هذه فرنسا العداء للإسلام [رؤية من الداخل]
الملف الصحفي :مصر :الأربعاء15 ذو القعدة 1424هـ
العنصرية في فرنسا تجاوزت كراهية العربي لتصبح كراهية الدين ..الإسلامي برمته , هذا ما كشفته كارولين فونين صحفية بمجلة 'باري ماتش' التي ارتدت الحجاب 21 يوما في مغامرة صحفية ونقلت تعليقات المجتمع التي بدأت 'بأهلا كارولين بن لادن' وفي أحد المطاعم سمعت تعليق 'هناك علاج لحشرات الرأس بدلا من المخنقة'.
إضافة لتعليقات قبيحة وان البعض صرخ في وجهها وكأنها تحمل مدفع كلاشينكوف .. وحكت أنها التقت بإحدى المسلمات وقالت لها إنها ارتدت الحجاب .. فقالت لها المسلمة لن تجدي عملا وستواجهن تعصبا في كل مكان بدءا من أماكن العمل حتى الأحزاب السياسية التي ترفض اشتراك المحجبات بها .. وقالت كارولين في مغامرتها انه كان يتم تفتيشي بدقة كما لو كنت خطرا علي الأمن وأنها لا تسمع إلا الشتائم والمعاكسات السخيفة.
والتعصب الفرنسي تجاه كل ما هو إسلامي كشفه أيضا فانسان جاير باحث فرنسي بمعهد الأبحاث والدراسات حول العالم العربي في كتاب عنوانه: 'موجة كراهية الإسلام علي الطريقة الفرنسية' وذكر فيه أن الإسلام هو الدين الثاني بعد الكاثوليكية وان كراهية الإسلام تنبع من خلاف تاريخي وإدراك عام بان الإسلام دين يسعى لكي يصبح فرنسيا .. وان العقلية الفرنسية تصر علي اعتبار المهاجرين حتى أبناء الجيل الثاني الذين ولدوا وتربوا في فرنسا ليسوا مواطنين فرنسيين ويعتبرونهم مسلمين من أصول عربية.
ويرصد الباحث الفرنسي 15 حادث اعتداء علي المساجد تراوحت بين إلقاء ألوان علي جدار المسجد إلي إشعال حرائق وإلقاء مواد حارقة وإرسال طرود مفخخة.
ورصد الباحث أيضا قرارات محلية في بعض المدن منها قرار عمدة مدينة 'اومون' في الشمال بمنع المسلمين من إقامة احتفالات الزواج يوم السبت علي أساس أن هذا يوم كريم مخصص للفرنسيين الكاثوليك المؤمنين.(1/1)
وفي مدينة 'ايفري' عارض العمدة قرار صاحب سوبر ماركت بعدم بيع الكحوليات ولحم الخنزير.
ويضيف الباحث انه منذ أحداث سبتمبر زادت الإجراءات الأمنية حول المسلمين الذين يمارسون شعائرهم.
وحول المنظمات الإسلامية أصبح استدعاء المسئولين عن الاتحادات الإسلامية وأئمة المساجد أمام مراكز الاستخبارات مسألة دورية .. وهكذا أصبح الإسلام بالنسبة للمجتمع الفرنسي العدو الأول الذي يهدد الجمهورية.
ورصد جاير في كتابه عدة أفعال منها هدم صالة للصلاة .. ووصف المحجبات بالمريضات والأئمة بالأميين في بعض الكتابات.
وطرد وزير العدل الفرنسي دومنيل بيرفان عضوة في هيئة المحلفين في محكمة قرب باريس لارتدائها الحجاب وقال: إن الحجاب يتضمن جزئيا معني الانحياز .. وانه لا يريد وجود علامة علي الالتزام الديني بالمحاكم.
وأضاف إلي ما سبق ما نشرته بعض الصحف الفرنسية ضد الإسلام والمسلمين ووصل الأمر إلى تخصيص ملف داخل مجلة الاكسبريس بعنوان 'أموال الإسلام في فرنسا' وحمل الملف دعوة لتطويق الإسلام بالرقابة علي مصادر تمويل المساجد والجمعيات الخيرية رغم انه بموجب القانون الفرنسي لا يتم تمويل هذه المساجد من ميزانية فرنسا وتعتمد في تمويلها علي الدول الأصلية للمسلمين هناك.
أما الكاتب الفرنسي ميشيل هو لبيك فقد أثار مشاعر الغضب لدي المسلمين عندما قال لمجلة 'لير'إن الإسلام دين غباء وانه يصاب بالانهيار عند سماع القرآن'.
ولكن رغم هذا الحصار والهجوم علي الإسلام إلا أن هناك إقبالا من الفرنسيين علي اعتناق الإسلام .. قدرتهم مجلة 'لوفيجارو' ب50 ألف فرنسي .. وإقبالا شديدا علي شراء نسخ من المصحف الشريف والكتب الدينية التي تتناول الإسلام.
وقفة غضب من قرار حظر الحجاب في فرنسا
تأملات :الوطن العربي :(1/2)
مفكرة الإسلام : في خطوة هي الأقرب إلى حسم قضية حجاب المسلمات في فرنسا، دعم الرئيس الفرنسي جاك شيراك - بصورة مطلقة - حظر الحجاب في مدارس ومؤسسات فرنسا..
ويعتبر المحللون أن الحكومة الفرنسية – بدعم جاك شيراك – صارت أ قرب ما يكون إلى سن قانون يمنع الحجاب على مستوى الدولة، إذ كان اتحاد الغالبية الفرنسية المؤيد للرئيس شيراك قد صوت في يوم 30/11/2003 لصالح هذا القانون بنسبة 90%
وإذا كان هذا القرار مثار جدل واسع النطاق في الأوساط الإسلامية ؛ حيث يبدى توجهًا عنصريًا بالغ التطرف من السياسة الفرنسية تجاه المسلمين، فنحن لا نستطيع النظر للقرار بعيدًا عن التاريخ الطويل للمنازعة بين الإسلام وبين اتجاهات العلمنة داخل فرنسا من زمن بعيد.
ففرنسا التي عانت من مقاومة جزائرية على المستوى السياسي والعسكري لا يمكنها أن تنسى أو تهمل من ذاكرتها تداعيات هذا الاحتلال، كذلك لا يمكنها أن تتغافل عن قادمين جدد من دول الجزائر والمغرب حاملين عقائد وأفكار لن يكون آخرها ما أفرز جبهة الإنقاذ في الجزائر التي كادت أن تقلب الطاولة رأسًا على عقب في عام 1991؛ إذ كانت باريس حليفًا أساسيًا للحكومة الجزائرية في مواجهة الإسلاميين.
لقد أصبح الإسلام في فرنسا رقمًا صعبًا لا يستهان به إذ يوجد في فرنسا ما يربو عن خمسة ملايين مسلم ينخرطون في الحياة الفرنسية ويختلطون بأبناء الشعب ويؤثرون في حضارتهم وثقافتهم وميولهم..
ومنذ العام 1989 وقضية الحجاب في فرنسا تثير اهتمامات الساسة الفرنسيين؛ وفى خريف تلك السنة تفجرت قضية الحجاب بعد أن أقدمت إدارة ثانوية [دوكريي] على طرد ثلاث تلميذات محجبات مما استثار حفيظة المسلمين وارتفعت أصواتهم في المطالبة بالتحقيق في تلك الواقعة، وأصدر مجلس الدولة الفرنسي بعد عدة شهور قراره الشهير بإعادة التلميذات الثلاث إلى مدارسهن وعدم اعتبار الحجاب مخالفًا لقواعد ولا شروط الدراسة.(1/3)
وظلت قضية الحجاب تتردد بين السخونة والسخونة الشديدة طوال الأعوام الماضية إلى أن جاء العام 2003، ووقفت أمريكا – بعد أحداث سبتمبر – موقفًا اعتبره المسلمون معاديًا للإسلام في العالم أجمع، وحاولت أمريكا دفع أوربا معها في تبني هذا الموقف العدائي للإسلام، إلا أن فرنسا – لا سيما بعد أن طفت على السطح خلافات جوهرية بينها وبين أمريكا – حاولت أن ترتدي ثوب الحكمة في ذلك الشأن وسعت لكسب ود المسلمين وسمحت بتأسيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية واعتبرته الهيئة المتحدثة باسم المسلمين في فرنسا والمدافعة عنهم، كذلك نشطت اتحادات المنظمات الإسلامية، وقبل وزير الداخلية نيكولا ساركوزي الحضور في المؤتمر العام لاتحادات هذه المنظمات في يوم 19 ابريل 2003.
إلا أن شتى الاتجاهات العلمانية والنصرانية في فرنسا رأت أن دور الصديق الذي تحاول فرنسا أن تتقمصه مع الدول الإسلامية – استغلالاً للموقف العدائي من أمريكا وبريطانيا للإسلام – قد يكلفها ما لا يحمد عقباه من انتشار الإسلام في ربوع فرنسا، وتكاثر نسبة الحجاب في شوارعها ومؤسساتها وزيادة نسبة معتنقي الإسلام بها؛ ما حدا بها إلى تبني عدد من القوانين والقرارات والمواقف للحد من انتشار المد الإسلامي بها وقطعًا للتأثير الواضح من الثقافة الإسلامية على الثقافة الفرنسية العلمانية.
