سلسلة بحوث وتحقيقات مختارة من مجلة الحكمة (24)
بقلم
يحيى بن عبد الرحمن الخطيب
Almodhe1405@hotmail.com
almodhe@yahoo.com
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فقد اعتنى الإسلام بالمرأة الحامل، وعمل على حمايتها وحفظ جنينها؛ وذلك من خلال التشريعات المختلفة التي راعت ما للحامل من خصوصية، استدعت استثناءها من بعض الأحكام الشرعية، لسببين رئيسيين:
الأول: ضعف بنيتها، والمشاق التي تتحملها بسبب حملها، والذي قد يضعفها عن القيام بكافة التكاليف الشرعية.
الثاني: الجنين الذي تحمله في بطنها فهو شديد التأثر والحساسية للبيئة المحيطة به، وينبغي العناية به والحفاظ على حياته.
وتظهر أهمية الموضوع مما يلي:
1- لم أجد في هذا الموضوع بحثًا مستقلاً شاملاً، يجمع شتات مسائله، بل هناك بحوث جزئية تناولت بعض المباحث التي طرقتها في بحثي.
2- مع تقدم الطب، كان لزامًا على العلماء والباحثين، مراجعة الاجتهادات الفقهية التي أظهر فيها الطب حقائق جديدة.
الفصل الأول
الأحكام المتعلقة بالعبادات للمرأة الحامل
المبحث الأول : الدم الذي تراه الحامل:
ينبغي قبل الولوج في موضوع الدم الذي تراه الحامل أن أعرض لتعريف الدماء التي تصيب المرأة.
أولاً : تعريف الحيض في اللغة والاصطلاح:
مصدر حاضت المرأة تحيضُ حيضًا ومحيضًا. قال المبرد: "سمي الحيض حيضًا من قولهم: حاض السيل إذا فاض" (1).
ثانيًا: الحيض في اصطلاح الفقهاء:
الحيض: اسم لدم خارج من الرحم لا يعقب الولادة مقدر بقدر معلوم في وقت معلوم (2).
وعرفه ابن العربي: بأنه عبارة عن الدم الذي يرخيه الرحم فيفيض.
__________
(1) ابن منظور "لسان العرب" الطبعة الأولى، دار صادر: (7/142، 143)
(2) الكاساني، علاء الدين أبو بكر بن مسعود الكاساني "بدائع الصنائع" الطبعة الثانية، دار الكتاب العربي: (1/39).(1/1)
ثالثاً: تعريف الحيض عند الأطباء:
1- عرفته الموسوعة الطبية الحديثة بأنه: "دورة بالمرأة تتميز بخروج دم من المهبل كان معدًا في الرحم لا ستقبال حمل لم يحدث" (1).
وأضافت : "أنه في اليوم الرابع عشر من دورة الحيض تحدث الإباضة، فينخفض مستوى الإيسترين في الدم إذا لم يتم الإخصاب، فتنقبض شرايين الرحم وتتمزق بطانتها، وتخرج مع دم الحيض من المهبل مكونة ما يسمى بالطمث" (2).
وأضافت الموسوعة الطبية العربية أنه: "ينقطع الحيض في أثناء الحمل، وفي مدة الإرضاع أو جزء منها" (3).
تعريف الاستحاضة:
المستحاضة: هي التي ترى الدم في أثر الحيض على صفة لا تكون حيضًا، وعرف الفقهاء الاستحاضة: بأنها الدم الخارج في غير أيام الحيض والنفاس (4).
وجاء في توصيات الندوة الثالثة للفقه الطبي المنعقدة في الكويت: أن كل دم مرضي غير سويّ استحاضة. وعُرّفت الاستحاضة طبيًا: "الدم المرضي غير السوي وأسبابها المرضية شتى". وهذا يتفق مع ما قرره كثير من الفقهاء: من أن كل ما ليس دم جبلة فهو استحاضة(5).
أراء الفقهاء في الحامل إذا رأت الدم:
اختلف الفقهاء قديمًا وحديثًا بشأن الحامل إذا رأت الدم أثناء الحمل على رأيين:
__________
(1) نخبة من العلماء "الموسوعة الطبية الحديثة" ترجمة مجموعة من الأطباء والخبراء العرب، الناشر: مؤسسة سحل العرب القاهرة: (3/566).
(2) المرجع السابق: (3/567).
(3) د. عبد الحسين بيرم "الموسوعة الطبية العربية" مطبعة دار القادسية: (ص 132).
(4) الحسيني، أبو بكر بن محمد الحصني: "كفاية الأخبار" الطبعة الثانية، دار المعرفة: (1/46).
(5) د. عمر الأشقر، الحيض والنفاس والحمل: (ص 35).(1/2)
الرأي الأول: يرى المالكية (1) والشافعي في الجديد (2) وهو المعتمد ففي المذهب أن ما تراه الحامل من دم هو حيض تدعُ له الصلاة.
الرأي الثاني: يرى الأحناف (3) والحنابلة (4) أن ما تراه من دم أثناء الحمل ليس بحيض، وإنما هو دم فساد، فلا تدع له الصلاة. وروي ذلك عن عائشة وابن عباس وثوبان، وهو قول جمهور التابعين، منهم سعيد بن المسيب وعطاء والحسن وجابر بن زيد وعكرمة ومحمد بن المنكدر والشعبي ومكحول وحماد والثوري والأوزاعي وأبو ثور وسليمان بن يسار وعبيد الله بن الحسن.
أدلة القولين:
استدل القائلون بأن ما تراه الحامل من دم هو دم حيض بالأدلة التالية:
1- إطلاق الآية: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: من الآية222]، وإطلاق الأخبار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (5).
2- حديث فاطمة بنت أبي حبيش أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا كان دم الحيضة فإنه دم أسود يعرف" (6) فقد أطلق، ولم يفصل بين الحامل والحائل (7).
3- ما روي عن عائشة: أنها سئلت عن الحامل ترى الدم اتصلي؟ قالت: "لا تصلي حتى يذهب عنها الدم" (8).
__________
(1) الخرشي، محمد الخرشي المالكي "الخرشي على مختصر خليل مع حاشية العدوي"، دار الكتب الإسلامي: (1/205).
(2) الشربيني، مغني المحتاج: (1/293).
(3) ابن الهمام، شرح فتح القدير: (186).
(4) البهوتي، كشاف القناع: (1/2102).
(5) الشربيني، مغني المحتاج: (1/293).
(6) رواه أبو داود في سننه في كتاب الطهارة، باب من قال: إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة، الطبعة الأولى، دار الحديث – بيروت (1969م): (1/197)، ورواه النسائي في سننه في كتاب الحيض والاستحاضة الفرق بين دم الحيض والاستحاضة، طبعة دار الريان: (1/185).
(7) الرافعي، فتح العزيز (مطبوع مع المجموع): (2/577).
(8) مالك، المدونة: (1/155).(1/3)
4- لأنه دم في أيام العدة بصفة الحيض وعلى قدرة، فجاز أن يكون حيضًا، كدم الحامل والمرضع (1).
استدل القائلون بأن ما تراه الحامل ليس دم حيض بالأدلة التالية:
1- حديث أبي سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة" (2)، فجعل وجود الحيض علمًا على براءة الرحم، فدل ذلك على أنه لا يجتمع معه (3)، ولو قلنا: الحامل تحيض لبطلت دلالته (4)؛ لأنه لا يكون حينها للتفريق بين الحامل والحائل معنى.
2- حديث سالم عن أبيه: أنه طلق امرأته وهي حائض، فسأل عمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرًا أو حاملاً" (5). فجعل الحمل علمًا على عدم الحيض كما جعل الطهر علمًا على الحيض (6).
قال الإمام أحمد "فأقام الطهر مقام الحمل". والله عز وجل يقول: { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } [الطلاق: من الآية1].
أي بالطهر في غير جماع (7). وحيث قال عليه الصلاة والسلام: "ليطلقها طاهرًا أو حاملاً"، فإنه أجاز له الطلاق في كل أوقات الحمل، واعتبار الحامل تحيض يتعارض مع هذا الجواز.
__________
(1) الرافعي، فتح العزيز (مطبوع مع المجموع) (2/577).
(2) أبو داود: سليمان بن الأشعث السجستاني سنن أبي داود مع معالم السنن: كتاب النكاح، باب في وطء السبايا (2157): (2/614). بتحقيق شعيب الأرناؤوط وعبد القادر الأرناؤوط، وقالا عنه صحيح لغيره.
(3) ابن قدامة، المغني: (1/361).
(4) الرافعي، فتح العزيز (مطبوع مع المجموع): (2/576).
(5) صحيح مسلم ، كتاب الطلاق، باب تحريم طلاق الحائض: (2/1095). وأحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، رواه في مسنده ، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت (1993م): (2/36).
(6) ابن قدامة، المغني: (1/362).
(7) الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، جامع البيان، دار الفكر: (28/129).(1/4)
رد القائلين بأن الحامل لا تحيض على الفريق الآخر:
1- أما استدلالهم بحديث فاطمة: (فإنه أسود يعرف)، وأنه دم في أيام العادة وعلى قدره، مع وقوع ذلك ونكرره، فيرد عليه من وجوه:
أ- أنكم تقرون أن دم الاستحاضة في الغالب أحمر رقيق مشرق، وربما تغير دم الحيض إلى الحمرة، ودم الاستحاضة إلى السواد (1)، ولا يمنع أن يكون الحيض موصوفًا بهذه الصفة مع السلامة. وأنكم رجعتم إلى التفريق بينهما: بأن دم الحيض يخرج من قعر الرحم، ودم الاستحاضة يسيل من العاذل، وأنكم تعتبرون – أي الشافعية – الدم إن نقص عن يوم وليلة أو زاد عن خمسة عشر، دم استحاضة وفساد، وإن كانت صفة الحيض، فليست الصفة الظاهرة إذًا دليلاً كافيًا للحكم بأنه حيض.
ب- ليس الوقوع دليلاً كافيًا للحكم بأنه حيض. وإن كان الدكتور محمد البار قد ذكر أن خمس نساء من كل ألف امرأة يحضن في الأشهر الأولى للحمل، فهذا حيض كاذب؛ لأنه في ضوء المعطيات الطبية لا يصح اعتباره حيضًا؛ لاختلاف طبيعة الرحم بين الحامل وغير الحامل. بالإضافة لتعدد أسباب نزول الدم على الحامل، ومنها:
1- نزيف لعدة أسباب مرضية.
2- الحمل خارج الرحم، ويكون عادة مصحوبًا بآلامك في البطن، وهبوط الضغط، وهي حالة تستدعي جراحة فورًا.
3- الرحى الغددية (الحمل العنقودية): وهو غير طبيعي، وهو عبارة عن كتل من الخلايا لها قدرة على الانتشار داخل الرحم، وذو خطورة على حياة الأم، ويجب التخلص من هذا الحمل بأسرع وقت يمكن، حفاظًا على صحة الأم (2).
1- وأما استدلالهم بما روي عن عائشة: "أن المرأة إذا رأت الدم إنها لا تصلي".
__________
(1) الماوردي، الحاوي: (1/388).
(2) بحث الندوة الثالثة: (ص 438، 439).(1/5)
فيجاب عنه: بأنه قد وردت روايات كثيرة عنها رضي الله عنها: إن الحامل لا تحيض، وأنها تغتسل وتصلي، وقد وجّه ابن قدامة هذه الروايات: بأنه يحمل قولها على الحبلى التي قاربت الوضع جمعًا بين قوليها. فإن الحامل إذا رأت الدم قريبًا من ولادتها، فهو نفاس تَدَعُ له الصلاة (1).
الرأي الراجح:
بعد استعراض رأي الفريقين وأدلتهم والاستناد إلى الأبحاث الطبية الحديثة، يتبين صحة رأي القائلين بأن الحامل لا تحيض، فما تراه من دم هو دم فساد وعلة. ففي العلم البيولوجي يطلقون عليه الحيض الكاذب، حتى لو كان في موعده، ويحيل نزول الدم إلى أسباب عصبية وظيفية فحسب (2).
وإن النظر العميق في الأدلة الثابتة الصحيحة يؤكد أن الحمل نفيض للحيض، فهما لا يلتقيان. وإن الدماء التي قد تنزل على المرأة أثناء حملها تتنوع أسباب المرضية، وإن كان ظاهرها أنه دم وافق عادة المرأة قبل حملها.
المبحث الثاني: صلاة الحامل:
أجمع أهل العلم على أن الصلوات الخمس تجب على الذكور والإناث من المسلمين. ومنهم المرأة الحامل بشرط أن يكونوا بالغين عاقلين.
فلا يجوز للحامل أن تترك الصلاة بسبب حملها بإجماع أهل العلم، ولا تسقط الصلاة بحال (3)
قد يشق على الحامل أداء كل صلاة في وقتها، فإن بعض الحوامل يثقل عليهن الحمل، ويضعفن عن الطهارة لكل صلاة في وقتها، فهل يجوز للحامل الجمع بين الصلاتين؟
__________
(1) ابن قدامة، المغني: (1/362).
(2) د. أمين رويحة "المرأة في سن الإخصاب وسن اليأس" الطبعة الأولى. دار القلم، بيروت (1974م): (ص 58).
(3) النووي، يحيى بن شرف النووي "روضة الطالبين" الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت (1992م): (1/343).(1/6)
ولبيان حكم الجمع بين الصلاتين للحامل، لا بد من بيان الأصل الذي يستند إليه هذا الحكم، وهو الجمع لعذر المشقة والضعف، حيث إن الحمل هو نوع مشقة للمرأة، وهو موجبٌ لضعفها، وقد يؤدي إلزامها بأداء كل صلاة في وقتها وما يتبع ذلك من طهارة إلى تحملها تكليفًا فوق طاقتها، يعجزها عن القيام به حق القيام.
اختلف العلماء في الجمع بين الصلاتين؛ لعذر المشقة والضعف في الحضر على قولين:
القول الأول: لا يجوز الجمع بين الصلاتين؛ لعذر المشقة والضعف في الحضر. وهذا قول جمهور الفقهاء الحنفية (1) والمالكية (2) والشافعية وأكثر الفقهاء (3).
القول الثاني: يجوز الجمع بين الصلاتين؛ لعذر المشقة والضعف في الحضر. وهذا قول الحنابلة (4)، والقاضي حسين (5)، وهو مضمون قول جماعة من المحدثين والأئمة، ولكنهم اشترطوا ألا يتخذ ذلك عادة أو ضابط العذر المجيز للجمع هو المشقة البالغة التي تشوش على النفوس في تصرفها لعدم إطاقتها، وليس المقصود بذلك المشقة المعتادة المألوفة؛ لأنها ملازمة لجميع التكاليف الشرعية، إذ لو خلا العمل المطلوب شرعًا عن كلفة (وهي نوع مشقة) لما سمي تكليفًا . (6)
الأدلة:
استدل أصحاب القول الأول بما يلي:
__________
(1) لا يجيز الأحناف الجمع في غير عرفة ومزدلفة. انظر: ابن الهمام شرح فتح القدير: (2/31).
(2) الدسوقي، حاشية الدسوقي: (1/372).
(3) الشربيني، مغني المحتاج: (1/534).
(4) البهوتي، كشاف القناع (2/6)، وابن تيمية، مجموع الفتاوي: (24/28).
(5) النووي، روضة الطالبين: (1/401)، والنووي، شرح صحيح مسلم: (5/218).
(6) نزيه حماد: "معجم المصطلحات الاقتصادية في لغة الفقهاء" الطبعة الأولى، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، (1993م) : (ص 250).(1/7)
أولاً : حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: "أن جبريل عليه السلام أمّ النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة يومين متتاليين، بيّن له في أولها أوّل الأوقات وفي ثانيهما آخرهما وقال له: ما بين هذين الوقتين وقت" (1) ووجه الدلالة في هذا الحديث: بيان جبريل عليه السلام لأول الأوقات وآخرها، وقوله: "بين هذين الوقتين وقت"، يقتضي عدم جواز إخراج الصلاة عن وقتها تقديمًا أو تأخيرًا لما في هذا البيان من الحصر ليمتنع الجمع بين الصلاتين؛ لأنه إخراج أحدهما عن وقتها. (2)
مناقشة هذا الاستدلال:
قد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : أمر سهلة بنت سهيل، وحمنة بنت جحش لما كانتا مستحاضتين بتأخير الظهر وتعجيل العصر، والجمع بينهما بغسل واحد، فأباح لهما الجمع؛ لأجل الاستحاضة، وأخبار المواقيت مخصوصة بالصور التي أجمعنا على جواز الجمع فيها، فيخص منها محل النزاع بما ذكرنا (3).
واستدل أصحاب القول الثاني بما يلي:
أولاً: حديث ابن عباس عن طريق حبيب بن أبي ثابت: "جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر" قيل لابن عباس: لم فعل ذلك؟ قال: "كي لا يحرج أمته"(4).
__________
(1) سنن النسائي، في كتاب المواقيت، باب آخر وقت العصر: (1/255، 256). سنن الترمذي، في أبواب الصلاة، باب ما جاء في مواقيت الصلاة: (1/281). وقال عنه الترمذي: هذا حديث حسن.
(2) مشهور حسن، الجمع بين الصلاتين في الحضر بعذرؤ المطر: (102).
(3) ابن قدامة، المغني: (2/277).
(4) صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافر وقصرها، باب الجمع بين الصلاتين في الحضر: (1/490، 491).(1/8)
وجه الدلالة من الحديث: أنه يحمل على الجمع بعذر المرض أو نحوه مما هو في معناه من الأعذار، وقال النووي: "وهذا قول أحمد بن حنبل، وهو المختار في تأويله لظاهر الحديث، ولفعل ابن عباس وموافقة أبي هريرة " (1).
الترجيح:
يظهر للباحث بعد استعراض الأدلة للفريقين ومناقشتها: أن الراجح هو قول القائلين بجواز الجمع بين الصلاتين؛ لعذر المشقة والضعف في الحضر، وذلك لقوة أدلتهم، وضعف استدلالات مخالفيهم، وقد قال الإمام أحمد في حديث ابن عباس: "هذا عندي رخصة للمريض والمرضع" (2). ويجوز أن يتناول من عليه مشقة من أشباههما (3)، والحامل يجوز لها الجمع إذا احتاجت إليه، إن كانت تلاقي مشقة فبتفريق الصلاة، وبعض الحوامل يجهدها الحمل، ويصعب عليها التطهر لكل صلاة، ومعروف عند الفقهاء أن المشقة تجلب التيسير، والله عز وجل يقول: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } [الحج: من الآية78] ، فلا بأس أن تجمع وهذا من باب التخفيف الذي تميزت به شريعتنا الإسلامية الغراء.
المبحث الثالث: صوم الحامل والمرضع في رمضان:
اتفق أهل العلم على أن الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما، أو خافتا على أنفسهما وولديهما، فلهما الفطر، وعليهما القضاء فحسب؛ لأنهما بمنزلة المريض الخائف على نفسه (4) .
__________
(1) النووي، شرح مسلم: (5/218، 219).
(2) ابن قدامة، المغني: (2/277).
(3) المرجع السابق: (2/278).
(4) ابن الهمام، فتح القدير: والهداية: (2/355)، وابن قدامة، المغني: (3/139).(1/9)
وإذا خافت الحامل والمرضع بسبب صيامهما على ولديهما فقط. بحيث يضر الصوم بالولد، فماذا يترتب عليهما إذا أفطرتا؟ وضابط الضرر المجيز للإفطار يعرف بغلبة الظن بتجربة سابقة، أو إخبار طبيب مسلم حاذق عدل، يثبت بمقتضاها الخوف من أن يفضي الرضاع أو الحمل إلى نقص العقل أو الهلاك أو المرض، وليس المراد من الخوف مجرّد التوهم والتخيّل (1).
وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة، وذلك على أقوال:
القول الأول: أن الحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما فقط، فعليهما القضاء والفدية، وهذا مذهب الشافعية في الراجح المعتمد من مذهبهم (2). وهو مذهب الحنابلة (3). وبه قال مجاهد، وروي ذلك عن ابن عمر وابن عباس وعطاء (4).
القول الثاني: أن الحامل عليها القضاء وليس عليها الفدية، وأما المرضع فإن عليها القضاء والفدية. وهذا مذهب المالكية، وبه قال الليث(5).
القول الثالث: أن الحامل والمرضع عليهما الفدية فقط، وليس عليهما القضاء، وهذا مروي عن ابن عباس، وعدد من التابعين.
__________
(1) عقلة، محمد عقلة "الصيام محدثاته وحوادثه"، دار البشير – عمان (1989م): (ص 210).
(2) الشربيني، مغني المحتاج: (2/174).
(3) البهوتي، كشاف القناع: (2/313).
(4) ابن عبد البر، يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر: الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار، الطبعة الأولى، دار قتيبة – دمشق وبيروت، ودار الوعي – حلب والقاهرة – توثيق وتخريج عبد المعطي أمين قلعجي (1993م): (10/223). قال الماوردي: والصحيح عن ابن عمر: الإطعام ولا قضاء، وسيشار له. ابن عبد البر "الاستذكار".
(5) تقريرات محمد عليش مع الشرح الكبير، دار الفكر بدمشق، بدون ذكر رقم الطبعة وتاريخها: (1/ 535).(1/10)
القول الرابع: أن الحامل والمرضع لا يجب عليهما القضاء ولا الفدية. وهذا مذهب ابن حزم الظاهري (1).
القول الخامس: التخيير، فإن شاءت الحامل والمرضع أن تطعما، ولا قضاء عليها، وإن شاءتا قضتا، ولا إطعام عليهما. وهذا قول اسحق بن راهوية (2) .
القول السادس: أن الحامل والمرضع عليهما القضاء فقط، ولا فدية عليهما. وهذا مذهب الحنفية (3)، وهو قول الشافعي، والمزني من الشافعية (4)، وروي ذلك عن الحسن البصري وإبراهيم النعي والأوزاعي وعطاء والزهري وسعيد بن جبير والضحاك وربيعة والثوري وأبو عبيد وأبو ثور، وأصحاب الرأي وابن المنذر، وروي عن الليث، وهو قول الطبري (5).
الأدلة:
استدل أصحاب القول الأول بما يلي:
__________
(1) ابن حزم ، علي بن أحمد بن سعيد بن حزم "المحلى"، دار الكتب العلمية – بيروت، (1988م): (4/410).
(2) البغوي، الحسين بن مسعود الفراء البغوي، شرح السنة. تحقيق شعيب أرناؤوط. المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى، بيروت (1974م): (6/316).
(3) ابن الهمام فتح القدير مع الهداية: (2/355).
(4) الماوردي، الحاوي: (3/437).
(5) ابن عبد البر، الاستذكار: (10/222)، والبغوي، شرح السنة: (6/316).(1/11)
أولاً : قوله تعالى: { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: من الآية184] والحامل والمرضع داخلتان في عموم الآية (1). لأنهما ممن يطيق الصيام، فوجب بظاهر الآية أن تلزمهما الفدية (2)، ويؤيده قول ابن عباس في الآية: "كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصيام، أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكينًا، والحبلى والمرضع إذا خافتا. قال أبو داود: - يعني على أولادهما – وأطعمتا" (3). وروي ذلك عن ابن عمر، ولا مخالف لهما في الصحابة(4).
الرد على الاستدلال:
ذهب عامة الصحابة والمفسرين إلى أن الآية: { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } [البقرة: من الآية184] منسوخة، فكان المطيق للصوم في الابتداء مخيرًا بين أن يصوم وبين أن يفطر، ويفدي فنسخها قوله تعالى: { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: من الآية185]. يروي ذلك عن ابن عمر وسلمة بن الأكوع (5).
واستدل أصحاب القول الثالث بما يلي:
__________
(1) ابن قدامة، المغني: (3/140).
(2) الماوردي، الحاوي: (3/437).
(3) سنن أبي داود كتاب الصوم، باب من قال، هي مثبتة للشيخ والحبلى: (2/738، 739)، قال الألباني عن الحديث: شاذ. محمد ناصر الدين الألباني، ضعيف سنن أبي داود، المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى – بيروت، (1991م).
(4) ابن قدامة، المغني: (3/140).
(5) صحيح البخاري: كتاب التفسير، باب فمن شهد منكم الشهر فليصمه: (4/1638، 1639).(1/12)
قراءة ابن عباس: { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } [البقرة: من الآية184] قال ابن عباس: "ليست بمنسوخة، هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة، لا يستطيعان أن يصوما، فيطعمان مكان كل يوم مسكينًا"، فعلى قراءة ابن عباس فلا نسخ؛ لأنه يجعل الفدية على من تكلف الصوم، وهو لا يقدر عليه فيفطر ويُكفِّر، وهذا الحكم باق (1).
ومعنى قراءة ابن عباس: يكلفونه مع المشقة اللاحقة لهم، والحامل والمرضع يتكلفون الصيام مع المشقة وقد تناولتهما الآية، وليس فيها إلا إطعام (2).
الرد على هذا الاستدلال:
1- قراءة ابن عباس: "يطوِّقونه" قراءة شاذة لا يحل لأحد أن يقرأ بها، وإن رويت وأسندت، والقراءة الشاذة لا ينبني عليها حكم؛ لأنه لم يثبت لها أصل (3). وقراءة كافة المسلمين هي: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ } وعلى ذلك خطوط مصاحفهم، وهي القراءة التي لا يجوز لأحد من المسلمين خلافها؛ لنقل جميعهم تصويب ذلك قرنًا عن قرن (4) .
2- أن قوله تعالى: { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} . منسوخة بقول أكثر المفسرين والعلماء، قال ابن حجر بعد أن أورد رأي ابن عباس بعدم نسخ الآية: "هذا مذهب ابن عباس وخالفه الأكثر"(5).
استدل ابن حزم بأن : الفقهاء لم يتفقوا على إيجاب القضاء، ولا على إيجاب الإطعام فلا يجب شيء من ذلك، إذ لا نص في وجوبه ولا إجماع (6).
الرد على هذا الاستدلال:
__________
(1) ابن حجر، فتح الباري: (8/29).
(2) ابن قدامة، المغني: (3/140).
(3) ابن العربي، محمد بن عبد الله المعروف بابن العربي "أحكام القرآ،" دار الجيل – بيروت، (1987م)، تحقيق محمد البجاوي: (1/79). وابن حزم، المحلي: (4/414).
(4) الطبري، جامع البيان: (2/132).
(5) ابن حجر، فتح الباري: (8/9).
(6) ابن حزم ، المحلي: (4/410).(1/13)
إن مجرد الاختلاف لا يسقط الدليل. بل يؤخذ برأي صاحب الدليل الأقوى، ولو كان كل خلاف بين الفقهاء يحكم بسببه على الحكم المستند للدليل بالإسقاط، لما استقام حكم شرعي إلا القليل.
واستدل أصحاب القول السادس بما يلي:
أولاً: حديث أنس بن مالك الكعبي: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة، وعن الحامل أو المرضع الصوم أو الصيام ) (1). قال عنه الترمذي: حديث حسن،
والعمل على هذا عند أهل العلم، أن الحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما تفطران وتقضيان (2).
وظاهر الحديث يقتضي أن يفطرا ويقضيا خاصة؛ لأن الصوم موضوع عنهما كوضعه عن المسافر إلى عدة أخرى، بينما ظاهر القرآن يقتضي في من أطاق الصوم أن يطعم ولا يصوم (3).
ومعنى الحديث أنه وضع عن الحامل والمرضع الصوم ما دامتا عاجزتين عنه، حتى تطبقا فتقضيا.
الترجيح:
بعد استعراض آراء الفقهاء وأدلتهم يظهر لي أن الراجح هو وجوب القضاء فقط على الحامل والمرضع، دون الفدية؛ لقوة أدلة أصحاب هذا القول، وضعف أدلة أصحاب الأقوال الأخرى. وهذا في حال قَدِِرَتْ الحامل والمرضع على القضاء، فإن لم تقدر على القضاء وعجزت عنه، فإنه ينتقل إلى البدل، وهو الفدية عن كل يوم إطعام مسكين.
__________
(1) رواه أحمد في مسنده: (4/374)، والترمذي في سننه في كتاب الصوم، باب ما جاء في الرخصة في الإفطار للحبلي والمرضع: (3/94)، والنسائي في سننه في كتاب الصيام، باب وضع الصيام عن الحبلى والمرضع: 4/190)، واللفظ للترمذي.
(2) سنن الترمذي: (3/95).
(3) ابن العربي، محمد بن عبد الله المعروف بابن العربي المالكي "عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي" دار العلم للجميع – سوريا – بدون ذكر رقم الطبعة وتاريخها : (3/238).(1/14)
مع ملاحظة أنه ليس للحامل والمرضع أن تفطر إلا إذا لم تطيقا الصوم إلا بجهد ومشقة مضرة بهما، وكل من أطاق الصوم بدون مشقة تضر به فالصوم واجب عليه (1).
الفصل الثاني
الأحكام المتعلقة بالأحوال الشخصية للمرأة الحامل
المبحث الأول: نكاح الحامل من الزنا:
حكم الزواج بالزانية:
اختلف الفقهاء في حكم الزواج بالزانية على ثلاثة أقوال:
القول: إنه لا حرمة للزنا في وجوب العدة منه، سواء كانت حاملاً من الزنا أو حائلاً، وسواء كانت ذات زوج، فيحل للزوج أن يطأها في الحال، أو كانت خلية عن زوج، فيجوز للزاني وغيره أن يستأنف العقد عليها في الحال، حاملاً كانت أو حائلاً، غير أنه يكره له وطؤها في حال حملها حتى تضع. وهذا مذهب الشافعية (2).
القول الثاني: إنه إذا كانت المزني بها غير حامل، صح العقد عليها من غير الزاني ومن الزاني، وأنها لا تعقد، وذلك اتفاقًا في مذهب الحنفية، فإن نكحها الزاني نفسه حل له وطؤها عند الحنفية اتفاقًا، والولد له إن جاءت به بعد النكاح لستة أشهر، فلو كان لأقل من ذلك لا يثبت النسب، ولا يرث منه، إلا أن يقول: هذا الولد مني، ولا يقول من الزنا، وأما إن كانت المزني بها حاملاً، جاز نكاحها عند أبي حنيفة ومحمد، ولكن لا يطأها حتى تضع (3).
__________
(1) ابن عبد البر، الاستذكار: (10/317).
(2) الشربيني، مغني المحتاج: (5/84).
(3) ابن الهمام، شرح فتح القدير: (3/241، 242).(1/15)
القول الثالث: إن الزانية لا يجوز نكاحها، وعليها العدة من وطء الزنا بالإقرار إن كانت حاملاً، ووضع الحمل إن كانت حاملاً، فإن كانت ذات زوج حرم عليه وطؤها حتى تنقضي عدتها بالإقرار أو الحمل، وهذا قول ربيعة والثوري والأوزاعي وإسحاق، وهو مذهب المالكية والحنابلة (1). وتستبرأ عند المالكية بثلاث حيضات، أو بمضي ثلاثة أشهر (2). وعند الإمام أحمد أنها تستبرأ بثلاث حيضات، ورأي ابن قدامة: أن يكفي استبراؤها بحيضة واحدة، وهو ما أيده ابن تيمية ونصره بقوة. واشترط الحنابلة شرطًا آخر لحل زواج بالزانية، وهو توبتها من الزنا (3).
الأدلة:
استدل أصحاب القول الأول، وهم الشافعية بما يلي:
أولاً: قوله تعالى: { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } [النساء: من الآية24] فهي على عمومها في العفيفة والزانية (4).
مناقشة هذا الاستدلال:
إن عموم الآية يخصصه آيات وأحاديث أخرى حرمت نكاح الزانية. وأما اعتبار الحديث نصًا في عدم تحريم الزنا للنكاح، فإن النص عند الأصوليين، هو اللفظ الذي يدل على معناه المقصود أصالة من سوقه مع احتمال التأويل (5). فهل سيق هذا الحديث على معناه المقصود أصالة؟ ليس هناك دليل على ذلك.
ثانيًا: أنه منتشر في الصحابة بالإجماع، فقد روي ذلك عن أبي بكر وعمر وابن عمر وابن عباس وجابر رضي الله عنهم، فقد روي عن أبي بكر قوله: "إذا زنى رجل بامرأة لم يحرم عليه نكاحها" (6).
مناقشة هذا الدليل:
__________
(1) الدردير، الشرح الصغير: (2/410، 2/717). والبهوتي، كشاف القناع: (5/83).
(2) الدردير، الشرح الصغير: (2/410).
(3) البهوتي، كشاف القناع: (5/83) وابن تيمية، مجموع الفتاوي: (32/110).
(4) الماوردي، الحاوي: (9/191).
(5) فتحي الدريني، "المناهج الأصولية" الطبعة الثانية الشركة المتحدة للتوزيع، دمشق (1985): (ص 51).
(6) الماوردي، الحاوي: (9/189).(1/16)
ادعاء الإجماع يحتاج لاستقصاء أقوال وفتاوى الصحابة، وهو ادعاء غير صحيح؛ لأنه وردت عن بعض الصحابة ما يخالف ذلك، بل وردت روايات مرفوعة إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - منها عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (الزاني مجلود لا ينكح إلا مثله) (1). وقد قال عنه ابن حجر: "رجاله ثقات" (2). وهذا الوصف خرج مخرج الغالب باعتبار من ظهر منه الزنا، وفيه دليل على أنه لا يحل للمرأة أن تتزوج من ظهر منه الزنا، وكذلك لا يحل للرجل أن يتزوج بمن ظهر منها الزنا (3)، ويدل على ذلك قوله تعالى: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور:3]. فإنه صريح في التحريم (4).
واستدل الحنفية على مذهبهم بحل نكاح الزانية بأدلة الشافعية المتقدمة، وأما دليلهم على منع وطئها حتى تضع إن حملت من غيره: فحديث رويفع بن ثابت الأنصاري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسق ماءه ولد غيره) (5). يعني تحريم وطء الحبالي (6). ولأن حرمة الوطء كانت لعارض يحتمل الزوال، لا يستلزم فساد النكاح كما في حالة الحيض والنفاس (7).
__________
(1) سنن أبي داود: كتاب النكاح، باب في قوله تعالى: { الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً}: (2/543).
(2) الشوكاني، نيل الأوطار: (6/163).
(3) المرجع السابق: (6/164).
(4) الشوكاني، نيل الأوطار: (6/164).
(5) سنن الترمذي: كتاب النكاح، باب ما جاء في الرجل يشتري الجارية وهي حامل: (3/437)، سنن أبي داود: كتاب النكاح، باب وطء السبايا: (2/615). وقال عنه الترمذي: حديث حسن.
(6) ابن الهمام، شرح فتح القدير: (3/242).
(7) المرجع السابق: (3/242).(1/17)
واستدل المالكية على أنه لا يجوز نكاح الزانية ولو من الزاني بقول ابن مسعود رضي الله عنه: "إذا زنى الرجل بالمرأة ثم نكحها بعد ذلك فهما زانيان أبدًا".
ولأن النكاح له حرمة، ومن حرمته ألا يُصب على ماء السفاح، فيختلط الحرام بالحلال، ويمتزج ماء المهانة بماء العزة (1).
واستدل الحنابلة على مذهبهم بما يلي:
1- حديث أبي سعيد الخدري ورفعه، أنه قال في سبايا أوطاس: (لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة) (2). وهذا عام يشمل كل الحوامل (3).
2- حديث أبي الدرداء، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أنه أتى بامرأة تحج على باب فسطاط. فقال: (لعله يريد أن يلم بها؟)، فقالوا: نعم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (لقد هممت أن ألعنه لعنًا يدخل معه قبره. كيف يورّثه وهو لا يحل له؟ كيف يستخدمه وهو لا يحل له؟") (4). فقد شنع الرسول - صلى الله عليه وسلم - على من نكح حاملاً، فلا يجوز نكاح الحامل.
3- لأن العدة في الأصل لمعرفة براءة الرحم، ولأنها قبل العدة يحتمل أن تكون حاملاً، فيكون نكاحها باطلاً، فلم يصح كالموطوءة بشبهة (5).
واستدلوا على اشتراطهم التوبة بما يلي:
أولاً: قوله تعالى: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور:3] فهي قبل التوبة في حكم الزنا، فإذا تابت زال ذلك (6).
__________
(1) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن: (12/170). والدردير، الشرح الصغير: (2/410) و (2/717).
(2) سنن أبي داود: كتاب النكاح، باب في وطء السبايا: (2/614). وقد تقدم تخريج الحديث.
(3) ابن قدامة، المغني: (6/601).
(4) صحيح مسلم: كتاب النكاح، باب تحريم وطء الحامل المسببة: (2/1065 – 1066).
(5) ابن قدامة، المغني: (6/601 – 602).
(6) ابن قدامة، المغني: (6/602).(1/18)
ومعنى قوله تعالى: { لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} المتزوج بها إن كان مسلمًا فهو زان، وإن لم يكن مسلمًا فهو كافر؛ لأن هذه تمكن من نفسها غير الزوج من وطئها. ولهذا كان زوج الزانية مذمومًا من الناس كما أنه مذموم عند الله. وإذا كان الله إنما أباح من المسلمين وأهل الكتاب نكاح المحصنات، والبغايا لسن محصنات؛ فلم يبح الله نكاحهن.
الراجح:
يرى الباحث أن الراجح هو رأي الحنابلة الذين قالوا: بتحريم نكاح الزانية حتى تستبرأ وتتوب م نالزنا، سواء كان الناكح لها هو الزاني بها أو غيره. وهذا مذهب طائفة من السلف والخلف، منهم قتادة وإسحاق وأبو عبيدة.
ويؤيد ذلك أيضًا أن الإسلام قد حرص على تكوين الأسرة المسلمة الصالحة، التي يتربى أفرادها على الفة والحياء فكيف يتأتى ذلك، وعمود التربية في البيت، وهي الزوجة الأم فاقدة لذلك؟ وفاقد الشيء لا يعطيه.
الفرع الثاني: أقل الحمل:
اتفق أهل العلم على أن أقل مدة الحمل ستة اشهر. ومعناه أن المولود يمكن أن يعيش إذا أتم في بطن أمه ستة أشهر (1). ويترتب عليه الحقوق الشرعية.
الأدلة:
1- المستفاد من مجموع آيتين، هما قوله تعالى: { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } [البقرة: من الآية233] . وقوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً} [الاحقاف: من الآية15] (2).
فإنه إذا كان مجموع الحمل والإرضاع ثلاثون شهرًا من الآية الأخيرة، وكان الإخبار في الآية الأولى أن مدة الإرضاع سنتان، ويساوي ذلك أربعة وعشرين شهرًا، فيكون الحمل ستة اشهر.
__________
(1) ابن الهمام، شرح فتح القدير: (4/313). والخرشي، حاشية الخرشي: (4/143). والشربيني، مغني المحتاج: (5/85).
(2) الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته: (7/636).(1/19)
لذلك قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: { وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً} "إذا حملت تسعة أشهر، أرضعت إحدى وعشرين شهرًا، وإن حملت ستة أشهر أرضعت أربعة وعشرين شهرًا"(1).
وقد وردت روايات كثيرة في شأن أقل الحمل، عن عثمان وعلي، وعن عثمان وابن عباس، كما وردت مثلها عن عمر وابن عباس، وعن عمر وعلي، رضي الله عنهم جميعًا، وقد انعقد إجماع الصحابة على ذلك (2).
رأي الطب:
وافق الطب رأي الفقهاء وإجماع الصحابة في اعتبار أقل مدة يمكن أن يعيش فيها المولود بعد ولادته، هي بعد حملة ستة أشهر كاملة.
وفي مقابلة مع الدكتور محي الدين كحالة أكد أن أقل مدة للحمل يمكن أن يولد فيها المولود تام الخلقة هي ستة أشهر (3). كما أكد الدكتور أحمد ترعاني ذلك، وأضاف أن الطفل يحتاج إلى حاضنة خاصة لكي يتمكن من العيش بعد إذن الله (4).
تفاوتت آراء الفقهاء في أكثر مدة الحمل، التي يمكن أن يستمر معها الحمل إلى أن يولد حيًا على أقوال عدة:
القول الأول: إنه قد يستمر إلى أربع سنين. وهو قول الشافعي والحنابلة في ظاهر مذهبهم ورواية عن مالك (5).
القول الثاني: إن أقصى الحمل سنتان. وهو مذهب الحنفية، والمزني من الشافعية (6).
__________
(1) البيهقي، أحمد بن الحسين البيهقي، السنن الكبرى، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية_ بيروت – (1994م): (7/727).
(2) الماوردي، الحاوي: (11/2 – 205).
(3) الدكتور محي الدين كحالة: اختصاصي النسائية والتوليد.
(4) الدكتور أحمد الترعاني: اختصاص النسائية والتوليد، وذلك في مقابلة معه.
(5) الشربيني، مغني المحتاج: (5/87)، والبهوتي، كشاف القناع: (5/414). والخرشين حاشية الخرشي : (4/143).
(6) ابن عابدين، حاشية رد المحتار: (3/567). والماوردي، الحاوي: (11/205).(1/20)
القول الثالث: إن أقصى مدة الحمل تسعة أشهر. وهذا رأي ابن حزم والظاهرية (1).
الأدلة:
استدل القائلون بأن أكثر الحمل أربع سنين بما يلي:
1- أن كل ما احتاج إلى تقدير حد إذا لم يتقدر بشرع ولا لغة. كان مقداره بالعرف الوجود، كالحيض والنفاس وقد وجد مرارًا حمل وضع لأربع سنين (2).
وروي المبارك بن مجاهد قال مشهور عندنا، كانت امرأة محمد بن عجلان تحمل، وتضع في أربع سنين، فكانت تسمى حاملة الفيل (3).
وأما الأحناف والمزني فاستدلوا بما يلي:
قول عائشة : "لا يبقى الولد في رحم أمه أكثر من سنتين، ولو بفركة مغزل". وذلك لا يعرف إلا توقيفًا إذ ليس للعقل فيه مجال، فكأنها روته عن النبي " (4).
دليل ابن حزم:
يقول ابن حزم: "ولا يجوز أن يكون حمل أكثر من تسعة أشهر، ولا أقل من ستة أشهر، لقول الله تعالى: { وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً} [الاحقاف: من الآية15] وقال تعالى: { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ } [البقرة: من الآية233] فمن ادعى أن حملاً وفصالاً يكون في أكثر من ثلاثين شهرًأن فقد قال الباطل والمحال ورد كلام الله عز وجل جهارًا (5).
المناقشة:
أما استدلال الحنفية بقول عائشة، فأجاب عنه ابن حزم بأن في إسناده عن عائشة، جميلة بنت سعد، مجهولة لا يدري من هي، فبطل هذا القول (6).
رأي الطب:
__________
(1) ابن حزم، المحلي: (10/131). وابن رشد، بداية المجتهد: (2/110).
(2) الماوردي ، الحاوي: (11/205).
(3) البيهقي، السنن الكبرى: (7/728).
(4) ابن مودود، الاختيار: (3/179).
(5) ابن حزم، المحلي: (10/131 – 132).
(6) ابن حزم، المحلى: (10/132).(1/21)
يؤكد الدكتور محمد علي البار أن الحمل قد يتأخر على الرغم من ضبط الحساب إلى شهر كامل. وغلا لمات الجنين في بطن أمه.. ويعتبر الطب ما زاد عن ذلك نتيجة خطأ في الحساب (1).
كما يؤكد الدكتور أحمد ترعاني. اختصاصي النسائية والتوليد. أن الحمل قد يصل إلى عشرة شهور، ولا يزيد على ذلك؛ لأن المشيمة التي تغذي الجنين تصاب بالشيخوخة بعد الشهر التاسع، وتقل كمية الأوكسجين والغذاء المارين من المشيمة إلى الجنين فيموت الجنين (2).
كما يؤكد الدكتور محي الدين كحالة (3) – اختصاصي النسائية والتوليد – حقيقة أن الحمل عشرة أشهر في أقصى مدة يستمر إليها، بل إن الأطباء يولّدون المرأة الحامل بالطرق الاصطناعية بعد تجاوز الحمل أسبوعين عن التسعة أشهر، لوصول الجنين إلى مرحلة الخطر.
كما أن المرأة قد تنقطع عنها الدورة الشهرية لأسباب عديدة، منها ما هو فسيولوجي أو صحي، من ذلك اضطراب الحالة النفسية عند بعض المصابات بأعصاب القلق ونحوه (4).
ومن ذلك أيضًا الحمل الكاذب، فإن المرأة تحس بجميع أعراض الحمل، ولكن يتبين بالكشف الطبي أنه حمل كاذب، فتعاني المرأة من انقطاع الحيض، كما تحس المرأة، وكأن هناك حركة جنين في بطنها، وهي في الحقيقة ليست إلا حركة الأمعاء داخل المبيض.
وقد يحدث لإحدى هؤلاء الواهمات بالحمل الكاذب الذي تتصور أنه بقي في بطنها سنينًا. قد يحدث أن تحمل فعلاً، فتضع طفلاً في فترة حمله، ولكنها نتيجة وهمها وإيهامها من حولها من قبل، تتصور أنها قد حملته لمدة ثلاث أو أربع سنوات (5).
الراجح:
__________
(1) البار، خلق الإنسان بين الطب والقرآن: (ص 451، 452).
(2) في مقابلة معه.
(3) في مقابلة معه.
(4) د. محمد زلزلة: موسوعة صحة الطفل. الطبعة الأولى .الناشر: مؤسسة دار الكتب الثقافية – الكويت، (1983م): (ص 76).
(5) خلق الإنسان بين الطب والقرآن: (ص 454).(1/22)
بعد استعراض آراء الفقهاء، ووضوح أن مستندها الواقع، والذي قد تبين من خلال كلام الأطباء المحدثين أن غير دقيق، بل هو وهم ناتج عن أسباب عديدة فسيولوجية أو صحية، كالرضاع أو الحمل الكاذب، يتبين أن أقصى مدة يمكن أن يستمر إليها الحمل هي عشرة أشهر. وهذا قريب من كلام ابن حزم ومن قال برأيه من فقهائنا السابقين.
قال الدكتور محمد علي البار: "وينبغي أن ينبه من يدرسون في كتب الفقه على استحالة حدوثي هذا الحمل الطويل الممتد سنينًا، وأنه نتيجة لوهم الأم الراغبة في الإنجاب في أغلب الحالات، أو من اختراع القصاص وأساطيرهم والمشكلة أن المرأة قد تلد بعد وفاة زوجها، أو بعد طلاقها منه بعدة سنوات، فيحكم لها الفقهاء بأن الولد للفراش، وينسبون الولد لزوجها المتوفي عنها بعد سنوات، أو الذي طلقها قبل عدة سنوات" (1).
قال الدكتور عمر الأشقر: "وقد بالغ القانون في الاحتياط مستندًا إلى بعض الآراء الفقهية بجانب الرأي العلمي، فجعل أقصى مدة الحمل سنة" (2).
ويرى الباحث أن تحلف المرأة الحامل اليمين في حالة إثبات النسب للزوج المتوفي أو المطلّق، إذا تجاوزت مدة الحمل عشرة أشهر إلى السنة؛ لأن ذلك من الحالات النادرة، والتي يشك الطب في وقوعها ما لم يكن متابعًا للحمل من بدايته، ولذلك يجب الاحتياط في إثبات النسب للمتوفي أو المطلّق بيمين الزوجة، والله أعلم.
المطلب الثاني: شروط انتهاء العدة بوضع الحمل لانتهاء العدة بوضع الحمل شرطان:
الشرط الأول: أن يكون الحمل منسوبًا إلى صاحب العدة. إما ظاهرًا وإما احتمالاً، كابن الملاعنة، ولو لم يستلحقه، كما إذا لاعنها ولم تلاعنه ومات أو طلقها. وقد اشترط هذا الشرط الأئمة الأربعة (3).
__________
(1) خلق الإنسان بين الطب والقرآن: (ص 454).
(2) عمر الأشقر، الحيض والنفاس والحمل: (ص 96).
(3) الشربيني، مغني المحتاج: (5/84). وابن الهمام، شرح فتح القدير: (4/149). والخرشي، حاشية الخرشي: (4/143).(1/23)
الشرط الثاني: وضع جميع الحمل. وذلك باتفاق الأئمة الأربعة؛ أن الحمل اسم لجميع ما في البطن (1)؛ ولأن العدة شرعت لمعرفة البراءة من الحمل، فإذا علم وجود الحمل فقد تيقن وجود الموجب للعدة وانتفت البراءة (2).
الحمل الذي تنقضي العدة بوضعه:
وأما الحمل الذي تنقضي العدة بوضعه فله تفصيل عند الفقهاء:
أ- يرى الحنفية أن المراد الذي تنقضي عدة الحامل بوضعه هو ما استبان بعض خلقه أو كله، فإن لم يستبن بعضه لم تنقض العدة؛ لأنه إذا استبان فإنه ولد، وإذا لم يستبن جاز أن يكون ولدًا وغير ولد، فلا تنقضي العدة بالشك (3).
ب- ويرى المالكية أن الحامل إذا وضعت علقة أو مضغة فقد حلت وانقضت عدتها (4).
ج- أما الشافعية والحنابلة (5): فتنقضي العدة عندهم بانفصال الولد حيًا أو ميتًا، ولا تنقضي بإسقاط العلقة والدم؛ لأنها لا تدري هل هو ما يخلق منه الآدمي أو لا، ولا يتعلق به شيء من الأحكام؛ لأنه لم يثبت أنه ولد، لا بالمشاهدة ولا بالبينة.
الراجح:
الذي يظهر من خلال استعراض آراء المذاهب المختلفة، أن مدار الحكم في انتهاء العدة بوضع الحمل، مبني على تبين الولد من عدمه. سواء كان ذلك من خلال الفحص الطبي وهو البينة، أو المشاهدة من القوابل أو الأطباء. فإذا لم تقم المرأة بالفحص الطبي، فإنه يشترط استبانة خلق آدمي فيما أسقطته المرأة، للتيقن في الحكم بانتهاء العدة.
__________
(1) ابن الهمام، شرح فتح القدير: (4/140). والخرشي، حاشية الخرشي: (4/143) والنووي، روضة الطالبين: (6/352). وابن قدامة، المغني: (7/474).
(2) المرجع السابق: (7/175.
(3) ابن مودود، الأختيار: (3/173).
(4) وابن عبد البر، الكافي: (2/620).
(5) الشربيني، مغني المحتاج: (5/84، 85)، والبهوتي، كشاف القناع: (5/413).(1/24)
وأما إذا تبين بالبينة من خلال الفحص الطبي تخصيب البويضة، واستقرارها في الرحم، فإن ذكل مبتدأ حمل، فإذا أسقطت المرأة بعد ذلك، وشهد أكثر من طبيب أن ما أسقطته هو نطفه لإنسان أو علقة أو فوق ذلك، ويظهر ذلك للأطباء من خلال الفحوصات الطبية المختلفة. فكل ذلك بينة يحكم بها على انتهاء العدة بوضع الحمل (1).
المطلب الثالث: الارتياب في العدة:
اختلف الفقهاء في موضع الارتياب كثيرًا. وعرّفوا المرتابة: "بأنها التي ارتفع حيضها ولم تدر ما سببه من حمل أو رضاع أو مرض " (2).
تسمى المرتابة في أثناء العدة من الطلاق عند العلماء: المختلفة الأقراء، أو المرتابة بالحيض، أو ممتدة الطهر.
وقد اختلف العلماء في حكم انتهاء عدة المطلقة المرتابة بالحيض على ثلاثة أقوال:
القول الأول: إن عدتها تستمر حتى تحيض ثلاث حيضات، أو تبقى حتى تدخل في سن اليأس الذي لا تحيض في مثله مثلها من النساء، فإذا دخلت في سن اليأس، استأنفت عدة الآيسة ثلاثة شهور.
وهذا مذهب الحنفية والشافعية في الجديد وابن حزم والليث بن سعد والثوري، وجماعة من العلماء واعتبره ابن حجر مذهب أكثر فقهاء الأمصار (3).
القول الثاني: إن عدتها سنة بعد انقطاع الحيض. وهذا رأي المالكية والحنابلة والشافعي في القديم وجماعة من العلماء (4).
القول الثالث: إن عدتها ثلاثة أشهر، كحكم اللائي يئسن.
__________
(1) مقابلة مع الدكتور زهير الزميلي، والدكتور محي الدين كحالة والدكتور أحمد ترعاني.
(2) الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته: (7/642).
(3) ابن عابدين، حاشية رد المحتار: (3/534). وابن عبد البر، الاستذكار: (18/95). وابن رشد؛ بداية المجتهد: (2/108). والشربيني، مغني المحتاج: (5/82). والنووي، روضة الطالبين: (6/347). وابن حزم، المحلى: (10/51). وابن حجر، فتح الباري: (9/380).
(4) الدسوقي، حاشية الدسوقي: (2/470). والبهوتي، كشاف القناع: (5/419). والشربيني، مغني المحتاج: (5/82).(1/25)
قال طاووس: "إذا كانت تحيض مختلفًا أجزاء عنها أن تعتد ثلاثة أشهر" (1).
وروي مثله عن جابر بن زيد. كما روي عن عكرمة وقتادة مثلهما، وروي مثله أيضًا عن ابن عباس وزيد بن ثابت رضي الله عنهما (2). كما أنه مذهب الزهري ومجاهد (3). ومال إليه ابن رشد(4).
الأدلة :
استدل أصحاب القول الأول بقوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: من الآية4] فظاهر الآية صريح في الحكم للآيسة والصغيرة(5)، ويحمل قوله { إِنِ ارْتَبْتُمْ } ، أي في الحكم لا في اليأس.
واستدل أصحاب القول الثاني بما يلي:
1- ما رواه سعيد بن المسيب قال: قال عمر بن الخطاب: "أيما امرأة طلقت، فحاضت حيضة أو حيضتين، ثم رفعت حيضتها، فإنها تنتظر تسعة أشهر، فإن بان بها حمل، وإلاّ اعتدّت بعد التسعة الأشهر ثلاثة أشهر ثم حلت " (6). قال ابن المنذر: "قضى به عمر بين المهاجرين والأنصار ولم ينكره منكر " (7).
2- أن المقصود بالعدة إنما هو ما يقع به براءة الرحم ظنًا غالبًا، بدليل أنه قد تحيض الحامل (8)، وإذا كان الأمر كذلك، فعدة الحمل كافية في العلم ببراءة الرحم، بل هي قاطعة على ذلك(9).
__________
(1) ابن حزم، المحلى: (10/ 54، 55). وابن حجر، فتح الباري: (9/380).
(2) ابن حزم، المحلي: (10/ 54، 55) مع هامشه بتحقيق الدكتور النداري.
(3) ابن حجر، فتح الباري: (9/380).
(4) ابن رشد، بداية المجتهد: (2/108).
(5) ابن حجر، فتح الباري: (9/ 380).
(6) ابن حزم، المحلى: (10/54). وابن عبد البر، الاستذكار: (18/94).
(7) ابن قدامة، المغني: (7/ 466).
(8) هذا رأيهم، والصحيح كما مر أنها لا تحيض.
(9) ابن رشد، بداية المجتهد: (2/198).(1/26)
واستدل أصحاب القول الثالث بقوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَع ِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ } [الطلاق: من الآية4] قال مجاهد: "إن لم تعلموا يحضن أو لا يحضن، واللائي قعدن عن المحيض، واللائي لم يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر" (1). ففسر قوله تعالى: { إِنِ ارْتَبْتُمْ} ، أي لم تعلموا، وقول مجاهد: "واللائي قعدن عن الحيض"، أي حكمهن حكم اللائي يئسن. قال ابن حجر: "وأثر مجاهد هذا وصله الفريابي" (2).
وعن عكرمة أنه سئل عن التي تحيض فيكثر دمها حتى لا تدري كيف حيضتها؟ قال تعتد ثلاثة أشهر، وهي الريبة التي قال الله عز وجل: { إِنِ ارْتَبْتُمْ}، قضى بذلك ابن عباس وزيد بن ثابت (3).
المناقشة:
أما استدلال أصحاب القول الأول بالآية : {وَاللَّائِي يَئِسْنَ } [الطلاق: من الآية4] على أن معناه: لم تعلموا ما حكمهن، ونفيهم لأن يكون المعنى: الارتياب في اليأس، فيجاب عنه بأنه يجوز في كلام العرب كون المعنى عدم القطع باليأس. وقد ورد عن ابن عباس وزيد بن ثابت رضي الله عنهما معنى ذلك، وورد عن بعض التابعين كمجاهد والزهري وغيرهما (4).
القول الراجح:
__________
(1) ابن حجر، فتح الباري: (9/ 379).
(2) المرجع السابق: (9/ 380). وقد ذكره البخاري معلقًا.
(3) ابن حزم، المحلى: (10/ 54، 55). وابن حجر، فتح الباري: (9/ 380).
(4) ابن حزم، المحلى: (10/ 54، 55). وابن حجر، فتح الباري: (9/ 380).(1/27)
إن مدار الأدلة في هذه المسألة هي حول قوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ } [الطلاق: من الآية4] وقد صار أصحاب القول الأول إلى الاستدلال بظاهر هذه الآية، باعتبار أن من هي من أهل الحيض ليست بيائسة، وهذا الرأي كما يقول ابن رشد(1) فيه عسر وحرج، وأضاف ابن رشد: "ولو قيل إنها تعتد بثلاثة أشهر لكان جيدًا، إذا فهم من اليائسة، التي لا يقطع بانقطاع حيضها". وهذا ما ظهر أنه جائز في كلام العرب ويؤيد ذلك ما نقله عكرمة وهو تلميذ ابن عباس عن ابن عباس وزيد بن ثابت.
وإذا كان المقصود من العدة التيقن من براءة الرحم فإنه يستعان بالفحص الطبي في إثبات ذلك.
فالطب الآن يقطع ويجزم بحمل المرأة أو عدم حملها، بعد مضي ثلاثة أشهر من طلاقها، بل في أقل من ذلك بكثير، فإن لم يُظهر أحد هذه الفحوصات الحملَ، فلا بد أن يكون الحيوان المنوي قد مات منذ بداية اعتداد المطلقة.
المبحث الثالث: طلاق الحامل
تعريف الطلاق لغة واصطلاحًا:
الطلاق لغة: الطالق: الناقة يحل عنها عقالها وترسل في المرعى، وأطلقت الأسير أي خليته. قال ابن منظور: طلاق النساء لمعنيين : "أحدهما حل عقدة النكاح، والآخر: بمعنى التخلية والإرسال"(2).
والطلاق في الاصطلاح: حل عقد النكاح بلفظ الطلاق ونحوه(3).
حكم طلاق الحامل:
وليس في حكم طلاق الحامل خلاف كبير بين الفقهاء، والأقوال في ذل كما يلي:
القول الأول: إن طلاق الحامل حرام، إذا كانت تحيض مع الحمل. وبه قال بعض المالكية منهم القاضي أبو الحسن، وهو قول أبي إسحاق من الشافعية (4).
__________
(1) ابن رشد، بداية المجتهد: (2/108).
(2) ابن منظور، لسان العرب: (10/ 226).
(3) الشربيني، مغني المحتاج: (4/455). وابن قدامة، المغني: (7/ 96).
(4) سليمان بن خلف الباجي "المنتقى شرح موطأ مالك". الناشر: دار الكتاب العربي: (4/ 96).(1/28)
القول الثاني: إنه جائز. وبه قال أكثر العلماء ومنهم الأئمة الأربعة (1).
أدلة أصحاب القول الأول:
نظر القائلون بهذا القول إلى الحيض أثناء الحمل، فقاسوا الطلاق فيه على الطلاق في الحيض في غير حمل، وهو محرم بإجماع العلماء، لقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عمر لما طلق زوجته وهي حائض: (مره فليراجعها. ثم ليتركها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر. ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس. فتلك العدة التي أمر الله عز وجل أن يطلَّق لها النساء ) (2).
واستدل أصحاب القول الثاني بما يلي:
1- حديث ابن عمر، أنه طلّق امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرًا أو حاملاً".
2- قال الإمام أحمد: أذهب إلى حديث سالم عن أبيه: (ثم ليطلقها طاهرًا أو حاملاً). فأمره بالطلاق في الطهر أو في الحمل (3).
وقال الخطابي: "في الحديث بيان أنه إذا طلقها وهي حامل فهو طلاق للسنة، ويطلقها في أي وقت شاء في الحمل، وهو قول عامة العلماء" (4).
__________
(1) وابن الهمام، شرح فتح القدير: (3/ 478). والدسوقي، حاشية الدسوقي: (2/ 363). والشربيني: مغني المحتاج: (4/499). والبهوتي، كشاف القناع: (5/242).
(2) صحيح مسلم: كتاب الطلاق، باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها: (2/ 1093).
(3) صحيح مسلم: كتاب الطلاق، باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها: (2/ 1095). قال الشوكاني، رواه الجماعة إلا البخاري، الشوكاني، نيل الأوطار: (6/249).
(4) الخطابي، معالم السنن (مع سنن أبي داود): (2/ 634). وانظر سنن الترمذي: (3/ 479).(1/29)
3- لأن الحامل التي استبان حملها قد دخل زوجها على بصيرة حين طلقها، فلا يخاف ظهور أمر يتجدد به الندم. وهو الحمل، وليست بمرتابة؛ لعدم اشتباه وجه العدة عليها. وأما إن طلق الحامل التي لم يستبن حملها ظنًا أنها غير حامل ثم ظهر حملها ربما ندم على ذلك (1).
سبق البيان أن الحامل لا تحيض، وما تراه من دم هو دم فساد وعلة، وأن أدلة القائلين بأن الحامل تحيض محتملة غير قاطعة، وما كان كذلك فلا يجوز أن يُبنى عليه حكم شرعي، لأن الحكم الشرعي يبنى على الدليل وليس الظن والاحتمال.
الراجح:
بعد استعراض أدلة أصحاب القول الثالث، وهو قول عامة الفقهاء يتبين أنه القول الراجح، سيما وأنه قد ورد في طلاقها حديث صحيح عند الإمام مسلم: (ثم ليطلقها طاهرًا أو حاملاً)، وهي زيادة من ثقة (2)، فهي مقبولة، مع ضعف أدلة المخالفين، التي لا تصلح ليقوم عليها الحكم بمنع طلاق الحامل.
المبحث الرابع : نفقة الحامل
معنى النفقة لغة وشرعًا:
النفقة لغة: ما أنفقت واستنفقت على العيال وعلى نفسك. وأنفق المال: صرفه (3).
وعرّفه ابن الهمام بأنه: "الإدرار على الشيء بما به بقاؤه" (4).
حكم نفقة المرأة الحامل المطلقة:
أجمع أهل العلم على أن نفقة المطلقة ثلاثًا (المبتوتة)، أو مطلقة للزوج عليها رجعة وهي حامل واجبة. بدليل قوله تعالى: { وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } [الطلاق: من الآية6](5).
الحامل المتوفي عنها زوجها:
__________
(1) ابن الهمام شرح فتح القدير: (3/478). وابن قدامة، المغني: (7/ 105).
(2) انظر، ابن حجر: تقريب التهذيب: (ص 492).
(3) ابن منظور، لسان العرب: (10/ 358).
(4) ابن الهمام، شرح فتح القدير: (4/194).
(5) ابن المنذر، محمد بن إبراهيم بن المنذر "الإجماع" الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت (1985م): (ص 49)، وابن عبد البر، الاستذكار: (18/ 608).(1/30)
اختلف العلماء في نفقة الحامل المتوفي عنها زوجها على قولين:
القول الأول: إن نفقتها من جميع المال الذي ورّثه زوجها حتى تضع حملها. وهذا مروي عن علي وابن عمر وابن مسعود، وشريح والنخعي والشعبي وحماد بن أبي سليمان والحسن وعطاء وقتادة وأبو العالية (1). وهو روايه عن أحمد (2).
القول الثاني: إنه لا نفقة ولا سكنى للحامل المتوفي عنها زوجها، وهو مروي عن ابن عباس وابن الزبير وجابر بن عبد الله (3). وعلى ذلك اتفق الأئمة الأربعة (4).
وفي هذه الحالة لا نفقة ولا سكنى للمتوفي عنها، فإنه ينفق عليها من نصيبها من الميراث أو من مالها، إن لم يكن لها نصيب من الميراث لسبب من الأسباب (5).
الأدلة :
استدل ابن قدامة لأصحاب القول الأول بالقياس: فهي حامل من زوجها فكانت لها السكنى والنفقة كالمفارقة المطلقة من زوجها (6).
واستدل أصحاب القول الثاني بما يلي:
1- لأن الإجماع انعقد على أن نفقة كل من كان يجبر على نفقته وهو حيّ، مثل أولاده الأطفال وزوجته ووالديه تسقط عنه، فكذلك تسقط عنه نفقة الحامل من أزواجه (7).
2- لأن المال قد صار للورثة، ونفقة الحامل وسكناها إنما هو للحمل أو من أجله، ولا يلزم ذلك الورثة؛ لأنه إن كان للميت ميراث فنفقة الحمل من نصيبه، وإن لم يكن له ميراث لم يلزم وارث الميت الإنفاق على حمل أمرأته، كما لا يلزمه ذلك بعد الولادة (8).
المناقشة والترجيح:
__________
(1) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن : (18/ 168).
(2) ابن قدامة، المغني: (7/ 608).
(3) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن : (18/ 168).
(4) المرغياني، الهداية (مع شرح فتح القدير): (4/ 214). والخرشي، حاشية الخرشي: (4/ 192). والشربيني، مغني المحتاج: (5/175). والبهوتي، كشاف القناع: (5/467).
(5) أبن عبد البر، الكافي: (2/627).
(6) المرجع السابق: (7/608).
(7) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن : (3/ 185).
(8) ابن قدامة، المغني: (7/ 608).(1/31)
يرى الباحث أن الراجح هو سقوط نفقة الحامل المتوفي عنها زوجها.
وقد أجاب ابن حزم على من أوجب النفقة من جميع المال للمتوفي عنها بقوله: إنه خطأ لا خفاء به؛ لأن مال الميت ليس له، بل قد صار لغيره، فلا يجوز أن ينفق على امرأته من مال الغرماء أو من مال الورثة أو مما أوصى به لغيرهما. وهذا عين الظلم (1).
المبحث الخامس: تأجير المرأة رحمها:
يراد بتأجير المرأة أن يتفق الزوجان مع امرأة أخرى على غرس البويضة الملحقة من المرأة الأولى بماء زوجها في رحم الثاني بأجر متفق عليه، وتسمى المرأة الثانية (2): الأم المستعارة والرحم الظئر ومؤجرة البطن.
صور الرحم المستأجرة:
إن الرحم المستأجرة يمكن أن تكون بصورة متعددة كما يلي(3):
الصورة الأولى: تؤخذ بويضة من الزوجة وتلقح بماء زوجها، ثم تعاد اللقيحة إلى رحم امرأة تستأجر لذلك بسبب آفة في رحم الزوجة، أو أن هذا الرحم قد استئصل بعملية جراحية، أو ترفهًا من المرأة رغبة منها في البعد عن المشقة الناتجة من الحمل والولادة.
الصورة الثانية: يجري تلقيح خارجي بين نطفة رجل وبويضة امرأة ليست زوجته. ثم تزرع اللقيحة في رحم امرأة متبرعة، وعند ولادة الطفل تسلمه للزوجين العقيمين.
الصورة الثالثة: يجري تلقيح خارجي في وعاء الاختبار بين بذرتي زوجين. ثم تعاد اللقيحة في رحم امرأة أخرى هي زوجة ثانية للرجل. وقد تكون إحداهما متبرعة للأخرى، حيث تبرعت الأولى بالبويضة، وتبرعت الأخرى برحمها للحمل، وهذه صورة نظرية لم تحدث حتى الآن.
حكم صور تأجير الرحم:
__________
(1) ابن حزظم، المحلى: (10/ 89).
(2) أبو زيد، فقه النوازل: ( 254، 256، 257). ومجلة الفقه الإسلامي، الدورة الثانية – العدد الثاني: الجزء الأول (1986م): (ص 269).
(3) البار والسباعي، الطبيب أدبه وفقهه: (ص 349). د. محمد البار في بحثه المقدم لمجلس مجمع الفقه الإسلامي (1986م): مجلة مجمع الفقه الإسلامي، الدولة الثانية: (ص282، 285).(1/32)
منع مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث كل صور تأجير الرحم، فاعتبرها محرمة شرعًا وممنوعة منعًا باتًا؛ لذاتها أو لما يترتب عليها من اختلاط الأنساب وضياع الأمومة، وغير ذلك من المحاذير الشرعية (1). فهي محرمة لاختلال رحم الزوجية، الذي هو من دعائم الهيئة الشرعية المحصلة للأبوة والأمومة(2).
التفصيل الفقهي في هذه المسألة:
بما أن الإسلام لا يقبل طريقًا للتناسل سوى طريق الزواج، فقد أفتى علماء الإسلام الأجلاء، بأن أي وسيلة للتناسل يستخدم فيها طرف ثالث، هي لاغية وباطلة ومحرمة شرعًا وموجبة للتعزير لكل من يشترك فيها (3).
والمقصود باستخدام طرف ثالث، استخدام مني رجل آخر أو بويضة امرأة أخرى، أو أن تحمل اللقيحة امرأة أخرى (رحم مستأجر)(4).
__________
(1) مجلة مجمع الفقه الإسلامي – الدورة الثالثة – العدد الثالث، الجزء الأول (1987): (ص 515، 516).
(2) أبو زيد ، فقه النوازل: (ص 296).
(3) د. محمد البار في بحث المقدم لمجلس الفقه الإسلامي (1987م)، مجلة مجمع الفقه الإسلامي. للجزء الأول: (ص 462).
(4) المرجع السابق: ص 462).(1/33)
وأما الصورة الثالثة من صور تأجير الرحم، وهي وضع اللقيحة في رحم الزوجة الثانية، فقد حرمها مجلس الفقه الإسلامي، وألحقها بالصور الأخرى لتأجير الرحم، بعد أن كان قد أجازها، ثم توقف بعد ذلك عن الحكم عليها للأسباب التالية: "إن الزوجة الأخرى التي زرعت فيها لقيحة بويضة الزوجة الأولى، قد تحمل ثانية قبل انسداد رحمها على حمل اللقيحة من معاشرة الزوج لها في فترة متقاربة مع زرع اللقيحة، ثم تلد توأمين، ولا يعلم ولد اللقيحة من ولد معاشرة الزوج، كما لا تعلم أم ولد اللقيحة التي أخذت منها البويضة من أم ولد معاشرة الزوج. كما قد تموت علقة أو مضغة أحد الحملين، ولا تسقط إلا مع ولادة الحمل الآخر الذي لا يعلم أيضًا أهو ولد اللقيحة أم حمل معاشرة ولد الزوج، ويوجب ذلك اختلاط الأنساب لجهة الأم الحقيقية لكل من الحملين، والتباس ما يترتب على ذلك من أحكام، وإن ذلك كله يوجب توقف المجمع عن الحكم في الحالة المذكورة" (1).
نسب المولود في هذه الصورة:
على الرغم من أن جميع صور تأجير الرحم محرمة شرعًا، وممنوعة منعًا باتًا، لذاتها أو لما يترتب عليها من اختلاط الأنساب وضياع الأمومة، إلا أنه ينبغي البحث في الآثار المترتبة من الولادة بهذه الصور.
والسؤال المطروح هنا، لمن يكون نسب المولود الذي جاء من هذه العملية؟
أولاً : الصورة الثالثة:
والتي يجري فيها تلقيح بين بذرتي زوجين، ثم تعاد اللقيحة في رحم الزوجة الثانية.
__________
(1) قرارات مجلس المجمع الفقهي الإسلامي من دورته الأولى حتى الدورة الثامنة عام (1985م): (ص 150، 151).(1/34)
ينسب الولد عن طريق هذه الصورة إلى أبيه؛ لأنه زوج المرأتين، صاحبة البويضة، والتي حملت الولد وولدته، وهو صاحب الحيوان المنوي، كما أنه صاحب الفراش، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : (الولد للفراش وللعاهر الحجر) (1).
ثانيًا: الصورتين الأوليتين:
إذا كانت المرأة التي احتضنت اللقيحة أجنبية عن صاحب الحيوان المنوي، فإن كانت ذات زوج، فإن المولود ينسب لزوجها؛ لأنه صاحب الفراش، وأعطاه الشارع حقًا في أن ينفي هذا الولد ويلاعن على ذلك (2).
وأما إن كانت غير ذات زوج، فيكون هذا الولد قطعًا لا أب له معروفًا، ويكون من الزنا الصراح، ويأخذ حكم اللقطاء، وينسب إلى أمه. وهذا رأي جماهير العلماء.
ومن أدلة هذا الرأي قوله تعالى: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى *مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى} [لنجم:45 – 46] .
ووجد الدلالة من الآية أن الإنسان مكون من النطقة الملقحة من أبويه، فهما أولى به.
من هي الأم في هذه الصورة؟
وأما الأم في هذه الصور الثلاث، إذا كانت المرأة التي حملت وولدت من بويضة امرأة أخرى، فقد انقسم العلماء في هذه المسألة إلى ثلاثة آراء:
الرأي الأول: أن الأم الحقيقية هي صاحبة البويضة. وأما صاحبة الرحم الظئر التي حملته وولدته، فهي أمُّ مثل أم الرضاع؛ لأنه اكتسب من جسمها وعضويتها أكثر مما يكتسب الرضيع من مرضعته في نصاب الرضاع، الذي يحرم به ما يحرم من النسب، وقال به بعض العلماء.
الرأي الثاني: أن الأم الحقيقية هي التي حملت وولدت، وأما صاحبة البويضة، فهي مثل أم الرضاع.
__________
(1) حديث متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب البيوع، باب تفسير المشبهات: (2/ 724)، صحيح مسلم: كتاب الرضاع، باب الولد للفراش وتوقى الشبهات: (2/ 1080). انظر: الإنجاب في ضوء الإسلام: (ص 168، 169).
(2) المرجع السابق: (ص 168، 169).(1/35)
وقال بذلك أغلبية الفقهاء الذين تحدثوا في هذه الموضوع في مجالس مجمع الفقه الإسلامي (1).
ومن أدلة هذا الرأي قوله تعالى: { إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ} [المجادلة: من الآية2]، وهذا نص قطعي الثبوت والدلالة، سيما أنه جاء على صيغة الحصر (2).
الرأي الثالث: ليست إحداهما أمًا للولد؛ لأنه قد انقطعت الصلتان معًا عنهما، حيث انفصمت إحدى الصلتين قطعًا، وهي "البويضة" عمن ولدته، وانفصمت الصلة الثانية للأم، وهي "الحملة والولادة" عن صاحبة البويضة (3).
الراجح:
يميل الباحث إلى ترجيح رأي الدكتور بكر أبو زيد في عدم اعتبار أي من المرأتين، أمًا بالنسب للمولود. ولكن الباحث يرجِّح أن كلا المرأتين مثل أم الرضاع؛ لأنه تكوّن من البويضة الأولى واكتسب من الثانية.
وأما الأدلة التي قدّمها أصحاب القولين الأول والثاني فهي قاصر لكل منهما، حيث إن للمولود بأمه صلتان:
الأولى: صلة تكوين ووراثة، "البويضة" منها.
الثانية: صلة حمل وولادة وحضانة، وأصلها "الرحم" منها (4).
وليس دليلاً قاطعًا أنه يجوز أن تكون الأمومة الشرعية لأحدهما دون الآخر، وليس قوله تعالى: { إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ} ، نصًا قطعي الدلالة؛ لأن في دلالته اختلاف، فما تلده ليس من رحمها إنشاءً وانتهاءً، بل هو من رحمها انتهاءً فقط بحمله فيه، وأما البويضة فمن غيرها.
الفصل الثالث
عقوبة المرأة الحامل
مدخل إلى الفصل:
__________
(1) مجلة مجمع الفقه الإسلامي – الدورة الثانية: (ص 300).
(2) الإنجاب في ضوء الإٍلام: (ص 485).
(3) المرجع السابق: (ص 247).
(4) المرجع السابق: (ص 247).(1/36)
إن تنفيذ العقوبات الممنوع على الحامل هو ما يضر بالحمل، فإن أمكن معاقبة الحامل على مخالفتها بحيث تقع العقوبة حال الحمل، بدون أن يسري أذى العقوبة إلى الجنين فيجوز ذلك، وإن لم يكن إقامة العقوبة عليها إلا بالإضرار بالجنين، فيجب التأخير إلى أن تضع.
المبحث الأول: العقوبات اللازم تأخيرها عن الحامل إلى الوضع:
أولاً : الحدود:
لا خلاف بين العلماء أنه لا يقام الحد على المرأة الحامل، سواء كان الحمل من زنا أو غيره، وسواء وجبت العقوبة قبل الحمل أو بعده (1).
ويشمل ذلك الحدود كلها كالرحم والجلد والقطع، وعلة ذلك الحفاظ على حياة الجنين؛ لئلا يهلك بتنفيذ الحد على أمه.
ومستند ذلك: حديث بريدة رضي الله عنه في رجم المرأة الغامدية التي زنت: "قالت: يا رسول الله طهّرني فقال: (ويحك ارجعي فاستغفري الله وتوبي إليه)، فقالت: أراك تريد أن تردّني كما رددت ماعز بن مالك. قال: (وما ذاك؟)، قالت: إنها حبلى من الزنى. فقال: (أنت؟)، قالت: نعم فقال لها: (حتى تضعي ما في بطنك). قال: فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت. قال: فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: قد وضعت الغامدية . فقال: (إذاً لا نرجمها وندع ولدها صغيرًا ليس له من يرضعه)، فقام رجل من الأنصار فقال: إليّ رضاعه يا نبي الله قال: (فرجمها") (2).
قال الإمام النووي في شرحه لحديث الغامدية هذا: "فيه أنه لا ترجم الحبلى حتى تضع سواء كان حملها من زنا أو غيره، وهذا مجمع عليه؛ لئلا يقتل جنينها، وكذا لو كان حدها الجلد وهي حامل، لم تجلد بالإجماع حتى تضع" (3).
ثانيًا : القصاص:
__________
(1) النووي: روضة الطالبين: (7/93). والميرغاني، الهداية مع شرح فتح القدير: (5/29). وابن عبد البر، الكافي: (2/1073). وابن قدامة، المغني: (8/171).
(2) صحيح مسلم: كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنا: (3/1322، 1324).
(3) النووي، شرح صحيح مسلم: (11/ 201).(1/37)
وكما لا يجوز تنفيذ العقوبة على الحامل التي أصابت الحد حتى تضع، فكذلك لا يجوز أن يقتص منها. قال ابن رشد: "أجمعوا على أن الحامل إذا قَتَلتْ عمدًا، أنه لا يقاد منها حتى تضع حملها" (1).
وسواء في منع القصاص منها قبل وضعها أن تكون حاملاً وقت الجناية أو حملت بعدها قبل الاستيفاء، وسواء كان القصاص في النفس أو في الطرف (2).
واستدلوا على ذلك بالأدلة التالية:
أولاً : القصاص في النفس:
1- لقوله تعالى: { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ } [الاسراء:33] وقتل الحامل قتل لغير القاتل. وهو الجنين فيكون إسرافًا (3).
2- حديث بريدة في رجم الغامدية، وفي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ردها وقال لها: (حتى تضعي ما في بطنك). قال الإمام النووي: "فيه أن من وجب عليها القصاص وهي حامل، لا يقتص منها حتى تضع، وهذا مجمع عليه" (4).
والعلة الجامعة في التأخير إلى الوضع، هي الحفاظ على حياة الحمل خوف هلاكه.
ثانيًا: القصاص في الطرف:
إن كان الغالب تضرر الحمل بالقصاص في الطرف، فلا يقتص م المرأة الحامل لما يلي:
القياس: لأن استيفاء القصاص خشية السراية إلى الجاني أو إلى في حقه ممنوع، فلأن تمنع منه خشية السرايا إلى غير الجاني. وهو الحمل. بتفويت نفس معصومة أولى وأحرى (5).
متى تستوفي العقوبة على الحامل بعد الوضع؟
أولاً : في الحدود:
أ الرجم: اختلف العلماء في ذلك على قولين:
__________
(1) ابن رشد، بداية المجتهد: (2/495).
(2) ابن قدامة، المغني: (7/731).
(3) ابن قدامة، المغني: (7/731).
(4) النووي، شرح صحيح مسلم: (11/ 201).
(5) ابن قدامة، المغني: (7/732).(1/38)
القول الأول: لا يستوفي الرجم من المرأة المحصنة إذا كانت حاملاً بعد الوضع مباشرة، حتى ترضعه هي، وإن وجدت له مرضعة، وإذا انقضى الإرضاع لم يستوف أيضًا حتى يوجد للطفل كافل. وهذا مذهب الشافعية (1).
القول الثاني: يقام الحد بالرجم على المرأة المحصنة إذا كانت حاملاً بعد الوضع مباشرة (2).
استدل الشافعية بما يلي: حديث بريدة في رجم الغامدية من طريق بشير بن المهاجر وفيه: "فجاءت الغامدية فقالت: يا رسول الله لم تردني كما رددت ماعزًا، فو الله إني لحبلى. قال: (إما لا، فاذهبي حتى تلدي،، فلما ولدته أتته بالصبي في خرقة. قالت: هذا قد ولدته قال: (اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه)؛ فلما فطمته أتته بالصبي ي يده كسرة خبز، فقالت: هذا يا نبي الله قد فطمته، وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها" (3).
__________
(1) النووي، روضة الطالبين: (7/94).
(2) الحصكفي، الدر المختار مع حاشية رد المحتار: (7/ 16 – 17)، والخرشي، حاشية الخرشي: (8/ 84)، ابن قدامة، المغني: (8/171).
(3) صحيح مسلم، كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنا: (3/ 1323).(1/39)
قال الإمام النووي: "فهاتان الروايتان (1) ظاهرهما الاختلاف، فإن الثانية صريحة في أن رجمها كان بعد فطامه وأكله الخبز، والأول ظاهرها أنه رجمها عقب الولادة ويجب تأويل الأولى وحملها على وفق الثانية؛ لأنها قضية واحدة، والروايتان صحيحتان، والثانية منهما صريحة لا يمكن تأويلها، والأولى ليست صريحة، فيتعين تأويل الأولى، ويكون قوله في الرواية الأولى: (قام رجل من الأنصار، فقال: إليّ رضاعه)، إنما قال بعد الفطام، وأراد بالرضاعة كفالته وتربيته، وسماه رضاعًا مجازًا (2). واستدل الجمهور على قولهم بما يلي حديث بريدة من طريق ابنه سليمان، وفيه زيادة: (إذاً لا نرجمها وندع ولدها صغيرًا ليس له من يرضعه)، فقام رجل من الأنصار فقال: إليّ رضاعه يا نبي الله قال: (فرجمها" ) (3).
في هذه الرواية دليل على أن العلة في تأخير الرجم رعاية الصغير وحفظه من الهلاك، لعدم وجود من يرضعه، فلما توفرت المرأة المرضع له بتكفل رجل من الأنصار برضاعة، انتفت علة التأخير، فرجمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
الترجيح:
يترجح لديّ قول الجمهور؛ لأن الرواية التي استدل بها الشافعية رواية شاذّة، فهي من رواية بشير بن المهاجر. وبشير بن المهاجر ليس ثقة، بل هو صدوق لين الحديث، بل قال عنه أحمد بن حنبل: "هو منكر الحديث"، وقال المنذري: " ولا عيب على مسلم في إخراج هذا الحديث، فإنه أتى به في الطبقة الثانية، بعدما ساق طرق حديث ماعز، وأتى به آخرًا، ليبين إطلاعه على طرق الحديث، والله أعلم" (4).
__________
(1) أي هذه الرواية، والرواية الأخرى" إذاً لا نر جمها وندع ولدها صغيرًا ليس له من يرضعه".
(2) النووي، شرح صحيح مسلم: (11/ 202). وانظر: ابن حجر، فتح الباري: (12/ 150).
(3) صحيح مسلم.
(4) سنن أبي داود: (4/ 589، 590).(1/40)
وإذا كانت زيادة الثقة تقبل؛ بشرط ألا تخالف الثقات، فكيف إذا كانت المخالفة من غير الثقة؟ (1).
والمخالفة من بشير بن المهاجر في التأخير إلى الرضاع هي مخالفة الثقات الذين ذكروا التعجيل في إقامة الحد على الغامدية، بعد تأمين من يرضع الصغير.
ب- الجلد: يرى العلماء أنه لا يقام حد الجلد على المرأة الحامل حتى تضع وتخرج من نفاسها (2).
ثانياً: في القصاص:
يرى العلماء ومنهم الأئمة الأربعة تعجيل القصاص في النفس أو الطرف على الحامل إذا وضعت، ولكن يجب التأخير إلى أن توجد مرضعة أو ما يعيش به، وإلا أرضعته هي حولين وتفطمه. ومثله المرضع (3).
المبحث الثاني: العقوبات التي تقام على الحامل حال حملها:
ولكثرة العقوبات التي يمكن أن تقام على الحامل حال حملها، فإنني أعرض لأهمها.
أولاً : الحبس:
العقوبات البدنية التي تثبت بالحدود أو القصاص، ولا يمكن إقامتها في الحال هل يجب حبس المرأة لحين إقامتها عليها؟
والحبس في اصطلاح الفقهاء: هو تعويق الشخص ومنعه من التصرف بنفسه، سواء كان في بيت أو مسجد، أو كان بتوكيل الخصم أو وكيله عليه، وملازمته له (4).
__________
(1) ابن كثير، إسماعيل بن الشيخ أبي حفص بن كثير، "الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث" ، الطبعة الأولى – دار الفكر، والناشر دار الكتب العلمية – بيروت (1983م): (ص 54).
(2) الميرغناني، الهداية مع شرح فتح القدير: (5/ 29). والخرشي، حاشية الخرشي: (( / 84). والنووي، شرح صحيح مسلم: (11/ 201). وابن قدامة، المغني: (8/ 172).
(3) ابن الهمام، شرح فتح القدير: (5/ 30). والخرشي، حاشية الخرشي: (8/ 25). والنووي، روضة الطالبين: (7/ 93). وابن قدامة، المغني: (7/ 731).
(4) ابن القيم، الطرق الحكمية: (ص 102).(1/41)
وتحبس المرأة الحامل في القصاص إلى أن يمكن الاستيفاء منها بعد الوضع، ولا يقبل منها كفيل في ذلك؛ لأن المقصود من الكفالة إقامة الكفيل مقام المكفول عنه في إيفاء الحد والقصاص، وهذا لا يتحقق في الحدود والقصاص (1).
وأما الحبس في الحدود، فإنها تحبس عند المالكية إذا لزمها حد من حدود الله تعالى إلى الوضع، إذا خيف عليها من إقامته في حال الموت (2).
وأما الحنفية فيرون حبس الحامل إن ثبت زناها بالبينة مخافة أن تهرب، وإن ثبت بالإقرار فلا تحبس؛ لأن الرجوع عن الإقرار صحيح، فلا فائدة في الحبس، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحبس الغامدية (3).
وأما الشافعية فيرون أن لا تحبس الحامل إن كان عليها رجم أو غيره من حدود الله تعالى، على الصحيح المشهور في مذهبهم؛ لأن الحدود مبنية على التخفيف والتساهل (4).
الترجيح:
يميل الباحث إلى رأي الحنفية لقوة تعليلهم، وأن من مقتضيات إقامة الحد، الحبس الذي يمكن استيفاؤه، ونأمن من هربها، وأما إن ثبت الحد بالإقرار، فلا تحبس؛ لأن لها الرجوع عنه.
ثانيًا: القصاص فيما دون النفس:
يستثنى من حالة وجوب تأخير القصاص فيما دون النفس إلى الوضع، ما لو كان الغالب بقاؤها، وعدم تضرر الحمل بالاستيفاء منها فيستوفي، وهذا ما نص عليه ابن قدامة (5). ولم أجد غيره ذكره.
ثالثًا: التعزير:
التعزير في اصطلاح الفقهاء: هو تأديب على ذنوب لم تشرع فيها الحدود (6).
__________
(1) الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته:؛ (6/ 89).
(2) الخرشي، حاشية الخرشي: (8/ 25).
(3) الميرغناني، الهداية مع شرح فتح القدير: (5/ 30). وابن مودود، الاختيار: (4/88).
(4) قليوبي، حاشية قليوبي: (4/ 184).
(5) ابن قدامة، المغني: (7/ 732).
(6) عبد القادر عودة التشريع الجنائي الإسلامي، الطبعة العاشرة، مؤسسة الرسالة – بيروت (1989م) : (1/ 127).(1/42)
والتعزير يشتمل على مجموعة من العقوبات تبدأ من النصح، وتنتهي بالجلد والحبس (1).
ويميل الباحث إلى أنه لا مانع من إيقاع عقوبات التعزير على المرأة الحامل إذا كانت لا تضر بالحمل.
__________
(1) المرجع السابق: (1/127).(1/43)
سلسلة بحوث وتحقيقات مختارة من مجلة الحكمة (8)
أسانيد آية الرَّجم
"الشَّيخُ والشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُموهُما البَتَّة"
جمع ودراسة
الشيخ حمد بن إبراهيم العثمان
قام بنشره
أبو مهند النجدي
Almodhe1405@hotmail.com
almodhe@yahoo.com
أسانيد آية الرَّجم
"الشَّيخُ والشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُموهُما البَتَّة"
جمع ودراسة
الشيخ حمد بن إبراهيم العثمان
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد:
فقد كان الشيخ الفاضل العلامة محمد بن صالح العثيمين –رحمه الله- يشرح كتاب «زاد المستنقع» في الفقه الحنبلي –كتاب الحدود منه- وتكلم فضيلته عن الرجم في حق الزاني المحصنن وذكر حفظه الله أن هذا الحكم ثابت بالسنة لفظًا وحكمًا، وأنه ثابت بالقرآن حكمًا وأن لفظه منسوخ، وذكر رحمه الله ما تناقله الفقهاء والمفسرون من أن الآية المنسوخة في الرجم هي: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم). والشيخ –رحمه الله- بصير ناقد للنصوص لا يقبلها إلا بعد تدبر وتمحيص، وأورد الشيخ – رحمه الله- إشكالًا على الآية المذكورة وقال:
إن حكم الرحم مناط بالإحصان، وليس بالشيخوخة كما في الآية المذكورة، فالشاب المحصن يرجم، والشيخ غير المحصن لا يرجم، وإن بلغ من العمر عتيًّا. وهذا لا يفيده ظاهر الآية.
ووقع في قلبي –لما ذكر الشيخ كلامه حول الآية المذكورة- أن أجمع الأسانيد المذكورة للآية، ويسر الله ذلك بعد زمن، ولله الحمد والمنة.(1/1)
قال النسائي رحمه الله في السنن الكبرى (4/273): أخبرنا محمد بن منصور المكي قال: ثنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال: سمعت عمر(1) يقول:
(قد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، ألا وإن الرجم حق على من زنى إذا أحصن وكانت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف؛ وقد قرأناها:( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة)، وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده.
ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (رقم 8725)، ومن طريقه ابن ماجه في السنن، (2553) وأصل الحديث مخرج في الصحيحين بأطول من هذا اللفظ، أما التنصيص على أن آية الرجم هي: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة)؛ فهي من إفراد سفيان بن عيينة الزهري، وقد خالف سفيان ثمانيةٌ من أصحاب الزهري في روايتهم عنه عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه سمع عمر رضي الله عنه يقول: الحديث، وهؤلاء الثمانية هم:
1- صالح بن كيسان؛ كما في صحيح البخاري (رقم 6830).
2- يونس بن عبد الأعلى؛ كما في صحيح مسلم رقم (1691)، وسنن النسائي الكبرى (رقم 7158-4/247).
3- هشيم؛ كما في مسند الإمام أحمد (1/29)، وسنن أبي داود رقم (4418).
4- معمر؛ كما في مصنف عبد الرزاق رقم (13329)، ومسند الحميدي (1/15، 16)، وأحمد في مسنده (1/47)، والترمذي في جامعه رقم (1432).
__________
(1) روى هذا الطريق البخاري أيضًا في صحيحه رقم (6829) من دون ذكر للفظة: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فاجموهما البتة)، وكأنها لم تصح عنده من هذا الطريق، وقد غفل الإسماعيلي عن هذا الإعلال الدقيق، وأورد اللفظة التي أعرض عنها البخاري في مستخرجه على الصحيح من نفس الطريق. وقد أشار إلى هذا الحافظ ابن حجر رحمه الله في «الفتح» (12/143).(1/2)
5- مالك؛ كما في موطئه ص(823)، والشافعي في الأم (5/154)، وأحمد في المسند (1/40)، والدارمي في مسنده (2/179)، والنسائي في الكبرى رقم (7158 – 4/274).
6- عبد الله بن أبي بكر بن حزم؛ كما في «السنن الكبرى للنسائي» رقم (7159 – 4/274) بإسناد صحيح إليه.
7- عقيل؛ كما في «السنن الكبرى للنسائي» (7160 – 4/274).
8- سعد (1) بن إبراهيم؛ كما في مسند أحمد (1/50)، وسنن النسائي الكبرى (7151 – 4/272) بإسناد صحيح إليه.
وبهذا يتبين أن الآية: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة) غير محفوظة في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه المذكرو بالطريق السابق.
__________
(1) سعد هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، ثقة، رواه بنفس الإسناد الذي ساقه أصحاب الزهري في رواية أبي داود الطيالسي عن شعبة عنه كما في «السنن الكبرى» للنسائي (4/272 – رقم 7153)، ورواه بإدخال عبد الرحمن بن عوف بين عبد الله بن عباس وعمر بن الخطاب رضي الله عنهم في رواية كل من:
1- غندر عن شعبة عنه؛ كما في مسند أحمد (1/50)، وسنن النسائي (4/273).
2- حجاج بن محمد عن شعبة عنه؛ كما في مسند أحمد (1/50)، وسنن النسائي الكبرى (4/273) =
= 3- عبد الرحمن بن غزوان؛ كما في سنن النسائي الكبرى (4/272).
4- أبو داود الطيالسي في رواية أيضًا؛ كما في سنن النسائي الكبرى (4/272).
فكما ترى، المحفوظ عن سعد بن إبراهيم إدخال عبد الرحمن بن عوف بين ابن عباس وعمر رضي الله عنهم، والمحفوظ عن أصحاب الزهري عدم إدخال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، وليس هذا بقادح في رواية سعد بن إبراهيم؛ إذ عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه هو الذي حدث عبد الله بن عباس بحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنهم، كما هو صريح في صحيح البخاري رقم (6830)، وأصحاب الزهري أسقطوا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه تجوزًا.(1/3)
قال أبو عبد الرحمن النسائي رحمه الله في سننه الكبرى (2/273): لا أعلم أحدًا ذكر في هذا الحديث: (الشيخ والشيخة فارجموهما البتة) غير سفيان، وينبغي أنه وهم، والله أعلم. اهـ.
والذي يدل أيضًا على ان سفيان بن عيينة لم يحفظه هو ما صرح به؛ كما في مسند الحميدي (1/16)، فقال: «سمعته من الزهري بطوله، فحفظت منه أشياء، وهذا مما لم أحفظ منها يومئذ». اهـ.
وقال العلامة مالك رحمه الله في «الموطأ» (ص824) عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه سمعه (1) يقول: «لمَّا صدر عمر بن الخطاب رضي الله عنه من منى أناخ بالأبطح، ثم كوم كومةً بعلجاء، ثم طرح عليها رداءه واستلقى، ثم مدَّ يديه إلى السماء» فقال: اللهم كبرت سني، وضعفت قوتي، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط. ثم قدم المدينة فخطب الناس، فقال: أيها الناس، قد سنَّت لكم السنن، وفُرضت لكم الفرائض، وتُركتم على الواضحة إلا أن تضلوا بالناس يمينًا وشمالًا، وضرب بإحدى يديه على الأخرى ثم قال: إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم؛ أن يقول قائل: لا نجد حدَّين في كتاب الله، فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا.
والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس: زاد عمر بن الخطاب في كتاب الله تعالى لكتبتها: (الشيخ والشيخة إذا زنيا(2) فارجموهما البتة) فإنا قد قرأناها».
رجاله ثقات، ويحيى بن سعيد هو الأنصاري، وقد اختلف في سماع سعيد بن المسيب من عمر رضي الله عنه، وقد ذكرت كلام أهل العلم في ذلك في دراستي لكتاب عمرو بن حزم رضي الله عنه (ص13 - 15).
__________
(1) المراد: أن يحيى بن سعيد هو الذي سمع سعيد بن المسيب يقول: لما صدر عمر ... الحديث، كما هو واضح أيضًا في رواية محمد بن الحسن (ص421).
(2) لفظة: (إذا زنيا) سقطت من النسخة المطبوعة للموطأ رواية يحيى بن يحيى الليثي، وهي مثبتة في النسخة المطبوعة رواية محمد بن الحسن (ص241).(1/4)
وقد خالف يحيى بن سعيد الأنصاري داود بن أبي هند، فرواه عن سعيد بن المسيب عن عمر رضي الله عنه، ولم يذكر قوله: (والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة)، كما في مسند مسدد (1)، و«الحلية» لأبي نعيم (3/95)، والله أعلم.
وقال النسائي في «السنن الكبرى» (4/270): أخبرنا أحمد بن عمرو بن السرح، أخبرني الليث بن سعد عن سعيد بن أبي هلال، عن مروان بن عثمان، عن أبي أمامة بن سهل أن خالته أخبرته قالت: لقد أقرانا رسول الله صلى الله عليه وسلم آية الرجم: (الشيخ والشيخة فارجموهما البتة بما قضيا من اللذة).
ورواه النسائي في الكبرى أيضًا (4/271): أخبرنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، ثنا ابن مريم قال: إن الليث قال: حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال به.
وهذا إسناد ضعيف آفته مروان بن عثمان الذي ضعفه أبو حاتم، وقال عنه النسائي: ومَنْ مروان بن عثمان حتى يصدق على الله عز وجل. اهـ، ثم هذه الآية تخالف في اللفظ ما رواه الثقات الحفاظ.
وقال النسائي في السنن الكبرى (4/271- رقم 7148): أخبرنا إسماعيل بن مسعود الجحدري، قال: ثنا خالد بن الحارس، قال: ثنا ابن عون عن محمد، قال: نبئت عن ابن أخي كثير بن الصلت قال: كنا عند مروان وفينا زيد بن ثابت فقال زيد: كنا نقرأ (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة)، فقال مروان لا تجعله في المصحف، قال: ألا ترى أن الشابين الثيبين يرجمان، ذكرنا ذلك وفينا عمر فقال: أنا أشفيك، قلنا: وكيف ذلك؟ قال: أذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شاء الله، فأذكر كذا وكذا، فإذا ذكر آية الرجم فأقول: يا رسول الله أكتبني آية الرجم، قال:فأتاه فذكر آية الرجم، فقال: يا رسول الله أكتبني آية الرجم قال: (لا أستطيع).
إسناده ضعيف؛ لجهالة عين من نبأ محمد عن كثير بن الصلت.
__________
(1) انظر «تهذيب التهذيب» (4/88).(1/5)
وقال الإمام أحمد في المسند (5/132): ثنا خلف بن هشام، ثنا حماد بن زيد، عن عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش، عن أبي كعب قال: كانت سورة الأحزاب توازي سورة البقرة، فكان فيها: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة).
إسناده حسن ورجاله معروفون مشهورون، قال ابن حزم في «المحلى» (11/235): «هذا إسناد صحيح كالشمس لا مغمز فيه». اهـ. وقال ابن كثير في تفسيره (3/465): «وهذا إسناد حسن». اهـ.
وتابع حماد بن زيد في روايته عن عاصم به كل من:
1- منصور بن المعتمر؛ كما في «السنن الكبرى» للنسائي (4/271)، وصحيح ابن حبان (6/302).
2- وحماد بن سلمة كما في صحيح ابن حبان (6/302) ومستدرك الحاكم (2/415).
3- وسفيان الثوري كما في «المحلى» (11/234).
4- وابن فضالة كما في مسند الطيالسي (ص 73).
قال ابن حزم في «المحلى» (11/235): «فهذا سفيان الثوري، ومنصور شهدا على عاصم ما كذبا، فهما الثقتان الإمامان البدران، وما كذب عاصم على زر، ولا كذب زر على أبي». اهـ.
وقال الإمام أحمد في المسند (5/183): ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة عن قتادة عن يونس بن جبير، عن كثير بن الصلت قال: كان ابن العاص وزيد بن ثابت يكتبان المصحف، فمروا على هذه الآية، فقال زيد: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة)، فقال عمر: لما أنزلت هذه أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أكتبنها. قال شعبة: فكأنه كره ذلك.
فقال عمر: ألا ترى أن الشيخ إذا لم يحصن جلد، وأن الشاب إذا زنى وقد أحصن رجم.
ورواه كل من: الدرامي (2/179)، أخبرنا محمد بن يزيد الرفاعي، ثنا العقدي، ثنا شعبة به.
والنسائي في الكبرى (4/270)، أخبرنا محمد بن المثني، حدثنا محمد به.
وإسناده حسن، وابن العاص هو سعيد، وقتادة أحد الثلاثة الذين كفانا شعبة تدليسهم، على أنه قد صرح بالتحديث من يونس بن جبير، كما في «السنن الكبرى» للبيهقي (8/211).(1/6)
قال ابن حزم في «المحلى» (11/235): «وهذا إسناد جيد» اهـ.
وبالعودة إلى أصل المسألة، وهو أن حكم الرجم مناط بالإحصان، وليس بالشيخوخة، لا نجد أن مادة (شيخ) في لغة العرب تفيد الإحصان.
قال الجوهري في «الصحاح» (1/425): «شيخ: جمع الشيخ شيوخ وأشياخ وشيخة وشيخان ومشيخة ومشايخ ومشيوخاء، والمرأة شيخة».
قال أبو عبيد: «كأنها شيخة رقوب».
وقد شاخ الرجل يشيخ شيخًا بالتحريك، جاء على أصله، وشيخوخة وأصل الياء المتحركة سكنت؛ لأنه ليس في الكلام فعلول.
ثم قال: «وشيَّخَ تشييخًا، أي شاخ، وشيَّخته: دعوته شيخًا للتبجيل.
وتصغير الشيخ شُييخٌ وشييخٌ أيضًا بالكسر، ولا تقل شويخ». اهـ.
وقال ابن فارس في «معجم مقاييس» اللغة (3/234):
«شيخ الشين والياء والخاء كلمة واحدة، وهي الشيخ، تقول: هو شيخ، وهو معروف بين الشيخوخة والشيخ والتشييخ».
وقد قالوا أيضًا كلمة، قالوا: شيَّخت عليه. اهـ.
والجواب الأمثل والله أعلم، عن الإشكال المذكور هو أن نقول: إن قوله (الشيخ والشيخة) عام أريد به الخاص، وهو المحصن من الشيوخ، وإلى هذا أشار جماعة من السلف، قال الإمام مالك –رحمه الله- في «الموطأ» (ص824): «قوله (الشيخ والشيخة) يعني الثيِّب والثَّيبة». اهـ.
ولهذا كان يورد بعض الصحابة والتابعين لفظة (الشيخ) في مقابل الشاب المحصن مشيرين بذلك إلى مراد الآية، وهو المحصن من الشيوخ، قال أبو محمد بن حزم في «المحلى» (11/234):
«عن أبي ذر قال: الشيخان يجلدان ويرجمان والثيبان يرجمان، والبكران يجلدان وينفيان. وعن أبي ابن كعب قال: يجلدون ويرجمون يجلدون ولا يرجمون، وفسره قتادة قال: الشيخ المحصن يجلد ويرجم إذا زنى، والشاب المحصن يرجم إذا زنى، والشاب إذا لم يحصن زنى، وعن مسروق قال: البكران يجلدان وينفيان، والثيبان يرجمان، ولا يجلدان والشيخان يجلدان ويرجمان». اهـ.(1/7)
أما الشاب المحصن، فالرجم ثابت في حقه إذا زنى بدلالة نصوص أخرى غير الآية المنسوخة لفظًا الثابتة حكمًا. كما في حديث عبادة بن الصامت الذي رواه مسلم في صحيحه (رقم 1690). وفي حديث المرأة التي زنى بها العسيف، فرجمها النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنها كانت محصنة، كما في صحيح البخاري (رقم 6827)، ومسلم (رقم 1697).
وفي رجم ماعز بن مالك وهو شاب، كما في صحيح البخاري (رقم 6815)، وصحيح مسلم (رقم 1318)، وفي رجم الغامدية وهي شابة، وليست شيخة؛ بدليل أنها كانت حبلى من الزنى، كما في صحيح مسلم (رقم 1695- 23)، والله أعلم، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.(1/8)
سلسلة بحوث وتحقيقات مختارة من مجلة الحكمة (2)
أُصُول السُنَّة
تأليف الحافظ أبي بكر عبدالله بن الزبير الحُميديُّ
تحقيق
عبدالله بن يوسف الجديع
قام بنشره
أبو مهند النجدي
Almodhe1405@hotmail.com
almodhe@yahoo.com
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه , مباركاً عليه كما يحب ويرضى وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرا أما بعد:
فهذه الرسالة "أصول السُنَّة" لإمام قدوة من أئمة السلف أهل السنة والجماعة أصحاب الحديث ممن يعوَّلُ على نقله وقوله في ذلك .
إنه الإمام العلَم أحدُ أعيان رواة البخاري , ومن طبقة إمام السُنَّة أحمد ابن حنبل أبو بكر الحُميديُّ صاحب "المسند" المشهور قد ذيل بها" مسنده " وختم بها ونعمت الخاتمة , فهي على إيجازها وصغر
حجمها , تضمنت جملاً عظيمة في الإعتقاد,تعد في أبرز القضايا التي اختلف فيها أهل القبلة .
ورأيت نشرها مستقلة لتيسير الوقوف عليها ولأضيف بها برهاناً
آخر على صحّة اعتقاد أهل السُنَّة والحديث وسلامته من بدع أهل الكلام وأضرابهم والله تعالى أسأل أن يعم نفعها بمنه وكرمه .
وكتبه أبو محمد عبد الله بن يوسف الجديع
التعريف بالمؤلف (1)
هو الحافظ الإمام الفقيه أبو بكر عبدُ الله بن الزّبير بن عيسى القُرشيُّ الأسديُّ الحُميديُّ سمع العلم من خلق كثير , منهم : وكيعُ بن الجرَّاح , و الوليد بن مُسْلم ويعلى بن عبيد ومروان الفزاري .
ولازم سفيان بن عُيينة فأكثر عنه , حتى قال الشافعيُّ : " كان يحفظ لسفيان بن عُيينة عشرة آلاف حديث " .
وقال أبو حاتِمْ الرازيُّ : " أثبت الناس في ابن عيينة وهو رئيس أصحاب ابن عيينة , وهو ثقة إمام " .
__________
(1) انظر ترجمته في " تهذيب الكمال للمزّي" : (14/512) , " سير أعلام النبلاء للذهبي " : (10/616) .(1/1)
ووصفه بالإمامة أحمد بن حنبل , وإسحاق بن راهويه , والبخاري , وكان من أعيان الشافعي بمكة .
حمل عنه العلم كثيرون , منهم : البخاري , واحتج به في " الصحيح " , وهو أول رجل في كتابه , روى عنه في صدره حديث : " الأعمال بالنيات " ومنهم : الرازيان : أبو زرعة وأبوحاتِمْ , ومحمد بن يحيى الذهلي , ويعقوب بن سفيان , وراوي مسنده عنه بشر بن موسى الأسدي .
مات بمكة سنة (219هـ) رحمه الله .
***
هذه الرسالة
النسخة المعتمدة في التحقيق :
هذه الرسالة ـ كما أشرت في الافتتاح ـ ذَيَّلَ بها الحميدي " مسندَه" المعروف , وهو مطبوع بتحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي سنة (1963م) .
وقد اعتمدت لإخراج هذه العقيدة نسخة خطية قيمة من " المسند " , من محفوظات دار الكتب الظاهرية بدمشق , والواقعة تحت رقم (حديث ـ541) , وقد فرغ من نسخها سنة (689 هـ) .
وهذه النسخة وقعت للشيخ الأعظمي بأخرة , والكتاب يطبع , ولم يتهيأ له اعتمادها أصلاً , وإن منا قابل عليها نسخته التي اعتمد لها أصولاً متأخرة أقدمها يعود تاريخ نسخه إلى سنة (1150 هـ) .
***
نسبة الرسالة إلى مصنفها :
صحة هذه الرسالة عن مؤلفها كصحة " مسنده " , وصحته عند أهل الحديث في غنى عن الإستدلال.
كما تلقاها أئمة السُنَّة بالقبول , واعتمدوها في حكاية اعتقاد السلف , فمن ذلك :
1. ذكرها الإمام موفق الدين ابن قدامة في : " ذم التأويل " ( النص : 93) , بإسناده إلى أبي علي الصواف , راوي " المسند " عن بشر بن موسى , عن الحميدي , قال : " أصول السُنَّة ... فذكر أشياء , ثم قال ونطق به القرآن ..." فذكر ما سيأتي في الفقرة (7ـ8) .
2. شيخ الإسلام ابن تيمية , حيث قال : " وثبت عن الحميدي أبي بكر عبدالله بن الزبير أنه قال : أصول السُنَّة , فذكر أشياء " فساق مثل ما ذكر ابن قدامة (مجموع الفتاوى 4/6) .(1/2)
3. وكذا نقل النص نفسه من هذه الرسالة الإمام ابن القيم في " اجتماع الجيوش الإسلامية " (ص : 68) .
4. والحافظ الذهبي في :
? تذكرة الحفاظ : (2/414) , بإسناده عن ابن قدامة , كما تقدم .
? العلو : (ص : 133) كالذي قبله .
? الأربعين في صفات رب العالمين (النص : 75) , نقلاً عن آخر " المسند ".
اسم الرسالة :
ورد في أولها بعد الفراغ من " المسند " العنوان التالي " أصول السُنَّة ".ثم " حَدَّث بها بشر بن موسى عن الحميدي " فأثبته اسماً للرسالة .
التعليق عليها :
علقت على الرسالة تعليقات اقتضاها الحال .
والله المستعان .
نص الرسالة :
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
1ـ السُنَّة : أن يؤمن الرجل بالقدر خيره وشره ، حلوه ومره ، وأن يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه, وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه ، وأن ذلك كله فضل من الله عزوجل (1)
2ـ وأن الإيمان قول وعمل , يزيد وينقص , ولا ينفع قول إلا بعمل , ولا عمل و قول إلا بنية ، ولا قول وعمل بنية إلا بسنة .
3ـ والترحم على أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - كلهم ، فإن الله عز وجل قال : { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ } [الحشر 10]
__________
(1) يصدق ذلك حديث صهيب عند مسلم في " صحيحه " رقم (2999) , قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ).(1/3)
فلم يؤمر (1) إلا بالإستغفارٍ لهم ، فمن يسبهم أو ينقصهم أو أحداً منهم , فليس على السُنَّة ، وليس له في الفئ حق ، أخبرنا بذلك غير واحد عن مالك بن أنس أنه قال : " قسم الله ـ تعالى ـ الفئ فقال : { لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ } [الحشر 8] قال : { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا } [الحشر 10] الآية , فـ ( من ) (2) لم يقل هذا لهم , فليس ممن له الفيء(3) .
__________
(1) في الأصل : (يؤمن) وهو تصحيف , وكذا أشار الأعظمي إلى تصويبه.
(2) زيادة من المطبوع لا بد منها.
(3) صحيح عن مالك , وقد أخرجه اللالكائي في " اعتقاد أهل السُنَّة " رقم : (2400) , من طريق معن بن عيسى , قال : سمعت مالك بن أنس يقول : من سب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فليس له في الفيء حق , يقول الله عز وجل : {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} الآية , هؤلاء أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين هاجروا معه , ثم قال {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} الآية , هؤلاء الأنصار , ثم قال { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ } فالفيء لهؤلاء الثلاثة , فمن سب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فليس من هؤلاء الثلاثة , و لا حق له في الفيء .
قلت وإسناده صحيح .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " وهذا معروف عن مالك وغير مالك من أهل العلم , كأبي عُبيد القاسم بن سلام " ( منهاج السُنَّة : 2/20)(1/4)
4ـ والقرآن : كلام الله (1) .
سمعت سفيان(2)يقول لي: القرآن كلام الله ، ومن قال (مخلوق) فهو مبتدع ، لم نسمع أحداً يقول هذا.
5ـ وسمعت سفيان يقول : الإيمان قول وعمل , ويزيد وينقص . فقال له أخوه إبراهيم بن عيينة : يا أبا محمد لا تقل : ينقص . فغضب , وقال :" اسكت يا صبي ، بل حتى لا يبقى منه شئ (3).
6ـ والإقرار بالرؤية بعد الموت (4) .
7ـ وما نطق به القرآن والحديث , مثل : { وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ } [ المائدة 64] , ومثل : {السَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر :67] , وما أشبه هذا من القرآن والحديث لا نزيد فيه ولا نفسره . نقف على ما وقف عليه القرآن والسُنَّة .
8 ـ ونقول : { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } [طه :5] ومن زعم غير هذا فهو معطل جَهْمِيُّ .
9ـ وأن لا نقول كما قالت الخوراج :" من أصاب كبيرةً فقد كفر " .
10ـ ولا تكفير بشئ من الذنوب ، إنما الكفر في ترك الخمس(5)
__________
(1) على الحقيقة بحروفه ومعانيه , وهذه العقيدة أبرز ما اختلفت فيه طوائف أهل القبلة , وقد شرحت ذلك مفصلاً في كتابي ( العقيدة السلفية في كلام رب البرية ) فارجع إليه.
(2) هو ابن عيينة.
(3) أخرجه الآجري في " الشريعة " : ص (117) , أخبرنا خلف بن عمرو العُكْبري و اللالكائي في " اعتقاد أهل السنة " رقم (1745) , من طريق حنبل بن إسحاق , كلاهما عن المصنف به.
(4) أي رؤية ربهم تبارك وتعالى , والأخبار في هذه العقيدة صحيحة متواترة جمعها كثير من الأئمة أفردها منهم الآجرّي , وابن الأعرابي , والدارقطني , وغيرهم .
(5) لا خلاف بين أهل الإسلام في كفر من تارك الشهادتين وكذا لاخلاف بينهم في كفر من جحد وجوب واحد من الأركان الأربعة الأخرى , إذا بلغته الحجة لكن اختلفوا في تارك هذه الأربعة ترك عمل , على مذاهب .
وانظر : كتاب " الإيمان " لشيخ الإسلام ابن تيمية : (ص 245 , 287 , 354) و " مجموع الفتاوى " : (7/608 ـ 616) .(1/5)
التي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت " (1).
فأما ثلاث منها فلا يناظر تاركه : من لم يتشهد ، ولم يصل ، ولم يصم , لأنه لا يؤخر من هذا شئ عن وقته ؛ ولا يجزئ من قضاه بعد تفريطه فيه عامداً عن وقته .
فأما الزكاة , فمتى ما أداها , أجزأت عنه , وكان آثماً في الحبس .
وأما الحج , فمن وجب عليه ، ووجد السبيل إليه , وجب عليه , ولا يجب عليه في عامه ذلك حتى لا يكون له منه بد , متى أداه , كان مؤدياً , ولم يكن آثماً في تأخره إذا أداه , كما كان آثماً في الزكاة ؛ لأن الزكاة حقُّ لمسلمين مساكين , حبسه عليهم ,فكان آثماً حتى وصل إليهم . وأما الحج , فكان فيما بينه وبين ربه , إذا أداه , فقد أدى , وإن هو مات , وهو واجد مستطيع , ولم يحج , سأل الرجعة إلى الدنيا أن يحج (2)
__________
(1) متفق عليه من حديث عبدالله بن عمر .
(2) ورد هذا المعنى في حديث لا يصح , أخرجه عبد بن حميد : (رقم 693) , المنتخب , وعند الترمذي في " جامعه " عقب برقم (3313) , وابن جرير في تفسيره : (28/118) , والطبراني في " الكبير " : (12/114ـ115) , وابن عدي في " الكامل " : (7/2670) , من طريق أبي جناب الكلبي , عن الضحاك بن مزاحم , عن ابن عباس , قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (من كان عنده مال يبلغه الحج ، أو عنده مال تجب فيه الزكاة ، فلم يزكه ، سأل الرجعة عند الموت ) قالوا : يا ابن عباس ، إنما كنا نرى هذا للكافر . قال : أنا أقرأ عليكم بذلك قرآناً ، ثم قرأ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ } حتى بلغ { فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ }. اللفظ لعبد بن حميد .
قلت : وإسناده ضعيف , لثلاث علل :
الأولى : أبو جناب هذا ـ وهو يحيى بن أبي حية ـ ضعيف الحديث , ليس بالقوي , وكان قبيح التدليس .
والثانية : الضحاك لم يسمع من ابن عباس .
والثاثلة : اختلف فيه على أبي جَنَاب رفعاً ووقفاً .
فرواه الثوري , وعمر وعلي , عنه مرفوعاً , ورواه جعفر بن عون ـ كما أخرجه الترمذي (رقم 3313) , وسفيان بن عيينة ـ كما ذكره الترمذي أيضاً عنه موقوفاً قلت : فإذا ضممت إلى هذه الثلاث تدليس أبي جَنَاب أتممت أربعاً .(1/6)
ويجب لأهله أن يحجوا عنه , ويرجوا أن يكون ذلك مؤدّياً عنه , كما لو كان عليه دين فقضي عنه بعد موته .
***(1/7)
الحمدلله رب العالمين , والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .. وبعد :
إن الناظر إلى منهج شيخ الإسلام ابن تيمية يدرك تماماً أنه تميز بأصلين عظيمين طالما أكدهما شيخ الإسلام , وهما : النقل المصدق , والنظر المحقق , ولا شك أن من التزم في منهجه تحري الصحيح من النصوص الشرعية واستحصل آلة ذلك بضبط قواعد وأصول الحديث وكسب سر ذلك بطول الخبرة والتجربة , فإنه مما لاشك فيه أنه ستتجلى له حقيقة التمييز بين الصحيح والسقيم من الحديث بل إنه من السهولة بمكان أن يصل إلى خبايا العلل ودقائقها .
والنظر الثاقب الذي وفق إليه شيخ الإسلام في معرفة ذلك والذي شهد له أئمة الحديث في زمانه وإلى يومنا هذا جعل مكانته الحديثية راجحة في كفة الميزان الذي يوزن به من سلك هذا المسلك من أئمة الحديث ففاق كثيراً من أقرانه فكأنه لم يتخصص إلا به , ولم يعرف إلا إياه , ولذا ألصق به لقب شيخ الإسلام , وقد أطلق هذا اللقب عليه سبعة وثمانون من أئمة الإسلام , كلهم لقبوه بهذا اللقب [ ذكر ذلك صاحب كتاب ـ الرد الوافر على من زعم بأن من سمى ابن تيمية " شيخ الإسلام " كافر ص 98 ]
وقد اتفق أهل العلم من أهل السنة من معاصري شيخ الإسلام إلى يومنا هذا على إمامة شيخ الإسلام , وتفوقه في مختلف العلوم والفضل والزهد والورع والخلق , وقد منحه الله عزوجل الحافظة الواعية التي هي أساس العلم , والتعمق والتأمل , وحضور البديهة , والاستقلال الفكري , والصدق والإخلاص والمتابعة في طلب الحق , والطهارة من أدران الهوى , مع فصاحته وقدرته البيانية والشجاعة والصبر وغير ذلك من جوامع الخصال الحميدة التي قلما اجتعمت في إمام , وقد بين الحافظ الذهبي إمامة شيخ الإسلام في الحديث وبالغ في وصفه والثناء عليه في هذا المجال فقال :(1/1)
" وكانت له خبرة تامة بالرجال وجرحهم وتعديلهم , وطباقاتهم , ومعرفة بفنون الحديث , وبالعالي والنازل , والصحيح والسقيم , مع حفظ لمتونه الذي انفرد به , وهو عجيب في استحضاره واستخراج الحجج منه , وإليه المنتهى في عزوه إلى الكتب الستة والمسند بحيث يصدق عليه أن يقال : كل حديث لا يعرفه ابن تيميه فليس بحديث , ولكن الإحاطة لله , غير أنه يغترف فيه من بحر , وغيره من الأئمة يغترفون من السواقي " .أ.هـ
إن هذه الشخصية النادرة الفريدة التي ظهرت في أواخر القرن السابع وأوائل القرن الثامن تركت آثاراً حسنة عظيمة في مختلف المجالات العلمية الشرعية إلا أني ما وجدت أحداً من أهل العلم ـ فيما أعلم ـ حاول إبراز شخصية شيخ الإسلام ومكانته في الحديث وعلومه رواية ودراية مع شهرته في هذا المجال وإمامته فيه وإسهاماته الحديثية المنثورة في كتبه إلا ما رأيته من أخي وزميلي فضيلة الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالجبار الفريوائي في رسالته الدكتوراه بعنوان [ شيخ الإسلام ابن تيمية وجهوده في الحديث وعلومه ] في أربع مجلدات بما مجموعة ألفان وخمس وثمانون صفحة (2085 صفحة ) ( ( )توجد رسالة أخرى بعنوان شيخ الإسلام ابن تيمية محدثاً تأليف : عدنان بن محمد بن عبدالله آل شلش الناشر : دار النفائس للنشر والتوزيع- عمّان - الأردن وأصل الكتاب رسالة ماجستير ـ أبو مهند ـ)(1/2)
وأما عملي في هذه الرسالة الصغيرة فهي جهد المقل , فقد عمدت فيه إلى استخراج جميع الأحاديث التي تكلم عليها شيخ الإسلام ووصفها بالضعف أو الوضع أو الكذب , وهي المنثورة في كتبه , وقد استقصيت جميع ما بين أيدينا من مؤلفاته المطبوعة , وأرجو من الله العلي القدير أن لا يكون قد فاتني منها شيء سواء على سبيل الخطأ أو السهو والغفلة ـ والكمال لله وحده ـ وقد حرصت على أن لا يفوتني شيء , كما أنني أشكر أخي وزميلي الشيخ إياد عبداللطيف والذي أرسل إلي مجموعة من الأحاديث التي تكلم عليها شيخ الإسلام في بعض كتبه التي لم تطبع فنقلها من بعض المخطوطات , وكتب السخاوي مرعي الحنبلي
كما استخرجت بعض الأحاديث التي تكلم عليها شيخ الإسلام والمنثورة في كتب تلميذه ابن القيم وهي قليلة جداً , وأحب أن أشير إلى أن التعليق على جميع الأحاديث في هذا الكتاب هو من تعليق شيخ الإسلام ابن تيمية .
وقد تميز شيخ الإسلام بميله إلى نقد المتون( ( ) توجد رسالة بعنوان أشهر وجوه نقد المتن عند شيخ الإسلام ابن تيمية تأليف : بدر العماش وهي موجودة مع هذا البحث ـ أبو مهند ـ
) , وهذا الفن لم يتمكن منه كثير من أهل العلم , لاسيما إذا كانت النكارة في المتن غير ظاهرة , أما ما ظهرت نكارتة , واتضح كذبه لا سيما أكاذيب الشيعة وبعض أهل الأهواء , فإن شيخ الإسلام يكتفي غالباً في نقد متنه دون الرجوع إلى إسناده , لأن كذبه ظاهر.
وربما حكم شيخ الإسلام على بعض الأحاديث بالوضع والنكارة مع تصحيح بعض أئمة الحديث لها , ومن هنا نقد الحافظ ابن حجر العسقلاني شيخ الإسلام ابن تيمية في ( لسان الميزان 6 /319 ) وفي الدرر الكامنة (2/71 ) فقال " إنه تحامل في مواضع كثيرة , ورد أحاديث موجودة , وإن كانت ضعيفة بأنها مختلقة " . أ . هـ .(1/3)
وقد عد عبدالحي اللكنوي شيخ الإسلام ابن تيمية من الطبقة المتشددة من النقاد بناء على نقد ابن حجر له [ انظر الرفع والتكميل ( تعليق 90 ـ 91 ـ 135 ) ] وقد أقر الحافظ الذهبي ما حكم عليه شيخ الإسلام في منهاج السنة في كتابه المنتقى من منهاج الإعتدال وهو اختصار لمنهاج السنة النبوية.
وعند التحقيق والنظر وتتبع الأحكام التي يصدرها شيخ الإسلام على جملة من الأحاديث يتبين لنا أنه يسير على طريقة الإمام أحمد والبخاري وابن معين واضرابهم من الطبقة المتوسطة , ويظهر ميله هذا إليهم في إشادته بذكرهم ورجوعه إلى أقوالهم في الجرح والتعديل , لاختصاصهم وتميزهم بهذا الفن ومع ذلك فإننا لا ندعي العصمة لشيخ الإسلام , فهو كغيره من الجهابذة , وما يعتريهم من الخطأ والنسيان الذي لايحط من قدرهم ومكانتهم وحفظهم .
ولولا أن هذا المقام ليس مقام بسط وعرض واطناب لأطلت الكلام في جوانب كثيرة تتعلق بالجانب الحديثي لشيخ الإسلام ابن تيمية , ولدي كثير من الفوائد المتعلقة بهذا الموضوع , وأرجو أن يكون ذلك بعد الفراغ من العمل الذي أقوم بإعداده الذي هو [ البلغة في عقائد أئمة النحو واللغة ]
فأرجو من الله العلي القدير أن تتاح الفرصة المناسبة لعرض هذا الموضوع عرضاً تفصيلياً والله أسأل أن يتغمد شيخ الإسلام بواسع رحمته , ويسكنه فسيح جناته , وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين
كتبها
وليد الحسين
الدمام
2 / 12 / 1415 هـ
1ـ ـ "آخي بين علي وأبي بكر"
باطل : باتفاق أهل المعرفة بحديثه؛ فإنه لم يؤاخ بين مهاجر ومهاجر، وأنصاري وأنصاري، وإنما آخي بين المهاجرين والأنصار .
[ مجموع الفتاوى (35/93) ]
2 ـ " آل محمد كل مؤمن تقي "
حديث موضوع
[ منهاج السنة (1/75)]
3ـ " آمن من آمن بي , وصدقني بولاية علي بن أبي طالب عليه السلام , ومن تولاه فقد تولاني ..."
الحديث
هو من الموضوعات
[ منهاج السنة (5/78 , 80)]
4 ـ " آية من القرآن خير من محمد وآله"(1/4)
القرآن كلام الله منزل غير مخلوق , فلا يشبه بالمخلوقين , واللفظ المذكور غير مأثور .
[ مجموع الفتاوى (18/381) ]
5ـ " اتخذوا مع الفقراء أيادي . فإن لهم في غد دولة وأي دولة "
كذب لايعرف في شيء من كتب المسلمين المعروفة
[ مجموع الفتاوى (11/111,19) (18/123) ]
6ـ " أتى بطائر فقال : اللهم ائتني بأحب خلقك إليك وإليّ يأكل معي من هذا الطائر , فجاء علي ..." الحديث
هو من المكذوبات الموضوعات
[ منهاج السنة (7/369 ـ 385)]
7 ـ أحبو العرب لثلاث , لأنني عربي , والقرآن عربي , ولسان أهل الجنة عربي "
ذكر هذا الحديث ابن الجوزي في الموضوعات وقال : قال العقيلي ـ لا أصل له ـ
[اقتضاء الصراط المستقيم (1/391ـ393)]
8 ـ أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه , وأحبوني بحبكم الله , وأحبوا أهل بيتي بحبي "
اسناده ضعيف , فإن الله يحب أن يُحَبَّ لذاته , وإن كانت محبته واجبة لإحسانه.
[ منهاج السنة (5/396)]
9ـ " أخذ الله الميثاق من ظهر آدم فأخرج من صلبه ذرية ذرأها فنثرهم نثراً بين يديه كالدر ثم كلمهم فقال : ألست بربكم , فقالوا : بلى ..." الحديث
رفعه ضعيف فأما نطقهم فليس في شيء من الأحاديث المرفوعة الثابتة ولا يدل عليه القرآن .
[ درء تعارض العقل والنقل (8/482 ـ 484) ]
10ـ " أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد علي وبيدي ونحن بمكة , وصلى أربع ركعات ورفع يده إلى السماء , فقال : اللهم موسى بن عمران سألك , وأنا محمد نبيك أسألك أن تشرح لي صدري , وتحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي , واجعل لي وزيراً من أهلي , علي بن أبي طالب أخي ..." الحديث
هذا كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث .
[ منهاج السنة (7/274 ـ 276) ]
11ـ " أخذ بيد الحسين بن علي , فقال : أيها الناس , هذا الحسين ألا فاعرفوه , وفضِّلوه فوالله لجَدُّه أكرم على الله من جد يوسف بن يعقوب ..." الحديث
كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث .
[(1/5)
منهاج السنة (8/212 ـ 245) ]
12ـ " أخذ بيد حسن وحسين فقال : من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما فهو معي في درجتي يوم القيامة "
هذا الحديث من زيادات القطيعي , رواه عبدالله بن الإمام أحمد بن حنبل والقطيعي( ( ) أي في كتاب فضائل الصحابة للإمام أحمد بن حنبل .
) زاد عن شيوخه زيادات , وفيها أحاديث موضوعة باتفاق أهل المعرفة وهذا الحديث من زيادات القطيعي .
[ منهاج السنة (7/397 ـ 402) ]
13ـ " أخذ يوماً الحسين على فخذه الأيمن , وولده إبراهيم على فخذه الأيسر , فنزل جبريل وقال : إن الله تعالى لم يكن ليجمع لك بينهما فاختر من شئت منهما..." الحديث
هذا الحديث لم يروه أحد من أهل العلم , ولا يعرف له إسناد .
[ منهاج السنة (4/45 ـ 48) ]
14ـ " أخذت من أطراف شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص كان معي بعدما طاف بالبيت وبالصفا والمروة في أيام العشرة . قال قيس : والناس ينكرون هذا على معاوية"
أما حديث معاوية فشاذ , وقد طعن الناس فيه قديماً وحديثاً كما أخبر قيس , فإنهم أنكروا أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قضَّر .
[ شرح العمدة (2/475)]
15ـ " أدبني ربي فأحسن تأديبي "
المعنى صحيح لكن لايعرف له إسناد ثابت .
[ مجموع الفتاوى (18/37) ]
16ـ " إذا أراد الله أن ينزل عن عرشه نزل بذاته "
ضُعف هذا اللفظ ورواه ابن الجوزي في الموضوعات .
[ مجموع الفتاوى (5/394) ]
17ـ " إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأهل القبور "
هذا الحديث كذب مفترى على النبي صلى الله عليه وسلم بإجماع العارفين بحديثه . وهذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام أنه غير مشروع .
[ مجموع الفتاوى (1/356) ]
18ـ إذا اقتتل خليفتان فأحدهما ملعون "
الحديث كذب
[ مجموع الفتاوى (35/72) ]
19ـ إذا تحيرتم في الأمور فاستعينوا بأهل القبور"
هو كلام موضوع مكذوب باتفاق العلماء
[اقتضاء الصراط المستقيم (2/677ـ682)](1/6)
هذا الحديث ذكره شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (1/356) بلفظ ( إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأهل القبور) وتقدم ذكره
20ـ " إذا تشهد أحدكم في الصلاة فليقل : اللهم صل على محمد، وعلي آل محمد . وبارك على محمد وعلي آل محمد، وبارك على محمد، وارحم محمدًا كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وعلي آل إبراهيم، إنك حميد مجيد "
رواه البيهقي بإسناد ضعيف
[ مجموع الفتاوى (22/456) ]
21ـ " إذا حضر الخبز فلا تنتظروا شيئاً "
هذا يقوله بعض العامة , ولم يجيء في هذا شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم
[ مجموع الفتاوى (32/214) ]
22ـ " إذا ذكر إبراهيم وذكرت أنا فصلوا عليه , ثم صلوا عليَّ , وإذا ذكرت أنا والأنبياء غيره فصلوا علي , ثم صلوا عليهم "
هذا لا يعرف من كتب أهل العلم
[ مجموع الفتاوى (18/380) ]
23ـ " إذا رأيتموه ( معاوية) على منبري فاقتلوه" .
هذا الحديث ليس في شيء من كتب الإسلام , وهو عند الحفاظ كذب
[ منهاج السنة (4/ 380)]
24ـ " إذا سألتم الله فاسألوه بجاهي , فإن جاهي عند الله عظيم"
هذا الحديث كذب , ليس في شيء من كتب المسلمين التي يعتمد عليها أهل الحديث .
[ مجموع الفتاوى (1/319ـ 320) وتكلم عليه بتوسع في الرد على البكري (11ـ12 ,45) منهاج السنة (27/126)(24/235)(1/177)]
25ـ " إذا سمعتم عني حديثاً فاعرضوه على الكتاب والسنة , فإن وافق فارووه , وإن لم يوافق فلا"
هذا مروي لكنه ضعيف .
[ مجموع الفتاوى (18/382) ]
26ـ " إذا كثرت الفتن فعليكم بأطراف اليمن"
هذا اللفظ لا يعرف .
[ مجموع الفتاوى (18/384) ]
27ـ " إذا كنتم ورائي فلا تقرؤوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها "
هذا الحديث معلل عند أئمة أهل الحديث بأمور كثيرة.
[(1/7)
مجموع الفتاوى (23/286ـ287) الإلمام(26) الفتاوى(2/178) ( ( ) ولكن الحديث صححه جمع من الأئمة كالبخاري والحاكم والشيخ أحمد شاكر والألباني وحسنه الدارقطني وابن حجر , وتعليل شيخ الإسلام له وجه ولكنه مرجوح والله أعلم . ) ]
28ـ " إذا مات الحسن بكيت أنا وعي وفاطمة.." الحديث
هذا الحديث لم يروه أحد من أهل العلم , ولا يعرف له إسناد , وهذا كذب موضوع .
[ منهاج السنة (4/ 45)]
29ـ " إذا وصلتم إلى ما شَجَرَ بين أصحابي فأمسكوا، وإذا وصلتم إلى القضاء والقدر فأمسكوا "
هذا مأثور بإسناد منقطع , وما له إسناد ثابت( ( ) الأمر كما قال شيخ الإسلام إلا أن كثرة طرقه تقرب منه إلى الحسن لغيره والله أعلم .
)
[ مجموع الفتاوى (18/382) ]
30ـ " ازعجوا اعضائكم بالصلاة علي"
كذب موضوع باتفاق أهل العلم . وكذلك سائر ما يروى في رفع الصوت بالصلاة عليه .
[ مجموع الفتاوى (22/468) ]
31ـ " أسألك باحتياط قاف . وهو يوق المخاف والطور , والعرش والكرسي ..."
لا تؤثر منها شيء .
[ مجموع الفتاوى (27/129) ]
32ـ "اشتد غضب الله وغضبي على من أراق دم أهلي وآذاني في عترتي "
كلام لا ينقله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا ينسبه إليه إلا جاهل .
[ منهاج السنة (4/ 586ـ588)]
33ـ " أصحابي كالنجوم"
ضعفه أئمة الحديث .
[ منهاج السنة (7/ 142)]
34ـ " أطلبوا العلم ولو بالصين"
ليس هذا من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - .
[ الفوائد الموضوعة لمرعي الحنبلي (154)]
35ـ " اطلعت على ذنوب أمتي , فلم أجد أعظم ذنباً ممن نسي القرآن "
ضعفه بقوله : إذا صح
[ مجموع الفتاوى (18/126) ]
36ـ " اعتمر في رجب"
غلط فيه راويه .
[ مجموع الفتاوى (13/353) ]
37ـ " اغتسل ثم لبس ثيابه , فلما أتى ذا الحليفة صلى ركعتين , ثم قعد على بعيره , فلما استوى به على البيداء أحرم بالحج "
فيه يعقوب بن عطاء بن أبي رباح وقد تكلم فيه .
[(1/8)
شرح العمدة (18/126) ]
38ـ " أفرضكم زيد"
ضعيف لا أصل له , ولم يكن زيد على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - معروفاً بالفرائض .
39ـ " أقضاكم علي"
هذا الحديث لم يثبت , وليس له إسناد تقوم به الحجة , وقوله " أعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل" أقوى إسناداً منه .
[ منهاج السنة (7/ 512ـ 515) الفتاوى(1/471)]
40ـ " أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة"
وقد يصدق بعض هؤلاء بما يكون كذباً عند أهل المعرفة , مثل ما يروي طائفة من الفقهاء حديث " أقل الحيض ..." الحديث ويبنون عليها الحلال والحرام , وأهل العلم بالحديث متفقون على أنها كذب .
[ منهاج السنة (7/ 429ـ 430)]
41ـ " أكثر ما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة في الموقف : اللهم لك الحمد , كالذي نقول وخير مما نقول , اللهم لك صلاتي ومحياي ومماتي , وإليك مآبي..." الحديث
رواه الترمذي وقال حديث غريب من هذا الوجه , وليس له إسناد قوي .
[ شرح العمدة (2/508) ]
42ـ " أكرموا ظهوركم فإن فيها منافع للناس "
هذا اللفظ لاأعرفه مرفوعاً
[ الأحاديث الموضوعة (47)]
43ـ " أكل العنب دودو" وفي رواية " يا سلمان كل العنب دو , دو "
كذب لا أصل له , وفي الرواية باطل
[ مجموع الفتاوى (33/15) (18/127) ]
44ـ "ألبسَ علي بن أبي طالب - رضي اللّه عنه - لباس الفتوة، ثم أمره أن يلبس من شاء، ويقولون : ـ يعني رواته ـ إن اللباس أنزل على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في صندوق، ويستدلون عليه بقوله تعالى : { يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ ... } الآية .
هذا باطل لا أصل له , ولم يفعل هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه .
[ مجموع الفتاوى (11/85ـ88) ]
45ـ " الذي أيَّن الأين فلا يقال له : أين "
أجمع العلماء على أنه من أكذب الحديث .
[ درء تعارض العقل والنقل (5/225) ](1/9)
46ـ " اللهم أحيني مسكيناً , وأمتني مسكيناً , واحشرني في زمرة المساكين "
هذا يروى لكنه ضعيف لا يثبت , ومعناه احيني خاشعاً متواضعاً ( ( ) حكم جمع من الأئمة بوضع الحديث وآخرين بضعفه ومنهم شيخ الإسلام , وأما زعم السيوطي أن شيخ الإسلام حكم بوضعه فقد رده مرعي الحنبلي في الفوائد الموضوعة رقم (63) والحديث صحيح بمجموع طرقه لذا صححه العلائي والألباني في الصحيحة (308) والإرواء (861) .
) , وحكم بضعفه في مواطن .
[ مجموع الفتاوى (18/82) (18/382,326) (11/130)]
47ـ " اللهم إنك أخرجتني من أحب البقاع إلي فاسكني في أحب البقاع إليك "
هذا باطل , بل لا يثبت في الترمذي وغيره أنه قال لمكة " والله إنك لأحب بلاد الله إلى الله وقال : إنك لأحب البلاد إليَّ " فأخبر أنها أحب البلاد إلى الله وإليه .
[ مجموع الفتاوى (18/378) (27/36)]
48ـ " اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي هذا , فإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا رياءً ولا سمعة ..." الحديث
هذا الحديث رواه عطية العوفي وفيه ضعف .
[ اقتضاء الصراط المستقيم (2/787) مجموع الفتاوى (1/209, 369,339)]
49ـ " اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك "
روى الترمذي أنه كان يقول ذلك في وتره , لكن هنا فيه نظر [صح الحديث من طريق مسلم كدعاء في السجود]
[ مجموع الفتاوى (17/91) (9/98) ]
50ـ " أم أيمن امرأة من أهل الجنة "
هذا الخبر لا يعرف في شيء من دواوين الإسلام .
[ منهاج السنة (4/ 236ـ 237)]
51ـ " أمتي كالغيث لا يدرى ألوه خير أم آخره "
فيه لين .
[ مجموع الفتاوى (11/371)]
52ـ " أمر الصحابة بأن يسلموا على علي بإمرة المؤمنين , وقال : إنه سيد المرسلين , وإمام المتقين , وقائد الغر المحجلين . وقال : هذا ولي كل مؤمن بعدي وقال : إن علياً مني وأنا منه أولى بكل مؤمن ومؤمنة "
هذا كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث
[ منهاج السنة (7/ 386ـ 388)](1/10)
53ـ " أمر المجامع في رمضان بالقضاء "
جاء ذكر أمره بالقضاء في حديث ضعيف ضعفه العلماء , أحمد بن حنبل وغيره , ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي جامع أهله في رمضان بصوم , بل أمره بالكفارة فقط .
[ منهاج السنة (5/ 224)]
54ـ " أمر النساء بالغنج لأزواجهن عند الجماع "
ليس هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
[ مجموع الفتاوى (7/775) (18/384) ]
55ـ " أمر بالإثمد المروح عند النوم وقال : ليتقه الصائم "
ضعيف قال أبو داود : وقال يحيى بن معين هذا حديث منكر
[ مجموع الفتاوى (25/234 ـ 235) ]
56ـ " أمَرَ بريرة أن تعتد بثلاث حيض "
هذا حديث معلول . فإن عائشة رضي الله عنها قد ثبت عنها من غير وجه أن العدة عندها ثلاثة أطهار , وأنها إذا طعنت في الثالة حلت , فكيف تروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمرها أن تعتد بثلاث حيض .
[ مجموع الفتاوى (32/111 ـ 112) ]
57ـ " أمرت أن أخاطب الناس على قدر عقولهم "
لم يروه أحد من علماء المسلمين الذين يعتمد عليهم في الرواية .
[ مجموع الفتاوى (18/ 338) ]
58ـ " أمرهم بالجهر ـ يعني بالصلاة عليه ـ ليسمع من لم يسمع "
كذب موضوع باتفاق أهل العلم . وكذلك سائر ما يروى .
[ مجموع الفتاوى (22/ 468) ]
59ـ " إن لله أرضاً بيضاء تسير الشمس فيها ثلاثين يوماً , هي مثل أيام الدنيا ثلاثين مرة , مشحونة خلقاً لا يعلمون أن الله خلق آدم وإبليس "
الحديث من الموضوعات المكذوبات باتفاق أهل العلم .
[ بغية المرتاد (230) ]
60ـ " إن لله سبعين حجاباً من نور وظلمة , لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما أدركه بصره "
هذا الحديث بهذا اللفظ كذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باتفاق أهل المعرفة بالحديث , لا يوجد في شيء من دواوين الحديث .
[ بغية المرتاد (200 ـ 201) نقض التأسيس (2/ 140ـ 145) ( ( ) يقصد شيخ الإسلام لفظة ( سبعين ) لأن الحديث ثابت بدونها .) ](1/11)
61ـ " إن لله عز وجل تسعةً وتسعين اسماً , من أحصاها دخل الجنة هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ..." الحديث
إن التسعه والتسعين اسماً لم يرد في تعيينها حديث صحيح( ( ) حقق ابن حجر القول في أسماء الله سبحانه وتعالى في كتابه " فتح الباري " (11/ 214 ـ 227)
)
[ مجموع الفتاوى (1/ 216 ـ 218) (8/96)]
62ـ " إن الله أنزل أربع بركات من السماء إلى الأرض , فأنزل الحديد والماء والنار والملح "
حديث موضوع مكذوب .
[ مجموع الفتاوى (12/ 251 ـ 252) ]
63ـ " إن الله أوحى إليَّ أنه يحب أربعة من أصحابي , وأمرني بحبهم , فقيل له : من هم يا رسول الله ؟ قال : عليّ سيدهم وسلمان والمقداد وأبو ذر "
ضعيف بهذا اللفظ بل موضوع .
[ منهاج السنة (6/ 276) ]
64ـ " إن لله تبارك وتعالى خلق آدم ثم مسح على ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية فقال : خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون ..." الحديث
هذا الحديث إنما رواه أهل السنن والمسانيد , وقد قيل أن إسناده منقطع , وأن راوية مجهول .
[ دقائق التفسير (3/168) ]
65ـ " إن الله تعالى جعل الأجر على فضائل علي لا يحصى كثرة , فمن ذكر فضيلة من فضائله مُقرّاً بها غفر الله له ..." الحديث
[ رواه أخطب خوارزم ـ كما قال الرافضي ]
أخطب خوارزم هذا له مصنف في هذا الباب , فيه من الأحاديث المكذوبة ما لا يخفى , وليس هو من علماء الحديث , وهذا الحديث من المكذوبات .
[ منهاج السنة (5/36ـ 42)]
66ـ " إن اللّه ـ سبحانه وتعالى ـ لما عرج بنبيه - صلى الله عليه وسلم - أوحى اللّه إليه مائة ألف سر، وأمره ألا يظهرها على أحد من البشر . فلما نزل إلى الأرض وجد أصحاب الصفة يتحدثون بها . فقال : يارب، إنني لم أظهر على هذا السر أحدًا، فأوحى اللّه إليه أنهم كانوا شهودًا بيني وبينك "(1/12)
ما ذكر من أنهم ـ يعني أهل الصفة ـ عرفوا ما أوحاه الله إلى نبيه ليلة المعراج فكذب ملعون قائله , وكيف يكون ذلك والمعراج كان بمكة قبل الهجرة وأهل الصفة إنما كانوا بالمدينة بعد الهجرة .
[ مجموع الفتاوى (11/ 281 , 54 , 165) الرد على البكري (252 ـ 253) درء تعارض العقل والنقل (5/27) ]
67ـ " إن الله عهد إليَّ عهداً في علي عليه السلام فقلت : يا رب بينه لي , فقال : اسمع فقلت : سمعت فقال: إن علياً راية الهدى ..." الحديث
هذا كذب موضوع .
[ منهاج السنة (5/78 , 80) ]
68ـ " إن الله يعتذر للفقراء يوم القيامة ويقول : وعزتي وجلالي ما زويت الدنيا عنكم لهوانكم علي , لكن أردت أن أرفع قدركم في هذا اليوم ... " الحديث
كذب باطل مخالف للكتاب والسنة والإجماع .
[ مجموع الفتاوى (18/ 377 ـ 124) ]
69ـ " إن الله يمشي على الأرض، فإذا كان موضع خضرة قالوا : هذا موضع قدميه ويقرؤون قوله تعالى : { فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } "
هذا الحديث رواه أهل البدع في الصفات مما نعلم باليقين القاطع أنه كذب وبهتان بل كفر شنيع .
[ مجموع الفتاوى (3/ 385 ـ 389) ]
70ـ " إن الله ينزل عشية عرفة إلى الأرض "
لم يقل : " إن الله ينزل عشية عرفة إلى الأرض " وإنما قال : " أنه ينزل إلى السماء الدنيا عشية عرفة فيباهي الملائكة بالحجاج "
[ درء تعارض العقل والنقل (1/107 ـ 108 ) ]
71ـ " إن الله ينزل عشية عرفة على جمل أورق يصافح الركبان ويعانق المشاة "
هذا الحديث رواه أهل البدع في الصفات مما نعلم باليقين القاطع أنه كذب وبهتان بل كفر شنيع .
[ مجموع الفتاوى (3/ 385 ـ 389) ]
72ـ " إن الله ينزل كل ليلة إلى الأرض "
لم يقل " إن الله ينزل كل ليلة إلى الأرض " وإنما قال " ينزل إلى سماء الدنيا " ومن روى ذلك عنه علم بطلان قوله .
[درء تعارض العقل والنقل (1/107 ـ 108) ](1/13)
73ـ " إن الله ينزل ليلة الجمعة إلى الأرض "
لا يوجد في الآثار شيء من هذا الهذيان , وكل حديث روي فيه مثل هذا فإنه موضوع كذب .
[ منهاج السنة (2/633 , 634) ]
74ـ " إن الله ينزل في شكل أمرد "
لا يوجد في الآثار شيء من هذا الهذيان وهذا موضوع كذب .
[ منهاج السنة (2/633 , 634) ]
75ـ " إن أبا بكر الصديق أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال : إنى أتعلم القرآن ويتفلت منى . فقال له رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - : ( قل : اللهم إنى أسألك بمحمد نبيك، وبإبراهيم خليلك " الحديث
هو من الأحاديث الضعيفة الواهية بل الموضوعة , ولا يوجد في أئمة الحديث الإسلام من احتج به أو اعتمد عليه , ثم تكلم عليه بكلام مفصل .
[ مجموع الفتاوى (1/ 252) ]
76ـ " أن أبا بكر سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - هل رأيت ربك ؟ فقال : نعم . وإن عائشة سألته هل رأيت ربك فقال : لا "
هذا الحديث كذب وبهتان رواه أهل البدع .
[ مجموع الفتاوى (3/ 385 ـ 389) (18/ 339) ]
77ـ " إن أبا سفيان لما أسلم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - أريد أن أزوجك أم حبيبة "
رواه مسلم وقد روى مسلم أحاديث قد عرف أنها غلط مثل قول أبي سفيان , و لا خلاف بين الناس أنه تزوجها قبل إسلام أبي سفيان , ولكن هذا قليل جداً .
[ التفسير الكبير (7/328) ]
78ـ " إن إبراهيم ابن النبي - صلى الله عليه وسلم - مات يوم العاشر من الشهر , وهو اليوم الذي صلى فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة الكسوف "
هذا غلط و الواقدي لا يحتج بمسانيده , فكيف بما أرسله من غير أن يسنده إلى أحد .
[ مجموع الفتاوى (1/ 383) ]
79ـ " أن إبراهيم الخليل ـ عليه السلام ـ لما بني البيت صلى في كل ركن ألف ركعة؛ فأوحى الله تعالى إليه : ( يا إبراهيم أفضل من هذا سد جوعة أو ستر عورة )
هذا كذب ظاهر ليس في شيء من كتب المسلمين .
[ مجموع الفتاوى (18/ 380) ](1/14)
80ـ " أن ابن أبي سرح كان يتكلم بالإسلام , وكان يكتب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض الأحيان فإذا أملى عليه " عزيز حكيم " كتب " غفور رحيم " فيقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا أو ذاك سواء ..." الحديث
هذا الإسناد ليس بثقة .
[ الصارم المسلول (124) ]
81ـ " إن ابن عوف يدخل الجنة حبواً "
كلام موضوع لا أصل له .
[ مجموع الفتاوى (11/ 128) ]
82ـ " إن أخي ووزيزري وخليفتي من أهلي وخير من أترك بعدي يقضي دينه وينجز موعدي , علي بن أبي طالب "
هذا حديث موضوع .
[ منهاج السنة (7/355) ]
83ـ " إن أعرابياً أتي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنشده :
قد لسعت حية الهوى كبدي
فلا طبيب لها ولا راقي
إلا الحبيب الذي شغفت به
فعنده رقيتي وترياقي
وأنه تواجد حتى سقطت البردة عن منكبيه، فقال له معاوية : ما أحسن لهوكم ! فقال له : مهلًا يا معاوية، ليس بكريم من لم يتواجد عند ذكر الحبيب "
حديث موضوع باتفاق أهل العلم بهذا الشأن
[ مجموع الفتاوى (11/ 598 , 168) ]
84ـ " إن أعرابياً صلى ونقر الصلاة , فقال له علي : لا تنقر صلاتك فقال له الأعرابي : لو نقرها أبوك ما دخل النار"
هذا كذب ورووه عن عمر وهو كذب
[ مجموع الفتاوى (18/ 379) ]
85ـ " إن أهل الصفة قاتلوا مع الكفار يوم حنين "
كذب باتفاق أهل العلم
[ مجموع الفتاوى (11/ 165) ]
86ـ " إن الحج والعمرة فريضتان لا يضرك بأيهما بدأت "
رواه الدارقطني بإسناد ضعيف
[ شرح العمدة (1/99) ]
87ـ " إن الرجل ليكون من أهل الصيام وأهل الصلاة وأهل الحج وأهل الجهاد فما يجزى يوم القيامة إلا بقدر عقله "
أبان بن أبي عياش و ... و ... كلهم ضعفاء .
[ بغية المرتاد (247) ]
88_ " إن العباس يحشر بين حبيب وخليل "
حديث موضوع
[ الفتاوى (2/392) ]
89ـ " إن الغمام كان يظله - صلى الله عليه وسلم - دائماً "
هذا لا يوجد في شيء من كتب المسلمين , بل هو كذب عندهم .
[(1/15)
الجواب الصحيح (4/233) ]
90ـ " إن فيهم ـ يعني أهل الشام ـ الأبدال أربعين رجلاً كلما مات رجل ..."
حديث شامي منقطع الإسناد .
[ مجموع الفتاوى (11/434) ]
91ـ " إن لجواب الكتاب حقاً كرد السلام "
رجح شيخ الإسلام وقفه .
[ قاله السخاوي في المقاصد الحسنة (117) ]
92ـ " إن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك ـ يعني علي ـ "
هذا كذب
[ منهاج السنة (4/274)]
93ـ " إن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - قال ذات يوم وهو نشيط : أنا الفتى ابن الفتى أخو الفتى "
هذا الحديث من الأحاديث المكذوبة الموضوعة باتفاق أهل المعرفة بالحديث
[ منهاج السنة (5/50, 72) ]
94ـ " إن النار لا تمتلى حتى ينشئ لها خلقاً آخر "
غلط فيه راوية والسبب ظاهر .
[ مجموع الفتاوى (13/353) ]
95ـ " إن النبي - صلى الله عليه وسلم - عبر على راع ومعه ابن عباس , وكان الراعي يشبب , فسدَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أذنيه ..."
أما نقل هذا الخبر عن ابن عباس فباطل , ثم قال إنه كان مع ابن عمر ونقل عن أبي داود أنه قال حديث منكر .
[ مجموع الفتاوى (30/211 ـ 216) ] ( ( ) لكن الحديث له طرق ومتابعات يكون بها حسناً والله أعلم .
)
96ـ " إن النبي استأذن على أهل الصفة فلم يأذنوا له فقال : أنا محمد مسكين "
هذا الكلام من أعظم الكذب
[ مجموع الفتاوى (11/71) ]
97ـ " إن النذر نذران فما كان لله فكفارته الوفاء به , وما كان للشيطان فلا وفاء وفاء له وكفارته كفارة يمين "
أظن أنه عن ابن عباس موقوفاً .
[ العقود (46) ]
98ـ " إن أول ما خلق الله العقل فقال له أقبل : فأقبل , فقال له أدبر , فأدبر , فقال وعزتي ما خلقت خلقاً أكرم عليَّ منك , فبك آخذ ..." الحديث
كذب موضوع .
[ بغية المرتاد (247) ]
99ـ " أن جماعة من الأنبياء توسلوا بالنبي "
حكم بكذبه .
[ الرد على البكري (21 ـ 23 )](1/16)
100ـ " إن خديجة رضي الله عنها سألته - صلى الله عليه وسلم - عن أولادها من غيره فقال : هم في النار فقالت : بلا عمل ؟ فقال : الله أعلم بما كانوا عاملين "
هذا الحديث ضعيف بل موضوع .
[درء تعارض العقل والنقل (9/64) ]
101ـ " إن رجلاً أنشد بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال :
اقبلت فلاح لها
عارضان السبَّج
ادبرت فقلت لها
والفوائد في وهج
هل عليَّ ويحكما
إن عشقت من حرج
هذا الحديث موضوع
[ الاستقامة (1/295ـ297) ]
102ـ " أن ركانة طلق امراته البتة فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - آلله ما أردت إلا واحدة ؟ فقال : ما أردت بها إلا واحده , فردها إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "
ضعفه الأئمة الأكابر كالإمام أحمد بن حنبل والبخاري وأبي عبيد وابن حزم وغيرهم , وإن رواته قوم مجاهيل لم تعرف عدالتهم وضبطهم .
[ مجموع الفتاوى (33/15) (32/311ـ 312) ابن القيم في إغاثة اللهفان (1/315) ونقل كلام الشيخ عليه ]
103ـ " إن عبدالرحمن بن عوف يدخل الجنة حبواً "
من الأحاديث التي يرويها كثير من النساك ويظنها صدقاً .
[ منهاج السنة (7/430ـ 431) ]
104ـ " إن عرشه أو كرسيه وسع السموات والأرض، وأنه يجلس عليه فما يفضل منه قدر أربعة أصابع ـ أو فما يفضل منه إلا قدر أربعة أصابع ـ وإنه ليئط به أطيط الرَّحْل الجديد براكبه "
قوله " وإنه يفضل من العرش أربع أصابع لا يستوي عليها الرب " هذا معنى غريب ليس له قط شاهد من الروايات , بل هو يقتضي أن يكون العرش أعظم من الرب وأكبر , وهذا باطل مخالف للكتاب والسنة والعقل .
[ مجموع الفتاوى (16/432 ـ 438) دقائق التفسير (5/259) ]
105ـ " إن علياً قال : يا رسول الله لم سميت فاطمة قال : لأن الله فطمها وذريتها من النار "
هو كذب باتفاق أهل المعرفة بالحديث
[ منهاج السنة (4/62ـ 64) ]
106ـ " إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قتل أباه "(1/17)
هذا كذب , فإن أبا عمر مات في الجاهلية قبل أن يبعث الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
[ مجموع الفتاوى (18/379) ]
107ـ " إن عيسى ابن مريم أسلمته أمه إلى الكتاب ليعلمه، فقال له المعلم : اكتب بسم الله، فقال له عيسى : وما بسم الله ؟ فقال له المعلم : وما أدري ؟ فقال له عيسى : الباء بهاء الله، والسين سناؤه..." الحديث
هذا من الأحاديث الواهية بل المكذوبة .
[ مجموع الفتاوى (12/59 ـ 60) ]
108ـ " إن فاطمة أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - وقالت يا رسول الله إن علياً يقوم الليالي كلها إلا ليلة الجمعة , فإنه يصلي الوتر ثم ينام ..." الحديث
كذب ما رواه أحد من أهل العلم .
[ الفتاوى (2/211) ]
109ـ " إن فاطمة أحصنت فرجها , فحرم الله ذريتها على النار "
هو كذب باتفاق أهل المعرفة بالحديث.
[ منهاج السنة (4/62ـ 64) ]
110ـ " إن فاطمة ذكرت ان أباها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهبها فدك , فقال لها أبو بكر هات أسود وأحمر يشهد لك بذلك فجاء بأم أيمن ..." الأثر بطوله .
إن ادعاء فاطمة ذلك كذب على فاطمة .
[ منهاج السنة (4/226ـ 229) ]
111ـ " أن فلاناً تزوج فلانه , ولا نراه إلا يريد أن يحلها لزوجها , فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشهد على النكاح , قالوا : نعم , قال : ومهر ؟ قالوا : نعم قال : ودخل يعني الجماع ؟ قالوا : نعم قال ذهب الخداع"
هذا حديث باطل لا أصل له .
[ الفتاوى الكبرى (4/356 ـ 359) ] وهو كتاب " إبطال التحليل "
112ـ " إن قاتل الحسين في تابوت من نار عليه نصف عذاب أهل النار ... " الحديث
هذا من أحاديث الكذابين
[ منهاج السنة (4/585) ]
113ـ " إن كان جامداً فألقوها وما حولها , وكلوا سمنكم وإن كان مائعاً فلا تقربوه "
بين ضعف هذا الحديث , وطعن البخاري والترمذي وأبو حاتم الرازي والدارقطني وغيرهم فيه وأنهم بينوا أنه غلط .
[ الفتاوى (1/28 ـ 33) (21/490 ـ 498) (21/516 ـ 517) ](1/18)
114ـ " إن كل مولود يذر عليه من تراب حفرته "
هذا لا يثبت وما روي فيه كله ضعيف .
[ مجموع الفتاوى (27/ 261) ]
115ـ " إن لكل إنسان سبيل مطية وثيقة ومحجة واضحة , وأوثق الناس الناس مطية وأحسنهم دلالة ومعرفة بالحجة الواضحة أفضلهم عقلاً "
ابان بن الجيمياش و ... و ... كلهم ضعفاء .
[ بغية المرتاد (247) ]
116ـ " إن معاوية قدم المدينة فصلي بهم، ولم يقرأ { بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِِ } ، ولم يكبر إذا خفض، وإذا رفع فناداه المهاجرون حين سلم والأنصار : أي معاوية ؟ سرقت الصلاة ..."
هذا الحديث وإن كان الدارقطني قال : إسناده ثقات , وقال الخطيب هو أجود ما يعتمد عليه في هذه المسألة كما نقل ذلك عنه نصر المقدسي , فهذا الحديث يعلم ضعفه من وجوه ـ وذكر ستة وجوه ـ
[ مجموع الفتاوى (22/ 415 ـ 431) ]
117ـ " إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا أهل العلم بالله , فاذاكروه لم ينكره إلا أهل العزة بالله "
الحديث ليس اسناده ثابتاً باتفاق أهل المعرفة .
[ التفسير الكبير ( 2/76) ]
118ـ " أنا الصديق الأكبر "
هو مما عملته يد أحمد بن نصر الذراع , فإنه كان كذاباً يضع الحديث .
[ منهاج السنة (7/447) ]
119ـ " أنا الفتى ابن الفتى أخو الفتى "( ( ) تقدم برقم 93 باختلاف الجزء والصفحة ـ أبو مهند ـ
) أخو الفتى يعني علي
هذا الحديث من الأحاديث المكذوبة .
[ منهاج السنة (5/69) ]
120ـ " أنا المنذر وعلي الهادي , بك يا علي يهتدي المهتدون "
[ في قوله تعالى { إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } ]
هذا كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث
[ منهاج السنة (7/138 ـ 143) ]
121ـ " أنا أولهم إيماناً , وأوفاهم بعهد الله , وأقواهم بأمر الله , وأقسمهم بالسوية , وأعدلهم في الرعية , وأبصرهم بالقضية "
رواه الحسن بن عبيد الله الأبرازي وكان كذاباً .
[ منهاج السنة (7/447) ](1/19)
122ـ " أنا مدينة العلم وعلي بابها "
هذا حديث ضعيف , بل موضوع وإن رواه الترمذي .
[ مجموع الفتاوى (18/ 377) منهاج السنة (7/515 ـ 522) ]
123ـ " أنا من الله والمؤمنون مني "
هذا اللفظ لا يعرف عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
[ أحاديق القصاص (55 ـ 56 ) ]
124ـ " أنا من الله والمؤمنون مني يتسمون بالأهوية منه "
لا يحفظ هذا اللفظ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , لكن قال لعلي " أنت مني وأنا منك " كما قال تعالى { بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ } .
[ مجموع الفتاوى (11/ 72 ـ 73) ]
125ـ " أنا من العرب وليس العرب مني "
هذا ليس من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - .
[ مجموع الفتاوى (18/ 382) ]
126ـ " أنا وهذا حجة الله على خلقه " يعني علي بن أبي طالب
موضوع عند أهل العلم بالحديث
[ منهاج السنة (5/75) ]
127ـ " أنت أخي ووصيي وخليفتي من بعدي وقاضي ديني "
[ قاله لعلي بن أبي طالب ]
هذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث .
[ منهاج السنة (7/353 ـ 358) ]
128ـ " أنت أخي في الدنيا والآخرة "
لم يؤاخ النبي - صلى الله عليه وسلم - علياً ولا غيره , بل كل ما روي في هذا فهو كذب .
[ منهاج السنة (7/ 117) ]
129ـ " أنت أول من آمن بي , وأنت أول من يصافحني يوم القيامة , وأنت الصديق الأكبر , وأنت الفاروق ... " الحديث
قال أبو الفرج : حديث موضوع قلت : لعل الآفة فيه محمد بن عبدالله .
[ منهاج السنة (7/ 448) ]
130ـ " أنت وليي في كل مؤمن بعدي "
موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث.
[ منهاج السنة (5/ 35) ]
131ـ " انتهت الدعوة إليّ وإلى علي , لم يسجد أحدنا لصنم قط , فاتخذني نبياً واتخذ علياً وصياً "
[ والدعوة يعني دعوة إبراهيم ]
كذب موضوع بإجماع أهل العلم بالحديث.
[ منهاج السنة (7/ 133 ـ 135) ]
132ـ " أنه كان نوراً حول العرش فقال : جبريل أنا كذلك من نور "
أحاديث مفتراة .
[(1/20)
الرد على البكري (4 ـ 11) ]
133ـ " أنه لم يزل يقنت حتى فارق الدنيا "
ضعيف الإسناد
.
[ مجموع الفتاوى (22/374) زاد المعاد لإبن القيم نقلاً عن شيخه (1/275) ]
134ـ " إنه لما اقترف آدم الخطيئة قال : يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي قال ..." الحديث
تصحيح الحاكم لمثل هذا الحديث وأمثاله فهذا مما أنكره عليه أئمة العلم بالحديث , وقالوا : إن الحاكم يصحح أحاديث وهي موضوعة مكذوبة عند أهل المعرفة بالحديث , ثم تكلم بتفصيل عن الحديث .
[ مجموع الفتاوى (1/254) الرد على البكري (59 , 263) ]
135ـ " إنه ليلة أسري به جمع الله بينه وبين الأنبياء ثم قال : سلهم يا محمد علام بُعثتم ؟ قالوا : بعثنا على شهادة أن لا إله إلا الله وعلى الإقرار بنبوتك , والولاية لعليّ بن أبي طالب "
إن مثل هذا مما اتفق أهل العلم على أنه كذب موضوع .
[ منهاج السنة (7/ 167 ـ 170) ]
136ـ " إنه ( أي علي ) شرب من سرة النبي فدرى علم الأولين والآخرين "
من الأكاذيب .
[ من منهاج السنة ]
137ـ " إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي , ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض "
رواه الترمذي , وقد سئل عنه أحمد بن حنبل فضعفه , وضعفه غير واحد من أهل العلم وقالوا : لا يصح.
[ منهاج السنة (7/ 393 ـ 397) ]
138ـ " أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق "
هذا لا يعرف له إسناد .
[ منهاج السنة (7/ 393 ـ 397) ]
139ـ " أول ما خلق الله العقل قال له : أَقْبِل، فأقبل . ثم قال له : أَدْبِر، فأدبر . ثم قال : وعزتي وجلالي ما خلقت خلقًا أكرم على منك . بك آخذ، وبك أعطي؛ وبك أثيب، وبك أعاقب "
كذب موضوع ,
[مجموع الفتاوى (18/336) ]
140ـ " تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين ... " الحديث
كذب موضوع باتفاق العلماء .
[ منهاج السنة (7/258) ]
141ـ " تجوز الصلاة خلف كل بر وفاجر "(1/21)
هذا الحديث لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
[ الفتاوى (1/109) ]
142ـ " تزوجها حراماً " ـ أي ميمونة ـ
غلط فيه راويه , والسبب ظاهر .
[ الفتاوى (13/353) شرح العمدة (2/190 ـ 209 ) ]
143ـ " تزوجوا فقراء يغنكم الله "
لا أعرفه .
[ مجموع الفتاوى (18/125) ]
144ـ " تسمية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي سيد العابدين "
لا أصل له , ولم يروه أحد من أهل العلم .
[ منهاج السنة (4/50) ]
145ـ " تعلموا أباجاد وتفسيرها، ويل لعالم جهل تفسير أبي جاد قال : قالوا : يا رسول الله، وما تفسيرها ؟ قال : ( أما الألف فآلاء الله وحرف من أسمائه ... " الحديث
هذا من الأحاديث الواهية بل المكذوبة.
[ مجموع الفتاوى (12/59) ]
146ـ " تقاتلين علياً وأنت ظالمة له "
لا يعرف في شيء من كتب العلم المعتمدة.
[ منهاج السنة (4/316) ]
147ـ " تمعددوا واخشوشنوا , وانتعلوا , وامشوا حفاة "
هذا مشهور , محفوظاً عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب على المسلمين .
[ الإقتضاء (1/244) ]
148ـ " ثلاث هن علي فريضة وهن لكم تطوع : الوتر , والنحر , وركعتا الفجر "
وقد يصدق بعض هؤلاء بما يكون كذباً عند أهل المعرفة , مثل ما يروي طائفة من الفقهاء حديث " ثلاث هن علي فريضة ... " الحديث ويبنون عليها الحلال و الحرام , وأهل العلم بالحديث متفقون على أنها كذب .
[ منهاج السنة (7/429 ـ 430) ]
149ـ " جاء إبليس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في المسجد مع جماعة من أصحابه وسأله عن أشياء كثيرة "
هذا حديث مكذوب مختلق .
[ مجموع الفتاوى (1/189) ]
150ـ " جاء أعرابي ـ في غزوة السلسلة ـ فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن جماعة من العرب قصدوا أن يكبسوا عليه بالمدينة , فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من للوائي ؟ فقال أبو بكر أنا له ... فقال في اليوم الثالث أين علي ؟ ... " الحديث(1/22)
ما ذكر فيها من جنس الكذب الذي يحكيه الطرقية الذين يحكون الأكاذيب الكثيرة .
[ منهاج السنة (8/115 ـ 119) ]
151ـ " جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله ما يوجب الحج ؟ قال : الزاد والراحلة قال : يا رسول الله فما الحج ؟ قال : الشعث الشغل , وقام آخر فقال يا رسول الله ما الحج ؟ قال العج والثج "
فيه إبراهيم بن يزيد قد تكلم فيه بعض أهل الحديث من قبل حفظه .
[ شرح العمدة (1/126) ]
152ـ " جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : اشتكت عيني أفأكتحل وأنا صائم قال : نعم "
قال الترمذي : ليس بالقوي , و لا يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب شيء وفيه أبو عاتكة , قال البخاري منكر الحديث .
[ مجموع الفتاوى (25/234 ـ 235) ]
153ـ " جاء قيس بن حطاطه إلى حلقة فيه صهيب الرمي و سلمان الفارسي و بلال الحبشي .... , فصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم قال : أما بعد أيها الناس , فإن الرب رب واحد والأب واحد والدين واحد ... " الحديث
هذا الحديث ضعيف , وكأنه مركب على مالك لكن معناه ليس ببعيد .
[ اقتضاء الصراط المستقيم (1/407 ـ 409) ]
154ـ " جاءت فأرة فأخذت تجر الفتيلة بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الخمرة التي كان قاعداً عليها , فأحترق فيها قبل موضع درهم "
هذا الحديث لا نعلم صحته .
[ مجموع الفتاوى (22/176) ]
155ـ " جاءني جبريل من عند الله بورقة خضراء مكتوب فيها ببياض : إني قد افترضت محبة عليّ على خلقي فبلغهم ذلك عني "
كذب موضوع.
[ منهاج السنة (7/397 ـ 402) ]
156ـ " الجنة تحت أقدام الأمهات "
ما يعرف هذا اللفظ مرفوعاً بإسناد ثابت ( ( ) الحديث صحيح بمجموع طرقه صححه الذهبي و المنذري والألباني .
)
[ الأحاديث الموضوعة (71) ]
157ـ " حب أبي بكر وعمر من الأيمان , وبغضهما من الكفر "(1/23)
رواه أبو طاهر السلفي , وإسناده الذي ذكره فيه نظر لكن لعله روي من وجه آخر .
[ اقتضاء الصراط المستقيم (1/385 ـ 387) ]
158ـ " حب آل محمد يوماً خير من عبادة سنة , ومن مات عليه دخل الجنة "
حديث موضوع عند أهل العلم بالحديث .
[ منهاج السنة (5/72 ـ 278) ]
159ـ " حب الدنيا رأس كل خطيئة "
ليس هذا محفوظاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكن هو معروف عن جندب بن عبدالله البجلي من الصحابة ويذكر عن المسيح بن مريم عليه السلام .
[ مجموع الفتاوى (11/371) (18/ 7) ]
160ـ " حب علي حسنة لا تضر معها سيئة , وبغضه سيئة لا ينفع معها حسنة "
[ نقله صاحب الفردوس في كتابه عن معاذ بن جبل مرفوعاً ]
كتاب " الفردوس " فيه من الأحاديث الموضوعات ما شاء الله نقلها من غير اعتبار لصحيحها وضعيفها وموضوعها
[ منهاج السنة (5/72 ـ 75) ]
161ـ " حبب إليّ من دنياكم ثلاث : النساء , والطيب , وجعلت قرة عيني في الصلاة "
لم يقل " حبب إليّ من دنياكم ثلاث " وإنما كان يقول " حبب إليّ من دنياكم النساء والطيب " ثم يقول " وجعلت قرة عيني في الصلاة "
[ مجموع الفتاوى (28/31) ]
162ـ " حج النبي - صلى الله عليه وسلم - على رحل رث , وقطيفة تساوي أربعة دراهم ... " الحديث
رواه ابن ماجه وفيه كلام
[شرح العمدة (148 ـ 149) ]
163ـ " الحجر الأسود يمين الله في الأرض "
هو معروف من كلام ابن عباس , وروي مرفوعاً وفي رفعه نظر .
[ درء تعارض العقل والنقل (5/236 ـ 239) ]
164ـ حديث تلقين الميت
لا يحكم بصحته
[ مجموع الفتاوى (21/296) ]
165ـ حديث كراهة السلت والنتر في التبول
لا يصح .
[ مجموع الفتاوى (21/106) ]
166ـ " حديث هامة بن هيم بن لا قيس بن إبليس وأنه قدم على النبي وأسلم "
نقل ابن القيم عن شيخه أنه موضوع .
(فوائد حديثية لإبن القيم مخطوطة ورقة 21)
167ـ " حديث وحي عيسى بن مريم , وأنه ظهر في زمن عمر بن الخطاب "(1/24)
نقل ابن القيم عن شيخ الإسلام تكذيبه .
( فوائد حديثية لإبن القيم مخطوطة ورقة 23 )
168ـ " حسبي من سؤالي علمه بحالي "
كلام باطل .
[ مجموع الفتاوى (8/539) ]
169ـ " حسنات الأبرار سيئات المقربين "
هذا كلام بعض الناس وليس هو من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - .
[ مجموع الفتاوى (18/338) ]
170ـ " حصار تبوك "
يذكره الجهال كذب لا أصل له .
[ الإختيارات العلمية نقلاً عن الفتاوى الكبرى : (4/468) ]
171ـ " الحيض للجارية البكر ثلاثة أيام ولياليهن وأكثره خمسة عشر "
هذا الخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - باطل , بل هو كذب موضوع باتفاق علماء الحديث .
[ مجموع الفتاوى (1/77) ] ( ( ) بحثت عنه في مجموع الفتاوى ولم أجده ـ أبو مهند ـ)
172ـ " خرج رسول الله ـ في غزوة حنين ـ متوجهاً في عشرة الآف من المسلمين وكان أمير المؤمنين يضرب بين يديه بالسيف , وقتل من المشركين أربعين نفساً فانهزموا "
كذب باتفاق أهل المعرفة بالحديث.
[ منهاج السنة (8/126ـ 131) ]
173ـ " خلق الله آدم على صورته أي على صورة المضروب " ( ( ) يقصد شيخ الإسلام لفظة ( على صورة المضروب ) و إلا فالحديث ثابت .
)
هذا شيء لا أصل له و لا يعرف في شيء من كتب الحديث .
[ نقض التأسيس (3/224) ]
174ـ خلق الله التربة يوم السبت "
رواه مسلم في صحيحه , وهو حديث معلول قدح فيه أئمة الحديث كالبخاري وغيره . وقال البخاري موقوف على كعب وهو مما أنكر الحذاق على مسلم إخراجه إياه .
[ مجموع الفتاوى (17/235 ـ 237) ]
175ـ " خلق الله من نور وجه علي سبعين ألف ملك يستغفرون له ولمحبيه إلى يوم القيامة "
[ رواه اخطب خوارزم ـ كما قال الرافضي ]
أخطب خوارزم هذا له مصنف في هذا الباب , فيه من الأحاديث المكذوبة ما لا يخفى كذبه وليس هو من علماء الحديث وهذا الحديث من المكذوبات .
[ منهاج السنة (5/36ـ 242) ]
176ـ " خير خلكم خل خمركم "(1/25)
هذا الكلام لم يقله النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن نقله عنه فقد أخطأ .
[ الفتاوى (1/85) ]
177ـ " دخل الحمام "
لم يدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - حماماً ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان , والحديث الذي يروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل الحمام موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث .
[ مجموع الفتاوى (21/ 301) ]
178ـ " دخلت على علي العصر , فوجدته جالساً بين يديه صفحة فيها لبن حار , وأجد ريحة من شدة حموضته وفي يده رغيف ..." الحديث عن سويد بن غفلة
ليس بمرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - .
[ منهاج السنة (7/486ـ476 ـ 492) ]
179ـ " دخلت عليه يوم السبت وهو يتغدى , فقال " تعالي تغدي " فقالت : إني صائمة فقال لها أصمت أمس فقالت : لا قال " كلي فإن صيام يوم السيت لا لك ولا عليك "
إسناده ضعيف .
[ اقتضاء الصراط المستقيم (2/573 ـ 574) ]
180ـ " دعا الناس إلى غدير خُم , وأمر بإزالة ما تحت الشجر من الشوك فقام فدعا علياً فأخذ بضبعيه فرفعهما ... من كنت مولاه فعلي مولاه ..." الحديث
على المستدل بيان صحة هذا الحديث ومجرد عزوه إلى رواية أبي نعيم لا تفيد الصحة فإن أبا نعيم روى كثيراً من الأحاديث الضعيفة بل الموضوعة .
[ منهاج السنة (7/51ـ 59) ]
181ـ " دعا في مسجد الفتح ثلاثاً : يوم الإثنين , ويوم الثلاثاء , ويوم الأربعاء , فاستجيب له يوم الأربعاء ..." الحديث
في إسناد هذا الحديث كثير بن زيد وفيه كلام يوثقه ابن معين تارة ويضعفه أخرى .
[ اقتضاء الصراط المستقيم (2/807) ]
182ـ " الدنيا خطوة رجل مؤمن "
هذا لايعرف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن سلف الأمة ولا خلفها ولا أئمتها .
[ مجموع الفتاوى (18/ 123) ]
183ـ " الذي أيَّن الأين فلا يقال له : أين " ( ( ) مكرر تقدم برقم 45 ـ أبو مهند ـ
)
أجمع العلماء على أنه من أكذب الحديث
[ درء تعارض العقل والنقل (5/225) ](1/26)
184ـ " رأى ربه حين أفاض من مزدلفة يمشي أمام الحجيج وعليه جبة صوف "
هذا الحديث رواه أهل البدع في الصفات مما نعلم باليقين القاطع أنع كذب وبهتان بل كفر شنيع .
[ مجموع الفتاوى (3/385 ـ 389) ]
185 ـ " رأى ربه في الطواف "
هذا الحديث كذب وبهتان رواه أهل البدع
[ مجموع الفتاوى (3/385 ـ 389) ]
186ـ " رأى ربه في بعض سكك المدينة "
هذا الحديث كذب وبهتان رواه أهل البدع .
[ مجموع الفتاوى (3/385 ـ 389) ]
187ـ " رأى ربه ليلة المعراج بعين رأسه وعليه تاج يلمع "
كل حديث فيه رؤيته لربه ليلة المعراج عياناً , فإنها كلها أحاديث مكذوبة موضوعة باتفاق أهل العلم بالحديث .
