مفهوم العلم
وحرية البحث العلمي في الإسلام
الدكتور عمار الطالبي
1 ـ تعريف العلم
ليس المقصود بكلمة العلم هاهنا معناه المعاصر في العلوم الدقيقة فحسب, وإنما الغرض مفهومه العام الذي يشمل كل معرفة منظمة, عقلية منطقية كانت أو حسية تجريبية.
فالعلم في معناه اللغوي إنما سمي علما لأنه علامة يهتدي بها العالم إلى ما قد جهله الناس, وهو كالعلم المنصوب في الطريق .
أما تحديد العلم في صناعة الاصطلاح فمن العسير تحقيقه تحقيقا يتفق عليه الباحثون في القديم, وفي عصرنا هذا أيضا, وإن ذهب أبو الحسن اللبان إلى عدم الجدوى من تعريفه: لأنه أظهر الأشياء, فلا معنى لحده بما هو أخفى منه .
وأنت إذا تصفحت اليوم مؤلفات الابستيمولوجيا, وقرأت مصنفات المناهج, واطلعت على المعجمات, فإنك بلا ريب تلقى صعوبة في الوصول إلى تعريف دقيق واضح للعلم, لأسباب منها أن الظواهر التي هي موضوع للعلم مثابتها مثابة المرض والموسيقى مثلا, فأنت تعرف مثل هذه الظواهر بيسر, ولكن يصعب عليك تحديدها بدقة كافية, لأنه كي يتحدد العلم فإنه يتطلب وضع معايير, وهذه المعايير تقتضي اقتراح نموذج تحدد فيه الفروق بين ما هو علمي وما ليس بعلمي, فهل اللسانيات, وهل التحليل النفسي اليوم من العلوم? إنه من العسير وضع الحدود بين العلم في هذا المجال والمناشط الثقافية الأخرى?
وليس من المؤكد وجود سمات مشتركة بين معارف مختلفة في موضوعاتها ومناهجها, مثل الفيزياء النظرية, والتاريخ, والأنتروبولوجيا (علم الأجناس), والبيولوجيا, وعلم النفس, فهل نحن أمام علم واحد أو علوم?
عني علماء الإسلام بتحديد العلم وصياغة مفهومه صياغة صناعية, كما عنوا بتعريف النظر والمعرفة والعقل والفكر وما إلى ذلك عناية فائقة في القرنين الرابع والخامس الهجريين خاصة, وذهبوا في ذلك مذاهب متباينة تباين اتجاهاتهم الفكرية ومذاهبهم العقدية والفقهية من اعتزالية وأشعرية.(1/1)
وأقتصر هاهنا على تعريف أورده الإمام المازري (ت536هـ ) وهو:اعتقاد الشيء على ما هو به, مع سكون النفس إليه, إذا وقع عن ضرورة أو دليل , وهذا التعريف متقدم جدا ومعاصر, إذ أن بعض المعاصرين يعر فه بما لا يختلف عنه, فهو قد جمع فيه بين أربعة عناصر واضحة: اعتقاد+مطابق+سكون النفس+دليل ضروري أو نظري.
ونرى في زماننا أن الابستيمولوجيا الغربية تعالج النشاط العلمي الذي هو أرقى ما وصل إليه الإنسان من معارف, من زاويتين مختلفتين, أو إن شئت في اتجاهين متباينين:
اتجاه سمي بالاتجاه العقلي النقدي الذي يمثله تمثيلا قويا كارل بوبر(1902ـ
1994م) الذي يتمسك بالنواة الصلبة للنشاط العلمي بعيدا عن أنواع الخطاب المجاور, مثل الأيديولوجيا, والفلسفة, أو شبه العلم.
أما الاتجاه الثاني فهو اتجاه سوسيولوجي وتاريخ للعلوم, يقوم على قراءة مختلفة تماما لقراءة الاتجاه الأول, لأنه يسمح بالأيديولوجيا والمسلمات التي لا برهان عليها بأن تدخل في النظام المعرفي أو الجهاز العلمي.
إن الاتجاه الفلسفي أو العقلي في تعريف العلم أو تفسيره يعتمد أساسا على مبادئ أربعة :
1ـ الصرامة في المنهج, بحيث يجب على كل أنواع البحث أن تحترم المعايير العلمية, ولو في حدودها الدنيا من الصرامة, مثل التماسك المنطقي الداخلي بين الأفكار, والتطابق بين النظرية والظواهر التي تحكمها, باستثناء بول فرايند الذي يرى أن كل شيء مسموح به, فيما يتعلق بالمنهج.
2ـ الموضوعية والتعميم, فالخطاب تفترض فيه الموضوعية, فالمعادلة: E = MC2 مثلا صحيحة في مكة وطوكيو وواشنطن, عند المسلم والنصراني والبوذي.
3ـ تراكم المعرفة وتقدمها, بحيث تضاف معرفة جديدة إلى معارف قبلها باستمرار, فيكون تاريخ العلوم في تطور مستمر.(1/2)
4ـ التحقق والدحض, فكل علم جدير به أن يراقب خطابه بنقده ومناقشته ومواجهته بالوقائع بالبرهنة على نتائجه, ووضع قاعدة لها موثوق بها مؤقتا على الأقل, وإن كانت هذه النتائج ذات صبغة احتمالية, ومع ذلك فالخطأ يكمن في قلب المنهج العلمي, وفي لب الروح العلمية من الصعب تفاديه دائما, ولهذا فإن وظيفة المنهج العلمي هي الكشف عن الأخطاء التي تعاني منها الحقائق العلمية, فالروح العلمية إن هي إلا مقاومة متواصلة للضلال, ولا يتقدم العلم إلا بالنقد والمعارضة, إذ إنه لا يقوم على أرض مضمونة دائما.
أما الاتجاه التاريخي الاجتماعي في تفسير العلم, فيعتمد على التحليل التاريخي للعلم, تحليلا قائما على علم الاجتماع أو علم النفس, ويرى أصحابه أنه إن كان العلم ثقافة مثل سائر الثقافات, وإذا كانت إرادة الصرامة في العلم والاهتمام بالموضوعية الذي يبديه العلماء أمرا مسل ما به, فإنه مع ذلك تختفي وراءه بشعور أو بدونه مسلمات
لا برهان عليها, وأيديولوجيات, وأهواء مضمرة, وممنوعات أيضا.
وإذا كانت جماعة العلماء جماعة إنسانية مثل غيرها من الجماعات بما لها من أهواء, واعتقادات, وسلطة, فإن تاريخ الوقائع العلمية, وما يكتنفها من عوامل سوسيولوجية إنما تصف لنا عملا إنسانيا ذا صلة بتاريخه وضغوطه الاجتماعية, ومرتبطا بالعقليات السائدة في المجتمع أو النخبة.
ونحسب أن تطور المفاهيم العلمية حقل خصب في تاريخ العلوم, لذا نجد في عصرنا هذا عدة علماء وفلاسفة يعنون بهذا المجال, أمثال: توماس كون, وإيمر ليكاتوس, وجرار هولتن, واسكندر كوريه, وجاستن باشلار, وتلاميذهم.
يرى توماس كون أنه يسود في كل عصر نموذج علمي نظري, يتخذه العلماء مرجعا لهم وسندا, وهو الذي يكو ن بناء العلم, ويقود البحوث, يسم يه توماس Paradigme, وفوكو Epistim, ولوكاتوس برنامج البحث, ويسميه هولتن Themata.(1/3)
وقد يستعمل مفهوم في علم م ا, ثم يهاجر إلى علم آخر أو علوم, مثل مفهوم الانتخاب والمنافسة اللذين انتقلا من البيولوجيا إلى الاقتصاد, وهكذا يتم التقدم العلمي بطريق آخر غير التراكم المعرفي المتصل, وإنما يتقدم بقطيعة وثورة يظهر إثرها نموذج جديد للعلم مباين لما قبله, فالعلم بهذا المنظار يصبح ذا صلة وثيقة بمنطق التاريخ, وبصيرورة الاجتماع البشري, وهذا لا يحط من قيمة العلم, بل يتيح له ذلك أن يتجاوز نفسه باستمرار, وهو سر ديناميكية العلم وحيويته, فالعلم بهذا يكمن تقدمه في مناقشة أخطائه وتفاديها دون توقف, وفي عدم الرضا الكلي عما نزعم أنه علمي يقيني قطعي, فالمناقشة الحرة والنظر النقدي من الوسائل الفعالة في تقدمه, وفي القرب من الحقيقة, فأخطاؤنا هي التي تعلمنا.
ونحن رأينا في التاريخ كيف أن الحروب الدينية في أوروبا ساعدتهم على المرانة على هذا النموذج من التفكير النقدي المنافي للتسلط, فذلك الذي جعلهم يتعلمون التسامح مع المعتقدات الأخرى المخالفة لمعتقداتهم, بل عل متهم احترامها, واحترام من آمن بها عن إخلاص كما يقولون هم أنفسهم.
فالمناقشة الحرة تبين أنه عندما يستمع بعض العلماء إلى بعض, وينتقد يعضهم بعضا آخر, فإن الحظ يسعدهم أن يقتربوا من الحقيقة أكثر, ذلك أن العلم ينبت في أرض ثقافية, والمعارف مرتبط بعضها ببعض, كما يرى أبو حامد الغزالي, والأفكار ترحل وتسير, والعقول تتلاقح, والنظم النظرية مفتوحة, وهذا ما يكفل لها هذا اللون من الغنى الذي ينشأ عن لقائها وتفاعلها وتقاطعها, وعن انتقالها من حدودها إلى حدود معارف أخرى من علوم الطبيعة إلى علوم الإنسان في نسيج الثقافة العلمية الإنسانية.(1/4)
فالعلم البشري ليس علما مطلقا, إن الذي يشتغل بالعلم ـ كما أشار بعض العلماء إلى ذلك ـ لا يشعر بوجود عالم من النظريات المؤكدات تمام التأكيد, ولا بحقائق مؤسسة تأسيسا نهائيا, ولا يرى العلماء أنها تتمتع ببراهين قاطعة مطلقة حتى تبلغ بذلك مبلغ اليقين, فهم يتصورون العلم باعتباره مجموعة من افتراضات لها شيء من الدعائم,
قلت أو كثرت في شكل نظريات موضعية لا تتخذ صيغة وحدة كاملة.
لهذا نرى رشارد فريدمن الحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء سنة 1966 يقف موقفا صريحا من غموض مفهوم العلم ومعناه فيقول: اشتغلت بالعلم طوال حياتي عارفا تماما ما هو, ولكن الإجابة عن السؤال: ما هو العلم? هو الأمر الذي أشعر أني عاجز عنه! .
وهذا ما جعل المفهوم النسبي للعلم يسود اليوم لدى فلاسفة العلم, وعند العلماء أنفسهم إلى حد أن ادعى أحدهم, وهو بول فرايرابند أن كل شيء في العلم جائز, وصنع لنفسه نظرية الفوضى في نظرية المعرفة , وأعلن إنكاره لما يسمى بالمنهج في العلم, وكتب كتابا عنوانه "ضد المنهج", واعتقد بأنه لا يمكن القول بأن العقل يصل في العلم إلى ما هو كلي, كما لا يمكن أن يستبعد اللامعقول من العلم, وهذا ما جعله معجبا بالصين عندما رفضت جماعة ماوتسي تونغ العلم الغربي المهيمن في ثورته الثقافية.
وأغرب من ذلك فإن بول فرايراب ند دعا إلى إعادة الاعتبار للسحر والتنجيم والكهانة والأساطير التي عزم العقليون على محوها من الأرض, وربما كان هذا إشارة إلى عرض من أعراض أزمة العقل الغربي, وما عزمت عليه جماعة ما بعد الحداثة من فك الثوابت, وهدم ما تعارف عليه أهل الغرب من العقلانية وصرامة المنهج والثقنية.
ولا ينفي هذا أن للعلم عموما وللمعرفة منطقا تنظيميا فيما يذهب إليه فيلسوف العلوم ومؤرخ اللسانيات سلفان أورو, فالعلم يملك نظاما ما يتكون من ثلاثة عناصر على الأقل ضرورية:
1ـ عناصر نظرية (مفاهيم...).(1/5)
2ـ عناصر اجتماعية (مؤسسات سياسية, علمية,...).
3ـ عناصر نفعية عملية (تقدم اقتصادي وتقني...).
ومن وسائل فهم العلم وتاريخه الاعتماد على دراسة العلاقات بين هذه المكونات الثلاثة, فالعلم لا يلخص في مجرد النظريات والمعطيات والتجارب, لأن الأفكار ينتجها بشر ومؤسسات, ويأخذ بها علماء من البشر.
ومن أجل هذه النسبية وهذا القصور في العلم لجأ العلماء والباحثون إلى طريقة جديدة (موضة العصر) وهي ما نسميه ما بين التخصصات , وهي وسيلة تكمل النقص الذي يعاني منه التخصص الواحد, وذلك لضرورة وجود تفكير كلي جامع, أو نظرة شاملة, وهذا ما أثمر سببا من أسباب التجديد في العلوم الاجتماعية, حيث أثبتت بعض الدراسات أن معظم التجديد النظري انبثق من الحدود والهوامش التي تلتقي فيها هذه العلوم, مثل اللقاء الأخير بين البيولوجيا وعلم الأجناس (الأنتروبولوجيا), ففتح بذلك حقل خصب لاكتشافات عن أصول السكان, فتيسرت معرفة الأنساب بواسطة خصائص الدم.
هذا, وقد أعجبني بهذا الصدد ما أشار إليه أبو بكر بن العربي من ضرر التخصص الضيق, قال: "ولا يفرد [الإنسان] نفسه ببعض العلوم, فيكون إنسانا في الذي يعلم, بهيمة فيما لا يعلم, ولا سيما من أقام عمره حس ابا أو نحويا فقد هلك, فإنه بمنزلة من أراد صنعة شيء فحشد الآلة عمره, ثم مات قبل عمل صنعته .(1/6)
وينبغي هاهنا أن نشير إلى ظاهرة أزمة الأسس, وأزمة الثقة بالعقل والعلم عند الغربيين, حتى ظن بعضهم أنهم سيعلنون عن موت العلم, وفعلا فإنه أعلن بعضهم عن أزمة العلوم الأوروبية, ووضعت العقلانية الأوروبية عامة, ووجهها البارز الميتافيزيقا موضع تساؤل, وأصبح الشعار: كل حقيقة هي خطأ لم يبت فيه بعد , معلنا وأنه لا يتصور مستقبل للعلم إلا في حدود قطيعة ابستمولوجية, وإعادة تنظيمه تنظيما جذريا ففي كل مرحلة من مراحل التاريخ يشكل العلم فيه بناء مستقلا, باعتباره نموذجا جديدا منقطع الصلة بما قبله من النماذج فيما يرى توماس كون كما أشرنا إلى ذلك.
