاوته بروائعه، من تلك المحاضرة التي أدارها على أبيات أم ثواب الثلاثة، فنَفَذَ فيها إلى أعماقها، واستخرج خَبْأَها، وحلّل قصدها، ونشر دُرَرَها، ووقف عند كل كلمة فيها ناقداً ومحللاً.. وفاهماً ومفهِّماً، فأبدع لعمري أيّما إبداع، وجعلها تحت عنوان "مأساة أم ثواب بولدها":
ربيتُهُ وهو مثلُ الفرخِ أعظَمُهُ أمُّ الطعام ترى في جلده زَغَبا
حتى إذا آضَ كالفحّال شذّبه أبّارُه ونفى عن متنه الكُربا
أنشا يمزّق أثوابي يؤدبني أبعد شيبي تبغي عندي الأدبا
الصيداوي والأفغاني:(194/3)
وتعود بي الذاكرة إلى أول عهدي بالأستاذ الصيداوي، إذ تعرفت إليه في بيت أستاذ أساتيذنا وشيخ النحاة في عصرنا الأستاذ سعيد الأفغاني، وكان الصيداوي حفياً به ملازماً له، لا يكاد يبرح مجلسه الذي ينعقد كل مساء أربعاء في منزله بسفح جبل قاسيون، ويحضره الأستاذ الدكتور مكي الحسني والمهندس الباحث محمد خير البارودي، وهناك انعقدت أواصر المحبة والمودة مع الأستاذ الصيدواي، واتصلت أسبابي بأسبابه، وصرت واحداً من أصحابه.
وكان الرجل ملء السمع والبصر، فقد عرفه الناس وألفوه بإطلالته المحبَّبة طوال أحدَ عشر عاماً في برنامجه المشهور "اللغة والناس" وهو برنامج بدأ يومياً وانتهى أسبوعيًّا تناول فيه كثيراً من مسائل اللغة وقضايا العربية، وكان يحتشد له ويعنى به، ثم إنه أخرج مئة من حلقاته في كتاب حمل العنوان نفسه "اللغة والناس". ومن طريف ما حدثنا به أن فتاة رأته في ذلك العهد فحيّته قائلة: أهلاً بلغةٍ بلا ناس، فرد عليها على الفور: أهلاً بناسٍ بلا لغة.(194/4)
إن أنس لا أنسَ مجلساً ضمنا في منزله مع الأستاذ سعيد الأفغاني عرضنا عليهما فيه برنامج النظام الصرفي للعربية بالحاسوب ـ وهو نظام كان لي شرف المشاركة فيه مع الأستاذ مروان البواب والدكتور يحيى مير علم والدكتور محمد مراياتي ـ وكان لقاء غنياً مفيداً خرجنا فيه بملاحظات دقيقة وفوائد فريدة أتحفنا بها كل من الأستاذين، وطال اللقاء وحضرتنا صلاة المغرب، ودفعت إلى الإمامة دفعاً، فلما قضيت الصلاة، علّق الصيداوي مثنياً على قراءتي وتجويدي، فذكرت له أني تلقيت التجويد عن أربابه وفي مقدمتهم شيخنا المقرئ الشيخ بشير الشلاح رحمه الله فبادرني قائلاً: ذاك شيخي وعليه أخذت القراءة والتجويد بادئ أمري إذ كنت أقصده يومياً لأسمِّع صفحة من القرآن بدفع من والدي وتوجيه من العلامة الشيخ محسن الأمين رحمه الله، فقلت له: الآن حصحص الحق يا سيدي فقد كنت سمعت من الشيخ بشير ما يؤيد هذا الذي تقول لدى أول ظهور لك على شاشة التلفاز، فظننت أن الشيخ واهم لبعد ما بينكما فإذا بي أنا الواهم!
النحو لا يعلم اللغة:
كان الأستاذ الصيداوي معلماً مفْتَنّا، ومربياً خبيراً، قضى في تعليم العربية شطر عمره، وخلص من تجربته الطويلة إلى نتائج مهمة وخطيرة، من أهمها في نظري: أن النحو لا يعلم اللغة وإنما يعلِّمها نصوصها، وفي هذا يقول:
"من كان يريد أن يحسن اللغة، فسبيله استظهار روائعها، لا قراءة النحو واستظهار مسائله! كل كتب النحو، كلها كلها، من كتاب سيبويه فنازلاً، لا تعدل في موازين إحسان اللغة مثقال ذرة من: {وهي تجري بهم في موج كالجبال، ونادى نوح ابنه، وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين}[2].(194/5)
ثم يقول: "إن إحسان اللغة، إنما يكون في مصاحبة القرآن والحديث ونهج البلاغة، وديوان زهير وجرير والفرزدق والأخطل، وبشار وأبي العتاهية، وأبي تمام والبحتري والمتنبي، وفي ملازمة الجاحظ، وأسألك بالله أن تستمسك بكتب الجاحظ، فإنها ينبوع لغة وأدب لا ينضب، وفي ملازمة الأغاني فإنه مدرسة لطواعية المفردات، في مواضعها من جزل التراكيب.."[3].
ومن ثم كان ينصح بتحفيظ الأطفال نصوصاً من الشعر المأنوس السهل كتلك القصائد التي أدارها شوقي على ألسنة الحيوانات فكانت نموذجاً رائعاً للإيقاع العذب والمضمون المعبِّر وكثيراً ما ذكر لنا أنه حفّظ ولده تماماً بعضاً منها كتلك التي تتحدث عن محبة الوطن:
عصفورتان في الحجاز حلَّتا على فَنَن
مرَّ على أيكهما ريح سرى من اليمن
هب جنة الخلد اليمن لا شيء يعدل الوطن
وقد جربت ذلك مع أولادي فأتى أكله على خير وجه ولله الحمد.
وكان يرى في النحو مشكلة من مشاكل اللغة، وعقدة من عقدها التي حجبت عنها الكثيرين، وأغرقت فيها الكثيرين، فانبرى إلى كتب النحو عاكفاً عليها، باحثاً فيها، منقراً في دروسها، ليعيد صوغ قواعد العربية في كتاب دعاه "الكفاف" أراد أن ينفي فيه عن القواعد كل ما أصابها من تفريع وشذوذ وتكثُّر وترهّل، ليقدمها للطالب غير المتخصص في لبوس حسن، وصياغة موجزة، وليشفعها بنماذج من فصيح القول تؤيدها وترسخها وتقربها وتحبِّبها.(194/6)
لقد عكف الأستاذ الصيداوي على كتابه هذا ست سنوات بتمامها عايشتها سنة سنة، وشهدته يواصل ليله بنهاره وصبحه بمسائه، وكلما استيقظ من نومه هب يحمد الله على أن مد في عمره كي يكمل مشروعه، وكان يعرض نتاجه علينا معشر أصحابه فنناقشه ويناقشنا ونوافقه في مسائل ونخالفه في أخرى، ولكنّه قلما كان يعود عن رأي رآه!. ومع ذلك فإنني أقول: إنه أحسن في كثيرٍ من المسائل وجانب الصواب في قليل منها، فله إن شاء الله جزاء المجتهد، أجران على ما أصاب فيه، وأجر على ما أخطأ فيه لأني أحسبه مخلصاً في كل ما صنع ولا أزكي على الله أحداً.
بيضة الديك:
ومن أشهر كتب الصيداوي كتاب بيضة الديك الذي ألفه رداً على كتاب يزعم صاحبه أنه يقرأ القرآن قراءة معاصرة يعتمد فيها على نظريات لسانية حديثة فيحرف النص ويلوي عنق اللغة كما يحلو له أو كما يوحي إليه أولياؤه، ويظن أنه إذا قال: ولا الضالّون، ردّد الخلق جميعاً: آمون.. ولكن خاب فأله وضل سعيهُ، وأسقط في يده حين تصدى له الصيداوي مفنداً مزاعمه في اللغة، ومبيناً أنه لا يفقه فيها شيئاً، دون أن يتدخل في أي رأي ديني عرض له المؤلف، وإنما اكتفى في مقدمته بترديد مقولة عبد المطلب بن هاشم لأبرهة الحبشي عندما جاء يغزو الكعبة: [إن للبيت رباً يحميه]، ولكنه والحق يقال سَلَق الرجل بألسنة حداد، وكشف زيغه، وفضح أباطيله.
وكان من سوالف الأقضية أن أشار عليه صديق له بأن يقدم نسخة من الكتاب إلى وزير الإعلام آنذاك، ففعل، واستدعاه الوزير إلى مكتبه، وكان على ما يبدو يرى رأي صاحب القراءة المعاصرة، فعتب على الصيداوي قائلاً: لقد حصرت نقدك للكتاب في اللغة، أو لم تجد في الكتاب شيئاً سوى اللغة؟! فأجاب الأستاذ الصيداوي: بلى يا سيدي، ولكني رأيت رجلاً مهندساً بنى صرحاً شامخاً على بساط من اللغة فسحبت البساط من تحته! فضحك الوزير وانفضّ المجلس.
وكان قد أهداني نسخة من هذا الكتاب كتب لي فيها:(194/7)
"الأخ العزيز الأستاذ حسان طيان راجياً أن يكون ما في الكتاب قريباً مما قدّرتَ. المؤلف 13/6/1993".
فكتبت تحت إهدائه كلمة الوزير ابن الفرات للسيرافي بعد مناظراته مع متى بن يونس:
"عينُ الله عليك أيها الشيخ، فقد ندّيت أكباداً، وأقررت عيوناً، وبيّضت وجوهاً، وحكت طرازاً لا تبليه الأزمان، ولا يتطرّقُهُ الحَدَثان"[4].
رحمك الله أبا تمام، وجزاك عن العربية خير الجزاء، وجعل نصرتك لها، وذودك عنها وعن كتابها، ورفعك لرايتها، شفيعاً لك يوم لا يغني مولى عن مولى شيئاً. إلا من شهد بالحق وهم لا يظلمون.
ــــــــــــــــــــــــــ
[1] المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها 4/509.
[2] الكفاف 54.
[3] الكفاف 55.
[4] معجم الأدباء 8/228.(194/8)
العنوان: الاستبداد الديني - أو كشف اللثام: عن المدونة البابوية للمحظور من الفكر والكلام
رقم المقالة: 1667
صاحب المقالة: د. محمد بريش
-----------------------------------------
الاستبداد الديني
أو كشف اللثام: عن المدونة البابوية للمحظور من الفكر والكلام
حفريات معرفية في: أصول الفكر المسيحي المعاصر
بسم الله الرحمن الرحيم
يثير عنوان هذا البحث مجموعة أسئلة تتبادر للذهن تلقائيا:
• هل هناك شيء اسمه "الاستبداد الديني"؟
• أليس هذا المصطلح مشوه التركيب؟
• وهل في الدين أصلا استبداد؟
• وهل يوجد سواء في تاريخنا أو عصرنا شخصيات أو هيئات دينية مستبدة؟
• وهل يزعم أحد ممن يوثق به بوجود فقه مستبد؟ ...
أسئلة لاشك آخذة بلب القارئ لعنوان البحث لأول وهلة، ودافعة إياه للعمق في التساؤل رغبة في معرفة ما هو هذا اللون من الاستبداد، ومن هي الجهة المستبدة بالدين؟ وهل يجرأ اليوم باحث على أن ينعت "المؤسسة الدينية" أو "رجل الدين" بالاستبداد مستندا إلى دلائل وقرائن موضوعية؟
أسئلة لا ريب أنها تتفاعل في ذهن القارئ، وتتوالد بكثرة، دون أن يجد لسد عطشها عبر صفحات البحث سبيلا، خاصة إذا كان شغوفا بالأجوبة النهائية، والآراء الفاصلة في الموقف الفكري والسياسي، رغم أن الموضوع وهو في طور البحث لا ينبغي أن يخرج عن إطاره العلمي، وأن تظل كل نتائجه نسبية حسب رؤية المجتمعات - وما فيها من المؤسسات والهيئات والجمعيات - للحياة والمجتمع تاريخا وواقعا ومآلا.
والغريب أنه مهما بلغت حدة التساؤل، وارتفعت درجة التفاعل مع المصطلح المركب قبولا أو اعتراضا، فالكل مجمع على أن مجرد وجود أضعف نسبة للاستبداد بالأسرة أو المؤسسة أو المجتمع يعتبر مخالفة صريحة لتعاليم وأحكام الدين، ليس فقط في الإسلام، بل في معظم ما نعرفه من الأديان؛ والكل موافق على أن الاستبداد لا ينتج إلا عن تعطيل للدين جزئيا أو كليا في الحياة والمجتمع.(195/1)
لكن ألف الناس أن يسمعوا عن الاستبداد في الحكم والسياسة خاصة، فظل مفهوم الاستبداد حكرا على الحقول السياسية عامة، واشتهر على الألسنة مصطلح "الاستبداد السياسي"، بل كلما ذكر الاستبداد في أي خطاب، فلا يراد منه غالبا إلا هذا اللون اللصيق بالحكم وأنظمته، مع العلم أنه قبل أن يكون الاستبداد نتيجة لغلو أو تهاون في الشأن السياسي، فهو أصلا ومنطلقا غلو أو تهاون في الشأن الديني.
فلا يمكن للمتتبع لحركة وتطور واقعنا الحالي أن ينكر أن بعض الهيئات والجمعيات والأحزاب، سواء منها الدينية أو السياسية، تمارس عن علم أو غير علم نوعا من الاستبداد الفكري والثقافي ذي الطابع الديني، لكن الكاتب رأى لأسباب منهجية وموضوعية، أن ينخرط في البحث ضمن حدود التنقيب عن جذور الصراع الديني العلماني في عصر النهضة بأوروبا كي يقدم أنموذجا ثريا عن الاستبداد الديني، ليس فرارا من الواقع، ولكن اقتضت منهجية البحث الميداني والتحليلي إضفاء الأولوية على الاهتمام بجذور وأسباب الظواهر الاجتماعية والفكرية والسياسية، والبحث عن أصولها التاريخية، قبل الغوص في تطوراتها المعاصرة.
كما أن تحديد المجال زمانا ومكانا في هذا الموضوع الشائك يقتضي اختيارا وترتيبا يسمح باستخلاص نتائج مرضية وثرية يمكن الاستفادة منها في معالجة الواقع المعاصر الفسيح الأرجاء الكبير التعقيد. فليست الغاية الحصول على دلائل وقرائن لاتهام هذا الطرف أو ذاك من السلطة الدينية أو الهيئات والشخصيات المنتسبة للدين بممارسة الاستبداد، ولكن ظلت غاية الباحث إقناع القارئ عبر أنموذج تاريخي بأن الاستبداد الديني هو الأخ التوأم للاستبداد السياسي، إن لم يكن هو الأم له رحما أو رضاعة.(195/2)
ولهذا لم يمنع الباحث نفسه عبر بعض المقاربات الموضوعية والمقارنات العلمية من عرض نتائج ودروس بحثه من خلال إنزالها على واقعنا الإسلامي المعاصر، رغم أن العينة المدروسة تخص دينا آخر وثقافة أخرى، داعيا القارئ بالصبر على تحمل استعمال مصطلحات ومفاهيم هي من صميم علم الاجتماع الديني، قد تبدو غير مألوفة في الخطاب العربي الإسلامي.
ويزعم الباحث أن المقاربة البحثية التي قام بها لا تخلو من فوائد، سواء من حيث الدرس التاريخي، أو التناول المنهجي، أو التنقيب عن جذور تيارات فكرية وثقافية وسياسية سائدة في عصرنا الحالي، واعدا بأن هذا البحث ستتلوه دراسات أخرى بغية نقد موضوعي لما اصطلح عليه عند بعض الباحثين بـ "العقل الديني"، وتنقيبا عبر حفريات علمية متأنية عن صلة الفكر "الغربي" الحديث بالفكر الكنسي وتطوراته المعاصرة.
كما يزعم أن الانسياق المعاصر نحو الحوار مع الآخر لا يمكن أن يكون حواراحقيقا منتجا لافتقاره للقوة المعرفية والثقافية والفكرية بالذات وبالآخر، وحاجته إلى العلم الراسخ بتاريخ التطور الفكري وما يجري في ساحات التدافع الثقافي بين أطراف متنوعة من الذات وجهات متعددة من الآخر. فالآخر أشكال وأنواع، ولكل منها أنصار وأتباع، ومعرفته تشريحا، ودراسته تفصيلا، تاريخا وحالا ومآلا، من أعز مواد الحوار، وهي أمور لا تشترى فضلا عن أن تباع!
بل يجزم ولا يزعم أن المفتقر للحوار مع أطراف ذاته، ضعيف لا محالة أمام خصمه، هزيل الموقف حين الحوار مع غيره، عديم القدرة للاستقلال بقراره، فمثله قد يرحب به لقلة فهمه، ويدعى للجلوس في المقاعد الأولى للتيقن من يسر تسخيره وسهولة استخدامه، ولكن الحقيقة الناصعة أنه غالبا ما يدعى لدورات تدريبية في التلمذة على أيدي الداعي والإذعان له، والإسراع بتنفيذ ما يرضيه وحسن الاستجابة له.(195/3)
فأصحاب الحق يدركون أن الله يدافع عن الذين آمنوا فلا يمتنعون عن أي دعوة للسلم، وأولو النهى لا يترددون في الاستفادة من كافة الموائد التي تسمح بالاستزادة من العلم، لكن حين يأتي الحوار من السفارة لا من الجامعة، ومن جهات سياسية لا من المراكز العلمية، فالتجربة دلت على أنه في الغالب تطبيع مع ما تمنعت عنه الذات من أفكار، وتمهيد لصياغة مستقبلات غدت ممكنة محورها تهميش الصوت الراشد وتبويئ صاحب اللغو مراكز القرار.
ذلك، وقد علمنا الوحي وأنبأنا التاريخ أن صاحب اللغو كان للخسارة حليفا، وحسبنا لمزيد من الأمل في أن تكون لثقافانا النصرة، ويكون الحوار منا مفتوحا لأي كان مع العزة والقوة، أن كيد الشيطان كان على الدوام ضعيفا.
المدخل
يكثر الحديث في ثقافتنا وأدبياتنا، منذ عقود وإلى اليوم، أن العلمانية بأوروبا هي نتاج ثورة الشعوب الأوروبية على الكنيسة، مع ابتسار واضح لدور رجال الدين المسيحي من داخل الكنيسة نفسها في بلورة الفكر العلماني، وتجاهل لجهود ومواقف عديد من المتدينين - المشاركين بقوة في برامج تنشيط العمل الكنسي - في صياغة الفكر الحداثي، وتغاض عن ما قام به أولئك الرجال جميعا من ثورة ليبرالية ثقافية وفكرية في وجه الاستبداد الكنسي.(195/4)
فناقد العقل المسيحي[1]، وخاصة في نصوصه البابوية ومواقف إداراته الكنسية، والمتتبع لتطور فكره وثقافته في الأوساط الأوروبية ونواديها الثقافية والفكرية، والمحلل لما يتحرك ويتوالد بجامعاته ومنابره السياسية من فلسفات وآراء، منذ الاحتكاك بفكر الأندلس الإسلامي إلى أواخر القرن العشرين الميلادي، مرورا بالثورة الفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر، والثورة الليبرالية التي اشتدت في النصف الأخير من القرن التاسع عشر، يلاحظ أن ثقافة قوية وفكرا مستنيرا - نسبة لما كانت عليه الأوضاع الثقافية والسياسية وقتئذ - قد ظلا سائدين في المجتمع الأوروبي بفضل عطاء ومساهمة العديد من أتباع الكنيسة المثقفين - والمتحررين نسبيا - في مجالات العلم والفكر والثقافة، على اختلاف مذاهبهم العقدية ومشاربهم الإيديولوجية.
وتجلى عطاء أولئك الثوار المسيحيين الفكري والثقافي في شكل كتب ومنشورات ومجلات ودروس ومحاضرات، مثل ما هو الشأن بالنسبة للمساهمات الفلسفية والفكرية والثقافية الأخرى، مضيفا لبنة أساسية لما يرمز إليه في الفكر الغربي المعاصر بفلسفة الأنوار، والتي تعد ثورة الإصلاح الكنسي في القرن السادس عشر الدافع الأساس لانبثاقها وانتشارها.
بعض تلك الإنتاجات حمل اسم صاحبه، حيث فقد بعد إصدارها إما مواقع سلطة في الهرم الكنسي، أو مكانة في بلاطها السلطوي، أو تقديرا متميزا لدوره الديني أو التربوي أو الاجتماعي؛ بل كثيرا ما نجده يعاني من جرائها متاعب ومصاعب دفعت إلى غضب البابا ومضايقات من لدن رجال السلطة الدينية المحلية والمركزية، حتى إننا لنجد من هؤلاء من اضطرته الضغوط والإكراهات إلى العدول عن آرائه أو توقيف نشراته أو مجلته.(195/5)
وبعضها حمل اسما مستعارا أو صدر بدون اسم، كما هو حال مؤلفات ومنشورات العديد من المثقفين والمفكرين والفلاسفة زمانئذ، علما أنه إلى عهد قريب، كان لا يصدر الكتاب للعموم في الوسط الكاثوليكي إلا بعد موافقة الإدارات الدينية الرسمية، وصدور ترخيص موقع من طرف الكنيسة المحلية أو السلطة الكنسية المركزية.
ففي فرنسا مثلا، وهي مهد الثورة الليبرالية والوقوف في وجه سلطة الكنيسة، لا ينكر فضل منشورات ومجلات قوية مثل مجلة "الزمن الجديد" (L'ère Nouvelle)، ومجلة "المجلة الفرنسية" (La Revue Française)، ومجلة "المراسل" (Le Correspondant)، ومجلة "المستقبل" (L'avenir)، وغيرها من المجلات التي كانت تستقطب جمهورا هاما من القراء، وكان لها التأثير الكبير داخل الوسط الثقافي والفكري الأوروبي، خاصة داخل الكنيسة حيث جمهورها الصامت والواسع، يغذيها ويشجع على أفكارها مثقفون معروفون بولائهم للدين المسيحي مثل "لاموني" (Lamennais)، و"مونتالومبير" (Montalembert)، و"لاكوردير" (Lacordaire)، وغيرهم من الذين ساهموا جميعا في نشر فكر ليبرالي قوي في وجه الاستبداد الكنسي وتحجر الفكر المسيحي التقليدي، وكان جمهورهم الكبير قراء ومتعاطفين أغلبه من داخل الصف المتدين، بل كان لفكرهم بحكم انتمائهم الديني صدى كبير في أوساط المخلصين من أتباع الديانة المسيحية.(195/6)
فالتاريخ المعاصر يشهد بأن العديد من رجال الدين المسيحيين قد ناضلوا ضد الاستبداد الديني والطغيان الفكري للإدارات الدينية المركزية بشتى الوسائل المتاحة لهم، إما عبر نشر الأفكار وتنوير الرأي العام كما ذكرنا، وإما عبر منابر التأثير الاجتماعي والسياسي بمؤسسات المجتمع المدني ذات الطابع الديني، مثل "الوكالة العامة للدفاع عن الحرية الدينية" (Agence Générale pour la Défense de la Liberté Religieuse) [2]، هادفين بشكل مباشر أو غير مباشر إلى إضعاف سلطة البابا المدنية والدينية، وتمكين أفراد المجتمع من الحرية بمختلف أبعادها الاجتماعية والسياسية والدينية، وتأهيل رجال الدين المسيحي أساسا إلى الإسهام في خدمة تلك الحرية، ودفعهم لانتزاع مراتب اجتماعية ودينية وسياسية لم تكن لتتاح لهم دون الحد من جبروت الإدارات الدينية الرسمية.
ولا شك أن للثورة الفرنسية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صاحبها الأثر الكبير في بلورة الفكر الحداثي، وكسبه المعارك في وجه الفكر الكنسي التقليدي، لكننا حين التمعن في أحداث التاريخ، ودراسة حركة التيارات المتدافعة من القرن السابع عشر الميلادي إلى مطلع القرن العشرين، نجد أثرا هاما لرجال الدين المسيحيين في انتشار الفكر المضاد لسلطة الكنيسة، ساهم في اندلاع الثورة الفرنسية نفسها، ويسر السبل أمامها، بل أثر في فلاسفتها وتأثر بها، تنظيرا وتحضيرا وتأطيرا[3].(195/7)
ولكن الشيء الذي ساهم في اشتداد حدة المواجهة بين الفكر الحداثي والفكر الكنسي الرسمي على الصعيد الثقافي والفكري، وخاصة على الصعيد العقدي، وأعطى دفعات قوية للعلمانية وانتشار خطابها وأفكارها، وظل نسيا منسيا في كتبنا ومراجعنا العربية، هو صدور لائحة بابوية للمقولات والأفكار الممنوع على أتباع الكاثوليكية التلفظ بها، اقتناعا بمحتواها أو تصديقا لأفكارها، فضلا عن الانخراط في الترويج لآراء ونظريات تتبنى أطروحاتها أو تنساق وراء فلسفتها.
وجاء هذا الإصدار ضمن ملحق للرسالة البابوية الدائرية والتوجيهية بتاريخ 8 ديسمبر 1864 والمعنونة "كوانتا كورا (بأي قدر)" (Quanta Cura)[4]، ومضمون هذا الملحق لائحة ضمت ثمانين (80) مقولة أو فكرة تعتبر في نظر الكنيسة خطيئة وكبيرة سبق أن نصت على ضلالها رسائل وخطب سابقة لباباوات الكنيسة، بما فيهم البابا بيا التاسع الذي أصدر الرسالة المعنية وملحقها المثير للجدل.
ونحن لا ندعي بأنه مثير للجدل بناء على دراستنا الوثائقية واستقرائنا التاريخي فحسب، ولكن يشاطرنا الرأي العديد من أتباع المسيحية أنفسهم، ومثقفون بارزون من داخل الصف الكنسي الرسمي، الأقدمون والمعاصرون، والذين شهدوا بأن نشر تلك اللائحة كان وقودا لاندلاع انتقادات كبرى مكثفة وقوية ولاذعة للسلطة الكنسية الكاثوليكية وللكرسي البابوي وإداراته المركزية والمحلية، مازالت آثارها وردود فعلها تترى إلى أزمنتنا المعاصرة.
بل ساهم ذلك الإصدار في تقوية صفوف الجانب العلماني والتيار الحداثي، ومكنهما من كسب مواقع هامة داخل صفوف الحركات الدينية المستنيرة من جهة، وإضعاف سلطة الكنيسة الدينية والمدنية من جهة أخرى، وخاصة على صعيد الفكر والثقافة والتربية والرعاية الاجتماعية.(195/8)
فما قاله الكاتب جوزيف لوكلير (Joseph Lecler) مثلا في مجلة "دراسات" (Etudes) المسيحية، والمنشور في عددها لشهر يونيو 1964 بمناسبة مرور مائة سنة على "لائحة المقولات والأفكار المحظورة" (السيلابوس: syllabus)، يدلنا مثل غيره من الأقوال المماثلة الصادرة عن رجال الدين المسيحي على خطورة تلك اللائحة، وحجم أثرها التقليدي والمتزمت على الفكر والثقافة المسيحية، منذ صدورها وإلى اليوم، وإن كان "مجمع الفاتيكان الثاني" (concile Vatican II) ببيانه حول الحرية الدينية (Dignatis Humanae Personae) قد أدار ظهره لهذه الوثيقة البابوية التي ظلت سيفا مسلطا بمثابة القانون الحاضر الغائب دهرا طويلا، وأصدر ما يعاكسها تماما من حيث الجوهر والأهداف والتعامل مع المرتكزات العلمانية التي انغرست في الثقافة الأوروبية والفكر الأوروبي، بل تجذرت تجذرا قويا في الفكر الكنسي نفسه والثقافة المسيحية المعاصرة.
يقول هذا الكاتب:
"لم يكن لأي وثيقة بابوية صدى مثل الذي كان للسيلابوس "اللائحة". فهذه المدونة للثمانين مقترحا صدرت كملحق للرسالة الدائرية البابوية كوانتا كورا (بأي قدر) من طرف البابا بيا التاسع بتاريخ 8 ديسمبر 1864، ومباشرة بعد صدوره أثار هذا السيلابوس في العالم بأسره، وفي كافة الأوساط - حتى غير المؤمنة منها - ردود فعل قوية، وانتقادات رائعة، مازال صداها ممتدا إلى اليوم. فهذا اللفظ اللاتيني البسيط الذي يعني "فهرست" قد أضحى له الوقع السحري، ومازال إلى اليوم يغذي فكر وفلسفة نقد السلطة الكنسية حتى بين المسيحيين أنفسهم، ودون الابتعاد عن إثارة بعض القلق"[5].(195/9)
كما أننا نجد - إبان انعقاد المجمع المسكوني الأخير (مجمع الفاتيكان الثاني) في مطلع الستينات - أن العديد من المؤسسات والمراكز الكاثوليكية كانت تقوم بأبحاث ودراسات تمهد للقرار الذي أصدرته سلطة الكنيسة الكاثوليكية في شكل بيان صادر عن المجمع حول الحرية الدينية، والذي ألغى ضمنيا السيلابوس وما ترتب عليه من قوانين ومواقف وتوجهات.
من هذه المراكز "المركز الكاثوليكي للمفكرين الفرنسيين" (Centre Catholique des Intellectuels de France)، والذي أصدر كتابا ضمن سلسلته "أبحاث ومناقشات" حول "الحرية الدينية" جاء في مطلعه دراسة بعنوان: "الحرية الدينية وسيلابوس 1864 في زمننا اليوم"، ورد فيها ما يلي:
"لم يكن السيلابوس أبدا مقدما بشكل رسمي على أنه وثيقة لها حالة من العصمة، أو بمثابة نص دال على حقائق لا سبيل لتغييرها. بل يمكن التصريح بعد دراسة أنه يعبر عن زلة قدم الكرسي المقدس، دون أن تهتز قواعد المنظومة الكاثوليكية لتلك الزلة، مثل البابا هونوريوس[6] الذي يرشدنا المؤرخون بأنه قد دخل عهد الضلالة أو قريبا من ذلك."[7]
كما ذهب بعض المؤرخين وفقهاء الكنيسة إلى أن الرسالة وملحقها هو كتاب خاص صادر عن كتابة الدولة بالفاتيكان، جمع نصوصه المتفرقة في رسائل البابا وبعض أسلافه الأقربين شخص مجهول الهوية.
كل ذلك لينفوا عن الكنيسة ورطتها التي وقعت فيها، وليجدوا لأنفسهم حلا في قولهم أن ما يصدر عن البابا هو معصوم لأنه صادر تحت رعاية السيد المسيح وبحضور أو دعم الروح القدس، وكون تطور الفكر الكنسي لم يجد بدا في العقود التالية من التنصل من توجيهات ملحق تلك الرسالة القنبلة، بل التنكر الكلي له ونسيان ذكره ومحو أثره.(195/10)
فعادة ما يحتفل في كل عشرية بالرسالة ذات الشهرة مثل ما هو الحال بالنسبة للرسالة التوجيهية للبابا ليون الثالث عشر XIII Léon (الذي تلا البابا بيا التاسع)، والمسماة "ريروم نوفاروم" (Encyclique Rerum Novarum) الصادرةبتاريخ 15 مايو 1891، والتي يعدها رجال الكنيسة أول رسالة ذات صبغة اجتماعية إذ خصصت للعناية بقضايا العمال والدفاع عن أحوالهم الاقتصادية والاجتماعية[8]، بل مضى القرن ولم نجد في المجلات المسيحية على كثرتها من يشير بالذكر إلى رسالة البابا بيا التاسع وملحقها رغم كونها صدرت دفاعا عن الكنيسة، وسعت لتكون سدا منيعا في وجه الحداثة الزاحفة، حيث رأى فيها معظم رجال الكنيسة بعد أقل من عقدين مصدر قلق على مستقبل المسيحية، وحجة قوية بيد المغرضين لإدانة الكنيسة، بل تصرفوا منذ موت البابا المذكور وإلى اليوم وكأنه ما صدر عن الكنيسة ذلك النص الملغوم ولا نشر.
فتاريخ صدور هذه المدونة يعتبر حدا فاصلا بين عهد كانت تجد فيه سلطة الكنيسة كثيرا من الأنصار ضمن جموع المسيحيين، ووحدة ما في صفوف رجال الدين، وعهد اشتد فيه الانتقاد لها حتى بين صفوف الأتباع والرهبان والأساقفة، وتمكنت فيه الجهات المنادية بالحداثة والعلمانية من نص ديني رسمي يسمح بالنقد اللاذع والتأليب الشعبي على السلطة الكنسية التي هدفت علنا بذلك الإصدار إلى تكميم الأفواه، ومصادرة الأفكار، وتعليب الآراء ضمن قوالب جامدة ومتحجرة.(195/11)
وليس مثل هذا التصرف بغريب على الفكر الكنسي الرسمي، فمنذ العهود الأولى للمسيحية، وخاصة بعد "مجمع نيقية الأول" سنة 325 ميلادية، والذي حدد عقيدة التثليث، واعتبر رأي أريوس من مسيحيي الإسكندرية - التوحيدي نوعا ما - بدعة وضلالة، ظلت رسائل ومراسيم السلطة الدينية المسيحية، وقوانين المجامع المسكونية خاصة، تضم نصوصا ولوائح تحصي البدع والضلالات والأخطاء، مستنكرة لها ولاعنة قائليها ومروجيها، ومصنفة أصحابها ضمن لائحة الضالين والمطرودين من رحمة المسيح.
بل نجد عمل الكنيسة القانوني والفكري منذ القرون الوسطى إلى أواخر القرن التاسع عشر الميلادي قد ظل في معظمه مجموعة قوانين ورسائل ومراسيم تشجب وتلعن ما تصفه بالبدع والأخطاء والضلالات المخالفة للعقيدة المسيحية كما يراها ويرعاها الكرسي البابوي، مثل المجمع المسكوني لترانت (1545-1565) (concile oecuménique de Trente) الذي ذيل أعماله بقوانين تشجب وتلعن الأطروحات والأفكار المخالفة للعقيدة التي أقرها المجمع، وعمق بذلك شروخا وانقسامات ما زالت تعاني منها الكنيسة إلى اليوم.(195/12)
والمطلع على تطور العقل المسيحي الكنسي وفكره وثقافته، والدارس لنتاج الكرسي "الرسولي" الذي يجسد بنسبة كبيرة آلية وإنتاج ذلك العقل، يدرك أن الرسالة الدائرية البابوية الصادرة عن البابا بيا التاسع "كوانتا كورا (بأي قدر)" (Quanta Cura)، والتي تضم ضمن ملحقها السيلابوس (المدونة)، تجد أصولها أساسا في الرسالة البابوية الصادرة عن البابا غريغوار السادس عشر (Grégoire XVI) والمعنونة "ميراري فوس" (Mirari Vos) بتاريخ 15 أغسطس 1832، والتي قصد منها البابا المذكور أساسا إسكات الكاتب المسيحي "لاموني" (Lamennais) وجماعته، ومنع مجلته "المستقبل" (L'avenir) ذات الخط التحرري والتأثير القوي في الأوساط الدينية[9]، والتي ساهمت في نشر أفكار ليبرالية تتلاقى مع الفكر الحداثي الناشئ، والشديد الارتباط بنشاط المؤسسات العلمانية، والماسونية أساسا.
ومساهمة منا في التعريف بجذور الفكر العلماني الغربي، والذي نراه إنتاجا مسيحيا خالصا في العديد من مكوناته، مع مساهمة يهودية ملموسة - لكن محدودة من حيث التأطير، وإن كانت قوية من حيث التنظير والتأثير - سنعمد إلى دراسة هذه اللائحة (السيلابوس) والتي ارتأينا أن نسميها "المدونة البابوية للمحظور من الفكر والكلام"، لأنها بالفعل قامت بتدوين مجموعة من المقولات كما قلنا يحرم على المسيحي الإيمان بها، أو اعتقاد إمكانية صدقها وصلاحها.
وطبعا حين نقول البابوية، فإننا نقصد أنها صادرة عن أعلى سلطة كنسية كاثوليكية، وأنها تعني الكاثوليك بالذات قبل غيرهم، وهم الطائفة الكبرى ضمن المجتمع المسيحي.
لكن قبل أن نقوم بعرض نص المدونة، سنقدم تعريفا لشخصية البابا بيا التاسع (Pie IX)، مع إشارة لدوافع إصداره لتلك المدونة، وذكر نبذة عن الرسالة التوجيهية "كوانتا كورا (بأي قدر)" (Quanta Cura) التي صدر نص المدونة ملحقا بها.
تعريف بالبابا بيا التاسع(195/13)
لن نطيل الحديث حول حياة البابا بيا التاسع، ولا عن مساره الثقافي والديني،ولكن باختصار شديد نشير إلى أن الاسم الأصلي للبابا بيا التاسع هو "جيوفاني ماريا مستايي فيريتي" Giovanni Maria MASTAI-FERRETI (1792-1878) كان أطول من عمّر على كرسي البابوية (32 عاما تقريبا)، وعاصر عهد الثورات الليبرالية وانطلاق الفكر الشيوعي وتألق الفكر الحداثي والعلماني، وتميز إضافة لذلك لدى خبراء تاريخ الكنيسة بأنه صاحب المشكلات الأربع:
1. مواجهة الحداثة: وحين يذكر عداؤه ومواجهته لتياراتها يستند المنتقدون له أساسا على نص المدونة التي نحن بصدد دراستها.
2. عداؤه لليهود: حيث ينسب له - وهذا أمر يحتاج إلى دراسة تاريخية معمقة للتأكد من صحته، لكن الكثير من المراجع التاريخية تشير إليه - أن الكنيسة قد عمدت في عهده إلى تنصير اليهود قسرا. وتستند جل التهم من هذا الصنف الموجهة إليه على حادثة تنصير الطفل مورتارا (Mortara) سنة 1858، حيث تقول المصادر التاريخية - غير الكنسية طبعا - أن رضيعا يهوديا لا يربو عمره عن السنة والنصف أصيب بمرض خطير، فعمّد سرا حسب طقوس الكنيسة الكاثوليكية، ثم سحب قسرا من عائلته ليتلقى تعليما مسيحيا. وهذا الطفل أصبح بعد راهبا واعتبره البابا ابنه بالتبني.
وتشير تلك المصادر التاريخية إلى أن هذا الأمر قد تم بالفعل، بل تنص على أن الراهب المذكور "إيدغاروا ليفي مورتارا" قد ظل على رهبانيته إلى أن توفي سنة 1940.(195/14)
3. ابتكاره لعقيدة عصمة البابا: فقد عمد إلى الدعوة لعقد مجمع مسكوني "مجمع الفاتيكان الأول" ما بين 1869- 1870 ليصدر العديد من القوانين، كان على رأسها الدستور Pastor aeternus المثير للجدل والمؤسس لعقيدة "عصمة البابا" بتاريخ 13 يوليو 1870. ذلك أنه وضع حدا لكل تواق للرجوع إلى قرارات "مجمع قسطنسة"[10] (constance) بألمانيا حول "النظريات المجمعية"[11] (Les théories conciliaires) والتي قضت بأن تكون سلطة المجامع أعلى من سلطة البابا.
ولولا أن المجمع اضطر إلى التوقف لظروف أمنية بعيد صدور ذلك الدستور لكانت لائحة القوانين أشد وقعا على الفكر المسيحي الكاثوليكي مما عرفه التاريخ. بل نقول لو أن الكنيسة كانت بالفعل مؤمنة بالديموقراطية والحرية لألغت دستور البابا بيا التاسع في مجمعها الأخير (مجمع الفاتيكان الثاني) وأعادت الاعتبار لعلو سلطة المجامع المسكونية كما فعلت مع المدونة/ السيلابوس، ولكن لكرسي السلطة حلاوته وجاذبيته.
وبالمناسبة - وحتى ندرك الحيرة الفكرية التي كانت سائدة في الوسط الكنسي الرسمي - فإن ذلك الدستور قد صوتت عليه الأغلبية حيث وافق عليه 553 أسقف وراهب من الحاضرين ضد 2 فقط، لكن المثير للانتباه أن الوفد الفرنسي المكون من قرابة الخمسين أسقف، غادر روما قبل ذلك التاريخ بيوم حتى لا يحرج البابا في عدم الموافقة على مقترحه الخطير.
4. اختلاقه لعقيدة "الطاهرة والعديمة الذنوب مريم" (dogme de l'Immaculée conception) سنة 1854، وهي عقيدة كان فكرها سائدا قبل البابا بيا التاسع، لكنه يعتبر أول من سنها كقانون من صلب العقيدة الكاثوليكية، وأقام احتفالات مشهودة لذلك.(195/15)
أسس هذه العقيدة المستحدثة تنزيه العذراء مريم عن تهمة الخطيئة الأولى التي قام بها آدم وحواء كما هي مفصلة في كتب العقيدة النصرانية. فهذا الأصل من العقيدة النصرانية المتعلق بشمول الخطيئة الأولى لكافة البشر، وسريان إثمها في عقب آدم وحواء، سمح لأصول أخرى من تلك العقيدة أن تتمنهج وتتعقلن لتبرير خلاص وفداء المسيح "الإله الإبن" للبشرية.
إلا أن اعتبار السيدة مريم استثناء من التعميم الذي ينص عليه ذلك الأصل قد أوجد عقيدة أخرى تكاد تنطلق من التثليث إلى التربيع، علما بأن إضافة العصمة على البابا قد جعل عقيدة النصارى في طبعتها الكاثوليكية تميل من حيث المرجعية والتقديس إلى نوع من التخميس في العقيدة الكاثوليكية (الله، المسيح، الروح القدس، مريم، البابا)، علما أن عديدا من القراء المسيحيين سيرون - من وجهة نظرهم - أنني أغالي في وصفهم بأصحاب تخميس، كيف وهم يرون أنهم موحدون، توحيدا يتجلى في تثليث!
هذه العقيدة المستجدة كرست القطيعة مع البروتستانت، وجعلت الكنيسة في تناقض صارخ بين عموم الخطيئة الأولى على كافة البشر، والاستثناء الذي خصته للعذراء مريم.
ويشهد المؤرخون أن عهد البابا بيا التاسع هو الذي جعل من رد الفعل الكاثوليكي تجاه الثورة الفرنسية منهجا رسميا للكنيسة، واعتبر ما صدر من الدراسات والأبحاث والمقالات في هذا الشأن تراثا رسميا للإدارة الكنسية، مع عداء واضح وصارخ لمذهب البروتستانت، واعتبارهم الأصل في بلايا زمانه من اشتراكية وشيوعية وعلمانية وماسونية.
تعريف بالرسالة البابوية
كوانتا كورا (بأي قدر) (Quanta Cura)(195/16)
لن نتطرق في هذا المقال المختصر إلى مدلول كلمة "رسالة دائرية" (encyclique) في القاموس الديني المسيحي، ولا إلى الأصول التي رجعت إليها الرسالة التي نحن بصددها من رسائل سابقة لباباوات الكنيسة وتوجيهاتهم وخطبهم ولعناتهم للأفكار والآراء المخالفة لطرحهم[12]، ولا إلى العلاقة الوطيدة كما ذكرنا بينها وبين الرسالة التوجيهية للبابا غريغوار السادس عشر (Grégoire XVI) والمعنونة "ميراري فوس" (Mirari Vos) بتاريخ 15 أغسطس 1832،[13] مكتفين بالقول بأن هذه الرسالة البابوية التوجيهية قد مثلت قمة الدفاع عن الكنيسة الكاثوليكية في وجه الحداثة العلمانية، أو على الأعم في وجه الثورة الليبرالية ذات النزعة الحداثية، ومن ثم كان اهتمامنا بها وبملحقها.
فهي بثوبها التقليدي وتشديدها السلطوي سمحت للثورة الليبرالية بأن تزدهر وتتسع داخل جمهور أتباع المسيحية من مسؤولين ومتدينين، بل حتى من داخل الهرم السلطوي نفسه، فهؤلاء جميعا قد استحسنوا في الغالب نقد تيارات الحداثة ومواجهتها للسلطة الدينية، ورضوا في داخل أنفسهم بكشفها صورا من جور واستبداد الكنيسة وفكرها المتحجر، بل رأوا في ذلك النقد المعقلن سندا لحركتهم الخافتة في وجه الفكر الكنسي السائد، والقائم عقبة في وجه التقدم، والرافض لكل قبول للرأي المخالف أو الحوار مع الآخر.(195/17)
فليس عجبا أن يطفو على السطح نشاط مؤسسات ذات توجه عقدي مخالف للكنيسة الرسمية بشكل علني وبقوة بعد صدور تلك الرسالة وملحقها، سواء أكان ماسونيا أو يهوديا أو علمانيا أو غير ذلك. فلم يكن الصهاينة مثلا ليعقدوا مؤتمرهم الأول في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي وبكل حرية، لولا ضعف سلطة الكنيسة، واتساع مجال الحرية الدينية الذي أسهمت في انبثاقه الانتقادات العارمة لمضمون تلك الرسالة البابوية وملحقها المزعج، وانزواء رجال الدين المتشددين إلى خطوط الدفاع، وانشغالهم بتبرئة الذات وتحسين الصورة، وامتناعهم عن كل مواجهة، بعد إشباع الجهات المناهضة إدارة "الكرسي الرسولي" قدحا إلى حدود النيل من سلطان نفوذها وتقليص مجال تأثيرها، مما جعلها تنزوي إلى دائرة الدفاع عن النفس، ساعية عبر محاولات شتى إلى التجديد في خطابها التقليدي لمنع تقلص الأنصار المتزايد، والذي ضاعف من أثره ضياع الأراضي والممتلكات البابوية، وتقلص النفوذ "العقاري" والفلاحي للكنيسة. فلو عزم منظمو ذلك المؤتمر إلى عقده قبل نصف قرن من تاريخه مثلا، لكان للكنيسة بالتأكيد رغم أزماتها موقف مناهض ومعاكس[14].
فلقد سمح هذا الملحق برسوخ الأفكار التي أرادها ممنوعة ووصفها بالضالة بسهولة تقنين المواقف الحداثية دستوريا، وترويج الأفكار والثقافات المؤيدة لها على نطاق واسع، مما اضطر الإدارة العليا للكنيسة أمام الانتقادات الموجهة لها من داخل صفوفها وخيرة أتباعها إلى عقد "مجمع الفاتيكان الأول" (1869-1870) وإصدار قرار عصمة البابا، فزادت الطين بلة، ودفعت إلى توسيع مجالات الحرية الدينية، والظهور العلني، المؤسساتي والدستوري، لليبرالية المسيحية، مع نمو متصاعد للعلمانية، ونفوذ متزايد للأديان والملل الأخرى، وخاصة منها اليهودية التي كانت تعاني من الضيق والاضطهاد في أزمنة خالية.(195/18)
بل لم تستطع تيارات الحداثة العلمانية - التي كسبت في ذلك الظرف العديد من المواقع السياسية والأرضية الدستورية - أن تضع قواعد الفصل بين الدين والدولة، وخاصة في الميادين التربوية والاجتماعية، إلا بفضل المناخ الثقافي النقدي الذي فجرته الرسالة البابوية وملحقها الاستبدادي، وقوة الردود التي كانت حولهما، حيث تمكنت من الدعاية السهلة لتحكيم العقل والمنطق لرفض مقتضياتهما، والتريث في الطاعة لكل توجيه ديني أو مدني من الكرسي الرسولي.
وغير خاف أن الفكر المسيحي التقليدي قد ظل منذ أن اقتبس تنظيم المجامع من المجالس الرومانية يفرض سلطته عبر إنزال لعناته على المخالفين في المجامع المحلية والمسكونية، وإقصاء معارضيه من الساحة، وسحب كل منزلة دينية عنهم، واتهامهم بسدنة الشياطين. ولقد ظل هذا النمط سائدا منذ بزوغ المسيحية التثليثية بشكل رسمي وجماعي في "مجمع نيقية" (concile de Nicée) سنة 325 ميلادية وحتى عقد "مجمع الفاتيكان الأول".
واستفحل الأمر بعد انشقاق الكنيسة على أيدي الراهب الألماني الثائر "مارتن لوثر" Martin Luther (1483-1546) واللاهوتي الفرنسي "جون كلفان" Jean Calvin (1509-1564) ورفاقهما من البروتستانت، وخاصة بعد انعقاد المجمع المسكوني لترانت (1545-1565).
ولعل البابا ليون الثالث عشر في أواخر القرن التاسع عشر - والذي جاء بعد البابا بيا التاسع - هو أول من حاول الخروج عن هذا المألوف، سعيا لكسب بعض المواقع الاجتماعية والحد من الانتقادات الشعبية. ثم تجسدت الثورة على الموروث في "مجمع الفاتيكان الثاني" [15] حيث كان صدور البيان حول الحرية الدينية والبيان حول العلاقات مع غير المسيحيين بمثابة طلاق مع الفكر المسيحي التقليدي، وإن كانت معظم دوافع صدور هذين البيانين هي من خارج الكنيسة، ونتيجة ضغوط وإكراهات لا علاقة لها بتطور الفكر المسيحي انسجاما مع المدون من العقيدة.(195/19)
فكان طبيعيا أن تحتوي رسالة البابا بيا التاسع تنويها بالأسلاف، ولعنات للتيارات المعادية لفكرها، ووضع حدود صارمة تفرض على الواقع، يعد كل متجاوز لها داخل اللعنة الرسمية، ومؤهلا لأن يدون اسمه باللائحة السوداء. وبالفعل، تشير الفقرة الأولى من الرسالة التي نحن بصددها بوضوح إلى الأهداف التي كانت سائدة في الفكر المسيحي البابوي، والمتمثلة في التقليد الشديد للماضي، واعتبار كل تجديد ضلالا وخروجا عن طريق الصواب، بل انحرافا عن عقيدة المسيحية كما أثبتتها المجامع المسكونية.
فلقد جاء في الفقرة الأولى من الرسالة:
"نعم، إن أسلافنا قد برهنوا على أنهم هم المدافعون والمنتقمون لديانة الكاثوليك "العظيمة" وللحقيقة وللعدالة. فلقد كان همهم قبل كل شيء خلاص الأرواح، ولم تكن قلوبهم أحرص على شيء من اكتشاف وشجب - عبر رسالاتهم ودساتيرهم الحكيمة - كل الضلالات والأخطاء، والتي خلافا لعقيدتنا ودين الكنيسة الكاثوليكية، وخلافا لشرف الأخلاق والخلاص الأبدي للبشر، لم تفتر باستمرار تحدث العواصف الشديدة التي لطخت كلا من الكنيسة والمدنية".
ويلاحظ أن البابا قد بدأ مطلع رسالته بتمجيد الأسلاف الذين سبقوه في اعتلاء الكرسي البابوي، مشيدا بدقتهم وصرامتهم، وهو بذلك يريد أن يؤكد على أنه يسير على نهج أسلافه، والتمسك بمضامين الفكر المسيحي التقليدي في مواجهة مستجدات الواقع المعاصر، ومتطلبات ساحاته الثقافية والسياسية والفكرية والدينية، خاصة وأن الثورة الليبرالية كانت على أشدها بأوروبا، وأضحت بعد المواجهات الحادة مع البابا بيا التاسع في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي - كما سنلمح لبعض ذلك في دوافع إصدار المدونة - عامة وشمولية في جميع الأمصار تقريبا عبر انتشارها في جميع القطاعات الأدبية والفكرية والسياسية والتربوية.
دوافع إصدار المدونة(195/20)
يشعر القارئ الناقد للنص بأن جمع المدونة كان شيئا مفكرا فيه قبل تاريخ صدوره، لكن لم تكن الكنيسة متحمسة له على رغم كونها راغبة في صدور قانون بابوي يلزم الأتباع بالاستقامة على الطاعة والاتباع، فهي عبر النص تخاطب أتباعها خاصة، حيث اتضح لها أن من ضمن فرق رجال الدين الخاضعين لسلطانها جمهور هام بدأت تستهويه فلسفة الحداثة، معتقدا صواب أفكارها، ومشاطرا لها الكثير من مواقفها.
ويلاحظ الناقد ذلك عبر تلمس العجلة التي أعد بها النص، ونظام ترتيب عناصره، وحرص المشرفين على إبراز بعض القضايا دون بعض. فآخر كتاب صدر حول هذه المدونة بمناسبة مباركة الكنيسة للبابا بيا التاسع ورفعه لمرتبة القديس الصالح[16]، يشير إلى أن النص أعد على عجل رغبة في تحقيق أهداف إعلامية بالأساس[17].
لكن إصدار الكاتب إرنست رينان Ernest Renan (1823-1892)لكتابه "حياة المسيح" (Vie de Jésus) سنة 1863، والذي لقي شهرة كبيرة بعد إصداره، كان حسب الخبراء والمؤرخين هو الدافع الأساس للإسراع بتحرير المدونة وتوزيعها على الأساقفة والرهبان. كيف وهو الكاتب الذي لقبه البابا بشاتم الإله ومنتقص الذات الإلهية الأوروبي (le blasphémateur européen).
وتحدثنا المراجع التاريخية الكنسية أنه كان للبابا بيا التاسع فعلا نية في أن يصدر السيلابوس مع التوجيه سنة 1854، والذي خصص للإعلان عن تأسيس "عقيدة الطهارة الكلية للعذراء مريم" (dogme de l'Immaculée conception)، إلا أنه كما يقول مؤيدو السيلابوس، لم يكن متجانسا البتة أن يوضع تحت "القدم العذري الذي يحطم كل الأخطاء" - وهم يعنون بذلك سيدتنا مريم عليها السلام - تلك اللائحة من الأخطاء والبدع المعاصرة.(195/21)
بل وجدنا في الكتابات المعاصرة للفكر المسيحي احتجاج أولئك المؤيدين من المسيحيين الراديكاليين بتلك النية البابوية في النشر المبكر في وجه من ذهبوا من المؤرخين إلى القول بأن نشر اللائحة كان تحت وقع سلب الأراضي للسلطة الكنسية وتفتيت "الولايات البابوية"، وغيرها من الحوادث السياسية، بعيدا عن كل مقصد ديني، ليبرهن أولئك الراديكاليون على أن النشر كان نتيجة تفكير عميق وإعداد طويل لخبراء الكنيسة برئاسة الكرسي البابوي.
ولا شك أن الأحداث التاريخية تؤكد أن النية كانت بالفعل لدى البابا في إصدار المدونة سنة 1854، ذلك أن مواجهة الفكر الليبرالي والحداثي بدأت تطفو على السطح بحدة، مستغلة الأزمات السياسية والحروب الطاحنة التي سعرت لظاها في إيطاليا والدول المجاورة لها. ففي 29 أبريل 1848 أعلن البابا أنه لا يمكنه إعلان الحرب على دولة المجر الكاثوليكية، مما يوحي ضمنيا أنه يشجب التحركات التي يقوم بها الملك "شارل ألبير" ملك بييمونت (roi du Piémont)[18]. فكانت ردود الفعل أن اغتيل رئيس الحكومة بالفاتيكان الراهب "باليغرينو روصي" (Pallegrino Rossi) في 15 نوفمبر من نفس السنة، مما اضطر البابا إلى أن يغادر روما متخفيا في الأسبوع الموالي خوفا على نفسه إلى مدينة جاييت (Gaéte) (مدينة بالجنوب الإيطالي)، وهكذا أعلن عن نهاية الحكم السياسي والمدني بروما بتاريخ 9 فبراير 1849.
أما من باريس، فقد انطلق الانفجار الثوري الماسوني سنة 1848 ليعم كافة أقطار أوروبا، وصدر كذلك في نفس السنة البيان الشيوعي، لتتجسد الأفكار الناتجة عنهما في شكل جمعيات ومؤسسات ذات نفوذ في مجال الإعلام وأندية الثقافة والفكر في أقل من خمس سنوات.(195/22)
ومما يقوي الشهادة بذلك أيضا أنه في تلك السنة (1854) ظهرت ببعض البلدان الأوروبية جمعيات ومؤسسات ترى أن مراسيم الدفن يمكن أن تكون مدنية، حيث سرى بين الناس نوع من الفكر يعتبر استدعاء راهب حين الموت تخلفا، وتسليما للكنيسة بأن لها سلطة على الآخرة؛ كما ساعد على نمو هذا الفكر موقف الكنيسة المتمثل في رفض دفن موتى من تعدهم من أعدائها في المقابر المسيحية، والتي ترى تربتها مقدسة ومنزهة عن احتواء رميم المفكرين الأحرار.
فمثلا نجد المفكر المسيحي "بيار - تيودور فرهايجن" (Pierre-Théodore Verhaegen) (1796 - 1862) مؤسس الجامعة الحرة ببروكسيل معقل العقل الماسوني، والأستاذ الأكبر للمحفل الماسوني البلجيكي من سنة 1854 إلى 1862 ( بل هو الذي ألغى القرار 135 من قانون المحفل الذي كان يمنع مناقشة الشأن الديني البلجيكي حيث اعتبارا من تاريخ إلغائه يوم 21 أكتوبر 1854، أصبح انتقاد الماسونية للكنيسة صريحا وقويا)، يعلن بتاريخ 10 ديسمبر 1862 أنه يطالب بمراسيم دفن مدنية رغم عدم رضا عائلته المتدينة. وإعلانه هذا شجع فكرة "الموت المدني"، خاصة وأن طلبه صادر عن شخصية، ماسونية نعم، لكنها ما لبثت تنادي جهارا بمسيحيتها، حيث نجد هذا الأستاذ يعلن سنة 1852م في البرلمان البلجيكي الذي كان رئيسه مراراً: "إنني مسيحي، وأعلنها بكل قوة". وتم تحقيق رغبة هذه الشخصية في يوم مشهود في التاريخ البلجيكي (الماسوني) بتاريخ 7 مارس 1863م[19].
من الدوافع كذلك انعقاد مؤتمر ميونخ (Munich) في ألمانيا تحت إشراف "دولانجر" (Doellinger) في سبتمبر 1863، إذ وجه البابا رسالة إلى المؤتمرين عبر كبير أساقفة ميونخ ينبههم فيها - بعدما بلغته الأفكار التحررية التي دعي لها المؤتمر ونوع الخطاب المنتقد للكنيسة الذي عبر عنه بعض المدعوين - إلى ضرورة خضوع المؤمنين لتعاليم وتوجيهات السلطة الدينية.(195/23)
ومنها كذلك انقاد مؤتمر "مالين" (Malines) ببلجيكا ما بين 18 و22 أبريل 1863م بدعوة من الكاثوليك البلجيكيين، حيث خطب المفكر مونتالومبير" (Montalembert) وتناول الكلمة مرتين، بخطاب تحرري لم تكن لتقبله حينذاك سلطة الكنيسة، حيث طالب بفصل السلطة الدينية عن المدنية.
ومن الأمور التي دفعت البابا كذلك إلى إصدار لائحته، ما بدأ يشاهده التعليم من جرأة لأساتذة الفكر الحر والمعادي للكنيسة على طرح الأفكار داخل الجامعات والوسط الطلابي، فمثلا في مدينة "غاند" (Gand) و"بروج" (Bruges) البلجيكيتين، تحرك القساوسة سنة 1856 ضد أستاذين جامعيين ينكران ألوهية المسيح، ويطالبان الكنيسة بالعمد إلى التحديث والتطوير، وطالبوا بوضع حد لمثل هذا التعليم الإلحادي.
هذا فضلا عن التهديد الشخصي الذي أحس به البابا من جراء توقيع اتفاقية بين نابوليون الثالث وملك بييمونت " فيكتور إيمانويل" Victor-Emmanuel في 15 سبتمبر 1864 على أن تسحب فرنسا قواتها الحامية للبابا على مدى سنتين، مما جعل البابا يعجل بإصدار ما كان يؤجله احتراما وتقديرا للحماية التي كانت موفرة له.
كما أننا نلمس من نصوص المدونة أن من بين دوافع إصدارها ما يلي:
• ارتفاع السقف المعرفي لدى الفرد الأوروبي منذ احتكاكه بالفكر الأندلسي، وتشبعه بالفكر الثوري الفرنسي، وتدني معدلات الأمية في وسطه الاجتماعي منذ 1830، وتمتعه بثمار الصناعة المطبعية التي مكنت من رواج الدراسات والكتب والصحف والمجلات على مستوى شعبي ودولي، فلم يعد مقتنعا بالخطاب الديني التقليدي المناهض للتطور، ومهيئا من جراء ذلك لاستيعاب الخطاب الحداثي والتمرد على السلطة الكنسية، وهذا ما يشير إليه الفصلان الأول والثاني في ذمهما ضمنيا للفلسفة والعقلانية والفكر الحر.(195/24)
• رغبة المواطن الأوروبي في الارتقاء إلى مستويات رغيدة من العيش، ودرجات عالية من الحرية السياسية والفكرية والدينية، وخوف الإدارة الكنسية من انتشار المذهب البروتستانتي، أو الردة الجماعية للأوروبيين عبر اعتناق ديانات أخرى غير المسيحية الكاثوليكية، حيث رأت الكنيسة أن عليها كسب الناس عبر الانتقاص من معارضيها وإلزام الأتباع بعدم الإيمان بأفكار تؤدي حتما إلى غلبة الخصم وإضعاف سلطتها التقليدية، وهذا ما تشير إليه أساسا الفصول الثالث والرابع والسادس والعاشر.
• انتشار الزواج المدني بالوسط الأوروبي، وهذا ما يشير إليه بوضوح الفصل الثامن.
• ضعف الحنكة السياسية والاستراتيجية للكنيسة، وفقدانها المزيد من السلطة السياسية أمام زحف المجتمع المدني، وهو ما يشير إليه الفصلان الخامس والسادس.
فمما يذكره الراهب الراديكالي "جاك بلونكار داساك" (Jacques Ploncard d'Assac) في محاضرته[20] حول السيلابوس بتاريخ 2 سبتمبر 1984، أن المؤرخ أذريان دانسيت (Adrien Dansette)[21]، أشار في موسوعته "التاريخ الديني لفرنسا المعاصرة" (Histoire religieuse de la France contemporaine) بأن الأخطاء التي أشيع بضرورة شجبها ولعنها من طرف الكنيسة هي:
- علمانية الدولة.
- حرية الضمير وحرية المعتقد.
- حرية الإعلام.
- سيادة الشعب.
- حق المجتمع المدني في الاهتمام والانشغال بالقضايا التي تهم الدين.
لكن الأستاذ المحاضر يعترف أن الرسالة وملحقها إن كانا لم يضيفا شيئا فيما يخص موقف الكنيسة التقليدي، فإنهما سمحا بتقديم تلك الأخطاء في شكل صارم مفعم بالتحدي.
تاريخ تحرير المدونة(195/25)
تجمع الدراسات التاريخية على أن فكرة إصدار مدونة للأخطاء المعاصرة صدرت سنة 1849عن الكاردينال أسقف مدينة "بيروز" (Pérouse) جيواشينو بيتشي (1810 – 1903) (Gioacchino Pecci)، والذي خلف البابا بيا التاسع على كرسي البابوية ولقب بالبابا ليون الثالث عشر، وذلك إبان عقد المجمع الإقليمي لمدينة "سبوليت" (Spolète)، حيث ورد فيه تقريره ما يلي:
"ولنطلب حالا من أبينا المقدس حضرة البابا أن يمدنا بدستور يحدد مختلف الأخطاء المتعلقة بالكنيسة والسلطة الملكية، ليضع عليها طابع الرقابة اللاهوتية المرادة، وليعلنها في الأشكال المعتادة. ورغم أن نفس هذه الأخطاء قد تم شجبها من طرف الكنيسة بشكل منفرد، فإن المجمع المقدس يتبين له أنه من المنفعة الكبرى لخلاص المخلصين أن تقدم تلك الأخطاء في لائحة وفي الأشكال التي تظهر بها اليوم، مع إنزال أقسى الحكم في حقها"[22].
وفي سنة 1852، طلب البابا من الكاردينال فورناري (cardinal Fornari) أن يقوم بالاتصال بالأساقفة وكبار المثقفين الكاثوليك لدراسة الحالة الفكرية للمجتمع المعاصر في ما يخص معظم الأخطاء والضلالات السائدة فيه بالنسبة للعقيدة، ونقط التقائها مع علوم الآداب والسياسة والاجتماع. فبادر الكاردينال إلى إرسال رسالة في هذا الصدد لطائفة منتقاة من الأساقفة والمفكرين، ألحقها بلائحة تضم 28 خطأ من النوع الذي يراد جمعه وحصره.(195/26)
ولم تصدر اللائحة في شكلها النهائي إلا بعد اثني عشر سنة من هذه البداية الفعلية، واختلفت الأقوال بين من يرى أن تلك المدة الطويلة كانت دلالة على عمق التفكير والتداول الكبير الذي تم في هذا الشأن، وبين من يرى فيها التوقف والتراجع المرحلي الذي انتاب الكنيسة حين عزمها على إصدار هذا المشروع، وأن هناك معارضات واجهت النص ومنعت من السرعة من إصداره، لينتهوا إلى أن شكل عرضه وتسلسل فقراته دال على الاستعجال في إخراج شيء تم الاستغناء عنه في مرحلة ما، ثم دعت الظروف المستجدة إبرازه ونشره.
لكن وإلى اليوم، لم يكشف الفاتيكان - رغم مرور قرابة القرن ونصف على هذا المشروع - عن أسراره ودوافعه الحقيقية، كما لم يسمح لأحد بأن يطلع على وثائقه، فيعرف ما هي الأجوبة التي تلقاها الكاردينال فورناري، وما هي الاقتراحات التي أخذ بها، وكيف كانت ردود فعل أهل الفكر والثقافة الذين تم الاتصال بهم. فكل ما قيل حول هذا الموضوع هو مجرد مقاربات لا تستند إلى أرشيف ووثائق، وكيف السبيل لها وهي ما تزال إلى اليوم في طي الكتمان.
نص المدونة
ضمنيا، مادامت المدونة تسعى لحصر الأخطاء والضلالات الكبرى التي لا يجوز الإيمان بمحتواها أو إضفاء نوع من الحقيقة على مضمونها، فإني أدعو القارئ إلى أن يعتبر بأن كل مقولة أو فكرة ينبغي أن تقرأ وكأنها مسبوقة بعبارة: " إنه لمن الضلال الاعتقاد بأنه..."، وهو ما رأيت الطبعات الحديثة للمدونة تنص عليه.
الفصل الأول
وحدة الوجود والفلسفة الطبيعية والعقلانية المطلقة(195/27)
1. لا يوجد أي مخلوق إلهي أعلى، كامل في حكمته، وفي نبوءته، بحيث يكون متميزا عن عالمية الأشياء، والله مطابق لطبيعة الأشياء، ومن ثم فهو خاضع للتغيير. فالله بحكم ذلك هو الموجود في الإنسان وفي العالم، وكافة المخلوقات آلهة، ولها المادة ذاتها التي لله، وهكذا فالله هو نفس وذات الشيء مع العالم، ونتيجة لذلك، فالروح هي نفس الشيء مع المادة، والحاجة مع الحرية، والحق مع الباطل، والخير مع الشر، والعدل مع الجور.
2. يجب إنكار كل فعل لله على الناس وعلى العالم.
3. العقل الإنساني، المستقل كليا عن الله، هو الحكم الوحيد بين الحقيقة والكذب، والخير والشر. بل هو قانون الإنسان، ويكفي بقواه الطبيعية لجلب الخير للناس وللشعب.
4. كل حقائق الدين نابعة من القوة الفطرية للعقل الإنساني، ومن ثم فالعقل هو القانون الأسمى الذي من خلاله يستطيع ويجب على الإنسان أن يدرك المعرفة وجميع الحقائق من كل نوع.
5. إن الوحي الإلهي ناقص، ومن ثم فهو خاضع لتطور مستمر وغير محدود يستجيب لنقد العقل الإنساني.
6. إن الإيمان بالمسيح معارض للعقل الإنساني، والوحي الإلهي ليس فقط غير مفيد، ولكنه فوق ذلك، عائق في وجه كمال الإنسان.
7. إن النبوءات والمعجزات الواردة والمقصوصة في الكتب المقدسة وأسرار الإيمان المسيحي هي خلاصة للتحقيقات الفلسفية، وفي كتب العهد القديم والجديد اختراعات أسطورية، بل المسيح نفسه خيال أسطوري.
الفصل الثاني
العقلانية المعتدلة
8. بما أن العقل الإنساني مساو للدين نفسه، فإن علوم اللاهوت يجب أن تعالج بنفس الطريقة التي تعالج بها العلوم الفلسفية.(195/28)
9. كل عقائد الدين المسيحي بدون استثناء هي نتاج علم الطبيعة أو الفلسفة، والعقل الإنساني - بالثقافة المحصلة تاريخيا وحدها - يمكنه انطلاقا من مبادئه وقواه الطبيعية، أن يصل إلى المعرفة الحقة لكافة العقائد - حتى الغامضة منها - ويكفي فقط أن تعرض هذه العقائد على العقل الإنساني نفسه كموضوع.
10. بما أن الفيلسوف شيء آخر، وشيء آخر كذلك الفلسفة، فإن من حق الفيلسوف وواجبه أن يخضع لسلطة اعترف هو نفسه أنها الحق، لكن الفلسفة لا يمكنها ولا يجوز لها أن تدعن لأي سلطة.
11. الكنيسة ليس عليها فقط أن تمتنع - وفي كل الأحوال - عن مصادرة الفلسفة، بل عليها أن تتسامح مع أخطاء الفلسفة، وتترك لها المجال لتقوم بتصحيح ذاتها بنفسها.
12. إن مراسيم الكرسي الرسولي والتجمعات الرومانية والإدارات الدينية بالفاتيكان تعرقل التقدم الحر للعلم.
13. إن المنهج والمبادئ التي عبرها صاغ دكاترة المدارس والفقهاء علم اللاهوت لم تعد مناسبة كلية لحاجيات زمننا ولتقدم العلوم.
14. يجب أن نهتم بالفلسفة دون أي اعتبار للوحي الخارق.
يشير النص الأصلي للمدونة هنا إلى الملاحظة الآتية:
ترجع أخطاء أنطوان غنتير (Antoine günther) في معظمها لمنظومة العقلانية، والتي تم لعنها في رسالة "الكاردينال جثليق"[23] لكولونيا بعنوان Eximiam tuam بتاريخ 15 يونيو 1857، وكذلك في رسالة بطريق دوبريسلو l'Evêque de Breslau بعنوان Dolore baud mediocri بتاريخ 30 أبريل 1860.
الفصل الثالث
اللامبالاة
15. كل شخص حر في اعتناق وممارسة الديانة التي يرى في ضوء العقل أنها الحق.
16. يمكن للناس أن يجدوا طريق الخلاص الأبدي ويحصلوا على هذا الخلاص عبر اعتناق أية ديانة.
17. مما يؤمل - على الأقل - من الخلاص الأبدي أن يصل إلى كافة الذين ليسوا مطلقا مع الكنيسة الصحيحة للسيد المسيح.(195/29)
18. البروتستانتية ليست إلا شكلا آخر لنفس الدين المسيحي الصحيح، شكل يمكن أن نكون فيه محبوبين لله كما في الكنيسة الكاثوليكية.
الفصل الرابع
الاشتراكية - الشيوعية - الجمعيات السرية - الجمعيات الثوراتية - جمعيات رجال الدين الأحرار
إن هذه الآفات قد تم مرارا استهجانها بألفاظ غليظة في:
- الرسالة الدائرية Encyclique Qui pluribus بتاريخ 9 نوفمبر 1846،
- والخطاب الرسمي (الإرشادي) Quibus quantisque Allocution بتاريخ 20 أبريل 1849،
- والرسالة الدائرية Nostis et nobiscum Encyclique بتاريخ 8 ديسمبر 1849،
- والرسالة الدائرية Encyclique Quanto conficiamur m?rore بتاريخ 10 أغسطس 1863.
الفصل الخامس
ضلالات حول الكنيسة وحقوقها
19. الكنيسة ليست مجتمعا صحيحا ومثاليا كامل الحرية، وليست لها حقوق خاصة ودائمة مخولة لها من طرف مؤسسها المقدس. بل من حق السلطة المدنية أن تحدد ما هي حقوق الكنيسة، وفي أي حدود يمكنها ممارسة تلك الحقوق.
20. لا يمكن للسلطة الكنسية ممارسة نفوذها دون ترخيص وموافقة من السلطة المدنية.
21. ليس للكنيسة الحق في أن تحدد عقائديا أن ديانة الكنيسة الكاثوليكية هي وحدها الدين الحق.
22. إن مسؤولية الأساتذة والكتاب الكاثوليك ليست مندرجة كلية إلا في المواد التي يحددها حكم الكنيسة المعصوم بكونها عقائد الإيمان التي على الجميع الإيمان بها.
23. إن الأحبار الرومان (الباباوات) والمجامع المسكونية قد تجاوزوا حدود سلطاتهم، وانتحلوا حقوق الأمراء، بل ضلوا في التعاريف المتعلقة بالإيمان والأخلاق.
24. ليس للكنيسة الحق في استعمال القوة، وليست لها أي سلطة دنيوية لا مباشرة ولا غير مباشرة.
25. إضافة إلى السلطة المتأصلة في الأسقفية (أي في الكنيسة)، هناك سلطة أخرى هي السلطة الدنيوية التي منحت إما بشكل واضح أو ضمنيا من طرف السلطة المدنية، وبالتالي يمكن إلغاؤها بإرادة هذه السلطة المدنية.(195/30)
26. ليس للكنيسة الحق الطبيعي والشرعي في الاقتناء والامتلاك.
27. يجب أن يبعد الوزراء المقدسون للكنيسة (الإدارات الدينية) والحبر الروماني (البابا) عن كل إدارة أو سيادة للشؤون الدنيوية.
28. لا يسمح للأساقفة بأن ينشروا رسائل رسولية دون إذن من الحكومة.
29. يعتبر كل عفو من طرف الحبر الروماني (البابا) لاغيا إذا لم يخضع لموافقة الحكومة المدنية.
30. إن حصانة الكنيسة والشخصيات الكنسية تشتق أصولها من القانون المدني.
31. إن المنتدى أو المحكمة الكنسية للأحكام الدنيوية لرجال الدين، سواء على الصعيد المدني أو الجنائي، يلزم أن تلغى كلية، وحتى بدون استشارة الكرسي البابوي، ودون أي اعتبار لاحتجاجاته.
32. إن الحصانة الشخصية التي تعفي رجال الدين من الخدمة العسكرية يمكن أن تلغى دون انتهاك للعدالة أو الحق الطبيعي، فالتقدم المدني يملي هذا الإلغاء، خصوصا في مجتمع مصاغ على نظام حكم أكثر تحررا.
33. ليس للسلطة القضائية الكنسية وحدها الحق الخاص والطبيعي في توجيه التعليم بالمدارس اللاهوتية.
34. إن عقيدة من يقارنون الحبر الروماني (البابا) بالأمير الحر الممارس لسلطته داخل الكنيسة العالمية عقيدة ترجع إلى القرون الوسطى.
35. لاشيء يمنع عبر قرار من مجمع عام، أو برغبة من كل الشعوب، أن يتم تحويل الكرسي الرسولي من الحبر الروماني أو مدينة روما إلى حبر آخر ومدينة أخرى.
36. إن تعريف المجمع الوطني لا يقبل أي مناقشة، والإدارة المدنية يمكن أن تتمسك وتقف عند نتائجه.
37. يمكن إنشاء كنائس وطنية غير خاضعة لسلطة الحبر الروماني ومعزولة كلية عنه.
38. إن التصرفات الاعتباطية جدا للأحبار الرومان (الباباوات) دفعت إلى انقسام الكنيسة بين شرقية وغربية.
الفصل السادس
أخطاء حول المجتمع المدني سواء في ذاته أو في علاقاته مع الكنيسة
39. الدولة هي الأصل، والمصدر لكافة القوانين، وتتمتع بقانون لا تحتويه أية حدود.(195/31)
40. إن عقيدة الكنيسة الكاثوليكية معاكسة لخير ومصالح المجتمع البشري.
41. إن السلطة المدنية، حتى لو كانت ممارسة من طرف حاكم كافر، لها قوة غير مباشرة مضادة للقضايا المقدسة، ومن ثم فليس لها فقط براءة اعتماد القوانين، بل كذلك حق استئنافها والتعسف فيها.
42. في حالة تعرض القوانين الصادرة عن كل من السلطتين (المدنية والكنسية) فإن الترجيح هو للقانون المدني.
43. للسلطة العلمانية الحق في إبطال وإلغاء المعاهدات الرسمية التي أبرمت مع الكرسي الرسولي وفق الحقوق المتعلقة بالحصانة الكنسية (الإيكليروسية) دون موافقة هذا الكرسي، بل على الرغم من احتجاجاته.
44. يحق للسلطة المدنية التدخل في القضايا التي تتعلق بالدين والأخلاق والتوجه الروحي، ومن ثم فإنه يمكنها الحكم على الأوامر والتوجيهات الصادرة عن قساوسة الكنيسة تنفيذا لمهامهم وطبقا لما تمليه ضمائرهم، بل يمكنها كذلك البث في إدارة الطقوس الدينية والترتيبات الضرورية المتعلقة بها.
45. إدارة المدارس العمومية التي تشرف على إعداد ناشئة بلد مسيحي باستثناء - وفي حد معين - المدارس الكنسية، يمكن ويجب أن تكون كلية من اختصاص السلطة المدنية ومخولة لها، بحيث لا يعترف لأي سلطة أخرى بالتدخل في مناهج المدارس وترتيب الدراسات ومنح الشهادات واختيار وإقرار تعيين الأساتذة.
46. بل أكثر من ذلك، حتى في المدارس الكنسية، يكون المنهج الذي يلزم اتباعه في الدراسة خاضعا لموافقة السلطة المدنية.(195/32)
47. إن التكوين الأفضل للمجتمع المدني يقتضي أن تكون المدارس العمومية، والتي هي مدارس مفتوحة في وجه كافة الأطفال من كل طبقات الشعب، وبصفة عامة كل المؤسسات العمومية الخاصة بتعليم الآداب والحرص على تربية جادة وتعليم أكثر نزاهة للشباب، مبعدة عن كل سلطة للكنيسة، وعن كل سيطرة أو تدخل من طرفها، وأن تخول إدارتها كلية لتقدير السلطة المدنية وسياستها وفق رغبات حكوماتها، وفي الإطار السوي للآراء العامة للعصر.
48. يمكن لبعض الكاثوليك التصديق على نظام لتربية الشباب بحيث يكون منفصلا عن العقيدة الكاثوليكية وعن سلطة الكنيسة، والذي يهدف فقط، - أو أساسا على الأقل - إلى معرفة الأشياء الطبيعية الخالصة، وأهداف الحياة الاجتماعية على وجه الأرض.
49. يمكن للسلطة المدنية أن تمنع الاتصال الحر والأخوي بين الكرسي الرسولي والأساقفة والمخلصين.
50. للسلطة العلمانية من تلقاء نفسها الحق في تمثيل الأساقفة، ويمكنها أن تجبرهم على أن يزاولوا مهامهم بالأبرشية حتى قبل أن يستلموا من الكرسي الرسولي تنصيبهم القانوني ورسائل تعيينهم الكنسية.
51. بل أبعد من ذلك، للحكومة العلمانية الحق في منع الأساقفة من ممارسة وظائفهم الرعوية، وليست ملزمة بالطاعة للكرسي الرسولي فيما يتعلق بتأسيس الأسقفيات وتعيين الأساقفة.
52. يمكن للحكومة بمحض إرادتها أن تغير العمر المحدد من طرف الكنيسة لممارسة المهام الدينية سواء للنساء أو الرجال، وأن تلزم كافة المجموعات الدينية بأن لا تقبل أي شخص في عهودها الرسمية إلا برخصة منها.(195/33)
53. يلزم إلغاء القوانين التي تحمي ميثاق المجموعات الدينية وحقوقها ووظائفها، بل أكثر من ذلك، يمكن للحكومة المدنية أن تساند كل أولئك الذين يرغبون في التخلي عن الحالة الدينية التي اعتنقوها ومخالفة عهودهم الرسمية، وفي نفس الوقت، يمكنها (أي الحكومة المدنية) أن تحل كل هذه المجموعات الدينية، وكذلك الكنائس الجامعية، ومكاسبها البسيطة في حق الإشراف، وإخضاع ممتلكاتها ومداخلها لإدارة وقوة السلطة المدنية.
54. إن الملوك والأمراء ليسوا معفون فقط من السلطة القضائية للكنيسة، ولكنهم أرفع من الكنيسة للحسم في الشؤون القضائية.
55. يجب فصل الكنيسة عن الدولة، وفصل الدولة عن الكنيسة.
الفصل السابع
الأخطاء التي تتعلق بالأخلاق الطبيعية والمسيحية
56. لا تحتاج القوانين القانونية الأخلاقية إلى مصادقة قدسية، وليس هناك حاجة على الإطلاق أن تطابق القوانين الإنسانية قانون الطبيعة، أو أن تتلقى من الله قوة النفوذ والوجوب.
57. إن علوم الفلسفة والأخلاق، وكذلك القوانين المدنية، يمكن أن تسحب من سلطان السلطة الدينية والكنسية.
58. لا ينبغي الاعتراف بقوات أخرى غير التي هي مستقرة في المادة، وكل منظومة أدب، وكل شرف، يلزم أن يرتكز على جمع وتنمية كل أنواع الغنى وإرضاء المتعة(تحقيق الشهوات).
59. إن القانون يتمثل في الفعل المادي، والواجبات الإنسانية كلام فارغ، وكل الأفعال الإنسانية لها قوة القانون.
60. ليست السلطة شيئا إلا مجموع عدد القوات المادية.
61. إن المظلمة القائمة المكللة بالنجاح لا تخدش في قداسة القانون.
62. ينبغي أن يعلن ويحترم ما يدعى بمبدأ عدم التدخل.
63. يسمح برفض طاعة الأمراء الشرعيين وكذلك الثورة عليهم.
64. بقدر ما يكون انتهاك الميثاق الأقدس أكثر عارا من أي عمل إجرامي ومخالف للقانون الأبدي، ليس فقط لا ينبغي أن يلام على فعله، ولكن يعتبر مباحا ومستحقا للمدح والتنويه الكبيرين حين يكون ذلك في سبيل حب الوطن.(195/34)
الفصل الثامن
أخطاء حول الزواج المسيحي
65. لا يمكن الإقرار بأي حجة بأن المسيح قد رفع الزواج إلى مستوى كرامة الطقس الديني.
66. إن الطقس الديني الخاص بالزواج ليس إلا شيئا ملحقا للعقد (عقد الزواج)، ويمكن أن يكون منفصلا عنه، بل الطقس الديني نفسه ليس إلا مباركة دينية فحسب.
67. انطلاقا من الحق الطبيعي، فإن علاقة الزواج ليست مستحيلة الفسخ، بل في العديد من الحالات، فإن الطلاق بعينه يمكن أن يصدر عن السلطة المدنية.
68. ليس للكنيسة الحق في أن تضع عوائق لاغية أو مانعة في وجه الزواج. ولكن هذا الحق هو للسلطة المدنية التي عليها أن تزيل كافة العوائق القائمة.
69. إن الكنيسة على مر العصور قد وضعت عوائق وموانع لاغية للزواج، لا لحق هو لها، ولكن استغلالا منها لحق استعارته من السلطة المدنية.
70. 70. إن قوانين مجمع ترانت التي تدين من يتجاسر على إنكار حق الكنيسة في فرض الموانع اللاغية للزواج ليست تعبدية، ولا أن يفهم أنها ضمن حدود السلطة المستعارة (من السلطة المدنية).
71. إن قوانين مجمع ترانت ليست ملزمة بل قد تعتبر باطلة، إذا أقر القانون المدني شكلا آخر من الزواج يمكن اتباعه، ويريد عبر هذا الشكل الجديد جعل الزواج صحيحا.
72. بونيفاس الثامن Boniface VIII كان أول من أعلن بأن وعد العفة الذي يُعلن حين ترسيم الرهبان يجعل الزواج عديما.
73. بقوة العقد المدني الخالص، يمكن لزواج حقيقي (صحيح) أن يتم من المسيحيين، ومن الخطأ الاعتقاد أن الزواج بين المسيحيين يلزم أن يكون دائما عبر طقس ديني، أو أن يعتبر الزواج لاغيا دون هذا الطقس.
74. تعود أسباب الزواج والخطبة بطبيعتها الخاصة إلى التشريع المدني.
يشير النص الأصلي للمدونة هنا إلى خطأين آخرين وهما:
- إلغاء عدم زواج الرهبان، أو ما يدعى في لغة الكنيسة بـ"العزوبة الكنسية"(195/35)
- تفضيل حالة الزواج (بالنسبة لغير الرهبان) على حالة العزوبة(أو حالة البكارة كما تسميها الثقافة الدينية المسيحية).
هذان الخطآن مشار إلى شجبهما في الرسالة Encyclique Qui pluribus بتاريخ 9 نوفمبر 1846 بالنسبة للأول، والرسالة الراعويةMultiplices inter بتاريخ 10 يونيو 1851 بالنسبة للثاني.
الفصل التاسع
أخطاء حول السلطة المدنية للحبر الروماني (البابا)
75. إن أبناء الكنيسة المسيحية والكاثوليكية يناقشون فيما بينهم تجانس وتوافق الملكية الدينية والسلطة الروحية
76. إن إلغاء السيادة المدنية التي يملكها الحبر الروماني ستدفع إلى المزيد من الحرية والسعادة للكنيسة.
يشير النص الأصلي للمدونة هنا إلى الملاحظة الآتية:
إضافة إلى هذه الأخطاء المشار إليها بوضوح، هناك عديد من الضلالات شجبت بشكل غير مباشر من طرف العقيدة المعروضة والمساندة والتي على الكاثوليك جميعا التمسك بها بقوة والمتعلقة "بالإمارة المدنية" للحبر الروماني.
هذه العقيدة مدروسة بوضوح في الخطاب Allocution Quibus quantisque بتاريخ 20 أبريل 1849، وفي الخطاب Allocution Si semper antea بتاريخ 20 ماي 1850، والخطاب "الرسولي" Lettre apostolique Cum Catholica Ecclesia بتاريخ 26 مارس 1860، والخطاب Allocution Jamdudum cernimus بتاريخ 28 سبتمبر 1860، والخطاب Allocution Novas بتاريخ 18 مارس 1861، والخطابAllocution Maxima quidem بتاريخ9 يونيو 1862.
الفصل العاشر
أخطاء تتعلق بالليبرالية المعاصرة
77. في عصرنا، ليست هناك فائدة في أن تكون الديانة الكاثوليكية هي الديانة الوحيدة للدولة.
78. لذا لزم التنويه ببعض الدول ذات الاسم الكاثوليكي التي يسمح القانون فيها للأجانب الذين جاءوا للاستقرار بالبلد بأن يتمكنوا من الممارسة العلنية لطقوسهم الدينية الخاصة.(195/36)
79. وبالفعل، فإنه من الخطأ الاعتقاد بأن الحرية المدنية لكل الممارسات الدينية، وأن الحق الكامل المخول للجميع بالإعلان بشكل مفتوح وعلني عن أي رأي وعن أي فكر، كل ذلك سيؤدي بسهولة إلى فساد الأخلاق والعقول، وأنه ينشر وباء اللامبالاة.
80. يمكن للحبر الروماني - بل يجب عليه - أن يتصالح ويتعامل بإسهام مع التقدم والليبرالية والحضارة المعاصرة.
من آثار المدونة
لقد تبين لنا من هذا العرض السريع أن تاريخ العلمانية شديد الارتباط بالمسيحية، ذلك أن الفكر العلماني ترعرع أساسا في إطار المناخ الديني للمسيحية، وخاصة منها الجانب الكاثوليكي. فالمصطلح لم يتبلور للدلالة على تيار مناهض للتوجه الديني السائد إلا بعد سنة 1842، حيث انتقل من دلالته الدينية على الشخص المعتنق للمسيحية - لكنه ليس من رجال الدين - إلى دلالة أوسع تشير إلى تيار يطالب بنزع الصفة الدينية عن المؤسسات.
فلقد ظل القرن التاسع عشر الميلادي قرن ثورات بامتياز، حيث استطاع فكر الثورة الفرنسية أن ينغرس إلى أن أصبح له اتباع كثيرون في الوسط الكنسي نفسه الذي ظل يعاديه حينا من الدهر(على الرغم من أن رجال دين مسيحيين شاركوا فكرا وتوجيها في اندلاع الثورة الفرنسية على الكنيسة والدولة سنة 1789).(195/37)
كما أن تطورات الفكر الجمهوري في فرنسا ما بعد 1870 جعلت المصطلح لصيقا بالفكر المطالب بالديمقراطية والحرية والمساواة، وخاصة حين صاغ جول فيري (Jules Ferry) مشاريعه حول المدرسة والتربية، حتى ليمكننا أن نعتبر سنة 1870 سنة الولادة الفعلية والعملية للمصطلح، وهي السنة التي انتهت فيها السلطة الفعلية للبابا بيا التاسع، رغم حرصه على عقد مجمع مسكوني - بعدما لم تغن التوجيهات والرسائل في الحد من الأزمة - وإصداره قانون عصمة البابا الشهير، ظنا منه بأنه الحل الأمثل(مثلما تعمد بعض أنظمتنا إلى التنصيص في دساتيرها على قداسة الحزب أو الرئيس). فالأزمات السياسية وضياع الأراضي الفاتيكانية جعلت البابا يوقف المجمع، ويفر من روما خوفا على نفسه، مما جعل الساحة منذئذ خالية من المعارضة الدينية بشكلها التقليدي.
ونحن لا نريد فتح الباب أوسع مما فعلنا لدراسة تطور الفكر العلماني عبر الصراع مع الفكر السلطوي الكنسي، ذلك أن التحليل التاريخي لتطور الفكر العلماني يسمح بالجزم بأن الأس الفلسفي الأول الذي بني فوقه الصرح العلماني في القرن التاسع عشر خاصة هو "تمكين الجميع من الوصول إلى معين المعرفة" بعد أن كانت محتكرة بين رجال الدين ورجال الفلسفة. لكن هل بقي وفيا لذلك؟ وهل استطاعت الكنيسة أن تنافسه في جانب من ذلك؟ هذا أمر يحتاج إلى دراسة أوسع، وحسبنا ما أمددنا به الباحثين والمؤرخين من نص ديني نعتبره عنصرا هاما من عناصر الصراع المسيحي العلماني.(195/38)
لكن ما نستطيع قوله في هذه العجالة حول المسارات التي اتجهت لها كل من المسيحية والعلمانية هو التوافق على نوع من الصراع السلمي، والاحتكام إلى النفوذ الشعبي، مما جعل الكنيسة - حرصا على الجماهيرية والشعبية - تدخل تجديدات جذرية في فهومها للنص الديني لا تكاد تمليها حاجتها الداخلية لبلورة النص وتفعيله وفق أحكامه ومكونات تراثه، وإنما يفرضها الجدال السياسي والتدافع السلطوي لاكتساب مرجعية توجيهية للمجتمع وصناعة غده.
بل لمسنا أنه بقدر ما يتقدم الزمن، بقدر ما تتزيل الصفوف، ويكثر الانقسام داخل المجموعات الفكرية والثقافية والمذهبية، ليفسح المجال لتوالد أفكار ومجموعات أخرى لها رؤى جديدة، وأطروحات تعطي للقديم نفسا متجددا، بل تذهب به إلى تفسيرات مخالفة لما هو متعارف عليه في الوسط الديني التقليدي.
لكن الملاحظ أن كلا من الطرفين المتصارعين يحتاج إلى المفكر والمثقف، والعالم الراسخ والاستراتيجي النابغة، لكن غالبا ما يبحث كل منهما عن المفكر أو المثقف أو المتعالم "المؤجر لشدقه" كما نقول في بلاد المغرب، فيدخل كلاهما في مجال تصنيف الناس والحكم عليهم حسب الولاء والانتماء. بيد أنه لا شيء يدل على أن المنخرط في التيار العلماني الحزبي هو خارج دائرة التدين، ولا شيء يمنع المتدين من البحث عن الحكمة ومناصرة الأفكار النيرة، لكن لشهادته على الناس، يلزمه في كل المراحل الولاء للدين الحق، والبراء من الجهل والظلم، والابتعاد عن التحجر المذهبي أو الاستبداد الفقهي.(195/39)
فلقد كانت الصفوف منقسمة، والآراء مختلفة، وما زالت، ورأينا عبر تحليل المدونة أن من يرغب في أن يحجر واسعا عبر تقنين أقوال الناس حسب المواقف السياسية لا يخلو من ضلالة وابتعاد عن النهج السوي، إذ من الصعوبة بمكان أن تكمم أفواه الناس، أو أن يخنعوا طول الدهر على الاستبداد الديني والمذهبي، أو أن يغفلوا عن الخلل في الأولويات لدى رجال الدعوة حين سكوتهم البين عن ظلم اجتماعي صارخ، واهتمامهم أكثر من اللازم بجوانب عبادية فردية.
بل إن الدراسات التاريخية لمسار الفكر المسيحي تخبرنا أن معدلات الجهر بمكنون الأفكار لدى المجتمع المسيحي الأوروبي تطورت بعد صدور المدونة وهيجان أوساط المثقفين والسياسيين متدينين وعلمانيين في وجهها. فمثلا في الوقت الذي نجد فيه مثقفا مسيحيا في مستوى ج - ج غوم (J. J. Gaume) الذي بكتابه "الثورة الفرنسية: أبحاث تاريخية عن أصل الشر وشيوعه في أوروبا " الصادر سنة 1856، يعتبر الثورة الفرنسية أم الأمراض، والوباء الذي أبطل حكم الله، وفرض نظاما دينيا جديدا يؤله الإنسان، ويهدد أوروبا قاطبة، فإننا نجد أحد أتباع الكنيسة والمنخرطين في هرمها السلطوي المحلي الراهب ج. أوديزيو (G. Audisio) يكتب بعد عشرين سنة عام 1876 حول إرث الثورة الفرنسية، ويعتبر أنه ليس شرا كله، بل كل ما فيه من دفاع عن الحرية والأخوة هو عين ما تنص عليه الأناجيل من مبادئ اجتماعية، ويرى أن النظام الاجتماعي الجديد وقتها ينبغي أن يقوم على ذات المبادئ.[24](195/40)
أكيد أن السلطة الكنسية العليا لم تكن بعد قد بلغت مستوى من الوعي الثقافي النسبي فأدرجت كتاب الراهب أوديزيو على لائحتها السوداء، ولكن ما تهمنا الإشارة إليه هو أنه إلى حدود تاريخ "مجمع الفاتيكان الأول" (1869- 1870)، كان نموذج المثقف المسيحي ج.ج غوم في الوسط الديني الرسمي هو السائد، حيث كانت الكنيسة تعتبر الثورة الفرنسية بمثابة السوار الأخير من القيد الديني، والذي انطلق تكبيل الكنيسة به منذ عصر النهضة وثورة الإصلاح البروتستانتي إبان القرن السادس عشر الميلادي.
ومن المسلم به تاريخيا أن ردود الفعل على إصدار المدونة كانت قوية ومؤثرة، سواء على المستوى الديني أو الفكري أو السياسي. ويصعب علينا في هذا البحث الوجيز أن نأتي على كافة تلك الردود وآثارها ونتائجها. لكن لا بأس من أن نشير إلى بعض ردود الفعل السياسية إذ يبقى التساؤل الآتي قائما: إذا كانت جموع المثقفين من علمانيين ودينيين قد عبرت عن غضبها ورفضها للانصياع للمدونة، فكيف كان تصرف الكنائس الرسمية والأحزاب المسيحية في أوروبا نحوها؟
نوجز جانبا من الجواب فيما يلي:
ففي فرنسا كانت الأزمة أشد بصدور دورية وزير العدل الفرنسي "باروش" (Baroche) بتاريخ فاتح يناير 1865 الموجهة للقساوسة بعدم نشر أي وثيقة صادرة عن الإدارة الكنسية بروما، مما فجر احتجاجا شديد اللهجة من طرف هؤلاء على المس بحرياتهم، حيث بقي الجميع ينتظر مواقف الليبراليين الكاثوليك الذين لم يعبروا عن رأيهم إلا في آخر شهر يناير من تلك السنة.(195/41)
لكن حنكة أسقف مدينة أورليون (Orléans) الفرنسية البطريك "دوبانلوب" (Dupanloup) بإصداره لدراسة بتاريخ 26 يناير 1865 بعنوان: "اتفاقية 15 سبتمبر ولائحة 8 ديسمبر"[25]، والتي كان لها صدى واسع إذ عرفت 34 طبعة في بضعة أسابيع - مما يدل على وجود صدى للفكر الديني رغم ارتفاع معدلات الإلحاد - قد استطاع أن يحد من الانتقادات الموجهة للكرسي "الرسولي"، ويخفف من وطأة ردود الفعل السلبية نحو المدونة بإعادة قراءتها في ضوء المناخ السياسي الفرنسي.
أما ببلجيكا فإن الكاثوليك الليبراليين أو الكاثوليك الدستوريين قد وجدوا أنفسهم في ورطة سياسية شبيهة بتلك التي فجرها البابا غريغوار السادس عشر (Grégoire XVI) برسالته المعنونة "ميراري فوس" (Mirari Vos) بتاريخ 15 أغسطس 1832 - والتي قصد منها كما قلنا إسكات الكاتب المسيحي "لاموني" (Lamennais) وجماعته، ومنع مجلته "المستقبل" (L'avenir) ذات الخط التحرري والتأثير القوي في الأوساط الدينية - فعمدوا إلى حل ينطلق من أن البابا بقي متمسكا بالأطروحة (la thèse)، أي بالجوهر، ولم يقل شيئا عن فرضيات التنزيل على الواقع (l'hypothèse)، ولهذا فهم يرون أن البابا لم يقصد معاداة الحداثة، بقدر ما أصر على إظهار المواقف التقليدية للكنيسة التي هي من كامل حقه وسلطته.
وبمثل هذه المراوغات الأيديولوجية، استطاع الكاثوليك في بلجيكا وفي غيرها من دول أوروبا أن يصرحوا بأنهم دستوريون فيما يخص الجانب السياسي، ومؤمنون بدور البابا فيما يخص الجانب الديني، أي أن عاطفتهم الروحية مع الكنيسة، وانخراطهم الأيديولوجي والفكري مع ما يضمن التربع على الكرسي السياسي.(195/42)
وما زلنا إلى اليوم، نجد داخل الصف المسيحي من يسعى إلى عودة الكنيسة إلى قواعدها الأولى، والحكم عليها بالضلال والتنازل عن رسالتها وأهدافها، خاصة بعد أن أضحى الإسلام واسع الانتشار في الأوساط الأوروبية وسريان الخوف في أوساط الساسة المسؤولين من "الأسلمة" الزاحفة للمجتمع الأوروبي.
وأنا أراجع هذا المقال للنشر، اطلعت على عدد من مجلة "فيديليتر" (Fideliter)[26] والتي تصدرها مجموعة من الكاثوليك الراديكاليين المنضوين تحت منظمة "إخوانية القديس بيا العاشر" (والتي أسسها الكاردينال لوفيبر (Cardinal Lefebvre) الذي غادر مغاضبا الإدارة الكنسية محتجا على الانقلاب على تقاليد الكنيسة المتجسد في أعمال وقرارات مجمع الفاتيكان الثاني)[27]، خصص للحديث عن سيلابوس بيا التاسع، العدد 161، بتاريخ سبتمبر - أكتوبر 2004؛ وهو عدد غني بالأبحاث وبعض المواقف لمن يمجدون المدونة وأفكارها، لكن المثير فيه هو أن أصحابه يحبون أن ينعتوا ب- "كاثوليك السيلابوس"، حيث جاء في العنوان العريض لإحدى دراسات العدد: "نحن كاثوليك السيلابوس" (Nous sommes des "catholiques du Syllabus") .[28]
وقد كان من المفيد الاطلاع فيه على رأي الجماعات الدينية المسيحية التي مازالت تؤيد وتساند مضامين السيلابوس، وتعتبره وثيقة هامة وضرورية في وجه الحداثة وويلاتها الأيديولوجية. بل جاء الملف المخصص للسيلابوس والاحتفال بذكرى مرور 140 سنة على إصداره تحت عنوان معبر عن أفكار منظمة "إخوانية القديس بيا العاشر": "السيلابوس أو مجمع الفاتيكان الثاني المضاد" (Le syllabus ou l'anti-Vatican II).(195/43)
كما أن "النشرة الأدبية المضادة للثورة: قراءة وتراث" (Bulletin littéraire contre-révolutionnaire: Lecture et Tradition)، في عددها المخصص للبابا بيا التاسع ومدونته،[29] تعبر خير تعبير عن فكر هؤلاء الراديكاليين وحرصهم على إعادة الروح للمدونة البابوية وتوجهاتها وضرورة الالتزام الصارم بقوانينها. بل نلمس فيها إرجاع كل البلايا إلى الماسونية، والتي بالفعل ساهمت إسهاما كبيرا في زلزلة العرش المسيحي وانهيار إمبراطوريته.
ففيها يقول الراهب الراديكالي "جاك بلونكار داساك" (Jacques Ploncard d'Assac) في محاضرته حول السيلابوس بتاريخ 2 سبتمبر 1984:
"ليس أمام طوفان البدع والأخطاء إلا موقفان في مجال الإمكان: التحدي والتسامح. فبالتسامح نصل بسرعة إلى القبول، ولهذا كانت الكنيسة دائما تنادي بحقوق الله في مواجهة ما يدعى بحقوق الإنسان، فالإنسان لم يوجد إلا من طرف الله ومن أجل الله. فكل تصور مخالف لا يمكن أن يكون كاثوليكيا، أي ملتزما بالأصول"[30].
كما يشير ذات المحاضر إلى أن الخطر يكمن في كون الأخطاء قد غزت الكنيسة نفسها مشيرا إلى أنه لا يدعي ذلك من تلقاء نفسه، ولكنه يستشهد بنص للبابا بيا العاشر من رسالته الدائرية "باساندي" (Pascendi):
"إن مروجي الأخطاء لم يعد يجدي البحث عنهم بين الأعداء المعلنين للكنيسة، بل إنهم يختبئون - وهذا أمر يدعو إلى القلق الشديد - داخل وفي قلب الكنيسة نفسها... فليس في الخارج، بل في الداخل يتكون الخراب، والخطر اليوم داخل أمعاء الكنيسة وشرايينها، ويواصل بتحد ومثابرة مخططه المحدد... فهو يدعو (رجاله) ليظلوا داخل الكنيسة للعمل وللتغيير شيئا فشيئا لتشكيل الضمير العام"(195/44)
ثم يتساءل الأستاذ المحاضر حول ذلك التناقض العجيب الذي تعيش فيه الكنيسة بعد التعبير عن الأسى لما وصل إليه ضلالها وبعدها عن النصوص الدينية المسيحية: "كيف يمكن للمسيحي أن يكون بخصوص نفس الفعل والتصرف على حق في عهد البابا بيا العاشر، وعلى ضلالة في عهد يوحنا بولس الثاني؟"
ونحن كذلك نتساءل نفس السؤال، لكن بصيغة أخرى: "كيف أنتجت المسيحية الفكر العلماني، ثم صارعته قسرا وانخرطت فيه دهرا؟ وكيف عد مجمع الفاتيكان الثاني انقلابا؟". ذلك ما حاولنا الإجابة عنه في دراساتنا غير المنشورة حول "نقد العقل المسيحي"، نسأل الله أن يمدنا بعونه، ويشملنا برحمته وفضله، لترى النور قريبا.
من الدروس المستفادة
لم تكن ترجمتنا لنصوص هذه المدونة رغبة في دراسة التاريخ المسيحي الكنسي خاصة، ولكن مقاربة منا لما يمكن أن ينتج من صراع مماثل بين المؤسسات والجمعيات والحركات الإسلامية وتيارات الحداثة العلمانية، فليس عجبا أن نرى اليوم وغدا مؤسسات قوية الدعم والنفوذ الدولي، داخلية وخارجية، تحاسب الجهات الدينية على خطابها وتنظيمها ولغتها، وتلومها على تمسكها بالثوابت، وعدم انفتاحها على الديانات الأخرى، ملزمة إياها بالخضوع لما تراه تلك المؤسسات ذات التجربة الاستراتيجية والحنكة المستقبلية ضروريا من لوازم الحرية الدينية والفكرية؛ وليس غريبا أن نسمع بأخرى تطالب بإسلام علماني يلقى نوعا من الدعم على أن لا يتجاوز بعض الطقوس ويؤول العديد من النصوص.(195/45)
بل ولا فزع من أن تبرز للوجود فئات وتنظيمات تطالب وتقنن للزواج المدني، والولادة المدنية، والموت المدني، بعيدا عن كل الطقوس الدينية، مفجرة لسيل من الانتقادات في وجه تلك المشاريع، خاصة من طرف الفئات المتشددة والمكفرة لمن يخالفها في الرؤى والتوجه، علما بأن الفوارق بين السلطة الكنسية والمؤسسات الإسلامية كبيرة، وبين الإسلام والمسيحية أكبر، لكن الدروس المستفادة من صراع الحداثة والمسيحية البارحة واليوم بليغة الدرس للاستفادة والمراجعة، وإتقان وترشيد المواجهة الفكرية والتدافع الفلسفي والإيديولوجي.
فمعلوم أن الفكر الكنسي التقليدي لم يكن في مستوى المواجهة لكونه ظل على مدى قرون معطلا للعقل، فله مع العقلانية في تاريخه البعيد والقريب حروب وسجال، حيث تشهد وقائع ذلك التاريخ على الحجر الكبير الذي وقع على رجال الدين في تحليلهم النظري ونقدهم الفكري لتراثهم الديني، مما دفع بعضهم إلى الجهر عبر المجلات والكتب والنشرات - والتي ازدهرت صناعتها مع تطور الطباعة - بآراء وأفكار تخالف تفسيرات السلطة الكنسية للنص الديني، وتطالب بمزيد من الحرية في مجال العلم والمعرفة والدفاع عن حقوق الناس السياسية والمدنية.
فبمجرد ما كان الأتباع يخالفون الكنيسة في الفكر ووجهة النظر، أو يعاكسون ولو قليلا فكر ونظر رجالاتها الرسميين - وعلى رأسهم البابا - في تفسيرهم للنصوص الدينية، يصبحون في نظر السلطة الدينية من الذين يخلطون بين الحق والباطل، والخير والشر، والعدل والجور، ويتجاوزون الحدود باسم الحرية، ويقولون في الله ونصوص وحيه وشريعته القول العظيم.(195/46)
فمن الفقرة الأولى للمدونة نلمس الجمع بين فكرة تأليه الإنسان، ونفي وجود الإله، وبين غياب أي معيار للتمييز بين الخير والشر، والحسن والقبيح، والعدل والظلم. وهذا الغلو في الاتهام للمخالف هو ما جعل رماح الدفاع التي استعملتها السلطة الكنسية تنقلب إلى صدرها، فكان الضرر الناتج عنها أكبر بكثير مما يحتمل أن يصل من أدواء من معتنقي المقالات "الخاطئة" أو المروجين لأفكارها.
فماذا جنت الكنيسة من مثل هذا النص ومثل هذا الموقف إلا النكوص والتقوقع والانكماش؟ فلقد كانت ثمار المدونة بعكس ما أريد منها. فمثلا مما دفعت إليه المقولات والأفكار الواردة ضمن الفصل الثامن مثلا المتعلق بأخطاء وضلالات الزواج هو اعتبار الطلاق أمرا شرعيا وقانونيا بفرنسا سنة 1884. كما أن الحرب السياسية والعسكرية اشتدت بالممتلكات البابوية بحيث في سنة 1870وجد الكرسي البابوي نفسه قد فقد السلطة على الأراضي التي كان يملكها، ولم يستطع أن يسترجع نوعا من السيادة السلطوية إلا على مساحة من مدينة روما، والتي تسمى اليوم بدولة الفاتيكان، وذلك سنة 1929، قدرها 0.44 كلم مربع.(195/47)
كما أننا من خلال التمعن في نصوص المدونة ودراسة شكل تحريرها، ندرك الخلط الذي وقعت فيه حين عمدت إلى تفسير الأقوال والأفكار السائدة - والتي تصفها بالأخطاء الخطيرة والضلالات الكبيرة - بعيدا عن أصولها ومراجعها ونصوصها التي حررت وفقها، مثل ما تفعل بعض الفئات المسلمة التي باسم الكتاب والسنة، تعمد إلى تصنيف الأفكار الفلسفية والسياسية المعاصرة ضمن لوائح الضلالة والبدعة دون قراءة متزنة وتمحيص علمي رشيد، ودون رجوع للأصول التي كتبت بها والسياقات التي قيلت فيها، خاصة إذا كانت نابعة من بني إسرائيل أو الصهيونية المسيحية أو غيرها من الجهات التي تعلن العداء للإسلام، بيد أن الأمر في كل مرحلة وكل لحظة، وأيا كان المصدر وأيا كانت درجات كرهه للدين، يحتاج إلى العلم والبحث والرجوع إلى الأصول واستشارة أولي النهى من الخبراء والعلماء وأهل الدراية والمعرفة، وإلى أهل الاختصاص في كل مجال من المجالات، وذكر الأشياء كما وردت حسب ظروفها وسياقاتها دون زيادة أو نقصان أو تحيز.