[ درء تعارض العقل والنقل (7/93) نقض التأسيس (3/472ـ473) ]
188ـ " رأى ربه وهو خارج من مكة "
هذا الحديث كذب وبهتان رواه أهل البدع .
[ مجموع الفتاوى (3/385 ـ 389) ]
189ـ " رأى علياً مقبلاً فقال : أنا وهذا حجة الله على أمتي يوم القيامة "
كذب .
[ منهاج السنة (7/403) ]
190ـ " رأيت أبا ذر وهو متعلق بأستار الكعبة وهو يقول : من عرفني فقد عرفني , ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر ..."
الأثر عن ابن عباس موقوف على أبي ذر مع أن نقله عن أبي ذر فيه نظر .
[ منهاج السنة (5/50ـ 72) ]
191ـ " رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو آخذ بيد علي وهو يقول : هذا ولي وأنا وليه , عاديتُ ما عادى وسالمت من سالم "
كذب موضوع .
[ منهاج السنة (7/397ـ 402) ]
192ـ " رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر "
لا أصل له .
[ مجموع الفتاوى (11/197 ـ 199) ]
193ـ "زدني فيك تحيراً "
من الأحاديث المكذوبة , ولم يروه أحد من أهل العلم بالحديث , وإنما يرويه جاهل أو ملحد فإن هذا الكلام يقتضي انه كان حائراً أو أنه سأل الزيادة في الحيرة وكلاهما باطل وذكر تكذيبه في مواضع .
[درء تعارض العقل والنقل (5/225) مجموع الفتاوى (5/179) (2/203) (11/384) ](1/27)
194ـ " زكاة الأرض نباتها "
وقد يصدق بعض هؤلاء بما يكون كذباً عند أهل المعرفة , مثل ما يروي طائفة من الفقهاء حديث " زكاة الأرض نباتها " ويبنون عليها الحلال والحرام وأهل العلم بالحديث متفقون على أنها كذب .
[ منهاج السنة (7/429 ـ 430 ) ]
195ـ سئل بأي لغة خاطبك ربك ليلة المعراج ؟ فقال خاطبني بلغة علي ..."
رواه أخطب بن خوارزم ـ كما قال الرافضي ـ
أخطب بن خوارزم هذا له مصنف في هذا الباب فيه من الأحاديث المكذوبة ما لا يخفى كذبه وليس هو من علماء الحديث , وهذا الحديث من المكذوبات .
[ منهاج السنة (5/36 ـ 42 ) ]
196ـ " سُئل عن الكمات التي تلقاها آدم عن ربه فتاب عليه قال : سأله بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين أن يتوب عليه فتاب عليه "
هذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل العلم .
[ منهاج السنة (7/130 ـ 132 ) ]
197ـ " سئل عن المني يصيب الثوب فقال : إنما هو بمنزلة المخاط والبصاق وإنما يكفيك أن تمسحه بخرقة أو بإذخرة "
أما هذه الفتيا فهي ثابتة عن ابن عباس , وقبله سعد بن أبي وقاص ذكر ذلك عنهما الشافعي وغيره في كتبهم وأما رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فمنكر باطل لا أصل له .
[ الفتاوى (2/151ـ 152) ]
198ـ " سألت الله عز وجل أن يجعلها اذنك يا علي "
[ في قوله تعالى { وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ } ]
موضوع باتفاق أهل العلم .
[ منهاج السنة (7/171 ـ 173 ) ]
199ـ " سب أصحابي ذنب لا يغفر "
هذا كذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد قال تعالى { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا }
[ مجموع الفتاوى (18/ 381) (3/290) (7/683) ]
200ـ " سبعة لا تموت ولا تفنى ولا تذوق الفناء : النار وسكانها واللوح , والقلم , والكرسي , والعرش"(1/28)
هذا الخبر بهذا اللفظ ليس من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما هو من كلام بعض العلماء .
[ مجموع الفتاوى (18/ 307) ]
201ـ " ستروا من أصحابي هدنه( ( ) في أحاديث القصاص (هنيئه)
) : القاتل والمقتول في الجنة "
هذا اللفظ لا يعرف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
[ مجموع الفتاوى (18/ 383) ]
202ـ " سد الأبواب كلها إلا باب علي "
هذا مما وضعت الشيعة على طريق المقابلة فإن الذي في الصحيح
" ... لا يبقين في المسجد خوخة إلا سدت إلا خوخة أبي بكر "
[ منهاج السنة (5/ 35) ]
203ـ " سمعت علياً يقول : أصابني يوم أحد سنة عشر ضربة , سقطت إلى الأرض في أربع منهن ... فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ?يا علي أقرَّ الله عينيك , كان ذاك جبريل "
ليس هذا الحديث في شيء من الكتب المعروفة عند أهل العلم . وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين .
[ منهاج السنة (8/ 101 ـ 102) ]
204ـ سمعته يقرأ هذه الآية { وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ } قال : صالح المؤمنين علي بن أبي طالب "
[ عن أسماء بنت عميس ]
الحديث كذب موضوع .
[ منهاج السنة (7/ 292 ـ 294) ]
205ـ " الشيخ في قومه كالنبي في أمته "
ليس هذا من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - .
[ الأحاديث الموضوعة (49) ]
206ـ " الشيخ في قومه كالنبي في أمته "
ليس هذا من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما يقوله بعض الناس .
[ مجموع الفتاوى (18/ 379) ]
207ـ " الصديقون ثلاثة : حبيب بن موسى النجار مؤمن آل ياسين , الذي قال : يا قوم اتبعوا المرسلين , وحزقيل مؤمن آل فرعون الذي قال : اتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله , وعلي بن أبي طالب الثالث وهو أفضلهم "
حديث موضوع , وفي الصحيح من غير وجه تسمية غير علي صديقاً كتسمية أبي بكر الصديق فكيف يقال الصديقون ثلاثة ؟
[(1/29)
منهاج السنة (7/ 222 ـ 227) ]
208ـ " الصلاة الألفية ليلة النصف من شعبان "
سميت الفية لأن فيها قراءة { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } ألف مرة والحديث المرفوع في هذه الصلاة الألفية كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث .
[ اقتضاء الصراط المستقيم (2/635 ـ 636) ]
209ـ " صلاة الرغائب "
أما صلاة الرغائب فلا أصل لها بل هي محدثة .
[مجموع الفتاوى (23/132) ]
210ـ " صلاة الليل والنهار مثنى مثنى " ( ( ) هذا الحديث من الأحاديث التي اختُلف فيها كثيراً بين مصحح ومضعف والإختلاف في زيادة الثقة ومدى قبولها .
)
هذا الحديث رواه الأزدي عن علي بن عبد الله البارقي عن ابن عمر , وضعف الإمام أحمد وغيره من العلماء حديث البارقي وهو خلاف ما رواه الثقات عن ابن عمر كما في الصحيحين أنه سئل عن صلاة الليل فقال صلاة الليل مثنى مثنى ..." الحديث
[مجموع الفتاوى (23/170) ]
211ـ " صلى الكسوف بركوعين أو ثلاثة "
ضعفه الشافعي والبخاري وأحمد والثابت المتواتر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصحيحين وغيرهما " صلى كل ركعة بركوعين "
[ التفسير الكبير (4/114) ]
212ـ صلى بعد الظهر أربعاً "
هذا من الأحاديث المكذوبة على النبي - صلى الله عليه وسلم - .
[مجموع الفتاوى (24/201) ]
213ـ " صلى قبل الظهر ستاً "
هذا من الأحاديث المكذوبة على النبي - صلى الله عليه وسلم - .
[مجموع الفتاوى (24/201) ]
214ـ " صلى قبل العصر أربعاً "
هذا من الأحاديث المكذوبة على النبي - صلى الله عليه وسلم - .
[مجموع الفتاوى (24/201) ]
215ـ " طال شوق الأبرار إلى لقائي , وأنا إلى لقائهم أشوق "
وهو حديث ضعيف .
[ الرسائل والمسائل (1/85) ]
216ـ الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام , فمن تكلم فلا يتكلم إلا بخير "
يروى موقوفاً , ومرفوعاً وأهل المعرفة بالحديث لا يصححونه غلا موقوفاً , ويجعلونه من كلام ابن عباس , ولا يثبتون رفعه .
[(1/30)
مجموع الفتاوى (26/193) ]
217ـ " العازب فراشة من النار , ومسكين رجل بلا امرأة , ومسكينة امرأة بلا رجل "
هذا ليس من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - .
[مجموع الفتاوى (18/125 ـ 380) ]
218ـ " العجز عن درك الإدراك إدراك "
ينسب إلى بعض الصحابة و التابعين , ولا يصح .
[مجموع الفتاوى (2/216) ]
219ـ " العلم في الصغر كالنقش في الحجر "
هذا مثلٌ سائر , ليس من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - .
[منهاج السنة (7/526) ]
220ـ " علي سيف الله وسهم الله "
هذا الحديث لا يعرف في شيء من كتب الحديث , ومعناه باطل .
[منهاج السنة (4/483 ـ 485) ]
221ـ " علي قائد البرره , وقاتل الكفرة , فمنصور من نصره ومخذول من خذله ..." الحديث
أهل العلم بالحديث على أن القصة المروية في ذلك من الكذب الموضوع .
[منهاج السنة (7/5 ـ 27) ]
222ـ " علي مع الحق والحق معه , يدور حيث دار , ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض "
لم يروه أحد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا بإسناد صحيح ولا ضعيف .
[منهاج السنة (4/ 238) ]
223ـ " عليكم بدين العجائز "
كذبه شيخ الإسلام .
[ السخاوي عن شيخ الإسلام في المقاصد الحسنة المقاصد الحسنة (290) ]
224ـ " عمار جلدة بين عَيْنَيْ , تقتله الفئة الباغية , لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة "
قوله " عمار جلدة بين عيني " لا يعرف له إسناد , وقوله " لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة " كذب مزيد في الحديث والذي في الصحيح " تقتل عمار الفئة الباغية "
[منهاج السنة (5/258 ـ 259) ]
225ـ " العمرة تطوع "
قال الدارقطني : والصحيح أنه موقوف على أبي هريرة .
[ شرح العمدة (1/92) ]
226ـ " غربوا ولا تشرقوا " يعني على الغائط(1/31)
الحديث كذب , ولكن في الصحيح عنه أنه قال : " لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول , ولكن شرقوا وغربوا " وهذا الخطاب منه لأهل المدينة , ومن جرى مجراهم كأهل الشام والجزيرة والعراق , وأما مصر فقبلتهم بين المشرق والجنوب من مطلع الشمس في الشتاء والله أعلم .
[ مجموع الفتاوى (21/105) ]
227ـ " الفرق بين الطلاق والعتاق في الاستثناء "
وقد يصدق بعض هؤلاء بما يكون كذباً عند أهل المعرفة , مثل ما يروي طائفة من الفقهاء حديث " الفرق بين الطلاق والعتاق في الاستثناء " ويبنون عليها الحلال والحرام , وأهل العلم بالحديث متفقون على أنها كذب .
[منهاج السنة (7/429 ـ 430) ]
228ـ " فسخ الحج لنا خاصة أم للناس عامة ؟ قال : بل لنا خاصة "
قال عبدالله [ أي ابن الإمام أحمد ] قيل لأبي حديث بلال بن الحارث ؟ قال : لا أقول به , ولا تعرف هذا الرجل , ولم يروه إلا الدراوردي , وقال أيضاً: هذا حديث ليس إسناده بالمعروف , وإنما يروى عن
أبي ذر إنما كانت المتعة لنا خاصة ـ يعني متعة الحج ـ
[ شرح العمدة (1/515 ـ 520) ]
229ـ " الفقر فخري وبه أفتخر "
كذب موضوع ومعناه باطل .
[ مجموع الفتاوى (11/117) (18/123) ]
230ـ " الفقر هو الله , والأولياء مفتقرون للخاتمة والأشقياء تحت القضاء "
كذب.
[ مجموع الفتاوى (11/116 ـ 117) ]
231ـ " فقراؤكم حسناتكم "
هذا اللفظ ليس مأثوراً , لكن معناه صحيح .
[ مجموع الفتاوى (18/378) ]
232ـ " قال أبو إسرائيل بن قشير أنه كان نذر أن يقوم ولا يقعد , ولا يستظل ولا يتكلم فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : اقعد , واستظل , وتكلم , وكفر "
قال البيهقي محمد بن كريب ضعيف , وعندي أن ذلك تصحيف وإنما هو و "صم " كما في سائر الروايات .
[ العقود (59) ](1/32)
233ـ " قال رجل لسلمان : ما أشهد حبك لعلي , قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : من أحب علياً فقد أحبني , ومن أبغض علياً فقد ابغضني "
[ رواه اخطب خوارزم كما قال الرافضي ]
أخطب خوارزم هذا له مصنف في هذا الباب فيه من الأحاديث المكذوبة ما لا يخفى كذبه , وليس هو من علماء الحديث , وهذا الحديث من المكذوبات .
[منهاج السنة (5/36 ـ 42) ]
234ـ " قال رجل يا رسول الله إن امرأتي لا ترد يد لامس فقال : طلقها فقال : إني أحبها قال : فاستمتع بها "
هذا الحديث ضعفه أحمد .
[ الفتاوى (4/156 ـ 157 ) ]
235ـ " قال في الأبدال والأقطاب والأغواث وعدد الأولياء والنجباء والنقباء . كل هذا كذب وورد في الأبدال حديث ضعيف "
[ مجموع الفتاوى (11/167 ـ 433) ( 4/115) ]
236ـ " قال في حجة الوداع : يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر "
هذا مروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في أهل مكة عام الفتح , لا في حجة الوداع , فإنه في حجة الوداع لم يكن يصلي في مكة , بل كان يصلي بمنزله , وقد رواه أبو داود وغيره , وفي إسناده مقال .
[ مجموع الفتاوى (24/125) ]
237ـ " قال في غلام للمغير بن شعبة هذا واحد من السبعة "
كذب باتفاق أهل العلم .
[ مجموع الفتاوى (11/167) ]
238ـ " قال في قوله تعالى { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ } قال عن ولاية علي "
هذا كذب موضوع بالاتفاق .
[منهاج السنة (7/143 ـ 146) ]
239ـ " قال لأبي هريرة ألك قميصان ؟ بع واحد وكل به بطيخاً أصفر "
الأحاديث المتقدمه في البطيخ كلها مختلقة لم يرغب النبي - صلى الله عليه وسلم - في أكل البطيخ وجميع ما يروى من هذا الجنس فهو كذب .
[ مجموع الفتاوى (32/213) ](1/33)
240ـ " قال لحارثة بن سراقة : كيف أصبحت يا حارثة ؟ قال : أصبحت مؤمناً حقاً . قال : فما حقيقة إيمانك ؟ فقال : عزفت نفسي عن الدنيا فاستوى عندي حجرها وذهبها , وكأني انظر على عرش ربي بارزاً , وكأني انظر إلى أهل الجنة يتمتعون فيها , وإلى أهل النار يعذبون فيها , فقال : عرفت فالزم , عبد نَوَّرَ الله قلبه "
رواه ابن عساكر مرسلاً , وروي مسنداً من وجه ضعيف لا يثبت .
[ الاستقامة (1/194ـ 195) ]
241ـ " قال لعائشة : تقاتلين علياً , وأنت ظالمة له "( ( ) مكرر تقدم برقم 146 ـ أبو مهند ـ)
هذا لا يعرف في شيء من كتب العلم المعتمدة , وهو بالموضوعات المكذوبات أشبه منه بالأحاديث الصحيحة .
[منهاج السنة (4/315 ـ 316) ]
242ـ " قال لعلي : حبك إيمان , وبغضك نفاق , وأول من يدخل الجنة محبك ... " الحديث
كذب موضوع .
[منهاج السنة (7/397 ـ 402) ]
243ـ " قال لعلي : يا علي قل اللهم اجعل لي عند عهداً , واجعل لي في صدور المؤمنين مودة فأنزل الله { إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا } "
وروى الحافظ أبو نعيم الأصبهاني بإسناده إلى ابن عباس قال : نزلت في علي والود محبة في القلوب المؤمنة هذان الحديثان من الكذب باتفاق أهل المعرفة بالحديث .
[منهاج السنة (7/136 ـ 138) ]
244ـ " قال للحسين : هذا إمام ابن إمام أخو إمام , أبو أئمة تسعة ..." الحديث
هذا كذب .
[منهاج السنة (8/247 ـ 254) ]
245ـ " قال لمن أوجعه بطنه ( أشكم بدرد) "( ( ) كلمة فارسية معناها " أتشتكي بطنك ")
و لايصح .
[ اقتضاء الصراط المستقيم (1/469) ]
246ـ " قتل عليّ لعمرو بن عبد ود أفضل من عبادة الثقلين "
من الأحاديث الموضوعة .
[منهاج السنة (8/108 ـ 110) ](1/34)
247ـ " قتلت بقرة حماراً , فترافعا المالكان إلى أبي بكر فقال : بهيمة قتلت بهيمة , لا شيء على ربها ... فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لقد قضى علي بن أبي طالب بينكما بقضاء الله عز وجل "
الحديث لا يعرف , ولم يذكر له إسناد .
[منهاج السنة (8/70 ـ 71) ]
248ـ " قدم وفد عبدالقيس على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفيهم غلام أمرد ظاهر الوضاءة , فأجلسه النبي - صلى الله عليه وسلم - وراء ظهره , وقال : كانت خطيئة داود في النظر "
حديث منكر .
[ التفسير الكبير (5/350) ]
249ـ " قرأ هذه الآية { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ... } إلى قوله { يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ } فقام رجل فقال : أي بيوت هذه يا رسول الله ؟ فقال : بيوت الأنبياء فقام أبو بكر فقال : يا رسول الله هذا البيت منها ؟ يعني بيت علي وفاطمه قال : نعم من أفضلها "
هذا الحديث موضوع عند أهل المعرفة بالحديث .
[ منهاج السنة (7/89 ـ 95) ]
250ـ " القرآن كلام الله غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود "
هذا القول صحيح متواتر عن السلف أنهم قالوا ذلك , لكن رواية هذا اللفظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ?كذب ,?وعزوه إلى مسند الإمام أحمد كذب ظاهر .
[ منهاج السنة (8/150) ]
251ـ " قراءة آية الكرسي عقب كل صلاة "( ( ) وردت طرق لهذا الحديث يتقوى بها ولذا حكم بحسنه الهيثمي وابن القيم في " الزاد " وابن حجر والألباني ونقل ابن القيم في " الزاد " عن شيخ الإسلام أنه قال : ما تركتها ( أي آية الكرسي ) عقيب كل صلاة .
)
قد روي في قراءة آية الكرسي عقب كل صلاة حديث لكنه ضعيف , ولهذا لم يروه أحد من أهل الكتب المعتمد عليها , ولم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وخلفاؤه يجهرون بعد الصلاة بقراءة آية الكرسي , ولا غيرها من القرآن .
[ مجموع الفتاوى (22/508 ـ 509) ](1/35)
252ـ " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي ..." وفي أحد الروايات " فإذا قال بسم الله الرحمن الرحيم قال ذكرني عبدي ..."
اتفق أهل العلم على كذب هذه الزيادة .
[ مجموع الفتاوى (22/422) ]
253ـ " قضى سنة العصر "
هذا من الأحاديث المكذوبة على النبي - صلى الله عليه وسلم - .
[ مجموع الفتاوى (24/201) ]
254ـ " قعد النبي - صلى الله عليه وسلم - على العرش "
رواه بعض الناس من طرق كثيره مرفوعة وهي كلها موضوعة .
[ درء تعارض العقل والنقل (5/238) ]
255ـ " القلب بيت الرب "
ليس هذا من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -
[ مجموع الفتاوى (18/370) ]
256ـ " قوله تعالى { وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ } البقرة : 43 ابن عباس أنها نزلت في النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلي خاصة , وهما أول من صلى وركع "
كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث .
[ منهاج السنة (7/27) ]
257ـ " قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم - في الإسراء هذه طيبة أنزل فصل فنزل فصلى ... " الحديث
كذب موضوع لم يصل النبي - صلى الله عليه وسلم - تلك الليلة إلا في المسجد الأقصى .
[ التفسير الكبير (7/528) ]
258ـ " قيل يا رسول الله ممَّ ربنا ؟ قال : من ماء مرور , لا من أرض ولا سماء , خلق خيلاً فاجراها فعرقت فخلق نفسه من ذلك العرق "
حديث عرق الخيل الذي كذبه بعض الناس على أصحاب حماد بن سلمه وقالوا : إنه كذبه بعض أهل البدع , واتهموا بوضعه محمد بن شجاع الثلج , وقالوا : إنه وضعه ورمى به بعض أهل الحديث ليقال عنهم إنهم يروون مثل هذا .
[ درء تعارض العقل والنقل (1/148 ـ 149) ]
259ـ كان الله ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه كان "
موضوع .
[ درء تعارض العقل والنقل (5/224) (مجموع الفتاوى (2/272 ـ 278 ) ]
260ـ " كان أبو بكر ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتحدثان بحديث أبقى بينهما كأني زنجي لا أفقه "
[ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ]
كذب مختلق .
[(1/36)
مجموع الفتاوى (11/80) (18/339) ]
261ـ كان إذا اتبع جنازة لم يقعد حتى توضع في اللحد , فعرض له حبر فقال هكذا نصنع يا محمد قال : فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال : خالفوهم "
رواه أبو داود والترمذي وقال : بشر بن رافع ليس القوي في الحديث .
[ اقتضاء الصراط المستقيم (1/200 ـ 201 ) ]
262ـ " كان إذا طلى بدأ بعورته فطلاهما بالنورة وسائر جسد أهله "
رواه ابن ماجه فيه مقال .
[ شرح العمدة (239) ]
263ـ " كان إذا وطئ بقدمه في الحجر والرمل لم يكن يؤثر "
هذا لم ينقله أهل العلم بأحواله ولا واحد منهم بل هو كذب عليه .
[ الجواب الصحيح (4/234) ]
264ـ " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوحى إليه ورأسه في حجر عليّ فلم يصل العصر حتى غربت الشمس فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : صليت يا علي ؟ قال : لا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ?أنه كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس فقالت أسماء : فرأيتها غربت ثم رأيتها طلعت بعدما غربت "
قال أبو الفرج ابن الجوزي هذا حديث موضوع .
[ منهاج السنة (8/168) ]
265ـ " كان الفتح في غزوة خيبر على يد أمير المؤمنين , ودفع الراية إلى أبي بكر فانهزم , ثم إلى عمر فانهزم , ثم إلى علي وكان أرمد فتفل في عينيه وخرج فقتل مرحباً فانهزم الباقون "
هو من الكذب . فإن خيبر لم تفتح كلها في يوم واحد ولم ينهزم فيها أبو بكر وعمر .
[ منهاج السنة (8/122 ـ 123) ]
266ـ " كان في السفر يتم ويقصر "
وقد يصدق بعض هؤلاء بما يكون كذباً عند أهل المعرفة , مثل ما يروي طائفة من الفقهاء حديث " كان في السفر يتم ويقصر " ويبنون عليها الحلال والحرام وأهل العلم بالحديث متفقون على أنها كذب .
[ منهاج السنة (7/429 ـ 430) ]
267ـ " كان لا يتم التكبير "
حكى أبو داود الطيالسي أنه قال : هذا عندنا باطل والأحاديث المتوترة عنه بخلاف ذلك .
[ القواعد النورانية (87) ](1/37)
268ـ " كان يحافظ على الضحى "
هذا من الأحاديث المكذوبة على النبي - صلى الله عليه وسلم - .
[ مجموع الفتاوى (24/201) ]
269ـ " كان يرفع يديه في ابتداء الصلاة , ثم لا يعود "
وقد يصدق بعض هؤلاء بما يكون كذباً عند أهل المعرفة , مثل ما يروي طائفة من الفقهاء حديث " كان يرفع يديه ..." الحديث ويبنون عليها الحلال والحرام وأهل المعرفة بالحديث متفقون على أنها كذب .
[ منها ج السنة (7/429 ـ 430) ]
270ـ " كان يصلي نحو ستة عشر ركعة منها قبل العصر "
الحديث مطعون فيه , ولم يقل أحد أنه كان يصلي قبل العصر إلا وفيه ضعف بل خطأ .
[ مجموع الفتاوى (1/185) ]
271ـ " كان يقصر في السفر ويتم ويفطر ويصوم "
قال ابن حزم في هذا الحديث : انفرد به المغيرة بن زياد , ولم يروه غيره , وقد قال فيه أحمد بن حنبل : ضعيف كل حديث اسنده منكر , وقد روي من غير طريقه , لكنه ضعيف أيضاً , وقد ذكر عبدالله بن أحمد بن حنبل أن أباه سئل عن هذا الحديث فقال : هذا حديث منكر , وهو كما قال الإمام أحمد , وإن كان طائفة من أصحابة احتجوا به , ولا ريب أن هذا حديث مكذوب .
[ مجموع الفتاوى (24/144 ـ 162) ]
272ـ " كان يقول في دعائه يا رب طه ويس ويا رب القران العظيم "
لا خلاف بين أهل العلم بالحديث أن هذا الحديث كذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
[ مجموع الفتاوى (5/173 ـ 174) ]
273ـ " كان يكثر الوصية بالحسن والحسين ويقول لهم هؤلاء وديعتي عندكم "
هذا الحديث لا يعرف في شيء من كتب الحديث التي يعتمد عليها .
[ منهاج السنة (4/561 ـ 562) ]
274ـ " كل حديث أن النبي رأى ربه بعينيه في الأرض ..."
كذب باطل باتفاق علماء المسلمين .
[ مجموع الفتاوى (3/ 389) ]
275ـ " كل صلاة لم تنه عن الفحشاء والمنكر لم يزدد صاحبها من الله إلا بعداً "(1/38)
هذا الحديث ليس بثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لكن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر كما ذكر الله في كتابه .
[ مجموع الفتاوى (22/605) ]
276ـ " كلوا العدس , فإنه يرقق القلب وقد قدس فيه سبعون نبياً "
حديث مكذوب مختلق باتفاق أهل العلم .
275ـ " كل صلاة لم تنه عن الفحشاء والمنكر لم يزدد صاحبها من الله إلا بعداً "
هذا الحديث ليس بثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لكن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر كما ذكر الله في كتابه .
[ مجموع الفتاوى (33/15) (27/23) ]
277ـ " كنا عند جابر بن عبدالله , وقد كف بصره وعلت سنه , فدخل عليه علي بن الحسين ومعه ابنه محمد وهو صبي فسلم على جابر وجلس ..." الأثر بطوله عن أبي الزبير .
لا أصل له وهو من الموضوعات .
[ منهاج السنة (4/50 ـ 51) ]
278ـ " كنت جالساً عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاء رجل من اليمن فقال : إن ثلاثة نفر من أهل اليمن أتو علياً يختصمون إليه في ولد ... " الحديث بطوله عن زيد بن أرقم .
نقل عن أحمد تضعيف الخبر .
[ منهاج السنة (8/68 ـ 69) ]
279ـ " كنت جالساً مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ أقبل علي عليه السلام فقال : أنا وهذا حجة الله على خلقه " [ عن أنس رضي الله عنه ]
حديث موضوع .
[ منهاج السنة (5/72 ـ 78) ]
280ـ " كنت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخل عليه الحسين بن علي فضمه إليه , وقبله وأقعده إلى جنبه , ثم قال : يولد لابني هذا ابن يقال له : علي , إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش : سيد العابدين ...." الحديث
لا أصل له من الموضوعات .
[ منهاج السنة (4/50 ـ 51) ]
281ـ " كنت كنزاً لا أعرف فأحببت أن أعرف فخلقت فعرفتهم بي فعرفوني "
ليس هذا من كلام الله للنبي - صلى الله عليه وسلم - ?ولا يعرف له إسناد صحيح ولا ضعيف .
[ مجموع الفتاوى (18/376) ](1/39)
282ـ " كنت مع علي عليه السلام يوم الشورى يقول لهم : لأحتجنَّ عليكم بما لا يستطيع عربيكم ولا عجميكم تغيير ذلك ... " الأثر بطوله عن عامر بن واثلة .
هذا كذب باتفاق أهل المعرفة بالحديث ولم يقل علي يوم الشورى شيئاً من هذا ولا ما يشابهه .
[ منهاج السنة (5/50 ـ 72) ]
283ـ " كنت نبياً وآدم بين الماء والطين , وكنت نبياً وآدم لا ماء ولا طين "
هذا الفظ كذب باطل ولكن اللفظ المأثور الذي رواه الترمذي وغيره أنه قيل : يا رسول الله متى كنت نبياً ؟ قال : وآدم بين الروح والجسد "
[ مجموع الفتاوى (18/379) الرد على البكري(4 ـ 11) (65 ـ 66) ]
284ـ " لا تسافروا والقمر في العقرب "
كذب مختلق باتفاق أهل الحديث .
[ مجموع الفتاوى (35/179) ]
285ـ " لا تفعلي يا حميراء فإنه يورث البرص "
وقد يصدق بعض هؤلاء بما يكون كذباً عند أهل المعرفة , مثل ما يروي طائفة من الفقهاء حديث " لا تفعلي يا حميراء ..." ويبنون عليها الحلال والحرام وأهل العلم بالحديث متفقون على أنها كذب .
[ منهاج السنة (7/429 ـ 430) ]
286ـ " لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن"
حديث ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث .
[ مجموع الفتاوى (26/191) ]
287ـ " لا تقطع اليد إلا في عشرة درهم "
وقد يصدق بعض هؤلاء بما يكون كذباً عند أهل المعرفة , مثل ما يروي طائفة من الفقهاء حديث " لا تقطع اليد ..." الحديث , ويبنون عليها الحلال والحرام وأهل العلم بالحديث متفقون على أنها كذب .
[ منهاج السنة (7/429 ـ 430) ]
288ـ " لا تكرهوا الفتن فإن فيها حصاد المنافقين "
هذا ليس معروفاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
[ مجموع الفتاوى (18/126 ـ 381) ]
289ـ " لا راحة لمؤمن دون لقاء ربه "
هذا من كلام بعض السلف .
[ الأحاديث الموضوعة (33) ]
290ـ " لا سيف إلا ذو الفقار , ولا فتى إلا علي "
هذا الحديث من الأحاديث المكذوبة .
[ منهاج السنة (5/ 70) ](1/40)
291ـ " لاغيبة لفاسق "
ليس هو من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - , ولكنه مأثور عن الحسن البصري .
[ مجموع الفتاوى (28/219 ـ 220) ]
292ـ " لا مهدي إلا عيسى "
حديث ضعيف .
[ منهاج السنة (8/ 256) ]
293ـ " لا مهر دون عشرة دراهم "
وقد يصدق بعض هؤلاء بما يكون كذباً عند أهل المعرفة , مثل ما يروي طائفة من الفقهاء حديث " لا مهر دون عشرة دراهم " ويبنون عليها الحلال والحرام , وأهل العلم بالحديث متفقون على أنها كذب .
[ منهاج السنة (7/ 429 ـ 430) ]
294ـ " لا نعرف أحداً طلق على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - امرأته ثلاثاً بكلمة واحدة , فألزمه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالثلاث ..."
بل رويت في ذلك أحاديث كلها ضعيفة , باتفاق علماء الحديث بل موضوعة .
[ مجموع الفتاوى (33/12 ـ 67) ]
295ـ " لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل "
ليس في اشتراط الشهادة في النكاح حديث ثابت .
[ مجموع الفتاوى (1/ 356) (32/35ـ 127) (33 / 93) ]
296ـ " لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من كان فقيهاً فيما يأمر به فقيهاً فيما ينهى عنه , رفيقاً فيما يأمر به فقيهاً فيما ينهى عنه , رفيقاً فيما ينهى عنه حليماً فيما يأمر به حليماً فيما ينهى عنه "
جاء في الأثر عن بعض السلف ورده مرفوعاً .
[الاستقامة (2/233) ]
297ـ " لا يؤمَنَّ فاجر مؤمناً إلا أن يقهره بسوط أو عصا "
هو في سنن ابن ماجه وفي اسناده مقال .
[ مجموع الفتاوى (1/129) ]
298ـ " لا يبغض العرب إلا منافق "
زيد بن جبيرة عندهم منكر الحديث , وهو مدني , ورواية اسماعيل بن عياش عن غير الشاميين مضطربة .
[ اقتضاء الصراط المستقيم (1/390 ـ 391) ]
299ـ " لا يجتمع العشر والخراج "
كذب باتفاق أهل الحديث .
[ الفتاوى (2/247) ]
300ـ " لا يجتمع العشر والخراج على مسلم "(1/41)
وقد يصدق بعض هؤلاء بما يكون كذباً عند أهل المعرفة , مثل ما يروي طائفة من الفقهاء حديث " لا يجتمع العشر ..." الحديث ويبنون عليها الحلال والحرام , وأهل العلم بالحديث متفقون على أنها كذب .
[ منهاج السنة (7/ 429 ـ 430) مجموع الفتاوى (25/55) ]
301ـ " لا يقطع الصلاة شيء "
ضعيف .
[ القواعد النورانية (33) ]
302ـ " لا ينبغي لأحد أن يرى الله في الدنيا ولا في الآخرة "
موضوع .
[ درء تعارض العقل والنقل (5/224) ]
303ـ " لا تبع ما ليس عندك , وارخص في السلم "
هذا لم يرو في الحديث , وإنما هو من كلام بعض الفقهاء .
[ رسالة القياس (29) ]
304ـ " لعليّ أربع خصال ليست لأحد من الناس غيره , هو أول عربي وعجمي صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ..." الأثر عن ابن عباس .
حديث ابن عباس فيه أكاذيب .
[ منهاج السنة (5/50 ـ 72 ) ]
305ـ " لكل شيء حلية وحلية القرآن الصوت الحسن "
من رواية عبدالله بن محرر , وهو ضعيف لا يحتج به بحال .
[الاستقامة (1/289) ]
306ـ " للقرأن باطن , وللباطن باطن إلى سبعة أبطن "
من الأحاديث المختلقة , ولا يوجد في شيء من كتب الحديث .
[ التفسير الكبير (2/41) ]
307ـ " للقرآن ظاهر وباطن وحد ومطلع "
إنما نقل هذا عن علي بن أبي طالب موقوفاً عليه .
[ بغية المرتاد (211) ]
308ـ " لم يبلغنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شدَّ على وسطه منطقة "
[ نقله ابن القيم عن شيخه في زاد المعاد (1/131) ]
309ـ " لم يزل يقنت حتى فارق الدنيا "
ضعيف الإسناد .
[ مجموع الفتاوى (22/374) ]
310ـ " لما أراد الهجرة خلف علي بن أبي طالب لقضاء ديونه , ورد الوادئع التي كانت عنده , وأمره ليلة خرج إلى الغار وقد أحاط المشركون بالدار أن ينام على فراشه , فقال له ..." الحديث .
هذا الذي نقله من هذا الوجه كذب باتفاق أهل العلم بالحديث .
[ منهاج السنة (7/110 ـ 120) ](1/42)
311ـ " لما انهزم الناس كلهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة أحد إلا علي بن أبي طالب ورجع إلى رسول الله نفر يسير أولهم عاصم بن ثابت ... وتعجبت الملائكة من شأن علي فقال جبريل وهو في السماء : لا سيف إلا ذو الفقار , ولا فتى إلا علي "
كذب باتفاق الناس .
[ منهاج السنة (8/102 ـ 105) ]
312ـ " لما تزوج علي فاطمة زوجها الله إياه من فوق سبع سماوات وكان الخاطب جبريل , وكان ميكائيل وإسرافيل في سبعين ألفاً من الملائكة شهوداً ... " الحديث .
كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث .
[ منهاج السنة (8/212 ـ 245) ]
313ـ " لما حاصر تسعاً وعشرين ليلة وكانت الراية لأمير المؤمنين علي , فلحقه رمد اعجزه عن الحرب , وخرج مرحب يتعرض للحرب , فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر ... فجاءوا بعلي ... فأعطاه الراية ففتح الله على يديه وقتل مرحباً ... " الحديث .
لم تكن الراية قبل ذلك لأبي بكر ولا لعمر , ولا قربها واحد منهما , بل هذا من الأكاذيب , والذي في الصحيح غير ذلك .
[ منهاج السنة (7/364 ـ 366) ]
314ـ " لما خرج إلى بني المصطلق حيث خرجوا عن الطريق وأدركه الليل , بقرب وادٍ وعر , فهبط جبريل وأخبره أن طائفة من كفار الجن ... فدعا بعلي وعَوَّذه , وأمره بنزول الوادي فقتلهم "
علي أجل قدراً من هذا , وإهلاك الجن موجود لمن هو دون علي , وهو من الأحاديث المكذوبة .
[ منهاج السنة (8/160 ـ 163) ]
315ـ " لما عرج بالنبي - صلى الله عليه وسلم - إلى السماء السابعة , وأراه الله من العجائب في كل سماء ... في دار من وقع هذا النجم فهو خليفتي من بعدي , فطلبوا ذلك النجم فوجدوه في دار علي بن أبي طالب ..." الحديث
كذب وقال ابن الجوزي موضوع وما أبرد الذي وضعه وما أبعد ما ذكر .
[ منهاج السنة (7/63 ـ 64) ](1/43)
316ـ " لما قدم المدينة في الهجرة خرجت بنات النجار بالدفوف وهن يقلن : طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع إلى آخر الشعر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هزوا كرابيلكم بارك الله فيكم "
أما قوله " هزوا كرابيلكم بارك الله فيكم " فهذا لا يعرف عنه - صلى الله عليه وسلم - .
[ مجموع الفتاوى (18/377) ]
317ـ " لما كان بغدير خم نادى الناس فاجتمعوا فأخذ بيد علي وقال " من كنت مولاه فعلي مولاه ..." الحديث
في نفس هذا الحديث ما يدل على أنه كذب من وجوه كثيرة ...
[ منهاج السنة (7/32 ـ 47) ]
318ـ " لما كان يوم الباهلة , وآخى بين المهاجرين والأنصار وعلي , واقف يراه ويعرفه ... اللهم هذا مني وأنا منه ألا أنه مني بمنزلة هارون من موسى ألا من كنت مولاه فعلي مولاه ..."
أولاً : لم يعز الرافضي هذا الحديث إلى كتاب أصلاً كما هي عادته , وغن كان عادته يعزو إلى كتب لا تقوم بها حجة .
ثانياً : إن هذا الحديث موضوع .
ثالثاً : إن أحاديث المؤاخاة لعلي كلها موضوع .
رابعاً : إن دلائل الكذب على هذا الحديث بينة .
[ منهاج السنة (7/358 ـ 363) ]
319ـ " لما نزلت { قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } قالوا : يا رسول الله : من قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم ؟ قال علي وفاطمة وأبناهما "
[ قاله الرافضي ينسبه إلى مسند أحمد بن حنبل ] ونحوه في الصحيحين .
قوله أن أحمد روى هذا في مسنده كذب بيِّن , فإن هذا مسند أحمد موجود وليس فيه هذا الحديث واظهر من ذلك كذباً قوله : إن نحو هذا في الصحيحين وليس هو في الصحيحين , بل فيهما وفي مسند أحمد ما يناقض ذلك .
[ منهاج السنة (7/95 ـ 104) ]
320ـ " لما نزل قوله تعالى { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ } جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بني عبدالمطلب في دار أبي طالب وهم أربعون رجلاً وأمر أن يصنع لهم فخذ شاة مع مُد من البر ..." الحديث(1/44)
هذا الحديث كذب عند أهل المعرفة بالحديث .
[ منهاج السنة (7/297 ـ 313) ]
321ـ " لما نزل من حراء تبدى له ربه على كرسي بين السماء والأرض "
هذا الحديث كذب وبهتان رواه أهل البدع .
[ مجموع الفتاوى (3/385 ـ 389) ]
322ـ " لما نزلت هذه الآية { إِن الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ } قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي : تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين , ويأتي خصماؤك غضاباً مفحمين "
كذب موضوع باتفاق العلماء.
[ منهاج السنة (7/258 ـ 259) ]
323ـ " لمُبارزة علي لعمر بن عبد يوم الخندق أفضل من عمل أمتي إلى يوم القيامة "
[ رواه أخطب خوارزم ـ كما قال الرافضي ]
أخطب خوارزم هذا له مصنف في هذا الباب , فيه من الأحاديث المكذوبة ما لا يخفى , وليس هو من علماء الحديث , وهذا الحديث من المكذوبات .
[ منهاج السنة (5/36ـ 42) ]
324ـ " لو اجتمع النس على حب عليّ لم يخلق الله النار "
من أبين الكذب باتفاق أهل العلم بالحديث .
[ منهاج السنة (5/72ـ 78) ]
325ـ " لو أحسن أحدكم ظنه بحجر لنفعه الله به "
هذا من المكذوبات .
[ مجموع الفتاوى (24/335) ]
326ـ " " لو أن الرياض أقلام والبحر مداد , والجن حُسَّاب , والإنس كتاب , ما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب "
[ رواه أخطب خوارزم ـ كما قال الرافضي ]
أخطب خوارزم هذا له مصنف في هذا الباب , فيه من الأحاديث المكذوبة ما لا يخفى , وليس هو من علماء الحديث , وهذا الحديث من المكذوبات .
[ منهاج السنة (5/36ـ 42) ]
327ـ " لو كان المؤمن في ذروة جبل قيض الله له من يؤذيه أو شيطاناً يؤذيه "
ليس هذا من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - .
[ مجموع الفتاوى (18/375) ]
328ـ " لو كانت الدنيا دماً عبيطاً كان قوت المؤمن منها حلالاً "
ليس هذا من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - , ولا يعرف عنه بإسناد .
[(1/45)
مجموع الفتاوى (18/375) ]
329ـ " لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان الناس لرجح إيمان أبي بكر على ذلك "
قد جاء معناه في حديث معروف في السنن أن أبابكر الصديق رضي الله عنه وزن بهذه الأمة فرجح .
[ مجموع الفتاوى (18/378) ]
330ـ " لو وزن خوف المؤمن ورجاؤه لاعتدلا "
هذا مأثور عن بعض السلف وهو كلام صحيح .
[ مجموع الفتاوى (18/370) ]
331ـ " لو يعلم الناس متى سُمِّي علي أمير المؤمنين ما أنكروا فضله , سُمِّي أمير المؤمنين وآدم بين الروح والجسد ..." الحديث .
هذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث .
[ منهاج السنة (7/289ـ 291) ]
332ـ " لولاك ما خلق الله عرشاً ولا كرسياً ولا أرضاً ولا سماء ولا شمساً ولا قمراً ولا غير ذلك "
هذا باطل لا أصل له .
[ مجموع الفتاوى (11/85 ـ 96) ]
333ـ " ليس بكريم من لم يتواجد عند ذكر الحبيب "
هذا حديث مكذوب موضوع باتفاق أهل العلم بهذا الشأن .
[ مجموع الفتاوى (11/563) ]
334ـ " ليس في أحاديث الجهر بالبسملة حديث صحيح "
[ مجموع الفتاوى (22/417) ]
335ـ " ليستمتع أحدكم بحله ما استطاع فإنه لا يدري ما يعرض له في حرمته "
رواه أبو كريب وأبو يعلى الموصلي , وقد روى الترمذي وابن ماجه بمثل اسناده , لكن أبو سورة ضعفوه .
[ شرح العمدة (1/366) ]
336ـ " ما أكل بطيخاً أصفر عمره "
كذب لا أصل له .
[ مجموع الفتاوى (33/15) ]
337ـ " ما خلق الله من سماء ولا أرض ولا سهل ولا جبل أعظم من آية الكرسي "
لا خلاف بين أهل العلم بالحديث أن هذا الحديث كذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
[ مجموع الفتاوى (5/173 ـ 174) ]
338ـ " ما سعد من سعد غلا بالدعاء وما شقي من شقي إلا بالدعاء "
لا يعرف .
[ الأحاديث الموضوعة (59) ]
339ـ " ما كنا نعرف المنافقين على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا ببغضهم علي عليه السلام "قاله ابن عمر .
موضوع وليس له إسناد معروف .
[(1/46)
منهاج السنة (4/286ـ 301) ]
340ـ " ما من جماعة يجتمعون إلا وفيهم ولي الله "
من الأكاذيب ليس في شيء من دواوين الإسلام .
[ مجموع الفتاوى (11/60) ]
341ـ " ما من عبد من عبادي تواضع لي عند حقي , إلا وأنا أدخلته جنتي , ما من عبد من عبادي تكبر عن حقي إلا وأنا أدخلته ناري "
موضوع .
[ نقل ذلك عن شيخ الإسلام ابن عراق كما في " تنزيه الشريعة " (2/199) ]
342ـ " ما وسعني سمائي ولا أرضي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن "
هذا مذكور في الإسرائيليات وليس له إسناد معروف .
[ مجموع الفتاوى (18/370 ـ 376) ]
343ـ " ما يوريه بعض الناس من حديث المعراج أنه صلى في المدينة وصلها عند قبر موسى عليه السلام أو صلى عند قبر الخليل "
كل هذه الأحاديث مكذوبة موضوعة .
[ مجموع الفتاوى (27/9) ]
344ـ " الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه "
ضعيف .
[ الفتاوى (1/35) ]
345ـ " محلل السباق , ومن أدخل فرساً بين فرسين "
هذا معروف عن سعيد بن المسيب من قوله وأهل العلم بالحديث يعرفون أن هذا ليس من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - .
[ مجموع الفتاوى (1/495) ونقل ابن القيم عن شيخه ذلك في الفروسية (42) ]
346ـ " مررت ليلة المعراج بقوم تشرشر أشداقهم فقلت : يا جبريل من هؤلاء قال : قوم يقطعون الناس بالغيبة قال : .... " الحديث .
هذا من كذب الجهال الذين لا يحسنون أن يكذبوا , فإن المعراج كان بمكة قبل الهجرة بإجماع الناس .
[ منهاج السنة (5/50ـ 72) ]
347ـ " مرض الحسن والحسين فعادهما جدهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعامة العرب فقالوا : يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك , فنذر صوم ثلاثة أيام ..." الحديث
هذا الحديث من الكذب الموضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث .
[ منهاج السنة (7/171ـ 187) ]
348ـ " مسح رأسه حتى بلغ القذال "(1/47)
لم يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه مسح على عنقه في الوضوء , بل ولا روي عنه ذلك , ولهذا لم يستحب ذلك جمهور العلماء .
[ مجموع الفتاوى (21/127 ـ 128) ]
349ـ " مسح وجهه بعد الدعاء "
أما مسح وجهه بيديه فليس عنه فيه إلا حديث أو حديثان لا يقوم بهما حجة .
[ الفتاوى الكبرى (1/189) ]
350ـ " مكتوب على قشر البطيخ لا إله إلا الله موسى كليم الله , لا إله إلا الله عيسى روح الله , لا إله إلا الله محمد رسول الله "
الأحاديث المتقدمة في البطيخ كلها مختلقة , لم يرغب النبي - صلى الله عليه وسلم - في أكل البطيخ , وجميع ما يروى من هذا الجنس فهو كذب .
[ مجموع الفتاوى (32/ 213) ]
351ـ( ( ) في المطبوع خطأ في الترقيم 352 واستمر الناسخ على هذا الخطأ ـ أبو مهند ـ
) " من أحب أن يتمسك بقصبة الياقوت التي خلقها الله بيده ثم قال لها : كوني فكانت فليتولّ علي بن أبي طالب من بعدي "
ذكره ابن الجوزي في الموضوعات وبين أنه موضوع .
[ منهاج السنة (7/397ـ 402) ]
352ـ " من أحب علياً قبل الله عنه صلاته وصيامه وقيامه واستجاب دعاءه , ألا ومن أحب آل محمد أمن الحساب والميزان ..." الحديث
[ رواه أخطب خوارزم ـ كما قال الرافضي ]
أخطب خوارزم هذا له مصنف في هذا الباب , فيه من الأحاديث المكذوبة ما لا يخفى , وليس هو من علماء الحديث , وهذا الحديث من المكذوبات .
[ منهاج السنة (5/36ـ 42) ]
353ـ " من أخلص لله أربعين يوماً تفجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه "
يوسف بن عطية ضعيف لا يجوز الاحتجاج بحديثه .
[ الأحاديث الموضوعة (253) مخطوط المستدرك على مجموع الفتاوى لجامعه إياد عبداللطيف ورقه : (20) ]
354ـ " من أذى ذمياً فقد آذني "
كذب لم يروه أحد من أهل العلم .
[ مجموع الفتاوى (32/ 213) ](1/48)
355ـ " من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه , وغلى نوح في تقواه , وإلى إبراهيم في حلمه , وإلى موسى في هيبته , وإلى عيسى في عبادته , فلينظر إلى علي بن أبي طالب "
هذا الحديث كذب موضوع .
[ منهاج السنة (5/510ـ 511) ]
356ـ " من استقاء عمداً فليقض "
جاء في الذي يستقيء عمداً أنه يعيد , وهذا لم يثبت رفعه , ولكن ثبت أنه موقوف على أبي هريرة .
[ منهاج السنة (5/224) ]
357ـ " من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره "
في إسناده نظر .
[ مجموع الفتاوى (29/ 519) ]
358ـ " من أشبع جوعة أو ستر عورة ضمنت له الجنة "
هذا اللفظ لا يعرف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
[ مجموع الفتاوى (18/ 381) ]
359ـ " من اغتسل يوم عاشوراء لم يمرض ذلك العام "
رواية هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كذب .
[ الفتاوى (2/295) ]
360ـ " من اكتحل يوم عاشوراء لم يرمد ذلك العام "
رواية هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كذب .
[ الفتاوى (2/295) ]
361ـ " من أكل مع مغفور له غفر له "
لم ينقل هذا أحد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في اليقظة , وإنما ذكروا أنه رؤي في المنام , وليس هذا على الإطلاق صحيح , وإنما يروونه عن سالم .
[ مجموع الفتاوى (32/ 213) (18/381) ]
362ـ " من أكله بقشره ـ يعني البطيخ ـ كان له بكل نهشة عشر حسنات , وحط عنه عشر سيئات , وإن أكله ببزه فبكل ... ألف درجة في الجنة "
الأحاديث المتقدمة في البطيخ كلها مختلقة لم يرغب النبي - صلى الله عليه وسلم - في أكل البطيخ , وجميع ما يروى من هذا الجنس فهو كذب .
[ مجموع الفتاوى (32/ 213) ]
363ـ " من ألزم نفسه شيئاً لزمه "
باطل .
[ مجموع الفتاوى (18/123) ]
364ـ " من انتهر صاحب بدعة ملأ الله قلبه أمناً وإيماناً وآمنه يوم الفزع الأكبر "
هذا الكلام معروف عن الفضيل بن عياض .
[ مجموع الفتاوى (18/346) ](1/49)
365ـ " من انقض هذا النجم في منزله فهو الوصي من بعدي , فقام فتية من بني هاشم ,فنظروا , فإذا الكوكب قد انقض في منزل علي ..." الحديث .
هذا كذب باتفاق أهل العلم بالحديث .
[ منهاج السنة (7/59ـ 68) ]
366ـ " من بات في حراسة كلب بات في غضب الرب "
هذا ليس من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - .
[ مجموع الفتاوى (18/348) ]
367ـ " من بورك له في شيء فليلزمه "
مأثور عن بعض السلف .
[ مجموع الفتاوى (18/123) ]
368ـ " من جاءني زائراً لا تنزعه إلا زيارتي كان حقاً علي أن أكون له شفيعاً يوم القيامة "
رواه الطبراني من حديث العمري , وهو مضعَّف , ولهذا لم يحتج بهذا الحديث أحد من السلف والأئمة , وبمثله لا يجوز إثبات حكم شرعي باتفاق علماء المسلمين والله أعلم .
[ مجموع الفتاوى (16/432) (27/28) ]
369ـ " من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني "
هذا لم يروه أحد من أهل العلم بالحديث , بل هو موضوع , ومعناه مخالف للإجماع .
[ مجموع الفتاوى (27/25 ـ 185 ـ 216) ]
370ـ " من حج فزار قبري بعد موتي كان كمن زارني في حياتي "
هو معروف من حديث حفص بن سليمان القارئ صاحب عاصم , وقد اتفق أهل العلم بالحديث على الطعن في حديث حفص هذا دون قراءته .
[ الرد على الاخنائي (28) ]
371ـ " من حج ولم يزرني فقد جفاني "
كذب ولم يثبت حديث في زيارة قبره .
[ مجموع الفتاوى (18/342) ]
372ـ " من رآني آمن بي "
الحديث كذب , ومع كونه كذباً فهو مناقض للعقل والدين , فقد رآه كثير من الكفار والمنافقين ولم يؤمنوا به .
[ مجموع الفتاوى (11/116) ]
373ـ " من زار قبري وجبت له شفاعتي "
تكلم على وضعه في عدة مواطن .
[ مجموع الفتاوى (2/ 278) (24/ 333ـ 357) (27/ 25ـ 29 ـ 30) الرد على الاخنائي (28 ـ 29) ]
374ـ " من زارني بعد مماتي فكأنما زارني في حياتي , ومن زارني بعد مماتي ضمنت له على الله الجنة "(1/50)
تكلم عليه في عدة مواضع وحكم عليه بالضعف والوضع .
[ مجموع الفتاوى (24/ 357) (27/ 185ـ 385) الرد على الاخنائي (27) ]
375ـ " من زارني بعد مماتي كنت له شفيعاً يوم القيامة "
كل حديث في زيارة قبره فإنه ضعيف بل كذب موضوع , ولهذا لم يروه أئمة المسلمين منها شيئاً ولا اعتمدوا على شيء منها .
[ قاعدة عظيمة في الفرق بين عبادات أهل الإسلام والإيمان وعبادات أهل الشرك والنفاق (85 ـ 87) ]
376ـ " من زارني وزار قبر أبي إبراهيم في عام واحد دخل الجنة "
هذا حديث كذب موضوع تكلم عليه في عدة مواطن .
[ مجموع الفتاوى (18/ 125 ـ 378 ـ 342 ) (27/ 16ـ25 ـ 29 ـ 35 ـ 99 ـ 165 ـ 185 ـ 216 ـ 385) الرد على الاخنائي (27) ]
377ـ " من زارني وزار أبي إبراهيم في عام واحد ضمن له على الله الجنة "
هذا حديث موضوع كذب باتفاق أهل العلم .
[ مجموع الفتاوى (24/ 357 ) الرد على الاخنائي (162) ]
378ـ " من زارني وزار أبي في عام واحد ضمنت له على الله الجنة "
كذب باتفاق العلماء .
[ مجموع الفتاوى (18/ 342) الرد على الاخنائي (162) ]
379ـ " من زعم أنه آمن بي وبما جئت به وهو يبغض علياً فهو كاذب ليس بمؤمن "
[ رواه أخطب خوارزم ـ كما قال الرافضي ]
أخطب خوارزم هذا له مصنف في هذا الباب , فيه من الأحاديث المكذوبة ما لا يخفى , وليس هو من علماء الحديث , وهذا الحديث من المكذوبات .
[ منهاج السنة (5/36ـ 42) ]
380ـ " من زنى بإمرأة منه ببنت فللزاني أن يتزوج بإبنته من الزنا "
ضعفه بقوله ما يرونه .
[ مجموع الفتاوى (18/127) ]
381ـ " من سب نبياً قتل , ومن سب أصحابه قتل "
المحدث به عن أهل بيت ضعيف .
[ الصارم المسلول (92 ـ 93 ) ]
382ـ " من سره أن يوعيه الله حفظ القرآن وحفظ أصناف العلم فليكتب هذا الدعاء في إناء ..." الحديث
روي عن ابن عباس مرفوعاً , وفيه موسى بن عبدالرحمن من الكذابين وفصل القول فيه .
[ مجموع الفتاوى (1/258) ](1/51)
383ـ " من شرب في إناء ذهب أو فضة أو إناء فيه شيء من ذلك ...."
إسناد ضعيف .
[الفتاوى الكبرى (2/422) ]
384ـ " من صلى ركعتين في يوم عاشوراء يقرأ فيهما بكذا وكذا كتب له ثواب سبعين نبياً "
هو من الأحاديث الموضوعة عند أهل الحديث .
[ درء تعارض العقل والنقل (1/150) ]
385ـ " من علي عند قبري سمعته ومن صلى علي نائياً أبلغته "
هذا إنما يرويه محمد بن مروان السدي عن الأعمش , وهو كذاب بالاتفاق وهذا الحديث موضوع على الأعمش بإجماعهم .
[ مجموع الفتاوى (27/ 241 ـ 16 ) (1/238) الرد على الاخنائي (131) ]
386ـ " من ظلم ذمياً كان الله خصمه يوم القيامة أو كنت خصمه يوم القيامة "
هذا ضعيف .
[ مجموع الفتاوى (18/122) ]
387ـ " من عرف نفسه عرف ربه "
ليس هذا من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - , و لا هو في شيء من كتب الحديث , ولا يعرف له إسناد .
[ مجموع الفتاوى (16/349) ]
388ـ " من عشق فعف وكتم وصبر ثم مات فهو شهيد "
أبو يحيى في حديثه نظر .
[ التفسير الكبير (3/235 ـ 237) مجموع الفتاوى (14/ 462) ]
389ـ " من علم أخاه آية من كتاب الله فقد ملك رقه "
هذا كذب , ليس في شيء من كتب أهل العلم .
[ مجموع الفتاوى ( 18/381) (18/345) ]
390ـ " من غش العرب لم يدخل في شفاعتي ولم تنله مودتي "
حصين هذا الذي رواه قد أنكر أكثر الحافظ أحاديثه .
[ اقتضاء الصراط المستقيم (1/387 ـ 390) ]
391ـ " من قال في القرآن برأيه فقد أخطأ "
تكلم بعض أهل الحديث في سهيل بن أبي حازم .
[ دقائق التفسير (1/114) ]
392ـ " من قدم ابريقاً لمتوضيء فكأنما قدم جواداً مسرجاً ملجوماً يقاتل عليه في سبيل الله "
هذا ليس من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - .
[ مجموع الفتاوى (18/ 383) ]
393ـ " من كسر قلباً فعليه جبره "
هذا أدب من الآداب وهذا اللفظ ليس معروفاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
394ـ " من كنت مولاه فعلي مولاه "(1/52)
نُقلَ عن البخاري وإبراهيم الحربي وطائفة من أهل العلم بالحديث أنهم طعنوا فيه وضعفوه , ونقل عن أحمد بن حنبل أنه حسنه وقد صنف أبو العباس بن عقدة مصنفاً في جميع طرقه .
[ منهاج السنة (7/319 ـ 321) ]
395ـ " من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية "
والله ما قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هكذا .
[ منهاج السنة (1/ 33) ]
396ـ " من مات وهو يبغضك مات يهودياً أو نصرانياً "
كذب .
[ منهاج السنة (7/ 403) ]
397ـ " من منعه الصيام عن طعام يشتهيه كان حقاً على الله أن يطعمه من طعام الجنة ويسقيه من شرابها ..." الحديث .
ليس بمرفوع .
[ منهاج السنة (7/ 486 ـ 488 ـ 492) ]
398ـ " من ناصب علياً الخلافة فهو كافر ..." الحديث .
كذب .
[ منهاج السنة (7/ 403) ]
399ـ " من نظر إلى غلام أمرد بريبة حبسه الله في النار أربعين عاماً "
ضعيف .
[ التفسير الكبير (5/351) ]
400ـ " من نفخ في الصلاة فقد تكلم "
مثل هذا الحديث لا يصح مرفوعاً , لكن حكى أحمد هذا اللفظ عن ابن عباس , وفي لفظه " النفخ في الصلاة كلام " رواه سعيد في سننه .
[ مجموع الفتاوى (22/618) ]
401ـ " من هلل سبعين ألف مرة , وأهداه للميت كان براءة للميت من النار "
ليس هذا حديثاً صحيحاً ولا ضعيفاً .
[ مجموع الفتاوى (24/323) ]
402ـ " من وسَّع على أهله يوم عاشوراء ..." الحديث
ليس في عاشوراء حديث صحيح غير الصوم , وكذلك ما يروى في فضل رجب بخصوصية كالصيام فيه والصلاة وسئل أحمد بن حنبل عن هذا الحديث فلم يره شيئاً .
[ منهاج السنة (7/433) مجموع الفتاوى (25/313 ـ 34) ]
403ـ " من وقر صاحب بدعة أعان على هدم الإسلام "
هذا الكلام معروف عن الفضيل بن عياض .
[ مجموع الفتاوى (18/ 346) ]
404ـ " نزل عليه جبريل يوماً يناجيه من عند الله , فلما تغشاه الوحي توسد فخذ أمير المؤمنين فلم يرفع رأسه حتى غابت الشمس ..." الحديث(1/53)
حديث رد الشمس له قد ذكره طائفة كالطحاوي والقاضي عياض وغيرهما , لكن المحققون من أهل العلم والمعرفة بالحديث يعلمون أن هذا الحديث كذب موضوع .
[ منهاج السنة (8/164 ـ 198) ]
405ـ " نزل في أهل الصفة قوله تعالى { وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ ... } الآية وقوله :
÷ژة9ô¹$#ur { نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ } الآية
من الأحاديث التي يرويها كثير من النساك ويظنها صدقاً , والآيتان مكيتان باتفاق الناس , والصفة إنما كانت بالمدينة .
[ منهاج السنة (7/430 ـ 431) ]
406ـ " النظر إلى الوجه الحسن عبادة "
هذا كذب باطل .
[ روضة المحبين لابن القيم ونقل كلام الشيخ (123) ]
407ـ " نهى عن البتراء "
وقد يصدق بعض هؤلاء بما يكون كذباً عند أهل المعرفة , مثل ما يروي طائفة من الفقهاء حديث " نهى عن البتراء " ويبنون عليها الحلال والحرام , وأهل العلم بالحديث متفقون على أنها كذب .
[ مناهج السنة (7/429 ـ 430 ) وكذا ابن القيم في إعلام الموقعين (4/58) عن شيخه ]
408ـ " نهى عن العمرة قبل الحج "
الحديث شاذ مخالف للكتاب والسنة .
[ شرح العمدة (1/549 ـ 550 ) ]
409ـ " نهى عن بيع الكالئ بالكالئ "
حديث منقطع , قال أحمد لم يصح فيه حديث , ولكن هو إجماع .
[ العقود (235) ]
410ـ " نهى عن بيع وشرط "
حديث باطل .
[ مجموع الفتاوى (18/63) (29/ 132) (3/ 473) ]
411ـ " نهى عن بيع وشرط ونهى عن بيع المكاتب والمدبر وأم الولد "
وقد يصدق بعض هؤلاء بما يكون كذباً عند أهل المعرفة , مثل ما يروي طائفة من الفقهاء حديث " نهى عن بيع وشرط ... " الحديث ويبنون عليها الحلال والحرام , وأهل العلم بالحديث متفقون على أنها كذب.
[ مناهج السنة (7/429 ـ 430 ) ]
412ـ " نهى عن صوم رجب "
ليس بالقوي .
[ اقتضاء الصراط المستقيم (2/625 ـ 626 ) ]
413ـ " نهى عن قفيز الطحان "(1/54)
حديث ضعيف بل باطل .
[ مجموع الفتاوى (28/88) (18/63) (30/113ـ 67) منهاج السنة (7/429 ـ 430 ) ونقل ابن القيم عن الشيخ وضعه في إغاثة اللهفان (1/41 ـ 44) ]
414ـ " نية المؤمن خير من عمله "
هذا الأثر رواه أبو الشيخ الأصبهاني في كتاب [ الأمثال ] من مراسيل ثابت البناني .
[ الزهد والورع والعبادة (189) ]
415ـ " هذا فاروق أمتي يفرق بين أهل الحق والبطال " قاله في علي رضي الله عنه .
هذا الحديث لا يستريب أهل المعرفة بالحديث أنه موضوع مكذوب , وليس له إسناد معروف .
[ منهاج السنة (4/286 ـ 301) ]
416ـ " هذا واحد من السبعة " قاله غلام للمغيرة بن شعبة من أهل الصفة .
وهذا كذب باتفاق أهل العلم .
[ مجموع الفتاوى (11/164 ـ 166) (27/67 ـ 98) ]
417ـ " هذا وضوئي ووضوء النبيين من قبلي "
حديث ابن ماجه وضوء الأنبياء قبلي ضعيف عند أهل العلم بالحديث لا يجوز الإحتجاج بمثله , وليس له عند أهل الكتاب خبر عن أحد من الأنبياء أنه كان يتوضأ وضوء المسلمين , بخلاف الإغتسال من الجنابة فإنه كان مشروعاً , ولم يكن لهم تيمم إذا عدموا الماء .
[ مجموع الفتاوى (4/388) النبوات (302) ]
418ـ " هل يخلو منه العرش أم لا "
فيه حديث منكر .
[ مجموع الفتاوى (5/375 ـ 378 ـ 396) ]
419ـ " والذي بعثني بالحق نبياً , ما اخترتك إلا لنفسي , فأنت مني بمنزلة هارون من موسى , إلا أنه لا نبي بعدي , وأنت أخي ووارثي ..." الحديث
[ قاله لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ]
ذكر الرافضي أنه في مسند أحمد , وليس في مسند أحمد ولا رواه أحمد قط , وإنما هو من زيادات القطيعي التي فيها من الكذب الموضوع ما اتفق أهل العلم على أنه كذب , وهذا الحديث مكذوب مفترى باتفاق أهل المعرفة . ( ( ) وقد أشرنا سابقاً أن زيادات القطيعي هي على كتاب الفضائل وليست على المسند .
)
[منهاج السنة (7/27ـ 288) ](1/55)
420ـ " والذي نفسي بيده لا يزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأله الله تبارك وتعالى عن أربع ... وعن حبنا أهل البيت فقال له عمر : فما آية حبكم من بعدكم ؟ فوضعي يده على رأس علي بن أبي طالب ..." الحديث
[ رواه أخطب خوارزم ـ كما قال الرافضي ]
أخطب خوارزم هذا له مصنف في هذا الباب , فيه من الأحاديث المكذوبة ما لا يخفى , وليس هو من علماء الحديث , وهذا الحديث من المكذوبات .
[ منهاج السنة (5/36ـ 42) ]
421ـ " وجدهم أي أهل الصفة على الإسلام من قبل أن يبعث , فوجدهم على الطريق وأنهم لم يكونوا يغزون معه حقيقة , وأنه ألزمهم مرة فلما فر المسلمون منهزمين ضربوا بسيوفهم في عسكر النبي - صلى الله عليه وسلم - وقالوا : نحن حزب الله الغالبون , وزعموا أنهم لم يقتلوا إلا منافقين تلك الفترة "
أما كون أهل الصفة كانوا قبل المبعث مهتدين فعلى من قال هذا لعنة الله والملائكة والناس أجمعين .
[ مجموع الفتاوى (11/80) ]
422ـ " وضع الجزية عن أهل خيبر "
وأنها وثيقة مزورة مكذوبة .
[ الفتاوى الكبرى (4/614) ونقل ابن كثير في البداية والنهاية (14/19) ابن القيم في المنار المنيف (102ـ 103 ـ 105) أحكام أهل الذمة (1/7ـ 5 ـ 51) ]
423ـ " وضوء مما خرج لا مما دخل "
وقد يصدق بعض هؤلاء بما يكون كذباً عند أهل المعرفة , مثل ما يروي طائفة من الفقهاء حديث " الوضوء مما خرج لا مما دخل " الحديث ويبنون عليها الحلال والحرام , وأهل العلم بالحديث متفقون على أنها كذب .
[ منهاج السنة (7/ 429ـ 430) ]
424ـ " يا أم المؤمنين أرأيت الرجل يقل قيامه ويكثر رقاده ..." الحديث .
أبان بن أبي عياش وابن وردان وعمير بن عمران وو ... , كلهم ضعفاء وقال العقيلي لم يثبت في هذا المتن شيء من هذا النحو .
[ بغية المرتاد (247) ]
425ـ " يا أهل مكة لا تقصروا الصلاة في أقل من أربعة برد من مكة إلى عسفان "(1/56)
هذا مما يعلم أهل المعرفة بالحديث أنه كذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكن هو من كلام ابن عباس .
[ مجموع الفتاوى (24/127) ]
426ـ " يا أيها الناس إن الصلاة بالليل في رمضان جماعة بدعة ..."
ما رئي في الطوائف أجرأ من هذه الطائفة ( الرافضة على الكذب حتى على نبيها )
[ من منهاج السنة ]
427ـ " يا علي اتخذ لك نعلين من حديد وافنهما في طلب العلم ولو بالصين "
ليس هذا من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - .
[ مجموع الفتاوى (18/382) ]
428ـ " يا علي إن الله أمرني أن أدنيك وأعلمك يا علي إن الله أمرني أن أدنيك وأعلمك لتعي وأنزلت عليَّ هذه الآية { وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ } فأنت اذن واعية "
موضوع باتفاق أهل العلم .
[ منهاج السنة (7/171 ـ 173 ) ]
429ـ " يا علي إن الله زينك بزينة لم يزين العباد بزينة أحب إلى الله منها زهَّدك في الدنيا ..." الحديث
حديث عمار من الموضوعات .
[ منهاج السنة (7/486 ـ 488 ـ 492) ]
430ـ " يا علي حربك حربي وسلمك سلمي "
ليس في شيء من كتب علماء الحديث المعروفة ولا روي بإسناد معروف .
[ منهاج السنة (4/495 ـ 496) ]
431ـ " يا علي عن عالماً أو متعلماً أو مستمعاً واعياً ولا تكن الرابعة فتهلك "
ليس بثابت .
[ الأحاديث الموضوعة (63) ]
432ـ " يا علي لو أن عبد عبدالله عزوجل مثل ما قام به نوح في قومه , وكان له مثل أحد ذهباً فأنفقه في سبيل الله ..." الحديث .
[ رواه أخطب خوارزم ـ كما قال الرافضي ]
أخطب خوارزم هذا له مصنف في هذا الباب , فيه من الأحاديث المكذوبة ما لا يخفى , وليس هو من علماء الحديث , وهذا الحديث من المكذوبات .
[ منهاج السنة (5/36ـ 42) ]
433ـ " يا علي من سبك فقد سبني ومن سبني فقد سب الله ومن سب الله أكبه على منخريه في النار "
هو من الموضوعات .
[ منهاج السنة (5/78 ـ 80 ) ]
434ـ " يا فاطمة إن الله تعالى يغضب لغضبك ويرضى لرضاك "
هذا كذب .
[(1/57)
منهاج السنة (4/247 ـ 249 ) ]
435ـ " يأتي على أمتي زمان ما يسلم بدينه إلا من يفر من شاهق إلى شاهق "
هذا اللفظ ليس معروفاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
[ مجموع الفتاوى (18/383) ]
436ـ " يجيء قوم قبل قيام الساعة يسمون الرافضة براء من الإسلام "
فيه كثير النوَّاء يضعفونه .
[ الصارم المسلول (582) ]
437ـ " يدخل من أمتي الجنة سبعون ألف ..."
الحديث صحيح , ورواية من روى [ لا يرقون ] ضعيفة غلط .
[ مجموع الفتاوى (1/328) زاد المعاد نقل ابن القيم تضعيفه (1/495) مفتاح دار السعادة (233) ]
438ـ " يطلع عليكم رجل يموت على غير سنتي فطلع معاوية وقام النبي - صلى الله عليه وسلم - خطيباً , فأخذ معاوية بيد ابنه يزيد , وخرج ولم يسمع الخطبة , فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن الله القائد والمقود ..." الحديث
نعلم قطعاً أن الحديث كذب .
[ منهاج السنة (4/444 ـ 447 ) ]
439ـ " يغسل الثوب من البول والغائط والمني والمذي والدم "
ليس من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما روي عن عمار وعائشة من قولها وأما الوجوب فلا بد له من دليل .
[ مجموع الفتاوى (25/237) ]
440ـ " يغسل الثوب من المني والدم "
وقد يصدق بعض هؤلاء بما يكون كذباً عند أهل المعرفة , مثل ما يروي طائفة من الفقهاء حديث "يغسل الثوب من المني والدم" ويبنون عليها الحلال والحرام , وأهل العلم بالحديث متفقون على أنها كذب .
[ منهاج السنة (7/ 429ـ 430) ]
441ـ " يقول الله تعالى : لاقوني بنياتكم ولا تلاقوني بأعمالكم "
ليس هذا اللفظ معروفاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
[ مجموع الفتاوى (18/383) ]
442ـ " يوم القيامة على المؤمنين كقدر ما بين الظهر والعصر "
كذب .
[ السخاوي عن شيخ الإسلام في المقاصد الحسنة (480) ](1/58)
443ـ " أسباب نزول قوله تعالى { الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ } التوبة : (20) " أنها في علي
المطالبة بصحة النقل .
[ منهاج السنة (7/157) ]
أحاديث المعراج التي في الصحاح ليس فيها شيء من أحاديث ذكر الرؤية , وإنما الرؤية في أحاديث مدنيّة كانت في المنام كحديث معاذ بن جبل : " أتاني البارحة ربّي في أحسن صورة " إلى آخره فهذا منام رآه في المدينة , وكذلك ما شابهه كلها كانت في المدينة في المنام , والمعراج كان بمكة بنص القرآن واتفاق المسلمين .
وقد يروج على طائفة من الناس من الحديث ما هو أظهر كذباً من هذا , مثل تواجد النبي - صلى الله عليه وسلم - ?حتى سقطت البردة عنه .
قد يروج على كثير ممن ينتسب إلى السنة أحاديث يظنونها من السنة وهي كذب كالأحاديث المروية في فضائل عاشوراء ـ غير الصوم ـ وفضل الكحل فيه , والإغتسال , والحديث , والخضاب , والمصافحة , وتوسعة النفقة على العيال فيه , ونحو ذلك , وليس في عاشوراء حديث صحيح غير الصوم .
وكذلك الأحاديث المرويّة في فضل رجب بخصوصه , أو فضل صيامه , أو صيام شيء منه , أو فضل صلاة مخصوصة منه كالرغائب كلها كذب مختلق .
وكذلك ما يروى في صلاة الإسبوع , كصلاة يوم الأحد و الإثنين وغيرهما كذب , وكذلك ما يروى من الصلاة المقدّرة ليلة النصف , واول ليلة جمعة من رجب , أو ليلة سبع وعشرين منه , ونحو ذلك كلها كذب .
وكذلك كل صلاة فيها الأمر بتقدير عدد الآيات أو السور أو التسبيح , فهي كذب باتفاق أهل المعرفة بالحديث ,إلا صلاة التسبيح فإن فيها قولين لهم واظهر القولين إنها كذب ( ( ) اختلف أهل العلم اختلافاً واضحاً في " صلاة التسابيح " فمنهم من حكم بوضعها ومنهم من ضعفها ومنهم من حسنها ومنهم من صححها والله أعلم .)(1/59)
وكذلك أيضاً في كتب التفسير أشياء منقولة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم أهل العلم بالحديث أنها كذب , مثل حديث فضائل سور القرآن الذي يذكره الثعلبي والواحدي في أول كل سورة , ويذكره الزمخشري في آخر كل سورة .
وأما أحاديث سبب النزول فغالبها مرسل ليس بمسند ولهذا قال الإمام أحمد بن حنبل : ثلاث علوم لا إسناد لها وفي لفظ ليس لها أصل : التفسير , والمغازي , والملاحم , يعني أن أحاديثها مرسلة .
لم يرو أحد من أهل الحديث أن الله تعالى ينزل ليلة الجمعة إلى الأرض ولا إنه ينزل في شكل أمرد بل لا يوجد في الآثار شيء من هذا الهذيان , بل ولا في شيء من الأحاديث الصحيحة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الله ينزل إلى الأرض " وكل حديث روي فيه مثل هذا فإنه موضوع كذب مثل حديث الجمل الأورق , وإن الله ينزل عشية عرفة , فيعانق الركبان , ويصافح المشاة , وحديث آخر أنه رأى ربه في الطواف , وحديث آخر أنه رأى ربه في بطحاء مكة , وأمثال ذلك فإن هذه كلها أحاديث مكذوبة .
[ منهاج السنة (2/633) ] ( (23)وأخيراً أقول :
سامحْ أخاك إذا خَلَطْ منه الإِصَابةَ بالغَلَطْ
وتَجَافَ عن تَعْنِيفِهِ إنْ زاغ يوماً أو قَسَطْ
واعْلَمْ بأنَّك إن طَلَبْـ ـتَ مُهذَّباً رُمْتَ الشَّطَطْ
ولو انْتَقَدْتَ بني الزَّمَا نِ وَجَدْتَ أكْثَرَهُمْ سَقَط
مَنْ ذَا الذي ما سَاءَ قَطْ ومَنْ له الحُسْنَى فَقَطْ
غيرَ نبيِّنا الذي عليه جبريلُ هَبَط
الأبيات من مجزوء الكامل للحريري ما عدا البيت الأخير. انظر: شرح مقامات الحريري للشريسي
2 / 213. ـ أبو مهند ـ)(1/60)
سلسلة بحوث وتحقيقات مختارة من مجلة الحكمة (9)
الأوهام الواقعة في
أسماء العلماء والأعلام
إعداد
مصطفى بن قحطان الحبيب
قام بنشره
أبو مهند النجدي
Almodhe1405@hotmail.com
almodhe@yahoo.com
الأوهَام الواقعة في أسماء العلماء والأعلام
إعداد
مصطفى بن قحطان الحبيب
الحمد لله وكفى، وسلام على عبده المصطفى، وبعد:
فإن من منة الله على هذه الأمة أن بعث فيها نبيها المصطفى رحمة لهذه الملة، ومن رحمته ومزيد فضله أن جعل علماءها وأعلامها هم ورثة الأنبياء، وهم الذين يحملون هذا العلم حتى صح قول من قال: «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين».
وقد ألفت كتب ورسائل لتعرف الناس بأعلام الأمة وعلمائها، ذاك أن الأمم لا بد لها من أن تعرف تاريخ عظمائها؛ ليكونوا منارًا لمن بعدهم، وسيرهم هديًا لأجيالهم، وأثناء مسيرتي العلمية لاحظت أن هناك مشاكل تشكل على طلبة العلم، بل وعلى الجيل المسلم، وقد يتجاوز الأمر إلى بعض المحققين، وإن كانت هذه الإشكالات تتفاوت من طبقة إلى طبقة، فنحن نىر أن طلبة العلم الشرعي الذين يميزون أكثر المتشابه والمشكل قد يقعون في بعض منه، والأمر في ظني يعود إلى سعة الاطلاع، وقوة الطلب العلمي، ودقته، والإشكال الذي أعني هنا هو الاشتباه الحاصل في تشابه أسماء العلماء والأعلام في الاسم والرسم.
إنَّ اختلاط أسماء الأعلام بعضهم ببعض يمثل مقوقًا في فهم أشياء كثيرة في العقيدة، والفقه، والسلوك، والتاريخ، وغير ذلك، والمتطلع إلى ما تحويه المكتبة الإسلامية يجد إشكالًا واضحًا يواجه الجيل المسلم في إدراك حقيقة هذا العَلم أو العالم، وهذا الوهم لا يشمل الكُتاب المسلمين وعامتهم، بل امتد إلى أهل العلم، والمتطفلين على أهل التحقيق والمتعالمين.(1/1)
والذي دفعني لكتابة هذا المقال أن لي مع كل علم من الذين سأذكرهم في هذه العجالة السريعة قصة إما كتاب، أو طالب علم، أو محقق. وما سأذكره ينبئ القارئ الكريم عن حجم الضعف العلمي والثقافي لهذه الأمة، وابتعادها عن سير علمائها، بل ويريك بونًا شاسعًا بين عامة أهل الدين، والإيمان، وأعلام أمتنا المجيدة.
وإليك أمثلة بسيطة لذلك، فقد حاول جمع من كتاب أهل البدعة والباطنية أن يخلطوا على أهل الحق، مستخدمين تشابه الأسماء، فهذا الكاتب المصري المعروف أحمد أمين صاحب كتاب «ضحى الإسلام»، و«فجر الإسلام»، و«بدأ الإسلام» اختلط على البعض بكاتب رافضي خبيث –أحسبه من أهل لبنان- يدعى أحمد أمين أيضًا، وهو صاحب كتاب «التكامل في الإسلام»، وللرافضة تاريخ قديم بذلك فقد دسَّ أهل الضلالة كتابًا يدعى «الإمامة والسياسة»، ونسبوه زورًا إلى خطيب أهل السنة والجماعة الإمام ابن قتيبة الدينوري، والكتاب كما هو معروف محشو بذم الصحابة، وإثارة الخلاف بينهم، وقد انبرى جمع من الكتَّاب لبيان بطلان نسبة هذا الكتاب لابن قتيبة، وكما قال المثل: حبل الكذب قصير.
ومثال آخر: هو اشتباه الأديب المحقق محمود شاكر مع أستاذ التاريخ محمود شاكر، والأول هو شقيق العلامة أحمد محمد شاكر، وقد اشترك مع أخيه في تحقيق كتب جمة، والثاني هو صاحب الكتاب المشهور «تاريخ الإسلام» وغيره.
ومثال ثالث: اشتباه اسم الشيخ ابن عثيمين بالمحقق المشهور عبد الرحمن بن عثيمين.
والاشتباه مداره على أشياء كثيرة، نذكر بعضًا منها:
1- اشتباه سببه اللقب، أو اسم الشهرة.
2- تطابق الاسم واسم الأب، وأحيانًا حتى الجد.(1/2)
3- الاشتباه بين الأب والابن، وقد قرأت مرارًا كتب تترجم للعلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله ويُوضع في ترجمته كتاب «الاختيارات لفتاوى شيخ الإسلام» وتنسبه لابن القيم، وهو لابنه برهان الدين. وكذا الإمام الحافظ أبو داود وابنه فلا يزال المترجمون ينسبون كتب الأب للابن، والابن للأب. والأمثلة في ذلك كثيرة.
4- الاشتباه الحاصل من رسم الكلمة، ومثاله الهيثمي (بالثاء)، والهيتمي (بالتاء)، وسبب هذا الخطأ النسخ، والنسَّاخ، والمطابع، وضعف التصحيح في المطبوعات الحديثة.
5- عدم التنبيه من قبل أهل العلم، وأساتذة الجامعات، والمشايخ على الأوهام الحاصلة، وقد اهتم أهل الحديث سابقًا بتبيين ذلك، وخاصة في أسماء الرواة، وهذا علم اندرس، والحاجة اليوم ماسة مع انتشار الحس الثقافي للفرد والأمة، وأعني: بالثقافة الثقافة الإسلامية.
من أجل هذا وغيره توكلت على العزيز الرحيم، واستمدت العون من ربي، وسألته أن يفتح لي في أن أكتب الأسماء والأعلام الذين حصل فيهم لبس معين، أو قد يحصل.
وقد جمعت عددًا لا بأس فيه إلا إنني بدأت بمجموعة مهمة، وسأكملها بعد حين في أعداد قادمة. وقد أهملت بعض التشابه بالألقاب؛ وذلك لعدم شهرة المشتبه به. فإدراجه في مقالنا هذا يولد إشكالًا جديدًا على القارئ اللبيب ... وعسى ربي أن ينفع به أهل العلم، وعامتهم، ويقبله مني –آمين- وصلى الله على سيد المرسلين (1).
1- السبكي (تقي الدين)
__________
(1) ملاحظة: جميع السنين المكتوبة بالتاريخ الهجري فقط.(1/3)
علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري الخزرجي، أبو الحسن تقي الدين، لقب بشيخ الإسلام، وهو والد التاج السبكي صاحب الطبقات، وتميز ببغضه لشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم.فكتب في الرد على شيخ الإسلام كتاب «شفاء السقام في زيارة خير الأنام»، والذي سماه في أول الأمر «شن الغارة على من أنكر الزيارة»، ورد عليه ابن عبد الهاديفي «الصارم المنكي في الرد على البكي»، وألف رسالة في الرد على شيخ الإسلام، وتلميذه ابن القيم في قضية فناء الجنة والنار. وكذا رد على نونية ابن القيم بكتاب سماه «السيف الصقيل». ولد سنة (683) في «سُبك» من أعمال المنوفية في مصر، وتفصيل حياته ذكرها ابنه صاحب الطبقات. توفي سنة (756) (1).
2- السبكي (تاج الدين)
عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي أبو نصر قاضي القضاة، لقب بتاج الدين، مؤرخ، باحث، ولد في القاهرة وانتقل إلى دمشق. ولادته سنة (727) من مؤلفاته «طبقات الشافعية»، و«معيد النعم»، و«جمع الجوامع» في أصول الفقه، كلها مطبوعة. توفي سنة (771) (2).
3- السبكي (بهاء الدين)
أحمد بن علي بن الكافي السبكي، أبو حامد الملقب ببهاء الدين. ولد سنة (719)، وولى قضاء الشام سنة (762)، ثم قضاء العسكر في الشام، مات مجاورًا لمكة سنة (763). من مؤلفاته المطبوعة «عروس الأفراح» شرح تلخيص المفتاح (3).
4- السبكي (المعاصر)
محمود بن محمد بن أحمد بن خطاب السبكي فقيه مالكي معاصر، تعلم بالأزهر ودرس فيه. أسس الجمعية الشرعية، ولد سنة (1274). وتوفي سنة (1352)، الموافق (1933) ميلادي. من كتاباته «الدين الخالص» في ستة أجزاء مطبوعة، وله شرح سنن أبي داود مطبوع منه أجزاء (4).
__________
(1) «طبقات الشافعية»: (6/146)، «حسن المحاضرة»: (1/177).
(2) «الدر الكامنة»: (2/425)، «حُسن المحاضرة»: (1/182).
(3) «الدر الكامنة»: (1/210)، «البدر الطالع»: (1/811).
(4) «الأعلام»: (7/186).(1/4)
1- الآلوسي الكبير (أبو الثناء)
محمود بن عبد الله الحسين الآلوسي الملقب بشهاب الدين أبو الثناء، مفسر، محدث، أديب، يعتبره البعض من المجددين، وهو من أهل بغداد تقلد الإفتاء ببغداد، فعزل فانقطع للتأليف. سافر خلال حياته للآستانه عاصمة الدولة العثمانية، وبقي هناك قرابة السنتين، وهو صاحب التفسير المشهور المعروف بـ«روح المعاني»، وغيره من المؤلفات الجليلة. ولد سنة (1217)، وتوفي سنة (1270)، وقبره ببغداد (1).
2- الآلوسي (نعمان)
نعمان بن محمود بن عبد الله أبو البركات الآلوسي، وهو ابن أبو الثناء، واعظ، فقيه، باحث، من أعلام الأسرة الآلوسية. ولد سنة (1252)، وزار مصر في طريقه إلى الحج سنة (1295)، وذهب إلى الأستانة، ولقب برئيس المدرسين، واشتهر في كتابه البديع «جلاء العينين في محاكمة الأحمدين» (2)، و«الآيات البينات في حكم سماع الأموات عند الحنفية السادات» الذي طبع بتحقيق الشيخ الألباني. توفي ودفن ببغداد سنة (1317) (3).
3- الآلوسي (أبو المعالي)
محمود شكري بن عبد الله بن شهاب الدين محمود الآلوسي حفيد الآلوسي الكبير الملقب أبو المعالي، عالم، وأديب، ومؤرخ، ومن الدعاة البارزين للإصلاح في العراق. ولد في بغداد سنة (1273)، وهو صاحب المصنفات الجليلة ومنها: «بلوغ الأرب في أحوال العرب»، «غاية الأماني في الرد على النبهاني»، «مختصر التحفة الاثنا عشرية»، «تاريخ نجد». توفي في بغداد سنة (1342) (4).
__________
(1) «أعلام العراق» لمحمد بهجت الأثري صفحة: (21).
(2) والمقصود بالأحمدين: أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، وأحمد بن حجر الهيتمي، والكتاب دفاع علمي جليل القدر عن شيخ الإسلام.
(3) «أعلام العراق»: صفحة (57- 61)، «المسك الأذفر» لأبي المعلي الآلوسي: صفحة (51).
(4) «أعلام العراق»، «الأعلام»: (7/172).
ملاحظة: من المؤسف أن الآلوسيين لم يحظوا في العالم الإسلامي مع جلالة قدرهم، وسعة علمهم، ونشكر مجلة «الحكمة» الغراء؛ لنشرها حياة العلامة محمود شكري الآلوسي رحمه الله.(1/5)
1- ابن الأثير (المؤرخ)
علي بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشبباني الجزري أبو الحسن عز الدين ابن الأثير المؤرخ الإمام. ولد سنة (555) من علماء النسب والأدب. ولد ونشأ في جزيرة ابن عمر في أعالي دجلة، وسكن الموصل، وتجول في البلدان من تصانيفه: «الكامل في التاريخ» في عشرة مجلدات، وهو مطبوع متداول مرتب على السنين بلغ فيه إلى سنة (629). وهو صاحب الكتاب المشهور «أُسْد الغابة في معرفة الصحابة» مطبوع أيضًا، وكذا كتاب «اللباب» الذي اختصر فيه كتاب «الأنساب» للسمعاني. توفي سنة (630) (1).
2- ابن الأثير (أبو السعادات)
المبارك بن محمد بن محمد بن عبد الكريم الشيباني الجرزي أبو السعادات مجد الدين، المحدث اللغوي الأصولي. ولد سنة (544)، ونشأ في جزيرة ابن عمر، وتوفي سنة (606). من أهم مؤلفاته «النهاية في غريب الحديث»، والكتاب مشهور ومطبوع في أربعة أجزاء، وله أيضًا «جامع الأصول في أحاديث الرسول»، وهو مطبوع في عشرة أجزاء جمع فيه بين الكتاب الستة على أبواب الفقه (2).
3- ابن الأثير (الكاتب)
نصر الله بن محمد بن محمد بن عبد الكريم الشيباني الجزري أبو الفتح ضياء الدين، المعروف بابن الأثير الكاتب. ولد في جزيرة ابن عمر سنة (558)، وتعلم بالموصل حيث نشأ أخواه المؤرخ (علي)، والمحدث (المبارك). توفي في بغداد سنة (637). كان قويَّ الحافظة، من محفوظاته شعر أبي تمام، والمتنبي، والبحتري، ومن تأليفاته «المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر»، و«الوشي المرقوم في حل المنظوم»، و«الجامع الكبير» في صناعة المنظوم والمنثور، وكل هذه المؤلفات مطبوعة (3).
__________
(1) «شذرات الذهب»: (5/128)، «الأعلام»: (4/331).
(2) «وفيات الأعيان»: (1/44)، «الأعلام»: (5/272).
(3) «وفيات الأعيان»: (2/158)، «الأعلام»: (8/31).
وهناك آخرين عرفوا بابن الأثير مثل: محمد بن نصر الله الفاضل وغيره. ومن المعلوم أن جميع المذكورين بلقب ابن الأثير هم من الأقارب.(1/6)
1- الطبري (ابن جرير)
محمد بن جرير بن يزيد الطبري أبو جعفر المؤرخ، المفسر، الإمام. ولد في آمل بطبرستان سنة (224)، واستوطن بغداد وتوفي بها سنة (310). عرض عليه القضاء فامتنع، وعرضت عليه المظالم فأبى، وهو صاحب التفسير المعروف «جامع البيان في تفسير القرآن»، و«تاريخ الطبري»، وغيرها من المؤلفات (1).
2- الطبري (محب الدين)
أحمد بن عبد الله بن محمد الطبري، أبو العباس محب الدين، حافظ، فقيه، شافعي، كان شيخ للحرمين، ولد سنة (615). من تصانيفه المطبوعة «ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى»، «الرياض النضرة في مناقب العشرة»، «السمط الثمين في مناقب أمهات المؤمنين»، «القِرى لقاصد أم القرى»، توفي سنة (694) (2).
3- الطبري
طاهر بن عبد الله بن طاهر الطبري أبو الطيب، قاض من أعيان الشافعية. ولد في آمل بطبرستان سنة (348)، واستوطن بغداد وتوفي فيها سنة (450). له عدة كتب مخطوطة منها «شرح مختصر المزني» (3).
1- البوصيري (الشاعر)
محمد بن سعيد بن حماد بن عبد الله الصنهاجي البوصيري المصري شرف الدين، شاعر مشهور، وبوصير من أعمال بني سويف بمصر، وهو صاحب القصيدة المشهورة «بالبردة»، والتي اشتهرت على ألسنة المتصوفة في مدائحهم النبوية، ومن المؤسف أن القصيدة على بلاغتها حوت مجموعة من الأبيات الشركية انتقدها جمع من الأئمة والعلماء. ولد سنة (608) وتوفي بالإسكندرية سنة (696) (4).
2- البوصيري (المحدث)
__________
(1) «الوفيات»: (1/456)، «الأعلام»: (6/69).
(2) «طبقات الشافعية»: (5/8)، «شذرات الذهب»: (5/425).
(3) «طبقات الشافعية»: (3/176)، «الأعلام»: (3/222).
(4) «فوات الوفيات»: (2/205)، «الأعلام»: (6/139).(1/7)
أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن سليم بن قايماز عثمان البوصيري الكناني، الشافعي من حفاظ الحديث وعلمائه. ولد بمصر سنة (762)، وهو صاحب الكتاب المشهور في زوائد ابن ماجه على الكتب الستة، والذي يسمى «مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه»، مطبوع، وغيرها من المؤلفات في علم الحديث، توفي سنة (840)(1).
1- ابن عساكر
علي بن الحسن بن هبة الله أبو القاسم ثقة الدين بن عساكر الدمشقي، المؤرخ، الحافظ، الرحالة. ولد سنة (499). كان محدث الديار الشامية، ورفيق السمعاني «صاحب الأنساب» في رحلاته. مولده ووفاته في دمشق.
توفي سنة (571) من مؤلفاته «تاريخ دمشق الكبير» يعرف بتاريخ ابن عساكر اختصره الشيخ عبد القادر بدران، بحذف الأسانيد والمكررات، وسمي المختصر «تهذيب تاريخ ابن عساكر» طبع منه سبعة أجزاء، ولا تزال بقيته مخطوطة. وطبع مختصره لابن منظور كاملًا في تسعة وعشرين مجلدًا. وباشر المجمع العلمي العربي بدمشق نشر الأصل فطبع منه عدة مجلدات متفرقة (2).
2- ابن عساكر
القاسم بن علي الحسن بن هبة الله، أبو محمد ابن عساكر، محدث، من أهل دمشق، ولد سنة (527) زار مصر، وأخذ عنه أهلها. وهو ابن صاحب «التاريخ الكبير». توفي سنة (600). له كتب منها «الجامع المستقصى في فضائل الأقصى» وهو مخطوط، و«الجهاد» وغيرها (3).
3- ابن عساكر
__________
(1) «الضوء اللامع»: (1/251)، «حُسن المحاضرة»: (1/206).
ملاحظة: الخلط بين الشاعر والمحدث شاع بين عامة الناس وطلبة العلم، حتى أن بعضهم دافع عن الشاعر؛ لكونه عالم محدث، والله المستعان.
(2) «ابن الأثير»: (10/88، 146)، «الأعلام»: (4/273).
(3) «طبقات السبكي»: (5/148)، «الأعلام»: (5/178).(1/8)
عبد الرحمن بن محمد بن الحسن بن منصور بن عساكر الدمشقي، فقيه، كان شيخ الشافعية في وقته. ولد سنة (550). وتوفي سنة (620) له تصانيف في الفقه والحديث. منها «كتاب الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين»، وهو مخطوط في الظاهرية. وهو ابن أخي المؤرخ علي بن عساكر (1).
4- ابن عساكر
عبد الصمد بن عبد الوهاب بن الحسن بن محمد، ابن عساكر الدمشقي ثم المكي، حافظ للحديث، ولد سنة (614)، انقطع بمكة نحو أربعين سنة، ومات بالمدينة سنة (686). وهو حفيد ابن أخي الحافظ المؤرخ ابن عساكر. كان قوي المشاركة في العلوم. له نظم وتصانيف منها «فضائل أم المؤمنين خديجة»، و«أحاديث عيد الفطر»، و«فضل رمضان»، وغيرها (2).
5- ابن عساكر
القاسم بن أبي غالب المظفر بن محمود، من بني هبة الله بن عساكر الدمشقي بهاء الدين، طبيب، عالم بالحديث. ولد في دمشق سنة (629). كان يعالج المرضى مجانًا. وكتبت له «مشيخة» في سبعة مجلدات، تشتمل على (750) شيخًا منها جزء مخطوط في خزانة الرباط. لزم بيته في أعوامه الأخيرة منقطعًا إلى تدريس الحديث. قال الذهبي: كان كثير المحاسن صبورًا على الطلبة. توفي سنة (723) في دمشق (3).
1- ابن تيمية (أبو عبد الله)
محمد بن الخضر بن محمد بن الخضر بن علي بن تيمية الحراني الحنبلي، أبو عبد الله فخر الدين، مفسر، خطيب، واعظ، كان شيخ حران وخطيبها، ولد سنة (542) من مؤلفاته «التفسير الكبير» في عدة مجلدات، و«ترغيب القاصد» في الفقه، وابن تيمية شيخ الإسلام يتصل نسبه مع والد هذا العالم الخضر بن محمد. فيكون هذا الإمام من أعمامه. توفي سنة (622) (4).
__________
(1) «فوات الوفيات»: (1/261)، «الأعلام»: (3/328).
(2) «فوات الوفيات»: (1/275)، «الأعلام»: (4/11).
(3) «البداية والنهاية»: (14/108)، «الأعلام»: (5/186).
ملاحظة: إن جميع المذكورين بلقب ابن عساكر هم من الأقارب.
(4) «الوافي بالوفيات»: (3/37)، «الأعلام»: (6/113).(1/9)
2- ابن تيمية (أبو البركات)، الجد
عبد السلام بن عبد الله بن الخضر بن محمد بن تيمية الحراني، أبو البركات مجد الدين، فقيه حنبلي، محدث، مفسر، ولد بحران سنة (590). وحدث بالحجاز، والعراق، والشام إضافة إلى بلده حران كان فرد زمانه في معرفة المذهب الحنبلي. من كتبه «المنتقى في أحاديث الأحكام»، شرحه الشوكاني بكتابه المشهور «نيل الأوطار»، ومن كتبه أيضًا «المحرر في الفقه»، وهو في الفقه الحنبلي، ولشيخ الإسلام تعليقات جليلة عليه لم تصلنا، ووصل بعضها عن طريق حاشية ابن مفلح على المحرر المسمات بـ«النكت»، وهو جد الإمام ابن تيمية شيخ الإسلام (1).
3- ابن تيمية (شهاب الدين)، الوالد
عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن الخضر بن تيمية الحراني، شهاب الدين شيخ حران، وحاكمها، وخطيبها. ولد سنة (628)، كانت له فضائل حسنة ودرَّس الحديث. قرأ عليه ابنه في الفقه والأصول، وروى عنه بعض كتب الحديث. توفي سنة (682)، من مؤلفاته المطبوعة «تعليقاته على المسودة» التي اشترك ثلاثة من آل تيمية: شيخ الإسلام، وأبوه، وجده (2).
4- ابن تيمية (شيخ الإسلام)
__________
(1) «فوات الوفيات»: (1/274)، «الأعلام»: (4/6).
(2) «شذرات الذهب»: (5/376)، «ذيل طبقات الحنابلة»: (2/310).(1/10)
أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الخضر النميري الحراني الدمشقي الحنبلي، أبو العباس تقي الدين بن تيمية. الإمام شيخ الإسلام ولد في حران سنة (661)، وتحول به أبوه إلى دمشق فنبغ، واشتهر، وطلب إلى مصر من أجل فتوى أفتى بها فقصدها. سجن عدة مرات في دمشق، والقاهرة، والإسكندرية. مات معتقلًا بقلعة دمشق سنة (728). وجنازته تعد بعد جنازة أحمد بن حنبل من حيث الحضور. جمعت له كل العلوم: الحديث، والفقه، والتفسير، وعلم الكلام، والعقائد، والفلسفة. كان من الدعاة المصلحين. أفتى وهو دون العشرين من عمره. مؤلفاته بلغت ثلاثمائة مجلد، أو أكثر. طبع منها قرابة مائة مجلد، أو أقل(1).
1- ابن عبد الهادي
محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي، أبو عبد الله شمس الدين الجماعيلي الأصل ثم لدمشقي الصالحي، حافظ للحديث، عارف بالأدب، من كبار الحنابلة. وتسميته بابن عبد الهادي نسبه إلى جده الأعلى. ولد سنة (705). أخذ عن شيخ الإسلام ابن تيمية، والذهبي، وغيرهما. توفي سنة (744). وصنف ما يزيد على سبعين كتابًا مات قبل بلوغ الأربعين، ولو عاش لكان عجبًا، من كتبه «العقود الدرية في مناقب شيخ الإسلام أحمد بن تيمية»، و«المحرر في الحديث»، و«الصارم المنكي في الرد على السبكي»، وغير ذلك (2).
2- ابن عبد الهادي
__________
(1) ألفت كتب كثيرة مستقلة في حياة شيخ الإسلام كـ«الأعلام العلية»، و«العقود الدرية»، وغيرها كثير.
ملاحظة: لا يزال كثير من طلبة العلم لا يفرق بين شيخ الإسلام وجده حتى رأيت أن بعض المشتغلين في فهرسة المخطوطات ينسب كتبًا لجد شيخ الإسلام إلى ابن تيمية مع وضوح الفرق بينهما.
(2) «جلاء العينين»: صفحة (22)، «الأعلام»: (5/326).(1/11)
يوسف بن حسن بن أحمد بن حسن بن عبد الهادي الصالحي، جمال الدين بن المبرد، علامة متفنن من فقهاء الحنابلة من أهل الصالحية. ولد سنة (840)، وتوفي سنة (909). من كتبه المطبوعة «مغني ذوي الأفهام عن الكتب الكثيرة في الأحكام» في فقه الحنابلة (1).
1- ابن العربي (المالكي)
محمد بن عبد الله بن محمد المعارفي الإشبيلي المالكي المعروف بأبي بكر بن العربي القاضي، من حفاظ الحديث. ولد في إشبيلية سنة (468)، ورحل إلى المشرق. وهو صاحب الكتاب المعروف «العواصم من القواصم» الذي طبع بتحقيق محب الدين الخطيب رحمه الله. وله شرح الترمذي المشهور بـ«عارضة الأحوذي بشرح الترمذي»، وكذا كتاب «أحكام القرآن» في مجلدين. توفي سنة (543) (2).
2- ابن عربي (الصوفي)
محمد بن علي بن محمد بن عربي الطائي الأندلسي المعروف بأبي بكر الحاتمي. لقب بمحيي الدين بن عربي، ويلقب كذلك بالشيخ الأكبر. فيلسوف من أئمة المتكلمين، وهو صاحب القول بوحدة وحدة الوجود. ولد في الأندلس سنة (560). ثم انتقل إلى المشرق. وتوفي سنة (638). له مؤلفات جمة منها «فصوص الحكم»، «الفتوحات المكية»، «الوصايا»، وغيرها كثير –أعاذنا الله من شر فلسفته-، وجمهور علماء المسلمين على تكفير معتقده. حتى ألف العلامة البقاعي كتابه المشهور «تنبيه الغبي في تكفير ابن عربي» الذي طبع باسم «مصرع التصوف» جمع فيه البقاعي أسماء مئات العلماء في تكفيره.
وقد انبرى شيخ الإسلام ابن تيمية لبيان فساد معتققده في عدة مجلدات (3)
1- السويدي
__________
(1) «شذرات الذهب»: (8/43)، «الأعلام»: (8/226).
(2) «وفيات الأعيان»: (1/489)، «الأعلام»: (6/230).
(3) «الأعلام»: (6/281).
ملاحظة: يعد الاشتباه بين هذين العلمين من أشهر أنواع المشتبه في الأسماء؛ لاشتراك أوصاف كثيرة في حياة كل منهما. فرسم الكلمة قريبة من بعض وكلاهما أندلسيين، رحلا إلى الشرق، والله أعلم.(1/12)
عبد الله بن حسين بن مرعي بن ناصر الدين البغدادي، أبو البركات السويدي، فقيه متأدب، من أعيان العراق، وهو أول من عرف بالسويدي من هذا البيت، ولد في كرخ بغداد سنة (1104)، توفي والده وهو طفل، فكفله عمه لأمه الشيخ أحمد سويد، وتعلم واشتهر. ورحل إلى بلاد الشام والحجاز، وعاد إلى بغداد فتوفي سنة (1174). من مؤلفاته «إتحاف الحبيب» حاشية على المغني اللبيب، «شرح صحيح البخاري»، «أسماء أهل بدر» رسالة، و«الحجج القطعية لاتفاق الفرق الإسلامية» رسالة (1).
2- السويدي
عبد الحمن بن عبد الله بن الحسين السويدي العباسي البغدادي، زين الدين، أبو الخير، مؤرخ، من بيت قديم في العراق. ولد في بغداد سنة (1134)، وتوفي فيها سنة (1200). من مؤلفاته «حديقة الزوراء» ثلاثة أجزاء كبيرة في تاريخ بغداد، و«حاشية على شرح الحضرمية» في فروع الشافعية (2).
3- السويدي
أحمد بن عبد الله بن حسين بن مرعي السويدي العباسي البغدادي، أبو حامد، منمى فضلاء السويدين، ولد سنة (1153)، وتوفي سنة (1210).
من مؤلفاته «الصاعقة المحرقة في الرد على أهل الزندقة»، و«شرح قصيدة بانت سعاد» (3).
4- السويدي
عبد الرحيم بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حسين السويدي العباسي، فقيه له اشتغال بالأدب. ولد سنة (1175) في بغداد، وتوفي بها سنة (1237)، من كتبه «حاشية على شرح العمدة» في النحو، و«شرح العمدة» في فقه الشافعية (4).
5- السويدي
__________
(1) «سلك الدرر»: (3/84)، «الأعلام»: (4/80).
(2) «سلك الدرر»: (2/320)، «الأعلام»: (3/314).
(3) «المسك الأذفر»: (68)، «الأعلام»: (1/162).
(4) «الذريعة»: (2/206، 503)، «الأعلام»: (3/348).(1/13)
علي بن محمد بن سعيد بن عبد الله السويدي البغدادي العباسي، من علماء الحديث في العراق. مولده ببغداد، ووفاته بدمشق سنة (1237). من مؤلفاته «العقد الثمين في بيان مسائل الدين» عقائد، و«تاريخ بغداد»، «رد الإمامية» (1).
6- السويدي
محمد أمين بن علي بن محمد بن سعيد السويدي العباسي البغدادي، أبو الفوز، باحث، من علماء العراق. ولد ببغداد، وتوفي في بريدة (بنجد) وهو عائد من الحج سنة (1246). من مؤلفاته «سبائك الذهب في معرفة أنساب العرب»، و«قلائد الدرر في شرح رسالة ابن حجر» في فقه الشافعية، و«الصارم الحديد» مجلدان مخطوطان، في الرد على كتاب «سلاسل الحديد في تقييم ابن أبي الحديد» ليوسف بن أحمد البحراني، انتصر السويدي فيه لابن أبي الحديد من البحراني الرافضي (2).
7- السويدي
محمد سعيد ابن أحمد بن عبد الله بن حسين السويدي العباسي البغدادي، متصوف من النقشبندية في بغداد، توفي سنة (1246). ومن كتبه «إيصال الطالب للمطلوب» في التصوف (3).
1- الطوسي
محمد بن محمد بن الحسن، أبو جعفر نصير الدين الطوسي، فيلسوف، كان رأسًا في العلوم العقلية، علامة بالأرصاد، والمجسطي، والرياضيات.
ساهم في إدخال التتار في بغداد، وعلت منزلته عند «هولاكو» فكان يطيعه فيما يشير عليه. ولد بطوس قرب نيسابور سنة (597)، وابتنى بمراغة قبة ورصدًا عظيمًا، واتخذ خزانة ملأها من الكتب التي نهبت من بغداد، والشام، والجزيرة، وكان هولاكو يمده بالأموال. وصنف كتبًا منها «شكل القطاع» يُقال له «تربيع الدائرة»، و«تحرير أصول إقليدس»، و«تجريد العقائد»، توفي ببغداد سنة (672) (4).
2- الطوسي
__________
(1) «المسك الأذفر»: (73، 74)، «الأعلام»: (5/17).
(2) «المسك الأذفر»: (82)، «الأعلام»: (6/42).
(3) «المسك الأذفر»: (80)، «الأعلام»: (6/140).
(4) «فوات الوفيات»: (2/149)، «الأعلام»: (7/30).(1/14)
محمد بن الحسن بن علي الطوسي، مفسر، نعته السبكي بفقيه الشيعة ومصنفهم، ولد سنة (385). انتقل من خراسان إلى بغداد سنة (408)، وأقام أربعين سنة. ورحل إلى الغري (بالنجف) فاستقر إلى أن توفي سنة (460). أحرقت كتبه عدة مرات بمحضر من الناس. من تصانيفه «الإيجاز» في الفرائض، وهو صاحب كتاب «الاستبصار فيما اختلف فيه من الأخبار» (1).
3- الطوسي
عبد العزيز بن محمد بن علي الطوسي، ضياء الدين، أبو محمد، من فقهاء الشافعية أصله من طوس. سكن دمشق ودرس. وتوفي سنة (706).
من مؤلفاته «مصباح الحاوي ومفتاح الفتاوي» شرح الحاوي الصغير للقزويني، و«كاشف الرموز» في شرح مختصر ابن الحاجب. في الأصول (2).
1- ابن دقيق العيد
محمد بن علي بن وهب بن مطيع أبو الفتح، تقي الدين القشيري، المعروف كأبيه وجده بابن دقيق العبد، قاضي من كبار العلماء بالأصول، مجتهد، أصل أبيه من منفلوط بمصر انتقل إلى قوص، وولد له صاحب الترجمة في ينبع على ساحل البحر الأحمر سنة (625)، وتعلم بدمشق، والأسكندرية، ثم القاهرة. وولي القضاء في اليار المصرية سنة (695)، وتوفي سنة (702). له تصانيف منها «إحكام الأحكام» مجلدان في الحديث، و«الإلمام بأحاديث الأحكام» صغير، وغيرها كثير (3).
2- ابن دقيق العيد
موسى بن علي بن وهب بن مطيع القشيري، سراج الدين بن دقيق العيد، فقيه، له سعر حسن. ولد سنة (641)، انتهت إليه رسائل الفتوى بقوص في صعيد مصر، وتوفي فيها سنة (685). له «المغني» في فقه الشافعية. قال الأدفوي: ما أظنه أكمله، وهو أخو تقي الدين أحمد بن علي المعروف بابن دقيق العيد، وذاك أعلم وأشهر (4).
1- أحمد أمين
__________
(1) «السبكي»: (3/51)، «الأعلام»: (6/84، 85).
(2) «السبكي»: (6/125)، «الأعلام»: (4/26).
(3) «الدرر الكامنة»: (4/91)، «الأعلام»: (6/283).
(4) «الطالع السعيد»: (380)، «الأعلام»: (7/325).(1/15)
أحمد أمين بك، قاضي مصري من أهل القاهرة اشتغل مدرسًا في الحقوق له كتاب «شرح قانون العقوبات الأهلي». توفي سنة (1355) (1).
2- أحمد أمين
أحمد أمين بن الشيخ إبراهيم الطباخ، عالم بالأدب، وله اطلاع واسع في التاريخ. ولد سنة (1295). وتوفي سنة (1373). كان عميد كلية الآداب بالجامعة المصرية، ومن أعضاء المجمع العلمي بدمشق. منح شهادة دكتوراه فخرية. كان يكتب كثيرًا بالمجلات، وجمعت كتاباته في كتاب «فيض الخاطر»، وهو صاحب الكتب المشهورة «فجر الإسلام»، و«ضحى الإسلام»، «ظهر الإسلام»، «يوم الإسلام»، «زعماء الإسلام في العصر الحديث»، وغيرهما (2).
1- الشاطبي
إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي، أصولي حافظ. من أهل غرناطة. كان من أئمة المالكية. توفي سنة (790). من كتبه «الموافقات في أصول الفقه» أربع مجلدات، و«الاعتصام» مجلدين (3).
2- الشاطبي
محمد بن سليمان بم محمد المعافري، أبو عبد الله الشاطبي، ويقال له ابن أبي الربيع، عالم بالقراءات. مولده بشاطبه سنة (585). تفقه وروي الحديث في الأندلس، والشام، والحجاز، ومصر. وانقطع للعبادة في الإسكندرية، وتوفي بها سنة (672).
من كتبه «اللمعة الجامعة» في تفسير القرآن، و«شرف المراتب والمنازل» في القراءات، و«النبذ الجلية في ألفاظ اصطلح عليها الصوفية» (4).
3- الشاطبي
محمد بن علي بن يوسف، أبو عبد الله رضي الدين الأنصاري الشاطبي، عالم باللغة ولد في بلنسية سنة (601)، وتوفي بالقاهرة سنة (684). له تصانيف، منها «حواش» على صحاح الجوهري، وغيره (5).
1- ابن الفهد
__________
(1) «الأعلام»: (1/101).
(2) «الأعلام»: (1/101).
ملاحظة: هناك أحمد أمين رافضي صاحب كتاب «التكامل في الإسلام».
(3) «فهرس الفهارس»: (1/134)، «الأعلام»: (1/75).
(4) «الوافي بالوفيات»: (3/128)، «الأعلام»: (6/150).
(5) «الأعلام»: (6/283).(1/16)
عبد العزيز بن عمر بن محمد ، الشهيلر كأبيه وسلفه بابن فهد، أبو الخير وأبو فارس عز الدين الهامشي، من سلالة محمد بن الحنفية، مؤرخ، عالم بالحديث. ولد بمكة سنة (850) زار فلسطين، والشام، ومصر، وأمضى بها أربع سنين، وعاد سنة (875). توفي بمكة سنة (920). من مؤلفاته «غاية المرام بأخبار سلطنة البلد الحرام»، و«معجم شيوخه» نحو ألف شيخ، و«ترتيب طبقات القراء» الذهبي (1).
2- ابن فهد
عمر بن محمد بن أبي الخير محمد بن محمد بن عبد الله بن فهد القرشي الهامشي المكي، نجم الدين، مؤرخ من بيت علم. مولده سنة (812). رحل إلى مصر، والشام، وغيرها. توفي سنة (885). من مؤلفاته «إتحاف الورى بأخبار أم القرى» مرتب على السنين، من ولادة النبي صلى الله عليه وسلم إلى زمان المؤلف، و«اللباب في الألقاب» (2).
3- ابن فهد
يحيي بن عمر بن محمد الهامشي المكي الشافعي، أبو زكريا، المعروف كأسلافه بابن فهد، أديب. مولده بمكة سنة (848). رحل إلى اليمن، ومصر. وكان له ذوق حسن في الشعر، فانتخب من دواوين الشعراء شيئًا كثيرًا. توفي سنة (885). جمع «فوائد من النكت والغرائب»، وصنف «الدلائل إلى معرفة الأوائل» (3).
4- ابن فهد
__________
(1) «الضوء اللامع»: (4/244)، «الأعلام»: (4/24).
(2) «الضوء اللامع»: (6/126)، «الأعلام»: (5/64).
(3) «الضوء اللامع»: (10/238، 239)، «الأعلام»: (8/161).(1/17)
محمد بن محمد بن محمد, أبو الفضل تقي الدين بن فهد الهاشمي العلوي الأصفوني ثم المكي, مؤرخ , من علماء الشافعية, يتصل نسبة بمحمد ابن الحنيفة، ولد بأصفون من صعيد مصر سنة (787), وانتقل إلى أبيه إلى مكة وطن أسرته وأجداده سنة (795), وتوفى سنة (871), من كتبه «لحظ الألحاظ بذيل طبقات الحفاظ» و «الباهر الساطع» في السيرة النبوية, و«نهاية التقريب وتكميل التهذيب» جمع فيه بين تهذيب الكمال, ومختصريه للذهبي وابن حجر, و«تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف»(1).
... ... 5- ابن فهد
محمد بن عبد العزيز بن عمر بن محمد بن فهد الهاشمي, من سلالة محمد بن الحنيفة أبو الفضل, محب الدين, جار الله, مؤرخ, من أهل مكة ولد فيها سنة (891 ), رحل إلى مصر والشام, توفى بمكة سنة (954), من مؤلفاته «التحفة اللطيفة في بناء المسجد الحرام والكعبة الشريفة», و«تحفة الأيقاظ بتتمة ذيل طبقات الحفاظ» ذيل بها على ذيل جده (2).
6- ابن فهد
أحمد بن محمد بن فهد الأسدي الحلي, فقيه إمامي, مولده في الحلة السيفية, وإليها نسبته, ولد سنة (757), وتوفي بكربلاء سنة (841), من مؤلفاته «المهذب البارع إلى شرح النافع» , و«الموجز الحاوي» , و«المحرر» كلها في فقه الإمامية (3).
1- أبو داود
سليمان بن الأشعث بن إسحق بن بشير الأزدي السجستاني، أبو داود، إمام أهل الحديث في زمانه. أصله من سجستان ولد سنة (202). رحل رحلة كبيرة وتوفي بالبصرة سنة (275). له «السنن» أربعة أجزاء. وهو أحد الكتب الستة. جمع فيه (4800) حديث انتخبها من (500.000) حديث (4).
2- ابن أبي داود
__________
(1) «البدر الطالع»: (2/259)، «الأعلام»: (7/48).
(2) «ذيول طبقات الحفاظ»: (383)، «الأعلام»: (6/209).
(3) «تاريخ العراق»: (3/104)، «الأعلام»: (1/227).
(4) «تذكرة الحفاظ»: (2/188، 190).(1/18)
عبد الله بن سليمان بن الأشعث الأزدي السجستاني، أبو بكر بن أبي داود، من كبار حفاظ الحديث. ولد سنة (230). له تصانيف. كان إمام أهل العراق. وعمي في آخر عمره. استقر وتوفي ببغداد سنة (316). من كتبه «المصاحف»، و«المسند»، و«التفسير» (1).
1- الغزالي (أبو حامد)
محمد بن محمد بن محمد الغزالي الطوسي، أبو حامد، حجة الإسلام، فيلسوف متصوف، له نحو مئتي مصنف. مولده في الطابران قصبة طوس بخراسان سنة (450)، وتوفي فيها سنة (505). نسبته إلى صناعة الغزل.
عند من يقول بتشديد الزاي، أو إلى غزالة من قرى طوس، لمن قال بالتخفيف. من كتبه «إحياء علوم الدين» (2).
2- الغزالي
أحمد بن محمد بن محمد بن أحمد، أبو الفتوح، مجد اليد الطوسي الغزالي، واعظ، هو أخو الإمام أبي حامد محمد بن محمد الغزالي، أصله من طوس، ووفاته بقزوين سنة (520). وشهرته بالغزالي –كأخيه- بتشديد الزاي نسبة إلى الغزَّال على عادة أهل خوارزم وجرجان، أو بتخفيها نسبة إلى غزَالة من قرى طوس قال صاحب اللباب: والتخفيف خلاف المشهور. وله مؤلفات أكثرها مخطوط (3).
1- العراقي (الحافظ)
__________
(1) «تذكرة الحفاظ»: (2/298).
(2) «وفيات الأعيان»: (1/463).
(3) «شذرات الذهب»: (4/60)، «الأعلام»: (1/214، 215).
ملاحظة: في بغداد ضريح يُزار من قبل الجهلة نسب قديمًا إلى أبي حامد الغزالي، واليوم عدلت النسبة إلى أخيه أحمد الغزالي، وكلاهما خطأ، وهذا حال جميع الأضرحة، والقبور المنسوبة إلى الأنبياء والأولياء في جميع العالم الإسلامي إلا القليل القليل.(1/19)
عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن أبو الفضل، زين الدين، المعروف بالحافظ العراقي، بحاثه من كبار الحديث. أهله من الكرد، ومولده في زاريان من أعمال إربل سنة (725) تحوَّل صغيرًا مع أبيه إلى مصر، فتعلم ونبغ فيها. وقام برحلة إلى الحجاز، والشام، وفلسطين، وعاد إلى مصر، فتوفي في القاهرة سنة (806). من كتبه «المغني عن حمل الأسفار في الأسفار» في تخريج أحاديث الأحياء، و«الألفية» في مصطلح الحديث، وشرحها «فتح المغيث» (1).
2- ابن العراقي
أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين الكردي الرازياني ثم المصري، أبو زرعة وليُّ الدين بن العراقي، قاضي الديار المصرية مولده بالقاهرة سنة (762).
رحل به أبوه الحافظ العراقي إلى دمشق فقرأ فيها، وعاد إلى مصر فارتفعت مكانته إلى أن ولي القضاء سنة (824) بعد الجلال البلقيني، وحمدت سيرته.
ولم يُدار أهل الدولة فعزل قبل تمام العام على ولايته، وتوفي بالقاهرة سنة (826). من كتبه «البيان والتوضيح لمن أخرج له في الصحيح وقد مُسَّ بضرب من التجريح»، و«رواة المراسيل»، و«أخبار المدلسين» (2).
1- ابن رشد
محمد بن أحمد بن رشد، أبو الوليد، قاضي الجماعة بقرطبة، من أعيان المالكية. وهو جدّ ابن رشد الفيلسوف محمد بن أحمد ولد سنة (450)، وتوفي سنة (520). من تأليفاته «المقدمات الممهدات» في الأحكام الشرعية (3).
2- ابن رشد
محمد بن أحمد بن محمد بن رشد الأندلسي، أبو الوليد، الفيلسوف، من أهل قرطبة عني بكلام أرسطو وترجمهُ إلى العربية، وزاد عليه زيادات كثيرة. ولد سنة (520)، وتوفي سنة (595). وصنف نحز خمسين كتابًا منها «فلسفة ابن رشد»، و«تهافت التهافت» في الرد على الغزالي، و«بداية المجتهد ونهاية المقتصد». وكان يلقب بابن رشد الحفيد (4).
1- البيهقي
__________
(1) «الضوء اللامع»: (4/171).
(2) «الضوء اللامع»: (1/336).
(3) «الأعلام»: (5/316، 317).
(4) «قضاة الأندلس»: (111)، «الأعلام»: (5/318).(1/20)
أحمد بن الحسين بن علي، أبو بكر، من أئمة الحديث. ولد في خسروجرد، من قرى بيهق بنيسابور، فلم يزل فيها إلى أن مات سنة (458)، ونقل جثمانه إلى بلده. قال إمام الحرمين: ما من شافعي إلا وللشافعي فضل عليه غير البيهقي، فإن له المنة والفضل على الشافعي؛ لكثرة تصانيفه في نصرة مذهبه، وتأييد آرائه. صاحب «السنن الكبرى»، وغيرها من المؤلفات المشهورة (1).
2- البيهقي
محمد بن الحسين البيهقي، أبو الفضل، مؤرخ توفي سنة (470). له كتاب في تاريخ ناصر الدين محمود بن سبكتكين، سماه «الناصري» ذكر فيهدولته يومًا يومًا من أولها إلى آخر أيامه، وهو في ثلاثين مجلدًا، و«تاريخ البيهقي» (2).
3- البيهقي
علي بن زيد بن محمد بن الحسين أبو الحسن، ظهر الدين البيهقي، من سلالة خزيمة بن ثابت الأنصاري، ويقال له ابن فندق، باحث، مؤرخ ولد في قصبة السابزوار، من نواحي بيهق سنة (499)، وتوفي سنة (565).
وصنف 74 كتابًا. منها «تاريخ حكماء الإسلام»، وكان قد سماه «تتمة صوان الحكمة» (3).
4- البيهقي
إسماعيل بن الحسين بن عبد الله البيهقي، أبو القاسم، أو أبو محمد، فقيه حنفي زاهد كان إمام وقته في الفروع والأصول (4).
1- الترمذي
محمد بن عيسى بن سورة بن موسى السلمي البوغي الترمذي، أبو عيسى، من أئمة علماء الحديث وحفاظه، من أهل ترمذ على نهر جيجون ولد سنة (209)، تتلمذ للبخاري، وشاركه في بعض شيوخه. وقام برحلة من خراسان، والعراق، والحجاز وعمي في آخر عمره. وكان يضرب به المثل في الحفظ. مات بترمذ سنة (279). وهو صاحب السنن، والعلل الصغير والكبير (5).
2- الترمذي (الحكيم)
__________
(1) «طبقات الشافعية»: (3/3).
(2) «الوافي بالوفيات»: (3/20).
(3) «إرشاد الأديب»: (5/208- 218).
(4) «الأعلام»: (1/312).
(5) «أنساب السمعاني»: (95).(1/21)
محمد بن علي بن الحسن بن بشر، أبو عبد الله، الحكيم الترمذي، باحث، صوفي، عالم بالحديث، وأصول الدين، من أهل ترمذ. نفي منها بسبب تصنيفه كتابًا خالف فيه ما عليه أهلها، فشهدوا له بالكفر.
وقيل: أنهم نقموا عليه اتباعه طريقة الصوفية في الإشارات، ودعوى الكشف.
وقيل: فضل الولاية على النبوة. وردَّ بعض العلماء هذه التهمة عنه. وقيل: كان يقول: للأولياء خاتم كما أن للأنبياء خاتم. توفي سنة (320). أما كتبه، فمنها «نوادر الأصول في أحاديث الرسول»، و«الرياضة وأدب النفس» (1).
1- ابن كثير
عبد الله بن كثير الداري المكي، أبو معبد، أحد القراء السبعة. ولد بمكة سنة (45). كان قاضي الجماعة بمكة. وكانت حرفته العطارة. ويسمون العطارة «داريًّا» فعرف بالداري. وهو فارسي الأصل توفي بمكة سنة (120) (2).
2- ابن كثير
إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوَّ بن درع القرشي البصري ثم الدمشقي، أبو الفداء عماد الدين، حافظ، مؤرخ فقيه، ولد في قرية من أعمال بصرى الشام، سنة (701)، وانتقل مع أخ له إلى دمشق سنة (706)، ورحل في طلب العلم. وتوفي بدمشق سنة (774). تناقل الناس تصانيفه في حياته. من كتبه «البداية والنهاية» أربعة عشر مجلدًا في التاريخ على نسق «الكامل» لابن الأثير انتهى فيه إلى حوادث سنة (767)، و«تفسير القرآن الكريم»، و«جامع المسانيد»، وكلها مطبوعة (3).
1- ابن أبي شيبة
عبد الله بن محمد بن أبي شيبة العبسي، ولاهم الكوفي، أبو بكر، حافظ للحديث، ولد سنة (159)، وتوفي سنة (235). له كتب منها «المسند» و«المصنف في الأحاديث والآثار» مطبوع (4).
2- ابن أبي شيبة
__________
(1) «لسان الميزان» لابن حجر: (5/308).
(2) «وفيات الأعيان»: (1/250)، «الأعلام»: (4/115).
(3) «الدرر الكامنة»: (1/373)، «الأعلام»: (1/320).
(4) «تذكرة»: (2/18)، «الأعلام»: (4/117، 118).(1/22)
عثمان بن محمد بن أبي شيبة الكوفي العبسي، أبو الحسن، من حفاظ الحديث. ولد سنة (156)، رحل من الكوفة إلى مكة، والريَّ، وبغداد.
وصنف «المسند»، و«التفسير»، وكان ثقة مأمونًا. وحكيت عنه تصفيحات لبعض الآيات كأنها على سبيل الدعابة. هو أخو عبد الله. توفي سنة (139) (1).
3- ابن أبي شيبة
محمد بن عثمان بن محمد بن أبي شيبلة العبسي، من عبس غطفان، أبو جعفر الكوفي، مؤرخ لرجال الحديث. من الحفاظ مختلف في توثيقه. قال الذهبي له تصانيف مفيدة منها «التاريخ الكبير». مات ببغداد سنة (297) عن نيف وثمانين عامًا (2).
4- ابن شيبة
يعقوب بن شيبة بن الصلت بن عصفور، أبو يوسف، الدوسي بالولاء، البصري نزيل بغداد، من كبار علماء الحديث. كان يتفقه على مذهب الإمام مالك. ولد سنة (182)، وتوفي سنة (262). له «المسند الكبير» معللًا، لم يصنف مسند أحسن منه، إلا أنه لم يتمه. وهو في مئات من الأجزاء، كان يشتغل له في تبييضه عشرات من الوراقين، وطبع الجزء العاشر منه باسم «مسند أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم» (3).
1- ابن مفلح
إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن مفلح أبو إسحاق برهان الدين، من قضاة الحنابلة. ولد سنة (816) بدمشق، وتوفي فيها سنة (884)، وولي قضاءها سنة (851). وكان حريصًا على إخماد الفتن التي كانت بين الحنابلة وغيرهم. وكان ينبذ التعصب، من مؤلفاته «المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد» مطبوع، و«المبدع بشرح المقنع» مطبوع في عشرة مجلدات وغيرها (4).
2- ابن مفلح
__________
(1) «تذكرة»: (2/28)، «الأعلام»: (4/213).
(2) «تاريخ بغداد»: (3/42).
(3) «تذكرة»: (2/1414)، «الأعلام»: (8/199).
(4) «الضوء اللامع»: (1/152).(1/23)
إبراهيم بن محمد بن مفلح الراميني الأصل الدمشقي أبو إسحاق، شيخ الحنابلة في عصره من كتبه «طبقات أصحاب الإمام أحمد»، و«شرح المقنع» تلفت أكثر كتبه ولد سنة (749)، وتوفي سنة (803) (1).
3- ابن مفلح
محمد بن سعد بن عبد الله بن سعد بن مفلح مقدسي الأصل، دمشقي المولود والوفاة. ولد سنة (571)، وتوفي سنة (650) (2).
4- ابن مفلح
محمد بن مفلح بن مفرج، أبو عبد الله، شمس الدين المقدسي الراميني ثم الصالحي، أعلم أهل عصره بمذهب الإمام أحمد بن حنبل. ولد في بيت المقدس سنة (708)، وتوفي بدمشق سنة (763). وهو صاحب «الآداب الشرعية» في ثلاث مجلدات، و«النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر لابن تيمية» مطبوع. وهو تلميذ الإمام ابن القيم (3).
5- ابن المفلح
عمر بن إبراهيم بن محمد بن مفلح أبو حفص الراميني نظام الدين، قاضي حنبلي من أهل الصالحية. ولد سنة (782)، وكان أول حنبليّ ولي قضاء غزة. أخذ العلم عن جمع من الأئمة، ومنهم السخاوي. توفي سنة (872) (4).
1- الحاكم (الكبير)
محمد بن محمدبن أحمد بن اسحاق، أبو أحمد النيسابوري الكرابيسي، ويعرف بالحاكم الكبير، محدث خراسان في عصره ولد سنة (285). تقلد القضاء في مدن كثيرة، منها الشاش، وحكم بها أربع سنين، ثم طوس، وعاد إلى نيسابور سنة (345)، فأقبل على العبادة والتأليف. وكف بصره سنة (370). وتوفي بها سنة (378). من كتبه «الأسماء والكنى» في مجلدين (5).
2- الحاكم (النيسابوري)
__________
(1) «الأعلام»: (1/64).
(2) «الأعلام»: (6/137).
(3) «جلاء العينين»: (25)، «الأعلام»: (7/107).
(4) «الأعلام»: (5/39).
(5) «الوفيات»: (1/115)، «الأعلام»: (7/20).(1/24)
محمد بن عبد الله بن حمدويه بن نعيم الضبي، الطهَّماني النيسابوري، الشهير بالحاكم ويعرف بابن البيّع، أبو عبد الله، من أكابر حفاظ الحديث، والمصنفين فيه. ولد في نيسابور سنة (321)، وتوفي فيها سنة (405). رحل إلى العراق سنة (341). وحج، وجال في بلاد خراسان، وما وراء النهر، وأخذ على نحو ألفي شيخ. قال ابن عساكر: وقع من تصانيفه المسموعة في أيدي الناس ما يبلغ ألفًا وخمسمائة جزء. منها «تاريخ نيسابور»، وهو صاحب المستدرك على الصحيحين (1).
1- الدارمي
عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام التميمي الدارمي السمرقندي أبو محمد، من حفاظ الحديث. ولد سنة (181). سمع بالحجاز، والشام، ومصر، والعراق، وخراسان من خلق كثير. واستقضى على سمرقند. فقضى قضية واحدة، واستعفى فأعفي. وكان عاقلًا، فاضلًا، مفسرًا، فقيهًا، أظهر علم الحديث والآثار بسمرقند. توفي سنة (255). له «المسند» في الحديث، و«الجامع الصحيح»، ويسمى «سنن الدارمي»(2).
2- الدارمي
عثمان بن سعيد بن خالد الدارمي السجستاني، أبو سعيد، محدث هراة. ولد سنة (200)، وتوفي سنة (280). له تصانيف في الرد على الجهمية، منها «النقض على بشر المريسي»، سماه ناشره «رد الإمام الدارمي عثمان بن سعيد علي بشر المريسي العنيد»، وله «مسند» كبير، وله كذلك «الرد على الجهمية» مطبوع(3).
1- الشنقيطي
__________
(1) «الوفيات»: (1/484)، «الأعلام»: (6/227).
(2) «تذكرة الحفاظ»: (2/105)، «الأعلام»: (4/95، 96).
(3) «تذكرة الحفاظ»: (2/177).(1/25)
محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي ولد بشنقيط، سنة (1305). وشنقيط من أعمال موريتانيا. ذهب إلى الحج، وبقي في المملكة العربية السعودية. وهو صاحب التفسير المشهور المعروف بـ«أضواء البيان» الذي لم يكمله، فأكمله تلميذه عطية محمد سالم. وترجم لشيخه، وطبعت في الترجمة مقدمة التفسير. من مؤلفاته «مذكرة في أصول الفقه»، وهي تعليق على كتاب «روضة الناظر»، وكتاب «دفع إيهام الاضطراب». توفي رحمه الله سنة (1393) (1).
2- الشنقيطي
أحمد بن الأمين الشنقيطي، عالم بالأدب من أهل شنقيط نزل بالقاهرة. ولد سنة (1289)، وتوفي سنة (1331) بالقاهرة. من مؤلفاته «الوسيط في تراجم أدباء شنقيط»، و«الدرر اللوامع على همع الهوامع» شرح جمع الجوامع، وغيرها (2).
3- الشنقيطي
محمد حبيب الله بن عبد الله بن أحمد مايايي الجكني الشنقيطي، عالم بالحديث. ولد بشنقيط سنة (1295)، وتعلم فيها. وانتقل إلى مراكش، فالمدينة المنورة، واستوطن مكة، ثم استقر بالقاهرة، ودرّس في كلية أصول الدين بالأزهر، وتوفي بها سنة (1363). من كتبه «زاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم» ستة مجلدات، و«إيقاظ الأعلام» في رسم المصحف، و«دليل السالك إلى موطأ مالك» (3).
4- الشنقيطي
محمد الخضر بن عبد الله بن أحمد بن مايابي الجكني الشنقيطي، مفتي المالكية بالمدينة المنورة. ولد في شنقيط، وتفقه فيها، وهاجر إلى المدينة، فتولى الإفتاء بها، وهو أخو محمد حبيب الله، المتقدمة ترجمته، توفي سنة (1353). له كتب منها «استحالة المعية بالذات» في علم الأسماء والصفات، و«مشتهى الخارف في رد زلات التيجاني»، وكلاهما مطبوع (4).
1- الهروي
__________
(1) ترجم له تلميذه عطية محمد سالم في الجزء الأول من تفسيره.
(2) «الأعلام»: (1/101).
(3) «فهرس الفهارس»: (1/7).
(4) «الأعلام الأشرفية»: (4/164)، «الأعلام»: (6/113).(1/26)
أحمد بن محمد بن عبد الرحمن أبو عبيد الهروي، باحث أهل هراة له كتاب «الغريبين»، و«غريب القرآن» (1).
2- الهروي
محمد بن آدم الهروي بن كمال الهروي أبو المظفر، عالم بالأدب من أهل هراة، ولد سنة (414). له شرح الحماسة، وشرح المتنبي، وشرح الإصلاح، وشرح أمثال أبي عبيد، وغير ذلك (2).
3- الهروي
محمد بن علي بن محمد، أبو سهل الهروي، لغوي. كان رئيس المؤذنين بجامع عمرو بن العاص بمصر. ولد سنة (372)، وتوفي سنة (433). له «التلويح في شرح الفصيح» مطبوع. وله «أسماء الأسد»، و«أسماء السيف» (3).
4- الهروي
عبد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن غفير الهروي أبو ذر، عالم بالحديث. توفي بمكة سنة (434). له تفسير القرآن، و«المستدرك علىالصحيحين»، و«السنة والصفات»، وغيرها، وهو من فقهاء المالكية (4).
5- الهروي
عبد الله بن محمد بن علي الأنصاري الهروي أبو إسماعيل، شيخ خراسان من كبار الحنابلة. من ذرية أبي أيوب الأنصاري. ولد سنة (396). توفي سنة (481). كان بارعًا في اللغة، امتحن وأوذي، كان سلفي العقيدة، وهو صاحب كتاب «ذم الكلام»، و«الفارق في الصفات»، و«منازل السائرين»، و«سيرة الإمام أحمد بن حنبل» (5).
1- ابن مندة
عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق بن مندة العبدي الأصبهاني، أبو القاسم حافظ، مؤرخ، جليل القدر، واسع الرواية، كان شديدًا في السنة، لكنه أفرط في تشدده حتى توهم في التجسيم. كانت ولادته في أصبهان سنة (383)، وتوفي فيها سنة (470). من مؤلفاته «أخبار أصبهان»، وله ردود على أهل البدع (6).
2- ابن مندة
__________
(1) «وفيات الأعيان»: (1/28).
(2) «الوافي بالوفيات»: (1/333).
(3) «بقية الوعاة»: (83).
(4) «الأعلام»: (3/269).
(5) «الأعلام»: (4/122).
(6) «فوات الوفيات»: (1/260).(1/27)
محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن مندة، أبو عبد الله العبدي الأصبهاني، من كبار حفاظ الحديث كثير التأليف. ولد سنة (310)، وتوفي سنة (395). من مؤلفاته «فتح الباب في الكنى والألقاب» مخطوط طبعت قطعة منه، و«الرد على الجهيمة» مخطوط، وغيرها (1).
3- ابن مندة
محمد بن يحيى بن مندة العبدي، أبو عبد الله، مؤرخ من حفاظ الحديث، وهو جد محمد بن إسحاق. توفي سنة (301) (2).
4- ابن مندة
يحيى بن عبد الوهاب بن محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى العبدي. ولد سنة (434) في أصبهان. وتوفي سنة (511). من مؤلفاته «تاريخ أصبهان»، و«مناقب الإمام أحمد»، و«ذكر من عاش مائة وعشرين سنة من الصحابة» مخطوط (3).
1- أم الدرداء (الصغرى)
هجيمة بنت حيي الوصابية، أم الدرداء الصغرى، فقيهة محدثة تابعية، من أهل دمشق. تنسب للوصاب من قبائل حمير. نشأت يتيمة في حجر أبي الدرداء (عويمر بن مالك) بدمشق. وكانت تلبس برنسًا، وتصلي في صفوف الرجال، وتجلس في حلق القراء، حتى أمرها أبو الدرداء أن تلحق بصفوف النساء. توفيت بعد سنة (81)، ومن كلامها: أفضل العلم المعرفة. ورى لها مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه (4).
2- أم الدرداء
خيرة بنت أبي حدود، واسمه سلامة بن عمير بن أبي سلمة الأسلمي، صحابية تعرف بأم الدرداء الكبرى تمييزًا لها عن أم الدرداء الصغرى (هجيمة بنت حيي)، من فاضلات النساء، وذوات الرأي فيهن. حفظت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن زوجها. وروى عنها جماعة من التابعين. كانت إقامتها بالمدينة. توفيت قبل زوجها أبي الدرداء (عويمر بن مالك) سنة (30). وكانت وفاتها بالشام في خلافة عثمان (5).
1- العسقلاني
__________
(1) «الأعلام»: (6/29).
(2) «تذكرة الحفاظ»: (2/276).
(3) «وفيات الأعيان»: (2/225).
(4) «سير أعلام النبلاء»: (المجلد الثالث)، «الأعلام»: (8/77).
(5) «الإصابة»: (8/73، 74)، «الأعلام»: (2/328).(1/28)
أحمد بن علي نب محمد الكناني العسقلاني شهاب الدين ابن حجر، شيخ الإسلام في الحديث، وخاتمة الحفاظ غني عن التعريف. ولد بعسقلان بفلسطين، سنة (773). ووفاته بالقاهرة سنة (852)، وهو صاحب «تهذيب التهذيب»، و«لسان الميزان»، و«نزهة النظر» (1).
2- القسطلاني
أحمد بن محمد أبي بكر بن عبد الملك القسطلاني المصري، أبو العياش، شهاب الدين من علماء الحديث. ولد سنة (851) في القاهرة. وهو صاحب «إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري»، و«المواهب اللدنية»، وكلاهما مطبوع، توفي سنة (923) بالقاهرة (2).
1- الهيثمي (بالثاء)
علي بن أبي بكر بن سليمان اليثمي، أبو الحسن، نور الدين المصري القاهري، حافظ. ولد في سنة (735). من أشهر كتبه «مجمع الزوائد ومنبع الفوائد»، و«موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان»، وغيرها. توفي سنة (807).
وقد أخطأ بروكلمان (2/91) عندما نسب إحدى مخطوطات اليثمي لأحمد ابن حجر الهيتمي. وهذا مثال على موضوعنا (3).
2- الهيتمي (بالتاء)
__________
(1) «الضوء اللامع»: (2/36)، وقد ألف تليمذه السخاوي كتابًا مستقلًّا في ترجمة لأحمد طبع الجزء الأول، ولا يزال بقيته مخطوطًا.
ومن الجدير بالملاحظة أن كثيرًا من العلماء يكتب أحمد بن حجر، ويعني بن العسقلاني، وأحيانًا أحمد بن حجر الهيتمي؛ لذا يقع لبس بينه وبين العسقلاني. وكذلك هناك كاتب معاصر يدعى أحمد بن حجر آل بوطامي له مؤلفات منه «تطهير الجنان» رسالة صغيرة في التوحيد، وكتاب في حياة الشيخ محمد بن عبد الوهاب. وغيرها من المؤلفات النافعة. وقد رأيت بعض طلبة العلم يلتبس عليه اسم أحمد بن حجر المعاصر على إمام الحفاظ، وهذه الأمثلة وغيرها تريك بعد الجيل المسلم عن معرفة أعلامه وعلمائه.
(2) «البدر الطالع»" (1/102)، «الأعلام»: (1/232).
(3) «الضوء اللامع»: (5/200).(1/29)
أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي، السعدي الأنصاري، شهاب الدين أبو العباس، فقيه، شافعي. ولد في محلة أبي الهيتم من إقليم الغربية بمصر سنة (909)، وإليها نسبته. تلقى العلم في الأزهر، ومات بمكة سنة (974). واشتهر بعداوته لشيخ الإسلام أحمد ابن تيمية. من مؤلفاته «الفتاوى الهيتمية»، و«الصواعق المحرقة على أهل البدع والضلال والزندقة»، و«الزواجر عن اقتراف الكبائر»، مؤلفاته كثيرة جدًّا وكثير منها مطبوع (1).
1- الأثرم
علي بن المغيرة، أبو الحسن، الملقب بالأثرم، عالم بالعربية والحديث. كان مقيمًا في بغداد. اشتغل نسَّاخًا في أول أمره. توفي سنة (232). من مؤلفاته «النوادر»، و«غريب الحديث» (2).
2- الأثرم
هو أحمد بن محمد بن هاني الطائي أو الكلبي الإسكافي، أبو بكر الأثرم، توفي سنة (261). وكان من حفاظ الحديث، أخذ من الإمام أحمد وآخرين، وهو صاحب كتاب «علل الحديث»، و«السنن»، و«تاريخ الحديث ومنسوخه» (3).
1- أبو عبيد
القاسم بن سلام الهروي الأزدي، بالولاء، الخراساني البغدادي، أبو عبيد من كبار العلماء بالحديث، والأدب، والفقه. من أهل هراة. ولد سنة (157). رحل إلى بغداد فولي القضاء بطرطوس ثماني عشرة سنة. ورحل إلى مصر سنة (213)، وإلى بغداد فسمع الناس من كتبه. وحج فتوفي بمكة سنة (224). وكان منقطعًا للأمير عبد الله بن طاهر، كلما ألف كتابًا أهداه إليه، وأجرى له عشرة آلاف درهم. من كتبه «الغريب المصنف» مجلدان، في غريب الحديث. ألفه في نحو أربعين سنة، وهو أول من صنف في هذا الفن (4).
2- أبو عبيد (البكري)
__________
(1) «خلاصة الأثر»: (2/166).
(2) «الأعلام»: (5/23).
(3) «ابن الأثير»: (7/37)، «تاريخ بغداد»: (5/84).
(4) «تهذيب التهذيب»: (7/315)، «الأعلام»: (5/176).(1/30)
عبد الله بن عبد العزيز بن محمد الأندلسي، أبو عبيد، مؤرخ جغرافي ثقة علامة بالأدب له معرفة بالنبات، نسبته إلى بكر بن وائل. كانت لسلفه إمارة في غربي جزيرة الأندلس. وقيل: كان أميرًا، وتغلب عليه المعتضد. وقال الصفدي: كان ملوك الأندلس يتهادون مصنفاته، وكان معاقرًا للراح، مدمنًا يكاد لا يصحو. ولد في شلطيش غربي إشبيلية، وانتقل إلى قرطبة. ثم صار إلى المرية فاصطفاه صاحبها محمد بن معن لصحبته، ووسَّع راتبه. وهذا ما حمل بعض المؤرخين على نعته بالوزير. ورجع إلى قرطبة بعد غزوة المرابطين، فتوفي بها عن سنة (487)، له كتب جليلة منها «فصل المقال في شرح كتاب الأمثال» لابن سلام، و«أعلام النبوة»، و«شرح أمالي القالي» (1).
3- أبو عبيد
أحمد بن محمد بن عبد الرحمن أبو عبيد الهروي له كتاب «الغريبين»، و«غريب القرآن» (2).
4- أبو عبيد
معمر بن المثنى التيمي بالولاء، البصري، أبو عبيدة النحوي، من أئمة العلم بالأدب واللغة. مولده بالبصرة سنة (110). استقدمه هارون الرشيد إلى بغداد سنة (188). وقرأ عليه أشياء من كتبه. قال الجاحظ: لم يكن في الأرض أعلم بجميع العلوم منه. وكان إباضيًّا، شعوبيًّا من حفاظ الحديث.
قال ابن قتيبة: كان يبغض العرب، وصنف في مثالبهم كتابًا. توفي سنة (209)، ولما مات لم يحضر جنازته أحد لشدة نقده معاصريه. من مؤلفاته «مجاز القرآن» (3).
__________
(1) «طبقات الأطباء»: (2/52).
(2) «وفيات الأعيان»: (1/28).
(3) «وفيات الأعيان»: (2/105)، «الأعلام»: (7/272).(1/31)
سلسلة بحوث وتحقيقات مختارة من مجلة الحكمة (16)
التقِييدُ والإيضَاح لقولهم :
(لا مُشاحّة في الاصْطِلاح )
بقلم :أبي عبد الرحمن
محمد الثاني بن عمر بن موسى
قام بنشره
أبو مهند النجدي
Almodhe1405@hotmail.com
almodhe@yahoo.com
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده
الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران:102).
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي يتساءلون بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} (النساء:1) .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} (الأحزاب:70-71). أما بعد:
فقد تعارف أهل العلم علي استخدام مصطلحات معينة، لأغراض مختلفة، وفي مجالات متنوعة من العلوم والمعارف، وهي علي نوعين:
النوع الأول: الألفاظ الموضوعة من قبل الشارع، كلفظ الصلاة، والزكاة والصيام والحج وغير ذلك.
وهذا حكمه بقاؤه عليم من هو عليه، ولا يجوز لمتكلم في هذه الأمور تغييرها أو تبديل أخرى بها.
النوع الثاني: مصطلحات وضعت لتقريب فن من الفنون، أو لتوضيحه وتيسير الحصول علي مطالبه، وهذا النوع علي قسمين:(1/1)
القسم الأول: ما لم يقصد من وضعه إلا ما ذكر؛ من تقريب معاني العلوم وتيسيرها، كما هو الشأن في أكثر المصطلحات الموجودة في الكتب الإسلامية.
وهذا حكمه جواز استعماله فيما وضع له خاصة، ولا يتعدى ذلك إلي حمل معاني النصوص الشرعية عليه، أو تنزيل كلام الأئمة المتقدمين علي مقتضاه ما لم يكن ذلك مرادهم.
القسم الثانى: ما قصد به معني باطل؛ كصرف النصوص الشرعية عن ظواهرها، وتعطيلها من معانيها الحقيقية، أو ردها بالجملة وإبطال القول بموجبها.
وهذا القسم موفور في الكتب الكلامية الفلسفية، كما يوجد في كتب المتصوفة، وقد يوجد نوع من منه في الفقهاء والأصوليين.
وهذا القسم قد يكون مصطلحاً موضوعاً بمبناه ومعناه، وقد يكون بوضع معان معينة بإزاء ألفاظ شرعية تعرف عند علماء السلف بمعانيها الحقيقية، فيوضع لها معنى مغاير لذلك المعني الشرعي. وهذا حكمه المنع والحظر.
يقول العلامة البقاعي في كتابه (( صواب الجواب )) (1)
(( ولا يحل لأحد أن يصطلح علي كلمات الدين و الشريعة فيضعها بإزاء معاني الكفر، ولا العكس للعكس، ولا أن يقصد كلمات فيها نقص فيضعها لله سبحانه وتعالي بالإجماع ))
وقد شاع في كتب أهل العلم قاعدة: ( لا مشاحة في الاصطلاح) وهي قاعدة لابد من بيان حدودها وتخصيص عمومها ونقض اطرادها. ومعروف أنه ليس كل مصطلح مقبولاً إلا بحجة؛ كما قال الحافظ الذهبي في ترجمة ( أبي سعيد أحمد بن محمد بن زياد المعروف بابن الأعرابي )
(ت340هـ): (( وكان بن الأعرابي من علماء الصوفية، فتراه لا يقبل شيئاً من اصطلاحاتهم إلا بحجة )) (2) وقد وضع بعضهم هذه القاعدة فى غير موضعها، وسوغ كل ما يشار إليه بأنه اصطلاح؛ ولو كان يتضمن فساداً ظاهراً؛ إذ إن لبعض الاصطلاحات جناية على الشريعة.
__________
(1) مخطوط ( ل: 10/أ ـ ب11).
(2) سير أعلام النبلاء)) (15/410).(1/2)
كما حمل بعضهم بعض النصوص الشرعية؛ من الكتاب والسنة على مصطلحات حادثة، فوقعوا بسبب ذلك في غلط عظيم.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله: ((ومن أعظم أسباب الغلط في فهم كلام الله ورسوله أن ينشأ الرجل علي اصطلاح حادث، فيريد أن يفسر كلام الله بذلك الاصطلاح ويحمله على تلك اللغة التي اعتادها)) (1)
وقد كتب الشيخ د. بكر عبد الله أبو زيد رسالة أسماها: ( المواضعة في الاصطلاح على خلاف الشريعة وأفصح اللغة ) تحدث فيها عن ضرورة الالتزام بالمصطلحات الشرعية في جميع ما يحدث في العلوم والحياة، وتجنب كل مصطلح غريب وافد على الأمة الإسلامية، لما في ذلك التمسك به من التجني على الشرع واللغة الفصحى في كثير من الأحيان. وقد أشار ـ باقتضاب ـ إلى نقض كلية القاعدة المذكورة (2).
كما كتب الشيخ د. محمد عمر باز مول رسالته التي بعنوان: ) الحقيقة الشرعية في تفسير القرآن العظيم والسنة النبوية ) تناول فيها عدداً من الألفاظ الشرعية التي شاع استعمالها لدى المتأخرين بخلاف ما هو في الكتاب والسنة وعند سلف الأمة.
ولقد رأيت ضرورة إبراز ما يمكن أن يكون بياناً وإيضاحاً للقاعدة المذكورة، وضبطاً لمسارها الصحيح، فرقمت هذه الرسالة الصغيرة، جامعاً فيها أطراف كلام الأئمة مما له تعلق بالموضوع، ومقسماً إياها إلي عناوين توضح المراد وتقرب المطلوب، سائلاً الله تعالى أن يجعل ذلك خالصاً لوجهه الكريم، إنه قريب مجيب.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
... ... وكتب :
... ... ... ... ... ... ... ... أبو عبد الرحمن
... ... ... ... ... ... ... محمد الثاني بن عمر بن موسى
... ... ... ... ... ... ... 29/8 / 1420هـ ، 8/ 12/ 1999م
... ... ... ... ... ... ... المدينة النبوية
تمهيد
((
__________
(1) رسالة مسألة الأحرف التي أنزلها الله علي آدم )) ضمن (( مجموع الفتاوى )) ( 12/ 106).
(2) انظر الرسالة المذكورة ( ضمن فقه النوازل 2/ 123) .(1/3)
لا نزاع في أن لكل قوم من العلماء اصطلاحات مخصوصة يستعملونها في معان مخصوصة؛ إما لأنهم نقلوها بحسب عرفهم إلي تلك المعاني، أو لأنهم استعملوها فيها علي سبيل التجوز، ثم صار المجاز شائعاً، والحقيقة مغلوبة )) (1)..
يقول العلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله: ( لا ننكر أن يحدث في كل زمان أوضاع لما يحدث من المعاني التي لم تكن قبل، ولا سيما أرباب كل صناعة فإنهم يضعون لآلات صناعاتهم من الأسماء ما يحتاجون إليه فى تفهيم بعضهم بعضاً عند التخاطب، ولا تتم مصلحتهم إلا بذلك، وهذا أمر عام لأهل كل صناعة مقترحة أو غير مقترحة، بل أهل كل علم من العلوم قد اصطلحوا علي ألفاظ يستعملونها في علومهم تدعو حاجتهم إليها للفهم والتفهيم ) (2)..
ثم إن مما ينبغي لمن يطالع فناً من فنون العلم أن يلم بشيء من مصطلحات ذلك الفن، ويأتي علي وفق ما اصطلحوا عليه، وذهبوا إليه.
وقد اعتني أصحاب كل فن بإبراز مرادهم من كل مصطلح درجوا عليه، وإظهار قصدهم من جميع العبارات التي تتوارد علي ألسنتهم ي مخاطباتهم ومصنفاتهم، وبعضهم خصصوا كتباً لإبراز فحوى المطالب الاصطلاحية، وشرحها بأوجز عبارة؛ تسهيلاً لمن أراد ارتيادها (3)..
وإنما وضعت: (( مصطلحات الفنون)) لتقريب معاني كل فن، وضبط قواعده ومباحثه، وهذا (( من أصدق دلالة علي عظيم الجهود المبذولة في خدمة العلم وتذليل صعابه، وتقريب بعيده، وجمع متفرقة من أهل العلم في كل عصر ومصر)) (4).
__________
(1) المحصول للرازي (4/ 647).
(2) مختصر الصواعق المرسلة)) (ص272).
(3) انظر سرد أسماء وطبعاتها في رسالة: (( الموضوعة في الاصطلاح علي خلاف الشريعة وأفصح اللغة)) للشيخ بكر أبو زيد ( ضمن كتاب فقه النوازل 1/ 111ـ 118).
(4) المصدرالسابق )) (1/127).(1/4)
ومما ينبغي أن يعلم أن نحت تلك الاصطلاحات من قبيل الصناعة، (( فلكل إمام من الأئمة المشاهير اصطلاح في التعليم يختص به شأن الصنائع كلها، فدل علي أن ذلك الاصطلاح ليس من غايات العلم، وإلا لكان واحداً عند جميعهم، ألا تري إلى علم الكلام كيف تخالف في تعليمه اصطلاح المتقدمين والمتأخرين، وكذا أصول الفقه، وكذا العربية، وكذا كل علم تتوجه إلي مطالعته تجد الاصطلاحات في تعليمه متخالفة، فدل على أنها صناعة في التعليم، والعلم واحد في نفسه )) (1).
بيان معنى قولهم: (( لا مشاحة في الاصطلاح)):
من الكلام الدارج علي ألسنة العلماء قولهم:(( لا مشاحة في الاصطلاح)) (2).
يقولونه في كل مرة وجد التوافق في المعني، مع الاختلاف في اللفظ والمبني، ويعنون بذلك: أنه لا منازعة ولا ضنة علي اللفظ ما دام المعني المراد واحداً.
والمشاحة: هي المنازعة والضنة.
قال الزبيري رحمه الله: (( وقولهم لا مشاحة في الاصطلاح، ( المشاحة ) بتشديد الحاء، (الضنة ) وقولهم ( تشاحا على الأمر) أي تنازعاه( لا يريدان ) أي كل واحد منهما ـ ( أن يفوتهما ) ذلك الأمر. (3).
__________
(1) كشف الظنون )) (1/42).وما بين المعقوفتين إلحاق مني.
(2) أنظر: (( إعانة الطالبين )) (3/37)، و((حاشية البجيرمي )) (1/243،3 3/352) واالموافقات للشاطبي (1/411)، و((روضة الناظر )) (2/ 177) و(( حواشي الشرواني )) ( 1/ 176) و(( حاشية الطحاوي علي مراقبي الفلاح )) (2/9)، و((حاشية الدسوفي )) (2/ 383) ، و(( االسبيل الجرار)) للشوكاني (2/351) و(( أبجد العلوم )) للقنوحي (1/29) وغيرها. ... .
(3) تاج العروس )) (6/501) ، انظر: (( حواشي الشرواني )) ( 4/ 277) .
وقد استعمل الفقهاء لفظ ( المشاحة ) كثيراً في مصنفاتهم، كقولهم فيمن قذف نساءه.: (( فلو بدأ بواحدة منهن ـ أي عند اللعان ـ من غير قرعة مع المشاحة صح )) .
انظر: (( المغني )) ( 7/46، 8/ 72 ) ، و( الإنصاف ) ( 9/ 242) ، و(( المبدع )) لابن مفلح (8/81) ، و(( كشاف القناع)) ( 5/ 394(
ويقولون : (( حق الله مبني علي المسامحة، وحق الآدمي مبني علي المشاحة)) .أنظر: (( إعانة الطالبين )) (2/280، 4/ 164) ، و(( حواشي الشرواني )) ( 4/ 277) ، و(( حاشية ابن الدواني )) (2/ 37) ، و(( حاشية الدسوقي )) ( 2/ 278، 290)، و(( الشرح الكبير)) للدردير ( 2/ 305، 4/14).(1/5)
ولهم عبارات أخري في هذا المعني مثل قولهم:
(( لا مشاحة في الألفاظ بعد معرفة المعاني )) (1).، أو:
(( لا مشاحة في الأسامي )) (2).
لكن لما كانت الألفاظ هي قوالب المعاني، والأقوال ربما أطلقت، وهى مقيدة بالنسبة إلي الفهم والإدراك؛ إذ لا يعرف الشيء إلا بمعرفة معناه، ولا يفهم إلا بإيضاح فحواه (3).، أن اللفظ قد يكون استعماله في معني مؤدياً إلي فساد ظاهر، وقد يضعه واضع ليصرف به حقاً، ويؤسس باطلا، كان لا بد من أن يكون لتلك القاعدة إيضاح وتقييد وضوابط تجب مراعاتها، فلا تقبل علي إطلاقها وعومها. ومن تلك القيود والإيضاحات ما يلي:
1ـ لا ينزل كلام الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - على اصطلاح حادث:
من الأمور المسلمات لدى العلماء قاطبة أن كلام الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - يجب أن يفهم على مراد الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وعلى ما جرت عليه لغة التخاطب في عصر الرسالة، ولا يجوز أن تحمل الألفاظ الشرعية على غير قصد الشارع، أو على مصطلح حادث، مهما صار له من القبول والرواج عند أصحابه.
ومن أمثلة ذلك: لفظ (القضاء) الذي يعني عند المتأخرين من الفقهاء ( فعل العبادة في غير وقتها)، وهذا خلاف ما دل عليه الشرع والوضع اللغوي في استعمال هذا اللفظ، فإن أطلقه متأخرو الفقهاء على ذلك فيقتصر به على فهم مرادهم في مصنفاتهم، ولا يحمل النصوص الشرعية عليه.
__________
(1) انظر: (( المستصفي )) (ص23) ، و(( الروح)) لابن القيم (ص204).
(2) انظر: (( المصدر السابق (ص305) ، و(( الصواعق المرسلة)) لابن القيم (3/ 970).
(3) انظر: ((جواهر العقود)) للمنهاجي (2/ 586ـ 587).(1/6)
يقول شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله: (( لفظ (القضاء) في كلام الله وكلام الرسول المراد به إتمام العبادة، وإن كان ذلك في وقتها، كما قال تعالي: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ }(الجمعة: من الآية10). وقوله:{ فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} (البقرة: من الآية200).
ثم اصطلح الفقهاء، فجعلوا لفظ ( القضاء) مختصاً بفعلها في غير وقتها، ولفظ الأداء مختصاً بما يفعل في الوقت، وهذا التفريق لا يعرف قط في كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
ثم يقولون: قد يستعمل لفظ (القضاء) في الأداء، فيجعلون اللغة التي نزل القرآن بها من النادر.
ولهذا يتنازعون في مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأقضوا )) (1).وفي لفظ: ((فأتموا)) (2)
فيظنون أن بين اللفظين خلافاً، وليس الأمر كذلك، بل قوله " فاقضوا" كقوله: "فأتموا"؛ لم يرد بأحدهما الفعل بعد الوقت، بل لا يوجد في كلام الشارع أمر بالعبادة في غير وقتها، لكن الوقت وقتان: وقت عام، ووقت خاص لأهل الأعذار؛ كالنائم والناسي إذا صليا بعد الاستيقاظ والذكر؛ فإنما صليا في الوقت الذي أمر الله به؛ فإن هذا ليس وقتاً في حق غيرهما.
__________
(1) أخرجه أحمد في مسنده رقم (7250)، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(2) أخرجه البخاري في (( صحيحه)) (رقم 866) ومسلم في (( صحيحه)) ( رقم 602).
قال أبو داود في (( سننه )) (1/ 156رقم 572): قال أبو داود: كذا قال الزبيري وابن أبي ذئب وإبراهيم بن سعد ومعمر وشعيب بن أبي حمزة، عن الزهري. ( وما فاتكم فأتموا) ، وقال ابن عيينة عن الزهري وحده: ( فإقضوا) ، وقال محمد بن عمرو عن أبي سلمة، عن أبي هريرة وجعفر بن ربيعة عن الأعوج عن أبي هريرة: ( فأتموا) وابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو قتادة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كلهم قالوا فأتموا )) .(1/7)
ومن أعظم أسباب الغلط في فهم كلام الله ورسوله أن ينشأ الرجل علي اصطلاح حادث، فيريد أن يفسر كلام الله بذلك الاصطلاح ويحمله على تلك اللغة التي اعتادها)). (1).
ومما تجدر الإشارة إليه أن هذه المصطلحات منها ما هو موضوع لتقريب علم من العلوم، لا يرمي واضعه من ورائه قصداً سيئاً، كتقسيم الكلام إلي (فعل ) و( اسم ) و(حرف)، وأن كلا من هذه يسمي كلمة، فمثله لا حرج فيه.
وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله: ((... وكذلك لفظ الكلمة في القرآن والحديث وسائر لغة العرب إنما يراد به الجملة التامة؛ كقوله - صلى الله عليه وسلم - : (( كلمتان حبيبتان إلي الرحمن، خفيفتان علي اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)) (2)
وقوله: (( إن أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد: ألا كل شئ ما خلا الله باطل )) (3)
ومنه قوله تعالي:{ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً}(الكهف: من الآية5).
وقوله تعالي:{ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} (آل عمران: من الآية64)..
وقوله تعالي:{ وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السفلي وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا }(التوبة: من الآية40)..
وأمثال ذلك، لا يوجد لفظ في الكلام في لغة العرب إلا بهذا المعني.
__________
(1) رسالة مسألة الأحرف التي أنزلها الله علي آدم )) ضمن (( مجموع الفتاوى)) ( 12/ 106) بتصرف يسير. وانظر (( الحقيقة الشرعية )) لمحمد عمر بازمول ( ص134) ، و(( تيسير علم أصول الفقه )) لعبد الله الجديع ( 69ـ 70).
(2) أخرجه البخاري في (( صحيحه)) ( 6043) ، ومسلم في (( صحيحه )) ( 2694)عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(3) أخرجه البخاري في (( صحيحه)) ( رقم 3628) ، ومسلم ((صحيحه)) (رقم 2256)) عن أبي هريرة رضي الله عنه.(1/8)
والنجاة اصطلحوا علي أن يسموا ( الاسم ) وحده ( والفعل ) و( الحرف) كلمة، ثم يقول بعضهم: وقد يراد بالكلمة الكلام، فيظن من اعتاد هذا أن هذا هو لغة العرب. وكذلك لفظ:
(( ذوي الأرحام)) في الكتاب والسنة يراد به الأقارب من جهة الأبوين فيدخل فيهم العصبة وذوو الفروض، وإن شمل ذاك من لا يرث بفرض ولا تعصب، ثم صار ذلك في اصطلاح الفقهاء اسماً لهؤلاء دون غيرهم، فيظن من لا يعرف إلا ذلك أن هذا هو المراد بهذا اللفظ في كلام الله ورسوله، وكلام الصحابة. ونظائر ذلك كثيرة (1).
وإن مما يترتب على هذه الاصطلاحات الحادثة استشكال بعض العقول لبعض النصوص الشرعية، كما يقول العلامة ابن القيم رحمه الله مبيناً بعض أسباب وقوع الغلط في فهم كلام الشارع: (( وينضاف إلي ذلك تنزيل كلامه على الاصطلاحات التي أحدثتها أرباب العلوم من الأصوليين، والفقهاء، وعلم أحوال القلوب وغيرهم، فإن لكل من هؤلاء اصطلاحات حادثة في مخاطبتهم وتصانيفهم، فيجئ من قدم علم تلك الاصطلاحات الحادثة، وسبقت إليه معانيها فيقع بسبب ذلك في الفهم عن الشارع ما لم يرد بكلامه، ويقع من الخلل في نظره ومناظرته ما يقع، وهذا من أعظم أسباب الغلط عليه، مع قلة البضاعة عن معرفة نصوصه.
فإذا اجتمعت هذه الأمور مع نوع فساد في التصور أو القصد أوهما ما شئت من خبط وغلط وإشكالات واحتمالات وضرب كلامه بعضه ببعض، وإثبات ما نفاه، وني ما أثبته )) (2).
وتبقى المنازعة والضنة واردة على من حمل المصطلحات الحادثة التي الغرض منها التقريب والبيان على النصوص الشرعية.
قال الإمام النووي رحمه الله في (( شرح صحيح مسلم )) (3):
(( والحديث يحمل على اللغة ما لم يكن هناك حقيقة شرعية أو عرفية، ولا يجوز حمله علي ما يطرأ للمتأخرين من الاصطلاح )).
__________
(1) مجموع الفتاوى )) ( 1/ 245ـ246).
(2) مفتاح دار السعادة ( 635ـ64),
(3) 5/63 ـ 64)(1/9)
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (( ... وتفريق الحنفية بين الفرض والواجب باعتبار ما يثاب به لا مشاحة فيه، وإنما النزاع في حمل ما ورد من الأحاديث الصحيحة على ذلك؛ لأن اللفظ لا يحمل على الاصطلاح الحادث. والله أعلم )) (1)
وقال أيضاً ـ في الجواب عمن فسر حديث: (( التكبير جزم )) (2)
بأن معناه أنه لا يسكن : (( وفيه نظر؛ لأن استعمال لفظ الجزم في مقابل الإعراب اصطلاح حادث لأهل العربية، فكيف تحمل عليه الألفاظ النبوية )) (3)
ويقول العلامة الشوكاني رحمه الله في معرض الرد علي من فرق بين النوافل وجعل بعضها مستحبة، وبعضها سنة: (( والحق يقال: إن الكل يصدق عليه اسم السنة، وإن كان بعضه آكد من بعض؛ لكونه ثابتاً بالسنة النبوية، بل السنة تشمل ما ثبت وجوبه بالسنة.
فإن قلت: هذا اصطلاح، ولا مشاحة فيه.
قلت: إذا جري اصطلاح علي ما يخالف المعني الشرعي فهو مدفوع من أصله )) (4)
وقال في موضع: (( فالواجب حمل كلام الشارع علي لسان قومه إلا أن يثبت له اصطلاح يخالفهم، ولا يجوز حمله علي المتعارف في لسان المتشرعة الحادث بعد عصره)) (5)
2ـ لا عبرة بمصطلح قصد به رد نص شرعي:
__________
(1) فتح الباري)) (3/318) .
(2) لا أصل له مرفوعاً , انظر : (( سلسلة الأحاديث الضعيفة)) (1/172 / رقم 71) , وللسيوطي فيه رسالة مستقلة في كتابه (( الحاوي للفتاوى)) (2/71) .
(3) التلخيص الحبير )) ( 2251)
(4) السبيل الجرار)) ( 1/ 326).
(5) نيل الاوطار)) (3/293ـ 294).(1/10)
هناك بعض المصطلحات وضعت لرد بعض النصوص الشرعية، وعدم اعتبارها، ومنها ما قصد به صرف النصوص عن ظواهرها، وتأويلها تأويلاً فاسداً؛ مثل بعض مصطلحات أهل الكلام ( كالعرض ) و(الجواهر) و(الجسم ) و(الجهة) و(الحيز) وغير ذلك، مما نفوا بموجبه صفات الباري سبحانه وتعالى باسم الدفاع عن العقيدة الإسلامية، والرد علي الفلاسفة(1) ؛
__________
(1) يقول العلامة المعلمي ـ رحمه الله ـ في كتابه الفذ (( التنكيل )) (2/ 237ـ238))) والمشهور.....بالاعتذار عن الخائضين من المنتسبين إلي السنة بأنهم اضطروا إلي ذلك لدفع شبهات الكفار والزنادقة والملحدين والمبتدعة الذين يخوضون في دقائق المعقول ثم يطعنون في الإسلام والسنة. قال المعتذرون:ولم يكن ذلك في عهد الصحابة والتابعين، وإنما حدث أخيراً بعد ضعف الإيمان وتشوف الناس إلي دقائق المعقول وإعجابهم بأهله، فالخوض محدث؛ لكن لحدوث داع إليه، وباعث عليه، ومقتض له. أقوال ( والقائل المعلمي ): أما من خاض وحافظ علي العقائد الإسلامية كما تعرف من المأخذين السلفيين ( يعني : النظر والشرع) وكما كان عليه السلف، فعسي أن ينفعه ذاك العذر، وإن كنا نعلم أن في حجج الحق من المأخذين السلفيين ما يغني من يؤمن )ِ{ وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} (يونس: من الآية101) .
وأما من خاض فغير وبدل فهؤلاء هم المبتدعة وأتباعهم، فهب أن منهم من يعذر في خوضه، فما عذره في تبديله؟! ولا سيما من بلغ به التغيير والتبديل إلي القول بأن النصوص الشرعية لا تصلح حجة في العقائد ! حتى = = صرح بعضهم بزعم أن الله تبارك وتعالي أقر الأمم التي بعث فيها= أنبياءه علي العقائد الباطلة وقررها في كتبه وعلي ألسنة رسله، وثبتها وأكدها وزادهم عليها أضعافها مما هو ـ في زعم هؤلاء ـ باطل !!
فهل هذا هو الذنب عن الإسلام وعقائده الذي يمتن به عليه أولئك الخائضون؟!))(1/11)
حتى قال القرطبي مدافعاً عنهم: (( وهذه الاصطلاحات وإن لم تكن موجودة في الصدر الأول؛ فقد دل عليها الكتاب والسنة، وبنوا عليها كلامهم، وقتلوا بها خصومهم...)) (1)
هكذا جزم القرطبي ـ غفر الله له ـ بأن هذه المصطلحات الحادثة التي أولوا بها كلام الله ورسوله، ونفوا بسببها كثيراً من صفات الله، ولووا بموجبها أعناق النصوص الشرعية؛ يدل الكتاب والسنة عليها، لكنه لم يكشف لنا مواطن الدلالة ووجوهها، ولم يذكر لنا من علماء السلف من استعملها في كلامه، وهو يعترف بأنها لم تكن موجودة في الصدر الأول ؟!
ومن هذا الباب أيضاً: تقسيم الكلام إلي (حقيقة ) و(مجاز) فهذان الاصطلاحان لو لم تكن فيهما: ( لا مشاحة في الاصطلاح )، ولكن بما أنهما لا يستقيم معناهما، وقد استعملا لصرف ظواهر النصوص، والرد في نحورها، كانت المشاحة فيهما واردة، واجتنابهما متعيناً.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله وهو يرد على المجازيين: (( كما يعلم بالاضطرار عند العرب أنها لم تتكلم باصطلاح النحاة التي قسمت بعض الألفاظ: فاعلاً، واللفظ الآخر مفعولاً، ولفظاً ثالثاً مصدراً، وقسمت بعض الألفاظ: معرباً، وبعضها مبنياً. لكن يعلم أن هذا اصطلاح مستقيم المعني، بخلاف من اصطلح علي لفظ ( الحقيقة ) و( المجاز) فإنه اصطلاح حادث، وليس بمستقيم المعني، إذ ليس بين هذا وهذا فرق في نفس الأمر حتى يخص هذا بلفظ، بل أي معنى خصوا به اسم الحقيقة وجد فيما سموه مجازاً، وأي معنى خصوا به اسم المجاز يوجد فيما سموه حقيقة، ولا يمكنهم أن يأتوا بما يميز بين النوعين)).
__________
(1) الجامع لأحكام القرآن ( 386/6ج).(1/12)
إلي أن قال: (( وقد ظنوا أن هذه التسمية والفرق منقول عن العرب، وغلطوا في ذلك، كما يغلط من يظن أن هذه ذكره الشافعي أو غيره من العلماء، أو تكلم به واحد من هؤلاء؛ فإن هذا غلط، يشبه أن الواحد تربي علي اصطلاح اصطلحه طائفة فيظن أن المتقدمين من أهل العلم كان هذا اصطلاحهم )) (1)
وقد أشار إلي ما في هذا الاصطلاح من مفاسد شرعية ولغوية، وأن الأولى ترك أي مصطلح حادث والتزام الألفاظ التي نزل بها القرآن وتكلم بها الجيل الأول ولو لم يكن فيه مفسده، أما إذا تضمن مفسدة فيجب تركه؛ فقال رحمه الله: ( وهذا التفريق ـ أي بين الحقيقة والمجاز) اصطلاح حادث لم يتكلم به العرب، ولا أمة من الأمم، ولا الصحابة والتابعون، ولا السلف، فالمتكلم بالألفاظ الموجودة التي تكلموا بها ونزل بها القرآن أولي من المتكلم باصطلاح حادث لو لم يكن فيه مفسدة ، وإذا كان الفرق غير معقول، وفيه مفاسد شرعية، وهو إحداث في اللغة؟! كان باطلاً عقلاً وشرعاً ولغة. أما العقل فإنه لا يتميز فيه هذا عن هذا، وأما الشرع فإن فيه مفاسد يوجب الشرع إزالتها، وأما اللغة؛ فلأن تغيير الأوضاع اللغوية غير مصلحة راجحة، بل مع وجود المفسدة ))
(2)
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله: (( إن تقسيم الألفاظ إلي حقيقة ومجاز ليس تقسيماً شرعياً ولا عقلياً ولا لغوياً، فهو اصطلاح محض، وهو اصطلاح غير منضبط ولا مطرد، بل هو متضمن للتفريق بين المتماثلين من كل وجه )) (3)
ويدخل في هذا الباب: اصطلاحات المتصوفة، وعباراتهم؛ مثل ( الفناء) و(الجميع )، (المحو) ،(والسكر)، و(الوصول)، وغير ذلك، فهي كلها عبارات مناقضة لأصول الشرع في فحواها، مغايرة للوضع اللغوي في معناها.
__________
(1) رسالة الحقيقة والمجاز)) ( ضمن مجموع الفتاوى ) (452/20،453).
(2) رسالة الحقيقة والمجاز)) ( ضمن مجموع الفتاوى ) (452/20، 453).
(3) المصدر نفسه )) ( ص 243)(1/13)
وقد نقل الحافظ الذهبي رحمه الله قول أبي سعيد الأعرابي (ت. 340هـ): (( وكذلك علم المعرفة غير محصور لا نهاية له ولا لوجوده، ولا لذوقه )). إلي أ، قال ـ ولقد أحسن في المقال ـ : ( فإذا سمعت الرجل يسأل عن الجمع أو الفناء، أو يجيب فيهما،فاعلم أنه فارغ،ليس من أهل ذلك؛ إذ أهلهما لا يسألون عنه؛ لعلمهم أنه لا يدرك بالوصف )) (1)
خطرات ووساوس، ما تفوه بعباراتهم صديق، ولا صاحب، ولا إمام من التابعين. فإن طالبتهم بدعا ويهم مقتوك، وقالوا: محجوب وإن سلمت لهم قيادك تخبط ما معك من الإيمان، وهبط بك الحال إلي الحيرة والمحال،ورمقت العباد بعين المقت، وأهل القرآن والحديث بعين البعد، وقلت: مساكين محجوبون.
فلا حول ولا قوة إلا بالله!
فإنما التصوف والتأله والسلوك والسير والمحبة ما جاء عن أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - من الرضا عن الله، ولزوم تقوى الله، والجهاد في سبيل الله، والتأدب بآداب الشريعة من التلاوة بترتيل وتدبر، والقيام بخشية وخشوع، وصوم وقت، وإفطار وقت، وبذل المعروف، وكثرة الإيثار، وتعليم العوام،والتواضع للمؤمنين، والتعزز على الكافرين، مع هذا فالله يهدي من يشاء إلي صراط مستقيم.
والعالم إذا عرف عرى من التصوف(2) والتأله، فهو فارغ، كما أن الصوفي إذا عرى من علم السنة، زل عن سواء السبيل.
وقد كان ابن الأعرابي من علماء الصوفية، فتراه لا يقبل شيئاً من اصطلاحات القوم إلا بحجة)) (3)
__________
(1) المراد نقل هذه العبارة؛ مكان تعليق الذهبي عليها، وليس لحد ذاتها؛ فإن فيها ما يستوقف الناظر.
(2) قصد الحافظ الذهبي ـ رحمه الله ـ بالتصوف هنا واضح من سياق كلامه المتقدم ، وهو التعبد علي وفق ما جاء عن الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وما عليه سلف الأمة، لا التصوف باصطلاحه الحادث الذي هو خروج عن الجادة المستقيمة،وسلوك طرق الغواية والضلالة، وخروج عن سواء السبيل. والله أعلم.
(3) سير أعلام النبلاء ( 15/410).(1/14)
وكل هذه المصطلحات دخيلة علي العقيدة الإسلامية، ومردها إلي الفلسفات اليهودية، والمسيحية، والإغريقية، والهندية (1)؛ فالمشاحة في مثلها واردة ولا بد، والدافع في صدرها قائم لا محالة. والله الهادي إلي سواء السبيل.
