آل البيت
اختلف أهل العلم فى أهل البيت من هم؟
فقال عطاء وعكرمة وابن عباس: هم زوجاته صلى الله عليه وسلم خاصة ، لا رجل معهن ، وذهبوا إلى أن البيت أريد به مساكن النبى صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: {واذكرن ما يتلى فى بيوتكن}الأحزاب34.
وذهبت فرقة منهم أبو سعيد الخدرى وجماعة من التابعين منهم مجاهد وقتادة والزمخشرى والكلبى أنهم: علىُّ وفاطمة والحسن والحسين خاصة.
وذهب فريق منهم الفخر الرازى والقسطلانى وآخرون إلى أنهم آولاده وأزواجه صلى الله عليه وسلم والحسن والحسين ، وعلىُّ منهم ؛ لمعاشرته فاطمة وملازمته النبى صلى الله عليه وسلم.
وذهب زيد بن أرقم إلى أنهم من تحرم عليهم الصدقة، وهم آل علىٍّ، وآل عقيل ، وآل جعفر، وآل العباس ، وهو الراجح.
قال السيوطى: هؤلاء هم الأشراف حقيقة فى سائر الأعصار وهو ما عليه الجمهور، وهو معنى رواية مسلم عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما بعد..أيها الناس إنما اًنا بشر يوشك أن يأتينى رسول ربى فأجيب ، وأنا تارك بينكم ثقلين: أولهما: كتاب الله ، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به) فحث على كتاب الله ورغب فيه ، ثم قال: (وأهل بيتى، أذكركم الله فى أهل بيتى) قالها ثلاثا، فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته ، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده ، قال: ومن هم؟ قال: آل علىّ، وآل عقيل ، وآل جعفر، وآل العباس رضى الله عنهم.
والشيعة يخصون أهل بيت النبى صلى الله عليه وسلم بعلىّ وفاطمة والحسن والحسين رضى الله عنهم ، لكن رواية زيد السابقة تدل على أن آله من حُرم الصدقة، أو أنه ليس المراد بالأهل الأزواج فقط بل هم مع آله.
وقد تنازع الناس فى آل محمد صلى الله عليه وسلم من هم فقيل: أمته وهذا قول طائفة من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم ومالك وغيرهم ، وقيل: المتقون من أمته ، وإليه ذهب طائفة من أصحاب أحمد وغيرهم واستدلوا بحديث موضوع هو: "آل محمد كل مؤمن تقى" وبنى على ذلك طائفة من الصوفية أن آل محمد صلى الله عليه وسلم هم خواص الأولياء كما ذكر الحكيم الترمذى.
لكن الصحيح أن آل محمد هم أهل بيته صلى الله عليه وسلم وهو المنقول عن الشافعى وأحمد رحمهما الله.
وآل بيته النبى صلى الله عليه وسلم يجب حبهم أخرج ابن سعد: "قال رسول صلى الله عليه وسلم: (استوصوا بأهل بيتى خيرا، فإنى أخاصمكم عنهم غدا، ومن أكن خصمه: خصمه الله) ، ونقل القرطبى عن ابن عباس فى قوله تعالى: {ولسوف يعطيك ربك فترضى}الضحى:5. قال: رضا محمد ألاّ يدخل أحد من أهل بيته النار. وأخرج البخارى عن ابن عمر قال آبو بكر: خطب النبى فقال: (أذكركم الله فى أهل بيتى ثلاثا) وروى الامام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله سائلكم كيف خلفتمونى فى كتاب الله وأهل بيتى). وروى الحاكم والترمذى، وصححه على شرط الشيخين ، قال صلى الله عليه وسلم: (أحبوا الله لما يغذوكم به ، واًحبونى بحب الله وأحبوا أهل بيتى بحبى) ، وهناك آثار كثيرة تدل على وجوب حب آل بيت النبى صلى الله عليه وسلم.
وكثير من الآثار-أيضا- تدل على تحريم بغض آل البيت منها: ما أخرجه الطبرانى والبيهقى وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما بال أقوام يؤذوننى فى نسبى وذوى رحمى؟ ومن آذى نسبى وذوى رحمى فقد آذانى، ومن آذانى فقد آذى الله). وروى أحمد مرفوعا: (من أبغض أهل البيت فهو منافق). وروى أبو الشيخ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما بال رجال يؤذوننى فى أهل بيتى؟ والذى نفسى بيده ، لا يومن عبد حتى يحبنى، ولا يحبنى حتى يحب ذريتى). وروى الحاكم وصحته على شرط الشيخين ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يبغضنا أهل البيت أحد إلا أدخله الله النار). وقد بلغ من عظيم أدب السلف الصالح أنهم كانوا لا يقرءون فى الصلاة بسورة "المسد" حفاظا على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ونفسه ، مع أنها قرآن منزل. والله أعلم.
أ.د/عبد الصبور مرزوق
__________
مراجع الاستزادة:
1- تفسير القرطبى الجامع لأحكام القرآن 2 /5452 وما بعدها، دار الغد العربى، ط1 1990م.
2- تفسير القاسمى المسمى محاسن التأويل 13 /4850 ومابعدها ، تصحيح وتعليق محمد فؤاد عبد الباقى، ط عيسى البابى الحلبى وشركاه.
3- مراقد أهل البيت للشيخ محمد زكى إبراهيم رائد العشيرة المحمدية ص139 مطبوعات العشيرة المحمدية بالقاهرة، الطبعة الرابعة 1986م(1/1)
ابن السبيل
هو المسافر المنقطع عن بلده ، وليس لديه من المال ما يعينه على الوصول إليها.
وهو من الأصناف الثمانية الذين تدفع لهم الزكاة ، وقد ذكرهم الله تعالى فى قوله:{إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم}التوبة:60.
وابن السبيل المنقطع به طريقه نوعان ؛ لأنه إما غريب مسافر يجتاز بالبلد، وإما منشئ سفراً من بلد مقيم به ولوكان وطنه.
وقد ذهب الإمام مالك وأحمد بن حنبل رضى الله عنهما إلى أن المستحق للزكاة هو ابن السبيل المجتاز دون المنشئ لأن السبيل: الطريق ، وابنها: الملازم لها الكائن فيها، والقاطن فى بلده ليس بمسافر، ويعطى بشرط ألا يجد مقرضا يقرضه ، فإن وجد مقرضا وكان له من المال ببلده ما يفى بقرضه فلا يعطى الزكاة ويعطاها أيضا عندهما إن وجد مقرضا لكن ليس له فى بلده ما يكفى السداد.
وأما الشافعية: فابن السبيل عندهم يعطى من الصدقة مطلقا سواء أكان منشئا سفرا من بلد مقيم به ولو كان وطنه ، أم كان غريبا مسافرا يجتاز بالبلد حتى لو كان هناك من يقرضه كفايته وله ببلده ما يقضى به دينه.
وقد اشترط الفقهاء أن يكون سفره فى طاعة، أو فى غير معصية واختلفوا فى السفر المباح: فالشافعية على أنه يعطى منها حتى لو كان سفره للتنزه.
أ.د/عبد الصبور مرزوق
__________
مراجع الاستزادة:
1-المهذب لأبى إسحاق الشيرازى 1 /173 ط عيسى الحلبى.
2-الاختيار لتعليل المختار للموصلى الحنفى 1 /56 إدارة المعاهد الأزهرية1993م.
3-كفاية الأخيار حل غاية الاختصار للحصنى الشافعى 1 /201 فيصل عيسى الحلبى.
4-الشرح الصغير للدردير 2 /197 ط عيسى البابى الحلبى.
5-الكافى فى فقه الإمام أحمد 1 /347 فيصل عيسى الحلبى.
6-النظام الاقتصادى فى الإسلام د/أحمد العسال ، و د/فتحى عبد الكريم ص112 مكتبة وهبه ، فقه السنة للسيد سابق مكتبة دار التراث1 /334(1/2)
الاتحاد
يقصد به أن تصير ذات ذاتا أخرى من غير أن يزول عن الذات الأولى شىء من خصائصها، أو ينضاف إليها شىء آخر.
والاتحاد بهذا المعنى مستحيل الوقوع عقلا ووجودا ، لأن هاتين الذاتين إن بقيتا بعد الاتحاد كما هما متميزتين فلا معنى للاتحاد بينهما ، وإن عُدمت إحداهما وبقيت الأخرى فلا اتحاد بينهما. وإن عُدمت الذاتان وصار الأمر إلى ذات ثالثة فلم يحدث اتحاد أصلا، وهذا هو دليل العقل على بطلان الاتحاد بالمعنى الحقيقى بين أى شيئين أو ذاتين ، ومن هنا قيل: "الاثنان لا يتحدان ".
وللاتحاد معنى آخر مجازى وهو الصيرورة أو التغير، بمعنى أن شيئا ما ينتقل إلى شئ آخر بعد أن تزول عنه صورته النوعية، وتحصل له صورة أخرى مغايرة، مثل صيرورة الماء هواء بعد زوال حقيقة الماء وتبدلها إلى حقيقة جديدة، هى حقيقة الهواء، ومثل صيرورة التراب والماء عن طريق التركيب طينا، وهذا المعنى المجازى للاتحاد جائز وواقع ، لكن لا يسمى اتحادا حقيقيا.
وفى الصوفية تستخدم بمعان عدة، تدور حول الاتحاد بمعنى: استناد الموجودات بأسرها إلى الوجود الإلهى، والنظر إليها على أنها معدومات لا وجود لها بالحقيقة. أو بمعنى مرتبة القرب التى تضمحل فيها ذات السالك ، وتفنى إرادته فى إرادة الله تعالى، وصفاته فى صفاته ، وتغيب عن كل ما سواه ،بحيث لا يرى فى الوجود إلا الله تعالى، على ما يشيرإليه حديث: (كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصربه) أو حالة العبد عند تلاشى هويته فى مقام الكثرة، وتحققه بمظهر الأحدية. ويحرص جمهور علماء التصوف على التنبيه على أن مصطلح "اتحاد" فى علومهم إنما هو "حال" أو درجة من "الشهود" يتحد فيها مراد المحب بمراد المحبوب ، وتفنى إرادة المحب فى مراد المحبوب ، وأن الجامع لذلك تحقيق شهادة "ألا إله إلا الله" علما ومعرفة وعملا وجلالا وقصدا.
وأن الاتحاد لا يتضمن من قريب أو بعيد أن للعبد وجودا خاصا يتحد بالوجود الإلهى، فإن ذلك محال بالضرورة عندهم وعند غيرهم. ينبه على ذلك الشيخ الأكبر "ابن عربى" فيقول "واحذرمن الاتحاد، فإن الاتحاد لا يصح...فإن الذاتين لا تكون واحدة، وانما هما واحدان "ويطلق الاتحاد عند الفلاسفة على معان عدة كالمجانسة والمماثلة والمشاكلة والمشابهة والمساواة والمطابقة والاضافة. ولكل معنى منها حدُّ معين ومفهوم خاص.
أ.د/أحمد الطيب
__________
مراجع الاستزادة:
1-الكليات لأبى البقاء.
2-لطائف الإعلام فى إشارات أهل الإلهام للقاشانى.
3-مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (10 /337-343) ط الرياض 1398هـ.
4-كتاب الحدود لابن سيناء.
5-المبين فى ألفاظ الحكماء والمتكلمين للآمدى، تحقيق د/حسن الشافعى.
6-كتاب الألف لابن عربى (ضمن رسائل ابن عربى ج1) الرسالة الثالثة ط حيدر أباد 1361هـ(1/3)
أحاديث الأحكام
أحاديث الأحكام مفهوم مركب من كلمتين (أحاديث الأحكام):
(أ) الأحاديث لغة: جمع على غير القياس لحديث ، وهو اسم لكل ما يتحدث به من كلام وخبر، قل أوكثر، كما فى مختار الصحاح.(1)
واصطلاحا: ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير القرآن من قول ، أو فعل ، أو تقرير.(2)
فالقول: مثل قوله صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى)الحديث رواه البخارى ومسلم وغيرهما.(3)
والفعل: وهو ما صدر عن النبى صلى الله عليه وسلم من أفعال ليست جبلية (خلقية)، مثل أداء الصلاء بهيئتها المعهودة، وكيفية وضوئه صلى الله عليه وسلم.
والتقرير: وهو سكوته صلى الله عليه وسلم عن إنكار فعل ، آو قول صدر من أحد من أصحابه فى حضرته آو غيبته وعلم به صلى الله عليه وسلم.
مثل قول ابن عمر (كان الرجال والنساء يتوضؤون فى زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإناء الواحد جميعا) أخرجه البخارى وأبو داو وغيرهما.(4)
(ب) الأحكام لغة: جمع حكم ، ويطلق على القضاء، كما فى مختار الصحاح.(5)
واصطلاحا: خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء، أو التخيير أو الوضع.(6)
أحاديث الأحكام اصطلاحا: من تعريف الحديث والحكم يمكن استنباط معنى شرعى لمصطلح "أحاديث الأحكام" هو "ما ورد عن النبى صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير يتضمن خطابا شرعيا يفهم منه طلب الفعل ، أو الكف عنه ، أو جعل شئ سببا أو شرطا لشئ أو مانعا منه..".
ومثال ذلك:
1-ما روى على بن أبى طالب-كرم الله وجهه-قال (جعل النبى صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوما وليلة للمقيم) يعنى فى المسح على الخفين(7) رواه مسلم(8).
2-ما روى عن صفوان بن عسال أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا على سفر أن لا ننزع خفا ثلاثة أيام ولياليهن ، إلا من جنابة ، ولكن من غائط وبول ونوم) رواه الترمزى(9).
وأحاديث الأحكام فى عرف المحدثين يطلق على تلك الكتب التى اشتملت على أحاديث الأحكام فقط ، وهى أحاديثه انتقاها مؤلفو هذه الكتب من المصنفات الحديثية الأصول ، ورتبوها على أبواب الفقه ، منها الكبير، ومنها المتوسط ، ومنها الصغير، وهى كثيرة(10) وأشهرها:
1-الأحكام الكبرى لأبى محمد عبد الحق ابن عبد الرحمن الأشبيلى ت581هـ.
2- الأحكام لعبد الغنى بن عبد الواحد المقدسى ت 600هـ.
3-الإمام فى أحاديث الأحكام لمحمد بن على ، المعروف بابن دقيق العيد ت 602هـ.
4-المنتقى فى الأحكام لعبد السلام بن عبد الله بن تيمية الحرانى ت 652هـ.
5-بلوغ المرام من أدلة الأحكام للحافظ أحمد بن على بن حجر العسقلانى ت 852هـ.
وقد شرحت أكثر هذه الكتب ، وطبع بعضها طبعات متعددة ، وحدها أو مع شرحها.(11)
أ.د/على مرعى
__________
الهامش:
1-مختار الصحاح ، مادة (حدث)، والمصباح المنير، ومعجم لغة الفقهاء لمحمد رواس قلعة جى ، طبعة دار النفائس بيروت ط2 1408هـ 1998م ص177.
2-مختصر المنار لزين الدين الحلبى المكتبة الهاشمية دمشق ، ص16والقاموس القويم فى اصطلاحات الأصوليين لمحمد عثمان ، ط1 دار الحديث 1416هـ 1996م ص220.
3- صحيح البخارى كتاب بدء الوحى، وصحيح مسلم بالمقدمة.
4-صحيح البخارى، كتاب الوضوء، باب وضوء الرجل مع امرأته 1 /357 رقم (193) فتح البارى ، وسنن أبى داود ، كتاب الطهارة ، باب الوضوء بفضل وضوء المرأء 1 /62 رقم (79) توزيع محمد على السيد ط1 1969م ، والنسائى فى الصغرى ، كتاب الطهارة ، باب وضوء الرجال والنساء جميعا 1 /57 رقم (71)، ومالك فى الموطأ كتاب الطهارة، باب الطهور للوضوء1 /24 رقم(15).
5-مختار الصحاح مادة (حكم)، ومعجم لغة الفقهاء ص184.
6-مختصر ابن الحاجب1 /222.
7-سبل السلام للصنعانى 1 /91 طبعة دار الحديث بالأزهر.
8-صحيح مسلم 1 /232 طبعة دار إحياء التراث العربى بيروت.
9-تحفة الأحوذى بشرح جامع التزمذى لمحمد المباركفورى 1 /317 ط3 دار الفكر العربى للنشر والتوزيع 1399هـ 1979م ، وقال الترمذى حديث حسن.
10-أصول التخريج ودراسة الأسانيد د/محمود الطحان ص140 ط4 دار الكتب السلفية 1402هـ 1982م.
11-مشار لهذه الكتب فى المرجع السابق ص141(1/4)
الإحسان
الإحسان
لغة: فعل ما هوحسن ، مع الإجادة فى الصنع (كما فى المعجم الوجيز).
شرعا: أن تعبد الله كاًنك تراه ، فإن لم تكن تراه ، فإنه يراك.
فهوفعل ما ينبغى أن يفعل من الخير فضلا ومحبة، والأفضل أن يكون ذاتيا دائما دون نقص أو انقطاع ، لأنه عمل بالفضائل ، ولأنه قربة إلى الله تعالى(3).
وجاءت مادة "حسن" فى القرآن الكريم بجميع صيغها ما يقرب من مائة وخمس وتسعين مرة منها اثنتا عشرة مرة بلفظ "إحسان" وهذا دليل على أهمية هذا المقام فى الإسلام ، حيث أمر به الله عزوجل فى مثل: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان}النحل:90.
ويقوم الإسلام على ثلاثة أمور، هى: الإسلام والإيمان والإحسان. فالاحسان: جزء من عقيدة المسلم ، كما دل عليه حديث جبريل وهو متفق عليه فقد سأل جبريل عليه السلام عن هذه الثلاثة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (هذا جبريل أتاكم ليعلمكم أمر دينكم) فسمى الثلاثه دينا ، وفى الإجابة عن الإحسان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإحسان أن تعبد الله كانك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك) رواه البخارى.
وأوضحت السنة النبوية أن الإحسان كالروح يجب أن يسرى فى كل أمور المسلم.
قال النبى صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب الإحسان على كل شئ..) رواه مسلم.
والإحسان فى العبادات: يكون باستكمال شروطها وأركانها، واستيفاء سننها وآدابها مع استغراق المؤمن فى شعور قوى بأن الله عز وجل مراقبه حتى لكاًنه يراه تعالى ويشعر باًن الله تعالى مطلع عليه ، كما جاء في حديث جبريل.
والإحسان فى باب المعاملات: يكون ببر الوالدين ، من حيث طاعتهما ، وإيصال الخير إليهما ، وكف الأذى عنهما ، والدعاء والاستغفار لهما ، وإكرام صديقهما ، وإنفاذ عهدهما.
قال تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا} ثم ذكرت الاية ثمانية أصناف أخرى يجب لها الإحسان وهى {وبذى القربى واليتامى والمساكين والجارذى القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم}النساء:36 وكذلك ورد توجيه نبوى فى الاحسان إلى الخادم ، وذلك بإعطائه أجره قبل آن يجف عرقه ، وبعدم تكليفه ما لايطيق. فإن كان مقيما بالبيت فليأخذ حقه من الطعام والكساء، كما فى حديث أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتى أحدكم خادمه بطعام ، فإن لم يجلسه معه ، فليناوله لقمة أو لقمتين ، أو أكلة اًو أكلتين ، فإنه وَلِى علاجه)رواه البخارى.
والإحسان إلى الزوجة كذلك بعض ما أمر به الاسلام فى حسن معاملتها وإيفائها كافة حقوقها وحسن عشرتها، والاحتكام إلى أهلهما إن اختلفا، وعدم الاضرار بها بوجه من الوجوه كما ورد فما غيرآية من القرآن وفى قوله صلى الله عليه وسلم (استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم). وقوله صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله واًنا خيركم لأهلى).
وهكذا يتنوع الإحسان تبعا لأحوال الاخرين: فهو للأقرب ببرهم والرحمة بهم والعطف عليهم مع الأقوال والأفعال الطيبة.
ولليتامى: بصيانة حقوقهم ، وتأديبهم ، وتربيتهم ، وعدم قهرهم.
وللمساكين: بسد جوعتهم ، وستر عورتهم ، والحث على إطعامهم ، وإبعاد الأذى والسوء عنهم.
ولأبناء السبيل: بقضاء حاجتهم ،وسد خلّتهم ، وصيانة كرامتهم وبإرشادهم وهدايتهم.
ولعامة الناس: بالتلطف فى القول ، والمجاملة فى المعاملة ، مع الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ورد حقوقهم ، وكف الأذى عنهم.
والإحسان للحيوان: بإطعامه إذا جاع ،ومداواته إذا مرض ، والرفق به فى العمل ،وإراحته من التعب.
ومن الإحسان: كثرة الجود ولا سيما فى رمضان اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم و كما روى ابن عباس: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وكان اًجود ما يكون فى رمضان حين يلقاه جبريل...) رواه مسلم.
والإحسان فى العمل إنما يكون بإجادته ، وإتقان صنعته ، مع البعد عن التزوير والغش ، روى فى الحديث النبوى: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا اًن يتقنه) والإتقان إحسان الصنع.
أ.د/عبداللطيف محمد العبد
__________
مراجع الاستزادة:
1-الأخلاق فى الإسلام د/عبد اللطيف العبد، ط 5 /1998 دار الثقافة العربية القاهرة.
2-منهاج المسلم أبو بكر الجزائرى: دار الشروق بجدة 1987.
3-التعريفات الجرجانى: طبع 1938م الحلبى القاهرة.
4-المعجم الوجيز مجمع اللغة العربية: طبع 1993 وزارة التربية والتعليم القاهرة.
5-المعجم الفلسفى د/جميل صليب: ط أولى دار الكتاب اللبنانى بيروت 1971م.
6-رياض الصالحين النووى ، طبع المكتبة التوفيقية القاهرة 1983م(1/5)
أحكام القرآن
لغة: جمع حكم ، وأصل مأخذه فى العربية من مادة تدوركلها حول معنى المنع ومنه حَكَمة اللجام لمنعها الدابة من الانطلاقا على خلاف مراد صاحبها، ومنه الحكمة المضادة للعبث والسفه. والأحكام بمعنى المنع من الفساد وغير ذلك (1).
واصطلاحا: خصوص ما جاء فى القرآن من الأحكام الشرعية بالمعنى الأصولى والفقهى المعروف للحكم الشرعى، والذى يتعلق بفعلٍ من مخاطبات القرآن المجيد على سبيل الطلب أو التخيير أو الوضع لأى منهما.
فقولهم على سبيل الطلب أو التخييرهو الحكم الشرعى التكليفى، وهو لدى جمهرتهم أقسام خمسة؛ لأن الطلب إما ان يكون طلبا للفعل ، أو طلبا للكف ، وكل منهما إما أن يكون جازما أو غير جازم ، فطلب الفعل إما أن يكون جازما فهو الايتاب ، وإما أن كان غير جازم فهو الندب ، وطلب الكف إن كان جازما فهو التحريم وإن كان غير جازم فهو الكراهة، وأما التخيير فهو الإباحة.
وقولهم: أو الوضع لأى منهما. يعنون به الحكم الشرعى الوضعى ، والذى هو عبارة عن جعل الشىء سببا أو شرطا أو مانعا(2).
وقد اعتنى معظم المفسرين ولاسيما أصحاب التفاسير المبسوطة منهم بهذا النوع من مقاصد القرآن العظيم كل حسب مشربه ومذهبه. بل أفرده بالتصنيف جماعة كثيرة فى القديم والحديث ، قال الزركشى فى البرهان (أولهم الشافعى ثم تلاه من أصحابنا الكيا الهراس ، ومن الحنفية أبو بكر الرازى ، ومن المالكية القاضى إسماعيل ، وبكر بن العلاء القشيرى ، وابن بكر، ومكى، وابن العربى ، ومن الحنابلة القاضى أبو يعلى الكبير(3) وقد بين علماء القرآن منهج القرآن العظيم فى سياق أحكامه وطريقتهم فى استنباطها منه ، ويتلخص الحديث عن المنهج فى نظرتين ، ومن خلالهما يتبين للقارىء بعض طرق العلماء فى الاستنباط:
إحداهمأ: أن ينظر إليه باعتبار سياقه للأحكام من حيث الجملة ، أى بقطع النظر عن طريقته فى التعبير عن كل واحد من أقسام الحكم الشرعى. وتتمثل فيما أفاد صاحب الموافقات إذ يقول: تعريف القرآن بالأحكام الشرعية أكثره كلى لا جزئى، فمأخذه على الكلية إما بالاعتبار أو بمعنى الأصل ، إلا ما خَصَّه الدليل مثل خصائص النبى صلى الله عليه وسلم.
ويدل على هذا المعنى بعد الاستقراء المعتبر أنه محتاج إلى كثير من البيان. فإن السنة على كثرتها وكثرة مسائلها إنما هى بيان للكتاب... وإذا كان كذلك ، فالقرآن على اختصاره جامع ، ولا يكون جامعا إلا والمجموع فيه أمور كليات ، لأن الشريعة تمت بتمام نزوله لقوله تعالى {اليوم اًكملت لكم دينكم}المائدة:3 ، وأنت تعلم أن الصلاة والزكاة والجهاد وأشباه ذلك لم تبين جميع أحكامها فى القرآن ، إنما بينتها السنة وكذلك العديد من الأنكحة والعقود والقصاص والحدود وغيرها ، وأيضا فإذا نظرنا إلى رجوع الشريعة إلى كلياتها المعنوية وجدناها قد تضمنها القرآن على الكمال وهى الضروريات والحاجيات والتحسينات (4).
ومكمل كل واحد منها ، وهذا كله ظاهر أيضا ، فالخارج من الأدلة عن الكتاب هو السنة والإجماع والقياس ، وجميع ذلك إنما نشأ عن القرآن ، وقد عد الناس قوله تعالى:{لتحكم بين الناس بما اًراك الله}النساء:115. متضمنا للقياس وقوله: {وما آتاكم الرسول فخذوه}الحشر:7.
متضمنا للسنة وقوله {ويتبع غيرسبيل المومنين}النساء:115 ، متضمنا للإجماع وهذا أهم ما يكون.
وفى الصحيح (عن ابن مسعود قال: لعن الله الواشمات والمستوشما000)(5) الخ. فبلغ ذلك امرأة من بنى أسد، يقال لها أم يعقوب وكانت تقرأ القرآن ، فأتته ، فقالت: حديث بلغنى عنك أنك لعنت كذا وكذا فذكرته. فقال عبدالله: ومالى لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فى كتاب الله ، فقالت المرأة. لقد قرات مابين لوحى المصحف فما وجدته. فقال لئن كنت قرأته لقد وجدتيه ، قال الله عز وجل {وما اتاكم الرسول فخذوه ومانهاكم عنه فانتهوا}الحشر:7. فعلى هذا لاينبغى فى الاستنباط من القرآن الاقتصار عليه دون النظر فى شرحه وبيانه وهو السنة ، لأنه إذا كان كليا وفيه أمور مجملة كما فى شأن الصلاة والزكاة والحج والصوم ونحوها، فلا محيص من النظر فى بيانه ، وبعد ذلك ينظر فى تفسير السلف الصالح له إن أعوزته السنة، فإنهم أعرف به من غيرهم وإلا فمطلق الفهم العربى لمن حصله يكفى فيما أعوز منه ذلك ، والله أعلم(6).
ثانيهما: أن ينظر إليه من حيث طريقته فى التناول لتفاصيل تلك الأقسام ؛ وتتمثل فى مقولة السيوطى ونقله عن العز بن عبدالسلام رحمهما الله إذ يقول: قال الغزالى وغيره: آيات الأحكام خمسمائة آية ، وقال بعضهم مائة وخمسون ، وقيل لعل مرادهم المصرح به ، فإن آيات القصص والأمثال وغيرها يستنبط منها كثير من الأحكام ، قال الشيخ عز الدين بن عبدالسلام فى كتاب الإمام فى أدلة الأحكام: معظم آى القرآن لا يخلو عن أحكام مشتملة على أداب حسنة ، وأخلاق جميلة، ثم من الآيات ما صرح فيه بالأحكام ومنها ، ما يؤخذ بطريق الاستنباط ، كاستنباط صحة أنكحة الكفار من قوله {وامرأته حمالة الحطب}المسد:4.
وصحة صوم الجنب من قوله {فالآن باشروهن.... من الفجر}البقرة:187 ، واستنباط أن أقل الحمل ستة أشهر من قوله تعالى {وحمله وفصاله ثلاثون شهرا}الأحقاف:15 ، مع قوله: {وفصاله فى عامين}لقمان:14 ، قال: ويستدل على الأحكام تارة بالصيغة وهو ظاهر ، وتارة بالأخبار مثل {أحل لكم}البقرة:187. و {حرمت عليكم الميتة}المائدة:3 ، و {كتب عليكم الصيام}البقرة:183 ، وتارة بمارتب فى العاجل أو الآجل من خير أو شر أو ضر ، وقد نوَّع الشارع ذلك أنواعاً كثيرة، ترغيباً لعباده وترهيبا وتقريبا إلى أفهامهم(7) ثم قسم الشيخ عز الدين ما أجمل من تلك الأنواع حسبه أقسام الحكم الشرعى، بما يطلب من مظانه هنالك.
د/إبراهيم عبدالرحمن محمد خليفة
__________
الهامش:
1- تاج العروس ، لسان العرب مادة (حكم)، والبحر المحيط للزركشى ، النسخة الكويتية 1 /117.
2- زاد بعضهم فى أقسام الحكم الوضعى جعل الشئ صحيحا أو فاسدا وزاد.. انظر تفصيل ذلك فى نهاية السول للأسنوى، والمحصول الرازى مع شرحه للقرافى، والبحر المحيط للزركشى، وغيرها.
3- البرهان فى علوم القرآن 2 /3.
4- الموافقات للشاطبى، 2 /117-122.
5- البخارى كتاب التفسير سورة الحشر باب وما آتاكم الرسول فخذوه ، وكتاب اللباس باب المستوصلة وباب المستوشمة، ومسلم كتاب اللباس والزينة باب تحريم فعل الواصلة والمستوصلة وغيرها.
6- الموافقات للشاطبى، تحقيق مشهور بن حسن آل سلمان 4 /180-183.
7- الإتقان فى علوم القرآن ، للسيوطى، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، 4 /40-41.
مراجع الاستزادة:
1- مسلم الثبوت ، لمحب الله بن عبدالشكور، مع شرحة فواتح الرحموت لعبد العلى ابن نظام الدين الأنصارى.
2- شرح منهاج الأصول للبيضاوى مع حواشية المسماة بسلم الوصول لشرح نهاية السول ، للشيغ بخيت المطيعى، مع العديد من كتب اللغه(1/6)
الأحمدية
هى حركة دينية ظهرت بإقليم البنجاب بالهند (باكستان حاليا) فى القرن الثالث عشر الهجرى التاسع عشر الميلادى.
أطلق عليها الأحمدية نسبة إلى مؤسسها ميرزا غلام أحمد ، ويطلق عليها أيضا القاديانية نسبة إلى قاديان (وهى قرية تقع بإقليم البنجاب وتبعد بنحو ستين ميلا عن لاهور) التى ولد فيها مؤسس هذه الحركة فى عام 1252هـ/1839م.
ولأن هذه الحركة ظهرت فى مجتمع إسلامى على يد مسلم يعدها المؤرخون وعلماء الأديان حركة إسلامية ، كما أن أتباعها يعتبرون أنفسهم مسلمين ، إلا أن لجنة كونها شيخ الأزهر برئاسة الشيخ عبد المجيد اللبان -أول عميد لكلية أصول الدين فى ثلاثينيات القرن العشرين- قامت ببحث حالة طالبين ينتسبان إلى هذه الجماعة ، كانا يروجان لمذهبهما فى مصر ، وكان القرار الذى أصدرته هذه اللجنة ينص بأن القاديانيين كافرون ، كما قضت بفصل الطالبين من الأزهر.
وقد بُنِى الحكم بكفر من يعتنق أفكار هذه الطائفة على أساس ما ادعاه مؤسسها ميرزا غلام أحمد بأن المسيح لم يرفع ببدنه إلى السماء ، بل بروحه ، أما بدنه فمدفون فى الهند ، وكان هذا أول رأى خالف فيه جمهور المسلمين ، ثم ادعى أن روح المسيح قد حلت فيه فعودة المسيح التى يؤمن بها المسلمون قد تحققت بحلول روح المسيح فى جسده ، كما ادعى أنه المهدى المنتظر ، فهو مرسل ليجدد أمر الدين الإسلامى فما يقوله هو الحق ، وليس لأحد أن ينكره ؛ إذ هو يتكلم عن الله تعالى.
لم يكتف بهذا ، بل ادعى أن اللاهوت قد حل فى جسده ، وأن المعجزات قد ظهرت على يديه ، فهو رسول من عند الله ، ورسالته لا تتنافى مع كون محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين فهو يفسر خاتم النبيين فى قوله تعالى: {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين}الأحزاب:40 ، بأن كل رسول يجئ من بعده يكون بخاتمه وإقراره ويحيى شرعه ويجدده (حقيقة الوحى ص27 ، التعليم ص15).
ومن آرائه المخالفة لتعاليم الإسلام أنه:
1- ألغى فريضة الجهاد ، معللا ذلك بأنه قد استنفد أغراضه فلا داعى إليه بعد أن زالت الفتنة فى الدين (تبليغ الرسالة ص17).
2- عدم جواز صلاة الأحمدى خلف إمام غير أحمدى.
3- الحكم على من لم يؤمن بدعوته بالكفر.
4- عدم جواز زواج الأحمدية بغير أحمدى.
وبعد موت ميرزا غلام أحمد فى 1908 خلفه فى رئاسة الحركة الحكيم نور الدين ، وبعده انقسمت الحركة إلى شعبتين:
الأولى: تزعمها بشير الدين محمود بن غلام أحمد ، وهى شعبة قاديان وقد حافظ المنتسبون إلى هذه الشعبة على أفكار ميرزا غلام أحمد وتشددوا فى تنفيذها حرفيا.
الثانية: تزعمها محمد على اللاهورى وهى شعبة لاهور ، ومن معتقداتهم:
(أ) عدم إنكار إلهامات ميرزا غلام أحمد ، إلا أنهم أنكروا ادعاءه النبوة ، وفسروا ما ورد عنه من نصوص فى هذا الصدد بأنها تعبيرات مجازية.
(ب) تحاشوا تسمية المسلمين الذين لم يؤمنوا بدعوتهم كفارا ، ولكنهم أطلقوا عليهم اسم الفاسقين.
يطلق على هاتين الشعبتين (شعبة قاديان ، شعبة لاهور) الحركة الأحمدية ، ولهما نشاط واسع فى كثير من أقطار الأرض يتمثل فى بناء المساجد وإنشاء المراكز الثقافية.
أ.د/محمد شامة
__________
مراجع الاستزادة:
1- القاديانية والبهائية: محمد الخضر حسين ، دار الكتاب العربى بمصر.
2- تاريخ المذاهب الإسلامية: محمد أبو زهرة ، دار الفكر العربى بمصر.
3- القاديانية ، نشأتها وتطورها: حسين عيسى عبد الظاهر ، الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية 1973م.
4- أثر البينة فى ظهور القاديانية: د/محمد شامة ، مكتبة وهبة القاهرة 1980م(1/7)
الأحوال الشخصية
لغة: حال الشئ: صفته ، وحال الإنسان ما يختص به من أموره المتغيرة الحسية والمعنوية.
والشخص: يطلق على كل جسم له ارتفاع وظهور ، وغلب فى الإنسان ، جمعه أشخاص و شخوص ، وتعنى الأحوال الشخصية فى مدلولها هذه الصفات التى تميز إنسانا من غيره (لسان العرب/المعجم الوسيط).
واصطلاحا: هى الأحكام والمبادئ والمسائل المنظمة للعلاقات داخل الأسرة ، بما يشمل أحكام الخطبة والزواج ، والمهر ، ونفقة الزوجة وواجباتها تجاه زوجها ، والطلاق وتفريق القاضى بين الزوجين والخلع والنسب والرضاع وحضانة الأولاد والميراث والوصية والوقف.
وتتضمن مسائل الأحوال الشخصية بعض الأمور المالية كالميراث والوصية والوقف.
ومصطلح الأحوال الشخصية مصطلح حادث لم يعرفه القدامى ، وقد ابتدعه الفقه الإيطالى فى القرنين الثانى عشر والثالث عشر حين واجهته مشكلة "تنازع القوانين" لظهور نظامين قانونيين آنذاك:
الأول: هو القانون الرومانى الذى كان له التطبيق العام فى إيطاليا كلها.
الثانى: القانون المحلى الذى كان يطبق فى مدينة معينة.خاصة وقد لجأ القانون الرومانى لتمييز هذين النظامين وإلى إطلاق "حال" على النظام الثانى ثم قسم هذه الأحوال إلى أحوال تتعلق بالأموال ، وإلى أحوال تتعلق بالأشخاص وأخذت القوانين الغربية هذا التقسيم الذى استقر فيها ، وصار يطلق مصطلح الأحوال الشخصية على تلك القواعد الخاصة بالروابط الشخصية فى مقابل الأحوال العينية ، وهى الأحوال المتعلقة بالأموال.
وتختلف الأحوال العينية عن الأحوال الشخصية فى عموم تطبيق الأولى على جميع المواطنين ، على حين تتعدد القواعد القانونية المنظمة للعلاقات والمراكز القانونية للمواطنين باختلاف طوائفهم ومعتقداتهم.
وقد حددت محكمة النقض المصرية في حكمها الشهير بتاريخ 21 /6 /1934م معنى مصطلح الأحوال الشخصية ، فنص هذا الحكم على أن: "الأحوال الشخصية هى مجموع ما يتميز به الإنسان عن غيره من الصفات الطبيعية أو العائلية التى رتب القانون عليها أثرا قانونيا فى حياته ككونه إنسانا ذكرا أو أنثى وكونه زوجا أو أرمل أو مطلقا أو ابنا شرعيا ، أو كونه تام الأهلية أو ناقصها لصغر سن أو عته أو جنون أو كونه مطلق الأهلية أو مقيدها بسبب من أسبابها القانونية ، أما الأمور المتعلقة بالمسائل المالية فكلها بحسب الأصل من الأحوال العينية ، وإذن فالوقف والهبة والوصية والنفقات على اختلاف أنواعها ومناشئها من الأحوال العينية لتعلقها بالمال وباستحقاقه وعدم استحقاقه ، غير أن المشرع المصرى وجد أن الوقف والهبة والوصية وكلها من عقود التبرعات تقوم غالبا على فكرة التصدق المندوب إليه ديانة ، فألجأه هذا إلى اعتبارها من قبيل مسائل الأحوال الشخصية ، فيما يخرجها عن اختصاص المحاكم المدنية التى ليس من نطاقها النظرفى المسائل التى قد تحوى عنصرا دينيا ذا أثرفى تقرير أحكامها".
ولم يسلم هذا التعريف من الغموض والنقد إلى الحد الذى أوجب تدخل المشرع لتدارك نقص تعريف محكمة النقض المصرية وغموضه إذ جاء فى المادة 28 من لائحة التنظيم القضائى للمحاكم المختلطة الصادرة بالقانون رقم 49 لسنة 1937م مايلى: "تمثل الأحوال الشخصية المنازعات والمسائل المتعلقة بنظام الأسرة ، وعلى الأخص الخطبة والزواج وحقوق الزوجبن وواجباتهما المتبادلة والمهر ونظام الأموال بين الزوجين والطلاق والتطليق والتفريق والبنوة والإقرار بالأبوة وإنكارها والعلاقات بين الأصول والفروع ، والالتزام بالنفقة للأقارب والأصهار وتصحيح النسب والتبنى والوصاية والقوامة والحجر والإذن بالإدارة ، وكذلك المنازعات والمسائل المتعلقة بالهبات والمواريث وغيرها من التصرفات المضافة إلى ما بعد الموت وبالغيبة وباعتبار المفقود ميتا".
وقد جاءت القوانين الصادرة بعد الغاء المحاكم المختلطة فى مصر والخاصة بنظام القضاء والسلطة القضائية فى مصر ، لتؤكد هذا التعريف.
وتتميز أحكام موضوعات الأحوال الشخصية باستمدادها من الفقه الإسلامى وأخذها من مذاهبه المعروفة ، وذلك فى معظم بلاد العالم الإسلامى (ولم يشذ عن ذلك سوى تركيا التى اعتمدت القانون المدنى السويسرى عام 1927م بشقيه الشخصى والعينى) وذلك كمصر والسودان والباكستان.
على حين أخذت بعض البلاد الإسلامية بتقنين أحكام الأحوال الشخصية تقنينا شاملا كسوريا والأردن ، ومع ذلك فقد شهدت قوانين الأحوال الشخصية فى العالم الإسلامى الكثير من الاجتهادات المعاصرة استجابة لمقتضيات الحياة الاجتماعية الحديثة وذلك كتوثيق الزواج والمنع من زواج الصغار ، والتوسع فى حق المرأة فى طلب التفريق من زوجها والوصية الواجبة للأحفاد.
أ.د/محمد سراج
__________
مراجع الاستزادة:
1- الأحوال الشخصية للمواطنين غير المسلمين د/أحمد سلامة.
2- دراسات فى أحكام الأسرة د/محمد بلتاجى حسن.
3- موسوعة الفقه والقضاء فى الأحوال الشخصية للمستشار محمد عزمى البكرى.
4- الفقه الإسلامى وأدلته د/وهبه الزحيلى(1/8)
الأخذ بالأخف
لغة: الأخذ خلاف العطاء ، وهو أيضًا التناول ، أخذت الشئ آخُذُه أخذًا: تناولته.(لسان العرب)(1).
والأخف خلاف الأثقل.(لسان العرب)(2).
واصطلاحا: يقصد به الأخذ باًخف الأقوال حتى يدل الدليل على الأخذ بالأثقل(3).
ويعتبرالأخذ بالأخف تعبيرا واصطلاحا قريبا من قولهم الأخذ بأقل ما قيل ، وإن لم يكن هو عينه فإن بينهما خلافا؛ وذلك لأن الأخذ بأقل ما قيل يشترط فيه أن يكون المختلفون فى المسألة متفقين على الأقل حتى يقال به ، وهذا لا يشترط فيه هذا.(4).
والقول بالأخذ بأخف القولين من جملة طرق الاستدلال ، وقد ذهب البعض إلى أنه واجب على المكلف أن ياًخذ بالأخف ، كما عبروا هناك بقولهم: يجب الأخذ بأقل ما قيل (5): لقوله تعالى {يريد الله بكم اليسر}البقرة:85 وقوله تعالى {وما جعل عليكم فى الدين من حرج}الحج 78 ، واعلم أن الأخذ بالأخف قد يكون بين المذاهب ، وقد يكون بين الاحتمالات المتعارضة أماراتها(6) ، وقد يكون بين أقوال الرواة (7).
والأخذ بالأخف ليس متفقأ على القول به ، فقد ذهب البعض إلى القول بوجوب الأخذ بالأشق (8) وهذا الدليل يرجع حاصله إلى أن الأصل فى الملاذ الإذن ، وفى المضار المنع ، والأخف فيهما هو ذلك (9).
وكما استدل من قال بوجوب الأخذ بالأخف بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية الدالة على اليسر والتخفيف ، وأن هذه الشريعة مبنية على رفع الحرج عن العباد ، فقد استدل من قال بوجوب الأخذ بالأشق والأثقل من القولين ، بأنه أكثر ثوابا ، فكان المصير إليه واجبا لقوله تعالى(10) {فاستبقوا الخيرات}البقرة:148.
وهناك فريق ثالت لم يوجب الأخذ بشىء منهما ، وحجته مبنية على أنهما قولان متعارضان فيسقطان ، وانه لا معنى لهذا الخلاف فى مثل هذا؛ لأن الدين كله يسر ، والشريعة جميعها سمحة سهلة ، والذى يجب الأخذ به ويتعين العمل عليه هو ما صح دليله ، فإن تعارضت الأدلة لم يصلح أن يكون الأخف مما دلت عليه أو الأشق مرجحا ، بل يجب المصير إلى المرجحات المعتبرة عند الأصوليين وعلماء الخلاف (11).
أ.د/على جمعة محمد
__________
الهامش:
1- لسان العرب لابن منظور مادة (أخذ) ط دار المعارف.
2- السابق نفسه مادة (خفف).
3- تقريب الوصول إلى علم الأصول لابن جزى الغرناطى المالكى ، تحقيق د/محمد المختار بن الشيغ محمد الأمين الشنقيطى مكتبة ابن تيمية القاهرة ط1 1414هـ ص395.
4- البحر المحيط للزركشى ، ط وزارة الأوقاف بالكويت 6 /31 1990م.
5- السابق نفسه 6 /31 ، تشنيف المسامع بجمع الجوامع للزركشى تحقيق د/عبد الله ربيع محمود، د/سيد عبد العزيز مؤسسة قرطبة ط1998م 4 /430.
6- البحر المحيط للزركشى 6 /31.
7- تشنيف المسامع بجمع الجوامع 4 /431.
8- البحر المحيط 6 /31 ، تشنيف المسامع 4 /430-431.
9- تشنيف المسامع 4 /430.
10- البحر المحيط 6 /31 ، تشنيف المسامع 4 /430-431.
11- انظر: غاية الوصول شرح لب الأصول للشيخ زكريا الأنصارى ، ط عيسى البابى الحلبى وشركاه ص139 ،إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول للشوكانى تحقيق د/شعبان محمد إسماعيل دار الكتب بمصر ط1 1993م 2 /275،276.
مراجع الاستزادة:
1- الحاصل من المحصول للأرموى تحقيق د/عبد السلام أبو ناجى ط جامعة قاريونس بنغازى ليبيا 2 /1066.
2- جمع الجوامع بشرح المحلى وحاشية البنانى ط مصطفى الحلبى وشركاه 3 /352.
3- القاموس القويم فى اصطلاحات الأصوليين د/محمود حامد عثمان وما بعدها دار الحديث بالقاهرة ط1 1996م ص42(1/9)
الأخلاق
يجىء لفظ "الخلق" ولفظ الأخلاق وصيغ أخرى تنبثق منهما وصفا لفكر الإنسان وسلوكه دون غيره من المخلوقات: ذلك لأن الإنسان هو المخلوق الوحيد الذى منحه الله طاقات متميزة من الإدراك والتفكير وحرية الإرادة لذا جاء سلوكه مرتبطا بالفكر ، ومتوافقا مع ما يدين به من اعتقاد.
كذلك فإن الإنسان منذ نشأته يمارس الحكم الأخلاقى على الأشياء ، فهذا خير وذاك شر ، وهذا حسن ، وذاك قبيح ، وهذا نافع ، وذاك ضار الأمر الذى جعله يستحق وصف أنه كائن أخلاقى.
ويطلق لفط الخلق ويراد به القوة الغريزية التى تبعث على السلوك كما يراد به السلوك الظاهر "أى الحالة المكتسبة التى يصيربها الإنسان خليقا أن يفعل شيئا دون شئ".
وعلى هذا المعنى الأول جاء الحديث: (خيرما أعطى الناس خلق حسن) رواه أحمد والنسائى(1) ويشهد للمعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (ما من شئ أثقل فى ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن ، وان الله ليبغض الفاحش البذىء) أخرجه الترمذى (2) ولم يستخدم القرآن الكريم لفظ "أخلاق" بصيغة الجمع ، وإنما جاء اللفظ مفردا كما فى قوله تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم}االقلم:4.
أما السنة الصحيحة فقد ورد فيها بلفظ الجمع وإن ورد بلفظ المفرد أكثر ، فقد جاء لفظ "أخلاق" فى حديث: (إن من خياركم أحاسنكم أخلاقا) رواه مسلم (4) ولم تخل حضارة فضلا عن دين من الحديث عن الأخلاق لارتباطها بالإنسان ففى الحضارة المصرية القديمة حديث عن الوصايا ، والفضائل حتى أن بعض مؤرخى الفكر اعتبر المصريين أول من تكلم فى مسائل الأخلاق.
وفى الحضارة الصينية حديث عن الفضائل ، وأهميتها للفرد والجماعة ، كما جاء فيما نقل عن كونفشيوس وغيره.
وأما اليونان فاهتمامهم بالأخلاق أمر مقرر من خلال ما عرفته ثقافتنا الإسلامية من خلال حركة الترجمة فى العصر العباسى.
فإذا أضفنا إلى ماسبقت الإشارة إليه ماجاء فى الديانتين السماويتين اللتين سبقتا الإسلام (اليهودية ، والمسيحية) من هدى إلهى فى هذا الصدد أمكننا أن نقرر أن الاهتمام بالأخلاق قاسم مشترك بين كل المذاهب والأديان باعتبار أنها خصيصة للإنسان الكائن الأخلاقى ، وأمكننا كذلك أن نفهم فى ضوء هذا الحديث: (إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق)(5).
والإسلام الذى جاء ليتم البناء الأخلاقى للإنسان تميز اهتمامه بهذا الأمر إلى حد أن فسر الإسلام على أنه الخلق ففى قوله تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم}القلم:4 ، قال ابن عباس على دين عظيم أى الإسلام.
ويتضح هذا حين نشير إلى حقائق مهمة منها:
1- الصلة الوثيقة بين الإيمان عقيدة والأخلاق سلوكا {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}التوبة 119 ، وفى الحديث: (ما آمن بى من بات شبعان وجاره جائع) متفق عليه.
2- العبادات ذات أثر أخلاقى لابد من تحققه فى حياة الجماعة ، وهذه بعض الأمثلة:
- {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر}العنكبوت:45.
- {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم}التوبة:103.
-{فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج}البقرة:197.
3- الأخلاق شرط لصحة المعاملات:{يا أيها الذين آمنوا لا تاكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا ان تكون تجارة عن تراض منكم}النساء:29 {ويل للمطففين}المطففين:1 ، وفى الحديث (من غشنا فليس منا) (رواه مسلم).
4- الحدود فى الإسلام زواجر عن جرائم خلقية (حد القتل ، السرقة ، الزنا..) ولعل المتأمل فى هذه الحقائق يدرك البعد الاجتماعى للأخلاق فى الإسلام باعتباره دينا للحياة ينظم علاقات الأحياء ببعضهم وبالحياة حولهم حيوانات أو جمادات مما يسمى بالبيئة أو الكون المحيط بنا. وقد أدى فهم علماء الإسلام لأهمية الأخلاق باعتبارها دينا إلى بذل جهود علمية شكلت علما يسمى بعلم الأخلاق الإسلامى ، بخصائصه التى تمينره عن جهود غيرهم فى الحضارات الأخرى فى هذا المجال.
ولم يكن هذا الاهتمام خاصا بعلماء دون غيرهم ، بل أسهم الجميع فى إثراء هذا العلم ، فأهل الحديثا بدعوا بعمل اليوم والليلة ، ووصلوا إلى كتب متخصصة فى موضوع واحد مثل "جامع بيان العلم وفضله ؛ لابن عبد البروغيره كما امتلأت كتب الفقه بالحديث عن الحسبة والشروط الخلقية لكثير من التصرفات كذلك تحدث الفلاسفة المسلمون عن السعادة وعن الفضائل والقيم ، كما تحدث الصوفية عن التزكية والمجاهدة ونحو هذا ، بل إن أهل اللغة والأدب أسهموا فى نضوج هذا العلم مثل الراغب الأصفهانى فى الذريعة إلى مكارم الشريعة ، والماوردى فى آدب الدنيا والدين..وغيرهما.
الأمر الذى يجعلنا نقول: إن للمسلمين علم أخلاقا أنبثق من معتقدهم وثقافتهم وتشكل كاملا قبل أن يعرف المسلمون البحوث الأخلاقية فى ثقافات الآخرين.
أ.د/أبو اليزيد أبو زيد العجمى
__________
الهامش:
1- رواه أحمد ، والنسائى ، والحاكم عن أسامة بن شريك ، قال الحاكم صحيع ، وأقره الذهبى.
2- قال الترمذى حديث صحيح الترمذى ، كتاب البر حديث 2002.
3- مسند أحمد 2 /281 ، موط مالك باب حسن الخلق ، وقال عنه صاحب المقاصد الحسنة 69 حديث صحيح.
4- مسلم كتاب الفضائل حديث رقم 2331.
5- تفسير ابن كثير دار الكتب العلمية بيروت د.ت.
مراجع الاستزادة:
1- كونفشيوس د/حسن سعفان 56 طبعة أولى مصر د.ت.
2- الفلسفة الخلقية نشأتها وتطورها د/توفيق الطويل 45 طبعة ثانية.
3- الذريعة إلى مكارم الشريعة/الراغب الاصفهانى: تحقيق د/أبو اليزيد العجمى ، الطبعة الثانية دار الوفاء مصر 1987 م.
4- فلاسفة المشرق توملين: ترجمة عبد الحميد سليم -دار المعارف- القاهرة 1980م(1/10)
الأدارسة
يقصد بالأدارسة الدولة التى قامت فى المغرب الأقصى سنة 172هـ /789م على يد الإمام إدريس بن عبد الله ، وبه سميت الدولة ، وينسب إدريس هذا إلى الفرع الحسنى ، فوالده هو عبد الله الكامل بن الحسن المثنى ابن الحسن بن على بن أبى طالب ، وكان عالما جليلا ، وقد احتل منزلة مرموقة فى مجتمعه ، وهو شيخ بنى هاشم ورئيس العلويين فى ذلك الوقت (1) ، وقد نشأ على جانب من اليسر.
وبعد مقتل الإمام على بن أبى طالب ، أخذ البيت العلوى يصارع فى سبيل الوصول إلى مقعد الخلافة ، وقد استمر هذا الصراع فى عهد الدولتين: الأموية والعباسية لأنهم كانوا يرون أنهم أصحاب الحق الشرعى فى منصب الخلافة لذا اندلعت عدة ثورات ومن هذه الثورات ثورة أحد زعماء البيت العلوى وهو الحسين بن على بن الحسن بن الحسن ابن على بن أبى طالب فى المدينة 169هـ/786م واشترك فيها الإمام إدريس(2) ابن عبد الله ثم انتقل الثوار إلى فخ وهو مكان قريب من مكة وكان اللقاء بين الثوار والعباسيين وانتهى بمقتل الحسين ومائة من أهل بيته ومن بقى من أهل البيت اختلط بالحجاج (3) أما الإمام إدريس بن عبد الله قد فر إلى مصر ومنها إلى بلاد المغرب الأقصى حيث توجه إلى مدينة (وليلى) وهناك نزل على زعيم قبيلة أوربة وهو إسحاق بن محمد ابن عبد الحميد الأوربى(4) الذى رحب به وأكرم وفادته وبايعه بالامامة هو وقبيلته ثم دعا بقية القبائل لمبايعته سنة 172هـ/789م (5) وبذلك قامت دولة الأدارسة.
وقد تضافرت عدة عوامل على مبايعة الامام إدريس بن عبد الله منها معرفة البربر بأحداث المشرق ، وتطلع قبائل البرير إلى زعامة دينية وسياسية مع مميزات شخصية فى الإمام ادريس ثم تأييد قبيلة اوربة للدولة الجديدة.
ما أن استقرت الأمور فى (وليلى) عاصمة الدولة حتى خرج الإمام إدريس بن عبد الله على رأس جيشه لإخضاع بقية مناطق المغرب لذا خرج فى ثلاث حملات الأولى إلى الجنوب والغرب والثانية إلى الجنوب وذلك للقضاء على الضلالات المنتشرة فى تلك المناطق أما الثالثة فكانت إلى الشرق حيث استولى على مدينة تلسمان ، هذا النجاج أقلق الخليفة هارون الرشيد فى بغداد ومن ثم دبر مؤامرة لاغتياله على يد أحد أتباعه وهو سليمان جرير المعروف بالشماخ وقد نجح فى تنفيذ مهمته وقتل الإمام إدريس بن عبد الله بواسطة السم سنة 175هـ/791م(6).
تولى راشد وزعماء البربركفالة إدريس بن إدريس بعد مقتل والده حتى بلغ أشده وبويع سنة 188هـ/804م. وشهدت البلاد فى عهده رخاء واستقرارا مع هجرة كثير من القبائل العربية من القيروان والأندلس إلى (وليلى) مما اضطر معه الإمام إدريس بن إدريس إلى البحث عن مكان جديد للعاصمة ووقع الاختيار على مدينة فاس سنة 192هـ/808م(7) ثم تابع الإمام إدريس بن إدريس نشاط والده العسكرى فخرج فى حملتين الأولى تجاه بلاد المصامدة والثانية إلى تلمسان وقد حقق نجاحا كبيرا حتى إذا كانت سنة 213هـ/828م توفى الإمام إدريس بن إدريس ليتولى خلفا له ابنه محمد الذى قسم مناطق الدولة على إخوته وذلك بمشورة جدته كنزة التى رأت أن ذلك فى صالح الدولة؛ إلا أن هذا التقسيم حمل فى طياته بذور الخلاف والشجار ، وحدث صراع بين الأخوة ثم تعاقب أمراء الأدراسة على المناطق المختلفة ، وبدأت الدولة تفقد وحدتها وتماسكها حتى وصل القائد وصالة بن حبوس المكناسى أحد قادة الدولة الفاطمية سنة 305هـ/917م.
لقد كان للأدارسة دور مؤثر وخطير فى حياة المنطقة إذ نجح الأدارسة فى توحيد المغرب الأقصى ، وذلك نتيجة عدة خطوات منها إقامة حكومة مركزية فى وليلى ثم فى العاصمة الجديدة "فاس" تخضع لها مختلف القبائل ؛ كما كانت الحملات العسكرية المتكررة مجالا لحشد هذه القبائل تحت راية واحدة وصهرها فى مجتمع واحد متجانس يضاف إلى ذلك ترحيب الأدارسة بالوفود العربية القادمة وما ترتب على ذلك من نشر للثقافة الإسلامية والعربية وإنشاء العاصمة الجديدة فاس التى ضمت مختلف هذه العناصر.
وفى مجال نشر الاسلام وخدمة الدين الحنيف فقد بذل أمراء الأدارسة خطوات كبرى فى هذا المجال ومن هذه الخطوات القيام بحركة مقدسة الغرض منها القضاء على الوثنية المنتشرة فى المنطقة ، وكذلك القضاء على المذاهب الخارجية التى استشرى خطرها فى البلاد فضلا عن الاستقرار السياسى والاقتصادى ودورهما المؤثر فى دخول البربر فى الاسلام ، وكان المذهب المالكى هو مذهب الدولة.
ومن أبرز أعمال الأدراسة فى المنطقة والتى خلدت اسمهم فى التاريخ بناء مدينة فاس التى لعبت دورا كبيرا فى تقدم المنطقة وازدهارها إذ أنها أسهمت فى تبديل الصورة القبلية التى كانت تعيشها المنطقة إلى نظام حضارى يسهم فى نشر الإسلام والثقافة العربية وإليها أقبل الدارسون من كل مكان ومنها انطلق العلماء لنشر الإسلام والثقافة العربية وما زالت مدينة فاس تلعب دورها الحضارى حتى يومنا هذا.
أ.د/حسن على حسن
__________
الهامش:
1- مقاتل الطالبين (ص180).
2- النويرى: نهاية الأرب فى فنون الأدب 23 /71 الهيئة العامة للكتاب.
3- ابن الأثير: الكامل فى التاريخ 5 /76.
4- الأنيس المطرب ابن أبى نرع 1 /15.
5- المرجع السابق نفسه.
6- ابن خلدون العبر 4 /7.
7- ابن أبى زرع 1 /50.
8- الدر النفيس ص248.
مراجع الاستزادة:
1- الكامل فى التاريخ ابن الأثير: تحقيق عبد الوهاب النجار 1357هـ.
2- الدر النفيس أبى العباس أحمد: الحلبى 1314هـ.
3- العبر وديوان المبتدا والخبر ابن خلدون: بولاق 1284هـ.
4- الأنيس المطرب المغرب ابن أبى زرع على بن محمد 1936م.
5- مقاتل الطالبين أبو الفرج الأصفهانى على بن الحسن: تحقيق أحمد صقر 1949م(1/11)
الأدب
لغة: أَدَبَ القومَ: دعاهم إلى مأدبته ، والأدب: رياضة النفس بالتعليم والتهذيب ، وقد ورد هذا المعنى فى الحديث الشريف (أدبنى ربى فأحسن تأديبى)(1) والأدب:الجميل من النظم والنثر كما فى الوسيط (2).
واصطلاحا: أطلق فى بادىء الأمر على ما أثر عن العرب من فنون القول النثرى والشعرى وكل ما نتج عن القرائح.
وقد ظهرت بعض الكتب تحمل هذه الدلالة فى عناوينها مثل: أدب الكاتب لابن قتيبة ، وكتاب الأدب فى صحيح البخارى وغيرهما كثير.
والعلاقة بين المعنى اللغوى "الدعوة إلى الطعام" والمعنى الاصطلاحى "فنون القول" أن الأول غذاء للجسم ، والثانى: غذاء للعقل والروح(3).
وفى العصر الحديث قصرت كلمة "الأدب" على الكلام الإنشائى البليغ الذى يحمل الكثير من الأخيلة والتصويرات والإيحاءات (4). وكان قبل ذلك يطلق على كل ما تنتجه القرائح (5) على نحو ما يطلق عليه الأروبيون الآن (6) فيشمل فنون القول جميعا الخيالى والعقلى كالتاريخ والفلسفة والرواية والقصيد.
أ.د/عبد العظيم إبراهيم المطعنى
__________
الهامش:
1- النهاية فى غريب الحديث والأثر ، ابن كثير ، دار الفكر ، ط2 1399هـ/1979م ، تحقيق طاهر أحمد الزاوى ، ود/محمودالطناحى(1 /2).
2- المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية ، دار المعارف ، القاهرة ، مادة(أدب).
3- النقد الأدبى القديم ، د/على العمارى ، مقدمة الدراسة ص2.
4- العصر الجاهلى ، د/شوقى ضيف ، دار المعارف ، ط7 ، 1976م.
5- مقدمة ابن خلدون ، عبد الرحمن بن خلدون ، دار الفكر ، القاهرة ص553.
6- نظرية الأدب ، رينيه ويليك ، واوستن وارين ، المجلس الأعلى لرعاية الفنون والأدب والعلوم الاجتماعية ، دمشق ، تعريب محيى الدين صبحى ، ط1 ، ص19-20.
مراجع الاستزادة:
1- تاريخ الأدب العربى ، أحمد حسن الزيات ، نهضة مصر ، القاهرة ، ط2.
2- لسان العرب ، ابن منظور ، دار المعارف ، القاهرة(1/12)
الأدب الإسلامى
الأدب الإسلامى قسم من الأدب العربى ، ويقابله الأدب الجاهلى.
ويبدأ الأدب الجاهلى باستقلال عرب الشمال (العدنانيون) عن عرب الجنوب (اليمنيون) فى منتصف القرن الخامس الميلادى ، وينتهى بظهور الإسلام سنة 622 م.
ويبدأ الأدب الإسلامى بظهور الإسلام إلى الآن ، وقد قسّمه علماء تاريخ الأدب بحسب الزمن ، وأطلقوا على كل حقبة زمانية عصرًا على الوجه الأتى:
(أ) عصر صدر الإسلام ، ويشمل:عصر النبوة والخلفاء الراشدين ودولة بنى أمية حتى سقوطها عام 132هـ.
(ب) العصر العباسى ، ويبدأ بقيام دولتهم عام 132هـ إلى سقوط بغداد على أيدى التتار عام 656هـ.
(ج) العصر المملوكى ، ويبدأ من سقوط بغداد ثم ينتهى بظهور النهضة الحديثة سنة 1230هـ.
(د) العصر الحديث ، ويبدأ بحكم محمد على لمصر ، وما يزال إلى الآن (1).
وثمة ضوابط أخرى تميز بين الأدب الإسلامى قد تاًثر فى صورته ومعناه بمبادئ الإسلام وقيمه ، وتحرر من الأعراف والتقاليد والموضوعات والأغراض التى خضع لها الأدب الجاهلى شعرا ونثرًا(2).
فعفَّت ألفاظه ، وسمت معانيه ، واستهدف نصرة الحق الذى جاء به الإسلام (3) ودعا إلى الفضائل والأخلاق الكريمة ، وسار مع الدعوة الإسلامية حيث سارت.(4).
وقد بدأ هذا التحول على أيدى شعراء الدعوة الإسلامية فى المدينة المنورة بعد الهجرة الكبرى إليها ، أمثال: حسان بن ثابت.وعبدالله بن رواحه ، وكعب بن زهير.
ومع قيام الصحوة الاسلامية المعاصرة برز معنى جديد لمصطلح الأدب الاسلامى ، وهو حصرمفهومه فى كل نتاج فنى ، التزم بتوجيهات الإسلام شكلا ومضمونا وناصر قضاياه ، فخمريات أبى نواس وغزله بالمذكر تعد من الأدب الإسلامى حسب التقسيم الزمنى أما فى ظل المفهوم الجديد فخارجة عنه ، كما تخرج بعض أعمال الأدباء المعاصرين أمثال: نازك الملائكة فى بعض قصائدها ، وعبد الرحمن البياتى وأودونيس ، وبعض كتابات نجيب محفوظ ، وإحسان عبدالقدوس وغيرهم.
بيد أن هذا المفهوم لم يستقر حتى الآن(5) رغم اهتمامات بعض الجامعات الإسلامية بهذا النوع من الأدب الإسلامى.
والأدب الإسلامى فى المفهوم العام المعاصر لا يمنع من عدّ الأعمال الأدبية التى تعالج مشكلات الخير والشر أدبا إسلاميا شريطة أن تكون النهاية هى انتصار الخير ، وألا يهتم فيها بالمغالاة فى وصف الشر بالبطولة أو الامتداد الزمنى داخل العمل الأدبى نفسه ، لئلا يترك تاًثيرا قويا فى طباع المتلقى وبخاصة النشء(6).
أ.د/عبد العظيم إبراهيم المطعنى
__________
الهامش:
1- تاريخ الأدب العربى ، أ.أحمد حسن الزيات ، دار نهضة مصر ، ط24 ، ص5.
2- فى الأدب الإسلامى والأموى ، د/سليمان حسن ربيع ، مطبعة السعادة القاهرة ط2 ، 1383هـ 1964م ، ص49.
3- دراسات فى أدب الدعوة الإسلامية ، د/محمد حسن زينى ، نادى مكة الثقافى ، ط1 ، 1403هـ ، ص47 ، 48.
4- خصائص الأدب الإسلامى ، أنور الجندى ، دار الفكر ، القاهرة.
5- منها جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض ، ومجلة الأدب الإسلامى "السنوى" التى تصدرها رابطة الأدب الإسلامى.
6- الفكرة مستوحاة من منهج عبدالحميد جود السحار فى مجموعته القصصية "همزات الشياطين"(1/13)
أدب البحث والمناظرة
اصطلاحا: علم يتعلق بقواعد نظرية وأخلاقية تضبط المباحثات والمناظرات لاستبعاد الخطأ والشك من النتائج التى يتوصل إليها المتناظران.
وقد يعبر عنه بعلم "الجدل" لأن المجادل مناظر ايضا وربما يفسق بينهما بأن الجدل لايكون إلا بين اثنين متحاورين ، والنظر قد يكون من جانب شخص واحد يتأمل ويستنبط لنفسه.
والغرض من المناظرة إن كان لمجرد إفحام الخصم والتغلب عليه بصورة أو بأخرى فهى حرام وممنوعة وإن كانت المناظرة لإظهار الحق أو لإلزام الخصم بالحق والصواب فهى مشروعة ، وتكون فرض كفاية ، لأن إظهار الحق مصلحة عامة ومن فروض الكفاية ويدل عليه قوله تعالى {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتى هى أحسن}العنكبوت:46 ، وأيضا: {وجادلهم بالتى هى أحسن}النحل 125.
والجدل جدلان: جدل حسن وجدل مذموم ، وفيصل التفرقة بينهما هو: معرفة الحق والباطل: او تبين الخطأ والصواب ، وما ورد من ذم الشرع للجدل فى بعض آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية فالمقصود منه الجدل بمعنى السفسطة والمكابرة ، أو الجدل فيما لا مجال للعقل فيه.
وعلم المناظرة أو الجدل علم إسلامى خالص ، ومن العسير تعيين بدايته الزمنية على وجه التحديد ، وأغلب الظن أنه نشأ على يد المتكلمين الأوائل من المعتزلة وغيرهم ، فى النصف الأول من القرن الثالث الهجرى ، على أقل تقدير ، فقد ذكر ابن فورك (ت 406هـ) أن الأشعرى (ت 324هـ) رد على البلخى فى كتابه الذى زعم فيه أنه أصلح غلط "ابن الراوندى" فى أدب الجدل ، وابن الراوندى هذا ولد سنة 205هـ ومات سنة 245هـ ، ويرجع ابن خلدون بعلماء هذا الفن إلى عصر متأخر ، وذلك أثناء تقسيمه لآداب المناظرة وقواعدها إلى طريقين: طريقة "البزدوى" (ت 493هـ) المطبقة فى الفقه والأحكام الشرعية ، وطريقة ركن الدين العميدى (ت 615هـ) المطبقة فى كل دليل يستدل به ، سواء فى العلوم الشرعية أو العلوم العقلية ، وهذا العلم يعالج أركان المناظرة ، وهى أربعة:
السؤال والجواب والاعتراض والاستدلال يبينها فى مباحث بالغة الدقة والمنهجية المنطقية مثل: أدوات السؤال وأقسامه:
السؤال الصحيح والفاسد ، أقسام الجواب ، ما يلزم السائل والمجيب ، المعارضة ، المنع ، النقض ، القدح ، القلب ، الكسر ، الدليل...الخ.
وعادة ما يلحق المؤلفون بهذه القواعد جملة من الآداب تتعلق بسلوك المتناظرين مثل:الحرص على إظهار الحق ، وعدم رفع الصوت ولزوم الهدوء والسكينة وعدم الاستهانة بالخصم مهما كان ضعيفا ، ووجوب الصبر على السائل حتى يفرغ من كلامه ، والتنبه إلى الفرق بين اليقين وغالب الظن والاحتتاج والتقريب...الخ.
أ.د/أحمد الطيب
__________
مراجع الاستزادة:
1- مجرد مقالات الشيخ أبى الحسن الأشعرى.لابن فورك ، تحقيق دانيال جيماريه.المكتبة الشرفية بيروت 1987م.
2- تحكم الجدل فى علم الجدل لنجم الدين الطوخى.تحقيق فولفهارت هاينريشس ، فيسبادن 1987م.
3- مقدمة ابن خلدون تحقيق على عبد الواحد وافى القاهرة.
4- شرح الرشيدية لعبد الرشيد الهندى مع تحقيقات على مصطفى الغرابى القاهرة 1949م(1/14)
الإدمان
لغة: دَمِنَ على الشئ: لزمه ، وأدمن الشراب وغيره: أدامه ولم يقلع عنه ، ويقال أدمن الأمر ، واظب عليه.(كما فى المعجم الوسيط)(1).
اصطلاحا: تعاطى المواد الضارة طبيا واجتماعيا وعضويا بكميات أو وجرعات كبيرة ولفترات طويلة ، تجعل الفرد متعودا عليها وخاضعا لتأثيرها ويصعب أو يستحيل عليه الإقناع عنها.
والإدمان قد يكون إدمانا على الخمر والمسكرات ، أو إدمانا على المخدرات أو حتى بعض الأدوية والعقاقير.
ولكنه فى كل الأحوال أكثر تعقيدا من مجرد الاشتهاء الجسمى لأنه يؤثر على أجهزة الجسم وبخاصة على الجهاز العصبى والنفسى للإنسان والقاعدة فى الشريعة الإسلامية تقرر أنه لا يحل للمسلم أن يتناول من الأطعمة أو الأشربة شيئا يقتله بسرعة أو ببطء أو ما يضره ويؤذيه ، فإن المسلم ليس ملك نفسه ، وإنما هو ملك دينه وأمته ، وحياته وصحته وماله ونعم الله كلها عليه وديعة عنده ، ولا يحل له التفريط فيها قال سبحانه وتعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}البقرة:195 ، وقال سبحانه وتعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما}النساء:29 ، فقد أثبتت الأبحاث الطبية والاجتماعية أن أشر ما يمكن أن يؤدى إلى التهلكة هو الإدمان.
وليس هناك أكمل من البيان القرآنى وحجية السنة المطهرة لبيان ما ينطوى عليه من خطورة ، فالله عندما شرع العقوبة جعل شرب الخمر ضمن جرائم الحدود ، كما قال سبحانه: {ياأيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون}النساء:43 ، وقال جل شأنه:{ياأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون.إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء فى الخمر والميسر ويصدكم عن ذكرالله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون}المائدة:90-91.
كما وصفها الرسول الكريم بأنها أم الكبائر وأم الخبائث لأنها تزين للإنسان الشر وتدفعه إليه ، ولذا فقد لعن بائعها وعاصرها وحاملها فلقد "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر" رواه الإمام أحمد عن أم سلمة(2).
ويعتبر الإدمان فى العصر الحديث من أشد المشكلات إيلاما لأسر المدمنين والمجتمع إذ يؤدى إلى حالة من التدهور فى الشخصية تهتز معها القيم والمعايير فلا يعود المدمن قادرا على التوافق السليم مع القانون والحياة الاجتماعية السوية.
إن الإدمان ظاهرة المجتمعات التى تحتوى على كثير من العناصر البنائية المتناقضة -وبخاصة فى أنساق القيم- ويبدو أن هذا ما انتبهت إليه الحضارة الحديثة متأخرة ، حيث بدأت كثير من الدول التى لا تدين بدين الإسلام بالأخذ بنظرة الإسلام والتفكير جديا فى وضع القيود والقوانين الصارمة على الخمر والمخدرات أن لم يكن تحريمها.
أ.د/محمود أبو زيد
__________
الهامش:
1- المعجم الوسيط: مجمع اللغة العربية ج1 ، طبعة1985م ، مادة (د.م.ن) ص308 القاهرة.
2- سنن أبى داود ، 3 /295(1/15)
الأزهر
المؤسسة الدينية العلمية الإسلامية العالمية -القاهرة- جمهورية مصر العربية.
يسجل التاريخ أن (الأزهر) أنشئ فى أول عهد الدولة الفاطمية بمصر جامعا باسم (جامع القاهرة، الذى سمى الأزهر فيما بعد) حيث أرسى حجر أساسه فى الرابع والعشرين من جمادى الأولى 359هـ/970م ، وصلى فيه الخليفة المعز لدين الفاطمى ثانى خلفاء الدولة الفاطمية صلاة الجمعة الأولى من شهر رمضان سنة 361هـ/972م ، إيذانا باعتماده الجامع الرسمى للدولة الجديدة ، ومقرا لنشر المذهب الشيعى فى حلقات الدروس التى انتظمت فيه ، وبدأها القاضى أبو حنيفة بن محمد القيروانى قاضى الخليفة المعز لدين الله ، وتولى التدريس أبناء هذا القاضى من بعده ، وغيرهم من علماء المذهب الشيعى ، وجانب علوم أخرى فى الدين واللغة والقراءات والمنطق والفلك.
وبقيام الدولة الأيوبية فى مصر (567هـ) تحركت بكل الجهد لإزاحة المذهب الشيعى وطمس رسوم الدولة الفاطمية ، وإحلال مذهب أهل السنة فى جامع الأزهر ، وفى عدة مدارس أنشئت لتعزيزه ومنافسته فى حركته المذهبية والعلمية الجديدة.
وفى العصر المملوكى بمصر اتجهت همة السلاطين من المماليك إلى إعمار الجامع الأزهر ، وإسباغ الرعاية على علمائه وطلابه بالمنح والهبات والأوقاف ، وأتيح للأزهريين المشاركة فى النهضة العلمية والاجتماعية والثقافية فى الدولة ، وتصاعدت هذه المكانة إلى أن كان لهم دور أكثر فى توجيه سياسة الحكم.
وفى عهد الخلافة العثمانية بتركيا:
أنشئ منصب (شيخ الأزهر) فى أواخر القرن الحادى عشر الهجرى (السابع عشر الميلادى) وحدث ركود نسبى إثر قيام السلطان سليم الأول العثمانى بترحيل عدد من علماء الأزهر إلى الأستانة -عاصمة الدولة العثمانية- وكانوا طائفة صالحة من نواب القضاة على المذاهب السنية الأربعة ، فضلا عن ترحيل عدد كبير من الصناع المهرة والعمال الفنيين.
ثم جاءت الحملة الفرنسية على مصر سنة 1798م ، وفيما يخص الأزهر أدرك نابليون بونابرت قائد الحملة مدى أهمية الأزهر ، وقوة تأثير شيوخه فى نفوس الشعب المصرى ، فحاول -ونجح- فى التودد إلى طائفة منهم ، وجعل ينتهز الفرصة تلو الفرصة للاجتماع بهم ، ويتحدت إليهم فى موضوعات علمية حول بعض آى القرآن ، ويشعرهم باحترامه لنبى الإسلام ، فيخرجون من عنده وكلهم لسان ثناء عليه ، يشيعونه فيمن يخالطونهم.
وعندما أنشأ نابليون (ديوان القاهرة) -مركزا للشورى وتبادل الرأى- ضم إلى عضويته هؤلاء المشايخ ، وكانوا أغلبية فى المركز والاجتماعات ، لكن هذا لم يغب عن الشعب المصرى إن السياسة الفرنسية سياسة خداع وتخديرة فثاروا على نابليون وقواده أكثر من ثورة ، وشاركهم الأزهريون أنفسهم فى ثوراتهم ، بل كانوا فى مقدمة الثائرين.
ولما استقر الأمر لدولة (محمد على الكبير) واتجه إلى الاستفادة من الحضارة الأوربية آنذاك واتجه إلى إرسال البعوث العسكرية والمدنية إلى إيطاليا وفرنسا وروسيا وغيرها ، اختار أعضائها جميعا من الأزهريين ، وبعودتهم تباعا انبعثت فى مصر -فى عهده وعهود أبنائه- حركة علمية ناشطة ، غطت ساحات العمل الميدانى من ناحية وساحات الترجمة والتعليم والإعلام والقانون من ناحية أخرى.
وحتى ذلك التاريخ كان التعليم فى الأزهر قائما على الاختيار الحر ، بحيث يختار الطالب أستاذه والمادة التى يقوم بتدريسها ، أو الكتاب الذى يقرؤه لطلابه ، ويعرض نصوصه نصًا نصًا ، فإذا اتم الطالب حفظه من علم الأستاذ ، وأنس من نفسه التجويد تقدم لأستاذه ليمتحنه مشافهة ، فإذا أظهر استيعابا ونبوغا منحه الأستاذ إجازة علمية مكتوبة ، وكانت هذه الإجازة كافية لصلاحه باًن يشتغل بالتدريس فى المدارس أو فى المساجد أو فى جامع الأزهر نفسه ، وظل العمل على ذلك حتى أواخر القرن التاسع عشر ، حيث استعيض عنه بنظام التعليم الحديث ، أو بنظام قريب منه بحسب الأحوال.
وواكب ذلك إصدار عدة قوانين لتنظيم العمل بالأزهر.
وأول هذه القوانين قانونا القرن التاسع عشر: أولهما فى سنة 1872م ينظم طريقة الحصول على العالمية وموادها ، وثانيهما فى سنة 1885م ، وأهم ما تناوله: تحديد صفة من يتصدى لمهنة التدريس في جامع الأزهر أن يكون قد انتهى من دارسة أمهات الكتب فى أحد عشر فنا واجتاز فيها امتحانا ترضى عنه لجنة من ستة علماء يرأسهم شيخ الأزهر.
وفى بداية القرن العشرين استصدر قانون سنة 1908 فى عهد المشيخة الثانية للشيخ حسونة النواوى ، وفيه تم تأليف مجلس عال لإدارة الأزهر برئاسة شيخ الأزهر ، وعضوية كل من مفتى الديار المصرية ، وشيوخ المذهب المالكى والحنبلى والشافعى واثنين من الموظفين.وفيه أيضا تقسيم الدراسة لثلاث مراحل: أولية وثانوية وعالية ، ومدة التعليم فى كل منها أربع سنوات ، يمنح الطالب الناجح فى كل مرحلة شهادة المرحلة.
ثم تلاه القانون رقم 10 لسنة 1911 وفيه:
تجديد اختصاص شيخ الأزهر ، وانشاء مجلس الأزهر الأعلى هيئة إشرافية ، وتنظيم هيئة كبار العلماء ونظام التوظف بالأزهر ، وإثر صدور هذا القانون لوحظ إقبال المصريين على الأزهر ، وأنشئت عدة معاهد فى عواصم المدن المصرية.
وفى عهد المشيخة الأولى للشيخ محمد مصطفى المراغى أعد مشروع القانون رقم 49 لسنة 1930م ، لكنه اصدر فى عهد مشيخة الشيخ محمد الأحمدى الظواهرى ويجمع الرأى على أن هذا القانون مثّل خطوة موفقة لإصلاح الأزهر ، ومكنه من مسايرة التقدم العلمى والثقافى والمعرفى.وفى هذا القانون حددت مراحل التعليم أربعة مراحل:
ابتدائية لمدة أربع سنوات ، وثانوية لمدة خمس سنوات ، وثلاث كليات للشريعة الإسلامية ، وأصول الدين ، واللغة العربية ، مدة الدراسة بكل منها أربع سنوات ، ثم تخصص مهنى مدته سنتان فى القضاء الشرعى والإفتاء ، وفى الوعظ والإرشاد ، وفى التدريس ثم تخصص المادة لمدة خمس سنوات تؤهل الناجح للحصول على العالمية مع درجة أستاذ ويعد هذا القانون الذى أنشئته بمقتضاه الكليات الثلاث والتخصصات المدنية والعلمية هو الإرهاص لميلاد جامعة الأزهر القائمة الآن بمقتضى القانون 103 لسنة 1961 م.
وصارت جامعة الأزهر هيئة من هيئات الأزهر الشريف ، تختص بالتعليم العالى بالأزهر ، إلى جانب هيئات أخرى للتعليم قبل المرحلة الجامعية الأولى ، وأخرى للمجلس الأعلى للأزهر ، وثالثة لمجمع البحوث الإسلامية الذى يختص بنشر الثقافة الإسلامية وتجلية التراث وتنقيته من الشوائب التى علقت به ، وبشئون الدعوة والوفود الطلابية فى العالم الخارجى وإعاشتهم ، وقد أنشئت لهم مدينة سكنية للإعاشة والإقامة والرعاية البدنية والنفسية ، وخاصة لمن يأتون الأزهر على منح يقدمها لهم ، بالإضافة إلى المنح التى تقدمها وزارة الأوقاف المصرية (المجلس الأعلى للشئون الإسلامية) هذا بالإضافة إلى الوفود الإسلامية المتبادلة ، والمراكز الثقافية الإسلامية التى أقامتها مصر فى عديد من البلاد الأوروبية الأمريكية والأفريقية وكذلك المعاهد التعليمية.
ولا ننسى أنه بصدور القانون الأخير رقم 103 لسنة 1961م وتحول النظام التعليمى إلى النظم التعليمية الحديثة ، وتوسع الأزهر فى نوعيات وتخصصات التعليم والبحث العلمى للبنين والبنات على السواء ، وضم إلى الكليات الشرعية والعربية كليات للطب وطب الأسنان والصيدلة والعلوم والتربية والهندسة ، والإدارة والمعاملات ، واللغات والترجمة ويتلقى طلابها قدرا لا بأس به فى العلوم الدينية ، لتحقيق المعادلة الدراسية بينهم وبين نظرائهم فى الكليات الأخرى.
أ.د/محمد السعدى فرهود
__________
مراجع الاستزادة:
1- الأزهر فى ألف عام للدكتور/محمد عبد المنعم خفاجى.
2- بدائع الزهور لابن إياس.
3- تاريخ الحركة القومية لعبد الرحمن الرافعى.
4- خطط المقريزى.
5- دائرة المعارف للبستانى.
6- منبر الإسلام: عدد تاريخى بمناسبة العيد الألفى للأزهر الشريف ، عدد جمادى الأولى وجمادى الأخرى 1403هـ/مارس 1983م (وفيه أكثر من ستين موضوعا متنوعاً)(1/16)
الاستحسان
لغة: مشتق من الحسن: قال ابن منظور: "والحسن - محركة - ما حسن من كل شىء: فهو استفعال من الحسن ، يطلق على ما يميل إليه الإنسان ويهواه ، حسيّا كان هذا الشىء أومعنويا، وإن كان مستقبحا عند غيره" أ.هـ.(1)
واصطلاحها: اختلف الأصوليون فى تعريف الاستحسان فقال بعضهم: إنه دليل ينقدح فى نفس المجتهد، وتقصر عنه عبارته.(2)
وقال آخرون: هو العدول عن موجب قياس إلى قياس أقوى منه ، أو هو تخصيص قياس بدليل أقوى منه.(3)
وقيل: هو العمل بأقوى الدليلين ، أو الأخذ بمصلحة جزئية فى مقابلة دليل كلى.
وبالنظر إلى هذه التعريفات نجد أن تعريف الاستحسان يتلخص فى أمرين:(5)
1- ترجيح قياس خفى على قياس جلى بناء على دليل.
2- استثناء مسألة جزئية من أصل كلى، أو قاعدة عامة بناء على دليل خاص يقتضى ذلك.
أنواعه: للاستحسان أنواع عدة منها:(6)
1- الاستحسان بالكتاب: مثل الوصية، فإن مقتضى القياسى عدم جوازها لأنها تمليك مضاف لما بعد الموت ، وهو زمن تزول فيه الملكية، إلا أنها استثنيت من تلك القاعدة العامة بقوله تعالى {من بعد وصية يوصى بها أودين}النساء:11-12.
2- الاستحسان بالإجماع: مثل إجماع العلماء على جواز عقد الاستصناع وهو أن يعقد شخص مع آخرعقدا لصنع شىء من الثياب أو الحذاء بثمن معين ، فإن مقتضى القياس بطلانه ، لأن المعقود عليه - وهو العمل - وقت القصر معدوم ، ولكن أجيز العمل به لتعامل الناس به كل الأزمان من غير إنكار العلماء عليه.
وهناك أنواع أخرى له منها: الاستحسان بالعادة والعرف ، والاستحسان بالضرورة، والاستحسان بالسنة، والاستحسان بالمصلحة، والاستحسان بالقياس الخفى وأمثلتها مبثوثة فى كتب الأصول.
حجيته: هو حجة شرعية عند: الحنفية والمالكية والحنابلة، وأنكر حجيته الشافعية والظاهرية والمعتزلة والشيعة فليس عندهم بدليل يعتد به.
أ.د/على جمعه محمد
__________
الهامش:
1- انظر لسان العرب لابن منظور 13 /117 طبعة بيروت.
2- انظر المستصفى للغزالى 1 /138 الأميرية الكبرى بولاق.
3- انظر شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2 /288 الأميرية الكبرى بولاق.
4- كشف الأسرار على أصول البزدوى لعلاء الدين البخارى 2 /1123 ط الأستانة.
5- أصول الفقه للدكتور/وهبه الزحيلى 2 /739 دار الفكر بدمشق ،ط أولى 1986م.
6- تيسير أصول الفقه لمحمد أنور البدخشانى ص153 طبعة كراتشى 1990م.
مراجع الاستزادة:
1- الاجتهاد فيما لا نص فيه للدكتور/الطيب خضرى السيد -مكتبه الحرمين بالرياض ط أولى 1983م ، (ص9 وما بعدها).
2- الاستحسان بين النظرية والتطببق للدكتور/شعبان محمد إسماعيل دار الثقافة بالدوحة ط أولى 1988م.
3- تيسير الأصول للحافظ ثناء الله الزاهدى دار ابن حزم ، بيروت ط ثانية 1997م(1/17)
الاستصحاب
لغة: طلب المصاحبة، يقال: استصحب الشىء: لازمه ، ويقال استصحبه الشىء: ساله أن يجعله فى صحبته.(1)
واصطلاحا: هو الحكم بثبوت أمر أو نفيه فى الزمان الحاضر أو المستقبل بناء على ثبوته أو عدمه فى الزمان الماضى، لعدم قيام الدليل على تغييره.(2)
وبعبارة أخرى (3): جعل الحالة السابقة دليلا على الحالة اللاحقة، أو إبقاء الشىء على حكمه السابق ما لم يغيره مغيرشرعى.
اًمثلة له:(4)
الأصل فى البكر بقاء البكارة حتى تثبت الثيوبة بدليل ، والأصل بقاء الملكية للمالك حتى يثبت نقلها بدليل ، والأصل فى الماء الطهارة حتى يثبت عدمها بدليل.
اًنواع الاستصحاب:(5) وله خمسة أنواع:
1- استصحاب حكم الإباحة الأصلية للأشياء التى لم يرد دليل على تحريمها،ومعنى هذا أن المقرر عند جمهور الأصوليين ،بعد ورود الشرع: هو أن الأصل فى الأشياء النافعة التى لم يرد فيها من الشرع حكم معين هو الإباحة، كما أن الأصل فى الأشياء الضارة هو الحرمة.
2- استصحاب العموم إلى أن يرد تخصيص أو استصحاب النص إلى أن يرد نسخ.
3- استصحاب ما دل العقل والشرع على ثبوته ودوامه ، وقد عبر عنه ابن القيم باستصحاب الوصف المثبت للحكم حتى يثبت خلافه كالملك ، عند وجود سببه ، وهو العقد أو الوراثة، أو غيرهما من أسباب الملك.
4- استصحاب العدم الأصلى المعلوم بالعقل فى الأحكام الشرعية أى انتفاء الأحكام السمعية فى حقنا قبل ورود الشرع، كالحكم ببراءة الذمة من التكاليف الشرعية حتى يوجد دليل شرعى يدل على التكليف ويسمى هذا بالبراءة الأصلية.
5- استصحاب حكم ثابت بالإجماع فى محل الخلاف بين العلماء مثاله: إجماع الفقهاء على صحة الصلاة عند فقد الماء، فإذا أتم المتيمم الصلاة قبل رؤية الماء صحت الصلاة، وأما إذا رأى الماء فى أثناء الصلاة فهل تبطل الصلاة أم لا؟ قال الشافى ومالك ، لا تبطل الصلاة لأن الإجماع منعقد على صحتها قبل رؤية الماء، فيستصحب حال الإجماع إلى أن يدل دليل على أن رؤية الماء مبطلة، وقال أبو حنيفة وأحمد: تبطل الصلاة ولا اعتبار بالإجماع على صحة الصلاة قبل رؤية الماء، فإن الإجماع انعقد فى حالة العدم لا فى حالة الوجود ، ومن أراد إلحاق العدم بالوجود: فعليه البيان والدليل.
وللعلماء مذاهب فى القول بحجية الاستصحاب من عدمها موضعها كتب الأصول فلتراجع.
أ.د/على جمعة محمد
__________
الهامش:
1- لسان العرب لابن منظور 4 /2401 دار المعارف ، المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية 1 /507 طبعة دار المعارف 1972م ط ثانية.
2- أصول الفقه الإسلامى للدكتور وهبه الزحيلى 2 /859 دار الفكر ط أولى 1986م تيسير أصول الفقه إعداد محمد أنور البدخشانى ص165 طبعة كراتشى بباكستان 1990م.
3- تيسير أصول الفقه لمحمد أنور البدخشانى ص165.
4- المرجع السابق نفس الصفحة.
5- أصول الفقه الإسلامى للدكتور الزحيلى 2 /860 وما بعدها. تيسير أصول الفقه للبدخشانى ص165 وما بعدها.
مراجع الاستزادة:
1- البحر المحيط لبدر الشركشى 6 /17 وما بعدها طبعة وزارة الأوقاف بالكويت طبعة أولى 1990.
2- شرح الكوكب المنير لابن النجار الحنبلى تحقيق د/محمد الزحيلى ود/نزيه حماد 4 /403 جامعة الملك عبد العزيز بالسعودية 1980.
3- الحاصل من المحصول لتاج الدين الأرموى تحقيق د/عبد السلام أبو ناجى 2 /1039 منشورات جامعة ماريونس بنغازى سنة 1994م(1/18)
الاستعارة
لغة: مأخوذة من "العارية" أى نقل منفعة شئ ما من شخص إلى آخر يقال: تعاوروا الشىء واعتوروه: تداولوه ، كما فى اللسان(1) ولا ينفك هذا المعنى اللغوى عن المعنى الاصطلاحى.
واصطلاحا: لها عدة تعريفات وضوابط ومن أدقها وأوجزها:
1 - تعريف الخطيب القزوينى، وهو: "الاستعارة هى ما كانته علاقته تشبه معناه بما وضع له".
2- وقد عرفها البلاغيون المتاخرون(2) تعريفا جامعا مانعا فقالوا: الاستعارة هى استعمال اللفظ فى غير ما وضع له لعلاقة المشابهة مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الوضعى(3)، وهذا التعريف هو ما عليه جميع أهل الذكر الآن.
3- وبعض أهل العلم يختصرون تعريفها فيقولون: "الاستعارة تشبيه حذف أحد طرفيه" غير أن فيه قصورا لأنه لم يشر إلى العلامة والقرينة المانعة ويشترط لتحقق الاستعارة أن يتوفرفيها ثلاثة أركان هى:
1- النقل: أى نقل اللفظ من معناه الوضعى إلى المعنى المجازى المراد من الاستعارة.
2- العلاقة المسوغة للنقل ، وهى تشبيه المستعار له بالمستعار.
3- القرينة التى تمنع إرادة المعنى اللغوى (الوضعى) مع إرادة المعنى المجازى.
ومن أمثلتها قول المتنبى يمدح سيف الدولة الحمدانى وقد انتصر على الروم فى وقعة الأحيدب وهو جبل دارت عليه المعركة:
نثرتهم فوق الأحيدب نثرة * كما نثرت فوق العروس الدراهم
شبه تفريق الأعداء (موتى) بنثر الدراهم ،وحذف المشبه (التفريق)وذكر المشبه به (النثر) والعلاقة شدة البطش وأما القرينة المانعة من إرادة المعنى اللغوى فلأن النثر يكون للأجسام الصغيرة دون الكبيرة(4).
أ.د/عبد العظيم ابراهيم المطعنى
__________
الهامش:
1- لسان العرب ، ابن منظور، دار المعارف ، القاهرة، الطبعة الأولى 4 /3168 مادة (عور).
2- نعنى بذلك علماء البلاغة المعاصرين ومن أساتذة الجامعات فى مصر والعالم الإسلامى.
3- هذا تعريفهم عندهم بالمعنى المصدرى، ولها تعريف آخر بالمعنى الأسمى ، يبدأونها بقولهم "اللفط المستعمل...".
4- أسرار البلاغة، عبد القاهر الجرجانى، تحقيق وتعليق محمود أحمد شاكر، مطبعة المدنى، القاهرة طبعة 1991م ، ص57.
مراجعة الاستزادة:
1- الإيضاح للخطيب القزوينى.
2- ديوان المتنبى(1/19)
الاستفهام
لغة: استفهم من فلان عن الأمر: طلب منه أن يكشف عنه ، ليحسن صوره كما فى المعجم الوسيط.(1)
واصطلاحا: طلب الفهم ، والفهم هو حصول الشىء فى الذهن بعد أن لم يكن ،وهو من الأساليب الإنشائية التى يكثر ورودها فى الكلام البلاغى، وفى المحادثة اليومية عند جميع الناس ، والسين والتاء فيه للطلب (2) فيقال: استفهم فلان عن كذا، أى طلب الإخبار عنه.
وللاستفهام أدوات تستعمل فيه ، ولكل أداة منها معنى:
فالهمزة لطلب التصديق أو التصور(3)
وهل لطلب التصديق
ومتى للسؤال
وأين للحال
وكم للعدد
الأصل فى الاستفهام أن يكون ممن يجهل المستفهم عنه ويريد من المخاطب إعلامه به ،ويسمى الاستفهام الحقيقى، فإذا كان المستقهم (اسم فاعل)عالما بما استفهم عنه سمى الاستفهام مجازيا، ويقصد منه حينئذ معان بلاغية لغرض يقصده المستفهم وفى ذلك يقول الخطيب: "ثم إن هذه الألفاظ كثيرا ما تستعمل فى معان غير الاستفهام بحسب مايناسب المقام..(4) والمعانى التى يخرج إليها الاستفهام تنقسم قسمين كبيرين ، يندرج تحت كل قسم منهما معان فرعية لا تكاد تحصر:
القسم الأول: وهو استفهام التقرير (الإثبات)
القسم الثانى: وهو استفهام الإنكار (النفى)
أما المعانى الفرعية التى تتولد عن التقرير والإنكار بحسب المقام فكثيرة، منها:
الامتنان ، التذكير، الحث ، والتحضيض ،التوبيغ ، التعجب ، الاستبطاء ، الاستبعاد ،الأمر، النهى، التشويق ، وغيرها كثير.
فالتذكيرمع التقريرنحو قول فرعون لموسى فى قوله تعالى {ألم نربك فينا وليدا}الشعراء:18 ، والامتنان مع التقرير كقوله تعالى {ألم نشرح لك صدرك}الانشراح:1 ، والتوبيغ مع الإنكار كقوله تعالى {أكفاركم خير من أولئكم}القمر:43 ، والتعجب مع الإنكار نحو قوله {مالى لا أرى الهدهد}النمل:20 ، والاستبعاد مع الإنكار مثل قول امرىء القيس:
أيقتلنى المشرفى مضاجعى * ومسنونة زرق كأنياب أغوال
أ.د/عبد العظيم إبراهيم المطعنى
__________
الهامش:
1- المعجم الوسيط ، مجمع اللغة العربية، ط3، دار المعارف ،2 /730.
2- الإيضاح ، الخطيب القزوينى. نشر مكتبة الأزهرية، ط1 ، 1984 تحقيق وشرح د/محمد عبد المنعم خفاجى ، 1 /55.
3- التصور هو إدراك المفرد، مثل: أقام خالد أم ذهب؟ فالمسئول عنه هنا هو مجرد الإقامة والذهاب ، والتصديق هو إدراك النسبة بين طرفى الإسناد مثل {أتخشونهم}أى أتكون خشية لهم.
4- الإيضاح 4 /68.
5- دلائل الإعجاز، تحقيق رشيد رضا ، 91، الإيضاح 4 /72(1/20)
الإسراف
لغة: تجاوز الحد فى كل فعل يفعله الإنسان ، فيقال أسرف فى ماله ، وأسرف فى الكلام ، وأسرف فى القتل ، وسرف الماء: ما ذهب منه فى غيرسقى ولا نفع كما فى الوسيط.(1)
واصطلاحا: مجاوزة الحد فى إنفاق المال ، ويقال: تارة باعتبار القدر وتارة باعتبار الكيفية وقد ذكر الفقهاء أن للإسراف حالتين:
1- أن يقع الإنفاق فى الحرام.
2- أن يكون الإنفاق فيما هو مباح الأصل لكن لا على وجه مشروع ، كإنفاق المال الكثير فى الغرض الخسيس ، وكأنه يضعه فيما يحل له لكن فوق الاعتدال ومقدار الحاجة.
وقد أشارت الآيات القرآنية إلى الإسراف والمسرفين فى إحدى وعشرين موضعا.
أولا: اختص أكثر من نصفها بالتفريط والتقصير فى واجب طاعة الله وعبادته ،وتجاوز حدود تلك الطاعة، وذلك:
1- بإسراف العباد على أنفسهم فى المعاصى والآثام ، فى قوله {قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لاتقنطوا من رحمة الله}الزمر:53، {ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا فى أمرنا وثبت أقدامنا}آل عمران:147.
2- الإسراف فى الضلال والانهماك فى الشهوات وعدم تصديق كلام الله وآياته البينات فى قوله {وكذلك نجزى من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه}طه:127. وقوله {كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب}غافر:34.
3- الإسراف فى العصيان والإجرام وتجاوز الحدود وقتل الأنبياء والرسل ، فى قوله {ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين}الأنبياء:9 ، وقوله {ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك فى الأرض لمسرفون}المائدة:32 ، وقوله {كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون}يونس:12 ، وقوله {ولا تطيعوا أمر المسرفين}الشعراء:151 ، وقوله {أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين}الزخرف:5 ، وقوله {مسومة عند ربك للمسرفين}الذاريات:34، وقوله {وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار}غافر:43.
4- الإسراف فى تجاوز الحدود من كل شىء والخروج على الفطرة، كما قال لوط لقومه {بل أنتم قوم مسرفون}الأعراف:81.
5- وضع القرآن فرعون على رأس المسرفين لتجاوزه الحد فى الطغيان والإجرام إلى حد ادعائه للربوبية، فى قوله {وإن فرعون لعال فى الأرض وإنه لمن المسرفين}يونس:83.
ثانيا: بينت الآيات كذلك أن التجاوز الذى يكون فى الحقوق والواجبات يسمى إسرافا، ينهى الحق تعالى عنه.
1- كما فى حق القصاص فى قوله {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف فى القتل إنه كان منصورا}الإسراء:33.
2- وفى حق اليتامى فى قوله {ولاتأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا}النساء:6.
3- وفى حق زكاة الزروع والثمار فى قوله {وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين}الأنعام:141.
4- وفى حق الأكل والشرب {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين}الأعراف:31 ، فهو سبحانه لا يحب المسرفين المتعدين لحدود الله فيما أحل وفيما حرم.
وقد أكدت الأحاديث النبوية النهى عن الإسراف فى الإنفاق ، فعن أبى أمامة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والسرف فى المال والنفقة، وعليكم بالاقتصاد، فما افتقر قوم قط اقتصدوا)رواه الديلمى.(3)
كما عرَّف عليه السلام الإسراف فى الأكل بقوله عن أنس: (إن من السرف اًن تاكل كل ما اشتهيت)رواه ابن ماجه. (3) وقوله عن عائشة (أكثرمن أكله كل يوم سرف)رواه البيهقى فى شعهب الإيمان.
إن الإسلام ينهى عن شتى صور الإسراف الذى هو خروج عن الوسط والاعتدال بالزيادة فى كل التصرفات الإنسانية - وإن كانت حلالا - ذلك أنه يترتب على الإسراف الاقتصادى خاصة: إهدار الوقت والجهد والموارد ، وقصورها - على وفرتها - عن تلبية الحاجات الإنسانية، وتوفير السلع والخدمات اللازمة لإشباعها ، مما يجعل الإسراف أحد الأسباب الرئيسية لما يعانيه العالم من مشاكل اقتصادية تتمثل فى عدم كفاية الموارد لتحقيق حاجات البشر، وهو ما تؤكده الإحصائيات الدولية من إصابة البعض بأمراض التخمة والسمنة، بينما يقضى الجوع على أعداد متزايدة من البشر.
أ.د/نعمت عبد اللطيف عاشور
__________
الهامش:
1- المعجم الوسيط ، مجمع اللغة العربية، الطبعة الثالثة، القاهرة مادة (سرف) 1 /443.
2- معجم المصطلحات الاقتصالية فى لغة الفقهاء نزيه حماد. المعهد العالمى للفكر الإسلامى، الولايات المتحدة الأمريكية، ط1 سنة 1412هـ/1991م.
3- رواه الديلمى فى مسنده.
4- سنن ابن ماجه ، محمد بن يزيد بن ماجه ، أبو عبد الله القزوينى.
مراجع الاستزادة:
1- صفوة التفاسير، محمد على الصابونى، دار القرآن الكريم ، ط1 سنة 1402هـ/1981م بيروت.
2- الكشاف الاقتصادى لآيات القرآن الكريم ، محى الدين عطية، المعهد العالى للفكر الإسلامى، الولايات المتحدة الأمريكية، ط 1412هـ/1991م(1/21)
الأسرة
لغة: الدرع الحصين ، وأهل الرجل وعشيرته ، والجماعة التى يربطها أمر مشترك ، والجمع أسر، كما فى الوسيط.(1)
واصطلاحا: هى أصغر وحدة فى النظام الاجتماعى، ويختلف حجمها باختلاف النظم الاقتصادية.
1- ففى المجتمعات القديمة تتكون الأسر من أب أكبر وزوجته ، ومعه أولاده وأزواجهم وأولادهم وعبيدهم ، وهم يقيمون فى مسكن مشترك أو فى وحدات سكنية مستقلة، ولكن معيشتهم مشتركة، وتحت إشراف رئيس العائلة الذى يتولى مسئوليتهم.
2- ويطلق على الأسرة التى يكون للرجل أكثر من زوجة فى علم الاجتماع: الأسر المركبة، وهى المكونة من الرجل وزوجاته وأبنائه منهن ، ويقوم رئيس العائلة بنفس الدور كزوج وأب لجميع الأبناء، وتوجد هذا الأسرة فى المجتمعات التى تسمح بتعدد الزوجات.
3- والأسرة الصغيرة أصبحت هى النموذج الوحيد للأسرة فى المجتمعات الصناعية، وهى تتكون من زوج وزوجة وأبناء لم يبلغوا سن الثامنة عشرة.
والأسرة هى الخلية الأولى فى المجتمع وهى البناء الاجتماعى السائد على امتداد التاريخ.
وقد تدخلت الدولة فى العصر الحديث بقوانينها وخدماتها ، لشد أزر الأسرة من قوانين الزواج والطلاق ، وحقوق كل طرف كما قدمت خدماتها لتعليم الأطفال ورعايتهه صحيا واجتماعيا.
وأساس تكوين الأسرة الزواج فهو نظام اجتماعى تبدأ به الأسرة وتُبنَى عليه ، وهو نظام معترف به فى كل زمان ومكان ،كأساس لنشأة العلاقات الأسرية، كما أنه النظام المشروع الذى يرضى عنه المجتمع وتعرف الشرائع السماوية لإنجاب الأطفال.
والزواج ضرورة اجتماعية لصالح المجتمع، لأنه ينظم العلاقات بين الذكوروالإناث ،كما أنه يؤدى إلى عمران المجتمع بالناس الذين لولاهم لما تكون المجتمع.
لذا عنى الإسلام بالحديث عن العلاقة بين الرجل المرأة ، وتنظيمها ، وإضفاء صفة القدسية عليها، فذكر أولا أن العلاقة بين الذكر والأنثى هى قاعدة الحياة البشرية، وبين أن عنصرى الأمة(الذكروالأنثى) من أصل واحد، فلا فارق بينهما فى أصل الخلق ،وأن ما تكاثر من بنى البشر على وجه الأرض إنما هو منبثق منهما، وعلاقتهما المقدسة سبب مباشر لإعمار الكون ، فقال تعالى {ياأيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء...}النساء:1 بين الإسلام أن اللبنة الأولى فى بناء المجتمع هى الأسرة، وأن المودة والرحمة هما أساس الحياة الزوجية، كى يسكن كل إلى الآخر ويطمئن إليه فقال تعالى {من آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون}الروم:21.
ثم شرع أحكاما للزواج بعضها قبل الدخول حيث بين:
1- أساس الاختيار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تُنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها، فأظفر بذات الدين تربت يداك)(راوه البخارى عن أبى هريرة )(2)
2- رؤية كل منهما الآخر قبل الخطبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما) (رواه الترمزى ).
3- تأدية المهر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (التمس ولو خاتما من حديد) (رواه البخارى).
وبعضها بعد الدخول حيث أوصى:
1 - مراعاة كل منهما حقوق الآخر، حتى يكون التألف والتآزر بينهما قائم على أساس المعروف لا على أساس الهوى والنزوة.
2- كما حدد الإسلام لكل وظيفته فى الأسرة، فالرجل - أساسا - يقوم بالإنفاق على الأسرة وللمرأة ذلك إن دعت الضرورة، ولم ينتج عنه ضرر بحقوق بيتها وزوجها والأسرة التى تقوم على أسس إسلامية فى الاختيار، ورعاية كل لحقوق الآخر، وتاًدية كل عليه من واجبات هى البيئة الصالحة لتربية الأطفال ، وحمايتهم من الانحراف ، ووقايتهم من كل ما يفسد أخلاقهم ، ويتعودون على السلوك الأمثل مما يرونه من تعاطف بين الأبويين ومحبة بينهما.
كما حث الاسلام الأبناء على الإحسان إلى الاباء والبر بهم ، فجعل عقوق الوالدين فى مرتبة تلى مرتبة الشرك بالله ، فقال تعالى {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبرأحدهما أوكلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما. واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا}(الإسراء:23-24) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا: الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، وشهادة الزور - أو قول الزور -وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا فجلس ، فمازال يكررها حتى قلنا: ليته سكت)رواه مسلم.(3)
وللزواج نظامان شائعان منذ القدم: زواج فردى وهو النظام الذى يكون فيه للرجل زوجة واحدة، وهو السائد فى معظم دول العالم ، وبخاصة الدول المسيحية، لأن الكنيسة لا تعترف بتعدد الزوجات ، كما أن الشريعة الإسلامية تعتبره - أى النظام الفردى - القاعدة العامة فى الزواج ، وتسمح للرجل - عند الضرورة - بأن يكون له أكثرمن زوجة فى حدود أربع زوجات ، إلا أن الزواج الفردى لا يزال من الناحية العملية - هو الشائع فى الدول الإسلامية، إذ تبلغ نسبته فى بعض الأقطار الإسلامية أكثر من 96%.
أ.د/محمد شامة
__________
الهامش:
1- المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية، دار المعارف ، مادة (أسر) 1 /17.
2- صحيح البخارى، محمد بن إسماعيل بن ابراهيم ، بن بردذبة البخارى، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، ط الأولى، القاهرة، 1990م 8 /137.
3- صحيح مسلم ، بشرح النووى، المطبعة المصرية بالأزهر، ط1 1929م ، القاهرة 2 /81.
مراجع الاستزادة:
1- تفسير القرآن العظيم ، ابن كثير، دار الفكر، بيروت ، الطبعة الثانية 1970م.
2- الفكر الإسلامى والمجتمع المعاصر، محمد البهى، مكتبة وهبة القاهرة 1982م.
3- مشكلات الأسرة والتكافل ، محمد البهى، مكتبة وهبة القاهرة 1982م.
4- القران حياة وعصمة، عبد الحميد محمد يلبغ ، مطابع عابدين بالأسكندرية 1970م(1/22)
الأسْطُرُلاب
الأسْطُرُلاب: Astrolobe كلمة يونانية الأصل معناها: مرآة النجوم ، وقد أطلقت على جهاز فلكى ذى أشكال مختلفة منها الكروى والمستوى والخطى، بحسب ما إذا كان يمثل الكرة (أوالقبة) السماوية ذاتها ، أو يمثل مسقط هذه الكرة على سطح مستو أو مسقط هذا المسقط على خط مستقيم.
ويعد "كلاوديوس بطليموس" أول من أعطى معلومات علمية تتعلق باستخدام الأسطرلاب لقياس ارتفاع الكواكب والنجوم ،وذلك حوالى 150 ق.م.ولكن علماء الحضارة الإسلامية برعوا فى تطوير صناعة الأسطرلابات بأنواعها المختلفة وأكثروا من التأليف فى وصفها وفوائدها وطرق استعمالها ، ولُقِّب بعض المشهورين منهم فى هذه الصناعة بالإسطرلابى.
وقد ألف أبو الريحان البيرونى (362-443هـ/973-1051م) رسائل مهمة فى الاسطرلاب ، وضع فى إحداها نضرية بسيطة لمعرفة مقدار محيط الأرض ما زألت: تدرس فى مناهج تعليم الفيزياء حتى اليوم. واخترع السجستانى (توفى نحو415هـ-1024م) "الاسطرلاب الزورقى" المبنى على أساس أن الأرض تدور حول محورها.
وقد شاع استعمال "الاسطرلاب" فى أوروبا إبان عصر النهضة لكنه ظل مستخدما فى البلاد العربية والإسلامية حتى القرن التاسع عشر الميلادى، وباستخدام الساعات الميكانيكية والحسابات الفلكية والآلات المساعدة أصبحت تقنية الاسطرلاب غير ضرورية فى عصر الفضاء، ولكنها لم تفقدقيمتها التاريخية باعتبارها تمثل الجيل الأول من أجهزة الرصد الفلكية.
أ.د/أحمد فؤاد باشا
__________
مراجع الاستزادة:
1- محمد بن أحمد الخوارزمى مفاتيح العلوم تحقيق إبراهيم الإبيارى دار الكتاب العربى بيروت 1404هـ 1984م.
2- د/أحمد فؤاد باشا: أساسيات العلوم المعاصرة فى التراث الإسلامى دراسات تأصيلية دار الهداية القاهرة 1967م(1/23)
الأسطورة
لغة: مفرد الأساطير، وهى الأباطيل والأحاديث العجيبة.
واصطلاحا: هى حكايات غريبة خارقة ظهرت فى العصور الموغلة فى القدم ،وتناقلتها الذاكرة البشرية عبر الأجيال ، وفيها تظهرآلهة الوثنيين وقوى الطبيعة بمظهر بشرى.
وكان القصد من هذه الحكايات تفسير الظواهر الطبيعية أو العقائد الدينية أو الأحداث التاريخية الموغلة فى التاريخ القديم.
وقد كانت للعرب فى جاهليتهم - مثل كل الأمم الوثنية - أساطيرهم وخرافاتهم ، ومنها ما كانوا يقولونه عن سهيل ، والشعرى، والقميصاء ، والغيلان ، والسعالى ، وعزيف الجن ، والهامة، والصدى، ولقمان والنسر لُبَد ،وزرقاء اليمامة... الخ.
وقد ظهر فى الأعوام الأخيرة تيار نقدى يفسر الشعر الجاهلى تفسيرا أسطوريا، لكنه يجنح للأسف إلى الإسراف والاعتساف ، إذ لا يكاد يترك شيئا فى ذلك الشعر إلا ويحمله بالمضامين الأسطورية خالعا عليه أساطير السومريين ، والكلدان ، والإغريق ، وغيرهم من الأمم القديمة.
وبعد التقدم الحضارى والعلمى الكبير الذى أنجزته الإنسانية انحسرت الأساطير، وحلت محلها النظرة العقلية والقانون العلمى، وإن ظل الأدباء والفنانون فى كثير من الأحيان يستخدمونها لأغراض فنيه ، لا عن اعتقاد منهم بأنها حقائق قطعية.
أ.د/إبراهيم عوض
__________
مراجع الاستزادة:
1- الأسطورة فى الشعر العربى الحديث لأنس داود، مكتبة عين شمس 1975م.
2- الأسطورة والحداثة لديكسون بول ترجمة خليل كلفت. المجلس الأعلى للثقافة 1998م ص7 إلى36(1/24)
الإسلام
مفهوم كلمة الإسلام بمعناه الشامل يعنى:الاستسلام والانقياد للخالق جل وعلا، فهو بهذا اسم للدين الذى جاء به جميع الأنبياء والمرسلين. فنوح عليه السلام قال لقومه:{وأمرت أن أكون من المسلمين}يونس:72. ويعقوب يوصى أولاده {يابنى إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون. أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدى قالوا نعبد إلهك وإله أبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون}البقرة:132،133. وموسى يقول لقومه {ياقوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين}يونس:84.
أما المعنى الخاص لكلمة الإسلام فهو يعنى: تلك الشريعة التى جاء بها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين إلى العالمين ، والتى لا تقتصر على جنس أو قوم ولكن إلى الناس كافة، وهى بهذا شريعة عالمية كاملة.
ويدل على هذا: أن النبى قبله صلى الله عليه وسلم كان يرسل إلى قومه خاصة كما حكت آيات القرآن فى قوله {والى عاد أخاهم هودا}الأعراف:65. {والى ثمود أخاهم صالحا}الأعراف:73.{والى مدين أخاهم شعيبا}الأعراف:85 ، أما رسول الإسلام فقد أرسل للناس كافة وخاطبه القرآن بقوله {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}الأنبياء:107 ،{وما أرسلناك إلا كافة للناس}سبا:28.
وعلى هذا المعنى الخاص جاءت نصوص القرآن والسنة النبوية الشريفة، فمن القرآن الكريم قوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا}المائدة:3 ،{ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين}الأحزاب:40.
ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم (بنى الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة،وإيتاء الزكاة،وصوم رمضان ، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا) متفق عليه (1)ومنها قوله صلى الله عليه وسلم لجبريل حين جاء سائلا عن الإسلام (أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة، وتؤتى الزكاة وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا).رواه مسلم (2) ومن هذين الحديثين تظهر أركان الإسلام الخمسة التى يدل عليها هذا الإطلاق الخاص للإسلام.
وللإسلام بالمعنى الخاص عدة خصائص ينفرد ويتميز بها عن غيره من الأديان ، ومن هذه الخصائص:
1- الربانية: فهو من عند الله فمصدره ومُشرِّع أحكامه هو الله تعالى بخلاف الشرائع الوضعية فمصدرها الإنسان. والنصوص الشرعية التى تدل على ربانية هذا الدين كثيرة منها: قولى تعالى {إن الدين عند الله الإسلام}آل عمران:19 ، وقوله تعالى {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين}آل عمران:85 ، وكثير من الآيات الدالة على أن الإسلام بدوره من عند الله.
2- الشمول: فهو يجمع بين مصالح الدنيا والدين ، وهو شامل لكل شئون الحياة، وسلوك الإنسان ، وهو رسالة الزمن كله ،والعالم كله والإنسان كله فى أطوار حياته ،ومجالاتها كلها وهناك شمول فى جميع التعاليم الإسلامية.
3- الوسطية: ويعبر عنها أيضا بالتوازن ويعنى بها التعادل بين طرفين متقابلين أو متضادين بحيث لا ينفرد أحدهما بالثأثير ويطرد الطرف المقابل ، وبحيث لا يأخذ أحد الطرفين أكثرمن حقه ، ويطغى على مقابله ويحيف عليه. ومن الآيات الدالة على هذه الخصيصة قوله تعالى {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا}البقرة:143.
4- الواقعية: يعنى بها مراعاة واقع الكون من حيث هو حقيقة واقعة ووجود مشاهد، ولكنه يدل على حقيقة أكبر منه ، ووجود أسبق وأبقى من وجوده ، هو وجود الواجب لذاته ، وهو الله تعالى. وكذلك مراعاه واقع الحياه من حيث هى حافلة بالخير والشر تنتهى بالموت توطئة لحياة أخرى. وكذلك مراعاة واقع الإنسان من حيث ازدواج طبيعته واشتمالها على الجانب الروحى والجانب المادى. وبهذا لم يكن الإسلام كغيره مجرد وصايا ومواعظ ، وإنما كان للدين والدنيا وللعقيدة والشريعة والعبادات والمعاملات والأخلاق.
5- الجمع بين الثبات والمرونة:
فالإسلام دين مرن متطور فى أحكامه وتعاليمه ، وفى الوقت ذاته هو دين خالد ثابت فى تشريعه وتوجيهه ، فهو بهذا دين متوازن. وهناك أنظمة للإسلام يتكون كل نظام منها من مجموعة من الأحكام ومن هذه اللأنظمة:
نظام الأخلاق ونظام المجتمع ، ونظام الإفتاء، ونظام الحسبة، ونظام الحكم ، ونظام الاقتصاد والمال ، ونظام الجهاد ونظام الجريمة والعقاب ونظام الأسرة ونظام العلاقات الدولية ونظام العلاقة بالآخر.
6- احتواء توجيهاته على مقومات العطاء الحضارى التى مارسها سلف المسلمين فصنعوا حضارة كانت هى الأساس الذى قامت عليه النهضة الأوربية.
أ.د/عبد الصبور مرزوق
__________
الهامش:
1- اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان ، محمد فؤاد عبد الباقى ، دار الحديث القاهرة ، المطبعة المصرية 1 /16.
2- صحيح مسلم ، مسلم بن الحجاج ، كتاب الإيمان ، باب تعريف الإسلام والإيمان ، 1 /157.
مراجع الاستزادة:
1- الخصائص العامة للإسلام ، د/يوسف القرضاوى، مكتبة وهبه ، ط4 1989م.
2- أصول الدعوة، د/عبد الكريم زيدان ، ط3،1976م ، ص43.
3- التشريع الإسلامى مصادره وأطواره ، د/شعبان محمد إسماعيل ، مكتبة النهضة المصرية ،ط2 ، 1985م(1/25)
الأسماء الحسنى
لغة: الاسم مشتق من السمو، أى الرفعة.
واصطهلاحا: الاسم ما دل على الذات.والأسماء الحسنى هى أسماء الله تعالى،التى ارتضاها لنفسه فى كتابه أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ولذا نرى أن القرآن الكريم قد وصفها بذلك العنوان فى آيات أربع ، منها قوله تعالى {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}الأعراف:180(1).
وقد ورد كثيرمن هذه الأسماء متفرقا فى القرآن الكريم والحديث الشريف ، كما ورد نص فى الحديث على عددها، وهو تسعة وتسعون ، فعن أبى هريرة أنه قال (لله تسعة وتسعون اسما لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة)رواه البخارى(2) وفى رواية أخرى (من أحصاها دخل الجنة ).
وزادت بعض كتب السنة - غير البخارى ومسلم - على العدد بيانا تفصيليا يحدد هذه الأسماء(3) ، وإن لم تتفق على قائمة واحدة، واختار الحافظ ابن حجر قائمة الإمام الترمذى التى رواها من طريق الوليد بن مسلم عن أبى هريرة، واعتبرها أقرب الروايات إلى الصحة. وعلى هذه القائمة عوّل غالب من شرح الأسماء الحسنى مثل "الزّجَّاج" فى (تفسير أسماء الله الحسنى) والرازى فى (شرح أسماء الله الحسنى) والبيهقى فى (كتاب الأسماء والصفات)، ونص هذه القائمة كالتالى:
(هو الله الذى لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل السميع البصير الحكم العدل اللطيف الخبير الحليم العظيم الغفور الشكور العَلِىّ الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الجليل الكريم الرقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الباعث الشهيد الحق الوكيل القوى المتين الولى الحميد المحصى المبدئ المعيد المحى المميت الحىّ القيوم الواجد الماجد الواحد الصمد القادر المقتدر المقدّم المؤخر الأول الآخر الظاهر الباطن الوالى المتعال البر التواب المنتقم العفوّ الرؤوف مالك الملك ذو الجلال والإكرام المقسط الجامع الغنى المغنى المانع الضار النافع النور الهادى البديع الباقى الوارث الرشيد الصبور). رواه الترمزى عن أبى هريرة رضى الله عنه (4).
وقد فتح تعدد الروايات فى أحاديث الأسماء الحسنى بابا أمام العلماء: ليتجادلوا حولها أهى مطلقة العدد، أم محصورة فى تسعة وتسعين؟ ففريق تقيد حرفيا بما ورد فى حديت أبى هريرة السابق ، وأطلق فريق آخر العدد قائلا إن هذه الأسماء غير محددة، وأنها تشمل كل ما يليق بذاته المقدسة.
ودليل هذا الفريق، ما يأتى:
1- تعدد الروايات فى حصر هذه الأسماء.
2- أن بعض الأسماء التى وردت فى قائمة الترمذى لم ترد فى القرآن الكريم ،مثل: الجليل ، والخافض ، والرشيد ، والصبور،والعدل. كما أن بعض ما ورد فى القرآن الكريم لم يرد فى قائمة الترمذى، مثل: المولى ، والنصير، والناصر، والحَفِىّ ، والخلاّق ،والمدبر ، ورب المشرقين ، ورب المغربين ،والأعلى، والغالب.
3- ورود التوقيف بأسماء تزيد على التسعة والتسعين: مثل: السيد، ففى الخبر أن رجلا قال للرسول صلى الله عليه وسلم: ياسيد، فقال:(السيد هو الله تعالى) ومثل: الديّان ، والحنّان ، والمنّان ، فقد كان من دعاء الرسول: (يا حنان ، يامنّان)رواه البخارى(5) ومثل الرفيق ، والجميل ، ومٌقَلِّب القلوب. ومن آصحاب هذا الرأى ابن عباس ،والفخر الرازى، وابن كثير، والغزالى،والقرطبى والبيهقى.
فإذا تبين أن أسماء الله تعالى غير محصورة فى عدد معين ، وأن محاولة حصرها كانت مجرد اجتهاد من العلماء، فكيف يُفهَم هذا على ضوء الأحاديث التى نصّت على العدد؟
هناك أكثر من تفسير لهذه الأحاديث ،آقربها إلى القبول: أن الكلام لم يتم بقول الحديث: إن لله تسعة وتسعين اسما، وإنما تمامه بقوله: لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة، أو: من أحصاها دخل الجنة. وهذا بمنزلة قول أحدهم: إن لمحمد ألف جنيه أعدّها للصدقة، فلا يعنى هذا أنه لا يملك سوى هذه الألف ، فكذلك الحديث الشريف لا يعنى آنه ليس لله من الأسماء سوى هذه التسعة والتسعين ، وإنما يعنى أن لله آسماء كثيرة تختص تسعة وتسعون منها بأن من أحصاها أو حفظها دخل الجنة. (6).
وقيل إن تلك الآسماء الحسنى شائعة غير محددة فى أسماء الله تعالى الواردة فى الكتاب والسنة والتى تجاوزت المائتين ، وتكون قد أخفيت كما أخفيته ليلة القدرفما العَشر الأواخر من رمضان ، وساعة الإجابة فى يوم الجمعة، والصلاة الوسطى فى سائر الصلوات حتى يجد المسلم فى طلب الخيرويَتَشَوّف لفعل كل ذلك ، ليوافق الفضيلة الزائدة فى تلك الأشياء.
وقد يرى أن الأسماء الحسنى هى تلك التسعة والتسعون التى وردت فى القرآن الكريم ، والتى اجتهدت فى استخلاصها ،وأوردها مرتبة حسب جذرها اللغوى هجائيا، كما يلى: (الآخر، الإله ، المؤمن ، البارئ ، البر، البصير، الباطن ، التواب ، الجبار، ذو الجلال ،المجيب ، الحسيب ، الحافظ ، الحفيظ ، الحفىّ، الحق ، الحكم ، الحكيم ، الحليم ، الحميد ،المحيط ، الحى، الخبير، الخالق ، الخلاّق ،الرؤوف ، الرب ، الرحمن ، الرحيم ، الرازق الرزاق ، الرقيب ، السلام ، السميع ، الشاكر،الشكور، الشهيد ، الصادق ، الصمد ، المصوّر،ذو الطول ، الظاهر، ذو المعارج ، العزيز، العظيم ، العفوّ، العليم ، الأعلى، العلى، المتعال ،الغفّار، الغفور، الغالب ، الغنى، الفاتح ، الفتاح ،ذو الفضل ، القادر، القدير، المقتدر، القدوس ، القريب ، القاهر، القهار، المقيت ، القيوم ،ذوالقوة ، القوى ، الكبير، المتكبر، الأكرم ،ذوالإكرام ، الكريم ، الكفيل ، الكافى ، الطيف ، المتين ، المجيد ، المالك ، مالِك المُلك ، المَلِك ،المَلِيك ، الناصر، النصير، ذوانتقام ، المنتقم ،النور، الهادى ، المهيمن ، الأحد ، الواحد ،الودود ، الوارث ، الواسع ، الوكيل ،الولىّ ، المولى ، الوهّاب ،الأول)(7).
أ.د/أحمد مختار عمر
__________
الهامش:
1- انظر كذلك الإسراء ، ط8، الحشر 22.
2- صحيح البخارى مع فتح البارى، ط دار المعرفة بيروت 11 /214.
3- أقدم ما حدد هذه الأسماء من كتب الحديث سنن ابن ماجه ، وسنن الترمذى، والمستدرك للحاكم.
4- سن الترمذى، وفتح البارى 11 /220.
5 - صحيح البخارى 11 /220 مع فتح البارى، والبحر المحيط لأبى حيان 4 /429.
6- شرح أسماء الله الحسنى للرازى تحقيق طه عبد الرووف سعد - بيروت 1984 ص78.
7- أسماء الله الحسنى دراسة فى البنية والدلالة أحمد مختار عمر عالم الكتب بالقاهرة 1997م ص40.
مراجع الاستزادة:
1- الأحاديث القدسية ليحيى بن شرف النووى تحقيق/مصطفى عاشور مكتبة القرآن 1985م.
2- المقصد الأسنى فى شرح أسماء الله الحسنى للغزالى تحقيق /محمد عثمان الخشت القاهرة 1985م(1/26)
الإسماعيلية
اصطلاحا: هى إحدى الفرق الشيعية ويسمون أيضا: السبعية، الباطنية، الحشاشون ، الفداوية، ويطلق عليهم خصومهم اسم: الملاحدة، كما ينكر هؤلاء الخصوم على أئمتهم أنهم من سلالة محمد ابن إسماعيل بن جعفر الصادق وينسبونهم إلى أحد الغلاة من الشيعة وهو عبد الله بن ميمون القداح ، الذى يعد المؤسس الحقيقى لهذه الفرقة.
والإسماعيلية تتفق مع الشيعة الإمامية (الاثنا عشرية) على صحة إمامة الأئمة الستة الأول ابتداء من على بن أبى طالب إلى جعفر الصادق - رضى الله عنهم ، لكن الخلاف وقع بين الفريقين حول أى من أبناء جعفر أحق من أخيه بالإمامة: موسى الكاظم أم إسماعيل ، وقد تبع الشيعة الإمامية موسى، بينما تبع الإسماعيلية إسماعيل ومن بعده ابنه محمد بن إسماعيل فسموا الإسماعيلية، وكان لهم اتجاه عقائدى متطرف يباعد بينهم وبين عقائد الشيعة الإمامية وتقاليدها المحافظة.
وبدت بوادر هذا الاتجاه المتطرف فى حياة الإمام السادس جعفر الصادق نفسه (توفى سنة 148هـ/765م)إذ هاله أن يرى جمعا من أصحاب المقالات والفرق الغالية يلتف حول ابنه إسماعيل وعدّ ذلك نذير شؤم. وقد تحققت نبوءة الإمام الصادق ،فضمت فرقة الإسماعيلية منذ نشأتها عددا كبيرا من القيادات المتطرفة فى التشيع ،وغدت استمرارا لحركات الغلوُ فيه ، وظهر هذ الغلو فى حركة القرامطة الإسماعيلية.
وتدورعقائد الإسماعيلية ، حول الإمام ، فالدين أمرمكتوم ، لا يُعرف إلا عن طريق إمام مختاز عنده علم التأويل وتفسير ظواهر الأمور والنصوص ، فلكل تننريل تأويل ، ولكل ظاهر باطن ، وشرائع الإسلام وفرائضه كالصلاة والزكاة والحج وغيرها لها معان أخرغيرمعانيها الظاهرة، لا يقف عليها إلا الإمام ودعاته الكبار المهديون.
والإمام قد يكون مستورا وقد يكون ظاهرا، فإن كان مستورا فدعاته ظاهرون ، وان كان ظاهرا فدعاته مستورون يعملون فى خفية عن أعين الرقباء، وزعموا أن دور الستر- الذى بدأ بمحمد بن إسماعيل - قد انتهى بظهورالإمام عبيد الله المهدى فى بلاد المغرب (سنة 629هـ/909م)التى أقام بها الدولة الفاطمية. وحين دخلت مصرفى قبضة الفاطميين سنة (362هـ/972م)تزايد طموحهم لبسط سيطرتهم على العالم الإسلامى كله ، فتحركوا فى تنظيم محكم دقيق لبث دعاتهم فى العراق والمناطق الشرقية الخاضعة للخلافة العباسية، يدعون الناس بها إلى اعتناق مذهبهم والخضوع بالتالى لنفوذ الخلافة الفاطمية بالقاهرة.
وتحقق أول نجاح لهم فى المشرق الإسلامى فى عهد المعز لدين الله ، حين أقام دعاة الاسماعيلية فى "المُلتان" -فى باكستان الحالية- دولة إسماعيلية خطب فيها للخليفة الفاطمى منذ سنة (348هـ/959م). ولكن السلطان محمود الغزنوى قضى على هذه الدولة فى سنة (401هـ/1010م) وفى سنة (483هـ/1090م) استطاع واحد من كبار دعاة الفاطميين ودهاتهم وهو الحسن بن الصباح أن يؤسس دولة إسماعيلية قوية فى المنطقة الجبلية الواقعة جنوبا بحرقزوين ويجعل من قلعة "ألموت" المنيعة عاصمة لها، وأنشأ منظمة إرهابية أطلقوا على أعضائها اسم "الفداوية" كان نشاطها قائما على اغتيال المناوئين ، فاغتالوا عددا من الخلفاء والسلاطين والوزراء وأقضّوا مضجع حكام الدول المجاورة طيلة ألفترة التى عاشتها دولة الإسماعيلية فى إيران حتى قضى - عليها المغول بقيادة هولاكو سنة (654هـ/1256م).
كان الإسماعيلية فى إيران قد قطعوا علاقتهم المذهبية بالخلافة الفاطمية بمصر عقب وفاة المستنصر بالله (سنة 487هـ/1093م) وتولى ابنه الأصغر المستعلى عرش الخلافة، وقالوا إن الابن الأكبر -"نزار" هو الأولى بالخلافة- فعرفوا منذ ذلك الحين بالنزارية، واستقلوا عن مركز التشريع المذهبى بالقاهرة، ومضوا شوطا بعيدا فى الأخذ بالتأويل الذى بلغ أقصى درجاته عندهم ، فى عهد ملكهم الحسن بن محمد - إلى رفع التكاليف الشرعية كلها عن الناس ، وإنزال العقوبات الصارمة بمن يواظب على أداء العبادات.
وقد استقرت إمامة الإسماعيلية النزارية فى ملوك أَلَمُوت حتما قضى المغول على آخرهم - وهو ركن الدين خورشاه سنة (654هـ/1256م) ، وتتناقض الروايات المتعلقة بتسلسل الأئمة الذين خلفوا ركن الدين حتى أصبح من الصعب تحديد أسمائهم وسنى حياتهم ، وقد قيل: إنهم استتوا فى أذربيجان ثم كونوا طريقة صوفية عرفت باسم "نعمة إلهى" أى النعمة الإلهية، وشارك بعضهم فى الحياة السياسية فى إيران فى القرن الثامن عشر، ثم إن إمامهم حسن على شاه انتقل إلى بلاد الهند لأسباب سياسية، وأتخذ من بومباى مركزا له فى سنة 1843م،فأصبحت بومباى منذ ذلك الحين مقرا لإمامة الإسماعيلية النزارية. وحين توفى سلطان محمد شاه فى سنة 1957م خلفه الأغاخان الحالى: كريم خان.
وينتشر الإسماعيلية فى الوقت الحالى فى مناطق عديدة من العالم فى سوريا وعمان وإيران وآسيا الوسطى وباكستان ، ويكثرون فى الهند وشرق إفريقيا.
أ.د/محمد السعيد جمال الدين
__________
مراجع الاستزادة:
1- معرفة الرجال ، أبو عمر بن عبد العزيز الكشى ، بومباى 1317هـ.
2- فرق الشيعة، أبو محمد الحسن بن موسى النوبختى، طبع النجف 1936م.
3- كتاب المقالات والفرق ، سعد الدين عبد الله خلف الأشعرى القمى، تحقيق محمد جواد مشكور، طبعة الأزهر.
4- طائفة الإسماعيلية، محمد كامل حسين ، مصر 1950م.
5- دولة الإسماعيلية فى إيران ، محمد السعيد جمال الدين ، الدار الثقافية، ط2، 1999م(1/27)
الأسواق
لغة: جمع سوق ، وهو الموضع الذى يجلب إليه المتاع والسلع للبيع والابتياع (تؤنث وتذكر، كما فى المعجم الوسيط )(ا) ، وقد ذكرت فى القرآن فقال تعالى: {وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق}الفرقان:7.
واصطلاحا: مكان يجتمع فيه الناس للبيع والشراء، وهى الطريقة التى يتم بها اتصال البائعين والمشترين.
وفى التاريخ القديم نمت الأسواق نموا كبيرا بعد التحول من المقايضة السلعية إلى المبادلة النقدية، وازدهرت بعض المدن قديما بسبب شهرة أسواقها، بينما كان عدم وجود السوق فى بعض المدن يدل على تخلفها.
وكانت الأسواق قديما أشبه بالمعارض ،وتعقد بصفة دورية خلال العام أو فى مواسم معروفة، وأشهر أسواق العرب قبل الإسلام "عكاظ"، وبعد هجرة النبى صلى الله عليه وسلم وصحبه من مكة إلى المدينة المنورة أقام المسلمون فيها سوقا إثر تعنت تجار اليهود، وفرضهم رسوما على من يدخل أسواقهم.
وخضعت سوق المسلمين لرقابة على الموازين والمكاييل والسلع للتأكد من عدم الغش للكم أو النوع ، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فرض جزية (رسم) لدخول السوق (2) وعن الاحتجار، كما حارب الاحتكار بشدة لذلك تحددت الأسعار بقوى الطلب والعرض التنافسية الخالصة، ولم يجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مبررا للتسعيرحينما سئل عن ذلك لما غلا السعر.(3)
ورأى بعض الفقهاء فيما بعد جواز التسعيرفى السوق إذا ساده الاحتكار لتحقيق مقصد العدل فى الشريعة، ونجسدت تشريعات تنظيم سوق المدينة فيما بعد فيما يعرف بنظام "الحسبة" ، وأصبح المحتسب فيما بعد عصرالرسالة مسؤولا عن مراقبة السوق وحسم الخلافات فيها.
ويلاحظ أن بعض أسواق المدن الأوربية قد خضعت للتنظيم والمراقبة خلال العصور الوسطى، وذلك لضمان دقة الموازين والمكاييل وحسم الخلافات وإقرار القانون بسلطة "محكمة" السوق ، وتضمن التنظيم تحديد فئات الرسوم على السلع المباعة والمعروضة لصالح مالك مساحة أو أبنية السوق (4) مما هو فى صالح الاحتكارعلى خلاف تشريع السوق فى الإسلام.
وفى العصر الحديث نصت أسواق متخصصة للسلع الصناعية على مستوى البلدان الصناعية والمستوى الدولى، وأقيمت أسواق دولية للمصنوعات فى شكل معارض فى بعض المدن الكبرى ما بين عام وآخر خلال القرن العشرين.
كذلك نمت أسواق دولية منظمة فى تجارة بعض المعادن والحبوب والقطن بعقود حاضرة وآجلة، وبرزت أسواق متخصصة للخدمات (كالنقل البحرى والجوى والسياحة، وأسواق للصرف الأجنبى والأوراق المالية، وتخضع الأخيرة للوائح تنظيمية دقيقة، ويحتاج المتعاملون فيها عادة إلى خدمات الوسطاء والسماسرة، كما ظهرت فى النصف الأخير من القرن العشرين الأسواق المشتركة مثل السوق الأوربية المشتركة، وتعنى بداية (اتفاق دولتين أو أكثر على تخفيض أو إزالة القيود على حركة التجارة بين أسواقها بصفة خاصة) وساعد على نمو الأسواق الدولية المتخصصة خلال القرن العشرين التقدم التقنى الهائل فى وسائل المواصلات والاتصالات.
أ.د/عبد الرحمن يسرى أحمد
__________
الهامش:
1- المعجم الوسيط ، مجمع اللغة العربية ، الطبعة الثالثة، القاهرة، مادة (سوق) 1 /482.
2- وفاء الوفاء، السمهودى، ج2.
3- كتاب الخراج ، أبو يوسف.
4- دائرة المعارف البريطانية كلمة Market.
مراجع الاستزادة:
1- تطور الفكر الاقتصادى، عبد الرحمن يسرى أحمد، الدار الجامعية، 1997م ، الأسكندرية.
2- دراسات فى علم الاقتصاد الإسلامى ، عبد الرحمن يسرى أحمد، دار الجامعات المصرية، 1988، الأسكندرية.
3- إحياء علوم الدين ، لأبى حامد الغزالى.
4- (Leicester 1992) Islam and the Economic challenge، M.a.ehapra)(1/28)
الاشتراكية
لغة: مصدر صناعى من الاشتراك ، يقال: اشترك الرجلان أى كان كل منهما شريك الآخر (لسان العرب).
واصطلاحا: هى نظام اجتماعى متكامل يختلف عن النظام الرأسمالى من حيث إلغاء الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج ، وعدم وجود طبقات.
والاشتراكية عند Weble: تمّلك الدولة بالنيابة عن المجتمع لأدوات الإنتاج والصناعات والخدمات دون الأفراد ، كما أن الهيئات الصناعية والاجتماعية فى الدولة لا يجورأن تُوجّه نحو الربح أو نحو خدمة فرد ، وإنما توجه لخدمة المجتمع.
وهناك كثيرون من المفكرين يحاولون تعريف الاشتراكية بذكر خصائصها ، وتلك الخصائص هى:
1- الملكية العامة لوسائل الإنتاج.
2- أن تدار وسائل الإنتاج بواسطة المجتمع ، والدولة نائبة عنه ، وأن يكون الهدف من إدارتها إشباع حاجة الأفراد ، ولذلك يراعى إنتاج الأهم فالمهم.
3- يتم الإنتاج طبقا لبرنامج دورى يرسم وفقا للموارد القومية والبشرية والطبيعية ووفقا لحاجات الشعب لتتم المواءمة بين الإنتاج وبين الحاجات ، فلا تحدث حاجة ، ولا يبقى فائض يسبب الأزمات الاقتصادية.