وهذا القرار الذي نحن بصدده هو نوع فج من تلك القرارات التي تحاول عرقلة المد الإسلامي وانتشاره في فرنسا، ويعتبر مقدمة أكيدة لقانون يمنع الحجاب بشكل عام من فرنسا قد يخرج بين عشية وضحاها.
ودعونا ننظر إلى قرار منع الحجاب من خلال الوقفات التالية..(1/4)
أولاً: يطعن كثيرون في مدى حيادية التقرير الذي بني على أ ساسه قرار منع الحجاب الإسلامي ، والذي قدمته للرئيس الفرنسي لجنة برئاسة الوزير الأسبق برنارستازي في 11/12/2003؛ حيث تتكون هذه اللجنة من خمسين شخصية غير إسلامية.. أ ضيف إليهم مؤخرًا مسلمان هما محمد أركون وحنيفة الشريف المشهوران بالتقارب مع السياسة العلمانية الفرنسية.
وقد اعتمد التقرير على الاستشهاد برأي عينة غير عشوائية عددها 120 شخصية.. وهو كذلك ما يطعن في مصداقية هذه العينة [المنتقاة] وآرائها، بل إن الرئيس الفرنسي لم ينتظر نتائج هذه اللجنة ليبدى رأيه في القضية.. حيث أبداه يوم 5/12 على هامش قمة مؤتمر 5+5 المتوسطية حيث اعتبر الحجاب عدوانيًا في المدارس!!!
ثانيًا: يصطدم قرار منع الحجاب مع المبادئ الأساسية التي تبنتها الجمهورية الفرنسية، وهو ما يسمى بمبادئ الثورة الفرنسية ... [الحرية والمساواة والإخاء]، والتي يعتبرها الفرنسيون أسسًا ضرورية لاتخاذ أي قرار، خصوصًا فيما يخص السياسة الداخلية في فرنسا.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ..ما سبب تخلى السياسة الفرنسية عن مبادئها الأساسية والتي قامت عليها أسسها عندما يتعلق الأمر بقضية إسلامية مؤثرة مثل قضية الحجاب؟!!
ثالثًا: يعمق هذا القرار مفهوم العنصرية بصورة جلية حيث يهمش الرغبات الأساسية والمبادئ الدينية لأكثر من 5 مليون مسلم في فرنسا ؛ كمواطنين لهم حق المواطنة والتمتع بالحرية الكاملة والمساواة.
كما يطيح القرار بكل دعاوى حوار الحضارات والتقارب بين الثقافات والأمم ، وهو ما ترفعه فرنسا في جميع مؤتمرات الفرانكفونية التي ترأسها، والتي كثيرًا ما يصيح بها الفرنسيون في وجه الأمريكيين عند الخلاف بينهما ... فهل نحن أمام صورة أخرى للعنصرية لا تقل عن عنصرية أمريكا في التعامل مع الإسلام واضطهاد مبادئه ومفرداته؟!(1/5)
وإذن ما جدوى التصريحات البراقة التي مازال يصرح بها المسئولون الفرنسيون وعلى رأسهم الرئيس الفرنسي جاك شيراك.. والتي كان آخرها في 30 /8 /2003 ؛ حيث تحدث أمام اجتماع سفراء فرنسا في الخارج وقال: 'يجب أ ن نقف إلى جانب هذا العالم – يعنى الإسلامي- للتغلب على تحدياته التي تواجهه'.
أم إنه علينا أن ننظر - دومًا - إلى مثل هذه التصريحات والدعاوى على أنها تصريحات مصلحية نفعية بالدرجة الأولى لا تريد مصلحة المسلمين بحال ولكنها تريد تضييع هويتهم الإسلامية وإذابة ثقافتهم الدينية في الثقافة الفرنسية العلمانية؟!
رابعًا: يظهر هذا القانون البون الشاسع بين مبادئ الديمقراطية والحرية – المدعاة - وبين التطبيق الفعلي لها، خصوصًا فيما يخص الديانة الإسلامية والثقافة الإسلامية ...
فالبند [ الثامن عشر ] من الميثاق العالمي لحقوق الإنسان ينص على ضمان حرية التدين وإظهار الانتماء الديني .. وهو الميثاق المعلق على جدر شتى المؤسسات والهيئات الفرنسية!!
ثم ها نحن نسمع من تصريحات المسئولين الفرنسيين ما يضاد ذلك - علانية - تجاه الحجاب!
يقول وزير الداخلية الفرنسي نيكولا ساركوزي في كلمته التي ألقاها في 19 أبريل 2003 في افتتاح مؤتمر اتحاد المنظمات الإسلامية: 'إن على المسلمات أن ينزعن حجابهن عندما يتعلق الأمر بتقديم صور إلى مراكز الشرطة لإصدار بطاقات الهوية' ... .وكانت هذه نوع استثارة للموضوع من جديد..
ليتابعه بعد ذلك رئيس الحكومة جان بيير رافاران في مايو 2003 مصرحًا برغبته في إصدار قانون يمنع الحجاب في المدارس والهيئات..!
بل إن رئيس الحكومة قد تشدد في ذلك واعتبر أن ' ... المجتمع الفرنسي سيكون مجبرًا على التعامل مع قضايا تتعلق بالحجاب بشكل عام ودائم' ، مشيرًا إلى أن قرار منع الحجاب في المدارس والمؤسسات الرسمية هو الملاذ الأخير!(1/6)
خامسًا: أهملت الحكومة الفرنسية الأحكام القضائية السابقة التي لم تجبر الطالبات المسلمات على خلع حجابهن, ومنها قرار مجلس الدولة الفرنسي عام 1989 بشأن الرموز الدينية الذي يقول: 'إن الرموز الدينية ليست في حد ذاتها مهددة للدولة في شيء..'، وهو ما طالب به المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية في اجتماعه يوم 11/10/ 2003؛ إذ طالب بتطبيق قرار مجلس الدولة السابق الذكر في قضية الحجاب والذي لا يعتبر الحجاب يمثل مشكلة ما لم يكن مظهر تفاخر أو تحرش أو معطلاً لسير الدروس داخل المدرسة.
ولكن الرئيس شيراك عارض هذا علانية بقوله: 'إن فرنسا تشعر بأنها تتعرض لهجوم بشكل ما نتيجة لعرض مظاهر دينية لافتة للأنظار - يقصد الحجاب -'
ولنا أن نعلم أن إهمال هذه الأحكام القضائية قد مورس من قبل في شتى المدارس في فرنسا تجاه الحجاب؛ وخصوصًا في الأشهر الأخيرة، حيث أجرت مجلة [لونوفيل أوبزرفانوز] الفرنسية إحصائية بتاريخ 21/5/2003 أوضحت بأن عدد المشاكل التي أثيرت بسبب الحجاب قد بلغ 400 مشكلة.
ولنا أن نسأل: لماذا تحترم القوانين والقرارات في معظم الأمور ... . وتتهاوى ويتحطم الالتزام بها أمام قضايا الإسلام؟!
سادسًا: ظهر التحيز الواضح في تطبيق هذا القرار على الأديان المختلفة.
ففي حين ذكرت إذاعة فرنسا في 3/12/ 2003 أن القرار سوف يشمل حظر ارتداء الطاقية اليهودية والحجاب، فإن شيراك في خطابه قال: 'إن الحظر لن يشمل الرموز الصغيرة مثل الطاقية الصغيرة – يعنى اليهودية - والصلبان الصغيرة!!!!!
فما هو الذي حظر على اليهود والمسيحيين إذن في فرنسا؟!
هل هو الصليب الكبير والذي لا يرتديه إلا البابوات؟! أم إنه القلنسوة اليهودية الكبيرة التي لا يرتديها إلا الحاخامات؟!(1/7)
يقول الدكتور برهان غليون مدير مركز دراسات الشرق المعاصر بالسوربون في حديث له بقناة الجزيرة الفضائية: 'إن المقصود هو الحجاب وفقط, أما الصليب الكبير والقلنسوة الكبيرة فهما غير مقصودين لأنهما يختصان برجال الدين فقط.. وأضاف قائلاً: 'إن المقصود بهذا القرار هو الحجاب فقط'.
ولذلك فلا عجب أن نرى تناقضًا في موقف اليهود في فرنسا من ذلك القرار؛ فإن لهم موقفين متناقضين - وهو تناقض مقصود وظاهرًا فحسب- وهما:
الأول: موقف رفض للقرار .. ويعبر عنه الحبر جوزيف ستيرك؛ ويراد منه الاستفادة من الرفض في عدم منع الطاقية اليهودية والقلنسوة اليهودية.
والثاني: موقف موافقة وتأييد للقرار بدرجة شديدة .. ويعبر عنه الحبر اليهودي جوزي إيزنبرق؛ والذي دعا صراحة في مقال له بجريدة لوموند بتاريخ 30/5/ 2003 إلى: 'منع الحجاب حتى في الشوارع'!!!
سابعًا: وأخيرًا ..هل هذه هي فرنسا التي تدعي المبادئ والحرية؟
هل هذه هي فرنسا التي لا تستطيع أن تتحمل وجود طالبة أو موظفة محجبة في مدرسة أو مؤسسة؟
إن الأمر ليس كذلك ولا شك ...
إنها حرب معلنة من قبل الجميع على الثقافة الإسلامية والمبادئ الإسلامية والقيم الإسلامية..