أما العمد إلى قراءة القرآن الكريم عضين، وإخراج نصوص السنة المطهرة عن سياقها لإقامة الدليل على تصنيف الناس ضمن الفرق غير الناجية، فإنه سيحشرنا - إن لم يكن قد تم ذلك - في مناخ شبيه بما عاشته الكنيسة التي كانت مواقفها غير المدروسة خير مساعد لفقدها المواقع والأتباع.
فقد أبطل الله بسننه ما قام به قوم خلوا من قبل من المسلمين وغيرهم، كما هو الشأن بالنسبة للسلطة الكنسية التي ندرس الآن أحد نصوصها الخطيرة، في منعرج تاريخي خطير، سمح لغيرها بالبزوغ، ومكن لمخالفها من السؤدد بفضل أخطائها وضلالتها، في الوقت الذي كانت تظن فيه أنها تحسن صنعا. وكما كانت سنة الله قائمة قبل قرن ونيف، فإنها مازلت قائمة إلى اليوم، وستظل كذلك لقرون مهما تعدد الأعوام والسنون، ولن تجد لسنة الله تبديلا.(195/48)
فمعدلات العلمنة اليوم ترتفع بقوة، في التعليم والإعلام والإدارة وأنماط التشريع وتوزيع السلط، مما يقلص الدور التقليدي للدين، ويدفع بعض أتباعه للانفعال، ويفتح عليهم من كل صوب أبواب النقد إلى حد الشتم والاستهزاء والازدراء، بشكل يروج في أوساطهم للإعداد للنزال وترقب القتال، وحالة كهذه لا محالة ممكنة - مثل ما كان الحال مع الجانب المسيحي - من ارتكاب أخطاء شتى من طرف جهات إسلامية يمكن تفاديها، ومواقف ساخنة من مفكرين وباحثين متدينين سرعان ما يتم التنكر لها بعد اشتداد الاحتجاج وإتقان صرفه في تأليب الغضب الشعبي، بل استفادة الجهات التي تمرنت على الاستفزاز منه لاستصدار المؤيد لمواقفها المزاحمة من القرار السياسي، والمساعد على المزيد من الخنق والكبت للعنصر الإسلامي.
فلكم ود الذين لم يستوعبوا تطورات الواقع الفكري والثقافي والسياسي لو أن لنا مدونة تجرم كل نيل من الدين أو توجه يرونه مخالفا للشرع الحكيم، بيد أن الخير كل الخير هو قبل كل شيء في تشكيل العقول قبل إجماعها هي ذاتها تلقائيا على احترام ما هو معلوم من الدين بالضرورة، فما عسى ينفع نص يحصي البدع والمنكرات، لمجتمع معظمه لا يجد غضاضة من ضلالة، ولا يحرك يدا ولا لسانا لتغيير منكر.
كما ود المرجفون في بلاط النظام العالمي لو أن للمسلمين هرما سلطويا دينيا على المستوى العقائدي يستطيع أن يقف مثل المواقف المتحجرة للكنيسة في القرون الخالية، فيرسل إليه شواظ ملتهب تلو الآخر من كتاب ومفكرين يحسنون القذف بمناجيق النقد والاتهام دون مراعاة لقيم، من النوع الذي تلمع مؤسسات الدعم والتأييد صورتهم، وتحمي الدعاية منابرهم وتروج خطابهم، بحيث - من شدة وطأة نقدهم وكثافة نبال هجومهم - يدعى ذلك الهرم السلطوي إلى اجتماع في شبه مجمع لاتخاذ قرارات ومواقف تعيد النظر في ثوابت العقيدة، وتقلب فيها التوجيهات الربانية والرسولية رأسا على عقب.(195/49)
نقول ذلك همسا في أذن من ينتظر الحل في تدوين لوائح فرق أهل البدع والضلالات، وتحرير القوائم السوداء للملل والنحل الأفاكة، أو إصدار فتاوى المقت وبيانات التشهير، فالحكمة والدرس البليغ في الالتفات نقدا وتحليلا للمستقبلات المفقودة منذ أزمنة، وفي مجال التعليم والتربية وإعداد الناشئة خاصة، وقوة ارتباط ذلك بالقرآن الكريم نصا وعلما ومنهجا. فالذين ساءهم أن يأتي الناس بحصادهم للسوق، لن يغني شتمهم للسلع المعروضة عن مسؤوليتهم في الغفلة عن الفعل زمن الزرع، ولا بمجد هيجانهم شيئا ضد الزراع في موسم الحصاد.
بل الأولى العمد إلى تشخيص الواقع تشخيصا دقيقا، والبحث عن العناصر الممكّنة من الحفاظ على الموجود، والأدوات الميسرة لإيجاد المفقود، دون كبير ضجيج ولا تهويل لمخططات الغير. فالعارف بالأوضاع ومحركاتها، والمتأهب للاستفادة من دائرة المستطاع وإمكاناتها، يحسن الاستفادة من الوضع الديني والحالة الاجتماعية والتاريخية في أي زمان ومكان.
ففي نفس السنة التي صدرت فيها المدونة البابوية (1864)، صدر في المغرب ما دعي من بعد بظهير[31] "الحرية الدينية" من طرف السلطان الحسن الأول إثر حادث جنحي تدخل في شأنه كبار اليهود في بريطانيا لحماية أحد أتباعهم متهم بجريمة قتله أحد الأجانب من طرف القضاء المغربي. فاستغل اليهود - وحق لهم ذلك - صدور الظهير لتأسيس المدارس والمؤسسات التربوية بمعزل عن أي توجيه رسمي؛ فما كاد القرن التاسع عشر يؤذن بالذهاب، حتى كان المجتمع اليهودي بالمغرب قد وصل في مجالات صقل الذهن ومحو الأمية وإعداد الأجيال إلى مستويات تضاهي ما كانت أوروبا قد بلغته منذ سنة 1830، مع تطعيم روادها وطلبتها بجوانب إيديولوجية ظهرت آثارها فيما بعد.(195/50)
وحتى نزيد الأمر وضوحا، نضرب المثل بأننا كثيرا ما نتكلم عن التنصير، أو الردة، أو التنكر لما هو معلوم من الدين بالضرورة، وننسى أن غياب الاستثمار العلمي والفكري والثقافي والدعوي، بعيدا عن كل استغلال سياسي في شتى الواجهات وفي كل المستويات وبكل المؤسسات، هو ما مكن ويمكن - وفق سنة التدافع الراسخة الثابتة - من بزوغ ملل ونحل قديمة ومستحدثة في أوساط المجتمعات، فضعف التدين في ضعف العلم، وانتشار الباطل هو في عدم عناية أهل الحق بأصوات الحق، ومنها - بل على رأسها - العالم الراسخ القدوة المؤلف للقلوب، العارف المتقن لكلام علام الغيوب، الملتزم بمنهج المصطفى في التعامل مع الناس على مختلف شرائحهم الاجتماعية ومذاهبهم الفكرية وتوجهاتهم الدينية، بكل رحابة صدر ورحمة وعطف.
ذلك أن الإصلاح يقتضي مهارة في الطب، طب المجتمع من أمراضه المزمنة والمعقدة، اجتماعية واقتصادية وسياسية وتربوية، ولقد فصلنا بعض ذلك في بحث يمكن الرجوع إليه حررنا فيه بعض القواعد الاستراتيجية عنوناه: "أوجز القواعد لتحقيق ما نبل من المقاصد"، كان مما ضمناه فيه تفصيل وتحليل لقاعدة استراتيجية صغناها كالآتي: "الطب حفظ صحة برء مرض، دون إرهاب للمريض، ولا شتم للمرض". [32]
فنحن أحوج ما نكون اليوم إلى العمل على محورين أساسيين:
- محور إتقان اللغات العالمية، إتقانا يسمح بتبليغ رسالة الإسلام صافية نقية، وترجمة التراث الإسلامي بعد تنقيحه ترجمة وافية دقيقة، لتحسين صورة الإسلام والمسلمين في الساحة الثقافية لكل لغة، مع الاجتهاد عدة وإعداد في توفير العالم الراسخ، العارف لفقه الدين، المتمكن من فقه الدعوة، المدرك لفقه الواقع، والمتقن للغة قومه ولغات عالمية أخرى تسمح بالتواصل والحوار والتدافع العلمي والفكري، على دراية وتبصر وحكمة.(195/51)
- محور معرفة الأديان معرفة دقيقة من نصوصها وثقافتها وفكرها وخطاب رجالاتها ومنشورات مؤسساتها، بحيث نستطيع أن نعرف مجال التلاقي معها مهما ضاق، وميادين الخلاف مهما اتسعت، وذلك يحتاج إلى عدة وإعداد، ومثابرة وحزم، ورسوخ علم، وصبر وثبات وتقوى، وما ذلك على صاحب رسالة وذي بصيرة بعزيز.
فالتيارات الغالبة مثلا تنبؤ بمستقبلات ممكنة، أو صور للغد صادقة الظن، للصين والهند فيها مثلا حضور لا ينكر، ولهذا فقد نحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى من يعرف اللغات والأديان المتعددة بتلك الأرض معرفة دقيقة ومتقنة، وكثيرة هي الدروس التي سنستفيدها من ذلك، دون أن نقدم دنية في ديننا، والذي لا نشك بأنه لقوته وصدق وحيه، لا يهاب أي احتكاك بدين، ولا يضره أي تدافع مع فكر أو ثقافة.
فحري بنا أن نصحو من الغفلة فندرس الملل والنحل دراسة وافية، الملل ذات التأثير وصياغة المصير في ساحة التدافع المعاصر، وليس الملل البائدة والنحل الميتة. وذلك يقتضي تجديدا وتطويرا في علوم وفنون الدعوة، فلا نحجم أو نستنكف عن دراسة تشكل وتطور العقل البوذي والعقل الهندوسي والعقل الماسوني وغيره من العقول التي حتما للدين والثقافة في تشكلها وتطورها النصيب الأوفى، كما فعل بعض الأساتذة الأجلاء مثل أخينا وصديقنا الدكتور عبد الوهاب المسيري حفظه الله مع العقل اليهودي، والذي ما زلنا نفتقر إلى العديد من الدراسات حول مراحل تشكله وتطوره، وأنماط فعله وتفاعله وحركته.(195/52)
ذلك أن الحروب التي تشن علينا، الفكرية والثقافية والسياسية والعسكرية، تجعلنا - رغم الفارق الكبير- شبيهي الوضع بما كان يجري قبل قرن ونصف من تاريخنا المعاصر. فلو ترجمت خطبة واحدة من الخطب التي تلقى بمساجدنا بالعالم الإسلامي والغربي، لاستطاعت المؤسسات العلمانية أن تعثر - إذا أحسنت الاختيار- على شيء شبيه بالسيلابوس أو قريب منه، ولن تجد الجهات الدينية المسلمة من مجال إلا التنكر له والابتعاد عنه. وحري بنا - وغباوتنا قد استفحلت - أن ننقح خطاباتنا بما ليس من الدين في شيء، وأن نجتهد في أن لا يعتلي المنبر إلا صاحب فقه في الدين، وفقه في الدعوة، وفقه للواقع.
بل المتمعن في أدعيتنا وحدها، وخاصة منها دعاء القنوت في رمضان، يدرك أننا لا نحسن الصنعة ولا نستقيم على منهاج الملة. بل خلاصة الدعاء - وتلك كارثة كبرى - أننا نحيل كل حل لأوضاعنا على خالقنا جل وعلا، مثل قول قوم موسى له حين أمروا بدخول القرية: {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا، فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} (المائدة:24)، غير مميزين بين التوكل والتواكل، ولا بين الاستعانة والاستقالة، مبرئين أنفسنا من أي عمل أو فعل، معتذرين عن ضعفنا باستحالة قيامنا - والأوضاع كما هي - بما نحن مأمورون به.
بل الأدهى أننا في العديد من أدعيتنا - سواء في القنوت أو خطب الجمع أو غيرها - نسأل الله عز وجل أن يبطل سننه، ويعطل قوانين ملكوته، فيمحق الذين كفروا جميعا فلا نسمع لهم ركزا، ويهلك المنافقين فلا نلمس لهم حسا، ولا أدري لم لا نسأله - والحالة كذلك - أن يخلف وعده لإبليس، فيضع لوجوده حدا.(195/53)
ولقد حاولت - على ضعف قدرتي وحدود علمي - أن أقدم في هذا البحث المتواضع مثلا لما يمكن أن نستخلصه من الدروس والعبر في معرفة تشكل العقول والأفكار عبر التفاعل الإيجابي والسلبي مع النص الديني أو موقف المؤسسة الدينية، من خلال تناولي بالدراسة والتحليل لنص مسيحي مغمور كان له دور تاريخي خطير في الصراع السياسي والفكري بين الكنيسة والعلمانية في المجتمع الغربي.
وإن كنت لم أتوسع في الرجوع للنصوص الدينية التي اعتمدتها الكنيسة لصياغة خطابها، فحسبي أن الذي كان يحكم توجهي هو العقل الديني وليس النص مهما بلغ عند أهله من القداسة.
وما لا يدرك كله لا يترك جله، فقد سعيت من خلال المثل المدروس أن أقدم صورة ما أظن أني سبقت إليها - من حيث الحدث والمثال - حول أصول الصراع الديني - الحداثي بأوروبا في التاريخ المعاصر، وستتلوها بإذن الله دراسات مماثلة حول تطور العقل المسيحي عبر التاريخ، وأثر ذلك في تشكل الفكر الغربي الحديث.
وسيظل قصدنا دوما استنباط الدروس واستخلاص الفوائد والعبر، وليس الوقوف على مصائب قوم وتعداد ما لديهم من شاذ المذاهب أو غلو الفكر.
ذلك، ومن رام بلوغ العلا من غير كد ولا إعداد ولا رباط، ولا مراجعة ولا تعبئة ولا تقدير ولا احتياط، فمدركها... إذا ولج الجمل في سم الخياط!
المهندس محمد بريش
خبير في الدراسات الاستراتيجية والمستقبلية
ص ب 4585، عجمان
الإمارات العربية المتحدة
• • • •
قائمة المصادر البابوية الرسمية
التي استوحت منها المدونة نصوص المقالات والأفكار المحظورة
معظم هذه المصادر يرجع إلى رسائل توجيهية وخطابات ترشيدية صادرة عن البابا بيا التاسع نفسه، ذلك أن مشروعا أوليا للمدونة كان قد رجع إلى مراجع أوسع من ذلك، ففشى سره قبل أن يصدره البابا، فكان الاتجاه حين المراجعة أن يركز أساسا على ما صدر عن البابا نفسه.(195/54)
ولقد عمدنا إلى عدم ترجمة العناوين اللاتينية للرسائل والخطابات لأنها بمثابة الأسماء لها، وجعلنا بين قوسين - نظرا لتكرار الإحالة على نفس المصدر في المقولات الثمانين - رقم المقولة المعنية، حتى لا نثقل النص بالإحالة على ذات المصدر بشكل متكرر.
كما أننا ألحقنا في آخر المقال نص المدونة باللغة الإنجليزية لمن أراد الرجوع إلى الأصل، لكننا نشير إلى أن الترجمة الفرنسية - أخذا بعين الاعتبار الأوضاع وقتئذ - كانت من أولى الترجمات الصادرة عن الوسط المسيحي وصرف لها جانب هام من العناية، واعتمدنا أقدمها لترجمة النص للعربية.
ولقد اجتنبنا كذلك الإشارة إلى مختلف الدراسات التاريخية والمعاصرة المتعلقة بالنص وظروفه التاريخية لتعددها وكثرتها.
1. Encyclique Qui pluribus, 9 novembre 1846 (4, 5, 6, 7, 16, 40, 63, 74).
2. Allocution Quis vestrum, 4 octobre 1847 ( 63).
3. Allocution Uni primum, 17 décembre 1847 ( 16).
4. Allocution Quibus quantisque. 20 avril 1849 (40, 64, 76).
5. Encyclique Noscitis et Nobiscum aux archevêques et évêques d'Italie, 8 décembre 1849 (18, 63).
6. Allocution Si semper antea, 20 mai 1850 ( 16).
7. Allocution In consistoriali, 1er novembre 1850 ( 43-45).
8. Lettre apostolique Multiplices inter, 10 juin 1851 (15, 21, 23, 30, 51, 54, 68, 74).
9. Lettre apostolique Ad apostolicae, 22 août 1851 (24, 25, 34-36, 38, 41, 42, 65-67, 69-75).
10. Allocution Quibus luctuosissimis, 5 septembre 1851 ( 45).
11. Lettre à S.M. le Roi Victor-Emmanuel, 9 septembre 1852 (73).
12. Allocution Acerbissimum, 27 septembre 1852 ( 31, 51, 53, 55, 67, 73, 74, 78).
13. Allocution Singulari quadam, 9 décembre 1854 ( 8, 17, 19).
14. Allocution Probe memineritis, 22 janvier 1855 ( 53).(195/55)
15. Allocution Cum saepe, 27 juillet 1855 ( 53).
16. Allocution Nemo Vestrum, 26 juillet 1855 (77).
17. Lettre Singulari quidem aux évêques d'Autriche, 17 mars 1856 (4, 16).
18. Allocution Nunquam fore, 15 décembre 1856 (26, 28, 29, 31, 46, 50, 52, 79).
19. Lettre Eximiam à Son Eminence l'archevêque de Cologne, 15 juin 1857 (4, 16).
20. Lettre apostolique Cum Catholica Ecclesia, 26 mars 1860 (63, 76).
21. Lettre Dolore baud mediocri à l'évêque de Breslau, 30 avril 1860 (14).
22. Allocution Novos et ante, 28 septembre 1860 (19, 62, 76).
23. Allocution, Multis gravibusque, 17 décembre 1860 (19, 37, 43, 73).
24. Allocution Iamdudum, 18 mars 1861 (37, 61, 76).
25. Allocution Meminit, 30 septembre 1861 (20).
26. Allocution consistoriale Maxima quidem, 9 Juin 1862 (1-7, 15, 19, 27, 39, 44, 49, 56-60, 76).
27. Lettre apostolique Gravissimas inter à l'archevêque de Munich-Frisingue, 11 décembre 1862 (9- 11).
28. Encyclique Quanto conficiamur moerore aux évêques d'Italie, 10 août 1863 (17, 58).
29. Encyclique Incredibili à l'archevêque de Santa-Fé-de-Bogota, 17 septembre 1863 (26).
30. Lettre apostolique Tuas libenter à l'archevêque de Munich-Frisingue, 21 décembre 1863 (9, 10, 12-14, 22, 33).
31. Lettre Cum non sine à l'archevêque de Fribourg-en-Brisgau, 14 juillet 1864 (47, 48).
32. Lettre Singularis Nobisque à l'évêque de Mondovi (Piémont) 29 septembre 1864 (32).
نص المدونة باللغة الإنجليزية
نظرا لبعدنا عن مكتبتنا الخاصة التي أغنيناها بالمراجع طيلة الثلاثين سنة الماضية، فإننا اكتفينا للدراسة والتحليل بما اصطحبناه معنا من الكتب والأبحاث.(195/56)
أما الترجمة فقد اعتمدنا أساسا على الترجمة الفرنسية الواردة في الدراسة الموسعة التي قام بها القس لويس بريجي (L. Brigué) (1959-1900)، والمنشورة ضمن موسوعة اللاهوت الكاثوليكي المرجعية (Dictionnaire de la Théologie Catholique)، (والتي وضع تصميمها وخططها الراهب جون ميشال ألفريد فاكان Jean-Michel-Alfred Vacant (1852-1901)، واستغرق نشرها ما بين 1903 إلى 1951)، المجلد الرابع عشر، صص 2877-2923، والصادر في باريس، سنة 1941.
النص الإنجليزي موجود بعدة مواقع، منها على سبيل المثال:
http://www.papalencyclicals.net/Pius09/p9syll.htm
THE SYLLABUS OF ERRORS CONDEMNED BY PIUS IX
I. PANTHEISM, NATURALISM AND ABSOLUTE RATIONALISM
1. There exists no Supreme, all-wise, all-provident Divine Being, distinct from the universe, and God is identical with the nature of things, and is, therefore, subject to changes. In effect, God is produced in man and in the world, and all things are God and have the very substance of God, and God is one and the same thing with the world, and, therefore, spirit with matter, necessity with liberty, good with evil, justice with injustice. -- Allocution "Maxima quidem," June 9, 1862.
2. All action of God upon man and the world is to be denied. -- Ibid.
3. Human reason, without any reference whatsoever to God, is the sole arbiter of truth and falsehood, and of good and evil; it is law to itself, and suffices, by its natural force, to secure the welfare of men and of nations. -- Ibid.(195/57)
4. All the truths of religion proceed from the innate strength of human reason; hence reason is the ultimate standard by which man can and ought to arrive at the knowledge of all truths of every kind. -- Ibid. and Encyclical "Qui pluribus," Nov. 9, 1846, etc.
5. Divine revelation is imperfect, and therefore subject to a continual and indefinite progress, corresponding with the advancement of human reason. -- Ibid.
6. The faith of Christ is in opposition to human reason and divine revelation not only is not useful, but is even hurtful to the perfection of man. -- Ibid.
7. The prophecies and miracles set forth and recorded in the Sacred Scriptures are the fiction of poets, and the mysteries of the Christian faith the result of philosophical investigations. In the books of the Old and the New Testament there are contained mythical inventions, and Jesus Christ is Himself a myth.
II. MODERATE RATIONALISM
8. As human reason is placed on a level with religion itself, so theological must be treated in the same manner as philosophical sciences. -- Allocution "Singulari quadam," Dec. 9, 1854.
9. All the dogmas of the Christian religion are indiscriminately the object of natural science or philosophy, and human reason, enlightened solely in an historical way, is able, by its own natural strength and principles, to attain to the true science of even the most abstruse dogmas; provided only that such dogmas be proposed to reason itself as its object. -- Letters to the Archbishop of Munich, "Gravissimas inter," Dec. 11, 1862, and "Tuas libenter," Dec. 21, 1863.(195/58)
10. As the philosopher is one thing, and philosophy another, so it is the right and duty of the philosopher to subject himself to the authority which he shall have proved to be true; but philosophy neither can nor ought to submit to any such authority. -- Ibid., Dec. 11, 1862.
11. The Church not only ought never to pass judgment on philosophy, but ought to tolerate the errors of philosophy, leaving it to correct itself. -- Ibid., Dec. 21, 1863.
12. The decrees of the Apostolic See and of the Roman congregations impede the true progress of science. -- Ibid.
13. The method and principles by which the old scholastic doctors cultivated theology are no longer suitable to the demands of our times and to the progress of the sciences. -- Ibid.
14. Philosophy is to be treated without taking any account of supernatural revelation. -- Ibid.
III. INDIFFERENTISM, LATITUDINARIANISM
15. Every man is free to embrace and profess that religion which, guided by the light of reason, he shall consider true. -- Allocution "Maxima quidem," June 9, 1862; Damnatio "Multiplices inter," June 10, 1851.
16. Man may, in the observance of any religion whatever, find the way of eternal salvation, and arrive at eternal salvation. -- Encyclical "Qui pluribus," Nov. 9, 1846.
17. Good hope at least is to be entertained of the eternal salvation of all those who are not at all in the true Church of Christ. -- Encyclical "Quanto conficiamur," Aug. 10, 1863, etc.(195/59)
18. Protestantism is nothing more than another form of the same true Christian religion, in which form it is given to please God equally as in the Catholic Church. -- Encyclical "Noscitis," Dec. 8, 1849.
IV. SOCIALISM, COMMUNISM, SECRET SOCIETIES, BIBLICAL SOCIETIES, CLERICO-LIBERAL SOCIETIES
Pests of this kind are frequently reprobated in the severest terms in the Encyclical "Qui pluribus," Nov. 9, 1846, Allocution "Quibus quantisque," April 20, 1849, Encyclical "Noscitis et nobiscum," Dec. 8, 1849, Allocution "Singulari quadam," Dec. 9, 1854, Encyclical "Quanto conficiamur," Aug. 10, 1863.
V. ERRORS CONCERNING THE CHURCH AND HER RIGHTS
19. The Church is not a true and perfect society, entirely free- nor is she endowed with proper and perpetual rights of her own, conferred upon her by her Divine Founder; but it appertains to the civil power to define what are the rights of the Church, and the limits within which she may exercise those rights. -- Allocution "Singulari quadam," Dec. 9, 1854, etc.
20. The ecclesiastical power ought not to exercise its authority without the permission and assent of the civil government. -- Allocution "Meminit unusquisque," Sept. 30, 1861.
21. The Church has not the power of defining dogmatically that the religion of the Catholic Church is the only true religion. -- Damnatio "Multiplices inter," June 10, 1851.(195/60)
22. The obligation by which Catholic teachers and authors are strictly bound is confined to those things only which are proposed to universal belief as dogmas of faith by the infallible judgment of the Church. -- Letter to the Archbishop of Munich, "Tuas libenter," Dec. 21, 1863.
23. Roman pontiffs and ecumenical councils have wandered outside the limits of their powers, have usurped the rights of princes, and have even erred in defining matters of faith and morals. -- Damnatio "Multiplices inter," June 10, 1851.
24. The Church has not the power of using force, nor has she any temporal power, direct or indirect. -- Apostolic Letter "Ad Apostolicae," Aug. 22, 1851.
25. Besides the power inherent in the episcopate, other temporal power has been attributed to it by the civil authority granted either explicitly or tacitly, which on that account is revocable by the civil authority whenever it thinks fit. -- Ibid.
26. The Church has no innate and legitimate right of acquiring and possessing property. -- Allocution "Nunquam fore," Dec. 15, 1856; Encyclical "Incredibili," Sept. 7, 1863.
27. The sacred ministers of the Church and the Roman pontiff are to be absolutely excluded from every charge and dominion over temporal affairs. -- Allocution "Maxima quidem," June 9, 1862.
28. It is not lawful for bishops to publish even letters Apostolic without the permission of Government. -- Allocution "Nunquam fore," Dec. 15, 1856.
29. Favours granted by the Roman pontiff ought to be considered null, unless they have been sought for through the civil government. -- Ibid.(195/61)
30. The immunity of the Church and of ecclesiastical persons derived its origin from civil law. -- Damnatio "Multiplices inter," June 10, 1851.
31. The ecclesiastical forum or tribunal for the temporal causes, whether civil or criminal, of clerics, ought by all means to be abolished, even without consulting and against the protest of the Holy See. -- Allocution "Nunquam fore," Dec. 15, 1856; Allocution "Acerbissimum," Sept. 27, 1852.
32. The personal immunity by which clerics are exonerated from military conscription and service in the army may be abolished without violation either of natural right or equity. Its abolition is called for by civil progress, especially in a society framed on the model of a liberal government. -- Letter to the Bishop of Monreale "Singularis nobisque," Sept. 29, 1864.
33. It does not appertain exclusively to the power of ecclesiastical jurisdiction by right, proper and innate, to direct the teaching of theological questions. -- Letter to the Archbishop of Munich, "Tuas libenter," Dec. 21, 1863.
34. The teaching of those who compare the Sovereign Pontiff to a prince, free and acting in the universal Church, is a doctrine which prevailed in the Middle Ages. -- Apostolic Letter "Ad Apostolicae," Aug. 22, 1851.
35. There is nothing to prevent the decree of a general council, or the act of all peoples, from transferring the supreme pontificate from the bishop and city of Rome to another bishop and another city. -- Ibid.(195/62)
36. The definition of a national council does not admit of any subsequent discussion, and the civil authority car assume this principle as the basis of its acts. -- Ibid.
37. National churches, withdrawn from the authority of the Roman pontiff and altogether separated, can be established. -- Allocution "Multis gravibusque," Dec. 17, 1860.
38. The Roman pontiffs have, by their too arbitrary conduct, contributed to the division of the Church into Eastern and Western. -- Apostolic Letter "Ad Apostolicae," Aug. 22, 1851.
VI. ERRORS ABOUT CIVIL SOCIETY, CONSIDERED BOTH IN ITSELF AND IN ITS RELATION TO THE CHURCH
39. The State, as being the origin and source of all rights, is endowed with a certain right not circumscribed by any limits. -- Allocution "Maxima quidem," June 9, 1862.
40. The teaching of the Catholic Church is hostile to the well- being and interests of society. -- Encyclical "Qui pluribus," Nov. 9, 1846; Allocution "Quibus quantisque," April 20, 1849.
41. The civil government, even when in the hands of an infidel sovereign, has a right to an indirect negative power over religious affairs. It therefore possesses not only the right called that of "exsequatur," but also that of appeal, called "appellatio ab abusu." -- Apostolic Letter "Ad Apostolicae," Aug. 22, 1851
42. In the case of conflicting laws enacted by the two powers, the civil law prevails. -- Ibid.(195/63)
43. The secular Dower has authority to rescind, declare and render null, solemn conventions, commonly called concordats, entered into with the Apostolic See, regarding the use of rights appertaining to ecclesiastical immunity, without the consent of the Apostolic See, and even in spite of its protest. -- Allocution "Multis gravibusque," Dec. 17, 1860; Allocution "In consistoriali," Nov. 1, 1850.
44. The civil authority may interfere in matters relating to religion, morality and spiritual government: hence, it can pass judgment on the instructions issued for the guidance of consciences, conformably with their mission, by the pastors of the Church. Further, it has the right to make enactments regarding the administration of the divine sacraments, and the dispositions necessary for receiving them. -- Allocutions "In consistoriali," Nov. 1, 1850, and "Maxima quidem," June 9, 1862.
45. The entire government of public schools in which the youth- of a Christian state is educated, except (to a certain extent) in the case of episcopal seminaries, may and ought to appertain to the civil power, and belong to it so far that no other authority whatsoever shall be recognized as having any right to interfere in the discipline of the schools, the arrangement of the studies, the conferring of degrees, in the choice or approval of the teachers. -- Allocutions "Quibus luctuosissimis," Sept. 5, 1851, and "In consistoriali," Nov. 1, 1850.(195/64)
46. Moreover, even in ecclesiastical seminaries, the method of studies to be adopted is subject to the civil authority. -- Allocution "Nunquam fore," Dec. 15, 1856.
47. The best theory of civil society requires that popular schools open to children of every class of the people, and, generally, all public institutes intended for instruction in letters and philosophical sciences and for carrying on the education of youth, should be freed from all ecclesiastical authority, control and interference, and should be fully subjected to the civil and political power at the pleasure of the rulers, and according to the standard of the prevalent opinions of the age. -- Epistle to the Archbishop of Freiburg, "Cum non sine," July 14, 1864.
48. Catholics may approve of the system of educating youth unconnected with Catholic faith and the power of the Church, and which regards the knowledge of merely natural things, and only, or at least primarily, the ends of earthly social life. -- Ibid.
49. The civil power may prevent the prelates of the Church and the faithful from communicating freely and mutually with the Roman pontiff. -- Allocution "Maxima quidem," June 9, 1862.
50. Lay authority possesses of itself the right of presenting bishops, and may require of them to undertake the administration of the diocese before they receive canonical institution, and the Letters Apostolic from the Holy See. -- Allocution "Nunquam fore," Dec. 15, 1856.(195/65)
51. And, further, the lay government has the right of deposing bishops from their pastoral functions, and is not bound to obey the Roman pontiff in those things which relate to the institution of bishoprics and the appointment of bishops. -- Allocution "Acerbissimum," Sept. 27, 1852, Damnatio "Multiplices inter," June 10, 1851.
52. Government can, by its own right, alter the age prescribed by the Church for the religious profession of women and men; and may require of all religious orders to admit no person to take solemn vows without its permission. -- Allocution "Nunquam fore," Dec. 15, 1856.
53. The laws enacted for the protection of religious orders and regarding their rights and duties ought to be abolished; nay, more, civil Government may lend its assistance to all who desire to renounce the obligation which they have undertaken of a religious life, and to break their vows. Government may also suppress the said religious orders, as likewise collegiate churches and simple benefices, even those of advowson and subject their property and revenues to the administration and pleasure of the civil power. -- Allocutions "Acerbissimum," Sept. 27, 1852; "Probe memineritis," Jan. 22, 1855; "Cum saepe," July 26, 1855.
54. Kings and princes are not only exempt from the jurisdiction of the Church, but are superior to the Church in deciding questions of jurisdiction. -- Damnatio "Multiplices inter," June 10, 1851.
55. The Church ought to be separated from the .State, and the State from the Church. -- Allocution "Acerbissimum," Sept. 27, 1852.(195/66)
VII. ERRORS CONCERNING NATURAL AND CHRISTIAN ETHICS
56. Moral laws do not stand in need of the divine sanction, and it is not at all necessary that human laws should be made conformable to the laws of nature and receive their power of binding from God. -- Allocution "Maxima quidem," June 9, 1862.
57. The science of philosophical things and morals and also civil laws may and ought to keep aloof from divine and ecclesiastical authority. -- Ibid.
58. No other forces are to be recognized except those which reside in matter, and all the rectitude and excellence of morality ought to be placed in the accumulation and increase of riches by every possible means, and the gratification of pleasure. -- Ibid.; Encyclical "Quanto conficiamur," Aug. 10, 1863.
59. Right consists in the material fact. All human duties are an empty word, and all human facts have the force of right. -- Allocution "Maxima quidem," June 9, 1862.
60. Authority is nothing else but numbers and the sum total of material forces. -- Ibid.
61. The injustice of an act when successful inflicts no injury on the sanctity of right. -- Allocution "Jamdudum cernimus," March 18, 1861.
62. The principle of non-intervention, as it is called, ought to be proclaimed and observed. -- Allocution "Novos et ante," Sept. 28, 1860.
63. It is lawful to refuse obedience to legitimate princes, and even to rebel against them. -- Encyclical "Qui pluribus," Nov. 9, 1864; Allocution "Quibusque vestrum," Oct. 4, 1847; "Noscitis et Nobiscum," Dec. 8, 1849; Apostolic Letter "Cum Catholica."(195/67)
64. The violation of any solemn oath, as well as any wicked and flagitious action repugnant to the eternal law, is not only not blamable but is altogether lawful and worthy of the highest praise when done through love of country. -- Allocution "Quibus quantisque," April 20, 1849.
VIII. ERRORS CONCERNING CHRISTIAN MARRIAGE
65. The doctrine that Christ has raised marriage to the dignity of a sacrament cannot be at all tolerated. -- Apostolic Letter "Ad Apostolicae," Aug. 22, 1851.
66. The Sacrament of Marriage is only a something accessory to the contract and separate from it, and the sacrament itself consists in the nuptial benediction alone. -- Ibid.
67. By the law of nature, the marriage tie is not indissoluble, and in many cases divorce properly so called may be decreed by the civil authority. -- Ibid.; Allocution "Acerbissimum," Sept. 27, 1852.
68. The Church has not the power of establishing diriment impediments of marriage, but such a power belongs to the civil authority by which existing impediments are to be removed. -- Damnatio "Multiplices inter," June 10, 1851.
69. In the dark ages the Church began to establish diriment impediments, not by her own right, but by using a power borrowed from the State. -- Apostolic Letter "Ad Apostolicae," Aug. 22, 1851.
70. The canons of the Council of Trent, which anathematize those who dare to deny to the Church the right of establishing diriment impediments, either are not dogmatic or must be understood as referring to such borrowed power. -- Ibid.(195/68)
71. The form of solemnizing marriage prescribed by the Council of Trent, under pain of nullity, does not bind in cases where the civil law lays down another form, and declares that when this new form is used the marriage shall be valid.
72. Boniface VIII was the first who declared that the vow of chastity taken at ordination renders marriage void. -- Ibid.
73. In force of a merely civil contract there may exist between Christians a real marriage, and it is false to say either that the marriage contract between Christians is always a sacrament, or that there is no contract if the sacrament be excluded. -- Ibid.; Letter to the King of Sardinia, Sept. 9, 1852; Allocutions "Acerbissimum," Sept. 27, 1852, "Multis gravibusque," Dec. 17, 1860.
74. Matrimonial causes and espousals belong by their nature to civil tribunals. -- Encyclical "Qui pluribus," Nov. 9 1846; Damnatio "Multiplices inter," June 10, 1851, "Ad Apostolicae," Aug. 22, 1851; Allocution "Acerbissimum," Sept. 27, 1852.
IX. ERRORS REGARDING THE CIVIL POWER OF THE SOVEREIGN PONTIFF
75. The children of the Christian and Catholic Church are divided amongst themselves about the compatibility of the temporal with the spiritual power. -- "Ad Apostolicae," Aug. 22, 1851.
76. The abolition of the temporal power of which the Apostolic See is possessed would contribute in the greatest degree to the liberty and prosperity of the Church. -- Allocutions "Quibus quantisque," April 20, 1849, "Si semper antea," May 20, 1850.
X. ERRORS HAVING REFERENCE TO MODERN LIBERALISM(195/69)
77. In the present day it is no longer expedient that the Catholic religion should be held as the only religion of the State, to the exclusion of all other forms of worship. -- Allocution "Nemo vestrum," July 26, 1855.
78. Hence it has been wisely decided by law, in some Catholic countries, that persons coming to reside therein shall enjoy the public exercise of their own peculiar worship. -- Allocution "Acerbissimum," Sept. 27, 1852.
79. Moreover, it is false that the civil liberty of every form of worship, and the full power, given to all, of overtly and publicly manifesting any opinions whatsoever and thoughts, conduce more easily to corrupt the morals and minds of the people, and to propagate the pest of indifferentism. -- Allocution "Nunquam fore," Dec. 15, 1856.
80. The Roman Pontiff can, and ought to, reconcile himself, and come to terms with progress, liberalism and modern civilization.- -Allocution "Jamdudum cernimus," March 18, 1861.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] كان كاتب هذه السطور قد سجل نفسه لدى إحدى الجامعات الأوروبية للقيام ببحث في إطار الدكتوراه بعنوان: "نقد العقل المسيحي: حفريات معرفية في تطور الفكر الكنسي" حين مقامه كخبير غير متفرغ بالمجموعة الأوروبية وعمله كمستشار ثقافي منتدبا من حكومة بلده (المغرب) ببروكسيل، إلا أن إدارة تلك الجامعة قد أتلفت خطأ أو سهوا أحد الملفات الإدارية، فعمد الكاتب - لخصوصية الموضوع وخطورته - إلى سحب تسجيله من تلك الجامعة.(195/70)
ولم يسارع الكاتب إلى نشر ما استنبطه من دراساته لذلك الفكر في مراجعه الأصلية منذ سنة 1404هـ / 1983م إلا بعدما قام برحلات متعددة للمراكز والإدارات الدينية المسيحية، بما فيها الفاتيكان، متتبعا أنشطتها، ومحتكا بفكر وثقافة باحثيها ومثقفيها، منكبا على قراءة العديد من المراجع التاريخية القديمة والمعاصرة حول الفكر المسيحي، وخاصة منه الكاثوليكي الذي يعتبر الأكثر إنتاجا فيما يخص العلاقة بالإسلام، مما سمح له باكتساب رؤية شبه شمولية لمسار تطور الفكر المسيحي المعاصر، خاصة في علاقاته مع الديانات الأخرى، وبالأخص اليهودية والإسلام، ومدى تأثيره وتأثره أوروبيا وعالميا بالإيديولوجيات المعاصرة. ويعتبر هذا المقال أول ما يصدر عن الكاتب في الموضوع، رغم خوضه غمار البحث والنشر منذ عشرين سنة.
[2] نشرت مجلة "المستقبل" (L'avenir)، التي كان يرأسها الباحث الكاثوليكي الليبرالي "لاموني" (Lamennais) في عددها بتاريخ 18 ديسمبر 1830 القانون الأساسي (الميثاق) لهذه الوكالة، فليرجع إليه من يريد المزيد من التفصيل والبحث.
[3] راجع مقدمة دراسة وثائقية حول "لائحة المقولات والأفكار المحظورة" (وهي التي سميناها بالمدونة البابوية للمحظور من الفكر والكلام)، قام بها الراهب بيار هورات (Pierre Hourat)، وهي دراسة منشورة في ثلاث كتيبات بباريس سنة 1909، الناشر مكتبة بلود وشركاؤه، الكتاب الأول، ص 8.(195/71)
[4] جرت عادة الكنيسة أن تسمي القرارات والرسائل والتوجيهات الصادرة عنها، وخاصة عن البابا، بالكلمات الأولى لنصها اللاتيني. وكانت افتتاحية الرسالة الدائرية والتوجيهية "بأي قدر" (encyclique Quanta Cura) موضوع دراستنا إشادة اعتادها الباباوات في مدخل رسائلهم التوجيهية بمن سبقوهم اعتلاء الكرسي البابوي، حيث جاءت بداية مدخلها كالآتي: "بأي قدر من العناية والصرامة الرسولية أدى أسلافنا الأحبار الرومان رسالتهم التي خولهم إياها السيد المسيح نفسه..."، فكانت تسمية النص تلقائيا: "بأي قدر" (Quanta Cura).
[5] مجلة "دراسات" (Etudes)، يونيو 1964، ص 739.
[6] يعمد الذين يريدون انتقاد الكنيسة في تنصيصها وادعائها عصمة البابا تذكيرها بلعنتها في المجمع المسكوني القسطنطيني الثالث سنة 680 للبابا هونوريوس الأول الذي تبنى عقيدة المونوتلزمية (Monothélisme)، وهي عقيدة ابتكرها سنة 616 ميلادية بطريق القسطنطينية "سرج" (Serge) بمساندة الإمبراطور هرقل الأول، وذلك خلافا لما جاء في مجمع خلقدونية سنة 451 ميلادية، حيث نص على أن المسيح له ذات إلهية وذات إنسانية . ذلك أن الإمبراطور، سعيا منه لجمع المسيحيين، رأى أن يجمع بين المقرين بما وصل إليه مجمع خلقدونية وبين الرافضين له في قول وسط هو ما عبر عنه بالمونوتلزمية. فكان أن أقرها البابا هونوريوس الأول بعد أن انتشرت في الإسكندرية خاصة، رغبة منه في توحيد صفوف أتباعه في وجه الإسلام إذ عاصر هذا البابا فترة الرسول عليه الصلاة والسلام. إلا أن الكنيسة طردته وأقحمته ضمن اللائحة السوداء، مدرجة إياه بقرار من المجمع المسكوني القسطنطيني الثالث سنة 680 ضمن المغضوب عليهم.
[7] Recherches et Débats du Centre Catholique des Intellectuels de France, "Essais sur la liberté religieuse", Cahier n° 50, mars 1965, Librairie Athène Fayard.(195/72)
[8] هذه الرسالة التوجيهية تعبر عن تغير جذري في استراتيجية الكنيسة الكاثوليكية حيث استفادت من دروس المواجهة في المرحلة الماضية، ورأت أن تستثمر في الاهتمام بقضايا الشعوب الاقتصادية والاجتماعية بدل الحرص على توسيع سلطة البابا السياسية والمدنية. ومن ذلك التاريخ، والباباوات يصدرون رسائل ذات صبغة اجتماعية احتفالا بذكراها تأكيدا لتلك الاستراتيجية واحتفالا بذلك التوجه الجديد مثل الرسالة Encyclique QUADRAGESIMO ANNO للبابا بيا الحادي عشر Pie XI بتاريخ 15 مايو 1931 بمناسبة مرور أربعين سنة على إصدار رسالة البابا ليون الثالث عشر، وكذلك الرسالة Encyclique MATER ET MAGISTRA الصادرة عن البابا يوحنا الثالث والعشرون Jean XXIII بتاريخ 15 مايو 1961 بمناسبة مرور سبعين سنة، ثم الرسالة الصادرة في الذكرى المائة بعنوان Encyclique CENTESIMUS ANNUS والصادرة عن البابا الحالي يوحنا بولس الثاني Jean Paul II بتاريخ 1 مايو 1991، واختار هذا البابا تاريخ فاتح مايو وليس 15 منه ليقرن بين الذكرى والاحتفال بعيد العمال.
[9] انظر بحثا للراهب برنارد لوسيان (Abbé Bernard Lucien) حول: "دراسات عن الحرية الدينية في العقيدة الكاثوليكية" (Etudes sur la liberté religieuse dans la doctrine catholique)، نشر دار "أقوياء في العقيدة" (Ed. Forts dans la Foi) ، نوفنبر 1990.
[10] مدينة ألمانية على الحدود مع سويسرا، توجد على نهر الرين، ومتاخمة لجبال الألب، لها تاريخ أوروبي عريق إذ كانت من قبل مدينة رومانية ومن ثم تسميتها باسم الإمبراطور قسطنطين، وكانت معبر الذهاب إلى الشرق، فعاشت عهودا تجارية زاهية، وهي اليوم منتجع سياحي مشهور ببحيرته التي تتقاسمها سويسرا وألمانيا.(195/73)
[11] عقد هذا المجمع بمدينة قسطنسة" (constance ) ما بين 1414 و1418 ميلادية، وكان مما صدر عنه قانون Sacrosancta الخاص بالنظريات المجمعية الذي رفض الباباوات أن يصادقوا عليه إلى اليوم. والجدير بالذكر أن هذا المجمع يعتبر مادة غنية لدراسة "الانقلابات السياسية في أجهزة السلطة الدينية"، لأن المجمع لم يبتكر النظريات من فراغ، وإنما أرغم اثنين من الباباوات على الاستقالة، وأطاح بثالث، وعين رابعا.
فقد أرغم المجمع على الاستقالة كلا من البابا غريغوار الثاني عشر (Grégoire XII ) والبابا المضاد l'antipape (كما تسميه الكنيسة) يوحنا الثالث والعشرون (Jean XXII) حيث كان يتنازع على الكرسي البابوي أكثر من واحد حسب النفوذ السياسي (والذي جاء البابا المعاصر الداعي لمجمع الفاتيكان الثاني والمحبوب لدى الليبراليين واليهود خاصة، فعمد إلى التسمي بنفس الاسم كي يلغي أحقية ذلك البابا المضاد في ادعاء البابوية ولو بالاسم). كما أطاح ذلك المجمع بالبابا بونوا الثالث عشر (Benoît XIII )، وعين البابا مارتن الخامس (Martin V). ولذلك يرفض الباباوات منذ ذلك التاريخ وإلى اليوم أن يصادقوا - بحكم احتكارهم لمنصب أسقف روما - على قانون النظريات المجمعية لخطورته على منصبهم وبقائهم في السلطة.(195/74)
ورغم أنني أتعمد الإيجاز حتى لا أطيل، فإنني لا أرى بأسا من الإشارة إلى أن من بلايا هذا المجمع حكمه بالإعدام على الراهب جان هوس Jean Hus (1371-1415)، عميد جامعة براغ، وقائد ثورة الإصلاح الديني و الفكري في تلك الحقبة من التاريخ، فلقد أزعجت كتاباته وأفكاره الكنيسة، وبعد أن ضاقت منه أحكمت قبضها عبر تدخلات ومناورات شتى لسجنه ثم محاكمته. وبعد سجنه تمت حين انعقاد المجمع محاولة تخليه عن ثلاثين فكرة من أفكاره ليحول إعدامه إلى سجن مؤبد، فرفض، فقرر المجمع إعدامه ليعدم في نفس اليوم (6 يوليو 1415) حرقا بالحطب أمام الملأ، ورمي رماده في نهر الرين. نذكر هذا لنقول أن الكنيسة لم تكن تلعن فقط، وإنما كانت لاستبدادها الخطير تعمد إلى إعدام المخالف لها بالحرق على الحطب تنكيلا له ودرسا لغيره أمام أعين الناس.
[12] اكتفينا في هذا المقال بسرد لائحة القوانين والرسائل والخطابات البابوية التي استخلصت منها المقولات الأخطاء بنصها اللاتيني، دون تفصيل حول دوافع ومضامين كل مرجع.
[13] راجع بحث الراهب برنارد لوسيان (Abbé Bernard Lucien) حول: "دراسات عن الحرية الدينية في العقيدة الكاثوليكية" (Etudes sur la liberté religieuse dans la doctrine catholique)، مصدر سابق.
[14] هناك طبعا عوامل أخرى دفعت لذلك، وعلى رأسها بدء الهجوم الاستعماري على الأراضي العربية والإسلامية، ونضج الفكر الصهيوني بعد أن استوى على سوقه، حيث تجلى زمانه وحضر رجاله، وتحوله إلى مشروع سياسي فكري استيطاني، لكن مناخ الحرية الدينية الذي تبلور بقوة بعد إصدار مدونة المحظور من الكلام والفكر البابوية، وقرار عصمة البابا الذي جاء بعدها، والتأييد الشعبي للانتقادات الموجهة للكرسي البابوي من داخل وخارج الكنيسة، والمكتسبات الدستورية التي حصلت عليها تيارات الحداثة، كل ذلك مكن من عقد ذلك المؤتمر وتيسير مناخ تنفيذ خططه السياسية والمؤسساتية.(195/75)
ونحن إذ نشير إلى ذلك، لا نعبر بتاتا عن التمني لو قامت الكنيسة بمنع المؤتمر، بل نثمن ما وصلت إليه أوروبا من التحرر والانفتاح الذي مهد لدخول الإسلام إليها من أبواب أخرى فيما بعد. أما المؤتمر الصهيوني فلا نرى له الأثر المزعوم الذي يدعيه بعض الدارسين لإنشاء إسرائيل، ولكن نرى أن الجسم العربي والإسلامي كان على حالة من الهوان - وما يزال - بحيث لا يحتاج معه إلى عميق تفكير سياسي، وكبير دهاء استراتيجي، سواء لتمزيقه أو اغتصاب أطراف منه.
فحين يسري الدود في جسم متعفن، فالتفسخ لا يرجع لشراهة الدود الأبيض وحنكة الأسود، ولا إلى بزوغ الدود أصلا، وإنما إلى استمرار وجود العفن وغياب الحياة.
[15] أعلن البابا يوحنا الثالث والعشرون عن نيته في عقد مجمع مسكوني يوم 25 يناير 1958 بعد شهور قليلة من جلوسه على الكرسي البابوي. وتم افتتاح المجمع بتاريخ 11 أكتوبر 1962، وختم أعماله بتاريخ 8 ديسمبر 1965.
[16] تم ذلك بتاريخ 3 سبتمبر 2000، وكانت المباركة له وللبابا يوحنا الثالث والعشرون الداعي للمجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، والمحبوب لدى اليهود والمسيحيين الحداثيين. وهو أمر لم يخل من انتقادات قوية داخل التيارات والأحزاب والجمعيات الدينية والعلمانية على السواء، إذ رأى الكثيرون أنه لم يدرج الرجلان للمباركة في يوم واحد إلا لتغطية الأخير المنفتح والحداثي على استبداد الأول وطيشه. وكانت معظم تلك الانتقادات تحيل على التناقض الصارخ بين الرجلين في المنهج والممارسة، وامتد الانتقاد ليقارن بين ما قام به البابا الحالي يوحنا بولس الثاني نفسه من طلب للسماح عن ظلم واضطهاد الكنيسة لأتباع اليهودية، واعترافه بتجاوز الكنيسة في العصور الماضية قيم التسامح وعدم احترامها لحقوق الإنسان، وخاصة في رسالته بتاريخ 12 مارس 2000، وبين ما يقوم به من مباركات وتقديس لشخصيات مست بتلك القيم وأخلت بتلك الحقوق.(195/76)
وكانت الانتقادات الأشد صوتا تلك الصادرة عن المؤسسات والنوادي اليهودية والمسيحيين المنضوين تحت شبكة "من أجل وجه آخر للكنيسة والمجتمع" (Pour un autre visage d'Eglise et de Société)، وهم في الغالب أتباع الراهب الفرنسي الثائر غايو (Gaillot) والذي أقالته الكنيسة المركزية من منصبه سنة 1995. كما صدر شيء مماثل عن بعض الشبكات الدولية التي تعبر عن التيار المسيحي المناهض لسلطة البابا مثل شبكة "نحن كنيسة" (Nous sommes Eglise)، وشبكة "كنيسة الحرية" (Eglise de liberté).
[17] راجع كتاب الراهب بول كريستوفر (Paul Christopher) والأسقف رولان مينيراث (Roland Minerath) بعنوان: "سيلابوس بيا التاسع"، نشر Le Cerf، سبتمبر 2000، باريس.
[18] تقع منطقة بييمونت Piémont في الشمال الغربي لإيطاليا، سبق لنابليون أن ضم جزءا منها سنة 1802 إلى فرنسا بناء على استفتاء أجري سنة 1799، مما ألب عليه عديدا من الدول الأوروبية التي رأت في ذلك نوعا من الهيمنة التوسعية لفرنسا، علما أنه في سنة 1860، شكر ملك بييمونت نابليون الثالث على مساندته في حربه على المجر بأن سلمه منطقتي نيس وسافوا. فإيطاليا كانت مقسمة إلى مملكات، منها مملكة نابلس (Naples) على البحر المتوسط، والممالك البابوية التي كانت أوسع من دولة الفاتيكان الحالية بكثير، ومملكة بييمونت في الشمال الغربي. فكان الشعب في مناطق النفوذ البابوي يطالبون بالإصلاح السياسي والمزيد من الحريات، حيث لبى البابا بيا التاسع جانبا منها على خلاف سلفه غريغوار السادس عشر، إلا أن الحروب الثنائية الأوروبية، والأزمات الداخلية أضعفت شوكته. وفي سنة 1861 أعلن ملك بييمونت " فيكتور إيمانويل" Victor-Emmanuel ملكا على إيطاليا.(195/77)
[19] "L'intelligentsia Européenne en mutation 1850-1875: Darwin, le Syllabus et leurs conséquences", Problèmes d'histoire des religions, Université Libre de Bruxelles, 9/1998, p: 70.
[20] "النشرة الأدبية المضادة للثورة: قراءة وتراث" (Bulletin littéraire contre-révolutionnaire: Lecture et Tradition) ، العدد 109، سبتمبر – أكتوبر 1984، والمخصص للبابا بيا التاسع ومدونته، ص 5.
[21] "Histoire Religieuse de la France Contemporaine". Tome I: de la Révolution à la III° république. Tome II: Sous la III° République, Flammarion 1948-1951, Paris.
[22] راجع الدراسة التي قام بها القس لويس بريجي (L. Brigué) ( 1959-1900 )، والمنشورة ضمن موسوعة اللاهوت الكاثوليكي المرجعية (Dictionnaire de la Théologie Catholique)، المجلد الرابع عشر، باريس، 1941، عمود 2877.
[23] درجة من درجات الإدارة الدينية المسيحية.
[24] راجع العدد الخاص من المجلة الدولية للاهوت (Concilium) الخاص عن الثورة الفرنسية والكنيسة، الصادر بمناسبة الاحتفال بالذكرى المائتين للثورة في يناير 1989، العدد 221، وخاصة بحث د. دانيال مينوزي (إيطالي) بعنوان "أهمية رد الفعل الكاثوليكي تجاه الثورة"، ص 83 - 94.
[25] سبقت الإشارة أنه في 15 سبتمبر 1864 وقعت اتفاقية بين نابوليون الثالث وملك بييمونت " فيكتور إيمانويل" Victor-Emmanuel على أن تسحب فرنسا قواتها الحامية للبابا على مدى سنتين.
[26] رغم عدم الإعلان الصريح في صفحات المجلة عن الجهة المالكة، يبدو من خلال مقالاتها وملفاتها أنها صادرة إما عن الجمعية الراديكالية "أخوة القديس بيا العاشر" (Fraternité Sacerdotale Saint Pie X)، وإما عن جهة أخرى مثل جمعية "أصدقاء المسيح ملك فرنسا" (Amis du Christ Roi de France).(195/78)
[27] اضطر الكاردينال - نظرا لمعاكسته لنتائج مجمع الفاتيكان الثاني الذي لمس تدخل اللوبيات المتعددة في أشغاله ت أن يستقيل في أكتوبر 1968، وأن يؤسس على غير رضا الكنيسة "حزبه الديني" في فاتح نوفمبر 1970 تحت منظمة "أخوة القديس بيا العاشر" (Fraternité Sacerdotale Saint Pie X).
[28] الدراسة مقدمة من طرف الأسقف "برنارد تيسيي دو مالري" (Mgr Bernard Tissier de Mallerais)، وهو أحد الأساقفة الذين نصبهم المنشق عن الكنيسة الكاردينال مارسيل لوفبر Marcel Lefebvre (1905-1991)، ويرأس الآن جمعية "أخوة القديس بيا التاسع" التي أسسها الكاردينال المذكور، صفحات 19-24.
[29] سبقت الإشارة لرقم وتاريخ العدد في الهامش 18.
[30] المرجع نفسه، ص 5.
[31] أمر ملكي بمثابة قانون. ويمكن الرجوع لكتاب أحسبه من خيرة ما كتبه الفيلسوف د. محمد عابد الجابري، عنوانه "أضواء على مشكل التعليم بالمغرب" حيث أشار في المقدمة إلى الحركة اليهودية في إنشاء المؤسسات التربوية والمدارس التأهيلية غداة صدور الظهير المذكور.
[32] سبق لنا في أحد المواسم الفكرية لاتحاد العمال المسلمين بألمانيا سنة 1999 أن قدمنا بصورة موجزة جوانب من ذلك البحث، وسلمناهم نصها المدون ليضعوه على موقعهم بشبكة الانترنيت.(195/79)
العنوان: الإستراتيجية الأميركية في الخليج العربي الثوابت والمتغيرات
رقم المقالة: 301
صاحب المقالة: د. درية شفيق بسيوني
-----------------------------------------
مخطئ هو ذلك القائل بأن عملية ((عاصفة الصحراء))، تحت اللواء الأميركي، إنما حركتها الشرعية الدولية والرغبة في إرجاع الحقوق إلى ذويها، ومتفائل أيضاً هو من يتوقع دوراً أميركياً على القدر نفسه من الحزم والصرامة في مساعي السلام بالشرق الأوسط، ذلك أن المبعث الأول والأهم على الدور الأميركي فيما كُني ((بعاصفة الصحراء)) إنما هو المصلحة الأميركية أولاً، والمصلحة الأميركية أخيراً، فمن قبل انحصرت هذه المصلحة في ضرورة احتواء الخطر السوفياتي والحيلولة دون ولوجه المياه الخليجية الدافئة، ومن ثم تهديده للآبار النفطية في الخليج. والآن – وبعد تفكك أوصال العملاق السوفياتي – أصبح النفط وحده في سويداء اهتمامات أقطاب البيت الأبيض، فاستعادة حكومة الكويت لسيادتها وشرعيتها على أراضيها لم تكن تعني الكثير بالنسبة لهؤلاء الأقطاب لو لم تحتو تلك الأراضي على آبار تفيض نفطاً، والإجتياح العراقي لم يكن ليحرك الجحافل الأميركية والبريطانية والفرنسية، لو لم يهدد صراحة شرايين الإمدادات النفطية، وكل من يحاول إلباس ((عاصفة الصحراء)) ثوب الحق والعدل والشرعية وحده، إنما هو ناسخ لحقائق دامغة تنطق بها وقائع ومبادرات وتحركات على امتداد سنوات طوال، سعت خلالها الولايات المتحدة لتكون صاحبة الهيمنة المتفردة على الساحة الخليجية.
هذه الوقائع وتلك المبادرات بكل دلائلها ومقدماتها ونتائجها هي موضع تحليلنا في هذه الدراسة التي حرصنا – قدر الإمكان – على تركيز مضمونها بعدم الإنسياق وراء الاستطراد والإفاضة رغم إغرائها الشديد في مثل هذه الدراسات ذات الطابع التاريخي – التحليلي معاً.(196/1)
من هنا تحتوي دراستنا على أربعة مباحث، نتابع في أولها: تدرج السياسة الأميركية في الخليج منذ العام 1968م (إعلان بريطانيا اعتزامها الإنسحاب من شرق السويس) وحتى العام 1974م (البوادر الاستهلاكية للحظر النفطي). بينما نخصص المبحث الثاني: لتبيان آثار الحظر النفطي من ناحية وسقوط شاه إيران من ناحية أخرى، على المصالح الأميركية وانعكاس ذلك على استراتيجيتها في الخليج. أما في المبحث الثالث: فنتناول رد الفعل الأميركي على الغزو السوفياتي لأفغانستان محدداً في ((مبدأ كارتر)) وقوة الانتشار السريع. في حين نتابع المبحث الرابع والأخير: جهود الرئيس الأميركي السابق ((رونالد ريغان)) للحصول على قواعد وتسهيلات عسكرية بمنطقة الشرق الأوسط، تمكيناً لقوة الإنتشار السريع من أداء ما أنيط بها من مهام على الوجه الأكمل. وفي الخاتمة: نعرض لعملية عاصفة الصحراء ومردوداتها على النظام الإقليمي العربي في ضوء ما تمخضت عنه من نتائج.
تطور الدور الأميركي في الخليج
(1968 – 1974)
لم يغب الثقل النفطي لمنطقة الخليج عن اعتبار ساسة الولايات المتحدة الأميركية في أي وقت من الأوقات، بل إن النفط إنتاجاً واحتياطياً وعوائد واستثماراً ظل دوماً في أولوية الاهتمامات الأميركية، ذلك أن ضمان ثبات أسعاره وانتظام إمداداته وحجم المطروح منه في الأسواق العالمية كان وراء حرص الولايات المتحدة الدائم على استقرارية الأوضاع السياسية والعسكرية والأمنية في منطقة الخليج، درءاً لإحتمالات تذبذب الإمدادات وحصص الإنتاج وقفز الأسعار النفطية.(196/2)
وإلى جانب الأهمية النفطية لمنطقة الخليج، تتبدى الأهمية الاقتصادية محددة في السياسات الاستثمارية لدول الخليج الحائزة على فائض بترودولاري هائل يمثل احتياطياً كبيراً مؤثراً في كيفية إعادة توزيع الثروة الاقتصادية العالمية، حتى قيل إنه بدون إخضاع أوجه استثمار هذا التراكم البترودولاري لتوجيه محكم، فإن أخطاراً اقتصادية وخيمة من شأنها أن تحيق بالمقدرة الإنتاجية للدول الصناعية الكبرى وفي صدارتها الولايات المتحدة.
كذلك تبرز الأهمية التجارية لمنطقة الخليج ليس فقط في هيئة أسواق واسعة تستوعب مزيداً من مبيعات العالم الصناعي المتقدم، بل أيضاً في صورة عوائد ضخمة مقابل صفقات السلاح التي من شأنها الإسهام في معالجة الخلل المزمن بميزان المدفوعات الأميركي.
وبالرغم من هذه المصالح البادية للعيان اقتصادية كانت أم سياسية أم استراتيجية، فإن الولايات المتحدة لم تستشعر ضرورة أن يكون لها وجود ملموس مباشر في النطاق الخليجي، مستعيضة عن ذلك بالسطوة البريطانية، فيه وما هيأته هذه السطوة من أسباب الاستقرار السياسي بالمنطقة استناداً إلى وجودها العسكري في قاعدتي الشارقة والبحرين من جهة[1]، وإلى ما عقدته من أواصر وثيقة مع كل من إيران والمملكة العربية السعودية لا سيما في المجالين العسكري والأمني من جهة ثانية، إضافة إلى وجود عسكري في حده الأدنى ممثلاً فيما عرف بـ ((قوة الشرق الأوسط)) (Mideastfor Middle East Force) المشتملة على فرقاطة ومدمرتين حربيتين من جهة ثالثة.(196/3)
لذلك تلقى المسؤولون في البيت الأبيض قرار بريطانيا بالإنسحاب من شرق السويس في موعد أقصاه العام 1971م، بمزيج من عدم الإرتياح والتوجس لما سيترتب عليه من فراغ عسكري يوقع المنطقة بأسرها في قبضة الأطماع السوفياتية. هذا في الوقت الذي يناهض فيه الرأي العام الأميركي – وذكريات فيتنام الأليمة ما زالت ماثلة حية في أذهانه – أية محاولة من جانب حكومته للحلول محل بريطانيا في الخليج. وهو ما عبر عنه السناتور ((مايك مانسفيلد)) زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأميركي آنذاك – عندما قال معقباً على القرار البريطاني بالإنسحاب ((إني أشعر بالأسف العميق لاضطرار بريطانيا تحت وطأة أزمتها الاقتصادية، للإقدام على مثل هذه الخطوة، ومبعث أسفي توقعي بأن نطالب بالحلول محلها لملء الفراغ في شرق السويس. هذا في الوقت الذي لا نملك فيه سواء الموارد أو الرجال اللازمين للاضطلاع بتلك المهمة الشاقة))[2].
وانطلاقاً من هذا اليقين سعت السياسة الأميركية في الخليج إلى إقامة توازن وتوافق ما بين إهتمامها الفعلي بأمن المنطقة من جهة، وحرصها الأكيد على عدم الزج بنفسها مباشرة في أية ترتيبات تكفل هذا الأمن من جهة ثانية، وذلك وفق حتميات مبدأ الرئيس نيكسون الذي سبق له طرحه خلال خطاب ألقاه في جزيرة غوام – العام 1969م – ومفاده فك إرتباط الولايات المتحدة المباشر بالمشكلات العالمية مع عزوفها عن تقديم الرجال والمال والسلاح للحفاظ على الأوضاع الدولية القائمة، بما يعني ضرورة تحمل الآخرين لمسؤولياتهم الدولية والإقليمية، وإن لزمت الإشارة إلى أن ((مبدأ نيكسون)) لا يعني إحياء للعزلة الأميركية التقليدية ولكنه في جوهره نبذ لسياسات التدخل العسكري المباشر، مع ضمان المصالح الاقتصادية العالمية للولايات المتحدة عن طريق دعم الأنظمة الحليفة والصديقة التي تلعب دور الحامي لتلك المصالح[3].(196/4)
وتأكيداً للنهج المتحفظ إزاء المشكلات العالمية أعلن جوزيف سيسكو – في أيلول (سبتمبر) 1972م – مبادئ خمسة شكلت منطلقات السياسة الخارجية الأميركية وقتذاك وهي إيجازاً[4]:
1 - عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.
2 - تشجيع التعاون الإقليمي من أجل السلام والتقدم.
3 - مؤازرة الدول الصديقة في سعيها لتأكيد أمنها الذاتي.
4 - التمسك بالمبادئ المعلنة في قمة موسكو والمتعلقة بتفادي المواجهة بين القوتين العظمتين.
5 - تشجيع التبادل الدولي للسلع والخدمات والتقنية.
وبالنظر إلى المبادئ الثلاثة الأولى، نراها ترسم الركائز الأساسية التي نهضت عليها الاستراتيجية الأميركية في الخليج آنذاك، تلك المستهدفة تكريس الاستقرار في هذه المنطقة الحيوية دونما تدخل عسكري صريح، وذلك بالإعتماد على العلاقات الوطيدة مع كل من إيران والمملكة العربية السعودية، تطبيقاً لسياسة الدعامتين Twin Pillars وجوهرها ترجيح مساعي التعاون الإقليمي في النطاق الخليجي، ومساعدة إيران والمملكة العربية السعودية عسكرياً بغرض حماية المصالح الأميركية في منطقة الخليج.(196/5)
بيد أن حرب تشرين الأول (اكتوبر) 1973م جاءت بتحولات عنيفة مست دويلات الخليج التي بعدما عايشت انعزالاً طويلاً عن سائر أقطار الوطن العربي في ظل الحماية البريطانية، وجدت نفسها فجأة منخرطة بقوة في السياسات العربية عامة وفي الصراع العربي – الاسرائيلي خاصة، حتى أنها أيدت – وبلا تحفظ – قرار الملك فيصل بفرض حظر نفطي على الولايات المتحدة والدول الغربية المساندة لإسرائيل، كما أنهت البحرين التسهيلات التي سبق لها تقديمها إلى ((قوة الشرق الأوسط)) سالفة الذكر، ثم انفتح المسرح الخليجي أمام تحولات جوهرية ذات توجه مناهض للولايات المتحدة، حدت بعدد كبير من أعضاء الكونغرس إلى معارضة سياسة ((الدعامتين)). بحجة إطلاقها العنان لسباق تسلح ضار بين طرفيها من شأنه أن يدفع بالمنطقة الخليجية ككل إلى حلبة سباق التسلح بما ينسف أسس أمنها، ومن ثم يهدد بانقطاع الإمدادات النفطية[5].
ومع ذلك أبرمت الحكومة الأميركية اتفاقيتين للتعاون الاقتصادي التقني والدفاعي، مع كل من المملكة العربية السعودية وإيران عامي 1974م و1975م على التوالي[6]. واستناداً إلى الاتفاقية الأميركية – الإيرانية، عقد الشاه صفقات ضخمة من الأسلحة والتجهيزات العسكرية المتطورة مع الولايات المتحدة، كما عمل في الوقت نفسه على الإرتقاء بمستوى قواته البحرية حتى احتلت الصدارة في مياه الخليج، ثم تلا ذلك إعلانه إلغاء اتفاقية العام 1937م، المنظمة لحقوق الملاحة في شط العرب بين إيران والعراق، وتوجيه بوارجه الحربية لتهديد الأخيرة مع بسط هيمنته العسكرية الكاملة على شط العرب كأمر واقع، وما لبث أن أكمل حلقات مخططه باستيلائه في العام 1971م على جزر طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى الواقعة في مدخل الخليج العربي بما مكنه من التحكم في حركة الملاحة فيه من واقع سيطرته على مضيق هرمز.(196/6)
ولقد التقى مخطط الهيمنة الإيرانية مع مرامي الاستراتيجية الأميركية الجديدة في الخليج التي طمحت إلى إقامة نظام أمني إقليمي مستقر يدرأ احتمالات التدخل السوفياتي، لذلك وافقت إدارة نيكسون – كيسنجر العام 1972م، على تلبية كافة مطالب إيران من الأسلحة التقليدية المتقدمة، لا سيما في أعقاب إبرام اتفاقية الصداقة والتعاون السوفياتية – العراقية، وانسلاخ بنغلادش عن الباكستان. ويرى المراقبون في سيل الإمدادات العسكرية الأميركية لإيران، ترجمة ناطقة للمكون العسكري لمبدأ نيكسون المتمحور على مفهوم ((المعاونة الذاتية)) Self Help[7]، والتزاماً بمبادئ جوزيف سيسكو القاضية بعدم التدخل العسكري المباشر في الخليج، مع إلقاء مسؤولية كفالة أمنه على الدول المحافظة والصديقة وفي مقدمتها إيران – الشاه ذات التوجه المهيمن ونوازع السطوة، والتي سرعان ما غدت ((شرطي الخليج)) حتى أنها توسمت في نفسها قدرة على ملء الفراغٍِ الذي خلفه الإنسحاب البريطاني من شرق السويس، خاصة وقد صنفت سابعة دول العالم في سلم القدرات العسكرية.
الحظر النفطي وسقوط شاه إيران:
بداية التحول في الاستراتيجية الأميركية بالخليج
جاء الحظر النفطي لعام 1974م وما سبقه من ارتفاع هائل في أسعاره، مدعاة لتعديل مسار الاستراتيجية الأميركية في الخليج، إذ صارت أكثر ديناميكية منتقلة من مرحلة الأفكار العامة إلى مرحلة الأهداف المرتبة في سلم محدود من الأولوليات، ذلك أن الهدف المحوري لهدذه الاستراتيجية أخذ يتركز في محاولة تأمين وصول النفط الخليجي إلى الولايات المتحدة وحلفائها، مع السعي في الوقت نفسه لتحقيق مجموعة من الأهداف الرئيسية التي تعزز هذا الهدف المحوري ألا وهي[8]:(196/7)
1 - عدم تمكين الاتحاد السوفياتي من إحراز تفوق عسكري في المحيط الهندي، حتى لا يميل الميزان الاستراتيجي العالمي في غير صالح الولايات المتحدة والتحالف الغربي عموماً، ولعل هذا الحرص الأميركي كان وراء حلول الولايات المتحدة محل بريطانيا في قاعدة ((دييغو غارسيا)) التي تعتبر أهم جزر المحيط الهندي إطلاقاً بمقياس القيمة الاستراتيجية.
2 - اجتذاب الفوائض المالية التي حصلت عليها دول الخليج – والتي تضاعفت عدة مرات بعد حرب تشرين الأول (اكتوبر) 1973م – في هيئة مبيعات أسلحة لتلك الدول – حتى أن هذه المبيعات قفزت من 157 مليون دولار في العام 1970م، إلى 6 مليارات دولار في العام 1977م، وما ترافق مع ذلك من زيادة في عدد المستشارين العسكريين الأميركيين في الخليج خلافاً لما كان مخططاً من قبل.
3 - الإبقاء على مضيق هرمز بعيداً عن أي تهديد، وذلك ضماناً لتدفق الإمدادات النفطية عبر المحيط الهندي أو حول طريق رأس الرجاء الصالح في طريقها إلى الغرب، وذلك بعد أن ارتفعت الواردات الأميركية من النفط الخليجي من 2.4 مليون برميل يومياً في العام 1973م إلى 4.9 مليون برميل يومياً في العام 1976م.
وبناء عليه برز المأرب النفطي بوصفه المحرك الديناميكي الفاعل للاستراتيجية الأميركية في الخليج، حتى أن التصريحات الرسمية الصادرة عن البيت الأبيض اتسمت آنذاك بقدر كبير من التطرف والتلويح بالتهديد باستعمال القوة والعنف العسكري إذا لزم الأمر، ومن ذلك تصريح هنري كيسنجر – وزير الخارجية الأميركي السابق – الذي أقرّ فيه بإمكان اللجوء إلى الخيار العسكري كتكتيك في استراتيجية تهدف إلى تأمين النفط الخليجي من أي خطر أو تهديد.(196/8)
بيد أن هذه النغمة المهددة والمتوعدة، اختفت من الخطاب السياسي الأميركي إثر إمساك ((جيمي كارتر)) مقاليد الرئاسة، إذ إنه لم يظهر إنشغالاً بقضايا الأمن والتسلح بالمقدار نفسه الذي أظهرته إدارتا نيكسون/ فورد/ كيسنجر السابقتان، بل إنه منح الأولوية لقضايا حقوق الإنسان والحدّ من النفقات العسكرية وتكريس الوفاق الدولي، متعللاً في ذلك بأن الاستقرار على المستوى الإقليمي لا يمكن أن يتأتى إلاّ إذا سبقه استقرار داخلي على مستوى الدولة ذاتها.
وانطلاقاً من هذا التصور الجديد، عملت إدارة كارتر على تعديل مسار العلاقة مع إيران فتحولت بها من علاقة ودية دون تحفظات، إلى علاقة عمل تخضع للعديد من الضوابط، آيتها أن طلبات إيران من الأسلحة أصبحت تمر عبر القنوات البيروقراطية بدلاً من البت فيها بقرارات سريعة على المستويات الرئاسية العليا على نحو ما كان قائماً من قبل، فضلاً عن إلزامها بتقديم أدلة وإثباتات عملية مقنعة بشأن حاجتها الأمنية الملحة التي تبرر طلب هذه الأسلحة، ومن المنظور الإنساني نفسه الذي تبنته إدارة كارتر، ودعوتها إلى إعلاء قيم الديمقراطية والإحتكام إلى مبادئ القانون الدولي والشرعية، تملكتها قناعة مبناها أنه ليس في مصلحتها احتضان نظام شمولي كنظام الشاه بسجله الحافل بانتهاكات حقوق الإنسان[9].
ولكن كان لأقطاب البنتاغون رؤية مغايرة تماماً، ذلك أن إنهيار حكم الشاه ومجيء نظام آيات الله المناهض للولايات المتحدة مثَّل ضربة في صميم المصالح الاستراتيجية الأميركية بمنطقة الخليج وذلك من واقع الحيثيات التالية[10]:
1 - إن فقدان الغرب لكل قدراته في التنصت والتجسس التي مارسها من الأراضي الإيرانية، مع ضياع قواعده العسكرية فيها أضعف فاعلية نظم المراقبة على مدى تقيد الإتحاد السوفياتي بتنفيذ إتفاقيات سالت، الأمر الذي عقّد من مهام الدفاع عن الأمن والمصالح الغربية في منطقة الخليج ضد التحديات السوفياتية.(196/9)
2 - إن تحول إيران من موقع التحالف مع الغرب إلى الحياد، كان يدمر الأساس الذي بنى عليه الغرب تخطيطه لمسألة الأمن الغربي في منطقة الخليج. ويبرهن على سطحية نظرية ((الدعامتين)) التي قامت عليها استراتيجية لحفظ الأمن الخليجي في مرحلة ما بعد فيتنام.
3 - مضاعفة فرص الإتحاد السوفياتي في الولوج إلى الخليج العربي والمحيط الهندي بسبب عدم وجود قوة جوية إيرانية مؤثرة تقوم بعمليات المطاردة والإعتراض، خاصة بعد القرار الذي اتخذته حكومة الثورة الإيرانية – آذار (مارس) 1979م – بالإنسحاب من الحلف المركزي، ذلك القرار الذي جاء كسباً عاجلاً استراتيجياً حصل عليه الإتحاد السوفياتي ولم يمض على نجاح الثورة الإيرانية أكثر من شهر.
4 - ومع تمزق المظلة العسكرية الإيرانية، فإن العديد من دول الخليج الصغرى ستفقد الحماية العسكرية التي وفرها لها الغرب من خلال قوة إيران ممّا يجعلها هدفاً سائغاً للأطماع السوفياتية.
لمحصلة هذه الحيثيات، استدعى خروج إيران من نظام التحالف الغربي إعادة صياغة منطلقات الاستراتيجية الأميركية في الخليج ممّا مهد بلا مراء لإحلال ((مبدأ كارتر)) محل ((مبدأ نيكسون)).
الغزو السوفياتي لأفغانستان، ومبدأ كارتر:
بالغزو العسكري لأفغانستان خرجت الدبلوماسية السوفياتية على سالف نهجها الملتزم بعدم التدخل العسكري المباشر خارج دائرة الكتلة السوفياتية، بعد أن كفل مبدأ بريجنيف – الذي طرح في أعقاب أحداث براغ العام 1968م – كامل السطوة على دول المعسكر الشرقي بتبريره شرعية القمع العسكري لأية نزعة انفصالية قد تثور بين الحلفاء، وذلك بحجة الإحتفاظ بالوحدة العقائدية لحلف وارسو.(196/10)
وضمن فيض المبررات التي سيقت في مجال تفسير الغزو السوفياتي لأفغانستان، كانت أكثرها تأليباً لمخاوف المسؤولين الأميركيين ذلك التفسير القائل بأن التدخل إنما تم تحقيقاً لهدف استراتيجي ذي طبيعة هجومية في الأساس ألا وهو محاولة السيطرة على منطقة الخليج المستودع العالمي للنفط، بما يفضي مستقبلاً إلى تحلل روابط أوروبا الغربية واليابان والولايات المتحدة الأميركية، وذلك من واقع احتياجها الجم إلى نفط الخليج، ويستطرد أنصار هذا الرأي مؤكدين أن التدخل العسكري السوفياتي في أفغانستان جاء خطوة تتويجية لعدة خطوات تمهيدية سابقة، تحددت في الإنتشار البحري الواسع للأسطول السوفياتي في كل من المحيط الهندي والخليج إثر إنسحاب بريطانيا منه العام 1971م، وكذا في سلسلة معاهدات الصداقة والتعاون المبرمة مع كل من الهند والعراق والصومال وأثيوبيا واليمن الديمقراطية، إضافة إلى الدور السوفياتي المؤيد للهند في مساعيها التي تستهدف تقسيم الباكستان، وإنتهاء إلى المؤازرة السوفياتية المفتوحة لأثيوبيا ضد الصومال في تصارعهما حول أوغادين.
هذه الرؤية التي تجعل الغزو السوفياتي لأفغانستان جزءاً لا يتجزأ من استراتيجية هجومية متكاملة، خطط لها ساسة الكرملين وكانت وراء إعلان الرئيس ((جيمي كارتر)) لمبدئه – في كانون الثاني (يناير) 1980م – الذي عبر فيه عن قلق الولايات المتحدة الشديد للخطر الذي يواجهها في الخليج، مؤكداً إصرارها على أن تقاوم بكل الوسائل الممكنة بما في ذلك استخدام القوة المسلحة ضد أية محاولة من جانب أية دولة خارجية (والمعني هنا بالقطع هو الإتحاد السوفياتي) للسيطرة على هذه المنطقة الاستراتيجية[11].(196/11)
وهكذا جاء ((مبدأ كارتر)) إنتصاراً للتيار الأميركي المتشدد بزعامة زبغنيو بريجنسكي – مستشار الأمن القومي الأسبق – والداعي إلى التخلص من كل آثار عقدة فيتنام بما في ذلك مبدأ نيكسون، بغية إعادة الهيبة العالمية للولايات المتحدة، وتأكيد زعامتها على العالم الحر. فهو – أي المبدأ – يعتبر عودة إلى سياسة التدخل الأميركي المباشر في كافة أنحاء العالم وإحياءً لاستراتيجية الاحتواء بعد أن قفزت منطقة المحيط الهندي – الخليج العربي إلى مركز متقدم في سلم الأولويات الاستراتيجية الأميركية نتيجة للربط الطردي الوثيق بين مطلبي ((أمن الطاقة)) و((أمن الخليج)).
وفي تبرير العودة إلى دبلوماسية العصا الغليظة أجمل المسؤولون الأميركيون الأخطار الجسيمة المترتبة على الغزو السوفياتي لأفغانستان فيما يلي من إعتبارات[12]:
1 - الوجود العسكري السوفياتي في أفغانستان تهديد صارخ لمنطقة الخليج التي تحتوي على ثلثي الصادرات العالمية من النفط، بل به تقترب القوة العسكرية للإتحاد السوفياتي إلى مسافة ثلاثمائة ميل فقط من المحيط الهندي، وتغدو بالتالي على مقربة من مضيق هرمز ممّا يشكل تهديداً صريحاً لحركة النقل الحرة لنفط الشرق الأوسط.
2 - جاء الغزو السوفياتي لأفغانستان مؤشراً أكيداً على السياسة التوسعية الجديدة لأقطاب الكرملين والتي من شأنها قلب معادلات القوة الدولية بصورة جذرية لصالحهم.
3 - لا تخفى الميزة الاستراتيجية الهامة التي يحرزها الاتحاد السوفياتي من جراء وجوده في أفغانستان، إذ يمتد نفوذه على مرمى يسير من الباكستان وإيران بما يمكنه من ممارسة ضغوط فعالة على الدولتين، إما لتعديل مسار سياستيهما الخارجية أو على الأقل لتحييد مساوئ هذا المسار على المصالح السوفياتية العليا.(196/12)
4 - إذا ما نجح الإتحاد السوفياتي في السيطرة على ممرات النفط الخليجي يصبح في مركز يمكنه من إبتزاز دول أوروبا الغربية واليابان ممّا لا يستبعد معه ((فنلندتها)) وذلك لأن كل واحدة من هذه الدول – تبعاً لشدة حاجتها إلى نفط الخليج – ستجد نفسها في وضع لا تملك معه سوى التودد إلى الإتحاد السوفياتي والحرص على تجنب عدائه فتذعن لضغوطه، وتتحلل من روابطها الأمنية بالولايات المتحدة التي ستضطر عندئذ إلى تصفية قواعدها العسكرية بها على نحو يجيء قلباً لموازين القوى لصالح الإتحاد السوفياتي وحده.
وبقدر حجم هذه الأخطار جاء حجم رد الفعل الأميركي محدداً فيما عرف بقوة الإنتشار السريع.
قوة الإنتشار السريع (R.D.F) Rapid Deployment Force(196/13)
حري بالذكر أن قوة الإنتشار السريع في طور نشأتها الأولى ركزت إهتمامها على منطقة المحيط الهندي، لذا وصلت المجموعة الأولى من السفن الحربية – وعددها سبع – المزودة بالتجهيزات العسكرية إلى قاعدة ((دييغو غارسيا)) – في تموز (يوليو) 1980م بقيادة البارجة American Champion ، خمس منها محملة بالدبابات والمدرعات والمدفعية ذاتية الحركة ومدفعية الميدان إلى جانب مستودع ضخم للوقود وآخر للمياه النقية، في حين تشكل العنصر البشري لقوة الإنتشار السريع من الوحدة السابعة للقوات البرمائية (مشاة البحرية أي المارينز) الأميركية المتمركزة بولاية كاليفورنيا والمدربة على القتال في البيئة الصحراوية، فضلاً عن ثلاثة ألوية من ((المارينز)) والفرقة ((82)) المحمولة جواً، كما تم ربط القوة بالسلاح الجوي الأميركي بواسطة جسر جوي قوامه طائرات النقل الثقيل و((سي – 5)) ((سي – 141)) ((C-141 )) من قواعد جوية برية وطائرات القتال الرابضة فوق ظهر حاملات الطائرات الأميركية الموجودة في المحيط الهندي، وذلك لتوفير الغطاء الجوي الضروري لأداء قوة الإنتشار السريع لمهامها على الوجه الأكمل تمهيداً لإنضمام قوة ((المارينز)) إليها حتى تكتمل لها كافة عناصر الفعالية[13].(196/14)
وفي تقدير قادة السلاح الجوي الأميركي أن هناك حاجة إلى جسر جوي يضم مائتي طائرة من طراز ((سي – 141)) ((C-141 )) لحمل فرقة جوية كاملة التجهيزات وإنزالها بالمظلات، ولما كانت هذه الطائرات لا يمكن تزويدها بالوقود جواً فقد خصص الرئيس كارتر مبلغ خمسة بلايين دولار لإنشاء ثماني عشرة سفينة حربية عالية الكفاءة إلى جانب زيادة عدد السفن فائقة السرعة من طراز ((س – ل7)) ((S.L7 )) والتي يمكنها قطع المسافة من الساحل الشرقي للولايات المتحدة إلى الخليج في نصف الوقت الذي تستغرقه السفن الأخرى، هذا كما ألحق بقوة الإنتشار السريع خمسة أسراب من قاذفات القنابل طراز ((ب – 52)) ((B-52 )) وعدد من طائرات ((الأواكس)) للإنذار المبكر، وكان الهدف المتوخى من وراء هذا الحشد العسكري الهائل هو تمكين قوة الإنتشار السريع من نقل ما بين مائة ألف إلى مائتي ألف جندي إلى منطقة الخليج بسرعة تكفي للحيلولة دون أية سيطرة عسكرية مناهضة مهما بلغت درجة الإعداد المحكم لها من جانب الإتحاد السوفياتي[14].
وفي تعديد مآثر قوة الإنتشار السريع يسوق المراقبون العسكريون الأميركيون ما يلي من مبررات:
1 - إن قوة الإنتشار السريع هي الأداة المثلى لردع نوايا الإتحاد السوفياتي التوسعية إذ هو بإحتلاله أفغانستان يغدو في وضح جيوستراتيجي يمكنه من فتح ممر جغرافي ينفذ منه صوب المحيط الهندي، ومن ثم صوب الخليج العربي، ومن خلال التنسيق مع كل من أثيوبيا واليمن الجنوبي ينجح الإتحاد السوفياتي في تحييد كثير من مظاهر النفوذ الغربي في المنطقة[15].(196/15)
2 - قوة الإنتشار السريع هي الأداة الأهم للحيلولة دون إستغلال الإتحاد السوفياتي للفراغ العسكري الناجم عن إنسحاب بريطانيا من شرق السويس وسقوط شاه إيران، فالقرائن التاريخية كلها تؤكد على وثوب الإتحاد السوفياتي على المناطق التي زال عنها النفوذ الغربي، وما أوروبا وإيران وكوريا وأثيوبيا وأنغولا سوى دلائل دامغة على صحة هذا القول[16].
3 - قوة الإنتشار السريع وسيلة الولايات المتحدة لطمأنة الحلفاء والأصدقاء في منطقة الشرق الأوسط والتأكيد على احترامها لإلتزاماتها العسكرية والأمنية حيالهم[17].
4 - قوة الإنتشار السريع نسخ لصورة ((العملاق الكسيح)) التي التصقت بالولايات المتحدة من جراء الخبرة الفيتنامية المحيطة التي حدت بها إلى الإحجام عن إثبات وجودها في غير أزمة عالمية، فتلك القوة هي تأكيد على صحوة الولايات المتحدة وإصرارها على استعادة سالف مهابتها العالمية[18].
5 - تتعاظم الأهمية العسكرية لقوة الإنتشار السريع من واقع ديناميكيتها. إذ هي ليست وقفاً على منطقة الخليج والشرق والمحيط الهندي فقط، بل هي ذات قدرات تمكنها من الوجود على وجه السرعة في مختلف أرجاء العالم أجمع مؤكدة النفوذ الأميركي حيثما حلت[19].
وأخيراً بقوة الإنتشار السريع تتمكن الولايات المتحدة من مؤازرة أية دولة صديقة تتعرض لتهديد خارجي ليس بالضرورة سوفياتياً، شريطة أن تستدعيها الدول المعنية، وأن يسبق تلبية الدعوة تقييم دقيق لردود أفعال التدخل الأميركي إن إقليمياً أو عالمياً[20].
لمجمل هذه المبررات تابعت إدارة كارتر بدأب وإصرار إكتمال مراحل قوة الإنتشار السريع حتى انتقلت تلك المهمة إلى إدارة الرئيس الجديد المنتخب ((رونالد ريغان)).
ريغان وتكتيك الإجماع الاستراتيجي:(196/16)
عندما تسلمت حكومة ((رونالد ريغان)) مقاليد السلطة الأميركية – في مستهل العام 1981 – أعلنت عن تمسكها بالأفكار الرئيسية التي تضمنها ((مبدأ كارتر)) وعن تعهدها بإكمال بناء قوة الإنتشار السريع، وذلك إنطلاقاً من قناعة ذات شقين:
أولهما: إن مصلحة الغرب تحتم الحفاظ على خيار إبقاء أية مواجهة عسكرية بين الشرق والغرب في نطاق الشرق الأوسط فقد دون تطرقه إلى أوروبا.
ثانيهما: إن الوصول إلى هذا الهدف كان يستلزم إحتفاظ الحلفاء الأطلسيين بمكونات مقدرة عسكرية ضاربة في مسرح الشرق الأوسط، تمكنهم من مجابهة الأزمات دونما حاجة إلى الاستعانة بالقوات الموجودة على المسرح الأوروبي.
هذا ومن الأفكار التي أثّرت بشدة على التوجهات السياسية لإدارة ريغان، الفكرة القائلة بأن أمن أوروبا يتعرض لأخطار متصاعدة بسبب النزاعات المتفجرة في الشرق الأوسط، فهذه النزاعات مضافاً إليها عدم الاستقرار في الداخل كانت تهدد إنتظام موارد النفط الخارجية. وفي الوقت نفسه فإن هذه الأوضاع بعينها مضافاً إليها الفراغ العسكري كانت تتيح خيارات جديدة للإتحاد السوفياتي لتوسيع نفوذه بأسلوب التدخل المباشر أو غير المباشر ممّا كان يعني تهديد الأمن الأوروبي في الصميم.(196/17)
وفي ضوء تلك الإحتمالات بالغة الخطورة فإنه لا إتفاقية حلف الناتو – التي تركز على الدفاع عن منطقة الأطلسي – ولا إتفاقية الأمن الأميركية – اليابانية التي تقتصر على الأراضي اليابانية – كانتا كافيتين لمواجهة التحديات السوفياتية، الأمر الذي كان يبرر الحاجة إلى إتخاذ تدابير أكثر جدوى جسدتها إدارة ريغان فيما عرف ((بالإجماع الاستراتيجي، ومعناه عقد إتفاق مع الدول المعتدلة الموالية للغرب في منطقتي الشرق الأوسط وجنوب غربي آسيا لإحتواء الأطماع السوفياتية، وبالمقياس الاستراتيجي فإن هذا الإتفاق كان يخلق ما يمكن تسميته ((بقوس الاحتواء The Arc of Containment ، وذلك بتدعيم قدرات أربع دول رئيسية في هاتين المنطقتين هي: مصر، إسرائيل، تركيا، الباكستان، وذلك على أمل أن تنضم إليها فيما بعد المملكة العربية السعودية والأردن. وهذه الدول الست التي كانت تشكل حجر الأساس في تطبيق سياسات الإجماع الاستراتيجي كانت تتميز – إلى جانب ثقلها السياسي – باحتلالها مواقع استراتيجية حيوية، فمصر، تسيطر على قناة السويس، وتركيا على مضيقي البوسفور والدردنيل، والباكستان قريبة من بحر العرب الذي يعد معبراً لمضيق هرمز والخليج ويتصل بالمحيط الهندي، أما المملكة العربية السعودية فإنها تشغل موقعاً متميزاً بين البحر الأحمر والخليج شرقاً، وأخيراً الأردن وإسرائيل تشكلان معاً الطريق التقليدية التي تربط بين آسيا الصغرى بأفريقيا[21].(196/18)
إتساقاً مع ما سبق قفزت مسألة الحصول على قواعد عسكرية دائمة أو مؤقتة في الحزام الشرق أوسطي إلى مصاف الأولويات الملحة لدى دوائر البيت الأبيض التي لم تصادف بالطبع عقبة تذكر مع إسرائيل حليفتها التقليدية، إذ جاء رفض الحلفاء الغربيين إدخال منطقة الخليج ضمن نطاق مسؤولية حلف الأطلسي الدفاعية، وكذلك تحفظ الدول العربية على أية تسهيلات أو قواعد تمنح تيسيراً لمهمة قوة الإنتشار السريع مدعاة لدخول الولايات المتحدة في مباحثات مع إسرائيل لتعميق تعاونهما الاستراتيجي بما يلبي المصالح الأميركية العليا في الخليج، حيث تم التوقيع على ميثاق للتعاون الاستراتيجي بين الطرفين – في أواخر العام 1981 – يسمح للولايات المتحدة بالإعتماد على ما تقدمه لها إسرائيل من قواعد عسكرية جوية وبحرية تعظم مقدرة الردع العسكري لقوة الإنتشار السريع، وتساعد بالتالي على حصر حرب الخليج في إطارها الإقليمي والحيلولة دون إمتدادها إلى مناطق أخرى في العالم.
فضلاً عن ذلك ينسب الزعماء الاسرائيليون مزايا عدة إلى ميثاق تعاونهم الاستراتيجي يعددونها فيما يلي[22]:
1 - تمكين الولايات المتحدة من الاستفادة في وقت الأزمات من المنشآت العسكرية الاسرائيلية سواء في هيئة وقود أو مطارات لهبوط طائرات النقل الأميركية أو مرافئ ترسو عليها سفنها الحربية المحملة بالعتاد العسكري.
2 - بإمكان الرادار الإسرائيلي توفير فترة إنذار كافية للأسطول السادس الأميركي لا سيما في جناحيه الشرقي والجنوبي.
3 - التعاون الجوي الأميركي – الاسرائيلي يوفر غطاء بالغ الأهمية للسفن التي تقل القوات الأميركية عبر الممر الذي يربط الخليج بالبحر الأبيض المتوسط.
4 - الإتفاق الاستراتيجي من شأنه توفير حماية إضافية لناقلات النفط العملاقة التي تحمل نفط الخليج إلى الغرب.(196/19)
5 - تقديم خدمات الصيانة والإصلاح للأسلحة الأميركية دونما عناء يذكر طالما أن الترسانة الإسرائيلية في شقها الأعظم أميركية المنشأ.
وبمقتضى التعاون الاستراتيجي منحت إسرائيل الولايات المتحدة حق استغلال القاعدتين الجويتين في صحراء النقب، إضافة إلى مينائي حيفا وأشدود كمركزين لصيانة السفن الأميركية مع ربط شبكة الإنذار المبكر التابعة للأسطول السادس بشبكة الإنذار الإسرائيلية.
وفي مصر رحب الرئيس السادات بتعزيز التعاون العسكري مع الولايات المتحدة بحجة أن مصر تسهم في تحقيق نوع من التوازن العسكري الذي اختل في المنطقة، كما أنها تساعد الولايات المتحدة على استعراض قدراتها العسكرية بشكل فعال ومؤثر في منطقتي الخليج والشرق الأوسط، وكان تقييم السادات للتهديدات التي تواجه مصر وتملي عليها تعميق تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة ينبع من تصوره للعوامل التالية[23]:
1 - المؤامرات السوفياتية التي تستهدف الإطاحة بحكمه والعودة بمصر ثانية إلى حظيرة النفوذ السوفياتي.
2 - الوضع المضطرب في الخليج من جراء الحرب العراقية – الإيرانية وضعف دول هذه المنقطة عسكرياً بما يعظم الأطماع السوفياتية فيها.
3 - التهديد الليبي لأمن مصر من واقع كميات الأسلحة الضخمة التي كانت تتدفق على الجماهيرية الليبية من الإتحاد السوفياتي.
ورغم تحبيذ الرئيس السادات لمبدأ التعاون العسكري مع الولايات المتحدة إلا أنه اخضعه لعدة ضوابط أهمها أن يكون الوجود العسكري الأميركي في مصر مؤقتاً ومحدوداً وبعيداً عن المناطق الآهلة بالسكان، مع عدم تقنينه في إتفاقية مكتوبة حتى يأخذ طابع التسهيلات المؤقتة. ولقد تركزت هذه التسهيلات في قاعدتين عسكريتين رئيسيتين هما قاعدة ((رأس بناس)) على البحر الأحمر والقاعدة العسكرية الجوية التي تقع في غرب القاهرة.(196/20)
وفي عمان وقّعت الولايات المتحدة – في حزيران (يونيو) 1980م – اتفاقية تتيح لها الوصول إلى القواعد العسكرية العمانية واستخدامها، وفي واقع الأمر مثلت التسهيلات الاستراتيجية واللوجستية العمانية إغراءً شديداً بالنسبة إلى الولايات المتحدة بسبب موقع عمان المتميز على مضيق هرمز من ناحية، وللأهمية القصوى للقواعد العسكرية العمانية في توفير الغطاء الجوي اللازم للأسطول الموجود في مياه الخليج من ناحية ثانية. وبمقتضى الإتفاقية الأمنية المعقودة مع سلطنة عُمان تتمكن القوات الأميركية من الوصول بحرية إلى القواعد العسكرية العُمانية واستخدامها في الظروف التي يستفيد فيها البلدان من هذا الاستخدام وأهم هذه القواعد نذكر قاعدة مصيرة الجوية والتي لا تبعد عن مضيق هرمز بأكثر من أربعمائة ميل فقط ومينائي ((قابوس)) و((صلالا))[24].
وإكمالاً لحلقة القواعد العسكرية الأميركية في نطاق الشرق الأوسط أبرمت الولايات المتحدة والصومال – في آب (أغسطس) 1980م – إتفاقاً يخول للأولى استغلال قاعدة ((بربرة)) التي لا تبعد عن اليمن الجنوبي (الماركسي آنذاك) بأكثر من مائتي وثمانين كلم وعن أثيوبيا بأكثر من مائتي كم، أي أنها تشغل موقعاً استراتيجياً وسطاً بين قطبي الوجود السوفياتي في المنطقة.
وفي الوقت نفسه توصلت كل من كينيا والولايات المتحدة إلى إتفاق يسمح للأخيرة باستخدام ميناء ((ممباسا)) كمرفأ لوجستي للقوات الأميركية الموجودة في المحيط الهندي[25]. هذا كما لا يفوتنا التنويه إلى الروابط العسكرية الوثيقة التي تربط الولايات المتحدة بالمملكة العربية السعودية، وكذا إلى الوجود العسكري الأميركي في تركيا بحكم عضويتها في حلف شمال الأطلسي بحيث يحق لنا القول بنجاح أقطاب البنتاغون في مسعاهم الهادف إلى تطويق الشرق الأوسط بحزام من القواعد والتسهيلات العسكرية التي بدونها تفقد قوة الإنتشار السريع ديناميكيتها المؤثرة.
الخاتمة:(196/21)
ليس بخاف أن العدد الأكبر من دول الخليج قد قابلت مخطط قوة الإنتشار السريع وما ترافق معها من سعي محموم صوب القواعد والتسهيلات العسكرية بكثير من التحفظ إن لم يكن الرفض الصريح، وذلك من واقع إدراك هذه الدول بأن المسعى الأميركي سيشيع القلاقل يؤلب الاستقرار في المنطقة بما يفتح الباب على مصراعيه أمام التدخل السوفياتي بدلاً من ردعه أو احتوائه وهو عكس المتوخى تماماً من وراء قوة الإنتشار السريع.
فدولة الإمارات العربية المتحدة، رغم تخوفها من المد الشيوعي الذي كان يتخذ له من اليمن الجنوبي معقلاً، فإنها أعربت عن رفضها للوجود العسكري الأميركي في المنطقة، وعلقت قبولها تقديم تسهيلات عسكرية في أراضيها على شرط وقوع عدوان سوفياتي فعلي عليها.
والمملكة العربية السعودية بدورها رفضت التورط المباشر في الإجراءات العسكرية التي ركزت عليها الاستراتيجية الأميركية في الخليج، إدراكاً منها للعواقب غير المأمونة التي ستنجم عن هذا التورط، وذلك رغم إدانتها الصريحة للغزو السوفياتي لأفغانستان وتخوفها المعلن ممّا عسى أن يسفر عنه من نتائج وخيمة على الأمن الخليجي في المقام الأول.
أما الكويت فقد كان لها موقف أكثر إيجابية عندما بادرت بإعلان تأييدها لمقترحات بريجنيف – رئيس الوزراء السوفياتي الأسبق – الداعية إلى تحييد منطقة الخليج في صراعات القوى الكبرى، مؤكدة على أن هذه المقترحات تلتقي مع أهداف دول المنطقة وطموحاتها[26]، بل إن وزير خارجيتها أعلن – إبان زيارته للإتحاد السوفياتي في آيار (مايو) 1981م – بأن الكويت ليست مهددة من قبل الإتحاد السوفياتي، ولكنها على الأصح مهددة من قبل الولايات المتحدة الأميركية، وبناء عليه ترفض بلاده فكرة تشكيل قوات للتدخل السريع في منقطة الخليج العربي، مؤكداً أن الحفاظ على أمن الخليج هو مسؤولية دوله فقط.(196/22)
إذاً التوجه العام الغالب على دول الخليج كان رافضاً لفكرة التورط المباشر في علاقات تعاون عسكري مع الولايات المتحدة، حتى بعد إندلاع الحرب العراقية – الإيرانية بكل ما حملته من تهديد لأمن الخليج، وفي هذا تفسير للموقف الأميركي الرسمي من تلك الحرب المتسم بالسلبية مع الإكتفاء بالتصريحات الشاجبة لها والداعية طرفيها إلى وضع أوزارها، لا سيما وأن تدخلاً عسكرياً أميركياً كان من شأنه إعطاء المبرر المنطقي لتدخل سوفياتي مناهض[27].
بيد أن هذه السلبية في حد ذاتها كانت أداة الولايات المتحدة لبلوغ أهداف على درجة قصوى من الأهمية نسوقها حصراً فيما يلي[28]:
1 - إن وقوع الحرب العراقية الإيرانية كانت تخدم مصالحها ومصالح حلفائها بصورة أفضل فيما بعد، فالحرب كانت توفر عليها مخاطر التدخل العسكري، لإسقاط نظام الحكم الإسلامي ذي التوجهات العدائية المتطرفة ضد السياسات الأميركية، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى كان تدخلها العسكري في إيران يضعف من قضيتها في مواجهة الغزو السوفياتي لأفغانستان، فيضعها في الخندق نفسه ويفوت عليها فرصة استثمار الغزو السوفياتي فيما يحقق أهدافها الاستراتيجية في المنطقة وفق ما عبر عنها مبدأ كارتر.
2 - كان البديل الأمثل لمخطط يسقط النظام الإسلامي الراديكالي في إيران – الثورة، في ظل ظروف إقليمية ودولية بالغة الحساسية والتعقيد، هو ترك الثورة الإيرانية تهزم نفسها بنفسها حتى ينحسر معها التيار الإسلامي المتطرف في المنطقة ككل.
3 - عندما تبين للولايات المتحدة أن أمد الحرب العراقية – الإيرانية سيطول أكثر ممّا كان مقدراً له، وأن العزلة الإقليمية والدولية شبه الكاملة المضروبة حول إيران لم تفت من عضدها، عمدت إلى تشجيع أطراف ثالثة على بيع السلاح لإيران ممثلة في اسرائيل وبعض دول أميركا اللاتينية، وذلك بقصد الإجهاز على قدراتها العسكرية من خلال حرب استنزافية طويلة المدى.(196/23)
4 - لم يفلت النظام العراقي من هذا المخطط الشيطاني الذي كان هدفه أيضاً من وراء تصعيد جولات الحرب إضعافه بدوره على إعتباره قوة للتغيير الراديكالي في منطقة الخليج، وبالتالي إحباط تهديداته المحتملة للنظم المعتدلة الصديقة في هذه المنطقة، فالهدف البعيد للولايات المتحدة من وراء تأجيج أوار الحرب العراقية – الإيرانية بفيض من الأسلحة عبر أطراف ثالثة، مع الإحجام عن الضغط بثقلها العالمي أو من خلال هيئة الأمم المتحدة لإحتوائها، إنما تحدد على وجه اليقين في أن يقضي الخصمان المتناحران أحدهما على الآخر فتخلو الساحة الخليجية من تأثير التيار القومي الراديكالي الذي يمثله العراق، والتيار المدني المتطرف الذي تجسده إيران.
5 - إن إزالة تلك القوى الراديكالية والإسلامية المتطرفة من منطقة الخليج كان لابد من أن ينعكس سلباً على قوة بعض الدول الراديكالية العربية كالجماهيرية الليبية، وسوريا واليمن، وبعض الأجنحة المتشددة داخل منظمة التحرير الفلسطينية، وكلها ذات ارتباطات عسكرية وثيقة بالإتحاد السوفياتي، الأمر الذي كان من محصلته تهميش الدور السوفياتي في الترتيبات المستقبلية للسلام بالشرق الأوسط.
غير أن الحرب العراقية – الإيرانية انتهت على عكس ما خطط أقطاب البيت الأبيض، فقد كان الهدف المحوري من ورائها هو الحيلولة دون بروز العراق بإيديولوجيته الثورية كقوة عسكرية ذات ثقل سياسي ضاغط في الخليج، وبلوغاً لهذا الهدف انبنت الحسابات الأميركية على أن استنزاف القدرات العسكرية للعراق في حرب مفتوحة مع إيران، من شأنه أن يضعضع قوة نظامه الحاكم وينسف استقراره الداخلي ويزيد بالتالي من فرص حدوث تغيير في السلطة لصالح الولايات المتحدة بقيام نظام حكم أكثر تقبلاً لفكرة التعايش السلمي مع إسرائيل، بدلاً من النظام البعثي الحاكم الذي هو من أشد النظم العربية غلواً في عدائه لإسرائيل ورفضاً لإقامة الصلح معها.(196/24)
ولكن إنهارت كافة هذه التحسينات بخروج العراق منتصراً من حربه مع إيران وبروزه بالفعل – على الساحة العربية الخليجية – كقوة ضاربة لها خطورتها – سواء على الأنظمة العربية الصديقة للولايات المتحدة بالمنطقة أو على إسرائيل رأس الحربة الأميركية في نطاق الشرق الأوسط.
ومن واقع هذه الحيثيات جاء رد الفعل الأميركي على الاجتياح العراقي للكويت – في الثاني من آب (أغسطس) 1990م – غاية في العنف والحسم مع ذيوع إرهاصات مؤكدة بمؤامرة محكمة الخيوط خططت لها إدارة بوش ودفعت بمهمة إيقاع النظام العراقي الحاكم في براثنها إلى السفيرة الأميركية في بغداد، فضلاً عما تكشفت عنه الحقائق من علم المخابرات المركزية الأميركية المسبق بالإجتياح العراقي، ومن كونها أول من نبه أمير الكويت مع البوادر الأولى لهذا الإجتياح وأول من سهل له مهمة مغادرة البلاد.
إن تحليلاً رصيناً ليؤكد اغتنام إدارة بوش للغزو العراقي للكويت من أجل تغطية أكثر من غاية استراتيجية أولها: تحطيم آلة الحرب العراقية ومن ثم تحجيم قدرات النظام البعثي الحاكم لصالح إسرائيل، وثانيها: تكريس الهيمنة الأميركية على الشرق الأوسط بعد أن خلت الساحة أمامها تماماً بانكفاء الإتحاد السوفياتي على مشاكله الداخلية العويصة، وثالثها: رهن النفط الخليجي لحين استيفاء تكاليف الحرب مع إحكام القبضة على منابعه وحصص إنتاجيته وأسعاره عالمياً، أما رابعها وآخرها: فهي بلورة نظام عالمي أحادي القطبية يخضع تماماً للإرادة الأميركية المطلقة.(196/25)
ولم يفت على الولايات المتحدة وهي تكمل حلقات مخططها الخبيث أن تلبسة ثوب الشرعية الدولية، بعد أن استقطبت الأعضاء الأربعة أصحاب الفيتو في مجلس الأمن، وبعد أن قدمت لها دول عربية مبرر وجودها في المنطقة بدعوى حمايتها وإرجاع الحق إلى نصابه، وبعد أن دفعت دول عربية أخرى بقواتها المسلحة لتعمل تحت إمرتها ووفق توجيهاتها. صحيح أننا لسنا في مجال تقييم الأداء العسكري لقوات الحلفاء، فالموازين كانت بلا مراء لصالحها، ولن نستطرد في التعرض للموقف العربي الذي كان من الأفضل له أن يحمل وحده تبعة تحرير الكويت تحت المظلة العربية ليكفي المنطقة آثام سطوة أميركية لابد أنها مسقطة قناعها الزائف إن عاجلاً أم آجلاً، ولن نستفيض في توجيه اللوم إلى النظام العراقي الحاكم الذي زج بالعالم العربي أجمع إلى أتون حرب ضروس استنزفت ثرواته الحالية والمستقبلية لسنوات طويلة، ولكننا سنطرح تساؤلاً محدداً: هل ما زالت دعاوى الشرعية الدولية ومطلب النظام العالمي الجديد الخاضع للقانون الدولي والمدافع عن حقوق الفرد وحرياته والرافض لإحتلال أراضي الغير بالقوة سارية المفعول بحيث تنسحب تلقائياً على الصراع العربي الإسرائيلي؟ إن الإجابة عن هذا التساؤل وبلا أدنى تردد هي بالنفي القاطع، وهذه الإجابة ليست محض استنتاجات أو افتراضات بلا سند من واقع، وإنما هي مستقاة من دراسة حديثة ((مايكل مندلبوم)) تعرض فيها لتقييم السياسة الخارجية للرئيس بوش ونشرت في أكثر الدوريات السياسية الأميركية ذيوعاً ونصت على: ((إن الولايات المتحدة التي جعلت من استقلال الشعوب وسيادتها واحداً من أهدافها الرئيسية، لن تألو جهداً في مؤازرة الدول الصغيرة المستضعفة في مواجهة الدول الكبيرة القوية ولكنها بالقطع لن تحشد ما يربو على أربعمائة ألف جندي مدججين بأحدث أنظمة الأسلحة وأكثرها تطوراً تكنولوجيا مثلما أقدمت عليه في حرب تحرير الكويت، ذلك أن لمنطقة الخليج – المحتوية على(196/26)
نسبة كبيرة من الإحتياطي النفطي العالمي – خصوصية متميزة تبرر الدفاع عنها بحرب واسعة النطاق))[29].