ولما دافع بعض أهل التصوف عن ابن عربي الحاتمي حول مقالاته التي فيها كفر صريح، وحملها علي أنها اصطلاح اصطلحه لنفسه يعتذر له فيه، رد عليه العلامة البقاعي بكتابه (( صواب الجواب)) فقال ـ مستنكراً كلامه بشدة ـ (( وهل قال أحد من أتباع الأئمة الأربعة الذين هم حملة الشريعة وعليهم مدار الدين، أن من نطق بكلمة الردة، لا يحكم بكفره حتى يسأل هل له اصطلاح في ذلك زائد علي لغته أم لا ؟ وهل لأحد أن يصطلح على كلمات الدين التي لا أشرف منها كالتوحيد فيضعفها بإزاء معان، أو على الكلمات التي معناها الكفر الذي هو أقبح الأشياء فيضعها لمعان غيره، ثم يصير ينطق بتلك الألفاظ علي ذلك الاصطلاح، وإن ظهر لأهل الشرع أنها كفر بحسب لغتهم التي يتكلمون بها ويتعارفونها، أو يقصد كلمات فيها نقص كالإنسان، والعالم ـ بالفتح ـ فيضعه لله سبحانه وتعالي عما يقول الظالمون علواً كبيراً، حتى يقول : إنه الإنسان الكبير، وإنه العالم ....)) (2) إلي أخر كلامه الذي يحتوي استنكاراً شديداً لذلك الصوفي المدافع.
يقول العلامة ابن القيم رحمه الله وهو يرد على القائلين بأن الزيادة على القرآن نسخ: (( .... إن تسميتكم للزيادة المذكورة نسخاً لا توجب رفع أحكام النصوص، فأين سمي الله ورسوله ذلك نسخاًُ؟! ، وأين قال الله : إذا قال رسولي قولاً زائداً على القرآن فلا تقبلوه ولا تعملوا به وردوه ؟ كيف يسوغ رد سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقواعد قعدتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان ؟ )).
__________
(1) انظر: المؤامرة علي الإسلام لأنوار الجندي (ص48).
(2) صواب الجواب )) ( ل:2/أب).(1/15)
فمثل هذا الاصطلاح مدفوع من أساسه، فلا يجوز إبقاؤه، أو تسويغه بقاعدة ( لا مشاحة في الاصطلاح )، فضلاً عن الجريان عليه؛ إذ هو اصطلاح تضمن مفسدة، وكل اصطلاح هذه حاله فحكمة المنع:
يقول ابن القيم رحمه الله: (( والاصطلاحات لا مشاحة فيها إذا لم تتضمن مفسدة)) (1)
3- لا يجوز استعمال مصطلحات تتضمن الإخلال بالأدب مع الله تعالى أو مع أحد من أنبيائه ورسله صلوات الله عليهم أجمعين:
بعض المصطلحات تتضمن إساءة الأدب مع الله تعالى، أو مع رسله وأنبيائه أو مع الصالحين من الصحابة وغيرهم، فمثلها يجب على المسلم تجنبه، وقد أشار إلي ذلك فضيلة الشيخ د.بكر عبد الله أبو زيد عند الحديث عن مصطلح ( تع ) المختصر من لفظ ( تعالى )، فقال: (( اصطلح عليه بعض النساخ المتأخرون رغبة في الاختصار، وهو منتشر لدي طابعى بعض كتب أهل الإسلام من تصرفات الكفرة المستشرقين، وهو اصطلاح فاسد، بل بعض هذه المصطلحات في جانب التمجيد والتقديس لله سبحانه وتعالى، وفي جانب الصلاة والسلام علي أنبياء الله ورسله ، في جانب الترحم والترضى على السلف، جميعها مصطلحات فاسدة ليس من الأدب استعمالها، ولما في بعضها من معني قبيح لا يجوز، وإن كان غير مراد ، فليجتنب، وعلي المسلم احتساب ذكر الألفاظ المباركة خطاً ونطقاً؛ لما في ذلك من الأجر والثواب العريض.
( رض) مختصر: ( رضى الله عنه ) .
( رح ) مختصر: ( رحمه الله ).
(صلعم ) مختصر: ( صلى الله عليه وسلم) .....
نعم المصطلحات المختصرة التي لا محذور فيها، لا مشاحة فيها، وقد جرى عليها أهل العلم من المحدثين وغيرهم، وكل منهم يكشف عن اصطلاحه في مقدمة كتابه، ولعلماء مصطلح الحديث فضل التنبيه عليها في كتب مصطلح الحديث، بعنوان: ( معرفة الرموز) )) (2)
4ـ ضرورة بيان ما في بعض الاصطلاحات من إيهام وتلبيس:
__________
(1) مدارج السالكين ( 3/ 306).
(2) معجم المناهي اللفظية ( ص203ـ 204).(1/16)
دأب أهل الكتاب على وضع معان بإزاء بعض الألفاظ الشرعية، ثم يحملون كلام الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - عليها، ويصرفون بذلك صفات الله سبحانه وتعالي عن حقيقتها إلي معان أخري ليست بمراد الله ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله: (( والمقصود هنا أن كثيراً من كلام الله ورسوله يتكلم به من يسلك مسلكهم، ويريد مرادهم لا مراد الله ورسوله ، كما يوجد في كلام صاحب ( الكتب المضنون بها) (1) وغيره، مثل ما ذكره في اللوح المحفوظ حيث جعله النفس الفلكية، ولفظ القلم حيث جعله العقل الأول، ولفظ الملكوت، والجبروت، والملك، حيث جعل ذلك عبارة عن النفس والعقل، ولفظ الشفاعة حيث جعل ذلك فيضاً يفيض من الشفيع علي المستشفع، وإن كان الشفيع قد لا يدري، وسلك في هذه الأمور ونحوها مسالك ابن سينا...
والمقصود هنا ذكر من يقع ذلك منه من غير تدبر منه للغة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، كلفظ ( القديم )، فإنه في لغة الرسول التي جاءت بها القرآن خلاف ( الحديث) وإن كان مسبوقاً بغيره كقوله تعالي: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} (يّس:39) .
وقال تعالي عن اخوة يوسف: {قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ}(يوسف:95) .
وقوله تعالي: { قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ} (الشعراء: 75ـ76).
وهو عند أهل الكلام عبارة عما لم يزل أو عما لم يسبقه وجود غيره إن لم يكن مسبوقاً بعدم نفسه، ويجعلونه ـ إذا أريد به هذا ـ من باب المجاز، ولفظ (( المحدث)) في لغة القرآن يقابل (( القديم)) في القرآن(2).
__________
(1) ينسب إلي أبي حامد الغزالي رحمه الله.
(2) مجموع الفتاوى ( 1/ 245ـ 246).(1/17)
ونظير ذلك تسمية أهل الكلام كلامهم وسفطائياتهم بـ ( أصول الدين )، مثل المسائل والدلائل الفاسدة؛ والقدر، واستدلالهم علي حدوث العالم بحدوث الأعراض، وغير ذلك من اصطلاحاتهم وألفاظهم، وهى ليست من ( أصول الدين ) في شئ كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله حيث يقول: (( فهذه داخلة فيما سماه هؤلاء (( أصول الدين )) ولكن ليست في الحقيقة من الدين الذي شرعه الله لعباده، وأما الدين الذي قال الله فيه:{ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (الشورى: من الآية21).فذاك له أصول وفروع بحسبه.
وإذا عرف أن مسمي ( أصول الدين ) في عرف الناطقين بهذا الاسم فيه إجمال وإبهام؛ لما فيه من الاشتراك بحسب الأوضاع والاصطلاحات، تبين أن الذي هو عند الله ورسوله وعباده المؤمنين أصول الدين فيه موروث عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، له لا يجوز أن تكون منقولة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ إذ هو باطل ، وملزوم الباطل باطل، كما أن لازم الحق حق )) (1)
ونظير هذا لفظ (العقل)(1) ، فقد وقع فيه التدليس والتشويه ، فهناك العقل الفطري الصريح الذي لا التباس فيه ، وهو الذي كان حاصلاً للأمم التي بعث الله تعالى فيها رسله وأنزل فيها كتبه ، وهو الذي كان حاصلاُ للصحابة ومن بعدهم من السلق ، فهذا هو الذي يسوغ أن يقال : إن ما أثبته قطعاُ فهو الحق ، وما عارضه فهو باطل، والنصوص الشرعية لا تتعارض معه قطعاً ، وهناك ما سمي بالعقل وإنما هو نظير متعمق فيه، مبني علي تدقيق وتخرص ومقاييس يلتبس فيها الأمر في الإلهيات ويشتبه، ويكثر الخطأ واللغط، ويطول النزاع والمناقصة والمعارضة وهو ( العقل الفلسفي الكلامي )، فمن ناقض شرع الله ورسوله بدعوى مناقضة مثل هذا العقل الموهوم؛ فقد ضل عن الصراط المستقيم، وتنكب سواء السبيل.
__________
(1) الفتاوى الكبرى ( 1/ 451).(1/18)
وقد أوضح العلامة المعلمي ـ رحمه الله ـ ما في هذا (العقل الفلسفي ) من تخبطات بدعوى وتخر صات وتناقضات، وأتى بما يدل علي أن حقيقته الجهل والسفه، لا المعرفة والعقل(1).
واليوم نجد كثيراً من الذين ينتسبون إلي ( العقل ) يناقضون أحكام الشرع بدعوى مخالفتهم ( لعقولهم ) وينبذون النصوص وراء ظهورهم بموجبها، فيوهمون العوام أن العقل لا يتمشى مع المسلمات الشرعية، فهي بحاجة ـ بزعمهم ـ إلي إعادة النظر فيها ودراستها على ضوء معطيات العصرـ نسأل الله أن يهدينا وإياهم إلي الصراط المستقيم.
5- لا يجوز التزام المصطلحات المنطقية في بيان القضايا الشرعية:
لا ينبغي لمن أراد شرح الدين وبيان أصوله ومباحثه أن يلجأ إلي عبارات أهل المنطق والفلسفة، ويمتطي صهوة تعبيراهم؛ لما في ذلك من خطورة على النصوص الشرعية، والمسائل العقدية، ولما يترتب على ذلك من الإبهام والغموض لكثير من المسائل؛ وذلك لسبب غموض ألفاظ أهل المنطق وتعقيداتها، فالشريعة ليست بحاجة إلي علم اليونان لشرحها وبيانها، بل هي أوضح من أن تكون محتاجة إلي تلك المصطلحات الغامضة، والقواعد الشائكة، فلو كان فهم الشريعة منوطاً بفهم ألغاز أهل اليونان لكان ذلك منافياً لروح التيسير ورفع الحرج الذي امتازت به هذه الشريعة عن غيرها.
وقديماً أفتي الحافظ أبو عمرو بن الصلاح ـ رحمه الله ـ بمنع استعمال الاصطلاحات المنطقية في مباحث الأحكام الشرعية وعد ذلك من المنكرات المستبشعة، فقال فيما قال: (( وأما استعمال الاصطلاحات المنطقية في مباحث الأحكام الشرعية فمن المنكرات المستبشعة، والرقاعات المستحدثة، وليس بالأحكام الشرعية والحمد لله ( افتقار) (2).
__________
(1) انظر (( التنكيل )) ( 2/210، وما بعدها )، وانظر أيضاً (المصدر نفسه ) (2/346).
(2) ما في المعقوفين وقع في الأصل المطبوع علي غير صواب.(1/19)
إلي المنطق أصلاً، وما يزعمه المنطقي للمنطق من أمر الحد والبرهان فقعاقع (1).
قد أغنى الله عنها بالطريق الأقوام والسبيل الأسلم الأطهر، كل صحيح الذهن، لا سيما من خدم نظريات العلوم الشرعية، ولقد تمت الشريعة وعلومها وخاض في بحار الحقائق والدقائق علماؤها، حيث لا منطق ولا فلسفة، ولا فلاسفة، ومن زعم أنه يشتغل مع نفسه بالمنطق والفلسفة لفائدة بزعمها فقد خدعه الشيطان ومكر به ... (2).
وهذا الإمام الشاطبي ـ رحمه الله ـ لما تحدث عن مقدمتي الدليل: الأولي تحقق المناط، والأخرى تحكم عليه ـ قال مستدركاً ـ (( واعلم أن المراد بالمقدمتين ها هنا ليس ما رسمه أهل المنطق على وفق الأشكال المعروفة، لا على اعتبار التناقض والعكس، غير ذلك وإن جرى الأمر على وفقها في الحقيقة؛ فلا يستتب جريانه على ذلك الاصطلاح؛ لأن المراد تقريب الطريق الموصل إلي المطلوب على أقرب ما يكون، وعلى وفق ما جاء في الشريعة، وأقرب الأشكال إلي هذا التقرير ما كان بديهياً في الإنتاج أو ما أشبهه من اقتراني أو استثنائي؛ إلا أن المتحرى فيه إجراؤه على عادة العرب في مخاطباتها ومعهود كلامها، إذ هو أقرب إلي حصول المطلوب على أقرب ما يكون، ولأن التزام الاصطلاحات المنطقية والطرائق المستعملة فيها مبعد عن الوصول إلي المطلوب في الأكثر؛ لأن الشريعة لم توضح إلا على شرط الأمية، ومراعاة علم المنطق في القضايا مناف لذلك؛ فإطلاق لفظ المقدمتين لا يستلزم ذلك الاصطلاح)) (3).
6- لا يفسر كلام سلف الأمة أو يحكامون وفق اصطلاحات حادثة:
__________
(1) القعاقع: تتابع أصوات الرعد.
(2) فتاوى ومسائل ابن الصلاح)) (1/ 211).
(3) رسالة الفرقان بين الحق والباطل ( ضمن مجموع الفتاوي 13/29ـ30)، وانظر (( رسالة الإكليل في المتشابه والتأويل )) ( ضمن المجموع نفسه 13/272ـ 273)، و(( الاستقامة )) (1/23).(1/20)
درج بعض المتأخرين على بعض المصطلحات التي لم تكن معروفة لدي السلف؛ سواء وضعت تلك المصطلحات لتقريب العلوم وتيسيرها، كما هو الشأن في كثير من مصطلحات الفقه وأصوله أو الحديث وأصوله، أو جاءت نتيجة اختلاط العلوم الإسلامية بالنتاج الإغريقي من منطق وفلسفة، وأياً كان الأمر فلا يجوز لأحد أن ينزل عليها كلام السلف أو يفسر معاني عباراتهم علي وفقها، أو يحاججهم بموجبها؛ وهذا أمر بدهى؛ إذ لم تكن موجودة في عصرهم، ولا يعنونها أصلاً بكلامهم، فمن نازعهم بسببها وحاكمهم بمقتضاها وألزمهم بها؛ فهو منازع فيما ذهب إليه، مردود كلامه عليه.
ومن أمثلة ذلك لفظ ( النسخ)؛ فالمتعارف عليه عند الأصوليين أن النسخ هو: ( رفع الحكم الشرعي بخطاب متراخ عنه) (1).
لكنه في عرف السلف أعم من ذلك فهو يشمل التخصص، والتقليد، وتبيين المجمل، ورفع الحكم بجملته.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه ـ رحمه الله ـ: (( ولم يكن السلف يقبلون معارضة الآية إلا بآية أخري تفسرها وتنسخها؛ أو بسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - تبين القرآن وتدل عليه وتعبر عنه، وكانوا يسمون ما عارض الآية ناسخاً لها؛ فالنسخ عندهم اسم عام لكل ما يرفع دلالة الآية علي معني باطل، وإن كان ذلك المعني لم يرد بها، وإن كان لا يدل عليه ظاهر الآية؛ بل قد لايفهم منها وقد فهمه منها قوم فيسمون ما رفع ذلك الإبهام نسخاً، وهذه التسمية لا تؤخذ عن كل واحد منهم(2).
ولما نقل العلامة ابن القيم رحمه الله قول حذيفة رضي الله عنه: (( إنما يفتي الناس أحد ثلاثة: من يعلم ما نسخ من القرآن، أو أمير لا يجد بداً، أو أحمق متكلف )).
__________
(1) الموافقات )) (5/ 418).
(2) رسالة الفرقان بين الحق والباطل )) ( ضمن مجموع الفتاوى 13/29ـ 30)، وانظر (( رسالة الإكليل في المتشابه والتأويل )) ( ضمن المجموع نفسه 13/ 272ـ 273)، و(( الاستقامة)) ( 1/23).(1/21)
علق عليه بقوله: (( مراده ومراد عامة السلف بالناسخ والمنسوخ رفع الحكم بجملته بارة، وهو اصطلاح المتأخرين، ورفع دلالة العام والمطلق والظاهر وغيرها تارة؛ إما بتخصيص، أو تقييد، أوحمل مطلق على مقيد وتفسيره وتبيينه، حتى إنهم يسمون الاستثناء والشرط والصفة نسخاً؛ لتضمن ذلك رفع دلالة الظاهر وبيان المراد.
فالنسخ عندهم وفي لسانهم هو بيان المراد بغير ذلك لفظ، بل بأمر خارج عنه.
ومن تأمل كلامهم؛ أي من ذلك فيه ما لا يحصي، وزال عنه به إشكالات أوجبها حمل كلامهم على الاصطلاح الحادث المتأخر)) (1).
وقال ابن العربي المالكي: (( إن علماء المتقدمين من الفقهاء والمفسدين كانوا يسمون التخصيص نسخاًً؛ لأنه رفع لبعض ما يتناوله العموم، ومسامحة، وجرى ذلك في ألسنتهم، حتى أشكل على من بعدهم، وهذا يظهر عند من ارتاض بكلام المتقدمين كثيراً)) (2).
وقوله: ((ومسامحة)) ليس من التوجيه بالمحل اللائق؛ إذ لم يكن لفظ النسخ عندهم مقتصراً علي ما هو عند المتأخرين فقط؛ حتى يقال تسمحوا في الخروج عن الوضع العرفي، علي ما تفيده عبارة ابن العربي هذه. والله أعلم.
وقد تعقب بعض المتأخرين بعض السلف على هذا الإطلاق وردوا عليهم بمقتضى اصطلاح المتأخرين، وخطؤهم بموجبه، من ذلك:
قال ابن منبه في قوله تعالى: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ } (الشورى: من الآية5) نسختها الآية التي في غافر: {يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} (غافر: من الآية7). (3).
وهذا معناه أن آية غافر مبينة لآية الشورى؛ ولا يقصد به النسخ بمفهومه عند المتأخرين.
__________
(1) إعلام الموقعين )) (1/28ـ29).
(2) أحكام القرآن )) ( 1/205).
(3) أخرجه النحاس في (( الناسخ والمنسوخ))( ص 235).(1/22)
لكن تعقبة ابن النحاس: (( هذا لا يقع فيه ناسخ ولا منسوخ؛ لأنه خبر من الله، لكن يجوز أن يكون وهب بن منبه أراد أن هذه الآية علي نسخة تلك الآية، لا فرق بينهما (1). وكذا يجب أن يتأول للعلماء، ولا يتأول عليهم الخطأ العظيم، إذا كان لما قالوه وجه)) (2).
وهذا الذي قاله ابن النحاس غير متعين، وإنما لاحظه بمقتضى المصطلح المتأخر، ولم يرده ابن منبه أصلاً، بل جرى كلامه مجرى العرف في عصره؛ من إطلاق النسخ على ما هو من هذا القبيل، فكلامه يتخرج عليه، ولا يحتاج إلى ما تكلفه ابن النحاس رحمه الله من تأويل. والله أعلم.
كما تعقب ابن منبه على ذلك: المحاسبي، وعلي بن أبي طالب، وغيرهم(3).
وقال مكي: (( وقد ذكر عن ابن عباس في أشياء كثيرة في القرآن فيها حروف الاستثناء؛ أنه قال: منسوخ)).
قال: (( وهو مجاز لا حقيقة؛ لأن الاستثناء مرتبط بالمستثني منه، يليه حرف الاستثناء الذي يلزمه؛ فبين أنه في بعض الأحيان الذين عمهم اللفظ الأول. والناسخ منفصل من المنسوخ رافع لحكمه، وهو بغير حرف)) (4).
وهذا أيضاً فيه محاكمة صحابي جليل على وفق العرف الحادث عند المتأخرين، لا وجود له في عهد ابن عباس رضي الله عنه، فيقال: إنه تكلم بمجاز تاركاً الحقيقة، ولا ريب أن هذا لا يمكن بحال أن يسمى مجازاً حتى عند القائلين به؛ إذ ما ادعى فيه أنه الأصل وهو ( النسخ في عرف المتأخرين) لم يولد بعد، فكيف يكون الموجود قبله مجازاً، ويكون هو حقيقة.
__________
(1) يعني أنهما بمعني واحد، وإحداهما تبين الأخرى ـ قاله الشاطبي. (( انظر الموافقات))( 3/356).
(2) الناسخ والمنسوخ)) ( ص 253).
(3) انظر:((م القرآن )) (ص 474ـ475) للمحاسبي، و(( الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه)) ( ص 399) لعلي بن أبي طالب.
(4) الإيضاح ( ص 373ـ 374).(1/23)
ومن ذلك: أن أبا بكر الجصاص الرازي رحمه الله نقل في تفسيره عن بعض السلف قولهم بأن قوله تعالي: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ}(لبقرة: من الآية284).
منسوخ بقوله تعالي:{ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} (البقرة: من الآية286).
فتعقب القائلين بالنسخ بقوله: (( لا يجوز أن تكون منسوخة؛ لمعنيين: أحدهما: أن الأخبار لا يجوز فيها النسخ؛ لأن نسخ مخبرها يدل على البداء، والله تعالي عالم بالعواقب غير جائز عليه البداء.
والثاني: أنه لا يجوز تكليف النفس ما ليس في وسعها؛ لأنه سفه وعبث، والله تعالي يتعالى عن فعل العبث، وإنما قول من روى عنه أنها منسوخة فإنه غلط من الراوي في اللفظ، وإنما أراد بيان معناها وإزالة التوهم عن صرفه إلي غير وجهه)) (1).
وهكذا غلط من روى عن الأئمة قولهم بالنسخ، بأنه غلط في حكاية لفظ( النسخ)؛ لأنه حمل معناه عندهم على ما هو عند المتأخرين؛ فكان هو الغالط. والله أعلم.
ومن ذلك لفظ( الكراهة) فإنه في كلام الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وكلام أئمة السلف يطلق علي المحرم. لكنه في اصطلاح المتأخرين من الفقهاء والأصوليين يطلق على ( ما يمدح تاركه ولا يذم فاعله) فغلط من غلط في ذلك بسبب عدم التفريق بين المصطلح القديم والمصطلح الحادث، فحمل كل ما ورد في كلام الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وما جاء عن السلف من لفظ الكراهة على الاصطلاح الحادث، فوقع بسبب ذلك إشكال كبير.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه ـ رحمه الله ـ ))والكراهية في كلام السلف كثيراً، وغالباً يراد بها التحريم )) (2).
__________
(1) انظر:(( أحكام القرآن)) ( 2/276).
(2) مجموع الفتاوى )) ( 32/ 241).(1/24)
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ: (( وقد غلط كثير من المتأخرين من أتباع الأئمة على أئمتهم بسبب ذلك؛ حيث تورع الأئمة عن إطلاق لفظ التحريم، وأطلقوا لفظ الكراهة وخفت مؤنته عليهم فحمله بعضهم على التنزيه، وتجاوز آخرون إلي كراهة ترك الأولى، وهذا كثير في تصرفاتهم فحصل بسببه غلط عظيم على الشريعة وعلى الأئمة )) (1).
ثم ساق نصوص السلف في ذلك ثم قال: (( فالسلف كانوا يستعملون الكراهة في معناها الذي استعملت فيه في كلام الله ورسوله، لكن المتأخرون اصطلحوا على تخصيص الكراهة بما ليس بمحرم، وتركه أرجح من فعله، ثم حمل من حمل منهم كلام الأئمة على الاصطلاح الحادث فغلط في ذلك )) (2).
وقال ابن بدران ـ رحمه الله ـ: (( ومراده بذلك ما وقع في كلام الأئمة من أن هذا مكروه، لا بالنظر إلي ما اصطلحوا عليه من بعدهم من التقسيمات التي يذكرونها في كتب الأصول والفروع، فإن هذا الاصطلاح حادث لا ينزل عليه كلام الأئمة )) (3).
ومن أمثلة محاكمة المتقدمين بمقتضى اصطلاح المتأخرين ما فعله أبو بكر الجصاص مع الإمام الشافعي رحمه الله تعالى؛ فقد عرف الشافعي البيان في كتابه (( الرسالة)) (4). بقوله: (( والبيان اسم جامع لمعاني مجتمعة الأصول متشعبة الفروع، فأقل ما في تلك المعاني المجتمعة المتشعبة أنها بيان لمن خوطب بها ممن نزل القرآن بلسانه، متقاربة الاستواء عنده وإن كان بعضها أشد تأكيد بيان من بعض، ومختلفة عند من يجهل لسان العرب)) .
__________
(1) إعلام الموقعين )) ( 1/ 32).
(2) المصدر نفسه)) ( 1/34)، وانظر كلامه عن لفظ ( لا ينبغي ) في الموضع نفسه.
(3) المدخل )) ( 129).
(4) ص 21، 27),.(1/25)
ثم ذكر أمثلة لذلك فقال: (( وقال تعالي: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً } (لأعراف: من الآية142). فكان بينا عند من خوطب بهذه الآية أن ثلاثين وعشراً أربعون ليله. وقوله: { أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} يحمل ما احتمل الآية قبلها: من أن يكون إذا جمعت ثلاثون إلي عشر كانت أربعين، وأن تكون زيادة في التبيين(1)
فاعترض عليه الجصاص رحمه الله بأنه لم يبين ماهية البيان، فالذي وصف به البيان هو بالإلباس أشبه منه بالبيان، وأن ما ذكره لا يجوز أن يكون تحديداً للبيان، ولا وصفاً له بوجه؛ لأنه يشركه فيه ما ليس ببيان ولا من جنسه؛ إذ أكثر الأشياء شاركته في أنها مجتمعة الأصول متشعبة الفروع(2) .
ثم قال عن كلام الشافعي في الآية: (( هذا لا يسميه أحد بياناً في شرع ولا لغة، لأن البيان هو إظهار المعني وإيضاحه منفصلاً مما يلتبس به، وليس في ذلك (( الأربعين )) بعد تقديم ذكر (( الثلاثين فالعشر)) إظهار شئ وإيضاح لما أشكل بالكلام الأول، وإنما سمي ذلك توكيداً وتقريباً)) (3)
وذكر أن الشافعي جعل قوله تعالي: {فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً}(لأعراف: من الآية142).
وقوله: {عشرة كاملة } بياناً وليس فيه إخراج الشيء من حيز الإشكال إلي التجلي (4).
وهذا واضح في أن الجصاص الرازي رحمه الله يناقش الإمام الشافعي ـ إمام الأصوليين ـ بمقتضى تعريف المتأخرين من الأصوليين (( للبيان ))؛ لأنهم عرفوه بأنه: ( إخراج الشيء من حيز الإشكال إلي حيز التجلي).
__________
(1) الرسالة )) ( ص27).
(2) انظر: (( الفصول )) للجصاص الرازي ( 2/10ـ 12).
(3) انظر: (( الفصول )) ( 2/13).
(4) انظر: (( الفصول )) ( 2/18).(1/26)
وهذا الاصطلاح الحادث بعد الإمام الشافعي رحمه الله لا يلزمه؛ إذ من البديهي جداً أنه لم يقصد بوضعه ( الرسالة ) الجري على عرف المتأخرين في اصطلاحاتهم، بل لم توجد هذه الاصطلاحات في عصره.
ثم إنه من حيث اللغة لا يمكن دفع ما قاله الإمام الشافعي، رحمه الله، فإنه يقال لمن غيره على شئ بينه له، فكل ما يدل على شئ فهو بيان له، لذلك لما كان القرآن دالا للناس على طريقة الهداية والنجاة سماه الله بياناً، فقال تعالي:{ هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ} (آل عمران: من الآية138).
فإذا كان القرآن كله بياناً؛ فمن أين جاء خطأ الإمام الشافعي في إطلاقه ( البيان) على هذا النوع من السياق القرآني .
ولهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيميه ـ رحمه الله ـ: (( والمقصود ببيان الكلام حصول البيان لقلب المستمع حتى يتبين له الشيء ويستبين، كما قال تعالى: { هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ}.
وهذا هو البيان الذي قصده الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ.
7- لا يصطلح مصطلح مغاير لما درج عليه أصحاب الفن:
لا بأس بـ(الاصطلاحات) التي توضع لتقريب فن من الفنون، وضبط قواعده ومباحثه، وليس لحمل نصوص الشرع من الكتاب والسنة وأقوال السلف عليها، كما رمز.لكن يجب علي المتكلم في ذلك الفن أن يتقيد بتلك الألفاظ المتعارف عليها، ولا يصطلح لنفسه مصطلحاً آخر مغايراً لما تعارف عليه أصحاب الفن، أو يستعمله في غير ما وضع له؛ لما في ذلك من إبهام وإيهام للقراء.
يقول العلامة الشيخ طاهر الجزائري ـ رحمه الله ـ: (( هذا، وقد ذكر المحققون أنه ينبغي لمن تكلم في فن من الفنون أن يورد الألفاظ المتعارفة فيه مستعملاً لها في معانيها المعروفة عند أربابه، ومخالف ذلك إما جاهل بمقتضى المقام، أو قاصد للإبهام والإيهام، مثال ذلك ... أن يقول قائل عن حديث ضعيف: أنه حديث حسن، فإذا اعترض عليه قال: وصفته بالحسن باعتبار المعنى اللغوي؛ لاشتمال هذا الحديث علي حكمة بالغة.(1/27)
وأما قولهم: (( لامشاحة في الاصطلاح )) فهو من قبيل تمحل العذر، وقائل ذلك عاذل في صورة عاذر)) (1).
وهناك تنبيهان لا بد منهما:
الأول: لا يكره مخاطبة أهل الاصطلاح باصطلاحهم عند الحاجة:
قال شيخ الإسلام ابن تيميه ـ رحمه الله ـ: (( وأما مخاطبة أهل الاصطلاح باصطلاحهم ولغتهم فليس بمكروه؛ إذا احتيج إلي ذلك، وكانت المعاني صحيحة، كمخاطبة العجم من الروم والفرس والترك بلغتهم وعرفهم، فإن هذا جائز حسن للحاجة، وإنما كرهه الأئمة إذا لم يحتج إليه..
فالسلف والأئمة لم يكرهوا الكلام لمجرد ما فيه من الاصطلاحات المولدة؛ كلفظ ( الجوهر) و(العرض) و( الجسم) وغير ذلك، بل لأن المعاني التي يعبرون عنها بهذه العبارات فيها من الباطل المذموم في الأدلة والأحكام ما يجب النهي عنه؛ لاشتمال هذه الألفاظ علي معان مجملة في النفي والإثبات)) (2). فإذا كان المصطلح من حيث المعني صحيحاً فلا مانع من مخاطبة أصحابه به عند مناقشتهم ومحاورتهم، وأما إن كان يتضمن معني فاسداً فالأولي تركه وتجنبه، ولذا ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن من منهجه في أثناء الرد علي المخالفين ألا يعدل عن مصطلحات القرآن الكريم والسنة النبوية؛ بل يحرص على استعمالها، ويتقيد بها؛ لأن اتباع الكتاب والسنة هو مبتغاه ومتحراه.
فهو قد عدل عن لفظ ( التأويل ) إلي لفظ ( التحريف)؛ لأن الأخير هو القرآن، ونقاه الله سبحانه وتعالي عن نفسه بنص كتابه.
أما ( التشبيه ) فهو فيه إجمال وإبهام؛ إذ ما من شيئين إلا وبينهما قدر مشترك، وقدر فارق؛ والقدر المشترك إنما هو في الذهن، وليس فيما خرج عن الذهن سوي أعيان متباينة، وعند الإضافة لا يحصل الاشتراك.
__________
(1) توجيه النظر)) ( 1/78).
(2) الفتاوى الكبرى)) ( 1/ 128).(1/28)
وهما متفقان في أمر الأمور، ولو في الوجود نفسه(1) .
الثاني: لا يجب علي الناس التزام نوع معين من الاصطلاحات في المعاملات: الأصل في ألفاظ المعاملات من العقود والنكاح وغير ذلك الجري علي العرف المتعارف بين قوم معينين؛ فكل ما دل علي التراضي والقبول والإيجاب فيجوز أن يتعامل به أولئك القوم، فلا ينبغي إلزامهم باصطلاحات معينة في هذا الباب، (( فالكل ما عده الناس بيعاً وإجارة فهو بيع وإجارة، وإن اختلف اصطلاح الناس في الألفاظ والأفعال، انعقد العقد عند كل قوم بما يفهمونه بينهم، من الصيغ والأفعال، وليس لذلك حد مستمر، لا في الشرع، ولا في لغة، بل يتنوع بتنوع اصطلاح الناس، كما تتنوع لغاتهم؛ فإن لفظ البيع والإجارة في لغة العرب، ليس هو اللفظ الذي في لغة الفرس، أو الروم، أو الترك، أو البربر، أو الحبشة، بل قد تختلف أنواع اللغة الواحدة، ولا يجب علي الناس التزام نوع معين من الاصطلاحات في المعاملات، ولا يحرم عليهم التعاقد بغير ما يتعاقد به غيرهم؛ إذا كان ما تعاقدوا به دالاً على مقصودهم، وإن كان قد يستحب بعض الصفات)) (2) هذا وصلي الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
... ... ...
ثبت المصادر والمراجع
- أبجد العلوم: لصديق حسن خان، ط/1978هـ ، بيروت.
- أحكام القرآن: لأبي بكر الجصاص، ط2/1405هـ، دار إحياء التراث العربي ـ ببيروت.
- أحكام القرآن: لابن العربي، ط/ البجاوى، نشر دار المعرفة.
- الاستقامة: لشيخ الإسلام ابن تيميه،ط2/1409هـ ، توزيع مكتبة السنة ـ القاهرة.
__________
(1) انظر: (( منهاج السنة)) ( 2/ 526)، و((درء تعارض العقل والنقل )) (5/183)، والسياق للدكتور عبد القادر عطا صوفي في رسالته: (( الأصول التي بني عليها المبتدعة مذهبهم في الصفات)) ( 1/181).
(2) انظر: (( القواعد النورانية)) ( ضمن مجموع الفتاوى 29/7).(1/29)
- الأصول التي بني عليها المبتدعة مذهبهم في الصفات: للدكتور عبد القادر عطا صوفي،ط1/1418هـ ، مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة المنورة.
- إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين: للبكري بن محمد الدمياطي، ط/دار الفكرـ بيروت.
- إعلام الموقعين عن رب العالمين: لابن القيم، ط2/1414هـ ، دار الكتب العلميةـ بيروت.
- الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف: للمراداوى، ط/ دار إحياء التراث العربي، بيروت.
- الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه: لمكي بن أبي طالب، ط1/1406هـ ، دار المنارة،جدة.
- تاج العروس: للسيد محمد مرتضي الزبيري، ط/ دار إحياء التراث العربي، بيروت.
- التخليص الحبير: للحافظ ابن حجر،ط/ عبد الله هاشم المدني (1384هـ). دار المعارف ـ الرياض.
- توجيه النظر إلي أصول الأثر: للشيخ طاهر الجزائري، ط1/1416هـ ، الناشر مكتب المطبوعات الإسلامية ـ حلب.
- تيسير علم أصول الفقه: لعبد الله يوسف الجديع، ط1/1418هـ ، توزيع مؤسسة الريان ـ بيروت.
- الجامع الصحيح: للإمام البخاري، ط3/1407هـ ، دار ابن كثير ـ بيروت.
- الجامع الصحيح: للإمام مسلم، ط/ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
- الجامع لأحكام القرآن: للقرطبي، ط2/1373هـ ، دار الشعب.
- جواهر العقود ومعين القضاة والموقعين والشهود: لشمس الدين محمد أحمد المنهاجي، ط/ دار الكتب العلمية.
- حاشية البجيرمي: الناشر: المكتبة الإسلامية ـ دار بكر ـ تركيا.
- حاشية الطحاوي على مراقي الفلاح: ط3/ مكتبة البابي الحلبي ـ مصر.
- حاشية رد المحتار على در المختار: لابن عابدين، ط2/ 1386هـ ، دار الفكرـ بيروت.
- الحاوي للفتاوى: لأبي بكر السيوطي، ط/1402هـ ، دار الكتب العلمية ، بيروت.
- الحقيقة الشرعية في تفسير القرآن الكريم والسنة النبوية: للشيخ محمد عمر باز مول، ط1/ 1415هـ ، دار الهجرة ـ الرياض.
- حواشي الشراواني: ط/ دار الفكر الإسلامي ـ بيروت.(1/30)
- درء تعارض العقل والنقل: لشيخ الإسلام ابن تيميه، ط1/ 1399هـ ، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ـ الرياض.
- الرسالة: للإمام الشافعي، ط/1358هـ ، القاهرة.
- الروح: لابن قيم الجوزية، ط/ 1399هـ ، دار الكتب العلمية ـ بيروت.
- روضة الناظر وجنة المناظر: لابن قدامه، ط2/1399هـ ، الرياض.
- سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة: لمحمد ناصر الدين الألباني، ط1/1412هـ ، مكتبة المعارف ـ الرياض.
- السنن: لأبي داود، ط، محمد محيي الدين، دار الفكرـ بيروت.
- سير أعلام النبلاء: للحافظ الذهبي، ط7/ 1410هـ ، مؤسسة الرسالة ـ بيروت.
- السيل الجرار: للشوكاني، ط1/1405هـ ، دار الكتب العلميةـ بيروت.
- الشرح الكبير: لسيدي أحمد الدر دير، ط/ دار الكتب ـ بيروت.
- شرح الكوكب المنير: لابن النجار الفتوحي، ط/ مركز البحث العلمي بجامعة أم القرآن ، بمكة المكرمة.
- شرح صحيح مسلم: للإمام النووي، ط2/1392هـ ، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
- صواب الجواب: للبقاعي، مخطوط، مصورته في الجامعة الإسلامية بالمدينة.
- الصواعق المرسلة: لابن قيم الجوزية، ط1/ 1408هـ ،نشر دار العاصمة ـ الرياض.
- الفتاوى الكبرى: لشيخ الإسلام ابن تيميه، ط1/ 1408هـ ، دار الكتب العلمية ـ بيروت.
- فتح الباري: للحافظ ابن حجر، ط/ 1379هـ ، دار المعرفة ـ بيروت.
- الفصول: لأبي بكر الجصاص، ط1/ 1405هـ ، وزارة الأوقاف والشئون الإسلاميةـ الكويت.
- فقه النوازل: للشيخ بكر عبد الله زيد، ط1/1416هـ ، مؤسسة الرسالةـ بيروت.
- الفواكه الدواني: لأحمد بن غنيم النفراوي، ط/1415هـ ، دار الفكر ـ بيروت.
- كشاف القناع عن متن الإقناع: لمنصور بن يونس البهوتي، ط/ 1402هـ ، دار الفكر ـ بيروت.
- كشف الظنون: لحاجي خليفة، ط/ 1412هـ ، دار الكتب العلميةـ بيروت.
- المؤامرة على الإسلام: لأنور الجندي، ط3/1398هـ ، دار الاعتصام.(1/31)
- المبدع : لابن مفلح الحنبلي، ط/ 1400هـ ، المكتب الإسلامي ـ بيروت.
- مجموع الفتاوى: لشيخ الإسلام ابن تيميه، مصورة الطبعة الأولي/ 1389هـ .
- المحصول: لفخر الدين الرازي، ط1/ 1400هـ ، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الرياض.
- مختصر الصواعق المرسلة : للموصلي.
- مدارج السالكين: لابن القيم، ط/ 1375هـ ، مطبعة السنة المحمدية ـ القاهرة.
- المدخل إلي مذهب الإمام أحمد بن حنبل: عبد القادر بن بدران، ط2/ 1401هـ ، مؤسسة الرسالة.
- مذكرة أصول الفقه: للشيخ محمد الأمين الشيقيطي، ط/ مكتبة السلفية، بالمدينة المنورة.
- المستصفي: لأبي حامد الغزالي ، ط2/1413هـ ، دار الكتب العلمية ـ بيروت.
- المسند: للإمام أحمد بن حنبل: ط1/ 1417هـ ، مؤسسة الرسالة ـ بيروت.
- معجم المناهي اللفظية: للشيخ بكر أبو زيد، ط3/ 1417هـ ، دار العاصمةـ الرياض.
- المغني: لابن قدامه، ط1/ 1405هـ ، دار الفكر ـ بيروت.
- مفتاح دار السعادة: لابن القيم، ط1/ 1416هـ ، دار ابن عفان، السعودية.
- منهاج السنة: لشيخ الإسلام ابن تيميه، ط1/ 1406هـ ، مؤسسة قرطبةـ القاهرة.
- الموافقات: للشاطبي، ط1/ 1417هـ ، دار ابن عفان، السعودية.
- الناسخ والمنسوخ: للنحاس، ط1/ 1408هـ ، مكتبة الفلاح ـ الكويت.
- نيل الأوطار: للشوكاني، ط/ 1972م، دار الجيل ـ بيروت.(1/32)
سلسلة بحوث وتحقيقات مختارة من مجلة الحكمة (6)
التوبة(1)
أبُو إسْحَاقَ إبْرَاهِيمُ بْنُ مَسْعُودِ التَّجِيبِيُّ الغِرْنَاطِيُّ الإلْبِيرِيُّ
العدد الأول
1/5/1414 هـ
قام بنشرها
أبو مهند النجدي
Almodhe1405@hotmail.com
almodhe@yahoo.com
[ مُقَدِّمَةٌ ]
هذه قصيدة قالها الفقيهُ الزَّاهدُ أبو إسحاق إبراهيمُ بنُ مَسعُود الإلبيريّ , رحمه الله , يخاطب الشاعر فيها ويعاتب ويحاور مَنْ دعاه (أبا بكر) .
وكان هذا الرجل قد ذكر بعض معايب الشاعر , وبلغه ما قال . وقد جعل الشاعر هذا المُنطلق فرصة لبسط آرائه في العلم والتقوى والتوبة ونبذ الدنيا , وإشارةً إلى مقالة أبي بكر فيه , وتجاوزاً لها في الوقت نفسه .
واختلط الحديث بين توجيه أبي بكر هذا , والحديث عن النفس , من منطلق لوم الذات (من التحرّج المستمر) , وتضخيم الهفوات , وإعلان الخضوع المطلق لله تعالى .
بدأ الشاعر القصيدة بالكلام على غفلة الإنسان عما تصنعه آلة الزمن في بني آدم ( الأبيات 1ـ 5) , ودعا أبا بكر ـ والخطاب عام ـ إلى العلم النافع (الأبيات 6 ـ 10) , وبين منزلة العلم وحلاوته (الأبيات 11ـ19) , وأن الإنسان مسؤول عن علمه والعمل به , وعن جهله لوجهل (الأبيات 20 ـ 27) , وسفّه من يفضل المال ـ وما يلحق به ـ على العِلم (الأبيت 28 ـ 44) وهوّن شأن الدنيا (الأبيات 45 ـ 54) ؛ فهي عَرَض فانٍ ودعا إلى الجد ـ دون الهزل ـ وإلى التوبة والخضوع لله تعالى (الأبيات 55 ـ 60) , وتعجيل التوبة (الأبيات 61 ـ 65) , وجعل نفسه مثالاً يتحدث عنه (الأبيات 66 ـ 69) , وعاد إلى خطاب أبي بكر , وحذّر من الإخلاد إلى الدنيا , ومن نسيان الآخرة (الأبيات 70 ـ 81) , وإلى تذكر يوم الحساب (الأبيات 82 ـ 86) .
__________
(1) العنوان من هيئة التحرير .(1/1)
وخرج إلى اعتراف عام بالذنوب , وسرد لمعايب الإنسان المقصّر (الأبيات 97 ـ 99) , وإلى نصائح عامة أخلاقية , في الحذر من رفاق السّوء , وأهل الجهل , ودعا إلى إباء الضيم , وإلى الضرب في الأرض الواسعة سعياً وراء ذلك , بقية الأبيات .
يقول الشاعر الفقيه الزاهد في قصيدته وهي من البحر الوافر(1)
[ عدد الأبيات : 115 ]
تَفُتُّ فُؤَادَكَ الأَيَّامُ فَتَّا ... (1) ... وَتَنْحِتُ جِسْمَكَ السَّاعَاتُ نَحْتَا
وَتَدْعُوكَ المْنَونُ دُعَاءَ صِدْقٍ ... (2) ... أَلاَ يَا صَاحٍ: أَنْتَ أُرِيدُ أَنْتَا
أَرَاكَ تُحِبُّ عِرْساً ذَاتَ خِدْرٍ(2) ... (3) ... أَبَتَّ طَلاَقَهَا الأَكْيَاسُ بَتَّا(3)
__________
(1) - قابلتها على طَبعَةُ (الْجَامِعِ لِلْمُتُونِ الْعِلمِيَّةِ) جَمعُ الشَّيخِ عَبدِ اللهِ الشَّمرَانِي (ط 1426 هـ ) وإن قلت : الأصل فالمراد طبعة مجلة الجكمة.
(2) في الأصل غَدرٍ و المُثبت من طبعة الشمراني .
(3) العرْس : امرأة الرجل , وتقال أيضاً لرجل المرأة , فهما عرسان .
ويُقال : أبَتَّ الطلاقَ بتةً وإبتاتاً : أوقعه باتا . أمّا البتُّ , فمصدر الفعل بتّ ؛ يقال : بَتّ الطلاق , أي أوقعه ثلاثاً باتا . وفي نهج البلاغة بتحقيق الدكنور صبحي الصالحي رحمه الله : " يا دُنيا ! يا دُنيا ! إليك عني ؛ أَبِي تَعرّضتِ ؟ أم إليَّ تَشَوَّفْت ؟ لا حان حينُك ! هيهات! غرّي غيري , لا حاجة لي فيك ؛ قد طلقتك ثلاثاً لا رجعة فيها ! " .(1/2)
تَنامُ الدَّهْرَ وَيْحَكَ فِي غَطِيطٍ ... (4) ... بِهَا حَتَّى إِذَا مِتَّ انْتَبَهْتَا(1)
فَكَمْ ذَا أَنْتَ مَخْدُوعٌ وَحَتَّى ... (5) ... مَتَى لاَ تَرْعَوِي عَنْهَا وَحَتَّى ؟(2)
" أَبَا بَكْرٍ" دَعَوْتُكَ لَوْ أَجَبْتَا ... (6) ... إِلَى مَا فِيهِ حَظُّكَ لَوْ(3) عَقَلْتَا(4)
إِلَى عِلْمٍ تَكُونُ بِهِ إِمَاماً ... (7) ... مُطَاعاً إِنْ نَهَيْتَ وَإِنَ أَمَرْتَا
وَيَجْلُو(5) مَا بِعَيْنِكَ مِنْ غِشَاهَا ... (8) ... وَيَهْدِيكَ الطَّرِيقَ(6) إِذَا ضَلَلْتَا(7)
__________
(1) يُقال : غط النائم غطاً وغطيطاً أي : شخر وسُمع له غطيط . وفي " كشف الخفا ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس " : 1/312 , عند ذكره الكلام المشهور : ( الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا ) ما نصّه : " هو من قول علي بن أبي طالب ؛ لكن عزاه الشعراني في الطبقات لسهل التستري , ولفظه في ترجمته , ومن كلامه : الناس نيام , فإذا ماتوا انتبهوا , وإذا ماتوا ندموا , وإن ندموا لم تنفعهم ندامتهم " .
(2) يُقال : أرعوى عن كذا أي : كفّ وحَسُن رجوعه عنه .
(3) في الأصل إن و المُثبت من طبعة الشمراني.
(4) أبو بكر : كنية المخاطب المباشر في القصيدة , وقد نبّه إليه مرة أخرى في القصيدة (انظر البيت 87 وما قبله وما بعده) , وجعل الحديث إليه وسيلة لبسط آرائه ومواقفه , ولم نهتد إلى المخاطب بهذه الكنية في القصيدة . لم أهتد إليه يقيناً ؛ ولعله أبو بكر بن الحاج المخاطب بالقصيدة (31) من ديوان الشاعر . ويدل البيت هنا (89) هنا على أنّ أبا بكر قد هجاه .
(5) في الأصل تَجلو و المُثبت من طبعة الشمراني .
(6) في الأصل : ( وتهديكَ السَّبيل ) و المُثبت من طبعة الشمراني .
(7) الغشا : ضعف البصر . ونذكر هنا بعض قصيدة أبي مروان عبدالملك بن إدريس الجزيريّ الأندلسي (يتيمة الدّهر 2/102) : ... وأجلّ مكتسب وأسنى مفخر
0@واعلم بأن العلم أرفع رتبةً
فاسلك سبيل المقتنين له تسد ... عن السيادة تقتنى بالدفتر
والعالم المدعوّ حبراً إنما ... سمّاه باسم الحَبْرِ حَمْلُ المِحبرِ!
وقصيدة عبد الملك هذه من عيون شعر الحكمة .(1/3)
وَتَحْمِلُ مِنْهُ فِي نَادِيكَ تَاجاً
(9)
وَيَكْسُوكَ الْجَمَالَ إِذَا عَرِيتَا(1)
يَنَالُكَ نَفْعُهُ مَا دُمْتَ حَياً
(10)
وَيَبْقَى ذِكْرُهُ(2) لَكَ إِنْ ذَهَبْتَا
هُوَ الْعَضْبُ المُهَنَّدُ لَيْسَ يَنْبُو
(11)
تُصِيبُ بِهِ مَقَاتِلَ مَنْ ضَرَبتا(3)
وَكَنْزٌ لاَ تَخَافُ عَلَيْهِ لِصّاً
(12)
خَفِيفَ الْحَمْلِ يُوجَدُ حَيْثُ كُنتَا
يَزِيدُ بِكَثْرَةِ الإِنْفَاقِ مِنْهُ
(13)
وَيَنْقُصُ إِنْ بِهِ كَفّاً شَدَدْتَا(4)
فَلَوْ قَدْ ذُقْتَ مِنْ حَلْوَاهُ طَعْماً
(14)
لآثَرْتَ التَّعَلُّمَ وَاجْتَهَدْتَا
وَلَمْ يَشْغَلْكَ عَنْهُ هَوىً مُطَاعٌ
(15)
وَلاَ دُنْيَا بِزُخْرُفِهَا فُتِنْتَا
وَلاَ أَلْهَاكَ عَنْهُ أَنِيقُ رَوْضٍ
(16)
و لا خِدرٌ برَبرَبه كَلفُتا(5)
فَقُوتُ الرُّوْحِ أَرْوَاحُ الْمَعَانِي
(17)
وَلَيْسَ بِأَنْ طَعِمْتَ وَلاَ شَرِبْتَا
فَوَاظِبْهُ وَخُذْ بِالْجِدِّ فِيهِ
(18)
__________
(1) في الأصل اغتَرَبْتا و المُثبت من طبعة الشمراني .
(2) في الأصل ذُخرهُ و المُثبت من طبعة الشمراني .
(3) العَضْب : السيف القاطع , والمهنّد : السيف ؛ وأصل معناه من هَنّد السيف ؛ أي شحذه , أو هو منسوب إلى الهند ( المصنوع من حديد الهند ) . و في طبعة الشمراني أَرَدْتَا .
(4) في الأصل (أن) , والشرط في الجملة عندي مقبول .
(5) الخِدر (بالكسر) : ستر يُمدُّ للجارية في البيت ؛ وكلُّ ما وراك من بيت ونحوه .
والرَّبرب : القطيع من بقر الوحش . شبه النساء الجميلات بالبقر الوحشية وفي طبعة الشمراني الشطر الثاني (وَلاَ دُنْيَا بِزِينَتِهَا كَلِفْتَا).(1/4)
فَإِنْ أَعْطَاكَهُ اللهُ انتَفَعْتَا(1)
وَإِنْ أُعْطِيتَ(2) فِيهِ طَوِيلَ بَاعٍ
(19)
وَقَالَ النَّاسُ : إِنَّكَ قَدْ عَلِمْتَا(3)
فَلاَ تَأْمَنْ سُؤَالَ اللهِ عَنْهُ
(20)
بِتَوْبِيخٍ : عَلِمْتَ ؛ فَهَلْ عَمِلْتَا؟(4)
فَرَأْسُ الْعِلْمِ تَقْوَى اللهِ حَقّاً
(21)
وَلَيْسَ بِأَنْ يُقَالَ : لَقَدْ رَأَسْتَا(5)
وَأَفْضَلُ ثَوْبِكَ الإِحْسَانُ لَكِنْ(6)
(22)
__________
(1) الأصل : أن يتعدى الفعل بوساطة حرف الجر تقول : وظب على الأمر , وواظب عليه , وقول الشاعر : (فَوَاظِبْهُ) أي : تعدية الفعل إلى المفعول مباشرة لم يردْ في كتب اللغة ؛ ولا أعرفه في آثار الأدباء وفي الأصل (فَإِنْ أَعْطَاكَهُ اللهُ أخَذتا) والمثبت من طبعة الشمراني .
(2) في الأصل أوتيت و المُثبت من طبعة الشمراني .
(3) في الأصل سَبقتا و المُثبت من طبعة الشمراني .
(4) في كشف الخفا : " لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع : شبابه فيما أبلاه , وعن عمره فيما أفناه , وعن ماله من أين اكتسبه , وفيما أنفقه , وعن علمه ماذا عمل به " رواه الطبراني , ورواه الترمذي : 2/378 , وفي سنن الدارمي 1/82 , عن أبي كبشة السّلولي قال : سمعت أباد الدرداء يقول : " إن من أشرِّ الناس عند الله منزلة يوم القيامة عالمٌ لا يُنتفعُ بعلمه " .
(5) في حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - : " رأس الحكمة مخافة الله تعالى " الفتح الكبير : 2/122 .
(6) في الأصل (وضَافي ثَوْبِكَ الإِحْسَانُ لا أن) و المُثبت من طبعة الشمراني .(1/5)
نَرَى(1) ثَوْبَ الإِسَاءَةِ قَدْ لَبِسْتَا(2)
إِذَا مَا لَمْ يُفِدْكَ الْعِلْمُ خَيْراً
(23)
فَخَيْرٌ مِنْهُ أَنْ لَوْ قَدْ جَهِلْتَا(3)
وَإِنْ أَلْقَاكَ فَهْمُكَ فِي مَهَاوٍ
(24)
فَلَيْتَكَ ثُمَّ لَيْتَكَ مَا فَهِمْتَا
سَتَجْنِي مِنْ ثِمَارِ الْعَجْزِ جَهْلاً
(25)
وَتَصْغُرُ فِي الْعُيُونِ إِذَا كَبِرْتَا
وَتُفْقَدُ إِنْ جَهِلْتَ وَأَنْتَ بَاقٍ
(26)
وَتُوجَدُ إِنْ عَلِمْتَ وَلَوْ فُقِدْتَا
وَتَذْكُرُ قَوْلَتِي لَكَ بَعْدَ حِينٍ
(27)
إِذَا حقّاً بِهَا يَوْماً عَمِلْتَا(4)
وَإِنْ أَهْمَلْتَهَا وَنَبَذْتَ نُصْحاً
(28)
وَمِلتَ إِلَى حُطَامٍ قَدْ جَمَعْتَا(5)
فَسَوْفَ(6) تَعَضُّ مِنْ نَدَمٍ عَلَيْهَا
(29)
وَمَا تُغْنِي النَّدَامَةُ إِنْ نَدِمْتَا
إِذَا أَبْصَرْتَ صَحْبَكَ فِي سَمَاءٍ(7)
(30)
قَدِ ارْتَفَعُوا عَلَيْكَ وَقَدْ سَفُلْتَا
فَرَاجِعْهَا وَدَعْ عَنْكَ الْهُوَيْنَى(8)
(31)
__________
(1) في الأصل (ترى) و المُثبت من طبعة الشمراني .
(2) روى ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي قال : " لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً قَالَ إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ " رواه مسلم .
(3) في الدعاء المشهور : " إنِّي أعوذ بك من علم لا ينفع " , وفيه " سلوا الله علماً نافعاً " , و " اللهم إني اسألك علماً نافعاً " .
(4) في الأصل (وتَغبْطها إذا عنها شُغلتا) و المُثبت من طبعة الشمراني.
(5) هذا البيت ساقط في الأصل .
(6) في الأصل لسَوْفَ و المُثبت من طبعة الشمراني .
(7) أي في منزلة عالية , (مادياً ومعنوياً) .
(8) الهوينى : التؤدة والرفق والسكينة والوقار .(1/6)
فَمَا بِالْبُطْءِ تُدْرِكُ مَا طَلَبْتَا
وَلاَ تَخْتََلْ(1) بِمَالِكَ وَالْهُ عَنْهُ
(32)
فَلَيْسَ الْمَالُ إِلاَّ مَا عَلِمْتَا(2)
وَلَيْسَ لِجَاهِلٍ فِي النَّاسِ مُغْنٍ(3)
(33)
وَلَو مُلْكُ الْعِرَاقِ لَهُ تَأَتَّى(4)
سَيَنْطِقُ عَنْكَ عِلْمُكَ فِي مَلاءٍ(5)
(34)
وَيُكْتَبُ عَنْكَ يَوْماً إِنْ كَتَمْتَا
وَمَا يُغْنِيكَ تَشْيِيدُ الْمَبَانِي
(35)
إِذَا بِالْجَهْلِ نَفْسَكَ قَدْ هَدَمْتَا
جَعَلْتَ المَالَ فَوْقَ الْعِلْمِ جَهْلاً
(36)
لَعَمْرُكَ فِي الْقَضِيَّةِ مَا عَدَلْتَا(6)
وَبَيْنَهُمَا بِنَصِّ الْوَحْيِ بَوْنٌ
(37)
__________
(1) ينبه الشاعر السامع والقارئ على ما في القرآن الكريم من صفة المال في بعض الآيات التي ورد فيها ذكر المال ؛ قال تعالى في سورة الأنفال : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ } [ الأنفال : 28] وفي سورة سبأ : { وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى } [ سبأ : 37] وفي سورة المنافقون : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّه ِ} [ المنافقون : 9] .
(2) في الأصل (ولا تحفلْ بمالك) و المُثبت من طبعة الشمراني .
(3) في الأصل (مَعْنىً) و المُثبت من طبعة الشمراني .
(4) ضرب المثل بـ (ملك العراقين) لما هو واسعٌ كثير من السلطة والملك , ومنه قول أبي الطيب :
وغيرُ كثير أن يزورك راجلٌ ... فيرجع ملكاً للعراقيين والياً !
(5) في الأصل (نَديِّ) و المُثبت من طبعة الشمراني والنَّديَّ والنادي : مجتمع القوم .
(6) لَعَمْرُكَ) : لفظ مُشْكِل , والأولى تركه , وانظر : " معجم المناهي اللفظية " (ص 964 ـ 174) أ.هـ من الجامع للمتون العلمية (ص 630) .(1/7)
سَتَعْلَمُهُ إِذَا " طَه " قَرَأْتَا(1)
لَئِنْ رَفَعَ الْغَنِيُّ لِوَاءَ مَالٍ
(38)
لأَنْتَ لِوَاءَ عِلْمِكَ قَدْ رَفَعْتَا
لَئِنْ(2) جَلَسَ الْغَنِيُّ عَلَى الْحَشَايَا
(39)
لأَنْتَ عَلَى الكَوَاكِبِ قَدْ جَلَسْتَا(3)
وَإِنْ رَكِبَ الْجِيَادَ مُسَوَّمَاتٍ(4)
(40)
لأَنْتَ مَنَاهِجَ التَّقْوَى رَكِبْتَا
وَمَهْمَا افْتَضَّ أَبْكَارَ الْغَوَانِي
(41)
فَكَمْ بِكْرٍ مِنَ الحِكَمِ افْتَضَضْتَا ؟(5)
وَلَيْسَ يَضُرُّكَ الإِقْتَارُ(6) شَيْئاً
(42)
إِذَا مَا أَنْتَ رَبَّكَ قََدْ عَرَفْتَا
فَمَاذَا عِنْدَهُ لَكَ مِنْ جَمِيلٍ
(43)
إِذَا بِفِنَاءِ طَاعَتِهِ أَنَخْتَا(7)
فَقَابِلْ بِالْقَبُولِ لِنُصْحِ قَوْلِي(8)
(44)
فَإِنْ أَعْرَضْتَ عَنْهُ فَقَدْ خَسِرْتَا
وَإِنْ رَاعَيْتَهُ قَوْلاً وَفِعْلاً
(45)
__________
(1) قال البلوي (ألف باء : 1/13) معلقاً على إشارة البيت : يريد قوله تعالى { وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً } [ طه : 114].
(2) في الأصل (وإنْ) و المُثبت من طبعة الشمراني .
(3) الحشايا : جمع الحشية , وهي الفراش المحشو , وهو ـ كما في متن اللغة ـ المعروف في الشام بالطرّاحة وما تزال الكلمة حيّة في ديار الشام . والبيت في معنى : رُتبةُ العلم أعلى الرتب.
(4) سوّم الفرس : أَعلمه بسومة , والسّومة : السمة والعلامة .
(5) هذه المقارنة غير جيدة ؛ إذ فض بكارة المرأة متيسرة لكل أحد , بخلاف معرفة الحكمة فضلاَ عمن ابتدرها (التحرير) .
(6) الإقتار : مصدر أْتَر الرجل : أي قلَّ ماله وضاق عيشه .
(7) استعمل (ماذا) بدلاً من (كم ذا) لأن المعنى : إذا لزمت طاعة الله سبحانه وتعالى , ظفرت بكثير مما أعدَّ الله لعباده من أهل الطاعة . وكلمة (جميل) صفة لموضوف محذوف مقدّر .
(8) في الأصل (صحيح نصحي) و المُبت من طبعة الشمراني .(1/8)
وَتَاجَرْتَ الإِلَهَ بِهِ رَبحْتَا(1)
فَلَيْسَتْ هَذِهِ الدُّنْيَا بِشَيْءٍ
(46)
تَسْوؤُكَ حِقْبَةً وَتَسُرُّ وَقْتَا
وَغَايَتُهَا إِذَا فَكَّرْتَ فِيهَا
(47)
كَفَيْئِكَ(2) أَوْ كَحُلْمِكَ إِذْ حَلَمْتَا(3)
سُجِنْتَ بِهَا وَأَنْتَ لَهَا مُحِبٌّ
(48)
فَكَيْفَ تُحِبُّ مَا فِيهِ(4) سُجِنْتَا ؟(5)
وَتُطْعِمُكَ الطَّعَامَ وَعَنْ قَرِيبٍ
(49)
سَتَطْعَمُ مِنْكَ مَا فِيهَا طَعِمْتَا
وَتَعْرَى إِنْ لَبِسْتَ بِهَا ثِيَاباً
(50)
وَتُكْسَى إِنْ مَلاَبِسَهَا خَلعْتَا
وَتَشْهَدُ كُلَّ يَوْمٍ دَفْنَ خِلٍّ
(51)
كَأَنَّكَ لاَ تُرَادُ لِمَا(6) شَهِدْتَا
__________
(1) في سورة فاطر : { إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ} [ فاطر : 29]. وفي سورة الصف : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [ الصف : 10 ,11 ] والمراد بالمتاجرة في الآيتين الكريمتين المعنى المجازي , و " التجارة " ترد للعمل يترتب عليه خيرٌ أو شر .
(2) الفيء ـ هنا ـ ما كان شمساً فينسخه الظل .
(3) قوله : (حَلَمْتَا) ؛ كذا بفتح اللام : من الحُلُم وضُبِطَتْ في نسخة : (حَلُمْتَا) بالضم أي سرت حليماً وهذا غير مراد من الشاعر أ.هـ من الجامع للمتون العلمية (ص 631) .
(4) يجب إشباع هاء " فيه " ليستقيم وزن البيت أ.هـ من الجامع للمتون العلمية (ص 631) .
(5) في الحديث : " الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ " رواه مسلم وغيره .
(6) في الأصل (بما) و المُثبت من طبعة الشمراني .(1/9)
وَلَمْ تُخْلَقْ لِتَعْمُرَهَا وَلاكِنْ
(52)
لِتَعْبُرَهَا فَجِدَّ لِمَا خُلِقْتَا(1)
وَإِنْ هُدِمَتْ فَزِدْهَا أَنْتَ هَدْماً
(53)
وَحَصِّنْ أَمْرَ دِينِكَ مَا اسْتَطَعْتَا(2)
وَلاَ تَحْزَنْ عَلَى مَا فَاتَ مِنْهَا
(54)
إِذَا مَا أَنْتَ فِي أُخْرَاكَ فُزْتَا(3)
فَلَيْسَ بِنَافِعٍ مَا نِلْتَ مِنْهَا
(55)
مِنَ الْفَانِي إِذَا الْبَاقِي حُرِمْتَا
وَلاَ تَضْحَكْ مَعَ السُّفَهَاءِ يَوْماً(4)
(56)
فَإِنْكَ سَوْفَ تَبْكِي إِنْ ضَحِكْتَا(5)
__________
(1) عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : نَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى حَصِيرٍ فَقَامَ وَقَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ اتَّخَذْنَا لَكَ وِطَاءً فَقَالَ : " مَا لِي وَمَا لِلدُّنْيَا ؟ مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ , ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا " رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح . وفي مسند الإمام أحمد : أنَّ عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - قال : أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِبَعْضِ جَسَدِي فَقَالَ : " يَا عَبْدَ اللَّهِ كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ وَاعْدُدْ نَفْسَكَ فِي الْمَوْتَى " .
(2) معنى البيت فيه نظر , إذ إنَّ الله تعالى سخر للإنسان ما في الأرض جميعاً , وأمر بطاعته ولم يأمر بهدم ما سخر و لا بزيادة الهدم , ولكن الله تعالى نهى عن الركون إلى الدنيا بأشكالها (التحرير) .
(3) راجع ما في التنزيل الحكيم (الحديد الآيات 22 ـ 23).
(4) في الأصل (لهواً) و الُمثبت من طبعة الشمراني .
(5) في سورة التوبة : { فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } [ التوبة : 82].(1/10)
وَمَنْ(1) لَكَ بِالسُّرُورِ وَأَنْتَ رَهْنٌ
(57)
وَمَا(2) تَدْرِي أَتُفْدَى أَمْ غُلِلْتَا ؟
وَسَلْ مِنْ رَبِّكَ التَّوْفِيقَ فِيهَا
(58)
وَأَخْلِصْ فِي السُّؤَالِ إِذَا سَأَلْتَا
وَنَادِ إِذَا سَجَدْتَ لَهُ اعْتِرَافاً
(59)
بِمَا نَادَاهُ ذُو النُّونِ ابْنُ مَتَّى(3)
وَلاَزِمْ بَابَهُ قَرْعاً عَسَاهُ
(60)
سَيَفْتَحُ بَابَهُ لَكَ إِنْ قَرَعْتَا
وَأَكْثِرْ ذِكْرَهُ فِي الأَرْضِ دَأْباً
(61)
لِتُذْكَرَ فِي السَّمَاءِ إِذَا ذَكَرْتَا(4)
وَلاَ تَقُلِ الصِّبَا فِيهِ امْتِهَالٌ(5)
(62)
وَفَكِّرْ كَمْ صَغِيرٍ قَدْ دَفَنْتَا(6)
__________
(1) في الأصل (وكيف) و الُمثبت من طبعة الشمراني .
(2) في الأصل (ولا) و الُمثبت من طبعة الشمراني .
(3) قال تعالى في سورة الأنبياء : { وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ } [ الأنبياء: 87 ـ 88] قال القرطبي في تفسيره : 11/329 : ذون النون لقب يونس بن متّى (عليه السلام) ولقب بذلك لابتلاع النون إياه والنون : الحوت .
(4) في التنزيل الحكيم : { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُون } [ البقرة : 152]. .
(5) في الأصل (مَجالٌ) و الُمثبت من طبعة الشمراني .
(6) في كشف الخفا : 1/148 : " اغتنم خمسا قبل خمس : حياتك قبل موتك , ، وصحتك قبل سقمك , ، وفراغك قبل شغلك ، و شبابك قبل هرمك , وغناءك قبل فقرك " رواه الحاكم , وصححه البيهقي عن ابن عباس . قال قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرجل وهو يعظه .(1/11)
وَقُلْ : يَا نَاصِحِي(1) بَلْ أَنْتَ أَوْلَى
(63)
بِنُصْحِكَ لَوْ لِفِعْلِكَ(2) قَدْ نَظَرْتَا
تُقَطِّعُنِي عَلَى التَّفْرِيطِ لَوْماً
(64)
وَبِالتَّفْرِيطِ دَهْرَكَ قَدْ قَطَعْتَا(3)
وَفِي صِغَرِي تُخَوِّفُنِي الْمَنَايَا
(65)
وَمَا تَدْرِي بِحَالِكَ حَيْثُ شِخْتَا(4)
وَكُنْتَ مَعَ الصِّبَا أَهْدَى سَبِيلاً
(66)
فَمَا لَكَ بَعْدَ شَيْبِكَ قَدْ نَكَثْتَا(5)
وَهَا أَناَ لَمْ أَخُضْ بَحْرَ الْخَطَايَا
ج
(67)
كَمَا قَدْ خُضْتَهُ حَتَّى غَرِقْتَا
وَ لَمْ أَشْرَبْ حمَُيَّا أُمِّ دَفْرٍ(6)
(68)
وَأَنْتَ شَرِبْتَهَا حَتَّى سَكِرْتَا
وَ لَمْ أَنْشَأْ بِعَصْرٍ فِيهِ نَفْعٌ
(69)
وَأَنْتَ نَشَأْتَ فِيهِ وَمَا انْتَفَعْتَا(7)
وَ لَمْ أَحْلُلْ بِوَادٍ فِيهِ ظُلْمٌ
(70)
__________
(1) في الأصل (نَصيحُ) و الُمثبت من طبعة الشمراني وعلق في الهامش بقوله : هو ناصح ونصيح ؛ من الفعل نصح ؛ يقال : نصَحه ونصح له .
(2) في الأصل (بعقلك) و الُمثبت من طبعة الشمراني .
(3) فرّط في الشيء : ضيعه وقدّم العجز فيه , وقصَّر.
(4) في الأصل (وما تَجْري بِبِالك حين شِخْتَا) و الُمثبت من طبعة الشمراني .
(5) في الأصل (نُكستا) و الُمثبت من طبعة الشمراني وعلّق في الهامش بقوله : نُكس المريض : إذا عاودته العلة بعد النَّقه , ونكس على رأسه : رجع عمّا عرفه وفي التنزيل العزيز في ذكر قوم إبراهيم { ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ } [ الأنبياء : 65].
(6) أمُّ دَفْرٍ : كنية الدنيا (انظر ثمار القلوب في المضاف والمنسوب:257) والحميا من الكأس : سورتها وشدتها , أو إسكارها , أو أخذها بالرأس .
(7) ذُكِرَ هذا البيت في الأصل بعد البيت الذي يليه .(1/12)
وَأَنْتَ حَلَلْتَ فِيهِ وَانْتَهَكْتَا(1)
لَقَدْ(2) صَاحَبْتَ أَعْلاَماً كِبَاراً
(71)
وَلَمْ أَرَكَ اقْتَدَيْتَ بِمَنْ صَحِبْتَا
وَنَادَاكَ " الْكِتَابُ " فَلَمْ تُجِبْهُ
(72)
وَنَبَّهَكَ(3) الْمَشِيبُ فَمَا انتَبَهْتَا
وَيَقْبُحُ(4) بِالْفَتَى فِعْلُ التَّصَابِي
(73)
وَأَقْبَحُ مِنْهُ شَيْخٌ قَدْ تَفَتَّى(5)
وَنَفْسَكَ ذُمَّ لاَ تَذْمُمْ سِوَاهَا
(74)
لِعَيْبٍ(6) فَهْيَ أَجْدَرُ مَنْ ذَمَمْتَا
وَأَنْتَ أَحَقُّ بِالتَّفْنِيدِ(7) مِنِّي
(75)
وَلَوْ كُنْتَ اللَّبِيبَ(8) لَمَا نَطَقْتَا
وَلَوْ بَكَتِ الدِّمَا عَيْنَاكَ خَوْفاً
(76)
لِذَنْبِكَ لَمْ أَقُلْ لَكَ قَدْ أَمِنْتَا
وَمَنْ لَكَ بِالأَمَانِ وَأَنْتَ عَبْدٌ
(77)
أُمِرْتَ فَمَا ائْتَمَرْتَ وَلاَ أَطَعْتَا
ثَقُلْتَ مِنَ الذُّنُوبِ وَلَسْتَ تَخْشَى
(78)
لِجَهْلِكَ أَنْ تَخِفَّ إِذَا وُزِنْتَا(9)
ج
__________
(1) في الأصل (انهَملتا) و الُمثبت من طبعة الشمراني وعلّق في الهامش بقوله : أصل معنى همل (الدمع) وانهمل : انصبّ , وانهملت العين : فاضت .
(2) في الأصل (وقد) و الُمثبت من طبعة الشمراني .
(3) في الأصل (نهنهَكَ) و الُمثبت من طبعة الشمراني وعلّق في الهامش بقوله : نهنه عن الأمر : كفّه وزجره .
(4) في الأصل (ليَقْبحُ) و الُمثبت من طبعة الشمراني .
(5) شَيْخٌ قَدْ تَفَتَّى) : سلك سبيل الفتيان .
(6) في الأصل (بِعَيْبٍ) و الُمثبت من طبعة الشمراني .
(7) فنده تفنيداً : كذبه , وعجّزه , وخطأ رأيه.
(8) في الأصل (ولو سكتَ المُسيء) و الُمثبت من طبعة الشمراني.
(9) في التنزيل العزيز : القارعة : { فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ } [ القارعة : 6ـ9].(1/13)
وَتُشْفِقُ(1) لِلْمُصِرِّ عَلَى المَعَاصِي
(79)
وَتَرْحَمُهُ وَنَفْسَكَ مَا رَحِمْتَا
رَجَعْتَ الْقَهْقَرَى وَخَبَطْتَ عَشْوَا(2)
(80)
لَعَمْرُكَ(3) لَوْ وَصَلْتَ لما رَجَعْتَا
وَلَوْ وَافَيْتَ رَبَّكَ دُونَ ذَنْبٍ
(81)
وَنُوقِشْتَ(4) الْحِسَابَ إِذاً هَلَكْتَا
وَلَمْ يَظْلِمْكَ فِي عَمَلٍ وَلاكِنْ
(82)
عَسِيرٌ أَنْ تَقُومَ بِمَا حَمَلْتَا
وَلَوْ قَدْ جِئْتَ يَوْمَ الْحَشْرِ(5) فَرْداً
(83)
وَأَبْصَرْتَ الْمَنَازِلَ فِيهِ شَتَّى(6)
لأَعْظَمْتَ النَّدَامَةَ فِيهِ لَهْفاً
(84)
__________
(1) في الأساس : أشفقت عليه أن يناله مكروه , وأنا مشفق عليه من هذا الأمر.
(2) رجع القهقرى : إلى الوراء , وخبط عشواء : مثلٌ , وأصله من خبط الناقة التي ضعف بصرها , فهي لا تميز أين تمضي , وماذا تصيب في طريقها .
(3) سبق التنبيه على " لعمرك" في البيت رقم : (36) .
(4) عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله " : - صلى الله عليه وسلم - مَنْ حُوسِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عُذِّبَ فَقُلْتُ : أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
{ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا } فَقَالَ : " لَيْسَ ذَاكِ الْحِسَابُ إِنَّمَا ذَاكِ الْعَرْضُ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عُذِّبَ " .
(5) في الأصل (الفصل) و الُمثبت من طبعة الشمراني.
(6) في سورة مريم : { إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا } [ مريم : 93 ـ 95 ](1/14)
عَلَى مَا فِي حَيَاتِكَ قَدْ أَضَعْتَا(1)
تَفِرُّ مِنْ الْهَجِيرِ(2) وَتَتَّقِيهِ
(85)
فَهَلاَّ مِنْ جَهَنَّمَ قَدْ فَرَرْتَا
وَلَسْتَ تُطِيقُ أَهْوَنَهَا عَذَاباً
(86)
وَلَوْ كُنْتَ الْحَدِيدَ بِهَا لَذُبْتَا(3)
وَلاَ تُنْكِرْ(4) فَإِنَّ الأَمْرَ جِدُّ
(87)
وَلَيْسَ كَمَا حَسِبْتَ(5) وَلاَ ظَنَنْتَا
" أَبَا بَكْرٍ " كَشَفْتَ أَقَلَّ عَيْبِي
(88)
وَأَكْثَرَهُ وَمُعْظَمَهُ سَتَرْتَا
فَقُلْ مَا شِئْتَ فِيَّ مِنَ الْمَخَازِي
(89)
وَضَاعِفْهَا فَإِنَّكَ قَدْ صَدَقْتَا
وَمَهْمَا عِبْتَنِي فَلِفَرْطِ عِلْمِي
(90)
بِبَاطِنِهِ(6) كَأَنَّكَ قَدْ مَدَحْتَا
فَلاَ تَرْضَ الْمَعَايِبَ فَهُو(7)َ عَارٌ
(91)
__________
(1) في التنزيل الحكيم : {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} [ الزمر : 55 ـ 56 ] .
(2) الهجير : نصف النهار , في القيظ خاصة ( أي في عزّ الصيف ) .
(3) عن ابن عباس - رضي الله عنه - من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَرَجُلٌ تُوضَعُ فِي أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ " صحيح مسلم برقم (313).
(4) في الأصل (فلا تكذب) و الُمثبت من طبعة الشمراني.
(5) في الأصل (احتسبت) و الُمثبت من طبعة الشمراني وعلّق في الهامش بقوله : واحتسبه : ظنه .
(6) في الأصل (بباطنتي) و الُمثبت من طبعة الشمراني وعلّق في الهامش بقوله : الباطنة من الرجل : سريرته.
(7) في الأصل (فهي) و الُمثبت من طبعة الشمراني.(1/15)
عَظِيمٌ يُورِثُ الْمَحْبُوبَ(1) مَقْتَا(2)
وَيَهْوِي بِالْوَجِيهِ(3) مِنَ الثُّرَيَّا
(92)
وَيُبْدِلُهُ مَكَانَ الْفَوْقِ تَحْتَا
كَمَا الطَّاعَاتُ تُبْدِلُكَ الدَّرَارِي(4)
(93)
وَتَجْعَلُكَ الْقَرِيبَ وَإِنْ بَعُدْتَا
وَتَنْشُرُ عَنْكَ فِي الدُّنْيَا جَمِيلاً
(94)
وَتَلْقَى البِرَّ فِيهَا حَيْثُ شِئْتَا
وَتَمْشِي فِي مَنَاكِبِهَا عَزِيزاً(5)
(95)
وَتَجْنِي الْحَمْدَ فِيمَا قَدْ غَرَسْتَا
وَأَنْتَ الآنَ لَمْ تُعْرَفْ بِعَيْبٍ(6)
(96)
وَلاَ دَنَّسْتَ ثَوْبَكَ مُذْ نَشَأْتَا
وَلاَ سَابَقْتَ فِي مَيْدَانِ زُورٍ
(97)
وَلاَ أَوْضَعْتَ فِيهِ وَلاَ خَبَبْتَا(7)
فَإِنْ لَمْ تَنْأَ عَنْهُ نَشِبْتَ فِيهِ
(98)
وَمَنْ لَكَ بِالْخَلاَصِ إِذَا نَشِبْتَا(8)
تُدَنِّسُ(9) مَا تَطَهَّرَ مِنْكَ حَتَّى
(99)
كَأَنَّكَ قَبْلَ ذَلِكَ مَا طَهُرْتَا
وَصِرْتَ أَسِيرَ ذَنْبِكَ فِي وَثَاقٍ
(100)
وَكَيْفَ لَكَ الْفِكَاكُ وَقَدْ أُسِرْتَا
فَخِفْ أَبْنَاءَ جِنْسِكَ وَاخْشَ مِنْهُم
(101)
__________
(1) في الأصل (الإنسان) و الُمثبت من طبعة الشمراني.
(2) يقال : مقته مقتاً أي : أبغضه أشد البغض , وكرهه لقبيح ركبه , وقد وردت الكلمة في أكثر من موضع في القرآن الكريم .
(3) الوجيه : ذو الجاه والقدر .
(4) أي تجعل الدراري (النجوم) كالنعل لك (على سبيل المبالغة وضرب المثل) .
(5) في الأصل (كريماً) و الُمثبت من طبعة الشمراني.
(6) في الأصل (بعابٍ) و الُمثبت من طبعة الشمراني وعلّق في الهمش بقوله : العاب : الوصمة.
(7) الخَبب : ضرب من العدو , وأوضعت الناقة في سيرها : أشرعت .
(8) نشب في الأمر : وقع فيما لا مَخلص له منه.
(9) في الأصل (ودَنّّسَ) و الُمثبت من طبعة الشمراني.(1/16)
كَمَا تَخْشَى الضَّرَاغِمَ وَالسَّبَنْتَى(1)
وَخَالِطْهُمْ وَزاَيِلْهُم(2) حِذَاراً
(102)
وَكُنْ كَـ "السَّامِرِيِّ " إِذَا لُمِسْتَا(3)
وَإِنْ جَهِلُوا عَلَيْكَ فَقُلْ : سَلاَمٌ(4)
(103)
لَعَلَّكَ سَوْفَ تَسْلَمُ إِنْ فَعَلْتَا
وَمَنْ لَكَ بِالسَّلاَمَةِ فِي زَمَانٍ
(104)
تَنالُ الْعِصْمَ(5) إِلاَّ إِنْ عُصِمْتَا
ج
وَلاَ تَلْبَثْ بِحَيٍّ فِيهِ ضَيْمٌ
(105)
يُمِيتُ الْقَلْبَ إِلاَّ إِنْ كُبِلْتَا(6)
__________
(1) في هامش الأصل المخطوط : الضراغم : الأسود . السبتى : النّمر.
(2) زايلهم : فارقهم .
(3) كان السامري عظيماً في بني إسرائيل , قيل : هو منهم , وقيل : دخل فيهم , دعاهم إلى الضلالة وعبادة العجل . قال الحسن : جعل الله عقوبة السامري ألا يماس الناس ولا يماسّوه ؛ عقوبة له ولمن كان منه إلى يوم القيامة . وكأن الله عز وجل شدد عليه المحنة بأنْ جعله لا يماس أحداً , ولا يمكن من أن يمسه أحد .
ـ راجع تفسير القرطبي لخبر السامري : 11/232 , وما بعدها وفي التنزيل الحكيم في سورة طه : { قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا} [ طه : 97].
(4) في التنزيل الحكيم : { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا } [ الفرقان : 63].
(5) في الأصل (العُصْمَ) بالضم و الُمثبت من طبعة الشمراني وعلّق في الهامش بقوله : العُصْمَ (بالضم) جمع أعصم , وهو من الظباء والوعول ما في ذراعيه أو إحداهما بياض , وسائره أسود أو أحمر وأراد مُطق الوعول ؛ لأنها تسكن الجبال .
(6) وفي شعر المتلمس (ديوانه : 196) ويجري مجرى المثل :
ولا يقيمُ على ضيم يُسام به ... إلا الأذلان عيرُ الحي والوتد
هذا على الخسفِ مربوط برُمته ... وذا يُشجّ فلا يرثي له أحدُ(1/17)
وَغَرِّبْ فَالتَّغَرُّبُ فِيهِ خَيْرٌ(1)
(106)
وَشَرِّقْ إِنْ بِريِقِكَ قَدْ شَرِقْتَا(2)
فَلَيْسَ الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا خُمُولاً
(107)
لأَنْتَ بِهَا الأَمِيرُ إِذَا زَهِدْتَا (3)
وَلَوْ فَوْقَ الأَمِيرِ تَكُونُ فِيهَا
(108)
سُمُّواً وَارْتِفَاعاً(4) كُنْتَ أَنْتَا
فَإِنْ فَارَقْتَهَا(5) وَخَرَجْتَ مِنْهَا
(109)
إِلَى " دَارِ السَّلاَمِ " فَقَدْ سَلِمْتَا
وَإِنْ أَكْرَمْتَهَا وَنَظَرْتَ فِيهَا
(110)
لإِكْرَامٍ(6) فَنَفْسَكَ قَدْ أَهَنْتَا
جَمَعْتُ لَكَ النَّصَائِحَ فَامْتَثِلْهَا
(111)
حَيَاتَكَ فَهْيَ أَفْضَلُ مَا امْتَثلْتَا(7)
وَطَوَّلْتُ الْعِتَابَ وَزِدْتُ فِيهِ
(112)
لأَنَّكَ فِي الْبَطَالَةِ قَدْ أَطَلْتَا
وَلاَ يَغْرُرْكَ تَقْصِيرِي وَسَهْوِي
(113)
وَخُذْ بِوَصِيَّتِي لَكَ إِنْ رَشَدْتَا
وَقَدْ أَرْدَفْتُهَا تِسْعاً(8) حِسَاناً
(114)
وَكَانَتْ قَبْلَ ذَا مِائَةً وَسِتَّا
__________
(1) في الأصل (فالغَريبُ لهُ نَفاقٌ) و الُمثبت من طبعة الشمراني .
(2) قوله : غرّب وشرّق : أي سرْ في الأرض , وتحول عن مواطن الضيم .
(3) هذا البيت ساقط في الأصل .
(4) في الأصل (افتخاراً) و الُمثبت من طبعة الشمراني .
(5) في الأصل (فرّّقْتها) و الُمثبت من طبعة الشمراني وعلّق في الهامش بقوله : في الأصل المخطوط فرّّقْتها وأقرؤها بالألف (فارقتها) لمناسبة المعنى الظاهر .
(6) في الأصل (بإجلالٍ) و الُمثبت من طبعة الشمراني .
(7) امتثل الطريقة : اتبعها فلم يَعْدُها , (لم يتجاوزها) .
(8) في الأصل (ستّاً) و الُمثبت من طبعة الشمراني وعلّق في الهامش بقوله : الإشارة إلى عدد أبيات القصيدة . فهي 112 بيتاً كانت في الأصل 106 وزاد فيها 6 أبيات قلتُ (أبومهند النجدي) : هذا في طبعة الحكمة أما في طبعة الشمراني فعدد الأبيات 115 وزاد فيها 9 أبيات.(1/18)
وَصَلِّ عَلَى تَمَامِ الرُّسْلِ رَبِّي
(115)
وَعِتْرَتِهِ الْكَرِيمَةِ مَا ذُكِرْتَا(1)
__________
(1) هذا البيت ساقط في الأصل .(1/19)
سلسلة بحوث وتحقيقات مختارة من مجلة الحكمة (30)
تحقيق
Almodhe1405@hotmail.com
almodhe@yahoo.com
N
الغرر السافر فيما يحتاج إليه المسافر
للإمام الزركشي
ترجمة المؤلف :
*اسمه ونسبه وحياته:
هو العلامة الهمام الفذ: محمد بن عبد الله بن بهادر، أبو عبد الله بدر الدين الزركشي، الشافعي، الفقيه المتفنن، والأصولي البارع، والأديب الحاذق، والمحدث الماهر، صاحب التصانيف النافعة، والفنون الرائعة.
ولد الإمام الزركشي في مصر سنة (745هـ)، من أسرة تركية الأصل، وكان أبوه مملوكًا فتعلم صناعة الزركش، وهي نسج الحرير بالذهب، و(زركش) كلمة فارسية مركبة من: (زر) أي: ذهب و(كش) أي: ذو. فمجموعها زركش، فتعلمها منذ صغره ولذلك نسب إليها.
ثم وجهه الله سبحانه نحو العلم الشرعي، فحفظ "المنهاج في الفقه الشافعي" للإمام النووي وأقبل على العلم جادًا مخلصًا دؤوبًا لا يمل من ارتشاف ضربه.
وشغف بالحديث النبوي فرحل في سبيله إلى بلاد الشام، وسمع من كبار علماء زمانه من أمثال ابن قدامة المقدسي، وابن كثير، وغيرهم.
وكان ينوع علومه ويسوع فهومه، فتعلم الأصول، والفروع، ولازم الأسنوي والبلقيني.
ثم بعد أن أكمل مرحلة التلقي والتحصيل، ونضج فكره، وتوسعت معرفته، قرر الاستقرار في مصر، حيث انقطع إلى العلم والإفتاء، والتدريس، والتأليف، وكان لا يشغله شاغل عن ذلك.
قال ابن العماد الحنبلي في "شذرات الذهب" (6/235) : (درس، وأفتى، وولي مشيخة خانقاه كريم الدين بالقرافة الصغرى) ثم قال (كان منقطعًا إلى الاشتغال بالعلم لا يشتغل عنه بشيء وله أقارب يكفونه أمر دنياه.
وقال الحافظ ابن حجر في "الدرر الكامنة" (4/117): (كان الزركشي منقطعًا في منزله لا يتردد إلى أحد إلا إلى سوق الكتب، وكان يطالع في حانوت الكتبي طول نهاره، ومعه أوراق يعلق فيها ما يعجبه ثم يرجع فينقله إلى تصانيفه).
* ثناء العلماء عليه:(1/1)
قال ابن قاضي شهبة في "طبقات الشافعية": (كان فقهيًا أصوليًا أديبًا فاضلاً في جميع ذلك).
وقال ابن تغري بردي في "المنهل الصافي": (برع في الفقه وغيره وشارك في عدة فنون وتصدى للإفتاء والتدريس، وأكثر من الكتابة بخطه ما بين شروح ومختصرات ومجاميع، وكان غير مزاحم على الرئاسة، يلبس الخلق من الثياب، ويحضر بها المجامع والأسواق ولا يحب التعاظم).
ونقل كلام العلماء في مدحه يطول وفي هذا القدر كفاية.
* شيوخة:
من أبرز شيوخه:
1- العالم العلامة ابن قدامة المقدسي، المتوفي سنة (780هـ)ز
2- الحافظ الإمام أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي، المتوفي سنة (774هـ).
3- جمال الدين الإسنوي، المتوفي سنة (772هـ).
4- سراج الدين البلقيني، المتوفي سنة (805هـ).
5- شهاب الدين الأذرعي، المتوفي سنة 783هـ).
* تلاميذه:
ومن أبرزهم :
1- العلامة شمس الدين محمد بن عبد الدائم البرمادي، المتوفي سنة (831هـ).
2- القاضي المفتي نجم الدين عمر بن حجي الدمشقي الشافعي، المتوفي سنة (830هـ).
* وفاته:
توفي – رحمه الله – في يوم الأحد، ثالث عشر من شهر رجب الفرد، في سنة (794)، عن مسيرة علمية زاخرة بالعطاء... أخرج فيها كنوزًا رائعة في شتى العلوم والفنون، فرحمة الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته إنه سميع قريب.
* مؤلفاته:
تعدت مؤلفات الأمام الزركشي خمسة وأربعين كتابًا، شملت مختلف العلوم من علوم القرآن، والحديث الشريف، والفقه أصولاً وفروعًا، والتوحيد، والتاريخ والبلاغة، والأدب، وغيرها.
وكان في خط الأمام الزركشي ضعف، بل وصف العلماء خطه بأنه ضعيف جدًا، وسيء، ولذلك يكثر التصحيف عند النقل من كتبه المخطوطة بخط يده – رحمه الله -.
وهذه بعض مؤلفاته:
1- البحر المحيط. في أصول الفقه. مطبوع، وهو كتاب رائع جدًا.
2- إعلام الساجد بأحكام المساجد. في الفقه، مطبوع.
3- الإجابة لما استدركته عائشة على الصحابة. مطبوع.
4- البرهان في علوم القرآن. مطبوع.(1/2)
5- التذكرة في الأحاديث المشتهرة. مطبوع.
6- تخريج أحاديث الشرح الكبير للرافعي. مطبوع.
7- رسالة في معنى "لا إله إلا الله". في التوحيد. مطبوعة.
8- القواعد في فروع الشافعية. مطبوع.
9- الغرر السافر في ما يحتاج إليه المسافر. وهي هذه الرسالة التي بين يديك.
وغير هذه المصنفات الكثيرة .
* نبذة عن رسالة الغرر السافر:
ذكرها في مصنفاته حاجي خليفة في "كشف الظنون" (2/1201)، وذكر أنها تتألف من ثلاثة أبواب ومطلعها: (الحمد لله...). وإسماعيل باشا في "هدية العارفين" (6/175).
وذكرها رضا كحالة في "معجم المؤلفين" حينما عد مؤلفات الزركشي.
وغير ذلك، وكتب في أولها: (جزء يتعلق بالسفر تأليف العلامة بدر الدين الزركشي رحمه الله تعالى ورضي عنه بمنه وكرمه).
وأصل هذه الرسالة النسخة الخطية المخطوطة في المكتبة الظاهرية.
ومنها هذه الرسالة النسخة الخطية المخطوطة في المكتبة الظاهرية.
ومنها نسخة في مكتبة الجامعة الأردنية تحت رقم (191 مخطوط).
وهي نسخة جميلة، وقع التصحيف في بعض المواضع فيها.
* مصادر ترجمته:
من أراد التوسع في معرفته ما يتعلق بالإمام الزركشي فلينظر:
1- الدر الكامنة للحافظ ابن حجر (4/17).
2- النجوم الزاهرة (12/134).
3- طبقات المفسرين للداودي (1/157).
4- حسن المحاضر للسيوطي (1/437).
5- طبقات القاضي ابن شهية.
6- نزهة النفوس والأبدان للخطيب الجوهري (1/354).
7- إنباه الغمر للحافظ ابن حجر (1/446).
8- شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي (6/335).
9- هدية العارفين (6/174 – 175).
10- الأعلام للزركلي (6/286).
11- معجم المؤلفين لرضا كحالة (9/121 و 10/ 205). وغيرها.
جزء يتعلق بالسفر
تأليف
العلامة بدر الدين الزركشي رحمه الله تعالى بمنّه وكرمه
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك.
بسم الله الرحمن الرحيم(1/3)
الحمد لله الذي جعل الأرض ذلولا نمشي في مناكبها (1)، والأنعام حمولة نستوي في مراكبها (2)، والسماء بناءً نهتدي في كواكبها (3). نحمده على نعمه التي فتح أبواب مطالبها، ومننه التي قرن مستقبلها بذاهبها. وصلى الله على سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، الحالّ من العلا في أشرف مراتبها، والحالّ عقد الضلالة، والهازم لمواكبها، وعلى آله وصحبه، ما ترددت النجوم في مطالعها ومغاربها. فبعد..
فهذا كتاب للغريب أنيس (4) ، وللوحيد جليس (5). يكون رفيقًا للمسافر في سفره، معينًا له على قضاء وطره (6)، مؤنسًا له بفوائده، مساعدًا له في مصادره وموارده. سميته بـ "الغرر السافر في ما يحتاج إليه المسافر"، ناسجًا له على غير منوال (7)، منشئًا له على غير مثال، والله – سبحانه – أسأل لنفع والإثابة عليه، وأن يجعله خالصًا لوجهه مقربًا للفوز لديه، إنه سميع مجيب.
ورتبته على ثلاثة أبواب:
الباب الأول: في مدلول السفر وفوائده.
الباب الثاني: فيما يتعلق به عند السفر.
__________
(1) اقتباس من قوله تعالى (سورة اتلملك : 15): { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا }.
(2) اقتباس من قوله تعالى (سورة الأنعام: 142): { )وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً}.
(3) اقتباس من قوله تعالى: (سورة النحل: 16): { وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}
(4) الأنيس: المؤانس الذي يستأنس به من الوحشة، والإيناس ضد الإيحاش. مختار الصحاح (ص 28)، طبعة مؤسسة الرسالة.
(5) أي: صاحب.
(6) الواطر: الحاجة، وجمعه أوطار. ومنه قوله تعالى (سورة الأحزاب 37) : { فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً }
(7) المنوال: الخشب الذي يلف عليه الحائك الثوب، وجمعه أنوال، ويقال للقوم إذا استوت أخلاقهم: هم على منوال واحد. ومعنى كلامه: أي غير مشابه له من بابه. (المختار: 686).(1/4)
الباب الثالث: في الآداب المتعلقة بالسفر.
الباب الأول
* في حقيقة السفر وفوائده:
أصل السفر في اللغة (1): الظهور والبروز. ومنه أسفر الصباح إذا لمع، وسمي السفر سفرًا؛ لأنه يسفر عن أخلاق الرجال (2)، أي: يظهر أحوالها. ومنه سفرت المرأة عن وجهها، إذا كشفته وأظهرته. ومنه سميت المكنسة: مسِفَرة، لأنها تسفر التراب عن وجه الأرض. ويقال: رجل سافر، وقوم سَفْر جمع سافر كراكب وركب، إلا أنهم لم ينطقوا بسافر. وسافر شاذ في الأفعال فيما وقع في باب (فاعل) من (فعل) واحد، وأكثره أن يكون من اثنين. والأصل فيه قوله تعالى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل: من الآية20] وقال تعالى:{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك:15]
ورُوِيَ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "سافروا تصحّوا وتغنموا" أخرجه البيهقي في سننه من حديث ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم بإسناد ضعيف. وفي رواية الطبري "تسلموا" بدل "تغنموا " (3).
__________
(1) انظر معجم مقايس اللغة لابن فارس: (3/82 – 83)، ولسان العرب (4/367 – 371)، طبقة دار صادر، تاج العروس (3/269 – 272)، طبقة دار صادر.
(2) الأسرار المرفوعة (216)، كشف الخفا للعجلوني (1/ 549). وروي الخطاب في كتابه الجامع لآداب الراوي وأخلاق السامع (1793) عن صدقة بن محمد أنه قال: "يقال: إن السفر ميزان الرجال، وإنما سمي سفرًا؛ لأنه يسفر عن أخلاق الرجال".
(3) روي هذا الحديث عن عدة من الصحابة هم:
1- ... ابن عمر. رواه الطبراني في الأوسط (المجمع 5/324)، والقضاعي في الشهاب (622)، والخطيب في تاريخه (10/387)، وتمام في فوائده (رقم 855)، والبيهقي (7/102)، وابن عدي في الكامل (6/190)*، وابن عبد البر في التمهيد (22/37)، بلفظ "سافروا تصحوا" وزادوا جميعً إلا تمام "وتغنموا"، والطبراني: "وتسلموا" بدلاً عن "وتغنموا". كلهم عن محمد بن رداد به.
قال الطبراني: لم يروه عن ابن دينار إلا محمد بن رداد.
قال ابن عدي: لا أعلم يرويه غير ابن الرداد هذا.
قال الهيثمي: وفيه ابن رداد وهو ضعيف.
وضعفه أبو حاتم، وأبو زرعة وابن عدي. وعد الذهبي في الميزان هذا الحديث من منكراته. وله طريق أخرى عند الطبراني في الأوسط (المجمع 3/210)، وابن عبد البر في التمهيد (22/37)، والأستذكار (276/282)، وفيه عبد الله بن هارون وهو ضعيف.
قال أبو حاتم (العلل لأبنه 2/306): هذا حديث منكر. وقال مثله الألباني في الضعيفة (255).
2- ... أبو هريرة. رواه أحمد (2/280) عن طريق ابن لهيعة عن دراج عن أبي هريرة مرفوعًا بلفظ "سافروا تصحوا"، وابن لهيعة قد اختلط، ودراج ليس بذاك وله مناكير.
ورواه القضاعي في الشهاب (623) بنفس الففظ. عن ابلن الرداد عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعًا. وابن الرداد، تقدم بيان حاله.
ورواه الطبري في الأوسط (9/144)، طبعة دار المعارف، بلفظ: "سافروا تستغنوا" وسنده ضعيف كما قال العراقي في تخريج الأحياء (3/75)، بل حكم عليه الصغاني بالوضع (ص7) وفيه مبالغة وقال الألباني في الضعيفة (253): ضعيف.
3- ... أبو سعيد الخدري. ورواه ابن عدي في الكامل (3/454)، وأبو نعيم في الطب. وفي السند سوار وهو متروك الحديث، وشيخه عطية العوفي وهو مدلس. انظر لسان الميزان (3/128 – 129).
4- ... ابن عباس. رواه البيهقي (7/102). وابن عبد البر في التمهيد (22/37). وفيه القاسم الأنصاري. ضعيف جدًا كما قال ابن معين. انظر لسان الميزان (4/ 462)، ورواه ابن عدي (7/57). وفيه نهشل بن سعيد وهو متهم بالكذب.
5- ... رواه ابن عدي في الكامل (3/344). وفيه أبو بكر الهذلي سلمي بن عبد الله وهو متروك.
6- ... عن عمر. موقوفًا عليه. رواه عبد الرزاق عن معمر عن طاووس عن ابيه عن عمر به. وهو أشبه.
وانظر الضعيفة (253 – 255)، والروض البسام للدوسري (3/57 – 58).(1/5)
قال ابن عبد البر (1): وهذا عندي لا يعارض حديث "السفر قطعة من العذاب" (2)، بل ذلك العذاب: هو التعب والمشقة، كالدواء المر المعقب للصحة، لذلك قيل: السفر مصحة.
* وأما فوائده:
فقد أشار إليها الشافعي رحمه الله، فيما روي عنه من قوله (3):
تغرب عن الأوطان تكتسب العلي ... وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تَفَرُّجُ هَمَّ، واكتسابُ معيشةٍ ... وعلمٌ، وآداب، وصحبةٌ ماجدِ
فإن قيل: في الأسفار ذلٌ وخسةٌ ... وقطعُ الفيافي، وارتكاب الشدائدِ
فموت الفتى خيرٌ له من حياته ... بدارِ هوانٍ، بين واشٍ وحاسدٍ
فأما الأولى: وهي انفراج الهم.
فإن الله أجرى العادة، أن الملازم لمكان واحد، وطعام واحد يسأم منه، لا سيما إذا كان في هم كثير، انتقل عن تلك الحالة أو تشاغل بغيرها، تصرّف عنه الهم على التدريج، وانبعثت روحانيته لما يروم.
قال يحيى بن عدي: إن الطبيعة تمل الشيء الواحد إذا دام عليها، ولذلك اتخذت ألوان الطعام، وأطلق التزويج بأربع نسوة (4) ، ورسم التنزه والتحول من مكان إلى مكان، والإكثار (5) من الإخوان، والتفنن في الآداب، والجمع بين الجد والهزل.
قال الحريري:
وَجدتُ بها ما يملأُ العينَ قرةً ... ويسلي عن الأوطانِ كلَّ غريب
وأما الثانية: وهي اكتساب المعيشة.
__________
(1) في الاستذكار (27/282) تحقيق د. عبد المعطي قلعجي. والتمهيد (22/36) تحقيق سعيد عراب.
(2) رواه البخاري وغيره ويأتي تخريجه إن شاء الله.
(3) مرآة الجنان وعبرة اليقظان (2/26)، ديوان الشافعي (74)، مناقب الشافعي للرازي.
(4) قال تعالى (سورة النساء: 3): {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} .
(5) في الحاشية: (والاستكثار).(1/6)
فإنها لا تكون إلا بالتحرك، للحديث السابق : "سافروا تغنموا" (1)، وفي التوراة: "ابن آدم خُلقْتَ من الحركة فتحرك، وإني معك". وقالت العرب: "البركات مع الحركات"، وقالوا: "أسفر الرجل عن الظفر"، وقيل: "من ضعف عمله اتكل على رزق غيره". وقال علي رضي الله عنه: "الرزق مقدمة اللون".
وقال أحمد ابن أبي داؤد: "الاستعجال قرين الاحتياج". ومن الكلم النوابع: "صعود الإكام (2) وهبوط الغيطان قرين القعود بين الحيطان". ولله در السراج الوراق حيث يقول:
دع الهوينا وانتصب واكتسب ... واكدح فنفس المرء كداحة
وكن عن الراحة في معزل ... فالصفع موجود مع الراحة
وقال آخر:
ليس ارتحالك في نفس الغني سفرا ... بل المقام على فقر هو السفر
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لوفد عبد القيس: "ما المروءة فيكم؟ قال: العفة والحرفة"، ورُئِيًَ عكرمة وراء نهر بلخ، فقيل له ما جاء بك ها هنا؟ قال: بناتي (3). وقال رجل لمعروف الكرخي: يا أبا محفوظ! أتحرك لطلب الرزق أم أجلس؟ قال: لا بل تحرك، فإنه أصلح لك، فقال له أتقول هذا؟! فقال: وما أنا قلت، ولكن الله عز وجل أمر به، قال الكريم: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً} [مريم:25] ولو شاء أن ينزله عليها (4).
وأنشد الثعالبي:
ألم تر أن الله قال لمريم ... وهزي إليك الجذع تساقط الرطب
ولو شاء أن تجنيه من غير هزها ... ولكن (علمنا) كل شيء له سبب
وقال النابغة:
__________
(1) تقدمك تخريجه.
(2) جمع (أكمة) وهي: الرابية، وهو دون الجبل. والغيطان: جمع (غائط): وهو المكان المطمئن من الأرض. وقيل هو، المتسع من الأرض مع طمأنينة. انظر لسان العرب (12/20، 7/364)، دار صادر.
(3) انظر الطبقات لابن سعد (5/ 291)، وتهذيب الكمال (20/ 285)، طبعة مؤسسة الرسالة، تحقيق د. بشار عواد.
(4) تاريخ بغداد: (13/199)، طبعة دار الفكر.(1/7)
إذا المرء ُ لم يطلب معاشًا لنفسهِ ... شكى الفقرَ، أو لامَ الصديقَ فاكثرا
فَسِرْ في بلاد الله والتمس الغنى ... تَعُش ذا يَسار أو تموتَ فتُعذرا
وقال ابن عبد ربه: هل يجوز في عقل، أو يمثل في وهم، أو يصح في قياس أن يحصد زرع بغير بذر، أو يجني ثمر بغير غرس، أو يورى زند بغير قدح، أو ينموا مال بغير طلب.
وأما الفائدة الثالثة: وهي حصول العلم والأدب.
فقد كان السلف يرحلون في طلب الفائدة، ورحل جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في طلب حديث واحد (1). وقال موسى : "لا تلوموا، فإني أدركت منه ما لم يدرك أحد". يريد: أن الله تعالى كلمه. ونظم هذا أبو تمام، فقال:
فإن موسى صلى روحه لله ... صلاةً كثيرةَ القُدُسِ
صار نبيًا، وأعْظِم بغيبته ... في جذوة للصلاةِ أو قبسٍ
وقال آخر:
أولى التغرب، ما ارتقى ... در البحور إل النحور.
وأما الفائدة الرابعة: وهي الآداب.
فلما يرى من الأدباء، ولقاء العلماء والعقلاء الذين لا يردون قطره، فيكتسب من أخلاقهم وخلايقهم، ويتحلى بفوائدهم وحقايقهم، كما قيل:
إذا أعجبتكَ خلالُ امرئٍ ... فكُنه، يكُنْ فيكَ ما تعجب
فليس على المجد والمكرمات ... إذا رُمتها حاجبّ يحَجب
وأما الخامسة:: وهي صحبة الأمجاد.:
فيشهد لها الحس والواقع، وصحبة الأمجاد ترفع المنقوص، وترقيه إلى رتبة أهل الخصوص، وتدخِلُهُ في زمرتهم، وتنسجه في لحمتهم، ولله در القائل:
نزلتُ على آل المهلب شاتيًا ... غريبًا عن الأوطان في زمن المَحْلِ
فما زالَ بي إحسانهم، وجميلهم ... وبرهمْ، حتى حسبتهُم أهلي
__________
(1) علقة البخاري في الصحيح بصبغة الجزم (3 – كتاب العلم، 19 – باب الخروج في طلب العلم)، فتح الباري (1/208) طبعة دار الريان، وأخرجه أحمد في المسند، والبخاري في الأدب (970)، وأبو يعلى (كما قال الحافظ)، والحاكم (2/437) وصححه ووافقه الذهبي. قال المنذري: رواه أحمد وإسناده حسن. قال الحافظ في الفتح( 1/210): والإسناد حسن وقد اعتضد.(1/8)
وزاد عليه القاضي الرشيد بن الزبير، فقال:
ولما نزلنا في ظلال بيتهم أمنّا ... ونلنا الخِصبَ في زمن المَحْلِ
ولو لم يزد إحسانهم وجميلهم ... على البر من أجلي حسبتهم أهلي
وقيل:
لولا الضرورات ما فارقتكم أبدًا ... و (لا) تقلبت من ناس إلى ناس
وقيل:
وكل امرئ يولي (من) الجهل محبب ... وكل مكانِ ينبتُ العزَّ طيبُ
وقال الثعالبي: "من فضايل السفر: أن صاحبه يرى من عجائب الأمصار، ومن بدايع الأقطار، ومحاسن الآثار، ما يزيده علمًا بقدرة الله تعالى، ويدعوا شكرًا على نعمه".
وقال المأمون: "لا شيء ألذّ من السفر في كفاية؛ لأنك كل يوم تحل محلة لم تحلها، وتعاشر قومًا لم تعاشرهم". وقال عنترة: "السفر يشدُّ الأبدان، وينشط الكسلان، ويشهي الطعام". وقال ابن رشيق: "كتب إلى بعض إخواني: مثل الرجل القاعد – أعزك الله – كمثل الماء الراكد إن ترك تغير، وإن ترك تكدر، ومثل المسافر كالسحاب الماطر، هؤلاء يدعونه رحمة، وهؤلاء يدعونه نقمة، فإذا اتصلت أيامه ثقل مقامه وكثر لوّامه، فأجمع لنفسك فرحة الغيبة، وفرحة الأوبة. والسلام".
وقالت الحكماء : "لا تدرك الراحة إلا بالتعب، ولا الرغبة إلا بالنصب".
وقال ابن شرف القيرواني:
وصيّر الأرض دارا والورى رحلا ... حتى ترى مقبلا في الناس مقبولا
ولهذه الفوائد أو بعضها أكثر الناس من الأسفار حتى قيل:
كريشة بمهب الريح ساقطة ... لا تستقر على حال من القلق
وفيه قول أبي الطيب:
يخيّل لي أن البلاد مسامع ... وأني فيها ما يقول العواذل
معناه: أن العاذل ما له كلمة مستقرة في أُذن المحب.
وقال ابن اللبان:
كأنما الأرض عني غير راضية ... فليس لي وطن فيها ولا وطر
ويقول الشهاب المناري:
إن عشت عشت بلا أهل ولا وطن ... وإن قضيت فلا قبر ولا كفن
أظن قبري بطون الوحش ترحل بي ... بعد الممات، ففي الحالين لي ظعن
فصل
* وللسفر فوائد غزيرة غير ما سبق:
أحدهما: رفع الإنسان نفسه من الذل إذا كان بين قوم لئام، كما قيل:(1/9)
إذا جاورتك الليالي بساقط ... وقدرك مرفوع فعنه تحول
ألم تر ما لاقاه في جنب جاره ... كبير أناس في بجاد مزمل
وقيل:
فسر في بلاد الله والتمس الغنى ... فما الكد في الدنيا ولا الناس قاسم
وقد خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - من مكة – شرفها الله تعالى_، وهي أحب البقاع إليه، وهاجر إلى طيبة لما نأى المقام، فكان من أمره ما كان، ثم عاد إليها وفتحها الله عليه. فيستنبط منه مشروعية الانتقال من مكان الضرر.
وإن صريح الأمر والرأي لامرئ ... إذا بلغته الشمس أن يتحولا
الثاني: أن فيه تعديلا للبدن وصحة له، كما سبق "سافروا تصحوا (1) وروي "السفر مصحة، ومصحة ومصحة (2)، والفتح أعلى، أي: يصح عليه.
الثالث: يحصل مقام الغربة لنفسه، فإنه قد ورد فيه ما يبعث على ذلك، فذكر الحافظ ابن عبد البر رحمه الله (3): أن وكيعًا روى عن مالك (عن) (4) سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة يرفعه: "لو يعلم الناس ما للمسافر لأصبحوا على ظهر سفر، إن الله لينظر إلى الغريب في كل يوم مرتين"، قال: وهذا حديث غريب لا أصل له من حديث مالك ولا غيره. (وهو حديث حسن).
__________
(1) تقدم تخريجه.
(2) لم أجدهما.
(3) التمهيد (22/36)، والحديث ضعيف. في سنده أحمد بن يوسف المنبجي. قال ابن عبد البر: وليس في الرواة من ينظر في أمره غير المنبجي أ.هـ. قال الذهبي في الميزان (1/166): أحمد بن يوسف المنبجي لا يعرف، وأتى بخبر كذب هو آفته. وترجمه في اللسان (1/328 – 392) حيث ذكر له الخبر الذي ذكره ابن عبد البر. وله طريق أخرى عند الديلمي لكن فيها بشير بن زاذان وهو متهم.
انظر: تنزيه الشريعة (2/184)، والتذكرة (122)، وكشف الخفا (2/224).
(4) سقطت من المخطوطة، ولا بد منها.(1/10)
وفي "الطيوريات" من حديث رشدين بن سعد عن أبي علقمة عن أبي هريرة يرفعه: "لو يعلم الناس رحمة الله للمسافر لأصبح الناس على ظهر سفر، إن الله عز وجل بالمسافر رحيم " (1).
الرابع: أنه إذا مات يحكم له بالشهادة، لما روى ابن ماجة والدارقطني في سننيهما من حديث ابن عباس يرفعه: "موت الغريب شهادة".
وذكره الدارقطني من حديث ابن عمر وصححه (2).
__________
(1) ضعيف، ويأتي تخريجه فيما بعد إن شاء الله.
(2) روى هذا الحديث عدة من الصحابة منهم:
1- ... ابن عباس: رواه ابن ماجة (1613)، والطبراني في الكبير (11/246)، والعقيلي في الضعفاء (4/365). وفيه الهذيل بن الحكم: منكر الحديث، كما قال البخاري وابن حبان وضعفه ابن عدي. قال الحافظ في "تلخيص الحبير" (2/149): إسناده ضعيف. وظن بعض العلماء منهم عبد الحق أن الدارقطني صحح الحديث، وليس كذلك، فإنه صحح قول من قال أنه عن الهذيل عن عبد العزيز عن نافع عن ابن عمر كما قال ابن القطان، والحافظ في "التلخيص"، وانظر الكامل (1/257).
ورواه الطبراني في الكبير عن طريق أخرى، وفيه زيادة منكرة جدًا، وفي السند عمرو بن الحصين. قال الحافظ في "التلخيص" (1/149): وهو متروك. وكذا قال الهيثمي في المجمع (2/218)×. ونقي ذلك الكناني في "تنزيه الشريعة" (2/179) ثم قال: بل كذاب. وفيه أيضًا ابن علانة وهو ضعيف بل اتهمه بعضهم. وأورده ابن الجوزي في الموضوعات (2/221)، وانظر "فيض القدير" (6/246).
ورواه الدارقطني في "الأفراد"، والبزار، وابن عدي في "الكامل" (1/257) من وجه آخر عن عكرمة به، وفيه ابراهيم بن بكر الكوفي، وكان يسرق الحديث. وقال الحافظ في "التلخيص" (1/149): وإسناده ضعيف أيضًا.
2- ... أبو هريرة. رواه العقيلي في الضعفاء (2/288). وفيه أبو رجاء بن فضل الخراساني: منكر الحديث كما في "الضعفاء"، والميزان (2/472). قال الإمام أحمد: هو حديث منكر، وضعفه الحافظ في "التلخيص" (1/149). وقال ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2/408): هذا الحديث لا يصح.
3- ... أنس أخرجه المخلّص في فوائده، وفيه من لم يسم، قاله الكناني في تنزيه الشريعة (2/179).
4- ... عنترة أخرجه الطبراني في الكبير (18/87 – 88). قال الحافظ في "التلخيص" (2/149): لا يصح. وأورد السيوطي في "اللآليء" (2/132 – 133) طرقًا لتقوية الحديث، وكلها لا تنفع، بعضها أشد ضعفًا من بعض.
وجملة القول : أن الحديث ضعيف جدًا، وحكم الشيخ الألباني في الضعيفة (425) بوضعه. ومما تقدم تعلم أن المؤلف وقع في وهمين هما:
1- ... أن الحديث ليس في سنن الدارقطني وإنما في "الأفراد" له.
2- ... أن الدارقطني لم يصحح الحديث، وإنما صحح إلتباسًا وقع في السند. والله الموفق سبحانه وتعالى.(1/11)
الخامس: روى النسائي وابن ماجة في سننيهما عن عبد الله بن عمرو قال: مات رجل بالمدينة (ممن) ولد بها فصلى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: "يا ليته مات بغير مولده" قالوا: ولم ذاك يا رسول الله؟ قال: "إن الرجل إذا مات بغير مولده قيس له من مولده إلى منقطع أثره في الجنة". وفي إسناد هذا الحديث نظر (1).
وقد جاء في الترمذي مصححًا: "من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها، فأني أشفع لمن يموت بها " (2).
__________
(1) رواه النسائي (4/ 7 – 8))، عن ابن وهب عن المعافري عن حيي بن عبد الله الجُبليّ – وقد تصحف في المطبوع إلى الجيلي – واللفظ له، وابن ماجة (1614)، وابن حبان (2943) طبعة مؤسسة الرسالة، وفي حيي كلام يسير، والصحيح قبول حديثه إذا روى عنه ثقة كما قال ابن عدي. وقال الحافظ في "التقريب": صدوق يهم.
وأخرجه أحمد (2/ 177) من طريق ابن لهيعة عن حيي به. وقد حسن الحديث الشيخ الألباني، أنظر صحيح سنن النسائي (1728)، والشيخ شعيب الأرناؤط في تحقيقه لصحيح ابن حبان (7/196 – 197). وقد سقطت كلمة (ممن) من المخطوطة فاستدركتها من المصادر التي روت الحديث.
(2) رواه الترمذي (3917)، وابن ماجة (3112)، وأحمد (2/ 104 و 1 و 4/74)، وابن حبان في صحيحه (3741)، والبغوي في "شرح السنة" (2020)، والبيهقي.
قال الترمذي: وفي الباب عن سبيعة بنت الحارث الأسلمية. وقال: هذا حديث حسن غريب من حديث أيوب. ولم يذكر تصحيحًا. هذا في طبعة الشيخ أحمد شاكر، رحمه الله تعالى، لكن نقل التبريزي في "مشكاة المصابيح" عن الترمذي التصحيح حيث قال (2/70): رواه أحمد والترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب إسنادًا. فالله أعلم. وقال البغوي: هذا حديث حسن. وقد صحح الحديث الألباني كما في صحيح الترمذي (3076) وقال الأرناؤوط على إسناد ابن حبان: على شرط الشيخين.
- ... أما حديث سبيعة فآخرجه الطبراني في الكبير (24/ 747)، وأبو نعيم في "أخبار اصبهان" (2/103) من طرق، وفي سنده كلام يسير. انظر مجمع الزوائد (3/306).
- ... وورد الحديث عن الصميتة. رواه الطبراني في الكبير (24/823)، وابن حبان (3742)، والنسائي في الكبرى كما في تحفة الأشراف (11/345). وورد عن غير الصميتة، فانظر مجمع الزوائدج (3/306)، والكبير للطبراني (24/331 – 332). قال المنذري في الترغيب (2/223): ورواه البيهقي. كما حسن أحد أسانيد الطبراني.(1/12)
السادس: أن الأعمال التي تفوته بسبب السفر تكتب له وإن لم يعملها، إذا كان العائق لها مجرد السفر، وفي صحيح البخاري عن أبي موسى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمله مقيمًا صحيحًا" (1).
السابع: أنه مستجاب الدعوة، عن أبي هريرة يرفعه: "ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة الوالد، ودعوة المسافر" رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة، وقال الترمذي: حسن (2).
__________
(1) البخاري (2996)، طبعة دار الريان، وأحمد (4/ 140)، والبيهقي (3/374)، وقد ذكر الحافظ كلامًا نفسيًا في شرحه للحديث في "الفتح"، من شاء فلينظره (6/159 – 160)، وانظر نصب الراية" (2/150).
(2) رواه أبو داود (1536)، واللفظ له، والترمذي (1905، 3448)، وابن ماجة (3862) والبخاري في الأدب (481)، والطيالسي (2517)، وأحمد (2/258، 348، 478، 517، 523) وابن حبان (2699)، طبعة مؤسسة الرسالة، والقضاعي في الشهاب (306)، والبزار في كشف الأستار (4/39)، وابن عساكر في تاريخ دمشق وغيرهم وفي إسناد الحديث كلام لا يضر جدًا. بحيث يقبل التحسين لغيره. قال الترمذي: هذا حديث حسن. وحسنه لغيره الشيخ الألباني كما في صحيح سنن أبي داود (1359) وغيره.
- وقد ورد الحديث عن عقبة بن عامر، رواه أحمد (4/ 154)، والطبراني كما في المجمع (10/151)، والخطيب في التاريخ (12/380). قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير ابن الأزرق، وهو ثقة. وقال المنذري (4/85): إسناده جيد.(1/13)
وروى سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن مطر بن عكامس، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قضى الله لرجل أن يموت بأرض جعل له إليها حاجة" رواه الترمذي، وقال: غريب، لا يعرف لمطر غيره (1)،
__________
(1) رواه الترمذي (2146)، وأبو داود في القدر، والحاكم (1/42)، والطبراني في الكبير (20/343)، وابن أبي حاتم في "المراسيل" (199). قال الترمذي (طبعة أحمد شاكر): هذا حديث حسن غريب. أ.هـ.
وقد اختلف في صحبه عكامس، فلم يثبتها الأكثرون. والصحيح إثباتها . انظر "الإصابة" (3/ث 8018)، "تجريد أسماء الصحابة" للذهبي (2/880)/، (تهذيب الكمال" للمزي (ترجمة 5996)، "الثقات" (3/391) ابن سعد (6/217). قال الذهبي في تعليقه على "المستدرك" (1/42): على شرطهما – يعني الشيخين -.
- وللحديث شاهد قوي من حديث أبي عزة يسار بن عبد، وله صحبة كما قال ابن معين، والترمذي، والحاكم والذهبي وابن حجر وغيرهم. رواه الترمذي (2147)، وأحمد (3/429)، والبخاري في "الأدب" (780)، والحاكم (1/42). قال الترمذي: هذا حديث صحيح، وقال الحاكم: صحيح، ورواته عن آخرهم ثقات. وخلاصة القول أن الحديث صحيح. وقد صححه الشيخ الألباني، انظر صحيح سنن الترمذي (1745، 1746).(1/14)
وأخرجه الحاكم في مستدركه سندًا ومتنا، ثم أخرجه عن أبي حمزة عن أبي إسحاق: "ما جعل الله أجل رجل بأرض إلا حصلت له فيها حاجة" (1). ثم قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، فقد اتفقا جميعًا إخراج جماعة من الصحابة ليس لكل واحد منهم إلا راو واحد (2). وقال عثمان بن سعيد الدارمي (3)، قلت ليحيى بن معين: مطر بن عكامس لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال: لا أعلم روى هذا الحديث، وأخرجه الترمذي أيضًا من حديث أبي المليح عن أبي عزة واسمه يسار بن عبد، وله صحبة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا قضى الله لعبد أن يموت بأرض جعل له إليها حاجة" أو قال فيها حاجة (4)". وقال : حسن صحيح (5). وأخرجه الحاكم، وقال: حديث صحيح، ورواته عن آخرهم ثقات، وسمعت أبا العباس محمد بن يعقوب يقول: سمعت العباس (بن محمد) الدوري (6) يقول: سمعت يحيى بن معين يقول: اسم أبي عزة يسار بن عبد له صحبة، وأما المليح فإني سمعت الدارقطني يلزم البخاري ومسلمًا إخراج حديث أبي المليح عن أبي عزة، فقد احتج البخاري بحديث أبي المليح عن بريدة، وحديث أبي عزة رواه جماعة من الثقات الحفاظ. وأخرجه ابن عدي من جهة عبيد الله بن أبي حميد الهلالي عن أبي المليح به.
__________
(1) المستدرك (1/42).
(2) هذا كلام الحاكم في "المستدرك" (1/42). علمًا أنه لم يكن شرط البخاري ومسلم أن يكون للرجل راويان أو أكثر حتى يخرجا له، بل لهما شروط أخرى ذكرها أهل العلم. وأجود من تكلم في ذلك الحافظ في "هدي الساري"، وذكرها الحازمي، وابن طاهر. وقد وهّموا الحاكم في ما ذهب إليه. والله أعلم.
(3) تاريخه: (الترجمة :767).
(4) تقدم تخريجه قبل قليل.
(5) في الترمذي (4/394)، طبعة أحمد شاكر، قول الترمذي: (صحيح) فقط. والله أعلم.
(6) تاريخ الدوري (2/680)، وانظر تهذيب الكمال (ترجمة: 7072)، تهذيب التهذيب (11/386).(1/15)
قال: وعبيد الله متروك الحديث (1). وأخرجه ابن ماجة والحاكم أيضًا من حديث إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن عبد الله بن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا كان أجل أحدكم بأرض أتت له إليها حاجة، فإذا بلغ أقصى أثره فتوفاه الله، فتقول الأرض يوم القيامة: يا رب هذا ما استودعتن " (2). قال الحاكم (3): قد احتج البخاري برواة هذا الحديث عن آخرهم. وفي لفظ له: "إذا كان منية أحدكم بأرض أتيح له الحاجة، فيقصد إليها أقصى أثره فيقبض منها. فتقول الأرض يوم القيامة: رب هذا ما استودعتني". وقال: قد أسنده ثلاثة من الثقات عن إسماعيل: (عمرو بن علي المقدمي ومحمد بن خالد الوهبي وهشيم ) (4). وساق أسانيدهم. ثم قال: وأوقفه عنه سفيان بن عيينة، فيجيء على شرطهما في إخراج الزيادة من الثقات في الوصل والسند. انتهى.
وأنشد بعضهم في هذا المعنى:
إذا ما حمام المرء كان ببلدة ... دعته إليها حاجة فيطير
__________
(1) الكامل (4/327)، وليس فيه قول ابن عدي المذكور، وإنما نقله عن النسائي، وذكر كلام علماء آخرين مثل يحيى والبخاري.
وخلاصة القول فيه أنه: متروك. انظر الكامل (4/322)، الميزان (3/5)، التهذيب (7/9).
(2) رواه ابن ماجة (4263)، وابن أبي عاصم في "السنة" (346)، والحاكم (1/41 – 42) واللفظ له. قال البوصيري في "الزوائد": إسناده صحيح ورجاله ثقات. وقال الحاكم: قد احتج الشيخان برواة هذا الحديث عن آخرهم. ورافقه الذهبي، وهو كما قالا.
(3) المستدرك (1/42).
(4) توضيح من الزركشي، ونقل كلام الحاكم بمعناه. وصحح الحديث الحاكم على شرطهما وافقه الذهبي. وصححه الشيخ الألباني كما الصحيحة (1222). و(عمرو بن علي) صوابه (عمر) بغير واو، كما في ابن ماجة (2/1424) والحاكم (1/41).(1/16)
وكان الشافعي رضي الله عنه ينشد قبل مجيئه إلى مصر (1):
وإني أرى نفسي تتوق إلى مصر ... ومن دونها أرض المهامة والقفر
فو الله ما أدري أللخفض والغني ... أقاد إليها؟ أم أقاد إلى قبري؟
واتفق في عصرنا أن شابًا سافر من مصر إلى مكة لقصد الحج، فتوفي هناك، فأقام أهله عليه العزاء. فدخلت عليهم امرأة من العرب فأنشدتهم:
إذا لم تزرنا النائبات بأرضنا ... ركبنا المطايا نحوها فنزورها
فصل
وأما عيوب السفر : فأجلها فقد الأحباب، وتقطيع الأكباد، وترك المألوف، واقتحام المخوف، وقد روي في حديث:" المسافر وما له على قَلَتٍ" (2) أي هلاك.
__________
(1) روى الجرجاني السهمي في "تاريخ جرجان" (ص90) بسنده إلى أحمد بن عبد الله بن فتيل، قال سمعت الشافعي يقول: قلت بيتين من الشعر:-
أرى دائمًا نفسي تتوق إلى مصر ... ومن دونها أرض المفازة والقفر
فو الله ما أدري أ للفوز والغني ... أساق إليها أم أساق إلى القبر
قال أبو سعيد (أحمد): فسيق – والله – إليهما جميعًا.
وانظر تاريخ بغداد (2/70)، معجم الأدباء (6/2414)، ديوان الشافعي (78).
(2) رواه السِّنفي في (أخبار أبي العلاء المعري) من طريق أبي العلاء، وحاله معروف، والديلمي في "الفردوس" من طريق آخر، وفيه بشير بن زاذان، وأحمد بن الفرج الحمصي، وكلاهما ضعيف، وفي رواية السِّلفي أبو العلاء وبشير نفسه. وقد أنكر الحديث الإمام = النووي في "شرح المهذب" ونسبه لعلي، وهو أشبه. وضعفه الحافظ في "التلخيص" (3/98). والشيخ الألباني في "الأرواء" (5/383 – 384)، وانظر "كشف الخفا" (1/66).(1/17)
وأخرج البخاري في صحيحه من طريق مالك عن سُمي عن أبي صالح عن أبي هريرة - رضي الله عنهم - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه، فغذا قضي نهمته فلعجل إلى أهله " (1). قال أبو عمر بن عبد البر (2): هذا حديث تفرد به مالك عن سمي ولا يصح آخره، وانفرد به أيضًا سمي، فلا يحفظ عن غيره. وهو صحيح ثابت احتاج الناس فيه إلى مالك، وليس له غير هذا الإسناد من وجه يصح.
__________
(1) رواه مالك في "الموطأ" (رقم 1792)، طبعة فؤاد عبد الباقي، وعنه البخاري (1804، 3001، 5429)، ومسلم (4938)، وابن ماجة (2882)، وأحمد (2/236) والدارمي (286) والطبراني في الصغير (1/220) والبيهقي (5/259)، والحديث صحيح بلا شك، ولا يضر تفرد الأمام مالك، فإنه من أوثق الناس، لا يسأل عنه، وعند الشيخين زيادة (من وجهة) بعد (نهمته). وانظر "فتح الباري" (3/729)، طبعة دار الريان.
(2) في التمهيد (22/33)، وأما قوله (ولا يصح آخره) فمردود، فهو ثابت في الصحيحين كما تقدم، وقوله (وانفرد به أيضًا سمي) مردود كذلك فقد تابعه سهيل بن أبي صالح – عند أبن ماجة. وقد رواه هو – رحمه الله – في الأستذكار (27/281) ثم قال: حديث مالك عن سمي صحيح، وحديث الدراوردي عن سهيل أيضًا صحيح. وليس سمي بأروى عن أبي صالح من أبنه سهيل عنه، وإن كان سمي أحفظ وأقل خطًا من سهيل. أهـ. وأما قوله: (وليس له إسناد غير هذا الأسناد يصح) فمردود أيضًا بما تقدم كما له سند آخر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة. رواه الدارقطني والحاكم. قال الحافظ في الفتح (3/729)، إسناده جيد. وقال هو في التمهيد (22/34): اسناده صحيح. انظر التمهيد (22/34 – 36)، الاستذكار (27/ 279 – 282)، فتح الباري (729)، طبعة الريان.(1/18)
وروي عبيد الله بن المنتاب عن سليمان بن إسحاق الطلحي عن هارون الفروي عن عبد الملك بن الماجشون قال: قال مالك: ما بال أهل العراق يسألون عن حديث: "السفر قطعة من العذاب"؟ قيل له: لم يروه غيرك. فقال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما حدثت به (1). ولا معارضة بينه وبين الأحاديث الدالة على مدح السفر، كما ظنه قوم، لاحتمال أن يكون العذاب – وهو التعب والنصب – مبتدأ للصحة والراحة (2).
قال ابن بطال (3): "لأن في الحركة والرياضة منفعة لأهل الدعة والرفاهة، كالدواء المر المعقب للصحة، وإن كان في تناوله كراهية".
والنهمة (بكسر النون وسكون الهاء): الحاجة وبلوغ الغرض. قال ابن التين: وضبطناه أيضًا بكسرها. وقوله " فلعجل إلى أهله" أي: يسرع بالرجوع إليهم ليزيل عذابه ويطيب له طعامه وشرابه.
وذكر الخطابي (4) أن فيه حجة لمن رأى تغريب الزاني بعد جلده. قال تعالى: { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: من الآية2].
وقال ابن عبد البر (5): "فيه دليل على أن طول التغريب عن الأهل والوطن لغير حاجة من دين أو دنيا لا يصلح ولا يجوز، وأن من انقضت حاجته لزمه الاستعجال لأهله".
* لطيفة:
__________
(1) رواه ابن عبد البر في الاستذكار (27/280، تحقيق د. عبد المعطي قلعجي).
(2) قاله ابن عبد البر: كما في التمهيد (22/36)، والاستذكار (27/282).
(3) ذكره الحافظ في الفتح (3/730)، وقال مثل ذلك ابن عبد البر في التمهيد (22/36)، والاستذكار (27/282).
(4) ذكره في الفتح (3/730).
(5) في التمهيد (22/36).(1/19)
ذكر السمعاني في "تاريخه"، قال: لما قدم الأستاذ أبو القاسم القشيري بغداد، وعقد له مجلس الوعظ. فروى في أول مجلسه الحديث المشهور: " السفر قطعة من العذاب"، فقام إليه سائل، وقال: لم سمى النبي - صلى الله عليه وسلم - السفر قطعة من العذاب؟ فقال: لأنه من فرقة الأحباب. فاضطرب الناس وتواجدوا، وما أمكنه أن يتم المجلس فنزل.
* ومن معايبه.
أنه يورث ضيق الأخلاق. وقالوا: لا تعرف صاحبك حتى تعصيه أو تسافر معه . وقالوا: "الحريص والمسافر مريضان لا يعادان". وقال بعضهم يمدح: أفلح بسام وإن طال السفر. وقال علي - رضي الله عنهم - : "السفر ميزان القوم". وقيل: "عسرك في بلدك خير من يسرك في غربتك " . وقيل لأعرابي: "ما الغبطة؟ (قال): الكفاية مع لزوم الأوطان والجلوس مع الإخوان. قيل: ما الذلة؟، قال: التنقل في البلدان، والتنحي عن الأوطان". وحكي ابن عبد البر: أن الأمام الشافعي / خرج في بعض أسفاره فضمه الليل إلى مسجد فبات فيه، وغذا في المسجد قوم يتحدثون، يضربون المنا، وهجر المنطق، فتمثل:
وأنزلني طول النوى دار غربة ... إذا شئت لاقيت امرؤا لا أشاكله (1)
وأنشدوا:
وكل غريب سوف يمشي بذلة ... إذا بات عن أوطانه وجفا الأهلا
وأنشدوا:
وإن اغتراب المرء من غير حاجة ... ولا فاقة يسموا لها لعجيبُ
وحسب الفتى ذلا، وإن أدرك الغنى ... (ولو) نال ملكًا، أن يقال غريبُ
ومما ينسب إلى الشافعي / ، رواه ابن السمعاني بإسناده (عنه):
إن الغريب له مخافة سارق ... وخضوع مديون وذلة موثق
فإذا تذكر أهله وبلاده ... ففؤاده كجناح طير خافق (2)
وقد قال تعالى حاكيًا عن من دخل الجنة: {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ} [يّس: من الآية26].
وأنشد ابن عطية:
على العز مطلوب وملتمس ... وأحسنه ما نيل في الوطن
__________
(1) معجم الأدباء (6/2408)، طبعة دار الغرب الإسلامي، ديوان الشافعي (107).
(2) ديوانه (69).(1/20)
وكان الحجاج يقول: "لولا فرح الإياب لما عذبت أعدائي إلا بالسفر". وقيل: "الغربة ذلة فإن أعقبها قلة فهي نفس مضمحلة". وقال إبقراط: (يداوي كل عليل بعقاقير أرضه فإن الطبيعة تنزع إلى غذائها وعادتها". وقال جالينوس: يستروح العليل إلى تربة أرضه كما تستروح الأرض الجدبة لوابل القطر. ولله در بن الرؤبي حيث يقول:
وحَبّبَ أوطان الرجال إليهم ... مآربُ قضاها الفؤاد هنالكا
إذا ذكروا أوطانهم ذكْرتهم ... عهود الصبا فيها فحنّوا لذالكا
وأراد الحطيئة سفرًا فلما أراد الركوب قالت له زوجته: متى الرجوع؟ فانشد:
عُدّي السنين إذا ارتحلت لرجعتي ... ودعي الشهور فإنهن قصار
فإنشدته:
أذكر صبابتنا غليك وشوقنا ... وأرحم بناتك إنهن صغار
فحط رحله ولم يخرج.
قالوا: وقد يكون الأكد مع الكد، والغيبة مع الغَيْبَة كما يقيل:
وما زلت أقطع عرض البلاد ... من المشرقين إلى المغربين
وأدرع بالخوف تحت الدجا ... واستصحب الجدي والفرقدين
وأطوي وأنشر ثوب العُلا ... إلى أن رجعت بخفي حنين
وقال امرؤ القيس:
لقد طوّفت في الآفاق حتى ... قنعت من الغنيمة بالإياب
وقال آخر:
ألا رُبَّ باغي حاجة لا ينالها ... وآخر قد تقضي له وهو جالس
وهذا ونحوه قليل من كثير، وإنما الحكم للأغلب. والنجاح مع المطلوب أكثر، والحرمان للعاجز أصحب.
فصل
* في حكمه:
اعلم أن السفر مشروع في الجملة، ولكنه ينقسم إلى: طلب وهرب، وكل منهما ينقسم إلى الأحكام الخمسة (1).
أما الهرب، فينقسم إلى: واجب، ومستحب، وحرام، ومكروه، ومباح.
أما الواجب: كالخروج من أرض غلب فيها الحرام، فإن طلب الحلال فريضة على المسلم.
وأما المستحب: فالخروج من أرض غلب فيها البدع إذا لم يقدر على إنكارها، قال تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [الأنعام: من الآية68].
__________
(1) انظر إحياء علوم الدين (2/ 380 – 387)، طبعة دار الحديث، وفيه تفصيل أوسع.(1/21)
وأما الحرام: فالخروج من ارض تعيّن عليه فيها وظيفة كمن يتعين قضاء البلد.
وأما المكروه: فالخروج من أرض وقع فيها الطاعون فرارًا منه، فقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك (1).
وأما المباح: فخروج المريض من الأرض الوخمة إلى النزهة(2)، وقد أذن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك للرعاء حين استوخموا المدينة (3).
وأما سفر الطلب، فينقسم أيضًا إلى واجب ومندوب وحرام ومكروه ومباح.
فالواجب: سفر الجهاد والحج وتحصيل القوت، لأن ما لا يتم (الواجب) (4) إلا به فهو واجب والمستحب: السفر لطلب العلم والزيارة والعشرة والرباط (5).
__________
(1) ثبت الحديث عن عدة من الصحابة منهم:
1- ... أسامة بن زيد، رواه البخاري (5728)، ومسلم (2218).
2- ... عبد الرحمن بن عوف. رواه البخاري (5729)، ومسلم (2219) وأبو داود (3103)، وأحمد (5/ 206) وانظر للفائدة: "التمهيد" لابن عبد البر (6/210 – 217، 8/ 363 – 372) وفتح الباري (10/189 – 205) وفيها تفاصيل حول هذه المسألة، من أراد ذلك فليراجعهما.
(2) الأرض النزهة: الفسيحة، البعيدة عن الوخم. "فتح الباري" (10/199).
(3) روى الحديث البخاري (5727)، ومسلم (1671).
(4) زدتها لأن الكلام لا يصلح إلا بها، ولعلها سقطت سهوًا من الناسخ.
(5) ليست بهذا الأطلاق. فالسفر لطلب العلم الذي هو من الواجبات يلحق بالواجب لنفس القاعدة المذكورة. وقال - صلى الله عليه وسلم - : "طلب العلم فريضة على كل مسلم" رواه ابن ماجة (224) والطبراني في الأوسط (1/16)، والكبير (10/420)، وهو حديث صحيح مشهور جدًا، بل قال السيوطي: إنه متواتر. وله رسالة جمع فيها طرقه والفاظه وهي مطبوعة بتحقيق على الحلبي. وأما الزيارة فمنها الواجب ومنها المستحب. وأما الرباط فوجوبه في بعض الأحيان أظهر من أن يُستدل عليه.(1/22)
والحرام: سفر المعاصي (1).
والمكروه: سفر الاستكثار من المال وغيره.
والمباح: سفر التنزه والتجارة، وكسب الزائد على القوت الذي لا ينتهي به إلى حد الطغيان للغنى.
وأما سفر السياحة لا لغرض، ولا إلى مكان مقصود فمنهي عنه، وفي الحديث: (إلا رهبانية في الإسلام ولا تبتل ولا سياحة في الإسلام" (2) وقال الإمام أحمد: ما السياحة من الإسلام في شيء ولا من فعل النبيين ولا الصالحين. ولأن السفر مشتت للقلب، فلا ينبغي للمريد أن يسافر إلا في طلب علم أو مشاهدة شيخ يقتدي به. انتهى.
وفي الحديث: السياحة أمتي الصوم ورهبانيتهم الجهاد" (3)، ويروي: "سياحتهم الجهاد، ورهبانيتهم الجلوس في المسجد، وانتظار الصلاة" (4). والأول رواه ابن جرير في تفسيره (5)
__________
(1) وهو من أكثر أنواع السفر في زماننا، خاصة السفر إلى بلاد الكفر لأجل الفساد والفجور والسفر إلى منتجعات الخنا والديانة والعرى والبهيمية، وإلى مأوى الشياطين ومدن اللانسانية الحمقاء. وأن كان السفر لأمر آخر من تجارة أو تطيب أو غير ذلك، فإنه قلما يخلوا من الفساد. والأدلة في تحريم ذلك أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تذكر. والله المستعان.
(2) لم أجده فيما تحت يدي من المصادر.
(3) لم أجده بهذا اللفظ. وأورده القرطبي في تفسيره (8/270).
(4) لم أجده بهذا اللفظ مرفوعًا.
(5) تفسير الطبري، مرفوعًا (17287) وموقوفًا (17288)، طبعة العلامة أحمد شاكر وأخيه محمود
بلفظ "السائحون: الصائمون"، وأورده السيوطي في الدر (4/298)، طبعة دار الفكر، ونسبه إلى ابن جرير وأبي الشيخ وابن مردويه وابن النجار مرفوعًا. وأورده ابن كثير في تفسيره (2/375): قال: والموقوف أصح.
تنبيه: لم يرو الطبري في تفسيره اللفظ الذي ذكره الزركشي لا الأول ولا الثاني، مرفوعًا ولا موقوفًا.(1/23)
بسنده إلى أبي هريرة مرفوعًا وموقوفًا. قال بعضهم: والموقوف أصح. رواه ابن جرير أيضًا بإسناده عن عبيد بن عمير عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً (1). وإسناده جيد.
وأما حديث: "السياحة في الجهاد" فروا أبو داود مرفوعًا (2).
وفي صحيح ابن حبان مرفوعًا "رهبانية أمتي الجهاد " (3). وعن عكرمة في قوله تعالى: {السائحون} قال: هم طلبة الحديث (4).
الباب الثاني:
فيما يتعلق به عند السفر:
وفي ذلك آداب:
__________
(1) في تفسيره (17285، 17286) لكن بلفظ: سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن السائحين، فقال: "هم الصائمون". وهو مرسل جيد، كما قال الزركشي وسبقه شيخه ابن كثير بهذا القول.
(2) وتمامه، عن أبي أمامة، أن رجلاً قال: يا رسول الله، أئذن لي في السياحة. قال النبي - صلى الله عليه وسلم - "إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله تعالى". رواه أبو داود (2486) والطبراني في الكبير (8/215) والبيهقي في السنن (9/161) وفي "شعب الإيمان" (4/14)، والحاكم (2/73) وصححه ووافقه الذهبي. وصححه عبد الحق الإشبيلي، كما ذكر القرطبي في تفسيره (8/270)، وقال العراقي في اتحاف السادة المتقين (7/295): اسناده جيد. وحسنه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود (2172). وله شاهد مرسل صحيح رواه ابن المبارك عن ابن لهيعة عن عمارة بن غزية به وفيه زيادة "والتكبير على كل شَرَف".
(3) لم أجده بهذا اللفظ عند ابن حبان. لكن ورد من حديث أبي أمامة، وهو تمام الحديث المتقدم آنفًا، وله شاهد من حديث أنس. رواه أحمد (3/266) والبيهقي في الشعب(4/14) وفيه زيد العمي وهو ضعيف.
(4) رواه ابن أبي حاتم في تفسيره، وأبو الشيخ بلفظ:" هم طلبة العلم" ولا فرق كبير بينهما، وأورده الحافظ ابن كثير في تفسيره (2/375)، والسيوطي في "الدر" (4/298).
أقول: قد كانت السياحة هكذا سابقًا، أما اليوم !! فالله المستعان.(1/24)
الأول: تقديم الاستخارة. فإن الله تعالى أجرى العادة بسلامة العاقبة عند حصول ذلك وفي البخاري عن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يعلمهم الاستخارة في الأمور كلها (1).
قال ابن الصلاح: ويستحب له أن يكرر الصلاة مع الاستخارة ثلاث مرات (2) ثم ينبغي أن يشاور من يثق بدينه وخيره (3).
الثاني: إذا عزم فليبدأ بالتوبة من المعاصي، ويخرج من مظالم الخلق، ويقضي ما أمكنه من ديونهم، ويرد الودائع، ثم يستحل ممن كان بينه وبينه معاملة في شيء، أو مصاحبة، ويكتب وصيته (4) ويشهد عليه بها، ويوكل من يقضي دينه ما لم يتمكن قضائه، ويترك لأهله ومن يلزمه نفقته نفقتهم ومؤنتهم.
__________
(1) رواه البخاري (6382، 7390) والترمذي (480)، وأبو داود (1538)، والنسائي (6/80)، وابن ماجة (1383) وأحمد (3/244)، وابن حبان (887، وأبو يعلي (4/2086) والبيهقي (3/52، 5/249) وفي "الأسماء والصفات (3/244)، وابن حبان (887)، وأبو يعلى (4/2086) والبيهقي (3/52، 5/249) وفي "الأسماء والصفات" (124 – 125)، ورواه البخاري في "الأدب" (703، وابن السني (596).
(2) ورد في عمل اليوم والليلة لابن السني، مرفوعًا: "الإستخارة سبقًا". قال الحافظ في الفتح (11/191): وسنده واه جدًا أهـ. ولم أعثر على نص في استحباب تكرار الاستخارة ثلاثًا أو أكثر. والله أعلم بالصواب. [ورد تكرار الإستخارة عن السلف، كما فعل عمر في استخارته حول كتابة القرآن، (المجلة)].
(3) بناءًا على قوله تعالى (آل عمران: 159): {وشاورهم في الأمر} وقوله (الشورى: 38): {وأمرهم شورى بينهم}.
(4) كتابة الوصية واجبة على القول الصحيح لمن كان له أو عليه حقوق أو واجبات، كما في حديث ابن عمر وغيره.(1/25)
الثالث: في إرضاء والديه ومن يتوجه عليه بره وطاعته، فإن منعه الوالد، أو منع الزوج الزوجة، أو صاحب الدين المديون من السفر، ففيه كلام في موضعه (1).
الرابع: أن لا يقصد اليوم بالسفر لما في ذلك م التطير. لكن أخرج الخطيب البغدادي في تاريخه عن الهيثم عن عمر بن مجاشع عن تميم بن الحارث عن أبيه عن علي رضي الله عنه: "أنه كان يكره أن يتزوج الرجل أو يسافر إذا كان القمر في محاق الشهر أو العقر".
قال الهيثم : والمحاق لثلاث بقين من الشهر. ونقل خلافه. وكتب بعض العقلاء على ظهر كتاب "الأنواء" لابن قتيبة:
أنزل وقد خوفني للقران ... وما هو من شره كائن
ذنوبي أخاف، فأما للقران ... فإني من شره آمن
ج
__________
(1) والصحيح عدم جواز الخروج عند عدم حصول الإذن غلا إذا أصبح الخروج أوجب من ذلك. والله أعلم.(1/26)
الخامس: يحرم السفر يوم الجمعة بعد الفجر وقبل الزوال، سواء كان مباحًا، كالزيارة والتجارة، أو طاعة، كالغزو. وقيل: يجوز مطلقًا. وقيل: يجوز في سفر الجهاد دون غيره. وفي كتاب "الأفراد" للدارقطني بإسناد فيه ابن لهيعة عن ابن عمر يرفعه: "من سافر يوم الجمعة دعت عليه الملائكة: أن لا يصحب في سفره" (1). وفي "فضائل الأوقات" للبيهقي عن الأوزاعي قال: "كان عندنا رجل صياد يسافر يوم الجمعة، يصطاد، ولا ينتظر الجمعة، فخرج يومًا فخسف ببغلته فلم يبقى منها إلا ذنبها " (2). قال ابن الصلاح: إسناده قوي.
قال محمد بن كثير الراوي عن الأوزاعي: "رأيت موضع مكانه ببيروت يلقى فيه التراب".
وعن مجاهد: "أن قومًا سافروا يوم الجمعة حين زالت الشمس، فاضطرم عليهم خبائهم من غير أن يروا نارًا" (3).
__________
(1) رواه الدارقطني في الأفراد، وذكره الهندي في كنز العمال (17540)، طبعة مؤسسة الرسالة. وقال: رواه ابن النجار عن ابن عمر. قال الحافظ في "التلخيص" (2/70): وفيه ابن لهيعة. وكذا قال ابن القيم في الزاد (1/383)، طبعة مؤسسة الرسالة. الشوكاني في النيل (3/281)، وقال الألباني في الضعيفة (218): ضعيف. ورواه عبد الرزاق (5542) وابن أبي شيبة (2/15) عن حسان بن عطية. موقوفًا. وسنده صحيح. ولعله هو أصل الحديث. وانظر السلسلة الضعيفة (1/253 – 254).
(2) "فضائل الأوقات" (رقم 264) وفي "شعب الإيمان" (1/215) وفيه (إلا أذنها) بدلاً عن (ذنبها) وفيه محمد بن كثير الصنعاني: كثير الغلط.
(3) رواه ابن أبي شيبة (2/15) عن حفص بن غياث عن ليث عن مجاهد. والبيهقي في الشعب (1/215) وفضائل الأوقات (رقم 265). وانظر "اللمعة" للسيوطي (ص59) وعزاه لابن أبي شيبة فقط.(1/27)
وأما بعد الزوال، فقيد الرافعي في "المحرر" تحريمه بالمباح دون الواجب والمندوب.وقال في "الشرح": وهل كون السفر طاعة عذرًا في إنشائه بعد الزوال. وهو الذي صححه النووي (1) وذكر البيهقي عن الزهري: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج يوم الجمعة من أول النهار". وهو منقطع لا تقوم به حجة (2).
وأخرج أيضًا عن عمر رضي الله عنه قال: لا تحبس الجمعة عن سفر (3). وقال الطحاوي: لا يعرف عن الصحابة خلافه.
__________
(1) انظر "روضة الطالبين" (2/38 – 39)، طبعة المكتب الإسلامي. "والمجموع شرح المهذب" (4/3659) كلاهما للإمام النووي.
(2) رواه أبو داود في "المراسيل"، وعن البيهقي في السنن (3/187) ثم قال: وهذا منقطع أهـ. وهو مرسل لا تقوم به حجة. وانظر نيل الأوطار (3/281) والسلسلة الضعيفة (1/254).
(3) رواه عبد الرزاق (5573)، وابن أبي شيبة (2/15)، والبيهقي (3/187). قال الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي: رجال ثقات. وقال الشيخ الألباني في الضعيفة (1/254): وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات. وانظر "زاد المعاد" للحافظ ابن القيم (1/384).(1/28)
واعلم أن للسفر بعد صلاة الجمعة أصل من كتاب الله تعالى. قال الله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: من الآية10] . وقد استحسنت ما يفعله أهل الشام من إقامة أسواق البيع بعد صلاة الجمعة (1). قال سعيد بن جبير: "إذا انصرفت يوم الجمعة فساوم بشيء وإن لم تشتره. وعن ابن سيرين: إنه ليعجبني أن تكون لي حاجة فأقضيها بعد الانصراف". وحكى المحب الطبري عن بعضهم أنه يكره السفر ليلة الجمعة (2). وهو غريب، ولعله لمن لا يصليها من غده، أو تتعطل الجمعة بغيبته. وحكى الدارمي (3) عن إبراهيم النخعي، السيد الجليل، أنه كان إذا أراد السفر يوم الجمعة سافر غدوة الخميس إلى أن يرتفع النهار~، فإن أقام إلى العشي لم يخرج حتى يصلي الجمعة.
__________
(1) وتوجد آثار ذلك إلى يومنا هذا.
(2) وممن قال بهذا القول: ابن جريج. انظر مصنف عبد الرزاق (5543).
(3) الصواب (العبدري) وليس (الدارمي). والأثر ذكره النووي في المجموع (4/365)، وقال: هذا مذهب باطل، لا أصل له. وانظر "موسوعة فقه إبراهيم النخعي" للدكتور قلعجي (2/138).(1/29)
السادس: يستحب له أن يطلب رفيقًا، موافقًا، زاغبًا في الخير، كارهًا الشر، إن نسي ذكّره، وإن ذكر أعانه. وإن تيسر له مع ذلك كونه عالمًا فليتمسك به، فإنه يمنعه بعلمه وعمله، ما يطرأ على المسافرين من مساوئ الأخلاق والضجر، ويعينه على مكارم الأخلاق ويحثه عليها. وقد أخرج الخطيب البغدادي في كتاب "الجامع" من جهة محمد بن مسلم عن أبي جعفر محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الجار قبل الدار.، والرفيق قبل الطريق، والزاد قبل الرحيل " (1). ورواه الطبراني من حديث رافع بن خديج أيضًا (2). رواه الخطيب بسنده أيضًا إلى الوليد عن الأوزاعي، قال: "الرفيق بمنزلة الرقعة من الثوب، إذا لم تكن مثله شانته " (3). وذكر ابن عبد البر في "الاستيعاب" في ترجمة خفاف بن ندية: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: "يا خفاف ابتغ الرفيق قبل الطريق، فإن عرض لك أمر نصرك، وإن احتجت إليه ردفك". وقال : لا أعلم له غير هذا الحديث (4).
__________
(1) رواه الخطيب في "الجامع لآداب الراوي وأخلاق السامع" (رقم 1772). وضعفه العجلوني في "كشف الخفا" (1/391) وغيره.
(2) رواه الطبراني في الكبير (4/268)، والخطيب في الجامع (رقم 1771) وفي سنده أبان، وهو متروك. قال الكمال ابن أبي شرين: الحديث منكر. وقال الزبيدي في "إتحاف السادة المتقين" (4/324): سنده ضعيف. وانظر "مجمع الزوائد" (8/164) و"كشف الخفا" (1/204)، و"فيض القدير" (2/157)، و"الميزان" (2/159، ترجمة 3274).
(3) "الجامع لآداب الراوي وأخلاق السامع" (2/351 رقم 1774)، تحقيق د. محمد عجاج الخطيب.
(4) أورده ابن عبد البر في "الاستيعاب" (2/33 – 34)، والحافظ في الإصابة (2/282 – 283) والزبيدي في الإتحاف (4/324)، والعجلي في كشف الخفا (1/205)، وأشار إلى ضعفه.
تنبيه: وقع تصحيف في المخطوطة (ردفك) والصحيح (رفدك) كما في المصادر السابقة، وهو من الرفد: وهو الإعانة. انظر "النهاية في غريب الحديث" (2/241).
فائدة: خفاف هو ابن عمير بن الحارث بقي إلى زمن عمر رضي الله عنه. وندبة اسم أمه. وله هذا الحديث فقط كما في "الاستيعاب" (2/34). وغيره.(1/30)
وذكره العسكري في "الأمثال" من حديث علي وسعيد بن معروف بن رافع عن أبيه عن جده مرفوعًا (1).
وفي "الحلية" لأبي نعيم عن سفيان الثوري: "جاء رجل إليه، فقال: إني أريد الحج! قال: فلا تصحب من يكرم عليك، فإن ساويته في النفقة أضر بك، وإن تفضل عليك استذلك".
وفي "مكارم الأخلاق" للخرائطي عن الحسن البصري: "لا تصحب رجلاً يتكرم عليك فيفسد ما بينك وبينه – يعني من السفر". وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إذا سافرتم فاصحبوا ذوي الجود واليسر" (2).
فائدة.
روى أكثم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "خير الرفقاء أربعة" (3).
__________
(1) تقدم ذكره.
(2) وعن معاذ بن جبل موقوفًا: قال: سافر مع ذوي الجود والميسر. أورده الهندي في كنز العمال (17490) وأشار إلى أنه في مسند الفردوس عن معاذ. وهو في مجمع الزوائد (5/258).
(3) رواه ابن ماجة (28279، والبيهقي (9/157) عن أنس، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا أكثم... الحديث" قال البوصيري في "الزوائد": وفي إسناده عبد الملك الصنعاني، وأبو سلمة العاملي وهما ضعيفان. وقال السيوطي: قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: العاملي متروك، والحديث ضعيف أهـ. وضعفه الشيخ الألباني إلا الجملة المذكورة.
قلت: وحديث أكثم وإن كان ضعيفًا، فإن جملة "خير الرفقاء أربعة" لها من الشواهد ما يصححها فقد روي أبو داود (2611)، والترمذي (1555)، وابن حبان (4717)، والطحاوي (1/238) والبيهقي (9/156) عن ابن عباس مرفوعًا بلفظ: "خير الأصحاب أربعة" أو "خير الصحابة أربعة" قال الحاكم: صحيح علي شرطهما ولم يخرجاه؛ ووافقه الذهبي. وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، وابن القطان في "فيض القدير" (3/474)، والشيخ الألباني السلسلة الصحيحة (986)، والشيخ شعيب في تحقيقه لابن حبان (11/17)، والشيخ حسين سليم أسد في تحقيقه لمسند أبي يعلى (4/459 ، 5/104) وموارد الظمآن (1663)، وانظر تحفة الأشراف (5/68)، وفيض القدير (3/473)، و"اتحاف السادة المتقين"، و"موارد الظمآن" (1663)، و"الترغيب" (4/71).(1/31)
وقد تكلم على معناه السهيلي في "التعريف". وقال القاضي أبو بكر: أقل الصحبة ثلاثة، لأن أحدهم إن مضى يحتطب أو يستقي بقي إثنان. قال النووي: واستحب العلماء أن يكون من الأجانب لا من الأصدقاء، ولا من الأقارب. قال: والمختار أن الصديق المألوف به أولى لأنه أعون له على مهماته، وأرفق به في أموره. (ثم قال) (1): يحرص كل منهما على إرضاء رفيقه في جميع طريقه، ويحتمل كل منهما صاحبه، ويرى له فضلاً، وخدمة، ويصبر على ما يقع منه في بعض الأوقات.
السابع: أن يُعلم إخوانه. فعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا أراد أحدكم سفرًا فليودع إخوانه فإن الله جاعل له في دعائهم البركة". أخرجه أبو بكر الخرائطي في كتاب "مكارم الأخلاق" (2). وأخرج الطبراني في "الأوسط" من جهة سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا أراد أحدكم سفرًا فليسلم على إخوانه، فإنهم يزيدونه بدعائهم إلى دعائه خيرًا" (3).
__________
(1) في المخطوطة: "قال ثم" والصواب ما أثبتناه.
(2) قال العراقي كما في الإتحاف (6/410): رواه الخرائطي في مكارم الأخلاق بسند ضعيف أهـ. قال الزبيدي: وهو حديث غريب، وسنده ضعيف جدًا أهـ. فيه نفيع الأعمى وهو متهم بالكذب وقد عد الذهبي، في الميزان (ترجمة 9115)، هذا من أكاذيبه.
(3) رواه الطبراني في الأوسط (رقم 2863)، طبعة دار المعارف، وأبو يعلى (6686). قال الهيثمي (3/210): وفيه يحيى بن العلاء البجلي، وهو ضعيف أهـ. قلت: وفيه عمرو بن الحصين العقيلي، متروك الحديث. ثم أن يحيى رمي بالوضع. وقد ضعف الحديث الحافظ العراقي كما في "فيض القدير" (1/269) والزبيدي وابن حجر كما في الإتحاف (5(401). ولا يصلح هذا شاهد للحديث السابق، لما رأيت.(1/32)
وأخرج العقيلي من طريق ليث بن أنس بن ذنيم قال: سمعت ابن سيرين يقول: من خرج إلى أرض أو بلد فسلم علينا، لزمنا إتيانه إذا قدم، ومن لم يسلم علينا إذا خرج لم يلزمنا إتيانه إذا قدم إلا أن نأخذ عليه بالفضل (1).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: من السنة إذا أراد الرجل سفرًا أن يأتي إخوانه فيسلم عليهم، وإذا قدم من سفر جاء إخوانه فسلموا عليه (2).
ويستحب طلب الدعاء والوصية من أهل الخير والصلاح (3). ففي السنن عن أبي هريرة - رضي الله عنهم - ، أن رجلاً قال: يا رسول الله، إني أريد أن أسافر فأوصني. قال: "عليك بتقوى الله، والتكبير على كل شرف"، فلما أن ولى الرجل، قال: "اللهم أطو له البعيد وهو عليه السفر".قال الترمذي: حسن (4):
__________
(1) الأثر في "الضعفاء الكبير" للعقيلي (4/18، رقم 1570). وفيه ليث بن أنس: مجهول. ونعيم متكلم فيه. انظر الضعفاء للعقيلي (4/17)، والذهبي في الميزان (3/420).
(2) رواه الخطيب في "الجامع لأداب الراوي وأخلاق السامع" (رقم 1784)، وروى عن يحيى بن معين مثله موقوفًا عليه (1785).
(3) انظر الأذكار للنووي (355).
(4) رواه ابن أبي شيبة (9657، 15470) وعنه ابن ماجة (2771) كلاهما إلى قوله: "والتكبير على كل شرف" وعن ابن أبي شيبة رواه تاما: الترمذي (3445)، وأحمد (2/325، 331، 476) والحاكم (1/445)، والبيهقي (5/251)، وابن حبان، (2702، 2692)، وابن خزيمة (2561)، وغيرهم.
قال الترمذي: حديث حسن. وصححه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. والصواب أن الحديث حسن فقط من أجل أسامة وهو ابن زيد الليثي فإن حديث حسن، ولا يرتقي إلى درجة الصحيح وإن كان من رجال مسلم. وحسنه الشيخ الألباني في الصحيحة (1730)، والشيخ شعيب (6/410) والشيخ حسين سليم (موارد الظمآن: 2378). انظر المشكاة (2438) والأتحاف (4/443) والمجمع (4/301).
والشرف: المكان المرتفع، كالجبل والأكمة ونحو ذلك؛ انظر "معجم مقايس اللغة" (3/263).(1/33)
ويستحب الدعاء عند الوداع. فعن قزعة بن يحيى البصري، قال: قال لي ابن عمر: هلّم أودعك كما ودعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "استودعك الله دينك، وأمانتك، وخواتيم عملك". رواه أبو داود والنسائي والحاكم (1).
وعن عبد الله الخطمي قال النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يودع جيشًا، قال: "استودع الله دينكم، وأمانتكم، وخواتيم أعمالكم". روياه أيضًا (2). وإنما ذكر الدين مع الوداع لأن السفر موضع خوف وخطر، وقد يصيبه منه المشقة والتعب، فيكون سببًا لإهمال بعض الأمور المتعلقة بالدين. فدعا له بالمعونة، والتوفيق فيهما. وقيل: الأمانة هاهنا أهله ومن يخلفه منهم، وماله الذي أودعه (3)، ويستحفظه أمينة ووكيله، ومن في معناه.
__________
(1) رواه أبو داود (2600)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" كما في تحفة الأشراف (6/24)، وأحمد (2/25، 37، 136) والبيهقي (5/251). وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود (2265). وله طرق أخرى عن ابن عمر:
- ... عن نافع عنه. رواه الترمذي (3442)، وابن ماجة (2826)، قال الترمذي: غريب من هذا الوجه.
- ... وعن سالم عنه . رواه الترمذي (3443)، وأحمد (2/7)، وأبو يعلى (5624، 5674) والبيهقي (5/251). قال الترمذي: حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
- ... عن القاسم بن محمد عن. رواه الحاكم (1/442) وصححه على شرطهما ووافقه الذهبي.
- ... عن مجاهد عنه. رواه النسائي في عمل اليوم والليلة (509)، وابن حبان (2693) والبيهقي (9/173).
قال الشيخ شعيب: إسناده قوي. وصححه الشيخ حسين أسد في تحقيقه لموارد الضمآن (2376).
(2) رواه أبو داود (2601)، والحاكم (2/98097) وسكت عليه هو والذهبي. وصححه النووي في الأذكار (585) والشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود (2266)، وانظر الإتحاف (4/325).
(3) قال ذلك غير واحد منهم الخطابي في "معالم السنن" (3/76).(1/34)
وأخرج الطبراني في "الأوسط" من حديث زيد بن أسلم عن ابن عمر - رضي الله عنهم - قال: كان رسول - صلى الله عليه وسلم - إذا ودع رجلاً من أصحابه، قال: "زودك الله التقوى، وغفر لك ذنبك، ولقاك الخير حيث توجهت". وقال: لم يروه عن زيد بن أسلم إلا إسماعيل بن رافع (1).
الثامن: يستحب السفر يوم الخميس. ففي البخاري عن كعب بن مالك، قال: "قلما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخرج في سفر إلا يوم الخميس " (2).
قال النووي: فإن لم يكن، فيوم الأثنين، لأنه - صلى الله عليه وسلم - هاجر من مكة يوم الإثنين.
__________
(1) قال الزبيدي في إتحاف السادة المتقين (6/402): رواه الطبراني عن علي بن عبد العزيز، والمحاملي، والخرائطي في "مكارم الأخلاق"، والبغوي في معجمه .أهـ.
قلت: وللحديث شاهد من حديث أنس. رواه الترمذي (3444)، والحاكم (2/97)، وابن السني (496 – 497)، والطبراني في الدعاء كما قال العراقي في الإتحاف (4/325). قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وسكت عليه الحاكم والذهبي.
وقال الشيخ الألباني: حسن صحيح، كما صحيح سنن الترمذي (2739). وانظر المشكاة (2437) وكنز العمال (1759)، وإتحاف السادة المتقين (6/402)، وله شواهد أخرى عن أبي هريرة، وابن عمر وغيرهما.
(2) رواه البخاري (2949)، وأبو داود (2605)، وعنه البيهقي (9/151)، رواه الدارمي (2/214)، وأبن أبي شيبة (15464)، وعبد الرزاق (9270)، وسعيد بن منصور (2/156). وله لفظ آخر في البخاري (2950).(1/35)
ويستحب أن يكون باكرًا، لحديث صخر الغامدي، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اللهم بارك لأمتي في بكورها"، وكان إذا بعث جيشًا أو سرية بعثهم من أول النهار، وكان صخر – راوي الحديث – (رجلاً) تاجرًا، فكان يبعث تجارته أول النهار، فأثرى وكثر ماله. رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حسن. لكن في إسناده مجهول (1).
التاسع : إذا سافر بحج أو غزو أو غيرهما، يستحب أن يحرص على أن تكون نفقته حلالاً خالصًا من الشبهة، فإن خالف وحج أو غزا بمال مغصوب، عصى وصح حجه في الظاهر، لكنه ليس حجًا مبرورًا. كذا قاله النووي. ومراده عصى بالتصرف في المال المغصوب لا بالحج والغزو. ويدل على أنه لم يعص بهما، أنه يكتب له ثواب ويثاب عليه، والإنسان لا يثاب على معصية. أنتهى. وهذا ممنوع بل الظاهر أن لا ثواب فيه، كما قالوا في الصلاة في الدار المغصوبة (2).
__________
(1) رواه ابن أبي شيبة (15466)، وسعيد بن منصور (2/157) وعنه أبو داود (2606)، ورواه الترمذي (1212)، وابن ماجة (2236)، وأحمد (3/416، 4/384)، والدارمي (2/214) والطبراني في الكبير (7/28 – 29) والبيهقي (9/151). قال الترمذي: حديث حسن. ورده ابن القطان كما في الميزان (3/175).
قلت: وقد جمعت طرق الحديث فوجدته قد رواه ستة عشر نفسًا من الصحابة وتابعيان، ولئن كان كل سند لم يخل من كلام، ولكن مجموعها مع حديث صخر يقضي بتصحيح الحديث. هذا ما توصلت إليه والله أعلم بالصواب. بل إن حديث صخر حسن لذاته. وقد صححه الشيخ الألباني في صحيح الترمذي (968) وغيره، ولعله يقصد أنه صحيح لغيره.
(2) الراجح من أقوال أهل العلم، هو جواز الصلاة في الدار المغصوبة، والثوب المغصوب أو المسروق، والوضوء بالماء المغصوب أو المسروق، وأشباه هذه المسائل، واختار صحة الصلاة جمع من أهل العلم منهم شيخ الإسلام ابن تيمية.(1/36)
ويستحب أن يستكثر من الزاد والنفقة، ليواسي به المحتاجين، وليكن زاده طيبًا، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ .... } [البقرة: من الآية267].
والمراد بالطيب هنا: الجيد، وبالخبيث: الرديء. ويكون طيب النفس بما ينفقه ليكون أقرب إلى قبوله.
ويستحب له ترك المماحلة في ما يشتريه لأسباب سفره لا سيما في سفر حجه أو غزوه، وكذا كل قربة. كذا قاله الإمام الجليل أبو الشعثاء جابر بن زيد التابعي وغيره. ويستحب أن لا يشارك غيره في الزاد والنفقة، والراحلة، لأن ترك المشاركة أسلم فإنه يمتنع بسببها من التصرف في وجوه الخير، والبر، والصدقة. ولو أذن له شريكه، لم يوثق باستمرار رضاه، فإن شارك جاز.
ويستحب أن يقتصر على دون حقه. وأما اجتماع الرفقة على طعام يجمعونه يومًا يومًا، فحسن، ولا بأس بأكل بعضهم من بعض إذا وثق بأن أصحابه لا يكرهون ذلك، وإن لم يثق فلا يزيد على قدر حصته. وليس هذا من باب الربا في شيء، فقد صحت الأحاديث في خلط الصحابة رضي الله عليهم أزوادهم (1). وعن وحشي بن حرب أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا: يا رسول الله، نأكل ولا نشبع؟! قال: "فلعلكم (2) تفرقون. قال: فاجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله يبارك لكم فيه " (3).
__________
(1) الأحاديث الصحيحة في هذا الباب كثيرة، وسيمر بنا بعضها.
(2) المخطوطة "فلعلكم" وهو تصحيف ظاهر جدًا.
(3) رواه أبو داود (3764)، وابن ماجة (3286)، وأحمد (3/501) وابن حبان (5224)، والحاكم (2/103)، والبيهقي (5/258)، ونسبه في المشكاة (4252) إلى الترمذي، ولم أجده في سننه.
قال العراقي في تخريج الأحياء (2/5: إسناده حسن، وقال الحافظ: وفي صحته نظر. وحسنه الشيخ الألباني في الصحيحة (664). وللحديث شواهد كثيرة منها:
1- ... حديث أبي هريرة مرفوعًا "طعام الواحد يكفي الأثنين، وطعام الأثنين يكفي الثلاثة، وطعام الثلاثة يكفي الأربعة" رواه البخاري (5392)، ومسلم (2058).
2- ... حديث جابر مرفوعًا: "طعام الواحد يكفي الأثنين". رواه مسلم (2059) من عدة طرق.
3- ... حديث عمر مرفوعًا "كاوا جميعًا ولا تفرقوا فإن البركة مع الجماعة" رواه ابن ماجة (2658) وصححه الشيخ الأبباني في الصحيحة (2691).
4- ... وعن جابر مرفوعًا. "إن أحب الطعام إلى الله ما كثرت عليه الأيدي" رواه أبو يعلى (2045) ورجاله ثقات. وانظر "مجمع الزوائد) (5/21) والمسند لأبي يعلى بتحقيق حسين أسد (4/39).
5- ... حديث عبد الرحمن بن أبي بكر. في صحيح مسلم (2056).
6- ... حديث أضياف أبي بكر - رضي الله عنهم - في صحيح مسلم (2057).
وله شواهد أخرى جمعتها، لكن لا يتسع المقام لذكرها.(1/37)
العاشر: يستحب التبكير. فقد أخرج أصحاب السنن عن عمارة بن جديد عن صخر الغامدي - رضي الله عنهم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اللهم بارك لأمتي في بكورها"، وكان إذا بعث سرية أو جيشًا بعثهم من أول النهار. وكان صخر رجلاً تاجرًا، وكان يبعث تجارته من أول النهار فأثرى وكثر ماله. قال:
(الترمذي): حديث حسن، ولا يعرف لصخر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - غير هذا الحديث.
وقال أبو القاسم البغوي: لا أعلم روى صخر الغامدي غير هذا. وكذلك قال ابن السكن وابن عبد البر (1). وذكر بعضهم أنه روى حديثًا آخر، وهو قوله: "لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء " (2). وعمارة بن جديد الراوي عنه، قال أبو حاتم: مجهول. وقال أبو زرعة: لا يعرف. وقال ابن السكن وابن عبد البر: مجهول، لم يرو عنه غير يعلي بن عطاء الطائفي. وقد أخرجه أبو بكر الخرائطي في "مكارم الأخلاق" من حديث علي بن أبي طالب، وابن عمر، وجابر، وأنس بن مالك، وابن مسعود، وأبي هريرة رضي الله عنهم (3).
وللحديث شاهد في الصحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنهم - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفا، ويقول الآخر أعط ممسكًا تلفا " (4).
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: "ما بعد صلاة الصبح وقت تُقسمُ فيه الأرزاق بين العباد، وهو وقت نشاط النفس، وراحة البدن، وصفاء الخاطر).
__________
(1) أعاد ذكر حديث صخر للاستدلال به على استحباب التكبير. وقد تقدم بيان حاله وذكر بعض الشواهد له.
(2) رواه النسائي (8/33)، والطبراني في الكبير (12/36)، والحاكم (3/329) عن ابن عباس. وقد أورد الحديث في مجمع الزوائد (8/76 – 78) من طرق كثيرة. ولم أر فيها ولا في غيرها حديث صخر، فالله أعلم.
(3) تقدم إيراد بعضها وذكر من رواها.
(4) رواه البخاري (1442)، ومسلم (1010).(1/38)
الحادي عشر: تستحب الصلاة عند إرادة السفر. ففي الطبراني مرفوعًا: "ما خلف أحد عند أهله أفضل من ركعتين يركعهما حين يريد سفرًا". وهو حديث المقطم بن مقدام الصحابي (1).
__________
(1) رواه ابن أبي شيبة (2/81)، وابن عساكر في تاريخه (16/297/2)، والخطيب في موضح أوهام الجمع والتفريق (2/220 – 221)، والطبراني في المناسك مرسلاً، كما في الإتحاف (3/465).
فائدة: وقد وقع للزركشي تصحيف تبعًا للنووي، فإن الصواب: المطعم بن مقدام الصنعاني وهو تابعي كبير وليس صحابيًا، فتصحف عند النووي رحمه الله إلى: المقطم بن مقدام الصحابي، وقد وقع ذلك بخطه رحمه الله، وفي نسخ مقروءة عليه من الأذكار، مع كثرة تحريه وضبطه. ونبه على ذلك شمس الدين، كما نقله عنه الزبيدي في الأتحاف (2/221)، والحافظ في "تخريج الأذكار"، وابن علان في شرحه للأذكار (5/105). وضعف الحديث الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة (372).(1/39)
قال النووي (1): ويستحب أن يقرأ في الأولى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } ، وفي الثانية: (الإخلاص)، وأن يقرأ بعد سلامة (آية الكرسي)، فإنها عظيمة النفع جدًا. وقد جاء في حديث: "من قرأ آية الكرسي قبل خروجه من منزله لم يصبه شيء يكرهه حتى يرجع " (2). ويقرأ معها (لإيلاف قريش)، فقد جاء فيها آثار (عن) السلف، مع ما علم من بركة القرآن في كل حين (3). وقد أخرج أبو بكر الخرائطي في كتاب "مكارم الأخلاق" من جهة سعيد بن مرداس عن إسماعيل بن محمد عن أنس بن مالك، أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني نذرت سفرًا، وقد كتبت وصيتي من مالي. أي الثلاثة أدفعها؟ إلى ابي، أم إلى أخي، أم إلى ابني؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "ما استخلف عبد في أهله خليفة أحب إلى الله من أربع ركعات يصليهن في بيته إذا شد عليه ثياب سفره يقرأ فيهن بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد. ثم يقول: إني افتقرت بهن إليك فاخلفني بهن في أهلي ومالي، فهن خليفته في أهله وماله، وذود حول داره، حتى يرجع على أهله " (4).
__________
(1) انظر الأذكار للنووي (354) بتحقيق علي الشريجي وقاسم النووي، واتحاف السادة المتقين (3/465)، وفيض القدير (5/444).
(2) قال الحافظ في "تخريج أحاديث الأذكار": لم أجده بهذا اللفظ. وانظر الأذكار (354) وأشار غليه في الأتحاف (4/331) ولم يخرجه.
(3) وكل هذه الاستحبابات التي ذكرها الأمام الزركشي في هذا الموضع (الحادي عشر) ليس عليها دليل صحيح. والله أعلم. وانظر السلسلة الضعيفة (1/374).
(4) قال الحافظ العراقي في اتحاف السادة المتقين (6/403): رواه الخرائطي في "مكارم الأخلاق" وفيه من لا يعرف. وساقه الزبيدي بسنده، ثم قال: هذا حديث غريب أهـ. وفيه أكثر من ضعيف.
وبذا يكون الحديث ضعيف جدًا. وانظر تحاف السادة (6/403 – 404).(1/40)
الثاني عشر: يستحب للمسافر الصدقة في موضعين، إذا وضع رحله في الركاب فيشتري سلامته من الله عز وجل، وإذا رجع شكر الله. قاله ابن سراقة في كتاب "الأعداد".
الثالث عشر: أخرج البيهقي في سننه من جهة الحسن عن أنس - رضي الله عنهم - قال: لم يرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سفرًا، إلا قال حين ينهض من جلوسه: "اللهم بك انتشرت، وإليك توجهت، وبك اعتصمت، أنت ثقتي ورجائي. اللهم أكفني ما أهمني وما لا أهتم به، وما أنت اعلم به مني. اللهم زودني التقوى، واغفر لي ذنبي، ووجهني إلى الخير حيثما توجهت"، ثم يخرج (1).
قال: وكان الخطابي يقول في انتشرت: ابتسرت يعني: ابتدأت في سفري (2).