إن الحجاب لا يمثل رمزًا دينيًا – كما يقال - وفقط، .. إن الحجاب فرض شرعي إسلامي، وله وظيفة أساسية في حياة المرأة المسلمة وهو الستر.
ويعتبر المتهاون في الحجاب متهاونًا بأمر أساسي في الشريعة الإسلامية، والمرأة المسلمة العفيفة المحجبة لا يمكنها خلع حجابها لأنها بذلك تخلع سترها ...(1/8)
ولن يفلح معنا – نحن المسلمين- أن تقدم لنا الحكومة الفرنسية يوم عطلة في عيد الأضحى – كما أذاعوا وقالوا: إن اللجنة التي أوصت بمنع الحجاب أوصت كذلك باعتبار يوم الأضحى ويوم الغفران عند اليهود يوم عطلة ... وهو ما أشار إليه فرانسوَا بيرو الأمين العام للاتحاد العام من أجل الديمقراطية – يمين الوسط – بقوله: 'إن مسألة العطلة يوم الأضحى هي توصية سياسية تنطوي على خدعة .. خذ وهات' ... في إشارة إلى تمرير قانون الحجاب في مقابل العطلة!!
كذلك – وإمعانًا في المهانة – فقد أوصوا بتخصيص مساحات للمسلمين في المقابر .. وأئمة لهم في السجون!!
وهكذا يريدون للمأساة أن تمر بمقايضة مضحكة ساخرة مهينة لكل أمة الإسلام؛ يكشفون عورة نسائنا وبناتنا وأمهاتنا .. ويحظرون الستر عنهن ... ويلقون إلينا ملهاة في يوم عطلة .. أو مساحة فراغ في مقبرة!!
إن الأمة التي تفرط في عرضها وقيمها لن تحتاج إلى مكان في القبور ... لأنها قد ماتت .. حتى قبل أن تفارق الحياة..!
إنني لازلت أذكر مقولة قالتها النائبة التركية مروة قاوقجى يوم أن ضغطوا عليها لتخلع حجابها .. يومها صرخت فيهم قائلة: 'أنتم تدعون الديمقراطية؟! .. إن لباسي وارتدائي الحجاب هو مسألة شخصية لا علاقة لها بالقانون، ولو حتى عارضها القانون، فإن خلع رأسي عن جسدي أقرب بكثير من خلع حجابي'!!!
فهلا صرخة غضب في وجه هذا القرار من كل من له مسكة قيمة أو وفاء تجاه هذا الدين؟ ...
كتبه.. خالد السيد
الحجاب يا فتاة الإسلام
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد:(1/9)
فهذه رسالة قصيرة موجهة إلى الأخت المسلمة تتعلق بمسألة الحجاب والسفور، ولا يخفى على عاقل ما عمت به البلوى في كثير من بلاد المسلمين من تبرج كثير من النساء وعدم التزامهن بالحجاب، ولا شك أن هذا منكر عظيم، وسبب لنزول العقوبات والنقمات. وفي هذا الرسالة بيان لفرضية الحجاب وفضائله وشروطه، وتحذير من التبرج وعواقبه، نسأل الله أن ينفع بها أخواتنا المؤمنات، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
الحجاب عبادة وليس عادة
? أختي المسلمة: إن دعاة الضلالة وأهل الفساد يحاولون دائما تشويه الحجاب، ويزعمون أنه هو سبب تخلف المرأة، وأنه كبت لها وتقييد لحريتها، ويشجعونها على التبرج والسفور وعدم التقيد بالحجاب، بدعوى أن ذلك دليل على التحرر والتحضر، وهم لا يريدون بذلك مصلحة المرأة كما قد تعتقده بعض الساذجات، وإنما يريدون بذلك تدمير المرأة والقضاء على حياتها وعفافها، فاحذري أختي المسلمة أن تنخدعي بمثل هذا الكلام، وكوني معتزة بدينك متمسكة بحجابك، وتأكدي أن الحجاب أسمى من ذلك بكثير، وأنه أولا وقبل كل شيء عبادة لله وطاعة لرسوله صلى الله عليه وسلم، وليس مجرد عادة يحق للمرأة تركها متى شاءت، وأنه عفة وطهارة وحياء.
? أختي المسلمة، إن الله تعالى عندما أمرك بالحجاب إنما أراد لك أن تكون طاهرة نقية بحفظ بدنك وجميع جوارحك من أن يؤذيك أحد بأعمال دنيئة أو أقوال مهينة، وأراد لك به أيضا العلو والرفعة . فالحجاب تشريف وتكريم لك وليس تضييقا عليك، وهو حلة جمال وصفة كمال لك، وهو أعظم دليل على إيمانك وأدبك وسمو أخلاقك، وهو تمييز لك عن الساقطات المتهتكات .
? فإياك إياك أن تتساهلي به أو تتنكري له، فإنه - والله - ما تساهلت امرأة بحجابها أو تنكرت له إلا تعرضت لسخط الله وعقابه، وما حافظت امرأة على حجابها إلا ازدادت رضا وقربا من الله، واحتراما وتقديرا من الله.
شروط الحجاب الشرعي(1/10)
? إن الحجاب الشرعي للمرأة المسلمة يجب أن يكون سميكا غير شفاف، وألا يكون زينة في نفسه كأن يكون ذا ألوان جذابة يلفت الأنظار، ولا ضيقا، ولا لباس شهرة، ولا معطرا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حرم على المرأة أن تتعطر وتخرج إلى مكان فيه رجال أجانب، فقال: (أيما امرأة استعطرت فمرت بالقوم ليجدوا ريحها فهي زانية) وألا يشبه لباس الرجل، ويجب أن يكون الحجاب أيضا ساترا لجميع البدن بما في ذلك الوجه الذي تساهلت بكشفه بعض النساء بحجة أنه ليس بعورة. وياللعجب كيف لا يكون الوجه عورة وهو أعظم فتنة في المرأة، وهو مكان جمالها ومجمع محاسنها، وإذا لم يفتتن الرجل بوجه المرأة فبماذا سيفتتن إذا ؟!!
? ولقد وردت نصوص كثيرة في الكتاب والسنة تدل على وجوب تغطية المرأة لجميع بدنها، لأن المرأة كلها عورة لا يصح أن يرى الرجال الذين ليسوا من محارمها شيئا منها، ومن هذه الأدلة قوله تعالى: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) النور 31قالت عائشة رضي الله عنها: (لما نزلت هذه الآية أخذن نساء الأنصار أزرهن فشققنها من قبل الحواشي فاختمرن بها) أي : غطين وجوههن. وأيضا ما جاء في الحديث المتفق على صحته في قصة عائشة رضي الله عنها في حادثة الإفك لما نامت في مكانها ثم أتى صفوان ابن المعطل إليها قالت: فخمرت. وفي رواية: (فسترت وجهي عنه بجلبابي) الحديث كل ذلك مما يدل على وجوب تغطية الوجه .(1/11)
? لذا يجب على كل امرأة مسلمة أن تتقي الله في نفسها، وأن تلتزم بحجابها التزاما كاملا، ولا تتساهل بأي شيء منه، كأن تكشف مثلا كفيها أو ذراعيها، أو تلبس نقابا أو لثما مثيرا للفتنة، تظهر من خلاله جزءا كبيرا من وجهها، أو تغطي وجهها بغطاء شفاف يشف ما تحته، ثم تعتقد بعد ذلك أنها قد تحجبت حجابا كاملا، وأن ما كشفته من جسمها يعتبر أمرا بسيطا لا يثير الفتنة، أو لا يعتبر من التبرج، المذموم، وأنه يجب عليها أن تحرص على أن تتجنب كل ما قد يؤثر على حجابها أو يخدش حيائها، لئلا يطمع فيها الفسقة كما هي عادتهم مع المرأة التي لا تظهر بمظهر الاحتشام الكامل ، ولكي لا تعرض نفسها لسخط الله وعقابه، كما ورد ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: (صنفان من أهل النار لم أرهما ... ) وذكر ( ... ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) رواه مسلم.
? قال أهل العلم: معنى كاسيات عاريات أنهن يلبسن ملابس لكنها قد تكون ضيقة أو شفافة أو غير ساترة لجميع الجسم.
? وسئل فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين عن صفة الحجاب الشرعي، فأجاب حفظه الله بقوله: القول الراجح أن الحجاب الشرعي أن تحجب المرأة كل ما يفتن الرجال بنظرهم إليه، وأعظم شيء في ذلك هو الوجه، فيجب عليها أن تستر وجهها عن كل إنسان أجنبي منها، أما من كان من محارمها فلها أن تكشف وجهها له .
? وأما من قال إن الحجاب الشرعي هو أن تحجب شعرها وتبدي وجهها ... فهذا من عجائب الأقوال !! فأيما أشد فتنة : شعر المرأة أو وجهها ؟! وأيما أشد رغبة لطالب المرأة أن يسأل عن وجهها أو أن يسأل عن شعرها؟(1/12)
? كلا السؤالين لا يمكن الجواب عنهما إلا بأن يقال: إن ذلك في الوجه. وهذا أمر لا ريب فيها، والإنسان يرغب في المرأة إذا كان وجهها جميلا ولو كان شعرها دون ذلك، ولا يرغب فيها إذا كان وجهها ذميماً ولو كان شعرها أحسن الشعر، ففي الحقيقة أن الحجاب الشرعي هو ما تحتجب به المرأة حتى لا يحصل منها فتنة أو بها، ولا ريب أن متعلق ذلك هو الوجه .