ولقد بدأ ((جيمس بيكر)) – وزير الخارجية الأميركية – مؤخراً وعلى غرار سلفه هنري كيسنجر رحلات مكوكية إلى الأطراف المعنية بالصراع، وكما طرح الثاني مفهومه في ((دبلوماسية الخطوة خطوة)) جاء الأول أيضاً بما عرف ((بنافذة الفرص)) ومعناها أن تبدأ الدول العربية بإجراءات لبناء الثقة، تولد الطمأنينة لدى إسرائيل حتى يمكن الإنطلاق منها إلى حل القضية الفلسطينية، وفي صدارة هذه الإجراءات إلغاء المقاطعة وحالة الحرب، وذلك حتى قبل أن تلتزم إسرائيل صراحة بحقوق الشعب الفلسطيني في وطن يضم شتات أبنائه، أو قبلوها لمبدأ الأرض مقابل السلام.
وإلحاقاً لمفهوم ((نافذة الفرص)) أضاف بيكر خلال جولته الثانية ما أسماه ((بالتحرك المتوازي)) أي التفاوض بين إسرائيل والدول العربية من ناحية حول ترتيبات أمن إقليمية ونزع السلاح وإيجاد جو من الثقة المتبادلة، على أن تجري مفاوضات ثنائية بين إسرائيل وسوريا حول الجولان، وإسرائيل ولبنان حول الحزام الأمني، وإسرائيل والأردن حول الضفة الغربية. ويتوازى مع كل ذلك بدء مفاوضات مع فلسطينيين من الأرض المحتلة حول شكل من أشكال الحكم الذاتي، لكي يمكن وضع هذا التحرك تحت مظلة الشرعية جاء الإقتراح الإسرائيلي ذو الغطاء الأميركي بأن يكون هذا التحرك المتوازي في إطار مؤتمر إقليمي تحت إشراف أميركي – سوفياتي شريطة استئناف العلاقات الدبلوماسية كاملة بين موسكو وتل أبيب.(196/27)
وقد تحقق لإسرائيل ما أرادت خاصة وقد سعت إلى استثمار أزمة الخليج لتكريس التحالفات التي أنشأتها هذه الأزمة ولتوظيف تلك التحالفات لصالحها هي. فلقد أفرزت أزمة الخليج تراصاً للقوة يضم في صف واحد الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين وإسرائيل والمملكة العربية السعودية والدول الخليجية ومصر وسوريا في مواجهة العراق والأردن وعدد من الدول العربية الراديكالية ومنظمة التحرير الفلسطينية. من هنا تسعى اسرائيل إلى فصل مفاوضاتها مع الدول العربية عن مفاوضاتها حول القضية الفلسطينية، وهي تعني بالدول العربية تلك التي ضمها خندق واحد مع قوات التحالف، بينما تقصد بالقضية الفلسطينية أمراً واحداً لا غير هو استبعاد منظمة التحرير الفلسطينية من مفاوضات التسوية النهائية.
بإختصار مهما حاول الباحث العربي أن ينحي جانباً آلاماً تعتصره، ومرارة علقمية تملأ نفسه، وأحزاناً تغلف فكره بتشاؤم أسود، ومهما سعى لأن يرقى فوق مستوى معاناته لينظر بموضوعية إلى أوضاعنا العربية الحالية بكل ما تحويه من تناقضات وتناحرات، فلا مناص له من أن يعترف بأن القضية الفلسطينية قد لحقت بها إنتكاسة خطيرة، وأن أولئك القائلين بنظرية أن الغزو العراقي للكويت قد أيقظ العالم على ضرورة إيجاد حل سريع وحاسم للمعضلة الفلسطينية، إنما هم مغرقون في تفاؤل زائف، بل إن النظرية المضادة هي أقرب إلى المصداقية وهي أن الإجتياح العراقي للكويت وإنقسام العرب إزاءه قد هدم المعبد على رؤوس من فيه ووجه طعنة قاتلة إلى القضية الفلسطينية بعد أن أصبحت المنطقة العربية مستباحة أرضاً وكرامة.(196/28)
ثم – واستطراداً لخط تحليلنا المؤكد على التحيز الأميركي المطلق لإسرائيل – نقول بإن هذا التحيز لا يتغير بمتغيرات السياسة الدولية، وذلك ببساطة لأنه نابع من صميم المدركات الرئيسية والثوابت التاريخية للعقل السياسي للمؤسسة الأميركية الحاكمة الذي لا يحيد قيد أنملة عن تبني وجهة النظر الإسرائيلية، يضاف إلى ذلك عجز الدول العربية – وقد تشرذمت وانقسمت – عن مقاومة المداخل الأميركية المتحيزة والمتعصبة للكيان الصهيوني، بينما وفي المقابل تبرز إسرائيل ولم تشعر قط من قبل بأنها في وضع أمثل لإملاء شروطها المتعنتة على العرب بقدر ما هي عليه الآن، فلقد انهارت القوة العسكرية العراقية، واكتسب موقف سوريا ثمة مرونة بعد أن حاربت جنباً إلى جنب مع الجنود الأمريكيين، وخسرت القضية الفلسطينية تعاطف الرأي العام الغربي، كما فقدت منظمة التحرير الفلسطينية كافة ما أحرزته من مكاسب معنوية عظمى من جراء الإنتفاضة في الأراضي العربية المحتلة، بل – والأدهى من ذلك كله – تلقت اسرائيل دعماً عسكرياً ومادياً ضخماً لمجرد إحجامها عن الرد على الصواريخ العراقية ومع حيازتها للسلاح النووي، في الوقت نفسه الذي تصر فيه الولايات المتحدة على تجريد العراق من كافة أسلحته البيولوجية والكيماوية وقدراته النووية، يبتدي العجز العربي في أجلى معانيه وأوضح صوره، وقد كان هذا العجز في حد ذاته هو المرمى الأهم من وراء حرب الخليج الثانية[30].
مختصر القول إن مخطط الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط قد صاغ أصوله العريضة ايزنهاور بمبدئه في عام 1957م. بينما تولى كارتر مهمة نقل تلك الصياغة من العموميات إلى المحددات فيما أسماه ((بقوة الإنتشار السريع)) عام 1980م. أما البوش فإليه وحده يرجع الفضل الأعظم في إخراج مبدأ ايزنهاور إلى حيز التطبيق العملي عام 1991م.(196/29)
وليس أدل على ذلك من التصريحات التي أدلى بها ريتشارد تشيني – وزير الدفاع الأميركي – أمام الصحفيين، إبان جولة قام بها يومي الخامس والسادس من شهر أيار (مايو) 1991م لأربع دول خليجية إذ قال ((من الواضح أنه سيكون هناك في المنطقة المزيد من القوات الأميركية بكل يفوق ما كان موجوداً قبل أزمة الخليج، هذا فضلاً عن إبرام إتفاقيات مع دول الخليج حول التعاون بينها وبين الولايات المتحدة في مجالات التدريب وإجراء المناورات المشتركة وتقديم التسهيلات في القواعد الجوية الخليجية عند حالات الطوارئ للطائرات الأميركية، مع تخزين الأسلحة والإمدادات العسكرية فيها تحسباً من إندلاع أي نزاع في منطقة الخليج مستقبلاً[31].
وفي الختام أقول لسنا في وقت مزايدات أو مهاترات أو إلصاق التهم، فالوضع العربي جد خطير وينذر بأسوأ العواقب، والإرتفاع فوق آلامنا ورأب الصدع وتوحيد الكلمة والصف وتنسيق المواقف مطالب ليست حيوية فقط، بل هي مصيرية وويل لنا لو لم نتكاتف ونفتح أعيننا على كل ما يحاك لأمة العرب من دسائس ومكائد، وما ينصب لها من شراك تساق، إليها سوقاً فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
---
[1] David Long: "The United States and the Persian Gulf", Current History, January 1979, p.p. 25-28.
[2] Washington Evening Star, 17th January, 1968.
[3] د.زهير شكر، السياسة الأميركية في الخليج العربي، مبدأ كارتر (بيروت: معهد الإنماء العربي، 1982)، ص57 – 58.
[4] United States Depart. Of State – Bulletin (Wash. D.C Printing Office) Vol. 67 No 1732, p. 242.
[5] C.D. Carr, "The United States – Iranian Relations 1978", In: Hussein Amirsadeghi (ed): Security of Persian Gulf, (Groom helm, London, 1981) P. 75.
[6] "u.s – Iran Joint Commission" – March 1975, In: Middle East Journal, No. 29, Summer 1975, P. 345.(196/30)
[7] Shahram Chubin, Security in the Persion Gulf, The Role of Outside Power, (Gower Publishing. Co., London, 1982), P. 10.
[8] د.إسماعيل صبري مقلد، أمن الخليج وتحديات الصراع الدولي، (شركة الربيعان، الكويت، 1984م)، ص37 – 38.
[9] Lawrence Whetten, "The Lessons of Iran" The World Today, October 1979, p.p. 383 – 387.
[10] د.إسماعيل صبري مقلد، مصدر سابق، ص88 – 89.
[11] "The U.S., The Gulf And The 1980's", Middle East Journal, March 1980, p.p 8-11.
[12] Daniel Pipes, Increasing Security in the Persian Gulf, Orbis, Vol. 26, Spring 1982, p.p.30-31.
[13] Albert Wohlstetter: Half Wars and Half Policies in the Persian Gulf, im: Scott Thompson (ed): National Security in the 1980, (Institute for Contemporary Studies, San Fransisco, 1980). p.p. 28-61.
[14] لمزيد من التفاصيل عن تشكيلات قوة الإنتشار السريع انظر: د.زهير شكر، السياسة الأميركية في الخليج العربي، مصدر سابق، ص117 – 118.
[15] "U.S. Muscle Flexing", Time, November 1982, p.38.
[16] د.إسماعيل صبري مقلد، الاستراتيجية الدولية في عالم متغير، (الكويت، شركة كاظمة للنشر والترجمة، 1983)، ص33 – 34.
[17] The U.S. The Gulf and The 1980's, Middle East Journal, March 1980, p.p.10-12.
[18] General Victor Krulak, "Rapid Deployment Forces, Criteria and Imperatives", Strategic Review, Spring 1980,p.p.101-103.
[19] Michael Getter, "U.S. Moving" Fast to Build up Military Forces in Persian Gulf", Wasington. Post, October 10th" 1980, p.A1.
[20] Ibid, p.A1
[21] د.إسماعيل صبري مقلد، ((الإجماع الاستراتيجي في الشرق الأوسط))، مجلة المجالس الكويتية، العدد 602، 25 كانون الأول (ديسمبر) 1982، ص30.(196/31)
[22] Stevens Spiegel, "Does the United States Have Options in the Middle East?". Orbis, Summer. 1980, p.p.393-400.
[23] د.إسماعيل صبري مقلد، ((أمن الخليج وتحديات الصراع الدولي، مصدر سابق، ص156 – 177.
[24] د.صلاح العقاد، ((سلطنة عمان وكسر العزلة الدولية))، مجلة السياسة الدولية، العدد 60 نيسان (ابريل) 1980م، ص134 – 135.
[25] لمزيد من المعلومات عن القواعد العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط انظر: د.درية شفيق بسيوني، ((الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط))، مجلة التجارة، جامعة أسيوط، العدد 13، تموز (يوليو) 1988م.
[26] Shahram Chubin, Soviet Policy Towards Iran and the Gulf, Adelphi Papers, N° 157, Spring. 1980.
[27] د.إسماعيل صبري مقلد، ((أمن الخليج وتحديات الصراع الدولي))، مصدر سابق، ص198 – 204.
[28] هناك رأي يعزي السلبية الأميركية إلى رغبة الرئيس كارتر في ممارسة ضغط فعال على الحكومة الإيرانية لإجبارها على الإفراج عن الرهائن المحتجزين في السفارة الأميركية بطهران قبيل موعد الإنتخابات الرئاسية.
[29] Michael Mandelbaum, "The Bush Foreign Policy", Foreign Affairs Vol. 70, N° 1, 1991, p. 11.
[30] William B. Quandt, "The middle East in 1990", Foreign Affairs Vol. 10, N° 1, 1990.p. 66.
[31] جريدة الأهرام، القاهرة، أيار (مايو) 1991م.(196/32)
العنوان: الإستراتيجية الأميركية والشرق الأوسط: المنطق النظري والتطبيقات العملية
رقم المقالة: 277
صاحب المقالة: أحمد المصري
-----------------------------------------
مدخل: ملاحظات حول الإستراتيجية الأميركية العليا:
يجد الباحث الذي يسعى لصياغة ((النموذج)) العام، الذي يحدد ملامح الإستراتيجية الأميركية القومية العليا، صعوبة شديدة في تعيين النسق النظري للإطار الشامل للسلوك، أو تحديد المنظور الأوسع للرؤية، مما يعرقل عملية إستكشاف ((الأسلوب))، وربط الجزئيات المتناثرة هنا أو هناك، ويصعب القدرة على رسم منحنى الحركة، الضروري لدراسة التوقعات والبدائل، وتخطيط سبل التصدي والمواجهة. هناك صعوبة أساسية، موضوعية، تعود إلى أن هذه القضية تعتبر – ليس بالنسبة للولايات المتحدة وحدها وإنما بشكل عام – من القضايا التي تتمتع بمستوى أعلى من السرية، نظراً لإنعكاساتها المباشرة على المصالح العليا للدول، مما يضاعف من أعباء الباحث، ويحدد مجال دراسته، ومع ذلك، فبالنسبة لمجال الدراسة.. لا نعتقد أن ذلك هو سبب المشكلة الأصلي، فغياب هذه الإستراتيجية المحددة، الواضحة، القاطعة، أمر يتفق بشأنه العديدون، حتى من ((صنّاع)) السياسات العليا الأميركية ذاتهم (!)، وتجمع مجموعة من كبار العسكريين الأميركيين[1] منهم الجنرال ماكسويل تايلور*، على تأكيد وجود هذا الخلل، فيقول تايلور: "لسوء حظ أولئك الحريصين على تعزيز السياسة القومية عسكرياً، فإن هذه تشبه الدستور البريطاني، بمعنى أنها لم توضح أبداً، ولم تجمع في وثيقة واحدة، بل يجب استخراجها من مجموعة تصريحات رؤساء الجمهوريات، أو من خلال وعود قطعت خلال عملية إنتخابية، أو من خلال كلمات ألقاها رجال مجلس الشيوخ والنواب، أو من خلال الإتفاقيات التنفيذية في لحظات متفرقة، ونحن نرى كيف أن كل واحدة منها قابلة للنقض، أو إعادة النظر فيها بعد فترة وجيزة"[2].(197/1)
ويذهب الجنرال بروس ك. هولواي، إلى نفس الرأي أيضاً، فيذكر ((أن إستراتيجيتنا الوطنية مصممة من أجل أمتنا وإزدهارنا، وفق مبادئ وأهداف الدستور وإعلان الإستقلال، ولأنها تتغير، ولم تكتب البتة في أية وثيقة، فإن من الصعب تعريفها بالتفصيل، وأكثر من ذلك فإنها تعاني من الفوضى، وهو مرض يستوطن الديمقراطية، وضعفها ناتج عن ندرة في التخطيط المسبق، مضاعفة ((بالتمسك غير التام بمثل هذا التخطيط كيفما كان)).
وربما كان عائق إستراتيجيتنا الوطنية الرئيسي، هو فقدان مجموعة واضحة من الأهداف، يمكن لأي كان أن يفهمها جيداً، فليس لنا مطامع في أية أرض (!)، لا خطط خمسية، ولا ميزانيات يمكن الإعتماد عليها لأكثر من عام واحد كل مرة، وسياستنا الخارجية هي في الغالب سياسة ((رد فعل ونفعية))[3].
وهذا الوضع – أي غياب الإستراتيجية القومية المحددة – يذهب إليه – إضافة إلى جميع من تقدم، كل من الأدميرال إلمو.ز.زوموالت (الإبن)[4]، والجنرال بروس بالمر (الإبن)[5]، الذي يرى أن ((قوة الولايات المتحدة، التي أنضجتها مائتا سنة مضطربة، أوصلتها إلى مصاف قوة عظمى، قد بدأت قرنها الثالث دون أن تكون على بيّنة من أمرها بالنسبة لدورها المستقبلي في العالم)).(197/2)
لا يعني هذا، بالطبع، أن الطبقة الحاكمة الأميركية – وبالذات صفوة ((المجتمع الصناعي الحربي))، ومحللوه النظريون – كانت تفتقد بإستمرار التعبيرات التي تترجم فكرياً خريطة مصالحها المادية المتسعة بإضطراد، وترسم محاور حركة هذه الإمبراطورية القارية الكبرى. فنحن نميل إلى إعتبار أن ما ذكرناه آنفاً يحمل جانباً من المبالغة ((الكاريكاتورية))، قصد منها التنديد بتخبط واضعي الإستراتيجية الأميركية، وإرتباكهم إزاء تطورات الأحداث ووقائعها الصادمة. كذلك، فإن هناك – من جهة – عملية تمويه واسعة النطاق، مورست من أجل ستر حقيقة التوجهات الأميركية ومطامعها الكونية، أو أغرقتها – لذات الغرض – في سلسلة من البيانات الإنشائية الأخلاقية*، وهناك – من جهة أخرى – سيادة ما أسماه الجنرال بروس ك. هولواي، حقاً، ((سياسة رد الفعل والنفعية، التي غلَّبت الجانب العملي – التنفيذي – البرغاماتي – على جانب النظرية، ومنحت الفعل، ورده، الدرجة الأولى من الإهتمام، أكثر مما اعتمدت على دور الفكر و((التنظير)) واستندت في تقرير التحركات الأميركية إلى ما تمليه ((غطرسة القوى)) لكي تحقق أغراضها ومصالحها، في مقابل الدور الذي تلعبه عملية الترشيد الأيديولوجي للممارسة، في العملية الثورية الماركسية، على سبيل المثال.(197/3)
ومع ذلك، فلا يعني هذا الأمر بالطبع، أن غياب الإستراتيجية القومية العليا، قد عنى إفتقاد ((مؤطرات)) الحركة الأميركية أو ((محدداتها)). ففي كل مرحلة تاريخية معينة، ومع التبدل المنطقي للتوجهات الإستراتيجية الأميركية، حافظت السياسة الخارجية الأميركية على مجموعة من ((الثوابت)) الأساسية، تجسّدت ببساطة (مهما اتخذت من صيغ وتلونات)، في العمل على تحقيق وحماية هدف رئيسي، هو ((إحتفاظ الولايات المتحدة بمستوى معيشتها المتفوق الحالي، وتصاعده مع الزمن))[6]، وهو ما عنى، ولا زال يعني، بالنسبة للإحتكارات الصناعية والمحلية، وللنخبة الرأسمالية الحاكمة، ضمان وصول المواد الخام الأساسية الضرورية لتحقيق هذا الحد بأرخص الأسعار، وضمان تصريف إنتاج الآلة الصناعية والحربية في السوق العالمي بأعلى الأثمان، وضمان استمرار علاقات التبعية غير المتكافئة (مع العالم غير الإشتراكي)، بشتى السبل[7]، وتحت مختلف المسميات[8]، وتحقيق هذا الهدف (مستوى المعيشة المرتفع المتنامي)، وما يستلزمه من علاقات تبعية بالدول الأخرى، قد ارتقى إلى مصاف المصلحة القومية العليا، ذات ((الشرعية)) المطلقة التي تربط بينه وبين الأمن الإستراتيجي للبلاد، بحيث غدت لها الأولوية كما عبر زبيغنيو بريجنسكي ذات مرة، أثناء ((الأزمة الكوبية))، بتحديد أولويات الولايات المتحدة بإعتبارها، ((أولاً: أمن أميركا، ثانياً: تجنب الحرب))[9].(197/4)
وفي إطار الجهود المبذولة من أجل سد الثغرات المفتوحة في البنيان الإستراتيجي الأميركي، يلفت النظر أن إهتماماً خاصاً أولته المراكز الإدارية والمالية والصناعية – والحربية أساساً – من أجل العديد من المنظرين والبحاثة وأساتذة الجامعات والخبراء العسكريين ورجال السياسة والإقتصاد، والمعنيين بصورة عامة، على الإسهام في بلورة المفاهيم الإستراتيجية للسياسات العليا للولايات المتحدة، وبالذات بعد حرب فيتنام، ونتائجها، التي كشفت بوضوح مدى النقص في الرؤية الإستراتيجية لدى صنّاع القرار السياسي – العسكري في البلاد، وللإجابة على الأسئلة التي طرحتها الحرب فيما يخص السياسة الخارجية وإنعكاساتها الداخلية – لأميركا، وأولوياتها وبدائلها.
وكان من نتيجة هذا الإهتمام صعود نجم العديد من الأكاديميين المهتمين بهذه القضايا، والذين راحوا يعبرون عن توجهات ((المجموعات القابضة))، ذات النفوذ والتأثير الهائلين في المجتمع، مثل هنري كيسنجر وزبيغنيو بريجنسكي، وغيرهما، كما كثرت منذ ذلك الحين الجهود المبذولة من أجل درس، وإعادة صياغة النظرية الإستراتيجية الأميركية الجديدة بحيث أصبح من السهولة بمكان، اليوم، الحصول من مصادر رئيسية على وثائق تفيد في تحليل نمط التوجهات الأساسية للولايات المتحدة الأميركية، وتطورات هذه التوجهات أولاً بأول.(197/5)
وأكثر من ذلك كله، فلقد اتجهت الرأسمالية الإحتكارية الحاكمة في الولايات المتحدة، إلى التفكير في نوع من الهيئة ((الكونية)) التي يمكن عبرها الهيمنة على العالم الرأسمالي، وتوجيه بصائره وقيادته لتحقيق أغراضها. وقد خطت خطوة هامَّة، في هذا السبيل، بتشكيل ما أطلق عليه اسم اللجنة الثلاثية[10]، التي كونها ديفيد روكفلر كحكومة عالمية، أو هيئة أركان رأسمالية دولية – عام 1973م، واستطاعت هذه اللجنة أن توصل إلى قمة السلطة في الولايات المتحدة، وأوربا الغربية، واليابان – العديد من أعضائها ورموزها وممثليها، ربما كان أبرزهم الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر ومساعدوه، وهذه اللجنة، حملت على عاتقها عبء إعادة صياغة الإستراتيجية الأميركية المفتقدة، وأن تضع خطط تنفيذها موضع التطبيق. والجدير بالذكر أن قائمة أعضاء ((اللجنة الثلاثية)) التي نشرها حزب العمل الأميركي عام 1977م، قد احتوت أسماء عدد من المسؤولين الأميركيين الحاليين، منهم على سبيل المثال كاسبار واينبرغر، وزير الدفاع الأميركي الحالي، منذ أن كان نائباً لرئيس شركة بيجتل كورب[11].
تطور الإستراتيجية الأميركية منذ ترومان حتى ريغان:
1 – مبدأ مونرو: الإستعمار في الداخل.(197/6)
بعد أن انتهت حروب الإستقلال، وأعلن عن تشكل الإتحاد الفيدرالي للولايات الأميركية عام 1776م، جاء المبدأ، الذي قدمه الرئيس الأميركي جيمس مونرو – وعرف بإسمه – في رسالة إلى الكونغرس يوم، كانون الأول (ديسمبر) 1823م، لكي يجسّد إنشغال البرجوازية الأميركية الفتية، بالعمل على إستكمال سيطرتها الكلية على القارة الأميركية، وتصفية وجود وسيادة ملاكها الأصليين من الهنود، ولكي يقنن عمليات التوسع في أميركا الوسطى والجنوبية، وجهود الحفاظ على مصالح هذه البرجوازية فيها من منافسة البرجوازيات الأوروبية لها، أي لكي يجسد استكمال سيطرتها على ((السوق القومي)) وحمايته من مزاحمة الرأسمالية الأخرى القادمة من خلف الحدود القارية للبلاد.
لقد ظل مبدأ مونرو، الركيزة الأساسية للسياسة الخارجية الأميركية قرابة قرن كامل، تمكنت خلاله البرجوازية الأميركية من بسط هيمنتها على مصادر الثروات الطبيعية الهائلة في القارة، دون منافس أو منازع، كما تجنبت تبديد الطاقة في الصراعات التي كانت أوروبا وآسيا وأفريقيا مسبباً لها.
2 – تصريح ((وليم ماكس)): التطلع خارج الحدود.
مع بدايات القرن العشرين بدأت البرجوازية الأميركية الفتية، بعد أن تكدست عوامل النمو الصناعي والمالي والعسكري لها، في التطلع إلى خارج الحدود، إلى الأفق البعيد!
وبفضل التحول الذي طرأ على الرأسمالية، ودخل بها مرحلتها العليا: الإمبريالية، اتجهت الرأسمالية الأميركية لفتح الأبواب أمام سيل إنتاجها المتدفق. ولقد عبر الرئيس الأميركي حينذاك، وليم ماكس، عن التوجه الموازي لهذا التطور على صعيد السياسة الخارجية للإتحاد (عام 1901م):
((إننا وصلنا إلى درجة من فائض الإنتاج، تتطلب منا أن نفتح لهذا الفائض أسواقاً جديدة تستوعبه، كي لا نواجه مرحلة من الكساد الإقتصادي قد تقضي على نمو وتطور بلادنا))[12].
3 – مبدأ ترومان: الإمبريالية الأميركية تشعل الحرب الباردة.(197/7)
ولقد صبغت الولايات المتحدة ((خروجها)) للعالم، بروح مثالية، رسمت صورتها بعناية تحت شعار ((أميركا الجديدة))[13] في الداخل، ومبادئ الرئيس ويلسون الأربعة عشر في الخارج واتخذت من موقف المناصرة الصورية لـ((حق الشعوب في تقرير مصيرها)) وسيلة للحد من نفوذ الإمبرياليات المنافسة، واحتلال مواقعها. وجاءت الأزمة العالمية الكبرى (1929م) وقادت إلى حرب عالمية ثانية انتهت بتشكيل المعسكر الإشتراكي، بزعامة الإتحاد السوفياتي، وبروزه كقطب رئيسي في التوازن الإستراتيجي العالمي، في مقابل القطب الغربي بقيادة الولايات المتحدة.
في ظل ظروف ما بعد الحرب كانت منطقة الشرق الأوسط من ضمن المناطق التي توجه إليها الإهتمام الأميركي نظراً لثرواته النفطية وموقعه الإستراتيجي فعملت الولايات المتحدة على إزاحة النفوذ الإستعماري القديم فيه وخاصة البريطاني. ووصفت علاقاتها مع المملكة العربية السعودية التي إزدادت ((خصوصية)) مع الأيام.
ومع إنتهاء الحرب الساخنة بدأت ((الحرب الباردة)). وكرّس مبدأ ترومان نهائياً إنتهاء عصر ((العزلة)) و((التدخلات العابرة)) وافتتح عصر ((المسؤولية الأميركية العالمية)).
كان التجلي الأمثل لتطبيق مبدأ ترومان في الشرق الأوسط هو تشكيل دولة إسرائيل وتحول الولايات المتحدة إلى مصدر الدعم الرئيسي لبقائها واستمرارها. كما تجسّد المبدأ أيضاً بمساعي أميركا لربط المنطقة بسلسلة من الأحلاف والتكتلات ومعاهدات الدفاع المشترك... إلخ.
4 – مبدأ ايزنهاور وملء الفراغ:(197/8)
مع بدايات النصف الثاني من هذا القرن، أقيمت للولايات المتحدة فرصة ((تاريخية)) لدخول المنطقة. فبعد ثورة يوليو 1952م في مصر وفشل العدوان الثلاثي أملت الولايات المتحدة في الإطاحة بنفوذ الإمبراطوريتين الفرنسية والبريطانية ووراثة محلهما عبر إعلان مبدأ ايزنهاور الذي طرحه لأول مرة في بداية عام 1957م. والفكرة المحورية في نظريته التي عرفت بنظرية ((ملء الفراغ)) هي الحؤول دون خطر دخول الإتحاد السوفياتي لشغل مراكز الإستعمار القديم الشاغرة مما يقتضي تحركاً أميركياً سريعاً وفعّالاً.
كان مبدأ ايزنهاور قد مد نطاق ((المجال الحيوي)) للولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط. وأبرز تطبيقات المبدأ (بعد أن سمح للرئيس باستخدام القوات المسلحة الأميركية خارج الحدود) في الشرق الأوسط كان التدخل المباشر في لبنان وفي الأردن. كما مهد الطريق للتدخل في جنوب شرقي آسيا.
وخلق المشروع الأميركي لملء الفراغ حالة استقطاب حادة في المنطقة بين الإتجاهات والنظم الراديكالية (بزعامة مصر عبدالناصر) وبين الإتجاهات والنظم المحافظة المرتبطة بإسرائيل عن طريق الحليف الأميركي والمصالح المشتركة. وأدى الصراع إلى حرب 1967م التي اضطر بعدها الإتجاه الراديكالي إلى التراجع عن مواقع صدامية عديدة (اليمن وغيرها) والتفرغ لقضية ((إزالة آثار العدوان)).
5 – مبدأ نيكسون، والإنابة المدعومة:
أثّرت الهزيمة الفيتنامية، سلباً، على التوجهات الرسمية للسياسات الخارجية الأميركية، وأجبرتها على النكوص لفترة، والبحث عن بدائل؛ ومن هنا برزت فكرة ((الإنابة)) التي اعتمدها الرئيس نيكسون، مع بداية السبعينيات، وعبر عنها في رسالته عن ((الوضع العالمي)) لعام 1971م.(197/9)
لقد أعلن ريتشارد نيكسون منظومته الفكرية للصراع في العالم، والتي بناها – بوحي من مستشاره بشؤون الأمن القومي، هنري كيسنجر – على ضرورة إيكال مهام حربية معينة لبعض الدول ((الصديقة))، نيابة عن ((الولايات المتحدة))، والإعتماد على ((الشركاء)) المحليين، أي الدول المنابة، لقمع ثورات الشعوب في العالم كله. وقد صيغت، إنطلاقاً من هذه الفكرة، نظرية ((فتنمة الحرب))، أي جعل النظم المؤيدة للولايات المتحدة، تلعب دورها في الدفاع عن مصالحها ومصالح ((الحليف الكبير))، بينما تقوم الولايات المتحدة بمدها بالمساعدات التكنولوجية والمادية للحصول على ((أفضل النتائج))، ومن أجل ((أن يسود الأمن والسلام)) العالم![14].
وفيما يخص المنطقة، فلقد برز مبدأ نيكسون – تطبيقياً – في التحركات ((المكوكية)) لهنري كيسنجر، من أجل ((أن يقرر الشرق أوسطيون مستقبل الشرق الأوسط))، برعاية ((العرّاب)) الأميركي – بالطبع – ومن هنا بدأت المفاوضات المباشرة بين الكيان الصهيوني والنظام الساداتي، والتي انتهت بتوقيع إتفاقيتي سيناء الأولى والثانية، وبدخول أميركا إلى المنطقة لا ((كشريك كامل وحسب))، وإنما كشريك رئيسي يملك ((99% من أوراق اللعبة))، على حد التعبير الساداتي الشهير.
6 – مبدأ كارتر: حذاء ((اليانكي)) في الشرق الأوسط!(197/10)
مع بداية السبعينيات وخاصة من حرب 1973م كان البعض في أوساط البنتاغون، وأروقة البيت الأبيض، والمستشارون والخبراء المقربون، قد بدأوا جميعاً في طرح ضرورة اعتماد القوة ((لغزو حقول النفط))؛ خاصة مع تصاعد حدة الأزمة الإقتصادية، التي أرجعت مسبباتها إلى الإعتماد المفرد على النفط المستورد من الخارج (حوالي 40%، تصل إلى نحو 50% مع أواخر الثمانينات). وبدأت المصادر ((العسكرية)) الأميركية تتحدث بوضوح عن أنه ((إذا تعاظم إعتمادنا على النفط الخارجي، أو تدهورت سيطرتنا في السياسة الخارجية والنفوذ الدولي، فإن البديل قد يكون إرسال حملة عسكرية إلى الشرق الأوسط، تجعل فيتنام تبدو – بالمقارنة – كنزهة))[15].
وأجريت دراسات إقتصادية وعسكرية جديدة وكلها من وحي ((مبدأ كارتر)). وجاءت جميعها كمقدمات باشرت بعدها الإدارة الإميركية عملية الإعداد التدريجي ((لإخراج)) عملية التدخل في حقول النفط وفي المنطقة، فبدأت برفع مستوى نفقات التسلح ثم ضغطت على دول حلف الأطلسي لرفع نفقاتها التسليحية بصورة منتظمة. وتجلى مبدأ كارتر بالإعداد لبناء قوات التدخل السريع وتدريبها على الظروف الجغرافية المشابهة لمنطقة الخليج العربي خاصة والشرق الأوسط عامة. وكذلك بتعزيز الوجود العسكري الأميركي البحري في المحيط الهندي والبحث عن تسهيلات وقواعد عسكرية في البلدان المعنية أو المجاورة لها. وقد طرح كارتر أيضاً مشاريع التعاون الأمني التي جاءت إتفاقية كامب ديفيد كخطوة أولية على طريق تنفيذها. إلا أن إدارة الرئيس كارتر أثبتت ضعفاً غير مقبول أمام التحديات التي واجهتها خاصة في الخارج بتراجعها أمام الثورة الإيرانية وعجزها عن مواجهة أحداث أفغانستان، والمهانة التي لحقت بهيبة الولايات المتحدة من جراء ((أزمة الرهائن)) في طهران.
7 – إستراتيجية الثمانينيات، ومفاهيم رونالد ريغان:(197/11)
استلم رونالد ريغان السلطة مع مطلع عام 1981م، ممثلاً للتيارات اليمينية والمحافظة في الطبقة الحاكمة، وملتزماً ببرنامج واضح، قوامه داخلياً العمل من أجل إقالة عثرة الإقتصاد الأميركي، وخارجياً ((إستعادة عظمة أميركا))، أي بسط سيطرتها، ونشر هيمنتها في أنحاء العالم، وجمع في هيئة أركان حكمه مجموعة منتقاة من ممثلي اليمين التقليدي في الحزب الجمهوري.
الإستراتيجية الأميركية العليا، وسياساتها الخارجية، تبدو أكثر وضوحاً وصراحة في عهد الرئيس ريغان، كما لم تبد من قبل، وللمرة الأولى تنسجم ((الأقوال)) مع ((الأفعال))، ويتطابق ((النهج)) مع ((التفسير))، دون الحاجة للتغطية والتمويهات، وقد عبر عن ذلك كاسبار واينبرغر، وزير الدفاع الأميركي، بقوله: "تعرضنا لإنتقاد شديد في الماضي لأننا كنا نفتقر إلى إستراتيجية واضحة، لكن اليوم لدينا إستراتيجية تتسم بالوضوح الكامل"[16].
ويمكن إختصار هذه الإستراتيجية في إعتبار العالم – من وجهة نظر ريغان – ينقسم إلى لونين فقط الأبيض (نحن)، والأسود (هم)... و((هم)) هنا مقصود بها الإتحاد السوفياتي والمعسكر الإشتراكي أولاً، ثم كل من لا يخضع لإبتزاز القوة، ولا ينصاع للمصالح الأميركية ومنطلقاتها، ويندرج تحت هذا التوصيف حركات التحرر والدول الساعية للإستقلال، أو التي تتناقض – ولو جزئياً – مع المخطط الأميركي للسيطرة على العالم.
ومن أجل حل هذا التناقض من وجهة نظر المخططين الإستراتيجيين العسكريين والسياسيين الأميركيين ينبغي توفر عناصر إستراتيجية ثلاثية متضافرة ومترابطة وهي:
1 – إستراتيجية التطويق والمجابهة:(197/12)
تعتبر الإستراتيجية ((الريغانية)) الجديدة أن ميدان الحرب ضد الإتحاد السوفياتي لن تقتصر على منطقة معينة وإنما سيتسع لكي يشمل العالم كله. ولا تقتصر أيضاً على المجابهة العسكرية بل تمتد إلى كل الميادين التجارية والغذائية ونقل التكنولوجيا الدبلوماسية وإثارة الخلافات والصراعات داخل ((الكتلة الشرقية)) وما إلى ذلك. وهذه الإستراتيجية تتطلب أن يقسم العالم إلى ((أصدقاء)) وإلى ((أعداء)) دون تصنيف أحد في الوسط أو الحياد.
2 – إستراتيجية ((الترابط الإقليمي)):
ترتبط هذه الإستراتيجية بالأولى وتعمل لخدمتها. فما دامت قضية حصار الإتحاد السوفياتي ومواجهته هي ((قضية القضايا))، فإن الولايات المتحدة تسعى إلى خلق ((سلسلة مترابطة من الأقاليم الإستراتيجية في العالم، بحيث يقتضي أمن كل منها تحقق الأمن الشامل للمنطقة الأخرى.
3 – إستراتيجية التسليح القصوى:
بناء على زعم الولايات المتحدة بتفوق الإتحاد السوفياتي في أغلب مجالات التسليح – التقليدي والإستراتيجي، تقول الإستراتيجية الأميركية ((الريغانية)) الجديدة بأن الرد ((الوحيد والمقنع)) على هذا التفوق هو ((تطوير قوة عسكرية ضخمة بحيث تكون قادرة على ضمان وجود عنصر رادع قوي يتمتع بمصداقية كافية للحفاظ على السلام في أوروبا)) وهكذا شرعت الولايات المتحدة ببرامج تسليح عالية النفقات ومن ضمنها مثلاً إنتاج القنبلة النيوترونية والصاروخ ((MX )) وغير ذلك.(197/13)
ويخدم هذه ((الإستراتيجية المثلثة)) في الشرق الأوسط مجموعة من ((التكتيكات العملية)) (الإجراءات العملية) المتكاملة منها ربط الدول الحليفة في المنطقة بمجموعة من الأحلاف. وإعداد قوات التدخل السريع وعقد إتفاقيات التعاون في المجالات العسكرية، وتدعيم الأساطيل الأميركية في البحار والمحيطات المجاورة. وربط العلاقات الإقتصادية بمفهوم ((الأمن القومي)) وزيادة معدلات المخزون الإستراتيجي من النفط وتشكيل حزام مترابط عالمياً من القواعد والتسهيلات وغيرها من الإجراءات العملية التي تخدم الإستراتيجية المذكورة أعلاه.
الإستراتيجية الأميركية في مصر والوطن العربي النظرية في التطبيق
1 – مصر: الأساس الطبقي لمخطط الإحتواء.
أفرز عدم الحسم، في مواجهة القوى المضادة للثورة – في الداخل والخارج والتآمر المستمر من الإمبريالية وتوابعها – وضعاً تراكمت فيه مسببات الهزيمة العسكرية، والإنقلاب السياسي على النظام ومن جراء هذه الوضعية أجهضت التجربة الناصرية واستولى السادات منفرداً على الحكم، في 15 أيار (مايو) 1971م، بعد الإطاحة بالجناح الراديكالي في السلطة، معبِّراً عن تحالف الجناح اليميني الموالي لأميركا، في هيكل الطبقة الحاكمة، مع شرائح الرأسمالية العقارية والتجارية والزراعية، التي تركت لها الإصلاحات الإجتماعية المحدودة، فرصة الإنتعاش والإثراء الهائل، دون رقيب.(197/14)
وكانت ضغوط الحركة الشعبية – في مصر والمنطقة – بعد هزيمة حزيران (يونيو) 1967م، حادة للغاية، بإتجاه إعداد العدة لحرب تحرير وطنية، تستعيد الأراضي المغتصبة، وتضع حداً لعربدة العسكرية الصهيونية المنتشية بخمر الإنتصار. وفي مصر انفجرت، مع بداية السبعينيات، عدة إنتفاضات طلابية وشبابية وعمالية تنادي بالقتال ضد العدو الصهيوني، وبإعداد البلاد لمعركة طويلة مع أميركا وإسرائيل. وللإلتفاف على هذه الوضعية تم التخطيط لخوض ((حرب تحريك)) محدودة، لمنح جهود التسوية الأميركية خطوات واسعة للأمام، وبالرغم من التضحيات والبطولات العظيمة للجنود المصريين والسوريين، أعلن السادات إيقاف القتال، متعللاً بأنه اكتشف أنه لا يحارب إسرائيل، ((وإنما أميركا))، وهو لا يستطيع أن يفعل ذلك، وعلى الأثر بدأت المفاوضات الإسرائيلية – ((المصرية)) برعاية أميركا، التي وضعت أقدامها في مصر، ساعية لأن ((تبقي على السوفيات بعيداً عن جوهر المفاوضات، إذ أن سجلّهم، أثناء الحرب، لم يوح بالثقة في أنهم مستعدون لأن يلعبوا دوراً منصفاً في تسوية النزاع، كذلك يبدو أن السادات لا يريد إشراكهم))[17].
* اعتمدت الخطة الأميركية للتسوية على مجموعة من الخطوات المتلاحقة:
أ – تسريع ((ديناميكية)) المفاوضات ((المصرية – الإسرائيلية))، برعاية ((العرّاب)) الأميركي.
ب – إبقاء الإتحاد السوفياتي بعيداً عن المنطقة، وإخراجه من عملية المفاوضات للإنفراد بالساحة.
جـ – تكرار عملية التفاوض على ساحات أخرى (سوريا)، بحيث يتم ترسيخ هذا الأسلوب بديلاً عن الحرب، وكأسلوب أوحد للتسوية* في المنطقة.
د – إقرار تبدلات إقتصادية – إجتماعية داخلية، في مصر وفي المنطقة، تدعم عملية التفاوض ((تحت إسم السلام))، وتلغي خيار الحرب من خلال عملية ((التطبيع)).
هـ – إعادة صياغة العلاقة بين العدوين، لكي تصبح علاقة متنافسين، يتزاحمان على الدور الأساسي في خدمة مصالحها.(197/15)
و – تبديل طبيعة التوجهات الإستراتيجية لكل من ((مصر)) وإسرائيل، بحيث يصبان معاً في إتجاه واحد، يخدم إستراتيجية الولايات المتحدة في المنطقة.
ز – إعادة توزيع الأدوار، بناء على المتغيرات الجديدة، وفي إطار مخطط شامل لربط مصر بالمعسكر الإمبريالي المتمثل بالولايات المتحدة وتوابعها.
والعامل الأساسي في هذا ((المخطط))، والذي ارتكزت عليه باقي العوامل كان هو العامل (د)، وقد تجسد هذا العامل في السياسة التي أطلق عليها ((سياسة الإنفتاح الإقتصادي)) وهي، في جوهرها، السياسة التي تستهدف ((إرسال دعائم نظام رأسمالي فردي حر، يسهل دمجه في السوق العالمي، وإلحاقه تابعاً للشركات العملاقة المتعددة الجنسيات التي يتحكم فيها رأس المال الأجنبي))[18]. وقد تكرست هذه السياسة – رسمياً – منذ صدور القانون 43 لسنة 1974م*، قانون إستثمار رأس المال العربي والأجنبي، وما تلاها من قوانين. ولعبت المؤسسات المالية الإمبريالية العالمية (كصندوق النقد الدولي – البنك الدولي للإنشاء والتعمير – وكالة التنمية الدولية... إلخ، دوراً بالغ الأهمية في سلب مصر تمام كل قدرة على الحركة المستقلة، وفي فرض التبعية الإقتصادية، وبالتالي السياسية – العسكرية، على النظام[19]، محققة بذلك توصية نيلسون روكفلر الشهير، في رسالته إلى ايزنهاور بتاريخ 16/1/1956م.
((إني لسعيد أن أرى أن الحكومة أخذت تهتم إهتماماً جدياً بالجانب الإقتصادي في أحلافنا العسكرية – حتى لو كان ذلك يحدث تحت تأثير من عوامل خارجية – واعترفت، بأن السياسة الإقتصادية لا يمكن فصلها عن السياسة العسكرية.(197/16)
وإن أصدق مثال للتطبيق، للتدليل على ما أقصده، هو التجربة الإيرانية التي – كما ذكرت – كنت مختصاً بها مباشرة، فباستخدام المساعدة الإقتصادية نجحنا في الحصول على نصيب من البترول الإيراني، وأصبح لنا الآن نفوذ طيب في إقتصاد هذه البلاد. إن تقويتنا لمركزنا الإقتصادي في إيران مكننا من إشراكها في حلف بغداد، (وفي الوقت الحاضر) لا يجرؤ الشاه حتى على إحداث تغيير في وزارته، دون أخذ رأي سفيرنا[20].
وتصدق هذه الفقرة كلية، وتنطبق بحذافيرها، إذا استبدلنا إيران بمصر، وحلف بغداد بحلف كامب ديفيد، وشاه إيران بأنور السادات.
وقد أعادت ظروف الإقتصاد الحر، الذي تمتعت فيه أغلب الشرائح الرأسمالية* – وخاصة الكمبرادورية – بهامش واسع للحركة، أعادت إنتاج واقع جديد، تمثل في وجود طبقة مرتبطة مصلحياً بأميركا وبسياساتها، ومرتهنة تماماً لتوجيهاتها. وهذه الطبقة هي التي مثلها أنور السادات في رحلته الشهيرة إلى الأرض المحتلة، وهي التي ارتكز عليها في مواجهة الحركة الشعبية التي انفجرت من جراء تردي الأوضاع الإقتصادية والسياسية في البلاد، يومي 18 و19 كانون الثاني (يناير) 1977م، وتمثلت المصالح الإستراتيجية لهذه الطبقة في التحالف مع الكيان الصهيوني وأميركا والرجعيات العربية والمحلية، من أجل حماية استنزافها لثروات البلاد، وضمانة استمراريتها على قمة السلطة فيها.
وقد استخدمت أموال ((المعونات))، وقروض ((المساعدات)) استخداماً مقصوداً لتدعيم نفوذ هذه الطبقة، وتوسيع نطاق تأثيرها وسيطرتها، لربطها أكثر فأكثر بمراكز التوجيه الأميركي – الصهيوني**. ولهذا فإن إغتيال أنور السادات لم يسقط النظام بأكمله، وإن هزّ أركانه، فإسقاط النظام معناه التصدي الكامل حتى تتم الإطاحة بسيطرة هذه الطبقة على الحكم.
2 – الدوائر الإستراتيجية الثلاث:(197/17)
يرتكز التصور الإستراتيجي الأميركي الجديد، للمنطقة، على خلق ثلاث دوائر إستراتيجية متداخلة، ومتكاملة، تتقاطع جميعها في مركز واحد، وتسيطر عليها، وعليه، الإدارة الأميركية. وهذه الدوائر الثلاث هي:
أ – دائرة الحلف الإستراتيجي الأميركي الإسرائيلي:
وقد تكرس وجود هذه الدوائر بالإعلان – لدى زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيغن إلى الولايات المتحدة في شهر أيلول (سبتمبر) 1981م – عن تشكيل حلف ثنائي موجه أساساً ضد دول المنطقة والإتحاد السوفياتي[21]، إذ ذكر الرئيس ريغان، في كلمته لدى إستقباله لرئيس وزراء إسرائيل ((إن الولايات المتحدة تنظر إلى إسرائيل كحليف.. وأن أمن إسرائيل هو هدف أساسي لهذه الإدارة.. وإننا مصممون على العمل مع جميع أصدقائنا في الشرق الأوسط في مواجهة قوى الطغيان والعدوان والقوى الخارجة على القانون))(!)، وقد رد عليه بيغن، مؤكداً نفس التوجهات، وبشكل صريح وقاطع، فقال: "يجب مواجهة سياسات السوفيات (التوسعية) في الشرق الأوسط وغيره... إن إسرائيل جزء لا يتجزأ من العالم الحر، وهي، عبر نظامها، حليف مستقر للولايات المتحدة، وسنقف معاً، وستقوم إسرائيل بقسطها في الدفاع عن ((الحرية الإنسانية))، بالتعاون مع جميع ((الأصدقاء))*".
ب – دائرة الحلف الإستراتيجي الأميركي – الإسرائيلي – المصري:(197/18)
وهذه الدائرة ترسخت بتوقيع إتفاقيات كامب ديفيد وهي ترتكز على دور أساسي للنظام المصري في خدمة الإستراتيجية الأميركية في المنطقة، وهو الدور الذي وصف بأنه ((سيبقى في موقع المركز من إستراتيجية أميركا تجاه الشرق الأوسط الحافل بالإضطراب))[22]. وقد تدعم هذا الدور بزرع مصر بالقواعد العسكرية الأميركية، وبربطها – عسكرياً – بالمجهود الحربي الأميركي، وبالتسهيلات الهائلة التي قدمها السادات تحت إدعاء الدفاع عن ((أمن الخليج)): ((إن مصر على إستعداد دائماً لأن تعطي تسهيلات للقوات الأميركية إذا أرادت الولايات المتحدة أن تدافع عن الدول العربية في منطقة الخليج))[23]، في مواجهة ما أسماه بالـ((خطر السوفياتي)) على المنطقة متجاهلاً تماماً المقترحات التي قدمها الرئيس السوفياتي ليونيد بريجنيف في نفس الفترة، لدى زيارته للهند، بعد إختتام مباحثاته مع رئيسة وزرائها، أنديرا غاندي، من أجل المحافظة على سلاح المنطقة، وأمنها، وحيادها، واستقرار الأوضاع فيها**.
وفي آب (أغسطس) 1981م وفي آخر زيارة قام بها الرئيس السادات، قبل إغتياله، للولايات المتحدة، تم ((تركيب)) عناصر التحالف ((المصري)) – الإسرائيلي – الأميركي، وتحديد مهماته:
– السماح بالتواجد العسكري المستمر للقوات الأميركية في كل من مصر وإسرائيل.
– تسهيل القيام بعمليات أميركية، أو مشتركة مع قوات الدولتين، وإنطلاقاً من أراضيهما، في الأماكن والظروف التي ترى الولايات المتحدة ضرورة للتدخل فيها.(197/19)
– السماح للولايات المتحدة بتخزين الأسلحة في الدولتين. وهناك دلائل على أن إتفاقاً تم توقيعه بين الإدارة الأميركية والرئيس المصري، ينص على استخدام الأراضي المصرية، وخاصة الصحراء الغربية، كمخزن للأسلحة النووية الأميركية ولعل أهم ما جاء في الإتفاق إن قاعدة ((رأس بناس)) الأميركية على البحر الأحمر في مصر، تعد لكي يمكن إنطلاق القاذفات النووية، الإستراتيجية ((ب – 52))، البعيدة المدى، منها. كما أنه قد تسربت معلومات تشير إلى إحتمال الإتفاق على تخزين القنبلة النيوترونية أيضاً في مصر، وكما هو معروف، فلقد كانت قضية التخزين العائق الأساسي لإنتاجها، ولم يتخذ قرار الإنتاج، ويعلن إلا بعد عودة السادات من زيارته، ومما يجوز ذكره أن واينبرغر، وزير الدفاع الأميركي، صرح بأن ((قنبلة النيوترون، سيتم تخزينها خارج أوروبا، وبحيث يمكن نقلها إليها في بضع ساعات))[24] وهو ما يدعم هذا الإستنتاج ويؤكده.
جـ – دائرة ((الإجماع الإستراتيجي)) الأميركي – العربي – الإسرائيلي:(197/20)
في نهاية عام 1980م، قامت بعثة خاصة، بتكليف من ((لجنة الشؤون الخارجية)) بالكونغرس الأميركي، بزيارة استكشافية إلى تسع دول في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي والقرن الأفريقي هي: مصر – السودان – إسرائيل – كينيا – الإمارات العربية المتحدة – قطر – السعودية – الكويت – عمان، درست خلالها على الطبيعة، القضايا الرئيسية بها، وقدمت البعثة تقريرها في شهر آذار (مارس) 1981م. وقد نص التقرير على أن نجاح الخطط الأميركية ((الرادعة)) في منطقة الشرق الأوسط، لمواجهة ((التهديد السوفياتي))، أو لمواجهة حلول زعماء ((مغامرين)) محل الزعماء الأكثر إعتدالاً يقتضي من الولايات المتحدة الزيادة الفورية لقدراتها العسكرية، وقدرات حلفائها الغربيين لتكون كافية للردع المؤثر. كما أشار التقرير إلى أن كلاً من مصر وإسرائيل والسودان، التي تمثل دولاً محيطة بمنطقة الخليج، وموالية للغرب، يمكن أن تتحمل جانباً من أعباء الولايات المتحدة الإستراتيجية في المنطقة، خاصة إذا أضيفت إلى قواها، قوة ((تركيا))، القريبة أيضاً من منابع النفط، ((ولتوفر القواعد والمطارات العسكرية الصالحة فيها، لذلك يجب أن يوضع في الإعتبار حجم قواتها المسلحة، وعدد مطاراتها وقواعدها، بالإضافة إلى حجم وقدرة القوات المسلحة في كل من مصر وإسرائيل، وذلك لإستخدام القوات الثلاث ضد أي تهديد سوفياتي في منطقة الشرق الأوسط (على، أساس أن حجم قوات تركيا ومصر وإسرائيل، يعادل تقريباً حجم القوات السوفياتية التي يمكن أن تخصص للعمليات في المنطقة))[25].(197/21)
إن سعي الولايات المتحدة، لتكوين هذا ((القوس)) الموالي، يمثل جانباً من محاولة إكمال هاتين الدائرتين، بالدائرة الثالثة الأوسع، دائرة الإجماع الإستراتيجي التي تضم كل (الأصدقاء) من اليهود والعرب، في حلف يهدف – كما ذكر الرئيس الأميركي ريغان في حفل إستقبال أنور السادات – ((إلى إنجاز القضية الأكثر أهمية بالنسبة لهما، قضية ((الإستقرار الإقليمي في الشرق الأوسط بحيث يمكن التصدي الصارم للأخطار الإستراتيجية الخارجية والتدخل الأجنبي، اللذين يهددان إستقلال دول المنطقة، وحيث المستفيد الوحيد من الوضع الحالي فيها هو خصمنا المشترك))[26] أي أنه – بكلمة أخرى – توحيد لكل القوى الموالية للخط الأميركي في المنطقة، في مواجهة ((الشيوعية))، وحركة التحرر العربية، ومن أجل صيانة المصالح الإمبريالية وحمايتها. ويتم ربط كيانات هذا ((الإجماع)) داخلياً، عبر سلسلة من التحالفات المترابطة (إتفاقيتا كامب ديفيد – الحلف الإستراتيجي الأميركي – الإسرائيلي – مجلس تعاون الخليج)[27]، وخارجياً بحلف الأطلسي. وقد أعلن الرئيس السادات، أنه ((شخصياً لا أخاف مطلقاً من الإنضمام إلى حلف الأطلسي)) لأن ((الخطر الذي يواجهنا واحد، ثم أن أميركا لا تمس السيادة المصرية أو سيادة أية دولة من دول الحلف (!)، وإذا كانت فرنسا – مثلاً – قد أخلت أرضها من القواعد الأميركية، فإنها إذا تعرضت للخطر سوف تستدعي أميركا، ولن يقول فرنسي واحد أن بلادنا تحت الإحتلال الأميركي))[28].(197/22)
وكان الفريق عبدالحليم أبو غزالة قد أدلى بحديث للإذاعة المصرية، نشرته الصحف الرسمية صباح الثلاثاء 19 تشرين الثاني (نوفمبر) 1980م، بمناسبة مرور ثلاث سنوات على بدء سياسة الإتصال المباشر بين النظام المصري والكيان الصهيوني، برحلة السادات إلى القدس المحتلة، أشار فيه – وكان حينئذ رئيساً لهيئة أركان حرب القوات المسلحة المصرية – إلى ما أطلق عليه ((المخطط السوفياتي لتطويق حلف شمال الأطلسي، وأن دول حلف شمال الأطلسي تركز كل مجهوداتها على وسط أوروبا خوفاً من أن يهجم حلف وارسو على دول هذه المنطقة))، وقال: ((إنني أوضحت لهم أن السوفيات، ليسوا من السذاجة بحيث يهجمون على أوروبا الغربية، لأن ذلك معناه حرب عالمية ثالثة)). ورسم الفريق أبو غزالة تصور النظام المصري لما أسماه ((مخطط السوفيات لتطويق حلف شمال الأطلسي عن طريق ((غزو)) أفغانستان، والتفكير في باكستان، والوصول إلى عدن، ومحاولة الوصول إلى الصومال وتشاد، والوصول إلى ليبيا... وهم لذلك يطوقون حلف شمال الأطلسي بوجود قواتهم في شمال أفريقيا)).
ثم أضاف، ((إن الأمر الوحيد لوقف هذا ((المخطط السوفياتي))، هو أن يكون لمصر قوات مسلحة قوية، لخلق ثبات في المنطقة، وأنه على بريطانيا وباقي دول أوروبا الغربية أن تمد مصر بالسلاح... لأنه عندما تساعد أوروبا مصر في خلق دفاعات وقوات مسلحة قوية، فإن ذلك سيكون خطاً أمامياً للدفاع، وبالتالي يمكن إحباط ((المخطط السوفياتي))[29]. كما أعلنت سلطنة عمان، أكثر من مرة، عن ترحيبها بالإنضمام لحلف الأطلسي، ودعت دول الخليج إلى الإقتداء بها في هذا الأمر. إضافة إلى ذلك، فلقد جرى الإعلان مؤخراً عن مد نطاق عمل حلف الأطلسي إلى كافة ((النقاط الحيوية)) في العالم.(197/23)
ويخدم هذه الإستراتيجية تدعيم الأسطول الأميركي السادس في البحر المتوسط، والسابع في المحيط الهندي، وتدعيم ترساناتهما إلى الحد الأقصى، تأكيداً على الأهمية البالغة لمجال نشاطهما: ((بعد إندلاع الثورة الإيرانية، أصبحت منطقة الشرق الأوسط – المحيط الهندي، هي الأشد خطورة بالنسبة إلى الولايات المتحدة من الناحيتين السياسية والعسكرية[30].
مما يمهد لتنفيذ هذه الإستراتيجية المناورات المشتركة المتعددة، وآخرها بين القوات الأميركية والمصرية بمصر التي انتهت يوم 24/11/1981م، تحت إسم ((النجم الساطع))، والمناورات التي جرت في وقت مماثل في كل من السودان والصومال وسلطنة عمان.
ويدعم هذه الإستراتيجية كذلك مبيعات الأسلحة الأميركية للدول ((الصديقة)) في المنطقة، والتي بلغت قيمة مبيعاتها لست دول خليجية عربية حوالي 18 مليار دولار عام 1979م وحده[31].
3 – وماذا بعد إغتيال السادات؟!
بعد سقوط النظام الشاهنشاهي في إيران، وتصاعد موجة العداء للولايات المتحدة فيها، إنقسم الرأي في الإدارة الأميركية حول الوضع الراهن في طهران ومسبباته. فلقد رأى قسم من المسؤولين أن خطأ الإدارة الأميركية، تمثل في أنها لم تدعم شاه إيران بالقدر الكافي، في مواجهة أعدائه بل تخلت عنه. بينما رأى القسم الآخر أن خطأ الإدارة الأميركية – أساساً – كان في دعمها لنظام مكروه جماهيرياً ومحكوم بالسقوط، الأمر الذي حدد إتجاه الثورة المنتصر المعادي لأميركا ولكل ما يمثلها ويجسد نفوذها وسيطرتها.(197/24)
وقد تكرر هذا الإنقسام في تقييم السياسات الأميركية تجاه السادات أيضاً، غير أن الأصوات التي وجهت إنتقاداً علنياً لمسلكياته وإجراءاته كانت محدودة، بالرغم من المعرفة الكاملة لسلبياته وسلبيات نظامه، والفوائد العملية الهائلة التي جنتها أميركا من جراء صداقتها للسادات، أغمضت العيون عن شتى تجاوزاته، وفيما عدا بعض الأقلام التي أثارت بعض الملاحظات الهامشية عن الفساد وقمع الحريات والعزلة التي بدأت السلطة تعاني منها، خاصة في مطلع الثمانينيات، فلقد تواطأت أجهزة الإعلام الغربية – والأميركية بالذات – على تغطية كافة عيوب النظام ورمزه، السادات، وأطنبت في تمجيده، مسبغةً عليه صفات ((فوق بشرية))، وتصاعدت هذه النغمة بعد عودته من القدس المحتلة وتوقيعه لإتفاقيات كامب ديفيد، وما تبعها من نتائج.
لكن بعد إغتيال السادات، بدأت أصوات كثيرة تحذِّر الولايات المتحدة من مغبة الإعتماد الضيق النطاق – في مصر – على رجل فرد، مهما كان هذا الرجل ((غير عادي))، وقد ذكر هنري ف.جاكسون – أستاذ العلوم السياسية في جامعة كولومبيا – في ((اللحظة التي وقع فيها السادات معاهدة كامب ديفيد، كانت الولايات المتحدة قد دخلت مجال إستثمار زعامة السادات الشخصية، وليس زعامة مصر، ومنذ ذلك الوقت، تحولت العلاقة الأميركية – المصرية، إلى علاقة بين حكومة الولايات المتحدة وبين السادات، وكانت النتيجة أن السياسة الأميركية، أصبحت معتمدة أكثر على مصر السادات، ومعتمدة أقل على الزعامة المصرية كمؤسسة تستطيع أن تحمي مصالح الولايات المتحدة بعد وفاته))[32].
ويطرح هنري ف.جاكسون مجموعة ((أولويات السياسة الأميركية، وسط هذا الغموض الخطير الذي يلف مرحلة ما بعد السادات))، على النحو التالي:(197/25)
1 - إن الخطوة الأميركية الأولى، يجب أن تنطوي على مساعدة أميركا لمصر، من أجل تجديد علاقاتها مع البلدان العربية، ولكي تعود إلى ((الحظيرة)) العربية التي أخرجها منها ((كامب ديفيد)).
2 - بما أن جوهر أزمة السادات مع العالم العربي، دار حول عجز هذه الإتفاقية (إتفاقيتا ((كامب ديفيد)) ) عن تأمين الحكم الذاتي لمليون ومئتي ألف فلسطيني في الضفة الغربية، وفي قطاع غزة، فإن على الولايات المتحدة أن تبذل جهوداً فورية، لإحراز تقدم بشأن هذه القضية.
3 - إن المساعدات العسكرية الجديدة ليست ضرورية (الآن)، وبدلاً من الأعتدة العسكرية الجديدة، يجب أن تعرض الولايات المتحدة الخبراء والفنيين، لمساعدة المصريين على إصلاح الأعتدة التي يملكونها حالياً – ولا سيما الدبابات والطائرات – بعد أن باتت هذه الأعتدة معطلة، وبحاجة ملحة إلى الصيانة.
4 - وهناك أولوية أخرى، يجب أن توليها الولايات المتحدة الإهتمام، تتمثل في الأزمة الإقتصادية في مصر.
ولا تنطوي السياسة المطلوبة – بالضرورة – على توسيع نطاق المساعدات الإقتصادية التي تمنحها الولايات المتحدة لمصر حالياً، توسيعاً كبيراً لكن المطلوب هو وضع برنامج جديد يركز على إنماء الهيكلية التحتية للإقتصاد المصري. وتساعد المصريين على التطور، وصولاً إلى تحقيق الكفاية الزراعية[33].(197/26)
1 - يجب أن توجه المساعدة الأميركية نحو إنتاج المواد الغذائية[34]. إن القطن – وهو المحصول الزراعي التقليدي – يجرف التربة، وهو ليس بزراعة مجزية، وكذلك فعلى الولايات المتحدة أن تساعد مصر على تنويع محاصيلها الزراعية، ولا سيما الغلال والمنتجات الضرورية، لإطعام السكان الذين يتزايد عددهم بإستمرار))، وينهي هنري جاكسون برنامجه المقترح لإصلاح الأوضاع في مصر، بتحذير واضح: ((على الولايات المتحدة أن تعي، وتعترف، في مرحلة ما بعد السادات، بأن سياستنا غالباً ما تؤدي إلى نسف الهدف الذي وضعت من أجله، وذلك عن طريق ربط المصالح الأميركية – كما حدث مع السادات – برجل فرد، وليس ببلده))[35].
ولا يبدو أن مثل هذا البرنامج، الذي يطرحه نفر من المفكرين السياسيين الأكثر إدراكاً لحساسيات الوضع في مصر، يلقى قبولاً في أوساط إدارة الرئيس ريغان، بل على العكس فما يحدث يؤكد إستمرار الحكومة الأميركية في دعم التوجهات العسكرية للنظام المصري بعد إغتيال السادات ((المناورات المشتركة – الإعلان، في مصر، عن برنامج جديد للتسليح مقداره أكثر من مليار دولار[36]... إلخ))، وعلى الأرجح، فإن مجموعة المؤشرات المتوفرة للسياسة الأميركية في المنطقة وفي مصر، بعد إغتيال السادات، تتيح أن نصل إلى مجموعة من الإستنتاجات الموضوعية، أهمها:
* ستدعم الولايات المتحدة صيغة للتسوية تكمل ما بدأه مشروع كامب ديفيد، وتعيد ترتيب الأوضاع المتخلخلة في المنطقة لصالحها، وتسحب فتيل التفجير الذي يهدد مكاسبها فيها، وقد يكون مشروع الأمير فهد، الصيغة المحسنة من كامب ديفيد، هو السبيل لإقامة الجسر بين التسوية المنفردة التي تمت بين ((مصر)) وإسرائيل، وبين التسوية ((الشاملة)) المطلوبة، أو ربما تكون صيغة ((مبادرة أوروبية)) – مكفولة أميركياً – هي السبيل لتحقيق ذلك.(197/27)
* كما ستدعم الولايات المتحدة تواجدها العسكري المباشر، بقوات التدخل السريع والقواعد والمناورات المشتركة، تحت زعم أن الأولوية الأهم للولايات المتحدة في الشرق الأوسط هي ((رغبتها في تقوية أمن أصدقاء أميركا في المنطقة ضد الخطر السوفياتي))[37].
* كذلك ستدعم الولايات المتحدة الجهود المبذولة لتكتيل دول المنطقة (الصديقة) بزعامة المملكة العربية السعودية (كما بدا في الموقف من صفقة الأواكس)، ولتفتيت الجبهة المعادية و((فك إرتباط)) الإتحاد السوفياتي بها، ولتصفية نفوذ منظمة التحرير الفلسطينية وغيرها من بؤر الصدام في المنطقة، وتشجع ((ضعضعة)) تدريجية لمنظمة التحرير الفلسطينية، تحطم قدرتها على المجابهة، كذلك ستوجه خططها العدوانية إلى عناصر ((جبهة الصمود والتصدي)). وبإختصار، فإن الولايات المتحدة، ستسعى لكي تقر قانوناً جديداً في تحركاتها الإستراتيجية في العالم، وفي وطننا العربي، يقول بأنه ((ليس هناك موقع على الكرة الأرضية، خارج نطاق المصالح الأميركية))[38].
4 – خاتمة: إستنتاج عام حول ((ثوابت)) الإستراتيجية الأميركية.
في بداية هذه الدراسة تم عرض لبعض وجهات نظر المفكرين العسكريين والسياسيين الأميركيين، التي انتقدت غياب إستراتيجية قومية عليا للولايات المتحدة، وبالرغم من الملامح والعناصر والتوضيحات التي تعكس تطوراً ((ريغانياً)) بإتجاه إستيضاح مكونات هذه الإستراتيجية، فلا يزال هناك من يرى رأي ((جيمس روستون))، في تعليقه الإفتتاحي لصحيفة ((لوس أنجلس تايمز)) الذي يقر بتخبط الإدارة الأميركية – تحت قيادة ريغان – إلى الوضع الذي يصل في بعض درجاته، إلى حد ينفي وجود سياسة خارجية حقيقية لدى تلك الإدارة))[39].(197/28)
وأياً كانت درجة صحة هذا الرأي، وأياً كانت طبيعة الساكن في البيت الأبيض الأميركي وولاؤه الحزبي، فمن المؤكد أن هناك ((ثوابت)) دائمة في السياسة الأميركية الخارجية، لا تتغير بتغير القائمين على تنفيذها، ولا تتبدل برحيل رئيس أو مقدم رئيس آخر.
هذه المحاور، يمكن تبسيطها على النحو التالي:
* العداء للسوفيات وللإشتراكية.
* العداء لحركات التحرر، وللقوى التقدمية، في العالم كله، وفي منطقتنا بوجه خاص.
* السعي من أجل إحكام القبضة على العالم، ضماناً لإستثمار ثرواته.
* دعم الدول العنصرية (كجنوب أفريقيا وإسرائيل)، وتكريس حكم الأقليات المعزولة، والديكتاتوريات الحاكمة.
* تصعيد سباق التسلح، ودفع العالم إلى حافة الهاوية، خدمة لمصلحة إحتكارات السلاح، ولممارسة عملية ((الإبتزاز النووي)).
وفي عهد الرئيس رونالد ريغان، تتخذ محاولة إقرار وتثبيت هذه التوجهات الرئيسية، شكلاً أكثر حدة وشططاً من سابقيه، ويعلق ((كاسبار واينبرغر))، وزير ((الدفاع)) الأميركي على ذلك بقوله: "نحن لا نرى، حتى الآن، ضرورة لتعليق الرايات البيضاء فوق البيت الأبيض، بل سنعلق فوقه لافتة تؤكد عزمنا على المواجهة"[40].
* لن تطال الإستراتيجية الأميركية في المنطقة، في عمومياتها، كما سبق وأشرنا إليها تغييرات تذكر بعد حادث إغتيال السادات، الذي جاء، بلا شك، بهزة قوية نالت الموقف الأميركي ومكوناته، والدور ((المصري)) القمعي في أفريقيا والمنطقة، لكنها لم تهدمه من أصوله بعد.(197/29)
* فيما يخص الأوضاع في مصر، ستدعم الولايات المتحدة بقوة الحاكم الجديد، حسني مبارك، وستقدم له التسهيلات الضرورية لمساندة سلطته من جهة، ولإحكام السيطرة عليه من جهة أخرى. وقد عبر هنري جاكسون، عن الأهمية التي توليها الإدارة الأميركية لوضع ولدور مصر الراهن، فقال: "إن فائدة مصر كمعبر إلى الخليج، وكنقطة إنطلاق لقوات الإنتشار السريع، وكمدافعة عن المصالح الأميركية في منطقة طافحة بالتنافس الإقليمي والحرب الباردة، هي في خطر. لا تستطيع الولايات المتحدة – دون الإعتماد على مصر – أن تحمي مصالحها في المنطقة إلا بالإعتماد على أعمال من شأنها أن تزيد التوترات السياسية والعسكرية في جميع أنحاء العالم"[41].
ومن جهته فإن النظام المصري، لم يأل جهداً في الإعلان عن عزمه على الإلتزام بإتفاقيات ((كامب ديفيد))، وبـ((التطبيع))، و((العلاقات الخاصة المتميزة)) مع أميركا، أي بالأسس الرئيسية للإستراتيجية الأميركية في المنطقة.
* لكن من المرجح أن يزداد إعتماد أميركا على إسرائيل كحليف أول في الشرق الأوسط، بالنظر إلى النجاحات العسكرية، التي تضمنها القدرة الحربية، التي حققتها إسرائيل من قبل.
ـــــــــــــــــــــــــ
[1] لمزيد من التفاصيل راجع:
Bruce Palmor Jr. (ed): "Grand Strategy for the 1980 s", American Enterprise Institute for Public Policy Research, Washington, D.C.
أو الترجمة العربية لهذه الدراسة الهامة: الإستراتيجية الأميركية العليا في الثمانينات، ماكسويل تايلور – بروس هولواي – تيودور ملتون – إلموزو موالت – بروس بالمر، مؤسسة الأبحاث العربية، (بيروت، الطبعة الأولى، 1981م).
* ماكسويل تايلور ، تولى رئاسة أركان الجيش الأميركي (1955 – 1959م) ، ثم رئاسة هيئة رؤساء الأركان المشتركة (1962 – 1964م).
[2] المصدر نفسه، النص العربي، ص20.
[3] المصدر نفسه، ص37 – 38.
[4] المصدر نفسه، ص59.
[5] المصدر نفسه، ص102.(197/30)
* على سبيل المثال ، يحدد دين راسك (وزير الخارجية الأميركي الأسبق ، إبّان حقبة تصاعد العدوان الأميركي على فيتنام) ، الجوانب الأساسية لما يسميه ((هرم السياسة الخارجية الأميركية)) ، على النحو التالي:
((أ – رد العدوان من أي مستوى ، سواء أكان هجوماً نووياً ، أو حرباً محدودة ، بالتهديد بتكتيكات حرب العصابات.
ب – تحقيق وحدة أوثق للبلدان الصناعية الديمقراطية في غرب أوروبا ، وأميركا الشمالية ، وآسيا (وبخاصة اليابان) ، وتعزيز الإزدهار والأمن الداخلي للعالم الحر.
ج – مساعدة المناطق المتخلفة من العالم على حمل أعباء ثورة التحديث ، بدون التضحية بإستقلالها أو بمتابعة طريقها الديمقراطي.
د – المساعدة على بزوغ تدريجي حقيقي ، لمجموعة دولية ، مؤسسة على التعاون والقانون.
هـ – النضال المتواصل من أجل إنهاء سباق التسلّح ، ولتخفيض إحتمالات الحرب... إلخ)).
أخذت هذه المعلومات من:
American Foreign Policy Today, by Temple Wanamaker, with a Preface by Dean Reusk, Danton Matrix edition published, 1964, pp. 12-13.
والمحتوى الحقيقي لهذه المبادئ البلاغية الخمس ، كان يعني حق الولايات المتحدة في إستغلال الشعوب والتدخل – بشتى الطرق – ضد ثوراتها التحررية ، وفرض سيطرة أميركا على دول أوروبا وآسيا والدول ((النامية))... إلخ.
[6] لإلقاء المزيد من الأضواء على هذه النقطة أنظر:
- الإستراتيجية الأميركية العليا في الثمانينات ص9.
- International Economic Report of the President, Together with the Annual Report of the Coucil on International Economic Policy Transmitted to the Congress March 1973, U.S. Government printing office, Washington, D.C.
- I.E.R. March 1975, U.V. Government printing office, Washington, D.C.(197/31)
- The American Empire and the International Monetary Crisis, E.K. Hunt. The Review of Redical political Economics, vol. IV, no. 4, August 1972, p.122.
- Capitalism and World Economic Integration, perspectives on Modern Imperialism, The Review of Radical Political Economics, vol. V. no. I, Spring 1973, pp. 3 – 19.
[7] ((نحن بحاجة إلى أسواق العالم لتصريف فائض إنتاجنا الزراعي والصناعي. ونحن بحاجة كذلك، من أجل إنتاجنا الزراعي والصناعي نفسه، إلى مواد حيوية، وإلى منتجات تردنا من أقاصي المعمورة. وهذا القانون الأساسي للتبعية المتبادلة، الذي يظهر بوضوح في التجارة زمن السلم، يطبق في حالة الحرب بكثافة أشد بألف مرة)). أخذ النص من:
الإمبراطورية الأميركية، ص288.
[8] كما يحدد ن.ب ميللر المحاور الثلاثة ((الدائمة – تقريباً)) للسياسة الخارجية الأميركية، في إطار الهدف الذي سبق وأشرنا إليه، على النحو التالي:
1 – السيطرة على مصادر الموارد الأولية في العالم، لخدمة القطاع الصناعي في أميركا.
2 – السيطرة على أسواق الدول ((النامية))، لمصلحة المنتجين الأميركيين.
3 – السيطرة على التطور الداخلي، والهيكل الإقتصادي للبلدان ((النامية)) لتحقيق الهدفين 1، 2)) أخذ النص من:
في السياسة الخارجية لأميركا، مركز الأبحاث بمنظمة التحرير الفلسطينية، سلسلة حقائق وأرقام/ 29 (بيروت، شباط/ فبراير 1970م)، ص6.
[9] Daily World, 19-7-1978.
[10] أنظر: كارتر والتسوية في الشرق الأوسط، طاهر عبدالحكيم (دار ابن خلدون، بيروت، 1978م)، ص11.
[11] إنقلاب اللجنة الثلاثية، نشرة صادرة عن حزب العمل الأميركي (ترجمة خاصة) نيويورك 1977م، ص107.
[12] المحاور الرئيسية للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط، خليل أرزوني، جريدة اللواء، 28/8/1981م.
[13]
Woodrow Wilson and the New America, Alfred B. Rollins, Jr. Dell Publishing Co., Inc., 1956.(197/32)
[14] السر المعروف، مبدأ نيكسون وكيسنجر في آسيا: تحرير فرجينيا برودين، ومارك سلون، ترجمهة د.نصير عازوري، د.أحمد طربيه، (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1974م)، ص6.
[15] من دراسة للدكتور بيتر تيزجر حول خطط التدخل العسكري في منابع النفط، مذكرة في التحرك الأميركي لغزو منابع النفط:
أحمد المصري، شؤون فلسطينية، العدد 112، آذار (مارس) 1981م، ص89.
[16] من حديث لمجلة ((الإكسبريس)) الفرنسية، جريدة القبس (الكويت)، 28/9/1981م.
[17] أميركا والعرب وإسرائيل: عشر سنوات حاسمة (1967 – 1976م)، ويليام كوانت، ترجمة عبدالعظيم حمّاد، (دار المعارف، القاهرة، 1980م)، ص291.
* وقد عرض جوزيف سيسكو ، مساعد وزير الخارجية الأميركي سابقاً ، وعضو ((اللجنة الثلاثية)) ، أهداف ((التسوية الأميركية)) في مقال نشرته مجلة Tria-Logue الأميركية ، وترجمته جريدة السفير ، (19/5/1981م) ، على النحو التالي:
(( – ضمان الأمن الإسرائيلي من ناحية ، وإرضاء المطامح والآمال العربية ومصالحها المشروعة من ناحية أخرى.
– يجب أن تكون تسوية شاملة تقلل من إحتمال قيام الغليان داخل العربية السعودية نفسها.
– يجب أن تكون تسوية تضمن وصولنا جميعاً إلى منطقة مصادر النفط.
– يجب أن تكون تسوية تكبح جناح المحاولة التوسعية السوفياتية.
– تسوية تؤدي إلى تجنب مواجهة محتملة بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي)).
[18] محاكمة الإنفتاح الإقتصادي في مصر، عبدالقادر شهيب، دار ابن خلدون، 1979م، ص242.
* فتح هذا القانون الباب أمام رأس المال العربي والأجنبي ، للعمل منفرداً في شتى المجالات ، مع ضمانات قاطعة بألا يصادر أو يؤلم أو يوضع تحت الحراسة ، مع إعفاءات هائلة من الضرائب أو الإمتثال لقوانين العمل.. إلخ ، وقد أطلق عليه أحد الإقتصاديين إسم قانون ((سخاء التبعية))!.(197/33)
[19] لمزيد من التفاصيل حول دور هذه المؤسسات في ربط الإقتصاد المصري بعجلة التبعية راجع: الإقتصاد المصري 1974 – 1979م، جزءان، عادي حسين، دار الكلمة – (دار الوحدة، بيروت، 1981م).
[20] مقتبسة من: من هو دالاس؟! ص26 – 27.
* أضرت الشريحة ((المنتجة)) من الرأسمالية المصرية ، إضراراً بالغاً ، من هذه السياسة.
** يمكن العودة إلى مقالات جاك أندرسون الهامة الثلاث الهامة الثلاث في الـWashington- Post أيام 18 ، 19 ، 22 آيار (مايو) 1981م ، التي أشار فيها صراحة إلى هذا الأمر. المقالات الثلاث عناوينها: ((دافعو الضرائب ضللوا بشأن المساعدات لمصر)) ، ((قطط مصر السمينة تصبح أسمن)) ، ((مساعدات الولايات المتحدة تذهب لفائدة القطط السمّان)) ، و((القطط السمان)) هو التعبير الشعبي للشرائح الكومبرادورية ، وأثرياء الأعمال غير المشروعة ، وناهبي المال العام في مصر. يقول جاك أندرسون:
((منذ إتفاقية كامب ديفيد ، يقدم دافعو الضرائب الأميركيون ، إلى كل من مصر وإسرائيل ما معدله 5.5 بليون دولار في السنة... لكن برامج المساعدات تجعل القلة الغنية في مصر تزداد ثراء. فالكثير من القروض المنخفضة الفوائد لم تنتج أعمالاً جديدة وإنما ذهب أغلبها إلى مليونيرات النخبة المصرية الحاكمة)) ، ويتساءل أندرسون: ((لماذا تمنح ((هيئة التنمية الأميركية)) ، التي هدفها المساعدة على قضاء حاجات العالم ، تقود دافعي الضرائب الأميركيين لفائدة ((القطط السمان)) على ضفاف النيل؟! ويظهر أن الإجابة ستكون: إن هذا هو ثمن النجاح الذي يشعر الإداريون أنهم يدفعونه لشراء السلام بين مصر وإسرائيل)). وقد وجه أندرسون ، فيما بعد إغتيال السادات ، أصبع الإتهام إلى كل من حسني مبارك ، وعبدالحليم أبو غزالة ، وزير الدفاع المصري ، بتلقي عمولات ضخمة في صفقات سلاح كبيرة عقدت في الولايات المتحدة الأميركية ، باسم الجيش المصري.(197/34)
[21] تم التوقيع بالأحرف الأولى على ((إتفاق التعاون الإستراتيجي)) من الولايات المتحدة، وإسرائيل، في واشنطن، يوم 1/12/1981م، بواسطة وزير ((الدفاع)) الأميركي كاسبار واينبرغر، ووزير ((الدفاع)) الإسرائيلي، أرييل شارون.
* لمراجعة بنود الإتفاق المذكور يرجع إلى دراسة الأستاذ عبدالحفيظ محارب المنشورة في هذا العدد حول التحالف الإستراتيجي بين إسرائيل والولايات المتحدة.
[22] جريدة السفير (بيروت) 14/5/1980م.
[23] جريدة الأهرام (القاهرة) 30/12/1979م.
** المبادئ الأساسية التي عرضها الرئيس بريجنيف ، كمقترحات ، هي:
1 – عدم إقامة قواعد عسكرية أجنبية في منطقة الخليج ، أو على الجزر العربية فيه ، مع منع استخدام أية أسلحة نووية ، أو غيرها من أسلحة الدمار الجماعي ، بالمنطقة.
2 – عدم إستخدام أو التهديد بإستخدام ، القوة ، ضد دول منطقة الخليج ، مع الإمتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للمنطقة.
3 – إحترام مبدأ ((عدم الإنحياز)) الذي إختارته دول المنطقة ، وعدم جرها إلى أي تكتلات عسكرية مع دول نووية.
4 – إحترام حقوق دول المنطقة ، وعدم جرها إلى أي تكتلات عسكرية مع دول نووية.
5 – إحترام حقوق دول المنطقة في السيادة على مواردها الطبيعية.
6 – عدم إقامة أية عراقيل ، أو إثارة أية تهديدات ، تحول دون التبادل التجاري الطبيعي ، أو تهدد خطوط الملاحة التي تربط دول المنطقة ببقية دول العالم.
[24] مجلة التضامن، صوت الحركة الوطنية الديمقراطية المصرية، العدد 45، كانون الأول (ديسمبر)، 1981م، ص36.
[25] جريدة السفير، (بيروت)، 20/11/1981م.
[26] جريدة الأهرام (القاهرة) 26/8/1981م.
[27] نشرت صحيفة ((الواشنطن بوست)) الأميركية، أن الكويت وبعض دول الخليج، وقعت إتفاقية سرية مع الولايات المتحدة بشأن إنشاء حلف دفاعي في المنطقة بقيادة واشنطن، جريدة السفير (بيروت)، 15/11/1981م.
[28] جريدة النهار، (بيروت)، 26/4/1981م.(197/35)
[29] نشرة ((التقدم)) الصادرة عن حزب التجمع التقدمي الوحدوي، العدد 69، مصر، 1/12/1981م.
[30] الخطوط العريضة للسياسة الأميركية في الثمانينيات، جون كولي، كريستيان ساينس، مونيتور، 15/1/1980م.
[31] النفط العربي والإستراتيجية الأميركية، ص43.
[32] Herald Tribune, Nov. I, 1981.
[33] إرتكزت التوجهات الجديدة للنظام الساداتي على رفض خيار التصنيع – على النمط الناصري – والتركيز على الزراعة تحت مسميات شتى، كان آخرها ((الثورة الخضراء))، وقد شجبت الولايات المتحدة والغرب ذلك.
[34] تقول دراسة إقتصادية أنه – قريباً – ((لن يكون بوسع الحكومة (المصرية)، أن تطعم الشعب المصري إلا بإقتراض ثلاثة أرباع ثمن غذائه كل عام)) المصدر: جريدة الشعب (القاهرة)، 16/8/1980م.
[35] Herald Tribune
[36] جريدة العصر (بيروت)، 6/11/1981م.
[37] U.S. News & World Report, June, 6, 1981.
[38] من ((تقرير عن الإستراتيجية الأميركية)):
New York Time, August, 3, 1981.
[39] النشرة الإستراتيجية لمركز العالم الثالث للدراسات والنشر، لندن، المجلد 2، العدد 11، 2 تموز (يوليو) 1981م.
[40] من حديث مع كاسبار واينبرغر، وزير الدفاع الأميركي، دير شبيغل.
[41] جريدة السفير، (بيروت)، 3/1/1981م.(197/36)
العنوان: الإستراتيجية الغربية تجاه العالم الإسلامي (2)
رقم المقالة: 810
صاحب المقالة: خباب بن مروان الحمد
-----------------------------------------
الإستراتيجية الغربية تجاه العالم الإسلامي (2)
(قادة الغرب يقولون: ادعموا الليبراليين)
عرض وتحليل وحلول المواجهة
ذكرت في الحلقة السابقة أنَّ أعداء الإسلام ينتهجون في حربهم ضد المسلمين طريقين متوازيين: التقتيل، والتذويب.
وبما أنَّهم اعتمدوا حرب الأفكار تجاه الدين الإسلامي والمسلمين عموماً، وفشلوا في تشويه الدين الإسلامي؛ فإنَّهم يحاولون - بشتَّى الصور والأساليب - صرفنا عن قوَّتنا التي تكمن في ديننا، ولا غرابة في أن يقول الأمريكي (ريسلر):"الأمَّة العربيَّة الآن حصان جامح كبا، وعلينا إبقاؤه في كبوته".
هناك اصطلاحات تواضع عليها جمع من قادة البلاد الغربيَّة تجاه الأمَّة المسلمة، منها (حرب الأفكار)، ومن أوائل من نادى بذلك في هذا العصر (زينو باران)؛ وهي باحثة تعمل في موقع مركز نيكسون، الصادر عنه تقرير بعنوان: (القتال في حرب الأفكار)، وممَّن اعتمد ذلك وبشدَّة (دونالد رامسفيلد)؛ فكثيراً ما كان يصرِّح بأهميَّة غزو العالم الإسلامي ثقافياً، ومنهم كذلك (دنيس روس) المبعوث الأمريكي السابق للشرق الأوسط؛ فقد كان يدعو - ولا يزال - إلى (علمنة) الدعوة الإسلاميَّة.. وجمع كبير من قادة الدول الغربيَّة.
وعليه؛ فقد وجَّه الأمريكي الصهيوني (توماس فريدمان) نصيحة غالية للغرب، حيث قال: (إذا أراد الغرب تجنّب حرب الجيوش مع الإسلام؛ فإنَّ عليه خوض حرب المبادئ في داخل الإسلام)[1].
وفي عام 2007م أصدرت مؤسَّسة (راند) الأمريكيَّة للأبحاث تقريراً بعنوان: (بناء شبكات مسلمة معتدلة)، رصدت فيه صراع الغرب مع (العالم المسلم) وحركاته السياسيَّة، وأكَّدت فيه أنَّ هذا الصراع لن يحسم عسكرياً، بل ثقافياً.(198/1)
وفي هذه السلسلة سأذكر شيئاً من تلك الإستراتيجيَّة الغربيَّة، والأمريكيَّة على وجه الخصوص؛ لتذويب الشعوب الإسلاميَّة؛ التي يسعون لتحقيقها في العصر الحاضر بغيةَ تغريب الأمَّة المسلمة؛ لإفساد دينها وقيمها ومبادئها. ففي أروقة المكر السياسي، وما وراء الجدران، وخلف (الكواليس)؛ تنسج وتحاك تلك الخطط الغربيَّة ضد العالم الإسلامي، أو ما يسمُّونها بمنطقة (الشرق الأوسط)، على أيدي سماسرة الأفكار وصنَّاع القرار، في المراكز المعروفة عندهم بخزانات التفكير، المقصود بها مراكز الأبحاث.
ومن تلك الخطط والمقترحات التي نستطيع أن نستخلصها من كلامهم أو فعالهم، والتي اعتُمِدت تجاه العالم الإسلامي:
منح الحداثيين والليبراليين منابر إعلاميَّة على نحو واسع، ومناصب شعبية للتواصل مع الجماهير، ودعمهم عن طريق المؤسسات المدنيَّة -كما يسمُّونها - ونشر وتوزيع أعمالهم، وتشجيعهم على الكتابة للجماهير والشباب، وإبرازهم كوجه للتيار المستنير، المنفتح على الآخر، الذي لا يعارض الهيمنة الغربية والأمريكية على بلاد المسلمين، ومنحهم الجنسيَّة الأمريكيَّة، أو الغربيَّة عموماً، مع حمايتهم دبلوماسياً.
وقد جاء في الدراسة الصادرة عن مؤسَّسة (راند)[2] والمعنونة بـ(العالم الإسلامي بعد 11/9)، التي نشرت في ديسمبر/ كانون الأول عام 2004م؛ ما يلي: "إنَّ الحرب من أجل الإسلام سوف تتطلَّب صنع جماعات ليبراليَّة بهدف إنقاذ الإسلام من خاطفيه!".
ويلحظ مدى التوافق في لفظ كلمة (الخاطفين)، التي تُطْلَقُ على الإسلاميين! حيث إنَّه من العجيب أن نرى تصريحاً لأحد قادة الدول العربيَّة يتحدَّث فيه أنَّ من المهم إنقاذ الإسلام من خاطفيه الإسلاميين، وأنَّ دولته تلك مختطفة من قِبَلِ التيَّارات (المتأسلمة)، وأنَّ هؤلاء أخطبوط يسيطر على المؤسَّسات وعلى التوجُّهات السياسيَّة[3].
كما صدرت دراسة جديدة لهذه المؤسَّسة (راند)(198/2)
ويشير التقرير إلى أهميَّة تقوية بناء مؤسسات المسلمين وشبكاتهم المعتدلة، وأن يكون ذلك هدفاً واضحاً لسياسة الحكومة الأمريكية، مع إيجاد قاعدة بيانات عالمية للشركاء، إضافة إلى خطة عمل محكمة؛ تتضمن آلية للمراجعة والتصحيح؛ لضمان تنفيذها وفق المسار المحدد لها[6].
وقد كَتَب عن أهميَّة دعم الليبراليين، وتفعيل ذلك قبالة الإسلاميين؛ عددٌ من المفكِّرين الغربيين، ومنهم عالم السياسة المعروف بـ(وليم بيكر)؛ حيث كتب كتاباً عن الإسلاميين الليبراليين في عام 2003م، وكذلك فعل (لونارد بيندر).
وفي السياق ذاته فإنَّ تقرير (راند) 2007م يؤكِّد أهميَّة استعادة تفسيرات الإسلام من أيدي التيَّار الإسلامي، وتصحيحها حتَّى تتماشى وتتناسب مع واقع العالم اليوم، والقوانين والتشريعات الدوليَّة، في مجالات الديمقراطيَّة وحقوق الإنسان وقضايا المرأة[7].
رؤى غربيَّة بعقول وأشكال عربيَّة:
سنجد بكل تأكيد أناساً من المنتسبين إلى الإسلام الليبرالي، أو (الليبراليُّون الجدد) يتلقون ويتلقَّفون الأوامر الأمريكيَّة - شعروا أو لم يشعروا - ويسعون لتطبيقها في بلادنا الإسلاميَّة، وينشرون آراءهم عبر وسائل الإعلام المختلفة؛ فهناك عدد من الكتَّاب لا يعارضون وجود الهيمنة العسكريَّة الأمريكيَّة في الدول الإسلاميَّة، ومنهم أحد الكتَّاب الخليجيين؛ حيث يقول في حوار معه في جريدة الحياة 9/5/2005م: إنَّ هيمنة الغرب العسكرية على العالم مقبولة ومطلوبة؛ لأنَّها - من وجهة نظره - هيمنة قوى متحضِّرة تتعامل مع الواقع بعقلانيَّة ومنطقيَّة!!
وكاتب آخر يقول في جريدة القبس 29/5/2004م: (الذين يقاتلون الولايات المتَّحدة في العراق يعرِّضون المصالح والأمن الكويتي للخطر)!
بل وصل الحال إلى أن نشرت في بعض صحفنا وجرائدنا مقالة لأحد هؤلاء (الليبراليين)؛ يقول فيها: (ولماذا نكره أمريكا؛ وهي التي أطعمتنا من جوع وآمنتنا من خوف؟)!(198/3)
إلى هذه الحد وصل حال بعض مثقَّفينا العرب الذين يتكلمون بلغتنا العربيَّة ويلبسون ألبستنا، إلى الحديث صراحة وعلانيَّة في وسائل الإعلام بهذا الكلام، ومع هذا تتلقى وسائل الإعلام (المستنيرة!) هذه كلامهم بأريحيَّة وحريَّة!!
ومن خلال المتابعة نجد أنَّ هناك عدداً كبيراً - لا أستطيع أن أحصيهم - تحاول كثير من وسائل الإعلام ترويج أفكارهم في هذه الأيام، منهم(محمد شحرور)، و(محمد أركون)، و(أحمد صبحي منصور)، و(أحمد البغدادي)، و(جمال البنَّا) الذي له من الأقوال الضَّالة المخالفة لمنهج الشريعة الشيء الكثير، ومع هذا يسمونه (مفكِّراً إسلاميَّاً)! وهو الذي دعا إلى تنحية السنَّة والاحتكام بما فيها إلى الصريح من القرآن! ويرى أن تكون الصلوات الخمس صلاتين! ويرى أنَّ للعقل أن يكون حاكماً على القضايا الدينيَّة والشرعيَّة، كما يدعو إلى الفصل ما بين الدين والسلطة، ويرى أنَّ الجهاد في سبيل الله أُلغِيَ؛ حيث يقول: (أمَّا جهاد اليوم بلفظه فهو جهاد بلا قتال، وإنَّ جهاد القتال أُلغي)
و(جمال البنَّا) معروفة اتِّصالاته مع مركز ابن خلدون الذي يديره ويشرف عليه العلماني سعد الدين إبراهيم، المشتهر والمعروف بصلته مع الجهات اليساريَّة الأمريكيَّة، كما أنَّ (جمال البنا) ممَّن يُشهد لهم ويُعرفون بحضورهم المؤتمرات الأمريكيَّة عميقة الصلة مع مؤسَّسة (راند) التي أقيمت بمصر.
وبهذا يتحقَّق للقادة الغربيين مخطَّطهم لتشويه الدين الإسلامي عبر هؤلاء الذين يصفون أنفسهم بأنَّهم: (إسلاميُّون ليبراليون)!
لقد قال (نيكولا ساركوزي) وزير الداخليَّة الفرنسي السابق: (الإسلام الذي تريده فرنسا هو إسلام فرنسي، وليس إسلاماً في فرنسا)(198/4)
ولك أن تستغرب ما يكتبه حفيد الشيخ حسن البنَّا - رحمه الله - وهو طارق رمضان في كتابه (مسلمو الغرب ومستقبل الإسلام) الذي نشرته جامعة أكسفورد، حتَّى إنَّ مجلة التايم عام 2000م جعلته كأحد أهم مئة مبدع في القرن القادم، وقد نادى في كتابه هذا بضرورة اندماج المسلمين في الغرب (وإيجاد إسلام غربي توجهه الحقائق الثقافية للغرب، وتقديم رؤية لهوية إسلامية جديدة؛ كخطوة ضمن محاولات تعديل وإعادة تشكيل الثقافة الدينية للمسلمين)
أوصاف المسلمين المعتدلين الذين لا يتعارضون مع المفاهيم الغربيَّة والأمريكيَّة خصوصاً:
في مقال له بعنوان: (كيف نحدِّد المسلمين المعتدلين؟) أشاد (دانيال بايبس) بأنَّ هناك أخباراً سارَّة؛ تؤكِّد أنَّ هناك أشخاصاً يرفعون أصواتهم لنشر الإسلام المعتدل، وذكر منهم: محمد هشام قبَّاني، وأحمد صبحي منصور!
من خلال العنوان السابق: (كيف نحدد المسلمين المعتدلين؟) يظهر لنا أنَّ لدى القادة الفكريين والسياسيين في الغرب نَهَماً؛ لمعرفة الحدود الفاصلة بين المسلمين المتطرفين - بزعمهم - والمعتدلين، وعليه فقد حاولوا أن يضعوا صفات ومقاييس ليقاس عليها أي مسلم ادَّعى أنَّه معتدل؛ إذ ليس كل مدَّعٍ للاعتدال من الإسلاميين يكون معتدلاً، كما يقول تقرير (راند)، ولهذا فإنَّ من الملامح التي يمكن تحديدها للإسلاميين المعتدلين الآتي:
1- القبول بالديمقراطيَّة الغربيَّة، مبدأً وأسلوباً وتطبيقاً.
2- القبول بالموقف المضاد لتطبيق الشريعة، باعتبار أنَّ الشريعة الإسلامية لا تتناسب مع هذا العصر والمفهوم الغربي للديمقراطيَّة! وقد جاء في تقرير (راند): (إنَّ الخطَّ الفاصل بين المسلم المعتدل وبين المسلم المتطرف في الدول ذات الأنظمة القانونيَّة المستندة إلى التشريعات الغربيَّة هو: هل يجب تطبيق الشريعة؟)[11].(198/5)
3- احترام حقوق النساء والأقليات الدينيَّة، والقبول بدعوى أنَّ الحقوق التي نالتها المرأة في عصر رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لا تتناسب مع الظروف الراهنة العصريَّة.
4- نبذ العنف والإرهاب. وهذه الشنشنة إلى الآن لم يحددها قادة الغرب،ولم يبينوا مقصودهم بالإرهاب.
5- الإيمان بحقِّ الإنسان في تغيير دينه، والارتداد عنه، وحريَّة الشخص في ذلك.
6- حريَّة المرأة في اختيار (الرفيق وليس الزوج) لتشاركه في حياتها.
7- الوقوف بحدة ضدَّ دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - ومعاداة كتبه، وعدم التوافق مع أفكاره وأطروحاته.
8- دعم التيارات العلمانيَّة ماديَّاً ومعنوياً.
9- الإيمان بحق الأقليَّات الدينيَّة في أن تتولَّى مناصب عالية في الدول ذات الغالبيَّة الإسلاميَّة.
الليبراليُّون والأطروحات الأمريكيَّة... ومشابهة التوجهات:
بالطبع فإنَّ هؤلاء (الليبراليين الإسلاميين) يدندنون ويكثرون الحديث في عدَّة قضايا بعضها صواب وحق؛ ولكنَّهم يريدون بها الباطل، ومن صفات أهل البطلان حين يريدون أن يروِّجوا لباطلهم: أنَّهم يستعملون كلمة حق ينفذون بها إلى ذلك الباطل؛ إذ إنهم لو تكلموا بالباطل وحسب لم يقتنع أحد بكلامهم، فلابدَّ أن يطعموا ذلك الباطل شيئاً من الحق ليروِّج باطلَهم.
وقد صدق أبو العبَّاس ابن تيميَّة حين قال: "ولا ينفق الباطل في الوجود إلا بثوب من الحق، كما أن أهل الكتاب لبسوا الحق بالباطل؛ فبسبب الحق اليسير الذي معهم يضلون خلقاً كثيراً عن الحق الذي يجب الإيمان به، ويدعونهم إلى الباطل الكثير الذي هم عليه، وكثيراً ما يعارضهم من أهل الإسلام مَن لا يحسن التمييز ببن الحق والباطل، ولا يقيم الحجة التي تدحض باطلهم، ولا يبين حجة الله التي أقامها برسله؛ فيحصل بذلك فتنة!)[12].(198/6)
وهؤلاء (الليبراليون الإسلاميون) من المنتسبين للمدرسة العقليَّة يحاولون قدر الإمكان أن يستدلوا على صحَّة كلامهم بطرق عديدة، وهناك قضايا يكثرون الدندنة حولها، بعضها صواب وحق؛ ولكنَّهم يريدون بها باطلاً، ومنها:
1- تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان.
2- رفع الحرج؛ بحجَّة عموم البلوى المنتشرة.
3- الضرورات تبيح المحظورات.
4- مفهوم التيسير في الدين.
5- المقاصد الشرعيَّة.
وبعضها غلط وانحراف وتحريف للأفهام، ويستثمرونها لإقناع الناس بصحة تلك الآراء المنبعثة من تلك القواعد، ومن ذلك:
1- إلغاء قاعدة: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
2- المصالح المرسلة (الموهومة) وتقديمها على النص.
3- إلغاء الحدود استناداً لقاعدة درء الحدود بالشبهات!
4- نقض قاعدة: سد الذرائع.
5- نقض قاعدة: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
6- الاقتصار على الاستحسان العقلي، وتعظيم العقل وتقديمه على النقل.
7- نبذ الجهاد القتالي، سواء أكان دفعاً أم طلباً. ومن يطالع فكر خالص جلبي في كتابه: (سيكولوجيَّة العنف وإستراتيجيَّة الحل السلمي)، وكتاب شيخه جودت سعيد: (مذهب ابن آدم الأول)؛ فسيوقن حقيقة ما أقول.
حتَّى لا نكون مشاريع أمريكيَّة:
لقد قال تعالى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}[13]، ونحن المسلمين ينبغي أن نعلم أنَّ من أعظم أهداف أعداء المسلمين: حرْف المسلمين عن دينهم ليتَّبعوا مللاً ونحلاً ضالَّة أو كافرة، كما يقول الله تعالى عنهم: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}[14]، ولهذا فإنَّه من اللازم أن نقابل مكر هؤلاء بما يبطل مكرهم ويدحض كيدهم، ونحسن مواجهتهم بطرق ووسائل وأساليب عدَّة؛ ننصر بها مشروعنا الإسلامي الحق، ومن ذلك:(198/7)
1- قيام مجموعة من العلماء والمفكِّرين والمثقفين المسلمين المنضبطين بأصول الشريعة بدراسة هذه الظاهرة التخريبيَّة، وكشف ولائها بكلِّ صراحة.
2- فضح هؤلاء، وتبيين خطرهم على الأمَّة المسلمة ومدى استفادتهم - شعروا أو لم يشعروا - من الحماية الأمريكيَّة والغربيَّة لهم، لا! بل والفرح بأقوالهم، ومحاولة جعل هؤلاء هم المسيطرين على المنابر الإعلامية وصناعة القرار.
3- من كانت لديه مقدرة على مناظرة هؤلاء، وكشف أقوالهم، والرد عليها بحكمة وعلم ويقين؛ فليقدم على ذلك؛ حتَّى لا ينخدع الناس بأقوالهم، وخاصة العامة.
4- الولوج إلى الفضائيات، وإخراج برامج متخصصة في كشف الأصول التي يسير عليها أصحاب هذا الفكر المنحرف (لبرلة الإسلام)، لأنه من المهم جداً نقض أصولهم. وعليه فإني أقترح أن يكون هناك دور للعلماء الذين يجمعون بين العلم الشرعي - مع إتقان علم الأصول - ومتابعتهم لكتابات الليبراليين وطرق طرحهم واستدلالهم: أن يقوموا مثنى وفرادى لتوضيح حقائق تلك القواعد الأصوليَّة والفقهيَّة على وجه الحقيقة، بدون غلو أو تمييع، وكشف أهداف أولئك الليبراليين الجدد في طرحهم واستدلالهم بتلك القواعد وتبيينها للناس.
5- تبيين مدى ارتباط بعض هؤلاء، وليس كلهم - حتى لا نجور في حكمنا - بالقوى الغربيَّة والاستعماريَّة؛ فالناس في البلاد الإسلاميَّة - عموماً - يكرهون المحتل ومؤسَّساته وعملاءه، وهذا أمر مهم ينبغي أن نستثمره نحن الإسلاميين لصالحنا، والزيادة عليه بتبيان خطورة أطروحات هؤلاء وارتباطهم بمنظومات مشبوهة.
6- توضيح طرق أطروحات هؤلاء (الليبراليين) للناس، وشرح أبعاد مرادهم ومقالاتهم، وكيفيَّة تناولهم لأصول الشريعة الإسلاميَّة وثوابتها.(198/8)
7- من الضروري ألاَّ تكون تقارير - كتقرير (راند) مثلاً - مكوِّناً أساسيَّاً في نظرتنا للناس من خلاله؛ فهذا التقرير - وغيره من التقارير - ينبغي أن يقاس بالمنهج الصحيح: (منهج أهل السنَّة والجماعة)، ولا نقيس الأشخاص والأفكار التي وردت فيه؛ إلاَّ من خلال منهجنا: (منهج أهل السنَّة والجماعة).
8- ضرورة فتح علاقات جادَّة لأبناء المسلمين المتأصِّلين في الشريعة والفكر السياسي والاستراتيجي بأولئك المعتدلين في الغرب، ومحاولة شرح حقوقنا الإسلاميَّة، وتعديل نظرتهم (أكثر فأكثر لمناصرة حقوقنا،) شيئاً فشيئاً؛ نصرة لحقوقنا. وأذكر أنَّه كان هناك حوار لمجلة البيان الإسلاميَّة مع نعوم تشومسكي؛ قال فيه كلاماً جيداً ضدَّ الإدارة الأمريكيَّة والعنجهيَّة الصهيونيَّة، ولكنَّه انطلت عليه إشكاليَّة أن لإسرائيل الحق في أن يكون لها دولة مستقلَّة على الأراضي الفلسطينيَّة، إلى جانب الدولة الفلسطينيَّة. وهذا في الحقيقة أمر لا صحَّة له، من ناحية قانونيَّة وسياسيَّة وشرعيَّة - وليس هنا موضع الرد عليه - فأرض فلسطين وقف إسلامي؛ لا يجوز – إجماعاً - أن يكون لليهود حق في أخذ شبر منها، أو الاعتراف بحقهم في استيطان الأراضي المقدَّسة.
إذاً لا بدَّ من الانفتاح على أصحاب النظرات والأفكار المعتدلة في الغرب؛ لتقوية أواصر العلاقة بيننا - نحن المسلمين – وبينهم، وإن كانوا غير مسلمين؛ نصرة لحقوقنا وقضايانا الإسلاميّة العادلة، وتصحيح المفاهيم المغلوطة لديهم.
وإذا كانوا يصفون معركتهم ضدنا بأنَّها معركة العقول والقلوب والدولارات، ومعركة لكسب الأفكار؛ فليكن لنا معهم طريقة لكسب العقول والأفكار المعتدلة.
وقبل الختام: أرى توضيح نقطتين مهمَّتين:
1- حول نظريَّة المؤامرة:(198/9)
قد يعتقد بعضهم أنَّ هذه السلسلة تصب في إطار تعزيز نظريَّة المؤامرة أو من يقول بها، وأحب أن أقول: نعم! نحن ضد المبالغة في هذا الموضوع، لكن نحن لا نستطيع إنكار ما يقلع العين! وهؤلاء يقال لهم: إما أن تنكروا نظرية المؤامرة، وإما أن تقروا بها؛ فإن كانت الثانية فالتحذير منها واجب، وإن كانت الأولى فلنحتكم إلى الواقع المزري في الهجمة الشرسة ضدَّ الإسلام وأهله. وأكرِّر ما جاء في الحلقة الماضية: (نحن لا نقول: إنَّ الخلل كلَّه في الكفَّار فحسب؛ بل فينا ما فينا من التقصير والخلل الكبير؛ ومن ذلك: ضعف العقيدة، وقصور الهمَّة، و(دونيَّة) الإرادة لتغيير ما في النفوس، والواقع المزري من مظاهر الضعف، وضعف التدين، وانفكاك الوحدة... إلى غير ذلك من التقصير الكبير).