وبعد ما انقطعت صلة العلم بالأخلاق في الغرب نرى لدى بعض الفلاسفة اليوم مبدأ الالتزام الخلقي, كما نجد ذلك عند الفيلسوف "رورتي" حيث بين أنه مع جماعة من البراجماتيين الجدد لا يملكون نظرية في الحقيقة, لأنهم من أنصار التضامن, ويقوم تفسيرهم لقيمة العلم والبحث الإنساني على قاعدة أخلاقية, لا على نظرية المعرفة, ولا على الميتافيزيقا, وهذا العنصر الأخلاقي هو الذي فقده العلم الغربي اليوم, ولذلك نشأت أزمة العقل وأسس المعرفة, فكاد الناس في الغرب ييأسون من العقل, والعلم, والتقدم, لفقدان عنصر آخر يدعم هذا العلم الإنساني ويغذيه, ويربطه بوجود آخر غير الوجود المشاهد المحسوس, وهو الأمر الذي يضمنه الإسلام في احترامه لعقل الإنسان وكرامته.
2 ـ هل العقل من شأنه الوصول إلى العلم?
وصف بعض أئمة المسلمين العقل بأنه أم العلوم , وعرفه المحاسبي (ت243هـ ) بأنه غريزة, وشبهه بالبصر, كما شبه العلم بالسراج, فهو عنده: غريزة يولد العبد بها, ثم يزيد فيه معنى بعد معنى, بالمعرفة بالأسباب الدالة على المعقول .(1/7)
ومن وظائفه الفهم والبيان, ويسمى ذلك عقلا أيضا, لأنه من العقل كان, وأدخل المعنى الأخلاقي في وظيفة العقل, فهو الذي لا يميز بين الحق والباطل فحسب, ولكنه يميز بين الخير والشر, والعاقل هو الذي يلتزم الخير ويبتعد عن الشر.
وأشار أبو حامد الغزالي إلى معنى اتفق فيه مع رأي المحاسبي, فالعقل عنده أيضا: غريزة يتهيأ بها إدراك العلوم النظرية (...) فنسبة هذه الغريزة إلى العلوم المكتسبة كنسبة العين إلى الرؤية, ونسبة القرآن والشرع إلى هذه الغريزة في سياقها إلى انكشاف العلوم لها كنسبة الشمس إلى البصر .
وسوى الأشعري بين العقل والعلم, ولا فرق عند العرب بين عقلت وعلمت وعرفت عند أبي بكر بن العربي, أما الراغب الأصفهاني (ت503هـ ) فعر فه تعريفا لطيفا وقال إنما: سمي العقل عقلا من حيث إنه مانع لصاحبه أن تقع أفعاله على غير نظام, وسمي علما من حيث إنه علامة على الشيء .
ويذهب بعض علماء المسلمين إلى أن العقل ليس جوهرا كما يعتقد فلاسفة اليونان, وإنما هو فعل وفاعلية, وإن أنكر الصيرفي هذا, وبين أن: العقل معنى ركبه الله في الإنسان, لا أنه فعل كما زعم بعض الناس . وأكد بعض المعاصرين لنا أن العقل في مفهومه القرآني فعالية, وليس جوهرا, وصيغ العقل في القرآن فيما نعتقد تدل على هذا, لأنها في أغلبها صيغ فعلية, وفي صيغة المضارع الدالة على التجدد والاستمرار.
جعل أبو حامد الغزالي للعقل مكانة متميزة على غير ما يعتقد بعض الباحثين, فهو عنده: منبع العلم, ومطلعه, وأساسه, والعلم يجري منه مجرى الثمرة من الشجرة, والنور من الشمس, والرؤية من العين , إلا أن طائفة من المحدثين فيما يذكر أبو إسحاق الإسفراييني أنكرت أن يكون العقل طريقا للعلم.(1/8)
أما العلاقة بين العقل والعلم الديني فقد صورها أبو حامد الغزالي على هذا النحو: وليس يخفى أن العلوم الدينية, وهي فقه الآخرة, إنما تدرك بكمال العقل, وصفاء الذكاء, والعقل أشرف صفات الإنسان . ورأى الإمام المازري أن صحة الشرع إنما تعرف بالعقل, ورد على طائفة من المحدثين تنكر العلم العقلي, فقال: وأما من قصر العلم على الشرع فظاهر البطلان, لأن صحة الشرع إنما تعرف بالعقل .
ومن الألفاظ القرآنية العربية التي لها علاقة بالعقل والعلم لفظ الفكر, دلالتها اللغوية إعمال العقل في حل مشكلة, ويرى بعض الأدباء أنها مقلوب كلمة "فرك", إلا أن الفرك يستعمل في فحص المحسوسات, والفكر في المعاني.
ويرى الغزالي أن معنى الفكر: إحضار معرفتين في القلب ليستثمر منهما معرفة ثالثة. والتفكير والتأمل والتدبر عنده كلمات مترادفة, أما التذكر والنظر والاعتبار فهي مختلفة, وثمرة الفكر إنما هي تكثير العلم واستجلاب معارف جديدة, ويتمادى الفكر في نظر الغزالي إلى غير نهاية, فالعلوم لا نهاية لها, ومجاري الفكر غير محصورة, وثمراته غير متناهية , وهو في الآن نفسه شبكة العلوم ومصيدة المعارف والفهوم , ويجري الفكر فيما يتعلق بالدين وفيما يتعلق بغير الدين.
وأما النظر فهو طلب الصواب, ويقتصر الجدل على مجرد نصرة له, وللحق إن كان ما يجادل عنه حقا في واقع الأمر.
بيد أن ثقة الصوفية في العقل وعلومه غير وثيقة, وإن تمتع بعضهم بتحليلات عقلية بديعة, وأحسب أن العقل الذي ينفرون منه هو العقل الجدلي والمماحكات التي لا تؤدي إلى اليقين, أما العقل بمعناه الحقيقي فلا يمكن لإنسان أن يفرط فيه, إلا إذا فقد إنسانيته, ولا ت ن افي في نظرنا بين الذوق العقلاني والذوق الوجداني تنافي تناقض أو تضاد.(1/9)
ويلاحظ الراغب الأصفهاني ما للعلم في الإسلام من صلة وثيقة بالعمل, فيشير إلى تلك العلاقة اللغوية بين "علم " و"عمل ", فالعلم مقلوب العمل, وهذا يومئ إلى هذه العلاقة المتينة في العقلية العربية ذات الوجهة العملية في الحياة, ولذلك فسر المفسرون الحكمة في العربية بأنها إحكام للعلم, وإحكام للعمل معا, فهي تحقيق العلم, وإتقان العمل.
ولاحظ الراغب ملاحظته يبدو أنه انفرد بها في تفسير قوله تعالى:"ويعلمهم الكتاب والحكمة , وهي أنه: " قد أفرد ذكر الحكمة في عامة القرآن عن الكتاب, فجعل الكتاب رسما ل ما لا يدرك إلا من جهة النبوات, والحكمة لما يدرك من جهة العقل, وجعلا منز لين (...) وجمع بينهما في الذكر لحاجة كل واحد منهما إلى الآخر . وفسر الميزان بالحكمة في قوله تعالى: "الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان " .
فالعلم, والحكمة, والعقل, والعمل معان متشابكة يؤدي بعضها إلى بعض, وقد أشار أبو بكر بن العربي إلى هذا التداخل بين هذه المعاني في صورة واضحة رائعة في مبناها ومعناها, فقال: وليس للحكمة معنى إلا العلم, ولا للعلم معنى إلا العقل, إلا أن في الحكمة إشارة إلى ثمرة العلم وفائدته, ولفظ العلم مجرد من دلالة على غير ذاته, وثمرة العلم العمل بموجبه, والتصرف بحكمه, والجري على مقتضاه في جميع الأقوال والأفعال, وبناء "عقل" يقتضي أن تجري الأفعال والأقوال على قانون فلا يسترسل في الممكنات, وكذلك بناء "حكم" مثله في اقتضاء ذلك .
وهذا التفسير للعقل بالقانون الضابط للأقوال والأفعال في غاية الأهمية, وكذلك اقتضاء الحكمة لهذا القانون .(1/10)
وفسر الغزالي الحكمة بأنها في بعض مواضعها من القرآن الفهم في كتاب الله , ومن زعم أنه استوفى معاني القرآن, فإنما يعبر عن نفسه, وعن حده في الفهم, فالقرآن أعطى للإنسان ثقة في عقله إذا وفق في استعماله, ولم يستهن به, ولم يستبعده مما جعل له, ولم يقلل من شأنه, بل دعا إلى البرهان الذي يقيمه العقل وجعله حجة داخلية في الإنسان بالإضافة إلى الحجة الخارجية وهي الوحي.
ونحن نقرأ اليوم في فلسفة العلوم الغربية ما يجعل القرن العشرين يوسم بأنه قرن أزمة العقل في نظر بعض كتاب الغرب وفلاسفته, وذلك بعد أن ظهرت نظريةKurt Godel في عدم التكامل بين الرياضيات التي كان يظن فيها أنها معيار اليقين والدقة, مما أدى إلى هدم فكرة بناء لغة منطقية مغلقة كاملة.
وأكد هذا كارل بوبر حين انتهى إلى أن النظرية العلمية ليست هي التي تعبر عن حقيقة محددة تحديدا نهائيا, ولكنها على العكس هي التي يمكن أن توضع موضع النقد والنقض على ضوء مبدأ النقض.
فنقاد العلم اليوم يريدون أن يهدموا ما كان يحلم به العلماء من إمكان الوصول إلى لغة علمية عالمية موحدة, فقد حارب فيراباند بول في كتابه "وداعا للعقل" محاربة لا هوادة فيها فكرتين رئيستين, وهما العقل والموضوعية اللتان يزعم العلم أنه يتوفر عليهما, ويقيس العلم على الفن, فالعلم عنده ليس أدق ولا أنفذ من الأسطورة! وهذا لم يذهب إليه حتى غلاة المتصوفة عندنا. فهل من منقذ للعقل والعلم بعد هذا?
3 ـ العلم وحرية العالم في القرآن(1/11)
لم يقيد القرآن العقل البشري إلا بقيد التحرر من الأوهام والتقليد, بل دعا إلى تحرره من تقاليد الآباء والأجداد, وخضوعه للأساطير والكهان والأحبار, وسدنة الأديان وظلمهم لعقل الإنسان وتضليله. وجه القرآن العقل البشري إلى النظر في مختلف مظاهر الكون, وفي تاريخ الأمم, وظواهر النفس الإنسانية, لمعرفة سننها أو قوانينها التي وضعها الله فيها ونظمها على أساسها, سواء في ذلك آفاق الأنفس والمجتمعات البشرية أو آفاق الطبيعة, ولا نقول هذا عن زعم أو هوى, فإن آيات القرآن الكريم بهذا ناطقة, وشاهدة شهادة ونطقا لا يخفى على ذي عقل وضيء.
كما أن العلم في القرآن ليس قاصرا على العلم الديني أو الأخروي أو عالم الغيب كما يزعم بعض من لم يفهم القرآن ولا تذوق طعمه.
فقد استعمل القرآن العلم كما ذكر أبو بكر بن العربي بمعناه المطلق الذي يشمل كل علم: والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا في بداية خروج الإنسان إلى الوجود, وكذلك في أواخر حياته إذا بلغ عتيا أو أرذل العمر: ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا , وكلمة "شيء" وكلمة "علم" هاهنا نكرتان تفيدان العموم المستغرق لعلم كل شيء.
واستعمل أيضا في العلم بظاهر الحياة الدنيا بكل جوانبها الطبيعية والإنسانية, أي العالم كله: يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا, وهم عن الآخرة هم غافلون , فهذا العلم الدنيوي مقابل للعلم الأخروي.
واستعمل العلم في علم الحساب والفلك هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب, ما خلق الله ذلك إلا بالحق, يفصل الآيات لقوم يعلمون , وكذلك قوله تعالى: "وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم, ولتعلموا عدد السنين والحساب, وكل شيء فصلناه تفصيلا .(1/12)
واستعمله في معرفة مختلف مظاهر الطبيعة من الماء والسماء والثمرات والجبال والناس والدواب والأنعام واختلاف ألوانها: "ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها, ومن الجبال جدد بيض, وحمر مختلف ألوانها, وغرابيب سود, ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك, إنما يخشى الله من عباده العلماء .
ويشير السياق هنا إلى علماء هذه الأشياء المذكورة ونظامها, فازداد هؤلاء العلماء بهذا العلم يقينا, وأثمر ذلك رهبة وخشية من عظمته, وعجيب إتقانه, واختلاف ألوان موجوداته, فهو علم وذوق لهذا الجمال في الألوان أيضا.
واستعمل في تعليم الشعر: وما علمناه الشعر وما ينبغي له .
وفي تعليم الكتابة: "ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب .
وفي تأويل الرؤيا: "ولنعلمه من تأويل الأحاديث .
وفي تعليم السحر: "يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت, وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر, فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه, وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله, ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم , و,إنه لكبيركم الذي علمكم السحر .
وفي الصناعة وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم .
وفي تعليم البيان أو القدرة اللغوية: "خلق الإنسان علمه البيان .
واستعمله في فضيلة العلم الذي ينبغي أن يتصف به القائد السياسي والحربي: "قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم .
واستعمله في علم الاقتصاد الذي يؤدي إلى الغنى وكسب الأموال والكنوز, كما قال تعالى على لسان قارون: إنما أوتيته على علم عندي ., وفي علم يوسف بالاقتصاد: اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم .
وفي تعليم آدم أسماء الأشياء, أي القدرة العقلية على وضع الأسماء للأشياء ومعرفة حقائقها: "وعلم آدم الأسماء كلها .
وفي معرفة المنافقين من خلال لغتهم: "ولتعرفنهم في لحن القول, والله يعلم أعمالكم.(1/13)
واستعمل فيتعليم كلاب الصيد والجوارح: " تعلمونهن مما علمكم الله .
وفي علم منطق الطير: "وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير .
واستعمل القرآن كذلك كلمة أخرى هي جارة للعلم وأداته, وهي النظر العقلي الذي استعمل في النظر في الطبيعة: "أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض , قل انظروا ماذا في السموات والأرض "(يونس/101), وفي بدء الخلق: قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق , وفي الثمار وينعها: "انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه , وفي بناء السماء وزينتها:أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها .
ونلاحظ هنا نوعين من الخطاب: خطابا استفهاميا إنكاريا, وخطابا بصيغة الأمر والتوجيه المؤكد.
واستعمل النظر أيضا بمعنى التفكير في التاريخ ومصائر الأمم والحضارات والآثار: أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم , و أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم, كانوا أشد منهم قوة, وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها .
واستعمل النظر في توجيه الإنسان إلى النظر في طعامه أو غذائه: فلينظر الإنسان إلى طعامه, إنا صببنا الماء صبا, ثم شققنا الأرض شقا, فأنبتنا فيها حبا, وعنبا وقضبا, وزيتونا ونخلا, وحدائق غلبا وفاكهة وأبا متاعا لكم ولأنعامكم .
وفي النظر إلى المادة التي خلق منها الإنسان بيولوجيا: "فلينظر الإنسان مم خلق, خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والت رائب .
ومن الألفاظ القرآنية لفظ "يعقلون" التي وردت بلفظ المضارع في القرآن الكريم كله إلا مرة واحدة فيها بصيغة الماضي, وذلك لدلالتها على أمر مهم هو التجدد والاستمرار في عملية التعقل, وإدراك الأمور إدراكا عقليا متجددا على الدوام.(1/14)
فمن ذلك:" إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها, وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون .
وفي النجوم: "والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون .
وفي تعقل القلوب:"أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها(الحج/ 46).
وفي البرق والماء وحياة الأرض:"ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها, إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون .
واستعملت هذه الصيغة في تطور الإنسان:"ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون
وبصيغة "نعقل" في قوله تعالى: "وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ".
وبصيغة "يعقل" في قوله تعالى:"وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون .
أما صيغة "عقل" فقد وردت مرة واحدة في القرآن الكريم, وهي في قوله تعالى: يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه , وكان المحرف هاهنا لا يستحق أن يجدد فيه التعقل والتفكير.
وهذا كله له دلالته للفطن الذي يتذوق لغة القرآن وأساليبه الجميلة في خطابه لعقل الإنسان ووجدانه, ليتجدد تأمله في كل حين يمكنه ذلك.
...
أفيمكن بعد هذا كله أن يزعم زاعم أو يدعي مدع أن العلم في القرآن لم يستعمل إلا في العلم الديني أو الشرعي أو الوحي أو عالم الغيب, أو أنه لا حرية للمسلم في أن يجيل فكره في كل شيء, ويبحث في كل أمر من أمور الدنيا?.
أو لم يكن هذا الخطاب القرآني هو الذي دفع المسلمين إلى الإبداع في العلوم الدنيوية الطبيعية والرياضية, كما أبدعوا في العلوم الدينية واللغوية, وأقبلوا على أخذ علوم الأوائل حتى الوثنيين, فضلا عن أهل الكتاب, فهضموها وأبدعوا فيها? ثم نقلها العالم الآخر عنهم, وترجمها من لغتهم إلى لغته اللاتينية وغيرها.(1/15)
إن البرهان التاريخي على هذا لأقوى البراهين يضاف إلى برهان نصوص القرآن الواضحة التي أشرنا إلى مجموعة منها, وأوردناها في هذه الورقة مع طولها, قصدا لتأكيد هذا المعنى وتوضيحه وإبرازه لشبابنا خاصة, ليذهب كل شك في ذلك أو تردد, وليظهر زيف من يدعي العلم بما لا برهان له عليه من منطق أو نص أو تاريخ أو فهم لذلك كله.
ونود ـ وإن أطنبنا ـ أن نضيف إلى هذه الألفاظ القرآنية تلاثة ألفاظ تقرب من العلم وتؤدي إليه, وهي التفكير, والتدبر, والفقه, وقد وردت أيضا في القرآن بصيغة المضارعة لما لها من دلالة على التجدد والاستمرار والصيرورة, فمن ذلك:
الحث على التفكير فرادى وجماعات, الفكر في انفراد, والجماعة في حوار أو نقاش أو تعاون على التفكير أو تعلم طرقه, قال تعالى: قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا , و قل هل يستوي الأعمى والبصير, أفلا تتفكرون , و" أو لم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين ".
واستعمل التفكير في القرآن في موضوع النفس وما حولها: "أو لم يتفكروا في أنفسهم, ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى , ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا .
وأما الفقه فقد استعمل في فقه الدين وتعلمه بصيغة المضارعة أيضا: فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون .
وفي فهم القول والحديث:وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا , و فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا .
واستعمل لفظ "تدبر" في القرآن بصيغة المضارعة فقط, وذلك في تدبر القرآن: أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها , و أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ,وكتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب .
وفي تدبر القول: " أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين ".(1/16)
وبهذا فإنك ترى أن القرآن وضح ثقته في الإنسان وعقله وعلمه فيما هو متاح له أن يعلمه, ويمكن له أن يصل فيه إلى علم مما وجه إليه نظره وفكره, من ظواهر الطبيعة والتاريخ, وظواهر النفس الإنسانية, ولا نجد نصا في القرآن يمنع العلم أو يقيد حرية الإنسان في إجالة نظره وعقله في مسرح الكون, سوى أنه أشار إلى أن تعلم السحر مما يضر في ممارسته, ولكنه لم يمنع مجرد العلم به, وفي قوله:"ولا يفلح الساحر حيث أتى إشارة إلى الاستعمال والممارسة, ولم ينوه به باعتباره علما نافعا, ولذلك نجد أبا حامد الغزالي يرى أن العلم: "فضيلة في ذاته من غير إضافة , و وإذا نظرت إلى العلم رأيته لذيذا في نفسه, فيكون مطلوبا لذاته .
والاتجاه العام في الإسلام هو أخذه لمنافع العلم وثمراته بعين الاعتبار, ولذلك ورد الحديث: نعوذ بالله من علم لا ينفع .
4 ـ العلم في السنة النبوية الشريفة
يبدو أن المقصود بالعلم في ألفاظ الحديث النبوي غالبا هو العلم الديني الذي مصدره الوحي, ولذلك فإن المحدثين يؤكدون هذا, فقد ورد أن:"العلم ثلاثة وما سوى ذلك فضل, آية محكمة, أو سنة قائمة, أو فريضة عادلة ـ وورد أيضا:"العلم ثلاث: كتاب ناطق, وسنة ماضية, ولا أدري , وهذا لا ينفي العلم الدنيوي, وإنما جاء هذا الحصر للمبالغة ولبيان مصدر هذا العلم ومرجعه كما ورد ما يقصد إلى العلم الديني أيضا, وهو: يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله, ينفون عنه تحريف الغالين, وانتحال المبطلين, وتأويل الجاهلين , وما أخرجه البخاري ومسلم من قوله : "مثل ما بعثني الله عز وجل به من الهدى والعلم, كمثل غيث كثير... الحديث.(1/17)
بيد أنه ورد في السنة أحاديث كثيرة تحث على علوم الدنيا, منها:"يا زيد تعلم لي كتاب اليهود, فأنى والله ما آمن من يهود على كتاب , وفي نص آخر: "إني أكتب إلى قوم فأخاف أن يزيدوا أو ينقصوا, فتعلم السريانية , وفي الأثر: من تطبب, ولا يعلم منه الطب فهو ضامن , يضمن لأنه لم يبن ممارسة للطب على علم, فعلم الطب إذن مشروع, وتمنع مزاولة الطب دون علم أو تجربة.
وعلم الأنساب والنجوم من عادة العرب, فقد ورد في الأثر:"تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم ثم انتهوا, وتعلموا من العربية ما تعرفون به كتاب الله ثم انتهوا, وتعلموا من النجوم ما تهتدون به في ظلمات البر والبحر ثم انتهوا , فعلم الأنساب والعربية, وعلم النجوم مطلوبة للحاجة إليها, وإن كان ورد النهي عن التنجيم, ففي الأثر: من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر, زاد على ما زاد , ويبدو أن المقصود هنا التنجيم الذي يستعمله أصحابه لأغراض الكهانة والعرافة والسحر, وقراءة مستقبل ما يحدث للإنسان لا العلم الحقيقي على نحو ما نعرفه اليوم في علم الفلك.
وورد تعليم الحرف في قوله:"علم الله آدم ألف حرفة من الحرف, وقال له: قل لولدك وذريتك إن لم تصبروا فاطلبوا الدنيا بهذه الحرف, ولا تطلبوها بالدين, فإن الدين لي وحدي خالصا, ويل لمن طلب الدنيا بالدين, ويل له " وورد تعليم السباحة والرماية, ففي الأثر:"علموا أولادكم السباحة والرماية ".
وهكذا تحث السنة على العلم, وتدل على أنه فريضة على كل مسلم, ولا تمنع علما من العلوم إلا ما ثبت أنه خرافة أو أنه مضر لا جدوى منه كالسحر والتنجيم, فكل علم في الأصل مباح, ثم يعرض له أن يكون فرض عين, أو فرض كفاية تبعا لضرورته الخاصة أو العامة للأمة.
5 ـ معنى الحرية في البحث العلمي(1/18)
رأينا أنه لم يرد نص صريح في منع الإنسان من تعلم أي علم من العلوم الحقيقية لا في القرآن ولا في السنة, بل على العكس من ذلك نقرأ حثا عليه وترغيبا فيه, فالعلم فريضة عقلية أيا ما كان هذا العلم دينيا أو دنيويا ما دام الإنسان يستعمل الأدوات المناسبة للوصول إلى العلم, فالإنسان حر في استعمال عقله وتفكيره في مختلف مجالات العلم والفكر, ولا قيد عليه.
ولكن ما هو مستندنا في ذلك?
من مقاصد الشريعة: حفظ نظام الأمة, واستدامة صلاح الإنسان في عقله وعمله, وصلاح موجودات العالم , وهذا ما قرره محمد الطاهر بن عاشور (ت1973هـ ) في كتابه "مقاصد الشريعة" بحيث تكون الأمة قوية الجانب قادرة على الدفاع عن ذاتها ومقوماتها, ولا يتحقق ذلك دون علم. وتفطن الشيخ الغزالي إلى أن ابن عاشور أضاف إلى مقاصد الشريعة التي نص عليها الشاطبي إضافة متميزة وهي مقصد الحرية في الاعتقاد والرأي, في حرية العلم والتعلم والعمل, فإن الاعتداء على الحرية من الظلم الفادح والاستبداد القاتل لروح الأمة.
وإذا كانت الشريعة تعنى بمصالح الناس وصلاح العالم ونظامه, فإن المساواة بين الخليقة والبشرية وقيادة الأمة إلى مركز الصدارة في التاريخ والحضارة يقضي بأن تأخذ الأمة بالرأي الذي يسد حاجتها ويحقق مصالحها, ويرقى بها, ولا نضمن ذلك كله إلا بالعلم وحرية البحث والقول, وما إلى ذلك من شروط قوة الأمة وصدارتها, وهذا المقصد مستقرأ من نصوص الشريعة ومواردها.
ويرى ابن رشد الحفيد أن مقصد الشريعة هو تعليم الحق والعمل الحق , وأنه: ينبغي أن تعلم أن مقصود الشرع إنما هو تعلم الحق والعمل بالحق, والعلم الحق هو معرفة الله وسائر الموجودات على ما هي عليه, ومعرفة السعادة الأخروية والشقاء الأخروي, وتجنب الأفعال التي تفيد الشقاء, والمعرفة بهذه الأفعال هي التي تسمى بالعلم العملي . وينص أيضا في كتابه "بداية المجتهد":أن الحرية حق شرعي لا يجوز تبعيضه .(1/19)
فالدعوة إلى العلم والحث عليه ورد في نصوص بصيغ عامة ومطلقة, فانتظمت بذلك تلك العمومات كل علم يتعلق بعمل وما لا يتعلق به, وما يتعلق بالطبيعة والتاريخ والأنفس, والعموم يحمل على الاستغراق لدى الأصوليين إلا ما ورد تخصيصه.
ونقل الشاطبي عن العلماء:أن تعلم كل علم فرض كفاية كالسحر والطلسمات وغيرهما من العلوم البعيدة الغرض عن العمل, فما ظنك بما قرب منه كالحساب والهندسة وشبه ذلك (...), وأيضا فإن قوله تعالى:" أولم لم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء يشمل كل علم ظهر في الوجود, من معقول ومنقول, مكتسب أو موهوب, وأشباهها من الآيات .
ولكن الشاطبي ـ مع جلالة قدره ـ لا يتفق مع هذا الرأي, ويرى أن هذا الإطلاق والعموم مقيد أو مخصص, لأن الصحابة والسلف الصالح لم يخوضوا في العلم الذي ليس وراءه عمل, ولأن الشريعة في نظره أمية لأمة أمية, وقد قال?: "نحن أمة أمية لا نحسب ولا نكتب ـ وذهب إلى رأي غريب وهو أن ما تشير إليه الآيات من علوم الطبيعة والهيئة (الفلك) مما لا تعرف العرب ولا تعهده, والقرآن نزل بلسانها فلا يحمل عليها!. ولا تفسير لهذا إلا الوضع الاجتماعي والثقافي الذي أصبح عليه المسلمون في القرن الثامن الهجري الذي هجرت فيه العلوم, واكتفى الناس فيه بالفقه وما إليه, ولهذا نجد ابن عاشور, وعبد الله دراز يخالفانه في هذا الرأي, ولا يعذرانه على هذه الهفوة, وهو العالم بمقاصد الشريعة ومراميها, فالرسالة جاءت لتعليم الناس, وترفع عنهم الأمية التي سادت العرب في عهد نزول الرسالة, وتعلمهم الكتاب والحكمة والقراءة, ولم تأت لترسيخ الأمية أو الجهل بالعلوم, ووصف الشاطبي أهل هذه العلوم بأنهم يتكلفون: لاحتجاج على صحة الأخذ في علومهم بآيات القرآن وأحاديث عن النبي).(1/20)
إن العلم الفاسد نفسه, كيف نعلم فساده إن لم نفحصه ونعلم أصوله ومناهجه ونتائجه, وهذا ما يدفعنا إلى معرفة موقف الفقهاء من العلم, وكيف فهموه, وهل كفلوا حرية البحث العلمي?
6 ـ العلم وشموله وحرية البحث
أود أن أتخذ الإمام الغزالي نموذجا في فهم العلم وشموله, وحرية البحث فيه مع الإشارة إلى غيره أحيانا.