التبرج والسفور دعوة إلى الفاحشة والفساد
? إن المرأة إذا تبرجت وتكشفت للرجال - غاض ماء وجهها، وقل حياؤها، وسقطت من أعين الناس، وعملها هذا دليل على جهلها وضعف إيمانها ونقص في شخصيتها، وهو بداية الضياع والسقوط لها، وهي بتبرجها وتكشفها تنحدر بنفسها إلى مرتبة أدنى من مرتبة الإنسان الذي كرمه الله وأنعم عليه بفطرة حب الستر والصيانة، ثم إن التبرج والسفور أيضا ليس دليلا على التحضر والتحرر كما يزعم أعداء الإسلام ودعاة الضلالة، وإنما هو في الحقيقة انحطاط وفساد اجتماعي ونفسي، ودعوة إلى الفاحشة والفساد، وهو عمل يتنافى مع الأخلاق والآداب الإسلامية، وتأباه الفطر السليمة. ولا يمكن أن تعمل هذا العمل إلا المرأة جاهلة قد فقدت حياءها وأخلاقها، لأنه لا يتصور أبدا أن امرأة عاقلة عفيفة يمكن أن تعرض نفسها ومفاتنها هذا العرض المخجل والمخزي للرجال في الأسواق وغيرها دون حياء أو خجل.
? وريما تعتقد بعض النساء أنها إذا خرجت متبرجة كاشفة وجهها ومفاتنها للناس أنها بذلك ستكسب إعجاب الناس واحترامهم لها، وهذا اعتقاد خاطئ، لأن الناس لا يمكن أبدا أن يحترموا من تعمل مثل هذه الأمور، بل إنهم يمقتونها وينظرون إليها نظرة ازدراء واحتقار، وهي في نظرهم امرأة ساقطة معدومة الكرامة والأخلاق، فكيف ترضى امرأة عاقلة لنفسها بكل ذلك؟! وما الذي يدعوها إلى أن تهين نفسها وتنزل بها إلى هذا المستوى؟! أين ذهب عقلها وحياؤها؟!(1/13)
? فيا من أغراها الشيطان بالتبرج والسفور: اتقي الله وتوبي إليه من هذا العمل القبيح، واعرفي مالك وتذكري مصيرك، وتذكري سكناك وحيدة فريدة في القبر الموحش المظلم، وتذكري وقوفك بين يدي الله عز وجل، وتذكري أهوال يوم القيامة، وتذكري الحساب والميزان، وتذكري جهنم وما أعد الله فيها من العذاب الأليم لم عصاه وخالف أموره .. تذكري كل ذلك قبل أن تقدمي على مثل هذا العمل، واعلمي أنك والله أضعف من أن تتحملي شيئا من عذاب الله، أو أن تطيقي شيئا من هذه الأهوال العظيمة التي أمامك، فارحمي نفسك ولا تعرضيها لمثل ذلك، وبادري بالتوبة النصوح قبل أن يغلق في وجهك الباب ، ويعلوك التراب، فتندمي ولات ساعة مندم.
كلمة إلى بعض الرجال
? إنها لم تفسد أكثر النساء ولم تصل إلى هذا الحد من التبرج والسفور والتهاون بدينها حجابها إلا بسبب تهاون بعض الرجال مع نسائهم واستهتارهم بدينهم وفقدهم لنخوة الرجال وغيرتهم وعدم نهيهن عن مثل هذه الأعمال.
? فيا حسرتاه ... ترى كم فقد بعض الرجال من رجولتهم حتى أصبحوا أشباه رجال لا رجالاً، فويل ثم ويل لأولئك الذين لا يعرفون كرامتهم، ولا يحفظون رعيتهم، ولا يحسنون القيام على ما استرعاهم الله من النساء، ولقد توعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من فرط في حق رعيته فقال: (ما من راع يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة)
? فيا أيها الرجال إن أعراضكم كأرواحكم وقد فرطتم بها كثيرا، فأهملتم الرعاية، وضيعتم الأمانة، وركبتم الخطر، وإن تهلكون إلا أنفسكم وما تشعرون أفلا تعقلون وتتوبون إلى ربكم وتحفظون نسائكم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وسلم
الحجاب ... إيمان .. طهارة .. تقوى .. حياء .. عفة
إعداد دار القاسم
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد:-(1/14)
فقد لقيت المرأة المسلمة من التشريع الإسلامي عناية فائقة كفيلة بأن تصون عفتها ، وتجعلها عزيزة الجانب ، سامية المكان ، وإن الشروط التي فرضت عليه في ملبسها وزينتها لم تكن إلا لسد ذريعة الفساد الذي ينتج عن التبرج بالزينة ، وهذا ليس تقييداً لحريتها بل هو وقاية لها أن تسقط في درك المهانة ، ووحل الابتذال ، أو تكون مسرحاً لأعين الناظرين .
فضائل الحجاب
الحجاب طاعة لله عز وجل وطاعة للرسول صلى الله عليه وسلم :
أوجب الله طاعته وطاعة رسول صلى الله عليه وسلم فقال :{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا } [الأحزاب : 36]
وقد أمر الله سبحانه النساء بالحجاب فقال تعالى :{ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } [النور : 31]
وقال سبحانه : { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى } [الأحزاب :33] وقال تعالى :{ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } [ الأحزاب : 53] وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ } [الأحزاب : 59].
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم :" المرأة عورة" يعني يجب سترها .
الحجاب عفة(1/15)
فقد جعل الله تعالى التزام الحجاب عنوان العفة ، فقال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ } [الأحزاب : 59]
لتسترهن بأنهن عفائف مصونات { فَلَا يُؤْذَيْنَ } فلا يتعرض لهن الفساق بالأذى، وفي قوله سبحانه { فَلَا يُؤْذَيْنَ } إشارة إلى أن معرفة محاسن المرأة إيذاء لها ولذويها بالفتنة والشر .
الحجاب طهارة
قال سبحانه وتعالى :{ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } [الأحزاب : 53].
فوصف الحجاب بأنه طهارة لقلوب المؤمنين والمؤمنات لأن العين إذا لم تر لم يشته القلب ، ومن هنا كان القلب عند عدم الرؤية أطهر ، وعدم الفتنة حينئذ أظهر لأن الحجاب يقطع أطماع مرضى القلوب :{ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ } [الأحزاب : 32].
الحجاب ستر
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إن الله حيي ستير ، يحب الحياء والستر " وقال صلى الله عليه وسلم :" أيما امرأة نزعت ثيابها في غير بيتها خرق الله عز وجل عنها ستره "، والجزاء من جنس العمل .
الحجاب تقوى
قال تعالى : { يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ } [ الأعراف : 26]
الحجاب إيمان
والله سبحانه وتعالى لم يخاطب بالحجاب إلا المؤمنات فقد قال سبحانه وتعالى :{ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ } وقال الله عز وجل { وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ}
ولما دخل نسوة من بني تميم على أم المؤمنين – عائشة رضي الله عنها – عليهن ثياب رقاق قالت :"إن كنتن مؤمنات فليس هذا بلباس المؤمنات ، وإن كنتين غير مؤمنات فتمتعن به ".
الحجاب حياء(1/16)
قال صلى الله عليه وسلم :" إن لكل دين خلقاً ، وإن خلق الإسلام الحياء" وقال صلى الله عليه وسلم :" الحياء من الإيمان ، والإيمان في الجنة " وقال عليه الصلاة السلام : " الحياء والإيمان قرنا جميعاً ، فإن رفع أحدهما رفع الآخر ".
الحجاب غيرة
يتناسب الحجاب أيضاً مع الغيرة التي جُبل عليها الرجل السوي الذي يأنف أن تمتد النظرات الخائنة إلى زوجته وبناته ، وكم من حرب نشبت في الجاهلية والإسلام غيرة على النساء وحمية لحرمتهن ، قال علي رضي الله عنه :" بلغني أن نساءكم يزاحمن العلوج –أي الرجال الكفار من العجم – في الأسواق ألا تغارون ؟ إنه لا خير فيمن لا يغار ".
قبائح التبرج
التبرج معصية لله ورسول صلى الله عليه وسلم
ومن يعص الله ورسوله فإنه لا يضر إلا نفسه ، ولن يضر الله شيئاً ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى "، قالوا : يا رسول الله ومن يأبى ؟ قال :" من أطاعني دخل الجنة ، ومن عصاني فقد أبى ".
التبرج يجلب اللعن والطرد من رحمة الله
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" سيكون في آخر أمتي نساء كاسيات عاريات ، على رؤوسهن كأسنمة البخت ، العنوهن فإنهن ملعونات ".
التبرج من صفات أهل النار
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" صنفان من أهل النار لم أرهما : قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ، ونساء كاسيات عاريات .. " الحديث .
التبرج سواد وظلمة يوم القيامة
رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" مثل الرافلة في الزينة في غير أهلها ، كمثل ظلمة يوم القيامة لا نور لها "، يريد أن المتمايلة في مشيتها وهي تجر ثيابها تأتي يوم القيامة سوداء مظلمة كأنها متسجدة في ظلمة والحديث – وإن كان ضعيفاً – لكن معناه صحيح وذلك لأن اللذة في المعصية عذاب ، والطيب نتن ، والنور ظلمة ، بعكس الطاعات فإن خلوف فم الصائم ودم الشهيد أطيب عند الله من ريح المسك .