ولعلَّ في هذا ما يكفي لإظهار أنِّي لا أجعل المسألة كلها في أعناق أعداء المسلمين، وكأنِّي جعلتهم مشجباً نضع عليها قصورنا وأخطاءنا!
2- ليسوا سواء!
من المعلوم قطعاً عند أهل الإنصاف والعدل: أنَّ غير المسلمين يختلفون في تصوُّراتهم ومواقفهم تجاه المسلمين، فيستحيل إذاً أن نجعلهم في سلَّة واحدة، أو في كتلة؛ فإنَّ غير المسلمين ليسوا سواء في الحقد والعداوة؛ فهم في الميزان الشرعي والسياسي يختلفون؛ فيستحيل أن نضع (هنتنغتون) و(فوكوياما) و(فريدمان) في صف (جون أسبوزيتو) و(نعوم تشومسكي) و(إدوارد سعيد)؛ مَن لديهم رؤى أقرب إلى الاعتدال وأبعد عن التعصبُّ أو التشدُّد ضد المسلمين؛ فنحن ندرك أنَّ هناك عدداً ممَّن ينصر قضايا المسلمين - وإن كانوا قلَّة - بَيد أنَّ النظرة السائدة الآن في الغرب هي نظرة مضادة وحاقدة على الإسلام بوصفه ديناً، وعلى المسلمين بوصفهم مجتمعاً.(198/10)
وإذا كانت هناك دول غير مسلمة تكون - أو ستكون - حليفاً استراتيجياً يناصرنا - نحن المسلمين - في قضايانا ومواقفنا السياسيَّة والعسكريَّة؛ فلا أظنُّ أنَّ مسلماً عاقلاً يمتنع عن القبول بذلك، بل إنَّه أمر من الأهمية بمكان، وخاصةً في زمنٍ تحالفَ فيه أعداء المسلمين، وشكَّلوا (تحالف الشر) في الحرب ضد الإسلام والمسلمين، ولنا بسيرة رسول الهدى - صلّى الله عليه وسلَّم - أسوة؛ فقد تحالف مع بعض الكفَّار ضد آخرين يرسمون له العداء.
إذن؛ المسألة بحاجة إلى موازنة، ودقَّة في الحكم، وتحرير لمحل النزاع.
يتبع بإذن الله
ــــــــــــــــــــــ
[1] يديعوت أحرونوت، 26/ 8/2003م.
[2] مؤسسة (راند) تعنى بالبحوث والدراسات؛ إذ أُسَّست عام 1948م، ولها علاقات تجمعها مع وزارة الدفاع الأمريكيَّة، وغالباً ما يُعمَل بتوجيهاتها بناء على التقارير التي تقدِّمها للولايات المتحدة، وقد صدرت هذه الدراسة عام 2004م بعنوان (الإسلام المدني الديمقراطي: الشركاء والموارد والإستراتيجيَّات)، وكتبتها (شيرلي بيرنارد)، وهي نمساويَّة، ومديرة سابقة لمعهد الأبحاث في فيينا، وهي زوجة (زلماي خليل زاده)؛ المساعد الخاص للرئيس (بوش)، وكبير مستشاري الأمن القومي، وهو المسؤول عن الخليج العربي حاليَّاً، والسفير الأمريكي في العراق سابقاً.
[3] بتصرُّف.. من حوار برنامج (إضاءات) في قناة العربيَّة؛ مع سفير الكويت سابقاً في واشنطن لمدة 12 عاماً، العربية نت، (7/1/2005)
[4] لمزيد من الاطِّلاع: http://www.rand.org /
[5] لمزيد من الاطِّلاع: http://www.rand.org /
[6] هذا التقرير أعدَّه الباحثون: (أنجل راباسا، وشيريل بينارد، ولويل شوارتز، وبيتر سيكل)، وقد كتب عنه الدكتور (باسم خفاجي) مقالاً جيِّداً في مجلَّة البيان، عدد(236)، بعنوان (المفهوم الأمريكي للاعتدال الإسلامي، قراءة في تقرير "راند" 2007).(198/11)
[7] مقطع من كلام للدكتور (باسم خفاجي) في تقرير حول تقرير (راند).
[8] الجهاد أضغاث أحلام: ص121.
[9] جريدة السبيل ، 29/4/2003م.
[10] نافذة على الغرب، السنة الأولى، العدد الرابع، صفر 1427هـ - مارس 2006م - وهي نشرة تصدر عن مجلة البيان، وتعنى بالتعريف بأحدث الكتب والدراسات الغربية حول العالم الإسلامي.
[11] من مقال الدكتور خفاجي.
[12] الفتاوى الكبرى:(1/401)
[13] الأنفال:30.
[14] البقرة: 120.
[10].[9]! فهم أظهروا هذا الكلام بأفواههم، وما تخفي صدورهم أكبر، فقادة الغرب الآن - وعلى رأسهم قادة أمريكا - يريدون إسلاماً (بلا أسنان)، أو (إسلاماً على الطريقة الأمريكيَّة)، أو (إسلاماً داجناً)، أو (إسلاما متأمركاً) أو(إسلاماً هجيناً وديعاً) - سمِّه ما شئت - ليجعلوا الإسلام لا يتعارض مع النظم والقيم العلمانية، وليتجرَّد من طابعه المقدَّس والمنزَّل من عند الله؛ ليؤدي بأصحابه إلى عبور قنطرة العلمانيَّة المحضة، التي تقتصر في الحكم ومرجعيته على العقل الإنساني؛ في معرفة حقائق الوجود، والتفاعل معها، وتصريف شؤون الحياة بالمرجعيَّة الكاملة إلى العقل.[8].[4] - شهر ربيع الأول عام 1428هـ / 2007م - بعنوان: (بناء شبكات مسلمة معتدلة)، أوصت فيه وبشدَّة بدعم الليبراليين على حساب الإسلاميين، ووضعت فيه معايير (بـ) (أن يكون هناك اختبار للاعتدال بالمفهوم الأمريكي؛ يتم من خلاله تحديد مَن الذين تعمل معهم الإدارة الأمريكيَّة وتدعمهم، ومن الذين تحاربهم وتحجم نجاحاتهم)[5].(198/12)
العنوان: الاستراتيجية الغربية تجاه العالم الإسلامي
رقم المقالة: 619
صاحب المقالة: خباب بن مروان الحمد
-----------------------------------------
المخطَّط الغربي الاستراتيجي تجاه العالم الإسلامي
عرض وتحليل وحلول المواجهة
"ليس أمامنا بالنسبة للمسلمين إلاَّ أحد حلَّين:
الأول: قتلهم والقضاء عليهم.
والثاني: تذويبهم في المجتمعات الأخرى المدنيَّة العلمانيَّة".
كان هذا مقطعاً من كلام للرئيس الأمريكي الأسبق (ريتشارد نيكسون)، في إحدى مقالاته القديمة، وبالمقارنة نجد أنَّ (نيكسون) تحدَّث بالمنطق نفسه الذي بيَّنه الله - تعالى - للمسلمين، وكشف به خطط أعدائهم؛ كما في قوله - تعالى -: {إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا} [الكهف: 20].
فالمنطق نفسه يتكرر على ألسنة زعماء الغرب وأعداء الإسلام، الذين لن يتغيَّروا عنه في خططهم وتعاملهم مع المسلمين، والهدف الرئيس وراء ذلك إطفاء نور الإسلام؛ كما قال - سبحانه -: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: 8].
ولأهمية الموضوع، وضرورة اطِّلاع الجميع عليه؛ سأكتب في هذه السلسلة عن هذا المخطَّط الغربي الشِّرِّير تجاه العالم الإسلامي؛ فقد وجدتُ أنَّ ما ذكره الله - تعالى - في قوله: {إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا} [الكهف: 20]، وجدت ذلك يتحقق في زمننا بالكيفية نفسها؛ فالاستراتيجيَّة المتبنَّاة من قِبَل أعداء المسلمين تكمن في إحدى القوَّتين التي يحلو لبعضهم أن يسمِّيها بالقوَّة الصلبة (القتل)، أو القوَّة الليِّنة (التذويب)!(199/1)
فأمَّا القتل: فهو أمرٌ لا ينكره ذو لُبٍّ سليم، وما فعله أعداء المسلمين خير شاهد على ذلك؛ وصدق الله إذ يقول: {لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ} [التوبة: 10]، ويقول - جلَّ وعلا - أيضاً: {كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً} [التوبة: 8].
ولن أطيل في سرد خطط الكفَّار ووقائعهم في سحق المسلمين وإبادتهم، فلن تنصبَّ مقالات هذه السلسلة على الحديث عن جرائم الأمريكان تجاه الدول الإسلاميَّة، التي لا زالت عالقة ولن تُنسى في أذهان البشريَّة جمعاء؛ بل هي جارية على قدم وساق!
كنتُ كتبتُ مقالاً مطوَّلاً عن الانهيار الحضاري لأمريكا، ونُشِر في العديد من المواقع الإلكترونيَّة - ولله الحمد[1] - وقناعتي لا زالت ثابتة أنَّ هذه الدول مصيرها إلى اضمحلال وانهزام كبير، ولكن بعد حين، وهذا الحين ليس ببعيد!
نعم! لا تزال كثير من الدول الغربيَّة - وأمريكا على وجه الخصوص - متمسِّكة بنظريَّة (مورغينثاو) و(هينري كسينجر)، التي تقول: "إنَّ المصالح لا تتحقَّق بمعزل عن القوَّة"، كما أنَّ (توماس ب. م. بارينت) - المحلِّل العسكري الأمريكي، واسع الاطِّلاع على شؤون مؤسسة الدفاع الأمريكيَّة - يقول: "إنَّ الدور الأمريكي الجديد ليس نشر المبادئ الديموقراطيَّة وقيمة حقوق الإنسان فقط؛ بل الأهم هو نشر العولمة الرأسماليَّة، وفرضها بقوَّة السلاح في مختلف أرجاء العالم، إذا اقتضى الأمر ذلك"[2].(199/2)
ومن يطالع كتابه "خريطة البنتاغون الجديدة - الحرب والسلام في القرن الواحد والعشرين" سيجد أنَّ (توماس) يؤكِّد أنَّه إذا ما فشلت دولة في الانضمام إلى العولمة، أو رفضت الكثير من تدفُّقاتها الثقافيَّة؛ فإنَّها ستجد القوَّات الأمريكيَّة في النهاية على أراضيها، تكريساً لحكم القطب الواحد المسيطر على الجميع؛ حيث يقول: "ونحن - أي: الأمريكان - مخوَّلون تاريخيَّاً بهزيمة كل التهديدات التي تقف في طريق سعينا لتحقيق الترابط العالمي؛ لأنَّنا نعرف - جميعاً - الثمن الذي قد ندفعه - دولةً وعالماً - إذا ما سمحنا لأيديولوجيَّات عدم الارتباط بأن تسود. وأمريكا لا تطلب الكثير؛ بل مجرَّد التزام دول العالم بـ(بروتوكولات) العولمة، وليس أكثر من ذلك)!!
والدلالة المثيرة في هذا الكلام تقضي أنَّ الأمريكان يحاولون الهيمنة والسيطرة الكاملة على أي مخالف لهم، وغرس روح التبعيَّة و(الذيليَّة) لهم، ولكنَّهم إذا لم يجدوا أنَّ الشعوب استساغت تلك الرؤى؛ فالويل والثبور لهم من عمليات سحق ومحق تطول كلَّ مَنْ يعارضهم!
* سأحاول في هذه السلسلة تفكيك رموزٍ أرى أنَّها أشدُّ فتكاً، وأخفى خطراً على المسلمين من سياسة القتل والإبادة والتدمير؛ ألا وهي سياسة التخريب والتذويب من أعداء الإسلام لعقول المسلمين، ومحاولة طمس لوامع وسمات التديُّن عند المسلمين، وفكِّ عُرَى العقيدة الإسلاميَّة، التي أُمِر المسلمون أن يستمسكوا بها، ويعضُّوا عليها بالنواجذ.
وخطر التذويب خفيٌّ، لا يدركه إلاَّ القليل، ذلك أنَّ أعداء الإسلام يحاولون غرس أفكارهم في بيئة لها القابليَّة لارتشاف واستقطاب الوافدات المتغايرة الغربيَّة، والانمحاق المتتابع في المشروع الأمريكي والغربي.(199/3)
وعودة لكلام (ريتشارد نيكسون) المذكور في مستهل هذا الموضوع؛ فإنَّه يرجِّح أن يقدِّم الأمريكان استراتيجيَّة الترويض والتخريب لدين المسلمين، وتذويبهم في المجتمعات الغربيَّة؛ ونشر الشبهات والتشكيكات بينهم، وجعل هذا الخيار هو الأمر الذي له الأولويَّة على الخيار الآخر.
ومن سياسة أعداء الإسلام في ذلك: أنَّهم يمضون في بذر تلك الأفكار في البلدان الإسلامية بسياسة الهُوَيْنَى والمشي البطيء، على منطق القاعدة اليابانيَّة: "نريد بطئاً، ولكنه أكيد المفعول". ولا يعنيهم أن يخرِّبوا العقول الإسلاميَّة خلال عام أو عامين؛ بل لو كان ذلك خلال ثلاثين عاماً أو أكثر؛ فلا بأس بذلك، ما دامت طرقهم ووسائلهم ماضية، ولا تعترضها العراقيل، أو يناكفها المعارضون لها!
لقد استوقفتني كلمة قالها أحد الأمريكان لمهاجر من المسلمين، حين أخبره المسلم بأنَّه هاجر وعمل في أمريكا وبقي متمسِّكاً بدينه؛ فقال له الأمريكي: "نحن لا يهمُّنا أن تَتَأَمْرَكَ أنت؛ بل استقدمناك من أجل أنَّنا نريد أولادك"[3]!!.
ومن هذا المنطلق؛ فقد صدرت العديد من الدراسات الأمريكيَّة، التي تحاول تسليط الضوء على أهميَّة غزو أفكار وعقول مسلمي البلاد الإسلاميَّة؛ لفرض الهيمنة والأيديولوجيَّة الغربيَّة على الساحة الإسلاميَّة.(199/4)
فهم يركِّزون في أطروحاتهم الفكرية والاستراتيجيَّة - فضلاً عن المستقبليَّة - على الحديث عن هذا الجيل المسلم، وهذه الأمَّة الولود، التي وقفت عقبة كؤوداً أمام مخطَّطاتهم؛ لأنَّهم يشعرون بأنهم في طريق الأفول والانهيار الحضاري، ومن قرأ دراسة "ما هي القوة؟" لـ(نيل فيرجسون)[4] أيقن ما ذكرته عنهم؛ حيث إنَّ هذا الرجل يقول بنصِّ الكلمة: "وإذا كنَّا نشهد - كما يجادل هنتنجتون - "صدام الحضارات"، فلابدَّ أن يكون مما يستحق الاهتمام أنَّ حضارتهم - يقصد الحضارة الإسلاميَّة - تشهد نمواً بالمعنى الحرفي، أكثر من حضارتنا! وهي إضافةً إلى ذلك حضارة أكثر شباباً بكثير ممَّا عليه حال الحضارة الغربية الهرمة".
إنَّ من الأهميَّة بمكان أن نعلم بأنَّ أعداء المسلمين - زعماء وقادة وخبراء فكر وتخطيط - لديهم رؤية واضحة، واستراتيجيَّة ثابتة تجاه الإسلام، ونصوص القرآن خير شاهد على ما ندَّعيه فإنَّه - سبحانه - يقول: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا} [الطارق: 15]، ويقول – أيضاً -: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} [الأنفال: 30]، إلى غير ذلك من الآيات الموضِّحة لخطر أعداء الإسلام ضدَّ المجتمعات الإسلاميَّة.
نعم! لا نقول بأنَّ الخلل كلَّه في الكفَّار فحسب؛ بل فينا ما فينا من التقصير والخلل الكبير، ومن ذلك ضعف العقيدة، وقصور الهمَّة، ودونيَّة الإرادة لتغيير ما في النفوس، والواقع المزري بنا فيه من مظاهر الضعف، وضعف التدين، وانفكاك الوحدة، إلى غير ذلك من التقصير الكبير.(199/5)
بيدَ أنِّي موقنٌ - تماماً - أنَّ أعداء المسلمين لديهم من المكر والكيد الشيء الكثير، أضف إلى ذلك ضغوطهم السياسية والاقتصاديَّة، التي يمارسونها على من كانت له نيَّة في إصلاح المجتمعات العربيَّة والإسلاميَّة؛ كيف وقد أخبرنا الله - تعالى - بقوله: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 105]، وقوله: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120]، وقوله: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء: 89]، وقوله: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [البقرة: 109]، وقوله: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217].
أهميَّة معرفة الاستراتيجية الغربيَّة ضدَّ المجتمعات الإسلاميَّة:
يقول (صن تسو): "إن مَنْ يعرف العدو ويعرف نفسه سوف تمتد حياته ليخوض مئة اشتباك، وإن من لا يعرف العدو ولكنه يعرف نفسه، فقد ينتصر أحياناً وينهزم أحياناً أخرى. أمَّا من لا يعرف نفسه ولا عدوَّه؛ فإنَّه سيُمنى بالهزيمة دائماً في كل اشتباك"[5].
ولا ريب أنَّ من صفات المسلم الواعي؛ أنَّه يعيش عصره، ويعرف مكايد أعدائه، وسبل المجرمين للإطاحة بهذا الدين، من منطلق قوله - تعالى -: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام: 55]، وقوله: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفال: 42].(199/6)
وفي عصرنا الراهن؛ يسعى أعداء العقيدة الإسلاميَّة - وعلى رأسهم الإدارة الأمريكيَّة - إلى فرض (أجندتهم) وبرامجهم على الدول الإسلاميَّة على وجه الخصوص؛ لأنَّهم يخشون من تململ قوَّة إسلامية تأتيهم على حين غرَّة؛ فلا يستطيعون لردِّها قوَّة أو سبيلاً، وقد يدَّعون دعوات كاذبة في احتلالهم لبلاد المسلمين، بيدَ أنَّ المقصد الأساس في ذلك أنَّ هذه الحرب التي يشعلونها (صليبيَّة) المقصد، (براغماتيَّة) الهوى!
وأمَّا من ظنَّ أنَّ أعداء الإسلام لا يخطِّطون، أو أنَّه ليس لديهم (استراتيجيات) واضحة تجاهنا، وخطط خفيَّة أو معلنة ضدَّنا، فإنَّ من المؤكَّد أنَّ ظنه هذا يدحضه الواقع المُشاهَد، الذي يكشف بين الحين والآخر عن دراسات وخطط يعدها أهل الغرب للعالم الإسلامي، وقد أسَّسوا الكثير من المراكز القائمة على إنتاج الأبحاث والدراسات والتقارير الدوريَّة (الاستراتيجيَّة)، وكذا المستقبليَّة؛ بل إنَّ هذه المراكز هي النواة، والقاعدة الصلبة، والمحرك الأساس، التي تنطلق من خلالها قرارات الولايات المتحدة الأمريكيَّة، وكذا الدول الغربيَّة، باعترافهم هم.
يتبع بإذن الله
ــــــــــــــــــــــ
[1] هذا المقال بعنوان: "أمريكا والانهيار الحضاري ... حقيقة أم وهم؟!" نشر في عدَّة مواقع، منها : مجلَّة العصر الإلكترونيَّة، ومفكرة الإسلام، وهذا رابطٌ له:
http://www.islammemo.cc/taqrer/one_news.asp?IDnews=416
[2] انظره في كتابه: "خريطة البنتاغون الجديدة - الحرب والسلام في القرن الواحد والعشرين"، وقد نشر الكتاب مترجماً إلى اللغة العربيَّة في جريدة البيان الإماراتيَّة، وفي شبكة الأحرار الفكريَّة على (الإنترنت).
[3] ملامح المستقبل للدكتور محمد بن حامد الأحمري، ص191.(199/7)
[4] الدراسة منشورة في فصليَّة "هوفر دايجست"، التي تصدر عن جامعة ستانفورد، في عددها الثاني (2003م)، وصاحب هذه الدراسة أستاذ في التاريخ الاقتصادي والسياسي في جامعة نيويورك، والفائز بجائزة دولية في الدراسات التاريخية لكتابه عن الحرب العالمية الأولى.
[5] "الإمبراطوريَّة بعد احتلال العراق - دراسات وأبحاث مترجمة بالعربيَّة" ترجمة: تركي الزميلي.(199/8)
العنوان: الاسترخاء.. علاج التوتر والقلق
رقم المقالة: 1336
صاحب المقالة: خالد العشماوي
-----------------------------------------
في ظل نمط الحياة الذي يسود عصرنا يتعرض الإنسان إلى المزيد من القلق والتوتر وإرهاق الأعصاب بدرجة تكون في كثير من الأحيان أقوى من قدراتنا على التحمل.
وللتوتر أعراض مرضية متعددة الأشكال بدءاً من صداع بسيط وصولاً إلى حدوث قرحة في المعدة مروراً بكل أنواع الآلام في المفاصل وفقرات العمود الفقري ومختلف درجات الضغط وتصلب الشرايين ؛ إذ يرتبط القلق والتوتر مباشرة بتغيرات في عدد من الوظائف الجسمية الحيوية كدرجة الشد والتوتر العضلي في عضلات الجبهة والرأس أو الكتف أو الظهر أو الساعدين أو غيرها من العضلات، وأيضاً درجة الحرارة المحيطية في أصابع اليدين أو القدمين حيث تزداد برودة اليدين في حالة التوتر والقلق.. وتزداد حرارتها مع الراحة والاسترخاء، إضافة إلى عدد من الوظائف الأخرى مثل دقات القلب والضغط والتعرق.. فكيف نتخلص من التوتر والقلق ونعيد إلى حياتنا الراحة والهدوء؟!
يقول الخبراء والمختصون: الاسترخاء أحد أهم الأساليب المضادة للتوتر والقلق.. وقد عرفته معظم الشعوب منذ وقت طويل. و اكتشف العالَم الغربي أهمية الاسترخاء.. واستطاع تطوير بعض البرامج والأساليب الفردية والجماعية والأجهزة.. والتي تستخدم الآن على نطاق واسع بوصفها بديلاً للعلاج الدوائي في بعض الحالات، أو بوصفها أسلوباً مساعداً في علاج الاضطرابات النفسية والجسمية.
وبوجهٍ عام فإننا في العالم الإسلامي نمتلك أحسن أساليب الاسترخاء في الذكر والصلاة.
أما أساليب الاسترخاء الحديثة فتقوم على جملة من التمارين والتدريبات البسيطة التي تهدف إلى إراحة الجسم والنفس وذلك عن طريق التنفس العميق وتمرين الجسم كله على الارتخاء وزوال الشد العضلي.(200/1)
وفي التأمل يستخدم الاسترخاء الذهني لتنظيم الوظائف البدنية والنفسية. أما في استرخاء العضلات المتدرج وفي التنفس العميق فإن الاسترخاء البدني يستخدم لتحقيق الهدوء النفسي والذهني.
• متى تلجئين إلى الاسترخاء؟
بمجرد الإحساس بالتعب والتوتر الذي قد يصادفك في المنزل أو في العمل اتجهي على الفور إلى حجرة هادئة ذات أضواء خافتة، اخلعي حذاءك، تمددي على الأرض أو على أي شئ مستوٍ، ويمكنك الاستناد بطرف ساقيك على دعامة عالية تقع في مستوى أعلى قليلاً من مستوى الجسم.
• كيف تتنفسين بطريقة صحيحة؟
العديد ممن يعانون من اضطرابات القلق النفسي يتنفسون نفساً غيرَ عميق، وهذا ما يؤدي إلى زيادة اضطرابات القلق لديهم. حيث يعكس التنفس مستوى التوتر الذي يحمله الجسم مباشرةً تحت التوتر، وفي هذه الحالة يكون التنفس ضحلاً و سريعاً ويحدث في أعلى الصدر، أما عند الاسترخاء فالتنفس يكون أعمق، وبشدة أكثر، ويكون من البطن حيث إنه من الصعب أن تتنفسي من بطنك وأنتِ في حالة توتر.
وحتى تتعلمي الطريقة الصحيحة للتنفس عليك بالتمرين التالي:
• بداية هذا التمرين إما بالاستلقاء على الظهر على الأرض أو الوقوف في وضع استقامة أو الجلوس على كرسي والظهر مستقيم، إذا كان هذا أكثر راحة لك. مع وضع اليدين على منطقة البطن (المعدة).
• يتم التنفس بشكل طبيعي وعادي مع ملاحظة الأيدي أو الصدر وهى ترتفع مع التنفس. وللتأكد من أن التنفس يتم بشكل صحيح، لابد وأن ترتفع منطقة البطن كلما تمدد الحجاب الحاجز.
• لابد من البدء بالتنفس البطيء عن طريق الأنف مع العد حتى خمسة في حين تدفع الأيدي برفق لأعلى مع حركة البطن (المعدة) لأعلى.
• حبس النفس مع العد من: 1 إلى 5.
• إخراج الزفير ببطء من الفم مع العد من: 1 إلى 5 في حين الضغط على البطن برفق للداخل.
• تَكرار نفس الخطوات لمدة خمس دقائق.
إذا داومت على التنفس بهذه الطريقة سوف تقومين بأدائها بشكل طبيعي طَوال اليوم.(200/2)
• من فوائد هذا التمرين أنه بمجرد الاعتياد عليه، تستطيعين القيام به مع نوبات القلق التي من الممكن أن تنتابك وحينئذ ستشعرين بالاسترخاء التام.
• لا تغضبي أو تستسلمي إذا لم تستطيعي أداءه بطريقة صحيحة لأنه يحتاج إلى ممارسة ووقتاً.
• تمارين للتخلص من التوتر:
(1) استلقي على السرير أو على الأرض متمددةً مع ثَنْىِ الركبتين، ضعي اليدين على القفص الصدري، أغلقي عينيك، استنشقي الهواء بعمق مع ملء أعلى الرئتين أولاً ثم استمري في استنشاق الهواء حتى تمتلىء رئتاك بالكامل، احبسي الهواء داخل الرئتين فترة مناسبة من الزمن، وبعدها اطردي الهواء بقوة من الرئتين.
انتظري مدةً كافيةً أخرى قبل استنشاق دفعة جديدة من الهواء.... يكرر هذا التمرين ثماني مرات على الأكثر.
(2) أخذ وضع الركوع على الأرض بملامسة الركبتين وكف اليدين لها مع الاحتفاظ باستقامة الظهر وعدم خفض الجزء العلوي من الجسم أو الرأس.
- اتجاه أصابع اليدين للداخل في مواجهة الركبتين بحيث تكون أصابع الإبهام للخارج (أي وضع عكسي).
- ملامسة أصابع القدم للأرض.
- إمالة الجسم للخلف مع الإحساس بشد الجزء الأمامي لساعديك.
- البقاء على هذا الوضع لمدة 20 ثانية ثم الاسترخاء وتكرار الإطالة.
- تَكرار التمرين عدة مرات.
• أوضاع النوم والاسترخاء الصحيحة:
** الاستلقاء على الظهر في وضع استقامة.
** الوسادة لابد أن تكون لينة وغير مرتفعة (بحيث تحافظ على استقامة الرقبة مع العمود الفقري وتساعد على الانحناءة الصحيحة للعنق.
** ثني ركبتي الأرجل وملامسة القدمين للفراش.
** الحفاظ على استقامة الظهر للتخلص من أية آلام.
** وضع الذراعين بجانب الجسم في حالة استرخاء.
والنوم بهذا الشكل الصحيح يساعد الجسم على التحرر من أية علاماتٍ للقلق أو الإرهاق أو الآلام.
• فوائد:(200/3)
لا يحقق الاسترخاءُ النومَ الطبيعيَّ فحسب ولكنه يتعدى هذا المطلب السهل إلى تحقيق فوائد أخرى كثيرة ذات أثرٍ كبيرٍ على استقرار حياة الفرد:
• الاسترخاء وسيلةٌ فعالةٌ لاكتساب القدرة للتغلب على مشاكل الحياة اليومية.
• يعطي الإنسانُ قدرةً على التحكم بنفسه، إضافةً إلى التأثير المباشر والفوري للاسترخاء في الراحة العامة وزوال التوتر.
• يعمل الاسترخاء على إعادة بناء التوازن للعمليات الحيوية عن طريق علاج التوتر العضلي والنفسي كما يعمل على تقليل آثار التوتر العصبي على جميع أعضاء الجسم.
• عن طريق الاسترخاء يمكنك التنفيس عن جميع الطاقات المعاكسة التي تعرقل مجهوداتك وهو خطوة نهائية لتحقيق الصفاء النفسي.
ويضيف أساتذة الطب النفسي والخبراء فوائد أخرى للاسترخاء منها:
** التقليل من حالة القلق بشكل عام، فالكثير من الأشخاص الذين قاموا بممارسة الاسترخاء لاحظوا أن درجات الهلع قد تقلصت وتغيرت عن السابق.
** الاسترخاء يحد من حالات القلق ومن تَكرارها بطريقة فجائية وقوية حيث إن التوتر القويَّ يميل إلى الزيادة طَوال الوقت، وعليكِ أن تدعي جسدَك يُشفى من هذا القلق بإجراء التمارين يومياً حيث إن النومَ نفسَه يمكن أن يفشلَ في كسر دورة التوتر التراكمية.
** الاسترخاء يعمل على زيادة الطاقة والإنتاجية، فالإنتاجية تكون قليلة ومحدودة أثناء شعور الإنسان بالقلق بحيث يبدو الإنسان وكأنه يعمل ضد نفسه.
** الاسترخاء يحسن الذاكرة والتركيز حيث إنه من المعلوم أن الاسترخاء العميق سيزيد من قدرة الشخص على التركيز وبالتالي الإبداع.
** الاسترخاء يقلل الأرق والإجهاد، ويجعلك تنام بشكل أفضل وأعمق.
** زيادة الثقة بالنفس وتقليل لوم الذات حيث إن الكثير من الناس يكثرون من لوم أنفسهم بسبب الضغط والتوتر.
** زيادة القدرة على الإحساس بالمشاعر، حيث إن العضلات المشدودة والمتوترة تعطل عمل الإحساس وتعيق وعي الإنسان التام لمشاعره.(200/4)
• التغيرات الناتجة عن الاسترخاء:
توصل العالم (هيربرت بينسون) إلى عدد من النتائج الإيجابية بوصفها استجابة للاسترخاء وهي تشمل سلسلة من التغيرات الوظيفية للجسم منها:
** تقليل معدل ضربات القلب.
** تخفيض معدل التنفس.
** تخفيض ضغط الدم.
** التقليل من الشد العضلي الكبير.
** التقليل من استهلاك الأكسجين.
** زيادة نشاط أشعة (ألفا) في الدماغ.
وهناك عدد من الحالات التي تستفيد من تدريبات وتمرينات وجلسات الاسترخاء.. ومنها حالات الشدة والضغط النفسي (stress) وحالات القلق والتوتر العام والمخاوف والآلام العضلية المتنوعة والحالات الوسواسية..
وبالطبع فإن الاسترخاء ليس دواءً شافياً لجميع الأمراض.. ولكنه يمكن أن يكون وسيلة علاجية ناجحة إلى جانب أساليب علاجية أخرى.
لا تقتصر فائدة تمارين الاسترخاء على ما تحصلين عليه في النهاية من صفاء ذهني وراحة جسدية هائلة ولكن الأمر يتعدى هذا بكثير حيث تشعرين بتأكيد الذات والثقة بالنفس للبدء من جديد وأنت خالية الذهن واثقة الخطو صافية النفس.
اعرفي إذاً كيفية الاسترخاء ولا تنتظري أوقات الشدة أو التوتر العصبي حتى تبدئي في أداء تمارين الاسترخاء، بل ابدئي على الفور واجعلي منها عادة يومية حتى تكسبي رفيقاً طيباً يمكنك بمساعدته مواجهة صعاب الحياة اليومية. ولا تنسي أننا نمتلك أحسن أساليب الاسترخاء في الذكر والصلاة فقد قال الرسول _ صلى الله عليه وسلم_ (جعلت قرة عيني في الصلاة )، وكان إذا حزبه أمر قام إلى الصلاة، وكان يقول لبلال (أرحنا بها يا بلال )، ولا تنسي قول الله تعالى (ألا بذكر الله تطمئن القلوب).(200/5)
العنوان: الاستسقاء بدعاء الصالحين
رقم المقالة: 1802
صاحب المقالة: صالح بن صبحي القيم
-----------------------------------------
إنَّ الحمدَ لله نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه اللهُ فلا مُضلَّ له، ومن يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبدُه ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 10].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاًكَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
فإن أصدقَ الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمور محدثاتُها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار [صحيح سنن النسائي (1578) عن جابر رضي الله تعالى عنه].
اللهم ربَّ جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطرَ السماوات والأرض، عالمَ الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختُلِف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم [رواه مسلم (1289) عن عائشة رضي الله تعالى عنها].
مقدمة:(201/1)
إنَّ ما يمر بالمسلمين اليوم من ابتلاءاتٍ ومحنٍ وكوارثَ، هو إنذار من الله عز وجل لهم ليرجعوا لدينهم، وليعرفوا أن العزة والعلو والتمكين في الأرض لا يكون إلا بالرجوع إلى الله خالقهم وربهم وإلههم، فهو وحده القادر على نصرة عباده ورفعتهم في هذه الحياة، وإخراجهم من المحن التي هم فيها.
ومن هذه الابتلاءات التي تمر بنا هذه الأيام حبسُ المطر وما تعيشه بلادُنا من القحط سنين، وهذا كله من جرَّاء كسب العباد وظلمهم لأنفسهم، وإنذار من الله القدير للرجوع إليه، وإظهار قدرته وجبروته للناس وإعلامهم أنه وحده القادر على إنزال المطر، وهو وحده القادر على حبسه، كما قال في كتابه الكريم: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ} [الواقعة 68-69 ].
واعلم أن سلفنا الصالح قد أصيبوا بهذا البلاء، ولكنهم عرَفوا الحل فبادروا إليه، ملقين حُب الدنيا وزينتها وراء ظهورهم، فاجتمعوا صغيرُهم وكبيرُهم، غنيهم وفقيرهم، سيدهم وعبدهم، باسطين أيديهم لله بالدعاء، مقرين بذنوبهم وخطاياهم، معترفين بتقصيرهم، فما كان من الله ربهم الذي يعلم سرَّهم وعلانيتهم، وصدقهم وكذبهم، إلا أن يستجيب لهم، ويبدلهم من بعد جوعهم شبعاً، ومن بعد خوفهم أمناً.
فمن الواجب علينا أن نحذو حذوهم، ونمشي على دربهم، فهم الذين زكّاهم الله تعالى في كتابه، وفضلهم نبيه -صلى الله عليه وسلم- على سائر الناس في سنته، هم خير من مشى على وجه الأرض بعد الرسل، هم الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه.
ومن الأمور التي لجأ إليها سلفُنا الصالح عندما أصيبوا بالقحط، توسلُهم واستشفاعُهم بالصالحين الأحياء، بدعائهم وتضرعهم إلى الله، فكانت الإجابة سريعة من الله عز وجل.
فمن الواجب التركيز على هذه المسألة، والحث على تطبيقها واتباع سلفنا الصالح فيها، لنخرج من هذه المحن التي نحن فيها كما خرجوا بإذن الله الكريم.(201/2)
فالتوسل أو الاستشفاع بالرجال الصالحين سنّة بإجماع الصحابة وإقرارهم، فقد كانوا يأتون إلى الرجل الصالح ويسألونه أن يدعو الله لهم، فيدعو لهم ويدعون معه ويتوسلون بشفاعته ودعائه.
ولقد ورد هذا في السنة الشريفة؛ فعنْ أَنَسٍ قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذْ قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَلَكَ الْكُرَاعُ، وَهَلَكَ الشَّاءُ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَسْقِيَنَا، فَمَدَّ يَدَيْهِ وَدَعَا [رواه البخاري (880)].
فهذا كان توسلهم به عليه الصلاة والسلام في حياته، فقد كانوا يتوسلون بدعائه ويستشفعون به، أما بعد موته فلم يكونوا يتوسلون به كما كانوا يفعلون في حياته، ولكنهم يتوسلون بدعاء الأحياء، كما جاء في الصحيح عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- كَانَ إِذَا قُحِطُوا اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا، قَالَ: فَيُسْقَوْنَ [رواه البخاري (954)].(201/3)
وما كانوا يستسقون به عليه الصلاة والسلام بعد موته ولا عند قبره ولا عند قبر غيره، ولو كان ذلك خيرًا لسبقنا إليه عمرُ -رضي الله تعالى عنه- ومن معه من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكذلك معاوية بن أبي سفيان -رضي الله تعالى عنهما- فقد روى الحافظ ابن عساكر رحمه الله تعالى في (تاريخه) [65/112]، بسند صحيح عن التابعي الجليل سليم بن عامر الخبائري: (أن السماء قحطت، فخرج معاوية بن أبي سفيان وأهل دمشق يستسقون، فلما قعد معاوية على المنبر قال: أين يزيد بن الأسود الجرشي؟ فناداه الناس، فأقبل يتخطى الناس، فأمره معاوية فصعد على المنبر فقعد عند رجليه، فقال معاوية: اللهم إنا نستشفع إليك اليوم بخيرنا وأفضلنا، اللهم إنا نستشفعُ إليك اليوم بيزيد بن الأسود الجرشي، يا يزيد ارفع يديك إلى الله، فرفع يديه ورفع الناسُ أيديهم، فما كان أوشك أن ثارت سحابةٌ في الغرب كأنها تُرْس، وهبت لها ريح فسقتنا حتى كاد الناس أن لا يبلغوا منازلهم).
وروى ابن عساكر أيضًا بسند صحيح أن الضحاك بن قيس خرج يستسقي بالناس، فقال ليزيد بن الأسود أيضا: قم يا بكاء (زاد في رواية: فما دعا إلا ثلاثا حتى أمطروا مطرًا كادوا يغرقون منه).
فهذا معاوية -رضي الله عنه- أيضًا لا يتوسل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- لما سبق.
ومما جاء أيضاً في الاستسقاء عن الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- ما رواه الذهبي في السير (3/400) عن ثابت البُناني قال: (جاء قيّم أرض أنس، فقال: عطشت أرضوك، فتردى أنس ثم خرج إلى البرية ثم صلى ودعا، فثارت سحابة وغشيت أرضه ومطرت، حتى ملأت صهريجه وذلك في الصيف، فأرسل بعضَ أهله فقال: انظر أين بلغت؟ فإذا هي لم تَعْدُ أرضَه إلا يسيراً) قال الذهبي: هذه كرامة بينة ثبتت بإسنادين.
فانظر يا أخي رعاك الله إلى هذه المواقف التي حدثت في عهد الصحابة، فهي تدل على استجابة الله تعالى للصالحين وشفاعتهم لأمتهم.(201/4)
ومما ورد أيضاً من الآثار عن التابعين التي تدل على عملهم بهذه السنة العظيمة المنسية في زماننا:
ما رواه الذهبي في السير (16/176) قال الحسن بن محمد: (قحط الناس في بعض السنين آخر مدة الناصر، فأمر القاضي منذر بن سعيد بالبروز إلى الاستسقاء بالناس، فصام أيامًا وتأهب، واجتمع الخلق في مصلى الربض، وصعد الناصر في أعلى قصره ليشاهد الجمع، فأبطأ منذر، ثم خرج راجلا متخشعًا، وقام ليخطب، فلما رأى الحال بكى ونشج وافتتح خطبته بأن قال: سلام عليكم، ثم سكت شبه الحسير، ولم يكن عادته، فنظر الناس بعضهم إلى بعض لا يدرون ما عراه، ثم اندفع، فقال: {سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} الآية [الأنعام: 54] استغفروا ربكم وتوبوا إليه، وتقربوا بالأعمال الصالحة لديه، فضج الناس بالبكاء، وجأروا بالدعاء والتضرع، وخطب فأبلغ، فلم ينفض القوم حتى نزل غيث عظيم. واستسقى مرة، فقال يهتف بالخلق: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ} الآيتين [فاطر: 15- 16] فهيج الخلق على البكاء).
وجاء أيضاً في السير (5/92) قال الأوزاعي: خرجوا يستسقون بدمشق، وفيهم بلال بن سعد، فقام فقال: يا معشر من حضر! ألستم مقرين بالإساءة؟ قلنا: نعم، قال: اللهم إنك قلت: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ} [ التوبة: 91 ] وقد أقررنا بالإساءة، فاعف عنا واسقنا، قال: فسقينا يومئذ.
هذه بعض الروايات عن الصحابة والتابعين لهم، وما جاء عنهم من أخبار تبين امتثالهم لهذه السنة العظيمة، واستجابة الله، وإرسال السماء عليهم مدراراً رحمة بهم ومغفرة لهم.
فهذه الرسالة تدعو لإحياء هذه السنة العظيمة والعمل بها، والعض عليها بالنواجذ، وتهيب بعلمائنا وصالحينا وعبّادنا وكل من يحبون الخير لهذه الأمة، بالدعاء والتضرع والاستسقاء للبلاد.(201/5)
وتقول لهم قوموا فادعوا لهذه الأمة لنتوسل بدعائكم ونستشفع فيكم عند الله الكريم، فنحن مقرون بخطايانا، ومعترفون بذنوبنا، والله هو الغافر وهو العفو الكريم، نستغفره ونتوب إليه سبحانه وتعالى.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،،،(201/6)
العنوان: الاستشراق بين دعاته ومعارضيه
رقم المقالة: 1901
صاحب المقالة: أحمد الحسين
-----------------------------------------
الاستشراق بين دعاته ومعارضيه
أحمد الحسين
الحسكة ـ سوريا
صالح، هاشم / الاستشراق بين دعاته ومعارضيه. ـ لندن دار الساقي، 1998 م، 260، ص.
صدر هذا الكتاب عن دار الساقي، ويقع في 260 صفحة، عرض فيه الباحث المترجِم هاشم صالح جوانبَ مهمِّةً منَ الجدل الثقافي الذي يَنْصَبُّ في دائرة الاستشراق والمستشرقين:
وفكرة الكتاب تنطلق من ضرورة الاستماع إلى آراء أولئك المتشرقين الذين تعرضت أعمالهم لاتهامات مَشْرِقِيَّة، صدرت منذ الستينات، ولا تزال تبرز بين وقت وآخر.
وقد أعد الباحث هاشم صالح مجموعة منَ الأبحاث، والمناقشات التي كتبها بعض أعلام المستشرقين، يدافعون بها عن الاستشراق من جهة، ويردون على ما كتبه أنور عبد الملك في مقالته "الاستشراق مأزومًا" وما طرحه إدوار سعيد في كتابه "الاستشراق".
وقبل أن يضع تلك النصوص التي ترجمها أمام القارئ أكد على أن موضوع الاستشراق يثير وجهات نظر متباينة، ولا بد من الوقوف على عدة نقاط مهمة قبل الخوض في غِمار هذا الموضوع الشائك، والصعب.
1- لا يمكن فهم المناقشة الاستشراقية أو السِّجال القائم من حولها بين المثقفين العرب من جهة، والمستشرقين من جهة ثانية، إلا إذا تم وضع هذه المناقشة في إطارها العامِّ منَ الصراع الكائن بين الشرق والغرب.
2- معركة الخطابات الاستشراقية تبدو غير متكافِئة بين طرفَيِ الصراع، ولهذا تبدو الخطابات العربية ذات طابع اجتماعي، اتهامي، في حين تبدو خطابات المستشرقين هادئة، باردة، ولكنها متغطرسة، متعجرفة.
3- الخطابات الاستشراقية ليست واحدة وهي ذات منهجيات مختلفة، وفروقات متباينة، وعلى هذا الأساس، لا يجوز النظر إليها من زاوية واحدة ولا الحكم عليها بمقياس واحد.(202/1)
4- كذلك الأمر بالنسبة لخطاب المثقفين العرب إزاء الاستشراق، فهو لا يشكل كتلة واحدة، منسجمة؛ بل يتألف منَ اتجاهات متغايرة، وأحيانًا متناقضة.
فرنسيسكو غابرييلي:
بعد هذه التوطئة يورد الباحث دفاع غابرييلي المستشرق الايطالي المشهور، ويسوق أفكاره التي دافع بها عن الاستشراق، ومنجَزاتِهِ، في سياق ردِّهِ على مقاله أنور عبد الملك، ورأى غابرييلي أن التهمة التي تكال للاستشراق بارتباطه مع الظاهرة الاستعمارية صحيحة في بعض جوانبها، ولكن لا يجوز أن نعمم ذلك على كل المستشرقين الذين كان بعضهم قد سار في ركاب تلك الظاهرة، ولكن بعضهم الآخر كان ينطلق من اهتمامات عليمة، لا علاقة لها بالأهداف والغايات السياسية والاستعمارية.
كما رد غابرييلي على التهمة الثانية التي تقول: إن المستشرقين اهتموا بماضي العرب، دون حاضرهم لغاية تهدُف إلى تغييب دَوْرِهم في الحضارة المعاصرة، ويرى أن العرب أعطوا للحضارة البشرية تُراثًا مشرقًا، له قيمة عظيمة، لا يمكن نُكرانها ولكن دورهم تضاءل في القرون الأخيرة، ونحن لا نزال كما يقول: ننتظر من الشرق أن ينهض من جديد.
وقد عبر عن موقفه كمستشرق من حضارة العرب وتراثهم، فقال: " إنني كنت دائمًا أشعر بمدى عظمة هذه الحضارة العربية - الإسلامية، ومدى شرفها، وكرامتها بصفتها إحدى المكونات الشرقية لتاريخ البشرية، وإني أرفض هذا التقييم الظالم لأعمال الأجيال المتتالية من المستشرقين، أو المختصين بمعرفة الشرق والذين لا يهدُفون إلى أيِّ غرض، أو مصلحة شخصية من وراء ذلك ".
كلود كاهين:(202/2)
وهنا يشير كاهين إلى الخدمات التي قام بها المستشرقون في نشر التراث العربي، والتعريف به، ولكنه يعترف ببعض ثغرات الاستشراق التي نجمت عنِ الظروف التي لازمت القضية الاستشراقية، أو أحاطت بها، ولاسيما الظاهرة الاستعمارية ولكن ذلك كما يقول: لا يجوز أن يجعلنا نقع في دائرة التطرُّف المضادِّ الذي ينكر كل قيمة للأبحاث التي أنجزت ضمن ذلك المناخ.
ويؤكد كلود كاهين أن على المستشرقين أن يعيدوا النظر في تلك الدراسات التي كتبت من وحي نظرة خارجية، تعيد التوازن إلى الأمور، ويُلِحُّ من جديد على دراسة المجتمعات الشرقية من داخلها، ويدعو الباحثين العرب، والمَشَارِقَةَ إلى الاستفادة من منجَزات العلوم، والمناهج الحديثة في دراسة مجتمعاتهم بهدف الكشف عن الجوانب التي قد لا يدرك المستشرقون أبعادها، ولا يحسنون تصورها.
مكسيم رودنسون:
لقد خَصَّصَ هذا المستشرق مقالاتٍ عديدةً دافع بها عن الاستشراق، ورد فيها على ما طرحه أنور عبد الملك، وإدوار سعيد من اتهامات للمستشرقين:
ففي مقالته "الدراسات العربية - الإسلامية في أوربا" تحدث رودنسون عن نشوء الاستشراق، والظروف التي أحاطت بتلك النشأة، وأشار إلى مناهج المستشرقين في إطارها التاريخي ـ الفيلولوجي، ثم دعا إلى تطوير تلك المناهج، وإدخال مناهج جديدة كالأَلْسُنِيَّة، والسوسيولوجية، والأنثربولوجية.
وقدِ اعترف ببعض ثغرات الاستشراق، ونواقصه إذ قال: " لا يزال الكثير منَ المستشرقين سُجناءَ الاستشراق، إنهم منغلقون على أنفسهم داخل غيتو، إن مفهوم الاستشراق ناتج عن ضرورات عملية عابرة، التقى عندها العلماء الأوربيون المتمرسون بدراسة الثقافات الأخرى، وقد تَدَعَّمَ هذا المفهوم بواسطة هيمنة مجتمعهم على المجتمعات الأخرى، وشوهت هذه الحالة بقوة رؤيتهم للأشياء ".(202/3)
وفي مقدِّمة كتابه " جاذبية الإسلام " تعرض رودنسون لما كتبه إدوار سعيد، ويعترف أن قِسْمًا كبيرًا من نقد سعيد يظل صحيحًا في نطاق ما يسمى بالاستشراق التقليدي، ولكنه يأخذ على بعض أفكار إدوارد سعيد بأنها تقود إلى دائرة النظرية الجداثوفية، القائلة بوجود علمين متضادين، أحدهما برجوازي، الآخر برويتاري.
ويعود رودنسون ليعترف بصعوبة الرؤية؛ أيْ: صعوبة رؤية الآخَر، ويعلل ذلك في كتابات المستشرقين بأن الغرب استعمر الشرق، وأفريقيا، وشكل تجاه كل هذه الشعوب نظرة معينة من خلال احتكاكه بها، ومحاولته الهيمنة عليها، ومراقبته لتصرفاتها، وعاداتها، وعقائدها.
بيرنارد لويس:
كما شارك بيرنارد لويس في الجدل الاستشراقي، فرد في مقالة عنوانها "مسألة الاستشراق" على انتقادات إدوارد سعيد، وبحث في مقالة أخرى عن وضع الدراسات المتعلقة بالشرق الأوسط، والدوافع التي أثرت في سير تلك الدراسات، وانطلاقها وركز في هذا الحيز على سوء الفهم الذي حمله الغرب عن الشرق، وأنه بالتالي المسؤول عن بعض الثغرات التي ظهرت في كتابات المستشرقين، والتي تحكمت في بعض جوانبها طبيعة الصراع الذي نشأ في العصور الوسطى بين الشرق المسلم والغرب المسيحي.
أما في معرض رده على أنور عبد الملك، وإدوار سعيد فهو يرى أن كتابات هذين الباحثين اتسمت بالانفعالية، والتأثرية، إن حملت بعض التصورات الصائبة، والتحليلات الذكية، ولكن - ومن وجهة نظر لويس - لا يجوز الحكم على الاستشراق من خلال مرحلة ما، فالاستشراق ليس كتلة واحدة، والمستشرقون ليسوا فريقًا واحدًا، وليست غاياتهم واحدة؛ وبالتالي؛ فإن التعميم في الاستنتاج لا يصحُّ ولا يمكن أن يؤخذ به كأساس في اتهام المستشرقين الذين أعطوا الكثير من جهدهم لثقافات الشعوب الأخرى.
آلان روسِّيون:(202/4)
يسعى روسِّيون في تأكيد دفاعه عن الاستشراق إلى عرض مواقف المثقفين والمفكرين العرب، وهو يرى أن ثلاثة تيارات عبرت عن تصورات هذه النخبة الفكرية إزاء المشروع الاستشراقي:
فهناك تيار يرفض الاستشراق جملة وتفصيلاً، ويُدِينُ أعمال المستشرقين وكِتاباتهم ويصفها بأنها كرست النَّزْعَةَ الاستعمارية، وعبرت عن فكرة المركزية الأوروبية.
أما التيار الثاني فهو يقول بضرورة قبول وتَبَنِّي ما طرحه المستشرقون دون تحفُّظ، وكما هو؛ بمختلِف تياراته ومناهجه، والخلفيات التي تحكمت به.
في حين يتجه التيار الثالث إلى طرح رأيٍ معتدِل، من خلال بناء علاقة موضوعية في التعامل مع الانتاج الاستشراقي تقوم على أرضية نقدية في الأخذ التجاوز وذلك على هدي البصيرة النقدية، والمنهج العلمي الذي يتفحص، ويناقش، ويتأمل، ومن خلال ذلك يخلص روسيون إلى فكرة أساسية، وهي أن اتهام الاستشراق كما ورد على لسان أنور عبد الملك، وإدوار سعيد لا يشكل موقفًا معبرا عن شمولية الساحة الثقافية العربية مع تأكيده على أن التيار الثالث قد يكون الأكثر دقة وموضوعية في تقويم الجهد الاستشراقي ككلٍّ، وإعادة النظر في بنيته وفي طبيعته.
ومن هذا المنطلق أورد روسيون اعتراضاتِ بعض المفكِّرين العرب على كتاب إدوار سعيد كالذي كتبه جلال العَظْم في دفع كثير من آراء سعيد التي احتواها كتابه المشهور.
أما رأي روسيون فهو أن إدوار سعيد وكما قال بيرس كمب "أغرق مركبًا كان قد غرق سابقًا".
محمد أركون وغوستاف غرونباوم:
يختتم الباحث هاشم صالح كتابه بعرض رؤية محمد أركون لطبيعة المنهجية الاستشراقية، وذلك من خلال مقالة له عن كتاب " الإسلام الحديث ". لغرونباوم، وكتاب " في فهم الإسلام" لسميث.(202/5)
وكتابات أركون لا تدخل في دائرة نقد الاستشراق، وإدانته، ولكنها تأخذ منحى التعامل الموضوعي مع إنتاجات المستشرقين، على نحو يُبرِز إيجابياته، وينتقد سلبياته في إطار مواجهة إيجابية، تقوم على الحوار، والنقاش، وتبادل الرأي.
وبعد؛ فهذا الكتاب منبر للحوار، يتسع للرأي، والرأي الآخر، وقد حَرَصَ الباحث هاشم صالح من خلاله على طرح المسألة الاستشراقية في أبعادها الواسعة، وأتاح بذلك للقارئ العربي أن يقف على جَدَل الاستشراق، وما يثار في مداراته من تساؤلات، واتهامات، وما ينهض من آراء طرحها المستشرقون دفاعًا عن إنتاجهم وجهودهم، وغاياتهم، وأهدافهم.
والكتاب بحد ذاته دعوة مفتوحة للحوار، والنقاش بهدف تصويب وتصحيح حالات سوء الفهم المشترك، وبلوغ مرحلة من التفاهم تكون السبيل إلى ردم الهوة القائمة، وبناء جسر من العلاقات المتوازنة الايجابية بين الثقافة العربية، والثقافات الأوروبية.(202/6)
العنوان: الإستشراق في خدمة التنصير واليهودية
رقم المقالة: 287
صاحب المقالة: د. علي بن إبراهيم النملة
-----------------------------------------
تمهيد:
الاستشراق ظاهرة شملت شتى فروع المعرفة الإسلامية، وشمولها هذا أتضح مؤخراً بعد أن تخطى الاستشراق مجرد كيل الإتهامات على الكتاب السنة والتراث العربي. وبسبب من شمولية الدراسات الاستشراقية في الآونة الأخيرة يستبعد الناهلون من الإنتاج الفكري للاستشراق أن تكون هناك علاقة بين هذه الظاهرة وبين ظواهر أخرى تختلف مع الاستشراق في الطريقة والوسائل، ويقف البعض موقف المتحفظ عندما تكون هناك إشارة لقيام رابطة بين الاستشراق والاستعمار أو التنصير أو اليهودية/ الصهيونية. ومجيء المستشرقين من دول كان لمعظمها صولات وجولات مع الاستعمار في البلاد العربية والإسلامية[1]، ومجيء المستشرقين من دول تدين بالنصرانية كخلفية دينية لم تستطع التخلص منها وإن فضلت أن تظهر للآخرين بالمظهر العلماني، ومجيء المستشرقين من مجتمعات نشأ فيها اليهود وكان لهم تأثيرهم على هذه المجتمعات سلباً أو إيجاباً، كل هذا لا يبرر قيام رابطة قوية أو علاقة متينة بين هذه الخلفيات والأحداث، وظاهرة الاستشراق، إذ أن الاستشراق في مجمله كان مجرداً من هذه الخلفيات والأحداث على اعتبار أن الاستشراق منهج علمي يدرس ظواهر علمية خلفها سلف الأمة الإسلامية ويحاول الخلف أن يكونوا امتداداً لأولئكم السلف. هكذا يرى البعض الاستشراق إلى الدرجة التي جعلت بعضهم ((يتبنى)) آراء المستشرقين في الكتاب والسنة والتراث العربي الإسلامي، مصراً على أنه لا يخرج بهذا عن الخط الإسلامي وإن قال في كتاب الله وسنة نبيه – عليه السلام – ما يصل بالمرء إلى الخروج من الملة.(203/1)
والطيب في الأمر أن هؤلاء المنبهرين قلة. وهم يتقلصون مع ارتفاع نسبة الوعي الثقافي والفكري بين العرب والمسلمين، وإدراك الكثير من المفكرين أن الهروب من الدين لم يعن الأمة على الوقوف على أقدامها بقدر ما أعانها على التعثر أكثر مما تعثرت من قبل. فبحث المفكرون مرة أخرى في أسباب انحطاط المسلمين وما خسره العالم من هذا الانحطاط، فلم يكن هناك بد من الوقوف على إسهامات المستشرقين مجملة وكونها أثراً من آثار هذا الانحطاط عندما تبين أن هؤلاء المستشرقين – في مجملهم – كانوا عوناً على الحملات الاستعمارية على البلاد العربية والإسلامية، و((قاعدة المعلومات)) لحملات التنصير التي لا تزال تجتاح المجتمع العربي والإسلامي، وتبين لهؤلاء أن قسماً من المستشرقين – كانوا منصرين، كما تبين لهؤلاء أن الاستشراق مهد بطريق مباشر لقيام وطن قومي لليهود في فلسطين وأن الاستشراق لا يزال يسعى إلى تسهيل مسألة قبول قيام الوطن القومي لليهود في فلسطين بين المفكرين الغربيين والمفكرين العرب على حد سواء.
ولا يكفي أن يقال أن هناك علاقة ضعيفة أو قوية بين التيارات المعادية للإسلام دون اللجوء إلى إقناع بوجود هذه العلاقة مع شيء وافر من التجرد الذي تفتقر له التيارات. والتجرد ديدننا لا نستطيع الخروج عنه مغلبين جوانب أخرى كالعاطفة مثلاً وإلا خالفنا نصاً منهجياً من نصوص القرآن الكريم. وفي التجرد عدل نحن مطالبون به حتى مع أولئكم الذين لم يراعوا فينا هذه الجوانب التي تسمو بالإنسان وترتفع به إلى درجات الكمال الإنساني، قال تعالى: {ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقو الله إن الله خبير بما تعملون} الآية (8) من سورة المائدة.(203/2)
ومع هذا فإن محاولات إيجاد علاقة بين هذه التيارات المعادية للإسلام لم تخل في مجملها – وليس كلها – من تغليب العاطفة في مواقف يمكن حصرها. ولأن هذه المحاولات مكتوبة قابلة للمراجعة فينتظر منها أن تعالج هذا الجانب الذي يمكن أن يفهمه ويقدره المتلقي لو كان التلقي مشافهة وارتجالاً. وعلى أي حال فإن تغليب جانب العاطفة ليس سمة يمكن تعميمها على جميع الأعمال التي سعت إلى تأكيد هذه العلاقة.
على أن الأعمال العلمية التي سعت إلى تأكيد العلاقة بين التيارات المعادية للإسلام والتي لم تقتصر على هذه التيارات الأربعة (الاستشراق والتنصير، والاستعمار، والصهيونية) لم تعالج هذه القضية بتوسع لأنها كانت ضمن أعمال عامة في مجال الاستشراق بخاصة. عدا بحث في العلاقة بين الاستشراق والتنصير نشر في ((أخبار العالم الإسلامي)) في حلقات، لعله يجمع ويصدر في كتيب واحد تعميماً للفائدة وقد ورد ذكره في هذه المحاولة لتأكيد العلاقة بين الاستشراق والتنصير.
ولا يزال موضوع العلاقة بحاجة إلى مزيد من البحث والغوص في حياة المستشرقين العلمية – وربما أنشطتهم الأخرى، يستشف منها الباحث دلالات مقنعة لقوة العلاقة ناهيكم عن تحققها، ولا يبدو أننا – هنا – بحاجة قوية لتحقيق وجود العلاقة. ولكن الحاجة قائمة لتأكيد مدى القوة في العلاقة بين مجموع هذه التيارات المعادية. وربما بحثت العلاقة بين الاستشراق وبعض التيارات الأخرى التي خرجت عن الملة وهي لا تزال تدعي أنها من الإسلام.(203/3)
وعلى أي حال فظاهرة الاستشراق[2] تحتاج إلى مزيد من الدراسة والبحث تسبر غورها وتبتعد عن التكرار وتتخصص في جوانب ضيقة من هذه الظاهرة. ولعل الأقسام العلمية في الجامعات الإسلامية والعربية تسهم في مثل هذه الطريقة في البحث وتكثف من اهتمامها بهذه الظاهرة، على اعتبار أنها الظاهرة الوحيدة من بين الظواهر الأخرى التي ادعت العلمية والمنهجية، وسعت بهذا اللباس إلى تحقيق أهداف استعمارية وتنصيرية واقتصادية وعقدية وفكرية، كلها تتعارض مع الخط الإسلامي على أخف الأحكام.
ولعل مراكز البحوث المهتمه بالدراسات الإسلامية تسهم في هذا المجال فتوفر المادة العلمية للباحثين وتعينهم على الدراسات وتعقد المؤتمرات والندوات التي تُقوِّم جهود المستشرقين وإسهاماتهم في خدمة التيارات الأخرى، وعقد الموازنة بين خدمتهم للإسلام والتراث وجهودهم في خدمة التيارات. وكان الله في عون الجميع.
1 – الاستشراق في خدمة التنصير:
يقيم الإسلام حواجز ضخمة أمام المسيحية في كل مكان حل فيه دعاته وعلماؤه. وقد أظهر واقع الأحداث التي عاشها المنصرون خطاً ما ذهب إليه القدماء من أن الإسلام يعتبر بالنسبة للشعوب الإبتدائية خطوة أولى ممهدة لاعتناق المسيحية. فاعتناق الإسلام يقود الإنسان إلى الإيمان بوحدانية لها من القوة على النفوس يمكنها من تحصينها ضد الدخول في المسيحيه بعد أن صار المرء مسلماً[3].(203/4)
والحديث عن نشأة الاستشراق ودوافع الاستشراق وأهدافه قد أبانت عن قيام علاقة قوية بين الاستشراق والتنصير. والتنصير كان دافعاً وهدفاً من جملة الدوافع والأهداف الدينية للإستشراق. وعشرون من تسعة وعشرين من طلائع المستشرقين كانوا منصرين أو رهباناً أو عاملين في الأديرة[4].بل إن أول المستشرقين في نظر ((العقيقي)) وهو (جرير دي أورالياك 938 – 1003) كان من الرهبانية البندكتية. ومع أن الاستشراق قد بدأ عليه التحرر من سيطرة المنصرين ونفوذهم إلا أن فكرة التنصير لا تزال عالقة في أذهان المستشرقين[5]، على إعتبار أنها كانت هي المنطلق الأول لهذا الإتجاه الفكري. وانشغال المستشرقين بالرهبنه قد لا يوحي للبعض إنشغالهم بالضرورة بالتنصير. وقد يصدق هذا على غير المستشرقين من المنشغلين بالرهبنة والأديرة والكنائس، ولكنه يبعد أن يصدق على مستشرق وجه جهوده العلمية إلى مواقع للتنصير فيها مطامع قديمة متجددة.
ويفرد ((نجيب العقيقى))[6]، فصلاً كاملاً عن المستشرقين الرهبان وهم موزعون على النحو التالي:
– الرهبان البندكتيون. – الرهبان الكرمليون. – الرهبان اليسوعيون.
– الرهبان الفرنسيسكان. – الرهبان الدومنيكيون.
– الرهبان الكيوشيون. – الرهبان البيض.
وقد أوصل عدد المستشرقين الرهبان إلى مائة واثنين وثلاثين (132) مستشرقاً راهباً، 75% منهم عاشوا في القرن العشرين.
أما الفصل الخامس عشر من الجزء نفسه فقد خصصه المؤلف للمستشرقين اللبنانيين، وركز فيه على المدرسة المارونية، وأوصل عدد مستشرقيها إلى ثمانية وثلاثين مستشرقاً مارونياً جعل نفسه آخرهم. وأكثر من 25% منهم عاشوا في القرن العشرين.(203/5)
وإذا كنا قد وصلنا إلى أن الاستشراق في نشأته قد انطلق من الأندلس وعلى يد تلامذة المسلمين من النصارى فإن التنصير قد انطلق أصلاً مع الحروب الصليبية[7]، بشكل أوضح من وفد نجران الذي قدم على الرسول عليه الصلاة والسلام[8]. فلا يبدو أن وفد نجران كان يسعى إلى تنصير محمد عليه السلام. ويمكن أن يعد خطوة أولى في تحدي الإسلام بالنصرانية.
ويأتي الاستشراق ((ليصقل)) التنصير ويكون له مركز المعلومات الذي يمده بما يحتاج إليه قبل أن يقدم على مجرد التخطيط ((وصاموئيل زويمر 1867 – 1952م)) وهو مستشرق منصر في آن واحد يصدر دورية كاملة يستعين بها المنصرون على أداء مهماتهم في العالم الإسلامي الذي بدت عليه الاستحالة في التحول إلى النصرانية، فيعلنها ((زويمر)) نفسه أنه ليس الغرض من حملات التنصير في العالم الإسلامي أن يتحول المسلمون إلى نصارى، فقد أثبتت التجارب استحالة هذا، ولكن مهمة التنصير في هذا القسم من العالم هو التحول عن الإسلام وكفى[9]. وقد صرح بهذا في مؤتمر القدس التنصيري المنعقد عام 1935م.(203/6)
كما يأتي المستشرقون ليصبحوا جنود المسيحية الشمالية ((الذين وهبوا أنفسهم للجهاد الأكبر، ورضوا لأنفسهم أن يظلوا مغمورين في حياة بدأت تموج بالحركة والغنى والصيت الذائع، وحبسوا أنفسهم بين الجدران المختفية وراء أكداس من الكتب مكتوبة بلسان غير لسان أممهم التي ينتمون إليها، وفي قلوبهم كل اللهيب الممض الذي في قلب أوروبة، والذي أحدثته فجيعة سقوط القسطنطينية في حوزة الإسلام، ولكن لاهم لهم ليلاً ولا نهاراً إلا حيازة كنوز علم دار الإسلام بكل سبيل، تتوهج افئدتهم ناراً أعتى من كل ما في قلوب رهبان الكنيسة، ولكنهم كانوا يملكون من القدرة الخارقة أن يخالطوا أهل الإسلام في ديارهم، وعلى وجوههم سيمياء البراءة واللين والتواضع وسلامة الطويلة والبشر. وبفضل هؤلاء المتبتلين المنقطعين عن زخرف الحياة الجديدة، وبفضلهم وحدهم بفضل ملاحظاتهم التي جمعوها من السياحة في دار الإسلام ومن الكتب، وبذلوها لملوك المسيحية الشمالية نشأت طبقة الساسة الذين يعدون ما استطاعوا من عدة لرد غائلة الإسلام ثم قهره في عقر داره، ولتحقيق الأحلام والأشواق التي كانت تخامر قلب كل أوروبي أن يظفر بكنوز الدنيا المدفونة في دار الإسلام وما وراء دار الإسلام. وهم الذين عرفوا فيما بعد باسم رجال ((الاستعمار)). وبفضلهم وحدهم أيضاً، وبفضل ملاحظاتهم التي زودوا بها رهبان الكنيسة ثارت حمية الرهبان ونشأت الطائفة التي تدرت نفسها للجهاد في سبيل المسيحية، وللدخول في قالب العالم الإسلامي لكي تحول من تستطيع تحويله عن دينه إلى الملة المسيحية، وأن ينتهي الأمر إلى قهر الإسلام في عقر داره – هكذا ظنوا يومئذ – وهذه الطائفة هي التي عرفت فيما بعد باسم رجال ((التبشير)). فهذه ثلاثة متعاونة متآزره متظاهرة، وجميعهم يد واحدة لأنهم أخوة أعيان، أبوهم واحد، وأمهم واحدة، ودينهم واحد، وأهدافهم واحدة ووسائلهم واحدة[10].(203/7)
ويصعب جداً أن تقوم حركة التنصير في بيئة ما دون معرفة هذه البيئة معرفة شاملة. ثقافية ودينية وتاريخية وجغرافية واجتماعية. وتتأتى هذه المعرفة عن طريق الاستشراق حتى أن أحد الكاتبين أراد أن يقسم التنصير إلى نوعين، التنصير الصريح والتنصير المختفي. والتنصير الصريح يكون علمياً نقاشياً أو سفسطائياً تشكيكياً. ويكون أيضاً بالعنف. فالتنصير العلمي هو ما جاء عن طريق المستشرقين. أما التنصير بالعنف فهو ما جاء عن طريق الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش واختطاف الأطفال ثم الاستعمار.(203/8)
والتنصير الخفي أو المختفي هو ما يأتي عن طريق الإرساليات الطبية والتعليمية المهنية والفنية والجمعيات الخيرية الإجتماعية وغيرها[11]. ويلاحظ أن جزءاً من العالم الإسلامي لا يزال يسمى الممرضة إلى اليوم ((سستر)) وهي الأخت في عالم الرهبنة، بينما أوروبا وأمريكا لا تسميها إلا بالممرضة. وهناك بعثات تنصيرية توغلت في مجتمعات المسلمين واكتسبت شهرة عالمية وتعاطفاً لم يسلم منه بعض من أبناء المسلمين. مثل بعثة ((الأم تيريزا)) في الهند التي لم تعلن يوماً أنها جاءت إلى شبه القارة رغبة في بسط تعاليم المسيح، ولكنها تظهر دائماً رغبتها في إحتضان المشكلات الصحية والطبية وعلاجها والقضاء على الأوبئة والأمراض المعدية، يعمل معها فريق من الممرضات الهنديات ذوات التأثير الفعال في مجتمعهن. ولا تبرز في عمل ((الأم تيريزا)) العلاقة الواضحة بينها والاستشراق ولا يمكن للمتعاطفين معها أن يربطوا بينها وبين المستشرقين. وإن لم تكن هناك علاقة قوية فلا شك أن منطلقها كان عن طريق هؤلاء المستشرقين الذين أعانوها على التعرف على البيئة التي تعمل بها. وأمثال ((الأم تيريزا)) كثير في آسيا وأفريقيا، تحاول بقدر الإمكان الإبتعاد عن الأضواء خشية الإلتفات إلى الأغراض الحقيقة لهذه الأعمال ((الإنسانية)). كما تحاول الابتعاد عن إبراز وجود علاقة بين العلم – الآتي عن طريق المستشرقين – والدين الذي تتبناه بناء على ما شاع من العداوة بين العلم والدين في العقيدة المسيحية المتأخرة. فإذا برزت هذه العلاقة ظهر التناقض وخفت حدة التأثير على المستهدفين. ومن المعلوم أن تهيئة المنصرين إنما قامت على أيدي المستشرقين سواء كان هؤلاء المستشرقون من الرهابنة القساوسة أو كانوا بعيدين عن الألقاب الدينية. يقول ((محمد عبدالفتاح عليان)): "لم يكن عمل المستشرقين منفصلاً عن عمل المبشرين، فالاستشراق في نشأته ما هو إلا أداة من أدوات التبشير – ثم استغل في مرحلة لاحقة(203/9)
– لتحقيق مطامع الدول الاستعمارية. وقد نزل كثير من أساقفة الكنيسة الكاثوليكية إلى ميدان الاستشراق بقصد التبشير وتدريب المبشرين على العمل في بلاد الشرق"[12].
فتعلموا العربية ودرسوا الإسلام واهتموا بالترجمة وأقاموا المطابع العربية.
وقد سبقت الإشارة إلى أن الاستشراق قد ولد من أبوين غير شرعيين هما الاستعمار والتنصير. فالاستشراق لا يزال يعمل من أجل هذا الغرض الذي وجد من أجله، وإنما تتغير الأساليب والطرق والوسائل ملائمة للزمان. ويجد المرء أهداف المنصرين واردة في أعمال المستشرقين التي وجدت رواجاً بين المنصرين في معاهدهم وإرسالياتهم ومؤتمراتهم بل جامعاتهم المقامة في العالم الإسلامي على شكل مناهج ودراسات في مجال الإنسانيات[13].
ولابد من الإلتفات إلى المجتمع الغربي نفسه، فالتنصير لم يكن موجهاً إلى آسيا أو أفريقيا فحسب، ولكن أوروبا وأمريكا أيضاً حظيتا بنصيب وافر من حملات التنصير التي أرادت تأكيد قوة الكنيسة خاصة بعد أن بدأت المعلومات عن الإسلام ((تتسرب)) إلى المجتمعات الأوربية، وخاصة منها المفاهيم الصحيحة عن الإسلام فاستعان التنصير هنا بالاستشراق في الافتراء والتشنيع على الإسلام وتشويه أحكامه الإلهية العادلة))[14]، قصداً إلى الحد من انتشار الإسلام في أوروبا نفسها في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار إلى تنصير معاقل الإسلام. ومعلوم أن الطريق إلى تحقيق غايات التنصير يبدأ قطعاً بتجريد الأمة من انتماءاتها العقدية أولاً، يقول ((وليم جيفرد بالغراف)): "متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في سبيل الحضارة التي لم يبعده عنها إلا محمد وكتابه"[15].(203/10)
وربط علاقة بين الاستشراق والتنصير على وجه العموم تصطدم بوجود مجموعة من المستشرقين ((العلمانيين)) واليهود الذين لا يتصور منهم أن يكونوا مدفوعين بخدمة التنصير أو أن تكون من أهدافهم خدمة الكنيسة، فهذه الفئة من المستشرقين تتناقض في منطلقاتها مع الكنيسة. وعليه فلابد هنا من الاحتراز من خلال الابتعاد عن التعميم الذي قد يفهم عند الحديث عن الروابط بين الاستشراق والتنصير.
ولا بأس في هذا، إلا أنه لابد من التنويه إلى أمرين أساسيين في محاولة إيجاد علاقة بين الاستشراق والتنصير على وجه العموم:
أولاً – أن العلمانيين من المستشرقين لم يستطيعوا بحال أن يتخلوا عن ميولهم الكنسية خاصة فيما يتعلق بإنتاجهم العلمي حول العالم الإسلامي، وإن كانوا يعلنون رسمياً وفي أكثر من مجال أنهم علمانيون يرفضون التقيد بدين معين. فهذا ينطبق على ممارساتهم في حياتهم الخاصة، ويصعب عليهم عملياً تطبيق علمانيتهم على إنتاجهم الفكري.
ثانياً – أن التنصير استفاد من المستشرقين اليهود فائدة جليلة وإن تكن فائدة غير مباشرة وترجع هذه الفائدة إلى الإرتباط الوثيق بين الصهيونية واليهودية – كما سيأتي بحثه – والإرتباط الوثيق بين الصهيونية وكثير من رجال الدين المسيحي. وعليه نشأت العلاقة الوثيقة بين المسيحية واليهودية، وإن لم تبد هذه العلاقة بارزة معلناً عنها. ويكفي أن نعلم أن زعيم المنصرين وهو مستشرق أيضاً – ((صموئيل زويمر)) كان في الأصل يهودياً، وأنه قد استدعى أحد الحاخامات عند احتضاره. لعله أراد أن يلقنه صلوات اليهودية عند الموت[16].(203/11)
ولم يكن ((زويمر)) بدعا في قومه فقد ادعى النصرانية جمع منهم وانخرطوا في الرتب الكهنوتية مكنتهم من فرض آرائهم على الكنيسة وتوجيهها الوجهة التي يريدون. واستطاعوا بمساعدة الجمعيات السرية كالماسونية وغيرها أن يهدموا قوة الكنيسة في أوربا وأمريكا، وأن يوجهوها ويوجهوا الحكومات إلى المبادئ الصهيونية، ثم اتجهوا إلى الإسلام طمعاً في هدم القوة الروحية فيه وتوجيه أهله إلى المادة. وبذلك يضمنون عدم معارضة خططهم الهادفة إلى السيطرة على بلاد المسلمين[17]، سيطرة مباشرة أو غير مباشرة. وهذا واضح جلي في مواقف القسس الأوروبيين والأمريكيين من اليهودية ومن الإسلام، وخاصة منهم أولئك الذين يحتلون أماكن مرموقة في الإعلام الأمريكي عن طريق الإذاعة والتلفزيون.
وإن لم يكن المنصرون يهوداً وكان المستشرقون يهوداً فإن المنصرين قد أفادوا كثيراً من نتاج المستشرقين اليهود في مدارسهم وأديرتهم وكنائسهم ومعاهدهم وجامعاتهم. كما استفادوا أيضاً من نتاج المستشرقين العلمانيين الذين استطاعوا أن يبرزوا إنفصالهم عن الكنيسة. ولكنهم لم يستطيعوا طرق أبواب الإنصاف والنزاهة، فكانوا أدوات في أيدي حكوماتهم المستعمرة أفادت منهم وأفاد منهم التنصير. فالاستشراق في شطريه ((عاملاً مع الكنيسة أو عاملاً مع وزارات الاستعمار لا يستطيع أن يخلص إلى الحق وإنما هو يؤدي دوره في إثارة الشبهات وتقديم الزاد الكافي لدراسات التبشير ومعاهد الإرساليات لخلق ظاهرة من إنتقاص العرب والمسلمين وفكرهم وعقائدهم))[18].(203/12)
ولأن الاستشراق يعمل كـ((قاعدة معلومات)) للتنصير كان لابد أن تكون هناك فروق في المنطلقات بين الاستشراق والتنصير وإن اتفقت الغايات العليا لهاتين الوجهتين: فالمنصر ((داعية)) للدين النصراني المسيحي، أو هو داعية لخروج المسلم عن دينه فحسب، أما المستشرق فهو باحث في تراث المسلمين وقيمهم ومفاهيمهم وأخلاقياتهم يبث نتائجه في دراساته وبحوثه وكتبه ومحاضراته كل هذا عن طريق المنهج العلمي.
والمنصر منطلق رحالة يجوب البلاد قراها ومدنها وريفها يعظ ويعالج أو يعلم أو يدرب أو يفلح الأرض. أما المستشرق فقابع في مكتبته لا يكاد يبرح بلاده إلا إذا دعته ضرورة البحث إلى ((رحلة علمية)) يجوب فيها البلاد التي يدرسها أو يقف منها على مكان بعينه.
والمنصر – نسبياً – صريح في دعوته واضح فيها وإن حاول إخفاءها تحت ستار خدمة الإنسانية. ولكنه لا يتردد في أن يعلق الصليب على صدره أو في مكتبه أو عيادته أو معلمه أو مدرسته. وربما أفرد فيها مكاناً أو زاوية للنشريات التي يعمل لها وبها، أما المستشرق فباطني يتظاهر بالعملية والمنهجية والتجرد والموضوعية وإن كان من القساوسة أو الرهبان، ويحاول الوصول إلى أغراضه الباطنه ممتطياً صهوة العلم والتجرد، وكأنى به ممتطياً صهوة حصان من خشب مشعراً الآخرين أن هذا الحصان ذو صهيل تطرب له الآذان ((وتشنف)) له الأسماع، وقد وفق بعضهم – دون شك – في إشعار بعض ((الآخرين)) بهذا، فانقاد له البعض منهم وتنبه له الآخرون فأخذوا منه وردوا وكان ما ردوه عليه أكثر مما أخذوه منه.(203/13)
والمنصر ينطلق من مؤسسات ومعاهد ومدارس وجامعات ومستشفيات في البلاد التي يعمل بها أو في مركز في قارة يعمل بها. كما يتخذ من بعض عواصم العالم العربي مركزاً له في الإنطلاقة إلى أدغال أفريقيا وبعض عواصم الشرق الأقصى في الإنطلاقه إلى جبال وسهول آسيا. ولا يكاد يحل في بلد له فيها شأن إلا ويقيم فيها له مركزاً دائماً على شكل كنيسة أو مدرسة أو عيادة أو نحوها، بينما تكون علاقة المستشرق بالبلاد التي يعمل أعماله فيها مقصورة على زيارة خاطفة يلقي خلالها محاضرة أو يحضر إجتماعاً لمجمع هو عضو فيه أو يلبي دعوة من رئيس جامعة أو مؤسسة علمية قاصداً إلى الاستشارة وإبداء الرأي ولا تربطه بهذه روابط قوية. وقد تنتهي حياته وهو لم يقم بزيارة سريعة لبلاد كثر حولها إنتاجه حتى بات يعرف طرقها ومسالكها وقديمها وحديثها.
ويقول ((نذير حمدان)) بعد محاولة إيجاد الفروق في الوسائل بين المستشرقين والمنصرين: "ويبدو لي من خلال تتبع تراجم كثيرة للمستشرقين والمنصرين أن الدافع الكنسي (المخطط) نظم فئة قادرة على البحث والفكر فكان (المستشرقون) وجماعة قادرة على الأسلوب الدعوي الإعلامي فكان (المنصرون)، ثم التحمت الفئتان والجماعتان وكونت (الاستشراق التنصيري)"[19].(203/14)
ويبدو الاستشراق التنصيري واضحاً عندما تبرز فكرة أن الكثيرين ممن احترفوا الاستشراق وبرزوا فيه ((بدأوا حياتهم العلمية بدراسة اللاهوت قبل التفرغ لميدان الدراسات الاستشراقيه، وكأنهم أرادوا أن يتسلحوا بمعرفة كافية بالعقيدة المسيحية قبل الخوض في غمار الحرب المبطنة التي أرادوا شنها على الإسلام. وظل الكثير منهم يتولى وظائف دينية وتبشيرية، وله مكانة كنسبة مرموقة، ورغم محاولات بعضهم نفي هذه التهم والإعلان عن حيادهم وأنهم إنما يقصدون من دراساتهم وجه العلم والحقيقة فقد لازم التعصب الديني أكثرهم وبدا بين سطور ما يكتبون وإن لم يعلنوا عنه صراحة وجهاراً))[20] وقد ينصب الذهن على الإتجاه أن هؤلاء الذين بدأوا حياتهم العملية بدراسة اللاهوت هم جملة من طلائع المستشرقين الذين يتحدث عنهم ((نجيب العقيقي))[21]. ولابد من التأكيد هنا إلى أن هذه الظاهرة امتدت في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين/ التاسع عشر والعشرين الميلاديين. ولعل من أبرز هؤلاء المستشرقين المنصرين ((الأب هنري لامانس 2862 – 1937م)) و((دنكن بلاك ماكدونالد 1863 – 1943م)) و((الأب آسين بلاثيوس 1871 – 1944م)) و((شارل دوفوكول (؟) )) و((وليام مونتغمري وات)) معاصر و((سنوك هو رغرونيه 1857 – 1936م)) والملاحظ أن هؤلاء المستشرقين المنصرين موزعين من بلاد أوربا وأمريكا في الولايات المتحدة الأمريكية وبلجيكا وإسبانيا وفرنسا وبريطانيا وهولندا[22]. ويقدم المستشرق الفرنسي ((مكسيم رودنسون مولود عام 1915م))، تبريراً لانشغال المنصرين بالإستشراق/ أو إنشغال المستشرقين بالتنصير بقوله: "لقد أدت الوضعية الحقيرة التي وجد العالم الإسلامي نفسه فيها إلى تشجيع المبشرين المسيحيين حيث وجدوا مجالاً واسعاً للعمل وبذلوا مجهودات في إتخاذ موقف الهجوم والتبشير وتضايقوا من العراقيل التي وضعها أمامهم كل من الفقة الإسلامي والإداريين الاستعماريين أنفسهم، حيث خشي هؤلاء من(203/15)
ردود فعل مختلفة لأعمال مكشوفة أكثر من اللازم. وفي نطاق الإتجاهات الإنسانية العادية وبمؤازرة مع الأفكار العامة للعلوم في وقتهم كانوا يربطون نجاح الدول الأوربية بدينهم المسيحي، كما كانوا يربطون تقهقر العالم الإسلامي بالإسلام، وهكذا اعتبروا المسيحية مؤيدة بطبيعتها للتطور وبالتالي اعتبروا الإسلام مؤيداً للركود والتأخر الثقافي، فاتخذ الهجوم على الإسلام أعنف الصفات وشرع المجددون في تزيين الحجج والبراهين الشائعة خلال القرون الوسطى واتخذوا مظاهر تجديدية"[23].(203/16)
ولم يستطع كثير من المستشرقين – على العموم – التجرد من هذه النظرة الفوقية للإسلام ومن الشعور بتفوق المسيحية على الإسلام. وكان لهذا أثره على نظرتهم للإسلام من خلال مرآة مسيحية حيث طبقوا عليه المبادئ المسيحية وأفكارهم المسبقة ((فالمسيح)) – عليه السلام – في نظر المسيحيين هو أساس العقيدة ولذا تنسب الديانة إليه، والنصرانية شبه مهملة لفظاً ومعنى، وحاول المستشرقون تطبيق ذلك على الإسلام ((فمحمد)) ينبغي أن يكون عند المسلمين كما ((المسيح)) عند المسيحيين، ولهذا يطلقون على الإسلام المحمدية أو المذهب المحمدي وعلى الشخص المسلم ((محمدي))، فيغفل الإسلام لفظاً ومعنى. ويبقى المذهب بشرياً صاغه ذلكم المصلح العبقري ((محمد)) في مكة والمدينة. ويخرج المسيحيون إلى بشرية الإسلام وإلهية المسيحية على اعتبار أن المسيح لديهم هو ابن الله[24] – أو ربما عند البعض هو الإله، الذي لم يتزوج ولم يحارب ولم يقُد أمه، بخلاف ((محمد)) المزواج المحارب السياسي القائد رجل الدولة المستفيد من الحضارات والثقافات التي سبقته أو عاصرها، يجمع منها جميعاً مجموعة من الطقوس والأحكام والسلوكيات وحاول أن يظهر منها بدين جديد يسميه الإسلام: فيأخذ من الجاهلية صلاة الجمعة، وصوم عاشورا، وتطييب البيت الحرام وحظ الذكر في الميراث مثل حظ الأنثيين، والتكبير، والأشهر الحرم، والحج والعمرة، ونتف الإبط، وحلق العانة، والوضوء والاغتسال، والختان وتقليم الأظافر.
ويأخذ من الصائبة الصلوات الخمس، والصلاة على الميت، وصيام شهر رمضان، والقبلة، وتعظيم مكة، وتحريم الميتة ولحم الخنزير، وتحريم الزواج من المحارم.
ويأخذ من الهندية والفارسية قصة المعراج، والجنة وما فيها من الولدان والحور العين، والصراط المستقيم.
ويأخذ من اليهودية قصة ((قابيل وهابيل)) وقصة ((إبراهيم – عليه السلام)) – وقصة ملكة سبأ، وقصة ((يوسف الصديق – عليه السلام)) –.(203/17)
ويأخذ من النصرانية قصة ((أهل الكهف)) وقصة ((مريم العذراء))، وقصة طفولة ((عيسى)) – عليه السلام[25] –. وليس المقام هنا دحض هذه الشبهات والتصدي لها، فقد قام بهذا علماء مسلمون أجلاء، ولكنها هنا محاولة لإثبات قوة الرابطة بين التنصير والاستشراق وأن الاستشراق عمل على توصية ((زويمر)) في إخراج المسلمين من دينهم دون النظر إلى إدخالهم في النصرانية من خلال تشويه الإسلام وإضعاف قيمته وتصويره للرأي العام الأوروبي والأمريكي بصورة مزرية بعيدة عن المستوى الحضاري في عصرنا الحاضر[26]، ومن خلال معاونة المستشرقين على تثبيت وتأكيد هذه الإتهامات وتوسعهم فيها وتخصص كل فريق منهم في بعضها يروجونها في مؤلفاتهم ودراساتهم مع إدراكهم ((أنها لا تعدوا أن تكون دسائس مغرضة وإشاعات ملفقة لمحاربة الإسلام وتشويه مفاهيمه، فالاستشراق والتبشير عدو واحد له هدف واحد يسعى ليدركه وهو تشويه الإسلام ليصل من وراء ذلك إلى تمزيق المسلمين وإشاعة البلبلة في أفكارهم وبين صفوفهم لئلا يلتقوا فيراجعوا من عزتهم ما كان[27] ولعل هذا يكون مبرراً واحداً من مجموعة من المبررات التي تفسر بداية الاستشراق وإنطلاقه من الكنيسة بإنشاء أول مركز لتعليم اللغة العربية في الفاتيكان لتخريج أهل جدل يقارعون فقهاء المسلمين وعلماءهم ومفكريهم. وبرحيل الرهبان إلى المشرق والمغرب الإسلامي لتعلم اللغة العربية وعلوم الإسلام للغاية نفسها[28].(203/18)
على أن بعض الباحثين في الاستشراق والمستشرقين يحاول من خلال الاستقراء أن يصنفهم حسب قوة إندفاعهم لتحقيق أغراض التنصير فالكاثوليك مثلاً أعتى من غيرهم والفرنسيون أشد تعصباً ضد الإسلام ورسوله. فمن النادر أن نقرأ لمستشرق فرنسي شيئاً طيباً عن حياة الرسول – صلى الله عليه وسلم – كما يشير إلى ذلك ((حسين مؤنس))[29] وهناك من يرى أن المستشرقين الألمان هم أكثر المستشرقين نزاهة لأن دوافع التنصير والإستعمار لم تكن بارزة فيهم، إذ لم تستعمر ألمانيا بلداً مسلماً، ولم تهتم بنشر الدين المسيحي في الشرق[30] ومع هذا لم يخل الاستشراق الألماني من آراء خاطئة تماماً أو ((لا توافق العرب والمسلمين)) أو نقص أو غلط ولكنها – في رأي ((صلاح الدين المنجد)) غير قابلة للتعميم[31]. ولم نتعود التعميم في إصدار الأحكام العلمية الموضوعية المجردة. ويسعى المنصفون من المحللين لحركتي الاستشراق والتنصير إلى عزل فئة من المستشرقين عن هذه العلاقة الحميمة في الوقت الذي يقررون فيه وقوع المستشرقين في أخطاء مقصودة أو غير مقصودة أفاد منها التنصير. يقول ((محمد حسين علي الصغير)): "إننا لا نستطيع أن ننفي هذه التهم جملة وتفصيلاً – (التهم التنصيرية) – فلهذه أصل من الصحة، ولا يمكننا أن نزيف جميع الجهود الاستشراقية ونصمها بالتبشير، ففي هذا بعض الغلو والتطرف، ولكننا نستطيع أن ننزه قسماً ونتهم قسماً آخر، فالمستشرقون بشر، والبشر فيه الموضوعي وفيه السطحي، والمستشرقون مجتهدون، وقد يخطئ المجتهد وقد يصيب"[32].(203/19)
أما صفتهم بالبشرية فواردة. وأما وصفهم بالإجتهاد فأمر يحتاج إلى نظر، وليس من الإنصاف للمستشرقين أن نرقى بهم إلى هذه الدرجات، ومع هذا فعلينا ألا نغفل العلاقة القوية بين الاستشراق والتنصير والصلة الوثيقة بينهما وأن تاريخ التنصير مرتبط إرتباطاً وثيقاً بتاريخ الاستشراق، وهما لا ينفصلان عن تاريخ الاستعمار السياسي والفكري والأخلاقي[33]. وأن الآراء الاستشراقية كانت ولا تزال ((تنشر في المؤسسات التي أنشأها التبشير كالمستشفى، والمدرسة والجامعة، والمخيم، والنوادي الاجتماعية، وكذلك كانت الآراء الاستشراقية تنشر في أكبر وسيلة عبر الكلمة المكتوبة من كتب ودوريات ومجلات، ومحاضرات وندوات، ومؤتمرات))[34].
ولا بأس من أن نختم هذه الجولة في تثبيت العلاقة بين الاستشراق والتنصير بعبارة أوردها ((قاسم السامراني)) ((لصموئيل زويمر)) مع الإحجام عن التعليق يقول ((زويمر)): "إن من جملة المطالب في الجزيرة العربية بل وأولها: الحق التاريخي، لأننا نعرف أن أصقاعاً واسعة في الشرق الأدنى كانت نصرانية، والآن إسلامية، وأن المطالبة بشمال أفريقيا وسوريا وإيران وفلسطين والجزيرة العربية وآسيا الوسطى حق للنصرانية في استعادتها... يجب أن نعيد كسب الجزيرة العربية لدين المسيح من أجل كرامة الكنيسة، من أجل كرامة اسم المسيح ومن أجل شهداء نجران الذين ذكرهم القرآن.. إن الجزيرة العربية هي مهد الإسلام.. وإن المحمديين في حاجة إلى بشارة الإنجيل بنفس الحاجة التي يحتاجها الآخرون (من غير النصارى). إن الإسلام ليس هرطقة نصرانية، بل إنه كذلك ليس ديناً غير نصراني – إن الإسلام عدو للنصرانية في أصولها وأخلاقها وتاريخها وحياتها"[35].
2 – الاستشراق في خدمة اليهودية:(203/20)
إذا كان المستشرقون بمجملهم قد عملوا على تحقيق أهداف عدة على رأسها الأهداف الدينية ثم الاستعمارية والسياسية والتجارية والعلمية مدفوعين بدوافع مشابهة، فإن هذه الأهداف – عدا العملية – إلى اليهود ألصق منها بغيرهم من المستشرقين، رغم ما تركته الحروب الصليبية من إصرار للمسيحيين على العودة إلى الديار المقدسة بأي شكل من أشكال العودة. واليهود أكثر إصراراً على العودة بعد أن أجلاهم عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – من الجزيرة العربية عندما أدرك ((أن الدولة الإسلامية لا يمكن أن ترسخ في شبه جزيرة العرب ما دام اليهود يثيرون أهلها على الدولة ويفقرونها بالربا الفاحش))[36] ولسنا هنا بصدد التوسع في سرد تاريخ اليهود وعلاقتهم بالمسلمين منذ البعثة المحمدية – على صاحبها الصلاة والسلام – ولكن يكفي أن نقرر هنا أن دخول اليهود مضمار الاستشراق إنما تدفعه بواعث عرقية قديمة لم تكن وليدة القرون المتأخرة، وأن اليهود يتطلعون إلى العودة إلى ((خيبر)) و((المدينة المنورة)) عن طريق ((القدس)) و((الجليل)). فعندما سقطت ((القدس)) في أيدي اليهود سنة 1387هـ/ 1967م دخلها وزير الدفاع – آنذاك – ((موشي دايان)) مع الحاخام الأكبر ((شلوموغورين))، وبعد أن أدى صلاة الشكر عند حائط البراق الشريف قال: ((اليوم فتحت الطريق إلى بابل ويثرب)) وتقول رئيسة الوزراء السابقة ((غولدا ماثير)) وفي في ((إيلات)): ((إني أشم رائحة أجدادي في خيبر)). ويقول ((هرتزوغ)) لامرأة مسلمة ضيق عليها اليهود الخناق حتى دهموا دارها بالجرافات، فآثرت الرحيل إلى المملكة العربية السعودية حيث أبناؤها: ((إذا رأيتِ الملك فيصل (رحمه الله) فقولي له إننا قادمون إليه، فإن لنا أملاكاً عنده، إن جدنا إبراهيم هو الذي بنى الكعبة إنها ملكنا وسنسترجعها بالتأكيد))[37] وهذه أقوال ((قادة)) يهود يملكون – نوعاً ما – القرار السياسي والعسكري.(203/21)
ومن هذا المنطلق يسعى اليهود إلى الوصول إلى هذه الأهداف مستخدمين وسائل شتى، من ضمنها الاستشراق بالمفهوم الذي يناقش فيه هنا، ولذا لم تغفل الجامعات اليهودية الدراسات الإسلامية والعربية أقساماً مستقلة فيها، بل هي الآن وبحكم قربها من العالم العربي والإسلامي أكثر تأثيراً من مراكز ومعاهد الدراسات العربية والإسلامية في البلاد الأخرى. وتتاح لها من الظروف والإمكانات ما لا يتاح لتلكم المراكز والمعاهد.
وقد حاول المستشرقون اليهود في البدايات الأولى للاستشراق التكتم على انتمائهم اليهودي ونظروا إلى أنفسهم، وأرادوا الآخرين أن ينظروا لهم على أنهم مستشرقون فحسب، وقَلَّ منهم من صرح بيهوديته.
ويأتي اتجاه اليهود نحو الاستشراق في البدايات فقط إلى الشعور السامي لديهم وأنهم والعرب – منشأ الإسلام – يعودون إلى أصول واحدة، فدرسوا العبرانية في البداية وجرتهم دراسة اليهودية إلى دراسة الإسلام عندما أرادوا أن يبرزوا الأثر اليهودي على الإسلام كما أراد المستشرقون المسيحيون إبراز الأثر المسيحي على الإسلام.
وما الاستشراق اليهودي إلا إمتداد لموقف اليهود عموماً من العرب والمسلمين، ذلك الموقف الذي لم يكن وليد القرون المتأخرة، بل صاحب الإسلام منذ أيامه الأولى في المدينة المنورة. ولذا نجد أن جانب الإنصاف والنزاهة بين المستشرقين اليهود يقل كثيراً عنه بين المستشرقين والمسيحيين أو الملحدين من غير اليهود. وهذه ردة فعل طبعية أملتها الجذور التاريخية للعلاقة بين العرب واليهود. ولذا نجد أن هناك من يصنف المستشرقين على فئتين:
ففئة تستحق التقدير والاحترام لما لها من المآثر في نشر العلم والثقافة وتسهيل الوصول إلى مؤلفات وأعمال ودراسات بادروا إلى تحقيقها ودرسها وفهرستها ونشرها. وهذه الفئة هي التي كانت ذات أهداف علمية نزيهة.(203/22)
وفئة أخرى – ومعظمهم من اليهود، أو ممن يتعاطف معهم – درسوا الإسلام وعلومه قصداً إلى محاربته وإنكار أصالته وأهميته وأثره في تفكير المؤلفين الأوربيين وفي المنجزات الفكرية الحضارية[38] وهذا تقسيم سريع لفئات المستشرقين أريد منه التأكيد على التأثير اليهودي على الفئة الأخرى للاستشراق. والحق أن المستشرقين طوائف عدة إذا نظر إليهم بعيداً عن جنسياتهم وخلفياتهم الثقافية. فمنهم فئة لم تملك ناصية اللغة فأخطأت في نشر الكتب وفي فهم النصوص. ومنهم فئة آثرت في دراساتها مآرب السياسة والتعصب للدين فوجهت الحقائق وفسرتها بما يوافق أغراضها أو ما تسعى إليه. ومنهم فئة أوتيت الكثير من سعة العلم والتمكن من العربية والإخلاص للبحث والتحرر والإنصاف[39].
ومثل هذا أن يقال عنهم إنهم فئات متعددة حسب الميول والأهواء. فالفئة ذات المآرب السياسية هي الفئة التي يمكن أن يقال عنها إنها الفئة المتعصبة للغرب وطنياً وجنسياً، وهناك فئة المستشرقين الماديين الملحدين الذين يدعون إلى هدم المجتمعات القائمة ويؤكدون على أن الأديان تقف في عقبة في طريق الإصلاح الإجتماعي، وهناك فئة المؤمنين المحترفين سماسرة التنصير يتخذون من تشويه الإسلام صناعة لهم يستدرون بها الرزق، وهناك طائفة المغرمين بالأساطير والخرافات والخيال ينقلون عن المجتمع العربي المسلم صوراً علقت في أذهانهم عندما قرأوا ((ألف ليلة وليلة)). وهناك فئة الصهاينة وهي أخطر الفئات على الإطلاق لما يتوافر لها من الإمكانات المادية والوسائل الدعائية والإعلامية ودور النشر وغيرها[40]. وهناك فئة المستعمرين التي تبحث الآن عن مجالات أخرى تخدم فيها الاستعمار بعد أن شهدت أفوله على أرض العرب والمسلمين.(203/23)
والمستشرقون من حيث اهتماماتهم فئات أيضاً. فهناك فئة عنيت بالقرآن الكريم وعلومه، وهناك فئة اهتمت بسيرة الرسول – صلى الله عليه وسلم –. وهناك فئة عنيت بالسنة والحديث. وهناك فئة ركزت على الفرق الإسلامية. وهناك فئة عنيت بالتعاليم الإسلامية، وهناك فئة اهتمت بالفتوح الإسلامية، وهناك فئة ركزت على الولاة والأمراء وحكام الأمصار والخلفاء في الدولة الإسلامية، وهناك فئة درست الحضارة الإسلامية ومالها من تأثير وما عليها من تأثر[41] وهناك فئة تخصصت في الآداب العربية، وهناك فئة اهتمت بالفن الإسلامي. وفئة أخرى إتجهت إلى العلوم عند المسلمين. وهكذا تتعدد الفئات حسب الإهتمامات. ويدخل اليهود المستشرقون في هذه الفئات جميعها محاولين عدم التميز عن غيرهم من المستشرقين، بل ربما تعمدوا إخفاء الخلفية العرقية التي يعودون إليها واكتفوا بأنهم مستشرقون إنجليز أو فرنسيون أو ألمان أو هولنديون أو أمريكيون.. إلخ ((وهكذا لم يرد اليهود أن يعملوا داخل الحركة الاستشراقية بوصفهم مستشرقين يهوداً حتى لا يعزلوا أنفسهم وبالتالي يقل تأثيرهم... وبذلك كسبوا مرتين: كسبوا أولاً فرض أنفسهم على الحركة الاستشراقية كلها، وكسبوا ثانياً تحقيق أهدافهم في النيل من الإسلام، وهي أهداف تلتقي مع أهداف غالبية المستشرقين النصارى[42].
ولذا نجد الصعوبة في تحديد كنههم من حيث الخلفية العرقية. ويرصد ((العقيقي)) تسعة وعشرين مستشرقاً عاشوا بين القرنين العاشر والسادس عشر الميلاديين ويعتبرهم ((طلائع المستشرقين)) فلا نجد منهم يهوداً إلا إثنين تنصراهما ((يوحنا بن داود الإسباني)) ((ويوحنا الإشبيلي)) اللذان عاشا في منتصف القرن الثاني عشر الميلادي[43]. وتنصرهما يؤيد الرأي القائل بأن المستشرقين اليهود تعمدوا إخفاء كنههم.(203/24)
1 - ولعل أبرز المستشرقين اليهود ((إيناس غولدتسيهر 1850 – 1921م)) وهو مستشرق مجري (هنجاري) اتجه إلى دراسة العبرانية وتخرج باللغات السامية. ثم اهتم بالعربية والإسلام ونشر أبحاثه بالألمانية والفرنسية والإنجليزية. ويعد من الذين أسهموا في تغيير الدراسات العربية الإسلامية تغييراً جذرياً، إذ وضع خطة عامة اتبعها مستشرقون بارزون بعده واعترفوا له بأنه اعطى الدراسات العربية والإسلامية في الغرب قالباً جديداً[44].
2 - ومن أبرز المستشرقين اليهود ((غوستاف فون غرونباوم 1909 – 1972م)) وهو نمساوي الأصل. تخرج من جامعتي فينا وبرلين وانتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية يتنقل بين جامعاتها ويغلب على إنتاجه اهتمامه بالأدب العربي.
3 - ومستشرق آخر فرنسي معاصر هو ((كلود كاهين المولود سنة 1909م)) تخرج باللغات الشرقية من السربون ومدرسة اللغات الشرقية ومدرسة المعلمين العليا وحاضر في مدرسة للغات الشرقية وعين أستاذاً لتاريخ الإسلام في كلية الآداب بجامعة ((ستراسبورج)) ((ثم في جامعة ((باريس)). ويغلب على أعماله التركيز على التاريخ. وغير هؤلاء من مشاهير المستشرقين اليهود، وقد أورد ((محمد بن عبود)) مجموعة الأسماء اللامعة في عالم الاستشراق اليهودي لعله من المناسب إثباتها هنا[45]. مع الاستعانة ((بالعقيقي)) في ((المستشرقون)) للتعرف عليهم ومنهم من لم يذكره ((محمد بن عبود)) ومنه من لم يترجم له ((العقيقي)).
4 - ((سليمان مونك 1805 – 1867م)) وهو ألماني الأصل فرنسي النشأة والوفاة يتكلم الألمانية والفرنسية والعربية والفارسية والسنسكريتية، وأكثر آثاره دراسات ضمنها شُهريات المجلات الفرنسية.(203/25)
5 - ((كارل بول كازباري 1814 – 1892م)) مستشرق ألماني تحول إلى النصرانية معتنقاً الكاثوليكية اشتهر بتفسير التوراة. له (القواعد العربية) باللاتينية، وتعليم المتعلم للزرنوجي، أشرف على طبعه وقدم له ((فلايشر)) وطبع في ((لايبزبغ 1838م وقازان 1901م).
6 - ((جيمس دار مشتيتر 1849 – 1894م)) مستشرق فرنسي من أساتذة معهد فرنسا – تتبع المهدي منذ نشأة الإسلام إلى 1885م وركز على آثار فارسية وزراد شتية.
7 - ((جوزف ديرنبورغ 1811 – 1895م)) من مستشرقي فرنسا. عني عناية تامة بالتلمود، وأصبح من كبار علماء العبرية والعربية وتوفي بباريس. غلبت على تصانيفه اللغة والأدب.
8 - ((مورتر شتايناشايدر 1816 – 1907م)) مستشرق ألماني تعلم العربية في النمسا وعمل في المكتبة البودلية وفي مكتبة برلين الوطنية. يغلب على إنتاجه الضبط الببليوغرافي للمخطوطات العربية والترجمات. وبرز اهتمامه باليهودية من خلال آثاره.
9 - ((هارتفغ ديرنبورغ 1844 – 1908م ((هرتوغ ديرنبورغ)) وعن ((العقيقي)) أنه ابن ((جوزف ديرنبورغ)) وعن ((محمد بن عبود)) أنه أخوه، وهو من مستشرقي فرنسا ولادته ووفاته بباريس. ودرَّس العربية بألمانيا وعين أستاذ اللغة العربية بمدرسة اللغات الشرقية بباريس ثم في مدرسة الدراسات العليا ثم بقسم المخطوطات بمكتبة باريس الوطنية. وكانت له صولات وجولات مع المخطوطات في الأسكوريال ومدريد وغرناطة. له آثار عدة في اللغة والأدب.
10 - ((إدوارد غلازر 1855 – 1908م)) من المستشرقين النمساويين. وكانت وفاته بميونخ، عين مساعد أستاذ للغة العربية بجامعة فينا، طاف بلاد العرب في آسيا وأفريقيا خرج منها بألف واثنين وثلاثين من الكتابات القديمة المنقوشة على الأحجار، ومائتين وخمسين من مخطوطات الزيديين في اليمن، ونشر كتابات حميرية.
11 - ((سيجموند كرانكيل 1855 – 1909م)).(203/26)
12 - ((ديفيد إبراها موفيش شورسون 1818 – 1911م)) مستشرق روسي تحول إلى النصرانية معتنقاً اللوثرية. كان متخصصاً باللغة العبرية. ويتقن اللغة العربية ويعتبر من مؤسسي المدرسة الروسية للدراسات الإسلامية.
13 - ((يوليوس ليبرت 1866 – 1911م)) مستشرق ألماني ركز على الطب عند المسلمين وخاصة طب العيون وله فيه آثار منها أطباء العيون عند العرب في مجلدين عاونه فيه ((هيرشبرغ وميتفوخ)).
14 - ((ويلهلم باكر 180 – 1913م)) من المستشرقين الألمان، ركز جل اهتماماته على فارس.
15 - ((جوزف هاليفي 1837 – 1917م)) مستشرق تركي الأصل فرنسي النشأة يعد من أساتذة مدرسة الدراسات العليا بالسربون. تقمص شخصية متسول يهودي وجال بجنوبي بلاد العرب ووصل إلى نجران. وعاد معه ستمائة وستة وثمانين نقشاً من كتابات قديمة. وركز في بحوثه على السامية وما يتعلق بها.
16 - ((هيرمان ريكندروف 1863 – 1924م)) من المستشرقين الألمان انصرف لدراسة اللغات السامية و((المصرية)) والسنسكريتيه والصينية – عين أستاذاً للعربية في فرايبرغ. ركز في دراساته على النحو العربي مع دراسات في الأدب.
17 - ((يوليوس هيرشبرغ 1843 – 1925م)) مستشرق بولوني متخصص بتاريخ اليهود في الجزيرة العربية كتب عن السموءل وديوانه. وله آثار ركز فيها على اليهود في المجتمع الإسلامي.
18 - ((ديفيد سانتيلانا 1855 – 1931م)) من مستشرقي إيطاليا ومن مواليد تونس. درَّس القانون واشتهر بالفقه الإسلامي. وضع القانون المدني والتجاري لتونس بدعوة من المقيم الفرنسي فيها. وقد أخذ كثيراً من الشريعة الإسلامية، درَّس بمصر الفلسفة الإسلامية واليونانية والسريانية. آثاره يغلب عليها الفقه والقانون والفلسفة.(203/27)
19 - ((جوزف هوروفتز 1874 – 1931م)) من المستشرقين الألمان. درَّس العربية في جامعة عليكرة بالهند، وتخصص بالإسلام في الهند. انتقل إلى ألمانيا ودرَّس بجامعة فرانكفورت، وعد من أشهر أساتذتها. له مصنفات وآثار في معارف كثيرة.