يرى أبو حامد أن مقاصد البشر محصورة في المقاصد الدينية والدنيوية, ولا ينتظم أمر الدين إلا بانتظام أمر الدنيا, وليس ينتظم شأن الدنيا إلا بعلم البشر وأعمالهم وحرفهم وصناعاتهم, مما يضمن أسباب المعيشة من زراعة وصناعة وسياسة, بل إنه يصف المجتهدين من فقهاء الإسلام بأن كل واحد منهم كان فقيها في مصالح الخلق , ويرى أن مفهوم العلم شامل مطلق غير مقيد بالعلم الشرعي وحده: وبالجملة فالعلوم كلها داخلة في أفعال الله? وصفاته, وفي القرآن شرح ذاته وأفعاله وصفاته, وهذه العلوم لا نهاية لها, وفي القرآن إشارة إلى مجامعها, والمقام في التعمق في تفصيلها هل راجع إلى فهم القرآن, ومجرد ظاهر التفسير لا يشير إلى ذلك .
والموجودات كلها مجال للعلم, وهي أفعال لله, ومجال من مجالات قدرته وعلمه: وأما الأفعال فبحر متسع أكنافه, ولا تنال بالاستقصاء أطرافه, بل ليس في الوجود إلا الله وأفعاله, وكل ما سواه فعله .
والنظرأوالفكر فيه لا يتناهى أبدا: كل ما في الوجود من خلق الله وتصنيفه, والنظر فيه لا يتناهى أبدا, نظر الطبيعي (عالم الطبيعة) من حيث تأثير بعضها في بعض لا من حيث ارتباطها بمسبب الأسباب .(1/21)
ويذهب إلى أن للمتعلم الحرية في دراسة أي نوع من العلوم رغب فيه: للمتعلم أن لا يدع فنا من فنون العلم, ولا نوعا من أنواعه إلا وينظر فيه نظرا يطلع به على غايته ومقصده وطريقه, ثم إن ساعده العمر وواتته الأسباب طلب التبحر فيه, فإن العلوم كلها متفاوتة مترابطة بعضها ببعض, فلا ينبغي أن يستهين بشيء من أنواع العلم, بل ينبغي أن يحصل على كل علم, ويعطيه حقه ومرتبته .
وهذه نظرة ذات أفق واسع, ومعاصرة, فالتعاون بين العلوم والترابط هو ما ندعوه يومنا هذا "ما بين التخصصات" أو "بيني ة التخصصات".
بل ينصح الصوفي الذي عادته الرغبة عن العلم أن لا يدع فنا من فنونه, ولا تقف حرية العلم عند حد, ولا نهاية, فبعد أن عد د أصنافا من العلم وترك أخرى, يرى أنه لا حاجة لذكرها, قال: بل أقول: ظهر لنا بالبصيرة الواضحة التي لا ي تمارى فيها أن في الإمكان أصنافا من العلوم لم تخرج من الوجود, وإن كان في قوة الآدمي الوصول إليها, وعلوم كانت قد خرجت إلى الوجود واندرست الآن, فلن يوجد في هذه الأعصار على بسيط الأرض من يعرفها, وعلوم أخرى ليس في قوة البشر أصلا إدراكها والإحاطة بها . فلا يبقى العقل الإنساني حبيس المعارف في عصر معين ويستمر مقلدا لها, بل يكتشف ويبدع ما لم يكن له عهد به من قبل, ولا له وجود إلى ما لا نهاية له, حسب طاقته البشرية ولا يتقيد بعلم واحد أو عدة علوم لا يغادرها إلى غيرها, مما يمكن أن يوجد بعد عدم, فهل من حرية في استعمال العقل أكثر من هذا?.
وبالنسبة لعلاقة العلوم العقلية بالعلوم الشرعية فإنه يتصورها بأن من لا يستعمل عقله وبصيرته لا يمكن له أن يدرك من الدين إلا ظاهره وخيالات منه وأمثلة دون حقيقته: وبالجملة من لم تكن بصيرة عقله نافذة, فلا يعلق به من الدين إلا قشوره, بل خيالاته وأمثلته دون لبابه وحقيقته, فلا تدرك العلوم الشرعية إلا بالعلوم العقلية, فإن العقلية كالأدوية للصحة, والشرعية كالغذاء .(1/22)
ولا يصل الإنسان إلى معاني القرآن العميقة إلا إذا تمرس بالعلوم كعلم الهيئة مثلا, أو البيلوجيا: و لا يعرف حقيقة سير الشمس والقمر بحسبان وخسوفهما, وولوج الليل والنهار وكيفية تكور أحدهما على الآخر, إلا من عرف هيئات تركيب السموات والأرض وهو علم برأسه, ولا يعرف كمال معنى قوله: "يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك إلا من عرف تشريح الأعضاء من الإنسان ظاهرا وباطنا, وعددها وأنواعها ومنافعها, ففي القرآن جملة أوائل العلم, والتأمل فيه يوصل من جملته إلى تفصيله, وهو البحر الذي لا شاطئ له .
بيد أن بعض العلوم وصفها الفقهاء بأنها مذمومة, وبعضها صرحوا بتحريمه, ولكن ما هو معيار المحمود والمذموم?.
7 ـ معيار العلم المحمود والممدوح
إذا كانت بعض العلوم محرمة فمعنى هذا الحد من حرية العقل في البحث والعلم بحقائق الأشياء, ولو كانت ضار ة كالسم ـ فهل هذا المنع من الخوض في العلم الحقيقي أو هو فيما ليس علما حقيقيا, وإن سماه أصحابه علما وولعوا به?
يرى أبو بكر بن العربي: "أن العلوم كلها محمودة, وليس شيء من العلوم مذموما, لأن العلم شريف بذاته على الإطلاق, ثم يشرف بشرف متعلقاته .
أما أبو حامد فيقسم العلوم غير الشرعية إلى محمودة, ومذمومة, وإلى مباحة, وجعل معيار العلوم المحمودة ما يتعلق بمصالح الناس الاجتماعية والاقتصادية وغيرها كالطب والحساب.
والمحمود من العلوم من حيث الحكم الشرعي; منه ما هو فرض كفاية: وهو كل علم لا يستغنى عنه في قوام أمور الدنيا كالطب إذ هو ضروري في حاجة بقاء الأبدان, وكالحساب فإنه ضروري في المعاملات , وكذلك ما يعتبره أصولا للصناعات في زمانه, كالفلاحة, والسياسة, أو ما يعد فضيلة كالتعمق في دقائق الرياضيات أو غيرها من العلوم كالطب.
وأما القسم الثاني من العلوم فهو العلوم المذمومة كالسحر والطلسمات والشعوذة, وما إلى ذلك من التلبيسات على الناس.(1/23)
والمباح كالعلم بالشعر والأخبار, على أنه يشترط في الشعر أن يخلو مما يسميه ب "السخف ".
وأما النووي وهو من كبار فقهاء الشافعية, فإنه ذكر من العلوم ما هو محرم كتعلم السحر, فإنه حرام على المذهب الصحيح, به قطع الجمهور (...), وكالفلسفة والشعوذة والتنجيم وعلوم الطبائع ي ي ن, وكل ما كان سببا في إثارة الشكوك, ويتفاوت التحريم. والمكروه كأشعار المولدين التي فيها الغزل والبطالة. والمباح كأشعار المولدين التي ليس فيها سخف ولا شيء مما يكره, ولا ما ينشط إلى الشر, ولا ما يثبط عن خير, ولكن ما يحث على خير أو يستعان به عليه ".
فالنووي بهذا وهو شافعي مثل الغزالي أكثر تشددا منه, إذ حرم علم الطبيعة والفلسفة بالإضافة إلى ما ذكر, مع أن الطبيعيات تقدمت في عصره, فكيف يحر مها والله أمر بالنظر في الطبيعة ومعرفتها. ولا شك أن أبا حامد لا يوافق على هذا, وهو الذي درس الفلسفة والطبيعة في عصره, وليس من فقيه اليوم يحرم العلوم الطبيعية بدعوى أنها تثير الشكوك.
ولكن النووي قيد العلم بقيد أخلاقي وهو الخير, وهذا ما يمتاز به الكلام في منع ممارسة ما يضر من نتائج العلم, فلا يفصل العلم عن القيمة الأخلاقية من حيث المزاولة, كما لا يوسع الحرية في العلم إلى ما يؤذي البشرية.
ويقف الفقهاء أحيانا موقفا معاديا للعلوم, إما بسبب عدم تصورهم لذلك العلم على حقيقته, أو بأن ذلك العلم لم يكن علما حقيقيا كالشعوذة والتنجيم وما إلى ذلك من المزاعم الباطلة, ولذلك نجد بعض الفقهاء كالشافعي (ت204هـ ) يرى أنه:إن كان المنجم يعتقد أن لا مؤثر إلا الله, ولكن أجرى الله تعالى عادته بأن يقع كذا عند كذا, والمؤثر هو الله, فهذا عندي لا بأس به . وأشار عبد الوهاب السبكي (ت771هـ ) إشارة واضحة إلى هذا المعنى وهو أنه:[حيث جاء الذم [للتنجيم] ينبغي أن يحمل على من يعتقد تأثير النجوم .(1/24)
فهذه الأحكام ينبغي أن تفسر بدرجة تقدم العلم وبعده عن الخرافة أو الوثنية, بل ينقل طاش كبرى زاده (ت968هـ ) إباحة تعلم السحر نفسه, وفائدة ذلك: أن يعلم ليحذر منه لا ليعمل به, لأن عمله محرم بالشرع, اللهم إلا لدفع ساحر يدعي النبوة, وأما علمه فأباحه الأكثرون, وجعله بعضهم فرض كفاية لجواز ظهور ساحر يدعي النبوة, ويظهر الخوارق, فيفترض وجود من يدفعه في الأمة .
أما ابن حجر الهيثمي (ت974هـ ) ومن قبله الحسين بن الحسن الحليمي (ت403هـ ) وغيرهما: فقد صرحوا بجواز تعلم الفلسفة وفروعها, من الإلهي والطبيعي والرياضي, ليرد على أهلها ويدفع شرهم على الشريعة, فيكون من باب إعداد العدة . وأن تعلم النجوم بقدر ما تعرف به أوقات الصلاة والقبلة لا بأس به . وصرح البيضاوي (ت385هـ ) أنه لا منع فيه , وإلى هذا ذهب الرازي (ت606هـ ), فذكر أنه:لا نسلم أن النظر في علم النجوم والاستدلال بمعانيها حرام, وذلك من اعتقد أن الله تعالى خص كل واحد من هذه الكواكب بقوة خاصة لأجلها يظهر أمر مخصوص, فهذا العلم على هذا الوجه ليس بباطل .(1/25)
وكذلك ذم الكيمياء عند بعض الفقهاء, فإنه يحمل على معنى الخرافة وعدم صحة هذا العلم في زمانهم, بل إن بعض كبار الفقهاء اشتغلوا بالكيمياء مثل الرازي وابن دقيق العيد موسى بن علي (ت685هـ ). وقد أنكر الكيمياء من قبل ذلك الكندي (ت252هـ ), وابن باجه (ت533هـ ), كما أنكرها بعد ابن تيمية (ت728هـ ), وذلك في معناها غير العلمي, بل إن الرازي كتب في السحر وغيره. ومن كبار الفقهاء والمفسرين من علم السحر وخبره عن يقين, فهذا أبو بكر ابن العربي يقول: وأما السحر فسل به خبيرا يعلمه يقينا ورآه عيانا, ورأى البلاء به والفتنة فيه , وألف في ذلك السكاكي أبو يعقوب يوسف (ت626هـ ) كتابا وصفه بعض المؤرخين بأنه جليل , فضلا عن أحمد وحشية الكلداني (ت296هـ ) الذي كتب في الكيمياء والسموم والسحر والفلاحة, ومسلمة بن أحمد المجريطي (ت398هـ ) الفلكي الكيميائي الذي كتب في المعاملات الحسابية وتعديل الكواكب والأحجار, بل إن الراغب الأصفهاني أعلن حق الإنسان في العلم: "حق الإنسان أن لا يترك شيئا من العلم أمكنه النظر فيه واتسع له العمر .
وهذا ابن تيمية يشيد بعلم الفلك والحساب من علوم الفلاسفة: والهيئة علم رياضي حسابي هو من أصح علومهم , بل يؤكد المسائل التي وصل إليها صريح العقل من الحساب والهندسة والطبيعيات, حتى الإلهيات التي قامت عليها بينات واضحة.
وهكذا فإن ما بعد الطبيعة الذي يعاديه ابن تيمية عداوة شديدة اعترف أن بعض كلامهم [الفلاسفة] خطأ وبعضه صواب , ولكنه قرر فيما يتعلق بالكيمياء أنها والسحر والنيرنجات من باب واحد.
وأوضح أبو حامد أن سبب النهي عن النجوم: أمران: أحدهما: أن يصدق بأنها فاعلة لآثارها مستقلة بها, وأنها ليست مسخرة تحت تدبير مدب ر خلقها وقهرها, وهذا كفر.(1/26)
الثاني: تصديق المنجمين في تفصيل ما يخبرون به من الآثار التي لا يشترك كافة الخلق في دركها, لأنهم يقولون ذلك عن جهل (...), فاعتقاد كون الكواكب أسبابا لآثار تحصل بخلق الله تعالى في الأرض وفي النبات وفي الحيوان ليس قادحا في الدين بل هو حق .
وعندما أنكر أبو بكر بن العربي الاعتماد على الحساب الفلكي في ثبوت شهر رمضان علل ذلك بأنه: لا لأنه باطل, ولكن صيانة لعقائد الناس أن تناط بالعلويات, وأن تعلق عباداتها بتداور الأفلاك ومواقعها في الاجتماع والاستقبال, وهذا بحر عجاج إذا دخلوا فيه . فالغرض إذا الحفاظ على التوحيد, وليس إنكارا لصحة هذا العلم أو ذاك, والخوف من أن يشوب عقيدة البشر شيء من الوثنية.
وافترض أبو حامد سؤالا: إذا كان العلم هو معرفة الشيء على ما هو به , فكيف يكون علما, ومع ذلك يكون مذموما?
وأجاب عن ذلك بأن العلم لا يذم لذاته, وإنما يذم بالنسبة للإنسان لأسباب, من أهمها: أن يكون مؤديا إلى ضرر لصاحبه أو غيره من الناس, كالسحر والطلسمات, فمع أن السحر حق بشهادة القرآن, فإنه سبب للتفرقة بين الزوجين وما إلى ذلك, فإن معرفة هذه الأسباب من حيث كونها أسبابا ليست مذمومة, وإنما ذمها من قبل إضرارها بالناس, والوسيلة إلى الشر شر .