4- التوزيع يتم على أسس من العدل والمساواة ، ويراعى فى التوزيع عمل كل فرد طبقا للقاعدة الاشتراكية: لكل فرد بنسبة عمله ، لأن الإنتاج قد لا يكفي لسد حاجاتا كل الأفراد.
ولقد مر النظام الاقتصادى الغربى بمراحل ، هى:
1- مرحلة النظام الإقطاعى ، وحصر النفوذ السياسى والاقتصادى فى أيدى الملاك المزارعين.
2- وعندما تدهور النظام الإقطاعى صعدت الطبقة المتوسطة التى اعتمدت على الثورة الصناعية ، واهتمت بالصناعة والتجارة ، وتلك هى الطبقة التى رعت الرأسمالية والملكية الخاصة.
3- وظهرت مآسى الرأسمالية فى الظلم الاجتماعى وعدم رعاية حقوق العمال وأسرهم ، فظهرت الاشتراكية.
ويبدو أن اصطلاح الاشتراكية لم يستخدم قبل سنة 1800م وأن"سان سيمون"(1825م) هو أول من استعمل عبارات ربط فيها المجتمع بالاقتصاد ، فظهرت كلمة Socialism مشتقة من كلمة Society ، ويقال إن "روبرت أوين" أول من استعمل كلمة Socialism ، ولكن الحركات التى تحارب الظلم الاجتماعى ترجع إلى القرن السادس عشر ، وأهمها:
- الاشتراكية الطوبية ، التى نادى بها Thomas More Esir 1478م.
- اشتراكية باييف ودعاة المساواة 1796م.
- مشروعات روبرت أوين 1771-1858م.
- سان سيمون والمسيحية الجديدة 1760-1825م.
وكلها تطالب بالعدل الاجتماعى والرفق بالعمال وأسرهم.
والاشترأكية وإن كانت تعارض مبدأ الرأسمالية الذى يقوم على الملكية الفردية ، ويقر التفاوت بين الطبقات ، فإنها ليست وليدة الرأسمالية ، لأنها وجدت قبل الرأسمالية ، فقد قال بها أفلاطون ، وتحدث عنها الفارابى ، وتلاقت مع دعوات الأديان الى العدل الاجتماعى ، وفى الإسلام تحدث المعاصرون عن أبى ذر الغفارى ، الذى نسبه دعاة الإشتراكية فى القرن العشرين إليها حملا لرفضه التفاوت الكبير بين الطبقات في عصره ، وما كان هو من دعاتها.
وفى القرن التاسع عشر كثر الذين يتحدثون عن الاشتراكية ، ويقترحون -التوزيع لمناهضتها وسائل مختلفة منها: نشر النظام التعاونى ، أو إلغاء الميراث ، أو إلغاء الملكية الفردية. لكن الاشتراكية لم تبرز إلا فى أثر الثورة الصناعية.
بيد أن الاشتراكية ومثلها الشيوعية لم تصمدا فى ميدان الصناعة مع الرأسمالية ، فقد ظهر أن العمل الذى يدار جماعيا لا ينال العناية التى يهتم بها الفرد فى المشروع الخاص ، وبينما كانت الاشتراكية لهذا تتراجع ، كانت الرأسمالية تخفف من غلوائها ، ثم تدخلت الدولة لحماية الطبقة العاملة، وظهرت تشريعات خاصة ترمى إلى تذويب الفوارق بين الطبقات ، واعترفت الدولة بالنقابات العمالية ، ورفع الأجور ، وحق العمال فى الاضراب لتحسين ظروف العمل.
وأخضعت المشروعات الكبرى للمراقبة. وقدرت إجازات للعمال.
وهكذا حققت الرأسمالية كثيرا من الأهداف التى كان العمال يتطلعون إليها ، وأخذت بذلك الزمام الذى كانت الاشتراكية تتظاهر به.
أ.د/أحمد شلبى
__________
مراجع الاستزادة:
1- الاشتراكية بول سوير القاهر 1965م (الترجمة العربية).
2- المذاهب الاقتصادية الكبرى ، جورج سسل القاهر 1962م (الترجمة العربية).
1-H.Dichinson: Economics. لندن 1961م.
2-The Decoy of Capitalist civilization: Well لندن 1962م(1/29)
الإصلاح
لغة: ضد الإفساد وهو من الصلاح المقابل للفساد ، وللسيئة.. وفى القرآن الكريم:{خلطوا عملا صالحا وآخرسيئا}التوبة:102 ، {ولا تفسدوا فى الأرض بعد إصلاحها}الأعراف:56. فالإصلاح هو التغيير إلى الأفضل ، فالحركات الإصلاحية هى الدعوات التى تحرك قطاعات من البشر لإصلاح مافسد ، فى الميادين الاجتماعية المختلفة ، انتقالا بالحياة إلى درجة أرقى فى سلم التطور الإنسانى.
واصطلاحا: لا يفرق بينه وبين مصطلح الثورة فى مستوى التغيير وشموله ، وإنما من حيث الأسلوب فى التغيير وزمن التغيير فكلاهما -إسلاميا- يعنى التغيير الشامل والعميق ، لكن الثورة تسلك سبل العنف غالبا والسرعة فى التغيير ، بينما تتم التغييرات الإصلاحية بالتدريج ، وكثيرا ما تعطى الثورة الأولية لتغيير الواقع ، بينما تبدأ مناهج الإصلاح عادة بتغيير الإنسان: وإعادة صياغة نفسه وفق الدعوة الإصلاحية ، وبعد ذلك ينهض هذا الإنسان بتغيير الواقع وإقامة النموذج الإصلاحى الجديد.
ولذلك وصفت رسالات الرسل عليهم الصلاة والسلام بأنها دعوات إصلاح فيقول رسول الله شعيب عليه السلام: {إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت}هود:88.
والناظر فى تاريخ المجتمعات الإنسانية يرى سلسلة من التدافع بين دعوات الإصلاح وحركاته وبين الفساد والإفساد فى تلك المجتمعات ، وعلى سبيل المثال ، نجد الحركة الإصلاحية التى قادها جمال الدين الأفغانى منذ النصف الثانى للقرن التاسع عشر ، بدءا من مصروشمولا لكل العالم الإسلامى تمثل إحياء وتجديدا للفكر الإسلامى بالعودة إلى منابعه الجوهرية "القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة" ومناهج السلف الصالح.
وقد عبر الإمام محمد عبده عن أهداف هذ الحركة فقال: (إنها ثلاثة):
الأول: تحرير الفكر من قيد التقليد ، وفهم الدين على طريقة سلف الأمة قبل ظهور الخلاف ، والرجوع فى كسب معارفه إلى ينابيعها الأولى ، واعتباره من ضمن موازين العقل البشرى التى وضعها الله لتتم حكمة الله فى حفظ نظام العالم الإسلامى.
الثانى: هو إصلاح أساليب اللغة العربية فى التحرير.
الثالث: هو التمييز بين ما للحكومة من حق الطاعة على الشعب وما للشعب من حق العدالة على الحكومة. (1)
وهكذا مثلت هذه الحركة الإصلاحية منهاجًا وسطًا بين أهل الجمود والتقليد وبين المتغربين المنبهرين بالنموذج الحضارى الغربى ، وكانت دعوتها الإصلاحية شاملة لميادين الفكر الدينى ، واللغة العربية وعلومها وآدابها ، وعلاقات الحاكمين بالمحكومين.
ولقد تحولت فكرية هذه الدعوة الإصلاحية إلى روح سارية فى الكثير من الدعوات والحركات والمشاريع الفكرية للعديد من العلماء والمفكرين على امتداد العقود التى تلت ، وعلى امتداد أقاليم عالم الاسلام.
أ.د/محمد عمارة
__________
الهامش:
1- الأعمال الكاملة لجمال الدين ألأفغانى ، دراسة وتحقيق د/محمد عمارة 2 /310 ، 311 طبعة بيروت. المؤسسة العربية للدراسات والنشر 1979م.
مراجع الاستزادة:
1- الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده دراسة وتحقيق د/محمد عمارة طبعة القاهرة دار الشروق 1993م.
2- مارتن لوثر: تأليف القس حنا جرجى الخضرى طبعة القاهرة 1983م(1/30)
الأضحية
لغة: اسم لما يضحى به أيام عيد الأضحى ، وتجمع على ضحايا وأضاح ، وسميت بذلك لأنها تذبح يوم الأضحى وقت الضحى (كما فى المعجم الوجيز)(1)ومن هذا قوله تعالى: {وأنك لا تظمؤا فيها ولا تضحى}طه:119.
وشرعا: عرف الفقهاء الأضحية كما يلى:
عند الحنفية: ذبح حيوان مخصوص بنية القربة فى وقت مخصوص.(2)
وعند المالكية: هى ما يتقرب بزكاته من جذع ضأن أو أنثى سائر النعم سليمين من عيب ، مشروطا بكونه فى نهار عاشر ذى الحجة أو تاليه بعد صلاة العيد. (3)
وعند الشافعية والحنابلة: ما يذبح من النعم تقربا إلى الله تعالى من يوم العيد إلى آخر أيام التشريق (4)
وشرعت الأضحية فى السنة الثانية من الهجرة. بمثل قوله تعالى {فصل لربك وانحر}الكوثر:2.
وحذر الرسول صلى الله عليه وسلم و من تركها مع القدرة على فعلها بما رواه أبو هريرة -رضى الله عنه- أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (من كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا) (أخرجه أحمد وابن ماجه والبيهقى).
وهى سنة على الكفاية إن تعدد أهل البيت فإن فعلها واحد من أهل البيت كفى عن الجميع ، والا فإنها تكون سنة عين ، وذلك على غير الحاج.
وتعتبر الأضحية من أحب الأعمال إلى الله تعالى يوم النحر لما روته السيدة عائشة -رضى الله عنها- أن النبى -صلى الله عليه وسلم- قال: (ماعمل ابن آدم يوم النحرمن عمل أحل إلى الله تعالى من إراقة الدم ، وانها لتأتى يوم القيامة بقرونها وأظلافها ، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض فطيبوا بها نفسا) (رواه الترمذى والحاكم وصححه).
ولا تصح الأضحية إلا من نعم الإبل والبقر والغنم بسائر أنواعها لقوله تعالى: {ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعأم}الحج:34. وقوله سبحانه وتعالى {والبدن جعلناها لكم من شعائرالله لكم فيها خير}الحج:36.
والحكمة من تشريعها:
- شكر الله على نعمه المتعددة وتكفير السيئات والتوسعة على أسرة المضحى وغيرهم: {كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون}الحج:36.
ولا يجزئ فيها دفع القيمة على الراجح(5) استرشادا بقوله تعالى: {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم}الحج:37.
أ.د/محمود العكازى
__________
الهامش:
1- المعجم الوجيز طبع مجمع اللغة العربية القاهرة ص377.
2- تبيين الحقائق ج6 /2 تكملة فتح القدير9 /504.
3- الخرشى على مختصر خليل 3 /4.
4- مغنى المحتاج 4 /282 ، زاد المحتاج 4 /236 المغنى لابن قدامة 9 /435 كشاف القناع 3 /20.
5- وعندما يدفع الحاج القيمة فى مكة فإنه يتم شراء وذبح الاضحية نيابة عنه(1/31)
الإطناب
لغة: المبالغة والإطالة والإكثار كما فى اللسان.(1)
واصطلاحا: أن تكون الألفاظ أكثر من المعانى التى يقتضيها المقام ، وقد قسم علماء "المعانى" الكلام باعتبار الدلالة ثلاثة أقسام هى:
1- الإيجاز: وهى أن تكون الألفاظ أقل من المعانى.
2- المساواة: وهى أن تكون الألفاظ مساوية للمعانى.
3-الإطناب: وهى أن تكون الألفاظ زائدة على المعانى.
بيد أن الزيادة إذا خلت من الفائدة فلا يسمى الكلام معها إطنابا ، بل تطويلا أو حشوا ، وهو مذموم (2) والإطناب ممدوح لأنه بلاغة ولا يخلو من فائدة.
ولصور الزيادة فى الإطناب ضوابط عند علماء البلاغة منها:
(أ) الزيادة بالاعتراض ، وهو ما يقع بين كلامين متصلى المعنى ، كقوله تعالى {ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون}النحل:57. وقد أفادت الزيادة هنا تنزيه الله عن نسبة البنات إليه.
(ب) الزيادة بذكر الخاص بعد العام ، كقوله تعالى {من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين}البقرة:98. فذكر جبريل وميكال وهما داخلان فى (ملائكته) ذكر خاص بعد عام ، وفائدته زيادة تشريف الخاص.
(ج) الزيادة بالاحتراس ، كقوله تعالى: {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون}المنافقون:1. فقوله تعالى {والله يعلم إنك لرسوله}إطناب جىء به لدفع ما يتوهم إرادته إذ لولاه لوقع فى الوهم ان الله يقضى بكذب المنافقين فى شهادتهم برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، ويسمى الإطناب هنا ب "الاحتراس" (3) وهو كلام مثله يدفع توهم إرادة غير المراد.
أ.د/عبد العظيم ابراهيم المطعنى
__________
الهامش:
1- لسان العرب ، ابن منظور ، دار المعارف ، مادة (طنب).
2- شروح التلخيص ، مطبعة السعادة بمصر ، الطبعة الثانية 1343هـ ، 3 /159.
3- بديع القرآن ، ابن أبى الإصبع ، ص93(1/32)
الاعتكاف
لغة: الإقامة على الشئ ولزومه ، وحبس النفس عليه ، ويأتى مضارعه على يعكُف ويعكِف. (كما فى المعجم الوجيز)(1)
وشرعا: عرفه الفقهاء بتعاريف مختلفة لفظا ، متقاربة معنى كالتالى:
فعند الحنفية: هو اللبث فى المسجد الذى تقام فيه الجماعة مع الصوم ونية الاعتكاف.(2)
وعند المالكية: هو لزوم مسلم مميز مسجدا بصوم ليلة ويوم لعبادة بنية. (3)
وعند الشافعية: هو اللبث فى المسجد من شخص مخصوص بنية.(4)
وعند الحنابلة: هو لزوم المسجد لطاعة الله على صفة مخصوصة من مسلم عاقل ممينرا طاهرا مما أوجب غسلا.(5)
ويسمى "جوارا" لقول السيدة عائشة رضى الله عنها عن النبى صلى الله عليه وسلم (وهو مجاور فى المسجد) (متفق عليه).
وفى حديث أبى سعيد الخدرى مرفوعا (كنت أجاور هذا العشر -يعنى الأوسط- ثم قد بدا لى اًن أجاورهذا العشر الأواخر فمن كان اعتكف معى فليبت فى معتكفه) (متفق عليه واللفظ لمسلم).
والاعتكاف سنة: إلا أن يكون نذرا فيلزم الوفاء به لما رواه ابن عمروأنس وعائشة -رضى الله عنهم: (أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان منذ قدم المدينة إلى أن توفاه الله (متفق عليه).
والاعتكاف معروف فى الشراثع السابقة.قال تعالى {وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتى للطائفين والعاكفين والركع السجود}البقرة:125.
وهو مستحب فى جميع أوقات السنة غير أنه يكون فى رمضان أفضل من غيره ، وأفضل أماكنه للرجال: المسجد الحرام ثم المسجد النبوى ثم المسجد الأقصى ، ثم المسجد الجامع.
الهدف من الاعتكاف: تحقيق صفاء القلب بمراقبة الله عز وجل ، والإقبال عليه لعبادته فى أوقات الفراغ ، وهو من أشرف الأعمال وأحبها إلى المولى الكريم إذا كان عن إخلاص مع الصوم.
أ.د/محمود العكازى
__________
الهامش:
1- المعجم الوجيز -طبع مجمع اللغة العربية- القاهرة ص430.
2- الدر المختار 2 /176 ، شرح فتح القدير2 /106.
3- الشرح الكبير 2 /541 ، والشرح الصغير 1 /325.
4- مغنى المحتاج 1 /449.
5- كشاف القناع 2 /347(1/33)
إعجاز القرآن الكريم
لغة: يقال عجزعن الشىء عجزا وعجزانا: ضعف ولم يقدر عليه وأعجز الشىء فلانا: فاته ولم يدركه ، وأعجز فلان: سُبِق فلم يُدرَك ، كما فى الوسيط.(1)
واصطلاحا: من إضافة المصدر إلى القرآن: أن جميع من عدا الله من الإنس والجن قد أعجزهم القرآن عن الإتيان بمثله قلَّ ذلك الكلام أو أكثر ، مع تكرار التحدى به ومطالبة من زعم أن القرآن ليس من عند الله بأن يثبتوا صدقا دعواهم بالإتيان بكلام يماثل القرآن فى بلاغته وفصاحته وعلو شأنه.
وقد طولب المتحدوُّن بأن يأتوا بسورة من مثله ، أو بعشر سور أو بمثله مطلقا -أقل من السورة ، أو فوق السور العشر- طولبوا بهذا فى مكة قبل الهجرة ، وطولبوا به فى المدينة بعد الهجرة ، فعجروا تمام العجز ، مع شدة حاجتهم إلى تحقيق ما طلب منهم ، فدل ذلك على عجزهم التام عن محاكاة القران ، لما رأوا فيه من علو الشأن ، وإحكام الأسلوب ، وروعة المعانى ، ووصفه الوليد بن المغيرة وكان كافرا بأنه يعلو ولا يعلى عليه.
وقد ورد التحدى بالإتيان بمثل القرآن فى كتاب الله العزيز مرات فى سورة البقرة ويونس وهود وغيرها ، ثم ورد الإقناط من إمكان محاكاة القرآن فى قوله تعالى {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولوكان بعضهم لبعض ظهيرا}الإسراء:88.
ولم يكن مصطلح الإعجازمعروفا فى القرون الثلاثة الأولى الهجرية ، وإنما عرف واشتهر بعد أن وضع محمد بن يزيد الواسطى كتابا سماه "إعجاز القرآن" سنة 306 هجرية.
وليس معنى ذلك أنه لم يكن موجودا من قبل ، فقد كان البحث والجدل حول إعجاز القرآن يدور على أوسع نطاق فى بيئات العلم والعلماءوبخاصة عند علماء الكلام ، وقد وضع الجاحظ كتابا حول هذه الفكرة سماه "نظم القرآن" والجاحظ توفى255 هجرية.
فليست العبرة بالمصطلح نفسه بل بالفكرة التى يحويها ، ومعروف أن الأفكار تسبق دائما مسمياتها.
وقد كثر الجدل حول الوجوه التى كان بها القرآن معجزا ، تحدث عنها علماء الكلام والأصول والمفسرون وعلماء البلاغة وغيرهم ، وما يزال البحث يكشف عن جديد ، وبخاصة فى هذا العصر الذى ازدهرت فيه العلوم والفنون والاكتشافات العلمية الحديثة فى النفس والفضاء والأرض وما فيها ، وفى الطب ونظائره من العلوم الإنسانية والعملية.
والإعجاز القرآنى عند القدماء يدور حول الوجوه الآتية:
(أ) الأخبار والوعود الصادقة.
(ب) الإخبار عن الغيوب التى وقعت كما أخبر عنها القرآن.
(ج) فصاحة ألفاظه ، وسلامة معانيه وشرفها.
(د) نظمه المحكم ، وتأليفه البديع ، وسلامته من الطعون.
أما عند المحدثين فقد ظهر الإعجاز العلمى فى كثير من ميادين المعرفة التى طرقها الإعجاز العلمى الحديت مما يضيق المقام عن ذكره ، فقد ظهر الاعجاز فى الدراسات الطبية والنفسية والنباتية وطبقات الأرض وغيرها ، ففى كل هذه المجالات ظهرت حقائق يقينية طابقت إشارات القرآن إليها منذ خمسة عشرقرنا ، ولو لو يكن القرآن نازلا بعلم الله من عند الله ، لما ظفرنا فيه بشىء من هذه الخوارق العظيمة.
أ.د/عبد العظيم إبراهيم المطعنى
__________
الهامش:
1- المعجم الوسيط ، مجمع اللغة العربية ، دار المعارف ، القاهرة مادة (عجز) 2 /606.
مراجع الاستزادة:
1- بيان إعجاز القرآن ، للخطابى.
2- الإتقان فى علوم القرآن ، السيوطى.
3- الإسلام فى عصر العلم ، د/محمد أحمد الغمراوى.
4- الإعجاز العلمى للقرآن الكريم ، د/عبد الحليم خضر ، الدار السعودية للنشر والتوزيع(1/34)
الإعراب
لغة: الإفصاح والتبيين والكشف ، يقال: أعرب فلان عما فى نفسه أى أبان وأفصح ، والإعراب مصدر الفعل الرباعى أعرب ، كما فى اللسان (1).
واصطلاحا: هو تغيير يطرأ على أواخر الكلمة نطقا وضبطا حسب موقعها فى الجملة ، والعوامل الداخلة عليها(2).
ومن تعريفات النحاة للإعراب:
- ما جىء به لبيان مقتضى العامل من حركة أو حرف أو سكون أو حذف.
- تغيير أواخر الكلم لاختلاف العوامل الداخلة عليها لفظا أو تقديرا(3).
- تغيير العلامة التى فى آخر اللفظ بسبب تغيير العوامل الداخلة عليه ، وما يقتضيه كل عامل (4).
وهذه التعريفات متقاربة المعنى ، فجميعها يدور حول التغيير الذى يعترى الحرف الأخير فى كل كلمة معربة.
وللإعراب عوامل:
(أ) معنوية مثل: وقوع الكلمة مبتدأ أو فاعلا أو حالا.
(ب) لفظية ، مثل: ظن وأخواتها ، وكان واخواتها ، وإن وأخواتها
(ج) والحروف ، مثل: لن ، لم ، إن ، فى ، على. وأنواع الإعراب أربعة: الرفع والنصب والجر والجزم ، فالرفع والنصب يدخلان فى الأسماء والأفعال ، والجر خاص بالأسماء ، والجزم خاص بالأفعال.
ولكل نوع علامات أصلية وفرعية:
فالعلامات الأصلية هى: الضمة للرفع ، والفتحة للنصب ، والكسرة للجر ، والسكون للجزم ، والعلامات الفرعية هى: الألف فى المثنى ، والواو فى جمع المذكر السالم والأسماء الستة ، وثبوت النون فى الأفعال الخمسة للرفع ، والياء فى المثنى وجمع المذكر السالم ، والألف فى الأسماء الستة ، والكسرة فى جمع المؤنث السالم ، وحذف النون فى الأفعال الخمسة للنصب ، والياء فى المثنى وجمع المذكر السالم والأسماء الستة ، والفتحة فى الممنوع من الصرف للجر ، وحذف النون فى الأفعال الخمسة وحذف حرف العلة للجزم.
والإعراب قسمان:
(أ) الاعراب اللفظى ، وهو ظهور ما تقتضيه العوامل على آخر الكلمة من رفع ونصب وجر وجزم.
(ب) الإعراب التقديرى ، وهو ما لا يمكن ظهوره في النطق على أواخر الكلمات لمانع ، كأن يكون آخر الكلمة ألفا مقصورة ، مثل:
الفتى ، يسعى ، أو ياء مكسورا ما قبلها مثل كتابى(5).
ومن أمثلة ذلك التغيير الذى يطرأ على أواخر الكلمة قوله تعالى {واتقوا الله ويعلمكم الله}البقرة:282 ، فاسم الجلالة فى الجملة الأولى منصوب بالفتحة على المفعولية ، وفى الثانية مرفوع بالضمة على الفاعلية ، وقوله {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم...}آل عمران:173 ، فالناس الأولى مرفوعة بالضمة على الفاعلية ، والثانية منصوبة بالفتحة؛ لأنها اسم "إن".
أ.د/عبد العظيم إبراهيم المطعنى
__________
الهامش:
1- لسان العرب ، ابن منظور ، مادة (عرب) 4 /866.
2- صياغة جديدة للإعراب راعينا فيها جمع ما تفرق فى تعريفات النحاة.
3- حاشية الصبان على الأشمونى ، نشر عيسى البابى الحلبى ، ط1 ، القاهرة ، 1 /47.
4- النحو الوافى ، دار المعارف ، ط2 ، 1963 ، 1 /44.
5- حاشية الصبان على الأشمونى ، باب المعرب والمبنى(1/35)
الأَعراب
هم سكان البادية من العرب خاصة ، والنسبة إليهم "أعرابى" ، وليس الأعراب جمعا ل "عرب" بل هو اسم جنس. (1)
وإذا كان الأعراب بدوا فإن الأحكام التى تجرى عليهم هى ذات ما يجرى على البدو من أحكام ، والأصل فى الشرع أن الأحكام تتعلق بكل مكلف ، بغض النظرعن مكان إقامته ، وعليه فإن الأحكام التى تجرى عليهم هى عين ما يجرى على أهل الحضرمن أحكام إلا ما ورد استثناء من ذلك لاختلاف طبيعة كل منهما.
ومن بعض الأحكام التى يختلفون فيها عن أهل الحضر: أن الجمعة لا تجب عليهم فى باديتهم ، لعدم الاستيطان ، إلا إذا أقاموا بموضع يسمعون فيه نداء الحضرفإنها تجب عليهم.(2) ومنها: أن البدوى لا يدخل فى عاقلة القاتل الحضرى ، ولا الحضرى فى عاقلة البدوى القاتل ، لعدم التناصر بينهما ، وعليه المالكية.(3)ومنها: أن الحنفية على أنه تكره إمامة الأعرابى فى الصلاة ، لغلبة الجهل بالأحكام عليهم.(4)
ومنها: أن شهادتهم على أهل الحضر مختلف فيها ، فالجمهور على الجواز ، والمالكية منعوها ، بخلاف شهادة أهل الحضر فإنها جائزة ، وعلة هذا المنع أنهم غالبا لا يضبطون الشهادة على وجها.(5)
واذا ما انتقل الأعرابى من البادية إلى الحضر أصبح من أهل الحضر وجرت عليه سائر أحكامهم.
أ.د/عبد الصبور مرزوق
__________
الهامش:
1- مختار الصحاح ص421 دار المعارف.
2- حاشية ابن عابدين 1 /253 ، 546 جواهر الإكليل 1 /92 روضة الطالبين 2 /38 المغنى 2 /327.
3- الشرح الصغير للشيخ الدردير 2 /402 دار المعارف.
4- الاختيار لتعليل المختار للموصلى الحنفى 5 /58 دار المعرفة بيروت.
5- المغنى 9 /167 وراجع الموسوعة الفقهية الكويف 8 /45(1/36)
الأَعراف
لغة: جمع عرف ، وكل مرتفع يُسمَّى عرفًا ، ومنه عرف الديك كما فى اللسان.(1)
واصطلاحا: سور عال مشرف قائم بين الجنة والنار.(2)
والأعراف سورة مكية هى السابعة فى ترتيب المصحف ، وهى إحدى السبع الطوال ، وشأنها شأن أمثالها من القسم المكى فى توجيه أقصى العناية إلى العقائد الأمهات (الإلهيات والنبوات والسمعيات) تأصيلا وتدليلا ، وهى مفتتحة بأربعة من الحروف المقطعة الواقعة فى افتتاح تسع وعشرين سورة ، والتى يدل الافتتاح بها على التحدى البالغ أقصى غاياته بالقرآن من قِبَل أنه مُؤلَّف من عين الحروف التى يؤلفون منها كلامهم ، بل التى لا نظم لكلامهم إلا منها ، فما عجروا عن الإتيان بمثله إلا لكونه ليس من كلام البشر ، وإنما هو قول خالق القوى والقُدَر.
وأبرز ألوان الإعجاز المتحدّى به فى هذه السورة -فوق بلوغ ذروة البيان الشامل لجميع القرآن- هو الإخبار بأنباء الغيب ، ولا سيما فى جانب الماضى السحيق المتمثل فى القصص الحق ، الذى شمل من السورة ثمانية أعشارها أو يزيد.
وسميت هذه السورة باسمها نظرا لورود قصة أصحاب الأعراف فيها وسريان روح هذه القصة المتمثلة فى بيان علامات أهل الهدى وأهل الضلال فى جميع السورة سريان الماء فى العود الأخضر.
والمترجح فى أصحاب الأعراف من بين اثنى عشر قولا -حكاها القرطبى وغيره- هو ما عليه جماهير المفسرين ، واختاره حذيفة وابن مسعود وابن عباس وغير واحد من السلف والخلف وكما قال الحافظ ابن كثير من أنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم ، فحالت بهم حسناتهم عن دخول النار ، وعاقتهم سيئاتهم عن دخول الجنة ، حتى أنعم الله عليهم أخيرا وتفضل بدخولهم الجنة ، يقول تعالى {وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كُلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون}الأعراف:46.
أ.د/إبراهيم عبد الرحمن خليفة
__________
الهامش:
1- لسان العرب ، ابن منظور ، دار صادر ، ط3 ، بيروت ، مادة (عرف).
مراجع الاستزادة:
1- تفسير القرآن العظيم ، ابن كثير.
2- بصائر ذوى التمييز ، مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادى ، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، القاهرة.
3- الجامع لأحكام القرآن ، أبو عبد الله القرطبى.
4- مفردات غريب القرآن ، الراغب الأصفهانى(1/37)
الأَغالبة
أسرة عربية تنتمى إلى إبراهيم بن الأغلب ابن سالم التميمى ، وكان عاملا على الزَّاب ثم قبض على السلطة فى إفريقية (تونس) فثبته الخليفة العباسى هارون الرشيد 170-193هـ بها ، وأقام دولة مستقلة فى ظل الخلافة العباسية ، وكان الحكم فيها وراثيا واتخذت القيروان عاصمة لها.
وقد تولى الحكم فى هذه الأسرة أحد عشر أميرا ، أولهم إبراهيم المذكور (ت 184هـ/800م) ، وآخرهم أبو مضر زيادة الله (ت 296هـ/908م) ، وبقى حكمها حتى أسقطها الفاطميون 296هـ/908م.
ومما يذكر آنه تم فتح شبه جزيرة صقلية سنة 212هـ/827م فى عهد الأمير السابع ، وتولى قيادة الحملة الفقيه أسد بن الفرات قاضى قضاة القيروان.
وقد نعمت إفريقية بنهضة حقيقة فى كل المجالات فى ظل بنى الأغلب ، وهناك آثار بنيت فى عهدهم ما زالت باقيا معظمها حتى الآن ، منها مدينة القصر القديم أو العباسية التى بناها إبراهيم بن الأغلب جنوبى القيروان لتكون معسكرا لجنده ومقرا له وعرفت بالقصر القديم تمييزا لها عن القصر الجديد.
وقد كانت القيروان فى عهد بنى الأغلب مركزا للحياة الدينية والعلمية والأدبية ، وازدهرت فيها المدرسة المالكية ، وكان من أبرز علماء تلك المدرسة أسد بن الفرات وغيره ممن لعبوا دورا مهما فى نهضة الفقه المالكى ، وتصدوا للخوارج الذين كانوا خطرا على أهل السنة وعلى سلطان بنى العباس فى إفريقية قبل وبعد حكم الأغالبة.
لقد ساد حكم الأغالبة نحو قرن من الزمان ، عرفت البلاد خلاله الاستقرار السياسى نسبئا وأصبحت مدنها مراكز للعلم والتجارة ونشطت حركة العمران. وعمرت الأسواق وازدهرت صناعة السفن إلى جانب العناية بالزراعة والرى حتى أضحت القيروان من أكبر المراكز التجارية ، واشتهرت مدينة "رفادة" ومثلها مدينة العباسية.
وكانت إفريقية تصدر القمح والشعير إلى الأسكندرية وتصدر الرقيق إلى بلاد الشام ، والنسيج والأقمشة الفاخرة والأبسطة إلى "بغداد" كما استوردوا بعض محاصيل المشرق ، ولهذا راجت فى زمنهم دور صناعة السفن ، وأمكنهم بفضل موانى سوسه ، وتونس ، وبجاية ، على البحر الأبيض المتوسط ، تكوين الأساطيل وتحقيق الانتصارات البحرية.
وتعتبر فترة إبراهيم بن الأغلب وابنه زيادة الله أزهى فترات هذه الدولة ، حيث ساد الرخاء ، وضربت الدنانير والدراهم ، ودونت دواوين الخراج والخاتم ونشطت دار الطرز ، وباختصار كان بلاط الأغالبة صورة مصغرة للبلاط العباسى.
وانتهت هذه الدولة فى عهد أبى نصر زيادة الله الثالث عندما نجح الفاطميون فى الاستيلاء على عاصمتها "رقادة" سنة 296هـ/908م.
أ.د/حسن على حسن
__________
مراجع الاستزادة:
1- الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى ، السلاوى أحمد بن خالد الناصرىالدار البيضاء سنة 1904م.
2-مقدمة كتاب تاريخ مملكة الأغالبة لابن وردان ، عزب محمد زينهم محمدالقاهرة 1988م.
3- تاريخ المغرب العربى ، سعد زغلول عبد الحميد ثلاثة أجزاء ، الإسكندرية 1979م.
4- المغرب الإسلامى ، حسن على حسن وهو الجزء السابع من موسوعة "سفير" للتاريخ الإسلامى القاهرة 1996م.
5- دائرة المعارف الإسلامية. مادة "أغالبة" وما بها من مصادر(1/38)
الاقتباس
لغة: اقتبس الشعلة من النار ، فعل ماض بمعنى أخذ ، والاقتباس مصدر الفعل الخماسى: اقتبس كما فى ترتيب القاموس.(1)
واصطلاحا: له الآن معنيان: معنى فى العرف اللغوى العام حيث يطلق فيه على كل كلام ضمنه صاحبه كلاما آخر لغيره ، وفى البحوث العلمية (الأكاديمية) يسمى:الاستشهاد إما لتوكيد فكرة ، أو نقدها ، أو نقضها.
والاقتباس عند البلاغيين أخص دلالة من العرف الغوى العام ، فهم يخصونه بتضمين الكلام كلاما من القرآن الكريم ، أو الحديث الشريف (2)
فيكون الاقتباس فى النثر ، والشعر: فمن أمثلته في النثر قول الحريرى:"فلم يكن إلا كلمح البصر ، أو هو أقرب ، حتى أنشد فأغرب.. ، فهو مقتبس من قوله تعالى{وما أمر الساعة إلا كلمح البصرأوهو أقرب}النحل:77 ، ومن الشعر قول ابن عباد:
قال لى إن رقيبى * سيىء الخلق فداره
قلت دعنى ، وهل * الجنة حُفَّت إلا بالمكاره
فهو مقتبس من الحديث الشريف (حفت الجنة بالمكاره وحفت الناربالشهوات) رواه البخارى.
وقول ابن الرومى يذم بخيلا مدحه فلم يعطه شيئا:
لئن أخطأت فى مدحيك * ما أخطأت فى منعى
فقد أنزلت حاجاتى * بواد غير ذى زرع.
فهو مقتبس من قوله تعالى {ربنا إنى أسكنت من ذريتى بواد غيرذى زرع عند بيتك المحرم}إبراهيم:37 ، وبلاغة الاقتباس أنه يكسب الكلام قوة ، وشرفا شريطة ألا يُخطئ المقتبس بوضع النصوص المقتبسة فى غير موضعها ، أو يذكرها فى أغراض الغزل ، والمجون ، وما أشبهها.
أ.د/عبد العظيم إبراهيم المطعنى
__________
الهامش:
1- ترتيب القاموس الطاهر أحمد الزاوى مطبعة عيسى البابى الحلبى الطبعة الثانية 1973م ، 3 /549.
2- شروح التلخيص مطبعة السعادة بمصر ، الطبعة الثانية 1343هـ 4 /512(1/39)
الاقتصاد الإسلامى
لغة: من مادة "قصد" قصد فى الأمر: توسط فلم يفرط ، واقتصد فى النفقة: لم يسرف ، ولم يقتر (كما فى لسان العرب).(1)
الاقتصاد الإسلامى اصطلاحا: هو دراسة ما جاء بالشريعة الإسلامية متعلقا بالاقتصاد فى أقسامها الثلاثة: العقيدة والفقه ، والأخلاق ، وجاءت كلمة "قصد" ومشتقاتها فى القرآن الكريم فى ستة مواضع ، من هذه المواضع:
-{فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد}لقمان:32.
-{منهم أمة مقتصدة}المائدة:66.
فسّر الزمخشرى مقتصد الواردة فى سورة لقمان بمعنى متوسط (2) أما مقتصد الواردة فى سورة المائدة ، فقال عنها الفخر الرازى: "معنى الاقتصاد فى اللغة الاعتدال فى العمل من غيرغلو ، ولا تقصير".(3)
يشير مصطلح الاقتصاد الإسلامى إلى نوعين من المعرفة: الأول ما يتعلق بالشريعة ، الثانى: ما يتعلق بالتحليل الاقتصادى ، ويمكن القول أن هذين النوعين من المعرفة يمثلان مرحلتين فى الكتابة عن الاقتصاد الإسلامى ومن ثم فهمه ، واستيعابه. فى المرحلة الأولى يتم التعرف على ما جاء بالشريعة ، ويكون له ارتباط بالاقتصاد ، أما المرحلة الثانية فإنها تتضمن التحليل الاقتصادى لما جاء بالشريعة من أحكام ، أو قيم ، أو آداب منظمة للأمور الاقتصادية.
والتحليل الاقتصادى يعنى تتبع أمر اقتصادى معين للتعرف على العوامل المؤثرة فيه ، ولاستنتاج سلوكه ، فمصطلح الاقتصاد الإسلامى: هو تحليل الأمور الاقتصادية التى تنشئها الأحكام الشرعية ، وبالإحالة إلى الفقه فإنه يتضمن تحليل الأمور الاقتصادية التى تنشئها الأحكام الفقهية.
فالادخار ، والاستهلاك ، والاستثمار أمثلة لموضوعات اقتصادية يقوم الاقتصاد الإسلامى بتحليلها فى مجتمع يطبق أحكام الشريعة الإسلامية كأثر الزكاة فى الموضوعات الثلاثة ، وكذا أثر الميراث على توزيع الثروة.
وكما يرى الإمام ابن تيمية ، فإن تصرفات العباد من الأقوال ، والأفعال نوعان ، عبادات يصلح بها دينهم ، أوجبها الله ، ولا يثبت الأمر بها إلا بالشرع ، وعادات يحتاجون إليها فى دنياهم ، والاقتصاد الإسلامى يدخل فى جانب العادات ، والتى تنقسم إلى نوعين: نوع جاءت فيه أحكام ونوع لم ترد فيه أحكام ، ومن ثم فإن الاقتصاد به منطقة واسعة تركت للإنسان ليعمل فيها بعقله ، وبتجربته ، وذلك مشروط بأن تكون فى إطار القيم الإسلامية العامة.
فالتراث الإسلامى فى الاقتصاد جاءت به مساهمات كثيرة تصنف فى المنطقة التى لم ترد فيها أحكام ، ومن أمثلة ذلك آراء للجاحظ ، وآراء للدمشقى ، وآراء لابن خلدون ، وآراء للمقريزى ، أثبتت الدراسات أن هذه الآراء أنها لا تتعارض مع ما هو مقرر إسلاميا ، لذلك فإنها تدخل فى مصطلح الاقتصاد الاسلامى.
فالاقتصاد الإسلامى يسع الآراء الاقتصادية التى قالها المفكرون المسلمون عبر التاريخ ، وهذه الاراء لم يثبت الأمر بها بالشرع ، وهى لا تتعارض مع ما جاء به الإسلام ككل ، كما يشمل نفس الموضوع الآراء التى يقولها المفكرون المسلمون فى العصر الحالى ، أو عصور مقبلة.
أ.د/رفعت العوضى
__________
الهامش:
1- لسان العرب ابن منظور ج3 دار صادر للطباعة والنشر بيروت 1956م.
2- الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل ووجوه التأويل الزمخشرى دار المعرفة بيروت 3 /216.
3- تفسير الفخر الرازى المشتهر بمفاتيح الغيب الفخر الرازى دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع 1981 12 /50.
مراجع الاستزادة:
1- مجموع الفتاوى ابن تيمية: جمع وترتيب عبد الرحمن محمد قاسم ج29.
2- كتاب التبصرة بالتجارة -الجاحظ: تحقيق حسن حسنى عبد الوهاب- تونس دار الكتاب الجديد 1966م.
3- الإشارة إلى محاسن التجارة الدمشقى (أبو الفضل جعفر بن على) تحقيق البشرى الشوربجى مكتبة الكيات الأزهرية القاهرة 1977م.
4- مقدمة ابن خلدون ابن خلدون ط5 دار القلم بيروت 1984م.
5- إغاثة الأمة بكشف الغمة المقريزى (تاريخ المجاعات بمصر تحقيق عبد النافع طليمات) دار الوليد سوريا.
6- تراث المسلمين العلمى فى الاقتصاد د/رفعت العوضى مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامى جامعة الأزهر 1998م.
7- أصول الفقه عبد الوهاب خلاف دار القلم الطبعة الحادية عشرة 1977م.
8- موسوعة المصطلحات الاقتصادية ، د/حسين عمر مكتبة القاهرة الحديثة 1965م.
9- The Enceclopedia Americana، Vol:g، International Edition Grolier Incor(1/40)
الأقصوصة
لغة: هى إحدى الكلمات التى اشتقت فى العصر الحديث مفردا لأقاصيص ، ولم تعرفها المعاجم العربية القديمة ، وإن عرفت كلمة "أقاصيص" جمعا لقصة أو قصص.
واصطلاحا: هى ما يدل على القصة بكلمة واحدة.
وتوضع الأقصوصة من حيث الطول -عادة- فى مواجهة "الرواية" ، وإن كانت هناك فروق أخرى ببن هذين الجنسين الأدبيين أكثر أهمية ، فى مقدمتها: الأثر الواحد الذى يجب أن يسود الأقصوصة من مبتدئها إلى منتهاها.
أما عناصرها: فهى نفس عناصر الرواية من: شخصية ، وحدث ، وحوأر ، ووصف ، وتحليل ، فضلا عن قيام هذه العناصر على أساس من التحليل المقنع ، والابتعاد ما أمكن عن المصادفة.
وليس شرطا أن يحتل الحدث المكان الرئيسى فى الأقصوصة ، فقد تدور حول رسم شخصية من الشخصيات ، أو قد تكون غايتها الأولى وصف منظر من المناظر ، ووقعه على نفس بطلها ، أو قد يقوم بناؤها أساسا على الحوار... وهكذا.
وقد عرف الأدب العربى القديم الحكايات: تاريخية ، وواقعية ، وخرافية ، وكثير منها يصلح -بكل سهولة- أن يصنف داخل هذا الفن ، وكتب الأدب العربى القديم زاخرة بأمثلة لا تكاد تنتهى من هذا النوع.
أ.د/ابراهيم عوضى
__________
مراجع الاستزادة:
1- الأدب القصصى والمسرحى فى مصر لأحمد هيكل ط4 دار المعارف 1983م القاهرة.
2- القصة القصيرة د/الطاهر أحمد مكى دار المعارف القاهرة(1/41)
الإقطاع
لغة: هو ما يقطعه ولى الأمرلنفسه ، أو لغيره من أرض أو غيرها، من أى نوع من أنواع المال الثابت ، أو المنقول ، واقتطع من ماله قطعة أخذ منه شيئا.
واصطلاحا: هو ما يقطعه الإمام ، أو الحاكم من الأراضى العامة التى ليست ملكا لأحد، لينتفع بها فى زرع ، أو غرس ، أو بناء، استغلالا، أو تمليكا.
وقد قسم الإقطاع إلى ثلاثة اقسام: إقطاع تمليك ، واقطاع استغلال،واقطاع إرفاق.
ومن الأحكام الفقهية للإقطاع:
1- أن لا يقطع غير الإمام ، إذ ليس لأحد التصرف فى الأملاك العامة غيره.
2- أن لا يقطع من يقطعه أكثر مما يقدر على إحيائه ، وتعميره.
3- من أقطعه الإمام أرضا، ثم عجز عن تعميرها، استردها الإمام منه محافظة على المصلحة العامة.
4- للإمام أن يقطع-إقطاع إرفاق-من شاء من الرعايا مجالس للبيع "فى الأسواق ، والساحات العامة، والشوارع الواسعة، إن لم يحصل بذلك ضرر لعامة الناس ، ولا يملك المقطوع له ذلك ، وإنما يكون أحق به من غيره فقط ، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من سبق إلى مالم يسبق إليه مسلم فهواًحق به). رواه أبو داود.
5- ليس لمن أقطعه الإمام إقطاعا أن يتسبب فى إلحاق الضرر بأحد لقوله صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار).
6- لا يقطع ،ولا يملك بالإحياء ما يضر بكافة المسلمين كالكلأ، والآبار التى يشربون منها، أو المعدن سواء كان ملحا، أو نفطا لتعلق مصالح المسلمين به ، ومن هنا تملك الدولة المناجم ، ولا يملكها الأشخاص.
وقد كان الاقطاع فى العصر المملوكى، كما كان فى الأصل تمليكا للمنفعة لا للرقبة، فهو إقطاع انتفاع لا إقطاع ملك ، فكان المقطع يحل محل السلطان فى التمتع بغلات إقطاعه وإيراداته فحسب ، ثم يؤول جميعه إلى السلطان بمجرد انتهاء مدة الاقطاع المتفق عليها، أو عند وفاة المقطع ، أو عند إخلال المقطع بشروط العقد القائم ، سواء فى ذلك ما يسمى باسم إقطاع التمليك ، وهو الإقطاع العادى، او إقطاع الاستغلال ، وهو إقطاع شخصى لجهة معينة.
ومن ناحية أخرى ارتبطت كلمة الإقطاع فى الاصطلاح بالنظام الاقتصادى، والسياسى ، والاجتماعى الذى تميز به الغرب المسيحى فى العصور الوسطى، والذى يقوم على علاقة التبعية بين السيد الإقطاعى -المالك لمساحات كبيرة من الأرض الزراعية- ومن يقطعه أرضا للمنفعة لا للرقبة، لقاء تعهده بتقديم ، عمل أو مال يدفعه وفاء لالتزامات التبعية الإقطاعية ، والمساعدة العسكرية.
وكان نفوذ السيد الإقطاعى نفوذا واسعا حيث كان يتمتع بالعديد من الحقوق على سكان إقطاعيته ، مما ولد نظاما من الاستغلال ، والقهر.
وقد أدى نمو واتساع الحركات التحريرية الأوروبية إلى مهاجمة النظام الإقطاعى وإعلان إلغائه على يد الثورة الفرنسية 1789م ، والثورة البلشفية فى روسيا 1917م.
أ.د/نعمت عبد اللطيف مشهور
__________
مراجع الاستزادة:
1- تاريخ الرسل والملوك ، محمد بن جرير الطبرى، دار المعارف.
2- نظام الحكومة النبوية المسمى التراتيب الإدارية ، عبد الحى الكتانى، دار الكتاب العربى ، بيروت.
3- تاج العروس ، الزبيدى، دار ليبيا ، بنغازى، ليبيا.
4- النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، ابن تغرى بردى، مطبعة دار الكتب المصرية ، القاهرة(1/42)
الإقطاعات
لغة: الأرض المقطعة تسمى قطيعة، وجمعها قطائع وإقطاعات. واصطلاحا: هى الجزء فى الأرض المقطعة التى يملكها الحاكم لمن يريد من أتباعه منحة، وتطلق أيضا على الجنود الذين أقطعوا هذا الإقطاع.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من أقطع ، لا اختلاف فى ذلك بين علمائنا، وقد بينت كتب الفقه والتراث ذلك ، فقد جاء عن طاووس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (عادى الأرض لله ورسوله ثم هى لكم) يعنى أنها تقطع للناس ، وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أقطع جماعة من المهاجرين والأنصار من أموال بنى النضير، وكانت صفيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة، فكان فيمن سمى ممن أعطى أبو بكر أعطاه (بئر مجر)، وعمر أعطاه (بئر جرم) وأقطع صهيبا الصراطة وأقطع فرات بن حبان أرضا باليمامة.
وقد سار الخلفاء الراشدون بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم على نهجه فى إقطاع الموات من الأرض لمن يحييها ويعمل علي عمارتها، فأقطع أبو بكر عبد الرحمن بن زيد أرضا قرب المدينة، وقد أقطع عمر بن الخطاب ابن سندر أرضا ميتة بمصر، كما أقطع الصحابة كذلك.
وتطبيقا لأحكام الاقطاع ، راجع عمر بن الخطاب بلال بن الحارث المزنى فيما أقطعه الرسول صلى الله عليه وسلم من أرض عريضة طويلة لم يقوعلى عمارتها بالكامل ، فأخذ منه ما عجزعن عمارته فقسمه بين المسلمين. كما عارض عمر بن الخطاب في الإقطاع من أرض الفتوح لاعتبارها ملكا للمسلميين عامة، وقد أقطع عثمان بن عفان المغيرة بن شعبة دارا بالبقيع ، وقد أمر الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز برد القطائع التى أقطعها أهل بيته من بنى أمية.
وقد توالت إقطاعات ولاة وملوك الدولة الاسلامية المتعاقبين ، فكان للجند القائمين على حماية حدود ثغور الدولة الإسلامية مكانتهم المتميزة، فأقطعهم الولاة الأراضى الزراعية لتكون غلتها لهم رزقا مقابل حمايتهم للبلاد، من ذلك أن عثمان بن عفان أقطع المقاتلة فى السواحل من الصوافى، كما أقطع بنو العباس الجند الأتراك فى فارس.
وتزخر كتب التراث والتاريخ الإسلامى بإقطاعات الملوك والخلفاء الذين أقطعوا الأراضى الموات لمن يحبها ، فضلا عن إقطاع المساحات الواسعة ، للموالى والمقربين إلى ولاة الأمور ، ومن يرجى نفعهم وتأييدهم ، أو تقديرا لمكانتهم العلمية والأدبية ، وكان آخر الإقطاعات. التى سجلتها كتب التراث. هى إقطاع السلطان سليم الفاتح للشيخ عبد الحكيم بن على.
أ.د/نعمت عبد الحميد مشهور
__________
مراجع الاستزادة:
1- لسان العرب ، لابن منظور، دار صادر، بيروت.
2- فتوح البلدان ، البلاذرى، مكتبة النهضة، القاهرة.
3- حسن المحاضرة فى تاريخ مصر والقاهرة، السيوطى، دار إحياء الكتب العربية ، القاهرة.
4- المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار المعروفة بالخطط المقريزية، المقريزى دار صادر ، بيروت.
5- معجم البلدان ، ياقوت الحموى(1/43)
الإلحاد
لغة: الميل عن القصد، أخذ من قوله تعالى: {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم}الحج:25 ، أى ترك القصد فيما أمر به ،ومال إلى الظلم قال تعالى: {لسان الذى يلحدون إليه أعجمى وهذ لسان عربى مبين}النحل:103 ، فمن قرأ: يَلحدون ، أراد: يميلون ، ومن قرأ: يُلحدون ، أراد يعترضون.
واصطلاحا: الشك فى الله أو فى أمرمن المعتقدات الدينية.
وللإلحاد تاريخ طويل حافل ، وله صور كثيرة متنوعة، غير أن أوسع معنى يعزى إليه ، هو أنه إنكار للنصوص السائدة عن الله أو المعتقدات الدينية، فقد أطلقت كلمة "ملحد" على "اسبينوزا" لأنه ربط بين الله والعلم على نحو مخالف للفكرة الدينية اليونانية عن الآلهة.
وفى المجتمع الإسلامى اختلفت اسباب الإلحاد، فمنهم من ألحد لأسباب من العصبية القومية، حملته على أن يتعصب لدين آبائه من المجوس والوثنية المانوية، كما فعل ابن المقفع وبشار.
وهناك فريق ألحد فرارا من تكاليف الدين وطلبا لسلوك مسلك الحياة الماجنة كما هو الحال بالنسبة الى كثيرمن الشعراء ممن ينتسبون الى عصبة المجان على حد تعبير أبى نواس.
وهناك فريق ثالث يتنازعه العاملان ؛ فجمع بين سلوك المجان ، وبين عصبية الشعوبيين ، مثل أبان بن عبدالحميد.
ومن هنا أطلق على كل صاحب بدعة، بل انتهى الأمر أخيرا إلى أن أطلق لفظ "ملحد" على من كان يحيى حياة المجون من الشعراء والكتاب. وأشهر من وصفوا بالإلحاد: ابن الراوندى الذى عاش فى القرن الثالث الهجرى.
أ.د/محمد شامة
__________
مراجع الاستزادة:
1- لسان العرب: لابن منظور.
2- التفسير الكبير: الرازى، دار الكتب العلمية، بيروت 1411هـ/1990م
3- تفسير القرآن العظيم: ابن كثير، دار الفكر، بيروت 1389هـ/1970م
4- من تاريخ الإلحاد فى الإسلام د/عبد الرحمن بدوى، سينا للنشر 1993م.
5- الخطر الشيوعى فى بلاد الإسلام د/محمد شامة مكتبة وهبه 1979م(1/44)
الإمارة
هو مصطلح إدارى معمول به في الدول الإسلامية، مشتق من الفعل أمر أى صار أميرا، كما قصد به الولاية على الإقليم ، ومهمته قريبة من مهمة المحافظ أومديرالناحية فى وقتنا الحاضر.
ونظام الإمارة كان معروفا منذ زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى بعث أمراءه على الأقاليم ، لكن الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه هو أول من وضع نظاما دقيقا لأوضاع وأحوال الأمراء.
والإمارة على أنواع منها العام والخاص:
ومن أنواع الإمارة العامة: إمارة الاستكفاء وهى التى يعقدها الخليفة لمن يريده من كبار رجال دولته لإدارة إقليم ما.
كذلك من أنواع الإمارة العامة إمارة الاستيلاء، وهى التى يعقدها رئيس الدولة مضطرا لمن يستبد بإدارة إقليم من الأقاليم ويستولى على السلطة فيه ، ولكنه يعترف بالخلافة خوفا من سخط العامة . عندئذ يوليه الخليفة أمر الاقليم ، وهذا النوع من الإمارة عرفته الدولة الإسلامية فى النصف الثانى من القرن الثالث الهجرى التاسع الميلادى.
أما الإمارة الخاصة: فهى التى يوليها الخليفة أحد رجال دولته ؛ لأداء مهمة بعينها مثل إمارة الجيش ، أو الحج .
أ.د/عبد الله محمد جمال الدين
__________
مراجع الاستزادة:
1- الأحكام السلطانية والإمارات الدينية الماوردى: مطبعة الحلبى فى القاهرة بدون تاريخ.
2- المقدمة: ابن خلدون ، القاهرة 1966م.
3- دائرة المعارف الإسلامية: مادة "إمارة" المصادر المبينة بها(1/45)
الإمام
لغة: هى من أََمَّ بمعنى قصد،وقد جاء فى كتب اللغة أن الإمام كل من ائتمّ به قوم كانوا على الصراط المستقيم أو كانوا ضالين فهومن يقتدى به.
واصطلاحا: الإمام كل شىء له قيمه ،والمصلح له ، فالقرآن إمام المسلمين ، وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إمام الأئمة، والخليفة إمام الرعية، وإمام الجند قائدهم ، والإمام ما ائتم به من رئيس ، أو غيره.
ومعنى ذلك كله ، أن هذه الكلمة تفيد معنى التقدم والقصد إلى جهة معينة والهداية والإرشاد ، والقيادة، وأهلية أن يكون المرء قدوة.
وفى آيات القرآن الكريم ما يؤكد هذه المعانى جميعها، من ذلك قوله تعالى: {يوم ندعوكل أناس بإمامهم}الإسراء:71 ، أى بنبيهم ، أو كتابهم ، أو شرعهم: {ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة}هود:17 ، {واجعلنا للمتقين إماما}الفرقان:74 ، {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ، قال إنى جاعلك للناس إماما}البقرة:124 ، {ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين ، وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا}الأنبياء:72، 73 ، {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا فى الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين}القصص:5 ، وإذا استخدمت الكلمة لإفادة معنى الشر أو الهداية إليه ، فإن استعمالها فى الهداية إلى الخير أكثر، ولهذا قال بعض المفسرين إنها لا تفيد إلا معنى الهداية إلى الخير، فإذا أريد منها معنى الشر، فلابد من النص على ذلك كقوله تعالى: {وجعلناهم أئمة يهدون إلى النار}القصص:41، {فقاتلوا أئمة الكفرإنهم لا أيمان لهم}التوبة:12 ، وقد كثر اقتران كلمة إمام بمن يؤم الناس فى الصلوات ، حتى أصبح هذا المعنى هو الأكثر شيوعا، ثم اتسع حتى شمل القيادة فى أداء كل الواجبات الدينية، وإذا أطلق اللفظ فإنه لا يعنى إلا صاحب الإمامة الكبرى، أى الخلافة أو رئاسة الدولة، على حين تسمى
الصلاة الإمامة الصغرى. وتلك الإمامة من أهم أعمال الولاة فى أمصار، أو ولايات الدولة الإسلامية.
وكلمة إمام عند الشيعة تعنى صاحب الحق الشرعى المنصوص على إمامته ، وقد أخذ هذا المفهوم يتضح عندهم اعتبارا من النصف الثانى للقرن الأول الهجرى حينما تبلور فكرهم النظرى المتعلق بالإمامة، اما عند بقية الفرق الإسلامية، فإن مصطلح إمام مرادف لكلمتى: خليفة، وأمير المؤمنين.
أ.د/عبد الله جمال الدين
__________
مراجع الاستزادة:
1- النظريات السياسية الإسلامية محمد ضياء الدين الريس:ط7، القاهرة 1970م.
2- النظم الإسلامية حسن إبراهيم حسن ، وعلى إبراهيم ط4 القاهرة 1970م.
3- موسوعة السياسة الإسلامية عبد الوهاب الكيالى المؤسسة العربية للدراسات والنشر 1979.
4- القاموس الإسلامى أحمد عطية الله القاهرة 1963م(1/46)
الإمامة
لغة: من مادة (أمّّ) بمعنى قصد، وأمهم: تقدمهم ، فهى تفيد معنى التقدم والقصد إلى جهة معينة.
واصطلاحا: الهداية والإرشاد ، والأهلية لأن يكون المرء قدوة.
وهناك آيات عديدة فى القرآن الكريم وردت فيها هذه المادة، يستنبط من مجموعها أن الإمامة هى كل نظام تكون دعامته العمل وفق شريعة سماوية، وإذا أطلقت كلمة "إمامة" فإنها تعنى القيادة الشاملة أو الإمامة الكبرى بمعنى رئاسة الدولة، أما إذا أريد بها إمامة الصلاة، فإنها عندئذ تسمى الإمامة الصغرى "ويشير ابن حزم فى الفصل 4 /90" إلى أن هذه الكلمة قد يراد بها أيضا معنى من المعانى الخاصة، وعندئذ فلابد من إضافة اللفظ إلى ما يدل على ذلك ، فيقال فلان إمام فى الدين.. وإمام بنى فلان.. إلخ.
أما "ابن خلدون" فيقرر أن إطلاق لفظ الإمامة الكبرى أو العظمى على متولى قيادة الدولة الإسلامية تشبيها لها بإمامة الصلاة،فإمام الصلاة تجب علينا متابعته والاقتداء به وكذلك الحال بالنسبة للإمامة الكبرى أو العظمى.
ولعل من المفيد أن نشير إلى أن طائفة الشيعة هم الذين بدأوا البحث فى علم الإمامة، ومن ثم هم الذين اختاروا مصطلحاته ، وهم الذين أفردوا له مكانا بين مباحث علم الكلام الإسلامى، وكانت هذه المباحث والمصطلحات المتعلقة بالإمامة نتيجة للمناقشة بين هؤلاء الشيعة وبين مخالفيهم من الخوارج والمعتزلة وأهل السنة، وإذا كانوا هم الذين بدأوا، فإنه من الطبيعى أن تكون كلمات هذا العلم الفنية من وضعهم ، ومضى خصومهم يجادلونهم بنفس لغتهم.
ومصطلح "الإمامة" عند الشيعة أخص وأكمل من مصطلح "الخلافة" لأن الإمامة عندهم لا تعنى إلا صاحب الشرع المنصوص عليه المعين من قبل من سلفه ،سواء تولى السلطة بالفعل أم لم يتول ، أما "الخلافة" فتشير إلى صاحب السلطة الزمنية أو الواقعية ولو لم يكن صاحب حق وقد يؤيد الحق مركزه الواقعى، وعندئذ فإنه يتساوى مع الإمام.
وهذا هو السبب فى أن الشيعة يخصون "عليا" -كرم الله وجهه- بلقب الإمام كما خصوا به كل من يسوقون إليه منصب الإمامة من بعده ، فالحسن بن على وجعفر الصادق كلاهما إمام حتى لو لم يتول منصب رئاسة الدولة الاسلامية بالفعل ، ومعاوية بن أبى سفيان رضى الله عنه خليفة وليس إماما لأنه تولى السلطة الزمنية، وإن لم يكن صاحب حق أو سلطة روحية.
والإمامة عند الشيعة تثبت بالنص ، لأنها من أصول الدين التى لا ينبغى أن تترك لأحاد الأمة التى تفوض إلى نظر الأمة ، ويتعين القائم بها بتعيينهم ، بل هى ركن الدين وقاعدة الاسلام ،ولا يجوز لنبى إغفاله ولا تفويضه الى الأمة، بل يجب عليه تعيين الإمام لهم ويكون معصوما من الكبائر والصغائر.
فالإمامة إذن امتداد للنبوة، ومهام الإمام هى نفسها مهام النبى إن لم تكن أوسع وأشمل.
ولا تتفق بقية الفرق الإسلامية مع وجهة نظر الشيعة هذه ، فالإمام -عند معظمها- أنما تختارة الأمة الإسلامية ممثلة فى أهل الحل والعقد أو أهل الاختيار، ويكون اختيارها من بين من تتوافر فيهم شروط الإمامة من سداد الرأى والشجاعة، والالتزام بالوفاء لشرع الله -عزوجل- وأن يكون من يتولى قرشيا -عند البعض- وهؤلاء يردون على المخالفين ويبطلون أدلتهم بما لا مجال لعرضه هنا.
أ.د/عبد الله محمد جمال الدين
__________
مراجع الاستزادة:
1- الفصل فى الملل والأهواء والنحل ابن حزم نشر الخانجى بمصر سنة 1321هـ.
2- المقدمة ابن خلدون القاهرة 1966م.
3- موسوعة السياسية الإسلامية عبد للوهاب الكيالى وآخرون ط7 القاهرة ، سنة 1979م.
4- القاموس الإسلامى أحمد عطية الله: أجزاء القاهرة 1963م.
5- النظريات السياسية الإسلامية د/محمد ضياء الدين الريس الطبعة السابعة القاهرة 1979م.
6- نظام الحكم فى الشريعة والتاريخ ظافرالقاسمى: جزءان بيروت 1974م.
7- نظام الدولة فى الإسلام د/عبدالله محمد جمال الدين ط2 القاهرة سنة 1990.
8- دائرة المعارف الإسلامية مادة "إمامة"(1/47)
إمارة الجيش
هى إحدى الولايات أو الإمارات الخاصة، ويقوم من يتولاها بتدبير أمر الجند وحماية الحدود ، وتنفيذ سياسة الدولة العسكرية، أى أن على متوليها تنظيم الجيش فى مصاف الحرب ، والاعتماد على القيادات المدربة المتمرسة بالقتال ، ومعالجة شتى ألوان الخلل ،وتفقد الصفوف وإعداد السلاح والمؤن والحاجات الضرورية للجند ، وعليه الاهتمام بتدريبهم وعدم التغرير بهم واتخاذ كل ما يلزم لسلامتهم من الكمائن ومؤامرات الأعداء مع النظر فى أمرهم واقتلاع كل مظاهر الفساد بينهم ، وعمل كل ما يرفع من معنوياتهم ، وتنظيم أجازاتهم ، ومن الواجبات المنوطة به ، جمع أخبار العدو ليتسنى مواجهته وفق خطة محكمة تضمن النصر بإذن الله.
وإذا اقتصرت مهمة أمر الجيش على ذلك ، اعتبرت فيه شروط الولاية الخاصة، أما إذا فوض فى تقسيم الغنائم وعقد الصلح ، فعندئذ ينبغى أن تتوافر فيه شروط الولاية العامة، وقد تدخل مهمة تسيير الحجيج ضمن ولايته.
وكان النبى صلى الله عليه وسلم قائد جيش المسلمين ،وكذلك كان الخلفاء الراشدون. وبمرور الزمن ، واتساع الدولة الإسلامية، صعب على الخليفة القيام بهذه المهمة، فعهد بها إلى من عرف بالشجاعة واشتهر بحسن التدبير والذكاء.
أ.د/عبد الله جمال الدين
__________
مراجع الاستزادة:
1- الفخرى فى الآداب السلطانية والدول الإسلامية ابن طبا طبا محمد بن على المعروف بابن الطقطقى القاهرة 1945م.
2- النظم الإسلامية حسن إبراهيم وعلى إبراهيم ط4 القاهرة 1970م.
3- دائرة المعارف الإسلامية مادة جيش وما بها من مصادر(1/48)
الأمان
لغة: عدم توقع مكروه فى الزمن الآتى، وهو مصدر للفعل "أمن".(1)
وفقها: رفع استباحة دم الحربى ورقّه وماله حين قتاله أو العزم عليه ، مع استقراره تحت حكم الإسلام.(3)
والأصل أن إعطاء الأمان أو طلبه مباح ،وقد يكون حراما أو مكروها إذا كان يؤدى إلى ضرر أو إخلال بواجب أو مندوب.
وبالأمان يثبت لأهل الكفر الأمن من القتل والسبى واغتنام أموالهم ؛ فيحرم على المسلم قتل رجالهم وسبئ نسائهم وذراريهم واغتنام أموالهم.(3)
والأمان يكون من الإمام أو من آحاد المسلمين ، أما من آحاد المسلمين فهو لا يكون عند الجمهور إلا لعدد محصور كأهل قرية صغيرة بخلاف غير المحصور فهو من خصائص الامام ، وخالف الحنفية فهم على أنه يكون من الواحد لجماعة كثيرة أو قليله فلا فرق (4).
وينعقد الأمان بما يؤدى الغرض من صريح اللفظ أو كتابته ، وبأى لغة أو برسالة، أو بإشارة مفهمة.(5)
ومن شروطه: انتفاء الضرر ولو لم تظهر منه مصلحة، وعلى ذلك الجمهور من المالكية، والحنابلة ، وأكثر الشافعية.
والحنفية على أنه يشترط وجود مصلحة ظاهرة للمسلمين بأن يكونوا -مثلا- ضعفاء واعداؤهم أقوياء.
وللمؤمن شروط وهى: الإسلام ، العقل ، البلوغ -وذلك عند الجمهور خلافا لمحمد بن الحسن فهو على عدم اشتراطه- وعدم الخوف من الحربيين.(6)
أ.د/عبد الصبور مرزوق
__________
الهامش:
1- مختار الصحاح دار المعارف ص26 ، ص27.
2- مغنى المحتاج دار إحياء التراث العربى 4 /236.
3- بدائع الصنائع 7 /107 الشرح الصغير 2 /288 دار المعارف روضة الطالبين المكتب الإسلامى 10 /281.
4- المغنى مع الشرح الكبير 10 /434 ، مغنى المحتاج 4 /237 شرح الزرقانى 3 /122 ، بدائع الصنائع 7 /107 ، فتح القدير 4 /298 ط بولاق.
5- روضة الطالبين 10 /279 حاشية ابن عابدين 3 /227 بولاق الفروع لابن مفلح 6 /248.
6- حاشية الدسوقى 2 /185،186 ط عسيى الحلبى شرح السير الكبير 1 /283(1/49)
الأمانة
لغة: ضد الخيانة. كما فى مختار الصحاح.(1) وهى تطلق على كل ما عهد به إلى الإنسان من التكاليف الشرعية كالعبادة،والوديعة. ومن الأمانة: الأهل والولد. وكثير من الآيات القرآنية، واللأحاديث النبوية تحث عليها، وتأمر بها، وتحذر من الخيانة، مثل قوله تعالى {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها}النساء:58 وقوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لاتخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم}الأنفال:27 وقوله صلى الله عليه وسلم: (أد الأمانة لمن ائتمنك ولاتخن من خانك) (2) وقوله صلى الله عليه وسلم: (من غش فليس منى)(3)أو (ليس منا من غش)(4).
واصطلاحا: تستعمل عند الفقهاء بمعنيين(5)
أحدهما: الشىء الموجود عند الأمين ،وذلك إنه بأن تكون هى المقصد الأصلى فى العقد كالوديعة ، فكل وديعة أمانة ، أو تدخل الأمانة فى العقد تبعا كما الإجارة، والعارية، والمضاربة، والوكالة، والشركة، والرهن ، أو كانت بدون عقد أصلا كاللقطة، وكما إذا ألقت الريح فى دار أحد مال جاره ، وذلك مايسمى بالأمانات الشرعية.
ثانيهما: بمعنى الصفة وذلك فى أمور، منها:
ما يسمى ببيع الأمانة، كالمرابحة، والتولية، وهى العقود التى يحتكم فيها المبتاع إلى ضمير البائع وأمانته ، أو فى الولايات سواء كانت عامة كالقاضى، أم خاصة كالوصى وناظر الوقف ، أو فيما يترتب على كلامه حكم كالشاهد، وكذلك تستعمل فى باب الأيمان كمن أقسم بها على أنها صفة من صفاته تعالى.
وثمة معنى ثالث للأمانة بمعنى حريه الاختيار والاستعداد لتحمل المسئولية وهو ما أشار إليه قوله تعالى: {إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان أنه كان ظلوما جهولا}الأحزاب:72.
فهى تعنى قبول الإنسان لحرية الاختيار مقابل تحمل المسئولية عن نتائج أعماله وما يترتب عليها من ثواب أو عقاب بينما السموات والأرض والجبال ذلك وقبلت "التسخير" إشفاقا من تبعات حمل الأمانة.
أ.د/عبد الصبور مرزوق
__________
الهامش:
1- مختار الصحاح. ص26.
2- أبو داود 3 /805 الترمذى تحفة الأحوذى 4 /479.
3- مسلم 1 /99.
4- أبو داود، عون المعبود 3 /287 سنن ابن ماجه 2 /749.
5- بدائع الصنائع ط الجمالية 5 /225.
مراجع الاستزادة:
1- حاشية الدسوقى دار الفكر 3 /164.
2- المغنى ط الرياض 3 /584 ، 4 /203،208 ، 8 /703.
3- الفتاوى الهندية. المكتبة الإسلامية 6 /137،146،148،150.
4- المهذب. دار المعرفة 20 /471 ، 2 /325.
5- مجمع الأنهر 2 /338.
6- مغنى المحتاج ط مصطفى الحلبى 3 /90.
7- القواعد فى الفقه لابن رجب دار المعرفة ص53،54.
8- حاشية القليوبى ط مصطفى الحلبى 3 /180(1/50)
الأمثال
لغة: جمع مَثَل والمثل ، هو الشىء الذى يضرب لشىء مثلا، فيجعل مثله ، والأصل فيه التشبيه ، كما فى اللسان.(1)
واصطلاحا: حكمة العرب فى الجاهلية والإسلام ، وبها كانت تبلغ ما حاولت من حاجاتها فى المنطق ، وقد ضربها النبى صلى الله عليه وسلم وتمثل بها هو ومن بعده من السلف (2).
ويجتمع فى المثل أربعة لا تجتمع في غيره من الكلام ، فهو نهاية البلاغة:
1- إيجاز اللفظ.
2- إصابة المعنى.
3- حسن التشبيه.
4- جودة الكناية(3).
ولذلك كان أكثر أدب القدماء وما دونوه من علوم مشفوعا بالأمثال والقصص عن الأمم ، ونطقت ببعضه على ألسن الطير والوحش حتى يكون الخير، مقرونا بذكر عواقبه ، والمقدمة موحية بنتائجها(4)؛ لأن الكلام إذا جعل مثلا كان أوضح للمنطق ،وأوسع لشعوب الحديث.
والأمثال لا تغير، بل تجرى فى القول كما جاءت ، فإذا ورد المثل. بالتأنيث، بقى على تأنيث فى كل الأحوال ، فقولك: الصيف ضيعت اللبن ، هو فى الأصل خطاب لامرأة ضيعت الأمر، ثم أرادت استدراكه فمنعت عنه ، فإذا ضربته الآن لمفرد مذكر أو مثنى أو جمع ، بقى على حاله بكسر التاء، ولا يغير عن صيغته التى ضرب بها(5).
والمثل السائر فى كلام العرب كثير، نظما ونثرا ، وأفضله أوجزه ، وأحكمه أصدقه (6).
وقد وردت الأمثال فى القرآن الكريم ،والسنة النبوية، وخرجت مخرج المثل السائر.
أ.د/عبد القادر حسين
__________
الهامش:
1- لسان العرب لابن منظور مادة (مثل) طبعة دار المعارف.
2- المزهر فى علوم اللغة وأنواعها للسيوطى ط عيسى الحلبى 1 /486.
3- مجمع الأمثال للميدانى ط السنة المحمدية 1374هـ-1955م ، 1 /5.
4- البرهان فى وجوه البيان لابن وهب طبعة بغداد ص146.
5- المزهر فى علوم اللغة وأنواعها السيوطى 1 /488.
6- العمدة لابن رشيق ط3 مطبعة السعادة 1 /280(1/51)
الأمن
لغة: ضد الخوف ، وهو: عدم توقع مكروه فى الزمان الآتى، كما فى مختار الصحاح.(1)
واصطلاحا: لا يخرج استعماله عند الفقهاء عن المعنى اللغوى له.(2)
والأمن للفرد والمجتمع والدولة من أهم مقومات الحياة، إذ به يطمئن الناس على دينهم وأموالهم وأنفسهم وأعراضهم ،ويتفرغون لما يصلح أمرهم ويرفع شأنهم وشأن مجتمعهم.(3)
ولا يتحقق الأمن إلا بإمام يمنع الفوضى ويحرس الدين والدنيا وتتعلق به مسئوليته.(4)
والأمن مقصود فى شريعة الاسلام فى عباداته ومعاملاته على حد سواء، فالعبادة يقصد بها سلامة النفس والمال والعرض والدين والعقل ، وهى الضرورات التى لابد من حفظها لقيام مصالح الدين والدنيا، وقد اتفق الفقهاء على أن أمن الإنسان على نفسه وماله وعرضه شرط فى تكليفه بالعبادات ، لأن المحافظة على النفوس والأعضاء -للقيام بمصالح الدنيا والاخرة- أولى من تعريضها للضرر بسبب العبادة.(5)
ويلاحظ هذا فى كثير من العبادات ففى الطهارة: يعدل عن الطهارة بالماء إلى التيمم عند خشية الضرر، وفى الصلاة: يسقط عن الخائف شرط استقبال القبلة ويصلى على حاله ، وكذلك صلاة الجمعة مع فرضيتها تسقط عن الخائف على نفسه أوماله بأن وجد قطاع طريق يخشاهم مثلا، وكذلك تسقط صلاة الجماعة عن المسلم عند عدم تحقق الأمن على نفسه أو ماله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سمع المنادى فلم يمنعه من اتباعه عذر ، لم تقبل منه الصلاة التى صلاها قالوا: وما العذر قال: خوف أو مرض)0(6)
وفى الحج: يشترط لوجوبه أمن الطريق حتى تتحقق الاستطاعة التى حددها الله ،وكذلك يشترط تحقق الأمن بالنسبة للامتناع عن المحرمات ، وهذا يظهر فى إباحة أكل الميتة للمضطر حفاظا على نفسه ، وإباحة تناول الخمر لإزالة الغصة عند فقد الماء، والتلفظ بكلمة الكفر بالنسبة للمكره ، وغيرها كثير، وكذلك الأمر فى سائر العبادات ، يشترط تحقق الأمن إما فى جانب الأداء أو الامتناع فإذا ما فقد الأمن وتحقق الخوف تغير الحكم الشرعى.(7)
أما بالنسبة للمعاملات: فيشترط تحقق الأمن فيها -أيضا- فيشترط الأمن مثلا لمن يريد السفر بمال الشركة أو المضاربة أو الوديعة، وكذلك فى بعض تصرفات الشركاء أو العقود والمعاملات الشرعية (8).
وإذا كان المقرر أن حكم الإسلام بالنسبة للمسلمين هو عصمة أنفسهم ومالهم وعرضهم وعقلهم ودينهم والتكفل بتحقيق الأمن لهم ، فإن غير المسلم يتحقق له الأمن بتأمين المسلمين له بإعطائه الأمان.
أ.د/عبد الصبور مرزوق
__________
الهامش:
1- مختار الصحاح للرازى.
2- كتاب المجموع شرح المهذب للشيرازى، محمد نجيب المطيعى، الطبعة السادسة 7 /80.
3- مقدمة ابن خلدون ص187.
4- الأحكام السلطانية للماوردى، طبعة مصطفى الحلبى، ط3، 1973م ، ص15-16.
5- المستصفى للغزالى 1 /287.
6- سنن أبى داود 1 /374 ، المستدرك للحاكم 1 /245 وسنن ابن ماجه 1 /260.
7- المهذب فى فقه مذهب الإمام الشافعى، لأبى إسحاق إبراهيم بن على بن يوسف الفيروزابادى ، دار المعرفة ، 1 /100 ، 1 /116 ، 2 /271.
8- البدائع.
مراجع الاستزادة:
1- المغنى، لابن قدامة.
2- مغنى المحتاج .
3- الأشباه والنظانر للسيوطى.
4- الموافقات للشاطبى(1/52)
أمهات المؤمنين
أمهات المؤمنين كنية كرم بها القرآن الكريم أزواج النبى صلى الله عليه وسلم فى قوله تعالى: {وأزواجه أمهاتهم}الأحزاب:6.
وكان الهدف من إطلاق هذه الكنية على أزواج النبى تقرير حرمة الزواج بهن بعد مفارقته صلى الله عليه وسلم وهو الحكم الوارد فى قوله تعالى: {وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ، ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما}الأحزاب:53.
وكان اعتبار زوجات النبى صلى الله عليه وسلم أمهات للمؤمنين بمثابة وسام وضع على صدورهن تكريما لهن ، وتقديرا لدورهن فى مسيرة الدعوة.
وقد أطلقت هذه الكنية على ثلاث عشرة امرأة تزوج بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجتمع فى عصمته في ترفه من الزوجات فى وقت واحد أكثر من تسع نساء. وكان اقترانه بهن على الترتيب التالى:
الأولى: خديجة بنت خويلد واقترن بها صلى الله عليه وسلم قبل الوحى بخمس عشرة سنة، وولدت له ذكرين وأربع إناث ، وتوفيت فى العاشر من رمضان سنة عشرة للبعثة.
الثانية: سودة بنت زمعة تزوجها صلى الله عليه وسلم فى رمضان سنة عشرة للبعثة، وتوفيت فى آخر زمان عمر بن الخطاب.
الثالثة: عائشة بنت أبى بكر الصديق تزوجها النبى صلى الله عليه وسلم فى شوال من السنة الأولى للهجرة وهى الوحيدة من بين نساء النبى التى تزوجها بكرا وتوفيت عائشة فى ليلة السابع عشر من رمضان من السنة الثامنة والخمسين للهجرة.
الرابعة: حفصة بنت عمر بن الخطاب ،تزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم فى منتصف السنة الثالثة للهجرة، وتوفيت فى شعبان من السنة الخامسة والأربعين للهجرة.
الخامسة: زينب بنت خزيمة بن الحارث الهلالية، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فى رمضان من السنة الثالثة للهجرة. ولبثت عنده ثمانية أشهر، وماتت بالمدينة وعمرها نحو ثلاثين سنة.
السادسة: أم سلمة، اسمها هند بنت سهيل ، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فى العشر الأواخر من شوال سنة أربعة للهجرة، وتوفيت فى رمضان سنة تسع وخمسين للهجرة.
السابعة: زينب بنت جحش ،زوجها الله لرسوله حيث قال تعالى: {فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكى لا يكون على المؤمنين حرج فى أزواج أدعيائهم}الأحزاب:37. وبنى رسول الله صلى الله عليه وسلمبها فى هلال ذى القعدة من العام الخامس للهجرة ، وماتت سنة عشرين للهجرة فى خلافة عمر بن الخطاب.
الثامنة: جويرية بنت الحارث تزوجها النبى صلى الله عليه وسلم سنة ست للهجرة، وهى أول سرية للرسول ، وتوفيت فى ربيع الأول سنة ست وخمسين للهجرة.
التاسعة: أم حبيبة بنت أبى سفيان واسمها رملة وهاجرت مع زوجها عبد الله ابن جحش إلى الحبشة فتنصر وثبتت هى على إسلامها فأرسل النبى صلى الله عليه وسلم إلى النجاشى أن يزوجه أم حبيبة بتوكيل منه ، وعادت إلى المدينة فى المحرم سنة سبع للهجرة، وتوفيت سنة آربع وأربعين فى خلافة أخيها معاوية بن أبى سفيان.
العاشرة: صفية بنته حُيَىّ بن أخطب ،وهى السرية الثانية، أسلمت فأعتقها وأصدقها عتقها وتزوجها، وكان أبوها حيى ابن أخطب من بنى النضير، وبنى بها فى ربيع الأول للسنة السابعة للهجرة، وماتت فى السنة الثانية والخمسين للهجرة.
الحادية عشرة: ميمونة بنت الحارث ، وهى أخت جويرية تزوجها فى ذى القعدة سنة سبع للهجرة، وكانت قد وهبت نفسها له كما جاء فى قوله تعالى: {وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبى}الأحزاب:50 ، توفيت عام واحد وخمسين للهجرة.
الثانية عشرة: ريحانة بنت زيد، خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الإسلام والعتق والزواج أو البقاء على اليهودية فاختارت الاسلام وكان ذلك فى أواخر السنة الخامسة للهجرة وعاشت ريحانة بضع سنوات ثم توفيت فى أواخر السنة العاشرة للهجرة.
الثالثة عشرة: مارية القبطية، وهى التى أهداها عظيم القبط بمصر للرسول صلى الله عليه وسلم فبقيت فى بيت النبوة ملك يمين حتى حملت بإبراهيم فصارت أم ولد محررة، وهى بحكم موقعها من النبى تعتبر من أمهات المؤمنين ،وقد ماتت فى المحرم من السنة السادسة عشر للهجرة.
أ.د/عبد الصبور شاهين
__________
مراجع الاستزادة:
1- أمهات المؤمنين: عائشة عبد الرحمن الهيئة العامة للكتاب.
2- سبل الهدى والرشاد فى سيرة خير العباد للصالحى المجلس الأعلى للشئون الإسلامية.
3- زاد المعاد فى سيرة خير العباد لابن القيم طبعة دار الريان للتراث(1/53)
أمير الأمراء
لغة: يقال رجل إمَّرٌ وإمَّرةٌ وأمَّارة: يستأمر كل أحد فى أمره ، والأمير: الملك لنفاذ أمره ، بَيّن الإمارة والأمارة، والجمع أمراء، كما فى اللسان.(1)
واصطلاحا: كان يُلقّب به القائد الأعلى للجيش ، تلقب به "مؤنس الخادم" قائد القواد، أو أمير الأمراء العباسى.
ثم أصبح مرتبة من مراتبه التشريف أدخلها الخلفاء العباسيون على نظامهم الادارى سنة 324هـ-936م ، وذلك عندما عيّن الخليفة العباسى الراضى (322-329هـ/933-940م) محمد بن رائق أمير منطقة واسط والبصرة، أميرا للأمراء فى محاولة منه لتحسين الأوضاع المتردية فى الدولة آنئذ، وقد أسند إليه الخليفة أمر الخراج ، والضرائب ، و الدواوين ، والجيش ،والمعاونة فى كل شئ وأمر- بأن يُخطَب له على المنابر بجانب الخليفة، وأصبح الوزير بجانبه لا يساوى شيئا.
ومع ضعف سلطان الخلافة استبد حاملو هذا اللقب ، وتحوّلوا إلى ملوك أو سلاطين ،وكانوا سببا ساعد على نشأة الدويلات المستقلة عن الخلافة العباسية، وأضحى الخلفاء بجانبهم أشباحا، وبدلا من أن تساعد نشأة هذا المنصب على حل مشاكل الدولة العباسية، أضافت أعباء إلى أعبائها، وكانت من عوامل ضعفها ثم انهيارها.
أ.د/عبد الله محمد جمال الدين
__________
الهامش:
1- لسان العرب لابن منظور مادة (أمر) طبعة دار المعارف.
مراجع الاستزادة:
1- تاريخ الإسلام السياسى والدينى والثقافى والاجتماعى، للدكتورحسن إبراهيم حسن ثلاثة ، أجزاء ، الطبعة السابعة 1965م القاهرة.
2- الخلافة والدولة فى العصر العباسى، للدكتور/محمد حلمى محمد أحمد القاهرة 1959م.
3- القاموس الإسلامى لأحمد عطية الله. دائرة المعارف الإسلامية مادة (أمير الأمراء) القاهرة 1963(1/54)
أمير المؤمنين
لقب إسلامى لم يعرف بمعناه المتداول إلا منذ عهد الخلفاء الراشدين فقيل: إن بعض الصحابة دعا "عمر بن الخطاب" ملقبا إياه بلقب "أمير المؤمنين" فاستصوبه الناس ودعوه به. فأريد به رئيس دولة الإسلام.
وكان قواد البعوث يلقبون به فيعنى قائد الجند، ولقَّب الصحابة به "سعد ابن أبى وقاص" وقالوا إنه "أمير المؤمنين"، لأنه كان أميرا على جيش القادسية.
وقيل: إن السبب فى استعمال هذا اللقب دالا على خليفة المسلمين: أن بريدا جاء بخبر الفتح من بعض البلاد التى أرسلت قوات إسلامية لفتحها. ودخل حامل البريد المدينة المنورة وهو يسأل عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول: أين أمير المؤمنين؟ وسمعها الصحابة فاستحسنوا هذا اللقب وقالوا: أصبت والله اسمه ، إنه والله أمير المؤمنين حقا ، فدعوه بذلك ، وذهب لقبا توارثه الخلفاء.
ويرى بعض الباحثين أن إطلاق هذه الكلمة على رئيس دولة الإسلام يشير إلى أن المسلمين قد أصبحوا قوة يحسب لها ألف حساب ، وأن عمر رضى الله عنه أصبح أميرا لهذه القوة، وإطلاقه على ذلك يتمشى مع عهد الفتوحات الاسلامية لما فى اللفظ من معنى الجمع بين السلطتين: الحربية والادارية.
أضف إلى هذا أن اللقب يمثل تعبيرا دقيقا عن مهمة الخليفة وعن طبيعة السلطة التى خولتها الأمة لحاكمها. بحيث تنتفى عنه شبهة الوراثة لمهمة النبى الدينية المتمثلة فى نزول الوحى عليه ، صلى الله عليه وسلم كما تنفى عنه شبهة استبداد الملوك أو تجبر القياصرة أو الأكاسرة على النحو الذى كان معروفا آنئذ.
ومهما يكن من أمرفقد استمر اللقب مستخدما منذ عهد عمر رضى الله عنه حتى العصر العثمانى، إلى جانب ما استخدمه السلاطين والملوك من ألقاب بعد ذلك.
وواضح من كل ما سبق أن كلمات: الإمامة العظمى، والخلافة، وإمرة المؤمنين هى كلمات ثلاث مترادفة تشير جميعها إلى قيادة أو رئاسة الدولة الإسلامية.
أ.د/عبد الله جمال الدين
__________
مراجع الاستزادة:
1- النظريات السياسية الإسلامية، محمد ضياء الدين الريس:ط7 القاهرة 1979م.
2- النظم الإسلامية، حسن إبراهيم حسن وعلى إبراهيم. ط4 ، القاهرة 1970م.
3- مقدمة ابن خلدون ، ابن خلدون: القاهرة 1966م.
4- الفكر السياسى عند الماوردى ، صلاح الدين بسيونى: القاهرة 1983م(1/55)
الأناة
لغة: تعنى الأناة فى لغة العرب عددا من المعانى مثل: الحلم ، العقل ، الرزانة ، الوقار.
اصطلاحا: هى الروية والتفكير قبل الحكم ، لتضاد بذلك معنى "العجلة" فى الإقدام على قرار أو حكم قبل التبصر والتثبت.
وتتفاوت درجات الناس فى استجابتهم للمثيرات حولهم ، فمنهم من يستثار لأتفه الأسباب فيطيش ويخطئ على عجل ، ومنهم من تستثيره الشدائد فيتعامل معها بعقل وحكمة وأناة، فيخرج من شدتها مأجورا مشكورا ومع هذا التفاوت فهناك علاقة وثيقة بين ثقة الفرد فى نفسه وبين أناته مع الآخرين ، وتجاوزه عن خطئهم ، فكلما سما دينه وخلقه اتسع صدره ، ووسع غيره بعلمه ،وعذر من أخطأ ، وتسامح مع من سفه عليه.
وقد كانت الأناة -الحلم- صفة لازمة للأنبياء، مارسوها مع الناس ، ونبهوا على أهميتها فى حياة الإنسان ، لذا كان رد الأنبياء على أقوامهم المكذبين والمتهمين لهم معلما للبشرية، فنبى الله "هود" عليه السلام يقول لمن قالوا: {إنا لنراك فى سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين. قال ياقوم ليس بى سفاهة ولكنى رسول من رب العالمين. أبلغكم رسالات ربى وأنا لكم ناصح أمين}الأعراف:66-68.
وما موقف الرسول محمد صلى الله عليه وسلم مع الأعرابى الذى قال له: اعدل فإنك لم تعدل حين رد الرسول الكريم: (ويحك فمن يعدل إذا أنا لم أعدل) إلا شاهد على أناته.
والأناة صفة ممدوحة إلا أن تكون تأخرا عن واجب شرعى فامتداحها فى مثل قول النبى محمد صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس: (إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة) أخرجه مسلم برواية ابن عباس(1) ومن المذموم قول الرسول لمن تأخر عن الصلاة وجاء يتخطى رقاب الناس: (اجلس فقد أذيت وأنيت) (رواه ابن ماجه)(2).
أ.د/أبو اليزيد العجمى
__________
الهامش:
1- صحيح مسلم بشرح النووى باب مبايعة وفد عبد القيس للنبى صلى الله عليه وسلم.
2- سن ابن ماجه 1 /354 إقامة الصلاة باب ما جاء فى النهى عن تخطى الناس يوم الجمعة.
مراجع الاستزادة:
1- محمد الغزالى خلق المسلم طبع الريان سنة 1987م القاهرة.
2- الذريعة إلى مكارم الشريعة، للراغب الأصفهانى تحقيق د/أبو اليزيد العجمى(1/56)
الانتقام
لغة: تدل مادة (نقم) بكسر القاف وفتحها على المبالغة فى الكراهية لشئ ما، ويجئ لفظ "الانتقام" مصدرا للفعل انتقم ليدل على المبالغة فى العقوبة.
شرعا: يعنى العقاب من أجل انتهاك حرمات الله.
وقد وردت مادة الانتقام فى القرآن الكريم صفة لله سبحانه تدل على عقابه للكافرين بآياته والمكذبين بالحق الذى أرسل: {فانتقمنا منهم فأغرقناهم فى اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين}الأعراف:136.
ووصف سبحانه ذاته بأنه عزيز ذو انتقام: {إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام}آل عمران:4.
وفى الحديث الشريف: (ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها)(1) والانتقام المحمود هو الذى يحدث من الإنسان غيرة على دينه وحرمات ربه.
أما الانتقام المذموم فهو التشفى وتجاوز حد العدل فى العقوبة على مايكره إذا وجه إليه أو مس شخصه بشكل أو بآخر.
وهو مذموم لأنه ينتج عن الغضب الهائج من أجل الذات ، وهيجان الغضب يوقف العقل عن التفكير السليم ، فيطيش المنتقم ظنا منه إن هذه قوة وفى الحقيقة هى ضعف لأن الحديث الشريف يقرر: (ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذى يملك نفسه عند الغضب)(3) وأجل الناس شجاعة وأفضلهم مجاهدة وأعظمهم قوة من يكظم الغيظ وعلى ذلك قوله تعالى: {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين}آل عمران:134.
ولو علم الناس أن لذة العفو خير من لذة التشفى؛ لأن العفو يأتى بالحمد والتشفى يأتى بالندم ، لو علموا هذا ما انتقم لنفسه إنسان ، لأنه لو فعل كل إنسان هذا وانتقم لنفسه لانحطّ عالم الإنسان إلى درك السباع والوحوش.
أ.د/أبو اليزيد العجمى
__________
الهامش:
1- البخارى ، فتح البارى 6 /566.
2- البخا رى ، فتح البارى 10 ، 518.
مراجع الاستزادة:
1- الذريعة إلى مكارم الشريعة الراغب الأصفهانى تحقيق د/أبو اليزيد العجمى طبعة 1987م دار الوفاء.
2- خلق المسلم محمد الغزالى طبعة الريان 1408هـ 1987م(1/57)
الأندلس
هو الاسم الذى يطلق على ما كان بأيدى المسلمين من شبه جزيرة إيبريا (إسبانيا والبرتغال اليوم)، الواقعة فى أقصى الجنوب الغربى من القارة الأوروبية. واسم "الأندلس" تعريب للفظ الوندال Vandalos إحدى القبائل القوطية التى حكمت البلاد منذ أوائل القرن الخامس الميلادى. وقد فتح المسلمون هذه البلاد بقيادة طارق بن زياد وموسى بن نصير سنة 92هـ-711م فى عهد الخليفة الأموى الوليد بن عبد الملك.
وينقسم تاريخ الأندلس إلى سبعة مراحل:
1- فترة الولاة التابعبن للخلافة الأموية 92-138هـ 711-756م:
تعاقب على حكم الأندلس فيها نحو عشرين واليا ، وتم خلالها انتشار- الإسلام وتعريب البلاد، رغم نشوب حروب أهلية ترتب عليها انسحاب المسلمين الذين استوطنوا شمال البلاد وبدء حركة المقاومة المسيحية هناك.
2- فترة الإمارة المستقلة 138-316هـ 756-929م:
بدأت بقدوم عبد الرحمن بن معاوية الداخل وتجديد الدولة الأموية بعد انهيارها فى المشرق بأيدى العباسيين. فاستقل عبد الرحمن (صقر قريش) بالأندلس وأورث الإمارة نسله بعده. ومن أعظم أمراء هذه الفترة عبد الرحمن بن الحكم الأوسط 206-238هـ 822-852م الذى إليه الفضل فى توطيد الحكم الإسلامى وفى عدد من المنجزات الحضارية و العمرانية والثقافية.
3- عصر الخلافة (316-422/929-1031):
فى سنة 300هـ 912م ولى حكم الأندلس عبد الرحمن بن محمود، وكان الضعف قد دبّ فى دولة سلفه وجده الأمير عبد الله بسبب الثورات الداخلية، فتمكن عبد الرحمن من إعادة السلام والوحدة إلى البلاد ، وما زال ينهض بالأندلس حتى أصبحت على جانب كبير من القوة والرخاء، وحينئذ أعلن نفسه خليفة وأميرا للمؤمنين ، واتخذ لقب "الناصر لدين الله" متحديا بذلك الخلافتين العباسية والفاطمية، ويعد عصر الخلافة الذى امتد حتي نهاية القرن الرابع الهجرى أزهى عصورالحضارة الأندلسية فى جميع الميادين. وخلف الناصر ابنه الحكم المستنصر الذى اهتم بالثقافة والعلوم ، وبعده الحاجب المنصور بن أبى عامر الذى فرض هيمنته على كل شبه الجزيرة.
4- فترة ملوك الطوائف 422-484هـ 1031-1091م:
فى سنة 399هـ 1008م اندلعت الفتنة أى الحرب الأهلية بين الفئات المتنازعة على السلطة لمدة ربع قرن ، أعلن بعدها إلغاء الخلافة وقيام ما يعرف بدول الطوائف ، إذ استقل حكام الولايات بأعمالهم ، ونشبت بينهم حروب انتهت بإضعاف دولة الاسلام ،حتى تمكن ألفونسو السادس ملك قشتالة (أقوى ممالك إسبانيا المسيحية) من الاستيلاء على طليطلة 478هـ 1085م ، وإزاء عجز ملوك الطوائف وتواكلهم استنجد الشعب الأندلسى بأمير المرابطين يوسف بن تاشفين الذى كان قد أنشأ فى المغرب دوله إسلامية قوية، فدخل الأندلس وهزم الملك ألفونسو فى معركة الزَّلاَّقة 479هـ/1086م ، وبعد ذلك بخمس سنوات قام بخلع ملوك الطوائف وضم الأندلس إلى ملكه.
5- دولة المرابطين 484-541هـ 1091-1147 م:
حكم المرابطون الأندلس وجاهدوا فى الحفاظ على ما بقى بأيدى المسلمين من البلاد، ولكن جهودهم لم تحل دون سقوط "الثغر الأعلى" (سرقطة وما حولها) فى يد ألفونسو الأول ملك أرغون (وهى مملكة مسيحية أخرى) فى 512هـ 1118م. ونشبت فى أواخر عهدهم ثورات فى الأندلس ، وفى المغرب واجهوا ثورة أخرى أخطر قام بها محمد بن تومرت المهدى زعيم دولة الموحدين وخلفه عبد المؤمن بن على وبمصرع تاشفين ابن على انهارت دولة المرابطين.
6- دولة الموحدين 541-645هـ 1147-1247م:
ورث الموحدون عبد المؤمن وخلفاؤه دولة المرابطين بالمغرب والأندلس وظل ملكهم قويا متماسكا فى ظل الخلفاء الثلاثة الأوائل ،وأحرزوا على نصارى الشمال نصرا كبيرا فى موقعة الأرك 591هـ 1195م ، ولكن الهزيمة حاقت بهم بعد ذلك فى معركة العقاب (609هـ 1313م) التى تهاوت بعدها الحواضر الأندلسية واحدة بعد أخرى فى الشرق والوسط والغرب.
7- دوله بنى الأحمر 645-897هـ 1247-1492م:
لم يبق بأيدي المسلمين منذ منتصف القرن السابع الهجرى إلا مملكة غرناطة الصغيرة التى تبلغ مساحتها نحو عشر شبه الجزيرة، ومع ذلك فقد استطاع ملوكها من بنى الأحمر الحفاظ على دولتهم نحو قرنين ونصف قرن ، ولكن النزاعات الداخلية بين آخر ملوكهم والحملات النصرانية ضدهم وتقاعس البلاد الاسلامية المجاورة عن نجدتهم؛ كل ذلك أدى إلى انهيار دولتهم ، فسقطت غرناطة فى أيدى الملكين الكاثوليكيين 897هـ 1492م.
وأصبح مسلمو الأندلس الذين دُعوا "بالموريسكيِّين" خاضعين للسلطة المسيحية التى تعقبتهم بكل ضروب الاضطهاد حتى انتهى الأمر بطرد مئات الآلاف منهم إلى خارج إسبانيا بين 1018-1023هـ 1609-1614م.
وعلى الرغم من ضعف الدولة الأندلسية المتزايد فإن الشعب الأندلسى استطاع أن يحقق منجزات حضارية وثقافية وفنية بالغة الأهمية، مثل مسجد قرطبة الجامع وقصور إشبيلية وحمراء غرناطة، كما كان للحضارة الأندلسية فضلها الكبير على إسبانيا وعلى النهضة الأوربية.
د/محمود على مكى
__________
مراجع الاستزادة:
1- نفح الطيب للمقرى، تحقيق إحسان عباس ، بيروت 1968م.
2- دولة الإسلام فى الأندلس لمحمد عبد الله عنان ، القاهرة 1966م.
3- تاريخ إسبانيا الإسلامية لليفى برفنسال (بالفرنسية)، باريس ، 1950-1953م.
4- تاريخ الفكر الأندلسى ، ترجمة حسين مؤنس ، القاهرة 1955م(1/58)
الأنصار المهدية
مصطلح يطلق على أتباع مهدى السودان، الذى ادّعى فى ربيع الثانى عام 1298هـ ، مارس 1886م أنه المهدى المنتظر، وأطلق على اتباعه الأنصار، تأسيا بالنبى صلى الله عليه وسلم ، وكان محمد أحمد المهدى زاهدا تقيا، وزعيما دينيا، قادرا على تحريك الجماهير التى قامت بدور ملموس كإحدى حركات التصدى للغزو الأوروبى للعالم الإسلامى.
وقد بدأ محمد المهدى فى تكوين نواة جماعة الأنصار، عندما عاد من الحج وهاجر إلى جزيرة آبا (فى النيل الأبيض) ومناداته بنفسه مهديا وخليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإعلانه أنه يقوم بحركة لتجديد الإسلام وتحرير بلاده من الترك والإنجليز(1)، فبايعته القبائل فى كردفان ودارفور وبحر الغزال وشرق السودان.
وكان لجماعة الأنصار دور فى قطع وسائل المواصلات بين نواحى السودان المختلفة مما سبب مشاكل جمّة للقوات المصرية هناك حيث منيت القوات التى بعثها حكمدار السودان آنذاك رؤوف باشا بأول هزيمة تواجه الحكومة هناك منذ فتح إسماعيل باشا للسودان مما جعل الحكومة الإنجليزية تضغط على مصر ابتداء من يناير 1884م لإخلاء السودان ، فكان لها ما أرادت خاصة بعدما امتد نفوذ الأنصار- ليغطى كل مناطق السودان.
وبعد وفاة محمد المهدى فى رمضان سنة 1302هـ ، دب الخلاف بين خلفائه الأربعة الذين اختارهم قبل وفاته ، ولكن نجح عبد الله بن محمد التّعايشى الذى لقبه المهدى بالأمين الصديق أبى بكر، فى تزعمه للأنصار وذلك لأنه كان يقود أقوى فرق الأنصار وهم من البقارة والجعليين والدناقلة وهؤلاء كانوا يكونون القوة العسكرية للأنصارفى عصر- التعايش ، أما الأعمال الإدارية والمالية فكانت تقوم بها جماعة من الدنقلاوية من أهل بيت محمد أحمد المهدى ويلقبون بالأشراف.
وقد تزعم الأنصار بعد استعادة السودان ،عبد الرحمن المهدى بن محمد المهدى 1884م ، الذى كان زعيما لحزب الأمة السودانى ، ثم خلفه نجله السيد صديق المهدى 1911م الذى كان أيضا زعيما روحيا.
ويتزعم حاليا حزب الأمة السودانى الصادق المهدى، الذى شغل منصب رئيس مجلس الوزراء فى السودان فيما بعد.
أ.د/فاروق عبد الجواد شويقة
__________
الهامش:
1- تاريخ السودان الحديث ضرار حسن ضرار ص114.
مراجع الأستزادة:
1- أطلس تاريخ الإسلام. حسين مؤنس: القاهرة. الزهراء للإعلام العربى 1987م.
2- تاريخ السودان الحديث: ضرار صالح ضرار: ط/بيروت مكتبة الحياة 1968.
3- معالم تاريخ سودان وادى النيل ، من القرن العاشر إلى القرن التاسع عشر الميلادى القاهرة ، الشاطر بصيلى عبد الجليل: مطبعة أبو فاضل 1955م.
4- تاريخ الحركة الوطنية فى السودان محمد عمر بشير 1900م-1969م ترجمة هنرى رياض ، وليم رياض ، الجنيد على عمر ، بيروت دار الجيل 1987م(1/59)
الإنكشارية
الإنكشارية فرقة مشاة خاصة داخل الجيش العثمانى، تكونت فى عهد السلطان مراد الأول بناء على أمره ، ونفذها الوزير جاندارلى خليل باشا لتقتصر مهمتها على الحرب وتتفرغ لها، وبذلك أصبحت أول فرقة عسكرية نظامية فى التاريخ.
كانت الإنكشارية وسيلة فعالة فى انتصارات الدولة العثمانية وفتوحاتها فى أوروبا والبلقان والشرق الأوسط ، كما تسببت فى هزائم الدولة ونكساتها.
تكونت فى البداية من ألف فرد دون مراعاة السن ثم صدرت القوانين المتتالية لتنظيم سن الالتحاق بها فأصبح من 8-20.
كان الفرد منهم قبل التحاقه يسلم إلى أسرة تركية نظير جُعل من المال لتعليمه اللغة التركية وآداب الإسلام ثم يؤخذ إلى الفرقة لينتظم فيها. وصل بعض أفرادها إلى أعلى المناصب فى الدولة العثمانية فى كافة الميادين مثل المعمار سنان وتسابقت الأسر المسيحية لإلحاق أولادها بها.
من أسماء رتبهم الكبيرة: أغا الإنكشارية وهو رئيسهم وكان يحضر فى الديوان السلطانى -رغم عدم عضويته فيه- ليقدم تقريرا عن الفرقة إلى السلطان. من رتبهم الكبيرة أيضا سكبان باشى، وباشجا ويش ، ومن رتب ضباطهم الصغيرة: الشوربجى، والسقا باشى، واوضه باشى.
اتبعوا نظاما صارما فى التدريب والطاعة المطلقة، وحرم عليهم مغادرة الثكنات والزواج والاختلاط بالمدنيين والعمل بالتجارة، وأمروا بالتفرغ التام للجندية.
ولما أصاب التأخر الانكشارية فقد أفرادها روحهم القديمة وخرجوا من الثكنات ، وأسسوا بيوتا وعائلات وألهتهم التجارة عن الحروب حتى وصاوا -وهم عماد السلطنة- إلى التمرد عليها. أول حركة عصيان قاموا بها عندما اعترضوا -وهم الجنود- على ارتقاء السلطان محمد الفاتح ، العرش ، محتجين بحداثة سنه وكان أول تمرد حركى منهم ، فى عهد السلطان القانونى الذى أدبهم ونكل بقادتهم.
وصل التدهور بالإنكشارية إلى أن أفرادها كانوا يرفضون الخروج للحرب أحيانا،ويفرون من جبهة القتال أحيانا، ويعينون من يريدون فى المناصب العايا فى الدولة، ويطالبون برؤوس كبار رجال الدولة إذا خالفوهم.
ولما كثر تمرد الإنكشارية ودب فيهم الفساد ، وأسس السلطان سليم الثالث جيشا جديدا ، دعا الإنكشارية إلى الانخراط فيه ، فرفضوا وتمردوا وعزلوا السلطان وقتلوه ، ولما تولى السلطان محمود الثانى الحكم قام بإلغاء الإنكشارية وضرب ثكناتهم بالمدافع ، وقضى عليهم فى مذبحة شهيرة باسم "الواقعة الخيرية" عام 1825م.
أ.د/محمد حرب
__________
مراجع الاستزادة:
1- فى أصول التاريخ العثمانى، أحمد عبد الرحيم مصطفى ط2 ، القاهرة 1993م.
2- الدولة العثمانية، محمد حرب ، الجزء الثامن من موسوعة سفير للتاريخ الإسلامى ، القاهرة 1996م.
Ahmed Cevad Pasa، tarihi Askeri osmani،Istanbul 1882.
Cengiz Orhonlu، Osmanli tarihine aid belgelcr telhisler، Istanbul، 1970.
Ekmeleddin Ihsan oglu، Osmanli Devclti ve Medeniyet Tarihi، Istanbul 1994.
Hakki Dursun yildiz، Dogustan Gununuze،Buyuk islam Tarihi، Istandul 1989.c.12.
Ismail. Hakki Uzuncarsili، Osmanli Devletin Saray Teskilati، Teskilati، Ankara 1945.
Mehmet Zeki Pakalin، Osmanli Tarihi Deyimleri ve terimleri، Istanbul 1955.
Mithat sertoglu، Osmanli tarih Iugati، ist: 1986.365.
Stanford J. Shaw، History of the Ottoman Impire، cambridge 1971(1/60)
الأهلية
لغة: الجدارة لأمر ما، يقال: هو أهل لكذا، أى: جدير به ، كما فى القاموس المحيط.(1)
واصطلاحا: هى صلاحية الإنسان لوجوب الحقوق المشروعة له وعليه.(2)
فالأهلية صفة فى الانسان يقدرها الشارع فى الشخص تجعله محلا صالحا لأن يتعلق به الخطاب التشريعى، باعتبار أن الشارع فيما شرَّع إنما يخاطب الناس بالأحكام آمرا وناهيا ، ويُلزِمُ بتنفيذها واحترامها.(3)
وتنقسم الأهلية إلى: أهلية وجوب ،وأهلية أداء. وكل منهما إما ناقص ، وإما كامل ، فالأقسام أربعة:
(أ) أهلية الوجوب الناقصة: وهى صلاحية الإنسان لأن تكون له حقوق ، ولكن لا يصلح لأن يجب عليه شىء، مثل أهلية الجنين ، فهى ثابتة له فى بطن أمه ، وبها كان أهلا لاستحقاق الإرث والوصية.
(ب) أهلية الوجوب الكاملة: وهى صلاحية الإنسان لوجوب الحقوق له ، وثبوت الواجب عليه. وهذه الأهلية تثبت للإنسان من ولادته إلى موته ، فيرث ويورث ، وتجب له النفقة كما تجب في ماله.
(ج) أهلية الأداء الناقصة: وهى صلاحية الإنسان لصدور بعض التصرفات دون بعض ، ومناط هذه الأهلية هو التمييز حتى يبلغ الانسان عاقلا.
(د) أهلية الأداء الكاملة: وهى صلاحية الإنسان لصدور الأفعال منه على وجه يُعتَدّ به شرعا ، وتثبت هذه الأهلية للبالغ الرشيد؛ فيكون صالحا لإبرام جميع التصرفات من غير توقف على إجازة غيره.(4)
وعوارض الأهلية نوعان: من قبل الله عزَّ وجلَّ كالصغر والجنون ، ومكتسب من جهة العبد كالسفه والإكراه 0(5)
أ.د/على مرعى
__________
الهامش:
1- القاموس المحيط للفيروز أبادى -طبعة مؤسسة الرسالة- بيروت ص1245.
2- كشف الأسرار على أصول البزدوى طبعة الحلبى، 4 /237 معجم لغة الفقهاء لمحمد رواس قلعة جى ، ص96 -طبعة دار النفائس بيروت- ط2 1408هـ 1988م.
3- معجم المصطلحات الاقتصادية فى لغة الفقهاء. نزيه حماد طبعة المعهد العالمى للفكر الإسلامى ط1 ، 1414هـ 1993م ص77،78.
4- القاموس القويم فى اصطلحات الأصوليين محمود عثمان طبعة دار الحديث ط1 1416هـ 1996م.
5- مختصر المنار لزين الدين الحلبى طبعة المكتبة الهاشمية دمشق ص22-24(1/61)
أيام العرب
اصطلاحا: ذكر الروايات العربية عن الحروب والمعارك التى نشبت بين القبائل العربية فى الجاهلية، وقد يكون مع أحد الطرفين قوات غير عربية كما حدث فى يوم "ذى قار" حيث كان الفرس يمثلون طرفا رئيسيا فى المعركة، ويعاونهم بعض العرب.
وأيام العرب كثيرة ومختلفة الأهمية ، فمنها ما هو واسع النطاق اشتركت فيه قبائل كثيرة، ومنها ماهو ضيق النطاق حدث بين عدد من القباتل.
وأيام العرب تسمى بشىء بارز اتصل بهذه الحروب ، مثل حرب البسوس التى سُمِّيت باسم البسوس خالة جسّاس بن مرة، وهى صاحبة الناقة التى كانت سببا فى هذه الحرب ، ومثل ذلك يقال عن داحس والغبراء فهما اسمان لفَرسَين كانا سبب هذه المعارك ، وقد تعرف باسم المكان الذى جرت فيه المعركة، مثل معركة "ذى قار" فهو مكان بين واسط والكوفة، وقد اتبع ذلك فى تسمية المعارك الإسلامية فيما بعد كغزوة بدروأحد.(1)
ويقال:إن أيام العرب بلغت سبعمائة وألف يوم ، وهو رقم مبالغ فيه إلا إذا لاحظنا المعارك الصغيرة التى كانت تقع بين الرعاة بعضهم البعض.
وسنعرض هنا نماذج عن أشهر هذه المعارك:
البسوس:
من أهم أيام العرب ، التى كانت الحرب فيها بين بكر وتغلب ، وقد استمرت أربعبن سنة، وسببها: أن كليبا بين ربيعة من تغلب رمى بالنبل ناقة البسوس بنت منقذ، وهى خالة جساس بن مرة من بكر، وكان كليب زوجا لجليلة أخت جساس ،فاستجارت البسوس بجسَّاس ، فقتل جَّساس كليبا، فقامت الحرب التى أنهكت الجميع ،وعندما جلست نساء تغلب فى مأتم كليب طلبن أن تخرج جليلة أخته القاتل من المأتم ،فخرجت باكية، وأنشدت قصيدة تُعَدَّ من جيد الشعر العربى، أهم ما جاء بها:
يا قتيلا قَوَّض الدهرُبه * سقف بيتىَّ جميعا من عَلِ
هدم البيتَ الذى استحدثتُهُ * وأثنى فى هدم بيتى الأولِ
ومما قاله المُهَلهَلُ أخو كليب فى وصف هذه المعارك:
"قد فنى الحيَّان ، وثكلت الأمهات ، وتيتم الأولاد ، دموع لا تنقطع ، وأجساد لا تدفن".
داحس والغبراء:
هما فرسان ، وكانت داحس ملكا لقيس بن زهيرمن عبس ، والغبراء ملكا لحمل بن بدر من ذبيان ، وقد أقيم سباق بين الفرسين وكان السبق لداحس ، ولكن رجلا من ذبيان لطمه ؛ فشغله ، وأضاع عليه السبق ، فبدأ الصراع الذى طال وامتد، وهلك فيه عدد كبير من الناس والحيوان والمتاع.
يوم ذى قار:
يوم من أيام العرب فى الجاهلية، ويقال: إنه حدث يوم مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقيل بعد ذلك. و"ذو قار"،موضع بين واسط والكوفة على مشارف الصحراء ، وكان ذلك اليوم بين الفرس تؤيدهم تغلب وإياد وبين جيشن عربى اشتركت فيه ربيعة وبكر وبنو عجل وبنو شيبان. وقد انهزمت الفرس وولوا الأدبار، وتبعتهم بكر تضرب وتقتل ، ولا تلتفت لغنائم أو أسرى ، فحققت بذلك نصرا عظيما. ويعد هذا اليوم من مفاخر التاريخ العربى ، ومنه يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (هذا أول يوم انتصفت فيه العرب من الفرس وبى نصروا)
أ.د/أحمد شلبى
__________
الهامش:
1- مجمع الأمثال الميدانى 1 /17.
مراجع الاستزادة:
1- مجمع الأمثال الميدانى، طبعة بيروت 1927م.
2- أيام العرب الزبير بن بكار، القاهرة 1932م.
3- الأغانى أبو الفرج الأصفهانى ، دار الكتب المصرية(1/62)
الإيوان
هى كلمة من أصل فارسى، وجمعها إيوانات وأواوين. ومن أشهر الإيوانات القديمة إيوان كسرى بالعراق ، واستخدمت الكلمة بوصفها مصطلحا أثريا إسلاميا للدلالة على قاعة مستطيلة المسقط الأفقى وغير مسدودة الوجه ، ومسقوفة فى كثيرمن الأحيان بقبو، ويفتح جانبها غير المسدود على فناء غالبا ما يكون غير مسقوف.
استخدم الإيوان بصفة خاصة فى عمارة المدارس الإسلامية منذ عصر السلاجقة. وتشتمل المدرسة على فناء مربع أو مستطيل قد يفتح عليه إيوان واحد هو إيوان القبلة، أو إيوانات متقابلات أو أربعة أواوين محورية أكبرها إيوان القبلة، ومن أبرز أمثلتها فى مصر مدرسة السلطان حسن بالقاهرة، ويعد إيوان القبلة بها أكبر يوان بعد إيوان كسرى.
وعرف الإيوان فى منشات إسلامية أخرى كالخوانق والمساجد.
أ.د/حسن الباشا
__________
مراجع الاستزادة:
1- لسان العرب مادة "أون" ط دار صادر بيروت.
2- القاموس المحيط ، مادة "أون".
3- الفنون الإسلامية والوظائف على الآثار العربية مدخل "مدرس" حسن الباشا.
4- مدخل إلى الآثار الإسلامية: حسن الباشا ، دار النهضة العربية.
5- المدخل أحمد فكرى(1/63)
البابية
البابية نسبة إلى الباب ، والإسماعيلية يستعملون كلمة باب للدلالة على الشيخ أو الأساس ، والنصيرية أول من أطلقوا كلمة باب على سلمان الفارسى، وأما الدروز فيطلقونها على الوزير الروحانى الأول الذى يستعمل العقل الكلى.
وقد ادعى على محمد الشيرازى أنه باب الإمام الغائب الذى تنتظره طوائف الشيعة،وانه باب مظهر الحقيقة الإلهية.
ولد فى شيراز عام 1235هـ-1819م أو بعد ذلك بعام أو عامين ، وتوفى أبوه وهو صغير فكفله خاله ، ورحل به إلى بوشهر، وبعث به إلى معلم ، ثم افتتح له متجرا، ولكنه انصرف عن التجارة إلى قراءة كتب التصوف والنجوم ، وبدت عليه بوادر تدل على عدم الاتزان النفسى والعقلى، فكان يصعد إلى السطح فى شدة الحر ويظل جالسا عارى الرأس لفترات طويلة مغمغما ببعض الأوراد ،واستمر على هذه الحال حتى وقع فريسة لنوبات عصبية ولوثات هيستيرية،والتقى به رجل من تلاميذ الرشتى يسمى جواد الطباطبانى أخذ يحدثه عن بشارات الإحساش والرشتى عن قرب ظهور المهدى، فاستهواه حديثه ، وأخذ يقرأ فى كتب المشعوذين والمنجمين وتأثيرات الكواكب الروحية.
وزاد اضطرابه النفسى والعصبى فبعث به خاله إلى كربلاء ، أملا فى شفائه وقد طاب له المقام هناك ، ولفت تلامذة الرشتى انطواؤه وعكوفه على التهجد والتلاوة، فذهبوا به إلى مجلس الرشتى:فوجد فيه بغيته ، وأعجب بما يقوله ويكتبه ، فآخذ يقلده ، وفى حلقات الرشتى، تلقفه جاسوس روسى فعقد معه أواصر الصداقة والمودة، وتبادلا الزيارات ، وانعقدت بينهما المجالس فى جوف الليل على دخان الحشيش.
ومن خلال هذه الجلسات ، اكتشف ذلك الروسى أن الشيرازى فريسة سهلة، فأخذ يوحى إليه بأنه هوذلك القائم الذي يبشربه الرشتى، وينادى بصاحب الأمر وصاحب الزمان.
وفى مجلس الرشتى سئل عن المهدى أين هو؟ فأجاب أنا لا أدرى وقد يكون معنا فى المجلس ، فتلقف هذا الروسى هذه الإجابة؛ وأخذ يلقى شباكه على الشيرازى.
ليصنع منه ذلك الموعود، وفى ذلك يقول:"رأيت فى المجلس الميرزا على محمد الشيرازى فتبسمت وصممت فى نفسى أن أجعله ذلك المهدى المزعوم.
وقد أثمرت هذه الايحاءات الشيطانية ثمرتها، فبعد أن انتقل الشيرازى من كربلاء إلى بوشهر أرسل خطابا لهذا الروسى فى مايو سنة 1844م يخبره فيه أنه الباب ويدعوه إلى الإيمان بأنه نائب صاحبه العصر، وباب العلم فكان جوابه عليه:"إنه يؤمن أنه صاحب الزمان وإمام العصر، لا بابه ونانبه راجيا ألا يحرمه مما عنده من حقائق ، ولا يحجبه عن أصوله ، لأنه أول من يؤمن به ثم يعقب قائلا:.. وحمدت الله أن سعيى لم يضع هباء، وأن جهودى التى انفقف فيها الجهد والوقت والمال قد أثمرت ثمرتها وآتت أكلها.
وقد ساعد على ظهور الحركة البابية فى إيران:
1- الاستعداد الذهنى الذى ينتظم غلبية السكان هناك من إيمانهم بانتظار ظهور الإمام الغائب.
2- تهيئة الجو النفسى العام الذى كان يسود عددا كبيرا من الناس آنذاك نتيجة لما كانت تنادى به طائفة الشيخية على يد شيخيها أحمد الإحسائى وكاظم الرشتى اللذين كانا يكثران من الحديث عن ظهور الموعود الذى حان أوانه.
3- نشاط الاستعمار الروسى بواسطة رجاله ومحاولته اصطناع اتباع له يأتمرون بأمره ويحققون أهدافه بإثارة القلاقل والبلبلة فى صفوف المجتمع الإيرانى.
4- وجود الشخص المؤهل نفسيا وعقليا للقيام بما يطلب إليه تنفيذه وقد تحقق ذلك فى شخص على محمد الشيرازى (الباب) وأعلن الباب عن نفسه بأنه باب المهدى أولا، ثم أعلن بعد ذلك أنه المهدى وكان له أعوان أخذوا ينشرون دعوته ، فتقبلها بعض الناس ، ورفضها الغالبية، وبدأ صراع انتهى بقتل الباب.
وللبابية تعاليم تتناول العقائد والعبادات خرجوا فيها على الإسلام ، وخالفوا ما جاء فى الكتاب والسنة، فهم يرون أن الله يحل فى البشر، وأن حلوله فى بشر يعتبرمظهرا إلهيا فى هيكل بشرى، وهذا كفر صُراح ، وأنما ظهور الله فى هيكل تعدد بتعدد الأنبياء والرسل ، وأن الظهور الأخير أتم من الظهور الأول ، ومن هنا يعتبر الباب نفسه أكمل مظهر بشرى للحقيقة الإلهية وهم يكفرون بالآخره ، كما جاءت فى القرآن الكريم فلا يؤمنون ببعث ولا بجنة ولا نارولا حساب مثلهم مثل الدهريين الذين تحدث عنهم القرآن الكريم حين قال:{وقالوا ما هى إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر}الجاثية:24. والقيامة عندهم قيام الروح الإلهى فى مظهر بشرى جديد ، وألغوا الصلوات الخمس ، وجاء فى كتاب "البيان":(رفع عنكم الصلاة كلها إلا من زوال إلى زوال تسع عشرة ركعة واحدا واحدا بقيام وقنوت وقعود لعلكم يوم القيامة بين يدى تقومون ثم تسجدون ثم تقنتون..) والقبلة هى بيت الباب أو سجنه أو البيوت التى عاش فيها، والصوم عندهم تسعة عشر يوما، ويسمونه شهر العلاء، لأن الشهر تسعة عشر يوما والسنة تسعة عشر شهرا، والزكاة عندهم خُمس العشار، وتسلم إلى المجلس القائم على شئون الجماعة
والحج إلى الأماكن التى جعلها الباب قبلة لهم ، ويصح للرجل أن يطلق زوجته تسع عشرة طلقة، وعدتها تسعة عشر يوما، وإذا كانت أرملة تكون عدتها خمسة وتسعين يوما،والذين لهم حق الميراث سبعة:الذرية بنين وبنات بدون تفريق ، والزوج والزوجة، والوالد والوالدة ، والأخ ، والأخت.
أ.د/محمد إبراهيم الجيوشى
__________
مراجع الاستزادة:
1- دائرة المعارف الإسلامية المجلد الثالث ص227.
2- كتاب البيان الواحدالباب التاسع عشر.
3- البابية والبهائية د/محمد إبراهيم الجيوشى ط المجلس الأعلى للشئون الإسلامية سلسلة دراسات إسلامية سنة 1998م.
4- د/عبد اللطيف العبد فليعودوا إلى الصراط المستقيم دار الثقافة العربية سنة 1997م(1/64)
براعة الاستهلال
البراعة لغة:كمال الفضل.
والاستهلال لغة:الابتداء، كما فى اللسان.(1)
براعة الاستهلال اصطلاحا:ضرب من ضروب الصنعة التى يقدمها أمراء البيان ، ونقاد الشعر، وجهابذة الألفاظ ، بأن يبدأ المتكلم بمعنى ما يريد تكميله ، وإن وقع فى أثناء الكلام(2) وقد ذكر ابن المعتز فنا فى محاسن الكلام سماه (حُسن الابتداءات)(3)، وأراد بهذه التسمية ابتداءات القصائدة إذ ينبغى للشاعر إذا ابتدأ قصيدة ابتدأها بما يدل على غرضه فيها.
وكذلك ينبغى للخطيب إذا ارتجل خطبة، والبليغ إذا افتتح رسالة، أن يكون ابتداء كلامه دالأ على انتهائه ، فالابتدأء أول ما يقرع السمع ، فإن كان عذبا، حسن التركيب ،صحيح المعنى، أقبل السامع على الكلام فوعاه ، وإلا أعرض عنه ، وإن كان الباقى فى غاية الحسن (4).
وتعد (براعة الاستهلال) فرعا فرعه المتأخرون مما يسمى (حسن الابتداءات) فيرى السيوطى أن براعة الاستهلال أخص من حسن الابتداء ، لأن البراعة لابد فيها من الإشارة إلى ما سيق الكلام لأجله ، بخلاف حسن الابتداء فلا يشترط فيه ذلك (5).
غير أن الخطيب القزوينى لا يرى فرقا بين حسن الابتداء وبراعة الاستهلال ، فكلاهما شىء واحد، وبأيهما سميت كنت مصيبا، فأحسن الابتداءات ما ناسب المقصود، ويسمى براعة الاستهلال (6).
وإذا تأملت السور القرآنية ، جملها ومفرداتها ، رأيت من البلاغة والتفنن فى الفصاحة ما لا تقدر العبارة على حصر معناه.(7)
فمن الأمثلة القرآنية، قوله تعالى:
{إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم}الإسراء:7.
{ليس لها من دون الله كاشفة}النجم:58.
{صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة}البقرة:138.
ومن أمثال السنة النبوية، قوله صلى الله عليه وسلم:
(الحلال بين والحرام بين)
(خير الأمور أوساطها)
(لا ضرر ولا ضرار)(8)
ومن الأمثال الشهيرة التى سارت على وجه الدهر، قولهم:
(تسمع بالمعيدى خير من أن تراه) يضرب مثلا للذى رؤيته دون السماع به.
وقولهم (أسمع جعجعة ولا أرى طحنا) أى أسمع جلبة ولا أرى عملا ينفع التمثيل إذا.
وقولهم (مواعيد عرقوب) وهو رجل يهودى من خيبر كان يعد ولا يفى ، فضربت به العرب المثل.
وقد اتفق أصحاب الذوق السليم على أن التمثيل إذا جاء فى أعقاب المعانى ، سواء كان المعنى مدحا أو ذما حجاجا أو افتخارا ، اعتزارا أو وعظا ، كساه أبهة ورفع من شأنه ، فتتحرك النفس إليه ويهفو القلب له ، وهكذا الحكم إذا استقرأت فنون القول وشعوبه.(9)
أ.د/عبد القادر حسين
__________
الهامش:
1- لسان العرب لابن منظور مادة (برع)، ومادة (هلل) ط دار المعارف.
2- تحرير التحبير لابن أبى الإصبع المصرى، ص168 ، ط المجلس الأعلى للشئون الإسلامية.
3- البديع لابن المعتز ص75 ط كراتشكوفسكى.
4- الوشاح للكرمى 3 /254 ط1375هـ.
5- معترك الأقران للسيوطى 1 /75 ط مصر.
6- الإيضاح للخطيب القزوينى ص485 ط الآداب.
7- التبيان للطيبى ص456 طبعة عالم الكتب.
8- كشف الخفاء ومُزيل الإلباس للعجلونى 1 /365 ، 591 ، ط مصر 1352هـ.
9- أسرار البلاغة لعبد القاهرالجرجانى ص115 ، 116 ط جدة(1/65)
البربر
يقصد بالبربر الجماعة التى أقامت منذ أحقاب بعيدة فى الشمال الإفريقى فى الأرض الممتدة من برقة شرقا حتى المحيط الأطلسى غربا، وهذه المنطقة أطلق عليها لفظة المغرب بمدلولها العام.
وأما لفظة بربر التى عرفوا بها فقد اختلف المؤرخون فى تفسيرها:
1- فالسلاوى ينسب كلمة بربر إلى بر بن قيس (1).
2- وابن خلدون يرجع الكلمة إلى ما قاله إفريقى بن صيفى من ملوك التبابعة حين سمع كلامهم قال:ما أكثر بربرتكم ، فسموا بالبربر، والبربرة بلسان العرب هى اختلاط الأصوات غير المفهومة(2).
3- كلمة بربر مأخوذة من لفظ برباردس ،وتعنى الرافضة للحضارة الرومانية.
وعاش البربر على شكل جماعات وبعضهم عاش داخل المدن ، واختلطوا بمن احتل البلاد كالرومان والوندال وغيرهم ، والغالبية عاشت على شكل قبائل وجماعات ، واتخذت من سهول وجبال المنطقة موطنا وسكنا.
والباحث فى الجذور الأولى لشعب البربر وموطنهم الأصلى يجد اختلاف وتباينا فى أقوال المؤرخين ، فابن حزم قال:إنهم من بقايا ولد حام بن نوح عليه السلام وادعت طوائف منهم إلى اليمن (3) وابن خلدون يذكر أن فلسطين ، كانت موطنهم الأول (4) ، وابن خرداذبة يشير إلى أن مواطنهم الأولى فلسطين ، وبمناقشة الآراء فى ذلك يمكننا أن نستخلص أن جيل البربركغيره من الأجيال التى عمرت الأرض وساحت فى أرجائها:
طلبا للرزق وسعيا وراء العيش ثم اتخذت لها موطنا فى أرض المغرب حيث تناسلت وتكاثرت.
وقد قسم النسابون العرب البربر إلى شعبين كبيرين ، يقول ابن خلدون:"وأما شعوب هذا الجبل وبطونهم فإن علماء النسب متفقون على أنهم صنفان عظيمان وهما:برنس ومادغيس ويلقب مادغيس بالأتبر فلذلك يقال لشعوبه التبر، ويقال لشعوب برنس البرانس ، وهما معا ابنا بر وقد اختلف المؤرخون فى تعليل انقسام البربر إلى هذين القسمين ؛ وربما كان مرجع ذلك أن قبائل التبر تغلب عليها صفة البداوة فمواطنهم الوديان العالية والوطيئة وكذلك المناطق الرعوية وشبه الرعوية التى تمتد امتدادا متصلا من طرابلس إلى تازا ، وكذلك ينتشرون فى أقاليم النخيل الممتدة من غدامس إلى السوس الأقصى، وهم بذلك يكونون غالبية سكان القرى والصحراء.
أما قبائل البرانس فتغلب عليها صفة الحضارة ، إذ تنتشر الغالبية منها فى مناطق السهول التى تحيط بالساحل وكذلك المناطق الجبلية التى تمتد عبر المغرب.
وأما أشهر قبائل التبر فهم:زواغة وزوادة ولواتة ومزاتة وتفوشة. ومفيلة وزناتة ومطغرة وغيرها وأشهر قبائل البرانس:المصامدة وغمارة وأورية وكتامة وصنهاجة وغيرها.
وقد أشار ابن خلدون إلى حياتهم فهم يسكنون فى بيوت من الحجارة أو الطين أو الشعر ، ويشتغل بعضهم بالرعى وآخرون بالزراعة (6) وقد جبلوا على كثير من الفضائل الإنسانية منها حماية الجار ورعى الأذمة والوفاء بالقول والصبر على المكاره والثبات فى الشدائد ورحمة المسكين وبر الكبير وتوقير أهل العلم وقرى الضيف وعلو الهمة وإباء الضيم.
أ.د/حسن على حسن
__________
الهامش:
1- السلاوى:الاستقصا فى أخبار المغرب الأقصى 1 /45.
2- العبر فى ديوان المبتدأ والخبر ابن خلدون:6 /89.
3- جمهرة أنساب العرب ص461.
4- مختصر كتاب البلدان ص3.
5- ابن خلدلن:العبر 7 /9.
6- المصدر السابق 6 /89(1/66)
البردة
لغة:كساء يُلتحف به وجمعه:بُرُد، والبُرد، بضم فسكون:ثوب مخطط جمعه أ براد ، وأ برد ، وبُرُود. وقيل:إذا جعل الصوف شقة وله هدب فهى بردة(1) وفى حديث سهل بن سعد أنه قال للقوم:أتدرون ما البردة؟ فقال القوم:هى شملة، فقال سهل:هى شملة منسوجة فيها حاشيتها. (رواه البخارى)(2) والشملة:شقة من الثياب ذات خمل -أى أهداب- يتوشح بها ويتلفع.
واصطلاحا:حين يذكر لفظ (البردة) يتبادر منه بردة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يتعلق بها.
وقد خلَّف رسول الله صلى الله عليه وسلم بردتين هما:
البردة الكعبية والبردة الأيلية.
1- أما البردة الكعبية:فقد روى أن كعب ابن زهيركانت له ملاحاة مع أخيه بجير حين أسلم ، تعرض فيها لأبى بكر رضى الله عنه ، فكتب بجير إليه يحذره قائلا:إن كانت لك فى نفسك حاجة فطر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه لا يقتل أحدا أتاه تائبا، فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنشده قصيدة يظهر بها إسلامه ،ويمدحه فيها، وهى قصيدة مشهورة مطلعها:
بانت سعاد فقلبى اليوم متبول * متيم إثرها لم يفد مكبول
فعفا عنه الرسول صلى الله عليه وسلم وأعطاه بردته ، ولذلك سميت هذه القصيدة بالبردة ، وحددت بعض الروايات أنه ألقاها إليه عند قوله:
إن الرسول لسيف يستضاء به * مهند من سيوف الله مسلول
يقول ابن كثير:وهذا من الأمور المشهورة جدا ولكن لم أر ذلك فى شئ من هذه الكتب المشهورة باسناد أرتضيه ، فالله أعلم (3).
فلما كانت خلافة معاوية بن أبى سفيان بعث إلى كعب بن زهير:بعنا بردة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشرة آلاف ، فوجه إليه:ما كنت لأوثر بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا، فلما مات كعب بعثا معاوية إلى أولاده بعشرين ألفا وأخذ البردة(4)، وهى التى يلبسها الخلفاء فى العيدين (5).
2- وأما البردة الأيلية:فقد روى أن أبا العباس عبدالله بن محمد اشتراها بثلاثمائة دينار، وأنها هى البردة التى توارثها خلفاء بنى العباس.
فالبردة التى كانت عند العباسيين قد تكون هى الكعبية، ورثوها من الأمويين ، أو الأيلية، اشتراها أول الخلفاء العباسيين ؛ إذ كانت عندهم بردة واحدة أحرقها هولاكو(6) ويروى حسن إبراهيم حسن أن الكعبية بيعت للمنصور العباسى بأربعين ألفا ولاتزال فى القسطنطينية إلى اليوم (7)، فلعلها إحدى هاتين البردتين.
ولما كانت قصيدة كعب قد أجيزت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ببردته ، وكانت مخصصة لمدحه ، فقد اتخذها الشعراء من المحبين لرسول الله صلى الله عليه وسلم دليلا ينسجون على منواله القصائد فى مدحه ، تقربا إلى الله وتنفيسا عن عواطفهم ، وما يزال ذلك دأبهم.
ومن أشهر القصائد فى ذلك قصيدة (بردة المديح) للإمام شرف الدين أبى عبدالله محمد بن سعيد بن حماد البوصيرى الصنهاجى، ومطلعها:
أمن تذكرجيران بذى سلم * مزجت دمعا جرى من مقلة بدم
وقد كان أحد أبويه من بوصير، وثانيهما من دلاص ، وكلاهما بمصر الوسطى، ولد سنة ثمان وستمائة هجرية 1212م ، وتوفى سنة ست أو أربع وتسعين وستمائة للهجرة 1296م ، وقد لقيت قصيدته هذه قبولا عاما من المسلمين ، حتى عقدوا لقراءتها المجالس ، ورتبوا لها طرق الانشاد، معتقدين فى بركاتها، حيث إن ناظمها كان قد أصيب بالفالج حتى أبطل نصفه ، وأعيا الأطباء ، فصح عزمه على أن ينظم قصيدة فى مدح المصطفى صلى الله عليه وسلم يتشفع بها إلى الله ، ويرجو منه البرء والشفاء، يقول:إنه لما ختمها رأى المصطفى صلى الله عليه وسلم فى منامه يمسح عليه بيده المباركة. ويلفه فى بردته الشريفة فعوفى لوقته.
وكما كانت قصيدة كعب بن زهيرمن عيون الشعر، كانته بردة البوصيرى؛ حتى رأى فيها الشعراء المجيدون مستوى رفيعا يتبارون فى ساحته ، سواء بالمعارضة أو التشطير، أو التخميس ، أو التسبيع ، ورأى فيها العلماء ميدانا لفنونهم العلمية ، لغوية وأدبية وحديثية، وغيرها حتى جاوزوا السبعين عددا ، ومن أشهر من عارضها فى العصر الحديث أمير الشعراء أحمد شوقى بقصيدة عصماء مطلعها:
ريم على القاع بين البان والعلم * أحل سفك دمى فى الأشهرالحرم
أ.د/عبد الفتاح عبد الله بركه
__________
الهامش:
1- لسان العرب لابن منظور مادة (برد) ط دار المعارف.
2- صحيح البخارى كتاب اللباس باب البرود والحبرة ط الشعب.
3- البداية والنهاية لابن كثير مكتبة المعارف بيروت 1966م.
4- إمتاع الأسماع للمقريزى 1 /494 ط2 نشر الشئون الدينية بقطر وعوارف المعارف للسهروردى ص144 نشر المكتبة العلامية بمصر 1939م.
5- الشعر والشعراء لابن قتيبة تحقيق أحمد محمد شاكر 1 /156 ط دار المعارف بمصر 1966م.
6- حدائق الأنوار لوجيه الدين الشيبانى تحقيق عبد الله إبراهيم الأنصارى. القسم الثانى هامش (3) ص718-719 مطبعة محمد هاشم الليثى بدمشق نشر على نفقة أمير دولة قطر.
7- المرجع السابق نفسه(1/67)
البدو
لغة:البادية، وسكان البادية، وفى التنزيل العزيز{وجاء بكم من البدو}يوسف:100 والبادية؛ فضاء واسع فيه المرعى والماء، والنسبة إلى بدو:بدوى على غير قياس ،والأنثى بدوية، وجمع بادية بواد ، وهى الصحراء، بخلاف الحاضرة كما فى المنجد.(1)
واصطلاحا:كانت تطلق على منطقة جنوب غرب آسيا من الجزيرة العربية، وهى منطقة تخص القبائل العربية الرُّحَّل ، فكان منهم قبائل قيس فى شمال بلاد العرب ،واليمن فى جنوبها.
ويقصد بهم حاليا:أهل الجزيرة العريية ووسط آسيا وشمال أفريقيا من الرعاة الرحل وأشباه الرحل ممن لم يستقروا بعد، حيث يعيشون فى مناطق جافة وشبه جافة حيث لا تسمح الأحوال الأيكولوجية إلا بحياة الظعن والحركة(2).
وكان الاعتماد على حيوان الحمل والتحمل (الجمل) وحيوان الكر والفر (الحصان)، فكانت ثقافة وحضارة خاصة تميزت بمميزات قائمة على مكونات هذين الحيوانين فى الغذاء والكساء والماوى وما إلى ذاك.
كل هذا كان قبل أن يظهر زيت البترول ، ويستخرج بكميات كبيرة منحت لسكان هذه البيئات دخلا كبيرأ فدخلت الأدوات التكنولوجية المتقدمة مما بدل الحال والمعيشة كثيرا.
والملاحظ أن هذه المناطق التى ظهر بها البترول يشغلها الوطن العربى ومعظم العالم الإسلامى، فكان أن أصبحت نعمة ومنحة الله للعرب والمسلمين اختبارا وابتلاء ومحنة لهم ، حتى يكونوا أهل تكافل وتعاون.
أ.د/فاروق عبد الجواد شويقة
__________
الهامش:
1- المنجد فى اللغة والأعلام ، دار المشرق ، ط28 ، سنة 1986 ، بيروت.
2- أنماط من البيئات ، جمال حمدان، عالم الكتب ، القاهرة.
مراجع الاستزادة:
1- المعجم الوسيط ، مجمع اللغة العربية، ط3 مادة بدو الكتب 1 /46.
2- Gaisfcond John(ed.):Atlas of Mon. London، Mopshail covendish Book، 1978(1/68)
البرزخ
لغة:يقصد به كل ما يحجز بين شيئين أو مكانين ، وقد ورد البررخ بهذا المعنى فى القرآن الكريم فى قوله تعالى:{مرج البحرين يلتقيان. بينهما برزخ لا يبغيان}الرحمن:19 ، 20، وقوله تعالى:{وهو الذى مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما بررخا}الفرقان:53.
واصطلاحا:يطلق على الفترة الممتدة من موت الإنسان إلى بعثه ، وذلك عند النفخة الثانية. وقد ورد البررخ بهذا المعنى فى القرآن الكريم مرة واحدة فى قوله تعالى:{ومن ورائهم بررخ إلى يوم يبعثون}المؤمنون:100 ، ولا يعد البرزخ منزلا من منازل الدنيا أو الاخرة عند علماء الكلام. وهو نوعان:زمانى وهو الفترة الممتدة بين الموت والبعث ، ومكانى وهو:القبر.