التبرج نفاق(1/17)
قال النبي صلى الله عليه وسلم :" خير نسائكم الودود الولود ، المواسية المواتية ، إذا اتقين الله ، وشر نسائكم المتبرجات المتخيلات وهن المنافقات لا يدخلن الجنة إلا مثل الغراب الأعصم "، الغراب الأعصم : هو أحمر المنقار والرجلين ، وهو كناية عن قلة من يدخل الجنة من النساء لأن هذا الوصف في الغربان قليل .
التبرج تهتك وفضيحة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أيما امرأة وضعت ثيابها في غير بيت زوجها ، فقد هتكت ستر ما بينها وبين الله عز وجل ".
التبرج فاحشة
فإن المرأة عورة وكشف العورة فاحشة ومقت قال تعالى :{ وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء} [الأعراف:28]
والشيطان هو الذي يأمر بهذه الفاحشة { الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء}[البقرة:268]
التبرج سنة إبليسية
إن قصة آدم مع إبليس تكشف لنا مدى حرص عدو الله إبليس كشف السوءات ، وهتك الأستار ، وأن التبرج هدف أساسي له ، قال تعالى :{ يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا} [الأعراف:27]
فإذن إبليس هو صاحب دعوة التبرج والتكشف ، وهو زعيم زعماء ما يسمي بتحرير المرأة .
التبرج طريقة يهودية
لليهود باع كبير في مجال تحطيم الأمم عن طريق فتنة المرأة وهم أصحاب خبرة قديمة في هذا المجال ، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم :" فاتقوا الدنيا واتقوا النساء ، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ".
التبرج جاهلية منتنة
قال تعالى : { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى } [الأحزاب :33](1/18)
وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم دعوى الجاهلية بأنها منتنة أي خبيثة فدعوى الجاهلية شقيقة تبرج الجاهلية، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :"كل شيء من أمر الجاهلية موضوع تحت قدمي "، سواء في ذلك تبرج الجاهلية ، ودعوى الجاهلية ، وحمية الجاهلية .
التبرج تخلف وانحطاط
إن التكشف والتعري فطرة حيوانية بهيمية ، لا يميل إليه الإنسان إلا وهو ينحدر ويرتكس إلى مرتبة أدنى من مرتبة الإنسان الذي كرمه الله ، ومن هنا كان التبرج علامة على فساد الفطرة وانعدام الغيرة وتبلد الإحساس و موت الشعور :
لحد الركبتين تشمرينا *** بربك أي نهر تعبرين
كأن الثوب ظلٌ في صباح *** يزيد تقلصاً حيناً فحينا
تظنين الرجال بلا شعور *** لأنكِ ربما لا تشعرينا
التبرج باب شر مستطير
وذلك لأن من يتأمل نصوص الشرع وعبَر التاريخ يتيقن مفاسد التبرج وأضراره على الدين والدنيا ، لا سيما إذا انضم إليه الاختلاط المستهتر .
فمن هذه العواقب الوخيمة :
* تسابق المتبرجات في مجال الزينة المحرمة ، لأجل لفت الأنظار إليهن .. مما يتلف الأخلاق والأموال ويجعل المرأة كالسلعة المهينة .
ومنها : فساد أخلاق الرجال خاصة الشباب ودفعهم إلى الفواحش المحرمة . ومنها : المتاجرة بالمرأة كوسيلة للدعاية أو الترفيه في مجالات التجارة وغيرها .
ومنها : الإساءة إلى المرأة نفسها باعتبار التبرج قرينة تشير إلى سوء نيتها وخبيث طويتها مما يعرضها لأذية الأشرار والسفهاء .
ومنها : انتشار الأمراض لقوله صلى الله عليه وسلم :" لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا ".(1/19)
ومنها : تسهيل معصية الزنا بالعين : قال عليه الصلاة والسلام : " العينان زناهما النظر " وتعسير طاعة غض البصر التي هي قطعاً أخطر من القنابل الذرية والهزات الأرضية .قال تعالى :{ وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا}[الإسراء:16]، وجاء في الحديث : "أن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعذاب ".
فيا أختي المسلمة :
هلا تدبرت قول الرسول صلى الله عليه وسلم :" نَحِ الأذى عن طريق المسلمين " فإذا كانت إماطة الأذى عن الطريق من شعب الإيمان فأيهما أشد شوكة ... حجر في الطريق ، أم فتنة تفسد القلوب وتعصف بالعقول ، وتشيع الفاحشة في الذين آمنوا ؟
إنه ما من شاب مسلم يُبتلى منك اليوم بفتنة تصرفه عن ذكر الله وتصده عن صراطه المستقيم – كان بوسعك أن تجعليه في مأمن منها – إلا أعقبك منها غداً نكال من الله عظيم .
بادري إلى طاعة الله ، ودعي عنك انتقاد الناس ، ولومهم فحساب الله غداً أشد وأعظم .
الشروط الواجب توفّرها مجتمعه حتى يكون الحجاب شرعياً .
الأول: ستر جميع بدن المرأة على الراجح .
الثاني: أن لا يكون الحجاب في نفسه زينة .
الثالث: أن يكون صفيقاً ثخيناً لا يشف .
الرابع: أن يكون فضفاضاً واسعاً غير ضيق .
الخامس: أن لا يكون مبخراً مطيباً .
السادس : أن لا يشبه ملابس الكافرات .
السابع : أن لا يشبه ملابس الرجال .
الثامن : أن لا يقصد به الشهرة بين الناس .
احذ ري التبرج المقنع
إذا تدبرت الشروط السابقة تبين لك أن كثيراً من الفتيات المسميات بالمحجبات اليوم لسن من الحجاب في شيء وهن اللائي يسمين المعاصي بغير اسمها فيسمين التبرج حجاباً ، والمعصية طاعة .(1/20)
لقد جهد أعداء الصحوة الإسلامية لو أدها في مهدها بالبطش والتنكيل ، فأحبط الله كيدهم ، وثبت المؤمنين و المؤمنات على طاعة ربهم عز وجل . فرأوا أن يتعاملوا معها بطريقة خبيثة ترمي إلى الانحراف عن مسيرتها الربانية فراحوا يروجون صوراً مبتدعة من الحجاب على أن أنها "حل وسط " ترضي المحجبة به ربها –زعموا- وفي ذات الوقت تساير مجتمعها وتحافظ على " أناقتها "!
سمعنا وأطعنا
إن المسلم الصادق يتلقى أمر ربه عز وجل ويبادر إلى ترجمته إلى واقع عملي ، حباً وكرامة للإسلام واعتزازا ً بشريعة الرحمن ، وسمعاً وطاعة لسنة خير الأنام صلى الله عليه وسلم غير مبال بما عليه تلك الكتل الضالة التائهة ، الذاهلة عن حقيقة واقعها والغافلة عن المصير الذي ينتظرها .
وقد نفى الله عز وجل الإيمان عمن تولى عن طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم فقال: { وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ } [النور:47،48] إلى قوله { إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {51} وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور : 51،52 ](1/21)
وعن صفية بنت شيبة قالت : بينها نحن عند عائشة –رضي الله عنها – قالت : فذكرت نساء قريش وفضلهن ، فقالت عائشة –رضي الله عنها -:" إن لنساء قريش لفضلاً ، وإني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشد تصديقاً لكتاب الله ، ولا إيماناً بالتنزيل ، لقد أنزلت سورة النور { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } [النور : 31] فانقلب رجالهن إليهن يتلون ما أنزل الله إليهن فيها ، ويتلو الرجل على امرأته وابنته وأخته وعلى كل ذي قرابته ، فما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها المرحل ( أي الذي نقش فيه صور الرحال وهي المساكن ) فاعتجرت به ( أي سترت به رأسها ووجهها ) تصديقاً وإيماناً بما أنزل الله في كتابه ، فأصبحن وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم معتجرات كأن على رؤوسهن الغربان " وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.