20 - ((ماكس سوبرهايم 1872 – 1932م)).
21 - ((ج برجشتراسر 1886 – 1933م)) من المستشرقين الألمان درَّس الفلسفة واللغات السامية والعلوم الإسلامية، ودرس اللهجات العامية. زار تركيا ومصر وعمل فيهما. سقط على أحد جبال الألب فمات. له آثار عدة عن القرآن الكريم والفقه الإسلامي.
22 - ((هرتفرج هيرشفيلد 1854 – 1934م)) مستشرق ألماني عنى بالدراسات السامية. وكتب عن السموءل وشعره والشعر المنسوب له. كما كتب عن حسان ابن ثابت وله دراسات في اليهودية والإسلام.
23 - ((ريتشارد غوتهايل 1862 – 1936م)) من المستشرقين الأمريكيين تخرج من جامعات ألمانيا. أتقن العربية على يد شيخ من مشايخ الأزهر. درَّس في كولومبيا. تنوعت آثاره من حيث الفنون التي طرقها.
24 - ((أ. ى فنسنك 1882 – 1939م)) مستشرق هولندي: أتقن اللغات السامية، وتخصص في أديان الشرق، وعني بالحديث الشريف، ووضع مع مجموعة من المستشرقين المعجم المفهرس لألفاظ الحديث ولم يتمه. وتولى تحرير دائرة المعارف الإسلامية. إهتم بموقف الرسول – عليه الصلاة والسلام – من اليهود وله آثار أخرى.
25 - ((ديفيد صموئيل مورغليوث 1858 – 1940م)) مستشرق إنجليزي دخل سلك الرهبنة ويعد من أئمة المستشرقين. كتب بالعربية بسلاسة وهو صاحب نظرية الإنتحال في الشعر الجاهلي. له آثار ومباحث وتحقيقات عدة.
26 - ((يوجين ميتفوخ 1867 – 1942م)) مستشرق ألماني تخصص في فقه اللغات السامية وركز على فقه اللغة الحبشية والسبأية وتاريخ جنوب الجزيرة العربية. وشارك في نشر كتاب أطباء العيون عند العرب مع ((ليبرت)) و((هيرشبورغ)) سالفي الذكر. وحاول ترجمة معاني القرآن الكريم إلى الأمهرية.(203/28)
27 - ((بول كراوس 1904 – 1944م)) مستشرق ألماني تقلد مناصب تعليمية عدة في ألمانيا وفرنسا ومصر. وشهد له أعلام المستشرقين بالعمق والشمول والتفرد وكان يتوقع له مستقبل باهر. إلا أنه أنهى حياته بنفسه. ركز على إسهامات المسلمين العلمية.
28 - ((ماكس مايرهوف 1874 – 1945م)) من المستشرقين الألمان تخرج طبيباً وزاول الطب. وتعلم اللغات في القاهرة خاصة التي تتحدثها القاهرة وعالج فقراءها مجاناً، ودرس الطب العربي وكتب عنه كتابات مرجعية وله فيه آثار عدة.
29 - ((أ. شاده 1883 – 1952م)) مستشرق ألماني تخرج باللغات الشرقية ودرَّس في هامبورج وفي مصر، عني بكتابته عن بعض الأدباء المعاصرين. ترجم ونشر مجموعة من الدراسات والشروح.
30 - ((كارل بروكلمان 1868 – 1956م)) مستشرق ألماني تخرج باللغات السامية واشتهر بلغته العربية والتاريخ الإسلامي والأدب العربي ودرسها في جامعات شتى. واشتهاره بالأدب العربي لم يقتصر على المفهوم الشائع للأدب العربي، بل إن مؤلفاته تشير إلى إضطلاعه بإسهامات المسلمين في شتى مجالات المعرفة التي برزت في كتابه ((تاريخ الأدب العربي)). وكتابه ((تاريخ الشعوب الإسلامية)). وآثاره غير يسيرة وترجم لمجموعة كبيرة من أعلام المسلمين في دائرة المعارف الإسلامية.
31 - ((ايفارست ليفي – برفنسال 1894 – 1956م)) من مستشرقي فرنسا. ولد بالجزائر ودرس بها، ثم درس بالمغرب العربي وركز على لغة جبلة، شمالي المغرب. أمضى معظم وقته في الشمال الأفريقي يدرس ويبحث. تخصص كثيراً في الأندلس، وعُدَّ مرجعاً فيه، وله فيه باع طويل من البحوث والدراسات. ووجد في التسامح الإسلامي نحو اليهود في الأندلس ما ينقض العنصرية والاضطهاد اللذين عانى منهما اليهود في حياته، ولذا برز حنينه إلى الأندلس وأهلها.(203/29)
32 - ((ليو آريه ماير 1895 – 1959م)) من المستشرقين النمساويين. اختير رئيساً لمعهد العلوم الشرقية في القدس. وأصدر حولية في الآثار والفنون الإسلامية بعدة لغات، ركز على فلسطين في آثاره.
33 - ((لوى ماسينيون 1883 – 1962م)) مستشرق فرنسي تتلمذ على مشاهير المستشرقين وكانت له صولات وجولات علمية وعسكرية في الشرق. واهتم بالتصوف وكتب عنه بدائرة المعارف الإسلامية. له من الآثار ما يربو على ستمائة وخمسين بين مصنف ومحقق ومترجم ومقالة ومحاضرة وتقرير ونقد. له أياد ((بيضاء)) على الحركة الاستعمارية في العالم العربي.
34 - ((وليام بوبر 1874 – 1963م)) مستشرق أمريكي ومن أعلام المستشرقين في أمريكا. تنقل بين البدو وأخذ عنهم لهجاتهم وقصصهم، وعاد إلى الولايات المتحدة ودرس بجامعة كاليفورنيا. وواصل جهود سابقيه في نشر كتاب (النجوم الزاهرة)) ((لابن تغري بردي)).
35 - ((روبين ليفى 1891 – 1966م)) مستشرق بريطاني تعلم في جامعات نورث ولسون وبنجور وأكسفورد. عمل في العراق وأقام في أمريكا وعاد إلى بريطانيا. له آثار في فارس والعراق وغيرها.
36 - ((جورجيو ليفي دلافيدا 1886 – 1967م)) من المستشرقين الايطاليين، أستاذ العربية واللغات السامية المقارنة بجامعة روما، ومن كبار الباحثين في تاريخ الدين الإسلامي وغلب على آثاره اهتمامه بالشعر والشعراء.
37 - ((جوزف شاخت 1902 – 1969م)) مستشرق ألماني تقلد مناصب تعليمية عدة في ألمانيا ومصر وبريطانيا وأمريكا والجزائر وهولندا. وقد اشتهر بدراسة التشريع الإسلامي وبيان نشأته وتطوره و((تأثره)) وأثره. وله آثار عدة وهو من محرري دائرة المعارف الإسلامية.
38 - ((مارسل كوهين 1884م)) مستشرق فرنسي وعالم لغوي من أساتذة مدرسة اللغات الشرقية ومدرسة الدراسات العليا بباريس. له بحوث وآثار سامية تركز فيها على اللغات السامية.(203/30)
39 - ((مكسيم رودنسون 1915م)) مستشرق فرنسي ماركسي درَّس في باريس في المدرسة الوطنية للغات الشرقية الحية والمدرسة العلمية للدراسات العليا. درَّس في صيدا وعمل في بيروت ودمشق أمين مكتبة، له آثار كثيرة غلب عليها اهتمامه بالاقتصاد الرأسمالي والمراكسي، كما غلبت كتابته في الوضع العربي الراهن، عرف عنه معارضته للصهيونية.
40 - ((برنارد لويس 1916م)) مستشرق بريطاني درَّس في لندن وباريس، ودرَّس في الولايات المتحدة الأمريكية بجامعة برنستون وغيرها من جامعات الولايات المتحدة، بالإضافة إلى تدريسه في جامعات بريطانيا. ركز في دراساته على التاريخ عموماً وعلى تاريخ الإسماعيلية بخاصة، ويتابع النشاط الإسلامي في أوروبا وأمريكا. لا يتورع عن التأكيد على صهيونيته وإعلانها.
41 - ((ديفيد كوهين)) مستشرق فرنسي معاصر وعالم لغوي له آثار لغوية عدة في السامية.
42 - ((إسرائيل ولفنسون)) معاصر ويكنى بأبي ذؤيب. درَّس اللغة السامية بدار العلوم ثم بالجامعة المصرية. له تاريخ اليهود في بلاد العرب في الجاهلية وصدر الإسلام بالعربية. وقدم له ((طه حسين)). وتاريخ اللغات السامية بالعربية، و((موسى بن ميمون)) حياته ومصنفاته بالعربية، وقدم له ((مصطفى عبدالرازق))، وكعب الأحبار بالألمانية. ونشر كتاب (المصائد والمطارد) ((لأبي الفتح كشاجم)) ويعد من المستشرقين الألمان.
ومن الصعب جداً حصر الأسماء اليهودية في عالم الاستشراق للأسباب سالفة الذكر، ومالم يكن الباحث عالماً بطريق غير مباشر عن كُنه المستشرق، إلا أنه يغلب على المستشرقين اليهود إهتمامهم المباشر بالسامية وتعلقهم بها، حتى لا يكاد مستشرق يهودي يطرق أبواب الاستشراق دون أن يمر على اللغات السامية أو يتقن العبرية. ولعلهم بهذا يقتفون أثر ((إمامهم)) إيناس جولدتسيهر)) الذي بدأ رحلته الاستشراقية بالإهتمام بالعبرانية ثم اتجه منها إلى الإسلام والعربية[46].(203/31)
وتزداد الصعوبة في الوقت الراهن عندما ندرك أن اليهود عملوا على السيطرة على مراكز ومعاهد الدراسات الإسلامية والعربية والشرق أوسطية، فوجهوها الوجهة التي تعين على تثبيت أقدام اليهود في فلسطين المحتلة. وهذا يقلق كثيراً من المستشرقين من غير اليهود ممن يمكن أن يوصفوا بالنزاهة والتجرد. وقد صرح لي بهذا الأستاذ ((رالف برابنتي)) أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة ((دوك)) بولاية ((نورث كارولينا)) بالولايات المتحدة الأمريكية. والمقصود هنا النزاهة النبسبية التي تتضح لبعض الباحثين دون بعض اعتماداً على نظرة الباحث إلى المستشرق الموسوم بالنزاهة.
ولا تقتصر السيطرة على إدارة هذه المراكز والمعاهد فحسب، وإنما أيضاً شملت التحكم فيما يقال عن المنطقة في المؤتمرات والندوات التي تنعقد في الجامعات والمؤسسات العلمية والتعليمية. فالتي لا تتاح لهم فيها فرصة المشاركة الفعلية تراهم يرسلون إليها مندوبين لهم يرصدون ما يقال في هذه اللقاءات ويكتبون عنه التقارير لمكتب الملحقية الثقافية اليهودية، وهذا بدوره يكتب لهذه المؤسسات طالباً عدم التعرض لليهود ولدولتهم في فلسطين بشيء من السلبية. هذا بالإضافة إلى رصد المعلومات عن هذه الأنشطة ومعرفة توجهها ومحاولة الإسهام فيها.(203/32)
ولذا لا يستبعد المرء أن تستفحل حركة الاستشراق الصهيوني وأن تكون الطاغية على الاستشراق في فترة تأتي قد تطول إذا ما استمرت السيطرة الصهيونية على جميع مرافق الحياة العلمية والاقتصادية والسياسية في المجتمع الغربي عموماً، وفي مجتمع الولايات المتحدة الأمريكية بخاصة بعد تسلمها زمام الحضارة الغربية من أوروبا، مما أتاح للمستشرقين وغيرهم من اليهود أن يصبوا جام غضبهم بسبب ما حصل لهم من إضطهاد في أوروبا على بعض الحركات السياسية والعرقية فيها، وبصورة أوسع وأشمل وأوضح على طرف ثالث أكثر من الطرف الثاني الأوروبي، وقد برزت ردود الفعل هذه ((بوضوح، خصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية، في كتابات المستشرقين الصهاينة وعلى رأسهم ((بارنارد لويس)). إن بذور الصهيونية قد غرست خلال القرن التاسع عشر (الميلادي) ولكن الشجرة الصهيونية قد ازدادت نمواً خلال القرن العشرين (الميلادي)، فكان الهدف الأصلي لهذه الحركة من وراء إهتمامها بالإسلاميات الحصول على المعلومات الكافية عن الفلسطينيين الذين سيتركون بلادهم لتؤسس فيه الدولة الصهيونية مستقبلاً. كما أولى الصهاينة إهتماماً كبيراً للدول المجاوره لفلسطين لمنع احتمال ردود فعل ضد تأسيس دولة إسرائيل. وكان الصهاينة – شأنهم في ذلك شأن أسلافهم المستعمرين – مهتمين بالدراسات العربية والإسلامية أساساً كوسيلة لتحقيق أهداف سياسية[47] وإذا كان يتردد أن تأثير الاستعمار قد انتهى فلا يزال للصهيونية تأثيرها في الدراسات العربية والإسلامية خصوصاً في الولايات المتحدة – كما سبق التنويه عليه –.(203/33)
وقد ساعد التنصير على ترسيخ فكرة الاستشراق الصهيوني من خلال تشجيع دراسة اليهود للعرب والمسلمين مما ساعد على استغلال التنصير لليهود في سبيل تحقيق أهداف التنصير الدينية والسياسية. وقد اقتنع المنصرون أن جمع اليهود في فلسطين يسهل لهم مهمتهم في الوصول إلى المسلمين[48]. ولا تزال الجمعيات التنصيرية تنطلق من فلسطين المحتلة رغم سيطرة اليهودية على البلاد. ولا بأس – في نظام القوم – من أن تتضافر الجهود في سبيل الحد من ((خطر)) الإسلام على الأمم الأخرى. ولا بأس – في نظام القوم – من ممارسة ((الإرهاب الفكري)) ضد الإسلام والمسلمين سعياً وراء توطيد الأقدام في فلسطين المحتلة إلى درجة محاولة تحريف القرآن الكريم وتوزيع نسخ مزورة منه على المسلمين مثلماً حدث في أندونيسيا وغيرها من بلاد المسلمين التي كان يعتقد أنها لجهلها بالعربية لن تنتبه لهذه النسخ المزورة. ومثلما حدث من طباعة (موجزة) للقرآن الكريم صدرت عن ((دار ديفز للنشر)) وهي دار يهودية مركزها ((شيكاغو)) بولاية إلينوي بالولايات المتحدة الأمريكية، وسمت هذه الطبعة الموجزة بالقرآن القصير[49]، كما فعلوا مع القواميس والمعاجم يصدرون طبعات موجزة عنها للرجوع السريع!(203/34)
ولا يبدو أن مثل هذه الأساليب ستجدي في تحقيق الأهداف، فهي أعمال يغلب عليها جانب السطحية في المحاولة إذا ما قورنت بما أدخله اليهود على الفكر الإسلامي منذ البدايات الأولى للإسلام، وكانوا السبب الرئيس في إختلاف الأمة وتفرقها ودخول مبدأ البدعة منها والرجوع إلى العقلانية في النظر إلى التشريع[50] وتغليب العقل على النصوص أحياناً ولو ثبتت صحتها من قبل كبار المحققين والمخرِّجين. وحيث تنبه المسلمون إلى هذه الجوانب وردوا النظريات التي شككت في صحة الحديث والآثار المروية عن الصحابة – رضوان الله عليهم – يلجأ اليهود إلى أساليب جديدة في إدخال ((الاسرائيليات الحديثة)) على الفكر الإسلامي. وكلما استنفذت وسيلة لجأوا إلى أخرى. وليس في هذا مصدر غرابة أو عجب، فقد ((تعوَّد)) المسلمون على مثل هذه الأساليب وكانوا – ولا يزالون – موفقين في ردها والرد عليها. هذا بالإضافة إلى المعلومة المسبقة عن اليهود مما يجعل اليهود يتفانون في إخفاء كنههم ولو أدى ذلك إلى تنصرهم، بل ربما إلى إسلامهم وصلاتهم مع المسلمين وحضورهم لقاءاتهم وإجتماعاتهم وأنشطتهم الأخرى. وانظر – إن شئت – إلى قصة ((فريد عبدالرحمن)) أو ((الفرد دي يونغ)) كما يرويها ((قاسم السامرائي))[51]. ولعل هذا – أيضاً – مما يؤيد صعوبة التعرف عليهم بطرق علمية مجردة. أما الذي لم يمتط صهوة التنصر أو الإسلام فاكتفى بأن يصنف من المستشرقين العلمانيين الذين اشتد أزرهم في القرن الرابع عشر الهجري/ التاسع عشر الميلادي[52]. وزادت شوكتهم في النصف الثاني من القرن الرابع عشر الهجري/ العشرين الميلادي وخصوصاً مع قيام دولة إسرائيل في فلسطين المحتلة عام 1368/ 1948م وما صاحب هذا من نقلة في إهتمامات المستشرقين عموماً والعلمانيين بشكل خاص واليهود منهم على وجه أكثر تخصصياً، إذ برزت نغمة تعميق الوجود اليهودي في منطقة ((الشرق الأوسط)) وكثر التأليف والكتابة عن هذا الموضوع قصداً إلى(203/35)
ترسيخ فكرة حق اليهود في وطن قومي لهم في فلسطين. وإن لم تكن الفكرة وليدة القرن السابق أو القرون الثلاثة الماضية المقرونة بدعوة الحاخام ((ليفا 1520 – 1609م)) لقيام وطن قومي لليهود[53]، فمما لا شك فيه أنها استشرت مع إعلان دولة إسرائيل. واتجه إلى الإستشراق أعضاء جدد لم يكونوا يفكرون بطرق أبوابه من قبل، حتى أنه دخل في هذا المفهوم الكُتَّاب الصحفيون والمعلقون السياسيون والمهتمون بالمنطقة، مما أعطى فكرة الاستشراق شيئاً من السطحية لم تكن تنعم به من قبل. وأصبحت هذه المقالات والتعليقات كتباً تباع في المكتبات على أنها مرجع عن المنطقة. وأصبح كاتبوها ممن يرجع إليهم في تحليل أو تفسير ما يقع في المنطقة من أحداث، وترك هؤلاء لأهوائهم وميولهم العنان في الإنطلاق في التحليل والتعليق الذي يناسب الوجهة التي يعملون لها، مع قدر محدود جداً من توفر الوجهة الأخرى، وشبه إنعدام للخلفية التاريخية للصراع القائم اليوم.(203/36)
ولا شك أن لهذا الاتجاه أثره على حركة الاستشراق عموماً وعلى الاستشراق الصهيوني على الأخص، خاصة أن التضخم الإقتصادي وإنتشار البطالة قد أسهم في التقليل من الصرف على مراكز ومعاهد الدراسات العربية والإسلامية والشرق أوسطية. فنقصت نسبة الطلبة نظراً لزيادة رسوم الدراسة. وألغيت بعض الأقسام أو قلص من نشاطها، مما ينبيء بتحول في النشاط الاستشراقي[54]. وفي هذه البيئة تتم لليهود السيطرة على مسار الاستشراق فيتصرفون في المؤتمرات أو الندوات والنشرات التي تصدر عن الجمعيات والمراكز الاستشراقية، مما قد يهدد بخطر أكثر عتواً من المرحلة التي كان اليهود المستشرقون فيها منخرطين بين المستشرقين مخفين حقيقتهم. وربما برزت في الأفق دعوى أحقية اليهود في الاستشراق على إعتبار أنهم قريبون من المنطقة، وأنهم جنس سامٍ يدرك ظروف المنطقة، بحكم قيام دولة لهم فيها. إضافة إلى إتقانهم لغة ((أعرابية)) تسهل عليهم كثيراً إتقان اللغة العربية. وهم في الأصل شرقيون ما يعينهم على إدراك المشكلات الشرقية، ويسكنون في الغرب فيدركون حاجات الدول الغربية من المنطقة[55]. وهكذا يبررون نزعتهم إلى السيطرة على زمام الاستشراق فلا يُدخِلون فيه إلا من يحوم في فلكهم. وربما طغى الهدف السياسي للمستشرقين عموماً واليهود بخاصة على الهدف الديني على إعتبار أن اليهود ينظرون إلى دولتهم المقامة في فلسطين المحتلة على أنها موطن الجنس اليهودي – وليس الديانة اليهودية. وعليه فإن الهدف الديني غير وارد بالقوة التي يخدمون بها الهدف السياسي في ترسيخ فكرة استمرار الدولة وشرعيتها في البقاء، في الوقت الذي تضعف فيه الحركات التي تصمم على إعادة الأرض إلى أهلها بأي شكل من أشكال الإعادة.
وهكذا يخدمون الصهيونية فكرة أولاً ثم دولة ثانياً. والظروف العامة والظواهر المترادفة في كتابات المستشرقين من هذه الفئة تعزز وجهة النظر هذه وتخلع عليها بعض خصائص الإنتاج العلمي[56].(203/37)
ومع هذه الجهود المضنية في السيطرة على مسيرة الاستشراق وتوجيهها الوجهة التي تتفق وأهداف وتطلعات الاستشراق اليهودي، مع هذا هل من الممكن إعتبار مدارس للاستشراق تكون ((المدرسة اليهودية)) واحدة منها؟. هناك من صنف الاستشراق إلى أربع مدارس:
1 - المدرسة النصرانية – الكاثوليكية والبروتستانتية.
2 - المدرسة اليهودية.
3 - المدرسة الإلحادية العامة.
4 - المدرسة الإلحادية الشيوعية[57].
ولا شك أن هناك ما تميز به المستشرقون اليهود من حيث تركيزهم على اللغات السامية، وإصرارهم على إعتماد الإسلام على اليهودية، وإقحامهم الإسرائيليات في التاريخ الإسلامي، وتأكيدهم على وضع اليهود في الجزيرة العربية بعد ظهور الإسلام إلى الوقت الحاضر على المستوى العربي عموماً[58]، بل على المستوى العالمي، وهذه كلها لا ترقى إلى أن يكون هناك مدرسة استشراقية يهودية، فلقد جر المستشرقون اليهود غيرهم من الملحدين والنصارى إلى تبني ما ذهبوا إليه، واتفق المستشرقون اليهود مع غيرهم من المستشرقين على مواقفهم من القرآن الكريم، وسيرة الرسول – عليه الصلاة والسلام – وسنته، والشريعة والتاريخ الإسلامي والسير وغيرها، فلا تكاد تميز بينهم في مواقفهم هذه. وانخرط المستشرقون ((الآخرون)) في النظرة المعاصرة للمنطقة فأصبحت تجد صعوبة في التعرف على كُنه المستشرق وهو يتحدث عن المنطقة. ولا تستطيع الحكم عليه باليهودية لمجرد حماسه لدولة إسرائيل. فلقد وجد مستشرقون غير يهود تحمسوا لقيام دولة إسرائيل في فلسطين المحتلة أكثر من تحمس بعض المستشرقين اليهود لها، وذلك لإنخراطهم في خدمة الصهيونية العالمية بشكل مباشر أو غير مباشر.(203/38)
هذا مع التشكيك جملة وتفصيلاً في أن الاستشراق عموماً قد وصل إلى مستوى أن يقسم إلى مدارس لما لمصطلح ((مدرسة)) من عمق في التفكير وجديد الإضافة والتميز الملحوظ، الأمر الذي لم يتحقق بوضوح في مسألة الاستشراق إلى درجة أنه لا يصل إلى أن يطلق عليه ((علم)) له أصوله ومناهجه ونظريته التي ينطلق منها، بل ربما صح أنه ظاهرة مثله في هذا مثل التنصير والإستعمار[59].
وما كان التركيز في هذه الجولة إلا على التأكيد على أن الاستشراق قد خدم اليهودية والصهيونية وأن هناك علاقة بين الاستشراق واليهودية بدت واضحة من خلال توجهات المستشرقين عموماً بغض النظر عن خلفياتهم التي انطلقوا منها.
ــــــــــــــــــــــــــ
[1] سبقت مناقشة علاقة الاستشراق بالاستعمار. أنظر: علي بن إبراهيم النملة. ((العلاقة بين الاستشراق والإستعمار)). التوبادمج. ع4 (شوال 1408هـ يونيو 1988م). ص38 – 42.
[2] لقد ناقشت مجموعة من الأعمال العلمية التي تحدثت عن الاستشراق أهداف وأغراض هذه الظاهرة وتكاد تجمع على أن الهدف الأول هو الهدف الديني الذي يتضمن التنصير فأقيمت العلاقة بين التنصير والاستشراق من هذا المنطلق. (أنظر محمود حمدي زقزوق. الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري. قطر: رئاسة المحاكم الشرعية والشئون الدينية بدولة قطر، 1404هـ – ص27 – 31. (سلسلة كتاب الأمة/5).
[3] محمد شامة، الإسلام في الفكر الأوربي، القاهرة: مكتبة وهبة، 1400هـ/ 1980م، ص222.
[4] نجيب العقيقى. المستشرقون. 3 أجزاء. القاهرة: دار المعارف، (1980م). 1/110 – 125.
[5] بركات عبدالفتاح دويدار. الحركة الفكرية ضد الإسلام. مكة المكرمة: المركز العالمي للتعليم الإسلامي، جامعة أم القرى، 1406هـ. ص101.
[6] نجيب العقيقي: المستشرقون. 3/249 – 316.(203/39)
[7] انطلاقة التنصير مع الحروب الصليبية يقصد بها – هنا – ما يتعلق بالتنصير من حيث كونه موجهاً إلى الإسلام وإلا فالتنصير قديم في انطلاقته. واتضح في جوف آسيا والجزيرة العربية في أواخر القرن الخامس الميلادي. (أنظر إسماعيل مظهر. تاريخ تطور الفكر العربي بالترجمة والنقل عن الثقافة اليونانية المقتطف. مج66. ع2. (2/1925م) ص: 1425.
[8] نذير حمدان. في الغزو الفكري: المفهوم، الوسائل، المحاولات. الطائف: مكتبة الصديق، (د.ت) ص101. حيث يذكر أن بدايات التنصير كانت مع وفد نجران وكتب الرسول – صلى الله عليه وسلم – إلى النصارى.
[9] علال الفاسي. ((التبشير أسلحة أخطر الاستعمار)) الهلال مج 81. ع1 (أكتوبر 1973م/ رمضان 1393هـ). ص60 – 70.
[10] محمود محمد شاكر. رسالة في الطريق إلى ثقافتنا. القاهرة: دار الهلال، 1408هـ/ 1987م. (سلسلة كتاب الهلال/ 422) ص73 – 75.
[11] عثمان الكعاك. ((صفحات سوداء من تاريخ المبشرين)). الهلال. مج 81. ع10. (أكتوبر 1973م/ رمضان 1393هـ) ص38 – 49.
[12] محمد عبدالفتاح عليان. أضواء على الاستشرا. الكويت: دار البحوث العلمية 1400هـ/ 1980م. ص24.
[13] أنور الجندي: الإسلام في وجه التغريب: مخططات التبشير والاستشراق. القاهرة: دار الاعتصام، (د.ت) ص266 – 267).
[14] علي جريشة ومحمد شريف الزبيق. أساليب الغزو الفكري للعالم الإسلامي. القاهرة: دار الاعتصام، (1978م). ص20.
[15] أ.ل شاتليه. الغارة على العالم الإسلامي – لخصها ونقلها إلى اللغة العربية مساعد اليافي ومحب الدين الخطيب. ط2. جدة: منشورات العصر الحديث، 1387هـ. ص93 – 94.
[16] عبدالله التل. جذور البلاء ط1. بيروت: المكتب الإسلامي، 1398هـ/ 1978م. ص228.(203/40)
[17] أحمد الزغيبى. الفكر الصهيوني وأهدافه في المجتمع الإسلامي. بحث مقدم لنيل درجة الماجستير في الثقافة الإسلامية. قسم الثقافة الإسلامية، كلية الشريعة بالرياض. جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. 3 مجلدات. 1405هـ/ 1985م. 3/1046.
[18] أنور الجندي: شبهات التغريب في غزو الفكر الإسلامي، دمشق: المكتب الإسلامي. 1398هـ/ 1978م، ص91.
[19] نذير حمدان. في الغزو الفكري. ص186 – 188.
[20] نبيه عاقل. ((المستشرقون وبعض قضايا التاريخ العربي الإسلامي)) في محاضرات وتعقيبات الملتقى السادس للتعرف على الفكر الإسلامي. المجلد الثاني. الجزائر في 13/6 – 1/7/1392هـ الموافق 24/7 – 10/8/1972م. نشرته في الجزائر وزارة التعليم الأصلي والشئون الدينية. ص198.
[21] نجيب العقيقي. المستشرقون 1/110 – 125.
[22] محمد بن عبود. ((الاستشراق والنخبة العربية)) المجلة التاريخية المغربية. مج9. ع27 و28. (1982م). ص199 – 215.
[23] نقلاً محمد بن عبود. ((الاستشراق والنخبة العربية)). ص202.
[24] محمود حمدي زقزوق. الإسلام والإستشراق. القاهرة: مكتبة وهبة، 1404هـ. ص22.
[25] إبراهيم خليل أحمد. الاستشراق والتبشير وصلتهما بالإمبريالية العالمية. القاهرة: مكتبة الوعي العربي، 1393هـ/ 1973م. ص67 – 68.
[26] مصطفى خالدي وعمر فروخ. التبشير والاستعمار في البلاد العربية: عرض لجهود المبشرين التي ترمي إلى إخضاع الشرق للاستعمار الغربي. صيدا: منشورات المكتبة العصرية، 1982م. ص46.
[27] أحمد سمايلوفتش. فلسفة الاستشراق وأثرها في الأدب العربي المعاصر. القاهرة: دار المعارف، (1980م). ص127.
[28] أحمد عبدالرحيم السايح. ((العلاقة بين الاستشراق والتنصير)) ((أخبار العالم الإسلامي)). مج23ع. 11 (وما بعده) (14 رجب، 1409هـ الموافق 20 فبراير 1989م). انظر العدد 1112، ص10 و14.(203/41)
[29] محمد أحمد مشهور الحداد. ((الاستشراق والمستشرقون)). أخبار العالم الإسلامي. مج23. ع1074، ص10.
[30] صلاح الدين المنجد. ((الاستشراق الألماني في ماضيه ومستقبله)) الهلال مج82 ع11، ص22 – 27 (شوال 1394هـ/ نوفمبر 1974م)، ص22 – 27.
[31] صلاح الدين المنجد، المستشرقون الألمان: تراجمهم وما أسهموا به في الدراسات العربية. ط2. ط1. بيروت: دار الكتاب الجديد، 1982م. ص7 – 13.
[32] محمد حسين علي الصغير. المستشرقون والدراسات القرآنية. ط2. بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 1406هـ/ 1986م. ص16.
[33] قاسم السامراني. الاستشراق بين الموضوعية والافتعالية. الرياض: دار الرفاعي، 1403هـ. ص51.
[34] عدنان محمد وزان. الاستشراق والمستشرقون: وجهة نظر. مكة المكرمة: رابطة العالم الإسلامي، 1404هـ/ 1984م. ص61. (سلسلة دعوة الحق/24).
[35] قاسم السامراني، الاستشراق بين الموضوعية والافتعالية. ص50 – 51. وانظر أيضاً الأمير شكيب أرسلان. حاضر العالم الإسلامي: 4 أجزاء في مجلدين – ط4. بيروت: دار الفكر، 1394هـ، 1973م – 1/278 – 282.
[36] مصطفى خالدي وعمر فروخ. التبشير والاستعمار. ص180.
[37] إسماعيل الكيلاني. لماذا يزيفون التاريخ ويعبثون بالحقائق؟! بيروت: المكتب الإسلامي، 1407هـ/ 1987م، ص31.
[38] محمد صالح البنداق، المستشرقون وترجمة القرآن الكريم: عرض موجز لمواقف وآراء وفتاوى بشأن ترجمة القرآن الكريم مع نماذج لترجمة تفسير معاني الفاتحة في ست وثلاثين لغة شرقية وغربية. ط2. بيروت: دار الآفاق الحديثة، 1403هـ. ص93 – 94.
[39] صلاح الدين المنجد: المنتقي من دراسات المستشرقين: دراسات مختلفة في الثقافة العربية: ج1، ط2. بيروت: دار الكتاب الجديد، 1396/ 1976م. ص ج – د.
[40] عباس محمود العقاد. ما يقال عن الإسلام. القاهرة: دار الهلال. 1386هـ/ 1966م. (سلسلة كتاب الهلال/ 189). ص9 – 18.(203/42)
[41] محمد عبدالفتاح عليان. أضواء على الاستشراق. ص53 – 57.
[42] محمود حمدي زقزوق. الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري. ص44.
[43] نجيب العقيقي. المستشرقون. ج1/112.
[44] محمد بن عبود. ((الاستشراق والنخبة العربية)). ص207.
[45] محمد بن عبود ((الاستشراق والنخبة العربية)) ص209 – 210.
[46] قد يذكر اسم ((جولدتسيهر)) الأول على أنه ((إجناس)) إذ يكتب باللاتينية (Ijnas ) وهذا المستشرق استقر به المقام في ألمانيا وغالبية أعماله بالألمانية ولذا يذكره الألمان على أنه ((إيناس)) بالياء لأنهم ينطقون حرف (j ) ياءً...
[47] محمد بن عبود. ((الاستشراق والنخبة العربية)). ص211.
[48] مصطفى خالدي وعمر فروخ. التبشير والاستعمار في البلاد العربية. ص181.
[49] أحمد بن عبدالله الزغيبي. الفكر الصهيوني وأهدافه في المجتمع الإسلامي. 3/1052.
[50] أنور الجندي. شبهات التغريب في غزو الفكر الإسلامي، دمشق: المكتب الإسلامي، 1398هـ. ص42 – 44.
[51] قاسم السامرائي. الاستشراق بين الموضوعية والافتعالية، ص122.
[52] نذير حمدان. الرسول – صلى الله عليه وسلم – في كتابات المستشرقين. ط1 جدة: دار المنارة، 1406هـ. ص38.
[53] علي جريشة، الاتجاهات الفكرية المعاصرة. المنصورة: دار الوفاء 1407/ 1986م. ص241.
[54] عدنان محمد وزان. الاستشراق والمستشرقون: وجهة نظر. من139 – 157.
[55] عمر فورخ. الاستشراق في نطاق العلم وفي نطاق السياسة. في الإسلام والمستشرقون. تأليف نخبة من العلماء المسلمين. جدة: عالم المعرفة، 1405هـ. ص125 – 143.
[56] محمد البهي. الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي، ص431.
[57] عبدالرحمن حسن حبنكة الميداني. أجنحة المكر الثلاثة وخوافيها: التبشير، الاستشراق الاستعمار، دراسة وتحليل وتوجيه. ط4 دمشق: دار القلم، 1405هـ. ص124 (سلسلة أعداء الإسلام/3).
[58] أنور الجندي. الإسلام في وجه التغريب. ص309 – 328.(203/43)
[59] سبقت الإشارة إلى شيء من هذا عند الحديث عن العلاقة بين الاستشراق والاستعمار. (أنظر علي بن إبراهيم النملة ((العلاقة بين الاستشراق والاستعمار)).(203/44)
العنوان: الاستشراق والمستشرقون أهداف الاستشراق ووسائله
رقم المقالة: 370
صاحب المقالة: د. مصطفى السباعي
-----------------------------------------
تنقسم أهداف المستشرقين في جملتهم من الدراسات الاستشراقية إلى ثلاثة أقسام:
أ – هدف علمي مشبوه، ويهدف إلى:
التشكيك بصحة رسالة النبي صلى الله عليه وسلم ومصدرها الإلهي، فجمهورهم ينكر أن يكون الرسول نبينا موحى إليه من عند الله جل شأنه، ويتخبطون في تفسير مظاهر الوحي التي كان يراها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً، وبخاصة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، فمن المستشرقين من يرجع ذلك إلى ((صرع)) كان ينتاب النبي صلى الله عليه وسلم حيناً بعد حين، ومنهم من يرجعه إلى تخيلات كانت تملأ ذهن النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم من يفسرها بمرض نفسي، وهكذا، كأن الله لم يرسل نبياً قبله حتى يصعب عليهم تفسير ظاهرة الوحي، ولما كانوا كلهم ما بين يهود ومسيحيين يعترفون بأنبياء التوراة، وهم كانوا أقل شأناً من محمد صلى الله عليه وسلم في التاريخ والتأثير والمبادئ التي نادى بها، كان إنكارهم لنبوة النبي صلى الله عليه وسلم تعنتاً مبعثه التعصب الديني الذي يملأ نفوس أكثرهم كرهبان وقسس ومبشرين.
ويتبع ذلك إنكارهم أن يكون القرآن كتاباً منزلاً عليه من عند الله عزوجل، وحين يفحمهم ما ورد فيه من حقائق تاريخية عن الأمم الماضية مما يستحيل صدوره عن أمي مثل محمد صلى الله عليه وسلم، يزعمون ما زعمه المشركون الجاهليون في عهد الرسول من أنه استمد هذه المعلومات من أناس كانوا يخبرونه بها، ويتخبطون في ذلك تخبطاً عجيباً، وحين يفحمهم ما جاء في القرآن من حقائق علمية لم تعرف وتكتشف إلا في هذا العصر. يرجعون ذلك إلى الذكاء النبي صلى الله عليه وسلم، فيقعون في تخبط أشد غرابة من سابقه، وسنناقش آراءهم في هذا الموضوع في أبحاثنا المقبلة إن شاء الله.(204/1)
1 – ويتبع انكارهم لنبوة الرسول وسماوية القرآن، انكارهم أن يكون الإسلام ديناً من عند الله وإنما هو ملفق – عندهم – من الديانتين اليهودية والمسيحية، وليس لهم في ذلك مستند يؤيده البحث العلمي وإنما هي ادعاءات تستند على بعض نقاط الالتقاء بين الإسلام والدينين السابقين.
ويلاحظ أن المستشرقين اليهود – أمثال جولدزبهر وشاخت – هم أشد حرصاً على ادعاء استمداد الإسلام من اليهودية وتأثيرها فيه، أما المستشرقون المسيحيون فيجرون وراءهم في هذه الدعوى إذ ليس في المسيحية تشريع يستطيعون أن يزعموا تأثر الإسلام به وأخذه منه، وإنما فيه مبادئ أخلاقية زعموا أنها أثرت في الإسلام، ودخلت عليه منها، كأن المفروض في الديانات الآلهية أن تتعارض مبادؤها الأخلاقية، وكأن الذي أوحى بدين هو غير الذي أوحى بدين آخر، فتعالى الله عما يقولون علواً كبيرا.
2 – التشكيك في صحة الحديث النبوي الذي اعتمده علماؤنا المحققون، ويتذرع هؤلاء المستشرقون بما دخل على الحديث النبوي من وضع ودس، متجاهلين تلك الجهود التي بذلها علماؤنا لتنقية الحديث الصحيح من غيره، مستندين إلى قواعد بالغة الدقة في التثبت والتحري، مما لم يعهد عندهم في ديانتيهم عشر معشاره في في التأكد من صحة الكتب المقدسة عندهم، وقد ناقشتهم في ذلك نقاشاً علمياً في كتابي: ((السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي)) الذي صدر حديثاً.
والذي حملهم على ركوب متن الشطط في دعواهم هذه، ما رأوه في الحديث النبوي الذي اعتمده علماؤنا من ثروة فكرية وتشريعية مدهشة وهم لا يعتقدون بنبوة الرسول، فادعوا أن هذا لا يعقل أن يصدر كله عن محمد الأمي بل هو عمل المسلمين خلال القرون الثلاثة الأولى، فالعقدة النفسية عندهم هي عدم تصديقهم بنبوة الرسول، ومنها ينبعث كل تخبطاتهم وأوهامهم.(204/2)
3 – التشكيك بقيمة الفقه الإسلامي الذاتية، ذلك التشريع الهائل الذي لم يجتمع مثله لجميع الأمم في جميع العصور، لقد سقط في أيديهم حين إطلاعهم على عظمته وهم لا يؤمنون بنبوة الرسول، فلم يجدوا بداً من الزعم بأن هذا الفقه العظيم مستمد من الفقه الروماني، أي أنه مستمد منهم – الغربيين – وقد بين علماؤنا الباحثون تهافت هذه الدعوى، وفي البحث الممتع الذي نشرناه للدكتور معروف الدواليبي حول هذا الموضوع في أعداد المجلة للسنة الأولى ما يكشف تهافت تلك الدعوى، وفيما قرره مؤتمر القانون المقارن المنعقد بلاهاي من أن الفقه الإسلامي فقه مستقل بذاته وليس مستمداً من أي فقه آخر، ما يفحم المتعنتين منهم، ويقنع المنصفين الذين لا يبغون غير الحق سبيلا.
4 – التشكيك في قدرة اللغة العربية على مسايرة التطور العلمي، لنظل عالة على مصطلحاتهم التي تشعرنا بفضلهم وسلطانهم الأدبي علينا، وتشكيكهم في غنى الأدب العربي، وإظهاره مجدباً فقيراً لنتجه إلى آدابهم، وذلك هو الاستعمار الأدبي الذي يبغونه مع الاستعمار العسكري الذي يرتكبونه..
تلك هي الأهداف العلمية التي يعمل لها أكثرهم أو جمهرتهم الساحقة.
ب – الأهداف الدينية والسياسية، تتلخص فيما يلي:
1 - تشكيك المسلمين بنبيهم وقرآنهم وشريعتهم وفقههم، ففي ذلك هدفان ديني واستعماري.
2 - تشكيك المسلمين بقيمة تراثهم الحضاري، يدعون أن الحضارة الإسلامية منقولة عن حضارة الرومان، ولم يكن العرب والمسلمون إلا نقلة لفلسفة تلك الحضارة وآثارها، لم يكن لهم إبداع فكري ولا ابتكار حضاري، وكان في حضارتهم كل النقائص، وإذا تحدثوا بشيء عن حسناتها – وقليلاً ما يفعلون – يذكرونها على مضض مع انتقاص كبير.(204/3)
3 - إضعاف ثقة المسلمين بتراثهم، وبث روح الشك في كل ما بين أيديهم من قيم وعقيدة ومثل عليا، ليسهل على الاستعمار تشديد وطأته عليهم، ونشر ثقافته الحضارية فيما بينهم، فيكونوا عبيداً لها يجرهم حبها إلى حبهم أو إضعاف روح المقاومة في نفوسهم.
4 - إضعاف روح الإخاء الإسلامي بين المسلمين في مختلف أقطارهم عن طريق إحياء القوميات التي كانت لهم قبل الإسلام، وإثارة الخلافات والنعرات بين شعوبهم، وكذلك يفعلون في البلاد العربية، يجهدون لمنع اجتماع شملها ووحدة كلمتها بكل ما في أذهانهم من قدرة على تحريف الحقائق، وتصيد الحوادث الفردية في التاريخ ليصنعوا منها تاريخاً جديداً يدعو إلى ما يريدون من منع الوحدة بين البلاد العربية والتفاهم على الحق والخير بين جماهيرها.
جـ – أهداف علمية خالصة لا يقصد منها إلا البحث والتمحيص، ودراسة التراث العربي والإسلامي دراسة تجلو لهم بعض الحقائق الخافية عنهم، وهذا الصنف قليل عدده جداً، وهم مع إخلاصهم في البحث والدراسة لا يسلمون من الاخطاء والاستنتاجات البعيدة عن الحق، إما لجهلهم بأساليب اللغة العربية، وإما لجهلهم بالأجواء الإسلامية التاريخية على حقيقتها، فيحبون أن يتصوروها كما يتصورون مجتمعاتهم، ناسين الفروق الطبيعية والنفسية والزمنية التي تفرق بين الأجواء التاريخية التي يدرسونها، وبين الأجواء الحاضرة التي يعيشونها.(204/4)
وهذه الفئة أسلم الفئات الثلاثة في أهدافها، وأقلها خطراً، إذ سرعان ما يرجعون إلى الحق حيث يتبين لهم، ومنهم من يعيش بقلبه وفكره في جو البيئة التي يدرسها، فيأتي بنتائج تنطبق مع الحق والصدق والواقع، ولكنهم يلقون عنتاً من أصحاب الهدفين السابقين، إذ سرعان ما يتهمونهم بالإنحراف عن النهج العلمي، أو الانسياق وراء العاطفة، أو الرغبة في مجاملة المسلمين والتقرب إليهم، كما فعلوا مع ((توماس أرنولد)) حين أنصف المسلمين في كتابه العظيم ((الدعوة إلى الإسلام)) فقد برهن على تسامح المسلمين في جميع العصور مع مخالفيهم في الدين، على عكس مخالفيهم معهم، هذا الكتاب الذي يعتبر من أدق وأوثق المراجع في تاريخ التسامح الديني في الإسلام، يطعن فيه المستشرقون المتعصبون وخاصة المبشرين منهم، بأن مؤلفه كان مندفعاً بعاطفة قوية من الحب والعطف على المسلمين، مع أنه لم يذكر فيه حادثة إلا أرجعها إلى مصدرها.
ومن هؤلاء من يؤدي بهم البحث الخالص لوجه الحق إلى اعتناق الإسلام والدفاع عنه في أوساط أقوامهم الغربيين، كما فعل ((ليوبو لدفايس)) المستشرق اليهودي النمساوي الذي أعلن اعتناقه للإسلام، وكتب فيه كتابه المعروف ((الإسلام على مفترق الطرق)) وتسمى باسم محمد أسد، وكما فعل المستشرق الفرنسي الفنان ((دينيه)) الذي عاش في الجزائر فأعجب بالإسلام وأعلن إسلامه وتسمى باسم ((ناصر الدين دينيه)) وألف مع عالم جزائري كتاباً عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وله كتاب ((أشعة خاصة بنور الإسلام)) بين فيه تحامل قومه على الإسلام ورسوله، وقد توفي هذا المستشرق المسلم في الجزائر، ونقل جثمانه إلى فرنسا ودفن فيها.
وسائل المستشرقين لتحقيق أهدافهم
لم يترك المستشرقون وسيلة لنشر أبحاثهم وبث آرائهم إلا سلكوها، ومنها:(204/5)
1 - تأليف الكتب في موضوعات مختلفة عن الإسلام وإتجاهاته ورسوله وقرآنه، وفي أكثرها كثير من التحريف المتعمد في نقل النصوص أو ابتسارها وفي فهم الوقائع التاريخية والاستنتاج منها.
2 - إصدار المجلات الخاصة ببحوثهم حول الإسلام وبلاده وشعوبه.
3 - ارساليات التبشير إلى العالم الإسلامي لتزاول أعمالاً انسانية في الظاهر كالمستشفيات والجمعيات والمدارس والملاجيء والمياتم ودور الضيافة كجمعيات الشبان المسيحية وأشباهها.
4 - إلقاء المحاضرات في الجامعات والجمعيات العلمية، ومن المؤسف أن أشدهم خطراً وعداء للإسلام كانوا يستدعون إلى الجامعات العربية والإسلامية في القاهرة ودمشق وبغداد والرباط وكراتشي ولاهور وعليكرة وغيرها ليتحدثوا عن الاسلام!..
5 - مقالات في الصحف المحلية عندهم، وقد استطاعوا شراء عدد من الصحف المحلية في بلادنا وقد جاء في كتاب ((التبشير والاستعمار)) للدكتورين عمر فروخ ومصطفى الخالدي وهو من أهم الوثائق التاريخية عن نشاط المستشرقين والمبشرين لخدمة الاستعمار[1] ما يلي:
((يعلن المبشرون أنهم استغلوا الصحافة المصرية على الأخص للتعبير عن الآراء المسيحية أكثر مما استطاعوا في أي بلد إسلامي آخر، لقد ظهرت مقالات كثيرة في عدد من الصحف المصرية، إما مأجورة في أكثر الأحيان، أو بلا أجرة في أحوال نادرة)).
6 - عقد المؤتمرات لأحكام خططهم في الحقيقة، ولبحوث عامة في الظاهر، وما زالو يعقدون هذه المؤتمرات منذ عام 1783م حتى الآن.(204/6)
7 - إنشاء الموسوعة (دائرة المعارف) الإسلامية، وقد أصدروها بعدة لغات، وبدأوا بإصدار طبعة جديدة منها، وقد أطلعت على الأجزاء الأولى للطبعة الثانية من سكرتير الموسوعة حين زرت أكسفورد عام 1956م، وقد بدئ بترجمة الطبعة الأولى إلى اللغة العربية، وصدر منها حتى الآن ثلاثة عشر مجلداً. وفي هذه الموسوعة التي حشد لها كبار المستشرقين وأشدهم عداء للإسلام، قد دس السم في الدسم، وملئت بالأباطيل عن الإسلام وما يتعلق به. ومن المؤسف أنها مرجع لكثير من المثقفين عندنا بحيث بعتبرونها حجة فيما تتكلم به، وهذا من مظاهر الجهل بالثقافة الإسلامية وعقدة النقص عند هؤلاء المثقفين.
هذه كلمة موجزة عن المستشرقين وأصنافهم وأهدافهم ووسائلهم، ونرى من إتمام الفائدة للقراء أن نذيلها بذكر أخطر المستشرقين المعاصرين وأهم كتبهم، وبأهم المجلات التي يصدرها المستشرقون في الدول الاستعمارية الكبرى[2].
أهم المجلات التي يصدرونها
أ – في عام 1787م أنشأ الفرنسيون جمعية للمستشرقين الحقوها بأخرى في عام 1820م، ثم أصدروا ((المجلة الآسيوية)).
ب – وفي لندن تألفت جمعية لتشجيع الدراسات الشرقية في عام 1823م، وقبل الملك أن يكون ولي أمرها، وأصدرت ((مجلة الجمعية الآسيوية الملكية)).
جـ – وفي عام 1842م أنشأ الأمريكيون جمعية ومجلة بإسم ((الجمعية الشرقية الأمريكية)) وفي العام نفسه أصدر المستشرقون الألمان مجلة خاصة بهم، وكذلك فعل المستشرقون في كل من النمسا وإيطاليا وروسيا.
د – ومن المجلات التي أصدرها المستشرقون الأمريكيون في هذا القرن ((مجلة جمعية الدراسات الشرقية)) وكانت تصدر في مدينة جامبير Gamber بولاية Ohio ولها فروع في لندن وباريس وليبزج، وتورونتو في كندا، ولا يعرف إن كانت تصدر الآن، وطابعها العام على كل حال طابع الاستشراق السياسي وإن كانت تعرض من وقت لآخر لبعض المشكلات الدينية، وخاصة في باب الكتب.(204/7)
هـ – ويصدر المستشرقون الأمريكيون في الوقت الحاضر، ((مجلة شئون الشرق الأوسط)). وكذلك ((مجلة الشرق الأوسط))، وطابعها على العموم طابع الاستشراق السياسي كذلك.
و – وأخطر المجلات التي يصدرها المستشرقون الأمريكيون في الوقت الحاضر هي مجلة ((العالم الإسلامي)).
The Muslim World أنشأها صمويل زويمر S. Zweimer في سنة 1911م، وتصدر الآن من هارتفورد Hartford بأمريكا ورئيس تحريرها كنيث كراج K. Gragg وطابع هذه المجلة تبشيري سافر.
ز – وللمستشرقين الفرنسيين مجلة شبيهة بمجلة ((العالم الإسلامي)) في روحها وإتجاهها العدائي التبشيري وإسمها أيضاً:
Le Monde Musulman
أسماء أخطر المستشرقين المعاصرين وأهم كتبهم
أ.ج. أربري: A. J. Arberry انجليزي معروف بالتعصب ضد الإسلام والمسلمين ومن محرري ((دائرة المعارف الإسلامية)) والآن أستاذ بجامعة كمبردج. ومن المؤسف أنه أستاذ لكثير من المصريين الذيت تخرجوا في الدراسات الإسلامية واللغوية في انجلترا. ومن كتبه:
1 - الإسلام اليوم ((صدر في عام 1943م)).
2 - ((مقدمة لتاريخ التصوف)) صدر في عام 1947م.
3 - ((التصوف)) صدر في عام 1950م.
4 - ((ترجمة القرآن)) صدر في عام 1950م.
الفردجيوم: A. Geom انجليزي معاصر اشتهر بالتعصب ضد الإسلام. حاضر في جامعات انجلترا وأمريكا. وتغلب على كتابته وآرائه الروح التبشيرية. ومن كتبه ((الإسلام)) ومن المؤسف أنه تخرج عليه كثير ممن أرسلتهم الحكومة المصرية في بعثات رسمية للخارج لدراسة اللغات الشرقية.
بارون كارا دي فو: Baron Carra de Vaux فرنسي متعصب جداً ضد الإسلام والمسلمين. ساهم بنصيب بارز في تحرير ((دائرة المعارف الإسلامية)).(204/8)
هـ.أ.ر.جب: H. A. R. Gibb أكبر مستشرقي انجلترا المعاصرين كان عضواً بالمجمع اللغوي في مصر والآن أستاذ الدراسات الإسلامية والعربية في جامعة هارفرد الأمريكية. من كبار محرري وناشري ((دائرة المعارف الإسلامية)). له كتابات كثيرة فيها عمق وخطورة وهذا هو سر خطورته. ومن كتبه:
1 - ((طريق الإسلام)) ألفه بالاشتراك مع آخرين وترجم من الإنجليزية إلى العربية تحت العنوان المذكور.
2 - ((الاتجاهات الحديثة في الإسلام)). صدر في عام 1947م وأعيد طبعه وترجم إلى العربية تحت العنوان المذكور.
3 - ((المذهب المحمدي)) صدر في عام 1947م وأعيد طبعه.
4 - ((الإسلام والمجتمع الغربي)) يصدر في أجزاء وقد اشترك معه آخرون في التأليف وله مقالات أخرى متفرقة.
جولدزيهير: Goldizher مجري عرف بعدائه للإسلام وبخطورة كتاباته عنه ومن محرري ((دائرة المعارف الإسلامية)). كتب عن القرآن والحديث ومن كتبه ((تاريخ مذاهب التفسير الإسلامي)) المترجم إلى العربية تحت العنوان السابق.
جون ماينارد: Maynard أمريكي متعصب كان يساهم في تحرير ((مجلة جمعية الدراسات الشرقية)) الأمريكية، وخاصة باب الكتاب الجديدة التي لها صلة بالإسلام وبالشرق على العموم. (أنظر – مثلاً ص22 وما بعدها من العدد 2، من المجلد 8، أبريل سنة 1924م من المجلة المذكورة).
س.م: زويمر: S. M. Zweimer مستشرق مبشر أشتهر بعدائه الشديد للإسلام، مؤسس مجلة ((العالم الإسلامي)) الأمريكية التبشيرية مؤلف كتاب ((الإسلام تحد لعقيدة)) صدر في سنة 1908م، وناشر كتاب ((الإسلام)) وهو مجموعة مقالات قدمت للمؤتمر التبشيري الثاني في سنة 1911م بلكنهؤ في الهند. وتقديراً لجهوده التبشيرية أنشأ الأمريكيون وقفاً بإسمه على دراسة اللاهوت وإعداد المبشرين.(204/9)
عزيز عطية سوريال: مصري مسيحي، كان أستاذاً بجامعة الاسكندرية والآن يدرس بإحدى جامعات أمريكا، شديد الحقد على الاسلام والمسلمين وكثير التحريف للتعاليم الإسلامية. يستعين على الحقد والتحريف بكونه بعيداً عن مصر والمسلمين، له بعض الكتب عن الحروب الصليبية.
غ. فون جرونباوم. G. von Grunbaum من أصل ألماني يهودي مستورد إلى أمريكا للتدريس بجامعاتها وكان أستاذاً بجامعة شيكاغو، من ألد أعداء الإسلام. في جميع كتاباته تخبط واعتداء على القيم الإسلامية والمسلمين، كثير الكتابة وله معجبون من المستشرقين. ومن كتبه:
1 - ((اسلام العصور الوسطى)) صدر في عام 1946م.
2 - ((الاعياد المحمدية)) صدر في عام 1951م.
3 - ((محاولات في شرح الإسلام المعاصر)) صدر في عام 1947م.
4 - ((دراسات في تاريخ الثقافة الإسلامية)) صدر في عام 1954م.
5 - ((الإسلام)) مجموعة من المقالات المتفرقة، صدر في عام 1957م.
6 - ((الوحدة والتنوع في الحضارة الإسلامية))، صدر عام 1955م.
فيليب حتي: Ph. Hitti لبناني مسيحي تأمرك، كان أستاذاً بقسم الدراسات الشرقية بجامعة برنستون بأمريكا ثم رئيساً لهذا القسم، وهو الآن بالمعاش. من ألد أعداء الإسلام، ويتظاهر بالدفاع عن القضايا العربية في أمريكا، وهو مستشار غير رسمي لوزارة الخارجية الأمريكية في شئون الشرق الأوسط، يحاول دائماً أن ينتقص دور الإسلام في بناء الثقافة الانسانية ويكره أن ينسب للمسلمين أي فضل، فقد كتب – على سبيل المثال – في ((دائرة المعارف الأمريكية)) طبع سنة 1948م تحت عنوان ((الأدب العربي)) ص129 يقول: "ولم تبدأ أمارات الحياة الأدبية الجديدة بالظهور إلا في القسم الأخير من القرن التاسع عشر، وكان الكثرة من قادة هذه الحركة الجديدة نصارى من لبنان تعلموا واستوحوا من جهود المبشرين الأمريكيين".(204/10)
ومحاولات ((حتي)) انتقاص فضل الإسلام والمسلمين ليست فقط قاصرة على العصر الحديث ولكنها تنطبق على جميع مراحل التاريخ الإسلامي كما هو موضح في كتبه التي نذكر منها:
1 - ((تاريخ العرب)) ظهر بالإنجليزية وأعيد طبعه عدة مرات وهو ملئ بالطعن في الإسلام والسخرية من نبيه وكله حقد وسم وكراهية. انظر مثلاً مجلة ((الإسلام)) الإنجليزية Al - Islam التي يصدر في كراتشي – باكستان ص138 من عدد أبريل سنة 1958م، ص146 من عدد أول مايو سنة 1958م.
2 - ((تاريخ سوريا)).
3 - ((أصل الدروز وديانتهم))، صدر في سنة 1928م.
أ.ج فينسينك: A. J. Wensink عدو لدود للإسلام ونبيه، كان عضواً بالمجمع اللغوي المصري ثم أخرج منه على أثر أزمة أثارها الدكتور الطبيب حسين الهواري مؤلف كتاب ((المستشرقون والإسلام)) صدر في سنة 1936م، وحدث ذلك بعد أن نشر فينسينك رأيه في القرآن والرسول مدعياً أن الرسول ألف القرآن من خلاصة الكتب الدينية والفلسفية التي سبقته، انظر ((المستشرقون والإسلام)) ص71 وما بعدها. هذا والمعروف لفينسينك كتاب تحت عنوان ((عقيدة الإسلام)) صدر في سنة 1932م.
كينيت كراج: K. Cragg أمريكي شديد التعصب ضد الإسلام. قام بالتدريس في الجامعة الأمريكية بالقاهرة لفترة من الوقت والآن رئيس تحرير مجلة ((العالم الإسلامي)) الأمريكية التبشيرية ورئيس قسم اللاهوت المسيحي في هارتفورد ((ومتعهد)) مبشرين ومن كتبه ((دعوة المئذنة))، صدر في عام 1956م.
لوي ماسينيون: L. Mssignon أكبر مستشرقي فرنسا المعاصرين، ومستشار وزارة المستعمرات الفرنسية في شئون شمال أفريقيا، والراعي الروحي للجمعيات التبشيرية الفرنسية في مصر. زار العالم الإسلامي أكثر من مرة وخدم بالجيش الفرنسي خمس سنوات في الحرب العالمية الأولى، كان عضواً بالمجمع اللغوي المصري والمجمع العلمي العربي في دمشق، متخصص في الفلسفة والتصوف الإسلامي، ومن كتبه:(204/11)
((الحلاج الصوفي الشهيد في الإسلام))، صدر في سنة 1922م. وله كتب وأبحاث أخرى عن الفلسفة والتصوف، وهو من كبار محرري ((دائرة المعارف الإسلامية)).
د.ب.ماكدونالد: D.B. Macdonald أمريكي من أشد المتعصبين ضد الإسلام والمسلمين، يصدر في كتاباته عن روح تبشيرية متأصلة. من كبار محرري ((دائرة المعارف الإسلامية)) ومن كتبه:
1 - ((تطور علم الكلام والفقه والنظرية الدستورية في الإسلام)) صدر في سنة 1903م.
2 - ((الموقف الديني والحياة في الإسلام))، صدر في سنة 1908م مايلز جرين: M. Green سكرتير تحرير مجلة ((الشرق الأوسط)).
مجيد قدوري: مسيحي عراقي. رئيس قسم دراسات الشرق الأوسط بجامعة جون هوبكنز في واشنطن، ومدير معهد الشرق الأوسط للأبحاث والتربية بواشنطن، متعصب حقود على الإسلام وأبنائه. ومن كتبه المشحونة بالطعون والأخطاء ((الحرب والسلام في الإسلام)) صدر في سنة 1955م، وله مقالات أخرى)).
د.س.مرجوليوث: D. S. Margoliouth انجليزي متعصب ضد الإسلام ومن محرري ((دائرة المعارف الإسلامية))، كان عضواً بالمجمع اللغوي المصري والمجمع العلمي في دمشق. ومن كتبه:
1 - ((التطورات المبكرة في الإسلام)) صدر في سنة 1913م.
2 - ((محمد ومطلع الإسلام))، صدر في سنة 1905م.
3 - ((الجامعة الإسلامية))، صدر في سنة 1912م.
ر.أ: نيكولسون: R. A. Nicholson كان من أكبر مستشرقي انجلترا المعاصرين ومن محرري ((دائرة المعارف)). تخصص في التصوف الإسلامي والفلسفة وكان عضواً بالمجمع اللغوي المصري. وهو من المنكرين على الإسلام أنه دين روحي ويصفه بالمادية وعدم السمو – الانساني. ومن كتبه:
1 - ((متصوفو الإسلام)) صدر في سنة 1910م.
2 - ((التاريخ الأدبي للعرب))، صدر في سنة 1930م.
هارفلي هول: رئيس تحرير ((مجلة الشرق الأوسط)) الأمريكية. وخطورته أنه يوجه سياسة مجلة من أهم المجلات المعنية بشئون الشرق الأوسط السياسة والثقافية في العصر الحديث.(204/12)
هنري لامنس اليسوعي: H. Lammens فرنسي 1872 – 1937م من محرري دائرة المعارف الإسلامية، شديد التعصب ضد الإسلام والحقد عليه، مفرط في عدائه وافتراءاته لدرجة أقلقت بعض المستشرقين أنفسهم أنظر ص15 – 16 من 1، من المجلد 9 يناير سنة 1925م من ((مجلة جمعية الدراسات الشرقية)) الأمريكية ومن كتبه بالفرنسية:
1 - ((الاسلام)):
2 - ((اللطائف)):
يوسف شاخت: J. Sachacht ألماني متعصب ضد الإسلام والمسلمين له كتب كثيرة عن الفقه الإسلامي وأصوله. من محرري ((دائرة المعارف الإسلامية)) ودائرة معارف العلوم الإجتماعية. وأشهر كتبه: ((أصول الفقه الإسلامي)).
بعض الكتب الخطيرة التي لها مكانة علمية عند بعض الناس
موضوعات:
1 - ((دائرة المعارف الإسلامي)):
The Encyclopaedia of Islam صدر بعدة لغات حية يعاد طبعها في الوقت الحاضر، وقد ظهر بعض أجزاء الطبعة الجديدة.
2 - ((موجز دائرة المعارف الإسلامية))
Shorter Encyclopaedia of Islam
3 - ((دارة معارف الدين والأخلاق))
Encyclopaedia of Religion And Ethics
(المقالات المتعلقة بموضوعات إسلامية).
4 - ((دائرة معارف العلوم الإجتماعية))
Encyclopaedia of social Sciences
(الموضوعات المتصلة بالإسلام والعرب)
5 - ((دراسة في التاريخ))
(القسم المتصل بالإسلام ورسوله) من تأليف أرنولد توينبي:
A. Toynbee
كتبه:
1 - ((حياة محمد))
من تأليف سيروليام موير W. Muir
2 - ((الإسلام))
من تأليف الفرد جيوم: A. Geom
3 - ((دين الشيعة))
من تأليف د.م. دونالدسون: D. M. Donaldson
4 - ((تاريخ شارل الكبير))
من تأليف القس تيربن: Bishop Turpin
5 - ((الإسلام))
ظهر بالفرنسية من تأليف هنري لامنس: H. Lammens
6 - ((دعوة المئذنة)) (تحد لعقيدة)
ظهر بالانجليزية من تأليف المبشر زويمر: S. M. Zweimer
7 - ((دعوة المئذنة))
ظهر بالانجليزية من تأليف كينيت كراج: K. Cragg
8 - ((الإسلام اليوم))(204/13)
بالانجليزية من تأليف أ.ج.آربري: A. J. Arberry
9 - ((ترجمة القرآن))
الترجمة الانجليزية من وضع أ.ج.آربري
10 - تاريخ مذاهب التفسير الإسلامي))
ظهر بالألمانية وترجمة إلى العربية، من تأليف جولد زيهر: Goldziher
11 - ((تاريخ العرب))
ظهر بالانجليزية والعربية وطبع عدة طبعات، من تأليف فيليب حتى.
12 - ((اليهودية في الإسلام))
ظهر بالانجليزية من تأليف ابراهام كاش
13 - ((عقيدة الإسلام))
ظهر بالانجليزية من تأليف أ.ج. فينيسينك: Wensink
14 - ((الحلاج الصوفي الشهيد في الإسلام))
ظهر بالفرنسية من تأليف لوي ماسينيون L. Massiggon
15 - ((الحرب والسلام في الإسلام))
ظهر بالانجليزية من تأليف مجيد قدوري
16 - ((تطور علم الكلام والفقه والنظرية الدستورية في الاسلام))
ظهر بالانجليزية من تأليف د.ب.ماكدونالد: D. B. Macdonald
17 - ((الاتجاهات الحديثة في الاسلام))
ظهر بالانجليزية وترجم إلى العربية من تأليف هـ.أ.ر.جب: Gibb
18 - ((طريق الإسلام))
ظهر بالانجليزية وترجم إلى العربية من تأليف جماعة من المستشرقين اشترك في تأليفه ونشره هـ.أ.ر.جب: Gibb
19 - ((التصوف في الإسلام))
ظهر بالانجليزية وترجم إلى العربية من تأليف ر.أ.نيكلسون:
Nicholson
20 - ((مصادر تاريخ القرآن))
بالانجليزية من تأليف آرثر جيفري: Arthur Jeffry
21 - ((أصول الإسلام في بيئته المسيحية))
بالانجليزية من تأليف ر.بل: R. Bell
22 - ((مقدمة القرآن)):
بالانجليزية من تأليف ر.بل
23 - ((التطورات المبكرة في الاسلام))
بالانجليزية من تأليف د.س.مرجوليوث: D. S. Margoliouth
24 - ((محمد ومطلع الإسلام))
بالانجليزية ولنفس المؤلف
25 - ((الإسلام))
بالانجليزية ولنفس المؤلف
26 - ((الجامعة الإسلامية))
بالانجليزية ولنفس المؤلف
27 - ((قنطرة إلى الإسلام))
ظهر بالانجليزية من تأليف أريك بيتمان
28 - ((إسلام العصور الوسطى))
ظهر بالانجليزية من تأليف ج.فون جرونباوم:(204/14)
G. von Grunebaum
29 - ((الإسلام))
مجموعة مقالات متفرقة ظهرت بالانجليزية للمؤلف السابق.
30 - ((الأعياد المحمدية))
بالإنجليزية ولنفس المؤلف
31 - ((الوحدة والتنوع في الحضارة الإسلامية))
بالانجليزية ولنفس المؤلف
32 - ((دراسات في تاريخ الثقافة الإسلامية))
بالانجليزية ولنفس المؤلف
33 - ((محاولات... في شرح الإسلام المعاصر))
مجموعة مقالات ظهرت بالانجليزية لنفس المؤلف...
هذا وسنتحدث في المقال التالي عن وضع الاستشراق والمستشرقين في السنوات الأخيرة إن شاء الله.
ـــــــــــــــــــــ
[1] هذا الكتاب يجب على كل مثقف مسلم قراءته وقد طبع مرتين في بيروت وحاول بعض اذناب الاستعمار في العهد الماضي منع تداوله في سورية العربية المسلمة.
[2] هذا التثبيت بأسماء مجلات المستشرقين وأسماء مشاهيرهم وكتبهم مأخوذة من محاضرة الدكتور محمد البهي بعنوان: المبشرون والمستشرقون وموقفهم من الإسلام.(204/15)
العنوان: الإستشهاد بالحديث النبويّ في معجم لسان العرب
رقم المقالة: 294
صاحب المقالة: د. حازم الحاج طه
-----------------------------------------
تمهيد:
قبل أن أخوض في هذا الحديث، يعنيني أن أوجه النظر إلى ما أردته في العنوان فقط: ولست أريد بالبحث إلى التصدي لترجمة ابن منظور ترجمة وافية تكافيء إمامته التي تبوأها في اللغة والأدب، ولا التعريف بمعجم لسان العرب[1]. فشهرته تغنينا عن ذلك. إذ هو من أغزر المعاجم اللغوية مادة، وأجمعها إسهاباً، وأوسعها انتشاراً. ومن أجل ذلك كان خير معجم يرجع إليه اللغوي والأديب والمفسر. لا يطوف بهذا ريب، ولا يلحقه نزاع.
وإنما قصدت إلى ناحية هي أجدر جوانبه بالعناية والدرس تلك هي اختفاء ابن منظور بالحديث النبوي، وتوظيفه له في معاني الألفاظ اللغوية. لأنه المنبع الثرّ بعد القرآن الكريم الذي يرده ابن منظور لينهل من لغته، وجوامع كلمه.
في موقف علماء المعاجم من الحديث:
أول ما نتجه إليه في هذا الصدد الإلماع بادئ ذي بدء إلى وصف البلاغة النبوية: وإذا وصفت – ومهما أصف – فلن أبلغ من وصفها ما أريد، وبعض ما تستحق من الوصف، ولعمر الحق لن يصفه واصف بأبلغ ولا أوجز، ولا أدل من قوله (صلى الله عليه وسلم): ((أنا أفصح العرب، بيد أني من قريش، واسترضعت في بني سعد))[2]. وقال له أبو بكر الصديق ذات يوم: لقد طفت بالعرب، وسمعت فصحاءهم فما سمعت أفصح منك، فمن أدبك؟ فقال: (صلى الله عليه وسلم): ((أدبني ربي فأحسن تأديبي))[3].(205/1)
وورد في كتاب الأمالي[4]: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم جالس مع أصحابه إذ نشأت سحابة، فقالوا: يا رسول الله هذه سحابة، فقال: ((كيف ترون قواعدها)) قالوا: ما أحسنها وأشدَّ تمكّنها! قال: ((وكيف ترون رَحاها)) قالوا: ما أحسنها وأشدَّ استدارتها! قال: ((وكيف ترون بواسقها)) قالوا: ما أحسنها وأشد استقامتها! قال: ((وكيف ترون برقها أوميضاً أم خفياً أم يشق شقاً)) قالوا: بل يشق شقاً، قال: ((وكيف ترون جونها)) قالوا: ما أحسنه وأشد سواده! فقال عليه السلام: ((الحيا)) فقالوا: يا رسول الله، ما رأينا الذي هو منك أفصح، قال: ((وما يمنعني من ذلك فإنما أنزل القرآن بلساني لسان عربي مُبين))[5].
وكل منا يستطيع أن يفهم مما ذكرنا كيف امتاز النبي (صلى الله عليه وسلم) بهذه الفصاحة التي كانت موضع إعجاب أصحابه، ودهشتهم، وفيهم أبو بكر نسابة العرب، وراوية أخبارها وطوافها بالآفاق.
فهو كما يقول: من قريش وهي أفصح العرب لغةً، وأقومها منطقاً. لأنها كانت تتخير من لغات الوافدين إليها في المواسم ما خف على اللسان، وحسن في الأذان. فلطفت لهجتها، وجاد بيانها، وزادت ثروتها، وكرمها القرآن فنزل بلهجتها.
وقد استرضع في بني سعد بن بكر. وقد أجمع جل الرواة على أن لبني سعد اختصاصاً وامتيازاً من بين العرب في الفصاحة وحسن البيان[6].(205/2)
ولعل من الخير أن أنبه في هذا المقام إلى أن بلاغة الرسول (صلى الله عليه وسلم) كانت من نوع ما قد يتوهم بعض القراء في بعض الحديث الأخير من غرابة وأن ذلك مصدر إعجاب صحابته. كلا فقد كان (صلى الله عليه وسلم) بعيداً أشد البعد عن الغريب. وإنما هي مجازات. والغرابة بالمجاز محمودة. وربما أغرب حين يخاطب من ليس من قريش فيكون ما يتكلم به غير مألوف لقومه، ولكنه لغة المخاطبين وبغيره لا يفقهون فهو يحدثهم بما يفهمون. روى المبرد في الكامل أنه صلى الله عليه وسلم قال لأبي تميمة الهجيمي: ((إياك والمخيلة)). فقال يا رسول الله: نحن قوم عرب فما المخيلة؟ قال: ((سبل الإزار))[7].
هذا طرف من وصف بلاغة الرسول (صلى الله عليه وسلم) التي – كما يقول الرافعي –: "سجدت الأفكار لأيتها وحسرت العقول دون غايتها، ألفاظ يعمرها قلب متصل بجلال خالقه، ويصقلها لسان نزل عليه القرآن بحقائقه فهي إن لم تكن من الوحي، ولكنها حادث من سبيله، وإن لم يكن منه دليل فقد كانت هي من دليله"[8].(205/3)
قال الجاحظ – وهو الناقد البصير بدقائق الكلام: قال في وصف كلام رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (وهو الكلام الذي قلَّ عدد حروفه وكثرت معانيه، وجلَّ عن الصنعة، ونزه عن التكلف، وكان كما قال تبارك وتعالى: قال يا محمد: {وما أنا من المتكلفين}[9]. وكيف وقد عاب التشديق وجانب أصحاب التقعيب[10]، واستعمل في موضع البسط، والمقصور في موضع القصر، وهجر الغريب الوحشيّ، ورغب عن الهجين السوقي، فلم ينطق إلا عن ميراث حكمة، ولم يتكلم إلا بكلام حُفَّ بالعصمة، وشُيِّد بالتأييد، ويسَّرَ بالتوفيق. وهو الكلام الذي ألقى الله عليه المحبة، وغشّاه بالقبول، وجمع له بين المهابة والحلاوة، وبين حُسن الإفهام، وقلة عدد الكلام، مع استغنائه عن إعادته، وقلّة حاجة السامع إلى معاودته. لم تسقط له كلمة، ولا زلّت به قدم، ولا بارت له حجة، ولم يقم له خصم، ولا أفحمه خطيب، بل يبزّ الخطب الطوال بالكلم القصار، ولا يلتمس إسكات الخصم إلا بما يعرفه الخصم، ولا يحتج إلا بالصدق، ولا يطلب الفلجَ إلا بالحق[11]، ولا يستعين بالخلابَة، ولا يستعمل المواربة، ولا يهمز ولا يلمز[12]، ولا يبطئ ولا يعجل، ولا يسهب ولا يحصر[13]، ثم لم يسمع الناس بكلام قطّ أعمَّ نفعاً، ولا أقصد لفظاً، ولا أعدل وزناً، ولا أجمل مذهباً. ولا أكرم مطلباً، ولا أحسن موقعاً، ولا أسهل مخرجاً، ولا أفصح معنىً، ولا أبين فحوى، من كلامه صلى الله عليه وسلم)[14].
في ضوء ما تقدم من وصف البلاغة النبوية، لسائل أن يقول بعد ذلك: يبدو من سابق حديثك أن البلاغة النبوية بلغت الذروة بعد القرآن الكريم. فلماذا استشهد أصحاب المعاجم بالحديث، ولم يستشهد به فريق من النحويين؟(205/4)
والجواب عن هذا – وإن كان العلماء قد بحثوه من كل جانب – ما أنا مورده في إيجاز ولكن فيه الغناء. إن جوهر الاختلاف اختلاف الموقف بين (المعجم والصيغ والتراكيب). فالمعجم يعتمد على المعنى، وهو غير موضع للنزاع. أما الصيغ والتراكيب فيعتمدان على صحة النطق وروايته. ومن ثم حدث الخلاف. (وبعبارة لغوية حديثه. إن علماءنا فرقوا بين الاستشهاد بالحديث بين المستوى الوظيفي والمستوى المعجمي فرفض الأول، وقبل الثاني)[15].
والحق أن ليس في كلام هذا الفريق من النحويين نصيب من الوجاهة والرجاحة، وليس من يعتصم به يأوي إلى حصن حصين في القياس. وحجتهم أن تراءى لهم أن الأحاديث مروية معنىً لا لفظاً فأعرضوا عن الاستشهاد بها. وما لرأيهم ضحى. ولقد تنكبوا طريق الصواب بعملهم هذا. فالأحاديث التي ثبتت صحتها متناً وسنداً هي من لفظ الرسول (صلى الله عليه وسلم) إن كان قولاً، ومن لفظ الصحابي إن كان عملاً. فالرسول أفصح العرب، وبلغ أسمى صور الكلام العربي الفصيح، إذ لا تعهد العربية في تأريخها بعد القرآن الكريم بياناً أبلغ من الكلام النبوي، ولا أروع تأثيراً، ولا أفعل في النفس، ولا أصح لفظاً، ولا أقوم معنى.
والصحابة هم أعلام الفصاحة. فهل لقائل أن يقول: إننا لا نستطيع الاستشهاد بكلام الرسول أو الصحابي في إثبات مادة لغوية، أو دعم قاعدة نحوية أو صرفية.
وقد كان من المنهج الحق السليم الذي لا يختل أبداً، هو أن يبنوا قياسهم في تقعيد القواعد النحوية على القرآن الكريم أولاً، ثم يعطفوا على الحديث فيجعلوه أصلاً ثانياً، وعلى اللغات التي اعتمدوها أصلاً ثالثاً.(205/5)
ولو أنني ذهبت أتتبع ما جاء من آراء أولئك الأعلام في الاحتجاج بالحديث لخرجت عن القصد، ولأن المقام يقتضينا الإكتفاء بالصورة المجملة عن الإسهاب. وحسبي أن أورد رأياً لبعضهم فقال: (أما الاستدلال بالحديث فقد اختلف النحويون حول الاستشهاد به نظراً لإمكان الرواية بالمعنى. ولكننا إذا ذكرنا التشديد في الضبط والتحري في نقل الأحاديث عند النقلة والمحدثين جاز الاستشهاد بما يغلب على الظن صحته منه، وحتى ما يمكن أن يكون قد روي بالمعنى فقد روي في زمن كانت اللغة فيه ما تزال في مهدها نقيةً صحيحة)[16]. لقد أصاب به شواكل المراد، وطبق مفاصل السداد. لأنه حجة دامغة على من أعرض عن الإحتجاج بالحديث. ولو اعتمدوه لكان قياسهم أنور وأصفى، وبحوثهم أدق وأوفى.
في استشهادهم بالحديث قبل ابن منظور:
إن نحن نظرنا نظرة فاحصة إلى المعاجم اللغوية التي ظهرت قبل معجم لسان العرب، وعلى استشهاد مؤلفيها بالحديث يظهر لنا بجلاء ووضوح أنهم اعتمدوا على الحديث في الاستدلال دون أن يبدي أحد منهم إنكاراً، وإن كان اعتمادهم عليه يختلف كثرة قلة. ويعثر على ما ذكرناه من أراده في غير إجهاد ومعاناة، ويستشفه بصره حيثما حل على صفحاتها.
وقد اعتمدت في طلب تحقيق ما وسمت به العنوان من متون المعاجم[17] الآتية:
1 - العين: للخليل بن أحمد الفراهيدي. (ت 175هـ)[18].
2 - جمهرة اللغة: لابن دري (ت 321هـ)[19].
3 - التهذيب: للأزهري. (ت 370هـ)[20].
4 - الصحاح: للجوهري. (ت 393هـ)[21].
5 - المحكم: لابن سيده. (ت 458هـ)[22].
6 - النهاية في غريب الحديث والأثر. لابن الأثير. (606هـ)[23].
وقمين بنا أن نورد مثلاً واحداً لكل معجم من هذه المعاجم ليتجلى لنا اعتماد مؤلفيها على الحديث في الاحتجاج به.(205/6)
فالخليل: استشهد على معنى لفظة ((العداد)) بالحديث. فقال: وفي الحديث (ما زالت أكلة خيبر تعاودني فهذا أوان قطع فأبهري)[24] أي تراجعني، ويعاودني ألم سُمِّها في أوقات معلومة[25].
وابن دريد: استشهد على معنى لفظة ((ثرثار)) بالحديث. فقال: وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا أخبركم بأبغضكم إليَّ الثرثارون، المتفيهقون))[26]. ورجل ثرثار كثير الكلام[27].
والأزهري: استشهد على معنى لفظة ((عضه))[28]: بالحديث. فقال: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ألا أُنبئكم ما العضه))؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: ((هي النميمة))[29].
والجوهري: استشهد على معنى لفظة ((كفر – بفتح الفاء وسكون الكاف –)) بالحديث. فقال: وفي الحديث (تخرجكم الروم منها كفراً كفراً)، قرية قرية من الشام[30]:
وابن سيده: استشهد على معنى لفظة ((العبّ))[31] بالحديث. فقال: وفي الحديث (اشربوا الماء صبًّا، ولا تعبوه عبًّا، فإن الكباد[32] من العبّ).
وابن الأثير: استشهد على معنى لفظة ((الخنا))[33] بالحديث. فقال: ومنه الحديث (من لم يدع الخنا والكذب فلا حاجة لله في أن يدع طعامه وشرابه)[34].
هذا، وقد أمسكنا عن انتزاع الأمثلة النبوية في كل ما تقدم تفادياً من الإطالة، مما يجزئ قليله في الدلالة على كثيره.
صور من استشهاد ابن منظور بالحديث:
إذا تدبرنا معجم لسان العرب، وقارنا بينه وبين المعاجم المشهورة التي تقدمته ممن نعدهم في الطليعة لألفينا أغزر معجم وأجمعه في الاستشهاد بالحديث هو معجم لسان العرب. وليس أدل على هذا، ولا أبلغ في الاحتجاج له من شيوعه فيه، وتعدد صوره: وهذا يؤدينا إلى نتيجة، وقد أشار إليها من المعاصرين الدكتور حسين نصار بقوله: "أخذ – أي ابن منظور – الأحاديث عن النهاية المختصة بها"[35].
ويقول في موطن آخر: "إنه أدخل في معجمه أكبر معجم في غريب الحديث: النهاية لابن الأثير"[36].(205/7)
ونحن نحاول أن نقف وقفات متأنية مع ابن منظور وهو يتصدى لما تناوله من ألفاظ لغوية، مكتفين بنماذج قليلة على سبيل الاستشهاد، ولكنها كافية من حيث نوعها لإثبات مدى احتفائه بالحديث. وقد آثرت أن نتوجه إلى بيان ذلك من ثلاث نواح.
أولاها: استشهاده بالحديث على تفسير الألفاظ.
ثانيتها: استشهاده بالحديث على المعاني المجازية.
ثالثتها: استطراداته في مسائل شتى.
استشهاده بالحديث على تفسير الألفاظ:
لعلنا نوفق في ترتيب نقط هذه الناحية على النحو الآتي:
1 - إيراده الحديث كاملاً.
2 - اجتزاؤه ببعض الحديث.
3 - موالاته الاستشهاد بالحديث.
وها نحن أولاء نعرض لكل نقطة من هذه النقط بمثل أو بعض المثل.
إيراده الحديث كاملاً:
لقد أمعنت النظر في توظيف ابن منظور للحديث فتبين لي، أنه تارة يورد الحديث كاملاً في شرح المعنى اللغوي للكلمة التي تناولها.
كقوله في مادة: ((فزع))[37].
الفزع: الفرق والذُّعر من الشيء، وهو في الأصل مصدر. فزع منه وفَزَع فَزَعاً وفَزْعاً وفزعا، فهو فزع. وفَزع – بفتح الفاء وكسر الزاي – إليه لجأ، فهو مَفْزَع لمن فزع إليه. أي ملجأ لمن التجأ إليه.
وفلان مفزع الناس، وآمراة مفزع، وهم مفزع: معناه إذا دهمنا أمر فزعنا إليه، أي لجأنا إليه، واستغثنا به. وفي حديث الكسوف: ((فافزعوا إلى الصلاة))[38]، أي الجؤوا إليها، واستعينوا بها على دفع الأمر الحادث.
والفزع أيضاً: الإغاثة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، للأنصار: ((إنكم لتكثرون عند الفزع، وتقلون عند الطمع))[39]. أي تكثرون عند الإغاثة. وقد يكون التقدير أيضاً عند فزع الناس إليكم لتغيثوهم.
وكقوله في مادة (الملأ)[40].(205/8)
والملأ: الرؤساء، وأشرف القوم ووجوههم، ورؤساهم ومقدّموهم الذين يُرجع إلى قولهم. ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم، سمع رجلاً من الأنصار، وقد رجعوا من غزوة بدر يقول: ما قتلنا إلا عجائز صلعاً. فقال عليه الصلاة والسلام: ((أولئك الملأ من قريش. لو حضرت فعالهم لاحتقرت فعلك))[41].
اجتزاؤه ببعض الحديث:
وتارة يورد الحديث مجتزئاً بموطن الشاهد فقط ليعزز فيه اللفظة. كقوله في مادة (صدأ)[42].
والصدأ: الطبع والدَّنس يركب الحديد. وصدأ الحديد: وسخه. وصدئ الحديدُ ونحوه يصدأ صدأ، وهو أصدأ: علاه الطبعُ، وهو الوسخ. وفي الحديث: ((إن هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد))[43]. وهو أن يركبها الرَّين بمباشرة المعاصي والآثام، فيذهب بجلائها، كما يعلو الصدأ وجه المرآة والسيف ونحوهما.
وكقوله في مادة (الفطرة)[44].
والفطرة: ما فطر الله عليه الخلق من المعرفة به. والخلقة التي يخلق عليها المولود في بطن امه. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((كلُّ مولود يولد على الفطرة))[45]. يعني الخلقة التي فُطر عليها في الرَّحم من سعادة أو شقاوة، فإذا ولده يهوديان هوَّداه في حكم الدنيا، أو نصرانيان نصّراه في الحكم، أو مجوسيّان مجّساهُ في الحكم.
موالاته الاستشهاد بالحديث:
وتارة نراه يكرر الحديث تقريراً للمعنى اللغوي الذي كشفه من اللفظة. كقوله في مادة (جنب)[46].
جنب، بالضم: أصابه ذاتُ الجنْب.
والمجنوب: الذي به ذات الجنب. تقول فيه: رجل مجنوب. وهي قرحة تصيب الإنسان داخل جنبه، وهي علّة صعبة تأخذ في الجنب.
وقال ابن شميل: ذاتُ الجنب، هي ذاتُ الجنب، هي الذُّبيلة، وهي علّة تثقب البطن وربما كنوا عنها فقالوا: ذاتُ الجنب. وفي الحديث: ((المجنوب في سبيل الله شهيد))[47].(205/9)
قيل: المجنوب الذي به ذات الجنب. يقال: جُنب فهو مجنوب، وصُدر فهو مصدور. ويقال: جنب جنباً. إذا اشتكى جنبه، فهو جنب، كما يقال: رجل فَقرٌ وظهرُ: إذا اشتكى ظهره وفقاره. وقيل: أراد بالمجنوب الذي يشتكي جنبه مطلقاً. وفي حديث الشهداء: ((ذات الجنب شهادة))[48]. وفي حديث آخر ((ذو الجنب شهيد))[49]. وهو الذبيلة والدُّقلُ الكبيرة التي تظهر في باطن الجنب وتنفجر إلى داخل، وقلّما يسلم صاحبها. وذو الجنب الذي يشتكي جنبه بسبب الذبيلة، إلا أن (ذو) للمذكر وذات للمؤنث، وصارت ذات الجنب علماً لها، وإن كانت في الأصل صفة مضافة.
هذه ألوان من استشهاد ابن منظور بالحديث النبوي فاض به معجمه. فقد رأيناه يورد الكلمة، ثم يكشف عن أصلها في الاستعمال اللغوي، ويستقري مدلولاتها ومعانيها، وتكنّه أسرارها ويستحضر الشواهد من الحديث.
استشهاده بالحديث على المعاني المجازية:
ما من ريب أن الحقيقة أصل المعنى الذي أراده المتكلم الاول الذي نطق بالكلمة، ثم فشا استعمالها، واتسع نطاقها حتى أطلقت على معان كثيرة. ومن هنا جاء المجاز أو استخدام الكلمة لتدل على أكثر من معنى واحد وإن كانت هذه المعاني تجتمع في بؤرة تجمع شتى الملامح لهذه المعاني الكبيرة.
قال ابن رشيق معرفاً كلمة المجاز: (ومعنى المجاز طريق القول ومأخذه). وقال: (فصار التشبيه والاستعارة وغيرها من محاسن الكلام داخلة تحت اسم المجاز). ثم أشار إلى أن هذه الكلمة نقلت بعد إلى معنى أخص. فقال: (إلا أنهم خصوا به – أعني المجاز – باباً بعينه، وذلك أن يسمى الشيء باسم ما قاربه، أو كان منه بسبب)[50].
وأراد من قولة (ما قاربه) الأمر الذي يكون بينه وبين أمر آخر مشابهة، ومن قوله (أو ما كان منه بسبب) الأمر الذي يكون بينه وبين أمر آخر صلة غير المشابهة، كالسببية والمجاز[51].(205/10)
وهذا المعنى الخاص الذي صارت إليه كلمة المجاز، هو الذي جرت عليه كلمة المجاز في عرف البيانين، فإنهم إنما يطلقونه على اللفظ الذي ينقله المتكلم من معنى وضع له اللفظ، إلى معنى بينه وبين ذلك المعنى مناسبة، أي علاقة، والعلاقة إما المشابهة، وهو الاستعارة. وإما غير المشابهة، وذلك على مبنى ما يسمونه المجاز المرسل.
وإني لواضع أمام القارئ قدراً من استشهاد ابن منظور بالحديث النبوي على المعاني المجازية لاستعمال الكلمات في اللغة.
لقد تناول مادة (القارورة)[52]:
فقال: واحدة القوارير من الزجاج.
والعرب تسمي المرأة القارورة، وتكني عنها بها. وقوله تعالى: {قواريرا، قوارير من فضة}[53]. وقال بعض أهل العلم: معناه أوانيّ من زجاج في بياض الفضة وصفاء القوارير. وفي الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال لأنجشة هو يحدو[54] بالنساء: ((رفقاً بالقوارير))[55]. أراد صلى الله عليه وسلم، بالقوارير النساء. شبهن بالقوارير لضعف عزائمهن، وقلة دوامهن على العهد. والقوارير من الزجاج يسرع إليها الكسر ولا تقبل الجبر.
وكان أنجشة يحدو بهن ركابهن ويرتجز بنسيب الشعر والرجز وراءهن فلم يأمن أن يصبهن ما يسمعن من رقيق الشعر فيهن، أو يقع في قلوبهن حُداؤه. فأمر أنجشة بالكف عن نشيده وحُدائه حذار صبوتهن إلى غير الجميل.
وقيل: أراد أن الإبل إذا سمعت الحُداء أسرعت في المشي واشتدت فأزعجت الراكب فأتعبته، فنهاه عن ذلك لأن النساء يضعفن عن شدة الحركة[56].
وقد ذهب هذا المذهب الشريف الرضي في مؤلفه فقال: "وهذه استعارة عجيبة، لأنه عليه الصلاة والسلام شبه النساء في ضعف النحائز[57]، ووهن الغرائز[58] بالقوارير الرقيقة التي يوهنها الخفيف، ويصدعها اللطيف، فنهى عن أن يسمعن ذلك الحادي ما يحرّك مواضع الصبوة، وينقض معاقد العفة"[59].(205/11)
فالحديث إذاً يحمل على وصف المرأة بالقوارير على الاستعارة التصريحية بجامع الرقة بين المرأة والقارورة. حيث حذف المشبه وصرح بالمشبه به. والاستعارة تعد من المجاز اللغوي.
وكقوله في مادة (وطأ)[60].
وطأ الفرس: دمثّه.
ووطأ الشيء: سهّله.
والوطئ من كل شيء: ما سهل ولان. حتى إنهم يقولون: رجل وطئ، ودابة وطيئة. وفي الحديث: (ألا أخبركم بأحبكم إليَّ وأقربكم مني مجالس يوم القيامة أحاسنكم[61] أخلاقاً، الموطؤن أكنافاً الذين يألفون ويؤلفون)[62].
قال ابن الأثير: هذا مثل. وحقيقته من التوطئة، وهي التمهيد والتذليل. وفراش وطئٌ: لا يؤذي جنب النائم.
والاكناف: الجوانب.
أراد الذين جوانبهم وطيئة يتمكن فيها من يصاحبهم ولا يتأذى)[63].
وحين ذكر ابن الأثير على ما روى ابن منظور أن الحديث محمول على المثل. وهذا يعني أنه محمول على المجاز.
والجانب المجازي في هذا الحديث. أنه كناية عن صفة اليسر والسهولة واللين. حيث انتقل من الملزوم، والفراش اللّين الذي لا يؤذي جنب النائم إلى اللازم الذي هو سماحة الخلق ولين الجانب عند الإنسان.
لسنا نحاول التوسع في تفصيل استشهاد ابن منظور بالحديث على المعاني المجازية. ولو شئنا أن نستقصي ما حواه معجمه لذهبنا في ذلك إلى مدى بعيد، ولأن المقام يقتضينا الاكتفاء بالصورة المجملة عن الإسهاب. وحسبنا أن نلفت الأنظار إلى أن ابن منظور كان حفياً به.
استطراداته في مسائل شتى:
نحاول في هذه الفقرة أن نسلط الضوء على ما نراه ملامح بارزة في منهج ابن منظور وهو يتناول ما بين يديه من ألفاظ لغوية محتجاً بالحديث على دلالتها. ويمكن حصرها فيما يأتي:
1 - استطراداته في شرح الحديث.
2 - إشارته إلى أحكام عقيدية.
3 - إيراده الأقوال المختلفة في معنى الحديث.
4 - إستطرادات نحوية.
5 - إشارته إلى اللهجات العربية.
استطراده في شرح الحديث:(205/12)
قد يتبهم المعنى الدقيق في بعض الأحاديث. فلذا نرى ابن منظور يتناول بعض الأحاديث يشرحها ويحللها. فمثلاً عند تفسيره مادة: ((النظرة)).
قال: والنظرة: اللمحة بالعجلة.
ثم أورد الحديث مشروحاً معززاً به معنى النظرة.
فقال: ومنه الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال لعلي: ((لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة))[64].
وقال بعض الحكماء: من لم يعمل نظره لم يعمل لسانه.
فنراه مورداً الحديث معززاً به معنى كلمة النظرة. ثم يتناول شرح الحديث لكي يجعل المعنى الذي يرمي إليه الحديث واضحاً راسخاً في الذهن رسوخاً لا تنال منه يد الأيام. فقال: ومعناه أن النظرة إذا خرجت بإنكار القلب عملت في القلب، وإذا خرجت بإنكار العين دون القلب لم تعمل، أي إن لم يرتدع بالنظر إليه من ذنب أذنبه لم يرتدع بالقول[65].
إشارته إلى أحكام عقيدية:
إن المتأمل في معجم لسان العرب، لا يخالفنا في أن يرى ابن منظور يحلل بعض الألفاظ اللغوية تحليلاً عقيدياً.
كقوله في مادة (كفر)[66].
قال: الكفر: نقيض الإيمان.
الكفر: كفر النعمة وهو ضد الشكر. وقوله تعالى: {إنا بكل كافرون}[67] أي جاحدون: كفر نعمة الله، وكفر بها. جحدها وسترها.
وروي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((قتال المسلم كفر، وسبابه فسق، ومن رغب عن أبيه فقد كفر))[68].
قال بعض أهل العلم: الكفر على أربعة أنحاه.
كفر إنكار: هو أن يكفر بقلبه ولسانه ولا يعرف ما يذكر له من التوحيد. وكذلك روي في قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون}[69]، أي كفروا بتوحيد الله.
كفر جحود: هو أن يعترف بقلبه ولا يقرّ بلسانه، فهو كافر جاحد ككفر إبليس. ومنه قوله تعالى: {فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به}[70]، يعني كفر جحود.
كفر المعاندة: هو أن يعرف الله بقلبه، ويقرّ بلسانه، ولا يدين به حسداً وبغياً كفر النفاق: أن يقرّ بلسانه، ويكفر بقلبه، ولا يعتقد بقلبه.(205/13)
كفر براءة: كقول الله تعالى حكاية عن الشيطان في خطيئته إذا دخل النار {إني كفرت بمآ أَشركتمونِ من قبل}[71]، أي تبرأت.
وبعد إيراده معاني كفر يتناول أصل المادة ويحللها.
فيقول: وأصل الكفر: تغطية الشيء تغطية تستهلكه. ثم يورد قول الليث معززاً ذلك. قال الليث: إنما سمي الكافر كافراً. لأن الكفر غطى قلبه كله، ويعقب الأزهري على قول الليث بقوله: معنى قول الليث هذا يحتاج إلى بيان يدل عليه. وإيضاحه: إن الكفر في اللغة ((التغطية)) والكافر ذو كفر، أي ذو تغطية لقلبه بكفره، كما يقال للابس السلاح كافر. وهو الذي غطاه السلاح. ثم قال: وفيه قول آخر أحسن مما ذهب إليه – يريد الليث – وذلك أن الكافر لما دعاه الله إلى توحيده فقد دعاه إلى نعمه وأحبها له إذا أجابه إلى ما دعاه إليه، فلما أبى ما دعاه إليه من توحيده كان كافراً نعمة الله، أي مغطياً لها بإبائه، حاجباً له عنها[72].
إيراده الأقوال المختلفة في معنى الحديث:
نرى ابن منظور وهو يستشهد بالحديث على معنى من المعاني يورد الأقوال المختلفة في تفسير عبارة من الحديث لها علاقة بالمادة التي يشرحها. نحو عبارة (تربت يداك)[73].
قال ابن منظور: يقال: تربت يداه، وهو على الدعاء، أي لا أصاب خيراً.
وفي الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((تنكح المرأة لميسمها[74]ولمالها لحسبها فعليك بذات الدين تربت يداك))[75].
قال أبو عبيد: قوله (تربت يداك)، يقال للرجل، إذا قل ماله: قد ترب، أي افتقر حتى لصق بالتراب. وفي التنزيل العزيز {أو مسكيناً ذا متربة}[76].
وقال أبو عبيدة: ويرون، والله أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتعمد الدعاء عليه بالفقر، ولكنها كلمة جارية على ألسن العرب يقولونها وهم لا يريدون بها الدعاء على المخاطب، ولا وقوع الأمر بها.
وقيل: معناها لله درك.
وقيل: أراد به المثل ليرى المأمور بذلك الجد، وأنه وإن خالفه فقد أساء.(205/14)
وقيل: هو دعاء على الحقيقة، فإنه قد قال لعائشة: ((لا تربت يداك)) لأنه رأى الحاجة خيراً لها[77].
هذه ستة معان لكلمة ((تربت يداك)) الواردة في الحديث الشريف أوردها ابن منظور. فأي معنى عناه الرسول (صلى الله عليه وسلم)؟
ويحسن بناء هنا قبل الجواب عن هذا السؤال أن نسوق ما ذكره ابن حجر في شرحه لهذا الحديث.
قال: قوله (تربت يداك) أي لصقتا بالتراب وهي كناية عن الفقر وهو خبر بمعنى الدعاء، لكن لا يراد به حقيقته. وبهذا جزم صاحب العمدة.
وزاد غيره: أن صدور ذلك من النبي (صلى الله عليه وسلم) في حق مسلم لا يستجاب لشرطه ذلك على ربه.
وقيل: معناه ضعف عقلك.
وقيل: افتقرت من العلم.
وقيل: فيه تقدير شرط، أي وقع لك ذلك إن لم تفعل. ورجحه ابن العربي[78].
رأي ابن العربي (فيه تقدير شرط) مقبول. وله وجاهته ورجاحته لأن به يستقيم معنى الحديث، ويتجلى بمراعاته المعنى المقصود، فينبغي أن يؤخذ به في معنى الحديث. وعلى هذا الرأي يكون المعنى. أي لصقت يداك بالتراب وأصبت بالفقر والعوز والضيق والضنك إن ضللت ذات الدين وصدفت عنها.
ومما تجدر الإشارة إليه أن أبا عبيد يرد على من قال: إن قوله ((تربت يداك)) يريد استغنت يداك.
فيقول: وهذا خطأ لا يجوز في الكلام، ولو كان كما قال لقال: ((اتربت يداك)). يقال أترب الرجل، فهو مُترب، إذا كثر ماله. فإذا أراد الفقر قالوا: ترب يترب، ورجل تربٌ فقير. ورجل ترب: لازق بالتراب من الحاجة ليس بينه وبين الأرض شيء[79].
وإننا لنثني بكلمة (طوبى) لنعلم ما ورد في معانيها من أقوال بعض اللغويين والمفسرين.
قال ابن منظور: (طوبى)[80]: شجرة في الجنة. وفي التنزيل {طوبى لهم وحسن مآب}[81].
وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ((أن طوبى شجرة في الجنة)).
وقيل: طوبى لهم. حسنى لهم.
وقيل: خير لهم.
وقيل: خيرة لهم.
وقال أبو اسحاق: إن العيش الطيب لهم.
وقيل: اسم جنة بالهندية.
وقيل: اسم الجنة بالحبشية.(205/15)
لابد لنا قبل بيان أصله كلمة طوبى من حيث أنها عربية أم أعجمية.
أن نقول: أن الأقوال التي وردت في معانيها – ما عدا الأعجمية – متقاربة تدل على العيش الطيب لهم.
أما كونها غير عربية. فنستنطق بادئ ذي بدء الجواليقي لأنه من المعنيين بذلك. فنجده يقول[82]:
قيل (طوبى) اسم الجنة بالهندية. وقيل: شجرة في الجنة.
فالجواليقي لم يجزم بكونها عربية أو أعجمية.
ولغرض الاختيار نجد أنفسنا أمام أنظار ناقدة، وعقول فاحصة، لا تستطيب من الكلام، إلا ما كان آخذاً بسبيل التحقيق العلمي، فلا يتدافع مع رواية صادقة، ولا يتراجع أمام امتحان الفكر السديد. فلنستنطقهم. يقول الرازي في التنديد بمن رأى أنها غير عربية: "إن هذه اللفظة ليست عربية، ثم اختلفوا فقال بعضهم: طوبى اسم الجنة بالحبشية، وقيل اسم الجنة بالهندية، وقيل البستان بالهندية، وهذا القول ضعيف لأنه ((ليس في القرآن إلا العربي)) لا سيما واشتقاق هذا اللفظ من اللغة العربية ظاهر"[83].
ويقول أبو عبيدة: "نزل القرآن بلسان عربي مبين، فمن زعم أن فيه غير العربية فقد أعظم القول"[84].
ويقول قتاده: (طوبى) كلمة عربية. تقول العرب: طوبى لك إن فعلت كذا وكذا وانشد:
طوبى لمن يستبدل الطول بالقرى ورسلاً بيقطين العراق وفوقها[85]
ومن يتتبع هذه الآراء بالمقارنة يرجح ترجيحاً قوياً أن طوبى لفظة عربية.
استطرادات نحوية:
كإشارته إلى معاني الحروف، فنراه في أثناء تفسيره للكلمة كثيراً ما يومئ إلى معاني الحروف. والدارس لمنهجه يجده ينثر من ذلك في تضاعيف معجمه.
كقوله في مادة (قصر)[86].
القصر: الغاية.
وفي الحديث: (من شهد الجمعة فصلى ولم يؤذ أحداً، بقصره إن لم يغفر له جمعته تلك ذنوبة كلها أن تكون كفارته في الجمعة التي تليها)[87]، أي غايته.
يقال: قصرك أن تفعل كذا، أي حسبك وكفايتك وغايتك. وكذلك قصارك وقُصاراك. وهو من معنى القصر الحبس لأنك إذا بلغت الغاية حبستك.(205/16)
و((الباء زائدة)) دخلت على المبتدأ دخولها في قولهم: بحسبك قول السوء.
إن ما يسترعي نظرنا من لفظة ((بقصره)) الواردة في الحديث أن ابن منظور قد تنبه إليها وانفرد بها في شواهد. ونحن لا نجد إشارة واضحة من النحويين إلى زيادة الباء في قصره التي بمعنى حسب. وما هو شرح الأشموني – وهو من الكتب النحوية التي تحوي آراء كثير من النحويين – أورد مواطن زيادة الباء. فقال: (وتزاد – يريد الباء – قياساً أيضاً في المرفوع في كل ما هو فاعل لكفى ومتصرفاته، وفي فاعل أفعل في التعجب على مذهب سيبويه، وفي المبتدأ الذي هو حسبك)، ونراه يمثل لتلك الزيادة في باب المبتدأ والخبر بقوله: ((بحسبك زيد)) وقال ابن يعين. وجملة الأمر أن الباء قد زيدت في مواضع مخصوصة، وذلك مع المبتدأ، والخبر الفاعل، والمفعول، وفي خبر ليس، وما الحجازية، أما زيادتها مع المبتدأ ففي موضع واحد، وهو قولهم: بحسبك أن تفعل الخير، معناه حسبك فعل الخير)[88].
وها هو ذا ابن هشام نراه قد تكلم عليها بإسهاب في مؤلفه ولم يورد هذه اللفظة[89].
إشارته إلى اللهجات العربية:
وننتقل الآن إلى نقطة أخرى من منهجه، وهي إيماؤه إلى اللهجات العربية. بيد أننا لم نكن في موضع نتتبع فيه كل ما أورده في معجمه، فهو قمين ببحث مفرد. غير أننا نكتفي بالإشارة إلى مادة (دفأ)[90].
يقول: الإدفاه: القتل، في لغة بعض العرب.
وفي الحديث: أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسير يرعد، فقال لقوم: ((اذهبوا به فأدفوه))[91] فذهبوا به فقتلوه فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أراد الإدفاء من الدفء، وأن يُدفأ بثوب، فحسبوه بمعنى القتل في لغة أهل اليمن وأراد أدفئوه، بالهمز مخففة حذف الهمزة، وهو تخفيف شاذ، كقولهم: لا هناك المرتعُ، وتخفيفه للقياسي أن تجعل الهمزة بين بين لا أن تحذف فارتكب الشذوذ لأن الهمزة ليس من لغة قريش.(205/17)
وبعد: فهذا البحث يفصح عن عناية ابن منظور بالحديث، واحتفائه به، ومنهجه في توظيفه له.
ولسنا ندعي أننا أشرفنا على الغاية فيما ألمعنا إليه في وجازة، فإن الحديث النبوي سخي مورده، بعيد غوره، وعلى الرغم من إيجازه فقد يكون في الإيجاز والإجمال بعض الغناء، لأنه لا يخلو من تنبيه إلى مشارف الآراء، ومعاقد الأخطار.
المصادر والمراجع
1 - الأمالي: لأبي علي القالي. الطبعة الثالثة 1370هـ – 1953م مطبعة السعادة.
2 - البحر المحيط: لأبي حيان الأندلسي. وبهامشه تفسيران: أحدهما: النهر الماد من البحر لأبي حيان أيضاً. وثانيهما: كتاب الدر اللقيط لتاج الدين أبي محمد أحمد ابن عبدالقادر القيسي. الطبعة الأولى سنة 1328هـ. مطبعة السعادة مصر.
3 - بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة للسيوطي. تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم. الطبعة الأولى سنة 1384هـ – 1964م. مطبعة عيسى البابي الحلبي بالقاهرة.
4 - البيان والتبيين. للجاحظ. تحقيق عبدالسلام هارون. مطبعة لجنة التأليف والنشر والترجمة بالقاهرة. 1367هـ – 1948م.
5 - تاريخ آداب العرب. للرافعي. الناشر. دار الكتاب العربي – بيروت لبنان.
6 - التفسير الكبير. للرازي. الطبعة الأولى 1357هـ – 1938م. طبعة بالمطبعة البهية المصرية.
7 - تهذيب اللغة. للأزهري. تحقيق عبدالسلام هارون. ومراجعة محمد علي النجار. دار القومية العربية للطباعة 1384هـ – 1964م.
8 - جمهرة اللغة. لابن دريد طبعة جديدة بالأوفسيت. مكتبة المثنى بغداد.
9 - الرواية والاستشهاد باللغة. الدكتور محمد عبد. الناشر عالم الكتب بالقاهرة 1976م.
10 - شرح الأشموني على ألفية ابن مالك. حققه وشرحه شواهده محمد محيي الدين عبدالحميد. الطبعة الثانية 1358هـ – 1979م مطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر.
11 - الصحاح – تاج اللغة العربية. للجوهري. تحقيق عبدالغفور غطار. مطابع دار الكتاب العربي بمصر.(205/18)
12 - العين. للفراهيدي. تحقيق الدكتور عبدالله درويش. مطبعة العاني بغداد 1286هـ – 1967م.