وللبرزخ عند الصوفية أيضا مراتبه حسية ومعنوية تفصل بين عالمين ، فيطلق عندهم ويراد به المعنى الدينى وهو:العالم الذى ندخله بعد الموت ، ويعدونه أيضا من أول منازل الآخرة. كما يطلق على العالم الذى ترحل إليه الأنفس والأرواح فى حالة النوم ؛ ويستعمله ابن العربى فى عوالم عديدة أبرزها ما يسميه بالخيال المطلق أو عالم الجبروت الذى يفصل بين عالم الملك والملكوت ، وهذا البرزخ فاصل وجامع فى آن واحد ، وهو قابل للمتضادات ، فهو:لا موجود ولا معدوم ، ولا معلوم ولا مجهول ، ولا منفى ولا ثابت.
ومن برازخ ابن العربى أيضا:
1- بررخ عالم المثال.
2- برزخ الثبوت "وهو الفاصل بين مرتبة العدم ومرتبة الوجود".
3- برزخ العالم المشهور بين عالم المعانى والصور.
أ.د/أحمد الطيب
__________
مراجع الاستزادة:
1- القاموس المحيط للفيروز آبادى.
2- تفسير القرطبى (الآية 100 من سورة المؤمنون).
3- حواشى على شرح الكبرى للسنوسى ط الحلبى مصر، 1936م (ص501-502).
4- لطائف الإعلام بإشارات أهل الإلهام للقاشانى (1/مادة برزخ).
5- الفتوحات المكية لابن العربى 1 /304-307(1/69)
البطالة
لغة:يقال بَطَلَ العامل:تعطل فهو بطَّال ،وبَطَّلَ العامل:عطله ، وبطل العمل:قطعه (محدثة)(1)
واصطلاحا:هى التوقف عن العمل أو عدم توافر العمل لشخص قادر عليه وراغب فيه.
والبطالة قد تكون حقيقية أو بطالة مقنعة، كما قد تكون بطالة دائمة أو بطالة جزئية وموسمية، وتتضاعف تأثيراتها الضارة إذا استمرت لفترة طويلة وخاصة فى أوقات الكساد الاقتصادى، وكان الشخص عائلا أو ربا لأسرة، حيث تؤدى إلى تصدع الكيان الأسرى وتفكك العلاقات الأسرية وإلى إشاعة مشاعر البلادة والاكتئاب.
وأيا ما كانت الأسباب المؤدية إلى البطالة كأن تكون أثرا لما يوجد فى المجتمع من تناقضات فى بناء الفرصة، أو نتيجة للتخصص المتزايد والتنافس الشديد فى الإنتاج الرأسمالى ، فلا سبيل إلى مكافحتها إلا بإتاحة فرص العمل التى تصونها الضوابط العادلة من شرع الله والتى تهتم بالحاجات العامة للإنسان ، فالدين والعمل هما إذن طوق النجاة من شرور البطالة والأزمات الاقتصادية.
وإذا كانت الدولة تشعر بنوع من الالتزام الأخلاقى حيال المتعطلين فإن العمل يمثل خطا أساسيا فى الإسلام لدرجة أن الكثير من الآيات الكريمة تربط جذريا بين الإيمان والعمل الصالح. قال تعالى:{فإذا قضيت الصلاة فانتشروا فى الأرض وابتغوا من فضل الله}الجمعة:10 ، كما يقول الرسول الكريم:(إن طلب كسب الحلال فريضة)(2).
وفى هذا ضمان خير ضمان لإشباع الحاجات من ناحية، وتحقيق المواءمة بين المصلحة العامة والخاصة من ناحية ثانية.
أ.د/محمود أبوزيد
__________
الهامش:
1- المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية ج1 ، ط القاهرة سنة1985م ، مادة (ب.ط.ل) ص63.
2- السيوطى الجامع الصغير(1/70)
البلاغة
لغة:الوصول والانتهاء ومشارفة الغاية.كما فى اللسان. يوصف بها الكلام والمتكلم ، ولا توصف بها الكلمة إلا على سبيل المجاز. قال الزمخشرى فى أساس البلاغة، ومن المجاز:حفظت كلمة الحويدرة (الشاعر) لقصيدته ، وهذه كلمة شاعرة.
واصطلاحا:مطابقة الكلام لمقتضى الحال مع فصاحته ، والحال ويسمى المقام:هو الأمر الذى يدعو المتكلم إلى أن يعتبر فى كلامه خصوصية ما، فيأتى بكلامه على نحو خاص من الصياغة والتعبير من تقديم وتأخير أو ذكر أو حذف أو تعريف أو تنكير أو قصرأو إنشاء وغيرذلك من المعانى التى تترجم عن فكر المتكلم وقلبه ،ولذا قالوا:لكل مقام مقال ، ولكل كلمة مع صاحبتها مقام ومجىء الكلام معبرا عن حال صاحبه ملائما لحال المخاطب يسمى مقتضى الحال ، أو الاعتبار المناسب، فذكاء المخاطب يقتضى الإيجاز، والانكار يقتضى التوكيد ، والإنكار يقتضى التعريف والتكذيب والتوبيخ اقتضى همزة الاستفهام الإنكارى فى قول الله تعالى ردا على عقائد المشركين:{أصطفى البنات على البنين}الصافات:114 ، وهكذا تتغير الأساليب وتتنوع خصائص التعابير لتشمل كل كلام بليغ ، والاعتبار المناسب يقابل مصطلح "النظم" أو نظرية النظم التى طورها وأوفى بها الغاية الإمام عبد القاهر الجرجانى 474هـ.
بلاغة المتكلم:هى حالة راسخة، أو ملكة عند البليغ يعبرويبدع فى ذوق ورهافة حس ، ودقة فكر ومطابقة لمقتضى الحال.
مراتب البلاغة:يتفاوت البلغاء فى تعابيرهم وإلمامهم بالمقامات ومواهبهم وثقافتهم وقوة خيالهم ونفاذ فكرهم ، تفاوتا كبيرا ، شعرا ونثرا ثم يأتى النظم القرآنى ممثلا للإعجاز الذى فاق القوى، والقدرة والفصاحة داخلة فى مفهوم البلاغة التى تتوج علوم العربية وفنونها من اللغة والنحو والصرف والتعمق فى الأدب شعرا ونثرا ليكون الشكل والمضمون كلا لا يتجزأ.
وقد تفرع من البلاغة علم المعانى أو التراكيب ، وعلم البيان من تشبيه ومجاز ، وكناية ، وعلم البديع بمحسناته المعنويه واللفظية ، إن برئت من التكلف واقتضاها المقام.
أ.د/صبّاح عبيد دراز
__________
مراجع الاستزادة:
1- البلاغة تطور وتاريخ د/شوقى ضيف نشر دار المعارف ط3.
2- عبد القاهر الجرجانى د/أحمد بدوى الناشر مكتبة مصر ط2.
3- الإيضاح الخطيب القزوينى تحقيق د/عبد المنعم خفاجى دار الكتاب اللبنانى ط5 سنة 1403هـ-1983م.
4- بغية الإيضاح الشيخ عبد المتعال الصعيدى المطبعة النموذجيه القاهرة.
5- البيان والتبيين الجاحظ مكتبة الخانجى مصر.
6- شروح التلخيص طبع عيسى الحلبى سنة 1937م.
7- العمدة لابن رشيق دار الجيل بيروت لبنان ط4 سنة 1973م.
8- نظرية عبد القاهر فى النظم د/درويش الجندى مكتبة نهضة مصر سنة 1960م(1/71)
بنو الأحمر
يقصد بهم الأسرة التى حكمت مملكة غرناطة Granada آخر معاقل الإسلام فى الأندلس ، ومؤسس الدولة هو محمد بن يوسف بن نصر، الذى ينتهى نسبه إلى الصحابى سعد بن عبادة الخزرجى رضى الله عنه، ولد سنة595هـ-1198م ، وكان قائدا شجاعا عاش فترة سقوط الحواضر الأندلسية الكبرى بعد هزيمة المسلمين فى معركة العقاب 609هـ-1212م ونشوب الفتن بين زعمائهم ، فاضطر لمصانعة ملك قشتالة فرناندو الثالث والاعتراف بتبعيته له 643هـ-1245م ، ولكنه كان يعتزم لم شتات ما بقى من الأندلس ، فلجأ لغرناطة وحاضرتيها مالقة وألمرية، واستقر ملكه بهذه الرقعة الجبلية التى تبلغ مساحتها عشرشبه الجزيرة.
واستطاع توطيد سلطته والتقوِّى بالمسلمين الهاربين من المدن التى استولى عليها النصارى. وتوفى فى 671هـ-1272م ، وخلفه ابنه محمد الفقيه الذى نظم دواوين الدولة وجباياتها وخلع عليها صفة الملوكية، واستمر حكمه حتى 701هـ-1302م.
وتعاقب بعد ذلك الملوك من بنى الأحمر على مدى القرنين التاليين ، وتراوحت علاقاتهم بجيرانهم من سلاطين بنى مرين بالمغرب وملوك قشتالة وأرغون النصرانيتين بين المواجهة والمحالفة، وبلغت دولتهم فى بعض العهود درجة عالية من القوة والازدهار كما قدر لها أيام محمد الغنى بالله بن يوسف 755-793هـ/1354-1391م ، على أن القرن التالى يشهد تدهور الأحوال بسبب نشوب الثورات وتزايد الحملات النصرانية والتنازع بين أفراد الأسرة الحاكمة. وخلال السنوات الثلاثين الأخيرة نشبت الحرب الأهلية بين السلطان أبى الحسن على بن سعد وأخيه محمد "الزَّغُلّ" ثم مع ابنه أبى عبد الله ، ويأسر جيش قشتالة هذا الأخير ويرغمونه على تسليم غرناطة بعد سقوط معاقلها الكبرى فى سنة 897هـ-1492م.
وعلى الرغم من سوء الأحوال المتزايد فى غرناطة الإسلامية فقد كان شعبها من أنشط الشعوب فى استغلال مواردها المحدودة وأكثرها حرصا على الثقافة والفنون ، يشهد بذلك قصر الحمراء الذى يعد درة فنية نادرة، ثم من نبغ فى غرناطة من كبار العلماء والأدباء، مثل الوزير الشاعر المؤرخ لسان الدين بن الخطيب 776هـ-1374م والشاعر ابن زمرك 797هـ-1395م وابن خاتمة 770هـ-1369م ، والفقيهين القاضيين أبى الحسن النباهى ومحمد بن عاصم القيسى 829هـ-1426م ، والنحوى المفسر أبى حيان نزيل مصر 745هـ-1344م.
أ.د/محمود على مكى
__________
مراجع الاستزادة:
1- نفح الطيب ، تحقيق إحسان عباس ، بيروت 1998م.
2- الإحاطة فى أخبار غرناطة لابن الخطيب ط الخانجى.
3- المغرب فى حلى المغرب ط دار المعارف.
4- نهاية الأندلس لمحمد عبد الله عنان ، القاهرة 1966م(1/72)
البهائية
البهائية نسبة إلى بهاء الله ، وهو حسين على المازندرانى، الذى سمى نفسه بهاء الله ،وكان له دور كبير فى مساندة الحركة البابية، وتخطيطه لها من ورأء ستار، مستغلا لكل الظروف والشخصيات فى دعمها لتحقيق مآربه ، وهو مختف حتى لا ينكشف أمره.
وقد تعاون مع الروس وعملائهم عندما كان فى إيران ، ولما انتقل إلى تركيا ثم فلسطين أخذ فى التعاون مع المؤسسات اليهودية العالمية، والاستعمار الإنجليزى.
ولما وجد أن أخاه يزاحمه على زعامة الحركة بعد هلاك الباب همّ بقتله ، ودبر مذبحة من أشنع ما عرف فى التاريخ ، قضى فيها على أعوان أخيه قتلا بالسواطير والجنازير المسمومة فى وحشية يندى لها جبين الإنسان خزيا وعارا.
بعد أن هلك الباب ادعى البهاء أنه خليفة القائم (الباب) ثم ادعى أنه القائم نفسه ، ثم تقدم خطوة أخرى فادعى أن القائم (الباب) كان ممهدا له ، فلهذا فهو.. القيُّوم ثم انتحل مقام النبوة، وأخيرا ادعى الألوهية والربوبية، وأنه مظهر الحقيقة الإلهية، التى لم تصل إلى كمالها الأعظم إلا حينما تجسدت فيه ، وأن كل الظهورات الإلهية التى سبقت منذ آدم مرورا بالأنبياء جميعا كانت درجات أدنى حتى وصلت إلى كمالها فى تجسدها فى شخصه وذلك لأنهم يؤمنون بالحلول.
وكان البهاء يغطى وجهه بقناع موهما من يلقاه أن بهاء الله يعلوه وقد ترك البهاء بعض الكتب والرسائل منها:
1- الإيقان ، وقد كتبه لما كان فى بغداد تأييدا لدعوى "الباب".
2- وله عدة رسائل بعضها كتبه بالعربية وبعضها بالفارسية، ومن أسماء هذه الرسائل "الألواح"، "الاشراقات"، "الهيكل"، "الكلمات الفردوسية"، "العهد".
3- وأشهر كتبه "الأقدس" وقد كتبه فى السنوات الأخيرة من حياته ادعى أن الأحكام التى وردت فيه نزلت من سماء المشيئة الإلهية، وأن جميع ما نزل فى الكتب المقدسة قد نسخ لعدم انسجامها مع احتياجات الإنسان المعاصر، وكتاب "الأقدس" مجموعة من الخواطر تتحدث عن الإلهام والحلال والحرام والمواعظ ، ومخاطبة الأمم والملوك ، وبعض الألغاز التى تشير إلى الحروف مثل قوله:
يا أرض الطاء لا تحزنى من شىء قد * جعلك الله مطلع فرح العالمين.
يا أرض الخاء نسمع فيك صوت الرجال * فى ذكر ربك الغنى المتعال.
وبعد موته آل أمر الحركة إلى ابنه عباس عبد البهاء، ومن بعده حفيده شوقى ربانى، ثم آل الأمر إلى أحد اليهود الأمريكان ، وكان اسمه ميسون.
ومن عقائدهم أنهم يعبدون البهاء ، ويتوجهون إلى قبره بالعبادة ، ويحجون إليه ، ومن كلامه فى ذلك:" من توجّه إلىّ فقد توجه إلى المعبود أما الذين يتوجهون بعبادتهم إلى الله ، فإنما يتوجهون بها إلى وهم أفكته الظنون".
والصلاة عندهم تسع ركعات فى الصباح والزوال والآصال أوقات طلوع الشمس وتوسطها ومغيبها، ويقدسون العدد (9) لأنه مجموع حروف (بهاء) والقبلة كانت فى حياة البهاء إلى قصره ، وبعد موته إلى قبره ،والصوم 19 يوما ، والزكاة لمن يملك مائة مثقال من الذهب يؤخذ منه 19 مثقالا.
والحج إلى قصر البهاء فى حياته وإلى قبره بعد موته.
والزواج للرجل أن يتروج بامرأتين ، ولم يحرم من النساء إلا الأم فقط ، وإذا اقترن الزوجان عاما ولم يتفقا انفصلا بالطلاق والربا مباح والجهاد محرم ، والميراث حسب ما اتبع البابية.
وهم يكفرون بالآخرة متابعة لأسلافهم البابية والباطنية من قبل ولهم تأويلات يحرِّفون بها الكلام عن معانيه ، ومن أمثال هذه التأويلات:
القيامة: حلول روح الله فى جسد بشرى.
البعث:اليقظة الروحية.
رؤية الله:هى رؤية الجسد البشرى الذى حلّت فيه روح الله.
الجنة:رياض المعرفة التى فتحت أبوابها فى عهد البهاء.
النار:الحرمان من معرفة الحقيقة الإلهية التى ظهرت فى جسد الباب أو الكفر بأن البهاء هو رب العالمين.
ولهم تأويلات كثيرة ترجع جميعها إلى الكفر باليوم الآخر كما جاء فى القرآن الكريم والكتب المقدسة السابقة.
أ.د/محمد إبراهيم الجيوشى
__________
مراجع الاستزادة:
1- البابية والبهائية أ.د/محمد إبراهيم الجيوشى ط المجلس الأعلى للشئون الإسلامية القاهرة سلسلة دراسات إسلامية سنة 1998.
2- وثائق البهائية دكتورة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ) ط الأهرام القاهرة.د.ت(1/73)
البوذية
أحد الأديان العالمية من حيث عدد من يعتنقونها ، إذ هى الدين السائد فى كثيرمن دول آسيا (الصين ، اليابان ، نيبال ، جاوة، سومطرة، بورما ، سيلان ، سيام) نسبتا إلى اللقب الذى اشتهربه مؤسسها بوذا (560-480 ق.م)، ومعناه فى اللغة السنسكريتية:المستنير، أو العالم ، أو العارف.
ولد بوذا فى بلدة هندية على حدود نيبال لأسرة نبيلة، إذ كان أبوه أميرا، وتزوج فى التاسعة عشرة من عمره. وعندما بلغ العام التاسع والعشرين انصرف إلى الزهد والتأمل ، فهجر زوجته ، وخرج هائما فى الأحراش راغبا عن الدنيا، غير معنى إلا بالتأملات ،رائضا نفسه على خشونة الحياة. وبعد ست سنين ادعى أن نوعا من المعرفة قد وقع فى نفسه ، وقذف بنور فى قلبه ، ويقول فى وصف هذا الإحساس:"سمعت صوتا من داخلى يقول بكل جلاء وقوة:نعم فى الكون حق ، أيها الناسك ، هنالك حق لا ريب فيه ، جاهد نفسك اليوم حتى تناله. فجلست تحته تلك الشجرة فى تلك الليلة من شهر الأزهار،وقلت لعقلى وجسدى:اسمعا لا تبرحا هذا المكان حتى أجد ذلك الحق ، لينشف الجلد، ولتنقطع العروق ، ولتنفصل العظام ، وليقف الدم عن الجريان ، لن أقوم من مكانى حتى أعرف الحق الذى أنشده ، فينجينى.
ويذكر أيضا أنه تم له فى هذه الجلسة الإشراقة التى كان يترقبها. ويراها بعض الباحثين الغربيين وحيا، ويصورها بوذا بأنها صوت حادثه ، مما دفعه إلى الدعوى إلى تعاليمه بالقول والعمل ، فآمن بدعوته كثير، وانطلقوا فى شبه الجزيرة الهندية دعاة ومرشدين فنما عددهم بمرور الأيام ، وانتشر مذهبهم ، وبوذا من ورائهم يدفعهم بحمسهم إلى أن مات فى الثمانين من عمره.
كانت حياته ساذجة، لا تعقيد فيها ولا تزيد عن زهد فى الحياة، وميل إلى تعذيب الجسد ليتخلص كليا من الألم بعد الموت ،كما كان يدعو إلى سلوك "الممر الأوسط" بين التلذذ والزهد الخالص فى الدنيا، ويقول:إن لهذا الممر ثمانى شعبه ، هى:الآراء السليمة، والشعور الصائب ،والقول الحق ، والسلوك الحسن ، والحياة الفضلى، والسعى المشكور، والذكرى الصالحة والتأمل الصحيح.
كما يرى أن المرء يمر بأربعة أطوار، تنكسرخلالها جميع القيود التى تكبل الإنسان ، وتمنعه من الوصول إلى الكمال الإنسانى فإذا بلغ الطور الرابع يكون قد أدرك الهدف الذى يسعى إليه وهو النرفار وما هى النرفار؟ هى الطور الرابع الذى يبلغه الزاهد، ولكنه لم يذكر شيئا عن "العلة الأولى" الذى يدير دفة الكون. ومن هنا جاء الخلاف بين العلماء حول وضع الإله فى تعاليم بوذا ، فهناك من يرى أنه أنكر وجود إله خالق للكون ، ويقول أنصار هذا الرأى:إنه كان يعتقد أن فى العالم فقط روحا عاما متغلغلا فى كل شئ. ومنهم من يرى أن مذهبه إصلاحى خلقى أكثر منه دينى.
وقد أحدث بوذا بإهماله الاتجاه الإلهى ارتباكا فى الفكر بين أتباعه ، فلعبت بهم الأهواء ، فاتجه بعضهم إلى الاعتقاد بأن بوذا ليس إنسانا محضا، بل إن روح الله قد حلت فيه ، بل تطورالأمرإلى اعتباره كائنا إلهيا، وضعوا له تمثالا بين آلهة الهندوسية ولم يعارض الهندوس ذلك ، لأن العقل الهندى لا يضيره أن ينضم إله جديد إلى ما يعترف به من آلهة.
أما كتب البوذيين فلا يدعون أنها منزلة ، ولا ينسبون ما فيها إلى جانب إلهى ، بل هى عبارات منسوبة إلى بوذا ، أو حكاية لأفعاله ،أو نقل لما أقروه من أعمال أتباعه.
ولا تعتبر البوذية فى تعاليمها إضافة فى عرض الآراء على يد غير المستأثرين بها قديما من سدنة الكهنة والمحراب.
أ.د/محمد شامة
__________
مراجع الاستزادة:
1- الله عباس العقاد، دار المعارف بمصر ط6 1969م.
2- مقارنة الأديان محمد أبو زهرة، دار الفكر العربى.
3- أديان الهند الكبرى أحمد شلبى، مكتبة النهضة المصرية ،ط2 1969م.
4- بحوث فى علم الأديان المقارنة محمد شامة، مطابع المدنى بمصر 1972م.
5- حياة بوذا فاردينان هارولد ، تعريب فيليب عطا الله دار الروائع الجديدة لبنان 1975م(1/74)
البوسنة
بلد بلقانى ذات نظام جمهورى، مساحتها 51.123 كم2 وعاصمتها سراييفو Sarajevo ، وهى مدينة إسلامية صرفة ذات طابع إسلامى. ومجموع سكانها طبقا لتعداد 1939م هو 4.618.804 نسمة، ويقطن العاصمة، وحدها 252.980 نسمة. وتبلغ الكثافة السكانية 90.3 نسمة فى الكيلو متر المربع. ويقطنها الأجناس البشرية التالية:
مسلمون سلاف 43.7 % ، وصرب 31.3 % ،وكروات 17.2 % ولغتها الرسمية البوسنية (الصرب كرواتية).
والديانات السائدة فيها:الإسلام ، الأرثوذكسية الشرقية والكاثوليكية الرومانية.
ورئيس جمهوريتها على عزت بيجوفيتش 1964م.
وبها مجلس تشريعى يسمى "الجمعية الوطنية"، وتنقسم إداريا إلى مائة وحدة. أما المواصلات ففيها 1.039 كم سكك حديدية، و21.168 كم طرق ، ولا يوجد بها ميناء رئيسى، وبها مطار رئيسى واحد. واعترف بها دوليا فى ربيع عام 1992م.
وكانت البوسنة والهرسك (وغالبا ما يشار إليهما بالبوسنة) إحدى الجمهوريات اليوغوسلافية. وتحدها من الشرق الصرب والجنوب الجبل الأسود ، والشمال والغرب كرواتيا، واشتقت البوسنة إسمها من نهر البوسنة الذى يمرفى قسم كبيرمن أراضيها. أما الهرسك فهى أقل بكثير من مساحة البوسنة وتقع فى الجنوب ، وأهم مدنها موستار.
الحكم العثمانى:توالت غارات الأتراك على البوسنة منذ عام 788هـ/1386م وفى عهد السلطان مراد وقع ثانى غزو على البوسنة عام 0 79هـ 1388م حتى إن السلطان جرح جرحا مميتا أثناء سير المعركة ومات بسببها. وفى سنة 867هـ/1463م. رفض ملك البوسنة أداء الجزية فغزتها الجيوش العثمانية وفتحها سريعا. وفى سنة 988هـ/1580م أنشئت إيالة البوسنة. مما أحدث تغييرات كبيرة اجتماعية ودينية وعرقية شملت السكان جميعا ودخل الناس فى الإسلام أفواجا مما سبب فى خلق قاعدة عريضة من المسلمين العسكريين والموظفين المدنيين لا من أهل المدن فحسب ، بل من الفلاحين أيضا.
وعندما نشبت الحرب بين الدولة العثمانية وكل من الصرب والجبل الأسود،، تدخلت الدول العظمى، وقضت معاهدة "سان استيفانو" بأن تمنح تركيا البوسنة والهرسك استقلالا ذاتيا. ثم وضعت البوسنة تحت انتداب إمبراطورية النمسا والمجر طبقا لشروط معاهدة برلين 1878م. ولقيت الجيوش النمساوية مقاومة من مسلمى البوسنة، انتهى بالاحتلال فى أكتوبر 1878م ، واستمر هذا الوضع قائما حتى عام 1914.
ورغم اشتراك مسلمى البوسنة مع الصرب المسيحيين فى مقاومة النفوذ النمساوى إلا أن الصرب الأرثوذكس غدروا بهم بعد الاستقلال ومارسوا ألوانا بشعة من المعاداة للمسلمين.
وبعد الحرب العالمية الثانية 1945م حاول مسلمو البوسنة استرداد مكانتهم فقابلهم تيتو بحرب شرسه. وارتكب الحكم الشيوعى من المذابح الشىء الكثيرما بين القتل رميا بالرصاص أو خلال مسيرات الموت القسرية أو فى معسكرات الاعتقال 45-1946م ما يزيد على ربع مليون نسمة.
ونظر تيتو إلى الإسلام على أنه عقيدة رجعية آسيوية يجب القضاء عليه فى بلده ة فألغى المحاكم الشرعية (1946 م)، وأصدرقانون منع النساء من ارتداء الحجاب 1950م وإغلاق الكتاتيب وجميع التكايا وحظرنشاط جميع الطرق الصوفية 1952م.
وباختصار حاول النظام الشيوعى طمس الهوية الإسلامية فى البوسنة على أمل إذابة هوية المسلمين في هوية الصرب والكروات. وعندما أصر المسلمون على هويتهم الدينية قامت الحكومة اليوغوسلافية بإلغاء بند "مسلم" من التعداد ، وسمح له بسجيل أنفسهم "يوغوسلاف غير معينى القومية ".
وبعد وفاة تيتو وانحلال الاتحاد اليوغوسلافى، اشتعل الصراع بين الصرب والكروات ، ووقفت البوسنة على الحياد، وفى محاولة للصرب استعادة ما كان للدولة اليوغوسلافية من مكانة اصطدمت بالبوسنة وحاولت تقسيمها إلى ثلاث مناطق لإضعاف المسلمين. فوقفت تدافع عن كيانها فأمطروها وابلا من قذائفهم حتى دمرت تماما، كما حاولوا تجويع المسلمين وتمزيقهم ، لكن الشعب البوسنوى وقف صامدا أمام إجرام الصرب مما دفع بالدول الأوروبية والولايات المتحدة التدخل لأنقاذ البوسنة؛ وانتهى الأمر بأن اعترفت الدول الأوروبية فى شهر أبريل 1992 باستقلال البوسنة وتبع ذلك انضمامها لعضوية الأمم المتحدة كدولة مستقلة ذات سيادة.
أ.د/عبد السلام عبد العزيز فهمى
__________
مراجع الاستزادة:
1- شبكة الانترنت مادة "بوسنة" بيانات رسمية حتى 12 /11 /1999.
2- دائرة المعارف الإسلامية، المجلد 8، مادة بوسنة.
3- كتاب "البوسنة" تأليف نوبل مالكوم ترجمة عبد العزيز توفيق جاويد، القاهرة 1997م.
4- Almond، A.:Blundering in the Balkans:the Eueopean Community and the Yugoslav Crisis Oxford، 1991.
5- Anddric، I.:The Development of Spritual life in Bosnia under the Influence of Turkish Rule، Duehem، 1990.
6- Banac،I.:The National Question in Yugoslavia:Origins، History، Politico. 9 haca، New-York، 1984.
7- Dedijer، V.:The Rood to Sarajevo، London، 1996.
8- Gelenny، M.:The Fall of Yugoslavia:The Third Balkan War، London، 1992.
9- Lydall، H.:Yugoslavia in Grisis، Oxford، 1989(1/75)
البيت الحرام
هو بيت الله الذى فرض الله الحج إليه لمن استطاع إليه سبيلا وهو البيت المحرم ، والبيت العتيق ، والمسجد الحرام ، وكانت العرب تسمى كل بيت مربع كعبة، وأمر الله المسلمين أن يتخذوه قبلتهم فى صلاتهم ، وهو أول المساجد الثلاثة التى لا تشد الرحال إلا إليها:وهى المسجد الحرام ، والمسجد النبوى فى المدينة، والمسجد الأقصى.
والبيت الحرام هو أول بيت مبارك وضع للناس ليعبدوا فيه الله عز وجل ، ويهتدوا بفضله إلى الصراط المستقيم:{إن أول بيت وضع للناس للذى ببكة مباركا وهدى للعالمين}آل عمران:96.
وحين تأذن الله سبحانه وتعالى بأن ترفع قواعده بوأ لإبراهيم الخليل مكانه ، وأمره أن يشيده ويرفع قواعده ، ومعه ابنه إسماعيل عليهما السلام.
ووصف أبو الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد الأزرقى الكعبة التى بناها إبراهيم عليه السلام بأنها كانت بناء ذا جوانب أربعة، بارتفاع 9 أذرع وطول جداره الشرقى 32 ذراعا ،والغربى 31، والشمالى 32 ، والجنوبى 20 ،وكان بابها إلى الأرض (1)
وجعل إبراهيم عليه السلام فى جدارها الحجر الأسود علامة على بدء الطواف حولها، ثم أعيد بناء الكعبة قبل البعثة بنحوعشر سنوات ، واشترك النبى صلى الله عليه وسلم فى أعمال البناء مع أشراف قريش ورجالها ، وكان ذلك بعد حملة أبرهة الفاشلة على البيت الحرام فى سنة 570ميلادية، التى أشار إليها القرآن الكريم فى سورة الفيل.
وبعد فتح مكة مباشرة أمرالنبى صلى الله عليه وسلم بتطهير الكعبة مما فيها من تماثيل وصور وأصنام ، ولم يكن للبيت الحرام جدران تحده إلى أن قرر عمر بن الخطاب رضى الله عنه بعد أن ولى الخلافة أن يبنى حوله جدرانا ارتفاعها أقل من القامة، وذلك فى السنة السابعة عشر بعد الهجرة.
وأجرى عثمان بن عفان رضى الله عنه توسعة ثانية فى السنة السادسة والعشرين بعد الهجرة، ويقال إنه جعل للمسجد أروقة.
وأجريت على البيت الحرام عمائر أهمها:بناء الكعبة على يد عبد الله بن الزبيرفى العقد السابع بعد الهجرة، وإعادة بنائها على يد الحجاج بن يوسف الثقفى فى عهد عبد الملك بن مروان بعد ذلك ببضع سنواف ،وعمرت الأروقة فى عهد الوليد بن عبد الملك ، وفى عهد الخليفة العباسى المهدى بن المنصور، وفى عهد السلطان المملوكى الناصر فرج بن برقوق ، والسلطان الأشرف برسباى، وأعيد بناء الكعبة من جديد فى سنة 1040هـ فى عهد السلطان العثمانى مراد الرابع.
ونتيجة لهذه العمائر صار الحرم مستطيلا أقرب إلى التربيع ، ويحيط به من جهاته الأربع أروقة تشتمل على صفوف من الأعمدة تحمل عقودا ، وتسقف كل بلاطة تحف بها أربعة أعمدة قبة ، قاعدتها مستديرة ، وقمتها مدببة ، وتقوم الكعبة المكرمة فى وسط الحرم ، ولكن بميل إلى الجنوب وبجانبها حجر إسماعيل وحولها المطاف ، وفى شرقها بئر زمزم ، وبجوار المطاف مقام إبراهيم ،وباب الكعبة مرتفع عن الأرض ، وللمسجد خمسة وعشرون بابا ، وسبع مآذن.
وكانت الحكومة المصرية تتشرف بكسوة الكعبة المكرمة حتى قيام المملكة العربية السعودية التى أولت البيت الحرام عناية فائقة من حيث التوسعة والعمارة والتجهيز، كما قامت بعمل كسوة الكعبة الشريفة.
أ.د/حسن الباشا
__________
الهامش:
1- أخبار مكة وما جاء بها من الآثار الأرزقى.
مراجع الاستزادة:
1- دليل مكة والمدينة غلام على.
2- الرحلة النابلسية المعروفة بالحقيقة والمجاز فى رحلة بلاد الشام ومصر والحجاز:عبد الغنى النابلسى.
3- مرآة الحرمين إبراهيم رفعت.
4- العمارة العربية فريد شافعى(1/76)
البيطرة
لغة:بطر الشئ يبطره بطرا، فهو مبطور وبطير:شقه ، والبطر:الشق ، وبه سُمِّى البيطار:معالج الدواب ، وهو يبيطر الدواب أى يعالجها، ومعالجته:البيطرة. كما فى اللسان (1).
واصطلاحا:العلم الذى يبحث فى أحوال الخيل فى حالات الصحة والمرض ، ولقد استخدم مصطلح البيطرة بعد ذلك وحتى الآن للعلم الذى يبحث فى أحوال الحيوان بوجه عام من حيث وقايته من الأمراض وعلاجها.
ويعتقد أن مصطلح Veterinary الذى يستخدم فى اللغات الأوروبية بمعنى بيطرى، هو كلمة عربية الأصل ، جاءت من كلمة بيطار التى تحولت إلى كلمة فيتار، ومنها اشتق مصطلح Veterinary.
ولقد عرف العرب فى الجاهلية طباع الحيوان وأمراضه وعلاجها ، حيث تشير بعض أبيات الشعر الجاهلى إلى علاج الجمل المصاب بالجرب بدهانه بالقطران وعزله عن الجمال غير المصابة بالمرض.
وتزخر المكتبة العربية بمخطوطات عديدة عن الطب البيطرة كتبها علماء العرب والمسلمين ، من أهمها:
- كتاب الفروسية والخيل لمحمد بن أبى حزام.
- كتاب البيطرة لابن البيطار.
- كتاب الحيوان لابن سينا الذى تحدث فيه عن فنون التشريح ووصف الكثيرمن أنسجة الحيوان وأعضائه.
وتحدث علماء العرب عن صحة الألبان واللحوم وخواصها وطرائق حفظها ، كما عرفوا الكثير من الأمراض الباطنة والمعدية التى تصيب الحيوان ، مثل الكزاز (التيتانوس) فى الخيل ، والسعار فى الكلاب.
أ.د/عز الدين الدنشارى
__________
الهامش:
1- لسان العرب ، لابن منظور، دار صادر، بيروت ، مادة (بطر) 4 /69-70.
مراجع الاستزادة:
1- الطب البيطرى بين الماضى والحاضر والمستقبل النقابة العامة للأطباء البيطريين ، مصر 1411هـ/1990م.
2- الإسلام والطب البيطرى، عادل السيد أحمد، جامعة أسيوط 1409هـ/1989م.
3- دراسة الطب البيطرى فى مصر -دراسة تاريخية- إبراهيم نجيب ،محمود، مصطفى عبد العزيز ، مقالات بالمجلة البيطرية 1395-1396(1/77)
البيع
لغة:البيع هو مطلق المبادلة مالية كانت أو غيرمالية ومن ثم جاء قول الحق تبارك وتعالى:{فاستبشروا ببيعكم الذى بايعتم به}التوبة:111. فقد أطلق الله سبحانه وتعالى البيع على بذلهم أنفسهم وأموالهم فى سبيل الله ليظفروا بجنات النعيم. وهو مصدر الفعل (باع) ويطلق على الشىء وضده كالقرء:للطهروالحيض ، فيقال باع كذا إذا أخرجه عن ملكه أو أدخله فيه. والبيع اسم المبيع ، والبيعة المبايعة التى هى عبارة عن المعاقدة والمعاهدة. فقد جاء فى الحديث النبوى الكريم قول المعصوم صلى الله عليه السلام:(ألا تبايعونى على الإسلام)(1)
واصطلاحا:البيع فى اصطلاح الفقهاء عبارة عن مبادلة المال المتقوم بمثله على وجه مخصوص ، وبذا يكون اصطلاح الفقهاء جاريا على استعمال البيع بمعنى الإدخال فى الملك ، ومن ثم قالوا:"البيع سالب والشراء جالب". وحكمة مشروعية البيع أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وجعله بطبعه محتاجا للتعامل مع بنى جنسه ، رغبة منه فى الحصول على ما يسد رمقه ، وتبقى به حياته إذ هو وحده لا يستطيع القيام بمهام شئونه المختلفة التى يتطلبها أمرمعاشه. من هنا شرع الحكيم الخبير البيع ، نظرا لما يترتب عليه من تبادل المنافع بين الناس وتحقق التعاون بين أفرادهم وجماعاتهم ، وبذا تنتظم حياتهم وينطلق كل واحد منهم إلى ما يمكنه الحصول عليه من وسائل العيش فالزارع يغرس الأرض ليبيع ثمارها وحاصلاتها لمن لا يستطيع الزراعة إلا أنه يستطيع الحصول على الثمن من طريق آخر هيأه الله له. وكذا التاجر يحضر السلعة من جهات بعيدة نائية كى يبيعها لمن هم فى حاجة إليها.
فالبيع والشراء من أهم الوسائل التى تبعث على النهوض وترقى بأسباب الحضارة والعمران ، فلو لم يشرع الله سبحانه وتعالى البيع ؛ لاحتاج الإنسان إلى أخذ ما بيد غيره ،إما بالغلبة والقهر، وإما بالسؤال والاستجداء وإلا تذرع بالصبر حتى الهلاك. ولا شك أن هذا حال لا يقوم معه نظام الأمم لما فيه من الفساد والذل والصغار والهلاك.
ودليل مشروعية البيع:القرآن الكريم ،والسنة النبوية المطهرة، والاجماع أما القرآن الكريم ، فهناك آيات كثيرة منها قول الحق تبارك وتعالى:{وأحل الله البيع وحرم الربا}البقرة:275. وقوله:{وأشهدوا إذا تبايعتم}البقرة:282.
ومنها قوله جل وعلا:{يها أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم}النساء:29.
فهذه الآيات الكريمة صريحة فى حل البيع ومشروعيته وإن سيقت لأغراض أخرى كأفادة الآية الثانية للأمر بالاستشهاد عند التبايع ، دفعا للخصوصية ، وحسما للنزاع حتى لا يقع الجحود أو الإنكار بينما سيقت الآية الثالثة للنهى عن أكل أموال الناس بالباطل إلا بطرق البيع ونحوه من كل تجارة مشروعة.
أما الآية الأولى فقد سيقت للتفرقة بين البيع والربا ردا على من سوى بينهما ، بل جعل الربا أدخل فى الحل من البيع.
واًما السنة النبوية المطهرة فقد روى أن المعصوم صلى الله عليه وسلم سئل عن أطيب الكسب فقال:(عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور) (رواه الإمام أحمد والطبرانى)(2).
والمبرور من البيع ما لا غش فيه.
وجاء فى الحديث قوله صلى الله عليه وسلم:(الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة، والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى،الآخذ والمعطى فيه سواء)(3)
وقال المعصوم صلى الله عليه وسلم:(التاجر الصدوق يحشريوم القيامة مع الصديقين والشهداء) (رواه الترمذى)(4).
والأحاديث فى هذا المجال مستفيضة تبلغ حد التواتر المعنوى، وقد بعث صلى الله عليه وسلم والناس يتبايعون فأقرهم على ما لم يخالف الشريعة الغراء.
وأما الإجماع فإن الأمة الإسلامية بجميع طبقاتها، وخلال كل عصورها توافقت على جواز البيع ، وأجمعت على أنه أحد أسباب الملك وقد تعامل به المسلمون من لدن الصدر الأول حتى يومنا هذا دون نكير، فكان ذلك إجماعا قطعيا على مشروعية البيع.
من الأدلة السابقة (قرآنا وسهنة وإجماعا) نقف على أن الأصل فى البيع الإباحة إلا أنه قد يطرأ من الأحوال والملابسات ما يخرجه عن هذا الأصل إلى أحد طرفى الطلب وهو الحظر أى الكراهة، أو التحريم ، أو الفعل وهو الندب أو الإيجاب ، أو الافتراض إذ البيع قد يكون مفروضا، وذلك للمضطر اضطرارا شديدا بحيث إذا لم يحصل على الشئ المبيع فورا فإنه يهلك أو يتلف عضو من أعضائه ،والبائع إذا امتنع عن البيع والحالة هذه فإنه يكون آثما ومن ثم قال فقهاؤنا:"إن القاضى له أن يجبره على البيع إنقاذا للمضطر" وقد يكون واجبا وذلك كالبيع للمضطر الذى لم يبلغ به الاضطرار حدا يودى به إلى الهلاك ، بل يوجد عنده حرجا ومشقة لا يزولان إلا بالحصول على المبيع بحيث ، إذا لم يحصل عليه من صاحبه لا يصل إليه من غيره.
وقد يكون مندوبا وذلك كبيع الشى ممن يحلف أن يشتريه منه وليس للبائع حاجة إليه.
وقد يكون حراما وذلك كبيع المسلم الخمر والخنزيرأو غيرهما من كل ما نهى عن بيعه لذاته أو لصفة فيه كالبيع مع الشروط الفاسدة غير أنه قد يكون باطلا كالخمر وما ماثله.
وقد يكون فاسدا كالبيع المقترن بالشرط الفاسد.
وأخيرا قد يكون البيع مكروها، ومثال ذلك كل ما نهى عنه لأمر مجاور لا لخلل فى الأركان أو الشروط ، وذلك كالبيع عند الآذان الأول لصلاة الجمعة الوارد فى قول الحق تبارك وتعالى:{ياأيها الذين آمنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكرالله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون}الجمعة 9.
وإذا ما تم عقد البيع مستكملا أركانه مستوفيا شروطه ، يكون قد حاز درجة الاعتبار شرعا ، وعندئذ يترتب عليه انتقال ملك كل من الطرفين عما بذله ، وثبوت ملكه فيما أخذه ليثبت ملك البائع فى الثمن ، وملك المشترى فى المبيع ، وعندها يحل لكل منهما التصرف فيما انتقل ملكة إليه هو أهل له من التصرفات الشرعية ويصبح البيع -كما شرعه الله- واسطة السعادة بين الناس أفرادا وجماعات فتنتظم حياتهم ويتفرغ كل منهم لما يسره الله له من سبل العيش فى أمن وأمان وهدوء واستقرار وسعادة واطمئنان.
أ.د/محمد عبد اللطيف جمال الدين
__________
الهامش:
1- فتح البارى بشرح صحيح البخارى حديث رقم 4894-8 /637-1 /638 وسنن الدرامى 2 /220.
2- مستد الإمام أحمد حديث رقم 16252.
3- سننن الترمذى حديث رقم 1240-3 /531، ابن ماجة حديث رقم 2255-2 /758.
4- سنن الترمذى حديث 1209-3 /506 ، سنن الدار قطنى حديث رقم 17 3 /7(1/78)
التأليف
لغة:هو جمع الشىء إلى نظيره تقول:ألفت بين الشيئين تأليفا فتألفا وأتلفا(1).
وتقول:تألف القوم وائتلفوا أى اجتمعوا(2).
واصطلاحا:جمع مسائل علم فى كتاب (3)، وهو مأخوذ من الألفة ومن الاجتماع أيضا وقد يطلق اللفظ على المؤلف وقد يسمى التأليف تصنيفا، ويسمى الكتاب المؤلف مصنفا.
والمؤلف صاحب رسالة يريد أن ينقلها إلى القارىء ة ولذا فإن الاقتصار على سرد الآراء وجمع النصوص المتعلقة بموضوع معين لا يعد تأليفا، لأنه لا يضيف فكرا جديدا.
كذلك فإن تحقيق النصوص القديمة وترجمة النصوص الأجنبية لا يسمى تأليفا(4) لأن الفكرة الأصلية والإضافة الحقيقية هى لمؤلف النص الأصلى وليست للمحقق أو المترجم ، ويقاس على هذا القوائم الببليوجرافية التى تحصى المؤلفات فى موضوع معين ، فإن القائم بها لا يعد مؤلفا وإنما جامعا. ولهذا نقول:إعداد فلان ، ولا نقول:تأليف فلان.
ولعل هذا هوما يفسرلنا ظهور مصطلح "السرقات الأدبية" فى تراثنا الأدبى وظهور مصطلح "حق التأليف" وقوانين حماية حق المؤلف أو حق الملكية الفكرية فى العصر الحديث ، صيانة لثمرات العقول من أن تستباح فسرقة الأفكار، لا تقل شناعة عن سرقة المتاع.
والمؤلف - عادة - يجمع مادته العلمية من مصادرها المختلفة ويحللها ويناقشها(5) ويكتبها فى صورة مبدئية تسمى "المسودة" وهذه المسودة تخضع للتغيير والتبديل والتقديم والتأخير والحذف والإضافة حتى إذا استقر صاحبها على الصيغة التى يرتضيها، بيضها فى صورة نهائية ينشرها على الناس. وقد يعيد المؤلف النظر فيما كتب ، وقد يعدل عن بعض آرائه فيصدر من كتابه إصدارة جديدة أو طبعة جديدة يصفها بأنها "مزيدة ومنقحة" وتلك ظاهرة صحية لا تعيب المؤلف وإنما تحسب له وتغلى من قدره وتدل على ما يتصف به فكره من تطور ونضج ونماء، وأمانة أيضا.
وفى العصور القديمة كان الإملاء إحدى طرق التأليف ، وكان العالم يجلس فى المسجد أو أى مكان عام ومن حوله تلاميذه ومريدوه ، يكتبون عنه ما يمليه فالسيوطى يذكر أن الإملاء كان أعظم وظائف الحفاظ من أهل الحديث (6) وابن النديم يذكر أن ابن الأعرابى "أملى على الناس ما يحمل على أجمال "(7) وتراثنا العربى يحفل بكتب كثيرة تحمل فى عناوينها كلمة "الأمالى" أو "المجالس" وقد أحصاها حاجى خليفة فى كتابه "كشف الظنون" ومن بعده إسماعيل البغدادى فى "إيضاح المكنون فى الذيل على كشف الظنون" وأشهرها أمالى أبى علاء القالى ومجلس ثعلب.
وقد انتشرت مجالس الإملاء فى الحواضر الإسلامية خلال القرنين الثالث والرابع الهجريين وتحدث الخطيب البغدادى فى مواضع متفرقة من "تاريخ بغداد" عن تلك المجالس (8) ووصف ضخامتها وكيف أن بعضها كان يحضره عشرات الألوف وربما تجاوز عدد الحاضرين مائة ألف كمجلس عاصم الواسطى (ت 221هـ)(9) وكان طبيعيا ألا يسمع صوت الشيخ تلك الأعداد الكبيرة من السامعين ولهذا ظهرت فئة "المستملين" الذين يرددون كلام الشيخ وراءه كل منهم يبلغ صاحبه حتى تسمع جموع الحاضرين (10) ومهما تكن فى هذه الأرقام من مبالغة،فإنها تدل على تضخم تلك المجالس لدرجة تلفت الانتباه.
أ.د/عبد الستار عبد الحق الحلوجى
__________
الهامش:
1- الصحاح للجوهرى تحقيق أحمد عبد الغفور عطار دار الكتاب العربى سنة 1377هـ ص1332.
2- القاموس المحيط للفيروزابادى المكتبة التجارية بالقاهرة ط5 سنة 1954م 3 /118.
3- محيط المحيط بطرس البستانى بيروت مكتبة لبنان سنة 1977م ص14.
4- وكذلك الحال فى الموسوعات ، فالأصل فيها أن تفتت المعرفة إلى أبسط جزئياتها، وأن يعهد بكل جزئية إلى أحد المتخصصين لكى يكتب عنها، ومن ثم فان مؤلفى الموسوعة قد يصلون إلى مئات لا يذكر أى منهم صفحة العنوان ، وإنما الذى يذكر هو المحرر أو المحررون الذين أشرفوا على توزيع المواد على المتخصصين وعلى إصدار الموسوعة.
5- ويستثنى من ذلك الأعمال الفنية كاللوحات المرسومة، والقطع الموسيقية،وفنون القول من شعر وقصة ورواية ومسرحية فليس مطلوبا من صاحبها أن يبنى على جهود سابقيه ، وإنما المطلوب منه أن يبدع شيئا جديدا يختلف عما سبقه ، ولهذا لا تختلف نصوص أى رواية أو ديوان شعر باختلاف الطبعات.
6- المزهر فى علوم اللغة. جلال الدين السيوطى. تحقيق أحمد جاد المولى، وعلى محمد البجاوى، ومحمد أبو الفضل إبراهيم. دار إحياء الكتب العربية.
7- الفهرست. محمد بن إسحاق النديم المكتبة التجارية سنة 1348هـ ، ص103.
8- انظر على سبيل المثال:3 /28 ، 9 /33، 14 /150.
9- تاريخ بغداد أو مدينة السلام للخطيب البغدادى القاهرة مكتبة الخانجى سنة 1931م 12 /348.
10- تاريخ بغداد للخطيب البغدادى 6 /121-122(1/79)
التبتل
لغة: القطع ، والتبتل: الانقطاع ، ومنه: مريم البتول ، أى: المنقطعة عن الرجال ، ومنه أيضا: فاطمة البتول ، ابنة سيد الأنبياء صلى الله عليه وسلم لانقطاعها عن نظرائها من نساء الدنيا حسنا وشرفا.
وقد ورد التبتل فى القرآن الكريم بصيغة "تبتيل" فى قوله تعالى:{واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا}المزمل:18.
واصطلاحا:الانقطاع إلى الله بإخلاص العبادة.
وقد يطلق التبتل ويراد منه الانقطاع عن النساء، وترك النكاح والرهبنة، والتبتل بهذا المعنى منهى عنه فى الإسلام ، وقد رده النبى صلى الله عليه وسلم ولم يأذن فيه ؛ لأنه من باب تحريم طيبات ما أحل الله.
وقد ورد فى الحديت عن سعد بن أبى وقاص:(رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان ابن مظعون التبتل ، ولو أذن له لاختصينا) (صحيح البخارى كتاب النكاح باب 8) ويعنى التبتل عند الصوفية الانقطاع إلى الله تعالى، والتجرد إليه تجردا خالصا، وهو على درجات ثلاث:
- تبتل العامة وهو:الانقطاع عن الناس.
- تبتل المريد وهو:الانقطاع عن النفس.
- تبتل الواصل وهو:تصحيح الاستقامة والاستغراق فى التوجه.
أ.د/أحمد الطيب
__________
مراجع الاستزادة:
1- القاموس المحيط للفيروزآبادى.
2- تفسير القرطبى الآية (8) من سورة المزمل.
3- الكليات لأبى البقاء الكفوى، مؤسسة الرسالة بيروت 1992م ص246.
4- منازل السائرين ، شرح القاشانى، ط قم إيران 1413هـ (ص:128-131).
5- لطائف الإعلام فى إشارات أهل الإلهام ، للقاشانى ، ط دار الكتب المصرية(1/80)
التجويد
لغة:مصدر جوّده:أى صيرّه جيدا ، والجيد ضد الردىء(1)
واصطلاحا:إخراج كل حرف من مخرجه ،مع إعطائه حقه من الصفات اللازمة، ومستحقه من الصفات العارضة(2)، فى تلاوة القرآن الكريم.
وعلم التجويد:هو العلم الذى يعرف منه مخرج كل حرف ، وحقه من الصفات اللازمة كالجهر والاستعلاء، ومستحقه من الصفات العارضة كالتفخيم والاخفاء، ثم أقسام الوقف والابتداء، إلى غير ذلك.
وطريق تحصيله رياضة اللسان وكثرة التكرار بعد العرض والسماع بالنطق الصحيح على يد شيخ متقن لقراءة القرآن الكريم.
وحكم العمل به الوجوب العيش على كل مكلف يقرأ شيئا من القرآن ، وحكم تعليم هذا العلم الوجوبا الكفائى مادام هناك أكثرمن عارف به ، وأشهر مباحثه:مخارج الحروف وصفاتها وأحكامها.
وأشهر كتبه قديما وحديثا:الخاقانية لموسى بن عبيد الله (ت 325هـ)، والرعاية لمكى بن أبى طالب (ت 437هـ)، والتمهيد وكذا الجزرية لمحمد بن محمد بن الجزرى (ت 833هـ)، ونهاية القول المفيد لمحمد مكى نصر، من أبناء القرن الرابع عشر الهجرى.
وهداية القارئ لعبد الفتاح عجمى المرصفى (ت 1409هـ) (3) وقد كثرت الأدلة والفتاوى ونصوص العلماء على وجوبه ، ومنها:{ورتل القرآن ترتيلا}المزمل:4. فهذا أمر، والأمر للوجوب.
وفسره سيدنا على فقال:"الترتيل تجويد الحروف ومعرفة الوقوف ". {قرآنا عربيا غيرذى عوج}الزمر:28 ، فمن عوجه بترك تطبيق التجويد فقد ارتكب المحظور.
قرأ رجل:{إنما الصدقات للفقراء}التوبة:60 ، مرسلة، أى بدون المد الواجب ،فقال ابن مسعود:ما هكذا أقرانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرانيها:(للفقراء) فمدها.
فالإجماع على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقرأ إلا بالتجويد، وتلقاه الصحابة عنه هكذا ومن وراءهم على ذلك جيلا فجيلا(4)
قال يعقوب (5):إن من التحريف تغيير الأوصاف من جهروهمس وتفخيم... فعلمنا أن هذا حرام ،وأن ضده وهو التجويد واجب.
وقال الشيخ حسنين مخلوف:"وقد أجمعوا على أن النقص فى كيفية القرآن وهيئته كالنقص فى ذاته ومادته ، فترك المد والغنة والتفخيم والترقيق كترك حروفه وكلماته ، ومن هنا وجب تجويد القرآن".
أ.د/عبد الغفور محمود مصطفى
__________
الهامش:
1- انظر لسان العرب والمعجم الوسيط مادة (جود).
2- نهاية القول المفيد الشيخ محمد مكى نصر:مطبعة الحلبى 1349هـ.
3- مقدمة تفسير القرطبى مطبعة دار الشعب ص13.
4- عنوان البيان للشيخ مخلوف مطبعة الحلبى ص27.
5- المدخل ص158 الطبعة الثانية سنة 1994م جى جى لطباعة الأوفست ص158(1/81)
التحليل
لغة:حلَّل العقدة، فكَّها، وحلَّل الشىء:أرجعه إلى عناصره ، وحلَّل نفسية فلان:درسها لكشف خباياها، وتحليل الجملة:بيان أجزائها ووظيفة كل منها. كما فى الوسيط (1).
واصطلاحا:على وجهين ، وجه العموم ووجه الخصوص.
فعلى وجه العموم هو إرجاع ظاهرة مركبة إلى أبسط عناصرها أو أجزائها.
وأما على وجه الخصوص فيستخدم فى علوم إنسانية وطبيعية كثيرة بمعان متعددة، لكنها جميعا ترتبط بهذا المعنى العام.
1- ففى علم المنطق يعتبرالتحليل -بمثابة طريقة لدراسة الظواهر تجزئ الشىء المدروس إلى وحدات متشابهة، إما بالتقسيم المادى وإما بالتفكير فى أجزاء أو صفات الشىء المتمايز كل على حدة.
2- وفى علم النفس فإن التحليل هو تحديد مكونات أية خبرة كلية أو مركبة أو عملية عقلية، ويستخدم لفظ التحليل (اختصارا للتحليل النفسى) للدلالة على منهج ومزاولة التحليل النفسى (وهو ما يطلق عليه تجاوزا:نظرية التحليل النفسى)، حيث تدرس الأحلام والتداعيات غير المقهورة وأحلام اليقظة بتوجيه عدد كبير- من القوانين وقواعد التفسير، وتتمايز أنواع مختلفة من التحليل تبعا لهذا، فالتحليل الفعال هو الطريقة التى لا تقصرفيها المحلل نفسه على تسجيل وتفسير التداعيات الحرة، بل يتدخل بجده وفاعلية ، إثارة ارتباطات ذات دلالة، ومقدما النصح على أساس المحتوى الصريح. وتحليل الذكريات هو بحث التاريخ العقلى للفرد المستمد فى جزء منه من الشخص نفسه ، وفى بقيته من أقرانه ومعارفه.
3- وفى علوم التربية يطلق تحليل المناشط على أسلوب يعمد إلى تجزئة السلوك المركب والمعقد إلى وحدات أصغر، هى أكثر نوعية وتحديدا ، ويستخدم هذا بصفة خاصة فى المفردات الدراسية.
4- وفى علوم الاجتماع يستخدم تعبير تحليل الصفة أو الجانب فى الدراسات التى تستهدف إيجاد ذلك الجانب المتميز-من سمة معينة فى مجموعة مدروسة من الناس ،على نحو ما يحدث فى دراسة الثقافات المختلفة، وذلك لتحليل المعانى والصفات المشتركة المرتبطة بالقيم المختلفة. وتحليل المضمون يقودنا إلى دراسات موسعة وشائعة الانتشار الآن فى الدراسات الإعلامية والأدبية، تعنى بتحليل الخطاب الذى يدلى به الشخص على أساس ما يقال لا على أساس كيف قيل ، وبمعناه العام فإن تحليل المضمون قد يكون بمثابة الجدولة الموضوعية للتكرار، التى تظهر عناصر معينة فى النص ألمحلل ، وهو إذن بمثابة اكتشاف وتبويب الأفكار والمشاعر والحقائق والأطر المرجعية وفق خطة منظمة.
5- وفى الطب بصفة عامة يعنى الأطباء بتحليل مضمون شكوى المريض ، للحصول على المعلومات التى تتعلق بعناصر المرض ، ويدربون فى دراستهم الإكلينيكية على القدرة على تحليل ما يتاح لهم من معلومات ، حتى لو كانت ظاهرة البطلان ، فالذى يشكو مما ليس فيه يريد بمثل هذه الشكوى الكاذبة شيئا آخر يستطيع الأطباء استنتاجه ، والوصول إليه بحكم خبرتهم الطويلة بمثل هذه الحالات.
6- وفى الطب النفسى يطلق التحليل المباشر على إحدى الطرق المتبعة فى علاج المصابين بانفصام.
7- وفى حطوم الإحصاء يستخدم لفظ التحليل فى كثير من المصطلحات الإحصائية، ومنها التحليل التوزيعى. أما تحليل متعدد المتغيرات فأسلوب إحصائى يستخدم بكثرة وافرة الآن فى البحوث العلمية والطبية، ويهدف إلى بيان أثر عدة متغيرات وهى تتفاعل معا ، وذلك من خلال عدة طرق مختلفة (كتحليل العوامل المتعددة وتحليل التباين الاقترانى).. أما تحليل التباين فهى طريقة لتحديد ما إذا ثانت الفروق (ويعبر عنها بالتباين) الموجودة فى المتغير التابع تتجاوز ما يمكن أن نتوقعه عن طرق المصادفة.. وقد يعامل كل متغير بدوره على أنه المتغير التابع.
8- وفى علوم الصوتيات يطلق تحليل الصوتيات على تجزئة تتابع صوتى إلى وحدات أصغر.
9- وفى علوم الكيمياء يطلق على العملية التى تثبت العناصر المختلفة المكونة لمركب ما، وقد تطرق هذا المعنى إلى تحليل لبول والدم والبراز وسوائل الجسم الأخرى بل وأنسجته فى المختبرات الطبية للكشف عن عناصرمعينة تنبىء عن حالة المرض ، أو نسبة معينة من مكون معين تنبىء زيادتها عن المرض وتطوره.
أ.د/محمد محمد الجوادى
__________
الهامش:
1- المعجم الوسيط ، مجمع اللغة العربية ، دار المعارف ، ط3 ، 1 /200(1/82)
التّربُح
لغة:كل ما زاد أو نما فى التجارة، ويتجوّز به على كل ما يعود من ثمرة عمل.
واصطلاحا:ما زاد من ثمن سلع التجارة على ثمنها الأول ، ذهبا أو فضة(ا)، أو غيرهما من العملة المتداولة.
ولما كان التربح هو طلب الكسب والربح فى التجارة، فإنه لم يرد فى الشرع الإسلامى ما يقيد إطلاق الربح طالما كان مبنيا على أساس من العدالة؛ فليس فيه غبن فاحش لصاحبه ، ولا استغلال لطيش بَيّن فيه ، ومحررا من الحرام (2)، فما نتج من الربح عن عقد مشروع كان حلالأ مشروعا، وما نتج عن تصرف محرم كان محرما(3).
غير أن الاعتدال فى التربح مطلوب "ويراعى فيه التقريب ، فإن بذل المشترى زيادة على الربح المعتادة إما لشدة رغبته فيه ، أو لشدة حاجته فى الحال إليه ، فينبغى أن يمتنع من قبوله ؛ فذلك الإحسان... ومن قنع بربح قليل كثرت معاملاته ، واستفاد من تكررها ربحا كثيرا، وبه تظهر البركة، وكان علىّ رضى الله عنه يدور فى سوق الكوفة بالدِّرّة ويقول:معاشر التجار خذوا الحق تسلموا، لا تردوا قليل الربح فتخرفوا كثيره "(4).
أ.د/على مرعى
__________
الهامش:
1- مواهب الجليل للحطاب دار الفكر بيروت طبعة ثانية 1398هـ /1978م 2 /301.
2- مصطلحات الفقه المالى المعاصر إعداد مجموعة من الباحثين بتصرف طبعة المعهد العالى للفكر الإسلامى ط1 1418هـ/1997م ص179.
3- معجم المصطلحات الإقتصاية فى لغة الفقهاء نزيه حماد طبعة المعهد العالى للفكر الإسلامى ط1 1414هـ/1993م ص141.
4- إحياء علوم الدين للغزالى طبعة لجنة نشر الثقافة الإسلامية 1356هـ 5 /3،5(1/83)
الترف
لغة: ترف فلان:تنعَّم فهو تَرِفٌ كما فى الوسيط (1).
واصطلاحا:التنعم باستهلاك وفير من الكماليات ، على اختلاف أصنافها ، أو اقتنائها ، أو هو رفه فى إشباع رغبات النفس فوق ضروراتها وحاجياتها العادية، ومن ثم فالترف قرين الثراء، ولكن العكس ليس بالضرورة صحيحا.
وقد بين القرآن أن المترفين أثرياء بلا عقيدة، فقال تعالى {وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين}سبأ:35 ، وأن كثرتهم أو تحكمهم فى مجتمع مدعاة لهلاكه فقال تعالى {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا}الإسراء:16.
ونهى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأكل فى صحاف الذهب والفضة، والشبع من الطعام ، ولباس الشهرة، والفخر والمباهاة، ولبس الرجال للحرير، والتحلى بالذهب ، والبناء فوق الحاجة تفاخرا ، وكلها مظاهر للترف (3).
وفى المسيحية دعا الآباء الأوائل إلى نبذ الترف ، وارتبط ذلك بكراهة تكوين الثروة وحب الزهد ، ولكن الكنيسة البروتستانتية اعتبارا من القرن السادس عشر أباحت تكوين الثروة، وتشددت فى إدانة الترف ، فدعت رعاياها إلى نبذ الاستهلاك غير الضرورى ، ويرى Max Weber أن هذة العقيدة أدت إلى نمو المدخرات من ثروة متزايدة، ومن ثم نمو الاستثمار، وبروغ الرأسمالية الحديثة.
ويلاحظ أن الإسلام لم يحرم تكوين الثروة طالما كانت من كسب حلال ، ولكنه نظم إنفاق المسلم بحيث لا يدخل الترف حياته ، فحث على الاعتدال فى الانفاق ، فقال تعالى {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا}الإسراء:29. ونهى عن التبذير فقال تعالى {وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا. إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا}الإسراء:26-27 ، وفرض الزكاة، وحث على الصدقات والقرض الحسن.
وقد قدم ابن خلدون تحليلا لأثر الترف على النشاط الانتاجى، فرأى أنه يؤدى إلى تنوع الكماليات المنتجة، وإتقان صنعتها وزيادة قيمتها، ومن ثم دخول صانعيها، وأن ذلك ينعكس على الأسواق ، فيزداد الإنفاق فيها وتنتعش ، ولكنه رأى أيضا أن أحوال الترف التى تصيب الحكام تزيد من إنفاقهم مما يتطلب موارد مالية إضافية لا يحصلون عليها إلا بزيادة الجباية من الرعية فيفسد ذلك نشاطهم الإنتاجى، ويؤدى إلى خراب الدولة(3).
واختلف الاقتصاديون المحدثون فى تحليل أثر الترف على النشاط الإنتاجى.
1- فرأى التقليديون أن إنتاج السلع الترفية أقل تأثيرا فى النشاط الاقتصادى والنمو من إنتاج السلع الأخرى التى يزداد عليها طلب عامة الناس.
2- ورأى الكنزيون معارضة الرأى السابق ، لأن موارد المجتمع المحدودة ليست موظفة بالكامل دائما فى الأجل القصير، كما أعتقد التقليديون ، فإذا كان بعضها معطلا فإن استخدامه فى إنتاج سلع الترف أو غيرها ينعش الاقتصاد.
والرأى التقليدى أكثر رجاحة فى الأجل الطويل إذا اعتبرنا التضحية التى يتحملها المجتمع بتخصيص بعض موارده المحدودة لانتاج سلع خاصة بالأقلية الموسرة.
ولقد تبين لعدد ممن تناول موضوع الترف فى القرن العشرين أن مشكلة كثير ممن يعمل بكفاءة ويزداد دخله وتتعاظم ثروته أنه لا يستطيع أن ينفق ما حصل عليه بكفاءة أو برشد، بل ربما كان سلوكه مشينا(4).
أ.د/عبد الرحمن يسرى أحمد
__________
الهامش:
1- المعجم الوسيط ، مجمع اللغة العربية، ط3، القاهرة، ج1 /88.
2- الترغيب والترهيب من الحديث الشريف ، الحافظ المنذرى، دار الفكر 1393هـ ، بيروت.
3- المقدمة، ابن خلدلن ، ص261-271.
4- دائرة المعارف البريطانية "Laxarg" فى Encyclopaedia Britannica.
مراجع الاستزادة:
1- إحياء علوم الدين ، أبو حامد الغزالى.
2- دراسات فى علم الاقتصاد الإسلامى، دار الجامعات المصرية الإسكندرية ، طبعة 1988م.
3- M-Weber فى كتابه The protestant(1/84)
الترويح
لغة:إدخال الراحة والسرور على النفس. كما فى اللسان(1). والترويح عن النفس بإدخال السرور عليها والأخذ بأسبابه مما ندب إليه الشارع الحكيم ، حتى يتجدد للنفس نشاطها وتقبل على العبادة بمزيد شغف وبكثير حب ، وهذا هو صريح قوله صلى الله عليه وسلم:(روحوا عن القلوب ساعة بعد ساعة، فإن القلوب إذا كلت عميت)(2).
واصطلاحا:إدخال الراحة والسرور على النفس على أن يكون مشروع الوسيلة والمقصد، بأن لا يرتكب به الإنسان مخالفة شرعية فى حق نفسه أو حق غيره.
أما فى حق نفسه:فبأن ينشغل عن عبادة ربه ويلهى عنه ، لأنه لا خيرفى عمل يلهى عن ذكر الله ، والمفروض أن الترويح تجديد لنشاط العبد حتى يقوى على تمام الطاعة، وكذلك بأن يرتكب مخالفة شرعية كأن يظهر عورة أمر الله أن تستر، أو أن يطلع على عورات الناس ، أو أن يستخدم فى ذلك قبيح الألفاظ والعبارات ، إلى غير ذلك مما يضر الإنسان.
وأما فى حق غيره:فبأن يكون فى ترويحه مثلا سخرية واستهزاء بالآخرين ، أو غيبة لهم ، أو إضاعة لحقوقهم.
والترويح لابد أن يكون موافقا لما أمر الله به ، قال تعالى:{قل بفضل الله وبرحمته فبذلك يفرحوا هوخير مما يجمعون}يونس:58.
وقال تعالى:{قل إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين) الأنعام:162.
فكل ما ليس عليه أمرالشارع فهو مردود على الإنسان يستوى فى ذلك جده ولعبه.
أ.د/عبد الصبورمرزوق
__________
الهامش:
1- لسان العرب لابن منظور ط دار المعارف مادة (روح).
2- وفى رواية أخرى:(روحوا القلوب ساعة ساعة) (رواه الديلمى) وأبو نعيم والقضاعى مرفوعا عن أنس انظر كشف الخفا للعجلونى 1 /435(1/85)
التسلط
لغة:تَسَلَّطَ عليه:تحكم وتمكن وسيطر،وسلطه:أطلق السلطان والقدرة، وسلطة عليه:مكنه منه وحكمه فيه (كما فى المعجم الوسيط)(1).
واصطلاحا:حالة تنطوى على معانى الإملاء والتحكم والرغبة فى فرض السيطرة على الآخرين.
والتسلط بهذه المعانى قد توصف به الدول والحكومات أو حتى الأفراد الجماعات حيث يدين الكل بالاستبداد والقهر لإملاء ما يرونه دون مراعاة للحريات أو لحقوق الغير.
ومع أن التسلط ينطوى على مضمون نفسى يرتبط بالدوافع والنزعات اللاشعورية التى يتم إسقاطها على الغير، إلا أن خطره يبدو إذا ما ارتبط بالسلطة السياسية فيما يعرف بالتسلطية التى تركز عناصر القوة فى يد فرد أو جماعة مما يجعلها قادرة على فرض إرادتها بما تملك من وسائل القمع المادى والمعنوى كما هو الحال فى كل النظم الجماعية الشمولية المستبدة(3).
ولقد كان للشريعة الإسلامية فضل السبق فى تقديم الحل الأمثل لكل مشكلات التسلط والتسلطية عندما أرست مبدأ الشورى وأوضحت مقاصدها السامية التى تتمثل فى قيام مصالح الناس فى الدين والدنيا. يقول سبحانه وتعالى:{وشاورهم فى الأمر}آل عمران:159.
كما جاء فى الحديث القدسى:(يا عبادى إنى حرمت الظلم على نفسى وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا}رواه مسلم عن أبى ذر(3).
وها هو ذا أبو بكر الصديق يقول فى خطبة توليه:(أيها الناس إنى قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينونى وان أسأت فقومونى) فيضع بذلك قاعدة هامة لتحديد سلطة رئيس الدولة؛ لكى تكون دستورا لمن يجيء من بعده منعا للاستبداد بالرأى والتسلط فى مصائر الناس دون رقابة وتقويم من الأمة التى هى مصدر السلطات (4).
أ.د/محمود أبو زيد
__________
الهامش:
1- المعجم الوسيط:مجمع اللغة العربية القاهرة مادة (س ل ط) سنة1985م 1 /460.
2- المعجم فى علم الإجرام والاجتماع القانونى والعقاب د/محمود أبو زيد ، دار الكتاب للطباعة والنشر والتوزيع القاهرة سنة 1987م ص70.
3- صحيح مسلم ، باب (تحريم الظلم) القاهرة 1955 4 /199.
4- الإسلام وقضايا العصرالعدل والسلام وحقوق الإنسان د/محمود حمدى زقزوق -المجلس الأعلى للشئون الإسلامية- القاهرة 1996م ، ص79.
5- Germant، ginai، Authoritanism، National Populism and Fashism 1977.
6- Ross، Aldeni the slructure of pomer and Aulhority Random House In c، N.Y. 1988(1/86)
التصوف
يمثل التصوف نزعة إنسانية، يمكن القول بأنها ظهرت فى كل الحضارات على نحو من الأنحاء، وهو يعبر عن شوق الروح إلى التطهر، ورغبتها فى الاستعلاء علي قيود المادة وكثافتها، وسعيها الدائم إلى تحقيق مستويات عليا من الصفاء الروحى والكمال الأخلاقى.
ولم يكن المسلمون استثناء من هذه القاعدة، فقد ظهر التصوف لديهم مثلما ظهر لدى من سبقهم أو عاصرهم من الأمم.
وقد قدم الصوفية تفسيرات متعددة لهذه النسبة التى تميروا بها عن غيرهم من الفرق والطوائف التى ظهرت فى المجتمع الإسلامى، ومن هذه التفسيرات ما يلى:
- إن التصوف مأخوذ من صفاء الأسرار ونقاء الآثار.
- إنه نسبة إلى الصف الأول فى الصلاة.
- إنه نسبة إلى عمل أهل الصفة من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم وقد لاحظ القشيرى أن هذه التفسيرات ليست صحيحة من الناحية اللغوية.
- إن التصوف نسبة إلى صوفة القفا.
- إنه منسوب إلى رجل كان يجاور بمكة قبل الإسلام يسمى صوفة بن بشر، وعلق ابن تيمية بأن النسبة إلى هذا الرجل أو إلى قبيلته نسبة ضعيفة "... لأن غالب من تكلم باسم الصوفى لا يعرف هذه القبيلة، ولا يرضى أن يكون مضافا إلى قبيلة فى الجاهلية، ولا وجود لها فى الإسلام ".
- إن هذه التسمية نسبة إلى الصوف ،الذى هو زى الأنبياء، وشعار الصالحين والأولياء، ولباس أهل الزهد والتقشف والتواضع والإقبال على الله ، وهم يتميزون به عن أهل الرغبة فى الدنيا.
ولا يرفض القشيرى هذا التفسير، ولكنه لا يقبله قبولا تاما، وفى ذلك يقول:"فأما من قال:إنه من الصوف؟ ولهذا يقال:تصوف إذا لبس الصوف كما يقال تقمص إذا لبس القميص؟ فذلك وجه ، ولكن القوم لم يختصوا بلبس الصوف ". ومع ذلك يبقى أن هذا التفسير هو أقرب التفسيرات إلى القبول، وإن كان شيوخ التصوف قد أوضحوا أن التصوف يهتم بالجوهرقبل المظهر ويعنى بالحقائق والأعمال أكثرمن عنايته بالرسوم والأشكال.
وأما تعريفات التصوف فإنها كثيرة جدا، وقد ذكر السهروردى أن له أكثر من ألف تعريف بل ذكرالشيخ زروق أنها تبلغ نحو الألفين وترجع هذه الكثرة إلى أن كل واحد ممن عرفوا التصوف كان يعبر عن ذوقه ووجده وحاله ، ولهذا اختلفت العبارات ، لأن الطرق إلى الله تعالى بعدد النجوم أو بعدد أنفس السالكين.
ويمكن تصنيف هذه التعريفات إلى أنواع بحسب الطابع الغالب عليها:
(أ) فبعضها يركز على الجانب العملى، الذى يهتم بمجاهدة النفس ومقاومة شهواتها ، وذلك كالذكر والمراقبة ، ومحاسبة النفس والزهد فى الدنيا، ومن نماذج هذه التعريفات:
- التصوف:قلة الطعام ، والسكون إلى الله تعالى والفرار من الناس.
- التصوف:ضبط حواسك ، ومراعاة أنفاسك ، وهكذا.
(ب) وبعضها يتجه إلى ملاحظة الجانب الأخلاقى، الذى هو من أهم أركان التصوف ،
ومن هذه التعريفات:
- التصوف:هو الدخول فى كل خلق سَنِىّ، والخروج من كل خلق دنىّ.
- التصوف:خلق فمن زاد عليك فى الخلق فقد زاد عليك فى الصفاء.
- وقال الهروى الأنصاوى: واجتمعت كلمة الناطقين فى هذا العلم ان التصوف هو الخلق.
(ج) وكان بعضها يهتم بجانب المعرفة، وهى المعرفة إلالهامية الذوقية التى هى موضع اعتزاز الصوفية وفخرهم. ومن هذه التعريفات ما قال العطار عن علم التصوف الذى هو "ثمرة للعمل والحال ، وليس نتيجة للحفظ والقال ، وإنه من العيان لا من البيان ، ومن الأسرارلا من التكرارومن العلم اللدنى لا من العلم الاكسبى...".
(د) ومن التعريفات ما يجمع هذه الجوانب كلها، ويضيف إليها ضوابط للسلوك المقبول عندهم بما يدفع التهم عن طريق الصوفية، ومن هذه التعريفات تعريف ابن خفيف للتصوف.
وقد نشأ التصوف عند المسلمين لأسباب متعددة، بعضها من داخل البيئة الإسلامية،وبعضها من خارجها.
وكان الزهد هو البيئة الطبيعية التي نشأ فيها التصوف ، وكان الزهد نفسه ثمرة لعوامل دينية واجتماعية حيث طرأ على الحياة عند المسلمين أنماط من العيش وصور من السلوك ، لم تكن مألوفة فى حياة الصدر الأول من المسلمين الذين كانوا يتميزون بالبساطة والقناعة، والبعد عن التفنن فى مطاعمهم ومشاربهم ، أخذا بالورع وخشية من الحساب ، ولكن الحياة تحولت فيما بعد، وعند أهل الترف والغنى إلى نماذج من السرف الفاحش الذى يستثير أهل الفقر والمسكنة، المستمسكين بما كان عليه السلف من زهد وبساطة، وكان ذلك من دواعى نشأة التصوف عند المسلمين كما يقول ابن خلدون:"واصل هذه الطريقة العكوف على العبادة... والإعراض عن زخرف الدنيا ، والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه...وكان ذلك عاما فى الصحابة والسلف ، فلما فشا الإقبال على الدنيا، فى القرن الثانى وما بعده ، وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا،اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية والمتصوفة ".
على أن التصوف لم يخل من التأثر ببعض المؤثرات الوافدة من نظم صوفية أخرى، جاءت من خارج البيئة الإسلامية، بسبب الترجمة أحيانا أو بسبب اتصال المسلمين -بعد الفتوحات- بشعوب أخرى كان لها قدم راسخة فى التصوف كالهند وفارس ، وقد كان بعض الصوفية من أصول ترجع إلى هذه الشعوب ، وليس ببعيد أن يكون لبعض أهل الكتاب الذين كانوا يعيشون بين المسلمين بعض التأثير أيضا ، وكان من آثار هذه العوامل كلها أن ظهر لدى بعض الصوفية أقوال ونظريات مشابهة لبعض ما ظهر فى النظم الصوفية الأخرى.
وأدى ذلك إلى أن تتفاوت نظرة المسلمين إلى التصوف ، وقد انقسموا حوله إلى أنصار يرون فى التصوف طريق الولاية، وسبيل الصفاء والعرفان ونيل الكرامات وخرق العادات ، وهؤلاء هم الصوفية ومن ارتضى طريقتهم.
وإلى خصوم يرون التصوف بدعة وضلالة، واستعلاء على الشريعة بدعوى الحقيقة، وإعلاء للباطن على حساب الظاهر، وترويجا للأفكار والمذاهب الدخيلة التى تتحدث عن الفناء والحلول ، ووحدة الوجود وإسقاط التكاليف ، ووقوعا فى أسر البطالة والتواكل والجمود والسلبية، والإعراض عن العلم بدعوى العلم اللدنى.
وكان من بين المسلمين من اتخذ موقفا وسطا بين هؤلاء وهؤلاء ، ومن أبرز ممثلى هذا الاتجاه ابن تيمية (728هـ) وتلميذه ابن قيم الجوزية (751هـ) وقد أشار كل منهما إلى مواقف الفريقين ، وذكر ابن تيمية أن "الصواب هو الإقرار بما فيها ، وفى غيرها من موافقة الكتاب والسنة، والإنكار لما فيها وفى غيرها من مخالفة الكتاب والسنة".
وإذا طبقنا هذا المعيار فسنجد أنه يوجد بين الصوفية: السابقون المقربون والمقتصدون الذين هم من أهل اليمين ، وفيهم من هو ظالم لنفسه ، وقد انتسب إليهم طوائف من أهل البدع والزندقة ولكن المحققين من الصوفية يتبرأون منهم وينكرونهم.
ولعل هذا الموقف هو أولى الآراء بالقبول ، لأنه أقرب إلى الموضوعية والإنصاف ، وأبعد من التعميم والتعصب المذموم.
وينبغى ونحن نتحدث عن التصوف ألا نغفل عما حفل به التصوف من تربية أخلاقية وتحليلات نفسية كانت موضع إعجاب الدارسين فى الشرق والغرب ، وقد كان للصوفية المسلمين دورهم فى نشر الإسلام ، فى كثير من بقاع الأرض فى آسيا وإفريقيا قديما ، وفى أوروبا حديثا ، وهو دور معروف لدى المؤرخين.
أ.د/عبد الحميد مدكور
__________
مراجع الاستزادة:
1- التعرف لمذهب أهل التصوف ، لأبى بكر الكلاباذى ، تحقيق د.عبد الحليم محمود، طه سرور دار إحياء الكتب العربية 1960م.
2- الرسالة القشيرية، لأبى القاسم القشيرى تحقيق د.عبد الحليم محمود، د/محمود بن الشريف دار إحياء الكتب الحديثة 1966م.
3- طبقات الصوفية لأبى عبد الرحمن السلمى تحقيق الأستاذ نور الدين شريبة القاهرة سنة 1953م.
4- فى التصوف الإسلامى وتاريخه ، نيكلسون ترجمة د/أبو العلا عفيفى لجنة التأليف والترجمة والنشر 1956م.
5- اللمع:لأبى نصر السراج الطوسى، تحقيق د/عبد الحليم محمود، طه سرور دار الكتب الحديثة سنة 1960م.
6- مدخل إلى التصوف الإسلامى د/أبو الوفا التفتازانى دار الثقافة للطباعة والنشر ط3 /1979م(1/87)
التطرف
لغة:الوقوف فى الطرف ، والطرف بالتحريك:جانب الشىء، ويستعمل فى الأجسام والأوقات وغيرها.
واصطلاحا:مجاوزة حد الاعتدال.
والعلاقة بين المعنيين اللغوى والعرفى واضحة ، فكل شىء له وسط وطرفان ، فإذا جاوز الإنسان وسط شىء إلى أحد طرفيه قيل له:تطرف فى هذا الشىء، أو: تطرف فى كذا ، أى جاوز حد الاعتدال ولم يتوسط.
وعلى ذلك فالتطرف يصدق على التسيب ، كما يصدق على الغلو، وينتظم فى سلكه الإفراط ، ومجاوزة الحد ، و التفريط والتقصير علي حد سواء؛ لأن فى كل منهما جنوحا إلى الطرف وبعدا عن الجادة والوسط.
فالتقصير فى التكاليف الشرعية والتفريط فيها تطرف ، كما أن الغلو والتشدد فيها تطرف ؛ لأن الإسلام دين الوسط والوسطية وإلى هذا ينبه القرآن الكريم فى قوله تعالى:{ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط}الإسراء:29. ويقول:{وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين}الأعراف:31.
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم:(إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ، فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى}(أخرجه البزار فى مسنده عن جابر وأخرج أحمد أوله فى مسنده عن أنس}.
أ.د/عبد الصبور مرزوق
__________
مراجع الاستزادة:
1- التوقيف على مهمات التعاريف للمناوى -تحقيق محمد رضوان- دار الفكر ط أولى سنة 1990م.
2- المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية القاهرة (2 /555).
3- لسان العرب لابن منظور(1/88)
التفريد
لغة:تفرد بالأمر انفرد، واستفرد الشىء: أخذه فردا لا ثانى له ولا مثل.
واصطلاحا: يستعمل التفريد عند الصوفية بمعان عديدة منها:
1- أن يكون وصفا للعبد، وهو حال يصل إليه السالك بعد وصوله إلى التجريد، ويعرف الكلاباذى التفريد بهذا المعنى بأنه هو "أن يتفرد عن الأشكال ، وينفرد فى الأحوال ،ويتوحد فى الأفعال ، وهو أن تكون أفعاله لله وحده ، فلا يكون فيها رؤية نفس ، ولا مراعاة خلق ولا مطالعة عوض ، ويتفرد فى الأحوال عن الأحوال ، فلا يرى لنفسه حالا بل يغيب برؤية يحولها عنها، ويتفرد عن الأشكال ، فلا يأنس بها، ولا يستوحش منها"(1).
2- أنما يكون التفريد مختصا بالرب -جل جلاله- وهو معنى من معانى توحده بإفراده عن المحدثات ، إذ لا مجالسة بينه وبينها(3). فهو واحد آحد، فرد صمد، متفرد فى ذاته وصفاته وأفعاله.
3- ومن الصوفية من يفهم هذا المصطلح فى سياق المذهب القائل بوحدة الوجود ومن هؤلاء: القاشانى الذى يعرف التفريد بأنه "شهود الحق ولا شىء معه ،فيشهده منفردا،وذلك لفناء الشاهد فى المشهود. ومن لم يذق هذا المشهد نازعه عقله فى فهم هذا المعنى.. فيقال له:ألست تشهد نفسك بنفسك؟ مع أن ذلك لا ينافى الإفراد، فهو الشاهد من الشاهد، والمشهود من المشهودة إذ لا حقيقة لغيره ، ولأن الكل تعيناته "(3).
4- والتفريد عند الكمشخانوى معنى عام سار فى كل جانب من جوانب التصوف وفى كل مرحلة من مراحله "... وصورته فى البدايات:تخليص الإشارة إلى الحق بالعبارة،وفى الأبواب:تخليص الإشارة إلي الحق بالعقيدة. وفى المعاملات تفريد الاشارة إلى الحق بالتأثير والتصريف. وفى الأخلاق: تصريف الاشارة إلى الحق بالحق والبعث.
وفى الأصول:تخليص الاشارة إلى الحق قصدا وسلوكا ، وفى الأدوية:تخليص الإشارة بالحق محبة وغيرة، وفى الولايات:تخليص الإشارة بالحق ؛ افتخارا وغيرة. وفى الحقائق:تخليص الإشارة بالحق شهودا واتصالا "(4).
أ.د/عبد الحميد مدكور
__________
الهامش:
1- التعرف لمذهب أهل التصوف ، لأبى بكر محمد الكلابازى -تحقيق د/عبدالحليم محمود، وطه سرور- دار إحياء الكتب العربية ط1 /1960 ص111.
2- كشف المحجوب ، لعلى بن عثماف الهجويرى، ترجمة د/إسعاد قنديل طبع المجلس الأعلى للشئون الإسلامية 1975، ج2 /519 وما بعدها اللمع ، لأبى نصر السراج الطوسى ، تحقيق د/عبد الحليم محمود، وطه سرور دار الكتب الحديثة مصر 1960 ص49 وما بعدها، ص424.
3- لطائف الإعلام فى إشارات أهل الإلهام (للقاشانى)، تحقيق سعيد عبد الفتاح مطبعة دار الكتب المصرية 1996 ج1 /337،338.
4- جامع الأصول ، لأحمد ضياء الدين الكمشخانوى دار الكتب العربية الكبرى مصر 1331هـ ص314.
مراجع الاستزادة:
1- المعجم الصوفى، د/سعاد الحكيم طبع دندرة للطباعة والنشر لبنان ط1 /1981م(1/89)
التفسير
لغة:تدور مادته حول معنى الكشف مطلقا سواء أكان هذا الكشف لغموض لفظ أم لغير ذلك ، يقال فسرت اللفظ فسرا من باب ضرب ونصر، وفسرته تفسيرا شدد للكثرة إذا كشفت مغلقه (1).
واصطلاحا:كشف معانى القرآن وبيان المراد منه ، وهو أعم من أن يكون بحسب اللفظ المشكل وغيره ، وبحسب المعنى الظاهر وغيره ، والمقصود منه (2).
وهل يتوقف هذا الإيضاح على القطع بالمعنى المراد بأن يكون اللفظ نصا لا يحتمل إلا معنى واحدا أو الرواية الصحيحة عن المعصوم صلى الله عليه وسلم ، أو لا يتوقف على شىء من ذلك بحيث يكفى فيه غلبة الظن بالمعنى المراد؟ الصواب هو عدم التوقف ، غاية الأمر أنه يلزم عند مجرد غلبة الظن ألا يقطع المفسر بأن المعنى الذى غلب على ظنه هومراد الله من النص. بل يقول ما يشعر بعدم الجزم كقوله:المعنى عندى والله أعلم ، وأشباه ذلك من العبارأت المشعرة بعدم القطع فيما لا قاطع فيه.
والتفسير بهذا المعنى يشمل جميع ضروبه البيان لمفردات القرآن وتراكيبه سواء تعلق البيان بشرح لغة، أم باستنباط حكم أم بتحقيق مناسبة، أو سبب نزول ، أم بدفع إشكال ورد على النص ، أو بينه وبين نص آخر أم بغير ذلك من كل ما يحتاج إليه بيان النص الكريم.
وقد عرف القول فى تفسير القرآن منذ عهد نزول القرآن ذاته ، فالقرآن يفسر بعضه بعضا. وقد يحتاج بعض الصحابة إلى بيان شىء من القرآن فيوافيهم به النبى صلى الله عليه وسلم كما فى قوله تعالى:{وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) النحل:44 ، ومن ثم عرف العلماء وذكروا فى تصانيفهم ألوانا شتى من تفسير القرآن للقرآن ومن تفسير السنة للقرآن.
ثم سار الصحابة فمن بعدهم على هذا المنوال من البيان لكل ما يحتاج إلى بيان من القرآن فتكونت ، المدارس المتقدمة للتفسير فى مكة والمدينة والشام ، والعراق وهلم جرا ، وحتى دونت المصنفات التى لا تكاد تحصى فى التفسير، كل على حسب مشرب صاحبه من العناية باللغة والبلاغة أو الفقه والأحكام ، أو تحقيق أمور العقيدة ومباحثه علم الكلام ، أو التصوف وأذواقا المتصوفة وإشاراتهم ، ثم من إسهاب إلى إيجاز إلى توسط فى التناول ، وهكذا صار تفسير القرآن علما قائما برأسه وضعت فيه المئات إن لم تكن الألوف من المجلدات (3).
ولتقسيم التفسير اعتبارات متعددة يختلف باختلافها ، وهذه الاعتبارات هى:
أولا: أن ننظر إلى التفسير من حيث إمكان تحصيله وهو بهذا الاعتبار ينقسم إلى أربعة أقسام أخرجها ابن جرير الطبرى عن طريق سفيان الثورى عن ابن عباس فيما يلى:
(أ) وجه تعرفه العرب من كلامها.
(ب) وتفسير لا يعذر أحد بجهالته.
(ج) وتفسير يعلمه العلماء.
(د) وتفسيرلا يعلمه إلا الله (4).
ثانيا: أن ينظر إلى التفسيرمن جهة استمداده من الطريق المعتاد نقلا كان من القرآن نفسه ، أو من السنة، أو من كلام الصحابة، أو التابعين ، أو كان رأيا واجتهادا.
أو من غيرهذا الطريق بأن يكون بطريق الإلهام والفيض ، فالتفسير ينقسم بهذا الاعتبار إلى ثلاثة أقسام:
(أ) تفسير بالرواية، ويسمى التفسير بالمأثور.
(ب) تفسير بالدراية، ويسمى التفسير بالرأى.
(ج) تفسير بالفيض والإشارة، ويسمى التفسير الإشارى(5).
ثالثا: أن ينظر إلى التفسيرمن جهة كونه شرحا لمجرد معنى اللفظ فى اللغة، ثم لمعنى الجملة أو الآية على سبيل الإجمال ، وهو بهذا الاعتبار ينقسم إلى قسمين:
(أ) إجمالى.
(ب) تحليلى(6).
رابعا: أن ينظر إلى التفسير من جهة خصوص تناوله لموضوع ما من موضوعات القرآن الكريم ، عاما كان كالعقيدة والأحكام أو خاصا كالصلاة والوحدانية ونحوها. وهو بهذا الاعتبار ينقسم إلى:
(أ) تفسير عام (7).
(ب) تفسير موضوعى.
أ.د/ابراهيم عبد الرحمن مهمد خليفة
__________
الهامش:
1- لسان العرب ، ابن منظور، دار صادر، ط3، بيروت مادة (فسر)، والبرهان فى علوم القرآن للزركشى 1 /147.
2- الإتقان فى علوم القرآن، للسيوطى، 4 /193.
3- مناهل العرفان ، د.محمد عبد العظيم الزرقانى، طبعة عيسى الحلبى، 1 /472.
4- تفسير الطبرى، طبعة مصطفى الحلبى، ط3، 1 /34.
مراجع الاستزادة:
1- تفسير البحر المحيط ، لأبى حيان.
2- التفسير والمفسرون ، د.محمد حسين الذهبى.
3- مفردات القرآن للراغب.
4- دراسات فى مناهج الفسرين ، د.إبراهيم عبد الرحمن محمد خليفة(1/90)
التقاويم
التقويم فى علم الفلك:حساب الزمن بالسنين والشهور والأيام ، وقد اتخذت شعوب كثيرة من وحدات اليوم والشهر والسنة أساسا لوضع تقاويم Calendars خاصة، مثل التقويم المصرى (القبطى) واليونانى والفارسى والهندى واليهودى وغيرها.
وهذه التقاويم وإن كانت تختلف فى خصائصها الدقيقة عن بعضها البعض إلا أنه يمكن إجمالها عموما فى نوعين رئيسين:
أحدهما:قمرى، أساسه دوران القمر حول الأرض.
والآخر: شمسى، أساسه دوران الأرض حول الشمس. ويعتبر التقويمان الهجرى والميلادى خير مثالين لهذين النوعين من التقاويم.
أما التقويم الهجرى فيتخذ من رؤية الهلال بعد غروب الشمس بداية للشهر الهجرى فى اليوم التالى للرؤية، ويبدأ اليوم فى التقويم الهجرى بغروب الشمس وينتهى بالغروب التالى، ويبلغ الشهر الهجرى 29 أو 30 يوما، وكل اثنى عشرشهرا تساوى عاما كاملا.
وقد بدأ إحصاء التاريخ الهجرى منذ أول المحرم لسنة هجرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من مكة المشرفة إلى المدينة المنورة.
وفى هذا التقويم يبدأ ترتيب الشهور الهجرية بدءا بالمحرم ، ثم صفر، وربيع الأول ،وربيع الآخر، وجمادى الأولى، وجمادى الآخرة ، ورجب ، وشعبان ، ورمضان ، وشوال ،وذو القعدة، وذو الحجة.ومنذ بداية القرن العشرين زاد الاهتمام بطرق الرصد الدقيق لتعيين مدارات القمر والكواكب ، وأصبح بالامكان تحديد لحظة ميلاد الهلال بدقة كبيرة عن طريق حل المعادلات الرياضية لمداره حول الأرض ومدار الأرض الظاهرى حول الشمس ، وبلغت هذه الحسابات من الدقة ما جعلها تصلح للتحديد المسبق لمواقع الكواكب والأقمار، وضمان الوصول الآمن إليها فى الفضاء بعد رحلات قد تستغرق سنين عديدة، وقد حفزذلك أقطارا إسلامية للاستغناء كلية عن رؤية الهلال ، والاكتفاء بالحسابات الفلكية.
وحسب نتائج الرؤية فى اليوم التاسع والعشرين من كل شهر هجرى، يتم الإعلان عن دخول الشهر الجديد فى اليوم التالى أو الذى يليه.
وأما التقويم الميلادى الذى يعتمد على دوران الأرضر حول الشمس فقد طرأت عليه تعديلات جوهرية كثيرة على مدى القرون ، إلى أن استقر على يد البابا جسريجورى،وأصبح يعرف بالتقويم الجريجورى، وصار أساسا عالميا للتأريخ والأحداث ، وتشتمل السنة الجريجورية (الميلادية) على 12 شهرا طولها الشهور الفردية من الأول حتى السابع:(يناير - مارس - مايو - يوليو) والشهور الزوجية من الثامن حتى الثانى عشر:(أغسطس - أكتوبر - ديسمبر) وتبلغ 31 يوما، بينما تكون باقى الشهور ثلاثين يوما فيما عدا الشهر الثانى (فبراير) فيكون 28 يوما فى السنة البسيطة (التى لا تقبل القسمة على أربعة) و 29 يوما فى السنة الكبيسة التى طولها 366 يوما، وتأتى كل أربع سنوات ، أى فى السنة التى تقبل القمسة على أربعة.
أ.د/أحمد فؤاد باشا
__________
مراجع الاستزادة:
1- التقاويم:لمحمد فياض سلسلة الألف كتاب.
2- التقاويم:(الهيئة العامة للمساحة).
3- Notical Almanac(1/91)
التقريب
لغة:مصدر "قرب" بالراء المفتوحة المشددة، كما فى مختار الصحاح (1).
واصطلاحا:هو سوق المقدمات على وجه يفيد المطلوب ، وقيل:سوق الدليل على الوجه الذى يلزم المدعى، وقيل:جعل الدليل مطابقا للمدعى، ولا يتم التقريب إلا إذا كان المطلوب لازما ، واللازم مطلوب.
والتقريب كاصطلاح عام يدخل فى كثير من المجالات ، ومنها:
1- التقريب بين وجهات النظر المختلفة سواء أكان ذلك فيما يقع للناس فى أمور معاشهم وطرائقها ، أم كان فى نظرتهم -مثلا- لبعض الفروع الفقهية واختلافهم بشأنها من جهة ما يعتريها من أحكام.
ومن التقريب بهذا المعنى:محاولة التقريب بين المذاهب الإسلامية، خاصة بين أهل السنة والشيعة ، لما يترتب على ذلك من تقوية لمفهوم الأخوة الإسلامية الجامعة، بعد أن عبثت بها نوازع الفرقة.
وقد ظهرت فى مصرمنتصف القرن الثالث عشر للهجرة التاسع عشر للميلاد دعوة للتقريب بين المذاهب الإسلامية دعا إليها الشيخ محمد تقى الدين القمى تحمل اسم "جماعة التقريب" وسجلت بهذا الاسم وضمته نخبة من كبارعلماء مصرمنهم الشيخ محمود شلتوت والشيخ عبد المجيد سليم والشيخ إبراهيم حمروش والشيخ محمد المدنى وغيرهم ، وكان من نتائج عملها أن درست فى كليات الشريعة بالأزهر بعض المذاهب الشيعية الأقرب إلى "أهل السنة" كالزيدية لكنها توقفت ، ولم يحاول آخرون تجديدها والتمكين لدورها فى التقريب بين الشيعة والسنة وهما الجناحان الأعظمان للمسلمين فى العالم.
2- التقريب فى الأحكام الشرعية، وذلك بأنه يتعين على الفقيه أن يجد لمسألته دليلا مباشرا صريحا، حين يتجاذب المسألة أكثر من دليل وأكثر من أصل ، أو حين يجد فيها نوعا من الغموض والتقصير، فالتحقيق يفرض عليه أن يصوغ اجتهاده فى هذه الحالة صياغة تقريبية كأن يقول:الأقرب إلى الصواب فيها كذا ، أو الأشبه بالحق ، وغير ذلك. ومن أمثلة هذا النوع:مسألة الأراضى المفتوحة التى أشكلت على الصحابة فاختلفوا فيها، واختلف فيها الأئمة من بعدهم فذهب بعضهم إلى جعلها غنيمة توزع على الفاتحين ، والبعض على أنها فىء.
وقيل:التصرف فيها يخضع للاجتهاد وللاعتبارات المصلحية وهو ما استقر عليه جمهور الصحابة، وأشذ به جمهور العلماء.
ولعل القضاة والمفتين هم أكثر الفقهاء احتياجا إلى التقريب فى الاجتهادات والأحكام ، لكثرة ما يعرض لهم من غريب النوازل والقضايا المستجدة مما يجعلهم فى أحايين كثيرة يقفون أمام قضايا لا نص فيها وتحتاج إلى التقريب ما أمكن.
3- التقريب فى الأوصاف ، وهذا يتجلى فى الصفات المطلوبة فى الخليفة والقضاة، والشهود وغيرهم ، فإن الشروط المطلوبة فى هذه النوعيات كثيرا ما تتخلف، والتوقف عن تقليد هؤلاء مناصبهم حتى تكتمل الشروط فيهم قول لا يؤيده واقع سليم ، بل يكون اللجوء إلى التقريب لاختيار الأكمل ضرورة يفرضها المتاح.
4- التقريب فى المقادير، وهو لا يختلف فى حقيقته عن النوع السابق فالمقادير التى حددها الشرع سواء أكانت مكيلة أم موزونة أم معدودة أم غير ذلك قد يتعذر الإتيان بها بتمامها ، وعليه فالأصوب أن يؤتى بما يقاربها خصوصا إذا كانت الفروق فيها طفيفة.
فالتقريب هو نوع تصرف تفرضه الظروف.وخصوصا إذا تعذر المباح فيتعين المتاح.
أ.د/ عبد الصبور مرزوق
__________
الهامش:
1- مختار الصحاح. للرازى. ط دار المعارف. ج526.
مراجع الاستزادة:
1- التعريفات للجرجانى ط مصطفى الحلبى سنة 1938م ص57.
2- نظرية التقريب والتغليب وتطبيقاتها فى العلوم الإسلامية، للدكتور/أحمد الريسونى. مطبعة مصعب بمكناس بالمغرب. ط2 سنة 1994م. ص87-97(1/92)
التقليد
لغة:مصدر للفعل الرباعى "قلَّد" بتضعيف اللام المفتوحة يقال:قلد فلان فلانا الأمر أى ألزمه إياه.
كما يقال:قلد الماء فى الحوض واللين فى السقاء يقلده قندا أى جمعه فيه.
ويقال:التقليد فى الدين ، وتقليد الولاة والأعمال.. وتقلد الأمر احتمله كما فى لسان العرب (1).
واصطلاحا: يقصد به التزام حكم المقلد من غير دليل بحيث يلتزم المقلد قول المقلد شرعا فينعقد ما حرمه حراما وما أوجبه واجبا، وما أباحه مباحا من غير دليل يستدل به على شىء من ذلك اللهم إلا قول من قلده (2).
وقد عرفه الإمام الشيرازى بأنه "قبول القول من غيردليل "(3).
وعرفه إمام الحرمين بأنه "قبول قول الغير من غير حجة" (4).
وقد فسر إمام الحرمين هذا القول قائلا: "فعلى هذا قبول العامى قول المفتى تقليد. وقبول من يروى أخبار الآحاد قولا وسمعه من خلق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس تقليدا لأنه حجة فى نفسه".
وقبول قول الصحابى تقليد إن لم نجعل أقوالهم حجة، ولم نر الاحتجاج بقولهم. فإن اعتبرنا أقوالهم حجة يحتج بها فعند ذلك لا يسمى قبول أقوالهم تقليدا.
وعرف ألإمام الآمدي التقليد بأنه "العمل بقول الغير من غير حجة ملزمة"(5).
وذكر الإمام الشوكاني له عدة تعريفات منها أنه "العمل بقول الغيرمن غيرحجة".
ثم اختار من بين هذه التعريفات تعريفا رآه هو الأولى وهو: "قبول رأى من لا تقوم به الحجة بلا حجة".
والتقليد نوعان(7): تقليد سائغ بل واجبا، وتقليد مرفوض مذموم.
فأما التقليد المذموم المرفوض فهو أن يكون هناك إعراض عما انزل الله وعدم التفات إليه اكتفاء بتقليد الآباء، والأجداد، أو يكون فى صورة تقليد من لا يعلم المقلد أنه أهل لأن يأخذ بقوله أو أن يكون تقليده بعد قيام الحجة، وظهور الدليل على خلاف قول المقلد.
ولا أدل على رفض مثل هذا التقليد وذمه من قول الله سبحانه وتعالى: {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئأ ولا يهتدون) البقرة:170.
وقوله جل وعلا: {وكذلك ما أرسلنا من قبلك فى قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون. قال أو لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم) الزخرف:23-24.
فالتقليد الواجب المستساغ هو: تقليد من بذل جهده فى اتباع ما أنزل الله وخفى عليه بعضه فقلد فيه من هوأعلم منه فلا شك أن مثل هذا التقليد محمود غير مذموم ، ومأجور غير مأزور، والدليل على صحة مثل هذا التقليد أن الصحابة -رضوان الله عليهم- كانوا يفتون ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم وهذا تقليد منهم قطعا؛ إذ إن قولهم لا يكون
حجة فى حياة رسول صلى الله عليه وسلم.
وقد قال الحق سبحانه وتعالى: {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون}التوبة:122.
فقد أوجب الحق سبحانه وتعالى عليهم قبول ما أنذرهم به إذا رجعوا إليهم وهذا تقليد منهم للعلماء، وقد جاءت شريعتنا الغراء بقبول قول القائف (الذى يتتبع الآثار ويعرف شبه الرجل بأخيه وأبيه) والخارص (اسم فاعل من خرص النخلة والكرمة إذا حز ما عليها من الرطب تمرا والعنب زبيبا) والمقوم للمتلفات وغيرها ولاشك أن هذا تقليد محض.
وجميع علماء الأمة قد صرحوا بجواز التقليد فقد قال محمد بن الحسن الشيبانى صاحب الإمام أبى حنيفة رضى الله عنه "يجوز للعالم تقليد من هو أعلم منه ولا يجوزله تقليد من هو مثله" وقد صرح الإمام رضى الله عنه بالتقليد فقال فى مسألة بيع الحيوان بالبراءة الأصلية من العيوب:قلته تقليدا لعثمان. وهذا هو الإمام أبو حنيفة رحمه الله يقول فى مسائل الآبار وليس منه فيها، إلا تقليد من تقدمه من التابعين فيها وهذا هو الإمام مالك رضى الله عنه لا يخرج عن عمل أهل المدينة ويصرح فى موطئه بأنه أدرك العمل على هذا ، وهو الذى عليه أهل العلم ببلدنا، ويقول فى غيرموضع:
"ما رأيت أحدا واقتدي به يفعله ، وقد قال الإمام الشافعى -رحمه ألله- فى الصحابة: رأيهم لنا خيرمن رأينا لأنفسنا.
والحق أن مصلحة الخلق لا تقوم إلا بالتقليد وذلك عام فى كل علم وصناعة وقد فاوت الله سبحانه وتعالى بين قوى الأذهان كما فاوت بين قوى الأبدان ، فلا يحسن فى حكمته وعدله ورحمته أن يفرض على جميع خلقه معرفة الحق بدليله.
هذا ولا يجوز للمقلد أن يفتى فى دين الله بما يقلد فيه وليس على بصيرة منه سوى أنه قول من قلده ، وهذا بإجماع السلف كلهم وقد اشترط الإمام الغزالى -رحمه الله- فى سبيل الوصول إلى الحقائق أن يكون الباحث حر العقل مستقل التفكير، وقد ندد بكل فكر موسوم بالتبعية، والمحاكاة، وبلغ من حرصه على هذا المبدأ انه ختم كتابه فى المنطق "معيار العلم "بدعوة للقارئ إلى أن يدرسه بروح الفهم لا بروح التقليد.
أ.د/محمد عبد اللطيف جفال الدين
__________
الهامش:
1- لسان العرب لابن منظور 5 /2718.
2- كتاب الحدود ص64.
3- اللمع للشيرازى ص450 البرهان 2 /888.
4- الإحكام فى أصول الأحكام للأمدى 4 /297.
5- إرشار الفحول ص365.
6- إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن قيم الجوزية 2 /168 وما بعدها(1/93)
التقوى
لغة:قلة الكلام ، وقد استعملت التقوى -بمعنى عام- فى الصيانة والحذر والوقاية، واجتناب ما هو مكروه أو قبيح أو ضار.
واصطلاحا:هى التحرز من عقوبة الله تعالى وعذابه ، بطاعته واتباع أوامره ،واجتناب نواهيه.
وقد سأل عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- أبيا عن التقوى، فقال:هل أخذت طريقا ذا شوك؟ قال:نعم. قال:فما عملت فيه؟ قال:تشمرت وحذرت ، قال:فذاك التقوى(1).
وتنسب مثل هذه الإجابة إلى أبي هريرة عند الشوكاني (2).
وتقوم التقوى -فى جوهرها- على استحضار القلب لعظمة الله تعالى واستشعار هيبته وجلاله وكبريائه ، والخشية لمقامه ،والخوف من حسابه وعقابه.
وإذا كان هذا هو معنى التقوى فإن نطاقها لا ينحصرفى اجتناب الكبائرفحسب ، بل إنه يمتد ليشمل كل ما فيه معنى المخالفة حتى لو كان من اللَّمم أو الصغائر، وقد فهمت التقوى هذا الفهم منذ عهد الصحابة الذين قال قائلهم:لا تنظر إلى صغر الذنب ولكن انظر من عصيت.
بل إنهم جعلوا من تمام معناها أن تتضمن الورع ، عن بعض ما هو طيب أو حلال ، حذرا من مقاربة الحرام ، وفى ذلك يقول أبو الدرداء: "تمام التقوى:أن يتقى الله العبد حتى يتقيه من مثقال ذرة، وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال ، خشية أن يكون حراصا ".
وهذا المعنى له أصل صحيح فى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعن عطية السعدي قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس" (أخرجه أحمد والبخاري فى تاريخه).
وليست التقوى -كما يفهم من معناها اللغوى وبعض استعمالاتها الشرعية- مقصورة على الحذر والاجتناب للمعاصى والرذائل ، بل إنها تتضمن -كذلك- جانب الفضائل والطاعات العملية الإيجابية ويظهر هذا فى عديد من الآيات القرآنية، ولعل من أكثرها دلالة على هذا التكامل آية البر المشهورة، وهى قوله تعالى:{ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ،ولكن البرمن آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفى الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين فى البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون) البقرة:177.
وقد كانت الوصية بالتقوى أول وصايا الله تعالى لبنى آدم. قال تعالى:{يا بنى آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يوارى سوآتكم وريشا، ولباس التقوى ذلك خير}الأعراف:26.
وهى وصية الله للمسلمين وللأمم من قبلهم:{ولقد وصينا الذين أوتوا الكتابا من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله}النساء:131.
وكان أهل التقوى هم أهل محبة الله:{بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين}آل عمران:76.
وهم أهل ولايته:{ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.الذين آمنوا وكانوا يتقون}يونس:62،63.
وأهل الكرامة عنده فى الدنيا وفى الآخرة:{إن أكرمكم عند الله أتقاكم}الحجرات:13.
وقد وصفت الجنة بأنها دار المتقين:{ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين}النحل:30 ، {تلك الجنة التى نورث من عبادنا من كان تقيا}مريم:63.
وقد جعل الله التقوى من أعظم أسباب البركة فى الأرزاق ومن أعظم أسباب تفريج الكربات وتكفير السيئات وزيادة الحسنات والخروج من المضائق والأزمات.
والحديث عن التقوى ومكانتها ، وصفات أصحابها كثير فى القرآن والسنة وقد أمر الله بها فى أمر المؤمن كله:عبادات ومعاملات دينا ودنيا ، قال تعالى:{ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}آل عمران:102.
وقال صلى الله عليه وسلم:(اتق الله حيثما كنت...) رواه الدرامى(3).
أ.د/عبد الحميد مدكور
__________
الهامش:
1- تفسير القرطبي 1 /140.
2- فتح القدير للشوكاني 1 /34.
3- سنن الدرامي ، كتاب الرق ، باب ما جاء فى حسن الخلق.
مراجع الاستزادة:
1- تفسير القرآن الحكيم ، المسمى "تفسير المنار" محمد رشيد رضا طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 1972 ج1.
2- تفسير القرآن العظيم ، الحافظ ابن كثير طبع دار الشعب القاهرة ج1.
3- الجامع لأحكام القرآن محمد ابن أحمد القرطبي طبع دار الشعب القاهرة ج1.
4- فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير محمد بن علي الشوكاني عالم الكتب ج1(1/94)
التغيير الاجتماعي
لغة:التغيير والتبديل ، تقول:غيرت الشىء فتغير ، أى بدلته فتبدل (1).
واصطلاحا:هو إحداث شىء لو يكن قبله (2).
وإذا كان التغيير اجتماعيا أمكننا أن نعرفه بأنه:إحداث شىء فى المجتمع لم يكن موجودا من قبل.
ويلاحظ فى التعبير بلفظة "التغيير": عمل الغير ، أما إن أردنا أن ننبه إلى حاله الشىء المتغير فالأليق أن نعبر بالتغير، فهو: انتقال الشىء من حالة إلى حالة أخرى(3).
وكثيرا ما يترادف مفهوم "التغيير الاجتماعى" مع مصطلحات: "النهضة"، و "اليقظة" ، و "التطور" ، و "النمو" ، و "الإصلاح"، و "التقدم"، وهى مفردات شاعت لدى رواد الفكر والإصلاح العرب والمسلمين فى العصر الحديث ، فاستخدام هذه الكلمات يتضمن معنى واحدا هو الصيغة الإرادية للتغيير.
والتغيير الاجتماعى له عناصر لا يتم إلا بها ، وهى:الأشخاص ، والأشياء ، والأفكار.
فالتغيير يقوم على متابعة تحليلية لحركة هذه العناصر فى إطار الحياة الاجتماعية للإنسان. ولا يخفى ارتباط هذه العناصر ببعضها ارتباطا وثيقا وإن شكلت الأفكار فى عملية التغيير الاجتماعى العنصر ذا الأهمية البالغة، فأى عمل فردى أو اجتماعى لا يمكنه التحرك دون توجيه منها ، وهى تؤثر فى المجتمع إما كعوامل نهوض ، وإما كعوامل تعوق التحرك والنمو الاجتماعى(4).
حقيقة التغييرفى منهج القرآن:
ورؤية القرآن فى "التغيير" لا تقف عند تغييرما بظواهر الأحياء والأشياء لأن هذا النوع لا يعدو أن يكون تبدلا من حال إلى حال ، ومن مظهر إلى مظهر يأتى اللاحق فينسخ السابق.
أما التغييرالحق فهوبعض سنن الله فى الآفاق وفى الأنفس والتى قوامها تغيير ما بالنفس أى التغيير الداخلى لنفس الإنسان وهو ما يتم عادة بتغيير الفكر الذى يتم معه تغيير السلوك ، وتقاس به أحوال الأقوام والأمم بين الضعف والقوة وبين السقوط والنهوض.
وهذا ما قرره القرآن فى قوله:{ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون وكل كانوا ظالمين}الأنفال:54.
وقوله سبحانه:{إن الله لا يغيرما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}الرعد:11.
وفى ضوء هذه السنة القرآنية التى قوامها الالتزام بمنهج الله أو البعد عنه:تسير مصائر الأفراد والأمم بين الازدهار والانكسار.
أ.د/عبد الصبور مرزوق
__________
الهامش:
1- مختار الصحاح ص486 دار المعارف.
2- التعريفات للحرجانى ص55 الحلبى.
3- التعريفات للجرجانى ص55.
4- التغيير الاجتماعى عند مالك بن نبى للدكتور على القريشى من ص106 إلى ص141 ، الزهراء للإعلام العربى، ط1 1989م.
مراجع الاستزادة:
1- التربية وقضية التغيير الاجتماعى من منظور إسلامى، رسالة دكتوراه من كلية التربية بأسيوط من إعداد د/ماجدة محمد السمالوطى، ص17:20 ،1994م.
2- التغيير الاجتماعى فى عصر الرسول صلى الله عليه وسلم ووسائله التربوية، رسالة ماجستير من إعداد د/على قطب حسن العبد من كلية التربية بطنطا 1989م(1/95)
التكبر
لغة: تَكَبَّر أى تعظم وامتنع عن قبول الحق معاندة (1).
واصطلاحا: سلوك يعبر به صاحبه عن مرض نفسى هو "الكبر" الذى هو ظن الإنسان أنه أفضل من غيره ، وأن ما عنده من نعم هو جديربها، وهذا الظن وليد جهل الإنسان بحقيقته فى منشئه وحياته ومنتهاه.
فإذا وقع الإنسان فى هذا الفهم الخاطى لنفسه عظمها واستصغر غيره ، فإذا جاء سلوكه معبرا عن هذا فهو التكبر أى تعظيم النفس واحتقار الغير"فإذا تعظم أنف وحمى وافتخر، واستطال ، ومرح ، واختال" (2).
والتكبر رذيلة وثيقة الصلة برذائل أخرى مثل:العجب ، الحقد، الحسد، الرياء.
والتكبر بلاء لا يُرحم صاحبه عليه كما قال أحد الحكماء حين سئل عن ذلك (3).
المتكبر ممقوت من الله سبحانه:{إنه لا يحب المستكبرين}النحل:23.
وهو محروم من نعمة التوفيق {سأصرف عن آياتى الذين يتكبرون فى الأرض بغير الحق}الأعراف:146 ، أى أمنعهم من فهم الحجج المؤدية إلى اليقين ، فالمتكبر معاقب فى الآخرة: {إن الذين يستكبرون عن عبادتى سيدخلون جهنم داخرين}غافر:60 ، أى صاغرين (4).
وذلك لأن الكبر منع أصحابه من تصديق الرسل ، كما جعلهم يحتقرون اتباع الرسل ، فالمتكبر محروم من حب الناس له ؛ لأنه يتعظم عليهم ويحتقرهم فلا تكون المودة، وهو كذلك محروم من سديد آرائهم لأن غروره يمنعه من الأخذ عنهم حتى ولو كان حقا واضحا، وبذلك يمنع التكبر أصحابه من أن يتعاونوا مع غيرهم على البروالتقوى، ولا يبرأ مريض هذا المرض إلا إذا تذكر مم خلق ، ونعم الله عليه ، وإلى ماذا يصيربعد حياته الدنيا، هنا يدرك حقيقته وقدرغيره ، فيتواضع لله فى خلقه.
أ.د/أبو اليزيد العجمى
__________
الهامش:
1- المعجم الوسيط -مجمع اللغة العربية- القاهرة سنة 1985م ج2 (مادة ك.ب.ر.).
2- الرعاية لحقوق الله الحارث المحاسبى تحقيق عبد القادر عطا ط دار الكتب العلمية بيروت 1985م.
3- الذريعة إلى مكارم الشريعة -الراغب الأصفهانى- دار الوفاء مصر طبعة ثانية 1987 م.
4- تفسير ابن كثير دار الأندلس بيروت الطبعة السابعة سنة1985م ج3(1/96)
التكفير
لغة:التغطية والستر، ومنه {كمثل غيث أعجب الكفار نباته...) الحديد:20 ، أى الغراس ، حيث إنهم يسترون الحبوب داخل التربة. والتكفير: مصدر كفر بالفاء المفتوحة المشددة أى دعا إلى الكفر.
واصطلاحا:نسبة أحد من أهل القبلة إلى الكفر.
والكفر فى الشرع:نقيض الإيمان ، وهو الجحود، ومنه قوله تعالى:{وقالوا إنا بكل كافرون...}القصص:48. أى جاحدون ،وهو بهذا لا يخرج عن المعنى اللغوى ، لأن الكافر يستر قلبه ويغطيه بكفره. قال ابن عابدين فى حاشيته:الكفر شرعا:تكذيبه صلى الله عليه وسلم فى شىء مما جاءبه مما هو معلوم من الدين بالضرورة.
حكمه:نسبة أهل الكفر إلى كفرهم لا شىء فيه ، أما نسبة المسلم إلى الكفر فإنه يدور بين حكمين:
أحدهما:التحريم ، وذلك إذا كان المسلم باقيا على إسلامه ولم يقم دليل على كفره لقوله تعالى:{يا أليها الذين آمنوا إذا ضربتم فى سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا) النساء:94.
ولقوله صلى الله عليه وسلم:(من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فهو المسلم ،له ما لنا وعليه ما علينا)(1).
وقوله:(إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما ، فإن كان كما قال والا رجعتا عليه)(2).
ثانيهما:الوجوب وذلك فى حق من صدر عنه ما يكفره ممن له صلاحية إصدار الحكم كالإفتاء والقضاء لمصلحة شرعية معتبرة تترتب على الحكم بتكفيره.
وحتى تكون نسبة أحد إلى الكفر صحيحة لابد وأن يكون من حكم بكفره قد رجع عن الإسلام بأحد صور الرجوع كالقول أو الفعل أو الامتناع عن الفعل ، بشرط كونه قاصدا ، عالما ، فلا يحكم -مثلا -بكفرمن جرى على لسانه الكفر دون قصد أو دراية لمعنى ما صدر عنه.
جماعات التكفير:
وقد ظهرت فى النصف الثانى من القرن الماض فى مصر وغيرها مجموعات من الناس تسمى نفسها "جماعة المسلمين" كان لها غلو شديد فى الدين تحكم بتكفير المجتمع ، ودعت إلى الخروج منه والخروج عليه اعتمادا على اجتهاد شخصى ممن لا يملك أهلية للاجتهاد منهم ، وأعطوا لأنفسهم حق الاتهام والعقوبة وتنفيذها بالقتل فيمن يرون أنه كافر، كما أعطوا لأنفسهم حق العدوان على أموال الآخرين وفق ما سموه نظرية الاستحلال.
وقد عانى المسلمون كثيرا من آثار هذه الفتنة بما نشروا من الإرهاب وما قوبلوا به من الإرهاب المضاد الذى أزهقت به أرواح أبرياء وروعت به مئات الأسر حتى قيض الله لهذه الفتنة أن تنجلى فى نهاية هذا القرن (1).
أ.د/عبد الصبور مرزوق
__________
الهامش:
1- أخرجه البخارى، فتح البارى 1 /496.
2- فتح البارى 1 /514، صحيح مسلم 1 /79.
مراجع الاستزادة:
1- مختار الصحاح ص574 المعجم الوسيط 2 /712 ط السعودية حاشية ابن عابدين 3 /284 ط الحلبى(1) ظاهرة الغلو فى التكفير للدكتور القرضاوى مكتبة وهبة، ط2 1985م (2) قضية التكفير فى الفقه الإسلامى للدكتور أحمد محمود كريمة، ط1 1996م(1/97)
التنجيم
لغة: النظر فى الكواكب والنجوم ،وحساب حركاتها ، واستخدام ذلك فى ادعاء معرفة الغيب واستطلاع أقدار الناس وآجالهم ، وأرزاقهم وحظوظهم فى الدنيا(1).
واصطلاحا: التنجيم:حرفة مارسها المنجمون ، على أساس أفكار علماء الفلك الأقدمين.
وكان الكلدانيون أول من اشتغل بالتنجيم فى القرن السابع ق.م، كما اشتغل به المصريون القدماء، وأخذه الإغريق عنهم كما أخذه عنهم الهنود القدماء والرومان.
واعتبرت رسالة النبى عيسى عليه السلام التنجيم وحيا من الشيطان إلى من يعمل به ، ولقد كان من بعض الأعراب فى الجاهلية منجمون ومنهم:سملقة ، و سطيح ، و طريفة ، وزوبعة ،وعمران وغيرهم.
ونهى الإسلام عن التنجيم واعتبر الإيمان به كفرا، فاشتفت حرفة التنجيم فى الجزيرة العربية زمنا طويلا، إلى أن ظهرت فى عصر الدولة العباسية، فكان أبو جعفر المنصور من المعجبين بالتنجيم والمهتمين به حتى كان بعض المنجمين فى صحبته دائما وكان منهم نوبخت الفارسى وغيره.
وأساس التنجيم ظاهر البطلان ، وما انتشر- قديما إلا بين الأمم الوثنية التى كانت تقدس النجوم وتسجد لها، كما قال الله عز وجل:{ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمرلا تسجدوا للشمس ولا للقمرواسجدوا لله الذى خلقهن إن كنتم إياه تعبدون}فصلت:37.
وعن زيد بن خالد -رضى الله عنه- قال:(خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية فأصابنا مطر ذات ليلة فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح ، ثم أقبل فقال:(أتدرون ماذا قال ربكم؟ قلنا الله ورسوله أعلم. قال:قال الله عزوجل:أصبح من عبادى مؤمن بى، وكافربى، فأما من قال:مطرنا برحمة الله وبرزق الله وبفضل الله ،فهو مؤمن بى كافر بالكواكب ، أما من قال مطرنا بنجم كذا وكذا فهو مؤمن بالكواكب كافربى) (رواه البخارى)(2).
وعن محمد بن على عن أبيه عن على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(ولا نجالس أصحاب النجوم) (أخرجه أحمد).
ولما تأهب الخليفة المعتصم لفتح عمورية، ظهرالمذنب هالى فى السماء فتشاءم الناس منه ، ونصح المنجمون الخليفة ألا يخرج للحرب ، إلا أنه تذكر أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج للحرب وانتصر.
وفى ذلك قال المتنبى:
السيف أصدق إنباء من الكتب * فى حده الحد بين الجد واللعب
أما المنجمون فى العصر الحالى. وقد صدموا بالاكتشافات الفلكية الحديثة فقد أعلنوا أنهم لا يعتقدون أن للكواكب والنجوم تأثيرا على مقدرات الناس ، وإنما هى منفعلة لإرادة الله تعالى.
فالذى يراقبها من المنجمين ، يتبين له وجهة الإرادة الإلهية فى بعض الأحداث الدنيوية يريد الله تعالى أن يكشفها للناس.
ومن الواضح أن هذا التأويل الذى وجدوا فيه مخرجا لهم ظاهر البطلان أيضا.
أ.د/احمد شوقى إبراهيم
__________
الهامش:
1- المعجم الوسيط -مجمع البحوث الإسلامية- القاهرة سنة 1985م.
2- فتح البارى لشرح صحيح البخارى.
مراجع الاستزادة:
1- دائرة معارف القرن العشرين محمد فريد وجدى.
2- قصة الفلك الدكتور/محمد جمال الدين الفندى(1/98)
التنوير
لغة:وقت إسفار الصبح ، يقال:قد نور الصبح تنويرا ، والتنوير: الإنارة، والتنوير: الإسفار، كما فى اللسان(1).
واصطلاحا:التنوير (Renaissance):ظهر فى القرنين السادس عشر والسابع عشر تعبيرا عن الفكر الليبرالى البورجوازى ذى النزعة الإنسانية العقلية والعلمية والتجريبية، كما يتضمن هذا الفكر نزعة مادية واضحة بعد إقصاء اللاهوت ، وذلك بإحلال الطبيعة والعقل بدلا من الفكر الغيبى الثيولوجى والخرافى فى تفسير ظواهر العالم ووضع قوانينه.
وأطلق على هذا العصر- القرنين:السادس عشر والسابع عشر عصر النهضة ويقصد بها التحررمن السيطرة الطاغية: سيطرة الملوك والأمراء، ومن سيطرة التقاليد والعادات وتخلصا من سيطرة الكنسية واللاهوت.
وقد شاع هذا المصطلح "التنوير" فى العالم العربى خلال القرن التاسع عشر الميلادى تحت مفهوم:الحداثة ، نتيجة لقاء الحضارة العربية مع الحضارة الأوروبية، وكان يعنى: نفض الغبار الذى ران على العقل العربى الإسلامى خلال عصور الانحطاط التى بدأت منذ السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى) وتجديد الفكر العربى الإسلامى لمواجهة الفكر الغربى.
ومع ذلك لم تقطع حركة التنويرالعربية الإسلامية علاقتها بالتراث العربى الإسلامى ، بل اتجهت إلى إحياء جوانبه العقلية والعلمية والتجريبية، وربطها بالحضارة الحديثة فلم تكن حركة تقليد للوافد الجديد، ولا تمسكا حرفيا بالقديم الموروث ، بل كانت محاولة للتجديد فى إطار عربى إسلامى.
وقد بدأت هذه الحركة بومضات استنارة، ظهرت فى فكر الكواكبى، والشيخ حسن العطار، ورفاعة الطهطاوى، واتضحت معالمها فى فكر جمال الدين الأفغانى، وتلميذه الإمام محمد عبده ، ومدرسة المنار: مصطفى عبد الرازق، ومحمود شلتوت ، ومحمد البهى وغيرهم ، إذ لم يجد هؤلاء الرواد تعارضا بين تعاليم الإسلام وبين استخدام العقل فى فهم الكون والطبيعة والإنسان ، ولم يجدوا بأسا فى الأخذ بأساليب المدنية الحديثة ، فلقد دعا جمال الدين الأفغانى ومحمد عبده وتلاميذهما إلى أن الإسلام منور للعقول بإشراق الحق ، فحث المسلمين على البحث فى جميع فروع العلوم المدنية؟ إذ تلزم العقيدة معتنقيها بالتبصر فى الفنون والعلوم ،كالطبيعة، والكيمياء، والهندسهة، والفلك. وغيرها. وبذلك أدى هؤلاء المصلحون خدمة للدين والعلم معا؟ بما أكدوا على حرية العقل من المنظور الدينى، وبما أنهوا من أسباب العداوة بين الدين والعلم فى المجتمع المعاصر.
ولم يكن ظهور الاتجاه العقلى فى الفكر الإسلامى فى القرن التاسع عشر الميلادى بداية عصر التنوير فى المجتمع الإسلامى بل كان إحياء لظاهرة فكرية قديمة، قادها المعتزلة، وابن رشد ، وابن خلدون ، وغيرهم ممن كان للعقل المقام الأول فى نظرتهم للكون والطبيعة والإنسان ، بل إن من الباحتين من يرى أن إخوان الصفا هم رواد التنوير فى الفكر الإسلامى، ويستدل على ذلك بأنهم دعوا فى رسائلهم إلى استخدام العقل ورفض التعصب الدينى والمذهبى، وإنكار "تكفير" الفرقاء لأسباب فكرية دينية وغير ذلك من الأفكار التى تعد معالم للفكرالتنويرى، بل ذهب بعضهم إلى أن فكر ابن خلدون -فى جوهره- منقول عن إخوان الصفا، وأن ابن النفيس اقتبس -أو نقل- عنهم كثيرا من أفكاره.
أ.د/محمد شامة
__________
الهامش:
1- لسان العرب:ابن منظور، مادة (نور).
مراجع الاستزادة:
1- إخوان الصفا ، رواد التنوير فى الفكر العربى. محمود إسماعيل ، القاهرة 1997م.
2- أوروبا والإسلام:عبد الحليم محمود، القاهرة 1972م.
3- تاريخ الفلسفة الحديثة:يوسف كرم ، القاهرة 1966م.
4- الدين والفسلفة والتنوير:محمود حمدى زقزوق ، القاهرة 1996م(1/99)
التهكم
هو ما كان ظاهره جدا وباطنه هزلا.
وهو عكس الهزل الذى يراد به الجد، والتهكم أسلوب يستخدم للسخرية من الآخرين ، صحيح الظاهر جاده ، وفى داخله هزل ولمز.
مثاله:قول إنسان لآخروهو فى معرض ذمه:أنت جواد كريم ، ولكنه فى الحقيقة لا يقصد ظاهر هذه العبارة بل يقصد لمزه بالبخل والشح.
وقد عد جماعة من قبيل التهكم قوله تعالى:{ذق إنك أنت العزيز الكريم}الدخان:49. إذ اللفظ فى ظاهره يحمل وصفا العزة والكرم ، لكن باطنه يحمل رميا بالذل والخسة والمهانة.
وذهب جماعة إلى نفى التهكم والسخرية عن كلام الله -عز وجل- تنزيها له سبحانه وتعالى عن هذا الأسلوب الذى لا يناسب جلاله وكماله.
أ.د/عبد الصبورمرزوق
__________
مراجع الاستزادة:
1- الكليات لأبى البقاء الكفوى مؤسسة الرسالة الطبعة الثانية 1993ص 303.
2- البحر المحيط فى أصول الفقه للزركشى دار الكتب ط أولى سنة 1994م (3 /283).
3- شرح الكوكب المنير -مكتبة العبيكان- تحقيق د/محمد الزحيلى، ود/نزيه حماد (3 /26) وما بعدها.
4- المستصفى للغزالى الأميرية (1 /107).
5- كشف الأسرار لعلاء الدين البخارى (1 /107)(1/100)
التوثيق
لغة: هو الإحكام (1) تقول: وثق الشىء قوى وثبت وكان محكما، وتوثق تقوى وتثبته (2).
واصطلاحا: هو إثبات صحة الشىء أو التثبت من صحة النص ، وهو مشتق من الثقة ومنه وثيقة الزواج ، وتوثيق العقود أى إثبات صحتها ومصلحة التوثيق هى الجهة المنوط بها إثبات صحة العقود والمعاملات المكتوبة بين الناس.
والتوثيق فى البحوث العلمية يقصد به:ربط كل الأفكار والقضايا والمسائل الواردة بها بالمصادر والمراجع التى أخذت منها ، وتدعيمها بالاقتباسات والشواهد المأخوذة من تلك المصادر والمراجع (3).
وأول مظهر لاهتمام العرب بتوثيق النصوص هو عناية الرسول صلى الله عليه وسلم بكتابة القرآن الكريم ، وحرصه على ضبط ما يكتبه كتبة الوحى فقد روى عن زيد بن ثابت قوله "كنت أكتب الوحى عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يملى على، فإذا فرغت قال:اقرأه ، فأقرأه فإن كان فيه سقط أقامه ثم أخرج به إلى الناس"(4).
وبما أن الحديث النبوى هو المصدر الثانى من مصادر التشريع ونظرا لأنه لم يدون إلا على رأس المائة الثانية للهجرة فقد كان طبيعيا أن يهتم المسلمون بتوثيقه اهتماما بالغا لما له من أهمية فى شئون أمور الدين والدنيا. ولهذا وضعت القواعد لقبول الحديث وظهر الاهتمام بصحة الإسناد منذ عهد مبكر، فقد روى عن عبد الله بن المبارك قوله:"مثل الذى يطلب أمردينه بلا إسناد كمثل الذى يرتقى السطح بلا سلم "(5)، ونتج عن ذلك الاهتمام بصدق الرواة والتأكد من حسن سماعهم لما يروونه ،وحقيقة لقائهم بشيوخهم وعدم الزيادة أو النقصان أو التحريف أو التصحيف أو المخالفة فيما يروون من أجل التثبت من أهليتهم لرواية الحديث ، وكما نتج عنه الاهتمام بمعرفة اتصال السند أو انقطاعه ،وعلوه ونزوله ، وغير ذلك مما فصلته علوم الحديث ، وقد تمخض هذا كله عن ظهور علم مصطلح الحديث من ناحية وكتب الجرح والتعديل من ناحية أخرى.
وكان لتوثيق النصوص مظاهر متعددة تمثلت فى تدوين السماعات والقراءات والإجازات والمقابلات والمعارضات والتصحيحات والاستدراكات على النسخ المخطوطة إحكاما واستيثاقا.
وفى العقد الثالث من القرن العشرين استخدم المكتبيون مصطلح "التوثيق" كمقابل لكلمة Decumentation. التى أفرزها عصر تفجر المعلومات (6)، فقد أدى التتابع السريع والمنتظم للمعلومات التى تنشر فى غير الكتب كمقالات الدوريات والبحوث والتقارير والنشرات والمستخلصات والرسائل العلمية وغيرها من صور النشر الحديثة وبخاصة فى مجال العلوم والتكنولوجيا.
وأدى عجز النظم الببليوجرافية التقليدية، وقصورأمناء المكتبات التقليدية فى تلبية احتياجات الباحثين فى التخصصات الدقيقة أدى ذلك إلى تحول المكتبات المتخصصة إلى مراكز توثيق مهمتها السيطرة على هذا السبيل الجارف من المعلومات جمعا وتسجيلا وتصنيفا واختزانا فى الحاسبات الإلكترونية، وتقديم خدمة غير تقليدية للباحثين فبدأت تظهر مراكز توثيق متخصصة فى الزراعة والصناعة والتربية وغيرها من فروع المعرفة وانعكس هذا التطور على مسميات أقسام المكتبات ومعاهدها فأصبحت تسمى "أقسام المكتبات والتوثيق" واستمرت هذه الموجة ثلاثة عقود ثم بدأت فى الانحسار وبدأ مصطلح "التوثيق" يختفى من الاستخدام فى السبعينيات ليحل محله مصطلح جديد هو المعلومات Information.
أ.د/عبد الستار عبدالحق الحلوجى
__________
الهامش:
1- مجد الدين الفيروزآبادى. القاموس المحيط القاهرة المكتبة التجارية ط5 سنة 1954م. 3 /287-288، الصحاح. للجوهرى. تحقيق أحمد عبد الغفور عطار. دار الكتاب العربى القاهرة سنة 1377هـ ص1563.
2- محيط المحيط بطرس البستانى مكتبة لبنان سنة 1977م ص956-957.
3- المكتبات والمعلومات والتوثيق ، أسس علمية حديثة ومدخل منهجى عربى. سعد محمد الهجرسى وسيد حسب الله دار الثقافة العلمية الاسكندرية ط2 سنة 1998م ص216.
4- المعرفة والتاريخ يعقوب بن سليمان البسوى. تحقيق أكرم ضياء العمرى. مؤسسة الرسالة بيروت ط2 سنة 1981م 1 /377.
5- أدب الإملاء والاستملاء. عبد الكريم السمعانى. دار الكتب العلمية بيروت سنة 1981م. ص4.
6- انظر مادة Documentation فى:
I Webster's third New International Dictionary. Spring field Mossachusetts: Merriam Company، 1961.
II Ranganathan، S.R.: Documentation and its Facets. Bombay: Asiapublishing Hovse، 1963(1/101)
التوحيد
لغة:"الإيمان بالله وحده لاشريك له".
واصطلاحا:"معرفة الله تعالى بالربوبية ، والإقرار بالوحدانية ، ونفى الأنداد عنه جملة "، وهو بهذا المعنى حقيقة بسيطة تدور على إفراد الله تعالى بالعبودية، ونفيها عن كل ما سواه.
والتوحيد هو جوهر الإسلام ، بل جوهركل الأديان السماوية، وهو دعوة الرسل والأنبياء من آدم إلى محمد عليهم الصلاة والسلام. وجاء فى القرآن الكريم:{ولقد بعثنا فى كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) النحل:36. ويقف الإسلام بخصيصة التوحيد هذه على الطرف المقابل للعقائد التى يتسع فيها مفهوم العبادة لغير الله تعالى، كائنا ما كان هذا الغير: جمادا أو حيوانا أو إنسانا أوكائنا خفيا كالجن والشياطين ، كما يقف على الطرف المقابل أيضا لكل المذاهب والفلسفات التى تؤمن بحلول الله فى غيره ، أو اتحاده بهذا الغير، أو تجسده فيه.
ولم ترد كلمة "التوحيد" بهذه الصيغة اللغوية فى القرآن الكريم ، وإنما وردت بصيغة "الواحد" وصفا لله تعالى اثنتين وعشرين مرة. كما وردت لها فيه صيغة "أحد" -وصفا لله تعالى- فى سورة الإخلاص فى قوله تعالى:{قل هو الله أحد}الإخلاص:1 ، وهذه السورة تعدل ثلث القرآن لما اشتملت عليه من بيان التوحيد الخالص الذى هو أصل الإسلام وذروة سنامه.
والتوحيد -فى هذا الإطار الواضح الميسر- هو العقيدة التى يحملها الإسلام إلى الناس كافة ويقدمها للبشر بحسبانها معيارا وحيدا يصحح بها علاقة الإنسان بالله -تعالى- عقيدة وعبادة. ورغم بساطة هذه العقيدة ووضوحها فقد شغلت مساحة هائلة من اهتمام العلماء والمفكرين والفلاسفة المسلمين ، ونشأت حولها تفسيرات وشروح وأفكار بالغة الدقة، شكلت "علما" مستقلا سمى بعلم التوحيد أو علم الكلام ، وظهر هذا العلم فى وقت مبكر جدا من تاريخ الإسلام ،ولازال يستمد مبررات وجوده من هذه العقيدة حتى يومنا هذا.
وقد نشأت على طول هذا التاريخ مدارس وفرق كلامية اختلفت رواها وتفسيراتها العلمية لأبعاد عقيدة التوحيد، لكنها لم تختلف حول المعنى البسيط لهذه العقيدة كما يقررها القرآن الكريم والسنة النبوية.
ومعنى "التوحيد" عند متكلمى أهل السنة والجماعة:إثبات الوحدانية لله تعالى فى ذأته وصفاته وأفعاله:فوحدانية الذات تعنى تنزيه ذاته تعالى عن الجسمية ولواحقها من تركب وتبعض وتحيزفى الجهة، وهو ما يعبرون عنه بنفى الكم المتصل عن الذات ، كما يعنى تنزيه الذات عن أن يكون له ند أوضد أو مثل أو شريك ، وهو ما يعبرعنه بنفى الكم المنفصل عن الذات ، وتعنى وحدانية الصفات استحالة التعدد فى الصفة الواحدة من صفات الله تعالى كأن تكون له قدرتان أو علمان.الخ. كما تعنى استحالة استحقاق الغيرلأية صفة من الصفات الإلهية.
أما وحدانية الأفعال فمعناها نفى مشاركة الغيرلله تعالى فى إيجاد شىء فى هذا الكون أو تدبيره.
وقد تشددت فرقة المعتزلة فى تنزيه التوحيد فاثبتوا الذات ونفوا الصفات ، وتشدد بعض الفلاسفة أيضا فمنعوا وصفه تعالى بالصفات الثبوتية، واكتفوا بوصفه تعالى بالإضافات والسلوب ، وذلك خوفا من انثلام "الوحدة" الإلهية أو لحوقما التعدد بها ، حتى لو كان التعدد فى الأوصاف. وهذان المذهبان يقابلان مذهب أهل السنة الذى يثبت لله تعالى ما أثبته لنفسه من صفات وأسماء كثيرة، والذى يرى أن كثرة الصفات لموصوف واحد لا تقدح فى وحدة الذات ، إذ الممنوع عقلا وجود أكثر من ذات أو جوهر يتصف كل منها بالألوهية أو تحل فيها المعانى الإلهية. ولعلماء الكلام من معتزلة واشاعرة وغيرهم براهين عقلية مطولة فى إثبات صفة الوحدانية لله وإبطال العقائد المعددة فى الألوهية بالتثنية أو التثليث أو الحلول أو الاتحاد... الخ.