__________
(1) رواه البيهقي (5/250) واللفظ له، وأبو يعلى (2770)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (495) وابن حبان في "المجروحين" (2/86)، والطبري في "تهذيب الآثار" من مسند علي (1/97، رقم 166). قال الهيثمي في المجمع (10/130): رواه أبو يعلى وفيه عمرو بن مساور وهو ضعيف أهـ. وسكت عليه البوصيري (2/20)، وانظر "المطالب العالية" بتحقيق الشيخ الأعظمي (3/237). وعمرو: منكر الحديث كما قال البخاري، والحديث ضعيف جدًا. وانظر الميزان (3/223)، ومسند أبي يعلى بتحقيق الشيخ حسين أسد (5/158).
فائدة: قال ابن الأثير في النهاية: (ابتسرت) كذا رواه الأزهري، والمحدثون يروونه بالنون والشين المعجمه (يعني: انتشرت) آي: تحركت وسرت أهـ.
(2) ذكره عنه البيهقي في السنن الكبرى (5/250).(1/41)
قال النووي (1): والسنة أن يدعوا بما صح عن أم سلمة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول إذا خرج من بيته: "بسم الله توكلت على الله. اللهم إني أعوذ بك أن أَضل أو أُضل، أو أَزل أو أُزل، أو أَظلم أو أُظلم، أو أجهل أو يجهل علي". قال الترمذي: حسن صحيح (2). ويستحب الدعاء بما في حديث أنس - رضي الله عنهم - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قال إذا خرج من بيته: بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فيقال له: كُفيت وتنح عنه الشيطان".
قال الترمذي: حسن صحيح (3).
__________
(1) في الأذكار (60).
(2) رواه أبو داود (5094)، والترمذي (3427)، والنسائي (8/285)، وابن ماجة (3884) وأحمد (6/306، 6/322)، والحاكم (1/519، 4/136). قال الترمذي: حسن صحيح. وصححه الحاكم على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. وصححه النووي في الأذكار (55)، والألباني في صحيح سنن أبي داود (4248). وفي اتحاف السادة المتقين (4/326 – 327) توسع في التخريج ، والكلام على الأسانيد.
(3) رواه أبو داود (5095)، والترمذي (3426)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (89)، والبيهقي (5/251). قال الترمذي: حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وصحح الحديث شيخ الإسلام ابن تيمية، والحافظ ابن حجر، والنووي، والألباني في صحيح سنن الترمذي (2724).(1/42)
الرابع عشر: أخرج الخطيب أبو بكر في كتاب "الجامع" من جهة محمد بن عقبة بن هرم السدوسي ثنا أبو أمية بن فضل الثقفي ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: "خمس لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعهن في سفر ولا حضر: المرآة، والكحلة، والمشط، والمدري، والسواك" (1). وأخرجه ابن عدي في كامله من جهة أبي أمية إسماعيل بن يحيى الثقفي عن هشام به (2). وقال : لا أعلم رواه عن هشام غيره، وهو متروك في الحديث (3). وقد رواه عن هشام، أيوب بن واقد، وهو ضعيف يروي المناكير.
وروي الطبراني في الأوسط من حديث إبراهيم بن أبي عبلة عن أم الدرداء، قالت: سألت عائشة. فذكر نحوه، وزاد: "قارورة دهن"(4).
وأخرج في "الطيوريات" عن الهيثم بن جميل ثنا رجل من قريش عن مكحول عن واثلة ابن الأسقع - رضي الله عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "القوس والسيف في السفر بمنزلة الزاد " (5).
__________
(1) قال الهيثمي في المجمع (5/171): رواه الطبراني في الأوسط، وفيه اسماعيل بن يحيى أبو أمية وهو متروك أهـ. ورواه ابن النجار، واللفظ له كما في الكنز (17614). وأورده في اتحاف السادة المتقين (6/411)، وأورده ابن القيسراني في الموضوعات (4329).
(2) صوابه (أسماعيل بن يعلى) كما في الكامل (1/315)، والميزان للذهبي (1/445).
(3) الكامل (1/315).
(4) تقدم تخريجه آنفًا.
(5) لم أجده فيما بين يدي من المصادر، ولم يتيسر لي الوقوف على كتاب الطيوريات وهو للحافظ السلفي، لكن الأسناد الذي ذكره الزركشي – هذا – ظاهر الضعف، وفيه رجل لم يسم، وذكره الحافظ ابن اليسراني في الموضوعات (1076).(1/43)
قال بعضهم: وينبغي للمسافر أن يستصحب عصا، تأسيًا بموسى - صلى الله عليه وسلم - وفيها فوائد (1) منها: أن تقتل الحية، والعقرب، والذئب، والفحل الهائج. ويتوكأ عليها الكبير والسقيم والأقطع، والأعرج، والخطيب. فتنوب للأعرج عن ساق أخرى، والأعمى عن قائد، وهي للقصار والرباع وهي سناد للملة، ومحراك للتنور. ولدق الحمص والسمسم، وتخبط الشجر والشرط والمكاري للراعي في غنم. وللراكب مركبه، ووتدًا ن الحائط وتركزها فتجعلها قبلة. وإن شئت مظلة، فتدخلها في عروة المزود فطرفها في يديك والباقي في يد صاحبك. وإن كان فيها زج كانت عنزة، فإن زدت شيئًا كانت عكازًا، فإن زدت شيئًا كانت رمحًا. وكانت آية موسى عليه الصلاة والسلام في عصاه (2)، وكانت لا تفارق يد سليمان عليه السلام في مقامه حتى سلط الله الأرضة، وهو ميت، فسقط، وكانت للجن آية (3).
__________
(1) قال تعالى في سورة طه: 17 – 18: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى}.
(2) قال تعالى في سورة طه: 19 – 21: {قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى * قَالَ خُذْهَا وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى}. وتفصيل ذلك في مواضع كثيرة من القرآن.
(3) قال تعالى في سورة سبأ 14 { فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} .(1/44)
الخامس عشر: يستحب لإخوانه توديعه، ولا بأس بأن يكون هو راكب معهم، وهم مشاة. ولا سيما إذا كان المودع كبيرًا. قال البزار في مسنده: لما وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذًا إلى اليمن، كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يمشي، ومعاذ راكب. وأخرج الحاكم في مستدركه من جهة سعيد بن المسيب، أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنهم - لما بعث الجيوش نحو الشام (يزيد بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، وشرحبيل بن حسنة رضي الله عنهم) مشى معهم حتى بلغ ثنية الوداع، فقالوا: "يا خليفة رسول الله تمشي ونحن راكبان". وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (1).
السادس عشر: ينبغي السفر مع غير الصاحب، وإن تيسر له. فقد روى أكثم عن النبي - رضي الله عنهم - أنه قال:
__________
(1) المستدرك (3/80) عن سعيد بن المسيب به. وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي، لكن قال: مرسل.(1/45)
أُغزُ مع غير قومك يحسن خلقك" (1). ذكره السهيلي في "الروض". قال: وقال في "الإذكار" في كتاب (فوائد الأخيار) معنى هذا: أن الرجل إذا غزا مع غير قومه يتحفظ ولم يسترسل، وتكلف من رياضة نفسه مالا يتكلفه في صحبة من يثق باحتماله، لنظرهم غليه بعين الرضا ونصحه إذلاله. فلذلك يحسن خلقه لرياضة نفسه على الغير، والاحتمال. قال السهيلي: وهو أحسن من التأويل. غير أن الحديث مختلف في لفظه، فقد ورد فيه: "سافر مع قومك". وذكر الروايتين أبو عمر في حمواته ويستحب أن يرافق جماعة لقوله - صلى الله عليه وسلم - : "لو أن الناس يعلمون من الوحدة ما أعلم، ما سار راكب بليل وحده". رواه البخاري (2). كذا احتج به النووي. وفيه نظر من جهة أنه خاص بالليل، والمسالة عامة في سفر الليل والنهار.
__________
(1) رواه ابن ماجة (2827)، والبغوي (1/168)، وتقدم الكلام عليه. وضعفه الحافظ البوصيري في الزوائد، وقال الشيخ الألباني في ضعيف ابن ماجة (622): ضعيف جدًا. ورواه البيهقي (9/157) عن طريق أخرى. وفيها مجاهيل.
(2) رواه البخاري (2998)، والترمذي (1673)، وابن ماجة (3768)، وأحمد (2/23)، وابن أبي شيبة (9/38) وابن حبان (2704)، وابن خزيمة (2569)، والحاكم (2/101) وغيرهم وقال الحاكم: صحيح الأسناد، ولم يخرجاه! ووافقه الذهبي !! أهـ. وقد أخرجه البخاري كما ترى. وفي الحديث فوائد، من شاء فلينظرها في فتح الباري (6/161)، طبعة دار الريان.(1/46)
وقد جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - الواحد شيطانًا (1) مجازًا؛ لأنه صاحب الشيطان فحذف المضاف. فإن قيل: قد اشتهر عن خلائق أنها تستحب الوحدة في السفر؟ ! فأجاب: "أن الوحدة إنما تكره لمن يستأنس بالناس، فيخاف عليه بالانفراد، الضرر من الشياطين ونحوهم". أما الصالحون فأنهم استأنسوا بالله، واستوحشوا من الخلق في كثير من أوقاتهم فلا ضرر عليهم في الوحدة بل مصلحة، وراحة لهم.
ثم ينبغي أن يسير مع الناس ولا ينفرد بطريق، ولا ركب، يباين الطريق، فأنه يخاف الآفات من ذلك.
الباب الثالث
في الآداب المتعلقة بالسفر:
__________
(1) كما في الحديث الصحيح "الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب" رواه مالك (2/978)، وعنه أبو داود (2607)، والبغوي في شرح السنة (11/21). قال الترمذي: حديث حسن. وقال الحاكم : صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي. وذكره الألباني في الصحيحة (62).(1/47)
ما يقول إذا ركب. عن ربيعة قال: شهدت عليا أُتي بدابة ليركبها، فلما وضع رجله في الركاب، قال: "بسم الله"، فلما استوى على ظهرها، قال: "الحمد لله"، ثم قال:{ سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} ثم قال: "الحمد لله (ثلاث مرات"، ثم قال: "الله أكبر (ثلاث مرات)"، ثم قال: "سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت". ثم ضحك. فقيل: "يا أمير المؤمنين من أي شيء ضحكت"؟ قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل كما فعلت، ثم ضحك، فقلت: "يا رسول الله، من أي شيء ضحكت"؟ قال: "إن ربك يعجب من عبده إذا قال: اغفر لي ذنوبي، يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيره". أخرجه أبو داود، والنسائي، والترمذي وقال: حسن صحيح. ورواه الحاكم في مستدركه ثم قال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه(1).
__________
(1) رواه أبو داود (2602)، والترمذي (3446)، والنسائي في الكبرى كما في تحفة الأشراف (7/436 رقم 10248)، وأحمد (1/97)، والحاكم (2/98)، وابن حبان (2380)، وغيرهم. قال الترمذي: حسن صحيح. وصححه الحاكم على شرط مسلم. ووافقه الذهبي.
قلت: وليس كذلك، فإن المنهال من رجال البخاري فقط، وميسرة بن حبيب ليس من رجال الشيخين، فليس هو على شرط أي من الشيخين، وإنما هو صحيح فقط. وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود 02267).(1/48)
قلت: قال عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة، قلت لأبي إسحاق السبيعي: ممن سمعت هذا الحديث؟ قال: من يونس بن حيان. فلقيت يونس بن حيان، فقلت: ممن سمعته؟ قال: من رجل سمعه من علي بن ربيعة. ورواه بعضهم عن يونس بن حيان عن شقيق عن عتبة الأسدي عن علي بن ربيعة الوالبي به. ورواه مسلم من حديث ابن عمر نحوه (1).
وأخرج المرعشي في سننه عن مجاهد عن أبي يعمر عن أبن مسعود قال: "إذا ركب الرجل الدابة فلم يذكر اسم الله (ردفه) (2) الشيطان، فقال له: تغن. فإذا لم يحسن. قال له: تمن " (3). وأخرج أحمد في مسنده، والحاكم من حديث محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التيمي عن عمر بن الحكم بن ثوبان عن (أبي لاس) (4) الخزاعي، قال: "حملنارسول الله - صلى الله عليه وسلم - على إبل من إبل الصدقة ضعاف (بلج)".. فقلنا يا رسول الله ما نرى أن تحملنا هذه، فقال: "ما من بعير إلا على ذروته شيطان. فاذكروا اسم الله (عز وجل) إذا ركبتموها كما أمركم (الله) ثم أمتهنوها لأنفسكم . فإنما يحمل الله". وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وله شاهد صحيح (5)،
__________
(1) رواه مسلم (1342)، وأبو داود (2599)، والترمذي (3447)، والنسائي في الكبرى كما في تحفة الأشراف (6/16)، وفي عمل اليوم والليلة (548)، وأحمد (2/144)، وابن خزيمة (2542)، وابن حبان (2695، 2696)، والحاكم (2/254)، والبيهقي (5/251)، وغيرهم.
(2) في المخطوطة (وذم) والتصحيح من "مجمع الزوائد" و"كنز العمال".
(3) قال الحافظ الهيثمي (10/131): رواه الطبراني موقوفًا، ورجاله رجال الصحيح أهـ، وانظر كنز العمال (24995).
(4) في المخطوطة "ابن أويس" وهو تصحيف ظاهر.
(5) رواه أحمد (4/221 )، وابن خزيمة (2377، 2543)، والحاكم (1/444)، والبيهقي (5/252)، وابن عبد البر في التمهيد (5/302). قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
قلت : وفيه محمد بن اسحق، وهو مدلس، لكنه صرح بالتحديث في إحدى الروايتين عند أحمد (4/221)، والراجح في حديث ابن اسحق أنه حسن. قال الهيثمي (10/131): رواه أحمد والطبراني بأسانيد ورجال أحدها رجال الصحيح غير محمد بن أسحق وقد صرح بالسماع في أحدها أهـ.(1/49)
ثم أخرجه من حديث الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن معاذ بن أنس عن أبيه، وكان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اركبوا هذه الدواب سالمة، ودعوها (1) سالمة ولا تتخذوها كراسي " (2). وأخرج ابن حبان في صحيحه (3)، عن عبيد الله بن موسى ثنا أسامة بن زيد حدثني محمد بن حمزة بن عمرو الأسلمي قال: سمعت أبي يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "فوق كل ظهر بعير شيطان، فإذا ركبتموهن فاذكروا اسم الله، ولا تقتصروا عن حاجتكم" وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه (4).
__________
(1) في المستدرك "وابتدعوها" (1/444).
(2) رواه أحمد (3/439)، والحاكم (1/444)، وابن خزيمة (2544) ، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في تعليقه على صحيح ابن خزيمة (4/142). وللحديث شواهد منها:
1- ... حديث سهل بن حنظلة، رواه أبو داود (2448)، وابن خزيمة (2545) وصححه النووي في رياض الصالحين، والألباني في تعليقه على ابن خزيمة.
2- ... حديث أبي هريرة. رواه أبو داود (2567)، وعنه البيهقي (5/255).
3- ... عبد الله بن جعفر. رواه الحاكم (2/99)، وصححه ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.
فائدة: (ابتدعوها): أي تركوها ورفهوا عنها إذا لم تحتاجوا إلى ركوبها. (النهاية، لسان العرب).
(3) ليس الحديث في صحيح ابن حبان، وإنما هو في مستدرك الحاكم (1/444) سندًا ومتنًا، ويوضح الأمر أكثر كلام الحاكم في آخر الحديث.
(4) رواه أحمد (3/494)، والدارمي (21/285)، وابن حبان (1703، 2694) وابن خزيمة (2546)، والطبراني في الكبير (2993)، والحاكم (1/444) . كلهم عن أسامة بن زيد الليثي به. وصححه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.
قلت: وإنما هو حسن فقط من أجل الليثي. وتقدم الكلام عليه في حديث غير هذا.(1/50)
وله شاهد على شرطه ثم ساقه من حديث ابن أبي الزناد عن أبيه عن الأعرج عن أبي هريرة - رضي الله عنهم - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن على كل ذروة بعير شيطان، فامتهنوهن بالركوب، وإنما يحمل الله عز وجل" (1).
* ما يدعو به في سفره.
عن أبي هريرة - رضي الله عنهم - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سافر قال: "اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل. أطولنا الأرض، وهو علينا (السفر)". أخرجه أبو داود والنسائي (2). وأخرجه مسلم من حديث ابن عمر أتم منه (3). وأخرج من حديث عبد الله بن سرجس - رضي الله عنهم - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتعوذ من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، والحور بعد الكور، ودعوة المظلوم. وهكذا رواه مسلم (بالراء) ويروي (بالنون) (4).
__________
(1) رواه ابن خزيمة (2547)، والحاكم (1/444)، وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبلي وهو كما قالا. وقال الشيخ مصطفى الأعظمي في تعليقه على ابن خزيمة (4/144): إسناده صحيح.
(2) رواه أبو داود (2598)، وأحمد (1/256، 2/144، 5/83)، والترمذي (3438)، والنسائي (8/274). والحديث صحيح، وله شواهد كما سيأتي بعضها مثل حديث عبد الله بن سرجس، وصحح الحديث الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود (2263).
(3) تقدم تخريجه.
(4) رواه مسلم (1343)، والترمذي (3439)، والنسائي (8/272)، وابن ماجة (3888) وأحمد (5/83)، والدارمي (2/287). وانظر شرح النووي على مسلم (9/111 – 112) وشرح السيوطي للنسائي (8/272).
أما قول الزركشي رحمه الله: (رواه مسلم بالراء ويروي بالنون) فإنه غير مسلم. فقد قال النووي في شرحه لمسلم (9/111): (الحور بعد الكون): هكذا هو في معظم النسخ عن صحيح مسلم (بعد الكون) بالنون. بل لا يكاد يوجد في نسخ بلادنا إلا بالنون. وكذا ضبطه الحفاظ المتقنون في صحيح مسلم. ثم قال: ورواه العذري: (بعد الكور) بالراء أهـ. وكلا الروايتين صحيح رواهما مسلم، والترمذي وغيرهما.(1/51)
وعثاء السفر : شدته ومشقته، واصله من (الوعث) وهو الرمل الدقيق الذي يغوص فيه الرجل ويشتد المشي عليهم. ثم جعل ذلك مما يشق ويؤلم.
والكآبة: تغير النفس والانكسار من الحزن والهم. يقال: رجل كئيب، أي: حزين. ونقل كآبة كآبة بتخفيف الهمزة وإسكان الألف (كرأفة ورافة).
والمنقلب (بفتح اللام): المرجع. ومعناه: أن يرجع من سفره فيجد أهله أصيبوا بمصيبة نسأل الله السلامة.
والحور بعد الكور. قيل: الرجوع عن الاستقامة والحالة الجميلة بعد أن كان عليها. والحور: الرجوع، من قوله تعالى: { إنه ظن أن لن يحور} [سورة الانشقاق/14] أي: يرجع. والكون (بالنون): الوجود. يقول: لا تردنا إلى حال بعد وجودنا على خير منها. وأما على رواية (الراء) فقيل معناه: أن يعود إلى النقصان بعد الزيادة. وقيل: من الرجوع عن (الحالة المرضية) بعد أن كان فيها. يقال: كان في الكور. أي: في الجائحة. شبه اجتماع الجائحة باجتماع العمامة إذا لفت. ويقال: كار عمامته إذا لفها، وحار عمامته: إذا نقضها. فكأنه استعاذ من انتقاص أموره بعد ثباتها. حكاه أبو إسحاق الحربي وغيره.
ما جاء في استحباب ذكر الله في حال سيره وإقامته.
روى جعفر الفريابي في كتاب فضل الذكر عن عون بن عبد الله، قال: قال ابن مسعود - رضي الله عنهم - إن الجبل ليقول للجبل: "يا فلان مر بك اليوم ذاكرًا لله عز وجل. فإن قال: نعم، سره ذلك". ورواه البيهقي، وقال: استبشارًا بذكر الله (1).
__________
(1) رواه الأصبهاني في "الترغيب" (1369): وفي الحلية (4/242) والبيهقي في الشعب (537، 538، 691)، ورواية البيهقي التي أشار إليها الزركشي برقم (537).(1/52)
قال عون بن عبد الله (الراوي عن ابن مسعود): أفيسمعن الزور إذا قيل، ولا يسمعن الخير؟! (1) هي للخير أسمع، وقرأ {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً *أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً} [ مريم:88 - 91).
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنهم - قال: ما من حاج ولا رواح إلا تنادي بقاع الأرض بعضها بعضًا: يا جارة، هل مر بك اليوم عبد فصلي عليك لله أو ذكر الله عليك؟ فمن قائلة: لا. ومن قائلة: نعم. فإذا قالت: نعم. رأت عليها بتلك لها فضلاً (2).
وقال أبو الدرداء - رضي الله عنهم - : أذكروا الله في أسفاركم عند كل حجرة وشجرة لعلها تأتي يوم القيامة تشهد لكم (3).
وقال الحليمي: من الآداب: الذكر عند كل أضطجاعة، وعند كل شيء، وعند كل حجر ومدر وشجر. واستدل له الشافعي بما رواه أبو هريرة - رضي الله عنهم - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من اضطجع مضطجعاً لم يذكر الله فيه كان عليه تره يوم القيامة، ومن مشى ممشى لم يذكر الله فيه كان عليه ترة يوم القيامة " (4).
__________
(1) في المخطوطة سُطرت كلمات لم تتضح لي، استدركتها من مصادرها التي تقدمت.
(2) لم أظفر به، مع كثرة بحثي عنه في مظانه.
(3) رواه أحمد في الزهد عن عطاء مرسلاً. وذكره الهندي في الكنز (17618) ونسبه لابن شاهين في "الترغيب" في الذكر. وانظر كشف الخفا للعجلوني (1/114 رقم 303).
(4) رواه أبو داود (4856، 5059)، والترمذي (3380)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" (407) وأحمد (2/446) والحاكم (1/496) وابن حبان (853) وغيرهم. وصحح الحديث جمع من أهل العلم منهم الترمذي قال: حسن صحيح. والحاكم، والذهبي. والألباني في الصحيحة (74 – 77).
وقد خرجت الحديث وشواهده لكن لا يتسع المقام لذكرها.
فائدة: (ترة): يعني حسرة وندامة. وقد فسرت في نفس الحديث. وفسرها بذلك الترمذي (5/461).
فائدة أخرى: وهذا الحديث بطرقه وألفاظه يوجب الذكر ولو قليلاً والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولو مره في المشي والجلوس، وغير ذلك. وقال به غير واحد من أهل العلم. انظر "فيض القدير" (5/439)، والسلسلة الصحيحة (1/119 – وما بعدها).(1/53)
وروي أيضًا عن أبي هريرة - رضي الله عنهم - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني أريد سفرًا، فقال له: "أوصيك بتقوى الله، والتكبير على كل شرف" (1).
* ما يقول إذا علا وإذا هبط:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "كنا إذا صعدنا كبرنا، وإذا نزلنا سبحنا". رواه البخاري (2).
قال الأئمة: التكبير عند أشراف الجبال استشعار لكبرياء الله عندما يقع عليه العين من عظم خلق الله، أنه أكبر من كل شيء. وأما تسبيحه في بطون الأودية، فهو مستنبط من قصة يونس عليه السلام وتسبيحه في بطن الحوت. قال تعالى: { فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} [الصافات:143] فافتعل النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا التسبيح في بطون الأودية لينجيه الله منها. وقيل معنى التسبيح عند الهبوط: تنزيه الله تعالى عن صفات الانخفاض والضعة (3).
* ما يقول إذا خاف قومًا:
__________
(1) تقدم تخريجه.
(2) رواه البخاري (2993)، والدارمي (2/288)، وابن خزيمة (2562)، والدارقطني (2/233) وانظر للفائدة "فتح الباري" (6/158 – دار الريان).
ومن السنة أن يكون التكبير غير مرتفع جدًا، وأن يضاف إليه التهليل، كما في حديث أبي موسى الأشعري في البخاري (2992، 4205، 6384) وغيره.
(3) انظر فتح الباري (6/158)، دار الريان، فقد نقل عن المهلب كلامًا أوسع من هذا هنا.(1/54)
عن أبي موسى - صلى الله عليه وسلم - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا خاف قومًا: "اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم". أخرجه أبو داود والنسائي، والحاكم في مستدركه في باب قسم الفيء والغنيمة. ثم قال: صحيح على شرط الشيخين وأكبر ظني أنهما لم يخرجاه (1).
وأخرج أبو نعيم في حديث الهجرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا على سراقة حين اتبعه وأبا بكر، فقال: "اللهم اكفناه بما شئت" فساخت به فرسه في الأرض إلى بطنها (2). هكذا وجد ...
__________
(1) رواه أبو داود (1537)، والنسائي في الكبرى كما في التحفة (6/465)، وفي "عمل اليوم والليلة" (601)، وأحمد بسندين (4/414)، وابن حبان (4765)، وابن السني (328) والحاكم (2/142)، والبيهقي (5/253). وصححه الحاكم على = شرطهما. ووافقه الذهبي. وهو كما قالا، رحمهما الله تعالى. وصححه الحافظ العراقي، والزبيدي كما في الإتحاف (5/105)، والنووي في "رياض الصالحين"، والشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود (1360)، والأرناؤوط في تعليقه على ابن حبان.
(2) جزء من حديث طويل عن البراء بن عازب. رواه أحمد (1/2-3)، وابن أبي شيبة (14/328، 331)، والمروزي في مسند أبي بكر (62، 65)، وابن حبان (6281، 6870) والبيهقي في الدلائل (2/484). وأصل الحديث في الصحيحين: البخاري (3615)، ومسلم (2009)، وفيهما (فدعا عليه)، ولم يذكرا لفظ الدعاء. وفي لفظ للبخاري (3911): اللهم أصرعه.
وللحديث شاهد من حديث صهيب بن سنان. رواه مسلم (3005)، والترمذي (3340)، وأحمد (6/17)، والنسائي في الكبرى كما في التحفة (4/198)، وعبد الرزاق (9751)، والطبراني في الكبير (7319، 7320). وفيه دعاء: (اللهم أكفنيهم بما شئت).
والله أعلم بالصواب وهو الموفق سبحانه. سبحانك اللهم وبحمدك. أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(1/55)
سلسلة بحوث وتحقيقات مختارة من مجلة الحكمة (19)
الفوائد المحصلة من الصواعق المرسلة
قواعد وضوابط وفوائد
من كتاب
"الصواعق المرسلة" لابن القيم
جمال بن أحمد بادي
الأستاذ المساعد بقسم أصول الدين
بكلية معارف الوحي والعلوم الإنسانية
بالجامعة الإسلامية العالمية – ماليزيا
قام بنشره
أبو مهند النجدي
Almodhe1405@hotmail.com
almodhe@yahoo.com
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده، محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد:
فهذه فوائد وقواعد وأصول وضوابط من كتاب: "الصواعق المرسلة" لابن قيم الجوزية رحمه الله، أقدمها إلى طلبة العلم لما فيها من الفائدة المنهجية الضرورية، التي تعين قارئها على التعرف على قواعد تفسير النصوص الشرعية، وأسس دلالات الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة، كما تحصنه من سبل التحريف والتأويل التي سلطها المخالفون لمنهج أهل السنة والجماعة على النصوص قديماً وحديثاً. وقد سلكتُ في استخراجها أسلوب الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله، الذي سار عليه في كتابه النفيس "طريق الوصول إلى العلم المأمول".
وقد أسميتها "الفوائد المحصلة من الصواعق المرسلة".
وقد جعلت لهذه القواعد والأصول والضوابط أرقاماً متتابعة، وذكرت في آخر كل واحدة منها رقم الصفحة التي وردت فيها أصل الكتاب، ليسهل على القارئ الكريم مراجعتها عند الحاجة إلى ذلك. كما اعتمدت في استخراجها على النسخة المحققة من الكتاب، سائلاً المولى عزَّ وجلَّ أن ينفع بها طلبة العلم، وأن يجعلها في موازين الحسنات. آمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
جمال بن أحمد بادي
وفيما يلي ذكر تلك القواعد والضوابط والأصول:(1/1)
1. ... ولقد شهد سبحانه لمن يرى أن ما جاء به رسوله - صلى الله عليه وسلم - من عند الله هو الحق لا آراء الرجال بالعلم، فقال تعالى: وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [سبأ:6].
وقال تعالى: أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى } [الرّعد: 19].
فمن تعارض عنده حقائق ما جاء به وآراء الرجال فقدَّمها عليه، أو توقف فيه، أو قدحت في كمال معرفته، وإيمانه به، لم يكن من الذين شهد الله لهم بالعلم. (ج1/ ص155،156).
2. ... وبالجملة فالتأويل الذي يوافق ما دلَّت عليه النصوص وجاءت به السنة ويطابقها هو التأويل الصحيح. والتأويل الذي يخالف ما دلَّت عليه النصوص وجاءت به السنة هو التأويل الفاسد. (ص187).
3. ... أنواع التأويل الباطل:
أ ما لم يحتمله اللفظ بوضعه. (ص187).
ب ما لم يحتمله ببنيته الخاصة من تثنية أو جمع، وإن احتمله مفرداً كتأويل قوله تعالى:
لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } [صّ:75]. بالقدرة. (ص188).
ت ما لم يحتمله سياقه وتركيبه، وإن احتمله في غير ذلك السياق، كتأويل قوله تعالى:
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ } [الأنعام: 158] بأن إتيان الرب إتيان بعض آياته التي هي أمره. (ص188).
ث ما لم يؤلف استعماله في ذلك المعنى في لغة المخاطب، وإن ألف في الاصطلاح الحادث، وهذا موضع زلَّت فيه أقدام كثير من الناس، وضلَّت فيه أفهامهم. (ص189)، كما تأوَّلت طائفة قوله تعالى: فَلَمَّا أَفَلَ } [الأنعام: 76] بالحركة، وقالوا: استدلَّ بحركته على بطلان ربوبيته. (ص190)، وكما تأوَّل بعضهم قوله تعالى:{ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } [الأعراف: 54]: أي بمعنى أقبل على خلق العرش.(1/2)
ج ما ألف استعماله في ذلك المعنى لكن في غير التركيب الذي ورد به النص، فيحمله المتأوَّل في هذا التركيب الذي لا يحتمله على مجيئه في تركيب آخر يحتمله، وهذا من أقبح الغلط والتلبيس، كتأويل اليدين بالنعمة، وتأويل قوله تعالى: إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } [القيامة:23] بالانتظار.
فلا يلزم من صلاحية اللفظ لمعنى ما في تركيب، صلاحيته له في كل تركيب. (ص192-196).
ح اللفظ الذي اطرد استعماله في معنى هو ظاهر فيه ولم يعهد استعماله في المعنى المؤوَّل، أو عهد استعماله فيه نادراً، فتأويله حيث ورد وحمله على خلاف المعهود من استعماله باطل، فإنه يكون تلبيساً وتدليساً يناقض البيان والهداية نحو قوله تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً } [النساء: 164]، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : "إنكم ترون ربكم عياناً" فإنها قد حفَّت بالقرائن والمؤكَّدات بما ينفي عنها تأويل المتأوَّل. (ص 197،196).
خ كل تأويل يعود على أصل النص بالإبطال فهو باطل، مثل حملهم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليَّها فنكاحها باطل" على الأمة. (ص198).
د تأويل اللفظ الذي له معنى ظاهر لا يفهم منه عند إطلاقه سواه، بالمعنى الخفي الذي لا يطلع عليه إلا أفراده من أهل النظر والكلام، كتأويل لفظ الأحد بالذات المجردة عن الصفات. (ص199).
ذ التأويل الذي يوجب تعطيل المعنى الذي هو في غاية العلوّ والشرف، ويحطه إلى معنى دونه بمراتب كثيرة، وهو تأويل فاسد كتأويل قوله تعالى: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ } [الأنعام: 18]، وقوله تعالى: يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ } [النحل: 50] بأنهم فوقية الشرف كقولهم: الدرهم فوق الفلس. (200).
ر تأويل اللفظ بمعنى لم يدلّ عليه دليل من السياق ولا معه قرينة تقتضيه. (ص201).(1/3)
4. ... لما كان الكلام نوعين: خبر، وطلب، كان المقصود من الخبر تصديقه، ومن الطلب امتثاله، كان المقصود من تأويل الخبر هو تصديق مخبره، ومن تأويل الطلب هو امتثاله، وكان كل تأويل يعود على الخبر بالتعطيل وعلى الطلب بالمخافة تأويلاً باطلاً. (ص206).
5. ... وقد يكون معنى النص بيَّناً جلياً، فلا تختلف الأمة في تأويله، وإن وقع الخلاف في حكمه لخفائه على من لم يبلغه، أو لقيام معارض عنه، أو نسيانه، فهذا يعذر فيه المخالف، إذا كان قصده اتباع الحق ، ويثيبه الله على قصده. (ص207).
6. ... وقد تكون دلالة اللفظ غير جلية فيشتبه المراد به بغيره، فهنا معترك النزاع بين أهل الاجتهاد في تأويله، ولأجل التشابه وقع النزاع فيفهم هذا منها معنى فيؤوَّلها، ويفهم غيره معنى آخر فيؤولها به. وقد يكون كلا الفهمين صحيحاً، والآية دلَّت على هذا. (ص207)،
وقد تنازع الصحابة في تأويل قوله تعالى: أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ } [البقرة: 237] هل هو الأب أم الزوج. (ص208).
7. ... ولم يتنازع الصحابة في تأويل آيات الصفات وأخبارها في موضع واحد، بل اتفقت كلمتهم وكلمة التابعين بعدهم على إقرارهم، وإمرارها، مع فهم معانيها، وإثبات حقائقها، وهذا يدل على أنها أعظم النوعين بياناً، وأن العناية ببيانها أهم، لأنها من تمام تحقيق الشهادتين، وإثباتها من لوازم التوحيد. (ص210).
8. ... ولم يعرف عن أحد من الصحابة قط أن المتشابهات آيات الصفات، بل المنقول عنهم يدل على خلاف ذلك، فكيف تكون آيات الصفات متشابهة عندهم وهم لا يتنازعون في شئ منها، وآيات الأحكام هي المحكمة، وقد وقع بينهم النزاع في بعضها؟ (ص213).
9. ... والتحريف: العدول بالكلام عن وجهه، وصوابه إلى غيره، وهو نوعان: تحريف لفظه، وتحريف معناه. (ص215).
10. ... والمقصود أن التأويل يتجاذبه أصلان: التفسير، والتحريف. فتأويل التفسير هو الحق، وتأويل التحريف هو الباطل.(1/4)
11. ... المعاني المفهومة من الكتاب، والسنة، لا تردُ بالشبهات، فيكون ردها من باب تحريف الكلم عن مواضعه، ولا بترك تدبرها، ومعرفتها، فيكون ذلك مشابهة للذين إذا ذكروا بآيات ربهم خروا عليها صماً وعمياناً. ولا يقال هي ألفاظ لا تعقل معانيها ولا يُعرف المراد منها، فيكون ذلك مشابهة للذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني. (ص229).
12. ... لازم الحق حق، وما لزم من إثبات كمال الرب ليس بنقص. (ص263).
13. ... لازم نفي صفات الكلام عن الله عزَّ وجلَّ، وصفه بأضدادها من العيوب والنقائص تعالى الله عن ذلك. (ص263).
14. ... تقول العرب: اضرب أعناقها، واقطع ألسنتها. وهذا أفصح استعمالهم، وتارة يفردون المضاف فيقولون: لسانهما وقلبهما وظهرهما، وتارة يثنونه كقولهم: ظهراهما مثل ظهور الترسين، والقرآن إنما نزل بلغة العرب لا بلغة العجم والطماطم والأنباط الذين أفسدوا الدين، وتلاعبوا بالنصوص وانتهكوا حرماتها، وجعلوها عرضة لتأويل الجاهلية، وانتحال المبطلين. (ص267،266)، وإذا كان من لغتهم –أي العرب- وضع الجمع التثنية لئلا يجمعوا في لفظ واحد بيد تثنيتين ولا لبس هناك فلأن يوضع الجمع موضع التثنية فيما إذا كان المضاف إليه مجموعاً أولى بالجواز. (ص268).
15. ... الفعل قد يضاف إلى يد ذي اليد والمراد الإضافة إليه، كقوله تعالى: بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ } [الحج: 10]، وقوله تعالى: فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } [الشورى:30]. (ص270).
16. ... لما كان الأصل في الكلام هو الحقيقة والظاهر، كان العدول به عن حقيقته وظاهره مخرجاً له عن الأصل، فاحتاج مدعي ذلك إلى دليل يسوغ له إخراجه عن أصله، فعليه أربعة أمور لا تتم له دعواه إلا بها. (ص288).
الأول: بيان احتمال اللفظ للمعنى الذي تأوله في ذلك التركيب الذي وقع فيه، وإلا كان كاذباً على اللغة منشئاً واضعاً من عنده.
فائدة: اللفظ قد لا يحتمل ذلك المعنى لغة، وإن احتمله فقد لا يحتمله في ذلك التركيب الخاص. (ص289).(1/5)
وليس لأحد أن يحمل كلام الله ورسوله على كل ما ساغ في اللغة أو الاصطلاح لبعض الشعراء، أو الخطباء، أو الكتاب، أو العامة، إلا إذا كان المعنى بذلك اللفظ مما يجوز وتصلح نسبته إلى الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - لاسيما والمتأوَّل يخبر عن مراد الله ورسوله. فإن تأويل كلام المتكلم بما يوافق ظاهره أو يخالفه إنما هو بيان لمراده، فإذا علم أن المتكلم لم يرد هذا المعنى وأنه يمتنع أن يريده، وأن في صفات كماله ونعوت جلاله ما يمنع من إرادته، وأنه يستحيل عليه من وجوه كثيرة أن يريده، استحال الحكم عليه بإرادته، فهذا أصل عظيماً تجب معرفته. (ص290).
الثاني: وعليه أن يبين تعيين ذلك المعنى ثانياً، فإنه إذا أخرجه عن حقيقته قد يكون له معانٍ، فتعيين ذلك المعنى يحتاج إلى دليل. (ص292).
الثالث: إقامة الدليل الصارف للفظ عن حقيقته وظاهره. (ص292).
الرابع: الجواب عن المعارض، فإن المدعي الحقيقة قد أقام الدليل العقلي والسمعي على إرادة الحقيقة.
أما السمعي فلا يمكنك المكابرة أنه معه.
وأما العقلي فمن وجهين:
عام: وهو الدليل الدال على كمال علم المتكلم، وكمال بيانه، وكمال نصحه.
خاص: فإن كل صفة وصف الله بها نفسه ووصفه بها رسوله فهي صفة كمال قطعاً، فلا يجوز تعطيل صفات كماله وتأويلها بما يبطل حقائقها. (ص293).
17. ... لقد جمع المعطلة والمؤولة بين أربعة محاذير:
الأول: اعتقادهم أن ظاهر كلام الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - المحال الباطل، ففهموا التشبيه أولاً ثم انتقلوا عنه إلى:
الثاني: وهو التعطيل، فعطلوا حقائقها بناء منهم على ذلك الفهم الذي يليق بهم، ولا يليق بالرب جلَّ جلاله.(1/6)
الثالث: نسبة المتكلم الكامل العلم، الكامل البيان، التام النصح إلى ضد البيان والهدى والإرشاد، وإن المتحيرين المتهوكين أجادوا العبارة في هذا الباب، وعبروا بعبارة لا توهم من الباطل من أوهمته عبارة المتكلم بتلك النصوص، ولا ريب عند كل عاقل أن ذلك يتضمن أنهم كانوا أعلم منه، أو أفصح منه، أو أنصح للناس.
الرابع: تلاعبهم بالنصوص وانتهاك حرماتها. (ص296، 297).
18. ... لما كان المقصود بالخطاب دلالة السامع، وإفهامه مراد المتكلم بكلامه، وتثبيته ما في نفسه من المعاني، ودلالته عليها بأقرب الطرق كان ذلك موقوفاً على أمرين:
الأول: بيان المتكلم.
الثاني: تمكن السامع من الفهم.
فإن لم يحصل البيان من المتكلم، أو حصل له ولم يتمكن السامع من الفهم لم يحصل مراد، فإذا بين المتكلم مراده، بالألفاظ الدالة على مراده، ولم يعلم السامع معنى تلك الألفاظ، لم يحصل له البيان فلابد من تمكن السامع من الفهم، وحصول الإفهام من المتكلم، فحينئذ لو أراد الله ورسوله من كلامهما خلاف حقيقته وظاهره الذي يفهمه المخاطب، لكان قد كلفه أن يفهم مراده بما لا يدل عليه، بل بما يدل على نقيض مراده. (ص310).
19. ... في بيان أن تيسير القرآن للذكر ينافي حمله على التأويل المخالف لحقيقته وظاهره، فتيسير القرآن للذكر يتضمن أنواعاً من التيسير:
أحدها: تيسير ألفاظه للحفظ.
الثاني: تيسير معانيه للفهم.
الثالث: تيسير أوامره ونواهيه للامتثال. (ص331).
20. ... قال الأخطل النصراني:
إن البيان من الفؤاد وإنما ... جعل اللسان على الفؤاد دليلاً
وحرفه المتكلمون إلى:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما ... جُعل اللسانُ على الكلام دليلاً
(ص344، 345).(1/7)
21. ... والمقصد أن العبد لا يعلم ما في ضميره صاحبه إلا بالألفاظ الدالة على ذلك، فإذا حمل السامع كلام المتكلم على خلاف ما وضع له، وخلاف ما يفهم منه عند التخاطب، عاد على مقصود اللغات بالإبطال، ولم يحصل مقصود المتكلم ولا مصلحة المخاطب، وكان ذلك أقبح من تعطيل اللسان عن كلامه. (ص435). ولهذا كان التأويل الباطل فتحاً لباب الزندقة والإلحاد، وتطريقاً لأعداء الدين على نقضه. (ص347).
22. ... إذا تأمل المتأمل فساد العالم، وما يقع فيه من التفرق والاختلاف، وما دفع إليه أهل الإسلام، وجده ناشئاً من جهة التأويلات المختلفة المستعملة في آيات القرآن، وأخبار الرسول صلوات الله وسلامه عليه التي تعلق بها المختلفون على اختلاف أصنافهم في أصول الدين وفروعه، فإنها أوجبت من التباين والتحارب وتفرق الكلمة، وتشتت الأهواء، وتصدع الشمل، وانقطاع الحبل، وفساد ذات البين. (ص348). ومن أعظم آفات التأويل وجنايته أنه إذا سلط على أصول الإيمان والإسلام اجتثها وقلعها. (ص365).
23. ... أن فتح باب التأويل في أسماء الله وصفاته فتح الباب أمام القرامطة والباطنية لتأويل نصوص الأحكام ونصوص الحشر والميعاد. (راجع ص366-370).
24. ... وقد قيل: إن طرد إبليس ولعنه، إنما كان بسبب التأويل، فإنه عارض النص بالقياس وقدمه عليه، وتأول لنفسه أن هذا القياس العقلي مقدم على نص الأمر بالسجود. (ص370).
25. ... والقائل: إذا تعارض العقل والنقل قدمنا العقل، من هاهنا اشتق هذه القاعدة وجعلها أصلاً لرد نصوص الوحي التي يزعم أن العقل يخالفها كما زعم إمامه. (ص371).
26. ... ومن جنايات التأويل ما وقع في الإسلام من الحوادث بعد موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم – وإلى يومنا هذا. (ص376). وذكر ضرب الإمام مالك وأحمد، وقتل أحمد بن نصر الخزاعي، وما جرى للبخاري. (راجع ص376 –381).
27. ... لما كان وضع الكلام للدلالة على مراد المتكلم، وكان مراده لا يُعلم إلا بكلامه، انقسم كلامه ثلاثة أقسام:(1/8)
أحدها: ما هو نص في مراده لا يحتمل غيره. وهذا القسم يستحيل دخول التأويل فيه، وتحميله التأويل كذب ظاهر على المتكلم، وهذا شأن عامة نصوص القرآن. (ص382).
الثاني: ما هو ظاهر في مراده وإن احتمل أن يريد غيره. (ص382). وهذا القسم يقبل التأويل، ولكن ينظر في وروده، فإن اطرد استعماله على وجه واحد، استحال تأويله بما يخالف ظاهره، لأن التأويل إنما يكون لموضع جاء نادراً خارجاً عن نظائره منفرداً عنها، فسيؤول حتى يرد إلى نظائره. (ص384). والقصد أن الظاهر في معناه إذا اطرد استعماله في موارده مستوياً امتنع تأويله وإن جاز تأويل ظاهره ما لم يطرد في موارد استعماله. (ص385) ومثال ذلك: اطراد قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5].
الثالث: ما ليس بنص ولا ظاهر في المراد، بل هو مجمل يحتاج إلى البيان (ص382)، أو الخطاب المجمل الذي أحيل بيانه على خطاب آخر... فهذا أيضاً لا يجوز تأويله إلا بالخطاب الذي بينه، وقد يكون بيانه معه، وقد يكون منفصلاً عنه، والمقصود أن الكلام الذي هو عرضة للتأويل، قد يكون له عدة معانٍ وليس معه ما يبين مراد المتكلم، فهذا للتأويل فيه مجال واسع، وليس في كلام الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم – من هذا النوع شئ من الجمل المركبة، وإن وقع في الحروف المفتتح بها السور. بل إذا تأمل من بصره الله طريقة القرآن والسنة وجدها متضمنة لرفع ما يوهمه الكلام من خلاف ظاهره، وهذا موقع لطيف جداً في فهم القرآن. (ص389) ثم ذكر أمثلة على ذلك (ص389-397 وهي آخر صفحة من المجلد الأول).
المجلد الثاني:
28. ... معلوم أن العلوم إنما قصد بها مصنفوها بيانها وإيضاحها للمتعلمين، وتفهيمهم إياها بأقرب ما يقدرون عليه من الطرق، فإن سلط التأويل على ألفاظهم وحملها على غير ظواهرها، لم ينتفع بها وفسدت وعاد ذلك إلى موضوعها ومقصودها بالإبطال. (ص399).(1/9)
29. ... كل فرقة من الفرق تأولت في الشريعة تأويلاً غير التأويل الذي تأولته الفرقة الأخرى، وزعمت أنه الذي قصده صاحب الشرع حتى تمزق الشرع كل ممزق، وبعد جداً عن موضوعه الأول. (ص416).
30. ... انقسام الناس في نصوص الوحي إلى أصحاب تأويل وأصحاب تخييل وأصحاب تجهيل وأصحاب تمثيل وأصحاب سواء السبيل. (ص418-434).
31. ... وهكذا طوائف الباطل لم يرضوا بنصوص الوحي فابتلوا بزبالة أذهان المتحيرين وورثة الصابئين وأفراخ الفلاسفة والملحدين. (ص434).
32. ... في الأسباب التي تسهل على النفوس الجاهلة قبول التأويل مع مخالفته للبيان الذي علمه الله الإنسان وفطره على قبوله:
الأول: أن يأتي صاحبه مموهاً بالألفاظ ملفف المعاني مكسواً حلة الفصاحة والعبارة الرشيقة، فتسرع العقول الضعيفة إلى قبوله واستحسانه، وتبادر إلى اعتقاده وتقليده. (ص436).
الثاني: أن يخرج المعنى الذي يريد إبطاله بالتأويل في صورة مستهجنة تنفر عنها القلوب وتنبو عنها الأسماع. (ص438).
الثالث: أن يعزو المتأول تأويله وبدعته إلى جليل القدر، نبيه الذكر من العقلاء، أو من آل البيت النبوي، أو حل له في الأمة ثناء جميل ولسان صدق ليحليه بذلك في قلوب الأغمار والجهال. (ص441).
الرابع: أن يكون ذلك التأويل قد قبله ورضيه مبرز في صناعة من الصناعات أو علم من العلوم الدقيقة أو الجليلة. (ص444).
الخامس: الإغراب على النفوس بما لم تكن عارفة به من المعاني الغريبة التي إذا ظفر الذهن بإدراكها ناله لذة من جنس لذة الظفر بالصيد الوحشي الذي لم يكن يطمع فيه، وهذا شأن النفوس، فإنها موكلة بكل غريب تستحسنه وتؤثره وتنافس فيه. (ص449).
السادس: تقديم مقدمات قبل التأويل تكون كالأطناب والأوتاد لفسطاطه، فمنها ذم أصحاب الظواهر وعيبهم والإزراء بهم. (ص450).
ومنها قولهم: إن أدلة القرآن والسنة لفظية وهي لا تفيد علماً ولا يقيناً، والعلم إنما يستفاد من أدلة المعقول وقواعد المنطق. (ص451).(1/10)
ومنها قولهم: إذا تعارض العقل والنقل قدم العقل على النقل. (ص451).
33. ... في بيان أن أهل التأويل لا يمكنهم إقامة الدليل السمعي على مبطل أبداً. (ص452-499).
34. ... ولهذا كان فتح باب التأويل على النصوص يتضمن عيبها والطعن فيها وعزلها عن سلطانها، وولاية الآراء الباطلة والشبه الفاسدة. (ص457).
35. ... في الأسباب الجالبة للتأويل وهي أربعة أسباب: اثنان من المتكلم واثنان من السامع، فالسببان اللذان من المتكلم:
إما نقصان بيانه.
واللذان من السامع:
إما سوء فهمه.
وإما سوء قصده.
فإذا انتقلت هذه الأمور الأربعة انتقى التأويل الباطل، وإذا وجدت أو بعضها وقع التأويل. (ص500 وانظر الشرح الطيب ص 500- 513).
36. ... في أنواع الاختلاف الناشئة عن التأويل وانقسام الاختلاف إلى محمود ومذموم. (ص514).
37. ... الاختلاف في كتاب الله نوعان:
أحدهما: أن يكون المختلفون كلهم مذمومين وهم الذين اختلفوا بالتأويل، وهم الذين نهانا الله سبحانه عن التشبه بهم في قوله: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا) [آل عمران: 105]. وهذا النوع هو الذي وصف الله أهله بالبغي، وهو الذي يوجب الفرقة والاختلاف وفساد ذات البين، ويوقع التحزب والتباين. (ص514).
الثاني: اختلاف ينقسم أهله إلى محمود ومذموم، فمن أصاب الحق فهو محمود، ومن أخطأه مع اجتهاده في الوصول إليه فاسم الذم موضوع عنه، وهو محمود في اجتهاده معفو عن خطئه، وإن أخطأ مع تفريطه وعدوانه فهو مذموم. (ص515).
38. ... والاختلاف المذموم كثيراً ما يكون مع كل فرقة من أهله بعض الحق فلا يقر له خصمه به، بل يجحده إياه بغياً ومنافسة، فيحمله ذلك على تسليط التأويل الباطل على النصوص التي مع خصمه، وهذا شأن جميع المختلفين بخلاف أهل الحق، فإنهم يعلمون الحق من كل من جاء به، فيأخذون حق جميع الطوائف ويردون باطلهم. (ص515).(1/11)
39. ... فمن هداه الله سبحانه إلى الأخذ بالحق حيث كان ومع من كان، ولو كان مع من يبغضه ويعاديه، ورد الباطل مع من كان، ولو كان مع من يحبه ويواليه، فهو ممن هدي لما اختلف فيه من الحق. فهذا أعلم الناس وأهداهم سبيلاً وأقومهم قيلاً. وأهل هذا المسلك إذا اختلفوا فاختلافهم اختلاف رحمة وهدى، يقر بعضهم بعضاً عليه ويواليه ويناظره، وهو داخل في باب التعاون والتناظر الذي لا يستغني الناس عنه في أمور دينهم وديناهم بالتناظر والتشاور، وإعمالهم الرأي وإجالتهم الفكر في الأسباب الموصلة إلى درك الصواب، فيأتي كل منهم بما قدحه زناد فكره وأدركته قوة بصيرته، فإذا قوبل بين الآراء المختلفة، والأقاويل المتباينة، وعرضت على الحاكم الذي لا يجوز وهو كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم – وتجرد الناظر عن التعصب والحمية، واستفرغ وسعه، وقصد طاعة الله ورسوله، فقل أن يخفى عليه الصواب من تلك الأقوال وما هو أقرب إليه، والخطأ وما هو أقرب إليه، والخطأ وما هو أقرب إليه، ومراتب القرب والبعد متفاوتة. وهذا النوع من الاختلاف لا يوجب معاداة ولا افتراقاً في الكلمة، ولا تبديداً للشمل، فإن الصحابة - صلى الله عليه وسلم – اختلفوا في مسائل كثيرة من مسائل الفروع، فلم ينصب بعضهم لبعض عداوة، ولا قطع بينه وبينه عصمة، بل كان كل منهم يجتهد في نصر قوله بأقصى ما يقدر عليه ثم يرجعون بعد المناظرة إلى الألفة والمحبة والمصادقة والموالاة من غير أن يضمر بعضهم لبعض ضغناً، ولا ينطوي له على معتبة ولا ذم، بل يدل المستفتي عليه مع مخالفته له، ويشهد له بأنه خير منه وأعلم منه.
فهذا الاختلاف أصحابه بين الأجرين والأجر، وكل منهم مطيع لله بحسب نيته واجتهاده وتحريه الحق.
وهنا نوع من الاختلاف وهو وفاق في الحقيقة، وهو اختلاف في الاختيار والأولى، بعد الاتفاق على جواز الجميع. (ص516-518).(1/12)
40. ... ووقوع الاختلاف بين الناس أمر ضروري لابد منه لتفاوت إراداتهم وأفهامهم وقوى إدراكهم، ولكن المذموم بغي بعضهم على بعض وعدوانه، وإلا إذا كان الاختلاف على وجه لا يؤدي إلى التباين والتحزب وكل من المختلفين قصده طاعة الله ورسوله، لم يضر ذلك الاختلاف، فإنه أمر لابد منه في المنشأة الإنسانية، ولكن إذا كان الأصل واحداً والغاية المطلوبة واحدة، والطريق المسلوكة واحدة، لم يكد يقع اختلاف، وإن وقع كان اختلافاً لا يضر، كما تقدم من اختلاف الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين. (ص519).
41. ... أسباب الخلاف الواقع بين الأمة بعد اتفاقهم على أصل واحد تحاكمهم إليه وهو كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم.
أ أن كل واحد من العلماء بشر ينسى كما ينسى البشر، وقد يحفظ الرجل الحديث ولا يحضره فيفتيه بخلافه. (ص521).
ب- وقد يذكر العالم الآية والسنة، ولكن يتأول فيهما تأويلاً من خصوص أو نسخ أو معنى ما، وإن كان كل ذلك يحتاج إلى دليل. (ص526).
ج- وقد يبلغ الرجل ممن ذكرنا نصان ظاهرهما التعارض، فيميل إلى أحدهما بضرب من الترجيحات، ويميل غيره إلى النص الآخر الذي تركه بضرب آخر من الترجيحات. (ص537).
هـ- وقد يتنبه بعضهم في النصوص الواردة إلى معنى، ويلوح منه حكم بدليل ما ويغيب عن غيره. (ص539).
و- أن لا يكون الحديث قد بلغه، ومن لم يبلغه الحديث لم يكلف أن يكون عالماً بموجبه. (ص542).
ز- أن يكون الحديث قد بلغه لكنه لم يثبت عنده. (ص555).
ح- اعتقاد ضعف الحديث باجتهاد قد خلفه في غيره. (ص556).
ط- اشتراط بعضهم في خبر الواحد العدل شروطاً يخالفه فيها غيره. (ص559).
- كاشتراط بعضهم أن يكون الراوي فقيهاً إذا خالف ما رواه القياس.
- واشتراط بعضهم انتشار الحديث وظهوره إذا كان مما تعم به البلوى.
- واشتراط بعضهم أن لا يكون الحديث قد تضمن زيادة على نص القرآن.
ي- عدم معرفته بدلالة الحديث. (ص561).(1/13)
ك- ومن هذا الخلاف العارض من جهة كون اللفظ مشتركاً أو مجملاً أو متردداً بين حمله على معناه عند الإطلاق، وهو المسمى بالحقيقة، أو على معناه عند التقييد، وهو المسمى بالمجاز. (ص565).
ل- أن يكون عارفاً بدلالة اللفظ وموضوعه، ولكن لا يتفطن لدخول هذا الفرد المعين تحت اللفظ، إما لعدم إحاطته بحقيقة ذلك الفرد، وأنه مماثل لغيره من الأفراد الداخلة تحته، وإما لعدم حضور ذلك الفرد بباله، وإما لاعتقاده اختصاصه بخصيصة يخرجه من اللفظ العام، وإما لاعتقاد العموم فيما ليس بعام، أو لإطلاقه فيما هو مقيد، فيذهل عن المقيد كما يذهل عن المخصص. (ص573).
م- اعتقاده أن لا دلالة في ذلك اللفظ على الحكم المتنازع فيه. (ص574).
ن- اعتقاده أن تلك الدلالة قد عارضها ما هو مساوٍ لها، فيجب التوقف، أو ما هو أقوى منها، فيجب تقدمه. (ص576).
42. ... الإمامية وإن كانوا مخطئين مبتدعين في أمر الصحابة فلا يوجب ذلك الحكم عليهم كلهم بالكذب والجهل، وقد روى أصحاب الصحيح عن جماعة من الشيعة وحملوا حديثهم، ولم يزل الفقهاء ينقلون خلافهم، ويبحثون معهم، والقوم وإن أخطؤوا في بعض المواضع لم يلزم من ذلك أن يكون جميع ما قالوه خطأ(1) . (ص617).
43. ... إنه لم يزل أئمة الإسلام يفتون بما يظهر لهم من الدليل، وإن لم يتقدمهم إليه أحد. (ص617) وذكر أمثلة.
44. ... حكم الطلاق بالثلاث. (ص619-628).
45. ... في ذكر الطواغيت الأربعة التي هدم بها أصحاب التأويل الباطل معاقل الدين وانتهكوا بها حرمة القرآن، ومحوا بها رسوم الإيمان. وهي:
أ قولهم إن كلام الله وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم – أدلة لفظية لا تفيد علماً ولا يحصل منها يقين.
ب وقولهم: إن آيات الصفات وأحاديث الصفات مجازات لا حقيقة لها.
__________
(1) كلام فيه نظر، ولم يعقب عليه المحقق بشئ.(1/14)
ج- وقولهم: إن أخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم – الصحيحة التي رواها العدول وتلقتها الأمة بالقبول، لا تفيد العلم، وغايتها أن تفيد الظن.
د- وقولهم: إذا تعارض العقل ونصوص الوحي، أخذنا بالعقل ولم نلتفت إلى الوحي. (ص632).
46. ... التحاكم إلى من لا يفيدك كلامه علماً ولا يقيناً لا يحصل به المقصود. (ص635).
47. ... معرفة مراد المتكلم تحصل بالنقل المتواتر، كما حصل العلم بأنه قال ذلك اللفظ بالنقل المتواتر. (ص635).
48. ... كما بلغ الرسول - صلى الله عليه وسلم – ألفاظ القرآن للأمة، بلغهم معانيه، بل كانت عنايته بتبليغ معانيه أعظم من مجرد تبليغ ألفاظه. (ص636),
49. ... حفظ المعنى أيسر من حفظ اللفظ، وكثير من الناس يعرف صورة المعنى ويحفظها، ولا يحفظ الناس. (ص636).
50. ... إذا حصل المقتضى التام لزم وجود مقتضاه. (ص637).
51. ... يضبط الناس من المعاني المتكلم أكثر مما يضبطونه من لفظه، فإن المقتضى لضبط المعنى أقوى من المقتضى لحفظ اللفظ، لأنه هو المقصود واللفظ وسيلة إليه، وإن كانا مقصودين، فالمعنى أعظم المقصودين، والقدرة عليه أقوى، فاجتمع عليه قوة الداعي وقوة القدرة، وشدة الحاجة. (ص637).
52. ... الطاعن في حصول العلم بمعاني القرآن شر من الطعن في حصول العلم بألفاظه، ولهذا كان الطعن في نقل بعض ألفاظه من فعل الرافضة، وأما الطعن في حصول العلم بمعانيه، فإنه من فعل الباطنية الملاحدة. (ص638).
53. ... قول القائل: الأدلة اللفظية لا تفيد اليقين، دهليز إلى مذهب هؤلاء ومرقاة إليه. (ص639).
54. ... التعريف بالأدلة اللفظية أصل للتعريف بالأدلة العقلية، والعلم بمدلول الأدلة اللفظية أسبق. (ص643) فالقدح في حصول العلم بمدلول الأدلة اللفظية قدح في حصول العلم بمدلول الأدلة العقلية.
55. ... إن الله سبحانه هدى البهائم والطير، أن يعرف بعضها بعضاً مرادها بأصواتها. (ص644). فكيف لا يعلم الآدميون مراد بعضهم من بعض؟(1/15)
56. ... إن أبلد الناس وأبعدهم فهماً يعلم مراد أكثر من يخاطبه بالكلام الركيك العادم للبلاغة والفصاحة، فكيف لا يعلم أذكى الناس وأصحهم أذهاناً وأفهاماً مراد المتكلم بأفصح الكلام وأبينه وأدله على المراد، ويحصل لهم اليقين بالعلم بمراده. (ص644).
57. ... القول بأن الأدلة السمعية لا تفيد اليقين: يستلزم الطعن والقدح في بيان المتكلم وفصاحته، أو في فهم السامع وذهنه أو فيهما معاً. (ص645).
58. ... إن دلالة قول الرسول - صلى الله عليه وسلم – على مراده أكمل من دلالة شبهات هؤلاء العقلية على معارضته بما لا نسبة بينهما. فكيف تكون شبهاتهم تفيد اليقين، وكلام الله ورسوله لا يفيد؟! (ص647).
59. ... أنواع السفسطة ثلاثة:
أحدها: التجاهل، وهو: لا أدري، وأصحابه يسمون اللاأدرية.
الثاني: النفي والجحود.
الثالث: قلب الحقائق، وهو جعل الموجود معدوماً والمعدوم موجوداً، إما في نفس الأمر، وإما بحسب الاعتقاد.
60. ... التفريق بين نفي العموم "ليس كل دليل لفظي يفيد اليقين لا خلاف في ذلك" وبين عموم النفي "كل دليل لفظي لا يفيد اليقين" مكابرة للعيان ومجاهرة بالكذب. (ص650).
61. ... أن القول بعدم إفادة الأدلة السمعية لليقين قدح في بيان الرسول - صلى الله عليه وسلم – وقدح في فصاحته. (ص652).
62. ... إن جميع ما ذكروه من الوجوه العشرة يرجع إلى حرف واحد، وهو احتمال اللفظ لمعنى آخر غير ما يظهر من الكلام. (ص657). وهذا نسبته قليلة جداً، فلا يصلح أن يكون قاعدة كلية.
63. ... الاشتراك في المعلومات الضروريات غير واجب ولا واقع، والواقع خلافه. (ص660).
64. ... أهل العلم والكتاب والسنة متيقنون لمراد الله ورسوله، جازمون به، معتقدون لموجبه اعتقاداً لا يتطرق إليه شك ولا شبة. (ص663).
65. ... حيرة المتكلمين والفلاسفة وتخبطهم واختلافهم وشكوكهم. (ص663-669).
66. ... ألفاظ القرآن والسنة ثلاثة أقسام (ص670):(1/16)
الأول: نصوص لا تحتمل إلا معنى واحداً، فهو يفيد اليقين بمدلوله قطعاً، كالأعداد "فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْن"ِ [النساء: 92].
الثاني: ظواهر تحتمل غير معناها احتمالاً بعيداً مرجوحاً. ولكن اطردت في موارد استعمالها على معنى واحد، فجرت مجرى النصوص التي لا تحتمل غير مسماها. وهذا القسم يفيد اليقين والقطع بمراد المتكلم أيضاً. (ص681).
الثالث: ألفاظ تحتاج إلى بيان، فهي بدون البيان عرضة للاحتمال. وهذا القسم إذا أحسن رده إلى القسمين قبله عرف مراد المتكلم منه. (ص681).
فالأول يفيد اليقين بنفسه.
والثاني يفيده باطراده في موارد استعماله.
والثالث يفيده إحسان رده إلى القسمين قبله. (ص672).
67. ... إن الذي حال بين هؤلاء وبين استفادتهم اليقين من كلام الله ورسوله أن كثيراً من ألفاظ القرآن والسنة قد صار لها معانٍ اصطلح عليها النظار والمتكلمون وغيرهم، وألف ذلك الاصطلاح، وجرى عليه النشء، وصار هو المقصود بالتخاطب، وإليه التحاكم، فصار كثير من الناس لا يعرف سواه، فلما أرادوا أن يطابقوا بين معاني القرآن وبين تلك المعاني التي اصطلحوا عليها أعجزهم ذلك، فمرة قالوا: ألفاظ القرآن مجاز، ومرة طلبوا لها وجوه التأويل، ومرة قالوا: لا تفيد اليقين، ومرة جعلوها وقفاً تتلى في الصلاة ويتبرك بقراءتها ولا يتحاكم إليها. (ص672) انظر أمثلة ذلك: (ص672-676).
68. ... لا يعارض السمع الصحيح الصريح إلا معقولاً فاسداً تنتهي مقدماته إلى المكابرة أو التقليد أو التدليس والإجمال. (ص679).
69. ... دلالة الدليل لا تتوقف على معرفة الإعراب والتصريف. (ص680) ولا تتوقف على العلم بعدم التخصيص والإضمار. (ص681).
70. ... إن القدح في دلالة العام باحتمال الخصوص وفي الحقيقة باحتمال المجاز والنقل والاشتراك، يبطل حجج الله على خلقه بآياته، ويبطل أوامره ونواهيه وفائدة أخباره. (ص683).(1/17)
71. ... الوجوه التي تنقسم إليها معاني ألفاظ القرآن عشرة أقسام. (انظرها ص684، 685) وأنواع ألفاظها ثلاثة. (ص686).
72. ... فعليك بحفظ العموم فإنه يخلصك من أقوال كثيرة باطلة. (ص689).
قال السرخسي: "إنكار العموم بدعة حدثت في الإسلام بعد القرون الثلاثة". (ص690).
73. ... إن الله سبحانه إنما علق الثواب على الأفعال المقتضية له اقتضاء السبب لمسببه، وجعلها عللاً لأحكامها، والاشتراك في الموجب يقتضي الاشتراك في موجبه، والعلة إذا تخلف عنها معلولها من غير انتقاء شرط أو وجود مانع فسدت، بل يستحيل تخلف المعلول عن علته التامة وإلا لم تكن تامة. (ص691).
74. ... خطأ الوعيدية والمقابلين لهم في فهم نصوص الوعيد. (ص691).
75. ... هذه الأفعال سبب لما علق عليها من الوعيد، والسبب قد يتخلف عن مسببه لفوات شرط أو وجود مانع، والموانع متعددة، منها التوبة النصوح، والحسنات الماحية، والمصائب المكفرة، والصدقة، والشفاعة، والدعاء.. إلخ. (ص691).
76. ... الشيء النادر المتظرف يحل محل الإعجاب، وتتحرك الهمم لسماعه واستفادته لما جبل عليه الناس من إيثار المستظرفات والغرائب، وهذا من أكثر أسباب الأكاذيب في المنقولات والتحريف لمعانيها. (ص693 أمثلة لذلك 694-698).
77. ... قد يقع في كلام السلف تفسير اللفظ العام بصورة خاصة على وجه التمثيل لا على وجه تفسير معنى اللفظة في اللغة بذلك، فيغتر به المعنى، فيجعله معنى اللفظة في اللغة. (ص699). أمثلة:
- ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ [التكاثر:8] قيل: الماء البارد في الصيف، لم يرد به أن النعيم المسؤول عنه هو هذا وحده.
- وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ [الماعون:7] القدر والفأس والقصعة؟ فهذا كله من التمثيل للمعنى العام ببعض أنواعه. (ص700).
78. ... ونظير هذا ما يذكره كثير من المفسرين في آيات عامة أنها في قوم مخصوصين من المؤمنين والكفار والمنافقين، وهذا تقصير ظاهر منهم وهضم لتلك العمومات المقصود عمومها. (ص700).(1/18)
وكذلك الحال في أحكام وقعت في القرآن كان بدوّ افتراضها أفعال ظهرت من أقوام، فأنزل الله بسببها أحكاماً صارت شرائع عامة إلى يوم القيامة، فلم يكن من الصواب إضافتها إليهم، وأنهم هم المرادون بها إلا على وجه ذكر سبب النزول فقط، وأن تناولها لهم ولغيرهم تناول واحد. (ص700).
79. ... ومن تأمل خطاب القرآن وألفاظه وجلالة المتكلم به وعظمة ملكه، وما أراد به من الهداية العامة لجميع الأمم قرناً بعد قرن إلى آخر الدهر، وأنه جعله إنذاراً لكل من بلغه من المكلفين لم يخف عليه أن خطابه العام إنما جعل بإزاء أفعال حسنة محمودة، وأخرى قبيحة مذمومة، وأنه ليس منها فعل إلا والشركة فيه موجودة أو ممكنة، إذا كانت الأفعال مشتركة كان الوعد والوعيد المعلق بها مشتركاً. (ص704).
80. ... باب الإضمار لا ضابط له، فكل من أراد إبطال كلام متكلم ادعى فيه إضماراًً يخرجه عن ظاهره. (ص711).
81. ... إن الإضمار هو الإخفاء، وهو أن يخفي المتكلم في نفسه معنى، ويريد من المخاطب أن يفهمه، فهذا إما أن يجعل له عليه دليلاً من الخطاب أو لا. فإن جعل له عليه دليلاً من السياق، لم يكن ذلك إضماراً محضاً، بل يكون قد أظهره له بما دله عليه من السياق، [ودلالة اللفظ قد تحصل من صريحه تارة، ومن سياقه، ومن قرائنه المتصلة به]، فهذا لا محذور فيه إذا كان المخاطب قد دل السامع على مقصوده ومراده، وإن لم يجعل له عليه دليلاً، فإنه لم يقصد بيانه له، بل عدل عن بيانه إلى بيان المذكور، فلا يقال: إن كلامه دل عليه بالإضمار، فإن هذا كذب صريح عليه، فتأمله فإنه واضح. (ص714).
82. ... في كلام العرب المقدم مقدم والمؤخر مؤخر، وحيث قدموا المؤخر، وأخروا المقدم فلابد أن يجعلوا في الكلام دليلاً على ذلك لئلا يلتبس الخطاب. (ص715).
وانظر نوعي التقديم والتأخير المخل وغير المخل. (ص717).(1/19)
83. ... لو كان كلام الله ورسوله لا يفيد اليقين والعلم، والعقل معارض للنقل، فأي حجة تكون قد قامت على المكلفين بالكتاب والرسول؟ (ص737).
84. ... طمأنينة قلوب أهل الحق. (ص741، 742).
85. ... دلالة القرآن والسنة على معانيها من جنس دلالة لغة كل قوم على ما يعرفونه ويعتادونه من تلك اللغة. (ص742).
86. ... دلالة اللفظ هي العلم بقصد المتكلم به. (ص73). ويراد بالدلالة أمران: نقل الدال، وكون اللفظ بحيث يفهم معنى. فالمتكلم دال بكلامه، وكلامه دال بنظامه. وذلك يعرف من عادة المتكلم في ألفاظه، فإذا كانت عادته أنه قصد بهذا اللفظ هذا المعنى، علمنا متى خاطبنا به أنه أراده من وجهين:
أحدهما: أن دلالة اللفظ مبناها على عادة المتكلم التي يقصدها بألفاظه، فإذا عرف السامع ذلك المعنى، وعرف أن عادة المتكلم إذا تكلم بذلك اللفظ أن يقصده، علم أنه مراده قطعاً.
الثاني: أن المتكلم إذا كان قصده إفهام المخاطبين كلامه، وعلم السامع من طريقته وصفته أن ذلك قصده، لا أن قصده التلبيس والإلغاز، أفاده مجموع العلمين اليقين بمراده، ولم يشك فيه. (ص743).
87. ... إن معرفة مراد المتكلم تعرف باطراد استعماله ذلك اللفظ في ذلك المعنى، في مجاري كلامه ومخاطباته. (ص743).
88. ... من المعلوم أن أهل اللغة لم يسوغوا للمتكلم أن يتكلم بما يريد به خلاف ظاهره إلا مع قرينة تبين المراد، والمجاز إنما يدل مع القرينة بخلاف الحقيقة، فإنها تدل على التجرد. وكذلك الحذف والإضمار لا يجوز إلا إذا كان في الكلام ما يدل عليه. وكذلك التخصيص ليس لأحد أن يدعيه إلا مع قرينة تدل عليه. (ص752).
89. ... وقد اتفقت اللغة والشرع على أن اللفظ المجرد إنما يراد به ما ظهر منه، وما يقدر من احتمال مجاز أو اشتراك أو حذف أو إضمار ونحوه إنما يقع مع القرينة، أما مع عدمها فلا. (ص753).
90. ... الأسماء الموجودة في القرآن ثلاثة أنواع:
نوع بيانه معه، فهو مع بيانه يفيد اليقين بالمراد منه.(1/20)
ونوع بيانه في آية أخرى، فيستفاد اليقين بالمراد من المجموع الاثنين.
ونوع بيانه موكول إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم – فيستفاد اليقين من المراد منه ببيان الرسول - صلى الله عليه وسلم. (ص754).
91. ... إن مراد المتكلم يُعلم من لفظه المجرد تارة، والمقرون تارة، ومنه ومن لفظ آخر يفيدان اليقين بمراده تارة، ومنه ومن بيان آخر بالفعل أو القول يحيل المتكلم عليه تارة. وليس في القرآن خطاب أريد منه العلم بمدلوله إلا وهو داخل في هذا الأقسام. (ص754).
92. ... أنواع الدلالات:
أ- دلالة الأدلة السمعية على مدلولها.
ب- دلالة الآيات المعينة على مدلولها (دلالة الدخان على النار، وضوء الصبح على الصباح).
ج- الأدلة القياسية العقلية (وهي أضعف أنواع الدلالات).
93. ... الدليل القياسي التمثيلي أقوى وأظهر دلالة من الدليل القياسي الشمولي. (ص764).
94. ... دلالة المقال أكمل من دلالة الحال، ودلالة الحال المعينة أكمل من الدلالة الكلية المنطقية، ودلالة كلام الله أكمل من دلالة كل كلام، وإفادته اليقين فوق إفادة كل دليل اليقين بمدلوله. (ص765).
95. ... إن هذا القانون مضمونه جحد الرسالة في الحقيقة، وإن أقر بها صاحبه بلسانه، بل مضمونه أن يترك الناس بلا رسول يرسل إليهم خير من أن يرسل إليهم رسول.
96. ... إن الله سبحانه قسم الأدلة السمعية إلى قسمين: محكم ومتشابه، وجعل المحكم أصلاً للمتشابه، وأما له يرد إليه. (ص772).
97. ... إن حاصل كلام أرباب القانون يدور على ثلاث مقدمات:
الأولى: أن العلم بمراد المتكلم موقوف على حصول العلم بما يدل على مراده.
الثانية: أنه لا سبيل إلى العلم بمراده إلا بانتفاء هذه الأمور العشرة.
الثالثة: أنه لا سبيل إلى العلم بانتقائها. (ص779).
فهذه ثلاث مقدمات، الأولى منها صادقة، والأخريان كاذبتان.
·?اضطراب أهل الكلام والمنطق والفلسفة في "العقل" الذي يعارض النقل أشد الاضطراب. (ص781-791 فانظر نماذجه).(1/21)
·?إن الله سبحان دعا إلى تدبر كتابه وتعلقه وتفهمه وذم الذين لا يفهمونه ولا يعقلونه. (ص791).
·?أدلة القرآن والسنة نوعان:
أحدهما: يدل بمجرد الخبر.
الثاني: يدل بطريق التنبيه والإرشاد على الدليل العقلي. (ص793) انتهى المجلد الثاني
المجلد الثالث:
98. ... إذا تعارض دليلان سمعيان أو عقليان أو سمعي وعقلي، فإما أن يكونا قطعيين، وإما أن يكونا ظنيين، وإما أن يكون أحدهما قطعياً والآخر ظنياً.
فأما القطعيان فلا يمكن تعارضهما في الأقسام الثلاثة. وإن كان أحدهما قطعياً والآخر ظنياً، تعين تقديم القطعي، سواء كان عقلياً أو سمعياً. وإن كان جميعاً ظنيين صرنا إلى الترجيح، ووجب تقديم الراجح منهما سميعاً كان أو عقلياً. (ص797).
99. ... ما هو ثابت في نفس الأمر ليس موقوفاً على علمنا به، فعدم علمنا بالحقائق لا ينفي ثبوتها في نفس الأمر. (ص799).
100. ... الشرع المنزل من عند الله مستغن في نفسه عن علمنا وعقلنا، ولكن نحن محتاجون إليه، وإلى أن نعلمه بعقولنا، فإذا علم العقل ذلك حصل له كمال لم يكن قبل ذلك، وإذا فقده كان ناقصاً جاهلاً.
101. ... ما كان شرطاً في الشيء امتنع أن يكون منافياً له.
102. ... ليس له ما يعرف بالعقل يكون أصلاً للسمع ودليلاً على صحته، فإن المعارف العقلية أكثر من أن تحصر، والعلم بصحة السمع غايته أن يتوقف على ما به يعلم صدق الرسول من العقليات. (ص800).
103. ... ليس القدح في بعض العقليات قدحاً في جميعها، كما أنه ليس القدح في بعض السمعيات قدحاً في جميعها، فلا يلزم من صحة المعقولات التي يبنى عليها معرفتنا بالسمع صحة غيرها من المعقولات، ولا من فساد هذه فساد ذلك. (ص801).
104. ... من علم صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم – استحال أن يكون عنده دليل يعارض ما أخبر به. (ص802).
105. ... الدليل لا يترك لما ليس بدليل. (ص805، 854).(1/22)
106. ... إذا كان الدليل السمعي صحيحاً في نفسه، ظاهر الدلالة بنفسه على المراد، لم يكن ما عارضه من العقليات إلا خيالات فاسدة ومقدمات كاذبة. (ص805).
107. ... يكفيك من العقل أن يعرفك صدق الرسول، ومعاني كلامه، ثم يخلي بينك وبينه. وقيل: العقل سلطان ولى الرسول، ثم عزل نفسه. (ص807).
108. ... إن الدليل الدال على صحة الشيء أو ثبوته أو عدالته أو قبول قوله، لا يجب أن يكون أصلاً له بحيث إذا قدم قول المشهود له، والمدلول عليه على قوله، يلزم إبطاله. (ص809).
109. ... إن العلم بالدليل أصل للعلم بالمدلول، فإذا حصل العلم بالمدلول لم يلزم من ذلك تقديم الدليل عيه في كل شئ. (ص809).
110. ... لابد للعقل من التسليم والانقياد لحكم الشرع والإذعان والقبول، وهناك يسقط "لم"، ويبطل "كيف"، ويزول "هلا"، ويذهب "لو" و "ليت" في الريح. (ص811).
111. ... ونحن نعلم قطعاً أن الرسل لا يخبرون بمحال العقول، وإن أخبروا بمحارات العقول. (ص829، 830).
112. ... إنه لا يعلم آية من كتاب الله، ولا نص صحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – في باب أصول الدين اجتمعت الأمة على خلافه، ومن له خبرة بمذاهب الناس، وأقوال السلف يعلم أن الأمة اجتمعت على القول به قبل ظهور المخالف. (ص833).
113. ... إن الأدلة السمعية هي الكتاب والسنة والإجماع. (ص834).
114. ... إن أهل البدع حاصل ما مع أكثرهم حسن الظن بإمامه الذي سلك طريقه، وتقليده في أصوله، وهو يرى بعقله خلافها، ويستشكلها، ويقر بأنها مشكلة جداً، ثم ينكس على رأسه ويقول: هو أعلم بالمعقول مني. (ص836).
115. ... كتاب مقالات غير الإسلاميين. (ص836).
116. ... قال ابن رشد في "تهافت التهافت": "ومن الذي قال في الإلهيات شيئاً يعتد به" (ص841). وقال المحقق: لم أقف عليه بلفظه. وقد وقفت عليه، ولكن عبارة ابن رشد بلفظ مختلف يسيراً. (2/547، ط. دار المعارف الثانية، بتحقيق د. سليمان دنيا).(1/23)
117. ... أدلة الحق وشبه الباطل لا تتكافأ حتى يتكافأ الضوء والظلام. (ص843).
118. ... إن طالب الهدى في غير القرآن والسنة، قد شهد الله ورسوله له بالضلال. (ص846).
119. ... إن أصحاب القرآن والإيمان قد شهد الله لهم، وكفى به شهيداً بالعلم واليقين والهدى، وأنهم على بصيرة وبينة من ربهم، وأنهم أولو العقل والألباب والبصائر. (ص850).
120. ... إن الله سبحانه اقتضت حكمته وعدله أن يفسد على العبد عقله الذي خالف به رسله، ولم يجعله منقاداً لهم، مسلماً لما جاءوا به مذعناً له. (ص861)، وانظر الأمثلة: (ص862-864)، وبالجملة، فما عصى الله بشيء إلا أفسده على صاحبه. (ص865).
121. ... بيان أن الإيمان الجازم لا يستقر في قلب من عارض الشرع بالعقل. (ص869).
122. ... المشروط بالشيء يعدم عند عدمه. (ص869).
123. ... ولا يكون الرجل مؤمناً حتى يؤمن بالرسول - صلى الله عليه وسلم – إيماناً جازماً، ليس مشروطاً بعدم معارض. (ص870، 900).
124. ... طرق العلم: الحس والعقل والمركب منهما. (ص870).
125. ... المعلومات ثلاثة أقسام:
أحدها: ما يعلم بالعقل.
والثاني: ما يعلم بالسمع.
والثالث: ما يعلم بالعقل والسمع.
وكل منها ينقسم إلى ضروري ونظري، وإلى معلوم ومظنون وموهوم. فليس كل ما يحكم به العقل علماً، بل قد يكون طناً. وقد يكون وهماً كاذباً، كما أن ما يدركه السمع والبصر كذلك. (ص870)، فلابد من حكم يفصل بين هذه الأنواع ويميز بين معلومها ومظنونها وموهومها.
126. ... إذا اتفق العقل والسمع والعقل والحس على قضية، كانت معلومة يقينية. وإن انفرد بها الحس عن العقل كانت وهمية.(1/24)
127. ... وكذلك حكم السمع قد يكون كاذباً، وقد يكون صادقاً ضرورة ونظراً، وقد يكون ظنياً، فإذا قارنه العقل كان حكمه علماً ضرورياً أو نظرياً، كالعلم بمجرد الأخبار المتواترة، فإنه حصل بواسطة السمع والعقل، فإن السمع أدي إلى العقل ما سمعه من ذلك، والعقل حكم بأن المخبرين لا يمكن تواطؤهم على الكذب، فأفاده علماً ضرورياً أو نظرياً. (ص871).
128. ... وكذلك الوهم، يدرك أموراً لا يدري صحيحة هي أم باطلة، فيردها إلي العقل الصريح، فما صححه منها قبله، وما حكم ببطلانه رده. فهذا أصل يجب الاعتناء به ومراعاته، وبه يعلم الصحيح من الباطل. (ص872).
129. ... ولو التفتنا إلى كل شبهة يعارض بها الدليل القطعي، لم يبق لنا وثوق بشيء تعلمه بحس أو بعقل أو بهما. (ص873).
130. ... ما يدرك بالسمع أعم وأشمل، وما يدرك بالبصر أتم وأكمل، فهذا له القوة والتمام، وذلك له العموم والإحاطة. (ص874).
131. ... ليس العلم في الحقيقة إلا ما أخبرت به الرسل عن الله عز وجل طلباً وخبراًَ، فهو العلم المزكي للنفوس، والمكمل للفطر، المصحح للعقول، الذي خصه الله باسم العقل، وسمى ما عارضه ظناً لا يغني من الحق شيئاً. (ص876).
132. ... إن الله سبحانه جعل الوحي إماماً والعقل مؤتماً به، وجعله حاكماً والعقل محكوماً عليه، ورسولاً والعقل مرسلاً به، وميزاناً والعقل موزوناً به، وقائداً والعقل منقاداً له. (ص890).
133. ... إن العقل تحت حجر الشرع فيما يطلبه ويأمر به، وفيما يحكم به ويخبر عنه. (ص894).
134. ... ما علق على الممتنع فهو ممتنع. (ص900).
(ميراث التعصيب ص901)
135. ... الأدلة السمعية نوعان:
أ- نوع يدل بطريق التنبيه والإرشاد على الدليل العقلي فهو عقلي سمعي، ومن هذا غالب أدلة النبوة والمعاد والصفات والتوحيد.
ب- نوع دل بمجرد الخبر.
136. ... ليس في القرآن صفة إلا وقد دل العقل الصريح على إثباتها لله. (ص909).(1/25)
137. ... تأويل الكلام الطلبي هو نفس فعل المأمور به والمنهي عنه، كما قال ابن عيينة: "السنة تأويل الأمر والنهي". (ص923).
138. ... وأما تأويل ما أخبر الله به عن نفسه، وعن اليوم الآخر، فهو نفس الحقيقة التي أخبر الله عنها، وذلك في حق الله هو كنه ذاته وصفاته التي لا يعلمها غيره. (ص923).
139. ... أصل ضلال بني آدم من الألفاظ المجملة، والمعاني المشتبهة، ولاسيما إذا صادفت أذهاناً مخيطة. فكيف إذا انضاف إلى ذلك هوى وتعصب؟ (ص927).
الإجمال في اللفظ: يتكلم بلفظ له معنيان: معنى صحيح ومعنى باطل، فيتوهم السامع أنه أراد المعنى الصحيح ومراده الباطل.
الاشتباه في المعنى: فيكون له وجهان، هو حق من أحدهما، وباطل من الآخر، فيوهم إرادة الوجه الصحيح، ويكون مراده الباطل. (ص926).
أمثلة على ذلك (ص929-953)، وتراجع للأهمية، وفيها كلام عن الدعاية السيئة ضد أهل السنة!!
(وصف دقيق للأطوار التي يمر بها الإنسان في تعلمه ص957-959).
140. ... لا يتم الدين بإطلاق الألفاظ الفارغة عن المعاني. (ص971).
141. ... إن هؤلاء المعارضين للوحي بالعقل، بنوا أمرهم على أصل فاسد، وهو أنهم جعلوا أقوالهم التي ابتدعوها، جعلوها أصول دينهم، ومعتقدهم في رب العالمين هي المحكمة، وجعلوا قول الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم – هو المتشابه الذي لا يستفاد منه علم ولا يقين. (ص990).
·?القواعد التي بنى عليها أهل السنة أصولهم في موافقة العقل للنقل. (ص992).
·?بيان منهج أهل البدع في التضليل على الناس. (ص995) (قولية).
بيان أن إبليس أول من قدم العقل على النقل. (ص998-1000، ثم الرد عليه إلى 1008).
142. ... القياس إذا صادم النص وقابله كان قياساً باطلاً، ويسمى قياساً إبليسياً، فإنه يتضمن معارضة الحق بالباطل، وتقديمه عليه. (ص1002).
143. ... العقل إنما يدل على نفي الشيء إذا علم ثبوت نقيضه، فيعلم حينئذ أن النقيض الآخر منتف. (ص1010).(1/26)
144. ... كل كمال ثبت للمخلوق لا نقص فيه فلا يستلزم نقصاًَ، فمعطيه وموجده أحق به وأولى. (ص1018).
(ليس كمثله شئ، وليس له سمي سبحانه ص1019-1022).
145. ... إن الله سبحانه إنما نفى عن نفسه ما يناقض الإثبات، ويضاد ثبوت الصفات والأفعال. (ص1023-1029).
146. ... إن النفاة جمعوا بين التشبيه والتعطيل، فسموا تعطيلهم تنزيهاً، وسموا ما وصف به نفسه تشبيهاً وجعلوا ما يدل على ثبوت صفات الكمال وكثرتهم دليلاً على نفيها، وتعطيلها، وراج ذلك على من لم يجعل الله له نوراً. (ص1030).
(بيان المثل الأعلى وحقيقته ص1030-1036).
147. ... قوله تعالى: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [الشورى: 11] وقوله: { وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى } [الروم:27] من أعظم الأدلة على ثبوت صفات كماله سبحانه. (ص1032).
(حال أهل البدع في المناظرة وسماع الحق. ص1036-1038، 1039-1040).
148. ... المجانيق الأربعة التي نصبها أهل البدع على حصون الوحي:
1- أنها أدلة لفظية لا تفيد اليقين.
2- أنها مجازات واستعارات لا حقيقة لها.
3- أن العقل عارضها فيجب تقديمه عليها.
أنها أخبار آحاد، وهذه المسائل علمية، فلا يجوز أن يحتج فيها بالأخبار. (ص1039).
149. ... أصل العداوة البغض، كما أن أصل الولاية الحب. فكل من أبغض شيئاً من نصوص الوحي ففيه من عداوة الله ورسوله بحسب ذلك، ومن أحبها ففيه من ولاية الله ورسوله بحسب ذلك. (ص1041).
قال ابن مسعود: "لا يسأل أحدكم عن نفسه غير القرآن، فإن كان يحب القرآن فهو يحب الله، وإن كان يبغض القرآن فهو يبغض الله".
150. ... أخبر سبحانه أن كل حكم خالف حكمه الذي أنزله على رسوله فهو من أحكام الهوى، لا من أحكام العقل، وهو من أحكام الجاهلية، لا من حكم العلم والهدى. (ص1046).
(إذا خفيت السنة ظهرت الأهواء، عبد الله بن المبارك ص1048).
(قل من نظر في الكلام في قلبه غل على الإسلام، الإمام أحمد: 1039).(1/27)
151. ... أن من عارض نصوص الوحي بالعقل لزمه لازم من خمسة لا محيد له البتة: إما تكذيبها، أو كتمانها، وإما تحريفها، وإما تخييلها، وإما تجهيلها وهو نسبة المصدقين لها إلى الجهل: إما البسيط وإما المركب، وفساد اللازم يدل على فساد الملزوم. (ص1048).
152. ... إن المعارضين للوحي بآرائهم خمس طوائف:
أ- طائفة عارضته بعقولهم في الخبريات، وقدمت عليه العقل، فقالوا لأصحاب الوحي: لنا العقل ولكم النقل.
وطائفة عارضتهم بآرائهم وقياساتهم، فقالوا لأهل الحديث: لكم الحديث ولنا الرأي والقياس. ج- وطائفة عارضته بحقائقهم وأذواقهم، وقالوا: لكم الشريعة ولنا الحقيقة.
د- وطائفة عارضته بسياساتهم وتدبيرهم، فقالوا: أنتم أصحاب الشريعة ونحن أصحاب السياسة.
هـ- وطائفة عارضته بالتأويل الباطن فقالوا: أنتم أصحاب الظاهر ونحن أصحاب الباطن. (ص1051).
153. ... سؤالات الصحابة رضوان الله عليهم للنبي - صلى الله عليه وسلم – عن الجمع بين النصوص التي يوهم ظاهرها التعارض. (ص1052-1064).
154. ... تاريخ نشأة الفرق. (ص 1068 -1080) "مهم".
155. ... بيان ثبوت صفات الكمال لله تعالى بالعقل والنقل. (ص1080-1086).
156. ... الأصناف الثلاثة التي ذكرها الله تعالى في كتابه في سورة العنكبوت:
أ- صنف يجادل في الله بغير علم، ويتبع كل شيطان مريد، مكتوباً عليه إضلال من تولاه، وهذه حال المتبع لأهل الضلال.
ب- صنف يجادل في الله بغير علم، ويتبع كل شيطان مريد، مكتوباً عليه ليضل عن سبيله، وهذه حال المتبوع المستكبر، الصاد عن سبيل الله.
ج- ثم ذكر حال من يعبد الله على حرف، وهذه حال المتبع لهواه الذي إن حصل له ما يهواه من الدنيا عبد الله، وإن أصابه ما يمتحن به في دنياه ارتد عن دينه، وهذه حال من كان مريضاً في إرادته وقصده، وهي حال أهل الشهوات والأهواء. (ص1088).
157. ... إن العقل ملزوم لعلمنا بالشرع ولازم له، ومعلوم أنه:(1/28)
إذا كان اللزوم من أحد الطرفين لزم من وجود الملزوم وجود اللازم، ومن نفي اللازم نفي الملزوم، فكيف إذا كان التلازم من الجانبين؟
فإذا هذا التلازم يستلزم أربع نتائج.
إذ يلزم من ثبوت هذا الملزوم ثبوت لازمه. ومن ثبوت لازمه المساوي ثبوته، ومن نفي اللازم نفي ملزومه، ومن نفي ملزومه المساوي نفيه، وهذا شأن كل شيئين بينهما تلازم من الطرفين. (ص1091).
فالمتلازمان يلزم من ثبوت كل منهما ثبوت الآخر، ومن انتفائه انتفاؤه. (ص1093).
158. ... إن الله سبحانه نصب على الحق الأدلة والأعلام الفارقة بين الحق والباطل، والنور والظلام، وجعل فطر عباده مستعدة لإدراك الحقائق ومعرفتها، ولولا ما في القلوب من الاستعداد لمعرفة الحقائق لم يكن النظر والاستدال والخطاب والكلام والفهم والإفهام. (ص1112، 1113).
159. ... إن الأعمال الصالحة والفاسدة نتائج الاعتقادات الصحيحة والباطلة. (ص1117).
160. ... إن تجويز معارضة العقل للوحي يوجب وصف الوحي بضد ما وصفه الله به. (ص1122).
161. ... إن الله سبحانه ضمن الهدى والفلاح لمن اتبع القرآن، والضلال والشقي لمن أعرض عنه، فكيف بمن بمعقول أو رأي أو حقيقة باطلة أو سياسة ظالمة أو قياس إبليس أو خيال فلسفي ونحو ذلك. (ص1128).
162. ... إن الله سبحانه وصف المعرضين عن الوحي المعارضين له بعقولهم وآرائهم بالجهل والضلال، والحيرة والشك والعمى والريب، فلا يجوز وصفهم بالعلم والعقل والهدى. (ص1131).
163. ... إن ما وقع في هذه الأمة من البدع والضلال كان من أسبابه التقصير في إظهار السنة والهدى. (ص1133).(1/29)
فإن الجهل المركب الذي وقع فيه أهل التعطيل والنفي في توحيد الله وأسمائه وصفاته كان من أعظم أسبابه التقصير في إثبات ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم – عن الله، وفي معرفة معاني أسمائه وآياته، حتى إن كثيراً من المنتسبين إلى السنة يعتقدون أن طريقة السلف هي الإيمان بألفاظ النصوص والإعراض عن تدبر معانيها وتفقهها وتعقلها. (ص1133).
164. ... طريقة السلف هي إثبات ما دلت عليه النصوص من الصفات وفهمها، وتدبرها وتعقل معانيها، وتنزيه الرب عن تشبيهه فيها بخلقه، كما ينزهونه عن العيوب والنقائص. (ص1134).
ولذلك طريقة السلف أعلم وأحكم وأسلم وأهدى إلى الطريق الأقوم. (ص1134).
(وصف بليغ لكلام الله، ص1139، 1140).
165. ... المعارضون للوحي بعقولهم جمعوا بين ثلاثة أمور: الكذب على الله، وأضلوا الخلائق، والصد عن سبيل الله، وبغيها عوجاً. (ص1142).
أهل الباطل قلبوا الحقائق، وأفسدوا الطرائق، وأضلوا الخلائق، وعطلوا الخالق. وانظر مزيداً من التفصيل في عكسهم للحقائق. (ص1149).
166. ... بطلان اللازم يستلزم بطلان ملزومه. (ص1150 وانظر تطبيق القاعدة إلى ص115).
167. ... للرسالة مقصودان عظيمان:
أحدهما: تعريف العباد ربهم ومعبودهم بما هو عليه من الأسماء والصفات.
الثاني: محبته وطاعته والتقرب إليه.
(تناقض أهل البدع، ص1158).
168. ... إن كل من لم يقر بما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم – إلا بعد أن يقوم على صحته عنده دليل منفصل من عقل، أو كشف )وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ)(الأنعام: من الآية124)، أو منام، أو إلهام، لم يكن مؤمناً به قطعاً، وكان من جنس الذين قال الله فيهم: "وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ" [الأنعام: 124].(ص1168).(1/30)
169. ... الرازي يجعل من الطرق الضعيفة في الاستدلال: "والرابع هو التمسك بالسمعيات". (ص1170). وانظر: المصدر الأصلي هناك. وانظر كلامه الباطل. (ص1170-1177).
عاب أهل البدع على أهل السنة بأنهم مقلدون، وقلب الأمر عليهم. (ص1180-1181).
170. ... إن الدين تصديق الرسول فيما أخير، وطاعته فيما أمر. (ص1185).
والتصديق والطاعة لا يكون إيماناً حتى يكون مطلقاً، فإذا تقيد فأعلى أحواله- إن سلم من الشك- أن يكون إسلاماً ويكون صاحبه من عوام المسلمين لا من خواص المؤمنين. (ص1186).
171. ... إن السمع حجة الله على خلقه، وكذلك العقل، فهو سبحانه أقام عليهم حجته بما ركب فيهم من العقل وبما أنزل إليهم من السمع. (ص1187).
وحجج الله وبيناته لا تتناقض ولا تتعارض، ولكن تتوافق وتتعاضد.
·?الأصل الذي بنى عليه أهل البدع دينهم، (ص1188).
·?ولم يقيض لهم من يبين لهم فساد هذا الأصل وبطلانه ومخالفته لصريح العقل. (ص1189).
·?من لوازم طريقتهم. (ص1191، 1192).
·?الاستدلال بمقدمات النبوة ومعجزات الرسالة (ص1196).
عظيم دلالة القرآن. (ص1199-1206)، وهي آخر صفة من المجلد الثالث.
المجلد الرابع:
172. ... إن الكلام في الدين نوعان: أمر وخبر، فما عارض الأمر كان من باب الهوى الذي يأمر به الشيطان والنفس، وما عارض الخبر كان من باب الظن والخرص الذي هو أكذب الحديث. (1210).
173. ... إن هؤلاء المعارضين لا يتم لهم ما ادعوه من المعارضة إلا بأربعة أمور، يستلزمها قولهم، بل هذه الأربعة هي قواعدهم التي يبنون عليها:
أ- لبس الحق بالباطل.
ب- فإذا وقعوا في هذا اللبس ترتب عليه ضرورة كتمان الحق.
ج- والتكذيب به.
د- والتصديق بالباطل. (ص1213، 1214).(1/31)
174. ... أنه ما من حق وباطل إلا وبينهما اشتراك من بعض الوجوه، ولو في أصل الوجود، أو في أصل الإخبار، أو في مجرد المعلومية، بأن يكون هذا معلوماً مذكوراً، وهذا معلوماً مذكوراً، ولكل واحد منهما خصائص يتميز بها عن الآخر، فأحظى الناس بالحق وأسعدهم به الذي يقع على الخصائص المميزة الفارقة، ويلغي القدر المشترك فيحكم بالقدر الفارق على المشترك ويفصله به. وأبعدهم عن الحق والهدى من عكس هذا السير، وسلك ضد هذا الطريق، فألغى الخصائص الفارقة، وأخذ القدر المشترك وحكم به على القدر الفارق.
وأضل منه من أخذ خصائص كل من النوعين فأعطاها للنوع الآخر، فهذان طريقا أهل الضلالة اللذان يرجع إليهما جميع شعب ضلالهم وباطلهم. (ص1216) .
175. ... إنك إذا أخذت لوازم المشترك والمميز، وميزت هذا من هذا صح نظرك، ومناظرتك، وزال عنك اللبس والتلبيس، وذلك أن الصفة يلزمها لوازم من حيث هي هي، فهذه اللوازم يجب إثباتها، ولا يصح نفيها، إذ نفيها ملزوم كنفي الصفة. (ص1218).
واجعل هذا التفصيل ميزاناً لك في جميع الصفات والأفعال، واعتصم به في نفي التشبيه والتمثيل وفي بطلان النفي والتعطيل. (ص1219).
176. ... إن الأصل الذي قادهم إلى النفي والتعطيل، واعتقاد المعارضة بين العقل والوحي أصل واحد، وهو منشأ ضلال بني آدم، وهو الفرار من تعدد صفات الواحد، وتكثر أسمائه الدالة على صفاته، وقيام الأمور المتجددة به. (ص1220).
177. ... قول أئمة أهل البدع: إنه ليس في العقل ما يوجب تنزيه الرب سبحانه وتعالى عن النقائص، ولم يقم على ذلك دليل عقلي أصلاً كما صرح به الرازي وتلقاه عن الجويني وأمثاله. (ص1228).
178. ... إن الله سبحانه عاب آلهة المشركين بنفس ما وصفتهم الإله الحق سبحانه به، فعابها أنها لا تتكلم ولا تسمع ولا تبصر. (ص1232).
179. ... إن اللوازم التي تلزم المعطلة النفاة شر من اللوزام التي تلزم المشبهة المحضة. (ص1234).(1/32)
180. ... وليس لمبطل بحمد الله حجة، ولا سبيل بوجه من الوجوه على من وافق السنة ولم يخرج، حتى إذا خرج عنها قدر أنملة تسلط عليه المبطل بحسب القدر الذي خرج به عن السنة، فالسنة حصن الله الحصين الذي من دخله كان من الآمنين، وصراطه المستقيم الذي سلكه كان إليه من الواصلين، وبرهانه المبين الذي من استضاء به كان من المهتدين، فمن وافق مبطلاًَ على شئ من باطله جره بما وافقه منه إلى نفي باطله. (ص1255).
181. ... إن أئمة الإسلام لما عرفوا أن طرق المتكلمين إنما تنتهي إلى هذا تنوعوا في ذمها وذم أهلها. (ص1264).
(انظر ص1264-1274 حيث أورد آثاراً عن الأئمة والعلماء في ذم الكلام).
182. ... والإنسان له حالتان: إما أن يكون ناظراً وإما أن يكون مناظراً. (ص1274).
وكل منهما ينقسم إلى محمود ومذموم. (ص1275).
فالنظر المحمود: النظر في الطريق الصحيح ليتوصل به إلى معرفة الحق.
والنظر المذموم نوعان:
أحدهما: النظر في الطريق الباطل وإن قصد به التوصل إلى الحق، فإن الطريق الباطل لا يفضي إلى الحق.
والثاني: النظر والفكر الذي يقصد به رد قول خصمه مطلقاً حقاً كان أو باطلاً، فهو نظراً يرد به قول من يبغضه ويعاديه بأي وجه كان.
فأما المناظرة فتنقسم إلى محمودة ومذمومة: والمحمودة نوعان، والمذمومة نوعان.
وبيان ذلك أن المناظر إما أن يكون عالماً بالحق، وإما أن يكون طالباً له، وإما أن لا يكون عالماً به ولا طالباً له، وهذا الثالث هو المذموم، وأما الأولان فمن كان عالماً بالحق فمناظرته التي تحمد أن يبين لغيره الحجة التي تهديه إن كان مسترشداً طالباً للحق أو تقطعه أو تكسره إن كان معانداً غير طالب للحق، ولا متبع له، أو توقفه وتبعثه علي النظر في أدلة الحق إن كان يظن أنه على الحق وقصده الحق. (ص1275، 1276).
183. ... لمناظرة المبطل فائدتان:
إحداهما: أن يرد على باطله ويرجع إلى الحق.(1/33)
الثانية: أن ينكف شره وعداوته ويتبين ويتبين للناس أن الذي معه الباطل. (ص 1276).
184. ... الجهمي يقول: قال لي عقلي، وملاحدة المتصوفة يقول قائلهم: قال لي قلبي، وزنادقة الباطنية يقولون: لكل شئ تأويل وباطن يعلمه أهل الباطن وينكره أهل الظاهر، وخونة الولاة يقولون: لا تستقيم أمور الرعية إلا بهذه السياسة ولو وكلناهم إلى الشريعة لفسدت أمورهم. (ص1342).
185. ... والناس إلا القليل منهم عبيد رغبة أو رهبة. (ص1389).
والرغبة والرهبة من وسائل أهل الباطل لنشر باطلهم. (ص1389-1391).
(انظر حول الدعاية السيئة ضد أهل الحق ص1393، 1434).
186. ... إذا كانت الأصول فاسدة كانت الفروع أفسد. (ص1423-1429).
187. ... كل من وضع رأياً، أو نصب مذهباً، لابد له من أصل يقرر به رأيه، وأصل يبطل به قول مخالفه. (ص1432).
188. ... كل ما ينزه الرب تعالى عنه، إن لم يكن متضمناً لإثبات كماله ومستلزماً لأمر ثبوتي يوصف به لم يكن في تنزيهه عنه مدح ولا حمد. (ص1443، 1452).
189. ... متى علمنا أن أحدنا إذا كانت إرادته جازمة وقدرته تامة وجب وجود الفعل منه مقترناً بإرادته وقدرته، ولا يتأخر الفعل إلا لعدم كمال القدرة أو لعدم كمال الإرادة. (ص1470).
190. ... إن أعقل الخلق على الإطلاق الرسل، وأتباعهم بعدهم أعقل الأمم. (ص1514).
191. ... رد أهل البدع ما ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يقول على أصلين هما:
المنع والمعارضة. منع دلالة ما جاء به على تلك المسألة، ومعارضة الدلالة بما يمنع اتباعها. (ص1522).
192. ... درجات معارضة النصوص ثلاثة:
1- أن يعارض المنقول بمثله، ويسقط دلالتهما، أو يرجح دلالة المعارض. (ص1531).
2- معارضة النص بالرأي. (ص1534).
3- المعارضة بالتقليد واتباع الآباء والمشايخ والمعظين في النفوس. (ص1535).
193. ... يستدل بوجود الملزوم على وجود لازمه، وبانتفاء اللازم على انتفاء ملزومه.
فمع التصديق الجازم يمتنع وقوع المعارضة والممانعة. (ص1535).(1/34)
194. ... إن مبنى العبودية والإيمان بالله وكتبه ورسله على التسليم وعدم الأسئلة عن تفصيل الحكمة في الأوامر والنواهي والشرائع. (ص1560).
وإن قدم الإسلام لا تثبت إلا على درجة التسليم. (ص1561).
وذلك يوجب تعظيم الرب تعالى وأمره ونهيه، فلا يتم الإيمان إلا بتعظيمه، ولا يتم تعظيمه إلا بتعظيم أمره ونهيه. (ص1561).
195. ... أول مراتب تعظيم الأمر التصديق به، ثم العزم الجازم على امتثاله، ثم المسارعة إليه والمبادرة به رغم القواطع والموانع، ثم بذل الجهد والنصح في الإتيان به على أكمل الوجوه، ثم فعله لكونه مأموراً به. (ص1561).
196. ... إن المعترضين على الرب سبحانه قسمان: قسم اعترضوا عليه في أمره ونهيه، وقسم اعترضوا عليه في قضائه وقدره، وربما اجتمع النوعان في حق المعترض، وقد ينفرد أحدهما، وإبليس ممن جمع النوعين. (ص1562).
197. ... إن الأمر والقدر تفصيل للحكمة ومظهرها، فإنها خفية فلابد لظهورها من شرع يأمر به وقدر يقضيه ويكونه، فتظهر حكمته سبحانه في هذا وهذا. (ص1563).
198. ... إن الرب سبحانه وتعالى له الأسماء الحسنى، وأسماؤه متضمنة لصفات كماله، وأفعاله ناشئة عن صفاته، فإنه سبحانه لم يستفد كمالاً بأفعاله، بل له الكمال التام المطلق، وفعاله عن كماله. وأسماؤه الحسنى تقتضي آثارها، وتستلزمها استلزام المقتضي الموجب لموجبه ومقتضاه، فلابد من ظهور آثارها في الوجود.
"أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ " [الأعراف: 54] فخلقه وأمره صدرا عن حكمته وعلمه، وحكمته وعلمه اقتضيا ظهور خلقه وأمره. (ص1563، 1564).
199. ... إن الله سبحانه وتعالى فطر عباده حتى الحيوان البهيم على استحسان وضع الشئ في موضعه، والإتيان به في وقته، وحصوله على الوجه المطلوب منه، وعلى استقباح ضد تلك وخلافه، وأن الأول دال على كمال فاعله وعلمه وقدرته وخبرته، وضده دال على نقصه وعلى نقص علمه وقدرته وخبرته. (ص1565).(1/35)
سلسلة بحوث وتحقيقات مختارة من مجلة الحكمة (12)
القواعد العلمية في النقد عند شيخ الإسلام ابن تيمية
بقلم : عبدالله بن محمد الحيالي
قام بنشره
أبو مهند النجدي
Almodhe1405@hotmail.com
almodhe@yahoo.com
المقدمة
الحمد لله وكفي وسلام علي عبده المصطفي ، وبعد :
فهذه رسالة وجيزة توخيت من خلالها عرضاً علمياً لمنهج شيخ الإسلام ابن تيميه في النقد والحكم على الآخرين وبيان القواعد الأساسية التي ينبني عليها النقد العلمي البناء ، استوحيت ذلك من خلال إطلاعي المستمر لكتب شيخ الإسلام ومصنفاته ... .
والذي دفعني إلى الكتابة في مثل هذا الموضوع الخطير مع قلة بضاعتي فيه أني رأيت كثيراً ممن يتصدى في نقد الناس يغلب علية الجانب العاطفي في تقويم الآخرين ، ودون أن يحكم بميزان الكتاب والسنة وقواعد هذا العلم، فيكثر منه صدور الأحكام الخاطئة دون أن يتحرى المنهج السليم في النقد ، والسبب الثاني الذي دفعني إلي الكتابة في هذا الموضوع، أنني لم أر جمع قواعد هذا الفن في مصنف مستقل . وإنما هو مثبوت في القرآن العزيز والسنة المطهرة وكلام السلف . وفي بطون الكتب والمؤلفات .
والذي قمت به إنما هو جمع الكلام ،وترتيبه علي نسق واحد وفي مكان واحد ،ليسهل علي طلبة العلم الرجوع إليه والانتفاع منه .
وإنما اخترت شيخ الإسلام دون غيره، سببين رئيسيين:
أولهما: لأنه أول من قعد منهج أهل السنة والجماعة، وأبرز من أهتم بها ودافع عنها، ورد علي المخالفين خاصة بعد حدوث معتقدات منحرفة ومناهج بدعية بسبب الانحراف عن المنهج الصحيح
وثانيهما : أنه متأخر جدا جمع ما لم يجمعه غيره، ويكفي في ذلك شهادة أهل الحديث والفقهاء عنه : (( كان الفقهاء في سائر الطوائف إذا جالسوه استفادوا، ولا يعرف أنه ناظر أحد فانقطع عنه، ولا تكلم في علم من العلوم إلا فاق فيه أهله، واجتمعت فيه شروط الاجتهاد علي وجهها )).(1/1)
وقد قسمت الرسالة إلي خمسة فصول وخاتمة. وأسأل الله عز وجل أن يجعل عملي خالصاً لوجهه الكريم، ولا يجعل فيه لأحد شيئاً. وأن يهدينا الصواب والعدل في الحكم علي الناس، إنه ولي التوفيق وصلي الله علي سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين .
... ... ... ... ... ... ... وكتبه
... ... ... ... ... ... عبد الله بن محمد الحيالي
... ...
الفصل الأول
النقد لغة واصطلاحاً وبيان نشأته عند أهل والعلم
النقد لغة: قال أبو الدر داء: (( إن نقدت الناس نقدوك )) أي: عبتهم واغتبتهم،من قولك: نقدت الجوزة أنقدها، ونقد الدرهم، ونقد له الدرهم أي: أعطاه إياه. ما نقدتها:أي قبضتها ونقد الدراهم أي أخرج منها الزيف وبابها نصر، ودرهم نقد أي وازن: وازن جيد، وناقدت فلاناً إذا ناقشته بالأمر
(1)
واصطلاحاً: وصف في الراوي، يثلم عدالته ومر وأته،مما يترتب عليه سقوط كلامه ورده ، وهو مرادف لكلمة الجرح عند أهل الحديث من حيث أنه وصف الراوي بصفات تتضمن تضعيف روايته ، وعدم قبولها وكلاهما ينقسم إلي مقبول غير مقبول .
مشروعية النقد من الكتاب والسنة :
دلت قواعد الشريعة العامة علي وجوب التأكد من سلامة الناس، والبحث عن أحوالهم عند ورود ما يتطلب ذلك. قال تعالي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا } (الحجرات: من الآية 6)، فقد أمر الله المؤمنين أن لا يقبلوا خبر الفاسق؛ لما يجر علي المسلمين من مضرة نتيجة نقله عن بعض المؤمنين أخباراً كاذبة، فعليهم أن يتبينوا من خبره حتى لا يندموا.
__________
(1) لسان العرب (14/254)، بتصرف.(1/2)
قلت: وهذا هو معني النقد عند أهل العلم، وهو ضرورة التأكد مما ينسب إلي الناس من أخبار، والتأكد من صحتها وسلامتها، ونقدها علي موازين ثابتة ؛ ليهلك من هلك عن بينة ويحي من حيُ عن بينة، ومما سبق يتبين أن النقد هو الذي يقوم علي التأكد مما يضاف إلي الناس، وينقل عنهم رواية ودراية. أما رواية: وذلك بالاحتراز عن الخطأ من نقل ما يضاف من الناس وتمحيص الكلام، وإخراج ما فيه من الزيف والكذب، ودراية: هو معرفة حال الناقد جرحاً وتعديلاً وتحملاً، وأداء وكل ما يتعلق به مما له صلة بنقده.
نشأة هذا العلم:
نشأ علم النقد والجرح مع نشأة الرواية في الإسلام، إذ كان لابد لمعرفة الأخبار والروايات الصحيحة من سقيمها من معرفة روايتها معرفة تمكن العلماء من الحكم بصدقهم أو كذبهم حتى يتمكنوا فيما بعد من تميز المقبول من المردود، لذلك سألوا عن الرواة وتتبعوهم في جميع أحوال حياتهم العلمية، وحتى في عقر دارهم . وكانوا يبينون أحوال الرواة وينقدوهم حسبة الله، لا تأخذهم في الله لومة لائم، ولا تستولي عليهم العاطفة، فليس في نقاد الحديث من يحابي في الحديث، فقد قصد الجميع خدمة الشريعة وحفظ مصادرها.
وقد أكد العلماء ضرورة بيان أحوال الرواة، وأن ذلك ليس بغيبة،بل في ذلك حفظ الشريعة وصيانتها من الدخيل الزائف ، واستدلوا بما ثبت في السنة من قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الجرح : (بئس أخو العشيرة )، وقوله - صلى الله عليه وسلم - في التعديل: ( نعم عبد الله خالد بن الوليد سيف من سيوف الله )، وقوله - صلى الله عليه وسلم - في النصيحة: ( أما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له ) (1)
وذلك حين جاءت فاطمة بنت قيس تسأله عن حال الرجلين، كانا تقدما لخطبتها، فقال ذلك علي وجه النصيحة لها.
__________
(1) أصول الحديث، محمد الخطيب: ( ص 262).(1/3)
ومن هذا أخذ العلماء جواز ذكر الشخص، وما فيه من المساوئ حتى يحذره الناس، وأن هذا ليس من باب الغيبة. وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: (( جاء أبو تراب: يا شيخ لا تغب العلماء، فقال له: ويحك هذه نصيحة ليست بغيبة)) (1) .
وكان غاية العلماء المحدثين في هذا بيان الحق بكل أمانة وتجرد، ولولا ضرورة التأكد من أحوال الرواة؛ لما خاضوا في هذا الباب. قال يحي بن سعيد: (( إنا لنطعن في أقوام لعلهم قد حطوا رحالهم في الجنة )).
منهج العلماء في بيان أحوال الناس ونقدهم:
لما كان أكثر الأحكام لا سبيل إلي معرفتها إلا من جهة النقد والرواية، فقد كان كلامهم في الرواية ونقدهم وسيلة لا غاية، فلم يقصدوا الخوض في أعراض الناس،لهذا التزموا الاعتدال في بيان أحوالهم، فلم يتناولوا في ذكر أحوال الرواة غير الجانب الذي يهمهم، وهو الجانب الديني، وقد تميز هذا المنهج في بيان أحوال الرواة بعض القواعد المهمة نجملها فيما يلي:
1- الأمانة في الحكم: فكانوا يذكرون للراوي ما له وما عليه وفضائله ومساوئه، يقول محمد بن سيرين: (( ظلمت أخاك إذا ذكرت مساوئه ولم تذكر محاسنه )).
2- الدقة في إعطاء الأحكام: حيث ندرك من تتبع أقوال العلماء دقة بحثهم،ومعرفتهم بجميع أحوال الراوي الذي يتكلمون فيه،وكل ما له صلة بنفده، ثم يصدرون الحكم المناسب فيه .
3- التزام الأدب في النقد: فلم يخرج هؤلاء العلماء في نقدهم وأحكامهم عن آداب البحث العلمي الصحيح، وكانوا مع ذلك يأمرون طلابهم بالتزام الأدب في نقدهم، يقول المزني، تلميذ الشافعي ـ رحمهما الله تعالي: (( سمعني الشافعي يوماً وأنا أقول: (( فلان كذاب ))، فقال لي: (( يا إبراهيم: إكس ألفاظك أحسنها، ولا تقل كذاب، ولكن قل حديثه ليس بشيء)). (2)
الفصل الثاني
التحذير من الوقوع في أعراض العلماء وبيان خطر اللسان
__________
(1) نفس المصدر: (ص264).
(2) المصدر السابق: (ص267)(1/4)
قد يكون من المناسب أن نقف وقفه لابد منها؛ لننبه إلي خطورة اللسان؛ لأننا قد تمادينا في التساهل بأمر صونه عن الخطأ والزلل.
ومعلوم أن اللسان من أجل النعم. ولو تأمل الإنسان المحروم من هذه النعمة، فإنه عندما يريد التعبير عن نفسه والإفصاح عن شئ، فإنه يستخدم كثيراً من أعضائه. ومع ذلك كله لا يشفي نفسه ولا يبلغ مراده.
فهل حافظنا علي هذه النعمة وسخرناها في نشر الخبر؟!
إن بعض الناس يطلق عليهم عنان لسانه في الوقيعة في أعراض الناس، ويغلب علي أحكامه الجوار وعدم العدل، ولو تأمل هذا المسكين ما ورد في النصوص من التحذير من آفة اللسان؛ لتردد مائة مرة قبل أن يسل لسانه في الكلام علي الناس بغير حق، قال تعالي:{ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (قّ:18)، فإن هناك من يحصي ألفاظك وبعد كلماتك. وفي حديث معاذ الطويل وقول الرسول (وهل يكب الناس علي وجوههم إلا حصائد ألسنتهم ) (1)أو كما قال عليه الصلاة والسلام .
وبين - صلى الله عليه وسلم - أن من ضمن ما بين لحييه ضمن له الجنة، فقال: ( من يضمن لي ما بين لحييه، ضمنت له الجنة ) (2)
وبين أن الرجل ليلقي الكلمة جزافاً لا ينكر من آثارها وعواقبها، فيسقط، في نار جهنم سبعين خريفاً، فقال: ( وإن الرجل ليتكلم الكلمة في سخط الله لا يلقي لها بالاً، وإنها تهوي به في النار سبعين خريفاً) (3)
__________
(1) الترمذي:(2616)،ابن ماجة )3973)، أحمد: (5/231)، والحديث حسن .
(2) البخاري
(3) الترمذي: (2314)، وأحمد:(2/355)،والحديث صحيح.(1/5)
وقد أشار ابن القيم ـ رحمه الله ـ إلي قاعدة جليلة عجيبة قل من ينتبه لها في التحذير من آفة اللسان إذ يقول: (( من العجيب أن الإنسان يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحرام، والظلم، والربا، والزنا، وشرب الخمر، ومن النظر إلي المحرم وغير ذلك، ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه، حتى يري الرجل يشار إليه بالدين والزهد والعبادة، وهو يتكلم بالكلمة في سخط الله لا يلقي لها بالاً ينزل بها أبعد مما بين المشرق والمغرب، وكم تري من رجل تورع عن الفواحش والظلم، ولسانه يفري في أعراض الناس الأحياء والأموات لا يبالي ما يقول)) (1)
وتزداد خطورة الإثم، ويعظم الذنب،وتكبر المعصية إذا كان الجرح والكلام في علماء الأمة، فهم سادة الأمة، وحراس الشريعة، وسياجها، ونجوم الأرض، فإذا انطفأت أتي الأرض ما توعد، ولا خير في قوم لا يعرفون للعلماء قدرهم ومكانتهم، ولا يعطونهم حقهم من الاحترام والتوقير، وقد قيل: لحوم العلماء مسمومة، وقال ابن عساكر: (( لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك منتقصيهم معلومة، ومن وقع فيهم بالقلب، ابتلاه الله قبل موته بموت قلبه )). فعلي الإنسان المسلم أن يتق الله، ويخشاه، ويراقبه،ويشعر أن الله معه ويتيقن أن الله يسجل حركاته وسكناته وألفاظه، وهو يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ويجب عليه أن يتريث قبل أن يبدأ بجرح أحد من الناس؛ لكي يكون متزن في حكمه بعيدا عن الظلم.
...
الفصل الثالث
القواعد العلمية التي يعتمد عليها شيخ الإسلام ابن تيميه في تقويم الرجال
__________
(1) تقويم الرجال، أحمد الصوبان: (ص9)(1/6)
أولاً: الكلام في الناس يجب أن يكون بعلم وعدل لا بجهل وظلم: الأصل في هذه القاعدة الشرعية قوله تعالي:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (المائدة:8) ،
قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: (( أي لا يحملنكم بغض قوم علي ترك العدل فيهم، بل استعملوا العدل في كل أحد، صديقاَ كان أو عدواً،ولهذا قال:{اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} (المائدة من الآية8)، أي: عدلكم هو أقرب للتقوى من تركه )). (1)
وهذه الآية الكريمة ترسم منهاجاً عظيماً تجعل فيه العدل من لوازم الإيمان ومقتضياته، وترسم منهاجاً دقيقاً يمثل جمع صور العدل مع القريب والبعيد، وينهي عن جميع صور الظلم مع كل أحد.
والعدل به قامت السماوات والأرض، وهو نظام كل شئ، وأساس قيام المجتمعات الإنسانية، قال شيخ الإسلام: (( وأمور الناس إنما تستقيم في الدنيا مع العدل، الذي قد يكون فيه الاشتراك في بعض أنواع الإثم، أكثر مما تستقيم مع الظلم في الحقوق، وإن لم تترك فيها، ولهذا قيل: إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة، ويقال: الدنيا تدوم مع العدل والكفر،ولا تدوم مع الإسلام والظلم.
ذلك أن العدل نظام كل شئ، وإذا أقيم أمر الدنيا بالعدل قامت، وإن لم يكن صاحبها من أهل الدين، من خلاف، ومتي لم تقم بالعدل لم تقم وإن كان صاحبها من الإيمان ما يجزي به في الآخرة)).
__________
(1) تفسير ابن كثير:(2/35).(1/7)
وقال أيضاًَ ـ رحمه الله ـ في موضع آخر: (( والعدل مما اتفق أهل الأرض علي مدحه وصحته والثناء علي أهله وصحبتهم،والظلم مما اتفقوا علي نبذه وذمه وتقبيحه وذم أهله وبغضهم، والعدل من المعروف الذي أمر الله به، وهو الحكم بما أنزل الله علي محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وهو أكمل أنواع العدل وأحسنها.
والحكم به واجب علي النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وعلي من اتبعه، ومن لم يلتزم حكم الله ورسوله فهو كافر، وهذا واجب علي الأمة في كل ما تنازعت فيه من الأمور الاعتقادية أو العلمية )) أ. هـ
وفي هذا العصر الذي ندر فيه وجود الإنصاف والعدل، يحتاج المسلم إلي الرجوع دائماً إلي منهج أهل السنة والجماعة، الذي هو امتداد لم كان عليه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علماً وعملاً، ليزن الأمور كلها بميزان قويم لا يتأرجح، حيث أصبحت الأهواء الشخصية، والخلفيات الحزبية هي التي تتحكم بالآراء وتقييم الناس في كثير من الأحيان، حيث أنك تجد الإنسان ليغض الطرف عن أخطاء من يحبه، وإن كانت كبيرة ولا يمكن السكوت عليها، وفي المقابل من ذلك تجده إذا أبغض
أحداً لهوي نفسه جرده من جميع الفضائل والمحاسن، ولم يظهر إلا سيئاته وينس فضائله في الدين، وخدمته للإسلام، مهما كانت بينه وواضحة علي حد قول الشاعر:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة ... لكن عين السخط تبدي المساويا
وهذا الاضطراب في تقييم الناس يرجع إلي القصور المنهجي، والخلل الفكري، والعقم العقائدي عند هؤلاء القوم، ولم يقف الأمر عند هذ ... ا الحد، بل تعداه إلي التباغض والتفرق المذموم، في الوقت الذي نحتاج فيه الأمة أن تقف صفاً واحدً ضد من يحاول تقويض بنيانها، وصدع صرحها، وتفريق شملها.(1/8)
قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ في بيان سبب نشوء الفتن والاختلاف بين الناس: (( فإن أكثرهم أصحاب المقالات الفاسدة ـ قد صار لهم هوي في ذلك، أن ينتصر جاههم أو رياستهم، وما ينسب إليهم لا بقصد ، وأن تكون كلمة الله هي العليا، وأن يكون الدين كله لله ، بل ينصبون علي من خالفهم وإن كان مجتهداً معذوراً لا يغضب الله عليه، ويرضون عمن يوافقهم وإن يحمدوا من لم يحمده الله ورسوله، ولا يذموا من ذم الله ورسوله،وتصير موالاتهم ومعاداتهم علي أهواء أنفسهم لا علي دين الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - )).
وقال ـ رحمه الله ـ أيضاً: (( ومعلوم أننا إذا تكلمنا فيمن هو دون الصحابة، مثل الملوك المختلفين علي الملك، والعلماء والمشايخ المختلفون في العلم والدين، وجب أن يكون الكلام بعلم وعدل، لا بظلم وجهل، وإن العدل واجب لكل أحد وعلي كل أحد في كل حال،والظلم محرماً مطلقاً لا يباح بحال قط،قال تعالي: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} (المائدة: من الآية8)،وهذه الآية نزلت بسبب بغضهم للكفار،وهو بغض مأمور به،فإذا كان البغض الذي أمر الله به قد نهي صاحبه أن يظلم من أبغضه، فكيف بمن يبغض مسلماً بتأويل وشبهة أو بهوي النفس ؟ فهو أحق أن لا يظلم، بل يعدل عليه (1).
ولشيوع هذه الظاهرة المقيتة، وانتشارها بين صفوف من ينتسبون إلي الإسلام، وجب علي المسلم دائماً أن يرجع إلي فهم السلف الصالح، ويزن الأمور كلها بميزان دقيق لا تتحكم فيه الآراء والاجتهادات الشخصية، وأن يعتصم بحبل الله وبالجماعات، ويخلص دينه لله، ولا يتكلم في أحد إلا بعلم وعدل وإنصاف كما أمر الله تعالي.
__________
(1) منهاج السنة النبوية:(5/126).(1/9)
قال شيخ الإسلام بهذا الصدد: (( والله قد أمر المؤمنين كلهم أن يعتصموا بحبله جميعاً ولا يتفرقوا، وقد فسر حبله بدينه وكتابه وبالإسلام، وبالإخلاص، وبأمره وطاعته وبالجماعة، وهذه كلها منقولة عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان )).أ .هـ .
وقال في موضع آخر أيضاً من كتابه: ((فالأمور المشتركة بين الأمة لا يحكم فيها إلا الكتاب والسنة، ليس لأحد أن يلزم الناس بقول عالم ولا أمير ولا شيخ ولا ملك اعتقد أنه يحكم بين الناس بشيء من ذلك، ولا يحكم بينهم بالكتاب والسنة،فهو كافر (1) أ.هـ .
من خلال النصوص السابقة يجب أن تعلم: أنه لا يجوز للإنسان أن يتكلم في غيره كائناً من كان إلا بعلم وإنصاف وعدل،وأن من يتكلم في غيره بغير علم وبينة وبرهان،فهو من الذين قال الله فيهم: { وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } (المائدة: من الآية8).
ولشيخ الإسلام كلام نافع جداً يبين فيه المنهج الصحيح القويم في الحكم علي الآخرين، وتقييم الناس، وخاصة بمن ينسب إلي علم أو دين؛ وذلك إذا أخطأ حتى في مسائل الاعتقاد والإيمان، وسنورد نصه في الفصول القادمة بإذن الله .
ثانياً: التجرد عن الهوي :
إن من أعظم دواعي الهلاك المذموم، وسمي الهوي: هوي؛لأنه يهوي بالإنسان إلي النار الهاوية. وأضل ضلال ابن آدم هو إتباع الظن والهوي،قال تعالي : { إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ} (لنجم: من الآية23). ومتبع الهوي لابد من أن يضل عن سبيل الله سواء كان ذلك عن علم أو عن جهل، فإن كثيراً مما يترك الإنسان العلم الذي يعلمه اتباعاً لهواه، ولا بد أن يظلم أما بالقول أو الفعل؛ لأن هواه قد عمي بصيرته ، قال تعالي: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ } (الجاثية: من الآية23).
__________
(1) منهاج السنة النبوية:(5/126).(1/10)
ومتبع الهوي لابد أن يبدل دين الله ويحرف الكلم عن مواضعه ، ولهذا ذم الله اليهود ؛ لاتباعهم أهواءهم ، حيث قادهم ذلك إلي تبديل شرع الله والكفر بالرسول - صلى الله عليه وسلم - والاستعاضة عنه بالدنيا وحطامها، قال الله تعالي:{ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} (البقرة: من الآية87).
واتباع الهوي نوع من أنواع الشرك الذي ندد الله بأهله كما قال بعض السلف: شر إله عبد في الأرض الهوى .
فإذا صار الهوي هو القائد للإنسان والدافع له صار أصحابه أحزاباً متفرقة يتعصب كل واحد لرأيه وذوقه ، ويعادي من يخالفه في الرأي، ولو كان الحق مع غيره،لأن الحق ليس مراده ومبتغاه، وبهذا ينشب الخلاف والتفرق بين الأمة، ويحصل فيها ما حذر الله منه في كتابه فتذهب ريحها وتتفرق كلمتها، وتكون فريسة سهلة لأعدائها .
ومن علامات اتباع الهوي: أنك تجد بعض هؤلاء إذا علم أن فلاناً يخالفه في مسألة من المسائل، فإنه يبادر للرد عليه،وتفنيد رأيه بدون تأمل ويبذل جهده،وما عنده من حيلة لإبطال حجته بكل وسيلة يقدر عليها .
ولذلك كان التجرد عن الهوي من الأسباب التي تجعل الحكم صائباً أو قريباَ من الصواب،وقد أوصى الله نبينا داود بالحذر الشديد من اتباع الهوي في الحكم علي الناس، ويبين أن اتباع الهوي يضل الإنسان عن سبيل الله، ولو كان من كان. فقال تعالي: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}(صّ: من الآية26) .
وحين يقع الإنسان في أسر الهوي، فإن الموازين تنقلب وتتغير المفاهيم، فيصبح الحق باطلاً والباطل حقاً بمجرد فساد القلب وانتكاس الفطرة .(1/11)
وإلي هذه النقطة أشار شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ حيث قال: (( ومن المعلوم أن مجرد نفور النافرين أو محبة الموافقين لا يدل علي صحة القول ولا فساده، إلا إذا كان بهدي من الله،بل الاستدلال بذلك الاستدلال بلا اتباع الهوي بغير هدي من الله .
فإن اتباع الإنسان: هو أخذ القول والفعل الذي يحبه ورد القول والفعل الذي يبغضه بلا هدي من الله، قال تعالي: { وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ } (الأنعام: من الآية119).
فمن اتباع أهواء الناس بعد العلم الذي بعث الله به رسوله، وبعد هدي الله الذي بينه في عباده فهو بهذه المثابة، ولهذا كان السلف يسمون أهل البدع والفرق، بأهل الأهواء المخالفين للكتاب والسنة، حيث قبلوا ما أحبوه وردوا ما أبغضوه، بأهوائهم بغير هدي من الله .
قلت: ولهذا حذر السلف رضى الله عنهم من مجالسة أهل الأهواء والبدع، وأمروا بهجرهم، وعدم الرواية عنه ؛ لأنهم يعدون من قرب منهم، ومن جالسهم لا يسلم من الشر،فإما أن يتابعه علي هواه،أو يدخل الشبهة في دينه، أو عرض قلبه .
قال أبو قلابة: (( لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم،وإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالاتهم ، أو يلبسوا عليكم ما تعرفون )) .
وقال ابن عباس : (( لا تجالس أهل الأهواء, فإن مجالسهم ممرضة للقلب ))، وقال مجاهد: (( لا تجالسوا أهل الأهواء فإن لهم عرة كعرة الجرب )). أي: يعدون من قرب منهم وجالسهم كما سبق .
وقال أبو الجوزاء: (( لئن تجاورني القردة والخنازير في دار، أحب إلي من أن يجاورني رجل من أهل الأهواء )).
وصاحب الهوي إن لم يهديه الله للحق، ويشرح صدره للعلم النافع ويبصره بالدليل، فإنه واقع فيما وقع به إبليس وفرعون، بحسب ما عنده من القدرة، فيطلب من الناس أن يكون شريكاً لله في الطاعة واتباع الأمر والتعظيم.
وهذا وإن لم يصرح به ولا يستطيع ذلك ؛ لكن هذا كامن في النفوس ؛ وهذه هي غاية اتباع الهوي .(1/12)
قال شيخ الإسلام: (( وصاحب الهوى يعميه الهوى فلا يستحضر ما الله ورسوله في ذلك ولا يطلبه ولا يرضى لرضى الله ورسوله ، ولا يغضب لغضب الله ورسوله، بل يرضي إذا حصل ما يرضاه ويهواه.
ويغضب إذا ما حصل ما يغضب له بهواه، ويكون منه شبهه دين: أن الذي يرضى له ويغضب له وأنه الحق وأنه الدين، وإذا قدر أن الذي معه هو الحق المحض دين الإسلام، ولم يكن مقصده أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا،بل قصده الحمية لنفسه أو طائفته أو الرياء ؛ ليعظم هو ويثني عليه،أو فعل ذلك شجاعة وطبعاً، أو لغرض من الدنيا لم يكن لله ولم يكن مجاهداً في سبيل الله، فكيف إذا كان الذي يرى الحق والسنة هو كنظيره معه حق وباطل وسنة وبدعة، ومع خصمه حق وباطل وسنة وبدعة )).
ومتبع الهوى لا بد أن يقوده هواه إلي الظلم والعدوان، بحسب القدرة والاستطاعة لمن خالفه ولم يوافقه،وربما يعادي من له علم ودعوة إلي الله، ويقف في وجهه صاداً عن الحق، كما اليهود يفعلون ذلك، ثم تجده يرمي من خالفه بالألقاب المنفرة التي تخالف أمر الله ورسوله؛ لينفر الناس عن قبول كلامه وسماع نصائحه، وإن كان يدعوا إلي السنة ويرغب فيها، يفعل ذلك كله ابتغاء الفتنة والتفرقة،ويزعم في ذلك أنه مصلح وفي سبيل المصلحة الموهوبة، وأن في ذلك دفع الفساد عن الناس ويريد لهم الخير، كما قال فرعون لقومه: )وَقَالَ فِرْعَوْنُ {ذرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ}(غافر26).
وهكذا تنقلب الموازين والقيم،ويصبح المفسد في نظر الناس مصلحاً، والمصلح للدين مفسداً، فيقع شر عريض،وبلاء مستطير .(1/13)
يقول شيخ الإسلام (( وكثير من الناس من عنده بعض عقل وإيمان لا يطلب هذا الحد ـ أي يطاع أمره بحسب إمكانه ـ بل يطلب لنفسه ما هو عنده، فإن كان مطاعاً مسلماً طلب أن يطاع في أغراضه، وإن كان فيها ما هو ذنب ومعصية لله، ويكون في إطاعة من هواه: أحب وأعز من أطاع الله وخالف هواه. وهذه شعبة من حال فرعون وسائر المكذبين للرسل، وإن كان عالماً أو شيخاً أحب من يعظمه دون من يعظم نظيره،حتى لو كان يقرأ كتاباً واحداً كالقرآن، أو يعبدون عبادة واحدة متماثلون فيها كالصلوات الخمس، فإنه يجد من يعظمه بقبول قوله والاقتداء به أكثر من غيره، وربما أبغض نظيره هو واتباعه حسداً وبغياً،كما فعلت اليهود لما بعث الله رسوله محمداً - صلى الله عليه وسلم - يدعو إلي مثل ما دعا إليه موسى، قال تعالي: {إِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ}( البقرة : أية 91).
ولهذا تعلم ـ أخي المسلم ـ أن التجرد عن الهوى أصل عظيم في تقويم الرجال وأعمالهم ، وحتى توارد في الرد علي أهل البدع ، فيجب علي الإنسان أن يقصد فيه بيان الحق وهدي الخلق، وإرادة اٌلإحسان بهم.(1/14)
وقال شيخ الإسلام رحمه الله مبيناً أن الرد علي أهل البدع، وإن كان في نفسه صحيحاً، ولكن إذا لم يقصده به الإنسان وجه الله ثم النصح لهم والإحسان لهم، فإن عمله مردود غير مقبول،وغيرهم لم يقصد هنا بيان الحق وهدي الخلق ورحمتهم واٌلإحسان لهم لم يكن عمله صالحاً. فوجب عند تقويم أي إنسان أن يقصد فيه بيان الحق، وأن يكون مصدر كلامه من العلم بالحق والهدي من الله، وأن يكون مخلصاً لله متجرداً له وغايته النصيحة لله ورسوله ولإخوانه المسلمون ثم عليه قبل أن يبدأ في تقويم أي رجل أو نقده أن يفتش في قلبه ويطهره من جميع أنواع الهوى وحب الظهور؛ لكي يكون حكمه منصفاً بعيداً عن الجور والظلم المذموم، وقد قيل: (( احذروا من الناس صنفين: صاحب هوي قد فتنه هواه، وصاحب أعمته دنياه )).
ثالثاً: الحق لا يعرف بالرجال :
هذه المقولة قالها سيد العقلاء علي بن أبي طالب رضى الله عنه، حيث قال: (( لا تعرف الحق بالرجال، بل اعرف الحق تعرف أهله ))، والعاقل ينظر دائماً الحق،ثم ينظر بعد ذلك في القول نفسه،فإن كان حقاً قبله ورضيه لنفسه سواء كان فاعله باطلاً أو محقاً،ويحرص علي انتزاع الحق ولو من لسان إبليس، فإن الحكمة ضالة المؤمن ينشدها من كل أحد،فإن وجدها فهو أحق بها .(1/15)
والتقليد: هو قبول رأي من لا تقوم به الحجة بلا حجة، أو هو قبول قول القائل وأنت لا تعلم من أين قاله، وهو من الآفات المهلكة، والتي لها تأثير بالغ في تاريخ البشرية والفكر الإنساني، فهو يؤدي إلي تعطيل النصوص الشرعية والعمل بها، ويؤدي إلي إهمال العقل البشري والإعمال في ميدانه، فهو آفة مهلكة، حيث أن المقدر لا ينظر إلي المشكلة المتنازع فيها إلا من خلال مقلده، فالحق ما قاله شيخه ومقلده وزعيمه، وإن خالف الدليل الواضح ولو كان الدليل من الكتاب والسنة، والباطل عنده ما خالف قول شيخه ولو دل عليه دليل أنه خلاف الحق والصواب، ولسان حال المقلد يقول الحجة مع شيخي، ولهذا فهو يلوي أعناق النصوص ويطوعها؛ لكي توافق رأيه واجتهاده، ويسخر فكره وعقله ؛ لكي يحلل أقوال شيخه وقائدة من أجل أن توافقه النصوص ، وقد ذم الله التقليد في كتابه، وشبه أصحابه بمنزلة الأنعام التي لا تفقه ما يقال لها إنما تسمع مجرد أصوات لا تفقه ما وراءها من المعاني والبينات والدلائل قال تعالي:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ}(البقرة:170) .
يقول ابن القيم في بيان أن التقليد مذموم محرم في دين الله : (( اتخاذ أحوال رجل بعينه بمنزلة نصوص الشارع، ولا يلتفت إلي قول من سواه، بل ولا إلي نصوص الشرع إلا إذا وافقت نصوص قوله.
فهذا والله هو الذي اجتمعت الأمة علي أنه محرم في دين الله، ولم يظهر في الأمة إلا بعد انقراض القرون الفاضلة )).(1/16)
ولا أذهب بعيداً إذا ما قلت لك ـ أخي القارئ ـ: أن كثيراً من النزاعات والخلافات التي تحدث بين العلماء وطلاب العلم، وكذلك الاضطراب في تقويم الرجال سببه الرئيسي هو: التعصب والتقليد لأقوال رجل بعينه، ومحاولة معرفة الحق بأقوالهم واتخاذ أقواله حجه في كل شئ ؛ لهذا نري أن علماء الأمة ينهون طلابهم وتلاميذهم عند تقليدهم ومتابعتهم بغير برهان وحجة، وذلك لأن التقليد داء ينخر بجسم الأمة ويقضي علي جانب كبير من نشاطها وفعاليتها في ميادين العلم والمعرفة ويخلد بها إلي الكسل والعجز،وأقوال الأئمة في ذم التقليد وأهله مستفيضة أذكر لك منها ما يأتي:
قال أبو حنيفة: (( لا يحل لمن يفتي من كتبي حتى يعلم من أين قلت )) .
وقال مالك بن أنس: (( أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي فكلما وافق الكتاب والسنة فخذوا به، وكلما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه )) .
وقال الشافعي: (( ما من أحد إلا وتذهب عليه سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتعز عنه.فمهما قلت من قول أو أصلت من أصل فيه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، خلاف ما قلت: فالقول قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو قولي. وجعل يردد هذا الكلام )) .
وقال أحمد بن حنبل: (( من قلة علم الرجل أن يقلد دينه الرجال )).
وإنما اخترت أقوال الأئمة الأربعة، لأن مذاهبهم وجوه في تفسير الشريعة الإسلامية، ومنافذ تطل عليها. وهي المناهج الرئيسية في البحث والفهم،وهي التي كتب لها أن تبعي بين الناس، ويرجع إليها في مسائل الفروع .
يقول شيخ الإٌسلام في بيان: أنه لا يجب علي كل أحد من المسلمين تقليد شخص بعينه، وأن هذا الإلزام لا تدل عليه نصوص الكتاب والسنة، وهو إلزام تنقصه الأدلة ،ويعوزه البرهان العلمي، بل هو من أقوال أهل البدع والضلال.(1/17)
انظر إليه وهو يقول: (( ولا يجب علي أحد من المسلمين التزام مذهب بعينه غير الرسول في كل ما يوجبه ويخبر به، بل كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، واتباع شخص لمذهب بعينه ، لعجزه عن معرفة الشرع من غير جهته إنما هو مما يسوغ، ليس هو ما يجب علي كل أحد إذا أمكنه معرفة الشرع بغير ذلك الطريق ، بل كل أحد كل عليه أن يتقي الله ما استطاع، ويطلب علم ما أمر الله به ورسوله ، فيفعل المأمور ويترك المحظور . والله أعلم )) .
وبين أيضاً في موضع آخر من كتابه : (( أنه يجوز للمسلم أن ينتقل من مذهب إلي آخر، مثل أن يتبين له رجحان قول علي قول ، فيرجع إلي القول الذي يري أنه أقرب إلي معاني الكتاب والسنة ، وأن الجمود علي قوله مذهب بعينه واعتقاد أن المذاهب أو المذهب دين للإسلام ، وهو الضلال بعينه .
يقول ابن تيميه: (( وكذلك فيمن يبين له في مسألة من المسائل الحق الذي بعث الله رسوله ثم عدل عنه ، فهو من أهل الذم والعقاب، وأما من كان عاجزا عن معرفة حكم الله ورسوله، وقد اتبع فيها أحداً من أهل العلم والدين، ولم يتبين له أن قول غيره راجح من قوله ، فهو محمود مثاب .
ولا يذم علي ذلك ولا يعاقب، وإن كان قادراً علي الاستدلال، ومعرفة ما هو الراجح، وتوقي بعض المسائل، ويعد ذلك من التقليد، فهو قد اختلفت بين مذهب أحمد المنصوص عنه والذي عليه أصحابه ، إن هذا إثم أيضاً ...)).
رابعاً: لا يسلم من الخطأ أحد من بني آدم :(1/18)
الخطأ صفة لا صفة في بني الإنسان، ولا منها من أحد ينجو منها أحد مهما بلغ مرتبة من العلم والدين، ولو نجا منها أحد لنجا منها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكرام، وهم خير القرون علي وجه الأرض. ومع ذلك لم يسلم أحد منهم من الخطأ والوقوع فيه بتأويل أو غير تأويل. يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: ( كل بن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ). والصحابة رضوان الله عليهم المعروف عنهم أنهم كانوا يسارعون للتوبة والندم والاستغفار فور وقوعهم في الذنب، ولم يعرف عن أحدهم أنه مات مصرا علي الذنب.
والسيد كما قيل من عدت هفواته وسقطاته، فهذا أقرب من غيره إلي الصواب، وقد رضي الله عنهم من فوق سبع سماوات، وشهد لهم بالخيرية والإيمان،وعلم ما في قلوبهم من الحب للإسلام والتفاني في سبيله، والمقصود أن الخطأـ حتى ولو في المسائل الخبرية العلمية ـ لا ينجو منه أحد من البشر.
يقول شيخ الإسلام: (( فإما الصديقون والشهداء والصالحون، فليسوا بمعصومين وهذا في الذنوب المحققة .
وأما ما اجتهدوا فيه فتارة يصيبون وتارة يخطئون، فإذا اجتهدوا وأصابوا فلهم أجران، وإذا اجتهدوا وأخطئوا فلهم أجر علي اجتهادهم وخطؤهم مغفور لهم، وبعض المبتدعة يري أن الخطأ والإثم والذنب أمران متلازمان، فإذا أخطأ المجتهد ولو بتأويل سائغ، فإنه آثم، ولكن أهل السنة والجماعة يرون أن المجتهد مأجور، والقول قد يكون مخالف للنص الصريح وفاعله معذور، لأن المخالفة بالتأويل لم يسلم فيها أحد من أهل العلم، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب، فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ، فله أجر )).(1/19)
وهنا يبين ابن تيميه قاعدة شريفة يجب التنبيه لها: ((وهو أن ما يصدر من بعض من له علم ودين من الشاطحات والأقوال المخالفة للشرع، قد يكون مسلوب العقل أو مجتهداً مخطأ اجتهاداً قولياً أو عملياً، فلا يذم والحالة هذه، ولا يتابع عليها فيما هو مخالف لشرع الله، يقول: (( وهذا فيما يعلم من الأقوال والأفعال أنه مخالف للشرع بلا سبب، كالشاطحات المأثورة لبعض المشايخ، كقول ابن هود: إذا كان يوم القيامة نصبت خيمتي علي جهنم.وكان الشبلى يحلق لحيته، ويمزق ثيابه حتى أدخلوه المارستان مرتين )).
ثم قال (( جماع هذا أن هذه الأمور تعطى حقها من الكتاب والسنة في الخبر والأمر والنهي، ووجب اتباعه ولم يلتفت إلي من خالفه كائن من كان، ولم يجز اتباع أحد في خلاف ذلك، كما دل عليه الكتاب والسنة وإجماع الأمة من اتباع الرسول وطاعته، وأن الرجل الذي صدر منه ذلك يعطي عذره حيث عذرته الشريعة، بأن يكون مسلوب العقل،أو ساقط التمييز، أو مجتهداً، أو مخطأ اجتهاداً قولياً أو عملياًُ أو مغلوباً علي ذلك الفعل أو الترك، بحيث لا يمكنه رد ما هو فيه من الفعل المنكر بلا ذنب فعله، ولا يمكنه أداء ذلك الواجب بلا ذنب فعله، ويكون في هذا الباب نوعه محفوظاً، بل لا يتبع ما خالف الكتاب والسنة، ولا يجعل ذلك شرعاً ولا منهاجاً، بل لا سبيل إلي الله ولا شرعه إلا بما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
وأما الأشخاص الذين خالفوا بعض ذلك علي الوجوه المتقدمة فيعتذرون، ولا يذمون ولا يعاقبون، فإن كل أحد من الناس فيؤخذ من قوله وأفعاله ويترك إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
بناء على ما تقدم في أنه لا يسلم أحد من بني آدم، فلا يذم إن كان معذوراً قد عذرته الشريعة، ولا يتبع علي الفعل المخالف للشريعة، لأنه لا سبيل إلي الله إلا من خلال متابعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .(1/20)
وهنا يفرق شيخ الإسلام بين المخالف للمسائل الاعتقادية المعلومة من الدين بالضرورة فهؤلاء ونحوهم يبين لهم الحق، فإذا اعرضوا عنه وجب الإنكار عليهم بحسب ما جاءت به الشريعة من اليد واللسان والقلب. وبين المخالف للمسائل الفرعية التي هي من موارد الاجتهاد، والتي تنازع فيها أهل الأيمان والعلم، فهذه قد يكون قطيعة عند بعض من تبين له الحق فيها، لكن لا يلزم الناس بما بان له، ولم يبين لهم، فهذا قد يسلم له ويكون صاحبه معذوراً، وقد لا يسلم حاله فلا يكون معذوراً، بل آثماً، فقد تكون هذه المسائل اجتهادية، فهذا تسليم لكل مجتهد بذل وسعه في الوصول إلي الحق، ومن قلده في ذلك وتابعه علي طريقته لا ينكر ذلك عليه .
يقول شيخ الإسلام في بيان ذلك ما نصه: (( وأما الذي لا يسلم إليه حاله إلا أن معذوراً مثل أن يعرف في أنه عاقل بقوله ـ يتواجد ـ يسقط عنه اللوم، ككثير من المنتسبة إلي الشيخ أحمد بن الرفاعي واليونسية، فيما يأتونه من المحرمات، ويتركونه من الواجبات، أو يعرف في أنه يتواجد ويتساكر من وجوه؛ ليظن به خيراً ويرفع عنه الذم فيما يقع من الأمور المنكرة، أو يعرف منه تجويز الانحراف من موجب الشريعة المحمدية، وأنه قد يتفوه بما يخالفها.وأن من الرجال من يستغني عن الرسول، أو له أن يخالفه، أو أنه يجري مع القدر المحض المخالف للدين، كما يحكي عن بعض الكذابين الضالين:
إن أهل الصفة قاتلوا النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الكفار لما انهزم أصحابه، وقالوا: نحن مع الله من غلب كنا معه. وأنه صبيحة الإسراء سمع منه ما جري بينه وبين ربه من المفاجآت،وأنه تواجد من السماء....، أو يسوغ لأحد بعد محمد الخروج عن شريعته، كما وسع الخضر الخروج عن أمر موسى، فإنه لم يكن مبعوثاً إليه كما بعث محمد إلي الناس كافة، فهؤلاء ونحوهم مما يخالف الشريعة، ويبين له الحق فيعرض عنه يجب الإنكار عليهم، بحسب ما جاءت به الشريعة من اليد واللسان والقلب )).(1/21)
نقد ابن تيميه للمبتدعين :
بين ابن تيميه لنا من خلال ما سبق منهجاً متميزاً في نقد الرجال وجرحهم، يقوم أساسه علي تمام التثبت والدقة المتناهية في النقل عنهم، مع تمام العدل في الإنصاف في العدل في الحكم عليهم، فهو ليس من الذين تغلب عليهم العاطفة، ويدفعهم الحماس الفارغ، ولا يوجد في اليوم منهج في النقد والحكم علي الآخرين من يملك عشر معشار هذا المنهج الدقيق الواضح الذي قدمه لنا شيخ الإسلام ابن تيميه؛ وذلك من خلال ما قدمناه لك من النصوص التي التقطناها من بعض مصنفاته وكتبه، وهي قليلة جداً نسبة إلي ما كتبه الشيخ من الرسائل العديدة التي تزخر بها المكاتب الإسلامية اليوم.
ومحاور هذا المنهج الدقيق متعددة، وتفاصيلها لها مكان آخر تراجع فيه مما سبق الإشارة إلي بعضها، لكمن سوف أشير إلي المنهج من خلال مسألتين، يظهر لنا جلياً مدي عدالة شيخ الإسلام ابن تيميه وإنصافه حتى مع من يعاونه ويكيدون له، بل حتى مع من حاولوا قتله ورموه بالتكفير والخروج عن الإسلام.
نقد المبتدعة:
أولاً: يعتمد منهجه رحمه الله علي النظر في حالة الإنسان من جهتين:
1- الضبط والإتقان والعلم بالحق، وعلي قدر قرب الإنسان من منهج أهل السنة والجماعة، وحبه للإسلام، بمقدار ما يقدمه للإسلام من خدمة.
2ـ الصدق وطلب الحق النافع وتحري الصواب في مسائل الدين والإيمان.
فإذا توافرت هاتان الصفتان في أي إنسان ولو كان قد عرف أنه تلبس ببدعة تخالف منهج السلف الكرام، فإن ذلك لا يمنعه من إيراد كلامه والاستدلال به في مواطنه، والحكم فيه بالعدل والإنصاف، وبيان ما عنده من فضائل وحسنات وعلي الرغم من شدة تحذيره من البدع وأهلها وبغضه لهم ورده عليهم، فإن ذلك لم يمنع شيخ الإسلام من الكلام فيهم بعدل وإنصاف كما عرف عنه.(1/22)
يقول رحمه الله: (( والله قد أمرنا ألا نقول إلا الحق، وألا نقول عليه إلا بعلم، وأمرنا بالعدل والقسط، فلا يجوز لنا إذا قال يهودي أو نصراني ـ فضلاً عن الروافض ـ قولاً فيه حق أن نتركه، بل لا نرد ما فيه من باطل دون ما فيه وهذا يدل علي عظم العدل والإنصاف الذي اتصف به شيخ الإسلام في نقده للناس وجرحهم، ويدل في الوقت نفسه علي أهمية المنهج الفكري والنقدي عنده، والذي كان له الأثر البالغ في تفكيره الذي بني في نفسه هذه الاتجاهات المتزنة، ورأسي فيه الأخلاق السامية.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله: (( وليس مما أمر الله به رسوله،ولا مما يرتضيه عاقل أن نقابل الحجج القوية بالمعاندة والجحد، بل قول الصدق والتزام العقل لازم عند جميع العقلاء، وأهل الإسلام أحق بذلك من غيرهم، إذ هم ـ ولله الحمد ـ أكمل الناس عقولاً، وأتممهم إدراكاً، وأصحهم ديناً، وأشرفهم كتاباً، وأفضلهم نبياً، وأحسنهم شريعة )).
قد كان منهجه في الحكم علي المبتدعة باختلاف مللهم ما اقتضته الشريعة، وما يؤيده الواقع الماثل لا الأهواء الشخصية والخلفيات الحزينة الضيقة، بل كان رحمه الله يعطي كل ذي حق حقه .
فالمعتزلة أعقل فهماً وأعلم وأدين والكذب والفجور فيهم أقل منه من الرافضه، والزيدية من الشيعة خير منهم وأقرب إلي الصدق والعدل والعلم، وليس في أهل الأهواء أصدق ولا أدين من الخوارج في هذا، فأهل السنة يسمعون فيهم العدل والإنصاف ولا يظلمونهم، فإن الظلم حرم مطلقاً كما تقدم، بل أهل السنة لكل طائفة من هؤلاء خير من بعضهم البعض، بل هم للرافضة خير وأعدل من بعض الرافضة لبعض .(1/23)
هذا بالنسبة لنقد شيخ الإسلام رحمه الله للمبتدعة من حيث الجملة، ومن حيث نقد الرجال المبتدعين والذي لهم بدعة تخالف منهج السلف، فيكفي أن تأخذ أي كتاب من كتب الشيخ فتقرأه سوف تري الحقيقة ماثلة بين يديك، وستعلم مدي علم وعدل وإنصاف الشيخ حتى مع من يعادونه وينصبون له العداء والمكيدة، وسنورد ـ وأخي القارئ ـ في نهاية البحث أمثلة تطبيقية، تعتبر بمثابة الدليل الساطع والبرهان القاطع علي عدل الشيخ وإنصافه في الحكم علي الآخرين .
ثانياً: الموازنة بين الحسنات والسيئات:
والمسألة الثانية التي يظهر لنا فيه عدل الشيخ وإنصافه في نقد الناس: الموازنة بين السلبيات والإيجابيات، وقد أكد شيخ الإسلام علي أهمية التوازن في نقد الرجال، وضرورة العدل والإنصاف مع كل أحد.
ويقول رحمه الله: (( ويعلمون ـ أي أهل السنة ـ أن جنس المتكلمين أقرب من جنس الفلاسفة، وإن كان الفلاسفة قد يصيبون أحياناًَ، كما أن جنس المسلمين خير من جنس أهل المكذبين، وإن كان يوجد من أهل الكتاب من له عقل وصدق وأمانة، ولا يوجد في كثير من المنتسبين إلي الإسلام، كما قال تعالي: { وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ}(آل عمران: من الآية75).
والإنسان مهما كملت رتبته في الدين ورسخ مقامه في الإسلام معرض للأخطاء،فلا يجوز أبداً أن تطرح جميع سيئاته واجتهاداته وأقواله، بل ننظر إلي كلامه وأقواله الموافقة للحق ونتقبلها،ونعرض عن أخطائه المخالفة للحق، والموازنة بين هذا وهذا عين الإنصاف،وأما مجرد تتبع الأخطاء وتصيد العثرات والغفلة عن حسنات الناس، فهو دليل واضح علي فساد النية وسوء القصد، وهناك أدلة في الكتاب والسنة تدل علي هذا المنهج القويم في نقد الناس وجرحهم ـ أي الموازنة بين الفضائل والسيئات ـ وأذكر لك دليلين فقط:(1/24)
أولاً: قال تعالي في بيان صدق اليهود،وأنه يوجد فيهم من له صدق ودين: { وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً} (آل عمران: من الآية75).
فالله يذم اليهود علي صفاتهم الخبيثة، وإن منهم من يحسد المؤمنين ويتمني لهم الضلال، وإن منهم الخونة، وإن منهم من يشتري بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً، وإن منهم فريقاً يحرفون الكلم عن مواضعه ويبدلون كلام الله ويزيلونه عن المراد منه، ليوهموا الجهلة أنه من كتاب الله كذلك قال آخر مما ذكره منهم من صفات سيئة، ثم في الوقت نفسه يذكر ويبين أن بعضه له صفات جيدة مثل التزام العهد وأداء الأمانة ، وترك الخيانة وحب الصدق. وأنهم ليسوا كلهم سواء، علي حد سواء بل منهم المؤمن ومنهم المجرم، ولهذا قال بصدد ذلك: { لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ) (آل عمران:113-114).
فبين أن منهم أمة قائمة بأمر الله مطيعة لشرعه، وأنهم يقيمون الليل ويكثرون السجود ويتلون كتاب الله ويتدارسونه، ليتواصلوا إلي معرفة النبي ومتابعته وصدقه والانقياد لأمره. وهؤلاء هم المذكورين في آخر السورة في قوله تعالي: { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً} آل عمران: من الآية199).(1/25)
ثانياً: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي هريرة عن الجني الخبيث الذي جاء إلي مال الصدقة يحثو منه فأمسكه بيده، وقال له: لأدفعنك إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال: دعني فإن لي عيال أطعمهم، فقال: لأبي هريرة: دعني، وأعلمك آية من كتاب الله إذا قرأتها لا يزال عليك من الله حفيظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح. فجاء إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأخبره بالقصة كاملة،فقال: ( أما أنه صدقك وهو كذوب، ذاك الشيطان ) (1)
فأثبت للشيطان الخبيث صفة الصدق مع أنه خلقه ودينه الكذب علي عباد الله، والمكر بهم، والتحايل عليهم،ولا يمنع ذلك من تقبل الخبر والكلام الذي نطق به وتفوه به؛ لأن الحكمة قد تصدر من لسان الفاجر، فلا بأس بالانتفاع بها، لأن الكذاب قد يصدق والحكمة ضالة المؤمن.
يقول شيخ الإسلام: (( الشخص الواحد قد يجتمع فيه الحسنات المقتضية للثواب والسيئات المقتضية للعقاب، حتى يمكن أن يثاب ويعاقب، وهو قول جميع أصحاب رسول الله، وأئمة الإسلام، وأهل السنة والجماعة الذي يقولون: إنه لا يخلد في النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان )).
ثم قال بعد ذلك: (( وبين علي هذا أموراً كثيرة، ولهذا من كان معه إيمان حقيقي فلا بد أن يكون معه من هذه الأعمال بقدر إيمانه، وإن كان له ذنوب، كما روي البخاري في صحيحه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلاً كان يسمي حماراً، وكان يضحك النبي عليه الصلاة والسلام، وكان يشرب الخمر، ويجلده النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأتي به مرة، فقال رجل: لعنه الله ما أكثر ما يؤتي به إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله)).
__________
(1) البخاري..(1/26)
فهذا الصحابي الجليل قد تكرر منه ارتكاب هذا المنكر البغيض والكبيرة العظمي،ولكن لا يعني هذا أنه فاسد ليس فيه خير قط، بل أنه فيه من الصفات الطيبة ما يوجب علي بقية الصحابة موالاته ومحبته ونصرته.
فيجب علي الإنسان أن يعرف للمحسن إحسانه وللمسيء إساءته، ثم يزن بين الأمور بميزان الحق والإنصاف، ولا يجوز أن يغلب جانب النظر إلي السيئات دون النظر إلي المحاسن والحسنات، وهذا هو الفيصل بين أهل السنة والخوارج المبتدعين، فإن الخوارج يقولون إنه لا يخرج من النار من دخلها من أهل القبلة، وأنه لا شفاعة للرسول ولا لغيره في أهل الكبائر لا قبل دخول النار ولا بعده، وعندهم أن الشخص الواحد لا يجتمع فيه الثواب والعقاب والحسنة والسيئة، بل إذ أثيب لا يعاقب ومن عوقب لا يثاب.
يقول ابن تيميه رحمه الله: (( فهذا يبين أن المذنب بالشرب ـ والخمر ـ وغيره قد يكون محباً لله ورسوله، وحب الله ورسوله أوثق عرى الإيمان،كما أن العابد الزاهد قد يكون لما في قلبه من بدعة ونفاق مسخوطاً عليه عند الله ورسوله من ذلك الوجه، كما استفاض في الصحاح وغيرهما من حيث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وأبي سعيد الخدري وغيرهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : أنه ذكر الخوارج، فقال: ( يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يقرؤن القرآن لا يتجاوز تراقبهم حتى يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، اقتلوهم أينما لقيتموهم فإن في قتلهم أجراً عند الله لمن قتلهم يوم القيامة، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد )).
أمثلة تطبيقية في نقد الرجال وجرحهم
أولاً: من الناحية النظرية:
ذكرنا فيما سبق أن منهج ابن تيميه يعتمد علي النظر علي حال الإنسان من جهتين:
الأولي: العلم بالحق، ومعرفته وإيثاره علي الباطل بمقدار ما يقدمه من خدمة لدين الله، وبمقدار قربه من أهل السنة والجماعة.(1/27)
الثانية: إخلاص الدين،وحسن النية، وتحري الصواب في مسائل الدين .
يقول ابن تيميه في هذا الصدد كلاماً نافعاً جداً: (( ثم ما من هؤلاء إلا من له في الإسلام مساع مشكورة وحسنات مبرورة، له من الرد علي كثير من أهل الإلحاد والانتصار لكثير من أهل السنة والدين، مما لا يخفي علي من عرف أحوالهم، وتكلم فيهم بعلم وصدق وعدل وإنصاف )).
وحين يفقد الإنسان العدل والتوازن في الحكم علي الآخرين ونقدهم تكثر الاتهامات الباطلة، وتشبع الافتراءات، حتى يصل الحد عند بعض الناس إلي أن يرمي المسلم بالابتداع، والخروج عن الدين بمجرد ما يصدر عنه هفوة غير مقصودة، أو خطأ وقع ظنه صواباً بعد اجتهاده.
يقول شيخ الإسلام: (( ومن اتبع هواه وظنه، وأخذ يشنع علي من خالفه بما وقع فيه من خطأ ظنه صواباً بعد اجتهاده، وهو من البدع؛ لمخالفته للسنة، فإنه يلزمه نظير ذلك أو أعظم أو أصغر فيمن يعظمه، وهو من أصحابه، فقل من يسلم من مثل ذلك من المتأخرين؛ لكثرة الاشتباه والاضطراب )).
وأنقل لك ـ أخي القارئ ـ نقد ابن تيميه رحمه الله لثلاثة رجال من أساطين العلم والدين، يمثل كل واحد منهم اتجاهاًُ معيناً ينتسب إليه طائفة من الناس، وهؤلاء الرجال هم:
أولاً: أبو الحسن الأشعري:
قال شيخ الإسلام رحمه الله في معرض نقده لأبي حسن الأشعري: (( هذا أبو حسن الأشعري نشأ في الاعتزال أربعين عاماً يناظر عليه، ثم رجع وصرح بتضليل المعتزلة، وبالغ في الرج عليهم )).
وقال أيضاً: (( ولهذا كان الأشعري وأصحابه منتسبين إلي السنة والجماعة، وكان منتحلاً للإمام أحمد ذاكراً أنه مقتد به متبعاً لسبيله، وكان بين أعيان أصحابه من الموافقة لكثير من أصحاب الإمام أحمد ما هو معروف، حتى أن أبا بكر عبد العزيز يذكر من حجج أبي الحسن من كلامه مثل ما يذكر من حجج لأصحابه ؛ لأنه كان عنده من أصحابه رأى أحمد رحمه الله ..)).(1/28)
وقال أيضاُ عنه في موضع آخر: (( والأشعري ابتلي بطائفتين طائفة تبغضه وطائفة تحبه، وكل منهما يكذب عليه، ويقول: إنه صنف هذه الكتب ثقية، وإظهار لموافقة أهل الحديث والسنة من الحنبلية، وهذا كذب علي الرجل، فإنه لم يوحد له قول باطن يخالف الأقوال التي أظهرها، ولا نقل ذلك عن خواص أصحابه، ولا يخرج عنه ما يناقض هذه الأقوال الموجودة في مصنفاته، فدعوى أحد في أنه: كان يبطن خلاف ما يظهر. دعوى مردودة عقلاً وشرعاً، بل من تدبر كلامه في هذا الباب تبين له قطعاً أنه كان ينصر ما أظهره)).
ويقول عنه قبل رجوعه إلي مذهب أهل السنة والجماعة: (( الأشعري وأمثاله برزخ بين السلف الجهمية، وأخذوا من هؤلاء كلاماً صحيحاً ومن هؤلاء أصولاً عقلية ظنوها صحيحة، وهي فاسدة، فمن الناس من مال إليه من الجهة السلفية، ومن الناس من مال إليه من الجهة البديعية الجهمية ، كأبي المعالي، ومنهم من سلك مسلكهم كعامة أصحابه )).
ثانياً:ابن حزم الظاهري:
قال ابن تيميه في بيان حقيقته: (( وكذلك أبو محمد بن حزم فيما صنفه من الملل والنحل، وإنما يستحمد بموافقة السنة والحديث مثل ما ذكره في مسائل القدر والإرجاء ونحو ذلك، بخلاف ما انفرد به من قول في التفضيل بين الصحابة، وكذلك ما ذكره في باب الصفات، فإنه يستحمد فيه بموافقة السنة والحديث؛ لكونه يثبت الأحاديث الصحيحة، ويعظم السلف، وأئمة الحديث، ويقول: إنه موافق للإمام أحمد في مسألة القرآن الكريم وغيرها، ولا ريب أنه موافق له ولو في بعض ذلك. لكن الأشعري ونحوه أعظم موافقة للإمام أحمد بن حنبل، ومن قبله من الأئمة في القرآن الكريم والصفات، وإن كان أبو محمد ابن حزم في مسائل الإيمان والقدر أقوم من غيره، وأعلم بالحديث تعظيماُ له ولأهله من غيره. ولكن قد خالط من أقوال الفلاسفة والمعتزلة في مسائل الصفات ما صدفه عن موافقة أهل الحديث في معاني مذهبهم من ذلك، فوافق هؤلاء في اللفظ وهؤلاء في المعني.(1/29)
وبمثل هذا صار يذمه من يذمه من الفقهاء والمتكلمين وعلماء الحديث باتباعه لظاهر لا باطن له، كما نفي من عبادات القلوب إلي ما في كلامه من الوقيعة في الأكابر والإسراف في نفس المعاني، ودعوى متابعة الظاهر، وإن كان له من الإيمان والدين والعلوم الواسعة الكثيرة ما لا يدافعه إلا مكابر. ويوجد في كتبه من كثرة الإطلاع علي الأقوال والمعرفة بالأحوال، والتعظيم لدعائم الإسلام، ولجانب الرسالة ما لا يجتمع مثله لغيره.
فالمسألة التي يكون فيها حديث يكون جانبه فيها ظاهر الراجح، وله من التميز بين الصحيح والضعيف، والمعرفة بأحوال السلف، ما لا يكاد يقع مثله لغيره من الفقهاء )) .
ثالثاً: أبو حامد الغزالي:
قال ابن تيميه عنه:(( ونجد أبا حامد الغزالي ـ مع أنه له من العلم والفقه والنصوص والكلام والأصول وغير ذلك، مع الزهد والعبادة وحسن القصد، وتبحره في العلوم الإسلامية أكثر من أولئك ـ يذكر في كتاب الأربعين ونحوه كتابه (( المضنون به علي غير أهله )). فإذا طلبت ذلك الكتاب، واعتقدت فيه أسرار الحقائق وغاية المطالب وجدته قول الصابئة المتفلسفة بعينه. قد غير عباراتهم وترتيباتهم، ومن لم يعلم حقائق مقالات أهل الملل يعتقد أن ذلك هو السر الذي كان بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر.
وأنه هو الذي يطلع عليه المكاشفون الذين أدركوا الحقائق بنور إلهي، فإن أبا حامد كثيرا ما يميل في كتبه علي ذلك النور الإلهي، وعلي ما يعتقد أنه يوجه الصوفية من إدراك الحقائق وكشفها لهم، حتى يزنوا بذلك ما ورد من الشرع.(1/30)
وسبب ذلك أنه كان قد علم بذكائه وصدق طلبه ما في طريق المتكلمين والمتفلسفة من الاضطراب، وأتاه الله إيماناً مجملاًـ كما أخبر به عن نفسه ـ وصار يتشوق إلي تفصيل الجملة، فيجد في كلامه المشايخ الصوفية ما هو أقرب إلي الحق، وأولي بالتحقيق من كلامه الفلاسفة والمتكلمين والأمر كما وجده، ولكن لم يبلغه من الميراث النبوي الذي عند خاصة الأمة من العلوم والأحوال، وما وصل إليه السابقون الأولون من العلم والعبادة. حتى نالوا من الكاشفات العلمية والمعاملات العباديه ما لم ينله أولئك، فصار يعتقد أن تفصيل تلك الجملة يحصل بمجرد تلك الطريق، حيث لم عنده طريق غيرهما؛ لانسداد الطريقة الخاصة السنية النبوية عنه، بما كان عنده من قلة العلم بها، ومن الشبهات التي تقلدها من المتفلسفة والمتكلمين، حتى حالوا بها بينه وبين تلك الطريقة )).
ثم قال بعد ذلك عنه: (( ولهذا كان الشيخ ( أبو عمرو بن الصلاح ) يقول فيما رأيته بخطه: أبو حامد كثر القول فيه، فأما هذه الكتب ـ يعني المخالفة للحق ـ فلا يلتفت إليها، وأما الرجل فيسكت عنه، ويفوض أمره إلي الله )).
ومقصود أنه لا يذكر بسوء؛ لأن عفو الله عن الناس والمخطئ، وتوبة المذنب تأتي علي كل ذنب، وذلك من أقرب الأشياء إلي هذه وأمثاله، ولأن مغفرة الله بالحسنات منه ومن غيره، وتكفيره الذنوب بالمصائب تأتي علي محق الذنوب، فلا يقدم الإنسان علي انتفاء ذلك في حق معين إلا ببصره، لا سيما مع كثرة الإحسان، والعلم الصحيح، والعمل الصالح، والقصد الحسن وهو يميل إلي الفلسفة، ولكن أظهرها في قالب التصوف والعبارات اٌلإسلامية، ولهذا فلقد رد عليه علماء المسلمين حتى أخص أصحابه أبو بكر بن العربي، فإنه قال: شيخنا أبو حامد دخل في بطن الفلاسفة ثم أراد أن يخرج منهم فما قدر)).
ثانياً: ومن الناحية العملية:(1/31)
السيرة الحسنة للمسلم، وأفعاله الحميدة، وصفاته العالية، وأخلاقه الزاكية، وعدله وإنصافه،لها الأثر البالغ في تصديقه والإيمان بما يدعو إليه، والانجذاب إلي كلامه،ويكون المسلم بهذا كالكتاب المفتوح يقرأ الناس فيه أخلاقه وصفاته، لأن التأثر بالأفعال والسلوك أبلغ وأكثر من التأثر بالمقال فقط، وقد ضرب الشيخ رحمه الله أروع الأمثلة وأصدقها في العدل والإنصاف والحكم علي الآخرين، وتمثل العدل في حياته إلي صورة حية وواقع عملي شملت الأصدقاء والأعداء علي حد سواء.
وإليك ـ أخي القارئ ـ نماذج حية من عدل الشيخ وإنصافه في نقد الآخرين والحكم عليهم أنقلها إليك من كلام المقربين إليه المجاورين له:
يقول الحافظ المحقق أبو عبد الله محمد بن عبد الهادي في كتابه (( العقود الدرية )) الذي ترجم فيه حياة الشيخ وبين مناقبه: (( وسمعت الشيخ تقي الدين ابن تيميه يذكر أن السلطان لما جلس بالشباك أخرج من جيبه فتوى لبعض الحاضرين في قتله، واستفتاه في قتل بعضهم.
قال الشيخ: فهمت مقصودة وإن عنده حنقاً شديداً عليهم، لما فعلوا وبايعوا الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير، فشرعت في مدحهم والثناء عليهم وشكرهم،وأن هؤلاء لو ذهبوا لم تجد مثلهم في دولتك، أما أنا: فهم حل من حقي ومن جهتي، وسكنت ما عنده عليهم.
قال: وكان القاضي زين الدين ابن مخلوف ـ قاضي المالكية ـ يقول بعد ذلك ما رأيت أتقي من ابن تيميه....
ثم إن الشيخ ـ بعد اجتماعه بالسلطان الناصرـ نزل إلي القاهرة وسكن بالقرب من مشهد الحسين، وعاد إلي بث العلم ونشره، والخلق يشتغلون عليه، يقرؤون ويستفتونه ويجيبهم بالكلام والكتابة، والأمراء والأكابر والناس يترددون إليه، وفيهم من يعتذر إليه ويتنصل مما وقع، وقال: قد جمعت الكل في حل مما جري .(1/32)
قال ابن عبد الهادي: (( فلما كان الرابع عشر من شهر رجب من سنة إحدى عشر وسبعمائة جاء رجل ـ فيما بلغنا ـ إلي أخيه شرف الدين، وهو في مسكنه في القاهرة فقال له: إن الجماعة بجامع مصر قد تعصبوا علي الشيخ وتفردوا به وضربوه.
فقال: حسبنا الله ونعم الوكيل. وكان بغض أصحاب الشيخ جالسين عند شرف الدين، قال: فقمت من عنده، وجئت إلي مصر فوجد خلقاً كثيراً في الحسينية وغيرها رجالاً وفرساناً يسألون عن الشيخ.
فجئته فوجدته بمسجد الفخر كاتب المماليك علي البحر واجتمع عنده الحسينية. ولو أمرتهم أن يهدموا مصر كلها لفعلوا، فقال لهم الشيخ: لأي شئ؟ قالوا: لأجلك.
فقال لهم: هذا ما يحل. قالوا: فهذا الذي فعل معك يحل؟ هذا شئ لا نصبر عليه. ولا بد أن نروح إليهم ونقاتلهم علي ما فعلوه. والشيخ ينهاهم ويزجرهم، فلما أكثروا في القول قال لهم: إما أن يكون الحق لي أو لكم أو لله، وإن كان الحق لي فهم في حل مني، وإن كان لكم فإن لم تسمعوا مني ولا تستفتوني فافعلوا ما شئتم، وإن كان الحق لله فالله يأخذ حقه إن شاء كما يشاء.
قالوا: فهذا الذي فعلوه معك هو حلال لهم؟ قال: هذا الذي فعلوه قد يكون مثابين عليه مأجورين فيه. قالوا: فتكون أنت علي الباطل وهم علي الحق؟ فإذا كنت تقول أنهم مأجورين، فاسمع منهم ووافقهم علي قولهم!
فقال لهم: ما لأحد كما تزعمون، فإنهم قد يكونوا مجتهدين مخطئين، ففعلوا ذلك باجتهادهم والمجتهد المخطئ له أجر.
فلما قال ذلك: قالوا قم واركب معنا حتى نجئ إلي القاهرة، فقال: لا، وسأل عن وقت العصر. فقيل له: أنه قريب، فقام قاصداً إلي الجامع لصلاة العصر.
فقيل له: يا سيدي، فقد تواصوا عليك ليقتلوك، وفي الجامع يتمكنون منك. بخلاف غيره فصل حيث كان.(1/33)
فأبى إلا المضي فخرج وتبعه خلق كثير لا يرجعون عنه، فضاقت الطريق بالناس، فقال بعض من كان قريباً منه: أدخل هذا المسجد ـ مسجد في الطريق واقعد حتى يخف الناس ـ لكي لا يموت أحد من الزحام، فدخل ولم يجلس فيه، ووقف وأنا معه.
فلما خف الناس خرج يطلب الجامع العتيق، فمر في طريقه علي قوم يلعبون بالشطرنج علي مسطبة بعض حوانيت الحدادين، فنفض الرقعة وقلبها فبهت الذي يلعب بها والناس من فعله ذلك. ثم مشي قاصداً الجامع، والناس يقولون: هنا يقتلونه الساعة يقتلونه! فلما وصل إلي الجامع قيل: الساعة يغلق الجامع عليه وعلي أصحابه ويقتلونهم، فدخل الجامع ودخلنا معه. فصلي ركعتين، فلما سلم منهما أذن المؤذن بالعصر، فصلى العصر. ثم افتتح بقراءة: ( الحمد لله رب العالمين )، ثم تكلم في المسألة التي كانت الفتنة بسببها إلى أذان المغرب.
فخرج أتباع خصومه وهم يقولون: والله لقد كنا غلطا نين في هذا الرجل بقيامنا عليه، والله الذي يقوله هو الحق، ولو تكلم هذا بغير الحق لم نمهله إلي أن يسكت، بل كنا نبادر إلي قتله، ولو كان هذا بطن خلاف ما يظهر، لم يخف علينا، وصاروا فرقتين يخاصم بعضهم بعضاً. وقال: وروحنا مع الشيخ إلي بيت ابن عمه على البحر وبتنا عنده .