13 - فتح الباري بشرح البخاري: ابن حجر العسقلاني. مطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر 1378هـ – 1959م.
14 - الفائق في غريب الحديث. للزمخشري. تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم وعلي البجاوي: مطبعة عيسى البابي الحلبي بحمص.
15 - لسان العرب. لابن منظور. دار صادر بيروت.
16 - مجاز القرآن لأبي عبيدة. عارضه وعلق عليه الدكتور محمد فؤاد سرنكين. الطبعة الأولى 1374هـ – 1954م. الناشر محمد سامي أمين الخانجي بمصر.
17 - المجازات النبوية: للشريف الرضي. تحقيق وشرح الدكتور طه محمد الزيني. الناشر مؤسسة الحلبي وشركاه بالقاهرة.
18 - المحكم والمحيط الأعظم في اللغة. لابن سيدة. تحقيق مصطفى السقا والدكتور حسين نصار. الطبعة الأولى 1377هـ – 1958م نشر مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر.
19 - مختصر سنن أبي داود للحافظ المنذري، معالم السنن لأبي سليمان الخطابي، وتهذيب ابن قيم الجوزية: تحقيق أحمد محمد شاكر ومحمد حامد الفقي. مطبعة أنصار السنة المحمدية 1367هـ – 1948م.
20 - المعجم العربي: نشأته وتطوره. دكتور حسين نصار. الطبعة الثانية 1968م. دار مصر للطباعة.
21 - المعرب للجواليقي. تحقيق وشرح أحمد محمد شاكر. الطبعة الثانية، مطبعة دار الكتب 1389هـ – 1969م.
22 - المزهر في علوم اللغة وأنواعها للسيوطي. تحقيق محمد أحمد جاد المولى ومحمد أبو الفضل إبراهيم، وعلي محمد البجاوي. الطبعة الأولى. مطبعة عيسى البابي الحلبي بمصر.
23 - مغنى اللبيب. لابن هشام. تحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد.
24 - النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير. وبهامشه كتابان. أحدهما: مفردات الراغب الأصفهاني في غريب القرآن، وثانيهما: تصحيفات المحدثين في غريب الحديث لأبي أحمد الحسن بن عبدالله الفكري: طبع بالمطبعة الخيرية بالقاهرة.
المجلات
1 - مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة.(205/19)
2 - مجلة الأزهر.
ــــــــــــــــــــ
[1] مؤلفه: أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن علي بن منظور، الأفريقي، المصري الخزرجي. ولد في شهر المحرم سنة 630هـ وقد توفي في شعبان سنة 711هـ. انظر بغية الوعاة للسيوطي 1/248.
[2] الزمخشري: الفائق في غريب الحديث 1/11.
[3] السيوطي – الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير 1/14.
[4] القالي: الأمالي 1/9،8.
قواعدها: أسافلها. واحدتها قاعدة. بواسقها: ما علا منها وارتفع. واحدتها باسقة. الوميض: اللمع الخفي. جونها: أسودها. الحيا: الغيث والخصب.
[5] الزمخشري: الفائق في غريب الحديث 3/212.
[6] السيوطي: المزهر في علوم اللغة وأنواعها 1/20 – 50.
[7] المبرد: رغبة الأمل من كتاب الكامل 1/154.
[8] الرافعي: تاريخ آداب العرب 2/279.
[9] سورة: ص. رقم الآية 38.
[10] التقعيب: هو أن يتكلم بأقصى قعر فمه.
[11] الفلج – بالفتح وبالتحريك –: الفوز والظفر.
[12] الهمز: العيب في الغيبة، واللمز: العيب في الحضرة.
[13] حصر يحصر حصراً: عي في طلامه.
[14] الجاحظ. البيان والتبيين 2/18.
[15] الدكتور محمد عيد. الرواية والاستشهاد باللغة. ص134.
[16] انظر مجلة الأزهر. مجلد 25 ص58.
[17] المعاجم التي تهدف إلى شرح معاني الألفاظ اللغوية.
[18] السيوطي: بغية الوعاة 1/558.
[19] المصدر نفسه 1/79.
[20] المصدر نفسه 1/20.
[21] المصدر نفسه 1/447.
[22] المصدر نفسه 2/143.
[23] المصدر نفسه 2/275.
[24] ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث والأثر 1/18.
[25] الفراهيدي: معجم العين 1/19.
[26] ابن الأثير. النهاية في غريب الحديث والأثر 1/209.
[27] ابن دريد. معجم جمهرة اللغة 1/44.
[28] الأزهري. معجم تهذيب اللغة 1/130.
[29] انظر صحيم مسلم. باب تحريم النميمة 4/2012.
[30] الجوهري. معجم الصحاح 2/807.
[31] ابن سيده. معجم المحكم 1/51.
[32] الكباد – بضم الكاف وفتح الباء: مرض يصيب الكبد.(205/20)
[33] ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث والأثر 2/4.
[34] والزمخشري: الفائق في غريب الحديث 1/11.
[35] الدكتور حسين نصار. المعجم العربي. نشأته وتطوره 2/569.
[36] المصدر نفسه: 2/544.
[37] ابن منظور. لسان العرب 8/252.
[38] ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث والأثر. 3/444.
[39] وقد رواه الزمخشري في مؤلفه (الفائق) قال: كان إذا أشرف على بني الأشهل قال: ((والله ما علمت، إنكم لتكثرون عند الفزع، وتقلون عند الطمع)). الفائق في غريب الحديث للزمخشري. 3/115.
[40] ابن منظور: لسان العرب. 1/159.
[41] ابن الأثير. النهاية في غريب والأثر. 4/351.
[42] ابن منظور. لسان العرب. 1/108، 109.
[43] نص الحديث: ((إن هذه االقلوب تصدأ كما يصدأ الحديد)) فقيل: يا رسول الله وما جلاؤها؟ فقال: ((تلاوة القرآن وذكر الموت)). الغزالي. إحياء علوم الدين 1/245.
[44] ابن منظور. لسان العرب. 5/56، 57.
[45] نص الحديث: ((كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يهودانه، كمثل البهية تنتج البهيمة)). ابن حجر. فتح الباري بشرح البخاري 3/491.
[46] ابن منظور. لسان العرب. 1/281.
[47] ابن الأثير. النهاية في غريب الحديث والأثر. 1/303.
[48] ابن الأثير. النهاية في غريب الحديث والأثر. 1/303.
[49] المصدر نفسه 1/303.
[50] ابن رشيق: العمدة. 1/266.
[51] انظر مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة. مجلد (2،1) ص293.
[52] ابن منظور: لسان العرب 5/87، 88.
[53] سورة: الإنسان. آية 76.
[54] حدا الإبل وبها – حداء: ساقها وحثها على الشر بالحداء. فالحداء إذاً الغناء.
[55] ابن الأثير. النهاية في غريب الحديث والأثر. 4/39.
[56] ابن منظور. لسان العرب 5/88.
[57] النحائز: جمع نحيزة. وهي الطبيعة.
[58] الغرائز: الغريزة. الطبيعة.
[59] الشريف الرضي. المجازات النبوية. ص30.
[60] ابن منظور. لسان العرب. 1/198.(205/21)
[61] أحاسنكم: يريد الأحاسن منكم على إرادة التفضيل لا الوصف وذلك أن العرب تقول في الوصف: رجل حسن. ولم تقل رجل أحسن.
[62] المبرد. رغبة الأمل من كتاب الكامل: 1/19.
[63] ابن منظور. لسان العرب. 1/198.
[64] مختصر سنن أبي داود للحافظ المنذري ومعالم السن لأبي سلمان الخطابي. تهذيب ابن قيم الجوزية. 3/70.
[65] ابن منظور. لسان العرب 5/217.
[66] المصدر السابق 5/144.
[67] سورة القصص: رقم 28.
[68] ابن الأثير. النهاية في غريب الحديث والأثر. 4/187.
[69] سورة البقرة. آية 3.
[70] سورة البقرة. رقم 2.
[71] سورة إبراهيم. رقم 14.
[72] ابن منظور لسان العرب 5/144.
[73] المصدر نفسه 1/229.
[74] الميسم: السمة. وأثر الحسن والجمال.
[75] ابن حجر. فتح الباري بشرح البخاري. باب النكاح. 11/36، 37.
[76] سورة البلد. رقم الآية 90.
[77] ابن منظور. لسان العرب 1/229.
[78] ابن حجر. فتح الباري بشرح البخاري. 11/37.
[79] ابن منظور. لسان العرب 1/229.
[80] المصدر السابق. 1/564، 565.
[81] سورة الرعد. آية 29.
[82] الجواليقي. المعرب من الكلام الأعجمي. ص274.
[83] الرازي. التفسير الكبير 19/51.
[84] أبو عبيدة. مجاز القرآن 1/17.
[85] ابن منظور. لسان العرب 1/565.
[86] ابن منظور. لسان العرب 5/97.
[87] ابن الأثير. النهاية في غريب الحديث والأثر. 4/69.
[88] انظر شرح الأشموني على ألفية ابن مالك. تحقيق محمد محيي الدين 1/237.
[89] انظر: مغني اللبيب لابن هشام. 1/108، 109، 110.
[90] ابن منظور. لسان العرب. 1/76، 77.
[91] ابن الأثير. النهاية في غريب الحديث والأثر. 2/123.(205/22)
العنوان: الاستغفار
رقم المقالة: 1582
صاحب المقالة: الشيخ إبراهيم الحقيل
-----------------------------------------
استغفار الملائكة للمؤمنين
الحمد لله الغفور الرحيم؛ وسع كل شيء رحمة وعلما، فما من مخلوق إلا ناله من رحمة الله تعالى ما ناله، وفاز المؤمنون بالحظ الأوفر منها {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف:156].
نحمده على مننه وإفضاله، ونشكره على واسع عطائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ لا رب لنا سواه، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ رحم أمته فبشرهم وأنذرهم، ودلهم على ما ينفعهم، وحذرهم مما يضرهم، وأكثر من الاستغفار لهم، وادخر دعوته في الدنيا إلى يوم القيامة ليشفع لهم عند الله تعالى، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه؛ فإن في طاعته استجلاب لرحمته عز وجل، وفي ذلك أمان من العذاب في الدنيا والآخرة {وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [آل عمران:132].
أيها الناس: خلق الله تعالى الملائكة من نور، وسخرهم في طاعته، فمنهم المصلون ومنهم المسبحون {وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء:20] وكلف فريقا منهم بأعمال تخص بني آدم فمنهم الحفظة الكرام الكاتبين، ومنهم المتعاقبون عليهم بالليل والنهار، ومنهم الذين يلتمسون حلقات الذكر، ومنهم الذين يقفون على أبواب المساجد يوم الجمعة يسجلون في صحفهم الأول فالأول.(206/1)
وهم عليهم السلام دائبون في طاعة الله تعالى، معصومون من الخطأ والعصيان {لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التَّحريم:6].
ولما كانوا عليهم السلام أهل طاعة لله تعالى كانوا محبين للطائعين من البشر، محتفين بهم، داعين لهم، يبشرونهم عند الموت بما أعد الله تعالى لهم {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ المَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل:32].
ويستقبلونهم يوم القيامة عند أبواب الجنة مرحبين بهم، ومهنئين لهم بمنازلهم في الجنة{وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزُّمر:73] وفي آيات أخرى {وَالمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد:23-24] وما ذاك إلا من محبتهم لهم، ودافع تلك المحبة الإيمان بالله تعالى وطاعته التي جمعت بين الملائكة وصالحي البشر.(206/2)
إن الملائكة عليهم السلام قد شرفهم الله تعالى في الدنيا بأعلى المقامات، ووكل إليهم أشرف الأعمال وأجلها، ويكفي شرفا لهم قربهم من الله تعالى في الملكوت الأعلى، ودأبهم في عبادته وطاعته وتسبيحه، ومع هذا الشرف العظيم، والمقام الكبير الرفيع فإنهم عليهم السلام من محبتهم للمؤمنين، وولائهم لهم، وقربهم منهم؛ يستغفرون الله تعالى لهم، ويدعونه سبحانه أن يغفر لهم ويرحمهم، ويجنبهم موجبات سخطه، ويدخلهم جنته؛ فأيُّ شرف حظي به المؤمنون، وأي مكانة لهم عند الله تعالى حين يسخر سبحانه ملائكته المقربين للدعاء والاستغفار لهم، بل ويدعون لآبائهم وأزواجهم وذرياتهم أن يلحقوا بهم، وما أعظم الإيمان الذي أنالهم هذه المنزلة العالية {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ العَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ} [غافر:7-9].
واستغفار الملائكة للمؤمنين يدل على أن الملائكة أنصح للبشر من البشر، فالبشر يعتدي بعضهم على بعض، ويدعو بعضهم على بعض، بل من الناس من يدعو على نفسه وأهله وولده وماله.
قال مطرف بن عبد الله رحمه الله تعالى: (وجدنا أنصح عباد الله لعباد الله تعالى الملائكة، ووجدنا أغش عباد الله لعباد الله تعالى الشيطان، وتلا هذه الآية).(206/3)
وقال إبراهيم النخعي رحمه الله تعالى: (كان أصحاب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقولون: (الملائكة خير للمسلمين من ابن الكواء؛ فالملائكة يستغفرون لمن في الأرض، وابن الكواء يشهد عليهم بالكفر، وكان ابن الكواء رجلا خارجيا).
وقال يحيى بن معاذ لأصحابه في هذه الآية: (افهموها فما في العالم جنةٌ أرجى منها، إن ملكا واحدا لو سأل الله تعالى أن يغفر لجميع المؤمنين لغفر لهم، كيف وجميع الملائكة وحملة العرش يستغفرون للمؤمنين؟!).
وقال خلف بن هشام رحمه الله تعالى: (كنت أقرأ على سليم بن عيسى فلما بلغت {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا} بكى ثم قال: يا خلف، ما أكرم المؤمن على الله تعالى نائما على فراشه والملائكة يستغفرون له).
تأملوا رحمكم الله تعالى هذا الدعاء العظيم من حملة العرش ومن حوله لعباد الله المؤمنين، وما تضمنه من المعاني العظيمة؛ فهم عليهم السلام يسألون الله تعالى للمؤمنين المغفرة، والوقاية من الجحيم، ومن أسباب ذلك وهي اقتراف السيئات، ويسألون الله تعالى الجنة لهم وللصالحين من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم.
وهؤلاء الملائكة الكرام الذي يستغفرون للمؤمنين ليسوا أي ملائكة، وإنما هم حملة العرش ومن حوله، وهم أقرب الملائكة إلى الله تعالى، ولا ذنوب عليهم البتة، واستغفارهم للمؤمنين ودعاؤهم لهم كان بظهر الغيب، لا يعلمه المؤمنون لولا أن الله تعالى أخبرهم به، وكل ذلك يجعل دعواتهم مرجوة الإجابة، فما أحظ المؤمنين وأسعدهم بذلك!!(206/4)
إن الرابطة التي ربطت بين حملة العرش ومن حوله وبين بني آدم في الأرض حتى دعوا الله لهم هذا الدعاء الصالح العظيم إنما هي الإيمان بالله جل وعلا؛ لأنه عز وجل قال عن الملائكة {وَيُؤْمِنُونَ بِهِ}، فوصفهم بالإيمان وقال سبحانه عن بني آدم في استغفار الملائكة لهم {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا} فوصفهم أيضا بالإيمان، فدل ذلك على أن الرابطة بينهم هي الإيمان وهو أعظم رابطة، فاعرفوا -عباد الله- فضل الله تعالى عليكم إذ هداكم للإيمان، واقدروا هذه النعمة العظيمة حق قدرها، بشكر الله تعالى عليها، والعمل بلوازمها.
وفي الآية الأخرى يقول الله تعالى مخبرا عن استغفار الملائكة لعباده المؤمنين {تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللهَ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الشُّورى:5] وقد ذكر العلماء أن من حكمة إكثار الملائكة عليهم السلام من الاستغفار للمؤمنين اطلاعهم على ما يقع منهم من نقص وخروق في عباداتهم، مع ما يقارفونه من المعاصي.
ولما كان هذا من سجايا الملائكة وعاداتهم عليهم السلام كانوا يؤمنون على دعاء المؤمن لأخيه بظهر الغيب كما روى أبو الدرداء رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من دَعَا لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ قال الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ) رواه مسلم.(206/5)
ولما كان هذا حال الملائكة عليهم السلام محبة للمؤمنين، وولاء لهم، وقربا منهم، وحرصا عليهم، حتى إنهم يدعون لهم؛ كان من الاقتداء بهم عليهم السلام أن يوالي المؤمنون بعضهم بعضا، ويتباذلون المحبة والنصح فيما بينهم، ويدعو بعضهم لبعض؛ فإن رابطة الإيمان التي ربطت بين عباد الله الصالحين تحت العرش وحوله من الملائكة وبين المؤمنين في الأرض مع ما بينهما من اختلاف الجنس، وبعد المكان؛ لحقيقة أن تربط بين المؤمنين من البشر وهم من جنس واحد وفي ملكوت واحد، والله تعالى يقول: {إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10] فكونوا -يا أيها المؤمنون- لإخوانكم كما كان الملائكة المقربون لكم؛ محبة وولاء ونصحا ودعاء، وقد جاء في الحديث: (من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة) رواه الطبراني.
أسأل الله تعالى أن يهدينا صراطه المستقيم، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن يرزقنا العمل بما علمنا. إنه سميع مجيب.
وأقول ما تسمعون وأستغفر الله ....
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أيها المسلمون: إن كان الملائكة المقربون عليهم السلام يستغفرون لعموم المؤمنين، ويدعون لهم فإن ثمة أعمالا صالحة تستجلب صلاة الملائكة على المؤمنين، ومن نصح النبي عليه الصلاة والسلام بأمته أن دلهم على تلك الأعمال صالحة ليسابقوا إليها فيحظوا بصلاة الملائكة عليهم.(206/6)
ومن تلكم الأعمال الصالحة: المكث في المسجد قبل الصلاة وبعدها؛ كما جاء في حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: (الْملَائِكَةُ تُصَلِّي على أَحَدِكُمْ ما دَامَ في مُصَلَّاهُ الذي صلى فيه ما لم يُحْدِثْ تَقُولُ اللهم اغْفِرْ له اللهم ارْحَمْهُ) رواه الشيخان، وفي لفظ لمسلم: (لَا يَزَالُ الْعَبْدُ في صَلَاةٍ ما كان في مُصَلَّاهُ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ وَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ اللهم اغْفِرْ له اللهم ارْحَمْهُ حتى يَنْصَرِفَ أو يُحْدِثَ).
وجاء عن سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى أنه لا يكاد يبارح المسجد، ويمكث فيه طويلا لأجل ذلك ويقول: (فإني أذكر الله تعالى وأهلل وأسبح وأستغفر؛ فإن الملائكة تقول: اللهم اغفر له اللهم ارحمه، فإذا فعلت تقول الملائكة: اللهم اغفر لسعيد بن المسيب).
وجاء في أحاديث عدة أن الله تعالى وملائكته يصلون على من يصلون الصفوف المنقطعة، وعلى أهل الصف الأول، وعلى من كانوا في يمين الصف، وعلى المتسحرين للصيام، ومن أصبح فزار مريضا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، فإن زاره في المساء صلوا عليه حتى يصبح.
ومن نام على طهارة وكل به ملك يستغفر له ليلته أجمع؛ كما روى ابن عُمَرَ رضي الله عنه أَنّ رَسُولَ الله صلى اللَّهُ عليه وسلم قال: (طَهِّرُوا هذه الأَجْسَادَ طَهَّرَكُمُ اللَّهُ فإنه ليس عَبْدٌ يَبِيتُ طَاهِرًا إِلا بَاتَ معه مَلَكٌ في شِعَارِهِ لا يَنْقَلِبُ سَاعَةً مِنَ اللَّيْلِ إِلا قال: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِكَ فإنه بَاتَ طَاهِرًا) رواه الطبراني.
ومن أسباب استجلاب رحمة الملائكة عليهم السلام أن يرحم المسلم غيره، ورحمة الملائكة للعبد سبب لاستغفارهم ودعائهم له؛ كما جاء في حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ارْحَمْ من في الأَرْضِ يَرْحَمْكَ من في السَّمَاءِ) رواه الطبراني.(206/7)
عباد الله: كل هذه أبواب من الخير عظيمة؛ فمن ولجها كلها كان أحظى الناس بدعاء الملائكة عليهم السلام، واستغفارهم له، ومن أخذ ببعضها كان له من دعاء الملائكة واستغفارهم بقدر ما أخذ، ومن فرط في جميعها فقد حرم نفسه خيرا كثيرا. وصلوا وسلموا على نبيكم....(206/8)
العنوان: الاستفتاء
رقم المقالة: 612
صاحب المقالة: سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين
-----------------------------------------
الحمد لله الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم والحمد لله الذي من على عباده بإنزال الكتب وإرسال الرسل فلم يبق على الله للخلق حجة وفتح العقول وفهم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الرب الكريم الأكرم علم القرآن وخلق الإنسان وعلمه البيان وأعطى وتكرم وأشهد أن محمداًً عبده ورسوله المرشد إلى السبيل الأقوم صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وبارك وسلم.(207/1)
أما بعد أيها الناس اتقوا الله تعالى وتفقهوا في دين الله لتعبدوا الله على بصيرة فإن من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين فالفقه في الدين أساس الخير والعمل الصالح، فبه يعرف العبد كيف يعبد ربه، به يعرف كيف يتوضأ وكيف يغتسل، به يعرف كيف يصلي وكيف يصوم وكيف يزكي وكيف يحج وكيف يعتمر، به يميز بين الواجبات وبين السنن، به يعرف كيف يسير إلى ربه في نور العلم إذا انعقدت غيوم الجهل والفتن، به يعرف كيف يعامل الناس بالبيع والشراء يعطي الحق الذي عليه ويطلب الذي له أو يتسامح عنه، به يعرف كيف ينكح وكيف ينفق وكيف يكفر عن آثامه وكيف يعتق، به يكون العبد سراجاً في أمته يهديهم الصراط المستقيم ويبين لهم النهج القويم بالعلم يستنير في حياته وبعد وفاته فهو نور القلب ونور القبر ونور الحشر ونور الصراط، العالم حي بعد مماته والجاهل ميت في حياته: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ} [الزمر:9]، ((إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به من بعده أو ولد صالح يدعو له)) وما اكتسب مكتسب مثل فضل علم يهدي صاحبه إلى هدى أو يرده عن ردى، ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء: إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر)).(207/2)
أيها الناس: من استطاع منكم أن يتفرغ للعلم وتحصيله فليفعل فإنه ليتأكد في هذا الزمان الذي قل فيه الفقهاء في دين الله وكثر فيه طلب الدنيا بشتى الوسائل والإقبال عليها ومن لم يستطع منكم ذلك فليستمع إلى الذكر وليجلس إلى أهل العلم فيستفيد منهم ويفيد غيره ومن لم يتسطع فلا أقل من أن يسأل عن دينه عن طهارته وصلاته وزكاته وصيامه وحجه وبيعه وشرائه وأخذه وعطائه ونكاحه وغير ذلك مما له صلة بدينه إذا عرض له فيه إشكال واشتباه.
عباد الله: إن بعض الناس يصنع أمراً محرماً لا يجوز في الاستفتاء، تجده يأتي إلى أحد ليستفتيه راضياً بفتواه معتقداً أن ما يقوله هو دين الله وهو الحق الذي يجب عليه التزامه فإذا أفتاه بشيء ولم تناسبه الفتوى إما لاستبعاده لها وإما لصعوبتها عليه في نظره ذهب يطلب مفتياً آخر لعله يكون أنسب له وهذا العمل حرام عليه فإن المطلوب في حق المستفتي أن يتحرى من يظنه أقرب إلى الحق لكثرة علمه وقوة ورعه فإذا غلب على ظنه أنه أقرب إلى الحق من غيره فليسأله ثم ليأخذ بقوله ولا يستفتى غيره إلا أن يتبين له بعد ذلك أنه مخطئ مخالف للكتاب أو السنة فحينئذ يأخذ بما دل عليه الكتاب والسنة وقد ذكر الله تعالى في كتابه وظيفة الإنسان إذا لم يكن له علم فقال: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ} [النحل:43،44] فإذا كنت مأموراً بسؤال أهل العلم فإن العاقل لا بد أن يتحرى لدينه من هو أعلم وأروع الأمثل فالأمثل فاتقوا الله أيها الناس ولا تتلاعبوا بدينكم تسألون هذا وهذا وهذا فتختلف عليكم الأمور وتكونوا ممن اتبعوا أهواءهم.(207/3)
والإنسان متى قام بالواجب فسأل من يظنه أقرب إلى الحق فقد برئت ذمته فيما بينه وبين الله قال في المنتهى وشرحه: ومن لم يجد إلا مفتياً لزم أخذه بقوله وكذا ملتزم قول مفت وثم غيره أي فإنه يلزمه الأخذ بفتوى من التزم بقوله وقال في شرحه نقلا عن شرح مختصر التحرير: لو أفتى المقلد مفت واحد وعمل به المقلد لزمه قطعاً وليس له الرجوع إلى فتوى غيره في تلك الحادثة بعينها إجماعاً نقله ابن الحاجب وغيره وقد ذكر ذلك صاحب الإقناع وشرحه والغاية وشرحها. نعم لو سأل أمثل من يجد من غير أن تسكن إليه نفسه ويطمئن إليه قلبه ولكن للضرورة فهذا يجوز أن يسأل غيره فيما بعد ممن يظن أنه أقرب إلى الحق منه. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:18] بارك الله... الخ.(207/4)
العنوان: الإسراء والمعراج
رقم المقالة: 1347
صاحب المقالة: الشيخ إبراهيم الحقيل
-----------------------------------------
الحمد لله العلي الأعلى؛ أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى؛ ثم عرج به إلى السموات العلى، حتى بلغ سدرة المنتهى، فرأى من آيات ربه الكبرى، أحمده على ما وفق وهدى، وأشكره على ما أعطى وأسدى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ هدانا للإسلام، وعلمنا القرآن، وجعلنا من خير أمة أخرجت للناس، {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[الحجرات:17].
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ آذاه المشركون، وعذبوا أصحابه، وصدوا الناس عن دعوته، وساوموه على دينه، فثبت ثبوت الجبال الرواسي حتى أظهره الله تعالى عليهم، ونصره وأعزه، وهزم أعداءه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله تعالى، فاتقوه حق التقوى، واتبعوا ما أنزل من الهدى، وإياكم ومحدثات الأمور والهوى؛ فإن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا صوابا {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:31].
أيها الناس: من فضل الله تعالى على المسلمين أن جعل أمتهم خير الأمم، وجعلهم خير هذه الأمة {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} {آل عمران:110} فدينهم أحسن الدين وأتمه، وشريعتهم أفضل الشرائع وأكملها {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النساء:125].(208/1)
ولذا كان حقا على هذه الأمة أن تنشر دين الله تعالى في الأرض، وتدعو الناس إليه، وتحكمهم به، فلا يعلو سلطان سلطانه، ولا يحكم الناس بغيره؛ لإحقاق الحق، وإقامة العدل، ولا عدل إلا فيما اختاره الله تعالى لعباده من الشرائع {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله} [الأنفال:39].
وحادثة الإسراء والمعراج من أبين الأدلة على ذلك؛ إذ لم تكن مجرد حادث فردي بسيط، بل رأى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم الآيات الكبرى، وتجلى له ملكوت السماوات والأرض مشاهدة وعيانًا، وزيادة إلى ذلك, اشتملت هذه الرحلة النبوية الغيبية على معانٍ دقيقة كثيرة، وإشارات حكيمة بعيدة المدى من أهمها:
أن محمدا صلى الله عليه وسلم هو نبي القبلتين، وإمام المشرقين والمغربين، ووارث الأنبياء قبله، وإمام الأجيال بعده، ففي شخصه الكريم، وفي إسرائه العظيم التقت مكة بالقدس، والبيت الحرام بالمسجد الأقصى، وصلى بالأنبياء خلفه، فكان هذا إيذانًا بعموم رسالته، وخلود إمامته، وعالمية دينه، وصلاحيته لاختلاف المكان والزمان، وإصلاحه لما أفسدت الشياطين من أحوال الناس.(208/2)
إن مرور النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء ليلة المعراج، وسلامه عليهم، وترحيبهم به، حتى إن كل واحد منهم يقول: (مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح) إلا أبويه آدم وإبراهيم عليهما السلام فقالا: (مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح) وصلاته بالأنبياء إماما وهم خلفه يأتمون به... إن ذلك كله لدليل على أن الأنبياء عليهم لسلام قد سلََموا لنبينا عليه الصلاة والسلام بالقيادة والريادة، وأقروا وهم رسل الله تعالى إلى الناس أن شريعة الإسلام قد نسخت الشرائع السابقة، وأنه لا يسع أتباع هؤلاء الأنبياء من كل الأمم والأجناس إلا ما وسع أنبياءَهم من قبل، وهو التسليم بالقيادة لهذا الرسول ولرسالته التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، والإيمان بها، والتزام أحكامها.
والله تعالى قد أخبر في كتابه الكريم بأنه سبحانه قد أخذ الميثاق على النبيين بذلك، وذم من رفضه ولم يؤمن به، فالتزم النبيون عليهم السلام ليلة الإسراء بهذا الميثاق العظيم، فما بال من يدعون أنهم أتباع إبراهيم وموسى وعيسى وداود وسليمان عليهم السلام لا يتبعون أنبياءهم في انقيادهم لدين محمد صلى الله عليه وسلم، والإقرار بإمامته. {وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ * فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ} [آل عمران:83].(208/3)
إن على الذين يعقدون مؤتمرات التقريب بين الأديان أن يدركوا هذه الحقيقة، ويدعوا الناس إليها، وهي ضرورة انخلاع أتباع الديانات المنحرفة من أديانهم الباطلة، والدخول في دين الإسلام, والإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم ورسالته؛ اتباعا لرسلهم، ووفاء بالميثاق الذي أُخذ عليهم.
وعلى المشاركين من المسلمين في تلك المؤتمرات أن يدركوا أن الغربيين وأذنابهم لا يريدون بما يسمى حوارات الحضارات، ودعوات التقريب بين الأديان إلا إخضاع الحق إلى باطلهم، وتطويع الإسلام إلى أديانهم المحرفة، وأفكارهم الضالة، وهذا ما لن يكون قدرا، ولا يرضاه الله تعالى لعباده شرعا؛ فالكفر والإيمان لا يلتقيان أبدا، ولا ينتفيان إلى آخر الزمان، ولن تزال طائفة من المسلمين على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تعالى وهم على ذلك، جعلنا الله تعالى منهم.
فخير لهم أن يدعوا الضالين إلى دين الإسلام، ولا يقبلوا المساومة عليه مهما كان الثمن؛ فإن تنازلهم عن شيء من دينهم؛ إرضاء للقوى الطاغوتية المستكبرة لن يكون حلا صحيحا لمشاكلهم، ولن يرد عدوان الظالمين عنهم، بل إنه سيطمع أعداءهم فيهم، مع إيباقهم لأنفسهم، وإسخاطهم لربهم، ولو بذلوا دينهم كله لعباد الصليب وعباد العجل وعباد المادة فلن يرضوا عنهم {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ اليَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى الله هُوَ الهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ مَا لَكَ مِنَ الله مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} [البقرة:120].(208/4)
ولما ساوم المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم على دينه، وطلبوا منه التنازل عن بعضه، وموافقتهم في بعض دينهم كان جواب الله تعالى عليهم {قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } [الكافرون].
وماذا يريد دعاة تقارب الأديان إلا انخلاع أهل الحق من حقهم، وموافقة الكافرين والمنافقين في باطلهم، ولن يقبلوا حوارا أو تقاربا يُقضى فيه بالحق، ويُزهق فيه الباطل، ويُؤخذ فيه على أيدي المستكبرين والظالمين.
وفي حادثة الإسراء ارتبطت أرض الشام المباركة، بأرض الحجاز المقدسة، وتواثقت علاقة بيت المقدس بالبيت الحرام والمسجد النبوي، فكان الإسراء من مكة، والمعراج من بيت المقدس، وبينهما مسجد المدينة، وفي ذلك من المعاني ما لا يدركه كثير من الناس:
ففيه أهمية المسجد الأقصى بالنسبة للمسلمين؛ وأن الحق فيه لكل مسلم، وليس لشعب دون شعب، أو طائفة دون طائفة؛ إذ هو مسرى رسولهم صلى الله عليه وسلم، ومعراجه إلى السماء، وكان قبلتهم الأولى طيلة الفترة المكية، وهذا توجيه وإرشاد للمسلمين بأن يحبوا المسجد الأقصى وما حوله؛ لأنها أرض مباركة مقدسة.
وهذا يدل على أهمية تحرير المسجد الأقصى من الشرك والمشركين فلا يكون لهم عليه سلطان، كما هي أيضًا مسؤوليتهم في تحرير المسجد الحرام من أوضار الشرك وعبادة الأصنام.(208/5)
وقد إدراك الصحابة رضي الله عنهم أهمية المسجد الأقصى فلم يرضهم أن يضل أسيرًا تحت حكم الرومان، فسيرت جيوش الحق إلى أرض الشام المباركة؛ لفتحه وتطهيره من شرك الرومان، وضمه إلى بلاد أهل الإسلام، وسافر خليفة المسلمين عمر بن الخطاب رضي الله عنه من المدينة إلى بيت المقدس لاستلامه من قادة النصارى لما تصالحوا مع قادة المسلمين على ذلك، وجاور في أرضه المباركة عدد من الصحابة رضي الله عنهم، وما ذاك إلا لمكانته في شريعة الإسلام.
وبهذا ندرك أهمية هذه الرحلة المباركة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى التي أنزل الله تعالى في شأنها سورة افتتحت بذكر هذه الرحلة المباركة، وسميت باسمها {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الإسراء:1] فالحمد لله الذي أكرم نبينا محمدا عليه الصلاة والسلام بذلك، والحمد لله الذي جعلنا من أمته ومن أتباعه وعلى دينه، ونسأل الله تعالى أن يثبتنا عليه إلى الممات، إنه سميع مجيب.
أقول ما تسمعون....
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله ربكم -أيها المؤمنون- لعلكم تفلحون.
أيها المسلمون: إن الربط بين حرم مكة وبيت المقدس في حادثة الإسراء مشعر بأن أي تهديد للمسجد الأقصى وأهله, فهو تهديد للحرمين المكي والمدني وأهلهما، وأن النيل من المسجد الأقصى ما هو إلا توطئة للنيل من الحرمين؛ فالمسجد الأقصى هو بوابة الصهاينة والصليبيين إلى الحرمين المكي والنبوي، واحتلال الصهاينة للمسجد الأقصى في هذا العصر, ووقوعه في أيدي اليهود يعود بالخطر على حرمي مكة والمدينة؛ ذلك أن أنظار الأعداء تتجه إليهما بعد الأقصى.(208/6)
ولما احتل الصليبيون المسجد الأقصى سعى المسلمون إلى تطهيره من رجسهم، وجاهدوهم تسعين سنة في سبيل ذلك، وقدموا أرواحهم وأموالهم رخيصة لافتداء الأرض التي باركها الرب جل جلاله بمسجدها الأقصى، حتى تهيأ لهم ذلك بقيادة صلاح الدين رحمه الله تعالى؛ وما ذلك إلا لقداستها، ولعلم المسلمين آنذاك أن أطماع الصليبيين ستتعدى ذلك إلى حرمي مكة والمدينة.
وقد وقع ذلك بالفعل؛ إذ إن الملك الصليبي (أرناط) صاحب مملكة الكرك آنذاك أرسل بعثة للحجاز للاعتداء على النبي صلى الله عليه وسلم ونبش قبره، ولكنه خاب وخسر.
ثم حاول البرتغاليون الوصول إلى الحرمين الشريفين لتنفيذ ما عجز عنه أسلافهم الصليبيون، ولكن الله تعالى ردهم بالمماليك والعثمانيين فحالوا بينهم وبين ما يريدون.
وفي حرب ما يسمى بالنكسة قبل أربعين عاما احتل اليهود بيت المقدس ثم صرح زعماؤهم بعد نصرهم بأن الهدف بعد بيت المقدس احتلال الحجاز، وفي مقدمة ذلك مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخيبر، ووقف الزعيم الصهيوني ابن غوريون بعد دخول الجيش اليهودي القدس يستعرض جنودًا وشبانًا من اليهود بالقرب من المسجد الأقصى ويلقي فيهم خطابًا ناريًا يختتمه بقوله: (لقد استولينا على القدس ونحن في طريقنا إلى يثرب).
ووقفت غولدا مائير رئيسة وزراء اليهود, بعد احتلال بيت المقدس، على خليج إيلات في العقبة، تقول: إنني أشم رائحة أجدادي في المدينة والحجاز، وهي بلادنا التي سوف نسترجعها.
ثم نشر اليهود خريطة لدولتهم المنتظرة التي شملت المنطقة من الفرات إلى النيل، بما في ذلك أجزاء من جزيرة العرب من ضمنها مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووزعوا تلك الخريطة في أوروبا إثر انتصارهم فيما سمي بالنكسة.(208/7)
كل هذه أحداث ودلائل تشير إلى الارتباط الوثيق بين المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال للعبادة إلا إليها، وأن الخطر على بعضها يشمل جميعها، وأن أتباع محمد عليه الصلاة والسلام هم أحق بها من الأمم الأخرى؛ لأنهم هم أتباع الرسل عليهم السلام، والرسل قد بعثوا من عند الله تعالى، والأرض أرضه، وقد بارك أرض الجزيرة بالحرمين، وبارك أرض الشام بالمسجد الأقصى، وجعل هذه المساجد موضع ذكره وعبادته وتعظيمه، ولا أحد يعبد الله تعالى بحق إلا أتباع رسوله محمد عليه الصلاة والسلام.
ومما يؤسف له أن كثيرا من المسلمين لم يدركوا من معاني حادثة الإسراء، إلا إحياء الليلة التي يزعمون أن الإسراء وقع فيها، مع أنها ليلة مجهولة العين والشهر والعام، ولو كانت معلومة لما كان لهم حجة في إحيائها بعبادة لم يشرعها الله تعالى، ولا رسوله عليه الصلاة والسلام، ولا فعل ذلك صحابته الكرام رضي الله عنهم، ولا التابعون لهم بإحسان، ولا أئمة الإسلام المشهود لهم بالعلم والفضل. وإنما أحدث ذلك بنو عبيد الباطنيون في المئة الرابعة إبان احتلالهم لمصر، وهم طائفة خبيثة تظهر ولاءها لآل البيت، وتبطن عقائد خبيثة، وقد أطبق علماء المسلمين على كفر أئمتهم وحكامهم؛ لما أظهروه من نواقض الإسلام، ولما حرفوا من شريعة الله تعالى، ولما دعوا إليه من العقائد الفاسدة، ثم قلدهم جهلة المسلمين في ذلك حتى بلغت الاحتفالات بالموالد والإسراء والهجرة ما ترونه أو تسمعون به كل عام من أنواع البدع والضلالات، فاحذروا ذلك -عباد الله- وحذروا منه إخوانكم المسلمين؛ فإن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، والخير كل الخير فيما كان عليه سلف هذه الأمة من الصحابة رضي الله عنهم، ومن استن بسنتهم، واقتفى أثرهم.
وصلوا وسلموا على نبيكم....(208/8)
العنوان: الأسرارُ الستة للسيطرة على الغضب
رقم المقالة: 1346
صاحب المقالة: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
دخل صديقي (سعيد) إلى مكتب مديره محتجًّا على تعيين زميله مديرًا لفرع جديد للشركة برغم أنه الأقدم والأقدر. تبادل سعيد ومديره الحجج حول هذا القرار، وتعالت أصواتُهما واحتد الموقفُ أكثر، وما كان من صديقي الذي فارت أعصابه إلا أن أمسك ورقة على طاولة المدير وكتب استقالته ورماها في وجه مديره وانصرف. ما عرفته بعد ذلك أن (سعيدًا) واجه الكثير من المصاعب، وندم أشد الندم على ما حدث ولكن كما يقول الجميع (لحظة غضب)..!!
أنا متيقن أنك تعرف الكثير من القصص المشابهة التي أدت لحظاتٌ من سورة الغضب فيها إلى نتائجَ غيرِ محمودة يندم عليها صاحبُها طوال العمر!! فكم رجل طلق زوجته، وكم خصم اعتدى على خصمه حتى أنهى حياته، وكم سائق أراد النيل ممن ضايقه فارتكب حادثاً مروريا قاتلا.. وتطول قائمة الأمثلة..
الغضب هو حالة شعورية تبدأ من الإثارة الخفيفة حتى الاهتياج الشديد الذي يُعمي البصرَ والبصيرة. قد يكون الغضبُ متجها نحو شخص ما (رئيسك في العمل، زميلك) أو نحو حَدَث ما (زحمة مرور السير، رحلة طيران مُلغاة،..) أو بسبب قلقك حول مشكلة شخصية أو بسبب ذكرى مؤلمة.
يتفق علماء النفس على أن السيطرة على لحظات الغضب يعد من الأمور الشاقة على الإنسان.. ولعلها من المهارات الإنسانية الراقية والاحترافية التي لا تتوفر لدى كثيرين. ومع ضغوط الحياة اليومية، نكشف كل يوم حاجتنا الماسة إلى امتلاك هذه المهارة.
لن أخوض في تفاصيل كثيرة حول الأثر السيئ للغضب على جسم الإنسان وحياته النفسية فهذا أمر بيّن ونعرفه جميعا، ومع ذلك لم يساعدنا على التخلص من الغضب..!!(209/1)
سوف أجمل فيما يلي وسائل للمساعدة على التخلص من الغضب، وقبل أن نبدأ في بحثها لا بد أن يكون واضحاً أن السيطرة على الغضب مهارة تحتاج –مثل كل المهارات- إلى الكثير من التدريب والتمرين ولكنه أمر يستحق بذل الجهد وعرق الجبين..!
أولاً: لابد أن نسلم بالحقيقة الهامة: أن الحياة ليست مثالية. ولن تكون يوماً من الأيام كذلك. وأن كل ما يجري لن يكون مثالياً، أو على أفضل ما نتوقع أو نرجو.
ثانياً: تعرَّف اللحظات الأولى من الغضب.. وهي اللحظات التي تبدو الأمور فيها أنها ما تزال تحت السيطرة، وجرب الأمور التالية:
(أ) كن واعيا للتغيرات الجسدية المبكرة كتوتر العضلات، ووضعية (القبضة) ليديك، وجفاف الحلق، وانقباض عضلات الجبهة، وتسارع دقات قلبك، وتزايد معدل التنفس وغير ذلك.
مثل هذه التغيرات هي (صفارات إنذار) مبكرة فاستفد منها.
(ب) كن واعيا لتسارع الأفكار في رأسك مع بداية الغضب. الغضب هو رد فعل لما نعتقد أنه إهانة لنا.. إن مراقبة سيل الأفكار مع بداية الحدث المثير للغضب له فائدة كبيرة في منع الغضب لوضعه في إطار إيجابي جديد كما سنوضح في الفقرة التالية.
(ج) كن واعيا بنشوء مشاعر الغضب في أثناء حدوثها ومراقبة نتائجها.. إنها كمشاهدة من الخارج لما يموج في عالمنا الداخلي.. والفرق كبير بين أن تغضب من شخص ما حتى تشعر وكأنك تريد أن تقتله (هذه هي مشاعرك المباشرة) وبين الوعي بها وملاحظتها. فتقول لنفسك في أثناء الغضب: (هذه مشاعر الغضب.. إني غاضب من هذا الشخص). من ثم مراقبة نتائج ذلك: (أنا غاضب، ولذا فإن أي قرار أصدره ربما لا يكون حكيماً). وهكذا ستجد أنك تبسط قوة إضافية على مشاعرك مهما اشتدت حدتها، ومن ثم ستقلل من تأثيرها فيك.(209/2)
ثالثاً: إعادة وضع الموقف في إطار إيجابي.. أي أن تستبدل بسيل الأفكار المشحونة بالغضب تفسيراتٍ أخرى ممكنة وأكثر سلامة مثل: "من يدري ربما خفيت عليه سيارتي.. أو ربما يكون لديه سبب يجعله يقود سيارته بهذه العجلة.. ربما يكون والده في العناية المركزة في المستشفى.. أوه! الله يعينه!". وهكذا لم تكظم غيظك ولم تنفس عنه، بل قطعت غضبك بأفكار منطقية وممكنة.
يروي ستيفن كوفي في كتابه المميز (العادات السبع للناس الأكثر فعالية) أن رجلاً دخل إلى القطار ومعه خمسة من الأولاد الذين انتشروا في القطار يلعبون ويصدرون الفوضى والإزعاج في حين ظل هو جالسا بكل هدوء دون أن يمنعهم من إزعاج الآخرين. ضاق الناس بالأولاد ذرعاً فحادثه الرجل الجالس بجانبه وهو غاضب يحثه على منع أولاده من مضايقة الآخرين. فقال أبو الأولاد: (لقد ماتت أمهم منذ قليل، ولا أعرف ماذا سأقول لهم..!!). عندها دهش الرجل الغاضب: (أوه أنا آسف. هل يمكن أن أفعل لك شيئاً). لقد نسي تماماً ما يسببه الأولاد من إزعاج، وتغير غضبه إلى مساندة. صدقني إنه في كل حدث يمكن أن تجد تفسيراً بديلاً لما يدور في رأسك لو حاولت البحث عنه، وذلك سيخفف من حنقك وغيظك. أليست هذه وسيلة فعالة للسيطرة على الغضب الذي يسببه الآخرون لنا.
رابعاً: إلهاء أنفسنا بعيداً عن ما يثير الغضب.. وقد حدثنا الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري -رضي الله عنه- في الحديث الشريف: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال لنا: ( إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع).
وذلك لأن تغيير وضعية الغاضب أو خروجه للسير لمدة وجيزة والقيام ببعض الرياضة، كل ذلك سيساعد على تلطيف الغضب. لكن تذكر أن مدة التهدئة هذه لا قيمة لها إذا استنفدت في الانشغال بالأفكار التي استنفرت الغضب في المرة الأولى.(209/3)
خامساً: تعلم التعبير الصحيح عن الغضب.. عندما نغضب فإننا نُظهر هذا الغضب عبر الأساليب الثلاثة التالية: الصياح، والاعتداء، الكبت، والطريقة الصحيّة هي التعبير عن ما أغضبنا بكل حزم وثبات وعبر استخدام لهجة واضحة وصارمة وبنغمة صوت عادية كالتي تستخدمها بشكل طبيعي دون إيذاء للآخرين.
في بعض المواقف (زحمة الطرق، نقد لا يمكنك دحضه،..) ربما لا يكون هناك فرصة للتعبير عن غضبك، وهنا يكون الأسلوب الأمثل هو تغيير تركيز انتباهنا نحو عمل بناء (تحسين أدائي المنتقَد) أو التفكير بشكل إيجابي (من لا يُخطئ؟!) للتخفيف عن أنفسنا.
سادساً: سلِّم بماهية الأشياء: إحدى الأفكار الجميلة التي ستساعدنا على تجاوز الكثير من الأحداث المزعجة أن نعلم أن الحياة في تغير مستمر. كل شيء له بداية وله نهاية. قدّر أن كل شيء سيعود إلى أصله.. فكل آلة أو أداة تُصنع سوف تَبلى وتتفتت يوماً ما. المسألة كلها مسألة وقت. فالذي تتوقع أنه سينكسر، ينبغي أن لا تُفاجأ أو تصاب بالغضب عندما ينكسر، فهذا قدره..!! وبدلاً من أن تستاء، فإنك تشعر بالامتنان من أجل المدة التي استخدمت هذا الشيء فيها. خذ مثالاً سهلا على ذلك فعندما ينكسر كوب الزجاج المفضل لديك ينبغي أن لا تنزعج؛ لأنك تعلم أن هذا قدره. وأن كل شيء سيبلى يوماً ما ويعود إلى أصله. وعلى هذا يمكنك أن تقيس موقفك من أمور أكثر أهمية.
ختاماً: جاء في الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ليس الشديد بالصُّرَعة، ولكن الشديد من يملك نفسه عند الغضب).
حقاً إن التحكم بالغضب مهارة راقية تمنح من يتقنها السلام والطمأنينة وتقيه من آثاره المدمرة على الروح والجسد.(209/4)
العنوان: الإسلام المستعصي على الغرب (1/3)
رقم المقالة: 578
صاحب المقالة: د. ناصر بن يحيى الحنيني
-----------------------------------------
إِنَّ المتأَمِّلَ في عظمةِ هَذا الدِّينِ، وجوانبِ الإعجازِ الَّتي تأْخذُ بالألبابِ، وَتُبهرُ العقولَ، في كُلِّ جوانبهِ التَّشريعيةِ والعبادِيَّةِ والسُّلوكِيَّةِ والأخلاقِيَّةِ والوجدانِيَّةِ، لَيدركُ بأَنَّ هذهِ الشَّريعةَ، وهَذا الدِّينُ جاءَ بكلِّ ما يُوافقُ الفِطرةَ، وَمايُوافقُ العقولَ، وقد تَحَدَّى علماءُ الإسلامِ في القديمِ والحديثِ بأَنْ يأتي أحدٌ على أيِّ حُكمٍ أوْ تشريعٍ منْ تشريعاتِ الإسلامِ بالثَّلْبِ والعيبِ منْ جانبِ مناقضتهِ للعقولِ والأفهامِ.
عموماً: فإنَّ هذهِ مقدمةٌ لِما أُريدُ الحديثَ عنهُ، وهُوَ جُزءٌ منْ عظمةِ هذا الدِّينِ وإعجازهِ، وَلَمْ أَجِدُ أَحَداً، تَطَرَّقَ إليهِ بشيْءٍ منَ البسطِ والتَّحليلِ والتَّركيزِ، وأَتَمَنَّى لَوْ تكونَ هَذهِ فِكرةً لأطروحةٍ بحْثِيَّةٍ، تُقدَّمُ بشكلٍ موسَّعٍ، أو بحثٍ أكاديميٍّ، يُقدَّمُ لنيلِ درجةِ الماجستيرِ، أوِ الدُّكتوراةِ في جامعاتنا (العريقةِ)!!
وملخص الفكرةِ: أَنَّ منْ جوانبِ الإعجازِ في هذا الدِّينِ، أَنَّ أصولَهُ الكُلِيَّةَ وتشريعاتهِ، أُحْكِمتْ بحيثُ لا يستطيعُ أَحَدٌ على مَرِّ الدُّهورِ والأَزمانِ، وتباعدِ الدِّيارِ والمكانِ، مهما أُوتي منْ قُوَّةٍ ماديةٍ أو معنويةٍ أَنْ يُزعزعَ أو يشكك المسلمينَ حول أصولهِ العظيمةِ، وكُلياتهِ المحكمةِ.
ومهما ضعفَ مفهومُ الإسلامِ عندَ المسلمينَ، تبقى هذهِ الأصولُ أَبِيَّةً عَصِيَّةً على التغييرِ؛ لوضوحِها وسهولتِها وَقُوَّتِها وتَجَذُّرِهَا في النُّفوسِ والعقولِ لدى المسلمينَ، وهذا يُفسِّرُ قُوَّةَ انتشارِ الإسلامِ، وثباتِ أهلهِ عليهِ، ويأسِ أعداءِ الدِّينِ منْ زحزحةِ المسلمينَ، وإخراجِهم منْ دينِهِم، أو إبعادِهِم عنهُ بالكُلِيَّةِ.(210/1)
يقول مراد هوفمان في كتابهِ: (الإسلام كما يراه ألماني مسلم) ص20-21: "..على أية حال فإن هذا الدين الذي قام على أسس ديمقراطية يتمسك دائماً بتشبث عجيب بمبدئه القائم على وحدانية الله وبكتابه (القرآن الكريم ) ونبيه (الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم)، وبرهن بذلك على قدرة تكاملية غير عادية. وهذا منح الإسلام القدرة على تجاوز سنوات طويلة من الملاحقة، وعلى تجديد نفسه بنفسه دائماً وأبداً، وبذلك لم تكن هناك أبداً أزمة انتماء في الإسلام، وحتى في عصرنا هذا يبدي لنا هذه المعالم القديمة الواضحة.
هذه المعالجة متماثلة - على الرغم من غناها- بالحقائق ويمكنها أن تفتح الباب - ولو قليلاً - على الإسلام.
إن معالجة كهذه لا تدعي أساليب البحث العلمي، لكنها يجب أن تكون موثوقة دون خضوعها للتحليل، ويمكن للقارئ أن يركن إلى حقيقة أن عرض الإسلام بهذا الأسلوب يتوافق مع العقيدة التي تلتزم بها الأكثرية الساحقة من المسلمين في كل أنحاء العالم ).اهـ.
بل الأعجب من هذا من تأمل واقع الحرب على الإسلام فكل من أراد النيل من الإسلام وأصوله الكبرى عاد عليه بالنقيض فانتفضت الأمة واستيقظت من غفلتها وهبوا لنصرة دينهم مع أن كثيراً من المسلمين يكون بعيداً في واقعه عن روح الإسلام الصحيح، وهذا والله التحدي، ولعل الشواهد التي سمعناها لما قام الرسام الدنماركي بالسخرية بالنبي صلى الله عليه وسلم، تمنى الأعداء أنهم ما ارتكبوا هذه الحماقة، وكذلك قل ما يفعل من هجوم غبي لايدرك طبيعة هذا الدين وتجذره في نفوس المسلمين {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيراً}.
ومن القضايا الكلية التي كانت بتقدير العليم الحكيم سبباً من أسباب استعصاء الإسلام على كل الهجمات التي وجهت له عبر العصور ما يلي:
أَوَّلاً: القرآن الكريم:(210/2)
القرآن الكريم: هُوَ أصلٌ منَ الأصولِ الَّذي تجتمعُ عليهِ الأُمَّةُ، ولا يستطيعُ لا الملحدُ المعلنُ، ولا المستترُ أَنْ يُشكِّكَ النَّاسَ فيهِ، أَوْ يُغَيِّرُ عقيدتَهم تجاهَهُ، وأَنَّّهُ ليسَ منْ عندِ اللهِ، وَسِرُّ هذهِ القداسةِ والمكانةِ حَتَّى عندَ غيرِ المسلمينَ: أَنَّ القرآنَ الكريمَ يظهر لِكُلِّ منْ قرأهُ وتأَمَّلهُ وعرفهُ حقَّ المعرفةِ، أَنَّهُ ليسَ بكلامِ بشرٍ، بلْ هُوَ كلامٌ إلهيٌّ، وبطبيعة الحال يؤدي للاعتراف بصدق النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وبصدق رسالته والإيمان الذي جاء به، فسر القداسة تعود إلى عدد من الأمور:
أولاً:- القرآنٌ محفوظٌ منَ التَّغييرِ والتَّبديلِ معْ تغيرِ الأزمانِ والأماكنِ والأشخاصِ، وكُلُّ محاولةٍ لتغييرهِ وتبديلهِ، تبوءُ بالفشلِ الذَّريعِ، ويلحقُ صاحِبها الخزيَ والعارَ؛ مصداقاً لقولهِ تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9].
ثانياً:- أَنَّ القرآنَ لا يستطيعُ أَحدٌ كائناً منْ كانَ ولو كانَ منْ أَذْكياءِ العالمِ وأركانِهِ في العقلِ والمعرفةِ أَنْ يأتي بمثلهِ أو بعشرٍ سورٍ منهُ أو بسورةٍ منهُ، وحتى بآية، وهَذَا التَّحدي قائمٌ منذُ أنْ نَزَلَ القرآنُ على قلبِ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قبلَ أربعةَ عشرَ قَرْناً وإلى يومنا هَذا وسيظلُّ قائماً إلى أنْ يرثَ اللهُ الأرضَ ومنْ عليها؛ مِمَّا يزيدُ قناعةَ النَّاسِ بِهذا الدِّينِ، وبِهذا القُّرآنِ، كما قالَ تعالى: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء: 88].(210/3)
وقال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [هود: 13].
وقال تعالى: {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 23].
فهذا مسيلمةُ الكَذَّابُ لَمَّا حاولَ أَنْ يتطاولَ، فادَّعى النُّبُوَّةَ، وزَعمَ كذباً وزراً أَنَّهُ يُوحى إليهِ، أصبحَ يُوصمُ بالكذبِ على تعاقبِ الدُّهورِ والأزمانِ، ثُمَّ أخزاهُ اللهُ وأهانهُ يومَ اليمامةِ، حيث ماتَ شَرَّ ميتةٍ، يقول الحافظ ابنُ كثير-رَحِمَه اللهُ-: "وثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بينا أنا نائم رأيت كأنه وضع في يدي سواران فقطعتهما، فأوحى إلي في المنام: أن انفخهما، فنفختهما فطارا، فأولتهما كذابين يخرجان، صاحب صنعاء، وصاحب اليمامة، وقد تقدم في الوفود أنه قال لمسيلمة حين قدم مع قومه وجعل يقول: إن جعل لي محمد الأمر من بعده اتبعته، فوقف عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: والله لو سألتني هذا العسيب ما أعطيتكه، ولئن أدبرت ليعقرنك الله، وإني لأراك الذي أريت فيه ما أريت"، وهكذا وقع، عقره الله وأهانه وكسره وغلبه يوم اليمامة" [البداية والنهاية": (20/444)].(210/4)
أَمَّا ادِّعاؤهُ النُّبوَّةَ، وأَنَّهُ يُوحى إليه، ففي هَذا الشَّأنِ يقول الحافظُ ابنُ كثير-رحمه الله-: "ولما قدمت وفود بني حنيفة على الصديق قال لهم: أسمعونا من قرآن مسيلمة، فقالوا: أو تعفينا يا خليفة رسول الله؟ فقال: لا بد من ذلك، فقالوا: كان يقول: يا ضفدع بنت الضفدعين نقي لكم تنقين، لا الماء تكدرين ولا الشارب تمنعين، رأسك في الماء، وذنبك في الطين، وكان يقول: والمبذرات زرعا، والحاصدات حصدا، والذاريات قمحا، والطاحنات طحنا، والخابزات خبزا، والثاردات ثردا، واللاقمات لقما، إهالة وسمنا، لقد فضلتم على أهل الوبر، وما سبقكم أهل المدر، رفيقكم فامنعوه، والمعتر فآووه، والناعي فواسوه، وذكروا أشياء من هذه الخرافات التي يأنف من قولها الصبيان وهم يلعبون، فيقال: إن الصديق قال لهم: ويحكم، أين كان يذهب بعقولكم؟ إن هذا الكلام لم يخرج منْ أل [يعني: من ربٍّ]، وكان يقول: والفيل وما أدراك ما الفيل، له زلوم طويل، وكان يقول: والليل الدامس، والذئب الهامس، ما قطعت أسد من رطب ولا يابس، وتقدم قوله: لقد أنعم الله على الحبلى، أخرج منها نسمة تسعى، من بين صفاق وحشي، وأشياء من هذا الكلام السخيف الركيك البارد السميج"أ.هـ ["البداية والنهاية": (6/359)].
وللحديث بقية ....(210/5)
العنوان: الإسلام المستعصي على الغرب (2/3)
رقم المقالة: 622
صاحب المقالة: د. ناصر بن يحيى الحنيني
-----------------------------------------
ومازال حديثنا متصلاً حول القضايا الكبرى، التي هي من صميم الإسلام، وكانت سبباً رئيساً في استعصائه وثباته عبر العصور، على كل العاديات، وكان أول أمر تحدثنا فيه هو: القرآن الكريم، ومما يلحق بما سبق:
ثالثاً:- أَنَّ القرآنَ مُعجزٌ في أحكامهِ، وتشريعاتهِ،وأخبارهِ،وموافقاتهِ للمكتشفاتِ الحديثةِ الَّتي َبَهرتْ عقولَ الغربِ، وليسَ هَذَا مجالُ البَسْطِ حولَ هَذَا الموضوعِ.
رابعاً:- أَنَّ القرآنَ كلامُ اللهِ، وصِفةٌ منْ صفاتهِ، فَمَنْ قدحَ فيهِ، فَهُوَ يَقْدحُ في الذَّاتِ الإلهِيَّةِ؛ ولهذا يئسَ أعداءُ الدِّينِ منْ نَزْعِ قداسةِ القرآنِ منْ قلوبِ المسلمينَ،وحتَّى الَّّذينَ انحرفوا في الاعتقادِ وقفوا عندَ القرآنِ، فَلَمْ يستطيعوا أَنْ ينالوا مِنهُ، ولهَذا كانَ منْ فِطنةِ وذكاءِ وفهمِ علماءِ الإسلامِ منَ المتقدِّمينَ والمتأَخِّرينَ الاحتجاجُ بالقرآنِ عندَ اشتدادِ النِّزاعِ، خاصَّةً في قضايا الاعتقاد والأصول، فَخُذْ مثالينِ: مثالاً من المتقدِّمينَ، ومثالاً منَ المتأَخِّرينَ.(211/1)
فأَمَّا منَ المتقدِّمينَ، فَهَذا الإمامُ البخاريُّ - رَحِمَهُ اللهُ - لَمَّا عَقَدَ كتاباً للتَّوحيدِ والرَّدِّ على الجهميةِ في كتابهِ (الجامعِ الصحيحِ)، جَعَلَ جُلَّ أبوابهِ مُعنونةً بالآياتِ، وَالسِّرُ في هذا هُوَ ما سَطَّرهُ الحافظُ ابنُ حجرَ-رَحِمَهُ اللهُ-، حيثُ قالَ: "الَّذِي يَظْهَر مِنْ تَصَرُّف الْبُخَارِيّ فِي"كِتَاب التَّوْحِيد" أَنَّهُ يَسُوق الْأَحَادِيث الَّتِي وَرَدَتْ فِي الصِّفَات الْمُقَدَّسَة، فَيُدْخِل كُلّ حَدِيث مِنْهَا فِي بَاب، وَيُؤَيِّدهُ بِآيَةٍ مِنْ الْقُرْآن، لِلْإِشَارَةِ إِلَى خُرُوجهَا عَنْ أَخْبَار الْآحَاد، عَلَى طَرِيق التَّنَزُّل فِي تَرْك الِاحْتِجَاج بِهَا فِي الِاعْتِقَادِيَّات، وَأَنَّ مَنْ أَنْكَرَهَا خَالَفَ الْكِتَاب وَالسُّنَّة جَمِيعًا، وَقَدْ أَخْرَجَ اِبْن أَبِي حَاتِم فِي "كِتَاب الرَّدّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ" بِسَنَدٍ صَحِيح عَنْ سَلَّام بْن أَبِي مُطِيع - وَهُوَ شَيْخ شُيُوخ الْبُخَارِيّ - أَنَّهُ ذَكَرَ الْمُبْتَدِعَة فَقَالَ: وَيْلهمْ مَاذَا يُنْكِرُونَ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيث؟ وَاَللَّهِ مَا فِي الْحَدِيث شَيْء إِلَّا وَفِي الْقُرْآن مِثْله، يَقُول اللَّه تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ سَمِيع بَصِير)، (وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ)، (وَالْأَرْض جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْم الْقِيَامَة)، (وَالسَّمَاوَات مَطْوِيَّات بِيَمِينِهِ)، (مَا مَنَعَك أَنْ تَسْجُد لِمَا خَلَقْت بِيَدَيَّ)، (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا)، (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْش اِسْتَوَى)، وَنَحْو ذَلِكَ، فَلَمْ يَزَلْ-أَيْ سَلَّام بْن مُطِيع- يَذْكُر الْآيَات مِنْ الْعَصْر إِلَى غُرُوب الشَّمْس".اهـ. [فتح الباري،13/372].(211/2)
أَمَّا مثالُ المتأَخِّرينَ، فَهُوَ الإمامُ المجدِّدُ شيخُ الإسلامِ مُحَمَّدُ بنُ عبد الوهَّابِ-رَحِمَهُ اللهُ-لَمَّا أَلَّفَ كتابهُ الَّذِي أَلْقى اللهُ لهُ القَبُولَ، ولهُ شروحٌ كثيرةٌ، كتابَ (التَّوحيدِ)، جَعَلَ غالبَ استدلالهِ في الأبوابِ بالآياتِ القرآنيةِ.
وهذانِ المثالانِ لمجردِ التَّمثيلِ لا للحصرِ، ومنْ تأَمَّلَ في مصنفاتِ السَّلفِ في الاعتقادِ في القرونِ المتقدِّمةِ، يَجِدُ هذهِ الميزةَ بارزةً فيها - رَحِمَهم الله - إحياءً لهذا الأصلِ، وقطعاً لحجةِ الخصومِ، وبياناً لعامَّةِ النَّاسِ، بصحةِ المنهجِ وقُوَّتهِ.
وَمِمَّا يُؤَكِّدُ أهميةَ أن يُرسَّخ في قلوب الناس وعقولهم الاعتقاد الصحيح تجاه والقرآن، وأَنَّه َ كلامُ اللهِ، وصِفةٌ منْ صفاتهِ، وأَنَّهُ ليسَ بمخلوقٍ، وذلك لأن الزَّنادقةَ المعاصرينَ يحتجُّونَ على زندقتهم في القدحِ بالقرآنِ بتقريرات من انحرفَ منْ طوائفِ المسلمينَ، الَّذينَ فتحوا لهم البابَ، ومَهَّدوا لهم؛ لكي يطعنوا في القرآنِ، وأَعْنِي بذلك فرقةَ المعتزلةَ خصوصاً، الَّتي كانتْ معتقداتها وبالاً على المسلمينَ إلى يومنا هذا، فلا تكاد تَجدُ طاعناً في الدِّينِ وأصولهِ إلاَّ ويتكِئُ على مقولاتهم، وخاصَّةً القولُ بخلقِ القرآنِ.
وهنا أَوجِّهُ عتاباً لطيفاً لبعضِ الفضلاءِ الَّذي عابَ - في قناةٍ فضائيةٍ - على منْ يشتغلُ ببعضِ القضايا العقدية، وزعم أنها صراعاتٌ قديمةٌ، وَمثَّلَ بقضيةِ خلقِ القرآنِ، ولعلِّي أَجِدُ لهُ عُذْراً في ذلكَ، فهو مشتغلٌ بالسياسةِ أكثرَ من الفكرِ، ولا أَظُنُّهُ يُتابعُ أُطروحاتِ (نصر حامد أبو زيد، و الجابري)، وغيرهم منَ المفكرين، حينما يستدلونَ بكلامِ المعتزلةِ للطَّعنِ في القرآنِ، ولعلي أكتفي هنا بمثال واحد:(211/3)
يقول نصر حامد أبو زيد: "إن مسألة (خلق القرآن) كما طرحها المعتزلة تعني في التحليل الفلسفي أن الوحي واقعة تاريخية ترتبط أساساً بالبعد الإنساني من ثنائية الله والإنسان أو المطلق والمحدود،الوحي في هذا الفهم تحقيق "مصالح "الإنسان على الأرض ، لأنه خطاباً للإنسان بلغته. وإذا مضينا في التحليل الفلسفي إلى غايته - التي ربما غابت عن المعتزلة - نصل إلى أن الخطاب الإلهي خطاب تاريخي. وبما هو [كذا] تاريخي فإن معناه لايتحقق إلا من خلال التأويل الإنساني ، أنه [كذا] لا يتضمن معنى مفارقاً جوهرياً ثابتاً له إطلاقية المطلق وقداسة الإله ..".اهـ.
هنا يصرح نصر حامد أبوزيد بالنتيجة التي وصل إليها؛ بأن القرآن لا يحمل معنى القداسة، مستلهماً ذلك ومستفيداً من تقرير المعتزلة بأن القرآن مخلوق.
لعلِّي أكتفي بالحديثِ عن القرآنِ كأصلٍ يجمعُ المسلمين، وهو سببٌ منْ أسبابِ استعصاءِ الإسلامِ على الغربِ، وكيدهِ ومكرهِ بالَّليلِ والنَّهارِ.
وللحديثِ بقيةٌ...(211/4)
العنوان: الإسلام المستعصي على الغرب (3/3)
رقم المقالة: 815
صاحب المقالة: د. ناصر بن يحيى الحنيني
-----------------------------------------
ما زال الحديثُ متصلاً عن القضايا الكبرى، التي اشتملَ عليها الإسلامُ، وكانت سبباً في استعصائه على الغرب، وذكرنا ما يخصَّ القرآن الكريم..
ومن القضايا الكبرى التي كُلَّما حاول الغرب النَّيل منها أو القدح فيها؛ وإذا بها تنقلب وتصبح وقوداً؛ يُشعل جذوة الإيمان في قلوب المسلمين، ويجعلهم أكثر اعتزازاً وحماساً وتمسكاً بدينهم؛ مقامُ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -.
وهو أمر عجيب، ولهذا يعتبر تعظيم النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أمراً متجذِّراً في قلب كُلِّ مسلمٍ، لا يمكن تشويهه أو زعزعته، وهو علامة على صدق نبوته وصحة رسالته.
فهذا الانتشار العجيب لدينه ولرسالته، وكذلك استمرارها عبر القرون؛ لم يحدث في أي دين وحضارة قبله، والعجيب في هذا الأمر اعتراف الغرب وعلمائه ومن لم يدن بدينه بعظمته، والشهادة بصدقه وصدق نبوته، ولهذا شاهدنا الحماقات التي ارتكبها بعض الحاقدين على الإسلام؛ سواء ما حدث من قبل الأصوليين الإنجيليين في أمريكا، أو ما حصل مؤخراً في الدنمارك، وكيف كانتْ سبباً في عودةِ المسلمينَ عودةً صادقةً إلى دينهم، واتحاد كلمتهم، وظهور صوتهم، وعودتهم إلى التمسك بدينهم وإيقاظ بعض غفلتهم، حتى سمعنا من يتحسر على ما أنفق من أموال؛ لإبعاد الأمة عن دينها، وعن قرآنها، وعن نبيها، ولكن لله الأمر من قبل ومن بعد.(212/1)
ولعلَّ منَ القضايا التي يُسَلِّمُ بِها الغربُ حول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - والتي لا يستطيعون إنكارَها، ومنْ يُنكرُها مكابرٌ جاحدٌ للحقائقِ، ولا يعرفُ ميزانَ العلمِ ولا منطقَ المعرفةِ ألا وهي: أَنَّ المعلوماتِ حولَ النَّبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم – الدَّقيقةَ، حولَ حياتهِ ودعوتهِ؛ مُوَثَّقةٌ توثيقاً لا يتطرقُ إليهِ الشَّكُّ ولا يمكنُ رَدُّهُ.
يقولُ مراد هوفمان في كتابهِ: "الإسلام كما يراه ألمانِيٌّ مسلمٌ" (ص:30):
"وبسببِ أزمةِ المصادرِ في العهد الجديدِ بعد الآن - حتى بين أوساطِ رجال الدِّين المسيحيِّ-؛ بأَنَّهُ لا أملَ في التوثيق التَّاريخيِّ لحياةِ المسيحِ. هناك كثيرٌ منَ المعلوماتِ عنِ التَّبشيرِ بالمسيحِ، أَمَّا عنِ المسيحِ المبشرِ فلا يُعرفُ إلاَّ القليلُ.
وعلى النَّقيضِ منْ ذلكَ؛ فإِنَّ حياةَ وآثار الرَّسولِ الكريمِ مُوثقةٌ بكلِّ تفاصيلها، ولا تتوفر معلوماتٌ عن أيةِ شخصيةٍ من شخصياتِ العصورِ القديمةِ المتأخرةِ كما تتوفرُ عن شخصيةِ الرَّسولِ - صلَّى الله عليه وسلَّم -" أ0هـ.
ومنِ الجوانبِ التي جعلت مقامَ النبوةِ من عواملِ استعصاءِ الإسلامِ على الغربِ: أَنَّ رسالتَهُ عالميةٌ في خطابِها وفي تشريعاتِها؛ فخطابُها لكلِّ النَّاسِ، كما قال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً...}[الأعراف:158]، وقالَ تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً...}[سبأ:28].(212/2)
وهي عالميةٌ في تشريعاتها؛ فهي قائمةٌ على العدل والرحمة والمساواةِ، كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }[الأنبياء:107]، وقالَ تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }[الحجرات:13].
ومن جوانبِ عالميةِ رسالتهِ: شُمولها لكلِّ جوانبِ الحياةِ، كما قالَ تعالى: {...مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ...}[الأنعام:38].
ولهذا كان من أصحابه وأتباعه: العربيُّ القرشيُّ، والحبشيُّ الإفريقيُّ، والفارسيُّ الأعجميُّ، والروميُّ الأحمرُ، ولم يُفرِّق بينهم، بل أَعلى من شأنِ مَن عمل وآمن بمبادئ رسالته الخالدة.
ولهذا ينبغي على الدعاة، وكل إنسانٍ مثقفٍ؛ أن يُظهر جوانبَ العظمة في سيرته أثناء دعوته لغيرِ المسلمين، وحتى المسلمين، وأن تُصبحَ ثقافةً معلومةً سهلةً يسيرةً في أذهان وعقول وقلوب الأجيال القادمة.
نسأل الله أَن يعز الإسلام والمسلمين، وأن يعلي كلمة الحق والدين في كل مكان، وصلِّ اللهمَّ وسلِّم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.(212/3)
العنوان: الإسلام عقيدة وعمل
رقم المقالة: 247
صاحب المقالة: د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي
-----------------------------------------
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى وبعد،،،
فإن الله عز وجل لم يخلق الإنسان عبثاً في هذه الحياة، ليلهو ويركن إلى برِّ الكسل، وإنما خلقه لحكمة عالية {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ}[1]، ومنحه سبحانه العقل والإدراك، وكلفه العمل الذي تعود ثمراته عليه في دينه ودنياه بالخير والبركة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[2].(213/1)
فالإسلام عقيدة وشريعة وعمل، والعمل يشمل العبادات والطاعات كما يشمل النشاط المبذول في كسب الرزق وفي عمارة الحياة وتنمية الإنتاج والخيرات، وبذلك يتحقق التوازن بين مطالب الجسد والروح، فمع حرص الإسلام على تزكية روح المؤمن وترفعها عن الدنيا والحث على الزهد فإنه حث أيضاً على السعي في الأرض للحصول على المادة {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}[3]وذلك حتى لا يقع أهل هذا الدين الإسلامي تحت أسر الأمم المادية، وحتى لا يهون شأنهم في هذه الحياة، فالإنسان خليفة الله في أرضه {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}[4]وليتمكن الإنسان من عمارة الأرض فإنه سبحانه ذللها له {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}[5] حتى يعمل على عمارتها ظاهراً وباطناً. فهو مأمور بعمارتها بالعبادة وإقامة الحق والعدل ومفطور على عمارتها من النواحي المادية والاقتصادية المختلفة فـ (نعم المال الصالح للرجل الصالح)[6].
ومن هنا جاءت نصوص الإسلام حاثة المسلمين على مزاولة التجارة والزراعة والصناعة بمهنها المختلفة، لأن بها قوام الأرض، وصلاح أمور العباد الدنيوية. فقد جاء في الأثر حث الأمة على مزاولة التجارة (عليكم بالتجارة فإن فيها تسعة أعشار الرزق)[7]،. وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة)[8].
كما أنه صلى الله عليه وسلم حث أمته على العناية بالأرض وزراعتها في قوله: (التمسوا الرزق في خبايا الأرض)[9]، وقوله: (ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً أو يبذر بذراً فيأكل منه إنسان أو طير أو بهيمة إلا كان له به صدقة)[10].(213/2)
والمؤمن صاحب الحرفة أحب إلى الله من ذي البطالة كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب العبد المؤمن المحترف)[11]. وجاء عنه أنه قال: (طلب الحلال جهاد) ([12])، وهو من الكسب الطيب كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم: حين سئل: أي الكسب أطيب ؟ قال: (عمل الرجل بيده, وكل بيع مبرور)[13]. وقوله: (خير الكسب كسب يدي العامل إذا نصح)[14] وفي قوله: (ما أكل أحد طعامًا قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده)[15].
ومع حث الإسلام على العمل وطلب الرزق فإنه يؤكد على ضرورة الإخلاص فيه لقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) وأن يكون الرزق حلالاً طيباً كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً}[16]. وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (طوبى لمن طاب كسبه)[17] والرزق الطيب من أسباب إجابة الدعاء كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم: (أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة)[18].
كذلك فإن الإسلام وجه المؤمن للسعي والعمل والحركة الدائبة وجعلها من لوازم طلب الرزق ففي الأثر (يا ابن آدم حرّك يدك يسبب لك الرزق) وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله يعطي العبد على قدر همته ونهمته)[19].
ومما يساعد على البركة في الرزق التبكير في طلبه كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (اللهم بارك لأمتي في بكورها)[20] والعمل بجد ونشاط كما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: (ليصل أحدكم نشاطه فإذا فتر فليقعد)[21].(213/3)
والعلم والتطوير والتفكر والاعتبار من ضروريات النجاح في العمل لقول الله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ}[22] وقوله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ}[23]. ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين)[24]و(الكلمة الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها)[25].
والمسلم في عمله يسعى إلى هدف وغاية لقول الله تعالى: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[26]. ولابد له من اتخاذ الأسباب المعينة له في ذلك {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ}[27]، ثمّ يفوض النتائج إلى الله عز وجل وليؤمن بـ (إن الرزق ليطلب العبد كما يطلبه أجله)[28]ويعمل بوصية النبي صلى الله عليه وسلم التي يقول فيها: (لا تستبطئوا الرزق فإنه لن يموت العبد حتى يبلغه آخر رزق هو له فأجملوا في الطلب أخذ الحلال وترك الحرام)[29].
والمسلم مطالب بحسن الأداء في عمله والإتقان فيه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)[30]. وليعلم بأن (خير العمل ما نفع)[31] وأن (أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قل)[32].
وهو مطالب كذلك بالوفاء بالعهود والمواثيق لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}[33]وقوله: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً}[34].
وأن يتحلى بالصدق والأمانة لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}[35] وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك)[36]، وقوله: (من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطاً فما فوقه، كان غلولاً يأتي به يوم القيامة)[37].(213/4)
وأن ينمي في نفسه الرقابة الذاتية فـ{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ}[38]و{كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ}[39]و(الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله)[40]. و(لا يكون العبد تقيّاً حتى يحاسب نفسه كما يحاسب شريكه، من أين مطعمه وملبسه)[41]. وعليه أن يستشعر عظم المسؤولية الملقاة على عاتقه فـ (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)[42].
ومن أسس العمل بذل المعروف والتعاون على الخير لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[43]. (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)[44].
ومما سبق نلحظ أن الدين الإسلامي؛ دين شريعة وحياة، دين عقيدة وعمل، وأنه فاق الأديان السماوية السابقة في تنظيم شؤون الناس الاقتصادية والاجتماعية في حياتهم الدنيوية ليضمن لهم بذلك العيش الكريم الحافل بالحركة الدائبة والعمل المثمر.
ـــــــــــــــــــــــ
[1] سورة الذاريات الآية 56.
[2] سورة الجمعة الآيتين 9 – 10.
[3] سورة القصص من الآية 77.
[4] سورة هود من الآية 61.
[5] سورة الملك من الآية 15.
[6] أخرجه ابن حبان في صحيحه برقم (3210).
[7] انظر تاريخ ابن معين برواية الدوري برقم 3089.
[8] أخرجه الترمذي برقم 1206.
[9] أخرجه الطبراني في المعجم الوسيط برقم 895.
[10] أخرجه مسلم برقم 1554.
[11] أخرجه الطبراني في المعجم الوسيط برقم 8934.
[12] مسند الشهاب برقم 82.
[13] أخرجه الحاكم في المستدرك برقم 2158.
[14] أخرجه أحمد في مسنده برقم 8676.
[15] أخرجه البخاري في صحيحه برقم 1966.
[16] سورة البقرة الآية 168.
[17] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير برقم 4616.
[18] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير برقم 6495.(213/5)
[19] انظر حلية الأولياء ج 10 ص 73، والهمة: العزيمة. النهمة: الحاجة
[20] أخرجه الترمذي في سننه برقم 1212.
[21] أخرجه البخاري في صحيحه برقم 1099.
[22] سورة الزمر من الآية 9.
[23] سورة فاطر الآية 19.
[24] أخرجه مسلم في صحيحه برقم 2998.
[25] أخرجه ابن ماجه في سننه برقم 4169.
[26] سورة الملك الآية 22.
[27] سورة الأنفال من الآية 60.
[28] أخرجه ابن حبان في صحيحه برقم 3238.
[29] أخرجه ابن حبان في صحيحه برقم 3239
[30] أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط برقم 897.
[31] مسند الشهاب برقم 1233.
[32] أخرجه مسلم في صحيحه برقم 783.
[33] سورة المائدة من الآية 1.
[34] سورة الإسراء من الآية 34.
[35] سورة النساء من الآية 58.
[36] أخرجه الحاكم في المستدرك برقم 2296.
[37] أخرجه مسلم في صحيحه برقم 1833.
[38] سورة فصلت الآية 47.
[39] سورة الطور من الآية 21.
[40] أخرجه الحاكم في المستدرك برقم 191.
[41] أخرجه الترمذي في السنن برقم 2459.
[42] أخرجه مسلم في صحيحه برقم 1829.
[43] سورة المائدة من الآية 2.
[44] أخرجه مسلم في صحيحه برقم 2699.(213/6)
العنوان: الإسلام نظام كامل مصلح للخلق
رقم المقالة: 667
صاحب المقالة: سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين
-----------------------------------------
الحمد لله الذي بعث محمداًً - صلى الله عليه وسلم - بالهدى ودين الحق وشرع له من الدين ما وصى به نوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم فهو أفضل الأديان وأنفعها للخلق وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداًً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليماً كثيراً.(214/1)
أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى واحمدوا ربكم على ما أنعم به عليكم من دين الإسلام الذي هو أفضل الأديان السماوية وأقومها فقد أعطى كل ذي حق حقه ففي مقام العبودية جعل العبادة لله وحده لا شريك له لأنه هو الخالق وحده فيجب أن تكون العبادة له وهو المحبوب المعظم لذاته فوجب أن يكون القصد والعمل له وإليه فالسجود والركوع والذبح على سبيل العبادة والتقرب لا يصح إلا لله فمن سجد أو ركع أو ذبح لغيره تعظيماً وتقرباً إليه فهو كافر بالله ومشرك به ومن يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار وفي مقام الحرب والسلم سماه الله تعالى سلماً لأنه متضمن للسلم فلا عدوان ولا ظلم لكن من قام في وجه الدين والدعوة إليه فقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فالكافر وهو الكافر إذا أدى الجزية صاغراً ذليلاً ورضخ لأحكام الإسلام فإنه معصوم الدم والمال يعيش في أمان تحت ظل الإسلام وحماية المسلمين وفي مقام القوة والدفاع عن الدين والنفس يأمر بالاستعداد وأخذ الحذر والتيقظ والعمل على ما يغيظ الأعداء ويرهبهم: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ}: {وَلاَ يَطَئُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} وفي مقام الوحدة والصمود أمام العدو يأمر بالاتحاد والأخوة وعدم التفرق ذلك لأن التفرق سلاح فتاك يوجب خلل الصفوف وتباين الأهداف والأغراض: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ(214/2)
إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا}: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كثيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} فالوحدة الإيمانية الدينية هي الوحدة النافعة التي يتكتل أفرادها في الدفاع عن عقيدتهم ودينهم والاشتراك في الدين والعقيدة هو أعظم مقومات الوحدة لأن دفاع الإنسان عن دينه وعقيدته أعظم من دفاعه عن وطنه وقوميته لأنه لا سعادة له في دنياه وآخرته إلا بدينه وأما الوطن والقومية غير الدينية فإن الإنسان يمكنه أن يعيش عيشة سعيدة إذا استقام دينه وإن لم يكن في وطنه أو بين قومه وقد شرع للناس من الأمور ما تستقيم به هذه الوحدة فالصلوات الخمس جماعة في المساجد وحدة خاصة لأهل المحلة المتقاربة وصلاة الجمعة وحدة أعم منها لأهل البلد ويوم عرفة وعيد النحر وحدة عامة للمسلمين من مشارق الأرض ومغاربها مع ما في هذه الاجتماعات من المصالح العظيمة الأخرى.(214/3)
وفي مقام المعاملة بين الخلق يأمر بإعطاء كل ذي حق حقه فللنفس حق يجب أن تعطاه وللأهل حق يجب بذله لهم وللأصحاب حق يجب أن لا يحرموه ولمن تعامله حق يجب أن تعامله به عامل غيرك بالصدق والبيان ولا تعامله بالكذب والكتمان فمن غش فليس منا وفي مقام المعاهدات بيننا وبين غيرنا يأمرنا بالوفاء بها وينهانا عن الغدر والخيانة حتى الكفار إذا كان بيننا وبينهم عهد وجب علينا الوفاء فإن خفنا من غدرهم فإننا لا نخونهم بل نخبرهم بأنه لا عهد بيننا وبينهم: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} والدين يأمر بجميع مكارم الأخلاق جملة وتفصيلاً وينهى عن مساوئ الأخلاق جملة وتفصيلاً فمن تأمل الإسلام حق التأمل وجده الدين الحق الكفيل بسعادة الدنيا والآخرة للأفراد والشعوب والحكومات الدين الذي يجب على كل أحد أن يتمسك به ويدعو إليه فاحمدوا ربكم أيها المسلمون أن أنعم عليكم بهذا الدين وقيدوا هذه النعمة بالعمل بما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - ظاهراً وباطناً سراً وعلناً فإنكم إن تعرضوا عنه يوشك أن ينزع من بينكم ويورث غيركم لأن الله يقول: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} والنعمة إذا شكرت بقيت وزادت وإن هي كفرت اضمحلت وزالت أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً}.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.(214/4)
العنوان: الإسلام والتنمية: دراسة ميدانية لإشكالية العلاقة
رقم المقالة: 463
صاحب المقالة: د. كمال المنوفي
-----------------------------------------
تنتمي كافة المجتمعات الإسلامية عربية وغير عربية إلى ما يعرف بالعالم الثالث الذي يعاني تخلفاً شاملاً إذا قورن بالعالمين الأول الرأسمالي والثاني الإشتراكي. وبينما يرى البعض أن الإسلام كما يفهمه ويطبقه أبناء هذه المجتمعات بوجه عام، هو أحد أسباب تخلفها، يرى آخرون أن الإبتعاد عن النهج الإسلامي الصحيح هو المصدر الرئيسي والمباشر للتخلف.
حقاً إن تلك الدول راحت، منذ حصولها على الإستقلال السياسي، تضع وتنفذ برامج تنموية، ولكنه انتهت في مجملها إلى نتائج مؤسفة مادياً ومعنوياً. وهنا أيضاً يميل البعض إلى تحميل الإسلام جزء من مسؤولية التجارب الإنمائية، في حين يرجع آخرون فشلها إلى أنها لم تنهض على المبادئ والأفكار الإسلامية، وإنما اعتمدت على نماذج ونظريات ((مستوردة)) من الخارج.
من ناحية أخرى، يصطدم المرء بمفارقات مثيرة للغاية على المستوى الفردي داخل المجتمع الواحد. فهناك إنسان متدين يؤدي عمله بإخلاص ويملك عقلاً منفتحاً ويضع مصلحة بلده نصب عينيه يقابله إنسان متدين لا يتقن عمله، جامد فكرياً وسلوكياً، يسرف على نفسه، ويخرق قوانين ونظم المجتمع في سبيل مصلحته. كذلك هناك إنسان غير متدين، دؤوب، جاد، يقبل على الجديد بعقل مفتوح، ويشعر حقاً بأنه مواطن له حقوق وعليه واجبات يقابله شخص غير متدين كسول، متواكل، ضعيف الأفق، يتمسك بالقديم ويدور حول الذات. وبغض النظر عن تكرارات هذه النماذج البشرية، يبقى أنها موجودة إلى الحد الذي يدعو للدهشة والإستغراب.(215/1)
دلالة ما تقدم أن الدين الإسلامي في إرتباطه بالتنمية يعتبر إشكالية جديرة بالتأمل والبحث العلمي الرصين. ويضاعف من أهمية دراستها عاملان أولهما أن التيارات التي اصطلح على تسميتها بالصحوة الإسلامية ترى أن الإسلام، باعتباره ديناً ودنيا، يجب أن يأخذ مكانه كأساس ومنهاج تطوير المجتمع من كافة النواحي الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والسياسية. أما العامل الثاني فهو أن من بين مفكرينا الإجتماعيين من راح في الآونة الأخيرة يتحدث عن نموذج عربي للتنمية يشدد على بعث وتأكيد الذات العربية كما تجسدها الحضارة العربية الإسلامية.
وهكذا رأينا أن نخضع تلك الإشكالية للبحث الأمبيريقي (الميداني) الذي اخترنا مجاله بيئة ريفية عربية جل أهلها مسلمون سنة، وذلك بأمل التوصل إلى نتائج واقعية تفيد الحوار الدائر في هذا الصدد.
هذا، وتقع الدراسة في ثلاثة أجزاء، يعالج أولها إطار البحث نظرياً ومنهجياً، ويتناول الجزء الثاني نتائج البحث على مستوى كل متغير، أما الجزء الثالث فيستعرض النتائج على مستوى العلاقات المفترضة بين المتغيرات قيد الإهتمام مع محاولة تفسيرها.
المبحث الأول
الإطار النظري والمنهج
يعرض هذا المبحث لإطار الدراسة نظرياً ومنهجياً من حيث السؤال الرئيسي والأسئلة الفرعية التي تسعى للإجابة عليها، إضافة إلى الأساليب المستخدمة في جمع وتحليل البيانات.
أولاً: مشكلة البحث.(215/2)
يذهب جل المشتغلين بالعلم الإجتماعي في الغرب إلى أن الإسلام، وجوهره الإستسلام لإرادة الله سبحانه، يمثل عقبة في طريقة التنمية والتقدم، وبأن العرب متخلفون لكونهم مسلمين. ففي مؤلفه ((سوسولوجيا الدين)) عقد ((ماكس فيبر)) مقارنة بين الإسلام والمذهب البيروتستانتي خلص منها إلى أن الإسلام فرض على معتنقيه نمط حياة كله عجز وتواكل، بينما كرست البروتستانتية قيم السيطرة على المحيط والتحكم في الحياة[1]. كذلك يزعم ((دافيد ماكليلاند)) صاحب الكتاب الموسوم ((مجتمع الإنجاز)) أن العرب يشغلون موقعاً متدنياً على صعيد الإنجاز لأنهم مسلمون[2]. كما يدّعي ((برنارد لويس)) و((فاتيكيوتس)) أن الإستبداد الشرقي لا يعود إلى الخبرة التاريخية للمجتمعات الشرقية أو أوضاعها الإقتصادية أو تكويناتها الطبقية، وإنما يعود إلى الإسلام الذي يكرس الوضع القائم ويكبل حق مقاومة الطغيان ولا يعرف ضمانات لحماية حريات الأفراد[3]. ويرى ((هتشنر وليفين)) أن الديانات التقليدية كالإسلام، تميل إلى مقاومة التحديث[4]. وتصورت نظرية التنمية تراجع أهمية العقيدة. إذ أن التنمية ومصاحباتها (تصنيع، تحضر، تعليم، علمانية) سوف تفضي إلى إنهيار المجتمع التقليدي بعناصره الدينية والأثنية.
وهكذا فإن الإسلام، في عرف هؤلاء، هو المسؤول عن تخلف المجتمعات الإسلامية، فالإسلام عندهم يعني الخضوع التام غير المشروط للمشيئة الإلهية، ويهيئ مكاناً للقدرية في تفكير وسلوك المسلمين من حيث أنه يضغط على التسليم بأن أحداث الكون جميعها وبأن كل ما يصيب الإنسان مكتوب ومقدر. وبالمقابل، لا يدع الإسلام مكاناً لحرية الإرادة، تلك التي تعد أساس السيطرة عند ((فيبر))، والدافعية للإنجاز عند ((ماكليلاند)). وعلى ذلك، فإن الإسلام مصدر التخلف والإستبداد السياسي في المجتمعات العربية بوصفها مجتمعات إسلامية.(215/3)
يهدف هذا البحث إلى تمحيص مقولة أن الإسلام معوق للتنمية ليس عن طريق تلمس وعرض حجج ورؤى الكتابات التي تدافع عن الإسلام من منظور فقهي شرعي، وإنما عن طريق الإحتكام إلى قاعدة من البيانات التجريبية. ذلك أن التوصل إلى إستنتاجات حول حقيقة علاقة الإسلام بالتنمية – بمعنى هل يعيقها أم يساعد عليها أم إنه عامل محايد – لا يكون بالجدل الفكري النظري وإنما باتباع منهاجية علمية جوهرها الجمع المنظم لبيانات واقعية مع إخضاعها للقياس.
ولا نحسب أننا بحاجة إلى الإفاضة في الحديث عن أهمية البحث. ولكن يكفي القول بأن الدراسة التجريبية لعلاقة الإسلام بالتنمية من شأنها أن تساعد في بناء نظرية التنمية. وهي أيضاً يمكن أن تفيد المسؤولين في مجتمعاتنا العربية في وضع سياسات إنمائية جادة تتضمن بعث الحضارة العربية الإسلامية وتجعل الإسلام بالفعل عقيدة عمل وتحرر وعدل ورقي.
ثانياً: تعريف المفاهيم المستخدمة في البحث.
تستخدم الدراسة مفهومين رئيسيين هما الإسلام والتنمية بالإضافة إلى عدد من المفاهيم الفرعية كالمساواة والمواطنة والمشاركة السياسية. هذه المفاهيم تتعدَّد وتتنوَّع تعريفاتها النظرية كغيرها من المفاهيم المتداولة في الأدبيات الإجتماعية. وحتى يتسنى دراستها واقعياً، كان لابد من تعريفها إجرائياً، أي تحويلها إلى مؤشرات أو عناصر تقبل الملاحظة والقياس.
(1) الإسلام:
تأخذ الدراسة الإسلام على أنه مراده للتدين Religiosity أو الإلتزام الديني Religious Commitment. وهذا بدوره بحاجة إلى تعريف عملي.
يتحدث ((تشارلز جلوك)) عن عدة أبعاد أو أوجه للتدين: العاطفة أو الشعور، الطقوس (السلوك الديني)، المعتقدات، والمعرفة[5]. وفي قياسه لتدين المسلم، اعتمد ((كلود سوتكليف)) على السلوك (معبراً عنه بعدد الأوقات التي يصليها المرء عادة في اليوم). ولكنه ألمح إلى أن أي مؤشر سلوكي لا يكفي لقياس التدين لكون السلوك واحداً من أبعاده[6].(215/4)
على أية حال، يغطي تعريفنا الإجرائي للتدين بُعدين هما المعرفة والسلوك. أما البعد المعرفي فيشتمل على عنصرين: المعرفة بأركان الإسلام، والمعرفة بطبيعة صلاة التراويح التي تقام في شهر رمضان. وركز البعد السلوكي على الصلاة لكونها عماد الدين. وتضمن هذا البعد عناصر ثلاثة هي: اداء الصلوات، إقامتها في مواعيدها، المكان المعتاد لأدائها.
(2) التنمية:
يواجه المرء في أدبيات التنمية كماً هائلاً من التعريفات سواء لمفهوم التنمية أو لمفهوم التنمية الإقتصادية أو الإجتماعية أو السياسية. لقد استخدم مصطلح التنمية الإقتصادية ليعني نمو الناتج للفرد أو للزيادة المضطردة في الدخل للفرد أو إرتفاع مستويات المعيشة للناس العاديين أو إحداث تحول هيكلي في الإقتصاد يدفع المجتمع على طريق النمو الذاتي[7]. واستخدم علم الإجتماع مصطلح التنمية الإجتماعية بمعنى التطوير المضطرد للبناء الإجتماعي من جوانبه السكانية والطبقية والتعليمية والثقافية بما يخلق إنساناً يعي خطورة التخلف ويدرك أهمية التنمية ويعمل جاهداً في سبيلها[8].
ويستخدم علم السياسة لفظ التنمية السياسية ليعني به إما بناء مؤسسات الدولة الحديثة، أو خلق جهاز إداري قادر على التنفيذ الفعال للسياسات الإنمائية وتلبية مطالب المواطنين، وتحقيق المشاركة في مختلف مستويات التنظيم الإجتماعي والسياسي، وخلق ثقافة سياسية تؤكد على الولاء الوطني وتدفع إلى المشاركة وتلح على النظرة العلمية لأمور الحياة فضلاً عن قيم المساواة والمواطنة المسؤولة[9].(215/5)
غير أنه إزاء المشاكل التي رتبها التطور الإقتصادي في الدول الصناعية الغربية، والإخفاق الذي منيت به تجارب التنمية في بلدان العالم الثالث عامة، شهد العلم الإجتماعي إبان السنوات الأخيرة حركة مراجعة للتصور التقليدي للتنمية مع محاولة طرح تصور جديد قوامه إعتبار التنمية عملية شاملة متكاملة تطوي سائر جوانب المجتمع الإقتصادية والإجتماعية والسياسية، وتستهدف رفاه الإنسان مادياً ومعنوياً. ففي الفكر الغربي، راح البعض يحدد غاية التنمية في تحقيق الذات لكل فرد عن طريق حياة هانئة وذات معنى. وفي فكرنا العربي، هناك من يرى شمولية عملية التنمية، وأن عمودها الفقري يتمثل في النمو الإقتصادي وإن كان لا يستوعبها، وإنها ثمرة تفاعل بين جانبين مادي ومعنوي، وتتجمع مقاصدها في بناء مجتمع دينامي ذي حضارة محددة المعالم والقيم. ويذهب مفكر آخر إلى أن التنمية تتخطى مجرد تحقيق نمو معقول في الناتج القومي الفردي لتتضمن تبدلات جوهرية في الهياكل الإقتصادية والديمغرافية والتكنولوجية والإجتماعية والسياسية. وتبعاً لتصور ثالث، تتوجه التنمية إلى تكوين قاعدة إنتاجية ذاتية يتحقق بموجبها تزايد منتظم في متوسط إنتاجية الفرد وقدرات المجتمع وتعمق المشاركة وتستهدف إشباع الإحتياجات الأساسية[10].
في ضوء ما تقدم، وإنطلاقاً من القناعة بشمولية التنمية، يتبنى البحث تعريفاً عملياً لمفهوم التنمية يحصرها في ثلاثة متغيرات: متغير إجتماعي يتمثل في التجديد معبراً عنه باستخدام الأساليب المزرعية الحديثة، متغير إقتصادي يتمثل في الإنتاجية الزراعية، ثم متغير سياسي يتمثل في المشاركة السياسية. ومن الجلي إنها متغيرات مكملة لبعضها البعض، فضلاً عن ملاءمتها لظروف القرية المصرية باعتبارها مجال البحث الميداني.
(3) المساواة:(215/6)
تأخذ الدراسة بتعريف إجرائي للمساواة جوهره رفض التمييز بين الأفراد في الحقوق والإلتزامات على أساس محكات شخصية لا علاقة لها بالكفاءة مثل الوضع المادي أو الإنتماء العائلي أو الديانة/ المذهب، أو السن أو الجنس. ويضم هذا التعريف ثلاثة عناصر هي: الموقف من التمييز الذي يمارسه موظفو الحكومة لمصلحة البعض على حساب البعض الآخر، مدى الموافقة على أن يراعى المستوى المادي للخريج عند التعيين في وظائف القضاء، مدى القبول بالمساواة السياسية بين الرجل والمرأة.
(4) المواطنة:
ينظر إليها البحث بمعنى الولاء أو الإنتماء للوطن بما يتضمنه ذلك من شعور بالمسؤولية العامة وتقديم الصالح العام على المصلحة الشخصية. واعتمد قياسها على معرفة مدى القبول بالعبارات الثلاث التالية: الإنسان له أن يبحث عن مصلحته فقط، لا جُناح على من يهاجر للعمل بالخارج رغم حاجة الوطن إليه، لا تثريب على من يخالف القوانين المنظمة للزراعة في سبيل المصلحة الخاصة.
(5) المشاركة السياسية:
تعني إجرائياً مشاركة الوطن في تقرير أمور المجتمع الذي ينتمي إليه عن طريق: الدخول في مناقشات مع الغير حول قضايا المجتمع، ممارسة حق التصويت، الترشيح للمناصب العامة، عضوية الأحزاب، العمل على مواجهة المشاكل التي تهم الأهالي ككل، والمساهمة في مشاريع الجهود الذاتية.
ثالثاً: المتغيرات المستخدمة في البحث.
تستخدم الدراسة جملة من المتغيرات يمكن تصنيفها في مجموعات ثلاث:
1 – متغير أصيل Independent Variable: ويتمثل في التدين أو الإلتزام الديني الذي تسعى الدراسة إلى بيان مدى تأثير التغير في قيمته على قيم المتغيرات الأخرى.
2 – متغيرات تابعة Dependent Variable: وتتمثل في:
أ – تبني التقنيات المزرعية الحديثة.
ب – الإنتاجية الزراعية معبراً عنها بإجمالي دخل الفدان بالجنيه المصري.
جـ – المشاركة السياسية.(215/7)
3 – متغيرات وسيطة Intervening Variable: تتوسط العلاقة بين المتغيرين الأصيل والتابع. وتنصب على التوجهات القيمية التالية:
أ – التوجه إزاء الزمن: مستقبل، حاضر، ماضي.
ب – التوجه إزاء الطبيعة: سيطرة، خضوع.
جـ – التوجه نحو الفعل: فاعل، مفعول به.
د – التوجه نحو المساواة.
هـ – التوجه إزاء المواطنة.
رابعاً: إفتراضات البحث.
الدراسة في مجملها وضع العلاقة بين الإسلام والتنمية على محك الصدق الأمبيريقي: هل توجد أصلاً علاقة؟ وما هي طبيعتها وإتجاهها؟ تحت هذه المظلة، يسعى البحث إلى إختبار الفروض التالية:
1 - كلما كان المرء أكثر تديناً، فمن المحتمل أن يكون أقل توجهاً نحو المستقبل.
2 - كلما كان المرء أكثر تديناً، بات من المتوقع أن يكون أقل شعوراً بالسيطرة على الطبيعة.
3 - كلما كان المرء أكثر تديناً، حاز توجهاً سلبياً نحو الفعل.
4 - كلما كان المرء أكثر تديناً، ضعف إيمانه بقيمة المساواة.
5 - كلما كان المرء أكثر تديناً، ضعف إحساسه بالمواطنة.
6 - كلما كان المرء أكثر تديناً، قلّ إحتمال استخدامه للأساليب الحديثة في الزراعة.
7 - كلما كان المرء أكثر تديناً، قلّت إنتاجيته.
8 - كلما كان المرء أكثر تديناً، تدنت مشاركته في الحياة السياسية.
هذه الإفتراضات تم إشتقاقها أساساً من أدبيات العلوم الإجتماعية التي ناقشت قضية الإسلام في علاقته بالتخلف والتنمية، ولما كانت هذه الأدبيات في مجملها ترى الإسلام عائقاً في سبيل التقدم، ولما كان غرض البحث هو تمحيص هذا القول، تمت صياغة الفروض بما يفيد سلبية تأثير التدين على المتغيرات الوسيطة والتابعة موضع الإهتمام. وعلى أية حال، لا يهم أن تصاغ العلاقة في صورة سلبية أو إيجابية ما دام الفرض يحتمل الإثبات والنفي.
خامساً: مجال الدراسة الميدانية.
رأينا أن نتخذ من الريف المصري مجالاً جغرافياً وبشرياً للعمل الميداني لثلاثة اعتبارات:(215/8)
أولها: إن أكثر من نصف الشعب المصري يقطنون الريف وأن أية تنمية حادة لابد أن تنطلق من هناك. ذلك إن تنمية القرية تشكل دعامة وجوهر التنمية الحقيقية في مصر ككل.
وثانيها: إن الدراسات التي عالجت ثقافة أو أخلاق أو طبائع الفلاحين المصريين، وجلّهم مسلمون، تذكر أنهم متدينون يحرصون على العمل بأحكام الإسلام الذي يتخلل حياتهم ويوجه تفكيرهم وسلوكهم إلى حد كبير. ولهذا فهم قدريون، متواكلون، محافظون، وبعيدون عن المشاركة في السياسة بوجه عام.
أما الإعتبار الثالث فهو إعتبار عملي محض مؤداه السهولة النسبية في إجراء المسح داخل مجتمع القرية لأن كل البحوث الميدانية التي قمت بها حتى تاريخ هذا المسح منفرداً أو بالإشتراك مع آخرين اتخذت من القرية نطاقاً لها.
يقسم البعض مصر إلى إقليمين جغرافيين: الوجه البحري أو الدلتا، والوجه القبلي أو الصعيد. وحرصاً على تمثيل ريف الإقليميين، اختيرت قريتان هما ((رمانة)) و((الهيمان))*. الأولى تنتمي إلى الدلتا والثانية تنتمي إلى الصعيد. وقد حكم عملية الإختيار معرفة الباحث الميداني بالقرية بما يقلل من مخاوف وشكوك المبحوثين ويسهل تعاونهم معه، إضافة إلى يسر الإنتقال من وإلى القرية وإمكان الإقامة فيها أو في عاصمة المركز التابعة له إذا اقتضى الأمر.
تقع ((رمانة)) في النطاق الإداري لمركز ((الباجور)) التابع لمحافظة المنوفية إحدى محافظات الوجه البحري. يقع إلى الشرق والجنوب والغرب منها طريق مواصلات رئيسي يربطها بمدينة القاهرة. أما قرية ((الهيمان)) فتنتمي إدارياً إلى مركز ((قوص)) التابع لمحافظة قنا بالوجه القبلي. يحدها من الغرب جزء من طريق القاهرة – أسوان السريع. وتضم عدة نجوع هي ((نجع محمود))، و((نجع رفاعة)) و((نجع السبايكة)).
سادساً: عينة البحث.(215/9)
يشمل عالم أو إطار العينة كل الفلاحين في قريتي البحث، أي كل حائزي الأطيان الزراعية بالملك أو الإيجار أو وضع اليد، ويقيمون بالقرية ويتخذون من الزراعة نشاطهم ومصدر حياتهم الرئيسي. وحسب سجلات الحيازة المتوافرة لدى الجمعيات التعاونية، بلغ عددهم 930 حائزاً في ((رمانة))، 2200 حائز في ((الهيمان)).
ولاختيار حجم عينة ملائم في ضوء إمكانات البحث، رُئي إختيار نسبة من الحائزين قدرت بـ26% في ((رمانة))، و13% في ((الهيمان)). وبتطبيق هذه القاعدة، بلغ الحجم الكلي للعينة 530 فرداً بواقع 250 في ((رمانة))، 280 في الهيمان)). وقد تم إختيارهم بالأسلوب العشوائي المنتظم. إلا إن الذين تمت مقابلتهم وسؤالهم من هؤلاء بلغ عددهم 232 في ((رمانة))، و260 في ((الهيمان)) (492 فرداً).
ومما يذكر أن المخطط الأولي لمشروع البحث شدد على مراعاة البعد الطبقي في إختيار العينة، بمعنى تصنيف الفلاحين إلى فئات تبعاً لحجم الحيازة الزراعية مع إختيار نسبة من كل فئة تساوي نسبتها إلى مجموع الفلاحين. غير أننا عدلنا عن ذلك بعد أن تبين عدم وجود قوائم لدى الجمعيات الزراعية بفئات الحيازة وعدد الحائزين في كل فئة.
وفيما يلي توصيف للعينة:
(1) جاء كل أفرادها من جنس الذكور. فالعادة أن تسجل الحيازات باسم الأب أو الأبناء في حالة وفاته. كذلك فإن ثقافة مجتمع القرية تجعل من الصعوبة بمكان مقابلة وسؤال الأناث خاصة في الصعيد.
(2) بالنظر إلى الجدول رقم (1)، يتضح أن قرابة نصف أفراد العينة (46%) يقعون في فئة السنة 35 – 50 عاماً، تليها نسبة الذين يقعون في الفئة 50 – 65 عاماً (34%). ومعنى هذا أن التركيب العمري للعينة يتحيز للمراحل العمرية المتوسطة.
(3) تفيد بيانات الجدول بأن الزواج هو الحالة السائدة لدى العينة، إذ يمثل المتزوجون 94%. وهذا أمر طبيعي ومتوقع باعتبار أنه يندر وجود شخص أعزب يحوز باسمه أيضاً زراعية وينتمي للمراحل العمرية المذكورة آنفاً.(215/10)
الجدول رقم (1)
توزيع أفراد العينة حسب السن والحالة الزواجية
والحيازة والوضع الإجتماعي للأسرة
الخصائص الإجتماعية ... عدد ... نسبة
أولاً: فئات السن:
20 – 35
35 – 50
50 – 60
65 فأكثر ... 63
228
168
33 ... 13
46
34
7
ثانياً: الحالة الإجتماعية:
أعزب
متزوج
أرمل
مطلق ... 17
466
8
1 ... 4
94
2
–
ثالثاً: فئات الحيازة:
أقل من فدان
1 – 3 أفدنة
3 – 5 أفدنة
5 أفدنة فأكثر ... 163
240
46
43 ... 34
49
9
8
رابعاً: الوضع الإجتماعي للأسرة:
دون المتوسط
متوسط
فوق المتوسط ... 54
395
43 ... 11
80
9
إجمالي ... 492 ... 100
(4) من حيث المستوى التعليمي، يكاد يتوزع أفراد العينة مناصفة بين حالة الأمية وحالة المعرفة بالقراءة والكتابة: 245 أمياً، 244 يقرأون ويكتبون.