والتوحيد عند شيوخ التصوف يستند -أيضا- إلى المعنى العام البسيط للتوحيد كما ورد فى القرآن والسنة، وقد عرض القشيرى فى مفتتح كتابه المسمى بالرسالة القشيرية لبيان اعتقادهم فى التوحيد بما لا يخرج عن مذهب أهل السنة والجماعة. غير أننا نلمس أبعادا أخرى -ذوقية- تقع وراء "المعنى البسيط" لعقيدة التوحيد، وتتمتل فى تقسيمه إلى مراتب تختلف باختلاف الموحدين ومدى مخالطة "بشاشة التوحيد" لقلوبهم ، فهناك توحيد العامة، وهو التوحيد الذى يقف عند المعنى العام لشهادة:ألا إله إلا الله ، وتوحيد الخاصة، وهو حالة لا يرى فيها العبد غير الحق ، وتسقط عنده الأسباب الظاهرة، فلا يرى لها تأثيرا رغم مباشرته إياها. ثم توحيد خاصة الخاصة، وهو التوحيد الذى اختص الحق -تعالى- نفسه به ، غيرأنه أظهر لبعض صفوته من هذا التوحيد لوائح وأسرارا. وطريق التوحيد فى المرتبة الأولى ملاحظة الشواهد والآيات والآثار، وفى المرتبة الثانية المكاشفات والمعاينات والأحوال من قبض وبسط وسكروصحو ومحو... الخ.
وتوحيد المرتبة الثالثة لا يقبل وصفا ولا تأخذه العبارة ولا النعت.
وما يقوله شيوخ التصوف فى مراتب التوحيد ليس مسلما لدى كثيرمن علماء الإسلام وفقهائه ،خصوصا: ابن تيمية، وابن القيم الذى انتقد هذه المراتب وفندها من وجهة نظرشرعية وهو يشرح منازل السائرين للصوفى الشهير:
أبى إسماعيل الهروى.
ويرى ابن خلدون أن المعتبر فى التوحيد ليس هو الإيمان فقط ، لأن الإيمان تصديق علمى، أما التوحيد فهو علم ثان ينشأ من العلم الأول ، والفرق بينهما أشبه بالفرق بين العلم بالشىء والاتصاف بهذا الشىء أو التحقق به.
أ.د/أحمد الطيب
__________
مراجع الاستزادة:
- لسان العرب لابن منظور.
- التعريفات للجرجانى.
- حواش على شرح الكبرى للسنوسى ص279 ط مصطفى الحلبى بمصر 1936.
- لطائف الإعلام فى إشارات أهل الإلهام لعبد الرزاق القاشانى 1:366 تحقيق سعيد عبد الفتاح ط دار الكتب المصرية 1995.
- مدارج السالكين لابن القيم 3:499 وما بعدها مطبعة السنة المحمدية القاهرة 1956.
- مقدمة ابن خلدون 3:1069 وما بعدها تحقيق على عبد الواحد وافى نهضة مصر(1/102)
التورية
لغة: مأخوذة من: ورى الخبر، أى ستره ،وأظهر غيره ، والتورية:الستر كما فى اللسان.
واصطلاحا:أن يطلق لفظ له معنيان قريب وبعيد، ويراد البعيد منهما لقرينة خفية، فكأن المعنى القريب ساتر للمعنى البعيد المراد، وكانت القرينة خفية شحذا للخيال ، وإثارة للتأمل ، تتجاوز المعنى القريب إلى البعيد.
وتنقسم إلى أربعة أقسام:
1- مرشحة:إذا ذكر ما يلائم المعنى القريبه غير المراد، لإثارتها مزيدا من الفكر والتأمل كقول يحيى بن منصور الحنفى من شعراء الحماسة.
فلما نأت عنا العشرة كلها * أنخنا تحالفنا السيوف على الدهر
فما أسلمتنا عند يوم كريهة * ولا نحن أغفينا الجفوف على وتر
فإن الإغفاء مما يلائم جفن العين ،لا جفن السيف ، وإن كان المراد إغماد السيوف أى لم تغمد السيوف وهم وترعند أحد.
2- مجردة: وهى التى تتجرد عما يلائم كلا المعنيين ، القريب والبعيد:كقول إبراهيم الخليل عليه السلام عن سارة زوجه ، لجبار من الجبابرة وقد سأله عنها: "أختى" يريد أخوة الإسلام لا أخوة النسب.
3- مبينة: وهى ما ذكرفيها ما يلائم المعنى البعيد كقول البحترى:
ووراء تسدية الوشاح ملية * بالحسن تملح فى القلوب وتعذب.
فالمراد الملاحة والحسن.
4- مهيأة: وهى التى تفتقر إلى ذكر شىء مهيىء فى العبارة كقول ابن الربيع:
لولا التطير بالخلاف وأنهم * قالوا مريض لا يعود مريضا
لقضيت نحبى فى جنابك خدمة * لأكون مندوبا قضى مفروضا.
ومندوبا صفة لمحذوف أى ميتا مندوبا وهو المعنى البعيد المراد، والمعنى القريب:المندوب ما قابل المسنون والمفروض ، وذكر المفروض هيأ التورية، وتقبل التورية إذا جاءت تلقائية دون تكلف وسرف تثير التدبر وتدل على الذكاء وامتلاك ناصية اللغة.
أ.د/صبّاح عبيد دراز
__________
مراجع الاستزادة:
1- أنوار الربيع فى أنواع البديع لابن معصوم المدنى مطبعة النعمان النجف الأشراف ط1 سنة 1389هـ سنه 1969م.
2- الإيضاح للقزوينى شرح د/عبد المنعم خفاجى دار الجيل بيروت ط3 لسنة 1414هـ سنة1993م.
3- بغية الإيضاح الشيخ عبدالمتعال الصعيدى المطبعة النموذجية القاهرة(1/103)
التيمم
لغة:القصد، يقال "تيممت الشىء" أى: قصدته وتعمدته ، كما فى اللسان (ا)، ومنه قولة تعالى: {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) البقرة:267.
واصطلاحا:طهارة ترابية تشتمل على مسح الوجه واليدين ، وهو ضربتان:إحداهما يمسح بها الوجه ، والأخرى يمسح بها اليدين إلى المرفقين (2) ويكون ذلك عند فقدان الماء حقيقة، أو حكما ؛ كأن يتعذر استعماله لمرض ، أو أن يخاف عطشا على نفسه أو غيره من آدمى أو بهيمة، أو عدم آلة توصله إلى الماء(3).
والتيمم رخصة مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع:
أما الكتاب فقوله تعالى: {وإن كنتم مرضى أوعلى سفرأوجاء أحد منكم من الغائط أولامستم النساء فلم نجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه}المائدة:6.
وأما السنة فما رواه مسلم عن حذيفة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(فضلنا على الناس بثلاث:جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا،وجعلت تربتها لنا طهورا ؛ إذا لم نجد الماء}(4).
وأما الإجماع فقد انعقد على مشروعيته ،وعلى أنه من خصائص هذه الأمة ، لطفا من الله بها وإحسانا، وليجمع لها بين التراب الذى هو مبدؤ ايجادها، والماء الذى هو سببه استمرار حياتها(5).
ويستباح بالتيمم ما يستباح بالطهارة بالماء من صلاة وغيرها من العبادات ، وينقضه ما ينقض الوضوء والغسل ، كما ينقضه وجود الماء قبل الصلاة اتفاقا(6).
أ.د/على مرعى
__________
الهامش:
1- لسان العرب لابن منظور، طبعة دار المعارف. (يمم).
2- معجم لغة الفقهاء لمحمد رواس قلعة جى دار النفائس ص152 بيروت 1408هـ 1988م ط3.
3- الجامع لأحكام القرآن للقرطبى ط دار الريان للتراث 3 /1801.
4- صحيح مسلم حديث رقم (522) كتاب المساحة ومواضع الصلاة عيسى الحلبى 1955م 1 /371 ط1.
5- مواهب الجليل للحطاب دار الفكر ط2 -بيروت- 1398هـ 1978م 1 /325.
6- قوانين الأحكام الشرعية لابن جزى وما بعدها طبعة عالم الفكر بالحسين ط1 ، 1405هـ 1985م ص39(1/104)
الثروة
لغة: ثروة من ثرى، ثرى المال ثراء: نما، وثرى القوم: كثروا وثرى ثراء كثر ماله فهو ثر وثرى، وثرى بكذا: كثرماله فهو غنى عند الناس ، والثراء كثرة المال ، والثرى: الأرض (كما فى لسان العرب)(1).
اصطلاحا: الثروة هى الأشياء الأساسية التى تسهم فى الرفاهية وهذه الأشياء هى التى تسمى السلع ألاقتصادية.
لم ترد كلمة "ثروة" فى القرآن الكريم ،والكلمة التى جاءت ولها صلة لغوية بهذه المفردة هى كلمة "ثرى" فى قوله سبحانه وتعالى: {له ما فى السموات وما فى الأرض وما بينهما وما تحت الثرى}طه:6.
وقال الآلوسى فى تفسيرها: الثرى: التراب الندى، تثرى ثرى فهى ثرية كغنية(2).
وردت كلمة ثروة فى حديثين من أحاديث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أحد الحديثين جاء فيه: (ما بعث الله نبيا الا فى ثروة من قومه)(3).
أما الحديث الثانى فجاء فيه: (وأما أول ثلة يدخلون النارفأمير مسلط وذو ثروة من المال لا يؤدى حق الله فى ماله 00)(4).
يمكن القول أن كلمة (مال) هى أقرب الكلمات إلى معنى كلمة "ثروة" وذلك فى القرآن الكريم وفى الدراسات الفقهية، جاءت كلمة مال فى القرآن ستا وثمانين مرة، وفى الاصطلاح الفقهى تعددت التعاريف التى عرف بها الفقهاءمصطلح "مال"،ومما قيل فى تعريفه: "لا يقع اسم مال إلا على ما له قيمة يباع بها وتلزم متلفه وإن قلت وما لا يطرحه الناس "(5).
وقيل أيضا فى تعريفه: "المراد بالمال ما يميل إليه الطبع ويمكن ادخاره لوقت الحاجة(6).
وقد ميز محمد باقر الصدر بين نوعين من "الثروة": ثروة آولية وهى مصادر الإنتاج ، وثروة ثانوية وهى ما يظفربه الإنسان عن طريق استخدام تلك المصادر وفى رأيه أن الثروة الأولية لا يدخل فيها العمل ورأس المال ، وإنما تشمل مصادر الطبيعة للإنتاج وهى: الأرض -المواد الأولية التى تحويها الأرض- المياه الطبيعية بقية الثروات وهى محتويات البحاروالأنهار والثروات الطبيعية المنتشرة فى الجو، والقوى الطبيعية المنبثة فى أرجاء الكون ، وغيرذلك من ذخائر الطبيعة وثروتها.
وإذ اشرنا إلى أن كلمة "ثروة" لم ترد فى القرآن الكريم وأن كلمة (مال) أقرب مدلول لها، فقد جاءت فى القرآن الكريم مفردات كثيرة تدل على معنى الثروة ومنها كلمة: رزق ونعمة، والمعنى الذى يبرز فى هذه المفردات أنها أعطت للثروة عناصر قيمية، وأن كل مفردة من المفردات السابقة تحمل عنصرا قيميا معينا وهذا يعنى أن الإسلام لا يقصر النظر إلى الثروة من حيث العنصر المادى، إنما يضم إلى ذلك عناصرقيمية فى فهم معنى الثروة وفى استخدامها أو توظيفها، وهذه العناصر القيمية تتوزع إلى عناصر عقيدية وعناصر أخلاقية، وغير ذلك مما تدل عليه المفردات السابقة.
ومما سبق يمكن تقديم مفهوم للثروة فى الإسلام وللعناصر الفاعلة فيه ، فالثروة تشمل السلع النافعة والمباحة شرعا، ولا يقتصر مفهوم الثروة فى الإسلام على السلع المنتجة وإنما يدخل فيها كل مصادر الطبيعة مثل أشعة الشمس والهواء وما فى جوف الأرض من عناصر طبيعية أخرى.
أ.د/رفعت العوضى
__________
الهامش:
1- لسان العرب -ابن منظور- ج14 دار صادر للطباعة والنشر بيروت سنة 1956م.
2- روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم والسبع المثانى الآلولسى البغدادى ج16 طبعة رابعة -دار إحياء التراث الإسلامى بيروت سنة 1985م.
3- الجامع الصحيح (سنن الترمذى) ج4 -تحقيق كمال يوسف الحوت- دار الكتب العلمية -بيروت ، سنة 1987م- حديث رقم 2010.
4- صحيح ابن خزيمة -ج4 تحقيق محمد مصطفى الأعظمى الطبعة الأولى- المكتب الإسلامى سنة 1970م حديث رقم 2249.
5- الأشباه والنظائر فى قواعد وفروع فقه الشافعية -السيوطى- دار الكتب العلمية -بيروت- لبنان.
6- حاشية ابن عابدين ، ج4 -ط- المطبعة الكبرى الأميرية بولاق مصر سنة 1925هـ.
مراجع الاستزادة:
1- مغنى المحتاج إلى معرفة معانى ألفاظ المنهاج ، الشربينى الخطيب شرح متن المنهاج لأبى زكريا يحيى بن شرف النووى ج2 طبع مصطفى البابى الحلبى مصر سنة 1958م.
2- اقتصادنا ، دار الكتاب اللبنانى ببيروت لبنان سنة 1981م.
3- موسوعة المصطلحات الاقتصادية د/حسين عمر محمد باقر الصدر مكتبة القاهرة الحديثة سنة 1956م.
4- The Inceclopedlio Amercana، Internatoial Edition، grolier Incorporated، 1994، P.523(1/105)
الثغور
لغة: مفردها ثغر.
واصطلاحا: يقصد بها منطقة الحصون التى بنيت على تخوم الشام والجزيرة لصد غزوات الروم ، ولهذا أطلق عليها مصطلح "الثغورالرومية ".
وهناك من توسع فى مفهوم "الثغز للدلالة على كل موضع قريب من أرض العدو.
وتبدأ منطقة الثغور هذه من طرسوس فى قليقلة، وتمتد فى طول البلاد حتى ملطية ثم الفرات ، وكانت مهمتها حماية إقليم العواصم الممتد على طول الحدود من غارات الأعداء.
وقد فرق الجغرافيون بين الثغور الشامية وثغور الجزيرة عن طريق تقسيمها إلى ثغور عربية وأخرى شامية.
ويقصد بالجزيرة: المنطقة الشمالية الخصبة بين "دجلة والفرات" وتمتد إلى منطقة الدروب عند سلاسل جبال طوروس ،كما تمتد إلى الجبال الفارسية.
وقد كثر سكان العرب فى هذه المنطقة قبل الإسلام ،ووجدت فيها قبائل وديار ربيعة ومضر وبكر.
وذكر الجغرافيون عددا من الحصون فى منطقة الثغور الشامية هى: ملطية والحدث ومرعش وطرسوس والهارونية والكنيسة السوداء وعين زرنجة والمصيصة وأذنة.
أما منطقة ثغور الجزيرة فمن حصونها: كمخ وشمشاط وألبيرة وحصن منصور وقلعة الروم والحدث والحمراء ، ومن أشهر مدن هذا الثغر أنطاكية وبغراس.
وقد تحدث "قدامة بن جعفر" عن الثغور وقال: إن منها ما هو برى وهو ما يلقى بلاد العدو ويقابله من جهة البر، ومنها ما هو بحرى حيث تلقى العدو وتقابله من ناحية البحر، ومنها ما يجتمع فيه الأمران.
أما عواصم هذه الثغور فهى ما وراءها من بلدان الإسلام ، وكل منها يعتبر عاصما لأنه يعصم الثغر ويمده فى أوقات النفير.
ولهذا كان إقليم الجزيرة وشمالى الشام وحدة يتمم بعضه بعضا من حيث ارتباط حصونها ، وتعرضها لغارات البيزنطيين ،وكانت الحملات الإسلامية المتعاقبة فى حاجة إلى قواعد ترتكز عليها، فتطلع المسلمون إلى مد نفوذهم إلى تلك المراكز الأمامية المطلة على ألعدو والمعروفة "بالثغو" ، وحصنوها وشحنوها بالجنود ، وبدأت العواصم الخلفية وثغورها الأمامية تأخذ مكانتها المتميزة فى نظام الدولة الإسلامية منذ زمن الخلفاء الراشدين.
وهكذا انقسمت الحدود فى زمن الراشدين إلى قسمين:
1- إقليم العواصم والثغور الشامية للدفاع عن إقليم الشام والإغارة على أرض البيزنطيين بآسيا الصغرى.
2- إقليم العواصم والثغور الجزرية للدفاع عن شمالى العراق وللحملات التى تقوم منه على أراضى الدولة البيزنطية.
ولما آل حكم الدولة الإسلامية إلى الأمويين واصلوا تخطيط المدن وتمصيرها وإنزال الجنود فيها وتوسيعها، حتى أضحته أمصارا زاخرة بالمقاتلين والسلاح والأيدى العاملة.
وهكذا عاش الناس فى مجتمع الثغور حراسا لدار الإسلام.
وهكذا ظلت مناطق الثغور تنال اهتماما وتحظى بالتطور، إلى أن تغير حال العالم الإسلامى، وتولى أمره الظالمون ممن شغل بالمنكرات والملذات ، فضعف أمر الثغور واختل نظامها وانحل عقدها نحو منتصف القرن الرابع الهجرى ،العاشر الميلادى.
أ.د/عبد الله جمال الدين
__________
مراجع الاستزادة:
1- الحدود الإسلامية البيزنطية بين الاحتكاك الحزبى والاتصال الحضارى محمد فتحى عثمان ، ومقدمة الأستاذ الدكتور حسين مؤنس لنفس العمل ، ثلاثة أجزاء القاهرة 1966م.
2- نبذة من كتاب الخراج وصنعه الكتابة، ملحق بكتاب المسالك والممالك لابن خرداذبة -قدامة بن جعفر- الكاتب البغدادى ، ليدن 1989م.
3- صورة الأرض (المسالك والممالك والمفاوز المهالك) ابن حوقل: بيروت 1964م.
4- القاموس الإسلامى ، أجزاء، عطية الله:أحمد:القاهرة 1963م.
5- دائرة المعارف الإسلامية مادة (ثغور) وما بها من مصادر(1/106)
الثقافة
لغة: ثَقِفَ الرجل: صار حاذقا فطنا،والثقافة: العلوم والمعارف والفنون التى يطلب الحذق فيها، كما فى الوسيط (1).
واصطلاحا: مجموعة الأعراف والطرق والنظم والتقاليد التى تميز جماعة أو أمة أو سلالة عرقية عن غيرها.
وعلى مستوى الفرد يطلق اللفظ على درجة التقدم العقلى التى حازها، بصرف النظر بالطبع عن مستويات الدراسة التى أنجزها.
ومنذ وقت طويل تتعدد التعريفات لهذا اللفظ حتى إنه فى مطلع الخمسينات حصر عالمان أمريكيان من علماء الأنثروبولوجيا مائة وخمسين تعريفا للثقافة، وتلقى التعريفات المختلفة أضواء على المراد باللفظ الذى يفهمه العامة بأكثر مما يفهمون تعريفه ،ويمكن لنا تأمل ما توحى به من تعريفات مهمة من قبيل أن مفهوم الثقافة يشير إلى كل ما يصدر عن الإنسان من إبداع أو إنجاز فكرى أو أدبى أو علمى أو فنى.
أما المفهوم الأنثروبولوجى للثقافة فهو أكثر شمولا، ويعد الثقافة حصيلة كل النشاط البشرى الاجتماعى فى مجتمع معين ،ويستتبع هذأ أن لكل مجتمع ثقافته الخاصة المميزة، بصرف النظر عن مدى تقدم ذلك المجتمع أو تأخره.
ويتميز هذا المفهوم ببعده عن تحميل الثقافة بالمضمونات القيمية، وإن اعترف بأن لكل ثقافة نسقها الخاص من القيم والمعايير.
وفى مقابل هذا المفهوم الأنثروبولوجى الواسع نجد مفاهيم كثيرة أكثر تحديدا ، فكثيرا ما تستخدم الثقافة للإشارة إلى النشاط الاجتماعى الذهنى والفنى، وفى أحيان أخرى إلى النشاط الفنى وحده ، أو النشاط الأدبى والفنى دون النشاط العلمى الذى يعده البعض غير خاضع لأنساق الثقافات ، باعتباره مرتكزا على حقائق مطلقة بعيدة عن التأثر بإلذوق أو البيئة أو الموروثات جميعا.
ويتضح هذا المفهوم بطريقة بيروقراطية فى مصر حين تمنح أكاديمية البحث العلمى والتكنولوجيا ومن قبل (المجلس الأعلى للعلوم) جوائز الدولة فى العلوم ، على حين يمنح المجلس الأعلى للثقافة نفس الجوانز فى الآداب والفنون ، وتضاف إليها العلوم الاجتماعية، (وقد كان هذا قائما منذ كان المجلس السابق مجلسا للفنون والآداب والعلوم الاجتماعية).
وتأخذ كثير من البلدات الإسلامية بمثل هذا التقسيم مع اختلافات طفيفة، فعلى حين تعد العمارة فنا من الفنون ، فإنها فى أحيان كثيرة تعامل على أنها علم هندسى يتبع بالتالى العلوم ومجالسها لا الفنون.
وقد ذكرنا العمارة بالذات لأنها أحد المكونات البارزة للثقافة القومية، بل ربما كانت بمثابة أولى مقومات تكوين الفكرة عن الثقافة لدى الآخرين الذين يطلعون عليها للوهلة الأولى.
ومن تعريفات الثقافة الأخرى التى تلقى الضوء على معناها أنها مجموع العادات والفنون والعلوم والسلوك الدينى والسياسى منظورا إليها ككل متمايز يميز مجتمعا عن آخر.
ومن ثم يمكن فهم تعبيرات مثل "الصراع الثقافى" للتعبير عن الصراع أو التسابق بين ثقافتين متجاورتين ، أو التغير والارتقاء فى عدة جوانبه من النمط الثقافى.
كما يمكن استخدام لفظ الثقافة للدلالة على الجوانب العقلية والفنية للحياة، فى مقابل الجوانب المادية والتكنولوجية لها ، ومن ثم تصبح الثقافة بمثابة نمط كل الترتيبات -المادية أو السلوكية- التى يحقق -من خلالها- مجتمع معين لأعضائه إشباعات أكبر مما يستطيعون فى حالة مجرد الطبيعة.
ويميز بعض الباحثين بين ثقافة مادية تشمل العدد والأدوات والسلع الاستهلاكية والتكنولوجيا وثقافة غير مادية تشمل القيم والتقاليد والتنظيم الاجتماعى، وتنطوى الثقافة على اكتساب وسائل اتصال (اللغة،المطالعات ، الكتابات) وأدوات عمل معينة، وافكار وأعمال مثل الحساب ، وعلى زاد ضخم من المعرفة والاعتقاد، وعلى منظومة من القيم ، وعلى توجه ميول خاص ملازم ، ويمكن لكل هذا أن يكتمل ويرتقى بتربية متخصصة قليلا أو كثيرا، وتدريب يسمح باستفادة اجتماعية بالأنشطة الفردية.
ويرى الأنثربولوجيون أن الثقافة تتمايز وتستقل عن الأفراد الذين يحملونها ويمارسونها فى حياتهم اليومية، فعناصر الثقافة تكتسب بالتعلم من المجتمع المعاش ،على اعتبار أن الثقافة هى جماع التراث الاجتماعى المتراكم على مر العصور.
وعلى هذا يبعد هؤلاء عن الثقافة كل ما هو غريزى أو فطرى أو موروثا بيولوجيا.
وللسمات الثقافية قدرة هائلة على البقاء والانتقال عبر الزمن ، وكثير من هذه السمات والملامح التى تتمثل بوجه خاص من العادات والتقاليد والعقائد والخرافات والأساطير تحتفظ بكيانها لعدة اجيال.
ويهتم علماء الاجتماع بدراسة تاريخ ثقافات الشعوب المختلفة من باب أن معرفة الماضى تساعد على فهم الحاضر.
وليس من شك فى أن الثقافة الإسلامية ككل وثقافات الشعوب الإسلامية المختلفة، تمثل أنماطا بارزة للثقافة المتصلة والممتدة بجذور قوية فى الماضى، بل يكاد المراقبون ينظرون إلى الثقافات الإسلامية اليوم على أنها أقدم الثقافات التى لا تزال موجودة فى عالم اليوم دون تقلبات أو تغيرات حادة فى مفاهيمها الأولى، ويرجع هذا بالطبع إلى سمو التعليمات الإسلامية، التى تستمد وجودها من الخالق جل وعلا من خلال تشريع سماوى لم يقتصرعلى العبادات وإنما تكفل بتوجيه السلوك الإنسانى فى المعاملات والعادات ونمط الحياة اليومية على مستوى الفرد والمجتمع على نحوما نعرف جميعا.
أ.د/محمد محمد الجوادى
__________
الهامش:
1- المعجم الوسيط ، مجمع اللغة العربية، دار المعارف ، ط3، مادة (ثقف) 1 /102.
مراجع الاستزادة:
1- دائرة معارف القرن العشرين (مادة ثقف) محمد فريد وجدى(1/107)
الثنوية
اصطلاحا: هم الذين يقولون بأصلين للوجود، مختلفين تمام الاختلاف ، كل منهما له وجود مستقل فى ذاته ، وبدون هذين الأصلين لا يمكن فهم طبيعة الكون ، الذى تتصارع فيه القوى المتضاربة، التى ينتمى بعضها إلى أحد المبدأين ، وينتمى سائرها إلى المبدا الآخر،مما يعنى أن حقيقة الوجود تنطوى على انقسام داخلى وتقابل ضرورى دائم بين أصلين ، لكل منهما قوأنينه وأطواره الزمنية الخاصة به.
وقد ظهرهذا المذهب منذ قديم لدى الإغريق ، فأثر على أعظم فلاسفتهم كأفلاطون وأرسطو؟ إذ فرق أفلاطون بين عالم المادة وعالم المثل ، وفرق أرسطو بين الهيولى والصورة، أو بين الموجود بالقوة والموجود بالفعل ، وأن كانت الثنوية لديهما ممزوجة بنزوع واضح إلى الوحدة.
وفى الشرق القديم قال "مانى" مؤسس المانوية فى فارس بالتقابل بين مبدأى الخير والشر، أو النور والظلام ، فالنور مصدر الخير، والظلام منشأ الشر، والخير والشر هذان لا يصدران عن شىء واحد، وهما مبدأن نشيطان فاعلان إلى الأبد.
وقد يرى البعض أن الزردشتية -بحكم ما فى آرائهما من مظاهر ثنوية- تجرى فى نفس الاتجاه ، لكننا إذ ذكرنا ما قلناه من أن الثنوية تقول بأصلين جوهرين لا يمكن رد أحدهما إلى الآخر، أو ردهما معا إلى مبدأ ثالث أسبق منهما علمنا أن -الزردشتية- أقربا إلى القول بالوحدة، وأن المثال الصحيح للثنوية إنما هوالمانوية، وأن الزردشتية أدنى إلى التوحيد فى أساسها ، فالشر عارض ، والخير ينتصر فى النهاية.
وقد مثلت الثيولوجية المنبثقة عن المسيحية فى العصور الوسطى مذهب الثنوية فى نظرتها إلى الحياة البشرية على أنها صراع دائم بين الروح والبدن ، وهو صراع ينتج عنه تحديد مصير النفس بعد الموت فى الجنة أو فى النار، فإن انتصر البدن فى ذلك الصراع فالمصير إلى النار، وإن انتصرت الروح فالمصير إلى الجنة ، ولذلك اشتدوا فى معاملة الجسد وحرموه من كل لذة وراحة، لفتح أبواب الملكوت التى لا تفتح إلا للفقراء الزاهدين ، وأيا ما كانته علاقة هذا التصور بالمسيحية الأصلية فقد تضخم هذا التقابل الوجودى، واتخذ طابع المبالغة الذى أثر على مختلف مجالات الفكر والحياة فى العصور الوسطى.
وفى العصر الحديث عبر ديكارت -بصورة- فلسفية أدق عن "الميتافيزيقية الثنائية" بقوله بالمبدأين ، وهما: "الذهن والمادة" فكل من الذهن والجسم قائم بذاته ، تختلف صفات كل منهما عن الآخر، بل يستبعد كل منهما الآخر، فما يكون صفة للذهن لا يمكن أن يكون صفة للمادة.
وقد أدى هذا بديكارت إلى افترأض نوعين يسودان الوجود، فالطبيعة تخضع لقوى آلية تحكم مستقلة عن إرادة العقل ، أما روح الإنسان فهى تلقائية ذاتية حرة خالصة،لا تخضع لأية حتمية تاريخية.
أ.د/محمد السعيد جمال الدين
__________
مراجع الاستزادة:
1- كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوى.
2- "لغت نامه" بالفارسية، لعلى أكبر دهخذا.
3- الأغانى، لأبى الفرج الأصفهانى ، طبعة دار الكتب المصرية، ج4.
4- مقدمة فى الفلسفة العامة، د/حسن الشافعى.
5- الإسلام فى الفكر الغربى، د/محمود حمدى زقزوق.
6- بين الإسلام والمسيحية، د/محمد شامة(1/108)
الجاذبية
لغة: مصدر صناعى من جاذب ، وتعنى الحالة التى يجذب بها صاحبها غيره يقال: فلان له جاذبية، أى: يستميل غيره إليه.
اصطلاحا: تعنى قوة التجاذب بين شيئين.
ومن أنواعها:
- الجاذبية الكهربية: وهى القوة العاملة بين الأجسام المشحونة كهربيا وكان الفيزيائى الفرنسى "كولوم" أول من قام بقياسها فى سنة 1119هـ سنة1785م.
- الجاذبية التثاقلية: وهى بين أى جسمين ماديين ، وكان العالم الإنجليزى "إسحق نيوتن" هو الذى وضع صياغة قانون الجذب العام بين الأجسام المادية، وهو القانون الذى يفسر سقوط الأجسام نحو الأرض ، ويشرح حركة الكواكب حول الشمس.
وكان علماء الحضارة الإسلامية أول من قدموا أساسا مقبولا لتفسير السقوط الحر للأجسام تحت تأثير الجاذبية الأرضية، وقد بدا الحسن بن أحمد الهمدانى (ت 334هـ،945م) فى إرساء أول حقيقة علمية عن ظاهرة الجاذبية عندما تحدث عن الأرض قائلا: "...فمن كان تحتها (أى تحته الأرض عند نصفها الأسفل) فهو فى الثبات فى قامته كمن فوقها ، ومسقطه وقدمه إلى سطحها الأسفل كمسقطه إلى سطحها الأعلى، وكثبات قدمه عليها، فهى بمنزلة حجر المغناطيس الذى تجذب قواه الحديد من كل جانب ".
وأضاف علماء آخرون حقائق هامة عن المقذوفات من حيث إن حركتها إلى أعلى عند القذف تعاكس فعل الجاذبية الأرضية، وتحدثوا عن انجذاب الجسم إلى مجاوره الأبعد، مقتربين بذلك من المعنى الشمولى الذى توصل "نيوتن" إلى قانونه العام.
أ.د/أحمد فؤاد باشا
__________
مراجع الاستزادة:
1- كتاب الجوهرتين العتيقتين المانعتين من الصفراء والبيضاء (الذهب والفضة) الحسن بن أحمد الهمدانى إعداد وتحقيق: محمد محمد الشعبى ط دار الكتاب دمشق سنة 1984م.
2- التراث العلمى للحضارة الإسلامية ومكانته فى تاريخ العلم والحضارة -أحمد فواد باشا- سنة 1983م(1/109)
الجامعة الإسلامية
اصطلاحا: هى عبارة عن دائرة انتماء عقائدى وحضارى وسياسى، نبعت وتنبع من التوحيد الإسلامى.
والانتماء إلى الجامعة الإسلامية وإن اعترف واحترم واغتنى بالانتماءات الفرعية، إلا أنه لا يكتفى بها، ولا يقف عند حدودها كنهاية للمطاف ، وإنما يوظف هذه الانتماءات الفرعية.
وفي العصر الحديثه أصبح شعار "الجامعة الإسلامية" المظلة التى استظلت بها دعوات وحركات جمعتها مقاصد إنهاض المسلمين بالإسلام ، للخروج من مأزق التراجع الحضارى، ولمواجهة المد الاستعمارى الغربى مع التمايز فى سبل ووسائل هذا النهوض ، وذلك تبعا للملابسات الإقليمية والتوجهات المذهبية عند رواد هذه الحركات والدعوات ،مثل الدعوة الوهابية والدعوة السنوسية والدعوة والحركة المهدية والحزب الوطنى.وأوسع فصائل تيار الجامعة الاسلامية، كان ذلك الذى تبلور من حول جمال الدين الأفغانى والذى تأسس شعبيا وخاصة بين الصفوة والعلماء وقادة الرأى العام -ثم تحالف مع الدولة العثمانية- بقيادة السلطان عبد الحميد الثانى لنصرة الدعوة إلى الجامعة الإسلامية.
جمع هذا الاتجاه بين الأصول الإسلامية وبين التجديد ، وانطلق من مصر فى سبعينات القرن التاسع عشر إلى كل أنحاء العالم الإسلامى وتميزت دعوته ب:
1- الإصلاح الدينى: من منطلق العقلانية الإسلامية التى توازن بين "الرأى" و" الأثر".
2- المحافظة على الدولة العثمانية ، باعتبارها الدولة الإسلامية الجامعة.
3- تجديد الصلات الحضارية مع الغرب واقتباس المناسب من حضارتها وعلومها ، من واقع التمايز الثقافى والاستقلال الحضارى.
4- تحرير ثروات العالم الإسلامى من النهب الاستعمارى والسيطرة الغربية.
واذا كانت التحديات ، واختلال موازين القوى، قد غالبت هذا "التيار الانقاذى" فحالت بينه وبين النجاح فى تجديد الدولة العثمانية إلا أن دعوته إلى الجامعة الإسلامية هى المظلة التى عملت فى ظلالها كل دعوات التجديد الإسلامى.
ففى مواجهة الأحزاب الوطنية التي وقفت بالوطن عند الإقليم ، وقنعت بالدولة القطرية وعلى خلاف الأحزاب القومية التى وقفت عند العرف واللغة مهملة الدائرة الحضارية الإسلامية، ظلت دعوات وحركات الجامعة الإسلامية على مناهجها الجامعة بين الوطنية والقومية فى إطار الجامعة.
وهكذا أصبحت تركز على قضايا التحرر الوطنى، ومحاربة التغريب الفكرى إلى جانب تجديد الفكر الإسلامى.
وأصبح طريقها إلى الجامعة الإسلامية هو إقامة الدولة الإسلامية النموذج ، التى لا تقف مقاصدها عند الإقليم ، وإنما تسعى لتسلك الأقاليم الإسلامية فى "رابطة شعوب إسلامية" وذلك وصولا إلى إعادة الوحدة الإسلامية فى الجوامع الخمسة: العقيدة ، والشريعة ، والأمة ، والحضارة ، ودار الإسلام.
وكما طمحت دعوة الجامعة الإسلامية إلى إقامة الوحدة الإسلامية الجامعة لأقاليم عالم الإسلام ، فلقد حرصت على وحدة الأمة بالمعنى السياسى، على النحو الذى يجعل القوميات الإسلامية المتمايزة فى اللغات والطوائف الدينية -غير المسلمة- المتميزة فى الملل والشرائع ، لبنات فى بناء الأمة الواحدة.
فالجامعة الإسلامية هى رابطة أمة، بأقوامها المتعددة ومللها المتمايزة، وهى ليست نزعة دينية متعصبة ضد غير المسلمين ، سواء فى داخل الأوطان الإسلامية أو فى الغرب النصرانى، وإنما هى رابطة إسلامية لشعوب المدنية الإسلامية، تحتضن "التنوع" فى إطار جوامع الإسلام.
أ.د/محمد عمارة
__________
مراجع الاستزادة:
1- الأعمال الكاملة لجمال الدين الأفغانى، دراسه وتحقيق: د/محمد عمارة -طبعة بيروت- المؤسسة العربية للدراسات والنشر 1979م.
2- حاضر العالم الإسلامى لوثروب ستودارد ترجمة:عجاج نوبيض تعليق شكيب أرسلان طبعة دار الفكر بيروت 1971م.
3- الجامعة الإسلامية والفكرة القومية عند مصطفى كامل ، د/محمد عمارة طبعة القاهرة دار الشروق 1994م.
4- فقه الخلافة وتطورها لتصبح عصبة أمم شرقية، عبد الرازق السنهورى وترجمة نادية السنهورى، طبعة الهيئة العامة للكتاب القاهرة 1989م(1/110)
الجاهلية
لغة: مأخوذة من الفعل (جهل)، والجهل معناه: خلاف العلم.
يقول الراغب: الجهل على ثلاثة أضرب: الأول: خلو النفس من العلم ، الثانى: اعتقاد الشىء بخلاف ما هو عليه ، الثالث: فعل الشىء بخلاف ما حقه أن يفعل (1).
وقد وردت مشتقات الكلمة فى القرآن الكريم بمعنى:
1- الخلو من المعرفة، كقوله تعالى: {يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف}البقرة:273.
2- الطيش والسفه ، كقوله تعالى: {قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون}يوسف:89.
3- بمعناها معا كقوله تعالى: {ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون}الأنعام:111.
اصطلاحا: اصطلح المؤرخون على أن لفظ الجاهلية قد يكون اسما للحال ، ومعناها الصفات المرذولة التى كانت عليها الأمة قبل الإسلام من الجهل بالله وبرسوله وشرائع الدين والمفاخرة بالأنساب والكبر والتجبر.. إلخ ، ومنه قول النبى صلى الله عليه وسلم لأبى ذر: (إنك امرؤ فيك جاهلية) (رواه البخارى)(3) أى حال أو طريقة أو عادة جاهلية أو نحو ذلك.
وقد يكون اسما لذى الحال ، أى الزمان ،ومعناها: المدة التى كانت قبل نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقيل: زمن الكفر مطلقا، وقيل: ما قبل الفتح ، وقيل ما كان بين مولد النبى والمبعث ،وبهذا قال ابن حجر، ومنه قوله تعالى: {يظنون بالله غيرالحق ظن الجاهلية}آل عمران:154 ، وذلك لما كان عليه العرب من فاحش الجهالات فى العقيدة والعبادة والتشريع والمعاملات والأخلاق التى انتقلت إليهم وشاعت بينهم وتأصلت فى نفوسهم حتى صارت دينا حل محل الحنيفية السمحة(3).
وعلى هذا نقول: طائفة جاهلية، وشاعر، جاهلى، نسبة إلى الجهل ، لأن من لم يعلم الحق فهو جاهل ، فإن اعتقد خلافه أو قال بخلاف الحق عالما به أو غيرعالم فهو جاهل ، كقوله تعالى: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما}الفرقان:63.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان أحدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل) (رواه أبو داود)(4).
أى لا يعمل بعمل الجاهلية من السفه والغضب والأنفة والحمية والمفاخرة، ومنه قول عمرو بن كلثوم فى معلقته:
ألا لا يجهلن أحد علينا * فنجهل فوق جهل الجاهلينا
أى لا يسفه أحد علينا فنسفه عليه فوق سفهه ، أى نجازيه به جزاء يزيد عليه.
وكذلك من عمل بخلاف الحق فهو جاهل وإنما علم أنه مخالف للحق ، كما قال تعالى: {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريبا}النساء:17 ، لأن العلم الحقيقى الراسخ فى القلب يمتنع أن يصدر عنه ما يخالفه من قول أو فعل ، فإن صدر ما يخالفه كان جهلا، وعلى ذلك كان الناس قبل البعثة النبوية فى جاهلية وكل ما يخالف ما جاء به المرسلون من أفعال اليهود والنصارى، وتلك كانت الجاهلية العامة.
أما بعد البعثة فقد مضى زمانها بمجىء الإسلام ، وإن بقيت أحوالها وعاداتها بين الإطلاق والتقييد.
فالمطلقة قد تكون فى بلد دون بلد،كما هى فى غير ديار الإسلام ، وقد تكون فى بعض الأشخاص دون بعض ، كالرجل قبل أن يسلم وإن كان فى دار الإسلام.
والمقيدة قد تكون فى بعض ديار المسلمين وفى كثير من الأشخاص المسلمين ؛ لقول صلى الله عليه وسلم (أربع في أمتى من أمرالجاهلية لا يتركونهن الفخر بالأحساب ، والطعن فى الأنساب والاستسقاء بالنجوم ،والنياحة) رواه مسلم (5).
فهذه كلها جاهلية، وهى من المعاصى التى لا يكفر صاحبها.
وقد اختلف المؤرخون فى تحديد الفترة الزمنية للجاهلية على أقوال ، منها أنها بين آدم ونوح ، أو بين نوح وإدريس ،أو بين موسى وعيسى، أو بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم ومنهم من قال هى الفترة بين كل نبيين ، والراجح أن الفترة الزمنية للجاهلية تبدأ من عصور ما قبل التاريخ ، وتنتهى بالبعثة النبوية فى القرن السابع الميلادى، وعلى هذا لا يصح مطلقا أن يوصف المجتمع المسلم بأنه جاهلى، بخلاف الأفراد، فإنه يمكن إطلاق لفظ الجاهلية على الشخص إن وقع فى فعل جاهلى.
أ.د/خليفة حسن العسال
__________
الهامش:
1- معجم مفردات ألفاظ القرآن الكريم ص100- دار الكتاب العربى تحقيق نديم مرعشلى.
2- صحيح البخارى مع الفتح 1 /119 كتاب الإيمان باب المعاصى من أمر الجاهلية.
3- بلوغ الأرب ش معرفة أحوال العرب الألوسى 1 /15 ط ثانية سنة 1923 نشر المطبعة الرحمانية بمصر.
4- سنن أبو داود 2 /307 كتاب الصوم.
5- صحيح مسلم: 2 /644 كتاب الجنائز باب التشديد فى النياحة.
مراجع الاستزادة:
1- المحجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم -نشر مجمع اللغة العربية- القاهرة سنة 1970م.
2- المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام د/جواد على مكتبة النهضة بغداد سنة 1971م.
3- فجر الإسلام أحمد أمين النهضة المصرية ط8 سنة 1960(1/111)
الجبر(علم)
الجبر هو أحد فروع علم الرياضيات ، وكان محمد بن موسى الخوارزمى أول من ألف فيه كتابا فى زمن الخليفة المأمون (198-218هـ) أسماه "الجبر والمقابلة"، وضع فيه أصول علم الجبر وقواعده ، وخرج به من نطاق الأمثلة المفردة إلى المعادلة العامة التى تسهل حل المسائل الحسابية المتشابهة طبقا لقاعدة معينة.
واصطلاحا: يعنى نقل الحدود السالبة من مكانها فى أحد طرفى المعادلة الجبرية إلى الطرف الآخر، أما المقابلة فتعنى حذف الحدود المتشابهة فى الطرفين.
وقد عرف الخوارزمى فى كتابه جميع عناصر المعادلة الرياضية الجبرية كما نفهمها اليوم ، فشرح معنى الحد المعلوم والمجهول والمطلق والعدد الأصم وفكرة الأس واللوغاريتمات والكميات السالبة والموجبة والتخيلية ومعادلات الدرجة الأولى والدرجة الثانية وطرق حلها، ثم انتقل بعد ذلك إلى الجانب العملى الخاص بتطبيقات الجبر فى الحياة العملية، وجعله كتابا مستقلا يشتمل على الكثيرمنها والقياس عليها فى مسائلهم المتعلقة بالمعاملات والوصايا والمواريث.
وأضاف علماء آخرون إلى علم الجبر، وزادوا فى أصوله ومسائله مثل أبى الوفاء البوزجانى، وشجاع بن أسلم ، وعمر الخيام ،والقلصاوى وغيرهم ، وعنهم انتقل هذا العلم إلى جُلّ اللغات الأجنبية بلفظه العربى "Algebra" وأصبح بعد ذلك يطلق على علم المعادلات الرياضية بوجه عام.
أ.د/أحمد فؤاد باشا
__________
مراجع الاستزادة:
1- كتاب الجبر والمقابلة -محمد بن موسى الخوارزمى- تحقيق على مصطفى مشرفة، ومحمد موسى أحمد القاهرة سنة 1937م.
2- تراث العرب العلمى فى الرياضيات والفلك -قدرى حافظ طوقان- دار الشروق القاهرة د. ت(1/112)
الجذب
الجذب مصطلح صوفى يقصد به "ملاحظة العناية الإلهية للعبد باجتذابه إلى حضرة القرب" وذلك بأن يهيىء الله للمجذوب كل ما يحتاجه فى طريقه لاجتياز المنازل والمقامات ، دون كلفة ولا مشقة، وهو يقابل "السالك" الذى يقطع الطريق بالمجاهدة والرياضة.
ويسمى المجذوب "مريدا" كما يسمى السالك "مريدا" أيضا ، والفرق بينهما أن المجذوب لا يعانى مشقات الطريق ؛ لأنه مختطف بالجذب ، بخلاف السالك السائر فإن عليه أن يقطع كل عقبات الطريق.
وقد ظهر هذا المصطلح مبكرا فى مراجع التصوف الإسلامى ، حيث تحدث الطوسى (ت 378هـ) فى كتابه "اللمع" عن جذب الأرواح وما يتعلق به من أوصاف ترجع كلها إلى معنى "التوفيق والعناية" في اجتذاب المريد، ويقول شيوخ التصوف: إن صاحب الجذبة يرى فى بدايته ما يكون له في نهايته ، وإن جذبة من جذبات الحق تُربى على أعمال الثقلين ، وللمجذوب بعد جذبته إلى مقام القرب إحدى حالتين: فقد يستقر فى هذا المقام ولا يرجع إلى ما كان عليه ، أولا فيسمى "عاشقا"، وقد يعود إلى حالته الأولى ويواصل سلوكه فيسمى "المجذوب السالك" ، وقد تحصل الجذبة للسالك فى نهاية سلوكه فيسمى حينئذ: "السالك المجذوب" ، و"المجذوب السالك" و "السالك المجذوب" كلاهما مؤهل لرتبة المشيخة وتربية المريدين ،بخلاف "المجذوب المجرد "، أو "السالك المجرد" فإن أيا منهما لا يصلح لهذه الرتبة.
وليس فى كلام الصوفية عن "الجذب" ما يدل على انمحاق العقل ، بمعنى "الجنون" المسقط للتكاليف الشرعية، وإن كانت تعريفاتهم تشير إلى أن المجذوب مشتغل بربه ،ومنقطع إليه ، ومأخوذ عن نفسه.
ويميل "ابن خلدون" إلى اعتبار "المجذوب" فاقدا لعقل التكليف ، ويكاد يلحقه بالحمقى والمجانين في سقوط التكاليف الشرعية، ويراه أقل مرتبة من عوام المؤمنين ، فضلا عن أن يكون من طبقة الأولياء المقربين.
أ.د/أحمد الطيب
__________
مراجع الاستزادة:
1- كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوى.
2- اللمع للطوسى -تحقيق د/عبد الحليم محمود وطه عبد الباقى سرور- دار الكتب الحديثة مصر 1960م ص445.
3- شفاء السائل لتهذيب المسائل لابن خلدون -المطبعة الكاثوليكية بيروت 1959م- ص88.
4- لطائف الإعلام فى إشارات أهل الإلهام -عبد الرازق القاشانى- ط دار الكتب المصرية 1995م (1 /387)(1/113)
الجشع
لغة: الحرص الشديد، والطمع فى حق الغير، والشح. فيعرف بأنه الحرص الشديد، وقيل أسوأ الحرص على الطعام وغيره ، وقيل هو أن تأخذ نصيبك وتطمع فى نصيب غيرك ، ويوصف به الشحيح ، والمتخلق بالباطل بما ليس فيه (1).
واصطلاحا: طمع فى غير حق ، ورغبة فى الحصول على أكثرمما قدر له.
والباعث عليه "كما يقول المارودى: شيئان: الشره ، وقلة الأنفة، فلا يقنع بما أوتى وإن كان كثيرا لأجل شرهه ، ولا يستنكف مما منع وإن كان حقيرا لقلة أنفته ، وهذه حال من لا يرضى لنفسه قدرا، ويرى المال أعظم خطرا ، فيرى بذل أهون الأمرين لأجلهما مغنما"(2).
والجشع فى باب المال يجر صاحبه إلى حرمان من فضائل هامة، "ومن أحب المال حتى استعبده المال لم يؤهل لهذه الرتبة (رتبة الفضائل) فإن حرصه على جمع المال يصده عن استعمال الرأفة وامتطاء الحق وبذل ما يجب ، يضطره إلى الخيانة والاختلاق والزور ومنع الواجب.
وربما أنفق أموالا جمة محبة منه للمحمدة ولا يريد بذلك وجه الله ، بل يتخذها مصيدة ويجعل ذلك مكسبه ، ولا يعلم أن ذلك عليه سيئة ومسبة"(3).
ثم هو فى باب الشهرة ، والحرص على أن يتصدر اسمه المجالس يجر إلى الكذب والرياء والتصنع ، وقبول الدنية سرا ، والتظاهر بضدها علنا، رغبة فى إرضاء من يريد منه مكانة أو صلة وبرا(4).
فالجشع الذى هو أسوأ الطمع والحرص مرض نفسى يسبب لصاحبه الهم والذل ، لأنه لا يستريح ولا يقنع حتى ولو يحقق ما يسعى إليه ، فيظل فى كدر دائم ، وذل للحاجة مستمر (5).
وعلاجه فى النزاهة، وهى الترفع عن المطامع الدنية، وفي القناعة والزهد ، ففى القناعة رضا تسكن النفس به وتستريح ، وفى الزهد استعلاء على ما يذل ففيه عزة، لأنه قيل: "أذل الحرص أعناق الرجال ".
وهذا لا يتحقق إلا لمن آمن بأن للعبد رزقا يطلبه كما يطلبه أجله ، وآمن بأنه (ليس الغنى عن كثرة العرض ،ولكن الغنى غنى النفس)، وآمن بأنه (قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه) ، وعلم نصيحة رسول الله لأمته: (إن روح القدس نفث فى روعى: إن نفسا لن تموت حتى تستوفى رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا فى الطلب ،ولا يحملنكم إبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعاصى الله تعالى، فإن الله عزوجل لا يدرك ما عنده إلا بطاعته (6)، وكل هذه النصائح النبوية صدى لآيات الله فى الرزق {وما من دابة فى الأرض إلا على الله رزقها}هود:6.
{وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون. ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون. إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين}الذاريات:56-58.
أ.د/أبو اليزيد العجمى
__________
الهامش:
1- أساس البلاغة ص60 مادة جشع. لسان العرب مادة جامع.
2- أدب الدنيا والدين -الماوردى- 314 طبعة دار الكتب العلمية، بيروت تحليل مصطفى السقا.
3- تهذيب الأخلاق -مسكويه- 44 مكتبة الحياة بيروت.
4- الرعاية لحقوق الله -المحاسبى- 171 تحقيق عبد القادر عطا دار الكتب العلمية، بيروت.
5- الأخلاق والسير -ابن حزم- 172 -طبعة دار المعارف- تحقيق الطاهر مكى.
6- رياض الصالحين ص251 -طبعة الأفتاء والبحوث- الرياض(1/114)
الجلال
وردت كلمة "الجلال" فى القرآن الكريم مرتين فى سورة الرحمن ، فى قوله تعالى: {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام}الرحمن:27 ، وقوله تعالى: {تبارك اسم ربك ذى الجلال والإكرام}الرحمن:78. ومعنى الجلال فى الآيتين: الملك والعظمة والقوة والعزة.
والجليل اسم من أسماء الله تعالى، ومعناه: العظيم فى ذاته وصفاته وأفعاله ، والفرق بين الجليل والكبير والعظيم -فى الأسماء الحسنى- أن اسم الكبيريرجع إلى كمال الذات ، والجليل إلى كمال الصفات ، والعظيم إلى كمال الذات والصفات معا ،وصفات التنزيه ترجع -فيما يرى المتكلمون- إلى صفة الجلال ، ويعنون بصفات التنزيه كل صفة تنفى عن الله تعالى معنى لا يليق بذاته المقدسة، كوصفه تعالى بأنه ليس جسما ولا عرضا ولامحتاجا ولا متحيزا فى جهة.
والجلال -فى اصطلاح الصوفية- هو: احتجاب الحق بحجاب العزة عن معرفة حقيقة ذاته المقدسة، فلا يرى ذاته ولا يعلمها على حقيقتها إلا هو، وليس لمخلوق أدنى نصيب فى معرفة "الجلال" أو الكلام فيه ،وسبب ذلك... فيما يقول بعض شيوخ الصوفية: أن الجلال مرتبط بالجمال ، وأن جمال الله تعالى يعلو ويدنو.
وعلو الجمال وعزته هو "الجلال" الذى يتكلم فيه العارفون ، وهم فى حقيقة الأمر إنما يتكلمون فى جلال الجمال لا "الجلال" المطلق ، "فالجلال المطلق" معنى يرجع من الله إليه وحده ، وهو مانع يمنع من رؤيته ، بخلاف "جمال الجلال" فإنه يتجلى به على عباده ،وهو مصحح لرؤيته تعالى فى الجنة، مع تنزهه عن الجهة والتحيز وتوابعهما، كما هو مذهب أهل السنة. وتجلى الجمال يوجب عند الصوفية الفناء والمحو والقهر.
أ.د/أحمد الطيب
__________
مراجع الاستزادة:
1- التعريفات للجرجانى.
2- المقصد الأسمى فى شرح أسماء الله الحسنى للإمام الغزالى. ط دار المشرق بيروت 1982م.
3- تفسير الرازى سورة الرحمن:(27-28).
4- لطائف الإعلام فى إشارات أهل الإلهام ، القاشانى ، 1 /389 ط دار الكتب المصرية.
5- كتاب الجلال والجمال لابن عربى ضمن رسائل ابن عربى، الرسالة الثانية ط حيدر آباد 1361هـ(1/115)
الجمال
لغة: هو "الحسن "، واسم "الجميل" فى أصل اللغة موضوع للصورة الحسية المدركة بالعين ، أيا كان موضوع هذه الصورة من إنسان أو حيوان أو نبات او جماد. ثم نقل اسم الجميل لتوصف به المعانى التى تدرك بالبصائر لا الأبصار، فيقال: سيرة حسنة جميلة، وخلق جميل. وقد وردت كلمة جمال وصفا للأنعام فى قوله تعالى: {ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون}النحل:6 ، كما وردت كلمة "الجميل" فى القرآن أيضا وصفا للصبر والصفح وتسريح الزوجة والبحر. كما وردت وصفا لله تعالى فى الحديث الشريف: (إن الله جميل يحب الجمال) (صحيح الإمام مسلم ، كتاب الإيمان ، باب تحريم الكبر وبيانه) ومعنى "جميل" فى الحديث: المنزه عن النقائص والموصوف بصفات الكمال ، أو: ذو النور والبهجة.. إلخ.. ويرجع المتكلمون صفات المعانى لله تعالى كالعلم والقدرة وما إليهما إلى صفة "الجمال".
واصطلاحا: الجمال الحقيقى -فى المفهوم الصوفى- هو: الجمال الإلهى، وهو من صفات الله الأزلية، شاهدها فى ذاته أزلا مشاهدة علمية، ثم أراد أن يشاهدها مشاهدة عينية في أفعاله ، فخلق العالم ،فكان كمرآة انعكس على صفحتها هذا الجمال الأزلى.
والجمال الإلهى -فيما يقول الصوفية- نوعان: جمال معنوى وجمال صورى. فالجمال المعنوى هو: معانى الصفات الإلهية والأسماء الحسنى. وهذا النوع لا يشهده إلا الله ، أما الجمال الصورى فهو هذا العالم الذى يترجم عن الجمال الإلهى. بقدر ما تستوعبه الطاقة البشرية. فالعالم ليس إلا مجلى من مجالى الجمال الإلهى. وهو بهذا الاعتبار حسن. وكل ما فيه جميل ، والقبح الذى يبدو فيه ليس قبحا حقيقيا، بل هو قبح بالإضافة والاعتبار لا بالأصالة. ويضربون مثلا لذلك: قبح الرائحة المنتنة التى ينفر منها الإنسان ، ويتلذذ بها الحيوان ، والنار التى تكون قبيحة لمن يحترق فيها، لكنها فى غاية الحسن لمن لا يحترق بها مثل طائر "السمندل" الذى يتلذذ بالمكث فى النار. فيما يقولون.
وإذا كان المعتزلة يرون أن الحسن والقبح وصفان ذاتيان فى الأشياء، ويرى الأشاعرة أن الأشياء فى أنفسها قبل ورود الشرع لا توصف بحسن ولا قبح فإن الصوفية يؤكدون على أن "الحسن" وصف أصيل فى كل ما خلق الله تعالى. ولتجلى الجمال "انبهار" يقهر عقل السالك إلى درجة "الهيمان "، فإن بقى فى هيمانه سمى "مولها "، والمؤيدون من السالكين معصومون فى تجلى الجمال من الهيمان ،قإذا سكروا صحوا عن قريب ، وهؤلاء يسمون "بالممكنين" ، وأهل "التأييد"، وأهل "التمكين" أرفع درجات من المهيمين. ويستدل الصوفية على أحوالهم فى تجلى الجمال بدعاء النبى صلى الله عليه وسلم فى الحديث الشريف: (وشوقا إلى لقائك من نكير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة) (مسند الإمام أحمد، 5/ 191)، ويفسرون "الضراء المضرة" فى الحديث بذهاب العقل ، و"الفتنة المضلة" بانحلال قيود العلم المؤدية إلى الزندقة.
وتجلى الجمال من منازل القلب ، وليس من أخلاق النفس ، وهو -بهذا الاعتبار- من "الأصول" ، التى يتبنى عليها السلوك.
أ.د/أحمد الطيب
__________
مراجع الاستزادة:
1- المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم لأبى العباس القرطبى" 1 /288، دار ابن كثير ، بيروت ، 1417هـ-1996م.
2- الفتوحات المكية لابن عربى تحقيق عثمان يحيى، 13:221 0 القاهرة 1990م.
3- المقصد الأسنى فى شرح أسماء الله الحسنى للإمام الغزالى، دار الشروق ، بيروت 1982م.
4- التصوف -الثورة الروحية فى الإسلام- أبو العلا عفيفى، دار المعارف ، مصر 1963م.
5- حياة الحيوان الكبرى للدميرى(1/116)
جمع القرآن
لجمع القران معنيان:
الأول: حفظه عن ظهر قلب.
والثانى: كتابته.
إذن فالجمع بمعنى حفظ القرآن فى الصدر أمر ضمنه الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: {إن علينا جمعه وقرآنه}القيامة:17.
وأمر الله النبى صلى الله عليه وسلم بقوله: {يأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك}المائدة:67 ، أما البلاغ العام فإنما هو بالتواتر(1) وقد حصل. ولذلك وجب على الأمة أن تحفظه فى عدد التواتر على الأقل فى مجموعها، وضمن الله تعالى تحقق ذلك حيث قال: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}الحجر:9.
وقد أجمعت الأمة على أن المراد بقوله تعالى: لحافظون. أى حفظه على المكلفين للعمل به ، وحراسته من وجوه الغلط والخلط (3)، وهذا الحفظ إنما يتحقق بالتواتر(3) ولا حصر للأدلة الدالة على أن القرآن جمع بهذا المعنى، وعلى هذا المستوى(4).
وأقل ما يتيسر للمتطلع أن يلاحظ الواقع التاريخى منذ قيامه صلى الله عليه وسلم و بتبليغ القرآن وإقرائه وإقراء الصحابة بعضهم لبعض وهكذا. نجد السادة عثمان بن عفان وعلى ابن أبى طالب وأبى بن كعب وابن مسعود وزيد بن ثابت وأبا موسى الأشعرى وأبا الدرداء.
وممن جمعه معاذ بن جبل وأبو زيد وسالم مولى أبى حذيفة وابن عمر وعتبة ابن عامر.
وعرضه على بعض هؤلاء أبو هريرة وابن عباس وعبد الله بن السائب ، والمغيرة بن شهاب المخزومى والأسود بن يزيد النخعى وعلقمة بن قيس وأبو عبد الرحمن السلمى وأبو العالية الرياحى.
وكان عند أبى الدرداء نيف وستمائة وألف يتعلمون القرآن ، على كل عشرة منهم مقرئ.
ولما كان الصوت فى هذا الجمع عنصرا فى تحصيله وضبطه لا غنى عنه فإننا نذكر الجمع الصوتى للقرآن فنقول: الجمع الصوتى الأول للقرآن الكريم أو المصحف المرتل كان له بواعثه ومخططاته وشرحها لنا تفصيلا الدكتور لبيب السعيد(5)، وهكذا أصبحنا نسمع القرآن الكريم المجمع صوتيا من مختلف الإذاعات فى العالم الإسلامى وبأصوات القراء الكثيرين وببعض الروايات المشهورة.
وجمع القرآن بمعنى كتابته وقع ثلاث مرات مشهورة فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم وصحابته رضى الله عنهم:
المرة الأولى: كانت بإملاء النبى صلى الله عليه وسلم وكان يأمر الكاتب أن يقرأ ما كتب حتى يقوم ما قد يكون من زلل فى حرف. ومن ذلك أن النبى صلى الله عليه وسلم لما أمر بكتابة قوله تعالى: (لا يستوى القاعدون من المؤمنين والمجاهدون فى سبيل الله). وكان ابن أم مكتوم الأعمى حاضرا يسمع فقال: يارسول الله فما تأمرنى؟ فإنى رجل ضرير البصر، فنزلت مكانها: {لا يستوى القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر}النساء:95.
المرة الثانية: فى عهد سيدنا أبى بكر رضى الله عنه لما كثر الشهداء من القراء فى موقعة اليمامة فخشى ضياغ شىء من القرآن بموتهم فتألفت لجنة برئاسة زيد بن ثابت واستحضروا ما فى بيوت زوجات النبى صلى الله عليه وسلم وما مع الصحابة، واستشهدوا على ما جاء به كل واحد أنه كتب بحضرة النبى -صلى الله عليه وسلم -.
المرة الثالثة: فى عهد سيدنا عثمان بن عفان لما اختلف المسلمون فى القراءة وكاد يكفر بعضهم بعضا وهم فى غروة أرمينية(3).
بل وقع خلاف أيضا عند سيدنا عثمان فكان لابد من جمع ما أجمعوا عليه من القرآن وترك ما اختلفوا فيه ، فتالفت لجنة برئاسة زيد بن ثابت أيضا وكتبوا ستة مصاحف مشتملة على قراءات موزعة فيها: مثل (سارعوا) فى مصاحف مكة والكوفة والبصرة وبدون الواو فى مصاحف الشام والمدينة.
وبذلك اتخذ الناس فى القراءة بمعنى أنهم أجمعوا على صحه ما عندهم فلا يخطئ بعضهم بعضا فالجميع على صواب.
وقام الناس بالنقل من هذه المصاحف لأنفسهم ، وبقيت هى وما نقل منها إلى أن دون علم الرسم واحتوى على وصف ما فيها تفصيلا(6).
أ.د/عبد الغفورمحمود مصطفى
__________
الهامش:
1- البرهان الزركشى 2 /135 مطبعة دار المعرفة بدون تاريخ.
2- المرجع السابق.
3- المرجع السابق.
4- القراءات (دراسات فيها وتحقيقات). د/عبد الغفور مصطفى.
5- الجمع الصوتى الأول للقرآن الكريم أو المصحف المرتل بواعثه ومخططاته -لبيب السعيد- تحقيق البجاو.
6- رسالة القراءات السابقة.
مراجع الاستزادة:
1- رسالة جمع القرآن الكريم: محمد أمين أبوبكر معوض ضمن رسائل الدكتوراة بكلية أصول الدين.
2- كتاب فضائل القرآن باب جمع القرآن(1/117)
الجنازة
لغة: الميت ، وقيل: الميت مع نعشه ، كما فى اللسان(1).
واصطلاحا: تطلق فى كتب الفقه على الميت ، وعلى صلاة الجنازة.
فإذا قضى الإنسان نحبه وجبته له حقوق، أهمها خمسة: الغسل ، والتكفين ، والصلاة عليه ،ودفنه ، وقضاء ما عليه من ديون (2).
وتكون صلاة الجنازة بأن ينوى الصلاة على الجنازة الحاضرة (من ذكر أو أنثى) ثم يكبر أربعا: يقرأ بعد التكبيرة الأولى الفاتحة، ويصلى على النبى صلى الله عليه وسلم بعد الثانية، ويدعو للميت بما يتيسرله بعد الثالثة، ويدعو لعامة المسلمين بعد الأخيرة، ثم يسلم (3).
ولا يشرط لصلاة الجنازة جماعة محدودة بعدد، ويشترط لها من الطهارة ما يشترط لبقية الصلوات ، وشرط صحتها الإمامة، فإن فعلت بغير إمام أعيدت.
والأولى فيمن يصلى على الجنازة من أوصى الميت بأن يصلى عليه ، ثم الأولياء العصبة على مراتبهم فى ولاية النكاح ، وينبغى لأهل الفضل أن يجتنبوا الصلاة على مظهرى الكبائر والبدع ردعا لأمثالهم ، وصلاة الجنازة فرض كفاية، إذا قام بها البعض سقطت عن الباقى(4).
بعد ذلك لا بأس أن يدخل الميت فى قبره من أى ناحية، والقبلة أولى لأنها أفضل الجهات ، ويضجع الميت على جنبه الأيمن ،يستقبل القبلة، وتمد يده اليمنى مع جسده ،وتحل عقد الأكفان من عند رأسه ورجليه ،ويسوى من تحت رأسه ورجليه بالتراب حتى يستوى،ويستحب الدعاء له حينئذ(5).
أ.د/على مرعى
__________
الهامش:
1- لسان العرب لابن منظور طبعة دار المعارف ، ومختار الصحاح لأبى بكر الرازى طبعة دار المعارف ، مادة (جنز).
2- معجم لغة الفقهاء لمحمد رواس قلعجى ص167 طبعة دار النفائس بيروت ط2 1408هـ 1988م.
3- قوانين الأحكام الشرعية لابن جزى ص88، 90، 93 طبعة عالم الفكر بالحسين ط1 1405هـ 1985م.
4- سبل السلام للصنعانى 2 /532-575 طبعة دار الحديث ، ومواهب الجليل للحطاب 2 /308 وما بعدها دار الفكر بيروت ط2 1398هـ 1978م.
5- بداية المجتهد لابن رشد "الحفيد" 1 /170 وما بعدها طبعة دار الفكر العربى للنشر والتوزيع(1/118)
الجيش
جيش وجند وعسكر: كلمات مترادفة، ولم تكن الجزيرة العربية تعرف الجيوش قديما بمعناها المعروف ، اللهم إلا فى اليمن غالبا، وقد ظهرت نواة الجيش زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومر الجيش الإسلامى آنئذ بأربعة أدوار مختلفة تدرجت من الضعف إلى القوة ومن الدفاع إلى الهجوم وهى:
1- دور الحشد: ويبدأ من البعثة النبوية حتى الهجرة إلى المدينة المنورة.
2- دور الدفاع عن العقيدة وتنظيم الجيش: ويبدأ من الإذن بالقتال إلى غزوة الخندق.
3- دور التعرض: ويبدأ من غزة الخندق إلى حنين ، وفى هذا الدور انتشر الإسلام فى شبه الجزيرة العربية كلها.
4- دور التكامل: ويبدأ من حنين إلى وفاة النبى صلى الله عليه وسلم وفيه تكاملت قوة المسلمين فى الجزيرة العربية ومدوا أبصارهم خارجها فى غزوة تبوك سنة 9هـ /630م.وكان يعتمد على أصحاء الأبدان الذين يستجيبون لنداء الجهاد إذا ما دعوا إليه ، سلاحهم السيف والرمح والقوس ، وإذا ما انتهى القتال رجعوا لممارسة حياتهم العادية.
وبمرور الزمن أصبح الجنود يرابطون فى معسكرات خاصة بهم فى الأمصار وكانوا قبائل مختلفة توفرت لها الرواتب المنتظمة،ويعتبر الخليفة عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- أول من أنشأ ديوان الجند، وقيد فيه الأسماء والأوصاف والعطايا، وهو أول من أقام الحصون وبنى الحاميات وشيد الأمصار والمعسكرات الدائمة لراحة الجند.
ثم عدل النظام العسكرى منذ زمن الأموبين ، وتعرض لتغييرات جذرية من حيث التكوين والتكتيك الحربى والتسليح والمرتبات ،وتلك كانت ضرورة فرضها اتساع الدولة الإسلامية وتغير أوضاعها.
أ.د/عبد الله جمال الدين
__________
مراجع الاستزادة:
1- النظم الإسلامية، حسن إبراهيم على إبراهيم الطبعة الرابعة القاهرة 1970م.
2- تاريخ جيش النبى صلى الله عليه وسلم اللواء الركن خطاب محمود شيت القاهرة 1980م.
3- الجندية فى صدر الإسلام محمد جمال الدين محفوظ القاهرة 1956م.
4- دائرة المعارف الإسلامية مادة جيش وما بها من مصادر(1/119)
الحاجب
لغة:اسم فاعل من حجب أى ستر.
واصطلاحا:اسم يقال للذى يحفظ باب الملك أو نحوه ، لكى يمنع الدخول عليه إلا بإذن ، وعرف العرب الحجابة بصفتها خطة منذ الجاهلية، فقد كان لبنى قصى حجابة الكعبة وهى سدانتها وملك مفاتيحها.
ولم تعرف هذه الخطة أيام الخلفاء الراشدين لأنهم كانوا لا يحجبون أحدا عن أبوابهم ، فلما انقلبت الخلافة إلى ملك فى ظل بنى أمية اتخذ خلفاؤهم من يقوم بحفظ أبوابهم وسمو القاتم بذلك "الحاجب "، وكان أول من اتخذ حاجبا عبد الملك بن مروان (65هـ-86هـ).
واستمرت هذه الخطة فى خلافة العباسيين بالدلالة نفسها ، وكانت دون مرتبة الوزير.
أما دولة بنى أمية فى الأندلس فقد قسموا الوزارة أصنافا، فتعدد الوزراء لديهم ،وأفرد للتردد بينهم وبين السلطان واحد خصوه بلقب الحاجب ، فكان بمثابة رئيس الوزراء وظل الأمر كذلك حتى نهاية الخلافة الأموية، ثم طوال عصر الطوائفه إذ حمل معظم أمرائهم لقب "الحاجب " ثم انقطعت بعد ذلك خطة الحجابة فى المغرب والأندلس منذ بداية دولة المرابطين فى القرن السادس الهجرى. غير أن اللقب عاد للظهور فى دولة الحفصيين بإفريقية (تونس) ولكن باختصاص آخر؟ إذ كان يحمله كبير موظفى قصر الخلافة الناظر فى ترتيب أحواله ونفقات المطابخ والاصطبلات وما إلى ذلك ، ثم مازالت الخطة ترتفع حتى أصبح الحاجب مستبدا بأمور الدولة، ولكن أبا العباس أحمد بن أبى بكر ألغى خطة الحجابة وباشر الأمور بنفسه (750هـ /1349م).
وفى مصر المملوكية أصبحت الحجابة إحدى الخطط التابعة لنائب السلطان وكانت النيابة نظير الوزارة فى الخلافة العباسية، وكان يعهد بالحجابة لحاكم ينفذ الأحكام فى طبقات العامة والجند تحت نظر النائب.
أ.د/محمود على مكى
__________
مراجع الاستزادة:
1- مقدمة تاريخ ابن خلدون ط دار الشعب.
2- الأحكام السلطانية للمارودى.
3- الحضارة الإسلامية فى القرن الرابع الهجرى لآدم متز ترجمة أ.د/محمد عبد الهادى أبو ريدة(1/120)
الحب الإلهى
نشأ مصطلح "الحب الالهى" بمعناه القريب فى الحياة الروحية فى الاسلام فى القرن الثانى الهجرى.
وكانت الحياة قبل ذلك يحركها عامل "الخوف" من الله ومن عقابه ، وكان "الحسن البصرى" (21-110هـ) أبرز ممثلى هذا الطور فى حياة الزهاد والعباد الأوائل ، فقد عرف عنه أنه كان يبكى من خوف الله حتى قيل "كأن النار لم تخلق إلا له".
ويميل مؤرخو التصوف الإسلامى إلى القول بأن رابعة العدوية(ت 185هـ) هى أول من أخرجت التصوف من الخضوع لعامل "الخوف" إلى الخضوع لعامل "الحب "، وأنها أول من استخدم لفظ "الحب " استخداما صريحا فى مناجاتها وأقوالها المنثورة والمنظومة، وعلى يديها ظهرت نظرية "العبادة" من أجل محبة الله ، لامن أجل الخوف من النار أو الطمع فى الجنة.
وكان الصوفية -قبل رابعة- يترددون فى قبول كلمة "الحب" فمالك بن دينار الصوفى (ت 131هـ) كان يتحاشى لفظ "الحب" ويستخدم بدله كلمة "الشوق"، وعبدالواحد بن زيد (ت 77هـ) كان يفضل لفظ "العشق" فى أقواله. ومع رابعة بدأت كلمة أو مصطلح "الحب الإلهى" تأخذ مكانها فى أقوال الزهاد ممن جاؤوا بعدها ، مثل: معروف الكرخى (ت 201هـ)، والمحاسبى (ت 243هـ) الذى خصص لموضوع "المحبة" فصلا كاملا فى كتابه: "الرعاية"، وذى النون المصرى (ت 245هـ) الذى فاضت مأثوراته بهذه الكلمة.
ثم استكملت نظرية "الحب الالهى" ملامحها وقسماتها بعد ذلك فى مؤلفات كبار شيوخ التصوف ، مثل: التعرف للكلاباذى (ت 380هـ)، وقوت القلوب لأبى طالب المكى (386هـ)، وكشف المحجوب للهجويرى (حوالى465هـ)، والرسالة للقشيرى (465هـ)، وإحياء علوم الدين للغزالى (450-505هـ). لكنها أخدت أبعادا عرفانية وفلسفية بالغة التعقيد ظهرت أولا فى تصوف الحلاج (ت 309هـ) ثم اكتملت بعد ذلك فى أشعار ابن الفارض (ت 632هـ)، ومؤلفات الشيخ الأكبر ابن عربى (ت 638هـ).
وقد جمع القشيرى فى رسالته تعريفات عديدة لمعنى "المحبة الإلهية"، كما أحصى ابن القيم فى مدارج السالكين (ج 3) ثلاثين تعريفا للمحبة بالمعنى الصوفى.
ومن الشيوخ من يرى أن تعريفها يستعصى على العبارة للطافتها ، وصاحب عوارف المعارف (السهروردى) يعرف الحب بتقسيمه إلى سببين: عام وخاص ، والأول ثمرة امتثال الأوامر واجتناب النواهى ، وهو من "المقامات "، لأن للسالك مدخلا فى اكتسابه ،والحب الثانى (الخاص) هو ماينشأ عن انكشافات الروح ، وهذا النوع من "الأحوال" وليس للعبد كسب فيه. أما الهروى (ت 481هـ) فيعرف المحبة بأنها "تعلق القلب بين الهمة والأنس " بما يعنى تعلق القلب بالمحبوب تعلقا حائرا بين طلب المحب لمحبوبه طلبا لاينقطع ، وبين أنسه بمحبوبه.
وللمحبة درجات:
الأولى محبة تقطع وساوس القلب ، وتلذ الخدمة وتسلى عن المصائب ، وتنشأ من ملاحظة العبد لنعم المولى الظاهرة والباطنة، وثبات هذه المحبة يكون بمتابعة النبى صلى الله عليه وسلم والتأسى به.
والثانية محبة تبعث على إيثار الحق على كل ما سواه ، وتنشأ بسبب من مطالعة العبد للصفات الإلهية، والارتياض بالمقامات الروحية.
والثالثة محبة تنشأ من مشاهدة جمال المحبوب ، وفى هذه الدرجة يختطف قلب المحب وتنقطع عبارته وإشارته ، وحقيقة هذه الدرجة: الفناء فى المحبة وفى الشهود.
والمحب إذا كان واعيا بحبه ومكتسبا له سمى "محبا" وإذا كان مختطفا بالحب سمى "عاشقا" والفرق بينهما -فيما يقول شيوخ التصوف- أن المحب مريد والعاشق مراد.
ونظرية "الحب الإلهى" مستقاة فى أصولها من معانى أسماء الله الحسنى وصفاته كالودود واللطيف والرحيم ، ومن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التى تحدثت عن الحب الإلهى، ومنها على سبيل المثال -لا الحصر- قوله تعالى: {يحبهم ويحبونه}المائدة:54 ، وقوله (اللهم اجعل حبك أحب إلى من نفسى وأهلى ومن الماء البارد)(سنن الترمذى، كتاب الدعوات ، باب:73، حديث 3490).
أ.د/أحمد الطيب
__________
مراجع الاستزادة:
1- الرسالة القشيرية ، تحقيق د/عبدالحليم محمود ج2 ص610 دار الكتب الحديثة القاهرة.
2- كشف المحجوب للهجويرى، ترجمة د/إسعاد قنديل ، دار النهضة، بيروت 1980م.
3- ابن الفارض والحب الإلهى محمد مصطفى حلمى دار المعارف 1971م.
4- منازل السائرين شرح القاشانى ، ط قم إيران 1413هـ(1/121)
الحجر الأسود
هو حجر بيضى الشكل ، لونه أسود ضارب للحمرة، وبه نقط حمراء وتعاريج صفرأء، وقطره حوالى ثلاثين سنتيمترا، ويحيط به إطار من الفضة، عرضه عشرة سنتيمترات ،يقع فى حائط الكعبة فى الركن الجنوبى الشرقى من بناء الكعبة على ارتفاع متر ونصف متر من سطح الأرض ، وعنده يبدأ الطواف.
وللحجر الأسود كساء وأحزمة من فضة تحيط به حماية له من التشقق وهناك روايات غير مؤكدة تقول: إن جبريل -عليه السلام- نزل به من السماء، أو إن هذا الحجر مما كشف عنه طوفان نوح ، والمؤكد أن إبراهيم -عليه السلام- وضعه فى هذا المكان علامة لبدء الطواف.
ويسن تقبيله عند الطواف إذا تيسر ذلك ، فإذا لم يتيسر اكتفى بالإشارة إليه ، أما عن تقبيله فقد وضح لنا عمربن الخطابه رضى الله عنه ذلك بقوله: (والله إنى أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولولا أنى رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك) .
وعلى ذلك فإذا استطاع من يطوف بالكعبة أن يقبله فلا بأس فى ذلك اقتداء برسول الله صلوات الله وسلامه عليه.
وقد اعيد وضح الحجرفى مكانه عندما هدمت قريش الكعبة لاعادة بنائها ، وعندما وصل البناء إلى الموضع الذى يوضع فيه الحجر اختلفت القبائل من قريش ، فكل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون غيرها ووصل الأمر إلى أن تحالفوا وأعدوا أنفسهم للقتال.
ومكثت قريش على ذلك أربع ليال أو خمسة، ثم إنهم اجتمعوا فى المسجد وتشاوروا وتناصفوا ، فقال أبو أمية بن المغيرة المخرومى وكان أسن قريش: يا معشرقريش ، اجعلوا فيما اختلفتم فيه الحكم لأول من يدخل من باب هذا المسجد، فارتضوا ذلك ، وكان أول داخل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان آنذاك فى الخامسة والثلاثين من عمره ، فقالوا: هذا الأمين ، رضينا بحكمه ، فلما أخبروه الخبر.
قال: هلم إلى بثوب ، فأتى به له ، فأخذ الحجر ووضعه فيه بيده ، ثم قال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ، ثم أرفعوه جميعا. ففعلوا حتى إذا بلغوا به موضعه وضعه هو بيده وبنى عليه (1).
وحين أعيد بناء الكعبة فى عهد عبد الله ابن الزبير قام ابنه حمزة بوضعه فى مكانه ،وأطال واتره الصلاة بجماعة المسلمين حتى انتهى حمزة من وضع الحجر، وكان ذلك ليتحاشى التنافس الذى حصل من قبل ، وقد غضب بعض المسلمين لهذا التصرف واعتبروه من حب الذات (2).
وفى سنة 140هـ كسى الحجر الأسود بصحاف من الفضة، وقام بذلك زياد بن عبدالله.
وفى سنة 317هـ دخل القرامطة مكة المكرمة، وأوقع زعيمهم أبو طاهر سليمان بأهلها ، وهاجم الحجاج فقتل منهم وأسر، وسلب الأموال واقتلع الحجر الأسود كما اقتلع أبواب الكعبة، واستولى على ما كان بالكعبة من تحف وذخائر، وعاد بكل ذلك إلى هجر عاصمة دولته (3).
ولم يرد القرامطة الحجر إلى مكانه إلا سنة 239هـ عندما هدد الخليفة الفاطمى أبا طاهر، وألزمه بإعادة الحجر(4).
أ.د/أحمد شلبى
__________
الهامش:
1- السيرة النبوية ابن هشام 1 /182.
2- السيرة النبوية ابن هشام 1 /183.
3- صلة تاريخ الطبرى غريب بن سعد 12 /70.
4- الكامل فى التاريخ ابن الأثير8 /280.
مراجع الاستزادة:
1- تاريخ الأمم والملوك ،الطبرى ، ليدن 1981م.
2- تاريخ أخبار القرامطة: ثابت بن سنان ، القدس 1400هـ(1/122)
الحجية فى الكتاب والسنة
لغة: الدليل والبرهان (1)
واصطلاحا: ما دل به على صحة الدعوى(2).
والحجية مصدر صناعى ، ومعنى حجية القرآن والسنة كون كل منهما يدل على صحة وحقية ما يرشد إليه.
والقرآن الكريم حجة؛ لأنه قد ثبت تواتره ،وهذا يوجب القطع بصدوره وثبتت نسبته إلى الله عز وجل.
ويكفى حجة على ذلك ثبوت إعتازه بأسلوبه ومضامينه ، وتحديه لبلغاء عصره ؛ وعلى هذا فحجية القرآن ثابتة على جميع البشر، وإضافة إلى هذا يستأنس المسلمون لحجيته بتأكيد الله تعالى على عجز الإنس والجن عن الإتيان بمثله وتأكيد حقيقته ،والأمر باتباعه فى مثل قوله تعالى: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا}الإسراء:88.
كذلك يستأنسون بمثل قول النبى صلى الله عليه وسلم (إن هذا القرآن طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبدا)(3).
وحجية السنة ثابتة بعدة أدلة منها ثبوت حجية القرآن والأمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم والتأسى به. فى مثل قوله تعالى: {وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}الحشر:7.
وهكذا استدل المسلمون فى جميع العصور على الأحكام الشرعية، ولم يختلفوا فى وجوب العمل بما أفاد قطعا أو ظنا راجحا من سنة النبى صلى الله عليه وسلم المروية على درجة من القبول ، ويستندون لقوله صلى الله عليه وسلم: (من رغب عن سنتى فليس منى)(4).
كذلك قوله (ألا إنى أوتيت الكتاب ومثله معه ، ألا يوشك رجل شبعان ،على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن ، فما وجدتم فيه من حلال فاحلوه ، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ،وأن ما حرم رسول الله كما حرم الله...)(5).
أ.د/عبد الغفورمحمود مصطفى
__________
الهامش:
1- المعجم الوسيط مادة (حجج).
2- التعريفات للجرجانى ص36.
3- إسناده جديد، وقال الهيثمى: رجاله رجال الصحيح ، وأخرجه الطبرنى فى صحيحه انظر موارد الظمآن للهيثمى بتحقيق محمد عبد الرازق 1 /69. انظر صحيح ابن حبان لترتيب ابن بلبان 1 /330، وابن أبى شيبة 10 /481.
4- انظر صحيح البخارى فى أول كتاب النكاح ، وصحيح مسلم الحديت الخامس فى كتاب النكاح.
5- أخرجه أبو داود فى كتاب السنة باب فى لزوم السنة وسكت عنه فهو حديث صالح.
مراجع الاستزادة:
1- بصائر ذوى التمييز للفيروز آبازى المجلس الأعلى للشئون الإسلامية 1969م ، 4 /329.
2- فتح البارى لابن حجر: أول كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة فى البخارى.
3- الأصول العامة للفقه المقارن ، محمد تقى الحكيم ، دار الأندلس ص100.
4- تلخيص الحبير، لابن حجر.
5- الوسيلة الأحمدية على هامش برقية محمودية ، دار الخلافة العلية1 /52(1/123)
الحرص
لغة: شدة الإرادة والاجتهاد للحصول على المطلوب ، ويطلق ويراد به: الجشع ،والحرص: الشق ، حرص الثوب: شقة، كما فى اللسان (1).
واصطلاحا: طلب الشىء بأقصى ما يمكن من الاجتهاد، ومنه قوله تعالى: {إن تحرص على هداهم...}النحل:37 ،أى أن تطلب بجهدك ذلك..
وقد فسر بعض العلماء كلمة(حريص) فى قوله تعالى {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيزعليه ما عنتم حريص عليكم}التوبة:128، بأنه -أى الرسول- شحيح عليكم أن تدخلوا النار.
لم ترد كلمة الحرص فى القرآن الكريم ، وإنما وردت مشتقاتها: مثل (حرصتت) فى سورة يوسف:103 (وتحرص) فى سورة النحل:37 و(أحرص) فى سورة البقرة 98.
والحرص: الشره ، والحريص: الشره ،ويأتى بمعنى الشح والطمع الذى يدفع بصاحبه إلى مساوئ الأخلاق ، وارتكاب المنكرات التى تتنافى مع المروءة. وقد جبل الإنسان على الحرص والطمع ، ففى الحديث: (لو كان لابن آدم واديان من ذهب لأحب أن يكون له ثالث ، ولا يملأ فمه إلا التراب ، ويتوب الله على من تاب) (رواه الترمذى) ولهذا نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن شدة الحرص والمبالغة فى الطلب فقال: (إن روح القدس نفث في روعى إن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا فى الطلب) (أخرجه ابن أبى الدنيا فى القناعة).
ولا يتخلص من الحرص إلا من أدرك عز القناعة، وعزم على وقاية نفسه من ذل الطمع ، فاقتصد فى معيشته ، وأيقن بأن الرزق الذى قدر له لابد وأن يأتيه ، وإن لم يشتد حرصه ؛ فإن شدة الحرص ليست هى السبب لوصول الأرزاق ، بل بالاجتهاد فى العمل وإتقانه يحصل المرء على وعد الله بأنه يرزق من يشاء بغير حساب.
أ.د/محمد شامة
__________
الهامش:
1- لسان العرب ، ابن منظور، دار المعارف ، مادة (حرص).
مراجع الاستزادة:
1- التفسير الكبير ، الرازى، بيروت 1990م.
2- إحياء علوم الدين ، الغزالى، تحقيق محمد الدالى بلطة، بيروت 1992م(1/124)
الحزم
لغة: حزم الأمر: ضبطه واتقنه واستعد له. كما فى المعجم الوسيط (1).
واصطلاحا: اتخاذ القرار بفعل أو ترك.
ويرتبط معنى الحزم بخصيصتين هامتين فى الإنسان هما:
1- العقل والتفكير.
2- الإرادة والاختيار.
ذلك أن العاقل يفكر فى المواقف التى تجابهه ، فيستثمر علمه وتجربته وما وصله من هدى إلهى فى الموازنة والترجيح ليصل إلى قرار حكيم يناسب الموقف الذى هو فيه ،وهنا يختارما أداء إليه عقله وتجربته وفهمه لأحكام دينه ، حلا وحرمة ونحو هذا.
والحزم لا يعنى ألا يستفيد العاقل من مشاورة من يثق فى نصحهم ؛ لأن المشاورة تضىء له جنبات الموقف ، ثم هوبعد هذا صاحب القرار الذى سيتحمل مسئوليته ، ولذا وجدنا فى القرآن الكريم: {وشاورهم فى الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين}آل عمران:159.
والحزم مظهر لاستقلال الشخصية وعدم تذبذبها أو تبعيتها للناس دون تفكير وموازنة، ودون اختيار رشيد، لذا وجدنا الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لا تكونوا إمعة تقولون: إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا أن لا تظلموا) (رواه الترمذى)(2).
ولم يستخدم لفظ "الحزم" فى القرآن الكريم ، لكنه استعمل في السنة كثيرا من ذلك ما جاء عن أبى قتادة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لأبى بكر: (متى توتر؟ قال: أوترمن أول الليل ، وقال لعمر: متى توتر؟ قال آخرالليل: فقال -صلى الله عليه وسلم- لأبى بكر: خذ هذا بالحزم ،وقال لعمر: خذ هذا بالقوة) (رواه أبو د اود).
والحزم ضرورى لمن يلى أمرا من أمور المسلمين حتى لا تتعدد الآراء وتتأرجح دون قرار يحسم الأمر ويحيله إلى التنفيذ بدلا من حيز الكلام فقط.
أ.د/أبو اليزيد العجمى
__________
الهامش:
1- المعجم الوسيط طبع مجمع اللغة العربية القاهرة سنة1985 ، مادة (حزم).
2- سنن الترمذى -كتاب البر والصلة- تحقيق كمال يوسف الحوت -ط دار الكتب العلمية- بيروت ط 1987.
3- سنن أبو داود باب الوتر(1/125)
الحساب (علم)
يعد الحساب أقدم وأبسط فروع علم الرياضيات ، وهو يحوى دراسة الأعداد والطرق الحسابية، وحل المشكلات والمسائل باستخدام الأعداد، ويتضمن ذلك العمليات الأساسية الأربع: الجمع والطرح والضرب والقسمة، مع تطبيق هذه العمليات في مسائل الحياة العامة، ولذلك فإن الحساب هو الأساس الذى يقوم عليه الكثير من الفروع الأخرى للرياضيات كالجبر والهندسة وحساب المثلثات.
وقد كان لعلماء الحضارة الإسلامية إسهامات بالغة الأهمية فى تطور علم الحساب ، ويزخر التراث الإسلامى بالعديد من كتب الحساب التى كان معظمها مراجع رئيسية في مختلف جامعات العالم ، من ذلك:
كتاب "المقالات فى علم الحساب" لابن البناء المراكشى، وكتابا "مفتاح الحساب ، لغياث الدين حمشيد الكاشى، وكتاب "الجامع فى أصول الحساب" للحسن بن الهيثم ، وكتاب "طرائف الحساب" لأبى كامل شجاع بن اسلم ، وكتاب "خلاصة الحساب" لبهاء الدين العاملى وغيرها كثير جدا.
وكانت لعلماء المسلمين طرق خاصة لإجراء العمليات الحسابية بما يصلح أن يتخذ وسيلة للتعليم فى عصرنا، ولقد انتبه بعض رجال التربية فى أوروبا إلى قيمة هذه الأساليب من منظور تربوى، فأوصوا باستعمالها عند تعليم المبتدئين.
من ناحية أخرى هذب علماء المسلمين النظام العددى العشرى المأخوذ عن الهنود، ووضعوه فى الصورة المستخدمة في عصرنا، وأخذ الأوروبيون عن العرب الصفر والأعداد وسموها الأعداد العربية.
أ.د/أحمد فؤاد باشا
__________
مراجع الاستزادة:
1- أساس القواعد فى أصول الفوائد -كمال الدين الفارسى: تحقيق د/مصطفى موالدى -معهد المخطوطات العربية- القاهرة 1994م.
2- تراث العرب العلمى فى الرياضيات والفلك -قدرى حافظ طوفان: دار الشروق- القاهرة، د ت.
3- أساسيات العلوم المعاصرة فى التراث الإسلامى دراسات تأصيلية -د/أحمد فؤاد باشا: دار الهداية- القاهرة 1997م(1/126)
الحسد
لغة: يقال حسده ، يحسدُه ، وحسَّده: إذا تمنى أن تتحول إليه نعمته وفضله ، أو يسلبهما هو،: والحسود: من طبعه الحسد ذكرا كان أم أنثى. والجمع حُسَّد، وحُسَّاد، وحَسَدَة، والمحسدة: ما يحسد عليه الإنسان من مال أوجاه ، ونحوهما ، كما فى الوسيط (1).
الحسد ظاهرة نفسية لا ينكرها أحد، فقد وردت كلمة حسد فى الآداب الإنسانية، كما جاء الحديث عن "الحسد" فى الكتب المقدسة، أما تأثير الحاسد فى المحسود بواسطة العين فقد اختلف فيه ، إذ من المعتقدات الشائعة بين جميع الشعوب أن من الناس (الحاسد) من يملك قوى يمكنها إلحاق الضرر بالآخرين (المحسودين) سواء كان هؤلاء الآخرون: أناسا ، أو حيوانات أو نباتات أو أى شىء، حتى ولو كان جمادا -بمجرد النظر إليه أو عن طريق إرسال شعاع العين إليه- أى أن الضرر ينتقل من عين الرائى -وهو الحاسد- إلى المرئى -وهو المحسود- بمجرد نظر صاحب العين الشريرة إليه أو حديثه عنه ، سواء كان مدحا، أو إعجابا، أو كان مجرد وصفا له أو تقريرا لهيئته وشكله.
وقد تحدثت الكتب السماوية عن إلحاق ضرر الحاسد للمحسود بواسطة العين فقد ورد فى إنجيل متى (20:17) : أو ما يحل لى أن أفعل ما أريد، أن عينك شريرة لأنى صالح ".
أما فى الفكر الإسلامى، فقد علل الجاحظ الإصابة بالعين: بأن لكل حادث سببا، وما دامت الإصابة لا سبب لها سوى رؤية العين ، فينبغى التصديق: بأنه قد انفصل شىء من عين العائن فأصاب المعيون ، ويعتبر ابن القيم من أشد المؤمنين بالعين حيث جمع الأحاديث التى تتعلق بهذا الموضوع سواء كانت تخبر عن الإصابة بالعين ، أو توصى بالرقى لدرء الحسد، أو تصف طريقة علاج المحسود، ثم يعقب على ذلك بالهجوم على من ينكر الإصابة بالعين ، مستشهدا بآراء من سبقوه ،فيقول: "وعقلاء الأمم -وعلى اختلاف مللهم ونحلهم- لا تدفع أمر العين ، ولا تنكره ، وإن اختلفوا فى سببه ووجهة تأثير العين ، فقالت طائفة: أن العائن إذا تكيفت نفسه بالكيفية الرديئة، انبعثت من عينه قوة سمية تتصل بالعين ليتضرر... الخ" ومما يؤخذ من كلام ابن القيم: إن الحسد ليس حالة نفسية تصيب المحسود فقط ، بل لعين العائن آثار ضارة تصيب المعيون ، وقد تصل الإصابة إلى حد إدخال الرجل القبر والجمل القدر، أى أن العائن قادر على إماتة الأحياء، وإهلاك الزرع والضرع.. حتى ولو كان أعمى.
وذكر الحارث المحاسبى أنواع الحسد، ومجالاته ، ودوافعه ، وأضراره ، وبين أن المحسود لا يلحقه الضرر من عين العائن ، ولا يصيبه شىء من الحاسد إلا إذا تجاوز الحسد القلب إلى الجوارح ، فسلك الحاسد مسالك تؤدى إلى إلحاق الضرر بالمحسود، كتدبير المؤامرات لافساد العلاقة بينه وبين مصادر نعمته ، أو اتخاذ تدابير تؤدى إلى زوال ما يتمتع به المحسود من النعم ، أو الاعتداء على النفس والأرواح بما يصيبها أو يهلكها، ولم يسم هذا حسدا، بل يرى أنه عمل دفع الحسد إليه.
أما الأمام أبو حامد الغزالى فقد تناول حديثه عن الحسد تسع نقاط هى: ذم الحسد ، حقيقته ، أقسامه ، حكمه ،مراتبه ، أسبابه ، سبب كثرته بين الأمثال والأقران ، دواؤه ، القدر الواجب في نفيه.
فهو يرى أن الحسد ليس مرضا عضويا، بل هو من أمراض القلوب ، ولا يداوى إلا بإلعلم ، وأنه لا ضربى فيه على المحسود فى الدنيا والآخرة إذ يقول: "وأما أنه لا ضرر فيه على المحسود فى دينه ودنياه فواضح ، لأن النعمة لا ترول عنه بحسدك ، بل ما قدره الله تعالى من إقبال ونعمة، فلابد أن يدوم إلى أجل معلوم قدره الله سبحانه وتعالى، فلا حيلة في دفعه ، بل كل شىء عنده بمقدار، ولكل أجل كتاب ، فإذا لم تزل ألنعمة بالحسد،لم يكن على المحسود ضرر فى الدنيا، ولا يكون عليه إثم فى الآخرة. ولعلك تقول: ليت النعمة كانت تزول عن المحسود بحسدى وهذا غاية الجهل ، فلو كانته النعمة تزول بالحسد لم يبق الله عليك نعمة ولا على أحد من خلقه ، ولا نعمة الإيمان أيضا لأن الكفار يحسدون المؤمنين على الإيمان ، قال تعالى {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسم..}البقرة:109.
وقد نسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث تخبرعن إمكانية وجود الحسد ووقوع ضرر من عين الحاسد بالمحسود، وتوصى بتلاوة نصوص محددة للتعاويذ والرقى للحماية من عين الحاسد، كما شرحت ، أحاديث أخرى العلاج من ضرر الحسد.. أما فى القرآن الكريم فقد وردت كلمة "الحسد" فى أربع آيات: البقرة:109 ، النساء:54، الفتح:15 ، الفلق:5) كما وردت ألفاظ تتضمن معنى الحسد فى آيات أخرى: (البقرة:90، 213، الحسد فى آيات أخرى: (البقرة:90، 213،آل عمران:19 ، الشورى:14 ، الجاثية 17).
وقد أول المنكرون لتأثير عين الحاسد فى المحسود كل ما ورد فى القرآن الكريم وخاصة فى قوله تعالى: {ومن شر حاسد إذا حسد}الفلق:5 ، فقالوا فى تفسير هذه الآية "وتقييد الاستعاذة من شره بوقت: "إذا حسد"؟ لأنه حينئذ يندفع إلى عمل الشر بالمحسود، حين يجيش الحسد فى نفسه ، فتتحرك له الحيل والنوايا ، لالحاق الضرر به" أى أن الضرر لا يأتى من العين ،بل من عمل الحاسد، حين يدفعه حسده إلى إلحاق الضرر بالمحسود، أما ما نسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قبلوا ما أخبر به عن وقوع الحسد لأن وجوده فى النفس الإنسانية مسلم به إلا أنه لا يتعدى كونه ظاهرة نفسية لدى الحاسد، أما الأحاديث التى تتحدث عن الأضرار التى تصيب المحسود عن طريق غير الحاسد فقد ردوها لضعف سندها أو لتناقض معناها مع مبادىء الإسلام وتعاليمه ، مثل الحديث المشهور: (إن العين لتدخل الرجل القبر والجمل القدر)، إذ لم يرد هذا الحديث فى أى من كتب الحديث التسعة، وإنما ذكره أبو نعيم الأصفهانى فى الحلية، قال الصابونى: "بلغنى أنه قيل له -أى لراويه شعيب بن أيوب الأنصارى-: ألا ينبغى أن تمسك عن هذه الرواية، ففعل).
أ.د/محمد شامة
__________
الهامش:
1- المعجم الوسيط ، مجمع اللغة العربية، الطبعة الثالثة "مادة: حسد" ،1 /178.
مراجع الاستزادة:
1- الحسد فى القرآن الكريم ، محمد شامة، القاهرة 1992م.
2- زاد المعاد ، لابن القيم ، بيروت 1985م.
3- الرعاية لحقوق الله ، الحارث المحاسبى، تحقيق عبد الحليم محمود، القاهرة 1984م(1/127)
حقوق المرأة فى الإسلام
يكتسب موضوع حقوق المرأة فى الإسلام حيوية متزايدة، بما يثيره من جدل حول الحقوق وممارستها، وما يتصل بذلك من أسانيد وتأويلات ، فضلا عن مساحات تتداخل فى الموضوع من عادات وتقاليد متوارثة فى وقت تتسارع فيه خطى التغيرات وطبيعة التحديات.
ونبادر إلى القول إلى أن الفهم الشامل والواعى لحقوق المرأة فى إطار أهداف الشريعة الكلية يمثل التزاما دينيا وأخلاقيا وإنسانيا أمام المسلمين. ولقد حسمت الشريعة الغراء قبل غيرها المساواة فى الإنسانية دون تمييز بين البشر جميعا أو بين رجل وامرأة {ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكروأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير}الحجرات:13.
وكفلت الشريعة للمرأة حقوقها المدنية والمشاركة فى الحياة العامة كعنصر فعال فى المجتمع الإنسانى، وقضى الإسلام على ما ساد المجتمعات الانسانية قبله من تفرقة بين الرجل ، والمرأة أمام القانون أو فى الحقوق العامة أو فى القيمة، قال الله تعالى: {ولقد كرمنا بنى آدم}الإسراء:70. وقال: {فاستجاب لهم ربهم أنى لا أضيع عمل عامل منكم من ذكرأوأنثى بعضكم من بعض}آل عمران:195.
وقال: {للرجال نصيبا مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن}النساء:32.
وسمح الإسلام للمراة بدور فعال فى المجتمع والحياة العامة، ودعاها للعلم والمعرفة، وهى تتمتع -كالرجل- بحقوقها المدنية ومن بينها العمل والاتجار وتولى الوظائف ، كما اعترف بحقوقها السياسية فى قوله تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}التوبة:71.
وجاءت أحوالها الشخصية -من أسرة وزواج وطلاق ورعاية طفل ومسئولياتها- راسخة الصلة بالمنظور الإسلامى للأسرة والمجتمع وتوزيع الأدوار بين الرجل والمرأة، لما فيه صلاح المجتمع والأمة فى إطار المساواة فى القيمة والكرامة دون نظرة دونية، تتأسى على سوء الفهم أو البعد عن الممارسة السليمة.
ولقد سبق الإسلام غيره فى كل ذلك من عدة قرون حيث تأسست النظرة الإسلامية على مبدأ مساواة المرأة بالرجل ، ومراعاة الاختلاف بينهما فى القدرات الطبيعية كما خلقها الله (1). والتكامل بينهما لخدمة المجتمع ، وهى نظرة عميقة أبعد ما تكون عن دعاوى التهميش.
وللموضوع فضلا عن ذلك أبعاده فى الإطارين الإسلامى والدولى، ففى الاطار الإسلامى اتفقت الدول الإسلامية على إصدار ميثاق حقوق الانسان فى الاسلام ،ومن بين ما يقرره أن الأسرة هى الأساس فى بناء المجتمع ، والزواج أساس تكوينها.. كما تنص المادة السادسة فى الإعلان على أن المرأة مساوية للرجل فى الكرامة الإنسانية(1).
ولها من الحق مثل ما عليها من الواجبات ، ولها شخصيتها المدنية وذمتها المالية المستقلة، وحق الاحتفاظ باسمها ونسبها، وأن على الرجل عبء الأنفاق على الأسرة ومسئوليته ورعايتها.. كما تنص المادة الخامسة والعشرون على "أن الشريعة الإسلامية هى المرجع الوحيد لتفسير أو توضيح أى مادة من مواد هذه الوثيقة"(2).
وإذا تناولنا الاطار الدولى للموضوع فالشرعية الدولية لحقوق الإنسان بما فى ذلك حقوق المرأة تتضمنها ثلاثة وثائق رئيسية هى:
1- الإعلان العالمى لحقوق الإنسان 1948.
2- العهد الدولى الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966.
3- والعهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية 1966 ، والاتفاقيات المنبثقة عنها.
وقد انعكست معالم واضحة فى الفكر الغربى(3) فى هذه الإعلانات التى يستهدف حماية مجمل حقوق الانسان اللازمة لممارسة حياة آمنة، وهى أهداف سبقت إليها الشريعة الإسلامية وقررتها وحددتها ، وتبقى الممارسة السليمة علامة هامة على طريق تحقيق هذه الأهداف.
السفير/نبيل محمد بدر
__________
الهامش:
1- حقوق الإنسان فى الشريعة الإسلامية د/إبراهيم العنانى.
2- ميثاق حقوق الإنسان فى الإسلام.
3- Islam Tradition and Politics by Mayer.
مراجع الاستزادة:
1- حقوق الإنسان فى الإسلام ، د/على عبد الواحد وافى، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية.
2- مصر وحقوق الإنسان ، د/محمد نعمان جلال ، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1993م.
3- حقوق الإنسان (لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية،) صحيفة وقائع الأمم المتحدة، وثائق الأمم المتحدة(1/128)
الحقيقة المحمدية
الحقيقة المحمدية اصطلاح ظهر متأخرا فى أدبيات التصوف الاسلامى، وهو يعنى أن النبى صلى الله عليه وسلم مخلوق من نور، وأن حقيقته النورية هى أول الموجودات فى الخلق الروحانى، ومن نورها خلقت الدنيا والآخرة، فهى أصل الحياة، وسرها السارى فى كل الكائنات والموجودات الدنيوية والأخروية.
وللحقيقة المحمدية أسماء أخرى عديدة، مثل: "حقيقة الحقائق" و"أول موجود فى الهباء" و"العقل الأول" و"التعين الأول" والقائلون بهذه النظرية يؤكدون على أن الأنبياء والرسل السابقين على محمد صلى الله عليه وسلم هم فى حقيقة الأمر نوابه وورثته ، وأن دورهم فى التاريخ إنما هو تجسيد للحقيقة المحمدية، أو الروح المحمدى قبل ظهور جسده الشريف.
ومن الحقيقة المحمدية يستمد كل الأنبياء والأولياء والعارفين علومهم وأنوارهم الإلهية.
وبهذا الاعتبار سمى محمد صلى الله عليه وسلم بنور الأنوار وأبى الأرواح ، وسيد العالم بأسره ، وأول ظاهر فى الوجود. أما ظهور الجسد المحمدى فهو الصورة العنصربة لمعنى حقيقته النورية.
والنبى صلى الله عليه وسلم فى مفهوم هذه النظرية، هو الجد الأعلى للأنبياء والنبى الخاتم فى آن واحد. ويستند الصوفية فى نظريتهم هذه إلى ظواهر من نصوص القرآن والسنة النبوية ومأثورات السلف الصالح ، مثل قوله تعالى: {جاءكم من الله نور وكتاب مبين}المائدة:15 ، وقوله تعالى: {وسراجا منيرا}الأحزاب:46 ، ومثل حديث (.....متى جعلت نبيا؟ قال: وآدم بين الروح والجسد) (مسند الإمام أحمد 4 /66. الترمذى، مناقب ، 1)، وقول الإمام مالك ، وهو يناظر أبا جعفر المنصور، ويأمرء باستقبال القبر الشريف فى دعائه: ".. إنه وسيلتك ووسيلة أبيك آدم ". وللصوفية مروياته أخرى ردها علماء الحديث وأنكروها عليهم.
أ.د/أحمد الطيب
__________
مراجع الاستزادة:
1- الفتوحات المكية لابن عربى، 1:243 244.
2- لطانف الإعلام فى إشارات أهل الإلهام ، عبد الرزاق القاشاتى، 1:426.
3- سبل الهدى والرشاد للصالحى، 1:89 ط المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة 1993.
4- شفاء السقام للفقيه المحدث تقى الدين السبكى، دار جوامع العلم ، القاهرة، ص73، 74.
5- رسائل وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيميه ، 4:8، 70، 94 مكتبة وهبة القاهرة 1992.
6- التصوف فى تراث ابن تيميه د/الطبلاوى محمود ط الهيئة العامة للكتاب.
7- التعريفات للجرجانى ، ط البابى الحلبى ، ص81(1/129)
حلف الفضول
اصطلاحا: المعاهدة التى عقدت بين بنى هاشم وبنى المطلب وأسد بن عبد العزى وزهرة بن كلاب وتيم بن مرة قبل بعثة النبى صلى الله عليه وسلم بنحو عشرين سنة.
وسبب تسميتها بهذا الاسم أن ثلاثة من قبيلة جرهم هم الفضل بن فضالة والفضل بن وداعة والفضل بن الحارث قد عقدوا قديما نظيرا لهذه المعاهدة، فلما أشبه فعل القريشيين فعل هؤلاء الجرهميين الأول المسمون جميعا بالفضل سمى الحلف: حلف الفضول.
وسبب قيام هذا الحلف أن رجلا من زبيد باليمن قدم مكة ببضاعة، فاشتراها منه العاص بن وائل السهمى، ثم رفض أن يؤديه ثمنها، فطلب الزبيدى من الأحلاف أن يعينوه على اقتضاء حقه فأبوا وانتهروه بسبب قدر ومكانة العاص فى قومه. فصعد هذا الرجل إلى أعلى جبل فى مكة وقريش فى أنديتهم حول الكعبة، وصاح بأعلى صوته مرددا شعرا يطلب فيه من آل فهر أن يحموه من الظلم.
وكانت النتيجة أن قام الزبير بن عبد المطلب يلبى نداءه واجتمعت هاشم وزهرة وتيم فى بيت عبد الله بن جدعان بمكة وتحالفوا متعاهدين ليكونن يدا واحدة مع المظلوم حتى يؤدى له حقه ، ومشوا إلى العاص ، وانتزعوا سلعة الزبيدى منه ، ودفعوها إليه.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا الحلف: (لقد شهدت فى دارعبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لى به حمر النعم ، ولو دعيت إليه فى الإسلام لأجبت).
أ.د/عبد الله جمال الدين
__________
مراجع الاستزادة:
1- سيرة ابن هشام القاهرة 1332هـ.
2- السيرة النبوية ابن كثير تحقيق مصطفى عبد الواحد القاهرة 1964م.
3- الرحيق المختوم ، المباركفورى دار إحياء التراث 1976م.
4- فقه السيرة، الغزالى: الطبعة الثانية 1988م(1/130)
الحُلْم
الحُلْم: الرؤيا ، والجمع: أحلام يقال: حلم يحلم: إذا رأى فى نومه رؤيا، والحلم: ما يراه النائم فى نومه من الأشياء، ولكن غلبت الرؤيا على ما يراه من الخير والشئ الحسن ، وغلب الحلم على ما يراهن من الشر والقبح ، ومنه قوله تعالى: {أضغاث أحلام}يوسف:44 ، فى حديث: (الرؤيا من الله والحلم من الشيطان) رواه البخارى ، وفى الاستعمال: يعبر كل منهما عن الآخر.
بدأ الانسان حياته على الأرض وهو يحلم ،وما زال يحلم حتى الآن. وفى سجل الحضارات بيان لأهمية الأحلام فى حياة الإنسان ، وخاصة احلام ملوكهم من حيث إنها منذرة أو مبشرة بأحداث قادمة، مما الجأ الملوك إلى البحث عن مفسرين لأحلامهم عرفوا باسم: (رجال المعرفة فى مكتبة السحر) وقد اكتشفت إحدى اللوحات أمام غرفة فى أحد المعابد مكتوب عليها: (إنى أفسر الأحلام ولدى إذن من الآلهة بأن أقوم بذلك).
ساد الاعتقاد فى المجتمعات القديمة بأن الذى يحدث فى النوم هو أن الروح تترك الجسد وتهيم فى مكان آخر، أو أنها تواجه الآلهة. ويرى أفلاطون أن الأحلام تمثل تحرر الروح من قيود الجسد، لتعبرعن مكامن خفية فى حياتنا والتى لا تعيها فى أنفسنا، إذ يقول: "فالنوم.... ، فإن الوحش الهائج فى داخلنا ، والذى أشبع اللحم والشراب ، فإنه ينتصب ، وينفض عنه النوم ، ويسعى فى طلب ذلك الذى يرضى غرائزه..." وبهذا القول يتضح أن أفلاطون رأى فى الأحلام تعبيرا عن قوى وحاجات غريزية تكمن فى الفرد ذاته ، ولا تأتى إليه من خارجه ، مخالفا بذلك ما قالت به النظرية التاريخية من أن الأحلام هى رسائل يستلمها الحالم ، وبدون فعل آخر منه يتجاوز هذا الاستلام. وهذا ما ذهب إليه "فرويد" فى العصر الحديث من أن الأحلام تعبر عن مكنونات خفية عن الوعى، أو أنها فى معظمها تعود إلى ذكريات بعيدة فى الطفولة أو الحداثة. وقد عارضه بعض الباحثين مثل: "ازرنسكى"، و "كلايتمان" اللذين كانت أبحاثهما بداية اكتشاف للمنظور العلمى الحديث للأحلام ، الذى يربط بين ظاهرة الأحلام ونشاطات بيولوجية وفسيولوجية واسعة فى الدماغ والجسم.
وبهذا يتبين أن المنظور السيكولوجى الذى طوره "فرويد" ليس بالمنظور الوحيد -أو حتى الصحيح- فى مجمله فى تفسيرظاهرة الأحلام.
اعتقد العرب أن الأحلام هى من فعل القوى الخارقة والتى شملت الآلهة، كما شملت الشياطين والأرواح الشريرة، فاهتموا بها وأقبلوا على تفسيرها، وعمق هذا الاهتمام لديهم ما ورد فى القرآن الكريم عن الرؤى والأحلام ، فقد جاء الحديث عن الرؤيا فى أربع سور: (يوسف ، والإسراء ، والصافات ،والفتح).
ففى سورة يوسف:
1- إخبار يوسف لأبيه بأنه رأى أحد عشر كوكبا والشمس والقمر ساجدين له.
2- سؤال صاحبى السجن عن تفسير ما رأياه فى منامهما بأن أحدهما رأى أنه يعصر خمرا ، والآخر يحمل فوق رأسه خبزا تأكل الطير منه ، ففسر لهما هذه الرؤيا بقوله: {ياصاحبى السجن أما أحدكما فيسقى ربه خمرا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه}يوسف:41.
3- سؤال الملك ليوسف عن تفسير ما رآه فى منامه ، من أن سبع بقرات سمان يأكلن سبع عجاف ، وكان الجواب: {... تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه فى سنبله إلا قليلا مما تأكلون. ثم يأتى من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون. ثم يأتى من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون}يوسف:47-49.
وقوله تعالى: {وما جعلنا الرؤيا التى أريناك إلا فتنة للناس...}الإسراء:60 ، فقد روى الرازى فى تفسيره للرؤيا فى هذه الآية أربعة أقوال: أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى فى منامه:
1- دخوله مع المسلمين مكه.
2- مصارع كفار قريش فى غروة.
3- ارتقاء بنى أمية منبره.
4- ما أراه الله فى ليلة الإسراء على اعتبار أنه لا فرق بين الرؤية والرؤيا فى اللغة.
وفى قوله تعالى: {قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزى المحسنين}الصافات:105 ، خطابا لإبراهيم حين أطاع الله ، فهم بتنفيذ ما أراه الله فى منامه: {فلما بلغ معه السعى قال يابنى إنى أرى فى المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى...}الصافات:102.
وفى قوله تعالى: {لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين}الفتح:27 ، فهذه الآية تخبر بأن الله كان قد أرى محمد صلى الله عليه وسلم فى منامه أنهم سيدخلون مكة.
أما الحلم ، فلم يرد فى القرآن الكريم -فى مجال التعبير عما يراه المرء فى منامه إلا بصيغة الجمع وصفا لما يراه المرء فى نومه من الشر والقبح ، {قالوا أضغاث أحلام...}يوسف:44 ، فالضغت من الخبروالأمر: ما كان مختلطا لا حقيقة له ،ومنه قيل للأحلام الملتبسة: أضغاث ، ومنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (الرؤيا من الله والحلم من الشيطان).
تعتبر رؤيا الأنبياء بمثابة الوحى إليهم ، فقد أخبرنا القرآن الكريم عما رآه إبراهيم فى منامه بأن يذبح ولده ، فهم بذبحه لأنه اعتبر هذه الرؤيا وحيا من الله واجب التنفيذ، كما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (رؤيا الأنبياء وحى) (رواه البخارى).
وعنه أيضا: (الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة). (رواه البخارى).
اهتم الباحثون فى المجتمع الإسلامى بالرؤيا، واشتهر منهم محمد بن سيرين (المتوفى 108هـ-728 م) الذى ألف عددا من الكتب فى تفسير الأحلام والرؤى، وكثر المعبرون للرؤى بعد ابن سيرين ، تحدث عنهم عبد الغنى بن اسماعيل ، الملقب بابن النابلسى فى كتابه: (طبقات المعبرين) الذى تضمن الإشارة إلى أكثر من سبعة آلاف مفسر للأحلام.
الحلم ، والاحتلام: الجماع ونحوه فى النوم ، الاسم: الحلم ، ففى القرآن الكريم: {والذين لم يبلغوا الحلم منكم}النور:58 ، أى لم يصلوا من الصبيان إلى حد البلوغ. وفى الحديث أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر معاذا أن يأخذ من كل حالم دينارا ، يعنى الجزية.
قال أبو الهيثم: أراد بالحالم كل من بلغ الحلم ، وجرى عليه حكم الرجال ، احتلم أم لم يحتلم.
الحلم بكسر الحاء: الأناة والعقل ،وجمعه: أحلام ، فى القرآن الكريم: {أم تأمرمم أحلامهم بهذا}الطور:32.
أى تأمرهم عقولهم بما كانوا يقولون؟ وفى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الجماعة: (ليلينى منكم أولو الأحلام والنهى) رواه ابن ماجه ، أى ذوو الألباب والعقول.
والحليم فى صفة الله عز وجل معناه: الصبور، أى أنه الذى لا يستخفه عصيان العصاة، ولا يستفزه الغضب عليهم.
أ.د/محمد شامة
__________
مراجع الاستزادة:
1- إحياء علوم الدين. الغزالى، تحقيق: محمد الدالى بلطة، بيروت 1992م.
2- باب النوم ، وباب الأحلام: على كمال ، بيروت 1989م.
3- التفسير الكبير: الرازى، بيروت 1990م.
4- تفسير أحلام التفاؤل: محمد بن سيرين ، جمعها: عبد الحفيظ بيضون ، بيروت 1990م.
5- تفسير أحلام التشاؤم: محمد بن سيرين ، جمعها: عبد الحفيظ بيضون بيروت ، 1990م(1/131)
الحيل
لغة: جمع حيلة، اسم من الاحتيال ،وأصله: الحذق فى تدبير الأمور ثم غلب فى العرف على أستعمال الطرق الخفية التى يتوصل بها المرء إلى حصول غرضه ، بحيث لا يتفطن له إلا بنوع من الذكاء والفطنة، كما فى مختار الصحاح (1).
واصطلاحا: تقديم عمل ظاهر الجوازة لإبطال حكم شرعى وتحويله فى الظاهر إلى حكم آخر.
والحيل ثلاثة أقسام:
1- حيل لا خلاف في تحريمها وإبطالها، كحيل المنافقين والمرائين ، ومن ذلك.
أ- الاحتيال للتفريق بين المؤمنين كما فى قوله تعالى: {والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون. لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين}التوبة:107-108.
ب- الاحتيال لإسقاط الواجب على المكلف (2)، كما في قوله صلى الله عليه وسلم (لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة). (رواه البخارى وأبو داود ، واللفظ للبخارى)(3). فهذا يعنى النهى عن احتيال مقصود به إبطال حكم شرعى وتحويله فى الظاهر إلى حكم آخر.
2- حيل جائزة، وذلك اذأ كان المقصود بها أخذ حق ، أو دفع باطل ، أو مكروه (أذى) يلحق بصاحبه ، كالنطق بكلمة الكفر حالة الإكراه.
يقول تعالى: {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفرصدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذابا عظيم}النحل:106.
3- ما اختلف فيه ، وهو ما لم يتبين بدليل قاطع موافقته لمقصد الشارع أو مخالفته ، فمن رأى من الفقهاء أن الاحتيال فى أمرها مخالفا للمصلحة منعه ، ومن رأى أن الاحتيال غير مخالف لها فهو عنده جائز، بشرط أن لا يكون قصد المكلف المحتال مخالفا لقصد الشارع الحكيم.
ومثال ذلك من باع ماله أو وهبه عند رأس الحول فرارا من الزكاة، فإن أصل البيع أو الهبة على الجواز، ولو منع الزكاة من غيرهما لكان حراما، فهذا وما شابهه محل خلاف بين الفقهاء(4).
أ.د/على مرعى
__________
الهامش:
1- مختار الصحاح لأبى بكر الرازى، مادة (حيل)، ومعجم لغة الفقهاء لمحمد رواس قلعه جى -طبعة دار النفائس- بيروت ط2 1408هـ 1988م ،ص 46، ومعجم المصطلحات الاقتصادية فى لغة الفقهاء -نزيه حماد طبعة المعهد العالمى للفكر الإسلامى ط1 1414هـ 1993م ص34.
2- الموافقات للشاطبى 4 /201 طبعة المكتبة التجارية بمصر، والقاموس القويم في اصطلاحات الأصوليين د/محمود عثمان ص189 طبعة دار الحديث ط1 1416هـ 1996م.
3- فتح البارى شرح صحيح البخارى، لابن حجر العسقلانى -كتاب الزكاة- دار المعرفة بيروت.
4- الأشباه والنظائر للسيوطى ص104 طبعة دار الفكر للنشر والتوزيع ، ومعجم المصطلحات الاقتصادية ص75، والقاموس القويم ص190 ، 191(1/132)
الحيل (علم)
علم "الحيل" الذى عرف عند العرب بهذا الاسم هو ذلك العلم الذى أطلق عليه قدامى الإغريق اسم "الميكانيكا" ولا يزال يحمل هذه التسمية حتى الآن.
وقد ازدهر علم الحيل فى العالم الإسلامى ما بين القرنين الثالث والسابع الهجريين ، التاسع والثالث عشر الميلاديين ،واستمر عطاء المسلمين فيه حتى القرن السادس عشر الميلادى تقريبا.
ويمثل علم "الحيل النافعة" الجانب التقنى المتقدم فى علوم الحضارة الإسلامية حيث كان المهندسون والتقنيون يقومون بتطبيق معارفهم النظرية للإفادة منها تقنيا فى كل ما يخدم الدين ويحقق مظاهر المدنية والإعمار.
وقد جعلوا الغاية من هذا العلم "الحصول على الفعل الكبير من الجهد اليسيرا، ويقصد به استعمال الحيلة مكان القوة، والعقل مكان العضلات ، والآلة بدل البدن ، ذلك أن الشعوب السابقة كانت تعتمد على العبيد، وتلجأ إلى نظام السخرة في إنجاز الأعمال التى تحتاج إلى مجهود جسمانى كبير، فلما جاء الإسلام ونهى عن السخرة وإرهاق الخدم والعبيد وتحميلهم فوق ما يطيق الإنسان العادى، إلى جانب تحريمه المشقة على الحيوان أتجه المسلمون إلى تطوير الآلات لتقوم بالأعمال الشاقة، وبعد أن كانت غاية السابقين من علم "الحيل" لا تتعدى استعماله فى التاثير الدينى والروحى على اتباع مذاهبهم ، مثل استعمال التماثيل المتحركة أو الناطقة بواسطة الكهان ،واستعمال الأرغن الموسيقى وغيره من الآلات المصوتة فى المعابد، فقد جاء الإسلام وجعل الصلة بين العبد وربه بغير حاجة إلى وسائل وسيطة أو خداع حسى أوبصرى وأصبح لعلم "الحيل النافعة" هدف جديد هو التيسير على الإنسان باستعمال آلات متحركة.
وقد ظهر هذا التوجه عند المسلمين الأوائل على أيدى نفر من العلماء الأعلام ،لعل أشهرهم أبناء موسى بن شاكر الذين عاشوا فى القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى) وألفوا كتابهم المعروف باسم "حيل بنى موسى" وقد قام دونالد هيل "D.Hill" بترجمته إلى الإنجليزية كاملا فى عام 1979م ، ويحتوى هذا الكتاب على مائة تركيب ميكانيكى مع شروح تفصيلية ورسوم توضيحه لطرائق التركيب والتشغيل ، وهو ما يدخل اليوم فى نطاق علم "الهندسة الميكانيكية" المعتمدة على حركة الهواء، أو حركة السوائل والتزامها.
وقد استعملوا نظام الصمامات الآلية ذات التشغيل المتباطىء وعرفوا طريقة التحكم الآلى والتشغيل عن بعد.
كذلك تضمنت ابتكارات المسلمين الأوائل فى علم الحيل النافعة تصميمات متنوعة لساعات وروافع آلية يتم فيها نقل الحركة الخطية إلى حركة دائرية بواسطة نظام يعتمد على التروس المسننة وهو الأساس الذى تقوم عليه جميع المحركات العصرية.
ومن المؤلفات التراثية الرائدة فى هذا المجال كتاب "الجامع بين العلم والعمل النافع فى صناعة الحيل" ، لبديع الزمان الرزاز الجزرى الذى عاش فى القرنين السادس والسابع الهجريين (الثانى عشروالثالث عشر الميلاديين).
وقد وصفه مؤرخ العلم المعاصر"جورج سارتون "بأنه أكثرالكتب من نوعه وضوحا ويمكن اعتباره الذروة في هذا النوع من إنجازات المسلمين.
أ.د/أحمد فؤاد باشا
__________
مراجع الاستزادة:
1- كتاب الحيل فى تصنيف موسى بن شاكر، تحقيق الدكتور أحمد يوسف الحسن بالتعاون مع محمد على خياطة ومصطفى تعمرى جامعة حلب ، معهد التراث العلمى العربى سنة 1981.
2- أساسيات العلوم المعاصرة فى التراث الإسلامى دراسات تأصيلية -د/أحمد فؤاد باشا ، دار الهداية- القاهرة 1997م(1/133)
الخرقة
لغة: القطعة من الثوب الممزق، وخرق الشىء مزقه وشقه.كما فى المعجم الوسيط.
واصطلاحا: هى ما يلبسه المريد من شيخه الذى دخل فى إرادته.
ويرى الصوفية أن فى لبسها معنى المبايعة، وأنها تمثل عتبة دخول المريد فى صحبة الشيخ الذى يتولى تربيته وتهذيب أخلاقه وتقويم سلوكه.
وللبس الخرقة مراسم يشترك فى أدائها كل من الشيخ والمريد وإن كان الشيخ يتولى القسط الأكبر منها، فهو يتطهر ويتوضأ ثم يأمر المريد بذلك ثم توضع الخرقة بين أيديهما ، ويقرأ الشيخ الفاتحة، ثم يقوم بإلباسا للمريد مبينا له سند وصولها إليه ثم يأخذ عليه عهد الوفاء لشرائطها، ويعرفه حقوق الخدمة.
ويقول الصوفية إنه يسرى -عند ذلك- من باطن الشيخ حال إلى باطن المريد كسراج يقتبس من سراج ، وبعضهم يشبهها بقميص يوسف عليه السلام الذى لما ألقاه البشير على وجه أبيه يعقوب عليه السلام ارتد بصيرا.
ويذكر السهروردى أن الخرقة خرقتان:
خرقة إرادة وخرقة تبرك ، ومقصود الصوفية هو الأولى منهما، أما الثانية فتأتى تبعا لها.
وقد أفاض القاشانى فى بيان الفوائد التى تترتب على لبس الخرقة. وقد أراد الصوفية أن يجعلوا للخرقة إسنادا متصلا إلى الحسن البصرى عن الامام على رضى الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم ويذكر الشعرانى أن ابن حجر والسيوطى صححا هذا الإسناد.
ولكن ابن الجوزى يرفض ذلك رفضا حاسما.
على حين يرى ابن خلدون أن فى ربط الخرقة بالإمام على مظهرا من مظاهر تأثر التصوف بالتشيع.
وقد قال السهروردى -الذى كان من أهم من تحدثوا عن الخرقة- عن الهيئة التى تعتمدها الشيوخ فى هذا الزمان لم تكن فى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه قد كانت طبقة من السلف الصالحين لا يعرفون الخرق ولا ينبسونها المريدين".
وقد رأينا من المشايخ من لا يلبس الخرقة ومن يسلك بأقوام من غير لبس الخرقة، واللون المفضل للخرقة هو اللون الأزرق ، ولكنه ليس بلازم.
أ.د/عبد الحميد مدكور
__________
مراجع الاستزادة:
1- الأنوار القدسية فى معرفة قواعد الصوفية، للشيخ عبد الوهاب الشعرانى، تحقيق وتقديم الأستاذين: طه عبد الباقى سرور، السيد محمد عيد الشافعى -مكتبة المعارف- بيروت ط1 ، 1688م.
2- ظهور الحقائق فى بيان اللطائف ، للسيد عبد الله بن علوى العطاس ، مطبعة بكراز حسنى، 1312هـ.
3- عوارف المعارف لأبى حفص عمر السهروردى، مطبوع مع إحياء علوم الدين للإمام الغزالى نشر مؤسسة الحلبى وشركاه 1968 م ، 5/ 110 114.
4- لطانف الإعلام فى إشارات أهل الإلهام -عبد الرازق القاشانى، تحقيق الأستان سعيد عبد الفتاح- مطبعة دار الكتب المصرية 1996 ، ط1، ص442 ، 243.
5- مقدمة ابن خلدون طبع دار الشعب ، القاهرة ص445.
6- نقد العلم والعلماء أو تلبيس إبليس ، لأبى الفرج عبد الرحمن بن الجوزى، طبع إدارة الطباعة المنيرية، ص180-199(1/134)
خزندار
لغة: يقال خزندار وخازندار وخزينة دار وخزانة دأر وخازن الدار أيضا.
واللفظ مؤلف من كلمتين:
1- خزانة العربية.
2- دار الفارسية وهى بمعنى مُمسِك.
والمعنى الكلى: الموكل بالخزانة والمتولى أمرها.
واصطلاحا: موضوع هذه الوظيفة هو الإشراف على خزائن أموال الدولة أو السلطان أو الأمير، وهى بهذه الدلالة معادلة لوظيفة الخازن الذى يمكن اعتبارها الصيغة العربية المحصنة.
بدأ ظهور هذا المصطلح فى العصر العباسى بصيغ قريبة، واستقر فى الصيغة "خزندار" فى عصر الأيوبيين ، وزادت أهميتها فى عصر المماليك واعتبرها القلقشندى الوظيفة الثانية عشرة من الوظائف التى يشغلها عسكريون بحضرة السلطان المملوكى وكان يختار لها من "الخاصكية". وكان كبير الخزندارية يسمى أمير خزندار.
وقد استمر استخدامها حتى العصر العثمانى.
أ.د/حسن الباشا
__________
مراجع الاستزادة:
1- تاريخ البيهقى.
2- راحة الصدور الرواندى.
3- المقدمة ابن خلدون.
4- صبح الأعشى: القلقشندى.
5- زبدة كشف الممالك: خليل الظاهرى.
6- تحفة الأحباب بمن ملك مصر من الملوك والنواب: يوسف الملوانى(1/135)
خصوص السبب
لغة: الخصوص نقيض العموم (1).
والسبب ما يتوصل به إلى أمر من الأمور(2)
واصطلاحا: المراد بالسبب فى قولهم: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
ليس ما يولد الفعل أو يوجب الحكم ، بل ما كان سببا فى الجواب ، أو داعيا إلى الخطاب بذلك القول وباعثا عليه (3)، قرآنا كان اللفظ أو حديثا.
والمراد بسبب النرول فى علوم القرآن هو:
ما نزلت الآيات متحدثة فيه أو مبينة لحكمه أيام وقوعه (4).
والمراد بخصوص الشىء: كونه متعينا له وحدة تخصه فلا شركة للغير فيه (5).
والغرض فى هذا المقام الإجابة على سؤال هو: أن اللفظ العام المستقل (6) بنفسه إذا ورد من أجل سبب خاص هل يعم ، أو يقتصر به على سببه؟
ويرى الجمهور أن العبرة بعموم اللفظ مثل قوله تعالى: {إن الحسنات يذهبن السيئات}هود:114.
فهذا حكم عام نزل على سببه خاص ، وهو قصة الأنصارى الذى قبل امرأة أجنبية عنه ،فاللفظ يتناوله ويتناول كل مثيل له ، لأنه باق على عمومه وهذا هو الراجح (7).
وغير الجمهور يرى أن العبرة بخصوص السبب ، فاللفظ عام أريد به الخصوص ، فلا يتناول بحكمه إلا صورة السبب ، أما مثيلها فحكمه نفس الحكم لكن من دليل آخر من قياس أو غيره (8).
وعلى الرأيين لم يختلف حكم المثيل عن حكم الصورة، بل أجمعت الأمة على أن الحكم فيهما واحد(9).
أ.د/عبدالغفور محمود مصطفى
__________
الهامش:
1- المعجم الوسيط (مادة خصص).
2- المصباح المنير(مادة سبب).
3- البحر المحيط (4 /292) الزركشى ، دار الكتبى 1414هـ.
4- البيان ، عبد الوهاب غزلان: (ص91) دار التأليف.
5- التعريفات الجرجانى.
6- تيسير التحرير لباد شاه: 1 /264 الحلبى.
7- انظر ص144 حاشية (2) لمحمد المختار الشنقيطى على تقريب الوصول إلى علم الأصول لابن جزى طبع سنة 1414هـ مكتبة ابن تيمية.
8- مقدمة فى أصول التفسير لابن تيمية (ص 27).
9- اللآلىء الحسان د/موسى شاهين لاشين، دار الرسالة، مكة المكرمة1995م(1/136)
الخضر
الخضر: هو عبد من عباد الله آتاه الله تعالى نعمة من عنده ، وعلمه من لدنه علم الباطن إلهاما(1). وقصته مع سيدنا موسى عليه السلام في سورة الكهف (2) ، ولم يكن نبيا عند أكثر أهل العلم (3).
وسمع أبو حاتم السجستانى مشايخه يقولون: "إن أطول بنى آدم عمرا: الخضر، واسمه خضرون بن قابيل بن آدم"(4). لكن قد ورد ما يدل على أنه كان من بنى اسرائيل فى زمان فرعون (5). وصحح ابن جرير أنه كان متقدما فى الزمان حتى أدركه موسى عليه السلام (6).
وفى الصحيح المرفوع: "إنما سمى الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هى تهتز خلفه خضراء"(7). وأخرجة عبد الرزاق ثم قال: والفروة: الحشيش الأبيض وما أشبهه ، يعنى: الهشيم اليابس (8).
وقال السهيلى بصحة الطرق الواردة باجتماعه مع النبى صلى الله عليه وسلم وتعزيته لأهل البيت بعد وفاته عليه الصلاة والسلام (9).
وقال الأكثرون من العلماء إنه حى الآن.
وهذا متفق عليه عند مشايخ الصوفية وأهل الصلاح والمعرفة (10) ،واستشهد الجمهور على ذلك بأخبار عديدة(11).
وقد اختلف العلماء فى اسمه ونسبه ونبوته وحياته إلى الآن (12)، وبناء عليه فليس ذلك من العقائد والله أعلم.
أ.د/عبد الغفور محمود مصطفى
__________
الهامش:
1- البداية والنهاية، ابن كثير (1 /479 ، 480).
2- المرجع السابق.
3- المرجع السابق.
4- فتح البارى كتاب التفسير سورة الكهف.
5- البداية والنهاية: (1 /481).
6- تفسير الخازن: سورة الكهف آية 65.
7- انظر الآيات (65-82) سورة الكهف.
8- تفسير الخازن: سورة الكهف.
9- انظر التعريف والإعلام للسهيلى سورة الكهف.
10- تفسير الخازن: سورة الكهف.
11- البداية والنهاية (1 /479-495).
12- المرجع السابق(1/137)
الخطابة
لغة: مصدر خطب يخطب أى باشر الخطبة كما فى اللسان (1).
واصطلاحا: قد عرفت بتعريفات كثيرة منها تعريف "أرسطو" بأنها: القدرة على النظر فى كل ما يوصل إلى الإقناع فى أى مسألة من المسائل (2).
وعرفها ابن رشد بأنها: قوة تتكلف الإقناع الممكن فى كل واحد من الأشياء المفردة(3).
وعرفها بعض المحدثين بأنها: نوع من فنون الكلام غايته إقناع السامعين واستمالتهم والتأثير فيهم بصواب قضية أو بخطأ أخرى(4).
وعرفت بأنها: علم يقتدر بقواعده على مشافهة الجماهير بفنون القول المختلفة لإقناعهم واستمالتهم (5).
والخطابة ضرورة اجتماعية تفرضها الظروف ، وتعبر عن المجتمع بوجه عام ، وكل الأمم فى حاجة إليها، بل إن المواقف المجيدة فى تاريخ الأمم مدينة للخطباء الذين عبروا عن قضاياهم أصدق تعبير، وأثروا فى مجتمعاتهم أعظم التأثير.
والخطابة أنواع كثيرة منها: الخطابة العلمية، والخطابة السياسية، والخطابة العسكرية، والخطابة الدينية ، والخطابة الاجتماعية، والخطابة القضائية، والخطابة الحفلية.
وللخطابة طرق للتحصيل وعوامل للرقى، فمن طرق تحصيلها: الموهبة والاستعداد الفطرى، ودراسة أصول الخطابة، ودراسة كثير من كلام البلغاء، وحفظ الكثيرمن الألفظ والأساليب ، وكثرة الاطلاع على العلوم المختلفة، والتدريب والممارسة.
أما عوامل رقيها فمنها: الحرية، وطموح الأمة إلى حياة أرقى وذلك -مثلا- إذا ما تفشى فى أمة من الأمم سخط على نظام قائم ووجدت إرادة فى التغيير إلى الأفضل ، والتاريخ القديم والمعاصر يشهدان لهذا ،والتغيرات الدينية والسياسية والاجتما عية، والحروب والثورات ، وكثرة الأحزاب والتكتلات مع تنازعها ، والرغبة فى إصلاح ذات البين.
وفن الخطابة له أصول يتعلق بعضها بالخطيب وبعضها بالخطبة.
فأما ما يتعلق بالخطيب فأهمه: الموهبة ورباطة الجأش ، وسلامة الصوت من العيوب ،وطول النفس ، وحسن الوقفة ، وحسن استخدام الإشارة فى موضعها المناسب ، والسمت الذى يستميل سامعيه.
وأما ما يتعلق بالخطبة فأهمه: براعة الاستهلال ، ووفرة المحصول من مختلف أساليب البيان، والتنقل بين الانشائية والخبرية، ووضوح المعانى من خلال قصر الجمل ، وملاحظة تقسيم الخطبة، ثم موضوع الخطبة، ثم الختام الذى يجب أن يشتمل على جمل يسهل تردادها وتذكرها بعد انتهاء الخطيب من خطبته وخاصة فى النوعين السياسى والدينى من الخطابة.
هذا وتجدر الإشارة إلى بعض الأسماء من الخطباء الذين خلد التاريخ ذكرهم مثل: "ميرابو" و"سحبان وائل" و"قس بن ساعدة" و"واصل بن عطاء" فى القديم ، ومثل "غاندى" و"مصطفى كامل" و"سعد زغلول" فى الحديث (6).
وللخطابة علاقة وثيقة بغيرها من العلوم ، فبالنسبة للعلوم الإنسانية: لها علاقة وثيقة بعلم المنطق ، وعلم النفس وخاصة علم نفس الجماعة، وعلم الاجتماع.
وبالنسبة للعلوم الاسلامية: فهى تتصل بكل هذه العلوم ، والعلوم الإسلامية تفيد علم الخطابة بصفة عامة والخطابة الدينية بصفة خاصة.
ومن أهم ما يحتاجه الخطيب من العلوم الإسلامية ومصادرها: القرآن الكريم ، والسنة النبوية، ومقارنة الأديان ، ومعرفة الأحكام الفقهية ومصادر التشريع ، والعلم بالتاريخ الإسلامى -ولا تخفى علاقتها- أيضا.
بالشعر والأدب ، والكتابة، والأخلاق والسياسة(7).
أ.د/عبد الصبور مرزوق
__________
الهامش:
1- لسان العرب ، لابن منظور، دار صادر بيروت ط3، مادة (خطب) 1 /360.
2- الخطابة لأرسطو طبعة القاهرة 1950م تعريب د/إبراهيم سلامة 1/ 90.
3- تلخيص الخطابة لابن رشد ص15.
4- الخطابة وفن الإلقاء د/أشرف محمد موسى ط الخانجى بالقاهرة 1978م ص7.
5- الخطابة: د/يوسف محمد يوسف عيد مطبعة الفجر الجديد ط1 1992م ص21.
6- انظر الخطابة لأرسطو ، وفن الخطابة للدكتور أحمد الحوفى، والخطابة السياسية فى مصر من الاحتلال البريطانى إلى إعلان الحماية. رسالة ماجستير للدكتور عبد الصبور مرزوق.