الخاتمة(1/34)
بعد هذا العرض السريع لشيء من القواعد العلمية في نقد الرجال تبين لك ـ أخي القارئ ـ : أن تقييم الناس يجب أن يكون بعلم وعدل لا بجهل وظلم، وأن نقد الناس علي أساس الأهواء الشخصية والخلفيات المبنية يجعل الإنسان دائماً يميل عن الحق ميلاً واضحاً، فيجب علي من تصدي لنقد الناس والحكم عليهم أن يتحرى في نقده بيان الحق والإحسان بالخلق وإدارة الخير لهم، وأن يكون مصدر كلامه العلم بالحق والهدي من الله متجرداً له، وغايته النصح لله ورسوله ولإخوانه المسلمين. وأن يفتش في قلبه ويطهره من جميع آثار الهوى المذموم، وذلك إذا أراد أن يحكم علي غيره، وبشرط أن يكون الدافع إلي ذلك شرعياً، ويتذكر دائماً أن الإنسان مهما علت مرتبته في الدين فإنه معرض للخطأ فلا يجوز أن يطرح محاسنه وفضائله، بل يوازن بين المحاسن والمساوئ.
ويجعل علي المسلم أن يتق الله في ألفاظه ونقده، ويعلم أن ما يلفظه من قول إلا لديه رقيب عتيد، وأن هناك من يحصي أنفاسه وألفاظه، ولا يتكلم في أحد إلا بعلم وعدل، وليتذكر المسلم قول البخاري رحمه الله أمير المحدثين وإمام الجرح والتعديل الذي كان يخاف من الله رغم نزاهته في الحكم وعدله في نقد الناس حيث يقول: (( أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أنني اغتبت أحداً)).
يقول الذهبي: (( صدق رحمه الله ومن ينظر في كلامه في الجرح والتعديل، علم ورعه في الكلام علي الناس وإنصافه في من يضعفه. حتى أنه قال: فلان في حديثه نظر فهو متهم واه. وهذا معنى قوله: ولا يحاسبني أني اغتبت أحداً. وهو غاية الورع..)). والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم. وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك.(1/35)
سلسلة بحوث وتحقيقات مختارة من مجلة الحكمة (29)
تصنيف
المتوفى سنة 748 هـ
تحقيق وشرح وتعليق
Almodhe1405@hotmail.com
almodhe@yahoo.com
N
الحمد لله حمدًا كثيرًا، والصلاة والسلام على خير الأنام، وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
فإن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان في هذه الحياة، ووضعه في مواقف الاختبار، فينعم عليه طالبًا منه الحمد على نعمه والشكر له، ويبتليه طالبًا منه الصبر على ما أصابه، وفي الحالتين؛ حالتي الشكر والصبر فضل كبير وأجر عظيم.
ونعم الله كثيرة، لا يستطيع إنسان، مهما أوتي من القدرة، أن يحصي هذه النعم، لكننا نستطيع أن نقول: إن ما يصيب الإنسان من المحن والبلايا والأرزاء من أجلّ نعم الله علينا، وأجلَ هذه الأرزاء الموت، ففيه الراحة من عناء هذه الحياة الدنيا التي حُفّت بالمكاره، لمن جاءه الموت، واختطفه، وفيه الأجر العظيم، لمن فقد عزيزًا عليه، إن احتسبه عند الله وصبر.
وليس هدفنا هنا أن نعدّد ذاكرين فوائد الموت، وإنما أردنا مما ذكرناه، أن في كل شيء خيرًا للإنسان المؤمن بربه، وبقضائه وقدره، بين يدي كتاب تراثي، وجدنا فيه خيرًا لذلك، أردنا أن نخرجه بصورة واضحة بينّة، كما كانت صورته يوم خطه مصنفه، وما ذلك إلا لأن فيه تسلية لمن أصيب برزء، وفيه تخفيف من وقع مصيبة قد تحل، مهما كان نوع هذه المصيبة.
فبالصبر يصل المرء إلى رضوان الله، وخاصة الصبر على فقد الابن بالموت، وما ذلك إلا لأنّ الموت نهاية مطاف الإنسان في الحياة الدنيا، ينتقل به إلى الحياة الأخرى، التي من أهم خصائصها الخلود.(1/1)
وللدعوة إلى الصبر كتب أبو الحسن علي بن أيوب بن منصور المقدسي هذه الرسالة الصغيرة حجمًا، الكبيرة نفعًا، ليدغدغ بها فوح الإيمان، وشذا الصبر، على تقبل مصيبة فقد الأولاد، من خلال ما أورده فيها من آيات وأحاديث نبوية، وآثار عن السلف الصالح، وفضل الصبر على المصائب، وما ينبغي علينا أن نقوله يوم تحلّ المصيبة، ثم ذكر الأحاديث التي تزجرنا وتنهانا عن تلقي المصيبة بالجزع، أو بالأعمال التي تطمس بذرة الإيمان، أو تنشر في نفوسنا عدم اليقين بقضاء الله، أو عدم الرضا بقدره. ثم ختمها ببعض مواقف السلف الصالح عند تلقي المصائب، وبيان مدى صبرهم تجاهها.
كتب المصنف في هذا الموضوع رسالتين:
الأولى: اللباب في تسلية المصاب، ذكره له حاجي خليفة، في كشف الظنون: 1542، قال: اللباب في تسلية المصاب، للعلامة علاء الدين علي بن أيوب القدسي الشافعي، في أوراق.
الثانية: فوائد المصاب، ذكرها له حاجي خليفة، في كشف الظنون: 1542، بلغ فيه إلى سبع وعشرين ورقة.
نسبة الكتاب: نسبه له في كشف الظنون: 1542، وذكره له السخاوي في كتابه: ارتياح الأكباد بأرباح فقد الأولاد.
تسمية الكتاب: جاء الاسم على غلاف الكتاب: الكتاب في تسلية المصاب، وجاء اسمه في كشف الظنون: 1542 اللباب في تسلية المصاب، ونرجح هذه التسمية التي وردت في كشف الظنون، وذلك لأن المخطوط الذي اعتمدنا عليه، ترجع كتابته إلى القرن العاشر الهجري، كما رجح ذلك في مجلة المورد العراقية، المجلد السابع، العدد الأول، صفحة: 201، فيكون من تحريف الناسخ، وهناك أمثلة كثيرة على تحريف النساخ لعناوين الكتب وأسماء المؤلفين، ومن عمل في التحقيق يدرك ذلك أكثر من غيره، كما ورد اسمه في مخطوط: ارتياح الأكباد بأرباح فقد الأولاد باسم اللباب في تسلية المصاب، نسخة المكتبة الظاهرية في دمشق.
النسخ المعتمدة في التحقيق:(1/2)
اعتمدنا في تحقيق هذه الرسالة، على نسخة مكتبة شستربتي، رقم: 4308، حصلنا على صورة لها من معهد المخطوطات العربية، التابع لجامعة الدول العربية، وتتكون النسخة هذه من تسع ورقات، كتبت بخط نسخي جيد خلت من تاريخ النسخ، ومن اسم الناسخ، وخطها يشير إلى أنها ترجع إلى القرن العاشر الهجري، كما جاء في مجلة المورد العراقية مجلد 7، العدد الأول، الصحفة 201 وكل صفحة فيها خمسة عشر سطرًا، في كل سطر حوالي عشر كلمات، بعض الكلمات جاءت غير منقوطة أحيانًا.
عملنا:
قمنا أولاً بقراءة المخطوط قراءة متأنية، ثم قمنا بنسخها ثانيًا وفق المصطلح الكتابي في العصر الحديث، ووفق المصطلحات الإملائية المعاصرة، ثم قمنا بتصويب الأخطاء الموجودة فيها، من المصادر التي اعتمد عليها المصنف مشيرين إلى ذلك في الحواشي.
ثم قمنا بتخريج الآيات، بذكر السورة ورقم الآية، وخرجنا الأحاديث من المصادر التي ذكرها المؤلف، وما لم يذكر له مصدرًا، خرجناه من المصادر التي أوردتها، وقمنا بشرح الألفاظ التي نرى أنها بحاجة إلى شرح.
ثم خرجنا أبيات الشعر التي ذكرها في أثناء المتن، ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، ثم عرّفنا بأسماء الأعلام التي وردت في المتن، ثم قمنا بعمل الفهارس الفنية للكتاب، فهرس الآيات، وفهرس الأحاديث، وفهرس الأشعار، وفهرس الأعلام، وفهرس الكتب.
وفي الختام نرجو أن يكون عملنا خالصصا لوجه الله، فمنا أردنا إلا وجه الكريم، وهو مولانا، ونعم المعين.
المحقق
المصنفون في هذا الموضوع
هذا الموضوع كان مجالاً خصبًا للمصنفين، حيث تركوا لنا كمّا كثيرًا من مصنفاتهم فيه، حتى إن بعضهم صنف فيه أكثر من كتاب، وهذا كشف بمن صنف فيه مع ذكر أسماء مصنفاتهم، رتبناه حسب الأسبقية في الوفاة.
1- أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن أبي الدنيا (ت 281هـ) وكتابه: العزاء والصبر.
2- أبو العباس محمد بن يزيد المبرد (ت 286هـ) وكتابه: التعازي والمرائي.(1/3)
3- أبو بكر المبارك بن كامل بن أبي غالب الخفاف (ت 543هـ) وكتابه: سلوة الأحزان.
4- أبو سعيد عبد الكريم بن محمد السمعاني (ت 562هـ) وكتابه: سلوة الأحباب وترجمه الأحباب.
5- أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله ابن عساكر (ت 571).
6- أبو بكر محمد بن موسى الحازمي الهمداني (ت 584هـ )، كتابه: سلوة المحزون.
7- أبو عبد الله محمد بن عبد الحق بن سليمان التلمساني 0ت 776هـ)، كتابه: التسلي عن الرزية.
8- سليمان بن بنين بن خلف الدقيقي (ت 614هـ)، كتابه: سلوان الجلد عند فقدان الولد.
9- عيسى بن عبد العزيز الاسكندري (ت 629هـ)، كتابه: التعزية لأهل المصيبة.
10- شرف الدين عبد المؤمن بن خلف الدمياطي (ت 706هـ)، كتابه : التسلي والاغتباط بثواب من تقدم من الأفراط.
11- أبو عبد الله محمد بن أحمد الذهبي (ت: 746هـ) له:
- التعزية الحسنة بالأعزة.
- كشف الكربة عند فقد الأحبة.
12- علاء الدين علي بن أيوب بن منصور المقدسي (ت 746هـ) له:
- اللباب في تسلية المصاب. وهو هذا الكتاب الذي بين يديك.
- فوائد المصاب.
13- شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن القيم (ت 751هـ)، كتابه عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين.
14- شهاب الدين أحمد بن يحيى بن حجلة التلمساني (ت 776هـ). كتابه: تسلية الحزين في موت البنين، طبع الكتاب بتحقيق د. مخيمر صالح.
15- محمد بن ناصر الدين الدمشقي (ت 842 هـ)، كتابه: برد الأكياد عند فقد الأولاد. طبع الكتاب بتحقيقنا، نشر دار النفائس، في عمان،
16- عبد الرحمن بن أبي بكر الدمشقي (ت 856هـ) كتابه: تسلية الواجم في الطاعون الهاجم.
17- شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت 902هـ)، كتابه: ارتياح الأكباد بأرباح فقد الأولاد.
18- جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911هـ)، له:
- فضل موت الأولاد. طبع الكتاب بتحقيقنا.
- سلوة الفؤاد في موت الأولاد.
- فضل الجلد عند فقد الولد. طبع الكتاب بتحقيقنا.(1/4)
- التعلل والإطفا لا تطفي. طبع الكتاب، وصدر عن دار المنار، الزرقاء.
- فتاح الأكباد عند فقد الأولاد.
- ثلج الأكباد عند فقد الأولاد.
- ثلج الفؤاد في فقد الأولاد.
19- مرعي بن يوسف بن أبي بكر بن أحمد الكرمي (ت 1033 هـ) كتابه: سلوان المصاب بفرقة الأحباب.
20- أبو نصر الهوريني المصري (ت 1291هـ)، كتابه: تسلية المصاب عن فراق الأحباب.
21- أبو بكر بن محمد الحبشي البسطامي (؟) كتابه: تسلية النفوس الزكية بوفاة محمد خير البرية.
22- محمد بن يحيى الهمداني المصري (؟)، كتابه: التعريف والتبيين في ثواب فقد البنين.
نسبه وكنيته:
هو علاء الدين، أبو الحسن علي بن أيو ب بن منصور بن الزبير المقدسي الشافعي، يلقب عليان، ولد سنة ست وستين وستمائة تقريبًا.
قرأ علي التاج الفزاري، وولده برهان الدين، وسمع الفخر ابن البخاري، وعبد الرحمن بن الزين.
برع في الفقه واللغة العربية، وسمع الحديث الكثير بدمشق والقدس ودرس بالأسدية، وبحلقة صاحب دمشق.
سمع منه الذهبي، وذكره فقال: الإمام الفقيه البارع المتقن، المحدث، بقية السلف، قرأ بنفسه، ونسخ أجزاء، وكتب الكثير من الفقه والعلم بخطه المتقن، ثم تحول إلى القدس، ودرس بالصلاحية، ثم تغير وجفة دماغه في سنة اثنتين وأربعين، وكان إذا سمع عليه مع ذلك في حال تغيره يحضر ذهنه، ثم استمر إلى أن عانى من الفقر شدة شديدة.
قال الحافظ ابن حجر: قرأت بخط الحسيني أنه حدث بصحيح البخاري في مؤلفه، وذكر أنه لقيه في الجند، وأنه أجاز له روايته عنه.
مات فقيرًا مدقعًا في شهر رمضان سنة ثمان وأربعين وسبعمائة (1) .
بسم الله الرحمن الرحيم
لا إله إلا الله عدّة للقائه
__________
(1) مصادر ترجمته: لسان الميزان: 4/ 207. الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة، لابن حجر: 3/ 30 – 31. شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لابن العماد الحنبلي: 6/ 153.(1/5)
قال الشيخ الإمام العلامة شيخ الإسلام، مفتي الأنام، قدوةٌ العارفين، لسانُ المتكلمين، كنزُ الطالبين، إمامُالمحدِّثين، أبو الحسن عليُّ بنُ أيوب ابن منصور المقدسيّ، تغمَّده الله برحمته:
الحمدُ لله مُوفي الصَّابرين أجرَهُم بغير حسابٍ، وأشهدُ أنَّ لا إله إلا الله وحدّه÷ لا شريك لهُ [كبير] (1) الثواب، شديدِ العقابِ، وأشهدُ أنَّ محمدًا رسوله الذي أنزلَ عليه في الكتاب: { إنما يتذكر أولو الألباب} (2)، صلى الله عليه وسلم ما جرى سحابٌ، [ وحلَّ] (3) مُصابٌ، ودُفِنَ حبيبٌ في تراب.
أمَّا بعدُ: فإنَّ في الصبر على المصائبِ والبلاايا والمحَنِ والرَّزايا (4) ما يعقب الأجر ويشرحُ الصدرَ، وفي الجزع والتَّسخّطِ (5) بالقضاء ما يُحبطُ (6) الأجر، ويعظم الوزر (7). وقدِ ابتلي الربُّ سبحانه عبادُ في هذه الدجَّارِ بالسَّراءِ والضراء، وفرض عليهم الصبر عند البلاء، والشكر عندَ الرخاء؛ ليجزيهم بذلك في دار البقاء بما كان منهم في دار الفناء.
وهذه كلماتٌ سطرتُها ترغيبًا في تسلية مُصاب؛ لأشاركهُ في الثَّوابِ:
__________
(1) في الأصل: عبيد، وهو تحريف، والأشبه بالصواب ما أثبتناه.
(2) سورة الرعد: 19.
(3) في الأصل جلّ، ونظنها حلّ؛ لأنها أشبه بالصواب.
(4) البلايا من البلاء، وأصله الاختبار بالمصيبة، وكذا المحن، جمع المحنة، وهي الاختبار بالمصيبة، والرزايا: جمع رزء، وهو المصيبة بفقد الأعزة.
(5) التسخط: من السَّخط، والسُّخط، وهو الكراهية للشيء، وعدم الرضا به. النهاية: 2/350.
(6) يحبط : من حبط عمله؛ أي أبطله، وأحبطه غيره، وهو من قولهم: حبطْت الدابة حبطًا، بالتحريك، إذا أصابت مرعى طيبًا، فأفرطت في الأكل حتى تنتفخ فتموت. النهاية: 1/331.
(7) الوزير: الحمل والثقل، وأكثر ما يطلق في الحديث على الذنب والإثم. النهاية: 5/179.(1/6)
عن عبد الله بن مسعود(1) ، رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (مَنْ عزَّي مُصابًا، فلهُ مثلُ أجرِه) (2) .
__________
(1) هو عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي، أبو عبد الرحمن، صحابي من أكابرهم فضلاً، وعقلاًً وقربًا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أول من جهر بقراءة القرآن بمكة، كان صاحب سرّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخادمه. الأعلام: 4/137.
(2) الحديث في سنن الترمذي: 3/385، في الجنائز، أجر من عزى مصابًا. قال أبو عيسى: هذا حديث غريب، لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث علي بن عاصم، وروى بعضهم عن محمد بن سوقة، بهذا الإسناد مثله موقوفًا، ولم يرفعه، ويقال: أكثر ما ابتلي به علي بن عاصم، بهذا الحديث نقموا عليه. وإسناده في سنن الترمذي: يوسف بن عيسى حدثنا علي بن عاصم قال: حدثنا والله محمد بن سوقة عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله عن النبي . وفي سنن ابن ماجة: 1/511، في الجنائز، ما جاء في ثواب من عزى مصابًا، وفي إسناده حماد بن الوليد الأزدي الكوفي، قال ابن عدي: ما يرويه لا يتابع عليه، وسئل أبو حاتم عنه فقال: شيخ، وقال ابن حبان: يسرق الحديث، ويلزق بالثقات ما ليس من أحاديثهم. وفي سنن البيهقي: 4/59، وتاريخ بغداد: 22/ 453 – 454 ، والتلخيص، لابن حجر: 2/138، وعمل اليوم والليلة، لابن السني: 276.(1/7)
وعن أبي [برزة] (1) ، رضي الله عنه، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: (من عزَّى ثكلى كسيَ بُردًا في الجنة) (2) ، رواهما الترمذي (3) وغيره.
وعن عمرو بن حزم (4) ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (مَا مِن مؤمن يُعزِّي أخاه بمصيبة، إلا كساه الله، عزَّ وجلَّ، مِنْ حُلل الكرامة يوم القيامة). إسناده حسن (5) ،
__________
(1) في الأصل: هريرة، والتصويب من سنن الترمذي: 3/385، وأبو برزة هو نضلة بن عبيد، نزل البصرة، ثم سار إلى خراسان، ثم مرو، وعاد إلى البصرة، توفي سنة 60هـ، وقيل: 64هـ. أسد الغابة: 6/31.
(2) الحديث في سنن الترمذي: 3/ 385، في الجنائز، أجر من عزى مصابًا. قال الترمذي: إسناد هذا الحديث ليس بالقوى، وفي مصابيح السنة: رقم: 1237، وقال: غريب. وأعله المباركفوري في تحفة الأحوذي: 2/165، والحديث رواه المنيجي في تسلية أهل المصائب : 155، وابن ناصر، في برد الأكباد: 11، بتحقيقنا.
(3) هو محمد بن عيسى بن سورة بن موسى السلمي، البوغي، الترمذي، أبو عيسى (ت 2798هـ)، من أئمة علماء الحديث وحفاظه. من تصانيفه الجامع، المعروف بصحيح الترمذي، والشمائل النبوية وغيرها. الأعلام: 6/322.
(4) هو عمرو بن حزم بن زيد بن لوذان الأنصاري، أبو الضحاك (ت 53 هـ)، والٍ من الصحابة، شهد الخندق وما بعدها، واستعمله النبي - صلى الله عليه وسلم - على نجران، وكتب له عهدًا مطوّلاً، فيه توجيه وتشريع. الأعلام: 5/76.
(5) الحديث في سنن ابن ماجة: 1/511، في الجنائز، ما جاء في ثواب مَنْ عزى مصابًا، وإسناده فيه: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا خالد بن مخلد، حدثني قيس أبو عمارة مولى الأنصار، قال: سمعت عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم يحدّث عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - به.
وفي سنن البيهقي: 4/59، من طريق قيس أبي عمارة عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزام عن أبيه عن جده مرفوعًا به.
وفي زوائد البوصيري: 587، وقال: إسناد فيه مقال، قيس بن عمارة: ذكره ابن حبان في الثقات، قال الذهبي في الكاشف: ثقة، وقال البخاري: فيه نظر". وفي مصباح الزجاجة: 2/50، وفي فردوس الأخبار: 4/322، وسلسلة الأحاديث الضعيفة: 2/77، وقال الألباني: باقي رجال الإسناد على شرط مسلم، وضعيف الجامع: 5/125، وفي المعرفة والتاريخ للفسوي: 1/331 – 332.(1/8)
رواه ابن ماجه (1) .
واعلم أنَّ التعزية هي التصبير (2) ، وذكرَ ما يُسلي صاحب الميتِ، ويخَفّفُ حزنه، ويُهوِّن مصيبته، وهي مستحبة؛ فإنَّها أمرٌ بمعروف، ومُعاونة على البرِّ والتقوى، (والله في عوْنِ العبدِ ما كانَ العبدُ في عوْنِ أخيه) (3) .
الفصل [الأول] (4)
[آيات] (5) في فضل الصبر
__________
(1) هو محمد بن يزيد الربعي القزويني، أبو عبد الله ابن ماجة (ت 273هـ)، أحد الأئمة في علم الحديث، له السنن، وتفسير القرآن. الأعلام: 7/144.
(2) جاء في تسلية أهل المصائب: 154 – 155 "يقال: عزى الرجل عزاءً؛ إذا صبّره على ما نابه، والتعزية: التصبّر، وعزيته: أمرته بالصبر، والعزاء، بالمدّ: اسم أقيم مقام التعزية، ذكره النووي. وقال الأزهري: أصل التعزية: التصبر لمن أصيب بمن يُعزّى عليه. وقال غيره التعزية: التسلية، وهو أن يقال له: تعزّى بعزاء الله، وعزاء الله قوله تعالى: { الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون } سورة البقرة: 156".
أي تصبّر بالتعزية التي عزاك الله بها.
(3) جزء من حديث طويل أخرجه مسلم: 4/ 2074، في الذكر، فضل الاجتماع على تلاوة القرآن، وأبو داود: 4/ 287، في الأدب، في المعونة للمسلم، وابن ماجة: 1/82، في المقدمة فضل العلماء. والإمام أحمد في المسند: 2/252، 296، 500، 514، والترمذي: في الحدود، الباب الثالث.
(4) في الأصل فصل والمثبت زيادة منا.
(5) زيادة يقتضيها السياق.(1/9)
قال الله تعالى: { إنما يُوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} (1) . وقال المفسرون: "يوفى كلُّ عامل أجرَ عملهِ بحسابٍ إلا الصَّابرين، فإنهم يُصبُّ عليهم الأجرُ صبَّا بغير حساب" (2).
وقال تعالى : { إنَّ المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين والذاكرات أعدَّ الله لهم مغفرة وأجرًا عظيمًا } (3).
وقال تعالى: { ولنبولنكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم} (4).
وقال تعالى: { وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور} (5).
وقال تعالى: { ولنبلونَّكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشِّر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنّا لله وإنّا إليه راجعُون أولئك عليهم صلواتٌ من ربِّهم ورَحمةٌ وأولئك همُ المهتدون} (6).
[لأحاديث الحاثة على الصبر] (7).
__________
(1) سورة الزمر: 10.
(2) في تفسير ابن كثير: 4/48، عن ابن جريح: أنه لا يحسب عليهم ثواب عملهم قط، ولكن يزادون على ذلك. وعن الأوزاعي: ليس يوزن لهم، وإنما يغرف لهم غرفًا". وفي تفسير الطبري: 23/204 "عن قتادة أنه قال: لا والله ما هناكم مكيال ولا ميزان". وفي تفسير القرطبي: 15/ 241، "عن الإمام مالك: أنه قال: هو الصبر على فجائع الدنيا وأحزانها، ثم قال: ولا شك أن من سلم فيما أصابه، وترك ما نهي عنه، فلا مقدار لأجره".
(3) سورة الأحزاب: 35.
(4) سورة محمد: 31
(5) سورة آل عمران: 186
(6) سورة البقرة: 155 - 157
(7) زيادة يقتضيها السياق.(1/10)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : (والصبرُ ضياءٌ) (1).
وقال: (الصبرُ نِصفُ الإيمان) (2).
__________
(1) قطعة من حديث هو بتمامه كما جاء في صحيح مسلم: 1/203، في الطهارة فضل الوضوء: "الطهور شطر الإيمان، والحمد للهخ تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض والصلاة، نور والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو، فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها".
وأخرجه الترمذي: 5/535، في الدعوات، باب: 86، رقم 3517، والدارمي: 1/174، في الطهارة، ما جاء في الطهور، والنسائي: 5/5 – 6، في الزكاة، باب وجوب الزكاة، والإمام أحمد في المسند: 5/342، 343، وابن أبي شيبة في المصنف: 11/ 54، وصحيح الجامع: 4/21.
(2) الحديث رواه الديلمي في فردوس الأخبار: 2/575، عن ابن مسعود، وفي آخره زيادة: "واليقين الإيمان كله". قال في تسديد القوس: "أبو نعيم في الحلية عن ابن مسعود". وفي حلية الأولياء: 5/34، قال: "تقرّد به المخزومي عن سفيان بهذا الأسناد"، والقضاعي في مسند الشهاب: 158، والخطيب في تاريخ بغداد: 13/226، وابن الجوزي في العلل المتناهية: رقم: 1364، من طريق يعقوب بن حميد بن كاسب عن محمد بن خالد المخزومي عن سفيان الثوري عن زبيد اليامي عن أبي وائل عن ابن مسعود مرفوعًا به".
قال ابن الجوزي: تفرد بروايته محمد بن خالد عن الثوري، ومحمد بن خالد مجروح، قال يحيى بن معين والنسائي: "يعقوب بن حميد ليس بشيء"، وفي لسان الميزان: 5/152 نقلاً عن أبي علي النيسابوري أنه قال: هذا حديث منكر، لا أصل له من حديث زبيد، ولا من حديث الثوري. وعزاه في الجامع الصغير لأبي نعيم وتعقبه المناوي بأن البيهقي قال بعدما أخرجه: تقرد به يعقوب عن حميد عن محمد بن خالد المخزومي، والمحفوظ عن أبن مسعود من قوله غير مرفوع. ويعقوب قال الذهبي: ضعفه أبو حاتم وغير واحد. فيض القدير: 4/233. ورواه البيهقي في شعب الإيمان: 1/190.(1/11)
و [قال] (1): واعلمُ أنَّ النَّصرَ معَ الصبر، وأنَّ الفرجَ مع الكرب، وأنَّ معَ العُسر يُسرا) (2).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : (وما أعطي أحدٌ عطاءً خيرًا [وأوسعَ] (3) من الصبر) (4).
__________
(1) ساقطة من الأصل. والمثبت زيادة يقتضيها السياق، لأن ما بعدها حديث آخر.
(2) جزء من حديث هو بتمامه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعبد الله بن عباس: (يا غلام. ألا أعلمك كلمات تنتفع بهن؟) قال: بلى، يا رسول الله، قال: (أحفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، جفّ القلم بما هو كائن، فلو جهد العباد على أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك، لما قدروا عليه، فإن لم تستطع فإن في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرًا واعلم أن النصر...) الحديث. رواه الإمام أحمد في المسند: 1/307 ، والحاكم في المستدرك: 5/541، من طريق شهاب بن خداش عن عبد الملك ابن عمير عن ابن عباس، إلا أن الشيخين- يعني مسلم والبخاري – لم يخرجا لشهاب بن خداش ولا القراح. وأخرجه البيهقي في الأسماء والصفات: 75 – 76.
(3) في الأصل: خيرًا أوسع. والمثبت من المصادر التي أوردت الحديث.
(4) جزء من حديث هو بتمامه: عن أبي سعيد الخدري: أن ناسًا من الأنصار سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم حتى نقد ما عنده، فقال: (ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفُّه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبّر يصبره الله، وما أعطى أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر).
والحديث رواه البخاري: 3/256، في الزكاة، الاستعفاف في المسألة، ومسلم في صحيحه: 2/729، في الزكاة، في الاستعفاف، بلفظ: (عطاء خير"، والترمذي في سننه: 2/121، في الزكاة، في الاستعفاف بلفظ: (من عطاء أوسع من الصبر) ، والنسائي في سننه: 5/96 ، في الزكاة، الاستعفاف في المسألة، ومالك في الموطأ: 2/997، في الصدقة، التعفف عن المسألة، والإمام أحمد في مسنده: 3/3، 12، 47، 93، وابن أبي الدنيا في الفرج بعد الشدة: 23، بلفظ (ولا أوسع).(1/12)
وفي صحيح مسلم (1) عن صهيب(2)، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (عجبًا لأمر المؤمن، [إنّ أمرَه كله] (3) خيرٌ، وليس [ذاك](4) لأحدٍ إلا للمؤمن؛ إنْ أصابتْه سرَّاء شكر، فكانَ خيرًا لهُ، وإنْ أصابتْه ضرَّاء صبَرَ، فكانَ خيرًا له) (5).
__________
(1) هو مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري، أبو الحسين( ت 261هـ)، حافظ من أئمة المحدثين. أشهر كتبه صحيح مسلم، وله المسند الكبير، والكنى والأسماء، وغيرها، الأعلام: 7/221.
(2) هو صهيب بن سنان بن مالك النمري، قيل له: الرومي؛ لأن الروم سبوه صغيرًا، فنشأ بالروم، ابتاعته كلب منهم، ثم قدموا به مكة، فاشتراه عبد الله بن جددعان التيمي فأعتقه، كان من السابقين إلى الإسلام، شهد المشاهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . توفي سنة 38هـ، وقيل: 39هـ. أسد الغابة: 3/36.
(3) في الأصل: "أمره كله له"، والمثبت من صحيح مسلم.
(4) في الأصل: "ذلك"، والمثبت من صحيح مسلم.
(5) الحديث في صحيح مسلم: 4/2295، في الزهعد والرقائق، المؤمن أمره كله خير، وفي سنن الدارمي: 2/409، في الرقائق، المؤمن يؤجر في كل شيء، وجاء فيه: "بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس إذ ضحك، فقال: (ألا تسألوني مم أضحك؟) فقالوا: مم تضحك؟ قال: (عجبًا من أمر المؤمن كله له خير، إن أصابه ما يحبُّ حمد الله عليه، فكان له خير، وإن أصابه ما يكره فصبر كان له خير، وليس كل أحد أمره خير له إلا المؤمن)، وفي المسند: 5/24.(1/13)
وعن أبي هريرة (1)، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (ما يزالُ البلاء بالمؤمن والمؤمنةِ في نفسه وولدِهِ ومَالهِ حتّى يلقى الله تعالى، وما عليه خطيئةٌ) (2).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : (إنَّ عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإنَّ الله تعالى إذا أحبَّ نومً ابتلاهُم، فمنْ رضي، فلهُ الرَّضى، ومنْ سخط، فلهُ السَّخط)(3).
[الفصل الثاني] (4).
فيما يقوله من مات له ميت من الاسترجاع والحمد والشكر
__________
(1) هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، الملقب بأبي هريرة (ت59هـ)، صحابي، كان أكثر الصحابة حفظًا للحديث، ورواية له، لزم صحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، الأعلام: 3/308.
(2) الحديث في سنن الترمذي: 4/601، في الزهد، ما جاء في الصبر على البلاء.
(3) الحديث في سنن الترمذي: 4/600، في الزهد، ما جاء في الصبر على البلاء، وقال: حسن غريب، وفي سنن ابن ماجة: 2/1338، في الفتن، الصبر على البلاء، وجاء فيه بلفظ: "عظم الجزاء... وإن الله إذا ...".
وجاء فيه السند: حدثنا محمد بن رمح، أنبأنا الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب، عن سعد بن سنان، عن أنس بن مالك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - به.
(4) زيادة منا.(1/14)
في صحيح مسلم: عن أمِّ سلمة (1)، رضي الله عنها، قالت: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: (ما منْ عبد تُصيبهُ مصيبةٌ فيقول: إنٍِّا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، واخلفْ لي خيرًا منْها، إلا أجرهُ الله تعالى في مُصيبته، وأخلف له خيرًا منها). قالت: "فلما توفي أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأخلف الله تعالى لي خيرًا منه؛ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " (2).
__________
(1) هي هند بنت سهيل، المعروف بأبي أمية، ويقال: اسمه حذيفة، ويعرف بزاد الراكب، ابن المغيرة، القرشية المخزومية، أم سلمة، من زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - ، تزوجها في السنة الرابعة للهجرة، وكانت من أكمل الناس عقلاً، توفيت سنة 62هـ. الأعلام: 8/97.
(2) الحديث في صحيح مسلم: 2/633، في الجنائز، وفي سنن ابن ماجة: 1/509، في الجنائز، ما جاء في الصبر على المصيبة، وجاء فيه بلفظ: (ما من مسلم يصاب بمصيبة فيفزع إلى ما أمر الله به من قوله إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم عندك أحتسبت مصيبتي، فأجرني فيها، وعوّضني منها، إلا آجره الله عليها، وعاضه خيرًا منها). قالت: فلما توفي أبو سلمة ذكرت الذي حدثني عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم، عندك احتسبت مصيبتي هذه. فأجرني عليها، فإذا أردت أن أقول: وعوضني خيرًا منها، قلت في نفسي: أعاض خيرًا من أبي سلمة؟ ثم قلتها، فعاضني الله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - ، وآجرني في مصيبتي".(1/15)
وفي سنن أبي داود (1) عن أم سلمة أيضًا زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ورضي الله عنها، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (إذا [أصابتْ] (2) أحدكم مصيبةٌ، فليقلْ: إنَّا لله وإنّا إليه راجعون، اللهمّ عنْدَكَ أحتسِبُ مُصيبتي، فأجرني فيها، [وأبدلْ لي] (3) بها خيرًا منها" (4).
وفي كتاب (5) الترمذي وقال: إنَّه حديثٌ حسن (6).
__________
(1) هو سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير الأزدي السجستاني، أبو داود (ت 275هـ)، إمام أهل الحديث في زمانه، له السنن، والمراسيل، والزهد، وغيرها. الأعلام: 3/122.
(2) في الأصل: أصاب، والمثبت من سنن أبي داود: 3/191.
(3) في الأصل: أبدلني، والمثبت من سنن أبي داود: 3/191.
(4) الحديث في سنن أبي داود: 3/191، في الجنائز، في الاسترجاع، وفي عمل اليوم والليلة للنسائي: 307، رقم: 1078. بلفظ "فأجرني عليها" و"أبدلني"، ورقم: 1079، 1080، وفي عمل اليوم والليلة لابن السني: 274 وفي ضعيف الجامع: رقم: 476، قال الألباني: رواه أبو داود والحاكم عن سلمة، والترمذي وابن ماجة عن أبي سلمة، وهو حديث ضعيف. وانظر سنن الترمذي: في الدعوات، الباب: 83، والمسند: 6/313.
(5) كذا في الأصل، والمقصود الجامع الصحيح للترمذي.
(6) في سنن الترمذي: رقم: 1021، في الجنائز، فضل المصيبة إذا احتسب: حسن غريب.(1/16)
عن أبي موسى الأشعري (1) رضي الله عنه، أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا ماتَ ولدُ العبدِ، قالَ الله تعالى لملائكته: قَبضتُم ولدَ(2) عبدي؟ فيقولونَ: نعمْ، فيقولُ: قبضتمْ ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قالَ عبدِي؟ فيقولونَ: حمدك واسترجعَ، فيقولُ الله، سبحانه وتعالى: ابنُوا لعبدي بيتًا في الجنّة، وسمّوهُ بيتَ الحمدِ) (3).
__________
(1) هو عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار بن حرب، أبو موسى، من بني الأشعر، (ت44هـ) من الشجعان الفاتحين، وأحد الحكمين اللذين رضي بهما علي ومعاوية بعد حرب صفين، استعمله الرسول - صلى الله عليه وسلم - على زبيد وعدن، وولي لعمر بن الخطاب البصرة سنة 17هـ. الأعلام: 4/115.
(2) في الأصل: قبضتم روح ولد، والمثبت من المصادر التي ذكرت الحديث.
(3) الحديث في سنن الترمذي: حديث رقم: 1021، في الجنائز، فضل المصيبة إذا احتسب، وفي المسند: 4/425، وموارد الضمآن رقم 726، وفي سنده أبو سنان، واسمه عيسى بن سنان القسملي، وهو لين الحديث، كما قال في التقريب، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وقال الحافظ ابن حجر: حديث حسن. انظر الفتوحات الربانية: 3/296، وفي المنتخب لعبد بن حميد: 1/487، ورواه السيوطي في فضل موت الأولاد: 36، بتحقيقنا، وعمل اليوم والليلة، لابن السني: 274.(1/17)
وفي صحيح البخاري(1)، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (يقولُ الله تعالى: ما لعبديَ المؤمن عندِي جزاءٌ، إذا قبضت صُفيَّه منْ أهل الدُّنيا، ثمّ احتسبه، إلا الجنّة) (2).
__________
(1) هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري، أبو عبد الله، (ت 256هـ)، حبر الإسلام، والحافظ لحديث رسول الله، صاحب الجامع الصحيح، المعروف بصحيح البخاري، والأدب المفرد، وغيرها. الأعلام: 6/34.
(2) الحديث في صحيح البخاري: 8/112، في الرقاق، العمل الذي يبتغي به وجه الله، وفي المسند: 2/417، 3/443، 4/237، 5/253.
ورواه السيوطي في فضل الجلد: 22، بتحقيقنا، وعزاه لابن زنجوية والبخاري عن أبي هريرة. ورواه الترمذي في الزهد، الباب 58.(1/18)
وفي الصحيحين(1)، عن أسامة بن زيد(2)، رضي الله عنهما، قال: أرسَلت إحدى بنات النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه تدعُوهُ وتخبره أنَّ صبيًا لها، أو ابنًا، في الموتِ، فقالَ للرسول: (ارجعْ إليها، فأخبْرها أنَّ للهِ ما أخذ، ولاه ما أعطى، وكلَّ شيءٍ عندهُ بأجلٍ مسمّى، فَمُرْها فلتصبِر ولتحتسبْ). وذكر تمام الحديث (3).
__________
(1) أي صحيح مسلم، وصحيح البخاري.
(2) هو أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي، أمه أم أيمن حاضنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أبو محمد، مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أبويه، حب رسول الله. استعمله النبي وهو ابن 18 سنة، توفي 58هـ أو 59هـ. أسد الغابة: 1/79.
(3) جزء من حديث هو بتمامه: عن أسامة بن زيد قال: كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأرسلت إليه إحدى بناته تدعوه وتخبره أن صبيًّا لها، أو ابنًا لها في الموت، فقال للرسول: (ارجع إليها فأخبرها أن لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمّى، فمرها فلتصبر ولتحتسب)، فعاد الرسول فقال: إنها قد أقسمت لتأتيّنها، قال: فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - وقام معه سعد بن عبادة، ومعاذ بن جبل، وانطلقت معهم، فرفع إليه الصبي، ونفسه تقتقع، كأنها في شنّة، ففاضت عيناه، فقال له سعد: ما هذا؟ يا رسول الله، قال: (هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء).
رواه مسلم في صحيحه: 2/636، في الجنائز، البكاء على الميت، ورواه البخاري في صحيحه: 1/222، في الجنائز، قول النبي يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه، وفي: 4/274، في التوحيد، قول الله تعالى: { قل ادعوا الله أو ادعوا}، وفي 4/288، في التوحيد، ما جاء في قول الله تعالى: {إن رحمة الله قريب}، و4/144، في القدر، باب وكان أمر الله قدرًا مقدورًا، و4/152، في الأيمان، قول الله تعالى: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم}. وفي سنن النسائي: 4/21، في الجنائز، الأمر بالحتساب والصبر.(1/19)
[الفصل الثالث] (1)
فصل في فضل من مات له أولاد صغار فصبر
عن أنس(2)، رضي الله عنه، قالَ: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (مَا مِنْ مُسلمٍ يموتُ له ثلاثةٌ لم يبلغُوا الحلمَ إلا أدخلهُ الله الجنَّة بفضل رحمته أياهم) (3).
وعن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (لا يموتُ لأحدٍ من المسلمين ثلاثةٌ من الولدِ، فتمسّهُ النّارُ إلا تحلةَ القَسَم)(4).
هذان الحديثان متفق عليهما(5).
وعن القسم قوله تعالى: {وإنْ منكُم إلا واردُها}(6). والوُرودُ:
هو العبورُ على الصّراطِ (7)،
__________
(1) في الأصل: فصل، والمثبت زيادة منا.
(2) هو أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم النجاري الخزرجي الأنصاري، أبو ثمامة أو أبو حمزة، صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخادمه، آخر من مات من الصحابة بالبصرة. توفي سنة 93هـ. الأعلام: 2/24.
(3) الحديث في صحيح البخاري: 1/217، في الجنائز، فضل من مات له ولد فاحتسب، وجاء فيه بلفظ (ما من الناس من مسلم... ثلاث.... الحنث....).
وسنن النسائي: 4/24، في الجنائز، من يتوفى له ثلاثة، بلفظ، (.... يتوفى له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث). ولم يخرجه مسلم.
(4) الحديث في صحيح البخاري: 1/217، في الجنائز، فضل من مات له ولد فاحتسب، وجاء فيه بلفظ: (لا يموت لمسلم.. فيلج النار)، وصحيح مسلم: 4/2028، في البر والصلة، فضل من يموت ولد له فيحتسبه، وفي سنن النسائي: 4/25، في الجنائز، من يتوفى له ثلاثة، والسنن الكبرى للبيهقي: 4/ 67.
(5) الحديث الأول لم يخرجه مسلم.
(6) سورة مريم: 71.
(7) في شرح النووي لصحيح مسلم: 16/180 "قال العلماء: تحلة القسم، ما ينحل به القسم، وهو اليمين، وجاء مفسرًا في الحديث أن المراد قوله تعالى: {وإن منكم إلا واردها} وبهذا قال أبو عبيد، وجمهور العلماء، والقسم مقدّر، أي والله إن منكم إلا واردها.
وفي جامع الأصول: 9/591 – 592، قال ابن الأثير: "تحلة القسم هي تحلة قوله تعالى: { وإن منكم إلا واردها}، والقسم قوله تعالى: {فوربك لنحشرنهم والشياطين} ، والعرب تقسم وتضمر المقسم به، فوربك وإن منكم إلا واردها ونحو، وقيل معنى الحديث من قول العرب: ضربته تحليلاً وضربته تعزيرًا، إذا لم يبالغ في ضربه، وهذا مثل في القليل المفرط القلة، وهو أن يباشر من الفعل الذي يقسم عليه المقدار الذي يبرّ به، مثل أن يحلف على النزول بمكان، فلو وقع به وقعة خفيفة أجزأه، فتلك تحلة القسم، فالمعنى: لا تمسه النار إلا مسّة يسيرة، مثل تحليل قسم الحالف. وانظر قول ابن الأثير في النهاية: 2/429 – 430.(1/20)
وهو جسرٌ منصوبٌ على ظهرِ جهنم(1)، عافانا الله منها.
وعن أبي سعيد الخدري(2)، رضي الله عنه قال: جاءَت امرأةٌ إلى رسول اللهِ، - صلى الله عليه وسلم - ، فقالتْ: يا رسولَ اللهِ، ذهبَ الرجالُ بحديثكَ، فاجعلْ لنا من نفسِك يومًا فنأتيك(3) فيه، تُعلمنا ممَّا علمَكَ الله، قال: (فائتين(4). يوم كذا وكذا)، فاجتمعنَ، فأتاهُنَّ النبيُّ، - صلى الله عليه وسلم - ، فعلمَهُنَّ ممّا علمهُ الله، ثم قالَ: (ما مِنكنَّ من امرأةٍ تقَدّم ثلاثةَ من الولدِ إلا كانُوا لها حجابًا من النارِ)، فقالتِ امرأةُ: واثنينِ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (واثنينِ) (5).
__________
(1) قال النووي: والمختار أن المراد به المرور على الصراط. شرح صحيح مسلم: 16/180، وفي النهاية: 2/430: "ويريد بتحلته الورود على النار والاجتياز بها".
(2) هو صعد بن مالك بن سنان الخدري الأنصاري الخزرجي، أبو سعيد، (ت 74هـ)، صحابي، كان من ملازمي النبي - صلى الله عليه وسلم - . الأعلام: 3/87.
(3) في صحيح مسلم: 4/2028: نأتيك.
(4) في صحيح مسلم: 4/2028: اجتمعن في.
(5) في صحيح مسلم: 4/2028 – 2029: "فقالت امرأ’: واثنين واثنين واثنين" فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (واثنين واثنين واثنين).(1/21)
متفق على صحت(1).
[الفصل الرابع] (2)
في النهي عن البكاء جزعًا، وفي تحريم النياحة على الميت، ولطم الخد، وتسخيمه بسواد، أو رماد، أو مداد، وشق الجيب، ونتف الشَّعر، وحلقه، أو نشره، أو قطعه، وعن الدعاء بالويل والثبور، ودعوى الجاهلية.
في الصحيحين عن أنس، رضي الله عنه، قال مرَّ النبي ُّ، - صلى الله عليه وسلم - ، بامرأةٍ تبكي عندَ قبرٍ، فقالَ: (اتقي الله واصبري)، فقالتْ: إليكَ عنِّي، فإنَّك لم تُصبْ بمصيبتي، ولم تَعرِفْهُ، فلمّا ولى، قيل لها: إنَّه رسول الله، - صلى الله عليه وسلم - ، فأتت بابَه، فلم تجدْ عندَه بوّابين، فقالت: يا رسول الله، لم أعرفْكَ، فقال: (إنَّما الصبرُ عندَ الصدمةِ الأولى) (3).
__________
(1) الحديث رواه البخاري في صحيحه: 1/217، في الجنائز، فضل من مات له ولد فاحتسبه، وجاء فيه بلفظ: أن النساء قلن للنبي - صلى الله عليه وسلم - : اجعل لنا يومًا، فوعظهن وقال: (أيما امرأة مات لها ثلاثة من الولد كانوا حجابًا من النار)، قالت امرأة: واثنان؟ قثال: (واثنان) ورواه أيضًا في صحيحه: 4/263، في الاعتصام بالسنة، تعليم النبي أمته من النساء والرجال، ورواه مسلم في صحيحه: 4/2028 – 2029، في البرلا والصلة، فضل من يموت له ولد، ورواه النسائي: 4/23 – 24، في الجنائز، ثواب من احتسب ثلاثة، وجاء فيه بلفظ: (من احتسب ثلاثة من صلبه دخل الجنة)، فقامت امرأة فقالت: (أو اثنان؟) قال: أو أثنان، قالت المرأة: يا ليتني قلت واحدًا"، وابن أبي شيبة في المصنف: 3/353، والإمام أحمد في المسند: 3/34، 122، 4/154، 6/27، 29.
(2) في الأصل: فصل والمثبت زيادة منا.
(3) الحديث في صحيح البخاري: 1/218، في الجنائز، قول الرجل للمرأة عند القبر اصبري، وفي: 1/222، في الجنائز، زيارة القبور، وفي صحيح مسلم: 2/637 – 638، في الجنائز، باب الصبر على المصيبة عند الصدمة الأولى.
والصبر عند الصدمة الأولى: أي عند قوة المصيبة وشدّتها. النهاية: 3/19.(1/22)
وعن عمر بن الخطاب (1)، رضي الله عنه قال: قال رسول الله، - صلى الله عليه وسلم - : (الميْتُ يعذَّبُ في قبْرهِ بِما نيحَ عليهِ). متفق عليه (2).
وعن ابن مسعود، رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (ليس منَّا من ضربَ الخُدود، وشقَّ الجيوبَ، ودعا بدعوى الجاهلية)(3). متفق عليه أيضًا.
دعوى الجاهلية: مثل قوله: وإخِلاه، واكهفاه، واعزَّاه، ويا لقيس، ويا لعامر، ويا للمهاجرين، ونحو ذلك.
__________
(1) هو عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي العدوي، أبو حفص (ت23هـ)، ثاني الخلفاء الراشدين، وأول من لقب بأمير المؤمنين، الصحابي الجليل الشجاع، صاحب الفتوحات، وهو أول من وضع للعرب التاريخ الهجري. قتله أبو لؤلؤة الفارسي غيلة. الأعلام: 5/45.
(2) الحديث في صحيح البخاري: 1/224، في الجنائز، ما يكره من النياحة على الميت بلفظه، وفي صحيح مسلم: 2/639، في الجنائز، الميت يعذب ببكاء أهله عليه، بلفظ: (الميت يعذب في قبره بما نيح عليه). وفي البخاري: 1/223، بلفظ: (إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه) وكذا في سنن أبي دجاود: 3/194، في الجنائز، باب في النوح، وسنن النسائي: 4/17، في الجنائز، النياحة على الميت.
(3) الحديث رواه البخاري في صحيحه: 1/225، في الجنائز، باب ليس منا من شق الجيوب بلفظ: (ليس منا من لطم...) وفي باب ما ينهي من الويل ودعوى الجاهلية، بلفظه. ومسلم: 1/99، في الإيمان، تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب، وابن ماجة: 1/504، في الجنائز، النهي عن ضرب الخدود، والترمذي: 3/380، في الجنائز، النهي عن ضرب الخدود والنسائي: 4/19، في الجنائز، دعوى الجاهلية، و4/20، في الجنائز، ضرب الخدود، ورواه عنهم السيوطي في كتابه إسبال الكساء: 63، بتحقيقنا.(1/23)
وعن أبي بردة (1) قال: وجعَ أبو موسى الأشعري (2)، ورأسه في حجر امرأة من أهله، فأقبلت امرأتُه تصيحُ برنَّةٍ، فلم يستطع أنْ يردَّ عليها شيئًا، فلما أفاقَ قال: "أنا بريءٌ من برئَ منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برئ من الصّالقة، والحالقةِ، والشَّاقة" (3). متفق عليه أيضًا.
الصالقة: هي التي ترفع صوتها بالنياحة والندب (4).
والحالقة: هي التي تحلق رأسها عند المصيبة (5)، والشَّاقة: هي التي تشق ثوبها(6).
__________
(1) هو أبو بردة بن قيس الأشعري، أخو أبي موسى الأشعري، واسمه عامر. وهو أبو بلال بن أبي بردة، أمير البصرة وقاضيها. أسد الغابة: 6/29.
(2) مرة ترجمته.
(3) الحديث رواه البخاري: 1/225، في الجنائز، ما ينهي من الخلق عند المصيبة، وجاء فيه بلفظ: "وجع أبو موسى وجعًا فغشي عليه، ورأسه في حجر امرأة من أهله، فلم يستطع أن يرد عليها شيئًا، فلما أفاق قال: أنا بريءً ممن برئ منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برئ من الصالقة والحالقة والشاقة"، ومسلم: 1/100، في الإيمان، تحريم ضرب الخدود، والنسائي: 4/20، في الجنائز، السلق، بلفظ: "أبرأ إليكم كما برئ إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ليس منا من حلق ولا خرق ولا سلق"، وفيه أيضًا في باب الحلق، بلفظ: "ألم أخبركم أني برئ ممن برئ منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان يحدثها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (أنا برئ ممن حلق وخرق وسلق)، وأبو داود: 3/496، في الجنائز، ما جاء في النوح.
(4) في النهاية: 3/480 "الصلق: الصوت الشديد، يريد رفعه في المصائب وعند الفجيعة بالموت، ويدخل فيه النوح، ويقال بالسين، وفي النهاية: 2/391، "سلق: رفع صوته عند المصيبة، وقيل: هو أن تصكَ المرأة وجهها وتمرشه".
(5) النهاية: 1/427.
(6) إسبال الكساء للسيوطي، بتحقيقنا: 64.(1/24)
وعن أم عطية(1) قالت: "أخذَ علينا رسول الله، - صلى الله عليه وسلم - ، عند البيعةِ ألاَّ تنوحَ" (2). متفق عليه.
وعن المغيرةِ بن شعبة (3)، رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله، - صلى الله عليه وسلم - ، يقول: (من نيح عليه، فإنَّه يعذَّبُ بما نيح (4) عليه يومَ القيامةِ(5).
__________
(1) هي أم عطية، نسيبة بنت الحارث، وقيل بنت كعب، صحابية، مشهورة باسمها وكنيتها، روت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعمر، وعنها أنس بن مالك ومحمد وحفصة ابنا سيرين وغيرهم، وقد غزت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - سبع غزوات، حديثها في الكتب الستة.
(2) الحديث في صحيح البخاري: 1/227، في الجنائز، ما ينهي عن النوح والبكاء، وجاء فيه: عن أم عطية قالت: أخذ علينا النبي - صلى الله عليه وسلم - عند البيعة ألا ننوح، فما وفت منا امرأة غير خمس نسوة، أم سليم، وأم العلاء، وابنة أبي سبرة، امرأة معاذ وامرأتين أو ابنة أبي سبرة، وامرأة معاذ، وامرأة أخرى، وصحيح مسلم: 2/645، في الجنائز، التشديد في النياحة.
(3) هو المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود الثقفي، يكنى أبا عيسى، أسلم عام الخندق، وشهد الحديبية، ولي البصرة لعمر، (ت 50هـ). أسد الغابة: 5/247.
(4) في الأصل: من يُنح عليه... بما ينح عليه، والمثبت من البخاري: 2/224، ومسلم: 2/643.
(5) الحديث في صحيح البخاري: 1/224، في الجنائز، ما يكره من النياحة على الميت، وجاء فيه جزءًا من حديث هو بتمامه: عن المغيرة رضيب الله عنه قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إن كذبًا عليّ ليس ككذب على أحد، من كذب عليّ متعمدًا فليتبوّأ مقعده من النار)، سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (من نيح عليه يعذّب بما نيح عليه)، وفي صحيح مسلم: 2/543، في الجنائز، الميت يعذب ببكاء أهله عليه.(1/25)
وعن النعمان بن بشير(1)، رضي الله عنهما: قال: أغميَ على عبد الله بن رواحة(2)، فجعلتْ أختُه تبكي: وَاجبلاه، واكذا، واكذا، تعدِّدُ عليه، فقال حينَ أفاقَ: ما قلتِ شيئًا(3). إلا قيل لي: أنتَ [كذلك؟](4)" رواه البخاري (5).
__________
(1) هو النعمان بن بشير بن ثعلبة بن سعد بن خلاس الأنصاري، ولد قبل وفاة الرسول بثماني سنين وسبعة أشهر، أول مولود للأنصار بعد الهجرة، لأبويه صحبة، روى عنه أبناه محمد وبشير والشعبي وغيرهم. أسد الغابة: 5/326.
(2) هو عبد الله بن رواحة بن ثعلبة الأنصاري، من الخزرج، أبو محمد( ت 8هـ)، صحابي، يعد من الأمراء والشعراء الراجزين، كان يكتب في الجاهلية، وكان أحد الأمراء في وقعة مؤتة، واستشهد فيها. الأعلام: 4/86.
(3) في الأصل: قلت لي شيئًا، والمثبت من البخاري: 3/59، في المغازي، غزوة مؤتة.
(4) في الأصل: كذاك، والمثبت من البخاري: 3/59.
(5) الحديث في صحيح البخاري: 3/59، في المغازي، غزوة مؤتة.(1/26)
وعن أبي مالك الأشعري (1)، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (النائحةٌ إذا لم تتب، قبلَ موتها، تُقامُ يومَ القيامةِ، وعليها سِربالٌ من قطران، ودرعٌ من جربٍ) (2).رواه مسلم.
__________
(1) اختلف في اسمه فقيل كعب بن مالك، وقيل كعب بن عاصم، وقيل عبيد، وقيل: عمرو، وقيل: الحارث، يعدّ في الشاميين، قدم في السفينة مع الأشعريين على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، له صحبة. أسد الغابة: 6/272.
(2) جزء من حديث رواه مسلم: 2/644، في الجنائز، التشديد في النياحة، والحديث بتمامه: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (أربع في أمتي من أمور الجاهلية، الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة، وإنّ النائحة إذا لم تتب قبل موتها...) ورواه ابن ماجة: 1/503، في الجنائز، النهي عن النياحة، ولفظة: (النياحة من الجاهلية، وإن النائحة إذا ماتت، ولم تتب، قطع الله لها ثيابًا من قطران، ودرعًا من لهب النار)، والحاكم في المستدرك: 1/383، وأبو يعلى في المفاريد: 87، والترمذي: 3/382، في الجنائز، كراهية النوح، والديلمي في فردوس الأخبار: 5/61، بدون "لم تتب"، والمنذري في الترغيب والترهيب: 4/351، والسيوطي في إسبال الكساء: 59، بتحقيقنا.(1/27)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : (إنَّ الله لا يعذِّبُ بدمع العين، ولا بحزنِ القلبِ، ولكنْ، يُعذِّب بهذا)، وأشار إلى لسانه، [أو يرحم] (1). متفق عليه.
وعن أسيد بن أبي أسيد(2) التابعي، عن امرأةٍ من المبايعاتِ قالتْ: "كانَ فيما أخذَ علينا رسول الله، - صلى الله عليه وسلم - ، في المعروفِ الذي أخذَ علينا أنْ لا نعصيهُ فيه: أنْ لا نخمشَ وجهًا، ولا ندعو وَيلاً، ولا نَشقَّ جيبًا، ولا ننشُرَ شعرًا" (3). رواه أبو داود بإسناد حسن(4).
__________
(1) الحديث في صحيح البخاري: 1/226، في الجنائز، ابكاء عند المريض، وجاء فيه : اشتكى سعد بن عبادة شكوى له، فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - يعوده مع عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم، فلما دخل عليه فوجده في غاشية أهله، فقال: (قد قضي؟) قالوا: لا، يا رسول الله، فبكى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فلما رأى القوم بكاء النبي - صلى الله عليه وسلم - بكوا، فقال: (ألا تسمعون، إن الله لا يعذب.. وإن الميت يعذّب ببكاء أهله عليه)، وفي صحيح مسلم: 2/636، في الجنائز، البكاء على الميت، وبدون (إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه).
(2) هو أسيد بن مالك بن ربيعة بن البدن الخزرجي.
(3) الحديث في سنن أبي داود: 3/194، في الجنائز، في النوح، وجاء فيه بلفظ: "وأن لا ننشر" بدل "ولا ننشر"، وفي الترغيب والترهيب: 4/453، والسنن الكبرى، للبيهقي: 4/64، وفي التهذيسب: 3/238، قال بعد أن ذكر رواية أبي داود: أظنه غير البراد، فإنّ البراد ليس له شيء عن الصحابة، وإن يكنه، فإن روايته عن المرأة منقطعة. وفي تفسير ابن كثير: 8/128، أنه البراد. ورواه السيوطي عن أبي داود في اسبال الكساء: 63.
(4) إسناده عند أبي داود: حدثنا مسدد، ثنا حميد بن الأسود ثنا الحجاج عامل لعمر بن عبد العزيز على الربذة، حدثني أسيد بن أبي أسيد... به".(1/28)
وعن أبي موسى، رضي الله عنه، أنَّ رسول الله، - صلى الله عليه وسلم - ، قال: (ما منْ ميّتٍ يموتُ، فيقومُ باكيهم، فيقولُ: واجبلاه، واسيِّداه، ونحو ذلك، إلا وُكِّل به ملكانِ يلهزانِهِ (1): أهكذا كنت؟)(2). رواه الترمذي، وقال: حديث حسن(3).
اللهز: الدفعُ بجُمْع اليدِ في الصدر(4).
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (اثنتان في الناس هما بِهم كفر؛ الطعنُ في النسبِ، والنياحةُ على الميّتِ) (5).
والنياحة: رفعُ الصوتِ بالنّدبِ، وكذا تعديد النادبة بصوتها محاسن الميت، وقيل: هو البكاء عليه مع تعديد محاسنه.
واجتمعت الأمة على تحريم النياحة، وما ذكر معها عند المصيبة.
والذي ينفع الميت (قضاء) (6) دينه، والترحُّمُ عليه، والاستغفارُ والتصدقُ عنه، وقضاءُ حقوقِ اللهِ من حجِّ وزكاةٍ ونحوها.
__________
(1) في الأصل: يلهذانه، والمثبت من سنن أبن ماجة، ومن الترمذي.
(2) في الأصل: أنت، والمثبت من الترمذي.
(3) الحديث بلفظه في سنن ابن ماجة: 1/508، في الجنائز، ما جاء في الميت يعذب بما نيح عليه، وسنن الترمذي: 3/383، في الجنائز، كراهية البكاء على الميت، وجاء فيه بلفظ: باكية بدل باكيهم، وبلفظ: "أهكذا كنت" بدل "أهكذا أنت". "أو نحو ذلك" بدل: ونحو ذلك، وكذا في الفتح الكبير: 3/122، والترغيب والترهيب: 4/349.
والحديث في التلخيص لابن حجر: 2/140، بلفظ: "إلا ويلزمه ملكان "بلهازمه" بدل: "يلهزانه".
(4) في النهاية: 4/281، "اللهز: الضرب بجمع الكف في الصدر، ويلهزانه: يدفعانه ويضربانه، ولهزه بالرمح؛ إذا طعنه به".
(5) صحيح مسلم: 1/82، في الإيمان، إطلاق اسم الكفر على الطعن في النسب، وفردوس الأخبار: 23/138، 2/163، والترغيب والترهيب: 4/439، وإسبال الكساء: 60. بتحقيقنا.
(6) في الأصل: قضي.(1/29)
ومما يلي عن الميت أيضًا التأسّي بالأكابر، وكثرة من مات لهم، ولم يجزعوا، بل صبروا، فأوجروا، ورضوا وسلموا، فرضي عنهم، وسلموا من مُحبطات الأجور.
فلقد ماتَ في طاعونٍ كانَ في زمن ابن الزبير(1). في سنة تسع وستين من الهجرة(2) ثلاثة أيام في كلِّ يوم سبعونَ ألفًا، ومات لعبد الرحمن بن أبي [بكرة] (3) فيه أربعون ابنًا(4)،ومات فيه لأنس بن مالكٍ ثلاثةٌ وثمانون ابنًا، وقيل: ثمانيةٌ وسبعون ابنا(5)، فصبروا وشكروا، وحمدوا واسترجعوا، فسلموا وأجروا.
__________
(1) هو عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي، أبو بكر (ت73هـ)، فارس قريش في زمنه، وأول مولود في المدينة بعد الهجرة، بويع له بالخلافة سنة 64هـ. عقيب موت يزيد بن معاوية، فحكم مصر والحجاز واليمن وخراسان والعراق. كانت له مع الأمويين وقائع هائلة، قتل في مكة. الأعلام: 4/87.
(2) في المعارف: 259، وتاريخ الطبري: 6/325، وتاريخ ابن خياط: 265، والعبر: 1/76: "سمي هذا الطاعون بالطاعون الجارف". وجاء في تاريخ الطبري: 6/325 أنه وقع سنة 80 للهجرة.
(3) هو عبد الرحمن بن أبي بكرة، "نفيع بن الحارث" الثقفي، من أعيان التابعين، استخلفه زياد أمير البصرة على بعض أعمالها، وتوفي فيها سنة 96هـ. الأعلام: 3/302.
(4) التعازي والمراثي: 209، وسلوة الحزين: 81.
(5) في سلوة الحزين: 81، "ثلاثة وثلاثون. وفي إحدى المخطوطات: 83، والتعازي والمراثي: 209، وفي تاريخ ابن خياط: 265، قال: "مات فيه أولاد لأنس بن مالك كثير عددهم".(1/30)
وعن معاوية بن قرة بن إياس(1) عن أبيه رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقدَ بعضَ أصحابه، فسألَ عنهُ، فقالوا: يا رسول الله، بُنيَّه الذي رأيته هلك، فلقيهُ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، فسأله عن بنيّة، فأخبره أنه هلكَ، فعزَّاه عليه، ثم قال: (يافلانُ، أيُّما كان أحبَّ إليك، أن تُمتَّعَ به عمرك، أو لا تأتي غدًا بابًا (2) من أبوابِ الجنّة إلا وجدته قد سبقَكَ إليه، يفتحه لك؟) قال: يا نبيَّ الله، بل يسبقُني إلى [باب] (3) الجنة، فيفتحها لي، [فلهو] أحبُّ إلي(4)، قال: [فذاك] (5). رواه النسائي، بإسناد حسن(6).
__________
(1) هو معاوية بن قرة بن إياس.
(2) في الأصل: بابًا إلا وجدته، والمثبت من النسائي: 4/118.
(3) ساقط من الأصل، والزيادة من النسائي: 4/118.
(4) في الأصل: بل هو أحب إلي، والمثبت من النسائي: 4/118.
(5) في الأصل: فذلك لك، والمثبت من النسائي: 4/118.
(6) الحديث في سنن النسائي: 4/118، في الجنائز، في التعزية، وجاء فيه: السند: أخيرنا هرون بن زيد وهو ابن أبي الزرقاء قال: حدثني أبي قال: حدثنا خالد بن ميسرة قال: سمعت معاوية بن قرة عن أبيه قال: كان نبي الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جلس يجلس إليه نفر من أصحابه، وفيهم رجل له ابن صغير يأتيه من خلف ظهره، فيقعده بين يديه، فهلك، فامتنع الرجل أن يحضر الحلقة لذكر ابنه فحزن عليه، ففقده النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (ما لي لا أرى فلانًا؟) قالوا: يا رسول الله، بنيّه الذي رأيته هلك، فلقيه...". وفي السنن الكبرى للبيهقي: 4/59 – 60، وفي المستدرك: 1/384، وصححه ، وفي المسند: 5/35.(1/31)
وفي الصحيحين عن أنس، رضي الله عنه قال: كانَ ابنٌ يشتكي لأبي طلحة(1)، رضي الله عنه، فخرج أبو طلحة، فقبضَ الصبي، فلما رجع أبو طلحة، قال: ما [فعل] (2)، ابني؟ [قالت: (3) أم سليم] (4)، وهي أم الصبي: هو أسكن مما(5) كان، فقربت [إليه] (6) العشاء فتعشى ثم أصاب منها، فلمّا فرغ، قالت: [واروا] (7) الصبيَّ، فلما أصبحَ أبو طلحة أتى رسولَ الله، - صلى الله عليه وسلم - فأخبرَه، فقال: أعرستُم الليلة؟ قال: نعم، قال: (اللهم باركْ لهما)، فولدتْ غلامًا، فقال لي أبو طلحة أحمله حتى نأتي به النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وبعثت معه بتمرات، [فأخذه النبي] (8) فقال: (أمعَهُ شيءٌ؟) قالَ: نعم، تمراتٌ، فأخذها النبيُّ، - صلى الله عليه وسلم - ، فمضغها، ثم أخذها منْ فِيهِ، فجعلها في فِي الصبَّي، ثم حنَّكهُ، وسماه عبد الله"(9).
__________
(1) هو زيد بن سهل بن الأسود البخاري الأنصاري، أبو طلحة (ت 34هـ)، صحابي من الشجعان الرماة المعدودين في الجاهلية والإسلام، ولما ظهر الإسلام كان من كبار أنصاره. الأعلام: 3/58.
(2) ساقطة من الأصل، والمثبت من صحيح مسلم: 3/1690.
(3) في الأصل: قالت أم الصبي، والمثبت من صحيح مسلم: 3/1690.
(4) هي أم أنس بن مالك، قبل اسمها سهلة، وقيل رميلة، وقيل رميثة، وقبل: مليكة، والغميصاء والمريصاء بنت ملحان بن خالد بن زيد الأنصارية، كانت تحت مالك بن النضر في الجاهلية، فغضب عليها فخرج ومات في الشام، وخطبها أبو طلحة، وهو مشرك، فكان مهرها إسلامه. أسد الغابة: 7/345.
(5) في الأصل، ما، والمثبت من صحيح مسلم.
(6) في الأصل، ما، والمثبت من صحيح مسلم.
(7) في الأصل، ما، والمثبت من صحيح مسلم.
(8) ساقط من الأصل، والزيادة من صحيح مسلم: 3/1690.
(9) الحديث بلفظه في صحيح مسلم: 3/1690، في الآداب، استحباب تحنيك المولود عند ولادته..وفي صحيح البخاري: 1/226، في الجنائز، من لم يظهر حزنه، وفي صحيح مسلم: 4/1909، في فضائل الصحابة، من فضائل أبي طلحة.(1/32)
وفي رواية البخاري: قال ابن عيينة(1): فقالَ رجلٌ من الأنصار: "فرأيتُ [لهما] (2) تسعة أولادٍ كلهم قد قرأ القرآن(3)، يعني من أولاد عبد الله المولود".
__________
(1) هو سفيان بن عيينة بن ميمون الهلالي الكوفي، أبو محمد (ت198هـ)، محدّث الحرم المكي، من الموالي، ولد بالكوفة، وسكن مكة، وتوفي بها، كان حافظًا ثقة، واسع العلم، كبير القدر. له الجامع في الحديث، وكتاب في التفسير. الأعلام: 3/105.
(2) زيادة من صحيح البخاري: 1/226.
(3) صحيح البخاري: 1/226، في الجنائز، من لم يظهر حزنه.(1/33)
وفي رواية لمسلم: ماتَ ابنٌ لأبي طلحة من أمّ سليم، فقالت: [لأهلها] (1): لا تحَدِّثوا أبا طلحة بابنه، حتى أكونَ أنا أحدِّثه، [قال] فجاء(2)، فقربت غليه عشاءً، فأكل وشربَ، ثمّ تصنَّعتْ له أحسن ما [كان] (3) تصنَّع قبلَ ذلكَ، فوقع بها، فلما رأتْ أنَّه قد شبع، وأصابَ منها، قالتُ: يا أبا طلحة، أرأيت لو أنَّ [قومًا] (4) أعاروا عاريتهم أهلَ بيتٍ، فطلبوا عاريتهم، ألهُم أنْ يمنعوهُم؟ قال: لا، قالتْ: فاحتسب ابنَك، قال: فغضب، [وقال] (5) تركتيني حتّى تلطخت(6)، ثم أخبرتيني بابني، فانطلق حتى أتى رسولَ اللهِ، - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بما كانَ، فقالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (باركَ الله لكما في [غابر] (7) ليلتكما)، قال: فحملتْ". وذكر باقي الحديث(8).
__________
(1) ساقط من الأصل، والزيادة من صحيح مسلم: 4/1909.
(2) ساقط من الأصل، والزيادة من صحيح مسلم: 4/1909.
(3) في الأصل: كانت، والمثبت من صحيح مسلم: 4/1909.
(4) في الأصل: قوم.
(5) في الأصل: ثم قال.
(6) في الأصل: حتى إذا تلطخت.
(7) ساقط من الأصل، والزيادة من صحيح مسلم.
(8) صحيح مسلم: 4/1909، في فضائل الصحابة، من فضائل أبي طلحة، وتتمة الحديث فيه: "قال: فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر، وهي معه، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أتى المدينة من سفر لا يطرقها طروقًا، فدنوا من المدينة، فضربها المخاض، فاحتبس عليها أبو طلحة، وانطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال: يقول أبو طلحة: إنك لتعلم يا رب إنه يعجبني أن أخرج مع رسولك إذا خرج، وأدخل معه إذا دخل، وقد احتبست بما ترى..قال: تقول أم سليم: يا أبا طلحة، ما أجد الذي كنت أجد، انطلق، فانطلقنا، قال: وضربها المخاض حين قدما، فولدت غلامًا، فقالت لي أمي: يا أنس، لا يرضعه أحد حتى تغدو به على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلما أصبح احتملته فانطلقت به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فصادفته ومعه ميسم، فلما رآني قال: (لعلّ أم سليم ولدت؟) قلت: نعم، فوضع الميسم، قال: وجئت به فوضعته في حجره، ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعجوة من عجوة المدينة، فلاكها في فيه، حتى ذابت، ثم قدفها في في الصبي، فجعل الصبي يتلمظها، قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (انظروا إلى حب الأنصار التمر) قال: فمسح وجهه وسماه عبد الله.(1/34)
وعن جويرية (بن) (1) أسماء عن عمه أنَّ إخوة ثلالثة شهدوا يومَ تستر(2)، فاستشهدوا، فخرجتْ أمهُم يومًا إلى السوق لبعض شأنها، فتلقَّاها رجلٌ حضرَ تستر(3)، فعرفتْه، فسألتْه عن أمر بنيها، فقالَ: استُشهدوا، فقالت: مقبلين أو مدبرين؟(4) فقال: مقبلين (5). [فقالت] (6): الحمد لله، نالوا الفوزَ، وحاطوا الذِّمارَ، بنفسي هم وأبي وأمي(7).
الذمار: أهلُ الرجل وعشيرُهم مما يحقُّ عليه أن يحميهم؛ أي حفِظوا ورعوا، فحصلتْ لهم الشهادةُ(8).
__________
(1) في الأصل: بنت، وهو تحريف. فهو جويرية بن أسماء بن عبيد بن مخارق أبو مخارق الضبعي. التهذيب: 5/172.
(2) تستر أعظم مدينة بخوزستان. معجم البلدان: 2/29.
(3) في التعازي: 46، "قد حضر أمرهم".
(4) في التعازي: 46، "أمقبلين أم مدبرين".
(5) في التعازي: 46، "بل مقبلين".
(6) في التعازي: 46، "فقالت".
(7) في التعازي: 46، "وأمي وأبي" والقصة فيه.
(8) الذمار: ذمار الرجل هو كل ما يلزمك حفظه وحياطته وحمايته، وإن ضيعه لزمه اللوم، ويقال: ما وراء الرجل مما يحقّ عليه أن يحميه. تاج العروس: 11/388.(1/35)
وعن ميمون بن مهران(1) قال: عزَّى رجلٌ عمرَ بن عبد العزيز(2)، رضي الله عنه، علي ابنه عبد الملك(3)، فقال عمرُ: "الأمرُ الذي نزلَ بعبدِ الملك أمرٌ كنّا نعرفُه(4)،
فلما وقعَ لم نكرهْه" (5).
وقام عمرُ بنُ عبد العزيز على قبر ابنه هذا فلمّا دُفن قال: "رحمك الله يا بنيّ، قد كنت سارًا مولودًا، وبارًا ناشئًا، وما أحبُّ أني دعوتُك فأجبتني" (6).
__________
(1) هو ميمون بن مهران الرقي، أبو أيوب (ت117هـ)، فقيه من القضاة، كان مولى لامرأة بالكوفة، وأعنفته، ثم استوطن الرقة، واستعمله عمر بن عبد العزيز على خراجها، وكان ثقة في الحديث، كثير العبادة. الأعلام: 7/342.
(2) هو عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي القرشي، أبو حفص، (ت 101هـ) الخليفة الصالح، والملك العادل، أخباره في عدله وحسن سياسته كثيرة، نشأ في المدينة. الأعلام: 5/50.
(3) هو عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز، أمير أموي، عاش ملازمًا لأبيه، كان من أحب الناس إليه، مات قبل وفاته سنة 101هـ. الأعلام: 4/161.
(4) في التعازي: 58 "ننتظره".
(5) الخبر في التعازي: 57 – 58. وفي تسلية أهل المصائب: 168، معزوًا لابن أبي الدنيا عن ميمون بن مهران، وفي ارتياح الأكباد: ق 127، وفيه ق: 132، ومات لبعض الصالحين ولد فلم يجزع عليه، فقيل له في ذلك، فقال: هذا أمر كنا نتوقعه. فلما وقع لم نكرهه.
(6) الخبر في تسلية أهل المصائب: 166، وفي التعازي: 58. وفي ارتياح الأكباد: ق: 126، "رحمك الله يا بني فقد كنت برًا بأبيك، والله ما زلت مسرورًا بك منذ وهبك الله لي".(1/36)
وعن مسلمة (1) قال: "لما ماتَ عبدُ الملك بنُ عمرَ، كشفَ أبوه عن وجهه، وقالَ: رحمك الله يا بنيَّ، لقد سُررتُ بكَ يومَ بُشِّرت بكَ، ولقد عُمّرتُ مسرورًا بكَ، وما أتتْ عليّ ساعةٌ أنا فيها أسرُّ من ساعتي هذه(2)، أما والله إن كنت لتدعو أباكَ إلى الجنّة" (3).
ومات ابن للشافعي(4)، رضي الله عنه فقال:
وما الدهرُ إلا هكذا فاصطبْر له رزيةُ مالِ أو فراقُ حبيب (5).
__________
(1) هو مسلمة بن عبد الملك بن مروان بن الحكم (ت 120هـ)، أمير قائد، من أبطال عصره، له فتوحات مشهورة، ولي إمرة العراقين ثم أرمينية، الأعلام: 7/224.
(2) في التعازي: 58 ما أتت على ساعة أنا بك فيها أسر مني بك من ساعتي هذه.
(3) في التعازي: 58 – 59، وفي ارتياح الأكباد: ق 124، وجاء فيه عن آخر، ويلفظ : ولقد عمرت بك مسرورًا، أنا بك فيها أسر مني بك من ساعتي هذه.
(4) هو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع الهاشمي القرشي المطلبي أبو عبد الله (ت 204هـ) أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة، وإليه نسبة الشافعية كلها. له: الأم والمسند في الحديث، وغيرها كثير. الأعلام: 6/26.
(5) في مناقب الشافعي للبيهقي: 2/89، وفي تسلية أهل المصائب: 164، وجاء فيه: ومات ابن للشافعي رحمه الله فجاؤوا يعزونه فأنشد. ولم نجد البيت في ديوانه، وفي برد الأكباد بتحقيقنا: 53.(1/37)
وبلغ الشافعيَّ، رضي الله عنه، أنَّ عبد الرحمن بن مهدي مات ابنٌ له، فجزعَ عليه عبدُ الرحمن جزعًا شديدًا(1)، فبعث إليه الشّافعيّ، رضي الله عنه(2): يا أخي(3)، عزِّ نفسكَ بما تُعزِّي به غيرَك، واستقبح من فعلك ما تستقبحهُ من فعل غيرك، واعلمُ أنَّ [أمضّ] (4) المصائبِ فقدُ سرورٍ وحرمان(5) أجرٍ، فكيفَ إذا اجتمعا مع(6) اكتساب وزر؟ فتناول حظك يا أخي إذا قربَ منكَ قبلَ أنْ تطلبه، وقد نأى عنكَ، ألهمكَ الله عند المصائبِ صبرًا، وأحرزَ لنا ولكَ بالصبر أجرًا، وكتب إليه(7):
إني معزِّيك لا أني على ثقةٍ ... من الخلودِ ولكنْ سنة الدين
فما المعزَّى بباق بعد ميته ... ولا المعزِّي ولوْ عاشا إلى حين(8)
__________
(1) في فضل الجلد بتحقيقنا: 56، فجزع عليه جزعًا شديدًا حتى امتنع عن الطعام والشراب.
(2) في فضل الجلد: 56: فبلغ ذلك محمد بن إدريس الشافعي فكتب إليه: أما بعد.
(3) في فضل الجلد: 56، أما بعد، فعزّ نفسك.
(4) في الأصل: أقضّ والمثبت من فضل الجلد: 56: ومن برد الأكباد: 51.
(5) في فضل الجلد: 56 " مع حرمان".
(6) في فضل الجلد: 56 "على".
(7) في فضل الجلد: 56 "وأقول".
(8) الخبر في فضل الجلد: 56 – 57 معزوًا للبيهقي في الشعب عن محمد بن عيسى الزاهد، وفي تسلية أهل المصائب: 164، معزوًا للبيهقي في مناقب الشافعي ويلفظه كما جاء في كتابنا هذا، وفي برد الأكباد: 51، وجاء فيه الخبر معزوًا للحاكم أبي عبد الله عن أبي عبد الله محمد بن أبي إبراهيم المؤذن. وفيه: وفي غير رواية الحاكم: "فتناول حظك يا أخي، إذا قرب منك قبل أن تطلبه، وقد بعد عنك ألهمك الله عند المصائب صبرًا، وأجزل لنا ولك بالصبر أجرًا".
ومناقب الشافعي: 2/90 – 912، وفي المستطرف: 2/303، وفي سلوة الحزين: 116 – 117، معزوًا للبيهقي.
وفي معجم الأدباء: 6/385، وفي العقد الفريد: 3/310، ونسب فيه البيتين لمحمد ابن عبد الله الظاهر يعزي المتوكل بولده.
والبيتان في ديوان الشافعي: 148.(1/38)
وكتب رجل إلى بعض إخوانه يعزيه بابنه: "أمّا بعدُ، فإنَّ الولدَ على والده، ما عاش، حزنٌ وفتنةٌ، فإذا قدَّمه [فصلاةٌ] (1) ورحمةٌ وهداية(2)، فلا تجزعْ على ما فاتك منْ حُزنه وفتنته، ولا تُضيِّع ما عوَّضك الله، عزَّ وجلّ، من صلاته ورحمته وهدايته (3).
وفي تعزية الخضرِ، عليه السلام، لبيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ورضي الله عنهم، حين سمعُوا الصَّوت، ولم يرَوا الشخصَ، وكانوا يرون أنَّه الخَضرُ، أبلغُ تسليةٍ، وهي: "إنَّ في الله [عزاءٌ من كل مصيبة و] (4) خلفًا من كلِّ فائتٍ، ودركًا من كلِّ هالكٍ، فبالله ثِقوا، وإياهُ فارجُوا، فإنَّ المصاب من حُرِمَ الثَّواب" (5).
ولله درُّ قولِ بعضِ الأدباء الألبّاء:
__________
(1) في الأصل: صلاة، والمثبت من تسلية أهل المصائب: 169.
(2) كلمة هداية غير مذكورة في تسلية أهل المصائب.
(3) الخبر في تسلية أهل المصائب: 169 – 170.
(4) زيادة من مسند الشافعي: 1/216، ودلائل النبوة: 7/ 268.
(5) أخرجه الشافعي في مسنده: 1/216، ونقله البيهقي عنه في دلائل النبوة: 7/268، وجاء فيه: عن القاسم بن عبد الله بن عمر بن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده به" وقال البيهقي: هذان الأسنادان وإن كانا ضعيفين فأحدهما يتأكد بالآخر، ويدلك على أن له أصلاً من حديث جعفر. حيث أخرجه أيضًا قال: وحدثنا أبو عبد الله الحافظ، قال أخبرنا أبو جعفر البغدادي قال: حدثنا عبد الله بن المرتعد الصنعاني، قال: حدثنا أبو الوليد المخزومي، حدثنا أنس بن عياض عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر ابن عبد الله به، والمستدرك: 3/58، قال: ونقله بدون عزو في سلوة الحزين: 116. وفي السيرة النبوية لابن كثير: 4/550، "وهذا الحديث مرسل، وفي إسناده ضعف بحال القاسم العمري هذا، فإنه قد ضعفه غير واحد من الأئمة، وتركه بالكلية آخرون".
وجاء إسناده فيه: أخبرنا أبو جعفر.(1/39)
صبرًا جميلاً على ما فات من حدثٍ ... فالصبرُ ينفعُ أقوامًا إذا صبروا
والصَّبرُ أفضلُ شيء يُستعانُ بهِ ... على الزمان إذا ما مسَّك الضَّررُ
وعن أبي قدامة الشَّامي قال: كنت آمرًا على الجيش في بعض الغزوات، فدخلتُ بعضَ البلدان، فدعوتُ الناس إلى الغزاة، ورغبتهم في الجهاد، وذكرتُ فضلَ الشهادة، وما لأهلها، ثم تفرَّق الناسُ، وركبتُ فرسي، وسرتُ إلى منزلي، فإذا بامرأةٍ من أحسن الناس تُنادي: يا أبا قدامة، فقلتُ: هذه مكيدةٌ من الشيطان، فمضيتُ، ولم أجبْ، فقالتْ: ما هكذا كان الصَّالحون، فوقفتُ فجاءتْ، ودفعتْ إليَّ رقعةً وخرقةً مشدودةً، وانصرفت باكية، فنظرتُ في الرقعةِ، فإذا فيها مكتوبٌ: أنتَ دعوتنا على الجهادِ، ورغبتنا في الثواب، ولا قدرةَ لي على ذلك، فقطعتُ أحسنَ ما فيَّ، وهما ضفيرتاي، وأنفذتهما إليك، لتجعلهما قيدَ فرسكَ، لعلَّ الله يرى شعري قيدَ فرسِك في سبيله، فيغفر لي.
فلما كان صبيحة القتالِ، أخرجتُ الضفيرتين فقيَّدتُ بهما فرسي، وباكرنا القتالَ، فإذا بغلام بين يدي الصّفوف يقاتلُ حاسرًا، فتقدَّمتُ إليه، فقلت: يا فتى، أنت غلامٌ غرٌّ راجلٌ، ولا آمنُ أن تجول الخيل، فتطأك بأرجلها، فارجعْ عن موضعكَ هذا. قال: أتأمرُني بالرجوع، وقد قالَ الله عزَّ وجلَّ: { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتمُ الذين كفَروا زحفًا فلا تُولوهم الأدبارَ}(1)، وقرأ الآية إلى آخرها.
__________
(1) سورة الأنفال: 15.(1/40)
فحملته على هجين كان معي، فقال: يا أبا قدامة، اقرضني ثلاثة أسهُم، فقلتُ: هذا وقتُ قرضٍ؟. فما زالَ يلحُّ عليَّ حتى قلتُ: بشرطٍ، إنْ مَنَّ الله عليك بالشَّهادة، أكونُ في شفاعتك، قالَ: نعمْ، فأعطيتُه ثلاثة أسهم، فوضع سهمًا في قوسهِ، وقال: السَّلام عليكَ، فأنا قدّامهُ، ورمى به فقتل رُوميًا، ثم رمى بالآخر، وقال: السلامُ عليكَ، فأنا قُدَّامهُ، فقتل روميًّا، ثم رمى بالآخر، وقال: السَّلامُ عليك، سلامُ مودِّع، فجاءه سهمٌ، فوقع بين عينيه، فوقع رأسُه على قربوسِ سرجه، فتقدَّمتُ إليه، وقلت: لا تَنسها، فقال: نعم، ولكنْ لي إليك حاجةٌ، إذا دخلت المدينة، فائت والدتي، وسلم خرجي إليها، وأخبرْها، فهي التي أعطتك شَعَرَها، لتقَيِّد به فرسَك، وسلم عليها، فهي العام الأول أصيبتْ بوالدي، وفي هذا العام بي، ثم مات، فحفرتُ له ودفنتهُه، فلما هممتُ بالإنصرافِ عن قبره، قذفته الأرض، فألقتْه على ظهرها، فقال أصحابه: إنه غلامٌ غرّ، ولعله خرجَ بغيرٍ إذنِ أمِّه، فقلت: إنَّ الأرض لتقبلُ من هو شرٌّ من هذا، فقمتُ فصليت ركعتين، ودعوتُ الله عزَّ وجلَّ، فسمعت صوتًا يقول: يا أبا قدامة، أتركُ وليَّ الله، فما رُحتُ حتى نزلتْ عليه طيورٌ فأكلتْهُ.
فلم أتيتُ المدينة ذهبتُ إلى دار والدته، فلما قرعتُ الباب، خرجتْ أختُه إليَّ، فلما رأتني عادتْ، وقالتْ: يا أمّاهُ، هذا أبو قدامة، وليس معه أخي، وقد أصبنا العام الأول بأبي، وفي هذا العام بأخي.
فخرجتْ أمُّه فقالت: أمعزّيًا أم مهنِّئًا؟ فقلتُ: ما معنى هذا؟ فقالت: إن كانَ قد مات فعزِّني، وإن كان استُشهد فهنٍِّئني.(1/41)
فقلتُ: لا، بل ماتَ شهيدًا، فقالت: له علامةٌ، فهل رأيتها؟ قلتْ: نعمْ، لم تقبلُه الأرضُ، ونزلت الطيور، فأكلت لحمه، وتركتْ عظامَه، فدفنتُها، فقالتْ: الحمد لله، فسلمتُ إليها الخرجَ ففتحتهُ÷، فأخرجتْ منه مسحًا وغلاً من حديد، وقالت: إنه كانَ إذا جنَّه الليل، لبسَ هذا المسحَ، وغلَّ نفسَه بهذا الغلّ، وناجى مولاهُ، وقالَ في مناجاته: "إلهي، أحشُرني من حواصل الطير"، فاستجاب الله سبحانه دعاءَه. رحمنا الله وإياه.
وفي ذكر الموتِ، ونقص الأمل أعظمُ مُصطبرٍ ومزدجر، وأحسنُ معتبر وأرجى مدَّخر.
قال الله [تعالى] (1): {كل شيء هالك إلا وجهه له الحكمُ وإليه تُرجعون}(2).
وقال تعالى: { كلُّ من عليها فان. ويبقى وجهُ ربكَ ذو الجلال والإكرام}(3).
وقال تعالى لنبيِّه - صلى الله عليه وسلم - {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإنْ متَّ فهُم الخالدون كلُّ نفس ذائقة الموت، ونبلوكم بالشرِّ والخير فتنة وإلينا ترجعون} (4).
وقال تعالى: {إنك ميتٌ وإنهم ميتون ثم إنكم يومَ القيامة عند ربكم تختصمون}(5).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : (الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك [نعله] (6)، والنار مثل ذلك) (7).
أيقظنا الله من رقْدة الغافلين، وجعلنا من الصًَّابرين الشاكرين الحامدين المستيقظين، وهو حسبُنا ونعمَ الوكيلُ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليِّ العظيم، وصلواته وسلامه على سيدنا محمدٍ خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه وسلم.
__________
(1) زيادة يقتضيها السياق.
(2) سورة القصص: 88.
(3) سورة الرحمن: 26 – 27.
(4) سورة الأنبياء: 34 – 35.
(5) سورة الزمر: 30 – 31.
(6) في الأصل: نعليه، والتصويب من صحيح البخاري: 4/127.
(7) الحديث في صحيح البخاري: 4/127، في الرقاق، الجنة أقرب إلى أحدكم، وفي المسند: 1/387، 413، 442، وفي فردوس الأخبار: 2/189.(1/42)
سلسلة بحوث وتحقيقات مختارة من مجلة الحكمة (5)
المَنظُومَةُ الحَائِيَّة في السُّنَّة
لِأَبِي بَكْر بْنِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ
(230 ـ 316 هـ )
قرأها وقدم لها وعلّق عليها
هانئ بن عبد الله بن جبير
قام بنشرها
أبو مهند النجدي
Almodhe1405@hotmail.com
almodhe@yahoo.com
[ المُقَدِّمَةٌ ]
الحمد لله وحده , والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه , وبعد :
فإنّ علم التوحيد أشرف العلوم وأجلّها قدراً , وأوجبها مطلباً , لأنه العلم بالله تعالى , وأسمائه , وصفاته , وحقوقه على عباده , ولذا أجمعت الرسل على الدعوة إليه , قال تعالى : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [ الأنبياء : 25] ولما كان هذا شأن التوحيد (1) فقد حرص أهل العلم على توضيحه وتيسيره بشتّى السُّبُل , ومنها جعله في شكل منظومات , فهو أدعى للحفظ , وكما قال السفاريني :
وصارَ مِن عادَةِ أهلِ العِلمِ ... أنْ يَعتَنوا فِي سَبْرِ ذَا بِالنَّظْمِ
لأنَّهُ يَسْهُلُ للحِفظِ كَما ... يَرُوقُ لِلْسَّمعِ وَيشفِي مَن ظَما
ومن هذه المنظومات , المنظومة التي بين يديك , والتي تعرف بالحائية لأبي بكر بن أبي داود السجستاني ـ رحمهما الله ـ والتي ستراها هنا محققة مضبوطة أسأل الله أن ينفع بها كاتبها وقارئها إنه ولي ذلك والقادر عليه , وصلى الله على محمد وآله وصحبه .
ترجمة الناظم (2)
__________
(1) مقتبس من مقدمة " شرح أصول الإيمان " لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله .
(2) مراجع هذه الترجمة :
1. ... طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى : (2/51) , مطبعة السنة المحمدية , سنة (1372هـ).
2. ... المنتظم لابن الجوزي : (13/275) , دار الكتب العلمية , الطبعة الأولى (1412هـ) .
3. ... سير أعلام النبلاء للذهبي : (13/221) , مؤسسة الرسالة, الطبعة الرابعة (1406 هـ) .
4. ... لسان الميزان لابن حجر : (3/364) , دار الفكر .
5. ... المنهج الأحمد للعليمي : (2/15) , دار عالم الكتب الطبعة الثانية (1404 هـ ) .
6. ... شذرات الذهب لابن العماد : (2/273) , المكتب التجاري للطباعة بيروت .
7. ... مختصر طبقا الحنابلة لابن الشطّي : ( ص 28 ) , دار الكتاب العربي الطبعة الأولى ( 1406 هـ ) .(1/1)
ـ رحمه الله ـ :
اسمه وكنيته :
هو : أبو بكر , عبد الله بن أبي داود , سليمان بن الأشعث بن إسحاق السجستاني .
الحافظ ابن الحافظ .
ولادته ونشأته :
وُلِدَ بسجستان , سنة ثلاثين ومائتين , ونشأ بنيسابور وغيرها , ثم استوطن بغداد .
طلبه للعلم وشيوخه :
رحل به والده فطوّف به شرقاً وغرباً , وأسمعه من علماء ذلك الوقت . فأول شيخ سمع منه : محمد بن أسلم الطّوسي , وسرّ أبوه بذلك , لجلالة محمد بن أسلم .
وروى عن أبيه , وأحمد بن صالح , وعلي بن خشرم , وأبي سعيد الأشج , وعَمْرو بن علي الفلاّس والحسن بن عرفه , ومحمد بن يحيى الذهلي , ومحمد بن عبد الرحيم , وخلق كثير بخراسان والحجاز والعراق ومصر والشام وأصبهان وفارس .
وكان له جلد على طلب الحديث فقد قال : " دخلت الكوفة ومعي درهم واحد , فاشتريت به ثلاثين مُدّاً باقِلاّ , فكنت آكل منه مداً , واكتب عن أبي سعيد الأشج ألف حديث , فلّما كان الشهر حصل معي ثلاثون ألف حديث " أ.هـ .
تلاميذه ومصنفاته :
صنف المسند , والسنن , والمصاحف , والناسخ والمنسوخ , والبعث , وأشياء .
وحدث عنه خلق منهم : ابن حبّان , وأبو أحمد الحاكم , وأبو الحسن الدارقطني , وابن المقرئ , وأبو حفص بن شاهين , وابن بَطّة .
مكانته العلمية وثناء العلماء عليه :
قال عنه الذهبي : " كان من بحور العلم ؛ بحيث إن بعضهم فضّله على أبيه " . أ.هـ .
وقال أبو بكر بن شاذان : " قدم أبو بكر بن أبي داود سجستان فسألوه أن يحدثهم , فقال : ما معي أصل . فقالوا : ابن أبي داود وأصل ؟! قال : فأثاروني , فأمليت عليهم من حفظي ثلاثين ألف حديث فلمّا قدمتُ بغداد , قال البغداديّون : مضى إلى سجستان ولعب بهم , ثم فيّجوا فيجاً اكنزوه بستة دنانير إلى سجستان , ليكتب لهم النسخة , فكُتبت وجيء بها وعرضت على الحُفَّاظ فخطّئوني في ستة أحاديث , منها ثلاثة أحاديث حدثت بها كما حُدِّثت , وثلاثة أخطأت فيها " أ.هـ .(1/2)
هذا , وقد أُخذت عليه أمور أوذي بسببها تناولها الذهبي في السيّر .
وفاته :
توفي سنة ستّ عشرة وثلاث مئة , وهو ابن ست وثمانين سنة وستة أشهر وأيام , وقد صُلّي عليه مراراً . وقد قيل : صُلّ عليه ثمانون مَرّة .
ودفن يوم الأحد لإثنتي عشرة بقيت من ذي الحجة من سنة ست عشرة وثلاث مئة .
وقد خلَّف ثمانية أولاد , عبدالأعلى , ومحمداً , وأبا معمرٍ عبيد لله , وخمس بنات . رحمه الله وغفر له .
تحقيق نسبتها لابن أبي داود :
اشتهرت نسبة هذه المنظومة لناظمها قديماً وحديثاً , حتى قال الذهبي : " هذه القصيدة متواترة عن ناظمها " (1) أ.هـ . وقد شرحها الآجري , محمد بن الحسين بن عبد الله , المتوفّى سنة ستين وثلاث مئة (2) .
وشرحها أيضاً السفاريني , محمد بن أحمد بن سالم , المتوفى سنة ثمان وثمانين ومائة وألف للهجرة , بشرح سماه " لوَائحُ الأَنْوَار السَّنِيَّة وَلوَاقِحُ الأفْكار السُّنِّيَّة شرْح قَصيْدة بْنِ أبيْ دَاودْ الحائيّة " (3).
ونسبها إليه جمع من المؤرخين , والمترجمين لحياته , كالذهبي في السيّر , والعلو .
وقد رواها عنه ابن أبي يعلى فقال : " أنبأنا علي المحدّث عن عبيد الله الفقيه قال : أنشدنا أبو بكر بن أبي داود من حفظه لنفسه ثم ساقها " (4) .
ورواها عنه تلميذه أبو حفص بن شاهين , وأوردها في كتابه " شرح مذاهب أهل السنة" (5) .
__________
(1) العلو : (ص 127) , مطبعة أنصار السنّة سنة (1357هـ) .
(2) قاله الذهبي في العلو ص : 127 .
(3) طُبع بتحقيق عبد الله البصيري دار الرشد .
(4) طبقات الحنابلة : (2/53).
(5) ص321) , مؤسسة قرطبة . الطبعة الأولى (1415 هـ) .(1/3)
ورواها عنه الذهبي (1) فقال أخبرنا أحمد بن عبد الحميد , أنبأ محمد محمد بن قدامة سنة ثماني عشرة وست مئة , أخبرتنا فاطمة بنت علي الوقاياتي أنبأ علي بن بيان أنبأ الحسين بن علي الطناجيري أنبأ أبو حفص بن شاهين , قال أنشدنا أبو بكر عبد الله بن سليمان لنفسه هذه القصيدة ... ثم ساقها إلى نهايتها .
وقد وقع في آخر شرح المنظومة للسّفاريني أن قال ناسخها عيسى القدومي (2) : " فائدة في ذكر سند شيخنا الشيخ محمد السّفاريني لمنظومة الإمام العلامة أبي بكر بن أبي داود , هذه التي شرحها قال : أنبأني كل واحد من مشايخي الثلاثة : الشيخ عبد القادر الثعلبي مفتي السادة الحنابلة وقدوتهم في عصره ومصره , وفي سائر بلاد الإسلام , والشيخ عبد الغني العارف ابن الشيخ إسماعيل الشهير بالنابلسي , والشيخ عبد الرحمن المجلد المعمر كلهم عن الشيخ الإمام عبد الباقي الحنبلي الأثري مفتي السادة الحنابلة بدمشق المحميّة , قال : أنا الشيخ حجازي الواعظ . عن ابن أركماس عن الحافظ ابن حجر العسقلاني شارح البخاري عن أبي إسحاق إبراهيم البعلي عن أبي العباس أحمد بن أبي طالب الحجّار اخبرنا ابن عمر الأموي أخبرنا أبو الفتوح الهمذاني أخبرنا أبو محمد السمعاني قال : أخبرني والدي عن أبي بكر بن أبي داود السجستاني لنفسه :
تَمسَّكْ بحَبْلِ اللهِ واتَّبِع الهُدَى ... ولا تَكُ بِدْعِيّاً لَعلَّكَ تُفْلِحُ
إلى آخر القصيدة ... " أ.هـ .
الأصول المعتمدة :
وقفت على هذه المنظومة في عدة مواضع فقد أوردها ابن شاهين في شرح مذاهب أهل السنة , وأوردها ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة , وأوردها الذهبي في السيّر , وفي العلو , كما أوردها العليمي في " المنهج الأحمد " في تراجم أصحاب الإمام أحمد , وأوردها الشّطي في مختصر طبقات الحنابلة .
__________
(1) سير أعلام النبلاء : (13/233) , العلو : (ص 126) , وبينهما تفاوت في صيغ الأداء .
(2) لوائح الأنور السنية : (2/369) .(1/4)
كما وقفت على شرحها " لوَائحُ الأَنْوَار السَّنِيَّة "
وقد انتسخها ثم قارنت بينها , واتبعت طريقة النصّ المختار , لأنه وإن كان ابن شاهين أقربهم للناظم , إلا أنّ النسخة المطبوعة مليئة بالأخطاء لذا حرصت على إثبات ما رأيته صواباً , مشيراً إلى ما عداه , إلا ان يكون من أخطاء الطباعة فإني لا أشير إليه غالباً , وإليك المنظومة .
نصّ المنظومة
[عدد أبياتها : 36]
تَمسَّكْ بحَبْلِ اللهِ واتَّبِع الهُدَى ... (1) ... ولا تَكُ بِدْعِيَّاً لَعلَّكَ تُفْلِحُ
وَدِنْ بِكِتَابِ اللهِ والسُّنَنِ التِي ... (2) ... أَتَتْ عَن رَسُولِ اللهِ تَنْجُ(1) وَتَرْبَحُ
وَقُلْ غَيْرُ مَخْلِوقٍ كَلامُ مَليكِنا ... (3) ... بِذَلكَ دَانَ الأتْقِياءُ وأَفْصحُوا
__________
(1) كذا في العلو , وفي غيره : (تنجو) . وهو خطأ , إذ الفعل مجزم , قال في القطر : " فإن سقطت الفاء بعد الطلب وقصد الجزاء , جزم , نحو قوله تعالى {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ} [ الأنعام : 151] أ.هـ . وعلامة جزمه حذف آخره وهو الواو .(1/5)
وَلا تَكُ فِي القُرْآنِ بالوَقْفِ قَائِلاً ... (4) ... كَمَا قَالَ أتْبَاعٌ لِجَهْمٍ(1) وَأَسْجَحُوا(2)
ج
ولا تَقُلِ القُرآنُ خَلقاً(3) قرأتَهُ ... (5) ... فإنَّ كَلامَ اللهِ باللفْظِ يُوضَحُ(4)
__________
(1) هو أبو محرز جهم بن صفوان السمرقندي , الضال المبتدع , رأس الجهمية . قتل سنة ثمان وعشرين ومئة لسان الميزان : (2/179) . قال حافظ حكمي في " معارج القبول " (1/280) : " قضى السلف الصالح رحمهم الله على الطائفة الواقفة وهم القائلون لا نقول القرآن مخلوق ولا غير مخلوق , بأن من كان منهم يحسن الكلام فهو جهمي , ومن لم يحن الكلام منهم , بل علم أنه كان جاهلاً جهلاً بسيطاً فهذا تقام عليه الحجة والبيان والبرهان فإن تاب وآمن أنه كلام الله تعالى , وإلا فهو شر من الجهمية " أ.هـ. وانظر مجموع الفتاوى : (12/359 ,395) , وما بعدها.
(2) هكذا في عامة المراجع قال في القاموس : " سَجَح لَه بكلامٍ : عَرّض" , أي قالوا وعرضوا . وفي لوائح الأنوار : (1/231) , قال [ واسمحوا ] بالميم بعدها حاء مهملة , ثم شرحها بقوله : " أي جادوا بالقول بخلق القرآن و لانوا , يقال سمح ككره ... جاد وكرم " أ.هـ. وهذا البيت لم يرد في العلو .
(3) في شرح مذاهب أهل السنة : (خلق قراءته) , وفي العلو : (خلق قرانه) , وفي مختصر الشطّي : (خلق قرائه) وفي لوائح الأنوار السنية : (خلق قراءة) وقال في شرحها : " القرآن مبتدأ وخلق بمعنى مخلوق خبره , وقراءة منصوب على الحال , أو بنزع الخافض أي في القراءة ... يعني لا تقل قراءتي مخلوقة " (1/232) أ.هـ.
(4) قال الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله : " اشتهر عن السلف أن اللفظية جهمية وهم من قال لفظي بالقرآن مخلوق وقالوا : ومن قال لفظي بالقرآن غير مخلوق فهو مبتدع , يعنون غير بدعة الجهمية , وذلك لأن اللفظ يطلق على معنيين أحدهما الملفوظ به , وهو القرآن وهو كلام الله ليس فعلاً للعبد , ولا مقدوراً له .
والثاني : التلفظ وهو فعل العبد , فإذا أطلق لفظ الخلق على المعنى الثاني شمل الأول , وهو قول الجهمية وإذا عكس الأمر بأن قال لفظي بالقرآن غير مخلوق شمل المعنى الثاني , وهي بدعة أخرى من بدع الإتحادية , إذ اللفظ معنى مشترك بين التلفظ الذي هو فعل العبد وبين الملفوظ به الذي هو كلام الله عز وجل , وهذا بخلاف ما ذكر السلف بقولهم : الصوت صوت القارئ , والكلام كلام الباري , فإن الصوت معنى خاص بفعل العبد لا يتناول المتلو المؤدى بالصّوت " أ.هـ . باختصار (1/292) .(1/6)
وَقُلْ يَتَجلَّى اللهُ للخَلْقِ جَهْرةً ... (6) ... كَمَا البدْرُ لا يَخْفى وَرَبُّكَ أَوْضَحُ
وَلَيْسَ بمْولُودٍ وليسَ بِوَالِدٍ ... (7) ... وَلَيسَ لهُ شِبْهٌ تَعَالَى المسَبَّحُ
وَقَدْ يُنكِرُ الجَهْميُّ هَذَا وعِنْدَنَا ... (8) ... بِمِصْدَاقِ ما قُلْنَا حَدِيثٌ مُصَرِّحُ(1)
رَوَاهُ جَرِيرٌ(2) عن مَقَالِ مُحمَّدٍ ... (9) ... فقُلْ مِثْلَ ما قَدْ قَالَ في ذَاكَ تَنْجَحُ
وَقَدْ يُنكِرُ الجَهْمِيُّ أَيضًا يَمِيْنَهُ ... (10) ... وَكِلْتَا يَدَيْهِ بالفواضِلِ(3) تَنْفَحُ(4)
__________
(1) في المنهج الأحمد ومختصر الشطي : (مُصَحّح).
(2) وردت أحاديث الرؤية عن جمع من الصحابة تبلغ حد التواتر , أما حديث جرير فقد رواه البخاري في صحيحه " كتاب التوحيد " باب قول الله تعالى : {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [ القيامة : 22] . (فتح 13/429) برقم (7434) ؛ و رواه مسلم في صحيحه " كتاب المساجد " , باب فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظه عليهما : (1/439) برقم (633) , ولفظه : "كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ نَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَقَالَ أَمَا إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا " .
(3) في شرح مذاهب أهل السنة : (بالنواضل) .
(4) في شرح مذاهب أهل السنة : (ينفح) , وفي المنهج الأحمد : (تفتح) , وفي لوائح الأنوار : (تنضح) , وتنفح : أي تعطي وتمنح , يقال نفح فلاناً بشيء أي أعطاه .(1/7)
وَقُلْ يَنْزِلُ الجَبَّارُ في كُلِّ لَيْلَةٍ ... (11) ... بِلا كَيْف(1) جَلَّ الواحدُ المتَمَدِّحُ(2)
إلى طَبَقِ الدُّنيا يَمُنُّ بِفَضْلِهِ ... (12) ... فَتُفْرَجُ أَبْوابُ السَّماءِ وتُفْتحُ
يَقولُ : ألا مُسْتغفِرٌ يَلْقَ(3) غَافِرًا ... (13) ... ومُسْتَمنِحٌ خَيْرًا ورِزقًا فأمْنَحُ(4)
رَوَى ذَاكَ قَومٌ لا يُرَدُّ حَدِيثَهم(5) ... (14) ... ألا خَابَ قَوْمٌ كذَّبوهُم وقُبِّحُوا
وَقُلْ إنَّ خَيْرَ النَّاسِ بَعْدَ مُحَمَّدٍ ... (15) ... وَزِيراهُ قُدْمًا , ثُمَّ عُثْمَانُ أرْجَحُ(6)
__________
(1) مراد السلف بقولهم عن الصفات نؤمن بها بلا كيف : أي لا نكيّف هذه الصفات ؛ لأن تكييفها ممتنع ؛ إذ لا تعرف كيفية الشيء إلا بواحد من ثلاثة أمور : إما بمشاهدته , أو بمشاهده نظيره , أو الخبر الصادق عنه , ولمّا لم يحصل شيء من ذلك امتنع على الخلق معرفة كيفية صفات الله وكنهها , وليس مرادهم من قولهم بلا كيف أن لاكيفيّة لصفاته , لأن صفاته ثابته حقاً , وكل شيء ثابت فلا بدّ له من كيفية , لكن كيفية صفات الله غير معلومة لنا . انظر شرح التدمرية لابن مهدي (ص110) و شرح لمعة الاعتقاد لابن عثيمين : (ص20) .
(2) في شرح مذاهب أهل السنة : (الُمَدَّح) .
(3) في مختصر الشطي : (أنا غافر).
(4) في شرح مذاهب أهل السنة : (والسيّر والعلو فيُمنح) .
(5) وردت صفة النزول للرب عز وجل في أحاديث صحيحة عن كثير من الصحابة , وممّن استقصاها الدارقطني في كتاب " النزول " وابن خزيمة في كتاب " التوحيد " والآجريّ في " الشريعة " وانظر لزاماً شرح الحديث لشيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (5/321) إلى آخر المجلد ؛ ومعارج القبول (1/294 ـ 301 ) .
(6) كذا في شرح مذاهب أهل السنة , وفي عامة المصادر : (الأرجح) .(1/8)
وَرابِعُهُم خَيْرُ البريَّةِ بَعْدَهُم ... (16) ... عَلِيٌّ حَليفُ الخَيرِ , بالخَيرِ مُنْجِحُ(1)
وإنَّهمُ و الرَّهْطُ(2) لا رَيْبَ فِيْهِمُ ... (17) ... عَلَى نُجُبِ الفِرْدَوْسِ في الخُلْدِ(3) تَسْرَحُ
سَعِيدٌ وسَعْدٌ وابنُ عَوْفٍ وطَلْحةٌ ... (18) ... وعَامِرُ فِهْرٍ والزُّبَيْرُ المُمَدَّحُ(4)
(وَعَائِشُ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَخَالُنا(5)
(19)
مُعَاوِيَة أَكْرِمْ بِهِ فَهْوَ مُصلحُ
وَأَنْصارُه وَالهَاجِرونَ دِيارَهم
(20)
بنصرهُمُ(6) عَنْ ظلمةِ(7) النَّارِ زحزحُوا
وَمَنْ بعدَهُم وَالتابِعُون بِحُسنِ مَا
(21)
حَذو حَذوهم قَولاً وَفِعلاً فَأفْلحوا ) (8)
__________
(1) المنجح من الناس كالناجح , والنجاح : هو الظفر بالشيء وفي العلو : (ممنح) .
(2) في السير والمنهج الأحمد : (للرهط) , وجاء في شرح مذاهب أهل السنة حاشية عن الأصل المخطوط , أن الصواب : (الرهط) بلا واوٍ .
(3) في السِّير والعلو : (بالنور) .
(4) في نسخة عندي بعد هذا البيت : ... وَفَاطمة ذات النقاء تَبحبحوا
0@وَسِبْطي رَسول الله وابْني خديجةٍ
أبو مهند النجدي .
(5) سماه خال المؤمنين : لأنه أخو أم حبيبة إحدى أمهات المؤمنين , وإنما ذكره للرد على الروافض الذين يسبونه , وقد ذكر شيخ الإسلام نزاعاً بين العلماء هل يقال لإخوة أمهات المؤمنين أخوال المؤمنين أم لا ؟! منهاج السنة : (2/199) , وانظر شرح لمعة الإعتقاد : (ص 107) .
(6) في شرح مذاهب أهل السنة : (بنصرتهم) .
(7) في شرح مذاهب أهل السنة : (عن كَيّة) .
(8) هذه الأبيات الثلاثة انفردت بزيادتها شرح مذاهب أهل السنَّة , ولوائح الأنوار : (2/68) ؛ ومختصر الطبقات للشطي .
وقد جاءت في شرح مذاهب أهل السنَّة زيادة أخرى انفرد بها وهي :
و مالكُ والثويُّ ثم أخوهم ... أبو عَمْروٍ الأوزاعي ذاكَ المسبِّحُ
وَمَنْ بعدهم فالشافعي وأحمد ... إماماً هدى من يتبع الحقَّ يفصحُ
أولئكَ قومٌ قَدْ عفا الله عَنْهُم ... وَأَرْضاهم فأجابهم فإنَّكَ تَفرحُ(؟)(1/9)
وَقُلْ خَيْرَ قولٍ في الصَّحَابةِ كُلِّهِمْ
(22)
ولا تَكُ طَعَّاناً تَعِيْبُ وَتَجْرَحُ
فَقَدْ نَطَقَ الوَحْيُ المُبينُ بِفَضْلِهِمْ
(23)
وفي الفَتْحِ(1) آيٌ في الصَّحابةِ(2) تَمْدَحُ
وبِالقَدَرِ المقْدُورِ أيْقِنْ فإنَّهُ
(24)
دِعَامَةُ(3) عقْدِ الدِّينِ والدِّينُ أفْيَحُ(4)
وَلا تُنْكِرَنْ جَهلاً(5) نَكِيرًا ومُنْكَراً(6)
(25)
وَلا الحْوضَ والِميزانَ إنَّكَ تُنْصَحُ
وقُلْ يُخْرِجُ اللهُ العَظيمُ بِفَضلِهِ
(26)
مِن النارِ أجْسادًا مِن الفَحْمِ(7) تُطْرَحُ
عَلَى النَّهرِ في الفِردوسِ تَحْيا بِمَائِهِ
(27)
__________
(1) قوله تعالى {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [ سورة الفتح : 29].
(2) في شرح مذاهب أهل السُّنَّة والسِّير : (للصحابة).
(3) الدِعامة بالكسر : عماد البيت .
(4) الأفيح : الواسع .
(5) في مختصر الشطي : (جهراً) .
(6) سمعت الشيخ عبد الرحمن البراك في شرحه لهذا البيت يقول " اسمان للملكان الذين يأتون في القبور يسألونه وجاء اسمهما في حديث رواه الترمذي والمشهور أنه ضعيف وما ثبت من أسماء الملائكة أربعة فقط جبريل وميكائيل و إسرافيل ومالك .أ.هـ من شرح الحائية (نقله أبو مهند النجدي) .
(7) في مختصر الشطي : (من اللحم).(1/10)
كَحَبِّ(1) حَميلِ السَّيْلِ إذْ جَاءَ يَطْفَحُ
فإنَّ رَسُولَ اللهِ للخَلقِ شَافعٌ(2)
(28)
وقُلْ فِي عَذابِ القَبرِ حقٌّ مُوَضَّحُ
ولا تُكْفِّرَنَّ أهْلَ الصَّلاةِ وإِنْ عَصَوا
(29)
فكلُّهُمُ يَعْصِي وذُو العَرشِ يَصْفَحُ
(ولا تَعتقِدْ رَأيَ الخَوارجِ إنَّهُ
(30)
__________
(1) الحَبِّ : ومفردها حِبّه بالكسر , بزور الصحراء مما ليس بقوت , وفي الحديث : (وَلَكِنْ نَاسٌ أَصَابَتْهُمْ النَّارُ بِذُنُوبِهِمْ أَوْ قَالَ بِخَطَايَاهُمْ فَأَمَاتَهُمْ إِمَاتَةً حَتَّى إِذَا كَانُوا فَحْمًا أُذِنَ بِالشَّفَاعَةِ فَجِيءَ بِهِمْ ضَبَائِرَ ضَبَائِرَ فَبُثُّوا عَلَى أَنْهَارِ الْجَنَّةِ ثُمَّ قِيلَ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ أَفِيضُوا عَلَيْهِمْ فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ تَكُونُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ) أخرجه البخاري في صحيحه " كتاب التوحيد " باب قول الله تعالى : {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [ القيامة : 22] الفتح : (13/430 , 431) برقم (7437) ومسلم في صحيحه " كتاب الإيمان " باب إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار : (1/172) برقم (185) , واللفظ له عن أبي سعيد الخدري . والضبائر : الجماعات , هذا وللحديث طرق وروايات.
(2) مراده أن إخراج هؤلاء العصاة من أهل التوحيد من النار كان بشفاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
واعلم أن الشفاعة التي ورد إثباتها في الكتاب والسنة : هي التي تطلب من الله بإذنه لمن يرضى قوله وعمله , والله لا يرضى إلا التوحيد فأما المنفية فهي التي تطلب من غير الله , أو بغير إذنه , أو لأهل الشرك به , قال تعالى : {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } [سبأ : 22] وقال : { وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى } [الأنبياء : 28] أما من علق قلبه بأحد من المخلوقين يرجوه ويخافه , فهذا من أبعد الناس عن الشفاعة .(1/11)
مَقَالٌ لِمَنْ يهواهُ يُرْدِي ويَفْضَحُ
ولا تَكُ مُرْجِيًّا لَعُوبًا بِدِينِهِ
(31)
ألا إنَّمَا المُرْجيُّ بالدِّينِ يَمْزَحُ(1))
وقُلْ إنَّما الإيمانُ قَوْلٌ ونيَّةٌ
(32)
وِفعْلٌ عَلَى قَولِ النبيِّ مُصَرَّحُ
ويَنْقُصُ طَوْرًا بالمعَاصِي وَتَارةً
(33)
بطَاعَتِهِ يَنْمِي وفي الوَزنِ يَرْجَحُ
وَدَعْ عنكَ آراءَ الرِّجالِ وَقولَهُم
(34)
فَقْولُ رَسُولِ اللهِ أَزكى وَأَشْرَحُ
وَلا تَكُ مِن قوْمٍ تَلَهَّوْ بِدِينِهِم
(35)
فَتَطْعنَ في أَهَلِ الحَدَيثِ وتَقْدَحُ
إذا مَا اعتقدْتَ الدَّهْرَ يا صَاحِ هذِه
(36)
فَأَنْتَ عَلى خَيْرٍ تَبِيتُ وتُصْبِحُ
قال أبو بكر بن أبي داود : هذا قولي , وقول أبي , وقول أحمد بن حنبل , وقول من أدركنا من أهل العلم , ومن لم ندرك ممّن بلغنا عنه , فمن قال غير هذا فقد كذب ..
وهنا تمت هذه المنظومة مع التعليق عليها بما تيسر , والحمد لله أولاً وآخراً , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
__________
(1) في الطبقات , ومختصر الشطّي : (يمرح) بالراء , وقع في مختصر الشطّي تأخير البيتين إلى ما بعد البيتين الذين تليانهما وهو أولى إلا أن أكثر النسخ على ما أثبتناه .(1/12)
سلسلة بحوث وتحقيقات مختارة من مجلة الحكمة (4)
المنظومة الدَّاليَّة في السُّنَّة
لأبي الخطابْ الكلوَذاني
• دَعْ عَنْكَ تِذْكَارَ الخَليْط المُنْجِدِ •
قرأها وقدم لها وعلّق عليها
هانئ بن عبد الله بن جبير
قام بنشرها
أبو مهند النجدي
Almodhe1405@hotmail.com
almodhe@yahoo.com
الحمد لله وحده , والصلاة والسلام على من لا نبي بعده , وآله وصحبه , وبعد :
فإن الله ـ سبحانه ـ قد بعث نَبِيّه بالهُدى والنور , فنصح وبَلّغ , وبَيّن وأرشد , حتّى أتاه اليقين , و قد ترك أمَّتَه على المحجة البيضاء , ليلها كنهارها , لا يزيغ عنها إلا هالك , وعلى ذلك مضى أصحابه , والتابعون لهم بإحسان .
ثم ظهر ـ لضعف الإيمان , والأخذ عن علوم السابقين , واعتماد العقل , واطِّراح النقل ـ طوائف متعددة , تكلمت في الاعتقاد , بما قدّمته عقولها وما تخيلته تصوّراتها , فأولوا نصوص الكتاب والسنة بما يوافق مذاهبهم , ورَدّوا أخبار المصطفى ؛ لتقوى طرقهم .
فقيّض الله لهذا الدين من ينفي عنه انتحال المبطلين , وتحريف الغالين وتعرّض الطاعنين .
ثم لم يزل هذا الصراع بين فسطاط السنة وأهلها , وفسطاط البدعة ومتّبعيها :
تحقيقاً لخبر الصادق المصدوق : ( أن لا تزال طائفة على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم , ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تعالى ) (1) .
وفي خِضَمِّ هذا الصراع . حرص أهل العلم الكبار , وأهل التبرير من غيرهم (2) , على تدوين عقائدهم , لئلا يرموا بما لا يعتقدونه , أو يتهموا بما لا يدينون به , ولكي يكون سبيلاً يسلكه من تتلمذ على أيديهم , أو اقتفى سبيلهم , أو كان من تابعيهم .
__________
(1) انظر السلسلة الصحيحة للألباني : (1957) , وما بعده .
(2) انظر ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب : (1/20) . في معتقد الخليفتين القائم والقادر .(1/1)
ومن هنا برزت هذه الأجزاء الصغيرة المعروفة بالمعتقدات (1) .
ومن بين المعتقدات التي اشتهرت بين أهل العلم , المنظومة الداليّة لأبي الخطّاب , محفوظ بن أحمد الكلوذاني ـ رحمه الله ـ والتي ستراها محققةً مضبوطةً , لعظم نفعها , ولما لها من مميزات , والله الموفق .
كتبه
هانئ بن عبدالله بن محمد بن جُبَيْر
ترجمة الناظم (2) ـ رحمه الله ـ :
نسبه ولقبه وكنيته :
هو : أبو الخطاب محفوظ بن أحمد بن الحسن بن أحمد الكُلوَذاني , نسبَةً إلى كلوذا , وهي من نواحي بغداد , ويُلقَّب بنجم الهُدى .
ولادته :
ولد في الثامن من شوّال سنة اثنتين وثلاثين وأربع مئة للهجرة .
طلبه للعلم وشيوخه :
أخذ رحمه الله عن جملة من الشيوخ , وكتب بخطه كثيراً من مسموعاته .
__________
(1) هذا سوى الكتب التي ألفت في السُّنَّة ؛ لبيان منهج السلف في الاعتقاد مدعماً بأدلته , وسوى كتب الرد على المبتدعة وتفنيد أدلتهم وأقاويلهم .
(2) مراجع هذه الترجمة :
1. ... طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى : (2/258) , مطبعة السنة المحمدية , سنة (1372هـ).
2. ... ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب : (1/116) , مطبعة السنة المحمدية , سنة (1372هـ).
3. ... البداية والنهاية لابن كثير : (12/193) , دار الريان , الطبعة الأولى (1408 هـ) .
4. ... سير أعلام النبلاء للذهبي : (19/348) , مؤسسة الرسالة, الطبعة الأولى (1412 هـ) .
5. ... العبر في خبر من غبر للذهبي : (2/395) , دار الكتب العلمية , الطبعة الأولى (1405هـ) .
6. ... المطلع على أبواب المقنع للبعلي : (ص 453) , المكتب الإسلامي , الطبعة الأولى (1385 هـ ) .
7. ... مختصر طبقات الحنابلة لابن الشطي : (ص35) , دار الكتاب العربي , الطبعة الأولى (1406 هـ) .
8. ... المدخل لابن بدران : (ص 211) , إدارة الطباعة المنيرية .
9. ... وانظر أيضاً المنتظم لابن الجوزي : (17/152) , دار الكتب العلمية , الطبعة الأولى (1412هـ) .(1/2)
فمن شيوخه في الحديث : الجوهرِيّ , والعشاري , وأبو علي الجازري , والمباركي , وأبو الفضل بن الكوفي , وأبو الحسين بن المهتدي .
وأما في الفقه : فقد أخذ عن القاضي أبي يعلى , ولازمه , وانتفع به , وتخرّج على يديه , مما برع في المذهب والخلاف .
وأخذ أيضاً عن أبي عبدالله الوَنِّي , الفقه والفرائض , وبرع فيهما .
وصار ـ رحمه الله ـ إمام عصره , وفريد وقته , في الفقه والأصول , ودرّس , وقصدهُ الطلبة .
تلاميذه ومصنّفاته :
روى عنه : محمد بن ناصر الحافظ , وأبو المعمّر الأنصاري , وأبو طالب بن خضير , وغيرهم .
وأخذ عنه الفقه : عبدالوهاب بن حمزة , وأبو بكر الدينوري , والشيخ عبدالقادر الجيلي الزاهد .
وصنّف الكثير من الكتب الحسان , في الفقه , والفرائض , والأصول , والخلاف منها :
1. الهداية في الفقه .
2. الانتصار في المسائل الكبار , ورؤوس المسائل , في الخلاف .
3. التهذيب في الفرائض .
4. والتمهيد في الأصول .
مكانته العلمية , وثناء العلماء عليه :
قال السّلفي : أبو الخطاب من أئمة أصحاب أحمد .
وقال أبو بكر بن النقور : كان الكِيا الهراسي إذا رأى الشيخ أبا الخطاب مقبلاً قال :
" قد جاء الفقه " .
وقال الذهبي في " العبر " عنه : " كان إماماً , علامةً , ورعاً , صالحاً , وافر العقل , غزير العلم , حسن المحاضرة , جيد النظم " .
فقد كان بالجملة أحد أعلام المذهب , ومجتهديه ؛ له من التحقيق , والتدقيق الحسن في مسائل الفقه وأصوله , شيء كثير جداً , وله مسائل ينفرد بها عن سائر الأصحاب , وقد ذكر ابن رجب في ذيله على الطبقات جملة منها .
وفاته :
توفي ـ رحمه الله ـ في جمادى الآخرة سنة عشرة وخمس مئة , وفي تحديد الوقت اختلاف , فقيل في آخر يوم الأربعاء الثالث والعشرين , وقيل سحر يوم الخميس .
واتفقوا على أنه دفن يوم الجمعة .(1/3)
قال ابن رجب رحمه الله : قرأت بخط أبي العبّاس بن تيمية في تعاليقه القديمة : رئُي الإمام أبو الخَطّاب في المنام فقيل له : ما فعل الله بك ؟ فأنشد :
أتيت ربّي بمثل هذا ... فقال ذا المذهبُ الرشيدُ
محفوظ نَم في الجنان حتّى ... ينقلك السائق الشهيدُ
رحم الله أبا الخطاب , وغفر له , وأسكنه فسيح جناته .
مميزات هذه المنظومة :
هذه المنظومة منظومة اشتهرت بين طلاب العلم , وانتشرت في أوساطهم لمزاياها , والتي نستعرضها في النقاط التالية :
1. قِصَرُها : إذ هي ثلاثة وأربعون بيتاً (1) , وهذا مما يساعد على حفظها , وسهولة مراجعتها , وهذا القِصَر مهم مفيد إذ يحصل على الفوائد الغزيرة في الألفاظ المحصورة القليلة .
2. احتوائها على جملة من أهم مباحث الاعتقاد , مع ما تشير إليه من توجيه واستدلال , وتأمل قول ناظمها :
قَالوا : فهل فعلُ القبيح مُرَادُهُ ... قلتُ : الإرادةُ كلُّها للسَّيدِ
لو لم يُْرده لَكَان ذَاك نَقيصَةً ... سُبْحَانه عن أن يُعَجَّزَ في الرَّدِي
3. متانة أسلوبها , وجزالة عباراتها , مما يفيد الطالب في لغته , وبجعله حسن الإسلوب , جميل التعبير .
4. كون الناظم لها متقدّماً , و لا يخفى ما في الأخذ عن المتقدمين من الأهمية .
5. أنه ابتدأها بمقدمة اشتملت على عدة توجيهات , ونصائح , ووصف فيها طالب العلم بعلو الهمة , والحرص العظشم على طلب العلم , والتسابق فيه , وبذل المُهَج لتحصيله , وفي هذا تشجيع لطالب العلم , ورفع لهمته ؛ بما ضرب له من مثال .
6. أنّه جعلها بشكل الحوار , والمناظرة , وفي هذا فائدتان :
أ أنه اسلوب السؤال والجواب , اسلوب يقرب المعلومة لطالب العلم ويزيدها رسوخاً في ذهنه .
ب أن في تصوير المناظرة , والأخذ والرّد ما يعمق يقين القارئ بما يقرأ .
__________
(1) أي بدون الزيادات , أما معها فهي اثنان وخمسون بيتاً , كما سترى .(1/4)
هذه جملة من ميزات هذه المنظومة , وإن ما يزيدها أهمية سوى ما ذُكِر , أنَّ ناظمها هو عالم فذ من كبار علماء الحنابلة , ومن مشاهيرهم , وممن شُهد له بالتبحّر في العلم .
تحقيق نسبتها لأبي الخطّاب :
اشتهرت نسبة هذه المنظومة لأبي الخطاب رحمه الله , بين طُلاب العلم , ونصّ على نسبتها له غير واحد ممن ترجم له .
وقد ذكر مترجموه أنه كان ينظم الشعر الحسن (1) .
وقد رواها ابن الجوزي في " المنتظم " (2) قال : " أنشدنا محمد بن ناصر الحافظ (3) قال : أنشدنا أبو الخطاب محفوظ بن أحمد لنفسه . ثم ساق المنظومة إلى آخرها " أ. هـ .
وهذا إسنادٌ متصل صحيح .
__________
(1) انظر مثلاً ذيل الطبقات لابن رجب : (1/118) , المطلع للبعلي : ( ص453).
(2) انظر : (17/153) , من طبعة دار الكتب العلمية , وانظر (9/190) , دار صادر مصورة عن دائرة المعارف العثمانية .
(3) هو محمدج بن ناصر بن علي بن عمر السلامي , الحافظ أبو الفضل ... ولد سنة سبع وستين وأربع مئة للهجرة .
أخذ عن أبي القاسم ابن البسري , وأبي محمد التميمي , وجماعةٌ كثيرين , وأجازه ابن ماكولا الحافظ . قال السّلفي : " كان شافعياً أشعرياً , ثم انتقل إلى مذهب أحمد في الأصول والفروع , ومات عليه , وله جودة حفظ وإتقان , وحسن معرفة , وهو ثبت إمام " .
وقال أبو موسى المدني : " هو مقدم اصحاب الحديث في وقته ببغداد " .
وقال ابن الجوزي : " كان حافظاً , ضابطاً , متقناً , ثقة , من أهل السنة , وهو الذي تولى تسميعي الحديث , وعنه أخذت ما أخذت من علم الحديث " .
وأثنى عليه جماعة من أهل العلم , وروى عنه جماعة , كالسلفي , وابن عساكر , وابن الجوزي , وابن السمعاني , توفي ليلة الثلاثاء , الثامن عشر من شعبان سنة خمسين وخمس مئة رحمه الله برحمته الواسعة وأسكنه فسيح جناته . انظر ذيل الطبقات لابن رجب (1/225 , 226 ) فما بعدها .(1/5)
وقد رواها عن أبي الخطاب أيضاً سعد الله بن نصر بن سعيد المعروف بابن الدجاجي (1).
وممن نسب المنظومة إليه من المؤرخين ابن كثير , كما في " البداية والنهاية " (2).
والذهبي في " سير أعلام النبلاء " (3) . وابن شطي في مختصر طبقات الحنابلة (4) . وقال ابن رجب في ذيله على الطبقات (5) : " وله قصيدة دالية في السُّنة معروفة " أ.هـ .
الأصول المعتمدة :
وقفت لهذه المنظومة على عدة طبعات (6) وأضبطها : المنظومة كما في " المنتظم " , وقد نقلها عن هذا الكتاب جماعة , كالشيخ أحمد شاكر في مجموع طبع باسم كتاب " التوحيد " , والشيخ إسماعيل الأنصاري في مقدمة تحقيقه لكتاب " الهداية " لأبي الخطاب (7) .
ومن الطبعات التي وقفت عليها , التي أوردها : زامل الصالح الزامل في " المجموع المنتخب من المواعظ والأدب " (8) .
__________
(1) قال ابن رجب في ذيل الطبقات (1/203) : " تفقه على أبي الخطاب حتى برع , وقد روى عنه كتابه " الهداية " , وقصيدته في السنة وغيرها " . أ.هـ. وفيه أيضاً قال ابن نقطة : " شيخ جماعة فاضل صحيح السماع حدثنا عنه جماعة من شيوخه , وكان ثقة " .أ.هـ. وقد روى عنه جماعة , كالموفق , وابن الأخضر . توفي آخر نهار بوم الإثنين لاثنتي عشرة خلت من شعبان سنة أربع وستين وخمس مئة للهجرة ..
(2) 12/193) , وقد ذكر مطلعها وأبياتاً منها .
(3) 19/348) , وقد ذكر بيتين منها .
(4) ص 35) , وذكر مطلعها.
(5) انظر مثلاً ذيل الطبقات لابن رجب : (1/118) , المطلع للبعلي : ( ص453).
(6) ص 197 , 198 , 199 ) والطبعة التي وقفت عليها هي الطبعة الأولى لعالم الكتب عام (1406هـ) .
(7) ص 4 ,5) وذلك من الطبعة الأولى للكتاب في عام (1390 هـ ) .
(8) ص 220 , 221 , 222) . من المجلد الأول .
وقد قال محمد جميل الشّطي في مختصر الطبقات (ص36) : " قد وفقت ـ ولله الحمد ـ فطبعت القصيدة الدالية المنوه عنها , في دمشق سنة (1326هـ), برسالةٍ لطيفةٍ , وهي عبارة عن (43) بيتاً " أ.هـ . ولم أقف على هذه الطبعة والله المستعان .
ومن الطبعات التي وقفت عليها ما أورده العليمي في المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد (2/234) , عالم الكتب وتعليق عادل نويهض , الطبعة الثانية(1404هـ) , بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد .(1/6)
وكما ترى فإن أوثقها ما جاء في النتظم ؛ لصحة إسنادها , ولكونه الأصل الذي نقل عنه أكثر من بعده , إلا أن بينها اختلافاً , حرصت على تبيينه , واتبعت طريقة النص اختصاراً , إذ مرادي إخراج النص على أكمل وجه , وأضبط صورة .
وقد بينت الاختلاف متى وُجد , أمّا سبب الاختلاف مع أن المرجع في الغالب واحد , فلعله لاختلاف نسخ المنتظم , كما هو معلوم هذا وأسأل الله أن يجعل في الأجل فُسحة , وأن يُيَسِّرَ شرح هذا النظم , إنه ولي ذلك والقادر عليه .
[ المنظومة ]
دَعْ عَنْكَ تِذْكَارَ الخَليْط المُنْجِدِ(1) ... (1) ... والشَّوْقَ(2) نَحْوَ الآنِسَاتِ الخُرَّدِ
وَالنّوحَ في أطلال سُعَْدى إِنَّمَا ... (2) ... تذكارُ سُعْدَى شُغْلُ من لم يَسْعَدِ
واسْمَع مَقالي إن أردتَ تَخلُّصًا ... (3) ... يومَ الحسابِ وخُذْ بهَدْيي(3) تَهْتَدِ
وَاقْصِد فإِنِّي قد قَصَدْتُ(4) مُوَفّقاً ... (4) ... نهجَ ابن حنبلٍ الإمام الأوْحَدِ
خيرِ البريَّة بعد صحِْب مُحمَّدٍ ... (5) ... وَالتَّابِعينَ إمام كُلِّ مُوَحِّدِ
__________
(1) الخليط المنجد : هو الركب المتجه لنجدٍ , أو النازل نجداً . يُقالُ أنجد : إذا أتى نجداً . والخليط : القوم الذين أمرهم واحد , ويطلق على النديم والجليس , ويطلق على الواحد والجمع بلفظٍ واحد . وقد كثر الخليط في أشعار العرب ؛ لأنهم كانوا ينتجعون أيّام الكلأ, فتجمع منهم قبائل في مكانٍ واحد . فتقع بينهم ألفةٌ فإذا افترقوا , ورجعوا لأوطانهم ساءهم ذلك . انظر " اللسان " مادة خلَطَ : (7/294) .
(2) في مطبوعة شاكر : (والسَّوقَ) بالمهملة , وكلاهما ممكن ؛ فعلى المعجمة : المراد الاشتياق إليهنَّ والتفكير فيهن , وعلى المهملة المراد : السير نحوهن واتِّباعهن .
(3) في المنهج الأحمد : (بهذا) .
(4) في المنهج الأحمد : (قضيت) .(1/7)
ذِي العِلْم والرأي الأصيلِ من حَوَى ... (6) ... شرفًا عَلا فوقَ السُّها(1) والفَرْقَدِ
واعْلَم بِأَنِي قََدْ نَظَمْت مَسائِلًا ... (7) ... لم آلُ فيها النُّصْحَ غيرَمقَلِّدِ
وَأَجَبْتُ عن تَسآل كُلِ مُهَذَّبِ ... (8) ... ذِي صَوْلَةٍ عند(2) الجَِدال مُسَوَّدِ
هَجَر الرُّقادَ وباتَ سَاهِرَ ليْلِهِ ... (9) ... ذي همَّةٍ لا يستلذُّ بِمَرقدِ
قَومٌ طعامُهُم دِرَاسةُ علْمِهِم ... (10) ... يَتسَابَقُون إِلى العُلا وَالسُّؤدَدِ
__________
(1) في مطبوعة الزامل : (السَّمَا) . والسُّها : كوكب صغير خفي الضوء في بنات نعش . المعجم الوسيط : (1/459) , والفرقد : نجم يهتدى به المعجم الوسيط : (2/686) .
(2) في المنهج الأحمد , ومطبوعة الزامل : (يوم) .(1/8)
قَالوا : بِما عَرَفَ المكلَّفُ رَبَّهُ ؟ ... (11) ... فَأجبتُ : بالنَّظرِ الصحيح المُرْشِدِ(1)
قَالوا :فهل ربُّ الخلائق واحدٌ ؟ ... (12) ... قلتُ : الكمالُ لِرَبّنا المتفرِّدِ
قَالوا : فهل للهِ عِنْدَك مُشْبِهٌ ؟ ... (13) ... قلتُ : المشبِّهُ في الجحيم الموصَدِ(2)
قَالوا : فَهَل تَصِف الإله ابن لنَا ؟ ... (14) ... قلتُ:الصفاتُ لِذي الجلال السَّرْمَدِي
__________
(1) قال شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في الأصول الثلاثة : " فإذا قيل لك بم عرفت ربك ؟ فقل : بآياته و مخلوقاته ..." . ومراده الآيات الكونية و الشرعية قال العلامة محمد بن عثيمين في شرحه للأصول الثلاثة : " معرفة الله تكون بأسباب : منها النظر في مخلوقاته عز وجل , فإن ذلك يؤدي إلى معرفته ومعرفة عظيم سلطانه , وتمام قدرته , وحكمته , ورحمته قال تعالى { أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ } [ الأعراف : 185] , وقال تعالى { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ } [ آل عمران : 190] ومن أسباب معرفة العبد ربه : النظر في آياته الشرعية , وهي الوحي الذي جاءت به الرسل , فينظر في هذه الآيات ,وما فيها من المصالح العظيمة التي لا تقوم حياةُ الخلق في الدنيا و لا في الأخرة إلا بها ... ومنها ما يلقيه الله في قلب المؤمن من معرفة لله تعالى ..." إلى آخر كلامه (ص37 ـ 38 ) . وانظر مجموع الفتاوى : (3/330) , (4/36) .
(2) هذا البيت جاء في المنهج الأحمد , مطبوعة الزامل بعد بيتين.(1/9)
قَالوا : فهل تلك الصّفاتُ قَدِيمةٌ ؟ ... (15) ... كالذاتِ ؟ قلتُ:كذاك لم تتجَدد(1)
قَالوا: فأنتَ تَرَاه جسماً مِثْلَنا(2) ... (16) ... قلتُ : المجسّم عِنْدَنا كَالمُلْحِدِ
قَالوا : فَهل هَوْ في الأمَاكِن كلها ؟ ... (17) ... فأجبتُ : بَل في العُلْوِ مذهبُ أَحمدِ(3)
قَالوا:فتزعم(4) أَنْ على العرشِ استوى ؟!
(18)
قلتُ : الصَّواب كذاك أخبر سَيّدي
قَالوا : فما معنى استواءه أَبِن لَنَا ؟
(19)
__________
(1) قال العلامة الشيخ عبدالله أبا بطين في تعليقاتٍ له على عقيدة السَّفاريني " لوامع الأنوار " (1/112) : " إن أرادَ المؤلف رحمه الله بكونها قديمةٌ أنها غير مخلوقة , فصحيح , لكن كان ينبغي أن يعبر بقولة غير مخلوقة, ولا يأتي بلفظ مجمل , وإن أراد أنها قديمة في الأزل , فهذا مما يحتاج فيه إلى التفصيل الذي يتبين به الحق من الباطل , فإن الصفات قسمان : ذاتية : كالحياة والعلم والقدرة ونحوها , مما لا ينفك الله عنها فهي صفات قديمة والثاني : صفات فعلية : فهذه نقول فيها أن جنسها ونوعها قديم , وأما بالنسبة إلى كل فعل فإن الله لم يزل , و لا يزال يوجد أفعاله شيئاً فشيئاً , فهذا استواؤه على عرشه بعد أن خلق العرش ... و لايمكن أن يتصّور عاقل , أن استواءه كذلك قبل أن يخلق العرش . " .أ.هـ .
(2) في المنهج الأحمد ومطبوعة الزامل : (قل لنا) , فالبيت عندهما بعد البيت الذي يليه.
(3) في المنهج الأحمد : (قلت الأماكن لا تحيط بسيّدي) وقوله في العُلوِ : بالتخفيف وإسكان اللام ليستقيم البيت , وتراه قد صرف أحمد , وهو جائز في ضرورة النظم , قال في الملحة : ... أن يصْرِفَ الشاعِرُ ما لا يتصرَف
0@وجائز في صنعةِ الشعر الصَّلِفْ
(4) في المنتظم : (أتزعم) .(1/10)
فَأجَبْتُهم : هَذا سُؤَال المُعْتَدِي(1)
قَالوا : النزول ؟ فقلت : ناقله لنا(2)
(20)
قوم ٌتمسُّكُهم بِشَرع مُحَمَِّد(3)
قَالوا : فَكَيْفَ نُزولُه ؟ فأجبتهم :
(21)
لم يُنْقل التكييف لي في مُسْنَدِ
قَالوا : فيُنْظُُر بِالعيونِ ؟ أبَِن لَنَا:
(22)
فأجبتُ :رؤيتُهُ لمن هَوْ مُهْتَدي(4)
قَالوا : فهل لله علمٌ ؟ قلتُ : ما
(23)
من عَالِم إلا بعلمٍ مرتدي(5)
قَالوا : فيوصَف(6) أَنه مُتَكَلِّمٌ ؟
(24)
قلتُ : السكوتُ نقيصَةٌ المتَوَحِّدِ(7)
قَالوا : فَما القرآن ؟ قلتُ كَلاَمه
(25)
__________
(1) علق الشيخ إسماعيل الأنصاري على هذا البيت بقوله : " يريد أبو الخطاب بهذا الكيفية , وأما كون الاستواء بمعنى العلو فغير خافٍ عليه " أ.هـ .وهذا تخريج طيب إذ معاني الصفات معروفة معلومة , وإنما الذي نجهله كيفيتها على حد قول مالك وغيره , الاستواء معلوم , والكيف مجهول . ولا يخفى مثل هذا على أبي الخطاب , و لا يُظنّ فيه التفويض , لما عُرِفَ من حاله رحمه الله . وانظر مجموع الفتاوى (5/40).
(2) في المنتظم ( ناقله له ).
(3) جاء في المنهج الأحمد ومطبوعة الزامل هذا الشطر هكذا ( قومٌ هُمُو نَقَلُوا شريعة أحْمَدِ ).
(4) لم يرد هذا البيت في المنهج الأحمد , و لا في مطبوعة الزامل.
(5) لم يرد هذا البيت في المنهج الأحمد , و لا في مطبوعة الزامل.
(6) في المنهج الأحمد ومطبوعة الزامل : ( تصفه بأنه ).
(7) في المنهج الأحمد ومطبوعة الزامل : ( بالسِّيد ).(1/11)
مِنْ غير ما حَدَثٍ وغَيْر تَجَدُّدِ(1)
قَالوا : الَّذِيْ نَقلوه(2) ؟ قلتُ : كَلاَمه
(26)
لا رَيب فيه عند كل مُسَدَّدِ(3)
قَالوا : فأفعال العباد ؟ فقلتُ : ما
(27)
مِنْ خَالِقٍ غير الإلهِ الأمجَدِ
قَالوا : فهل فعلُ القبيح مُرَادُهُ
(28)
قلتُ : الإرادةُ كلُّها للسَّيدِ
لو لم يُْرده لَكَان ذَاك نَقيصَةً(4)
(29)
سُبْحَانه عن أن يُعَجَّزَ في الرَّدِي
قَالوا : فما الإيمان ؟ قلتُ : مجاوبًا
(30)
__________
(1) قال الشيخ ابن سحمان في تعليقات له على عقيدة السَّفاريني " لوامع الأنوار " (1/131) : " والذي عليه أهل السُّنَّة والجماعة : أن كلام الله سبحانه وتعالى حادث الآحاد , قديم النوع . وأنه يتكلم بمشيئته وقدرته إذا شاء , لا يمتنع عليه شيء أراده " وقال الشيخ أبا بطين : " و لا ريب أن الأدلة , تدل على أن الله تعالى يتكلم متى شاء , كيف شاء , وأن القرآن غير قديم , ومن ذلك قوله تعالى : { مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [ الأنبياء : 2] { قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ } [ المجادلة : 1] فإن الأخبار عن سماع المرأة التي تجادل بلفظ الماضي دليل على سبق ذلك للخبر , و لا يصحأن يكون قد قال في الأزل : قد سمع الله قول التي تجادلك , مع أنها ـ أي المجادلة ـ لم تكن قد خلقت " أ.هـ . باختصار .
(2) في المنهج الأحمد ومطبوعة الزامل: ( فما نتلوه ).
(3) في المنهج الأحمد ومطبوعة الزامل: ( مُوَحِّدِ )..
(4) في المنهج الأحمد ومطبوعة الزامل: ( لو لم يرده وكان ؛ كان نقيصَةً ) , والمثبتُ أولى : فإن حقِهِ ؛ إذ يدل على عجزه عن فعل القبيح والرديء وعلى ما ما في الرواية الأخرى , فإن ( كان ) الأولى تامةً بمعنى : وُجِدَ .(1/12)
عملٌ وتصديق(1) بغير تَبَلُّدِ
قَالوا : فَمَن بَعْد النَّبي خَلِيفةً ؟
(31)
قلتُ : الموحد قبل كل مُوَحِّدِ
حَامِيه(2) في يَوم العَرِيش وَمَْن لَه
(32)
في الغار يُسْعِدُ(3) يا له من مُسْعِدِ
خَيْرُ الصَّحَابةِ والقَرَابةِ كلهِم
(33)
ذاك المؤيِّدُ قبل كلِّ مؤَيِّدِ(4)
قَالوا : فمن صدّيق أحمد ؟ قلتُ : من
(34)
تصديقُهُ بين الوَرى لم يُجْحَد(5)
قَالوا : فَمَن تالي أَبِي بكر الرِّضا ؟
(35)
قلتُ : الإمارة في الإمامِ الأزْهَدِ
فاروق أحمد والمُهَذِّبُ بَعْدَه
(36)
نَصَر(6) الشَّرِيعَة بِاللسان وَباليَدِ
قَالوا : فثالثهم ؟ فقلتُ مسارِعًا(7)
(37)
من بايَعَ المختار عَنْه باليْدِ
صهر النَّبي عَلَى ابنَتَيه وَمَنْ حَوى
(38)
فضلين , فضْلَ تلاوَةٍ وتهجُّد(8)
أعني ابن عَفان الشهيد وَمَن دُعِي
(39)
__________
(1) في المنهج الأحمد ومطبوعة الزامل: ( عملاً وتصديقاً ) . والمثبت أولى , ويكون الدفع على الخبرية , والمبتدأ محذوفُ للعلم به , أي الإيمان عمل وتصديق .
(2) في مطبوعة الزامل : ( صاحبِه ).
(3) في المنتظم ومطبوعة الأنصاري : (مسعد ) , وفي المنهج الأحمد : ( أسعد ) , وفي مطبوعة الزامل : ( سَعْدٌ ) . وقد عَلّق الشيخ أحمد شاكر على هذا البيت بقوله : " أي يوم بدر , وقد أقام الصحابة للنبي عريشاً لا زمه فيه صديقه وصاحبه أبو بكر الصدّيق " . أ.هـ .
(4) لم يرد هذا البيت في المنهج الأحمد ولا في مطبوعة الزامل.
(5) لم يرد هذا البيت في المنهج الأحمد ولا في مطبوعة الزامل.
(6) في المنهج الأحمد ومطبوعة الزامل : ( سند ) . .
(7) في المنهح الأحمد ومطبوعة الزامل : ( مجاوباً ).
(8) في مطبوعة الزامل خلط الشطر الأول من هذا البيت بالشطر الثاني من البيت الذي يليه
صهر النَّبي عَلَى ابنَتَيه وَمَنْ دُعِي ... في الناسِ ذو النورين صِهْرُ مُحَمَّدِ(1/13)
في الناسِ ذو(1) النورين صِهْرُ مُحَمَّدِ
قَالوا : فرابعهم ؟ فقلتُ : مُبَادِراً(2)
(40)
مَنْ حَاز دونهم أخُوَّةَ أَحمدِ(3)
زوجُ البتولِ وخيرُ مَنْ وَطِئ الحَصى(4)
(41)
بَعْدَ الثلاثة والكريم المحْتِدِ(5)
أعني أبا الحسَنِ الإمامَ وَمَْن لَه
(42)
بَيْنَ الأَنام فضائل لم تُجْحَد
(وَلا بن هندٍ في الفؤادِ محَبَّةٌ
(43)
وَمَوَدَّةٌ فليرْغَمَنّ مُفَنِّدِي) (6)
ذاكَ الأمينُ المجتبى لكتابة الـ
(44)
ـوحي المنزّل,ذو التُّقى والسُؤدَد) (7)
ولعمِّ سيدنا النَّبي مناقِبٌ
(45)
لَو عُدِدت لم تنحَصِرْ بتَعَدُّدِ
أَعْنِي أَبِا الفَضْل الَّذِي استَسْقَى به
(46)
عُمْرُ أوان الجَدْب بين الشُهَّدِ(8)
ذاك الهُمامُ أبوالخلائفِ كلِّهم
(47)
نَسَقَاً إلى المستظهرِ بن المقتدي
صلّى عليه(9) الله ماهَبَّت صَبًََا
(48)
__________
(1) في المنتظم ومطبوعتي شاكر والأنصاري بالنصب (ذا) والرفع أحسن , وهو كذلك في المنهج الأحمد .
(2) في المنهج الأحمد ومطبوعة الزامل : ( مجاوباً ) .
(3) قوله (أخُوَّةَ أَحمدِ) : وهو يشير مؤاخاة النبي لعلي , وهو حديث موضوع [ المجلة ] .
(4) في المنهح الأحمد ومطبوعة الزامل : ( الثَّرى ).
(5) في مطبوعة الزامل : ( عند كل مُوَحِّد ) والمحتد : الأصل , والطبع " اللسان " : حَدَدَ , (3/139) .
(6) في مطبوعة الزامل : ( مغنّد ) بالغين المعجمة والظاهر أنها تحريف , والمثبت من المنهج الأحمد .
(7) هذان البيتان انفرد بروايتهما المنهج الأحمد والزامل في مطبوعته , والمراد بابن هند معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - .
(8) يريد بالأبيات : العباس عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , وقد طلب منه عمر بن الخطاب أن يدعو لهم بإنزال المطر والسُّقْيَا ـ لما أصابهم من الجدب ـ وهذا معنى الاستسقاء به والحديث في البخاري [ المجلة ] .
(9) في المنتظم : (صلى الإله عليه ) .(1/14)
وَعَلى بنيه الرْاكعين السُّجَّدِ
وَأَدَام دولتهم عَلَيْنا سَرمدًا
(49)
ما حَنْ في الأسحار كُلُّ مُغَرِّد) (1)
(فعلَيْهِمُ وَعَلى الصَّحَابةِ كلِّهِم
(50)
صلواتُ ربهم تروح وتغتدِي
إني لأرجو أن أفوزَ بحبِّهم(2)
(51)
وَبِمَا اعتقدتُ من الشريعةِ في غَدِ) (3)
قَالوا : أَبان(4) الكلوذانِيَّ الهُدى
(52)
قلتُ : الَّذِي فوقَ(5) السماءِ مُؤيِّدي
والحمد لله أولاً وآخراً , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
__________
(1) هذه الأبيات الخمسة انفرد بها المنتظم و مطبوعة الأنصاري , وعندي شَكٌّ في ثبوت نسبتها إلى الناظم إذ لا مدخل لها فيما أراده بهذه المنظومة , فلعل بعضهم ألحقها والله أعلم .
(2) يريد أن محبة الصحابة من أعمال البر , والتي يرجو أن تنفعه في يوم الحساب .
(3) هذان البيتان انفرد بهما المنهج الأحمد ومطبوعة الزامل , وهما أحسن حالاً من الأبيات التي قبلهما.
(4) في مطبوعة الزامل : ( إذاً رأى ) .
(5) في المنهج الأحمد : ( رفع ).(1/15)
سلسلة بحوث وتحقيقات مختارة من مجلة الحكمة (31)
Almodhe1405@hotmail.com
almodhe@yahoo.com
تَرْمِيْزُ كُتُبِ الحَدِيْثِ
إعداد: د. محمد سليمان الأشقر
نعني بالترميز أن يجعل رموز كل منها يتكون من حرف أو حرفين أو ثلاثة، أو من رقم عددي، للدلالة على معنى محدد، بغرض الاختصار وتوفير الجهد في الكتابة ونحوها، وليكفل مزيدًا من الوضوح، وسهولة العمل.
ونعني بترميز كتب الحديث أن يجعل لكل كتاب من كتب الحديث المسندة (أي التي تروي الأحاديث بأسانيدها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ) رمز يدل عليه في الكتب الجامعة، كالموسوعات أو الفهارس، أو كتب الرجال، أو نحو ذلك.
الرمز في اللغة والاصطلاح:
(الرمز ) في كلام أهل اللغة معناه الإشارة الخفية. قال الله تعالى{ قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً }.
قال ابن منظور: (الرمز) تصويت خفي باللسان كالهمس، ويكون (الرمز) تحريك الشفتين بكلام غير مفهوم باللفظ، من غير إبانة لصوت، إنما هو إشارة بالشفتين. وقيل (الرمز) إشارة وإيماء بالعينين والحاجبين والشفتين والفم (لسان العرب – رمز).
واستعمل (الرمز) عند البلاغيين وأهل الأدب بمعنى الكناية التي في دلالتها على المقصود خفاء مع قلة الوسائط (انظر بغية الإيضاح في باب الكناية). ومن هنا نشأ تسمية نوع من الشعر بالشعر (الرمزي) نظرًا إلى أن مقصود قائله لا يعرفه إلا الخاصة.
واستعمل لفظ (الرمز) في كتب المحدثين في وقت متأخر بمعنى حرف أو أكثر يدل على معنى محدد. ولم نجد أحدًا استعمل هذا المصطلح بهذا المعنى قبل ابن الصلاح (643هـ)، وإن كانت (الرموز) في الواقع العملي مستخدمة قبل ذلك.(1/1)
فقد استخدم هذه الرموز بعض المحدثين لإختصار بعض الألفاظ التي تتكرر كثيرًا في كلامهم نحو (نا) و(أنا) بمعنى حدثنا أو أخبرنا، ونحو (ق) بمعنى (قال) فقد وجد أشياء من ذلك في مؤلفات الخطيب البغدادي (463هـ) بل وجد منه في كلام الإمام مسلم (256هـ) فقد استعمل الرمز (ح) للتحويل، أي من مسند إلى آخر.
واستعمل ابن الأثير صاحب جامع الأصول (606هـ) رموز لأسماء كتب الحديث، وسماها (العلائم) نحو (خ) للبخاري، و(ت) للترمذي، واستعملها أخوه صاحب (أسد الغابة) (630هـ) وسماها (العلائم) كذلك.
وقد كان مصطلح (العلامة) لمثل هذا مستخدمًا من قبل، فقد استعمل الشيخ أبو حامد الغزالي (505 في كتابه (الوسيط) في الفقه الشافعي (رموزًا) سماها (العلامات)، نحو (ح) لأبي حنيفة، و(ق) لقول من أقوال الشافعي.
والذي ابتدأه ابن الصلاح، فيما يظهر، هو استعمال لفظ (الرمز) لمثل هذا، ولم يستعمله في أسماء الكتب الحديثية، وإنما استعمله في اختصار ألفاظ الرواية للحديث كما تقدم.
أما رموز أسماء كتب الحديث فقد استمر تسميتها باسم (العلامات) في القرون التالية فظهر هذا اللفظ في مؤلفات المزي (742هـ) وابن حجر (852هـ) إلى أن جاء السيوطي (9121هـ) واستخدم كلمة (الرمز) فانتشرت بعده وغلبت.
طبيعة الرموز:
الرموز نوع من الاختصار والإيجاز في القول والكتابة:
وأبواب الإيجاز كثيرة في أساليب اللغة، منها:
1- الترخيم في الألفاظ، كما في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "كفى بالسيف شا" أي شاهدًا.
وفي النداء خاصة، (يا سعا) بمعنى (يا سعاد) وهو عندهم كثير، وأكثر ما يكون في نداء المختوم بتاء التأنيث، نحو قول أمرئ القيس:
أفاطم مهلاً بعض هذا التدلل ... وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
يعني (أفاطمة). ويكون الترخيم في التصغير، نحو تصغير حمدان ومحمود، على (حميد).(1/2)
2- ومنها حذف ما يكون معلومًا من سياق الكلام أو من ظروف القول والمقام: من مبتدأ أو خبر أو فعل أو مفعول أو نحوها كما يعلم في أبوابها من علمي النحو والمعاني.
3- ومنها الإضمار، أعني استخدام الضمائر، فهو طريقة لتقليل الكلام، سارية في اللغة.
4- ومنها العلم بالغلبة، كقولهم: (ابن عباس)، لعبد الله بن عباس بن عبد المطلب و(ابن عمر) لعبد الله بن عمر الخطاب، رضي الله عنهم، ونحو (البيت) لبيت الله الحرام، و (المدينة) لمدينة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ونحو: (الإمام) عند الشافعية لابن الجويني و(الشيخان) في الصحابة لابي بكر وعمر رضي الله عنهما، و(الشيخان) عند الشافعية للرافعي والنووي، و(الشيخان) عند الحنابلة للموفق والمجد، و(الشيخان) عند الحنيفة لأبي حنيفة وأبي يوسف، وعند المحدثين للبخاري ومسلم، و(الصحيح) عند المحدثين لصحيح البخاري، و(الصحيحان): لصحيح البخاري وصحيح مسلم، و(السنن) لكتب أصحاب السنن الأربعة. ونحو ذلك.
5- ومنها باب التحذير والإغراء، وهو من إيجاز الحذف.
6- ومنها الإيجاز، بإيداع المعنى التفصيلي الطويل في لفظ قليل، وهو المسمى (جوامع الكلم) ومثلوا له بقوله تعالى {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}.
7- ومنها الرموز الموضوعة قصدًا للدلالة على معان محددة.
وهذا النوع كثير تجده مبثوثًا في كتب كافة العلوم والفنون وهو ينقسم قسمين:
القسم الأول:
رموز عامة تستخدم في جميع الكتب والمواد المكتوبة، وفي جميع العلوم والفنون وجميع نواحي الحياة. وهذا النوع قليل. ومما درج استعماله في عصرنا الحاضر نحو (الخ) بمعنى: إلى آخر الكلام، و (هـ) للسنة الهجرية، و(م) للسنة الميلادية إذا كتب الرمزان بعد الرقم الدال على السنة، ونحو (ج) لجزء الكتاب، مثاله: (ج4) بمعنى الجزء الرابع من الكتاب، و(ص) للصفحة، و (س) للسطر، ونحو (أهـ) بمعنى انتهى النص.
القسم الثاني:(1/3)
رموز متخصصة لعلوم خاصة وهذه قد يضعها مؤلف معين في علم، ثم تنتشر بعده أو لا تنتشر، بل تكون قاصرة عليه، وأمثلة ذ1لك كثيرة، كما في بعض كتب فقه المالكية (عبق) لعبد الباقي الزرقاني على مختصر خليل، و (عج) للشيخ علي الأجهوري، و(تت) للتتائي، (ح) للحطاب، و(بن) للبناني علي الزرقاني.
وفي كتب الحنابلة استعمل ابن مفلح صاحب الفروع (803هـ) الرموز التالية: (ع) للمسائل المجمع عليها، (و) لما وافق فيه المذاهب الثلاثة المذهب الحنبلي، (هـ) لما خالف فيه أبو حنيفة، (م) لمالك، (ش) للشافعي (ق) لأحد قولي الشافعي. ومن ذلك الرموز في كتب الحديث.
رموز كتب الحديث:
ارموز في كتب الحديث نوعان:
النوع الأول: رموز وضعت للتخفف من كتابة ألفاظ تتكرر كثيرًا في سياق الأسانيد، ربما كان منؤها أن المملي قد يسرع في إملائه للأحاديث، فيضطر المستمع أن يختصر بعض الحروف من بعض الكلمات، ثقة منه بأنه يعرف المحذوف لكثرة وروده. ومما استعمله المحدثون من ذلك:
(ق): بمعنى قال.
(ح): لتحويل السند.
(أنا) و (ثنا) و (دثنا): بمعنى حدثنا.
(أنا) و(أرنا): بمعنى أخبرنا.
ذكر أمثلة من هذه الرموز النووي (676هـ) في تقريبه، والعراقي (806هـ) في ألفيته في مصطلح الحديث وشرحها له المسمى "فتح المغيث"، وقبلهم ذكر شيئصا منها الخطيب البغدادي (463هـ) في كتابه (الكفاية في علم الرواية) وابن الصلاح (643هـ) في مقدمته في النوع (الخامس والعشرين)ز
وللمستشرق (فرانز روزنتال) في كتابه (منهج المسلمين في البحث العلمي) فصل ممتع حول نشأة مثل هذه (الاختصارات) في كتب الحديث، يمكن الرجوع إليه في الترجمة العربية للكتاب المذكور التي قام بها ونشرها الأستاذ أنيس فريحة في بيروت.
النوع الثاني:
وهو النوع الذي نحن بصدده في هذا البحث وهو رموز في الكتب الموسوعية الجامعة التي تجمع أحاديث الكتب المسندة من أكثر من مصدر واحد.(1/4)
وقد ظهرت الحاجة على هذا النوع بعد أن بدأ تجميع كتب الحديث المسندة في كتب جامعة.
والكتب الجامعة بدأت بالكتب التي جمعت بين الصحيحين، منها كتاب (الجمع ين الصحيحين) للحميدي.
(488هـ)، ثم ظهرت كتب تجمع بين أكثر من كتابين، ككتاب رزين بن معاوية العبدري (535هـ).
ويبدو أنه ليس في شيء من الكتب المتقدمة رموز لكتب الحديث. إلى أن جاء العلامة المبارك ابن محمد الأثير الجزري (606هـ) فوضع كتابه المشهور (جامع الأصول من أحاديث الرسول) الذي بناه على كتاب رزين المتقدم، فأراد أن يجود كتابه ويتقنه. وكتابه شامل للكتب الستة: الصحيحين، وسنن أبي داود، والترمذي، والنسائي، وموطأ مالك. فوضع قائمة لرموز كتب الحديث المسندة، لعلها الأولى في تاريخ علم الحديث، مكونة من ستة رموز. وسنذكرها فيما يلي. وأدخل عليها بعض من سار على نهجه بعض التعديلات والإضافات. إلى أن جاء السيوطي رحمه الله فقفز بالموضوع قفزة واسعة بقائمته التي اشتملت على (34) رمزًا.
ثم تتابع عليها اتباع (مدرسته) بالإضافة والتعديل إلى عصرنا الحاضر الذي ظهرت فيه الحاجة إلى الموسوعات الشاملة والفهارس الشاملة، فأبلغها البعض إلى (76) رمزًا، وبعضهم إلى أكثر من ذلك.
وسوف نستعرض القوائم الرئيسية فيما يلي بترتيبها التاريخي، ونلفت نظر القارئ في التعليق عليها إلى بعض النواحي الأساسية التي تتعلق بعملية الترميز. ثم نخلص بعد ذلك إلى قائمة جامعة.
فوائد الترميز:
الأهداف التي تبتغي من الترميز تتخلص فيما يلي:(1/5)
1- التخفيف: وتلك فائدة للقارئ. وذلك أنه إن كان معنى الرمز واضحًا لديه، فمن الأسهل عليه أن يقرأ حرفًا واحدًا، مثل (خ) بدل أن يقرأ عشرة حروف نحو (صحيح البخاري)، وتتبين قيمة ذلك بالنسبة إلى المحدثين، فعندما يكون الذي أخرج الحديث عشرة من أصحاب الكتب المسندة يكون قد توفر على المحدث قراءة تسعين حرفًا وربما أكثر. وإذا كان مجال دراسته أو بحثه مئات الأحاديث أو ألوفها، كان لذلك تخفيف لا يستخف به.
2- الوضوح: وهو فائدة للقارئ أيضًا، فإن الأمر الذي يتبين بحرف واحد أجلى مما يحتاج إلى مجموعة من الحروف هذا بالإضافة إلى أن الرمز يكتب بصورة الحرف الكاملة المفردة نحو (خ)، (م) أو صورة حرفين كذلك، نحو (خط)، وهذا بالنسبة للقارئ أجلى من أن يتتبع بنظره مجموعة من الحروف.
وهذا كما أن الأرقام الترتيبية أوضح من الألفاظ الترتيبية.
3- الاقتصاد: وهي فائدة للكاتب، والطابع، والناشر.
ففي موسوعة كبيرة تشتمل على عشرات الألوف من الأحاديث تتكرر فيها أسماء الكتب المسندة مرات بعدد كل حديث ورد فيها، ويتضاعف ذلك بمضاعفة أسماء الكتب المرموز إليها، وبتعدد نسخ الكتاب المطبوع، فقد تصل فائدة استعمال الرموز إلى توفير عشرات الألوف أو مئات الألوف من الكلمات، وربما وصلت إلى الملايين باعتبار تكرر النسخ المطبوعة.
قوائم الرموز:
(1) قائمة رموز جامع الأصول لابن الأثير (606هـ) وهو المبارك بن محمد بن الأثير الجزري وهذه رموز قائمته:
خ ... ... ... لصحيح البخاري
م ... ... ... لصحيح مسلم
ط ... ... ... لموطأ مالك
د ... ... ... لسنن أبي داود
ت ... ... ... لسنن الترمذي
س ... ... ... لسنن النسائي.
وقد وصف ابن الأثير رحمه لله عمله في هذه القائمة وصفًا جيدًا. فنذكر نصه بكماله، لأن فيه بيان الفكر الذي كان وراء نشر أول قائمة من نوعها في العالم في ما يبدو. ونعقب عليه بعد ذلك بما نستخلصه منه من الفوائد.
قال رحمه الله في الفصل الرابع من الباب الثاني من مقدمته لجامع الأصول، ما نصه:(1/6)
الفصل الرابع في بيان أسماء الرواة والعلائم: لما وضعت الكتب والأبواب في الحروف رأيت أن أثبت رواة كل حديث أو أثر على هامش الكتاب، حذاء أول الحديث، وذلك لفائدتين:
إحداهما: أن يكون الاسم مفردًا، يدركه الناظر في أول نظره، ويعرف به أول الحديث.
والثانية: لأجل إثبات العلائم التي رقمتها بالحمرة على الاسم.
وذلك أنني قد رقمت على اسم كل راو علامة من أخرج ذلك الحديث من أصحاب الكتب الستة.
فجعلت للبخاري (خاء) لأن نسبه إلى بلده أشهر من أسمه وكنيته، لأن (الخاء) أشهر حروفه، وليس حروف الأسماء (خاء).
وجعلت لمسلم ميما، لأن اسمه أشهر من نسبه وكنيته. والميم أول حروف اسمه.
وجعلت لمالك (طاء)، لأن اشتهار كتابه (بالموطأ) أكثر، ولأن (الميم) التي هي أول حروف اسمه قد أعطيناها مسلمًا، وباقي حروفه مشتبهة بغيرها من حروف باقي الأسماء، و(الطاء) أشهر حروف اسم كتابه، ولا تشتبه بغيرها.
وجعلت للترمذي (تاء)، لأن اشتهار الترمذي (بنسبته) أكثر منه باسمه وكنيته، وأول حروف نسبه التاء. وجعلت لأبي داود (دالاً)، لأن كنيته أشهر من نسبه واسمه، والدال أشهر حروف كنيته، وأبعدها من الاشتباه بباقي العلائم.
وجعلت للنائي (سينا)، لأن نسبه أشهر من كنيته واسمه، والسين أشهر حروف نسبه، وأبعدها من الاشتباه.
فإن كان الحديث قد أخرجه جماعتهم، أثبت قبل اسم الراوي العلائم الست. وإن كان قد أخرجه بعضهم، أثبت عليه علامة من أخرجه.(1/7)
وجعلت ابتداء العلائم على اسم بعلامة البخاري، وبعده بعلامة مسلم، وبعده بعلامة (الموطأ) وكان الأولى تقديم اسم (الموطأ) لأن مالكًا رحمه الله أكبر الجماعة وأقدمهم، وأجلهم قدرًا، وأحقهم بالتقديم، ولكن لاشتهار كتابي البخاري ومسلم بالصحة، وانفرادهما بالشرط الذي لم ينفرد به واحد من باقي الكتب، ولأنهما أعظم قدرًا، وأكبر حجمًا، قدمتهما في التعليم عليه. ثم اتبعت علامة (الموطأ) بعلامة الترمذي، وبعده بعلامة أبي داود، وبعده بعلامة النسائي. وإن تقدم أحد هؤلاء الثلاثة المتأخرين على الآخر، فلا بأس.
ثم لما كان مع تطاول الأزمان، واختلاف النساخ، وتهاونهم بالذي يكتبونه، قد يسقط بعض العلائم من موضعه، فيبقى الحديث مجهولاً لا يعلم من أخرجه، ذكرت في آخر كل حديث من أخرجه من الأئمة في متن الكتاب، ليزول هذا الخلل المتوقع.
وإن سقط بعض العلامات، أو كلها، أمكن الناسخ أن يستجد العلامات من متن الكتاب.
على أن معظم الأحاديث المشتركة بين الأصول، قد أدت الضرورة على ذكر من أخرجها، لاختلاف ألفاظهم في الحديث الواحد، وإنما الأحاديث المفردة في كل أصل من الكتب، هي التي احتجنا إلى أن نذكر اسم من أخرجها في متن الكتاب لهذا الباعث المذكور.
ولنا على هذه القائمة وما تحدث به واضعها عنها ملاحظات، فإنها تكشف عن عمق نظر صاحبها، وأنه كان ذا فطنة خارقة. وهي حقيقة أن تجعله رائد فن الفهرسة والتنظيم في علم الحديث.
وقد كنت نبهت إلى أشياء من أوليات ابن الأثير في هذا الميدان في رسالتي المسماة (الفهرسة الهجائية والترتيب المعجمي) التي نشرتها دار البحوث العلمية بالكويت سنة 1973. وقد تنبه إلى أمور لم يتنبه إليها غيره. وملاحظاتنا هي:
1- أنه وضع هذه القائمة وضعًا مستأنفًا، فلم يكن محتذيًا فيه على مثال سابق، بل هو قد ابتدعه ابتداعًا، كما هو واضح من كلامه وتعليلاته.
وهذا يوحي بأنه لم يكن مسبوقًا بشيء في الباب.(1/8)
2- تتكون قائمة ابن الأثير هذه من ستة رموز فقط. وذلك لأنه اقتصر في جامعة على ستة كتب.
3- هذه القائمة فردية الحروف، أعني أن كل رمز يتكون من حرف واحد لا أكثر.
4- راعي ابن الأثير رحمه الله أمورًا في اختيار الرمز للدلالة على الكتاب بطريقة حددها تستخلص من تعليله لتلك الرموز، وهي كما يلي:
أ- أنه يوازن بين اسم الكتاب وبين اسم مؤلفه، فأيهما كان أشهر خذ الرمز منه، كما قال في (ط)
(موطأ مالك): لأن اشتهار كتابه بالموطأ أكثر.
ب- أنه يأخذ الرمز من أشهر كلمة من الكلمات التي تدل على المؤلف: كما في البخاري: جعلت له (خاء) لأن نسبه إلى بلده أشهر من اسمه وكنيته. وقال في مسلم: جعلت لمسلم (ميمًا) لأن اسمه أشهر من نسبه وكنيته. وقال: وجعلت لأبي داود (دالاً) لأن كنيته أشهر من نسبه واسمه.
ج- أنه يأخذ الحرف الرمز من الكلمة المختارة، بمعيار سماه الشهرة، كما في أخذ الخاء من (البخاري): قال: (لأن الخاء أشهر حروفه) ولعله يعني بالشهرة هنا بروزها في النطق على ما سواها.
وقد يراعي في مأخذ أن يكون الحرف الأول من الاسم، كما في (م) لمسلم، و(ت) للترمذي.
د- أنه يبتعد عن الأشتباه، كما ذكر أنه لم يأخذ (م) للموطأ، لأن (م) أعطاها لمسلم، وباقي حروفه.
(يعني: و.أ) مشتبهة بغيرها. وقال في (س) للنسائي إنها أبعد حروف اسمه من الاشتباه. وحروفه الأخرى (ن. أ.ي).
فما الاشتباه الذي يعنيه؟
لعله يريد، والله أعلم، اشتباهها بغيرها عند الإسراع في كتابتها باليد، فالواو قد تشتبه بالقاف والفاء، والألف باللام، والنون بالزاي.
وحاصل هذه الطريقة أنه يريد أن يختار للرمز أبرز حرف يشعر بالكتاب، فهو يأخذ (أشهر) حرف، من (أشهر) الشيئين: اسم المؤلف واسم كتابه، ومن (أشهر) الكلمات الدالة على الاسم، ودون اشتباه.(1/9)
5- أنه ذكر الحكمة من وراء استعمال هذه الرموز (أو فلسفتها)، وأنها عنده ترجع غل الوضوح والبروز الظاهر بيسر للعين في استعمال الرمز المكون من حرف واحد. فإن قراءة حرف (خ) أيسر من قراءة اللفظ الكامل الدال على ما يدل عليه الرمز المذكور وهو: (الجامع الصحيح للبخاري).
وقد زاد الوضوح جلاء بأنه كتب الرموز في كتابه بالحمرة، وبأنه جعلها في هامش الكتاب بجانب الحديث، ليس في صلب الكتاب، وأنه لم يكتف بالرمز بل ضم إليه التصريح بالاسم المرموز له نهاية الحديث، وكأنه لعدم وثوقه بالرمز لسهولة تغيره أو احتمال سقوطه.
6- أنه نبه إلى قضية الترتيب بين الرموز حينما يذكرها مجتمعة للدلالة على مخرجي الحديث، وأن الأمر دار عنده بين طريقتين:
الأولى: أن يراعي الترتيب الزمني لوجود أصحاب الكتب.
والثانية: أن يراعى الأهمية لتلك الكتب. ثم مال إلى ترجيح الطريقة الثانية. ولذا قدم رمزي البخاري ومسلم على رمز الموطأ، لانفرادهما بشرط الصحة، وأنهما أعظم قدرًا وأكبر حجمًا.
وأما في رموز أبي داود والترمذي والنسائي فإنه لم يبال بالترتيب بينهما، فقد يقدم منها في حديث ما قد يؤخره في غيره.
قوائم رموز الكتب الحديثية.
(2) قائمة رموز
كتاب (تحفة الأشراف) للمَزِّي (742هـ)
وهو يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف، أبو الحجاج المَزِّي الدمشقي، قال في كتابه في (ج1 ص6) ما نصه:
علامة ما اتفق عليه الجماعة ... ... ... ... ع
وعلامة ما أخرجه البخاري ... ... ... ... خ
وما استشهد به تعليقًا ... ... ... ... ... خت
وعلامة ما أخرجه مسلم ... ... ... ... ... م
وعلامة ما أخرجه أبو داود ... ... ... ... د
وعلامة ما أخرجه الترمذي في الجامع ... ... ... ت
وعلامة ما أخرجه في الشمائل ... ... ... ... تم
وعلامة ما أخرجه النسائي في السنن ... ... ... س
وعلامة ما أخرجه في عمل يوم وليلة ... ... ... سي
وعلامة ما أخرجه ابن ماجة القزويني ... ... ... ق
وما زدت من الكلام في الأحاديث فعلامته ... ... ز
وما استدركته على الحافظ أبي القاسم بن عساكر فعلامته ك
انتهى كلامه.(1/10)
ويلاحظ أن قائمته هذه داخلة لتهذيب الكمال الآتي ذكرها، ما عدا الرمزين الأخيرين وهما (ز،ك) ولا يهمنا أمرهما لأنهما اصطلاح خاص بالكتاب نفسه.
ولذلك نسقط هذه القائمة فلا نذكرها في القائمة الجامعة.
(3) قائمة رموز ... ...
كتاب تهذيب الكمال للمَزِّي (742هـ)
قال في ص 149 من مقدمة كتابه ما نصه:
"جعلت لكل مصنف علامة. فإن تكرر الاسم في أكثر من مصنف واحد اقتصرت على عزوه إلى بعضها في الغالب.
فعلامة ما اتفق عليه الجماعة الستة في الكتاب الستة: ع
وعلامة ما اتفق عليه أصحاب السنن الأربعة في سننهم الأربعة: ... 4
وعلامة ما أخرجه البخاري في الصحيح: ... ... ... خ
وما استشهد به في الصحيح تعليقًا: ... ... ... ... خت
وما أخرجه في كتاب القراءة خلف الإمام: ... ... ... ز
وما أخرجه في كتاب رفع اليدين في الصلاة: ... ... ... ي
وما أخرجه في كتاب الأدب المفرد: ... ... ... ... بخ
وما أخرجه في كتاب خلق أفعال العباد: ... ... ... ... عخ
وعلامة ما أخرجه مسلم في الصحيح: ... ... ... ... م
وفي مقدمة كتابه: ... ... ... ... ... ... مق
وعلامة ما أخرجه أبو داود في كتاب السنن: ... ... ... د
وفي كتاب المراسيل: ... ... ... ... ... ... مد
وفي كتاب الرد على أهل القدر: ... ... ... ... ... قد
وفي كتاب الناسخ والمنسوخ: ... ... ... ... ... خد
وفي كتاب التفرد، وهو ما تفرد به أهل الأمصار: ... ... ف
وفي كتاب فضائل فضائل الأنصار: ... ... ... ... صد
وفي كتاب مسائله لأحمد: ... ... ... ... ... ل
وفي كتابه مسند حديث مالك بن أنس: ... ... ... ... كد
وعلامة ما أخرجه الترمذي في الجامع: ... ... ... ... ت
وفي كتاب الشمائل: ... ... ... ... ... ... تم
وعلامة ما أخرجه النسائي في كتاب السنن: ... ... ... س
وفي كتاب عمل اليوم والليلة: ... ... ... ... ... سي
وفي كتاب خصائص علي - رضي الله عنهم - : ... ... ... ... ... ص
وفي مسند علي - رضي الله عنهم - : ... ... ... ... ... ... عس
وفي مسند حديث مالك بن أنس: ... ... ... ... ... كن
وعلامة ما أخرجه ابن ماجة القزويني في كتاب السنن: ... ... ق
وفي كتاب التفسير: ... ... ... ... ... ... فق
انتهى كلامه.