(5) إتساقاً مع النمط العام لتوزيع الحائزين في الفئات الحيازية في ريف مصر ككل، يقع معظم أفراد العينة في فئة الحيازة 1 – 3 أفدنة (49%) يليهم نسبة الحائزين لأقل من فدان (32.5%).
وفي ضوء هذه الحقيقة، وفي ضوء ممارسة كثير من صغار الحائزين لأعمال إضافية حكومية أو خاصة، ليس غريباً أن يذهب 80% من أفراد العينة إلى تقويم الوضع الإجتماعي لأسرهم بأنه ((متوسط)) أو ((بين بين)).
سابعاً: أداة جمع البيانات: الإستبيان.
رُئي استخدام منهج المسح الإجتماعي Social Survey من حيث يساعد في جمع أكبر قدر من المعلومات خلال فترة قصيرة نسبياً، إضافة إلى إمكان إخضاع تلك المعلومات للمعالجة الإحصائية. وتقرر استخدام أداة الإستبيان Questionnaire.
ولإعداد صحيفة الإستبيان، ثم وضع مسودة أو صورة أولية للأسئلة وذلك في ضوء مشكلة وفروض البحث. لقد تم حصر الأبعاد الرئيسية للمشكلة ومفردات المعلومات اللازمة لتغطيتها. وترجمت هذه المفردات إلى أسئلة قابلة للإستجابة روعي في وضعها ما يشير به أهل الإختصاص من قواعد وتعليمات.(215/11)
في مرحلة تالية، عرضت المسودة على بعض الزملاء الذين يجمعون بين المعرفة بفنون المسوح الإجتماعية والإهتمام الأكاديمي بقضايا القرية المصرية. وأجرى لها أيضاً إختبار قبلي Pretest على 60 فلاحاً من القريتين مجال الدراسة. وفي ضوء تعليقات الزملاء ونتائج الإختبار القبلي، أدخلت على المسودة بعض تعديلات تمثلت في حذف سؤالين نهائياً، وتعديل صياغة ثلاثة أسئلة، وإضافة سؤال واحد.
بعدها، صيغ الإستبيان في صورته النهائية. لقد حوى 36 سؤالاً جميعها، عدا خمسة فقط، من النوع المغلق Closed Ended الذي يسهل عملية تصنيف ومقارنة الإستجابات ويضمن سرعة معالجة البيانات.
وغطت الأسئلة المحاور التالية:
(1) البيانات الأساسية: خمسة أسئلة تستفسر عن سن المبحوث وحالته الزواجية وحالته التعليمية ومقدار حيازته من الأرض الزراعية وتقييمه لوضع أسرته الإجتماعي.
(2) الإلتزام الديني: خمسة أسئلة تشمل السؤال عن مدى وعي المبحوث بأركان الإسلام الخمسة وطبيعة صلاة التراويح من حيث هي فرض أم سنة ومدى أدائه للصلوات الخمس، وما إذا كان يؤديها في أوقاتها والمكان المعتاد للصلاة.
(3) التوجهات القيمية العامة: خمسة أسئلة تستفسر من المبحوث عن الزمن الذي يتعلق به، ومدى إعتقاده بإمكان درء المرض عن الماشية، ولماذا، وإدراكه لما إذا كان الإنسان فاعل أم مفعول به في الحياة ولماذا.
(4) إستخدام الأساليب المزرعية الحديثة: ثلاث أسئلة تستهدف إستثارة معلومات المبحوث عن تكرار إستخدام المخضبات الكيماوية والمحراث الآلي والدراسة الآلية.
(5) الإنتاجية الزراعية: ستة أسئلة تستفسر من المبحوث عن حجم حيازته، والمحاصيل التي زرعها في الدورة الشتوية للعام 1983م، والمحاصيل التي حصدها وحجم الإنتاج من كل محصول بالأردب أو الطن أو القنطار وثمن بيع القيراط من البرسيم، وقيمة مبيعاته من الخضروات والفواكه، ومتوسط إنتاج الفدان من القطن داخل القرية في العام 1982م.(215/12)
(6) القيم والمشاركة السياسية: أثنا عشر سؤالاً موزعة بدورها كما يلي:
أ – ثلاثة أسئلة غايتها التعرف على نظرة المبحوث للمساواة من خلال دعوته إلى إبداء رأيه في ثلاث عبارات.
ب – ثلاثة أسئلة تستهدف إظهار مدى شعور المبحوث بالمواطنة.
جـ – ستة أسئلة خاصة بالمشاركة السياسية تستفسر من المبحوث عن تكرار دخوله في مناقشات حول قضايا المجتمع المصري، وتكرار مشاركته في الإنتخابات العامة، والترشيح للمناصب المحلية، وما إذا كان عضواً في أحد الأحزاب الموجودة على الساحة وقت إجراء المسح، وما إذا كان يتصرف بشكل إيجابي في حالة وجود مشكلة تهمّ القرية ككل، وما إذا كان قد ساهم بالمال في مشاريع الجهود الذاتية.
إن المجموعة الأولى من الأسئلة التي تتعلق، كما نوهنا سلفاً، بمتغيرات الخلفية الإجتماعية لأفراد العينة لن تستخدم الإجابات عليها في التحليل. إذ إن ذلك يخرج عن إطار الدراسة التي حددنا هدفها في بيان مدى ما للإسلام من تأثير على التنمية داخل القرية المصرية. من هنا يثور التساؤل عن حكمة تضمين الإستمارة تلك الأسئلة. والرد على ذلك هو إستخدام الردود عليها في التأكد من التطابق بين خصائص عينتي القريتين مما يسوغ التعامل معهما كعينة واحدة.
أما المجموعات الأخرى من الأسئلة فتقدم بيانات تسمح برصد العلاقات بين متغيرات البحث: علاقة الإلتزام الديني بالتوجهات القيمية وإستخدام التقنيات الزراعية الحديثة والإنتاجية والمشاركة.(215/13)
ونظراً لان نصف أفراد العينة أميون، وخوفاً من أن يهمل المبحوث غير الأمي في ملء الإستمارة أو يعتمد على غيره في ملئها إذا تركت له، رُئي تطبيق الإستبيان في موقف مواجهة بين الباحث والمبحوث. وهكذا أسند تطبيق الإستمارات إلى اثنين من الباحثين الميدانيين روعي في إختيارهما الجدية والإخلاص في العمل، فضلاً عن الإنتماء – ثقافياً على الأقل – إلى البلدتين مجال البحث. وروجع الإستبيان معهما جزئية – جزئية للتأكد من أنهما يحملان الفهم نفسه لكافة الأسئلة. ووزع عليهما العبء بالتساوي تقريباً حيث كلف كلاً منهما بمباشرة عملية التطبيق في قرية واحدة. وأنجزا هذه العملية على فترات متقطعة خلال شهري أيلول (سبتمبر) وتشرين الأول (أكتوبر) 1983م.
وبعد إنتهاء العمل الميداني، خضعت الإستمارات لمراجعة مكتبية دقيقة. كما أجريت عليها إختيارات الصدق والثبات المرعية في هذا الصدد.
ثامناً: التحليل الإحصائي للبيانات.
بسبب كبر عدد الإستمارات نسبياً، وحرصاً على دقة النتائج، رُئي أن تعالج الإستجابات عن طريق الحاسب الآلي. ويتضمن التحليل الإحصائي استخدام التوزيعات التكرارية في صورة جداول بسيطة ومركبة، وفي صورة تمثيل بياني بالدوائر.
من ناحية أخرى، استخدم إختبار كا2 (مربع كاي) Chi Square للتأكد من وجود العلاقة المفترضة بين المتغير الأصيل والمتغيرات الوسيطة والتابعة. ولقياس قوة العلاقة في حالة ثبوتها، حسب معامل الإرتباط الإسمي*، أو الترتيبي** وذلك تبعاً لما إذا كانت المتغيرات إسمية Nominal (المتغير الإسمي هو الذي لا تتدرج مستوياته) أو ترتيبية Ordinal (المتغير الترتيبي تتدرج مستوياته من عال إلى متوسط إلى منخفض).
لقد اقتضى البحث أيضاً بناء ستة مقاييس أخذ معظمها بمبدأ الأوزان المتساوية للعناصر أو المؤشرات المكونة لكل مقياس. وغالبيتها مقاييس ترتيبية أو تدريجية Ordinal Indices ، هذه المقاييس هي***:(215/14)
(1) مقياس التدين: مجموع نقاطه 18 موزعة في ثلاثة مستويات على النحو التالي:
0 – 6 تدين ضعيف
7 – 12 تدين متوسط
13 – 18 تدين قوي.
(2) مقياس إستخدام الأساليب المزرعية الحديثة: مجموع نقاطه 9 موزعة على الوجه التالي:
0 – 3 تقليدي
4 – 6 مختلط
7 – 9 حديث
(3) مقياس الإنتاجية: على أساس حساب الدخل الإجمالي للفدان بالجنيه المصري في ضوء ردود المبحوثين، تمَّ تحديد ثلاثة مستويات للإنتاجية:
أقل من 350 جنيهاً إنتاجية منخفضة
350 – 399 جنيهاً إنتاجية متوسطة
400 فأكثر إنتاجية مرتفعة
(4) مقياس الإيمان بالمساواة: مجموع درجاته 9 موزعة في ثلاث شرائح على النحو التالي:
0 – 3 إيمان ضعيف
4 – 6 إيمان متوسط
7 – 9 إيمان قوي
(5) مقياس الشعور بالمواطنة: مجموع نقاطه 9 موزعة في ثلاث شرائح كما يلي:
0 – 3 شعور ضعيف
4 – 6 شعور متوسط
7 – 9 شعور قوي
(6) مقياس المشاركة السياسية: مجموع درجاته 12 موزعة على النحو التالي:
0 – 4 مشاركة متدنية
5 – 8 مشاركة متوسطة
9 – 12 مشاركة عالية
هذه المقاييس روعي في بنائها ما يشير به المختصون من إجراءات الصدق Validity ، والثبات Reliability .
المبحث الثاني
نتائج الدراسة: عرض المتغيرات
يقدم هذا الجزء صورة عامة لمتغيرات الدراسة، كل على حدة، من واقع ردود المبحوثين على أسئلة الإستبيان. من ناحية أخرى، سوف يتم تسكين هؤلاء المبحوثين في شرائح أو فئات المقاييس التي اقتضى البحث بناءها. وفي كلتا الحالتين، يتوسل العرض بجداول التوزيعات التكرارية والتمثيل البياني عن طريق الدوائر Pie Chart .
أولاً: الإلتزام الديني لدى المبحوثين.(215/15)
ذكرنا في موضع سابق أن من بين المسلمات عن شخصية الفلاح المصري أنه شديد التمسك بالدين. ذلك أن الدين يمنحه زاداً روحياً يقوي إزره في مواجهة الضغوط الخارجية ويحقق له نوعاً من الراحة النفسية حينما يضيق به الحال بما يوفره من آمال آجلة. كما أن الفلاح يطمح، من وراء أداء الشعائر وعلى رأسها الصلاة، أن يبارك الله له في نسله وحرثه وحيوانه. فما دام الله سبحانه هو الذي ينبت الزرع وينمي الضرع ويدفع الحسد والمرض، فإن التقرب إليه بأداء الصلوات وغيرها من الطقوس، يُفضي إلى طرح ((البركة)) في المحصول والأولاد والأنعام.
بيد أن مسلمة ((شدة تدين الفلاح)) قد تكون بحاجة إلى شيء من التمحيص في ضوء إستجابات عينة البحث، تلك التي يتضمنها الجدول رقم (2). فقد كنا نتوقع أن يعرف المبحوثون جميعاً أركان الإسلام الخمسة التي تلقن للمسلم منذ الصغر وبشكل دائم عن طريق المسجد والأسرة والمدرسة. صحيح أن الأغلبية العظمى منهم (81.7%) حققت هذا التوقع. ولكن يبقى أن حوالى الخمس – وهذه النسبة ليست قليلة فيما يتعلق بالنقطة محل النظر – لم يتمكنوا من ذكر كل الأركان. ويزداد الفرق بين الذين يعلمون والذين لا يعلمون عند السؤال عن طبيعة صلاة ((التراويح)) التي تؤدى في المسجد عقب صلاة العشاء طيلة شهر رمضان من كل عام. فقد وردت الإجابة السليمة على لسان 73.5% من المبحوثين فقط. أما الباقون (26.5%) فمنهم من ذكر إجابة خاطئة، ومنهم من أفاد بعدم المعرفة.(215/16)
ولعل الأمر الذي نقصد إليه يزداد وضوحاً عند الإنتقال إلى الجانب السلوكي للتدين ممثلاً في الصلاة التي تُعتبر عماد الدين: من أقامها فكأنما أقامه، ومن هدمها فكأنما هدمه. والمقصود بالإقامة أن تؤدى الصلوات الخمس في أوقاتها وفي المسجد كلما أمكن. لقد ذهب أكثر من نصف المبحوثين إلى أنهم يصلون خمس مرات في اليوم (57%)، بينما أفاد (36%) بإقامة بعض الصلوات خاصة صلاة الجمعة، وتمثل النسبة الباقية (7%) أولئك الذين لا يصلّون مطلقاً. ومعنى هذا أن (43%) من أفراد العينة مضيّعون لأحد أوجه الإقامة. والمثير أن كل الذين أجابوا بأداء جميع أو بعض الصلوات ذكروا أنهم يقيمون الصلاة في مواعيدها باستثناء نسبة محدودة لا تتعدى (13.5%). وفي هذا فقدان لمعنى آخر من معاني الإقامة. وبرغم كثرة المساجد في القريتين مجال الدراسة، وبرغم ما يقال عن ثواب الصلاة في المسجد، ذكر أكثر من نصف المبحوثين المؤدين للصلاة (59%) إنهم يصلون عادة في المنازل والحقول.
ولتقدير مدى الإلتزام الديني عند المبحوثين، تمَّ تسكينهم في الشرائح الثلاث لمقياس التدين حسب الدرجة الكلية التي حصل عليها كل منهم من واقع إجاباته. وبالنظر إلى الجدول رقم (3)، يتبين أن الذين يقعون في شريحة التدين القوي تزيد نسبتهم قليلاً عن الثلثين (68.4%)، يليهم أصحاب المستوى المتوسط من التدين (24.3%). أما الشريحة ذات التديُّن الضعيف فتضم فقط (7.3%)، ولو أدخلنا البعد
الجدول رقم (2)
إجابات المبحوثين على أسئلة التدي
العنصر
(أ)
(ب)
(جـ)
(د)
(هـ)
المعرفة بأركان الإسلام
المعرفة بطبيعة صلاة
التراويح
إقامة الصلاة
إقامة الصلاة
في ميعادها
المكان المعتاد للصلاة
1
2
3
4
5
مجموع
فرض
سنة
لا
يعرف
مجموع
كل
الصلوات
بعض
الصلوات
لا يصلي مطلقاً
مجموع
نعم
لا
مجموع
المسجد
المنزل
الحقل
مجموع
العدد
3
15
63
9
402
492
4
362
126
492
281
179
32
492
62
398
460
190
205
65
460
النسبة
0.6
2.1
12.8(215/17)
1.8
81.7
100
0.9
73.5
25.6
100
57
36
7
100
13.5
86.5
100
41
44.5
14.5
100
الأيكولوجي في الحسبان، لوجدنا إختلافاً يستحق التنويه بين قرية ((رمانة)) وقرية ((الهيمان)). فالأقوياء في تدينهم يشكلون أكثر قليلاً من نصف عينة ((رمانة)) (53%)، في حين يمثلون الأغلبية الساحقة من عينة ((الهيمان)) (85%). ويعني هذا أن أبناء الصعيد أشد تديناً من أبناء الدلتا وذلك في حدود تعريفنا الإجرائي لمفهوم التدين.
ثانياً: التوجهات القيمية العامة.
يقال إن الفلاح المصري يتعلق بالحاضر ويستغرق بكليته فيه، مع لجوئه أحياناً إلى الماضي يلتمس فيه العزاء. أما المستقبل فلا شأن له به لأنه في حكم الغيب وينتمي إلى عالم المجهول ولأن الإنشغال به يولد مشاعر الحيرة والقلق. كما يغلب أن تكون علاقته بالطبيعة علاقة خضوع من جانبه لها. إنه يعيش تحت رحمتها ولا يرى نفسه قادراً على التحكم فيها أو تحديها. إضافة إلى هذا وذاك، يحوز الفلاح توجهاً سلبياً نحو الفعل أو النشاط حيث يرى نفسه مفعولاً به وليس فاعلاً.
الجدول رقم (3)
توزيع المبحوثين على شرائح مقياس التدين
الشريحة ... قوي ... متوسط ... ضعيف ... مجموع
العدد ... 336 ... 121 ... 36 ... 492
النسبة ... 68.4 ... 24.3 ... 7.3 ... 100
هذه التصورات منها ما تتحداه بيانات البحث ومنها ما تؤكده. فبالنظر إلى الجدول رقم (4)، يتضح أن الماضي ليس موضع إهتمام المبحوثين على الإطلاق. أما التوجه نحو المستقبل فيسود لدى معظمهم (65%). ويتعلق حوالي الثلث بالحاضر (35%). إن هذه النتيجة تتعدى الرؤية التقليدية عن الفلاح والزمن. بيد أننا لو أخذنا البعد الأيكولوجي بعين الإعتبار، نجد أن قرية ((الهيمان)) تساند تلك النظرة التقليدية، بينما تتحداها قرية ((رمانة)). ذلك أن ثلثي المبحوثين في ((الهيمان)) أفادوا بضرورة الإنشغال بالحاضر، بينما عبر (95%) من أفراد عينة ((رمانة)) عن توجه مستقبلي.(215/18)
من ناحية أخرى يكشف الجدول عن سيادة إتجاه الخضوع للطبيعة وليس السيطرة عليها حيث أفاد كل المبحوثين – عدا 4.5% فقط – بعجزهم عن درء الأمراض عن الماشية بدعوى أن المرضي ((مكتوب)) و((مقدر)) و((لا مهرب منه)). ويعني هذا سلامة التصور الشائع عن علاقة الفلاح بالمحيط المادي.
غير أنهم أبدوا توجهاً إيجابياً نحو الفعل خلافاً للتصور الدارج عنهم. إذ وافقوا – عدا (1%) فقط – على العبارة القائلة بأن إجتهاد الإنسان في فلاحة أرضه من شأنه أن يؤدي إلى زيادة المحصول.
ثالثاً: القيم السياسية.
كثيراً ما يتردد أن الفلاح المصري يقبل هيراركية العلاقات الإنسانية القائمية على العزو وليس الكفاءة، وأنه محلي وضيق النظرة يقدم المصلحة الخاصة على الصالح العام.
توضح بيانات البحث – الجدول رقم (5) – أن فهم الفلاحين للمساواة معقد بعض الشيء. فقد أعرب سائر المبحوثين – عدا (5%) – عن رفضهم لممارسات التمييز والمحاباة التي يأتيها موظفو الجمعية التعاونية الزراعية. إلا إن الواقع يشهد أن الفلاح عادة لا يقاوم هذا السلوك، بل ولا يتردد في توظيفه لمصلحته كلما استطاع.
كذلك، رفض أفراد العينة، باستثناء (4%) – أن يكون المستوى الإقتصادي محكاً للتعيين في سلك النيابة العامة. فليس يهم أن يكون والد الشخص المراد تعيينه فقيراً أو غنياً، وإنما العبرة بمجموع درجاته.
وخلافاً لتلك الرؤية المفعمة بمعاني المساواة، نجد الأغلبية العظمى من المبحوثين (88%) لا يرون منح المرأة حقوقها السياسية (الترشيح والإنتخاب) سبيلاً إلى رقي المجتمع. ومع أنهم لا يعارضون تعليم المرأة، بل ولا يعارضون عملها إذا اقتضت الضرورة، إلا إنهم يريدون لها أن تظل بمنأى عن العمل السياسي ربما لإعتقادهم أنه من إختصاص الرجال أو أنه ينطوي على ممارسات تحتية من الأفضل عدم توريط المرأة فيها.
وبالنظر إلى الجدول رقم (6) الذي يتضمن توزيع مفردات العينة في فئات مقياس
الجدول رقم (4)(215/19)
إجابات المبحوثين على الأسئلة الخاصة بالتوجهات القيمية العامة
... الزمن الذي يحسن الإنشغال به ... إمكان دفع المرض عن
الماشية ... بذل المزيد من الجهد
في الزراعة يزيد المحصول
العنصر ... الماضي ... الحاضر ... المستقبل ... نعم ... لا ... موافق ... غير موافق
العدد ... – ... 170 ... 322 ... 22 ... 470 ... 487 ... 5
النسبة ... – ... 35 ... 65 ... 4.5 ... 95.5 ... 99 ... 1
ن = 493 مفردة
الجدول رقم (5)
إجابات المبحوثين على الأسئلة المتعلقة بالقيم السياسي
العبارة
موافق بشدة
موافق إلى حد ما
غير موافق
العدد
النسبة
العدد
النسبة
العدد
النسبة
(1) التمييز الذي يحدث من قبل موظفي الجمعية الزراعية لا يجب أن يثير غضب أحد.
–
–
26
5
466
95
(2) لا ينبغي أن تعين الحكومة في منصب وكيل النيابة أي شخص يكون والده فقيراً.
1
–
17
4
474
96
(3) يمكن أن تتقدم الدولة إذا أعطيت المرأة حق الترشيح والإنتخاب مثل الرجل.
13
3
45
9
434
88
(4) الشخص ((الناصح)) هو الذي يسعى في سبيل مصلحته وحسب.
74
16
135
27
282
57
(5) لا يمكن لوم أي شخص يهاجر إلى الخارج بغرض العمل برغم حاجة الوطن إليه.
205
42
223
45
64
13
(6) أي فلاح يخالف الدورة الزراعية على حق.
92
19
267
54
133
27
ن = 492 مفردة.
الإيمان بالمساواة، يتضح أن الأغلبية الساحقة تقع في الفئة المتوسطة (96%)، بينما تنتمي البقية إلى فئة الإيمان القوي بالمساواة.
وإذا انتقلنا إلى قيمة المواطنة، نجد بيانات الجدول رقم (5) تكشف عن اهتزازها لدى المبحوثين. فحوالى (43%) يقرون السلوك الذي يستهدف المصلحة الخاصة وحسب. وترتفع النسبة لتصل إلى (73%) بخصوص الموافقة على مخالفة نظام الدورة الزراعية. ويبلغ الشعور باللامواطنة أقصاه حينما يذهب (87%) من العينة إلى أنه لا جناح على من يهاجر للعمل بالخارج رغم حاجة الدولة إليه.(215/20)
هذا الشعور المهتز بالمواطنة يجليه توزيع المبحوثين في شرائح مقياس المواطنة (الجدول رقم 7)، فأصحاب المستوى المتوسط يشكلون أعلى نسبة (45%). يليهم أصحاب الشعور القوي بالمواطنة (39%)، ثم الشريحة الضعيفة (16%).
الجدول رقم (6)
توزيع المبحوثين في شرائح مقياس الإيمان بالمساواة
الشريحة ... قوي ... متوسط ... ضعيف ... مجموع
العدد ... 20 ... 472 ... – ... 492
النسبة ... 4 ... 96 ... – ... 100
الجدول رقم (7)
توزيع المبحوثين في شرائح مقياس الشعور بالمواطنة
الشريحة ... قوي ... متوسط ... ضعيف ... مجموع
العدد ... 192 ... 221 ... 79 ... 492
النسبة ... 39 ... 45 ... 16 ... 100
رابعاً: التجديد.
يسود في الدراسات المتعلقة بجماهير الفلاحين تسليم معين مؤداه أن الفلاح شخص يتسم بالمحافظة الشديدة التي توعر طريق التحديث. فهو يقاوم التغيير تارة باسم الدين، وتارة باسم العادات والتقاليد.
هذه المقولة ليست صحيحة بشكل مطلق في ضوء الشواهد التاريخية ونتائج البحوث الأمبيريقية. فالثابت تاريخياً أن الفلاح المصري غير ديانته ولغته غير مرة، بل وغير الكثير من عناصر ثقافته المادية كالأدوات الزراعية وأنواع المحاصيل، مع ملاحظة أن هذا التجديد لم ينبع منه بل فرض عليه. كما رصدت البحوث الميدانية كثيراً من مظاهر التحديث في القرية المصرية، تلك التي رأى فيها الأهالي مصلحة لهم.(215/21)
تسير دراستنا في الإتجاه نفسه، إذ تتحدى مقولة سيادة النزعة المحافظة عند الفلاح. فقد أبدى المبحوثون موقفاً مواتياً إزاء استخدام المدخلات الحديثة في الزراعة. إذ تبعاً لبيانات الجدول رقم (8)، تستخدم المخصبات الكيماوية والدّراسات الآلية بشكل دائم من قبل 92%، 88% على التوالي. كذلك يستعمل المحراث الآلي من جانب (95.4%) إما بصفة دائمة (40.4%) أو أحياناً (55%). والملفت للإنتباه ذلك الإنخفاض الواضح في نسبة القائلين بالإستخدام الدائم للمحراث الآلي إذا قورنت بنسبة القائلين باستخدام الأسمدة الكيماوية والدّراسية. وأغلب الظن أن ذلك يعود إلى قزمية وتفتت وتبعثر الحيازات الزراعية، وهو الأمر الذي يحد من استخدام الجرارات في عمليات الحرث أو يجعل استعمالها غير إقتصادي.
وبالنظر إلى الجدول رقم (9) الذي يتضمن توزيع العينة في شرائح مقياس الحداثة من منظور الأساليب المزرعية المستخدمة، يتبين أن كل المبحوثين – خلاف ستة فقط – ينتمون إلى الفئة العصرية. ويعني هذا سيادة نزعة التجديد لدى فلاحي القريتين من منظور إستعمال التقنيات الحديثة في الزراعة.
الجدول رقم (8)
إجابات المبحوثين بشأن إستعمال الأساليب المزرعية الحديث
العنصر
التكرارات
دائماً
أحياناً
لا يستخدم مطلقاً
عدد
%
عدد
%
عدد
%
1) استخدام الأسمدة الكيماوية
2) استخدام الدراسة في درس القمح
3) استخدام المحراث الآلي
455
434
199
92
88
40.4
36
47
271
8
10
55
1
11
22
–
2
4.6
ن = 492 مفردة.
الجدول رقم (9)
توزيع المبحوثين في شرائح مقياس الحداثة
الشريحة ... حديث ... مختلط ... تقليدي ... مجموع
العدد ... 485 ... 4 ... 2 ... 492
النسبة ... 98.8 ... 0.8 ... 0.4 ... 100
خامساً: الإنتاجية.
أفاد المبحوثون في ((رمانة)) إنهم يزرعون أطيانهم بالمحاصيل غير النقدية أساساً، في حين ذكرت عينة ((الهيمان)) إن أراضيهم تزرع بقصب السكر، إضافة إلى بعض المزروعات التقليدية.(215/22)
وبعد تقدير إجمالي دخل الفدان بالجنيه المصري لكل مبحوث، تم تسكينه في الشريحة التي تناسبه من بين شرائح مقياس الإنتاجية (الجدول رقم 10). وتفيد بيانات هذا الجدول أن ثلثي المبحوثين (64.6%) ذو إنتاجية متوسطة، بينما يتوزع الثلث الباقي على الشريحتين الأخيرتين بواقع (22.2%) في شريحة الإنتاجية المرتفعة، (13.2%) في شريحة الإنتاجية المنخفضة.
الجدول رقم (10)
توزيع المبحوثين على مقياس الإنتاجية
المستوى ... مرتفعة ... متوسطة ... منخفضة ... المجموع
العدد ... 109 ... 318 ... 65 ... 492
النسبة ... 22.2 ... 64.6 ... 13.2 ... 100
سادساً: المشاركة السياسية.
كثيراً ما يوصم الفلاح المصري باللامبالاة والسلبية السياسية. فالقضايا العامة أو هموم المجتمع الأكبر لا تعنيه في شيء ما دام لا يدرك تأثيراً مباشراً لها على حياته. وهو أيضاً لا يباشر حق التصويت بصورة منتظمة. ولا تستهويه كثيراً مسألة الترشيح للمناصب العامة. ولا يحرص على الإنخراط في العمل الحزبي. وتنقصه روح المبادرة إلى التصدي للمشكلات العامة. وهو إلى هذا كله، قد يضن بماله أو جهده في سبيل مصلحة المجموع.(215/23)
هذه النظرية تساندها نتائج البحث إلى حد كبير (الجدول رقم 11). فقد ذكر قرابة ثلثي المبحوثين أنهم لا يدخلون البتة في مناقشات حول قضايا المجتمع المصري، بينما ذكر (31.7%) إنهم يفعلون ذلك من آن لآخر. وبرغم أن الإنتخابات دخلت حياة القرية لإختيار أعضاء البرلمان والمجالس الشعبية ومجالس إدارات الجمعيات التعاونية الزراعية والعمد ومشايخ البلد، إلا إن أغلبية المبحوثين تمارس حق التصويت أحياناً (63%)، ويحجم حوالي الخمس (19%) عن مزاولته تماماً. ولم يسبق لـ(89%) منهم أن رشحوا أنفسهم لأي منصب عام. وبرغم أن تجربة التعدد الحزبي مضى عليها أكثر من سبع سنوات، أنكر المبحوثون جميعاً – عد (4%) – إنضمامهم إلى أي حزب حتى الحزب الديمقراطي الحاكم. ونظراً لما لمياه الري من خطر في حياة القرية، فمن المتوقع أن يبادر الفلاحون إلى إتخاذ موقف إيجابي عندما تتأخر عن ميعادها أو تأتي بمنسوب منخفض.
الجدول رقم (11)
إجابات المبحوثين على الأسئلة الخاصة بالمشاركة
العنصر ... تكرار مناقشة القضايا
العامة ... تكرار المشاركة
في الإنتخابات ... هل سبق
التشريح لمنصب
داخل القرية ... الإنضمام
للأحزاب ... التصرف عند وجود مشكلة
تهم القرية ... التبرع
لمشروعات
الجهود الذاتية
الإستجابة ... دائماً ... أحياناً ... لا يحدث مطلقاً ... دائماً ... أحياناً ... لا يحدث ... نعم ... لا ... نعم ... لا ... يبادر إلى عمل شيء ... ينتظر رد فعل الغير ... لا يفعل أي شيء ... نعم ... لا
العدد ... 8 ... 156 ... 328 ... 89 ... 310 ... 93 ... 54 ... 438 ... 20 ... 472 ... 98 ... 233 ... 161 ... 277 ... 215
النسبة ... 1.7 ... 31.7 ... 66.6 ... 18 ... 63 ... 19 ... 11 ... 89 ... 4 ... 96 ... 20 ... 47 ... 33 ... 56.4 ... 43.6
ن = 492 مفردة.(215/24)
غير أن ردود المجيبين على سؤال بهذا المعنى لم تحقق هذا التوقع. فالفعل الإيجابي – أي المبادرة بإرسال شكاوى وبرقيات إلى الجهات المسؤولة – ورد فقط على ألسنة (20%) من أفراد العينة. أما الأغلبية الساحقة فأظهرت موقفاً سلبياً إما بإنتظار رد فعل الغير (47%) أو بعدم إتيان أي تصرف (33%). ومع أن أكثر من النصف (56.4%) أفادوا بالتبرع لمشاريع الجهد الذاتي، إلا إن النسبة تظل دون المتوقع.
وهكذا فإن صورة المشاركة السياسية الفلاحية في القريتين غير مشرقة بأي حال. هذه الصورة يجليها أكثر توزيع المبحوثين على مستويات المشاركة (الجدول رقم 12). فأكثر من أربعة أخماسهم (82.3%) يعكسون مستوى هابطاً من المشاركة. وتضم الشريحة المتوسطة نسبة محدودة (14.6%). أما أصحاب المستوى المرتفع من المشاركة فنسبتهم لا تكاد تذكر (3.1%).
الجدول رقم (12)
توزيع المبحوثين على مقياس المشاركة السياسية
المستوى ... مرتفع ... متوسط ... منخفض ... مجموع
العدد ... 15 ... 72 ... 405 ... 492
النسبة ... 3.1 ... 14.6 ... – ... 100
سابعاً: استنتاجات عامة.
في ضوء ما تقدم، يمكن أن نخلص إلى ما يأتي:
1 - الفلاحون المصريون متدينون. غير أن تدينهم لا هو بالقوي ولا هو بالضعيف، وإنما هو بين ذلك.
2 - أصبح الإهتمام بالمستقبل والتفكير فيه إتجاهاً سائداً لدى كثير من الفلاحين.
3 - إن علاقة الفلاح بطبيعة علاقة خضوع أكثر منها تحدٍ وسيطرة وتحكم.
4 - رغم قناعة الفلاح بأن الأرزاق ((مقسومة)) و((محددة)) في علم ((الغيب)) إلا إنه لا يتراخى في فلاحة أرضه معتقداً أن السماء لا تساوي بين من يجد في عمله ومن يهمل فيه.
5 - يجمع توجه الفلاح نحو المساواة السياسية بين التقليدية والحداثة. ويغلب أن يفكر من منظور شخصي ضيق وليس من منظور المواطنة المسؤولة.
6 - يقبل الفلاح على الأخذ بالجديد إذا تيقن من فائدته كما يشهد بذلك استخدامه للمدخلات والتقنيات المزرعية الحديثة.(215/25)
7 - تعكس الإنتاجية الزراعية إختلافاً من فلاح إلى آخر، ومن قرية إلى أخرى. غير أن غالبية الفلاحين متوسطو الإنتاجية.
8 - برغم التطور الإجتماعي الذي شهدته القرية المصرية، ما زال مستوى المشاركة السياسية هناك هابطاً بوجه عام.
المبحث الثالث
نتائج الدراسة: العلاقات بين المتغيرات
يعرض هذا المبحث للعلاقة بين التدين كمتغير أصيل من ناحية، والتوجهات القيمية كمتغيرات وسيطة والتنمية كمتغير تابع من ناحية أخرى وذلك في محاولة التحقق من صدق إفتراضات البحث. واستخدمت بهذا الصدد عدة أساليب إحصائية هي بالتحديد إختبار كا2 (مربع كاي) للتأكد ابتداء من وجود العلاقة بين المتغيرين، ومستوى الدلالة الإحصائية عند (2.5%) للتأكد من أن هذه العلاقة لا توجد بالصدفة إلا في حدود معينة، ثم معامل الإرتباط لتحديد قوة العلاقة.
أولاً: التدين والتوجهات القيمية.
يتناول عرضنا في هذا الجزء أثر التدين كمتغير مستقل على القيم بوصفها متغيرات وسيطة: التوجه نحو الزمن والطبيعة والفعل والمساواة والمواطنة.
(1) التدين والزمن موضع الإهتمام:(215/26)
الإفتراض المطروح هنا أنه كلما كان المرء أشد تديناً، فمن المتوقع أن يكون أقل إنشغالاً بالمستقبل. ولإختبار صحة هذا الفرض، ركب الجدول رقم (13) الذي يبين توزيع المجيبين في فئات حسب درجة التدين والزمن الذي يفضل التفكير فيه والتخطيط له. ويتضح من الجدول المذكور أن التوجه المستقبلي يسود لدى الغالبية من ذوي المستويات القوية والمتوسطة والضعيفة للتدين. على أن نسبة حائزي هذا التوجه في المجموعة قوية التدين تقل بفارق كبير عن مثيلتها في المجموعة متوسطة التدين (60%، 78% على التوالي)، بل وعن مثيلتها في فئة التدين الضعيف (69%). وتفيد قيمة كا2 عند مستوى المعنوية 0.025 بوجود العلاقة العكسية المفترضة بين المتغيرين، وبالتالي رفض الفرض العدمي*. ومعنى هذا أن لتدين المرء تأثيراً سلبياً على نظرته للمستقبل. ولكن يبقى أن العلاقة ضعيفة جداً حيث تبلغ قيمة معامل الإرتباط الإسمي 0.16.
الجدول رقم (13)
درجة التدين والتوجه نحو الزم
التدين
النظرة إلى الزمن
قوي
متوسط
ضعيف
مجموع
عدد
%
عدد
%
عدد
%
عدد
%
مستقبل
حاضر
ماضي
المجموع
203
133
–
336
60
40
–
100
94
26
–
120
78
22
–
100
25
11
36
69
31
100
322
170
–
492
65
35
100
كا2 = 12.826 مستوى الدلالة 0.025 معامل التوافق = 0.16
(2) التدين الموقف من الطبيعة:
يبين الجدول رقم (14) توزيع المبحوثين في فئات تبعاً لدرجة التدين وإمكان دفع المرض عن الماشية. ويتضح منه أن الغالبية الساحقة في شرائح التدين القوي والمتوسط والضعيف لا ترى ذلك الإمكان. فكأن الدين ليس له أثر على علاقة الفلاحين بالمحيط المادي، وهو الأمر الذي يؤكده انخفاض قيمة كا2 عند مستوى المعنوية 2.5% (3.553). وبذلك يثبت خطأ الإفتراض القائل ((كلما كان المرء المسلم أشد تديناً، زاد إحتمال فقدانه معنى السيطرة على الطبيعة)).
الجدول رقم (14)
درجة التدين والتوجه نحو الطبيع
التدين
إمكان إبعاد
المرض عن الماشية
قوي
متوسط
ضعيف(215/27)
مجموع
عدد
%
عدد
%
عدد
%
عدد
%
نعم
لا
مجموع
19
317
236
6
94
100
2
118
120
2
98
100
1
35
36
3
97
100
22
470
492
4.5
95.5
100
كا2 = 3.553 مستوى الدلالة 0.025
(3) التدين والتوجه نحو الفعل:
خلافاً لما سبق، أي فقدان المبحوثين لقيمة التحكم في الطبيعة، نجد أنهم يحملون توجهاً إيجابياً نحو العمل حيث أقروا بأن إجتهاد الفلاح في فلاحة الأرض يفضي إلى زيادة الإنتاج. وبهذا الصدد، لا يوجد فرق بين أقوياء أو متوسطي أو ضعاف التدين (الجدول رقم 15). ويؤيد إختبار كا2 عند مستوى المعنوية 0.025 الفرض العدمي الذي يقضي بانعدام العلاقة بين متغير الإلتزام الديني والنظرة للفعل. ومن ثم ليس ثمة ما يساند إفتراضنا القائل ((كلما كان المرء أشد تديناً، بات متوقعاً أن يعتبر نفسه مفعولاً به وليس فاعلاً)).
الجدول رقم (15)
درجة التدين والتوجه نحو الفع
التدين
الإجتهاد
يؤدي إلى زيادة المحصول
قوي
متوسط
ضعيف
مجموع
عدد
%
عدد
%
عدد
%
عدد
%
موافق
غير موافق
مجموع
334
2
236
99
1
100
118
2
120
98
2
100
35
1
36
97
3
100
487
5
492
99
1
100
كا2 = 2.207 مستوى الدلالة 0.025
(4) التدين والقبول بالمساواة:
الفرض المطروح هنا أن الإنسان الأشد تديناً أكثر قبولاً بالتمييز التحكمي بين الناس لإعتقاده بأن الله خلق الناس مقامات ورتبهم درجات. وللتحقق من صحة الفرض، وضع المبحوثون في فئات حسب درجة التدين ودرجة الإيمان بالمساواة (الجدول رقم 16). واتضح أن كل المبحوثين تقريباً في مختلف شرائح الإلتزام الديني يقعون عند المستوى المتوسط من حيث الإيمان بالمساواة. وبإجراء إختبار مربع كاي عند مستوى الدلالة 0.025، يتأكد إنعدام أي تأثير للتدين على الإيمان بالمساواة، وبالتالي يثبت خطأ الإفتراض.
الجدول رقم (16)
درجة التدين والمساوا
التدين
إمكان إبعاد
المرض عن الماشية
قوي
متوسط
ضعيف
مجموع
عدد
%
عدد
%
عدد
%
عدد
%
قوي
متوسط
ضعيف
مجموع
14
322
–
336
4
96
–
100
5(215/28)
115
–
120
4
96
–
100
1
35
–
36
3
97
–
100
20
472
–
492
4
96
–
100
كا2 = 0.165 مستوى الدلالة 0.025
(5) التدين والشعور بالمواطنة:
مثلما يقال بأن البناء النفسي للمتدين يسلم بتدرجية العلاقات بين الناس بإعتبارها أمراً طبيعياً، يقال أيضاً بأنه يشعر بالتوحد مع من يشاركونه نفس الديانة أو المذهب. وهذا من شأنه إضعاف الرابطة بالوطن كمفهوم سياسي، وبالتالي فتور الشعور بالمواطنة المسؤولة بما ترتبه من إلتزامات وحقوق. لذا افترض البحث أن الإنسان شديد التدين ضعيف الشعور بالمواطنة. وفي محاولة إختبار هذا الإفتراض، تم تسكين المبحوثين في فئات تبعاً لدرجة الإلتزام الديني ودرجة الإحساس بالمواطنة (الجدول رقم 17). فجاءت البيانات غير مؤيدة للفرض بأي حال. إذ لا تتخذ النسب إتجاهاً صعودياً من اليمين إلى اليسار في الصف العلوي، وإنما ترتفع ثم تهبط. وتتجه إلى الإنخفاض في الصف السفلي من اليسار إلى اليمين لتعاود إرتفاعها بدرجة طفيفة.
كذلك يؤكد إختبار كا2 عند مستوى المعنوية 0.025 خطأ الإفتراض. وعليه، ليس للتدين علاقة أو تأثير على الشعور بالمواطنة.
الجدول رقم (17)
درجة التدين والشعور بالمواطن
التدين
الشعور بالمواطنة
قوي
متوسط
ضعيف
مجموع
عدد
%
عدد
%
عدد
%
عدد
%
قوي
متوسط
ضعيف
مجموع
124
159
53
336
37
47
16
100
60
42
18
120
50
35
15
100
8
20
8
36
22
56
22
100
192
221
79
492
39
35
16
100
كا2 = 7.910 مستوى الدلالة 0.025
ثانياً: التدين والتنمية.
بعد أن أوضحنا علاقة التدين بالمتغيرات الوسيطة، ننتقل إلى رصد علاقته بالمتغيرات التابعة: استخدام الأساليب المزرعية الحديثة، والإنتاجية الزراعية، والمشاركة السياسية.
(1) التدين واستعمال الطرق الحديثة في الزراعة:(215/29)
يتردد كثيراً أن الدين معاد للعصرية أو الحداثة. فالمتدين يعشق القديم ويزدري الجديد. من ثم، افترضنا أن المرء شديد التدين أقل استخداماً لأساليب الزراعة الحديثة. ولوضع الإفتراض على محك الصدق، وزع المبحوثون في فئات طبقاً لقوة التدين والعصرية من منظور استخدام الفنون الزراعية الحديثة. (الجدول رقم 18). وبالنظر إلى شكل توزيع البيانات، يتضح خطأ الإفتراض المطروح. ذلك أن تبني الأساليب العصرية في الزراعة سلوك شائع لدى كل الأفراد أياً كانت درجة تدينهم. ويفيد إختبار كا2 عند مستوى الدلالة 0.025 بغياب أي تأثير للإلتزام الديني على الأخذ بالجديد في مجال الزراعة.
الجدول رقم (18)
درجة التدين والحداث
التدين
الحداثة
قوي
متوسط
ضعيف
مجموع
عدد
%
عدد
%
عدد
%
عدد
%
حديث
مختلط
تقليدي
مجموع
33
2
1
336
99.1
0.6
0.3
100
119
1
–
120
99
1
–
100
34
1
1
36
94
3
3
100
486
4
2
492
98.8
0.8
0.4
100
كا2 = 7.968 مستوى الدلالة 0.025
(2) التدين والإنتاجية الزراعية:
الإنتاجية معبراً عنها بإجمالي دخل الفدان بالجنيه المصري هي المتغير التابع الثاني الذي تستهدف الدراسة كشف علاقته بمتغير الإلتزام الديني. ويتضمن الجدول رقم (19) توزيع المبحوثين تبعاً لدرجة التدين ومستوى الإنتاجية. ويتضح منه أن نسبة ذوي التدين القوي والإنتاجية المرتفعة تساوي تقريباً نسبة ذوي التدين الضعيف والإنتاجية المرتفعة. كما أن نسبة أقوياء التدين ومتوسطي الإنتاجية تقل عن نسبة متوسطي التدين والإنتاجية. ولكن هذه الأخيرة تفوق نسبة ضعاف التدين ومتوسطي الإنتاجية. وإذا كانت نسبة الذين يقعون في فئة المستوى الضعيف من التدين والمنخفض من الإنتاجية تكبر نسبة متوسطي التدين ومنخفضي الإنتاجية، إلا إن هذه الأخيرة تقل عن نسبة مرتفعي التدين ومنخفضي الإنتاجية.(215/30)
وهكذا فإن نمط توزيع البيانات لا يساند العلاقة العكسية المفترضة بين التدين والإنتاجية: كلما كان المرء أشد تديناً، كان أقل إنتاجية. وتدل قيمة كا2 عند مستوى المعنوية 0.025 على إنعدام العلاقة بين المتغيرين، بمعنى أن التدين كمتغير أصيل ليس له شأن بالإنتاجية كمتغير تابع.
الجدول رقم (19)
التدين ومستوى الإنتاجي
التدين
الإنتاجية
قوي
متوسط
ضعيف
مجموع
عدد
%
عدد
%
عدد
%
عدد
%
عال
متوسط
منخفض
مجموع
76
210
50
336
22.6
62.5
14.9
100
25
84
11
120
21
70
9
100
8
24
4
36
22.2
66.7
11.1
100
109
318
65
492
22.2
64.6
13.2
100
كا2 = 3.237 مستوى الدلالة 0.025
(3) التدين والمشاركة السياسية:
نأتي هنا إلى ثالث وآخر المتغيرات التابعة التي يسعى البحث بيان أثر التدين عليها. ونظراً لما يقال عن إتكالية وسلبية الشخص المتدين في علاقته بالمحيط السياسي، افترضت الدراسة أنه كلما كان المرء أشد تديناً، تدنت مشاركته السياسية. ولإختبار هذا الفرض، أعد الجدول رقم (20) الذي يشمل فئات المبحوثين حسب درجة التدين ومستوى المشاركة. ويتضح من مطالعته أن الأغلبية الساحقة من ذوي التدين القوي والمتوسط والضعيف يعكسون مستوى هابطاً من المشاركة. وتم كذلك حساب مربع كاي. فبلغت قيمته 0.95 عند مستوى الدلالة 2.5%. ويعني هذا إنعدام العلاقة بين الإلتزام الديني والمشاركة السياسية، وبالتالي خطأ الإفتراض آنف الذكر. بعبارة أخرى، لا يزاول التدين تأثيراً على مستوى الإنخراط السياسي للفلاحين، ذلك الذي يعكس تدنياً مؤسفاً.
الجدول رقم (20)
درجة التدين ومستوى المشارك
التدين
المشاركة
قوي
متوسط
ضعيف
مجموع
عدد
%
عدد
%
عدد
%
عدد
%
مرتفع
متوسط
منخفض
مجموع
19
49
278
336
2.5
14.5
82
100
4
18
98
120
3
15
82
100
2
5
29
36
5.5
14
80.5
100
15
72
405
492
3.1
14.6
82.3
100
كا2 = 0.95 مستوى الدلالة 0.025
ثالثاً: النتائج والفروض والتفسير.(215/31)
مما تقدم، يتضح أن النتائج تثبت خطأ كل إفتراضات البحث عدا الإفتراض الذي يقيم علاقة عكسية بين التدين والتوجه نحو المستقبل. بل لقد وجدنا أن معامل الإرتباط بين هذين المتغيرين ضعيف للغاية. وعلى هذا فإن الإسلام معبراً عنه بالتدين لا يمارس تأثيراً سلبياً على التنمية. وفي ذلك ما يدحض أو يتحدى المقولة التي تحمّل الإسلام مسؤولية التخلف الذي تعاني منه المجتمعات الإسلامية وتراه عائقاً في طريق تطورها الشامل.
غير أن النتائج من ناحية أخرى، لا تثبت أن الإسلام، في ضوء تعريفنا الإجرائي له، يؤثر إيجابياً على التنمية، وهو الأمر الذي يشكك في مقولة الذين يرون أن الإسلام يقف في صف التنمية يحض عليها ويفضي إليها. فكأن التدين، بوصفه الصياغة العملية لمفهوم الإسلام، عامل محايد في علاقته بالتنمية لا يعيقها ولا يساعدها. هذه النتيجة تفرض التساؤل عن كيفية تفسيرها.
لابد من التنويه إبتداء إلى صعوبة التفسير، وبالتالي فإن ما نطرحه بهذا الخصوص لا يعدو كونه ضرباً من الإجتهاد. يبدو أن الدين في القرية المصرية قد إستحال إلى مجموعة طقوس وشعائر. فلم يعد يتخلل حياة الناس ويوجه سلوكهم. صحيح أن الفلاح يحب الثرثرة في أمور الدين ويؤدي طقوسه كلها أو بعضها. وصحيح أيضاً أنه قد يغضب إذا سمع أو قرأ أو شاهد ما يتصوره خروجاً على الدين، غير أن هذا شيء، وأمور المعاش شيء آخر. فعلى مستوى النظر أو القول أو الوعي، يغلب ألا يفصل الفلاح بين الدين والدنيا، بينما يفصل بينهما على صعيد العمل أو اللاوعي. هو بعبارة أخرى يرفض العلمانية قولاً، ويطبقها عملاً. قد يصلي بإنتظام أو لا يصلي مطلقاً. قد يصوم رمضان أو يفطر دون عذر شرعي، قد يزكي أو لا يزكي. قد يعلم من أمور دينه كثيراً أو قليلاً. ولكن هذا كله وغيره يدخل في دائرة علاقته بربه ولا شأن له بتوجهاته أو سلوكه التنموي.(215/32)
من ناحية أخرى، يمكن فهم ظاهرة السلبية السياسية داخل القرية، بعد أن برأت نتائج البحث الإسلام من تهمة خلقها، في ضوء أوضاع بنائية تاريخية ومعاصرة. فعلى إمتداد التاريخ الطويل، عانت القرية من قهر سياسي وإجتماعي شديد. واقترن ذلك بمركزية سياسية عارمة غاب معها أي إمكان لمشاركة جماهيرية حقيقية.
وليس لمؤسسات المشاركة التي تكونت خلال الثلاثين عاماً الماضية – أي المجالس المحلية والتنظيمات الحزبية والنقابية – وجود ملموس في حياة جماهير الفلاحين. إنها أجهزة هشة وغير فعالة. يضاف إلى كل ذلك تسلطية الحاكم وعدم جديته في بناء ديمقراطية حقيقية.
رابعاً: بين نتائج البحث ونتائج بحوث أخرى.
إن النتائج التي خلصت إليها الدراسة يزيد من مصداقيتها أنها جاءت متسقة مع نتائج دراسات أخرى أجريت في قرى عربية مصرية وغير مصرية. وفيما يلي تفصيل ذلك:
(1) تتفق النتيجة الخاصة بالتوجه نحو الزمن مع ما خلص إليه ((ريتشارد كرتشيفلد)) من واقع ملاحظاته ومقابلاته التي أجراها منذ حوالي ثمانية أعوام في قريتي ((بيرات)) بمحافظة قنا، و((سرس الليان)) بمحافظة المنوفية. فقد وجد أن أهالي القرية الأولى متعلقون بالحاضر، بينما رصد توجهاً مستقبلياً لدى سكان القرية الثانية. كما تلتقي دراستنا مع دراسة ((كرتشيفلد)) في تقرير ظاهرة محدودية المشاركة السياسية بين صفوف الفلاحين وضعف شعورهم بالمواطنة مع غلبة المنظور الذاتي أو المحلي الضيق[11].(215/33)
(2) تتسق نتائج البحث الخاصة بالسلبية واهتزاز روح المبادرة إزاء حل مشكلات القرية وعدم رسوخ الجهود الذاتية مع نتائج بحوث ميدانية أخرى. فقد اتضح من دراسة تتبعية عن ((الإيجابية واللامبالاة لدى القرويين المصريين)) أن النسبة الكبرى من أفراد البحث (54.7% في العام 1958م، و74% في العام 1963م) يشعرون بالعجز عن المساهمة في حل المشكلات التي تواجه مجتمعهم المحلي[12]. وفي دراسة أخرى حول ((دور التنمية الإجتماعية في تغيير المجتمع الريفي)) تبين للباحث أن نسبة صغيرة جداً من أفراد العينة (18.5%) على استعداد للمبادرة في مشروعات تطوير القرية، وأن أغلبيتهم العظمى (60%) لم يسبق لهم أن ساهموا في أي مشروع تنموي[13].
(3) تتطابق نتائج البحث عن علاقة التدين بالتنمية مع نتائج بحث ((كلود سوتكليف)) الذي اعتمد فيه على بيانات مسح عن خصائص التغير في وادي الأردن أجري في العام 1966م. إذ خلص ((سوتكليف)) إلى أن تدين القروي، مقاساً بعدد مرات صلاته في اليوم، لا علاقة له بكل من: التوجه نحو الزمن، السيطرة/ الخضوع للطبيعة، والتوجه إزاء النشاط، والأخذ بالفنون المزرعية الحديثة كموتورات رش المبيدات والبذور المنتقاة والأسمدة الكيماوية، وأخيراً الإنتاجية الزراعية للفدان مقدرة بالدينار الأردني[14].
الخاتمة
في ضوء العرض السابق لمنهاجية ونتائج البحث، برزت ثلاث ملاحظات جديرة بالتأمل:
أولاً: التعريف الإجرائي للمتغيرات.(215/34)
قد يزعم البعض أن التعريف الإجرائي لمتغيرات البحث، خاصة متغيري التدين والتنمية، يعوزه الشمول والدقة، الأمر الذي يثير الشك في سلامة النتائج التي تم التوصل إليها. فالتعريفات الإجرائية الفجة قادت إلى نتائج شائكة يصعب أن يسلم بها من اعتاد الإشارة بإصبع الإتهام إلى ((الإسلام)) أو إعتاد الدفاع عنه من منطلق عقيدي. وللرد على هذا الزعم نقول إن الصياغة العملية لأي مفهوم ليس مدارها ما يجب أن يكون، بل ما هو كائن. من ثم لم نعرف التدين حسب ما ينبغي أن يكون عليه، وإنما كما يفهمه ويمارسه عامة المسلمين. لقد عبرنا عنه بمؤشرات يمكن دراستها ميدانياً. هذه المؤشرات قد لا تشمل كل جوانبه، ولكنها بالقطع تغطي أهم الجوانب: المعرفة والسلوك. وأعطي البُعد السلوكي، ممثلاً في الصلاة، ثقلاً أكبر لما له من مكانة خاصة في الإسلام. وما قلناه بشأن التدين ينسحب أيضاً على مفهوم التنمية. وقد يقول قائل إن البحث ربما وصل إلى نتائج مغايرة لو عبر عن أبعاد التدين والتنمية بمؤشرات أخرى. وإذا كان هذا محتملاً، فإن العكس محتمل أيضاً وبالدرجة نفسها. وعلى أية حال، فإن الدراسة الأمبيريقية الجادة هي وحدها القادرة على ترجيح أي الإحتمالين.
ثانياً: الإنطباع والعلم.(215/35)
شتان بين أن يعتمد المرء على انطباعاته الذاتية وأن يستعين بالمنهج العلمي في رصد الواقع. في الحالة الأولى نكون إزاء إستنتاجات إنطباعية وقد تصيب وقد تخطئ. بينما في الحالة الثانية، نكون بصدد إستنتاجات علمية لا يرقى إليها الشك. وحتى الآن فإن الكثير جداً مما هو معروف ومتداول في الغرب عن المسلمين لا يعدو كونه صوراً نمطية إنطباعية. وتبدو نتائج البحث غريبة لتعارضها مع بعض هذه التصورات. إلا إن هذه الغرابة تصبح غير مبررة ما دامت الإستنتاجات مبنية على المنهاجية العلمية التي يمكن أن يؤدي استخدامها من قبل المهتمين بدراسة المجتمعات الإسلامية، إلى مراجعة كثير من المسلّمات عن الإسلام والمسلمين.
ثالثاً: التعميم.
يعكس الريف المصري قدراً لا بأس به من التشابه في الخصائص الإقتصادية والإجتماعية. هذه الحقيقة قادت وتقود البعض إلى تعميم نتائج دراسة ميدانية في قرية أو قريتين أو ثلاث على كل القرى المصرية.
بيد أن هذا، في تقديرنا، لا يصح علمياً لسبب بسيط مفاده أن العينة أو العينات المدروسة لا تمثل المجتمع الريفي تمثلاً صادقاً لصغر حجمها وأسلوب إختيارها. لذلك، فإن نتائج بحثنا لا يمكن تعميمها على كل الفلاحين المصريين، وإنما فقط على جموع الفلاحين في القريتين مجال المسح.
وهنا يثور التساؤل عن الفائدة من القيام بدراسات ميدانية جزئية يصعب تعميم نتائجها على المجتمع ككل. من المؤكد أن الدراسات المذكورة أنفع للعلم والمجتمع من الدراسات الجزئية. ولكنها تتطلب إمكانات ضخمة مادية وبشرية. ولما كانت هذه الإمكانات لا تتاح للباحثين في مجتمعاتنا، لا يصبح أمامهم سوى إجراء دراسات على المستوى الجزئي تظل لها قيمة مؤكدة. إذ تحقق نتائجها تراكماً معرفياً يفيد في بناء وتطوير النظريات، والإنطلاق إلى بحوث أشمل وأوسع نطاقاً حالما تتوفر التسهيلات اللازمة، ووضع السياسات العامة.
ـــــــــــــــــــــــ(215/36)
[1] Max Weber, The Soclology of Religion, trans. By Ephraim Fischoff (Boston: Beacon Press, 1963), P.265.
[2] David McClelland, The Achieving Society (Princeton, New Jersey; Van Nostrand, 1961), p.340.
[3] نيفين مصطفى، المعارضة السياسية في الإسلام، رسالة دكتوراه غير منشورة مقدمة إلى كلية الإقتصاد، جامعة القاهرة، 1983م، ص30 – 31.
[4] Dell Hitchner & Carol Levine, Comparative Government and Polities, (New York: Harper & Row Publishers, 1981), p.19.
[5] نقلاً عن:
Claud sutcliffe, "Is Islam and Obstacle to Development: Ideal Patterns of Bellef Versus Actual Patterns of Behavior", The Journal of Developing Areas, 10, October 1975, p.79, F.10.
[6] Ibid, pp.78-79.
[7] د.محمد زكي شافعي، التنمية الإقتصادية، الكتاب الأول (القاهرة: دار النهضة العربية، 1969م)، صفحات متفرقة.
[8] Morris Ginsherg, Toward a Theory of Social Development: The Growth of Rationality, in: Symposlum on Social Development, conducted by Raymond Aron & Bert Hosetitz (Paris: Mouton & Co., 1961), pp.27-66.
[9] حول التعاريف المختلفة للتنمية السياسية، أنظر بالذات:
Lucian Pye, Aspects of: Political Development (Boston: Little Brown & Cmp., 1966), pp.31-48.
[10] أنظر مسحاً أميناً لهذه الطروحات في: د.نادر فرجاني، عن غياب التنمية في الوطن العربي، المستقبل العربي، السنة السادسة، ع60، شباط (فبراير) 1984م، ص9 – 20.
* هذان الإسمان ليسا حقيقيين ، وإنما مستعاران.
* يطلق عليه أيضاً معامل التوافق.
** من أمثلته معامل إرتباط (جاما) الذي يحسب وفق المعادلة الآتية:
عدد حالات الإتفاق – عدد حالات الإختلاف / عدد حالات الإتفاق + عدد حالات الإختلاف.
*** بخصوص مؤشرات كل مقياس والأوزان المعطاة لها ، أنظر ملحق رقم (2).(215/37)
* الفرض العدمي تعريب للمصطلح الأجنبي Null Hypothesis ومعناه إنعدام العلاقة بين المتغيرات.
[11] Richard Critchifield, Egypt's Fellahin, Part II, American Universities Field STAFF, vol. XXI, No. 6, July 1976, pp. 13-14.
[12] د.لويس مليكة، بين الإيجابية واللامبالاة، دراسة تتبعية لإتجاهات القرويين نحو العمل الجمعي في خمس سنوات، في د.مليكة وآخرين، قراءات في علم النفس الإجتماعي، المجلد الثاني (القاهرة: الدار القومية للطباعة والنشر، 1970م)، ص618 – 619.
[13] نبيل السمالوطي، دور التنمية الإجتماعية في تغيير المجتمع الريفي، رسالة دكتوراه غير منشورة، كلية الآداب، جامعة الإسكندرية، 1973م.
[14] لمزيد من التفصيل، انظر: Claud Sutcliffe, Op. Cit., pp.79-81(215/38)
العنوان: الإسلام وعلاقته بالديانات الأخرى
رقم المقالة: 454
صاحب المقالة: عثمان بن جمعة ضميرية
-----------------------------------------
دعوة عالمية بلغت ذروة الكمال:
شاء الله عز وجل أن تكون رسالة محمد، صلى الله عليه وسلم، خاتمة الرسالات السماوية، والتي اختصت عرفاً بمدلول كلمة الإسلام كما أن كلمة ((اليهودية)) أو ((الموسوية)) تخص شريعة موسى، عليه السلام، وما اشتق منها، وكلمة ((النصرانية)) أو ((المسيحية)) تخص شريعة عيسى عليه السلام وما تفرع عنها.
وهذه الرسالة التي أنزلها الله على نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، بلغت ذروة الكمال، وجاءت دعوة إنسانية عالمية، لا تخاطب قوماً بأعيانهم، ولا جنساً بذاته، رضيها الله تعالى للناس ديناً، فكانت هي ((الدين)) الكامل الذي أتم الله تعالى به علينا نعمته {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}[1].
وبعد أن كان الموكب الكريم من الرسل والأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – يرفع راية التوحيد، ويهتف كلٌ بقومه: {ياقوم إني لكم نذيرٌ مُّبينٌ}[2]، {ياقوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره}[3]... الخ – جاء خاتم النبيين وجامع كلمة المرسلين فجمع الرايات كلها تحت راية واحدة، وجعل ينادي الناس جميعاً: {يا أيُّها النَّاس اعبدوا ربَّكم الَّذي خلقكم والَّذين من قبلكم لعلَّكم تتَّقون}[4]، {يا أيُّها النَّاس قد جآءكم برهانٌ مِّن رَّبكم}[5]، {هذا بلاغٌ لَّلنَّاس ولينذروا به}[6]، بل هو بلاغ لكل من بلغه خبره وانتهى إليه أمره في عصره وفي سائر العصور إلى يوم القيامة: {وأوحي إليَّ هذا القرآن لأنذركم به ومَنْ بلغ}[7]، والجنّ والإِنس في هذا الخطاب والبلاغ سواء[8] {يامعشر الجنِّ والإِنس}[9].(216/1)
وقد فصّل الله تعالى في القرآن الكريم سمات هذه الدعوة العالمية العامة، وعرضها على أعين الناس في كثير من آياته، فقال تعالى: {قل يا أيُّها النَّاس إنِّي رسول الله إليكم جميعاً الَّذي له ملك السَّماوات والأرض لا إله إلاَّ هو يحيي ويميت فئامنوا بالله ورسوله النَّبِّي الأمِّيِّ الَّذي يؤمن بالله وكلماته واتَّبعوه لعلكم تهتدون}[10]، {وما أرسلناك إلاَّ كافَّةً لَّلنَّاس بشيراً ونذيراً ولكنَّ أكثر النَّاس لا يعلمون}[11]، {يا أيُّها النَّاس قد جآءكم الرَّسول بالحقِّ مِنْ رَّبكم فئامنوا خيراً لَّكم وإن تكفروا فإنَّ لله ما في السَّماوات والأرض}[12]، {تبارك الَّذي نزَّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً}[13].
وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى عموم بعثته وعالمية دعوته فقال: ((أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي: كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى كل أحمر وأسود، وأُحلّت لي الغنائم، ولم تحل لأحد قبلي، وجعلت لي الأرض طيِّبة وطهوراً ومسجداً، فأيّما رجل أدركته الصلاة صلّى حيث كان، ونُصرت بالرُّعب بين يدي مسيرة شهر. وأُعطيت الشفاعة))[14].
وقال عليه الصلاة والسلام: ((فُضِّلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرُّعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون))[15].
خاتم النبيين:
ومن ثم كان محمد – صلى الله عليه وسلم - خاتم الأنبياء والمرسلين، وكانت رسالته خاتمة الرسالات جميعاً: {مَّا كان محمَّدٌ أبآ أحدٍ مِّن رِّجالكم ولكن رَّسول الله وخاتم النَّبيِّين}[16].(216/2)
ويصور الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ختم رسالته للرسالات السابقة، وكيف أتم البناء الذي تعاقبت عليه رسل الله الكرام، فيقول: ((مثلي ومثل الأنبياء من قبلي، كمثل رجل بنى بيتاً، فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية [من زواياه] فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له، ويقولون: هلاّ وضعت هذه اللبنة؟ فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين))[17].
ودعوته ناسخة للرسالات السابقة:
وإذا كان محمد صلى الله عليه وسلم قد أرسل من عند الله تعالى بدين بلغ ذروة الكمال الذي لا كمال بعده، وتوجه الخطاب فيه للعالمين كافة، وختم الله به الرسالات، فإن النتيجة المنطقية اللازمة لهذا الكمال ولتمام النعمة أنه تنقطع صلة الإنسانية عن سائر الرسالات والنبوات السابقة في طاعتها واتباعها – مع الإِيمان بأصولها المنزلة – لا بما آلت إليه بعد التحريف على يد الأتباع.
فكل ما جاء به الأنبياء السابقون وعرضوه على الإِنسانية ودَعَوْها إلى اتباعه، قد نُسخ برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وما من شك أن الإِيمان بنبوتهم وصدق دعوتهم على وجه الإِجمال لازم لابد منه، إذ ما كانوا إلا دعاة إلى الإسلام، وما التصديق بدعوتهم إلا تصديق بالإسلام ولكن، مع ذلك، فقد انقطعت عنهم صلة الإنسانية في طاعتها واتباعها فعلاً، وإنما ارتبطت برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وتعليمه وأسوته الحسنة ؛ لأن الذي يقتضيه المبدأ:
أولاً: أن لا تعود الإنسانية بحاجة إلى الناقص بعد أن جاءها الكامل.
وثانياً: أنه قد لعبت يد التحريف والإهمال بسيرة وتعاليم الأنبياء السابقين[18] مما لم يعد من الممكن، لأجله، أن تتبعهم الإنسانية فعلاً.
ومن هنا، فإن القرآن الكريم حيثما يأمر بطاعة الرسول واتباع أحكامه وأوامره، لا يأتي بكلمة ((الرسول)) و ((النبي)) إلا معرّفتين بالألف واللام – لتكونا خاصتين بمحمد صلى الله عليه وسلم[19].(216/3)
يقول الله تعالى مثلاً: {وأطيعوا الله والرَّسول لعلَّكم ترحمون}[20]، ويقول: {أطيعوا الله وأطيعوا الرَّسول وأولي الأمر منكم}[21]، ويقول أيضاً: {مَّن يطع الرَّسول فقد أطاع الله}[22].
والقرآن الكريم مهيمن على الكتب السابقة:
وكذلك فإن القرآن الكريم قد جعله الله تعالى مهيمناً على ما سبقه من الكتب السماوية، وهو كلمة الله الأخيرة لهذه البشرية، التي يجب أن يفيء إليها الناس كلهم حتى يكونوا مؤمنين، ومن ثم فكل اختلاف يجب أن يُرد إلى هذا الكتاب ليفصل فيه، سواء كان هذا الاختلاف في التصور الاعتقادي بين أصحاب الديانات السماوية، أو في الشريعة التي جاء هذا الكتاب بصورتها الأخيرة، أو كان هذا الاختلاف بين المسلمين أنفسهم، قال الله تعالى: {وأنزلنآ إليك الكتاب بالحقِّ مصدِّقاً لِّما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه}[23].
وكما استعمل الله تعالى كلمتي ((الرسول)) و ((النبي)) معرفتين عند الأمر بطاعتهما، لتكون خاصة بمحمد صلى الله عليه وسلم ودالّة على كماله، كذلك جاء لفظ ((الكتاب)) في هذه الآية للدلالة على القرآن الكريم الدلالة نفسها، فهو الكتاب الكامل الجدير بأن يسمى كتاباً، وأن ينصرف إليه معنى الكتاب الإِلهي الكامل الصادق عند الإِطلاق، لحيازته جميع الأوصاف الكمالية لجنس الكتاب السماوي، وتفوّقه على بقية أفراده، بعد أن استعمل، في الآيات السابقة لهذه الآية، لفظ التوراة والإِنجيل للكتابين الذين أنزلهما الله على موسى وعيسى عليهما السلام[24].
معنى هيمنة القرآن على ما سبقه:
وقد تنوعت عبارات المفسرين، من السلف ومن بعدهم رحمهم الله تعالى، في التعبير عن معنى هذه الهيمنة، فقالوا:(216/4)
مهيمناً: أي مؤتمناً وشاهداً ورقيباً، وحاكماً وقاضياً، ودالاًّ ومصدقاً، فالقرآن الكريم أمين على كل كتاب قبله، في أصله المنزَّل، وهو بهذا حافظ لهذا الأصل لأنه يبين ما طرأ عليه من انحراف وما وافقه من الكتب المتداولة فهو حق، ويجوز أن تكون نسبته إلى الله تعالى صحيحة، وما خالفه وناقضه فهو باطل، ولا تكون نسبته إلى الله تعالى صحيحة، ويكون قد طرأ على الكتاب الذي فيه تلك المخالفة والتناقض: تبديلٌ وتحريف. وما جاء في القرآن الكريم، ولم يكن في الكتب المتداولة في أيديهم، المنسوبة إلى الله تعالى، فيكون ما جاء في القرآن هو الحق.
والقرآن الكريم شاهد على ما في تلك الكتب، يشهد لأصولها المنزلة بالصدق[25]، ويشهد عليها وعلى أصحابها بما وقعوا فيه من نسيان حظ عظيم وإضاعته، وتحريف كثير مما بقي وتأويله، والإعراض عن العمل بها، كما نصت على ذلك آيات كثيرة في القرآن الكريم – وستأتي إشارات لذلك -.
والقرآن الكريم رقيب على سائر الكتب السماوية المحفوظة عن التغيير، حيث يشهد لها بالصحة والثبات، ويقرر أصول شرائعها وما يتأبد من فروعها، ويعين أحكامها المنسوخة ببيان انتهاء مشروعيتها المستفادة من تلك الكتب وانقضاء وقت العمل بها.
ولا ريب في أن تمييز أحكامها الباقية على المشروعية أبداً عما انتهى وقت مشروعيته وخرج عنها من أحكام: هو معنى من معاني الهيمنة عليها، فالقرآن حاكم على ما في تلك الكتب وقائم عليها وقاضٍ عليها بالحق[26].(216/5)
وهذه الأقوال، في معنى الهيمنة، متقاربة المعنى، فإن اسم المهيمن يتضمن هذا كله، فهو أمين وشاهد وحاكم على كل كتاب قبله، جعل الله تعالى هذا الكتاب العظيم الذي أنزله آخر الكتب وخاتمها وأشملها وأعظمها وأكملها، حيث جمع فيه محاسن ما قبله، وزاده من الكمالات ما ليس في غيره، وهو الكتاب الذي لا يُنسخ ولا يغيَّر. ولهذا جعله الله تعالى شاهداً وأميناً وحاكماً على ما سبقه من الكتب، وتكفل – سبحانه – بحفظه، وإذا كان بهذه المثابة، كانت شهادته على التوراة والإِنجيل والزبور وسائر الكتب المنزلة: حقاً وصدقاً[27].
وجوه هذه الهيمنة:
يقول شيخ الإِسلام ابن تيمية – رحمه الله –: فالسلف كلهم متفقون على أن القرآن هو المهيمن، المؤتمن الشاهد على ما بين يديه من الكتب، ومعلومٌ: أن المهيمن على الشيء أعلى منه مرتبة. ومن أسماء الله تعالى ((المهيمن))، ويسمى الحاكم على الناس، القائم بأمورهم: ((المهيمن)).. وقال بعض أهل اللغة: الهيمنة، القيام على الشيء والرعاية له، وأنشد:
ألا إنّ خير الناس بعد نبيهم مهيمنُه التاليه في العرف والنكر
يريد: القائم على الناس بالرعاية لهم...
وهكذا القرآن، فإنه:
أ – قرر ما في الكتب المتقدمة من الخبر عن الله وعن اليوم الآخر وزاد ذلك بياناً وتفصيلا.
ب – وبيّن الأدلة والبراهين على ذلك.
جـ - وقرر نبوة الأنبياء كلهم ورسالة المرسلين.
د – وقرر الشرائع الكلية التي بُعثت بها الرسل.
هـ - وجادل المكذبين بالكتب والرسل، جادلهم بأنواع الحجج والبراهين.
و – وبيّن عقوبات الله لهم، ونَصْرَه لأهل الكتب المتبعين لها.
ز – وبيّن ما حرف منه وبُدّل، وما فعله أهل الكتاب في الكتب المتقدمة، وبين أيضاً ما كتموه مما أمر الله ببيانه، وكل ما جاءت به النبوات بأحسن الشرائع والمناهج التي نزل بها القرآن، فصارت له الهيمنة على ما بين يديه من الكتب من وجوه متعددة.(216/6)
فهو شاهد بصدقها، وشاهد بكذب ما حُرّف منها، وهو حاكم بإقراره ما أقرّه الله، ونسخ ما نسخه، فهو شاهد في الخبريات، حاكم في الأمريات.
وكذلك معنى ((الشهادة)) و ((الحكم)) يتضمن إثبات ما أثبته الله من صدق ومحكم، وإبطال ما أبطله من كذب ومنسوخ. وليس الإِنجيل مع التوراة ولا الزبور بهذه المثابة، بل هي متبعة لشريعة التوراة إلا يسيراً مما نسخه الله بالإِنجيل[28]، بخلاف القرآن. ثم إنه معجز في نفسه، لا يقدر الخلائق أن يأتوا بمثله، ففيه دعوة الرسول، وهو آية الرسول وبرهانه على صدقه ونبوته وفيه ما جاء به الرسول، وهو نفسه برهان على ما جاء به...
ولهذا لم تحتج الأمة مع رسولها وكتابها إلى نبي آخر وكتاب آخر، فضلاً عن أن تحتاج إلى شيء – لا يستقل بنفسه – غيرهِ[29].
ليظهره على الدين كله:
وقد أخبر الله سبحانه ووعد بإظهار هذا الدين على سائر الأديان فقال: {هو الَّذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقِّ ليظهره على الدِّين كلِّه ولو كره المشركون}[30]. فالله تعالى يعلي هذا الدين ويرفع شأنه على جميع الأديان بالحجة والبرهان والهداية والعرفان، والعلم والعمران، وكذا السيادة والسلطان، ولم يكن لدين من الأديان مثل هذا التأثير الروحي والعقلي والمادي والاجتماعي والسياسي إلا للإِسلام[31]. ولقد صح عن النبي عليه الصلاة والسلام الوعد بإظهار الدين ونصره والتمكين لأهله[32]، وقد تحقق هذا الوعد الصادق بإذن الله.
دعوة أهل الكتاب للإِيمان بمحمد:(216/7)
ولأجل هذا فإن الله تعالى يأمر بالإِيمان بمحمد، صلى الله عليه وسلم، وطاعته واتباع شريعته، حتى الأمم المؤمنة برسالة نبي من الأنبياء السابقين فإن القرآن يوجه إليها هذا الخطاب أيضاً، يقول الله تعالى: {يا أهل الكتاب قد جآءكم رسولنا يبيِّن لكم كثيراً مِّمَّا كنتم تخفون من الكتاب ويعفوا عن كثير قد جآءكم مِّن الله نور وكتاب مُّبين * يهدي به الله من اتَّبع رضوانه سبل السَّلام ويخرجهم مِّن الظُّلمات إلى النُّور بإذنه ويهديهم إلى صراط مُّستقيم}[33]. ويقول سبحانه: {الَّذين يتَّبعون الرَّسول النَّبيَّ الأمِّيَّ الَّذي يجدونه مكتوباً عندهم في التَّوراة والإِنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحلُّ لهم الطَّيِّبات ويحرِّم عليهم الخبآئث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالَّذين ءامنوا به وعزَّروه ونصروه واتبَّعوا النُّور الَّذي أُنزل معه أولئك هم المفلحون * قل يا أيُّها النَّاس إنِّي رسول الله إليكم جميعاً الَّذي له ملك السَّماوات والأرض لا إله إلاَّ هو يحيي ويميت فئَامنوا بالله ورسوله النَّبيِّ الأمِّيِّ الَّذي يؤمن بالله وكلماته واتَّبعوه لعلكم تهتدون}[34].
تهديد ووعيد...
ثم يأتي التهديد والوعيد الشديد لمن يعرض منهم عن الإيمان بما نزل الله تعالى على محمد صلى الله عليه وسلم {يا أيُّها الَّذين أوتوا الكتاب ءامنوا بما نزَّلنا مصدِّقاً لِّما معكم مِّن قبل أن نَّطْمِس وجوهاً فنردَّها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنَّآ أصحاب السَّبت وكان أمر الله مفعولاً}[35].(216/8)
وتأتي سورة البينة لتقرر ما كان عليه أهل الكتاب والمشركون الذين كفروا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم من الانحراف عن دين الله ومنهجه، وتقرر أنهم كانوا يعلّقون تحوّلهم وانفكاكهم عما هم عليه من الانحراف والكفر على بينة واضحة، هي بعثة نبي جديد، تكون سبب هدايتهم وتحويلهم عما هم عليه من ضلال وانحراف. ولكن عندما جاءتهم الهداية ممثلة بالكتاب المنزل: القرآن الكريم، والنبي المرسل، محمد صلى الله عليه وسلم - كفروا بهما، فاستمروا على كفرهم وانحرافهم، واستحقوا أن يدفعهم القرآن الكريم بأنهم {هم خير البريَّة * جزآؤهم عند ربِّهم جنَّات عدنٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيهآ أبداً رَّضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربَّه}[36].
وجاءت أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم تبين هذا المعنى – وتوجب على كل من يسمع به أن يؤمن به ويتبعه ويترك ما كان من شريعة سابقة انتهى العمل بها بعد مجيء محمد خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام، فقال صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة – يهودي أو نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار))[37].
ودخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوماً على النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب فيه مواعظ من التوراة، فقال: هذه كنت أصبتها مع رجل من أهل الكتاب. فقال: فاعرضها عليَّ، فعرضتها، فتغيّر وجهه تغيراً شديداً، ثم قال: ((لو نزل موسى فاتبعتموه وتركتموني لضللتم، أنا حظكم من النبيين وأنتم حظي من الأمم))[38].(216/9)
ومؤمن أهل الكتاب، الذي يتبع محمداً صلى الله عليه وسلم له أجره مرتين، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين: رجل من أهل الكتاب، آمن بنبيه وأدرك النبي – صلى الله عليه وسلم - فآمن به واتبعه وصدقه، فله أجران، وعبد مملوك أدّى حق الله تعالى وحق سيده، فله أجران. ورجل كانت له أمة فغذاها فأحسن غذاءها ثم أدبها فأحسن أدبها، ثم أعتقها وتزوجها، فله أجران))[39].
وعندما ينزل عيسى عليه السلام في آخر الزمان بين يدي الساعة، ينزل حاكماً بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، فما عذر أهل الكتاب في عدم إيمانهم به واتباعهم له صلى الله عليه وسلم ؟ فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((والذي نفسي بيده ليوشكنّ أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً مقسطاً، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية[40]، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد))[41].
مواقف إيجابية حكاها القرآن الكريم:(216/10)
ولكن فريقاً من أهل الكتاب، من الذين فتح الله قلوبهم للحق والإِيمان، وأبصارهم للهدى والنور، فأدركوا حقيقة الدعوة التي انتظروها والنبي الذي كانوا يستفتحون به، هذا الفريق قد آمن فعلاً بمحمد صلى الله عليه وسلم واتبعه، ولِمَ لا يؤمنون ؟ وقد قامت الأدلة كلها على صدق هذا النبي، بعد أن بشرت به كتبهم ورأوا أعلام نبوته – صلى الله عليه وسلم - وقد حكى الله تعالى ذلك وسجله فقال: {إنَّ الَّذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرُّون للأذقان سجَّدا * ويقولون سبحان ربِّنآ إن كان وعد ربِّنا لمفعولاً * ويخرُّون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً}[42]، وقال تعالى: {الَّذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون * وإذا يتلى عليهم قالوا آمنَّا به إنَّه الحقُّ من رَّبِّنآ إنَّا كنَّا من قبله مسلمين * أولئك يؤتون أجرهم مَّرَّتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السَّيِّئة وممَّا رزقناهم ينفقون * وإذا سمعوا اللَّغو أعرضوا عنه وقالوا لنآ أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين}[43]. {وإنَّ من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله ومآ أنزل إليكم ومآ أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً أولئك لهم أجرهم عند ربِّهم إنَّ الله سريع الحساب}[44]... الخ آيات كثيرة في هذا المعنى، وسيأتي بعضها أيضاً في مناسبات أخرى.
وحفظها الواقع التاريخي:(216/11)
ويحفظ لنا الواقع التاريخي تصديق ذلك، بإسلام أكثر أهل العقول والأحلام والعلوم ممن لا يحصيهم إلا الله، من أولئك الذين عرفوا الحق من أهل الكتاب، ((فرقعة الإِسلام إنما انتشرت في الشرق والغرب بإسلام أكثر الطوائف، فدخلوا في دين الله أفواجاً، حتى صار الكفار معهم تحت المذلة والصغار، والذين أسلموا من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين أكثر من الذين لم يسلموا وإنما بقي منهم أقل القليل، وقد دخل في دين الله من ملوك الطوائف ورؤسائهم في حياة رسول الله – صلى الله عليه وسلم - خلق كثير[45].
ونحن نجتزئ هنا بأمثلة من أولئك الرؤساء والمقدمين في دين النصرانية واليهودية، نشير إليها إشارات سريعة لتكون عنواناً ودليلاً على ما سواها:
أ – فهذا النجاشي ملك النصارى على إقليم الحبشة، في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، لما تبين له أنه رسول الله آمن به، ودخل في دينه، وآوى أصحابه ومنعهم من أعدائهم، ولما مات أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالساعة التي توفى فيها، ثم خرج بهم إلى المصلى وصلّى عليه، وقصته مشهورة ومعروفة[46].
ب – وعدي بن حاتم، كان من رؤساء النصارى الذين دخلوا في الإِسلام لما تبين أنه الحق، وقد كان عدي رئيساً مطاعاً في قومه يأخذ المرباع من غنائمهم، وقد وفد على النبي – صلى الله عليه وسلم - ودخل في الإِسلام[47].(216/12)
جـ - وسلمان الفارسي: رضي الله عنه، كان قبل إسلامه من أعلم النصارى بدينهم ؛ لأنه فرَّ من دين المجوسية ولحق بنصارى الشام، وخالط كبار رجال النصرانية عن كثب، وعرف الصالح منهم ورجل السوء، حتى انتهى إلى آخر واحد في عمورية من رجال الدين النصراني، ولما حضر أمر الله أوصى سلمان فقال: يا بني ما أعلمه أصبح على مثل ما كنا عليه أحد من الناس آمرك أن تأتيه، ولكنه قد أظلّ زمان نبي مبعوث بدين إبراهيم، يخرج بأرض العرب، مهاجره إلى أرض بين حرّتين[48] بينهما نخل به علامات لا تخفى... فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد، فافعل... وقد كان ذلك، وأدرك سلمان – رضي الله عنه – نبوة محمد عليه السلام وأسلم[49].
د – وكذلك: ابنا الجُلنْدَى: جيفر وعبد، ملِكا عُمان وما حولها من ملوك النصارى – يومئذ – لما دعاهما النبي عليه الصلاة والسلام – إلى الإِسلام، أسلما، وصدّقا النبي صلى الله عليه وسلم[50].
هـ - وكان هرقل، ملك الشام، أحد أكابر علمائهم بالنصرانية، قد عرف أن محمداً – صلى الله عليه وسلم - رسول الله حقاً، وعزم على الإِسلام، فأبى عليه عبّاد الصليب، فخافهم على نفسه وضنَّ بملكه مع علمه بأنه سينقل عنه إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم - وأمته، وقصته معروفة مشهورة[51].
و – كذلك كان ملك دين النصرانية بمصر – المقوقس – عرف أن محمداً – صلى الله عليه وسلم - نبي صادق ولكن منعه من اتباعه، أيضاً، مُلْكُه وأن عبّاد الصليب لا يتركون عبادة الصليب، وهو الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: ((ضنَّ الخبيث بملكه ولا بقاء لملكه))[52].
ز – وقصة إسلام عبدالله بن سلام – رضي الله عنه – معروفة مشهورة، وقد كان حبراً من أحبار يهود، وكان سيدهم وابن سيدهم، وعالمهم وابن عالمهم باعترافهم له بذلك وشهادتهم له[53].(216/13)
ح – وتذكر كتب السيرة مقالة حيي بن أخطب، وقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم مقدمه من مكة إلى المدينة، وفيها أنه هو – صلى الله عليه وسلم - النبي المنتظر وأنه يعرفه ويثبته، ولكن الحسد والحقد أمليا عليه موقف العداوة أبداً[54].
ولما أسلم عبدالله بن سلام وثعلبة بن شعبة وأسد بن سعية وأسيد ابن عبيد ومَنْ أسلم من اليهود، فآمنوا وصدّقوا، ورغبوا في الإِسلام، قال مَنْ كفر من اليهود: ما آمن بمحمد ولا اتبعه إلا شرارنا، ولو كانوا من خيارنا ما تركوا دين آبائهم وذهبوا إلى غيره فأنزل الله عز وجل في ذلك[55]: {ليسوا سواءً مِّن أهل الكتاب أمَّة قآئمة يتلون آيات الله ءانآء الليل وهم يسجدون * يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصَّالحين}[56].
وفي العصر الحديث:
وفي العصور الحديثة، نجد أمثلة كثيرة على ذلك، من أولئك الذين يدخلون في دين الإِسلام ولا يستكبرون عن عبادة الله، وهم من المقدّمين في قومهم النصارى ؛ فيهم علماء دينهم، ورجال الدولة والسياسة، وفيهم العلماء ورجال الفكر الثاقب، وفيهم الكتّاب والأدباء والمصلحون والوعاظ ورجال الاجتماع وغيرهم[57]..
لا يتحقق إيمان اليهود والنصارى إلا بإيمانهم بمحمد عليه السلام:(216/14)
ولا يتحقق أصلاً إيمان اليهود والنصارى إلا بإيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم واتباعه في دينه الذي أنزله الله، وإلا فماهم بمؤمنين ولا مسلمين، فاليهود الذين آمنوا بموسى عليه السلام وصدقوا بكتابه، أو آمنوا بالرسل قبله كانوا مسلمين لله حتى أنزل الله شريعة عيسى، فوجب عليهم – ليحققوا إيمانهم – أن يؤمنوا به ويتبعوه وينفكوّا عن الشريعة السابقة، وكلاهما عند بعثة محمد – صلى الله عليه وسلم - وجب عليهم – ليكونوا مسلمين – أن يؤمنوا بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته، فإن لم يفعلوا فما هم بمؤمنين ولا مسلمين، وذلك أنهم أنكروا نبوة رسول من عند الله تعالى ورفضوا الإِيمان برسالة أنزلها الله تعالى.
الإِيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم شرط للإِيمان بنبوة الأنبياء جميعاً:
فالإِيمان بنبوة محمد – صلى الله عليه وسلم - شرط للإِيمان بنبوة الأنبياء جميعاً عليهم السلام، إذ لا يمكن الإِيمان بنبي من الأنبياء أصلاً مع جحود نبوة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن جحد نبوته فهو لنبوة غيره من الأنبياء أشد جحداً. وهذا يتبين بوجوه:
الوجه الأول: أن الأنبياء المتقدمين بشروا بنبوته، وأمروا أممهم بالإِيمان به، فمن جحد نبوته فقد كذّب الأنبياء قبله فيما أخبروا به، وخالفهم فيما أمروا وأوصوا به من الإِيمان به. والتصديق به لازم من لوازم التصديق بهم، وإذا انتفى اللازم انتفى ملزومه قطعاً، وبيان الملازمة هي الوجوه الكثيرة التي تلي هذا مباشرة، وهي تفيد بمجموعها القطع على أنه صلى الله عليه وسلم قد ذكر في الكتب الإِلهية على ألسن الأنبياء.
الوجه الثاني: أن دعوة محمد صلى الله عليه وسلم هي دعوة جميع المرسلين قبله، من أولهم إلى آخرهم، فالمكذب بدعوته مكذب بدعوة إخوانه كلهم، وهذا التكذيب كفر، فوجب الإِيمان بدعوته عليه السلام واتباعه.(216/15)
الوجه الثالث: أن الآيات والبراهين التي دلت على صحة نبوته وصدقه – عليه الصلاة والسلام – أضعاف أضعاف آيات من قبله من الرسل[58]، فليس لنبي من الأنبياء آية توجب الإِيمان به إلا ولمحمد صلى الله عليه وسلم مثلها أو ما هو في الدلالة مثلها، وإن لم يكن من جنسها، فآيات نبوته عليه الصلاة والسلام أعظم وأكبر، والعلم بنقلها قطعي، لقرب العهد وكثرة النَّقَلة واختلاف أمصارهم وأعصارهم واستحالة تواطئهم على الكذب، فالعلم بآيات نبوته كالعلم بنفس وجوده وظهوره، فإذا جاز القدح في ذلك كله، فالقدح في وجود عيسى وموسى وآيات نبوتهما أشد جوازاً، وإن امتنع القدح فيهما وفي آيات نبوتهما فامتناعه في محمد صلى الله عليه وسلم وآيات نبوته أشدّ[59].
ولو لم يظهر محمد لبطلت نبوة الأنبياء:(216/16)
ولو لم يظهر محمد صلى الله عليه وسلم لبطلت نبوة سائر الأنبياء، فظهور نبوته تصديق لنبواتهم وشهادة لها بالصدق، فإرساله من آيات الأنبياء قبله، وقد أشار الله سبحانه إلى هذا المعنى بعينه في قوله: {جآء بالحقِّ وصدَّق المرسلين}[60] فإن المرسلين بشروا به وأخبروا بمجيئه، فمجيؤه هو نفس صدق خبرهم، فكان مجيؤه تصديقاً لهم، إذ هو تأويل ما أخبروا به، ولا تنافي بين هذا وبين القول الآخر: إن تصديقه المرسلين شهادته بصدقهم وإيمانه بهم، فإنه صدقهم بقوله ومجيئه، فشهد بصدقهم بنفس مجيئه، وشهد بصدقهم بقوله، ومثل هذا قول المسيح فيما حكاه الله تعالى في القرآن الكريم عنه: {مُّصَدِّقاً لِّما بين يديَّ من التَّوراة ومبشِّراً برسولٍ يأتي من بعدي اسمه أحمد}[61] فإن التوراة لما بشرت به وبنبوته كان نفس ظهوره تصديقاً لها، ثم بشر برسول يأتي من بعده، فكان ظهور الرسول المبشر به تصديقاً له، كما كان ظهوره تصديقاً للتوراة، فعادة الله في رسله: أنّ السابق يبشر باللاحق، واللاحق يصدق السابق، فلو لم يظهر محمد بن عبدالله – صلى الله عليه وسلم - ولم يبعث لبطلت نبوة الأنبياء قبله[62].
عهد وميثاق...(216/17)
ومن حكمة الله سبحانه أنه ما بعث نبياً إلا وقد أخذ عليه وعلى أتباعه العهد أن يؤمنوا بالنبي الذي يأتي بعده ويصدقوه وينصروه {وإذ أخذ الله ميثاق النَّبييِّن لمآ ءاتيتكم مِّن كتابٍ وحكمةٍ ثمَّ جآءكم رسولٌ مُّصدِّقٌ لِّما معكم لتؤمِنُنَّ به ولتنصرنَّه قال ءأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشَّاهدين * فمن تولَّى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون}[63] فقد أخبر الله تعالى أنه أخذ الميثاق من أنبيائه بتصديق بعضهم بعضاً، وأخذ الأنبياء على أممهم وأتباعهم الميثاق بنحو الذي أخذ عليها ربُّها من تصديق أنبياء الله ورسله بما جاءتها به ؛ لأن الأنبياء عليهم السلام أرسلوا بذلك إلى أممهم، ولم يدّع أحد ممن صدّق المرسلين أن نبياً أُرسل إلى أمة بتكذيب أحد من أنبياء الله عز وجل وحججه في عباده، بل كلها – وإن كذب بعض الأمم بعضَ أنبياء الله بجحودها نبوته – مقرّة بأنّ مَنْ ثبتت صحة نبوته – فعليها الدينونة بتصديقه، فذلك ميثاق مقرٌّ به جميعهم[64].
فمهما آتى الله أحدَهم من كتاب وحكمة وبلغ أي مبلغ، ثم جاء رسول من بعده لابد أن يؤمن به ولينصره، ولا يمنعه ما هو فيه من العلم والنبوة من اتباع من بُعث بعده ونصرتِه، وها قد بعث الله تعالى محمداً صلى الله عليه وسلم، وجاء مصدقاً لما بين يديه من الكتاب[65]، وقد أخذ الله الميثاق والعهد على أهل الكتاب أن يؤمنوا به، فوجب الوفاء بذلك الميثاق والعهد، واكتفى – سبحانه – بذكر الأنبياء في الآية لأن العهد على المتبوعين عهد على الأتباع، ولأنه إذا وجب على الأنبياء الإِيمان به ونصره فوجوب ذلك على من اتبعهم أولى وأحرى.(216/18)
وهذا هو معنى ما روي عن علي بن أبي طالب وابن عباس – رضي الله عنهما – حيث قالا: ما بعث الله نبياً من الأنبياء إلا أخذ عليه الميثاق: لئن بعث الله محمداً وهو حي ليؤمِنَنَّ به وليَنْصُرَنَّه، وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته: لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنُنَّ به ولينصُرُنّه[66].
بشارات الكتب السابقة بنبوة محمد عليه الصلاة والسلام:
وليس لأهل الكتاب أي عذر في عدم إيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، وقد بشرت كتبهم بنبوته وأشارت إلى ذلك[67]، نجد هذا حكاية عنهم في القرآن الكريم، ونجد له شاهداً من الواقع التاريخي منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ويتفق هذا كله مع النصوص في كتبهم التي يعتمدون هم عليها، سواء في العهد القديم أو الجديد. وإليك شيئاً من البيان لذلك كله:
حكى الله تعالى ذلك في القرآن الكريم:
أما القرآن الكريم، فقد حكى الله تعالى: أن التوراة والإِنجيل قد احتوى كل منهما على إشارات إلى بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته وصفته وصفة أصحابه. فقال الله تعالى: {الَّذين يتَّبعون الرَّسول النَّبَّي الأمِّيَّ الَّذي يجدونه مكتوباً عندهم في التَّوراة والإِنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحلُّ لهم الطَّيِّبات ويحرِّم عليهم الخبآئث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالَّذين ءامنوا به وعزَّروه ونصروه واتبعوا النُّور الَّذي أُنزل معه أولئك هم المفلحون}[68]. {وكانوا من قبل يستفتحون على الَّذين كفروا فلمَّا جآءهم مَّا عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين}[69]، {أو لم يكن لَّهم ءاية أن يعلمه علماء بني إسرآئيل}[70].(216/19)
وهم يعلمون صدقه – عليه الصلاة والسلام – وصدق الكتاب الذي أنزل عليه فترى علماءهم الصادقين يقرون بذلك، وإنهم ليعلمون أنه الحق من ربهم فيصدقونه، وإذا تلا عليهم الآيات تراهم يخرون للأذقان سجداً: {وإذا سمعوا مآ أنزل إلى الرَّسول ترى أعينهم تفيض من الدَّمع ممَّا عرفوا من الحقِّ يقولون ربَّنا ءامنَّا فاكتبنا مع الشَّاهدين}[71]. {إنَّ الَّذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرُّون للأذقان سجَّداً * ويقولون سبحان ربِّنا إن كان وعد ربِّنا لمفعولا ويخرُّون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً}[72].
وهذه صفته عليه الصلاة والسلام وصفة أصحابه عندهم، في كتبهم، كما حكاها الله تعالى في القرآن الكريم: {مُّحمَّد رَّسول الله والَّذين معه أشدَّآء على الكفَّار رحمآء بينهم تراهم ركَّعاً سجَّداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم مِّن أثر السُّجود ذلك مثلهم في التَّوراة ومثلهم في الإِنجيل كزرعٍ أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزُّرَّاع ليغيظ بهم الكفَّار وعد الله الَّذين ءامنوا وعملوا الصَّالحات منهم مَّغفرةً وأجراً عظيما}[73].
وحكى الله تعالى بشارة عيسى عليه السلام بمحمد – صلى الله عليه وسلم - فقال: {وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرآئيل إنِّي رسول الله إليكم مصدِّقاً لِّما بين يديَّ من التَّوراة ومبشِّراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلمَّا جآءهم بالبيِّنات قالوا هذا سحرٌ مَبين}[74].
وتجمعت هذه الشواهد كلها لتعطي أهل الكتاب علماً يقينياً بمعرفة نبوته صلى الله عليه وسلم: {الَّذين ءتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبنآءهم الَّذين خسرواْ أنفسهم فهم لا يؤمنون}[75].(216/20)
ولكن فريقاً منهم يكتمون هذا الحق والعلم اليقيني مع علمهم بأنه حق، وفي هذا ما فيه من البشاعة والجحود، فقال الله تعالى عنهم: {الَّذين ءاتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبنآءهم وإنَّ فريقاً مِّنهم ليكتمون الحقَّ وهم يعلمون}[76].
وبعد شهادة الله تعالى ليس هناك شهادة، فهو سبحانه أصدق القائلين وخير الشاهدين.
ولهذه البشارات شواهد سجلها التاريخ:
ولتقوم الحجة على أهل الكتاب أكثر نستدعي شهوداً منهم – وهم أولئك الذين سجّل التاريخ شهاداتهم واعترافاتهم بأنهم ينتظرون نبياً سوف يبعثه الله، وقد بشرت به كتبهم، فقد سبقت آنفاً الإِشارة إلى عدد من رؤساء النصارى الذين أسلموا في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام لمّا بلغتهم دعوته ؛ لأنهم عرفوها أولاً وعرفوا نبيها من كتبهم التي بشرت به، فما كانوا يرجمون الغيب، بل يعترفون بحق وجدوه مجسّداً في كتبهم:
فهذا امبراطور الروم يكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم في جوابه لكتاب النبي صلى الله عليه وسلم الذي يدعوه فيه إلى الإِسلام: "وإني أشهد أنك رسول الله، نجدك عندنا في الإِنجيل، بشَّرنَا بك عيسى بن مريم".
وفي كتاب آخر يقول: "قد كنت أعلم أنه خارج، ولكن لم أظنه منكم، ولو أعلم أني أخلص إليه لأحببت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه"[77].
وهذه الحجة يقيمها المسلمون على النجاشي من الإِنجيل، فلا يعترض على ذلك ولا يرده، فقد قال له عمرو: ".. وقد أخذنا الحجة عليك من فيك، الإِنجيل بيننا وبينك شاهد لا يرد وقاضٍ لا يجور، وفي ذلك موقع الحز وإصابة المفصل، وإلا فأنت في هذا النبي كاليهود في عيسى بن مريم".
فقال النجاشي: "أشهد بالله إنه للنبي الأمي الذي ينتظره أهل الكتاب، وإن بشارة موسى براكب الحمار كبشارة عيسى براكب الجمل، وإن العيان ليس بأشفى من الخبر"[78].(216/21)
وهذا المقوقس عظيم القبط في مصر يقول في كتابه للرسول صلى الله عليه وسلم: وقد علمت أن نبياً قد بقي وكنت أظن أنه يخرج بالشام[79]. فما الذي أعلمه بذلك ؟ هل كان يرجم الغيب ويتبع الظنون والأوهام ؟.
وهذا (مري) حاجب الحارث بن أبي شمر الغساني يقول لشجاع ابن وهب – رضي الله عنه –: "إني قرأت في الإِنجيل، وأجد صفة هذا النبي بعينه، فكنت أراه يخرج بالشام، فأراه قد يخرج بأرض العرب".
وهذه الشهادة صريحة في أنه وجد صفة النبي بعينه في الإِنجيل، وذاك رجل الدين النصراني في عمورية الذي لازمه سلمان بوصية من سلفه الذي هو على دينه، يقول عندما حضرته الوفاة: "ولكنه قد أظل زمان نبي مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب، مهاجره إلى أرض بين حرتين فيهما نخل، به علامات لا تخفى، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم النبوة".
وخالدة بنت الحارث، اليهودية، عمة عبدالله بن سلام – تقول له وتسأله لما هاجر النبي عليه السلام إلى المدينة: يا ابن أخي أهو النبي الذي كنا نبشر به أنه يبعث مع نفس الساعة ؟ قال: فقلت لها: نعم، ثم أسلمت. فقوله: نبشر به، دليل على أن هناك بشارة، فمن أين جاءت إن لم تكن في كتبهم يعرفها علماؤهم ؟.
وذاك أيضاً أبو ياسر بن أخطب، يقول لقومه، بعد أن سمع من النبي وحادثه: ياقوم أطيعوني، فإن الله عز وجل قد جاءكم بالذي كنتم تنتظرون، فاتبعوه ولا تخالفوه[80].
فهذه شهادتهم القولية، وتلك شهادتهم الواقعية، اتفقتا معاً على تأكيد ما نجد من إشارات إلى بعثته عليه الصلاة والسلام في كتبهم التي بين أيديهم اليوم – رغم كل ما أصابها من تحريف وتزوير ورغم الكتمان لكثير منها.
ملاحظات بين يدي البشارات:
ونحن نجتزئ من هذه البشارات ببعضها – ليكون ذلك عنواناً على غيرها – ونقدم بين يدي هذه البشارات بعض الملاحظات المتعلقة بهذه البشارات وطبيعتها وتفسيرها:(216/22)
(1) مع إيماننا بأن ما بين أيدي أهل الكتاب من اليهود والنصارى من الكتب ليس هو الكتاب الذي أنزله الله تعالى وحياً على موسى وعيسى عليهما السلام، ورغم ما وقع فيهما على أيدي الأتباع من كتمان وتحريف – فهم يلبسون الحق بالباطل ويخلطونه به بحيث لا يتميز الحق من الباطل – ويكتمون الحق ويخفونه ويحرفون الكلم عن مواضعه لفظاً ومعنى، ويلوون ألسنتهم بالكتاب ليلبسوا على السامعين اللفظ المنزل بغيره[81] – رغم هذا كله، فإن إشارات كثيرة لا تزال بين طيات هذه الكتب، تحمل النبوءات والبشارات بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وكأن الله تعالى أبقاها ليخزيهم ويظهر ما هم عليه من باطل ولتقوم عليهم الحجة من كتبهم التي يقدسونها، ولما كثرت هذه البشارات وما استطاعوا كتمانها كلها أخذوا يحرفون فيها ويؤولون تأويلات باردة ليصرفوها عن معناها الحقيقي الدالّ على نبوة محمد – صلى الله عليه وسلم - وليجعلوا بعضها خاصاً بعيسى عليه السلام !.
(2) هذه البشارات على نوعين:
منها ما يكون إشارات مجملة – غالباً – ولا تنطق باسمه صلى الله عليه وسلم واسم بلده مثلاً، بل تذكر صفته ونعته أمته ومخرجه، وشيئاً من صفات دعوته ورسالته وثمراتها، ويكون في هذا أبلغ دلالة على المطلوب من ذكره باسمه الصريح، فإن الاشتراك قد يقع في الاسم فلا يحصل به التعريف والتمييز، ولا يشاء أحد، يسمى بهذا الاسم، أن يدعي أنه هو إلا فعل، إذ الحوالة إنما وقعت على مجرد الاسم، وإن كان هذا الإِخبار مجملاً غير واضح عند العوام من الناس فإنه يصير عند الخواص جلياً بواسطة القرائن التي تحف به وقد يبقى خفياً عليهم أيضاً لا يعرفون مصداقة إلا بعد ادعاء النبي اللاحق أن النبي المتقدم أخبر عنه صدق ادعائه بظهور علامات النبوة والمعجزات على يديه.(216/23)
ومن هذه البشارات ما يكون تفصيلاً تاماً بالاسم الصريح للنبي وبلده... الخ، وهذا يتفق مع ما حكاه الله تعالى، على لسان بعض أنبيائه، في القرآن الكريم من البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم، وسيأتي أمثلة على كلا النوعين – إن شاء الله تعالى -.
(3) قد يدعي بعض أهل الكتاب أنهم ما كانوا ينتظرون نبياً آخر غير عيسى وإيلياء، ولذلك – بزعمهم – لا تنطبق البشارات على محمد، عليه الصلاة والسلام، إذ عيسى عندهم خاتم الأنبياء، وهذا زعم باطل وادعاء لا أصل له، بل كانوا ينتظرون نبياً جديداً غيرهما – يدل على ذلك ما جاء في إنجيل يوحنا: "وهذه هي شهادة يوحنا حين أرسل اليهودُ من أورشليم كهنةً ولاويين ليسألوه: من أنت؟ فاعترف ولم ينكر، واعترف: إني لست أنا المسيح، فسألوه: إذن ماذا، أإيليا أنت؟ فقال: لست إياه. فسألوه: أنت النبي ؟ فأجاب: كلا. فقالوا له: من أنت ؟ لنعطي جواباً للذين أرسلونا، ماذا تقول عن نفسك ؟ قال: أنا صوت صارخ في البرية، قوِّموا طريق الرب كما قال أشعياء النبي"[82].
فعلماء اليهود المعاصرين لعيسى عليه السلام سألوا يحيى عليه السلام: أولاً هل أنت المسيح ؟ ولما أنكر سألوه: أنت إيلياء ؟ ولما أنكر سألوه: أنت النبي ؟ أي النبي المعهود الذي أخبر به موسى، فعلم أن هذا النبي كان منتظراً قبل المسيح وإيلياء، وكان مشهوراً بحيث لم يكن محتاجاً إلى ذكر الاسم، بل الإِشارة إليه كافية.
وإذا كانوا ينتظرون نبياً آخر غير عيسى وإيلياء، فيعلم من هذا قطعاً أن عيسى عليه السلام ليس خاتم الأنبياء، ثم إنهم يعترفون بنبوة الحواريين وبولس ! بل بنبوة غيرهم أيضاً، فكيف يكون عيسى خاتم الأنبياء – بزعمهم -[83].(216/24)
(4) الأخبار والبشارات التي نقلها المسيحيون في حق عيسى عليه السلام، لا تصدق عليه، بناء على تفاسير اليهود وتأويلاتهم لها، ولذلك فهم ينكرونه أشد الإِنكار. وعلماء المسيحية لا يلتفتون إلى تفسيرات اليهود في هذا الشأن وتأويلاتهم، ويفسرونها بحيث تصدق على عيسى عليه السلام. ولئن كانت هذه التأويلات بنظر المسيحيين غير صحيحة وغير لائقة، كذلك تأويلات المسيحيين في الإِخبارات التي هي في حق محمد صلى الله عليه وسلم مردودة غير مقبولة، وسيظهر أن الإِخبارات أو البشارات التي ستأتي في حق محمد صلى الله عليه وسلم أظهر صدقاً من تلك التي نقلها الإِنجيليون في حق عيسى عليه السلام[84].
ومن هنا قال الإِمام ابن القيم رحمه الله: فالمسلمون يؤمنون بالمسيح الصادق الذي جاء من عند الله بالهدى ودين الحق، الذي هو عبدالله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول. والنصارى إنما تؤمن بمسيح دعا إلى عبادة نفسه وأمه، وأنه ثالث ثلاثة، وأنه الله وابن الله، وهذا هو أخو المسيح الكذاب، لو كان له وجود. فإن المسيح الكذاب يزعم أنه الله. والنصارى – في الحقيقة – أتباع هذا المسيح، كما أن اليهود ربما ينتظرون خروجه، وهم يزعمون أنهم ينتظرون النبي الذي بُشِّروا به[85]، فالنصارى آمنوا بمسيح لا وجود له، واليهود ينتظرون المسيح الدجال !.