7- انظر: فن الخطابة وإعداد الخطيب للشيخ على محفوظ ، دار الاعتصام 1984 ،الخطابة أصولها ، تاريخها ، مقارنتها بغيرها ، تطبيقاتها للدكتور يوسف محمد يوسف عيد، مطبعة الفجر الجديد، ط1 1992 م -فى بلاغة الخطاب الإقناعى- محمد العمرى، دار الثقافة بالدار البيضاء ط1 1986م(1/138)
خطبة الجمعة
لغة: الخطبة بضم الخاء مصدر(خطب).أى ألقى الكلام إلى الغير لإفهامه ، والجمعة: اليوم المعروف وهو يوم العروبة(1).
واصطلاحا: الخطبة تطلق على معنيين: أحدهما: الكلام المنثور سجعا كان أو مرسلا.
وثانيهما: إلقاء الكلام المنثور مسجوعا كان أو مرسلا لاستمالة المخاطبين إلى رأى أو ترغيبهم فى عمل (3).
وعلى ذلك فخطبة الجمعة عبارة عن: إلقاء الكلام المنثور وتوجيهه إلى الناس فى اليوم المعلوم من إمام الجمعة، أو هى الكلام نفسه الملقى عليهم.
وهى خطبتان قبل الصلاة يجلس بينهما الإمام هنيهة، ولها أركان وشروط ، على خلاف فى بعضها أو إطلاق أو تقييد.
فأركانها: حمد الله تبارك وتعالى، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والوصية بتقوى الله تعالى، والدعاء للمؤمنين وهو خاص بالخطبة الثانية، وقراءة شىء من القرآن ولو آية واحدة، والموعظة وهى القصد منها.
ومن شروطها: الوقت وهو بعد الزوال ، وتقديم الخطبتين على الصلاة، والقيام فيهما عند القدرة، والجلوس بينهما مع الطمأنينة فيه ، والطهارة عن الحدث والنجس ثوبا ومكانا ، ورفع الصوت بحيث يسمع ، والعدد الذى تنعقد به الجمعة.
وقد اختلف الفقهاء فى حرية الكلام أثناءها.فالجمهور على حرمته ، والشافعى فى الجديد وأحمد فى رواية على عدمها.والله أعلم.
د/عبد الصبورمرزوق
__________
الهامش:
1- مختار الصحاح دار المعارف ص110، ص180.
2- فن الخطابة وإعداد الخطيب للشيخ على محفوظ ص14 دار الاعتصام 1984م.
مراجع الاستزادة:
1- الكافى لابن قدامة المقدسى فيصل عيسى الحلبى 1/ 231.
3- الاختيار لتعليل المختار للموصلى الحنفى ط الإدارة المركزية للمعاهد الأزهرية 1 /108.
3- مغنى المحتاح ، ط مصطفى الحلبى 1 /385.
4- كفاية الأخيار فى حل غاية الاحتصار للحصنى الشافعى 10 /148(1/139)
الخلافة
لغة: من خلف فلان فلانا إذا كان خليفته وجاء من بعده ، وهى مصدر تخلف فلان فلانا إذا تأخر عنه ، والخلافة النيابة عن الغير.
واصطلاحا: الخلافة فى الإسلام منصب سياسى يجمع صاحبه بين السلطتين الزمنية والروحية، ولكن وظيفته الدينية لا تتعدى المحافظة على شرع الله ، ومن حقه قيادة الدولة الإسلامية ورسم سياستها وتنفيذها على المستويين: الداخلى والخارجى، وواجبه تبليغ الدعوة الإسلامية ونشرها والتصدى بالقتال -إذا لزم الأمر- ضد من يقف عقبة فى سبيل أدائه لمهمته ، وله أن يعاقب الخارجين على أوامر الشرع ، ويؤم الناس فى الصلوات ويساعدهم على أداء الفرائض السياسية.
وقد وردت هذه المادة فى آيات عديدة من القرآن الكريم ، منها قوله تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة}البقرة:30 ، أى قوما يخلف بعضهم بعضا قرنا بعد قرن.
وقوله سبحانه وتعالى: {ياداود إنا جعلناك خليفة فى الأرض فاحكم بين الناس بالحق}ص:26 ، أى استخلفناك على الملك فى الأرض ، لأن داود -عليه السلام- كان ملكا نبيا.
وقد نشأ منصب الخلافة -باعتباره ضرورة فرضتها الظروف السياسية- عقب وفاة النبى صلى الله عليه وسلم وكان نتيجة للمناقشات الحرة التى جرت بين الصحابة -رضوان الله عليهم- فى "سقيفة بنى ساعدة" لقد كان اجتماع "السقيفة" هذا أشبه بجمعية تأسيسية أو وطنية مناط بها البحث فى مصير أمة بعد وفاة موجهها وقائدها ، وقد دارت المناقشات فيه بحرية كاملة، وانبثق عنه آنئذ قيام نظام الخلافة، هذا النظام الذى استمر -بشكل أو بآخر- فى العالم الإسلامى حتى القرن العشرين ، ولم يغب عن مجتمعنا إلا بعد أن قام "كمال أتاتورك" بإلغائه سنة (1323هـ-1924م) عقب انهيار الخلافة العثمانية.
وكان اختيار لقب "خليفة" وإطلاقه على أول رئيس للدولة الإسلامية -أبى بكر الصديق رضى الله عنه- الهدف منه ، التمييز بين هذا النظام الذى أقامه المسلمون وبين أنظمة الحكم التى كانت سائدة فى العالم آنئذ، لقد كانت هذه الأنظمة تقوم على القهر والجبروت ، وتستعبد الشعوب وتستغلها وتحرمها من أبسط حقوقها، بينما جاء النظام الإسلامى ليكون جديدا فى جوهره وغاياته فهو يرفض القهر والظلم ، ويقوم على قواعد الحرية والمساواة والعدل والاعتداد برأى الأمة؛ ولهذا كان هذا اللقب تأكيدا لحقيقة مهمة هى أن حكم الرسول صلى الله عليه وسلم مستمر وباق فى أمته ، وأن أبا بكر إنما يخلف محمدا صلى الله عليه وسلم فى التنفيذ والتطبيق ورعاية مصلحة الأمة، وليس فى الإضافة إلى الدين أو الانتقاص منه.
نرى كل هذه الحقائق واضحة فى ذهن كل من عرض لموضوع "الخلافة" الذين قدموا لها تعريفات توضح جوهر النظام الإسلامى وغاياته ، ولعل من أبرزها تعريف "ابن خلدون" الذى عبر عن ماهيتها بقوله: "الخلافة هى حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعى فى مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها ، إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة، فهى فى الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع فى حراسة الدين وسياسة الدنيا به ".
لقد كان اختيار المسلمين لخليفتهم الأول رضى الله عنه ، بناء على قاعدة الشورى، وتحددت مهمته فى قيادة المسلمين ، ورعاية مصالح الناس ، وتنفيذ شرع الله عز وجل ، واشترط العلماء فيمن يلى هذا المنصب شروطا منها الكفاية والعدل وصحة البدن والعقل... الخ.
واستمر اختيار الخلفاء وفقا لهذه الشروط طوال عصر الراشدين ، ثم حدث تحول ابتداء من العصر الأموى، فتركت الشورى، واعتمد نظام الغلبة والتوارث ، وبعد أن كانت الخلافة اختيارا اصبحت قهرا وإجبارا ، تقترب أو تبتعد عن قيم الإسلام ومبادئه ، وتتفق معه فى قليل أو كثير إلى أن تم إلغاؤها تماما كما أسلفناه.
أ.د/عبد الله محمد جمال الدين
__________
مراجع الاستزادة:
1- الأحكام السلطانية والولايات الدينية -أبو الحسن المارودى- طبع الحلبى مصر بدون تاريخ.
2- موسوعة السياسة الإسلامية: عبد الوهاب الكيالى وآخرون: المؤسسة العربية للدراسات والنشر سنة 1979م.
3- الخلافة توماس أرنولد: ترجمة عن الانجليزية إلى العربية جميل معلى دمشق سنة 1946م.
4- النظريات السياسية الإسلامية، الأستاذ الدكتور/محمد ضياء الدين الريس: ط(7) القاهرة سنة 1979م.
5- نظام الدولة فى الإسلام ، الأستاذ الدكتور/عبد الله جمال الدين: ط(2) القاهرة سنة 1990م.
6- نطام الحكم فى الشريعة والتاريخ -ظافر القاسمى جزءان- بيروت سنة 1974م(1/140)
الخلفاء الراشدون
أثيرت مسألة من يخلف الرسول صلى الله عليه وسلم في تدبير أمور المسلمين وحراسة الدين بعد وفاته مباشرة حيث اجتمع الأنصار ليختاروا الخليفة، ولحق بهم كبار المهاجرين مثل أبى بكر وعمر، وأنهوا هذا الاجتماع الهام إلى جعل الخلافة فى قريش باعتبار سبقهم إلى الإسلام وقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد مشاورات عديدة بلغت حد الاختلاف ، استقر الرأى على مبايعة أبى بكر بالخلافة، وكان هذا الصحابى أول من ولى أمور المسلمين بعد الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
ونلاحظ أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يعين خليفة له بشكل مباشر، ولكنه ترك الأمر شورى يتولاه المسلمون.
وبمبايعة أبى بكر بالخلافة بدأت مرحلة ما يعرف بعصر الخلفاء الراشدين ، وهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلى، وهى مرحلة تختلف عن المراحل التالية فى تاريخ الإسلام ، فقد حكم الدولة الإسلامية صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبتوا أركان الدولة، حيث واجه أبوبكر حركة الارتداد عن الإسلام بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بحسم ، وبدأت الفتوح الإسلامية لأكبر إمبراطوريتين فى عصره وهما: إمبراطورية الروم ، وإمبراطورية الفرس، وتفغ عمر بن الخطاب لتأسيس الدولة الإسلامية فأنشأ الدواوين وتكملة الفتح الإسلامى لأراضى الفرس والروم ، وأرسى مبادى واضحة لإقامة العدل بين الناس ومحاسبة الولاة.
أما عثمان ففضله عظيم فى مجال جمع القرآن وتوحيد المصاحف وتكملة الفتوح ودخل بالمسلمين مجال البحر، فتم إنشاء أسطول بحرى فى عصره انتصر على الأعداء فى موقعة ذات الصوارى.
وبدأت الفتنة الكبرى فى عهد عثمان ، تلك الفتنة التى انتهت بقتله ، ولم تهدأ آثارها فى دول الإسلام بعد ذلك فقد اشتدت الفتنة، وأدت إلى انقسام المسلمين بين مؤيد لعلى وبين معارض له بدعوى عدم قيام على بالثأر لمقتل عثمان ، وبدأت تتكون الفرق المعروفة فى التاريخ الإسلامى والتى فرقت جمع المسلمين: فرق الشيعة والخوارج وغيرهم.
وقد واجه على بن أبى طالب هذه الفتن بقوة وصلابة وخاصة فى واقعتين هما واقعة الجمل ، وواقعة صفين ، ووضع فيهما قواعد لمعاملة أهل البغى تعتبر دستورا لمعاملة المنشقين على الإمام فى كل عصر، ويستفيد منها القانون الدولى الإنسانى الآن فى مجال حقوق المحاربين فى النزاعات الدولية غير المسلحة.
ومع ذلك فقد سير أمور الدولة، ووضع قواعد لتحقيق العدالة والمساواة بين المسلمين كما تم تثبيت الفتوح الإسلامية فى عهده.
وقد استمر حكم الخلفاء الراشدين ثلاثين عاما من عام 11هـ إلى عام 40هـ ، وتميز بتداول السلطة بين المسلمين بسهولة، والحكم بالشورى، وإرساء دعائم الدولة الإسلامية.
أ.د/جعفر عبد السلام
__________
مراجع الاستزادة:
1- الطبقات الكبرى ابن سعد طبعة بيروت دار صادر.
2- تاريخ الخلفاء: السيوطى تحقيق:محيى الدين عبد الحميد مطبعة السعادة.
3- الصديق أبو بكر: محمد حسين هيكل دار المعارف.
4- الفاروق عمر: محمد حسين هيكل دار المعارف.
5- عثمان بن عفان: محمد حسين هيكل دار المعارف.
6- تاريخ الإسلام فى عصر النسوة والخلافة الراشدة: عبد الشافى محمد عبد اللطيف طبعة 1996م(1/141)
الخلق
لغة: خلق الله العالم: صنعه وأبدعه (1).
واصطلاحا: الخلق مرادف للصنع ، وهو ينسب إلى الإنسان على سبيل المجاز، فإذا نسب إلى الله عز وجل كان يعنى: الإيجاد من عدم كما جاء فى قوله تعالى: {قال رب أنى يكون لى غلام وكانت امرأتى عاقرا وقد بلغت من الكبرعتيا. قال كذلك قال ربك هو على هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا}مريم:8-9.
وقد وردت كلمة الخلق منسوبة لله عز وجل بالمعنى السالف مائتين وأربعا وخمسين مرة.
وأضيفت للإنسان بمعنى الصنع لا الإيجاد من عدم مرتين كقوله تعالى لعيسى عليه السلام: {وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذنى فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذنى}المائدة:110.وفى قوله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام لقومه: {إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا}العنكبوت:17.
ويحدث الخلق بقوله تعالى للشىء "كن" فيكون ، كما ورد فى قوله تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون}يس:82.
ومن أهم السياقات الفكرية التى استخدم فيها مصطلح "الخلق" ثلاثة: "خلق العالم" و"خلق الأفعال" "وخلق القرآن".
وقد عرفت مشكلة خلق العالم منذ القدم وبصفة خاصة فى الحضارة المصرية القديمة وتشهد على ذلك الآثار والمعابد والأجساد المحنطة التى تثبث أيضا وجود عقيدة البعث بعد الموت.وقد عرف الفكر القديم الخلق على فترات متعددة كما فى نظرية الصدور والفيض والعقول العشرة أو نظرية المثل الأفلاطونية أو المحرك الأول عند أرسطو طاليس ثم فى الفلسفة الهيلينية ثم انتقل ذلك إلى الفكر الاسلامى خاصة عند الكندى والفارابى (330هـ /950م) وابن سينا (427هـ /1037م) ويعد المثال الأول عند أفلاطون (347 ق.م) والمحرك الأول عند أرسطو طاليس (322 ق.م.) والحق المطلق أو الخير- المحض عند أفلوطين (270م) المقابل لكلمة الخالق تبارك وتعالى عند المسلمين.
وقد عرف الفكر الإنسانى نظرية "قدم العالم" فى مقابل نظرية "خلق أو حدوث العالم ".
ويرى أصحاب نظرية "قدم العالم" أن العالم قديم قدم الخالق ، فهو مخلوق له ولكن لا يتأخر عنه فى الزمان بل يتأخر عنه فى الدرجة فقط لكونه معلولا للخالق.وقد انتقلت هذه النظرية إلى المسلمين عن طريق الفيلسوف الهيلينى برقلس (485 م) الذى تأثر بفلسفة أفلوطين (270 م) والأفلاطونية المحدثة التى نسبت إليه وقد تأثر بها من المسلمين بعض المعتزلة الذين ذهبوا إلى أن المعدوم شىء يكتسب صفة الوجود فيخلق ، أى أن الخلق ليس سوى نقل من العدم إلى الوجود.وارتبطت هذه النظرية عند المعتزلة بقولهم بارتباط الجواهر بأعراضها متأثرين في ذلك بنظرية أرسطو طاليس فى المادة والصورة.
وقد تأثر أيضا بعض الفلاسفة المسلمين بهذه النظرية وذهبوا إلى القول بقدم العالم وأثبتوا خلقه فى الزمان.فجاء تقسيم الأشاعرة للموجودات إلى قسمين فقط هما: القديم والمحدث مقابلا لتقسيم المعتزلة للموجودات الى ثلاثة أقسام: قديم ومعدوم ومحدث: فالقديم هو الله تعالى فالق كل شئ.والمعدوم هو الجسم الخالى عن ألأعراض.والمحدث هو الجسم الذى انتقل من العدم إلى الوجود عن طريق اكتسابه للأعراض (2).
إلا أن المعتزلة كانت تفرق بين "العدم" "والمعدوم" ، فالعدم هو اللاشىء، أما المعدوم فهو الشىء الذى يمكنه أن يوجد بالخلق ليصبح جسما ، وبذلك يكون المعدوم مماثلا للممكن (3).
أما ردود الأشاعرة على المعتزلة ونقدهم مذهبهم فى الخلق والمعدوم فقعد فصل الحديث فيه عبد القاهر البغدادى والشهرستانى وابن حزم وغيرهم (4).
أما خلق الأفعال: فقد ذهب فيه المعتزلة إلى أن الإنسان خالق لأفعاله مسئول عنها أمام الله بناء على إدرته على الفعل والترك ، وقدرة الأنسان على أفعاله قدرة مخلوقة فالأنسان قادر بقدرة محدثة يخلقها الله تعالى فيه قبل الفعل ، وقد رتبوا على ذلك قولهم بالاستطاعة والاستحقاق ، إما استحقاق الثواب أو العقاب (4). ويقابل "الكسب" عند الأشاعرة: "الاستطاعة" عند المعتزلة(5).
أما مشكلة "خلق القران": فقد ترتبت على قول المعتزلة فى الصفات بأن كلام الله مخلوق لأنه مركب من حروف ويحدث فى الزمان ولا يمكن إضافته إلى ذاته تعالى فتشاركه فى القدم.
وقد ترتبه على مغالاة المعتزلة فى هذا القول وتماديهم فى محاولة إجبار علماء السنة على القول بخلق القرآن ما نعرفه فى التاريخ بمحنة الإمام أحمد بن حنبل فى زمن المعتصم إلى أن جاء الخليفة المتوكل ونصر أهل السنة وحرم القول بخلق القرآن ، وقد أفرد القاضى عبد الجبار لخلق الأفعال المجلد السابع من كتابه المغنى فى أبواب التوحيد والعدل.
أ.د/السيد محمد الشاهد
__________
الهامش:
1- المعحم الوسيط ، مجمع اللغة العربية، دار المعارف ط3، 1/ 260.
2- محاضرات فى الفلسفة الإسلامية -يحيى هويدى- النهضة المصرية 1966م ص79 وما بعدها.
3- الكامل فى الاستقصاء فيما بلغنا من كلام القدماء لنقى الدين النجرانى وتحقيق السيد الشاهد المجلس الأعلى للسئون الإسلامية القاهرة 1420هـ /1999م ص185 وما بعدها.
4- أصول الدين -عبد القاهر البغدادى- دار الكتب العلمية -بيروت- 1401هـ /1981م ص33 وما بعدها.
5- شرح الأصول الخمسة للقاصى عبد الجبار -تحقيق عبد الكريم عثمان- القاهرة 1965م ص391 وما بعدها.
6- اللمع فى الرد على أهل الزيغ والبدع لأبى الحسن الأشعرى -تحقيق مكارثى- بيروت 1953م ص54.
مراجع الاستزادة:
1- الملل والنحل ، للشهرستانى، طبعة مصر.
2- المغنى، للقاضى عبد الجبار(1/142)
الخلود
لغة: من "الخلد" وهو دوام البقاء، و"أخلده الله "، و"أخلده تخليدا "، والفعل أخلد بمعنى "ركن" فيقال: "أخلد إليه" أى ركن إليه.
واصطلاحا: لا يختلف المعنى الاصطلاحى عن المعنى اللغوى كما ورد فى قوله تعالى: {ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه}الأعراف:176.وقد ورد هذا اللفظ فى صيغة المضارع بمعنى دوام البقاء فى قوله تعالى: {يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيها مهانا}الفرقان:69 ، أما لفظ "الخلود" فقد ورد فى القرآن الكريم مرة واحدة بالمعنى السابق وهو دوام البقاء فى قوله تعالى: {ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود}ق:34.أما فى السنة المطهرة فقد ورد لفظ الخلود بالمعنى ذاته فى مواضع كثيرة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: (يقال لأهل الجنة خلود بلا موت....) (رواه البخارى ومسلم والترمذى فى الجنة) أما فى علم الكلام فقد حظى لفظ الخلود باهتمام خاص فى إطار مناقشة مسألة "الجوهر الفرد" أو "الجزء الذى لا يتجزأ" وقد مثل كل من أبى الهزيل العلاف (227هـ-842 م) وإبراهيم بن سيار النظام (235هـ-850 م).قطبى الرحى فى هذه المناقشات.مقال الأول بأن الجزء لابد له أن يصل إلى جزء لا يتجزأ حيث تتوقف عملية التقسيم تماما.
وأراد أبو الهزيل إثبات حدوث العالم بهذه الطريق ، لأن التقسيم إلى ما لا نهاية يعنى أن العالم ليس له نهاية أو بداية، ومن ثم لا يمكن أن يكون محدثا؛ لأن المحدث بدأ فى الزمان ولابد أن ينتهى أيضا فى الزمان ، فالتجزؤ إلى ما لا نهاية يعنى قدم العالم وسرمديته وهذا ما يرفضه أبو الهزيل.إلا أن النظام ألزمه على قوله أن حركات أمل الجنة لابد وأن تتوقف فى زمن ما فيتخلدون على الوضع الذى توقفت عنده حركاتهم فى سكون أبدى، وذلك لأن الحركة مرتبطة بانقسام المادة فإذا توقف الانقسام توقفت الحركة.
أما النظام فقد كان يرى أنه ما من جزء إلا ويتجزأ إلى ما لا نهاية ومن ثم لا تتوقف الحركة فى الكون أبدا، وكذلك لا تتوقف حركات أهل الجنة. وقد كان رأى النظام فى الجزء الذى يتجزأ أساسا لما عرف فيما بعد بالنظرية الذرية فى الإسلام وبه قال أكثر الفلاسفة.
وقد ثار الجدل حول خلود الكافر والفاسق فى النار ضمن الحديث عن الشفاعة والوعد والوعيد واستحقاق الثواب والعقاب حيث أنكرها المعتزلة بناء على ما ذهبوا إليه فى الوعد والوعيد وأثبتها أهل السنة بناء على ثبوتها بنص القرآن الكريم.أما الفلاسفة فقد قال منهم ابن سينا وأبو البركات البغدادى بخلود النفس متأثرين فى ذلك على ما يبدو بأفلاطون (347 ق.م.) وقد قررتها المسيحية والإسلام وفى الفلسفة الحديثة عن كانط خلود النفس الإنسانية من مسلمات العقل العملى، ويعنى خلود النفس حسب ما جاء فى المعجم الفلسفى: "بقاؤها بعد فناء البدن مع احتفاظها بخصائصها ومميزاتها الفردية".
أ.د/السيد محمد الشاهد
__________
مراجع الاستزادة:
1- مختار الصحاح -محمد بن أبى بكر الرازى- ترتيب محمود خاطر -مصر- 1953.
2- الانتهار -لأبى الحسن الخياط المعتزلى- تحقيق نيربرج القاهرة 1925.
3- القرن من القرن -لعبد القاهر البغدادى- بيروت ط3 1401هـ 1981م.
4- شرح الأصول الخمسة للقاضى عبدالجبار الهمذانى تحقيق عبد الكريم عثمان القاهرة 1965.
5- المعجم الفلسفى مجمع اللغة العربية بالقاهرة 1399هـ 1979م (مادة445)(1/143)
الخلوة
لغة:انفراد الإنسان بنفسه أو بغيره ، أو بمعنى: المكان الذى يتم فيه ذلك ، ومنه قول أنس بن مالك -رضى الله عنه- جاءت امرأة من الأنصار إلى النبى صلى الله عليه وسلم فخلا بها (رواه البخارى)(1) أى ابتعد منفردا بها بحيث لا يسمع الحاضرون شكواها، لا بحيث يغيب عن أبصارهم.
واصطلاحا: للفظ الخلوة استعمالان:
1- استعمال فقهى بمعنى انفراد الرجل بالمرأة فى مكان يبعد أن يطلع عليهما فيه أحد.
وخلوة الرجل بالمرأة الأجنبية عنه حرام ، لما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما، أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: (لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم) (رواه البخارى(2)، ومسلم)(3)كما روى عن ابن عمر من خطبة لعمر -رضى الله عنهما- (ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان) (رواه الترمذى فى سننه)(4).
ولا يلزم الزوجة أن تمكن الزوج من نفسها فى غير خلوة، ولا يجوز له أن يطلب ذلك منها.
والخلوة عند المالكية نوعان:
أ- خلوة الاهتداء، وهى: أن يوجد الزوج معها وحدها فى محل ترخى الستور على نوافذه إن كانت ستور، وغلق الباب الموصل لهما، بحيث لا يصل إليهما أحد.
ب- وخلوة الزيارة، وهى: أن تزوره فى بيته ، أو يزورها فى بيتها ، أو يزور الاثنان شخصا آخر فى بيته.
وعند الحنفية: الخلوة الصحيحة التي تترتب عليها أحكام الزوجية هى:
أن يجتمعا فى مكان ، وليس هناك مانع يمنعهما من الوطء ، لاحسا. ولا شرعا. ولا طبعا.ولاختلاف المذاهب فى اعتبارات الخلق وأحوالها وأحوال أطرافها ، والربط بينهما وبين الآيات القرآنية من مثل قوله تعالى:
{وآتوا النساء صدقاتهن نحلة}النساء:4، وقوله: {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء مالم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين.وأن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم}البقرة:236،237 ، وقوله: {ياأيها الذين أمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فمالكم عليهن من عدة تعتدونها}الأحزاب:49 ، لاختلاف المذاهب فى ذلك اختلفت بعض أحكامها فيما يتعلق بإيجاب المهر كله ، أو نصفه ، أو إسقاطه ، وكذلك فى المتعة والعدة والنسب عند حدوث الولد ، والاحصان ، وحرمة من تحرم بالزواج ، إلى غير ذلك من الأحكام.
2- استعمال صوفى بمعنى محادثة السر -الذى هو محل المشاهدة- مع الحق بحيث لا يرى غيره ، وهذه حقيقتها، أما صورتها فهى ما يتوصل به إلى تحقيق ذلك.
وهذا يرجع إلى منهجهم فى مجاهدة النفس ، حيث يرون أن الخلوة أعون للمريد على التركيزفى عبادته حتى يمحو ما فى نفسه من ذميم الصفات ، ويحصل على صفو العلاقة بالله سبحانه وتعالى، فمن وجد فى نفسه القوة أن يكون مع الناس بجسمه ومع الحق وحده بروحه وسره ، فالخلطة والاجتماع له افضل ، وللمشايخ فى المفاضلة بين الخلوة والمخالطة ترجيحات تعود إلى تقدير أحوال المريد، وهم يرجعون فى شأن الخلوة إلى ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حديث بدء الوحى(5)، أنه صلى الله عليه وسلم حبب إليه الخلاء، فكان يأتى غار حراء فيتحنث فيه الليالى ذوات العدد، ويتزود لذلك ، ثم يرجع إلى خديجة رضى الله عنها فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو فى غار حراء.
وقد وضعوا للخلوة شروطا لكى تثمرثمارا صحيتة، فما كان منها وفقا لقواعد الشرع وصدق المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أثمر تنوير القلب ، والزهد فى الدنيا ، وحلاوة الذكر، والمعاملة لله بالاخلاص ، لذلك يحتاج المريد إلى تعلم ما يلزمه من علوم الشريعة قبل الدخول فى الخلوة.
وما لم يستوف المريد شروطها فإنها توقعه فى فتنة أو بلية،وقد تنتج له صفاء فى النفس يستعان به على اكتساب علوم الرياضة، مما يعتنى به الفلاسفة وامثالهم ، وقد يوجد عندهم ما يشبه فى صورته أحوال المتابعين للشرع ، فيكون فى حقهم مكرا واستدراجا ، ولا يصح للمريد أن يغتر بشىء من ذلك حتى لو مشى على الماء أوطار فى الهواء ، لأن من تعلق بخيال ، أو قنع بمحال ، ولم يحكم أساس خلوته فى الإخلاص فإنه يدخل الخلوة بالزور، ويخرج بالغرور، ويسلبه الله لذة العبادة، ويفتضح فى الدنيا والآخرة.
وكثيرا ما يكتفون فى الخلوة بأربعين يوما يسمونها الأربعينية؛ رجاء أن ينسحب حكم الأربعين على جميع الزمان بحيث تجعل المدوامة فيها على شىء خلقا كالخلق الأصلى الغريزى.
واعتمدوا فى تحديد الأربعينية على حديث رواه مكحول قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم (6) (من أخلص لله تعالى العبادة أربعين يوما ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه) وهو حديث ضعيف الإسناد إلا أن الصوفية يؤيدون معناه بما ورد فى القرآن الكريم عن موسى عليه السلام حيث يقول {وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة}الأعراف:142 ، ففيها إشارة إلى الاستعداد البدنى والنفسى خلالها بمزيد عبادة وتبتل من أجل استقبال واردات الحق.
ومن أصولهم أن من يدخل الخلوة ينبغى أن يكون خاليا من جميع الأفكار إلا ذكر الله ، ومن جميع المرادات إلا مراد ربه ، بصرف النظر عما يمكن أن يقع دون نظر إلى شىء سواه ، وإلا فتن بهواه.
أ.د/عبد الفتاح عبد الله بركة
__________
الهامش:
1- صحيح البخارى: كتاب النكاح باب ما يجور أن يخلو الرجل بالمرأة عند الناس طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية.
2- المصدر السابق: كتاب النكاح باب لا يخلون رجل بامراة إلا ذو محرم.
3- صحيح مسلم: كتاب النكاح باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره.
4- سنن الترمذى: أبواب الفتن باب فى لزوم الحماعة، وقال عنه هذا حديث حسن صحيح.
5- صحيح البخارى: كيف كان بدء الوحى.
6- حلية الأولياء لأبى نعيم الأصفهانى.
مراجع الاستزادة:
1- إحياء علوم الدين للغرالى ،ج2، كتاب آداب العزلة، طبعة محمد على صبيح 1957م.
2- عوارف المعارف للسهروردى، دار الريان للتراث القاهرة 1989م.
3- الفقه على المذاهب الأربعة لعبد الرحمن الجزيرى، المجلد الرابع دار احياء التراث العربى بيروت 1969م.
4- اللمع للطوسى: دار الكتب الحديثة القاهرة 1960م.
5- المحلى لابن حزم ، ج11 مكتبة الجمهورية العربية القاهرة(1/144)
الخيال
لغة: ما تشبه لك فى اليقظة والحلم من صورة، كما فى اللسان (1).
واصطلاحا: يقصد به أحد قوتين:
1- القوة الذهنية التى تحتفظ بصور المحسوسات ، بكل أنواعها من مرئية ومسموعة وملموسة ومشمومة، بعد غياب هذه المحسوسات عن الحواس التى أدركتها.
وهو بهذا المعنى شىء يشبه الذاكرة، سواء كانت هذه الذاكرة تفصيلية حرفية تحفظ الأشياء الفردية كما أدركها صاحبها، أو ذاكرة إجمالية مجردة تحفظ الصور العامة للمدركات الحسية.
2- القوة الذهنية الأخرى التى تعتمد على صور المدركات السابق ذكرها ، فتختار منها بعض عناصرها ، وتقوم بالتأليف بينها مبدعة بذلك صورا جديدة.
وهذه الصور الجديدة قد تكون مع هذا واقعية (أى ليست مستحيلة؛ بل يمكن أن تقع)، وقد تكون خارقة مستحيلة، كما فى الملاحم القديمة ، والخرافات والأساطير، وكما فى كثيرمن قصص "ألف ليلة وليلة" و"رسالة التوابع والزوابع" وبعض قصص جوته وإدجار ألن بو، وقصة "آلة الزمن" لهربرت جورج ولز، و"عود على بدء" لإبراهيم المازنى.
وهذه الصور الخيالية قد تكون صورا محدودة جزئية، مثلما هو الحال فى التشبيه والاستعارة والمجاز، وقد تكون صورا كلية فسيحة المدى، كما هو الحال فى القصص والمسرحيات ، وقد تكون شيئا وسطا بين هذا وذاك ، كما فى اللوحات التصويرية في بعض القصائد والمقالات وغيرها.
وقد اختلف موقف النقاد والأدباء المبدعين من الخيال:
فبعضهم كأفلاطون قد أدانه ، ومن ثم أخرج الشعراء من "جمهوريته ".
وبعضهم رحب به أيما ترحيب ، وجعله محور الإبداع ، كنقاد العرب القدماء، الذين كانوا يرون أن أعذبا الشعر أكذبه ، وكالرومانسيين.
وغنى عن البيان أن الواقعية هى أيضا لا تستغنى عن الخيال ، بل أن أحد ألوانها، وهى الواقعية السحرية، التى ظهرت مؤخرا فى أعمال قصاصى أمريكا اللاتينية، يخلط بين الواقعى والخرافى الغرائبى فى جديلة واحدة، وليس فى هذا ما يدعو إلى الدهشة أو التعجب ؛ إذ لا يعدو الأمر أن يكون تضافرا بين درجتين أو نوعين من أنواع الخيال.
وفى الشعر الصوفى الإسلامى يتلون الخيال بصبغة خاصة، إذ يتجه إلى عالم الغيب الأعلى تبعا لاهتمامات أصحابه ، الذين يولون وجوههم نحو الله سبحانه وتعالى، محاولين الاقتراب منه ، بل والفناء فيه كما يزعمون ، فنراهم يتحدثون عن ليلى ووصالها لهم وهجرها إياهم ، وعن الخمرة والساقى وما إلى ذلك ، وهم إنما يقصدون (حسبما يقولون) الذات الإلهية، والنشوة الروحيه التى تعتريهم عند نجاحهم فى تحقيق ما يصبون إليه من الاقتراب منها، أو الفناء المزعوم فيها.
أ.د/إبراهيم عوض
__________
الهامش:
1- لسان العرب لابن منظور: مادة (خيل) ط دار المعارف.
مراجع الاستزادة:
1- الخيال الحركى فى الأدب النقدى لعبد الفتاح الديدى. الهيئة المصرية العامة للكتاب 1990م.
2- الخيال عند ابن عربى لمحمود محمود الغراب ، دمشق.
3- الخيال فى مذهب محيى الدين ابن عربى.لمحمود قاسم -جامعة الدول العربية- معهد البحوث والدراسات العربية 1969م القاهرة.
4- الصورة البلاغية لحسن طبل. دار الثقافة العربية(1/145)
خيال الظل
لغة: الخيال ما تشبه لك فى اليقظة والحلم من صورة.
واصطلاحا: خيال الظل لون من الفن التمثيلى الشعبى.
ويقوم هذا الفن على تحريك شخوص جلدية كاريكاتورية بين مصدر ضوئى وشاشة بيضاء، تسقط عليها ظلال هذه الشخوص التى صممت بحيث تظهرعلى الشاشة نقوشها وألوانها.
وتسمى الواحدة من تمثيليات خيال الظل "بابة" وتجمع لغتها عادة بين الفصحى والعامية، وبين الشعر والسجع ، كما دخلها بعد ذلك الغناء والتلحين ، ويسمى الرجل الذى يحرك هذه الشخوص ب "المخايل" أما منشد أزجال البابة، فيطلق عليه "الحازق".
وقد تكون البابة انتقادا لبعض العيوب الأخلاقية والاجتماعية، أو تصويرا فكاهيا لبعض أرباب الحرف والصناعات ، أو عرضا لبعض الأحداث التاريخية الهامة كمقتل طومان باى، وفتح السودان.
وترجع أصول هذا الفن غالبا إلى الهند أو الصين ،وربما جاء إلينا عبر المغول ،وقد استمرهذا الفن معروفا فى البلاد العربية إلى أوائل القرن العشرين ، وكانت تمثيليات خيال الظل تمثل فى قصور الحكام والكبراء، أو فى بيوت خاصة بها يرتادها الجمهور، كما هو الحال فى المسارح ودور الخيالة اليوم.
ولعل أهم من ألف بابات خيال الظل هو "ابن دانيال" الكحال المشهور فى عصر الظاهر بيبرس ، وهو عراقى الأصل ، لكنه انتقل إلى مصر واستقر بها ، والواقع أن "خيال الظل" يمثل خطوة رائدة لمسرح العرائس وفن الخيال كليهما.
أ.د/إبراهيم عوض
__________
مراجع الاستزادة:
1- خيال الظل لأحمد باشا تيمور، ط دار المعارف.
2- المسرح المصرى المعاصر أصله وبداياته لعبد المعطى شعراوى. الهيئة المصرية العامة للكتاب 1986م.
3- المسرحية نشأتها وتاريخها وأصولها لعمر الدسوقى ط3 مكتبة الأنجلو القاهرة(1/146)
الخيانة
لغة: خانه يخونه خونا وخيانة. والخون: أن يؤتمن الإنسان فلا ينصح ، والخون النقص ، كما أن معنى الوفاء التمام ، ومنه تخونه: إذا انتقص منه ، ثم استعمل في ضد الأمانة والوفاء؛ لأنك إذا خنته الرجل ، فى شىء فقد أدخلت عليه النقصان فيه كما فى الكشاف (1).
وفى الحديثه: (يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب) رواه أحمد ، وخائنة الأعين: ما تسارق من النظر إلى ما لا يحل ، ففى القرآن الكريم: {يعلم خائنة الأعين}غافر:19 ، أى يعلم خيانة الأعين.
واصطلاحا: من ضيع شيئا مما أمره الله به ، أو اقترف أمرا مما نهى عنه أو عصى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فرط فى الأمانة يعد خائنا، يقول الله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم}الأنفال:27.
ومن أظهر خلاف ما يبطن ، فهو خائن ، ففى الحديث: "لا ينبغى لنبى أن تكون له خائنة الأعين"(رواه أبو داود والنسائى)، أى أن يضمر فى نفسه غيرما يظهره.ومن ضيع أمانات الناس فهو خائن ، ففى الحديثه (المسلم أخو المسلم لا يخونه...) (رواه الترمذى) و (وآية المنافق ثلاث.... وإذا أؤتمن خان) (رواه البخارى)(2).
والتعامل مع العدو أثناء الحرب لإمداده بأسرار الدولة: خيانة، يقول الله تعالى: {لا تجد قوما يؤمنون بألله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أوأبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم}المجادلة:22 ، فحكم القرآن في هؤلاء الذين يتعاونون مع أعداء الله بيِّن واضح ؛ إذ يعتبر ذلك خيانة لله ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ، لقوله تعالى: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله فى شىء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه}آل عمران:28 ، إذ فى مناصرة الأعداء خطرعلى المسلمين ، فمن يفعل ذلك فليس بمؤمن إلا في حالة الضعف والخوف من أذاهم ، فتجوز الموالاة ظاهرا ريثما يعد المسلمون أنفسهم لمواجهة من يهددهم.
أ.د/محمد شامة
__________
الهامش:
1- الكشاف ، الزمخشرى ، بيروت 1995 مادة (خون).
2- صحيح البخارى، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم ، طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية القاهرة الطبعة الرابعة، 1/ 36.
مراجع الاستزادة:
1- فقه السنة: السيد سابق ، بيروت 1977م.
2- التفسير الكبير: الرازى بيروت 1990م.
3- المسرحية نشأتها وتاريخها وأصولها لعمر الدسوقى، ط2 مكتبة الأنجلو القاهرة(1/147)
الخير
لغة: هو اسم تفضيل على غير قياس وهو ضد الشر، والخير الحسن لذاته ولما يحققه من لذة أو نفع أو سعادة، وجمعه خيور، وخيار، وأخيار، كما فى الوسيط (1).
ومنه قوله تعالى: {وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا}المزمل:20 ، أى تجدوه خيرا لكم من متاع الدنيا.
واصطلاحا: لها عدة تعريفات:
1- ينظر "الأبيقوريون" إلى كل شعور باللذة على أنه خير بالنسبة إلى الفرد الذى يمارسه بغض النظر عن المصدر، وهذا يؤدى بالضرورة إلى إرجاع الفارق بين أى لذتين على أساس كمى.
2- بينما يرى "الرواقيون" أن الخيرهو الواجب ؛ فالحياة الخيرة التى ينبغى لكل حكيم أن يسعى إليها هى تلك التى يتحدد بها واجب الإنسان على أساس قانون الطبيعة أو النظام الكونى للعقل.
3- فى حين تذهب "الأفلاطونية" الحديثة إلى أن الخيرهو خلاص النفس من سجنها المادى باتصالها بالواحد الأحد.
4- ثم جاءت "المسيحية" فبينت أن الخير هو طاعة القانون ، وليس هذا القانون هو ما يكتشفه العقل البشرى، بل هو الوحى المنزل من السماء، فيجب علينا الالتزام به ، لمجرد كونه تعبيرا عن الإرادة الإلهية، سواء بدا لنا معقولا أم غيرمعقول ، منطقيا أم تعسفيا، عادلا أم ظالما.
5- ويصف "الإسلام" كل ما هو طيب ونافع للإنسان ، فردا أو جماعة بأنه خير، فهو إحدى القيم الإسلامية الهامة، ذكره القرآن الكريم فى مائة وتسعين آية، فأمر به الله كقيمة مطلقة، أى من حيث هو خير فى نفسه من غير قياس إلى غيره فى قوله تعالى: {وافعلوا الخير لعلكم تفلحون}الحج:77، وقوله: {فاستبقوا الخيرات}البقرة:148.
وذكره الله تعالى فى معرض التفضيل فى آيات عدة، حيث بين:
1- أن ما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم خير مما هو عند الآخرين ، فقال: {ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء..}البقرة:105 ، فالخير فى هذه الآية هو الوحى، أى القرآن ، وهو خير مما عندهم.
2- أن عبادة الله وتقواه خير من عبادة الأوثان: {وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون}العنكبوت:16 ، يعنى عبادة الله وتقواه خير لكم ، أى خير للناس ، إن كانوا يعلمون ما ذكره الله لهم من الآيات البينات ، والدلائل الواضحة على إثبات هده الخيرية.
3- أن إعطاء كل ذى حق حقه خير {فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خيرللذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون}الروم:38 ، يمكن أن يكون معناه: ذلك خيرمن غيره ، ويمكن أن يقال: ذلك خير فى نفسه وإن لم يقس إلى غيره.
4- أن الآخرة خير من الدنيا: {والآخرة خير وأبقى}الأعلى:17، {وللآخرة خيرلك من الأولى}الضحى:4.
5- الخير هو المال الكثير الطيب فى قوله {إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين}البقرة:180.
ورسالة محمد خير للإنسانية، والإيمان بها خير للإنسان ، فردا أو جماعة، والعبادة نوع من أنواع فعل الخير، لأن فعل الخير ينقسم إلى خدمة المعبود الذى هو عبارة عن التعظيم لأمر الله ، وإلى الإحسان الذى هو عبارة عن الشفقة على خلق الله ، ويدخل فيه: البر والمعروف ، والصدقة على الفقراء، وحسن القول للناس ، ودقة الالتزام بالقيم الإنسانية، وإتقان العمل فى جميع مجالات الحياة.
والخير عند الصوفى: تفويض الأمر لله: {وعلى الله فليتوكل المؤمنون}إبراهيم:11 ، والزهد فى الدنيا ، والرضا ، والتوكل ، والانفرادية فى التعبد ؛ لأنها تتيح له مواجهة نفسه ، والتفتيش فيها ، وتنقيتها ، وتهيئتها لأن تصفو وتنجلى.
أ.د/محمد شامة
__________
الهامش:
1- المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية، دار المعارف ، ط3، مادة (خير) 1/ 273.
مراجع الاستزادة:
1- التفسير الكبير: الرازى، بيروت 1990م.
2- نشأة التصوف الإسلامى إبراهيم بسيونى، القاهرة 1969م.
3- الفلسفة، أنواعها ومشكلاتها: هينترميد، ترجمة: فؤاد زكريا، القاهرة 1985م(1/148)
الخيلاء
لغة: الكبر، وقد اختال ، وهو ذو خيلاء وذو مخيلة أى ذو كبر، كما فى الوسيط (1).
وعن ابن عباس رضى الله عنه (كل ما شئت والبس ما شئت ما خطأتك خلتان: سرف أو مخيلة) (رواه البخارى)(2).
واصطلاحا: المختال: المتكبر، يقول الله تعالى {ولا تمش فى الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور}لقمان:18 ، وهو الصلف للمتباهى الجهول الذى يأنف من ذوى قرابته أو جيرانه ، إذا كانوا فقراء، ولا يحسن عشرتهم.أو من يكون به خيلاء، وهو الذى يرى الناس عظمة نفسه وهو التكبر، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من جر ثوبه خيلاء لم ينظرالله إليه.." (رواه البخارى)(3).
ولا يحمد الخيلاء إلا فى موضعين لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من الخيلاء وما يحبه الله فى الصدقة والحرب "، أما الصدقة فإنها تهز أريحية السخاء، فيعطيها طيبة بها نفسه ،ولايستكثر كثيرا،ولا يعطى منها شيئا إلا وهو مستقل ، وأما الحرب فإنه يتقدم فيها بنشاط وقوة ونخوة وجنان" (رواه النسائى).
والخائل: المعجب بنفسه الذى يتباهى أمام الناس ، ويمشى فى الأرض مرحا، يقول تعالى: {ولا تمش فى الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا}الإسراء:37.
أ.د/محمد شامة
__________
الهامش:
1- المعحم الوسيط ، مجمع اللغة العربية، الطبعة الثالثة مادة (خيل) 1/ 276.
2- صحيح البخارى" محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن بردزية 9/ 153 ، طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية.
3- المصدر السابق 9/ 153 حديث رقم 5096.
مراجع الاستزادة:
1- لسان العرب ، ابن منظور، دار المعارف ، مادة (خيل).
2- التفسير الكبير، الرازى ، بيروت 1990م.
3- إحياء علوم الدين ، الغزالى، تحقيق محمد الدالى بلطة، بيروت 1993م(1/149)
الدعوة سرًا وجهرًا
لغة: اسم من الفعل (دعا) ومعناها: مطلق الطلب لأى شىء حسى كطعام أو معنوى كفكرة(1) وعند ابن فارس: هى فن الإمالة للجمهور نحو شىء معين بأى وسهيلة متاحة.(2).
واصطلاحا: ورد فى تعريفها عدة تعريفات منها:
"العلم الذى به تعرف كافة المحاولات الفنية المتعددة الرامية إلى تبليغ الناس الإسلام بما حوى من عقيدة وشريعة وأخلاق (3).
أو هى "تبليغ الإسلام للناس وتعليمهم إياه وتطبيقه فى مواقع الحياة "(4) أو "هى برنامج كامل يعم جميع المعارف التى يحتاج إليها الناس ليبصروا الغاية من محياهم وليستكشفوا معالم الطريقة التى تجمعهم راشدين.(5)
أو هى فن يستميل الناس إلى الإسلام بالوسائل المناسبة ليتعلموه ويطبقوه فى واقع الحياة".
والدعوة بهذا المفهوم:
إما أن نتوجه بها إلى غير المؤمنين بالإسلام لنكشف لهم عن محاسن هذا الدين واستقامة عقيدته ونبل مقاصده وعظمة تشريعاته وغالبا ما يكون ذلك فى المجتمعات غير الإسلامية كأوربا وأمريكا وغيرها.
وإما أن نتوجه بها إلى المؤمنين به والمعتنقين له لنأخذ بأيديهم ونبصرهم حتى يعملوا بمقتضى مبادى هذا الدين ويسيروا على نهجه الذى اختاروه فى العقيدة والعبادة والسلوك والأخلاق والمعاملات.
وعلى كل فإن كلمة الدعوة من الألفظ المشتركة التى تطلق على الإسلام كدين وعلى عملية نشره وتبليغه للناس ، وسياق الكلام هو الذى يحدد المعنى المراد فمثلا إذا قيل: هذا من رجال الدعوة إلى الله كان معنى الدعوة هنا محاولات النشر والتبليغ ، وإذا قيل: اتبعوا دعوة الله كان المراد الإسلام.
وإذا ذكرت على إطلاقها فإنها تنصرف عرفا إلى محاولة نشر الإسلام وتبليغه للعالمين ، وهو المعنى الذى تواردت عليه معظم الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وخير من قام بتبليغ الدعوة هو الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن أعده الله لها وهيأه لحملها ثم كلفه بتبليغها حين نزل عليه قوله تعالى: {ياأيها المدثر. قم فأنذر}المدثر:1-2.
فبدأ النبى صلى الله عليه وسلم دعوته سرا يدعو كل من وثق فيه إلى عبادة الله ، وكان يلتقى بالأولياء والأصدقاء المقربين ، وكان أول من آمن به من النساء زوجته ، ومن الصبيان على بن أبى طالب ، ومن الموالى زيد بن حارثه ، ومن الرجال أبو بكر الصديق الذى أسلم على يديه كثير من الأحرار والعبيد، وظلت الدعوة سرية حوالى ثلاث سنوات أسلم فيها ثلاثة وخمسون شخصا بينهم عشرنساء. (6).
وإنما كانت الدعوة خفية ابتداء لتتكون خلية الإسلام ، فالخلايا يكون بذر البذور فيها بالكتمان ؛ لأن الجهر يبددها قبل أن تتكون حتى يبدو عودها ويتكون سوقها، فكل فكرة جديدة لابد أن تلتقى حولها قلوب مؤمنة بها، ويكون بعد ذلك إعلانها والمجاهرة بها.
ولم تكن السرية فى هذه الدعوة استخفاء بالدعوة فقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يعلن ما جاء من نذير وما عنده من تبشير ولكن الذى كان يستخفى به هو إقامة العبادة ومدارسة الاسلام فى دار الأرقم بن أبى الأرقم. (7).
ومكث عليه الصلاة والسلام يدعو سرا حتى نزل عليه قوله تعالى: {وأنذر عشيرتك الأقربين}الشعراء:214.
وقوله تعالى: {فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين}الحجر:94.
فبدل بالدعوة سرا الدعوة جهرا ممتثلا أمر ربه واثقا بنصره ووعده.
وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشيرته الأقربين ، فصعد على الصفا فجعل ينادى: يا بنى فهر، يا بنى عدى، يا بنى عبد مناف ، ثم نادى بطون قريش حتى اجتمعوا إليه فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج ارسل رسولا لينظر الخبر فجاء أبولهب بن عبد المطلب وقريش فقال عليه الصلاة والسلام: (أرايتم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادى تريد أن تغيرعليكم أكنتم مصدقى؟ قالوا: نعم ماجربنا عليك كذبا، قال: فإنى نذير لكم بين يدى عذاب شديد، فقال أبولهب تبالك ألهذا جمعتنا) فأنزل الله شأنه: {تبت يدا أبى لهب وتب. ما أغنى عنه ماله وما كسب. سيصلى نارا ذات لهب}المسد:1-3 (8) ؛ وهكذا دمغه الوحى بهذه الآيات البينات التى كانت بمثابة التشجيع للنبى صلى الله عليه وسلم ليستمر فى دعوته ويمضى إلى غايته ، فكانت حافزا قويا على النشاط فى إذاعتها والمضى فى سبيل انتشارها ، كما كانت سابقة فأل ومقدمة بشارة بأن الله سينصر الحق على الباطل ويتم نوره ولو كره المشركون.
وقد وجه النبى صلى الله عليه وسلم دعوته فى السر والجهر بإصرار وثبات ، وصادف من بيئته جمودا ومعارضة تمثلت فى ردود فعل مختلفة أقلها تعذيب أتباعه ، ثم مقاطعتهم ثم محاولة قتله بوصفه صاحب اللواء فإذا سقط انتهت دعوته ولكن الله عصمه ، ونصره بالهجرة وامتن عليه بالفتح حتى إذا صار للإسهلام الكلمة العليا في الجزيرة العربية ، فاضت الوحدانية بالنور إلى الأقاليم المجاورة إقليما بعد إقليم.
أ.د/خليفة حسين العسال
__________
الهامش:
1- المعجم الوسيط مادة (دعا) مجمع اللغة العربية القاهرة 1985م 1 /286.
2- مقاييس اللغة، ابن فارس ، تحقيق عبد السلام هارون 2 /279.
3- د/أحمد غلوش: الدعوة الإسلامية دار الكتاب العربى اللبنانى 1978م ط1.
4- المدخل إلى علم الدعوة: د/محمد أبوالفتح البيانونى: طبع أولى مؤسسة الرسالة بيروت 1991م ص16-17.
5- مع الله: محمد الغزالى: ط3 مطبعة مخيمر1965م ص17.
6- السيرة النبوية ابن هشام ط2 نشر الحلبى 1955م 1 /254-265.
7- فى ظلال القرآن سيد قطب ط7 دار الشروق 1978 ، 6 /3750-3755.
8- البخارى مع الفتح كتاب التفسير 9 /763 كتاب التفسير(1/150)
الدلالة
لغة: كل شىء يقوم بدور العلامة أوالرمز له دلالته أو معناه ، سواء أكانت العلامة أو الرمز كلمات وجملا، أو كانت أشياء غير لغوية، كإشارات المرور، وإيماءة الرأس ، ورسم فتاة مغمضة تمسك ميزانا، والتصفيق باليدين ، وغيرها.
واصطلاحا: علم مستقل يعد فرعا من فروع اللغة، يهتم بدراسة دلالات الرموز اللغوية وأنظمتها، يسمى علم الدلالة، أو علم المعنى.
وقد كان للعرب فضل السبق فى هذا النوع من الدراسات ، فمعظم الأعمال اللغوية المبكرة عند العرب تعد من مباحث الدلالة، مثل: تسجيل معانى الغريب فى القرآن الكريم ، والحديثا عن مجاز القرآن ، والتأليف فى الوجوه والنظائر فى القرآن ، وإنتاج المعاجم. وحتى ضبط المصحف بالشكل يعد فى حقيقته عملا دلاليا ، لأن تغييرالضبط يؤدى إلى تغييرالمعنى.
ولعل من أهم الدراسات العربية المبكرة التى تناولت جانبا المعنى دراسات الأصوليين التى سبقته فى كثيرمن نتائجها دراسة المعنى فى العصر الحديث ، كما ضمت هذه الدراسات موضوعات مثل: دلالة اللفظ من حيث الشمول (العام ، الخاص ، المشترك ) ودلالة المنطوق ، ودلالة المفهوم ، وتقسيم المعنى بحسب الظهور والخفاء، وطرق الدلالة، والتغير الدلالى، والحقيقة والمجاز، والمشترك اللفظى والمترادف.
كذلك نجد دراسات واشارات كثيرة للمعنى فى مؤلفات الفلاسفة المسلمين ، مثل: الفارابى، وابن سينا، وابن رشد، وابن حزم ، والغزالى، والقاضى عبدالجبار وغيرهم.
كما انعكس الاهتمام بالمعنى فى دراسات البلاغيين التى اهتمت بمباحث الحقيقة والمجاز، ودرست كثيرا من الأساليب ، كالأمر والنهى والاستفهام ، وقدمت نظرية النظم عند عبدالقاهر الجرجانى وغيرها.
ولم يقتصر الاهتمام العربى بمباحث الدلالة على وسائل الاتصال اللفظية وحدها ، بل تجاوزها ليشمل كذلك الوسائل غير اللفظية، وبخاصة حركات الجسم وما تحمله من دلالات لغوية، وفى القرآن الكريم أمثلة كثيرة على ذلك ، مثل:
أ- شخوص البصرعند الدهشة، كما فى قوله تعالى {واقترب الوعد الحق فإذا شاخصة أبصارالذين كفروا}الأنبياء:97.
ب- غل اليدين إلى العنق للإشارة إلى البخل ،كما فى قوله تعالى {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك}الإسراء:29.
وقد أشار الجاحظ فى كتابه "البيان والتبين" إلى حسن الاشارة باليد والرأس ، واعتبرها من تمام حسن البيان باللسان ، كما نعى على أحد المتحدثين عدم استخدامه الإشارة باليد وغيرها.
كما أشار الجاحظ إلى التواصل باستخدام العين أو الجفن للتفاهم بين اثنين بطريقة تخفى على الآخرين ، فى أمور يسترها بعض الناس من بعض ، ويخفونها من الجليس وغير الجليس.
أ.د/أحمد مختار عمر
__________
مراجع الاستزادة:
1- البيان والتبيين للجاحظ.
2- دراسات فى علم اللغة د/فاطمة محجوب طبعة النهضة العربية بالقاهرة 1967م.
3- دراسة المعنى عند الأصوليين د/طاهر سليمان حمودة الدار الجامعية للطباعة والنشر 1967م.
4- دلالة الألفاظ د/إبراهيم أنيس مكتبة الأنجلو بالقاهرة.
5- علم الدلالة د/أحمد مختار عمر طبعة عالم الكتب(1/151)
الدواء
لغة: يقال داواه أى عالجه ، ويقال: هو يدوى ويداوى أى يعالج ، ويداوى بالشىء أى يعالج به ، والدواء: ما عولج به الفرس من تضمير وحنذ، وما عولجت به الجارية حتى تستمن ، كما فى اللسان (1).
واصطلاحا: مادة تستخدم لعلاج المرض أو تشخصيه أو الوقاية منه.
ومن استعمالات الدواء:
1- يستعمل فى تغييربعض وظائف الجسم الطبيعية مثل الإحساس بالألم.
2- يستخدم لأغراض جراحية، مثل التخدير وتطهير الجروح.
3- يستخدم فى تعويض النقص فى إفرازات الغدد ، مثل استعمال الأنسولين في علاج مرضى السكر، واستعمال العصائر الحمضية فى علاج عسر الهضم.
4- يستعمل فى علاج عوز الفتيامينات والعناصر المعدنية.
ويحدث الدواء تأثيره بتفاعله مع الكائن الحى، سواء كان هذا الكائن عضوا من أعضاء الجسم ، أو خلية من خلاياه ، أو فيروسا ، أو ميكروبا ، أو خلايا سرطانية تلحق به المرض.
ويطلق اسم "علم الأدوية" (فارماكولوجى) على الذى يختص بدراسة الدواء، وامتصاصه من الجهاز الهضمى وأعضاء أخرى، وأنتشاره فى أعضاء الجسم ، وتغيير هيكله الكيميائى فى بعض الأعضاء، وخروجه من الجسم.
ولقد أطلق ، على هذا المبحث قديما اسم "أقراباذين" وهو مصطلح يونانى الأصل ، ويعنى تركيب الأدوية المفردة وقوانينها.
ولقد أخذت هذه الكلمة عند العلماء العرب مدلولا دقيقا هو "الأدوية المركبة".
ولقد كان للعرب والمسلمين أبلغ الأثر فى تقدم وتطوير "علم الأدوية"، وذلك فيما بين القرن السابع والقرن الحادى عشر الميلادى، وكان لهم أثركبيرفى إثراء علم الكيمياء ، الذى يعتبر الدعامة الأساسية لاكتشاف الآلاف من الأدوية المصنعة كيميائيا.
ولقد استفاد علماء الغرب من خبرة وتجارب علماء الكيمياء العرب، مثل جابربن حيان ، الذى ثبت دعائم الكيمياء، وبين أهمية التجربة، وأوصى بدقة الملاحظة، وهو الذى عرف العمليات الكيميائية، ولقد ترجمت كتبه إلى اللاتينية، وبقيت مرجعا يعتمد عليه فى الكيمياء لمدة ألف عام.
وكان لحث الإسلام للمسلمين على طلب العلم وتكريم العلماء فضل كبيرعلى العالم فى تقدم وازدهار شتى مجالات العلم والمعرفة، ومنها الصيدلية، حيث شهد العالم فى العصرالإسلامى مولد أول مدرسة للصيدلة، ولقد برع المسملون فى فن تحضير الدواء، وكانوا من أول من أنشأوا صيدليات لبيع الدواء.
ويعتبر العالمان المسلمان: أبو بكر الرازى (240-320هـ /854-932م) وابن سينا (371-429هـ/988-1037م) من أشهر علماء الطب والصيدلة، ولقد تركت دراساتهما أثرا بالغا فى علوم الأدوية والطب الأوروبية.
وتضم قائمة العلماء العرب المسلمين الذين أثروا هذه العلوم البيرونى 351-440هـ /961-1045م ) والزهراوى (324-453هـ /936-1013م ) وابن البيطار(575-646هـ /1148-1197م ) وغيرهم. ويعتبر كتاب "الطب النبوى" لابن قيم الجوزية من أشهر الكتب التى تناولت أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم فى هداية النفوس والأبدان ، وشمل الكتاب فصولا عديدة فى الطب والدواء وعلاج الأمراض.
أ.د/عز الدين الدنشارى
__________
الهامش:
1- لسان العرب ، لابن منظور ، دار صادر، بيروت ، 14 /280-281.
مراجع الاستزادة:
1- الطب النبوى، ابن القيم.
2- تاريخ العلاج والدواء فى العصور القديمة: العصر الإسلامى - عصر النهضة فى أوروبا، محمد نزار خوام ، محمد عفت عبدالله ، حسن إبراهيم الشورى ، دار المريخ ، الرياض.
3- الدواء من فجر التاريخ إلى اليوم ، رياض رمضان العلمى ، المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب ، الكويت(1/152)
الدواوين
لغة: جمع "ديوان" والديوان يعنى السجل الذى يتم فيه تدوين الأعمال والأموال والقائمين بها أو عليها، أو على حد تعبير الماوردى فى الأحكام السلطانية: والديوان موضوع لحفظ ما يتعلق بحقوق السلطنة من الأعمال والأموال ومن يقوم بها من الجيوش والعمال ، ثم أطلقت الكلمة أيضا من باب المجاز على المكان الذى تحفظ فيه السجلات ويجرى العمل بها.
وقد اختلف الباحثون فى أصل هذه الكلمة، فذهب البعض إلى القول بأنها ترجع إلى أصل فارسى كما يذكر العلامة ابن خلدون فى مقدمته ، بينما يعود بها البعض الأخر إلى أصول عربية، من دون الشىء أى: أثبته ، على حد قول ابن منظور فى لسان العرب أخذا عن سيبوبه.
وكانت الحاجة قد استدعت إنشاء هذا النظام والعمل به على عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فى السنة الخامسة عشرة للهجرة، بعد أن بدأت الفتوحات الإسلامية للمناطق المجاورة لشبة الجزيرة العربية، وأخذت الأموال تتدفق على المدينة الإسلامية، وأصبح ضروريا وضع نظام دقيق لضبط هذه الأموال ومصارفها وتسجيل المستحقين لها.
ولما كان العرب قد انصرفوا فى صدر الإسلام للجهاد من أجل جعل كلمة الله هى العليا، فقد كان طبيعيا أن تكون أعمال الدواوين بأيدى أبناء البلاد المفتوحة وبألسنتهم ، ومن ثم كتب ديوان الشام باليونانية أو الرومية كما يسميها المسلمون ، وديوان مصر بها أيضا بالقبطية، وديوان العراق بالفارسية، وديوان إفريقية بالبربرية، وظل الأمر على هذا الحال حتى كان عهد الخليفة الأموى عبد الملك بن مروان ، فصدرت الأوامر بنقل هذه الدواوين جميعها إلى العربية، وهو ما عرف بتعريب الدواوين.
ولاشك أن حركة تعريب الدواوين قد أسهمت إسهاما فعالا فى نشر اللغة العربية على نحو كبير، إذ سارع أبناء هذه البلاد المفتوحة إلى تعلم العربية حتى لا يفقدوا وظائفهم فى تلك الدواوين ، كما أنها أدت إلى ظهور طبقة جديدة فى المجتمع الإسلامى، هى طبقة الكتاب.
وكان ديوان الجند أول الدواوين التى أنشأها الخليفة عمر بن الخطاب ، ويعرف أيضا بديوان الجيش أو العطاء، واختص بتدوين أسماء الجند وأوصافهم وأنسابهم وما يخصهم من العطاء، وشدد عمرعلى ضرورة التفرغ للجهاد حتى لا ينصرف الناس عنه إلى الدعة فى البلاد المفتوحة. وقد وصل ديوان الجند إلى أقصى مراحل تطوره فى أيام الخلافة الفاطمية، حيث صار يضم ثلاثة دواوين ، هى الجند والرواتب والإقطاع.
أما الديوان الثانى فهو ديوان الخراج ،وقد نشأ فى عهد الخليفة عمربن الخطاب بعد أن اتسعت فى عهده رقعة الدولة الإسلامية وكثرت الأموال ، وغدت مهمته الإشراف على جباية الأموال وتدوين ما يرد منها إلى بيت المال وأوجه الإنفاق العام ، وأضحى له -مع الاتساع- فرع فى كل ولاية.
ولما كان عهد بنى أمية، ونشطت حركة الفتوح ، وامتدت أطراف الدولة ، استدعى الأمر قيام عدد من الدواوين الأخرى، يأتى فى مقدمتها ديوان الخاتم الذى أنشأه معاوية ابن أبى سفيان ضمانا لسرية أمور الدولة، حتى أصبح ديوان الخاتم يعد أهم دواوين الدولة الإسلامية، وكانت مهمته تشمل أوأمر الخليفة ورسائله وحزمها بخيط ولصقه بالشمع ثم ختمه بخاتم الخليفة حتى لا يجرو أحد على فضه سوى المرسل إليه.
ويكمل عمل هذا الديوان ديوان الرسائل الذى عرف أيضا بديوان الإنشاء، ويشرف على الرسائل الواردة من الولايات إلى الخليفة، أو من هذا إلى عماله فى الأمصار، وازدادت أهمية هذا الديوان تدريجيا حتى صار الكثيرون يتنافسون للعمل فيه ، وبلغ قيمة ازدهاره فى مصر زمن الفاطميين والأيوبيين والمماليك ، ومن بين أعظم من شغلوا رئاسته القاضى الفاضل والقلقشندى.
وتعددت الدواوين فى الدولة الإسلامية بتطور عهودها، فظهر ديوان البريد، وتتضح أهميته من قول أبى جعفر المنصور: "ما كان أحوجنى إلى أن يكون على بابى أربعة نفرهم أركان الملك ،ولايصح الملك إلا بهم.. أما أحدهم فقاض لا تأخذه فى الله لومة لائم ،والآخرصاحب شرطة ينصف الضعيف من القوى، والثالث صاحب خراج لا يظلم الرعية، والرابع. وعض على أصبعه السبابة ثلاث مرات وقال صاحب بريد يكتب إلى بخبر هؤلاءعلى الصحة".
وإلى جانب ما سبق هناك عدد آخر من الدواوين ، كديوان الطراز، وديوان التوقيع ، وديوان الجهبذة، وديوان البر والصدقات ، وديوان الزمام ، ولكن تظل الدواوين الخمسة الأولى صاحبة الأهمية فى الدولة الإسلامية.
أ.د/رأفت عبد الحميد محمد
__________
مراجع الاستزادة:
1- المقدمة: ابن خلدون بيروت د ت.
2- لسان العرب ابن منظور، بولاق 1300هـ.
3- الحضارة الإسلامية أحمد عبد الرازق ، القاهرة 1995م.
4- الحضارة الإسلامية فى القرن الرابع الهجرى. آدم ملز ترجمة محمد عبدالهادى أبو ريدة، بيروت 1967م.
5- النظم الإسلامية حسن إبراهيم حسن ، القاهرة 1962م.
6- تاريخ الإسلام حسن إبراهيم حسن ، القاهرة 1959م.
7- صبح الأعشى فى صناعة الإنشا: القلقشندى، دار الكتب المصرية، القاهرة 1963م.
8- الأحكام السلطانية: الماوردى، القاهرة 1298هـ(1/153)
الدولة
يقصد بها اكتمال عناصرثلاثة هى:
الإقليم ، والشعب ، والحكومة، ولذلك يجب أن توجد جماعة من الناس يعيشون على إقليم محدد، كما يجب أن ينتظم هؤلاء الناس تحت حكومة معينة يحدد الإقليم نطاق السلطة التى تمارسها هذه الحكومة على الشعب.
ويشمل الإقليم عناصر ثلاثة هى: الإقليم البرى والإقليم البحرى والإقليم الجوى، ويكفل الإقليم البحرى للدولة حماية شواطئها حتى امتداد معين حدد باثنى عشر ميلا بحريا، كما يكفل إقليمها الجوى حماية إقليمها من أى اختراق بواسطة الطائرات إذ يمتد إلى ما لانهاية فى الارتفاع ، أما الإقليم البرى فهو موئل نشاط البشر المكونين لشعب الدولة.
وتعتبر الدولة القومية المعروفة بشكلها الحالى نتاجا حديثا ظهر فى بداية العصور الحديثة أى فى القرن السادس عشر، وجاء كرد فعل لانسياب السلطة وتوزعها فى العصور الوسطى فى أوروبا ويتميز بتقوية سلطة الملك أو الحاكم بشكل عام.
أما فى الإسلام فقد كون رسول الله صلى الله عليه وسلم دولة المدينة، كان فيها مركز للسلطات المعروفة فى الدول الحديثة أى السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وقد تم تحديد ذلك بوضوح في الصحيفة، أو الوثيقة الأولى لتأسيس دولة المدينة التى قرأها الرسول صلى الله عليه وسلم على سكان المدينة وممثلى القبائل واليهود.
وعرف الرسول صلى الله عليه وسلم فكرة الحدود فأرسل من يضع حدودا بين لابتيها شمالا وجنوبا وشرقا وغربا كما حدد فى الصحيفة شعب المدينة وعلاقته بالشعوب المجاورة، وحدد من هم أعداء الدولة وكيف تكون العلاقة معهم ، وهم هنا المشركون من قريش وهى علاقة أساسها الحرب ردا على عدوانهم على الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته ومحاولتهم اجتثاث الإسلام من جذوره.
ويجب أن نوضح أن دولة الإسلام ليست دولة دينية بالمفهوم الغربى، لأن الأمة هى مصدر سلطات الخليفة، وهو مسئول أمامها وتستطيع أن تحاسبه ، ولايمكن الادعاء بأن الخليفة يستمد سلطاته من تفويض إلهى بشكل أو بآخر. ويتبين ذلك من التسليم فى الفقه الإسلامى بان سند تولية الخليفة هو البيعة، وقد استنتجت محكمة العدل الدولية في حكم حديث لها أن السيادة في الدولة الإسلامية ارتبطت بالبيعة.
كما نود أن نشير إلى أن الإسلام كان دينا وجنسية، وكان من حق المسلم أن ينتقل بين مختلف أجزاء الدولة الإسلامية دون قيود ، بل إن السلطة كانت تنتقل بين هذه الأجزاء بسهولة ويسر.
ولايمكن أن نقول إن الاسلام قد اشترط شكلا معينا للدولة فيمكن أن تكون ملكية أوجمهورية بشرط أن يقيم الحاكم حدود الله وأن يحقق العدالة فى الناس، وبشرط أن يتخذ الشورى أساسا لحكمه إعمالا لقوله تعالى: {وأمرهم شورى بينهم}الشورى:38 ، وأمره لنبيه بها {فاعف عنهم واستغفرلهم وشاورهم فى الأمر}آل عمران:159 ، مع ملاحظه أنه فى حالة النظام الملكى يستوجب الإسلام مبايعة كل ملك ورث ملكه ورضا الشعب عنه.
أ.د/جعفر عبد السلام
__________
مراجع الاستزادة:
1- دستور دولة المدينة، مجلة الشريعة والقانون د/جعفر عبد السلام ، العدد الثانى.
2- السلطات الثلاث فى الإسلام -أ.د/سليمان الطماوى- القاهرة عدد طبعات من عام 1964م دار الفكر العربى.
3- دراسات إسلامية فى العلاقات الاجتماعية والدولية، محمد عبدالله دراز -دار القلم- الكويت 1974م.
4- نظام الحكم فى الإسلام ، محمد الصادق عرجون ، مكتبة وهبة القاهرة 1962م(1/154)
الدِّين
الدين من الألفاظ التى لم تخل منها لغة من اللغات بمدلولها ، لأن التدين فطرة، وقد تعددت دلالتها بتعدد الأمم ، وإن وجد قاسم مشترك بينها في النهاية، وقد عرفها العرب بمدلولات شتى، ووردت فى القرآن الكريم بمعان متعددة منها:
1- الدين: الطاعة، وهو أصل المعنى، ودنت له أى أطعته ، ومنه قوله تعالى: {وقاتلوهم حتى لاتكون فتنة ويكون الدين لله}البقرة:193.
وفى آية أخرى: {ويكون الدين كله لله}الأنفال:193 ، أى الخضوع له وحده دون سواه ، قال عمرو بن كلثوم:
وأياما لنا غرا كراما * عصينا الملك فيها أن ندينا
ومنه قوله تعالى:{لا إكراه فى الدين}البقرة:256 ، أى فى الطاعة.
2- الدين: الجزاء والمكافأة، يقال دانه دينا أى جازاه ، ويقال: كما تدين تدان أى كما تجازى بحسب ماعملت ، ومنه قوله تعالى {أءنا لمدينون}الصافات:53، أى مجزيون ، قال خويلد بن نوفل يخاطب الحارث بن أبى شمر:
يا صاح أيقن أن ملكا زائل * واعلم بأن كما تدين تدان
3- الدين: الحساب ، ومنه قوله تعالى: {مالك يوم الدين}الفاتحة:4 ، وبه فسر الحديث: (الكيس من دان نفسه ) أى حاسبها.
4- الدين: السلطان والملك ، وقد دنته دينا ، ملكته ، ومنه قوله تعالى: {غير مدينين}الواقعه:86 ، أى غير مملوكين عند الفراء، ومنه قولهم: يدين الرجل أمره ، أى يملكه.
5- الدين: القضاء والحكم والملك ، وبه فسر قوله تعالى: {ما كان ليأخذ أخاه فى دين الملك}يوسف:76 ، أى فى حكمه وقضائه ، والديان: هو القاضى.
6- الدين: الحال والعادة والشأن ، يقال: مازال ذلك دينى وديدنى، أى عادتى، قال المثقب العبدى:
تقول إذا درأت لها وصينى * أهذا دينه أبدا ودينى
قال ابن شمل:سألت أعرابيا عن شئ فقال: لولقيتنى على دين غير هذا لأخبرتك.
7- الدين: يطلق ويراد به الإسلام ، قال الراغب: ومنه قوله تعالى: {أفغير دين الله يبغون}آل عمران:83 ، يعنى الإسلام لقوله تعالى: {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه}آل عمران:85.
وقد وردت الكلمة بمعان أخرى غير ما سبق فى لغة العرب وفى القرآن الكريم.
ومن ملاحظة جملة المعانى السابقة من منظور دينى ندرك أنها تؤلف وحدة كلية. يعبركل جزء من المعانى عن جانب من المعنى المطلق لها، وهذا ما ذهب إليه أحد العلماء (د/دراز) حين قال: إن من وراء هذا الاختلاف الظاهر، تقاربا شديدا ، بل صلة تامة فى جوهر المعنى، إذ نجد هذه المعاش تعود في نهاية الأمر، إلى ثلاثة معان ، وإن التفاوت مرده إلى أصل الفعل من حيث التعدى بالنفس والتعدى بالغير.
فإذا تعدى الفعل بنفسه (دانه دينا) عنينا به أنه ملكه وحكمه وقهره وحاسبه وجازاه.
وإذا تعدى باللام ، أردنا أنه أطاعه وخضع له ، وكلمة الدين لله ، يصح أن يفهم منها كلا المعنيين: الحكم لله أو الخضوع لله ، وواضح أن هذا المعنى الثانى، ملازم للأول ، ومطاوع له ، وأنه دانه فدان له أى قهره فخضع وأطاع.
وإذا تعدى بالباء، دان بالشىء، كان معناه أنه اتخذه دينا ومذهبا، فهو الطريقة التى يسير عليها المرء نظريا وعمليا.
وجملة القول أن كلمة دين عند العرب تشير إلى علاقة بين طرفين يعظم أحدهما الآخر، ويخضع له ، فإذا وصف بها الطرف الأول كان خضوعا وانقيادا ، وإذا وصفا بها الطرف الثانى كان أمرا وسلطانا وحكما وإلزاما ، وإذا نظر بها إلى أمر الرباط الجامع بين الطرفين كانت الدستور المنظم لتلك العلاقة أو المظهر الذى يعبر عنها.
ومعنى كلمة دين بين الإطلاق والتقييد:
من الدلالة اللغوية لكلمة دين رأينا أن كل خضوع على وجه ما لشىء ما تقديسا وتقربا اليه ، يسمى دينا، سواء أكان منشأ هذا الخضوع الوضع كما هو الحال فى معتقدات الوثنيين والصابئين والمجوس أو الوحى كما فى معتقدات أهل الكتاب والمسلمين.
وقد وسم القرآن كل معتقد بأنه (دين ) حقا كان أم باطلا، ففى قوله تعالى: {قل ياأيها الكافرون. لا أعبد ماتعبدون}الكافرون:1-2 ، ختمها بقوله {لكم دينكم ولى دين}الكافرون:6 ، وقال تعالى {ومن يبتغ غيرالإسلام دينا فلن يقبل منه}آل عمران:85 ، فسمى كل معتقد غاير الإسلام بأنه دين ويرفض البعض إطلاق كلمة دين علي كل معتقد غاير الاسلام ، وهم بذلك مصادمون لنصوص القرآن والسنة، بينما يرى آخرون: أن الكلمة إذا وردت محلاة باللام يراد بها الإسلام دون سواه ، واستشهد بقوله تعالى {شرع لكم من الدين}الشورى:13.
وقوله تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين}الشورى:21.
وأما إذا ذكرت منكرة، فإنها تحتمل الدين الحق والدين الباطل ، وهذا غير صحيح ، لأن الكلمة كما وردت منكرة يراد بها الدين الحق ، الأديان الباطلة وردت معرفة كذلك بنفس المعنى قال تعالى: {هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله}الصف:9.
والتمييز بين الحق والباطل يكون بالوصف الدين الإسلامى، الدين اليهودى، الدين الحق ، الدين الباطل ، أو بالاضافة إلى الله أو النبى أو المتبع أو المؤسس: (دين الله ) من (دين ) (البوذية).
أ.د/بكر زكى عوض
__________
مراجع الاستزادة:
1- مادة (د.ى.ن) فى المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم محمد فؤاد عبدالباقى.
2- معاجم اللغة العربية.
3- المفردات فى غريب القرآن: الراغب الأصفهانى.
4- كتاب الدين أ.د/محمد عبد الله دراز.
5- بحوث فى علم مقارنة الأديان أ.د/محمد شامة.
6- كتب التفاسير المشهورة عند المسلمين(1/155)
رأس مال (رأسمالية)
لغة: اسم للقليل والكثير من المقتنيات من كل ما يتمول ويملك ، ويقصد برأس المال فى اللغة. أصل المال دون ربح أو زيادة، كما فى القرض لتحريره من الربا(1)، وكذلك لقوله تعالى {إن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون}البقرة:279.
واصطلاحا: يطلق رأس المال على المال الذى يدفع للعامل فى شركة المضاربة، وعلى الثمن الذى يعجل به فى بيع السلم ، وعلى المبلغ الذى يدفعه كل شريك فى شركة العنان ، وعلى الثمن الأصلى الذى اشترى به البائع فى معاملات التجارة، ويطلق كذلك على النقد ذهبا أو فضة أو ما يقوم مقامهما من العملات (3).
ويطلق فى الفكر الوضعى على أدوات الإنتاج التى لا تستخدم لأغراض الاستهلاك المباشر، وإنما للمساهمة فى إنتاج سلع أخرى، ويطلق على الرصيد المتجمع من الموارد ، والذى يسهم فى إنتاج أكبر قدر ممكن من السلع والخدمات خلال فترة زمنية معينة.
ويعرف كذلك ، بأنه الرصيد الذى يستخدم كاحتياطى لتدعيم مستوى مرتفع من الاستهلاك فى وقت تشتد الحاجة فيه إليه.
ويمكن التفرقة بين رأس المال والدخل ، بأن الدخل هو الإيراد أو الغلة التى تعود على الفرد أو المؤسسة من العمل أو المال ، كما أنه أجر العامل أو إيجار الأرض ، وقد حرص الإسلام على استثمار رأس المال وتنميته.
وقد اعتبر الفقهاء أن الانفاق من رأس المال تبذير، بينما الإنفاق من الربح ليس تبذيرا(3).
ولا يخفى حرص الإسلام على تشجيع التكوين الرأسمالى عندما أعفى رأس المال الثابت من الزكاة وقد حدد الدمشقى وسائل حفظ المال كما يلى:
1- ألا ينفق أكثر مما يكتسب.
2- ألا يكون ما ينفق مساويا لما يكتسب.
3- أن يحذر الرجل أن يمد يده إلى ما يعجز عنه وعن القيام به.
ومن أنواع رأس المال:
1- رأس المال المتداول ويقصد به المال الذى تنتهى منفعته الاقتصادية باستعماله مرة أو بضع مرات ، وتحسب قيمته بالكامل فى نفقة إنتاج السلعة المنتجة، مثل القطن الخام الذى يستخدم فى صناعة المنسوجات مرة واحدة.
2- رأس المال العامل ، ويقصد به الموارد السائلة الصافية لمنشاة ما فى السوق ، وهى الأصول الجارية مطروحا منها الالتزامات الجارية وتشمل عروض التجارة، ويستحق عليها الزكاة باعتبارها مالا ناميا بعد حولان الحول.
3- رأس المال الاجتماعى، ويقصد به المرافق العامة ومشروعات البنية الأساسية ومؤسسات حفظ النظام ، والأمن والعدالة، باعتبارها أصولا يتملكها المجتمع.
4- رأس المال المعنوى ويقصد به الشهرة فى التجارة أو التصنيع أو العلامة التجارية، والذى يضمن تحقيق رقم مرتفع من المبيعات ، وعلى ذلك فقد درج المحاسبون على تحديد قيمة نقدية للشهرة ضمن عناصر أصول رأس مال المشروع باعتبارها أصلا رأسماليا معنويا.
5- الأوراق المالية والسندات باعتبارها مساهمات فى رؤوس أموال المشروعات تدر عائدا سواء فى صورة أرباح موزعة على كل سهم ، وفائدة محددة تزاد على أصل قيمة السند فى تاريخ استحقاقه.
ويعتبر رأس المال أحد عناصر الانتاج حيث يشترك مع غيره من العناصرلتحقيق الإنتاج بدرجة تجعله محور التنمية الاقتصادية، ويحتل مكانا بارزا فى النظرية الاقتصادية للإنتاج والتوزيع ، وفى نظرية النمو الاقتصادى فى نفس الوقت.
ويطلق تعبير "رأسمالية" للدلالة على النضام الاقتصادى القائم على تطبيق قواعد العرض والطلب فى السوق الحرة، وعلى حرية القطاع الخاص فى النشاط الاقتصادى، وعلى حق الملكية الخاصة للأفراد والمشروعات ، وبحيث يكون تخصيص الموارد وتوزيع الدخل بمعرفة قوى السوق الحرة دون تدخل من السلطات الحكومية،التى تقتصر وظائفها على الدفاع والأمن والعدالة ومراقبة السوق والأسعار، ويعترف النظام الاقتصادى الرأسمالى بدور ثانوى للقطاع العام وفقا لما تقرره السلطات الحكومية فى مجال المنافع العامة، ذات الربحية الاجتماعية، وفى مجال الأنشطة الاستراتيجية.
أ.د/حمدى عبد العظيم
__________
الهامش:
1- المعحم الوسيط ، مجمع اللغة العربية، الطبعة الثالثة، القاهرة، 2 /927.
2- معجم مصطلحات الفقهاء، دار التراث القاهرة.
3- أحكام القرآن، ابن العربى، مكتبة عيسى الحلبى ، الطبعة الأولى، القاهرة،2 /1302.
مراجع الاستزادة:
1- لسان العرب ، ابن منظور، دار صادر ، بيروت.
2- قاموس المصطلحات الاقتصادية ، د محمد عمارة، دار الشروق ، القاهرة.
3- التنمية الاقتصادية، د. حمدية زهران ، مكتبة عين شمس ، القاهرة(1/156)
الرأفة
لغة: الرحمة، وقيل: أشد الرحمة.رأف به -يرأف ، ورئف ، ورؤف رأفة ، ورآفة- رحمه أشد رحمة.
شرعا وفى القرآن الكريم {ولا تأخذكم بهما رأفة فى دين الله}النور:2 ، أى لا ترحموهما فتسقطوا عنهما ما أمر الله به من الحد.
ومن صفات الله عز وجل: (الرءوف)، أى الرحيم بعباده ، العطوف عليهم بألطافه ، يقول تعالى: {والله رءوف بالعباد}البقرة:207 ، كما وصف الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم ، فقال {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم}التوبة:128 ، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد الرأفة بالمسلمين كثير المراعاة لاختلاف أحوالهم وما يعترى النفوس من فتور وملل ، يقول ابن مسعود -رضى الله عنه-: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة فى الأيام كراهة السآمة علينا) (البخارى: كتاب العلم)، وكان مع شدة ولعه بالصلاة يتجوز فيها إذا سمع بكاء الصبى، فقد روى أنه قال (إنى لأقوم فى الصلاة أريد أن أطيل فيها، فأسمع بكاء الصبى، فأتجوزفى صلاتى، كراهة أن أشق على أمه).(البخارى: كتاب الأذان).
ومن رأفة الله سبحانه وتعالى بعباده أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها، بل جعل الواجبات والفروض لا تكون مقبولة إلا إذا كانت فى اطار سهل ميسر لكل الناس ، فقد روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ، فسددوا، وقاربوا وأبشروا....). البخارى: كتاب الإيمان ، ومسند أحمد: 5 /69 ، ومن رأفته ورحمته أن المصر على الكفر طول حياته ، إذا تاب وأناب ، أسقط عنه العقاب وأعطاه الثواب الدائم والنعيم الخالد فى الآخرة.
ومن رآفة محمد صلى الله عليه وسلم بالمسلمين وصيته لأصحابه بأن ييسروا ولا يعسروا ويبشروا ولا ينفروا.
أ.د/محمد شامة
__________
مراجع الاستزادة:
1- مسكويه: تهذيب الأخلاق.
2- خلق المسلم: محمد الغرالى.
3- الإسلام دين ودنيا د/محمد شامه القاهرة 1688م.
4- الذريعة إلى مكارم الشريعة: الراغب الأصفهانى ، تحقيق د/أبواليزيد العجمى، ط دار الوفاع 1987(1/157)
الرحلات والرحالة المسلمون
اصطلاحا: هى الرحلات البرية والبحرية التى قام بها الرحالة المسلمون ، وقد تنوعت بتنوع أغراضها ، ومن تلك الأغراض: التجارة أو طلب العلم أو الحج ، ومن أهم دواعيها الكشف وحب استطلاع المجهول.
وبعد نمو الدولة الإسلامية على متسعات من آسيا وأفريقيا وأوربا ، ومن يسكنها من شعوب وحضارات وعقائد ولغات مختلفة، ظهرت الحاجة إلى معرفة العالم الإسلامى والعوالم المجاورة له ؟ كما أن بعض الرحالة كانت تحدوهم أغراض سياسية كمقدمة للتوسع ، أو تغليب مذهب على آخر كما حدث عندما صارت هناك دول إسلامية سنية وأخرى شيعية.
وقد ترتب على الرحلة الإسلامية نمو أسس معرفية لعلوم عديدة أخصها الجغرافيا والنقل والأنثروبولوجيا والاجتماع والسياسة ،وبدايات علم الخرائط التفصيلية للأقاليم بدلا من الاعتماد على خريطة العالم التى رسمها بطليموس الجغرافى السكندرى فى القرن الثانى الميلادى، والشىء نفسه تكرر فى العصر الحديث الذى بنى فيه الأوربيون علومهم على معارف المسلمين ، وهذه هى سنة البناء العلمى فقد بنى المسلمون علومهم علي معارف سابقيهم من روم ويونان وفرس وهنود إلخ..
وقد ترتب على الرحلات التى قام بها الجغرافيون ظهور أنواع متتالية من التأليف.
وآول الجغرافيين العرب كان الخوارزمى (ت 850م) الدى كان متأثرا بجغرافية بطليموس.
وفى القرنين التاسع والعاشر الميلاديين ظهرت كتب كثيرة تحت مسمى "المسالك والممالك " مثل اليعقوبى (ت 897م) الذى اهتم بما نسميه الآن الجغرافيا البشرية.
وابن خرداذبة (ت:912) اهتم بالطرق والمسافات فى كتابه " المسالك ".
والبلخى(ت:934).
وابن فضلان (بدأ رحلته إلى نهر الفولجا عام 921).
والاصطخرى كتب المسالك والممالك 933م.
والمسعودي (ت:957م) صاحب "مروج الذهب " الذى تضمن وصفا لاستدارة الأرض ومظاهرها الطبيعية وحضارات الماضى وشعوبه وبلاد الإسلام.
والمقديسى الذى أعطى للظاهرات المختلفة ألوانا خاصة على الخرائط وكتب "أحسن التقاسيم فى معرفة الأقاليم " بترتيب وتدقيق.
وكان ابن حوقل أكثر الجغرافيين الذين ارتحلوا فى تلك الفترة، وبلغ زمن رحلته نحو 32 سنة غطى فيها مشارق العالم الإسلامى ومغاربه ، فهو بدون منازع شيخ الرحالة، وكتب "صورة الأرض" 977م.
وفى القرنين 11 و 12م. برز من بين الرحالة الشريف الإدريسى (ت:1166) صاحب خريطة العالم على قرمى كبيرمن الفضة التى حلت محل خريطة بطليموس كأساس محدث يستند إليه إلى أن جاءت الكشوف الجغرافية ابتداء من ق 160م. كما كتب "نزهة المشتاق فى اختراق الآفاق".
أما ناصرخسرو(ت:1061م)وكتابه "سفر نامه " فيتضمن معلومات دقيقة عن الحياة الاجتماعية والاقتصادية للبلاد بين فارس ومصر قبيل الغزوات الصليبية.
وابن جبير الأندلسى (ت.1217م) قدم لمصر والحجاز والشام فى ثلاث رحلات طوال أوسطها بعد فتح صلاح الدين للقدس مباشرة، ولم يصلنا من كتاباته إلا القليل من الرحلة الأولى.
ثم ياقوتا الحموى (ت:1229م) صاحب "معجم البلدان" ، هو اتجاه بحثى هام وغير مسبوق ، حفظ لنا الكثير من أسماء وأبحاث الجغرافيين السابقين الذين فقدت أعمالهم.
أما العلامة البيرونى (ت:1048م) فلم يكن جغرافيا، لكنه أجاد فى الجوانب الفلكية والجغرافيا الرياضية.
وأنجب القرن14م أمير الرحالة المسلمين ابن بطوطة (ت:1377م) الذى قضى نحو 25 سنة فى رحلته الأولى من المغرب إلى الصين.
كما ظهر فى الفترة ذاتها عالم الاجتماع وفلسفة التاريخ ابن خلدون (ت:1406م) فى كتابه الشهير "ديوان المبتدأ والخبر فى تاريخ العرب والعجم والبربر"، وتجلت عبقريته فى مقدمة الكتاب التى تعد فلسفة فى العلوم الاجتماعية والعمرانية والسياسية.
أ.د/محمد رياض
__________
مراجع الاستزادة:
1- جغرافية العرب فى العصور الوسطى: عبد الفتاح وهيبة الجمعية الجغرافيه المصرية 1960.
2- الجغرافية والرحلات عن العرب: نقولا زيادة دار الكتاب اللبنانى بيروت 1962.
3- الجغرافيون العرب: مصطفى الشهابى دار المعارف ، سلسلة اقرأ عدد 230 القاهرة 1962.
4- تاريخ الأدب الجغرافى العربى: إغناطيوس كراتشوكوفسكى نقله إلى العربية صلاح الدين عثمان هاشم الإدارة الثقافية بجامعة الدول العربية،لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة 1963.
5- جهود الجغرافيين المسلمين فى رسم الخرائط: عبد العال الشامى الجمعية الجغرافية الكويتية 1981.
6- اسهامات بعض الرحالة العرب فى الدراسات الأنثروبولوجية المبكرة مجلة "دراسات" أحمد الربايعة مجلد 10 ، عدد1 ، عمان 1983.
7- الجغرافيون والرحالة المسلمين: مينوركسى،م.ف. ترجمة د/عبد الرحمن حميدة، الجمعية الجغرافية الكويتية، عدد 73، الكويت 1985(1/158)
الرحمة
لغة: الرِّقَّة ، والتَّعَطُّف ، و "الرحمة": المغفرة، يقول الله تعالى {.... وهدى ورحمة للمؤمنين}يونس:57 ، أى فصلناه هاديا وذا رحمة، يقول تعالى {.... ورحمة للذين آمنوا منكم..}التوبة:61.
رَحِمَةُ رَحمًا ، ورُحُمًا ، ورَحمَة: رقَّ له ،وشفق عليه ، وتعطف وغفر له ، يقول تعالى {وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة}البلد:17 ، أى أوصى بعضهم بعضا برحمة الضعيف ، والتعطف عليه.
ويقول تعالى: {إن رحمت الله قريب من المحسنين}الأعراف:56 ، أى عفوه ،وعنايته ، ورعايته "الرحيم": قد يكون بمعنى "المرحوم"، كما يكون بمعنى "الراحم" يقول الله تعالى {...... وأقرب رحما}الكهف:81 ، وقيل: "ترحمت عليه"،قلت: رحمه الله.
اصطلاحا: إرادة إيصال الخير وهى: اللطف والإحسان: أى التخلص من كل آفة أو نزعة تدفع الإنسان إلى الشر، مع إيصال الخير إلى الناس ، فمساعدة الضعيف رحمة، ومد يد العون للمحتاج رحمة، وتخفيف آلام الناس رحمة، وعدم القسوة على من -وما- تحت يد المرء رحمة، ومعاملة الأرحام -وخاصة الوالدين- بالحسنى رحمة.
وقد ذكرت كلمة "رحمة" فى القرآن الكريم 79 مرة توزعت فى سوره ، ابتداء من قوله تعالى: {أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة}البقرة:157 ، وحتى قوله تعالى {وجعلنا فى قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة}الحديد:27 ، وتدور معانيها حول رحمة الله بعباده ، وذلك بإنزال النعم عليهم فى الدنيا والآخرة، وفى مقدتها بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم لهم بالهدى والرحمة، يقول تعالى{فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة}الأنعام:157 ، ويقول {... وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين}الإسراء:82 ، ولبيان أن الرحمة لأصحاب الفضل واجبة، يقول تعالى {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة...}الإسراء:24 ،أو التبشير بالرحمة لمن تاب وأناب ، يقول تعالى {قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله}الزمر:53 ، فرحمة الله قريب من المحسنين وهى لعباده المطيعين لأوامره ، سواء كانت أمرا أو نهيا،كما بين القرآن الكريم أن الرحمة هى أساس العلاقة بين الزوجين ، يقول الله تعالى {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة}الروم:21 ، ومدح الله بها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار
رحماء بينهم....}الفتح:29.
وردت كلمة "رحمة" ومشتقاتها فى أحاديث عديدة، وكلها تدور حول: التواصل بين الناس ، ووصف المؤمنين بالتراحم والتعاطف فيما بينهم ، مثل: (ترى المؤمنين فى توادهم وتراحمهم ، وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد...) (البخارى: كتاب الأدب)،، و (الراحمون يرحمهم الرحمن) (سنن الترمذى: كتاب البر والصلة). كما تنفرهم من القسوة وعدم الرحمة، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "الجماعة رحمة والفرقة عذاب " (مسند أحمد)، وقوله: (لا تنزع الرحمة إلا من شقى، وقوله: نزعت منه الرحمة، فإذا نزعت منه الرحمة، لم تلقه إلا رجيما ملعونا) (سنن ابن ماجة: كتاب الفتن) ، وقوله: (من لا يرحم الناس لا يرحمه الله) (سنن الترمذى: كتاب البر والصلة)، ولهذا نص عليها فى رد السلام: (وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته)، ليتذكرها الناس دائما فيسود التعاطف والتالف بينهم.
أ.د/محمد شامة
__________
مراجع الاستزادة:
1- لسان العرب لابن منظور.
2- المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم محمد فؤاد عبد الباقي.
3- خلق المسلم محمد الغزالى.
4- الأخلاق والسير ومداواة النفوس لابن حزم ، تحقيق الطاهر مكى دار المعارف.
5- أدب الدنيا والدين للمواردى(1/159)
الرزق
لغة: الرزق بكسرالراء كل ما ينتفع به من المال أو الجاه أو السلطان أو الصحة أو الملبس أو المسكن أو الذرية أو العلم. ويشمل العطاء الدنيوى والأخروى.
والأرزاق نوعان: أرزاق ظاهرة للأبدان "كالأقوات ".
أرزاق باطنة للقلوب والنفوس "كالمعارف والعلوم" (1).
أما الرزق: بفتح الراء فهو المصدر الحقيقى، والمرة الواحدة رزقة ، والجمع رزقاف. يقول الجوينى الأشعرى: "والذى صح عندنا فى معنى الرزق أن كل ما انتفع به منتفع فهو رزقه ، فلا فرق بين أن يكون متعديا بانتفاعه ، وبين أن لا يكون متعديا به"(2).
واصطلاحا: الرزق يتسع ليضم كل ما يتغذى به سواء كان حراما أم حلالا وهذا ما يقول به أهل السنة. كما ورد فى عبارة الباقلانى التالية: "فإن قالوا: أفتقولون إن الله يرزق الحلال والحرام ؟ قيل لهم: أجل ، فقد دل على ذلك بقوله: {الله الذى خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم}الروم:40 ، فلما كان منفردا بالخلق والإماتة والاحياء كان منفردا بتولى الأرزاق ، فإن قيل: ما معنى قولكم إن الله يرزق الحرام ؟ قيل لهم: تأويل ذلك أن يجعله غذاء للأبدان ، وقواما للأجسام ، لا على معنى التمليك والاباحة لتناوله ، لأن ذلك مما قد أجمع المسلمون على خلافه (3).
ويعرف بعض المعتزلة الرزق بأنه: الملك ،بينما يعرفه المتأخرون منهم ، بأنه: ما ينتفع به المنتفع من ملكه (4). وعلى هذا المعنى يجوز للإنسان عندهم أن يأخذ رزقا غيره ، ويجوز أن يأخذ غيره رزقه. وهم يرون أن ما يتغذى به من الحرام ، لا يكون رزقا من الله لأنه لا يرزق الحرام وإنما هو من فعل العبد(5).
ويلزم من تعريف المعتزلة للرزق ، أن البهائم لم يرزقها الله ، لأنها لا تتصف بالملك ، وهذا يتناقض مع قوله تعالى {وما من دابة على الأرض إلا على الله رزقها}هود:6.
كما يلزم قولهم بأن من تغذى بالحرام طول عمره لم يرزقه الله سبحانه ، وهذا مخالف للنقل والعقل (1).
ويرى أهل السنة أن كل ما أكله الانسان أو شربه فهو رزقه حلالا أو حراما لا يتعداه ،فلا يأكل أحد رزق غيره ، ولا يأكل غيره رزقه.
أما الرزاق: فهو من غلبت نعمه شكر العباد، ولا يصح إطلاقه إلا على الله سبحانه وتعالى.
أ.د/محمد الأنور حامد عيسى
__________
الهامش:
1- لسان العرب لابن منظور (3/ 1636) دار المعارف القاهرة.
2- الإرشاد: (364) للجوينى: الخانجى بمصر.
3- التمهيد (370) للباقلانى: مؤسسة الكتب الثقافية بيروت 1987م.
4- شرح الأصول الخمسة (ص784) للقاضى عبد الجبار مكتبة وهبه 1965م.
5- راجع المغنى (11 /35).
6- أنطر أصول الدين للبغدادى (ص144)، والإرشاد للجوينى (ص365) استانبول 1928م(1/160)
رسائل الرسول (صلى الله عليه وسلم)
عُنِىَ الرسول صلوات الله وسلامه عليه عناية كبيرة بتبليغ الدعوة، وقد استعمل الرسول فى سبيل تحقيق هذا الهدف الدعوة بالكلمة المقولة والكلمة المكتوبة والأسوة الحسنة.
وفى الأسوة الحسنة كان الرسول صلوات الله وسلامه عليه نموذجا رائعا لكل صفات الخير، ويقول القرآن الكريم عنه: {لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة}الأحزاب:21. وتقول السيدة عائشة رضى الله عنها: (كان خلقه القرآن)(1).
وبمراجعة أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم نجد فيها أسمى طريق للخلق الحسن فى كل شىء.
وعنى الرسول صلى الله عليه وسلم بتربية الحكام والقضاة و الولاة كما عنى أعظم عناية بالتربية الاجتماعية(2).
واذا نظرنا إلى الكلمة المكتوبة: نجد رسائل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والرؤساء يدعوهم للإسلام تحقيقا لعالمية الإسلام كما جاء فى قوله تعالى: {تبارك الذى نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا}الفرقان:1 ، ثم توالت الآيات فى السور المكية تؤكد عالمية الإسلام كقوله تعالى: {وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا}سبأ:28 ، كما جاءت فى معنى عالمية الإسلام آيات فى سورة الأنبياء والأعراف وإبراهيم وبناء على هذه العالمية أرسل صلى الله عليه وسلم رسائله إلى ملوك عصره وأمراء عهده ، وتمتازهذه الرسائل بالنقاط التالية:
1- تجاهل الرسول صلى الله عليه وسلم تماما التوسعات الاستعمارية التى كان يقوم بها الروم والفرس ضد بعض المناطق العربية وكتب صلوات الله وسلامه عليه لولاة هذه المناطق مباشرة فكتب لوالى الروم على دمشق والمقوقس والى مصر، وكتب إلى باذان والى الفرس على اليمن ، وتعتبر هذه الخطوة رائعة ذات مغزى عظيم فى الدلالة على عظمة الدعوة.
2- صيغت كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنتهى الحكمة والبراعة فالرسول فيها سمح يدعو ولا يهدد، يخاطب الملوك والروساء بألقابهم ويعترف بمكانتهم ويقرر أن سلطانهم فى ظل الإسلام باق لهم ، وهو بذلك يؤكد أنه ليس طالب ملك ، ثم هو يذكر أن هناك زكاة فى أموال الأغنياء ولكنه يؤكد أن الزكوات والصدقات لا تحل لمحمد ولا آل محمد، وإنما تؤخذ من أغنياء المسلمين وترد على فقرائهم ، وهو بهذا يؤكد أنه ليس طالب مال.
3- كان عليه الصلاة والسلام يخاطب كل ملك حسب ظروفه ، فإن كان من أهل الكتاب أشار إلى ما بين الأديان السماوية من روابط ، وإذا كان من غيرهم أشار إلى التزام البشرية بالعودة إلى الله وترك عبادة ما سواه.
4- اختير المبعوثون بحيث يعرف كل منهم لغة من سيرسل إليه.
5- امتدت فترة إرسال الرسل فيما بين الحديبية ووفاة الرسول صلى الله عليه وسلم.
ونذكر هنا نصوص بعض الرسائل ككتاب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هرقل ملك الروم:
"من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم:
سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإنى أدعوك بدعوة الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن توليت فعليك إثم جميع الآريسيِّين".
{قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ،ولا نشرك به شيئا،ولا يتخذ بعضنا بعضا آربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون}آل عمران:64.
كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى فارس:
بسم الله الرحمن الرحيم:
من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس: سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله إلى الناس كافة، لأنذر من كان حيا ، أسلم تسلم ، فإن أبيت فعليك إثم المجوس.
كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس عظيم مصر:
بسم الله الرحمن الرحيم:
من محمد رسول الله إلى المقوقس عظيم القبط: سلام على من أتبع الهدى، أما بعد فإنى أدعوك بدعوة الإسلام ، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين {يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ،ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله ، فإن تولو فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون}آل عمران:64.
وتقول الرواية: إن المقوقس لما قرأ الكتاب سأل حامله (حاطب بن أبى بلتعة): ما منع صاحبك إن كان نبيا أن يدعو على من أخرجوه من بلده فيسلط الله عليهم السوء ؟ فقال حاطب: وما منع عيسى أن يدعو على أولئك الذين تآمروا عليه ليقتلوه فيسلط الله عليهم ما يستحقون ؟ قال المقوقس: أنت حكيم جئت من عند حكيم.
كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشى:
من محمد رسول الله إلى النجاشى ملك الحبشة: سلام عليك إنى أحمد الله إليك ،الله الذى لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن ، وأشهد أن عيسى بن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة، فحملت بعيسى فخلقه الله من روحه كما خلق آدم بيده ، وإنى أدعوك وجنودك إلى الله عز وجل ، وقد بلغت ونصحت فاقبلوا نصحى، والسلام على من اتبع الهدى.
وقد أدت الرسائل كلها مهمتها خير أداء.
أ.د/أحمد شلبى
__________
الهامش:
1- صحيح البخارى: باب الأخلاق.
2- موسوعة التاريخ الإسلامى: أحمد شلبى، الجزء الأول.
مراجع الاستزادة:
1- الصحيحان: البخارى ومسلم.
2- تاريخ الأمم والملوك: الطبرى 2 /644-657.
3- تاريخ الواقدى: 2/ 33 وما بعدها.
4- الأموال: لأبى عبيد ص20-24.
5- زاد المعاد: ابن القيم 1/ 30-33.
6- الروض الأنف: السهيلى 1/ 250.
7- الأغانى الأصفهانى 6/ 348،349.
8- السيرة النبوية: ابن هشام 2/ 352،353.
9- فتوح مصر وأخبارها: ابن الحكم ص40 وما بعدها.
10- تهذيب الأسماء: 2/ 150 وما بعدها(1/161)
الرِّضاع
لغة: شرب اللبن من الضرع أو الثدى، تقول: رضع يرضع بكسر الضاد فيهما، وبفتح الضاد فى المضارع ، كما فى اللسان (1).
واصطلاحا: يقال: امرأة مرضع ، إذا كان لها ولد ترضعه ، وهو أخوه من الرضاعة بفتح الراء، ومدته حولان كاملان غير لازمة التمام (3) ، يقول تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة}. البقرة:233.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " (رواه مسلم).
مصداقا لقوله تعالى -فى بيان بعض أسباب التحريم- {وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة}النساء:23.
وموجزما قاله علماء الفقه والتفسير فى إيضاح ذلك: إذا أرضعتا المرأة طفلا حرمت عليه لأنها أمه ،وبنتها كأنها أخته ، وأختها كأنها خالته ، وأمها لأنها جدته ، وبنت زوجها صاحبا اللبن لأنها أخته ،وأخته لأنها عمته ، وأمه لأنها جدته ،وبنات بنيها وبناتها لأنهم بنات إخوته وأخواته ، وأما الأخوات من الرضاعة، فهن الأخت لأب وأم ، وهى التى أرضعتها أمك بلبان أبيك سواء أرضعتها معك أوولدت قبلك أو بعدك ، والأخت للأب دون الأم ، وهى التى أرضعتها زوجة أبيك ، والأخت من الأم دون الأب ، وهى التى أرضعتها أمك بلبان رجل آخر(3).
والرضاع المحرم: هو الذى يحدث فى الحولين عند جمهور العلماء: لأنه هو الذى ينبت اللحم وينشز العظم.
وزاد الإمام مالك الشهر ونحوه بعد الحولين.
وزاد الامام أبو حنيفة ستة أشهر كذلك.
وانفرد الإمام الليث بن سعد بالقول بأن رضاع الكبير يحرم ، وهو قول السيدة عائشة رضى الله عنها،محتجة بقصة سالم مولى أبى حذيفة. حيث صار رجلا، وكان قد تربى فى حجر زوجة أبى حذيفة، فلما بلغ مبلغ الرجال ترددت فى دخوله عليها لما رأته فى وجه أبى حذيفة من التغير، فقال لها صلى الله عليه وسلم "أرضعيه " (خرّجه صاحب الموطأ ، وغيره)(4).
ويحصل التحريم عند الحنفية والمالكية بوصول أى قدر من اللبن إلى جوف الرضيع.
ولو بمصة واحدة؛ لعموم النص.
وعند الشافعى وأحمد بن حنبل بخمس رضعات متفرقات ؛ لحديث عائشة مرفوعا (كان فيما أنزل الله فى القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ، ثم نسخن بخمس معلومات..) الحديث.. (رواه مسلم)(5).
وعند داود الظاهرى بثلاث رضعات ؛ محتجا بحديث (لا تحرم الإملاجة والإملاجتان) (رواه مسلم)(6) فتكون الثلاثة محرمة.
ولا يثبت التحريم بالشك فى الرضاع ، بل لابد فيه من اليقين بحصوله.
أ.د/أحمد على طه ريان
__________
الهامش:
1- لسان العرب لابن منظور، مادة (رضع) طبعة دار المعارف.
2- القوانين الفقهية لابن جزى، ص216 ، طبعة عالم الفكر القاهرة.
3- الجامع لأحكام القرآن للقرطبى ص1682 ط الشعب.
4- الموطأ للإمام مالك بن أنس 2/ 44 مع شرحه تنوير الحوالك ، الطبعة الأخيرة مصطفى البابى الحلبى.
5- صحيح مسلم 4/ 167 ط الشعب.
6- السابق نفسه ،4/ 167.
مراجع الاستزادة:
1- الذخيرة للقرافى من ص275 إلى 383 دار الغرب الإسلامى بيروت.
2- نيل الأوطار للشوكانى 6/ 347-359.
3- الهداية لأبى الحسن على بى أبى بكر بن عبد الجليل المرغينانى 1/ 223-225 الطبعة الأخيرة مصطفى البابى الحلبى(1/162)
الرِّفق
لغة: ضد العنف ،فهولين الجانب ولطافة الفعل ، وصاحبه: رفيق ، وفى الحديث: (من أعطى حظه من الرفق فقد أعطى حظه من الخير،ومن حرم حظه من الرفق فقد حرم حظه من الخير.) (سنن الترمذى-البر) .
رفقه: نفعه وأعانه ، ورفق به ، وله ، وعليه -رفقا ، ومرفقا-: عامله برفق ، والرفق ،والمِرفَق ، والمَرفَق ، والمَرفِق: ما استعين به ،ففى القرآن الكريم {ويهيئ لكم من أمركم مرفقا}الكهف:116.
اصطلاحا: صفة يحبها الله فى كل مجالات الحياة، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب الرفق فى الأمر كله) البخارى: كتاب الأدب ، ولهذا ينبغى على كل مسلم -بل على كل إنسان ذى عقل سليم- أن يلتزم بالرفق. إزاء كل من -وما- تحت يديه ؛ فيرفق بأبويه وأهله ، ويكون رفيقا بمن تحت يديه فى العمل ، وبما سخره الله له من حيوانات ، عطوفا على الضعفاء والمساكين ، لينال ستر الله فى الدنيا ، ويحظى بدخول جنته فى الآخرة، يقول رسول صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه ستر الله عليه ،وأدخله جنته: رفق بالضعيف ، وشفقة على الوالدين ، وإحسان إلى المملوك).(الترمذى: كتاب القيامة) ، والرفق -بالإضافة ثوابه فى الدنيا والآخرة- يرفع درجة صاحبه بين الناس ، بحيث تلهج ألسنتهم عند ذكره بالثناء عليه والدعاء له ، ومن سلب هذه الصفة، فسلك مع الناس سلوك العنف ،و تعامل معهم بالشدة، صبوا عليه اللعنات.
وجردوه فى حديثهم من الإنسانية. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الرفق لا يكون فى شىء إلا زانه ،ولا ينزع من شىء إلا شانه) (مسلم: كتاب البر)، فالخير كل الخير فى الالتزام بالرفق ، والشر كل الشر لمن حرم الرفق ، ومال إلى ضده ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حرم الرفق حرم الخير).(مسلم-كتاب البر).
أ.د/محمد شامة
__________
مراجع الاستزادة:
1- لسان العرب لابن منطور دار صادر بيروت.
2- الأخلاق والسير لابن حزم تحقيق الطاهر مكى ط دار المعارف.
3- رياض الصالحين ط دار الإفتاء والبحوث الرياض.
4- أدب الدنيا والدين تحقيق مصطفى السقا ط دار الكتب العلمية بيروت.
5- خلق المسلم محمد الغزالى(1/163)
الرِّقّ
لغة: هو الشىء الرقيق ،نقيض الغليظ والثخين (لسان العرب).
واصطلاحا: هو الملك والعبودية، أى نقيض العتق والحرية، والرقيق-بمعنى العبد- يطلق على المفرد والجمع ، وعلى الذكر والأنثى. أما العبد، فهو الرقيق الذكر، ويقابله الأمة للأنثى ومن الألفاظ الدالة على الرقيق الذكر لفظها الفتى، والغلام ، وعلى الأنثى لفظتا الفتاة والجارية. أما القِنّ فهو أخص من العبد، إذ هو الذى مُلك هو وأبواه ، ومالك الرقيق هو السيد ، أو المولى.
والرق نظام قديم قدم المظالم والاستعباد والطبقية والاستغلال فى تاريخ الإنسان ،وإليه أشار القرآن الكريم فى قصة يوسف عليه السلام: {وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يابشرى هذا غلام وأسروه بضاعة والله عليم بما يعملون. وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين.وقال الذى اشتراه من مصرلامرأته أكرمى مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا}يوسف:19-21 ، وكان الاسترقاق من عقوبات السرقة عند العبرانيين القدماء، وعندما سئل إخوة يوسف عن جزاء السارق لصواع الملك: {قالوا جزاؤه من وجد فى رحله فهو جزاؤه}يوسف:75.
وفى الحضارات القديمة كان الرق عماد نظام الإنتاج والاستغلال ، وفى بعض تلك الحضارات -كالفرعونية المصرية والكسروية الفارسية- كان النظام الطبقى المغلق يحول دون تحرير الأرقاء، مهما توفر لأى منهم الرغبة أو الإمكانات.
وفى الحضارة الرومانية كان السادة هم الأقلية الرومانية، وكانت الأغلبية فى الإمبراطورية برابرة أرقاء، أو فى حكم الأرقاء.
وللأرقاء فى تلك الحضارات ثورات من أشهرها ثورة "سبارتاكوس " (73-71 ق.م).
وعندما ظهر الإسلام كان التمييز العرقى والطبقى والمظالم الاجتماعية بمثابة منابع وروافد تغذى "نهر الرق " فى كل يوم بالمزيد من الأرقاء. وذلك من مثل:
1- الحرب ، بصرف النظر عن حظها من الشرعية والمشروعية، فالأسرى يتحولون إلى أرقاء، والنساء يتحولن إلى سبايا وإماء.
2- الخطف ، يتحول به المخطوفون إلى رقيق.
3- ارتكاب الجرائم الخطيرة كالقتل والسرقة والزنا كان يحكم على مرتكبيها بالاسترقاق.
4- العجز عن سداد الديون ، كان يحول الفقراء المدينين إلى أرقاء لدى الأغنياء الدائنين.
5- سلطان الوالد على أولاده ، كان يبيح له أن يبيع هؤلاء الأولاد، فينتقلون من الحرية "إلى العبودية ".
6- سلطان الإنسان على نفسه ، كان يبيح له بيع حريته ، فيتحول إلى رقيق.
7- النسل المولود من كل هؤلاء الأرقاء يصبح رقيقا حتى ولو كان أبوه حرا.
ومع كثرة واتساع هذه الروافد التى تمد نهر الرقيق -فى كل وقت- بالمزيد من الأرقاء، كانت أبواب العتق والحرية إما موصدة تماما، أو ضيقة عسيرة على الولوج منها.
وأمام هذا الواقع ، اتخذ الإسلام منذ ظهوره طريق تحرير الأرقاء، وإلغاء نظام العبودية بنهج متميز، فهو لم يتجاهل الواقع ، وأيضا لم يعترف به على النحو الذى يبقيه ويكرسه.
لقد بدأ الاسلام بأغلاق أغلب الروافد التى كانت تمد نهر الرقيق بالمزيد منهم إلا أسرى الحرب المشروعة، والنسل إذا كان أبواه من الأرقاء، وحتى أسرى الحرب المشروعة، فتح أمامهم باب العتق والحرية {فاذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوتاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها}محمد:4 ، فعندما تضع الحرب أوزارها ، يتم تحرير الأسرى، إما بالمن عليهم بالحرية وإما بمبادلتهم بالأسرى المسلمين لدى الأعداء.
ومع إغلاق روافد الاسترقاق ومصادره التفت الإسلام إلى "كتلة" واقع الأرقاء، فسعى إلى تصفيتها بالتحرير، فحبب إلى المسلمين عتق الأرقاء تطوعا لتحرير الانسان من عذاب النار يوم القيامة.
كما جعل عتق الأرقاء كفارة للكثير من الذنوب والخطايا.
وجعل للدولة مدخلا فى تحرير الأرقاء عندما جعله مصرفا من المصارف الثمانية لفريضة الزكاة. يقول سبحانه {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقابا والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم}التوبة:60.
كما جعل الحرية هى الأصل الذى يولد عليه الناس ، والرق هو الاستثناء الطارئ الذى يحتاج إلى إثبات ، فمجهولو الحكم هم أحرار، وعلى مدعى رقهم إقامة البينات ، وأولاد الأمة من الأب الحر أحرار وقد قيل: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ؟.
كذلك ، ساوى الإسلام بين العبد والحر فى كل الحقوق الدينية، وفى أغلب الحقوق المدنية، وكان التمييز فقط -فى أغلب حالاته- للتخفيف عن الأرقاء مراعاة للاستضعاف والقيود التى يفرضها الاسترقاق عليهم.
فالمساواة تامة فى التكاليف الدينية، وفي الحساب والجزاء، وشهادة الرقيق معتبرة عند الحنابلة، وله حق الملكية فى ماله الخاص ، والدماء متكافئة فى القصاص. وإعانته على شراء حريته -بنظام المكاتبة والتدبير- مرغوب فيها دينيا {والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذى آتاكم}النور:33.
وبعد أن كان الرق من أكبر مصادر الاستغلال والثراء لملاك العبيد، حوله الإسلام -بمنظومة القيم التى كادت أن تسوى بين العبد وسيده- إلى ما يشبه العبء المالى على ملاك الرقيق ، فمطلوب من مالك الرقيق أن يطعمه مما يأكل ويلبسه مما يلبس ، ولا يكلفه من العمل ما لا يطيق ، بل والمطلوب منه -أيضا- إلغاء كلمة "العبد" و "الأمة" واستبدالها بكلمة " الفتى" و "الفتاة".
بل لقد مضى الإسلام إلى ما هو أبعد من تحرير الرقيق ، فلم يتركهم فى عالم الحرية الجديد دون عصبية وشوكة وانتماء، وإنما سعى إلى إدماجهم فى القبائل والعشائر والعصبيات التى كانوا فيها أرقاء، فأكسبهم عزتها وشرفها ومكانتها ومنعتها وما لها من إمكانات ، وبذلك أقام نسيجا اجتماعيا جديدا عن طريق "الولاء" الذى قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الولاء لحمة كلحمة النسب " رواه الدارمى. حتى لقد غدا أرقاء الأمس "سادة" فى أقوامهم ، بعد أن كانوا "عبيدا" فيهم.
وقد قال عمر بن الخطاب -وهو من هو- عن بلال الحبشى الذى اشتراه أبو بكر الصديق وأعتقه: سيدنا أعتق سيدنا! كما تمنى عمر بن الخطاب أن يكون سالم مولى أبى حذيفة حيا فيختاره فى منصب الخلافة؛ فالمولى الذى نشأ رقيقا قد حرره الإسلام ، فكان إماما فى الصلاة وأهلا لخلافة المسلمين.
ورغم انتكاس الواقع التاريخى للحضارة الإسلامية بعد عصر الفتوحات وسيطرة العسكر المماليك على الدولة الإسلامية، إلا أن حال الأرقاء فى الحضارة الإسلامية قد ظلت أخف قيودا وأكثر عدلا بما لا يقارن من نظائرها خارج الحضارة الإسلامية.
عندما سعت أوربا فى القرن التاسع عشر إلى إلغاء نظام الرق وتحريم تجارته ، لم تكن دوافعها -فى أغلبها- روحية ولا قيمية ولا إنسانية، وإنما كانت فى الأساس ، دوافع مادية؛ لأن نظامها الرأسمالى قد رأى فى تحرير الرقيق سبيلا لجعلهم عمالا أكثر مهارة، وأكثر قدرة على النهوض باحتياجات العمل الفنى فى الصناعات التى أقامها النظام الرأسمالى.
ولقد كان القرن الذى دعت فيه أوربا لتحريرالرقيق هو القرن الذى استعمرت فيه العالم فاسترقت بهذا الاستعمار الأمم والشعوب استرقاقا جديدا، لا تزال الإنسانية تعانى منه حتى الآن.
أ.د/محمد عمارة
__________
مراجع الاستزادة:
1- معجم العلوم الاجتماعية مجمع اللغة العربية، ط القاهرة 1975م.
2- دائرة المعارف الإسلامية ط القاهرة 1418هـ 1998م.
3- تفسير النسفى ط القاهرة 1344 هـ.
4- الإسلام والثورة د/محمد عمارة، ط دار الشروق ، القاهرة 1988م(1/164)
الركاز
لغة: قطع ذهب وفضة أو معدن تخرج من الأرض ، وقال أهل العراق الركاز، المعادن كلها، وقال أهل الحجاز الركاز: كنوز الجاهلية، فأما المعادن فليست بركاز. قال أبو عبيد: وهذان القولان تحتملهما اللغة، لأن كلا منهما مركوز فى الأرض أى ثابت ، كما فى اللسان (1).
واصطلاحا: اختلف الفقهاء فى حقيقته ، فجمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة على أن الركاز هو ما وجد من دفن الجاهلية بأن توجد عليه آثارهم ، أو يعثر عليه فى قبورهم أو مبانيهم ،وعلى هذا يختلف الركاز عن المعدن الذى هو جزء من الأرض.
بينما يذهب أبو حنيفة إلى أن الركاز يشمل ما وجد من دفن الجاهلية، أو ما استخرج من باطن الأرض من المعدن سواء كان جزءا منها، أوتكون فيها بفعل مؤثرات جيولوجية متنوعة، فيوجد على هيئة عروق ممتدة، فيقطع الجزء الخاص بالمعدن منها، ويصفى من خلال أجهزة معينة مما علق به من شوائب ، ولا تخرج زكاته إلا بعد تصفيته ، وقد أوجب فى الجميع الخُمس.
بينما أوجب الجمهور فى الركاز، وهو ما وجد من دفن الجاهلية، الخمس لسهولة استخراجه وقلة تكاليفه خلافا للشافعى الذى أوجب فيه ربع العشر، وأوجبوا فى المعدن ربع العشر، نظرا لكثرة ما ينفق على استخراجه وتصفيته من تكاليف.
أما ما وجدت عليه علامة أهل الإسلام ،أو فى المبانى الإسلامية، أو فى طرق المسلمين المستعملة فى حركتهم وتنقلاتهم ، فإنه ليس بكنز جاهلى ولا يعطى حكم الركاز بل هو لقطة يجب أن تعرف سنة إن كانت قيمته ذات بال ، وإلا فهو لواجده ، وقد ميز رسول الله صلى الله عليه وسلم بين هذين النوعين بحديثه الشريف "ما كان فى طريق مأتى أو فى قرية عامرة فعرفها سنة فإن جاء صاحبها، وإلا فلك ،وما لم يكن فى طريق مأتى ولا قرية عامرة، ففيه وفى الركاز الخمس " (رواه النسائى)(2).
وهذا القدر الواجب إخراجه يجب على واجده أيا كان معتقده أو حاله ، أى سواء كان مسلما أو ذميا، كان صغيرا أم كبيرا، عاقلا أومجنونا. وهذا قول جمهورالفقهاء لعموم حديث (وفى الركاز الخمس) خلافا للشافعى الذى أوجبه فقط على من تجب عليه الزكاة.
على أن ما يخرج من القدر الواجبه فى المعدن والركاز لا يشترط فيه مرور الحول بل يخرج كل منهما بمجرد العثور عليهما ، وإمكانية الانتفاع بهما.
وما بقى من الركاز بعد القدر الواجب فهو لواجده من مسلم ، أو ذمى، أو غيرهما ، شأنه شأن الغنيمة، بخلاف المعدن ، فإنه بعد إخراج زكاته يكون لصاحب الأرض التى وجد فيها، إذ هو جزء منها عند جمهور الفقهاء.وأن كان بعض العلماء يرى أنه ملك الدولة وأن كانت هى التى ملكت الأرض التى وجد بها معدن أو الركاز لبعض الأفراد أو الهيئات (3).
أ.د/أحمد على طه ريان
__________
الهامش:
1- لسان العرب لابن منظور مادة (ركز) طبعة دار المعارف.
2- سنن النسائى بشرح الحافظ السيوطى 3/ 44 طبعة دار إحياء التراث العربى بيروت.
3- المغنى لابن قدامة 4/ 231،245 دار هجر للطباعة والنشر القاهرة، والقوانين الفقهية لابن جزى ص110 عالم الفكر.
مراجع الاستزادة:
1- التفريع لعبد الله بن الحسين بن الحسن بن الجلاب 1/ 279.
2- حاشية الشرقاوى على تحفة الطلاب لعبد الله بن حجازى بن إبراهيم الشرقاوى من ص346 إلى ص347 دار المعارف بيروت.
3- كشاف القناع عن متن الإقناع لمنصور بن يونس البهوتى 3/ 226-228 مكتبة النصر الحديثة الرياض(1/165)
الرهبانية
لغة: رَهِبَ ، يَرِهَبُ ، رَهبّة ورهبا ، ورَهَبا: خاف رَهِبَ الشىء: خافه تَرَهَّبَ الرَّجُلُ: صار راهبا يخشى الله. والراهب: المتعبد فى صومعة، وجمعه: رهبان ، وجمع الراهبة: راهبات ، ورواهب. والمصدر: الرهبة، والرهبانية. والرهبنة: اسم من معنى الراهب ، أى اتخاذ طريق الرهبان.
واصطلاحا: حياة دينية منعزلة عن المجتمع ، سماتها: التقشف ، والاستغراق فى العبادة وصورتها: حياة الفرد وحده منعزلا عن الناس ، أو فى جماعة عزلت نفسها عن المجتمع فى الصحراء، أو فى بناء خاص يطلق عليه: الدير.
وتدل الرهبنة فى مجال التاريخ الدينى والاجتماعى على شكل اجتماعى له الخصائص التالية:
مجموعة من الرجال -أو النساء- يعيشون معا فى تجمعات صغيرة، داخل مجموعات أكبر، وتتصرف فيما تحت يدها على أساس أنه ملكية شائعة طبقا للتعاليم التقشفية التى التزموا بها، ويلتزمون فى جميع تصرفاتهم بما رسمه لهم الحبر الأكبر فى معزل عن إخوانهم فى العقيدة.
ولا يرتبط ظهور الرهبنة بجنس خاص من البشر ولا تتعلق الرهبنة بلغة معينة ، فهى ظاهرة عامة وجدت فى كثير من المجتمعات ،وتأسست تحت عباءة أديان عدة على درجات متفاوتة، وبصور متعددة ، إذ توجد فى الهندوسية، والبوذية، (وخاصة فى سيلان والتبت).
وكان أول ظهورها بين المسيحيين فى مصر، وكانت فى صورة حياة داخل صوامع ،تحولت فيما بعد إلى أديرة على يد " Basilius "(330-370) ثم أدخلها " Benedikt " (480-547) -الذى يعتبر أب الرهبنة الأوروبية- إلى أوروبا على شكل حياة فى أديرة خاصة منعزلة عن المجتمع.
ظهرت الرهبنة فى التاريخ الدينى مرتبطة بالمسيحية، ويرجع المؤرخون السبب فى ظهورها بين المسيحيين إلى أنهم كانوا يرون من ملوكهم ما لا يصبرون عليه ، فاتخذوا أسرابا وصوامع وابتدعوا ذلك فلما ألزموا أنفسهم ذلك التطوع ، ودخلوا فيه ، لزمهم تمامه ، كما أن الإنسان إذا جعل على نفسه صوما لم يفترض عليه لزمه أن يتمه.
كما استدل المسيحيون على شريعة الرهبنة بنصوص من العهد الجديد، إذ يكررون فى هذا الصدد ما جاء فى إنجيل متى على لسان عيسى عليه السلام: "......إن أردت أن تكون كاملا فاذهب وبع أملاكك ،وأعط الفقراء، فيكون لك كنز فى السماء، وتعال اتبعنى"(19 :21).
وبعبارة وردت فى رسالة بولس إلى العبرانيين "...... وهم لم يكن العالم مستحقا لهم: تائهين فى برارى، وجبال ،ومغاير، وشقوق الأرض ، فهؤلاء كلهم مشهود لهم بالإيمان...."(11:38-39).
وقد دفعت هذه الكلمات كثيرا من المسيحيين إلى اللجوء إلى الأديرة، فأصبحت فى مصر مكانا لمن ليس له وطن أو مكان يستقر فيه وعنده شعور داخلى يدفعه إلى الزهد فى الحياة الدنيا، كما ظهرت جماعة من الزهاد المتجولين فى سوريا، اعتبروا أنفسهم المنقذين لمبادئ الرهبنة بكاملها.
وتدل كتابات "Klement " الإسكندرانى (توفى قبل عام 215 م) على أن رجال الدين كانوا يرون: أن فى محيط الرهبنة يتثقف ويتخرج أحسن التلاميذ، ويعنون بذلك أن الرهبان هم القادرون على حمل الرسالة للآخرين ، وهم النموذج الأمثل فى مجال التبشير بالمسيحية. ويرى "Origenes" (185-254) أن حياة الرهبان هى النموذج الكامل لحياة المسيح وتوجد الرهبنة عند كل الطوائف المسيحيه ما عدا الطائفة الإنجيلية (البروتستانت).
وفى القرآن الكريم وردت كلمة رهبانية مرة واحدة فى قوله تعالى: {...... وجعلنا فى قلوب اللذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها...}الحديد:27 ، أى أنهم ابتدعوا فى الدين ما لم يأمر به الله ، ثم لم يلتزموا بما زعموا أنه قربة يقربهم إلى الله عز وجل.
وفى الحديث: (إن الرهبانية لم تكتب علينا) مسند أحمد قال ابن الأثير: هى من رهبنة النصارى، وأصلها من الرهبة، أى الخوف: كانوا يترهبون بالتخلى عن أشغال الدنيا ، وترك ملاذها والزهد فيها، والعزلة عن أهلها، وتعمد مشاقها، حتى أن منهم من كان يخصى نفسه ، ويضع السلسلة فى عنقه. فنفاها النبى صلى الله عليه وسلم عن الإسلام ، ونهى المسلمين عنها. وفى الحديث (وعليك بالجهاد فإنه رهبانية الإسلام.) (مسند أحمد).
أ.د/محمد شامة
__________
مراجع الاستزادة:
1- تفسير القرآن العظيم: ابن كثير.
2- المسند أحمد بن حنبل.
3- Die Religion in Geschichte، herausgegebn von Kurt Karten، Tuebengen 1957(1/166)
الرهن
لغة: يطلق على ما يفيد الثبوت والدوام على الشىء والارتباط به ، كما فى اللسان(1).
واصطلاحا: عرفه الفقهاء بأنه حبس الشىء، بحق يمكن أخذه منه كالدين(2) وتتكون عناصره من:
1- الراهن ، وهو المدين صاحب الرهن ،وشرط: أن يكون جائز التصرف فى المال بأن يكون بالغا عاقلا رشيدا مالكا للرهن ،لازم من جهته متى تم قبضه.
2- المرتهن ، وهو الدائن بدين لازم ،والرهن غير لازم من جهته لأنه أخذه للتوثق بدينه ، فإن حصل التوثق من جهة أخرى غير الرهن فلا بأس من إعادة الرهن إلى راهنه.
والرهن يوضع عند المرتهن إلى أن يسدد الدين ، ويجوز الاتفاق على وضعه عند شخص أمين.
3- الرهن ، وهو الشىء المرهون وشرطه أن يكون فيه وفاء الدين حتى إذا لم يقم المدين بالسداد فى الموعد فإن الرهن يباع ويستوفى الدين من ثمنه.
4- المرهون به ، وهو الدين الذى يشترط فيه أن يكون لازما ولابد من معرفة قدره ،وجنسه ، وصفته.
5- الصيغة ، وهى الإيجاب والقبول.
وقد جاء فى القرآن الكريم {وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة}البقرة:283 ، فقد أفاد النص الكريم أن الرهن المقبوض فى السفر يحل محل التوثق بالكتابة التى جرى الشرع والعرف على التوثق بها ، وإنه وإن ذكر السفر فى الدين لكنه ليس على سبيل الاشتراط ،بل إنه خرج مخرج الغالب ، إذ يغلب فى السفر عدم وجود أدوات الكتابة مع حصول النسيان والتعرض للموت فيه(3)، وقد ورد جواز الرهن فى الحضر بما روته عائشة رضى الله عنها قالت "اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم من يهودى طعاما ورهنه درعا من حديد" رواه مسلم(4). واستغلال الرهن مدة الرهن إنما يكون من قبل المرتهن لحساب الراهن ، ولا يأخذ من عائد الاستغلال إلا قدر نفقته عليه إن كان يحتاج إلى نفقة ، لقوله عليه الصلاة والسلام (الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا وعلى الذى يشرب ويركب النفقة) رواه البخارى.
أ.د/أحمد على طه ريان
__________
الهامش:
1- لسان العرب لابن منظور مادة (رهن) طبعة دار المعارف.
2- التعريفات للجرجانى ص163 ط الكتب العلمية بيروت.
3- حاشية الصاوى على تفسير الجلالين 1/ 126 ط مصطفى البابى الحلبى.
4- صحيح مسلم 11/ 40 مع شرحه للإمام النووى، طبعة دار الفكر بيروت.
5- صحيح البخارى 9/ 69 طبعة مصطفى البابى الحلبى بمصر.
مراجع الاستزادة:
1- الروض المربع ليونس بن منصور البهوتى 2/ 191-195 دار الفكر بيروت.
2- الكافى لابن عبد البر ص140-141 دار الكتب العلمية بيروت.
3- المهذب لإبراهيم بن على الفيررزآبادى 1/ 305-328 طبعة عيسى الحلبى(1/167)
الرؤيا
لغة: على وزن فُغلَى غير منصرف لألف التأنيث ، وهى ما رأيته فى منامك قال الليث: لا تجمع الرؤيا، وقال غيره: تجمع الرؤيا على رؤى كما يقال عليا وعلىَّ كما فى اللسان(1).
واصطلاحا: ورد فى القرآن {إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إنى رأيت أحد عشركوكبا والشمس والقمر رأيتهم لى ساجدين. قال يابنى لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين}يوسف:4،5 ، كما جاء فى سورة يوسف أيضا رؤيا الفتيين ، ورؤيا الملك فى أكل السبع البقرات السمان للسبع العجاف(2) ورؤيا إبراهيم عليه السلام أنه يذبح ولده(3).
وقد ورد فى السنة الكثير من الحديث عن الرؤيا ونكتفى منها بحديث أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا ، ورؤيا المسلم جزء من خمسة وأربعين جزءا من النبوة. والرؤيا ثلاثة: فالرؤيا الصالحة بشرى من الله ورؤيا تحزين من الشيطان ، ورؤيا ما يحدث المرء نفسه فإن رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل ولا يحدث بها الناس...) رواه مسلم(4).
وقد وردت عدة روايات فى هذا الحديث جاءت بلفظ (من ست وأربعين جزءا من النبوة) وفى رواية من حديث ابن عمر رضى الله عنهما (من سبعين جزءا من النبوة) وجميع هذه الرؤايات أخرجها مسلم فى صحيحه(5) وقد نقل عن ابن عبد البر، أن الاختلاف فى مقدار الجزء إنما هو بحسب يقين الرائى، وإخلاصه ، ودرجة تقواه ، كما أن الأنبياء يتفاضلون(6).
وبالجملة فإن أهل العلم يتفقون على أن الرؤيا الصادقة من الله تعالى وأن التصديق بها حق ، وتحتاج إلى التأويل الحسن ، ولا ينبغى أن تعبر إلا من أهل العلم العارفين بالتأويل كما أن فيها من بديع صنع الله وجميل لطفه ما يزيد المؤمن فى إيمانه ، ولم ينكرالرؤيا إلا أهل الإلحاد من قدامى ومحدثين ، وشرذمة من المعتزلة حيث إنهم لينسبونها إلى ما يغلب على الإنسان من الطبائع الأربعة فإن غلبت السوداء عليه رأى السواد والأهوال ، وان غلبت عليه الصفراء رأى النار والمصابيح والمعصفرات وإن غلب عليه البياض رأى المياه والأنهار، وإن غلب عليه الدم رأى الشراب والرياحين والمعازف(7) قال الكرمانى فى الرؤيا ثمانية أقسام ، سبعة لا تعبر وواحد يعبر، حيث أضاف إلى الأربعة السابقة خامسا: وهو الرؤى المنعكسة عما يجول فى النفس فى حالة اليقظة. وسادسا وهو ما كان من رؤى الشيطان ويعرف بكونه يأمره بمنكر وينهاه عن المعروف. وسابعا وهو ما كان من قبيل الاحتلام.
أما الرؤيا التى تعبر فهى ما ينقله ملك الرؤيا من اللوح المحفوظ من أمور دنيا الرائى وأخراه(8) وعلى ذلك فما قاله الملحدون ومن معهم إنما هو نوع من الرؤيا وليس هو كل الرؤيا بل هو يدخل فى أضغاث الأحلام التى آشار إليها المصطفى صلى الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح (الرؤيا من الله والحلم من الشيطان) رواه مسلم(9).
أما الأحكام الفقهية التى تلقى فى الرؤيا وكانت مخالفة للأحكام المستقرة فى الشريعة الإسلامية فإنه لا يعمل بها قال الإمام القرافى: من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم و وقال له مثلا: إن امرأتك طالق ثلاثا وهو يجزم بأنه لم يطلقها.
فالذى يظهر أن إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم فى اليقظة مقدم على الخبر فى النوم لتطرق الاحتمال للرائى بالغلط فى ضبط المثال ولو قال له: عن أمر حرام إنه حلال ، أو عين حكما من الشريعة، قدمنا ما ثبته فى اليقفلة على مارؤى فى النوم لما ذكرنا، كما إذا تعارض خبران من أخبار اليقظة فإننا نقدم اللأرجح(10).
فإذا تعلقت بشىء من فضائل الأعمال وقد عبرها أحد العلماء بالتأويل فالظاهرأنه يعمل بمقتضاها إذا لم تتعارض مع حكم منصوص عليه ، لحديث ابن عمر رضى الله عنهما أن رجالا من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر فى المنام فى السبع الأواخر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أرى رؤياكم قد تواطأت فى السبع الأواخر فمن كان متحريها فليتحرها فى السبع الأواخر) رواه البخارى(11).
وهذا فى غير رؤيا الأنبياء لأن رؤيا الأنبياء حق فقد عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقتضاها حينما رأى أنه يدخل المسجد الحرام ، كما عمل إبراهيم عليه السلام بمقتضاها حينما رأى أنه يذبح ابنه كما هو معلوم ومفصل فى القرآن الكريم.
أ.د/أحمد على طه ريان
__________
الهامش:
1- لسان العرب ،لابن منظور مادة (رأى) طبعة دار المعارف.
2- انظر الآيات 36 ،43 من سورة يوسف.
3- انظر الآية 103 من سورة الصافات.
4- صحيح مسلم 7/ 50 طبعة الشعب.
5- صحيح مسلم 7/ 51-52-53-54 طبعة الشعب.
6- الجامع لأحكام القرآن ص235 للقرطبى طبعة الشعب.
7- تعطير الأنام فى تعبير المنام 11/ 3 لعبد الغنى النابلسى ط. عيسى الحلبى.
8- الذخيرة للقرافى 13/ 275 ط دار الغرب الإسلامى.
9- صحيح مسلم 7/ 50 طبعة الشعب.
10- الذخيرة للقرافى 13/ 273(1/168)
الرؤية
لغة: يقال رؤية العين ورؤيا العين ، ما تراه الباصرة، وجمع الرؤية رُؤَى. ورؤية العين معاينتها للشىء، وهى تتعدى إلى مفعول واحد، وإن كانت بمعنى العلم فإنها تتعدى إلى مفعولين ، وقال ابن سيده: الرؤية النظر بالعين وبالقلب ، كما فى اللسان(1).
واصطلاحا: الرؤية بالعين ، هى إدراك الأشياء بحاسة البصر وعليها المعول فى الشهادة، ففى حديث ابن عباس رضى الله عنهما، أن رجلا سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن الشهادة فقال: هل ترى الشمس؟ قال: نعم.قال: على مثلها فاشهد أو دع (أخرجه البيهقى فى سننه والحاكم فى مستدركه)(2).
لذلك رد كثيرمن الفقهاء شهادة الأعمى مطلقا لأن مبنى الشهادة على المشاهدة، وهو لا يشاهد، وبعضهم ردها فى خصوص الشهادة على الأشياء التى تحتاج إلى مشاهدة، وأجازها فيما يمكنه التعرف عليه بلمسه أو ذوقه أو شمه أو سماعه.