ولكن أبا حامد بقي على موقفه من ذم علم النجوم مع تقدمه في عصره, اعتمادا على حديث ضعيف حسبه زجرا عن هذا العلم, وأدلى بأسباب ليست وثيقة, وذلك لأن علم النجوم سواء في قسمه الحسابي في تقدير مسير القمر ومنازله, أو قسم الأحكام التي تعتمد على الاستدلال بالأسباب على الحوادث, كما يستدل الطبيب بالنبض على ما يحدث من مرض أو سيحدث, وما إلى ذلك من معرفة السنن والقوانين التي يسميها الغزالي عادة في الموجودات, هذا كله ما دام الشارع ذمه فهو مذموم, ولم يميز في ذلك بين ما هو علمي وما هو محاولة كاذبة للعلم بالغيب.(1/27)
ومن أسباب ذم علم النجوم عنده أن أحكامه تقوم على التخمين, وأن الشرع ذمه, لا من حيث كونه علما, بل من حيث كونه جهلا, وزعم أنه لا فائدة فيه, وأنه كتخمين الإنسان أن السماء تمطر إذا رأى غيوما وسحبا, وكتخمين الملاح في إبحاره على أساس ما ألفه وعلمه من العادة في الرياح, فمجرد الغيم غير كاف في نزول المطر, ولا تخمين البحار كاف في نجاة السفينة من الرياح.
وهذه أسباب ربما تكون لها وجاهتها في عصره, ولكن هذا العلم تطور, وانتفى ما كان فيه من اعتبارات الكهانة عند أهله, كما انتفى الخوف من اعتقاد الناس في ألوهية الكواكب واستقلالها بالتأثير عند المسلم, ولهذا فإن الحكم يتغير بتغير طبيعة هذا العلم, وكونه احتماليا لا ينفي أنه علم, وإن فقد الدقة الكاملة واليقين المطلق الذي لا يتوفر اليوم في العلوم مع تقدمها الهائل, بل إن أغلب الأحكام الشرعية نفسها التي استنبطها المجتهدون يكتفى فيها بالظن, وهذه طبيعة الاجتهاد.
وقد أطال ابن قيم الجوزية (ت751هـ ) في إبطال علم النجوم وما يربطه الناس به من سعود ونحوس, وتأثير في سلوك الناس, وأطال الرد على من يسميهم ب الأحكاميين , وذلك بسبب أن معرفة جميع المؤثرات الفلكية ممتنعة, فيمتنع الاستدلال على حدوث الحوادث السفلية, مع وجود كواكب لم يمكن رصدها ولا معرفة أقدارها وأعدادها, ولم يحط بها لا أصحاب الرصد ولا أصحاب الأحكام, مع اختلافهم اختلافا شديدا في مسائل هذا العلم وتناقضهم, وهو علم يعتمد على التقليد لمذاهبه المختلفة: مذهب البابليين, ومذهب الفرس, ومذهب الهند, ومذهب الصين.
وهو عنده علم قائم على التخمين والظنون, واستند إلى نص للفارابي (ت339هـ ) يعارض فيه التنجيم, لاعتماده على الحدس والتخمين والظنون الكاذبة, وسرد حوادث كثيرة في التاريخ كذبت فيها أحكام المنجمين.(1/28)
واعتمد أيضا على تاريخ تطور هذا العلم من عهد بطليموس إلى عهده هو, فقد مضى على أصول علم الفلك في نظام بطليموس 700 سنة, ثم جاء أهل الرصد في عهد المأمون فرصدوا وامتحنوا رصد الأوائل, فإذا هو خطأ, وسموا رصدهم بالرصد الممتحن, وبعد ذلك بستين عاما قام أبو معشر محمد بن جعفر (ت272هـ ) فعد ل الرصد الممتحن ورد على أصحابه, وكان متأثرا بمذهب الهنود في النجوم, ثم جاء أبو الحسين بن عبد الرحمن بن عمر الصوفي (ت376هـ ) بعد سبعين عاما من أبي معشر ونبه إلى أخطاء من قبله, وصن ف كتابا وأهداه إلى عضد الدولة ابن بويه, إلى أن وصل عهد أبي إسحاق الزرقال وجماعته في المغرب ومخالفته لمن تقدموه من علماء الفلك, سواء في ذلك صناعة الرصد أو صناعة الأحكام, فعدل من الرصد المأموني بدرجات, ومن الرصد الحاكمي دقائق, وجاء بطرق جديدة, ونقد طرق من تقدمه.
ووسمهم ابن قيم الجوزية بالضلال, وأشار إلى أن هذه الصناعة ماتت في عهده, وأصبح الناس يقلدون ما وصل إليه من تقدم, وبذلك استراح من هذا العلم, وقد عاصر هذا انحطاط الحضارة الإسلامية.
وأعجب برسالة لأبي القاسم عيسى بن علي (ت391هـ ), وكان من أهل المنطق والعلوم القديمة, كتبها في نقد علم أحكام النجوم, ولكنه لم ينفه من قائمة العلوم, ونقلها وعل ق عليها بالثناء الجزيل, وحسبه من فضلاء هذا العلم.
كما ذكر أنه رأى ما يزيد على مائة كتاب في الرد على أصحاب هذا العلم وإبطاله, كتب معظمها الفلاسفة أنفسهم كالفارابي وابن سينا وأبي البركات البغدادي, ولكنه لم يدرك أن هذه الردود إنما هي لتطوير هذا العلم وتصحيحه, لا لإبطاله من أصله, وكان الغرض استبعاد الخرافة منه وما بقي فيه من أخطاء, كأي علم آخر شابته أوهام وأخطاء, وليس العلم معصوما, ولا العالم به مبر ءا من الخطأ.(1/29)
مع أن ابن قيم الجوزية من الذين يرون العلي ة وتأثير الأشياء بعضها في بعض, منكرا على الأشاعرة نفيهم للعلية حفاظا على وحدة الخالق في التأثير, ومهما يكن فإنه أرخ لهذا العلم وتطوره مع الزمن تأريخا مفيدا لمن أراد أن يدرس تطور هذا العلم في الإسلام وتجديده.
وما يزال الناس يتابعون بعض الأمور ذات الصبغة الخرافية في البروج والكواكب ويكتبونها في الجرائد, ويذيعونها في التلفزة أيضا, يجيبون عن السائلين عن بروجهم, عند العرب وعند غيرهم من الغربيين, من الساسة والرؤساء وعوام الناس, فمن هذه الجهة يكون ابن القيم محقا تماما.
ومن العلم الذي ذمه الغزالي البحث عن الأسرار الإلهية, أو ما يسمى الميتافيزيقا, وما يتطلع إليه الفلاسفة والمتكلمون في هذا العالم من الغيب: فيجب كف الناس عن البحث عنها, وردهم إلى ما نطق به الشرع , لأنك إذا آمنت بالشرع وأمد ك بما يتعلق بعالم الغيب فلا مجال لإتعاب عقلك بعد ذلك فيما لا يدرك به; فيكفيك من منفعة العقل أن يهديك إلى صدق النبي , ويفهمك موارد إشاراته, فاعزل العقل بعد ذلك عن التصرف, ولازم الاتباع , فلا تسلم إلا به, والسلام . فهذه نصيحة منه, إذا قام لك البرهان على صحة أصل النبوة, فعليك بالإيمان بما يخبر به عن الغيب, فإن طور النبوة فوق طور العقل.
ونحن نرى اليوم ما وجه إلى الميتافيزيقا من نقد شديد في الفلسفة الغربية المعاصرة, وكان الدارسون والمؤرخون للفلسفة عندنا يلومون الغزالي في نقده الشديد للجزء الميتافيزيقي من الفلسفة اليونانية على نحو ما تصورها الفارابي وابن سينا, ثم رجعوا إلى الحداثة وما بعدها وإلى نقدها وتفكيكها, وهذا شأن المقلدين في اتباع من يقلدونهم.
8 ـ تحليل الغزالي التاريخي والاجتماعي للعلم(1/30)
من إبداعات الغزالي التي تجعله معاصرا لنا, تحليل ه لتطور المفاهيم العلمية في الإسلام, وتحو ل ألفاظ العلوم, وانتقالها من معنى إلى معنى آخر, غير ما كان يقصد بها في العصر الأول, وذلك لتغير بواعث الناس لدراستها, والظروف الاجتماعية التي أحاطت بها من عوامل سياسية ونفسية, وضرب لذلك مثلا بخمسة ألفاظ هي: الفقه, والعلم, والتوحيد, والحكمة, والتذكير, وأشار في تحليله إلى أن العلوم الدينية قد ماتت في عهده بهذا التحول الذي أفقدها روحها وسلبها الغاية منها, فذهبت معانيها الأصلية.
أ ـ الفقه
بعدما كان الفقه فقها للنفس, ومعرفة لآفاتها, وسلوكا وورعا, وتربية ربانية, وعلما بطرق الآخرة, أصبح معرفة الفروع الفقهية الغريبة في الفتاوى, وحفظا للأقوال, وتشعيب القول فيها لنيل مناصب القضاء والولاية والإفتاء والجاه والرئاسة والمال, فذهب روح الفقه ولبه وهو التقوى, وأصبح اشتغالا بالفروع والفتاوى وطلبا للرئاسة والأموال.
وقد هاجم الفقهاء هجوما عنيفا في الإحياء, لتفريغهم الفقه من روحه ومعناه وإماتته.
ب ـ العلم
انتقل العلم من معرفة الله وآياته وأفعاله في خلقه إلى الاشتغال بالمناظرة مع الخصوم في مسائل الفقه وغيرها, فيقال لكثير التشدق بأنه الفحل في العلم, والعالم على الحقيقة, ولو كان لا يحسن سوى رسوم جدلية في مسائل خلافية.(1/31)
وذم الغزالي هذه الخلافيات التي حدثت في القرنين الرابع والخامس, وما فيها من مجادلات وتحريرات وتصانيف لا روح لها, وما لم يعهد مثلها في السلف, وأوصى بتجنبها تجنب السم القاتل, إذ إنها داء عضال أصيب به الفقهاء, فاتجهوا إلى طلب المنافسة والمباهاة, وتركوا فنون العلم الأخرى, وانثالوا على المسائل الخلافية بين الشافعي وأبي حنيفة, وتساهلوا مع مالك سفيان الثوري وأحمد, زاعمين أن قصدهم استنباط دقائق الشريعة وتقرير علل المذاهب الأخرى, وإقامة أصول الفتاوى, واستمروا على ذلك إلى عصر الغزالي قال: ولسنا ندري ما الذي يحدث فيما بعد من الأعصار .
ج ـ التوحيد
كان معنى التوحيد أن يرى المؤمن أن الأمور كلها بيد الله, ولبه في نفي الوسائط, وان العبادة لله وحده, ويقوم على مخالفة الإنسان لهواه, فأصبح: صناعة الكلام, ومعرفة لطريقة المجادلة ومناقضة الخصوم, والتشدق بالأسئلة, وإثارة المشكلات والشبهات. ولم يكن هذا قد ظهر قبل القرن الرابع, كان التوحيد أمرا لا يفهمه المتكلمون في زمانه, ووصفهم بأنهم لا يزيدون عن العوام إلا بصناعة الكلام.
د ـ التذكير(1/32)
تحول التذكير على نحو ما كان عند الحسن البصري من تنبيه الناس إلى معاني التقوى وسبله, والتذكير بآيات الله ومقاصدها الأخلاقية العليا في زكاة النفس وتقواها, إلى القصص الكاذبة والأشعار, وإلى الشطح والطامات, ووضع الخرافات والحكايات والتأويلات التي عظم ضررها, لما في ذلك من عبارات هائلة ليس وراءها إلا الغموض, بل هي غير مفهمومة عند قائليها لصدورها عن خبط وتشويش في عقول أصحابها, ومن ذلك صرف ألفاظ الشرع عن مفهومها إلى أمور باطنية بعيدة عن أوضاع اللغة واستعمالاتها عند العرب, من غير ضرورة تدعو إلى ذلك, ولا سند يستند إليه فيها من شرع أو عقل حصيف. وهذا ما دعاه إلى تأليف كتابه "فضائح الباطنية", ويرجع ذلك إلى الوسط السياسي والأيديولوجي الذي كان يدور الصراع فيه بين الباطنية وغيرهم, مما أدى إلى اغتيال نظام الملك, وتخريب البلاد, وسفك الدماء...
هـ ـ الحكمة
بعد أن كانت الحكمة خيرا وفهما أعطيه الإنسان في القرآن وشؤون الدنيا, وإدراكا لحقائق الأمور, وعملا متقنا مبنيا على نظر صحيح, أصبحت تطلق على المنجم والشاعر والطبيب, حتى على الذي يلعب في الشوارع مدحرجا للعبة وأعواده.
إن الذم لم ينصرف عند الفقهاء إلى بعض العلوم العقلية فحسب, وإنما أصيبت به بعض العلوم الدينية أيضا, ومن ذلك علم الكلام.
ز ـ علم الكلام
كثر الجدل في علم الكلام, وتغير حكمه عند الفقهاء بتغير الظروف, فقد كان بدعة وحراما عند الشافعي ومالك وأحمد وأهل الحديث من السلف عموما, وبالغ الإمام أحمد في ذمه إلى أن هجر الحارث المحاسبي وهو الزاهد الورع, بسبب تأليفه في الكلام, ورده على أهل البدع, وذلك لما فيه من مشاغبات مذمومة مما لم يكن في الصدر الأول.(1/33)
وذهبت طائفة أخرى من الفقهاء إلى أنه واجب وفرض كفاية, فهو من أفضل الأعمال, لأنه نضال عن دين الله, وتأصيل للتوحيد وتحقيق له, وصد للوثنية وغيرهم ممن يطعن في التوحيد, ولا يقصد من الكلام سوى معرفة دليل حدوث العالم, وتوحيد الخالق وصفاته, كما جاءت في الشرع, فمن أين تحرم معرفة الله تعالى بالدليل?