(5) من عادة أهل الكتاب، سلفاً وخلفاً، أنهم يترجمون – غالباً – الأسماء في تراجمهم ويوردون بدلها معانيها، وتارة يزيدون شيئاً بطريق التفسير في الكلام، دون إشارة إلى هذه الزيادة. وهذا يجعل الأسماء المترجمة محرفة وغامضة، وفي كتبهم شواهد كثيرة على ذلك، فلا عجب، إذن، أن يحرفوا ويبدلوا اسم النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، بلفظ آخر، بحيث يخل ذلك بالاستدلال، جرياً على عادتهم السالفة وعناداً وجحوداً.(216/25)
ولذلك لن تكن النسخ المتداولة لكتبهم متفقة، إذ قد يوجد في نسخة مالا يوجد في غيرها، ومن هنا نجد نقولات من تراجم كتبهم التي كانت متداولة في العصور السالفة، نقلها علماء أعلام من المسلمين ليحاجّوا أهل الكتاب، قد لا نجدها موافقة في بعض الألفاظ أو في كثير منها للتراجم المشهورة الآن، بسبب ذلك التغيير في الترجمة والتحريف فيها.
فمثلاً، ناقش الإِمام ابن حزم النصارى ونقل نصوصاً كثيرة عنهم من الأناجيل، في كتابه الفصل في الملل. ليبين تضاربها وتناقضها مع بعضها، وكذلك فعل شيخ الإِسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم، والإِمام الغزالي والقرطبي، وأبو عَبِيْدَة الخزرجي، وغيرهم من العلماء، نقلوا نصوصاً من كتب النصارى قد لا نجدها موافقة في ألفاظها للإِنجيل الموجود عندهم حالياً، وبالطبع لو أن أحداً من أولئك العلماء المسلمين قد غيّر أو كذب فيما نقل لبيّن النصارى ذلك وردوه[86].
وبعد هذه الملاحظات التمهيدية، نعرض بعضاً من تلك الإِشارات لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم في الكتب السابقة، مجتزئين بما هو واضح الدلالة منها على مطلوبنا، ونختارها من كتب متعددة بما فيها الأناجيل الحالية.
البشارة الأولى:
جاء في التوراة: "أقبل الرب من سيناء، وأشرق لهم من سعير [ساعير] وتجلّى من جبل فاران، وأتى من ربى القدس، وعن يمينه قبس شريعة لهم"[87].
وهذه البشارة واضحة الدلالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ونبوة عيسى وموسى عليهم السلام. فمجيء الرب أو تجليه من طور سيناء، هو إنزاله التوراة على موسى عليه السلام من طور سينا، وإشراقه من ساعير، وهي جبال بفلسطين، هو إنزاله الإِنجيل على عيسى عليه السلام، وتجليه أو استعلانه من جبال فاران، إنزاله القرآن الكريم على محمد صلى الله عليه وسلم[88].(216/26)
وليس بين المسلمين وأهل الكتاب خلاف في أن فاران هي مكة، وقد جاء في التوراة أيضاً أن إبراهيم عليه السلام أسكن هاجر وإسماعيل ((فاران)). فأي نبي بعد عيسى عليه السلام نزل عليه كتاب واستعلن له الله من فاران غير محمد صلى الله عليه وسلم. ؟
فالمراد باستعلان الرب من ((فاران)) هو إرسال محمد صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر سبحانه إنزال الكتب الثلاثة بهذا الترتيب: التوراة ثم الإِنجيل ثم القرآن، وكان مجيء التوراة مثل طلوع الفجر أو ما هو أظهر من ذلك، ونزول الإِنجيل مثل إشراقة الشمس، ازداد به النور والهدى.
وأما نزول القرآن، فهو بمنزلة ظهور الشمس في السماء، ولهذا قال: واستعلن من جبال فاران – في إحدى التراجم – فإن النبي صلى الله عليه وسلم ظهر به نور الله وهداه في مشرق الأرض ومغربها، أعظم مما ظهر بالكتابين المتقدمين كما يظهر نور الشمس إذا استعلنت في مشارق الأرض ومغاربها، ولهذا سماه الله سراجاً منيرا، وسمى الشمس سراجاً وهاجا.
وهذه الأماكن الثلاث أقسم الله تعالى بها في القرآن، في قوله تعالى: {والتين والزيتون * وطور سينين * وهذا البلد الأمين}[89]. فأقسم الله تعالى بالتين والزيتون، أي بالأرض المقدسة التي ينبت فيها ذلك ومنها بعث المسيح وأنزل عليه فيها الإِنجيل. وأقسم بطور سيناء، وهو الجبل الذي كلّم الله فيه موسى وناداه من واديه الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة، وأقسم بالبلد الأمين – وهي مكة، والبلد الذي أسكن إبراهيم فيه ابنه إسماعيل وأمه[90].
البشارة الثانية:
قال داود في الزبور، في نبوءة أشعياء: "سبحوا الله تسبيحاً جديداً، وليفرح بالخالق من اصطفى الله له أمته وأعطاه النصر، وسدد الصالحين منهم بالكرامة، يسبحونه على مضاجعهم، ويكبرون الله بأصوات مرتفعة، بأيديهم سيوف ذات شفرتين، لينتقم بهم من الأمم الذين لا يعبدونه"[91].(216/27)
وهذه الصفات إنما تنطبق على محمد صلى الله عليه وسلم وأمته ؛ فالتسبيحة الجديدة هي العبادة على النهج الجديد في الشريعة الإِسلامية، وتعميمها على سكان الأرض، قاصيها ودانيها، إشارة إلى عموم نبوته صلى الله عليه وسلم والمسلمون هم الذين يكبّرون الله تعالى بأصوات مرتفعة في أذانهم للصلوات الخمس على الأماكن العالية، في الأذان وفي العيدين وعقيب الصلوات في أيام منى، وعلى القرابين والأضاحي، وعند رمي الجمار، وعلى الصفا والمروة، وعند محاذاة الحجر الأسود. والمسلمون هم الذين يسبحون الله ويذكرونه قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم، وهم الذين بأيديهم سيوف ذات شفرتين ينتقم الله بهم من الأمم بالجهاد، وليس ذلك لليهود ولا النصارى، فإن اليهود يجمعون الناس بالبوق والنصارى بالناقوس، ولا يرفعون أصواتهم بالتكبير لله تعالى، وقد كانوا مغلوبين بين الأمم، ولم يكن الجهاد مطلوباً من النصارى، على ما قال المسيح، في كتبهم، ((من ضربك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر))[92]. ومن هي هذه الأمة التي سيوفها ذات شفرتين ينتقم الله بها من الأمم الذين لا يعبدونه ؟ إنها الأمة المسلمة[93].
وفي ترجمة كتاب أشعياء إلى الأوردية، التي ترجمها القسيس أوسكان الأرمني، تصريح باسمه عليه الصلاة والسلام في الباب الثاني والأربعين، وقد جاءت هكذا: ((سبحوا الله تسبيحاً جديداً، وأثر سلطنة على ظهره، واسمه أحمد)). وهذه الترجمة موجودة عند الأرامن[94].
البشارة الثالثة:
وقالوا في نبوءة أشعياء: ((فإنه هكذا قال لي السيد: اذهب أقم الرقيب وليخبر بما يرى، فرأى ركباً أزواج فرسان، ركاب حمير وركاب جمال، فأصغى إصغاء شديداً ثم صرخ كأسدٍ: أيها السيد إني قائم على المرصد دائماً في النهار وواقف على المحرس طول الليالي، فإذا بركب من الرجال وأزواج فرسان قد أتوا، ثم عادوا قال: سقطت بابل[95] وحُطمت إلى الأرض جميع منحوتات آلهتها))[96].(216/28)
فراكب الحمار هو المسيح عليه السلام، وراكب الجمل هو محمد صلوات الله وسلامه عليه، وهو أشهر بركوب الجمل من المسيح بركوب الحمار. وبمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته سقطت بابل وعبادة الأصنام فيها، لا بالمسيح ولا بغيره، ولم يزل في إقليم بابل من يعبد الأوثان من عهد إبراهيم الخليل عليه السلام إلى زمان محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، وبهما وبدعوته سقطت هذه الأصنام وانتهت[97].
البشارة الرابعة:
في إنجيل يوحنا: ((إن كنتم تحبوني فاحفظوا وصاياي، وأنا أسأل الأب فيعطيكم فارقليط آخر ليثبت معكم إلى الأبد، روح الحق الذي لا يستطيع أن يقبله العالم لأنه لم يره ولم يعرفه، أما أنتم فتعرفونه.... وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلمكم كل شيء ويذكرّكم كل ما قلته لكم، قد سمعتم أني قلت لكم إني ذاهب ثم آتي إليكم، فلو كنتم تحبوني لكنتم تفرحون بأني ماضٍ إلى الآب لأن الآب هو أعظم مني. والآن قد قلت لكم قبل أن يكون حتى متى كان تؤمنون))[98].
وليس معنى الفارقليط هنا: الروح، ولا الروح القدس أو المعزي، وإنما تعني الحمد أو أفعل التفضيل من الحمد، وهو ((أحمد)) ويكون ذلك مطابقاً مطابقة حرفية لبشارة عيسى عليه السلام التي حكاها الله تعالى في سورة الصف.
يقول الدكتور محمد توفيق صدقي في كتابه: ((دين الله في كتب أنبيائه)): "هذا اللفظ (الفارقليط) يوناني، ويكتب بالإِنكليزية هكذا (Paraclete) أي (المعزي) ويتضمن أيضاً معنى المُحاجّ، كما قال بوست في قاموسه. وهناك لفظ آخر يكتب هكذا (Pericltee) ومعناه: رفيع المقام، سامٍ – جليل، مجيد، شهير. وهي كلها معانٍ تقرب من معنى محمد وأحمد ومحمود".(216/29)
ولا يخفى أن المسيح كان يتكلم بالعبرية، فلا ندري ماذا كان اللفظ الذي نطق به الكلام، ولا ندري إن كانت ترجمة مؤلف هذا الإِنجيل له بلفظ (Paraclete) صحيحة أو خطأ ؟ ولا ندري إن كان هذا اللفظ هو الذي ترجم به من قبل أم لا ؟ لأننا نعلم أن كثيراً من الألفاظ والعبارات وقع فيها التحريف من الكتّاب سهواً أو قصداً كما اعترفوا به في جميع كتب العهدين، فإذا كان اللفظ الأصلي (بيرقليط) فلا يبعد أنه تحرف عمداً أو سهواً إلى (بارقليط) حتى يبعدوه عن معنى اسم النبي صلى الله عليه وسلم، ومما يسهل عليهم ذلك تشابه أحرف هذه الكلمة في اللغة اليونانية.
وعلى كل حال أياً كان معنى هذه الكلمة وأصلها، فمعنى كل منهما ينطبق على محمد صلى الله عليه وسلم، فهو معز للمؤمنين على عدم إيمان الكافرين، وعلى عدم وجود الشر في هذا العالم بإيضاح أن هذه هي إرادة الله... وهو صلى الله عليه وسلم كان يحاجّ الكفار والمشركين وغيرهم. والعبارات في إنجيل يوحنا لا تنطبق إلا على محمد صلى الله عليه وسلم[99].
بشارات إنجيل برنابا:
وهذا الإِنجيل الذي لا يعترف به النصارى، مع أنه يفوق الأناجيل الأخرى ثبوتاً وقانونية – كما يقولون – يحتوي على بشارات كثيرة فيها التصريح باسم ((محمد)) صلى الله عليه وسلم وباسمه الشريف ((أحمد))، وقد يستنكر الباحثون لذلك لكون البشارات عادة تكون بالكنايات والإِشارات. ولكن لا داعي لهذا الاستغراب، فإن البشارات قد تكون إشارات وقد تكون صريحة بالاسم، والعريقون في الدين لا يرون مثل ذلك مستنكراً في خبر الوحي. وقد نقل الشيخ محمد بيرم عن رحالة إنجليزي أنه رأى في دار الكتب البابوية في الفاتيكان نسخة من الإِنجيل مكتوبة بالقلم الحميري قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وفيها يقول المسيح: "ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد".(216/30)
وذلك موافق لنص القرآن بالحرف، ولكن لم ينقل عن أحد من المسلمين أنه رأى شيئاً من هذه الأناجيل التي فيها هذه البشارات الصريحة، فيظهر أن في مكتبة الفاتيكان من بقايا تلك الأناجيل والكتب التي كانت ممنوعة في القرون الأولى، مالو ظهر لأزال كل شبهة عن إنجيل برنابا وغيره[100].
فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به بغياً وحسداً:
وإذن، فما كان جحود اليهود والنصارى لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم إلا بغياً وحسداً، فاستحقوا اللعنة على كفرهم، وللكافرين عذاب مهين،: {ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين * بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغياً أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباءُو بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين} [البقرة 89- 90].
علاقة الإِسلام بالأديان الأخرى:
عرفنا فيما سبق أن الإِسلام بمعناه العام هو دين الأنبياء جميعاً، عليهم الصلاة والسلام، فإذا أخذنا كلمة الإِسلام بهذا المعنى ((نجدها لا تدع مجالاً للسؤال عن العلاقة بين الإِسلام وبين سائر الأديان السماوية، إذ لا يُسأل عن العلاقة بين الشيء ونفسه، فهنا وحدة لا انقسام فيها ولا اثنينية)).
ولكن السؤال هنا عن الإِسلام بمعناه الخاص، وهو الدين الذي أنزله الله تعالى على محمد صلى الله عليه وسلم، أي العلاقة بين المحمدية وبين الموسوية والمسيحية:
وللإِجابة على هذا السؤال ينبغي أن نقسم البحث إلى مرحلتين[101]:
المرحلة الأولى: في علاقة الشريعة المحمدية بالشرائع السماوية السابقة، وهي في صورتها الأولى لم تبعد عن منبعها، ولم يتغير فيها شيء بفعل الزمان ولا بيد الإِنسان.(216/31)
وهنا يعلمنا القرآن الكريم: أن كل رسول يرسل، وكل كتاب ينزل، قد جاء مصدقاً ومؤكداً لما قبله، فالإِنجيل مصدق ومؤيد للتوراة، والقرآن مصدق ومؤيد للإِنجيل والتوراة، ولكل ما بين يديه من الكتاب. إذ هناك تشريعات خالدة لا تتبدل ولا تتغير بتغير الأصقاع والأوضاع. وهناك تشريعات أخرى جاءت موقوتة بآجالٍ طويلة أو قصيرة، فهذه تنتهي بانتهاء وقتها، وتجيء الشريعة التالية بما هو أوفق وأرفق بالأوضاع الناشئة الطارئة. وقد جاء القرآن الكريم فغيّر الله تعالى فيه بعض الأحكام التي جاءت في التوراة والإِنجيل، وقوفاً بها عند وقتها المناسب وأجلها المقدّر لها في علم الله سبحانه وتعالى، وما كان فيها من الأحكام صحيحاً موافقاً لقواعد السياسة الدينية لا يغيّره، بل يدعو إليه ويحث عليه. وما كان سقيماً قد دخله التحريف فإنه يغيره بقدر الحاجة، وما كان حرياً أن يزاد فإنه يزيده على ما كان في الشرائع السابقة[102].
وعلى هذا، فإن الإِسلام قد اعترف بالشرائع السابقة كما نزلت على الرسل السابقين، على أنها شرائع، وديانات توحيد في الذات والصفات والألوهية، فالله سبحانه وتعالى واحد أحد، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وهو المتفرد بالعبادة، وهو الخالق لكل شيء، العليم بكل شيء، السميع البصير اللطيف الخبير، الموصوف بكل صفات الكمال المنزه عن كل صفات النقص.(216/32)
فالنصرانية التي اعترف بها القرآن الكريم هي التي تعتبر المسيح عليه السلام عبداً لله ورسولاً من عنده ليس إلهاً ولا ابن إله، وهي التي يقول الله تعالى على لسان نبيها عليه السلام: {ما قلت لهم إلاَّ مآ أمرتني به أن اعبدوا الله ربِّي وربَّكم وكنتُ عليهم شهيداً مَّا دمتُ فيهم فلمَّا توفَّيتني كنتَ أنتَ الرَّقيب عليهم وأنت على كلِّ شيءٍ شهيد}[103]. والنصرانية التي اعترف بها القرآن الكريم هي التي تبشر كتبها بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتطالب الذين حضروا دعوته من بعدها: أن يؤمنوا بها، كما جاء في القرآن الكريم على لسان المسيح عليه السلام.
واليهودية التي اعترف بها الإِسلام هي التي جاء بها موسى عليه السلام، ديانة توحيد، تؤمن بالله وباليوم الآخر، ولا تبيح قتل النبيين، والتي توجب الإِيمان بالكتب التي اشتملت على بيانها الشريعة المطهرة، وتؤمن برسل الله أجمعين. وفيها إيمان بالله تعالى وطاعة له وعبودية خالصة، وتنزيه للرسل عن المعاصي وعصمتهم من الخطايا.
تلك هي الديانات التي يعترف بها الإسلام ويقرها ويمدحها القرآن الكريم ويمدح معتنقيها، قبل بعثة محمد عليه الصلاة والسلام، إذ هي الإِسلام الذي أنزله الله. فلما جاءت شريعة محمد كانت هي الرسالة الخاتمة وهي الإِسلام الذي ينبغي أن يفيء إليه الجميع ليكونوا مسلمين حقاً.
المرحلة الثانية: أما المرحلة الثانية في بحث العلاقة بين الشريعة المحمدية والشرائع السماوية، بعد أن طال عليها الأمد، فنالها من التغيير والتحريف والتبديل والكتمان ما كان كفيلاً بتحويلها عن أصلها من ديانة توحيد إلى ديانات وثنية لا تمت إلى أصلها المنزل إلا بخيط أوهى من خيط العنكبوت أو بنسبة لا حقيقة لها.(216/33)
وهنا نرى أن القرآن الكريم قد أضاف إلى موقفه منها في المرحلة الأولى صفة أخرى وهو أنه جاء مهيمناً على كتبها وشريعتها – وقد سبق ذلك آنفاً – أي حارساً وأميناً عليها، ومن شأنه ألا يكتفي بتأييد ما فيها من حق وخير، بل عليه، فوق ذلك، أن يحميها من الدخيل الذي عساه أن يضاف إليها بغير حق، وأن يبرز ما تمس إليه من الحقائق التي عساها أن تكون قد أخفيت منها.
وهكذا كان من مهمة القرآن الكريم أن يتحدى من يدّعي وجود تلك الإِضافات التي اخترعوها في تلك الكتب: {قل فأتوا بالتَّوراة فاتلوهآ إن كنتم صادقين}[104].
وبالتالي فالإِسلام لا يعترف بدعوة ترفع عيسى عليه السلام إلى مرتبة الألوهية وتنحرف عن التوحيد الخالص لتعتنق التثليث وتؤمن بالخطيئة والكفارة والصلب... متأثرة بالوثنية التي كانت سائدة وقت نشر النصرانية في الدولة الرومانية[105]، ثم هي تنكر نبوة نبي بعثه الله تعالى وبشرت به كتبها أصلاً، كما لا يعترف بدعوة يزعم أهلها في حق الله ما يزعمون من كذب وإفك وكفر، ويصفون أنبياء الله – عليهم الصلاة والسلام بما تقشعر منه الأبدان وترتجف له القلوب – ومَنْ وصف الله سبحانه بالإِفك لا يستغرب منه أي كفر بعد.
ــــــــــــــــــــــ
[1] سورة المائدة ، من الآية [3] .
[2] سورة نوح ، الآية [2] .
[3] سورة الأعراف ، من الآية [59] .
[4] سورة البقرة ، الآية [21] .
[5] سورة النساء ، من الآية [174] .
[6] سورة إبراهيم ، من الآية [52] .
[7] سورة الأنعام ، من الآية [19] .
[8] للإمام ابن تيمية رسالة عنوانها ((إيضاح الدلالة في عموم الرسالة)) في الفتاوى 19/9- 65 ، وقد نشرها الشيخ محمد منير الدمشقي في المجلد الثاني من مجموعة الرسائل المنيرية . وانظر أيضاً: الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 1/166 وما بعدها .
[9] سورة الأنعام ، من الآية [130] ، وسورة الرحمن ، من الآية [33] .
[10] سورة الأعراف ، الآية [158] .(216/34)
[11] سورة سبأ ، الآية [28] .
[12] سورة النساء ، من الآية [170] .
[13] سورة الفرقان ، الآية [1] .
[14] أخرجه البخاري ، 1/436 في التيمم ومسلم ، واللفظ له ، 1/370 كتاب المساجد وفي رواية أخرى بلفظ "وأُرسلت إلى الخلق كافة" والنسائي 1/210- 211 في الغسل – والدارمي 1/322 في الصلاة . والأجري في الشريعة 498 ، وانظر مجمع الزوائد 8/258 ، 259 .
[15] أخرجه مسلم 1/371 في المساجد ، والترمذي 3/56 في السير ، وأحمد في المسند 2/412 ، وانظر: إرواء الغليل للألباني 1/315- 317 .
[16] سورة الأحزاب ، الآية [40] .
[17] أخرجه البخاري 6/558 في المناقب ، ومسلم 4/1790 في الفضائل ، والترمذي 4/225 في الأمثال ، وأحمد في المسند 2/137 . والآجري في الشريعة 457 ، والطبراني في الأوسط ، مجمع الزوائد 8/269 . ولأبي الأعلى المودودي كتاب ختم النبوة في ضوء الكتاب والسنة ، وللندوي: النبي الخاتم .
[18] اقرأ – إن شئت – إظهار الحق للشيخ رحمة الله العثماني 207 – 298 ، الرسالة الخالدة للسيد سليمان الندوي 41 – 68 ، المسيح في مصادر العقائد المسيحية للمهندس أحمد عبدالوهاب 77 وما بعدها ، محاضرات في النصرانية للشيخ محمد أبي زهرة 77 وما بعدها ، الجواب الصحيح لابن تيمية 1/362 وما بعدها و 2/3 – 27 .
[19] انظر: الإحكام في أصول الأحكام – لابن حزم 2/732 – 743 ، كشف الأسرار للبخاري 3/158 – 162 ، الحضارة الإسلامية للمودودي 192 – 196 ، الأسفار المقدمة في الأديان السابقة د. علي عبدالواحد وافي 87 – 92 .
[20] سورة آل عمران ، الآية [132] .
[21] سورة النساء ، من الآية [59] .
[22] سورة النساء ، من الآية [80] .
[23] سورة المائدة ، من الآية [48] .
[24] انظر: الظلال 6/902 ، تفسير أبي السعود 2/67 ، تفسير المنار لرشيد رضا 6/410 .(216/35)
[25] يقول الشريف الرضي (( وفي آية المائدة {مهيمناً عليه}: استعارة – والمراد: أن ما في الكتاب من وضوح الدلالة يقوم مقام النطق )) . تلخيص البيان في مجازات القرآن للشريف الرضي ص31 .
[26] انظر في هذه المعاني: تفسير الطبري 6/266 – 268 ، ابن كثير 2/66 ، أحكام القرآن للجصاص 4/97 ، تفسير البغوي 2/49 ، تفسير أبي السعود 2/67 ، تفسير الآلوسي 6/152 ، تفسير المنار 6/410 – 411 ، 10/1401 ، غريب الحديث للخطابي 2/90 – 91 ، القرآن والمتبرون للشيخ محمد عزة دروزة 455 .
[27] ابن كثير 2/66 ، تفسير الخازن 2/49 – 50 ، الفخر الرازي 12/16 .
[28] في إنجيل متى أن المسيح قال لتلاميذه: (( لا تحسبوا أني جئت لأَحُلَّ الناموس والأنبياء ، إني لم آت لأُحل ، لكن لأتمم الحق أقول لكم أنه إلى أن تزول السماء والأرض لا تزول ياء أو نقطة واحدة من الناموس )) متى 5/17 – 18 .
[29] مجموع فتاوى شيخ الإِسلام ابن تيمية 17/43 – 45 .
[30] سورة التوبة 33 .
[31] انظر تفسير المنار لرشيد رضا 10/175 .
[32] ذكر الإِمام ابن كثير جملة من هذه الأحاديث في التفسير 2/250 – 251 .
[33] سورة المائدة ، الآيتان [15- 16] .
[34] سورة الأعراف ، الآيتان [157- 158] .
[35] سورة النساء ، الآية [47] .
[36] سورة البينة ، من الآية [7 – 8] .
[37] أخرجه مسلم 1/134 في الإيمان ، والطبراني والبزار وأحمد ، مجمع الزوائد للهيثمي 8/262 .
[38] أخرجه أحمد في المسند 3/471 والدارمي والبيهقي في الشعب ، مجمع الزوائد 1/173 – 174 ، البيان والتعريف لابن حمزة الحسيني 1/172 . واستقصى الشيخ ناصر الدين الألباني طرق الحديث وقال: هو على أقل تقدير حديث حسن . والله أعلم ، انظر: إرواء الغليل: 6/34 – 37 .
[39] أخرجه البخاري 1/190 في العلم ، ومسلم 1/134- 135 في الإِيمان والترمذي 2/392 في النكاح والنسائي 6/115 في النكاح .(216/36)
[40] أي لا يقبلها ، ولا يقبل من الكفار إلا الإِِسلام ، ومن بذل الجزية منهم لم يكفّ عنه ، بل لا يقبل إلا الإِسلام أو القتل .
[41] البخاري 4/414 في البيوع ، ومسلم 1/135- 136 في الإِيمان ، والترمذي 3/344 في الفتن ، وابن ماجه 2/1363 في الفتن أيضاً ، وأحمد في المسند 2/240 وفي مواضع أخرى ، والبغوي في التفسير 1/300 .
[42] سورة الإِسراء ، الآيات [107 – 108 – 109] . وانظر: تفسير البغوي 4/153- 154 ، ابن كثير 3/69 .
[43] سورة القصص ، الآيات [52- 55] . وانظر: البغوي مع الخازن 5/147 ، ابن كثير 3/394- 395 .
[44] سورة آل عمران ، الآية [199] . وانظر: البغوي مع الخازن 1/394 ، ابن كثير 1/444- 445 .
[45] هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى لابن القيم: 498 ضمن مجموعة الجامع الفريد .
[46] انظر: صحيح مسلم 2/656- 657 والبخاري 2/116 و7/191 ، أبو داود 3/335 والترمذي: 2/243 كلهم في الجنائز . وامتاع الأسماع للمقريزي 21 ، سيرة ابن هشام مع الروض 1/215- 216 ، تاريخ الطبري 2/652- 654 .
[47] مسند أحمد 4/378 ، سنن الترمذي: 4/271- 272 باب التفسير ، ابن حبان ، موارد الظمآن ص566 ، سيرة ابن هشام مع الروض الأنف 2/343 ، طبقات ابن سعد 1/322- مجمع الزوائد للهيثمي: 9/403 .
[48] الحرة: أرض ذات حجارة سود نخرة كأنها أُحرقت بالنار – وحول المدينة حرار كثيرة منها حرة وبرة وواقم . انظر معجم البلدان 2/245 .
[49] مسند أحمد: 5/438 و441 ، سيرة ابن هشام: 1/142- 144 .
[50] طبقات ابن سعد 1/262- 263 .
[51] البخاري 8/126 في الجهاد ، 1/31- 33 في بدء الوحي ، ومسلم 3/1393- 1397 في الجهاد ، ومسند أحمد 1/262 ، طبقات ابن سعد 1/259 ، تاريخ الطبري 2/650- 652 ، زاد المعاد لابن القيم بتحقيق الأرناؤوط 3/688 .(216/37)
[52] طبقات ابن سعد 1/260 ، تاريخ الطبري 2/645- 246 ، نصب الراية للزيلعي 4/421- 422 ، والوثائق السياسية للدكتور محمد حميد الله: 135- 139 .
[53] مسند الإِمام أحمد 3/108- 211 سيرة ابن هشام 2/25- 26 ، طبقات ابن سعد 1/236 ، مجمع الزوائد 9/326 .
[54] سيرة ابن هشام مع الروض الأنف 2/26 .
[55] تفسير الطبري 7/120- 121 تحقيق محمود شاكر ، روح المعاني للآلوسي 4/33 .
[56] سورة آل عمران ، الآيتان [113- 114] .
[57] انظر أمثلة عن هؤلاء وتراجمهم في كتاب: لماذا أسلمنا وهو مجموعة مقالات لنخبة من رجال الفكر عن سبب إسلامهم ، ترجمة مصطفى جبر ، وكتاب: رجال ونساء أسلموا تأليف كامل عرفات العشِ .
[58] اقرأ في دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام: الجزء الرابع من الجواب الصحيح لابن تيمية ، تثبيت دلائل النبوة للقاضي عبدالجبار بن أحمد ، دلائل النبوة للبيهقي ، وأعلام النبوة للماوردي . إظهار الحق للشيخ رحمة الله .
[59] هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى لابن القيم 659- 660 ، وانظر: الجواب الصحيح 1/350 .
[60] سورة الصافات ، الآية [37] .
[61] سورة الصف ، من الآية [6] .
[62] هداية الحيارى لابن القيم 634- 635 .
[63] سورة آل عمران ، الآيتان [81- 82] .
[64] تفسير الطبري 6/557 بتحقيق محمود شاكر .(216/38)
[65] والمراد بالتصديق لما معهم – مع مخالفة شرعه عليه الصلاة والسلام لشرعهم – حصول الموافقة في التوحيد والنبوات وأصول الشرائع ، فأما تفاصيلها ، وإن وقع الخلاف فيها ، فذلك في الحقيقة ليس بخلاف ؛ لأن جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام متفقون على أن الحق في زمان موسى عليه الصلاة والسلام ليس إلا شرعه ... وأن الحق في زمان محمد عليه الصلاة والسلام ليس إلا شرعه ، فهذا وإن كان يوهم الخلاف إلا أنه في الحقيقة وفاق . وكذلك كان ظهوره عليه الصلاة والسلام على ما هو مطابق لوصفه في كتبهم – كما سيأتي – كان ذلك تصديقاً لما معهم . انظر: تفسير الفخر الرازي 8/131 ، هداية الحيارى 135 .
[66] انظر: تفسير الطبري 6/555- 556 ، ابن كثير 1/376 ، روح المعاني 3/209 ، البغوي 1/313 ، الرد على المنطقيين: 451 .
[67] ساق الإِمام ابن القيم اثنى عشر وجهاً تدل على أنه r مذكور في الكتب المتقدمة ، ومنها البشارات بنبوته في كتبهم . انظر هداية الحيارى: 522- 526 .
[68] سورة الأعراف ، الآية [157] .
[69] سورة البقرة ، من الآية [89] .
[70] سورة الشعراء ، الآية [197] .
[71] سورة المائدة ، الآية [83] .
[72] سورة الإِسراء ، الآيات [107- 109] .
[73] سورة الفتح ، الآية [29] .
[74] سورة الصف ، الآية [6] .
[75] سورة الأنعام ، الآية [20] .
[76] سورة البقرة ، الآية [146] .
[77] انظر الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة د. محمد حميد الله: 111- 114 .
[78] انظر فيما سيأتي البشارة الثالثة في كتاب أشعياء من العهد القديم .
[79] الوثائق السياسية ، 136 .
[80] انظر فيما سبق المراجع في فقرة الواقع التاريخي ، هداية الحيارى 498- 517 ، مجمع الزوائد 8/230- 243 ، إرشاد الثقات إلى اتفاق الشرائع على التوحيد والنبوات للشوكاني 35- 40 .(216/39)
[81] قال الله تعالى حكاية عنهم: {يا أهل الكتاب لمَ تلبسون الحقَّ بالباطل وتكتمون الحقَّ وأنتم تعلمون} [آل عمران ، الآية 71] ، {يا أهل الكتاب قد جآءكم رسولنا يبيِّن لكم كثيراً ممَّا كنتم تخفون من الكتاب} [المائدة من الآية 15] ، {يحرِّفون الكلم عن مَّواضعه} [النساء من الآية 46 ، المائدة من الآية 13] ، {وإنَّ منهم لفريقاً يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون} [آل عمران الآية 78] .
[82] إنجيل يوحنا ، الفصل الأول ، رقم 19- 23 طبع الكاثوليكية بيروت ، ص155 .
[83] راجع: إظهار الحق للشيخ رحمة الله 505- 507 .
[84] إظهار الحق للشيخ رحمة الله 507- 508 .
[85] هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى لابن القيم 540 .
[86] انظر: إظهار الحق 511- 518 ، وراجع: الفصل في الملل لابن حزم 2/69- 75 ، الجواب الصحيح لابن تيمية 4/6- 12 . هداية الحيارى 559- 562 ، والرد الجميل للإِمام الغزالي ، بين الإِسلام والمسيحية للخزرجي ، والإِعلام للقرطبي .
[87] العهد العتيق ، سفر تثنية الاشتراع الفصل 33 فقرة (2) ص355 ، طبع الكاثوليكية . وفي الترجمة التي نقلها شيخ الإِسلام . تجلى الرب من سيناء ، وأشرق لنا من ساعير – واستعلن من جبال فاران ومعه ألوف الأطهار وفي يمينه سنة من نار" .
[88] قال ياقوت في معجم البلدان 3/300 ((سينا: اسم موضع بالشام – يضاف إليه الطور – فيقال: طور سيناء ، وهو الجبل الذي كلّم الله تعالى عليه موسى عليه السلام ونودي فيه ... وقد جاء في اسم هذا الموضع: سينين ، في سورة التين ، )) .
وقال: (( ساعير: في التوراة اسم لجبال فلسطين – وهو قرية من الناصرة بين طبرية وعكا . نفسه: 3/171 .(216/40)
وفاران: كلمة عبرانية معربة – وهي اسم من أسماء مكة – ذكرها في التوراة – وقيل: اسم لجبال مكة: 4/225 . وهو ما قاله ابن قتيبة أيضاً . انظر: الجواب الصحيح 3/300- 301 .
[89] سورة التين ، الآيات [1- 2- 3] .
[90] انظر بالتفصيل عن هذه البشارات ، وبشارات أخرى في التوراة: الجواب الصحيح 3/300- 314 ، هداية الحيارى 526- 530 ، 542- 543 ، إظهار الحق 519- 531 ، بين الإِسلام والمسيحية للخزرجي 260- 265 ، الإِعلام للقرطبي 263- 266 .
[91] نقل هذه البشارات الإِمام ابن تيمية ونقلها بألفاظ قريبة منها الخزرجي ص265 . وفي نبوءة أشعياء ، الفصل الثاني والأربعين ص394- 395 ، طبع الكاثوليكية . أنشدوا للرب نشيداً جديداً ، تسبيحة له من أقاصي الأرض ياهابطي البحر ويأمْلأه ويا أيتها الجزائر وسكانها ، لتشد البرية ومدنها والحظائر التي يسكنها قيدار ، وليرنم سكان الصخرة ، وليهتفوا من رؤوس الجبال" . وهذا يؤكد ما سبقت الإِشارة إليه من الاختلاف الكبير في التراجم وتغيير كثير من المعاني مما يفقد الثقة بالكتاب .
[92] إنجيل متى 5/39 و5/40- 44 .
[93] انظر بالتفصيل: الجواب الصحيح 3/314 وما بعدها ، هداية الحيارى 545- 548 ، إظهار الحق 536- 539 ، الإِعلام للقرطبي 266- 267 ، بين الإِسلام والمسيحية 265- 266 .
[94] انظر: إظهار الحق 561 نقلاً عن علي القرشي في كتابه: خلاصة سيف المسلمين ، النبوة والأنبياء للمهندس أحمد عبدالوهاب ص158 .
[95] انظر: معجم البلدان لياقوت 1/309- 311 .
[96] نبوءة أشعياء فصل 21/6- 9 . وهي بألفاظ أخرى في كتاب أبي عبيدة الخزرجي 276 .
[97] انظر: الجواب الصحيح 3/323 ، هداية الحيارى 546 ، بين الإِسلام والمسيحية 277 .
[98] إنجيل يوحنا ، الفصل 14/16- 29 طبع الكاثوليكية وفيه: فيعطيكم معزياً بدل فارقليط .(216/41)
[99] عن تفسير المنار لرشيد رضا 9/264- 265 ، وانظر بتفصيل واسع: إظهار الحق 548 وما بعدها ، الجواب الصحيح 4/6 وما بعدها هداية الحيارى 530 ، قصص الأنبياء لعبدالوهاب النجار 397- 398 وفيه شهادة المستشرق نللينو عن معنى الفارقليط ، وتفسير المنار 6/85 ، 9/221 وما بعدها ، الإِعلام للقرطبي 268- 269 .
[100] عن تفسير المنار للسيد محمد رشيد رضا 9/281 ، وانظر تقديمه للطبعة العربية من إنجيل برنابا ، ترجمة خليل سعادة . وقد أشار الأستاذ محمد قطب – حفظه الله – إلى خبر نشر في جريدة الأهرام المصرية في عام 1365هـ/ 1945م يقول الخبر: ((عثر في دير سانت كاترين بسيناء على نسخة قديمة من التوراة جاء فيها ذكر محمد عليه الصلاة والسلام)) . ثم اختفت هذه النسخة ولم تعد مرة أخرى إلى الظهور .
[101] عن الدين ، للدكتور محمد عبدالله دراز 175- 176 ، وعنه لخصنا هذه الفقرة بكاملها ، وهي في أصلها بحث أعده – رحمه الله – لإِلقائه في الندوة العالمية للأديان التي عقدت في لاهور بالباكستان في جمادى الآخرة سنة 1377هـ وانظر في تقويم هذه الندوة ، وندوة أخرى عقدت في أعقابها في كراتشي: ثلاث مقالات للشيخ محمد أبي زهرة في مجلة لواء الإِسلام ، السنة الثالثة عشرة .
[102] حجة الله البالغة للدهلوي 1/90- 91 ، و122- 133 .
[103] سورة المائدة ، الآية [117] .
[104] سورة آل عمران ، من الآية [93] .(216/42)
[105] لبيان مدى تأثر النصرانية بالأفكار الوثنية وكيفية تسرب هذه الأفكار إليها وانحراف النصارى عن أصل عقيدة التوحيد راجع بالتفصيل: العلمانية للشيخ سفر بن عبدالرحمن الحوالي 27- 123 ، المسيحية: نشأتها وتطورها لشارل جنيبر ترجمة د. عبدالحليم محمود ص101 وما بعدها ، حقيقة التبشير بين الماضي والحاضر للمهندس أحمد عبدالوهاب 41 وما بعدها . وهو كتاب حافل بالنصوص والوثائق من مراجع غربية نصرانية ، محاضرات في النصرانية للشيخ محمد أبي زهرة 29 وما بعدها . مقارنة الأديان: المسيحية للدكتور أحمد شلبي 90- 160 ، ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين لأبي الحسن الندوي 36- 40 .(216/43)
العنوان: الأشراط الصغرى للساعة
رقم المقالة: 1407
صاحب المقالة: الشيخ إبراهيم الحقيل
-----------------------------------------
تقارب الزمان
الحمد لله رب العالمين؛ خلق الزمان والمكان، ويقلب الليل والنهار؛ لتعلموا عدد السنين والحساب {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا} [الإسراء:12]، نحمده حمد الشاكرين، ونستغفره استغفار المذنبين، ونسأله من فضله العظيم؛ فما من خير إلا وهو مانحه، ولا من بلاء إلا وهو كاشفه {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأنعام:17] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ أرحم الناس بالناس، وأنصحهم للأمة، لا خير إلا دلنا عليه، ولا شر إلا حذرنا منه {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128] صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه {رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ} [التوبة:100] والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله عز وجل؛ فهي وصية الله تعالى لنا ولمن قبلنا {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لله مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللهُ غَنِيًّا حَمِيدًا} [النساء:131].(217/1)
أيها الناس: جعل الله تعالى الدنيا دار عمل وابتلاء، وجعل الآخرة دار الجزاء والقرار، ومهما طال عمر الإنسان في الدنيا فإنه مفارقها بالموت، ولن يجد في أخراه إلا ما عمل في دنياه، ثم إن هذه الدنيا بأسرها وسمائها وأرضها وشمسها وقمرها وأنجمها زائلة لا محالة {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء:104] {وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزُّمر:67] {فَإِذَا بَرِقَ البَصَرُ * وَخَسَفَ القَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالقَمَرُ * يَقُولُ الإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ المَفَرُّ * كَلَّا لَا وَزَرَ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ المُسْتَقَرُّ * يُنَبَّأُ الإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} [القيامة:7-13].
والدنيا تنتهي، والعمل الصالح يتوقف بقيام الساعة {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام:158].
والمؤمنون يخشون الساعة، ويخافون يوم القيامة؛ لإيمانهم بما فيه من الحساب والجزاء على الأعمال، ويعملون صالحا في الدنيا لذلك اليوم العظيم، مع وجلهم أن لا يقبل منهم.(217/2)
وأما أهل الكفر والنفاق فيسخرون من ذلك، ويستعجلون قيام الساعة؛ لكفرهم بالله تعالى، وتكذيبهم بيوم القيامة، وقد وصف الله تعالى المتقين بقوله سبحانه {يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء:49] وفي آية أخرى {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ * يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الحَقُّ}[الشُّورى:17-18].
والمكذبون بالساعة يوبخون يوم القيامة على شكهم في قيام الساعة، والجزاء على الأعمال {وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} [الجاثية:32].
والساعة آتية وإن استبطأها كثير من الناس، وقريبة وإن استبعدوا زمنها {وَللهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ البَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [النحل:77]
وللساعة أمارات تقع بين يديها، وعلامات تدل على قربها، ومن علاماتها ما وقع وانتهى، ومنها ما وقع ولا يزال يقع وهو في ازدياد، ومنها ما لم يقع وهو واقع لا محالة {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد:18].
ومن فوائد العلم بأشراط الساعة تحذير الناس وتذكيرهم؛ لئلا ينغمسوا في ملذات الدنيا، وينسوا ما يستقبلهم من أمر الساعة والحساب وهو أعظم وأشد، فلا بد أن يستعدوا له بما ينجيهم {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [القمر:46].(217/3)
كما أن إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن أمور لم تقع زمن بعثته، ثم وقعت بعد ذلك وشاهدها الناس لمن دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام، والعلم بإخباره بها، ثم رؤيتها عيانا لمما يزيد المؤمنين إيمانا إلى إيمانهم، ويقينا إلى يقينهم، وثباتا على دينهم، وصبرا على ما يصيبهم من البلاء؛ لعلمهم أن لذلك نهاية، وأن الحساب والجزاء سيكون عند حكم عدل لا يظلم أحدا.
أيها الإخوة: ومما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام عنه من أشراط الساعة وعلاماتها: تقارب الزمان، وسرعة مرور الأيام، وقلة البركة في الأوقات والأعمار، روى أبو هُرَيْرَةَ رضي لله عنه فقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:(لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتى يُقْبَضَ الْعِلْمُ وَتَكْثُرَ الزَّلازِلُ وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ...)رواه البخاري.
وتقارب الزمان الذي أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنه من أشراط الساعة قد قيل في معناه: إنه تقارب ما بين المدن والأقاليم والدول، وسرعة الوصول إليها بما يسر الله تعالى للبشر من صنع السيارات والطائرات ونحوها، وقد كان الناس قبلها يَقْسمون أسفارهم على مراحل وأيام، ويمكثون في الأسفار البعيدة أشهرا وأعواما، وكانت القوافل تسير من الأندلس وإفريقية وأقاصي آسية إلى بيت الله الحرام للحج، فتمكث أعواما قبل بلوغ مكة، ولا تبلغها إلا وقد مات كثير من أفرادها في الطريق من مشقته ومخاطره، حتى إن كثيرا ممن يبلغون مكة لا يعودون إلى ديارهم وأهليهم مرة أخرى؛ لما من رأوا من الأهوال في رحلة وصولهم إليها، ومن كتبوا عن رحلاتهم إلى الحج ذكروا عجائب في ذلك.
أما الآن فيفد الحجاج إلى مكة من أقاصي الأرض فلا يمكثون في الجو إلا ساعات معدودة وإذا هم في البيت الحرام، فهذا من تقارب البلدان، وهو من معاني تقارب الزمان.(217/4)
وكان الناس إذا غاب غائبهم في رحلة حج أو تجارة أو طلب علم لا يصلهم خبره إلا بعد أشهر أو سنوات بكتاب يبعثه إليهم، أو من رآه يخبر عنه، ولا وسائل للاتصال غير ذلك؛ حتى عقد الفقهاء أبوابا في الفقه للغائب وأحكامه إذا انقطعت عن أهله أخباره.
أما الآن فيتصل بهم، ويتصلون به متى أرادوا، فيسمعون صوته، ويعرفون أحواله، وإن شاءوا رأوه عيانا وهو يكلمهم، وما عاد للبريد والرسائل قيمة تذكر أمام هذا الفتح العظيم من وسائل الاتصال، حتى إن الأجهزة الحديثة تظهر صورة المتصل، وتدل على مكانه، وهذا أيضا من تقارب الزمن، فوقع على ما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام.
ومن معاني تقارب الزمان: سرعة الأيام والشهور والأعوام، فما تشرق شمس يوم إلا وتغرب، ولا يَهل شهر إلا ويدبر، ولا تبتدئ سنة إلا وتنقضي سريعا، وقد نزعت البركة من الأوقات والأرزاق والأعمار.
لقد أدرك الناس أزمنة قريبة كانوا ينجزون في يومهم وليلتهم أعمالا كثيرة يعجزون اليوم عن إنجازها في أسبوع كامل، وكانت أرزاق الناس قليلة جدا ولكنها كانت تكفيهم، ويتصدقون منها ويدخرون، فلما اتسعت أرزاقهم، وتهيأت لهم سبل المواصلات والاتصالات، وتتابعت النعم عليهم نزعت البركة من أوقاتهم وأرزاقهم.
ومن نظر إلى العلم الذي خلفه أسلافنا علم أن الله تعالى قد بارك في أوقاتهم وأعمارهم، وكثير منهم كان ما كتبوا من صفحات يزيد على أيام حياتهم منذ ولادتهم إلى وفاتهم.
ومع ذلك فإن شراح هذا الحديث في القرون السالفة أخبروا أن تقارب الزمان، وقلة البركة في الأوقات والأعمار قد وقع في أزمانهم، وكأن ذلك يتسع يوما بعد يوم، وكلما تقدم بالناس زمان اشتدت قلة البركة، حتى يكونوا أقل بركة ممن كانوا قبلهم؛ وسبب ذلك كثرة المعاصي، والإعلان بها.(217/5)
وهذا المعنى في تفسير تقارب الزمان بقلة البركة فيه قد جاء في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:( لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَقَارَبَ الزَّمَانُ فَتَكُونُ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ وَيَكُونُ الشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ وَتَكُونُ الْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ وَيَكُونُ الْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ وَتَكُونُ السَّاعَةُ كَاحْتِرَاقِ السَّعَفَةِ أَوِ الْخُوصَةِ)رواه احمد وصححه ابن حبان.
قال العلامة ابن أبي جمرة الأندلسي رحمه الله تعالى: يحتمل أن يكون المراد بتقارب الزمان قصره على ما وقع في حديث:( لا تقوم الساعة حتى تكون السنة كالشهر) وعلى هذا فالقصر يحتمل أن يكون حسيا، ويحتمل أن يكون معنويا:
أما الحسي فلم يظهر بعد، ولعله من الأمور التي تكون قرب قيام الساعة.
وأما المعنوي فله مدة منذ ظهر، يعرف ذلك أهل العلم الديني ومن له فطنة من أهل السبب الدنيوي؛ فإنهم يجدون أنفسهم لا يقدر أحدهم أن يبلغ من العمل قدر ما كانوا يعملونه قبل ذلك، ويَشْكُون ذلك ولا يدرون العلة فيه، ولعل ذلك بسبب ما وقع من ضعف الإيمان؛ لظهور الأمور المخالفة للشرع من عدة أوجه، وأشد ذلك: الأقوات ففيها من الحرام المحض ومن الشُبَه ما لا يخفى، حتى إن كثيرا من الناس لا يتوقف في شيء، ومهما قدر على تحصيل شيء هجم عليه ولا يبالي، والواقع أن البركة في الزمان وفي الرزق وفي النَبْت إنما يكون من طريق قوة الإيمان، واتباع الأمر، واجتناب النهي، والشاهد لذلك قوله تعالى {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [الأعراف:96] انتهى ملخصا من كلامه رحمه الله تعالى.
أسأل الله تعالى أن يبارك لنا في أوقاتنا وأعمارنا وأعمالنا وأرزاقنا، وأن يجعلنا والمسلمين مباركين أينما كنا، إنه سميع مجيب.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية(217/6)
الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ هدى من شاء من عباده للإسلام والإيمان، وجاد عليهم بأنواع الخير والإحسان، وشرع لهم الصيام والقيام {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183].
أما بعد: فاتقوا الله ربكم -أيها المسلمون- وأحسنوا استقبال شهركم بالتوبة من الذنوب، والاجتهاد في الأعمال الصالحة؛ فإنكم مرتهنون في قبوركم وآخرتكم بأعمالكم {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الجَزَاءَ الأَوْفَى} [النَّجم:39-41] وفي آية أخرى {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدَّثر:38].
أيها المسلمون: إن مما نشاهده ونحسه قلة البركة في الأوقات والأعمار رغم قرب المسافات، وكثرة وسائل الاتصال والمواصلات، وهذا مصداق للحديث النبوي في تقارب الزمان.
إن الناس في زمننا هذا مشغولون دائما ولا ينتجون شيئا، ويلهثون باستمرار ولا ينجزون إلا القليل من الأعمال، ووصل أهل القبور قبورهم وقد كان لهم في الدنيا آمال وطموحات، وأعمال ومشروعات حال بينهم وبينها الموت، ففارقوا الدنيا ولم تنته مشاغلهم وآمالهم.
وفي زمن ثورة المواصلات والاتصالات التي قربت البعيد، واختصرت الزمان والمكان؛ فإن الأرحام تقطع، ويتهاجر الجيران، ويمكث القريب عن قريبه وهو في مدينته زمنا طويلا يتعدى أشهرا وربما يتجاوز السنة، وقد يمرض ولا يعلم عنه شيئا، وكل منهما مشغول عن الآخر، ولا نتائج تذكر من وراء هذه الأشغال.(217/7)
وبما أن الزمان يتقارب، ويزداد تقاربه يوما بعد يوم حتى تمضي الشهور والأعوام ولا يحس الناس بها، ومشاغل الناس وطموحاتهم تتجاوز أعمارهم بأضعاف مضاعفة، بما أن الأمر كذلك فإن العاقل من الناس من يرتب أعماله؛ فيقدم الأهم منها على المهم، والفاضل على المفضول، وما يبقى على ما يفنى، فإذا ما تعارض عمل الدنيا مع عمل الآخرة، قدم عمل الآخرة؛ لأنها خير وأبقى.
وإذا تزاحمت الأعمال الصالحة عليه قدم الفرائض على النوافل، والواجبات على المندوبات، وقدم ما كان نفعه متعديا على ما كان نفعه قاصرا، وإذا ما أدرك أزمنة فاضلة كالجمعة ورمضان وعشر ذي الحجة خصها بمزيد عناية واهتمام؛ لفضيلة العمل الصالح فيها، وأهل التجارة يخصون مواسمهم بمزيد عناية واهتمام، ولا ينبغي أن يكون طلاب الدنيا أكثر حصافة واهتبالا للفرص من طلاب الآخرة.
إن أعمارنا وإن طالت لن تستوعب آمالنا وطموحاتنا ومشاريعنا التي تزداد يوما بعد يوم مع نقص أعمارنا في كل يوم يمضي علينا، ومن الخسارة العظيمة أن يمضي عمر أحدنا وقد فُرق عليه أمره، وشُتت شمله، وقسا قلبه، وهو لا يزال يَعِدُ نفسه بأعمال صالحة كثيرة، ولكنها ظلت حبيسة أمانيه ووعوده، ولم تحظ بشيء من وقته وعمره حتى وُسد في قبره.
إنكم يا عباد الله تستقبلون موسما من مواسم الآخرة، وسيحظى من أدركه منكم بعطية من عطايا ربكم عز وجل، فحرام عليه ثم حرام أن يفرط فيه، ولا يوليه عنايته واهتمامه.
موسم من أدركه فلم يغفر له فهو محروم، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام:(رَغمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْه شَهْرُ رَمَضَانَ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ) صححه ابن خزيمة وابن حبان.(217/8)
وفي الحديث الآخر عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:(إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَقَالَ: مَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ وَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمينَ، فَقُلْتُ: آمينَ)صححه ابن حبان.
وقد عودنا شياطين الإنس فيما مضى من رمضانات بإفساد صيام الصائمين، وقيام القائمين، وإذهاب روحانية رمضان بما يعرضونه في فضائياتهم من إثم وقمار وفجور وسخرية بالناس، واستهزاء بدين الله تعالى، ورفض لشريعته، وتعد على حدوده، وتمرد على أحكامه، وقبل أشهر من رمضان وهم يستبقون لجر الصائمين والقائمين إلى فضائياتهم الآثمة بما يعرضونه من دعايات لبرامجهم الفاجرة.
فيا لخسارة من تبعهم في ضلالهم، ووافقهم في إفكهم، وقضى رمضان متنقلا بين برامجهم، وشهد مشاهد الزور معهم، ونبينا محمد عليه الصلاة والسلام يقول:(من لم يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ به وَالْجَهْلَ فَلَيْسَ لله حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ). ووالله الذي لا إله إلا هو إن كثيرا مما يبشرون به المسلمين في فضائياتهم لهو من أعظم الجهل، وأكبر الزور، وإن من أقل درجات إنكار هذا الجهل والزور مجانبة مجالسه، وحفظ البيوت والأسر من شره وبلائه؛ حفظا لصيامهم مما يخرقه، ولقلوبهم مما يفسدها.
اللهم سلمنا إلى رمضان، وسلمه لنا، وتسلمه منا متقبلا، ووفقنا فيه للعمل بما يرضيك، آمين، آمين، آمين.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد....(217/9)
العنوان: الإصلاح الذي نأمُله للأمة.. سياسي أو حضاري؟
رقم المقالة: 1037
صاحب المقالة: طارق حسن السقا
-----------------------------------------
إن المتأمل في حال الأمة اليوم يجد أن هناك أصواتًا وأفكارًا وأقلامًا ورؤى إصلاحية كثيرة تهدف جميعها إلى تغيير الواقع المتردي الذي تعيشه أمتنا اليوم، كما تسعى هذه القوى الإصلاحية إلى تجويد هذا الواقع وتطويره إلى الأفضل، وقد تختلف أساليب, ووسائل, ورؤى, ونظريات هذه القوى الإصلاحية نحو التغيير والإصلاح، غير أن الواقع يفرض علينا أن نتساءل:
- أي إصلاح تريده الأمة؟
- وأي تغيير يجب أن نسعى جميعا لتحقيقه؟
- وهل ضماد جراح الأمة تكمن في إحداث تغييرات سياسية اقتصادية؟
- أو إحداث تغييرات حضارية وفكرية؟
إن الفرق بين طبيعة النوعين بيّن وشاسع، فالتغييرات السياسية في أي من المجتمعات قد تحدث فجأة وبين عشية وضحاها (سقوط نظام صدام حسين مثلا)، وقد تحدث بسبب انتصار حربي, أو بسبب تغيير أشخاص ذوي فاعليه سياسية كبيرة، أو ثقل دولي, أو بسبب ضغوط اقتصادية، أو حربية، أو نفسية، لهذا أو ذاك من الأسباب، وبمقدار السرعة التي تنتج عنها التغيرات السياسية، والاقتصادية، تكون سرعة زوال أثرها أيضا (سقوط الاتحاد السوفيتي والنظام الشيوعي مثلا) بحيث تبدو الأمور حين تزول أسباب التغيير السياسي، أو الاقتصادي، وكأنها لم تكن شيئا، وسرعان ما تعود (ريمة) إلى عادتها القديمة.
أما التغييرات الحضارية، أو الفكرية، فهي لا تتم بهذه السرعة مطلقا، بل غالبا ما تأخذ أوقاتا طويلة, وأزمنة مديدة، حتى يتسنى لها التمكن، والرسوخ، في واقع حياة الأمة، وربما لا يتسنى لمن بذر البذرة في هذه الحالة أن يرى الثمرة، ولكن غالبا ما تحقق نتائجها في أجيال لاحقة، وغالبا تكون آثارها طويلة وممتدة.
ومن أبرز طبائع التغييرات الحضارية أنه يصعب اقتلاعها من جذورها بسهولة إلا بعد مرور أوقات طويلة, وأزمنة مديدة أيضا.(218/1)
ومن طبيعة التغييرات الحضارية والفكرية أنها دائما ما تصطدم بمحور العادات المألوفة, والتقاليد المعهودة، والثقافات الموروثة, والعقائد الفاسدة التي تربت عليها الأجيال على مر العصور.
ومن ثم فإن محور العادات والتقاليد، محور نزال خصب لم تهمله قوة من القوى الاستعمارية عبر تاريخ الفكر الاستعماري الطويل مع أمتنا، فكل قوى الشر لما حاولت السيطرة على أمتنا سخرت كل إمكانياتها، وبذلت الغالي والنفيس، من أجل السيطرة على محور عادات الأمة وتقاليدها، وأخذت تهزم الأمة في عادتها وتقاليدها الأصيلة (حجاب المرأة مثلا)، وعملت على اجتثاث هذه العادات وهذه التقاليد من جذورها, وزرعت الكثير من العادات والتقاليد الممسوخة والتي ساعدت على تمييع شخصية الأمة ومن ثم إضعافها ليسهل السيطرة عليها.
لذلك يجب أن يعي المصلحون الدعاة، والمثقفون، والإعلاميون، والمربون، في مجتمعنا هذه الحقيقة، كما يجب أن يعي الجميع أن مجموعة العادات والتقاليد، التي تسربت إلى وعى الأمة -المغيب خلال أوقات ضعفها- كانت وما تزال هي أكبر حائط صد يعوق نهضة أمتنا اليوم, كما كان عائقا في وجه أنبياء الله، ورسله في الماضي، فمنذ أن حاولوا تغيير هذه العادات البالية، والتقاليد المعيقة لآدمية الإنسان كما يريده مولاه, واجهوا الرد المشهور من أقوامهم: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَآ أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ} [المائدة: 104]
فعلى كاهل شريحة الصفوة المستنيرة في المجتمع تقع أكبر المسؤوليات, وأعظم التبعات في سبيل تخليص أمتنا من العادات والتقاليد التي غزت مجتمعاتنا ومسختها, وميعت شخصيتها، وأضعفت مقوماتها, وفي الوقت نفسه عززت –وما زالت تعزز حتى اللحظة- موقف أعداء الأمة.(218/2)
إن كل من يتصدي لإحداث تغيير حضاري، فكري، في مجتمعنا عليه أن يعلم أن مؤشر نجاحه، إنما يكمن في قدرته على اقتحام محور العادات والتقاليد، والسيطرة عليه، والعمل على تغير الأعراف الفاسدة، واستبدال الأعراف الأصيلة بها، بحيث تكون مفيدة، تعود بمردود إيجابي على الإنسان كما يريده الله سبحانه وتعالى.
إن الأخذ بيد الأمة صوب تحقيق الإصلاح الحضاري، والفكري، هو الأمل والتحدي الذي يجب أن يقتحمه كل من أراد لهذه الأمة أن تسعد، وتعود، لتسود، وتقود العالم من جديد.(218/3)
العنوان: الإصلاح
رقم المقالة: 2025
صاحب المقالة: بدر بن محمد عيد الحسين
-----------------------------------------
الإصلاحُ عطرُ الإيمان، وربيعُ قلبِ الإنسان، ومنارةُ الفرحِ التي تنشرُ الأمانَ والودادَ بين القلوبِ والقلوبِ، والدروبِ والدروب...
الإصلاحُ قوّةٌ عظيمة يهَبُها الله للأصفياءِ والأتقياءِ وأنقياءِ السّرائر والضّمائر فيحرّكون
بصدقِ محبّتهم ونُبل نواياهم نبضَ المحبّة في مشاعرَ تصلّبت، وقلوبٍ تحجّرت،ونفوسٍ ازدحمت فيها كلّ أنواع الشّحناء والبغضاء.
كما أنّ الجبالَ تثبّتُ الأرضَ، وتضمنُ توازنها واستقرارها بإذن الله فإنّ المصلحين يحققون التوازن بين النفوس والنفوس، وبين الشعوب والشعوب.
إنّ الدّنيا بكلّ بهائها لتُصفّقُ للمُصلح، وتحني هامتَها احتراماً له، والنجوم بكلّ ما تحتويه من جمال لتخبو إذا ما تلألأت أنوار الفضيلة في قلوب المصلحين..
هم شعراء الحبّ، وكتبةُ المواثيق الطاهرة، وحاملو مشاعل النور في ليالي العَتَمة.. وليس غريباً... لأنّ من يسقي ضفاف القلوب الجافّة فَتُعشب وتخضرّ، ومن يَجلُو أماراتِ الغضَب من فوق الوجوه فتُشرق، لهو طَودٌ شامخ، وعالمٌ مِِصقَع، وداعيةٌ مُبدع، وإنسانٌ أصيل..
من يؤلّفُ بين القلوب والقلوب، ليحققَ سلاماً، ويزرعَ مودّة أسمى ممن أغلقَ عليه بابه، وطفقَ يؤلفُ بين السطور والسطور ليصنَعَ كتاباً...
الشعراء الحقيقيون هم الذين يجمعون شتاتَ النفوس المتنافرة والأفكار المتناثرة فيبنون بيوتَ الحياة على شواطىء بحور المحبّة...
سعادة المصلحين تكمن عندما يتصافحُ المتخاصمون ويتبادلون التحايا، وعندما تنتصرُ الحروف على السيوف، وتتفوّق الزنابقُ على البنادق، وتطرُدُ نسائمُ الصفاء سحائبَ البغضاء، وعندما يبدّد ضوء القمر خيوط الظلام وضغائن البشر...
أيّ صنيعٍ أنبل من صنيعِ إنسانٍ أصلحَ بين زوجين متخاصمين وأعادَ لأطفالهما الأمان والحنان؟؟(219/1)
أيُّ نجاحٍ أعظم من نجاحِ الأطباء المبدعين الذين يعالجون نبضات القلوب، وخلجات النفوس، ورمشات الأهداب، وأحاسيس الخواطر..؟؟!!
المصلحون يُرهقون الأبجديّة لإيجاد عبارات بليغة راقية تتواءمُ مع سمو مقاصدهم، وعلو أفكارهم لأن لغةَ الإصلاح شفيفةٌ ومأنوسة، قريبة وليّنة، تكادُ تكون كتلك التي يتفاهم من خلالُها الفراشُ مع الزّهر، والأصيلُ مع البحر، والبلابلُ مع الأفنان، والنّدى مع الأقحوان....
إنَّ من يغوصُ في أعماقِ النفوس فينتزعُ أحاسيسَ الخير، ويوقظُ النوازعَ الطيبة أمهرُ ممّن يغوصُ في أعماقِ البحار ليصطادَ اللؤلؤ والمرجان....
ما أحوجَ الدّنيا إلى مصلحين يلطّفونَ الطّقسَ العاصف، ما أحوجَ الشفاه الجافّة والوجوهَ المغبرّة إلى كلمات ٍ دافئة من حَمَلةِ البشائر وجابري الخواطر...
أيّتها الأمهات أرْضعنَ فِلذاتِ أكبادكنّ لبنَ الإصلاح وعوّدنَ النّشءَ على التسامح والمحبّة والصّفح...
أيّها الآباء تعاهدوا بَذرة الإصلاح في نفوس أبنائكم بالسقاية والرعاية، وكونوا مُصلحين ليترسّمَ أبناؤكم نهجكم...
أيها المعلمون عطّروا مسامعَ طلابكم بقصص المصلحين الأطهار والمصطفين الأخيار من الأنبياء والصّحابة والتابعين...
يا رباه، أَفِض بركاتك على قلوب المصلحين رضىً وسروراً ، وأفض رحماتك على ديارهم خيراً عميماً، وعلى ذرياتهم صلاحاً ، وعلى صحائفهم حسناتٍ وفيرة..
أيّ سَعيٍ أجدى وأسمى من سَعي المُصلح!!
أيّ نجوى أنبلَ من كلمةٍ طيبة يودعها المصلح في مسمع المتخاصمين...؟
قال تعالى: {لاخيرَ في كثيرٍ من نجواهم إلا من أمرَ بصدقةٍ أو معروفٍ أو إصلاحٍ بين الناس}. [سورة النساء- الآية 114].(219/2)
قد يظنّ بعضُ المغترّين بقوتهم وبجاههم أنّ الحرب في صالحهم، وأنّ الغلبةَ لهم، ولكنّ الصّلح خيرٌ لهم..لو تأملوا في سِيَرِ الأقوام السّابقة لوجدوا كيف أنّ الله نصرَ فئاتٍ قليلة ترجو السلام وتتحرّى الأمن على فئاتٍ كثيرة تنزِعُ للغطرسة، وتتحرّى الكِبْرَ..
وقال تعالى: {والصّلح خير}. [سورة النساء- الآية 128].
المؤمنون إخوة، وكيف لا يكونون إخوة وكلمة التوحيد تنتظمُ قلوبهم، وتؤلّف أرواحهم، وتوحّد آمالهم وآلامهم!
قال تعالى: {إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم}. [سورة الحجرات – الآية 10].
ثمّ تعالَوا نتأمّل رحمةَ الخالق ولُطفه وحكمته عندما رخّصَ للمصلحين الكذبَ الذي هو من أخطر آيات المنافقين. لقد رخّصَ للمصلحين الكذبَ بالقدر الذي يساعدهم على التقريب بين النفوس، وإزالة ما علقَ فيها من ضغائن وأوضار..
فعن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها قال:" سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول:" ليس الكذّاب الذي يُصلح بين الناس فينمي خيراً أو يقول خيراً". متفق عليه/ رياض الصالحين باب الإصلاح بين الناس رقم 254
((المصلحون صمام أمانٍ وحمايةٍ من الله لهم ولمن معهم ماداموا مقيمين على الصلاح مستمرين عليه)) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان / ابن سعدي.
{وما كان ربُّك ليهلك القرى بظلمٍ وأهلها مُصلحون}. [سورة هود- الآية 117].
وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلّم يلفت نظرَ أصحابه إلى أهميّةِ الإصلاح وعِظيم مكانته بقوله: "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصّدقة؟ قالوا : بلى. قال صلاح ذات البين، فإنّ فسادَ ذات البين هي الحالقة، لا أقول تحلقُ الشّعر، ولكن تحلقُ الدّين". سنن الترمذي، حديث رقم 2509ج4 ص: 573/ طبعة دار الكتب العلمية ، تحقيق كمال يوسف الحوت..
لَعمري إنّ ساعاتِ الإصلاح، أكثرَ فرحاً وبهاءً من ساعات الفِرقة والخُصومة..(219/3)
ويا طول شوقي لعالمٍ يغشاهُ المخلصون، لترفرفَ حمائمَ السلام البيض فوق خمائل الأمان.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلح لنا آخرتَنا التي فيها معادُنا، واجعل الحياةَ زيادةً لنا في كلّ خير، واجعل الموتَ راحةً لنا من كلّ شرّ.
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وتركَ المنكرات، وحبَّ المساكين، وأن تغفرَ لنا وترحمَنا، وإذا أردت فتنةً في قوم فتوفّنا غير مفتونين...
وصلّ اللهمّ على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين...(219/4)
العنوان: الأصول الشرعية للعلاقات بين المسلمين وغيرهم في المجتمعات غير المسلمة
رقم المقالة: 431
صاحب المقالة: د. محمد أبو الفتح البيانوني
-----------------------------------------
الحمدلله رب العالمين، القائل في كتابه المبين:
{وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ، إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}[1].
والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي عادَ يهودياً مريضاً، وعرض عليه الإسلام فأسلم فخرج فرحاً وهو يقول: ((الحمدلله الذي أنقذه من النار))[2]، والذي قال الله في حقه:
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }[3].
ورضى الله عن الصحابة والتابعين، وعن الأئمة المجتهدين، والعلماء العاملين وعمّن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فإن موضوع الأصول الشرعية للعلاقات بين المسلمين وغيرهم ولا سيما في المجتمعات غير المسلمة هام ودقيق، وإن أهميته ودقته في نظري تعود إلى عدة اعتبارات، هي:
أ – إنه يجيب عن تساؤل ينبع من واقع المسلمين ومعايشتهم، فكم في المسلمين اليوم من يعيش في المجتمعات غير الإسلامية!! ولا شك أن من واجب المسلم التعرف على حكم هذه المعايشة، ليكون على بصيرة من أمره.
ب – إنه موضوع قلّ أن يُعنى به الباحثون المعاصرون، نظراً لعلاقته بالقانون الدولي في الإسلام، ويمثل جانباً من جوانب الفقه السياسي الذي لا يجدي البحث فيه كثيراً في غياب سلطان الإسلام السياسي، لأن للفقه السياسي في الإسلام متطلباته الخاصة، وبيئته المناسبة، وكل فقه ينشأ في غير بيئته، ولا تتوفر له متطلباته الخاصة، يظهر جافاً غريباً من جهة، أو يخرج فجّا غير ناضج من جهة أخرى.(220/1)
جـ – إنه موضوع اضطربت فيه المواقف العلمية الحديثة، وبرزت حوله بعض الآراء والفتاوى المتباينة، إذ طبّق فيه بعض العلماء اليوم أحكاماً سابقة صدرت عن فقهاء المسلمين في عهود سياسية مستقرة، دون تنبه لمدى مطابقتها للواقع الإسلامي اليوم، سواء من حيث تطابق المصطلحات، أو توافق الأحكام وانسجامها. فقد غفل بعض المفتين اليوم في مثل هذه المسائل، عن ضرورة تحرير المصطلحات، والتأكد من تحقق تلك المطابقات، فتعارضت فيها آراؤهم وفتاواهم..
لهذا كله، قررت الكتابة في هذا الموضوع وبحثه، على الرغم من قلة البضاعة، فرجعت إلى المصادر الأصلية، الكتاب والسنة، وإلى بعض المراجع العلمية فيه، القديمة منها والحديثة، مستعيناً بالله ومستهديه، آملاً أن أوفق إلى وضع بعض المعالم فيه، وأطرح حوله بعض النظرات، ليكون خطوة في طريق دراسته ومتابعة بحثه من قبل المهتمين والمتخصصين.
وسأبدأ بحثي هذا: بمقدمة عن طبيعة العلاقات الشرعية بين المسلمين وغيرهم بوجه عام، ولا سيما في المصطلحات غير المسلمة.
ثم أعرج على تحديد المصطلحات المطلوبة، وبيان نشأتها، والآثار المترتبة عليها، ومن ثم أتكلم عن موقع البلاد المختلفة اليوم من هذه المصطلحات.
ثم أختم ببيان حكم وجود المسلمين في ديار الغرب، وبيان الطبيعة المفترضة لهذا الوجود، والله وحده ولي العون والتوفيق.
المسلمة الخاصة:
الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم، أن لا تختلف من زمن إلى آخر، أو في مجتمع إسلامي أو غير مسلم، وإذا اختلفت هذه العلاقة، فإنما يعود اختلافها إلى أحوال المسلمين من جهة، أو اختلاف مواقف غيرهم منهم من جهة أخرى.
ذلك، لأن من أولى خصائص الأمة المسلمة، أنها ((أمةٌ داعية))، قال تعالى:
{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ}[4].
وقال تعالى:(220/2)
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا}[5].
فالمسلم داعٍ أينما حلّ وارتحل، وحيثما وجد، وكلما كان أكثرَ احتكاكاً بغيره برزت تلك الخصيصة الدعوية في حياته، كما هو شأن وجود المسلمين في المجتمعات غير الإسلامية.
فأَصلُ العلاقة بين المسلمين وغيرهم ((علاقةٌ دعويةٌ))، منها ما تنبثق العلاقات الجزئية التفصيلية، وعلى أساسها وتنوّع مواقف الناس منها تتحدد العلاقات الأخرى.
فمن العلاقة الدعوة تنبثق علاقات ((الرحمة والشفقة)) قال تعالى:
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}[6].
ومن العلاقة الدعوية تنبثق علاقةُ ((المُسَالَمة، والبِرِّ بالسالمين)) وعلاقَةُ ((الحرب والشدة على المحاربين)) قال تعالى:
{عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ، لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ، إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[7].
وقال تعالى:
{وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ...}[8].
ومن العلاقة الدعوية تنبثق علاقة ((العدل والإحسان))، قال تعالى:
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}[9].
وقال: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}[10].(220/3)
وعلى أساس هذه العلاقات السابقة وغيرها من العلاقات الأخرى الدعوية، تُنَزَّلُ معاني الآيات التي وصفت المؤمنين بأنهم:
{أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ}[11].
وقوله: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}[12].
وعلى هذا الأساس تتلاقى الآيات التي أثبتت الولاء للمؤمنين، والبراء من الكافرين، قال تعالى:
{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ..}[13].
وبهذا الفهم الصحيح للنصوص الشرعية، تتوازن العلاقات، وتتلاقى الصفات وتنسجم معاني النصوص والآيات.
وإذا كانت علاقة المسلمين بالمسلمين، تقوم على أساس ((المحبة والمودة، والولاء والنصرة، والإحسان والإيثار...)) فإن علاقة المسلمين بغيرهم تقوم على أساس ((الدعوة، والرحمة، والعدل والوفاء، والبَراء، ومسالَمةِ المُسالِمين، ومحاربة المحاربين...)).
وإن تحديدَ هذه العلاقات، أو تغيرها من حال إلى حال، رَهْنٌ بحال الأمة الداعية وواقعها من ضَعْفٍ أو قوة من جهة، وبمواقف الآخرين من هذه الدعوة حرباً أو مسالمةً من جهة أخرى، كما هو منوط بالمصلحة العامة للمسلمين القريبة منها والبعيدة، التي يراها الإمام المسلم، فيقدرها ويحددها هو، أو من ينوب منابه من أهل الحل والعقد حَصْراً، ولا تُترك هذه التقديراتُ للاجتهادات الفردية والآراء الشخصية لفرد أو جماعة، خشية أن تتأثر بحوادث جزئية، أو تنطلق من مصالح آنيّة، أو من ردود أفعال عكسية.. وهكذا..(220/4)
بقيت ملاحظة لابد من التنبيه إليها في هذا المقام وهي: إنه قد يَفْهَمُ بعضُ المسلمين، ((العلاقةَ الدعوية)) فهماً خاطئاً، فَيُجَرَّون بسببه إلى بعض التنازلات في المبادئ، أو المسامحات غير الشرعية في المناهج أو الأساليب أو الوسائل، فتغيبُ تلك العلاقةُ أو تتشوّه، أو يذوبُ المسلم في تلك المجتمعات وتميع شخصيتُه – كما يحدث في كثير من الأحيان.
لذلك كان لابد لتوضيح ذلك، من تمثيل موقف الداعية من المدعوّين على مختَلف أنواعهم، بموقفِ الطبيب من المرضى والمصابين بالأمراض الخطيرة المُعْدية، حيث يعيش الطبيب مع هؤلاء المرضى ويخالطهم بحذر ويقظة، مخافة أن تتسرب إليه أمراضهم خِلْسَةً عن طريق ((ميكروب دقيق، أو فَيْروسٍ خفي))، وقد يأخذُ الطبيب لنفسه بعضَ التحصينات والتلقيحات، ويتَّخِذُ من أجل ذلك بعضَ الاحتياطات، تحقيقاً منه للتوازن المفروض بين طبيعته التي تنفر من الأمراض من جهة، وبين وظيفته التي تتطلب منه أن يعيش بين المصابين بهذه الأمراض من جهة أخرى.
وكذلك، فإن على المسلم الداعية أن يوازن بين طبيعته السليمة وخصائصه الفريدة، وبين وظيفته السامية التي تتطلب منه الخروجَ إلى الناس، والاحتكاكَ بهم لدعوتهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وإنقاذهم من الضلالة إلى الهدى، وقد جاء في الحديث الشريف: ((إن المسلم إذا كان يخالط الناس، ويصبر على أذاهم، خيرٌ من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم))[14].
2 – ((تحديدُ مصطلحات)) دار الإسلام، ودار الكفر، ودار الحرب، ودار العهد، وبيانُ نشأتِها، وبعضِ آثارها:
لابد قبل الدخول في تحديد هذه المصطلحات، من مقدمة تاريخية تكشف عن نشأتها وأصولها، وقد سبق أن أشرت في حديثي فيما مضى إلى علاقة هذا الموضوع بالقانون الدولي العام عند المسلمين، الذي وضع أساسه القرآن الكريم، وأوضحت حدودَه السنةُ النبوية الشريفة، وظهرت فيه أقوالُ العلماء واجتهاداتهم..(220/5)
فقد بيَّن الشارع للمسلمين أحكامَ السلم والحرب، وأحكامَ الأمان والمعاهدات كما بيَّن أحكام أهل الذمة في المجتمع الإسلامي وغيره، وأحكامَ الخراج والعشور، واختلاف الدور.. وما إلى ذلك مما يشكل أساساً للقانون الدولي في الإسلام.
وقد بادر الفقهاء – رحمهم الله – قديماً إلى بيان السيرة الصحيحة، والسلوك الواجبة على المسلمين تجاه غيرهم، وذلك فيما أَسْمَوه في كتبهم ((بكتاب السِّيَر)).
ويرى بعض الباحثين أن أول من استخدم مصطلح ((السِّيَر)) بهذا المعنى ((الإمام أو حنيفة – رحمه الله تعالى – ونقله عنه أصحابُه كمحمد بن الحسن في كتابيه ((السِّير الصغير، والسِّير الكبير)) وأبي يوسف في ردّه على ((سِيرَ الأوزاعي))[15].
يقول الإمام السَّرَخْسِيّ في كتابه: ((المبسوط)): "اعلم أن السِّيرَ جمعُ ((سيرة)) وبه سُمي هذا الكتاب، لأنه يبيّن سيرة المسلمين في المعاملة مع المشركين من أهل الحرب، ومن أهل العهد منهم، من المستأمنين وأهل الذمة، ومع المرتدين الذين هم أخبث الكفار بالإنكار بعد الإقرار، ومع أهل البغي الذين حالهم دون حالِ المشركين[16]. وإذا كان بعض القانونيين الغربيين، قد قَسَّموا الدول إلى: غربية وشرقية، وأرادوا بالغربية: الدول التي تسود فيها النصرانية، وبالشرقية: ما عداها من دول، وقسموا الشعوب إلى (متمدينة): وهي الشعوب النصرانية، و(غير متمدينة) وهي غير النصرانية من الشعوب... فقد كانت تقسيمات علماء المسلمين للأراضي والشعوب تقسيماتٍ أدقَّ وأعمق، تعتمد على أساس التنظيم الإداري، والعلاقات الدعوية، وتبتعد عن دائرة التعصب الديني، حيث شمل تقسيمُهم للأراضي والبلدان إلى ((دار إسلام، أو حرب)) جميعَ من يقيم في هذه الدور من الشعوب ((مسلمين كانوا، أو أهل ذمة، أو أهل عهد...".(220/6)
ذلك لأن الدولة المسلمة تعني: ((مجموعة الأفراد الذين يعيشون في رقعة من الأرض، ويخضعون لنظام الإسلام))[17]، فيشمل شعبُ الدولة المسلمة، المسلمين الذين اعتنقوا الإسلام عقيدة، وخضعوا له نظاماً وشريعة، كما يشملُ غيرَ المسلمين المقيمين فيها، الذين اكتفوا بالخضوع للإسلام نظاماً، حيث لا إكراه في الدين، دون تفرقة دينية أو عِرْقية...
وبعد هذه المقدمة، آن لنا أن نتناول تحديد تلك المصطلحات، فنقول:
أ – دار الإسلام، ودار الكفر:
الدَّارُ في اللغة تطلق على عدة معان، منها: المحلُّ الذي يجمعُ البناءَ والساحة، والمنزلُ المسكون، والبلدُ، والقبيلة..[18].
وقد وردت كثير من هذه المعاني للدار في الكتاب والسنة، فقال تعالى:
{سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ}[19].
وقال: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ}[20].
وقال: {وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ}[21]، وهذه كلها بمعنى ((البلد)).
وجاءت في السنة أيضاً بهذا المعنى، ففي الحديث الشريف: ((عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر وعمر، كانوا من المهاجرين، لأنهم هجروا المشركين، وكان من الأنصار مهاجرون، لأن المدينة كانت ((دار شرك)) فجاؤا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة))[22].
فمعنى ((دارَ شرك)) أي: بلاد شرك، ولعله لم يصفها بـ((دار حرب)) لأنه لم يكن في تلك الفترة قتال ولا حرب، إذ لم يشرع القتال عندئذ.
كما جاء في صحيح البخاري تسمية ((المدينة المنورة)) بـ((دار الهجرة)) و((دار السنّة)) وذلك في كلام عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه، لعمر رضي الله عنه[23].
كما وردت ((الدار)) بمعنى ((المنزل)) كثيراً، من ذلك قوله تعالى:
{فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ ...}[24].
{فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ}[25].(220/7)
ومن ذلك جاء في السنة في حديث البخاري: ((أَمّا هذه الدار فدار الشهداء...))[26]. ومثل هذا كثير في الاستعمال.
كما وردت ((الدار)) بمعنى ((القبيلة)) فقد جاء في الحديث الشريف[27]: ((ألا أخبركم بخير دور الأنصار؟ دور بني النجار، ثم كذا، وكذا..)).
وقال ابن الأثير – رحمه الله تعالى –: "الدور: جمع دار، وهي المنازل المسكونة والمحالّ، وتجمع أيضاً على ((ديار))، وأراد بها هنا[28] ((القبائل))، وكل قبيلة اجتمعت في محلة، سمّيت تلك المحلة ((دارا)) وسمي ساكنوها بها محازاً على حذف المضاف، أي: (أهل الدور)، ومنه الحديث: ((ما بقيت دار إلا بني فيها مسجد)) أي: قبيلة، فأما قوله عليه الصلاة والسلام: ((وهل ترك لنا عقيل من دار!)) فإنما يريد به المنزل، لا القبيلة"[29].
يستفاد مما سبق أن أصل دار الإسلام: بلاد المسلمين، وأصل دار الكفر: بلاد غير المسلمين، ثم أصبح لكل من هذه الدور معنى اصطلاحيّ عند الفقهاء، له حدوده وأحكامه.
فجاء مصطلح ((دار الكفر، ودار الحرب)) مقابل ((دار الإسلام))[30].
وجاء مصطلح ((دار أهل العدل)) مقابل ((دار أهل البغي الخارجين على الإمام))[31].
وجاء مصطلح ((دار العهد، ودار الأمان)) بحسب المعاهدات والعقود بين المسلمين وغيرهم، كما قد تتحول الدار من وصف إلى وصف، بحسب ما يطرأ عليها من أحوال...[32].
ولم أجد في النصوص الشرعية لفظ ((دار الحرب))، اللهم إلا في حديث مرسل عن مكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ((لا ربا بين المسلمين وأهل الحرب في دار الحرب))[33] الذي ستأتي الإشارة إلى معناه وحكمه مستقبلاً إن شاء الله.(220/8)
وقد عَرَّفَ الإِمام الكاساني)) دارَ الإسلام ودار الكفر)) بقوله: إنَّ قولَنا: دارُ الإسلام ودار الكفر: إضافة دارٍ إلى الإسلام وإلى الكفر، وإنما تضاف الدار إلى الإسلام أو إلى الكفر، لظهور الإسلام أو الكفر فيها، وظهور الإسلام والكفر، بظهور أحكامها فإذا ظهرت أحكام الكفر في دار، فقد صارت دار كفر، فصَحَّت الإضافة، ولهذا صارت الدار دارَ إسلام، بظهور أحكام الإسلام فيها، من غير شريطة أخرى، فكذا تصير دار الكفر بظهور أحكام الكفر فيها))[34].
وقال الكاساني أيضاص: ((ووجهُ قولِ أبي حنيفة – رحمه الله تعالى –: إن المقصود من إضافة الدار إلى الإسلام والكفر، ليس هو عين الإسلام والكفر، وإنما المقصود هو الأمن والخوف، ومعناه: أن الأمان إن كان للمسلمين فيها على الإطلاق، والخوف للكفرة على الإطلاق، فهي: ((دار إسلام))، وإن كان الأمان فيها للكفرة على الإطلاق والخوف للمسلمين على الإطلاق فهي: ((دار كفر))، والأحكام مبنيةٌ على الأمان والخوف، لا على الإسلام والكفر))[35].
((فأساس التفرقة بين)) دار الإسلام ودار الحرب أو الكفر عند الصاحبين)) أبي يوسف ومحمد ((ظهور أحكام الإسلام أو الكفر، وعند ((أبي حنيفة)) الأمن والخوف.
وعلى رأي الصاحبين: إن الأرض التي لا تقام فيها شريعة الله ليست دارَ إسلام، بل دار كفر ولو كان أهلها مسلمين.
وعلى رأي أبي حنيفة: إن الدار لا تعد ((دار حرب)) إذا عُطِّلَت فيها أحكام الإسلام، أو تمّ إلغاؤها، بل لابد من ملازمة انتفاء الأمان للمسلمين))[36].
كما عرف ((دار الإسلام)) الإمام السرخسي بقوله: ((دار الإسلام: اسم للموضع الذي يكون تحت يد المسلمين، وعلامة ذلك أن يأمن فيه المسلمون))[37].
وعرفها الأستاذ ((عبدالوهاب خلاف)) بأنها: ((الدار التي تجري عليها أحكام الإسلام، ويأمن من فيها بأمان المسلمين، سواء أكانوا مسلمين أو ذميين))[38].(220/9)
وكأن الإمام السرخسي، والأستاذ خلاف، حاولا أن يجمعا في تعريفهم لدار الإسلام بين قولي: الإمام أبي حنيفة وصاحبيه.
ب – ((دار الحرب، ودار العهد)):
هذا المصطلحان، يتبعان المصطلحين السابقين: ((دار الإسلام، ودار الكفر)).
لأن دار الكفر، إما أن يكون بينها وبين أهل الإسلام حرب، أو عهد، فيكون اسمها بحسب هذه الحال.
يقول الإمام ابن القيم – رحمه الله: ((الكفار: إما أهل حرب أو أهل عهد، وأهل العهد: ثلاثة أصناف: أهل ذمة، وأهل هدنة، وأهل أمان)). ثم قال: ((ولفظ)) (الذمة والعهد) يتناول هؤلاء كلَّهم في الأصل، وكذلك لفظ (الصلح)، فإن الذمة من جنس لفظ ((العهد والعقد)).
وأهل الذمة: قد عاهدوا المسلمين على أن يجرى عليهم حكم الله ورسوله، إذ هم يقيمون في الدار التي يجرى فيها حكم الله ورسوله، بخلاف ((أهل الهدنة)) فإنهم صالحوا المسلمين على أن يكونوا في دارهم، سواء كان الصلح على مال أو غير مال، لا تجري عليهم أحكام الإسلام كما تجري على أهل الذمة، لكن عليهم الكف عن محاربة المسلمين، وهؤلاء يسمون: ((أهل العهد، وأهل الصلح، وأهل الهدنة)).
وأما ((المستأمن)): فهو الذي يقدم بلاد المسلمين من غير استيطان لها..[39].
وعلى هذا يمكن تعريف ((دار العهد)) بأنها:
((الأرض التي يقيم فيها المعاهدون، دون تطبيق الشريعة الإسلامية عليهم)) كما فعل صلى الله عليه وسلم مع نصارى نجران، حيث عقد الصلح بينه وبينهم، وآمنهم على حياتهم، وفرض عليهم فريض مالية يدفعونها..
واختلفت أنظار الفقهاء في اعتبار ((دار العهد)) بعد العهد والصلح، فنقل الماوردي عن الإمام أبي حنيفة – رحمه الله – أنها بالصلح صارت ((دار إسلام))[40] وهذا منسجم مع أصله في اعتبار الأرض دار إسلام، إذا أمن فيها المسلمون على أنفسهم، ويتحقق هذا الأمان بالعهد.(220/10)
ويرى آخرون: بأنها قسم مستقل عن (دار الإسلام، ودار الحرب) إذ لم تتحقق فيها صفات كل من دار الإسلام أو الحرب، وإلى هذا ذهب الإمام ابن القيم – رحمه الله تعالى – كما سبقت الإشارة إليه.
ولعل هذا هو الأليق بالتقسيمات، لتمييَّزَ الدور بعضها عن بعض، فكلما ظهر مع مرور الزمن شكل من أشكال الأراضي لم تجتمع فيه الأوصاف والشروط السابقة، اصطلح على تسميته تسميةً خاصة تميزه عن غيره، إذ ليست التسميات السابقة في هذا المقام توقيفية.
وعلى هذا الأصل ينزل قول الإمام ابن تيمية – رحمه الله – حيث سئل عن ((ماردين)) عندما زال عنها الحكم الإسلامي واستولى عليها الكفرة، وبقي فيها مسلمون؟ فأجاب ((بأنها قسم ثالث يعامل المسلم فيها بما يستحقه، ويقاتل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه))[41].
3 – ما موقع البلاد الأوربية: الشرقية منها والغربية من هذه المصطلحات؟
لمّا كانت البلاد الأوربية بنوعيها: الشرقية والغربية، تختلف من حيث سبق دخول الإسلام فيها أو عدمه من جهة، وكان التحقيق في حال كل بلد منها يتطلب بحثاً تاريخياً دقيقاً، لا أتمكن منه في هذه العجالة من جهة أخرى. رأيت أن أؤصل الجواب في هذه المسألة مجرداً عن تطبيقه على جزء معين منها، تحرياً للدقة، وتأصيلاً يمكن الرجوع إليه في التطبيق.
وقد عرفنا سابقاً الصفات الأساسية لكل من بلاد الإسلام، وبلاد الكفر، وبلاد العهد، وبلاد الصلح... وبقي علينا هنا: أن نعرف مدى إمكانية تحول دار من وصف إلى وصف في نظر الفقهاء.
فإذا كان التحول من (دار كفر أو عهد) إلى (دار الإسلام)، فإن هذا التحول مقبول عند جميع العلماء، إذ هو الأصل في مفهوم الدعوة الإسلامية وواجباتها، فيعمل المسلمون على أن يكون الدين كله لله، بمعنى: أن يخضع الناس جميعاً لنظام الله في الأرض.
أما إذا كان التغير طارئاً على (دار الإسلام) نفسها، فتختلف نظرات الفقهاء إلى هذه القضية، ويمكن إجمال أقوالهم في عدة آراء:(220/11)
أ – رأي بثبات صفة الإسلام للدار، وعدم جواز تحول هذا الوصف، فلا يصح أن تصير دار الإسلام دار كفر أو حرب أو عهد... وهو منقول عن بعض الشافعية، يقول العلامة: البحبرمي الشافعي: ((إن دار الإسلام: هي الدار التي يسكنها المسلمون، وإن كان فيها أهل ذمة، أو فتحها المسلمون وأقروها بيد الكفار، أو كانوا يسكنونها (أي المسلمون) ثم جلاهم الكفار منها))[42].
ب – رأي آخر بعدم ثبات تلك الصفة، وجواز التحول بشروط متعددة: وهو ما ذهب إليه الإمام أبو حنيفة – رحمه الله تعالى – حيث اشترط لذلك التحول ثلاثة شروط:
1 - ظهور أحكام الكفر فيها.
2 - أن تكون متصلةً ومتاخمة لدار الكفر، بحيث يتوقع منها الاعتداء على دار الإسلام.
3 - أن لا يبقى فيها مسلم ولا ذمي آمنا على نفسه بالأمان الأول، وهو أمان المسلمين[43].
وبناء على هذا القول، يقول العلامة ابن عابدين – رحمه الله –: ((قلت: وبهذا ظهر أن ما في الشام من جبل (تيم الله) المسلمى بجبل الدروز، وبعض البلاد التابعة له، كلها ((دار إسلام))، لأنها وإن كانت لها حكام دروز أو نصارى، ولهم قضاة على دينهم، وبعضهم يعلنون بشتم الإسلام والمسلمين، لكنهم تحت ولاة أمورنا، وبلاد الإسلام محيطة ببلادهم من كل جانب، وإذا أراد ولي الأمر تنفيذ أحكامنا فيهم نفذها))[44].
وعلى هذا أيضاً تنزل فتوى الإمام الاسبيجابي الحنفي عندما سئل عن حكم الأراضي التي احتلتها التتار من البلاد الإسلامية، حيث بين ((أنها لا تزال من ((دار الإسلام))، وذلك لعدم اتصالها بدار الحرب، ولأن الكفرة لم يظهروا فيها أحكام الكفر، فقد ظل فيها القضاة من المسلمين..)).
ثم قال: ((وقد تقرر أن بقاء شيء من العلة يبقي الحكم، وقد حكمنا بلا خلاف بأن هذه الديار قبل استيلاء التتار عليها كانت ديار الإسلام، وأنه بعد الإستيلاء عليها بقيت فيها شعائر الإسلام: كالأذان والجمع والجماعات وغيرها.. فتبقى دار الإسلام))[45].(220/12)
ويؤيد هذا القول ابن عابدين – رحمه الله –: ((وظاهره: أنه لو أجريت أحكام المسلمين، وأحكام أهل الشرك، لا تكون دار حرب))[46].
جـ – ورأي ثالث: يجيز إمكان التحول من دار إسلام إلى غيرها بشرط واحد، وهو إظهار حكم الكفر فيها، وهو مذهب الصاحبين (أبي سوف، ومحمد) وقال عنه في ((رد المحتار)): ((وهو القياس))[47].
د – ورأي رابع: يجيز إمكان التحول عن دار الإسلام، مع التحفظ عن تسميتها بدار كفر أو عهد، بل يعدها صنفا جديداً له صفته الخاصة به، وحكمه المناسب له، وإليه ذهب الإمام ابن تيمية – رحمه الله – كما يظهر من جوابه عن واقع ((ماردين)) بعد احتلال الكفار لها، حيث يقول: ((وأما كونها دار حرب أو سلم، فهي مركبة، فيها المعنيان، ليست بمنزلة دار السلم التي تجري عليها أحكام الإسلام، لكون جندها[48] مسلمين، ولا بمنزلة دار الحرب التي أهلها كفار، بل هي قسم ثالث يعامل المسلم فيها بما يستحقه، ويقاتل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه))[49].
ويظهر من تتبع هذه الأقوال والفتاوى في هذه المسألة: أن أكثر العلماء والمفتين يميلون إلى القول الثاني الذي يشدد في شروط التحول من دار الإسلام إلى غيرها، وحرصاً منهم على بقاء هذا الوصف ما أمكن من جهة، وحيرة في إمكانية سلب هذا الوصف مع بقاء بعض مظاهر الإسلام وأحكامه فيها، من جهة أخرى.
والذي أميل إليه: أن ينظر إلى هذه البلدان نظرةً جديدة تتلاءم مع الأصول الشرعية، وتنسجم مع التطورات السياسية، فتسمى كل دار بما يناسبها من أسماء، مع إعطاء كل بلد حكمه المناسب من حيث جواز الإقامة فيه أو عدم جوازها، أو من حيث ما يجب على المسلمين المقيمين فيه، وما إلى ذلك من أحكام...(220/13)
وبهذا نبتعد عن إيحاء المصطلحات السابقة، وعما قد تسببه في مفاهيم بعض الناس اليوم، فكم فهم الناس اليوم خطأ أحكام دار الحرب، فطبقوها على كثير من بلاد الشرق والغرب!! وهم يعيشون فيها آمنين مطمئنين، يطبقون فيها أحكام الشرع على أنفسهم وأسرهم بحرية قد لا يجدون مثلها في بعض بلادهم الإسلامية!!
فاستباح بعضهم فيها بعض المحرمات، وخرج بعضهم على بعض أنظمتها وقوانينها باسم الإسلام وفقهه، والإسلام من ذلك براء!!
ولكم وقع بعضهم في استباحة ((الربا)) فيها متعللين بقول الإمام أبي حنيفة – رحمه الله – ((أن لا ربا بين المسلم والحربي في دار الحرب))!!
وقد غفل هؤلاء عن ضرورة مطابقة هذه المصطلحات للبلدان التي يقيمون فيها من جهة، وعن أن ((الربا)) الذي قال بجوازه الإمام أبو حنيفة في دار الحرب يختلف عن الربا الحالي القائم اختلافاً جذرياً لا يمكن معه القول بجوازه على جميع الأقوال[50]، من جهة أخرى.
ومن أمثلة المصطلحات الجديدة التي يطرحها بعض المفكرين اليوم، لتسمية ما يفقده المسلمون من بلادهم باستيلاء الكفار عليها، مصطلح ((دار الاسترداد)) لتشعر التسمية بأن أصل هذه الدار دار إسلام من جهة، كما تشعر بالواجب على المسلمين تجاهها من جهة أخرى، – كما هو الحال في الأندلس، وفلسطين وغيرها – وهو توجه حسن في رأيي.
ويحسن بنا في هذا المقام أن نشير إلى فتوى العلامة أبي زهرة – رحمه الله – لما تحدث عن الواقع الذي يعيشه المسلمون اليوم، وعن مدى إمكان وصف بلدان الشرق والغرب بدار حرب أو إسلام؟ قال: "إنه يجب أن يلاحظ أن العالم الآن تجمعه منظمة واحدة، قد التزم كل أعضائها بقانونها ونظمها، وحكم الإسلام في هذه: أنه يجب الوفاء بكل العهود والالتزامات التي تلتزمها الدول الإسلامية، عملاً بقانون الوفاء بالعهد الذي قرره القرآن الكريم، وعلى ذلك: لا تعد ديار المخالفين التي تنتمي لهذه المؤسسة العالمية (دار حرب) ابتداء، بل تعتبر دار عهد"[51].(220/14)
ومع تحفظي على بعض حيثيات هذه الفتوى وإطلاقها، أراها تؤكد وجهة نظري في ضرورة النظر إلى هذه البلدان، وهذا الواقع الجديد نظرة جديدة، تلاحظ العلاقات الدولية، وتحقق الأصول الشرعية، وتحدد الأحكام الشرعية، إذ المسألة من أصلها اجتهادية، فليس إماما لفقيه اليوم ما يمنع من ذلك.
كما أنه من الضروري اليوم أن تلاحظ طبيعة البلدان الإسلامية ملاحظة دقيقة ونحرر هوية حكامها الذين قد لا ينطلقون في عهدهم ومواثيقهم من واقع مصلحة الإسلام والمسلمين، أو يخضعون لبعض هذه العهود والمواثيق مكرهين، أو تبعاً لغيرهم..
كما يلاحظ أن ما عد ابتداء (دار عهد) قد يتغير وصفه والحكم عليه من واقع سلوكه وعدائه للمسلمين.
ولعل بهذه الملاحظة وغيرها يندفع إشكال الدكتور عارف خليل، حول فتوى الشيخ أبى زهرة – رحمه الله – حيث علق عليها فقال متعجباً: ((وعلى هذا الرأي، فإن ((إسرائيل)) تعتبر دار عهد يجب الوفاء لها، فإذا كانت هذه الدار دار عهد، فأين هي دار الحرب يا ترى؟!![52].
وتكفي في رأي هذه الملابسات المتعددة، لتأكد ضرورة التوقف عن إصدار أحكام فردية، في هذه المسائل الدقيقة، وترك هذه الفتاوى للمجامع الفقهية الموثوق بها، والاجتهادات الجماعية الضرورية.
4 – (( حكم وجود المسلمين في ديار الغرب، والطبيعة المفترضة لهذا الوجود:
جرت عادة الفقهاء أن يبحثوا حكم وجود المسلم في ديار الكفر في كتاب الجهاد، وباب الهجرة، والأصل الشرعي في هذه المسألة يعود إلى مثل قوله تعالى:(220/15)
{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا، إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً، فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوًّا غَفُورًا}[53].
ومثل قوله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: ((لا هجرة، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا))[54].
ومثل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث جرير بن عبدالله قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى ((خثعم))، فاعتصم ناس منهم بالسجود، فأسرع فيهم القتل، قال: فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر لهم بنصف العقل أي (الدية) وقال: ((أنا بريءٌ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين، قالوا: يا رسول الله لم؟ قال: لا تراءى نارهما))[55].
وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث سمرة رضي الله عنه: ((لا تساكنوا المشركين ولا تجامعوهم، فمن ساكنهم أو جامعهم فهو مثلهم))[56].
يقول الحافظ ابن حجر – رحمه الله – في شرح حديث: ((لا هجرةَ)): "فلا تجب الهجرة من بلد قد فتحه المسلمون، أما قبل فتح البلد، فمن به من المسلمين أحد ثلاثة: الأول: قادر على الهجرة منها، لا يمكنه إظهار دينه، ولا أداء واجباته، فالهجرة منه واجبة، الثاني: قادر لكنه يمكنه إظهار دينه، وأداء واجباته، فمستحبه لتكثير المسلمين بها، ومعونتهم، وجهاد الكفار، والأمن من غدرهم، والراحة من رؤية المنكر بينهم، الثالث: عاجز يعذر من أسر أو مرض أو غيره، فتجوز له الإقامة، فإن حمل على نفسه، وتكلف الخروج منها أجر"[57].(220/16)
ويقول الإمام الخطابي في شرح حديث ((لا تراءى ناراهما)): "فيه وجوه: أحدها: معناه: لا يستوي حكماهما، قاله بعض أهل العلم، وقال بعضهم: معناه: أن الله قد فرق بين داري الإسلام والكفر، فلا يجوز لمسلم أن يساكن الكفار في بلادهم، حتى إذا أوقدوا ناراً كان منهم بحيث يراها، وفيه دلالة على كراهة دخول المسلم دار الحرب للتجارة والمقام فيها أكثر من أربعة أيام... إلخ"[58].
ويقول الإمام ابن تيمية – رحمه الله – في جوابه عن حكم الإقامة في ((ماردين))، ومساعدة أعداء المسلمين فيها: "دماء المسلمين وأموالهم محرمة حيث كانوا في ((ماردين)) أو غيرها، والمقيم بها: إن كان عاجزاً عن إقامة دينه وجبت الهجرة عليه، وإلا استحبت ولم تجب، ومساعدتهم لعدو المسلمين بالأنفس والأموال محرمة عليهم، ويجب عليهم الامتناع من ذلك بأي طريق أمكنهم، من تغيب أو تعريض أو مصانعة، فإذا لم يمكن إلا بالهجرة، تعينت"[59].
ويقول العلامة ابن عبادين في حاشيته: "تتمة: ذكر في أول جامع الفصولين: كل مصر فيه وال مسلم من جهة الكفار، يجوز فيه إقامة الجمع والأعياد وأخذ الخراج، وتقليد القضاء، وتزويج الأيامى، لاستيلاء المسلم عليهم، وأما طاعة الكفرة فهي موادعة مخادعة. وأما في بلاد عليها ولاة كفار، فيجوز للمسلمين إقامة الجمع والأعياد، ويصير القاضي قاضياً بتراضي المسلمين، ويجب عليهم طلب وال مسلم"[60].(220/17)
هذه نماذج من أقوال علماء المسلمين في مسألة الإقامة في بلاد الكفر وأحكامها والذي أراه في المسألة: أنه لابد من تناول المسألة من وجه آخر اليوم، لأن المنع من الإقامة في بلاد الكفر، ووجوب أو استحباب الهجرة منها منوط بعدم تمكن المسلم من إقامة شعائر دينه من جهة، وبخوفه على نفسه أو الفتنة في دينه من جهة أخرى، علماً بأن بعض بلاد الكافرين اليوم أصبحت مهاجراً لكثير من المسلمين حيث وجدوا فيها الأمان على أنفسهم، والحرية في إقامة شعائر دينهم، أكثر مما وجدوها في بلادهم الإسلامية.
وعلى الرغم من حصول فتنة كثير من المسلمين المقيمين في تلك البلاد، الذي يشهد له واقع كثير من الجاليات الذائبة في تلك المجتمعات الغربية أو الشرقية، حتى إنه لم يبق لكثير من المسلمين من إسلامهم إلا الإسم. على الرغم من ذلك كله لا نستطيع أن نطلق حكم المنع من الإقامة فيها أو الجواز مطلقاً.
لأن العلاقة الدعوية التي تميز علاقة المسلمين بغيرهم – كما سبق معنا – تتطلب منا أن نفصل أنواع المسلمين المقيمين في تلك البلاد إلى ثلاثة أصناف[61]:
أ – صنف يقيم في بلاد الكفار من أجل القيام بالدعوة إلى الله.
ب – صنف يقيم في بلاد الكفار مضطراً تحت واقع معين، أو حاجة ملحة، للأمن على نفسه، أو لدراسة علم من العلوم، أو غير ذلك.
جـ – صنف يقيم في بلاد الكفار مختاراً، تفضيلاً لها على غيرها من الناحية الدنيوية فيأتيها تاجراً أو عاملاً، ويستوطن فيها..
وإن حكم كل صنف من تلك الأصناف الثلاثة في رأيي يختلف عن حكم الصنف الآخر.
فأما الصنف الأول: وهو صنف الدعاة الذين قدموا للدعوة.(220/18)
فإن إقامتهم في مثل هذه البلاد، إن لم نقل بوجوبها على بعض الدعاة وجوباً كفائياً، فلا أقل من أن نقول باستحبابها والندب إليها، واعتبارها من أفضل القُرُيات إلى الله عزوجل، ذلك لأن الأصل في حكم الدعوة إلى الله لا يخرج عن الوجوب، ولأن الحاجة الدعوية في مثل هذه البلاد حاجة مضاعفة، فالعمل الإسلامي الدعوي يقوم في مثل هذه البلاد على ثلاثة محاور هامة هي:
1 - محور دعوة الكافرين الأصليين من أصحاب هذه البلاد، وحقهم في الدعوة الإسلامية العالمية.
2 - محور دعوة الجاليات الإسلامية الكثيرة التي ذابت أو كادت في هذه المجتمعات وحاجتهم إلى الإنقاذ مما صاروا إليه.
3 - محور دعوة الوافدين المبتعثين لهذه البلاد من بلاد إسلامية لأغراض شتى وحاجتهم إلى الحفظ والصيانة والإحاطة من الفتنة.
ويكفي محور واحد من هذه المحاور لتأكيد ضرورة إقامة بعض الدعاة والعاملين في هذه البلدان، فكيف بالمحاور الثلاثة مجتمعة في آن واحد، وبأعداد كبيرة متجددة تفوق الحصر، وتتجاوز الإمكانات الفردية والجماعية!!
وأما الصنف الثاني: وهو صنف المضطرين للإقامة فيها بسبب من الأسباب:
فإن إقامة هذا الصنف، وإن كانت مما قد تبيحه الضرورات الشرعية والحاجات الملحة التي تبيح المحضورات – كما هي القاعدة الفقهية المشهورة – فإني أرى أن يقيد حكم الجواز فيها، بضرورة الاستفتاء الشرعي الخاص الذي يتعلق بكل صنف أو فرد من الناس يشعر بتلك الضرورة أو الحاجة، فلا يعمم الحكم فيه، ولا يترك تقدير الضرورات والحاجات فيه للأفراد واجتهاداتهم الشخصية.
ولا يخرج حال المسلم اليوم عن أحد حالين:
1 - حال يكون فيها فرداً ملتزماً بجماعة من الجماعات الإسلامية القائمة، فيكون مرجعه في حكم إقامته في بلاد الكفر، جماعته، وقيادته العلمية فيها.(220/19)
2 - حال يكون فيها فرداً غير ملتزم بجماعة معينة، فيكون مرجعه في ذلك أي عالم موثوق في دينه وعلمه، يعرض عليه حاله وحاجته أو ضرورته، ويلتزم بفتواه في هذه المسألة، كما يلتزم بفتواه فيما يسأله عنه من أمور دينه.. وبهذا يخرج كل من أصحاب الحالين عن الإثم في ذلك إن شاء الله تعالى.
أما الصنف الثالث: وهو صنف المختارين في إقامتهم في بلاد الكفر:
فلا أرى له سعة في الإقامة فيها، وهو يرى بعينيه الفتن القائمة من الشبهات والشهوات من جهة، ويشهد ضياع الضائعين، وذوبان الذائبين الذين سبقوه إلى هذه البلاد من جهة أخرى.
وعلى مثل هؤلاء، تنزل النصوص الشرعية العامة الناهية عن الإقامة بين ظهراني المشركين، وتطبق عليهم القواعد الفقهية المقررة: بأنه ما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب، وإن ما كان مقدمة للحرام فهو حرام، وأمثالها..
وحسبهم بعد ذلك قول الله عزوجل:
{قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلاَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}[62].
وفي الختام: أجد من المصلحة أن ألخص بعض نتائج هذا البحث العاجل في عدة نقاط:
1 - إن علاقة الدعوة تعد من أولى العلاقات التي تميز علاقة المسلمين بغيرهم في كل مكان، ولا سيما في المجتمعات غير الإسلامية، ومنها تنبثق العلاقات والخصائص الفرعية الأخرى..
2 - لابد من التحفظ اليوم من تطبيق بعض مصطلحات القانون الدولي الإسلامي العام التي وضعها علماؤنا السابقون، من أمثال ((دار الإسلام، ودار الكفر، ودار الحرب، ودار العهد..)) على واقع البلدان اليوم، وذلك لاختلاف طبيعة العلاقات الإسلامية وتطورها من عصر إلى عصر من جهة، ولتعقد أوصاف البلدان اليوم، وتداخل الصفات فيها من جهة أخرى..(220/20)