وقد أوجب الشارع على من اعتدى على آخر بالضرب على رأسه فأذ هب الرؤية من حاسة بصره ولو بقى جرم العين سليما - فإنه يقتص منه بمثل ما فعل ، إن كان قد فعل ذلك به عمدا عدوانا، وإلا بأن كان خطأ ، فتجب فيه الدية كاملة، فإن ذهبت رؤية إحدى العينين فنصف الدية.
وعن رؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة ذهب أكثر العلماء إلى أن قوله تعالى {وجوه يومئذ ناضرة. إلى ربها ناظرة}القيامة:22-23، يبشر المؤمنين برؤية ربهم تبارك وتعالى يوم القيامة وذلك لاقتران النظر بلفظ إلى وقد قال تعالى {كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون}المطففين:15 ، ومفهوم ذلك أن المؤمنين لايحجبون منها(3)، وأن هذه الرؤية هى الزيادة التى وعد الله تبارك وتعالى بها المؤمنين من أهل الجنة فى قوله جل شأنه {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة}يونس:26.
وفى رواية صهيب عن النبى صلى الله عليه وسلم قال (إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئا أزيدكم فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظرإلى ربهم عز وجل) رواه مسلم(4) كما ثبت فى مسلم أيضا أنهم يرونه كما يرون الشمس بالظهيرة صحوا والقمر ليلة البدر صحوا(5).
وأما رؤية الله تعالى فى الدنيا فيقول الجمهور من أهل السنة بجواز وقوعها مستدلين لسؤال موسى عليه السلام فى قوله جل شأنه {قال رب أرنى أنظر إليك قال لن ترانى ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف ترانى فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين}الأعراف:143 ، فبعد أن سمع موسى عليه السلام كلام ربه اشتاق لرؤيته ولم يطلب منه أن يريه آية، أو أنه طلبها ليعلم قومه الذين طلبوها منه أنها مستحيلة ، كما يقول بذلك المعتزلة، وغيرهم ممن ينكر ذلك مستدلين بقوله تعالى {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير}الأنعام:103.
وقد رد ذلك بأن الإدراك المنفى فى الآية هو بمعنى الإحاطة والحصر، وليس مجرد النظر والرؤية.
ومبنى الاستدلال من الجمهور أن موسى عليه السلام لو لم يعلم جواز وقوع الرؤية فى الدنيا لما طلبها إذ يبعد ألا يعلم ما يجوز فى حق الله تعالى وما يستحيل ، لكن المولى عز وجل منعه منه رحمة به ، لأن خلقه لا يقوى على المعاينة فقد دل على ذلك بأنه سبحانه سيتجلى للجبل وهو أقوى منه وأصلب ، ثم أراه الجبل ولم يثبت ، وذلك حتى يطيب نفسا ، وأن حجبه عن الرؤية إنما كان رعاية له ورحمة به ، وهذا هو رأى الأكثر، لكن نقل القاضى عياض عن الإمام محمد بن الطيب المشهور بأبى بكر الباقلانى شيخ علماء عصره ببغداد أن موسى عليه السلام رأى الله تعالى فلذلك خر صعقا وأن الجبل رأى ربه فصار دكا بإدراك خلق الله له ، مستنبطا ذلك من قوله تعالى {ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف ترانى}الأعراف:143.
ومن هنا وجد الخلاف فى مقولة رؤية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ربه ليلة الإسراء والمعراج حيثه اشتهر القول عند ابن عباس وأبى بن كعب وأنس بن مالك والحسن وعكرمة وأبى الحسن الأشعرى بأن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه مستدلين لقوله تعالى {ما كذب الفؤاد ما رأى}النجم:11 ، وأنكرت عائشة رضى الله عنها رؤيته صلى الله عليه وسلم لربه بعينه وقالت: من قال إن محمدا رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية. وفى صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سئل عن ذلك (نورأنى أراه)(6).
وفى رواية أخرى أخرجها مسلم أيضا قال: (رأيت نورا)(6) وهذا هو المشهور عن ابن مسعود حيث قال المراد هو رؤية محمد لجبريل عليه السلام على هيئته العظيمة التى خلقه الله عليها إذ لم يره بهذه الخلقة حيث سد الأفق بجناح واحد حين فرده من أجنتته الستمائة إلا مرتين وهما اللتان أشار إليهما المولى تبارك وتعالى فى قوله عز شأنه {ما كذب الفؤاد ما رأى} وفى قوله تعالى {ولقد رآه نزلة أخرى. عند سدرة المنتهى}النجم:13،14.
أ.د/أحمد على طه ريان
__________
الهامش:
1- لسان العرب لابن منظور مادة (رأى) طبعة دار المعارف.
2- نصب الراية لتخريج أحاديث الهداية للزيلعى، ط 2 المكتبة الإسلامية 4/ 82 بيروت وقال: الحديث أخرجه البيهقى والحاكم وصححه ، ولكن بعض العلماء ضغفه.
3- الأربعين فى أصول الدين للرازى ط1 مكتبة الكليات الأزهرية ص93،295.
4- صحيح مسلم ط الشعب 1/ 112.
5- صحيح مسلم ط الشعب 1/ 115.
6- صحيح سلم ط الشعب 1/ 111(1/169)
الزاجل
اسم يطلق على ضرب من الحمام يرسل إلى مسافات بعيدة(1)، وهو نوع متميز استخدم فى نقل الرسائل منذ عهد قديم كما استخدم فى أوقات الحروب ، وتكتب الرسالة - التى ترسل عن طريقه - على ورق رقيق يودع فى أنبوبة معدنية أو غابة مثقوبة تحملها الحمامة حول عنقها أو تربط إلى ساقها، وتقطع الحمامة الزاجلة مئات الأميال ، وتعود إلى المكان الذى سرحت منه وقلما تضل طريقها حتى فى الظلام ، وكان العرب يدعونه "حمام البريد" وكان بعضه يباع فى أسواق بغداد والقاهرة بآلاف الدراهم.
والحمام بوجه عام نوع من الطيور منها الأليف ومنها البرى، ويطلق العرب اسم الحمام على أنواع أخرى من الطيور، كاليمام والقمرى أو الحمامة المنزلية فهى أكثر أنواع الحمام انتشارا ، وتربى فى أبراج أو أقفاص.
أما عن رأس الحمامة فهى صغيرة ولكل عين ثلاثة جفون؟ ولذلك يضرب بها المثل فى حدة البصر، وللحمامة ثلاث وعشرون ريشة فى كل جناح واثنتا عشرة ريشة فى الذنب ،لهذا يبدو أطول من حقيقته.
أما عن غذائها فتتغذى بالحبوب وفتات الخبز، وتضع أنثى الحمام بيضتين فى كل مرة تحتضنها بالتناوب مع الذكر، ويفرخ البيض بعد تسعة عشريوما فراخا فتغذيها الأم بمنقارها.
والحمام البرى ينتشر فى الصيف طلبا للقوت ، ويفرخ فى الربيع ، ويصطاد بالشباك أو بقيادته إلى برج من أبراج الحمام بدليل أليف من نوعه(2).
أ.د/عبد الله جمال الدين
__________
الهامش:
1- المعجم الوجيز مجمع اللغة العربية بالقاهرة 1998م ص286.
2- دائرة المعارف الحديثة أحمد عطية الله القاهرة 1951م ص162(1/170)
الزاوية
ويقصد بها المسجد غير الجامع وجمعها زوايا(1).
اصطلاحا: محل تثقيف العقول دينيا وأدبيا ، وتكون مسماة باسم أحد المرابطين على اصطلاح المغاربة(2).
وهى عبارة عن فناء واسع تحيط به مرافق ، وهى مسكن الشيخ ومسجد ومكان للضيافة وحجرات لساكنى الطلاب ومحل لإيواء اللاجئين إلى الزاوية... وتدور هذه المرافق حول الفناء الذى كان محط رجال القوافل ، وبه بئر للسقيا ومخزن للمتاع...ولكل زاوية شيخ يقيم الصلاة، ويعلم الأولاد ،ويباشر عقود النكاح ، والصلاة على الجنائز.
وانتشرت الزوايا فى برقة وطرابلس وظهر أثرها واضحا حيث زحف الإسلام بواسطة هذه الزوايا نحو الجنوب حتى بحيرة تشاد ووسط إفريقيا(3).
وفى الجزائر يدفع التلميذ عند أول قصده إتمام الدراسة - إذا كان ولدا - نحو 30 فرنكا، أما إذا كان أهله أولى ثروة فيقدمون هدايا كثيرة مساعدة للزاوية، وكثيرا ما يبذل الزوار الأغنياء الأموال الجزيلة، وبذلك قد صار لها ريع كثير من الأوقاف(4).
على أن صاحب كتاب الطبقات(1) سماها خلوة وكان ينشئها البعض من أهل اليسار فى السودان ، ويؤجر فقيها يقرر له راتبا معينا ويطلب منه هذه المهمة الجليلة، وفى بعض الأحايين كان ينشئها البعض من حفظة القرآن الكريم أو يشترك فى إنشائها أهل البلدة جميعا(2).
أ.د/عبد الله جمال الدين
__________
الهامش:
1- المعجم الوجيز ص297.
2- دائرة المعارف البستانى 1/ 161.
3- موسوعة التاريخ الإسلامى أحمد شلبى 4/ 406 ،408.
4- البستانى 9/ 161-162.
5- كتاب الطبقات فى خصوص الأولياء ضيف الله ص150.
6- سودان وادى النيل فى ظل الإسلام أحمد الحفناوى ص245 ،246(1/171)
الزخرفة
لغة: مفعول الزُّخرُف وهو الذهب ، أو الزينة وكمال حسن الشىء لسان العرب.
واصطلاحا: إضفاء الجماليات على الأشياء باستعمال الأشكال الهندسية والنباتية ودون إدخال صور الكائنات الحية فيها.
وقد تعددت الزخارف الهندسية والنباتية فى العمارة الإسلامية بأشكال وأنماط وألوان متعددة مستمدة من الموروث الحرفى الذى تتميز به الأقطار المختلفة من العالم الإسلامى.
فقد تشكل من الحجر كما فى مصر، أو من "الطابوق" كما فى العراق ، أو من الخزف كما فى إيران.
وتطبق الزخارف على الأرضيات أو الحوائط أو الأسقف والقباب ، وعلى الأقمشة والسجاد والأعمال الخشبية والحديدية والنحاسية؟ لتزيينها، وإضفاء مسحة من الجمال عليها.
وقد أدخلت الزخرفة على العمارة الإسلامية فى مراحل ما بعد صدر الإسلام
عندما انتشرت على ربوع الأرض شرقا وغربا ، وقد تأثرت الزخارف بمعطيات الحضارات السابقة، فأخذت منها ما لا يتعارض مع العقيدة الإسلامية، ولفظت ما يتعارض معها.
فالإسلام يدعو إلى إضفاء الجمال على الأشياء وتزيينها، ولكن دون إسراف أو تقتير، قال تعالى {قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هى للذين آمنوا فى الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك لك نفصل الآيات لقوم يعلمون}الأعراف:32 ، فقد ربط الله تعالى الزينة بالإيمان ، وربط فقد ربط الله تعالى الزينة بالإيمان ، وربط الإيمان بالوسطية، حتى لا تنقلب الزينة إلى إسفاف أو إسراف.
فالإسراف فى الزخرف والألوان منهى عنه خاصة فى المساجدة حتى لا يشغل المصلين عن الصلاة، عملا بمنهج الوسطية فى الإسلام ، قال تعالى {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا}البقرة:143.
وينطبق ذلك على المسكن والملبس والأثاث وغيرها من الأدوات ، قال تعالى {ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون.ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون.وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين}الزخرف:33-35.
وهنا يجدر الفصل بين خصوصية الزخرف الذى لا يظهر للآخرين ، والزخرف الذى يظهر للآخرين من أفراد المجتمع ، وهو ما يكون من الخيلاء أو التفاخر، فالزخرف داخل المعمار له خصوصيته الفردية، أما الزخرف فى الخارج فله حدوده التى ينبغى أن تتفق مع ما ترضى عليه الجماعة.
د.م/عبد الباقى إبراهيم
__________
مراجع الاستزادة:
1- الفنون الزخرفية فى العصر الإسلامى عبد العزيز مرزوق القاهرة 1974م.
2- الخزف التركىد/سعاد ماهرالقاهرة 1960م.
3- الحصير فى الفن الإسلامى د/سعاد ماهر-القاهرة 1960م(1/172)
الزكاة
لغة: الصلاح والتقوى والتطهير والزيادة والنماء، كما فى اللسان(1). ومنه قوله تعالى {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها}التوبة:103. واصطلاحا: إذا أطلقت الزكاة فإنما يراد منها زكاة الأموال التى فرضت فى السنة الثانية من الهجرة على من ملك نصابا وحال عليه الحول ، فى زكاة المواشى، والنقود، وعروض التجارة، وبدو الصلاح فى الثمار والحبوب وذوات الزيوت. وتجب الزكاة على المسلم البالغ العاقل المالك للنصاب مع خلو المال من الدين عند الحنفية ، لأنها من العبادات ، والعبادات منوطة بالتكليف ، بينما لا يشترط الجمهور البلوغ والعقل ، بل تجب فى مال الصبى والمجنون ويخرجها عنهما وليهما، لأنها حق واجب فى الأموال لا يشترط فى مالكها التكليف.
كما أن الخلو من الدين عند الجمهور إنما يراعى فى زكاة النقدين وعروض التجارة فى الجملة، أما الحرث والمواشى فلا يراعى فيها ذلك.
وتجب فى النقود التى يتعامل بها أو ما يقوم مقامها من أوراق البنكنوت إذا ملك المسلم منها، ما يعادل عشرين دينارا شرعيا، وهو ما يوازى الآن خمسة وثمانين جراما ذهبا، ومن الفضة مائتا درهم شرعى، وهو ما يوازى الآن خمسمائة وخمسة وتسعين جراما من الفضة.
والزكاة عن النقدين ، إنما يراعى فيها سعر صرف يومها ، والقدر الوجب فى ذلك هو ربع العشر، حيث يجب فى الألف خمسة وعشرون جنيها، وقد تضمن ذلك الحديث الشريف (...فإذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم ، وليس عليك شىء،وحتى تكون لك عشرون دينارا وحال عليها الحول؟ ففيها نصف دينار، فما زاد فبحساب ذلك..) الحديث أخرجه أبو داود(2).
وعن المواشى ، يجب فى أربعين من الغنم شاة، وفى مائة وواحد وعشرين شاتان ،وتجب فى خمس من الإبل شاة، وفى عشر شاتان ، وفى خمس عشرة ثلاث شياه ، وفى عشرين أربع شياه ، وفى خمس وعشرين بنت مخاض(3)... وفى البقر والجاموس ، فى كل ثلاثين تبيع(4)، وفى كل أربعين مسنة(5)، ويراعى فى نصاب المواشى التدرج فى الارتفاع فى القدر المخرج بارتفاع الأعداد المملوكة، وتعرف تفاصيلها من كتب الفروع وعن الحبوب والثمارة يجب فيها العشر إن سقيت بدون تكلفة، ونصف العشر إذا كانت بتكلفة وذلك إذا حصل نصاب منها، وقدره خمسة أؤسق ، والوسق ستون صاعا، وقدره بالكيل المصرى الحالى خمسون كيلة.
وعن البقول والخضروات ، فيوجب فيها الإمام أبو حنيفة الزكاة، بينما الجمهور لا يوجب فيها الزكاة، وكذلك الحلى الذى تتحلى به المرأة ، فبعض العلماء يوجب فيها الزكاة، بينما يذهب فريق آخر إلى عدم وجوب الزكاة فيه لأنه ليس بمكنوز ولا نام.
وعن عروض التجارة ، فتجب فيها الزكاة إذا مر عليه حول منذ ملك أصله وكان فيه النصاب ، والواجب فيه ربع العشر، وعروض التجارة تشمل المال المتحرك فى المحلات التجارية والمصانع ، كما تشمل قيمة أسهم الشركات بمختلف أنواعها، وكل مال يتاجر فيه ، بمرور الحول وملك النصاب.
وعن الركاز ، فيجب فيه الخمس ،وهو يشمل المعدن عند الحنفية، بينما الجمهور يوجبون فيه الخمس ، وأما المعادن المستخرجة من الأرض بمختلف أنواعها ففيها عندهم رتجع العشر لما يبذل فيها من تكلفة(6).
وقد تحددت مصارف الزكاة بقوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم}التوبة:60 ، وذلك تحقيقا لمبدأ التكافل الاجتماعى بين المسلمين حيث يلنرم الأغنياء بسد حاجة الفقراء فى المجتمع المسلم.
أما زكاة الفطر فتجب بغروب الشمس من آخر يوم من رمضان ، أو طلوع الفجر من يوم أول شوال على من كان عنده قوت يومه لحديث ابن عمر مرفوعا (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا(7) من تمر أو صاعا من شعيرعلى العبد والحرة والذكر والأنثى، والصغير والكبير ، من المسلمين ، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) رواه مسلم(8).
أ.د/أحمد على طه ريان
__________
الهامش:
1- لسان العرب لابن منظور، مادة (زكو) طبعة دار المعارف.
2- سنن أبى داود 1/ 362 ط1 الحلبى عمر 1952م.
3- ولد الإبل الأنثى إذا أكمل سنة ودخل فى الثانية.
4- ولد البقرة إذا أكمل سنة ودخل فى الثانية.
5- ولد البقرة الأنثى إذا أكمل سنتين ودخل فى الثالثة.
6- ينظر مصطلح "ركاز".
7- الصاع ، أربعة أمداد، أى قدح وثلث.
8- صحيح مسلم 3/ 68 طبعة الشعب.
مراجع الاستزادة:
1- الذخيرة لشهاب الدين أحمد بن إدريس القرافى 3/ 7-175 دار الغرب الإسلامى بيروت.
2- مغنى المحتاج للعلامة محمد الشربينى الخطيب 1/ 368-415 طبعة إحياء التراث العربى بيروت.
3- المغنى لموفق الدين بن قدامة المقدسى 3/ 3-81 المطبعة اليوسفية بمصر.
4- الهداية لأبى الحسن على بن أبى بكر بن عبد الجليل المرغينانى 1/ 96-116. الطبعة الأخيرة ، البابى الحلبى(1/173)
الزَّنْج
هو اسم أطلق على أحد الأجناس الثلاثة الكبرى التى ينقسم إليها النوع الإنسانى، ويتميز بخصائص جسمانية بارزة(1) هى:
(أ) البشرة السوداء.
(ب) الشعر الصوفى.
(ج) الأنف الأفطس.
(د) الفك البارز.
(هـ) الشفاة الغليظة المتهدلة.
كما يطلق لقب زنجى على بعض السلالات المنحدرة من القبائل الإفريقية أنى استوطنت(2). كذلك نجد الزنج المتكرر ذكرهم فى تاريخ الإسلام ، والمذكور رئيسهم باسم "صاحب الزنج" تارة، وباسم "الخبيث صاحب الزنج" تارة أخرى يراد بهم نوع من الخوارج الزنوج(3).
وقد أثار هؤلاء القلق فى حاضرة الخلافة العباسية، وكان مسرح هذه الثورة الجامحة العنيفة التى دامت أكثر من أربع عشرة سنة هذه المستنقعات الممتدة بين البصرة وواسط.
وكان صاحب الزنج رجلا فارسيا يسمى "على بن محمد" من أهالى الطالقان ، ادعى أنه من ولد على زين العابدين بن الحسين بن على، ولكنه لم يجهر بعقائد المذهب الشيعي على الرغم من ادعائه النسب إلى على وفاطمة، وإنما جهر بعقائد مذهب الخوارج.
ومهما يكن فإن صاحب الزنج لم يلبث أن كشفط عن ميوله الحقيقية، حتى إن أعداءه سموه: دَعِىّ علىّ ، كما سموه:الخبيث.
قدم صاحب الزنج بلاد العراق واتصل ببعض بطانة الخليفة المنتصر(سنة 247-248هـ)، ثم سار فى سنة 249هـ ، إلى البحرين ، ودعا إلى تحرير العبيد ، واستمال قلوبهم ، حتى إنهم تركوا مواليهم وانضموا إليه ، فعظم شأنه ، وقويت شوكته ، ولقيت دعوته قبولا بين أهالى البحرين(4).
وقد أول قوله تعالى: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون فى سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا فى التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذى بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم}التوبة:111 ، تأويلا سياسيا قصد به تضليل أنصاره ، إذ أولها بأن المؤمنين قد اشتروا أنفسهم أى: لم يعودوا بعد عرضة للرق والعبودية.
وسرعان ما قدم إلى البصرة، فأسرع إليه بعض غلمانها رغبة فى التخلص من الرق ،وما زال الزنج يلتفون حوله حتى نهبت جيوشه القادسية واستولت على البصرة وذبحت كثيرا من أهلها سنة 257هـ، واستولت جيوشه بعد ذلك على الأهواز، ثم واسط ، فسير إليهم الخليفة المعتمد كثيرا من قواده ، ولكن الزنج لم يضعفوا ، وظل خطرهم يتزايد، فعهد الخليفة المعتمد إلى أخيه أبى أحمد الموفق بقتالهم ، فأجلاهم عن الأهواز،وحاصر مدينتهم "المختارة".
لقد دامت هذه الحرب بين جيوش العباسيين والزنج أكثر من أربع عشرة سنة، وقضى عليهم الموفق وقواده ، مما جعله يخر ساجدا لله شكرا.
ولكن أحد أنصار صاحب الزنج رمى الموفق بسهم فى صدره ، ولكن جىء به إلى الموفق فقتله ابنه العباس ، وقتل صاحب الزنج فى صفر سنة 270هـ، وبلغ عدد القتلى ألفى ألف وخمسمائة ألف(5) وقيل ألف ألف وخمسمائة ألف(6).
أ.د/عبد الله جمال الدين
__________
الهامش:
1- دائرة المعارف الحديثة، أحمد عطية الله ص262 طبعة القاهرة 1951م.
2- المعجم الوجيز مجمع اللغة العربية ص293 ط التربية والتعليم سنة 1998م.
3- دائرة المعارف البستانى 9/ 259 بيروت 1887م.
4- الكامل فى التاريخ ابن الأثير 7/ 73 بولاق مصر 1274هـ.
5- الفخرى فى الآداب السلطانية ابن طباطبا ص227 القاهرة 1923م.
6- تاريخ الخلفاء السيوطى ص242(1/174)
السِّحْر
لغة: يقال: سحره: خدعه (أى عمل له السحر) أو استماله وفتنه وسلب لبه ، وسحره عن كذا: صرفه وأبعده ، وجمع السحر أسحار ، وسحور، وصفة المذكر: ساحر والجمع سحرة وسحار، قال الأزهرى: وأصل السحر: صرف الشىء عن حقيقته إلى غيره ،فكأن الساحر لما رأى الباطل فى صورة الحق ،وخيل الشىء على غير حقيقته - قد سحر الشىء عن وجهه ، أى صرفه(1).
واصطلاحا: عمل يتقرب فيه إلى الشيطان وبمعونة منه ، وهو كل عمل لطف مأخذه ودق ، وكل أمر يخفى سببه ويتخيل على نكير حقيقته ويجرى مجرى التمويه والخداع.
ولقد دأب الإنسان منذ فجر التاريخ على ممارسة السحر باعتباره وسيلة للسيطرة على الطبيعة، مثل: إسقاط الأمطار، أو حدوث التحاريق ، أو إثارة الريح والزوابع ، أو كسبب فى الأمراض والحوادث المميتة التى تصيب الإنسان والزرع والضرع ، ولذا قد شاع بين المجتمعات الوثنية، كما انتشر فى المجتمعات التى تدين بالأديان السماوية.
وكان موقف الكنيسة من السحرة متأرجحا، فقد تشددت فى محاربتهم فى بادىء الأمر، وعملت كل ما تستطيع لإبطال مفعول السحر السئ والشرير، إذ أصدرت فى أواخر القرن التاسع الميلادى قرارا بتوقيع الحرمان الكنسى على السحرة، إلا أنها كانت أقل تشددا فى الفترة بين (1258-1260م)
حيث نصح البابا "ألكسندر الرابع" بعض المحققين فى محاكم التفتيش أن يبذلوا قصارى جهدهم فى اكتشاف الهرطقة والضرب عليها من حديد، مع ضبط النفس فى حالة السحرة، ثم عادت الكنيسة إلى اتخاذ موقف من السحرة أكثر تشددا فى عام 1948م عندما أدخل البابا "أنسونت الثامن" تعديلات على الموقف البابوى المتساهل تجاه السحرة، وأصدرت تعليمات مشددة إلى محاكم التفتيش بألا تأخذهم أدنى شفقة أو رحمة بهم.
ويعتبر السحر من الموبقات السبع التى حذر الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين من الاقتراب منها، حيث أمر باجتنابها فى قوله صلى الله عليه وسلم (اجتنبوا الموبقات السبع ، قيل: يا رسول الله وما هن؟ قال (الشرك بالله ، والسحر وقتل النفس التى حرم الله إلا بالحق ، وأكل مال اليتيم ،وأكل الربا، والتولى يوم الزحف ،وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) رواه مسلم(2).
وقد جاء فى الروايات أن حده القتل ، لقوله صلى الله عليه وسلم (حد الساحر ضربة بالسيف) رواه الترمذى (3)، ويرى الشافعى أن الساحر يقتل إذا كان يعمل فى سحره ما يبلغ به الكفر، فإذا عمل عملا دون الكفر فلا يقتل.
وليس السحر سوى محض تمويه ، بدليل قوله تعالى {فلما ألقوا سحروا أعين الناس}الأعراف:116 ، إذ قال المفسرون لو كان السحر حقا، لكانوا قد سحروا قلوبهم لا أعينهم ، فثبت أن المراد: أنهم تخيلوا أحوالا عجيبة مع أن الأمر فى الحقيقة ما كان على وفق ما تخيلوا ، ذلك أن السحرة أتوا بالحبال والعصى، ولطخوا تلك الحبال بالزئبق ،وجعلوا الزئبق فى دواخل تلك العصى، فلما أثر تسخين الشمس فيها تحركت والتوت بعضها على بعض -وكانت كثيرة جدا - تخيل الناس أنها تتحرك وتتلوى باختيارها وقدرتها.
أ.د/محمد شامة
__________
الهامش:
1- لسان العرب ، ابن منظور، دار صادر، ط 3، بيروت ، مادة سحر.
2- صحيح مسلم بشرح النووى، كتاب الإيمان ، باب أكبر الكبائر،2/ 83.
3- سنن الترمذى، كتاب الحدود، باب 27.
مراجع الاستزادة:
1- التفسير الكبير، الرازى، بيروت 1990م.
2- السحر، دراسة فى ظلال القرآن والسنة، إبراهيم محمد الجمل ، القاهرة 1982م(1/175)
السرايا
لغة: جمع سرية والسرية قطعة من الجيش ما بين خمسة أنفس إلى ثلاث مائة(1).
واصطلاحا: السرايا هى ما يعقد فيها اللواء لغير الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومهمتها استطلاعية أو حربية، وقد يطلق على بعض السرايا المهمة غزوة، مثل: غروة مؤتة، وغزوة ذات السلاسل وعدتها 38 أولها سرية حمزة بن عبد المطلب إلى قريش ،وآخرها سرية أسامة بن زيد إلى بنى مذجح باليمن(2). وقيل: إن عددها 47 سرية(3).
ومن هذه السرايا:
1- سرية عبيدة بن الحارث: وكانت مكونة من ستين راكبا من المهاجرين بقيادة عبيدة بن الحارث ، وكان الهدف منها: تهديد تجارة قريش بين مكة والشام ، وقد وصلت هذه السرية إلى وادى رابغ ورجع الفريقان دون قتال.
2- سرية عبد الله بن جحش: إذ بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه ثمانية من المهاجرين ،وكتب له كتابا أمره فيه ألا يفضه حتى يسير يومين ، ثم ينظر فيه ويمضى لما أمره به ، ولا يستكره أحدا من أصحابه ففعل ، حتى إذا فتح الكتاب وجد فيه إذا نظرت فى كتابى هذا فسر حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف ، فترصد بها قريشا وتعلم لنا من أخبارهم.
3- سرية مؤتة: وكانت فى السنة الثانية للهجرة، وكان أعظم ما يلفت النظرفيها أنها موجهة إلى أمير بصرى وهى إمارة كانت تابعة لدولة الروم ، وكان الغرض منها الانتقام للحارث بن عمير الأزدى وهو الرسول الذى كان يحمل كتاب النبى صلى الله عليه وسلم إلى هذا الأمير،فأساء أنصاره إليه وقتلوه ظلما، وخالفوا بذلك أبسط القواعد المعروفة لدى جميع الأمم ، وهى أن الرسل لا تقتل ، وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم عليها زيد بن حارثة وقال لهم: إن أصيب فالأمير جعفر بن أبى طالب ، فإن أصيب فعبد الله بن رواحة(4).
وقد كانت هناك سرايا أطلق عليها سرايا تأديب الأعراب منها:
1- سرية: عمربن الخطاب إلى تربة واد بقرب مكة سنة 7هـ.
2- سرية: أبى بكر الصديق إلى بنى كلاب بنجد شعبان سنة 7هـ.
3- سرية: بشير بن سعد الأنصارى إلى فدك شعبان سنة 7هـ.
4- سرية: أبى العوجاء السلمى إلى بنى سليم سنة 7هـ.
وهناك سرايا أطلق عليها سرايا الدعوة إلى التوحيد منها:
1- سرية: خالد بن الوليد إلى جذيمة من كنانة فى شوال سنة 8هـ.
2- سرية: عيينة بن حصن الفزارى إلى بنى تميم فى المحرم سنة 9هـ.
3- سرية: على بن أبى طالب إلى اليمن فى رمضان سنة 10هـ(5).
أ.د/عبد الله جمال الدين
__________
الهامش:
1- مجمع اللغة العربية المعجم الوجيز طبعة التربية والتعليم سنة 1998م ص310.
2- الموسوعة العربية الميسرة، محمد شفيق غربال القاهرة 1965م ص680.
3- دائرة المعارف الحديثة، أحمد عطية الله القاهرة 1951م ص285.
4- السيرة النبوية، محمد الطيب النجار القاهرة 1973م ص149 ، 195 ، 196.
5- الرسول القائد محمود شيت خطاب الطبعة الثالتة القاهرة دار القلم 1964م. ص288(1/176)
السَّرْمَد
لغة: هو الدائم الذى لا ينقطع.
اصطلاحا: هو"ما لا أول له ولا آخر" (التعريفات للجرجانى)، أو هو الدائم والطويل من الليالى كما جاء فى معلقة طرفة ابن العبد:
لعمرك ما أمرى على بغمة * نهارى ولا ليلى على بسرمد.
وقد ورد هذا اللفظ مرتين في القرآن الكريم بذات المعنى في قوله تعالى: {قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل الي سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون. قل ما أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون}القصص:71-72 0
ويجتمع فى لفظ السرمد معنيان: الأزل والأبد. فالأول ما لا بداية له ، أوكما يعرفه الي الفلاسفة "الوجود فى أزمنة مقدرة غير متناهية فى جانب الماضى". أما الأبد فهو: "الوجود فى أزمنة مقدرة غير متناهية فى جانب المستقبل" والشىء الذى يوصف باللانهائية فى المستقبل يسمى "السرمد". منسوبا إلى الأشياء مع مفهوم "السرمد" مع مفهوم "القدم" الذى لا ينسب إلا لله عز وجل حسب مذهب المعتزلة، ونتج عن تماديهم ومبالغتهم فى هذا المذهب كثير من المشكلات الكلامية والفلسفية، ومنها مسألة خلق القرآن أو "كلام الله المخلوق" (انظر مادة الصفات).
أما المعنى الذى يفهم من تفسير الآيتين الكريمتين من سورة القصص (71-72) فلا يتضمن معنى الأزلية أى اللابداية، بل أكثر ما يفهم منها هو معنى اللانهاية، لأنه لوكان المقصود أن يجعل الله الليل أو النهار أزليا أبديا لما عرف الناس غير الليل أو النهار، ولما عرفوا الفرق بينهما ولا الحكمه من اختلافهما، بل لأصبحوا يخافون اختلاف الليل والنهار الذى جعله الله آية من آياته الكبرى.كما جاء فى قوله تعالى {إن فى خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التى تجرى فى البحر بما ينفع الناس. لآيات لقوم يعقلون}البقرة:164 ، فلا يتم المعنى المقصود فى آيتى سورة القصص إلا إذا كان الإنسان يعرف فوائد الليل وفوائد النهار فيكون فى انعدامها ضياع لهذه الفوائد. بهذا المفهوم يقترب معنى "السرمد" من معنى كل من "الأبد" والخلود (انظر هاتين المادتين) اللذين يتضمنان معنى بداية الأمر- لا ينتهى فى الزمان.
أ.د/السيد محمد الشاهد
__________
مراجع الاستزادة:
1- مختار الصحاح محمد بن بكر الرازى القاهرة 1953م.
2- التعريفات محمد بن الشريف الجرجانى بيروت لبنان 1985م.
3- المعجم الفلسفى مجمع اللغه العربيه القاهرة 1399هـ/1979م.
4- المحيط بالمحيط المعلم بطرس البستانى بيروت لبنان 1977م.
5- مختصر تفسير الطبرى محمد على الصابونى وصالح أحمد رضا بيروت لبنان 1985م(1/177)
السَّلف
لغة: السلف هو الماضى، وهو كل من تقدم.
اصطلاحا: هو العصر الذهبى الذى يمثل نقاء الفهم والتطبيق للمرجعية الفكرية والدينية، قبل ظهور المذاهب التى وفدت بعد الفتوحات وأدخلت الفلسفات غير الإسلامية على فهم السلف الصالح للإسلام ، والسلف أيضا هو كل عمل صالح قدمه الإنسان.
وفى القرآن الكريم يرد مصطلح السلف بمعنى: الماضى، {فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف}البقرة:275.
{ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف}النساء:22.
هذا المعنى نجده فى الحديث النبوى الشريف ، ففى مسند الإمام أحمد، عن فاطمة الزهراء، رضى الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال لها فى مرض موته: (...ولا أراه إلا قد حضر أجلى... إنك أول أهل بيتى لحوقا بى، ونعم السلف أنا لك) وعن ابن عباس رضى الله عنهما لما ماتت زينب ، ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال رسول الله: (الحقى بسلفنا الصالح الخير عثمان بن مظعون).
والسلف فى اصطلاح المال والتجارة، هو: إقراض الأموال قرضا حسنا ، أى لا منفعة فيه للمقرض بالدنيا... وبهذا المعنى ورد فى الحديث النبوى، فعن السائب بن أبى السائبه انه كان يشارك رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام ، فى التجارة فلما كان يوم الفتح جاء فقال النبى صلى الله عليه وسلم: (مرحبا بأخى وشريكى -كان لا يدارى ولا يمارى- يا سائب قد كنت تعمل أعمالا فى الجاهلية لا تقبل منك ، وهى اليوم تقبل منك كان ذا سلفا وصلة}(رواه الإمام أحمد).
ولما كان كل ماض هو سلف ، فلقد شاع إطلاقا هذا المصطلح معرفا -السلف- على الجيل المؤسس الذى أقام الدين وطبق منهاج الإسلام جيل الصحابة الذين عاشوا بمصر فقد تنزل الوحى فيهم ، وتلقوا عن المعصوم صلى الله عليه وسلم البيان النبوى للبلاغ القرآنى، وحولوا جميع ذلك إلى واقع حياتى معين فعدوا لذلك السلف الصالح ، بتعميم وإطلاق... ثم انضم إليهم فى زمرة السلف من اهتدى بهديهم وعمل بسنتهم من التابعين وتابع التابعين ، فالسلف: هو كل من يقلد ويقتدى أثره فى الدين.
وبعد السلف والتابعين والأئمة العظام للمذاهب الكبرى من تابعى التابعين ، يأتى الخلف الذين يلونهم فى التسلسل الزمنى... وبعد الخلف تأتى أجيال المتأخرين.
أ.د/محمد عمارة
__________
مراجع الاستزادة:
1- عقائد السلف للأئمة أحمد بن حنبل ، وابن قتيبة، وعثمان الدارى جمعها ونشرها د.على سامى النشار ، ود.عمار الطالبى ، طبعة الإسكندرية 1971م.
2- الكليات لأبى البقاء الكفوى تحقيق د.عدنان درويش ومحمد المصرى طبعة دمشق 1982م.
3- تيارات الفكر الإسلامى للدكتور/محمد عمارة، طبعة دار الشروق 1998م(1/178)
السلفية
لغة: نسبة إلى السلف ، والسلف هو الماضى، والسالف: المتقدم (لسان العرب).
وفى القرآن الكريم: {فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف}البقرة:275.
واصطلاحا: هى الرجوع فى الأحكام الشرعية إلى منابع الاسلام الأولى، أى الكتاب والسنة، مع إهدار ما سواهما.
ومع وضوح هذا التعريف للسلفية، تعددت فصائل تيارها فى تراثنا وفكرنا الإسلامى، فكل السلفيين يعودون فى فهم الدين إلى الكتاب والسنة، لكن منهم فصيلا يقف فى الفهم عند ظواهرالنصوص ،ومنهم من يعمل العقل فى الفهم ،ومن الذين يعملون العقل: مسرف فى التأويل ، أو متوسط ، أو مقتصد.
ومن السلفيين: أهل جمود وتقليد، ومنهم أهل التجديد، الذين يعودون إلى المنابع لاستلهامها فى الاجتهاد لواقعهم الجديد.
ومن السلفيين من سلفهم -ماضيهم- فكر عصر الازدهار الحضارى والخلق والإبداع ، ومنهم من سلفهم -ماضيهم- فكرعصر التراجع الحضارى والتقليد والجمود.
ومن السلفيين مقلدون لكل التراث ، دونما تمييز بين الفكر وبين التجارب ، ودونما تمييز فى الفكر بين الثوابت وبين المتغيرات، ومنهم مستلهمون لثوابت التراث ، مع الاسترشاد بتجارب ومتغيرات التاريخ.
ومن السلفيين من يعيشون فى الماضى، ومنهم من يوازن بين السلف الماضى وبين الحاضر والمعاصر.
وهذا التنوع الذى يقترب أحيانا من درجة التناقض ، فى مناهج فصائل السلفية، هو الذى أحاط مضامين هذا المصطلح ، وخاصة فى فكرنا المعاصر بكثيرمن الغموض ،وسوء الفهم ، بل وسوء الظن أيضا.
ومن أشهر المدارس الفكرية التى حاولت الاستئثار، فى تراثنا ، بمصطلح السلفية هى مدرسة أهل الحديث التى هالها الوافد اليونانى فلسفة ومنطقا وأفزعتها عقلانية اليونان المنفلتة من النقل الدينى، فاعتصمت بالنصوص ، مقدمة ظواهرها، بل وحتى ضعيفها على الرأى والقياس والتأويل وغيرها من ثمرات النظر العقلى، وهى المدرسة التى انعقدت زعامتها للإمام أحمد بن حنبل (164-241هـ/780-855م) حتى ليحسبها البعض كل السلفية، بينما هى فى الحقيقة واحدة من فصائل هذا الاتجاه.
وفى منهاج هذه المدرسة يعلو النص على غيره ، بل ويكاد أن ينفرد بالحجية، فالنص ،وفتوى الصحابة، والمختار من فتوى الصحابة عند اختلافهم ، والحديث المرسل والضعيف ، ثم القياس للضروة هى الأصول الخمسة التى حددها الإمام أحمد بن حنبل أركانا لمنهج هذه المدرسة رافضا بذلك الرأى، والقياس ،والتأويل ، والذوق ، والعقل ، والسببية فى الفكر الدينى.
وعن هذا المنهج النصوصى "للسلفية النصوصية" -كما صاغه الإمام أحمد بن حنبل- يقول واحد من أعلامها هو الإمام ابن القيم الجوزية (691-751هـ/1292-1350م):
الأصل الأول: النصوص فإذا وجد النص أفتى به ولم يلتفت إلى ما خالفه ولا من خالفه ، كائنا من كان ولم يكن يقدم على الحديث الصحيح عملا ولا رأيا ولا قياسا ولا قول صاحب ولا عدم علمه بالمخالف.
الأصل الثانى: ما أفتى به الصحابة فإنه إذا وجد لبعضهم فتوى، لا يعرف له مخالف منهم فيها، لم يعدها إلى غيرها ولم يقدم عليها عملا ولا رأيا ولا قياسا.
الأصل الثالث: إذا اختلف الصحابة تخير من أقوالهم ما كان أقربها إلى الكتاب والسنة، ولم يخرج عن أقوالهم ،فإن لم يتبين له موافقة أحد الأقوال حكى الخلاف فيها ، ولم يجزم بقول.
الأصل الرابع: الأخذ بالمرسل والحديث الضعيف ، إذا لم يكن فى الباب شىء يدفعه ، وهو الذى رجحه -أى الحديث الضعيف- على القياس.
الأصل الخامس: القياس للضروة، فإذا لم يكن عنده فى المسألة نص ، ولا قول الصحابة، أو واحد منهم ، ولا آثر مرسل أو ضعيف ، عدل إلى القياس ، فاستعمله للضرورة.
وعن المنهاج التجديدي لهذه السلفية العقلانية يعبر الإمام محمد عبده (1265-1323هـ/1849-1905م) عندما قال: لقد ارتفع صوتى بالدعوة إلى تحرير العقل من قيد التقليد، وفهم الدين على طريقة سلف الأمة، قبل ظهور الخلاف ، والرجوع فى كسب معارفه إلى ينابيعها الأولى، واعتباره من ضمن موازين العقل البشرى التى وضعها الله لترد من شططه ، وتقل من خلطه وخبطه ،لتتم حكمة الله فى حفظ نظام العالم الإنسانى، وأنه على هذا الوجه يعد صديقا للعلم ، باعثا على البحث فى أسرار الكون ، داعيا إلى احترام الحقائق الثابتة، مطالبا بالتعويل عليها فى أدبا النفس وإصلاح العمل.
ففى منهاج هذه السلفية العقلانية تآخى النص والعقل ،وتزامل العلم والدين ، وتآزرت السلفية والتجديد.
أ.د/محمد عمارة
__________
مراجع الاستزادة:
1- عقائد السلف للإمام أحمد بن حنبل وآخرين تحقيق د/على سامى النشار و د/عمار طالبى ، ط الإسكندرية 1971م.
2- إعلام الموقعين لابن القيم ، ط بيروت سنة 1973م.
3- الأعمال الكاملة للإمام/محمد عبده ، دراسة وتحقيق د/محمد عمارة، ط دار الشروق القاهرة 1993م.
4- تيارات الفكر الإسلاص د/محمد عمارة، ط دار الشروق القاهرة 1998م(1/179)
السلفيون
لغة: هم الذين يحتذون حذو السلف ،الذين سلفوا ، أى سبقوا ومضوا.
واصطلاحا: يدخل فى إطار السلفيين أغلب تيارات الفكر ومذاهبه ومدارسه بدرجات متفاوتة ومعان متمايزة ، لأن لها ماضيا ومرجعية ونموذجا ترجع إليه وتنتسب له وتحتذيه وتستصحب ثوابته ومناهجه ،وذلك إذا استثنينا تيار الحداثة بالمعنى الغربى، والتى يقيم أصحابه قطيعة معرفية مع الموروث.
وإذا كان السلف هو الماضى فكلنا سلفيون.
لكن السلفيين أنواع:
فمن السلفيين من يقلد السلف ، وهؤلاء هم أهل الجمود والتقليد.
ومن السلفيين من يرجع إلى السلف ،فيجتهد فى ميراثهم وتراثهم ، مميزا فيه الثوابت عن المتغيرات والصالح للاستصحاب والاستلهام عن ما تجاوزته الوقائع المتغيرة، والعادات المتبدلة ، والأعراف المختلفة ، والمصالح المستجدة.
ومن السلفيين من يستلهم من فقه السلف ما يتطلبه فقه الواقع الجديد.
ومن السلفيين من يهاجر من واقعه المعيش إلى واقع السلف الذى تجاوزه الزمان ، وإلى تجاربهم التى طوتها القرون.
ومن السلفيين من سلفه عصر الازدهار والإبداع فى تاريخنا الحضارى.
ومن السلفيين من سلفه عصر الركاكة والتراجع فى مسيرتنا الحضارية.
ومن السلفيين من سلفه تراثنا وحضارتنا وثقافتنا الوطنية والقومية والإسلامية.
ومن السلفيين من سلفه تراث الآخر الحضارى ومذاهبه وتياراته الفلسفية والاجتماعية، وبهذا المعنى يمكن إدخال الليبراليين الذين يحتذون حذو الليبرالية الغربية، والماركسيين اللذين يحتذون حذو الماركسية الغربية، وأمثالهم من المتغربين فى عداد السلفيين الذين أصبح الموروث والماضى الغربى سلفا لهم يحتذونه أحيانا مع قدر من التحوير، وأحيانا بجمود وتقليد.
ومن السلفيين من سلفه المذاهب والتيارات النصية الحرفية فى تراثنا.
ومن السلفيين من سلفه تيارات العقلانية فى تراثنا أو النزعات الصوفية فى موروثنا الحضارى.
ومن السلفيين من سلفه مذهب تراثى بعينه يتعصب له ولا يتعداه.
ومن السلفيين من مرجعيته تراث الأمة، على اختلاف مذاهبها، يحتضنها جميعا، ويعتز بها ، ويتخير منها.
ولكن مع صدق وصلاحية إدخال أغلب تيارات الفكر تحت مصطلح السلفيين ، إلا أن هذا المصطلح قد ادعاه واشتهر به وكاد يحتكره أولئك الذين غلبوا النص ، وفى أحيان كثيرة ظاهر النص على الرأى والقياس وغيرهما من سبل وآليات النظر العقلى، فوقفوا عند الرواية أكثرمن وقوفهم عند الدراية، وحرموا الاشتغال بعلم الكلام فضلا عن الفلسفات الوافدة على حضارة الإسلام ،وهؤلاء هم الذين يطلق عليهم أحيانا أهل الحديث ، لاشتغالهم بصناعة المأثور وعلوم الرواية، ورفضهم علوم النظرالعقلى.
وإمام هذه المدرسة هو أبو عبد الله أحمد ابن حنبل (164-241هـ /780-855م) وفيها نجد أبرز الأئمة الذين اشتغلوا بصناعة الرواية وعلومها ، من أمثال: ابن راهويه (238هـ/852م) وإمام علم الجرح والتعديل ، وأصحاب الصحاح والجوامع والمسانيد: البخارى (256هـ/870م) ، وأبو داود (275هـ/888م) ، والدارمى (280هـ/893م) ، والطبرانى (360هـ/971م)، والبيهقى (458هـ/1066م) إلخ ... ولقد تطورت هذه المدرسة فى مرحلة ابن تيمية (661-728هـ/1263-1328م) وابن قيم الجوزية (691-751هـ/1292-1350م) فضمت إلى المأثور بعضا من أدوات النظر العقلى، وإن ظلت الغلبة والأولوية عندها للنصوص والمأثورات.
وعن هذا المنهاج يعبر ابن القيم ، فيقول: "إن النصوص محيطة بأحكام الحوادث ، ولم يحلنا الله ولا رسوله على رأى ولا قياس ، وإن الشريعة لم تخوجنا إلى قياس قط ، وإن فيها غنية عن كل رأى وقياس وسياسة واستحسان ، ولكن ذلك مشروط بفهم يؤتيه الله عبده فيها".
فلقد ظل النص وحده هو المرجع عند هؤلاء السلفيين ، لكن التطور قد أصاب هذا المنهاج النصى -فى مرحلة ابن تيمية وابن القيم- فحدث إعمال الفهم والعقل فى النصوص ، دون الاكتفاء بالوقوف عند ظواهر هذه النصوص.
ولقد كان غلو هؤلاء السلفيين فى الانحياز إلى النص وحده ، ثمرة لعوامل كثيرة، منها: مخافة غلو مضاد انحاز أهله -وهم فلاسفة العقلانية اليونانية من المشائيين- إلى عقلانية غير مضبوطة بالنص الدينى، وأيضا النزعة الصوفية الباطنية الإشراقية، التى انحازت إلى الذوق والحدس ، دونما ضابط من النص ولا من العقل.
ولأن هذه النزعات جميعها -النصية منها والعقلانية والباطنية- قد شابها قدر، كثير أو قليل ، من الغلو، فلقد ظلت عاجزة عن استقطاب جمهور الأمة، وانحاز هذا الجمهور إلى النزعة الوسطية فى السلفية، تلك التى جمعت بين النقل والعقل ووازنت بينهما، وهى الأشعرية التى أسسها إمامها أبو الحسن الأشعرى: على بن إسماعيل (260-324هـ/874-936م) ففى هذه المدرسة من مدارس السلفيين اجتمع النقل والمأثور مع النظر العقلى والاشتغال بعلم الكلام -الذى حرم السلفيون النصيون الاشتغال به- مع علم أصول الفقه ، الذى يمثل فلسفة العقلانية الإسلامية فى التشريع.
ثم تطورت هذه المدرسة -بعد مرحلة التأسيس- على يد كوكبة من أئمتها، فى مقدمتهم الباقلانى: أبو بكر محمد بن أبى الطيب (453هـ-1013م) وإمام الحرمين الجوينى: أبو المعالى عبد الملك بن عبد الله ابن يوسف (419-478هـ/1028-1085م) وحجة الإسلام أبو حامد الغزالى (450-505هـ/1058-1111م).
وعلى امتداد تاريخ الحضارة الإسلامية، ظلت هذه الصورة وهذه الموازنة ملحوظة فى مدارس ومذاهب السلفيين ، فالنزعة النصية تمثلها فى عصرنا الحديث وواقعنا المعاصر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب (1115-1206هـ/1702-1792م) المسماة بالوهابية ، بينما لا تزال الأشعرية، الممثلة للعقلانية،النصية، تستقطب جمهور المسلمين.
أ.د/محمد عمارة
__________
مراجع الاستزادة:
1- عقائد السلف للإمام أحمد بن حنبل ، وإبن قتيبة، وعثمان الدارمى ، جمعها ونشرها د/على سامى النشار و د/عمار الطالبى ، ط الإسكندرية 1971م.
2- إعلام الموقعين لابن القيم ط بيروت 1973م.
3- مقالات الإسلاميين للأشعرى، تحقيق محمد محى الدين عبد الحميد، ط القاهرة 1969م.
4- تيارات الفكرالإسلامى د/محمد عمارة، ط دار الشروق القاهرة 1998م(1/180)
السنة
السنة النبوية: هى أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته. والمراد بحجيتها: قبولها ،واعتقاد أنها وحى من الله تعالى، وأنها جزء من الرسالة التى أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتبليغها.
والناس أمام حجية السنة وعدم حجيتها أنواع:
الأول: مسلمون مذعنون لرسول الله صلى الله عليه وسلم ملتزمون بقوله تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}النساء:65. وبقوله تعالى {لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر}الأحزاب:21. وبقوله تعالى: {وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}الحشر:7. وبقوله تعالى: {من يطع الرسول فقد أطاع الله}النساء:80. والطاعة عند هؤلاء واجبة فيما أمر به وجوبا، وواجبة الابتعاد فيما نهى عنه تحريما، ومستحبة فيما أمر به استحبابا، ومكروهة فيما نهى عنه تنزيها ، ومباحة الفعل والترك فيما أذن بطرفيه ، الفعل والترك.
الثانى: هناك من الناس من يقف أمام حجية السنة على طرف النقيض من النوع الأول ، يردون السنة كلها، وينكرونها جملة وتفصيلا، وينكرون أنها وحى من عند الله ، وأنها من جملة الرسالة، وقريب من هؤلاء من يعترف بأنها وحى لكنه يتشكك فى ثبوتها كلها، وصدورها عن محمد صلى الله عليه وسلم لعدم قدرته على الفصل بين صحيحها وضعيفها، فيردها ككل ، ويدعى إمكان الاكتفاء بالقرآن الكريم.
وهذان النوعان فى حاجة إلى دراسة ووعى علمى ودينى، أو الرجوع إلى أهل الذكر والاختصاص ، وشأنهم فى ذلك شأن المريض الذى لا يميز بين الأدوية، ما ينفع منها، وما يضر، فيظن أن الحكمة فى ترك الدواء، كل الدواء.
ومشكلة العصر فى تشكيك بعض المسلمين في السنة، بل بعض علماء المسلمين من بنى جلدتنا، ويتكلمون لغتنا، بل ويحملون مؤهلاتنا وشهاداتنا، لكنهم بهدف أو بآخر يتنصلون من بعضها،وفى الرد عليهم رد على غيرهم من الطاعنين أو المغرضين أو الشاكين ، وهم يقسمون السنة إلى تشريعية وغير تشريعية، فيقول أحدهم: ما ورد عن النبى صلى الله عليه وسلم ودون فى كتب الحديث من أقواله وأفعاله وتقريراته على أقسام:
أحدها: ما سبيله سبيل الحاجة البشرية كالأكل والشرب ، والنوم ، والمساواة فى البيع و الشراء.
ثانيها: ما سبيله سبيل التجارب والعادة الشخصية والاجتماعية، كالذى ورد فى شئون الزراعة، والطب ، وطول اللباس وقصره.
ثالثها: ما سبيله التدبير الإنسانى أخذا من الظروف الخاصة، كتوزيع الجيوش على المواقع الحربية، وكل ما نقل من هذه الأنواع الثلاثة ليس شرعا، يتعلق طلب الفعل والترك ، وانما هو من الشئون البشرية التى ليس مسلك الرسول فيها تشريعا ولا مصدر تشريع(1).
ثم يقول: ومن هنا نجد أن كثيرا مما نقل عنه صور بأنه شرع أو دين أو سنة أو مندوب ، وهو لم يكن فى الحقيقة صادرا على وجه التشريع أصلا(2).
فهذا القول ينفى التشريع بأحكامه الأريعة (الوجوب ، والندب ، والحرمة، والكراهة) عن جميع أقواله وأفعاله وتقريراته صلى الله عليه وسلم الواردة فى هذه الأمور الثلأثة، ولو تتبعنا ما ورد فى الأكل والشرب كمثال لوجدنا منه ما هو واجبه ، وما هو محرم ، وما هو مندوب ، وما هو مكروه
فأحاديث: صيد الكلب ، وحل السمك ،والجراد الميت ، وتحريم كل ذى ناب من السباع ، وكل ذى مخلب من الطير، تحرم أشياء، وتبيح أشياء فكيف لا يكون الرسول صلى الله عليه وسلم فيها مشرعا؟
والله تعالى يقول عنه: {يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث}الأعراف:157.
ويقول الآخر: فما دام الرسول كان يجتهد، وما دام هذا الاجتهاد قد شمل الكثير من أنواع المعاملات ، أفلا يجوز لمن يأتى بعده أن يدلى فى الموضوع باجتهاده أيضا؟ هادفا إلى تحقيق المصلحة، ولو أدى اجتهاده إلى غير ما قرره الرسول باجتهاده (3).
وهذه الشبهات من أخطر ما يوجه إلى السنة من تحطيم ، فشبهتهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم بشر من الناس ، وهذا حق ، لكن بشريته لم تلغ رسالته فى وقت من الأوقات فهو بشر رسول في جميع أقواله وأفعاله وأحواله ، إن جعله رسولا فى قول دون قول ، وفي فعل دون فعل؟
يلغى الأمر بالاقتداء به ، وينفى مراقبة الله له فى وقت من الأوقات ، وفى قول من الأقوأل ،وفى فعل من الأفعال.
كيف تفلت بعض أفعال محمد صلى الله عليه وسلم من مراقبة الله ، وكل مؤمن وغير مؤمن مراقب محاسب على ما يفعل ، وهو يزيد عن البشر بالوحى والرؤية فى المنام وفي الإلهام ،وبجبريل -عليه السلام- ومأمور بالاقتداء به فى أفعاله والعمل بأقواله.
لقد حوسب وعوتب على أنه امتنع عن طعام يحبه ، إرضاء لأزواجه ، فنزل فيه قرآن يتلى: {يا أيها النبى لم تحرم ما أحلا لله لك تبتغى مرضات أزواجك}التحريم:1.
ولقد حوسب وعوتب على عوارض انفعالاته ، وتجهم وجهه فى ملاقاة أعمى لا يراه ، ولا يتاثر بعبوسه ، فنزل فيه قرآن يتلى: {عبس وتولى أن جاءه الأعمى}عبس:1-2.
بل لقد عوتب وحوسب على خلجات قلبه ،ودواخل نفسه ، فنزل فيه قرآن يتلى: {وإذ تقول للذى أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفى فى نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه}الأحزاب:37.
أليست كل هذه الأفعال قد صدرت بصفته البشرية؟ لكنها خضعت لرقابة الوحى، وتوجيه الوحى، ولكل فعل من أفعال المكلفين حكم عند الله ، لأنه إما أن يكون مرضيا عنه من الله تعالى، وإما أن يكون غير مرضى عنه ، ويستحيل أن يفعل محمد صلى الله عليه وسلم فعلا لا يرضى عنه الله ، وينزل جبريل المرة بعد المرة فلا يعدله ، ولا يوجهه ، فنزول جبريل بعد صدور حكم له صلى الله عليه وسلم أو فعل ، وعدم اعتراضه عليه ، إقرار وتقرير من الله تعالى، وهو شرع لا يسند إلى محمد صلى الله عليه وسلم ولكنه يسند إلى الله تعالى.
وكان الصحابة يؤمنون بذلك ، ويقتدون بأفعاله على أنها شرع الله حتى فيما هو من الأمور البشرية، لبس نعله فى الصلاة ، فلبسوا نعالهم ، فلما خلع نعله لسبب لا يعلمونه ، خلعوا نعالهم ، فلما قضى صلاته ، قال لهم: (ما حملكم على إلقاء نعالكم ، قالوا رأيناك ألقيت نعلك ، فألقينا نعالنا، قال: إن جبريل أتانى فأخبرنى أن فيها قذرا أوأذى)(4) ونزل ضيفا على أبى أيوب الأنصارى، فتكلفوا له طعاما، فيها ثوم ،فكره أكله فتوقف الصحابة عن أكله ، فقال لهم: (كلوا، فإنى لست كأحدكم إنى أخاف أن أوذى صاحبى)(5).
وقدم إليه الضب في طعامه فكره أكله ،فقيل له: أحرام هو؟ قال: (لا ولكن نفسى تعافه ، فأكلوه بعد أن توقفوا)(6).
إن الذين ينفون التشريع عن فعل النبى صلى الله عليه وسلم فى الأكل والشرب يسوون بين أكله وشربه صلى الله عليه وسلم وبين أكل وشرب أبى جهل وأبى لهب ، فالكل عندهم صادر عن الجبلة والعادة والطبيعة والبشرية وما هكذا يفهم الإسلام والله المستعان.
أ.د/موسى شاهين لاشين
__________
الهامش:
1- الإسلام عقيدة وشريعة، للشيخ محمود شلتوت ، ص508 وما بعدها.
2- السابق نفسه.
3- السنة والتشريع للدكتور/عبد المنعم النمر، ص47.
4- أخرجه أبو داود كتاب الصلاة باب الصلاة فى النعال.
5- اللفظ لابن خزيمة وابن حبان والأصل فى البخارى.
6- أخرجه البخارى فى كتاب الصيد والذبائح باب الضب(1/181)
السورة
لغة: المنزلة، وقيل: مخصوصة بالرفعة (الدرجة) والسورة من البناء: ما طال وحسن ،وقيل: هى العلامة كما فى مختار الصحاح (1).
واصطلاحا: قرآن يشتمل على آى ذوات فاتحة وخاتمة، وأقلها: ثلاث آيات وهى سورة الكوثر، وقيل: الطائفة المسماة باسم خاص بتوقيف من النبى صلى الله عليه وسلم.
والسورة تشتمل على آيات ، والآية: قرآن مركب من جمل ولو تقديرا، ذو مبدء ومقطع ، مندرج فى سورة، وأصلها العلامة، ومنه قوله تعالى: {إن آية ملكه}البقرة:248 ، لأنها علامة للفضل والصدق ، أو الجماعة لأنها جماعة كلمة.
وقيل السورة: هى طائفة من القرآن ، منقطعة عما قبلها وما بعدها،ليس بينها شبه بما سواها.
والحكمة فى تقطيع القرآن سورا هى الحكمة ذاتها فى تقطيع السور آيات معدودات ، لكل آية حد ومطلع ، حتى تكون كل سورة، بل كل آية فنا مستقلا وقرآنا معتبرا.
وسورت السور طوالا وقصارا وأوساطا: تنبيها على أن الطول ليس من شرط الإعجاز، بل قصارها كطوالها ، ولهذا -أيضا- حكمة فى التدرج فى تعليم الصبيان القرآن الكريم.
وسور القرآن قد يكون لها اسم واحد وهو الأكثر، وقد يكون لها اسمان: كسورة البقرة فانه يقال لها: فسطاط القرآن لعظمها وبهائها ، وآل عمران يقال لها فى التوراة: طيبة، والنحل تسمى سورة النعم لما عدد الله فيها من النعم على عبادء، والجاثية تسمى الشريعة، ومحمد تسمى القتال.
وقد يكون لها ثلاثة أسماء: كالمائدة فإنها تسمى العقود والمنفذة، وكغافر فتسمى الطول والمؤمن.
وقد يكون لها أكثر من ذلك: كسورة براءة فهى التوبة، والفاضحة، والحافرة لأنها حفرت عن قلوب المنافقين ، والعذاب ، والمشقشقة، والمبعثرة، وكسورة الفاتحة فإنها: أم الكتاب ، وأم القرآن ، والسبع المثانىء والحمد، وقد ذكر لها بضعة وعشرون اسما.
واختصاص كل سورة بما سميت به مقصود: فالعرب تراعى فى الكثير من المسميات أخذ أسمائها من نادر أو مستغرب يكون فى الشىء من خلق أو صفة تخصه ،أو تكون معه أحكم أو أكثر أو أسبق لإدراك الرائى للمسمى وعلى ذلك جرت أسماء سور الكتاب العزيز كتسمية سورة البقرة بهذا الاسم ، لقرينة ذكر قصة البقرة المذكورة فيها ، وسورة النساء سميت بذلك لما تردد فيها من كثير من أحكام النساء، وتسمية سورة الأنعام لما ورد فيها من تفصيل أحوالها، وهكذا فى بقية السور.
وعدد سور القرآن الكريم أربع عشرة ومائة سورة، افتتحها سبحانه وتعالي بعشرة أنواع من الكلام ، لا يخرج شىء من السور عنها ، وهى:
1- الاستفتاح بالثناء، مثل: الحمد لله ،وتبارك ، وسبحان ، وسبح ، ويسبح لله.
2- الاستفتاح بحروف التهجى: مثل الم ،المص ، الر، وذلك فى ست وعشرين سورة.
3- الاستفتاح بالنداء، وذلك فى عشرين سورة، مثل: مفتتح النساء، والمائدة والأحزاب.
4- الاستفتاح بالجمل الخبرية، فى ثلاث وعشرين سورة، مثل ، مفتتح النحل والأنبياء.
5- الاستفتاح بالقسم ، وذلك فى خمس عشرة سورة، مثل: مفتتح الضحى والليل والشمس.
6- الاستفتاح بالشرط ، فى سبع سور، مثل: مفتتح التكوير والانفطار والانشقاق.
7- الاستفتاح بالأمر، فى ست سور، مثل: مفتتح الجن والأعلى والإخلاص والمعوذتين.
8- الاستفتاح بالاستفهام ، فى ست سور، مثل: الإنسان والنبأ والغاشية والفيل.
9- الاستفتاح بالدعاء، فى ثلاث سور وهى المطففين ، والهمزة، والمسد.
10- الاستفتاح بالتعليل ، فى موضع واحد ، لإيلاف قريش.
وهذه الافتتاحات فيها من الحسن وبراعة الاستهلال ما فيها.
وخواتم السور مثل فواتحها فى الحسن ، لأنها آخر ما يقرع الأسماع ، ولهذا تضمنت جملة من المعانى البديعة مع إيذان السامع بانتهاء الكلام حتى يرتفع معه تشوف النفس إلى ما يذكر بعد.
ومن أوضحه خاتمة سورة إبراهيم {هذا بلاغ للناس ولينذروا به..}(آية 52) والأحقاف {بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون}(آية35) وأول سورة نزلت فى القرآن "اقرأ" ثم "نوح"، وآخرما نزل {إذا جاء نصرالله والفتح}النصر:1.
وكل سور القرآن الكريم بدأت بالبسملة إلا سورة التوبة، وسورة النمل بدأت بالبسملة ووجدت البسملة فى آية منها فى قوله تعالى: {إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم}النمل:30.
أ.د/عبدالصبور مرزوق
__________
الهامش:
1- مختار الصحاح ، مادة (سور) ص320.
مراجع الاستزادة:
1- البرهان فى علوم القرآن للزركشى، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، طبعة عيسى الحلبى وشركاه 1975م ، 1 /163:181.
2- الإتقان فى علوم القرآن للسيوطى وبهامشه إعجاز القران للباقلانى، المكتبة الثقافية بيروت 1973م الجزء الأول.
3- الموسوعة الفقهية بالكويت 25 /387 وما بعدها(1/182)
السياسة
لغة: مصدرللفعل "ساس" أى رأس وقاد، والسياسة: القيام على الشىء بما يصلحه... والوالى يسوس رعيته ، كما فى اللسان(1). وسست الرعية سياسة، أى ملكت أمرهم ، كما فى الصحاح (2). وفى الحديث الشريف: "كان بنو إسرائيل يسوسهم أنبياؤهم " أى يتولون أمورهم كما يفعل الأمراء، الولاة بالرعية.
والمعنى الاصطلاحى للسياسة حتى اليوم يتفق وتدبير أمور الرعية فى الداخل والخارج ، وفى التوصيف الغربى(3) فإن السياسة هى مجموعة القرارات المترابطة المتفق عليها بقصد التوصل إلى نتائج وأهداف محددة على المستوى العام أو المستوى الشخصى.
وينظر إلى السياسة غالبا باعتبارها تمثل التعامل والتفاعل بين الأفراد والعوامل ، التى تحدث نتيجة تحديد المواقع والمصالح ، التى يمكن تحقيقها والقرارات المصاحبة لذلك ،إلا أن اللفظ اتخذ فى الإسلام طابعا دينيا ، إذ أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن صاحب رسالة دينية فقط إنما كان رئيسا للجماعة الإسلامية الناشئة، التى وضع أساسها بمقتضى الصحيفة التى آخى فيها بين المهاجرين والأنصار، والتى يمكن أن يطلق عليها "دستور المدينة" إذ تضمنت تنظيما واضحا للعلاقات بين أعضاء المجتمع الإسلامى، بينهم ورياسة هذه الجماعة، وبينهم وبين من يخالفونهم فى الدين.
وتعتبر الصحيفة نقلة نوعية من المنظور السياسى ، حيث تضمنت من المعانى-على خلفية عالميةالإسلام- عناصر بالغة الدلالة من حيث العلاقات الدولية، فقد تضمنت إطارا لدول متعاونة على كل ما عرف خيره تتحمل مسئوليتها فرادى وجماعات فى عمارة الأرض (4) وعدم الإفساد وأنه لا إكراه فى الدين ، وبرّ من يخالفنا ما لم يعتد علينا فى ديارنا أو ديننا، وأن الخلق كلهم عيال الله ، وأن الحوار والتفاوض فى السياسة أمران واردان.
وجاء ذلك فى إطار ما حفل به القرآن الكريم من معان سامية ينبغى أن تسود البشر لإصلاح أمورهم فى دنياهم وأخراهم ، بما فى ذلك تأكيده على قيم العدل والمساواة والتعاون والسلام بين البشر -وهى قيم ينبغى أن تكون لها السيادة فى العلاقات السياسية الدولية- أتى بها الإسلام وسبق غيره بقرون عديدة.
وعالمية الإسلام تكسب التوجهات الإسلامية بعدها العالمى {تبارك الذى نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا}الفرقان:1 ، وقد أمر الإسلام بالتعايش والتعارف {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا}الحجرات:13 ، وأمر بالعدل {ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى}المائدة:8.
ويعتبر الإسلام أن السلام هو السياسة الإسلامية الأصيلة التى تمارس داخل المجتمع الاسلامى فى علاقاته مع مخالفيه (5) وهو يفرق فى هذا الصدد بين الذين يسالمون المسلمين والذين يقاتلونهم ، والاختلاف ليس سبيلا للحرب بل إنه كامن فى طبيعة الحياة، والسلام لا يعنى الاستسلام للمعتدين ، وحتى فى حالة الحرب فلها سياستها وآدابها، والإسلام يدعو إلى التعايش والحوار كمنهاج لممارسة السياسة، وفى ظلها تنمو العلاقات السياسية والاقتصادية وغيرها من أوجه العلاقات التى تتم فى إطار السياسة الدولية.
أما التنافس والتدافع فى المصالح والأمور السياسية فلا يعنى بالضرورة تصارعا وقتالا، إنما يعتبر ذلك من سنن الحياة التى تحقق التوازن والتداول فى إطار الفهم السليم لمقاصد الشريعة {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزير}الحج:40.
وقد عرف النظام الإسلامى أسلوب كتابة المعاهدات ، وسبق اتفاقيات جنيف التى عقدت عام 1949م فى حماية ضحايا الحرب وأسراها ، وحظر أعمال الثأر والانتقام ضد العدو.
ولقد كان إنشاء الدولة الإسلامية فى المدينة، وامتداد نفوذها بالتدريج فى معظم أجزاء شبه جزيرة العرب فى حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ثمرة مجهودات كبيرة حربية وتشريعية وسياسية، وكانت حصيلة النشاط السياسى والدبلوماسى مجموعة كبيرة من الرسائل والصكوك والمعاهدات التى تحدد العلاقات السياسية على أسانيدها من القرآن والسنة النبوية.
السفير/نبيل محمد بدر
__________
الهامش:
1- لسان العرب ، ابن منظور، دار صادر، بيروت مادة (سوس).
2- الصحاح للجوهري ، مادة (سوس).
3- Political and lagal by walter Raymond
4- الإسلام والنظام العالمى الجديد، د.حامد بن أحمد الرفاعى، المقدمة.
5- مفهوم التعايش فى الإسلام ، د.عباس الجرارى.
مراجع الاستزادة:
1- عالم الإسلام ، د.حسين مؤنس.
2- الفكر الإسلامى الحديث وصلته بالاستعمار الغربى، د.محمد البهى(1/183)
الشُرطة
لغة: الخير؛ لأن شرطة كل شىء خياره ، وقيل أشراط الشىء أوائله ،منه أشراط الساعة، وقيل: الأشراط: الأشراف(لسان العرب).
اصطلاحا: هم نخبة السلطان من جنده ،وهم المكلفون بالمحافظة على الأمن الداخلى بمنع وقوع الجرائم ، والقبض على الجناة، وعمل التحريات اللازمة، وتنفيذ العقوبة التى يحكم بها القضاة، وإقامة الحدود.
ويطلق على واحد الشرطة شرطى، وعلى جماعة الشرطة شرط وشرطية، وصاحب الشرطة هو رئيسهم وقائدهم ، وربما سمى أيضا عامل الشرطة، ومتولى الشرطة، وولى الشرطة.
وقد يسند إليه أيضا القيام بأعمال أخرى، مثل: بعض أعمال الحسبة، والإشراف على الأحباس ، والمساعدة فى تحصيل الأموال ،وإصدار الدنانير، وإطفاء الحرائق.
وقد عرف العالم الإسلامى إلى جانبه شرطة الأمن الداخلى أنواعا أخرى من الشرطة، مثل: الشرطة النهرية، وشرطة الخميس ، وشرطة الجيش ، والشرطة الخاصة.
وقد تبلورت اختصاصات صاحب الشرطة على مدى العصور الإسلامية، فظهرت وظيفة صاحب الشرطة فى خلافة الإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه الذى نُظِّمت الشرطة فى عهده ، ووضحت مهمة الشرطة فى العصر الأموى، وزاد تنسيقها فى العصر العباسى إذ صار لكل مدينة شرطة خاصة تخضع لرئيسها:صاحب شرطة هذه المدينة، وكان صاحب الشرطة يتخذ نائبا ومساعدين يسمون الأعوان ، وكان الشرط يتخذون أعلاما خاصة، ويلبسون زيا خاصا بهم ،ويحملون مطارد وترسة تحمل كتابات لباسم صاحب الشرطة، ويحملون فى الليل الفوانيس ، ويصحبون معهم كلاب الحراسة.
وكان تعيين صاحب الشرطة من اختصاص الوالى أو الأمير؛ ومن ثم كان عزل الوالى يتبعه فى معظم الأحيان عزل صاحب الشرطة، وكان الوالى يختار لهذه الوظيفة من بين أبنائه أو أقاربه ، وكان صاحب الشرطة يخلف الوالى فى السلطة إذا غاب فى الحج أو الحرب أو غير ذلك ، كما كان ينيبه عنه كثيرا فى إمامة الصلاة، وأحيانا كان يولى الإمارة، وعرف صاحب الشرطة فى الدول الإسلامية التى تفرعت من الخلافة العباسية.
ومنذ عصر الولاة فى مصر كانت وظيفة صاحب الشرطة من أكبر الوظائف وأهمها، وكانت تسمى فى عصر الولاة بخلافة الفسطاط ، لأنه كان ينوب عن الوالى، غير أن هذه الصيغة اختفت منذ عصر الطولونيين.
وفى عصر الولاة كان صاحب الشرطة يقيم فى الفسطاط مع الوالى، وعندما آسست العسكر وجدت شرطتان: شرطة الفسطاط ؛ وكانت تسمى الشرطة السفلى، وشرطة العسكر وكانت تسمى الشرطة العليا، وكانت الشرطة العليا تقيم فى دار تقع قريبا من جامع ابن طولون ، وكانت دار الشرطة تعرف باسم الشرطة، وظل نظام الشرطتين -العليا والسفلى- معروفا فى العصر الفاطمى، غير أن صاحب الشرطة العليا كان يقيم فى القاهرة ، وكان يسمى أيضا باسم حاكم القاهرة، واختفت صيغة صاحب الشرطة فى عصر المماليك ، وصار من يتولى مهامها يسمى الوالى أو وإلى القاهرة أو وإلى المدينة أو صاحب العسس.
وعرفت الشرطة وصاحبها فى العالم الإسلامى خارج مصر شرقا وغربا ، وعظم أمر صاحب الشرطة بخاصة فى الأندلس فى دولة بنس أمية، وانقسمت الشرطة إلى شرطتين: شرطة كبرى، وشرطة صغرى، وكانت مهمة الشرط الكبرى: النظر فى أمر الخاصة، وربما سمى صاحب الشرطة الكبرى باسم صاحب الشرطة العليا، أما صاحب الشرطة الصغرى فكان مخصصا للنظر فى أمر العامة، وفى أواخر العصر الإسلامى فى الأندلس صار صاحب الشرطة يسمى صاحب المدينة، وعند العامة يعرف بصاحب الليل ، كما عرف أيضا باسم الحاكم.
وعرفت وظيفة صاحب الشرطة فى عصر الموحدين فى تونس ، وكان ضمن من يجلسون بين يدى السلطان.
أ.د/حسن الباشا
__________
مراجع الاستزادة:
1- صبح الأعشى فى صناعة الإنشا، للقلقشندى.
2- معيد النعم ومبيد النقم للسبكى.
3- الشرطة، أحمد ممدوح حمدى.
4- الفنون الإسلامية والوظائف ، د/حسن الباشا(1/184)
شرع من قبلنا
لغة: الشرع عبادة عن البيان والأظهار يقال: شرع الله كذا أى جعله طريقا ومذهبا، ومنه المشرعة (لسان العرب)(1).
وإصطلاحا: يراد بشرع من قبلنا.(2) الأحكام التى شرعها الله تعالى للأمم السابقة وجاء بها الأنبياء السابقون ، وكلف بها من كانوا قبل الشريعة المحمدية كشريعة إبراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام.
وهذا الموضوع يمثل مدى صلة الشريعة الإسلامية بالديانات والشرائع السابقة، فمن القضايا المعروفة أن النبى صلى الله عليه وسلم بعث فى سن الأربعين سنة 611 م ، وأن شريعته صلى الله عليه وسلم خاتمة الشرائع ، وقد أخبر القرآن الكريم والسنة الشريفة عن قصص الأنبياء السابقين وبعض الأحكام التشريعية فى شرائعهم ، فهل أحكام شرائع الأمم السابقة كاليهودية والنصرانية نطالب بالعمل بها؟(3).
والكلام فى هذا الموضوع يتطلب بحث أمرين:
أولهما(4): هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم قبل البعثة متعبدا بشريعة سابقة ، لأنه إذا كان متعبدا بشرع سابق ، ولم ينسخ فى شريعته بعد نزولها فيكون ذلك مشروعا فى حقنا كمسلمين.
ثانيهما: هل النبى عليه الصلاة والسلام وأمته بعد البعثة متعبدون بشرع نبى سابق؟ وللاجابة على هذا نقول: إن تعبده صلى الله عليه وسلم بشريعة سابقة من ناحية الجواز العقلى لا مانع منه إذ لا دليل على استحالته ، أما من ناحية الوقوع العقلى والجواز الشرعى فهو محل خلاف بين الأصوليين سواء كان ذلك قبل البعثة أو بعدها، فليراجع فى كتبهم.
وأعلم أن شرائع من قبلنا على أربعة أقسام (5):
1- الأحكام التى لم يرد لها ذكر فى شريعتنا لا فى الكتاب ولا فى السنة، فهذه الأحكام لا تكون مشرعا لنا بلا خلاف.
2- الأحكام التى نسختها شريعتنا مثل:
تحريم أكل ذى الظفر، وتحريم الشحوم التى تكون فى بطن الحيوان محيطة بالكرش (6).
وتحريم الغنائم ، فهذه أيضا ليست شرعا لنا بالاتفاق ، بل منسوخة فى حقنا.
3- الأحكام التى أقرتها شريعتنا فلا نزاع فى أننا متعبدون لها ؛ لأنها شريعتنا، لورود التشريع الخاص فيها ، الصياد(7) والاضحية(8) وغيرها.
4- الأحكام التى علم قبولها بطريق صحيح ، ولم يرد عليها ناسخ ، ولكن لم تقرر فى شريعتنا كالتى قصها الله سبحانه فى كتابه ، أو وردت على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم من غير إنكار ولا إقرار لها، مثل آية القصاص فى شريعة اليهود(9)، وهذا النوع هو محل النزاع والخلاف بين الفقهاء.
أ.د/على جمعه محمد
__________
الهامش:
1- لسان العرب لابن منظور، ط دار المعارف (شرع)، التعريفات للجرجانى (ص111) مصطفى الحلبى وشركاه 1938 م ، المعجم الوسيط (1 /479) دار المعارف.
2- القاموس القويم فى إصطلاحا الأصوليين للدكتور/محمد حامد عثمان (ص225) دار الحديث طبعة أولى 1966م.
3- أصول الفقه الإسلامى للدكتور وهبه الزحيلى 2 /838 دار الفكر طبعة أولى 1986م.
4- المرجع السابق نفس الصفحة.
5- انظر: الاجتهاد فيما لا نص فيه للدكتور الطيب خضرى السيد (2 /135)،وما بعدها ، مكتبة الحرمين بالرياض 1983م، تيسير أصول الفقه لمحمد أنور السيد خشانى (ص161) طبعة كراتشى بباكستان سنة 1990م.
6- أى فى قوله تعالى {وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذى ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومها إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما أختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيم وإنا لصادقون}الانعام:146.
7- أى فى قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}البقرة:183.
8- حيث بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها كانت شريعة إبراهيم عليه السلام رواه ابن ماجه رقم 3127.
9- أى فى قوله تعالى {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون}المائدة:45.
مراجع الاستزادة:
1- البحر المحيط للاركشى (6 /36 وما بعدها) طبعة وزارة الأوقاف بالكويت 1990م.
2- الحاصل من الموصول للأوموى، تحقيؤ عبد السلام ابوناجى (2 /932) منشورات جامعة قاريونس بنغازى بليبيا.
3- شرح المحلى على جمع الجوامع (2 /352)، الحلبى وشركاه(1/185)
الشركات
لغة: هى عقد بين اثنين أو أكثر للقيام بعمل مشترك ، وهو معنى قريب من المعنى الاصطلاحى فى القانون التجارى، وفى الشريعة الإسلامية(لسان العرب).
واصطلاحا: اتفاق بين اثنين أو أكثر بقصد القيام بنشاط اقتصادى معين ابتغاء الربح.
و يشجع الإسلام قيام الشركات ، فيقول رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم (أنا مع الشريكين ما لم يختلفا) كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أسهم كشريك فى نوع معين من الشركات ، هو شركة المضاربة حيث قدمت السيدة خديجة رضى الله عنها مالا، وقدم هو عمله فى هذه الشركة، ولازال هذا النشاط يعد من أهم الأنشطة للشركات الآن ، ومن تطبيقاته: شركات المزارعة، وشركات الاستصناع ، كذلك فهو نظام شائع فى التجارة بمختلف فروعها فى الدول الإسلامية، وغير الإسلامية على السواء.
هذا ويحفل الفقه الإسلامى بدراسات تتصل بمجموعات الشركات ، ومن أهم الشركات التى اهتم بها الفقه الإسلامى:
- شركات الأعمال:
وهى شركات تقوم بين أصحاب المهن المتماثلة أو المتكاملة لأداء الأعمال للمهن التى يحترفونها ، وهى شركات قامت أساسا للحفاظ على تقاليد المهن الراسخة، ومنع الدخلاء الذين لا يحترمون هذه التقاليد.
- شركات الذمم:
وتتميز هذه الشركات بأن الشركاء فيها لا يدفعون رأس مال وتقوم أساسا على شراء سلع بالأجل يتجرون فيها جميعا، ثم يقتسمون الربح بنسبة ما يتحمله كل منهم فى ثمن السلع المشتراة.
- شركات القراض:
وهى تجمع شخصا أو أشخاصا يقدمون رؤوس أموال ، بالإضافة إلى لشخص أو أشخاص يقدمون العمل ، ويقوم أصحاب الحصص بنشاط اقتصادى واحد أو متعدد حسب الاتفاق ، ويوزعون الربح بينهم حسب الاتفاق.
وهى نوع من شركات المضاربة.
كما يشجع الإسلام قيام أية شركات أخرى لتنفيذ تعاليم الإسلام فى تشجيع المبادرات الفردية على العمل والإنتاج لتكوين المؤمن القوى القادر، وذلك طالما توافرت لها الشروط الآتية:
1- عدم التعامل فى أى أشياء محرمة مثل الاتجار فى الخمر أو فى لحوم الخنزير أو فى اللحوم غير المذبوحة وفقا للشريعة.
2- عدم التعامل بالفائدة أخذ أو عطاء؛ لذا فمن المتفق عليه ضرورة إلغاء أحكام الفائدة من نماذج إقامة الشركات التى تصدرها بعض الدول ، وكذلك شطب القانون المنظم لاصدار السندات ، لأن السند دين على الشركة يتم الوفاء به بعد مدة مع سداد فوائد منصوص عليها فيها.
3- أن يؤدى قيام الشركة إلى تعظيم الإنتاج وزيادة الموارد؟ لأن فلسفة الشركة هى القيام بأعمال مفيدة يعجز عنها الفرد العادى، أو ضم جهود متعددة إلى بعضها البعض فينتج من هذا الضم القيام بأعمال ضخمة.
والمثال النموذجى لذلك هو شركات المساهمة التى تقوم على تجميع الأموال أساسا من عدد كبير من الأشخاص فى أسواق المال ، ويختار أصحاب الأسهم من يقومون بإدارة الشركة ويراقبون أعمالهم ،ويملكون تغييرهم.
أما الشركات ذات المسئولية المحدودة، فتختلف عن شركات المساهمة فى انها لا تصدر أسهما، وإنما تتم المشاركة عن طريق حصص يساهم فيها الأشخاص وغير قابلة للتداولة مثل الأسهم ، كما تحدد قوانين مختلف الدول حدا أدنى لرأس المال وحدا أقصى لعدد الشركاء فى هذا النوع من الشركات.
كذلك توجد "شركات أشخاص " يعتبر عامل الشخص هو الأساس فيها، منها شركات التضامن ، وشركات التوصية البسيطة ، وشركات التوصية بالأسهم ، ورؤوس أموالها تكون بسيطة فى الغالب ، كما أن وفاة أى شريك أو خروجه من الشركة ينهيها.
د/جعفر عبد السلام
__________
مراجع الاستزادة:
1- مؤلفات الشركات التجارية د/على حسن يونس.
2- مؤلف الشركات بين الشريعة، والقانون ، الشيخ عبدالعزيز الخياط ، طبعة عمان 1995م.
3- مطبوعات مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامى "القوانين الاقتصادية من منظور إسلامى" ط 1994م(1/186)
الشريعة
لغة: الموضع الذى ينحدر إلى الماء منه ، كما فى اللسان (1).
واصطلاحا: ما شرعه الله لعباده من الدين ، مثل الصوم والصلاة والحج.. وغير ذلك ، وإنما سمى شريعة لأنه يقصد ويلجأ إليه ،كما يلجأ إلى الماء عند العطش ،ومنه قوله تعالى: {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها}الجاثية:18 ، وقوله تعالى {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا}المائدة:48 والشرع والتشريع هو ما يسن من الأحكام (2).
والشرائع السماوية تستمد أحكامها من عدة مصادرة فالشريعة الموسوية تستمد أحكامها أساسا من كتاب الله تعالى المنزل على سيدنا موسى بن عمران عليه السلام والمسمى بالتوراة، ثم زاد علماؤهم ما كتبه رجال الدين اليهوديى على امتداد قرون متطاولة، والذى جمع فيما بعد فيما سمى بالتلمود، على الرغم من اعتراضات كثيرة حوله.
كما أن الشريعة العيسوية تستمد أكامها من كتابى الإنجيل والتوراة معا.
أما الشريعة الإسلامية، فإنها تستمد أحكامها من القرآن الكريم ، ومن السنة النبوية الشريفة، ومن إجماع العلماء على حكم من الأحكام فى عصر من العصور بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم ؛ مثل الإجماع على مبايعة أبى بكر الصديق رضى الله عنه بالخلافة، ومن القياس فى إثباته حكم فرعى قياسا على حكم أصلى لعلة جامعة بينهما؛ مثل إثبات جريمة إتلاف مال اليتيم بالحرق قياسا على حرمة إتلافه بالأكل ، الثابت بالقرآن الكريم ؛ بجامع الإتلاف فى كل.
بالإضافة إلى مجموعة من الأدلة المختلف فيها مثل: الاستحسان ، والمصالح المرسلة، وسد الذرائع ، والبراءة الأصلية، والعرف المستقر، وقول الصحابى؛ حيث لم يخالف نصا شرعيا، ولم يوجد ما يخالفه من قول صحابى آخر، وشرع من قبلنا؛ إذا لم يرد فى شرعنا ما ينسخه (3).
وقد أجمع العلماء على أن الشرائع السماوية متفقة على أمرين:
1- الأمور الاعتقادية، من حيث الإقرار بوجود إله خالق رازق محى مميت موجد لهذا العالم ، وواضع لنواميسه ، ومرسل للرسل وما يحملون من شرائع.
2- الدعوة إلى مكارم الأخلاق ، مثل الوفاء بالعهود والعقود، والإخلاص فى الأقوال والأفعال ، وأداء الأمانات.. وغير ذلك مما تدعوا إليه هذه الشرائع.
لكنها تختلف من حيث الأحكام العملية فى العبادات، والمعاملات ، والأقضية
والشهادات ، وجزاء الجنايات ، ونظم المواريث ؛ فلكل شريعة أحكامها الخاصة بها(4).
ومن خصائص الشريعة الإسلامية أنها:
1- إلهية المصدر.
2- محفوظة عن التبديل والتغير.
3- شاملة لكل شئون الحياة ، حيث تعايش الإنسان جنينا ، وطفلا، وشابا ، وشيخا ، ثم تكرمه ميتا ، وتنظم انتقال تركته إلى من بعده.
4- حاكمة على كل تصرف من تصرفات الإنسان فى هذه المراحل كلها ، بالوجوب ، أو الحرمة، أو الكراهة، أو الندب ، أو الاباحة، وفى كل مجالات الحياة من عملية ، وعقائدية ، وأخلاقية.
5- واقعية ، حيث راعت كل جوانب الإنسان البدنية، والروحية الفردية، والجماعية، كما راعت التدرج فى مجال التربية.
6- صلاحيتها لكل زمان ومكان.
ومن أهدافها: حفظ الضروات الخمس ، وهى: الدين ، والنفس ، والعقل ، والنسل ، والمال إلى جانب مراعاتها رفع الحرج والمشقة فى مجال الحاجيات ؛ كشريعة القراض ، والمساقاة، والسلم ، ونحو ذلك من التصرفات التى تشتد الحاجة إليها، مع الأخذ بما يليق فى جانبه التحسينات كالطهارات ، وستر العورات ، وأخذ أنواع الزينة، وآداب الأكل ، وهكذا جاءت شريعة كاملة وافية بكل حاجات البشر فى كل زمان ومكان (5).
أ.د/أحمد على طه ريان
__________
الهامش:
1- لسان العرب لابن منظور مادة (شرع) طبعة دار المعارف.
2- الجامع لأحكام القرآن للقرطبى ص5984 ، طبعة الشعب.
3- أصول الفقه للشيخ محمد أبو زهرة ص305-307 بتصرف ، دار الفكر العربى ، الفكر السامى فى تاريخ الفقة الإسلامى بتصرف ط1 مصر للطباعة.
4- الجامع لأحكام القرآن للقرطبى ص2208 ، حاشية الإمام أحمد الصاوى على تفسير الجلالين 4 /66 ط الحلبى 1941م.
5- تاريخ التشريع الإسلامى للدكتورة/نعمات محمد الهانس ص2-22 بتصرف ، الموفقات للشاطبى ، 2 /8-10 بتصرف ط2 دار المعرفة بيروت.
مراجع الاستزادة:
1- أصول الفقه للشيخ/محمد الخضرى بك ط المكتبة التجارية بمصر 1969م.
2- علم أصول الفقه وتاريخ التشريع الإسلامى للشيخ/أحمد إبراهيم بك ، ط دار الأنصار بمصر.
3- المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية للدكتور/عبدالكريم زيدان، ط مؤسسة الرسالة بيروت(1/187)
الشعوبية
لغة: كلمة منسوبة للشعوب ، فهى بذلك لا تفرق بين شعب وآخر من حيث الرفعة أو الضعة، وإنما تدعو للمساواة وهى بهذا المعنى متفقة مع الفكر الإسلامى الذى يرى أنه لا فضل لعربى على أعجمى ولا لأعجمى على عربى إلا بالتقوى فالمفاضلة تكون بين الأفراد حسب أعمالهم ، وليست بين الجماعات والشعوب ، وجدى الحال على ذلك فى صدر الإسلام ، فبلال الحبشى وصهيب الرومى، وسلمان الفارسى كانوا من خيرة الصحابة، وعندما غضب أبو ذر الغفارى على عبد له ، وقال له يا ابن السوداء، صاح به الرسول صلى الله عليه وسلم إنك إمرؤ فيك جاهلية، ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل إلا بعمل صالح (1).
وبدأ الإسلام يتسع على يد العرب ، ويضم أقواما لهم فى التاريخ مكان مجيد، وجاء العصر الأموى الذى كان يعتمد على سيوف العرب فى فتوحاته وتوسعه ، وظهرت روح جديدة لايقرها الإسلام وهى الفرق بين العرب والموالى، وفى أيسر تعريف للموالى أنهم المسلمون من غير العرب ، وأحس العرب بتفوق جنسهم الذى كان منه الخلفاء والأمراء والكتاب والشعراء والفقهاء، وافتخر الغرب بجنسهم ولم يساووا بين العرب والموالى وبخاصة من الفرس.
ومن هنا بدأ للشعوبية معنى جديد فى التاريخ يرمى إلى التعصب لغير العرب ،واعتبارهم بتاريخهم العظيم أسمى من العرب ، وقاد يهود فارس هذا الإتجاه.
وساعد على ذلك أن الدولة العباسية قامت بسيوف فارسية، وأن مفكرى الفرس اهتموا بالتفوق فى مجالات الأدب والشعر والتفسير والفكر، وذلك ضمن لهم التفوق فى المجال السياسى والفكرى، فأصبح الخلفاء يعترفون بفضلهم ، وأصبح منهم العديد من الوزراء والأدباء والسفراء والمفسرين والمؤرخين.
وبدءوا بحاضرهم وماضيهم يعدون أنفسهم أسمى من العرب ، وهذا هو المعنى الذى آل إليه معنى الشعوبية فأصبح للشعوبية معنى مزدوج هو الحط من الجنس العربى، والنيل من الدين الإسلامى، ووسيلتها لذلك التعصب لرفع شأن غير العرب وبخاصة الفرس والتفاخر بأمجادمم ، ورقى حضارتهم ، وما يتبع ذلك من تصغير شأن العرب والهجوم عليهم ، ووصفهم بأحقر الأوصاف.
ويصور الجاحظ حركة الشعوبية وأهدافها بقوله: إن عامة من ارتاب فى الإسلام كانت الشعوبية أساس ارتيابهم فلا تزال الشعوبية تنتقل بأهلها من وضع إلى وضع حتى ينسلخوا من الإسلام لأنه نزل على نبى عربى، وكان العرب حمله أوائه عندما نزل (2).
ويلاحظ أن الفرس حاولوا أن يشركوا الأجناس غير العربية فى حركتهم الشعوبية فاستعانوا بأجناس وحضارات مختلفة ضد العرب ، وتنفيذا لذلك راحوا يمجدون حضارة الفراعنة وحضارة الفينقيين والهند ، ولكن ذلك لم يخدع هذه الشعوب ، فإن هؤلاء ربحوا عقائديا وثقافيا وسياسيا بالاسلام فرفضوا أن ينضموا للفكر الشعوبى وتمسكوا بالفكر الإسلامى الذى يسوى بين البشر على اختلاف أجناسهم وألوانهم ، والذى يدعو إلى التعاون بين الشعوب الإسلامية لخدمة الجميع.
وبقى الفرس وحدهم فى هذا المضمار، وقد وضعوا بعض الأحاديث التى نسبوها للرسول صلوات الله وسلامه عليه والتى تعلى من قدرهم.
واشترك بعض الشعراء الفرس فى هذا المجال فنظموا القصائد التى يهاجمون فيها العرب ، ومن ذلك ما قاله أحدهم:
همو راضة الدنيا وسادة أهلها * إذا افتخروا لإراضة الشاه والإبل وقال آخر:
ولست تبارك إيوان كسرى * لتوضح أو لحومل فالدخول.
ووجد اليهود الفرس فرصتهم فى هذا المجال ليهاجموا الإسلام ورسول الإسلام فقالوا: منا العديد من الأنبياء والمرسلين وليس هناك أنبياء من العرب سوى ثلاثة هم هود وصالح ومحمد، ونسوا أن كثرة الأنبياء فيهم كانت لكثرة زيفهم وضلالهم ،فأرسل الله لهم العديد من الأنبياء لإصلاح شأنهم ولكن بدون جدوى، وطعن اليهود الفرس فى إسماعيل الجد الأعلى للرسول صلوات الله وسلامه عليه فقالوا إنه ابن جارية (هاجر)، أما إسحق جدهم فإن حرة (سارة).
وهكذا خلق اليهود والفرس هذه النفرة للتفريق بين المسلمين ، مع أن الإسلام لا ينظر إلى أصول الناس أو ثرائهم أو ألوانهم ، وإنما ينظر إلى تقواهم وأعمالهم قال تعالى {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله أتقاكم}الحجرات:13.
والآية تذكر الناس بوحدة المنشأ ، وتقرر أن تقسيم الناس إلى قبائل وضع طبيعى ناتج عن تعدد الأولاد والأحفاد ، ولكن يهدف للتعارف لا للتفرقة، كما تؤكد الآية أن التفاضل لا يتخذ أساسه أصول الناس بألوانهم وأخباسهم ، بل ينظر إلى عمق الإيمان وما يقدمه الناس من العمل الصالح.
أ.د/أحمد شلبى
__________
الهامش:
1- صحيح البخارى باب الأخلاق.
2- البيان والتبيين (1 /1043).
مراجع الاستزادة:
1- كتب الجاحظ وبخاصة البيان والتبيين.
2- الشعوبية للدكتور نبيه حجاب رسالة دكتوراة نشرت(1/188)
الشفعة
لغة: الزيادة ، وهو أن يشفعك فيما تطلب حى نضمه إلى ما عندك فتزيده ، أى أنه كان ،واحدا فضم إليه مازاده وشفعه به ،ويسمى صاحبها شفيعا، كما فى اللسان (1).
وفى القرآن الكريم {والشفع والوتر}الفجر:3 ، والمختار فى تفسيرها هو ما قاله ابن عباس رضى الله عنهما وعدد كبير من التابعين: أن المراد من الشفع فى الآية هو الخلق قال الله تعالى: {ومن كل شىء خلقهنا زوجين}الذاريات:49 ، الكفر ،والإيمان ، والشقاوة والسعادة، والهدى والضلال ، والنور والظلمة ، والليل والنهار، والحروالبرد، والشمس والقمر، والصيف والشتاء، والسماء، والأرض ، والجن والإنس.
والوتر: هو الله تعالى قال جل ثناؤه: {قل هوالله أحدالله الصمد}الإخلاص:1-2 ،وقال النبى صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعة وتسعين أسما والله وتر يحب الوتر)(2).
واصطلاحا: عرفها الفقهاء؛ بأنها حق تملك قهرى يثبت للشريك القديم على الحادث فيما ملك بعوض ،وقد قيل فى الحكمة من تشريعها؛إنها لدفع ضرر مؤنة القسمة أو استحداث المرافق كالمصعد والمنور والبالوعة وغيرها مما يحتاج إليه فى نصيبه الذى آل إليه ؛ وقيل: إنها لدفع ضرر الشركة ،مع شريك جديد لم تعرف معاملته ومجاورته.
وأركانها: الشقص المشقوع فيه، والشريك القديم الطالب للشفعة، والمشترى لجديد للشقص ، والصيغة، وهى الإيجاب والقبول بلفظ دال على عقد الشفعة.
وفى الحديث الشريف: عن جابر رضى الله عنه قال: (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة فى كل شركة لم تقسم ربعة أو حائط ،لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه ،فإن شاء أخذ وإن شاء ترك ، فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحق به) (رواه مسلم) (3).
فبين هذا الحديث الشريف سبب الشفعة وما يجب على الشريك الذى يريد بيع نصيبه من إخطار شريكه برغبته فى البيع ، بينما آخرج البخارى هذا الحديث بلفظ (قضى النبى صلى الله عليه وسلم بالشفعة فى كل ما لم يقسم ، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) (رواه البخارى)(4) حيث دلت هذه الزيادة على الأمد الذى انتهى عنده حق طلب الشفعة وهو حصول القسمة ووضع الحدود بين الأنصياء وتصريف الطرق بينها.
ومذهب جهود العلماء أن الشفعة تثبت فيما لم يقسم فى العقارات ؛ وهى الأرض وما اتصل بها من بناء وأشجار، فإذا حصلت القصمة ووقعت الحدود فلا شفعة، وقد نقل هذا عن عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان.
وسعيد بن المسيب ، وسليمان بن يسار، وعمر بن عبدالعزيز، والزهرى، ويحيى الأنصارى، وأبى الزناد ، والأوزاعى ، ومالك ، والشا فعى،وأحمد بن حنبل ، وإسحاق ، وأبى ثور، رضى الله عنهم أجمعين.
وقال أبو حنيفة والثورى: تثبت الشفعة بالجوار الملاصق ولو من جانب واحد،واستدلا بحديث أبى رافع عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الجار أحق بسقيه) (أخرجه البخارى، والشافعى، وأحمد ، وأبو داود،والنسائى وأصحها رواية البخارى)(5).
ويبطل حق الشفيع بعد علمه ببيع نصيب شريكه من أجنبى وسكوته بما يظن منه أنه غير راغب فى المطالبة بالشفعة، ويثبت ذلك بقرائن الأحوال.
أ.د/أحمد على طه
__________
الهامش:
1- لسان العرب لابن منظور مادة (شفع) طبعة دار المعارف.
2- الجامع لأحكام القرآن للقرطبى ص 723، ط الشعب.
3- صحيح مسلم 11 /46 ، مع شرحه للإمام النووى.
4- صحيع البخارى 6 /59 ، مع فتح البارى طبعة مصطفى البابى الحلبى سنة 1909م.
5- صحيح البخارى 3 /109 ، مطبعة صبيح القاهرة.
مراجع الاستزادة:
1- حاشية ابن عابدين على الدر المختار 6 /220،221 دار الفكر بيروت.
2- شرح النووى على صحيح مسلم 11 /46 ط دار الفكر بيروت.
3- مغنى المحتاج 2 /296-308 دار إحياء التراث العربى بيروت(1/189)
الصابئة
لغة: صبأ الرجل بمعنى ترك دينه فهو صابىء.
واصطلاحها: الصابئة قوم يعبدون الكواكب أو الملائكة أو لا دين لهم ، أو هم قوم يوحدون الله وليس لهم كتاب ولا نبى ولا طقوس للعبادة. وهذا المعنى يقتبس مما تدل عليه الآية الكريمة: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون}البقرة:62.
والصابئة نوعان تبعا لإشارات القرآن الكريم ، وأقوال المفكرين المسلمين:
النوع الأول: يذكر بعضهم أنهم من أهل الكتاب بدليل ارتباط ذكرهم باليهود والنصارى فى بعض الآيات.
النوع الثانى: ويعدهم من الوثنيين وهم صابئة حران ، وهؤلاء يقولون بوسائط بين الله والعالم ،وهى التى تدير الكون ،وتفيض على الوجود، وهم يمنعون تعدد الزوجات ،ويحرمون الطلاق والختان ، ويحرصون على تطهير أنفسهم من دنس الشهوات ، ويصلون ثلاث صلوات فى اليوم. والصابئة الحرانيون خدموا الإسلام عن طريق الترجمة، وكان منهم الرياضيون والوزراء مثل: ثابته بن قرة، وابن سنان. وكان لهم نشاط فكرى فى بغداد فى عهد أبى إسحاق الصابى وزير الطائع والمطيع ، ثم ضعف شأنهم.
ومن أشهر علمائهم ثابت بن قرة (901م) وقد برع فى الرياضة والفلك وكان من كبار المترجمين من اليونانية والسريانية إلى اللغة العربية، وترجم أو اشترك فى ترجمة كتب أرشميدس وإقليدس وجالينوس ، ومن مؤلفاته الطبية كتاب "الذخيرة".
وقد نبغ من أبنائه إبراهيم ، وسنان وسنان خدم الخليفتين المقتدر والقاهر، وأشرف على إنشاء البيمارستان الذى عرف باسم والدة المقتدر، وله تصانيف فى الفلسفة وعلم الهيئة.
ومن أشهر أدباء الصابئة الصابى الحرانى إبراهيم بن هلال (994م)، كان من أدباء العصر، ودرس الرياضة و الفلسفة والفلك والأدب ، وتولى ديوان الرسائل والمظالم سنة (960م)، سجن عدة مرات ، وكان شاعرا مجيدا له ديوان ، واشتهر بالرسائل الديوانية التى حوت صورا طيبة من الألفاظ الجزلة والتعبير السهل.
أ.د/أحمد شلبى
__________
مراجع الاستزادة:
1- المحاسن والأضدادالجاحظ القاهرة 1932م.
2- الديوان أبو نواس تحقيق الأستاذ محمود كامل سنة 1939م.
3- ضحى الإسلام أحمد أمين القاهرة ط2(1/190)
الصبر
لغة: حبس النفس عن الجزع.
واصطلاحا: ترك الشكوى من ألم البلوى لغير الله.
وقد وصف الله المؤمنين بالصبر، فقال تعالى: {والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم}الرعد:22 ، فهو ليس استسلاما للذل والمهانة وليس سلبية فى مواجهة الباطل ، بل ضبط النفس والتحمل فى سبيل أداء ما يجب على المرء أداؤه ابتغاء وجه الله ؛ إذ يصبر رب الأسرة فى رعاية أسرته وتوجيهها، والموظف فى أداء وظيفته ،والقاضى فى سبيل تحرى العدل ، والحاكم فى سبيل إحقاق الحق ، وإقرار الطمأنينة والأمن ، والفرد فى سبيل سيطرة حكمته على هواه ، والأم فى سبيل رعاية أولادها ، وسلامة صحتهم وعقولهم... إلخ.
ويتطلب الصبر قدرة على الاحتمال وضبط النفس ، وإيمانا بالغاية والهدف ، كما يتطلب ممارسة على السيطرة على هوى النفس وانفعالاتها ، وعلى الرجوع إلى العقل والتروى فى مواجهة الشدائد والأزمات ، ولهذا وردت فى القرآن الكريم آيات كثيرة تحث عليه ، منها قوله تعالى: {واصبرعلى ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور}لقمان:17.
بل إنه قرن بالصلاة والمرابطة فى قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبروالصلاة إن الله مع الصابرين}البقرة:153 ، وقوله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون}آل عمران:200.
أ.د/محمد شامة
__________
مراجع الاستزادة:
1- لسان العرب لابن منظور.
2- التعريفات للجرجانى.
3- من مفاهيم القرآن فى العقيدة والسلوك د/محمد البهى القاهرة سنة 1973م.
4- الإسلام دين ودنيا د/محمد شامة القاهرة سنة 1988م(1/191)
الصحابة
اصطلاحا: هم هؤلاء الأعلام الذين عرفوا من أحوال النبى صلى الله عليه وسلم ما جعلهم يهرعون إليه ويضعون مقاليدهم بين يديه ينغمسون فى فيضه الذى بهر منهم الأبصار وأزال عنهم الأكدار، وصيرهم أهلا لمجالسته ومحادثته ومرافقته ومخالطته ، حتى آثروه على أنفسهم وأموالهم وأزواجهم وأولادهم ، وبلغ من محبتهم له وإيثارهم الموت فى سبيله أن هان عليهم اقتحام المنية كراهة أن يجدوه فى موقف مؤذ أو كربة يغض من قدره.
ولما للصحابة من الفضل العظيم فإن الله تعالى ذكرهم فيما أنزل من الكتب ؛ حتى لا يذهب ذكرهم ولا تمحى من رؤوس القبائل والشعوب مآثرهم فقال: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم فى وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم فى التوراة ومثلهم فى الإنجيل كزرع أخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما}الفتح:29.
وقال تعالى {والسابقون السابقون أولئك المقربون فى جنات النعيم ثلة من الأولين وقليل من الآخرين}الواقعة:10-14.
ثم قال تعالى: فى سورة الواقعة أيضا {إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا أترابا لأصحاب اليمين ثلة من الأولين وثلة من الآخرين}الواقعة:35-40.
ويتضح من الآيات السابقة، وما يجرى فى فلكها، أن الصحابة درجات بعضها فوق بعض ، فالسابقون الأولون الذين أسلموا وجوههم إلى الله ، ولبوا مناديه إلى الإيمان ،وكل من على سطح هذه المعمورة مخالف لهم هم كبار الصحابة الذين اصطنعهم سيدهم بنفسه ، ورباهم تحت سمعه وبصره عبر ثلاث عشرة سنة قضاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مكة، وقال فيهم ورحى الحرب دائرة فى بدر (اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد فى الأرض)(1)، وقال أيضا (الله الله فى أصحابى، فلو أن أحدكم تصدق بمثل أحد ذهبا ما ساوى مده ولا نصيفه)رواه البخارى (3).
يلى هؤلاء السابقين من المهاجرين ،السابقون من الأنصار وهم الذين بايعوا النبى صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة على أن يمنعوه من الأسود والأحمر، والإنس والجن.
يقول تعالى {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجرى تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم}التوبة:100.
وما سوى الصحابة الكبار طبقات بعضها أفضل من بعض ، فالذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا أفضل من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا ، يقول تعالى {لا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير}الحديد:10.
وواضح من الآية السابقة وما يشبهها أن الله تعالى قد جعل لأصحاب النبى صلى الله عليه وسلم مقياسا تقاس به أقدارهم وميزانا توزن به منازلهم ومراتبهم ، فالسابقون الأولون من المهاجرين هم الكبار الذين لا يسمو إليهم غيرهم ، ومن عداهم من الصحابة الكرام متفاوتون تبعا لأعمالهم فى نصرة الإسلام ،وجهادهم تحت ألويته وراياته ، فأفضلهم الذين شهدوا بدرا ودافعوا عن النبى صلى الله عليه وسلم ودينه فيها.
ويليهم من شهد أحدا والخندق، وهكذا حتى غروة تبوك.
وهناك عدة ثوابت تعم الصحابة، منها:
1- الصحابة كلهم عدول ، لا يجوز تجريحهم ولا تعديل البعض منهم دون البعض.
2- الصحابة كالنجوم يهدون الحائر، ويرشدون الضال ، وفيهم يقول النبى صلى الله عليه وسلم (أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم)(3).
3- الصحابة لم يذكرهم الله تعالى فى كتابه إلا وأثنى عليهم وأجزل الأجر والمثوبة لهم ،ولم يفرق بين فرد منهم وفرد ولا بين طائفة وطائفة.
وفيهم يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (خيرالقرون قرنى، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم) (رواه البخارى)(4).
أ.د/عبدالعزيز غنيم عبدالقادر
__________
الهامش:
1- تاريخ الرسول والملوك للطبرى، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، ط دار المعارف ، القاهرة 2 /477.
2- صحيح البخارى ط المجلس الأعلى للشئون الإسلامية 6 /89.
3- لسان الميزان لابن حجر العسقلانى، ط مؤسسة الأعلمى للمطبوعات بيروت لبنان 2 /118.
4- صحيح البخارى 6 /75(1/192)
الصحابى
اصطلاحا: هو من لقى النبى صلى الله عليه وسلم مؤمنا به ، ومات على الإسلام (1).
ويشمل هذا التعريف كذلك:
1- من رأى النبى صلى الله عليه وسلم قبل البلوغ ؛ فإنه إن كان قد بلغ سن التمييز فهو صحابى، وإلا فإن صحبته باعتبار رؤية النبى في صلى الله عليه وسلم له ، وهو تابعى من حيث الرواية.
2- المرتد العائد للإسلام ؛ فهو صحابى وإن لم ير النبى صلى الله عليه وسلم مرة أخرى.
ويخرج منه: من رأى النبى صلى الله عليه وسلم وهو ميت ؛ فليس بصحابى.
ويلاحظ فى هذا التعريف أنه لم يشترط فيمن يستحق لقب الصحابى وقتا ، ولا عملا ما: فمن لقى النبى صلى الله عليه وسلم ساعة واحدة فهو صحابى، زادت تلك الساعة أو قلت ،والأمر كذلك فيمن غزا معه ومن لم يغز، ومن روى عنه ومن لم يرو؛ فهذا اللقب الكريم لا ينزعه عمن حمله إلا عودته إلى الكفر وإصراره عليه ، وهذا هو التعريف الذى اختاره وقال به الإمام الحافظ ابن حجر العسقلانى، وهو المتفق عليه.
وهناك من العلماء من اشترط فى الصحابى أن يكون قد صحب النبى صلى الله عليه وسلم عامين ، أو غزا معه غروتين (2)، ومنهم من يرى أن الصحابى هو من تحقق فيه شرط من أربعة:
1- طول المجالسة.
2- حفظ الرواية.
3- الغرو مع النبى صلى الله عليه وسلم.
4- الاستشهاد بين يديه.
وقد وصف الإمام الحافظ ابن حجر العسقلانى هذه الشروط بأنها من الشواذ.
أ.د/عبدالعزيز غنيم عبدالقادر
__________
الهامش:
1- الإصابة لابن حجر العسقلانى، ط دار الفكر بيروت لبنان 1398هـ 1978م 1 /7.
2- أسد الغابة لابن الأثير، ط دار الشعب 1 /18(1/193)
الصحوة
لغة: من الصحو، وهو ذهاب الغيم وارتفاع النهار، وذهاب السكر، وترك الباطل.(كما فى اللسان)(1).
واصطلاحا: اليقظة، تصيب الفرد أو الأمة، بعد سنة وغفلة وتخلف وتراجع.
ويشيع إطلاقها -فى واقعنا المعاصر- على نزوع أمتنا إلى النهضة الإسلامية، بعد عصر التراجع الحضارى، الذى امتد تحت حكم العسكر المماليك والسلطنة العثمانية، وهى صحوة تجاهد على صعيدين ، وفى جبهتين:
1- صعيد وجبهة التخلف الذاتى الموروث عن حقبة التراجع الحضارى.
2- وصعيد وجبهة التحديات الغربية، التى تريد تهميش دور الأمة الإسلامية، وإلحاقها بالتبعية للغرب ، ليتأبد استغلال الغرب وهيمنته على عالم الإسلام.
ووصف هذه الصحوة بالإسلامية، إنما يأتى تمييزا لها عن مشاريع النهوض التى اختار أصحابها المذاهب والفلسفات الغربية مرجعية لدعوات النهوض ، ونماذج التحديث التى يبشرون بها ليبرالية، أو اشتراكية أو قومية.
فالصحوة الإسلامية: هى ذلك التيار العريض المتعدد الفصائل والمستويات الذى يسعى إلى تجديد الدين الإسلامى لتتجدد به دنيا المسلمين.
ولما كانت سنة الله سبحانه وتعالى فى مسارات الأمم والحضارات ، هى سنة الدورات التى تتداول فيها الأمم والحضارات فترات وحقب التقدم والتراجع ، والصعود والهبوط ، والنهوض والركود ، والحياة والموت ، وهى السنة التى أشار إليها القرآن الكريم بقوله تعالى: {وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين}آل عمران:140 ، {وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم}محمد:38 ، {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض}البقرة:251 ، والتى بينها حديت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذى قال فيه (لا يلبث الجور بعدى إلا قليلا حتى يطلع ، فكلما طلع من الجور شىء ذهب من العدل مثله ،حتى يولد فى الجور من لم يعرف غيره ، ثم يأتى الله تبارك وتعالى بالعدل ، فكلما جاء من العدل شىء ذهب من الجور مثله ، حتى يولد فى العدل من لا يعرف غيره) (رواه أحمد).
فإذا كانت سنة الدورات هى التى تحكم مسارات الأمم والحضارات ، فإن هذه السنة تقتضى الصحوة، واليقظة، والتجديد ، خروجا من مراحل ودورات الغفلة، والتراجع ،والجمود، فصحوة التجديد هى الأخرى سنة من سنن الله فى الاجتماع الإنسانى وفى مسارات الحضارات ، وعن هذه الحقيقة ينبىء حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذى قال فيه (يبعثا الله لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها) (رواه أبو داود).
وإذا كانت الحضارات الإنسانية هى مواضعات بشرية وإبداعات مدنية، لا توصف بالخلود ولا بالإطلاق ، ومن ثم يجوز عليها الموت وإخلاء الطريق لحضارات أخرى وارثة لأممها وشعوبها وتاريخها ، بمعنى أن سنة الصحوة والتجديد قد تأتى فى صورة تداول الحضارات ، لا بعثها وتجددها ، فإن الحضارة الإسلامية -وأيضا اللغة العربية- مع أنهما مواضعات بشرية وإبداعات إنسانية، هما استثناء من مصيرموت وفناء الحضارات واللغات ، وذلك لارتباطهما بالمطلق الدينى، وهو الإسلام الخالد والخاتم ، والقرآن الكريم الذى تعهد الله بحفظه بلسان عربى مبين.
ولذلك ، كانت الصحوة وكان التجديد سنة مطردة وقانونا لازما فى مسار الحضارة الإسلامية، يقودها إلى النهوض بعد كل ركود، وهذا هو الذى جعل حضارتنا الإسلامية -ومعها اللغة العربية- أطول الحضارات المعاصرة عمرا ، وأرسخها قدما على درب النهوض من العثرات ، وأكثرها استعصاء على فقدان الهوية والخصوصية، لارتباط ذلك فيها بالمطلق الدينى والخالد الإلهى، فهى إبداع مدنى بشرى، حفز إليه وصبغه وحدد معاييره الوضع الإلهى -المتمثل فى وحى الله ونبأ السماء العظيم- وتلك خصوصية لحضارتنا الإسلامية تفردت بها دون كل الحضارات.
وإذا كانت الحقبة المملوكية العثمانية، قد مثلت مرحلة التراجع فى مسيرة حضارتنا الإسلامية، فإن بواكير الصحوة الإسلامية قد بدأت فى بلادنا منذ أكثرمن قرنين من الزمان ، وفى استطاعة المؤرخ لهذه الصحوة أن يتخذ من نداء الشيخ حسن العطار (1180-1250هـ/1711-1835م) أواخر القرن الثامن عشر الميلادى علامة على مرحلة التبلور لبواكير هذه الصحوة، ذلك النداء الذى قال فيه هذا الشيخ الرائد: إن بلادنا لابدأن تتغيز ويتجدد بها من العلوم والمعارف ما ليس فيها.
ولقد كان تلاميذ الشيخ حسن العطار وفى طليعتهم الشيخ رفاعة رافع الطهطاوى (1216-1290هـ/1801-1873م) الذين سعوا إلى تجديد "الذات الإسلامية" بالاحياء، وإلى الاستفادة من علوم المدنية الغربية -علوم الواقع والتمدن المدنى- بالتفاعل ، وليس بالمحاكاة والتقليد هم طلائع وجذور الصحوة الإسلامية الحديثة والمعاصرة.
فلما حدث وعاجل المد الاستعمارى الغربى مشروع النهضة الذى قاده محمد على باشا الكبير (1184-1265هـ/1770-1846م).
والذى جسد إلى حد كبير فكر هذه الصحوة تسلم ريادة هذه الصحوة تيار الجامعة الإسلامية، الذى تبلور -شعبيا- عبر العالم الإسلامى حول جمال الدين الأفغانى (1254-1265هـ/1770-1849م) والذى كان الإمام محمد عبده المهندس الأول لمشروعه الفكرى النهوضى، والذى حملته إلى العالم الإسلامى -على امتداد أربعين عاما- مجلة (المنار) التى رأس تحريرها الإمام محمد رشيد رضا (1282-1354هـ/1865-1935م) ، ثم أسلم أمانة هذه الصحوة إلى الحركات والتنظيمات الإسلامية الحديثة -سواء منها تنظيمات الصفوة أو التنظيمات الجماهيرية- تلك التى نشأت عقب عموم بلوى الاستعمار الغريى للعالم الإسلامى إبان الحرب الاستعمارية العالمية الأولى (1332-1336هـ/1914-1918م) وبعد إسقاط الخلافة الإسلامية (1342هـ) ، ولأن هذه الصحوة كانت تواجه جناحى المأزق الحضارى: التخلف الموروث ، والزحف الاستعمارى الغربى، ولأنها قد سعت إلى الإحياء والتجديد الدينى، لبلورة معالم المشروع النهضوى العصرى، فى مواجهة الجمود والتقليد اللذين أوجدا "الفراغ الفكرى" فى بلادنا ، وهو الفراغ الذى سعى الاستعمار الغربى إلى ملئه بنموذجه الحضارى الوضعى العلمانى، فلقد كان تركيز
هذه الصحوة على تجديد دين الإسلام لتتجدد به -وليس بالنموذج الغربى- دنيا المسلمين.
وهذه الحقيقة هى التى جعلت رفاعة الطهطاوى يدعو إلى إحياء الشريعة الإسلامية بالاجتهاد الجديد ، وإلى تقنين فقه معاملاتها ، ليحكم -بدلا من القانون الوضعى الفرنسى- حركة الاجتماع والاقتصاد والسياسة فى بلادنا "لأن بحر هذه الشريعة الغراء، على تفرع مشارعه ، لم يغادر من أمهات المسائل صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها وأحياها بالسقى والرى، ولقد انطلق الأفغانى من ذات الموقف -إسلامية الصحوة- فرفض أن نبدأ صحوتنا من حيث انتهى المشروع الغربى العلمانى، قائلا: "إنه لا ملجئ للشرقى فى بدايته أن يقف موقف الغربى فى نهايته" فالتمدن الغربى هو فى الحقيقة تمدن للبلاد التى نشأ فيها على نظام الطبيعة وسير الاجتماع الإنسانى، والإسلام هو السبب المفرد لسعادة الإنسان ، ومن طلب إصلاح الأمة بوسيلة سوى هذه ،فقد ركب بها شططا،ولا يزيدها إلا نحسا،ولا يكسبها إلا تعسا.
وعلى هذا الدرب فى إسلامية الصحوة سار الإمام محمد عبده ، الذى قال: "إن الإسلام دين وشرع ،وهو لم يدع ما لقيصر لقيصر وإنما كان من شأنه أن يحاسب قيصرعلى ماله ، ويأخذ على يديه فى عمله " فهو كمال للشخص.
ولم تتكف هذه الصحوة عند حدود الفكر والدعوة وإنما سلكت سبيل التنظيم ، لإبلاغ الرسالة، واستمرارية الدعوة، فعرفت مسيرتها تنظيمات: الحزب الوطنى الحر وجمعية العروة الوثقى وجمعية أم القرى، فى الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، كما عرفت الحزب الوطنى الذى قاده مصطفى كامل (1291-1326هـ/1874-1908م) فى العقد الأول من القرن العشرين وهو الحزب الذى جمع فى دوائر الانتماء بين الوطنية وبين الجامعة الإسلامية.
وليس صحيحا ما يظنه البعض من أن الصحوة الإسلامية قد تمثلت فقط فى الحركات والتنظيمات الإسلامية، فأوسع وأعرض فصائل الصحوة الإسلامية هو التيار الشعبى، المستمسك بالهوية الإسلامية، وفى مقدمة مؤسسات الصحوة الإسلامية الأزهر الشريف ، الذى ظل يرعى علوم الشريعة والعربية ويحرس الوجدان الإسلامى للأمة عبر تاريخها الطويل.
فلقد سعى على هذا الطريق العديد من أعلام الفقه والقانون ، وكان الدكتور عبدالرازق السنهورى باشا (1313-1391هـ/1895-1971م) واحدا منهم ، جعل هذه المهمة مشروع حياته ، تأليفا وتطبيقا، مؤكدا أن دول الشرق لا يمكن أن تجتمع على شىء واحد غير الإسلام ، فالإسلام بالشرق والشرق بالإسلام.
وإذا كانت العقود الأخيرة قد شهدت تعاظم الصحوات الدينية، فى مختلف الديانات ، بعد أن فشلت مشاريع النهوض والتحديث اللادينية، فإن تعاظم الصحوة الإسلامية يستند إلى خصيصة إسلامية، ينفرد بها الإسلام عن غيره من الديانات ،هى منهاجه الشامل ، الذى يجعله بديلا حضاريا، وليس مجرد عقائد وعبادات.
وهكذا ارتبطت الصحوة الإسلامية بحلم الأمة فى النهوض ، والانعتاق من أسر التخلف الموروث ، ومن الهيمنة الاستعمارية والحضارية الغربية، منذ فجر هذه الصحوة وحتى الآن.
أ.د/محمد عمارة
__________
الهامش:
1- لسان العرب ، ابن منظور دار صادر بيروت ط3 14 /452.
مراجع الاستزادة:
1- الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف د/يوسف القرضاوى قطر سنة 1402هـ.
2- نظرات فى مسيرة العمل الإسلامى عمر عبيد حسنة قطر سنة1405هـ.
3- حول إعادة تشكيل العقل المسلم د/عماد الدين خليل قطر سنة 1403هـ(1/194)
الصحة
اصطلاحا: تطور تعريف الصحة مع ارتقاء المستويات الاقتصادية والاجتماعية حتى أصبح كل ما من شأنه سلامة البدن (الجسم) والنفس والتوافق الاجتماعى.
وقد حرصت التعاليم الإسلامية على التنبيه على أهمية الصحة ففى الحديث الشريف: "المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفى كل خير".
وفى حديث آخر ينصح الرسول صلى الله عليه وسلم أحد صحابته (إن لبدنك عليك حقا) بعد ما قال (إن لنفسك عليك حقا) وقد أصبح من المتعارف عليه الآن أن الصحة الجيدة مطلوبة للمجتمع كما هى مندوبة للفرد ، فهى تمكن الناس من الاستمتاع بحياتهم وإنجاز ما يفيدهم ويفيد المجتمع بالتالى، ولهذا السبب تدخل المستويات الصحية فى المعايير التى يقاس بها التقدم وفى معايير التنمية البشرية.
وقد بلور الطب فكره فى أنه لابد لكافة أجزاء الجسم من العمل مع بعضها البعض بصورة صحيحة من أجل المحافظة على صحة البدن ، ومن مقومات الحياة الصحية الرئيسية: الغذاء الصحيح ، الرياضة، الراحة، النوم ، النظافة ، الرعاية الصحية ، ورعاية الإنسان.
وتلعب الصحة النفسية دورا مهما فى سلوكيات الناس ومشاعرهم ، وأولئك الذين يتمتعون بأقدار معقولة من الثبات الانفعالى يستطيعون تحقيق قدر أكبر من السعادة ، لأنهم يتقبلون أنفسهم علما بأوجه الضعف وأوجه القوة على حد سواء، ويظلون أيضا على صلة بالواقع ، كما يتمكنون من التعامل الرشيد مع الضغوط ودواعى الإحباط ، كما يستطيعون التصرف دون الاعتماد على المؤثرات الخارجية وردود الأفعال.
وفى المجتمعات المعاصرة تتولى وزارات متخصصة بالصحة المسئولية عن توفير عدد كبير من الخدمات الصحية، وقد تنامى الاهتمام المؤسسى بالرعاية الصحية الأولية والثانوية والمتقدمة، ويشمل هذا توفير الوسائل الكفيلة بمنع الأمراض ، والسيطرة عليها ، والتحكم فى الأوبئة، وتنفيذ برامج للتطعيم وللفحوص الروتينية، فضلا عن إجراءات الحجر الصحى والتوعية الصحية.
وتتولى مؤسسات عديدة الإسهام فى تقديم الرعاية الصحية وقد نشأت منظمة الصحة العالمية كإحدى منظمات الأمم المتحدة ولا تزال تعمل من أجل رفع المستوى الصحى فى كافة أنحاء العالم ،وقد كان شعارها فى العقدين "الماضيين" الصحة للجميع بحلول عام 2000 م "وقد نجحت السلطات الصحية بالفعل فى استئصال بعض الأمراض كالجدرى، وفى تقليل مخاطر أمراض كثيرة أخرى.
أ.د/محمد الجوادى
__________
مراجع الاستزادة:
1- دائرة معارف القرن العشرين محمد فريد وجدى المكتبة العلمية الجديدة 5 /659-673.
2- الطب عند القدماء المصريين د/بول غوليونجى.
3- الموجز فى الطب لابن النفيس ط المجلس الأعلى للشئون الإسلامية(1/195)
صحيفة المدينة
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأمل حين هجرته إلى المدنية أن يستميل اليهود الذين بالمدينة إلى دينه ، لأنهم أهل كتاب قد بشر بنبوته ، وهم إن لم يستجيبوا لدينه ، ويدخلوا فيه فلا أقل من أن يسالموه ، ولا يكونوا مثل كفار مكة الذين اعترضوا دعوته ، وحالوا دون نشرها بين الناس.
وكان اليهود من جهتهم يطمعون فى أن يستطيعوا بحيلهم ومكرهم من استمالة الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم ، واحتواء دينه فى دينهم ،فأظهروا له المسالمة فى أوائل هجرته ، وهم يضمرون فى أنفسهم له ولدينه العداوة والبغضاء.
فلبسوا للمسلمين ثياب النفاق وخالطوهم وتبسطوا معهم ، وبدوا لهم كأنهم قد قاربوا من دينهم ، ورضوا عن شعائره بينهم (1).
وأعلن الكثير منهم الإسلام نفاقا ، ودخلوا المسجد وأدوا الشعائر مع المسلمين ، وهم يظنون أنهم يخادعون الله ورسوله وهو خادعهم.
ونتج عن هذه المعايشة السلمية التى كانت بين المسلمين واليهود والطوائف المشركة الأخرى التى كانت فى المدينة غير المسلمين واليهود أن قام رسول صلى الله عليه وسلم بكتابة صحفية تكون بمثابة دستور بين هذه الطوائف يحكمها ويحفظ حق كل طائفة منها، فى أداء شعائرها بحرية تامة، على أن تؤدى كل طائفة واجبات التعايش السلمى مع جيرانها فى البلد الواحد، فلا تساعد الأعداء عليها ولا تحالفهم ولا تجيرهم.
واعترفت هذه الصحيفة بأن المدينة المنورة قد أصبحت دولة صغرى لها كيانها وقوانينها.
وأن النبى صلى الله عليه وسلم رئيس تلك الدولة وهو يجمع فى يديه السلطتين الروحية والسياسية.
وقد أورد ابن هشام نصوص هذه الصحيفة فعدد أسماء القبائل التى التزمت بها، ومنه نقتبس بعض السطور:
بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب من محمد النبى صلى الله عليه وسلم بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم ،أنهم أمة واحدة من دون الناس ،المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم ، وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم ، وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف (وعدد الرسول صلى الله عليه وسلم وسلم قبائل المؤمنين على هذا النمط ، ثم قال: وإنه لا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه ، وإن المؤمنين المتقين على من بغى منهم أو ظلم أو أثم ، وإن أيديهم عليه جميعا، ولو كان ولد أحدهم ،ولا يقتل مؤمن مؤمنا فى كافر ولا ينصر كافرا على مؤمن ، وإن ذمة الله واحدة(2).
ثم اتجهت الصحيفة للحديث عن اليهود فقالت: وإن اليهود يتفقون ما داموا محاريين ، وإن يهود بنى عوف أمة مع المؤمنين ، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم وإن ليهود بنى النجار مثل ما ليهود بنى عوف (وعد على هذا النمط قبائل اليهود) ثم استمرت الصحيفة تقول: وإن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم ، وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وإن بينهم النصح والنصيحة، والبر دون الإثم ، وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه ، وإن النصر للمظلوم ، وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ماداموا محاربين ، وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة، وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم ، وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدثا أواشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله عز وجل والى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن البر دون الإثم ، وان الله على أصدق ما فى هذه الصحيفة وأبره " وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم وآثم ،وإن الله جار لمن بر واتقى، ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم (3).
وخلاصة هذه الصحيفة:
1- أن للجماعة شخصية دينية وسياسية ومن حقها أن تعاقب المفسد وتؤمن المطيع.
2- أن الحرية الدينية مكفولة للجميع.
3- على سكان المدينة من مسلمين وغير مسلمين أن يتعاونوا ماديا وأدبيا وعسكريا، وعليهم أن يردوا متساندين أى اعتداء قد يوجه لمدينتهم.
4- الرسول صلوات الله وسلامه عليه هو الرئيس الأعلى لسكان المدينة، وتعرض عليه القضايا الكبرى وحالات الخلاف بين الأفراد ليفصل فيها.
وعلى الرغم من موقف المسلمين السمح كان اليهود غيرمخلصين لما جاء فى هذه الصحيفة، ويبدو أنهم قبلوها ريثما يدبرون أمرهم كما هو معروف من دراسة مواقفهم من المسلمين بعد ذلك (4).
أ.د/أحمد شلبى
__________
الهامش:
1- سيرة النبى العربى محمد التاجى، 1/ 382-383.
2- سيرة ابن هشام ، 2 /106.
3- سيرة ابن هشام ، 2 /108.
4- موسوعة التاريخ الإسلامى، دكتور أحمد شلبى، 1 /286(1/196)
صحيفة المقاطعة
لما رأت قريش أن المسلمين الذين هاجروا للحبشة وجدوا بها ملاذا آمنا طيبا، وأن عمر بن الخطاب دخل الإسلام هو وحمزة وقوى بهما المسلمون ، اجتمعت قريش لتدبر أمرها، واتفقوا على أن يكتبوا صحيفة يتعاقدون فيها ضد بنى المطلب على ألا يزوجوهم أو يتزوجوا منهم ، ولا يبيعون لهم ، ولا يبتاعون منهم ، وأن يقاطعوهم ، وكتبوا هذه الصحيفة، وتعاهدوا وتواثقوا على ذلك ، ثم علقوا الصحيفة فى جوف الكعبة، وكان كاتب الصحيفة هو منصور بن عكرمة بن عامر، ويقال إنه النضر بن الحارث ، وقد دعا عليه الرسول صلى الله عليه وسلم فشلت يده.
وإزاء ذلك انحازت بنو هاشم وبنو المطلب إلى أبى طالب ودخلوا معه فى شعبه ، وخرج من بنى هاشم أبو لهب (عبدالعزى بن عبد المطلب).
وقد عانى المسلمون من هذه المقاطعة أشد عناء، ومسهم الضر الشديد على الجوع والحرمان ، وقد استمرت هذه المقاطعة حوالى ثلاث سنوات.
انتهاء المقاطعة:
وكان من بين المشركين نفر عارضوا استمرار المقاطعة، إذ أحسوا بالضر الذى يعيش فيه بنو هاشم وبنو المطلب ، فمشوا فى نقض الصحيفة ، ومن هؤلاء هشام بن عمرو بن الحارث ، وأبو البخترى العاص بن هشام ،والمطعم بن عدى، وزهير بن أبى أمية، وزمعة بن الأسود ، وذهب زهير بن أبى أمية إلى البيت الحرام فطاف سبعا ثم صاح قائلا: يا أهل مكة، أناكل الطعام ونلبس الثياب وبنو هاشم هلكى؟
والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة الظالمة، وعارض أبوجهل هذا الاتجاه ، ولكن جانب الخير كان أقوى.
ويروى ابن هشام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبى طالب: (إن الله سلطد الأرضة على هذه الصحيفة فلحستها ولم تدع بها إلا اسم الله جل وعلا)، فخرج أبو طالب إلى القوم وصاح: يا معشر قريش إن ابن أخى أخبرنى أن الأرضة لحست كلمات المقاطعة فإن كان الأمر كما قال ابن أخى فانتهوا عن قطيعتنا، وإن يكن كاذبا فإنى أسلمه لكم ، فقال القوم: رضينا، وتعاقدوا على ذلك وذهبوا للصحيفة فإذا هى كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم.
وانتهت بذلك صحيفة المقاطعة، وإن كان كيد قريش للمسلمين لم ينته ،مما جعل المسلمين يلجأون للهجرة إلى المدينة المنورة.
أ.د/أحمد شلبى
__________
مراجع الاستزادة:
1- السيرة النبوية ابن هشام 2 /3،17،19.
2- السيرة النبوية أحمد شلبى الجزءالأول من موسوعة التاريخ الإسلامى(1/197)
الصدر الأعظم
لغة: الصدرهو أعلى مقدم كل شىء وأوله ، والأعظم صيغة أفعل التفضيل من عظيم ، كما فى اللسان (1).
واصطلاحا: هو نائب السلطان ورئيس الوزراء فى الباب العالى، ورئيس ولاة الولايات العثمانية فى آسيا وأفريقيا وأوربا.
وقد استحق هذا اللقب لأنه كان يتصدر مجلس الباب العالى، ويرأس الحكومة العثمانية وما اشتملت عليه من المؤسسات المختلفة، كما كان يقود المعارك وحده ، أو فى معية السلطان ، ولم يكن يساويه أو يفوقه غير شيخ الإسلام "المفتى الأعظم " ولم يكن هذا المنصب عثمانيا وحسب ، وإنما كان إسلاميا يتقلده أصحاب الكفاءة من سائر الجنسيات.
ومدة ولايته تتراوح غالبا بين تسعة أشهر وسبعة أعوام ، وبعد عزله أو اعتزاله كان يتولى حكم مصر والمجر غالبا ، لأنهما أهم ولايات الدولة العثمانية.
وأول من تولى هذا المنصب هو خليل باشا، ابن على باشا، فى سلطنة مراد الثانى(2) وقيل بل علاء الدين باشا(3).
وقد بقى هذا المنصب قائما حتى انتهى نظام السلطنة والخلافة العثمانية، وآل الحكم إلى تركيا الحديثة تحت قيادة كمال أتاتورك سنة 1344هـ-1925م.
أ.د/عبد العزيز غنيم عبد القادر
__________
الهامش:
1- لسان العرب لابن منظور مادة (صدر)، ومادة (عظم) مطبعة دار المعارف.
2- جامع الدول لأحمد دده بن لطف الله مخطوط بمكتبة نور عثمانية، باستامبول 2 /247،214،314،393،451.
3- تاريخ الملوك العثمانية والوزراء الصدور ومشايخ الإسلام لأحمد عرابى مخطوط بمكتبة رفاعة الطهطاوى سوهاج ص5-15(1/198)
الصدق
لغة: ضد الكذب ، يقال: هو رجل صدق ،وصديق صدق أى صادق الرجولة والصداقة لا يخون صدق يصدق صدقا، صدقا ، فى وعده أو وعيده: أنفذه وصدقه: قبل قوله والمصدق: هو الذى يصدقك فى حديثك والصديق: الدائم التصديق ، وهو أيضا الذى يصدق قوله بالعمل.
واصطلاحا: هو من الصفات الحميدة فى الإنسان، بل إنه من أفضل الصفات الإنسانية على الإطلاق ، ذلك أن من يتحلى بالصدق فى القول وفى العمل ، فهو لبنه صالحة فى بناء المجتمع الإنسانى ، لأن الصدق من أهم الدعائم التى تستقيم بها حياة الفرد، وتصلح بها العلاقات الاجتماعية، وتقوى بها الروابط بين الناس فى المجتمع ،ولذا حث الإسلام عليه ، ووعد الصادقين جنات النعيم ، فقد ورد مدح الصادقين فى القرآن الكريم أكثر من خمسين مرة، منها قوله تعالى: {ليجزى الله الصادقين بصدقهم}الأحزاب:24 ، وقوله: {قل أؤنبئكم بخيرمن ذلكم ، للذين اتقوا عند ربهم جنات تجرى من تحتها الأنهارخالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفرلنا ذنوبنا وقنا عذابا النار الصابرين والصادقين...}آل عمران:15-17.
كما ورد أن الصدق من صفات هؤلاء الذين سينعمون بجنات تجرى من تحتها الأنهار، فقال تعالى: {قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم ، لهم جنات تجرى من تحتها الأنهارخالدين فيها أبدا، رضى الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفورالعظيم}المائدة:119.
كذلك ورد فى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو المسلمين إلى التحلى بالصدق فى القول والعمل ، فقد روى أبو هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (من أفتى بغيرعلم كان إثمه على من أفتاه ، ومن أشاربعلم وهو يعلم أن الرشد فى غيره فقد خانه) رواه أبو داود.
فالصدق صفة مطلوبة، وفضيلة يجب على كل مسلم أن يتحلى بها، فإن لم يفعل ذلك ، كان جزاؤه النار وبئس المصير، فقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (عليكم بالصدق ، فإن الصدق يهدى إلى البر وإن البر يهدى إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب ، فإن الكذب يهدى إلى الفجور وإن الفجور يهدى إلى النار وما يزال الرجل يكذب حتى يكتب عند الله كذابا) (رواه البخارى).
وكما حث الإسلام المسلمين على الالتزام بالصدق فى القول ، ووعد من التزم به جزاء فى الدنيا والآخرة، كذلك أمرهم بالصدق فى العمل ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) أى أن يكون صادقا فيما يقوم به من عمل فى جميع المجالات سواء كانت دينية أم دنيوية.
أ.د/محمد شامة
__________
مراجع الاستزادة:
1- لسان العرب لابن منظور.
2- الإسلام كما ينبغى أن نعرفه د/محمد شامة القاهرة سنة 1983م.
3- صحيح البخارى.
4- سنن أبى داود(1/199)
صدقة الفطر
لغة: الصدقة ما يعطى على وجه القربى لله تعالى لا المكرمة(1).
والفطر(2): نقيض الصوم ، وقد أفطر وفطر وأفطره وفطره تفطيرا.
وشرعا: صدقة واجبة يقدمها المسلمون إلى المحتاجين بمناسبة عيد الفطر.
وهى تسمى زكاة الفطر، وزكاة الفطرة، فمن قال: زكاة الفطر أوجبها بدخول الفطر، ومن قال: زكاة الفطرة أوجبها على الفطرة، والفطرة الخلقة، قال الله تعالى: {فطرت الله التى فطر الناس عليها}الروم:30 ، أى خلقته التى جبل الناس عليها(3).
ولهذا فهى واجبة على المسلمين إجماعا على الحر والعبد ، الذكر والأنثى ، الصغير والكبير.
والأصل فيها أحاديث كثيرة، منها ما ورد عن ابن عباس (4) قال: (فرض رسول صلى الله عليه وسلم زكاة الفطرة طهرة للصائم من الرفث واللغو وطعمة للمساكين ، من أداها قبل الصلاة فهى زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهى صدقة من الصدقات).
وحيث ثبت وجوبها فهى فرض كزكوات الأموال ، وقال أبوحنيفة: هى واجبة وليست فرضا كالوتر، بناء على أصله فى الفرق بين الواجبه والفرض وهذا الخلاف إذا قدر كان خلافا فى العبارة وفاقا فى المعنى، والخلاف فى العبارة مع الوفاق فى المعنى غير مؤثر.