وأما استعمال المصطلحات, كالجوهر والعرض, فهي اصطلاحات من أجل الإفهام, وهي جديدة مثلها في ذلك مثل ابتداع مصطلحات في الفقه والحديث والتفسير, ولا شيء في ذلك إذا كان لها دلالات على مقصود صحيح, فهي كصنع آلات جديدة أو أوان لاستعمالها فيما هو مباح, وكونها غير معروفة في العصر الأول لا يقدح فيها, وإنما يحرم التعصب والعداوة والتشغيب, كما يحرم ذلك إذا أدى إليه علم الحديث أو الفقه أو التفسير, فلا يمنع العلم في ذاته لأجل ما يطرأ عليه أو يؤدي إليه أحيانا من أخطاء يكتسبها الإنسان, فإن إقامة الدليل والبحث عنه والمطالبة به ليس أمرا محظورا, بل هو مأمور به: قل هاتوا برهانكم , ويكثر في القرآن محاجة الكفار, مثل محاجة إبراهيم? لقومه: وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه , ومجادلة نوح لقومه: قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا , والقصد من ذلك الكشف عن الحقيقة واعتراف الخصم.(1/34)
ويقف أبو حامد من هذا موقفا وسطا, فلا يطلق الحكم بذمه, ولا بجوازه, وإنما يراعي فيه الأحوال التي تعرض له, فعلم الكلام جائز إذا نظرت إلى وظيفته وهي حراسة العقيدة, ودفع تشويش المبتدعة, فينبغي أن يكون صاحب الكلام كالطبيب الحاذق في استعمال الدواء, فلا يضعه إلا في مكانه وفي وقت الحاجة, وعلى قدرها, فلا بد في نظره من قائم بهذا في كل بلد, لدفع الشبه في كل عصر, ولابد من تعليمه لا لعامة الناس وإنما للمتخصصين, وأن تكون حججه من جنس حجج القرآن المؤثرة المقنعة, دون تعمق في التدقيقات التي لا يدركها أكثر الناس, ويراعى في ذلك تطور العصور: وقد تختلف الأعصار في كثرة الحاجة [إليه] وقلتها, فلا يبعد أن يختلف في ذلك .
وطبق هذا على عصره: ولكن تغير الآن حكمه [حكم الكلام], إذ حدثت البدع الصارفة عن مقتضى الكتاب والسنة, ونبغت جماعة لفقوا لها شبها (...), فصار ذلك المحذور بحكم الضرورة مأذونا فيه, بل صار من فروض الكفايات, وهو القدر الذي يقابل به المبتدع إذا قصد الدعوة إلى بدعته .
وإنما لم يستصوب الخوض في علم الكلام في بعض الفترات لما أدى إليه من إهراق الدماء وتخريب البلاد , أما من حيث الاعتماد عليه منهجا يوصل إلى الحقيقة, فلا يرى ذلك أبو حامد, بل يكاد يكون عنده حجابا دون ذلك.
وقد بلغ هذا العلم أوجه في القرن الرابع الهجري, فألفت فيه مصنفات,وكثر الخوض في الجدال والخوض في إبطال المقالات:"فأخذ علم اليقين في الاندراس من ذلك الزمان .
وخلاصته أنه آلة يعرف بها طريق المجادلة , بل بطرق المحاجة بالبرهان العقلي.
القول في الفلسفة
يعتقد بعض الناس أن الغزالي عدو لدود للبحث الفلسفي, وأنه رفض الفلسفة رفضا باتا, ولكن الواقع أنه يفرق في الفلسفة كما هي معروفة في عصره بين أجزائها الأربعة.(1/35)
فالجزء الأول حسب تقسيمه هو الهندسة والرياضيات, وهما لا إشكال فيهما عنده, ومن منعهما يشك في عقله ودينه. يقول: وأما العلوم الرياضية فتتعلق بعلم الحساب والهندسة وعلم هيئة العالم, وليس يتعلق شيء منها بالأمور الدينية, نفيا أو إثباتا, بل هي أمور برهانية لا سبيل إلى مجاحدتها بعد فهمها ومعرفتها .
وبين منفعة هذه العلوم بأن من ارتاض بهذه العلوم البرهانية الحقيقية, فإنها تنقذه لا محالة من الخيالات والأوهام التي ربما تسيطر عليه مدة طويلة, إن لم يكن ذا علم برهاني, كما نجد ذلك عند بعض المتصوفة الذين يخدعهم الخيال, لخلو هم من المعرفة البرهانية النقدية.
والجزء الثاني: المنطق وهو عنده: بحث عن وجه الدليل وشروطه, ووجه الحد وشروطه , ولا شيء في ذلك مخالف للشرع, بل هو منهج علمي منظم للمعارف الشرعية وغير الشرعية, ولذلك أدخله في كتابه "المستصفى في الأصول", وجعله "معيارا للعلم/ و"محكا للنظر", وقد سبقه إلى هذا ابن حزم (ت456هـ ), ورد على الفقهاء الذين رفضوه دون علم به.
وتابع الغزالي في هذا الفخر الرازي, والآمدي (ت631هـ ), وابن الحاجب (ت646هـ ), وغيرهم من الأئمة, وجعله ابن حجر الهيثمي (ت974هـ ) من مواد أصول الفقه, وصنف علما شرعيا, وآلة من آلات العلوم الشرعية من فقه وحديث وتفسير.
وبقي فريق آخر من الفقهاء والمحدثين مصرا على منعه, ومن أهم هؤلاء ابن تيمية الذي ألف فيه "الرد على المنطقيين" وغيره, ولكنه درسه دراسة جيدة, ونقده نقدا منطقيا, وأسس منطقا آخر معارضا له في النهاية.
وله الحق في ذلك لأنه منطق صوري قائم من بعض وجهه على اللغة اليونانية, ويمكن بناء منطق آخر يختلف عنه, يقوم على الاستقراء والتجربة الحسية في الأساس, ويجوز المناطقة اليوم قيام عدة أنساق منطقية, كل منها له أصوله.(1/36)
والجزء الثالث: الإلهيات ويصنفه في جنس علم الكلام, ويجعله مما يدخل في بابه, حيث يبحث عن الله وصفاته, وإن انفرد الفلاسفة فيه بآراء بعضها كفر, وبعضها بدعة, وهو ما يسمى بالميتافيزيقا أو ما بعد الطبيعة. وقد أشرنا من قبل إلى موقف الغزالي منه, ومثل الفلاسفة في ذلك مثل المعتزلة الذين انتهوا إلى آراء بعضها باطل عنده.
ويرى أن الأخلاقيات والسياسيات من أقسام الفلسفة, أخذها الفلاسفة عن أصول نبوية, ولا يرفضها أيضا, بل أخذ كما أخذ غيره من المفكرين المسلمين بالفضائل التي جاء بها أفلاطون, ولم يروا في ذلك غضاضة, لأنها لا تتنافى مع الفضائل الأخلاقية الشرعية.
والجزء الرابع: الطبيعيات التي يقصد بها البحث عن الأجسام وصفاتها وخواصها, وكيفية استحالتها, وهي في ذلك شبيهة بعلم الطب, غير أن الطبيب ينظر في بدن الإنسان من حيث الصحة والمرض على الخصوص, وعالم الطبيعة ينظر في الأجسام من حيث كونها تتغير وتتحرك, ولكنه جانبه الصواب في ذهابه إلى أن العلوم الطبيعية لا حاجة إليها, ولعله لما رآها ليست علما مطبقا في عصره, ولا ينتفع بها الناس, لم ير ضرورة لها, ولكنه لم يمنعه, وإنما نقد فيه فكرة العلية على طريقة الأشاعرة في ذلك, واعتبرها بدعة, وهي وجهة نظر ذهب إليها هيوم الفيلسوف البريطاني المعروف.(1/37)
ولما شعر الغزالي في كتابه "الإحياء" أنه غلا في الثناء على علوم الآخرة, استدرك هذا قائلا ولا تفهمن من غلونا في الثناء على علم الآخرة تهجين هذه العلوم (علوم الدنيا من عقلية وتجريبية), فالمتكفلون بالعلوم كالمتكفلين بالثغور والمرابطين بها, والغزاة المجاهدين في سبيل الله " فهل من درجة أرقى من هذه الدرجة التي وسم بها الغزالي علوم الدنيا, لأنه يصور العلم تصورا لا يفصل بين علوم الدين وعلوم الدنيا, ولذلك صرح بأن:"ظن من يظن أن العلوم العقلية مناقضة للعلوم الشرعية, وأن الجمع بينهما غير ممكن, هو ظن صادر عن عمى في عين البصير , كما أن الداعي إلى محض التقليد مع عزل العقل بالكلية جاهل, والمكتفي بمجرد العقل عن أنوار القرآن والسنة مغرور , ويوحد بين أمر الدين والآخرة: إن أمر الآخرة والدنيا واحد, وإنما خص باسم الآخرة لتأخره .
لذا فإن تصور الإسلام للعلم وحرية الإنسان فيه على غير تصور الغربيين اليوم للعلم, فكادوا يقصرونه على العلم المادي, وقطعوا صلة العلم بالله?, وبالوجود الأعلى, وجعلوا سند العلم الوحيد هو الإنسان وعقله والوجود الحسي, أما الغزالي فربط الوجود كله بالله, لأن العلم علاقة الإنسان بالطبيعة أو العالم, ولطالما دعا القرآن إلى توطيد هذه العلاقة, ولأن العالم من اختراعه تعالى وإبداعه, والعلم به يؤدي إلى العلم بمبدعه وخالقه, يقول الغزالي: العالم بما فيه من العجائب تصنيف الله وتأليفه وإبداعه واختراعه, والنفس جزء من أجزاء العالم, وكل ذلك من أجزاء العالم مشحون بالعجائب, فلا يزال الباحث عنها مستفيدا زيادة اعتقاد, وتأكيد إيمان, ولذلك حث الله على التفكر في الأنفس والآفاق, وملكوت السموات والأرض .(1/38)
فالمطلوب معرفة الموجودات كلها, وكيف يترتب بعضها على بعض: وكيفية ارتباطها بالأول الحق المقدس عن الارتباط بغيره , وهذا سر حرية الإنسان في تفكيره وتأمله في هذه الموجودات, وهذا مفهوم العلم بالمعنى القرآني الشامل للعلم الديني والدنيوي, فهو ليس علما دنيويا خالصا, كما يتصور الدنيويون (العلمانيون),و ليس علما دينيا محضا كما يتصوره بعض الناس عندنا.
وهذه هي وحدة الحقيقة ووحدة المعرفة, فلا فرق بين علم وآخر إلا بقوة برهانه ووثاقته, وقيمة ثمرته ونفعه في حياة الناس, وعدم أذاهم وضررهم به.
ولابد أن نشير هنا إلى بعض الأحداث في تاريخ الحضارة الإسلامية التي خدم أهلها العلوم كلها, وكانوا أساتذة فيها مدة ستة قرون لا ينتج العلم في العالم غيرهم, ولكن حدثت أخطاء تدل على حجب حرية العلماء في بحوثهم وآرائهم, مثل محنة الإمام أحمد بن حنبل في قضية خلق القرآن, وكإحراق كتب ابن حزم, وامتحان بقي بن مخلد
(ت276هـ ) من قبله في الأندلس, مع أنه لم يفعل شيئا سوى أن أتى بمسند ابن أبي شيبة إلى هذا البلد, ورفض التقليد, فأنكر الفقهاء عليه ذلك, وكادوا يفتكون به, لاستقلاله في الرأي وعدم تقليده للإمام مالك, وفتن أيضا أبو بكر بن العربي لأنه حمل إلى الأندلس مؤلفات أبي حامد ودرس عليه, وكاد يقتل, وأحرقت داره ومكتبته, وهو الذي يصف فقهاء الأندلس بأنه قد صار التقليد دينهم, والاقتداء يقينهم, فكلما جاء أحد من المشرق بعلم دفعوا في صدره, وحقروا من أمره, إلا أن يستتر عندهم بالمالكية, ويجعل ما عنده من علوم على رسم التبعية, منهم بقي بن مخلد (...), وجاء بعلم عظيم, ودين قويم, ولم يكن له أن يرتبط بمذهب أحد... .(1/39)
وكذلك حمل الفقهاء على يوسف بن تاشفين أمير المرابطين على أن يصدر منشورا يأمر فيه منع تداول كتاب الإحياء لأبي حامد الغزالي, وتزعم القاضي ابن حمدين حادثة إحراقه في صحن مسجد قرطبة حوالي سنة 503هـ . وكذلك فعل ابن أبي عامر فحرق مؤلفات علوم الأوائل, تقربا إلى العوام وترسيخا لحكمه, وهذا ما فعله المنصور الموحدي مع ابن رشد, نفاه وأمر بإحراق مؤلفاته لأسباب سياسية, وبسبب ممارسة ابن رشد لحقه في حرية البحث, ونقد النظام السياسي الموحدي, كما فعل في شرحه لسياسة أفلاطون. وكما فعل في نقده للفقهاء والمتكلمين في كتبه ورسائله نقدا علميا لم يخرج فيه عن أدب الحوار.
ويدخل في هذا الباب هدم المرصد الفلكي الذي أقامه أحد الخلفاء العثمانيين بدعوى تحريم التنجيم.
لكن كيف نفسر هذا كله?
المشكلة تعود إلى عوامل سياسية, وإلى الحسد والحقد, والتعلق بالتقليد الذي أنكره القرآن أشد الإنكار, وما وجود مذاهب فقيهة وكلامية في تاريخ الإسلام إلا دليل على ممارسة المجتهد لحرية الفكر وحرية العلم والرأي. وقد رفض الإمام مالك اعتماد الموطأ دون غيره, وإن شذ بعض الناس فاستأنسوا بالتقليد, واستراحوا إلى الاتباع دون برهان, واستعدوا السلطان, واستعملوا الغوغاء للشهرة والجاه والمال والحكم, مما يتناقض ومقصد الشريعة في الحرية وتشوفها إليها.
الخاتمة(1/40)
نخلص من هذا كله إلى أن مقصد الشريعة في الحرية في العلم والرأي والقول مقصد واضح باستقراء نصوص القرآن والسنة في دعوتها إلى العلم بمعناه الشامل, وتوجيه العقل البشري إلى مظاهر الكون, لمعرفتها ومعرفة قوانينها وتوجيهه أيضا إلى أحداث التاريخ, ومصائر الأمم, للوصول إلى سنن المجتمع البشري, وإلى آفاق النفس للاطلاع على سنن أخلاقها ومختلف ظواهرها, وأن العلوم العقلية لا تناقض علوم الشريعة, وما حرمه الفقهاء من بعض المعارف كالسحر, فإنما حرموه لما ينتج عنه من ضرر كما يمنع القانون الولي اليوم بعض ما يؤدي إلى فناء الإنسان كالأسلحة النووية والجرثومية.