وواضح أنه متابع لقائمة ابن الأثير، مع مزيد تفصيل في الكتب الأخرى التي تنسب إلى أصحابها الستة، مع إبدال اسم ابن ماجة بالموطأ.
ويلاحظ على قائمتيه:(1/11)
1- أنه استعمل رموزًا مركبة من أكثر من حرف، نحو (خت) لتعليقات البخاري في صحيحه.
2- أنه استعمل رموزًا مركبة من أكر من حرف، نحو (خت) لتعليقات البخاري في صحيحه.
3- أنه استعمل أحيانًا رمزًا واحدًا ليدل على أكثر من كتاب، نحو (ع) للجماعة، أي أصحاب الكتب الستة.
4- أنه استعمل أحيانًا رمزًا واحدًا ليدل على أكثر من كتاب، نحو (ع) للجماعة، أي أصحاب الكتب الستة.
5- أنه استعمل رمزًا رقميًا، وهو (4) ليدل على أصحاب السنن الأربعة.
ولسنا ندري هل الذي وضع القائمة هو المزي نفسه في تهذيب الكمال، أم الذي وضعها هو سلفه صاحب (الكمال في أسماء الرجال) وهو الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد بن سرور المقدسي (643هـ).
ولم نطلع على كتاب (الكمال) لنتأكد من ذلك، لكن عبارة المزي التي بدا بها قائمته توحي بأنه هو الذي بدا بذلك، عندما قال: جعلت لكل مصنف علامة.
ويلاحظ في طريقته أنه استعمل الرموز الفردية الحروف لأسماء الكتب الكبيرة المشهورة نحو (خ) لصحيح البخاري، والحروف الثنائية للكتب الأقل أهمية وشهرة بإضافة حرف سابق (عخ) لخلق أفعال العباد للبخاري، أو حرف لأحق نحو (سي) لكتاب عمل اليوم والليلة للنسائي.
وقد انتشر العمل بقائمة المزي في (تحفة الأشراف) فجرى عليها الذهبي في بعض كتبه، ومنها كتابه العظيم سير أعلام النبلاء (انظر مقدمته ص 158).
وكذا تابع العلامة ابن حجر في كتبه قائمة المزي ووافقه فيها موافقة تامة.
(4) قائمة رموز ذخائر المواريث للدلالة على موضع الحديث
لمؤلفه الشيخ عبد الغني النابلسي (1143هـ)
قال في (ج1 ص5) نشر جمعية النشر والتأليف الأزهرية 1352هـ: ورمزت للكتب السبعة بالحروف هكذا:
خ ... ... ... لصحيح البخاري
م ... ... ... لصحيح مسلم
د ... ... ... لسنن أبي داود
ت ... ... ... لسنن الترمذي
س ... ... ... لسنن النسائي
ه ... ... ... لسنن ابن ماجة
ط ... ... ... للموطأ.
انتهى كلامه.
وواضح أن تابع قائمة ابن الأثير دون تعديل ما عدا إضافة رمز (هـ) لابن ماجة.(1/12)
ولذلك فلن تظهر قائمته هذه في القائمة الجامعية.
(5) قائمة رموز
الجامع الصغير للسيوطي.
وهو عبد الرحمن بن أبي بكر جلال الدين السيوطي الشافعي (911هـ)
قال في مقدمة كتابه الجامع الصغير (ص3) ما نصه:
وهذه رموز:
خ ... ... للبخاري
م ... ... لمسلم
ق ... ... لهما
د ... ... لأبي داود
ت ... ... للترمذي
ن ... ... للنسائي
هـ ... ... لابن ماجة
4 ... ... لهؤلاء الأربع (يعني أصحاب السنن وهم د.ت.ن.هـ)
3 ... ... لهم إلا ابن ماجة (يعني د.ت.ن)
حم ... ... لأحمد في مسنده
عم ... لابنه عبد الله في مسنده (كذا ولعله يعني زوائد مسند أبيه)
ك ... للحاكم فإن كان في مستدركه أطلقت، وإلا بينته.
خد ... للبخاري في (الأدب المفرد).
تخ ... له في التاريخ
حب ... لابن حبان في صحيحه
طب ... للطبراني في الكبير
طس ... له في الأوسط
طص ... له في الصغير
ص ... لسعيد بن منصور في سننه
ش ... لابن أبي شيبة
عب ... لعبد الرزاق في الجامع (المصنف)
ع ... لأبي يعلى في مسنده
قط ... للدارقطني، فإن كان في السنن أطلقت، والإ بينته
فر ... للديلمي في مسند الفردوس
حل ... لأبي نعيم في الحلية
هب ... للبيهقي في شعب الإيمان
هق ... له في السنن
عد ... لابن عدي في الكامل
عق ... للعقيلي في الضعفاء
خط ... للخطيب (البغدادي) فإن كان في التاريخ أطلقت والإ بينته
انتهى كلامه.
(6) وقائمته لكتابه (جمع الجوامع)
شملت لرموز الجامع الصغير كلها ونقضت منها (هق) وأضافت إليها ما يلي:
ض ... للضياء في المختارة.
ط ... لأبي داود الطيالسي
ق ... للبيهقي (خلافًا لما صنعه في الجامع الصغير) قال: فإن كان في السنن أطلقته، والإبينته.
كسر ... لابن عساكر
ملاحظات على قائمتي السيوطي(1/13)
1- أن السيوطي رحمه الله لم يضع رموزًا لجميع أصحاب الكتب المسندة التي أدخلها في كتابه أو كتبه. ومن يطالع كتابه (أو كتبه) يجده يصرح بأسماء بعض المؤلفين عند تخريجه للحديث تصريحًا من غير رمز، ومن ذلك موطأ مالك، فإنه إذا ذكر حديثًا منه يعقب الحديث باسم مالك بين قوسين هكذا: (مالك)، كذالك فعل في "الجامع الصغير" باسم (ابن أبي الدنيا) و(البزار) و(ابن عساكر) و(الحكيم) و(ابن منده) و (الخرائطي) وغيرهم.
وبتتبع كتبه نجده يصرح أحيانًا باسم المؤلف الذي له رمز، نحو: الديملي صاحب مسند الفردوس: فأحيانًا يقول: (الديلمي) وأحيانًا يقول (فر) وهذا في (جمع الجوامع)، ونحو: الخطيب، وابن عساكر، وغيرهما.
ولعله أن يكون ذهل أحيانًا عن الرمز، أو أنه وضع بعض الرموز في وقت لاحق لبدء العمل، أو أن الذهول من غيره.
2- أن رمز (ق) عنده في الجامع الصغير هو للمتفق عليه، أي الذي رواه البخاري ومسلم.
وأما (ق) في جمع الجوامع فهي للبيهقي. ومن هنا يقع خلط كبير في ذلك ممن لم يطلع على هذا. وقد نبه صاحب "كنز العمال" في مقدمته (1/13، طبع حلب) على هذا، وكان الأولى به أن يستدركه في كتابه باعتماد وجه واحد، وهو (هق) للبيهقي، و(ق) للمتفق عليه، لأنه لما جمع في "كنز العمال" بين "الجامع الصغير" وبين "جمع الجوامع" فلا يصلح أن يبقى رمزًا واحدًا في كتاب واحد، مع دلالته على شيئين مختلفين كل الاختلاف.
3- أن السيوطي رحمه الله يستعمل في جمع الجوامع رموزًا أخرى لم يذكرها في مقدمة كتابه. وهو رمز (بز) و(ز) كما في الملاحظة التالية.(1/14)
4- أنه استعمل (بز) و (ز) دون بيان لمراده بهما، وقد تنبه إلى ذلك ونبه إليه صاحب "منتخب كنز العمال" المطبوع بهامش مسند الإمام أحمد (1/9) حيث قال: "اعلم أن المؤلف – يعني السيوطي رحمه الله – ذكر في كتابه رمز (بز) وربما كتب (ز) وما نبه عليه في الخطبة، فلعله سهو منه أو من الكاتب، فلعل محله بعد رمز الخطيب وصورته هذه (يعني: ز) ولأبي حامد يحيى بن بلال البزار (بز) فافهم "أ.هـ.
فكأنه يعني أن رمز (ز) للبزاز الذي هو أبو بكر
ورمز (بز) للبزار الآخر الذي هو يحيى بن بلال البزار
5- إن رموزه عامة مأخوذة من أسماء المصنفين، نحو (خ، م، د، حم، حب) أو من اسم المصنف مع اسم كتابه، نحو: (خد) للأدب المفرد للبخاري، و(طس) للمعجم الأوسط للطبراني ولم يأخذ الرمز من اسم الكتاب وحده إلا (حل) رمز الحلية لأبي نعيم.
أما (ك) عنده فهي من شهرة المؤلف (الحاكم) غالبًا، وليست من اسم كتابه.
6- أن السيوطي اطلع على قائمة المزي، بدليل أنه وافقه في رمز (4) وأنه يدل على الكتب الأربعة (السنن).
فتعديلات السيوطي التي أدخلها على قائمة المزي تعديلات قصد بها المغايرة، لمزيد الضبط والاتقان.
7- أنه لمزيد التوثيق ينص في قائمته على اسم صاحب الكتاب المرموز إليه، وعلى اسم الكتاب نفسه. وهذا أمر أغفله المناوي كما يأتي، فإنه اكتفى بالنص على اسم صاحب الكتاب، ولم يذكر الكتاب، فجاء الإشتباه في بعض الرموز من حيث أن المصنف قد يكون له أكثر من كتاب.
(7) قائمة رموز كتاب
الجامع الأزهر من حديث النبي الأنور
لمؤلفه الحافظ المناوي (952 – 1031هـ)
وهو عبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي الحداد المناوي نسبة إلى (منى أو المنية) من قرى مصر، صاحب فيض القدير.
قال في مقدمته : وهذه رموزه:
حم ... للإمام أحمد بن حنبل
عم ... لابنه في الزوائد (أي لعبد الله بن الإمام أحمد في زوائده على المسند)
طك ... للطبراني في الكبير (أي الجامع الكبير)(1/15)
طس ... له (أي للطبراني) في الأوسط (أي الجامع الأوسط)
طص ... له في الصغير (أي الجامع الصغير له)
طكس ... له في الكبير والصغير والأوسط (كذا في المخطوطة، وصوابه: في الكبير والأوسط)
طكص ... له في الكبير والصغير
طكسص ... له في الثلاثة
بز ... للبزار
ع ... لأبي يعلى
ك ... للحاكم
(هذا ما ورد في مقدمة المخطوطة. ويظهر أن الناسخ أسقط ما يلي:
طسص ... له (أي للطبراني في الأوسط والصغير)
وإنما لم يذكر في قائمته رموز سائر الكتب لأنه لم يأخذ أحاديثه إلا من هذه الكتب المذكورة في القائمة.
ولذا فلن تظهر هذه القائمة ضمن القائمة الجامعة.
(7) قائمة رموز
كنز الحقائق في حديث خير الخلائق
للمناوي (952 – 1031هـ)
قال: وهذه رموز مخرجية:
خ ... للبخاري في صحيحه
م ... لمسلم
ق ... لهما (للبخاري ومسلم)
د ... لأبي داود
ت ... للترمذي
ن ... للنسائي
هـ ... لابن ماجة
4 ... لهؤلاء الأربعة (د. ت. ن. هـ)
3 ... لهم إلا ابن ماجه (يعني د. ت. ن)
حم ... للإمام أحمد في مسنده
ما ... للإمام مالك في الموطأ
عم ... لـ (عبد الله) بن الإمام أحمد
ك ... للحاكم
خد ... للبخاري في (الأدب المفرد)
تخ ... له في التاريخ
حب ... لابن حبان في صحيحه
ضا ... للضياء المقدسي في المختارة
ط ... للطبراني
بز ... للبزار
عب ... لعبد الرزاق
ش ... لابن أبي شيبة
ع ... لأبي يعلى الموصلي
قط ... للدارقطني (في سننه)
فر ... للديلمي (في مسند الفردوس)
حل ... لأبي نعيم (في الحلية)
هق ... للبيهقي
عد ... لابن عدي في (الكامل)
عق ... للعقيلي
خط ... للخطيب البغدادي
كر ... لابن عساكر
قا ... لابن قانع
ن ... للقضاعي
سع ... لابن سعد في الطبقات
خر ... للخرائطي
طيا ... للطيالسي أبي داود
حك ... للحكيم الترمذي في النوادر
نجا ... لابن النجار
حا ... للحارث في مسنده
عبد ... لعبد بن حميد
يا ... لابن أبي الدنيا القرشي
سن ... لابن السني
شير ... للشيرازي
يه ... لابن مردويه
نيع ... لابن منيع
غز ... للغزلي (؟) (كذا في المطبوع ولعله الغزالي أن كان له كتاب مسند)
ضر ... لابن الضُّرَيْس
انتهى كلامه.
ويلاحظ على قائمته ما يلي:
1- أنها أطول قائمة ظهرت حتى أواخر القرن الرابع عشر الهجري.(1/16)
2- اشتملت على قائمة الجامع الصغير للسيوطي وزادت عليها:
(ما) لمالك، بالإضافة إلى 016) رمزًا التي هي في ذيل القائمة.
ونقصت عنها: رموز الطبراني كلها، ورمز سعيد بن منصور، و(هب) لشعب الإيمان للبيهقي.
وأما التغير بالتبديل فلم يبدل من رموز الجامع الصغير شيئًا، وأما رموز جمع الجوامع فقد استخدم رمز: (طيا) بدل (ط)، و(ضيا) بدل (ض)، (هق) بدل (ق).
ولعله قصد بهذه التغيرات مزيدًا من الوضوح والبعد عن الاشتباه، كأن تشتبه (ض)بـ (ص) التي هي لسنن سعيد بن منصور.
3- أن فيها خمسة رموز ثلاثية الحروف.
4- وانظر الملاحظة رقم (7) على قائمة السيوطي.
(9) قائمة رموز
مفتاح كنوز السنة.
للمستشرق (أ.ي. فنسنك)
أخذت من الترجمة العربية لمحمد فؤاد عبد الباقي ونشرت عام 1353هـ
بخ ... صحيح البخاري
مس ... صحيح مسلم
بد ... سنن أبي داود
تر ... سنن الترمذي
نس ... سنن النسائي
مج ... سنن ابن ماجه
ما ... موطأ مالك
ز ... مسند زيد بن علي
عد ... طبقات ابن سعد
حم ... مسند أحمد
ط ... مسند الطيالسي
هش ... سيرة ابن هشام
قد ... مغازى الواقدي
ك ... كتاب
ب ... باب
ح ... حديث
ج ... جزء
ق ... قسم
قا ... قابل بما بعدها
ونلاحظ على هذه القائمة ما يلي:
1- إن المستشرق صاحب الكتاب لم يلتزم بأي منهج سابق له في الزمن.
2- إنه مال إلى الرموز الثنائية الحروف (ما عدا رمزي: ز، ط).
3- إنه أخذ رموزه من أسماء المؤلفين خاصة ولم يأخذ من أسماء الكتب شيئًا.
4- إنه أخذ في رموزه من شهرة المؤلف دون سائر الأسماء التي هي أقل شهرة.
5- إنه أخذ الرمز من الحرف الأول، أو الأول مع الثاني، ما عدا (عد ) لابن سعد. فهل استهجن (سع) حتى عدل عن قاعدته؟
(10) قائمة المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي
لعدد من المستشرقين بإشراف فنسنك ومنسنج
(ابتدأ ظهور المعجم سنة 1936م وظهر المجلد السابع منتهيًا بحرف الياء سنة 1969م)
وهذه قائمة رموزه:
خ ... يعني البخاري
م ... يعني مسلم بن الحجاج
د ... يعني أبا داود
ت ... يعني الترمذي
ن ... يعني الترمذي(1/17)
ق ... يعني ابن ماجه (في أوائل الجزء الأول، ثم أبدلوه برمز (جة) إلى نهاية المعجم)
دي ... يعني الدارمي
ط ... يعني الموطأ
حل ... يعني أحمد بن حنبل (في أوائل الجزء الأول. ثم أبدلوه برمز (حم) إلى نهاية المعجم)
انتهت القائمة.
وقد لوحظ أنهم وضعوا قائمة الرموز مفسرة في أسفل كل صفحتين متقابلتين من أول المعجم إلى آخره وهذا سبق يذكر لهم الفضل فيه.
وقد لوحظ أنهم وضعوا خطًا أفقيًا فوق كل رمز، وحافظوا على ذلك من أول المعجم إلى آخره.
وأن رمز (دي) هو الرمز الوحيد المكون من حرفين منفصلين ظهر هكذا في قوائم رموز كتب الحديث في جميع القوائم المشهورة التي أوردناها في هذا البحث.
ولا أظن أحدًا غيرهم فعل شيئًا مثل ذلك من هذه الأمور الثلاثة.
وأنا أرى بأن هذا الخط المعترض لم يكن له فائدة تذكر لو أنهم استعملوا للدرامي حرفًا واحدًا نحو (ي) أو حرفين متصلين نحو (مي).
وقد يقال أن للخط المذكور مزية الوضوح الكامل للرمز لئلا يختلط الرمز بشي من الكلام قبله أو بعده، وهو احتمال بعيد.
الرموز في الكتب المعاصرة.
ظهرت قوائم لرموز كتب الحديث في كتب الحديث المعجمة في السنوات الأخيرة نضرب عن ذكرها، لأنها لم تختص الكتب الحديثة المسندة، بل أدخلت في الترميز الكتب المجمعة (1)، وذلك نحو ما فعله السيد/ أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول في كتابه (موسوعة أطراف الحديث النبوي) وسوف نعرض عن قائمته لأنها ليست خاصة بالكتب المسندة. ونحو ما صنعه الدكتور عبد الملك بكر قاضي.
__________
(1) هناك قائمة عملها الشيخ عبد الرحمن الساعاتي درج عليها في كتابه الفتح الرباني شرح مسند الإمام أحمد وفيها 24 رمزًا وفيها مخالفات لما صنفه السيوطي، منها (مذ) للترمذي وعل) لأبي يعلى و (لك) لمالك و (فع) للشافعي.(1/18)
ونقوم بإيراد قائمة الدكتور عبد الملك بكر قاضي التي أصدرها مؤخرًا ضمن موسوعته الحديثية، في جزء (أحاديث الصيام) الذي ظهر سنة 1407هـ، وهي مشتملة على 76 رمزًا. وكان قد استعمل رموزًا في الجزء الذي صدر قبل ذلك، إلا أنها أقل من ذلك بكثير، فإن مراجعه لم تزد هناك عن (25) كتابًا لها (25) رمزًا.
وسوف نذكر قائمته ضمن جامعة قوائم الرموز.
وسوف تظهر رموزها مرتبة كترتيبه هو، لأنه رتبها بالترتيب التاريخي، الذي سنعتمده.
ويلاحظ على قائمة ما يلي:
1- أنه رتب قائمته بحسب سني وفاة أصحابها، وهذه خطوة تميز بها عن السابقين لم يسبقه إليها أحد فيما نعلم.
2- أنه بدل بعض رموز السيوطي دون ما داع بين، ومن ذلك رمز سنن سعيد بن منصور: "طس" ولعله يريد (طس)، فإن السيوطي استعمل (ص)، و(خط) للخطابي بدل (خط) للخطيب البغدادي، و(يعد) لأبي يعلى بدل (ع).
3- أنه أكثر من الرموز حتى جعل لبعض الأجزاء الحديثية رموزًا، وهذا شيء يطول، فإن إعطاء كل كتاب رمزًا حتى الكتب الصغار القليلة الورود يعود على منافع الترميز بالإبطال، فإن الرموز تكثر ويصبح تذكرها أمرًا عسيرًا، وخاصة وأن الكتب الصغيرة لن يتكرر إسمها في الموسوعة كثيرًا، فيحتاج القارئ أن يكثر من الكشف عن مدلول تلك الرموز، فتفوت مصلحة التخفيف والوضوح.
ولعل هذا هو الذي دعا الدكتور عبد الملك قاضي أن يترك استعمال الرموز بالكلية في آخر جزء صدر عن موسوعته وهو جزء (أحاديث الحرمين الشريفين والأقصى المبارك) صدر 1408هـ.
تلخيص للعناصر المؤثرة في اختيار الرموز
والمبادئ التي نأخذ بها تجاه كل عنصر.
1- أن يتكون الرمز من حرف واحد أو حرفين فقط لا أكثر. وإنما اخترنا ذلك لأن الكلمة العربية في الغالب تتكون من ثلاثة أحرف فأكثر. فما كان من حرف أو حرفين علم أنه رمز، وأما ما كان من ثلاثة حروف فقد يظن أنه كلمة ذات مدلول غير رمزي. وأيضًا بالحروف الكثيرة يفوت بعض مقصود الإختصار.(1/19)
2- أن لا تستعمل الرموز الرقمية نحو (5) و (4) و (3) حذرا من الإشتباه. لأن الأرقام كثر استعمالها في الوقت الحاضر، عصر الكومبيوتر والطباعة بدرجة كبيرة، بخلاف القدماء فلم يكن في كتاباتهم الأرقام إلا نادرًا جدًا. وأيضًا فإن الموسوعة سوف تشتمل على ترقيمات للأحاديث، فيحصل باستخدام الرموز الرقمية الإشتباه.
3- أن لا تستعمل الرموز التجميعية، نحو (ق) للبخاري ومسلم، ونحو (ع) للجماعة، أي الكتب الستة. بل تستعمل الرموز الإفرادية بعضها بعد بعض على طريقة ابن الأثير.
4- أن تختار الرموز الفردية للكتب الكبيرة الكثيرة الأحاديث لأنها يحتاج إليها كثيرًا فتكون الفائدة من ترميزها بالحروف المفردة كبيرة. فينبغي قدر الإمكان أن تكون الرموز الثنائية للكتب التي هي أقل شهرة وحجمًا، والرموز الفردية للكتب الكبيرة.
5- لا داعي لاستعمال الرموز أصلاً بالنسبة للكتب الصغيرة النادرة الورود، لأنها لقلة ورود ذكرها في الموسوعة لا يتذكر القارئ المراد بها، فيضطر للمراجعة في مكان آخر. وفي ذلك إرهاق له، فيعود الترميز بالمشقة على القارئ بدلاً من أن يعود عليه بالتخفيف.
6- أن يكون الرمز الثنائي من حرفين متصلين نحو (طب)، ولا يصلح أن يكون أولهما حرفصا انفصالياً نحو (دي) إذ يشتبه أمره حينئذ، فيظن أنه رمزان لكتابين: أحدهما (د)، والثاني (ي). ويفضل في ثاني الحرفين أن يكون له صورتان أحدهما مما يتصل بما بعده، نحو (طب)، بخلاف (طر) فإن النوع الأول إن جاء بعده حرف آخر علم أنهما رمزان نحو (طب ق)، بخلاف الثاني فقد يظن أنهما كلمة واحدة نحو (طرق).
7- أن تستعمل طريقة السيوطي في أن الرمز المطلق (المجرد) يكون للكتاب الرئيسي للمؤلف، أما أن يريد العزو إلى كتاب آخر للمؤلف نفسه فينص عليه، فيقال مثلاً: (ن) في خصائص علي، و(خ) في خلق أفعال العباد. وهذه الطريقة حافظ عليها السيوطي إلا فيما ندر.(1/20)
8- أن يحافظ على رموز السيوطي في الجامع الصغير على الصورة التي استعملها السيوطي، لوجوه منها: كثرة انتشار هذا الكتاب وتعارف العلماء لرموزه. ومنها أن رموزه تتمثل فيها المبادئ النموذجية التي ذكرناها أعلاه في الأغلب. على أنه يمكن تجاوزها أحيانًا على ما هو أحسن.
9- أن لا يكون الرمز مستهجنًا.
10- أن يحافظ في القائمة على الترتيب الزمني، حيث أريد بيانًا للفائدة العلمية. أما في الموضع الذي يرجع إليه قارئ الموسوعة للكشف عن معنى الرمز فينبغي أن تكون القائمة مرتبة هجائيًا بحسب الرمز، ليسهل الكشف.
11- توضع قائمة للرموز مرتبة هجائيًا في أول الموسوعة الحديثية، وكذا في أول كل جزء من أجزائها، ويفضل أن تكون الورقة المحتوية على القائمة ذات لون مخالف للون أوراق الموسوعة، ليكفل ذلك سهولة الرجوع إليها. وهذه الطريقة أكثر اقتصادًا من طريقة (المعجم المفهرس لألفاظ الحديث) من جعل القائمة في أسفل كل صفحة من صفحات الكتاب، وخاصة وأن قائمة الموسوعة أكبر أضعافًا، ووضعها في ذيل الصفحات يفقدها القيمة الاقتصادية للرموز.
القائمة الجامعة
جامع الأصول لابن الأثير ... تهذيب الكمال للمزي ... الجامع الصغير للسيوطي ... الجامع الكبير للسيوطي ... كنز الحقائق للمناوي ... مفتاح كنوز السنة ... المعجم المفهرس ... موسوعة عبد الملك قاضي ... قائمة مختارة محمد الأشقر
للحديث
همام بن منبه (132هـ) صحيفة همام ... هـ ... هم
أبو حنيفة (150هـ) المسند ... حف ... حف
ابن إسحاق (151هـ) السيرة النبوية ... هش ... حق
مالك (179هـ) الموطأ ... ط ... ما ... ما ... ط ... ط ... ما
ابن المبارك (181هـ) الجهاد ... عج
الزهد ... عز
ركيع (197هـ) الزهد ... كز
جزء ... كج
عبد الله بن وهب (197هـ) القدر ... قد
يحيى بن آدم (203هـ) الخراج ... مر
الطيالسي (204هـ) المسند ... ط ... طيا ... ط ... طد ... طي
الشافعي (204هـ) المسند ... شد ... شف
السنن ... شس
الواقدي (207هـ المغازي ... قد
عبد الرزاق (211هـ) المصنف ... عب ... عب ... عب ... عب ... عب
الحميدي (219هـ) المسند ... حد ... حد
القاسم بن سلام (224هـ) الأموال ... سم(1/21)
ابن سعد (225هـ) الطبقات ... سع ... عد ... سع
سعيد بن منصور (227هـ) السنن ... ص ... ص ... صس ... ص
زهير بن حرب (234هـ) العلم ... هل
أبن أبي شيبة (235هـ) المصنف ... ش ... ش ... ش ... شص ... ش
الإيمان ... شن
أحمد (241هـ) المسند ... حم ... حم ... حم ... حم ... حم (حل) ... حم ... حم
الأشربة ... حش
الزهد ... حز
هناد (243هـ) الزهد ... هز
العدني (243هـ) الإيمان ... عن
ابن منيع (244هـ) المسند ... نيع
الأزرقي (247هـ) أخبار مكة ... قي
عبد بن حميد (249هـ) المنتخب ... عبد ... عبد
ابن زنجويه (251هـ) الأموال ... حميد
الدارمي (255هـ) السنن ... دي ... مي ... مي
البخاري (256هـ) الجامع الصحيح ... خ ... خخ ... خ ... خ ... خ ... بخ ... خَ ... خ ... خ
معلقات الصحيح ... خت
التأريخ الكبير ... تخ ... تخ ... تخ
القراءة خلف الإمام ... ز
خلق أفعال العباد ... عخ
الأدب المفرد ... بخ ... خد ... خد ... خد ... بخ
رفع اليدين ... ي
ابن عرفة (257هـ) جزء ... عف
الزعفراني (259هـ) مسند بلال ... عفر
مسلم (261هـ الجامع الصحيح ... م ... م ... م ... م ... م ... مس ... مَ ... م ... م
ابن ماجة (273هـ ) السنن ... ق ... مج ... جَه (ق) ... جه ... جه
التفسير ... فق
أبو أميه (273هـ) مسند ابن عمر ... مية
أبو داود (275هـ) السنن ... د ... د ... د ... د ... د ... بد ... دَ ... د ... د
المراسيل ... مد
الرد على أهل القدر ... قد
الناسخ والمنسوخ ... خد
التفرد ... ف
فضائل الأنصار ... ضد
مسائل أحمد ... ل
حديث مالك ... كد
الترمذي ... ت ... ت ... ت ... ت ... ت ... تر ... تَ ... ت ... ت
( 279هـ)
السنن
الشمال ... تم ... تم
ابن أبي الدنيا (281هـ) ... يا
الشكر ... نش
محاسبة النفس ... نفس
الحارث (282هـ) المسند ... حا ... حا
أحمد بن عمرو (287هـ) السنة ... عمس
الزهد ... عمز
الأوائل ... عمو
الديات ... عمد
عبدالله بن أحمد (290هـ) زيادات المسند ... عم ... عم ... عم ... بز ... بز
السنة ... عس
البزار (292هـ) المسند ... بز (ز) ... بز ... بز ... بز
الإسنوي (292هـ) مسند أبي بكر ... مك
ابن الضريس (294هـ) فضائل القرآن ... ضر
الفريابي (301هـ) دلائل النبرة ... فد
صفة النفاق ... فص
النسائي (303هـ) السنن ... س ... س ... ن ... ن ... ن ... نس ... نَ ... ن ... ن
عمل اليوم والليلة ... سي ... نل
خصائص علي ... ص
مسند علي ... عس
حديث مالك ... كن
أبو يعلى (307هـ) المسند ... ع ... ع ... ع ... يعد ... ع
المفاريد ... يعف
ابن الجارود (307هـ) المنتقى ... جا ... جا
تهذيب الآثار ... جر
صريح السنة ... طص
التأريخ
التفسير(1/22)
ابن خزيمة (311هـ) الصحيح ... خز ... خز
التوحيد
الباغندي (312هـ) مسند عمر بن عبد العزيز ... با
أبو عوانة (316هـ) المسند ... عو ... عن
أبن أبي داود (316هـ) مسند عائشة ... سلد
الحكيم الترمذي (320هـ) نوادر الأصول ... جك
الطحاوي (321هـ) شرح معاني الآثار ... طح
العقيلي (322هـ) الضعفاء ... عق ... عق ... عق ... عق
الخرائطي (327هـ) ... خر
مكارم الأخلاق ... خر ... ئط
ابن قانع (351هـ) معجم الصحابة ... قا
دعلج (351هـ) المنتقى ... علت
ابن حبان (354هـ) الصحيح ... حب ... حب ... حب ... حب ... حب
الطبراني (360هـ) المعجم الكبير ... طب ... طب ... ط ... طب ... طب
المعجم الأوسط ... طس ... طس ... طس
المعجم الصغير ... طص ... طص ... طص ... طص
الأوائل ... طل
الأجري (360هـ) أخلاق أهل القرآن ... جخ
التصديق بالنظر ... جت
الشريعة
ابن السني (364هـ) عمل اليوم والليلة ... سن ... سني
القناعة ... سنق
ابن عدي (365هـ) الكامل ... عد ... عد ... عد ... عد
أبو الطاهر (367هـ) حديثة ... طا
أبو الشيخ (369هـ) أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم -
أبو أحمد (378هـ) شعار أصحاب الحديث ... حك ... حك
الدارقطني (385هـ) السنن ... قط ... قط ... قط ... قط ... قط
الخطابي (388هـ) العزلة ... خط
معرفة السنة ... خب
ابن أبي شريح (392هـ) جزء ... شز
الحاكم (405هـ) المستدرك ... ك ... ك ... ك ... ك ... ك
الشيرازي (407هـ) ألقاب الرواة ... شير
ابن مردويه (410هـ) المسند ... يه ... يه
أبو نعيم (430هـ) الحلية ... حل ... حل ... حل ... حل
القضاعي (454) هـ) مسند الشهاب ... ن
البيهقي (454هـ) السنن الكبرى ... هق ... ق ... هق ... هق ... هق
شعب الإيمان ... هب ... هب ... هب
القراءة خلف الإمام ... هر
الخطيب (463هـ) تأريخ بغداد ... خط ... خط ... خط ... خط
ابن عبد البر (463هـ) جامع بيان العلم
التمهيد
الديلمي (509هـ) مسند الفردوس ... فر ... فر ... فر ... فر
ابن عساكر (571هـ) الأربعود في الجهاد ... عسا
تأريخ دمشق ... كر ... كر ... كر
الضياء (643هـ) المختارة ... ض ... ضا ... ضي
ابن النجار (642هـ) المسند ... نجا
تأريخ بغداد
الغزلي (؟) ... غز
[(1/23)
سلسلة بحوث وتحقيقات مختارة من مجلة الحكمة (18)
تشبيه الخسيس بأهل الخميس
تأليف الشيخ العلامة الحافظ شمْس الدِّين أبو عَبْد الله محمد بن أحْمَد
بِنْ عُثمان الذهبي المتوفى 847هـ
علق عليها وخرَّج أحاديثها
مشهور حسن سلمان
قام بنشره
أبو مهند النجدي
Almodhe1405@hotmail.com
almodhe@yahoo.com
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، وعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
فهذه رسالة ماتعة للحافظ الإمام الذهبي –رحمه الله تعالى- حذر فيها من التشبيه بالنصارى، ولا سيما في أعيادهم. وذلك لما رأى عوام المسلمين يضارعون الكافرين ويتبعون سننهم فيها، فكتب هذه الرسالة محذِّرًا إياهم مما هم فيه، مبينًا لهم واجبهم الإيجابي، ولا سيما الآباء والمربين منهم.
واعلم –أخي القارئ- أن الأعياد «من الشرائع والعبادات، وهي توقيفية»، فلا يجوز لأحد من الناس أن يضع للأمة عيدًا مهما كانت مناسبته، فإن هذا من التشريع بغير ما شرعه الله، مثله مثل إلغاء عيد من الأعياد التي شرعها الله عز وجل، ولذلك منع رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل المدينة من إحياء بعض أعيادهم، وأيامهم القديمة.
أخرج أبو داود في «سننه» (1134) وغيره بسند صحيح على شرط مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، ولهم يومان يلعبون فيها، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله أبدلكم خيرًا منهما يوم الأضحى ويوم الفطر).(1/1)
وكان عمر بن الخطاب يقول –فيما أخرج البيهقي في «الكبرى» (9/234)- «اجتنبوا أعداء الله في أعيادهم».ويدخل في الأعيادبة تأخذ اهتمامًا من المسلمين في زمن دوري، كأن يكون كل شهر أو كل سنة، أو كل أسبوع، أو غير ذلك؛ بحيث تكون هذه المناسبة تلتزم بها الأمة في زمن معين، وعلى هيئة معينة، فإنها تكون عيدًا، ومن ذلك: الأعياد الوطنية، وأعياد الفصول، وأعياد الانتصارات والفتوحات، وأعياد العروش، وأعياد رأس السنة (1).
ومن بين ذلك الأعياد الخاصة بالنصارى. وهو الموضوع الذي عالجه المصنف في رسالته هذه.
وصف النسختين المعتمدتين في التحقيق
اعتمدتُ في تحقيق هذه الرسالة على نسختين خطيتين:
الأولى: من محفوظات المكتبة الظاهرية. وهي في مجموع رقم 4669، وكتب هذا المجموع سنة (878هـ)، ويحتوي على الرسائل التالية:
- التشبيه الخسيس بأهل الخميس / (رسالتنا هذه)
- الكبائر / للمصنف
- رسالة للسخاوي في حديث «لحوم البقر داء وفي سمنها ولبنها دواء».
- رسالة لتقي الدين السبكي بعنوان «النَّور في الدَّور».
وخط هذا المطبوع نسخ مقروء، وفي كل صفحة (19) سطرًا.
وأطلقت على هذه النسخة: نسخة (أ).
الثانية: من محفوضات دار الكتب المصرية، وهي في خمس ورقات، ومنسوخة في نحو القرن العاشر، وهي في مجموع فيه نيف وثلاثون رسالة، ورسالتنا هذه أوله، وفي هذه النسخة تصحيف شنيع في بعض المواطن.
وأطلقت على هذه النسخة: نسخة (ب).
__________
(1) انظر رسالة «من تشبه بقوم فهو منهم» (46- 48) ورسالة «لا تشاركوا النصارى في أعيادهم» للشيخ ناصر الغامدي، وكتاب شيخ الإسلام النافع «اقتضاء الصراط المستقيم» ففيه تقعيد وتأصيل لبدعة الأعياد. و «الإيضاح والتبيين» للشيخ حمود التويجري –رحمه الله تعالى-(1/2)
وقد طبع أخونا الفاضل علي حسن عبد الحميد هذه الرسالة معتمدًا على النسخة الثانية فقط، ولما علمتُ بعمله أرسلت له النسخة الأولى، وهي أضبط وأحسن من الثانية؛ قليلة التصحيف، وفيها زيادة على الثانية كلمات أحيانًا، وجملًا أحيانًا أخرى، ولكنه لم يتيسر له الاستفادة منها، فذكر في (ص12 –الهامش2) ما نصُّه:
«ثم وقفت –بعد الفراغ من تحقيق الرساله وتنضيدها وتهيئتها للطبع- على نسخة أخرى منها من محفوظات ظاهرية دمشق، وبينهما فروق عدة، وسأقابلها عليها –إن شاء الله- في الطبعة الثانية بحول الله وطوله»انتهى.
وكان ذلك قبل نحو ست سنوات، إذ طبعت الرسالة عن دار نعمان سنة 1408 هـ، ونفدت، فلم يقف عليها كثير من طلبة العلم من جهة، ومن وقف عليها واملها وجد أن خللًا وقع في نصها. ولذا شرح الله صدري لتحقيق هذه الرسالة، والله الموفق والهادي.
نسبة الرسالة لمؤلفها وتحقيق اسمها
نسب هذه الرسالة للذهبي إسماعيل باشا البغدادي في «إيضاح المكنون» (1/289) و«هدية العارفين» (2/154)، وعنه بشار عواد في كتابه «الذهبي ومنهجه في كتابة تاريخ الإسلام» (152).
وهي رسالة صغيرة لم يعتن بها مترجمو الذهبي، ولذا لم يذكروها في (ثبت) مؤلفاته، والرسالة للذهبي على وجه اليقين، فاسمه على طرتها في النختين الخطيتين المعتمدتين في التحقيق، ونفسه فيها ظاهر جليٌ.
وسماها البغدادي –وتبعه الدكتور بسار-: «تشبيه الخسيس بأهل الخميس»، وهي كذلك في النسختين الخطيتين.
عملي في التحقيق
قمت بالمقابلة بين النسختين، وأثبت الفروق في الهامش، وحاولت استخلاص الصواب في المتن، واجتهدت في إثباته تامًا كاملًا من النسختين معًا، وشرحت الألفاظ الغريبة، وذكرت تعليقات لبعض العلماء في المسألة نفسها، وخرجتُ الأحاديث والآثار. فعزوتها لمظانها من دواوين السنة، وحكمت عليها، وفقًا للقواعد المقررة في علو المصطلح.(1/3)
وأخيرًا ... الله تعالى أسأل، وبأسمائه وصفاته أتوسل، أن يرزقنا العلم النافع، والعمل الصالح، وأن يرزقنا فهمًا في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
تشبيه الخسيس بأهل الخميس
تأليف
الشيخ الإمام العلامة الحافظ شمس الدين أبو عبد الله
محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي
(ت847 هـ)
[بسم الله الرحمن الرحيم]
الحمد لله الذي منَّ علينا بالإسلام، وبصرَّنا من الغي (1)، وهدانا من الضلال، ووفقنا لاتباع الملة الحنفية.
وصلى الله على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وإمامًا للمتقين، وشافعًا (2) للمذنبين، ومحذرًا من التشبه باليهود والنصارى والصابئين (3)، وداعيًا إلى الله بصيرة، بأوضح تبيين.
وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الأسف من العوام (4) الجاهلين اضمحلالُ كثير مما (5) كان عليه السلف من الصالحين، ومن تمسكهم بالصراط المستقيم، ومجانبتهم للبدع، وشعار أهل الجحيم، وقيام جهله الخَلفِ بموافقة كل ضال أثيم.
فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، إذ وقع ما هددنا بوجوده (6)
__________
(1) في نسخة (ب): «العمى».
(2) أي شفيعًا لهم. كما جاءت بذلك الأحاديث المستفيضة الشهيرة.
(3) هم قوم يعبدون الملائكة والنجوم. انظر: «تفسير ابن كثير»: 1/104.
(4) في نسخة (ب): «الأعوام»!!
(5) في نسخة (ب): «اضمحلالًا كثيرًا، فيما ...».
(6) كذا في نسخة (ب), وفي نسخة (أ): «بجودة» وفي الهامش: «لعله بوجوده».(1/4)
الرسول الكريم: حيث يقول: «لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القُذَّة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه»، قيل: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟! قال: [«فمن»؟!] (1) أي فمن أعْني غيرهم!
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم) (2). [قلت: رواه أبو داود من حديث ابن عمر] (3).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اليهود مغضوبّ عليهم, والنصارى ضالون) (4).
__________
(1) ما بين المعقوفتين سقط في نسخة (أ)؛ والحديث أخرجه البخاري في «صحيحه»: كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سنن من كان قبلكم): 13/300، ومسلم في «صحيحه»: كتاب العلم. باب اتباع سنن الهود والنصارى: 4/2054، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(2) أخرجه أحمد في «المسند»: 2/50، 92، وأبو داود في «السنن»: كتاب اللباس: باب في لبس الشهرة: 4/44، رقم 4031، والطحاوي في «مشكل الآثار»: 1/88، وابن الأعرابي في المعجم: «110/2»، والهروي في «ذم الكلام» 54/2، وابن عساكر في «تاريخ دمشق»: 19/69/1 والقضاعي في «مسند الشهاب»: 1/244، رقم: 390. وهو صحيح. صححه الزيلعي في «نصب الراية»: 4/347، والعراقي في «تخريج أحاديث الإحياء»: 1/342، والألباني في «الإرواء: 5/109».
(3) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (ب).
(4) أخرجه الترمذي في «الجامع»؛ أبواب تفسير القرآن، باب ومن سورة الفاتحة: 5/204 رقم: 2954، وأحمد في «المسند»: 4/378، وابن حبان في «الصحيح»رقم: 1715، 2279، من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه وفي سنده عباد بن حبيش. وثقه ابن حبان؛ ولم يرو عنه إلا واحد. وقال ابن حجر: مقبول. أي: إذا توبع. وله شواهد أوردها السيوطي في «الدرر المنثور»: 1/42. فهو بها حسن إن شاء الله تعالى.(1/5)
وقد أوجب [الله] (1)عليك يا هذا [المسلم] (2) – أن تدعُوَ الله [تعالى] (3) كل يوم وليلة (4) سبع عشرة مَرَةً بالهداية إلى الصراط المستقيم, [صراط] (5) الذين أنعمت (6) عليهم, ولا الضَّالين فكيف تَطيبُ نفسُك بالتشبه بقوم هذه صفتهم, وهم حصب (7) جهنم؟!
ولو قيل لك تشبّه بنشاري أو مسخرة لأنفْت من ذلك وغضبت!! وأنت تَشَبَّه بأقْلف (8), عابد صليب في عيده, وتكسو صغارك وتفرِّحهم, تصبُغُ لهم البيض (9), وتشتري البخور, وتحتفلُ لعيد عَدُوِّكَ كاحتفالك لعيد نبيِّك صلى الله عليه وسلم (10)!
__________
(1) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (أ).
(2) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (أ).
(3) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (أ).
(4) في الصلوات الخمس المفروضات. ...
(5) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (ب). ...
(6) في نسخة (ب): «أنعم الله». ... ...
(7) في نسخة (ب): «حطب». ...
(8) هو الذي لم يختن، ويريد المصنف بذلك النصارى. ...
(9) ألف على القارئ رسالة رفض ما اعتاده النصارى بمناسبة ميلاد عيسى عليه السلام من تعاطي البيض، وما إلى ذلك من عادات، كما يفعله بعض عوام ديارنا، أسماها بـ«الأجوبة المحررة في البيضة الخبيثة المنكرة». منه نسخ خطية عديدة راجع «الإمام علي القاري وأثره في علم الحديث» (120). ...
(10) هما عيد الفطر والأضحى، وهما العيدان المشروعان. وهناك أعياد بدعية كثيرة، في كثير من البلدان، ما أنزل الله بها من سلطان! فإلى الله المشتكى من غربة الإسلام(1/6)
فأين يُذهبُ بك إن فعلت ذلك؟ (1) إلى مقت الله وسَخَطِه إن لم يغفر الله لك, أما (2) علمت أنَّ نبيك [محمدًا] (3) صلى الله عليه وسلم كان يُحض (4) على مخالفة أهل الكتاب في كل ما اختصُّوا [به] (5), حتى إنَّ الشيب الذي هو نور المسلم (6) [الذي] (7) قال فيه النبي (8) صلى الله عليه وسلم: (من شاب شيبة في الإسلام، كانت له نورًا (9) يوم القيامة) (10). قد أمرنا نبيُّنا صلى الله عليه وسلم فيه بالخضاب (11) لأجل مخالفتهم، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن اليهود لا يخضبون فخالفوهم) (12).
ففرض علينا مجانبة (13) ما اختصوا به في صور كثيرة:
__________
(1) في نسخة (ب): «إلا إلى». ...
(2) في نسخة (ب): «إنْ».
(3) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (أ). ...
(4) في نسخة (ب): «يحظ»!! ...
(5) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (ب). ...
(6) في نسخة (ب): «الإسلام»!!
(7) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (ب).
(8) في نسخة (ب): «رسول الله».
(9) في نسخة (أ): «كان نورًا».
(10) الحديث صحيح، ورد عن جمع من الصحابة رضوان الله عليهم، كما بيَّناه في تحقيقنا لـ«التذكرة» للإمام القرطبي: يسر الله إتمامه ونشره.
(11) في نسخة (ب) «قد أمرنا فيه نبينا بالخضاب ... ».
(12) أخرجه البخاري في «الصحيح» كتاب اللباس: باب الخضاب: 10/354 رقم: 899، ومسلم في «صحيحه»: كتاب اللباس والزينة: باب في مخالفة الهود في الصبغ: 3/1663 رقم: 2103، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(13) في نسخة (ب): «مخالفة».(1/7)
قلت منها (1): قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا كان لأحدكم ثوبان فليُصلِّ فيهما، فإن لم يكن له ثوب فليتزر به ولا يشتمل اشتمال اليهود) (2). رواه أبو داود [من رواية ابن عمر] (3).
ومنها:
قول النبي (4) صلى الله عليه وسلم: (خالفوا اليهود [وصَلوا في نعالكم] (5)، فإنهم لا يصَلون في نعالهم ولا خفافهم) (6). هو من رواية شداد (7) بن أوس.
[ وقال مالك بن دينار: أوحى الله تعالى إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل أن قل لقومك: لا يدخلوا مداخل أعدائين ولا يلبسوا ملابس أعدائي ولا يركبوا مراكب أعدائي ولا يطعموا مطاعم أعدائي، فيكونوا أعدائي كما هم أعدائي] (8).
__________
(1) في نسخة (ب): «فمنها».
(2) أخرجه أحمد في «المسند»:2/148، وأبو داود في «السنن»: رقم: 635 بإسناد حسن، وانظر معنى (الاشتمال) في كتابنا «القول المبين في أخطاء المصلين»: 41، 42.
(3) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (ب).
(4) في نسخة (ب): «قوله».
(5) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (أ).
(6) أخرجه أبو داود في «السنن»: رقم: 683, والحاكم في «المستدرك»: 1/260, والطبراني في «المعجم الكبير»: رقم: 7164, 7165, من حديث شداد بن أوس، وإسناده حسن.
(7) في نسخة (ب): «رواه شداد ...».
(8) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (ب).(1/8)
وأيضًا ألا ترى أن العمامة الزرقاء والصفراء كان لبسهما لنا حلالًا (1) قبل اليوم؟! [وفي عام سبع مئة] (2) [فلما] (3) ألزمهم السلطان [الملك الناصر] (4)، حرُمت علينا! (5)
أفيطيبُ قلبك (6) [أيها المسلم] (7) أن تلبس اليوم (8) عمامة صفراء أو زرقاء؟!
وإنما (9) أنت في سكرة وغفلة (10)، { إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ [وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ](11) } (12).
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خالفوا المشركين ...) (13).
__________
(1) في نسخ (أ): «كانت حلالًا لنا».
(2) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (أ).
(3) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (ب).
(4) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (أ). وهو السلطان محمد بن قلاوون. المتوفى سنة 741 هـ، له ترجمة في «الدرر الكامنة»: 4/144.
(5) ذكر ابن كثير في أحداث سنة 700هـ: 14/16 ما نصه: «وفي يوم الأثنين قرئت شروط الذمة على أهل الذمة، وألزموا بها، واتفقت الكلمة على عزلهم عن الجهات، وأخذوا بالصَّغار، ونودي بذلك في البلد، وألزم النصارى بالعمائم الزرق، واليهود بالصفر، والسامرة بالحمر، فحصل بذلك خير كثير، وتميزوا عن المسلمين».
(6) في نسخة (ب): «نفسك».
(7) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (أ).
(8) في نسخة (ب): «اليوم أن تلبس».
(9) في نسخة 0ب9ك «إنما».
(10) في نسخة (ب): «سَكرِة غفْلةٍ».
(11) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (ب).
(12) الزخرف: 32.
(13) وتتمنه: (أحفوا الشوارب, ,اعفوا اللحى) أخرجه البخاري في «الصحيح»: كتاب اللباس: باب تقليم الأظافر: 10/439 رقم: 5892, وباب إعفاء اللحى: 10/351, رقم: 5892, ومسلم في «الصحيح»: كتاب الطهارة: باب خصال الفطرة: 1/222 رقم: 259 من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.(1/9)
وقال عليه الصلاة والسلام (1): (فرقُ [ما] (2) بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر) (3).
وقد جاء عن جماعة من السلف كمُجاهد وغيره في قوله تعالى(4): { وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ } (5)
قال: الزُّور: أعياد المشركين (6).
وقال النبي (7): (إنَّ لكل قوم عيدًا، وإن عيدنا هذا اليوم) (8).
فهذا القول منه عليه الصلاة والسلام (9) يوجب اختصاص كل قوم بعيدهم، كما قال تعالى: { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً } (10).
__________
(1) في نسخة (ب) «النبي صلى الله عليه وسلم».
(2) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (أ).
(3) أخرجه مسلم في «صحيحه» كتاب الصيام، باب فضل السحور: 2/770-771، رقم 1096، وأحمد في «المسند»: 4/197، 202، وغيرهم من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه.
(4) في نسخة (ب): «قول الله تعالى».
(5) سورة الفرقان: 72.
(6) قال مجاهد والضحاك بن أنس في تفسير الآية المذكورة: «هو أعياد المشركين»، أخرجه أبو بكر الخلال في «جامعه» وأبو الشيخ في «شروط أهل الذمة». قاله ابن تيمية في «اقتضاء الصراط المستقيم»: 181، 182، كذا في «اقتضاء الصراط المستقيم»: 181، وانظر: «الأمر بالاتباع»: 151 –بتحقيقي، و«الدر المنثور»: 6/282 فذكره عن ابن عباس أيضًا، وعزاه للخطيب.
(7) في نسخة (ب): «رسول الله».
(8) أخرجه البخاري في «صحيحه»، كتاب العيدين: باب سنَّة العيدين لأهل الإسلام: 544/2، رقم 951، ومسلم في «صحيحه»: كتاب صلاة العيدين: باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه في أيام العيد: 2/607، 608، رقم 892 من حديث عائشة رضي الله عنها.
(9) في نسخة (ب) «صلى الله عليه وسلم».
(10) المائدة: 48.(1/10)
فإذا كان للنصارى عيدٌ، ولليهود عيد، [كانوا] (1) مختصين به (2) فلا يشركهم فيه مسلم، كما لا يُشاركهم في شرعتهم (3)، ولا في قبلتهم.
ومن المعلوم أن في شروط عمر رضي الله عنه، أن أهل الذمة لا يظهرون أعيادهم (4).
واتفق المسلمون على ذلك. فكيف يسوغ لمسلم إظهار شعائرهم (5) الملعون من خضاب الأولاد، وصباغ البيض، وشراء الأوراق الصوَّرة المصبغة (6) والبخور الذي دُقَّ عليه بالطاسات تنفيرًا للملائكة، وطلبًا لحضور الشياطين، وتقريرًا لإظهار شعار الملاعين [المبتدعين] (7)، [المتعدِّين] (8) ونواقيسهم في الأسواق، وتَرْك الرجال الصبيان يتقامرون بالبيض [والله ما يستحل فعل هذا ولا يرضى به مسلم] (9). [فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم] (10).
__________
(1) ما بين المعقوفتين في نسخة (ب).
(2) في نسخة (ب): «بذلك».
(3) في نسخة (ب): «شرعيتهم» !!
(4) انظر أحكام أهل الذمة: 2/659-778 للعلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى. وقد شرح في كتابه هذا الشروط العمرية شرحًا مستوفى مفيدًا. مطبوع بتحقيق الدكتور صبحي الصالح رحمه الله تعالى.
(5) في نسخة (ب): «شعائرهم» !
(6) في نسخة (ب): «المصبوغة» !
(7) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (ب).
(8) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (أ).
(9) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (ب).
(10) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (أ).(1/11)
وقد قال النبي (1) صلى الله عليه وسلم: (إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يُغيِّروه، أوشك أن يعُمَّهم الله بعقاب [من عنده] (2)) (3).
وقال [رسول الله صلى الله عليه وسلم] (4): (ما من قوم يُعْملُ فيهم بالمعاصي هم أعزُّ وأمنَعُ ممن يعملها، ثم لا يُغيِّرون ذلك، إلا عَمَّهم الله بعقاب منه) (5).
__________
(1) في نسخة (ب): «رسول الله».
(2) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (أ).
(3) أخرجه أحمد في «المسند»: 1/2، 5، 7، 29، 30، والحميدي في «المسند»: رقم 3، والنسائي في «الكبرى»، كما في «تحفة الأشراف»: 5/303، والترمذي في «الجامع»: أبواب الفتن: باب ما جاء في نزول العذاب: 4/467، رقم 2168، وابن ماجه في «السنن»: كتاب الفتن: باب الأمر بالمعروف: 2/1327، رقم 4005، وأبو داود في «السنن»: كتاب الملاحم: باب الأمر والنهي: 4/122، رقم: 12876-12878، والمروزي في «مسند أبي بكر» رقم: 86-89، وابن حبان في «الصحيح» رقم: 1837 من حديث أبي بكر، وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
(4) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (أ).
(5) أخرجه ابو داود في «السنن»: كتاب الملاحم: باب الأمر والنهي: 4/122، 123، رقم: 4339 والطبراني في «الكبير»: رقم: 2382 من طريق مسدد.
وأخرجه ابن حبان في «الصحيح»: 1/536، رقم: 300 –الإحسان، والطبراني في «الكبير»: رقم: 2382 من طريق أبي الوليد الطيالسي كلاهما عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق عن عبيد الله بن جرير عن أبيه به.
وتابع أبا الأحوص: شعبة عند أحمد في «المسند»: 4/364، ومن طريقه الطبراني في «الكبير»: رقم 2381، ومعمر عند عبد الرزاق في «المصنف»: رقم: 20723، ومن طريقه أحمد في «المسند»: 4/366، والطبراني في «الكبير»: رقم: 2380، وأبو يعلى في «المسند»: 13/497، رقم: 7508، وإسرائيل عند: أحمد في «المسند»: 4/366، وابن ماجه في «السنن» كتاب الفتن باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: 2/1329، رقم: 4009، وهؤلاء –أعني: شعبة وأبا الأحوص وإسرائيل- ممن سمعوا من أبي إسحاق قديمًا، قبل اختلاطه، فإسناده جيد.
وعبيد الله بن جرير ممن ترجم له البخاري وابن أبي حاتم، وسكتوا عنه، ووثقه ابن حبان، وروى عنه جماعة، وقال الذهبي في كاشفه: «واثق».
وأخرجه من طريق أخرى عن أبي إسحاق به –وفي بعضها ضعف-: أحمد في «المسند»: 4/361، 363، 466، والطبراني في «الكبير» رقم: 2383، 2384، 2385.
وفي الباب عن أبي بكر الصديق، ويشهد له غير حديث أيضًا.(1/12)
ومن أقْبح القبائح, وأعظم المصائب؛ إنك ترى أخاك الجاهل يشتري البخُّور, والورق المصبغ (1) لزوجته [الحمقى] (2) [الجاهلة] (3) فتضعه تحت السماء!! تزعم أن مريم تجر ذيلها عليه!
ومريم [عليها السلام] (4) قد ماتت، وهي (5) تحت الأرض من نحو ألف وثلاث مئة سنة!! (6)
وتعمل بالقطران صليبًا على بابك طردًا للسحر!! وتلصق التصاوير في الحيطان تهريبًا (7) للحيَّات [والهوام] (8).
وإنما تهربُ الملائكة [الكرام] (9) بذلك (10).
فوالله ما [أدري] (11) ما تركت من تعظيم النصرانية!! ووالله إنك إذا لم تنكر هذا [فلا شك أنك] (12) لراض به وأنت جاهلُ (13).
نعوذُ بالله من الجهْل!
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهم منهم) (14).
__________
(1) في نسخة (ب): " المصبوغ".
(2) ما بين المعقوفتين سقط في نسخة (ب).
(3) ما بين المعقوفتين سقط في نسخة (أ).
(4) ما بين المعقوفتين سقط في نسخة (أ).
(5) في نسخة (ب)! و "دُفِنَتْ".
(6) قال السيوطي رحمه الله في " الأمر بالاتباع": (-بتحقيقي) في بدع الناس ومنكراتهم: "يخرجون ثيابهم ليلة الخميس يضعونها تحت السماء, فيصيبها من بركتهاو وذلك باطل لا أصل له".
(7) في نسخة (أ): "تقريبًا"!! ...
(8) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (أ).
(9) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (أ).
(10) في نسخة (ب): "بذلك الملائكة", قال السيوطي في "الأمر بالاتباع"(141): "فطائفة يجعلون على أبواب بيوتهم ودورهم صور الحيات والعقارب والصلبان يزعمون أنها تطرد الهوام عنهم, وإنما تطرد الملائكة".
(11) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (أ).
(12) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (أ).
(13) في نسخة (ب): "به راض أو جاهل".
(14) مضى تخريجه.(1/13)
فإنْ قال قائلُ: إنَّا لا نقصد التَّشبَّه بهم؟ فيقالُ له: نفس الموافقة والمشاركة لهم في أعيادهم ومواسمهم حرامُ, بدليل ما ثبت في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه (نهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت غروبها) (1), وقال:(إنَّها تَطلعُ بين قرنْي شيطان, وحينئذ يسجُد لها الكُفارُ) (2), والمصلى لا يقصدُ ذلك, إذ لو قصده كفر, لكنَّ نفس الموافقة والمشاركة لهم في ذلك حرامُ.
وفي مُشابهتهم من المفاسد أيضًا:
أنَّ أولاد المسلمين تنشأ على حُب هذه الأعيادِ الكُفريَّة لما يُصنعُ لهم فيها من الرَّاحات (3) والكسوةِ والأطعمةِ, وخُبزِ الأقراص, وغير ذلك!
فبئس المربِّي أنت أيُّها المسلم – إذا لم تَنْه أهلك وأولادك عن ذلك, وتعرفهم أنّ ذلك عند النَّصارى, لا يحل لنا أن نشاركَهم ونشابههُم فيها.
__________
(1) أخرج البخاري في "الصحيح": كتاب مواقيت الصلاة: باب الصلاة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس: 2/58, رقم: 581, عن ابن عباس قال شهد عندي رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر, أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس وبعد العصر حتى تغرب.
(2) أخرجه مسلم في "الصحيح", كتاب صلاة المسافرين وقصرها: باب إسلام عمرو بن عبسه: 1/569 – 571, رقم:832, بعد:294. والمذكور جزء من الحديث.
(3) في "تكملة المعاجم العربية" لدوزي: 5/237: "راحة: تسلية, لهو, انشراح, استجمام, فترة استراحة". ونقل عن بعض المصادر "الراحات, المسارعة لقضاء لذاته والانتهاك في طلب راحته" وقال: "وفي كتاب ابن صاحب الصلاة, (ص20 ق):الراحات والبطالات: ويقال: صاحب الراحة: أي رجل لذات. ابن بطوطه: 3/76" انتهى.(1/14)
وقد زَيَّن الشيطانُ ذلك لكثير من الجهلة, والعلماء الغافلين – ولو كان منسوبًا للعلم, فإنَّ علمهُ وبالُ (1) عليه, كما قال صلى الله عليه وسلم: (أشدُّ النَّاس عذابًا يوم القيامةِ عالمُ لم ينفعه الله بعلمه) (2).
[
__________
(1) في الأصل (وبالًا) وما أثبتناه هو الصواب.
(2) أخرجه الطبراني في "الصغير": 1/183 والبيهقي في "شعب الأيمان": 2/284 – 285, رقم: 1778, والأجري في "أخلاق العلماء": 128, وابن عدي في "الكامل": 5/1807, والخطيب في "الكفاية": 6-7, وابن عبد البر في "الجامع": 1/165, وابن عساكر في تاريخ دمشق – كما في "الكنز": رقم: 29099 – و"ذم ما لا يعمل بعلمه: 33, من طريق عثمان بن مقسم البُرّي عن سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعًا وقال الطبراني عقبه: "لم يروه عن المقبري إلا عثمان البُرَي", وإسناده ضعيف جدًا, فيه عثمان البُري, قال ابن معين: ليس بشيء, هو من المعروفين بالكذب ووضع الحديث" قال الهيثمي في "المجمع": 1/185, رواه الطبراني في "الصغير" وفيه عثمان البُرّي, قال الفلاس: صدق لكنه كثير الغلط صاحب بدعة, ضعفه أحمد والنسائي والدارقطني". وضعفه العراقي في أول تخريجه ل"الأحياء": 1/3, 3/377 وكذا المنذري في "الترغيب": 1/78, والزبيدي في "شرح الأحياء": 1/57.
وقال ابن حجر – كما في: "فيض القدير" "غريب الإسناد والمتن", ثم قال المناوي "لكن للحديث أصل أصيل" وساق: "إن أشد الناس عذابَا يوم القيامة من قتل نبيًا, أو قتله نبي, أو قتل أحد والديه, والمصورون, وعالم لم ينتفع بعلمه" قلت: هو حديث ضعيف جدًا, راجع "السلسلة الضعيفة": 1617, نعم ثبت موقوفًا على أبي الدرداء, أخرجه عنه: ابن المبارك في "الزهد": 40, والدرامي في "المسند": 1/28 وأبو نعيم في "الحلية": 1/223 وابن عبد البر في "الجامع": 1/165, بإسناد صحيح, وانظر –غير مأمور- "السلسلة الضعيفة" رقم: 1634.(1/15)
وكلُّ مَن علم شيئًا وعمل بخلافهِ عاقبهُ اللهُ يومَ القيامة] (1).
والله لا يسع (2) وليُ [السكوت عن هذا, بل يجب على محتسب البلد] (3) القيامُ في ترك هذا بكلِّ ممكن, فإنَّ في بقائه تجرِّيًا لأهل الصليب على إظهار شعارهم.
وقد رُوي عن عمر [بن الخطاب] (4) رضي الله عنه, قال: "لا تتعلموا رَطَانة الأعاجم، ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم،فإنَّ السخط ينول عليهم" (5).
فينبغي لكل مسلم أن يتجنب أعيادهم، ويصون نفسه وحريمهُ، وأولاده عن ذلك، إن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، ولا نقولُ كما قال بعض المعاندين إذا نهي عن ذلك:
ماذا علينا منهم؟! فقد قال السيد الجليل الفضيل بن عياض: «يا أخي! عليك بطرق الهدى وإن قلَّ السَّالكون، واجتنب طرُق الرَّدى وإن كثر الهالكون» (6).
__________
(1) ما بين العقوفتين سقط من نسخة (أ).
(2) في نسخة (ب): "ويجب على ولي الأمر".
(3) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (ب).
(4) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (أ).
(5) أخرجه عبد الرازق في «المصنف»: 1/411، رقم: 1609، والبيهقي في «السنن الكبرى» 9/234، وأبو الشيخ –كما قال ابن تيمية في «اقتضاء الصراط المستقيم»: 1/455- بإسناد صحيح، وصححه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
(6) ذكره عنه الشاطبي في «الاعتصام»: 1/83، والنووي في «المجموع»: 8/275، والسيوطي في «الأمر بالاتباع» (152- بتحقيقي).(1/16)
وقد زيَّن الشيطان لكثير من الفاسقين الضالين من يسافر من بلد إلى بلد، أو يرحل (1) من قريته للفُرجةِ على الفاسقين الضالين، وتكثير سوادهم (2) وفي الحديث: (من كثر سواد قوم حشر معهم) (3).
وقال الله عز وجل: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } (4).
قال العلماء: ومن موالاتهم (5) التشبُّه بهم، وإظهارُ أعيادهم، وهم مأمورون بإخفائها في بلاد المسلمين، فإذا فعلها المسلم معهم، فقد أعانهم على إظهارها.
وهذا منكرٌ وبدعةٌ في دين الإسلام، ولا يفعلُ ذلك إلا كل قليل الدين والإيمان، ويدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من تشبَّه بقوم فهو منهم) (6).
__________
(1) في الأصل «يدخل» وهو خطأ ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2) ماذا يقول المصنف –لو كان حيًّ بين أظهرنا- ورأى المترفين من أبناء المسلمين يتنقلون إلى الكفر في أعياد الميلاد! اللهم لطفك وحنانيك.
(3) أخرجه الديلمي في «الفردوس»: رقم: 5621، وأبو يعلى في «مسنده» -كما في «فتح الباري»: 13/37، 38. وعلي بن معبد في «الطاعة والمعصية»- كما في «نصب الراية»: 4/346 و «شرح الإحياء» للزبيدي: 6/128 –من طريق ابن وهب أخبرني بكر بن مضر عن عمرو بن الحارث أن رجلًا دعا عبد الله بن مسعود، وذكره، وفيه قصة.
ورجاله ثقات –غير أن فيه انقطاعًا، فعمرو لم يسمع ابن مسعود. والأظهر أن المذكور من قول أبي ذر، كما عند: ابن المبارك في «الزهد»، وفي إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي. وهو ضعيف.
(4) سورة المائدة:5.
(5) في نسخة (ب): «موالتهم»!!
(6) مضى تخريجه.(1/17)
وقد مدح الله مَنْ لا يشهد أعياد الكافرين، ولا يحضرُها (1)، قال تعالى: { وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ... } (2) فمفهومه أنَّ من يشهدها ويَحضُرها يكون مذمومًا ممقوتًا؛ لأنه يشهد المنكر ولا يُمكنه أن يُنكره، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) (3).
وأيُّ منكر أعظم من مشاركة اليهود والنصارى في أعيادهم ومواسمهم، ويصنع كما يصنعون من خبز الأقراص، وشراء البخور، وخضاب النساء والأولاد، وصبغ البيض، وتجديد الكسوة، والخروج إلى ظاهر البلد بزيِّ التبهرج، وشُطوط الأنهار.
وهم أذلة تحت أيدينا، ولا يُشاركون، ولا يُشابهوننا (4) في أعيادنا، ولا يفعلون كما نفعل! فبأي وجه تلقى وجه نبيك غدًا يوم القيامة؟! وقد خالفت سنته. وفعلت فعْل القوم الكافرين الضالين أعداء الدين!
فإن قال قائل: إنما نفعل ذلك لأجل الأولاد الصغار والنساء؟
__________
(1) في نسخة (ب)، «يحصرها»!!
(2) سورة الفرقان: 72. قال مجاهد والضحاك والربيع بن أنس في تفسير (الزور) الوارد ذكره في الآية: «هو أعياد المشركين».أخرجه أبو بكر الخلال في «جامعه» وأبو الشيخ في «شروط أهل الذمة» قاله ابن تيمية في «اقتضاء الصراط المستقيم» (181، 182)، وقال ابن سيرين: هو الشعانين، أخرجه أبو بكر الخلال في «جامعه» كما في «اقتضاء الصراط المستقيم»: 181، وانظر: «الأمر بالاتباع»: 151.
(3) أخرجه مسلم في «الصحيح» رقم: 78، والترمذي في «الجامع» رقم: 2173 والنسائي في «المجتبي»: 8/11، أحمد في «المسند» رقم: 1140، 4340، وابن ماجه في «السنن»: رقم: 1275، 4013، وعبد الغني المقدسي في «الأمر بالمعروف» رقم: 1- 3 بتحقيقنا) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(4) في نسخة (ب): «يشابهونا»ز(1/18)
فيُقال له: أسوأ الناس حالًا من أرضى أهله وأولاده بما يُسخط الله عليه، وقد قال الحسن البصري رحمه الله: «ما أصبح رجلًا يطيع امرأته فيما تهوى إلا أكبَّه الله في النار، فالله سبحانه وتعالى قد قال في كتابه العزيز: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً ... } (1)».
ومعناه: علموهم، وأدبوهم، وأمروهم بالمعروف، وانهوهم عن المنكر، لتتقوا النار التي من صفتها أنها توقدُ بالناس والحجارة، قيل: حجارة الكبريت. أجارنا الله منها (2).
وعن عبد الله بن عمرو (3) رضي الله عنهما أنَّه قال: «مَنْ صنع نيروزهم، ومهرجانهم، وتشبَّه بهم، حتى يموت وهو كذلك، [ولم يتب] (4) حشر معهم يوم القيامة» (5) رواه عوفٌ [الأعرابي] (6) عن [أبي](7) المغيرة عن عبد الله.
وهذا القول منه يقتضي أنَّ فعْل ذلك الكبائر، وفعل اليسير من ذلك يجُرُّ إلى الكثير.
فينبغي للمسلم أن يسُدَّ هذا الباب أصلًا ورأسًا، وينفِّر أهله وصغاره (8) من فعله (9)، فإن الخير عادةٌ، وتجنُّب البدع عبادة.
__________
(1) سورة التحريم:6.
(2) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة: (أ).
(3) في الأصلين: (عُمر) بضم العين: والصواب بفتحها.
(4) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (أ).
(5) اخرجه البيقي في «السنن الكبرى»: 9/234، وصحح إسناده ابن تيمية في ت: 9/234، وصحح إسناده ابن تيمية في «اقتضاء الصراط المستقيم»: 1/457.
(6) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة: (ب).
(7) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة: (ب).
(8) في نسخة (ب): «وأولاده».
(9) في نسخة (ب): «من فعل الشيء من ذلك»!!(1/19)
ولا يقولنَّ جاهلٌ، أفرِّح أطفالي! [ويقول: أخاف أن يأتيهم الموتُ، فيحول بينهم وبين ذلك، وتبقى غصَّة ذلك تجول في قلبي! أنا أصبغ لهم البيض، وأخضبهم بالحناء وأشري لهم الأوراق التي في الصور، وأفرِّحهم حتى لا يبقى في خاطرهم!!] (1)
أفما وَجدْت [يا مسلم] (2) ما تفرحهم به إلا ما يسخط الرحمن، ويرضي الشيطان، وهو [شعار] (3) أهل الكفر والطغيان؟!
فبئس المربي أنت!! ولكن كذا (4) تربيت!
[يا أخي] (5) ما أقواك إن خالفت هواك! وما (6) أغواك إن وافقت هواك! ولا يعني التوبيخ سواك، ما (7) أسقمك وأنت لا تشرب دواك!
__________
(1) ما بين المعقوفتين من هامش نسخة (أ)، وسقط من نسخة (ب).
(2) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة: (أ).
(3) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة: (ب).
(4) في نسخة (ب): «هكذا».
(5) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة: (أ).
(6) في نسخة (أ): «ما».
(7) في نسخة (ب): «وما».(1/20)
ما (1) أكرمك (2) إن كانت الجنان مأواك! ما أفظع (3) دينصا شرعهُ العامة والرهبان! ما (4) أرقع جاهلًا يدرا عن داره السحر بصلبان القطران! ما (5) أشدَّ خذلان من مكَّن من القمار الصبيان! ما (6) أشنع رائحة اللاذن (7) والأظفار (8) وحصا اللبان! [إلى] (9) أين تذهبين يا عجوز السوء؟ إلى القبور؟؟
إلى كم تضرب نواقيسُ النُحاس، ويتلى عليها كلمات الباطل والفجور (10)؟
ذلك وَمن يعظمُ حُرُمات الخميس الحقير (11) لا الكبير فإنها من أعظم الشُّرور،
ومن يتق الله ويعظوُ حرمات الله (12)، فإنها من تقوى القلوب (13).
يا مصَّرِف القلوب ألهمنا [اتباع] (14) سنة نبيك، وجنبنا الابتداع والتشبه بالكفار.
__________
(1) في نسخة (ب) «وما».
(2) في نسخة (ب): «أسعدك».
(3) في نسخة(ب): «وما أفضح»!!
(4) في نسخة (ب): «وما».
(5) في نسخة (ب): «وما»؟
(6) في نسخة(ب): «وما»؟
(7) في القاموس: 1587: «اللاذِن: رطوبة تعلق بشعر المِعْزَى لحاها، إذا رعت نباتًا يعرف بـ «قلسوس» أو «قستوس» وما علق بشعرها جيد مُسَخن مليَّن مفتِّح لسدد وافواه العروق، مدر نافع للنزلات، والُّعال، ووجع الأذن، وما علق بأظلافها رديء» انتهى. وهو أيضًا صمغ يستخرج من بعض الأشجار يستعمل عطرًا ودواء، ويُعلك.
(8) في نسخة(ب): «الأضفار».
(9) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (أ).
(10) في نسخة(ب): «كلام الفجور والباطل».
(11) في نسخة(ب): «الخفير».
(12) في نسخة(ب): «حرواته».
(13) انظر ما رقمناه في تقديمنا لهذه الرسالة.
(14) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (ب).(1/21)
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو ردٌ) (1).
وفي لفظ الصحيحين: قال: (من أحدث في أمرنا ما ليس فيه فهو رد) (2) أي مردود.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم (3): (خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد [صلى الله عليه وسلم](4)، وشر الأمور محدثاتها، [وكل محدثة بدعة] (5)، وكل بدعة ضلالة) (6).
وقال [رسول الله] (7) صلى الله عليه وسلم: (لا يمكن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به) (8).
__________
(1) أخرجه البخاري –تعليقًا- في «صحيحه» كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة: باب إذا اجتهد العامل: 13/317، ووصله مسلم في «صحيحه» كتاب الأقضية: باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور: 3/1343، 1344، وجماعة. انظر «فتح الباري»: 5/302، و «تغليق التعليق»: 3/396- 5/326.
(2) أخرجه البخاري في «الصحيح»كتاب الصلح: باب إذا اصطلحوا على صُلح جور، فالصلح مردود: 5/301، رقم: 2697، ومسلم في «الصحيح» كتاب الأقضية: باب نقض الأحكام الباطلة: 3/1343، رقم: 1718.
(3) في نسخة (أ): «وقال عليه السلام».
(4) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة: (أ).
(5) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة: (أ).
(6) أخرجه مسلم في «صحيحه كتاب الجمعة: باب تحقيق الصلاة والخطبة: 2/592، رقم: 867 وغيره من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.»
(7) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة: (أ).
(8) أخرجه ابن أبى عاصم في «السنة: 15، البيهقي في «المدخل»: 209، والخطيب في «تاريخ بغداد»: 4/369، والديلمي في «الفردوس» 5/153، رقم: 7791 والبغوي في «شرح السنة»: 1/2/2- 3/2 وابن الجوزي في «ذم الهوى»: 18، من طريق عقبة بن أوس عن عبد الله بن عمرو به.
قال النووي في «أربعينه» حديث رقم: 40 «حديث صحيح، رويناه في كتاب «الحجة» بإسناد صحيح». وصحح المصنف إسناده في كتابه «الكبائر»: 210/211/ بتحقيقنا، وتعقب ابن رجب في «جامع العلوم والحكم»: 364 من صحح هذا الحديث، فضعفه لثلاث علل فيه:
الأولى: ضعف نعيم بن حماد، ومدار الحديث عليه.
الثانية: الاضطراب في رواية الحديث عنه.
الثالثة: الانقطاع بين عقبة بن أوس وعبد الله بن عمرو. وواحدة من هذه العلل تكفي لتضعيف الحديث، فما بالك بها مجتمعة؟!(1/22)
وقال: [صلى الله عليه وسلم](1): «تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك» (2).
وقال [صلى الله عليه وسلم] (3): (من يعش منكم [بعدي] (4) فسيرى اختلافًا كثيرًا (5) فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة) (6).
__________
(1) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (أ).
(2) أخرجه أحمد في «المسند»: 4/126، وابن ماجه في «السنن»: المقدمة: باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين: 1/16، رقمك 43، والحاكم في «المستدرك»: 1/96، من طريق عبد الحمن بن عمرو السلمي أنه سمع العرباض بن سارية به.
وإسناده صحيح رجاله ثقات، غير عبد الحمن، ذكره ابن حبان في «ثقاته» وروى عنه جماعة، وصحح له ابن حبان والترمذي الحاكم، كما في «التهذيب» وانظر الحديث الآتي وتعليقنا عليه و «السلسلة الصحيحة» رقم: 937.
(3) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة: (أ).
(4) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة: (أ).
(5) في نسخة (ب): «كثير»!!
(6) أخرجه أحمد في «المسند»: 4/126، 127، وأبو داود في «السنن» كتاب السنة: باب في لزوم السنة: 4/200، 201 لقم: 4607، وابن حبان في «الصحيح»: 1/178، 179، رقم:5 الإحسان، وابن أبي عاصم في «السنة»: رقم: 32: 57 زالآجري في «الشريعة»: 46 من طريق ثور بن يزيد خدثني خالد بن معدان حدثني عبد الرحمن بن عمرو السلمي وحجر بن حجر الكلاعي قالا: أتينا العرباض بن سارية بهن وفيه لفظ الحديث السابق. وحجر وثقه ابن حبان أيضًا.
وأخرجه أيضًا الترمذي في «الجامع»أبواب العلم: باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع: 5/44: رقم: 2676، وابن ماجه في «السنن»المقدمة: باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين: 1/15- 17 رقم: 24- 44، والدارمي في «السنن»: 1/44، ومحمد بن نصر في «السنة»: 21/22، وابن جرير في «التفسير»: 10/212، وابن أبي عاصم في «السنة» رقم: 54، والآجري في «الشريعة»:47، والطبراني في «الكبير»: 18/245- 249/257 و «الأوسط» رقم: 66، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم»: 2/222/224، والحاكم في المستدرك: 1/95- 97، و«المدخل إلى الصحيح»: 1/1، وابن وضاح في «البدع»:23/24، والخطيب في «الموضح»: 2/423 و «الفقيه والمتفقه»: 1/176، 177، والبيهقي في «مناقب الشافعي»: 1/10، 11، و «الاعتقاد»: 113 و «دلائل النبوة»: 6/541، 542، و «المدخل إلى السنن الكبرى» رقم: 50، 51، و «السنن الكبرى»: 10/114، والطحاوي في «المشكل»: 2/69، وأبو نعيم في «الحلية»: 5/220، 221 و10/114، 115، واللالكائي في «شرح أصول اعتقاد أهل السنة»: 1/74، 75، والهروي في «ذم الكلام»: 69/1، 2، وابن عساكر في «تاريخ دمشق»: 11/265/1، والحارث بن أبي أسامة في «المسند»: ق19 –بغية الباحث، وأحمد بن منيع في «المسند»- كما في «المطالب العالية»: 3/89 من طرق كثيرة عن العرباض بن سارية.
قال الترمذي: «حديث حسن صحيح»،وقال الهروي: «وهذا من أجود حديث أهل الشام», وقال البراز:«حديث ثابت صحيح», وقال البغوي: «حديث حسن», وقال ابن عبد البر: «حديث ثابت», وقال الحاكم: «صحيح ليس له علة» ووافقه الذهبي.
وقال أبو نعيم: «هو حديث جيد من صحيح حديث الشاميين».
وقال ابن كثير في «تحفة الطالب» رقم:36: «صححه الحاكم, وقال: ولا أعلم له علة. وصححه أيضًا الحافظ أبو نعيم الأصبهاني والدغولي. وقال شيخ الإسلام الأنصاري: هو أجود حديث في أهل الشام وأحسنه».
وانظر: «الإرواء»: 8/107 رقم: 2455, و «جامع العلوم والحكم»: 187 و «المعتبر» للزركشي: (ص 76) و «موافقة الخبر الخبر»: 1/136.(1/23)
وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله عزَّ وجلَّ إذا علم من عبد أنه يبغض صاحب بدعةٍ غفر الله له وإن قلَّ عملهُ) (1).
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: (من انتهر (2) صاحب بدعة ملأ الله قلبه إيمانًا وأمنًا) (3).
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: (من أهان صاحب بدعةٍ آمنه الله من الفزع الأكبر) (4) (5).
وهذه آثار مشهورة (6).
ومِن التَّشبُّه بالنصارى ما يفعله جهلة أهل بعلبك والبقاع من (7) إيقاد النيران ليلة عيد الصَّليب في الكروم, وهذا أيضًا من إظهار شعار (8) النَّصارى, قُبحًا لفاعلهِ.
__________
(1) ليس هو من المدفوع للنبي صلى الله عليه وسلم, والصحيح أنه من أقوال بعض الصحابة أو من دونهم والله أعلم.
(2) في نسخة (ب): «أشهر»!!
(3) هو جزء من الحديث الذي يليه.
(4) أخرجه أبو نعيم في «الحلية»: 8/200, والهروي في «ذم الكلام» - كما في «تخريج الإحياء»: 2/167 عن ابن عمر, وإسناده ضعيف, قاله العراقي. وقال أبو نعيم: «غريب من حديث عبد العزيز [بن أبي رواد] ولم يتابع عليه من حديث نافع» وعزاه الزبيدي في «شرح الإحياء»: 6/135 لابن عساكر, وانظر أيضًا منه: 6/196, 10/264 وحكم عليه العلامة عليّ القاري بالوضع في «السرار المرفوعة»: رقم: 469, وانظر «الخلاصة» للطيبي: 83, و «كشف الخفاء»: 2/235, و ت: 2/235, و «اللآليء المصنوعة»: 1/.31
(5) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (أ).
(6) نعم, عدا الثلاثة الأخيرة منها, فغريبة وضعيفة.
(7) في نسخة (أ): «في».
(8) في نسخة (ب): «الجهاد بشعار».(1/24)
ومن ذلك: إيقادُ النيران [والقناديل] (1) ليلة الميلاد, وشراءُ الشمع (2) والتوسعةُ [والتلذذ] (3) بالحلوى والقطايف, وإظهارُ السرور والرّهج (4) وإعطاء المدحْرجين (5).
فإنَّ في هذا إحياء لدين الصليب وإحداث عيد (6) ومشاركة المشاركين, وتشبهًا بالضالين! وقد قال النبي (7) صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم) (8).
فيا مسكينُ: أين تذهب بعقلك؟!
__________
(1) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (ب).
(2) في نسخة (ب): «الشموع».
(3) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة: (أ).
(4) في (ب): «الهرج» وما أثبتناه هو الصواب, والرّهج الرقص, وأطلق عليه هذا المعنى في «رحلة بن بطوطة»: 2/34, وغيره, وانظر: «تكملة المعاجم العربية»: 5/226.
(5) في «تكملة المعاجم العربية»: 4/297: دحريجة: لعبة من ألعاب القمار, وتصحفت في نسخة (ب) تصحيفًا شنيعًا, فوقغت فيها هكذا «المصححين».
(6) في نسخة (ب) «عيدهم»؟
(7) في نسخة (ب): «رسول الله».
(8) مضى تخريجه.(1/25)
إلى كم تهربُ من متابعة [سنّةّ] (1) نبيك محمد صلى الله عليه وسلم إلى [متابعة] (2) شعار أعدائك؟! إلى كم هذه التفرقة والتململ (3) من سُلوكِ الصِّراط المستقيم إلى سبيل الشياطين [الضالين] (4) ؟! إنْ تعبدت سردْت (5) في العبادة, أو (6) تسللت لواذًا يمينًا وشمالًا (7). وإنْ سلكت في [طريق] (8) العلم دخلت في الحيل والرُّخص وقلت: أنا مُقلدُ الأئمَّة (9)!
__________
(1) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (أ).
(2) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (ب).
(3) في نسخة (ب): «هذه النقْرة».
(4) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (أ).
(5) كذا في نسخة (أ), وفي (ب): «شردت» بالشين المعجمة!!
(6) في نسخة (ب): «و».
(7) في نسخة (ب): «ويسارًا».
(8) ما بين العقوفتين سقط من نسخة (ب).
(9) وللمصنف رسالة ماتعة لطيفة في مزالق طلبة العلوم الشرعية على اختلاف أنواعها, وهي مطبوعة وعنوانها «زُغل العلم» وفيها (ص 34) التحذير من الحيل و (ص 33, 35) التحذير من التقليد, وكذا في «السير»: 8/90, فانظره فإنه مفيد.(1/26)
وإنْ دخلت في التجارة والبيع احتلت في المعاملة الرَّبوية بكل طريق, وأكثرت الحلف الذي يحرم على التاجر [فعله] (1), ونهى (2) عنه الرسول صلى الله عليه وسلم حيث يقول: ( [إياكم] (3) وكثرة الحلف عند البيع, فإنَّهُ يُنفّق ثم يَمحقُ) (4) [وفي لفظ آخر: (فإنها منفقة للسلعة, ممحقة للبركة) (5) (6)]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (7) في المتابعَين: (إنْ صدقا وبيَّنا بورك لهما [في بيعهما] (8), وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما) (9).
و [اعلم انَّك] (10) إن أمرْت بمعروف أو نهيت عن منكر, فربما انحرفت إلى الشرور (11) وثارت نَفَسُك واعتديْت, فيكون ما أفسدتَ أكثر مّما أصلحت.
__________
(1) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (أ).
(2) في نسخة (ب): «كما نهى».
(3) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (ب).
(4) أخرجه مسلم في «صحيحه» كتاب المساقاة: باب النهي عن الحلف في البيع: 3/1228 رقم: 1607 من حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه.
(5) أخرجه البخاري في «الصحيح» كتاب البيوع: «باب يمحق الله الربا 000»: 4/315, رقم:2087, ومسلم في «صحيحه» كتاب المساقاة: باب النهي عن الحلف في البيع: 3/1228, رقم:1606, من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(6) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (أ).
(7) في نسخة (أ): «وقال عليه السلام».
(8) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (ب).
(9) أخرجه البخاري في «الصحيح» كتاب البيوع: باب إذا كان البائع بالخيار, هل يجوز البيع؟: 4/334 رقم: 2114, ومسلم في «الصحيح»: كتاب البيوع: باب الصدق في البيع والبيان: 3/1164, رقم: 1532, من حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه.
(10) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (أ).
(11) في نسخة (ب): «الشر».(1/27)
وإن ليَّنت لقرابتك ولذي الجاه والسلطان وأقمت الحد (1) على الضعيف والجاهل, دون القوي والعالم, فقد
عصيت (2) بذلك, وإن غضبت (3) لنفسك في إنكارك حيث ينُلُ (4) منك فلا (5) بدَّ لك في علِمِك (6) من أن تكون [حكيمًا] (7) حليمًا, ولا بدَّ في العمل (8) من الإخلاص, قال الله تعالى { وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ } (9) وقال تعالى: { أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ } (10) فليكن رفقُك بالمبتدع والجاهل حتى تردهما عن ارتكباه بلين.
ولتُكنْ شدَّتك على الضَّال الكافر, ومعَ هذا فارْحم (11) المبتلى, واحمد الله على العافية, { كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ [فَتَبَيَّنُوا] } (12) (13).
وانظر إلى نفسك وقت النهي عن المنكر وعند الأمر بالمعروف بعين المقت, وانظر إلى أخيك العاصي الجاهل (14) بِعين الرَّحمة, من غير أن تترك أوامر الله [تعالى] (15) أو حدًا من حدود الله (16).
__________
(1) في نسخة (ب) وقعت هذه الجملة هكذا: «وإن كنت لقرانيك, أو لذوي جاه أو لذي سلطان وأقمت الحسبة 000»!
(2) في نسخة (أ): «فعصيت».
(3) في نسخة (ب): «عصيت».
(4) كذا في نسخة (أ) مجوّدة, ووقعت في نسخ (ب): «نيل»!!
(5) في نسخة (أ): «ولا».
(6) في نسخة (ب): «عملك».
(7) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (ب).
(8) في نسخة (ب) «الكلّ».
(9) سورة البينة: 5.
(10) سورة الفتح: 29.
(11) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (أ).
(12) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (ب).
(13) سورة النساء: 94.
(14) في نسخة (ب): «الجاهل العاصي».
(15) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (أ).
(16) في نسخة (ب): «حدوده».(1/28)
ويروى (1) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أحدث قوم بدعةً إلا نزع [الله] (2) عنهم من السُّنة مثلها) (3).
فاتباعُ السُنةِ (4) حياة القلوب وغذاؤها.
فمتى تعوَّدت القلوبُ بالبدع وألفتها (5) ... لم يبقَ فيها فضلُ للسُّنن.
ثم فعْلُ المنكرات في الخميس [الخسيس] (6) على مراتب بعضها أخف من بعض, فقبول الهديَّة من الجارِ النصراني إذا أهدى لك في عيده من البيض وغيره (7) ذلك مُباحُ (8)
__________
(1) في نسخة (أ): «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم».
(2) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (ب).
(3) أخرجه أحمد في «المسند» 4/105, والبزار في «مسنده»: 1/82, رقم: 131, كشف الأستار, والطبراني في «الكبير»: 18, 99 رقم: 178 و «السنة» -كما في «الإصابة»: 3/168- وابن نصر في «السنة»: رقم: 85, وجوَّد إسناده ابن حجر في «الفتح»: 13/253, قلت: فيه أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم, وهو منكر الحديث كذا في «المجمع»: 1/188, وتصدير المنذري في «الترغيب»: 1/45 له بروي يدل على أنه ضعيف عنده.
(4) في نسخة (ب) «السنن».
(5) في نسخة (أ) غير واضحة, ثم كتبها الناسخ في الهامش مجودة.
(6) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (أ).
(7) في نسخة (ب): «البيض ونحو».
(8) قال المصنف ف] آخر جزء «حق الجار»: 48:«فإن كان جارك يهوديًا أو نصرانيًا في الدار أو السوق أو البستان فجاوره بالمعروف ولا تؤذيه» وقال: «فأما من جعل إجابة دعوتهم ديدنه وعاشرهم وباسطهم, فإن إيمانه يرق, وقد قال الله تعالى: { لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ } (المجادلة: 22)» وقال أيضًا:
«
فالمؤمن يتواضع للمؤمن, ويتذلل لهم ويتعزز على الكافرين, ولا يتضال لهم تعظيمًا لحرمة الإسلام وإعزازًا للدين, من غير أن تؤذيهم ولا تودّهم كما تودّ المسلم».(1/29)
وشراء البيض وصبغهُ مذمومُ. وتمكين الصبيان من القمار به؛ حرام. وقمار الشباب [والرجال] (1) به من الكبائر الموبقات (2).
قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ } (3).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قالَ لصاحبه تعال أقامرك (4),
فليتصدق) (5), رواه البخاري ومسلم.
فإذا كان مجرَّد القوْل معصية موجبة للصَّدقة المكفرة, فما ظنك بالفعل وهو داخلُ في أكْل أموالِ الناس بالباطِل, والله تعالى قد أنزلِ غير آية في مقت أكل أموال النََّاس بالباطل (6).
__________
(1) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (ب).
(2) انظر الكبيرة الثالثة والسبعين (القمار) في كتاب المصنف «الكبائر» (ص 205 – بتحقيقي) هوامش صفحة 12.
(3) سورة المائدة: 90.
(4) في نسخة (ب): «أقمارك».
(5) أخرجه البخاري في «صحيحه» كتاب التفسير باب «أفرأيتم اللات والعزّى»: 8/611و رقم: 4860, ومسلم في «صحيحه» كتاب الإيمان: باب من حلف باللات والعزى: 3/1267 – 1268 رقم: 1647 من حديث ابي هريرة رضي الله عنه.
(6) من مثل قوله تعالى: { وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ } [البقرة: 188] وآيات أخرى في سورة النساء رقم: 29 و 161 ونحو المذكور هنا عند المصنف أيضًا في «الكبائر»: 205 بتحقيقي.(1/30)
فالله تعالى حَرَّم الميْسر في كتابه, واتفق المسلمون على تحريم الميسر (1), سواءُ كان بالشِّطرنج, أو بالنرْد (2), أو بالكعاب (3), أو البيض, أو بالجوز (4). فإنَّ غير واحدٍ من التابعين كعطاء, ومجاهد, وإبراهيم, النخعيِّ وطاوس (5) قالوا: كُلَّ شيء من القمار فهو من الميسْر, وهو حرامُ حتى لعب الصِّبيان بالجوز (6).
[واعلمْ أنَّ] (7) بيع البخور وضرب الطاسات عليه من [الفضائح, وعمل الصُّلبان والورقِ المصوَّر في البيوت من العظائم التي من] (8) اعتقد حلها ونفعها فقد ضلَّ ضلالًا مبينًا.
__________
(1) ذكر الإجماع غير واد من العلماء. منهم: الجصاص في «أحكامه»: 2/11 وإلكيا الهرَّاسي ف] «أحكامه» أيضًا: 1/126.
(2) انظر حرمة النرد والشطرنج إن كان فيه قمار في «تفسير القرطبي»: 8/338. وإن خلا عنه أيضًا في «الفروسية» لابن القيم, بتحقيقي, وتعليقنا عليه.
(3) المراد به ما يسمى اليوم بالزهر انظر: "لعب العرب": 72 للعلامة أحمد تيمور باشا.
(4) وكذا في سائر ألعاب ماكينات القمار الحديثة, كلعبة 0الروليت) و (البنجو) واليانصيب وبعض صور في المسابقات الثقافية والجوائز التشجيعية, وقد فصلنا ذلك في رسالة مستقلة, يسر الله نشرها والانتفاع بها.
(5) وكذا: ابن سيرين والحسن وابن المسيب وقتادة ومعاوية بن صالح وعلي بن أبي طالب وابن عباس, قال القرطبي في «التفسير»: 3/52.
(6) وأسند ذلك عن بعض المذكورين غير واحد, ولا يتسع المقام لتفسير ذلك, وانظر غير مأمور «الدر المنشور»: 2/320, و «تحريم النرد والشطرنج»: 163 – 165 للآجري.
(7) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (أ).
(8) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (أ).(1/31)
أما سمعت نبيَّك صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تدْخُل الملائكة بيتًا فيه صورة) (1).
أما تستحي [يا هذا] (2) من الله [عز وجلَّ] (3), تجعل بيتك كنيسة, فيه صلبان وصورُ.
روى هشام بن حسان عن ابن سيرين [رحمه الله] (4) قال (5): «أتى عليُّ بن [أبي]] (6) طالب رضي الله عنه بهدية (7)
[يوم] (8) النيروز, فقال: ما هذه؟ قالوا: يا أمير المؤمنين هذا يوم النيروز, قال, فاصنعُوا كلَّ يوم نيروزًأ معنا» (9).
__________
(1) أخرجه البخاري في «الصحيح» كتاب بدء الخلق باب إذا قال أحدكم آمين: 6/312, رقم: 3225 و 3226, وباب إذا وقع الذباب: 6/359, رقم 3322, وكتاب المغازي: باب منه: 7/315 رقم: 4002, وكتاب اللباس, باب التصاوير: 10/380, رقم: 5949, وباب من كره القعود على الصور: 10/389, رقم: 5957, ومسلم في «صحيحه» كتاب اللباس والزينة. باب تحريم تصوير صورة الحيوان: 3/1665, رقم: 2106, من حديث أبي طلحة رضي الله عنه.
(2) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (أ).
(3) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (أ).
(4) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (أ).
(5) في نسخة (ب): «قال ابن سيرين رحمه الله 000».
(6) ما بين المعقوفين سقط من نسخة (أ).
(7) في نسخة (أ): «هدية».
(8) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (أ).
(9) أخرجه البيهقي في (السنن الكبرى): 9/235.(1/32)
قال بعض العلماء: [معناه] (1) أن عليًا رضي الله عنه كره أن يقال: نيروز وأنْ يخص به يومًا دون يوم. فأمَّا النيروز, فإن أهلَ مصرَ يبالغون في عمله, ويحتفلون له (2) وهو أول [يوم] (3) من سنة القبط, ويتخذون ذلك اليوم عيدًا يتشبه بهم المسلمون, وهو أول فصل الخريف (4). [وقال حذيفة رضي الله عنه: «من تشبَّه بقوم فهو منهمو ولا يُشبه الزِّيُّ الزِّيّ حتى يشبه الخلق الخلق» (5).
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: «لا يشبه الزي الزي حتى تشبه القلوب القلوب»] (6) (7).
__________
(1) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (أ).
(2) في نسخة (ب): «به».
(3) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (أ).
(4) قال الشيخ حمود التويجري في «الإيضاح والتبيين لما وقع فيه الأكثر من مشابهة المشركين» (54) في مبحث الأعياد المبتدعة: ومنها: ما يجعل لولاية بعض الملوك, ويسمى عيد الجلوس). وهو مأخوذ من عيد النيروز عند العجم. قال الشيخ محمد السفاريني: قال أصحاب الأوائل: أول من أكد النيروز (حشميد الملك) وفي زمانه بعث هود على نبينا وعليه السلام, وكان الدين قد تغير, ولما ملك (حشميد) جدد الدين, زأظهر العدل, فسمي اليوم الذي جلس فيه على سرير الملك (نيروزًا). قال مرتضى الحسيني في «تاج العروس»: اسم أول يوم في السنة عند الفرس عند نزول الشمس أول الحمل, وعند القبط أول توت, كما في «المباح» معرب نيروز, «أي اليوم الجديد».
(5) أخرجه الديلمي في (الفردوس): 5/168, رقم: 7845 عن حذيفة مرفوعًا وفيه أبو مقاتل حفص بن سالم السمرقندي, كذبه ابن مهدي وغيره وعنه أحمد بن نصر – إن يكن هو الذراع فدجال وإلا مجهول. انظر «تنزيه الشريعة»: 2/312, و «ذيل اللآليء» للسيوطي: 188.
(6) أخرجه وكيع في «الزهد» رقم: 324, وهناد في «الزهد» رقم: 796, وابن أبي شيبة. في «المصنف»: 2/2/247/ب, بإسناد ضعيف, فيه ليث بن أبي سليم.
(7) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (أ).(1/33)
وإذا كانت مشابهتهم في القليل ذريعة إلى هذه العظائم كانت مُرمة, فكيف إذا أضيف إلى المشابهة ما هو محضُ الكفر من التبُّرك بالصليب, والتعميد بماء المعمودية (1) أو قول القائل:
«المعبود واحد» [يعني «الإله واحد] (2) والطرق إليه مختلفة» (3)!!
فها هنا يهون صبغ البيض، والخضابُ ولطخُ قرون المعزَى والمواشي بالمغرة(4) وإنْ كان الكل باطلًا (5).
فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، اللهم أحْي قلوبنا بالسُّنة المحضة، وامدُدْنا بتوفيقك [الهادي إلى طريقك] (6)، [ولا تكلنا إلى أنفسنا لحظة، واهدنا الصراط المستقيم] (7)
وجنبنا الفواحش [والبدع] (8) ما ظهر منها وما بطن، [آمين] (9) يا رب العالمين، [والحمد وحده] (10)، وصل الله على سيدنا محمد وآله وصحبه [أجمعين] (11) [وسلم] (12). [وكان الفراغ من كتابه يوم الخميس خامس شهر صفر الخير من شهور سنة ثمان وسبعين وثمان مائة] (13).
__________
(1) في «القاموس المحيط»: 2/632, «المعمودية عند النصارى: أن يغمس القس الطفل في ماء يتلو عليه بعض فقر من الإنجيل وهو آية التنصير عندهم».
(2) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة (أ).
(3) ويردد هذا الشعار وأمثاله الداعون إلى تقريب الأديان – زعموا, وانظر كتابنا «الهجر في الكتاب والسنة»: 181.
(4) ذكر ابن تيمية في «اقتضاء الصراط المستقيم»: 1/481 من يدع الناس في أعياد النصارى: «وينكتون بالحمرة» دوابهم و «المغرة» طين أحمر يصبغ به.
(5) في نسخة (ب): «وإن الكلَّ باطل».
(6) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة: (ب).
(7) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة: (أ).
(8) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة: (أ).
(9) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة: (أ).
(10) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة: (ب).
(11) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة: (ب).
(12) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة: (أ).
(13) ما بين المعقوفتين سقط من نسخة: (ب).(1/34)
سلسلة بحوث وتحقيقات مختارة من مجلة الحكمة (20)
جُزءٌ فيهِ
تحرير الجواب عن ضرب الدَّواب
للشيخ العلامة محمد بن عبد الرحمن بن محمد السخاوي (831-902) رحمه الله تعالى
حققه
أبي عُبيدة مشهُور حَسَن سلمان
وأبي حُذَيْفَة أحمد الشقيرات
قام بنشره
أبو مهند النجدي
Almodhe1405@hotmail.com
almodhe@yahoo.com
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فهذا جزء حديثيُّ جمع فيه الإمام السخاوي الأحاديث التي فيها جواز ضرب الدواب، ثم أتبعها بأحاديث وآثار وقصص فيها الرفق بها. تكلم عليها بنفسه الحديثي المعروف، ذاكرًا مصادرها، ثم مبينًا أحيانًا درجتها وغريبها.
وفي هذه الرسالة «بيان واضح أن الإسلام هو الذي وضع للناس مبدأ «الرفق بالحيوان» خلافًا لما يظنُّه بعض الجهال بالإسلام أه من وضع الكفار الأوربيين؛ بل ذلك من الآداب التي تلقوها عن المسلمين الأولين، ثم توسعوا فيها، ونظموها تنظيمًا دقيقًا، وتبنتها دولهم حتى صار الرفق بالحيوان من مزاياهم اليوم، حتى توهم الجهال أن من خصوصياتهم! وغرَّهم في ذلك أنه لا يكاد يُرى هذا النظام مطبقًا في دولة الإسلام وكانوا هم أحق بها وأهلها» (1).
بيد أن الرفق بالحيوان لا يخرجه عن دائرة الحيوانية، بحيث يكون أعلى مرتبة من الإنسان، بل الإسلام وسط في ذلك، يعطي كلَّ مخلوق حقه، فالإنسان مكرَّم ومسخَّر الكون له، والحيوان مأمور بالرفق به، منهي عن تعذيبه وإيذائه، ولكنه أقل مرتبة من الإنسان، ومسخر له.
__________
(1) من كلام شيخنا الألباني -بعد سياقه جملة من الأحاديث والآثار، يحسن الرجوع إليها- في «السلسلة الصحيحة»: 1/37.(1/1)
والغربيون حينما ابتعدوا عن منهج الله سبحانه، وغابت الروابط الدينية بينهم، راحوا يبحثون عن الارتباط بالحيوانات، فأسكنوها بيوتهم ومنازلهم، وقدَّموا لها أفخر أنواع الطعام والشراب، وفي الوقت نفسه ذهبوا بآبائهم (كبار السِّن) إلى (ملاجئ العجزة)، فنجد الرجل والواحد منهم في الغرب يخرج أباه من بيته، ويتخذ عوضًا عنه كلبًا أو قطًّا، وفي الوقت الذي يرفقون فيه بالحيوان ويغالون في ذلك (1)، تجدهم يحتقرون الإنسان، فالأسود في (أمريكا) وفي جنوب (إفريقيا) يعدُّونه أحط منزلةً من الحيوان، وهكذا فإن الإنسان عندما يبتعد عن منهج الله –عز وجل- يتناقض في تصرفاته تناقضًا كبيرًا.
نسبة هذا الجزء لمؤلفه :
هذا الجزء صحيح النسبة للسخاوي، فقد ذكره ضمن مصنفاته في ترجمته لنفسه في «الضوء اللامع»: 8/19. وذكره له أيضًا إسماعيل باشا البغدادي في «هدية العارفين»: 2/220.
النسخة المعتمدة في التحقيق :
اعتمدنا في تحقيق هذا الجزء على نسخة خطية موجودة ضمن مجموع في جامعة (بيل) في الولايات المتحدة الأمريكية، رقم (234- مجموعة لاندبيرج) وهذا الجزء فيه من ورقة (69-80). وهو بخط تلميذ المصنف عبد العزيز بن عمر بن محمد ابن فهد، نقله من خط شيخه المصنف. وفي آخره أثبت المصنف أسماء جماعة من تلاميذه سمعوه عليه (2)، وكتب الناسخ في آخره:
«
__________
(1) من مثل ما جاء في مجلة «الهلال» (مجلد 27 ج9 ص126 تحت عنوان: (الحيوان والإنسان): «إن محطة السكك الحديدية في (كوبنهاجن) كان يتعشعش فيها الخفاش زهاء نصف قرن، فلما تقرر هدمها وإعادة بنائها أنشأت البلدية برجًا كلفته عشرات الألوف من الجنيهات منعًا من تشرد الخفاش».
(2) انظر ما في آخر هذا الجزء (ص248).(1/2)
هذا لفظ المؤلف بحروفه ومن خطه –أمتع الله المسلمين بحياته- نقلتُ ذلك في يومين متواليين، ثانيهما يوم الثلاثاء ثالث عشر، جمادى الثاني، سنة سبع وثمانين مائة، بمنزلة في مكة المشرفة، قاله وكتبه أبو الخير وأبو فارس محمد المدعو عبد العزيز بن عمر بن محمد ابن فهد الهاشمي المكي الشافعي الأثري، ألهمه الله رشده، ولطف به وبوالديه وبإخوانه، وبجميع المسلمين، والحمد لله، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا».
وعلى طرة المخطوط بخط المصنف ما صورته:
«جزء فيه تحرير الجواب عن ضرب الدواب، للفقير إلى العفو محمد بن عبد الرحمن بن محمد السخاوي الشافعي، غفر الله ذنوبه، وستر عيوبه، وأصلح فساد قلبه، وختم له بخير».
وعليه أيضًا بخط المصنف سماع الناسخ له منه، وهذا صورته:
«الحمد لله، قرأ عليَّ هذا الجواب كاتبه الشيخ الفاضل البارع المحدِّث المكثر المفيد سليل الأماثل عز الدين أبو فارس عبد العزيز ابن صاحبنا الإمام الحافظ المرحوم نجم الدين عمر الهاشمي المكي الشافعي، عرف بـ «ابن فهد» نفع الله به كما نفع بأسلافه ...».
عملنا في هذا الكتاب:
يتلخص عملنا في تحقيق هذا الجزء بما يلي:
قمنا بنسخه، وضبط المشكل من عباراته، والتعريف بالمبهم من ألفاظه، وتخريج الأحاديث مع الحكم عليها، مستأنسين بأحكام الحفاظ والعلماء من أهل الصَّنعة، فإن وفقنا؛ فالحمد لله وحده، وإنْ كانت الأخرى، فنستغفر الله من الخطأ والزلل، ونسأله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بما قمنا به من جهد متواضع في الدارين، وأن يجعله في ميزان حسناتنا، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
جُزءٌ فيهِ
تحرير الجواب عن ضرب الدَّواب
للشيخ العلامة محمد بن عبد الرحمن بن محمد السخاوي (831-902) رحمه الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم. صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا.(1/3)
أما بعد: حمدًا لله الذي وسعت رحمته كل شيء، والصلاة والسلام على أشرف خلقه المبعوث رحمة لكل ميت وحيٍّ، فهذا جزء أجبت فيه عن مسألة ضرب الدواب، وأسعفت به من سأل عنها من الفضلاء، ذوي البراعة والانتخاب، نفعني الله وإياه به وسائر المسلمين، وختم لنا بخير أجمعين.
فأقول: قد جاء الضرب في أحاديث؛ منها:
[(1/4)
1] ما رواه النسائي في «سننه الكبرى» -بسند صحيح- من حديث عبد الله بن أبي الجعد عن جُعَيل الأشجعي رضي الله عنه قال: «غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته، وأنا على فرس لي عجفاء ضعيفة، فلحقني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال: سر يا صاحب الفرس، قلت: يا رسول الله، عجفاء ضعيفة، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مخفقة –يعني: دِرَّةً كانت معه فضربها بها، وقال: اللهم بارك له فيها، قال: فلقد رأيتني ما أملك رأسها أن تقدَّم الناسَ، ولقد بعْتُ من بطنها باثني عشر ألفًا» (1).
[
__________
(1) أخرجه النسائي في «الكبرى» كتاب السير، باب ضرب الفرس: 8818، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني»: 3/25، رقم 1310، والبخاري في «التاريخ الكبير»: 2/249، والروياني في «مسنده»: ق263/أ، والطبراني في «الكبير»: 2172، والمزي في «تهذيب الكمال»: 5/118، وقوام السنة التيمي في «دلائل النبوة»: 3/922، رقم 148، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة»: 1/ق139/ب، وأبو القاسم البغوي في «معجم الصحابة»: ل86، وابن قانع في «معجم الصحابة»: 3/ق25/ب، وابن الأثير في «أسد الغابة»: 1/18، 345، وقال الهيثمي في «المجمع»: 5/266: «رجاله ثقات»، وصحح الحافظ إسناده في «الإصابة»: 1171، قلت: مداره على عبد الله بن أبي الجعد، وهو مجهول، ذكره ابن حبان في «ثقاته»: 5/20، 54، على قاعدته المشهورة وجهله ابن القطان وذكره له هذا الحديث في «بيان الوهم والإيهام»: 2/ق9/أ، فقال بعد أن أورد إسناد النسائي: فيه اثنان لا تعرف أحوالهما، أحدهما: عبد الله بن أبي الجعد، فذكره البخاري ولم يعرف من أمره شيئًا زيادة على ما في هذا الإسناد، وأما = رافع بن سلمة فإنه قد روى عنه جماعة، وسردهم، ثم قال: «وهو مع ذلك لا تعرف حاله». وبالأول أعليه الذهبي في «الميزان»: 2/400، ووقع اضطراب في اسم الراوي عن ابن أبي الجعد كما أشار إليه البخاري في «التاريخ الكبير»: 3/305.(1/5)
2] ومنها ما رواه البيهقي في «دلائل النبوة» -بسند صحيح أيضًا- من حديث أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «جاء رجل –أو قال فتى- إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني تزوجت امرأة، فقال: هل نظرت إليها، فإن في أعين الأنصار شيئًا؟ قال: قد نظرت إليها، قال: على كم تزوَّجتها؟ فذكر شيئًا، قال: فكأنكم تنحتون الذهب والفضة من عُرْض هذه الجبال، من عندنا اليوم شيء نعطيكه، ولكن سأبعثك في وجه تصيب فيه، فبعث بعثًا إلى بني عبس، وبعث الرجل فيهم، فأتاه فقال: يا رسول الله، أعيتني ناقتي أن تنبعث، قال: فناوله رسول الله صلى الله عليه وسلم –لعله يده- كالمعتمد عليه للقيام، فأتاها فضربها برجله رجله، قال أبو هريرة رضي الله عنه: والذي نفسي بيده لقد رأيتها تسبق القائد» (1).
وهو في «صحيح مسلم» والنسائي (2)، لكن بدون المقصود منه هنا.
[
__________
(1) أخرجه البيهقي في «الكبرى»: 7/235، و «دلائل النبوة»: 6/154، بإسناد صحيح.
(2) أخرجه مسلم في «صحيحه»: 9/209، 210 –النووي، والنسائي في «المجتبى»: 4/323، وفي «الكبرى» -كما في «التحفة»-: 13446، والطحاوي في «شرح معاني الآثار»: 3/14. وأخرجه البزار في «مسنده»، كما في «كشف الأستار»: 2/161، رقم 1425، بأطول منه، وليس فيه موطن الشاهد في إيراد المصنف له، قال الهيثمي: «هو «الصحيح» ولم أرَ فيه ذكر الصداق»، وقال البزار: «لا نعلمه بهذا اللفظ عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد»، وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد»: 4/282، « في الصحيح طرف من أوله» رواه البزار عن أحمد بن أبان ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح.(1/6)
3] ومنها حديث جابر رضي الله عنه –المتفق على صحته- (1) في بعيره الذي تخلف
وأرد أن يسيبه (2)، ولفظه في بعض روايته في «الصحيح» (3): «قلت: إني على جمل ثفال –يعني: بطيء الحركة- فقال: أمعك قضيب؟ قلت: نعم، قال: أعطينه، فأعطيته إياه، فضربه فزجره» الحديث.
وفي بعضها مما هو في الصحيح أيضًا (4): «فتخلف –يعني: الجمل- فنزل، فضربه بمحجنه، ثم قال: اركب».
وفي بعضها عند مسلم(5): «فنخسه، ثم قال: اركب باسم الله».
__________
(1) أخرجه البخاري في «الصحيح» الأرقام: 2097، 2309، 2385، 2496، 2470، 2604، 2718، 2861، 2967، 3089، 50798، 5445، 5247، ومسلم في «الصحيح»: 5/227، 10/53-56، 11/30-36، وأبو داود في «السنن»: 3505، والترمذي في «الجامع»: 1253، وقال: «هذا حديث حسن صحيح»، والنسائي في «المجتبى»: 4637، 4638، 4639، وأحمد في «المسند»: 3/299، 314، 358، 362، 272، 375، 392، والحميدي في «المسند»: 285، والفريابي في «دلائل النبوة»: 51، 52، والطحاوي في «شرح معاني الآثار»: 4/41، وأبو يعلى في «المسند»: 1973، 1850، 1898، وتمام في «فوائده»: 695 –ترتيبه، والبيهقي في «السنن»: 5/337، و «الدلائل»: 6/151، وأبو نعيم في «المستخرج»، والحميدي في «الجمع بين الصحيحين» -كما في الفتح: 4/485، وأبو عوانة والإسماعيلي –كما فيه أيضًا: 5/316-318.
(2) قال الحافظ في «الفتح» 5/315: «أي: يطلقه وليس المراد أن يجعله سائبة لا يركبه أحد كما كانوا يفعلون في الجاهلية؛ لأنه لا يجوز في الإسلام».
(3) أخرجه البخاري في «صحيحه» رقم 2309، من طريق عطاء بن أبي رباح عن جابر.
(4) أخرجه مسلم في «صحيحه»: 1/55، من طريق وهب ابن كيسان عن جابر، لكن لفظه: «فتخلفت فنزل فحجنه بمحجنه، ثم قال: اركب».
(5) في «صحيحه»: 11/34، من طريق الجريري عن أبي نضرة عن جابر.(1/7)
وفي بعضها عند أحمد (1): «فقال أنخه، وأناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: أعطني هذه العصا –أو اقطع لي عصا من شجرة- ففعلت، فأخذها فنخسه بها نخسات».
وفي بعضها مما هو عند الطبراني: «فنفث فيها –أي: العصا- ثم مجَّ من الماء في نحره، ثم ضربه بالعصي، فوثب».
ولغيره: «ونضح ماء في وجهه ودبره، وضربه بعُصَيَّة فانبعث».
وفيها من أعلام النبوة ما لا يخفى، وبها يستدل لجواز ضرب الدابة لتسير وإن كانت غير مكلفة. وقد ترجم النسائي في «سننه الكبرى» على الأخير منها: «ضرب البعير»، وعلى الأول منها: «ضرب الفرس».
لكن محل ذلك ما إذا لم يتحقق أن ذلك منها من فرط تعب وإعياء.
وقد رُوِّينا في تاسع عشر «المجالسة» من طريق شعيب بن حرب قال: «لما خرجت إلى يوسف بن أسباط اكتريتُ حمارًا، فركبته، فجعل لا يمشي كما أريد، فقال لي المكاري، حرِّك رجليك يمشي، فقلت له: ما كنت لأحمله على أكثر من طاقته».
__________
(1) في «مسنده»: 3/375، من طريق محمد بن إسحاق حدثني وهب بن كيسان عن جابر.(1/8)
ويُعلم ذلك بقرائن منها –كما نُقل عن بعض الأئمة- أنه يشار إليها من مكان بعيد بالعلف ونحوه، فإن قصَدته فجائز له حملها بالضرب، لتصل إلى الحد الذي قصدت به العلف. لكن ذلك غير لازم لاحتمال أنها تكلفت في العَدْو إلى العَلف فوق طاقتها، محبَّةً فيه، ورغبةً إلى الوصول إليه، على أنه روي أنه صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، لما جهد الناسُ الظهرَ جهدًا شديدًا وشكوا ذلك إليه، ورآهم رجالًا لا يرجون ظهرهم، نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم من مضيق ممر الناس، وقد وقف عليه والناس يمرون، فنفخ فيها وقال: (اللهم احمل عليها في سبيلك، فإنك تحمل على القوي والضعيف، والرَّطب واليابس، في البر والبحر)، فاستمرت. قال راويه رضي الله عنه: «فما دخلنا المدينة إلا وهي تنازعنا أزمتها» (1). وكأنه صلى الله عليه وسلم عدل عن الضرب إلى الدعاء، للمشقة في استيعابها بالضرب، أو لتتنوع أسباب المعجزة، أو لشدة ضعفها.
__________
(1) إسناده حسن. أخرجه أحمد في «المسند»: 6/20، من طريق عصام بن خالد الحضرمي، وابن حبان في «الصحيح»: 4681 –الإحسان، والفريابي في «دلائل النبوة»: 50، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني»: 4/132، رقم: 2110 من طريق الوليد بن مسلم، كلاهما عن صفوان بن عمرو عن شريح بن عبيد عن فضالة ابن عبيد الأنصاري قال: «غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك ...» فذكره، وأخرجه الطبري في «الكبير»: 18/771، و«الدعاء»: 2/1191 رقم: 840، والبزار «كشف الأستار»: 1840، من طريق يحيى بن عبيد، والبابلي ضعيف، انظر: «التقريب»: 7585، و«مجمع الزوائد»: 6/193، و«السيرة الشامية»: 2/2/394، و«الذهب المسبوك في تحقيق روايات غزوة تبوك»: 335، 336.(1/9)
ونحوه ما يُروى فيمن ساء خُلقه من الدَّواب والرقيق، أنه صلى الله عليه وسلم أمر أن يُقرأ في أذُنِه (1): { أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } (2).فإن علاجها بالضرب حينئذ لا يؤثر في زوال المحذور، بل ربما يكون سبباً لزيادته.
__________
(1) أخرجه الطبراني في «الأوسط»: 1/77، رقم: 64، وابن عساكر في «تاريخ دمشق»: (4/416 –تهذيب ابن بدران) من طريق الحكم بن يعلى بن عطاء المحاربي ثنا محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير أبو خلف عن أنس رفعه. وقال الطبراني عقبه: «لا يروى هذا الحديث عن أنس إلا بهذا الإسناد». وقال شيخنا الألباني في «السلسلة الضعيفة»: 676 موضوع. رواه أبو الفضل الهمداني في آخر «مجلس من حديث أبي الشيخ»: 66/1، وابن عساكر: 5/122/2، عن أبي خلف عن أنس بن مالك مرفوعًا، = = وقال: «قلت: وهذا إسناد موضوع، قال الذهبي: أبو خلف الأعجمي عن أنس كذبه يحيى بن معين، وقال أبو حاتم: منكر الحديث. قلت: وفيه أيضًا الحكم وشيخه وهما متروكان، واقتصر الهيثمي في «المجمع»: 8/25، 26 على إعلاله بمحمد بن عبد الله. وقال شيخنا: «والحديث رواه ابن السني» [رقم: 512] عن المنهال بن عيسى حدثنا يونس بن عبيد قال، فذكره مختصرًا نحوه موقوفًا عليه. ولذلك قال الحافظ: «هو خبر مقطوع، والمنهال قال أبو حاتم: مجهول. وقد وجدته عن ابن عباس، أخرجه الثعلبي (في التفسير)». ولم يذكر الحافظ إسناده بتمامه لنظر فيه، وقد نقلت كلامه عن «شرح الأذكار»: 5/152. انتهى. وقد أوردته كتب التفسير موقوفًا على ابن عباس، مثل القرطبي في «الجامع لأحكام القرآن»: 4/128، وغيره.
(2) سورة آل عمران: 83.(1/10)
وقد روى ابن المنذر في «الأوسط»، وأحمد في «مسنده»، وغيرهما، من حديث المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كُنت على بعير فيه صعوبة، فكنت أضربه- أو أحْزقه- فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا عائشة! ، عليك بالرفق، فإنه لا يكون قي شيء إلا زانه ولا ينزع منه إلا شانه).
وهو في «صحيح مسلم» بمعناه: «ركبت بعيرًا فكانت فيه صعوبة، فجعلت تُرَدِّدُهُ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليك بالرفق)» وذكره (1). ترجم عليه ابن المنذر: «ذكر الرفق بالدواب».
__________
(1) أخرجه مسلم في «صحيحه»: 16/146، 147، وأبو داود في «السنن»: 2478، و4808، وأحمد في «المسند»: 6/58، 112، 125، 171، 206، 222، وابن أبي شيبة في «المصنف»: 5356، وإسحاق بن راهويه في «المسند»: الأرقام: 1042، 1043، 1044، والبخاري في «الأدب المفرد»: 469، 475، 580، وابن حبان في «الصحيح»: 550 –الإحسان، والبزار -كما في «كشف الأستار» 1966- والطيالسي في «المسند»: 1516، ووكيع في «الزهد» رقم: 464 وهناد في «الزهد» رقم: 1282، والطبراني في «الأوسط» والبيهقي في «الشعب» رقم: 11064، والبغوي في «شرح السنة»: 3493، وابن الأبار في «معجمه»: 255، 256.(1/11)
ومنه في القول عند عثورها، كما جاء عن أسامة بن عمير رضي الله عنه مما أخرجه أبو داود، والنسائي، وصححه الحاكم –قال: «كنت ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعثر بعيرُنا، فقلت: تعسَ الشيطانُ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقل: تعس الشيطان؛ فإنه يعظم حتى يصير مثل البيت، ويقول: بقوَّتي، ولكن قل: باسم الله، فإنه يصغر حتى يصير مثل الذباب» (1).
__________
(1) أخرجه النسائي في «عمل اليوم والليلة»: 555، وأبو يعلى في «معجم شيوخه» رقم: 71، ومن طريقه الضياء في «المختارة»: 4/197، رقم: 1413، وابن السني في «عمل اليوم والليلة»: 511، والطبراني في «الكبير»: 1/194، رقم: 516، وابن أبي = عاصم في «الآحاد والمثاني»: 2/306، رقم: 1068، ومن طريقه، والطبراني من طريق ابن منده في «معرفة أسامي أرداف النبي صلى الله عليه وسلم»: 65، 66، من طريق أحمد بن عبده عن محمد بن حمران القيسي عن خالد الحذاء عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي المليح عن أسامة. وقال النسائي عقبه: «الصواب عندنا حديث عبد الله بن المبارك، وهذا عندي خطأ».
وأخرجه أبو داود في «السنن»: 4982، من طريق خالد بن عبد الله، والنسائي في «عمل اليوم والليلة»: 554 من طريق ابن المبارك، كلاهما عن خالد الحذاء به، لكن بإبهام الصحابي.
وأخرجه الحاكم في «المستدرك»: 4/292 –وصححه ووافقه الذهبي- من طريق يزيد من زريع عن خالد الحذاء، وأحمد في «المسند»: 5/59-71، ومن طريقه الضياء في «المختارة»: 4/198، رقم: 1414، والبيهقي في «الشعب»: 5183، 5184، من طرق عن عاصم الأحول كلاهما –الحذاء والأحوال- عن أبي تميمة عن رديف النبي صلى الله عليه وسلم، وأخرجه أحمد في «المسند»: 5/95، حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عاصم قال: سمعت أبا تيمية يحدث عن رديف النبي صلى الله عليه وسلم. قال شعبة: قال عاصم عن أبي تميمة عن رجل عن رديف النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخرجه النسائي في «عمل اليوم والليلة»: 556 من طريق خالد الحذاء عن أبي تميمة عن أبي المليح قال: «كان ردف النبي صلى الله عليه وسلم...» مرسلًا.
ورجالها رجال الصحيح كما في «مجمع الزوائد»: 10/131/132 وجهالة الصحابي لا تضر، وانظر «تحفة الأشراف»: 1/65، رقم: 135.(1/12)
وعن حسان أن رجلًا كان على حمار، فعثر به فقال: تعِسْتَ. فقال صاحب اليمين: ما هي حسنة فأكْتُبها، فأوحي –أو نودي-: «ما ترك صاحبُ اليمين فاكتبه» رواه البيهقي في الشعب (1).
وعن بعضهم قال: «خرجت من حَرَّان إلى الموصل في زمن الشتاء والوحل والأمطار، وكانت جمال الناس تقع كثيرًا، وقاسى الناسُ شدَّة عظيمة، فكنت أخشى على نفسي لما أعلم من ضعفي، فنمت، فسمعت قائلًا يقول: ألا أعلمك شيئًا إذا قلته لم يقع جملك، وتأمن به؟ فقلت له: بلى والله، ولك الأجر، فقال لي: قل: { إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا } (2) الآية. فقلت: فما وقع جملي حتى دخلت الموصل، وهلك للناس شيء كثير من سقوط جمالهم، وسلم ما معي».
ففي هذه الحالة أيضًا لا يضربها؛ لأنه لا قوة لها في العثر والوحل، نعم له ضربها على الجفل، ومعالجتها في تجنبه برفق.
وكله محل الجواز أيضًا فيما عدا الوجه؛ لشمول النهي الوارد فيه كل حيوان محترم، الآدمي والحمير والخيل والإبل والبغال والغنم وغيرها، لكنه في الآدمي أشد. بل يروى في النهي عن لطم خدِّها ما أخرجه أحمد عن المقدام بن معديكرب رضي الله عنه قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن لطم خدود الدواب، وقال: (إن الله قد جعل لكم عصيًّا وسياطًا» (3).
__________
(1) أخرجه البيهقي في «الشعب»: 5182 قال أخبرنا أبو زكريا ابن أبي إسحاق أخبرنا أبو بكر أحمد بن سلمان الفقيه حدثنا محمد بن الهيثم بن حماد، حدثنا محمد بن كثير عن الأوزاعي عن حسان فذكره، ومحمد بن كثير هو (الشامي) «متروك» كما في «التقريب»: 6255. وحسان هو ابن عطية المحاربي، من صغار التابعين.
(2) سورة فاطر: 41.
(3) إسناده ضعيف. أخرجه أحمد: 4/131، حدثنا سريج بن النعمان حدثنا بقية بن الوليد عن أرطأة بن المنذر عن بعض أشياخ الجند عن المقدام. قال الهيثمي في «المجمع»: 8/109، بعد أن عزاه له: «وفيه راوٍ لم يسمَّ، وبقية مدلس».
وله شاهد من حديث الصماء بنت بسر، يأتي في صفحة (221).(1/13)
ولا شك في تحريم تكليفها ما لا طاقة لها به من حمل وسير، والضرب حينئذ بسبب ذلك حرام، وقد ورد أنه يُقَصُّ للشاة الجلحاء –يعني: التي لا قرن لها- من القرناء (1)، فالقصاص هنا من باب أولى. وقريب منه حديث
أخذ الفرخين، كما سيأتي (2).
__________
(1) أخرجه مسلم في «الصحيح»: 16/136، والترمذي في «الجامع»: 2420 -وقال: «حسن صحيح»- وأحمد في «المسند»: 2/235، 301، 323، 372، 411، والبخاري في «الأدب المفرد»: 183، وأسد بن موسى في «الزهد»: 102، وأبو يعلى: 6513، والطبراني في «الأوسط»: 2/ق35، والبيهقي: 6/93، وابن حبان في «الصحيح»: 7363، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء م الشاة القرناء». قال النووي في شرحه: «هذا تصريح بحشر البهائم يوم القيامة، وإعادتها يوم القيامة كما يعاد أهل التكليف من الآدميين، وكما يعاد الأطفال والمجانين، ومن لم تبلغه دعوة. وعلى هذا تظاهرت دلائل القرآن والسنة، قال الله تعالى: { وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ } . إذا ورد لفظ الشرع ولم يمنع من إجرائه على ظاهره عقل ولا شرع وجب حمله على ظاهره. قال العلماء: وليس من شرط الحشر والإعادة في القيامة المجازاة والعقاب والثواب، وأما القصاص من القرناء للجلحاء، فليس هو من قصاص التكليف إذ لا تكليف عليهما، بل هو قصاص مقابلة».
(2) صفحة 227.(1/14)
وكذا ورد مما يقتضي سؤال رب الدابة عن صنيعه معها حديث: (من قتل عصفورًا في غير شيء –إلا بحقه- سأله الله عز وجل عن ذلك. قيل: يا رسول الله، وما حقه؟ قال: أن يذبحه ويأكله) (1). وفي لفظ: (من قتل عصفورًا عَبثًا ولم يقتلني منفعةً) (2). صححه ابن حبان وغيره.
بل وردت الوصية بها في أحاديث:
[
__________
(1) أخرجه من حديث عبد الله بن عمرو: النسائي في «المجتبى»: 4445، 4349، وأحمد في «المسند»: 2/166، 197، والحميدي في «المسند»: 587، والشافعي في «السنن المأثورة»: 606 -ومن طريقه الطحاوي في «مشكل الآثار»: 1/372، والبيهقي: 9/86- وأسد بن موسى في «الزهد»: 104، والفسوي في «المعرفة والتاريخ»: 2/208، 703، من طرق عن عمرو بن دينار عن صهيب مولى عبد الله بن عامر عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وضعفه شيخنا الألباني في «غاية المرام»: 47 لأجل صهيب.
(2) أخرجه النسائي في «المجتبى»: 4446، وأحمد في «المسند»: 4/389 والبخاري في«التاريخ الكبير»: 4/277 -278 ، وابن حبان في «الصحيح»: 5894، والطبراني في «الكبير»:7245 ، وابن عدي: 5/1737 ، والدولابي في «الكنى»: 1/175 ، من طريق عامر الأحوال عن صالح بن دينار عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره، وأخرجه الطبراني في «الكبير»: 7246 ، من طريق أبان بن صالح عن صالح بن دينار به. وأخرجه الطحاوي في «المشكل»: 1/372 من طريق أبان بن صالح عن عمرو بن دينار عن عمرو بن الشريد به- كذا في المطبوع وإنما هو صالح بن دينار. وضعفه شيخنا الألباني في «غاية المرام»: 46. وله شاهد من حديث أنس، أخرجه القضاعي في«مسند الشهاب»: 524، وابن عدى في «الكامل»: 3/1047، وقال شيخنا الألباني في«غاية المرام»، صفحة 48 :«وهذا إسناد ضعيف جدًّا». وله شاهد آخر عن قتادة مرسلًا، أخرجه عبد الرازق في «المنصف»: 8413.(1/15)
1] فروى الحارث بن أبي أسامة في «مسنده» من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أنه أتى بقوم قد أناخوا فحمَّلوه غِرارتين ثم عَلوْه بأخرى، فلم يستطع البعيرُ أن ينهض، فألقاها عنه أبو الدرداء، ثم أنهضه فانتهض، فقال أبو الدرداء: إن غفر الله لكم ما تأتون إلى البهائم ليغفرنَّ عظيمًا، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله يوصيكم بهذه العُجم خيرًا، أن تنزلوا بها منازلها، فإذا أصابتكم سَنَة أن تنجو عليها نقيها) (1).
وهي بكسر النون، وسكون القاف، بعدها تحتانية؛ أي: مخها. ومعناه: أسرعوا حتى تصلوا مقصدكم قبل أن يذهب مخها من ضنك السير والتعب. ويوضحه الرواية الآتية بعد.
[2] وعند الإمام أحمد في «مسنده»، وكذا عند غيره، مرفوعًا منه: «لو غفر لكم ما تأتون الرواية إلى البهائم لغَفَر كثيرًا» (2).
[
__________
(1) أخرجه الحارث بن أبي أسامة في «مسنده» كما في «المطالب العالية»: 1923.
ونقل المحقق قول البوصيري: «رجاله ثقات»، وله شواهد عديدة سيذكر المصنف صفحة (234) بعضًا منها.
(2) أخرجه أحمد: 6/241، 442، حدثنا هيثم بن خارجة، والبيهقي في «الشعب»: 5188، من طريق عباس الدوري كلاهما عن أبي الربيع سليمان بن عتبة السلمي عن يونس بن ميسرة عن أبي إدريس عن أبي الدرداء رفعه. وأخرجه عبد الله في «زوائد المسند»: بإسناد أبيه، موقوفًا، وذكر أن الهيثم وقفه. قال الهيثمي: «وإسناده جيد»: 10/194. وكذلك رمز السيوطي في «الجامع الصغير» لحسنه -«فيض القدير»: 7456- ونقل المناوي أن الهيثمي قال: «رواه أحمد مرفوعًا ورواه ابنه موقوفًا وإسناده أصح وهو أشبه». هذه عبارة المنذري في «الترغيب»: 3/313، 314، لا الهيثمي كما نبه على ذلك شيخنا الألباني، وحسن إسناده –يعني: مرفوعًا- في «السلسلة الصحيحة»: 4/5.(1/16)
3] وعند الإمام أحمد في «مسنده» من حديث عبيد الله بن زياد أنه دخل على ابني بُسْرٍ السُّلمِيِّين فقال لهما: «يرحمكما الله، الرجل منا يركب دابته فيضربها بالسوط، ويكفحها باللجام، هل سمعتما من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك شيئًا؟ فإذا امرأة قد نادت من جوف البيت: أيها السائل، إن الله عز وجل يقول: { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ } (1).
فقالا: هذه أختنا، وهي أكبر منا وقد أدركتْ رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).
[4] وللطبراني في «الكبير» بسند جيد عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر فوجد ناقة معقولة، فقال: (أين صاحب هذه الراحلة؟) فلم يستجب له أحد، فدخل المسجد، فصلى حتى فرغ، وخرج فوجد الراحلة كما هي، فقال: (أين صاحب هذه الراحلة؟) فاستجاب له، فقال: أنا يا نبي الله، فقال: (ألا تتقي الله عز وجل فيها؟ إما أن تعقلِها، وإما أن ترسلها حتى تبتغي لنفسها) (3).
[
__________
(1) سورة الأنعام: 38.
(2) إسناده صحيح. أخرجه أحمد: 4/189 من طريق عيسى بن يونس، والبيهقي في «الشعب»: 11066، من طريق الوليد بن مسلم، كلاهما عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن عبيد الله بن زياد، وقال الهيثمي بعد أن عزاه لأحمد: 8/109، 110: «ورجاله ثقات». والحديث أخرجه أيضًا: الخطيب في «تالي التلخيص»، وابن عساكر كما في «الدر المنثور»: 3/267. واسم أختهما التي أجابت «الصماء»، انظر «الإصابة»: 4/351.
(3) قال الهيثمي في «المجمع»: 8/199، 200 بعد أن عزاه للطبراني: وإسناده جيد.(1/17)
5] ونحوه حديث: (دَخلت امرأةٌ النارَ في هِرَّةٍ حبسَتْها حتى ماتت، لا هي أطعمَتْها وسَقَتْها إذ هي حبستْها، ولا هي أرسَلتها تأكلُ من خَشاش الأرض) (1).
وبه استُدل لجواز حبس الطائر ونحوه في القفص ونحوه، وكذا استنبطه أبو العباس ابن القاص من فوائد حديث:
(
__________
(1) أخرجه من حديث أبي هريرة: البخاري في «الصحيح»: 3318، ومسلم: 14/240، 241، 16/173، 17/72، وابن ماجه: 4256، وابن راهويه في «المسند»: 81، وابن ماجه: 4256، وأحمد في «المسند»: 2/261، 269، 286، 317، 424، 457، 467، 479، وفي «فضائل الصحابة»: 148 مطولًا، وهمام في «صحيفته»: 89، وعبد الرزاق في «المصنف»: 11/284، وعلي بن الجعد في «المسند»: 1179، وابن طهمان في «سننه»: 116، وابن حبان: 5621، وبإثر حديث: 546، وهناد في «الزهد»: 1341 و1342، والدراقطني في «الجزء الثالث والعشرين من حديث أبي الطاهر الذهلي»: 87، والخطابي في «غريب الحديث»: 1/464، وبيبي في «جزئها»: 92، والبيهقي في «الكبرى»: 8/14، و«الآداب»: 1175، والبغوي في «شرح السنة»: 1670، 4184.
ويروى أيضًا من حديث ابن عمر، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن عمرو، وأسماء بنت أبي بكر.(1/18)
يا أبا عُمير ، ما فعل النُّغَير) (1). وسبقه لذلك البخاري، فإنه ترجم في «الأدب المفرد»من تصانيفه:«الطير في القفص»، وساق بسند صحيح عن هشام بن عروة، قال:«كان بن الزبير بمكة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحملون الطير في الأقفاص» (2). ثم أردفه بحديث: (يا أبا عُمير، ما فعل النعير ).
[6] وروى أبو داود في «سننه» والطبراني، وصححه ابن خزيمة وغيره، من حديث سهل بن الحنظلية رضي الله عنه قال: « مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعير قد لحق ظهره ببطنه, فقال: (اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة, فاركبوها صالحة, وكلوها صالحة)» (3) وفي رواية: _فاركبوها صحاحًا) (4).
__________
(1) أخرجه من حديث أنس بن مالك, البخاري في «الصحيح»: 6129, 6203و وفي «الأدب المفرد»: 269, 368, ومسلم في «الصحيح»: 5/162 – 164و 14/128, وأبو داود: 4969, والترمذي: 333, 1989 –وقال: «حسن صحيح»- والنسائي في اليوم والليلة: 333,334, 335, 633, وابن ماجه: 3720, 3740, واحمد: 3/114 – 115, 119, 171, 188, 190, 201, 212, 222 - 223, 278, 288 وابن أبي شيبة: 1/400, 6323, وأبو عوانة: 2/72, وابن حبان: 2308, 2506, وابن سعد: 8/312 – 313, وأبو نعيم في الحلية: 7/162, 310, والبيهقي: 5/203. وجزء ابن القاص – واسمه أحمد ابن أبي أحمد الطبري «ت 335هـ» طبع عن مكتبة السنة بالقاهرة, سنة: 1413هـ في 47 صفحة بتحقيق صابر البطاوي.
(2) أخرجه البخاري في «الأدب المفرد»: رقم: 385.
(3) أخرجه أبو داود: 2548, 1629 –لكن دون قصة البعير في الموضع الثاني-, وأحمد: 4/180 – 181, وابن خزيمة: 2545, وابن حبان: 545, و3394 والطبراني: 5620. وصححه شيخنا الألباني في «السلسلة الصحية»: 23.
(4) عند أحمد: 4/180 – 181, وابن حبان: 545, 3394.(1/19)
ترجم عليه ابن خزيمة: «استحباب الإحسان إلى الدواب الركوبة في العلف والسقي, وكراهية إجاعتها وإعطاشها وركوبها والسير عليها جياعًا وعطاشًا».
[7] وفي «سنن أبي داود» من حديث عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم قال لبعض الأنصار –وقد جاء بعير له يشكوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم
وأنه يُدْئبُه (1) في العمل ويُجيعُه-: (أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها) (2).
ومعنى يُدْئبُه: أي يُكِدّه ويتعبه.
__________
(1) تصحّفت في الخطوط «يذئبه» بالذال المعجمة.
(2) أخرجه أبو داود: 2549, وأخمد: 1/204, 205و وأبو عوانة: 1/197, وابن أبي شيبة: 11805, وأبو يعلي: 6787, 6788, والحاكم: 2/99 – 100 –وصححه ووافقه الذهبي- والبيهقي في السنن: 1/94, و8/13, والدلائل: 6/26 – 27. وهو عند مسلم: 4/35, 15/197, وابن ماجه:340, مختصرًا دون قصة الجمل. والحديث صححه شيخنا الألباني في السلسلة الصحيحة 20.(1/20)
وفي رواية أن البعير كان لجماعة, وأنهم قالوا: «يا رسول الله, إنا سَنَوْنا عليه منذ عشرين سنة, فلما كبُرتْ سنُّة وكانت عليه شُحَيمة, أردنا نحره لنَقْسمه بين غلمتنا», وأنه صلى الله عليه وسلم سألهم في ابتياعه منهم فقالوا: «هو لك يا رسول الله. قال: فأحسنوا إليه حتى يأتيه أجله» (1), ومنعهم من نحره. ومحل الإقتداء بهذا الصنيع إذا أمن الضياع, ولم يجُرَّ ذلك إلى فساد منه.
ونحو هذا في إعفاء الدابة من النحر, قصة إغارة المشركين على سَرح الدينة وفيه العضباءُ, ناقةُ النبي صلى الله عليه وسلم, وكانت من سَوابق الحاجِّ, وفي المأسورين امرأة من الأنصار –يُقال يُقال أنها امرأة أبي ذر رضي الله عنهما- قال الراوي: «فكانوا إذا كانوا من الليل يريحون إبلهم في أفنيتهم, قال: فنوَّموا ليلة, فقامت المراة, فجعلت لا تضع يدها على بعير إلا رَغًا, حتى أتتعلى العَضبْاء, قال: فأتَّتْ على ناقةِ ذلولٍ مُجَرَّسَةٍ –وفي رواية: وهي ناقةُ مُدَربَّةُ- فلم ترْعث, قال: فركبتْها, قعَدتْ في عَجُزِها, ثم زجَرتْها فانطلقت, ونذِرُوا بها فطلبوها فأعْجزتهم».
__________
(1) أخرجه أبو نعيم في «دلائل النبوة»: 281, وابن عبد البر في «التمهيد»: 1/223 – 224 من حديث جابر بن عبد الله مطوّلًا وفيه ذكر لخلاء النبي صلى الله عليه وسلم وتقارب الشجر لستره وقصة المرأة التي معها ابن لها يصرع, وأصله عند أبي داود: 2, وابن ماجه: 335 في ذكر إبعاده صلى الله عليه وسلم المذهب عند الخلاء فقط. وأخرج نحوه الطبراني في الكبير: 10016, والأوسط –مجمع البحرين: 320-والبراز- كشف الأستار: 2412. من حديث ابن مسعود مطوّلًا, وفيه ذكر تقارب الشجر لستره صلى الله عليه وسلم عند خلائه أيضًا.(1/21)
قال: ونذرت لله إنْ نجّاها اللهُ عليها لتَنْحَرنَّها, قال: فلما قدمتْ المدينة عُرفت الناقة ناقة النبي صلى الله عليه وسلم, فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك, فقال: (بئس ما جَزَتْها –أو جَزَيتيها- إن الله أنجاها عليها لتنْحَرنَّها, لا وفاءَ لنذْر في معصية الله, ولا فيما لا يملك ابن آدم) (1).
أخرجه مسلم في «صحيحه» وأبو داود وغيرهما من حديث أبي الملهب عن عمران بن الحصين – رضي الله عنهما.
وقوله: «مُجَرَّوسة»: أي مُجربَّة, يعني مدرّبة في الركوب والسير كالرواية الأخرى, وتاجرَّس من الناس: الذي قد جرَّب الأمور وخَبَرها.
وفي رواية عند البيهقي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أنَّ امرأة أبي ذرٍّ جاءت على لصواء، راحلة النبي صلى الله عليه وسلم حتى أناخت عند المسجد، فقالت: يا رسول الله، نذرتُ إنْ نجاني الله عليها لآكلنَّ من كبدها وسنامها، قال: (بئس ما جزيتها، ليس هذا نذرًا، إنما النذر ما ابتغي به وجه الله عز وجل).
__________
(1) أخرجه مسلم في «صحيحه»: 11/99-102 –النووي، وأبو داود: 3316، وقال عقبة: «والمرأة هذه امرأة أبي ذر»، وأحمد: 4/430، 432، 33-434، والنسائي في كتاب السير من «الكبرى» -كما «التحفة»: 8/202، وعبد الرزاق: 9395، وسعيد بن منصور: 2967، والحميدي: 829، والبيهقي في «السنن الكبرى»: 9/109-110، وفي «الدلائل»: 4/189 من حديث أبي المهلب به. وأخرجه أحمد: 4/429 من طريق الحسن عن عمران بن الحصين –ولم يسمع منه- انظر: «المراسيل»: 40، وانظر السيرة النبوية لابن هشام: 3/395.(1/22)
وما أحسن قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتبَ الإحسان على كلِّ شيء، فإذا قتلتُم فأحسنوا القِتْلة، وإذا ذبحتُم فأحسنوا الذِّبْحة، وليُحِدَّ أحدُكم شفْرَته، وليُرحْ ذبيحته) (1).
(
__________
(1) أخرجه من حديث شداد بن أوس: مسلم: 1955، وأبو داود: 2815، والترمذي: 1409 –وقال: هذا حديث حسن صحيح- والنسائي: 440، 5411، 4462، 4413، 4414، وابن ماجه: 3170، والدارمي: 2/82، وعبد الرزاق: 8603، والطيالسي: 1119، وأحمد: 4/123، 124، 125، وابن الجارود: 839، 899، وابن حبان: 5883، 5884، والطبراني في «الكبير»: 7114-7123، و«الصغير»: 2/105، وعلي بن الجعد في «مسنده»: 1262، والسهمي في «تاريخ جرجان»: 386، والبيهقي: 8/60، 61، و9/68، 28، والخطيب في «تاريخه»: 5/278، والبغوي في «شرح السنة»: 2783.(1/23)
لا تُنزعُ الرحمةُ إلا من شقيٍّ) (1). (من رحم ولو ذبيحة رحمه الله يوم القيامة) (2). (والشاة إن رحمتها رحمك الله) (3)، (
__________
(1) أخرجه من حديث أبي هريرة: أبو داود: 4942، والترمذي: 1923 –وقال: «هذا حديث حسن»- وأحمد: 2/301، 442، 461، 539، والطيالسي: 2529/ والبخاري في «الأدب المفرد»: 367، وابن حبان: 462 و466 –وحسن الشيخ شعيب إسناده- والحاكم: 4/248-249، وصححه ووافقه الذهبي –والقضاعي في مسند الشهاب: 772، والبيهقي: 8/161، والبغوي في شرح السنة: 3450.
(2) أخرجه من حديث أبي أمامة: البخاري في «الأدب المفرد»: 383، والطبراني في «الكبير»: 7913، 7915، وابن عدي: 7/2542، وتمام في «فوائده»: 1245، والضياء المقدسي في «المختارة»، والبيهقي في «الشعب»: 7/482، وحسن شيخنا الألباني في «السلسلة الصحيحة»: 27.
(3) أخرجه من حديث قرّة المزني: البخاري في «الأدب المفرد»: 375، وأحمد: 3/436، 5/34، والطبراني في «الكبير»/ 19/44، 45، 46، 47، و«الأوسط»: مجمع البحرين: 161 -و«الصغير»: 1/109، والبزار «كشف الأستار»: 1221، 1222- والحاكم: 3/586، 587، وابن عدي: 5/2013، وأبو نعيم في «الحلية»: 2/302، 6/343، وصححه شيخنا الألباني في «السلسلة الصحيحة»: 26. وأخرجه الطبراني: 20/466، من حديث معقل بن يسار، قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» 4/36: «وفيه عثمان بن عبد الرحمن الجمحي، قال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به»..(1/24)
من لا يَرْحَم لا يُرْحَم) (1)، (والراحمُون يرْحَمهم الرحمن) (2).
(إن كنتم تريدون رحمتي فارحموا خلقي) (3). في أحاديث كثيرة، يندرج فيها ما نحن فيه.
__________
(1) أخرجه من حديث أبي هريرة: البخاري في «الصحيح»: 5997، ومسلم في «الصحيح»: 2318، وأبو داود: 5218، والترمذي: 1911، وقال: «هذا حديث حسن صحيح» -والبخاري في «الأدب المفرد»: 91، وعبد الرزاق: 20589، وأحمد: 2/269، 228، 241، 514، والحميدي 11061، وابن حبان: 457، 463، 5594، 5596، 6975، وهناد في «الزهد»: 1330، وأبو الشيخ في «أخلاق النبي»: 86، والبيهقي في «السنن»: 7/100، وفي الآداب: 14، والخطيب في «الأسماء المبهمة»: 401، والإسماعيلي –كما في الفتح: 10/429، ويروى كذلك من حديث جرير عبد الله، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن مسعود، وابن عمر، وعمران بن حصين، وأبي سعيد الخدري، ومعاوية بن حيدة.
(2) أخرجه مطوَّلًا من حديث عبد الله بن عمرو: أبو داود: 4941، والترمذي: 1924 –وقال: «هذا حديث حسن صحيح»، والحميدي: 2591، وأحمد: 2/160، والحاكم: 4/159- وصححه ووافقه الذهبي- والبيهقي في «الأسماء والصفات»: 423، والخطيب في «تاريخه»: 3/260، وأبو الفتح الخرقي في «الفوائد الملتقطة»: 222/223، وابن قدامة في «إثبات صفة العلو»: 15، وابن المستوفي في «تاريخ إربل»: 1/406، والتجيبي في «المستفاد»: 118، 442، والقفري في «ملء العيبة»: 291، والذهبي في «السير»: 17/656، والبخاري في «التاريخ الكبير»: 9/64، وأبو عثمان الدارمي في «الرد على الجهمية»: 69، = =والرامهرمزي في «المحدث الفاصل»: 775، والعراقي في «العشاريات»: ص125، وقال: «هذا حديث صحيح»، وابن حجر في «الإمتاع»: 10 وحسنه. والحديث في «السلسلة الصحيحة»: 925.
(3) عزاه في «الكنز» : 5991 لأبي الشيخ وابن عساكر والديلمي من حديث أبي بكر.(1/25)
ونحوها: (إذا حلبتَ شاة فأبْقِ لولدها، دع دواعي اللبن) (1).
__________
(1) أخرجه أبو نعيم في «الحلية»: 8/176, حدثنا سليمان بن أحمد بن الحلواني حدثنا سعيد بن سليمان عن عبد الله بن المبارك عن سعيد بن أيوب عن عبد الله بن جنادة بن أبي عبد الرحمن الجئلي عن عبد الله بن عمرو قال: «مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل يحلب شاة فقال: إذا حلبت فأبق لولدها, فإنها في أبر الدواب» وقال عقبة: «غريب بهذه اللفظة, لم نكتبه إلا من حديث ابن المبارك». وأخرج أحمد: 4/76، 322، 339، والدارمي: 2/88، والبخاري في «التاريخ»: 4/338- 339، وابن حبان: 5283، والطبراني: 8128، 8129، 8130، 8131، والحاكم: 3/237، وصححه، والبيهقي: 8/14، وركيع في الزهد: 495، وهناد في «الزهد»كذلك: 733، والفسوي في «المعرفة والتاريخ»: 2/654، والحراني في «ناريخ الرقة»: 41- 42، والذهبي في «الميزان»: 4/449، وابن الأثير في «أسد الغابة»: 2/435، من طرق عن الأعمش عن يعقوب بن بحير عن ضرار بن الأزور قال:«بعثني أهلي بلقوح إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: فأتهتتهبها، فأمرها أن أحلبها، فحلبتها، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: «دع داعي اللبن». قال الذهبي: يعقوب بن بحير لا يعرف، تفرد عنه الأعمش. وقال عن الحديث «غريب فرد، والأعمش فمدلس، وما ذكر سماعًا، ولا يعقوب ذكر سماعه من ضرار، ولا أعرف لضرار سواه» ورواية الفسوي فيها تصريح الأعمش بالسماع، إن كان ذلك محفوظًا. وأخرجه أحمد: 4/311، 339، والبخاري في «التاريخ»: 4/339، والطبراني: 8127، والحاكم: 3/620، والفسوي: 2/654، من طريق سفيان الثوري عن الأعمش عن عبد الله بن سنان عن ضرار. وقال الطبراني عقب روايته: «هكذا رواه سفيان الثوري: عن الأعمش عن عبد الله بن سنان، وخالفه أصحاب الأعمش فرووه عن الأعمش عن يعقوب بن بحير» ونحوه قول أبي حاتم وأبي زرعة الرازيانن اتظر علل الحديث: 2225. «.ورواه ابن شاهين من طريق موسى بن عبد الملك بن عمير عن أبيه عن ضرار بمعناه» -كما في الميزان: 8894، والحديث في «السلسلة الصحيحة: 1860».(1/26)
(قلموا أظفاركم لا تعطبوا بها ضروع مواشيكم) (1). (ونزل صلى الله عليه وسلم منزلًا، فأخذ رجلٌ بيْضَ حُمَّرة، فجاءت ترفّ على رأس النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أيكم فجَع هذه ببيضتها؟ فقال رجل: يا رسول الله، أنا أخذت بيضتها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اردد رحمة لها) (2).
__________
(1) أخرجه أحمد: 3/484، والطبراني: 6482، والبيهقي: 8/14، من حديث سواده بن الربيع قال: «أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته، فأمر لي بذود، قال: إذا رجعت إلى بيتك فمرهم فليحسنوا غذاء رباعهم، ومرهم فليقلموا أظفارهم لا يعطبوا [وفي بعض الروايات: يعبطوا] ضروع مواشيهم إذا حلبوا» وجود إسناده الهيثمي في «المجمع»: 8/196، وحسنه شيخنا الألباني في «الصحيحة»: 317.
(2) أخرجه الحاكم: 4/239 من طريق أبي معاوية حدثنا أبو إسحق الشيباني، حدثنا الحسن بن سعد عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال، فذكره، وصححه ووافقه الذهبي. وأخرجه أبو داود: 2675، 5268 من طريق أبي إسحاق الفزاري عن أبي إسحاق الشيباني به، وهو في كتاب «السير» للفزاري: 110 لكن قال فيه : «عن أبي إسحاق الشيباني عن قيس أو غيره عن عبد الرحمن» به ولم يذكر الحسن!! وأخرجه البخاري في «الأدب المفرد»: 384، من طريق المسعودي والنسائي في «التفسير»: كما في «التحفة»: 9367 –من طريق الثوري كلاهما عن الحسن بن سعد به. وأخرجه أحمد: 1/404 مرتين؛ قال في الأولى: «حدثنا أبو قطن ثنا المسعودي عن الحسن بن سعد عن عبد الرحمن بن عبد الله قال» فذكره مرسلًا. وقال في الثانية:«حدثنا يزيد أخبرنا المسعودي عن القاسم والحسن بن سعد عن عبد الرحمن بن عبد الله قال» فذكره مرسلًا كذلك. وفي سماع عبد الرحمن من أبيه اختلاف. انظر «التهذيب»: 6/195، 196، والحديث صححه شيخنا الألباني في «السلسلة الصحيحة»: 25.(1/27)
وروِّينا في «فوائد ابن ملاس» (1) من طريق الحسن بن أبي الحسن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كان فيمن كان قبلكم رجل يأتي وكْرَ طائر، إذا أفرخ يأخذ فرخيه، فشكا ذلك الطائر إلى الله عز وجل ما يصنع ذلك الرجل به، فأوحى الله عز وجل إليه: إن هو عاد فسأهلكه، فلما أفرخ خرج ذلك الرجل كما كان يخرج، وأخذ سُلمًا، فلما كان في طريق القرية لقيه سائل فأعطاه رغيفًا من زاده، ثم مضى حتى أتى ذلك الوكر، فوضع سلمه، ثم صعد فأخذ الفرخين وأبواهما ينظران، فقالا: يا رب إنك وعدتنا أن تهلكه إن عاد، وقد عاد فأخذها فلم تهلكه، قال: فأوحى الله إليهما، ولم تعلما أني لا أغلب أحدًا تصدَّق في يوم –بصدقة ذلك اليوم- بميتة سوء) (2).
بل وردت فيه بخصوصه أحاديث؛ منها في القول عند ركوبها رجاء التخفيف عنها:
__________
(1) هو محمد بن هشام بن ملاس. كما في «فتح الباري»: 8/180.
(2) أخرجه ابن النجار في «تاريخه»، وأبو عبد الله محمد بن عبد الله بن المثنى في «عواليه» من حديث الحسن بن أبي الحسن عن أبي هريرة كذلك –كما في «حياة الحيوان»: 2/208. وعزاه في «الكنز»: 16116 لابن عساكر. فإن كان من الطريق نفسها فالحسن لم يسمع من أبي هريرة، فهو منقطع. انظر: «المراسيل» للرازي: 38-39، وانظر: «الإتحافات السنية»: 245.(1/28)
فيروى أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من قال إذا ركب دابة: باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء، سبحانه ليس له سميّ، سبحان الذي سخر لنا هذا وما كما له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعليه وسلم، قالت الدابة: بارك الله عليك من مؤمن خففتَ عن ظهري، وأطعتَ ربك، وأحسنتَ إلى نفسك، بارك الله في سفرك، وأنجح مقصدك) (1).
ومنها في كيفية وضع الحمل عليها، مما يكون عونًا لها على السير، وتخصيص كل دابة بما تطيقه، والمبادرة لحلِّ الرِّحال عن النزول عنها، وتقديم علفها على أكل صاحبها، وكذا المباردة إلى سقيها، كل ذلك شفقة عليها وإبقاء لها:
ففي حديث عند الطبراني والبزار وغيرهما أنه صلى الله عليه وسلم قال: (أخِّروا الأحمال، فإنَّ اليدَ مُغْلقةٌ، والرِّجْلَ مُوثَقَة) (2).
__________
(1) عزاه المصنف في «الابتهاج بأذكار المسافر والحاج»: 35 للطبراني من حديث أبي الدرداء. قلت: أخرجه الطبراني في «الدعاء» رقم: 776، بإسناد ضعيف جدًّا، وفيه عمرو بن عبد الجبار وعبد الله بن يزيد بن آدم، لهما مناكير، والأخير متهم بالوضع، قال عنه الإمام أحمد: «أحاديثه موضوعة».
(2) أخرجه الطبراني في «الأوسط» كما في «المجمع»: 3/216، أبو يعلى في «المسند»: 5852، والبزار في «كشف الأستار»: 1081، والبيهقي: 6/122، و«أبو القاسم بن الجراح الوزير» في «المجلس السابع من الأمالي»: 2/1، وابن صاعد في «جزء من أحاديثه»: 9/2. والمخلص في الثاني من السادس «من الفوائد المنتقاة»: 88/1، وأبو محمد المخلدي في «الفوائد»: 285/1، 2، كما في «السلسلة الصحيحة» لشيخنا الألباني: 1130، وصحح إسناده.(1/29)
ولأبي يعلى عن عائشة رضي الله عنها قالت: «خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وخرج معه نساؤه، وكان مَتاعي فيه خف، وهو على جمل ناج، وكان متاع صفية في ثِقل، وهو على جمل ثِفال بَطيء، يَتبطأ بالركب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حوِّلوا متاع عائشة على جمل صفية، وحولوا متاع صفية على جمل عائشة، حتى يمضي الركب» (1) الحديث.
وينبغي أن لا يجمع بين ركوبه ومتاعه في الحمل، إلا إن كانت الدابة المركوبة محتملة للحمل عليها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال –كما سيأتي (2)-: (اركبوها سالمة، وايْتَدِعوها سالمة)، قاله ابن خزيمة، قال: وكذلك في خبر سهل بن الحنظلية –يعني: الماضي(3)-: (اركبوها صالحة، وكلوها صالحة)، قال: فإذا كان الأغلب من الدواب المركوبة أنها إذا حُمل عليها في السير عطبت، لم يكن لراكبها الحمل عليها، إذ النبي صلى الله عليه وسلم قد اشترط أن تُركب سالمة، ويُشبه أن يكون معنى قوله: (اركبوها سالمة) أي: ركوبًا تسلم منه ولا تعطب.
__________
(1) أخرجه أبو يعلى: 4670، وقال الهيثمي في «المجمع»: 4/325، بعد أن عزاه له: «وفيه محمد بن إسحاق، وهو مدلس». وسلمة بن الفضل، وقد وثقه جماعة: ابن معين، وابن حبان، وأبو حاتم، وضعفه جماعة، وبقية رجاله رجال الصحيح. وقد رواه أبو الشيخ ابن حيان في كتاب «الأمثال»: 56، وليس فيه غير أسامة بن زيد الليثي، وهو من رجال الصحيح، وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات». قلت: وطريق ابن حبان هو طريق أبي يعلى، وإسناده ضعيف. فيه سلمة بن الفضل ضعفه ابن راهويه والنسائي، وقال البخاري: في حديثه بعض المناكير، وقال عنه ابن حجر في«التقريب»: «صدوق، كثير الخطأ»، وانظر: «الميزان»: 2/192، وابن إسحاق مدلس وقد عنعن.
(2) صفحة (231) وكلمة «ايتدعوها» تصحفت في المخطوط هنا وهناك «ابتدعوها» بالموحدة وسيأتي التعليق على ذلك في محله.
(3) صفحة (222).(1/30)
وفي «سنن أبي داود» من حديث حمزة الضَّبّيّ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كنا إذا نزلنا منزلًا لا نسبّح حتى نحُل الرِّحال» (1)، يريد بذلك: لا نصلي سُبحة حتى نحط الرحال، ونُجمَّ المطي.
وكان بعض العلماء يستحب إذا نزل منزلًا أن لا يَطعَم حتى يعلف الدابة، ولا يقصِّر في سقيها، فقد صح أنهم قالوا: «يا رسول الله، وإنَّ لنا في البَهائم لأجرًا؟» قال: (في كُلِّ ذاتِ كَبِدٍ رَطبةٍ أجْرٌ) (2).
ومنها في كراهة وقوف الدابة وراكبها جالس على ظهرها؛ شفقة عليها:
__________
(1) أخرجه أبو داود: 2551، وصحح شيخنا الألباني إسناده في «المشكاة»: 3917.
(2) أخرجه من حديث أبي هريرة مطولًا، وفيه قصة الذي سقى الكلب من العطش فغفر الله له: البخاري في «الصحيح»: 2363، 2466، 6009، وفي «الأدب المفرد»: 380، ومسلم: 2244، وأبو داود: 2550، ومالك: 2/292-930، وأحمد: 2/375، 517، 521، وابن حبان: 2537، والقضاعي في مسند الشهاب: 113، والبيهقي في «السنن»: 4/185 و8/14، وفي «الآداب»: 46، والبغوي في «شرح السنة»: 384.(1/31)
ففي «سنن أبي داود» من حديث أبي مريم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إياي (1) أن تتخذوا [ظهور] (2) دوابكم منابر، فإن الله عز وجل إنما سخَّرها لكم لتُبْلغكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس، وجعل لكم الأرض، فعليها فاقضوا حاجتكم) (3).
وفي رواية عند ابن خزيمة، والحاكم، وابن حبان، في «صحاحهم» وغيرهم، من حديث سهل بن معاذ بن أنس الجُهني عن أبيه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اركبوا هذه الدواب سالمة،
__________
(1) كذا في المخطوط «إياي». وهي كذلك عند ابن حبان، ولها معنى في اللغة إن كانت محفوظة في الرواية بمعنى: نحّوا عني ذلك ونحوني عنه. انظر «النهاية»: 1/88، وإلا فهي «إياكم».
(2) زيادة من «سنن أبي داود».
(3) أخرجه أبو داود: 2567، والطحاوي في «المشكل»: 38، 39، والبيهقي في «السنن الكبرى»: 5/255، والآداب: 934، والبغوي في «شرح السنة»: 2683، وأبو القاسم السمرقندي في «المجلس»: 128، من «الأمالي» وعنه ابن عساكر: 19/85/1، كما في «السلسلة الصحيحة» لشيخنا الألباني: 22، وصحح إسناده. ووقع في مطبوع «سنن أبي داود» اسم الراوي عن أبي هريرة «ابن أبي مريم»!! والصواب حذف «ابن».(1/32)
وايتدعوها (1) سالمة، ولا تتخذوها كراسي) (2).
وفي لفظ أنه صلى الله عليه وسلم مرَّ على دوابِّ لهم ورواحل، وهم وقوف، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اركبوها سالمة، وانزلوا عنها سالمة، ولا تتخذوها كراسي لأحاديثكم ومجالسكم، فرُب مركوبة خير من راكبها، وأكثر ذكرًا لله عز وجل) (3).
ترجم عليه ابن خزيمة: «الزجرُ عن اتخاذ الدواب كراسي، يُوقفها المرء وهو راكبها غير سائر عليها ولا نازل عنها». وكذا قال ابن حبان: «ذكر الزجر عن اتخاذ المرء الدَّواب كارسي (4)، ومعناه أنه لا يسير بها ولا ينزل عنها». انتهى.
__________
(1) تصحفت في المخطوط: «وابتدعوها» بالباء الموحدة. وقال في «النهاية»: 5/166؛ أي: اتركوها ورفهوا عنها إذا لم تحتاجوا إلى ركوبها. وهو (افتعل) من وَدُع –بالضم- وَدَاعة وَدَعة؛ أي: سكن وترفه، وايتدع فهو متدع أي صاحب دَعة، أو من ودَع، إذا ترك، يقال: اتدَّع وايتدع. على القلب والإدغام والإظهار»، وانظر «لسان العرب» مادة (ودع).
(2) أخرجه أحمد: 3/439، 440، 441، 4/234، والدارمي 2/286، وابن حبان: 5619، والحاكم: 1/444، 2/100، وصحح إسناده ووافقه الذهبي، والطحاوي في «المشكل»: 40، والطبراني: 20/431، 432، والبيهقي: 5/255. والحديث صححه شيخنا الألباني في «السلسلة الصحيحة»: 21.
(3) هو بهذا اللفظ عن أحمد: 3/439، 440، من طريق ابن لهيعة، حدثنا زبان بن فائد عن سهل بن معاذ به، وعنده أيضًا: 3/441، من طريق ابن لهيعة حدثنا يزيد بن أبي حبيب عن سهل به. وعند الطبراني: 20/432، من طريق رشدين عن زبان بن فائد به. وثلاثتهم ابن لهيعة، زبان، رشدين ضعاف. فزيادة «فرب مركوبة ...» ضعيفة لا تثبت، وكذلك ضعفها شيخنا الألباني في «السلسلة الصحيحة»: 1/29.
(4) ترجمة ابن حبان على الحديث إلى هنا، وبقية كلامه قاله بعد سياق الحديث.(1/33)
لكن قد قال ابن المنذر في «الأوسط»: يحتمل –إن ثبت الخبر- أن يكون المراد الوقوف لغير حاجة، أما إن كانت حاجة فلا، ويدل له حديث جابر في صفة النبي صلى الله عليه وسلم (1)، ففيه: «ثم ركب صلى الله عليه وسلم ناقته القصواء حتى أتى الموقف بعرفة، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل حَبْلَ (2) المشاة بين يديه، واستقبل البيت، فلم يزل يدعو حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلًا، ثم دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأردف أسامة خلفه».
وعند البيهقي في «الشعب» عن ابن المبارك أنه قال: «كم من مركوب خير من راكبه، وأطوع لله، وأكثر ذكرًا» (3).
__________
(1) أخرجه البخاري: 1557، 1568، 1570، 1651، 1785، 2505، 4352، 7230، 7367. ومسلم: 1213، 1214، 1215، 1216، 1218، 1318، وأبو داود: 1785، 1786، 1787، 1788، 1789، 1905، 1909، والنسائي: 604، 3053، 3054، 3062، 3063، 3074، 3075، وابن ماجه: 2980، 3074، = = والدارمي: 2/44-49، =وأحمد: 3/217، 292، 293، 305، 366، 388، وابن الجارود: 469، وابن حبان: 1457، 3810، 3943، 3944، 3791، 3842، 3919، 3921، 3924، ومالك: 1/364، 372، 374، 375. والحميدي: 1293، والطيالسي: 1676، والشافعي في «السنن المأثورة»: 460، 515، والطحاوي في المشكل: 41، والبيهقي: 5/3، 4، 7، 18، 41، 49، والبغوي في «شرح السنة»: 1872، 1878، 1928، وقد أفرده شيخنا الألباني وتتبع طرقه فراجعه إن شئت.
(2) قال النووي في شرح مسلم 8/186: «فروي (حَبْل) -بالحاء المهملة وإسكان الباء- وروي (جَبَل) بالجيم وفتح الباء. قال القاضي عياض رحمه الله: الأول أشبه بالحديث، وحبل المشاة: أي مجتمعهم، وحبل الرمل: ما طال منه وضخم، وأما بالجيم فمعناه طريقهم، وحيث تسلك الرجالة».
(3) أخرجه البيهقي في «الشعب»: 5189.(1/34)
وعن صدقة بن يسار قال: «كان عليه السلام في محرابه إذ نظر إلى دودة صغيرة، فتعجب من خلقها، فأنطقها الله تعالى، فقالت: يا داود، أنا على صغري أطوع لله منك على كبرك» (1).
ومنها في النزول عنها عند المرور بالأرض المخصبة بالكلأ المباح لتَرعى فيها، وعد كفِّها عن المكان السهل:
فروى البزار من حديث عُقيل عن الزهري عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(إذا أخصبت الأرض فانزلوا عن ظهركم فأعطوه حقه من الكلأ، وإذا أجدبت الأرض فامضوا عليها بنقيها) (2).
وفي الباب عن جماعة:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ركبتم هذه الدواب فأعطوها حظها من المنازل). أخرجه الدارقطني في «أفراده». وهو عند أبي داود بلفظ: (إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حقها) (3) الحديث.
__________
(1) أخرجه البيهقي في «الشعب»: 5190.
(2) أخرجه من الطريق المذكور. أبو يعلى: 3618، والبزار- كشف الأستار: 1696- والطبراني، كما في «المجمع»: 5/257، والطحاوي في «مشكل الآثار»: 113، والحاكم: 1/445، وصححه وأقره الذهبي والبيهقي: 5/256، والخطيب في «تاريخ بغداد»: 8/429، أبو النعيم في «الحلية»: 9/50.وأخرجه أبو داود: 2571، والحاكم: 2/114، والبيهقي: 5/256، من طريق الربيع بن أنس عن أنس مختصرًا دون المقصود منه هنا. والحديث صححه شيخنا الألباني في «السلسلة الصحيحة»: 682.
(3) بل هو عند مسلم: 1926، وأبو داود: 2569، والترمذي: 2858-وقال: «هذا حديث حسن صحيح والنسائي في الكبرى –كما في التحفة»: 9/396، وأحمد: 2/337، 378، وابن حبان: 2703، 2705، وابن خزيمة: 2550، والطحاوي في «مشكل الآثار»: 115، 116، والبيهقي: 5/256، والبغوي في «شرح السنة»:2684.(1/35)
وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا سافرتم في الخصب لأمكنوا الركاب من أسنانها، ولا تجاوزوا المنازل) الحديث، وفي لفظ: (إذا كانت الأرض مخصبة فأمكنوا الركاب وعليكم بالمنازل) (1). أخرجه باللفظين ابن خزيمة، وبأحدهما أبو داود.
وعن عبد الله بن مُغَفل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ركبتم هذه البهائم العُجم، فإذا كانت سَنة فانجوا عليها) (2).
أخرجه الطبراني.
__________
(1) أخرجه أبو داود: 2570، وأحمد: 3/305، 381، 382، وابن خزيمة: 2548، 2549، وأبو يعلى: 2219، وابن السني في «اليوم والليلة»: 524، من حديث الحسن البصري عن جابر بن عبد الله، ولم يسمع منه كما نص على ذلك العلماء، ولهذا قال ابن خزيمة عقبه: «إن صح الخبر فإن في القلب من سماع الحسن من جابر».وكذا ضعفه شيخنا الألباني بذلك. انظر«الضعيفة»: 1140، «المراسيل» للرازي: 54.
(2) قال الهيثمي في «المجمع»: 3/216، بعد أن عزاه للطبراني: «رجاله ثقات»، وأخرجه الدارقطني في «الجزء الثالث والعشرين من حديث أبي الطاهر الذهلي»: 48.(1/36)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا: (إذا كانت أرض مخصبة فتقصَّوا في اسير واعطوا الركاب حقها، فإن الله رفيق يحب الرفق، وإذا كانت أرض مجدبة فانجوا عليها) (1).
أخرجه البزار في «مسنده»، ورويناه في «فوائد البَختري»، وأخرجه الطبراني بسند فيه من لم يسم، لكن موقوفًا.
وعن خالد بن معدان الكلاعي عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله رفيق يحب الرفق ويرضاه ويعين عليه ما لا يعين على العُنف، فإذا ركبتم الدواب العجم فنزلوها منازلها، فإن أجدبت الأرض فانجوا عليها) (2) الحديث.
أخرجه ابن قانع والطبراني في «معجمي الصحابة»، وكذا ابن السكن وقال: «إن مَعْدانَ لم يذكر رؤية ولا سماعًا».
__________
(1) إسناده ضعيف، أخرجه البزار «كشف الأستار»: 1695-والطبراني: 10811، وفي إسناده عندهما محمد بن أبي نعيم، اضطرب في سياق الحديث. وأخرجه البزار من طريقه: حدثنا سعيد بن زيد عن عمرو بن مالك عن أبي الحوراء عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره. وأخرجه الطبراني من طريقه: حدثنا هشيم حدثني المديني عن أبي الحويرث عن ابن عباس قال، وذكره موقوفًا. قال البزار: عقب رواياته «لا نعلم أحدًا حدث به عن سعيد إلا محمد ابن أبي نعيم ولا نعلمه يروي عن ابن عباس. وروي عن أنس وأبي هريرة شبيهًا به». ومحمد بن أبي نعيم قال عنه الحافظ في «التقريب» 6337: «صدوق لكن طرحه ابن معين»، وقال ابن عدي في «الكامل» 6/2262: «وعامة ما يرويه لا يتابعه عليه الثقات».
(2) أخرجه الطبراني: 20/852. قال الهيثمي في «المجمع» 3/216: «ورجاله رجال الصحيح»، وأخرجه مالك: 2/979، عن خالد بن معدان مرسلًا، لم يقل عن أبيه. وانظر: «الإصابة»: 8125.(1/37)
وهذه الأحاديث لا تنافي قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا ركبتُموهُنَّ فاذكروا اسم الله ولا تقصروا عن حاجة) (1)، وكذا قوله: (امتهنوهنَّ لأنفسكم بالركوب فإنما يحمل الله) (2). ونحو ذلك. بل هي كما قال ابن خزيمة: دالة على أنه صلى الله عليه وسلم إنما أباح أن لا يقصِّر راكبها عن حاجة إذا لم تكن الأرض مخصبة لما فيها من الأمر بإمكان الركاب من الرعي في الخصب، وعدم مجاوزة السائر المنازل إذا كانت الأرض مخصبة.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا ركب أحدكم الدابة فليحملها على ملاذها –أو قال: على ملاذة- فإن الله تعالى يحمل على القوي والضعيف) (3). أخرجه الدارقطني في «أفراده».
وقوله: (على ملاذها) جمع ملذ، وهو موضع اللذة؛ أي: ليُجْرها في السهولة لا في الحزونة؛ وهي المكان الغليظ الخشن.
__________
(1) أخرجه النسائي في «اليوم والليلة»: 504، وأحمد: 3/494، والدارمي: 2/285، 286، وابن حبان: 1703، 2694، والحاكم: 1/444 –وصححه على شرط مسلم وأقره الذهبي- والطبراني في «الكبير»: 2993، و«الأوسط»: 1/ق/205، من حديث حمزة عمرو الأسلمي. قال الهيثمي في «المجمع» 10/131: «ورجاله رجال الصحيح»، غير محمد بن حمزة وهو ثقة. قلت: إسناده حسن.
(2) أخرجه الحاكم: 1/444، من حديث أبي هريرة. وأخرجه ابن عدي في «الكامل»: 7/2716، من حديث أنس. وأخرجه أحمد: 4/221، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني»: 2328، وابن خزيمة: 2377، والحاكم: 1/444 –وصححه على الخزاعي- وإسناده حسن. وقول ابن خزيمة الآتي قاله عن الترجمة لحديث جابر (2548) المتقدم ص233.
(3) أخرجه الدارقطني في «الأفراد» كما في «الكنز»: 24952.(1/38)
ومنها في المشي عنها لتستريح، بل وليستريح هو أيضًا غالبًا، فقد روى الطبراني في «الأوسط» أنه صلى الله عليه وسلم (كان إذا صلى الفجر في السفر مشى) (1).
وبلغنا عن الشيخ صالح الزواوي المغربي (2)، أحد من أدركته، والناس ممن لقيتُه من أصحابه، كالمتفقين على صلاحه، أنه كان في بعض أسفاره راكبًا ناقة، فسمعها وهي تقول له: أتعبتني يا صالح، فنزل عنها فمشى إلى أن سمعها وهي تقول: اركب فقد استرحت.
وهذا لا استبعاد فيه، فقد أخرج البخاري في «صحيحه» أنه صلى الله عليه وسلم قال: (بينما رجل راكب على بقرة التفتت إليه فقالت: لم أخلق لهذا، خُلقْتُ للحراثة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: آمنت به أنا وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما) (3) الحديث.
ومنها في تنشيطها بالحُداء وإراحتها بذلك –والحدْو هو سوق الإبل والغناء لها- وجرت عادة الإبل أنها تسرع السير إذا حدي بها.
__________
(1) أخرجه الطبراني في «الأوسط» كما في «المجمع»: 3/218، البيهقي في «السنن الكبرى»: 5/255، والآداب: 936، من حديث أنس بن مالك، وجوَّد العراقي في «تخريج الإحياء»: 1/264، إسناد الطبراني.
(2) هو صالح بن محمد بن موسى الحسيني الرياحي المغربي، يعرف بالزازاوي، أخذ العلم عن الولي العراقي وابن حجر، توفي سنة 835.
ترمته في «جامع كرامات الأولياء»: 2/45، وفيها ذكر كرامات له منها قصة الناقة المذكورة، وكذا فعل المصنف في «الضوء اللامع»: 3/316.