أبعاد معركة الحجاب
د. أحمد بلوافي
الخطاب الشهير الذي ألقاه الرئيس الفرنسي، جاك شيراك يوم السابع عشر من شهر ديسمبر (كانوا الأول) من العام الماضي، أثار ردود فعل واسعة النطاق على المستوى العالمي بشكل عام، والأوربي والعربي منه على وجه الخصوص، وذلك لما طرحه من رؤى مؤيدة لما توصل إليه مجلس "الحكماء" الذي شكله شيراك برئاسة برنار ستاسي في شهر يوليو (تموز) من العام نفسه، للنظر في مسألة سن قانون يحظر لبس أو تعليق "الرموز" و "الشارات" الدينية التي "تُعلم" عن دين أو معتقد واضعها أو مرتديها في المدارس والمعاهد العامة، والمعامل والإدارات التابعة للدولة، ومطالبته في الوقت ذاته الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) المصادقة عليه وإقراره في أسرع وقت ممكن؛ قبل بداية الموسم الدراسي القادم، ليدخل حيز التنفيذ في شهر سبتمبر (أيلول) القادم (2004)، وقد أطلق على هذا المشروع القانوني اسم "تطبيق مبدأ العلمانية".(1/22)
لقد كانت هذه الخرجة "العنترية" والغضبة "المضرية" من شيراك محل استهجان واستنكار، بل استفزاز من قبل العديد من الدوائر والمهتمين والمتابعين لهذا الأمر، وأكثر مصدر للاستفزاز وإثارة الغضب تمثل في الثقل والإلحاح الكبيرين الذين ألقى بهما شيراك خلف هذه المسألة في ظل هذه الظروف العالمية المتشابكة التي ينال المسلمين منها النصيب الأوفى، ثم تسوية أمر رباني ورد النص بالالتزام به - وهو الحجاب - مع شارات لا يؤثر لبسها وعدمه على معتقد أو سلوك من يتمسك به، كالقلنسوة اليهودية والصليب النصراني الكبيرين !! كما وضح ذلك فخامة الرئيس والذي فهمه الكثيرون من هذا الخلط هو الالتفاف على مسألة الحجاب وعدم إفرادها حتى تميع القضية ويلتبس أمرها على الدهماء من الناس، ولتُلقم بعد ذلك أفواه المنادين من المسلمين أو المتعاطفين معهم بعدم مضي فرنسا في مسلكها هذا بأن الأمر لا يقتصر عليهم وحدهم، بل هو شامل لهم ولغيرهم.(1/23)
وفي هذا المسلك العجيب مع توقيته من الخبث والدهاء ما تفطن له الغيورون والمنصفون، وذلك بالتأكيد على أن الحجاب هو المقصود من هذا الإجراء بشكل رئيسي، وذلك لأن موضوعه مطروح من قبل، منذ أواخر الثمانينيات، حيث منع العديد من المسلمات اللائي رفضن خلع الحجاب (1) [1] السماح لهن بالعودة مرة أخرى إلى المدارس، وانتقل الأمر في بعض المرات إلى القضاء الذي أقر بأن هذه الإجراءات تعسفية، وأنها لا تتماشى مع مبدأ "علمانية الدولة" والحرية الشخصية التي يكفلها الدستور، والذي يسمح للفرد أن يلبس ما يراه مناسباً، كما حدث في قضايا 89 و 1992. أما التوقيت فإنه مثير للدهشة بشكل أكبر وذلك لأن عدد المنازعات المرتبطة بالحجاب في فرنسا انخفضت من واقع 400 حادثة في السنة في منتصف التسعينيات إلى 150 حالة الآن (2) [2]، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد رأى البعض في هذا التصرف حمقاً فرنسي، كما هو معهود، يقضي على كل الإيجابيات وخاصة التعاطف الذي حققتهما الديبلوماسية الفرنسية في العالمين العربي والإسلامي بسبب مواقفها في الحرب الأمريكية- البريطانية على العراق.
الجديد في هذا، حسب تصوري وتقديري، هو الدعاوى و "الحجج" التي ساقها شيراك كمبررات لضرورة حسم فرنسا هذا الأمر "الاستراتيجي" و "الخطير" الذي لو استمر أمر السماح به لقوض دعائم الجمهورية العلمانية الفرنسية التي أرسيت قواعدها على مبادئ الثورة الفرنسية والتي تنادي بالتمسك، بل والعض بالنواجذ على ثالوث: "الحرية والمساواة والإخاء". فقد أشار شيراك إلى جملة من المسائل والأمور يمكن إيجازها في النقاط التالية:
__________
(1) - يجب أن نعلم أن مدار الأمر في الأساس هو غطاء الرأس (Le Foulard) وليس ا لحجاب بمعناه الشرعي، ونظراً للترابط بين الأمرين فأصبح الشائع في الاستخدام هو مصطلح الحجاب.
(2) - حنيفة شريفي، وهي المرأة التي تتعامل بالملفات المتعلقة بمنازعات "أزمة" ارتداء الحجاب. رويترز.(1/24)
1. تكريس العلمانية والمحافظة عليها لحماية القيم الفرنسية.
2. عدم التوظيف الخاطئ للحرية الدينية، لتصبح مصدراً للتمييز والاعتداء على حرية الآخرين!!
3. الفرنسيون يقبلون التعايش مع تنوع الثقافات في ظل العولمة، لكنهم يرفضون التطرف والغلو!!
4. الدمج الكامل للمهاجرين في المجتمع الفرنسي دون تمييز لهم أو ضدهم.
وهي مسائل في ما أرى تلقي الضوء وتنفض الغبار عن أمرين في غاية الأهمية ألا وهما: العلمانية وعلاقتها بالدين والقيم، ثم حيادها عندما يتعلق الأمر بالإسلام؛ والأمر الآخر هو الوجود الإسلامي في الغرب بشكل عام، وفي أوربا بشكل خاص، وما بدأ يطرحه من تبعات تلقي بظلالها يوماً بعد آخر بسبب تطورات الحرب على ما أطلقت عليه أمريكا الإرهاب، والذي يكاد أمره يكون محصوراً في أتباع الديانة الإسلامية كما هو واضح في تداعيات وإجراءات تلك الحرب المتعددة الجوانب المعقدة المسالك والخطوات.
العلمانية .. الدين .. والحياد
إن جدلية علاقة العلمانية بالدين شهدت على مدار التاريخ حالات من المد والجزر يسبقها أو يعقبها نقاشات واسعة المدى لحدود كل منهما في علاقته بالآخر، غير أنها شهدت في الأزمنة الأخيرة نتيجة للمواجهات العنيفة والآثار الدامية المدمرة التي آل إليها أمر تلك العلاقة في بعض بلاد المسلمين جعلت الموضوع ساخناً ومطروحاً على أكثر من صعيد، حاملاً معه العديد من المسائل الجوهرية والمشاكل العميقة التي كان لها آثارها وانعكاساتها العملية، من ذلك على سبيل المثال؛ هل هناك علمانية (لا قيمية)؟ بمعنى لا ترتكز على بعض القيم والرواسب حتى وإن أبت الظهور بغير ذلك؟ وهل عندما يتمكن أصحابها من مقاليد الأمور تطبقون الحياد بكل نزاهة بغض النظر عن الدين أو المعتقد الذي يمارسه مواطنو دولة ترفع العلمانية؟ وهل كل الأديان يمكن لها أن تعيش بكل سلاسة مع الجوهر والأساس النظري الذي تقوم عليه ؟(1/25)
إنها أمور من الدقة والخطورة بمكان تفرض نفسها في ظل حالة الغليان التي آثارها أمر فرنسا العزم على حظر "الرموز" و "الشارات" الدينية تكريساً للعلمانية وحفاظاً عليها من أن تتعرض للذوبان أو الاندثار إذا ما تهاون (ربان) المسلك العلماني، المؤتمنون على سلامته القائمون على شؤونه من الوقوف بالمرصاد في وجه كل من يُستشعر منه إحداث أمر جلل كهذا.
هذه هي الرسالة والبعد الأول الذي أحسب أنه يجب الوقوف عنده، عندما نتناول مسألة حظر الحجاب الذي تعتزم فرنسا (الجمهورية العلمانية) الإقدام عليه بناء على ما ساقه شيراك من حجج ومبررات، فالأمر في فرنسا على سبيل المثال، قد أعاد إلى الأذهان تداعيات ما جرى عام 1905 (1) [3]، وإن كانت الملابسات والظروف تختلف لكنها في المحصلة تقود إلى نفس المآلات وتؤدي إلى بروز نفس الهواجس والتوترات. فبعد المواجهات بين الكنيسة والدولة (العلمانية) سن في فرنسا عام 1905 القانون المركزي المحدد للعلمانية الفرنسية -المعروف بقانون 1905- الذي يقول في بنده الأول: إن الجمهورية تضمن حرية الاعتقاد، وإنها تمكن من حرية ممارسة العبادة للديانات. ولكن نفس القانون يؤكد على حياد الجمهورية التي لا تتبنى ولا تمول ولا تتحمل أعباء العاملين في الأماكن الدينية (2) [4]. إذن فقانون سنة 1905 المعروف بقانون الفصل بين الكنيسة والدولة يؤكد على مبدأين مهمين؛ وهما حرية الاعتقاد الديني للجميع، وأن الدولة لا تتبنى أي ديانة؛ فهي محايدة تماما.
__________
(1) - الحجاب في فرنسا .. كشف المستور، هادي يحمد، إسلام أون لاين، 30/10/2003.
(2) - اختلفت الأوضاع الآن حيث أن فرنسا بسبب تنامي المد الإسلامي فيها بدأت تدرس إمكانية تقديم قروض للمساجد للتحكم في تسييرشؤونها، وكذلك تخريج أئمة وفق المعايير التي تريد.(1/26)
وبناء على معاني قانون 1905 الذي صبغ المجتمع الفرنسي بصفة عامة؛ فقد حدد المجال المدرسي بوصفه المنبت الأول للمجتمع العلماني، باعتبار المدارس لائكية (لادينية) لا تتبنى ديانة معينة؛ وهي تقدم تاريخ الأديان بشكل عام، ولا تتبنى أي كتاب سماوي، ولا تنتصر لأي نبي. وعندما يسأل تلميذ أستاذه عن وجود الله يجاب بأن المدرسة العلمانية لا تجيب عن مثل هذه الأسئلة، ولكنها تقدم معرفة تؤهل التلميذ لأن يختار عقيدته وطريقه في الحياة (1) [5].