وأن هذا العلم ليس علما ماديا خالصا مقطوع الصلة بوجود الله عز وجل, فالمعرفة تتصور في وحدتها وبشمولها في نسيجها المتعدد الدرجات المترابط الأجزاء, فالعلم: من وجه صناعة, ومن وجه عبادة لله تعالى, ومن وجه خلافة لله تعالى, وهي أجل خلافة . ومن مقتضى الخلافة عمارة الأرض وإنشاء حضارة, ولا يكون ذلك إلا بالعلم والحرية في الرأي والقول والعمل, وتحرير العقل من التقليد والهوى, والجمع بين نور الشريعة ونور العقل, وبين العلم والعمل.
ليت شعري هل من حكمة أعظم من هذه الحكمة, ومن نور أشد إضاءة من هذا النور?
الهوامش
ينسب هذا التعريف اللغوي إلى أبي بكر النقاش. انظر البحر المحيط للزركشي, وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية, ط2 ـ الكويت ـ 1413هـ ـ 1992م (1/52).
ومن ذلك العلم وهو الأثر الذي يعلم به الشيء كعلم الطريق , وعلم الجيوش, وسمي الجبل بذلك .
انظر: مفردات غريب القرآن للراغب . مادة "علم", وسمي العالم عال ما لأنه علامة على صانعه.
ذكر هذا في كتابه: شرح اللمع. انظر البحر المحيط للزركشي (1/53).
Philosophies de notre temps, cordonnإ par Jean.Fran5ois Dortier, ed, sciences humaines, press universitaires de France, 2000, p 199.(1/41)
المازري . شرح البرهان لإمام الحرمين, تحقيق صاحب هذا البحث, ص 26 من المخطوط. ونسب هذا التعريف إلى المعتزلة.
وعرفه الراغب بأنه: إدراك الشيء بحقيقته, وهو ضربان: إدراك ذات الشيء, والحكم على الشيء بوجود شيء موجود له, أو نفي شيء منفي عنه. الأول يتعدى إلى مفعول واحد, والثاني إلى مفعولين .
مفردات غريب القرآن.
وبين أن العمل مقلوب عن العلم, وأن العلم فعل القلب, والعمل فعل الجارحة, وهو يبرز عن فعل القلب الذي هو العلم وينقلب عنه ـ الراغب ـ الذريعة إلى مكارم الشريعة. مكتبة الكليات الأزهرية, القاهرة, 1993هـ ـ 1973م . ص 220.
وأن المعرفة قد تقال فيما تدرك آثاره وإن لم تدرك ذاته, والعلم لا يقال إلا فيما تدرك ذاته, ولذا يقال: فلان يعرف الله, ولا يقال: يعلم الله . المصدر نفسه ص 82.
فالمعرفة ك "تقال فيما لا يعرف إلا كونه موجودا فقط, والعلم أصله أن يقال فيما يعرف وجوده, وجنسه, وكيفيته, وعلته, يقال: الله عالم بكذا, ولا يقال: عارف " الذريعة
ص 84.
وعر فه الغزالي (ت505هـ ) بأنه: العلم بالأمور الدنيوية والأخروية والحقائق العقلية . الإحياء, دار الجيل, بيروت (د.ت) (3/119).
والعلم خاصية الإنسان عنده: خاصة الإنسان العلم والحكمة . (3/120). ومعناه: والإنسان بالحقيقة هو المعنى المدرك للعلوم . (6/131), و العلوم مركوزة في النفوس . الغزالي, ميزان العمل, ص 125.
5) Karl Popper
6) Paul Feyerabend, Contre la mإthode, paris, Le Seuil, 1979.
7) وهو ما يسمى في لغات أخرى: Tabous
8) Thomas Kuhn, Imre LakaTos, Gerard Holton, Alexandre Koyr, Gaston Bachelar
9) المصدر السابق ص 214.
10) Jean Fran5ois Dortier, La science et ses enjeux, sciences humaines, N011, Novembre, 1991.
11) Philosophies de notre temps, p 199.
12) Richard Frydman.
13) Ibid, p 199.(1/42)
14) Jean Michel Besnier, Histoire de la philosophie moderne et contemporaine, ed. Grasset et Fasquelle, 1993, TI, p685.
15) Tho.anarchiste de la connaissance.
16) Paul Freyerabend, Contre la mإthode, Paris, Le Seuil, 1979.
17) Ibid, p 690.692.
18) Sylvain Auroux
19) L‘interdisciplinarit
20) أبو بكر بن العربي, العواصم من القواصم, تحقيق عمار الطالبي, دار الثقافة, الدوحة, 1992, ص 371.
21) Besnier, Histoire de la philosophie, p 682.
22)Husserl, La crise des sciences europإennes et la philosophie transcendantale, 1937.
23) هذه الترجمة من اقتراح معالي الوزير الأستاذ سعيد شيبان, حينما حاورته فيها هاتفيا مساء السبت 23 شعبان 1423هـ ـ 18 نوفمبر 2000.
Rorty (24 فيلسوف معاصر براجماتي جديد.
25) Besnier, Ibid, p 696.
26) ذكر هذا السمعاني. انظر البحر المحيط للزركشي (1/84).
27) أبو عيد الله الحارث المحاسبي, العقل وفهم القرآن , دار الفكر ودار الكندي, دمشق (د.ت), ص 205.
28) المصدر نفسه ص 209. وانظر القرآن الكريم والتطور العقلي لفاطمة إسماعيل, المعهد العالمي للفكر الإسلامي, 1993, ص 50. ولؤى صافي, العقل والتجديد, سلسلة كتب المستقبل العربي, مركز دراسات الوحدة العربية, بيروت, 1999, ص 41.
29) إحياء علوم الدين (1/111).
30) انظر البحر المحيط (1/85).
31) العواصم من القواصم ص 161.
وقارن بين الآيتين:"إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون [البقرة/164], و إن في ذلك لآية لقوم يعلمون" [سورة النمل/52].
واتهم أبو بكر بن العربي الخليل بن أحمد أنه تأثر بأرسطو وأخذ عنه أن العلم معرفتان مجتمعتان. العواصم ص 162.
وعرف العقل أيضا بأنه: صفة يتأتى بها درك العلوم . ص 164. وهو تعريف أخذه عن الجويني في البرهان.
32) الذريعة ص 82. فالعقل عنده أمران:
1 ـ هيئة وقوة.
2 ـ علم يستفيده الإنسان بتلك القوة.(1/43)
مفردات غريب القرآن ص 344.
33) البحر المحيط (1/84).
34) ذهب إلى ذلك طه عبد الرحمن في كتابه "اللسان والميزان" نشر المركز الثقافي العربي, الدار البيضاء, 1998, ص 21. قال: "فعلى خلاف ما ساد ويسود به الاعتقاد الموروث عن اليونان, ليس العقل جوهرا مستقلا قائما بنفسه, وإنما هو أصلا فاعلية (...) وليس العقل فاعلية فحسب, بل أسمى الفاعليات الإنسانية وأقواها .
35) الإحياء (1/108).
36) قال: "الذي عليه الإسلاميون وغيرهم أن العقول طرق المعلومات (...) وأنكرت طائفة من المحدثين ذلك, وقالوا: لا يعرف شيء إلا من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - . انظر: البحر المحيط (1/40).
37) الإحياء (1/25).
38) شرح البرهان المخطوط ص 28.
39) البحر المحيط (1/43), وبين هذا أيضا الراغب الأصفهاني في مفردات غريب القرآن ص 384, قال: الفكر يقال في المعارف, وهو فرك الأمور وفحصها, فالفكر مقلوب فرك .
40) الإحياء (6/46).
41) الاعتبار: العبور إلى معرفة ثالثة, وإذا لم يكن عبور فهو تذكر, والنظر والتفكر طلب لمعرفة ثالثة بناء على مقدمتين حاصلتين. الإحياء (6/46).
42) ثمرة الفكر العلوم والأحوال والأعمال . الإحياء (6/47).
43) المصدر نفسه (6/48).
44) المصدر نفسه (6/43).
45) المصدر نفسه (6/48).
46) تفسير البيضاوي لقوله تعالى: يؤتي الحكمة من يشاء, ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا . [سورة البقرة/269]. انظر أنوار التنزيل وأسرا التأويل للقاضي ناصر الدين البيضاوي, دار الجيل, بيروت (د.ت), ص 62, وهو مصور لطبعة المطبعة العثمانية سنة 1329ه .
وفسرها أبو بكر بن العربي بالعلم المطلق, ثم قال: وليس يمتنع في اللسان العربي أن يسمى العمل بمقتضى العلم حكمة على معنى تسمية الشيء باسم ثمرته العواصم ص 187.
47) سورة البقرة/129.
48) الذريعة ص 83.
49) سورة الشورى/17.(1/44)
50) العواصم من القواصم ص 186 ـ 187. فسر الحكمة في قوله تعالى: ويعلمهم الكتاب والحكمة [البقرة/129], بأنها علم الكتاب, وفسرها في قوله تعالى: ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا [البقرة/269] بأنها العلم المطلق. العواصم ص 187.
51) وقد فسر لوجوس عند اليونان أيضا بالقانون, وإن كان أبو بكر يرفض الفلسفة اليونانية بشدة تفوق شدة شيخه أبي حامد الغزالي.
وفسرت الحكمة بالنبوة في قوله تعالى: وآتاه الملك والحكمة [البقرة/252]. انظر تفسير البيضاوي في تعليقه على هذه الآية.
52 ) الإحياء (3/140). وفسرها الراغب الأصفهاني بأنها: علم حسن, وعمل صالح, وأنها تستعمل في العمل أكثر من استعمالها في العلم . الذريعة ص 82 . 83. كما عرفها بمعرفة الأشياء الموجودة بحقائقها, وأنها العلوم العقلية المدركة بالعقل. الذريعة ص 83.
53) BA Saint Sernin, La raison aux XX siةcle, Seuil, 1995. M.M Carrilho, Rationalitإ, les avatars de la raison dans la philosophie contemporaines, Hatier, 1997.
54) ترجمة تقريبية لكلمة: Rإfutation.
Adieu la raison, Seuil, 1989(55 .
وأحسن رد عليه رد ابن حزم قال: إنه لا يصح شيء أصلا إلا بالعقل, أو بالحواس مع العقل, أو ما أنتج من ذلك, فمن أبطل حجة العقل ثم ناظر بعد ذلك بحجة العقل, فإن صححها رجع إلى العقل ودخل معنا, وإن أبطلها سقط القول معه لأنه يصر أنه يتكلم بلا عقل " الإحكام (7/195).
56) سورة النحل/78.
57) سورة الحج/5.
58 ) سورة الروم/7.
59) سورة يونس/5.
60) سورة الإسراء/12.
61) سورة فاطر/27 ـ 28.(1/45)
تفطن الراغب الأصفهاني إلى ما في القرآن من ارتباط بين العلم والإيمان, فالخشية للحق صدرت من علم العلماء:" إنما يخشى الله من عباده العلماء " , ووجل القلوب وخشيتها وصف به المؤمنون: الإيمان هو الإذعان إلى الحق على سبيل التصديق به واليقين, ولهذا وصف الله الإيمان والعلم بوصف واحد فقال: "إنما يخشى الله من عباده العلماء , وقال: " إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ", ووجل القلب هو الخشية للحق على سبيل التصديق به باليقين . الذريعة ص 155.
63) سورة يس/69.
64) سورة البقرة/282.
65) سورة يوسف/21.
66) سورةالبقرة/102.
67) سورة طه/71, وسورة الشعراء/49
68) سورة الأنبياء/80.
69) سورة الرحمن/2 . 3.
70) سورة البقرة/31.
71) سورة القصص/78.
72 ) سورة يوسف/55.
73) البقرة/31.
74) سورة محمد/30.
75 ) التكليب هو التعليم: "وما علمتم من الجوارح مكلبين ". سورة المائدة/4], سواء في ذلك تعليم الكلب, أو البازي, أو الصقر, أو الفهد. انظر: القبس في شرح موطأ الإمام مالك بن أنس لابن العربي (2/632).
76)سورة المائدة/4.
77) سورة النمل/16.
78) سورة الأعراف/185.
79) سورة يونس/101.
80) سورة العنكبوت/20.
81) سورة الأنعام/99.
82) سورة ق/6.
83) سورة يوسف/109.
84 ) سورة الروم/9, وكذلك سورة غافر/21 و 28, وسورةمحمد/10.
85 ) سورة عبس/24 . 32.
86 ) سورة الطارق/5 . 7.
87 ) سورة البقرة/164.
88) سورة النحل/12.
89 ) سورة الحج/46.
90) سورة الروم/24.
91) سورة يس/68.
92 ) سورة الملك/10.
93 ) سورة العنكبوت/43.
94 ) سورة البقرة/75.
95 ) سورة سبأ/46.
96 ) سورة الأنعام/50.
97 ) سورة الأعراف/184.
98 ) سورة الروم/8.
99) سورة آل عمران/191.
100) سورة التوبة 122.
101 ) سورة الكهف/93.
102 ) سورة النساء/78.
103) سورة محمد/24.
104) سورة النساء/82.
105) سورة ص/29.
106) سورة المؤمنون/68.
107) سورة طه/69.
108) الإحياء (/1/21).(1/46)
109) المصدر نفسه (1/21).
110) أخرجه ابن ماجه بإسناد حسن. انظر تخريج العراقي لأحاديث الإحياء (1/30).
111) أخرجه أبو داود والبيهقي والحاكم عن ابن عمر. (كنز العمال رقم (28659).
112) أخرجه الديلمي في مسند الفردوس. (كنز العمال رقم 28660).
113) فيه خلاف بين المحدثين. صححه الإمام أحمد (كنز العمال رقم 28918).
114) أخرجه أحمد عن زيد بن ثابت (كنز العمال رقم 29224).
115) رواه عبد بن حميد عن زيد بن ثابت (كنز العمال رقم 29225).
116) رواه أبو داود والنسائي والبيهقي والحاكم عن ابن عمرو وقال: صحيح, وأقره الذهبي (كنز العمال رقم 28229).
117) رواه البيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة (كنز العمال رقم 29162).
118) أخرجه أحمد, وأبو داود, والبيهقي عن ابن عباس (كنز العمال رقم 3887).
119) أورده الحاكم (كنز العمال رقم 29091).
120) كنز العمال رقم 35343, وورد تعليم النساء الغزل, وسورة النور. ويرى المحدثون أن هذا غير ثابت بل هو موضوع (تذكرة الموضوعات للفتني), وانظر الدر المنثور للسيوطي (5/18) والحاوي للفتاوي له.
121) محمد الطاهر بن عاشور, مقاصد الشريعة الإسلامية, الشركة االتونسية للتوزيع, 1978, ص 70.