(3) أخرجه البخاري: 2324، 3471، 3663، ومسلم: 2388، والترمذي: 3677 وقال: «هذا حديث حسن صحيح»وأحمد في «المسند»: 2/245، 246، 382، 502، وفي «فضائل الصحابة: 183، 184، 643» والطاليسي: 2354، والطحاوي في «مشكل للآثار»: 4/168، وابن حبان: 6485، 6486، 6903، والحميدي: 1054، 1055، ومن طريقه البغوي: 3889، وأيضًا: 3890 –في «شرح السنة»- من حديث أبي هريرة.(1/39)
وقد أخرج ابن سعد –بسند صحيح- عن طاوس مرسلًا، وأورده البزار موصولًا عن ابن عباس رضي الله عنهما دخل حديث بعضهم في بعض: «إن أول من حَدَا الإبل عبدٌ لمضر بن نزار بن معد بن عدنان، كان في الإبل لمضر فقصر، فضربه مضر على يده فأوجعه، فقال: يا يداه، يا يداه، وكان حسن الصوت، فأسرعت الإبل لما سمعته في السيرن فكان ذلك مبدأ الحداء» (1). وفيه أحاديث صحيحة:
منها قوله صلى الله عليه وسلم في مسير له لعبد الله بن رواحة رضي الله عنه (يابن رواحة، انزل فحرك الركاب، فقال: يا رسول الله، لقد تركت ذلك، قال عمر رضي الله عنه: اسمع وأطع، فرمى بنفسه، وقال:
اللهم لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا
ذ
فأنزل السكينة علينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا) (2)
__________
(1) أخرجه البزار كما في «كشف الأستار»: 2113، ثنا يوسف بن موسى، ثنا العلاء بن عبد الجبار، ثنا زمعة عن سلمة بن وهران عن عكرمة عن ابن عباس قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم في سفر»، فذكره نحوه، وإسناده ضعيف. فيه زمعة هو ابن صالح الجندي. قال الحافظ في «التقريب» 2035: «ضعيف».
(2) أخرجه ابن سعد في «الطبقات»: 3/2/80، ط ليدن: أخبرنا وكيع بن الجراح وعبد الله بن نمير ويعلى ومحمد ابنا عبيد عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن رواحة، فذكره، وزاد: قال: «فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم ارحمه، فقال عمر: وجبت».
وهذا مرسل، قيس بن أبي حازم تابعي مخضرم، انظر «الإصابة»: 7295. ومع هذا فقد اختلط في آخر حياته، ولعل هذا من مروياته إذ ذاك، إذ الحديث في الصحيحين –البخاري-: 4196، ومسلم: 1802 وغيرهما عن سلمة بن الأكوع أن عامر بن الأكوع هو الذي جرت معه القصة، نعم، الشعر لابن رواحة، تمثل ابن الأكوع به، وتمثل أيضًا رسول الله صلى الله عليه وسلم به في حفر الخندق. انظر الأحاديث في ذلك مخرجة في «جزء أحاديث الشعر» للمقدسي: 7، 8، 9.(1/40)
ولكن يحرص أن لا يكون ذلك بشيء من الآلات المحرَّمة؛ كالرباب ونحوه.
ومنها في الرفق في السير بها إبقاء عليها وعلى نفسه أيضًا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (المنبَتّ لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى) (1). ومعناه: إن من يعسف الركاب ويحملها من السير على ما لا تطيق رجاء الإسراع، ينقطع ظهره، فلا هو قطع الأرض التي أراد، ولا هو أبقى ظهره سالمًا ينتفع به بعد ذلك.
ومنها ما رويناه في «المجالسة» للدينوري، من طريق عبد الله بن بكر السهمي عن أبيه «أن قومًا كانوا في سفر، فكان فيهم رجل يمرُّ الطائرُ فيقول: تدرون ما تقول هذه؟ فيقولون: لا، قال: فأتينا على قوم فيهم ظعينة على جمل لها وهو يرغو ويحنو عنقه إليها، قال: أتدرون ما يقول هذا البعير؟ قلنا: لا. قال: فإنه يلعن راكبته ويزعم أنها رحلته على مِخْيَط فهو مؤثر في سنامه. قال: فانتهينا إليهم فقلنا: يا هؤلاء إن صاحبنا هذا يزعم أن هذا البعير يلعن راكبته، ويزعم أنها رحلته على مخيط وأنه في سنامه، قال: فأناخوا البعير، فحطوا عنه، فإذا هو كما قال».
ومنها في إكرام الخيل منها:
فيروى أنه صلى الله عليه وسلم كان يمسح وجه فرسه بكُمِّه (2)، وفي لفظ (كان يفتل ناصية فرسه بإصبعيه) (3).
__________
(1) تكلم عليه المصنف في «الأجوبة المرضية»: ق2، 3، و«المقاصد الحسنة» صفحة: 391، وأفرده في جزء، وأشار إليه في «الجواب الذي انضبط»: ص47، وتكلمنا عليه بتفصيل وإسهاب في التعليق عليه، ولله الحمد والمنَّة، وهو حديث ضعيف.
(2) أخرجه مالك في «الموطأ»: 2/468، عن يحيى بن سعيد «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رئي وهو يمسح وجه فرسه بردائه».
(3) أخرجه مسلم: 1872، والنسائي: 3572، وأحمد: 4/361، وابن حبان: 4669، والطحاوي في «مشكل الآثار»: 223، 224، والطبراني: 2409، والبيهقي: 6/329، والبغوي في «شرح السنة»: 2646، من حديث جرير بن عبد الله.
وأخرجه الطبراني: 10042، من حديث بن مسعود، قال الهيثمي في «المجمع» 5/265: «وفيه عمرو بن الأزهر، وهو متروك».(1/41)
وفي حديث آخر: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وأهلها معانون عليها) (1).
ومنها في تفقد الإمام لها وسؤاله عنها من أربابها:
فروى الحارث بن أبي أسامة في «مسنده» من حديث ابن عوان قال: «سأل عمرُ رضي الله عنه رجلًا عن إبله، فذكر عجفًا ودبرًا، فقال عمر: إني لأحسِبُها ضِخامًا سمانًا، قال: فمضى، ثم مرَّ عليه عمر وهو في إبله يحدوها وهو يقول:
أقسم بالله أبو حَفص عُمر ... ما إن بها من نَقَبٍ ولا دَبَر
فاغفر له اللهم إنْ كان فجر
__________
(1) يروى من حديث أبي كبشة: أخرجه ابن حبان: 4674، والحاكم: 2/91 –وصحح إسناده ووافقه الذهبي- والطبراني: 22/849، والطحاوي في «شرح معاني الآثار»: 3/274، بإسناد صحيح. وقال الهيثمي عن رواية الطبراني في «المجمع»: «ورجاله ثقات».
ومن حديث سلمة بن نفيل: أخرجه النسائي: 3561، وأحمد: 4/104، والطحاوي في «مشكل الآثار»: 228، وشرح معاني الآثار: 3/275، والبزار: 1689، والطبراني: 3658، والبيهقي في «الأسماء والصفات»، صفحة: 462، 643، بإسناد صحيح.
ومن حديث يزيد بن عبد الله بن عريب عن أبيه عن جده عريب المليكي: أخرجه ابن عدي: 3/1197، والطبراني في «الكبير»: 17/188، و«الأوسط»، وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» 5/262: «وفيه من لم أعرفه».
ويزيد وأبوه مجهولان. انظر «اللسان»: 1300.
وحديث جابر بن عبد الله: أخرجه أحمد: 3/352، والطحاوي في «شرح معاني الآثار»: 3/274، والطبراني في «الأوسط»، وابن عدي في «الكامل»: 7/2557، وقال الهيثمي عن رواية الطبراني: «وفيه ابن لهيعة، وفيه ضعف، وحديثه حسن، ورواه أحمد أتم منه ورجاله ثقات».
والحديث في الصحيح من حديث بن عمر، وجابر، وعروة البارقي، دون قوله: «وأهلها معاونون عليها».
وله شواهد كثيرة. وهو مما نص العلماء على تواتره. انظر «نظم المتناثر» وغيره.(1/42)
قال: فقال له عمر: ما هذا؟ قال: أميرُ المؤمنين سألني عن إبلي فأخبرتُه عنها، فزعم أنها يحسبها ضخامًا سِمانًا، وهي كما ترى، قال: فإن أنا أمير المؤمنين عمرُ، ايتني في مكان كذا وكذا، فأتاه فأمرَ بها فقُبضتْ، فأعطاه مكانها من إبل الصدقة» (1).
فهذه الأشياء تُوضح عدم إهانتها والمبالغة في ضربها وكلفتها، لا سيما وقد جاء في كونهم يدفع الله عز وجل بهم البلاء ما أخرجه البيهقي في «سننه»، وأبو يعلى في «مسنده»، كلاهما من حديث إبراهيم بن خثيم –يعني: ابن عِراك بن مالك- عن أبيه عن جده عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مهلًا عن الله مهلًا، فإنه لولا شباب خُشَّع، وبهائم رُتَّع، وشيوخ رُكَّع، وأطفال رضَّع، لصب عليكم العذاب صبًّا) (2).
__________
(1) أخرجه الحارث بن أبي أسماة في «مسنده» كما في «المطالب العالية»: 866، لكن عن محمد بن سيرين، وليس عن ابن عون ؟! وقال المحقق: «منقطع بين ابن سيرين وعمر».
(2) أخرجه البزار كما في «كشف الأستار»: 4/66، والطبراني في «الأوسط»: 2/ق144، وأبو يعلى: 6402، 6633، وابن عدي في «الكامل»: 1/243، والخطيب في «تاريخ بغداد»: 6/64، والبيهقي: 3/345، وقال: «إبراهيم بن خثيم غير قوي، وله شاهد بإسناد آخر غير قوي»، وقال الطبراني: «لا يروى عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد». وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» 10/230: «وفيه إبراهيم بن خيثم، وهو ضعيف».
قلت: وقال ابن معين: «لا شيء، ليس بثقة ولا مأمون»، وقال النسائي: «متروك»، وقال الساجي: «ضعيف ابن ضعيف»، وأورد له الذهبي في ترجمته في «الميزان»: 1/30 هذا الحديث، وأقره ابن حجر في «اللسان»: 1/53.(1/43)
وله شاهد عند الطيالسي «مسنده»، والطبرني في «معجمه» وابن منده في «معرفة الصحابة»، وابن عدي في «الكامل»، كلهم من طريق عبد الرحمن بن سعد المؤذن عن مالك بن عبيدة بن مُسافع الديلي عن أبيه عن جده -رضي الله عنه- قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لولا عباد لله ركع، وصبية رُضَّع، وبهائم رُتَّع، لصب عليكم العذاب صبًّا) (1).
ورُوِّينا من حديث أبي عبد الله الرازي، قال سمعت الشيخ أبا عبد الله الحسين بن علي بن نعيم المصريَّ قاضي البُرلس يحكي عن بعض سكان البُرلس قال : «سمعت قائلاً يقول ليلاً من جانب البحر ويُنشد بيتين، فقصد الصوت فلم أجد أحدًا، فعلمت أنه هاتف هتف بالحق، وهما هذان البيتان :
لولا رجال لهم وُردٌ يقومونا ... وآخرون لهم سَرْدٌ يصومونا
لزلزلت أرضُكم من تحتكم سحَرًا ... لأنكم قوم سوء لا تبالونا
وقال صلى الله عليه وسلم : (إنَّ الرَّجُل يكتب عند الله جبارًا وما يملك غير أهل بيته) (2).
ولله درّ بعضهم حيث قال : أشدُّ الظلم ظلم الذمي والدابة.
__________
(1) أخرجه الطبرني في الكبير: 22/309، والأوسط: 2/ق107 والدولابي في «الكنى والأسماء»: 1/43، 44، والبيهقي: 3/345، وابن عدي: 4/1622، 6/2377، وروي أن ابن نعيم سئل عن الحديث فقال: «لا أعرفه».
وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» 10/230: «وفيه عبد الرحمن بن سعد وهو ضعيف».
ومالك بن عبيدة، قال الذهبي في «الميزان» 7024: «لا يُعرف».
(2) أخرجه الطبراني في «الأوسط»، وأحمد بن منيع والحارث بن أبي أسامة في «مسنديهما»، كما في «كشف الخفاء»، قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» 8/27: «وفيه عبد الحميد بن عبيد الله بن حمزة، وهو ضعيف جدًّا».(1/44)
قال صاحب «زينة النواظر وتحفة الخواطر»: «واعلم أن العثرة التي لا تقال هي ظلم العباد؛ لأنه لا يدخل أحد الجنة ولأهل النار عنده حق، ولا يدخل أحد النار، ولأحد من أهل الجنة عنده حق، وأشد من هذا ظلم الموتى، يعني بذكر مساوئهم، والدواب بأن يجيعها أو يضربها، فضَربُ الدابة إذا عثَرت ظلم؛ لأنها تريد أن تعثر».
وفي الكتاب المذكور: «إن مثال من يشهد الإحسان من المخلوقين كمثل الدابة إذا رأت سائسها بصبصت إليه بعينها، ويأتي مالكها فلا تلقي إليه بالًا، فإن كنتَ عاقلًا فاشهد الأشياء منه ولا تشهدها من غيره».
وعند الديلمي في «الفردوس» بلا إسناد عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الرجل إذا ركب البهيمة تقول: اللهم اقذف في قلبه الرأفة والرحمة) (1).
وإلى هنا انتهى ما وقفت عليه الآن مما علمته في هذه المسألة، وبقي مما يتعلق بالدابة تحريم لعنها (2)، وكذا وضع الجرس في عنقها (3)،
__________
(1) أخرجه ابن أبي الدنيا في «الصمت»: 384: حدثني محمد بن إدريس، حدثنا أبو النضر الدمشقي حدثنا إسماعيل بن عياش عن عمرو بن قيس رحمه الله قال، فذكره، وإسناده ضعيف.
(2) من ذلك حديث عمران بن حصين: أخرجه مسلم: 2595، وأبو داود: 2561، والنسائي في كتاب السير من «الكبرى» -كما في «تحفة الأشراف»: 8/202- والدارمي: 2/288، وأحمد: 4/429، 431، وابن حبان: 5740، 5741، وابن أبي الدنيا في «الصمت»: 371، والبيهقي: 5/254.
وفي الباب عن أبي هريرة، وجابر بن عبد الله، وأبي برزة الأسلمي، وأنس، وعائشة. وانظر –غير مأمور-: «مرويات اللعن في السنة»: 30، 31 لأخينا الدكتور باسم الجوابرة.
(3) من ذلك حديث عائشة: أخرجه أحمد: 6/150، وابن حبان: 4699، 4702، وغيرهم بإسناد صحيح.
وفي الباب عن أبي هريرة وابن عمر، وأنس، وأم حبيبة، وأم سلمة.(1/45)
ووسمها في وجهها (1)، والتَّحريش بين البهائم، لثبوت النهي عن ذلك كله، والأخير منها عند أبي داود في «سننه» من حديث مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التحريش بين البهائم» (2).
وعند البخاري في «الأدب المفرد» له عن ابن عمر رضي الله عنهما من قوله (3).
__________
(1) من ذلك حديث جابر بن عبد الله: أخرجه مسلم: 2116، 2117، وأبو داود: 2564، والترمذي: 1710 –وقال: «هذا حديث حسن صحيح»- وأحمد: 3/296، 297، 318، 323، 378، وابن حبان: 5620، 5626، 5627، 5628، وابن خزيمة: 2551، وعبد الرزاق: 8450، 8451، وأبو يعلى: 2099، 2148، 2235، والبيهقي: 5/255، 7/35.
وفي الباب عن ابن عباس، وغيره.
(2) اسناده مضطرب, أخرجه أبو داود: 2562, والترمذي: 1708, والطبراني: 11123, والبيهقي: 10/22 من طريق قطبة بن عبد العزيز عن الأعمش عن أبي يحيى القتات عن مجاهد عن بن عباس.
وأخرجه الترمذي: 1709 من طريق ابن مهدي عن سفيان عن أبي يحيى عن مجاهد مرسلًا. وقال: «ويقال: هذا أصح من حديث قطبة».
وأخرجه البيهقي. 10/22 من طريق وكيع عن الأعمش عن مجاهد مرسلًا. وذكر أنه هو المحفوظ. وقال قبل ذلك عقب روايته السابقة: «رواه أبو داود في كتاب السنن عن محمد بن العلاء. وكذلك روي عن شريك عن الأعمش. ورواه زياد بن عبد الله البكائي عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن مجاهد عن بن عباس. ورواه منصور بن أبي الأسود عن الأعمش عن سعيد بن دبير عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم».
وانظر:«غاية المرام»: 383 و «العلل»: 2/242 لابن أبي حاتم.
(3) أخرجه البخاري في «الأدب المفرد»: 1232. وهو حسن لغيره موقوفًا. كما قال شيخنا الألباني في «صحيح الأدب المفرد»: 478.(1/46)
وجاء عن فضيل بن عياض رحمه الله، كما هو عند البيهقي في «الشعب»، أنه قال: «كان يقال: ما أحد يسب شيئًا من الدنيا، دابة ولا غيرها فيقول: أخزاك الله، ولعنك الله، إلا قالت: أخزى الله أعصانا لله، قال فضيل: وابن آدم أعصى وأظلم» (1).
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: «ما لعن الأرضَ أحد إلا قالت: لعن الله أعصانا» (2).
واستحباب الاستعاذة من الشيطان الرجيم إذا سمع نهيق الحمار (3)،
__________
(1) أخرجه ابن أبي الدنيا في «الصمت»: 385, ومن طريقه البيهقي في «الشعب»: 5186.
(2) أخرجه البيهقي في «الشعب»: 5187: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ –هو الحاكم- حدثنا أبو العباس الأصم حدثنا أبو عتبة جدثنا بقية حدثنا أبو بكر بن أبي مريم عن المهاجر بن حبيب عن أبي الدرداء قال. وذكره.
والهاجر. وثقه بن حبان: 5/454, وقال أبو حاتم في «الجرح والتعديل»: 8/440: «لا بأس به».
(3) أخرج البخاري في «الصحيح»: 3303, وفي «الأدب المفرد»: 1241, ومسلم: 2729, واللفظ له وأبو داود: 5102, والترمذي: 3459 – وقال:«هذا حديث حسن صحيح» وابن حبان: 1005, وابن أبي شيبة: 9854, وأحمد: 2/321, 306, 307, 364, والنسائي في «اليوم والليلة»: 943, 944, وابن السني في «اليوم والليلة»كذلك: 312, 313, والبغوي في «شرح السنة», من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله, فإنها رأت ملكًا. وإذا سمتعم نهيق الحمار فتعوّذوا بالله من الشيطان, فإنها رأت شيطانًا).
وأخرج البخاري في «الأدب المفرد»: 1238, 1239, 1240 –واللفظ له-, وأبو داود: 5103, 5104, والنسائي في «اليوم والليلة»: 942, وابن حبان: 5517, 5518, وابن أبي شيبة: 9855, وأحمد: 3/306, 355, 356, والحاكم: 4/283, 284, وصحح إسناده ووافقه الذهبي, والبغوي في «شرح السنة»: 3060, من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سمعتم نباح الكلاب أو نهاق الحمير من الليل فتعوذوا بالله, فإنهم يرون مالا ترون 000).
وصححه شيخنا الألباني في«صحيح الجامع»: 620.(1/47)
بل ويُروى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا (1)، والاستعاذة بالله من شر ما رأى، بخلاف أصوات الديكة، فإنه يستحب إذا سمعها أن يسأل الله تعالى من فضله (2)، ويرغب إليه وكذا يذكر الله عز وجل عند هدير الحمام (3).
واستحباب تسمية الرجل دابته (4)، والاعتقاب عليها في السفر وغيره (5)،
__________
(1) أخرج ابن الثني في «اليوم والليلة»: 315: أخبرنا محمد بن أحمد بن المهاهر, حدثنا محمد بن الحسين بن بيان, حدثنا معمر بن عبيد الله بن أبي رافع ع، أبيه عبيد الله عن أبي رافع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لن ينهق حمار حتى يرى شيطانًاو فإذا كان ذلك فاذكروا الله عز وجل وصلوا عليّ) وهو ضعيف جدًا, كما في «ضعيف الجامع»: 4786.
(2) انظر حديث أبي هريرة في الهامش قبل السابق.
(3) أخرجه ابن السني في «اليوم والليلة»: 311, من حديث معاذ بن جبل, أن عليًا شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحشة, فأمره أن يتخذ زوج حمام ويذكر الله عند هديره.
في إسناده الحسين علوان, قال ابن حبان «كان يضع الحديث على هشام بن عروة وغيره من الثقات وضعًا, ولا تحل رواية حديثه إلا على جهة التعجب, كذبه أحمد بن حنبل رحمه الله», «المجروحين»: 1/244, 245 وانظر الميزان: 2027.
(4) الأصح: مشروعية ذلك، إذ ليس في الحث عليه نص، وقد ترجم البخاري في كتاب الجهاد من «صحيحه»: «باب اسم الفرس والحمار»، وأخرج فيه أربعة أحاديث فيها ذكر أسماء لدواب النبي صلى الله عليه وسلم وغيره: 2854-2857.
(5) من ذلك حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه في غزوة الرقاع، وفيه: «ونحن في ستة نفر، بيننا بعير نعتقبه».
أخرجه البخاري: 4128، ومسلم: 1816، وابن حبان: 4734، والبيهقي: 5/258، وفي الباب عن ابن مسعود وغيره.
وجميع الأحاديث التي وقفنا عليها في الباب فيها أن سبب ذلك قلة الظهر وعدم القدرة على أكثر من الموجود، والله أعلم.(1/48)
وجواز ركوب الثلاثة عليه إذا كانت مُطِيقة (1)، وأحقيَّة صاحبها بمقدّمها إلا أن يأذن لغيره (2)، والاكتفاء بمركب واحد، فقد روى أحمد والترمذي عن بريدة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (يكفي أحدكم من الدنيا خادم ومركب) (3).
__________
(1) من ذلك حديث عبد الله بن جعفر، أخرجه البخاري: 3082، ومسلم: 2427، وابن منده في «أرداف النبي»: 28، 62.
وفي الباب لعبد الله بن جعفر حديثان آخران، وفيه عن ابن عباس، بل وفيه عن سلمة بن الأكوع أن النبي صلى الله عليه وسلم حمل معه ثلاثة على الدابة. أخرجه مسلم: 2423، والترمذي: 2775، وابن منده في «أرداف النبي»: 26.
وفي جميع هذه الأحاديث كان المردَفون أطفالًا، تطيق السير بهم الدابة.
وانظر في ذلك جزء الحافظ ابن منده «أرداف النبي صلى الله عليه وسلم».
(2) من ذلك حديث بريدة الأسلمي. أخرجه الترمذي: 2773 -وقال: «هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه»- وأبو داود: 2572، وابن حبان: 4735 –والبيهقي في «السنن»: 5/258، بإسناد جيد.
وفي الباب عن عمر بن الخطاب، وأبي سعيد الخدري، وقيس بن سعد، رضي الله عنهم جميعًا.
(3) أخرجه الدارمي: 2/301، وأحمد: 5/360، والنسائي في الزينة من «السنن الكبرى» -كما في «تحفة الأشراف»: 2011- وابن أبي شيبة في «المصنف»: 16235، وابن أبي عاصم في «الزهد»: 171، 232، وت«الآحاد والمثاني»: 2360، وأبو نعيم في «الحلية»: 6/206، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم وفضله»: 2/19.
والحديث لم يخرجه الترمذي كما قال المصنف، ولكن أشار إليه عقب حديث أبي هاشم الآتي فقال: «وفي الباب عن بريدة الأسلمي عن النبي صلى الله عليه وسلم».
أو أنها كانت «الدرامي» فتحرَّفت من الناسخ، والله أعلم.
والحديث له شاهد من حديث أبي هاشم بن عتبة:
أخرجه الترمذي: 2327، والنسائي: 5372، وابن ماجه: 1403، وأحمد: 3/443-444، 5/290.(1/49)
وكراهية استصحاب النجائب (1)، ففي الحديث المرفوع أنها إبل الشياطين، قال: «وهي أبل تجيبات أسمنها صاحبها، فلا يعلو بعيرًا منها ويمر بأخيه قد انقطع به فلا يحمله عليها» (2).
وسيرة السلف الاقتصاد في المركب، فقد ورينا في أواخر الجزء العشرين من «المجالسة» من طريق أبي عمرو بن العلاء قال: حدثني رجل من أهل صنعاء قال: «كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه بين مكة والمدينة على بعير حرن غليظ، فكان رجلًا رثًّا له، فأتاه بناقة وطية فقال: يا أمير المؤمنين، بعيرك حرن، فلو ركبت هذه، فركبها فسارت به ساعة، ثم قال: كأن راكبها غصن بمَرْوَحة، إذا تدلت به أو شارب نَمِك، ثم أناخ فنزل وقال: دونك ناقتك».
والمروحة –بفتح الميم- المفازة، والجمع: المراويح، وهي المواضع التي تخترق فيها الرياح، وأما بالكسر فهي ما يتروَّح بها.
__________
(1) في المخطوط: «الجنائب» -بتقديم الجيم- وكذا في «سنن أبي داود» و«سنن البيهقي» «باب في الجنائب»، ثم في الحديث: «بجنيبات».
وهذا كله تحريف –والله أعلم- وصوابه: «النَّجائب»، و«بنجيبات»، كما وقع في «المشكاة».
قال ابن الأثير في «النهاية» في (ن ج ب) : «فالنجائب: جمع نجيبة، تأنيثه النَّجيب، ... وقد تكرر في الحديث ذكر النجيب من الإبل، مفردًا ومجموعًا وهو القوي منها، الخفيف السَّريع».
(2) أخرجه أبو داود 2568 –ومن طريقه البيهقي: 5/255- من طريق سعيد بن أبي هند عن أبي هريرة رضي الله عنه –قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تكون إبل للشياطين، وبيوت للشياطين، فأمَّا إبل الشياطين فقد رأيتها، يخرج أحدكم بنجيبات معه، قد أسمنها، فلا يعلو بعيرًا منها ...). وكان شيخنا الألباني قد حسن إسناده في «المشكاة» في 3919، و«الصحيحة»: 93، ثم حذفه من الطبعة الجديدة؛ للانقطاع الذي بين سعيد وأبي هريرة رضي الله عنه.(1/50)
ولابن أبي الدنيا من طريق عبد الله بن مسلم بن هرمز المكي عن أبي الغادية الشامي قال: قدم عمر رضي الله عنه الجابية على جمل أورق تلوح صلعته بالشمس، ليس عليه قلنسوة ولا عمامة، قد طبق رجليه بين شعبتي رحله بلا ركب، وطاؤه كساء أنبجاني من صوف، هو وطاؤه إذا ركب، وفراشه إذا نزل، حقيبته محشو بليف، وهي إذا نزل وسادة وعليه قميص من كرابيس. وفيه أنه استدعى برأس القرية، وأنه قال لعمر رضي الله عنه: «أن ملك العرب، وهذه بلاد لا تصلح فيها الإبل، فأتي ببرذون فطرح عليه قطيفة بلا سرج ولا رحل، فلما سار هنيهة، قال: احبسوا، ما كنت أظن الناس يركبون الشيطان، هاتوا جملي رضي الله عنه».
وإن المركب الصالح الهني من سعادة ابن آدم، كما ثبت في الحديث (1)، ولولا الخروج عن الغرض بذلك لبينتُّه بيانًا شافيًا.
__________
(1) أخرجه أحمد: 3/407, والحاكم: 4/166 – 167 – وصحح إسناده ووافقه الذهبي – من حديث نافع بن عبد الحارث.
وقال الهثيمي عن رواية أحمد في «مجمع الزوائد»: 8/166: «ورجاله رجال الصحيح».
وله شاهد من حديث سعد بن أبي وقاص: أخرجه أحمد: 1/168, والبراز -«كشف الأستار»: 1412, 1413 – والطبراني في «الكبير»: 329, والأوسط- «مجمع البحرين»: 191, قال الهيثمي في «المجمع» 4/275: «ورجال أحمد رجال الصحيح». لكن في إسناده محمد بن أبي حميد ضعيف, ولهذا ضعف الشيخ إسناده: 1444. لكن تابعه عباسُ بن ذريح، عند الطبراني.(1/51)
وكذا أورد أنه: (لو علمت البهائم من الموت ما يعلمُ ابنُ آدمَ ما أكلتم (1) منها سَمينًا) (2)، وأنه «ما مِنْ دابة إلا وهي مُسِيخةٌ يوم الجمعة، من حين تصبح
حتى تطلعَ الشمس شَفقًا أن تقوم الساعة، إلا الجن والإنس» (3).
__________
(1) في المخطوط: «أكل». والمثبت من مصادر الحديث.
(2) ضعيف، أخرجه ابن المبارك في «الزهد»: 2/38، والبيهقي في «الشعب»: 10557، وفي «دلائل النبوة»: 6/34، والقضاعي في «مسند الشهاب»: 1434، من حديث أم صُبَيَّة الجهنية. أشار السيوطي لضعفه: 7433، ووافقه المناوي، وقال: «وفيه: عبد الله بن سلمة بن أسلم ضعفه الدارقطني». وضعفه شيخنا الألباني في«ضعيف الجامع»: 4813.
وأخرجه الديلمي: 5126، من حديث أنس بن مالك دون إسناد، وبيض له ولده –كما في الحاشية- وذكر المناوي في « الفيض»: 5/315، أنه عند الديلمي من حديث أبي سعيد !!
وأخرجه وكيع في «الزهد»: 63، عن عبد الملك بن عمير مرسلًا.
وأخرجه نعيم بن حماد في «زيادات الزهد»: 38 عن الحسن بن صالح أنه بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه.
وأخرجه أبو نعيم من «الحلية»: 6/392، في قول سفيان الثوري، وهو أشبه.
وقد صح في الحديث المرفوع أن البهائم تسمع ما يقع في القبور من صياح الموتى المعذبين، والله أعلم.
(3) جزء من حديث أبي هريرة الصحيح في فضل يوم الجمعة.
أخرجه أبو داود: 1046، والترمذي: 491 –وقال: «هذا حديث حسن صحيح»- والنسائي: 1430، ومالك: 1/108-110، وابن حبان: 2770، 2772، والحاكم: 1/278، وصححه على شرط البخاري ومسلم ووافقه الذهبي –وعبد الرزاق: 5563، وأحمد: 2/272، 457، 486، والشافعي في «مسنده»: 72، والبيهقي في «السنن»: 3/250، 251، وفي «فضائل الأوقات»: 251، والبغوي في «شرح السنة»: 1050، 1062.
قال البيهقي عقب روايته: «قوله: مسيخة، يعني: مصيغة. قال أبو الخطابي رحمه الله: معناه: مصغية مستمعة».
والحديث أصله في «الصحيحين» - البخاري: 935، مسلم: 852- وغيرهما، دون المقصود منه هنا.(1/52)
وإنه ورد فيما أخرجه أبو داود في «سننه» من طريق الشعبي عمَّن له صحبة ورفعه: (من ترك دابة بمهْلكةٍ فأحياها رجلٌ، فهي لمن أحياها) (1).
ومن الحكايات المضحكة: «أن بعض المغفلين عثرت به دابتُه، فالتفت وقال لغلامه: اقطع علفها أدبًا لها. فقال: تموت بذلك. فاعلفها ولا تُعلمها أني أذنت لك –أو كما قال».
إلى غير ذلك مما لم يطلب منا إيراده الآن، والله المستعان.
آخره، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا، آمين.
هذا لفظ المؤلف بحروفه، ومن خطه –أمتع الله المسلمين بحياته- نقلتُ ذلك في يومين متواليين، ثانيهما يوم الثلاثاء ثالث عشر، جمادى الثانية سنة سبع وثمانين وثمان مائة، بمنزلنا من مكة المشرفة.
قال وكتب أبو الخير وأبو فارس محمد المدعو عبد العزيز بن عمر بن محمد بن فهد الهاشمي المكي الشافعي الأثري، ألهمه الله رشده ولطف به وبوالديه وبإخوانه وبجميع المسلمين، والحمد لله، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا.
__________
(1) إسناده ضعيف، أخرجه أبو داود: 3524 –ومن طريقه البيهقي: 6/198- من طريق حماد بن زيد، وأبو داود: 3524، 3525، ومن طريقه البيهقي: 6/198، من طريق أبان بن يزيد، والبيهقي: 6/198، من طريق منصور بن زاذان، وابن أبي شيبة: 2430 –من طريق هشام الدستوائي- أربعتهم عن عبيد الله بن حميد بن عبد الرحمن عن الشعبي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره =
= وفي رواية أبان ومنصور سؤال عبيد الله الشعبي: عمَّن؟ قال: عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
قال المنذري في «تهذيب سنن أبي داود» 5/178: «وفيه عبيد الله بن حميد. وقد سئل عن يحيى بن معين فقال: لا أرعرفه. يعني: لا أعرف تحقيق أمره». وذكره ابن حبان في «الثقات»: 7/144. وقال الحافظ في «التقريب»: «مقبول»: 4284.
وهذا آخر التعليق على هذا الجزء، والحمد لله الذي ينعمته تتم الصالحات، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.(1/53)
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى.
سمع مني هذا الجواب الجماعة الفضلاء البارعون:
الشيخ شمس الدين محمد ابن الشيخ يوسف الصفي، وأمين الدين محمد بن أحمد بن النجار الدمياطي أما محل السماع، وشهاب الدين أحمد بن علي بن أحمد المنزلي ثم الأزهري عرف بابن القطان، وشهاب الدين أحمد بن الشيخ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن الطوخي نزيل المنكو تمرية، ووالده، وشهاب الدين أحمد بن داود بن سليمان البيجوري ثم الأزهري، وشمس الدين محمد بن يوسف بن عوض البحيري ثم الأزهري المالكي، والشيخ المسند شهاب الدين أحمد بن عبد القادر بن طريف الشناوي الحنفي، والفقيه بدر الدين حسين بن أحمد الأزهري نزيل الحسينية، والشيخ زين الدين عبد الرحمن بن موسى الدمياطي ثم القاهري، ومحب الدين محمد بن حسن بن حسين الأسيوطي الحسيني، وشمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الله الناسخ ويعرف بابن الشاهد، والشيخ سالم المديني، وآخرون.
وذلك في يوم الثلاثاء سادس عشر المحرم سنة سبعة وسبعين وثمان مائة. بجامع العمري –يعني: من القاهرة المعزية- عقب مجلس الإملاء، وأجزت لهم لفظًا.
وكتبه مؤلفه محمد بن السخاوي غفر الله ذنوبه، وستر عيوبه، ومن خطه نقل كاتبه عبد العزيز بن عمر بن محمد بن فهد الهاشمي المكي الأثري، لطف الله به وبوالديه وبإخوانه وبجميع المسلمين، والحمد لله، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا.(1/54)
سلسلة بحوث وتحقيقات مختارة من مجلة الحكمة (32)
المحقق
Almodhe1405@hotmail.com
almodhe@yahoo.com
قاضي القضاة ولي الدين أبي زرعة أحمد بن حافظ الإسلام زين الدين أبي الفضل عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن العراقي، رواية الشيخ الفاضل الصالح جمال الدين يوسف بن محمد المدعو بدر الدين بن أحمد بن يوسف الكومي نزيل خانقاه سعد السعداء عنه.
رواية منتقيه وكاتبه إبراهيم بن عمر بن الرُّباط البقاعي عنه.
بسمِ اللهِ الرَّ حمنِ الرَّحيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبه الميامين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فهذا جزء منتقى من حديث الحافظ ولي الدين العراقي الكردي أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين، رأيت أن أعلق عليه وأنشره.
النسخة التي اعتمدتها هي في مكتبة كوبريلي في استنبول تحت رقم: 1474، وهي في آخر نتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار بخط إبراهيم البقاعي في خمسة أوراق في كل ورقة 26 سطراً في كل سطر 13- 14 كلمة، والخط واضح جلي.
وكاتب النسخة إبراهيم بن عمر بن الرُّباط أبو الحسن البقاعي الشافعي، ولد سنة 809هـ، وله ترجمة في الضوء اللامع: 1/ 101- 111.
وروى النسخة عن جمال الدين يوسف بن محمد الكومي، وله ترجمة في الضوء اللامع: 10/ 328، ولد سنة 769 هـ وتوفي سنة 848 هـ.
والحافظ ولي الدين العراقي ولد سنة 762 هـ وتوفي سنة 826 هـ.
وبعد الاستنساخ والمقابلة علقت عليها ببيان مكان الحديث في الكتب التي يذكرها المؤلف، وربما زدت عليه.
والله من وراء المقصد
كتبه
حمدي بن عبد المجيد بن إسماعيل السلفي(1/1)
أخبرني الشيخ المسند الفاضل الخير جمال الدين يوسف بن محمد المدعو بدر بن يوسف الكومي، قال: أخبرنا الإمام قاضي القضاة ولي الدين أبو زرعة الحافظ أحمد بن حافظ الإسلام أبي الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي، رحمه [الله] يوم الثلاثاء 23 ربيع الأول سنة 817، بمدرسة قانباي المتخذة بالقرب من قلعة الجبل، سماعاً من لفظه في آخر المجلس 43 بعد المئتين من أماليه قال: أخبرنا الإمام أبو العباس أحمد بن حمدان بن أحمد الأذرعي الشافعي، ومحمد بن قليج العلائي، قراءة عليهما وأنا أسمع، قالا: أخبرنا القاسم بن عساكر، قال الأول: إجازة، والثاني: سماعاً، أخبرنا عبد الله بن عمران اللتي وأنا في الخامسة، أخبرنا أبو المعالي محمد بن محمد بن اللحاس، أنبأنا أبو القاسم بن البسري، أبنأنا أحمد بن محمد بن موسى القرشي، أخبرنا إبراهيم عبد الصمد الهاشمي، أخبرنا خلاد بن أسلم، أخبرنا النظر بن شميل، أخبرنا حماد بن سلمة، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم - لم لا تزوج من الأنصار؟ قال: "إنَّ فِيهِم غَيرةً".(1/2)
هذا حديث صحيح عال، رواه النسائي عن إسحاق بن إبراهيم، عن النضر بن شميل(1)، فوقع لنا بدلاً عالياً. وحدثنا كذلك يوم الثلاثاء سلخ شهر ربيع الأول من السنة بالمجلس الذي يليه بالمكان، أخبرنا أبو محمد الحسن بن أحمد بن هلال الصالحي الشهير بابن الهَبَل، قراءة عليه وأنا أسمع، في 3 من عمري بظاهر دمشق، أخبرنا أبو الحسن عليّ بن أحمد بن البخاري، أنبأنا أبو عبد الله الحسين بن سعيد بن شنيف، وأبو عليّ بن أبي القاسم بن الخُرَيْف، وعبد الملك بن مواهب، قالوا: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري، أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن النقور، أخبرنا أبو الحسن عليّ بن عمر بن محمد الحربي، حدثنا أبو جعفر محمد بن بدينا، حدثني يحيى بن حبيب بن عربي، حدثنا موسى ابن إبراهيم المدني، عن طلحة بن خراش، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: قال - صلى الله عليه وسلم - (لا يَلج النّارَ منْ رآني ولا منْ رأى من رآني).
هذا حديث حسن عال، رواه الترمذي عن يحيى بن حبيب بن عربي(2). فوقع لنا موافقة عالية، وقال: حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث موسى.
وأخبرنا أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن حبيب رحمه الله، بقراءتي عليه، أخبرنا سنقر الزيني، حضوراً وإجازة، أخبرنا أبو الحجاج يوسف بن خليل الحافظ، أخبرنا أبو سعيد خليل بن أبي الرجاء الداراني (ح).
__________
(1) رواه النسائي: 6/69. وفي الكبرى: 5341، بإسناد صحيح.
(2) رواه الترمذي: 3858، وقال: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث موسى ابن إبراهيم، وروى عليّ بن المديني وغير من أهل الحديث عن موسى هذا الحديث: قال الحافظ في التقريب عن موسى هذا: صدوق يخطئ. وضعفه: شيخنا حيث أورده وضعيف الترمذي: 807 ولفظه لا تمس النار.(1/3)
وأخبرنا عالياً أبو عبد الله المؤذن، إجازة عن أبي الحسن بن البخاري، عن أبي جعفر الصيدلاني، قالا: أخبرنا أبو عليّ الحداد، حدثنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا أحمد بن يوسف النصيبي، حدثنا الحارث بن محمد التميمي، حدثنا روح بن عبادة، حدثنا ابن جريح، أخبرني يحيى بن عبد الله عنها أخبرت، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حلف أن لا يدخل على بعض أهله شهراً، فلما مضى تسع وعشرون يوماً غدا عليهن أو راح، فقيل له: حلفت يا نبي الله أن لا تدخل عليهن شهراً، قال: (إنَّ الشهر تسع وعشرون يوماً).
هذا حديث صحيح عال؛ رواه مسلم عن إسحاق بن راهويه، عن روح بن عبادة(1)، فوقع لنا بدلاً عالياً بدرجة من الطريق الأول وبدرجتين من الطريق الثاني.
وأخبرنا أبو عبد الله محمد بن أبي بكر عليّ الشهير بابن السوقي، قراءة عليه وأنا أسمع، في الثالثة من عمري، بالجامع المظفري بسفح قاسيون، أخبرنا أبو العباس أحمد بن عبد الحميد المقدسي، أخبرنا أبو نصر موسى بن الشيخ عبد القادر الجيلاني (ح).
__________
(1) رواه مسلم: 1085، وهو أيضاً عنده وعند أحمد: 6/315، والبخاري: 1910، 5022، وأبو يعلى: 2249، وابن حبان: 3452، وأحمد: 3/329 و 334، 341 من طرق أخرى.(1/4)
وأخبرتنا جويرية بنت أحمد الهكارية، قراءة عليها وأنا أسمع، أخبرنا الحسن بن عمر الكردي، أخبرنا عبد الله بن عمر بن اللتي وأنا في ... ، قالا: أخبرنا عبد الأول بن عيسى، أخبرنا عبد الرحمن بن محمد الداودي، أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حمويه، أخبرنا إبراهيم بن خزيم، عن ثوير ابن أبي فاختة، قال: سمعت ابن عمر يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (إن أدنى أهل الجنةِ مَنزلة لمن ينظر إلى جنانهِ وأزواجه ونعيمه وخدمه وسرُرهِ مسيرة ألف سنةٍ، وأكرمهم على الله عزَّ وجل من ينظر إلى وجه غدوة وعشية) ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } (1) (القيامة:22- 23).
هذا حديث حسن عال، رواه الترمذي عن عبد بن حميد(2)، فوقع لنا موافقة عالية، وقال: روي هذا الحديث من غير وجه عن إسرائيل عن ثوير، عن ابن عمر مرفوعاً، ورواه عبد الملك بن أبجر عن ثوير عن ابن عمر موقوفا(3)، وروى عبيد الله الأشجعي عن الثوري، عن ثوير عن مجاهد، عن ابن عمر قوله ولم يرفعه(4). حدثنا بذلك أبو كريب، حدثنا عبيد الله الأشجعي فذكره.
__________
(1) رواه عبد بن حميد: 819.
(2) رواه الترمذي: 2553، 3330، ورواه أحمد: 2/3 و 64، وأبو يعلى: 5712، 5727، والآجري في الشريعة: ص269، والدارقطني في الرؤية: 170 – 174، والحاكم: 2/509 – 510، وأبو نعيم في الحلية: 5/87، والبغوي في شرح السنة: 4395، وعبد الرحمن بن النحاس في رؤية الله: 3، وابن جرير الطبري في تفسيره: 29/192، واللالكائي في السنة: 841، وأبو عبد الله القطان في حديثه عن الحسن بن عرفة: 144/1-2، وأبو بكر بن سلمان الفقيه في الفوائد المنتقاة: 16/2 و 18/1، والخطيب في الموضح: 2/9، كلهم من طريق ثوير به؛ وثوير واهي الحديث ومجمع على ضعفه.
(3) روى الموقوف اللالكائي: 866، وابن جرير: 29/193.
(4) رواه اللالكائي: 840 مرفوعاً.(1/5)
قال: وأنشدنا كذلك في المجلس 46 بعد المئتين يوم الثلاثاء 15 ربيع الثاني سنة 816، أنشدنا عليّ بن أحمد، إذناً عن عليّ بن أحمد عن أبي طاهر الخشوعي، عن القاسم الحريري لنفسه:
لا تخطونَّ إلى خطءٍ ولا خطا ... مِن بعد ما الشيب في فوديك قد وخطا
فأيُّ عُذر لمن شابت مفارقه ... إذا مشى في ميادين الصَّبا وخطا
قال: وحدثنا كذلك في يوم الثلاثاء 7 جمادى الأولى سنة 817، بالمكان في المجلس 52 بعد المئتين، قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن أحمد ابن هلال الصالحي الشهير بابن الهبل، قراءة عليه وأنا أسمع، في الثالث من عمري بدمشق، أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن البخاري، أنبأنا أبو عبد الله الحسين بن سعيد بن سنيف، وأبو علي بن أبي القاسم بن الخريف، وعبد الملك بن مواهب، قالوا: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري، أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد النقور، أخبرنا أبو الحسن علي بن عمر بن محمد الحربي، حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد ابن عبد العزيز البغوي، حدثنا محمد بن حسان بن خالد السمتي أبو جعفر سنة 228 وفيها توفي، حدثنا محمد بن الحجاج اللخمي، عن مجاهد، عن الشعبي، عن ابن عباس، وقال: قدم وفد عبد القيس على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (أيُّكُمْ يَعْرفُ القسَّ بن ساعِدة الإيادي؟) قالوا: كلنا يا رسول الله نعرفه، قال: "فما فعلَ؟" قالوا: هلك، قال: "ما أنساهُ بعُكاظ على جمل أحْمر وهو يقول: أيُّها الناس اجتمعوا واسمعوا وعوا، من عاش مات، ومن مات فات وكل ما هو آت آت، إنَّ في السماء لخبراً، وإن في الأرض لعبراً، مهاد موضوع، وسقف مرفوع، ونجوم تمور، وبحار لا تفور، أقسم قسُّ قسماً حتماً لئن كان في الأمر رضا، ليكوننَّ سخطاً، إنَّ لله لدينا هو أحبُّ إليه من دينكم الذي أنت عليه، ما لي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون، أرضوا بالمقام فأقاموا أم نزلوا فناموا". ثم قال: "أيّكمْ يَرْوي شِعرهُ؟" فأنشدوه:(1/6)
في الذَّاهِبين الأولين من القروُنِ لنا بَصائرُ
لما رأيْتُ مَوارِداً للموت ليس لها مَصَادِر
وَرَأيْتُ قوْمي نَحْوها يسعى الأصاغر والأكابر
لا يرْجعُ الماضي إليَّ ولا من الباقينَ عامِر
أيقنتُ أني لا محالة حيْث صارَ القوْم صَائر(1)
هذا حديث عال، وهو ضعيف الإسناد، وعلته محمد بن الحجاج اللخمي، وقد كذبه بن معين والدارقطني وابن عدي. وقال البخاري: منكر الحديث.
وحدثنا كذلك يوم الثلاثاء 11 رجب من السنة، في المجلس 54 بعد المئتين، أخبرنا الإمام جمال الدين محمد بن أحمد بن محمد بن الشريشي، أخبرنا هبة الله بن عساكر، أخبرنا أبو المكارم عبد الواحد بن عبد الرحمن الأزدي، أخبرنا الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله، قال: قلت:
واظبْ عَلى جمْع الحديث وكَتْبهِ ... واجْهد عَلى تصْحيحه في كُتْبِهِ
ج
وَاسْمَعْهُ مِنْ أربابه نقلاً كما ... سمعُوهُ من أشياخهم تُسْعدُ بهِ
وَاعُرفْ ثقاتَ رُواتِهِ منْ غيرهمْ ... كيما تميزَّ صدْقهُ مِنْ كذْبه
فهو المفسَّرُ للكتَاب وإنما ... نطق النبيّ لنا به عَنْ ربَّهِ
فتَفهَّم الأخْبار تعْرف حكمهُ ... منْ حُرمَةٍ معْ فْرضه مِنْ ندبهِ
وهو المبينُ للعِباد وَبشرْحِهِ ... سيرُ النبيَّ المصْطفى مَعْ صحْبهِ
وَتتبَّع العالي الصَّحيح فإنَّهُ ... قُرْب مِنَ الرَّحْمن تُحظى بقُرْبه
وتجنَّب التصحيف فيه فرُبما ... أدى إلى تحريفه بل قلبه
واترك مقالة من لحاك بجهلهِ ... عن كتْبه أوْ بدْعَةٍ في قبلهِ
فكَفى المحدث رِفعةً أنْ يرتقي ... وَيُعدَّ من أهلِ الحديث وحزْبهِ(2)
__________
(1) ورواه الطبراني في الكبير: 12561، والبيهقي في دلائل النبوة: 1/456، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات: 1/213.
(2) ورواه ابن المستوفي في تاريخ إربل: 1/236، عن حفيد المؤلف عن أبيه عن جده، وانظر فتح المغيث: 2/331، للسخاوي، وقواعد التحديث: ص402 للقاسمي. وعندهم "أن يرتضي" بدل "أن يرتقي".(1/7)
قال: حدثنا كذلك يوم الثلاثاء، بمسكنه بالدرب الأصغر داخل القاهرة، في المجلس الحادي والستين بعد المئتين، قال: أخبرنا أبو خليل محمد بن أزبك بن عبد الله البدري، كتابة من دمشق، أخبرنا أبو خليل محمد بن عبد المؤمن بن أبي الفتح الصوري، أخبرنا أبو البركات داود بن أحمد بن محمد بن ملاعب، أخبرنا القاضي أبو الفضل محمد بن عمر بن يوسف الأموري، أخبرنا أبو الغنائم عبد الصمد بن علي بن المأمون، أخبرنا أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني، حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، حدثني سريج بن يوسف بن الحارث، حدثنا عبد الرحمن بن عبد العزيز بن أبجر، عن أبيه، عن واصل الأحدب، عن أبي وائل قال: خطبنا عمار فأبلغ وأوجز، فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إنَّ طول صلاة الرجُل وقصر خطبته مئنة من فقهه، فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطب، فإنَّ مِنَ البيان سِحراً".
هذا حديث صحيح عال، رواه مسلم عن سريج بن يونس(1)، فوقع لنا موافقة عالية.
__________
(1) رواه مسلم: 869، ورواه أحمد: 4/263، والدارمي: 1564، وابن خزيمة: 1782، وابن حبان: 2791، من طريق عبد الرحمن بن عبد الملك بن أبجر عن أبيه عن واصل بن حبان عن أبي وائل به. وسقط عن أبيه في إسناد الدارمي.(1/8)
وأخبرنا أبو الكرم محمد بن محمد بن محمد القلانسي، بقراءة والدي رحمه الله عليه وأنا حاضر وإجازة، أنبأنا أبو طاهر محمد بن إسماعيل بن عبد المحسن بن الأنماطي، أخبرنا أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل الحرستاني حضواً، أخبرنا أبو الحسن علي بن سليمان بن أحمد المرادي، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الفراوي. قال ابن الحرستاني: وأجازه لي الفراوي، أخبرنا الأستاذ أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني، أخبرنا الإمام أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا الربيع بن سليمان، حدثنا بشر بن يسار، عن أبي هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما مِنْ رَجُل يَمُر بقبْرهِ رَجل كان يَعْرفُهُ فيُسلمُ عليه إلا عَرفهُ وَرَدَّ عليه السلامَ)(1).
وبه إلى الصابوني قال: هذا حديث غريب من حديث زيد بن أسلم، لم يروه عنه غير ابنه عبد الرحمن. قلت: والأكثرون على ضعف عبد الرحمن ابن زيد بن أسلم.
قال: وحدثنا كذلك بمنزله بالدرب الأصغر يوم الثلاثاء من شهر شعبان من السنة في المجلس.
__________
(1) رواه ابن حبان في كتاب المجروحين: 2/58-59، والخطيب في تاريخ بغداد: 6/137، وابن عساكر: 3/289، 10/249، وأورده ابن الجوزي في العلل المتناهية: 2/429، وقال: 2/429-430: هذا حديث لا يصح، وقد أجمعوا على تضعيف عبد الرحمن بن زيد؛ قال ابن حبان: كان يقلب الأخبار وهو لا يعلم حتى كثر ذلك في روايته من رفع المراسيل وإسناد الموقوف فاستحق الترك. ورواه ابن عبد البر في الاستذكار: 1/234 من حديث ابن عباس وفي إسناده عبيد بن عمير مولى ابن عباس وهو مجهول، وفاطمة بنت ريان المخزومي المسلمي لا ذكر لها في كتب الرجال، وشيخ ابن عبد البر لم يوقثه أحد.(1/9)
أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن فرحون اليعمري المدني، قراءة عليه وأنا أسمع بمسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الطبري، أخبرنا أبو الحسن علي بن هبة الله بن الجميزي، أخبرنا الحافظ أبو طاهر السلفي، أخبرنا القاسم بن الفضل الثقفي، حدثنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران البغدادي، حدثنا محمد بن عبد الله بن بشران البغدادي، حدثنا محمد بن عمرو بن البختري، حدثنا محمد بن عبد الله، حدثنا وهب بن جرير، حدثنا شعبة عن محمد بن يعقوب الضبي، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (أرأيتُمْ إنْ كانتْ أسْلمُ وغفارُ ومَزَيْنةُ – وأحسبه قال – وَجُهَيْنةً خيْراً مِنْ بني تميم وَعَامِر بن صعصعة وأسد وغطفان، خابُوا وَخسِروا).
قالوا: نعم، قال: "فوالذي نفسي بيده إنّهم لخير منهم"(1).
هذا حديث صحيح عال، رواه البخاري عن عبد الله بن محمد، عن وهب بن جرير، فوقع لنا بدلاً عالياً.
أنشدنا الإمام والدي رحمه الله، إذنا عن عبد الرحمن بن عبد الله الأنصاري، عن الحافظ أبي الحسين يحيى بن علي القرشي، أنشد أبو الحسين يحيى بن علي القرشي، أنشد أبو الحسين محمد بن أحمد الكتاني لنفسه:
أراكَ في الحياة عَلى اغترارَ ... ومالك للإنابة منْ بدار
وتطمعُ في البقاء وكيف تبْقى ... وما الدنيا لساكِنها بدَارِ
__________
(1) ورواه الطبراني في الكبير: 12561، والبيهقي في دلائل النبوة: 1/456، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات: 1/213.(1/10)
قال: وحدثنا كذلك يوم الثلاثاء 15 شعبان من السنة بالمكان في المجلس الثالث والستين بعد المئتين: أخبرنا أبو بكر بن عبد العزيز بن محمد الكناني، أخبرنا محمد بن الحسن بن إبراهيم الأنصاري، أخبرنا قاضي القضاة أبو الصلاح عبد الله بن محمد بن عين الدولة، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن يوسف القرطبي، أخبرنا عبد المنعم بن عبد الله الفراوي، أخبرنا أبو بكر السيروي في كتابه، أنشدنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن المرزبان، أنشدي أبو القاسم بن طاهر البستي، أنشدني أبو سليمان الخطابي لنفسه:
تَجدْ سُروراً للهلال إذا بدا ... وما هو إلا السيف للحنق ينتضي
إذا قيل مر الشَّهر فهو كناية ... وترجمة عن شطر عُمْرٍ قد انقضى
قال: وأخبرني كذلك يوم الثلاثاء 4 شعبان سنة 821 في المجلس، قال: أخبرني أبو محمد عبد الله بن علي بن محمد الباجي، بقراءتي عليه، أخبرنا موسى بن علي بن أبي طالب الحسيني، أخبرنا محمد بن إبراهيم بن مسلم الإربلي، أخبرنا أبو الحسين عبد الخالق اليوسفي، وأبو بكر عبد الله بن محمد بن النقور، قالا: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الحاجب، أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عمر الحمامي المقرئ، حدثنا أبو بكر محمد ابن عبد الله بن إبراهيم الشافعي، حدثنا أبو مسلم الأنصاري، حدثني أبي، عن أنس، أن عمر رضي الله عنه خرج يستسقي، وخرج بالعباس معه توسلنا إليك بنبينا، وإنا اللهم نتوسل إليك بعم نبيك - صلى الله عليه وسلم - .
هذا حديث صحيح عال، رواه البخاري عن الحسن بن محمد الزعفراني، عن محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري(1)، فوقع لنا بدلاً عالياً.
__________
(1) رواه البخاري: 1010، 3710.(1/11)
قال: وحدثني كذلك بمدرسة قانباي بالقرب من قلعة الجبل يوم الثلاثاء 7 ذي القعدة سنة 821، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفدي، قراءة عليه وأنا أسمع، في الثالثة من عمري، بالجامع الأموي بدمشق، أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله بن عساكر، حضوراً وإجازة، أخبرنا أبو الفرح عبد المعز بن محمد الهروي، أخبرنا زاهر بن طاهر، أخبرنا سعيد بن محمد العيَّار، أخبرنا الحسن بن أحمد المخلدي، أخبرنا محمد بن إسحاق السراج، أخبرنا قتيبة بن سعيد، حدثنا جعفر بن سليمان، عن ثابت، عن أنس رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يزور الأنصار ويسلم على صبيانهم ويمسح برؤوسهم.
هذا حديث صحيح عال، رواه الترمذي عن قتيبة(1)، فوقع لنا موافقة عالية. ورواه ابن حبان في صحيحه عن السراج(2)، فوقع لنا موافقة عالية بدرجتين.
__________
(1) رواه الترمذي: 2696، ورواه من طريق قتيبة أيضاً النسائي في عمل اليوم والليلة: 329، وفي فضائل الصحابة: 244، والبغوي في شرح السنة: 3306. ورواه البخاري: 6247، ومسلم: 2168، و 2482، والترمذي: 2696، والنسائي في عمل اليوم والليلة: 330، 331، وأبو داود: 5202، والدارمي: 2639، والبغوي: 3305 من طرق عن ثابت به.
(2) رواه ابن حبان: 459.(1/12)
قال: وحدثنا كذلك في المجلس الثاني والأربعين بعد الأربعمائة من أماليه، يوم الثلاثاء 9 جمادى الثاني سنة 822، وأخبرنا أبو محمد عبد القادر ابن محمد بن محمد القرشي، قراءة عليه وأنا أسمع، أخبرنا محمد بن عبد الحميد الهمداني، أخبرنا إسماعيل بن عزون، أخبرتنا فاطمة بنت سعد الخير (ح). وأنبأنا عالياً صلاح الدين محمد بن أحمد بن أبي عمر، عن علي بن أحمد المقدسي، عن أبي جعفر الصيدلاني، قالا: أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله، أخبرنا محمد بن عبد الله بن ريدة، أخبرنا الحافظ أبو القاسم الطبراني، حدثنا عبيد بن غنام، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن أبي المنهال، عن إياس بن عبد الله المزني رضي الله عنه –وكان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الماء(1).
هذا حديث صحيح عال، رواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة(2)، فوقع لنا موافقة عالية من طريقنا الثاني. ورواه النسائي عن قتيبة وعبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الزهري، كلاهما عن سفيان – وهو ابن عيينة -(3)، فوقع لنا بدلاً عالياً من طريقنا الثاني.
__________
(1) رواه الطبراني في الكبير: 782.
(2) رواه ابن ماجه: 2476.
(3) رواه النسائي: 7/307. ورواه الحميدي: 912 عن سفيان ومن طريقه الطبراني في الكبير: 782، ورواه أحمد: 4/138، والنسائي: 71/30: والدارمي، 2165، والطبراني في الكبير: 782، من طريق سفيان به. ورواه أبو داود: 3478، والترمذي: 1271، والنسائي: 7/307 من طريق داود بن عبد الرحمن عن عمرو به. ورواه أحمد: 3/417 من طريق ابن جريج عن عمرو به.(1/13)
قال: وحدثنا كذلك يوم الثلاثاء 17 جمادى الثاني من السنة، بسكنه بالقرب من المدرسة الصالحية، في المجلس الثالث والأربعين بعد الأربعمائة، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم بن أحمد بن عيسى القرشي المخزومي، قراءة عليه وأنا أسمع، أخبرنا محمد بن عمر بن ظافر، أخبرنا يعقوب بن محمد الهندباني، أخبرنا منصور بن علي الطبري، أخبرنا زاهر بن طاهر (ح).
وأنبأنا عالياً أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الأنصاري، عن أبي الحسن بن البخاري، عن أبي روح عبد المعز بن محمد، أخبرنا تميم بن أبي سعيد الجرجاني، قالا: أخبرنا أبو سعد محمد بن عبد الرحمن الكنجروذي، أخبرنا أبو عمرو بن حمدان، أخبرنا أبو يعلى الموصلي، أخبرنا أحمد بن حاتم الطويل، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن صالح بن محمد بن زائدة، عن سالم عن أبيه عن جده عمر بن الخطاب - رضي الله عنه – أن رسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (مَنْ وَجَدْتُموُهُ غلَّ فاضْربُوه وأحرقوا متاعهُ) قال: فدخلت على مسلمة بن عبد الملك فأخذ رجلاً قد غل، فدعا سالماً فحدثه الحديث، قال: فأحرق متاعه، ووجد في متاعه مصحفاً؛ فقوم المصحف وتصدق بقيمته(1).
__________
(1) رواه أبو يعلي: 204.(1/14)
هذا حديث عال وفيه ضعف، رواه أبو داود عن النفيلي وسعيد بن منصور(1)، والترمذي عن محمد بن عمرو السواق(2)؛ ثلاثتهم عن عبد العزيز الدراوري. فوقع لنا بدلاً لهما عالياً من طريقنا الثاني. ونسخ الترمذي مختلفة، في بعضها إثبات عمر، وفي بعضها جعله من مسند ابن عمر. ثم رواه أبو داود عن أبي صالح محبوب بن موسى، عن أبي إسحاق الغزاوي، عن صالح بن محمد، قال: غزونا مع الوليد بن هشام ومعه سالم بن عبد الله وعمر بن عبد العزيز، فغل رجل متاعاً، فأمر الوليد بمتاعه فأحرق وطيف به ولم يعطه سهمه(3).
قال أبو داود: هذا أصح الحديثين، رواه غير واحد أن الوليد بن هشام حرق رحل زياد بن سعد وكان قد غل. وقال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وسألت محمداً عن هذا؛ فقال: إنما رواه صالح بن محمد، وهو منكر الحديث.
وأخبرنا أبو عبد الله محمد بن أزبك البدري، مكاتبة من دمشق، أخبرنا محمد بن عبد المؤمن الصوري، أخبرنا عبد الصمد بن محمد الحرستاني، أخبرنا طاهر، عن سهيل بن بسر الأسفرائيني، أخبرنا محمد بن مكي بن عثمان الأزدي قيل له: أخبركم أبو علي أحمد بن عمر بن محمد بن خرشيد قوله، حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن إسحاق المروزي المعروف بابن الحامضي، حدثنا محمد بن عبد الله، حدثنا عفان، حدثنا همام، حدثنا قتادة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إنَّ الله يُحِبُّ أنْ يَرى أثَر نعمتهِ على عبدهِ).
هذا حديث عال، رواه الترمذي عن الحسن بن محمد الزعفراني عن عفان بن مسلم(4)، فوقع لنا بدلاً له عالياً، وقال: حديث حسن.
__________
(1) رواه أبو داود: 2713.
(2) رواه الترمذي: 1461. ورواه أحمد: 1/22 عن أبي سعيد عن عبد العزيز به، وصححه الحاكم: 2/127-128. ووافقه الذهبي.
(3) رواه أبو داود: 2714.
(4) رواه الترمذي: 2819.(1/15)
قال: وحدثنا كذلك يوم الثلاثاء الثامن من شهر ربيع الآخر سنة 817، في المجلس الخامس والأربعين بعد المئتين: أنبأنا أبو العباس أحمد بن يوسف ابن أحمد الخلاطي، عن الحافظ عبد المؤمن بن خلف الدمياطي، أخبرنا يوسف بن خليل الحافظ (ح). وأنبأنا عالياً أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن محمد الأنصاري، عن أبي الحسن بن البخاري، قالا: أخبرنا محمد بن أبي زيد الكراني، قال: الأول: سماعاً، وقال الثاني: إجازة، وأخبرنا محمود بن إسماعيل الصيرفي، أخبرنا أبو الحسين بن فاذشاه، أخبرنا أبو القاسم الطبراني، حدثنا هارون بن ملول، حدثنا المقرئ، حدثنا عبد الرحمن بن زياد، حدثني خديج بن صومي، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (الغَفْلة في ثلاث: عنْ ذكر الله عزَّ وجلَّ حين يُصلى الصُّبحُ إلى طلوع الشمس، وغفلة الرجُل عن نفسه في الدين حتى يركبه) (1).
هذا حديث حسن عال، رواه أحمد بن منيع في مسنده عن شجاع بن الوليد، عن عبد الرحمن بن زيادة(2)، فوقع لنا بدلاً عالياً من طريقنا الثاني.
__________
(1) رواه الطبراني في المعجم الكبير: 13 رقم 121، وحديج بن صومي مستور وعبد الرحمن بن زياد هو الأفريقي ضعيف.
(2) المطالب العالية: 3326.(1/16)
قال: وحدثنا كذلك يوم الثلاثاء 18 جمادى الآخرة سنة 817، بمدرسة قانباي في المجلس 45 بعد المئتين من أماليه: أخبرنا أبو العباس أحمد بن حمدان بن أحمد الحلبي، وأبو عبد الله محمد بن قليج المقدسي، قراءة عليهما وأنا أسمع، قالا: أخبرنا القاسم بن عساكر، قال الأول: إجازة، وقال الثاني: سماعاً، أخبرنا عبد الله بن عمر بن اللتي وأنا في الخامسة، أخبرنا أبو المعالي محمد بن محمد بن محمد، أنبأنا أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد بن البسري، أخبرنا أحمد بن محمد بن موسى القرشي، أخبرنا إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي، حدثنا عبد الجبار بن العلاء، حدثنا وكيع، حدثنا حماد بن نجيح، عن أبي عمران الجوني، عن جندب البجلي رضي الله عنه، قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحن فتيان حزاورة، فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن بعد، فازددنا إيماناً(1).
هذا حديث حسن عال، رواه ابن ماجه عن علي بن محمد، عن وكيع(2)، فوقع لنا بدلاً عالياً.
هذا آخر ما انتقيته من أمالي الحافظ قاضي القضاة أبي زرعة أحمد بن حافظ الإسلام زين الدين أبي الفضل العراقي، عند الشيخ الإمام الفاضل الصالح كمال الدين يوسف بن بدر بن أحمد الكومي النازل بخانقاه سعد السعداء بالقاهرة، انتقيته يوم الثلاثاء سابع عشري رجب سنة 837 هـ.
قرأت هذا المنتقى على رواية الإمام جمال الدين يوسف بن بدر الدين محمد الكومي المذكور، بسماعه له من لفظ ممليه حالة الإملاء في المجالس المعينة، فسمعه رفيقنا الفاضل بهاء الدين أحمد بن موسى بن رجب الفاخوري الدمشقي، وأجاز السمع متلفظاً بسؤالي. صح ذلك في التاريخ المذكور بالمكان.
قال: وكتب إبراهيم بن عمر بن الرباط البقاعي الشافعي حامداً مصلياً مسلماً محسبلاً متوكلاً.
__________
(1) ورواه الطبراني في الكبير: 1678 وزاد "فإنكم اليوم تعلمون القرآن قبل الإيمان".
(2) رواه ابن ماجه: 61.(1/17)
سلسلة بحوث وتحقيقات مختارة من مجلة الحكمة (21)
جملة من الأحاديث الضعيفة والموضوعة
تأليف
شمس الدين محمد بن عبد الهادي الحنبلي
تحقيق
حمدي عبد المجيد السلفي
قام بنشره
أبو مهند النجدي
Almodhe1405@hotmail.com
almodhe@yahoo.com
بسمِ اللهِ الرَّ حمنِ الرَّحيمِ
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فإن معرفة ما دخل في كتب المسلمين من الأحاديث الضعيفة والموضوعة ضرورية جداً لكل من يعتني بالإسلام من النواحي الفقهية والأصولية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية، حيث وضع من لا يخافون الله أحاديث كثيرة في تلك المواضيع إما لتشويه سمعة الإسلام أو لأغراض أخرى، وقد ذكر تلك الأغراض العلماء النقاد في كتبهم المؤلفة في بيان عدم صحة تلك الأحاديث بشكل مفصل.
وممن اهتم بجمع بعض تلك الأحاديث علم من أعلام المسلمين ممن تضلع في علم الحديث، حيث ذكر بعض تلك الأحاديث عن شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية رحمه الله، ثم أضاف إليها أحاديث جمة في مختلف مجالات الحياة للإنسان، في مجال العبادات والمعاملات والأحوال الشخصية والآداب والأخلاق وغيرها، ألا وهو الإمام الحافظ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الهادي المتوفى عام أربع وأربعين وسبع مائة.
ونحن بدورنا رأينا أن ننشر تلك الرسالة الصغيرة الحجم والكثيرة الفائدة في مجلة الحكمة ليطلع قراؤنا على جهود علمائنا الكرام في خدمة السنة المطهرة والدفاع عنها.
وقد ذكر المؤلف في تلك الرسالة (387) حديثاً في مختلف تلك المجالات، بالإضافة إلى بعض القواعد العامة وبيان وضع أحاديث بالجملة في مواضيع مختلفة.(1/1)
لا أننا بالرغم من تقديرنا لجهد المؤلف فقد رأينا أنه أخطأ أو وهم في عد بعض الأحاديث الحسنة والصحيحة من ضمن تلك الأحاديث، ورغبة منا في عدم تطويل الكلام على تلك الأحاديث جميعاً فقد ارتأينا أن نحيل إلى مصدر واحد أو أكثر من المصادر التي تكلمت على كل حديث منها، وعدم التطويل في تخريجها.
ولعلنا إن أطال الله في عمرنا ووفقنا أن نحقق الرسالة ونعلق على أحاديثها بشكل مطول مع بيان عللها في المستقبل ونطبعها مستقلة.
ورسالتنا اطلعنا على مصورة لها من مكتوبة كوبريلي في إستانبول تحت رقم (1060/6) بعنوان:
جملة من الأحاديث الموضوعة مما اعتنى بجمعه الشيخ الإمام العالم شمس الدين محمد بن عبد الهادي الحنبلي رحمه الله تعالى بمنه وكرمه آمين.
وفي آخرها: تمت ولله الحمد والمنة وصلواته وسلامه على نبيه ورسوله وحبيبه وعلى آله وصحبه، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
علق ذلك لنفسه أضعف العبا محمد بن محمد بن سيف الحنفي في أواخر شهر المحرم الحرام من شهور سنة ست وستين وتسع مئة، أحسن الله ختامها بخير آمين آمين آمين.
ولها صورة ثانية في المكتبة الظاهرية في دمشق تحت رقم (حديث 405) ذكرها شيخنا محمد ناصر الدين الألباني في فهرسته (ص71) تحت عنوان "رسالة في الأحاديث الضعيفة والموضوعة"، ولكن ليست في أولها مقدمة المؤلف، بل فيها الحمد لله رب العالمين وصلي الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
رأيت بخط الحافظ شمس الدين محمد بن عبد الهادي رحمه الله تعالى في أثناء كلام له قال: فصل قال شيخنا في أثناء كلامه.
وليس فيها تاريخ الاستنساخ بل هي بخط ابن رزوق.(1/2)
وفي نسخة كوبريلي حوالي (60) حديثاً زائداً على نسخة الظاهرية. فلذلك جعلنا نسخة كوبريلي الأصل، [ وجعلنا ما زاد عليها من نسخة الظاهرية أو كان بياضاً في نسخة كوبريلي بين معكوفين هكذا [ ] وإن كانت نسخة الظاهرية أقدم منها، وحذفنا من آخر نسخة الظاهرية ما زاد على نسخة كوبريلي، حيث إن تلك الزيادة في مواضيع مختلفة ولا توجد في نسخة كوبريلي.
ثم رأيت الأخ الأستاذ محمد عيد العباسي حقق تلك الرسالة عن نسخة الظاهرية فقط.
حمدي عبد المجيد السلفي
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد
وآله وصحبه وسلم
الحمد لله نستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد.... فإني كنت أطالع في كتاب شيخنا العلامة شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله الذي رد فيه على الرافضي، فرأيته قد ذكر في أثناء كلامه عدة أحاديث، وذكر أنها قد راجت على كثير من الفقهاء وغيرهم أنها لا أصل لها، ولم يذكر رحمه الله من رواها من أصحاب السنن والمسانيد، فأحببت أن أعزوها إلى من رواها منهم، وأتبعها بذكر عدة من الأحاديث التي تشبهها في الضعف وعدم الاحتجاج بها، غير أني لم أذكر من رواها بحال الطول والاشتغال بغيرها، والله سبحانه المسؤول أن يجعل ذلك خالصاً لوجهه، وأن ينفع به، فإنه حسبنا ونعم الوكيل.
[فصل]
قال شيخنا رحمه الله في أثناء كلامه [في الرد على الرافضي]: فقد يروج على أهل التفسير والفقه والزهد [والنظر] أحاديث كثيرة، أما يصدقون بها، وإما يجوزون صدقها، وتكون معلومة الكذب عند علماء أهل الحديث، وقد يصدق بعض هؤلاء بما يكون كذباً عند أهل المعرفة، مثل ما يروي طائفة من الفقهاء:
حديث: " لا تفعلي يا حميراء، فنه يورث البرص".(1/3)
وحديث: " زكاة الأرض يبسها".
وحديث: نهى عن بيع وشرط.
وحديث: نهى عن بيع المكاتب والمدبر وأم الولد.
وحديث: نهى عن فقيز الطحان.
وحديث: " لا يجتمع العشر والخراج على مسلم".
وحديث: " ثلاث هن على فريضة، وهن لكم تطوع: الوتر والنحر وركعتا الفجر".
وحديث: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السفر يتم ويقصر.
وحديث: " لا تقطع اليد إلى في عشرة دراهم".
[ وحديث: " لا مهر دون عشرة دراهم"].
وحديث: الفرق بين الطلاق والعتاق في الاستثناء.
وحديث: " أقل الحيض ثلاثة أيام، وأكثره عشرة".
وحديث: نهى عن البتيراء.
وحديث: " يغسل الثوب من المني والدم".
وحديث: " الوضوء مما خرج لا مما دخل".
وحديث: كان يرفع يديه في ابتداء الصلاة، ثم لا يعود(1).
قلت: [و] هذه الأحاديث التي ذكر[ها] شيخنا مقسمة: فمنها ما لا يعرف له إسناد أصلاً.
1- كحديث: " زكاة الأرض يبسها"(2).
ومنها ما له إسناد ولكنه موضوع، ومنها ما هو ضعيف الإسناد.
2- كحديث: " لا تفعلي يا حميراء" (3).
رواه الدارقطني وابن عدي وغيرهما، وهو موضوع.
3- وحديث: نهى عن بيع وشرط (4).
رواه البيهقي بإسناد ضعيف، ورواه غيره من وجه آخر لا يثبت، وأخطأ السهيلي في قوله: رواه أبو داود.
4- وحديث: نهى عن بيع المدبر وأم الولد. روه الدارقطني (5).
5- وحديث: النهي عن قفيز الطحان. (6).
__________
(1) منهاج السنة (7/429 – 430) لشيخ الإسلام ابن تيمية.
(2) موضوع، البدر المنير (5) لابن الملقن.
(3) لا أصل له مرفوعاً، اللآلئ المنثورة (14) للزركشي.
(4) ضعيف، التلخيص الحبير (1121) لابن حجر.
(5) هذه ثلاثة أحاديث: أولاً: النهي عن بيع أمهات الأولاد، ضعيف مرفوعاً، صحيح موقوفاً، بين الوهم (6) لابن القطان. ثانياً: النهي عن بيع المدبر، موضوع، سنن الدارقطني (4/138). ثالثاً: النهي عن بيع المكاتب، لم أر فيه شيئاً.
(6) باطل، مجموع الفتاوى (28/88) لشيخ الإسلام ابن تيمية.(1/4)
رواه أبو يعلى الموصلي والدارقطني بصيغة تحتمل الرفع والوقف.
6- وحديث: " لا يجتمع على مسلم عشر وخراج" (1).
رواه ابن حبان في الضعفاء والبيهقي وغيرهما من رواية يحي بن عنبسة، وهو كذاب، وإنما هذا من كلام إبراهيم.
7- وحديث: " ثلاث هن علي فريضة ..." (2).
رواه أحمد من رواية أبي جناب، وهو مدلس، عن عكرمة عن ابن عباس. وروي من وجه آخر لا يثبت.
8- وحديث: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتم السفر ويقصر. (3).
رواه الدارقطني، وصحح إسناده.
9- وحديث: " لا قطع في أقل من عشرة دراهم" (4).
رواه أحمد والدارقطني وغيرهما بإسناد ضعيف.
10- وحديث " لا مهر دون عشرة دراهم"(5).
رواه الدارقطني وغيره بإسناد ساقط.
11- وحديث: الفرق بين الطلاق والعتاق في الاستثناء(6).
رواه الدارقطني والبيهقي بإسناد لا يثبت.
12- وحديث: " أقل الحيض ثلاثة، وأكثره عشرة" (7).
رواه الدارقطني وغيره، وضعفه الأئمة.
13- وحديث: النهي عن البتيراء (8).
رواه ابن عبد البر في التمهيد من رواية عثمان بن محمد بن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، وفي حديثه وهم.
14- وحديث: " يغسل الثوب من المني والدم" (9).
رواه البزار وابن عدي والدارقطني من رواية ثابت بن حماد، وهو متهم.
15- وحديث: " الوضوء مما خرج لا مما دخل"(10).
رواه الدارقطني، والصواب وقفه.
__________
(1) باطل، الفوائد المجموعة (ص 60) للشوكاني.
(2) ضعيف، التلخيص الحبير (531) لابن حجر.
(3) ضعيف، المصدر السابق (604).
(4) ضعيف، التعليق على الحديث (6900) من مسند أحمد مؤسسة الرسالة.
(5) موضوع، الموضوعات (263، 264، 265) لابن الجوزي.
(6) موضوع، شيخ الإسلام وجهوده في الحديث، لعبد الرحمن الفريواني.
(7) ضعيف، الدراية (68) لابن حجر.
(8) ضعيف، بيان الوهم (863).
(9) موضوع، شيخ السلام وجهوده في الحديث (513).
(10) ضعيف جداً ، المصدر السابق (537).(1/5)
16- وحديث: كان يرفع يديه في ابتداء الصلاة ثم لا يعود (1).
رواه أبو داود وغيره.
وبين علته الأئمة كابن نصر وابن عبد البر والدارقطني وغيرهم.
[ ثم قال:] قلت ويشبه ما ذكره شيخنا من هذه الأحاديث ما يذكر [ه] بعض الفقهاء [أ] والأصوليين [أ] والمحدثين محتجاً به أو غير محتج به مما ليس له إسناد، أو له إسناد [و] يحتج بمثله النقاد من أهل العلم.
17- كحديث: النهي عن بيع الكالئ بالكالئ(2).
18- وحديث: "لا قود إلا بالسيف"(3).
19- وحديث: "الشفعة كحل العقال".(4).
20- وحديث: " من اشترى ما لم يره فهو بالخيار إذا رآه"(5).
21- وحديث: " اشربوا العصير ثلاثاً ما لم يغل"(6).
22- وحديث " الذبيح إسحاق"(7).
23- وحديث: " أنا ابن الذبيحين"(8).
24- وحديث: " تمكث إحداكن شطر دهرها لا تصلي"(9).
25- وحديث: " حكمي على الواحد حكمي على الجماعة"(10).
26- وحديث: " أنا [إنما] أحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر"(11).
27- وحديث: " القرآن ينسخ حديثي، وحديثي لا ينسخ القرآن"(12).
28- وحديث: " خذوا شطر دينكم عن الحميراء"(13).
29- وحديث: " الجمعة على أداه [آواه] الليل إلى أهله"(14).
__________
(1) ضعيف، المصدر السابق (584).
(2) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (6061) لشيخنا الألباني رحمه الله.
(3) ضعيف، المصدر السابق (6307).
(4) ضعيف جداً، إرواء الغليل (1542) لشخينا الألباني رحمه الله.
(5) ضعيف جداً التلخيص الحبير (1131).
(6) هو من قول الشعبي، إرواء الغليل (2386).
(7) ضعيف، سلسلة الضعيفة (3326) لشيخنا الألباني رحمه الله.
(8) لا أصل له بهذا اللفظ، سلسلة الضعيفة (331).
(9) لا أصل له، المعتبر (207) للزركشي بتحقيقنا.
(10) لا يعرف بهذا اللفظ، سلسلة الضعيفة (331).
(11) لا أصل له، المعتبر (39).
(12) لم أره.
(13) لا أصل له، موافقة الخبر الخبر (9/149).
(14) ضعيف جداً، ضعيف الجامع الصغير (2661).(1/6)
30- وحديث " من استفاد مالاً فلا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول"(1).
31- وحديث: "ليس في الخضروات صدقة"(2).
32- وحديث: " ليس في العوامل صدقة"(3).
33- وحديث فاطمة بنت قيس: " إن في المال حقاً سوى الزكاة"(4).
34- وحديث: " ليس في المال حق سوى الزكاة"(5).
35- وحديث: " ليس في مال المكاتب زكاة حتى يعتق"(6).
36- وحديث: " في الخيل السائمة في كل فرس دينار"(7).
37- وحديث: " من وقف دابة في سبيل من سبل المسلمين أو في سوق من أسواقهم فأوطأت بيد أو رجل فهو ضامن"(8).
38- وحديث: " لا تصلوا والإمام يخطب"(9).
39- وحديث: " طلاق الأمة طلقتان، وعدتها حيضتان"(10).
40- وحديث: قتل المسلم بالمعهاد (11).
41- وحديث: " دية الذمي كدية المسلم"(12).
42- وحديث: " حرمت الخمر بعينها، والمسكر من كل شراب"(13).
43- وحديث: " ولي العقدة الزوج"(14).
44- وحديث: " لا تقل: أهريق الماء، ولكن قل: أبول"(15).
45- وحديث: " يؤم القوم أحسنهم وجهاً"(16).
46- وحديث: " من أسلف سلفاً فلا يشترط على صاحبه غير قضائه"(17).
__________
(1) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (5405).
(2) صحيح، صحيح الجامع الصغير (5411).
(3) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (4904، 4905).
(4) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (1903).
(5) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (4909).
(6) ضعيف، إرواء الغليل (783).
(7) موضوع، ضعيف الجامع الصغير (3997).
(8) ضعيف جداً، إرواء الغليل (1525).
(9) منكر وإسناده واه، الدراية (278).
(10) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (3650).
(11) ضعيف جداً، الدراية (1009).
(12) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (2993).
(13) ضعيف، سلسلة الضعيفة (1220).
(14) ضعيف، إرواء الغليل (1935).
(15) منكر مرفوعاً، تهذيب الكمال (29/478 – 479).
(16) موضوع، الموضوعات (967)، وسلسلة الضعيفة (608، 609).
(17) ضعيف، إرواء الغليل (1385).(1/7)
47- وحديث: " من أسلف في شيء فلا يأخذ إلا ما أسلف فيه أو رأس ماله"(1).
48- وحديث: " من توضأ على طهر كتب الله له عشر حسنات"(2).
49- وحديث: " المجالس بالأمانة".(3).
50
- وحديث: " من مات من أمتي يعمل عمل قوم لوط نقله الله إليهم حتى يحشر معهم"(4).
51- وحديث: " اعتموا تزدادوا حلماً"(5).
52- وحديث: " من تمام البر كتمان المصائب"(6).
53- وحديث: " فتحت القرى بالسيف، وفتح المدينة بالقرآن"(7).
54- وحديث: " من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم"(8).
55- وحديث: " من كان في طلب العلم كانت الجنة في طلبه، ومن كان في طلب المعصية كانت النار في طلبه"(9).
56- وحديث: " من وجد البقل لم تحل له الميتة"(10).
57- وحديث: " أبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسى"(11).
58
- وحديث: " من أهديت له هدية وعنده قوم فهم شركاؤه فيها"(12).
59- وحديث: " ادرأوا الحدود بالشبهات"(13).
60- وحديث: " الحج جهاد والعمر تطوع"(14).
61- وحديث " الحج والعمرة فريضتان واجبتان"(15).
__________
(1) ضعيف، إرواء الغليل (1375، 1385).
(2) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (5536).
(3) حسن، صحيح الجامع الصغير (6678).
(4) ضعيف جداً، ضعيف الجامع الصغير (5851).
(5) ضعيف جداً، ضعيف الجامع الصغير (931).
(6) من قول سفيان الثوري في مسند إبراهيم ابن أدهم (20).
(7) موضوع، الموضوعات (1167).
(8) حسن، صحيح الجامع الصغير (2199).
(9) ضعيف، رواه ابن النجار عن ابن عمر، الجامع الكبير.
(10) سلسلة الضعيفة (1734).
(11) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (موضوع، زوائد تاريخ بغداد ) (1749).
(12) ضعيف، اللآلئ المنثورة (41).
(13) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (258).
(14) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (2761).
(15) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (2764).(1/8)
62- وحديث: " صلوا خلف من قال: لا إله إلا الله، وصلوا على من قال: لا إله إلا الله"(1).
63- وحديث: " الاثنان فما فوقه[ما] جماعة"(2).
64- وحديث: " الخلع تطليقة بائنة"(3).
65- وحديث المغير في أن امرأة المفقود امرأته حتى يأتيها الخبر(4).
66
- وحديث: " يورث الخنثى من حيث يبول"(5).
67- وحديث: " مكة مناخ لا تباع رباعها"(6).
68- وحديث: " لا يقتل حر بعبد"(7).
69- وحديث: " من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره"(8).
70- وحديث: " من أقرض مسلماً قرضاً مرتين كان كصدقتها مرة"(9).
71- وحديث: " كل قرض جر منفعة فهو ربا".(10).
72- وحديث: لا بأس ببول ما أكل لحمه"(11).
73- وحديث: " لا تقولوا: رمضان، فإن رمضان اسم من أسماء الله تعالى".(12).
74- وحديث: " تحت كل شعرة جنابة، فاغسلوا الشعر وأنقوا البشرة"(13).
75- وحيث: " إذا بال أحدكم فلينثر ذكره ثلاثاً"(14).
76- وحديث علي: في المسح على الجبائر(15).
77- وحديث: " لا يؤم المتيمم المتوضئين ولا المقيد المطلقين"(16).
78- وحديث: " لا تؤم امرأة رجلاً ولا أعرابي مهاجراً"(17).
__________
(1) واه جداً، إرواء الغليل (527).
(2) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (137).
(3) واه الدراية (580).
(4) ضعيف جداً، ضعيف الجامع الصغير (1253).
(5) في إسناده متهم سنن البيهقي الكبرى (6/161).
(6) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (5274).
(7) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (6363).
(8) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (5414).
(9) حس، سلسلة الصحيحة (1553).
(10) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (4244).
(11) ضعيف جداً التعليق على مشكاة المصابيح (1/155-160).
(12) ضعيف، فتح الباري (4/135).
(13) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (1847).
(14) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (413).
(15) ضعيف جداً، تنقيح التحقيق (1/541).
(16) سنن الدارقطني (1/185) ضعيف.
(17) ضعيف، إرواء الغليل (524).(1/9)
79- وحديث: " أخروهن من حيث أخرهن الله [عز وجل]" (1).
80- وحديث: " يا أهل مكة لا تقصروا في الصلاة في أقل من أربعة برد من مكة إلى عسفان"(2).
81- وحديث: "لا يؤمن أحد بعدي جالساً"(3).
82- وحديث: " إذا أم الرجل القوم وفيهم [ من هو] خير منه لم يزالوا في ثقال"(4).
83- وحديث: " انتقدوا أئمتكم نقد الدينار"(5).
84- وحديث: " يكفيك قراءة الإمام خافت أو جهر"(6).
85- وحديث: " إن سركم أن تزكوا صلاتكم فقدموا خياركم"(7).
86- وحديث رافع بن خديج في الأمر بتأخير العصر(8).
87- وحديث: " لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد"(9).
88- وحديث ابن عباس: لم يزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [يجهر] ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة
(10).
89- وحديث: ما يوجب الحج؟ قال: "الزاد والراحلة"(11).
90- وحديث: " من أدخل فرساً بين فرسين وقد أمن أن يسبق فهو قمار"(12).
91- وحديث: " الرهن بما فيه"(13).
92- وحديث: " ليس على مقهور يمين"(14).
93- وحديث: النهي عن أكل الضب(15).
94- وحديث: " ذبيحة المسلم حلال ذكر اسم الله عليها أو لم يذكر"(16).
__________
(1) قال الحافظ: لم أجده مرفوعاً الدراية (209).
(2) ضعيف جداً، التنقيح (2/1158).
(3) مرسل وفي إسناده متروك، سنن الدارقطني (1/398).
(4) لم أره.
(5) لم أره.
(6) ضعيف ومنكر، نصب الراية (2/11).
(7) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (1292).
(8) ضعيف ومتنه منكر، التعليق على مسند أحمد (15805).
(9) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (6297).
(10) ضعيف جداً، التنقيح (2/815، 822).
(11) ضعيف، إرواء الغليل (988).
(12) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (5371).
(13) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (3169).
(14) ضعيف جداً، التلخيص الحبير (2527).
(15) حسن، السلسلة الصحيحة (2390).
(16) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (3039).(1/10)
95- وحديث: " لولا أن المساكين يكذبون ما أفلح من ردهم "(1).
96- وحديث: في الخير تقترض، فقال: " لا بأس به"(2).
97- وحديث: " اطلبوا الخير عند حسان الوجوه"(3).
98- وحديث: " للسائل حق وإن جاء على فرس"(4).
99- وحديث: " من آذى ذمياً فأنا خصمه يوم القيامة"(5).
100- وحديث: " من بشرني بخروج آذا[ر] بشرته بالجنة"(6).
101- وحديث: " يوم نحركم يوم صومكم"(7).
102- وحديث: " اطلبوا الرزق في خبايا الأرض"(8).
103- وحديث: النهي عن الصلاة في السراويل(9).
104- وحديث: " أكرموا الشهود، فإن الله يستخرج بهم الحقوق، ويدفع بهم الظلم"(10).
105- وحديث: " لا يمر السيف بذنب إلا محاه"(11).
106- وحديث: " من طلق للبدعة ألزمناه بدعته"(12).
107- وحديث" الطلاق لمن أخذ بالساق"(13).
108- وحديث: " إن البعير الشرود يرد"(14).
109- وحديث ابن عباس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - باع مصحفاً(15).
110- وحديث: " إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع فيها" (16).
111- وحديث: " إذا بلغ الماء أربعين قلة لم يحمل الخبث"(17).
__________
(1) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (4855).
(2) في إسناده كذاب، مجموع الزوائد (4/139) وهو وهب بن وهب، الكامل (7/63).
(3) موضوع، ضعيف الجامع الصغير (903).
(4) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (4746).
(5) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (5314).
(6) لا أصل له، الموضوعات (2/348) بدون رقم.
(7) لا أصل له، المقاصد الحسنة (1355).
(8) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (905).
(9) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (6047).
(10) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (1128).
(11) ضعيف، ضعفاء العقيلي (1/118).
(12) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (5690).
(13) حسن، صحيح الجامع الصغير (3958).
(14) ضعيف، الإصابة (1/318).
(15) موضوع، بيان الوهم (247).
(16) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (645).
(17) موضوع، ضعيف الجامع الصغير (308).(1/11)
112- وحديث: " الدم مقدار الدرهم يغسل، وتعاد منه الصلاة"(1).
113- وحديث: " القلس حدث".(2).
114- وحديث: " الحدث حدثان: حدث اللسان وحدث الفرج، وأشهدهما حدث اللسان"(3).
115- وحديث: " لا صلاة لمن عليه صلاة"(4).
116- وحديث: " صلوا قبل الجمعة ركعتين وبعدها ركعتين"(5).
117- وحديث: " صلوا قبل الجمعة أربعاً"(6).
118- وحديث جابر: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه(7).
119- وحديث: " من رفع يديه بالصلاة فلا صلاة له"(8).
120- وحديث: " الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غلب على لونه وطعمه وريحه"(9).
121- وحديث عائشة رضي الله عنها: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن فضل وضوء المرأة، فقال: " لا بأس به ما لم تخل به، فإن خلت به فلا يتوضأ بفضلها"(10).
122- وحديث: " من ضحك في الصلاة قرقرة فليعد الوضوء والصلاة"(11).
123- وحديث: " الوضوء من كل دم سائل"(12).
124- وحديث: " ليس في القطرة ولا في القطرتين من الدم الوضوء، إلا أن يكون دماً سائلاً"(13).
125- وحديث: " إذا رعف أحدكم في صلاته فلينصرف فليغسل عنه الدم، ثم ليعد وضوءه وليستقبل صلاته"(14).
126- وحديث: " لا يتوضأ رجل من طعام أكله حل له أكله"(15).
__________
(1) موضوع، ضعيف الجامع الصغير (3007).
(2) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (4133).
(3) ضعيف، العلل المتناهية (604).
(4) لا يعرف، العلل المتناهية (750).
(5) لم أره.
(6) لم أره
(7) صحيح، صحيح الجامع الصغير (4698).
(8) موضوع، سلسلة الضعيفة (568).
(9) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (5899).
(10) ضعيف جداً، الكامل (5/25) لابن عدي.
(11) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (568).
(12) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (6163).
(13) ضعيف جداً، ضعيف الجامع الصغير (4908).
(14) ضعيف جداً، ضعيف الجامع الصغير (521).
(15) ضعيف، الكامل (5/131).(1/12)
127- وحديث: " الإيمان معرفة [بالقلب] وإقرار باللسان وعمل بالأركان"(1).
128- وحديث: " كما لا ينفع مع الشرك [شيء] كذلك لا يضر مع الإيمان بالله شيء"(2).
129- وحديث: " طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة"(3).
130- وحديث: " ما جاء من الله فهو حق، وما جاء مني فهو السنة، وما جاء من أصحابي فهو سعة"(4).
131- وحديث: " من قال في ديننا برأيه فاقتلوه"(5).
132- وحديث: أمر بريدة بالوضوء من مس الصنم (6).
133- وحديث: " إنما الوضوء على من نام مضجعاً، فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله"
(7).
134- وحديث: " العين وكاء السه، فمن نام فليتوضأ"(8).
135- [ وحديث: جعل المضمضة والاستنشاق للجنب فريضة] (9).
136- وحديث: " المضمضة والاستنشاق سنة"(10).
137- وحديث: " الوضوء من البول مرة مرة، ومن الغائط مرتين مرتين، ومن الجنابة ثلاثاً ثلاثاً"(11).
138- وحديث: كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - خرقة يتنشف بها بعد الوضوء(12).
139- وحديث: " من توضأ بعد الغسل فليس منا"(13).
140- وحديث: " لا يقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن"(14).
141- وحديث: " لا نفاس دون سبوعين، ول نفاس فوق أربعين"(15).
__________
(1) موضوع، ضعيف الجامع الصغير (2309).
(2) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (4276).
(3) صحيح، صحيح الجامع الصغير (3913).
(4) منكر، الكامل (2/340، 3/ 354).
(5) موضوع، الموضوعات (1529، 1530، 1531).
(6) ضعيف، زوائد البزار (174) لابن حجر.
(7) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (2051).
(8) حسن، إرواء الغليل (113).
(9) موضوع، الموضوعات (9371).
(10) ضعيف، بمرة، الخلافيات (180) للبيهقي.
(11) منكر، الكامل، (5/148).
(12) حسن، صحيح الجامع الصغير (4830).
(13) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (5535).
(14) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (6365).
(15) موضوع، الكامل (6/141).(1/13)
142- وحديث: " التيمم ضربتان ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين"(1).
143- وحديث ابن عباس: من السنة أن لا يصلى بالتيمم إلا صلاة واحدة(2).
144- وحديث: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعائشة: " إذا وجدت المني رطباً فاغسليه، وإذا وجدته يابساً فحتيه"(3).
145- وحديث: " خير خلكم خل خمركم"(4).
146- وحديث: " يطهر الجلد كما تخلل الخمر فتطهر"(5).
147- وحديث: " لا يقبل قول إلا بعمل، ولا يقبل قول ومل إلا بنية، ولا يقبل قول وعمل ونية إلا بإصابة السنة"(6).
148- وحديث: " من زوج كريمته من فاسق فقد قطع رحمها"(7).
149- وحديث: " من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له"(8).
150- وحديث: " لا تدخل الملائكة بيتاً فيه بول منقع"(9).
151- وحديث: " من نام بعد العصر فاختلس عقله فلا يلومن إلانفسه"(10).
152- وحديث: " من نظر في كتاب أخيه بغير إذنه فكأنما ينظر في النار"(11).
153- وحديث: " ولد الزنا لا يرث ولا يورث"(12).
154- وحديث: " لأن يؤدب أحدكم ولده خير من أن يتصدق في كل يوم بنصف صاع"(13).
155- وحديث: " لا بأس بأكل كل طير ما خلا البوم والرخم "(14).
__________
(1) ضعيف جداً، ضعيف الجامع الصغير (2519).
(2) في إسناده متروك، التنقيح (1/575) للمؤلف.
(3) لا يعرف، المصدر السابق (1/312).
(4) منكر، سلسلة الضعيفة (1199).
(5) لا أصل له، سلسلة الضعيفة (1289).
(6) موضوع، تذكرة الحفاظ (1015).
(7) موضوع، سلسلة الضعيفة (2/229).
(8) ضعيف جداً، ضعيف الجامع الصغير (5483).
(9) موقوف ضعيف، بيان الوهم (267، 845).
(10) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (5861).
(11) ضعيف، إرواء الغليل (2/180).
(12) موضوع، تذكرة الحفاظ (958).
(13) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (4642).
(14) موضوع، الموضوعات (3/154) بدون رقم.(1/14)
156- وحديث: " لا يدخل ولد الزنا ولا شيء من نسله إلى سبع آباء الجنة"(1).
157- وحديث: "الدنيا كلها سبعة أيام من أيام الآخرة"(2).
158- وحديث: " يغسل الإناء من الهر كما يغسل من الكلب"(3).
159- وحديث: "السنور سبع"(4).
160- وحديث في الكلب يلغ في الإناء: "يغسل ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً"(5).
161- وحديث: " كل طعام وشراب وقعت فيه دابة ليس لها دم فماتت فهو الحلال أكله وشربه ووضوءه"(6).
162- وحديث: " لا بأس بمسك الميتة إذا دبغ، ولا بأس بصوفها وشعرها وقرنها إذا غسل بالماء"(7).
163- وحديث: " ادفنوا الأظفار والشعر والدم، فإنها ميتة"(8).
164- وحديث: " الوقت الأول من الصلاة رضوان الله، والوقت الآخر عفو الله"(9).
165- وحديث: " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك فضل الجماعة [ومن أدرك الإمام قبل أن يسلم فقد أدرك فضل الجماعة]" (10).
166- وحديث أبي جمعة: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة المغرب يوم الأحزاب، فلما سلم قال: " هل علم منكم أحد أني صليت العصر؟" قالوا: لا يا رسول الله، قال: فصلى العصر، ثم أعاد المغرب(11).
167- وحديث: " عورة الرجل ما بين سرته إلى ركبته"، وفي لفظ: "ما دون سرته حتى يجاوز ركبته"(12).
168- وحديث: "الركبة من العورة"(13).
__________
(1) باطل، سلسلة الضعيفة (1287).
(2) ضعيف، تذكرة الحفاظ (1082).
(3) ضعيف، التعليق على الخلافيات (3/117).
(4) ضعيف، سلسلة الضعيفة (4/22).
(5) ضعيف، سنن الدارقطني (1/65).
(6) ضعيف، الكامل (3/406).
(7) ضعيف، سنن الدارقطني (1/47)، وصفة المفتي (ص 91).
(8) موضوع، ضعيف الجامع الصغير (262).
(9) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (6164).
(10) ضعيف، الكامل (6/70).
(11) ضعيف، إرواء الغليل (261).
(12) ضعيف، التلخيص الحبير (442، 443) وضعيف الجامع الصغير.
(13) ضعيف، سنن الدارقطني (1/231).(1/15)
169- وحديث: "إذا سجد المؤمن سجد كل عضو منه لله تعالى، وليوجه من أعضائه إلى القبلة ما استطاع"(1).
170- وحديث: " من أم قوماً ثم ظهر أنه كان محدثاً أو جنباً أعاد الصلاة وأعادوا"(2).
171- وحديث: " أمان العبد أمان"(3).
172- وحديث: " لعن الله الفروج على السروج"(4).
173- وحديث: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجمعن ماءه في رحم أختين"(5).
174- وحديث: " الجماعة على من سمع الأذان"(6).
175- وحديث: " يصلي الرجل في المسجد الذي يليه، ولا يتبع المساجد"(7).
176- وحديث: " من صلى وحده، ثم أدرك الجماعة فليصل إلا الفجر والعصر"(8).
177- [وحديث" النهي عن الصلاة في المسجد تجاهه حش أو حمام أو مقبرة] (9).
178- وحديث: النهي عن الصلاة في سبعة مواطن: في المزبلة والمجزرة والمقبرة وقارعة الطريق وفي الحمام وفي معاطن الإبل وفوق ظهر بيت الله [عز وجل] (10).
179- وحديث: " لا يؤذن بكم من يدغم الهاء"(11).
180- وحديث: " لا يؤذن لكم إلا فصيح"(12).
181- وحديث: "لا يؤذن غلام حتى يحتلم، وليؤذن لكم خياركم"(13).
__________
(1) قال الحافظ ابن حجر: لم أجده، الدراية (174).
(2) قال الحافظ ابن حجر: لم أجده، مرفوعاً، الدراية (214).
(3) قال الحافظ ابن حجر: لم أجده ، الدراية (708).
(4) لا أصل له، الأسرار المرفوعة (363).
(5) قال الحافظ ابن حجر: لم أجده، الدراية (533).
(6) منكر، الكامل (6/141) والصواب بلفظ: " الجمعة" وهو حسن، إرواء الغليل (593).
(7) صحيح، سلسلة الصحيحة (2200).
(8) ضعيف، بيان الوهم والإيهام (1022).
(9) ضعيف، الأحكام الوسطى (1/288).
(10) ضعيف، إرواء الغليل (287).
(11) موضوع، الموضوعات (946).
(12) موضوع، الأحكام الوسطى (1/305).
(13) ضعيف جداً، المصنف (3847)، لعبد الرزاق والأحكام الوسطى (1/305).(1/16)
182- وحديث: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يكون الإمام مؤذناً(1).
183- وحديث: " إذا أذنت فترسل، وإذا أقمت فاحدر"(2).
184- وحديث: " إن الأذان سهل سمح، فإن لم يكن أذانك سهلاً سمحاً، وإلا فلا تؤذن"(3).
185- وحديث: " يؤمكم أقرؤكم وإن كان ولد زنا"(4).
186- وحديث: "المرأة وحدها صف"(5).
187- وحديث: " يا علي لا تفتح على الإمام في الصلاة"(6).
188- وحديث: " لا يتقدمن الصف الأول أعرابي ولا أعجمي ولا غلام لم يحتلم"(7).
189- وحديث: "إذا أتى الرجل [و] الصبح قائمة فليركع ركعتين قبل الفجر، ثم يدخل في الصبح"(8).
190- وحديث: " أم القرآن عوض من غيرها، وليس غيرها عوضاً منها"(9).
191- وحديث: " إذا ركع أحدكم يسبح ثلاث مرات، فإنه يسبح الله من جسده ثلاثة وثلاثون وثلاث مئة عظم، وثلاث مئة وستون عرقاً"(10).
192- وحديث: " من صلى صلاة لم يصل فيها علي ولا على أهل بيتي لم تقبل منه"(11).
193- وحديث: " السجود على الجبهة فريضة وعلى الأنف تطوع"(12).
194- وحديث: " يا أنس إذا صليت فضع بصرك حيث تسجد" قال: فقلت: يا رسول الله إن هذا لشديد وأخاف أن أنظر كذا وكذا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " نعم في المكتوبة إذاً يا أنس"(13).
__________
(1) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (6024).
(2) ضعيف جداً، إرواء الغليل (228).
(3) ضعيف جداً، ضعيف الجامع الصغير (1406).
(4) موضوع، الكامل (6/163).
(5) موضوع، التمهيد (1/268).
(6) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (6401).
(7) ضعيف، العلل المتناهية (723).
(8) ضعيف جداً، الكامل (2/357).
(9) ضعيف، إرواء الغليل (302).
(10) ضعيف، الفردوس وابن النجار، الجامع الكبير.
(11) ضعيف، الدراية (1/158).
(12) ضعيف جداً، العلل المتناهية (746).
(13) ضعيف جداً، المشكاة (996).(1/17)
195- وحديث: " إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يغمض عينيه"(1).
196- وحديث: "نهى عن التورك والإقعاء وأن يستوفز في الصلاة، وأن لا يصلي المهاجر خلف الأعرابي"(2).
197- وحديث: "الضاحك في الصلاة والملتفت والمفرقع أصابعه بمنزلة"(3).
198- وحديث: " من أشار في صلاته إشارة تفهم عنه فليعد صلاته"(4).
199- وحديث: " إن الله تجاوز عن أمتي في السهو في الصلاة"(5).
200- وحديث: " ليس على من خلف الإمام سهو، فإن سهى الإمام فعليه وعلى من خلفه، وإن سها من خلف الإمام فليس عليه سهو، [و] الإمام كافيه"(6).
201- وحديث: " لكل سهو سجدتان بعدما يسلم"(7).
202- وحديث: " من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى باباً من أبواب الكبائر"(8).
203- وحديث: " ليس في صلاة الخوف سهو"(9).
204 – وحديث: التكبير في دبر الصلوات المكتوبات من صلاة الفجر غداة عرفة إلى صلاة العصر آخر أيام التشريق(10).
205- وحديث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة(11).
206- وحديث: " من مات في طريق الحج كتب له حجة مبرورة في كل سنة"(12).
__________
(1) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (617).
(2) هذه ثلاثة أحاديث:
1- نهى عن التورك والإقعاء، صحيح سلسلة الصحيحة (1670).
2- أن يستوفز في الصلاة، ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (6012).
3- أن لا يصلي المهاجر خلف الأعرابي، ضعيف، ضعيف ابن ماجة (204).
(3) ضعيف، التعليق على مسند أحمد (24/386).
(4) منكر، سلسلة الضعيفة (1104).
(5) باطل، الكامل (2/75).
(6) ضعيف، إرواء الغليل (404).
(7) ضعيف، المصدر السابق (2/47).
(8) ضعيف جداً، ضعيف الجامع الصغير (5546).
(9) ضعيف، المصدر السابق (4011).
(10) ضعيف، مجمع الزوائد (3/264) للهيثمي.
(11) ضعيف، ضعيف سنن أبي داود (304).
(12) قال الحافظ في الدراية (219) لم أجده بهذا اللفظ.(1/18)
207- وحديث: " لا يصوم أحد عن أحد [ولا يصلي أحد عن أحد]" (1).
208- وحديث: " تصدقوا على أهل الأديان [كلها]" (2).
209- وحديث: " شهادة النساء جائزة فيما لا يستطيع الرجال النظر إليه"(3).
210- وحديث: " لا تقبل شهادة الولد لوالده ولا الوالد لولده ولا المرأة لزوجها ولا الزوج لامرأته، ولا العبد لسيده ولا المولى لعبده ولا الأجير لمن استأجره"(4).
211- وحديث: النهي عن بيع السرطان(5).
212- وحديث: " من أجر أرض مكة فكأنما أكل الربا"(6).
213- وحديث: مضت السنة أن في كل أربعين فما فوق ذلك جمعة(7).
214- وحديث: " على الخمسين جمعة، ليس فيما دون ذلك"(8).
215- وحديث: " الجمعة واجبة على كل قرية فيها إمام ون لم يكونوا إلا أربعة"(9).
216- وحديث: " من قرأ بالكهف يوم الجمعة فهو معصوم إلى ثمانية أيام من كل فتنة، وإن خرج الدجال عصم منه"(10).
217- وحديث: " من مات غدوة فلا يقيلن لا في قبره، ومن مات عشية فلا يبيتن إلا [في] قبره"(11).
218- وحديث: من السنة الصلاة على كل ميت من أهل التوحيد ون كان قاتل نفسه (12).
219- وحديث: " لا تكفروا أهل ملتكم وإن عملوا الكبائر"(13).
__________
(1) قال الحافظ في الدراية (375) لم أجده مرفوعاً.
(2) مرسل، مصنف ابن أبي شيبة (2/177).
(3) ضعيف، الدراية (2/171).
(4) قال الحافظ في الدراية (831) لم أجده.
(5) قال الحافظ في الدراية (916) لم أجده.
(6) الربا تصحيف من النمار، وهو موقوف، الدراية (969).
(7) ضعيف جداً، إرواء الغليل (603).
(8) موضوع، سلسلة الضعيفة (1203).
(9) موضوع، ضعيف الجامع الصغير (3762).
(10) إسناده مجهول، الأحكام الوسطى (2/115) لعبد الحق الإشبيلي.
(11) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (5847).
(12) موضوع، إرواء الغليل (3092).
(13) موضوع بهذا اللفظ، إرواء الغليل (2/309).(1/19)
220- وحديث: " ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر"(1).
221- وحديث: " الدينار أربعة وعشرون قيراطاً" (2).
222- وحديث: " لا يعطى من الزكاة من له خمسون درهماً"(3).
223- وحديث: " كل شهر حرام ثلاثون يوماً وثلاثون ليلة"(4).
224- وحديث: في الهلال إذا سقط قبل الشفق فهو لليلة، وإذا سقط بعد الشفق فهو لليلتين(5).
225- وحديث: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن رجل قبل امرأته وهما صائمان، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أفطرا جميعاً"(6).
226- وحديث: "ثلاث لا يفطرن الصائم: القيء والرعاف، والاحتلام"(7).
227- وحديث: "من تأمل خلق امرأة حتى يستبين له حجم عظامها من وراء ثيابها وهو صائم فقد أفطر"(8).
228- وحديث: "الصائم في عبادة ما لم يغتب"(9).
229- وحديث: " من صام تطوعاً فهو بالخيار ما بينه وبين نصف النهار"(10).
230- وحديث: " صائم رمضان في السفر كمفطره في الحضر"(11).
231- وحديث: " من كانت له حمولة يأوي إلى شبع فليصم رمضان حيث أدركه"(12).
232- وحديث: " لا تقض رمضان في عشر ذي الحجة، ولا تعمدن صوم الجمعة، ولا تحتجم وأنت صائم، ولا تدخل الحمام وأنت صائم"(13).
233- وحديث: " من أفطر يوماً من شهر رمضان من غير عذر فعليه صوم شهر"(14).
__________
(1) ضعيف لانقطاعه، سنن الترمذي (1074).
(3) الأموال لابن زنجويه (2270) لا أصله له مرفوعاً.
(4) ضعيف، التمهيد (2/47).
(5) ضعيف، تذكرة الحفاظ (66).
(6) منكر، العلل المتناهية (892).
(7) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (2567).
(8) موضوع، الموضوعات (1129).
(9) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (3528).
(10) في سنده متروك، الكامل (2/135).
(11) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (3456).
(12) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (8410).
(13) موقوف على العلل للدارقطني (339).
(14) الموضوعات (1134).(1/20)
234- وحديث: " من أفطر يوماً من شهر رمضان فليهد بدنه، فإن لم يجد فليطعم ثلاثين صاعاً من تمر للمساكين"(1).
235- وحديث: " كل مسجد فيه إمام ومؤذن فن الاعتكاف فيه يصلح"(2).
236- وحديث: " لا اعتكاف إلا بصوم"(3).
237- وحديث: " ليس على المعتكف صوم إلا أن يجعله على نفسه"(4).
238- وحديث: " سفر المرأة مع عبدها ضيعة "(5).
239- وحديث ابن عباس: رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الهميان للمحرم. (6).
240- وحديث: طاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحجته ولعمرته طوافين وسعى سعيين(7).
241- وحديث: " الجروز في الأضحى عن عشرة"(8).
242- وحديث: " ترفع الأيدي في سبعة مواطن: افتتاح الصلاة واستقبال البيت والصفا والمروة والموقفين وعند الحجر"(9).
وفي لفظ " لا ترتفع الأيدي إلا [في] سبع مواطن".
243- وحديث: "[من] لبد رأسه فقد وجب عليه الحلاق"(10).
244- وحديث في الأصلع: " يمر الموسى على رأسه"(11).
245- وحديث: " من لم يدرك الحج فعليه الهدي وحج قابل، وليجعلها عمرة"(12).
246- وحديث رافع بن خديج: " المدينة خير من مكة"(13).
247- وحديث: تطييب النبي - صلى الله عليه وسلم - الهدية لمعاذ لما بعثه إلى اليمن(14).
__________
(1) موضوعات ابن الجوزي (1132).
(2) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (4250).
(3) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (6174).
(4) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (4896).
(5) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (3268).
(6) منكر، الكامل (1/167).
(7) منكر، بيان الوهم والإبهام (1212).
(8) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (2649).
(9) باطل، سلسلة الضعيفة (10549).
(10) ضعيف، الكامل (4/164).
(11) ضعيف، بيان الوهم والإيهام (825).
(12) مرسل ضعيف، بيان الوهم والإيهام (769).
(13) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (5920).
(14) ضعيف، تاريخ دمشق (58/409، 411) لابن عساكر.(1/21)
248- وحديث: " الجراد من صيد البحر"(1).
249- وحديث: "موت الغريب شهادة"(2).
250- وحديث: " من أشار إلى حرام بصيد فعليه صيام أو [إ] طعام وإن كان المشير حلالاً"
(3).
251- وحديث: النهي عن بيع الغائب [كله] من كل شيء يريده الناس [بينهم]. (4).
252- وحديث: "ليس في الحيوان ربا"(5).
253- وحديث: " من قرأ سورة الفاتحة [الواقعة في] كل ليلة لم تصبه فاقة أبداً"(6).
254- وحديث: اكتحل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو صائم(7).
255- وحديث: أمر المتزوج بالصلاة ليلة البناء(8).
256- وحديث: " اغتسلوا يوم الجمعة ولو كأساً بدينار"(9).
257- وحديث: " ركعتان من المتأهل خير من اثنتين وثمانين ركعة من العزب"(10).
258- وحديث: " لا يخرج من المسجد بعد النداء إلا منافق"(11).
259- وحديث: " السجدة على من سمعها، السجدة على من تلاها"(12).
260- وحديث: " لا جمعة ولا تشريق ولا فطر ولا أضحى لا في مصر جامع"(13).
261- وحديث: " إذا [مالت الشمس] فصل بالناس الجمعة"(14).
262- وحديث: " صلاة النهار عجماء"(15).
263- وحديث: " لا تأخذ[وا] من أوقاص البقر شيئاً"(16).
__________
(1) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (2647).
(2) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (5895).
(3) لم أره.
(4) لم أره.
(5) هو من قول سعيد بن المسيب، المصنف (14137) لعبد الرزاق.
(6) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (5773).
(7) الكامل (4063) وهو ضعيف.
(8) لا يصح مرفوعاً، آداب الزفاف (ص 94-96).
(9) موضوع، ضعيف الجامع الصغير (978).
(10) موضوع، ضعيف الجامع الصغير (3133).
(11) مراسيل أبي داود (25) ومع ذلك سنده ضعيف.
(12) لم أره.
(13) لا أصل له مرفوعاً، سلسلة الضعيفة (97).
(14) لم أجده، الدراية (276).
(15) لا أصل له المقاصد الحسنة (628).
(16) ضعيف، الدراية (322).(1/22)
264- وحديث: " لا يصام اليوم الذي يشك فيه أنه من رمضان إلا تطوعاً"(1).
265- وحديث: " من أفطر في رمضان فعليه ما على المظاهر"(2).
266- وحديث: " لا تحجن امرأة إلا ومعها محرم"(3).
267- وحديث: " لا يجاوز أحد الميقات إلا محرماً"(4).
268- وحديث: " إحرام الرجل في رأسه، وإحرام المرأة في وجهها"(5).
269- وحديث: " من بلغ أحداً في غير حد [ حله] فهو من المعتدين"(6).
270- وحديث: " القرآن رخصة"(7).
271- وحديث: " سنوا بهم سنة أهل الكتاب غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم"(8).
272- وحديث: " اسم الله على قلب كل مسلم"(9).
273- وحديث: " ألا إن الذكاء في الحق واللبة"(10).
274- وحديث: نهى عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمير(11).
275- وحديث: " للمطلقة ثلاثاً: النفقة والسكنى ما دامت في العدة" (12).
276- وحديث: " ليس للنساء من الولاء إلا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن، أو كاتبن من كاتبن"(13).
277- وحديث: " الأكل في السوق دناءة"(14).
278- وحديث: " إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه، فإنهم يبعثون في أكفانهم، ويتزاورون في أكفانهم"(15).
279- وحديث: " ايتدموا بالماء"(16).
__________
(1) لم أجده بهذا اللفظ، الدراية (363).
(2) لم أجده هكذا، الدراية (370).
(3) مرسل، فتح الباري (4/89).
(4) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (6194).
(5) ضعيف، التلخيص الحبير (1085) وهو موقوف على ابن عمر على الصحيح.
(6) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (5503).
(7) لم أره.
(8) ضعيف، غاية المرام (23) لشيخنا الألباني رحمه الله.
(9) موضوع، ضعيف الجامع الصغير (855).
(10) هو قول ابن عباس، الفتح(9/557).
(11) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (6034).
(12) هو من قول عمر، الدراية (610).
(13) لم أره.
(14) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (2290).
(15) صحيح لغيره، سلسلة الصحيحة (1425).
(16) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (24).(1/23)
280- وحديث: " الجبن داء، فإذ أكل بالجوز فهو شفاء"(1).
281- وحديث: " ما خلا يهودي قط بمسلم إلا حدثته نفسه بقتله"(2).
282- وحديث: " ما حسن الله خلق عبد خلقه إلا استحي أن يطعم النار لحمه"(3).
283- وحديث: " أترعون عن ذكر الفاجر؟ اذكروه بما فيه يحذره الناس"(4).
284- وحديث: " إذا أطاق الغلام صوم ثلاثة أيام وجب عليه صوم رمضان"(5).
285- وحديث: " إذا دعوتم لأحد من اليهود والنصارى فقولوا: أكثر الله في عددك"(6).
286- وحديث: " إذا سلم رمضان سلمت السنة، وإذا سلمت الجمعة سلمت الأيام"(7).
287- وحديث: "إذا طنت أذن أحدكم فليذكرني وليصل علي، وليقل: ذكر الله بخير من ذكرني"(8).
288- وحديث: " إذا كان آخر الزمان اختلفت الأهواء، فعليكم بدين البادية والنساء"(9).
289- وحديث: " إذا مدح الفاسق اهتز العرش"(10).
290- وحديث: " إذا وضعت الحلوى بين أيدي أحدكم فليصب منها ولا يردها"(11).
291- وحديث: " أربع لا يشبعن من أربع: أرض من مطر، وعين من نظر، وأنثى من ذكر، وعالم من علم"(12).
292- وحديث: " أسبغ الوضوء يزد في عمرك"(13).
293- وحديث: " اشربوا على الطعام تشبعوا"(14).
__________
(1) موضوع، الموضوعات (1328، 1329، 1230).
(2) ضعيف، تذكرة الحفاظ (690) لابن طاهر المقدسي بتحقيقنا.
(3) ضعيف جداً، ومتنه منكر، روائد تاريخ بغداد (359، 1873).
(4) ضعيف جداً، ضعيف الجامع الصغير (103).
(5) ضعيف، تذكرة الحفاظ (42).
(6) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (493).
(7) موضوع، ضعيف الجامع الصغير (549).
(8) موضوع، المصدر السابق (586).
(9) موضوع، المصدر السابق (638).
(10) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (694).
(11) ضعيف جداً، الموضوعات (1378).
(12) موضوع، ضعيف الجامع الصغير (763).
(13) ضعيف، العلل (128) لابن أبي حاتم.
(14) ضعيف، تذكرة الحفاظ (115).(1/24)
294- وحديث: " أكرموا عمتكم النخلة، فإنها خلقت من الطين الذي خلق منه آدم"(1).
295- وحديث: " أكرموا الخبز، فإن الله أكرمه"(2).
296- وحديث: " من السرف أن تأكل كل ما اشتهيت"(3).
297- وحديث: " كل ما في السماوات والأرض وما بينهما [فهو] مخلوق غير الله والقرآن وذلك أن[ـه] كلامه منه بدأ وإليه يعود"(4).
298- وحديث: " لا حسد ولا ملق إلا في طلب العلم"(5).
299- وحديث: " إذا كتبتم الحديث فاكتبوه بإسناده، فإن يك حقاً كنتم شركاء في الأجر، وإن يك باطلاً كان وزره عليه"(6).
300- وحديث: " مداراة الناس صدقة"(7).
301- وحديث: " دعوني من السودان، إنما الأسود لبطنه وفرجه"(8).
302- وحديث: " إذا جلس القاضي في مكانه هبط عليه ملكان يسددانه ويوفقانه ويرشدانه م لم يجر، فإذا جار عرجا وتركاه"(9).
303- وحديث: " يكون في آخر الزمان أمراء ظلمة، ووزراء فسقة، وقضاة خونة، وفقهاء كذبة، فمن أدركهم فلا يكونن لهم عريفاً ولا جابياً ولا خازناً ولا شرطياً"(10).
304- وحديث: " من سب العرب فأولئك هم المشركون"(11).
305- وحديث: " يأتي على الناس زمان يحج أغنياء أمتي للنزهة وأوساطهم للتجارة وقراؤهم للرياء والسمعة وفقراؤهم للمسألة"(12).
__________
(1) موضوع، ضعيف الجامع الصغير (1136).
(2) موضوع، ضعيف الجامع الصغير (1125).
(3) موضوع، سلسلة الضعيفة (241).
(4) موضوع، الموضوعات (233).
(5) موضوع، السلسلة الضعيفة (282).
(6) موضوع، ضعيف الجامع الصغير (677).
(7) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (5055).
(8) موضوع، ضعيف الجامع الصغير (2984).
(9) موضوع، ضعيف الجامع الصغير (455).
(10) ضعيف، مجمع البحرين (2581).
(11) موضوع، ضعيف الجامع الصغير (5617).
(12) ضعيف، سلسلة الضعيفة (3093).(1/25)
306- و[حديث]: " يأتي على أمتي زمان يحسد الفقهاء بعضهم بعضاً، ويغار بعضهم على بعض كتغاير التيوس بعضها على بعض"(1).
307- وحديث النهي عن السلف في الحيوان(2).
308- وحديث: " من قتل ضفدعاً فعليه شاه محرماً كان أو حلالاً"(3).
309- وحديث: " من اعتذر إليه أخوه المسلم فلم يقبل عذره فوزره كوزر صاحب مكس" يعني عشاراً(4).
310- وحديث: " لا فصل في الوتر"(5).
311- وحديث: " إذا بات أحدكم مهموماً مغموماً من سبب العيال كان أفضل عند الله من ألف ضربة بالسيف في سبيل الله"(6).
312- وحديث: " لا يجوز للمعتوه طلاق ولا بيع ولا شراء"(7).
313- وحديث: " السواك يزيد الرجل فصاحة"(8).
314- وحديث: " بئس البيت الحمام، لا بيت يستر ولا ماء يطهر، ما يسرني أني دخلته وأن لي مثل أحد ذهباً"(9).
315- وحديث: " إذا توضأتم [ف] لا تنفضوا أيديكم، فإنها مرواح الشيطان، وأشربوا أعينكم الماء"(10).
316- وحديث: "لا تصلوا إلى أحد ولا إلى أقبر"(11).
317- وحديث: " من وسع على عياله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته"(12).
318- وحديث: " في الجنة نهر يقال له رجب، من صام يوماً مه سقاه الله من النهر"(13).
319- وحديث النهي عن صوم رجب. (14).
__________
(1) موضوع، الموضوعات (509).
(2) ضعيف جداً، سنن الدارقطني (3/71).
(3) ضعيف، الكامل (4/315).
(4) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (5448).
(5) ضعيف، جامع المسانيد (1/402) للخوارزمي.
(6) ضعيف، جامع المسانيد (1/92) للخوارزمي.
(7) ضعيف، الكامل (1/194).
(8) موضوع، ضعيف الجامع الصغير (3365).
(9) ضعيف، سلسلة الضعيفة (2312).
(10) ضعيف، التلخيص الحبير (114).
(11) لم أره.
(12) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (5872).
(13) باطل، سلسلة الضعيفة (1898).
(14) ضعيف جداً، ضعيف الجامع الصغير (6070).(1/26)
320- وحديث: " أيام العشر صيام يوم منها بسنة، وقيام ليلة بليلة القدر"(1).
321- وحديث: " صيام رمضان بالمدينة كصيام ألف شهر"(2).
322- وحديث: " من تزوج أحرز نصف دينه فليتق الله في النصف الثاني"(3).
323- وحديث: " لا يدخل الجنة إلا نظيف"(4).
324- وحديث: " لا تشبهوا باليهود، فن تسليم اليهود بالأصابع، وتسليم النصارى بالإشارة بالكف"(5).
325- وحديث: " من دعا رجلاً بغير اسمه لعنته الملائكة"(6).
326- وحديث: " بجلوا المشايخ، فإن تبجيل المشايخ من تبجيل الله عز وجل"(7).
327- وحديث: " تصافحوا، فإن المصافحة تذهب السخيمة"(8).
328- وحديث: " شراركم عزابكم"(9).
329- وحديث: " شرب الماء على الريق يعقد الشحم"(10).
330- وحديث: " عليكم بدين العجائز"(11).
331- وحديث: " رد دانق من حرام أفضل عند الله من سبعين حجة"(12).
332- وحديث: " منهومان لا يشبعان: طالب علم وطالب دنيا"(13).
333- وحديث: " من سعادة المرء خفة لحيته"(14).
334- وحديث: " من أكل الطين فقد أعان على قتل نفسه"(15).
335- وحديث: " من حفظ على أمتي أربعين حديثاً"(16).
__________
(1) لم أره.
(2) ضعيف،العلل المتناهية (947).
(3) ضعيف جداً، العلل المتناهية (6005).
(4) ضعيف، العلل المتناهية (1187).
(5) موضوع، ضعيف الجامع الصغير (6230).
(6) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (5577).
(7) موضوع، سلسلة الضعيفة (824).
(8) ضعيف، تذكرة الحفاظ (392).
(9) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (3386).
(10) موضوع، الموضوعات (1426، 1427).
(11) لا أصل له، سلسلة الضعيفة (53).
(12) لا أصل له، المقاصد الحسنة (518).
(13) حسن، التعليق على تذكر الحفاظ (725).
(14) موضوع، ضعيف الجامع الصغير (5303).
(15) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (5474).
(16) موضوع، وضعيف، ضعيف الجامع الصغير (5560، 5561).(1/27)
336- وحديث: " من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني"(1).
337- وحديث: " من حج هذا البيت وغزا غزوة وزار قبري، وصلى علي في بيت المقدس، لم يسأله الله عما افترض عليه"(2).
338- وحديث: " من زار قبر أمه كان كعمره"(3).
339- وحديث: " من عشق فعف فكتم فمات مات شهيداً"(4).
340- وحديث: "من قرأ خلف الإمام ملئ فوه ناراً"(5).
341- وحديث: " من كثرت صلاته بالليل حسن وجه بالنهار"(6).
342- وحديث: " من أكل طيباً وعمل في سنة وأمن الناس بوائقه دخل الجنة"(7).
343- وحديث: " إذا حسدتم فلا تبغوا، وإذا ظننتم فلا تحققوا، وإذا تطيرتم فامضوا، وعلى الله فتوكلوا"(8).
344- وحديث: " ليس منا من استأسر المشركين من غير جراحة، وليس منا من تعصب"
(9).
345- وحديث: " دفن البنات من المكرمات"(10).
346- وحديث: " العرب أكفاء بعضها لبعض قبيلة لقبيلة، وحي لحي، ورجل لرجل إلا حائك أو حجام"(11).
347- وحديث: " من نظر إلى فرج امرأة ما لا تحل له أمها، ولا ابنتها"(12).
348- وحديث: " لا يحرم الحرام الحلال"(13).
349- وحديث: " لا نكاح إلا بولي وخاطب وشاهدي عدل"(14).
350- وحديث: " لا مهر دون خمسة دراهم"(15).
__________
(1) موضوع، التعليق على تذكرة الموضوعات (805).
(2) موضوع، الصارم المنكي (ص 222 – 226).
(3) موضوع، تذكرة الحافظ (825).
(4) موضوع، ضعيف الجامع الصغير (5697).
(5) موضوع، تذكرة الحفاظ (877).
(6) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (5816).
(7) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (5476).
(8) ضعيف جداً، ضعيف الجامع الصغير (465).
(9) موضوع، الكامل (6/158).
(10) موضوع، ضعيف الجامع الصغير (2990).
(11) موضوع، ضعيف الجامع الصغير (3857).
(12) ضعيف، فتح الباري (9/61).
(13) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (6331).
(14) ضعيف، ذخيرة الحفاظ (6250).
(15) ضعيف، سنن الدارقطني (3/246).(1/28)
351- وحديث: " إنما نهيتكم عن نهبة العساكر، ولم أنهكم عن نهبة الولائم"(1).
352- وحديث: " إذا جامع أحدكم زوجته أو جاريته فلا ينظر إلى فرجها، فإن ذلك يورث العمى"(2).
353- وحديث: " لا ترضع لكم الحمقى، فإن اللبن يعدي"(3).
354- وحديث " إذا قال لامرأته: أنت طالق إلى سنة إن شاء الله فل حنث [عليه]" (4).
355- وحديث: " إذا كانت الأمة تحت الرجل فطلقها تطليقتين ثم اشتراها لم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره"(5).
356- وحديث: " لا لعان بين مملوكين ولا كافرين"(6).
357- وحديث: " أربعة ليس بينهم لعان: ليس بين الحر والأمة لعان، وليس بين الحرة والعبد [لعان]، وليس بين المسلم واليهودية لعان، وليس بين المسلم والنصرانية لعان"(7).
358- وحديث: " إذا سميت كيلا فكل"(8).
359- وحديث: " ليس على المستعير غير المغل ضمان، ولا على المستودع غير المغل ضمان"(9).
360- وحديث: إن رجلاً أوصى لرجل بسهم من ماله، فجعل له النبي - صلى الله عليه وسلم - " السدس"(10).
361- وحديث: "البينة على المدعي واليمين على من أنكر إلا في القسامة"(11).
362- وحديث: " لا تجوز شهادة نخاس، من استقالنا شهادته أقلناه"(12).
__________
(1) موضوع، الموضوعات (1268).
(2) موضوع، ضعيف الجامع الصغير (452).
(3) موضوع، الكامل (5/154، 7/285).
(4) ضعيف جداً، العلل المتناهية (1065).
(5) ضعيف جداً، سنن الدارقطني (3/211).
(6) لا أصل له بهذا اللفظ، تخريج أحاديث بداية المجتهد (1326).
(7) ضعيف، ضعيف ابن ماجة (402).
(8) صحيح، إرواء الغليل (1331).
(9) ضعيف، سنن الدارقطني (3/41).
(10) في إسناده مترو، الدراية (1058).
(11) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (2384).
(12) في إسناده من هو في عداد من يضع الحديث الكامل (5/66).(1/29)
363- وحديث: " لا تجوز شهادة ملة على ملة إلا ملة محمد - صلى الله عليه وسلم - فإنها تجوز على غيرها [غيرهم]" (1).
364- وحديث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أجاز شهادة القابلة(2).
365- وحديث: النهي عن عتق اليهودي والنصراني والمجوسي(3).
366- وحديث: " لا تجعلوا على العاقلة من دية المعترف شيئاً"(4).
367- وحديث: النهي أن يستحلف مسلم بطلاق أو عتاق(5).
368- وحديث: "ملعون من حلف بالطلاق أو حلف به"(6).
369- وحديث: " لا تقتل المرأة إذا ارتدت"(7).
370- وحديث: " إذا قال الرجل للرجل: يا يهودي فاضربوه عشرين، وإذا قال: يا مخنث فاضربوه عشرين"(8).
371- وحديث: "كتبت الصلاة على الغلام إذا عقل والصوم إذا أطاق، وتجري عليه الشهادة والحدود إذا احتلم"(9).
372- وحديث: النهي عن الذبح بالليل(10).
373- وحديث: " لا يذبح ضحاياكم إلا طاهر"(11).
374- وحديث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عق عن نفسه بعد النبوة(12).
375- وحديث: " الختان سنة للرجال [و] مكرمة للنساء"(13).
376- وحديث: " الدار حرم، فمن دخل عليك حرمك فاقتله"(14).
377- وحديث: [نهى] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذوات الفروج أن [يـ] ركبن السروج(15).
__________
(1) ضعيف، سنن النسائي الكبرى (10/163).
(2) في إسناده مجهول، السنن الكبرى للبيهقي (10/151).
(3) ضعيف، بيان الوهم (972).
(4) موضوع، ضعيف الجامع الصغير (6191).
(5) مرسل منكر المتن، الكامل (1/375).
(6) لا أصل له، مرويات (ص217).
(7) موضوع، الموضوعات (1596).
(8) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (610).
(9) لم أره.
(10) ضعيف جداً في إسناده متروك، التلخيص الحبير (2392).
(12) ضعيف، جداً، زاد المعاد (2/332).
(13) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (2938).
(14) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (2995).
(15) انظر (172) السابق.(1/30)
378- وحديث: أنه سئل عن الشهادة؟ فقال: " ألا ترى الشمس؟ على مثلها فاشهد أو دع"
(1).
379- وحديث: "[ لا تكرهوا أربعة، فإنها لأربعة: لا تكرهوا الرمد، فإنه يقطع عرق العمى]، ولا تكرهوا الزكام، فإنه يقطع عرق الجذام، ولا تكرهوا السعال، فإنه يقطع عرق الفالج، ولا تكرهوا الدماميل، فإنها تقطع عرق البرص"(2).
380- وحديث: " الشطرنج ملعونة، ملعون من لعب بها، والناظر إليها كأكل الخنزير"(3).
381- وحديث: " من مات وعنده جارية مغنية فلا تصلوا عليه"(4).
382- وحديث " النظر إلى المغنية حرام، وغناؤها حرام، وثمنها كثمن الكلب سحت، ومن نبت لحمه من السحت فإلى النار"(5).
383- وحديث: " إن كان الجهاد على باب أحدكم فلا يخرج إلا بإذن أبويه"(6).
384- وحديث: أمرنا بغسل الأنجاس سبعاً(7).
وغير ذلك من الأحاديث مما يطول ذكره.
[و] اعلم أن غالب هذه الأحاديث مروية بالأسانيد، ومنها ما لا يعرف له إسناد أصلاً، وهي على أقسام:
[فـ] منها: ما هو موضوع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيقين.
ومنها: ما يشك في وضعه.
ومنها: ما إسناده ضعيف.
ومنها ما قد يحسنه بعض الأئمة [والله الموفق للصواب].
[قال:] شيخنا [رحمه الله ورضي عنه] بعد ذكر[ه] هذه الأحاديث التي سردناها فيما تقدم: إلى أمثال ذلك من الأحاديث التي يصدق بها طائفة من الفقهاء، ويبنون عليها الأحكام، والحلال والحرام، وأهل العلم بالحديث متفقون على أنها كذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موضوعة [عليه]، وكذلك أهل العلم من الفقهاء يعلمون ذلك.
__________
(1) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (524).
(2) باطل، ميزان الاعتدال (4/376).
(3) موضوع، سلسلة الضعيفة (1145).
(4) موضوع، مرويات أحاديث ذم الغناء (24).
(5) منكر جداً المصدر السابق (29).
(6) ضعيف، ضعيف الجامع الصغير (641).
(7) لم يجده شيخنا بهذا اللفظ، إرواء الغليل (163).(1/31)
وكذلك أحاديث يرويها كثير من النساك، ويظنونها صدقاً، [مثل] قوله:
385- " إن عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبواً"(1).
ومثل قولهم:
386- إن قول الله تعالى: { وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } (الأنعام: من الآية52) نزلت في أهل الصفة(2).
ومثل حديث:
387- " غلام المغيرة بن شعبة أحد الأبدال الأربعين".
وكذلك كل حديث فيه ذكر الأبدال والأقطاب والأغواث وعدد الأولياء، وأمثال ذلك مما يعلم أهل العلم بالحديث أنه كذب.
وكذب أمثال هذه الأحاديث قد يعلم من غير طريق أهل الحديث.
مثل أن يعلم [أن] قوله تعالى في سورة الكهف: { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ } (الكهف: من الآية28) وفي سورة الأنعام: { وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ } (الأنعام: من الآية52) لم تنزل في أهل الصفة، فإن الأنعام والكهف سورتان مكيتان باتفاق الناس، والصفة إنما كانت بالمدينة.
ومثل ما يروون في أحاديث المعراج أنه رأى ربه أو رآه في صورة كذا.
وأحاديث المعراج التي في الصحيح ليس فيها شيء من ذكر الرؤية، وإنما الرؤية في أحاديث مدنية كانت في المنام، كحديث معاذ بن جبل: " أتاني البارحة ربي في أحسن صورة..." إلى آخره، فهذا منام رآه في المدينة.
وكذلك ما شابهه كلها كانت في المدينة في المنام، والمعراج كان بمكة بنص القرآن واتفاق المسلمين.
[ وقد يروج] على طائفة من الناس من الحديث ما هو أظهر كذباً من هذا، مثل تواجد النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى سقطت البردة عنه، فهذا من الكذب الموضوع باتفاق أهل المعرفة.
وطائفة من الناس يظنون هذا صدقاً لما رواه محمد بن طاهر المقدسي، فإنه رواه في مسألة السماع.
__________
(1) موضوع، الموضوعات (803).
(2) باطل، مجموع الفتاوى (27/97 – 98).(1/32)
ورواه أبو جعفر السهرودي، لكن قال: يخالج سري أن هذا الحديث ليس فيه ذوق اجتماع النبي - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه.
وهذا الذي ظنه وخالج سره هو يقين عند غيره قد خالط قلبه، فإن أهل العلم بالحديث متفقون على أن هذا كذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وأعظم من هذا ظن طائفة أن أهل الصفة قاتلوا النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأنه يجوز للأولياء قتال الأنبياء إذا كان العذر عليهم، وهذا مع أنه من أعظم الكفر والكذب، فقد راج على كثير ممن ينتسب إلى الأحوال والمعارف والحقائق، وهم في الحقيقة لهم أحوال شيطانية، والشياطين التي تقترن بهم قد تخبرهم ببعض المغيبات، وتفعل بعض أغراضهم، وتقضي بعض حوائجهم، ويظن كثير من الناس أنهم بذلك أولياء، وإنما هم [من] أولياء الشيطان.
[وكذلك] قد يروج على كثير ممن ينسب إلى السنة أحاديث يظنونها من السنة وهي كذب باتفاق أهل المعرفة.
كالأحاديث المروية في فضل عاشوراء غير الصوم، وفضل الكحل فيه، والاغتسال والخضاب والمصافحة، وتوسعة النفقة على العيال ونحو ذلك.
وليس في عاشوراء حديث صحيح غير الصوم.
[وكذلك] سائر ما يروي من فضل صلوات معينة فيه. فهذا كله [كذب] موضوع باتفاق أهل المعرفة، ولم ينقل هذه الأحاديث أحد من [أئمة] أهل العلم في كتبهم.
ولهذا لما سئل الإمام أحمد عن الحديث الذي يروى: " من وسع على أهله يوم عاشوراء" فقال: لا أصل له.
[وكذلك] الأحاديث المروية في فضل شهر رجب بخصوصه، أو فضل صيامه، أو فضل صيام شيء منه، أو فضل صلاة مخصوصة فيه كالرغائب، كلها كذب [مختلق].
وكذلك ما يروى في صلاة الأسبوع كصلاة يوم الأحد والاثنين وغيرهما [كذب].
[وكذلك] ما يروى من الصلوات المقدرة ليلة النصف أو أول ليلة جمعة من رجب، أو [أول] ليلة سبع وعشرين منه. ونحو ذلك، كلها كذب.
[(1/33)
وكذلك] كل صلاة فيها الأمر بتقدير عدد الآيات أو السور أو التسبيح فهي كذب باتفاق أهل المعرفة بالحديث. إلا صلاة التسبيح، فإن فيها قولين لهم، وأظهر القولين أنها كذب، وإن كان قد اعتقد صدقها طائفة من أهل العلم، ولهذا لم يأخذ بها أحد من أئمة المسلمين، بل أحمد بن حنبل وأئمة من أصحابه كرهوها، وطعنوا في حديثها.
وأما مالك وأبو حنيفة والشافعي وغيرهم فلم يستحبوها بالكلية، ومن يستحبها من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما فإنما هو اختيار منهم لا نقل عن الأئمة.
وأما ابن المبارك فلم يستحق الصفة المأثورة التي فيها التسبيح قبل القيام، بل استحب صفة أخرى توافق المشروع، لئلا يثبت سنة بحديث لا أصل له.
[وكذلك أيضاً] في كتب التفسير أشياء منقولة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم أهل العلم بالحديث أنها كذب.
مثل [حديث] فضائل سور القرآن سورة سورة، الذي يذكره الثعلبي والواحدي في اول كل سورة، ويذكره الزمخشري في آخر كل سورة، ويعلمون أن أصح ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في فضائل سور القرآن أحاديث { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } (الإخلاص:1) ولهذا رواها أهل الصحيح، وأفرد الحفاظ لها مصنفات كالحافظ بن محمد الخلال وغيره.
ويعلمون أن الحديث المأثور في فضل فاتحة الكتاب وآية الكرسي وخواتيم البقرة والمعوذتين أحاديث صحيحة، فلهم فرقان يفرقون به بين الصدق والكذب.
وأما أسباب النزول فغالبها مرسل ليس بمسند، ولهذا قال الإمام أحمد: ثلاث علوم لا إسناد لها، وفي لفظ: ليس لها أصل، التفسير والمغازي والملاحم.
يعني أن أحاديثها مرسلة ليست مسندة.(1/34)
والمراسيل قد تنازع الناس في قبولها وردها، وأصح الأقاويل أن منها المقبول، ومنها المردود، ومنها الموقوف، فمن علم من حاله أنه لا يرسل إلا عن ثقة قبل مرسله، ومن علم أنه يرسل عن الثقة وغير الثقة كان إرساله رواية عمن لا يعرف حاله، فهذا موقوف، وما كان من المراسيل مخالفاً لما رواه الثقات كان مردوداً.
وإذا جاء المرسل من وجهين كل من الروايتين [الروايين] أخذ العلم عن [غير] شيوخ الآخر، فهذا مما يدل على صدقه، فإن مثل ذلك لا يتصور في العادة تماثل الخطأ فيه، وتعمد الكذب، فإن [كان] هذا مما يعلم [به] أنه صدق، فإن المخبر إنما يؤتى من جهة تعمد الكذب، ومن جهة الخطأ، فإذ كانت القصة مما يعلم أنه لم يتواطأ فيه [فيها] المخبرون، والعادة تمنع تماثلهما في الكذب عمداً أو خطأً، مثل أن تكون قصة طويلة فيها أقوال كثيرة، رواها هذا مثل ما رواها هذا، فهذا يعلم أنه صدق.(1/35)
وهذا مما يعلم به [صدق] محمد وموسى صلى الله عليهما، فإن كلا منهما [قد] أخبر عن الله وملائكته وخلقه للعالم، وقصة آدم ويوسف وغيرهما من قصص الأنبياء بمثل ما أخبر به الآخر، مع بعد ما بينهما والعلم بأن واحداً منهما لم يستفد ذلك من الآخر، وانه يمتنع في العادة تماثيل الخبرين الباطلين [في] إلى مثل ذلك، فإن من أخبرنا بإخبارات كثيرة دقيقة عن مخبر معين لو كان مبطلً في خبره لاختلف خبره، لامتناع أن مبطلاً يختلق ذلك من غير تفاوت، لاسيما في أمور لا تهتدي العقول إليها، بل ذلك يبين أن كلاً منهما أخبر بعلم وصدق، فهذا [مـ] ما يعلمه الناس من أحوالهم، فلو جاء رجل من بلد وأخبر عن حوادث مفصلة حدثت فيه ينتظم أقوالاً وأفعالاً مختلفة، وجاء من علمنا أنه لم يواطئه على الكذب، فحكى مثل ذلك، علم قطعاً أن الأمر كان كذلك، فن الكذب [قد يقع] في مثل ذلك لكن على سبيل المواطأة، وتلقي بعضهم عن بعضن كما يتوارث أهل الباطل المقالات الباطلة مثل مقالات النصارى والجهمية والرافضة ونحوهم، وأنها وإن كان يعلم بضرورة العقل أنها باطلة، لكن تلقاها بعضهم [عن بعض]، فلما تواطأوا عليها جاز اتفاقهم فيها على الباطل، والجماعة الكثيرون يجوز اتفاقهم على جحد الضروريات على سبيل التواطؤ إما عمداً للكذب، وإما خطأ في الاعتقاد، فأما اتفاقهم على جحد الضروريات والكذب بدون هذا وهذا فممتنع (1) والله [سبحانه وتعالى أ] علم.
تمت ولله الحمد والمنة، وصلواته وسلامه على نبيه ورسوله وحبيبه وعلى آله وصحبه وسلم، وحسبنا الله ونعم الوكيل، علق ذلك لنفسه أضعف العباد محمد بن محمد بن سيف الحنفي، في أواخر شهر المحرم الحرام من شهور سنة ست وستين وتسع مئة، أحسن الله ختامها بخير آمين آمين آمين.
الفهرس
- أ-
ائتدموا ولو بالماء ...
أبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسى ...
أترعون عن ذكر الفاجر ...
__________
(1) منهاج السنة (7/429 – 437) لشيخ الإسلام ابن تيمية.(1/36)
إحرام الرجل في رأسه ...
أخروهن من حيث أخرهن الله ...
ادرأوا الحدود بالشبهات ...
ادفنوا الأظفار ...
إذا أتى الرجل والصبح قائمة ...
إذا أذنت فترسل ...
إذا أطاق الغلام صوم ...
إذا أم الرجل القوم وفيهم ...
إذا بات أحدكم مهموماً مغموماً ...
إذا بال أحدكم فلينتثر ...
إذا بلغ الماء أربعين ...
إذا توضأتم فلا تنفضوا الماء ...
إذا جامع أحدكم ...
إذا جلس القاضي ...
إذا حسدتم ...
إذا دعوتم لأحد ...
إذا رعف ...
إذ ركع أحدكم ...
إذا سجد المؤمن سجد ...
إذا سلم رمضان ...
إذا سميت كيلاً ...
إذا طنت أذن أحدكم ...
إذا قال الرجل لامرأته أنت طالق ...
إذا قال الرجل للرجل يا يهودي ...
إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يغمض ...
إذا كان آخر الزمان اختلفت الأهواء ...
إذا كانت الأمة تحت الرجل فطلقها ...
إذا كانت الهبة لذي رحم ...
إذا كتبتم الحديث فاكتبوه بإسناده ...
إذا مالت الشمس فصل بالناس الجمعة ...
إذا مدح الفاسق اهتز العرش ...
إذا وجدت المني رطباً فاغسليه ...
إذا وضعت الحلوى بين أيدي أحدكم ...
إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه ...
أربع لا يشبعن من أربع ...
أربعة ليس بينهم لعان ...
أسبع الوضوء يزد في عمرك ...
اسم الله على قلب ...
اشربوا العصير ...
اشربوا على الطعام ...
اطلبوا الخير عند حسان الوجوه ...
اطلبوا الرزق في خبايا الأرض ...
اعتموا تزدادوا حلماً ...
اغتسلوا يوم الجمعة ولو كأساً بدينار ...
أفطرا جميعاً ...
أقل الحيض ثلاثة ...
اكتحل رسول الله وهو صائم ...
أكرموا الخبز فإن الله أكرمه ...
أكرموا الشهود فإن الله يستخرج بهم ...
أكرموا عمتكم النخلة فإنها طلقت ...
ألا إن الزكاة في الحلق واللبة ...
ألا ترى الشمس؟ على مثلها فاشهد ...
أم القرآن عوض ...
أمان العبد أمان ...
امرأة المفقود امرأته حتى يأتيها الخبر ...
أمر بريد بالوضوء من مس الصنم ...
أمر المتزوج بالصلاة ليلة البناء ...
أمرنا بغسل الأنجاس سبعاً ...
أنا ابن الذبيحين ...
أنا إنما نحكم بالظاهر ...
انتقدوا أئمتكم نقد الدينار ...
إن كان الجهاد على باب أحدكم ...(1/37)
إن سركم أن تزكوا صلاتكم فقدموا خياركم ...
إن الأذان سهل ...
إن البعير الشرود يرد ...
إن النبي أجاز شهادة القابلة ...
إن النبي باع مصحفاً ...
إن النبي عق عن نفسه ...
إن النبي لم يسجد في شيء من المفصل ...
إن الله تجاوز عن أمتي في السهو في الصلاة ...
إن رجلاً أوصى لرجل بسهم من ماله ...
إن عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبواً ...
إن في المال حقاً سوى الزكاة ...
إنما الوضوء على من نام مضطجعاً ...
إنما نهيتكم عن نهبة العساكر ...
أيام العشر صيام يوم منها بسنة ...
الأكل في السوق دناءة ...
الاثنان فما فوقهما جماعة ...
الإيمان معرفة بالقلب ...
- ب –
بئس البيت الحمام ...
بجلو المشايخ فإن تبجيل المشايخ من تبجيل الله ...
البينة على من ادعى واليمين على من أنكر إلا في القسامة ...
- ت –
تحت كل شعرة جنابة ...
ترفع الأيد في سبع مواطن ...
تصافحوا في المصافحة ...
تصدقوا على أهل الأديان ...
تطييب النبي الهدية لمعاذ ...
تمكث إحداكن شطر دهرها لا تصلي ...
التكبير في دبر الصلوات ...
التيمم ضربتان ...
- ث –
ثلاث لا يفطرن ...
ثلاث هن على فريضة ...
- ج –
جعل المضمضة والاستنشاق فريضة ...
الجبن داء فإذا أكل بالجوز فهو شفاء ...
الجراد من صيد البحر ...
الجزور في الأضحى عن عشرة ...
الجماعة على من سمع النداء ...
الجمعة على من آواه الليل ...
الجمعة واجبة على كل قرية ...
- ح –
حديث رافع في الأمر بتأخير العصر ...
حرمت الخمر لعينها ...
حكمي على الواحد حكمي على الجماعة ...
الحج جهاد والعمرة تطوع ...
الحج والعمرة فريضتان واجبتان ...
الحدث حدثان حدث اللسان وحدث الفرج ...
- خ –
خذوا شطر دينكم ...
خير خلكم خل خمركم ...
الختان سنة للنساء ...
الخلع تطليقة بائنة ...
- د –
دعوني من السودان ...
دفن البنات من المكرمات ...
دية الذمي كدية المسلم ...
الدار حرم ...
الدم مقدار درهم ...
الدنيا كلها ...
الدينار أربعة وعشرون قيراطاً ...
- ذ –
ذبيحة المسلم حلال ...
ذكاة الأرض يبسها ...
الذبيح إسحاق ...
- ر –
رخص رسول الله في الهميان ...
رد دانق من حرام ...
ركعتان من المتأهل خير من اثنين ...(1/38)
الركبة من العورة ...
الرهن بما فيه ...
- ز –
الزاد والراحلة ...
سفر المرأة مع عبدها ضيعة ...
سنوا بهم سنة أهل الكتاب ...
السجدة على من سمعها ...
السجود على الجبهة فريضة وعلى ...
السواك يزيد الرجل فصاحة ...
- ش –
شراركم عزابكم ...
شرب الماء على الريق يقعد الشحم ...
شهادة النساء جائزة فيما يستطيع الرجال ...
الشطرنج ملعونة ملعون من لعب بها ...
الشفعة كحل العقال ...
- ص-
صائم رمضان في السفر كمفطره في الحضر ...
صلاة النهار عجماء ...
صلوا خلف من قال لا إله إلا الله ...
صلوا قبل الجمعة أربعاً ...
صلوا قبل الجمعة ركعتين ...
صيام رمضان بالمدينة كصيام ألف شهر ...
الصائم في عبادة ما لم يغتب ...
- ض-
الضاحك في الصلاة والمتلفت والمفرقع ...
- ط –
طاف رسول الله ...
طلاق الأمة طلقتان ...
طلب العلم فريضة على كل مسلم ...
الطلاق لمن أخذ بالساق ...
- ع –
على الخمسين جمعة ...
عليكم بدين العجائز ...
عورة الرجل ما بين ...
العرب أكفاء بعضها لبعض ...
العين وكاء السه ...
- غ –
غلام المغير أحد الأبدال ...
- ف –
فتحت القرى بالسيف ...
في الأصلع ...
في الخيل السائمة ...
في الجنة نهر ...
في الكلب يلغ في الإناء ...
في المسح على الخفين ...
في الهلال إذا سقط ...
الفرق بين الطلاق ...
- ق –
قتل المسلم بالمعاهد ...
القرآن رخصة ...
القرآن ينسخ ...
القلس حدث ...
- ك –
كان إذا توضأ ...
كان يتم في السفر ...
كان يرفع يديه في ابتداء الصلاة ثم لا يعود ...
كانت للنبي خرقة ...
كتبت الصلاة ...
كل شهر حرام ...
كل طعام وشراب ...
كل قرض جر نفعاً ...
كل ما في السموات ...
كل مسجد فيه إمام ...
كما لا ينفع ...
- ل –
لأن يؤدب أحدكم ...
لعن الله الفروج على السروج ...
لكل سهو سجدتان ...
للسائل حق ...
للمطلقة ثلاثاً ...
لم يزل يجهر ...
لولا أن المساكين ...
ليس على المستعير غير المغل ضمان ...
ليس على المعتكف ...
ليس على من حلف ...
ليس على مقهور ...
ليس في الحيوان ربا ...
ليس في الخضروات صدقة ...
ليس في الفطرة ...
ليس في العوامل ...
ليس في صلاة الخوف ...
ليس في المال ...
ليس في مال المكاتب ...
ليس للنساء ...
ليس منا من ...
- م –(1/39)
ما أحسن الله خلق عبد ... ...
ما جاء من الله فهو حق ...
ما خلا يهودي ...
ما من مسلم يموت يوم الجمعة ...
من آذى ذمياً ...
من أجر أرض مكة ...
من إجلال الله إكرام ...
من أدخل فرساً ...
من أدرك ركعة ...
من استفاد مالاً ...
من أسلف سلفاً ...
من أسلف في شيء ...
من أسلم في شيء ...
من أشار إلى حرام ...
من اشتر ما لم يره ...
من أفطر يوماً من ...
من ألقى جلباب الحياء ...
من أم قوماً ...
من أهديت له هدية ...
من أكل طيباً ...
من أكل طيناً ...
من اعتذر إليه أخوه ...
من أفطر في رمضان ...
من بلغ حداً ...
من تأمل خلق امرأة ...
من بشرني بخروج آذار ...
من أقرض مسلماً ...
من تمام البر كتمان المصايب ...
من توضأ بعد الغسل ...
من توضأ بعد طهر ...
من تزوج أحرز ...
من جمع بين الصلاتين ...
من حج البيت ولم يزرني ...
من حج هذا البيت ...
من حفظ على أمتي ...
من دعا رجلاً بغير اسمه ...
من رفع يديه بالصلاة ...
من زار قبر أمه ...
من زوج كريمته ...
من سعادة المرء ...
من سب العرب ...
من صلى صلاة ...
من صلى وحده ...
من صام تطوعاً ...
من ضحك في الصلاة ...
من طلق للبدعة ألزمناه بدعته ...
من عشق فعف ...
من قرأ بالكهف ...
من قرأ بالكهف ...
من قرأ خلف الإمام ...
من قتل ضفدعاً ...
من قرأ سورة الفاتحة ...
من قال في ديننا ...
من كان في طلب العلم ...
من كان يؤمن بالله ...
من كانت له حمولة ...
من كثرت صلاته بالليل ...
من لبد رأسه ...
من لم يدرك الحج ...
من مات من أمتي ...
من مات وعنده جارية ...
من نام بعد العصر ...
من نظر إلى فرج ...
من مات في طريق مكة ...
من نظر في كتاب أخيه ...
من وجد البقل ...
من وسع على عياله ...
من وقف دابة في سبيل الله ...
من السرف أن تأكل ...
من السنة الصلاة ...
مداراة الناس صدقة ...
مضت السنة ...
ملعون من حلف ...
منهومان لا يشبعان ...
موت الغريب شهادة ...
مكة مناخ ...
الماء طهور ...
المجالس بالأمانة ...
المدينة خير من مكة ...
المرأة وحدها صف ...
المضمضة والاستنشاق ...
- ن –
نهى أن يكون الإمام مؤذناً ...
نهى عن أكل لحوم الخيل ...
نهى عن بيع المدبر ...
نهى عن بيع وشرط ...
نهى عن التورك والإقعاء ...
نهى ذوات الفروج ...
النهي أن يستحلف مسلم ...(1/40)
النهي عن أكل الضب ...
النهي عن بيع السرطان ...
النهي عن بيع الغائب ...
النهي عن بيع الكالئ ...
النهي عن البتيراء ...
النهي عن الذبح بالليل ...
النهي عن السلف في الحيوان ...
النهي عن صوم رجب ...
النهي عن الصلاة في السراويل ...
النهي عن الصلاة في سبعة مواطن ...
النهي عن الصلاة في المسجد تجاهه ...
النهي عن عتق اليهودي ...
النظر إلى المغنية حرام ...
هل علم منكم أحد ...
- و –
ولد الزنا لا يرث ...
ولي العقدة الزوج ...
الوضوء من البول ...
الوضوء من كل دم سائل ...
الوضوء مما خرج ...
الوقت الأول من الصلاة ...
- لا –
لا اعتكاف إلا بصوم ...
لا بأس بأكل كل طير ...
لا بأس ببول ما يؤكل ...
لا بأس بمسك الميتة ...
لا بأس به ...
لا بأس به ما لم تخل به ...
لا تأخذوا من الأوقاص ...
لا تؤم امرأة رجلاً ...
لا تجوز للمعتوه شهادة ...
لا تجعلوا على العاقلة ...
لا تجوز شهادة ملة على ملة ...
لا تحجن امرأة ...
لا ترضع لكم الحمقى ...
لا ترفع الأيدي ...
لا تشبهوا اليهود ...
لا تصلوا إلى أحد ولا إلى قبر ...
لا تصلوا والإمام يخطب ...
لا تقبل شهادة الولد ...
لا تقتل المرأة إذا ارتدت ...
لا تفعلي يا حميراء ...
لا تقل أهريق الماء ...
لا تقض رمضان ...
لا تكرهوا أربعة ...
لا تقولوا رمضان ...
لا تكفروا أهل ملتكم ...
لا جمعة ولا تشريق ...
لا حسد ولا ملق ...
لا صلاة لجار المسجد ...
لا صلاة لمن عليه صلاة ...
لا فصل في الوتر ...
لا قطع في أقل ...
لا قود إلا بالسيف ...
لا لعان بين ...
لا مهر دون خمسة ...
لا مهر دون عشرة ...
لا نفاس دون ...
لا نكاح إلا بولي ...
لا يؤذن غلام ...
لا يؤذن لكم من يدغم ...
لا يؤذن لكم إلا فصيح ...
لا يؤم المتيمم ...
لا يؤمن أحد بعدي جالساً ...
لا يتقد من الصف الأول ...
لا يتوضأ رجل ...
لا يجاوز أهل الميقات ...
لا يجتمع على مسلم ...
لا يجوز للمعتوه ...
لا يحرم الحرام ...
لا يخرج من المسجد ...
لا يدخل الجنة إلا نظيف ...
لا يدخل ولد الزنا الجنة ...
لا يذبح ضحاياكم ...
لا يصام اليوم ...
لا يصوم أحد عن أحد ...
لا يعطى من الزكاة ...
لا يقبل قول إلا بعمل ...
لا يقتل حر بعبد ...
لا يقرأ الحائض القرآن ...(1/41)
لا يمر السيف بذنب ...
- ي –
يا أنس إذا صليت ...
يا أهل مكة لا تقصروا ...
يا علي لا تفتح على الإمام ...
يأتي على أمتي زمان ...
يأتي على الناس زمان ...
يؤم القوم أحسنهم وجهاً ...
يؤمكم أقرؤكم ...
يصلي الرجل في المسجد ...
يطهر الدباغ الجلد ...
يغسل الثوب من المني ...
يغسل ثلاثاً ...
يورث الخنثى من حيث يبول ...
يكفيك قراءة الإمام ...
يوم نحركم يوم صومكم ...
يكون في آخر الزمان ...(1/42)
سلسلة بحوث وتحقيقات مختارة من مجلة الحكمة (25)
Almodhe1405@hotmail.com
almodhe@yahoo.com
إن تصنيف الأجزاء الحديثة والفقهية واللغوية وغيرها في سائر العلوم والفنون لها ثمار كبيرة وفيها فوائد جليلة يستطيع المؤلف من خلالها الإلمام بمعظم مسائل الباب إن لم تكن كلها، ويستطيع أن يورد الأدلة ما لا يستطيعه في غيرها لأن الأجزاء أو الجزء لم يصنف إلا لتناول هذه المسألة ولم شعث أطرافها وعرض أدلة المختلين فيها- إن كان ثم اختلاف- ثم ترجيح ما يقتضي الدليل ترجيحه.
ولما ألمسه من الفائدة من قراءة بعض هذه الأجزاء ومطالعتها رأيت أن أفرد بحوثاًَ مستقلة في مسائل متنوعة يكثر السؤال عنها، مبتدئا بمسألة مهمة وهي حكم قراءة الجنب للقرآن، فقد وقع في هذه المسألة خلاف بين أهل العلم ما بين مبيح وحاظر، والأكثر من أهل العلم على المنع.
وإن كان المعروف عند أهل المعرفة والتحقيق أنه لا تلازم بين قول الجمهور وبين الحق والصواب؛ فقد يكون الحق معهم- وهذه الأكثر في المسائل العلمية- وقد يكون الحق في جانب غيرهم.
والمنصف دائماًَ يبحث عن الدليل؛ فما نصره الدليل اتبعه، وإن كان القائل به قليلا، وما لم يرد فيه الدليل أو كان دليله ضعيفاً تركه، وإن كان الأكثرون على القول به.
وصاحب الحق الذي يبحث عنه ويتحراه لا يخلو من الأجر والأجرين؛ فإن أصاب الحق حاز الأخرين وإلا فله أجر واحد، بخلاف غيره ممن له مقاصد سيئة أو له تعصب لمذهب من ينتمي إليه؛ فإنه وإن أصاب الحق فإنه على خطر فكيف إذا كان الحق بخلاف قوله، والموافق من وفقه الله وهداه إلى صراط المستقيم.
الإجماع على جواز الذكر غير القرآن للمحدث(1/1)
أعلم- وفقك الله تعالى لما يحب ويرضى- أن ذكر الله تعالى بما سوى القرآن مجمع على جوازه للجنب والحائض، فضلاًَ عن غيرهما، وأدلة ذلك من الكتاب والسنة كثيرة مشهورة؛ قال النووي رحمه الله: (( أجمع المسلمون على جواز التسبيح والتهليل والتكبير والتحميد والصلاة على رسول - صلى الله عليه وسلم - وغير ذلك من الأذكار وما سوى القرآن- للجنب والحائض- ودلائله مع الإجماع في الأحاديث الصحيحة مشهورة(1).
جواز قراءة المحدث حدثاً أصغر للقرآن من غير مس له
أجمع أهل العلم على جواز قراءة القرآن للمحدث حدثاً أصغر(2)؛ وأدلة ذلك كثيرة.
منها حديث ابن عباس قال: ( بت ليلة عند ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - فاضطجعت في عرض الوسادة، واضطجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهله في طولها، فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل استيقظ النبي - صلى الله عليه وسلم - فجلس يمسح النوم عن وجهه بيده، ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران، ثم قام إلى شن معلقة فتوضأ منها فأحسن وضوءه ثم قام يصلي). الحديث متفق عليه(3).
وقد بوب عليه الإمام أبو عبد الله البخاري رحمه الله (باب قراءة القرآن بعد الحدث وغيره).
وقد روى مالك في الموطأ بسند منقطع من طريق محمد بن سيرين أن عمر بن الخطاب كان في قوم وهم يقرؤون القرآن فذهب لحاجته ثم رجع وهو يقرأ القرآن. فقال له رجل: يا أمير المؤمنين، أتقرأ القرآن ولست على وضوء؟ فقال له عمر: من أفتاك بهذا؟ أمسيلمة؟ (4)
__________
(1) المجوع: 2/164. أنظر شرح السنة: 2/ 44.
(2) أنظر الاستذكا: 8/14،المجموع للنووي: 2/163.
(3) البخاري: 1/278-فتح. مسلم: 6/45- 46- نووي.
(4) الموطأ: 2/8- شرح الزرقاني، ومحمد بن سيرين لم يسمع من عمر.(1/2)
قال ابن عبد الرحمن رحمه الله: (( وفي الحدث جواز قراءة القرآن طاهرا في غير المصحف لمن ليس على وضوء إن لم يكن جنبا وعلى هذه جماعة أهل العلم لا يختلفون فيه إلا من شذ عن جماعتهم ممن هو محجوج بهم، وحسبك بعمر في جماعة الصحابة وهم السلف الصالح(1) .
والأفضل للمسلم أن يتطهر لذكر الله تعالى؛ لما روى أبو داود والنسائي وابن ماجة والحاكم وغيرهم بسند صحيح عن المهاجر بن قنفذ، أنه أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يبول، فسلم عليه فلم يرد عليه حتى توضأ، ثم اعتذر إليه فقال: ( إني كرهت أن أذكر الله تعالى ذكره إلا على طهر).
وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي الجهيم قال: أقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أقبل على الجدار فمسح بوجهه ويديه ثم رد عليه السلام.
أقوال أهل العلم في حكم قراءة الجنب للقرآن
اعلم أن أهل العلم اختلفوا في قراءة الجنب للقرآن على ثلاثة أقوال:
القول الأول: لا يجوز قراءة شئ من القرآن مطلقاً.
القول الثاني: يجوز قراءة القرآن مطلقاً.
القول الثالث: يجوز قراءة الآية والآيتين والشيء اليسير ويحرم الكثير. وقد قال بكل قول من هذه الأقوال جماعة من أهل العلم.
فأما القول الأول فإنه قول لبعض الصحابة وطائفة من أهل العلم ممن بعدهم. منهم الشافعية، فقد قال النووي رحمه الله: (( مذهبنا أنه يحرم على الجنب والحائض قراءة القرآن قليلها وكثيرها، حتى بعض آية، بهذا قال أكثر العلماء. كذا حكاه الخطابي وغيره عن الأكثرين.....)) (2).
أقول: قول الخطابي ذكره في معالم السنن(3) ، ولفظه ( وأكثر العلماء على تحريمه).
وعبارة الخطابي عامة يستفاد منها أن الجمهور يمنعون الجنب من قراءة القرآن، ولكن لا تدل عبارته على أن الجمهور يمنعون الآية فضلا عن بعضها.
__________
(1) الاستذكار: 8/14.
(2) المجموع: 2/ 158.أنظر الحاوي الكبير: 1/ 147.
(3) 1/156.(1/3)
ونقله أيضاًَ عن الجمهور الإمام الترمذي رحمه الله في جامعه(1/ 236). ولكنه نقل عنهم استثناء طرف الآية والحرف ونحو ذلك. وقال شيخ الإسلام في الفتاوى( 36/ 190): (( الجنب ممنوع من قراءة القرآن)) وقال رحمه الله في ( 21/ 268): (( والأربعة أيضاًَ وتنازعوا في قراءة الحائض وفي قراءة الشيء اليسير.......)). أقول: والمنع مطلقا رواية عن الإمام أحمد ذكرها طائفة من فقهاء مذهبه وهو مذهب أبي حنيفة، كما (1). في الهداية (1/ 644- البناية) وبه قال جماعة من التابعين كإبراهيم النخعي ومجاهد وغيرهما.
واحتج أصحاب هذا القول بأدلة:
1- منها ما رواه أحمد ( 1/84)، وأبو داود(1/381- عون المعبود) والنسائي ( 1/144)، والترمذي (1/273)، وابن ماجة ( 594)، وغيرهم من طريق شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة، قال: أتيت على علي- رضي الله عنه – أنا رجلان فقال: كان رسول الله يقضي حاجته ثم يخرج فيقرأ القرآن ويأكل معنا اللحم ولا يحجزه من القرآن شئ ليس الجنابة، قال الترمذي رحمه الله: حديث علي حديث صحيح، وصححه الحاكم في مستدركه( 1/152)، وقال الشوكاني في السيل الجرار ( 1/ 107): قد صححه جماعة من الحفاظ ولم يأت من تكلم عليه بشئ يصلح لأدني قدح....، وفيه نظر؛ فإن مدار الحديث على عبد الله بن سلمة. قال يحيي: وكان شعبة يقول في هذا الحديث: نعرف وننكر؛ يعني أن عبد الله بن سلمة كان كبر حيث أدركه عمرو(2). ، وهذه علة تمنع ثبوت الحديث.
ولذلك قال البخاري رحمه الله في التاريخ الكبير(285)، في ترجمة عبد الله بن سلمة: لا يتابع في حديثه، والحديث ضعفه الشافعي والنووي(3).
وقال الخطابي رحمه الله في معالم.السنن(4) وكان أحمد بن حنبل يوهن حديث على هذا ويضعف أمر عبد الله بن سلمة.
__________
(1) انظر: المنع في شرح مختصرالخرقي:1/208، والمبدع: 1/188.
(2) انظر: المنتقي لابن الجارود: 1/98.
(3) انظر المجموع: 2/159.
(4) انظر المعالم: 1/156.(1/4)
وقال ابن المنذر في الأوسط( 2/100): وحديث علي لا يثبت إسناده.
أقول: ولو صح حديث علي فليس فيه تحريم قراءة الجنب للقرآن لأن الامتناع لا يدل على التحريم، ولو كان ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - للقراءة تحريماً لبينه بياناً عاماً لأن الحاجة داعية إلي البيان والناس رجالا ونساء يبتلون بذلك، وقد في القواعد الأصولية أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز:
قال ابن المنذر في الأوسط(2/100): ولو ثبت خبر علي لم يجب الامتناع من القراءة من أجله لأنه لم ينهه عن القراءة فيكون الجنب ممنوعاً منه: وقال ابن حزم رحمه الله في المحلى( 1/95) على حديث علي:((وهذا لا حجة لهم فيه لأنه ليس فيه نهي عن أن يقرأ الجنب القرآن، وإنما هو فعل منه عليه السلام لا يلزم، ولا بين عليه السلام أنه إنما يمتنع من قراءة القرآن من أجل الجنابة، وقد يتفق له عليه السلام ترك القراءة في تلك الحال ليس من أجل الجنابة.
2- واحتجوا أيضاً بما رواه أحمد في مسنده ( 1/110): عن عائذ بن حبيب، حدثني عامر بن السمط عن أبي العريف قال: (( أتي علي- رضي الله عنه – بوضوء فمضمض واستنشق ثلاثاً وغسل وجهه ثلاثاً وغسل يديه ثلاثاً وذراعيه ثلاثاً ثلاثاً ثم مسح برأسه غسل رجليه ثم قال: هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ. ثم قرأ شيئاً من القرآن ثم قال: هذا لمن ليس بجنب فأما الجنب فلا ولا آية))، وهذا الحديث صريح في منع الجنب من قراءة القرآن وأنه لا يرخص له في قراءة الآية الواحدة فكيف بما زاد ولكن الحديث معلول. والراجح وفقه. فقد رواه الإمام الدارقطني في سننه
(1/118) من طريق يزيد بن هارون حدثنا عامر بن السمط حدثنا أبو الغريف الهمداني فذكره عن علي موقوفاًَ.
وهذا صحيح؛ لأن يزيد بن هارون أوثق من عائذ فوجب تقديم روايته على رواية عائذ.
وقد صححه موقوفاً الإمام الدارقطني رحمه الله في سننه (1/118) فقال هو صحيح عن علي.(1/5)
أقول:الراوي عن علي أبو الغريف، واسمه عبيد الله بن خليفة الهمداني. قال ابن سعد: كان قليل الحديث (1) . وذكره ابن حبان رحمه الله في الثقات(2) وذكره الإمام الفسوي في المعرفة والتاريخ
( 3/199).وقال عنه ( وهو ثقة).
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم كما في الجرح والتعديل (5/313): (( سئل أبي عنه. فقال: كان على شرطة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وليس بالمشهور. قلت: هو أحب إليك أو الحارث الأعور، قال الحارث أشهر وهذا قد تكلموا فيه، وهو شيخ من نظراء أصبغ بن نباتة)).
قال الإمام ابن عبد الهادي رحمه الله: (( ولم يبين أبو حاتم من تكلم فيه لأبين الجرح ما هو (3) . أقول: تبين الجرح لا يشترط مطلقاً في حق الأئمة الكبار الذين لا يعلم منهم الجرح بما لا يجرح كأبي حاتم والبخاري ونحوهما، وأما من علم منه الجرح بمجرد البدعة مثلا فهذا لا يقبل جرحه المجمل بل لا بد أن يبين جرحه وسببه، حتى ينظر فيه هل يؤثر أم لا(4) .
ثم اعلم أن جرح أبي حاتم لعبيد الله بن خليفة هو في الحقيقة جرح مفسر؛ لأنه جعله من نظراء أصبغ بن نباتة التميمي. وأصبغ كذبه أبو بكر ابن عباس(5) . وقال يحيي ليس حديثه بشئ. قال النسائي متروك الحديث. وقال الدارقطني منكر الحديث.
وقيل فيه غير ذلك مما يدل على ضعفه وعدم اعتباره(6) . والذي يظهر من كلام الأئمة في أبي الغريف، أنه حسن الحديث. وأما قول الألباني في الإرواء (2/243): وتمام المنة (117)، (( لم يوثقه غير ابن حبان وهو مشهور بالتساهل في التوثيق)). فقد تقدم ما ينقضه لأن الإمام الفسوي وثقه أيضاً.
__________
(1) طبقات ابن سعد: 6/240.
(2) 5/ 68-69.
(3) تنقيح التحقيق: 1/ 528.
(4) وفي المسألة تفضيل للأئمة لا يتسع له هذا الموطن.
(5) انظر تهذيب الكمال: 3/309.
(6) انظر ترجمته في تهذيب الكمال: 3/308-311.(1/6)
ودعوى الألباني أن ابن حبان متساهل هكذا أطلق ولم يفصل دعوى بلا برهان لأن ابن حبان رحمه الله غاية ما عيب توثيقه للراوي الذي لم يرو عنه سوى راو واحد(1) . ولم يوثقه أحد، وأما ما عدا ذلك فلم يعب عليه أحد من أهل العلم المعول عليهم في هذا الشأن بل إن الحافظين الذهبي وابن حجر قد رمياه بالتشدد في نقد الرجال في كتابه للمجروحين، وهذا ظاهر لمن قرأ كتابه المذكور، حتى أنه تكلم في محمد بن الفضل السدوسي الإمام الثفة والله أعلم.
والحاصل أن أثر علي بن أبي طالب موقوف حسن قد صححه الدارقطني ( 1/118)، وأما رفعه فضعيف.
ومن الأدلة أيضاً لأصحاب هذا القول.
3- ما رواه الترمذي (1/236) وابن ماجه(595) وغيرهما من طريق إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ( لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن) وهذا الحديث ظاهر الدلالة في تحريم قراءة الجنب للقرآن لصيغة النهي في قوله (( لا تقرأ)) والنهي يقتضي التحريم؛ إلا لصارف. ولكن لا يتم الاستدلال بهذا الحديث على المطلوب حتى يثبت سنده، ولكن أني له الثبوت وهو من رواية إسماعيل بن عياش عن غير أهل بلده، وبلده الشام.
والأئمة الكبار يضعفون إسماعيل إذا روى عن غير أهل الشام.
قال الإمام الترمذي رحمه الله في جامعه: (( وسمعت محمد بن إسماعيل يقول إن إسماعيل بن عياش يروى عن أهل الحجاز وأهل العراق أحاديث مناكير؛ كأنه ضعف روايته عنهم فيما ينفرد به. وقال إنما حديث إسماعيل عن أهل الشام)) (2) .
وفي الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (3) . (( سمعت أبي يقول: سألت أحمد بن حنبل عن إسماعيل بن عياش فقال: في روايته عن أهل العراق وأهل الحجاز بعض الشيء، وروايته عن أهل الشام كأنه أثبت وأصح)).
__________
(1) أيضاً لا أسلم برميه بالتساهل المطلق في هذه المسألة وبيان ذلك له موضع آخر إن شاء الله.
(2) جامع الترمذي: 1/237.
(3) 2/192.(1/7)
وقال أبو زرعة (( غلط في حديث الحجازيين والعراقيين)) (1) .
وقال البخاري: (( إذا حدث عن أهل بلده فصحيح وإذا حدث عن غيرهم ففيه نظر)) (2) .
وكلامه الأئمة في تضعيف إسماعيل عن غير أهل بلده كثير، وما تقدم نقله عن البخاري وأحمد وأبي زرعة كاف في بيان حاله وعدم اعتباره في روايته عن أهل العراق والحجاز.
وروايته في هذا الحديث عن موسى بن عقبة، وهو حجازي، وقد قال الإمام أحمد- رحمه الله – على حديثه هذا بعد ما سئل عنه: (( هذا باطل(3) ))، وقال شيخ الإسلام: (( وهو حديث ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث)) (4) .
وأما قول الشوكاني في السيل الجرار (1/108): (( وتضعيفه بإسماعيل بن عياش مندفع لوروده من طريق غيره، وهو أيضاً لم يقدم فيه بما يوجب عدم صلاحية حديثه للاحتجاج به)). ففيه نظر.
فقد تقدم نقل بعض كلام الأئمة الكبار الذين عليهم المعول في هذا الشأن في تضعيف إسماعيل وأنه لا تقوم به حجة في روايته عن أهل الحجاز والعراق، وأما قوله (( لوروده من طريق غيره )). فجوابه أن جميع الطرق فيها ضعف ونكارة؛ فقد رواه الدارقطني في سننه (1/117) من طريق عبد الملك بن مسلمة حدثني المغيرة بن عبد الرحمن عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً به. وهذا سند منكر لحال عبد الملك. قال عنه ابن يونس: منكر الحديث. وقال أبو حاتم: هو مضطرب الحديث ليس بقوي. وقال أبو زرعة. ليس بالقوي منكر الحديث. وقال ابن حبان: يروي مناكير كثيرة(5) .
وله طريق آخر عند الدارقطني (1/118) من طريق رجل عن أبي معشر عن موسى بن عقبة به.
وهذا سند لا تقوم بمثله حجة- للإبهام وضعف أبي معشر- فقد قال عنه يحيي بن معين: (( كان أميا ليس بشيء)).
__________
(1) الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: 2/192.
(2) السير: 8/318.
(3) انظر ميزان الاعتدال: 1/142.
(4) 21/460- الفتاوي.