هذا الذي ورد في القانون المركزي يتعارض مع ما ذهب إليه شيراك الذي يؤكد أن هذا التدخل هو لصالح العلمانية "الموجهة" وليست المجردة ذات القيم المحددة (القيم الفرنسية) التي تقوم عليها، بمعنى أن الحياد ليس كاملاً، وأن القيم ليست متروكة لتفسير أي كان بل لها رواسب وروافد تحددها وتضبطها من ثمة فالأمر محسوم وليس كما يدعي بني "علمن" من أبناء جلدتنا من أن أمرها فضفاض و يستوعب ويصبر على ممارسات الجميع بغض النظر عن دينهم أو معتقداتهم.
المسلمون في أوربا .. أم « الإسلام الأوربي » ؟!
قضية أخرى أكثر تعقيداً وحساسية يطرحها حظر فرنسا للحجاب وهي تتعلق بالوجود الإسلامي في القارة الأوربية؛ حدوده وطبيعة علاقته بالمجتمعات التي استقدمته أو استضافته نتيجة عوامل تاريخية عديدة ليس هذا مجال بحثها والتفصيل فيها. فلقد ولدت أجيال مسلمة الكثير منها لا يعرف وطناً له غير البلد الذي ترعرعوا فيه ونشأوا، واعتنق الإسلام جمهرة من السكان الأصليين لهذه الديار مما فرض عليهم وضعاً مغايراً لذاك الذي كانوا يعيشونه من قبل، وهي مسألة تولد حساسية لوحدها من غير ضغوط العوامل السياسية أو الاقتصادية، فكيف يكون الحال بهذه المسألة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما تلاها من تطورات؟
__________
(1) - الحجاب في فرنسا .. كشف المستور، مصدر سابق.(1/27)
فعندما تصطدم مثل هذه الفئات وغيرها بقانون صارم كهذا الذي تطرحه فرنسا والتي ترفض المناقشة المثمرة أو الأخذ والرد فيه، ماذا سيكون رد فعلهم؟ وماذا سيفعلون للعيش في وسط هذه البيئات من غير تناقض أو ارتباك، بل كمواطنين عاديين باذلين لما عليهم من واجبات ومتمتعون بما لهم من حقوق؟
إشكالية ومسألة ترددت في طرحها وإثارتها كثيراً وذلك لأن البعض من أهلنا قد يقول إن في الأمر تهويلاً، أو أنه من الأفضل أن يتناول غيرنا الموضوع حتى لا نتهم بعدم الحيادية أو الإثارة، وإن كان في بعض ما قد يرد وجهة نظر محترمة إلا أنني أعتقد وبعد التأمل وتقليب الموضوع من جميع جوانبه حبذت أن نتحدث عنه ونتناوله بشكله الكلي الشامل متناولين أبعاده ومراميه، لا بشكله المجزء الذي يفصل أجزاء القضية الكبرى عن بعضها البعض وتظهر للرائي بشكل مفكك الأوصال هذا أمر، والأمر الآخر هو التعامل معه بشكل أكبر شمولية يتناول أمر الجالية بذاته وبعض مسلكياتها السلبية، كما يتناول أمر القرارات الأخرى؛ منها الحجاب، ومنها قوانين مكافحة الإرهاب، لتقدم الحلول على ضوء هذه المعطيات، أحدها يتعلق بأوضاعنا وغربلتها مع نقدها بمنظور إسلامي متوازن، والأمر الآخر يتعلق بالمحيط الذي نتواجد فيه، وكيفية التعامل معه بكل قوة وثقة واعتزاز بما نلتزم به من مبادئ ديننا الحنيف، وحرص في الوقت ذاته، من خلال تصرفاتنا وسلوكياتنا، على مصلحة الجميع، وهذا محور أساسي يقوم عليه ديننا؛ استقامة من غير تمييع ولا شطط، وثبات من غير تهور أو غلو: ((فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصي ، ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون)) [هود: 112 - 113].(1/28)
علاوة على كل ما سبق فإنه لم يعد خافياً ما تحتله الظاهرة الإسلامية من اهتمام وتناول على جميع الأصعدة والمستويات، ومنها الأوربي بطبيعة الحال وذلك كأحد التداعيات والآثار التي خلفتها حرب أمريكا على "الإرهاب" بعد الذي أصابها في 11/9، فإذا كان كل من هب ودب يتحدث عن الموضوع بحق أو بباطل فالأولى لأصحاب القضية المتضررين من الأوضاع أن يقولوا كلمتهم وأن يجمعوا أمرهم على قواسم علَّها تخفف أو تمتص وقع بعض الصدمات والتصرفات، إذ موضوع الحجاب يطرح بهذه القوة والوضوح في هذه الظروف وفي ظل هذه الملابسات فإنه يحسن بالقضية "الأم" وهي الوجود الإسلامي في أوربا والغرب، أن يُتطرق لها حتى نصيغ نوعين من الحلول والتصورات؛ الأول حل آني وسريع يتعامل ويتفاعل مع المشكلات حال وقوعها، والثاني يأخذ الطابع الاسترتيجي الذي ينظر إلى ما أبعد من هذه الظواهر المتناثرة هنا وهناك، وعندي العديد من الشواهد والنقاط على صواب وسلامة طرح هذا البعد عند الحديث عن مسألة الحجاب بهذا المنظار وأكتفي بذكر بعضها على وجه العجالة والإيجاز في هذا المقام كما يلي:(1/29)
1 – فيما يتعلق بمسألة الحجاب، وهي موضوعنا، ذكر في أمر تبرير حظره بأنه يفرض التمايز والتغاير على مرتديه، كما أنه قد يعرض الطابع العام للمجتمع إلى الخلل وعدم الانسجام، هذا ما ذكر في فرنسا وقد طرحت أموراً تعضده وتدعمه في مجتمعات أخرى. ففي بريطانيا، وهي من أحسن الدول في هذا المجال، لا تزال قضية منع أحد مدراء المدارس في مدينة لوتن إحدى الطالبات المسلمات من أصول آسيوية العودة إلى المدرسة ما لم تلبس اللباس التقليدي لأهل تلك البلاد، والذي قد يخل بمتطلبات الحجاب الشرعي، أو تتخلى عن اللباس الحالي (الحجاب) والقضية الآن معروضة على أعلى سلطة في المدرسة لتقول كلمة الفصل في الأمر (1) [6] . والمهم أنه ذكر في حيثيات النقاش للموضوع على صفحات الجرائد المحلية في تلك المدينة من خلال رسائل القراء من أنهم مع الحظر وذلك لسبب جد بسيط وفق نظرتهم للموضوع، وهو أنه: «إذا كنت في بريطانيا فعليك أن تلبس كما يلبس البريطانيون، أو بالأحرى العيش كما يعيش البريطانيون»، أما في هولندا البلد المتسامح، الهين اللين إلى عهد قريب فقد انقلبت الأمور فيه رأساً على عقب وأصبح المسلمون هناك يعيشون أوضاعاً مقلقة.
__________
(1) - Socialist Worker 17/01/2004.(1/30)
فقد ظهر تقرير برلماني مؤخراً (1) [7] تناول تأثير الهجرة وتعدد الثقافات على اللحمة الاجتماعية للمجتمع الهولندي، ليخلص إلى نتيجة مماثلة لما كان قد طرحه السياسي المتشدد بيم فورتان، الذي اغتيل لاحقاً، من ضرورة الإسراع في وضع حد للهجرة وخاصة تلك المتعلقة بالبلدان الإسلامية لأنها تضعف «القيم الليبرالية الهولندية». أما التقرير البرلماني، والذي شاركت فيه الأحزاب المختلفة، فقد انتهى إلى أن محاولة إيجاد مجتمع متعدد الأعراق ومتماسك في الوقت ذاته قد فشلت. وراح يتكلم بالتفصيل عن المراد بذلك من أنه بينما تم استيعاب أغلب المهاجرين بشكل جيد، فقد ظهرت أيضا جيوب منغلقة (جيتو) من الأجانب من بلدان مثل تركيا والمغرب. وأشار إلى أن "الأجانب" المولودين في هولندا يميلون إلى الزواج من بني جنسهم ويتجهون إلى أوطان آبائهم للعثور على زوج أو زوجة. ولذا فقد أوصى التقرير بضرورة أن يصبح مسلمو البلاد من الآن فصاعدا هولنديين بشكل فعال. وفي الوقت الذي يتناول التقرير بشكل عام "المهاجرين" وتأثيرهم على المجتمع الهولندي، فمما لا شك فيه أن المهاجرين المسلمين هم الذين يُنظر إليهم على أنهم يشكلون المشكلة الأكبر، كما تقرر الصحفية آجنس روكسباره.
وقد وردت أمور قريبة أو مماثلة لهذا الأمر في ألمانيا، بل أثير حتى موضوع اللحية، وهل ستمنع أم لا؟ وهو أمر لم يستبعد وزير التعليم الفرنسي اتساع القانون ليشمله إذا بدا من هيئتها!! أنها رمز ديني واضح (2) [8].
__________
(1) - آجنس روكسباره، بي بي سي أون لاين.