122) فصل المقال (ضمن فلسفة ابن رشد, دار الآفاق, بيروت, 1403ه . 1972م, ص 128.
123) بداية المجتهد, دار المعرفة, بيروت, 1409ه 1998م, (1/368). وهذا رأي فقهاء الكوفة في تحرير العبيد, فإذا كان العبد مشتركا وحرره أحدهما يجب على الآخر أن يحرره.
124) سورة الأعراف/185.
125) الشاطبي, الموافقات, دار ابن عفان, الخبر, 1417ه ت 1997م, (1/54 . 55).
126) أخرجه البخاري ومسلم والنسائي.
127) الموافقات (1/55).
128) المصدر نفسه (1/59).(1/47)
وهذه عادة يبدو أنه أخذها من بعض أصحاب صناعة الفقه الذين يعادون ما لم يدرسوه من العلوم الأخرى, كما لا يعبأ أصحاب النحو مثلا بالفقهاء ويرون أنهم يشتغلون بالحيض والنفاس. فكل من تخصص في علم لا يعبأ بالعلوم الأخرى, ويميل إلى تحقير شانها, كما أشار إلى ذلك أبو حامد الغزالي.
129) الإحياء (1/22).
130) المصدر نفسه (1/36).
131) المقصود بأفعال الله هنا: جميع الموجودات, فالعالم كله فعله وتأليفه على حد تعبيره.
132) ويرى: أن في فهم معاني القرآن مجالا رحبا ومتسعا بالغا, وأن المنقول من ظاهر التفسير ليس منتهى الإدراك فيه . الإحياء (1/384).
133) الغزالي, جواهر القرآن, ص 5 ـ 11.
ويصور العالم بأنه تصنيف إلهي: فإن العالم كله من تصنيفه الذي صنفه بواسطة قلوب عباده الإحياء (4/380).
واعلم أن كل ما في الوجود مما سوى الله تعالى فهو فعل الله وخلقه . الإحياء (6/97).
134) المصدر نفسه (6/72).
135) ميزان العمل ص 134, والإحياء (1/69). وهذا النص في غاية الأهمية يدل على عقل وضاء.
136) قارن الأفكار الواضحة عند ديكارت.
137) الجواهر ص 25 ـ 26.
والعلوم المندرسة كعلم تحنيط الموتى عند الفراعنة مثلا, ويقول يعد أن عد د كثيرا من العلوم: ثم ثمرة هذه العلوم ما عددناها وما لم نعد ها ليست أوائلها [أي مبادئها] خارجة عن القرآن, فإن جميعها مغترفة من بحار معرفة الله تعالى,....... بحر الأفعال, وقد ذكرنا أنه بحر لا ساحل له... . المصدر نفسه ص 26.
فهو يربط الكون وعلوم الإنسان عنه بمصدرها وخالقها?.
138) المصدر نفسه ص 127.
139 ) سورة الانفطار/6 . 8
140) القبس (3/1181), ويرى أن شرف العلم ابتداء بذاته . ليس أبو بكر من أهل الجمود على الألفاظ في مؤلفاته.
141) الإحياء (1/26), الذهبي مسائل في طلب العلم واتساعه ضمن ست رسائل ص 214 ـ 225.
142) الإحياء (1/26).
143) المجموع (1/52).(1/48)
144) نقل هذا السبكي في طبقاته. انظر مفتاح السعادة ومصباح السيادة لأحمد بن مصطفى كبرى زاده (ت968ه ), تحقيق رفيق العجمي وعلي دحروج, مكتبة لبنان, الناشرون, 1998, ص 487.
145) المصدر نفسه. وبين: أن كثيرا من العلماء على تحريم علم النجوم مطلقا, وبعضهم على تحريم اعتقاد أن الكواكب مؤثرة بالذات .
وذكر عبد الحق الدهلوي (ت1052ه ) في مدارج النبوة: إن السحر حرام, وقال بعضهم: إن تعلمه بنية دفع السحر عن نفسه ليس بحرام . كشاف اصطلاحات الفنون ص 399.
146) طاش كبرى زاده, مفتاح السعادة, ص 487.
وكذلك فعل التهانوي (ت بعد سنة 1158ه ): فيكون في الأمة من يكشفه ويقطعه . وقال: أما مجرد علمه [السحر] فظاهر الإباحة, بل ذهب بعضهم إلى أنه فرض كفاية . كشاف اصطلاحات الفنون, طبعة لبنان 1996, ص 57.
147) التهانوي, كشاف اصطلاحات الفنون ص 67.
148) المصدر نفسه ص 67.
والغريب أن النسفي (ت710ه ) نقل أن علم النجوم كان حقا ثم نسخ الاشتغال بمعرفته, فهل هذا يعقل?
149) المصدر نفسه ص 68, ونقل النسفي في المدارك: وأما المنجم الذي يخبر بوقت الغيث, أو الموت فإنه ليس يقول بالقياس والنظر في الطالع, وما يدرك بالدليل لا يكون غيبا . والحديث الوارد في منع التنجيم يحمل على الادعاء بعلم الغيب.
150) يحتمل أن يكون ابن دقيق العيد محمد المتوفى سنة 702ه , لأن المصدر لم يحدد أيهما فعل ذلك.
151) صنف كتاب "السير المكتوم في مخاطبة الشمس والقمر والنجوم" وهو مخطوط.
152) العواصم من القواصم ص 177, ويعني بذلك نفسه.
153) الذريعة ص 112. وأضاف: لا ينبغي للعاقل أن يستهين بشيء من العلوم ص 112.
154) درء تعارض العقل والنقل (1/157 . 158).
155) قال: المسائل المعروفة بصريح العقل كمسائل الحساب والهندسة, والطبيعيات الظاهرة, والإلهيات البينة . درء تعارض العقل والنقل (1/148).
156) المصدر نفسه (4/246): ما بعد الطبيعة بعض كلامهم خطأ وبعضه صواب .(1/49)
157) المصدر نفسه (5/62).
158) الإحياء (4/380). ومثل ذلك بحصول الضياء, والحرارة, وبطلوع الشمس, وتجفيف الشمس لما ينشر من الألبسة بعد غسلها, وتغير وجه الإنسان إثر ضربة الشمس الحارة: فإذا الكواكب ما خلقت عبثا, بل فيها حكم كثيرة لا تحصى ., ربنا ما خلقت هذا باطلا . [البقرة/191.
159) القبس (1/484), وهو يقرب في هذا من رأي الشاطبي في الاعتماد على الحديث المتفق عليه: نحن أمة أمية لا تقرأ ولا تحسب . وقد أشرنا إلى معنى ذلك من قبل.
160) الإحياء (1/42).
161) تشبث الغزالي بقاعدة نصح بها الباحث وهي: لا تكن بحاثا في علوم ذمها الشرع وزجر عنها . الإحياء (1/44).
162) مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية أهل العلم والإرادة, تحقيق علي بن حسن الحلبي الأثري, دار ابن عفان, الخبر, 1416هـ ـ 1996م, خصص معظم الجزء الثالث للرد على علم النجوم أو الفلك.
163) نسبة إلى الأحكام, أحكام النجوم. انظر مفتاح السعادة (1/41).
164) المصدر نفسه (1/43).
165) المصدر نفسه (1/43).
166) المصدر نفسه (1/49).
167) المصدر نفسه (1/56).
168 ) مخرج الإمام علي إلى صفين لمقاتلة الخوارج سنة 37هـ , وبناء بغداد سنة 146هـ , وقصة عمورية سنة 223هـ في عهد المعتصم وما أنشده أبو تمام فيها, وقصة القرامطة سنة 292هـ في عهد المكتفي, وبناء جوهر الصقلي للقاهرة على أساس نجم القاهر سنة 353هـ , وهجوم الفرنج على دمياط سنة 615هـ , إلى غير ذلك.
انظر مفتاح السعادة (1/60 ـ 75).
169) رصد في عهد المأمون خالد بن عبد الملك المروزي, ومحمد بن الجهم, ويحيى بن أبي منصور, وحسن صاحب الزيج المأموني.
170) واستمر في بيان تطور هذا العلم, مما يصلح أن يكون تاريخا مهما لعلم الفلك
171) المصدر نفسه (1/68).
172) المصدر نفسه (1/88).
173) ووردت ردود أخرى ضمن كتب ربما تزيد على ألف, منها ما ألف قبل الإسلام.(1/50)
174) في بعض القنوات الفضائية العربية برنامج "إيه برجك" فيتحدث فيه أساتذة من جمعية أحكام النجوم بشيكاغو من الولايات المتحدة, وهذا يدل على بقايا الثقافة القديمة الراسخة في عقول الناس.
175) الإحياء (1/44). قال الغزالي: فالصواب إذن أن لا يتعرض لمجاري الفكر في ذات الله وصفاته, فإن أكثر العقول لا تحتمله (...), لكنا نعدل إلى المقام الثاني وهو النظر في أفعاله . (6/56).
176) المصدر نفسه (1/44).
177) أساء كثير من الباحثين فهم الغزالي, وأصدروا أحكاما مجانبة للصواب في حقه.
178) ولذلك عزم على إحيائها بتأليفه كتاب "إحياء علوم الدين".
179) عرف الراغب الأصفهاني الفقه بأنه: التوصل إلى علم غائب بعلم شاهد, فهو أخص من العلم . مفردات القرآن ص 384, وهو تعريف لطيف.
180) الإحياء (1/46).
181) المصدر نفسه (1/58).
182) المصدر نفسه (1/52).
183) سورة البقرة/111.
184) سورة الأنعام/83
185) سورة هود/32.
186) المصدر نفسه (1/55, 125.
187) المصدر نفسه (1/130).
188) جواهر القرآن, دار الآفاق الجديدة, بيروت, 1393هـ ـ 1973م, ص 21, وبين أن مقصوده رد الضلالات والبدع, وبجنسه [علم الكلام] الكتاب الذي في "تهافت الفلاسفة", والذي أوردناه في الرد على الباطنية . ص 21.
189) الإحياء (1/58).
190) المصدر نفسه (1/34).
191) المصدر نفسه (1/103).
192) جواهر القرآن ص 21.
193) ويرى أنه لا ينبغي تجاوز صاحبها العلم إلى السحر وحساب الأوفاق والجم ل.
194) المنقذ من الضلال, مكتبة الجندي, ص 46.
وذكر السيد الشريف والتفتازاني (ت791) أن الاشتغال بالكلام في زماننا من فرائض الكفاية . الكشاف ص 67.
195) ميزان العمل ص 42.
196) يقول: وقد أودعناه كتاب محك النظر, وكتاب معيار العلم, على وجه لا يلفى مثله للفقهاء والمتكلمين, لا يثق بحقيقة الحجة والشبهة من لم يحط بهما علما . جواهر القرآن ص 21.(1/51)
197) نشر في ذلك كتاب "تقريب بالمنطق والمدخل إليه..., وهو مطبوع نشره إحسان عباس.
198) نقل عنه التهانوي في كشافه أنه: من مواد أصول الفقه, لأن الحكم الشرعي لابد من تصوره والتصديق بأحواله إثباتا ونفيا, والمنطق هو المرصد لبيان أحكام التصور والتصديق, فوجب كونه علما شرعيا, إذ هو ما صدر عن الشرع, أو توقف عليه العلم الصادر عن الشرع توقف وجود كعلم الكلام أو توقف كمال كعلم العربية والمنطق, ولذلك قال الغزالي: لا ثقة بفقه من لم يتمنطق, أي لا قواعد للمنطق مركوزة بالطبع فيه, كالمجتهدين في العصر الأول, أو بالتعلم . كشاف اصطلاحات الفنون ص 69.
199) المصدر نفسه ص 68, وفيه: المنطق الذي بأيدي الناس اليوم, فإنه علم مفيد لا محذور فيه بوجه, إنما المحذور فيما كان يخلط بشيء من الفلسفات المنابذة للشرائع, ولأنه كالعلوم العربية في أنه من مواد أصول الفقه (...) فوجب كونه علما أصوليا . نقل هذا من شرحه على الأربعين.
200) الإحياء (1/33).
201) لم يستحسن الغزالي أن يشتغل كثير من الناس بعلم ما كالفقه ويهملون علوما أخرى تشتد إليها ضرورة الحياة, فأنكر على العلماء في عصره كثرة إقبالهم على الفروع الفقهية والجدل والخلافيات, وتركهم علم الطب: إذ لا يوجد في أكثر البلاد طبيب مسلم يجوز اعتماد شهادته فيما يعو ل فيه على قول الطبيب شرعا, ولا يرغب أحد من الفقهاء في الاشتغال به . الإحياء (1/59).
ويقول: فكم من بلدة ليس فيها طبيب إلا من أهل الذمة (...) والبلد مشحون بالفقهاء (...) فليت شعري كيف يرخص فقهاء الدين (في) الاشتغال بفرض كفاية قام به جماعة وإهمال ما لا قائم به .
202) المصدر نفسه (1/53 . 54).
203) المصدر نفسه (3/131).
204) المصدر نفسه (3/130).
ويرى الراغب الأصفهاني تعذر إدراك العلوم الشرعية على من لم يتهذب بالعلوم العقلية (...) فمن المحال أن يدرك من لم يحصل المعقولات حقائق الشرع .
الذريعة ص 100.(1/52)
205) ميزان العمل ص 95.
206) المصدر نفسه ص 35.
207) المصدر نفسه ص 137.ويرى أن معرفة النفوس الإنسانية والحيوانية من حيث ارتباطها بقدرة الله لا من حيث ذاتها فحسب, وهذه المعرفة حكمة وعلم حقيقي. ص 47.
208) ابن سعيد, المغرب في حلى المغرب, (1/404).
209) قال أبو بكر بن العربي: كحادثة بقي بن مخلد, فإنه جاء بعلم عظيم, واستأثر بمذهب لإمامته, ولم ير أن يقلد أحدا فرمته القرطبية عن قوس واحد[ة] . العواصم ص 375. وانظر ص 369 في وصف الناس إذا جاءهم عالم بعلم جديد كيف يعيبون عليه استكبارا وعتوا.
210) المصدر نفسه ص 366. وذكر أنه كان مهجورا حتى مات .
211) ميزان العمل ص 120.
212) يثول أبو حامد الغزالي: وجميع موجودات الدنيا أثر من آثار قدرة الله تعالى, ونور من أنوار ذاته, بل لا ظلمة أشد من العدم, ولا نور أظهر من الوجود, ووجود الأشياء كلها نور من أنوار ذاته الإحياء (6/57).(1/53)