ومقدارها على كل مسلم صاع من تمر أو من شعير، كصاع رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ورد فى ذلك عنه صلى الله عليه وسلم (5).
ووقتها قبل صلاة العيد، على خلاف بين الفقهاء فى جوازها فى أيام رمضان (6).
أ.د/على جمعة محمد
__________
الهامش:
1- المعجم الوسيط لمجمع اللغة العربية، دار المعارف ط2 1972م 1 /511 ، لسان العرب لابن منظور ، دار المعارف 4 /2419.
2- لسان العرب لابن منظور 5 /3435 المعجم الوسيط2 /664.
3- انظر الحاوى الكبير للماوردى تحقيق محمود مطرجى وآخرين ، ط دار الفكر 1994 م 4 /376.
4- أخرجه أبو داود فى الزكاة (1609) ، وابن ماجه (1827) والدار قطنى 2 /138.
5- أخرجه أبو داود فى سننه كتاب الزكاة ، باب كم يؤدى فى صدقة الفطر، أرقام من 1611 ،1616.
6- مختصر اختلاف العلماء للطحاوى، اختصار أبى بكر الجصاص ، تحقيق/عبدالله نذير أحمد دار البشائر الإسلامية ط1 سنة 1995م ص476.
مراجع الاستزادة:
1- الكافى لابن عبد البر المالكى مكتبة الرياض الحديثة ط1 1978 م 1 /320 وما بعدها.
2- مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر لشيخ زادة، طبعة دار سعادة سنة 1327هـ 1 /226.
3- الكافى فى فقه الإمام أحمد بن حنبل لابن قدامة، المكتب الإسلامى ط2 1979م 1 /316(1/200)
الصفات
لغة: جمع صفة ، وهى الاسم الدال على بعض أحوال الذات وذلك نحو طويل وقصير وعاقل وأحمق وغيرها.
واصطلاحا: الأمارة اللازمة بذات الموصوف الذى يعرف بها.
والمصدر الأول لأسماء الله وصفاته هو القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. قال تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}الأعراف:180.
ومشكلة الأسماء والصفات تحتل مركزا وثقلا كبيرين فى مؤلفات الفلاسفة والمتكلمين المسلمين.
ويندرج تناول مشكلة صفات الله عز وجل تحت باب التوحيد خاصة عند المعتزلة والأشاعرة ومن تابعهم من الفلاسفة المسلمين.
ويقسم المعتزلة الصفات المنسوبة لله تعالى إلى قسمين:
أحدهما: صفات الذات ، وتعرف بأنها الصفات التى لا تنفك عنها الذات وهى خمس صفات: الوجود والحياة والقدرة والعلم والإرادة
والثانى: صفاته الأفعال وهى كل ما تعلق بالجوارح أو الحواس التى لا تنسب إلى الله عز وجل إلا على سبيل المجاز.
أما بالنسبة للإنسان فهى تكون على وجه الحقيقة ولا يجوز وصفه تعالى بعكس صفات الذات ولا صفات الأفعال التى تليق بذاته ، أما صفات الأفعال الأخرى فيمكن وصفه تعالى بأضدادها مثل المحيى والمميت ، والرحيم والمنتقم ، والعاطى والمانع أما صفة العدل فلا يجوز وصفه تعالى بأضدادها، وكذلك صفة الكمال والجمال والإحسان وما إلى ذلك مما لا يتصور ضدها فيه تعالى.
لم ينكرأحد المسلمين ثبوت صفات الجلال لله عز وجل ، وإنما وقع الخلاف فى كيفية نسبتها إلى ذاته بحيث لا توحى بالتعدد أو التغير فى ذاته تعالى.
وقد حرصت المعتزلة على عدم إشراك أى مع الله فى صفة القدم ونتج عن ذلك تقارب فى الآراء بين المعتزلة أنفسهم وبينهم وبين الفرق الأخرى من جانبه آخر. وعرف فى هذا المجال ما يسمى بنظرية المعانى التى قال بها معمر بن عياد السلمى (320هـ) وأبو على الجبائى (303هـ-924م) وأخد بها الأشاعرة. كما عرفت نظرية الأحوال التى قال بها أبو هاشم عبد السلام الجبائى (321هـ-941م). ومضمون نظرية المعانى أن الصفات عبارة عن معان قائمة بالذات لا ينتج عن قيامها بالذات لا تعددا ولا تغيرا.
أما الأحوال فتعنى أن الذات الإلهية تكون على حال ثم تكون على حال أخرى، فتكون تارة على حال عالمة ثم على حال قادرة ثم أخرى مريدة وهكذا ، وقد قوبلت هذه النظرية بنقد شديد من كثير من المعتزلة والأشاعرة وغيرهم من متكلمى أهل السنة والفلاسفة.
أما أول محاولة جادة لتفسير علاقة الصفات بالذات الإلهية فقد قام بها أبو الهذيل العلاف المعتزلى (227هـ-842م) حيث روى عنه أنه كان يقول بأن الله قادر بقدرة ليست هى هو ولا هى غيره ،وكذا فى سائر الصفات فأثبت له تعالى حق القدرة ولكنه لم يستطع بيان علاقة القدرة أو أية صفة أخرى من صفات الذات بذاته تعالى فقال بما يتناقض مع نفسه ، فهذه القدرة ليست هى هو ولا هى غيره ماذا تكون إذن؟!
وكانت هذه المقولة سببا فى اتهام المعتزلة بأنهم نفوا الصفات عن الله عز وجل وأنهم مُعَطِّلة وكان من المعتزلة من يذهب إلى القول بضد الصفة لإثباتها لذاته تعالى، فنفى ، العجز يتضمن الوصف بالقدرة، ونفى الجهل عنه تعالى يعنى إثبات صفة العلم لله تعالى، وهكذا فى باقى صفات الذات ومن هنا جاء وصفهم من قبل متكلمى أهل السنة بأنهم نفوا الصفات عن الله عزوجل.
أما أشد أنواع الجدل فقد دار حول الصفات التشبيهية مثل تفسير اليد والوجه والاستواء وما شابه ذلك. حيث توقف أهل السنة والجماعة عن الخوض فيها، وآمنوا بها كما جاءت فى القرآن الكريم دون السؤال عن الكيف.
أما المعتزلة فقد لجأوا فى تفسير ذلك إلى ما عرف بقياس الغائب على الشاهد، وفسروها أحيانا بأنها منسوبة لله عزوجل على سبيل المجاز لا على سبيل الحقيقة، ففسروا الوجه بالوجود واليد بالقدرة والرؤية (رؤية البارى عز وجل فى الآخرة) على أنها تكون بالروح لا بحاسة البصر، وقد اختلف معهم فى هذه الطريقة أيضا متكلمو السنة.
ويرى أبو الحسن الأشعرى أن إثبات الصفة عن طريق نص ضدها حسبما كان يذهب إليه إبراهيم بن سيار النظام (235هـ-850م) قد دخل الفكرالاسلامى عن طريق الفلسفة اليونانية ومن تأثر بها من المسلمين. وقد أيد أبو حامد الغزالى ما ذهب اليه أبو الحسن الأشعرى فى حق الفلاسفة لنفيهم الصفات بحجة أن إثباتها يؤدى إلى التعدد فى الذات الإلهية.
وكذلك يرفض ابن رشد تفسيرالمعتزلة للصفات وعلاقتها بالذات ويدلل على بطلانه وتناقضه مع ذاته ثم جاء ابن تيمية (728هـ) ليرد على المعتزلة والأشاعرة والفلاسفة ويضع حدا للخوض فى هذه المسألة وإثبات استحالة القطع فيها عن طريق العقل.
أ.د/السيد محمد الشاهد
__________
مراجع الاستزادة:
1- التعريفات للشريف الجرجانى لبنان 1985م.
2- المحيط بالتكليف للقاضى عبدالجبار الهمذانى جمع الحسن بن متويه تحقيق عمر السيد عزمى القاهرة د.ت.
3- مقالات الإسلاميين ، لأبى الحسن الأشعرى تحقيق هيلموت زيتر اسطنبول 1929م.
4- الكشف عن مناهج الأدلة لابن رشد تحقيق محمود قاسم القاهرة 1964م.
5- درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية تحقيق محمد رشاد سالم الرياض 1402هـ 1982م.
6- الملل والنحل للشهر ستانى(1/201)
الصلاة
لغة: الدعاء، لقوله تعالى: {وصل عليهم}التوبة:103 ، أى ادع لهم.(1).
واصطلاحا: قال الجمهور(2): هى أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم مع النية بشرائط مخصوصة.
وعند الأحناف هى عبارة عن الأركان المعهودة والأفعال المخصوصة(3) وعليه فإذا ورد فى الشرع أمر بصلاة أو حكم معلق بها، انصرف بظاهره إلى الصلاة الشرعية.
والصلاة مفروضة شرعا، دل على فرضيتها الكتاب والسنة والإجماع: أما الكتاب فآيات كثيرة منها: قوله تعالى فى غير موضع من القرآن: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة}البقرة:110.
وأما السنة: فأحاديث كثيرة منها: ما رواه ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (بنى الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان ،وحج البيت من استطاع إليه سبيلا) (متفق عليه)(4).
وأما الاجماع: فقد أجمعت الأمة سلفا وخلفا على وجوب خمس صلوات فى اليوم والليلة(5).
والصلوات المكتوبات خمس فى اليوم والليلة ، وهى: الظهر، أربع ركعات ، والعصر أربع ركعات ، والمغرب ثلاث ركعات ، والعشاء أربع ركعات ، والصبح ركعتان.
ولا خلاف بين المسلمين فى وجوبها، ولا يجب غيرها إلا لعارض من نذر، وذلك لما رواه أنس بن مالك قال: (فرضت على النبى صلى الله عليه وسلم الصلوات ليلة أسرى به خمسين ،ثم نقصت حتى جعلت خمسا، ثم نودى يا محمد، إنه لا يبدل القول لدى، وإن لك بهذه الخمس خمسين)(6).
والصلاة أفضل أركان الإسلام بعد الإيمان ، وهى أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة(7).
والصلوات المكتوبات معلومة من الدين بالضرورة، فمنكرها كافر، حيث إن تارك الصلاة حالين:
الأولى: أن يتركها جحودا لفرضيتها، وفى هذه الحالة أجمع العلماء على أنه كافر مرتد يستتاب ، فإن تاب ، وإلا قتل كفرا.
الثانية: أن يترك الصلاة تهاونا وكسلا لا جحودا ، وفى حكم هذه الحالة اختلف الفقهاء، فذهب المالكية والشافعية ورواية عن أحمد إلى أنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل حدا لا كفرا. أى أن حكمه بعد الموت حكم المسلم ،فيغسل ويصلى عليه ويدفن مع المسلمين.
وذهب الإمام أحمد فى الرواية الثانية وهى أرجح الروايتين عنه ، وعبد الله بن المبارك ، وابن راهويه ، وهو وجه عند الشافعية إلى أن حكم المتكاسل عن الصلاة يستتاب ، فإن تاب، وإلا قتل كفرا. وذهب أبو حنيفة والإمام المزنى إلى أنه لا يكفر ولا يقتل ، بل يعزر ويحبس حتى يصلى(8).
وللصلاة شروط يجب توافرها ، وهى نوعان: شروط وجوب ، وشروط صحة.
أولا: شروط الوجوب ، هى:
1- الإسلام: فتجب الصلاة على كل مسلم ، ذكرا أو أنثى، ولا تجب على الكافر ولكن يعاقب على تركها فى الآخرة، لتمكنه من فعلها بالإسلام.
2- العقل: فلا تجب الصلاة على المجنون باتفاق الفقهاء.
3- البلوغ: اتفق على أن البلوغ شرط لوجوب الصلاة، فلا تجب على الصبى حتى يبلغ ، ولكنه يؤمر بها تعليما له عندما يبلغ سبع سنوات ، ويضرب على تركها إذا بلغ عشر سنوات.
ثانيا: شروط الصحة، هى:
(أ) طهارة البدن والثوب والمكان من النجاسة الحقيقية.
(ب) الطهارة من الحدث ، وتكون بالوضوء، أو الغسل ، أو التيمم.
(ب) العلم بدخول وقت الصلاة، فلا تصح الصلاة إذا أديت قبل دخول وقتها.
(د) ستر العورة، فتبطل الصلاة مع كشف العورة للقادر على سترها، ولو كان منفردا فى مكان مظلم ، والعورة من الذكر ما بين السرة والركبة، ومن الأنثى جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين.
(هـ) استقبال القبلة، فيجب على المصلى أن يولى وجهه شطر المسجد الحرام(9).
أقوال الصلاة وأفعالها تنقسم إلى أركان وسنن ، فالأركان هى التى لا تصح الصلاة بدونها ، والسنن تصح الصلاة بدونها على خلاف بين الفقهاء.
نكتفى بذكر الأركان إجمالا، أما تفصيلها ومعرفة السنن فيرجع إليها فى كتاب الصلاة من كتب المذاهب.
والأركان هى: النية، وتكبيرة الإحرام ،والقيام للقإدر عليه ، وقراءة الفاتحة، وآيات من القرآن ، والركوع ، والرفع من الركوع والاعتدال ، والسجود ، والرفع من السجود ،والجلوس بين السجدتين ، والطمأنينة فى الأركان ، والجلوس الأخير، والتشهد الأخير، والسلام ، وترتيب أركان الصلاة(10).
أ.د/على مرعى
__________
الهامش:
1- المصباح المنير مادة (صلى).
2- مواهب الجليل للحطاب ط دارالفكر ط2، 1398هـ-1978م 1 /377 ، مغنى المحتاج للشربينى الخطيب ، ط مصطفى الحلبى 1325هـ 1933م كشاف القتاع 1 /221 مكتبة النصر الحديثة الرياض 1 /120.
3- البناية على الهداية للعينى ، ط دار الفكر، 1 /779.
4- نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار للشوكانى، ط دار الحديث 1 /286.
5- البناية على الهداية 1 /779، مواهب الجليل 1 /379، مغنى المحتاج 1 /121 ، المغنى لابن قدامة ، ط عالم الكتب بيروت 1 /369.
6- نيل الأوطار 1 /287.
7- قليوبى وعميرة حاشيتان على شرح الجلال المحلى على المنهاج ، ط دار إحياء الكتب العربية عيسى البابى الحلبى 1 /110.
8- حاشية ابن عابدين ، ط مصطفى الحلبى، ط2 ، 1386هـ /1966م 1 /352 ، مواهب الجليل 1 /379 ، مغنى المحتاج 1 /327 ، كشف القناع 1 /227 ، البناية على الهداية 1 /779، نيل الأوطار 1 /293.
9- حاشية ابن عابدين 1 /370 ومابعدها ، بدائع الصنائع للكاسانى 1 /333 ، وما بعدها ط الناشر زكريا على يوسف ، مواهب الجليل 1 /421 ، أسنى المطالب شرح روض الطالب للشيخ زكريا الأنصارى 1 /121 وما بعدها ، ط دار الكتاب الإسلامى بالقاهرة ، كشاف القناع 1 /222 وما بعدها.
10- حاشية الدسوقى على الشرح الكيير 1 /331 ومابعدها، ط عيسى الحلبى "دار إحياء الكتب العربية" مغنى المحتاج 1 /148 وما بعدها ، كشاف القناع 1 /313 وما بعدها.وتجدر الإشارة إلى أن الحنفية لهم رأى خاص بهم فى أركان الصلاة ، وعلى أى حال لا تخرج الصلاة به عن شكلها المعهود فى فقة المذاهب الأخرى- فيراجع شرح فتح القدير للكمال بن الهمام 1 /192 ومابعدها ط المكتبة التجارية الكبرى - مصطفى محمد(1/202)
صلاة القصر
لغة: قصر من الصلاة وقصر من الشىء على كذا: لم يجاوز به إلى غيره ، والسفر قطع المسافة كما فى الصحاح (1).
واصطلاحا: أن تصير الصلاة الرباعية ركعتين فى السفر(2).
والصلاة التى تقصر هى: الظهر والعصر والعشاء، أما الصبح والمغرب فلا قصر فيهما ؛ لأن الالتزام بأحكام الصلاة أمر تعبدى.
وقد ثبتته مشروعية القصر بالكتاب والسنة، قال تعالى {واذا ضربتم فى الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة}النساء:101، وجاء فى صحيح مسلم (3)عن عبدالله بن عمر رضى الله عنهما قال: (صحبت النبى صلى الله عليه وسلم ، فكان لا يزيد فى السفر على ركعتين ، وأبا بكر وعمر وعثمان كذلك).
وبالنسبة إلى حكم صلاة القصر: ذهب الحنفية إلى وجوب قصر الصلاة(4)، لقول السيدة عائشة رضى الله عنها (فرضت الصلاة ركعتين ركعتين ، فأقرت صلاة السفر وزيد فى صلاة الحضر)(5)ولا يعلم ذلك إلا توقيفا.
وذهب غير الحنفية إلى جواز قصر الصلاة، فقالوا: والمسافر له القصر وله الإتمام ، وذلك لما ورد عن يعلى عن أبيه أنه قال: قلت لعمر بن الخطاب {فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا}النساء:101 ، فقد أمن الناس ، قال: عجبت بما عجبت منه ، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فقال: (صدقة تصدق الله بها عليكم ، فاقبلوا صدقته)(رواه مسلم)(6).
والقصر والإتمام فى السفر سواء، وإن كنا نرى أن الأولى هو قصر الصلاة مراعاة للخلاف الواقع بين الفقهاء فى حكم قصر الصلاة.
ومسافة السفر التى تبيح قصر الصلاة فقد حددها الحنفية بثلاثة أيام سيرا على الأقدام ، وعند غيرهم بيومين ، ولا فرق فى ذلك بين أن تقطع هذه المسافة سيرا على الأقدام أو تقطع بالوسائل العصرية فى ساعة واحدة، لأن العبرة فى ذلك بقطع المسافة المبيحة للسفر(7).
واختلف الفقهاء فى مدة الإقامة التى ترفع حكم القصر:
1- فذهب المالكية والشافعية إلى أن إقامة أربع أيام صحاح تقطع حكم القصر، لأن المسافر يعتبر مقيما.
2- وذهب الحنفية إلى اعتبار الإنسان مقيما إن كانت المدة خمسة عشر يوما، ويبدأ المسافر قصر الصلاة من حين مجاوزة حدود إقامته ، وتنتهى بنية الإقامة، ويظل المسافر يقصر الصلاة مادام على نية سفر، حتى وإن طالت المدة ، لأن العبرة بنية السفر، ومادام قد نوى قطع السفر فإنه لا يجوز له قصر الصلاة بعد ذلك.
وإذا كان الإنسان يعيش فى بلدة، وانتقل إلى بلدة أخرى وأقام بها إقامة دائمة، فإن البلدة الأولى لا تكون له دار إقامة، فإذا سافر إلى بلدته الأولى التى تركها جاز له قصر الصلاة بها، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حينما فتح مكة قصر الصلاة بها، وكما نعلم جميعا أن مكة هى الموطن الأصلى لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكنه بعد أن انتقل إلى المدينة صارت المدينة له وطنا: ولهذا قصر الصلاة بمكة، وأمر أهل مكة بإتمام صلاتهم ، وهذا معناه أن العبرة بالإقامة الدائمة فى مكان معين ، وليست العبرة بمحل الميلاد أو وجود الأقارب.
وعلى المسافر أن يعلم أنه لا يجوز له أن يأتم بمقيم ، فإن اقتدى بمقيم فعليه أن يتم صلاته تابعة لصلاة الإمام عملا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فلا تختلفوا عليه) (رواه مسلم)(8).
ولكن يجوز للمقيم ان يأتم بالمسافر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أتموا يا أهل مكة صلاتكم فإنا قوم سفر) (رواه الترمذى)(9).
أ.د/صبرى عبدالرؤوف محمد عبدالقوى
__________
الهامش:
1- مختار الصحاح ، محمد بن أبى بكر الرازى، المطبعة الأميرية، القاهرة 1338هـ/1930م.
2- الشرح الكبير، أحمد الدردير، وحاشية الدسوقى عليه ، طبعة مصطفى محمد 1 /362.
3- صحيح مسلم ، مسلم بن الحجاج النيسابورى، مطبعة عيسى الحلبى، القاهرة 1 /481.
4- الاخنيار لتعليل المختار، عبدالله بن محمود بن مردود الموصلى، مطابع الشعب القاهرة 1 /198.
5- صحيح مسلم 1 /478.
6- صحيح مسلم 1 /478.
7- بدائع الصنائع ، علاء الدين أبوبكر بن مسعود بن أحمد الكاسانى، ط1 ، 1 /94.
8- صحيح مسلم 1 /309.
9- سنن الترمذى، محمد بن عيسى بن سورة الترمذى، مطبعة الحلبى، القاهرة 2 /430.
مراجع الاستزادة:
1- مغنى المحتاج ، محمد بن أحمد الشربينى، مكتبة مصطفى الحلبى القاهرة 1377هـ/1958م.
2- كشاف القناع ، منصور بن يونس البهوتى، مكتبة النصر الحديثة، الرياض(1/203)
الصلح
لغة: اسم من الصلاح وهو التوفيق ، وأصلحت بين القوم: أى وفقت قال الراغب: الصلح يختص بإزالة النفار بين الناس ، فهو قطع المنازعة(1).
وشرعا: هو الانتقال عن حق أو دعوى بعوض لرفع نزاع أو خوف وقوعه ، فهذا التعريف يشير إلى أنه قد يكون الصلح عن المنازعة بعد وقوعها، كما أنه يكون أيضا عند خوف المنازعة واحتماك وقوعها وقاية منها(2).
والصلح مشروع بالكتاب والسنة والاجماع.
أما الكتاب: قوله تعالى: {لا خير فى كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس}النساء:114 ، وقوله تعالى: {والصلح خير}النساء:128 ، فالله تعالى وصفه الصلح بالخيرية، ولا يوصف بها إلا ما كان مشروعا ومأذونا فيه.
وأما السنة: فبما روى أبو هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال (الصلح جائز بين المسلمين)(3) فالحديث واضح الدلالة على مشروعية الصلح.
وأما الإجماع: فقد أجمع الفقهاء على مشروعية الصلح فى الجملة، وإن كان هناك خلاف فى بعض الصور(4).
أما عن درجة المشروعية: فالأصل أنه مندوب ، ومع ذلك فقد يكون واجبا عند تعين مصلحة، وقد يكون حراما أو مكروها عند استلزامه مفسدة يجب درؤها ، أو يترجح جانب المفسدة(5).
وللصلح أنواع خمسة:
(أ) الصلح بين أهل العدل وأهل البغى.
(ب) الصلح بين الزوجين عند خوف الشقاق.
(ج) الصلح بين المتخاصمين فى غير مال كالجنايات العمدية.
(د) الصلح بين المسلمين والكفار.
(هـ) الصلح بين المتخاصمين فى الأموال.
وهذا الأخير قد أفرد له الفقهاء بابا فى كتب الفقه(6).
ويجوز للقاضى أن يرد الخصوم إلى الصلح إن طمع فى الصلح منهم ، وإلا فلا يردهم ، بل ينفذ القضاء فيهم ، لأنه لا فائدة فى الرد(7).
وعقد الصلح ليس عقدا مستقلأ بذاته ، بل هو متفرع عن غيره ، بمعنى أنه تسرى عليه أحكام أقرب العقود إليه شبها بحسب المضمون ، فالصلح عن مال بمال يعتبرفى حكم البيع ، والصلح عن مال بمنفعة يعد في حكم الإجارة، والصلح عن نقد بنقد له حكم الصرف وهكذا. ويترتب على ذلك أنه تجرى على الصلح أحكام العقد الذى تشابه معه أواعتبر به، فتراعى فيه شروطه ومتطلباته ،وذلك لأن العبرة للمعانى دون الصور (8).
وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن للصلح أركانا ثلاثة:
1- الصيغة (الإيجاب والقبول).
2- والعاقدان.
3- والمحل (المصالح به والمصالح عنه).
وللصلح أقسام نوجزها فيما يلى، ومن أراد الأستزادة فليرجع إلى التفصيل فى كتب الفقهاء.
فالصلح إما أن يكون بين المدعى والمدعى عليه ، وإما أن يكون بين المدعى والأجنبى المتوسط.
كما ينقسم الصلح بنوعيه إلى ثلاثة أقسام: صلح عن الإقرار، وصلح عن الإنكار، وصلح عن السكوت.
(أ) فالصلح مع إقرار المدعى عليه جائز باتفاق الفقهاء، وهو ضربان: صلح عن الأعيان وصلح عن الديون ، والصلح عن الأعيان نوعان: صلح الحطيطة، وصلح المعاوضة والصلح عن الديون نوعان: صلح
إسقاص وإبراء ، وصلح معاوضة(9).
(ب) وأما الصلح مع إنكار المدعى عليه فقد اختلف الفقهاء فى جوازه على قولين:
القول الأول: أن الصلح على الإنكار جائز، بشرص أن يعتقد المدعى أن له الحق ، والمدعى عليه يعتقد أن لا حق عليه ، فيتصالحان قطعا للخصومة والنزاع.
وبهذا قال الحنفية والمالكية والحنابلة(10).
والقول الثانى: أن الصلح على الإنكار باطل وبهذا قال الشافعية وابن أبى ليلى(11).
(ج) وأما الصلح مع سكوت المدعى عليه ، كما إذا ادعى شخص على آخر شيئا، فسكت المدعى عليه دون أن ينكر أو يقر، ثم صالح عنه وهذا النوع اعتبره الفقهاء فى حكم الصلح عن الإنكار، وبالتالى ففيه القولان السابقان (12).
8- وقد بين الفقهاء أنه يترتب على انعقاد الصلح حصول البراءة عن الدعوى، ووقوع الملك فى بدل الصلح للمدعى، وفى المصالح به للمدعى عليه إن كان مما يحتمل التمليك ،كما أن الصلح يعتبربأقرب العقود إليه ، فما كان فى معنى البيع أو الإجارة أخذ حكمه ؛ ذلك أن العبرة فى العقود للمقاصد والمعانى دون الألفاظ والمبانى.
كما أن الصلح من العقود اللازمة، فإذا انعقد صحيحا خاليا من العيوب ، فإنه لا يملك أحد المتعاقدين فسخه أو الرجوع عنه بمفرده (13).
أما عن شروط الصلح وسائر تفصيلات أحكامه وفروعها، فيرجع إليها فى كتب الفقه على نحو ما ذكرت من مراجع.
أ.د/على مرعى
__________
الهامش:
1- المصباح المنير للفيومى مادة (صلح)، المفردات فى غريب القرآن ص 420 ، ط1 الأنجلو المصرية.
2- مواهب الجليل للحطاب 5 /79 ، ط دار الفكر، أسنى المطالب للأنصارى 2 /215 ، ط دار الكتاب الإسلامى بالقاهرة.
3- الحديث أخرجه أبو داود فى سننه سنن أبى داود، ط المكتبة التجارية الكبرى بمصر ، 3 /304 (باب الصلح).
4- بدائع الصنائع للكاسانى، ط مطبعة الجمالية بمصر الطبعة الأولى سنة 1328هـ سنة 1910م 6 /40 أسنى المطالب شرح روض الطالب 2 /214 ، المبدع شرح المقنع ، ط المكتب الإسلامى 4 /278.
5- مواهب الجليل للحطاب 5 /80 ، حاشية العدوى على شرح الخرشى 6 /2 ، ط المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق سنة 1317هـ ، أعلام الموقعين 1 /108 ، 109.
6- كشاف القناع للبهوتى 3 /390،391 ط مكتبة النصر الحديثة بالرياض ، نهاية المحتاج 4 /371 ط مصطفى الحلبى ، أسنى المطالب 2 /214.
7- بدائع الصنائع 7 /13.
8- تبيين الحقائق للزيلعى 5 /31،33 ط دار المعرفة للطباعة والنشر، روضة الطالبين 4 /193،196 ط المكتب الإسلامى ، شرح الخرشى 6 /2-4 كشاف القناع 3 /394،395.
9- مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر 2 /308 ، ط دار إحياء التراث العربى بيروت كفاية الأخيار للحصنى 1 /514 ط المكتبة العصرية بيروت كفاية الطالب الربانى وحاشية العدوى عليه 2 /324 ط دار إحياء الكتاب العربى عيسى الحلبى ، كشاف القناع 3 /388.
10- البدائع 6 /40 ، شرح الخرشى 6 /4 ، كشاف القناع 3 /394.
11- روضة الطالبين 4 /198 ، البدائع 6 /40.
12- المراجع السابقة.
13- بدائع الصنائع 6 /53 ، شرح منتهى الإرادات ط مطبعة أنصار السنة المحمدية سنه 1366هـ سنة 1947م 2 /263(1/204)
صلح الحديبية
اصطلاحا: هو الصلح الذى تم بين قريش وبين النبى صلى الله عليه وسلم وألف وأربعمائة من الصحابة، فى وادى الحديبية، فى شهر ذى القعدة من العام السادس للهجرة الموافق لسنة ستمائة وسبع وعشرين ميلادية، بعد مفاوضات شاقة وظروف صعبة، وقد تم الصلح بينهما على شروط أربعة هى:
1- أن توضع الحرب عن الناس عشر سنين.
2- أن من أراد الدخول فى عهد محمد صلى الله عليه وسلم دخل فيه ، ومن أراد الدخول فى عهد قريش دخل فيه.
3- أن يعيد محمد صلى الله عليه وسلم إلى مكة من أتاه مسلما من غير إذن مواليه ، ولا تفعل كذلك قريش.
4- أن يعود محمد صلى الله عليه وسلم عامه هذا، ويأتى فى العام المقبل ، فيقيم فى مكة ثلاثة أيام تخليها قريش له ، وليس معه سوى سلاح المسافر، وهو السيوف فى الأغماد(1).
وقد اعترض الفاروق عمر بن الخطاب رضى الله عنه على الشرطين الثالث والرابع ، واشتد حتى قال له الصديق: الزم غرزك ، فإنى أشهد أنه رسول الله ، وأن الله لا يضيعه.
كذلك اعترض على بن أبى طالب رضى الله عنه على ما أصرعليه سهيل بن عمرو عند كتابة الصلح من كتابة باسمك اللهم بدلا من البسملة، وكتابة اسم محمد وأبيه بدلا من محمد رسول الله (2)، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم ما سيجنيه من المكاسب للإسلام من وراء هذا الصلح ما لا يعلمه غيره ، فقد أجاب سهيلا إلى ما أراده.
ولما جاء وقت الحلق والتقصير لم يستجب المسلمون ؛ على أساس أنهم لم يدخلوا المسجد الحرام كما وعدهم النبى صلى الله عليه وسلم ، فدخل النبى صلى الله عليه وسلم على أم سلمة أم المؤمنين وأخبرها الخبر، فأشارت عليه أن يكون هو البادىء بالحلق ، فإن الناس لن يخالفوه ، وكان الأمر كما توقعت.
وقد سمى هذا الصلح فتحا مبينا من قبل الله عز وجل ، ونزلت فى تسجيل أحداثه سورة تحمل هذا الاسم (سورة الفتح)، وذلك لعدة أسباب ، منها:
1- اعتراف قريش بالإسلام ، والسماع للمسلمين بزيارة البيت وأداء المناسك للحج.
2- إتاحة الفرصة أمام القبائل لإرسال بعوثها إلى المدينة لزيارة النبى صلى الله عليه وسلم والاستماع لما يدعو إليه.
3- إرسال النبى صلى الله عليه وسلم الكتب والرسل لدعوة الحكام فى كل مكان إلى الدخول فى الإسلام هم ورعاياهم (3).
أ.د/عبدالعزيز غنيم عبدالقادر
__________
الهامش:
1- السيرة النبوية لابن هشام ، تحقيق طه عبدالرؤوف سعد، ط مكتبة الكليات الأزهرية القاهرة 1974م 3 /203.
2- زاد المعاد لابن قيم الجوزية، تحقيق شعيب الأرنؤوط ، وعبدالقادر الأرنؤوط مؤسسة الرسالة ط25 بيروت لبنان 1412هـ-1991م 3 /294.
3- إمتاع الأسماع للمقريزى، تحقيق محمد عبدالحميد النميسى" دار الأنصار ط1 القاهرة 1401هـ/1981م 1 /234(1/205)
الصيدلة
لغة: الصيدلانى، فارسى معرب ، والجمع صيادلة كما فى اللسان (1).
واصطلاحا: فن علمى يبحث فى أصول الأدوية سواء كانت نباتية أو حيوانية أو أدوية مصنعة كيميائيا، من حيث تركيبها وتحضيرها ومعرفة خواصها الكيميائية والطبيعية، وتأثيرها فى علاج الأمراض والوقاية منها، كما تختص الصيدلة بكيفية استحضار الأدوية المركبة من هذه الأصول.
ويدل المصطلح العربى "صيدلى" أو "صيدلانى" -طبقا لما ذهب إليه العالم المسلم البيرونى- على المحترف بجمع الأدوية على أحد صورها واختيار الأجود من أنواعها مفردة أو مركبة؛ لاستعمالها فى علاج الأمراض.
ويرى البيرونى أن كلمة "صيدلانى" تعريب لكلمة "جندولانى" بقلب الجيم صادا ، وكلمة "جندن "و" صندل " تدل على أفواه الطيب العطر، وقد تنسب كلمة "صيدلانى" أيضا إلى "الصندل " وفى كلتا الحالتين فإن المصطلح يدل على أن "الصيدلى" هو الشخص الذى يجمع الأعشاب النافعة للتطبيب.
ولقد عرف الإنسان الدواء منذ فجر التاريخ ، حيث اهتدى الإنسان البدائى بالفطرة إلى اكتشاف الدواء الذى يسكن آلامه ويعالج مرضه ، فقد استعمل الكحول والأفيون لتسكين الآلام ، كما استخدم "السنكونا " لعلاج الملاريا ، ونبات عرق الذهب لعلاج الدوسنتريا.
وتعتبر الحضارة المصرية القديمة من أعرق الحضارات التى زخرت بالكثير من العلوم الطبية، والتى كان لها الفضل فى اكتشاف بعض الأدوية التى لا يزال يستعمل عدد منها حتى الآن ، وتشهد بعض البرديات التى يرجع تابخها إلى (1600) سنة قبل الميلاد، على أن قدماء المصريين قد توصلوا إلى علاج أمراض عديدة ومتنوعة، حيث تزخر البرديات الطبية بما يزيد عن (700) وصفة علاجية تشمل طريقة تحضير الدواء، وكيفية إعطائه للمريض ، منها استعمال الحنظل والزعتر والزعفران والثوم والبصل وزيت الزيتون والسمسم والقرنفل ، وغير ذلك مما يدل على أنهم قد برعوا فى مجال الطب والصيدلة.
وقد توصل الهنود فى القرن السادس قبل الميلاد إلى الوقاية من مرض الجدرى باستعمال وسيلة التطعيم ، وعلاج بعض الأمراض باستعمال النباتات والأدوية الطبيعية، كما كانوا يعتقدون فى العلاج بالسحر.
كما توصل أيضا قدماء اليونانيين إلى علاج بعض الأمراض باستعمال الأدوية الطبيعية والنباتات ، كما كانوا يعتقدون كذلك فى العلاج بالسحر.
ولقد استطاع العالم اليونانى أبقراط (460-377 ق م) وأتباعه أن يحرروا الطب من الخرافات والخزعبلات ، وأوصى أبقراط بالوقاية من الأمراض وعلاجها بتناول الغذاء الأمثل والتعرض للهواء النقى وتدليك الجسم ، كما أوصى باستعمال الأدوية المسهلة والحقن الشرجية وبعض الأدوية فى علاج الأمراض.
وفى العصر الرومانى انتقل التراث الطبى من اليونان إلى روما ، ويعتبر العالم جالينوس -وهو يونانى المنشأ- من أشهر علماء الطب والصيدلة فى العصر الرومانى، حيث كان له أبلغ الأثر فى تقدم الصيدلة، فهو أول من أدخل المستحضرات الدوائية المركبة فى مجال الصيدلة، وأول من حضر صبغة الأفيون ومستحضرات بعض النباتات الطبية، التى أطلق عليها فيما بعد اسم "الجالينات".
ولقد كان للإسلام أبلغ الأثر فى تقدم وتطور علوم الطب والصيدلة، حيث حث المسلمين على طلب العلم وتكريم العلماء، ولقد شهد العالم الإسلامى مولد أول مدرسة للصيدلة، وبذلك استقل مبحث الصيدلة عن مبحث الطب ،ويشهد لعلماء العصر الإسلامى ببراعتهم فى فن تحضير الدواء، وكان المسلمون هم أول من أنشأوا صيدليات لبيع الدواء.
ولقد أسهم الأطباء والصيادلة العرب والمسلمون إسهاما كبيرا فى تقدم وتطور علوم الطب والصيدلة فى مختلف دول العالم بما قدموه من دراسات ومؤلفات ، مما كان له أثر كبير فى تطورها، وكانت تعد من أهم المراجع الطبية والصيدلية فى أوروبا إلى ما بعد القرن السابع عشر.
ولقد شهد العصر الحديث تطورا مذهلا فى علوم الصيدلة، حيث شيدت آلاف الأدوية الكيميائية، واكتشفت الآثار الطبية العديد من الأدوية الطبيعية، كما تنوعت وتقدمت وسائل العلاج الدوائى، وتحضير الأدوية والمركبات الصيدلية، كما شهد هذا العصرتقدما علميا وتقنيا فى الصناعات الدوائية ودراسات وبحوث الصيدلة.
أ.د/عز الدين الدنشارى
__________
الهامش:
1- لسان العرب ، ابن منظور، دار صادر بيروت ، 11/ 378.
مراجع الاستزادة:
1- تاريخ الصيدلة والعقاقير فى العهد القديم والعصر الوسيط ، د/جورج شحاتة قنواتى ، دار المعارف القاهرة.
2- التثقيف الدوائى ، د/عبدالرحمن عقل ، ود/عز الدين الدنشارى، عمادة شئون المكتبات ، جامعة الملك سعود الرياض 1408هـ/1987م.
3- الدواء وصحة المجتمع ، د/عز الدين سعيد الدنشارى، ود/عبدالله محمد البكيرى ، مكتبة التربية العربى لدول الخليج الرياض(1/206)
الصيرفة
لغة: مشتقة من الصرف ، وهو صرف الذهب والفضة فى الميزان ، أى فضل الدرهم على الدرهم ، والدينار على الدينار ، لأن كل واحد منهما يصرف عن قيمة صاحبه ، ويقال بين الدرهمين صرف أى فضل لجودة فضة أحدهما ، والصرف أيضا بيع الذهب بالفضة، ويقال صرفت الدراهم بالدنانير(كما فى اللسان).(1)
واصطلاحا: وظيفة من وظائف كتاب الأموال فى الدول الإسلامية.
والصراف والصريف والصيرفى هو الذى كان يتولى قبض الأموال وصرفها ونقدها ،والجمع صيارف وصيارفة، وقد يجمع شخص واحد مهمة الصيرفى والجابى.
ونظرا لأهمية وظيفة الصيرفة ألفت كتب لإرشاد الصيارفة، منها:
كتاب "المختار فى كشف الأسرار" للجويرى، وهو من علماء النصف الأول من القرن الهجرى، وقد تناول هذا الكتاب كشف أسرار الغش والتدليس فى الصناعات ، وعنى بصفة خاصة بأعمال الصيارف.
كتاب "الباهر فى الحيل والشعبذة" لأحمد بن عبدالملك الأندلسى. واهتم الكتاب بتنبيه الصيارفة إلى تجنب التصرفات المخالفة للشرع ، فحذرهم السباكى مثلا من خلط أموال الناس بعضها ببعض ،وعدم بيع النقدين بالآخر نسيئة، بل نقدا، وذكرهم أيضا بأن من حق الصيرفى معرفة عقد الصرف ،وألزم بضمان ما يتلف فى يده من النقد للغير. ومن الأمورالتى لفت السباكى نظر الصيرفى إليها انه إذا سلم صبى درهما إلى صيرفى لينقده لم يحل للصيرفى رده إليه ، وإنما يرده إلى وليه.
ومن الملاحظ أن كثيرين من اليهود والنصارى مارسوا الصيرفة فى مصر فى العصر الإسلامى، وأثروا منها ثراء كبيرا، وحصلوا عن طريقها على كثير من النفوذ.
وحدد ديوان الإنشاء فى عصر المماليك ألقابا الصيارف من اليهود والنصارى، وذكر أنها تصدر "بالشيخ" كما كانوا يتخذون ألقابا مضافة إلى الدولة مثل ولى الدولة وشمس الدولة،وربما قيل: الشيخ الشمسى للتفخيم.
وكان الصيرفى إذا أسلم أضيف لقبه إلى الدين بدلا من الدولة، فيقال مثلا شمس الدين ، وإذا كان لقبه لا ينالب الإضافة إلى الدين نعت بلقب قريب ، مثلا الشيخ السعيد، قد يقال له سعد الدين.
هذا.. واشتهر بعض الأعلام بلقب الصيرفى مما يرجح اشتغالهم بهذه الوظيفة، أو انتسابهم إلى من اشتغل بها، ومن أمثلة هؤلاء: الصيرفى على بن بندار الصوفى والصيرفى عمرو بن عدى، والشيخ أبو القاسم على بن منجب الصيرفى الكاتب ،مؤلف كتاب "قانون ديوان الرسائل" وشهرته ابن الصيرفى، وقد ورد اسمه بمسجد مهدم بقرية الحصن.
وقد وصلتنا بعض شواهد قبور تشتمل على أسماء مصحوبة بهذه الوظيفة، منها: شاهد رخام من ترابانى مؤرخ ربيع الأول سنة 474هـ باسم سيدة الأهل بنت عبدالعزيز الصيرفى من أهل مازر.
شاهد حجر جيرى مؤرخ آخر رجب سنة 583هـ من جبانة باب الشاغور بدمشق باسم الحاج أبو المكارم بن جامع بن على الصيرفى.
هذا ويطلق حاليا فى مصروغيرها من البلاد العربية على شركات تغيير العملات أو استبدالها شركات الصرافة.
أ.د/حسن الباشا
__________
الهامش:
1- لسان العرب ، ابن منظور، دار صادر، بيروت ط3، 9 /189.
مراجع الاستزادة:
1- الفنوق الإسلامية والوظانف ، أ.د/حسن باشا القاهرة 1966م.
2- النظم الإسلامية،د/حسن إبراهيم حسن ، القاهرة 1939م.
3- قانون ديوان الرسائل ، ابن الصيرفى، مصر1905م.
4- قوانين الدواوين ، ابن مماتى، القاهرة 1943م.
5- معيد النعم ومبيد النقم السبكى.
6- صبح الأعشى فى صناعة الإنشا، القلقشندى(1/207)
الضرر
لغة: اسم من الضر، وهو نقص يدخل على الأعيان ، فهو ضد النفع ، وهو النقصان يقول الأزهرى: "كل ما كان سوء حال وفقر وشدة فى بدن فهو ضر بالضم ، وما كان ضد النفع فهو بفتحها(1).
واصطلاحا: هو إلحاق مفسدة بالغير(2).
والضرر قد يكون بالقول: كرجوع الشاهدين عن شهادتهما بعد القضاء ، وقبض المدعى للمال ، فلا يفسخ الحكم ، ويضمنان ما أتلفاه على المحكوم عليه ، وقد يكون الضرر ناشئا عن الفعل كتمزيق الثياب ، وقطع الأشجار(3).
وقد يكون بالقول والفعل كما سبق.
وقد يكون بالترك ، ومثاله امرأة تصرع أحيانا، فتحتاج إلى حفظها، فإن لم يحفظها الزوج حتى ألقت بنفسها من شاهق ، فعليه ضمانها(4).
والأصل أن سائر أنواع الضرر حرام إلا ما قام الدليل على إباحته ، وتزداد حرمته كلما زادت شدته ، وقد دلت على ذلك نصوص كثيرة،منها:
قوله تعالى {لا تضار والدة بولدها}البقرة:233، وقوله تعالى {ولا تمسهكوهن ضرارا لتعتدوا}البقرة:231.
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم "لا ضر ولا ضرار"(5). فهذا الحديث يشمل كل أنواع الضرر؛ لأن النكرة فى سياق النفى تعم ،ومعناه أنه لا يجوز شرعا إلحاق ضرر أو ضرار بالنفس أو بالغير إلا بموجب خاص.
وتجدر الإشارة إلى أن الضرر يباح استثناء فى أحوال منها: إدخال الضرر على أحد يستحقه لكونه تعدى حدود الله ، فيعاقب بقدر جريمته ، ومنها ارتكاب الضرر فى حالة الضرورة، أو ارتكاب ضرر أخف تجنبا لضرر أشد إلى غيرذلك.
وهناك قواعد فقهية ضابطة لأحكام الضرر، تناولها الفقهاء وفصلوها وبينوا أحكامها ، وسنذكرها إجمالا ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى كتب القواعد.
فمن هذه القواعد: "الضرر يزال " فيبنى على هذه القاعدة كثير من أبواب الفقه مثل الرد بالعيب ، والخيار بأنواعه ،والحجر والشفعة، وقسمة الجبر وغير ذلك (6) ويتفرع عن هذه القاعدة قاعدتان:
الأولى: الضروات تبيح المحظورات وبناء عليها يجوز أكل الميتة للمضطر.
الثانية: ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها ، ويتفرع عليها أنه لا يجوز للمضطر أن يأكل من الميتة إلا مقدار ما يسد الرمق (7).
وهناك قواعد تقيد من تلك القاعدة العامة -الضرر يزال- من هذه القواعد:
"الضررلا يزال بمثله " ذلك أن الضرر مهما كان واجب الإزالة، فإزالته إما بلا ضرر أصلا أو بضرر أخف ، أما إذا كان الضرر لا يزال إلا بضرر مثله أو أشد فلا يجوز. ومن أمثلتها: ما لوهدد المسلم بالقتل إذا لم يقتل جاره المسلم ، فإنه لا يجوز له فعل ذلك ، بخلاف ما لو أكرهه على أكل ماله.
ومن هذه القواعد آيضا: "يتحمل الضرر الخاص لدفع الضررالعام ". وهذه القاعدة مقيدة لقاعدة "الضرر لا يزال بمثله ". أى لا يزال الضرر بالضرر إلا إذا كان آحدهما عاما والآخر خاصا، فيتحمل حينئذ الضرر الخاص لدفع الضرر العام.
ومن هذه القواعد أيضا: "الضرر الأشد يزال بالأخف " أو بمعنى آخر " يختار أهون الشرين " ومن أمثلتها: جواز شق بطن الميتة لإخراج الولد إذا كانت ترجى حياته (8).
ويجوز شرعا ترك الواجب وذلك إذا تعين طريقا لدفع الضرر، وذلك كالفطر فى نهار رمضان ، وترك ركعتين من الصلاة الرباعية لدفع ضرورة السفر.
كما قد يفعل المحرم دفعا للضرر، كأكل الميتة فإنه حرام ، ولكنه يجوز فى حال الاضطرار دفعا لضرر التلف. أما إذا أمكن تحصيل الواجب ، أو ترك المحرم مع دفع الضرر بطريق آخر من المندوبات أو المكروهات فلا يتعين ترك الواجب ولا فعل المحرم (9).
ويجب على كل مسلم محاولة دفع الضررعن غيره ، فيجب قطع الصلاة لإغاثة ملهوف وغريق وحريق(10).
فينقذه من كل ما يعرضه للهلاك. فإن كان الشخص قادرا على ذلك دون غيره وجبت عليه ، الإغاثة وجوبا عينيا، أما إذا كان هناك من يقدر على ذلك ، كان الوجوب عليه كفائيا، وهذا لا خلاف فيه بين الفقهاء.
وإنما اختلفوا فى تضمين من امتنع عن دفع الضرر عن المضطر مع القدرة على ذلك.
فذهب أكثر الفقهاء إلى أنه لا يلزمه الضمان ، وقد أساء؛ لأنه لم يهلكه ولم يكن سببا فى هلاكه ،كما لولم يعلم بحاله.
بينما ذهب المالكية وأبو الخطاب من الحنابلة إلى أن الممتنع مع القدرة يلزمه الضمان ، لأنه لم ينجه من الهلاك مع إمكانه ،فيضمنه كما لو منعه الطعام والشراب(11).
أ.د/على مرعى
__________
الهامش:
1- المصباح المنير، القاموس المحيط مادة (ضرر).
2- فتح المبين لشرح الأربعين النووية لابن حجر الهيثمى ط1 العامرة الشرقية فى القاهرة 1322هـ ص211.
3- تبيين الحقائق للزيلعى ط دار المعرفة بيروت ، 4 /244.
4- حاشية الرملى على جامع الفصولين 2 /81، حاشية ابن عابدين ط المطبعة الأميرية ببولاق ، الطبعة الثالتة 5 /127.
5- الحديث أخرجه الحاكم فى المستدرك ، والسيوطى فى الجامع الصغيرفيض القدير للمناوى 6 /431.
6- الأشباه والنظائر لابن نجيم الحنفى ط دار الكتب العلمية بيروت ص85.
7- الأشباه والنظائر لابن نجيم ص85 وما بعدها ، والأشباه والنظائر للسيوطى وما بعدها ط دار إجياء الكتب العربية عيسى الحلبى ص92.
8- الأشباه والنظائر لابن نجيم ص87 وما بعدها وللاستزادة يراجع أيضا الأشباه والنظائر للسيوطى والموافقات للإمام الشاطبى.
9- الفروق للقرافى ط عالم الكتب بيروت ، 2 /123.
10- الدار المختار للحصكفى مع حاشية ابن عابدين ط المطبعة الأميرية ببولاق مصر 1 /459.
11- بدائع الصنائع للكاسانى ط مطبعة الجمالية الطبعة الأولى 1348هـ 1910م ، حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ط المطبعة الأزهرية بمصر 1934م 2 /112 ، 4 /242 ، مغنى المحتاج للشربينى الخطيب ط مصطفى الحلبى 4 /5 ، المغنى لابن قدامة ط علم الكتب 7 /515 ، 8 /202(1/208)
الضمان
لغة: له عدة معان: منها الكفالة، فنقول: ضمنته الشئ ضمانا إذا كفله.
ومنها الالتزام ، فتقول: ضمنت المال ، إذا التزمته.
ومنها التغريم ، تقول ضمنته الشىء تضمينا إذا غرمته(1).
واصطلاحا: يطلق على المعانى التالية:
(أ) يطلق على كفالة النفس ، وكفالة المال عند جمهور الفقهاء.
(ب)كما يطلق على غرامة المتلفات والمغصوبات والمتعيبات والتغيرات الطارئة.
(ج) كما يطلق على ضمان المال والتزامه سواء كان بعقد وبغيرعقد.
(د) كما يطلق على وضع اليد على المال ،بغير حق أو بحق.
وقد عرف الفقهاء الضمان بتعريفات كثيرة نقتصرعلى اثنين منها:
الأول: التزام دين أو إحضار عين أو بدن(2).
الثانى: شغل ذمة أخرى بالحق(3).
والضمان جائز شرعا ، حفظا للحقوق ، ورعاية للعهود، وجبرا للضرر، دلت على ذلك نصوص كثيرة من القرآن الكريم والسنة المطهرة ومن ذلك:
(أ)قوله تعالى: {ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم}يوسف:72، فزعيم: أى ضامن ، فقد ضمن يوسف رضى الله عنه لمن جاء بسقاء الملك قدرما يحمله البعيرمن الطعام.
(ب) ما رواه أنس رضى الله عنه قال: أهدت بعض أزواج النبى صلى الله عليه وسلم إلى النبى طعاما فى قصعة، فضربت عائشة القصعة بيدها، فألقت ما فيها، فقال النبى صلى الله عليه وسلم (طعام بطعام ،وإناء بإناء)(4).
(ب) ما رواه سمرة بن جندب رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (على اليد ما أخذت حتى تؤدى)(5) أى ضمانه.
ولكى يتحقق الضمان شرعا، ويجب على من التزم به ، لابد من توافر ثلاثة أركان هى:
التعدى، الضرر، علاقة السببية بين التعدى والضرر " الافضاء".
- فالتعدى: هو مخالفة ما حده الشرع أو العرف ، فيشمل التعدى: المجاوزة، والتقصير، والإهمال ، وقلة الاحتراز، كما يشمل العمد والخطأ(6).
- أما الضرر: فهو إلحاق مفسدة بالغير، وهذا يشمل الإتلاف والإفساد. والضرر قد يكون ناشئا عن القول أو الفعل ، كما أنه قد يكون بالقول والفعل أو بالترك.(7).
- أما علاقة السببية: فيشترط أن يكون التعدى مفضيا إلى الضرر، سواء كان بالمباشرة أو بالتسبب ، ويشترط أيضا أن لا يتخلل بين السبب وبين الضرر فعل فاعل مختار، فإذا وجد هذا الفاعل الأجنبى فإنه يضاف الضمان إليه ، وينقطع التعدى عن الضرر(8).
وللضمان أسباب ، ذكر الشافعية والحنابلة أنها قد تكون:
(أ) العقد: كالمبيع ، والثمن المعين قبل القبض ، والسلم فى عقد البيع.
(ب) اليد: مؤتمنة كانت كالوديعة والشركة، فى حالة حصول التعدى، أو غير مؤتمنة كالشراء الفاسد.
(ج) الإتلاف: سواء كان للنفس أو المال(9).
أما المالكية فقد ذكروا أن أسباب الضمان هى:
(أ) الإتلاف مباشرة ؛ كإحراق الثوب.
(ب) التسبب فى الإتلاف: كحفر بئر فى موضع لم يؤذن فيه فيترتب عليه فى العادة إتلاف.
(ج) وضع اليد غير المؤتمنة: ويندرج فيها يد الغاصب ، والبائع يضمن المبيع الذى يتعلق به حق توفيته قبل القبض(10).
والأمانات يجب تسليمها بذاتها ، وآداؤها فور طلبها، لقوله تعالى {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها}النساء:58. وتضمن الأمانات فى حالة التعدى، وإلا فلا ضمان فيها.
أما المضمونات فتضمن بالإتلاف وبالتلف ولوكان سماويا(11).
هذا وأحكام الضمان كثيرة ومتفرعة فى سائر أبواب الفقه ، فيرجع إليها لمن أراد الاستزادة من سائر كتب المذاهب.
أ.د/على مرعى
__________
الهامش:
1- المصباح المنير مادة (ضمن)، القاموس المحيط مادة (ضمن).
2- حاشية القليوبى على شرح المحلى للمنهاج ، ط عيسى الحلبى، 2 /323.
3- جواهر الإكليل للآبى ، شرح مختصر خليل ، ط دار المعرفة بيروت ، 2 /109.
4- الحديث أخرجه الترمذى وقال هذا حديث حسن صحيح سنن الترمذى 3 /631 كتاب البيوع ط مصطفى الحلبى.
5- الحديث أخرجه الترمذى وقال هذا حديث حسن صحيح سنن الترمذى 3 /557 ، تلخيص الحبير لابن حجر ، ط دار المعرفة 3 /53.
6- جامع الفصولين 2 /122 ومابعدها ، تكملة فتح القدير لقاضى زادة، ط إحياء التراث العربى 9 /245.
7- تبين الحقائق ، للزيلعى 4 /244 ط دار المعرفة بيروت ، حاشية الرملى على جامع الفصولين 2 /81.
8- مجمع الضمانات ، ط المطبعة الخيرية بمصر الطبعة الأولى 1308هـ ص146.
9- الأشباه والنظائر للسيوطى، ص390 ط عيسى الحلبى، القواعد لابن رجب ط مكتبة الخانجى الطبعة الأولى 1352هـ- 1933م ، ص204.
10- الفروق للقرافى 4 /27 الفرق 217 ، 2 /206 الفرق 111 ، ط عالم الكتب بيروت.
11- حاشية ابن عابدين 4 /526 وما بعدها ، ط المطبعة الأميرية ببولاق مصر ، جواهر الإكليل 2 /140 ، المهذب للشيرازى 1 /366 ط عيسى الحلبى(1/209)
الضمير
لغة: هو ما دل على متكلم كـ "أنا" أو مخاطب كـ "أنت " أو غائب كـ "هو" ومنه البارز والمستتر، فالبارز "قمت " أما المستتر فهو كالمقدر نحو قولك "قم " كما فى اللسان.
ولم يرد هذا اللفظ فى القرآن الكريم ولا فى السنة المطهرة ولم أجد كذلك لفظا قرآنيا يشترك مع هذا اللفظ فى الأصل سوى لفظ "ضامر" وهو ما جاء فى قوله تعالى: {وأذن فى الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق}الحج:27.
واصطلاحا: فيعرف الضمير بأنه خاصية يصدر بها الإنسان أحكاما مباشرة على القيم الأخلاقية لأعمال معينة، فإن تعلق فيما لم يقع بعد فقد يكون أمرا بالفعل أو نهيا عنه.
وقد عنى به من الفلاسفة أصحاب المدرسة الحدسية، واعتبروه قوة فطرية يميز بها الإنسان بين الخير والشر تلقائيا دون خبرة مسبقة أو توجهيه من الآخرين ، أما أصحاب المدرسة الطبيعية (المادية) فقد أرجعوا أحكام الضمير إلى التجربة أى الخبرة السابقة وربطوا قيمة الفعل الأخلاقى بنتائجه دون غيرها.
أما فى الفكر الإسلامى فيستخدم لفظ الضمير، بالمعنى اللغوى فى الدرجة الأولى.
أما المعنى الاصطلاحى للضمير فيعبر عنه بلفظ النفس اللوامة وهو المصطلح القرآنى المأخوذ من قوله تعالى {ولا أقسم بالنفس اللوامة}القيامة:2 ، حيث تقوم النفس اللوامة بمحاسبة الإنسان عما بدر منه ، فى هذا المعنى يقول الحسن البصرى ت: (110هـ) فى النفس اللوامة: إن المؤمن والله لا نراه إلا لائما لنفسه ، ما أردت بكلمتى؟ ما أردت بأكلتى؟ ما أردت بحديث نفسى؟ وإن الفاجر يمضى قدما لا يعاتب نفسه.
أما ابن جرير الطبرى فيعرف النفس اللوامة بأنها: التى تلوم صاحبها على الخير والشر وتندم على ما فات.
بذلك يتفق المعنى المقصود بالنفس اللوامة فى القرآن الكريم مع المعنى المقصود بلفظ "الضمير" فى الاصطلاح فى الفكر الحديث.
فالمقصود من كلا المصطلحين أنه جهاز مراقبة ومحاسبة داخل الإنسان السوى، يقيم ويقوم أعماله السابقة واللاحقة ويصدر عليها حكما أخلاقيا بالخير أوالشر.
وللشاعر المصرى المعروف "المنفلوطى" قصيدة بعنوان " الضمير" نشرت ضمن ديوانه الشعرى (ديوان أتى النصر).
أ.د/السيد محمد الشاهد
__________
مراجع الاستزادة:
1- شرح قطر الندى وبل الصدى محمد محى الدين عبدالحميد دار الفكر مصر د.ت.
2- المعجم الفلسفى مجمع اللغة العربية القاهرة سنة 1379هـ.
3- تفسير القرآن العظيم للحافظ أبى الفداء ابن كثير دار المعرفة بيروت لبنان 1403هـ-1983م(1/210)
الطريقة المولوية
المولوية طريقة صوفية تنسب إلى مؤسسها مولانا جلال الدين الرومى.
مركزها مدينة "قونية" بتركيا.
مؤسسها هو محمد جلال الدين محمد بن حسين بهاء الدين البلخى القونوى، المولود فى بلخ (من أعمال خراسان) عام 604هـ - 1207م الذى ينتهى نسبه إلى أبى بكر الصديق رضى الله عنه واشتهر والده بلقب سلطان العلماء، عاش مولانا جلال الدين عهد اضطرابات وحروب من فتنة جنكيز خان حتى الحروب الصليبية، وما صاحب ذلك من مظاهر القتل والتخريب ومن جانب آخر ظهرت عدة فرق ومذاهب مختلفة مثل المعتزلة، والمشبهة، والمرجئة والخوارج ، فرأى مولانا ضرورة ظهور دعوة تهدف إلى الحفاظ على الإسلام فى النفوس ، وحث المسلمين على التماسك والحفاظ على وحدتهم ، ومن هنا ظهرت الطريقة المولوية، خاصة وأن مولانا كان قد تتلمذ على يد العارف العالم "شمس الدين التبريزى" الذى حول مسار مولانا جلال من علم القال إلى علم الحال والخلوة والذكر قام شمس الدين تبريزى بتدريب مولانا جلال على أصول التوحيد الصوفى مع الاحتفاظ بالثقافة الشرعية.
اشتهرت الطريقة المولوية بما يعرف بالرقص الدائرى لمدة ساعات طويلة يدور الراقصون حول مركز الدائرة التى يقف فيها الشيخ ، ويندمجون فى مشاعر روحية سامية ترقى بنفوسهم إلى مرتبة الصفاء الروحى فيتخلصون من المشاعر النفسانية ويستغرقون فى وجد كامل يبعدهم عن العالم المادى ويأخذهم إلى الوجود الإلهى كما يرون.
اشتهرت الطريقة المولوية بالنغم الموسيقى عن طريق الناى، وكان مولانا يرى فيه وسيلة للجذب الإلهى، ويعتبره أكثر الآلآت الموسيقية ارتباطا بعازفه ، ويشبه انينه بأنين الإنسان للحنين إلى الرجوع إلى أصله السماوى فى عالم الأزل.
كان آخر ملهم لمولانا جلال مؤسس المولوية مريده وتلميذه "حسام الدين جلبى" الذى أحبه مولانا كثيرا ووصفه بأنه مفتاح خزائن الفرس ، "وبايزيد الوقت ، وجنيد الزمان "، ووصفه أنه نوره (أى نور مولانا) ، وبصره ، وسنده ، ومعتمده.
اشتهرت المولوية بكتاب المثنوى الذى ألفه مولانا، بناء على طلب مريده حسام الدين وكان أشهر كتبه على الإطلاق ،واشتهرت الطريقة المولوية بتسامحها الواضح مع أهل الذمة ومع غير المسلمين أيا كان معتقدهم وعرقهم كما يقول: عرق كنت كرديا أو روميا أو تركيا لابد أن تتعلم لغة من لغة لهم وقوله "إن كنت مؤمنا أو كافرا.. بوذيا أو مجوسيا.. فتعالى أكينا".
وعندما توفى مولانا فى ديسمبر عام 1273م شيعه مريدوه فى الطريقة من كل جنس وملة ودين ، وكان الحاخامات يقرؤون التوراة والمسيحيون يقرؤون الإنجيل جنبا إلى جنب مع المسلمين دفن مولانا جلال فى مسجده المسمى بالقبة الخضراء فى قونية بجوار والده بهاء الدين.
ويعد كتاب المثنوى أشهر أعمال مولانا جلال الدين مؤسس المولوية، وهو كتابا شعرى يضم 26 الف بيت شعر مزدوج ويشتمل على275 قصة وكلها مستقاة من القرآن الكريم وقصص الأنبياء ويعض قصص ألف ليلة وليلة وبعض نوادر جحا وطبعت فى ستة أجزاء.
يصف مولانا جلال كتابه المثنوى بأنه إلهام ربانى ، وفتح روحانى من معانى الكتاب والسنة كتب المثنوى بالفارسية وترجم إلى عدة لغات منها العربية والتركية والإنجليزية والفرنسية والألمانية.
وظهر فى المولوية مدى تأثر مولانا جلال الدين مؤسس المولوية بالعديد من كبار المتصوفين أمثال الغزالى، محى الدين بن عربى، شهاب الدين السهروردى، وفريد الدين العطار، ويحيى بن معاذ ، وأبو يزيد البسطامى، والحلاج ، والشبلى وإبراهيم بن أدهم وغيرهم.
أثرمولانا جلال الدين أيضا فى علماء كثيرين ،مثل كمال الدين الخوارزمى وإسماعيل الأنقروى، وعبد العلى محمد بن نظام ، وعبدالعزيز آل جواهر، والشاعر إقبال ، وغيرهم. كما أثر فى العديد من المستشرقين أمثال جورج روزن الألمانى، وسير جيمس رد هاوس الانجليزى، ورينولد نيكلسون الإنجليزى أيضا.
من أشهر العلماء المعاصرين لجلال الدين العالم أوحد الدين الكرمانى، وبهاء الدين زكريا، نجم الدين الرازى، ومحي الدين بن عربى، وصدر الدين القونوى، وأبو الحسن الشاذلى، وعزيز الدين النسفى.
لقيت المولوية عناية فائقة من علماء المسلمين والمستشرقين ،وذلك لجمع مؤسسها بين الصوفية والشريعة متمشيا مع القرآن والسنة.
خلف مولانا جلال فى الطريقة حسام الدين جلبى الذى نصبه رسميا قبل وفاته بإحدى عشرة سنة.
اتخذت الطريقة الشكل المتماسك بفضل الحلقات التى كان يقيمها مولانا لمريديه وتلاميذه. ومن خلال الطريقة كان مولانا يهاجم الأراء الفلسفية المتناقضة مع الإسلام وكانت استدلالاته جميعها مستقاة من القرآن والسنة.
لاتزال الطريقة المولوية مستمرة حتى يومنا هذا فى مركزها الرئيسى فى قونية. ويوجد لها مراكز أخرى فى استنابول ، وغاليبولى، وحلب ، ورغم منع الحكومة التركية كل مظاهر التصوف إلا أن الجهات الرسمية فى تركيا تستخدم مراسم المولوية كجزء من الفولكلور التركى.
ويحضر جلسات ذكر المولوية كل من يريد من كل الأجناس ومع كل الأديان ويلقى الجميع تسامحا ملحوظا من المولويين.
أ.د/هدى درويش
__________
مراجع الاستزادة:
1- مثنوى ، مولانا جلال الرومى، إبراهيم الدسوقى شتا ، الزهراء للإعلام العربى القاهرة 1992م.
2- جلال الدين الرومى ، المثنوى، شرح المثنوى، شرح المثنوى المسمى بالمنهج القوى للشيخ يوسف بن أحمد المولوى ، ستة أجزاء ، بدون تاريخ غير معلوم مكان النشر.
3- تاريخ الأدب التركى، حسين مجيب المصرى مطبعة الفكرة، القاهرة 1952م.
4- فصول من المثنوى لجلال الدين الرومى، عبدالوهاب عزام القاهرة 1946م.
5- جلال الدين الرومى بين الصوفية وعلماء الكلام عناية الله إبلاغ الأفغانى الدار المصرية اللبنانية 1987م.
1- Ethem Ruhi Figlaii، mezhepler ve trikatlar Ansiklopedisi، Istanbul 1987.
2- Hasan Kucuk، tarikatlar ve Turkler uzerindek Muset tesirler، Istanbul 1976.
3- Mustafa Kara، tekkeler ve zaviyeler، Istanbul 1977.
4- Mustafa Kara،Tasavvuf ve tarikatlar tarihi، Istanbul 1985.
5- Mustafa Kara، Osmanlilarda tasavuf ve tarikatlar، Osmanli Ansiklopedisi، Istanbul، c،I ،s. 203
6- Mevlana guldestesi، Konya Buyuk sehir Belediyes، Konya 1993(1/211)
الطُّولُونِيَّة (الطُّولونيُّون)
أسرة حاكمة تولت حكم مصر فى الفترة بين سنتى 254هـ-868م ،292هـ-905م تنسب إلى مؤسسها الوالى التركى أحمد بن طولون نشأ ابن طولون فى سامراء (سُرّ من رأى) التى شيدها بالعراق الخليفة المعتصم بالله سنة 222هـ/836م ليقيم فيها جنوده وأتباعه من الأتراك لتحاشى التنافسن بينهم وبين أهل بغداد وقد أثرت هذه النشأة كثيرا فى حياة ابن طولون.
ونشأ مع استيلاء الأتراك على مقاليد السلطة فى سامراء نوع من الإقطاع الإدارى، بلغ أوجه فى زمن الخليفة المعتمد وشقيقه الموفق طلحة ، فقد تطلب تحقيق السيطرة على الجيش التركى الجديد كسبا لولاء أكثر قادته قوة، فعين كل واحد من هؤلاء القادة واليا على ولاية، وفضل بعضهم البقاء فى سامراء وإيفاد من ينوب عنه من صغار الضباط الموالين له مصحوبا ببعض قواته لإدارة الولاية وحمل عائدها إليه.
وتصادف أن منح الخليفة المعتز ولاية مصر إلى القائد التركى باكباك الذى عهد بها إلى غلامه أحمد بن طولون سنة 254هـ-868م وكان ابن طولون من الأتراك الطُغزغُز شابا طموحا فى الرابعة والثلاثين من عمره ، وكان مدركا تماما للصعوبات والمشاكل التى كانت تمر بها الخلافة العباسية فى العراق (الحركات الانفصالية فى الولايات الشرقية وبداية ثورة الزنج) ووجد فى ذلك فرصة مواتية لإعلان استقلاله بمصر بعد أن تخلص من منافسه القوى متولى الخراج أحمد بن المدبر الذى سيره إلى الشام.
وترجع أهمية الدولة الطولونية التى أسسها فى مصرأحمد بن طولون ، إلى أنه لأول مرة من خلالها تحاول مصر أن تكون ولاية مستقلة، ولكن طموحات ابن طولون لم تدفعه أبعد من تأسيس أسرة حاكمة تتوارث الحكم فى مصر وتعترف بالسيادة الاسمية للخلافة العباسية، فلم تكن لابن طولون أية أهداف استراتيجية مماثلة لتلك التى حملت الفاطميين بعد ذلك بقرن على تأسيس مدينة القاهرة.
وعلى ذلك فإن دار الإمارة بمدينة العسكر، العاصمة العباسية، لم تعد تناسب طموحات الحاكم الجديد الذى أخذ يبحثه عن مقر جديد يجعله عاصمة لدولته فوقع اختياره على الفضاء الممتد شمال شرق العسكر عند سفح المقطم تحت الشرف الذى كانت تقوم عليه حينئذ قبة الهواء وحيث أقام صلاح الدين بعد ثلاثة قرون قلعة الجبل ،ليشيد مدينة "القطائع ".
إن تأسيس هذه المدينة وتطورها يذكرنا تماما بمدينة سامراء (سر من رأى) العراقية، فمثلما كان الحال فى سامراء قسمت المدينة فى مصر إلى عدد من القطع يسكن فيها عبيد ابن طولون وعساكره وغلمانه وجعلت كل قطيعة لطائفة، فكانت بمنزلة الحارات التى قسمت إليها القاهرة فيما بعد.
وقد بدأ ابن طولون فى عام 256هـ-870م ببناء "القصر" و "الميدان " الذى كان يضرب فيه بالصوالجة، وتقدم إلى أصحابه وغلمانه وأتباعه أن يختطوا لأنفسهم حوله ،فاختطوا وبنوا حتى اتصل البناء جنوبا بعمارة الفسطاط ، وكانت مساحة القطائع ميلا فى ميل.
كان موقع القصر الذى شيده ابن طولون هو الميدان السلطانى تحت قلعة الجبل فيما بعد، وكان "الميدان" فيما بين القصر والجامع الذى شهر باسم "جامح ابن طولون ". فهذا الجامع هو الأثر الذى خلد اسم ابن طولون والذى بقى وحده من مدينة القطائع بعد أن خربها جنود العباسيين سنة 229هـ-904م وفعل فيها الاهمال فعله ، وقد فرغ من بنائه وافتتح للصلاة فى رمضان سنة 526هـ-مايو879م. ويعد هذا الجامع أقدم جوامع مصر الإسلامية المحتفظة بتفاصيلها المعمارية وتخطيطها الأصلى، بنى على طراز جامع سامراء فى العراق مع مئذنته الفريدة، وأصبح تخطيطه هو النموذج الذى أثر فيما بعد فى تخطيط وبناء المساجد الجامعة فى مصر الإسلامية، حتى جامع المؤيد شيخ الذى بنى سنة 818هـ-1415م. كما أنه يعد نقطة تحول هامة فى تاريخ العمارة الإسلامية، لأنه بنى من مواد جديدة تماما وليس من أنقاض الكنائس والمعابد القديمة، حيث أستخدم فى بناء عقوده ودعائمه الآجر بدلا من استخدام الرخام حتى يتمكن من مقاومة الحريق.
عمل ابن طولون بعد استقرار أمره فى مصر على مد نفوذه إلى بلاد الشام ، فقد كان يعلم تماما أن أى خطر يمكن أن تتعرض له مصر لن يأتى إلا من الشام ، وأن السلطة المركزية فى العراق لو فكرت فى مناؤاته فستسلك إليه طريق الشام. ودفعه إلى ذلك أيضا حرصه على أن يقوم بدور بارز فى السياسة الإسلامية المعاصرة، فحصل ابن طولون على ولاية الثغور الشامية وأصبحت له بذلك صفة المدافع عن حدود الشام حامى دار الإسلام من الخطر البيزنطى.
وبلغت الدولة الطولونية أوج عظمتها فى عهد خمارويه بن أحمد بن طولون وخليفته فى حكم مصر، الذى بلغ فى إضفاء مظاهر البذخ والأبهة على عاصمته ،وقد ترك لنا المقريزى فى الخطط ، وصفا تفصيليا للأعمال التى قام بها خمارويه ،والتى استغل فيها العائد الكبير الذى كانت تدره عليه مصر والذى كان هو المستفيد الوحيد منه.
وإذا كانت فترة حكم خمارؤيه 270:282هـ-884:895م تمثل فترة ازدهار الدولة فإنها حملت فى طياتها عوامل تداعيها، فقد قادت النفقات الباهظة التى أنفقها خماروته -خاصة عند زفاف ابنته قطر الندى إلى الخليفة العباسى المعتمد- مالية الدولة إلى الإفلاس. وظهرت نتيجة ذلك فى أعقاب وفاته المفاجئة سنة 282هـ-895م فلم يخلف ولدا بالغا يخلفه فى حكم مصر، فكان الانهيار المالى وثورة الجنود عوامل أسهمت فى وضع نهاية للحكم الطولونى حيث أرسل العباسيون جيشا بقيادة محمد بن سليمان الكاتب سنة 292هـ-905م وضع نهاية لاستقلال الطولونيين وأعاد مصر ولاية عباسية من جديد.
أ.د/أيمن فؤاد سيد
__________
مراجع الاستزادة:
1- سيرة أحمد بن طولون البلوى: (تحقيق محمد كرد على)، دمشق 1358هـ.
2- المغرب فى حلى المغرب ابن سعيد: (تحقيق زكى محمد حسن وآخرون) القاهرة 1953م 73-146.
3- المواعظ والاعتبار فى ذكر الخطط والآثار، المقريزى: القاهرة 1853 ، 1 :313-326 ، 2 :265-269.
4- النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، ابن تغرى بردى القاهرة 1929-1956 ، 3 :1-143.
5- الفن الإسلامى فى مصر، زكى محمد حسن القاهرة 1937.
6- مصر فى عصر الطولونيين ، سيدة إسماعيل الكاشف وحسن أحمد محمود القاهرة 1960.
7- أحمد بن طولون ، سيدة إسماعيل الكاشف القاهرة1965.
8- حضارة مصر الإسلامية فى العصر الطولونى، حسن أحمد محمود القاهرة د.ت.
Corbett، E.R.، "The life and work of Ahmed ibn Tulun" JRAS (1891)، pp. 527-562؛ Hassan، Z.M.، Les tulunides، e`tude de l'Egypte musulmene a` la fin du ix'sie`cle 868-905، Paris 1933، ed. El.2rt. Ahmed b. Tulun I، pp.287-88(1/212)
الظن
لغة: هو التردد الراجح بين طرفى الاعتقاد غير الجازم وجمعه ظنون وأظانين. وقد يوضع موضع العلم.
واصطلاحا: هو الاعتقاد الراجح مع احتمال النقيض ، ويستعمل فى اليقين والشك وقيل ، الظن أحد طرفى الشك بصفة الرجحان.
وقد ورد لفظ الظن بالمعنى السابق أكثر من ستين مرة، إضافة إلى ثمانى مرات بمعنى اليقين فى مثل قوله تعالى: {الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون}البقرة:46 ، وكذلك فى قوله تعالى: {إنى ظننت أنى ملاق حسابيه}الحاقة:20.
استخدم لفظ الظن فى الفلسفة الإسلامية وعلم الكلام بالمعنى الغالب فى آيات القرآن الكريم ومقابلا للعلم أو الحق طبقا لما ورد فى قوله تعالى: {وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لايغنى من الحق شيئا}يونس:36.
والظن درجة من درجات العلم الذى لا يصل إلى درجة اليقين. وقد قسم المفكرون المسلمون العلوم إلى علوم ظنية، وعلوم يقينية. فالعلوم الظنية: هى العلوم التى يحصلها الإنسان بإدراكاته الحسية والعقلية.
أما العلوم اليقينية فهى العلوم التى يأتى بها الوحى كما ورد فى قوله تعالى {فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما}الكهف:65.
أما فى الحديث الشريف فقد ورد هذا اللفظ عدة مرات معظمها بمعنى الظن أو الاعتقاد الراجح وبعضها الآخر يتضمن اليقين ، كما ورد فى قول الرسول صلى الله عليه وسلم لأبى بكر وهما فى الغار: (ما ظنك بأثنين الله ثالثهما) (البخارى فى تفسير سورة التوبة). وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم فى الحديث القدسى: (أنا عند ظن عبدى بى إن خيرا فخير وإن شرا فشر) وفى رواية آخرى: (فليظن بى مايشاء) (البخارى فى التوحيد ومسلم فى التوبة). أما فيما يفيد الاعتقاد الراجح فى مقابل اليقين فقد ورد عن عروة بن الزبيرعن عائشة رضى الله عنها فى تفسيرقوله تعالى {حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جأءهم نصرنا}يوسف:110 قالت عائشة: "كذبوا، قلت: فقد استيقنوا أن قومهم كذبوهم فما هو بالظن قالت: أجل ،لعمرى لقد استيقنوا بذلك فقلت لها: وظنوا أنهم كذبوا، فقالت: معاذ الله ، لم تكن الرسل تظن ذلك بربها" (انظر البخارى فى تفسير سورة يوسف الآية 110).
وقد ورد الظن مرادفا للشك فى بعض الأحاديث النبوية الشريفة، فى مثل قوله صلى الله عليه وسلم لمن شك فى عدد الركعات التى صلاها: (...فشككت فى ثلاث أو أريع وأكبر ظنك على أربع تشهدت) (انظر سنن الدرامى باب الصلاة).
وقد استخدم "الظن " للدلاله على أولى مراحل العلم فى إطار مايسمى بنظرية المعرفة الإسلامية، فتعرف مرحلة "الظن" بأنها تكون حينما تتعادل دلالات الإثبات مع دلالات النفى. أما المرحلة التى تلى مرحلة "الظن " فهى مرحلة "غلبة الظن " وتأتى هذه المرحلة بعد البحث والتمحيص فى أدلة النفى وأدلة الاثبات ، فترجح إحدى الكفتين دونما دليل قطعى يقينى فيبقى هناك مجال للنظر.
وفى الفقه تعتبر"مظنة" الحرج والمشقة الوصف المناسب الملائم للجمع بين الصلاتين عند المطر والسفر.
ويعبر بعض الفقهاء، كما يروى عن الإمام أبى حنيفة النعمان ، عن هذه المرحلة بالمقولة المشهورة عنه ، مذهبنا صحيح يحتمل الخطأ، ومذهب الآخر خطا يحتمل الصواب وتلى مرحلة غلبة الظن مرحلة تسمى مرحلة "التصديق "ويعتمد فيها على الثقة فى صدق القائل ثم تأتى مرحلة "الإيمان " الذى ينبنى على التصديق بالخبر على شرط الثقة ثم مرحلة "حق اليقين" وهو التصديق التام بالخبر عن طريق كمال الثقة فى مصدر الخبر، كما ورد فى قوله تعالى: {وإنا لنعلم أن منكم مكذبين وإنه لحسرة على الكافرين وإنه لحق اليقين فسبح باسم ربك العظيم}الحاقة:49-52 ، وتلى هذه المرحلة مرحلة "علم اليقين " عندما يجتمع صدق مصدر الخبر مع القوة الاقناعية بالبراهين العقلية مثلما ورد فى قوله تعالى {كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون كلا لوتعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين}التكاثر:3-7.
وتمثل الآية رقم 7 من سورة التكاثر {ثم لترونها عين اليقين}المرحلة القصوى من مراحل العلم حيث تجتمع كل شروط المراحل السابقة مع المشاهدة العينية لموضوع المعرفة.
أما فى علم الكلام فقد فصل القاضى عبدالجبار الحديث فى هذا الموضوع حيث قرر أن النظر العقلى لايولد الشك أو الظن ،وهو يفرق بين لفظى الشك والظن.
أ.د/السيد محمد الشاهد
__________
مراجع الاستزادة:
1- القاموس المحيط محمد بن يعقوب الفيروزأبادى مؤسسة الحلبى -مصر د.ت.
2- التعريفات للشريف الجرجانى لبنان 1985م.
3- صحيح البخارى دار الجيل تقديم أحمد شاكر بيروت د.ت.
4- سنن الدارمى طبعة دمشق 1349هـ.
5- المغنى فى أبواب التوحيد والعدل للقاضى عبدالجبار الهمزان تحقيق إبراهيم مدكور القاهرة د.ت(1/213)
العادات الشعبية
لغة: العادات جمع عادة، والعادة: كل ما اعتيد حتى صار يفعل من غير جهد، والعادة: الحالة تتكرر على نهج واحد(1).
والشعبية نسبة إلى شعب ، والشعب: الجماعة الكبيرة ترجع لأب واحد، وهو أوسع من القبيلة، والشعب: الجماعة من الناس تخضع لنظام اجتماعى واحد وتتكلم لسانا واحدا كما فى الوسيط (2).
واصطلاحا: يقصد بالعادات الشعبية أو السنن Folkways السلوك المكتسب الذى يشترك فيه أفراد شعب معين ، وهى معايير ذات قيمة اجتماعية، من شأنها أن تثير رد فعل فى المجتمع ، يتمثل فى الفزع والاستهجان والاستياء، الأمر الذى يبرر توقيع جزاءات على المخالف الذى يعتدى على حرمتها.
والعادات الشعبية يتلقنها الفرد من الآخرين بحسب المقتضيات والمناسبات الاجتماعية، ولذا فهى تختلف عن العادات الفردية التى يكتسبها الفرد وفقا لحاجته ،مما يعنى أنها لا تقوم الا كعلاقة اجتماعية، تعمل على الانسجام مع مثيلاتها ، نتيجة للتكرار الدائم لبعض الأفعال التى تصدر عن عدد كبير من أفراد المجتمع فى مواقف معينة فتبدو العادات الشعبية من ثم ذات صبغة جمعية تنمو تلقائيا، وتظهر بالتدريج حتى تتمكن من النفوس ، وتصبح أشبه بالدستور غير المكتوب الذى يتمتع بقوة الإلزام.
وهناك غير قليل من التداخل بين هذا المصطلح ومصطلحات العرف ، والعادة المستحدثة، والتقليد، وما إلى ذلك من الممارسات الاجتماعية التى لا تخضع إلى التقنين.
ولعل أهم ما يميز العادات الشعبية أنها تلب دورا هاما فى بقاء المجتمع الإنسانى واستمراره عن طريق تحديدها لأنماط الفعل وقواعد السلوك واللياقة، كما أنها كثيرا ما تقاوم العادات المستحدثة خاصة تلك التى تكون تعبيرا عن نزوات الساعة، إضافة إلى أنها مكملة للقانون وتمهد لظهوره ،وإن اختلفت عنه من حيث التلقائية فى الظهوروالسرعة فى الجزاء.
ومع ذلك فلم يعد مصطلح العادات الشعبية مما يتوافق مع المجتمعات التى قطعت شوطا بعيدا فى التغير الاجتماعى والثقافى، ولكنها تلب دورا كبيرا فى تلك المجتمعات التى تتسم بالبساطة، وإن كان من المهم القول مع ذلك بأن هناك بعض هذه العادات التى تبدو منافعها وصلاحيتها، مما يلزم معه وضعها فى دائرة البحث للتعريف الأعمق بها وبإيجابياتها وسلبياتها؛ لما لها من أهمية فى تنظيم الحياة الاجتماعية، على اعتبار أن السنن هى آخر الأمرالمناهج العامة التى تتخذ كطريقة للمعيشة،مما يوجد ضميرا عاما يربط الجماعة بمقاييس واحدة فيما يجوز وما لا يجوز ، و هو ما يوجد فى النهاية ذلك الحياء الذى وصفه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بأنه شعبة من الإيمان ، الذى من بين وظائفه توحيد العادات العامة، وإسباغ طريقة للحياة يمارسها الجميع بشكل واحد،،وهو ما يكسب الحياة الإسلامية قدرة خاصة على التحمل وعلى المقاومة، باعتبار أن توحد العادات يؤدى إلى توحد الفهم والقضاء على المنازعات ، نظرا لمعرفة الجميع مقدما بما يجب فعله فى مختلف المناسبات.
أ.د/محمود أبوزيد
__________
الهامش:
1- المعجم الوسيط ، مجمع اللغة العربية، دار المعارف ، ط3، مادة (عود) 2 /658.
2- المصدر السابق، مادة (شعب) 1 /503(1/214)
عام الحزن
هو العام العاشرمن بعثة النبى صلى الله عليه وسلم وسمى بعام الحزن لأنه كان من المظنون بعد انتهاء المقاطعة الجائرة، التى كانت قريش قد ضربتها على النبى صلى الله عليه وسلم ومن انحاز إليه أن يعيش رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرورا بين أحب الناس إليه وآثرهم عنده ، وهما عمه أبوطالب وزوجه خديجة رضى الله عنها إلا أنهما قد توفيا فى هذا العام ، وبوفاتهما وفقد الرسول صلى الله عليه وسلم لهما سمى هذا العام بعام الحزن.
فقد مات عمه أبو طالب ، وليس يدرى إلا الله كم كان وجده عليه (1)، إذ كان له خير نصير، يدرأ عنه الأعداء، ويجمع من حوله الأقرباء، ويمكنه من العمل لدينه ، على الرغم من وعيد المشركين وتهديد قريش أجمعين ، وكان إذا أذاه قومه قال صلى الله عليه وسلم (والله ما أصابنى هذا إلا بعد موت أبى طالب)(2).
ثم جاءت وفاة السيدة خديجة رضى الله عنها بعد أيام من وفاة عمه ، فانفطر فؤاده صلى الله عليه وسلم واشتدت لوعته ، فقد كانت له نعم العشير والنصير مدة خمس وعشرين سنة، فلم يسمع منها كلمة تؤذيه ، ولا رأى منها نظرة تؤلمه ،جاءها خائفا يرجف فؤاده فتلقته باسمة، واستقبلته راضية، ومازالت به حتى أعادت الأمن إلى نفسه ، وعندما أمره ربه أن يدعو إلى دينه كانت أول من دخل فيه ، ولما قاطعته قريش أبت إلا أن تدخل معه شعب أبى طالب ، وكان إذا اشتد عليه قومه وقفت إلى جانبه تربت على صدره ، وتمسح الأسى عن قلبه ، حتى يشتد عزمه ويعود إليه نشاطه.
وليس يدرى إلا الله كيف استطاع النبى صلى الله عليه وسلم احتمال فقد عمه ثم زوجه ، ولا كيف احتمل أن يرى زوجه وهو يدخلها قبرها.
مفتقدا نصرتهما له ، ومواساتهما إياه ، من أجل هذا اعتكف صلى الله عليه وسلم فى داره وسمى هذا العام الذى فقدهما فيه عام الحزن (3).
أ.د/عبدالعزيز غنيم عبدالقادر
__________
الهامش:
1- تاريخ اليعقوبى لأحمد بن أبى يعقوب 2/ 35 ط دار صادر بيروت لبنان.
2- الكامل فى التاريخ لابن الأتير تحقيق الشيخ/عبدالوهاب النجار 2/ 63 ط1 سنة 1349هـ المطبعة المنيرية القاهرة.
3- إمتاع الأسماع للمقريزى 1 /49 ط1 1401هـ-1981 م دار الأنصار القاهرة(1/215)
عام الوفود
اصطلاحا: هو العام التاسع أو العاشر الهجرى، على اختلاف فى تحديده ، لأن العامين قد شهدا وفود القبائل إلى النبى صلى الله عليه وسلم ، وإن كانت فى الأول أكثر منها فى الثانى(1).
والحق أن حركة الوفود كانت سابقة على عام الوفود، فلم يكن العام التاسع الهجرى هو الذى بدأت فيه الوفود انطلاقها إلى المدينة، وإنما كان بداية ذلك إثر صلح الحديبية، حيث انطلقت إلى النبى صلى الله عليه وسلم وفود دوس ومزينة وبنى سعد، وإنما عُدّ العام التاسع أو العاشر الهجرى باعتبار الكثرة.
وقد بلغت هذه الوفود واحدا وثلاثين ،أقبلت إلى المدينة تخطب ود النبى صلى الله عليه وسلم وتعلن إسلامها بين يديه ، ومن الأسباب التى من أجلها توافدت تلك الوفود إلى المدينة المنورة، وكثرث فى العامين المذكورين ؛ أن قريشا قد أسلمت فور فتح مكة، وتحطمت الأصنام القائمة حول الكعبة، وتلتها ثقيف ، وبات العرب أمام أمرين للعناد ؛ إما أن يهجروا البيت الحرام فلا يحجون إليه ولا يعتمرون ، وهو ما لا قدرة لهم عليه ، وإما أن يواصلوا الحرب ، وهو ما لا رغبة لهم فيه ، خاصة وأن الجيش الإسلامى عاد من تبوك بعد إرهاب أقوى دول الأرض ، وهى الروم ، والقبائل المنتصرة على تخوم الشام.
وإن تعجب فعجب أن القبائل الآن تحج إلى النبى صلى الله عليه وسلم طالبة رضاه ، معلنة اعتناقها لدينه ،وقد كان يأتيها قبل هجرته فى مواسم الحج والعمرة يدعوها إلى دينه فتأبى، ويطلب منها الحماية حتى يبلغ آمنا رسالة ربه فترفض (2).
وعلى كل حال فقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يستمع لكل وفد ويجيبه إلى ما يريده فى إطار الشرع:
ساًله ممثلو ثقيفه ألا يعشروا، ولا يحشروا، ولا يولى عليهم غيرهم ، وأن ترفع الصلاة عنهم ، ولا يهدم صنمهم إلا بعد ثلاث سنين ، فأجابهم إلى الثلاثة الأولى دون الرابع والخامس (3).
ومن الوفود من كان يتجاوز حدوده ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتعامل معه بما يردعه وينهنه من غروره.
أ.د/عبدالعزيز غنيم عبدالقادر
__________
الهامش:
1- السيرة النبوية لابن كثير 2/ 299، تحقيق/أحمد عبدالشافى، ط دار الكتب العلمية ، بيروت لبنان.
2- إمتاع الأسماع للمقريزى 1 /22-33 تحقيق محمد عبدالحميد النميسى ، ط1 ، دار الأنصار ، القاهرة 1401هـ-1981م.
3- عيون الأثر فى فنون المغازى والشمائل والسير لابن سيد الناس 2 /272 ، مكتبة القدس ، القاهرة 1406هـ-1986م(1/216)
العامة
لغة: عمَّ الشىء عموما: شمل ، والعام: الشامل وهو خلاف الخاص ، والعامة من الناس: خلاف الخاصة والجمع عوام ، كما فى الوسيط (1).
واصطلاحا: يدل بوجه عام على معنى الجمهور الذى يشير فى الكتابات الحديثة إلى معنى الشعب ، ومن ثم فهو يرتبط ارتباطا وثيقا بنظرية المعرفة وبخاصة ما إذا كانت هذه المعرفة بمجالاتها وبأمورها المنوعة هى معرفة إجمالية للكافة والعامة، وما قد يترادف مع هذا من مصطلحات أخرى مثل الرعية ، والسواد الأعظم ، والأهالى، والعباد ،والمؤمنين ، أم أن بها من الأمور الدقيقة والتفصيلية ما يعتبر وقفا على الخاصة.
وهو يتردد كثيرا ضمن المصطلحات الأساسية فى نظرية الحكم الإسلامية سواء ما تعلق منها بإطار الحكم فى عموميته ، أو ما تعلق بطبيعة المادة البشرية للحكم أى المحكومين.
ولا جدال فى أن باب الاجتهاد مفتوح أمام كل القادرين ، ولكن هناك من يرى أن من الأمور اللازمة لضبط المصالح العامة ما يتصف بالخصوصية، التى تباعد بينها وبين العوام أو العامة، وعلى قمة هذه الأمور نظرية الإمامة الإسلامية، وخاصة ما تعلق بمسألة تمييز الإمام وتنصيبه ، حيث يرى البعض أنه فرض على خاصة الأمة، بمعنى أنه ليس ضرويا ولا هو بالشرط اللازم اشتراك العامة واتفاقها ، لأنها مهمة المؤهلين لإنجازها.
وربما كان الإمام الغزالى هو صاحب الصوت الأعلى الذى أكد هذا التمييز، فالأمة أو القاعدة الشعبية فى الإسلام تتألف من قوى شعبية هى الأمناء من العلماء، ثم سائر القاعدة من عوام المسلمين ، والأولون عليهم واجب الشورى، والمساهمة فى الحكم ، والقيام بالدعوة، وإقامة الشريعة والدين ، بينما على الباقين واجب النصرة والنصح والطاعة فهو يقول "وإنما حق العوام أن يؤمنوا ويسلموا ويشتغلوا بعبادتهم ومعايشهم ويتركوا العلم للعلماء" كما يقول "اعلم أن لكل صناعة أهلا يعرف قدرها ومن أهدى نفائس صنعه إلى غير أربابها فقد ظلمها"(2).
ومصداق ذلك قوله فى "أنه ليس مهما لجميع المسلمين بل لطائفة منهم مخصوصين ".
ولكن التضامن الإسلامى ينشأ بالأكثر، فضلا عن وحدة الإيمان ، بسبب آخر هو فرض الكفاية أى الواجب الذى لا يكلف القيام به أحد بعينه ، ولكنه تكليف على المسلمين جميعا.
وبذلك تبدو قضية الإمامة فرض عامة الأمة وواجبها، حتى بلغ الأمر حد القول بانعدام الإمامة ما لم يحصل الإجماع من الأمة على من ينصب إماما، وعلى ما نجد بصفة خاصة لدى أصحاب الطريقة المعروفة فى فقه الخلافة بطريقة العامة.
وأيا ما كان الرأى فإن التضامن الإسلامى خاصة فى ظروف المجتمع المتغير المعاصر إنما يحتاج أشد ما يحتاج إلى تضافر الرأى، والثقافه حول أهداف الأمة وغاياتها ، وفى ظنى أن هذا مما يوجب المشاركة فى إبداء الرأى وتمحيصه ، وما الشورى ذاتها والتى تعتبر أساس الحكم الصالح إلا فرض كفاية من هذا النوع الأصيل.
أ.د/محمود أبوزيد
__________
الهامش:
1- المعجم الوسيط ، مجمع اللغة العربية، دار المعارف ، ط3، مادة (عمم) 2 /652.
مراجع الاستزادة:
1- إحياء علوم الدين ، لأبى حامد الغزالى.
2- المضنون به على غير أهله ، لأبى حامد الغزالى.
3- مستهل الاقتصاد فى الاعتقاد، لأبى حامد الغزالى(1/217)
العباسيون
العباسيون: هم أبناء عباس(1) بن عبدالمطلب القرشى الهاشمى، عم النبى صلى الله عليه وسلم وكافله بعد أخيه أبى طالب وصاحب السقاية والعمارة.
ولد قبل النبى عليه الصلاة والسلام بسنتين ، ودخل فى دينه قبل هجرته إلى المدينة، وكان يكتم إسلامه بناء على توجيه منه صلى الله عليه وسلم ، وقد شهد العقبة الثانية ليستوثق لابن أخيه من الأنصار، وشهد معه مشاهدكثيرة، منها: فتح مكة، وغروة حنين ،والطائف ، وغروة تبوك ، وعاش صلى الله عليه وسلم حتى شارك فى دفن الرسول صلى الله عليه وسلم والصلاة عليه ،وتوفى سنة اثنتين وثلاثين هجرية ستمائة واثنتين وخمسين ميلادية، وله من العمر ثمان وثمانون سنة، بعد أن أدرك خلافة الشيخين ، والشطر الأكبر من خلافة عثمان بن عفان رضى الله عنه الذى صلى عليه وشارك فى دفنه.
والعباس (2) وإن كان أقرب إلى النبى صلى الله عليه وسلم من علىّ كرم الله وجهه ، فإنه لم يستشرف للخلافة ، لعدم توافر شرطها الأساسى فيه وهو السبق إلى الإسلام ، ووقف بجانب على رضى الله عنه يؤيده ويحضه على المطالبة بحقه ونسج على هذا المنوال نفسه أبناؤه العشرة من بعده ، وهم:
1- الفضل ، وبه كان يكنى.
2- عبدالله.
3- عبيدالله.
4- قثم.
5- عبدالرحمن.
6- معبد.
7- الحارث.
8- كثير.
9- عون.
10- تمام.
فأطاعوا عليا، وشاركوا فى حكومته ومعاركه التى دارت رحاها بينه وبين معاوية ابن أبى سفيان ، ولما مالت كفة الصراع إلى غير صالحه أخذوا يتوجهون إلى الأمويين ،ففارقه (3) عبدالله مستقيلا من البصرة، وفارق أخوه عبيدالله ولده الحسن ، وآوى إلى معاوية.
ولما تنازل الحسن رضى الله عنه عن الخلافة، ونزل أخوه الحسين على إرادته ، اعتقد العباسيون أن حقهم فيها قد سقط ، وأنهم وحدهم صاروا أصحاب هذا الحق ، فهادنوا الأمويين ونالوا جوائزهم ، وفى الوقت نفسه راحوا يعدون أنصارهم للدعوة إليهم وأخذه عنوة من الأمويين وكانوا ينتظرون ثلاث علامات (4)، إحداها: هلاك الطاغية يزيد بن معاوية، والثانية: مجىء العام المكمل للمائة، والثالثة: قتل يزيد ابن أبى مسلم وانتفاض البربر.
ولما تم لهم ما أرادوا أخذوا فى الدعوة إلى أنفسهم وفق برنامج غاية فى الدقة والعمق ،فجعلوا للدعوة مراكز ثلاثة: الحميمة، وفيها يقيم الإمام ، والكوفة، وفيها يقيم نائبه الأول على العراق ، وخراسان ، وفيها يقيم نائبه الثانى وأتباعه من الدعاة والنقباء،وكان الاتصال بين هذه المراكز مرتبا ترتيبا دقيقا ، إذ تخرج التوجيهات من الإمام فى الحميمة إلى نائبه فى الكوفة، ومنه إلى نائبه الثانى فى خراسان ، ولكى لا يخفى على الإمام شىء من أخبار الدعوة وأسرارها فإنه كان يلتقى فى موسم الحج من كل عام بنائبيه فى العراق وخراسان والدعاة السبعين ونقبائهم الاثنى عشر، الذين كان ثمانية منهم من العرب وأربعة من الموالى.
كانت الدعوة فى بدايتها للرضا من أهل البيت ، وذلك حتى لا يشغب أبناء فاطمة على العباسيين ويجهضوا دعوتهم قبل أن تبلغ الهدف وتدرك الغاية.
تبقى المراحل التى عبرتها الدعوة حتى أتت أكلها وهى المرحلة السرية: وكانت أطولها فقد بدأت سنة مائة وانتهت سنة مائة وتسع وعشرين.
أما المراحل الخمس الأخرى هى:
1- الجهرية.
2- المواجهة المسلحة.
3- الفتح.
4- قيام الدولة.
5- الانتقام.
وقد مرت عبرثلاث سنين ما خلا مرحلة الانتقام فقد استغرقت خلافة السفاح ،وهو أول من بويع له بالخلافة من بنى العباس.
وقد حكمت الخلافة العباسية العالم الإسلامى من سنة مائة واثنتين وثلاثين هجرية سبعمائة وتسع وأربعين ميلادية إلى سنة ستمائة وثمان وخمسين هجرية الف ومائتين وستين ميلادية.
حيث سقطت على أيدى المغول ، الذين خربوا بغداد، وألقوا ما فى مكتباتها فى دجلة، وحرموا العالم من تراث علمى وفنى، لو أنه بقى لغير وجه الدنيا، وعدل مسار التايخ.
والذى يستعرض إنجازات هذه الخلافة يلاحظ أنها رفعت صرح الحضارة الإسلامية، ونشرت أضواءها شرقا وغربا، ففيها ترجمت إلى العربية ما تفتقت عنه العقول البشرية من الآداب ، والعلوم ، والفنون ،وفيها ازدهرت النهضة الفقهية والمذهبية التى لم ير العالم لها نظيرا من قبل ولا من بعد.
وبعد، فهؤلاء هم العباسيون وهذه هى دولتهم التى رعت الحضارة، ورفعت ألوية المدنية، وأخرجت العالم كله من ظلام الجهل إلى نور العلم.
أ.د/عبدالعزيز غنيم عبدالقادر
__________
الهامش:
1- أسد الغابة لابن الأثير 4 /315 ط دار الشعب.
2- تاريخ الخلفاء للسيوطى، ص 166، تحقيق أ/محمد محى الدين عبدالحميد ، ط السعادة ، القاهرة.
3- تاريخ الرسل والملوك للطبرى 5 /163-164 تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، ط4 دار المعارف القاهرة.
4- دور العباسيين فى طلب الخلافة أ.د/عبدالعزيز غنيم ، ص 22 ط1 دار الوفاء القاهرة 1403هـ-1983م(1/218)
عبدة الشيطان
الحبادة الإبليسية عرفتها البشرية منذ القدم بصور مختلفة وليست مجرد ظاهرة تظهر فى بلاد الغرب أو فى الشرق من حين إلى آخر.
ولكى نلقى الضوء على هذه المسألة من بدايتها نقف أمام قول الحق تبارك وتعالى: {إذ قال ربك للملائكة إنى خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدى أستكبرت أم كنت من العالين قال أنا خيرمنه خلقتنى من نار وخلقته من طين قال فاخرج منها فإنك رجيم وإن عليك لعنتى إلى يوم الدين قال رب فأنظرنى إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين قال فالحق والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين}ص:71-85.
فى هذه الآيات نرى انطلاق الغواية والصراع بين آدم وذريته وبين إبليس وذريته إلى يوم القيامة.
لكن سير الغواية كان فيما أشارت إليه الآيات: {ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين فوسوس لهما الشيطان ليبدى لهما ما وورى عنهما من سوءاتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أوتكونا من الخالدين}الأعراف:19-20.
ثم يأتى التعبير القرآنى ليبين نتيجة الغواية: {فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم فى الأرض مستقرومتاع إلى حين}البقرة:36.
وبعدها تأتى رحمة الله لآدم ولذريته من بعده فى نافذة التوبة: {فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم}البقرة:37.
وبقيت غواية إبليس الذى يترصد لذرية آدم إلى أن تقوم الساعة فى أهم مهام بنى آدم وهى العبادة الحقة لله سبحانه وتعالى والاستخلاف وتعمير الكون.
وانطلقت البشرية فى اتخاذ المعبودات المضلة التى نذكر منها: عبدة الشمس وعبدة الأصنام ، وهناك من عبد النار سواء فى الهند أو عند الفرس ومن قدس الأنهار والمياه وعبد الأفعى، وكان القدماء المصريون يقدمون القرابين للنيل من الشابات الجميلات.
كما كانت هناك حيوانات تعبد على أنها آلهة فى ذاتها ولها معابد خاصة مثل العجل "منفيس" والعجل "أبيس" وفى عهد الاغريق دخلت إلى مصر فى عبادة الأبطال من الرجال.
وهناك من عبد الكواكب مثل الصابئة الذين كان لهم أكبر الأثر فى فرقة اليزيدية.
على أن حصر العبادات المختلفة لدى البشرية وغواية إبليس للإنس على مر العصور والحضارات أمر يجل عن الحصر ومن أشهر الطوائف التى عرفت فى العالم الإسلامى هم فرقة "اليزيدية" أو عبدة الشيطان وهم طائفة ينتمى معظمها إلى الجنس الكردى، ويوجد بعض منهم فى إيران ومعظم هذه الطائفة يسكن المدن والقرى ويشتغل بالزراعة إلا أن بعضها لايزال فى طور البداوة ويؤلف قبائل رحالة تدعى "الكوجر".
وترتبط عقيدتهم بطاووس ملك وهو "الشيطان" أو "إبليس" ولهم كتابهم المقدس "مصحف رش" الذى يحتوى على قصة الخلق وعقائد اليزيدية مما حلل أو حرم عليهم.
وعبادة الشيطان مسألة تتجدد وتنمو مع ظهور الفساد والرغبة فى الانطلاق من قيود وضوابط الأديان وهى مسألة تنمو وتزدهر من حين إلى آخر سواء فى بلادنا العربية والإسلامية أو فى الغرب مما يفزع له أصحاب القيم الحريصون المؤمنون بالعقائد والأديان.
وهذه العبادة يوجد لها كنائس ورواد وطقوس من كل لون وفن لإغواء الشباب وتلبية حاجاتهم الغريزية بفنون وطقوس وكهنة وحاخامات يزينون لهم هذه الغواية، وصدق الحق تبارك وتعالى إذ يقول: {يابنى آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون}الأعراف:27.
أ.د/آمنة محمد نصير
__________
مراجع الاستزادة:
1- عبادة الشيطان أ.د/آمنة نصير، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية.
2- الملل والنحل للشهرستانى(1/219)
العثمانيون
العثمانيون نسبة إلى عثمان مؤسس دولتهم التى حكمها 36 سلطانا واستمرت 624 سنة ونيفا ينتسبون إلى قايى من قبائل الغز، ثم شاعت صفة عثمانى على كل مواطن ينتمى إلى دولتهم العثمانية بصرف النظر عن دينه وثقافته وعرقه كونوا إمارة ثغر تابعة لدولة سلاجقة الروم فى الأناضول على حدودها مع الدولة البيزنطية ثم استقل أميرها عثمان عام 699هـ-1299م وأسس إمارته على العلم والفتوحات. وفى عهده برز الشاعر عاشق باشا أول شعراء العثمانيين.
ثم توسع عثمان بالغرو والجهاد على حساب البيزنطيين ، ولما مات خلفه ابنه أورخان الذى اتخذ من مدينة بورصة عاصمة سياسية وثقافية. واتبع أورخان سياسة أبيه فى نشر العلم وفى الفتح ، ووصل إلى مضيق الدردنيل. ومن أبرز شعراء عصره سليمان جلبى صاحب قصيدة المولد.
وتولى مراد بن أورخان الإمارة العثمانية والتى تمتد بين الأناضول والبلقان ، وفى عهده تأسست فرقة الإنكشارية أول جيش نظامى فى العالم ، وفتحت أدرنة من أكبر المدن البيزنطية 764هـ-1362م، وظلت عاصمة للعثمانيين حتى عام 857هـ-1453م وأنجب عصره الشاعر نسيمى الذى نشأ فى العراق العثمانى، ونظم بالتركية فى لهجتها الآذرية. وانتصر مراد على تحالف القوى الأوربية ضده فى معركة قوصوه (كوسوفا) إلا أنه استشهد عقبها.
وفى عهد ابنه بايزيد الصاعقة انتهى عهد الإمارة لتتحول رسميا إلى سلطنة الخليفة العباسى فى القاهرة بتنصيبه بايزيد سلطانا على الروم إلا أن هزيمته أمام تيمور لنك فى موقعة أنقرة 805هـ-1402م تسببت فى تفرق الدولة مدة إحدى عشر عاما، بعدها لم ابنه السلطان محمد الأول شمل الدولة من جديد. وهو الذى اعتنى بالتوحيد السياسى وبالمعرفة وظهر فى عهده شيخى الشاعر المجدد صاحب خرنامة آما ثم جاء السلطان مراد الثانى وبعده محمد الثانى الذى لقب بالفاتح لفتحه القسطنطينية (استانبول) عام 857هـ-1453م واتخاذها عاصمة. وبه انتهى رسميا وجود الدولة البيزنطية وبدأ عهد الدولة الحديثة فى أوربا. وبه أيضا بدأ التاربخ الحديث.
واشتهرالفأتح كقائد عسكرى وشاعر وأديب وراع للفنون والأدب ، فبالإضافة إليه نفسه كشاعر صاحب ديوان نجد فى عهده العالم آق شمس الدين ، الذى عرف الميكروب وكتب عن السرطان ، والشاعر أحمد باشا وكذلك سنان باشا رائد النثر التركى العثمانى، والشاعرتين مهرى خاتون وزينب خاتون. وإذا كان الأمير عثمان المؤسس مات عن إمارة تبلغ 800 كم2 فقد توفى الفاتح عن دولة 2.000.000كم2 أى مدى 154 سنة فقط بين الاثنين.
وإذا كانت الفتوحات العثمانية قد توقفت فى عهد بايزيد الثانى ابن الفاتح إلا أن سليم الأول الذى كان شاعرا فى لغته العثمانية وله ديوان بالفارسية وظهر فى عهده العالم اللغوى الفقيه المؤرخ ابن كمال ، أعاد سليم حركة الفتوحات مرة أخرى بضمه مصر والبلاد العربية إلى الدولة. وبسليم تحولت الدولة من سلطنة إلى سلطنة وخلافة استمرت حتى عام 1342هـ-1923م تخللها الذروة التى وصلت فيها الدولة على عهد سليمان القانونى عصرها الذهبى من حيث توسع الدولة وسيطرتها على أوربا ، ومن حيث الثقافة والفنون والأدب ، فالقانونى نفسه كان أول شعراء عصره الذى أنجب فضولى أمير الشعر التركى القديم ، ولامعى الشاعر، وخيرالدين باريماروس القائد البحرى، وبيرى رئيس العالم صاحب كتاب البحرية، والمعمار سنان بانى جامع السليمانية فى أدرنة قمة الفن الإسلامى المعمارى، والذى استخدم قبة الجامع التى لا تستند على أعمدة وإنما على أنصاف قباب ، ثم أرباع قباب ، ثم الجدار وفى ذلك توسعه لمساحة الجامع.
وفى عهد سليمان قضى على نشاط فرسان القديس يوحنا بعد الفتح العثمانى لجزيرة رودوس أما هو نفسه فقد قاد 13 حملة عسكرية بدات بفتح بلغراد وانتهت بحصار قلعة سيكتوار عام 974هـ-1566م والذى مات عن 73 سنة وهو على فرسه يحاصرها، تاركا لابنه سليم الثانى دولة بلغت مساحتها 13.000.000 كم2.
وبعد قرن كامل من الوصول إلى الذروة حكم خلاله عدة سلاطين أبرزهم سليم الثانى، ومراد الثالث ،الذى ظهر فى عهده المورخ خوجه سعد الدين ، صاحب كتاب تاج التواريخ وأول المؤرخين الرسميين ، فتح فيه العثمانيون روسيا ووصلوا إلى مشارف موسكو لكنهم فشلوا فى حصار مدينة فيينا وعندها سقطت عنهم صفة "المنتصرون دائما"، بدأت فترة التوقف التى بدأ فيها العثمانيون فقد أراضيهم لصالح الأوربيين مثل المجر وترانسلفانيا ، بموجب معاهدة كارلو فجه فى نهاية القرن الثامن عشر الميلادى، أما فى معاهدة كوجوك قاينارجه بعد ذلك فقد بات واضحا هزيمة العثمانيين أمام روسيا فبدات فترة الانهيار مما جعل الدولة تبدأ مرحلة التجديد لاستعادة القوة، وهى التى بدأت بعبد الحميد الأول ، وبرزت فى عهد سليم الثالث صاحب "النظام الجديد" نظرا لإحلاله النظم الأوربية الحديثة محل العثمانية القديمة فى الجيش والإدارة ومظاهر الحياة، مما أثار عليه جنود الإنكشارية فعزلوه وقتلوه.
نشطت الحركة الثقافية فى عهده وترجم عاصم ، قاموس برهان قاطع من الفارسية.
ومن علماء عصره خوجه إسحق عالم الهندسة، ومصطفى بهجت عالم الطب جاء بعد محمود الثانى الذى هيأ الدولة لتجديد أوسع على النمط الأوربى مثلما فعل واليه على مصر محمد على باشا،مما سهل على ابنه عبد المجيد إعلان "التنظيمات" رسميا وذلك يعنى إعادة تنظيم شئون الدولة العثمانية على أسس أوربية وجعل الفرنسية لغة الثقافة تولى بعده مراد الخامس ثم عبد الحميد الثانى الذى تولى والدولة فى غاية ضعفها، مما أطمع فيها دول أوربا وبضغط من النخبة الحاكمة كرجال دولة والمثقفة على أسس غربية أعلن قيام النظام النيابى،"مجلس المبعوثان"، إلا أن هذه النخبة دفعت الدولة إلى الحرب العثمانية الروسية رغما عن إرادة السلطان وبنكبة هذه الحرب ألغى السلطان العمل بالنظام النيابى واهتم بالشئون الثقافية والدينية والعلمية طوال عهده 33 عاما وصلت فيه الثقافة والفنون والنظم التعليمية إلى درجة عالية وظهر فى عهده أساطين الأدب والفكر والفن منهم:
نامق كمال ، أول دعاة الجامعة الإسلامية، وضيا باشا ، وعبدالحق حامد وتوفيق فكرت لكن الجيش بقيادة حزب الاتحاد والترقى أجبر السلطان عبدالحميد على ترك العرش عام 1327هـ-1909م ليحل محله السلطان محمد رشاد بتوجيه الاتحادين الذين أدخلوا الدولة فى حرب البلقان وإيطاليا ثم بمغامرة عسكرية منهم دون علم السلطان والصدر الأعظم أشركوا الدولة فى الحرب العالمية الأولى التى خرجت منها منهارة وقامت على أنقاضها دولة تركيا فى 29 أكتوبر 1342هـ-1923م.
أ.د/محمد حرب
__________
مراجع الاستزادة:
1- فى أصول التاريخ العثمانى، أحمد عبدالرحيم مصطفى، ط2 ، القاهرة 1993م.
2- حقائق الأخبار عن دول البحار، إسماعيل سرهنك ، القاهرة1895م.
3- مصر العثمانية، جرجى زيدان ، تحقيق محمد حرب ، القاهرة 1994.
4- حاضر العالم الإسلامى، شكيب أرسلان ، ترجمة عجاج نويهض ، بيروت ، 1973م.
5- الدولة العثمانية، محمد حرب ، الجزء الثامن من موسوعة سفير للتاريخ الإسلامى ، القاهرة 1996م.
6- السلطان عبدالحميد، محمد حرب ، دمشق 1990م.
7- تاريخ الدولة العلمية العثمانية، محمد فريد ، القاهرة 1912(1/220)
العرف
لغة: المعروف وهو خلاف النكر، والعرف: ما تعارف عليه الناس فى عاداتهم ومعاملاتهم(1).
واصطلاحا(3): هو ما اعتاده الناس وساروا عليه من فعل شاع بينهم ، أو لفظ تعارفوا إطلاقه على معنى خاص لم يوضع له فى اللغة، ولا يتبادر غيره عند سماع ذلك اللفظ.
فالعرف: ما يعرفه كل أحد، والعادة: ما يتكرر معاودتها مرة بعد أخرى.
والعرف من الأدلة الشرعية عند الفقهاء، وإليه يحتكم فى كثير من أحكام الفقه الفرعية، وخاصة فى أحكام الأيمان والنذور، والطلاق(3).
والعرف منه عملى وقولى(4) فالعرف العملى، قيل: اعتياد الناس بيع المعاطاة من غير وجود صيغة لفظية، وتعارفهم على قسمة المهر فى الزواج إلى مقدم ومؤخر، وتعارفهم على أكل القمح ولحم الضأن.
والعرف القولى، مثل: تعارف الناس إطلاق لفظ "الولد" على الذكر دون الأنثى مع أنه فى الاستعمال اللغوى يطلق عليهما معا، وكذلك تعارفهم على عدم إطلاق لفظ "اللحم" على السمك.
وهناك فرق بين العرف والإجماع(5). إذ الاجماع هو اتفاق مجتهدى الأمة فى أى عصر، وأما العرف فما يعتاده أكثر الناس من العوام والخواص ، فلا يشترط فيه الاتفاق ويكون فيه حظ للعوام أيضا بخلاف الإجماع.
والعرف سواء أكان قوليا أم عمليا نوعان(6): عرف عام وعرف خاص ، فالأول: ما تعارفه غالبية أهل البلدان فى وقت من الأوقات ، مثل: تعارفهم عقد الاستصناع واستعمال لفظ الحرام بمعنى الطلاق لإزالة عقد الزواج.
والثانى وهو العرف الخاص: هو ما يتعارفه أهل بلدة أو إقليم أو طائفة معينة من الناس ، كإطلاق الدابة فى عرف أهل العراق على الفرس ، وجعل دفاتر التجار حجة فى إثبات الديون.
وينقسم ثانيا إلى عرف صحيح وعرف فاسد، فالأول: ما تعارفه الناس دون أن يحرم حلالا أو يحل حراما كتعارفهم تقديم عربون فى عقد الاستصناع ، والثانى ما تعارفه الناس ولكنه يحل حراما أو يحرم حلالا كتعارفهم أكل الربا ، واختلاط الناس بعضهم ببعض رجالا ونساء فى الحفلات والأندية العامة.
والأصل فى اعتبار العرف قوله تعالى: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين}الأعراف:199.
وقول ابن مسعود: إما راه المسلمون حسنا فهو عندالله حسن ، وما رآه المسلمون سيئا فهو عند الله سيئ)(7).
أ.د/على جمعه محمد
__________
الهامش:
1- لسان العرب لابن منظور 4 /2896 دار المعارف المعجم الوسيط لمجمع الغة العربية 2 /595 دار المعارف 1972م.
2- أصول الفقه الإسلامى د/وهبة الزحيلى 2 /828 دار الفكر 1986م تيسير أصول الفقة د/محمد أنور البدخشانى ، ص 158 طبعة كراتش بباكستان 1990م.
3- انظر المرجعين السابقين نفس الصفحات.
4- أصول الفقه الإسلامى د/وهبة الزحيلى 2 /828.
5- أصول الفقه د/وهبة الزحيلى 2 /8292 تيسير أصول الفقه ص 158.
6- انظر المرجعين السابقين الصفحات المذكورة وما بعدها.
7- هذا الأثر روى موقوفا على ابن مسعود، قال الزيلعى فى نصب الراية عنه غريب مرفوعا ، ولم أجده إلا موقوفا على ابن مسعود انظر نصب الراية للزيلعى 4 /133 المكتبة الإسلامية ط2 1973م.
مراجع الاستزادة:
1- العرف والعادة فى رأس الفقهاء للأستاذ الدكتور/أحمد فهمى أبو سنة ط2 1992م.
2- العرف وأثره فى التشريع الإسلامى مصطفى عبد الرحيم أبو عجيلة طبعة المنشأة العامة للنشر والتوزيع والإعلان طرابلس ليبيا ط1 ، 1986م.
3- الاجتهاد فيما لا نص فيه للدكتور الطيب خضرى السيد 2 /179 وما بعدمكتبة الحرمين بالرياض 1983م(1/221)
العزيمة
لغة: القصد المؤكد، يقال عزمت على فعل كذا، أى قصدت اليه قصدا مؤكدا(1)، ومنه قوله تعالى: {فنسى ولم نجد له عزما}طه:115.
واصطلاحا: هى الحكم الثابت على وفق الدليل ، أو على خلاف الدليل لغير عذر(2).
فالحكم: جنس يشمل الرخصة والعزيمة، ويقصد بالثابت: أنها لابد وأن تكون ثابتة بدليل.
وقوله: "على وفق الدليل" لإخراج الرخصة: فهى حكم مثبت على خلاف الدليل.
أما قوله: "أو على خلاف الدليل لغير عذر" فيقصد به إدخال بعض أنواع العزيمة فى تعريفها، مثل: وجوب الصلاة والزكاة و الحج وغيرها من باقى التكاليف ، فإنها أحكام شرعت على خلاف الأصل ، وهو الأدلة الشرعية، لكن تلك المخالفة ليست لعذر؛ لأن المراد من العذر: الحاجة والمشقة أو الضرورة، وهذه التكاليف لم تشرع للحاجة والمشقة، وإنما شرعت للابتلاء والاختبار.
وفى ضوء هذا التعريف يعلم تنوع العزيمة إلى نوعين:
الأول: أحكام ثابتة على وفق الدليل ، مثل: إباحة الأكل والشرب وسائر الطيبات ، فإنها تثبت على وفق الدليل الأصلى، إذ الأصل فيها الإباحة.
الثانى: أحكام ثابتة على خلاف الدليل لغير عذر، مثل أحكام سائر التكاليف الشرعية، فإنها تثبت ابتداء على خلاف الدليل الأصلى ، إذ الأصل عدم التكليف ، لكن بثبوتها ليس لأعذار العباد.
وقد ذهب بعض الأصوليين إلى أنها تشمل الأحكام الخمسة، على الوجه التالى:
1- الإيجاب: كإيجاب الصيام ، والحج ،وغير ذلك من الواجبات.
2- الندب: مثل صلاة ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعد صلاة المغرب.
3- التحريم: مثل تحريم السرقة، والزنا، وأكل أموال الناس بالباطل وغيرها من المنهيات.
4- الكراهة: مثل الصلاة فى مرابض الإبل والغنم.
5- الإباحة: مثل إباحة الأكل والشرب ،وغيرهما من كل ما خير الشارع فيه بين الفعل والترك.
والعزيمة تقابل الرخصة.
والرخصة لغة: التيسير، يقال: رخص الشارع فى كذا إذا يسره وسهله.
واصطلاحا: هى أسم لما بنى على أعذار العباد، وهو ما يستباح بعذر مع قيام المحرم(3).
وقال الغزالى: هى ما وسع للمكلف فى فعله لعذر مع قيام السبب المحرم(4).
وبقية تعريفاتها تدور على معنى التيسير لى العباد بسبب ما يعرض لهم من أعذار.
ودليلها من القرآن قوله تعالى: {يريد الله بكم اليسرولا يريد بكم العسر}البقرة:185.
ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم "إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه"(5).
وقوله صلى الله عليه وسلم "ما بال أقوام يرغبون عما رخص لى فيه"(6).
أ.د/عبد الصبور مرزوق
__________
الهامش:
1- القاموس المحيط ط الحلبى سنة 1952م، 4 /151 "لسان العرب دار صادر 12 /399 ، المصباح المنير الأميرية سنة 1909م.
2- منهاج الوصول إلى علم الأصول للبيضاوى تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد مطبعة السعادة بمصر سنة 1951م. ص8.
3- كشف الأسرار 2 /300.
4- المستصفى 1 /63.
5- رواه الطبرانى فى الكبير 11 /327 ، وانظر: فيض القدير.
6- رواه مسلم من حديث السيدة عائشة.
مراجع الاستزادة:
1- دراسات فى أصول الفقه د/عبدالفتاح الشيخ دار الاتحاد العربى ط1 سنة 1973م ص44.
2- الحكم الشرعى عند الأصوليين أ.د/على جمعة محمد دار الهداية، ط1 سنة 1993م، ص79.
3- البحر المحيط للزركشى دار الكتبى 2 /29.
4- شرح الكواكب لابن النجار الحنبلى مكتبة العبيكان 1 /476.
5- تيسير التحرير دار الكتب العلمية 2 /229.
6- كشف الأسرار لعلاء الدين البخارى 2 /300(1/222)
العصمة
لغة: عصم إليه عصما: لجأ، وعصم القربة وجعل لها عصاما يشدها به ، وعصم الله فلانا: حفظه ومنعه ووقاه من الشر والخطايا، واعتصم به: امتنع به ولجأ، واستعصم طلب العصمة وتأبى وامتنع ، ومنه قوله تعالى حكاية عن امرأة العزيز: {ولقد راودته عن نفسه فاستعصم}يوسف:32 ،تأبى وامتنع ، واعتصم بالله: امتنع بلطفه من المعصية(1).
واصطلاحا: ملكة إلهية تمنع من فعل المعصية، والميل إليها مع القدرة عليها، وتمنع من خطأ الرسول ، أو نسيانه فيما يبلغه عن ربه ، ولذلك يجب الإيمان بكل ما يخبر الرسل به عن ألله تعالى، وتجب طاعتهم فيما يأمرون به.
والعصمة بهذا المعنى ليست لأحد غير الأنبياء صلوات الله عليهم ، قال تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}الحشر:7.
وقد وردت العصمة فى القرآن الكريم أيضا بمعنى المنع والحفظ ، قال تعالى: {والله يعصمك من الناس}المائدة:67. أى يمنعك ويحفظك ، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحرس فلما نزلت هذه الآية قال: (يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمنا الله عز وجل)(2).
والعصمة: المنعة، والعاصم: المانع الحامى، ومنه قول الله تعالى: {لا عاصم اليوم من أمرالله إلا من رحم}هود:43.
قال الزجاج: وأصل العصمة الحبل وكل ما أمسك شيئا فقد عصما، قال الله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا}آل عمران:103 ،أى تمسكوا بعهد الله ، وقال: {ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم}آل عمران:101 ، أى من يتمسك بحبله وعهده.
والعصمة: عقد النكاح ، أو رباط الزوجية يحله الزوج متى شاء، ومنه قوله تعالى: {ولا تمسكوا بعصم الكوافر}الممتحنة:10 ، أى لا تتمسكوا بعقود نكاحهن ،والعصمة أيضا قيد النكاح وهو الأثر المترتب على عقده ، وهو حل استمتاع كل من الزوجين بالآخر، وأن يكون استمتاع الزوج بالزوجة على سبيل الملكية لا يشاركه فيه أحد، فللزوج ملك التمتع بالمرأة أى اختصاصه بذلك (3) فالعصمة بهذا المعنى فى يد الزوج ، وهى عقدة النكاح ، وفى الحديث (ولى عقدة النكاح الزوج)(4).
وللزوج أن ينقل العصمة إلى المرأة إذا اشترطت ذلك ، وقبل هذا الشرط منها، أو بأن يخيرها قبل الدخول أو بعده بينه وبين نفسها، فإذا اختارت نفسها فقد طلقت أو يفوضها فى طلاق نفسها منه متى شاءت فتنتقل العصمة إليها، ولها أن تطلق نفسها منه متى أرادت ، ولا يسقط ذلك حقه فى أن يطلقها إذا أراد.
أ.د/عبدالرحمن العدوى
__________
الهامش:
1- لسان العرب لابن منظور 15 /297-302 ، مختار الصحاح ص437 ، المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية 2 /105.
2- تفسير ابن كثير 2 /79.
3- حاشية ابن عايدين 3 /4.
4- الجامع لأحكام القرأن للقرطبى 3 /306(1/223)
علم الطبيعة
لغة: الطبيعة السجية، وهى القوة السارية فى الجسم التى بها يصل إلى كماله الطبيعى(لسان العرب).
واصطلاحا: العلم المختص بتفهم الظواهر الطبيعية التى تحدث فى الكون معتمدا على الملاحظات التجريبية والقياسات الكمية.
وأهم أهدافه استنباط القوانين التى تحكم الظواهر الطبيعية لتطوير نظريات يمكن لها أن تتنبأ بنتائج التجارب ، وتصاغ القوانين الأساسية لهذه النظريات بلغة الرياضيات التى تمثل الجسر الذى يربط بين النظرية والتجربة.
وعندما يظهر تناقض بين النظرية والتجربة الفيزيقية، تنبثق نظريات جديدة وتجارب جديدة لحل هذا التناقض ، وفى هذا دفع للبحث العلمى.
وتنقسم الفيزيقا إلى ستة مجالات ، هى:
1- الميكانيكا التقليدية التى تختص بحركة الأجسام ذات سرعة تقل كثيرا عن سرعة الضوء.
2- النظرية النسبية التى تصف الجسيمات المتحركة بسرعة تقترب من سرعة الضوء.
3- الديناميكا الحرارية وتختص بدراسة تغير درجة حرارة الأجسام على التركيب الداخلى للمواد.
4- الضوء ويتضمن الضوء الفيزيقى والضوء الهندسى والظواهر الضوئية المختلفة، وكذلك علم الليزر الذى ظهر حديثا.
5- الكهرومغناطيسية وتتضمن النظرية الكهربائية والمغناطيسية والمجالات الكهرومغناطيسية.
6- ميكانيكا الكم وهى نظرية تختص بسلوك الجسيمات على المستوى بالغ الصغر (دون المجهر).
وتسمى الفيزيقا التى تم تطويرها قبل عام 1900م "الفيزيقا التقليدية".
ومن العلماء الذين أسهموا بجهد كبير فى تطوير هذه الفيزيقا على مر العصور.
كل من العالم العربى المسلم "الحسن بن الهيثم" (357-430هـ/965-1038م) الذى أنجز معظم أعماله فى مدينة القاهرة، وأهمها نظرية الضوء والتفسير الصحيح لعملية الرؤية، وقد تضمن كتابه "المناظر" بحوثا عديدة تعتبر انقلابا فى علم الضوء.
وترجم هذا الكتاب إلى اللغة اللاتينية بعد وفاته بقرنين من الزمان ، وظل هو المرجع الرئيسى لعلم الضوء حتى القرن السابع عشر.
كما أن العالم المصرى القاهرى "ابن يونس" (399هـ/1008م) هو مخترع الرقاص (بندول الساعة) والذى ينسب خطأ للعالم الإيطالى جاليليو (564-1642م) الذى أسهم فى تطويرعلم الميكانيكا التقليدية.
وإذا كان العالم الإنجليزى إسحق نيوتن (1642-1727م) قد صاغ قانون الجاذبية،وقوانين الحركة الثلاث ؛ فإن مفهوم القانون الأول لنيوتن قد ظهر فى أعمال العلماء المسلمين ابن سينا (ت 428هـ-1037م) والرازى (ت 321هـ-924م) وغيرهم.
ومن العلماء المسلمين الذين كان لهم دور كبير فى تقدم علم الفيزيقا "الخازن" القرن السادس الهجرى. القرن الثانى عشر الميلادى) الذى وضع كتابا فى الميكانيكا سماه "ميزان الحكمة" وقد سبق العالم تورشيللى (1608-1647م) فى وزنه الهواء، وفى تفسيره بأن حركة الأجسام فى الهواء لها قوة رافعة كالسوائل ، كما قام الخازن بقياس كثافة كثير من العناصر والمركبات بدرجة من الدقة لم يصل إليها علماء القرن الثامن عشر كما أوضح أن سقوط الأجسام إلى الأرض ناتج عن قوة تجذب هذه الأجسام فى اتجاه مركز الأرض ، وهذا هو قانون الجاذبية الذى ينسب إلى نيوتن.
وبنهاية القرن التاسع عشر بدأت الفيزيقا الحديثة فى الظهور، وسبب ظهورها هو قصور الفيزيقا التقليدية عن تفسير عدد من الظواهر الفيزيقية التى تم كشفها، مثل تفسير حركة الجسيمات بسرعة تقترب من سرعة الضوء، والذى فشلت قوانين نيوتن فى تفسيرها، فظهرت النظرية النسبية للعالم ألبرت أينشتين (1879-1955م) لتوضح هذا التفسير،كما توضح أن سرعة الضوء فى أقصى سرعة فى الكون ، وكذلك تحدد العلاقة بين الكتلة والطاقة.
وقد فشلت الفيزيقا التقليدية أيضا فى تفسير عدد من الظواهر الفيزيقية مثل سلوك الذرات والجزيئات والأنوية، فظهر علم ميكانيكا الكم على أيدى مجموعة من العلماء منهم نيلزبور(1885-1962م) وشرودنجر (1887-1961م) وهيزنبرج (1901-1976م).
وتعتمد هذه النظرية على مبدأ عدم الحتمية الذى صاغه هيزنبرج ، ويتمثل فى استحالة حساب سرعة جسيم مع تحديد مكانه بنفس الدقة، كما تعتمد على اعتبار أن الجسيم الدقيق يمكن أن يسلك سلوك الموجات ومنه ظهرت معادلة شرودنجر الشهيرة التى تصف حركة الجسيمات عن طريق دراسة الموجات المصاحبة لها. وبحل هذه المعادلة يتم التوصل إلى الوصف الدقيق للذرة ومكوناتها ، وهى النواة الموجبة والإلكترونات السالبة الشحنة، والتى تتحرك على مسافة بعيدة عن النواة -رغم ارتباطها بها- حتى لا تتلاشى الشحنات ، وتتركب النواة من جسيمات البروتون والنيوترون التى تتماسك بقوة هائلة.
وقد ظهرت اشعة الليزر عام 1960 وهى عبارة عن تكبير للضوء ناتج عن إثارة عدد كبير من ذرات عناصر معينة -مثل الهليوم والنيون- والتى عندما تعود إلى حالتها الطبيعية تنطلق هذه الأشعة، واليوم أصبح لها تطبيقات فى معظم فروع العلم والصناعة والطب.
ويمكن تلخيص علم الفيزيقا بأنه يتناول دراسة القوى الأساسية فى الكون وهى كالآتى:
1- القوى النووية القوية: وهى التى تربط بين دقائق النويات (البروتون والنيوترون).
2- القوى النووية الضعيفة: وهى القوى الناتجة عن إشعاع الجسيمات الدقيقة (بيتا) والأشعة (جاما) والجسيمات غير الدقيقة (ألفا) من العناصر المشعة مثل (اليورانيوم).
وتستخدم هذه المصادر فى الطب والصناعة.
3- القوى الكهرومغناطيسية: وهى قوى التجاذب بين الشحنات المتضادة والتنافر بين الشحنات المتشابهة.
4- القوى التثاقلية: وهى الناتجة عن تجاذب الأجسام مثل الأرض والشمس أو الأرض والقمر، وينتج عنها استقرار الحركات الدورانية للكواكب والتوابع.
ومن العلماء المسلمين الذين أسهموا فى تطوير علم الفيزيقا الحديثة العالم الباكستانى عبد السلام (1926-1994م) الذى قام بتوحيد القوى النووية الضعيفة والقوى الكهرومغناطيسية لتصبح مجالا موحدا، وقد نال جائزة نوبل فى الفيزيقا عام 1979م عن نظريته تلك.
والعالم المصرى أحمد زويل الذى نال جائزة نوبل عام 1999م بعد أن اكتشف وحدة قياس جديدة لقياس الزمن المتناهى فى الصغر.
أ.د/على حلمى موسى
__________
مراجع الاستزادة:
1- معجم المصطلحات العلمية والفنية، مجمع اللغة العربية القاهرة.
2- تاريخ العلم ودور العلماء العرب فى تقدمه د/عبدالحليم منتصر دار المعارف سنة 1980م.
3- الحياة العلمية فى الدولة الإسلامية محمد الحسينى عبدالعزيز وكالة المطبوعات بالكويت.
4- تقدم العرب فى العلوم والصناعات وأستاذيتهم لأوربة عبدالله بن العباس الجرارى دار الفكر العربى القاهرة سنة 1961م.
5- فلسفة العلوم الطبيعية "كارل همبل ترجمة د/جلال محمد موسى دار الكتاب المصرى(1/224)
علم الفلك
لغة: المدار الذى يسبح فيه الجرم السماوى.
واصطلاحا: يتناول دراسة المجرات البعيدة والمذنبات ، والشهب والنيازك والنجوم والكواكب أو مجموعات النجوم ويبحث فيه الفلكيون عن جوهر الكون مستخدمين أعينهم أو المنظار الثنائى أو التلسكوب أو سفن الفضاء.
ويتميز علم الفلك بأنه العلم الذى ليس له حد يفصل بين الهواة والمحترفين ، بل إنه فى أحيان كثيرة تكون لمعلومات الهواة فائدة كبرى للفلكيين فى أبحاثهم.
وبالنظر إلى مجموعات النجوم فى الفضاء، نجد أن كل مجموعة لها حدود ونجوم متألقة ونجوم أقل تألقا ونجم كبير.
والآن يتعرف الفلكيون على 88 مجموعة فى السماء تقع 44 منها فى النصف الشمالى للسماء، و 44 فى النصف الجنوبى.
وعلى مر العصور كان للثقافات المختلفة اهتمامات بمجموعات نجوم خاصة بها.
وللتعرف على هذه المجموعات يجب النظر إلى السماء عندما يكون القمر محاقا، ومع استمرار التحديق فى أى مجموعة نلاحظ حركتها من الشرق إلى الغرب نتيجة لدوران الأرض حول محورها.
وعندما ننظر إلى السماء تظهر لنا على هيئة نصف كرة ولكنها فى الحقيقة كرة كاملة، تسمى القبة السماوية وتحيط بالكرة الأرضية ويظهر لنا القمر والنجوم والكواكب والمجرات وكل ما هو موجود فى الكون كأنه متصل بهذه القبة السماوية. وكما يتم تحديد الأماكن على سطح الأرض بخطوط الطول والعرض يتم تحديد مواقع الأجسام السماوية بعنوان مشابه ، وهما خط الطول وزاوية السمت. ونظرا للعدد الهائل للنجوم ، فإنه من الصعب جدا إيجاد المسافات بينها، ولكن أقصى ما يمكن عمله هو إيجاد المسافات بين أنواع مميزة من النجوم ، أو المسافات التى تفصل بين النجوم فى منطقة صغيرة، فإذا جمعنا هذه البيانات أمكن وضع تصور قريب من الواقع لأبعاد الكون.
وقد بدأ اهتمام الإنسان بعلم الفلك منذ خلقه الله ، وقد قام بملاحظة القمر منذ فجر التاريخ وأحيانا كان يقدسه وأحيانا يدرسه ،ومنذ عام 1969 بدأ يمشى على سطحه كما قام بجمع عينات من حجارته.
ولقد كان للعرب والمسلمين دور كبير فى تقدم علم الفلك ، إذ كانت بعض مسائله مما يطالب المسلم بصرفتها كأوقات الصلاة التى تختلف بحسب الموقع ، وتتغير من يوم إلى يوم ، وفوق ذلك فاتجاه المسلمين إلى الكعبة فى صلواتهم يستلزم معرفتهم سمت اتجاه القبلة وكذلك هلال رمضان وأحكام الشريعة والصوم.
وبدأ اهتمام العرب والمسلمين بترجمة كتب الفلك فى العصر الأموى بدءا بكتاب عرض مفتاح النجوم المنسوب إلى هرمس الحكيم ، ثم بعد ذلك كتاب السند هند الكبير الذى اختصره الخوارزمى (توفى عام 232هـ/846م) فيما بعد وكتاب الأربع مقالات فى صناعة أحكام النجوم لبطليموس الذى نقله أبو يحيى البطريق (توفى عام 200هـ/815م) ، وكتاب المجسطى لبطليموس والذى شارك فى شرحه ونقله وإصلاح أغلاطه عدد من الفلكيين العرب مثل النيريزى (توفى عام 310هـ-922م) والبوزجانى (توفى عام 388هـ-998م) والبيرونى (توفى عام 440هـ-1048م) والطوسى (توفى عام 672هـ-1274م) والشيرازى (توفى عام 710هـ-1311م) ، ثم بعد ذلك أسهم علماء الفلك العرب بمؤلفاتهم القيمة مثل: "ماشاء الله" الذى ألف فى الإسطرلاب ودوائره النحاسية و"يحيى بن ابى منصور" الذى وضع زيجا (جدولا) فلكيا مع "سند بن على". وفى عهد الخليفة المأمون ألف "موسى بن شاكر" و "أحمد بن عبدالله بن حبش" أزياجا (جداول) فى حركات الكواكب.
وقد قام علماء الفلك فى عهد المأمون بتقدير محيط الأرض وتوصلوا لقيمة تقترب من القيمة الحقيقية، كما وضع البيرونى نظرية بسيطة لتقدير محيط الأرض ، ودقق الفلكيون العرب فى حساب طول السنة الشمسية، وأخطأوا فى حسابهم بمقدار دقيقتين و 22 ثانية ويعود سبب الخطا إلى اعتمادهم على أرصاد بطليموس.
وقد توصل البتانى (توفى عام 317هـ/929م) إلى تقدير بعد الشمس عن الأرض بأنه يساوى 1070 مرة، مثل نصف قطر الأرض وهذه النتيجة قريبة من القيمة الحقيقية.
وقد وضع الصوفى (توفى عام 376هـ/986م) جداول دقيقة لبعض النجوم الثوابت ، وكان أول من أشار فى عام 964م إلى التجمع النجمى أندروميدا ، ووصفه بأنه سحابة صغيرة، وظلت هذه الحقيقة قائمة حتى وضع عالم الفيزيقا المعاصر واينبرج أفكاره عن الثلاث دقائق الأولى فى عمر الكون عام 1977م.