(2) - الحياة 22/1/2004.(1/31)
2 – قوانين مكافحة الإرهاب والتي استصدر معظمها أو عزز أمر العمل به، بإعطاء صلاحيات واسعة للشرطة والأجهزة الأمنية، عقب أحداث 11/9 رافد آخر ألقى ويلقي بظلاله على أمر الوجود الإسلامي في الغرب، والحق أن هذه القوانين أثارت ضجة كبرى من الحقوقيين والقانويين وذلك لما أحدثته من انقلاب على مسلمات كان أمر الاقتراب منها بعيد المنال إلى عهد قريب، والملفت للنظر أن ميدانها الأساس ووعاءها الخصب كان "الإسلام" والمسلمون في الغرب، وهو ما حدا بأحد المهتمين والعاملين في مجال السياسة الأوربية وتعاملها مع المسلمين إلى الخلوص على ضوء تبعاب هذه القوانين إلى القول بأنه: "يتم التعامل مع الإسلام من زاوية أمنية ترجح فكرة أن من وراء كل مسلم سيخرج إرهابي، أو أن المسلمين هم جالية، والجالية أصلها الجلاء، أي مصيرهم العودة والذهاب إلى وطنهم الأصلي" (1) [9].
__________
(1) - د. محمد بشاري، أمين عام (المؤتمر الإسلامي الأوربي)، إسلام أو لاين 25/10/2003.(1/32)
هذا الذي خلص إليه هذا الأخ أثبتته الوقائع والأحداث من خلال التطبيقات العملية لتلك القوانين، ففي بريطانيا على سبيل المثال تم إيقاف ما يقارب 530 شخصاً بموجب قانون مكافحة الإرهاب عقب أحداث سبتمبر وإلى نهاية السنة الماضية (1) [10]. الغالبية العظمى إن لن نقل كل الذين مسكوا كانوا من المسلمين وقد تمت عمليات المداهمة بطرق فيها كثير من الفظاظة والتجاوزات التي لم تكن معهودة من قبل، مما حدا بمجلس مسلمي بريطانيا (MCB) وبعض المنظمات الحقوقية إلى إثارة المسألة مع المسؤولين البريطانيين وأمام ا لرأي العام، وذلك لما قد يترتب على هذه الإجراءات من آثار، ولما قد تحدثه من انعكاسات سلبية على أوضاع الجالية، وما يجب استصحابه أن الوضع في بريطانيا على الرغم من كل هذا أفضل مما هو عليه في بقية البلدان الأوربية، غير أن هذا لا يمنع من استنتاج أن هذا النهج لا يبعث على الاطمئنان والارتياح، فمن بين الـ 530 الذين ألقي عليهم القبض خمسة (5) فقط أدينوا بموجب قانون مكافحة الإرهاب، كما تذكر صحيفة الأوبزرفر (2) [11]، أما العديد من الحالات فقد انتهت إدانة معظمهم بقضايا تتعلق بالاحتيال والتزوير وهي مسائل مرتبطة بالهجرة واللجوء، والبعض الآخر أطلق سراحهم دون توجيه أي تهم، وهذا لا يعني التهوين من أمر هذه الممارسات المستهجنة والمرفوضة شرعاً وعقلاً، وإنما أريد من ذكرها الإشارة إلى ما يرافق عمليات الدهم وإلقاء القبض من الصخب والضجيج الإعلامي الكبيرين والذي يلقي أمر إثارته الروع في أوساط المجتمع فتحدث فيه قلقاً بالغاً من أن عملية تستهدف مرفأ أو مكاناً عاماً قاب قوسين أو أدنى، كما سيحدث حالة الشك والريبة حيال قطاع كبير من المجتمع وهم المسلمون. وقد ردت الداخلية على هذه الانتقادات من أن الأمر كان ضرورياً لتجنب حدوث عمل إرهابي يستهدف البلاد.
__________
(1) - الأوبزرفر 7/12/2003.
(2) - المصدر السابق.(1/33)
وقد يكون فيما ذهبت إليه بعض الصواب إلا أن ذلك لا يمنع القول من أن الطريقة التي عولجت بها كثير من الأحداث كانت تحتاج إلى حكمة ورزانة أكبر، حتى لا يذهب البرئ في جريرة المذنب، وحتى لا يكون أفراد جالية يشكلون 4% من تعداد السكان محل شك وريبة في تصرفاتهم وطرق عملهم، كما ذكرنا سابقاً.
3 – استطلاعات الرأي وما بدأت تظهره من أن مسألة الهجرة وطلب اللجوء من الأمور التي يوليها المواطنون الأهمية باعتبارها أحد المؤثرات المهمة في لحمة المجتمع والطريقة التي اعتاد على تنظيم حياته على نسقها.
4 – إدخال قضايا اللغة والمعلومات الثقافية العامة عن البلد لمن أراد الحصول على الجنسية، وهو أمر إذا بقي في هذه الحدود قد يكون مستساغاً، غير أن البعض بدأ يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك وهو المطالبة بأن يكون ما يلقى في المساجد من دروس ومحاضرات وخطب بلغة البلد الذي يتواحد فيه المسلمون، حالتي هولندا، والتصريحات المثيرة المنفردة التي ذكرها ذات مرة وزير الداخلية البريطاني ديفيد بلانكت.(1/34)
5 – غلبة العنصر الشبابي في أوساط الجاليات المسلمات مع كثرة الانجاب على عكس حال السكان الأصليين عامل آخر يدرس على أعلى المستويات للوقوف على آثاره وانعكاساته بعد عقد أو عقدين من الزمن. فقد ذكرت صحيفة الديلي تلغراف البريطانية، في صفحة الرأي، يوم 26/1/2004 في مقال لها مثير كتبته باربرا اميل متسائلة: هل فرنسا في طريقها لأن تصبح دولة إسلامية؟ تقول الكاتبة :"إن فرنسا تواجه مشكلة ولكن لا أحد يجرؤ على أن يناقشها لأن القانون الفرنسي يمنع الإشارة في إحصاءات السكان إلى الأصل العرقي أو الديانة للأفراد. ولكن الأرقام تشير إلى أن نسبة تتراوح ما بين عشرين إلى ثلاثين بالمئة من السكان في فرنسا ممن تقل أعمارهم عن الخامسة والعشرين هم من المسلمين مما يعني أن فرنسا سوف يوجد بها أغلبية مسلمة من السكان في غضون خمسة وعشرين عاما. وهذه هي المعضلة التي تواجهها الحكومة الفرنسية".
وفي بريطانيا نفس الأمر يمكن تسجيله (1) [12] حيث أن 43% من الباكستانيين و 47% من البنجلاديشيين أعمارهم تقل عن 16 عاماً، مقابل ما نسبته 19% فقط فيما يتعلق بالبيض، بل إن المسألة مطروحة على مستوى القارة الأوربية بشكل عام كما أظهرت العديد من الدراسات الأممية وغيرها فيما يتعلق بمسائل النمو الديموغرافي وتركيباته والتكاثر السكاني، والتغييرات الكبيرة التي سيشهدها العالم في السنوات القادة في هذا المجال.
__________
(1) - الأوبزرفر 7/12/2004.(1/35)
كل هذه الأمور تجري وتتطور بشكل متسارع ومع ذلك نجد الكثير من قطاعات الجالية غير آبهة ولا ملتفتة لذلك، بل سائرة في تعاملها مع كل ذلك وكأنها تعيش في إحدى البوادي العربية أو الأدغال الإفريقية، لا تفكر فيما تقوم به من تصرفات تتعلق في أبسط أحوالها بالتشويش على الذوق العام والنمط الذي ألفه المجتمع، والذي تزيده مثل هذه التصرفات نفوراً، وترسيخاً لما تلقيه وسائل الإعلام الشعبية الموجهة التي يحركها، ويتحكم في مقاليد أمرها من يتربص بالمسلمين الدوائر، ويبيت لهم باليل والنهار ليلتقط ما قد يظهر من سلوكات وتصرفات خاطئة من بعضهم ليعمل على تعميمها على الجميع ليدفع البرئ جريرة المتهم، ولتعيش قطاعات الجالية أوضاعاً غير مستقرة تضاف إلى ما تعانيه من التهميش والبطالة والفقر وانتشار الأمراض مثل المخدرات والتفكك الأسري الذي يجعل معدلات المسجونين من أفرادها من أعلى النسب في هذه المجتمعات.
هذه التطورات المتبدلة والتغيرات المتسارعة بدأت تطرح وبقوة مسألة كيفية التعامل مع "الكيان" الإسلامي في المجتمعات الأوربية، وهل يترك لهم - أي للمسلمين - المجال كما كانوا من قبل ليطبقوا ما شآؤوا، أم لا بد من التدخل لضبط صيغة من الإسلام تتوافق مع ما عليه القوم، وهو ما أطلقنا عليه تجاوزاً "الإسلام الأوربي"، وفي الواقع العملي ستكون المطالب في كل دولة من هذا "الإسلام المعدل" متكيفة مع متطلبات الأوضاع القانونية والاجتماعية لكل بلد، لنجد أنفسنا أمام "الإسلام البريطاني، والفرنسي" وهلم جراً، وهو ما يفرض على الجالية الالتفات إلى ترتيب أوضاعها الداخلية، أولاً لدفع أو التقليل مما هو قادم من إجراءت وقوانين قد يكون حظر الحجاب مفتاح الولوج لها، ثم العمل بكل تؤودة وترو للتصدي لها بكل الوسائل المتاحة والأخذ بها إلى أبعد الحدود وأعلى المستويات ...(1/36)