(5) انظر المجموع: 2/159.(1/8)
وقال أحمد بن حنبل: (( حديثه عندي مضطرب لا يقيم الإسناد ولكن أكتب حديثه اعتبر به )).
وقال البخاري: (( لا أروي عنه شيئاً))(1) . فهذا ما أشار إليه الشوكاني في قوله ( من طريق غيره).
وليس فيها ما يصلح متابعا لطريق ابن عياش، فالأمر كما قال أحمد رحمه الله (( هذا حديث باطل)).
4- واحتج أصحاب هذا القول أيضاً بقصة عبد الله بن رواحة مع زوجته وإقرار النبي - صلى الله عليه وسلم - لذلك. وهي قصة مشهورة مذكورة في كتب السير وبعض كتب العقائد، كرد الدارمي على الجهمية، وإثبات صفة العلو لابن قدامة. وقد جاءت القصة بألفاظ مختلفة ملخصها أن عبد الله بن رواحة مشى ليلة إلي أمة له فواقعها فلامته امرأته في ذلك فأنكر. وكانت قد رأت جماعه لها؛ على ما ذكر ابن عبد البر في الاستيعاب(2) . ـ فقالت له: إن كنت صادقا فاقرأ القرآن فالجنب لا يقرأ القرآن، فقال:
شهدت بأن وعد الله حق ... وأن النار مثوى الكافرين
وأن العرش فوق الماء حق ... وفوق العرش رب العالمينا
وتحمله ملائكة غلاظ ... ملائكة الإله مسومينا
فقالت امرأته: صدق الله وكذبت عيني، وكانت لا تحفظ القرآن ولا تقرؤه، وفي بعض طرق هذه القصة جاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر بذلك فضحك ولم يقل شيئاً.
وقد قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله على هذه القصة: (( رويناها من وجوه صحاح )) (3) .
وفي هذه القصة دليل على أنه متقرر بين الصحابة أن الجنب لا يقرأ القرآن، وأن هذا الأمر كان معلوما عند النساء والرجال. هذا على تسليم ثبوت هذه القصة. لكن الراجح عند أهل الحديث أن القصة ضعيفة السند وليس لها طريق صحيح عند جميع من رواها.
وقول ابن عبد البر: (( رويناها من وجوه صحاح)) فيه نظر؛ فقد جاءت القصة عند الدرامي في الرد على الجهمية، وغيره من طريق قدامة بن إبراهيم ابن محمد بن حاطب أن عبد الله بن رواحة وقع بجارية له، فذكر القصة.
__________
(1) انظر المجموع: 2/159.
(2) 3/900.
(3) الاستيعاب:3/900.(1/9)
قال الذهبي في العلو( 42) ( منقطع) أقول: وذلك بين قدامة وابن رواحة.
قال النووي ـ رحمه الله ـ: (( إسناد هذه القصة ضعيف ومنقطع )) (1) .
والأمر كما قال؛ فليس لهذه القصة سند يثبت، والله أعلم.
5-وقد روي الدارقطني رحمه الله في سننه (1/120) عن عبد الله بن رواحة ( أن رسول ال له - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يقرأ القرآن وهو جنب ) وسنده ضعيف فيه زمعة بن صالح، والراوي عنه إسماعيل بن عياش. وقد تقدم أن روايته عن غير أهل بلده ضعيفة وهذا منها. وفي السند علل أخرى لا نطيل بذكرها ما دام تبين ضعفه وعدم قيام الحجة به.
ومن الأدلة أيضا لأصحاب هذا القول:
6- ما رواه الإمام عبد الرزاق رحمه الله تعالى في مصنفه (1/337) عن سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي وائل عن عبيدة السلماني قال: كان عمر بن الخطاب يكره أن يقرأ القرآن وهو جنب. وهذا سند صحيح إلى عمر رضي الله عنه.
ورواه البيهقي رحمه الله في السنن الكبرى (1/89) من طريق أيوب بن سويد ثنا سفيان عن الأعمش عن أبي وائل أن عمر رضي الله عنه، فذكره.
قال ورواه غيره عن الثوري عن الأعمش عن أبي وائل عن عبيدة عن عمر، وهو الصحيح.
أقول: ورواية أيوب معلولة لوجهين: الأول: أن عبد الرزاق أوثق من أيوب وعند الاختلاف يقدم الثقة. والثاني: أن أيوب بن سويد قد ضعفه بعض أهل الحديث مطلقاً، منهم أحمد بن حنبل ويحيى بن معين والنسائي وغيرهم، وهذا يشكك في روايته إذا تفرد فكيف إذا خالف، ومنه يتبين أن رواية عبد الرزاق أصح. وبهذا يظهر أن الأثر إلى عمر صحيح، لأنه ممن يرى كراهية قراءة الجنب للقرآن، والكراهة في هذا الأثر يراد بها التحريم، وهذا الغالب في اصطلاح السلف الصالح. وترد الكراهة ويراد بها التنزيه.
والاحتمالان موجودان في هذا الأثر إلا أن الأقرب للصواب عندي كراهة التحريم، وهذه الأدلة هي أقوى أدلة المانعين من قراءة القرآن للجنب مطلقاً، لا آية ولا بعض آية.
__________
(1) المجموع: 2/159.(1/10)
وقد تبين مما سبق، أنه لا يصح في الباب شئ مرفوع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكن قد قال بعض أهل العلم: إن الأحاديث بمنع الجنب من قراءة القرآن، وإن لم تصح بمفردها، فإنها ترتقي بمجموعها إلى درجة الحسن لغيره. وهذا فيه نظر؛ بل الصحيح أنها لا تنتهض بمجموعها إلى درجة الحسن لغيره، لأن التحسين بالشواهد بابه ضيف عند الأئمة المتقدمين: كأحمد وإسحاق وابن معين والبخاري ومسلم وأبي داود والنسائي ومن جاء بعدهم: كالدارقطني، فلا يحسنون إلا ما ظهرت قوته ولم يعارضه خبر صحيح، وقد وقع فيما بعد ذلك التساهل في تحسين بعض الأحاديث بالشواهد حتى مع وجود الخبر الصحيح المعارض لها، والله أعلم.
وأقول: وقد صح في هذا الباب أثران موقوفان:
الأول: أثر علي رضي الله عنه.
الثاني: أثر عمر رضي الله عنه.
وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ ..) الحديث، رواه أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجه وغيرهم عن العرباص بن سارية، وهو حديث صحيح.
وفي صحيح الإمام مسلم (5/187 – نووي) قال - صلى الله عليه وسلم - (فإن يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا ..).
وعند الترمذي (5/569) عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ذلك الترمذي رحمه الله.
وأما القول الثاني، وهو قول من قال: يجوز للجنب قراءة القرآن مطلقاً، فقد ذهب إليه جماعة من أهل العلم منهم حَبر الأمة وترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنه. فقد ذكره عنه البخاري رحمه الله في صحيحه تعليقاً مجزوماً بصحته فقال: "ولم ير ابن عباس بالقراءة للجنب بأساً".
وروى ابن المنذر في الأوسط (2/98) من طريق يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس: "أنه كان يقرأ ورده وهو جنب".
وروى عن أبي مجلز قال: دخلت على ابن عباس فقلت له: أيقرأ الجنب القرآن؟. قال دخلتَ علىّ وقد قرأت سُبع القرآن وأنا جنب.(1/11)
وروى عن ابن حزم في المحلى (1/96) عن نصر الباهلي قال: "كان ابن عباس يقرأ البقرة وهو جنب"، وسنده ضعيف لأن الراوي عن الباهلي يوسف السمتي وهو ضعيف بل كذبه يحيى بن معين(1).
والقول بالجواز مطلقاً جاء أيضاً عن جماعة من التابعين، منهم سعيد بن المسيب، فقد روى عبد الرزاق في المصنف(2) بسند صحيح عن محمد بن طارق قال: سألت ابن المسيب: أيقرأ الجنب شيئاً من القرآن؟ قال: نعم.
وروى ابن حزم في المحلى (1/96) عن حماد قال سألت سعيد بن المسيب عن الجنب هل يقرأ القرآن؟ فقال: كيف لا يقرؤه وهو في جوفه. وفيه يوسف بن خالد السمتي لا يحتج بخبره.
ومنهم سعيد بن جبير، فقد روى عنه ابن حزم في المحلى (1/96) من طريق شعبة عن حماد بن أبي سليمان قال: سألت سعيد بن جبير عن الجنب يقرأ؟ فلم ير به بأساً وقال: أليس في جوفه القرآن؟ وحماد بن أبي سليمان فيه كلام لأئمة الجرح والتعديل(3). قال عنه شعبة: كان صدوق اللسان. وقال النسائي: ثقة. وضعفه ابن سعد وغيره، والكلام فيه يطول، وهو صدوق اللسان، وقد يهم، ومثله حسن الحديث إلا أن يخالف.
والقول بجواز قراءة الجنب للقرآن مطلقاً رجحه طائفة من المحققين. وهو مذهب داود والطبري، ورجحه ابن حزم(4) وابن المنذر، كما في الأوسط (2/100)، وروى هذا القول عن مالك(5)، وهو ظاهر تبويب البخاري في صحيحه(6). فإنه قال: "باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت"، وقال إبراهيم: لا بأس أن تقرأ الآية، ولم ير ابن عباس بالقراءة للجنب بأساً، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يذكر الله في كل أحيانه. وقالت أم عطية: كنا نؤمر أن يخرج الحيض فيكبرون بتكبيرهم ويدعون.
__________
(1) انظر تهذيب الكمال: 32/422.
(2) 1/337.
(3) انظر ترجمته في تهذيب الكمال: 7/269.
(4) انظر المحلى: 1/94. والفتح: 1/408.
(5) ذكره عنه الحافظ ابن حجر في الفتح: 1/408.
(6) الفتح: 1/407.(1/12)
وقال ابن عباس: أخبرني أبو سفيان أن هرقل دعا بكتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقرأ فإذا فيه (بسم الله الرحمن الرحيم. { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ } ...) الآية.
وقال عطاء عن جابر: حاضت عائشة فنسكت المناسك غير الطواف بالبيت ولا تصلي.
وقال الحكم: إني لأذبح وأنا جنب. وقال الله تعالى: { وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ } (الأنعام: 121).
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (1/407) مبيناً مراد البخاري من هذه الترجمة: "والأحسن ما قاله ابن رشيد تبعا لابن بطال وغيره" إن مراده الاستدلال على جواز قراءة الحائض والجنب بحديث عائشة رضي الله عنها لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يستثن من جميع مناسك الحج إلا الطواف، وإنما استثناه لكونه صلاة مخصوصة. وأعمال الحج مشتملة على ذكر وتلبية ودعاء ولم تمنع الحائض من شئ من ذلك، فكذلك الجنب، لأن حدثها أغلظ من حدثه.
ومنع القراءة إن كان لكونه ذكراً لله فلا فرق بينه وبين ما ذكر، وإن كان تعبداً فيحتاج إلى دليل خاص. ولم يصح عند المصنف شئ من الأحاديث الواردة في ذلك؛ وإن كان مجموع ما ورد في ذلك تقوم به الحجة عند غيره ولكن أكثرهم قابل للتأويل كما سنشير إليه. ولهذا تمسك البخاري ومن قال بالجواز غيره كالطبري وابن المنذر وداود، بعموم حديث "كان يذكر الله على كل أحيانه" لأن الذكر أعم من أن يكون بالقرآن أو بغيره. وإنما فرق بين الذكر والتلاوة بالعرف.. .(1/13)
أقول: وما قرره الحافظ رحمه الله هنا في مراد البخاري هو الظاهر لمن أمعن في صنيع البخاري رحمه الله في كثير من تراجمه، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعائشة: (افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري). فيه دلالة ظاهرة على جواز قراءة الحائض للقرآن لأن من شأن الحاج قراءة القرآن، ولم يرد في منع الحائض من قراءة القرآن شئ صحيح، فيؤخذ بعموم الخبر المتقدم حتى يرد ما يخصصه من صحيح الأخبار.
1- كما أن قول عائشة – والحديث مخرج في صحيح مسلم من طريق البهي عن عروة عن عائشة – قالت: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يذكر الله على كل أحيانه)(1)، فيه دلالة على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يحجزه شئ عن قراءة القرآن، لا جنابة ولا غيرها، لأن كلمة "أحيان" نكرة أضيفت إلى معرفة فتفيد العموم، كما ذكر ذلك جماعة من أهل الأصول. وقد قال صاحب مراقي السعود في باب العام ذاكراً ما يفيد العموم:
وما معرفا بأل قد وجدا ... أو بإضافة إلى معرف
إذا تحقق الخصوص قد نفى(2)
والعام يجب الأخذ به حتى يرد ما يخصصه، فإن كان ثم مخصص عن الشارع، وإلا فيستصحب عموم النص. والأحاديث المرفوعة في منع الجنب من قراءة القرآن كلها معلومة كما تقدم بيان ذلك. فلذلك لا تصلح لتخصيص حديث: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكر الله على كل أحيانه). وقول الصحابي لا يخصص المرفوع. فلذلك لا يصح أن يقال إن قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وقول علي بن أبي طالب رضي الله عنهما يخصصان حديث عائشة.
وهذا لو لم يوجد لهما مخالف، فكيف وقد خالفهما ابن عباس وجوز ما منعاه. وأما لو لم يكن في الباب شئ من المرفوع يدل على الجواز، ولم يوجد مخالف لعمر وعلي لوجب الأخذ بقولهما، وعلى ذك تدل الأحاديث الصحاح، وقد سبق ذكر بعضها والله أعلم.
__________
(1) مسلم: 4/68 – نووي.
(2) انظر: المراقي: 1/208 – نشر البنود.(1/14)
2- ويحتج .. أيضاً لمن جوز قراءة القرآن للجنب(1) بحديث ابن عمر في الصحيحين قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفق آناء الليل وآناء النهار)(2). قوله "آناء الليل وآناء النهار" فيه دلالة على عدم منع الجنب من قراءة القرآن لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - مدحه بالقيام به آناء الليل وآناء النهار، ولم يستثن - صلى الله عليه وسلم - حالة من حالة أو وقتاً من وقت مع احتمال كونه جنباً.
وقد جاءت الأخبار الصحاح بالنهي عن قراءة القرآن بالركوع والسجود فخص ذلك من عموم الحديث عند أهل العلم، ولم يأت أخبار صحاح تقوم بها حجة على تخصيص الجنب بالمنع، فلو كان الجنب ممنوعاً من قراءة القرآن لنقل ذلك إلينا بأحاديث صحاح يعرفها العام والخاص، لأن الجنابة مما لا مناص لبني آدم عنها، ويحتاج الناس لبيان ما يجوز فيها وما لا يجوز، فلما لم يقع هذا الأمر ولم يرد حديث صحيح في منع الجنب من القراء ة مع بيان ما هو دون ذلك في الابتلاء.
3- وجب علينا استصحاب البراءة الأصلية والأخذ بالأدلة العامة الدالة على مشروعية المداومة على الذكر في الليل والنهار، ومن جملة الذكر قراءة القرآن والله أعلم.
__________
(1) انظر: الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي: 1/147.
(2) البخاري: 9/73 – فتح، ومسل: 6/97 – نووي، واللفظ له.(1/15)
4- ومما يحتج به أيضاً لهذا القول أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في بعض الأحيان ينام وهو جنب ولا يزيد على أن يتوضأ. ففي صحيح الإمام مسلم (3/216 – نووي) عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان جنباً فأراد أن يأكل أو ينام توضأ وضوءه للصلاة). وفيه أيضاً عن عبد الله بن أبي قيس قال: "سألت عائشة عن وتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر الحديث. قلت: كيف كان يصنع في الجنابة؟ أكان يغتسل قبل أن ينام أم ينام قبل أن يغتسل؟ قالت: كل ذلك قد كان يفعل، ربما اغتسل فنام وربما توضأ فنام.
وعن أبي سلمة قال: سألت عائشة: "أكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يرقد وهو جنب؟ قالت: نعم، ويتوضأ" رواه البخاري (1/392 - فتح)، وفي الباب غير ذلك.
فإذا علم أنه - صلى الله عليه وسلم - كان ينام بعض الأحيان وهو جنب، فليعلم أنه كان لا يدع قراءة قل هو الله أحد والمعوذتين وذلك كل ليلة.(1/16)
ففي الصحيحين، واللفظ للبخاري (9/62 - الفتح) عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة(1) جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ فيهما (قل هو الله أحد) ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات) ففي الحديث دلالة – وإن لم تكن قوية – على أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ القرآن بعض الأحيان وهو جنب. وأن الجنابة لا تمنعه من قراءة القرآن، لما أفادته عائشة رضي الله عنها في قولها "كل ليلة". وقد أخبرت فيما تقدم من الأخبار الصحاح أنه كان يرقد وهو جنب إذا توضأ. فإذا ضمت دلالة هذا الحديث مع الأحاديث المتقدمة، مع استصحاب البراءة الأصلية، وأنه لا يمنع من قراءة القرآن في سائر الأحوال مانع إلا ما قام الخبر الصحيح على منعه – وهو متعذر هنا- أفاد ذلك قوة القول بقراءة الجنب للقرآن، وأن أهل هذا القول أسعد بالدليل من المانعين والله أعلم.
القول الثالث في المسألة قول من قول يجوز قراءة الآية والآيتين ونحوهما.
وأصحاب هذا القول يوافقون أصحاب القول الأول في المنع من استدامة القراءة للجنب، وأدلتهم هي أدلة أصحاب القول الأول في الجملة.
وقد وقع بين أصحاب هذا القول خلاف فيما يجوز قراءته، فبعضهم لم يرخص إلا بعض آية كما هو قول لأحمد(2).
__________
(1) وقد رد الحافظ رحمه الله في الفتح: 10/210، على من زعم أن المحفوظ في هذا الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك إذا اشتكى، ويبين أنه لا منافاة بين الروايتين. ولذلك قال يونس: كنت أرى ابن شهاب – وهو أحد رواة السند – يصنع ذلك إذا أتى إلى فراشه، وانظر: الفتح: 9/62، و 10/209.
(2) المبدع: 1/188.(1/17)
قال الطحاوي: فبذلك نأخذ، فنكره للجنب والحائض قراءة الآية تامة(1)، وجاء هذا القول عن بعض التابعين(2). ورخص مالك وطائفة من أهل العلم في قراءة الآية والآيتين(3).
وجاء عن الأوزاعي أنه قال لا يقرأ الجنب شيئاً من القرآن إلا آية الركوب إذا ركب قال: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } إلى قوله: { وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ } [الزخرف: 13- 14]، وآية النزول: { وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبَارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ } (4) [المؤمنون:29].
أقول: التخصيص في هذين الموطنين لا دليل عليه وليس له وجه من النظر. وأما من جوز قراءة الآية أو الآيتين –ومنع ما عدا ذلك- فلا يستقيم هذا القول على أصله، لأنه قد أخذ بأدلة المنع، وهي أدلة عامة ليس فيها تخصيص للآية ولا لبعض آية.
إلا إذا كان لا يقصد القراءة، كأن يقصد بذلك الدعاء، فهذا جائز ولا شئ فيه سواء أقرأ قليلاً أم كثيراً. قال الإمام ابن حزم رحمه الله في المحلى (1/95): "وأما من قال يقرأ الجنب الآية أو نحوها، أو قال لا يتم الآية، أو أباح للحائض ومنع الجنب – فأقوال فاسدة، لأنها دعاوى لا يعضدها دليل لا من قرآن، ومن من سُنة صحيحة ولا سقيمة، ولا من إجماع، ولا من قول صاحب، ولا من قياس، ولا من رأي سديد، لأن بعض الآية والآية قرآن بلا شك، ولا فرق بين أن يباح له آية أو أن يباح له أخرى، أو بين أن يمنع من آية أو يمنع من أخرى .. ".
__________
(1) شرح معاني الآثار: 1/90، وانظر المجموع: 2/158 للنووي.
(2) انظر مصنف ابن أبي شيبة: 1/97- 98.
(3) انظر المحلى: 1/95، والإنصاف: 1/243.
(4) انظر الأوسط لابن المنذر: 2/99.(1/18)
أقول: قد احتج بعض أهل العلم بتخصيص الآية والآيتين بحديث ابن عباس عن أبي سفيان، أن هرقل دعا بكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي بعث به دحية إلى عظيم بصرى فدفعه إلى هرقل فقرأه فإذا فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، السلام على من اتبع الهدى.
أما بعد .. فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين، { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } (1) أقول: والاستدلال بهذا الحديث على جواز قراءة الآية والآيتين فيه نظر من وجوه:
الوجه الأول: أنه قد قيل إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب هذا الكتاب إلى هرقل قبل نزول آية آل عمران {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ ... } [آل عمران:64].
أي فلم تكن حينئذ من القرآن، لأن نزول الآية قيل إنه في قصة وفد نجران، وقصة أبي سفيان وقعت قبل ذلك بثلاث سنين، فعليه لا يتم الاستدلال بهذا الحديث.
الوجه الثاني: أننا لو فرضنا أن الآية نزلت متأخرة، وقصة أبي سفيان وقعت بعد نزول الآية أو أن الآية نزلت مرتين، فليس في الحديث دليل ظاهر على أنه قصد التلاوة وإذا لم يقصد التلاوة فليس هناك شئ يمنع من ذلك.
الوجه الثالث: لو فرضنا أنه قصد التلاوة، فهذا من باب الحاجة، فلا يمكن دعوتهم إلا بذلك، فلا يكون دليل على تخصيص الجواز بالآية أو الآيتين إنما يقيد بالحاجة. وعلى جميع هذه الأوجه الثلاث لا يتم المطلوب لمن رخص في قراءة الآية أو الآيتين مطلقاً ومنع ما عدا ذلك والله أعلم.
__________
(1) انظر فتح الباري: 1/39. وتفسير ابن كثير: 1/379 – على قوله تعالى (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ).(1/19)
والحاصل: أن القول الثالث ليس عليه دليل، والتخصيص بغير مخصص لا يقبل، فيبقى تردد الخلاف في القوة في قولين، إما الجواز مطلقاً، وإما المنع مطلقاً. والذي يظهر من الأدلة الجواز مطلقاً، وذلك لوجوه:
الوجه الأول: استصحاب الأصل، وأن المسلم لا يمنع من قراءة القرآن إلا بدليل صحيح، وهذا متعذر هنا.
الوجه الثاني: عموم حديث عائشة المخرج في مسلم: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكر الله على كل أحيانه). ولا مخصص له، والذكر أعم من أن يكون بالقرآن أو غيره.
الوجه الثالث: ضعف جميع الأحاديث المرفوعة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في منع الجنب من قراءة القرآن، على أن الدليل الأول – وهو أقواها عند المانعين – لو صح لم يكن فيه حجة على تحريم القراءة على الجنب كما سبق بيانه.
وهذا آخر الجزء في حكم قراءة، الجنب للقرآن، وأما الحائض، فإنها من باب أولى ألا تمنع من قراءة كما هو مذهب مالك وأحمد في إحدى الروايتين، واختاره الطبري وابن المنذر وابن القيم رحمهم الله(1). والأصل عدم شغل الذمة إلا بدليل صحيح، والدليل الصحيح على منعها من قراءة القرآن غير موجود، كما تعذر وجوده في الجنب، ولا نحرم إلا ما ظهر برهانه لأنه الله يقول: { قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } (2).
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: "فلو منعت [يعني الحائض] من القراءة لفاتت عليها مصلحتها، وربما نسيت ما حفظته زمن طهرها، وهذا مذهب مالك وإحدى الروايتين عن أحمد وأحد قولي الشافعي.
والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يمنع الحائض من قراءة القرآن، وحديث: (لا تقرأ الحائض والجنب شيئاً من القرآن) لم يصح، فإنه حديث معلول باتفاق أهل العلم بالحديث ..." (3).
أقول: وقد تقدم بيان علته وبيان عدم صلاحيته للحجة.
والحمد لله رب العالمين.
__________
(1) انظر أعلام الموقعين: 3/34.
(2) البقرة: 111.
(3) أعلام الموقعين: 3/24.(1/20)
سلسلة بحوث وتحقيقات مختارة من مجلة الحكمة(35)
تحقيق
Almodhe1405@hotmail.com
almodhe@yahoo.com
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد، فهذا كتاب مفيد في ذمّ الخمر والترهيب من شربها، كتبه أحد العلماء الغيّورين على الإسلام، والمشفقين على أهله، جمع فيه طائفة من الأحاديث النبوية الشريفة الرّادعة، والآثار والحكم الموقظة، ثم ختمها بمواعظ وأشعار ترقق قلوب الغافلين، وتذكرهم برب العالمين، فهو جزء فريد في بابه، وليس في ذلك عجب، فمؤلفه الحافظ ابن رجب – رحمه الله – واعظ المسلمين في زمانه، من العلماء العاملين بين أقرانه.
ونحن – في عصرنا هذا – أحوج ما نكون إلى مثل هذه التواليف النافعة خاصة وقد استباح كثير من المسلمين شرب الخمور، وتجاهروا بها، متناسين حكم الله فيها، ومنهم من لبّس عليهم الشيطان، فغالطوا أنفسهم وتأوّلوا تحريمها فأدمنوها وسمّوها بغير إسمها.
وبسبب انتشار أم الخبائث، كثرت في معظم الأقطار الإسلامية الجرائم والمصائب البشعة التي كنا نسمع بها في بلاد الكفر، ولو احتكمنا إلى شرع الله، وقام كلّ منّا بواجبه في الرعاية والتربية والتذكير لما وقع الذي نحن فيه.
وهذا المؤلَّف – على صغره – يعدّ مساهمة جيّدة في توعية من جهل خطورة شرب الخمر، وأضرارها الدينية.
التأليف في موضوع المسكرات
وخصائص كتاب ابن رجب
تميزت الأمة الإسلامية بغيرة علمائها على أقوامهم، ويكفيهم فخرًا أنهم تصدّوا منذ مطلع الإسلام لكل الآفات والأخطار التي تهدد مجتمعهم.
ومن السبق الحضاري عند المسلمين أن يتجنّد جمع من العلماء العاملين لمقاومة آفة شرب الخمر وغيرها من المسكرات، فيحذرون من خطورتها ويدعون إلى إجتنابها.(1/1)
ومن هؤلاء الأعلام الذين قاموا بواجب الإصلاح والتوجيه وافردوا هذه القضيّة بالتأليف:
? الإمام أحمد بن حنبل (ت 241هـ) بكتابه "الأشربة" مطبوع.
? الإمام ابن قتيبة (ت 276هـ) بكتابه "الأشربة" مطبوع.
? الإمام ابن أبي الدّنْيا (ت 281هـ) بكتابه "ذمّ المسكر" مطبوع.
? الإمام ابن الجوزي (ت 597هـ) بكتابه "ذمّ المسكر" ذكره الذهبي في "السيّر" (21/ 375).
? الإمام الضياء المقدسي (ت 643هـ) بكتابه "ذمّ المسكر" ذكره السخاوي في "المقاصد الحسنة" (ص327).
? الإمام ابن جماعة (ت733هـ) بكتابه "المنتقى من ذمّ المسكر" مطبوع، وهو مختصر لكتاب ابن أبي الدنيا.
? الإمام ابن رجب (ت 7985هـ) بكتابه "ذمّ الخمر" وهو هذا الجزء (1) .
وقد استفاد مؤلفه من الكتابات السابقة في هذا الموضوع وخاصة منها كتاب "ذمّ المسكر" للحافظ ابن أبي الدنيا، وما يميز كتاب العلامة ابن رجب – على صغره – هو جودة نصوصه سواء في الأحاديث أو الآثار والقصص حيث يتجلّى انتقاؤه لها، وهو لا يكتفي بالجمع والسرد مثل من سبقه بل يحقق الروايات ويشفعها بالتعليق وتسطير الدروس والعبر التي تنفّر من آفة شرب الخمر، وقد ختم ابن رجب كتابه هذا بعديد من المواعظ والحكم القيّمة التي تعكس غيرة هذا العالم النّاصح على المسلمين، وكذلك تفوقه في فن الوعظ والإرشاد.
ترجمة المؤلف
إسمه ونشأته:
__________
(1) حرصت على استعمال كلمة "جزء" لتسمية هذا الكتاب الصغير عوضًا عن كلمة "رسالة" التي شاع استعمالها في هذا العصر وهي محدثة ولا تفيد المعنى المقصود، قال الشيخ أحمد شاكر – رحمه الله – في تعليقه على تسمية كتاب الإمام الشافعي – رحمه الله – بالرسالة: وقد غلبت عليها هذه التسمية، ثم غلبت كلمة "الرسالة" في عرف المتأخرين على كل كتاب صغير الحجم، مما كان يسميه المتقدمون "جزءًا " فهذا العرف الأخير غير جيد، لأن الرسالة من الأرسال أ.هـ. : "الرسالة": (12).(1/2)
هو الإمام الحافظ أبو الفرج زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الرحمن – الملقب برجب – البغدادي ثم الدمشقي الحنبلي المشهور بابن رجب.
ولد الشيخ المحدث ابن رجب في بغداد سنة (736هـ) ونشأ في عائلة علم، وقدم دمشق مع والده وهو صغير سنة (744هـ) وفيها تلقى مبادئ العلوم الشرعية.
وبرع العلامة أبو الفرج في علم الحديث، وصار أعرف أهل عصره بالعلل وطرق الرواية، وتفوّق كذلك في فنّ الوعظ والتربية.
سيرته:
كان رحمه الله من علماء الآخرة، صاحب عبادة وتهجد، منجمعًا عن النّاس لا يخالطهم ولا يتردد إلى أحد من ذوي الولايات، ويسكن مدرسة السكّرية بالقصاعين، وكان لا يعرف شيئصا من أمور الدنيا، بعيدًا عن الرياسة وأسبابها، لا اشتغال له إلا بالعلم، اجتمعت الفرق عليه ومالت القلوب بالمحبة اليه. وقد استحق ابن رجب ثناء العلماء وتقديرهم بما كان عليه من الفضل والعلم والصلاح، وقلمّا أجتمع هذا الثناء والمدح لغيره، ومن اطلع على كتاباته علم سرّ هذا الاتفاق على التزكية والتعديل، وصدق فيه قول العالم ابن فهد: الإمام الحافظ الحجة، والفقيه العمدة، أحد العلماء الزهاد، والأئمة العباد، مفيد المحدثين، واعظ المسلمين.
مؤلفاته:
للحافظ ابن رجب مصنفات عديدة ومفيدة في التفسير والفقه والحديث والأخلاق أشهرها: "فتح الباري بشرح صحيح البخاري" شرح قطعة منه ولم يتمه (1)، و"شرح جامع الترمذي وعلله" لم يطبع منه غلا "شرح العلل"، و"جامع العلوم والحكم" وهو من أحسن شروح الأربعين النووية، و"الذيل على طبقات الحنابلة" و"القواعد الفقهية" و"لطائف المعارف" وأجزاء كثيرة نافعة في شرح أحاديث نبوية أو في الرقائق والزهد، ومن بركة هذه التواليف أنها قد وجدت في معظمها.
وفاته:
__________
(1) طبع الكتاب في عشر مجلدات بتحقيق ثمانية محققين في دار الغرباء الأثرية، ثم طبع مرة أخرى في دار ابن الجوزي [المجلة].(1/3)
روي أنه جاء – رحمه الله – إلى شخص حفّار فقال له: احفر لي هنا لحدًا وأشار إلى بقعة، قال الحفار: فحفرت له، فنزل فيه فأعجبه واضطجع وقال: هذا جيّد، فمات بعد أيام فدفن فيه، وكان ذلك في شهر رجب سنة 795هـ.
مصادر ترجمته:
? إنباء الغمر (1/ 460) للحافظ ابن حجر.
? الدرر الكامنة (2/ 321) له أيضًا.
? الردّ الوافر (ص 106) لابن ناصر الدين الدمشقي.
? لحظ الألحاظ (ص 180) لابن فهد المكي.
? شذرات الذهب (6/ 339) لابن العماد الحنبلي.
? فهرس الفهارس (2/ 636) للكتاني.
? معجم المؤلفين (5/ 118) لرضا كحالة.
? الجوهر المنضّد (ص 46) لابن عبد الهادي.
عنوان الكتاب ونسبته:
معظم الذين ترجموا للحافظ ابن رجب – رحمه الله – ذكروا له من بين تواليفه النافعة كتاب "ذمّ الخمر"، ومن أشهر الذين نصّوا على ذلك ابن عبد الهادي في كتابه "الجوهر المنضّد" (ص 50)، وقد رسم على لوحة فهرس أجزاء المجموع الخطي (أ) عنوان "ذمّ الخمر" للجزء الخامس منه، وباستثناء هذا لم يكتب على نص المخطوط في المجموعين أي تسمية، ويمكن للدارس – وخاصة من استصحب كتب المؤلف – أن يجزم بعد التحقيق بأن نص هذا المخطوط – مادة وأسلوبًا – هو من تأليف الحافظ ابن رجب رحمه الله.
وصف الأصل المخطوط
اُعتمدَِتْ في تحقيق هذا الجزء نسختان خطيتان:
النسخة الأولى:(1/4)
وقد رمزت لها بحرف (أ) وهي ضمن مجموع خطي برقم (157) محفوظ بدار الكتب الوطنية بتونس، كتب بخط مشرقي جيّد، ويضم ثمانية عشر جزءًا للحافظ أبن رجب منها، ويبتدئ جزء "ذمّ الخمر" هذا من الورقة (47/أ) إلى الورقة (50/أ) بمعدل (25) سطرًا في الصفحة، وعلى هامش المخطوط بعض التعليقات والتصحيحات الدالة على اهتمام واعتناء صاحبه به، وقد آثرت اعتماد هذه النسخة أصلاً في التحقيق لجودتها ولقلّة أخطائها، ولقدمها حيث يظهر – والله أعلم – أن المجموع الذي يضمها لأحد تلاميذ المؤلف إذ يقول الناسخ عن الحافظ ابن رجب في عدة مواطن "شيخنا" كما صرح بأنه قابل أجزاء هذا المجموع، وقد رسم الناسخ – الذي لم يذكر اسمه – في آخر جزء "ذمّ الخمر" هذا التاريخ: "سابع عشر المحرم سنة اثنتين وخمسين وثمان مائة" فهي نسخة تزيد عن الثانية نحو إحدى وأربعين سنة فهي أقرب زمنًا للمؤلف.
النسخة الثانية:
وهي نسخة مصورة عن أصل ضمن مجموع خطي محفوظ بمكتبة فاتح باستنبول بتركيا تحت رقم (5381)، وهذا المجموع شبيه بالأول حيث يضم – تقريبًا – نفس الأجزاء للحافظ ابن رجب، ويتبدئ جزء "ذمّ الخمر" فيه من الورقة (98/أ) إلى الورقة (104/ب) بمعدل (19) سطرًا في الصفحة الواحدة وقد كتب بخط نسخي جميل مشكول – أحيانًا – بقلم عيسى بن عليّ بن محمّد الحوراني الشافعي، الذي فرغ من نسخه سنة ثلاث وتسعين وثمان مائة.
عملي في التحقيق:
يتلخص جهدي في تحقيق هذا الجزء للحافظ ابن رجب فيما يلي:
1- ضبط نص الجزء، وتصحيحه بالمقابلة بالنسخة الثانية للمخطوط، وقد اعتمدت النسخة (أ) أصلاً للتحقيق مع التنبيه على المهم من الإختلاف بين النسختين.
2- عزو الآيات القرآنية إلى مواضعها وترقيمها.
3- تخريج الأحاديث والآثار الواردة في الكتاب بأرقامها اختصارًا.
4- شرح بعض الكلمات الغريبة التي تحتاج إلى توضيح.
5- وضع تراجم لأعلام الكتاب الذين يحتاجون للتعريف.(1/5)
6- وضع عناوين داخلية تقسم الكتاب إلى فصول حتى تنتظم معانيه.
7- صنع فهارس علمية للمراجع والموضوعات.
هذا ، ولم أدّخر وسعًا في إخراج هذا العمل على هذه الصورة، مع قلة بضاعتي، واعترافي بتقصيري، فما كان من توفيق وصواب، فمن الله عز وجلّ، وما وقع من خطأ أو خلل، فمنّي ومن الشيطان الرجيم، والله تعالى أسأل أن يجعل سعيي خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفعني وإياكم به، إنه هو البرّ الرحيم.
بسم الله الرحمن الرحيم
[الخمر أمّ الخبائث]
قال زين الدين ابن رجب – رحمه الله - :
? خرّج الدّارقطني بإسناد ضعيف من حديث ابن عباس مرفوعًا: (الخمر أمّ الخبائث، وأكبر الكبائر، من شربها وقع على أمّه وعمّته وخالته ) (1).
__________
(1) أخرجه الدارقطني في "السنن" (4/247) بلفظ "الخمر أمّ الفواحش"، وفي سنده عبد الكريم أبو أمية: ضعيف كما في التقريب (1/516)، وأخرجه في "العلل" (3/41)، ورواه الطبراني في "الكبير" برقم (11372) و (11498) عن ابن عباس مرفوعًا وأورده الهيثمي في "المجمع" (5/70) ونسبه للطبراني في "الأوسط" وأعلّه بأبي أمية، ثم ذكر له شاهدًا (5/71) من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعًا وزاد فيه ترك الصلاة من رواية الطبراني، لذلك قال الألباني في "الصحيحة" (1853): فالحديث حسن بمجموع الطريقين والله أعلم، وأورده في "صحيح الجامع" (3339).(1/6)
? قال عثمان: وروي مرفوعًا والصحيح وقفه قال: "اجتنبوا الخمر أمّ الخبائث، فإنه كان رجل مّمن كان قبلكم، كان يتعبّد ويعتزل الناس، فعلِقَته امرأة غاوية، فأرسلت إليه خادمها، فقالت: إنها تدعوك لشهادة، فدخل؛ فطفقت كلما دخل بابا أغلقته دونه حتى أفضى إلى امرأة وضيئة، وعندها غلام وباطية خمر، فقالت: إنما دعوتك لتقتل هذا الغلام، أو تقع عليّ، أو تشرب كاسًا، فإن أبيت صحت وفضحتك، فلما رأى أنه لا بدّ له من ذلك قال لها: إسقيني كأسًا، فسقته، ثم قال: زيديني، فلم يَرِم حتى وقع عليها، وقتل الغلام. فاجتنبوا الخمر، فإنه لا يُجمع الإيمان وإدمان الخمر في صدر رجل أبدًا [إلا] يوشك أحدهما أن يخرج صاحبه." (1).
? وفي "الدارقطني" أيضًا عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا: (الخمر أمّ الخبائث) (2) وروي عنه أيضًا أنه قال: "وجدته في التوراة"(3).
__________
(1) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" برقم (17060) وابن أبي الدّنْيا في "ذم المسكر" برقم (1)، والنسائي في "المجتبي" (5666)، وابن حبّان (5348) وصحح رفعه، ورجّح وقفه أبو زرعة كما في "العلل" لابن أبي حَاتِم (1586)، والدارقطني في "العلل" (3/41)، والبيهقي في "الكبرى" (8/ 287 – 288)، وقال ابن كثير في "التفسير" (3/180): والموقوف أصحّ والله أعلم. ومعنى "فلم يرم" بفتح الياء وكسر الراء من رام يريم، أي فلم يبرح.
(2) أخرجه الدارقطني في "السنن" (4/2476) من طريقين عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا، ومن طريقه القضاعي في "مسند الشهاب" (57) وذكره السخاوي في "المقاصد الحسنة" (445) وساق له طريقًا ثم قال: وشواهد هذا المعنى كثيرة. قلت: هي كذلك وبمجموعها – كما مرّ – تجعل الحديث حسنًا والله تعالى أعلم.
(3) ستأتي – إن شاء الله تعالى – هذه الرواية في سياق آخر.(1/7)
? وفي "مسند ابن وهب" عنه مرفوعًا: (هني أكبر الكبائر وأمّ الفواحش، فلا تشربوا الخمر فإنها مفتاح كل شرّ، ومن شربها ترك الصلاة، ووقع على أمّه وخالته وعمّته) (1).
? وفي حديث معاذ في "المسند": "لا تشربنّ خمرًا فإنها رأس كل فاحشة " (2).
? وعن عُثْمَان قال: "الخمر مجمع الخبائث، ثم أنشأ يحدث أن رجلاً خُيّر بين أن يقتل صبيًّا أو يمحو كتاب؟ًا أو يشرب خمرًا، فاختار أن يشرب الخمر، فما هو إلا أن شربها حتى صنعهنّ جميعًا" (3).
__________
(1) أورده الهيثمي في "المجمع" (5/709) بدون قوله "فإنها مفتاح كل شرّ" ونسبه للطبراني، وله شاهد كما مرّ في الحديث الأول، وقد وردت هذه الزيادة عن ابن عباس مرفوعة عند الحاكم (4/145) وصححها ووافقه الذهبي، وعن أبي الدرداء كذلك عند ابن ماجه (4083) وحسّن البوصيري إسنادها.
(2) هذه قطعة من وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ - رضي الله عنهم - مطلعها: "أوصاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعشر كلمات، قال: لا تشرك بالله شيئًا وإن قتلت وحرّقت.. الحديث" ورواه أحمد في "المسند" (5/238) وفيه انقطاع، ونسبه المنذري في "الترغيب والترهيب" (1/383) للطبراني في "الكبير"، وللوصية شواهد كثيرة تتقوى بها، ولذلك حسّن إسنادها الألباني كما في "صحيح الترغيب" (567).
(3) أخرجه ابن أبي الدّنْيا في "ذمّ المسكر" (2) بلفظ: (... ثم أنشأ يحدث عن بني إسرائيل.." وله شاهد يأتي قريبًا – إن شاء الله – عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا.(1/8)
? وعن عُثْمَان قال: "إياك والخمر فإنها مفتاح كلّ شرّ. أُتِي رجل فقيل له: إمّا أن تحرق هذا الكتاب، وإمّا أن تقتل هذا الصبي، وإمّا أن تسجد لهذا الصليب، وإمّا أن تفجر بهذه المرأة، وإمّا أن تشرب هذا الكأس، فلم ير شيئًا أهون عليه من شرب الكأس، فشرب الكأس، وفجر بالمرأة، وقتل الصبيّ وحرق الكتاب، وسجد للصليب، فهي مفتاح كلّ شرّ" (1).
? وعن مجاهد قال: "قال إبليس: إذا سكر ابن آدم، أخذنا بخزامته فَقَدْناه حيث شئنا، وعمل لنا بما أحببنا" (2).
? وعن وهب بن منبّه قال: "قال الشيطان: إذا سكر ابن آدم، قدناه على كلّ شهوة كما تقاد العير بأذنها".
? ويذكر منام الذي رأى بعرفة أنه قد غفر للناس إلاّ لفلان من أمره كذا وكذا، وأنه لمّا دلّ عليه سأله، فأخبره أنه سكر ثم جاء إلى أمّه فنهته، فأخذها فألقاها في التنّور وهو مسجور. ذكره ابن أبي الدنيا، ورويت بسياق طويل غريب ذكره ابن الجوزي في كتاب "البرّ والصلة" (3).
__________
(1) أخرجه ابن أبي الدّنْيا في "ذمّ المسكر" (3) والبيهقي في "الكبرى" (8/288) بتقديم وتأخير في بعض الألفاظ، وابن عبد البرّ في "التمهيد" (15/10).
(2) أخرجه ابن أبي الدّنيا في "ذمّ المسكر" (38) والبيهقي في "شعب الإيمان" رقم (5601). والخزامة: حلقة تجعل في أحد جانبي المنخرين. كما في "النهاية" لابن الأثير (2/ 29).
(3) أخرجها ابن أبي الدّنيا في "ذمّ المسكر" (60) وأوردها ابن الجوزي في كتاب "برّ الوالدين" رقم (99) عن مالك بن دينار أنه قال: بينما أنا أطوف بالبيت الحرام، إذ أعجبني كثرة الحجّاج والمعتمرين، فقلت: ليت شعري من المقبول منهم فأهنئه، ومن المردود منهم فأعزيه، فلما كان من الليل رأيت من منامي قائلاً يقول: قد غفر الله لهم أجمعين، إلاّ رجلاً واحدًا فإن الله تعالى عليه غضبان، وقد ردّ الله حجّه وضرب به في وجهه، ثم ذكر قصة هذا الرجل الذي سكر ثم أحرق أمه.(1/9)
? وفي تفسير ابن مردويه بإسناده عن عبد الله بن عمرو: "أنهم تحدثوا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ملكًا من بني إسرائيل أخذ رجلاً فخيّره بين أن يشرب الخمر، أو يقتل نفسًا، أو يزني، أو يأكل لحم الخنزير، أو يقتلوه، فاختار أن يشرب الخمر؛ فإنه لما شربها لم يمتنع من شيء أرادوه منه" (1).
__________
(1) أخرجه الحاكم في "المستدرك" (4/147) وصححه، وأورده الهيثمي في "المجمع" (5/70 – 71) وقال بإثره: رواه اللطبراني في "الأوسط" ورجاله رجال الصحيح خلا صالح بن داود التمار وهو ثقة. قلت: والصواب داود بن صالح كما في التقريب (1/232) وغيره من كتب الرجال.(1/10)
? وقصة "هاروت وماروت" في هذا المعنى، خرّجهعا أحمد من رواية ابن عمر مرفوعة (1)، وقد تُكلّم فيها، وقيل إنها مأخوذة عن كعب (2).
واعلم أن شرب الخمر فيه مفاسد في الدين، وعقوبات في الآخرة.
[
__________
(1) وتمامها كما في المسند (6178) ط – شاكر: عن عبد الله بن عمر أنه سمع نبي الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إن آدم - صلى الله عليه وسلم - لما أهبطه الله تعالى إلى الأرض، قالت الملائكة: أي ربّ . أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء، ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟ قال: إني أعلم مالا تعلمون، قالوا: ربنا نحن أطوع لك من بني آدم. قال الله تعالى للملائكة: هلموا ملكين من الملائكة، حتى يُهبط بهما إلى الأرض، فننظر كيف يعملان، قالوا: ربنا، هاروت وماروت، فأهبطا إلى الأرض، ومثلت لهما الزهرة امرأة من أحسن البشر، فجاءتهما، فسألاها نفسها، فقالت: لا والله، حتى تكلما بهذه الكلمة من الإشراك، فقالا: والله لا نشرك بالله أبدًا، فذهبت عنهما، ثم رجعت بصبي تحمله، فسألاها نفسها، فقالت: لا والله، حتى تقتلا هذا الصبي، فقالا: والله نقتله أبدًا، فذهبت ثم رجعت بقدح خمر تحمله، فسألاها نفسها فقالت: لا والله حتى تشربا هذا الخمر، فشربا فسكرا فوقعا عليها، وقتلا الصبي، فلما أفاقا قالت المرأة: والله ما تركتما شيئًا مما أبيتنماه عليّ إلا وقد فعلتماه حين سكرتما، فخُيرا بين عذاب الدّنْيا والآخرة، فاختارا عذاب الدنيا".
(2) قلت : صححها الحاكم في "المستدرك" (4/607 – 608) بسياق آخر، وابن حبّان (6186)، وقد جمع الحافظ ابن حجر طرقها في جزء وذهب على تصحيحها كما ورد في "القول المسدد" (40 – 41)، وضعفها الحافظ ابن كثير في "التفسير" (1/189 – 199) ورجح أن الحديث من قصص كعب الأحبار ولا يصحّ رفعه، وإلى هذا ذهب المشائخ: أحمد شاكر في تعليقه على "المسند" (9/32)، والألباني في "الضعيفة" (170)، وشعيب الأرناؤوط في تعليقه على "الإحسان" (14 / 65).(1/11)
مفاسد الخمر في الدين]
? نزع الإيمان: كما في "الصحيحين": (لا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن) (1) وتقدم قول عثمان: "لا يجتمع الإيمان وإدمان الخمر في صدر رجل [إلا] يوشك أن يخرج أحدهما صاحبه".
__________
(1) رواه البخاري (5256) ومسلم (57)، وقال ابن بطال في "الفتح" (10/34): هذا أشد ما ورد في شرب الخمر، وبه تعلّق الخوارج فكفرّوا مرتكب الكبيرة عامدًا عالمًا بالتحريم، وحمل أهل السنة الإيمان على الكامل، لأن العاصي يصير أنقص حالاً في الإيمان ممن لا يعصي، ويحتمل أن يكون المراد أن فاعل ذلك يؤول أمره إلى ذهاب الإيمان كما وقع في حديث عثمان، وإنها لا تجتمع هي والإيمان إلا وأوشك أحدهما أن يخرج صاحبه. أ.هـ.(1/12)
وقد جاء إطلاق الكفر والشرك، على شرب الخمر (1)، وتشبيه شاربه بعابد الوثن، ففي "النسائي" عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا: (من شرب الخمر فجعلها في بطنه، لم تقبل منه صلاة سبعًا، وإن مات فيها مات كافرًا، فإن أذهبت عقله عن شيء من الفرائض لم تقبل منه صلاة أربعين يومًا، وإن مات فيها مات كافرًا (2).
ورُوي موقوفًا ومرفوعًا عن عبد الله من وجوه شتّى، والموقوف لعلّه أشبه.
__________
(1) من ذلكط ما ثبت عن ابن عباس قال: "لما نزل تحريم الخمر مشي أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعضهم إلى بعض فقالوا: حرّمت الخمر وجعلت عدلاً للشرك" قال الحافظ في "الفتح" (10/91): أخرجه الطبراني وابن مردويه وصححه الحاكم، وقال صاحب "المجمع" (5/55): رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، وفي "صحيح النسائي" (5234) عن أبي موسى الأشعري أنه كان يقول: "ما أبالي شربت الخمر أو عبدت هذه السارية من دون الله عز وجل" قال السندي في "حاشيته" (8/ 314): يريد أنه لا فرق بين الشرك وشرب الخمر عنده. أ.هـ.
(2) رواه النسائي في "المجتبى" (5669) وأورده الهيثمي في "المجمع" (5/74) وقال: رواه الطبراني وفيه يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف، قلت: له شاهد موقوف صحيح يقاربه كما في "صحيح النسائي" عن أبن عمر، وهذا الأمر لا يقال من جهة الرأي والاجتهاد، وقال السندي في "حاشيته" (8/ 316): "مات كافرًا" أي كالكافر في عدم قبول الصلاة، فإن الكافر لو صلّى مع الكفر لما قبلت صلاته، فصار شارب الخمر مثله في عدم قبول الصلاة، والله تعالى أعلم أ.هـ.(1/13)
وروي خيثمة (1) عن عبد الله موقوفًا: "هي أكبر الكبائر، من شربها نهارًا ظلّ مشركًا، ومن شربها ليلاً بات مشركًا" (2) وروي مرفوعًا ولا يصحّ.
? وفي المسند عن ابن عباس مرفوعًا: "مدمن الخمر إن مات لقي الله كعابد وثن" خرّجه ابن حبّان في "صحيحه " (3).
__________
(1) هو الإمام الثقة المعمّر، محدث الشام، أبو الحسن خيثمة بن سليمان الأطرابلسي، مصنف "فضائل الصحابة" كان جوالاً صاحب حديث، رحل إلى العراق والحجاز واليمن وجمع وصنف وروى وسمع منه خلق كثير، توفي سنة ثلاث وأربعين وثلاث مائة، ترجمته: تذكرة الحفاظ (3/858) وشذرات الذهب (2/ 365).
(2) رواه عبد الرزاق في "المصنف" (17071) عن أبن المنكدر مرسلاً بزيادة، ولم ينسبه الهندي في "منتخب الكنز" (2/4923) لغيره. ولابن أبي شيبة نحوه في "المصنف" (4139).
(3) رواه أحمد في "المسند" (1/272) وعبد الرزاق في "المصنف" (17070) عن ابن عباس مرفوعًا وابن حبان (5347) والبيهقي في "الشعب" (5596) ونسبه السيوطي في "الدر المنثور" (2/318) لأبي الشيخ وابن مردويه، وأورده الهيثمي في "المجمع" (5/74) وقال: رواه أحمد والبزار والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح، إلا أن ابن المنكدر قال: حدثت عن ابن عباس. قلت: وللحديث شواهد بتقوى بها ولذلك أورده الألباني في "الصحيحة" (677) وقال بعد تخريجه: فالحديث بمجموع طرقه حسن أو صحيح والله أعلم أ.هـ.(1/14)
? وفي حديث خرجه ابن الجوزي في "الواهيات" (1): (شارب الخمر كالذي يعبد اللات والعزّى)، وهذا لأن مدمنها يعكف عليها ولا يكاد يفيق منها فيصير كالعاكف على الأوثان، كما قال علي - رضي الله عنهم - في الشطرنج (2).
__________
(1) أي كتاب "العلل المتناهية في الأحاديث الواهية" ولم أعثر عليه بهذا اللفظ فيه، ولم أجده كذلك في كتابه "الموضوعات" فالله أعلم به؟ والحديث أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (17064) عن مسروق بن الأجدع من قوله، وابن أبي شيبة في "المصنف" (4115) موقوفًا عن عبد الله بن عمرو، وابن عدي في "الكامل" (2/703) عن ابن أبي أوفى، وفيه الحسن بن عمارة وهو ضعيف، وأورده البوصيري في "مختصر الأتحاف" كتاب الأشربة/ باب فيمن يشرب الخمر، وعزاه للحارث ابن أبي أسامة وضعّفه، وصححه الألباني في "كتاب الإيمان" لأبي عبيد ص 48 وفي "صحيح الجامع" (3751).
(2) بشير إلى ما روي عن علي - رضي الله عنهم - أنه مرّ على قوم يلعبون بالشطرنج فقال: "ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟!.." رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (8/738) بسند منقطع، والآجري في "تحريم النرد والشطرنج" (135) وأخرجه البيهقي في "الشعب" (6518) وقال إثره: ولهذا شواهد عن عليّ ذكرناها في كتاب الشهادات. وهو كذلك في "الكبرى" (10/212)، وضعفه الألباني في "الإرواء" (2672)، وراجع – للمزيد – جزء "تحريم النرد والشطرنج" لابن تيمية "المنتقى من الفتاوى".(1/15)
? وقد رُوي عنه: "أن أصل دين المجوسيّة: أنه كان لهم دين، وكان عليهم ملك يشرب الخمر؛ فسكر، فوقع بأخته ثم أدّعى أن الله أباحه، ثم خدّ لمن خالفه أخاديد، وأضرم فيها النار، فيقتحم الناس، يتقاذفون فيها حتى إن كانت المرأة لتجيء بالصبيّ ترضعه، فيقول: يا أمّه اقتحمي فإن عذاب الدّنْيا أهون من عذاب الآخرة" (1) خرّجه يعقوب بن شيبة (2).
وكلما أدمن الخمر، وعكف عليها، نقص إيمانه، وضعف، ونزع منه، فيخشى أنه يسلبه بالكليّة عند الموت، وقد وقع ذلك في حكاية ذكرها عبد العزيز بن أبي روّاد (3)، وكان عبد العزيز يقول: "اتقوا الذنوب فإنها أوقعته" (4).
__________
(1) رواها الطبري في "جامع البيان" (12/523) عن عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنهم - في عرض قصة أصحاب الأخدود من سورة (البروج)، وذكرها القرطبي في "الجامع" (19/290)، وأوردها السيوطي في "الدرّ المنثور" (5/333) وزاد نسبتها لعبد بن حميد.
(2) الحافظ الفقيه أبو يوسف البغدادي صاحب "المسند" الكبير، كان من كبار علماء الحديث، وكان ذا مال واسع وتجمل، توفي سنة اثنتين وستين ومائتين ترجمته: تذكرة الحفاظ (2/ 577) وشذرات الذهب (146).
(3) شيخ الحرم المكي، أحد الأئمة العبّاد، لم يكن كثير الرواية، وهو صدوق صالح الحديث ترجمته: تهذيب الكمال (3447) والسير (7/184).
(4) أورد هذه الحكاية المصنف في "جامع العلوم والحكم" (1/173) وتمامها: "قال عبد العزيز بن أبي رواد: حضرت رجلاً عند الموت يلقّن لا إله إلا الله، فقال في آخر ما قال: هو كافر بما تقول، ومات على ذلك، قال: فسألت عنه، فإذا هو مدمن خمر. فكان عبد العزيز يقول: اتقوا الذنوب، فإنها هي التي أوقعته". أ.هـ.(1/16)
? وعن عبد الله بن عمرو قال: "لأن أزني وأسرق أحبّ إليّ من أن أشرب الخمر، لأن السكران تأتي عليه ساعة لا يعرف فيها ربه " (1).
? وروي في ذلك أثر إسرائيلي عن الله عز وجل (2).
? وفي "صحيح مسلم" (3): (أنهى عن كلّ ما اسكر عن الصلاة).
? وقال الله تعالى: { إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ } [المائدة: من الآية91]، فلا سعادة للعبد ولا فلاح بدون ذكر الله والصلاة؛ فلذلك حرّم عليه الإشتغال بكل ما صدّ عن ذلك.
ومنها:
? سخط الله عز وجلّ وفي "المسند" عن أسماء بنت يزيد مرفوعًا: (من شرب الخمر لم يرض الله عنه أربعين ليلة، فإن مات، مات كافرًا، وإن تاب، تاب الله عليه ) (4).
ومنها:
__________
(1) أخرجه ابن أبي الدّنْيا في "ذمّ المسكر" رقم (6) والبيهقي في "الشعب" (5600) بزيادة.
(2) كأن المصنف يشير إلى ما رواه ابن أبي الدّنْيا في "ذمّ المسكر" (7) عن شعيب بن حرب قال: قال تبارك وتعالى: "لأن يُقتل عبدي أحب إلي من أن يسكر، لأنه إذا سكر لم يعرفني".
(3) في كتاب الأشربة/ باب بيان أن كل مسكر خمر وأن كل خمر حرام (2001) – (71).
(4) وتمامه "... وإن عاد كان حقًا على الله أن يسقيه من طينة الخبال، قالت: قلت: يا رسول الله وما طينة الخبال؟ قال صديد أهل النار رواه أحمد في "المسند" (6/ 460)، وابن أبي الدّنْيا في "ذمّ المسكر" (25)، وقال الهيثمي في "المجمع" (5/72) إثره: رواه أحمد والطبراني، وفيه شهر بن حوشب وهو ضعيف، وقد حسن حديثه وبقية رجال أحمد ثقات.(1/17)
منع قبول الصلاة والتوبة: وخرّج النسائي وابن ماجه وابن حبّان في "صحيحه" من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعًا: (من شرب الخمر وسكر، لم تقبل له صلاة أربعين صباحًا، فإن مات دخل النار، وإن تاب تاب الله عليه) وعند "النسائي" (لم تقبل له توبة أربعين صباحًا)(1).
وفي "مسند أبن وهب": (سخط الله عليه أربعين يومًا، وإن سكر الرابعة، لم يرض الله عنه حتى يلقاه).
? وفي "الترمذي" عنه مرفوعًا، بعد الرابعة: (وإن تاب، لم يتب الله عليه وسقاه من طينة الخبال ) (2) وإن صحّ، حُمل على أنه لا تهيّأ له توبة نصوح بعد ذلك، ويكون ذلك من أحاديث الوعيد.
? وفي رواية "من شرب خمرًا نجس وبخست صلاته أربعين يومًا" خرجه أبو داود من حديث ابن عباس (3)، فمنع قبول الصلاة أربعين يومًا بالسّكر، ومتى عدمه "لم تقبل له صلاة جمعة" كذا روي عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا وموقوفًا.
ولو لم يكن للسكران إلا طرده عن مناجاة الرحمن؛ لكفاه بعدًا، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: من الآية43].
[عقوبات شارب الخمر]
وأما العقوبات فمنها:
__________
(1) رواه النسائي في "المجتبى" (5670) وابن ماجه (3420) واللفظ له وابن حبّان (5357) وخرّجه أيضًا الترمذي (1862) وحسنه والدارمي (2091) وأحمد (2/35) والطيالسي (1901) وأبو يعلى في "المسند" (5607) وهو حديث صحيح.
(2) رواه الترمذي (17862) عن عبد الله بن عمر مرفوعًا، وقال إثره: هذا حديث حسن، وقد روي نحو هذا عن عبد الله بن عمرو وابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ورواه البيهقي في "الشعب" (5580).
(3) رواه أبو داود بلفظ (من شرب مسكرًا بُخست صلاته أربعين صباحًا) برقم (3680) ومن طريقه البيهقي في "الكبرى" (8/288) وفي آخره (ومن سقاه صغيرًا لا يعرف حلاله من حرامه كان حقًا على الله أن يسقيه من طينة الخبال)، وهو صحيح. انظر "الصحيحة" للألباني (2039).(1/18)
دنيوية: وهي نوعان: شرعية كالقتل بعد الرابعة وفيه كلام معروف (1)، ومنها:
قدرية: وهو المسخ قردة وخنازير والخسف، ففي "سنن أبن ماجه" و"صحيح ابن حبان" وغيره: (ليشربنّ أناس من أمتي الخمر ويضرب على رؤوسهم بالمعازف، يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم قردة وخنازير)(2).
ومنها: في البرزخ، وسيأتي، وقال مسروق: "ما من ميت يموت وهو يزني، أو يسرق، أو يشرب؛ إلا جعل معه في قبره شجاعان (3) ينهشانه إلى يوم القيامة"، وقال سهل الأنباري (4) : "أتيت رجلاً قد احتضر: فبينما أنا عنده إذ صاح صيحة أخذ منها ثمّ وثب فأخذ بركبتي فأفزعني، فقلت له: ما قضيتك؟ قال: هو ذا حبشي أزرق عيناه مثل السكرّجتين (5) غمزني غمزة أخذت منها، فقال لي: موعدك السعير الظهر، فسألت عنه أي شيء كان يعمل؟ قيل: كان يشرب النبّيذ".
ومنها في الآخرة، وهي أنواع:
__________
(1) للشيخ أحمد شاكر – رحمه الله – جزء صغير بعنوان "كلمة الفصل في قتل مدمن الخمر" جمع فيه الأحاديث المثبتة لقتل مدمن الخمر، ومواقف العلماء الذين قالوا بذلك سواء كان حدًا أو تعزيرًا، وانظر "الفتاوى" لابن تيمية (34/219).
(2) رواه ابن ماجه (4020) وفي آخر الجملة الأولى (يسمونها بغير إسمها) وابن حبان (6758) وكذلك أبو داود (3688) والبخاري في "التاريخ الكبير" (1/305) والطبراني (3419) والبيهقي (10/221) وهو صحيح راجع الصحيحة (1/38).
(3) قال ابن الأثير في "النهاية" (2/447) الشجاع: الحية الذكر، وقيل الحية مطلقًا.
(4) هو سهل بن وهبان الأنباري من أقران الجنيد، أحد العباد، ذكره أبو نعيم في "الحلية" (10/359).
(5) السكرّجة بضم السين والكاف والراء والتشديد: إناء صغير يؤكل فيه الشيء القليل من الأدم "النهاية" (2/384).(1/19)
فمنها: العطش يوم القيامة: ففي "المسند" عن قيس بن سعد بن عبادة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من شرب الخمر أتى عطشانًا يوم القيامة) (1).
? وعن عبد الله بن عمرو قال: "في التوراة: الخمر مرّ طعمها، أقسم الله بعزته:
لمن شربها بعدما حرّمتها لأعطشنّه يوم القيامة " (2).
ومنها: تشويه الخلق وقبح الهيئة يوم القيامة:
__________
(1) رواه أحمد (2/422) وأبو يعلى (1436) بلفظ: (ومن شرب الخمر أتى يوم القيامة عطشًا، وكل مسكر خمر، وإياكم والغبيراء) وقال الهيثمي في "المجمع" (5/73): رواه أحمد وأبو يعلى وفيه راو لم يسم أ.هـ.، وضعفّه الألباني في "ضعيف الجامع" (5642).
(2) وتمامه كما ورد في "تفسير ابن كثير" (3/178) من طريق ابن أبي حاتم، عن عبد الله بن عمرو قال: "إن هذه الآية التي في القرآن: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} قال: هي في التوراة: "إن الله أنزل الحق ليذهب به الباطل، ويبطل به اللعب، والمزامير، والزّفن، والكبارات، والزمارات – يعني به الدفّ – والطنابير والشعر، والخمر مُرّة لِمَن طعمها، أقسم الله بيمينه وعزّة حَيلِه: من شربها بعدما حرّمتها لأعطشنّه يوم القيامة، ومن تركها بعدما حرّمتها لأسقينه إياها من حظيرة القدس" وقال الحافظ ابن كثير بإثره: وهذا إسناد صحيح أ.هـ. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (2/317) وزاد نسبته لأبي الشيخ والبيهقي، ومعنى الزّفن أي الرقص والكبارات جمع كبار وهو جمع كبر وهو الطبل، والحيلة: القوة، كما في "النهاية".(1/20)
روى الآجرّي (1) بإسناده عن عبد الله بن عمرو قال: "لا تسلّموا على شَرَبة الخمر، ولا تعودوا مرضاهم، ولا تشهدوا جنائزهم. إن شارب الخمر يأتي يوم القيامة مائل شقّه، مُزرقة عيناه، يندلع لسانه على صدره، يسيل لعابه على بطنه، يتقذّره كل من رآه" (2).
[و] عن أحمد رواية: أنه لا يصلّي الإمام علي من مات مدمن خمر.
ومنها: الشرّب من صديد أهل النار.
ففي "صحيح مسلم" (3) عن جَابِر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (كل مسكر حرام، إن علي الله عهدًا لمن يشرب الخمر أن يسقيه من طينة الخبال. قالوا: يا رسول الله: وما طينة الخبال؟ قال: عرق أهل النار، أو عصارة أهل النار).
__________
(1) الإمام المحدث أبو بكر محمّد بن الحسين، صاحب التواليف النافعة مثل كتاب "الشريعة" و"الغرباء" و"أخلاق العلماء" وغيرها، تتلمذ على أكابر المحدثين في عهده وأخذ عنه خلق كثير، كان عابدًا صاحب سنة واتباع، مات سنة ستين وثلاث مائة، ترجمته: تاريخ بغداد (2/243) وتذكرة الحفاظ (3/936).
(2) أخرج البخاري في "صحيحه/ فتح" (11/40) الجملة الأولى من هذا الأثر تعليقًا، وقال ابن حجر: وهذا الأثر وصله البخاري في "الأدب المفرد": عن عبد الله بن عمرو بن العاص بلفظ (لا تسلموا على شرَاب الخمر) وبه إليه قال: (لا تعودوا شرّاب الخمر إذا مرضوا). أ.هـ. قلت: وأخرجه عبد الرزاق في "المصنّف" (17074)، وروي نحوه عن عليّ وابن عباس موقوفًا وعن ابن عمر بسند ضعيف مرفوعًا.
(3) برقم (2002) والنسائي في "المجتبى" (5709).(1/21)
? وفي "المسند" عن أبي أمامة مرفوعًا: (أقسم ربّي بعزته: لا يشرب عبد من عبيدي جرعة من خمر، إلاّ سقيته مكانها من حميم جهنم: معذّبًا أو مغفورًا له) (1).
? وفي "المسند" و"صحيح ابن حبان" عن أبي موسى مرفوعًا: (من مات مدمن خمر، سقاه الله من نهر الغوطة، قيل: وما نهر الغوطة؟ قال: نهر يجري من فروج المومسات، يؤذي أهل النار ريح فروجهنّ (2).
وخرج بعض المتقدَمين وهو نشوان، فمرّ بقرية فيها خمر كثير فتمثل بهذا البيت:
وطيرنا باد كرم ما مررت به ... إلا تعجبت ممن يشرب الماء
فهتف به هاتف من تحت شجرة:
وفي جهنّم ماء ما تجرّعه ... عاص فأبقى له في الجوف أمعاء
ومنها: أن شربها في الدّنيا يمنع شرب خمر الآخرة:
وفي "الصحيحين" عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : (من شرب الخمر في الدّنْيا لم يشربها في الآخرة) (3).
__________
(1) أخرجه أحمد (5/257) والطيالسي في "المسند" (2/338) وأورده الهيثمي في "المجمع" (5/72) وقال: رواه كله أحمد والطبراني وفيه عليّ بن يزيد وهو ضعيف. أ.هـ. قلت: وروي نحوه عبد الرزاق في "المصنف" (127072) عن ابن عمر والبيهقي في "الشعب" (6529) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (2/323) وزاد نسبته لابن أبي الدّنْيا في "ذمّ الملاهي".
(2) أخرجه أحمد (4/399) وتمامه (ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن الخمر، وقاطع الرحم، ومصدق بالسحر، ومن مات مدمنًا للخمر، سقاه الله جلّ وعلا من نهر الغوطة، قيل وما نهر الغوة؟ قال: نهر يجري من فروج المومسات، يؤذي أهل النار ريح فروجهن) وصحّحه ابن حبان (5346) والحاكم (4/146) ووافقه الذهبي، وأورده الهيثمي في "المجمع" (5/74) وزاد نسبته إلى أبي يعلى والطبراني وقال: ورجال أحمد وابي يعلى ثقات أ.هـ.
(3) أخرجه البخاري (5253) ومسلم (2003) ومالك في "الموطأ" (2/846) من حديث ابن عمر والترمذي (1861) وابن ماجه (3471) من حديث أبي هريرة واللفظ له.(1/22)
? وفي رواية (فمات وهو مدمنها) وفي رواية (ثم لم يتب منها) (1).
? زاد النسائي وابن ماجه في رواية لهما عن أبي هريرة: ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (..شراب أهل الجنّة، ومن ترك شربها، شربها في الآخرة) (2).
وفي "المسند" عن أبي أمامة مرفوعًا: (أقسم ربّي بعزته: لا يدعها عبد من عبيدي من مخافتي إلا سقيته من حظيرة القدس) (3) وخرّجه الإسماعيلي (4) من حديث عليّ وزاد فيه: "يأتيه أهل الجنة يشربونها فيه، يكرمهم الله بذلك" أي أنهم يجتمعون في حظيرة القدس يشربون الخمر.
? وعن عبد الله بن عمرو قال: "في التوراة: لمن تركها بعدما حرمتها إلا سقيته إياها في حظيرة القدس" (5).
__________
(1) أخرجها مسلم (2003) والترمذي (1861) والنسائي (5671)و (5673).
(2) هذه الزيادة لم أعثر عليها عند كليهما ولا عند غيرهما فالله أعلم بها؟!
(3) رواه أحمد (5/ 257) وفيه عليّ بن يزيد الألهاني وهو ضعيف كما في "التقريب" (2/46) وزاد الهيثمي (5/72) نسبته "للطبراني" وذكر له شاهدًا عن أنس (5/79)، ونحوه في "مصنف عبد الرزاق (17072) عن أبن عمرو وأورده البوصيري في "مختصر الأتحاف" (1/كتاب الأشربة/ باب في المعازف والمزامير) ونسبه للحارث بن أبي أمامة في "مسنده" ثم قال: "ومدار حديث أبي أمامة هذا على عليّ بن يزيد الألهاني وهو ضعيف، وله شاهد من حديث ابن مسعود. أ.هـ.
(4) الحافظ الفقيه أبو بكر أحمد بن أبراهيم الجرجابي، كتب الحديث بخطه وهو صبي مميز، حدّث عن جمع من الحفاظ وصنّف عدة تصانيف مثل "المعجم" و"المسند الكبير" و"المستخرج على الصحيح" حدّث عغنه الحاكم والبرقاني والسهمي وخلق سواهم، مات سنة إحدى وسبعين وثلاث مائة، ترجمته: تذكرة الحفاظ (3/947) والرسالة المستطرفة ص (26).
(5) سبق تخريجه.(1/23)
أفليس من الغبن كلّ الغبن، تعجّل شرب هذه الخبيثة المفسدة للعقل والدين، مع زمرة الفساق الأرذال والشياطين، وترك شرب الخمر المطهرة التي هي لذة للشاربين (1) في حظيرة القدس، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين !!
? ورَأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام – ليلة منامًا طويلاً، وفي آخره: (رأيت ثلاثة نفر يشربون خمرة، ويتغنّون، فسألت عنهم؟ فقالوا: هؤلاء: زيد بن حارثة وجعفر وعبد الله بن رواحة، فمال إليهم فسلّم عليهم. وذلك بعد أن استشهدوا بمؤتة (2) رضي الله عنهم)(3).
ومنها: إقامة الحدّ عليها في البرزخ:
__________
(1) قال الله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ } [محمد:15]
(2) هي أكبر معركة دامية خاضها المسلمون في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأول لقاء مع الرومان ومقدمة لفتح بلدان النصارى وقعت في السنة الثامنة للهجرة. ومؤتة: قرية بأدنى بلقاء الشام، وحديثًا تعرف في جنوب الأردن، وقد أنشأت جامعة بإسمها (جامعة مؤتة) انظر: "زاد المعاد (3/381) لابن القيم و "الطبقات" (2/128) لابن سعد.
(3) أورد هذه القصة بطولها الحافظ ابن كثير في "البداية" (4/296) من كتاب "دلائل النبوة" للحافظ أبي زرعة الرازي.(1/24)
استشهد رجل في زمن السلف، وكان يشرب بعض الأنبذة (1) المختلف في حلها، فرئي في المنام وهو متّشح بحلة خضراء، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: ما تراه صانعًا بالشهداء؟ غفر لي وأدخلني الجنّة. قال: فلما ولّى نظرت على آثار السّياط بظهره، فقلت له: مكانك! قال: أورأيت؟ قلت: نعم. فقال: قل لأبي – وكان أبوه يومئذ حيًا – يا شقي، ذلك الدّاذي (2)
__________
(1) الأنبذة: جمع نبيذ وهو – في الأصل – ماء يطرح فيه قليل من التمر أو الزبيب لتذهب ملوحته، ثم يشرب قبل أن يتغير ويتخمّر، وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يُنبذُ له فيشربه في يومه أو من الغد، وقد فصل النبي - صلى الله عليه وسلم - أنواع الأنبذة التي تحل والتي تحرم، وبيّن الأوعية التي نُهي عن الإنتباذ فيها، ولكن توسّع النّاس – بعد ذلك – في إطلاق كلمة النبيذ، وتساهلوا في شرب أصنافه حتى شمل الخمر الصريح، ولذلك تركه جمهور السلف الصالح تورّعًا واكتفوا بشرب الماء واللبن والعسل والسويق وغيرها من المباحات المعروفة احترازًا من الحرام الذي تحوم حوله الأشربة المحدثة، وقد رُوي ذلك عن خيرة الصحابة والتابعين والعلماء، فكيف بنا نحن اليوم وقد غلب حرامنا على حلالنا، وطغت الشبهات حولنا، وكثر أهل الباطل بيننا؟ هل يقبل من أهل الإسلام شرب ما تعدّه مصانع الغرب من الأشربة المحدثة المشبوهة، تسميها بغير اسمها: "مشروبات روحية"، "عصير كذا.."، "نبيذ.."؟! ألا نتق الله في مطعمنا ومشربنا ونعمل بقاعدة "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " ونترك الحومان حول الحمى حتى نرضى ربنا، وندرك بعض ورع سلفنا!؟
(2) في الأصلين (أ) و (ب): "الرأي"، ولا معنى لها، والتصحيح من كتاب" ذمّ المسكر" لابن أبي الدنيا، و"الدّاذي": حبّ يطرح في النبيذ فيشتد حتى يسكر. وقال سفيان الثوري: الدّاذي شراب الفساق. انظر "سنن أبي داود" (3689)..(1/25)
الذي كنا نشرب أنا وأنت !! لا تشرب فإني أنا الذي قُتلت في سبيل الله لم أترك أن جلدت عليه حدًا (1).
الخمر عدوة للعقل:
وأعلم أن شرب الخمر لو لم يرد الشرع بتحريمه لكان العقل يقتضي تقبيحه، لما فيه من إزالة العقل – الذي به شرف الآدمي على الحيوانات – فيصير مشاركًا لبقية البهائم، أو أسوأ حالاً منها، فمنهم من يتلطخ بالنجاسات والأقذار والقيء، ومنهم من شتبه بالخنزير، أو يقتل أو يجرح فيشبه السّباع الجوارح، كالكلب العقور ونحوه (2).
أيها الشّارب للخمور تنبّه ... لجناياتها [فأنت لبيب
إنها] (3) للستور هتك، وبالألبا ... ب فتك وفي المعاد ذنوبد
__________
(1) أخرجها ابن أبي الدّنْيا في "ذمّ المسكر" رقم (75).
(2) في "ذمّ المسكر" (58) لابن أبي الدّنيا و "الشعب" (6504) للبيهقي: أن سويد بن سعيد حدّث عن بعض أصحابه قال: السكر على ثلاثة : منهم من إذا سكر تقيًا وسلح فثيهذا مثل الخنزير، ومنهم من إذا سكر كدم وجرح فمثله كمثل الكلب، والثالث إذا سكر تغنّى ورقص فمثله كمثل القرد. أ.هـ.
(3) زيادة من هامش المخطوط (أ) وهي مثبتة في أصل (ب).(1/26)
ولهذا حرّمها كثير من أهل الجاهلية قبل الإسلام (1).
قال بعضهم : جاء السكر إلى أحب خلق الله إليه فأفسده. يعني العقل (2).
__________
(1) من الصحابة رضي الله عنهم حرّموا على أنفسهم شرب الخمر في الجاهلية : - أبو بكر الصديق، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "حرم أبو بكر الخمرة على نفسه فلم يشربها في جاهلية ولا إسلام، وذلك أنه مرّ برجل سكران يضع يده في العذرة ويدنيها من فيه، فإذا وجد ريحها صرف عنها، فقال أبو بكر: إن هذا لا يدري ما يصنع". انظر "الحلية" (7/ 160) و"الفتح" (10/37)، وعثمان بن مظعون، الذي روي عنه أنه ممن حرم الخمر عن نفسه في الجاهلية وقال فيها: " لا أشرب شرابًا يذهب عقلي، ويضحك بي من هو أدنى مني، ويحملني على أن أنكح كريمتي من لا أريد". انظر "الطبقات" لابن سعد (3/286) و"السير" (1/155)، وقيس بن عاصم الذي ترك الشراب، وقال فيه: "لأني رأيته متلفة للمال، داعية إلى شرّ المقال، مذهبة بمروءات الرجال"، كما في "ذمّ المسكر" (55) لابن أبي الدّنْيا وانظر "الأشربة" لابن قتيبة (ص 25).
(2) القائل هو الحسن البصري كما في : "ذمّ المسكر" (76) لابن أبي الدّنْيا و"الشعب" (5602) للبيهقي، ولفظه: جاءئ النبيذ إلى أحبّ خلق الله إليه حتى افسده. يعني العقل.(1/27)
وربما يصير المجنون الذي يُصرع أحسن حالاً من السكران (1) قال أبو إسحاق الفزاري (2):
رأيت مجنونًات يصرع يسوّي رأس سكران (3) ورُئي سعدون المعتوه (4) جالسًا عند رأس شيخ سكران يذّب عنه، فقال: هذا مجنون، فقيل له: أنت مجنون أو هو؟ قال: بل هو، ثم قال: لأني صليت الظهر والعصر جماعة ولم يصلّ هو جماعة ولا فرادى، فقيل له: هل قلت في ذلك شيئًا؟ قال نعم:
تركت النبيذّ لأهل النّبيذ ... وأصبحت أشرب ماء قراحًا
لأن النّبيذ يذلّ العزيز ... ويكسو الوجوه النضارى القباحا
وجوب المسارعة بالتوبة:
__________
(1) قال القرطبي في "التفسير" (3/57):.. ثم إن شارب الخمر يصير ضحكة للعقلاء، فيلعب ببوله وعذرته، وربما يمسح وجهه، حتى رؤي بعضهم يمسح وجهه ببوله ويقول: اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين، ورؤي بعضهم والكلب يلحس وجهه وهو يقول له: أكرمك الله.
(2) هو الحافظ المجاهد إبراهيم بن محمّد الشامي، كان من أئمة الحديث روي عنه الأوزاعي والثوري وهما من شيوخه وابن المبارك وخلق كثير، كان صاحب سنّة ويأمر بالمعروف وينهي عن المنكر. مات سنة ست وثمانين ومائة. ترجمته: السير (8/539) وتذكرة الحفاظ (1/140).
(3) الرواية كما في "ذمّ المسكر" لابن أبي الدنيا: قال رجل لأبي إسحاق: ما تقول في النبيذ؟ قال: ما أدري ما أقول لك إلا أني رأيت مجنونًا يصرع يسوّي رأس سكران، ومن طريقه أخرجها ابن الحبيب في "عقلاء المجانين" رقم (572).
(4) يقال : أنه من "مجاذيب الصوفية"، له قصص وأخبار مع مالك بن دينار وهارون الرشيد والمتوكل وغيرهم. انظر" الحلية" (9/ 371) و"عقلاء المجانين" (ص53)، وقصته حياة ذكرها ابن الجوزي في "الصفوة" (2/310 – 311).(1/28)
فالواجب المبادرة بالتوبة من (1) جميع المعاصي، فربما فاجأت المنيّة بغتة على غير توبة، فيصبح المرء في زمرة الموتى نادمًا مع الخاسرين، وقد تقدم أن الوعيد مشروط بعدم التوبة، وفي حديث أبي هريرة: (لا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن. والتوبة معروضة بعد ذلك )(2).
كان رجل بنصيبين (3) يكنّى أبا عمرو، وكان مدمنًا على شرب الخمر، فشرب ليلة ثم نام، فاستيقظ مرعوبًا نصف الليل، فقال: أتاني آت في منامي فقال لي:
جدّ بك الأمر أبا عمرو ... وأنت معكوف على الخمر
تشرب صهباء صراحية ... سال بك السيل ولا تدري!
ثم نام فلما كان وقت الفجر مات فجأة (4).
وسكر أخر فنام عن العشاء الآخرة، وكانت امرأته ابنة عمه، وكانت ديّنة، فجعلت توقظه للصلاة، فلما ألاحت عليه حلف بطلاقها البتّة أن لا يصلي ثلاثًا، فلما أصبح كبر عليه فراق ابنة عمّه، فبقي يومين لم يصلّ لأجل يمينه، فعرضت له علّة فمات. وفي هذا أنشد بعضهم:
أتأمن أيّها السكران جهلاً ... بأن تفجاك في السكر المنيّة
فتضحي عبرة للناس طرًا ... وتلقى الله من شرّ البريّة (5)
__________
(1) في الأصل (إلى ) والتصحيح من النسخة (ب).
(2) سبق تخريجه وهو في الصحيحين.
(3) مدينة قديمة من بلاد الجزيرة بين دجلة والفرات كثيرة الأنهار والبساتين، افتتحها عياض بن غنم الفهري في خلافة عمر - رضي الله عنهم - سنة ثمان عشرة، وكانت مدينة رومية، ثم سكنها المسلمون بعد فتحها. انظر "معجم البلدان" (5/233) و"الروض المعطار" (ص 577).
(4) أخرج هذه القصة ابن أبي الدّنيا في "ذمّ المسكر" (74) والبيهقي في "الشعب" (5610).
(5) البيتان عند ابن أبي الدّنْيا في "ذمّ المسكر" (62) والبيهقي في "الشعب" (5609)، و"طرأ) بضم الطاء: أي (جميعًا). كما في "مختار الصحاح" (ص 164).(1/29)
قال الله تعالى: { وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات: من الآية11]، وفي الحديث "النّدم توبة" (1)، فلابدّ من ندم وإقلاع وعزم على ترك المعاودة بالكلية.
أما من عز على المعاودة ولو بعد حين فليس بتائب، قيل لابن المبارك: من مدمن الخمر؟ قال: الذي يشربه اليوم ثم لا يشربه إلى ثلاثين سنة. ومن رأيه إذا وجده أن يشربه.
وكثير من العصاة يترك الشرب في الأيام الفاضلة كرمضان فقط، ومن نيتّه المعاودة بعد انقضائه، وهذا مدمن ليس بتائب، لا سيما إن عدّ الأيام، وطال عليه الشهر حتى يعود، ولهذا إذا قرب الشهر جدّ في الشرب ليتودّع منه، ثم يعاود الشرب عند انقضائه وأنشد بعضهم:
إذا العشرون من شعبان ولّت ... فواصل شرب ليلك بالنهار
ولا تشرب بأقداح صغار ... فإن الوقت ضاق عن الصّغار
وأقبح من ذلك أخذ بعض الجهلة هذا الكلام من باب الإشارات، ودعواهم أن له سرًا لا يفهمه إلا الخواص، وأن فيه إشارة إلى مبادرة العمر بالطاعة عند اقتراب الأجل.
وأخذ هذا من هذا الكلام قبيح جدًا، وهو كأخذ الآخر السرّ من قول قائلهم:
رقّ الزجاج ورقت الخمر ... وتشاكلا فتشابه الأمر
فكأنما خمر ولا قدح ... وكأنما قدح ولا خمر
فإن هذا ظاهره إنما يؤخذ منه الفسق، ولكن يدّعي بعض الجهلة أن فيه سرًا أراده القائل، وهذا السرّ أقبح من ظاهره، حيث كان ظاهره الفسق، وهذا الباطن المشار إليه وهو أن الخالق والمخلوق اتحدا حتى صارا شيئًا واحدًا، لا يميّز العارف بينهما وهو السرّ المشار إليه عندهم.
__________
(1) أخرجه أحمد (4012) ط/ شاكر، عن عبد الله بن مسعود، وابن أبي شيبة (9/361) والحميدي (105) وابن ماجه (4252) والبيهقي في "الآداب" (1023) وصححه الحاكم (4/243) ووافقه الذهبي وابن حبّان (612) وكذلك الشيخان أحمد شاكر في تعليقه على المسند (3568) والألباني في "صحيح ابن ماجه" (3429).(1/30)
فهذا الشعر ونحوه إما أن يؤخذ منه: الفسق أو الكفر، وإنما تؤخذ الأسرار الربانية من كلام الله وكلام رسوله، أو كلام السلف الصالح أو الأشعار الحِكمية التي فيها الحكمة، والمقصود هنا ذكر التوبة:
يا نداما يا صحا القلب صحا ... فاطردا عني الصبا والمرحا
هزم العقل جنودًا للهوى ... سادتي لا تعجبوا أن صلحا
زجر الوعظ فؤادي فارعوى ... وأفاق القلب مني وصحا
بادروا التوبة من قبل الردى ... فمناديه ينادينا الوحا (1)
مواعظ وحكم
يا هذا! إعرف قدر لطفنا بك، وحفظنا لك، إنما نهيناك عن المعاصي، صيانة لك، وغيرة عليك، لا لحاجتنا إلى امتناعك ولا بخلاً بها عليك.
لما عرفتنا بالعقل حرّمنا عليك الخمر لأنها تستره، شيء به عرفتنا [لا] (2) يحسن بك أن تزيله أو تغطيه.
لا كان كلما يقطع المعرفة بيننا وبينك، لا كان كلما يحجب بيننا وبينك.
يا شارب الخمر لا تغفل، يكفيك سكرًا جهلك!؟ لا تجمع بين خطيئتين (3).
يا من باشر بعض القاذورات، اغتسل منها بالإنابة وقد زال الدّرن.
طهّروا درن القلوب بدمع العيون فما ينفعها غيرها.
يا من قد درن قلبه بوسخ الذنوب، لو اغتسلت بماء الإنابة لطهرت!
لو شربت من شراب التوبة لوجدته شرابًا طهورًا.
يا أوساخ الذنوب، يا أدران العيون، { هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} [صّ: من الآية42].
مجالس الذكر للمذنبين، شراب المواعظ: شراب المحبّين وترياق المذنبين، { قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ } [البقرة: من الآية60].
قد أدرنا عليكم اليوم شراب التشويق ممزوجًا بماء التخويف، فبالله لا يقم أحد منكم من هذا المجلس إلا وقد أناب إلى الكريم الوهاب.
__________
(1) الوحا: أي المسارعة والبدار كما في "مختار الصحاح" (ص 29).
(2) ساقطة من الأصلين والسياق يقتضيها.
(3) في الأصل كلمة (خليطين) والتصحيح من النسخة (ب).(1/31)
أليس من أهل الشراب من يبكي، ومنهم من يضحك، ومنهم من يطرب، ومنهم من يتملّق النّاس ويتعلق بهم، ومنهم من تثور نفسه فلا يرضى إلا بأن يطلق أو يضرب بالسيف، ومنهم من ينام.
فهكذا شراب المواعظ يعمل في السامعين: فمنهم من يبكي على ذنوبه، ومنهم من يضحك لنيل مطلوبه، ومنهم من يضحك فرحًا بمحبوبه، ومنهم من يتشبث بأذيال الواصلين لعله يعلّق خطام راحلته على قطارهم، ومنهم من لا يرضى حتى يبتّ طلاق الدّنْيا ثلاثًا، أو يقتل هوى نفسه بسيف العزم كالمعربد، ومنهم من لا يدري كالنائم.
أيقظان أنت اليوم أم أنت نائم ... وكيف يطيق النوم حيران هائم!
فلو كنت يقظان الفؤاد لحرّقت ... محاجر عينيك الدموع السواجم
بل أصبحت في النوم الطويل وقد دنت ... إليك أمور مفظعات عظائم
تُسرّ بما يفنى وتفرح بالمنى ... كما سرّ باللذات في النوم حالم
نهارك يا مغرور سهو وغفلة ... وليلك نوم والردى لك لازم
وتدأب فيما سوف تكره غبّه ... كذلك في الدّنْيا تعيش البهائم (1).
وصلى الله على سيدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين، ورضي اله عن أصحاب رسول الله أجمعين، {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات:180- 182] (2).
وكان هذا يوم الخميس سابع عشر المحرم سنة اثنتين وخمسين وثمان مائة والحمد لله وحده.
فهرس المصادر والمراجع
__________
(1) أخرجها أبو نعيم في "الحلية" (5/ 319) دون أن ينسبها وكذلك ابن كثير في "البداية" (9/ 231)، وأخرجها ابن الجوزي في "سيرة عمر بن عبد العزيز" (193) بروايات متعددة وقال: وعن القاسم بن عبد الله قال: كان عمر بن عبد العزيز يتمثل بهذه الأبيات من قول عبد الله بن عبد الأعلى، ومعنى (غبّه) أي عاقبته، كما في "مختار الصحاح" (196).
(2) إلى هنا ينتهي هذا الجزء النافع للحافظ ابن رجب رحمه الله.(1/32)
- الآداب/ للبيهقي/ باعتناء: أبو عبد الله السعيد المندوه/ طبعة: مؤسسة الكتب الثقافية الأولى – بيروت.
- إثبات عذاب القبر/ للبيهقي/ تحقيق: شرف القضاة/ طبعة دار الفرقان الأولى – الأردن.
- إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل / للألباني/ ط: المكتب الإسلامي (2) (1405هـ/ 1985).
- الأشربة/ للإمام أحمد بن حنبل. ت: صضبحي جاسم، ط: وزارة الأوقاف بغداد.
- الأشربة/ لابن قتيبة، مصورة الطبعة الأولى.
- الإصابة في تمييز الصحابة/ لابن حجر العسقلاني/ نشر: دار الكتاب العربي – ببيروت.
- برّ الوالدين/ لابن الجوزي ت: محمّد عطا/ ط: مؤسسة الكتب الثقافية لبنان الأولى (1408هـ / 1988م).
- تاريخ بغداد / للخطيب البغدادي – نشر: دار الكتاب العربي – ببيروت لبنان.
- التاريخ الكبير/ للبخاري – ط الأولى بالهند.
- تحريم النرد والشطرنج والملاهي/ الآجري ت: "محمّد إدريس/ نشر دار الإفتاء – الرياض.
- تذكرة الحفاظ/ للذهبي – ط: دار إحياء التراث العربي – ببيروت.
- الترغيب والترهيب/ للمنذري/ عناية مصطفى عمارة – ط: دار الجيل ببيروت – الأولى (1407هـ/ 1987م).
- تفسير القرآن العظيم/ لابن كثير/ ت: جماعة – ط: مؤسسة دار الشعب/ القاهرة (1409هـ/ 1989م).
- تفسير الطبري/ ت: أحمد ومحمود شاكر. ط: دار المعارف بمصر الأولى.
- تقريب التهذيب/ لابن حجر ت: عبد الوهاب عبد اللطيف – الطبعة الثانية – مصر.
- التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد/ لابن عبد البرّ – ط: وزارة الأوقاف المغربية (1402هـ / 1982م).
- تهذيب الكمال في أسمال الرجال/ للمزّي ت: بشار عواد ط: مؤسسة الرسالة الأولى (1413هـ / 1992م).
- جامع البيان في تأويل القرآن/ للطبري – ط: دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان الأولى (1412هـ = 1992م).
- جامع العلوم والحكم/ لابن رجب ت: شعيب الأرناؤوط وإبراهيم باجس ط: مؤسسة الرسالة الأولى بيروت (1441هـ - 1991م).(1/33)
- الجامع لأحكام القرآن/ للقرطبي ط: دار الكتب المصرية.
- الجوهر المنضد في طبقات متأخري أصحاب أحمد/ ليوسف بن عبد الهادي ت: عبد الرحمن العثيمين – نشر مكتبة الخانجي بالقاهرة ط: الأولى (1407هـ / 1987م).
- حاشية السندي على النسائي/ انظر سنن النسائي.
- حلية الأولياء/ لأبي نعيم – ط: دار الكتب العلمية – بيروت.
- الحلال والحرام في الإسلام/ للقرضاوي: المكتب الإسلامي – الثالثة عشرة (1400هـ / 1980م).
- الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور/ للسيوطي نشر دار المعرفة – بيروت.
- الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة /لابن حجر ت: محمّد جاد الحق ط: دار الكتب الحديثة بمصر (2) (1385هـ / 196م).
- الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهبل/ لابن فرحون المالكي ط: دار التراث القاهرة.
- ذمّ المسكر/ لابن أبي الدنيا - ـ: نجم عبد الرحمن خلف ط: دار الراية بالرياض الأولى (1409هـ / 1989م).
- الرد الوافر / لابن ناصر الدين الدمشقي ط:/ المكتب الإسلامي الأولى.
- الرسالة المستطرفة لبيان كتب السنة المشرفة/ لمحمد الكتاني ط: دار قهرمان باستنبول تركيا.
- الروض المعطار في خير الأقطار/ لمحمد الحميري ت: إحسان عباس ط مؤسسة ناصر للثقافة بيروت (1980م).
- زاد المعاد في هدي خير العباد/ لابن القيم ت: شعيب وعبد القادر الأرناؤوط: مؤسسة الرسالة (1408هـ / 1988م).
- سلسلة الأحاديث الصحيحة/ للألباني ط: المكتب الإسلامي – بيروت.
- سلسلة الأحاديث الضعيفة/ للألباني ط: مكتب المعارف بالرياض ط (1) (1412هـ/ 1992م).
- سنن ابن ماجة/ ت: محمّد مصطفى الأعظمي – الطبعة السعودية الثانية (1404هـ/ 1984م).
- سنن أبي دجاود/ ت: محمّد محي الدين عبد الحميد ط: المكتبة العصرية – بيروت.
- سنن البيهقي "الكبرى" ط: دار الفكر – بيروت.
- سنن الترمذي ت: أحمد شاكر ط: دار إحياء التراث – بيروت.
- سنن الدارقطني – نشر: دار المعرفة – بيروت.(1/34)
- سنن الدارمي/ ت: فؤاد زمرلي وخالد السبع- نشر : دار الكتاب العربي – لبنان.
- سنن النسائي (المجتبي) بإعتناء عبد الفتاح أبو غدة ط: دار البشائر الإسلامية – بيروت (1409هـ /1988م).
- سير أعلام النبلاء/ للذهبي ت: شعيب الأرناؤوط وجماعة ط: مؤسسة الرسالة (1410هـ / 1990م).
- سيرة عمر بن عبد العزيز/ لابن الجوزي – نشر: دار الفكر.
- شذرات الذهب/ لابن العماد الحنبلي –": دار إحياء التراث العربي – بيروت.
- شعب الإيمان/ للبيهقي ت: بسيوني زغلول ط: دار الكتب العلمية – بيروت.
- صحيح البخاري/ بإعتناء مصطفى ديب البغا – ط: دار ابن كثير – بيروت.
- صحيح ابن حبان (الإحسان) لعلاء الدين الفارسي ت: شعيب الأرناؤوط ط: مؤسسة الرسالة الأولى.
- صحيح ابن ماجه/ للألباني – نشر مكتب التربية العربية لدول الخليج.
- صحيح الترغيب والترهيب / للألباني ط: مكتبة المعارف بالرياض الثالثة (1409هـ/ 1988م).
- صحيح الجامع الصغير/ للأباني ط: المكتب الإسلامي الأولى.
- صحيح مسلمت: محمّد فؤاد عبد الباقي ط: دار إحياء التراث العربي – بيروت.
- صحيح النسائي/ للألباني نشر: مكتب التربية العربي لدول الخليج.
- صفة الصفوة/ لابن الجوزي ط: دار الفكر الأولى.
- ضعيف الجامع الصغير/ للألباني ط: المكتب الإسلامي بيروت.
- الطبقات الكبرى/ لابن سعد/ إشراف إحسان عباس – نشر: دار صادر بيروت.
- عقلاء المجانين/ لابن حبيبت: بسيوني زغلول – نشر: دار الكتب العلمية – بيروت.
- العلل/ للدارقطني/ ت: محفوظ السلفي – نشر دار طيبة بالرياض ط الأولى (1405هـ).
- العلل/ لابن أبي حَاتِم الرازي المطبعة السلفية بالقاهرة.
- العلل المتناهية في الأحاديث الواهية/ لابن الجوزي بإعتناء: خليل الميس ط: دار الكتب العلمية الأولى.
- فتح الباري بشرح صحيح البخاري/ لابن حجر ط: دار المعرفة – بيروت.
- فهرس الفهارس/ لعبد الحي الكتاني – ط: دار الغرب الإسلامي بإعتناء إحسان عباس.(1/35)
- القول المسدّد في الذب عن مسند أحمد/ لابن حجر ط: مكتبة المعارف.
- الكامل في ضعفاء الرجال/ لابن عدي ت: صبحي السامرائي طبعة بغداد.
- لحظ الألحاظ بذيل تذكرة الحفاظ/ لابن فهد المكي ط: دار إحياء التراث العربي.
- مجمع الزوائد/ للهيثمي ط: مؤسسة المعارف – بيروت.
- مختار الصحاح/ للرازي ط مكتبة لبنان بيروت 1988.
- مختصر إتحاف المهرة/ للبوصيري (مخطوط) بدار الكتب الوطنية بتونس رقم (11701) و (11702).
- المستدرك/ للحاكم النيسابوري ط: دار الفكر – بيروت 1978.
- مسند أبي يعلى الموصلي/ ت: حسين أسد ط: دار المأمون للتراث بدمشق.
- مسند الإمام أحمد/ ط: دار صادر والمكتب الإسلامي – بيروت.
- مسند الإمام أحمد /ت: أحجمد شاكر ط: دار المعارف بمصر.
- مسند الحميدي/ ت حبيب الرحمان الأعظمي ط: عالم الكتب بيروت.
- مسند الشهاب/ للقضاعي ت: حمدي السلفي ط: مؤسسة الرسالة.
- مسند الطيالسي/ ط: دار الكتاب اللبناني – بيروت.
- مشكاة المصابيح / للتبريزي ت: الألباني ط: المكتب الإسلامي (1985م).
- المصباح المنير/ للقيومي ط: مكتبة لبنان – بيروت (1987).
- المصنف/ لابن أبي شيبة/ ت: عامر الأعظمي نشر: الدار السلفية بالهند.
- المصنف / لعبد الرزاق/ ت: حبيب الرحمان الأعظمي توزيع المكتب الإسلامي ط: (1403هـ / 1983م).
- معجم البلدان/ لياقوت الحموي ط: دار صادر – بيروت.
- المعجم الكبير/ للطبراني ت: حمدي السلفي ط: وزارة الأوقاف ببغداد.
- معجم المؤلفين/ لكحالة مطبعة الترقي بدمشق (1958م).
- المقاصد الحسنة/ للسخاوي ت: محمّد عُثْمَان الخت ط: دار الكتاب العربي بيروت الأولى.
- منتخب كنز العمال/ للمتقي الهندي ط: دار إحياء التراث العربي الأولى (1410هـ / 1190م).
- موسوعة أطراف الحديث/ لزغلول ط: دار الكتب العلمية.
- موطأ الإمام مالك/ ت: محمّد فؤاد عبد الباقي ط دار إحياء التراث العربي – بيروت.(1/36)
- النهاية في غريب الحديث/ لابن الأثير ط: المكتبة العلمية – بيروت.(1/37)
سلسلة بحوث وتحقيقات مختارة من مجلة الحكمة (7)
رأي شيخ الإسلام ابن تيمية
في التفاسير المطبوعة
جمع وتعليق: بشير جواد القيسي
قام بنشره
أبو مهند النجدي
Almodhe1405@hotmail.com
almodhe@yahoo.com
رأي شيخ الإسلام ابن تيمية
في التفاسير المطبوعة
جمع وتعليق: بشير جواد القيسي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث للخلق أجمعين، وبعد:
يحتل شيخ الإسلام مرتبة الصدارة بين علماء الأمة وأعلامها في تمحيص تراثها، وما كتبته في شتى المعارف والعلوم، وتُعد قدرة الشيخ متميزة بين أقرانه في فرز الموضوعات، واختيار الأقرب للصواب، ولقد حبى المولى سبحانه هذا الإمام مواهب جليلة وكثيرة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
سعة الاطلاع، ومشاركته في أغلب العلوم الإسلامية، وقبل كل هذا وبعده، ورع الشيخ، وتقواه، والبعد عن الأهواء والبدع، إضافةً إلى صفاء السريرة، ونقاء الطويَّة.
كل هذه السمات جعلت من الشيخ عَلَمًا من أعلام الأمة، واستحق بجدارة لقب (شيخ الإسلام).
ومن العلوم التي برع بمعرفتها وتقييمها علوم القرآن والتفسير، ونخص بالذكر في بحثنا هذا رأي شيخ الإسلام في التفاسير المطبوعة.
والشيخ رحمه الله كان له معرفة واسعة بالتفاسير، فقد نُقل عنه أنه ربما اطلع على مائة تفسير من أجل آية واحدة، والرجل في نفسه مفسر مقتدر، فهذا الإمام الذهبي تلميذه ينقل عنه أنه جلس يفسر «سورة نوح» في دمشق أكثر من سنة، هذا من جانب سعة الاطلاع والمعرفة، أما من جانب تقييمه للمادة العلمية للتفاسير لا سيما المشهور منها؛ فسيريك هذا البحث طرفًا من تقييم شيخ الإسلام لهذه التفاسير السالفة لعصره، مع الدقة العلمية والإنصاف.(1/1)
فقد بيَّن محاسن كل تفسير وما أُخِذَ عليه، ولعل جيلنا اليوم –والأمة تمر بمنعطف خطير- يحتاج إلى تلقي المعلومات عن هذا الشيخ، إضافةً إلى تعلم منهج الدقة في البحث العلمي، والبُعد عن الاستعجال، والتروي في إصدار الأحكام مع توفر جانب الإنصاف.
لذا فإن هذا البحث يهدف لعدة أشياء نذكر منها:
1- تجميع ما كتبه شيخ الإسلام في هذا المضمار.
2- تعليم المرء المسلم كيفية إصدار الأحكام، وإن تنوع الأحكام واختلافها يمكن أن تجمع في الشخص الواحد، وإن لكل تفسير طابعًا يختص به دون غيره.
3- أن الحق يؤخذ من الكل، وإن منهج الانتقاء والاصطفاء هو المرتكز الذي اتخذه شيخ الإسلام لنفسه، أما المبالغة في الركون لجانب مع إهمال جوانب الحق الأخرى، فهو نوع من التعسف لا تزال الصحوة المباركة ترزح تحت تأثيره.
4- إضافة دراسة جديدة –ليست لأول مرة- تحظى بنقولات من كتب شيخ الإسلام فيها من التفصيل أكثر مما ذكره السابقون.
ولسنا –ولله الحمد- ندعي الإحاطة بما كتبه شيخ الإسلام.
ولذا اتخذنا من التفاسير المطبوعة (1) منهجًا لهذا البحث، وذلك للفائدة العملية، والبعد عن الأكاديمية.
وشيخ الإسلام لم يكتب في علوم القرآن مؤلفًا مستقلًّا إلا ما كان من الرسالة المسماة «مقدمة في أصول التفسير»، وبعض المسائل والفتاوى المنثورة في مجلد (13) من «مجموع الفتاوى».
أما بقية كلامه فمبثوث عبر مؤلفاته، والتي بلغت قرابة المائة مجلد.
ولقد انتهيت مع بعض الأخوة –ولله الحمد- من جمع كلام شيخ الإسلام في علوم القرآن.
__________
(1) نستثني من ذلك تفسير الثعلبي؛ لأنه لا يزال مخطوطًا، وسبب ذلك:
أ- أن لتفسيره المخطوط علاقة وطيدة بتفسير الواحدي والبغوي.
ب- أن للثعلبي كتاب مطبوع في قصص الأنبياء يسمى «عرائس المجالس»، ولا يخلو من التفسير.(1/2)
ومما يجدر بالملاحظة أن جمع شتات كلام شيخ الإسلام في الموضوع الواحد أمرًا كان يتمناه هو نفسه، كما أشار أكثر من مرة في مؤلفاته، إضافة إلى صعوبة حصول القارئ على جميع مؤلفات الشيخ.
وأكثر من كتب في علوم القرآن والتفسير لم يستفد كثيرًا من كلام شيخ الإسلام؛ للأسباب المذكورة آنفًا.
وفقدان كلام الشيخ بين تلك العلوم نقص فيها.
فبصماته في كل العلوم واضحة للعيان.
وآثاره متميزة، والمحروم من حُرم قراءة ما كتبه.
ولعل سبب بُعد الكثير عن علوم شيخ الإسلام التشويه والتنفير من هذا الإمام في القرون السابقة.
والأمة الإسلامية في نهضتها بعد سقوط الخلافة الإسلامية استطاعت أن تعيد لشيخ الإسلام مكانته الحقيقية، فكان لهذا الأمر خير وفير ونعمة سابغة، ولا أبالغ إن قلت: إن بوادر الصحوة المباركة مدينة لهذا الإمام الجليل، هذا ما يسَّر الله لي جمعه، فإن أحسنت فبتوفيق ربي، وإن كان غير ذلك فمن نفسي والشيطان، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
1- ابن جرير الطبري
ولد أبو جعفر محمد بن جرير بن زيدون بن كثير الطبري في آمل طبرستان أواخر سنة (224)، أو أوائل سنة (225). رحل إلى بغداد بعد سنة (240)، وكان في نفسه أن يسمع من إمام الأئمة أحمد بن حنبل، ولكنه لم يوفق لرؤية الإمام؛ فدخل بغداد بُعَيْدَ وفاته بقليل. ثم انحدر إلى البصرة، وسمع من شيوخها، وكتب في طريقه عن شيوخه الواسطيين، ثم رحل إلى الكوفة، فكتب فيها عن أبي كريب محمد بن العلاء الهمداني، هناد بن السري، وأضرابهم. وعاد إلى بغداد وتفقه بها على مذهب الإمام الشافعي، ومكث فيها طويلًا حتى وفاته، فيما عدا مدة رحل منها إلى بعض البلدان، من بينها رحلة إلى مصر والشام بين (253 – 256)، وعودة قصيرة إلى طبرستان سنة (290).(1/3)
وفي مدينة السلام بغداد اكتملت علوم الطبري، فصار أحد علمائها الأعلام، وكتب كتبه النافعة، ولا سيما التفسير والتاريخ ... وقد أثنى عليه إمام الأئمة ابن خزيمة، المتوفى سنة (311)، والخطيب في «تاريخ بغداد»، وابن خلكان، والذهبي، وغيرهم كثير.
واسم الكتاب كما سماه هو«جامع البيان عن تأويل آي القرآن» كتبه في سبع سنوات.
وطبع الكتاب كاملًا بالمطبعة الميمنية بمصر سنة (1321)، ثم بمطبعة بولاق سنة (1323 – 1330) وغيرها، وأخرج منه العلامة المحقق الأديب الكبير محمود شاكر ستة عشر مجلدًا، طبعت في دار المعارف بمصر، ثم توقف عن إتمامه، وأعيد نشره على هذه الطبعة عشرات المرات بطريقة التصوير.
كلام ابن تيمية في تفسير الطبري:
أكثر شيخ الإسلام من ذكر ابن جرير الطبري، فلا يوجد مجلد من «مجموع الفتاوى»، وكتاب «منهاج السنة النبوية»، أو«درة تعارض العقل والنقل»، أو«الصارم المسلول»، أو«اقتضاء الصراط المستقيم»، وغيرها، إلا وفيه ذكر لتفسير ابن جرير الطبري. ولقد وصف شيخ الإسلام ابن جرير بعدة أوصاف، نذكر منها أمثلة على سبيل المثال لا الحصر:
(أ) «مجموع الفتاوى» (3/382):
«أهل العلم والسنة مثل: محمد بن جرير الطبري».
(ب) «مجموع الفتاوى» (8/373)، وصف تفسيره بالمشهور فقال:
«قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في تفسيره المشهور».
(ج) «منهاج السنة» (7/212، 249):
«أما أئمة التفسير فروى الطبري ....».
(د) «منهاج السنة» (7/13):
«أما أهل العلم الكبار: أهل التفسير، مثل: محمد بن جرير الطبري، وبقي ابن مخلد، وابن أبي حاتم، وابن المنذر، وعبد الرحمن بن إبراهيم دحيم، وأمثالهم، فلم يذكروا فيها مثل هذه الموضوعات ....».
(هـ) «منهاج السنة» (7/178):
«(1/4)
من أئمة التفسير الذين ينقلونها بالأسانيد المعروفة، كتفسير ابن جريج، وسعيد بن أبي عروبة، وعبد الرزاق، وابن جرير الطبري، وابن أبي حاتم، وغيرهم من العلماء الأكابر، الذين لهم في الإسلام لسان صدق، وتفاسيرهم متضمنة للمنقولات التي يعتمد عليها في التفسير».
(و) «منهاج السنة» (7/299 – 300)، وذكر فيه أنه حتى ابن جرير لا يستسلم لنقله، بل يتثبت من ذلك:
«وكتب التفسير التي يذكر فيها الإسناد الذي يحتج به، وإذا كان في بعض كتب التفسير التي ينقل منها الصحيح والضعيف، مثل: تفسير الثعلبي، والواحدي، والبغوي، بل وابن جرير، وابن أبي حاتم، لم يكن مجرد رواية واحد من هؤلاء دليل على صحته باتفاق أهل العلم، فإنه إذا عرف أن تلك المنقولات فيها صحيح وضعيف، فلا بد من بيان أن هذا المنقول من قسم الصحيح دون الضعيف ....».
(ز) «مجموع الفتاوى» (13/385)، تكلم شيخ الإسلام مجيبًا عن أحسن التفاسير، واعتبر أن تفسير ابن جرير من أصح التفاسير:
«أما التفاسير التي في أيدي الناس فأصحها تفسير محمد بن جرير الطبري، فإنه يذكر مقالات السلف بالأسانيد الثابتة، وليس فيه بدعة، ولا ينقل عن المتهمين، كمقاتل بن بكير، والكلبي».
(ح) في رسالة «الرد على من قال بفناء الجنة والنار» صفحة (57)، ذكر شيخ الإسلام تفسير علي بن أبي طلحة الوالبي عن ابن عباس أن ابن جرير اعتمد هذه النسخة فقال:
«تفسير علي بن أبي طلحة الوالبي (1)، عن ابن عباس –وهو معروف مشهور- ينقل منه عامة المفسرين الذين يُسندون التفسير، كابن جرير الطبري، وابن أبي حاتم ....».
(ط) «الرد على البكري» صفحة (17)، تكلم عن مقاتل، والكلبي، وأن ابن جرير الطبري لا يذكر عنهما شيئًا فقال:
«
__________
(1) طبع هذا التفسير حديثًا في مجلد واحد، وسيأتي الكلام عليه.(1/5)
وقد صنف في تفاسير الصحابة والتابعين وتابعيهم كتب كثيرة يذكرون فيها ألفاظهم بأسانيدها مثل: تفسير وكيع، وعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وآدم بن أبي إياس، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبو بكر بن أبي شيبة، وبقي بن مخلد، وسنيد، ودحيم، وابن أبي حاتم، وابن المنذر، وابن جرير، وأبي بكر بن أبي داود، ومن هؤلاء من لا يذكر شيئًا عن مقاتل والكلبي (1)».
(ي) «منهاج السنة» (7/302)، ومع ما ذكره شيخ الإسلام من مدح للطبري، فإنه لا يستسلم لسند الطبري كما ذكر في الفقرة (و)، وقد رد بعض الأحاديث؛ لضعف في أسانيدها، ومثال ذلك في الجزء المذكور من «منهاج السنة» أعلاه.
(ك) «مجموع الفتاوى» (13/389):
«ومعلوم أن في كتب التفسير من النقل عن ابن عباس من الكذب شيء كثير عن رواية الكلبي عن أبي صالح وغيره، فلا بد من تصحيح النقل لتقوم به الحجة، فليراجع كتب التفسير التي يحرر فيها النقل مثل: تفسير محمد بن جرير الطبري الذي ينقل من كلام السلف بالإسناد، وليعرض عن تفسير مقاتل والكلبي».
(ل) وقال في «منهاج السنة»، أن في تفسير الطبري ضعاف، وموضوعات، ومقاطيع، ومراسيل:
«ومع هذا، فلا يخلو تفسيره من ضعاف، وموضوعات، ومقاطيع، ومراسيل، فلا بدَّ من البحث عن صحة ما وجد فيه مثل التفاسير الأخرى».
(م) «مجموع الفتاوى» (13/385)، بين شيخ الإسلام أن ليس في تفسير الطبري أي بدعة، وقد نقلنا ذلك في الفقرة (ز).
(ن) «مجموع الفتاوى» (13/361):
«تفسير محمد بن جرير الطبري، وهو من أجلِّ التفاسير المأثورة، وأعظمها قدرًا».
2- ابن أبي حاتم
أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم المتوفى سنة (327) صاحب «الجرح والتعديل»، عاصر ابن جرير الطبري.
__________
(1) مقاتل والكلبي، رميا بالكذب في روايتهما عن ابن عباس.(1/6)
تفسيره هذا شامل للقرآن، جمع فيه ما بلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن الصحابة، والتابعين، وتابعي التابعين، وتابعي أتباع التابعين –أي: خمس مراتب- إلا أنه اختُصِر فحذف منه الطرق، والشواهد، والروايات. واطلعت على مجلدين منه؛ الأول: جزء من البقرة تحقيق أحمد بن عبد الله العماري الزهراني، وهو رسالة دكتوراه من جامعة أم القرى بمكة، مطبوع باشتراك ثلاث دور نشر: مكتبة الدار، ودار طيبة، ودار ابن القيم، والمجلد الثاني في آل عمران، تحقيق الدكتور حكمت بشير الموصلي.
واطلعت على بقية أجزائه المحققة، وهي رسائل علمية في جامعة أم القرى، علمًا أن التفسير –وإلى يومنا هذا- لم يعثر عليه كاملًا، والله أعلم.
كلام ابن تيمية في تفسير ابن أبي حاتم:
أكثر الفقرات التي تكلمنا فيها آنفًا عن تفسير ابن جرير الطبري تشمل تفسير ابن أبي حاتم، وسنعيدها بالتلخيص:
(أ) «مجموع الفتاوى» (3/382): عده من أهل العلم والسنة.
(ب) «منهاج السنة» (7/212): عده من أئمة التفسير.
(ج) «منهاج السنة» (7/13): عده من أهل العلم الكبار.
(د) «منهاج السنة» (7/178): عده من أئمة التفسير الذين ينقلونها بالأسانيد المعروفة.
(هـ) «منهاج السنة» (7/299، 300): عده من التفاسير التي تنقل الصحيح والضعيف، فلا بد من بيان أن هذا المنقول من قسم الصحيح دون الضعيف.
(و) «الرد على من قال بفناء الجنة والنار» صفحة (57): ذكر رواية علي بن أبي طلحة الوالبي عن ابن عباس، أنا رواية معروفة مشهورة، وقد نقل عنها ابن أبي حاتم.
(ز) «الرد على البكري» صفحة (17): أن ابن أبي حاتم لم يذكر عن الكذابين مقاتل والكلبي.
(ح) «مجموع الفتاوى» (13/378)، من التفاسير التي تحرر النقل (1). ومن الأشياء التي ذكرها ابن تيمية على تفسير ابن أبي حاتم بالخصوص قوله في «مجموع الفتاوى» (15/201):
«
__________
(1) تحرير النقل: تعني النقل بالأسانيد، والإحالة عليها، ولا تعني هنا التصحيح أو التضعيف.(1/7)
وابن أبي حاتم قد ذكر في أول كتابه في التفسير أنه طلب منه إخراج تفسير القرآن مختصرًا بأصح الأسانيد، وأنه تحرى إخراجه بأصح الأخبار إسنادًا، وأشبعها متنًا، وذكر إسناده عن كل من نقل عنه شيئًا».
3- القرطبي
هو الإمام العلامة، محمد بن أحمد الأنصاري الخزرجي الأندلسي أبو عبد الله القرطبي من كبار المفسرين، وهو من أهالي قرطبة الذين رحلوا إلى الشرق، واستقروا في شمال أسيوط بمصر، وتوفي فيها سنة (671). وتفسيره يسمى «الجامع لأحكام القرآن»، ويعد من أهم الكتب التي ألفت في أحكام القرآن.
كلام ابن تيمية في تفسير القرطبي:
ذكر شيخ الإسلام تفسير القرطبي في معرض كلامه عن تفسير الزمخشري فقال في «مجموع الفتاوى» (13/387):
«وتفسير القرطبي خير منه –أي الزمخشري- بكثير، وأقرب إلى طريقة أهل الكتاب والسنة، وأبعد عن البدع، وإن كان كل هذه الكتب لا بد أن يشتمل على ما ينقد، لكن يجب العدل بينهما، وإعطاء كل ذي حق حقه».
4- ابن عطية
هو الإمام القاضي، والفقيه الحافظ، أبو محمد بن عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن غالب بن تمام بن عبد الرؤوف بن عبد الله بن تمام بن عطية الداخل إلى الأندلس –ابن خالد بن خفاف المحاربي. ولد سنة (481) بُلرقة، وتوفي في الخامس والعشرين من رمضان سنة (542)(1).
وقد طبع تفسيره في اثني عشر مجلدًا بإشراف أربعة من الفضلاء واسمه «المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز».
كلام ابن تيمية في تفسير بن عطية:
(أ) «مجموع الفتاوى» (13/361):
«
__________
(1) وقيل (541)، أو (546).(1/8)
وتفسير ابن عطية وأمثاله: أتبع للسنة والجماعة، وأسلم من البدعة من تفسير الزمخشري، ولو ذكر كلام السلف الموجود في التفاسير المأثورة عنهم على وجهه لكان أحسن وأجمل، فإنه كثيرًا ما ينقل تفسير محمد بن جرير الطبري، وهو من أجل التفاسير المأثورة، وأعظمها قدرًا. ثم إنه يدع ما نقله ابن جرير عن السلف، لا يحكيه بحال، ويذكر ما يزعم أنه قول المحققين، وإنما يعني بهم طائفة، من أهل الكلام، الذين قرروا أصولهم، وإن كانوا أقرب إلى السنة من المعتزلة، لكن ينبغي أن يعطى كل ذي حق حقه، ويعرف أن هذا من جملة التفسير على المذهب.
فإن الصحابة، والتابعين، والأئمة إذا كان لهم في تفسير الآية قول، وجاء قوم فسروا الآية بشكل آخر لأجل مذهب اعتقدوه، وذلك المذهب ليس من مذاهب الصحابة، والتابعين لهم بإحسان صاروا مشاركين للمعتزلة، وغيرهم من أهل البدع في مثل هذا».
(ب) «مجموع الفتاوى» (13/385)، عندما سأل عن مجموعة من التفاسير: «وتفسير بن عطية خير من تفسير الزمخشري وأبعد عن البدع، وإن اشتمل على بعضها، بل هو خير منه بكثير، بل لعله أرجح هذه التفاسير، لكن تفسير ابن جرير أصح من هذه كلها».
(ج) «منهاج السنة» (5/257)، ذكر قولًا لابن عطية منقولًا عن ابن عباس ثمَّ ردَّهُ.
ملاحظة:(1/9)
1- الكلام في الفقرة (أ) انتقد بعض المعاصرين شيخ الإسلام في قوله: «فإنه –أي ابن عطية- كثيرًا ما ينقل تفسير محمد بن جرير الطبري ثم إنه يدع ما نقله ابن جرير عن السلف لا يحكيه بحال، ويذكر ما يزعم أنه قول المحققين، وإنما يعني به طائفة من أهل الكلام ... »، وقال المعترض: إن هذا ليس على إطلاقه فإن ابن عطية ينقل أحيانًا ما نقله ابن جرير عن السلف، والحقيقة أن الصواب مع شيخ الإسلام ابن تيمية، فإن ابن عطية في المواضع التي تحتاج إلى تقرير، ويكون مناط التقرير متعلق بأقوال السلف، فإن مسلك ابن عطية هو ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية، وبهذا يتجلى دقة كلام شيخ الإسلام في تقييمه لتفسير ابن عطية من غير هضم لحقه.
2- بالغ بعض الفضلاء في ذم تفسير ابن عطية، واعتبروا أن ما في تفسيره من تقريرات في علم الكلام والعقائد أخطر من تقريرات الزمخشري الاعتزالية، وقد رد محققو تفسير ابن عطية هذا الكلام، والصواب ما ذهب إليه شيخ الإسلام.
5- الثعلبي(1)
هو الإمام الحافظ المفسر، أبو إسحق أحمد بن محمد بن إبراهيم المتوفى سنة (427). كان أحد أوعية العلم صادقًا موثقًا بصيرًا بالعربية طويل الباع بالوعظ. له كتابان في التفسير.
الأول «التفسير الكبير» وهو لا يزال مخطوطًا(2).
والثاني كتاب «عرائس المجالس في قصص الأنبياء». وتفسير الثعلبي ليس في موضوعنا، ولكنا ذكرناه لتعلقه بتفسير الواحدي والبغوي، ولأن الكلام على تفسيره يشمل كتابه «عرائس المجالس».
كلام ابن تيمية في تفسير الثعلبي:
(أ) «منهاج السنة» (7/90):
«
__________
(1) هناك تفسير مطبوع للثعالبي يشتبه دائمًا على طلبة العلم مع تفسير الثعلبي المخطوط.
(2) اسم تفسيره «الكشف والبيان في تفسير القرآن»، وفي الخزانات المخطوطة نسخ كثيرة منه.(1/10)
ثم علماء الحديث متفقون على أن الثعلبي وأمثاله يروون الصحيح والضعيف، ومتفقون على أن مجرد روايته لا توجب اتباع ذلك. ولهذا يقولون في الثعلبي وأمثاله: إنه حاطب ليل يروي ما وجد، سواء كان صحيحًا أو سقيمًا، فتفسيره وإن كان غالب الأحاديث التي فيه صحيحة، ففيه ما هو كذب موضوع، باتفاق أهل العلم».
(ب) «مجموع الفتاوى» (13/345)، قال في وصف الثعلبي نفسه:
«والثعلبي هو نفسه كان في خير ودين، وكان حاطب ليل ينقل ما وجد في كتب التفسير من صحيح وضعيف وموضوع، والواحدي صاحبه كان أبصر منه بالعربية، لكن هو أبعد عن السلامة، واتباع السلف. والبغوي تفسيره مختصر من الثعلبي، لكنه صان تفسيره عن الأحاديث الموضوعة، والآراء المبتدعة».
(ج) «منهاج السنة» (7/311):
«وتفسير الثعلبي في أحاديث موضوعة وأحاديث صحيحة، ومن الموضوع فيه الأحاديث التي في فضائل السور، سورة سورة».
(د) «منهاج السنة» (7/355):
«التي يعلم كل عالم أن فيها ما هو كذب، مثل كثير من كتب التفسير: تفسير الثعلبي، والواحدي، ونحوهما ...».
(هـ) «منهاج السنة» (7/434):
«وكذلك أيضًا في كتب التفسير أشياء منقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أهل العلم بالحديث أنها كذب، مثل حديث فضائل سور القرآن الذي يذكره الثعلبي والواحدي في أول كل سورة، ويذكره الزمخشري في آخر كل سورة».
(و) «منهاج السنة» (6/380):
«ولو أنهم ينقلون ما لهم وما عليهم من الكتب التي ينقلون منها، مثل تفسير الثعلبي».
(ز) «منهاج السنة» (7/12):
«أما ما نقله من تفسير الثعلبي، فقد أجمع أهل العلم بالحديث أن الثعلبي يروي طائفة من الأحاديث الموضوعة، كالحديث الذي يرويه في أول كل سورة عن أبي أمامة في فضل تلك السورة، وكأمثال ذلك.
ولهذا يقولون: «هو كحاطب ليل»، وهكذا الواحدي تلميذه، وأمثالها من المفسرين، ينقلون الصحيح والضعيف».
(ح) «منهاج السنة» (7/34):
«(1/11)
وأما ما يرويه أبو نعيم في «الحلية»، أو في «فضائل الخلفاء»، والنقاش، والثعلبي، والواحدي، ونحوهم في التفسير، فقد اتفق أهل المعرفة بالحديث على أن فيما يروونه كثيرًا من الكذب الموضوع».
(ط) «الرد على من قال بفناء الجنة والنار»، صفحة (57)، تكلم شيخ الإسلام على عدة تفاسير، وذكر نسخة علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، أن الثعلبي اعتمد علها، وفي نفس هذا النقل قسم شيخ الإسلام التفاسير التي تنقل بالمأثور إلى ثلاثة أقسام:
1- الذين يسندون التفسير، ومثاله ابن جرير الطبري، وابن أبي حاتم.
2- الذين يذكرون الإسناد مجملًا، ومثل له بالثعلبي، والبغوي.
3- الذين يذكرون المتون دون الأسانيد، كالماوردي، وابن الجوزي.
وإليك عبارة شيخ الإسلام من كتابه المذكور:
«وفي تفسير علي بن أبي طلحة الوالبي عن ابن عباس، وهو معروف مشهور، ينقل منه عامة المفسرين الذين يسندون التفسير، كابن جرير الطبري، وابن أبي حاتم، وعثمان بن سعيد الدارمي، والبيهقي، والذين يذكرون الإسناد مجملًا، كالثعلبي، والبغوي، والذين لا يسندون، كالماوردي، وابن الجوزي».
(ي) «منهاج السنة» (7/177):
«الثعلبي، والواحدي، وأمثالها ...، وهؤلاء من عادتهم يروون ما رواه غيرهم، وكثير من ذلك لا يعرفون هل هو صحيح أم ضعيف، ويروون من الأحاديث الإسرائيليات ما يعلم غيرهم أنه باطل في نفس الأمر، لأن وظيفتهم النقل لما نقل، أو حكاية أقوال الناس، وإن كان كثير من هذا وهذا باطلًا، وربما تكلموا على صحة بعض المنقولات وضعفها، ولكن لا يطردون هذا، ولا يلتزمون».
(ك) «منهاج السنة» (7/91):
«(1/12)
ولهذا لما اختصره أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي، وكان أعلم بالحديث والفقه منه، والثعلبي أعلم بأقوال المفسرين (ذكر البغوي عنه أقوال المفسرين، والنحاة، وقصص الأنبياء، فهذه الأمور نقلها البغوي من الثعلبي، وأما الأحاديث فلم يذكر في تفسيره شيئًا من الموضوعات التي رواها الثعلبي، بل يذكر الصحيح منها، ويعزوه إلى البخاري وغيره، فإنه مصنف كتاب «شرح السنة» وكتاب «المصابيح» وذكر في الصحيحين والسنن، ولم يذكر الأحاديث التي تظهر لعلماء الحديث أنها موضوعة، كما يفعله غيره من المفسرين، كالواحدي صاحب الثعلبي، وهو أعلم بالعربية منه، وكالزمخشري وغيرهم من المفسرين الذين يذكرون من الأحاديث ما يعلم أهل الحديث أنه موضوع».
(ل) «منهاج السنة» (7/312):
«وكذلك الواحدي تلميذ الثعلبي، والبغوي اختصر تفسيره من تفسير الثعلبي ةالةاحدي، لكنهما أخر بأقوال المفسرين منه، والواحدي أعلم بالعربية من هذها وهذا، والبغوي أتبع للسنة منهما».
(م) «الرد على البكري» صفحة (7):
«إذا كان تفسير الثعلبي، وصاحبه الواحدي، ونحوهما فيها من الغريب الموضوع في الفضائل والتفسير ما لم يجز معه الاعتماد على مجرد عزوه إليها فكيف بغيرها ... ».
(ن) «الرد على البكري» صفحة (14):
«ومثل هذا لا يرويه إلا أحد رجلين: رجل لا يميز بين الصحيح والضعيف، والغث والسمين، وهم جمهور مصنفي السير، والأخبار، وقصص الأنبياء. كالثعلبي، والواحدي، والمهدوي، والزمخشري، وعبد الجبار بن أحمد، وعلي بن عيسى الرماني ... فهؤلاء لا يعرفون الصحيح من السقيم، ولا لهم خبرة بالمروي المنقول، ولا لهم خبرة بالرواة النقلة، بل يجمعون فيما يرون بين الصحيح والضعيف، ولا يميزون بينهما لكن منهم من يروي الجميع، ويجعل العهدة على الناقل، كالثعلبي ونحوه، ومنهم من ينصر قولًا، أو جملة إما في الأصول، أو التصوف والفقه بما يوافقها من صحيح أو ضعيف، ويردُّ ما يخالفها من صحيح و ضعيف».
((1/13)
س) «مجموع الفتاوى» (22/442):
«وإنما يروي أمثال هذه الأحاديث من لا يميز من أهل لتفسير، كالثعلبي ونحوه».
(ع) «الرد على البكري» صفحة (20):
«وأمثال هؤلاء ممن في كتابه من الكذب ما لا يحصيه إلا الله، فهل يجوز الاعتماد على ما يرويه هؤلاء؟ أو يكون أرفع من هذا، وإن كان فيها من الصدق ما لا يحصيه إلا الله. كتفسير الثعلبي، والواحدي، و«الشفا» للقاضي عياض، وتفسير أبي الليث، والقشيري مما فيه ضعف كثير، وإن كان الغالب عليه الصحيح».
6- الواحدي
هو الأستاذ العلامة، أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي النيسابوري، صاحب «التفسير وأسباب النزول»، ولد سنة (398) على الراجح في نيسابور، وهو من تلامذة الثعلبي. توفي سنة (468) وله ثلاثة تفاسير:
1- الوجيز: وهو تفسير صغير مطبوع طبعة قديمة، وطبع طبعة حديثه.
2- الوسيط: طبع في أربع مجلدات طبعة أنيقة بتحقيق عدد من المشايخ والدكاترة.
3- البسيط: وهو تفسير موسع، ولكنه مفقود.
كلام ابن تيمية في تفسير الواحدي:
أكثر المواطن التي ذكر فيها شيخ الإسلام الثعلبي ذكر فيها تلميذه الواحدي.
ونلخص الآن ما ذكره شيخ الإسلام:
(أ) «مجموع الفتاوى» (13/354):
«الواحدي صاحبه (الثعلبي) كان أبصر منه بالعربية».
(ب) «مجموع الفتاوى» (13/354):
«أبعد عن السلامة واتباع السلف –أي من الثعلبي-».
(ج) «منهاج السنة» (7/355)، إن تفسير الواحدي فيه كذب.
(د) «منهاج السنة» (7/434)، ذكر أمثلة من الكذب منها حديث في فضائل سور القرآن في بداية كل سورة.
(هـ) «منهاج السنة» (7/12)، ذكر أن الواحدي كشيخه حاطب ليل.
(و) «منهاج السنة»، ذكر أن الواحدي كشيخه من عاداته أن يروي روايات لا يعرف هل هي صحيحة أم ضعيفة؟ وكذا إسرائيليات باطلة؛ لأن وظيفته النقل فحسب، وقد يتكلم عن بعض المنقولات الضعيفة.
(ز) «الرد على البكري» صفحة (14): أن الواحدي كشيخه لا يميز بين الصحيح والضعيف، والغث والسمين.
((1/14)
ح) «مجموع الفتاوى» (13/385):
«وأما الواحدي فإنه تلميذ الثعلبي، وهو أخبر منه بالعربية لكن الثعلبي فيه سلامة من البدع، وإن ذكرها تقليًا لغيره وتفسيره وتفسير الواحدي البسيط، والوسيط، والوجيز فيها فوائد جليلة، وفيها غث كثير من المنقولات الباطلة وغيرها».
(ط) «منهاج السنة»:
«الثعلبي والواحدي أخبر بأقوال المفسرين من البغوي، والواحدي أعلم بالعربية منهما».
(ي) «الرد على البكري» صفحة (7): قال بعد أن ذكر الثعلبي، والواحدي، وغيرهما:
«مع أن هؤلاء المصنفين أهل صلاح، ودين، وفضل، وزهد، وعبادة، ولكنهم كما قال مالك: أدركت في هذا المسجد سبعين شيخًا، كل له فضل، وصلاح، ودين، ولو أئتمن أحدهم على بيت مال لأدى فيه الأمانة، يقول أحدهم: حدثني أبي، عن جدي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نأخذ عن أحد منهم شيئًا، وكان ابن شهاب يأتينا وهو شاب، فنزدحم على بابه؛ لأنه كان يعرف هذا الشأن».
7- البغوي
هو الإمام الحافظ محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد المعروف بالفراء البغوي الفقيه الشافعي المحدث المفسر، صاحب التصانيف كـ«شرح السنة»، و«معالم التنزيل»، و«المصابيح»، وغيرها. توفي سنة (510) وقيل (516) وقيل بينهما، والله أعلم.
وتفسيره المسمى بـ«معالم التنزيل» مطبوع عدة طبعات، وأحسنها تحقيق خالد عبد الرحمن الكعك، ومروان سوار في أربعة مجلدات بدار المعرفة في بيروت.
كلام ابن تيمية في تفسير البغوي:
(أ) سُئل شيخ الإسلام في «مجموع الفتاوى» (13/386) السؤال التالي:
أي التفاسير أقرب إلى الكتاب والسنة الزمخشري، أم القرطبي، أم البغوي، أم غير هؤلاء؟
«أما التفاسير الثلاثة المسئول عنها فأسلمها من البدعة، والأحاديث الضعيفة البغوي، لكنه مختصر من تفسير الثعلبي، وحذف منه الأحاديث الموضوعة، والبدع التي فيه، وحذف أشياء غير ذلك».
(ب) في مقدمة أصول التفسير في «مجموع الفتاوى» (13/354):
«(1/15)
والبغوي تفسيره مختصر من الثعلبي لكن صان تفسيره عن الأحاديث الموضوعة، والآراء المبتدعة».
(ج) «منهاج السنة»:
«البغوي اختصر تفسيره من تفسير الثعلبي والواحدي، لكن هما أخبر بأقوال المفسرين منه، والواحدي أعلم بالعربية من هذا وهذا، والبغوي أتبع للسنة منهما».
(د) «منهاج السنة»:
«ولهذا لما اختصره أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي، وكان أعلم بالحديث، والفقه منه، والثعلبي أعلم بأقوال المفسرين، والنحاة، وقصص الأنبياء، فهذه الأمور نقلها البغوي من الثعلبي.
وأما الأحاديث فلم يذكر في تفسيره شيئًا من الموضوعات التي رواها الثعلبي، بل يذكر الصحيح منها، ويعزوه إلى البخاري وغيره، فإنه مصنف كتاب «شرح السنة»، و«كتاب المصابيح»، وذكر ما في الصحيحين والسنن، ولم يذكر الأحاديث التي تظهر لعلماء الحديث أنها موضوعة، كما يفعله غيره من المفسرين كالواحدي صاحب الثعلبي، وهو أعلم بالعربية منه، وكالزمخشري، وغيرهم من المفسرين الذين يذكرون من الأحاديث ما يعلم أهل الحديث أنه موضوع».
ملاحظة:
ذكر الدكتور رمزي نعناعة في كتابه «الإسرائيليات وأثرها في كتب التفسير» صفحة (280)، منتقدًا شيخ الإسلام في تقييمه للبغوي، فقال:
«إن ابن تيمية لم يكن دقيقًا في حكمه على البغوي بأنه صان تفسيره عن الأحاديث الموضوعة ... ولعله لم يطلع (1) على تفسير البغوي، ولكنه حكم عليه بما حكم، لما يعرفه عنه من أنه من رجال الحديث البارزين، ومن كان هذا شأنه يستبعد عليه –عادة- أن يغتر بموضوع فيرويه على أنه صحيح لا غبار عليه ...».
__________
(1) في أثناء مشاركتي بجمع تفسير شيخ الإسلام لاحظت نقل دقيق وموسع من تفسير البغوي، وهذا يرد على الدكتور رمزي من أنَّ الشيخ لم يطلع على تفسير البغوي.(1/16)
وقد رد هذا الانتقاد الدكتور الفاضل عبد الرحمن عبد الجبار الفريوائي في كتابه البديع «شيخ الإسلام ابن تيمية وجهوده في الحديث وعلومه» الذي نال فيه الشهادة العالمية (الدكتوراه) قال:
«كلام شيخ الإسلام في هذا التفسير كان كلام خبير، ومطلع على ما فيه من حسن وقبح، وليس هو بالظن والتخمين كما يظنه الباحث؛ لأن مثل هذا الكلام لا يستطيع أن يقوله أحد في أي كتاب مستقل، أو تلخيص إلا بعد قراءة متأنية، وكلام شيخ الإسلام حول هذا التفسير في أماكن متعددة يفيدنا بأن هذا التفسير اختصار من تفسير الثعلبي والواحدي، وأنه حذف منه الأحاديث الضعيفة والموضوعة، والآراء المبتدعة، كما حذف أشياء أخرى، وسبب حذف هذه الأشياء ثقافته الواسعة في الدين، والعقيدة، والحديث، والفقه.
وأما ما اعتمد فيه على الثعلبي هو أقوال المفسرين، والنحاة، وقصص الأنبياء، فهذه الأمور نقلها منه.
وقصص الأنبياء مما لم ينكر شيخ الإسلام وجوده في هذا التفسير، بل لم ينكر وجود الأحاديث الضعيفة، والموضوعة، وإنما ذكر أن تفسيره أحسن من هذه التفاسير في الجملة، لا النفي عن وجود بعض المآخذ سواء كان سبب وجود هذه الأشياء متابعة للثعلبي والواحدي، أو رأي رآه المؤلف فذكره بإسناده، فبرأ عن نفسه العهدة.
وهناك كلام صريح منه في وجود الضعاف والموضوعات في تفسير البغوي لما في ذلك من تأييد لما ذكرته أن الكلام فيه في الجملة، ونظرًا إلى التفاسير الأخرى لا ألبت في أمر لا يمكن ألبتّ فيه في غير الصحيحين، فذكر حديث:
(من يجيبني إلى هذا الأمر، ويؤازرني على القيام به يكن أخي، ووزيري، ووصيي، وخليفتي من بعدي).
وقال: كلام مفترى على النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: فإن قيل: فهذا الحديث قد ذكره طائفة من المفسرين، والمصنفين في الفضائل، كالثعلبي والبغوي وأمثالهما، والمغازلي.(1/17)
وقيل له: مجرد رواية هؤلاء لا توجب ثبوت الحديث باتفاق أهل العلم بالحديث، فإن في كتب هؤلاء من الأحاديث الموضوعة ما اتفق أهل العلم على أنه كذب موضوع، وفيها شيء كثير يعلم بالأدلة اليقينية السمعية العقلية أنها كذب، بل فيها ما يعلم بالاضطرار أنه كذب». اهـ.
8- الزمخشري
هو القاسم جار الله محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشري من أئمة متأخري المعتزلة. ولد سنة (476)، وهو من علماء اللغة والتفسير. توفي سنة (538). تفسيره مطبوع ومتداول واسمه «الكشاف عن حقائق التنزيل» في أربعة مجلدات. وقد تعرض تفسير الزمخشري لانتقاد جمع من الأئمة؛ بسبب النهج الاعتزالبي في تفسيره.
كلام ابن تيمية في تفسير الزمخشري:
تنحصر انتقادات شيخ الإسلام للزمخشري في عدة نقاط نوجزها بالتالي:
(أ) احتوائه على الأحاديث الموضوعة، فقال شيخ الإسلام في «منهاج السنة» (7/91):
«وهو من المفسرين الذين يذكرون من الأحاديث ما يعلم أهل الحديث أنه موضوع».
(ب) «منهاج السنة» (7/434):
«إنه ذكر أحاديث فضائل السور سورة سورة في آخر كل سورة، وهي موضوعة».
(ج) «مجموع الفتاوى» (13/386):
«وأما الزمخشري فتفسيره محشو بالبدعة، وعلى طريقة المعتزلة من إنكار الصفات، والرؤية والقول بخلق القرآن، وأنكر أن الله مريد للكائنات، وخالق لأفعال العباد، وغير ذلك من أصول المعتزلة».
(د) «الرد على البكري» صفحة (14):
«مثل هذا لا يرويه إلا أحد رجلين: رجل لا يميز بين الصحيح والضعيف، والغث والسمين، وهم جمهور مصنفي السير، والأخبار، وقصص الأنبياء، كالثعلبي، والواحدي، والمهدوي، والزمخشري ... فهؤلاء لا يعرفون الصحيح من السقيم، ولا لهم خبرة بالمروي المنقول، ولا لهم خبرة بالرواة النقلة .... ».
(هـ) «مجموع الفتاوى» (13/387):
«(1/18)
وتفسير القرطبي خير منه –أي: من تفسير الزمخشري- وأقرب إلى طريقة الكتاب والسنة، وأبعد عن البدع، وإن كان كل هذه الكتب لا بد أن يشتمل على ما ينقد لكن يجب العدل بينها، وإعطاء كل ذي حق حقه».
(و) «مجموع الفتاوى» (13/385):
«وتفسير ابن عطية خير من تفسير الزمخشري، وأصح نقلًا وبحثًا، وأبعد عن البدع».
9- القشيري
هو أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك بن طلحة النيسابوري القشيري. ولد سنة (376). وكانت إقامته في نيسابور. وتوفي فيها سنة (465). من تصانيفه «التيسير في التفسير»، و«لطائف الإشارات»، و«الرسالة القشيرية». وتفسير «لطائف الإشارات» طبع في مصر في ثلاثة مجلدات كبار بتحقيق إبراهيم بسيوني. وتفسير القشيري من التفاسير الصوفية.
كلام ابن تيمية في تفسير القشيري:
(أ) «الرد على البكري» صفحة (7):
«وإذا كان تفسير الثعلبي وصاحبه الواحدي ونحوهما فيها من الغريب الموضوع في الفضائل، والتفسير ما لم يجز معه الاعتماد على مجرد عزوه إليها فكيف بغيرها، كتفسير أبي القاسم القشيري، وأبي الليث السمرقندي، و«حقائق التفسير» لأبي عبد الرحمن السلمي الذي ذكر فيه عن جعفر –أي: الصادق- ونحوه ما يعلم أنه من أعظم الكذب».
(ب) «الرد على البكري» صفحة (14):
«(1/19)
ومثل هذا لا يرويه إلا أحد رجلين: رجل لا يميز بين الصحيح والضعيف، والغث والسمين، وهم جمهور مصنفي السير، والأخبار، وقصص الأنبياء، كالثعلبي، والواحدي، والمهدوي، والزمخشري، وعبد الجبار بن أحمد، وعلي بن عيسى الرماني، وأبي عبد الله بن الخطيب الرازي، وأبي نصر بن القشيري –أبو القاسم القشيري-، وأبي الليث السمرقندي، وأبي عبد الرحمن السلمي، والكواشي الموصلي، وأمثالهم من المصنفين في التفسير، فهؤلاء لا يعرفون الصحيح من السقيم، ولا لهم خبرة بالمروي المنقول، ولا لهم خبرة بالرواة النقلة، بل يجمعون فيما يروون بين الصحيح والضعيف، ولا يميزون بينهما، لكن منهم من يروي الجميع، ويجعل العهدة على الناقل، كالثعلبي ونحوه».
(ج) «الرد على البكري» صفحة (20):
«وإن كان فيها من الصدق ما لا يحصيه إلا الله، كتفسير الثعلبي، والواحدي، و«الشفا» للقاضي عياض، وتفسير أبي الليث، والقشيري مما فيه ضعف كثير، وإن كان الغالب عليه الصحيح».
10- السلمي
هو محمد بن الحسين بن محمد بن موسى الأزدي أبو عبد الرحمن السلمي النيسابوري. ولد سنة (330). وتوفي في نيسابور سنة (410). تفسيره طبع بتحقيق سلمان نصيف جاسم التكريتي نال به شهادة الماجستير من جامعة القاهرة سنة (1975) ميلادية. وتفسيره من أشهر التفاسير الصوفية. اتهمه بعض أهل العلم بوضع الأحاديث للصوفية.
قال محمد بن يوسف القطان: كان يضع الحديث للصوفية.
أما الذهبي فقال في «ميزان الاعتدال» (3/523): «تكلموا فيه وليس بعمدة»، ثم قال: «أتى في التفسير بمصائب، وتأويلات باطنية».
أما شيخ الإسلام فقد تناول شخص السُلمي، ونقد مؤلفاته في أكثر من موضع منها «الفتاوى» (11/43، 55، 581)، (6/376)، (13/242 – 243)، (35/134 – 183)، ولم يوافق الذين اتهموا السلمي بوضع الحديث، وفصل فيه تفصيلًا دقيقًا.
كلام ابن تيمية في تفسير السلمي:
(أ) «مجموع الفتاوى» (13/362):
«(1/20)
وأما الذين يخطئون في الدليل لا في المدلول فمثل كثير من الصوفية، والوعاظ، والفقهاء، وغيرهم يفسرون القرآن بمعانٍ صحيحة، لكن القرآن لا يدل عليها، مثل كثير مما ذكره أبو عبد الرحمن السلمي في «حقائق التفسير»، وإن كان فيما ذكروه ما هو معان باطلة، فإن ذلك يدخل في القسم الأول، وهو الخطأ في الدليل والمدلول جميعًا، حيث يكون المعنى الذي قصدوه فاسدًا».
(ب) «مجموع الفتاوى» (13/243):
«وكتاب «حقائق التفسير» لأبي عبد الرحمن السلمي يتضمن ثلاثة أنواع:
أحدها: نقول ضعيفة عمن نقلت عنه، مثل أكثر ما نقله عن جعفر الصادق، فإن أكثره باطل عنه، وعامتها فيه من موقوف أبي عبد الرحمن.
وقد تكلم أهل المعرفة في نفس رواية أبي عبد الرحمن، حتى كان البيهقي إذا حدث عنه يقول: «حدثنا من أصل سماعه».
الثاني: أن يكون المنقول صحيحًا، لكن الناقل أخطأ فيما قال.
الثالث: نقول صحيحة عن قائل مصيب، فكل معنى يخالف الكتاب والسنة، فهو باطل، وحجة داحضة، ول ما وافق الكتاب والسنة والمراد بالخطاب غيره، إذا فسر به الخطاب فهو خطأ، وإن ذُكِر على سبيل الإشارة، والاعتبار، والقياس، فقد يكون حقًّا، وقد يكون باطلًا.
وقد تبين بذلك أن من فسر القرآن أو الحديث، وتأوله على غير التفسير المعروف عن الصحابة والتابعين، فهو مفتر على الله، ملحد في آيات الله، محرف للكلم عن مواضعه، وهذا فتح لباب الزندقة والإلحاد، وهو معلوم البطلان بالاضطرار من دين الإسلام».
(ج) «الرد على البكري» صفحة (14):
«ومثل هذا لا يرويه إلا أحد رجلين: رجل لا يميز بين الصحيح والضعيف، والغث والسمين، وهم جمهور مصنفي السير، والأخبار، وقصص الأنبياء، كالثعلبي، والواحدي، والمهدوي، والزمخشري، وعبد الجبار بن أحمد، وعلي بن عيسى الرماني، وأبي عبد الله بن الخطيب الرازي، وأبي نصر بن القشيري، وأبي الليث السمرقندي، وأبي عبد الرحمن السلمي .... ».
(د) «منهاج السنة»:
«(1/21)
وما ينقل في حقائق السلمي من التفسير عن جعفر الصادق عامته كذب على جعفر، كما قد كُذب عليه في غير ذلك».
11- السمرقندي
هو نصر بن محمد بن إبراهيم الخطاب السمرقندي التوزي البلخي. ولد سنة (301) أو (310). كان حنفي المذهب. وفاته سنة (375) وقيل (373، 376، 383، 393، 396). تفسيره مطبوع باسم «بحر العلوم» في أربعة مجلدات طبعته دار الكتب العلمية بتحقيق الشيخ (عادل أحمد عبد الموجود، والشيخ علي محمد معوض، والدكتور زكريا عبد المجيد منوتي).
كلام ابن تيمية في تفسير السمرقندي:
(أ) «الرد على البكري» صفحة (7) عدَّ شيخ الإسلام تفسير السمرقندي دون تفسير الثعلبي والواحدي، مستوى تفسير القشيري والسلمي:
«وإذا كان تفسير الثعلبي وصاحبه الواحدي ونحوهما فيها من الغريب الموضوع في الفضائل والتفسير ما لم يجز معه الاعتماد على مجرد عزوه إليها، فكيف بغيرها، كتفسير أبي القاسم القشيري، وأبي الليث السمرقندي، وحقائق التفسير لأبي عبد الرحمن السلمي الذي ذكر فيه عن جعفر ونحوه ما يعلم أنه من أعظم الكذب».
(ب) «الرد على البكري» صفحة (14):
«ومثل هذا لا يرويه إلا أحد رجلين: رجل لا يميز بين الصحيح والضعيف، والغث والسمين، وهم جمهور مصنفي السير، والأخبار، وقصص الأنبياء، كالثعلبي، والواحدي، والمهدوي، والزمخشري، وعبد الجبار بن أحمد، وعلي بن عيسى الرماني، وأبي عبد الله بن الخيب الرازي، وأبي نصر بن القشيري، وأبي الليث السمرقندي ..... ».
(ج) «الرد على البكري» صفحة (20):
«وأمثال هؤلاء ممن في كتابه من الكذب ما لا يحصيه إلا الله، فهل يجوز الاعتماد على ما يرويه هؤلاء، أو يكون من هذا، وإن كان فيها من الصدق ما لا يحصيه إلا الله، كتفسير الثعلبي، والواحدي، و«الشفا» للقاضي عياض، وتفسير أبي الليث، والقشيري مما فيه ضعف كثير، وإن كان الغالب عليه الصحيح».
12- رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس(1/22)
هو علي بن أبي طلحة بن مخارق، يُكنى بأبي الحسن، أو غير ذلك.
نزيل حمص، توفي سنة (143) بحمص، وقيل (120). مفسر ومحدث له صحيفة في التفسير مشهورة عن ابن عباس، وهي أقدم رواية دونتْ عن ابن عباس، جمعها (راشد عبد المنعم الرَّجال) طبعت هذه النسخة حديثًا في مجلد. وقد أكثر العلماء الكلام عن هذه النسخة، وهذا الكتاب من جملة مسموعات شيخ الإسلام من طريق البيهقي.
كلام ابن تيمية في تفسير ابن عباس برواية الوالبي:
(أ) «مجموعة الرسائل والمسائل» (5/165):
«هذا ثابت عن عبد الله بن صالح عن علي بن أبي طلحة الوالبي، لكن يُقال إنه (الوالبي) لم يسمع التفسير عن ابن عباس».
(ب) «الرد على البكري» صفحة (15):
«قال أحمد: علي بن أبي طلحة ضعيف، ولم يسمع عن ابن عباس شيئًا».
(ج) «نقض التأسيس» الذي يسمى «بيان تلبيس الجهمية» (3/41 -43)، قال في تفسير ابن عباس من طريق الوالبي في قوله تعالى: { اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ }، يقول ابن عباس: الله هادي أهل السموات والأرض. فعلق شيخ الإسلام قائلًا:
«وهؤلاء المفسرون للقرآن والأسماء الحسنى قدوتهم في تفسيره أنه هاد هو ما نقلوه عن ابن عباس، وهذا إنما هو مأخوذ من تفسير الوالبي علي بن أبي طلحة الذي رواه عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: { اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ } يقول: الله هادي أهل السموات والأرض مثل هداه في قلب ازداد ضوءًا على ضوء. وكذلك قلب المؤمن يعلم الهدى قبل أن تأتيه العلم فإذا أتاه العلم ازداد هدى على هدى ونورًا على نور.
فكلهم على هذه الرواية يعتمد؛ لأن هذا تفسير رواه الناس عن عبد الله بن صالح، وذكر أبو بكر بن عبد العزيز أنه نقل ذلك من تفسير محمد بن جرير إذ كان يعتمد عليه، وابن جرير يروي هذا التفسير بالإسناد، وكذلك البيهقي في تفسير الأسماء الحسنى، إنما رواه من هذا الطريق، وهذا التفسير هو تفسير الوالبي.(1/23)
وأما ثبوت ألفاظه عن ابن عباس ففيها نظر؛ لأن الوالبي لم يسمعه من ابن عباس، ولم يدركه، بل هو منقطع، وإنما أخذ عن أصحابه، كما أن السدي أيضًا يذكر تفسيره عن ابن مسعود، وعن ابن عباس، وغيرهما من أصحاب النبي صفكلهم على هذه الرواية يعتمد؛ لأن هذا تفسير رواه الناس عن عبد الله بن صالح، وذكر أبو بكر بن عبد العزيز أنه نقل ذلك من تفسير محمد بن جرير إذ كان يعتمد عليه، وابن جرير يروي هذا التفسير بالإسناد، وكذلك البيهقي في تفسير الأسماء الحسنى، إنما رواه من هذا الطريق، وهذا التفسير هو تفسير الوالبي.
وأما ثبوت ألفاظه عن ابن عباس ففيها نظر؛ لأن الوالبي لم يسمعه من ابن عباس، ولم يدركه، بل هو منقطع، وإنما أخذ عن أصحابه، كما أن السدي أيضًا يذكر تفسيره عن ابن مسعود، وعن ابن عباس، وغيرهما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وليست تلك ألفاظهم بعينها، بل نقل هؤلاء شبيه بنقل أهل المغازي والسير، وهو مما يستشهد به، ويعتبر به، ويضم بعضه إلى بعض يصير حجة.
وأما ثبوت شيء بمجرد هذا النقل عن ابن عباس فهذا لا يكون عند أهل المعرفة بالمنقولات.
وأحسن حال هذا أن يكون منقولًا عن ابن عباس بالمعنى الذي وصل إلى الوالبي إن كان له أصل عن ابن عباس، وغايته أن يكون لفظ ابن عباس، وإذا كان لفظه قول ابن عباس فليس مقصود ابن عباس بذلك أن الله هو في نفسه ليس بنور، وأنه لا نور له، فإنه قد ثبت بالروايات الثابتة عن ابن عباس إثبات النور لله، كقوله في حديث عكرمة لما سأله عن قوله: { لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ } فقال: ويحك، ذاك نور الذي هو نوره، إذا تجلى بنوره لم يدركه شيء، وابن عباس هو الراوي في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اللهم أنت رب السموات والأرض ومن فيهن، وأنت نور السموات والأرض ...)».
(د) «الرد على من قال بفناء الجنة والنار» صفحة (57):
«(1/24)
وفي تفسير علي بن أبي طلحة الوالبي، عن ابن عباس، وهو معروف مشهور ينقل منه عامة المفسرين الذين يُسندون التفسير، كابن جرير الطبري، وابن أبي حاتم، وعثمان بن سعيد الدارمي، والبيهقي، والذين يذكرون الإسناد مجملًا، كالثعلبي، والبغوي، والذين لا يسندون كالماوردي، وابن الجوزي».
13- عبد الرزاق الصنعاني
هو عبد الرزاق همام بن نافع الحميري مولاهم، أبو بكر الصنعاني. ولد سنة (126)، وتوفي سنة (211). وهو من أهل صنعاء. له كتاب في تفسير القرآن طبع بتحقيق الدكتور مصطفى مسلم محمد في أربع أجزاء، نال به محققه الدكتواره، وهو من التفسير بالمأثور.
كلام ابن تيمية في تفسير عبد الرزاق:
(أ) «الرد على البكري» صفحة (17):
«وقد صنف في تفاسير الصحابة، والتابعين، وتابعيهم كتب كثيرة يذكرون فيها ألفاظهم بأسانيدها مثل تفسير وكيع، وعبد الرزاق، وعبد بن حميد ... ».
(ب) «مجموع الفتاوى» (13/355):
«إن التفاسير التي يذكر فيها كلام الصحابة، والتابعين، وتابعيهم بإحسان صرفًا، مثل: تفسير عبد الرزاق، ووكيع، وعبد بن حميد».
14- ابن الجوزي
هو عبد الرحمن بن علي بن محمد القرشي البغدادي. ولد سنة (508)، ولد سنة (597) في بغداد. له نحو ثلاث مائة مصنف. طبع منها شيء كثير. وكان من علماء المشاركين في كل العلوم الإسلامية.
وتفسيره يسمى «زاد المسير في علم التفسير» طبع في تسعة مجلدات في المكتب الإسلامي.
ولشيخ الإسلام ابن تيمية خاصة بتفسير ابن الجوزي فقد نقل عنه في معظم مؤلفاته. ويعد تفسير ابن الجوزي من التفاسير التي تنقل أقوال السلف بدون أسانيد.
كلام ابن تيمية في تفسير ابن الجوزي:
(أ) «الرد على من قال بفناء الجنة والنار» صفحة (57):
«(1/25)
وفي تفسيره علي بن أبي طلحة الوالبي عن ابن عباس، وهو معروف مشهور، ينقل منه عامة المفسرين الذين يُسندون التفسير، كابن جرير الطبري، وابن أبي حاتم، وعثمان بن سعيد الدارمي، والبيهقي، والذين يذكرون الإسناد مجملًا، كالثعلبي، والبغوي، والذين لا يسندون كالماوردي، وابن الجوزي».
15- الماوردي
هو علي بن محمد بن حبيب، أبو الحسن الماوردي، أقضى قضاة عصره. ولد في البصرة سنة (364). توفي في بغداد سنة (450). من العلماء الباحثين، أصحاب التصانيف الكثيرة النافعة.
وقد طبع الكتاب في ست مجلدات بتحقيق (عبد المقصود عبد الرحيم). وتفسير الماوردي يعد من طبقة الذين ينقلون أقوال السلف في التفسير بدون سند، كسابقه ابن الجوزي، وقد نقل شيخ الإسلام عنه بعض النقول ولم يكثر عنه.
أما تقييم شيخ الإسلام لتفسيره فلم نجد إلا العبارة التي مر ذكرها في تفسير ابن الجوزي في كتابه «الرد على من قال بفناء الجنة والنار» صفحة (57).(1/26)
سلسلة بحوث وتحقيقات مختارة من مجلة الحكمة(33)
المؤلف
المحقق
Almodhe1405@hotmail.com
almodhe@yahoo.com
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبعهمه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
ففي نقلنا في مقالنا المنشور في العدد (12) من مجلتنا (فه زين) تحت عنوان "لماذا لا نقتدي بأئمتنا أئمة الهدى" (ص 140 – 145) مقدمه كتاب الإبانة لأبي الحسن الأشعري رحمه الله تعالى.
والآن اطعلنا على رسالة صغيرة الحجم إلا أنها كثيرة الفائدة لعلم من أعلام شعبنا الكردي ذبّ فيها عن الإمام أبي الحسن الأشعري وكتابه "الإبانة عن أصول الديانة"، وقد رأينا أن ننشرها لكثرة فائدتها.
وكانت الرسالة قد طبعت باسم "رسالة في الذب عن الأشعري" بمجلس دائرة المعارف النظامية بحيدر آباد، ثم طبعت بتحقيق الأستاذ الدكتور علي ناصر الفقيهي في نهاية كتاب "الأربعين في دلائل التوحيد" لأبي إسماعيل الهروي سنة 1404 هـ بعد حصوله على لمخطوطة للرسالة المذكورة.
ثم اطلعت على نسخة أخرى مصورة على فيلم تحت رقم (225) في مكتبة الحرم المدني في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة النبوية.
وبعد قراءتها وتدبرها رأيت أنها نسبت إلى غير مؤلفها في المطبوعتين والمخطوطتين، حيث نسبت إلى صدر الدين أبي القاسم عبد الملك بن عيسى بن درباس الكردي الماراني (576 – 659 هـ).
وهذا خطأ واضح، لأن المؤلف يقول في روايته لقول البيهقي: أخبرنا به الإمام شيخ الإسلام بقية السلف الصالح صدر الدين قاضي القضاة عمي أبو القاسم عبد الملك بن عيسى بن درباس قدس الله روحه بقراءتي عليه... إلخ.(1/1)
إذًا فالرسالة من تأليف ابن أخ عبد الملك بن عيسى بن درباس، وليست لعبد الملك، فرحنا نبحث عن ابن أخ عبد الملك هذا، فرأينا أنه أبو إسحاق إبراهيم بن عثمان بن عيسى بن درباس. ودليلنا أن الرسالة له أننا رأينا أن ابن المستوفي ترجم له في تاريخ إربل (2/ 215) وقال: إلا أنه على ما قيل عنه: يطعن على أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري رضي الله عنه ويقع فيه، وقالوا كذبًا وزورًا أنه يطعن على أبي الحسن ويقع فيه.
ثم العجب من ابن المستوفي الذي اجتمهع بالمؤلف ولقيه وروي عنه شعره كيف لم يسأله هو عن رأيه في أب الحسن الأشعري وكتابه الإبانة؟ إنه من العجب حقًا. ثم ينقل ما سمعه من بعض الحاقدين على أبي الحسن في عقيدته التي أثبتها في كتابه الإبانة. إن هذا من الظلم الكبير، غفر الله له، كيف يسأله عن مولده ولا يسأله عن هذه المسألة الخطيرة ؟
فلذلك قررنا أن الرسالة لإبراهيم هذا.
ترجمة المؤلف
ترجم له كثيرون من المؤرخين، ولكنا سننقل ترجمته من عند معاصرين له ومن عند مؤرخ الإسلام الحافظ الذهبي.
قال المنذري في التكملة لوفيات النقلة (3/ 165 – 166): وفي هذه السنة (622 هـ) توفي الشيخ الفقيه إبراهيم ابن الفقيه الإمام أبي عمرو عثمان بن عيسى بن درباس بن فير بن جهم بن عبدوس الماراني الشافعي المنعوت بالجلال، فيما بين الهند واليمن.(1/2)
تفقه على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه على والده، وسمع بمصر من أم عبد الكريم فاطمة بنت سعد الخير بن محمد الأنصاري، وأبي عبد الله محمد بن حمد بن حامد الأرتاخي، وأبي محمد عبد الله بن محمد بن المجلي، وجماعة من أهل البلد والقادمين عليها، ورحل إلى دمشق فسمع بها من جماعة من شيوخنا، منهم أبو حفص عمر بن محمد بن أبي الفضل الأنصاري، وأبو اليمن زيد بن الحسن الكندي وغيرهما، وكنا رفيقين بها مدة، ثم رحل فسمع بالعراق وأصبهان وخراسان من جماعة كثيرة، وكانت له إجازة من الحافظ أبي طاهر أحمد بن محمد الأصبهاني، وكتب كثيرًا، وله شعر، وحدَّث، وسمعت منه بمنى والصفراء والقاهرة، وسئل عن مولده، فقال: في شوال سنة اثنين وسبعين وخمس مئة.
وكان مائلاً إلى طريق الآخرة متقللاً من الدنيا جدًا. انتهى.
وقال ابن المستوفي في تاريخ إربل (2 215): هو أبو إسحاق إبراهيم بن عثمان بن عيسى بن درباس الماراني المصري المولد والمنشأ، من أهل الحديث الذين رحلوا في طلبه، وكتب الكثير، وسمع الكثير، شافعي المذهب، إلا أنه على ما قيل عنه، يطعن على أبي الحسن علي بن إسماعيل بن أبي الحسن الأشعري رضي الله عنه، ويقع فيه، سمعته من غير واحد.
له من أبي طاهر أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد السلفي إجازة معينة باسمه في شهر ربيع الآخر من سنة أربع وسبعين وخمس مئة، كتبها له بخطه، حدثني بذلك.
ورد إربل غير مرة، وأقام بها، سألته عن مولده، فقال: في شوال سنة اثنتين وسبعين وخمس مئة بالقاهرة، ونشأ بمصر، وكان فيما بلغني عمه قاضيها.
أنشدني لنفسه في حادي عشر جمادي الآخر سنة أربع عشرة وست مئة، ورحل في اليوم التالي إلى خراسان، قال: وكتبتها إلى صديق لي بدمياط من حمص [البسيط]:
حكمت يا دهر أمري بإفراط ... وما عدلت إلى عدل وإقساط
إني وقد طرحت أيدي النوى حنقًا ... جسمي بحمص وروحي ثغر دمياط(1/3)
وقال الذهبي في وفيات سنة 622 هـ من تاريخ الإسلام: ولد في سنة 751 هـ [وهو خطأ كما تقدّم أنه هو قال: ولدت سنة 572 هـ] قال: وأجاز له السلفي وتفقه على مذهب الشافعي، ثم أحبّ الحديث، وسمع من فاطمة بنت سعد الخير والأرتاحي وطبقتهما، ثم أحبّ الحديث، وسمع من فاطمة بنت سعد الخير والأرتاحي وطبقتهما، ورحل بنيسابور من المؤيد وزينب الشعرية، وبهراة من أبي الروح، وكتب الكثير، وله شعر حسن، روي عنه الزكي المنذري وغيره، وتوفي في هذه السنة فيما بين الهند واليمن، وكان مائلاً إلى الآخرة، متقللاً من الدنيا جدًا، صالحًا زاهدًا رحمه الله، وكان أبوه من كبار الشافعية، وعمه كان قاضي ديار مصر. انتهى.
ولم يذكر أحد مؤلفات المصنف، ولكني أملك الآن صورة تجريد كتاب الموضوعات لابن الجوزي له، وهي في مكتبتي وهي منقولة من نسخة بخط أخيه عيسى بن عثمان بن عيسى المكتوبة في 15 جمادي الأولى سنة 608.
حمدي عبد المجيد السلفي
بسم الله الرحمن الرحيم
قال أبو القاسم عبد الملك بن عيسى بن درباس [هذا من خطأ الناسخ كما تقدّم]:
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وخصّ نبينا وآله من الله [منه] بالنصيب الأوفى.(1/4)
أما بعد.. فاعملوا معشر الإخوان وفقنا الله وإياكم للدين القويم وهدانا أجمعين الصراط المستقيم أن كتاب الإبانة عن أصول الديانة الذي ألفه الإمام أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري هو الذي استقر عليه أمره فيما كان يعتقده وبما كان يدين الله سبحانه وتعالى بعد رجوعه من الاعتزال بمنَّ الله ولطفه، وكل مقالة تنسب إليه الآن مما يخالف ما فيه فقد رجع عنها وتبرأ إلى الله سبحانه منها، كيف وقد نص فيه على أنه ديانته التي يدين الله سبحانه بها، وروي وأثبتت ديانة الصحابة والتابعين وأئمة الحديث الماضين وقول أحمد بن حنبل رضي الله عنهم أجمعين، وأنه ما دلّ عليه كتاب الله وسنّة رسوله فهل يسوغ أن يقال: إنه رجع عنه إلى غيره؟ فإلى ماذا رجع إلى كتاب الله وسنّة نبي الله وخلاف ما كان عليه الصحابة والتابعون وأئمة الحديث المرضيون، وقد علم أنه مذهبهم ورواه عنهم، هذا الذي [لعمري] ما لا يليق نسبته إلى عوام المسلمين كيف بأئمة الدين؟ أو هل يقال: إنه جهل الأمر فيما نقله عن السلف الماضين مع إفنائه جل عمره في استقراء المذاهب وتعرف الديانات؟ وهذا ما لا يتوهمه منصف ولا يزعمه إلا مكابر بسرف ويكفيه معرفته بنفسه أنه على غير شيء.
وقد ذكر الكتاب واعتمد عليه وأثبته عن الإمام أبي الحسن رحمه الله عليه وأثنى عليه بما ذكره فيه وبرأه من كل بدعة نسبت إليه، ونقل منه إلى تصنيفه جماعة من الأئمة الأعلام من فقهاء الإسلام وأئمة القراء وحفاظ الحديث وغيرهم.(1/5)
منهم الإمام الفقيه الحافظ أبو بكر البيهقي صاحب التصانيف المشهورة والفضائل المنثورة، اعتمد عليه في كتاب الاعتقاد له، وحكى عنه في موضع منه، ولم يذكر من تواليفه سواه، فقال في (باب القول في القرآن) ما أخبرنا به الإمام شيخ الإسلام بقية السلف الصالح صدر الدين قاضي القضاة عمي أبو القاسم عبد الملك بن عيسى بن درباس قدس الله روحه بقراءتي عليه، قال: أنبأنا الإمام الحافظ أبو القاسم علي بن حسن الشافعي المعروف بابن عساكر بقراءتي عليه، قال: أنبأنا أبو عبد الله محمد بن الفضل بن أحمد الفراوي الصاعدي بقراءتي عليه: أنبأنا الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي وحكم عن الشافعي رحمه الله ما دلّ على أن ما نتلوه بألسنتنا ونسمعه بآذاننا ونكتبه في مصاحفنا كلام الله.
قال: وبمعناه ذكره أيضًا علي بن إسماعيل – يعني أبا الحسن – الأشعري رحمة الله عليه في كتاب الإبانة (1).
ثم قال: وقال أبو الحسن علي بن إسماعيل رحمة الله عليه في كتابه:
فإن قال قائل: حدثونا أتقولون: إن كلام الله في اللوح المحفوظ؟
قيل له: نقول ذلك، لأن الله قال: { بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ } فالقرآن في اللوح المحفوظ، وهو في صدور الذين أوتوا العلم.
قال الله: { بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ } وهو متلو بالألسنة، قال الله تعالى: { لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ } فالقرآن مكتوب في الحقيقة، محفوظ في صدورنا في الحقيقة، متلو بألسنتنا في الحقيقة، مسموع لنا في الحقيقة كما قال تعالى: { فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ}(2).
هذا آخر ما حكاه البيهقي عن كتاب الإبانة.
وقال البيهقي أيضًا في أول هذا الباب بعد احتجاجه بآيات وغيرها مما هو مذكور في كتاب الإبانة فقال:
__________
(1) الاعتقاد، للبيهقي، ص 108.
(2) الاعتقاد للبيهقي، ص 109.(1/6)
وقد احتج علي بن إسماعيل بهذه الفصول (1).
ومنهم الإمام الحافظ أبو العباس أحمد بن ثابت الطرقي (2)، فإنه قال في بيان مسألة الاستواء من تواليفه [من تأليفه]:
ما أخبرنا به الإمام الحافظ أبو العباس أحمد بن ثابت قال: رأيت هؤلاء الجهمية ينتمون في نفي العرش وتأويل الاستواء إلى أبي الحسن الأشعري.
وما هذا بأول باطل ادَّعوه وكذب تعاطوه، فقد قرأت في كتابه المرسوم بـ (الإبانة عن أصول الديانة) أدلة من جملة ما ذكرته في إثبات الاستواء.
وقال في [جملة] ذلك: ومن دعاء أهل الإسلام جميعًا إذا هم رغبوا إلى الله تعالى في الأمر النازل [هم] يقولون: يا ساكن العرش.
ثم قال: ومن حَلِفِهِمء جميعًا [قولهم:] لا والذي احتجب بسبع سماوات.
هذا آخر ما حكاه، وهو في الإبانة كما ذكره [(ص 115)].
ومنهم الإمام الأستاذ [الحافظ] أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد الصابوني، فإنه قال: ما أنبأني به الشيخ الجليل أبو محمد القاسم ابن الإمام الحافظ أبي القاسم علي بن الحسن [بن عساكر] الشافعي ببيت المقدس حرسه الله سنة ست وسبعين وخمس مئة، قال: أنبأني أبي، قال: سمعت الشيخ أبا بكر أحمد بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن بشار البوشنجي الخرجردي الفقيه الزاهد، أُراه يحكي عن بعض شيوخه: أن الإمام أبا عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد الصابوني النيسابوري قلما كان يخرج إلى مجلس درسه إلا وبيده كتاب (الإبانة) لأبي الحسن الأشعري، ويظهر الإعجاب به، ويقول: ما الذي ينكر على من هذا الكتاب شرح مذهبه؟
__________
(1) الاعتقاد، للبيهقي، ص 96.
(2) له ترجمة في الأنساب (8/ 235 – 236)، وتاريخ الإسلام في وفيات سنة 521 هـ للذهبي، وسير أعلام النبلاء (19/ 528 – 529) والميزان (1/ 86 – 87)، وهما له أيضًا، والوافي بالوفيات (6/ 282) للصفدي، ولسان الميزان لابن حجر، واللباب (2/ 280) لابن الأثير.(1/7)
قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر عقب هذه الحكاية: فهذا قول الإمام أبي عثمان، وهو من أعيان أهل الأثر بخراسان (1).
ومنهم إمام القراء أبو علي الحسن بن علي بن إبراهيم الفارسي، فإنه قال:
ما أنبأني به الإمام الحافظ أبو طاهر السلفي، عن أبي الحسن المبارك بن عبد الجبار بن أبي علي الصيرفي، قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن إبراهيم، وفاطمة بنت الحافظ سعد الخير بن محمد بن سهل الأنصاريان، قالا: أنبأنا الإمام أبو علي الحسن بن علي بن إبراهيم المقرئ – وذكر الإمام أبا الحسن الأشعري رحمة الله عليه – فقال: وله كتاب في السنة سماه (كتاب الإبانة) صنفه ببغداد لما دخلها، قال: [و] له مسألة في الإيمان أنه غير مخلوق.
قلت أنا: وهذه المسألة قد ذكرها الحافظ أبو القاسم بن عساكر وأثبتها عنه (2)، وهي عندنا من رواية الإمام الحافظ أبي طاهر السلفي، ولم يقع لي شيء من تواليف أبي الحسن بالرواية المتصلة إليه سواه.
ومنهم الإمام الفقيه أبو الفتح نصر المقدسي رحمه الله، فإني وجدت (كتاب الإبانة) في كتبه ببيت المقدس حرسه الله، ورأيت في بعض تواليفه في الأصول فصولاً منها بخطه.
ومنهم الإمام الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي، فإنه قال في كتاب (تبيين كذب المفتري على أبي الحسن الأشعري) ردًا على من زعم أن أبا الحسن لم يكن يدين الله تعالى بما ذكره في (كتاب الإبانة) فقال:
__________
(1) تبيين كذب المفتري، لابن عساكر، ص 389.
(2) تبيين كذب المفتري، لابن عساكر، ص 393 – 394.(1/8)
ما أنبأني به [ابنه] الشيخ الجليل أبو محمد بن أبي القاسم، قال: أنبأني أبي رحمه الله قال: وما ذكره – يعني ما تقدم في معنى (كتاب الإبانة) – فقول بعيد من قول أهل الديانة، كيف يصنف في العلم كتابًا يخلده، وهو لا يقول بصحة ما فيه ولا يعتقده، بل هم – يعني المحققين من الأشعرية – يعتقدون ما فيها أشد اعتقاد، ويعتمدون عليها أشد اعتماد، فإنهم بحمد الله ليسوا معتزلة ولا نفاة لصفات الله معطلة، لكنهم يثبتون له سبحانه ما أثبته لنفسه من الصفات، ويصفونه بما اتصف به في محكم الآيات، وما وصفه به نبيه - صلى الله عليه وسلم - في صحيح الروايات.
قال: ولم يزل (كتاب الإبانة) مستصوبًا عند أهل الديانة.
ثم حكى ما حكيناه عن الأستاذ أبي عثمان الصابوني (1).
وقال في موضع آخر من كتابه هذا: فإذا كان أبو الحسن كما ذكرنا عنه من حسن الاعتقاد مستصوب المذهب عند أهل المعرفة بالعلم والانتقاد، يوافقه تفي أكثر ما يذهب إليه أكابر العباد، ولا يقدح في معتقده غير أهل الجهل والعناد، فلا بد أن نحكي عنه معتقده على وجه الأمانة [وجهه بالامانة]، ونجتنب أن نزيد فيه أو ننقص منه تركًا للخيانة، ليتعلم حقيقة حاله في صحة عقيدته في أصول الديانة.
فاسمع ما ذكره في أول كتابه الذي سماه بـ (الإبانة) فإنه قال:
الحمد لله – ثم استمر الحافظ أبو القاسم رحمه الله في إيراد الكلام على نصه وفصه من أوله إلى باب الكلام في إثبات الرؤية لله عز وجل بالإبصار في الآخرة حرفًا حرفًا كما شرط.
__________
(1) تبيين كذب المفتري، لابن عساكر، ص 388 – 389.(1/9)
ثم قال عقيب ذلك: فتأملوا رحمكم الله هذا الاعتقاد ما أصحه [أوضحه] وأبينه، واعترفوا بفضل هذا الإمام العادل الذي شرحه وبيّنه، وانظروا سهولة لفظه فما أفصحه وأحسنه، وكونوا ممن قال الله فيهم: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ }، وبينوا فضل أبي الحسن، واعرفوا إنصافه، واسمعوا وصفه لأحمد بالفضل واعترافه، لتعلموا أنهما كانا في الاعتقاد متفقين، وفي أصول الدين ومذهب السنة غير مفترقين، ولم تزل الحنابلة في بغداد في قديم الدهر على ممر الأوقات، يعتقدون [تعتضد] بالأشعرية [على أصحاب البدع إلى أن قال:] حتى حدث الاختلاف في زمن أبي نصر بن القشيري بوزارة [ووزره] النظام، ووقع بينهم الانحراف من بعضهم عن بعض لانحلال النظام (1).
ومنهم الفقيه أبو المعالي مجلي صاحب (كتاب الذخائر) في الفقه.
فقد أنبأني غير واحد عن الحافظ أبي محمد المبارك بن علي البغدادي ونقلت [له] أنا من خطه في آخر (كتاب الإبانة): نقلت هذا الكتاب جميعه من نسخة كانت مع الشيخ الفقيه مجلي الشافعي أخرجها إلي في مجلد، فنقلتها وعارضت بها، وكان رحمه الله يعتمد عليها وعلى ما ذكرناه فيها، ويقول: لله من صنفه، ويناظر على ذلك لمن ينظره، وذكر ذلك لي وشافهني به.
وقال: هذا مذهبي وإليه أذهب، فرحمنا الله وإياه.
نقلت ذلك في سنة أربعين وخمس مئة بمكة حرسها الله.
هذا آخر ما نقلته من خط ابن الطباخ رحمه الله.
__________
(1) تبيين كذب المفتري، لابن عساكر، ص 152 – 163.(1/10)