ويمكن تلخيص فضل العرب والمسلمين على علم الفلك ، بأنهم نقلوا الكتب الفلكية عن اليونان والفرس والهنود والكلدان والسريان ، وصححوا بعض أغلاطها وتوسعوا فيها، وهذا عمل جليل لا سيما إذا عرفنا أن أصول تلك الكتب قد ضاعت ، ولم يبق منها غير ترجماتها العربية، وعن هذه الترجمات نقل الأوربيون أصول علم الفلك ، كما هى وقد أضاف العرب اكتشافات قطع بها علم الفلك شوطا كبيرا، ويذكر أن نصف أسماء النجوم هى من وضع العرب ولاتزال مستعملة بلفظها العربى فى اللغات الأجنبية. كما يشهد للعرب أنهم جعلوا علم الفلك علما استقرائيا يعتمد على المشاهدات ، كما أنهم قد طهروا علم الفلك من أدران التنجيم.
وقد تطور علم الفلك فى عصر النهضة (لقرون 15-17) تطورا كبيرا. فقد كان العلماء فى التاريخ القديم (منذ بطليموس فى القرن الثانى الميلادى) يعتبرون أن الأرض مركز العالم ، ويقول علماء الغرب أن هذا الاعتقاد ظل سائدا لمدة أربعة عشر قرنا حتى اقترح الفلكى البولندى "كورنيقوس" 1473-1543م) أن الأرض والكواكب تدور فى مسارات دائرية حول الشمس ، ثم قام الفلكى الدانيمركى "تيكوبراها" (1546-1601م) بإجراء قياسات فلكية على مدار عشرين عاما كانت الأساس الذى بنى عليه نموذجا للمجموعة الشمسية.
وبعد ذلك قام الفلكى الألمانى "تبلر" (1571-1630م) بوضع قوانينه الثلاثة لشرح الحركة الكوكبية، وفى عام 1929 توصل العالم الأمريكى هارلوشيبلى (1885-1972) إلى أن شكل المجرة مفلطح ، وتشبه ساعة المعصم ، وتحتوى على النجوم والسديم والسحب النجمية، وأن الشمس والكواكب لا تقع فى مركزها، وأن رحلة الضوء من مركز المجرة فى اتجاه حدودها حيث الشمس والنجوم المرئية تبلغ أكثر من خمسين ألف سنة.
وفى عام 1977 نشر عالم الفيزيقا ستيفن واينبرج (1933) الحائز على جائزة نوبل فى الفيزيقا كتابا بعنوان الدقائق الثلاث الأولى يشرح فيه فكرة أصل الكون القائمة على أساس نموذج الانفجار العظيم ، المبنى على عدد كبير من نتائج التجارب العملية الفيزيقية المختلفة، كما تعتمد الفكرة على أن الكون فى تمدد مستمر.
وكان الفلكى توماس رايت ، قد قال عام 1750م: "منذ أن كانت الخليقة فإن الخالق نفسه يتجلى فى كل ما حولنا فإننا نستطيع أن نقرر أن هناك 170 مليون عالم مسكون فى مجرتنا. فى هذا الخلق الكونى العظيم فإن كارثة عالم مثل عالمنا أو حتى الاختفاء التام لعدد من النظم الكونية قد يكون ممكنا لمؤلف الطبيعة العظيم تماما كإمكانية حدوث حادث لحياة أحدنا".
وقد ذكر العالم الباكستانى محمد عبدالسلام أنه أنهى حديثه عند استلامه جائزة نوبل فى الفيزيقا بالآيتين التاليتين:
قال تعالى: {الذى خلق سبع سماوات طباقا ما ترى فى خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير}الملك:3،4.
أ.د/على حلمى موسى
__________
مراجع الاستزادة:
1- تاريخ الفلك عند العرب د/إمام إبراهيم أححمد.
2- الجغرافيا الفلكية شفيق عبدالرحمن على، دار الفكر العربى سنة 1397 هـ.
3- الطبيعة الجوية د/محمد جمال الدين الفندى. الكويت سنة 1977م.
4- تراث العرب العلمى فى الرياضيات والفلك قدرى حافظ طوقان دار القلم سنة 1963 م القاهرة(1/225)
العلمانية
العلمانية مصطلح ترجم بمصر والمشرق العربى للكلمة الانجليزية(SECUL ARISM) بمعنى: الدنيوى والواقعى، والعالمى ذلك لأن العلمانية هى نزعة فلسفية وفكرية وسياسية واجتماعية ترى العالم مكتفيا بذاته ، تدبره الأسباب الذاتية المودعة فيه فالعالم والواقع والدنيا هى مرجعية التدبير للاجتماع الإنسانى والدولة والحياة، ومن ثم فإن الاجتماع والحياة والدولة ليست فى حاجة إلى مدبر من خارج هذا العالم ومن وراء هذه الطبيعة والإنسان مكتف بذاته ، يدبر شئونه ويبدع قيمه ونظمه بواسطة العقل والتجربة، وليس فى حاجة إلى شريعة سماوية تحكم هذا التدبير.
فالعلمانية -لذلك- تضبط بفتح العين ،لأنها نسبة إلى العالم وهناك فى المغرب العربى من يترجمها بالدنيوية.
ولقد نشأت العلمانية -بأوربا- فى سياق النهضة الحديثة، وكانت من أبرز معالم فلسفة التنوير الوضعى الغربى، التى جابه بها فلاسفة عصر الأنوار -فى القرنين السابع عشر والثامن عشر- سلطة الكنيسة الكاثوليكية بعد أن تجاوزت هده الكنيسة الحدود التى رسمتها لها النصرانية، وهى خلاص الروح ،ومملكة السماء،وترك ما لقيصر لقيصر والاقتصارعلى ما لله.. لقد تجاوزت الكنيسة حدود رسالتها واختصاصاتها ، فبعد عصور من سيادة نظرية "Theory of The Tow Swords" أى السيف الروحى -أو السلطة الدينية للكنيسة- والسيف الزمنى أى السلطة المدنية للدولة جمعت الكنيسة السلطتين معا فضمت ما لقيصر إلى ما للكنيسة واللاهوت فى ظل نظرية "السيف الواحد Theory of one Sword" وتحت حكم "البابوات الأباطرة" أضفت الكنيسة قداسة الدين وثباته على المتغيرات الدنيوية والاجتماعية -أفكارا وعلوما ونظما- فرفضت وحرمت وجرمته كل ما لا وجود له فى الأناجيل ، وبذلك دخلت أوربا عصورها المظلمة، الأمر الذى استنفر رد الفعل العلمانى، الذى حرر الدنيا من كل علاقة لها بالدين. ففى مواجهة الكهنوت الكنسى الذى قدس الدنيا وثبتها ، وجعل اللاهوت النصرانى المرجع الوحيد للسياسة
جاء رد الفعل العلمانى لينزع كل قداسة عن كل شئون الدنيا ، وليحرر العالم من سلطان الدين ، وليعزل السماء عن الأرض ، جاعلا العالم مكتفيا بذاته ، والاجتماع والدولة والنظم والفلسفات محكومة بالعقل والتجربة، دونما تدخل من الدين.
ولقد ساعدت الملابسات التى نشأت فيها العلمانية على هزيمة الكنيسة وتراجع اللاهوت النصرانى أمام النزعة العلمانية. وكان التخلف الأوربى شاهدا على فشل الحكم الكنسى الكهنوتى وكانت هذه الملابسات الواقعية والمواريث الدينية والفلسفية -فى أوربا- عونا لانتصار العلمانية على الكنيسة وسلطانها.
ولقد تميز تياران فى إطار فلاسفة العلمانية الأوربية:
أولا: تيار مادى ملحد، طمح إلى تحرير الحياة -كل الحياة- من الإيمان الدينى.
وكانت الماركسية أبرز إفرازات هذا التيار.
ثانيا: تيار مؤمن بوجود خالق للكون والإنسان ، لكنه يقف بنطاق عمل هذا الخالق عند مجرد الخلق فيحرر الدولة والسياسة والاجتماع من سلطان الدين ، مع بقإء الإيمان الدينى علاقة خاصة وفردية بين الإنسان وبين الله.. ومن فلاسفة هذا التيار "هوبر (1588/1679م)، ولوك (1632/1716م) وليبيز (1646/1716م) ، وليسينج (1729/1871م) ، ورسو (1712/1778م)".
ولقد ظلت العلمانية خصوصية غربية حتى القرن التاسع عشر، عندما جاءت إلى بلادنا الإسلامية فى ركاب النفوذ الأجنبى والاستعمار الغربى الحديث.. وإذا كانت مصر بحكم موقعها قد مثلت طليعة الأقاليم الشرقية فى التأثر بالفكر الأوروبى ومنه العلمانية فلقد كان وفود العلمانية إليها نموذجا لتسللها من أوربا إلى بلاد الشرق الإسلامى فى ركاب النفوذ الأجنبى والاستعمار الحديث.
فبعد تحطيم النظام الحمائى للصناعة والتجارة الدى أقامه محمد على باشا فى مصر، زاد نفوذ التجار الأجانب ، ونشأت على عهد الخديوى سعيد، فى سنة 1272هـ/1855م أول محكمة تجارية مختلطة بين المصريين والأجانب "مجلس تجار" تسلل إليها القانون الوضعى الفرنسى.
ومع تزايد أعداد الجاليات الأجنبية ونفوذها وخاصة بعد عقد اتفاقية حفر قناة السويس نشأت المحاكم القنصلية لتقضى فى المنازعات الناشئة بين المصريين وبين الأجانب ، وقضاتها أجانب ولغاتها أجنبية، وقانونها وضعى علمانى.
ولما زادت فوضى القضاء القنصلى تم إنشاء المحاكم المختلطة بقضاة أجانب ولغة فرنسية وشريعة نابليون.
وبعد أن كان هذا الاختراق فى المحاكم القنصلية ثم المختلطة مقصورا على المنازعات التى يكون أحد طرفيها أجنبى حدث تعميم لبلوى هذا الاختراق العلمانى فى كل القضاء الأهلى أى فيما عدا المحاكم الشرعية، التى انحصر اختصاصها فى شئون الأسرة والأحوال الشخصية وكان ذلك عقب الاستعمار الإنجليزى لمصر، فيما سمى بالإصلاح القضائى سنة 1883م.
ولقد استعان الغرب الاستعمارى بنفر من أبناء الأقلية المارونية الذين تربوا فى مدارس الإرساليات التنصيرية بلبنان فى الدعوة إلى نموذجه الحضارى العلمانى، فكان فرح أنطون 1874-1922م أول دعاة العلمانية فى بلادنا.. ثم تخلق للعلمانية تيار فكرى بلغ ذروته فى كتاب الشيخ على عبد الرازق (1887/1966م) عن (الإسلام وأصول الحكم) الذى صدر سنة1925م
مصورا الإسلام كالنصرانية دينا لا دولة، ورسالة لا حكما، يدع ما لقيصر لقيصر وما لله لله.
وفى مواجهة هذا التسلل العلمانى إلى بلادنا كانت مقاومة تيار الإحياء والتجديد الدينى لعلمانية القانون والنهضة.. فلقد رأى هذا التيار الإحيائى التجديدى فى العلمانية عدوانا على شمولية المنهاج الإسلامى لأنه دين ودولة وجامع بين ما لقيصر وما لله.
ولأن نطاق عمل الذات الإلهية -فى التصور الإسلامى- لا يقف عند مجرد الخلق ، وإنما هو سبحانه وتعالى خالق ومدبر للعالم والاجتماع بواسطة الشرائع والرسالات: {ألا له الخلق والآمر}الأعراف:54 ، {قل إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين لا شريك له}الأنعام:162-163.
فكان رفاعة الطهطاوى (1801/1873م) أول من انتقد تسلل القانون التجارى لنابليون إلى المجلس التجارى فى الموانى التجارية، ودعا إلى تقنين فقه المعاملات الإسلامية الوافى بتنظيم المنافع العمومية، لأن بحر الشريعة الغراء لم يغادر من أمهات المسائل صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها وأحياها.
ونهض القانونى البارز محمد قدرى باشا (1821/1888م) وهو من تلامذة الطهطاوى بتقص فقه المعاملات للمذهب الحنفى، ليقدم البديل الإسلامى فى القانون ،كجزء من الرفض والمقاومة للقانون الوضعى العلمانى.
ولقد عبر الإمام محمد عبده (1849/1905م) بلسان مدرسة الاحياء والتجديد الإسلامى عن ضرورة إسلامية النهضة ، لأن الإسلام على عكس النصرانية منهاج شامل ، فهو: كمال للشخص وألفة في البيت ، ونظام للملك ، وسبيل الدين لمريد الإصلاح فى المسلمين سبيل لا مندوحة عنها".
ومنذ ذلك التاريخ ، ظل التدافع سجالا، فى واقعنا الفكري والقانونى والسياسى بين دعاة العلمنة لمشروعنا النهضوى وبين دعاة إسلامية هذا المشروع.
وعندما أعادت مصو صياغة قانونها المدنى ، الذى وضعه الدكتور عبدالرازق السنهورى باشا (1895/1971م) والذى طبق عقب إلغاء الامتيازات الأجنبية سنة 1948م ،زادت فى هذا القانون مرجعية الشرعية الإسلامية عنها فى سابقه الذى وضع سنة 1883م.
ولما وضعت مصردستورها الجديد سنة 1971م نصت مادته الثانية على أن مبادىء الشريعة الإسلامية مصدر رئيسى للقوانين وفى التعديل ، الذى تم الاستفتاء عليه ، لهذه المادة سنة 1980م غدته الشريعة هى المصدر الرئيسى للقوانين ، فانفتح بذلك الباب الدستورى أمام المشروع المصرى لأسلمة القانون ، ولإجلاء العلمانية عن المواقع التى احتلتها فى بلادنا تحت نفوذ وحراب الاستعمار.
أ.د/محمد عمارة
__________
مراجع الاستزادة:
1- الأعمال الكاملة لرفاعة الطهطاوى. دراسة وتحقيق أ.د/محمد عمارة، ط بيروت سنة 1973م.
2- الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده دراسة وتحقيق أ.د/محمد عمارة ط دار الشروق القاهرة 1993م.
3- تقويم النيل لأمين سامى باشا ط القاهرة 1936م.
4- عصر إسماعيل لعبدالرحمن الرافعى طبعة القاهرة 1948م.
5- العلمانية بين الغرب والإسلام أ.د/محمد عمارة، ط دار الوفاء القاهرة 1996م(1/226)
العمارة
لغة: من الإعمار والتعمير، وهى كل ما يبنى على وجه الأرض من مبان (لسان العرب).
واصطلاحا: كل ما يبنى على وجه الأرض بهدف التنمية العمرانية التى تسعى إلى خدمة الفرد والمجتمع ، وتستجيب لكافة متطلباته ، سكنية وإدارية وثقافية..الخ. ولا تتعارض مع العقيدة الاسلامية.
وعلى ذلك فليس منها ما يبنى لتخليد الإنسان ، كما قال تعالى فى قوم عاد: {أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون}الشعراء:128-129.
والعمارة فى الإسلام تشمل كل ما يبنيه المجتمع من مبان على قدر حاجته فيها، وإلا فقد المبنى وضعه الإسلامى، فقد أمر عمر بن الخطاب رضى الله عنه الناس عند بناء الكوفة بالحجارة ألا يرفعوا بنيانا فوق القدر قالوا وما القدر؟ قال: ما لا يقربكم من السرف ولا يخرجكم عن القصد.
وتمتاز العمارة فى الإسلام بعدة أشياء، منها:
1- لا تتقيد بشكل ، فالشكل يتغير بتغير المكان والزمان حضاريا وبيئيا ، أما العقيدة فثابتة ولا يحدها زمان أو مكان.
2- توفر الخصوصية الشخصية أو الفردية فى الداخل ، وتتوافق مع قيم الجماعة من الخارج.
الأمر الذى يضعها فى نظرية عالمية كعالمية الإسلام.
أما ما يطلق عليه جوازا العمارة الإسلامية، فهى تنحصر فيما بنى من تراث فى منطقة محددة من الأرض أطلق عليها العالم الإسلامى، وفى فترة من الزمن أطلق عليها العصر الإسلامى، كما تنحصر فيما يبنى من مبان تحمل بعض العناصر المعمارية المميزة مثل القبة والقبو والعقد مضافة إليها الزخارف الهندسية أو النباتية، وهذا ما يتعارض مع عالمية الإسلام وانتشاره فى بيئات وحضارات مختلفة شرقا وغربا ، جنوبا أو شمالا لها خصائصها المعمارية.
وعمارة المسجد لها أصولها الفقهية والإنشائية التى تحرص على توفير الصفاء النفسى خلال أداء الصلاة، كما تحرص على الإقلال من الأعمدة التى تقطع الصفوف باستعمال نظم البناء المتقدمة.
وعمارة المسكن توفر الخصوصية للساكنين ولا تعلو إلى ما هو أكثر من أدوار قليلة تفاديا للخلل الاجتماعى والأمنى، وتبنى المساكن فى مجموعات للجوار يحددها الحديث النبوى الشريف (ألا إن أربعين دارا جار) (رواه الطبرانى) مما ينمى وحدة الجوار والتاخى والتراحم والتكافل بين السكان دون تمييز بين الطبقات ، قال تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}الحجرات:13.
وللفقراء نصيب من ثمار العمارة فيما يسمى بعمارة الفقراء، والإنفاق على عمارة الفقراء يعتبر من مصارف الزكاة كما جاء فى فتوى د/محمد سيد طنطاوى للجمعية المركزية لإيواء المحتاجين.
د.م/عبدالباقى إبراهيم
__________
مراجع الاستزادة:
1- أعلام المهندسين فى الإسلام أحمد تيمور مطابع دار الكتاب العربى سنة 1957م.
2- مساجد مصر وأولياؤها الصالحون د/سعاد ماهرالمجلس الأعلى الإسلامية.
3- العمارة الفاطمية أحمد فكرى دار المعارف.
4- المدخل للعمارة الإسلامية أحمد فكرى دار المعارف(1/227)
عمارة الأرض
لغة: عُمر المنزل بأهله كان مسكونا بهم ،فهو عامر، وعمَّر الأرض: بنى عليها وأهلها، واستعمره جعله يعمره ، والعمارة نقيض الخراب ، كما فى الوسيط (1).
واصطلاحا: نسبة إلى التعمير والعمران ، بمعنى استمرارية الوظيفة الإنسانية العامة للإنسان ، الذى حمل الأمانة عندما استخلفه الله سبحانه وتعالى فى الأرض كى يعمرها ويستخرج ما فيها بجهده وعمله ، لتنعم بخيراتها الأجيال اللاحقة إلى أن يرث الله الأرض وما عليها يقول الله فى كتابه العزيز {وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة}البقرة:30 ، ويقول سبحانه {هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها}هود:61 ، كما يقول {ثم جعلناكم خلائف فى الأرض من بعدهم}يونس:14.
ويتضح من هذه الآيات الكريمة كما ذهب الإمام ابن حزم الأندلسى أن حكم الإنسان وخلافته هما حكم من الله -جلت قدرته- الذى حكم وقضى بإستخلاف الإنسان فى إقامة العمران ، والنهوض بتكاليفه التى يعمر بها الكون ؛ لتتحقق المصلحة الاجتماعية على الوجه المقرر شرعا {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذى أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه}الشورى:13 ، وكان الدين بذلك سائدا للعمران ، وبين الاثنين تقوم علاقة أشبه ما تكون بالعلاقة الجدلية فى إطار الدين ترقى بالإنسان وبوضعه.
ويقدم الإسلام أروع صورة لعمارة الأرض فى ظل ثقافة التوحيد لله والاستخلاف للإنسان ، فى داخل إطار المشروعية العليا الإسلامية، ألا وهى العدل المستمد من التوحيد فلقد شاءت إرادة الخالق عندما خلق الكون وسخره للإنسان {وسخر لكم ما فى السموات وما فى الأرض جميعا}الجاثية:13 ، أن يحدد الطريق لإعمار الأرض ضمن إطار من الأحكام:
فهناك الأحكام المتعلقة بالضرورات وهذه ثابتة لا تتغير، والأحكام المتعلقة بالحاجيات كرفع المشقة، وبالتحسينات الملائمة للذوق ،وهذه شديدة المرونة على حسب الأحوال ،وأرسى بذلك قواعد النظام الاجتماعى فى المجتمع المسلم ، ليكون هديا لبنى الإنسان فى كل مكان وزمان.
وليس من شك فى أن عبادة الله هى الأصل والأساس إذ يقول سبحانه وتعالى {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}الذاريات:56. ولكن العبادة المقصودة بحكم النص القرآنى أن الإنسان العابد لابد أن يكون عاملا منتجا، باعتبار أن العمل الجاد هو السبيل لإسعاد الفرد والجماعة، وفى هذا يقول سبحانه {الذين إن مكناهم فى الأرض أقاموا الصلاة وأتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور}الحج:41.
كما يقول {وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد فى الأرض إن الله لا يحب المفسدين}القصص:77 ، ويقول {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا فى الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون}الجمعة:10.
وكما أن الدين دعوة للتراحم والمودة فإنه كذلك دين وسط يدعو للعمل والإنتاج ، ليعمر الكون ، ويعيش الإنسان فى خير وسعادة عندما يعمر نور الإيمان قلبه ، ويحصن نفسه ويهذب أخلاقه ، فيحيا فى عمله فالله سبحانه وتعالى يقول {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون}التوبة:105 ويقول {ياأيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا}المائدة:87 ، وليس أبلغ من هذا موازنة بين المادة والروح وبين الدين والدنيا ، فكما أن الالتزام العام بفروض الكفاية يؤدى إلى التضامن بين أبناء الأمة، كذلك فإن الإنسان بالعمل يكون قدوة للآخرين فقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده وأن نبى الله داود كان يأكل من عمل يده) رواه البخارى.
فليس فى الإسلام دعوة إلى الرهبنة أو نكران للمتع الحلال المباحة، وإنما هو دعوة صريحة للعمل الذى يتحقق به الإعمار الذى يعود بالخير على العالمين.
أ.د/محمود أبوزيد
__________
الهامش:
1- المعجم الوسيط ، مجمع اللغة العربية، دار المعارف ، ط3، مادة (عمر) 2 /650.
2- صحيح البخارى، محمد بن إسماعيل البخارى.
مراجع الاستزادة:
1- مقدمة ابن خلدون.
2- حوار فى المعمار الكونى، دار الثقافة، الدوحة، 1407هـ/1987م(1/228)
العهد
لغة: الوصية يقال: عهد إليه إذا أوصاه ،والعهد: الأمان والموثق والذمة، ومنه قيل للحربى يدخل بالأمان: ذو عهد ومعاهد، وكل ما بين العباد من المواثيق فهو عهد(1).
واصطلاحا: لا يخرج المعنى الاصطلاحى عن ذلك.
والوفاء بالعهد واجب شرعا، والأدلة على ذلك كثيرة.
فمن الكتاب ، قوله تعالى: {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الإيمان
بعد توكيدها}النحل:91 ، وقوله تعالى: {وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا}الإسراء:34 ، وقد وصف الله تعالى: الذين ينقضون العهد بالخسران ، فقال تعالى: {الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه يقطعون ما أمرالله به أن يوصل ويفسدون فى الأرض أولئك هم الخاسرون}البقرة:27، وأما السنة: فقد نفى النبى صلى الله عليه وسلم الدين عمن لا عهد له ، فقال عليه السلام: (لا دين لمن لا عهد له) أخرجه الإمام أحمد عن أنس بن مالك(2) أضف إلى ذلك التزام الرسول صلى الله عليه وسلم بسائر عهوده وعدم مخالفتها ،ومن ذلك وفاؤه بالوثيقة التى عقدها لليهود عندما هاجر إلى المدينة، والتزامه بما اتفق عليه مع المشركين فى صلح الحديبية.
وقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقض العهد بالنفاق ، ولا شك أن النفاق محرم ، فيكون ما أدى إليه ، وهو نقض العهد نفاقا محرما فقد روى عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان ، وإذا حدث كذب ، وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر) (3) فمن الأدلة السابقة يتضح أنه يجب على المؤمن الوفاء بالعهد، سواء كان هذا العهد بين المسلمين أنفسهم ، أو كان بين المسلمين وغيرهم ممن عقدوا لهم العهد والأمان.
ويجب على المسلم إتمام مدة العهد إلى معاهده ، فيمتنع بذلك عن ظلمه امتثالا لقوله تعالى: {فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم}التوبة:4 ، واتباعا لنهيه صلى الله عليه وسلم عن ظلم المعاهد بقوله: (من ظلم معاهدا أو انتقصه أوكلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة)(4).
فإذا خالف المسلم ذلك فإنه يكون ناقضا للعهد، وهو من الغدر، وقد شهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغادر، فيما رواه عنه عبد الله ابن عمر رضى الله عنهما حيث قال عليه السلام: (لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف به)0(5).
ومع ذلك إذا غدر المعاهد ونقض عهده فللمسلم أن ينبذ العهد، أى ينقض العهد جهرا لا سرا، ويعلم المعاهد بنقض العهد، ثم بعد ذلك يجوز للمسلم أن يخالف العهد وأن يوقع بالمعاهد.
والدليل على ذلك قوله تعالى: {وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين}الأنفال:58.
وما رواه عمر بن عبسة عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من كان بينه وبين قوم عهد فلا يحلن عقدا ولا يشدنه حتى يمضى أمده أو ينبذ إليهم على سواء)(6).
ومن صور غدر المعاهدين ونقضهم للعهد: قتالهم للمسلمين ، أو امتناعهم عن إعطاء الجزية، ومن إجراء حكم الإسلام عليهم ، أو من دل أهل الحرب على عورة المسلمين -تجسس عليهم- أو فتن مسلما فى دينه(7).
.... إلخ.
وقد اتفق الفقهاء على أن الحلف بعهد الله يعتبر يمينا، يترتب على الحلف به الآثار التى تترتب على كل يمين من وجوب البر بها، أو الكفارة الواجبة عند الحنث إلا أن الشافعية اشترطوا لاعتبار هذه الصيغة يمينا أن ينوى الحالف بها اليمين ، لاستحقاق الله للعهد الذى أخذه على بنى آدم(8).
ويعتبر من صور الوفاء بالعهد ، ما يعهد به الحاكم إلى من بعده ، كما عهد أبو بكر إلى عمر، وعهد عمر إلى أهل الشورى رضى الله عنهم(9).
أ.د/على مرعى
__________
الهامش:
1- المصباح المنير والقاموس المحيط مادة (عهد).
2- مسند الإمام أحمد، ط المطبعة الميمنية بمصر، 3 /135.
3- الحديث أخرجه البخارى صحيح البخارى مع شرحه فتح البارى، ط دار المعرفة بيروت ، 1 /89.
4- الحديث أخرجه أبو داود.
5- الحديث أخرجه البخارى ومسلم ، فتح البارى 5 /283 ، مسلم بشرح النووى 12 /403 باب تحريم الغدر ، ط دار السلام بالقاهرة.
6- الحديث أخرجه أبو داود والترمذى وقال: حديت حسن صحيح ، سنن أبى داود ط المكتبة التجارية بمصر 3 /83 ، سنن الترمذى ، ط مصطفى الحلبى، 3 /143 زاد المعاد لابن القيم ط دار الريان للتراث ، 3 /327.
7- شرح الجلال المحلى على المنهاج بهامش قليوبى وعميرة، ط دار إحياء الكتب العربية عيسى الحلبى ، 4 /236.
8- حاشية ابن عابدين للمارودى، ط دار الكتب العربية مصطفى الحلبى 3 /58 ، حاشية الدسوقى مع الشرح الكبير ، ط عيسى الحلبى 2 /127 ، نهاية المحتاج ط مصطفى الحلبى 8 /176 ، مطالب أولى النهى، ط المكتب الإسلامى بيروت 6 /374 ، المغنى لابن قدامه ، ط النور الإسلامية ، 8 /424،425.
9- الأحكام السلطانية للماوردى، ط مصطفى الحلبى ص10(1/229)
غار حراء
لغة: بيت منحوت فى الجبل ، فإذا اتسع كان كهفا كما فى اللسان(1).
اصطلاحا: هو البيت الذى كان النبى صلى الله عليه وسلم يثحنث فيه الليالى ذوات العدد من رمضان فى الجبل ، قبل هبوط الوحى عليه ، والذى نزلت فيه الآيات الأولى من القرآن، وكان يسمى حراء فى الجاهلية، ثم سمى جبل النورفى الإسلام.
والسبب فى تغير التسمية هو أن جبريل عليه السلام نزل فيه على محمد صلوات الله وسلامه عليه مخبرا إياه أن الله تعالى قد اختاره خاتما للمرسلين ونبيا للإنس والجن أجمعين ، فانبثاق هذا النور منه هو السبب الذى من أجله عدل الناس عن إطلاق لفظة حراء إلى لفظة نور.
يقول العلماء إن العرب فى الجاهلية كانوا يجلون رمضان ، ويأوون فيه إلى الكهوف والغيران ، لتقديس الله بعيدا عن الناس وما هم منغمسون فيه من شواغل النفس وهموم العيش ، ومن أجل هذا كان محمد صلى الله عليه وسلم إذا أقبل رمضان أعدت له زوجه خديجة رضى الله عنها الزاد والماء، وآوى إلى غار حراء، فأقام فيه ما شاء الله مفكرا فى ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شىء، باحثا عن الطريق الذى إذا سلكه خلص الناس من الشرك وهداهم إلى الحق.
وكانت إقامة الرسول صلى الله عليه وسلم فى هذا الغار تزداد من سنة إلى سنة، حتى إذا لم يبق على اصطفائه سوى ستة أشهر، أخذت تظهر
عليه علامات لم تكن تظهرعليه من قبل(2).
منها:
1- طول الإقامة فى الغار.
2- لم يكن يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح.
3- لم يكن يمرعلى صخرة ولا شجرة إلا صلت عليه(3).
حتى جاءه الروح الأمين وكان قد بلغ أشده ، وبلغ الأربعين من عمره ، وأنزل عليه الآيات الأولى من سورة العلق وهى قوله سبحانه: {اقرأ باسم ربك الذى خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذى علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم}العلق:1-5.
أ.د/عبدالعزيز غنيم عبدالقادر
__________
الهامش:
1- لسان العرب لابن منظور، مادة (غور) ط دار المعارف.
2- صحيح البخارى 1 /5 ط المجلس الأعلى للشئون الإسلامية 1414هـ-1994م.
3- الأكتفاء فى مغازى رسول الله صلى الله عليه وسلم 1 /263 لأبى الربيع الكلاعى ، تحقيق مصطفى عبد الواحد ط مكتبة الخانجى 1387هـ-1968م القاهرة(1/230)
الغرور
لغة: كل ما غر الإنسان من مال ، أو جاه أو شهوة أو إنسان أو شيطان.
واصطلاحا: هو سكون النفس إلى ما يوافق الهوى ويميل إليه الطبع (التعريفات للجرجانى) وتجىء مادة "الغرور" بصيغ مختلفة فى القرآن الكريم ، لتدل على معان أهمها الانخداع والتعالى المؤدى إلى البطر، ونكران نعم الله على الإنسان ، الأمر الذى يحاسب عليه بقوله: {ما غرك بربك الكريم}الانفطار:6 ، ولأن هذا الموقف مبنى على باطل ، كان النهى عن كل أنواع الغرور والاغترار بالدنيا أو بالدين (1).
أما فى السنة الشريفة فيتركز التنبيه على روافد الغرور، وهى الإعجاب بالنفس وهو ظن كاذب بالنفس فى استحقاق منزلة هى غيرمستحقة لها وكذلك الكبر الذى ينبنى على الإعجاب الخادع ، ويؤدى إلى الغرور والتعالى وغمط الحق وفي هذا يقول صلى الله عليه وسلم: (ثلاث مهلكات: شح مطاع ، وهوى متبع ، وإعجاب المرء بنفسه)(2) (لا يدخل الجنة من كان فى قلبة مثقال ذرة من كبر)(3).
وما ذلك إلا لأن الكبر والعظمة صفة الرحمن وحده.
وتبين السنة العلاج حين تدعو إلى التواضع ، وإلى أن يعرف الإنسان أصل خلقته ومصيره الذى سيئول إليه.
والربط بين مولدات الغرور وبينه ، موضع اهتمام علماء المسلمين الذين كتبوا فى الأخلاق والتربية فمسكويه يقرر أن الغرور جهل من الإنسان بعيوبه وجهل بحقيقة هامة هى أن الفضل مقسوم بين البشرلا يكمل الواحد منهم إلا بفضائل غيره (4).
والماوردى يذكرأن الغرور المبنى على الكبروالإعجاب يضر بصاحبه قبل
غيره لأن غروه يمنعه من أن يستفيد من علم غيره لغروره ، ولا يألفه أحد
لتكبره فهو معزول عن مجتمعه ممقوت فيه (5).
أما الأصفهانى فيظهر نقص المغرور لأنه يغتر بما ليس يملك من علم أوعمل أومال ونحو ذلك لأن هذا عطية من الله ، والعاقل يشكرولا يغتر، فكيف به إذا استطال أو صلف (اغتر)(6).
أما ابن حزم فيدعو الإنسان المغرور المعجب بما عنده أن يفكر ملئا فى حاله كيف هو وفى النعم التى عنده ، من أين أتت؟ وهل هى كاملة دائمة؟ إلى غير ذلك مما يعيد إليه توازنه ، والا فمصيبته إلى الأبد(7).
أما الحارث المحاسبى فقد فصل القول فى الكبروالإعجاب والغرور باعتبارها أمراضا نفسية لها خطرها على العقيدة والعبادة وممارسة الحياة، مبينا كيف يكون العلاج وسائله وضوابطه (8).
أ.د/أبواليزيد العجمى
__________
الهامش:
1- المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم حرف الغين 496 طبعة دار الفكر المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية القاهرة.
2- رواه النسائى فى سننه وصححه السيوطى، وأخرجه البزار والطبرانى فى الصغير.
3- صحيح مسلم حديث 91.
4- مسكويه تهذيب الأخلاق 166 مكتبة الحياة بيروت.
5- أدب الدنيا والدين 231.
6- الذريعة إلى مكارم الشريعة 299-301 طبيعة دار الوفاء 1987م.
7- الأخلاق والسير ومداواة النفوس 199 تحقيق د/الطاهر مكى دار المعارف 1981م.
8- الحارث المحاسبى الرعاية لحقوق الله 335-473 تحقيق عبد القادر عطا دار الكتب العلمية 1405هـ-1985م(1/231)
غريب القرآن
لغة: يقال غرب الكلام غرابة: غمض وخفى، فهو غريب والجمع غرباء، وهي غريبة، والجمع: غرائب ، والغريب: غير المعروف والمألوف كما فى الوسيط(1).
واصطلاحا: ما احتاج إلى البيان أو إلى مزيد منه من ألفاظ القرآن الكريم أو غيره.
وليس المقصود هنا الغرابة بالمعنى الذى عده علماء البلاغة عيبا مخلا بفصاحة الكلمة ذاهبا بفصاحة وبلاغة ما يشتمل عليه من كلام ، والذى عرفوه بكون الكلمة وحشية غير ظاهرة المعنى، بحيث لا ينتقل ذهن العربى الخالص العروبة إلى معناها بسهولة، أو كونها غير مأنوسة الاستعمال فى
المعنى المراد منها لدى خلص العرب ، بحيث يحتاج تخريج الأمر فيها إلى وجه بعيد(2).
لأن فصاحة الكلام فضلا عن بلاغته متوقفة لامحالة على فصاحة كل كلمة منه ،والقرآن الكريم قد انتهى من البلاغة إلى حد الإعجاز.
وفى ذلك يقول السعد التفتازانى -يرحمه الله-مدافعا عن اشتمال القرآن على كلمات غير فصيحة فيقول فمجرد اشتمال القرآن على كلام غير فصيح ، بل على كلمة غير فصيحة إنما يقود إلى نسبة الجهل أو العجز إلى الله ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا(3).
وترتيبا على ما سبق لا يصح بحال ما رواء المتساهلون من الأخبار المؤذنة بجهالة الجماهير من الصحابة لمعانى بعض ألفاظ القرآن ، لأنهم عرب خلص ، وما كانت لتفوت الحمية العربية ولا سيما لدى أهلها أعداء الدين والقرآن فى عصره مطعنا يوجهونه إلى القرآن فى مقتل.
نعم قد يجر العجل الذى خلق منه الإنسان إلى عدم تبصر فى سياق أو تدبر فى قرينة تستوجب الحمل على مجاز، فيقع خطأ الفهم من بعضهم حتى يستبين النبى صلى الله عليه وسلم فيبينه له ،كقصة عدى بن حاتم في الخيط الأبيض والأسود(4) وقصة عائشة في الحساب اليسير(5).
وقد يتعنت من سفه نفسه من كفرة العرب تلقاء لفظ من ألفاظ القرآن المجيد فينكر ما فى حقيقته من البيان والهدى، فما يلبث القرآن أن يفضح أمره ببيانه الحاسم أن حقيقة أمر اللفظ معلومة للكافة كقصتهم مع لفظ الرحمن ،(6) وقصتهم مع شجرة الزقوم(7).
وقد بدأت أولى خطوات شرح الغريب والحديث عنه مبكرة في العهد المكى لنزول القرآن متمثلة فى بيان القرآن ذاته تارة، وبيان النبى صلى الله عليه وسلم بسنته تارة أخرى، ونتبين من ذلك أن الغريب هنا يراد منه ما احتاج إلى البيان أو إلى مزيد من ألفاظ القرآن الكريم أومن سنة النبى صلى الله عليه وسلم.
ثم اتسعت خطوات الحديث عن الغريب وشرحه بعد عهد النبوة فى عصر الصحابة فمن بعدهم من التابعين وتابعيهم ، فكلما طال بالناس زمان احتاجوا إلى المزيد من البيان ، نظرا لكثرة الفتوحات ودخول الكثير من غير العرب فى الإسلام ، واختلاط العرب بهم ، حتى سرت اللكنة إلى اللسان العربى،
وذهب من العرب الخلص ، وجاء المولدون ، بحيث احتاج أكثر ما كان بينا بنفسه إلى البيان ، لحصول الجهل به ، لا نقول للعامة فقط بل سرى الكثيرمن ذلك إلى بعض الخاصة أيضا.
وهكذا دعت الضرورة إلى تصنيف كتب النحو والصرف والبلاغة ومعاجم اللغة الشارحة لمتنها ، والمصنفات الشارحة لفقهها، وكان من بين ذلك بطبيعة الحال ، ونظرا لفرط رعاية الأمة بقرآنها أن أفردته المصنفات العديدة فيما يختص بغريب القرآن.
ويضاف إلى هذه الضرورة أن بيان اللفظ القرآنى قد لا يتوقف على معرفة حقيقة اللغة فحسب ، بل قد يكون الحمل على الحقيقة اللغوية فيه من أفسد الفسادة أرايت لو حمل حامل لفظ مبصرة فى قوله تعالى {وآتينا ثمود الناقة مبصرة}الإسراء:59 ، علي حقيقته ولم ينظر إلى السياق والقرآئن المضطرة اضطرارا للصرف إلى المجازى كم يقع فى الفساد والباطل.
فمن ثم كانت الضرورة -من أكثر من وجه- إلى وضع المصنفات المفردة المختصة بهذا اللون من علوم القرآن ، فأفرده بالتصنيف خلائق لا يحصون كما قال السيوطى(8).
وأمثل ما بأيدى الناس منها اليوم كتاب "المفردات فى غريب القرآن" للحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصبهانى المتوفى سنة (50هـ/1108م) على ما اختاره الزركلى فى الأعلام.
يقول الراغب في مقدمته عن سبب تصنيفه لكتابه: "وذكرت أن أول ما يحتاج أن يشتغل به من علوم القرآن: العلوم اللفظية، ومن العلوم اللفظية تحقيق الألفاظ المفردة، فتحصيل معانى ألفاظ القرآن في كونه أوائل لمن يريد أن يدرك معانيه ، كتحصيل اللبن فى كونه أول فى بناء ما يريد أن يبنيه ، ليس ذلك نافعا فى علم القرآن فقط بل هو نافع فى كل علم من علوم الشرع ، فألفاظ القرآن هى لب كلام العرب وزبدته وواسطته وكرائمه ، وعليها اعتماد الفقهاء والحكماء فى أحكامهم وحكمهم ، وإليها مفزع حذاق الشعراء والبلغاء فى نظمهم ونثرهم ، وماعداهما وعدا الألفاظ المتفرعات عنها والمشتقات منها هو بالإضافة إليها كالقشور والنوى بالإضافة إلى أطايب الثمرة، وكالحثالة والتبن بالإضافة إلى لباب الحنطة.
ولمجمع اللغة العربية بمصرمصنف نفيس فى هذا الباب فى مجلدين تحت اسم "معجم ألفاظ القرآن الكريم" استرشد فى طريقة وضع الألفاظ فيه بالمعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم.
هذا بالإضافة إلى جميع كتب التفسير، فما من كتاب فى التفسير إلا ويعنى صاحبه بشرح الغريب مبسوطا كان المصنف أو متوسطا أو موجزا.
أ.د/إبراهيم عبد الرحمن خليفة
__________
الهامش:
1- المعجم الوسيط ، مجمع اللغة العربية، دارالمعارف ، ط3، 2 /671.
2- شرح مختصر السعد التفتازانى لتلخيص المفتاح للخطيب القزوينى وحاشية الدسوقى عليه بشرح التلخيص 1 /83-84.
3- المرجع السابق ص82.
4- صحيح البخارى، كتاب التفسير، تفسير سورة البقرة.
5- المصدر السابق ، تفسير سورة الإنشقاق.
6- تفسير ابن كثير طبعة عيسى الحلبى ص68، وتفسير روح المعانى للألوسى 15 /191 ، 19 /23.
7- تفسير ابن كثير 4 /10.
8- الإتقان فى علوم القرآن ، للسيوطى، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم 2 /3.
9- مقدمة المفردات للراغب (ح، د، هـ).
مراجع الاستزادة:
1- البرهان فى علوم القرآن للزركشى.
2- مباحث فى علوم القرآن ، مناع القطان.
3- علوم القرآن والتفسير د/عبد الله شحاته(1/232)
الغزنويون
اصطلاحا: يقصد بهم جماعة من الأتراك الذين سكنوا الجزء الجنوبى الشرقى من التركستان وهضاب أفغانستان وجبالها ، وهى الجهات التى سبق أن فتحها القائد الأموى قتيبة بن مسلم الباهلى سنة 90هـ/709م.
أخذ نفوذ أولئك الأتراك يعلو فى الدولة الإسلامية منذ استخدمهم الخليفة العباسى المعتصم 218هـ/833م فى حرسه الخاص ، حتى آل إليهم أخيرا حكم كثير من ولايات الخلافة العباسية.
ونبغ من أولئك الأتراك زعيم يسمى "ألبتكين" أقامه السامانيون الذين أقاموا لهم دولة مستقلة فى ظل الخلافة العباسية حاكما على خراسان ، ثم اختلف معهم ، فاتجه إلى غزنة فى أقصى بلاد الإسلام شرقا، وأنشأ لنفسه مع إخوانه الأتراك دولة هى المعروفة باسم الدولة الغزنوية وذلك فى سنة 351هـ/962م)وطال عمرها حتى سنة (582هـ/1186م) وامتد سلطانها حتى شمل كل أفغانستان وإقليم البنجابا، وهو حوض نهرالسند بالهند.
وتعد هذه الدولة من دول الفتوح فى الإسلام فاشتهر من حكامها "سبكتكين" (366/387هـ) ثم ابنه "محمود" 388-421هـ الذى استطاع أن يضيف بجهاده إلى دار الإسلام قدر ما أضاف عمربن الخطاب فى المساحة تقريبا إذ أنه فتح شمال الهند كله بما فى ذلك نهر الكنج إلى مصبه ، ووصل بالإسلام إلى سفوح الهملايا شمالا، وتسلق هضبة الدكن جنوبا.
وفى هذه المساحة كلها زالت الوثنية وحلت محلها عبادة الله وقامت المساجد.
وكان "محمود" وافيا لوحدة الإسلام ،فاعترف بالتبعية للخليفة العباسى القادر بالله 381-422هـ وتلقى منه التفويض وخلع السلطنة، ولقبه الخليفة بلقب الأمير كما عرف "بالغازى" وهو أول من حمل هذه التسمية.
وفى أيام الغازى محمود أصبحت غزنة من العواصم العظام فى دار الإسلام فازدانت بالمساجد السامقة والمبانى الدينية العظيمة.
كما ظهر فى بلاطه العديد من علماء المسلمين مثل أبو الريحان البيرونى الذى صحب الغازى محمود فى حملاته إلى بلاد الهند، وظهر أيضا أبو القاسم الفردوسى وهو الشاعر الإيرانى الكبير مؤلف الشاهنامة.
وقد تفككت هذه الدولة بسبب اتساعها الكبير وقامت فى لاهور شمال الهند دولة جديدة تعرف باسم "دولة الغوريين" وهم منسوبون إلى "الغور" من أقاليم جنوب أفغانستان ، وتمكن الغوريون من إخضاع منافسيهم فى شمال شرقى الهند ثم وسعوا حدود بلادهم ، وجعلوا عاصمتهم مدينة "دهلى" التى تسمى الآن "دلهى".
وتابع الغوريون مطاردة آخر سلاطين الغزنويين بالهند وهما السلطان خسرو وابنه بهرام شاه الثانى حتى قتلوهما، وبذلك انتهت سيرة الدولة الغزنوية التى عمرت قرنين من الزمان.
أ.د/إبراهيم أحمد العدوى
__________
مراجع الاستزادة:
1- الكامل فى التاريخ ، إبن الأثير، القاهرة 1302هـ.
2- تاريخ الحضارة الإسلامية، بارتولد ترجمة: حمزة طاهر القاهرة 1933م.
3- الهند وجيرانها ، وول ديورانت ، ترجمة زكى نجيب محمود القاهرة 1950م.
4- حضارة الهند ، غوستاف لوبون ، ترجمة عادل زعيتر القاهرة 1948م(1/233)
الغضب
لغة: غضب عليه غضبا سخط عليه وأراد الانتقام منه(1).
واصطلاحا: تغير يحصل عند غليان دم القلب ليحصل عنه التشفى للصدر(2).
وتختلف دلالة لفظ الغضب وما تصرف منه فى القرآن الكريم حسب جهته ومصدره ،فإذا كان من الله سبحانه كان بمعنى النقمة والعقاب ، وإذا كان من البشر فهو هيجان النفس لأمر يتصل بالشخص ذاته ، وهو ما يعالج بالعفو والحلم والمغفرة، ويمكن أن ينسى بمرور الوقت ، وقد يكون الغضب من أجل حرمة لله تنتهك ، فهو هيجان نفس لكنه محمود وينبغى أن يستمر.
وفى السنة الشريفة بيان وتفصيل لأمور تتصل بالغضب الذى هو هيجان النفس.
ففيها أن هذا الغضب نار فى القلب تفقد صاحبها أناته حين تشتعل ، وينبغى أن يعالجه صاحبه فورا (ألا وإن الغضب جمرة فى قلب ابن آدم ، أما رأيتم إلى حمره عينيه ، وانتفاخ أوداجه ، فمن أحس بشىء من ذلك فليلصق بالأرض)(3).
وفى السنة بيان أنه (ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذى يملك نفسه عند الغضب)(4)
وفى السنة ما يفيد خطرهذه الحالة النفسية حيث يوصى الرسول صلى الله عليه وسلم ويكرر على سائله الذى قال له: أوصنى، بقوله: لا تغضب وكلما ردد: أوصنى، قال النبى صلى الله عليه وسلم لا تغضب (5).
وفى السنة كذلك أن العلاج هو الحلم والرفق وتذكر الندم الذى يعقب الغضب (6).
وللغضب الذى هو انتصار للنفس ، وهيجان من أجلها أسباب كثيرة منها: العجب والافتخار، والزهو، والمراء ، والجدال ، والاستهزاء بالآخرين ، وفى جميعها تبدو شهوة الانتقام ، ومن لواحقه الندامة وتوقع العقاب عاجلا أو آجلا، وربما كان سببا لأمراض صعبة، فضلا عن أنه يمنع من التفكير، أو المنطق الصائب(7).
وعلاج الغضب باللجوء إلى تفكير فى الحلم ، ومراجعة للنفس فيما أغضبها، وتذكر عفوالله عنا حين نخطىء قال سلطان لحكيم: كيف لى ألا أغضب؟ قال: بأن تكون فى كل وقت ذاكرا أنه يجب أن تطيع لا أن تطاع فقط ، وأن تخدم لا أن تخدم فقط ، وأن تحتمل لا أن تحتمل فقط ، وأن تتحقق أن الله يراك دائما، فإذا فعلت ذلك لم تغضب وإن غضبت كان قليلا(8).
أ.د/أبواليزيد العجمى
__________
الهامش:
1- المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية القاهرة.
2- التعريفات للجرجانى.
3- رواه الترمذى.
4- رواه البخارى كتاب الآداب 76.
5- رواه البخارى.
6- رياض الصالحين 291-297 طبعة البحوث والإفتاء بالرياض.
7- تهذيب الأخلاق مسكويه 164 ، خلق المسلم محمد الغزالى 108-112.
8- الذريعة إلى مكارم الشريعة الراغب الأصفهانى 346 بتحقيقنا نشر دار الوفاء 1987م(1/234)
الغلو
لغة: مجاوزة حدالاعتدال ،وفى مقابل طرفه هذا طرف آخر هو التفريط أو
التسيب ، وكلا طرفى قصد الأمور ذميم.
واصطلاحا: نجد النصوص الشرعية تقرن بين "الغلو" و "التشدد" و "التنطع" وكأنها جميعا مجاوزة حد الاعتدال المطلوب من المسلم أن يلتزم به.
والغلو قديم قدم انحراف الفكر والسلوك حين يتجاوزان حد الاعتدال لسبب أو لآخر.
وفى القرآن الكريم نهى لأهل الكتاب عن الغلو لأنه انحراف عن الحق فى الدين ، وقد جاء هذا فى آيتين هما: {يا أهل الكتاب لا تغلوا فى دينكم ، ولا تقولوا على الله إلا الحق ، إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، فآمنوا بالله ورسله ،ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد، سبحانه أن يكون له ولد له ما فى السموات وما فى الأرض وكفى بالله وكيلا}النساء:171.
{قل يا أهل الكتاب لا تغلوا فى دينكم غيرالحق ، ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا، وضلوا عن سواء السبيل}المائدة:77.
وتدل الآيتان على أن الغلو والانحراف كان فى باب العقيدة، فيما يخص الذات الإلهية وصفاتها، وفيما يخص اعتقاد النصارى فى المسيح بما يخرجه عن حقيقته غلوا وتجاوزا(1).
لذا كانت الوسطية إحدى الخصائص العامة للإسلام ، وهى إحدى المعالم الأساسية التى ميز الله بها أمته صلى الله عليه وسلم عن غيرها {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا}البقرة:143.
فهى أمة العدل والاعتدال التى تشهد فى الدنيا والآخرة على كل انحراف يمينا أو شمالا عن خط الوسط المستقيم (2).
وفى السنة تحذير واضح من الغلو والتنطع والتشدد لمخالفتها وسطية الإسلام
واعتداله.
وفى الوقت ذاته تحفل السنة القولية والعملية بالأمر بالتيسير والرفق والتسامح.
وحسبنا أن نشير إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم ربط بين الغلو والهلاك وكذا التنطع والتشدد (إياكم والغلو فى الدين ، فإنما هلك من قبلكم بالغلوفى الدين)(3) (هلك المتنطعون)(4) (لا تشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم ، فإن قوما شددوا على أنفسهم فشدد عليهم ،فتلك بقاياهم فى الصوامع والديارات) (رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم)(5).
أما التيسير والأمر به فأشهر من أن لا يعلم ، فقد عاتب الرسول صلى الله عليه وسلم معاذا حين شكا أحد الناس أن معاذا يطيل فى الصلاة فقال والمسلمين جميعا (يسروا ولا تعسروا، بشروا ولا تنفروا).
وقد وقعت فى تاريخ المسلمين مظاهر غلو بعث عليها فهم معين ، أو مبالغة مرذولة، فكان موقف الأمة بيان خطأ أصحاب هذه المظاهر حتى ولو كانت اجتهادا بشكل أو بآخر.
ففى باب العبادات لم يقبل النبى صلى الله عليه وسلم موقف النفر الذى قال أحدهم: أنا أصوم ولا أفطر، وقال الآخر: وأنا أصلى ولا أنام ، وقال الثالث: أنا أعتزل النساء بل بين الرسول الكريم خطأهم وقال: (أما أنا فأصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتى فليس منى)(7).
وفى بابا الحكم على الآخرين حين كفر الخوارج مرتكب الكبيرة، ورتب بعضهم على هذا جواز قتله ، واعتبر بعضهم ديار مخالفيه ديار كفر، وقفت الأمة منهم علماء وحكاما موقف المحاور لهم ، ثم رفض هذه الآراء(8).
وفى باب الغلو فى المعتقدات، حين ألهت السبئية عليا رضى الله عنه ، وحين قالت بعض فرق الشيعة بتناسخ الأرواح ، والرجعة ونحو هذا، عدهم مؤرخو الفرق من الغلاة الذين حادوا عن العقيدة الحقة(9) وكذلك حين غالى بعض الصوفية فى فهم التوحيد وقالوا بوحدة الوجود، أو الاتحاد، أو الحلول أو وحدة الأديان ،هوجموا من الصوفية المعتدلين وقيل إنهم غلطوا فى كذا وكذا(10).
وفى باب الممارسات الحياتية، حين انعزل بعض الزهاد عن الحياة، وسكنوا الكهوف ووقعوا فى رهبانية لا يقبلها الإسلام ، نظر إليهم على أنهم سقام الفهم للزهد والتوكل مضطربو السلوك (11).
وأما خطر الغلو فيكمن فى ضرره بالدعوة ووجه الإسلام.
فهومن جهة ينفرعامة الناس حيث لا يطيقه الناس ، فينصرفون عن الارتباط
بالجماعة أو الاستمرار فى العبادة، وهو من جهة أخرى أصعب من أن يستمر صاحبه عليه ، فيفتر فيفقد مصداقيته أمام من عرفوه.
وهو من جهة ثالثة يضر بالتوازن المطلوب فى شخصية المسلم ، أعنى أنه يضيع بعض الحقوق ، ولعل هذا هو الذى جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعبدالله بن عمرو حين بلغه صوم النهار وقيام الليل باستمرار: (لا تفعل ،صم وأفطر وقم ونم ، فإن لجسدك عليك حقا وإن لعينك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا....الحديث)(12).
فإذا أضفنا إلى ما سبق تعصب صاحب الغلو لرأيه وجموده عليه ، وعدم اعترافه بالرأى الآخر، والتسرع فى الحكم على الآخرين فى عقائدهم.
أقول: إذا علمنا هذه المظاهر أدركنا خطر الغلو فى الدين بكل مناحيه ومجالاته ، وهو خطر يكتوى به صاحبه قبل الآخرين.
أما أسباب الغلو فكثيرة، وحسبنا أن نشير إلى أن هناك أسبابا تتصل بذات
الشخص وأسبابا تتصل بالجو العام.
وعلى رأس ما يتصل به قلة العلم ، وما يتفرع عنه من جهل بأدب الحوار، وضوابط الاختلاف وعدم التمكن من روافد الفهم الصحيح للإسلام ، وأخذ الإسلام من كتب معينة دون غيرها وتتصل به كذلك الظروف النفسية التى تكون عليها وتأثر بها جمودا، أو زعامة، أو حبا للشهرة ونحو هذا(13).
وهذا ما نبه إليه الشاطبى حين ذكرأن أسباب الابتداع وأخطرها أن يعتقد إنسان فى نفسه أو يعتقد فيه أنه من أهل العلم والاجتهاد فى الدين ، وهو لم يبلغ تلك الدرجة(14)
أما ما يتصل بالجو العام ، فانتشار الفساد، وغياب العدالة، والتضييق فى الحريات ، وعدم الاهتمام بالتربية الحوارية، فكل هذا يحدث رد فعل يتسم بالغلو.
ولاشك أن علاج هذه الظاهرة الخطرة لابد أن تقوم به كل أجهزة التربية والتثقيف من تعليم وإعلام وثقافة ومؤسسة دينية، وكلها على التوازى مع البيت والأسرة.
أ.د/أبواليزيد العجمى
__________
الهامش:
1- فى ظلال القرآن سيد قطب 5 /815،937 ط دار الشروق.
2- الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف ، د/يوسف القرضاوى، ص24 كتاب الأمة شوال 1402هـ.
3- رواه أحمد والنسائى وابن ماجه وقال محقق المسند: إسناده صحيح.
4- رواه مسلم فى صحيحه عن ابن مسعود.
5- ذكره ابن كثير فى تفسير سورة الحديد.
6- رواه البخارى.
7- متفق عليه ، وقد ذكرته بمعناه لا بلفظه.
8- تيارات الفكر الإسلامى ، د/محمد عمارة، ص25 ط دار الشروق 1411هـ-1991م.
9- السابق 356 مكتبة الثقافة العربية 1995م.
10- فى التصوف الإسلامى ، د/أبواليزيد العجمى، د/حسن الشافعى ص115 ، مكتبة الثقافة العربية 1995م.
11- الصحوة الإسلامية، د/يوسف القرضاوى، ص28.
12- رواه البخارى.
13- مشكلات فى طريق الحياة الإسلامية، محمد الغزالى ص114 كتاب الأمة جمادى الأخرة 1402هـ.
14- الاعتصام الشاطبى 2/ 173(1/235)
الغنائم
لغة: جمع غنيمة، وهى من الغنم ، وهو الفوز بالشىء كما فى الوسيط(1).
واصطلاحا: المأخوذة من أهل الحرب على سبيل القهر والغلبة والانتصار، بقتال وركوب خيل ونحوها(2).
وقد شرعها الله تعالى لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، واختصها بها، قال تعالى {واعلموا أنما غنمتم من شىء فأن لله خمسه وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل}الأنفال:41 ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلى...... وأحلت لى الغنائم ولم تحل لأحد قبلى) رواه البخارى ومسلم (2).
وقد ظهر من هذه الآية الكريمة، ومن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الغنائم تقسم على خمسة أسهم:
1- سهم منها يقسم على خمسة مصارف هى:
(أ) رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(ب) أقاربه صلى الله عليه وسلم من بنى هاشم وبنى المطلب.
(ج) اليتامى.
(د) المساكين.
(هـ) ابن السبيل.
فلكل جهة من هؤلاء الخمسة خمس خمس الغنيمة.
2- سهم للمشاة من المقاتلين يقسم بينهم.
3- سهم للفرسان يقسم بينهم.
4 ، 5 - سهمان للخيول الصحيحة التى يقاتلون عليها.
وقد يعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد المقاتلين شيئا من الغنيمة قبل التقسيم يسمى نفلا ، لأنه زيادة على ما يستحقه من التقسيم ، لتفوقه فى بعض الأعمال ، وتسمى الغنيمة كلها نفلا وأنفالا ، لأنها منحة من الله تعالى لهذه الأمة، قال تعالى {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول......}الأنفال:1 ، وقد روى أنها فى أول الإسلام كانت للنبى صلى الله عليه وسلم وحده يصنع فيها ما يشاء، ثم نسخ ذلك بآية التقسيم على المقاتلين (3).
وهناك أيضا الرضخ من الغنيمة، وهوعطاء يعطيه الإمام ونائبه لمن حضر القتال ولم يستوف الشروط التى يستحق بها المقاسمة فى الغنيمة كالنساء والصبيان ونحوهم.
وهناك أيضا السلب ، وهو ما يكون على العدو المقتول من ملابس وآلات
حربا وما يركبه من فرس ، فإن ذلك يكون لقاتله فوق نصيبه من الغنيمة ، لحديث (من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه) رواه البخارى (4).
ويدخل فى الغنيمة كل ما حصل عليه المسلمون من الكفار، نتيجة قهرهم والانتصار عليهم من أموال منقولة أو أسلحة أو أراض أو فداء للأسرى أو سابقة للمسلمين (5).
والتقسيم على المقاتلين بالنسب السابقة فيكون للأموال المنقولة والأسلحة والفداء، أما ما استرده المسلمون من أموالهم ، فترد إلى أصحابها، ولا تدخل فى التقسيم إذا عرفها أصحابها، فإن لم يعرفوها قسمت ، وأما الأراضى ففيها خلاف فقيل: بالتقسيم ، وقيل: بعدمه ، وقيل: الإمام مخير فى الأراضى بين التقسيم ، أو يتركها لأهلها بالخراج.
ويجب على أمير الجيش حفظ الغنائم ،وتكليف من يقوم بحفظها حتى يقسمها بين أصحابها، وجمهور الفقهاء على أن التقسيم يكون فى محل الغزوة بعد الانتصار وانتهاء الحرب ، ليدخل السرور على المقاتلين ، إلا إذا كان الموقع غير آمن ، فينتقل بهم إلى موقع آخر يكون آمنا، ثم يقسمها عليهم (6)، وفى التعجيل بالتقسيم حكمة أخرى، وهى وقاية الغنيمة من السرقة والفلول.
ويشترط فيمن يستحق الغنيمة شروط وهى:
أن يكون مسلما ، بالغا ، عاقلا ، ذكرا ، حرا ،صحيحا، وأن يشهد المعركة ولو لم يقاتل فإن اختل شرط أو أكثر من هذه الشروط بأن حضر المعركة صبى أو ذمى.. رضخ له الإمام أى أعطاه نصيبا من المال العام
قبل التقسيم ، ولا يبلغ هذا الرضخ قدر سهم من السهام الخمسة التى تقسم عليها الغنيمة.
ويخرج من الغنائم قبل التقسيم: الأسلاب ،وأموال المسلمين المعروفة التى استردوها والأراضى على خلاف ، وأجرة حفظ الغنيمة،والأرضاخ والأنفال (7) ثم تقسم على مستحقيها كما سبق ويقسم خمس الرسول صلى الله عليه وسلم بعد موته على الأربعة الباقين ، أو يعتبر فيئا يعطى منه الغنى والفقيرعلى خلاف بين الفقهاء(8).
أ.د/محمد نبيل غنايم
__________
الهامش:
1- المعجم الوسيط ، مجمع اللغة العربية، الطبعة الثالثة، القاهرة 2 /664.
2- صحيح البخارى ، محمد بن إسماعيل البخارى، طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، 5 /213.
3- فتح القدير، الكمال بن الهمام ، دار الفكر، ط2، بيروت ، ط1 ، 2 /309.
4- صحيح البخارى، 5 /227.
5- الأم ، للشافعى ، دار الفكر، بيروت ، 1990 م ،8 /249.
6- المصدر السابق 4 /147 ، وقيل لا تقسم إلا فى دار المسلمين.
7- وقيل من الأربعة أخماس المغنى، لابن قدامة، مكتبة القاهرة ط1 ،1969 م ، القاهرة 9 /231.
8- بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ابن رشد، دار ابن حزم ، 1995 ، بيروت ، 2 /754.
مراجع الاستزادة:
1- الموسوعة الفقهية، الكويت ، مطبعة دار الصفوة، سنة 1974 ، القاهرة(1/236)
الغيبة
لغة: الغيبة أن يذكر الإنسان غيره بما فيه من عيب من غير أن يحوج إلى ذكره ، ولا يبعد المعنى الاصطلاحى عن المعنى اللغوى لمفهوم الغيبة.
وهذا ما وضحه الرسول صلى الله عليه وسلم فى قوله: (أتدرون ما الغيبة ، قالوا الله ورسوله أعلم قال: ذكرك أخاك بما يكره ،قيل أفرأيت إن كان فى أخى ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته)(1).
ومن هنا قيل: واعلم أن من الصدق ما يقوم مقام الكذب فى القبح والمعرة، ويزيد عليه فى الأذى والمضرة، وهى: الغيبة، والنميمة والسعاية(2).
وقد نهى القرآن عن الغيبة، مصورا ممارستها بما ينفر منها، ويظهر خطر الوقوع فيها فقال: {ولا يغتبا بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه
ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم}الحجرات:12.
يعنى إذ كنتم تعافون أكل لحم الميت طبعا، فعافوا الغيبة شرعا لأنها أشد وأخطر.
وقد وضحت السنة القولية والعملية خطر الغيبة والنميمة فى سياق بيان خطر الكلمة التى يتفوه بها الإنسان لا يلقى لها بالا فتجره إلى قاع جهنم ، وفى سياق أن ريح الغيبة حين يوجد فى الأمة كريح الجيفة النتنة.
ومن أجل أن يتوقى الإنسان إثم هذه الرذيلة نهت السنة عن حضور مجالس يغتاب فيها المسلم (3)، بل لابد من رد غيبة المسلم وإلا فترك هذه المجالس هو اللائق بالمسلم ،فهما لقوله تعالى: {وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ، سلام عليكم لا نبتغى الجاهلين}القصص:55.
والغيبة محرمة بالإجماع ، ولا يستثنى من ذلك إلا ما رجحت مصلحته كما فى الجرح والتعديل والنصيحة.
كقوله صلى الله عليه وسلم لما استأذن عليه الرجل الفاجر (ائذنوا له بئس أخو العشيرة)(4).
فالغيبة رذيلة تخالف ما تقرر فى الإسلام من حرمة الإنسان الذى هو أعظم حرمة عند الله من الكعبة، وحرمة دم المسلم وعرضه وماله ، كما جاء فى خطبة الوداع وفى أحاديث كثيرة تبين حق المسلم على المسلم ، وضرورة
سلامته من لسانه ويده (5).
ثم هى من جهة أخرى تظهر نقصا نفسيا عند مقترفها، فقد قيل: ما وجد عائب إلا كان معيبا، وهى تقطع العلاقات الطيبة، وتفتح باب التعقب والبحث عن العيوب فقد قيل: إن من اغتاب اغتيب ومن عاب عيب ،فبحثه عن عيوب الناس يحمل الناس على البحث عن عيوبه (6)
وقيل "لا تعن الناس على عيبك بسوء غيبك".
وقيل "الغيبة رعى اللئام"
فإذا وضح ما أشرنا إليه ، كان على المسلم أن ينأى بنفسه من هذا الداء، وأن يتقى الله ويتوب إذا كان قد قارفه والله تواب رحيم.
أ.د/أبواليزيد العجمى
__________
الهامش:
1- مسلم حديث 2589.
2- أدب الدنيا والدين الماوردى 257 تحقيق مصطفى السقا دار الكتب العلمية بيروت.
3- رياض الصالحين 573 طبعة البحوث والإفتاء بالرياض ، الغزالى خلق المسلم 77.
4- تفسير سورة الحجرات ابن كثير.
5- رياض الصالحين 575-579.
6- الذريعة إلى مكارم الشريعة الراغب الأصفهانى، تحقيق د/أبو اليزيد العجمى 282 طبعة دار الوفاء 1987م.
7- أدب الدنيا والدين الماوردى(1/237)
الغيرة
لغة: الغيرة المصدر من قولك غار الرجل على أهله.
قال ابن سيده: وغار الرجل على امرأته ، والمرأة على بعلها تغار غيرة وغيرا ، وغارا وغيارا(1) بفصل ابن منظور القول فى الصيغ والاشتقاقات ، ويحكى من النثر والشعر ما يؤدى المعنى يقول وهى الحمية والأنفة.... والعرب تقول: أغير من الحمى، أى أنها تلازم المحموم ملازمة الغيور لبعلها(2).
واصطلاحا: الغيرة ثوران الغضب حمية على أكرم الحرم ، وأكثر ما تراعى النساء.
وفى أدبيات الفضائل العربية والإسلامية تذكر الغيرة على أنها خلق فطرى كثر فى العرب ، وربط بينه وبين الجوار، واتسع نطاقه ليشمل كل حرمة يأنف المسلم أن تمس.
وجعل الله سبحانه هذه القوة فى الإنسان سببا لصيانة الماء وحفظا للإنسان ، ولذلك قيل: كل أمة وضعت الغيرة فى رجالها وضعت العفة فى نسائها.
وقد يستعمل ذلك فى صيانة كل ما يلزم الإنسان صيانته فى السياسات الثلاث التى هى سياسة الرجل نفسه ، سياسة منزله وأهله ، وسياسته مدينته وضيعته ، ولذلك قيل: ليست الغيرة ذب الرجل عن امرأته ولكن ذبه عن كل مختص به...فقد كثرت فى العرب خاصة إن من دخل دار أحدهم والتجأ إلى فنائه ولو كان عدوا فله حرمة وجوار وذمار(3).
لم يرد فى القرآن لفظ الغيرة وإنما جاء فى القرآن لفظ "الحمية" وفى سياق يدل على أنه غيرة يبغضها الله سبحانه ، لأنها غضب من أجل باطل ، ونعرة كاذبة، لذا وصفت بأنها "حمية الجاهلية" {إذ جعل الذين كفروا فى قلوبهم الحمية حمية الجاهليه}الفتح:26(4).
ذلك أن قريشا فى صلح الحديبية رفضت أن يكتب بسم الله الرحمن الرحيم ، وأن يكتب محمد رسول الله قال النبى صلى الله عليه وسلم لعلى ابن أبى طالب: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم قال سهيل بن عمرو: لا ندرى بسم الله الرحمن الرحيم اكتب: بسمك اللهم وحين قال الرسول صلى الله عليه وسلم لعلى اكتب: (محمد رسول الله ، قال سهيل: لو نعلم أنك رسول الله لاتبعناك وقال اكتب اسمك واسم أبيك ،فقال النبى صلى الله عليه وسلم اكتب: من محمد بن عبد الله)(5).
أما السنة الصحيحة فقد ورد فيها لفظ "الغيرة" بصيغ مختلفة، وفى سياقات
متعددة، نشير إليها فيما يلى:
1- غيرة فطرية: غيرة الرجال على النساء، إذ يقول سعد بن عبادة: لو رأيت رجلا مع امرأتى لضربته بالسيف غير مصفح ، فيقول النبى صلى الله عليه وسلم: (أتعجبون من غيرة سعد؟ لأنا أغيرمنه والله أغير منى)(6).
ومثله الحديث عن على رضى الله عنه: (ألا تستحيون أو تغارون فإنه بلغنى أن نساءكم يخرجن فى الأسواق يزاحمن العلوج)(7).
غيرة النساء على الرجال ،وقد غارت عائشة رضى الله عنها على النبى صلى الله عليه وسلم حين سألها النبى: (أغرت يا عائشة؟ قالت: ومالى ألا يغارمثلى على مثلك؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم أفأخذك شيطانك؟) الحديث (8).
غيرة المرأة على المرأة ضرتها، وقد غارت عائشة رضى الله عنها من ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم لخديجة بعد وفاتها(9).
وهذه كلها غيرة فطرية ومحمودة شريطة ألا تخرج عن حد الاعتدال كى لا تكون عدوانا على حقوق الآخرين.
2- غيرة دينية وأخلاقية تكتسب بالتربية وقد ربطت السنة بين غيرة المؤمن وغيرة الله تعالى (إن الله يغار وإن المؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتى المؤمن ما حرم عليه)(10).
والتربية تعنى بها أن المؤمن يغار إذا انتهكت حرمات الله ، وهذا لا يكون إلا إذا ربى على هذا، وعلم مقاصد الشريعة (الحفاظ على العقل ، النسل ، المال ، الدين ، العرض)وقد ذكرت السنة أن جزاء غيرة المؤمن فى الآخرة عظيم حيث جاءت بأنه قصر فى الجنة(11).
3- الغيرة منها ما يحمد ومنها ما يذم ولأن الغيرة حمية وغضب ، فكان من اللائق بالمسلم أن يعلم الدوافع و الغايات فإذا كانته الدوافع رعاية حق الله ، والأهداف إزالة الريب ،وتحقيق مقاصد الشرع كانت هى الغيرة التى يحبها الله ، وإذا كانت غير ذلك كانت الغيرة التى يبغضها الله سبحانه "إن من الغيرة ما يحبه الله ، ومنها ما يبغض الله... فأما الغيرة التى يحب الله فالغيرة فى ريبة، وأما الغيرة التى يبغض الله فالغيرة فى غير ريبة"(12).
بقى أن نشير إلى حقيقتين مهمتين:
الأولى أن التاريخ يحفظ للعرب والمسلمين مواقف كانت الغيرة فيها دفاعا عن الحق ، أو حرصا على الكرامة، فغيرة عمرو بن كلثوم حين صاحت أمه واعمراه كانت فى موضعها ،وغيرة الصحابة الكرام من أجل دين الله غيرة المعتصم حين استنجدت به المرأة المسلمة قائلة: وا معتصماه ، وغيرة صلاح الدين من أجل تحرير القدس ، وغيرة جنودنا من أجل تحرير سيناء، هذه كلها نماذج لها ولنظائرها فى التاريخ موقع معلم.
الثانية أن التربية على القيم الدينية والوطنية الحقة أساس صحيح لتكوين الغيرة المحمودة التى تصون المقدس من دين أو عرض أو مال أو وطن ، والتى تقف عند حدود الشرع تضبط به البواعث وتحدد به الأهداف ، وترشد السلوك كى لا تكون الغيرة نعرة أو حمية جاهلية.
أ.د/أبواليزيد العجمى
__________
الهامش:
1- ابن منظور لسان العرب المجلد الخاص 41،42 طبعة دار صادر بيروت.
2- الذريعة إلى مكارم الشريعة الراغب الأصفهانى 347، تحقيق أبواليزيد العجمى الطبعة الثانية دار الوفاء مصر 1407هـ/1987م.
4- أخرجه أحمد رواه مسلم فى صحيحه.
5- البخارى كتاب النكاح باب الغيرة 107.
6- مسندأحمد 1 /133 المكتب الإسلامى.
7- المسند 6 /115.
8- صحيح مسلم فضائل الصحابة 2425.
9- صحيح مسلم 2761.
10- مسلم 2395.
11- مسند أحمد 5 /445،446(1/238)
فتح مكة
جاء فتح مكة تحقيقا للبشارة التى جاءت فى قوله سبحانه وتعالى فى سورة الفتح: {إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ماتقدم من ذنبك وماتأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما وينصرك الله نصرا عزيزا}آية:1-3.
ونزلت هذه السورة الكريمة وهو فى طريق عودته صلى الله عليه وسلم من الحديبية بعد أن عقد مع قريش صلح الحديبية فى العام السادس من
الهجرة فبراير 628م وتبعا لهذا الصلح التحقت خزاعة بالمسلمين ، والتحق بنو بكر بقريش ، وحدث صراع بين خزاعة وبنى بكر ساعدت قريش بنى بكر وطلبت خزاعة من الرسول صلى الله عليه وسلم المساعدة بناء على ما جاء فى اتفاق الصلح.
كان الحال فى مكة انذاك مختلفا عن ذى قبل فقد اتسع نفوذ المسلمين شمالا وجنوبا وأحاط بمكة مما هدد تجارة قريش ، وأهل مكة أنفسهم أحسوا بالخجل لأن أكثر العرب دخلوا الإسلام ولكن أهله بمكة بقوا على الشرك ، ونشأ جيل جديد فى مكة سمع بالإسلام منذ نعومة أظفاره فلم تتعمق عبادة الأصنام فى نفسه.
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم شديد الحرص على دخول مكة دون قتال كما أن أهل المدينة معظمهم هاجروا إليها من مكة، لو حدث قتال سيكون فيه قطع لصلة الأرحام ، ولذلك أعد الرسول صلى الله عليه وسلم عدته لفتح مكة دون قتال ،فخرج من المدينة سرا بجيش كبير،ولم تحس قريش بهذه الحركة إلا بعد وصول المسلمين إلى مشارف مكة، وكان ذلك فى العاشر من رمضان سنة 8هـ.
وحينئذ خرج أبو سفيان زعيم مكة ليحاول النجاة لأهله فالتقى بالمسلمين فى المكان الذى عسكروا فيه ، ورفض الرسول صلى الله عليه وسلم مقابلته أول يوم ليفت فى عضده ، وفى صباح اليوم التالى قابله ، وفى هذا اللقاء آمن أبو سفيان بالله ورسوله وعاد إلى مكة، بعد أن شاهد عظمة قوات المسلمين ، يحمل لأهلها اليأس من المقاومة والأمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يطمئنهم على حياتهم وجاء تأكيد الرسول صلى الله عليه وسلم على أن يبعد كل نزعة إلى الحرب ، ويبعد كل متطرف ولو كان من المقربين ، فلقد سمع سعد بن عبادة، حامل راية الأنصار يقول: "اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة ،اليوم أذل الله قريشا" ولما علم الرسول الكريم بهذا قال: (اليوم يوم المرحمة، اليوم أعزالله قريشا).
وجاء تعبير"يوم المرحمة" عن فتح مكة قمة آداب الجهاد فى الإسلام ، وتطبيقا عمليا منه عليه السلام بأن الجهاد فى الإسلام يختلف عن كل صور القتال والحرب اختلافا ظاهرا جليا منذ البداية وحتى النهاية.
ثم توج عليه أفضل الصلاة والسلام هذا بالعفو الشامل ، الذى مازال التاريخ يردده ،ليس فى العالم الإسلامى فحسب ، بل وتردده كل الدنيا على مر العصور، حين قال: {يا معشر قريش ماترون أنى فاعل بكم؟ قالوا: خيرا أخ كريم وابن أخ كريم ، فقال رسول الله: اذهبوا فأنتم الطلقاء}.
أ.د/إبراهيم أحمد العدوى
__________
مراجع الاستزادة:
1- السيرة النبوية لابن هشام تحقيق مصطفى السقا إبراهيم الإبيارىعبد الحفيظ شلبى ج4.
2- الواقدى، كتاب المغازى تحقيق مارسون جونس مطبعة أكسفورد ج2.
3- الطبرى، تاريخ الرسل والملوك تحقيق أبو الفضل إبراهيم.
4- تاريخ الإسلام السياسى والدينى والثقافى حسن إبراهيم حسن ط9 /1979 النهضة العربى ج1.
5- موسوعة التاريخ الإسلامى أحمد شلبى، ج1(1/239)
الفتوى
لغة: الفتوى هى الجواب عما يُشكل من المساك الشرعية أو القانونية، والجمع: فتاوٍ وفتاوى ويقال أفتى فى المسألة: أبان الحكم فيها، فالإفتاء هو إبانة الأحكام فى المسائل الشرعية أو القانونية أو غيرها مما يتعلق بسؤال السائل ، والمفتى: هو من يتصدر للإفتاء والفتوى بين الناس ، وهو فقيه تعينه الدولة ليجيب عما يُشكل من المسائل الشرعية والجمع مفتون ، ودار الفتوى: هى مكان المفتى، والفتيا هى الفتوى فى المسألة المشكلة(1).
شرعا: لايختلف المعنى الشرعى للفتوى والإفتاء عن هذه المعانى اللغوية، فالفتوى: هى بيان الحكم الشرعى فى مسألة من المسائل مؤيدا بالدليل من القرآن الكريم أو السنة النبوية أو الاجتهاد.
وهى ضرورية للناس لأنهم لايمكن أن يكونوا جميعا علماء بالأحكام ، ولو انقطعوا لتحصيل ذلك حتى يبلغوا مرتبة الاجتهاد، لتعطل العمل وتوقفت الحياة فكان من رحمة الله تعالى بالأمة أن جعل منها علماء ومقالدين وأوجب على العامة من المقلدين أن يستفتوا العلماء فيما يجهلونه فقال: {فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}الأنبياء:7.
وأوجب على العلماء أن يفتوهم ويجيبوهم ويبينوا لهم الأحكام فقال صلى الله عليه وسلم: (من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار) (أخرجة أبو داود والترمذى وابن ماجه)(2).
ويجب على العامى أن يتوجه بالسؤال إلى من يثق بعلمه وعدالته فإذا جهل حاله كفاه أن يراه مشهورا بين الناس بذلك ، ومع هذا الا تبرأ ذمته بالعمل بفتواه إلا إذا أطمأن قلبه إليها ، فإذا كان يعلم أن الأمر فى الواقع على خلاف الفتوى لم يبرأ من الإثم ، وإن كان المفتى أعلم العلماء.
وعن مكانة المفتى ومسئوليته يقول الشاطبى، رحمه الله (ت 790هـ): "المفتى قائم فى الأمة مقام النبى صلى الله عليه وسلم والدليل على ذلك أمور:
أحدها: النقل الشرعى فى الحديث: (إن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء
لم يورثوا دينارا ولادرهما وإنما ورثوا العلم) (أخرجه أبو داود والترمذى وابن ماجه)(3).
الثانى: أنه نائب عنه فى تبليغ الأحكام ، بقوله صلى الله عليه وسلم: (ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب)(4) وقوله: (بلغوا عنى ولو آية)(5).
الثالث: أن المفتى شارع من وجه ، لأن ما يبلغه من الشريعة إما منقول من صاحبها وإما مستنبط من المنقول: فالأول: يكون فيه مبلغا، والثانى: يكون فيه قائما مقامه فى إنشاء الأحكام ، وإنشاء الأحكام إنما هو للشارع.
وعلى الجملة، فالمفتى مخبر عن الله كالنبى وموقع للشريعة على أفعال المكلفين بحسب نظره كالنبى، ونافذ أمره فى الأمة بمنشور الخلافة كالنبى، ولذلك سموا أولى الأمر، وقرنت طاعتهم بطاعة الله ورسوله فى قوله تعالى {ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم}النساء:59 ، والأدلة على هذا المعنى كثيرة(6).
وتحصل الفتوى من المفتى من جهة القول كأن يسأل فيجيب ، ومن جهة الفعل كأن يفعل ويقتدى به ، ومن جهة الإقرار كأن يرى عملا من شخص فيقره عليه ، ولاتصح الفتيا إذا خالفت مقتضى العلم سواء كانت قولا أم فعلا
أم تقريرا.
والمفقى البالغ ذروة الدرجة هو الذى يحمل الناس على المعهود الوسط فيما يليق بالجمهور فلا يذهب بهم مذهب الشدة ولا يميل بهم إلى طرف الانحلال(7).
صفات المفتى:
ينبغى أن يتصف المفتى بخمس صفات نقلها ابن القيم عن الإمام أحمد فقال: "لا ينبغى للرجل أن ينصب نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال: أولها أن تكون له نية فإن لم تكن له نية لم يكن عليه نور ولا على كلامه نور، والثانية: أن يكون له علم وحلم ووقار وسكينة، الثالثة: أن يكون قويا على ماهو فيه وعلى معرفته ، الرابعة: الكفايه وإلا مضغه الناس ، الخامسة: معرفة الناس"(8).
فإن هذه الخمسة هى دعائم الفتوى وأى شىء انقضى منها ظهر الخلل فى المفتى بحسبه.
واجبات المفتى:
يجب على المفتى أمور منها ما أشار إليه ابن القيم فى كتابه "إعلام الموقعين" قال: "ليس للمفتى الفتوى فى حال غضب شديد،أو جوع مفرط ، أو هم مقلق ، أو خوف مزعج ،أو نعاس غالب ، أو شغل مسئول عليه ، أو حال
مدافعة الأخبثين ، بل متى أحس من نفسه شيئا من ذلك يخرجه عن حال اعتداله ،وكمال تثبته وتبينه أمسك عن الفتوى(9).
ومنها أن يتحرى الحكم بما يرضى ربه ،ويجعل نصب عينيه قوله سبحانه: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن
بعض ما أنزل الله إليك}المائدة:49.
فلا يصح له أن يعتمد فى فتواه على مجرد وجود الحكم بين أقوال الفقهاء، بل يجب عليه أن يتحرى ماهو أرجح منها تبعا لقوة الدليل(10).
ويجوز لمن لم يبلغ درجة الاجتهاد أن يفتى بما حفظه من مذاهب الفقهاء المعروفين إذا فهم أصولهم وأحسن التصرف فى تطبيقها، وتتفق الفتوى مع القضاء فى أنه لابد لكل من القاضى والمفتى من أمرين أولهما: فقه الحادثه التى يريد الإفتاء أوالقضاء بها.
ثانيهما: فقه الحكم الشرعى لهذه الحادثة.
ويفترقان فى أمور:
1- أن الإفتاء أوسع مجالا من القضاء، فيصح الإفتاء من الحر والعبد والرجل والمرأة والبعيد والقريب والأجنبى والصديق ، بخلاف القضاء ففيه خلاف فى:
2- أن القضاء ملزم للخصوم ، ونافذ فيهم بخلاف الإفتاء.
3- أن القضاء بما يخالف فتوى المفتى نافذ ولا يعد نقضا لقضاء سابق بخلاف القضاء بما يخالف قضاء سابقا فلا ينفذ.
4- المفتى لا يقضى إلا إذا ولى القضاء، ولكن القاضى يفتى بل ويجب عليه الإفتاء إذا تعين له.
أ.د/محمد نبيل غنايم
__________
الهامش:
1- المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية (2 /673).
2- سنن أبى داود حديث 3658، سنن الترمذى حديث 3651، سنن ابن ماجه حديث 261.
3- سنن الترمذى ح 2683، سنن ابى داود ح 3641، سنن ابن ماجه ح 223.
4- جزء من خطبة الوداع ، متفق عليه.
5- رواه البخارى: 6 /361.
6- الموافقات للشاطبى 4 /162-163.
7- السابق 4 /163-174.
8- إعلام الموقعين لابن القيم 4 /199.
9- السابق 4 /227.
10- انظر أصول التشريع الإسلامى على حسب الله ص112(1/240)
الفداء
لغة: فَدَيتهُ فدىّ وفداء وافتديته ، وهذا يدل على البذل من النفس والمال لتخليص الآخرين ، وقال الشاعر:
فلو كان ميت يفتدى، لفديته * بمالم تكن عنه النفوس تطيب (1).
وإنه لحسن الفدية. والمفاداة: أن يرد أسر اليد ويسترجع منهم من فى أيديهم ، كأن يدفع رجلا ويأخذ رجلا.
والفداء: أن يشتريه ، يقال: فديته بمالى فداء، وفديته بنفسى. قال تعالى: {وإن يآتوكم أسارى تفادوهم}البقرة:85.
وافتدى: قدم الفدية عن نفسه. يقول الله تعالى فى شأن الذين ظلموا أنفسهم بالشرك وخصاله ، وظلموا غيرهم بالعدوان عليهم: {ولو أن للذين ظلموا ما فى الأرض جميعا ومثله معه لا فتدوا به}الزمر:47 ، فما يرونه من أهوال القيامة يهون معه أن يقدموا مافى الأرض ومثله لوكانوا يملكونه ولكن يبقى هذا فى دائرة الأمانى ويقول الله تعالى: {يود المجرم لو يفتدى من عذاب يومئذ ببنيه}المعارج:11 ، فإن الله لا يقبل منهم هذا يقول الله تعالى: {فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به}آل عمران:91.
واصطلاحا: ما يقدم من مال ونحوه لتخليص المفدى. يقول الله تعالى: {وفديناه بذبح عظيم}الصافات:107 ، أى جعلنا الذبح فداء له ، وخلصناه من الذبح.
والفداء والفدية: فيما يقى به الإنسان نفسه من مال يبذله فى عبادة. قصر فيها، ككفارة الصوم ، والحلق ولبس المخيط فى الإحرام ، فيقول الله تعالى: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين}البقرة:184 ، ويقول سبحانه: {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك}البقرة:196.
وافتدت: اختلعت. يقول الله تعالى: {فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به}البقرة:229.
والخلع: طلاق يعوض بلفظ الخلع أو الطلاق أو مافى معناهما، ويجوز الخلع على كثير المال وقليلة(3).
والفدائى: المجاهد فى سبيل الله ، مضحيا بنفسه ، والفدائية: عمل الفدائى. ويعد هذا المفهوم بهذه الدلالات ثمرة من ثمرات العقيدة الإسلامية والعبادات ومظهرا من مظاهر الأخلاق وحسن المعاملات فى الإسلام ، حيث يطهر القلب من الأثرة وحب الذات فيفكر فى غيره من الناس ، فإن وجد غيره مكبلا بقيود الرق بذل من ماله ليفك قيده وأسره وإن دعاه الواجب لرفع كلمة الله فى حياة الناس كان فدائيا فى بذل لنفسه وماله وإن اتجه بالتفكير فى نفسه فإنما ينظر إليها نظرة الناقد البصير ليفتديها من عذاب يوم القيامة حتى لاتهلك فيه.
وإن لم تطب الحياة للزوجة مع زوجها كان هذا العطاء منها لزوجها، إنهاء لحياة زوجية غير صالحة.
كما يدل مفهوم الفداء على سبيل المحبة وتقويتها بين الناس عندما يسمع بعضهم من بعض عبارة: (فداك نفسى) أو (فداك أبى وأمى) أو (بأبى أنت وأمى) وقد خوطب النبى صلى الله عليه وسلم بهذه المعانى من أصحابه رضوان الله عليهم.
أ.د/محمد رأفت سعيد
__________
الهامش:
1- لسان العرب ، لابن منظور، مادة (ف.د.ى) 15 /149.
2- موسوعة فقه عمر ص302.
مراجع الاستزادة:
1- المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية الجزء الثانى ط المكتبة العلمية طهران.
2- كتاب التعريفات للجرجانى ط مكتبة لبنان بيروت.
3- المفردات فى غريب القرآن للراغب الأصفهانى ط دار المعرفة بيروت تحقيق محمد سيد كيلانى.
4- موسوعة فقه عمربن الخطاب د/محمد رواس قلعجى ط1 مكتبة الفلاح.
5- النهاية فى غريب الحديث والأثر، لابن الأثير ج3 ط دار إحياء الكتب العربية(1/241)
الفرض
لغة: ما أوجبه الله عزوجل على عباده كما فى الوسيط (1) ، وهو ما يثاب الإنسان على فعله ويعاقب تاركه ، ويأتى الفرض بمعنى الإلزام أو التقدير كما فى اللسان (2).
واصطلاحا: ذهب جمهور الفقهاء على أنه لا فرق بين الفرض والواجب إلا فى الحج فقط.
وأما الحنفية فإنهم يعرفون الفرض بأنه ما عرف وجوبه بدليل قطعى موجب للعلم والعمل قطعا، أما ما عرف وجوبه بدليل ظنى فإنه يطلق عليه الواجب (3).
وهذا الاختلاف الواقع بين جمهور الفقهاء والحنفية فى المراد بالفرض والواجب خلاف لفظى. لأن الفرض والواجب يدلان على معنى الثبوت والتقدير، وكلاهما يثاب على فعله ويعاقب على تركه.
وينقسم الفرض باعتبار المكلف به إلى فرض عين وفرض كفاية، وثمة فروق بينهما هى:
1- فرض العين هو ما يطالب به كل إنسان بعينه ولا يجوز أن يؤديه بدلا منه أحد، ولا يسقط عن المكلف إلا بأداء ما فرض عليه كالصلاة والصيام والزكاة والحج.
أما فرض الكفاية فهو مايطلب حصوله دون النظر إلى فاعله ، لكنه يسقط بفعل البعض، ويأثم الكل إن تركوه جميعا، إما إذا قام به البعض ولم يقم به الآخر، فإن من فعله يثاب ، وأما تاركه فإنه لايعاقب لسقوطه بفعل الغير، وذلك كصلاة الجنائز، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر الثابت بقوله تعالى {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}آل عمران:104 ، وكذلك تعليم الحرف وتعلمها فإنها من فروض الكفاية ،لأنه ليس مطلوبا من الناس جميعا تعلم حرفة واحدة.
2- فرض العين لايمكن أن يتحول إلى فرض كفاية، لأنه متعلق بعين الإنسان ذاته.
أما فرض الكفاية فإنه يتحول من كفاية إلى فرض عين ، وذلك إذا تعين ، مثال ذلك:
صلاة الجنازة فهى فرض كفاية، ولكن إذا لم يوجد غير مسلم واحد فى المكان الذى مات فيه مسلم تحول فرض الكفاية إلى فرض العين ، لعدم وجود من يقوم بالفعل سواه (4).
3- والفقهاء متفقون على أن فرض العين أقوى من فرض الكفاية، وإن اختلفوا فى أفضلية أحدهما على الآخر، لأن من ترك فرض العين أجبرعلى فعله كما فعل سيدنا أبو بكر رضى الله عنه مع مانعى الزكاة فإنه قاتلهم على تركها، وأجمع الصحابة على فعل أبى بكر دون إنكار.
أما فرض الكفاية فإن الإنسان لا يجبر على فعله إلا إذا تعين فى حقه دون غيره (5).
4- وفرض العين إذا شرع الإنسان فى فعله ، فإن الواجب عليه أن يتم هذا الفعل ، إلا إذا طرأ عليه عذر يمنعه من إتمام هذا الفعل ، كمن صام نهار رمضان ، واشتد به المرض فله أن يقطع الصيام بسبب المرض.
أما فرض الكفاية إذا قام به الإنسان ، فله أن يقطعه ، ولا يستمر فى أدائه ، كمن أراد أن يتعلم حرفة معينة ووجد أن غيره قد قام بتعلم هذه الحرفة، فله أن يقطع هذا الفعل لقيام غيره ، ولا إثم عليه (6).
5- نقل العطار فى حاشيته: إن قطع الطواف المفروض لصلاة الجنازة مكروه ، لأنه لا يحسن ترك فرض العين لفرض الكفاية، فإذا تزاحم فرض الكفاية وفرض العين فى وقت واحد، وكان الوقت لايسع إلا واحدا منهما، وجب تقديم فرض العين إلا إذا كان له بدل ، كما فى سقوط صلاة الجمعة عن إنسان له قريب يمرضه ولايوجد سواه يقوم بتمريضه والنظر فى مصالحه ورعايته.
6- ونرى أن لفرض الكفاية أمورا تتعلق بها مصالح دينية كصلاة الجنازة وغيرها، ومصالح دنيوية كتعلم الحرف وعلم الطب ونحو ذلك ، وهذه الأمور قد قصد الشرع الحكيم تحصيلها لما لها من أثرطيب فى حياة الفرد والمجتمع ، وهو فى نفس الوقت لم يكلف آحاد الناس بتحقيق هذه الأمور، وترك الأمر لكل إنسان على حسب رغبته فى تحصيل الخير، وتحقيق النفع العام لنفسه ولأبناء مجتمعه الذى يعيش فيه ، وذلك يختلف تماما عن فرض العين الذى كلف الشرع الحكيم كل إنسان بالقيام به ، وكلما حقق الإنسان فرض العين وأتى به ممتثلا لأمر ربه عز وجل ، كلما نال الأجر والثواب
من الله تعالى، فكان الغرض من فرض العين هو الخضوع والامتثال لأمر رب العالمين ،وذلك بخلاف فرض الكفاية فإنه فى الغالب لايتكرر.
د/صبرى عبدالرؤوف محمد
__________
الهامش:
1- المعجم الوسيط ، مجمع اللغة العربية، ط3 ، 1973م ، القاهرة ، 2 /708.
2- لسان العرب ، لابن منظور، دار صادر، بيروت ، مادة (فرض).
3- أصول الفقة، محمد بن أحمد بن أبى سهل السرخسى أبوبكر ، 1 /110.
4- مختصر صفوة البيان ، للبيضاوى، طبعة الكليات الأزهرية، القاهرة 1 /23.
5- المنثور على القواعد ، للزركشى ، ط1 القاهرة ، 3 /23.
6- الفروق ، للقرافى، طبعة الحلبى ، القاهرة 1 /116.
7- حاشية العطار على جمع الجوامع ، للعطار 1 /237.
مراجع الاستزادة:
1- حاشية ابن عابدين(1/242)
الفُسْطاط
أول عواصم مصر الإسلامية اختطها الفاتح العربى المسلم عمرو بن العاص سنة 20هـ-642م لتكون مقرا لولاة مصر المسلمين. تقع على الجانب الشرقى للنيل فى الفضاء المجاور لحصن بابليون ، عند رأس الدلتا فى نقطة التقائها بجنوب الوادى. وقد ظلت العواصم المصرية تدورفى هذا الموقع وتنتقل فيه من موقع إلى آخر (ممفيس ، بابليون ، ثم العسكر ، القطائع ، القاهرة) ولكنها لم تخرج عنه إلا فى فترات عابرة فى التاريخ القومى (طيبة - الإسكندرية).
وفى بداية عهدها ضمت الفسطاط مسجدا جامعا يعرف بالجامع العتيق وتاج
الجوامع ، وجامع عمرو هو أول جامع ينشأ فى إفريقيا، واختطت القبائل العربية التى تألف منها جيش القائد الفاتح حول الجامع ودار الإمارة، فاختير لكل جماعة "خطة" تنزل بها.
وعندما بنى العباسيون مدينة "العسكر" سنة 132هـ/750م ثم أحمد بن طولون مدينة "القطائع" سنة 254هـ-868م إلى الشمال من "فسطاط عمرو" أصبح مجموع المدن الثلاث يمثل مدينة مصر ، الفساط ، وأصبح
هذا التجمع العمرانى أكثر وضوحا بعد بناء مدينة "القاهرة" الفاطمية سنة 358هـ-969م.
كانت الفسطاط تنقسم جغرافيا إلى قسمين: "عمل أسفل" و "عمل فوق"، وكان بكل منها مسجد جامع: جامع عمرو فى عمل أسفل وسمى لذلك بـ "الجامع السفلانى" وجامع ابن طولون فى عمل فوق وسمى لذلك بـ "الجامع الفوقانى". كان عمل أسفل يمثل المنطقة الجنوبية الغربية للفسطاط ، ورغم
كونه أكثر رطوبة، فإنه كان يحوى أغلب مبانى المدينة الهامة، ففيه كان المسجد الجامع ودار الضرب والأسواق والقياسر، وظل هذا الحى الغربى للمدينة شاهدا على الأحداث الأليمة التى عرفتها الفسطاط طوال تاريخها.
أما الجزء الآخر للمدينة فكان يشمل مساحة كبيرة فى اتجاه الشرق ويمتد حتى المقابر القديمة فى سفح المقطم ، وتمثل بركة الحبش الحد الطبيعى الجنوبى لهذا القسم من المدينة حيث توجد اليوم ضاحية القاهرة الجنوبية: البساتين ، بينما لم يكن لهذا القسم حد معين؟ ففى ذروة ازدهار ونمو الفسطاط خلال القرنين الرابع والخامس للهجرة/العاشر والحادى عشر للميلاد كان هذا القسم يمتد إلى ما يلى الخليج المصرى فى منطقة يصعب تحديدها تعادل ميدان السيدة زينب الحالى فيما وراء جبل يشكر، حيث يوجد
منذ القرن الثالث الهجرى/التاسع الميلادى جامع ابن طولون. كان هذا القسم فى الأساس حيا سكنيا رغم حرمانه من المراكز التجارية والحرفية التى كانت مركزة كلها فى القسم الآخر للمدينة القريب من مجرى النيل.
ورغم أن القسم الغربى للمدينة أو عمل أسفل قد دمر أكثر من مرة، إلا أنه كان يعاد بناؤه دائما ولم يفقد أهميته الاقتصادية والتجارية، وظل حتى نهاية العصر المملوكى حيث كان يعتبر المدينة الثانية للإقليم بعد القاهرة بسبب قربه من النيل. أما القسم الشرقى للمدينة أو عمل فوق فقد دمر تماما منذ النصف الثانى للقرن الخامس الهجرى/الحادى عشر الميلادى ولم يعاود سكنه بعد ذلك بسبب الأوبئة والمجاعات والاضطرابات التى اجتاحت مصر كلها فى هذه الفترة.
وبسبب ذلك فقد تخرب القسم الشرقى كله فيما عدا منطقة المشاهد بين المشهد النفيسى وباب زويله التى تمثل الضاحية الجنوبية للقاهرة الفاطمية.
وطوال العصر الفاطمى (358-567هـ/969-1171م) كانت الفسطاط تعد مدينة مصر الرئيسية ومركز نشاطها الاقتصادى والصناعى والعلمى ، بينما كانت القاهرة هى مقر الحكومة الفاطمية ومركز الدولة الإدارى والسياسى والمعقل الرئيسى لنشر الدعوة الإسماعيلية، ويكون مجموع المدينتين العاصمة المصرية فى العصر الفاطمى.
وقرب نهاية العصر الفاطمى اجتاح الفسطاط حريق متعمد فى سنة 564هـ/1168م ، بناء على أوامر الوزير شاور السعدى، استمر أكثر من أربعة وخمسين يوما وأتى على أغلب المواضع الواقعة حول جامع عمرو، وعلى المناطق الشمالية الغربية المعروفة بالحقروات ، بينما كانت المناطق
الشرقية قد تخربت كلية منذ أزمة منتصف القرن الخامس الهجرى/الحادى عشر الميلادى. ولم يأت عام (572هـ/1176م) إلا وكانت هذه الأقسام قد أعيد بناؤها كما يذكر ابن جبير فى رحلته.
ورغم أن القاهرة فقدت مكانتها كمركز للحكم فى العصرالأيوبى، بعد بناء قلعة الجبل ، وأخذت الأنشطة التجارية والحرفية تتسرب إليها، فإن قوة جذب الفسطاط كمركز صناعى واقتصادى ظلت كما هى حتى نهاية القرن السابع الهجرى/الثالث عشر الميلادى، بسبب قربها من مجرى النيل حيث كانت تلتقى عندها طرو التجارة القادمة من الإسكندرية والبحر الأحمر وداخل إفريقيا.
ولكن القاهرة بلغت أقصى ازدهارها كمركز تجارى وعلمى فى العصر المملوكى وخاصة فى زمن الناصر محمد بن قلاوون ، وحلت تدريجيا محل الفسطاط التى لم يبق منها فى مطلع القرن التاسع الهجرى/الخامس مجر الميلادى إلا ما بساحل النيل وما جاوره إلى ما يلى جامع عمرو وما قرب منه ، ودثرت أكثر خططها القديمة وتغيرت معالمها. ولم تجر أية محاولة للنهوض بالمدينة وإحياء دورها بسبب تحول طاقة التجارة المصرية ابتداء من عصر السلطان برسباى (825-742هـ/1421-1438م) واعتمادها على تجارة البحر المتوسط بعد أن كانت حتى هذا الوقت تعتمد على تجارة البحر الأحمر عبر الطريق التقليدى (عيذاب - قوص - الفسطاط) وعلى الأخص بعد تخرب ميناء عيذاب نهائيا فى أواسط القرن التاسع الهجرى/الخامس عشر الميلادى.
وقد أدى ذلك بالضرورة إلى فقدان الفسطاط لأهميتها الاقتصادية وهجر الناس لها وتخربها نهائيا فى نهاية القرن التاسع الهجرى، وبالطبع لم يكن هذا ممكنا إلا بعد إنشاء ميناء آخر للعاصمة فى طرفها الشمالى الغربى هو ميناء (بولاق) الذى بدأ فى الظهور اعتبارا من سنة 713هـ-1313م ولكنه لم يلعب دورا فى الحياة الاقتصادية للمدينة إلا ابتداء من القرن التاسع الهجرى/الخامس عشر الميلادى.
أ.د/أيمن فؤاد سيد
__________
مراجع الاستزادة:
1- المواعظ والاعتبار فى ذكر الخطط والآثار، المقريزى بولاق ق 1853.
2- جامع عمرو بن العاص بالفسطاط من الناحيتين التاريخية والأثرية، محمود أحمد القاهرة 1938.
3- حفريات الفسطاط ، على بهجت ترجمة محمود عكوش ، القاهرة 1928.
4- منازل الفسطاط كما تكشف عنها حفائر الفسطاط "جمال محرز الندوة الدولية الألفية القاهرة ، 323-351.
5- Kubiak، W.، Al-Fustat its foundation and early urlan development، Cairo- AUC 1987.
6- التطور العمرانى لمدينة القاهرة منذ نشأتها وحتى الآن ، أيمن فؤاد سيد القاهرة الدار المصرية اللبنانية 1997(1/243)
الفن
تعنى كلمة (الفن) مجمل الوسائل ، و المبادىء التى يقوم الإنسان بواسطتها بإنجاز عمل يعبر عن مشاعره وأفكاره ،فالعمل الفنى تجسيد لفكرة ما بأحد الأشكال التعبيرية.
والتعبير الفنى قائم بالفطرة الإنسانية منذ بدء الخليقة، فأقدم نموذج عرفة التاريخ هو تمثال لامرأة عارية من الحجر الجيرى ، عثر عليه فى النمسا، ويعرف باسم "فينوس ويللندوروف" ويرجع تاريخه إلى خمس وعشرين أو خمس وثلاثين ألف سنة، وهى الفترة التى يطلق عليها العصر الحجرى، أو ما قبل التاريخ ، والتى تنتهى مع بدايات التقويم الحالى، فقد كان الفن هو اللغة السائدة بين البشر قبل أن يعرف الإنسان الكتابة ويستخدمها فى التعبير.
والفن وثيق الارتباط بالتقدم الاجتماعى و بالعقل الإنسانى الذى كلما تقدم باتساع معرفته ، تأثر نتاجه بنفس هذا التقدم والأتساع.
ومن هنا كان الارتباط للفن بالحضارات إذ أنه يمثل مختلف قيمها ورقيها الفكرى والتعبيرى، وبالتالى أصبح لكل حضارة فنها الذى يحمل سماتها المميزة، لأنه يمثل الشكل الذى أضفاه الإنسان على تطلعاته ومشكلاته عبر مشواره الطويل فى البحث عن المعرفة والسيطرة والتعبير عن أحلامه ومخاوفه ،لذلك نجد أن الفن يمثل فى كل مجتمع إنسانى عنصرا أساسيا من العناصر المكونة للعقائد والطقوس ، والأعراف الأخلاقيه والاجتماعية، فهو يقع فى مفترق الطرق بين الفكر العلمى والفكر الفطرى، بين عالم الشهادة وعالم الغيب ، وبين الواقع والأمل ، لذلك لايمكن فهم وإدراك الفن بعيدا عن إطاره الاجتماعى وبيئته الزمانية.
وانطلاقا من ارتباط الفن بالحضارات يتم تقسيم تاريخ الفن وفقا لحقبات تطورها إجمالا، حيث إن التطورالإنسانى لا يخضع للتقويم الدقيق وإنما لمراحل إنجازاته وتآثيرها على المجتمع.
وقد جرى العرف على تقسيم الحضارات بفنونها على النحو التالى:
أوروبا الغربية من عصرما قبل التاريخ إلى الفن السلى.
الشرق القديم ، مصر القديمة، كريت ، اليونان ، الفن الفارسى (وقد ضمت هذه الحقبة عصر جوستينيان ومعركة الايقونات (تحريم التصوير) بين اليهودية والمسيحية) فن الاستب ، الفن الأتروسكى، الفن الرومانى، الفن المسيحى القديم ، الفن االبيزنطى، الفن الإسلامى، الفن الأوروبى القديم ، الفن القوطى، الفن فيما بين القرن الثالث عشروحتى المدرسة التكلفية،الفن الباروكى والروكوكو، من الكلاسيكية الجديدة إلى أواخر القرن التاسع عشر مرورا بمذاهب الانتكائية والرومانسية والواقعية والتأثيرية والرمزية والفن الجديد وما بعد التأثيرية والتعبيرية.
أما الفن فى القرن العشرين فقد بدأ بأزمة انعكست على الفن بفصل الشكل عن المضمون ، وعرف هذا الاتجاه بالفن الحديث أو الفن التجريدى،وتنعكس هذه الأزمة على مئات المذاهب الفنية والتيارات التى تشابكت وتكررت بأسماء مختلفة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: الحوشية والدادية والتكعيبية والتأليفية والمستقبلية والسريالية واللافن واللاشكل. وفن الكولاج (اللصق) وفن القمامة وفن الخردة وما إلى ذلك.
وينتهى هذا التقسيم الإجمالى للفن بالفنون الشعبية والفن الأفريقى والفن الهندى والفن فى جنوب شرق آسيا وفى الصين و فى كل من فيتنام وكوريا وفى اليابان و الفنون فى أوتيانيا، لينتهى بالفن لدى هنود الأمريكتين.
لقد قام الفن الكريتى واليونانى على أسس وانجازات الفن المصرى القديم و كامتداد له. كما يعتبرالفن الإسلامى وحضارته هو همزة الوصل نين العالم القديم والعالم الغرربى الحديث وتميز بتنوع شديد فى أساليبه و تفاصيله وتعرض لمختلف المجالات الفنية سواء أكانت من الفنون الأساسية أو من
الفنون التطبيقية.
ويتسم الفن الإسلامى إجمالا ناتجاهين أساسيين رغم تباعدهما شكلا، وهما الاتجاه القائم على الفنون لممارسة فى الأقطار والحضارات التى امتد إليها الإسلام حيث أثر الإسلام فى تلك الفنون دون إلغائها، والاتجاه القائم على الأشكال المجردة النباتية أو الهندسية، وهو خط جديد مرتبط بالرؤية الكلية للمسلمين للإنسان والكون والحياة، متأثرا بالفلسفة الإسلامية، وبأفكار المتصوفة المسلمين ويمكن تلخيصه بعبارة (المركز فى الإشعاع) إشارة إلى الخالق والمخلوق ، وهو كلا يمثل فرقا جوهريا بين المدارس التجريدية
فى الغرب التى تفرض العبث والضياع ولبين التجريد فى الفن الإسلامى القائم على الربط بين الإنسان وخالقه ، لأن استبعاد المضمون عن الفن هو فى الواقع استبعاد للوجود الإنسانى برمته.
وأهم ما يميز الفن الإسلامى فى الفنون الأساسية هو: العمارة الدينية المتمثلة فى المساجد والمدارس والأسبلة، وكل ما يتعلق بهذا الجانب ، والعمارة المدنية من قصور ومنشأت عامة وأسواق وحمامات ومدافن ،والعمارة العسكرية من قلاع وحصون وأسوار. ووصلت براعة الفنان فى النقوش والزخارف التى تكسوها إلى درجة مذهلة سواء فى دقة تناوله ومعالجته الفنية للمواد الصلبة كالرخام والحجز أو فى فن الفسيفساء ولوحاته الجدارية التى وصلت ألوان بعضها إلى تسعة وعشرين لونا مختلفا،وهو رقم غير مسبوق انذاك.
ومن أهم إنجازاف الفن الإسلامى وإسهاماته فن الخط العربى بإمكانيات تشكيلاته اللانهائية، وفن المنمنمات ، وفن الكتب والأغلفة ، والمصاحف وزخارفها ، ويمثل فن الخزف والأوانى ذات البريق المعدنى، وفن الزجاج ملمحا متميزا إلى جانب فن المعادن والعاج والحلى والأحجار الكريمة والنسجيات بمجالاتها المختلفة من سجاد وملبوسات.
أ.د/زينب عبد العزيز
__________
مراجع الاستزادة:
1- Histoire Del`Art، Larouusse - 2Vol.، 1985.
2- L`Artde Tous Les Temps 2vol.، Sequsia، Bruxelle، 1965.
3- L`Art. An Terres D`islam، Marlbe B. Taylor، lelee De Brouwer 1988(1/244)
الفىء
لغة: مصدر فاء يفىء بمعنى رجع ، فالفىء هو الرجوع كما فى المعجم الوسيط(1).
واصطلاحا: ما يرجع من أموال الكافرين إلى المسلمين بدون قتال ولا ركوب خيل ، وقد ذكره الله فى كتابه: {وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شىء قدير}الحشر:16 ، وذلك مثل الأموال المبعوثة مع رسول إلى إمام المسلمين ،والأموال المأخوذة على موادعة أهل الحرب (2) والفرقي بينه وبين الغنيمة من جهتين:
1- أن الغنيمة تكون بالحرب وإيجاف الخيل ، والفىء يكون بدون ذلك.
2- أن تقسيم الغنيمة يختلف عن تقسيم الفىء، مع أن الجميع من أموال الكافرين.
وقد شرعه الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته قال تعالى {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم}الحشر:7 ، وعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال: كانت أموال بنى النضير مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم وكانت للنبى خاصة، فكان ينفق على أهله نفقة سنة، وما بقى يجعله فى الكراع والسلاح.
وقد اختلف الفقهاء فى قسمة الفىء فقال قوم: أن الفىء لجميع المسلمين ، الفقير والغنى، وإن الإمام يعطى منه للمقاتلة وللحكام وللولاة، وينفق منه فى النوائب التى تنوب المسلمين ، كبناء القناطر وإصلاح المساجد، وغيرذلك ، ولا خمس فى شىء منه ، وبه قال الجمهور-عدا الشافعى- وهو الثابت عن أبى بكر وعمر (4)وهذا هو المعنى العام للآية الكريمة، حيث بينت أنه لله وللرسول ، فما لله فهو لمصالح المسلمين ، وما للرسول فهو لنفقته صلى الله عليه وسلم فى حياته ، ثم لمصالح المسلمين بعد مماته ، وكذلك ذووا القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ، فلم يبق أحد من المسلمين إلا وله حق فى مال الفىء.
أما الشافعى فيرى أن الفىء يخمس أى يقسم على خمسة أسهم: سهم منها يقسم على المذكورين فى آية الفىء وهم أنفسهم المذكورون فى آية الغنيمة، وأربعة أخماس لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، واجتهاد الإمام بعده ، ينفق منه على نفسه وعلى عياله ومن يري.
والصحيح ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة، وهو قول الشافعى فى القديم: أن الفىء لا يخمس وإنما كله لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ذكروا معه فى قوله {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان..}الحشر:10.
فيكون عاما لجميع المسلمين بناء على اجتهاد الإمام ، قال ابن المنذر: ولا نحفظ من أحد قبل الشافعى فى الفىء الخمس كخمس الغنيمة(5) وقد روى أن عمر لما قرأ آية الفىء قال: "استوعبت هذه الآية الناس ، فلم يبق أحد من المسلمين إلا له فى هذا المال حق"(6).
وعلى قول الشافعى يقسم الفىء على خمسة أسهم:
الأول: لله وللرسول صلى الله عليه وسلم ينفق منه على نفسه وأهله وما فضله جعله فى سائر المصالح.
الثانى: لذوى القربى (بنى هاشم وبنى المطلب).
الثالث: لليتامى.
الرابع: للمساكين.
الخامس: لأبناء السبيل.
والأخماس الأربعة الباقية بعد تقسيم الخمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم فى حياته ، ولمصالح المسلمين بعد مماته توضع فى بيت المال ويصرف فى مصالح العامة.(7).
والخلاف بين الشافعى والجمهور بسيط لأن كليهما يعود إلى مصالح المسلمين فى حياته وبعد مماته صلى الله عليه وسلم كما رأينا.
وقد ذكر البهوتى من الحنابلة ما يؤكد ذلك فى بيانه لمعنى الفىء وموارده ومصارفه فى الفقرة التالية:
وموارد الفىء عديدة منها:
1- ما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب كما سبق.
2- الجزية.
3- الخراج.
4- زكاة نصارى تغلب.
5- عشر مال تجارة الحربى.
6- نصف العشر من تجارة الذمى.
7- ما تركه الكافرون فزعا وهربا.
8- خمس خمس الغنائم.
9- مال من مات منهم ولا وارث له.
10- مال المرتد إذا مات على ردته.
ويصرف كل ذلك الفىء فى مصالح المسلمين للآيتين ، ولهذا لما قرأ عمر الآيات (7-10) من سورة الحشرقال: "هذه استوعبت المسلمين"، وقال: أيضا "ما من أحد من المسلمين إلا له فى هذا المال نصيب إلا العبيد".
وذكر أحمد الفىء فقال: فيه حق لكل المسلمين ، وهو بين الغنى والفقير، ولأن المصالح نفعها عام ، والحاجة داعية إلى فعلها تحصيلا لها، ويبدأ بالأهم فالأهم من المصالح العامة(8).
أ.د/محمد نبيل غنايم
__________
الهامش:
1- المعجم الوسيط ، مجمع اللغة العربية، ط2 ،1973م ، القاهرة ، 2 /706.
2- بداية المجتهد ، ابن رشد ، دار ابن حزم ، ط1 ، بيروت 2 /776.
3- صحيح البخارى، محمد بن إسماعيل البخارى، طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية القاهرة ، 5 /217.
4- بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ابن رشد، دار ابن حزم ، 1995 ، بيروت ، 2 /706.
5- الموسوعة الفقهية، دار الصفوة، ط1، 1995 ، القاهره 32 /230.
6- المصدر السابق 32 /231.
7- الأم ، الشافعى، دار الفكر، بيروت 1990م ، 4 /146 ، 160 ،162.
8- كشاف القناع البهوتى ، دار الفكر، بيروت 1982 ، 3 /100 بتصرف يسير.
مراجع الاستزادة:
1- فتح القدير ، الكمال بن الهمام ، دار الفكر، ط2 ، بيروت 1977 م.
2- فتح القدير، الشوكانى، دار إحياء التراث العربى، بيروت(1/245)
القبلة
لغة: الجهة، يقال: ما لكلامه قبلة. جهة. وأين جهتك؟.
واصطلاحا: التوجه إلى الكعبة فى الصلاة، لأن المسلمين يستقبلونها فى
صلاتهم (1). وقد جعل الله التوجه إليها شرطا يجب على المصلى الإتيان به وإلا بطلت صلاته قال تعالى {فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره}البقرة:144.
والحاضر بالمسجد الحرام يجب عليه أن يستقبل الكعبة ذاتها والذى يقيم بعيدا عنها عليه أن يستقبل جهتها لأن هذا هو المستطاع له ، وقد يسر الله على عبادة كل ما يتصل بعبادتهم فعن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "ما بين المشرق والمغرب قبلة" وهذا بالنسبة لأهل المدينة ومن جرى مجراهم كأهل الشام والجزيرة والعراق.
وأما أهل مصر فقبلتهم بين الشرق والجنوب ، وأما أهل اليمن فالمشرق عن يمين المصلى والمغرب عن يساره ، وأهل الهند، المشرق يكون خلف المصلى والمغرب أمامه وهكذا ، ويستعان فى معرفة الاتجاه نحو الكعبة فى كل مكان ببيت الإبرة (البوصلة)، وإذا لم يتمكن المصلى من تحديد الاتجاه
الصحيح نحو الكعبة بسبب غيم مثلا فعليه أن يسأل ويجتهد، فإذا فعل ذلك وأخطأ، فلا يعيد صلاته ، وإذا تبين الخطأ أثناء الصلاة صار إلى الصواب وهو فى صلاته ولا يقطعها، فعن بن عمر رضى الله عنهما قال: بينما الناس بقباء فى صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال: إن النبى صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه قرآن ، وقد أمر أن يستقبل الكعبة، فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة ولا يسقط شرط استقبال القبلة الا فى الحالات الآتية:
1- صلاة النفل للراكب فقبلته حيث اتجهت وسيلة سفره من دابة أو سيارة أو طائرة فعن عامر بن ربيعة قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى على راحلته حيث توجهت به". رواه البخارى ومسلم ، وزاد البخارى: يومى، والترمذى: ولم يكن يضيف فى المكتوبة وعن أحمد ومسلم والترمذى: أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصلى على
راحلته وهو مقبل من مكة إلى المدينة حيثما توجهت به ، وفيه نزلت {فأينما
تولوا فثم وجه الله}البقرة:115.
2- صلاة المكره والمريض والخائف ، إذا عجروا عن استقبال القبلة لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إذا أمرتكم بأمرفأتوا منه ما استطعتم" وفى قوله تعالى {فإن خفتم فرجالا أوركبانا}البقرة:239.
قال ابن عمر رضى الله عنهما: مستقبلى القبلة، أوغيرمستقبلها.(رواه البخارى).
وإذا كان التوجه إلى القبلة يحقق للأمة هذا التوحد، فإنه يحقق لها. أيضا هذا التواصل مع أنبياء الله ورسله حيث كانوا يتوجهون إلى الكعبة المشرفة، ولذلك لما أمر النبى صلى الله عليه وسلم بالتوجه إلى بيت المقدس كان منه السمع والطاعة وكانت اختبارا للناس فى حسن الاستجابة لأمر الله عز وجل فى سائر الأحوال ، وعلى السمع والطاعة من النبى صلى الله عليه وسلم و المؤمنين.
كانت الرغبة مع الرجاء فى أن يحقق الله لهم التوجه إلى أول بيت وضع للناس ،فاستجاب الله وحقق الرجاء، وأمر بالتوجه إلى القبلة التى يرضاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصار الحال إلى ماحكاه ابن عباس ، وذكره البغوى: "البيت قبلة لأهل المسجد ، والمسجد قبلة لأهل الحرم ، والحرم قبلة أهل المشرق والمغرب" وهو قول مالك رحمه الله.
وفى الصحيحين عن البراء بن عازب رضى الله عنه قال "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا وكان
يحب أن يوجه إلى الكعبة" فأنزل الله عز وجل: {نرى تقلب وجهك فى السماء}البقرة:144.
فتوجه نحو الكعبة، وقال السفهاء من الناس {ما ولاهم عن قبلتهم التى كانوا عليها}البقرة:142.
فقال الله تعالى {قل لله المشرق والمغرب يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم}البقرة:142.
أ.د/محمد رأفت سعيد
__________
الهامش:
1- المعجم الوسيط مادة (قبل) 2 /719.
مراجع الاستزادة:
1- الجامع لأحكام القرآن للقرطبى ط دار الكتب المجلد الأول.
2- التفسير الكبير للرازى الجزء الرابع.
3- المعجم الوسيط. مجمع اللغة العربية.
4- فقه السنةالسيد سابق المجلد الأول.
5- حدائق الأنوار. للشيبانى ، القسم الثانى.
6- مواهب الجليل من أدلة خليل ، الجرء الأول(1/246)
القبة
لغة: مفرد قباب ، وهى بناء مستدير، أو خيمة صغيرة أعلاها مستدير(كما في اللسان)(1).
واصطلاحا: عنصر إنشائى كروى يغطى مساحة معينة من المبنى ليزيد من ارتفاع فراغها الداخلى.
وقد ظهرت القبة فى المبانى قبلي ظهور الإسلام وبعده ، كما ظهرت فى عمارة المسلمين وفى عمارة غير المسلمين ، وهى ليست بالضرورة عنصرا مميزا فى العمارة الإسلامية على الرغم من انتشارها فى تراث هذه العمارة.
وقد اشتهرت العمارة البيزنطية باستعمال القباب فى تغطية مساحات كبيرة من المبانى ثم انتقل استعمالها الى العمارة الإسلامية فى تركيا والعراق ومصر والشام.
وتبنى القباب إما بالطوب اللبن أو الحجر أو بنظم الإنشاء الحديدية أو من الخرسانة المسلحة، ومنها ما هومسمط ، ومنها ما تفتح فيها النوافذ للإنارة والتهوية.
وينتقل الشكل النصف كروى بالقبة إلى الشكل المربع عن طريق مثلثات كروية تعلوها مقرنصات جصية أو حجرية، وقد تتزايد هذه المقرنصات بإسراف فى بعض المبانى والقصورمثل قصرالحمراء بغرناطة، وقد تختفى كما فى بعض مساجد القاهرة.
وتتخذ القبة أشكالا مختلفة: منها ما هو تام التكور، ومنها ماهو مدبب ، ومنها ما هو فى شكل بصلى كما فى العمارة الهندية، ومنها ما هو مخروطى الشكل.
وتزين القباب من الداخل والخارج فى بناء المساجد، وعادة ماتعلو القبة بيت الصلاة فى المساجد أو تعلو قاعات الاحتفالات الكبرى ، وأشهر القباب فى تاريخ العمارة الإسلامية:
القبة الخضراء على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقبة الصخرة عند المسجد الأقصى الذى بارك الله حوله.
وبناء القباب على الأضرحة والقبور يتنافى مع العقيدة الإسلامية باستثناء قبة المسجد النبوى الشريف.
د.م/عبدالباقى إبراهيم
__________
الهامش:
1- لسان العرب ، ابن منظور، دار صادر، ط3، مادة (قبب).
مراجع الإستزادة:
1- مساجد مصر وأولياؤها الصالحون ، د/سعاد ماهر، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية.
2- تطور القبة فى العمارة الإسلامية، كمال الدين سامح مجلة كلية الأداب ، مج 12(1/247)
القذف
لغة: الرمى مطلقا، فيقال: قذف بالحجارة قذفا من باب ضرب أى رمى بها، وقذف المحصنة قذفا: رماها بالفاحشة، والقذيفة: القبيحة وهى الشتم. (1).
واصطلاحا: هو الرمى بزنا أو لواط أو شهادة بأحدهما عليه ولم تكمل البينة(2).
واتفق الفقهاء(3)على أن قذف المحصن والمحصنة حرام شرعا ، وأنه من الكبائر، والأصل فى تحريمه الكتاب والسنة.
فأما الكتاب فآيات كثيرة منها قوله تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم
يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون}النور:4.
وأما السنة فيما رواه أبو هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اجتنبوا السبع الموبقات ، قال يا رسول الله: وما هن؟ قال:......وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات"(4) فأمر الرسول باجتنابه واعتباره من الكبائر، وتشديد العقوبة عليه كما فى الآية المطهرة دليل تحريمه.
والقذف على ثلاثة أضرب: صريح وكناية وتعريض ، وذلك لأن اللفظ الذى يقع به القذف إما أن يدل بوضعه عليه دون احتمال لمعنى آخر غيره ، فهذا هو الصريح ، وإما أن يدل بوضعه على القذف مع احتمال لمعنى آخر غيره فهذا هو الكناية، وإما أن لا يدل بوضعه على القذف وإنما يفيد ذلك بقرائن الأحوال ، فهذا هو التعريض. (5).
واتفق الفقهاء على وجوب حد القذف بصريح الزنا .
أما فى القذف بلفظ كنائى: كقوله يا فاجر أويا خبيثة فقد اختلف الفقهاء فى موجبه ،فذهب الحنفية ورواية عن الإمام أحمد إلى أنه لا يجب به الحد. وذهب المالكية والرواية الثانية عن أحمد، إلى أنه يجب الحد إذا فهم منه القذف ، أو دلت القرائن على أن القاذف قصد منها القذف. وذهب الشافعى والخرقى من الحنابلة، وابن المنذر إلى أن القذف بالكناية يجب به الحد إن نوى القاذف بعبارته القذف.
وأما التعريض بالقذف - كأن يقول شخص لآخر ما أنا بزان فالفقهاء فى موجبه على قولين:
الأول: أن ذلك لا يعد قذفا ولا يجب به الحد، وبهذا قال الحنفية والشافعية ورواية عن أحمد.
الثانى: أن ذلك يعد قذفا يجب به الحد ، وإليه ذهب الإمام مالك ورواية عن أحمد.(6).
وإذا ثبت القذف فى حق شخص فإن القاذف يجب عليه حد القذف ، وهو ثمانون جلدة إذا كان حرا. ولكن لا يطبق هذا الحد إلا إذا توافرت شروط وجوبه ، وهى شروط فى القاذف ، وشروط فى المقذوف. أما ما يشترط فى القاذف -فى الجملة- فهو البلوغ ، والعقل ، والاختيار. ويشترط فى المقذوف أن يكون محصنا ، أى يشترط فيه البلوغ والعقل والإسلام والحرية والعفة عن الزنا. (7).
أ.د/محمد شامة
__________
الهامش:
1- المصباح المنير للفيومى ، لسان العرب لابن منظور، القاموس المحيط للفيروزآبادى ، مادة "قذف".
2- كشاف القناع عن متن الإقناع ، ط المطبعة العامرة الطبعة الأولى 1319هـ، 4 /62.
3- البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ، ط المطبعة العلمية الطبعة الأولى 1311هـ ، 5 /31. حاشية البنانى على شرح الزرقانى للشيخ محمد البنانى ط المطبعة البهية 1307هـ 8 /58. المهذب للشيرازى ط مصطفى البابى الحلبى 1343هـ ، 2 /289 ، كشاف القناع 4 /62.
4- الحديث متفق عليه. نيل الأوطار للشوكانى، ط دار الحديث 7 /252.
5- مغنى المحتاج ط مصطفى الحلبى 1352هـ ، 3 /369.
6- يراجع فى مواطن الاتفاق و الاختلاف بدائع الصنائع للكاسانى، ط مطبعة الإمام ، 7 /42 ، 43. حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ، ط دار إحياء الكتب العربية، 4 /330 مغنى المحتاج 3 /368، كشاف القناع 4 /66، 67، المغنى لابن قدامة مع الشرح الكبير ط مطبعة المنار بمصر ط1 1348هـ ، 10 /212-213.
7- يراجع ذلك فى المراجع السابقة، ففيها تفصيل شاف لسائر أحكام القذف لمن أراد الاستزادة(1/248)
القراءات
لغة: جمع قراءة ، وهى مصدر سماعى لقرأ كما فى اللسان.(1)ويراد بها الفعل الذى يفعله القارئ (2) ويراد بها الأثر المترتبه على الفعل ، وهو الحروف والكلمات بمعانيها ، وهو المقروء، وهما متلازمان.
والمقروء هو القرآن إذا كان القارئ ينطق بكلام الله تعالى المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فحينئذ تكون القراءة والمقروء والقرآن شيئا واحد (3).
واصطلاحا: مذهب يذهب إليه إمام من أئمة القراءة مخالفا به غيره فى النطق بالقرآن الكريم مع اتفاق الروايات والطرق عنه ، سواء أكانت هذه المخالفة فى نطق الحروف أم فى نطق هيئاتها. (4).
وتذكر القراءة والرواية والطريق والوجه ، فيراد بالقراءة ما ينسب إلى إمام من السبعة أو العشرة أو الأربعة عشرة أو غيرهم كفتح سين {مرساها}هود:41 ، لعاصم ، والرواية: ما ينسب إلى الراوى عند الإمام كإمالة {مجراها}هود:41 ، لحفص عن عاصم ، والطريق ما ينسبه إلى من دون الراوى كإدغام {إركب معنا}هود:42 ، من طريق الشاطبية، أو للهاشمى عن حفص عن عاصم (5) ، أما الوجه فلا ينسب إلى أحد، إذ هو مخير فيه عند الجميع ، كالوقف على {نستعين}الفاتحة:5 ، بالسكون ، أو الروم وهو الإتيان ببعض الحركة، أو الإشمام وهو هنا الإشارة إلى ضمة النون بضم الشفتين من غير صوت. (6).
وإضافة القراءات إلى الشخص إضافة ملازمة واعتناء واختيار من بين القراءات الواردة، حسب ظروفه لا لأنه اخترعها.(7).
وقولهم: قراءة النبى صلى الله عليه وسلم يعنون أن أهل الحديث نقلوها عنه ولم يدونها القراء من طرقهم ، وهو اصطلاح للمفسرين ومن تبعهم ، وإلا فجميع القراءات المعمول بها قراءة النبى صلى الله عليه وسلم .
وقراءات القرآن: مركب إضافى، والغريب فيه أنه من إضافة الأجزاء المخصوصة إلى الكل.(8).
وقد ظهرت القراءات بعد الهجرة بظهور الأحرف السبعة التى نزل القرآن عليها، إذ هى فروع من الأحرف. وزاد عدد الفروع عن الأحرف لأمرين.
الأول: أن الأحرف كانت تتيح سبع ختمات ، ثم تداخلت إذ جاز أن تقرأ سورة البقرة مثلا على حرف وبقية الختمة على غيره ، لقوله صلى الله عليه وسلم (إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه)(9) فنتجت ختمة ثامنة بقراءة ليست على حرف واحد من السبعة ولا خارجة عنها إلى حرف ثامن ، وعلى هذا النحو من التركيب الجائز واختلاف مواضعه فى القرآن تكثر القراءات.
الأمر الثانى: أن الأحرف السبعة لغات سبع ، واللغة الواحدة تسمح بنطقين أو أكثر فى اللفظ ، فتكون القراءات أكثر عددا من اللغات ، مثال ذلك لفظ (جبريل) قرئ فى العشر بكسر الجيم والراء وإثبات الياء وحذف الهمزة، وبفتح الجيم وكسر الراء وإثبات الياء وحذف الهمزة، وبفتح الجيم والراء وهمزة مكسورة وياء مد، وبفتح الجيم والراء وهمزة مكسورة غير ممدودة.
فالقراءتان الأوليان على لغة لا تهمز كأهل الحجاز ، والأخريان على لغة
تهمز كتميم.
والقراءات توقيفية تلقينا أو إذنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن الأدلة على ذلك: قوله تعالى: {وهذا لسان عربى مبين}النحل:103. مع ما عرف من أن لسان العرب نهج منهج تعدد وجوه النطق ،وهو مناهج البيان العربى، وبيان القرآن معجز، وقراءاته من محاسن وجوه إعجازه.
ومنها: أن أسانيد القراء على اختلاف قراءاتهم متصلة برسول الله صلى الله عليه وسلم وتفصيلها فى الكتب المختصة.
ومنها الأحاديثه المروية فى نحو كتاب المستدرك للحاكم المتضمنة لقراءاته صلى الله عليه وسلم {مالك}بالألف الفاتحة:4 ، و {ملك}بدونها(10) {وما كان لنبى أن يغل}آل عمران:161 ، بفتح الياء وضم الغين ، وبضم
الياء وفتح الغين {إنه عمل غير صالح}هود:46 (عمل) بفتح الميم والتنوين والرفع ،(غير) بالرفع ، و (عمل) بفتح اللام وكسر الميم فعلا ماضيا ، و (غير) بالنصب (11)و {أيحسب}البلد:5،7 بفتح السين وكسرها ، وتواتر فى الأحاديث قراءة البسملة فى الصلاة، وتواتر ترك قراءتها أيضا.
ومنها إجماع أئمة الدين على أن الله تعالى أباح للصحابة رضى الله عنهم القراءة على لغتهم بشرط الأخذ عن النبى صلى الله عليه وسلم ومنها العقل ، فإن الضرورة قاضية بقراءة لتبليغ القرآن ، ولو كانت واحدة وما عداها ليس من البلاغ النبوى لكانت ملتبسة علينا بغيرها، ومحال أن يلتبس لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم بغيره والأمة أحرص ما تكون على متابعته حتى فى عادته التى لا يظهر لهم أن فيها تعبدا، مع خشيتهم الابتداع وائتمارهم بأن يقرءوا كما علموا، وتلاحيهم إذا سمعوا ما لم يسمعوه منه فالقراءات المعمول بها متساوية وتوقيفية.(12).
وتنقسم القراءات -عموما- إلى متواترة، وشاذة. فالمتواترة هى القراءات المعمول بها من طرقها المعينة عن القراء العشرة، المعروفة فى الفن ، والشاذة ما عداها فى الفن ، والشاذة ما عداها.
أ.د/عبد الغفور محمود مصطفى
__________
الهامش:
1- لسان العرب ، ابن منظور، دار صادر، ط3 ، بيروت ، مادة (قرأ).
2- الاقتصاد للغزالى، طبعة السعادة، ط2 ، 1327هـ ، ص52.
3- القرآن والقراءات والأحرف السبعة، للدكتور عبد الغفور محمود مصطفى ، ط1 1997 م ، صفحات متفرقة.
4- مناهل العرفان للزرقانى، عيسى الحلبى، ط2، 1 /405.
5- راجع صريح النص للضباع.
6- راجع نهاية القول المفيد فى علم التجويد، للشيخ محمد مكى نصر.
7- القرآن والقراءات ص146.
8- السابق 204.
9- صحيح البخارى، كتاب فضائل القرآن ، باب أنزل القرآن على سبعة أحرف.
10- سنن الترمذى وعارضة الأحوذى. لابن العربى، 11 /51-52 ، والمصاحف 92 ، 95. عن أنس وأم سلمة.
11- تحفة الأحوذى.
12- تنوير الأذهان. للشيخ محمد زكى الدين محمد سند، ط المحروسة سنة 1310هـ ، ص24(1/249)
القرآن الكريم
لغة: مصدر للفعل "قرأ" بمعنى تلا، ثم نقل من هذا المعنى المصدرى وجعل اسما لكلام الله تعالى.
واصطلاحا: هو كلام الله تعالى المعجز المنزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم المكتوب فى المصاحف ، المنقول بالتواتر ، المتعبد بتلاوته.
وللقرآن الكريم أسماء كثيرة من أشهرها:
(أ) الفرقان: وسمى بذلك لتفرقته بين الحق والباطل ، قال تعالى {تبارك الذى نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نديرا}الفرقان:1.
(ب) الكتاب: كما فى قوله تعالى {الحمد لله الذى أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا}الكهف:1.
(ج) الذكر: كما فى قوله عز وجل {وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون}الزخرف:44.
(د) التنزيل: كما فى قوله تعالى {وإنه لتنزيل رب العالمين. نزل به الروح
الأمين. على قلبك لتكون من المنذرين. بلسان عربى مبين}الشعراء:192-195.
هذه أشهر أسماء القرآن الكريم ، وقد ذكر له بعض العلماء أسماء أخرى إلا أنها فى الحقيقة صفات للقرآن الكريم وليست أسماء له.
وقد أنزل الله تعالى القرآن الكريم على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم لمقاصد سامية من أهمها:
(أ) المقصد الأول ، أن يكون هداية للناس، يهديهم إلى ما يسعدهم فى دنياهم وفى آخرتهم.
وتمتاز هداية القرآن بتمامها وعمومها ووضوحها:
تمتاز بتمامها لأنها اشتملت على جميع ما تحتاج إليه البشرية فى عقائدها وعباداتها ومعاملاتها ، وسلوكها ، وآدابها ، وأخلاقها ،ومطالبها الروحية والمادية.
وتمتاز بعمومها، لأنها شملت الإنس والجن فى كل زمان ومكان ، لأن رسالة النبى صلى الله عليه وسلم الذى نزل القرآن على قلبه من ربه كانت رحمة للعالمين.
وتمتاز بوضوحها ، حيث يدركها الإنسان الذى رسخ فى ألوان العلوم والمعارف ، كما يدرك منها الأمى الذى لا يعرف القراءة والكتابة ما ينفعه ويصلحه.
(ب) المقصد الثانى: الذى من أجله أنزل الله تعالى القرآن الكريم أن يكون معجزة ناطقة فى فم الدنيا بصدق النبى صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه وشاهدة بأن هذا القرآن ليس من كلام مخلوق ، وإنما هو من كلام الخالق عز وجل ، والدليل الساطع على أن هذا القرآن هو المعجزة الكبرى للرسول صلى الله عليه وسلم التى تحدى الناس جميعا أن يأتوا بمثله فعجزوا، ثم تحداهم أن يأتوا بسورة واحدة من مثله فنكصوا على أعقابهم وانقلبوا خاسرين. قال تعالى {وان كنتم فى ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله ،وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين. فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التى وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين}البقرة:23-24.
وإذا كانا العرب وهم أرسخ الناس قدما فى البلاغة والفصاحة والبيان ، قد عجروا عن أن يأتوا بسورة من مثل القرآن الكريم ، فغيرهم أشد عجزا، ولو أن أحدا أتى بمثل سورة واحدة من القرآن ، لنشرها أعداء الإسلام ، ولكننا لم نقرأ ولم نسمع بأن أحدا قد أتى بمثل هذه السورة، ومادام الأمر كذلك ، فقد ثبت أن هذا القرآن من عند الله: {ولو كان من عند غيرالله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا}النساء:82.
(ج)المقصد الثالث: الذى من أجله أنزل الله القرآن الكريم ، هو التقرب إليه سبحانه بتلاوته بمعنى أن قراءة القرآن ، ترفع درجات المسلم ، وتزيد فى ثوابه وفى تهذيب أخلاقه ، وفى تنقية عقيدته وسلوكه ونطقه من كل ما لا يليق.
قال تعالى: {إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية. يرجون تجارة لن تبور}فاطر:29.
وفى الصحيحين عن عاتشة رضى الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الذى يقرأ القرآن وهو ماهر به -أى: يقروه قراءة صحيحة- مع الكرام البررة والذى يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق له آجران عند الله تعالى).
وفى صحيح البخارى عن عثمان بن عفان رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه).
والقول الصحيح: إن أول ما نزل من القرآن ،هو صدر سورة "اقرأ" بدليل الأحاديث التى ،وردت فى ذلك.
وأما آخر ما نزل من القرآن فهو قوله {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ، ثم توفى كل نفس ماكسبت وهم لا يظلمون}البقرة:281.
وهذا هو الرأى الراجح بين المحققين من لعلماء، لأن هذه الآية قد نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم قبيل وفاته بتسع ليال ،كما جاء فى بعض الروايات.
أما الآية التى يقول الله تعالى فيها: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا}المائدة:3. فقد نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم يوم عرفة فى حجة الوداع ، وفى السنة لعاشرة من الهجرة، وكان نزولها قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بأكثر من شهرين. والمراد بإكمال الدين فى الآية الكريمة: إتمام النعمة، وإكمال تشريعاته التى تتعلق بالعبادات والمعاملات وغير ذلك من الأحكام.
ولاشك أن الإسلام فى حجة الوداع ، كان قد ظهرتف شوكته ، وعلت كلمته.
والقرآن ينقسم إلى مكى ومدنى:
فالقرآن المكى: هو الذى نزل على لرسول صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة ولو كان نزوله فى غير مكة.
والقرآن المدنى: هو الذى نزل على لرسول صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة ولو كان نزوله فى غير المدينة.
والسور المكية الخالصة عددها اثنتان وثمانون سورة، والسور المدنية الخالصة عددها عشرون سورة، وهناك اثنتا عشرة سورة منها ما يغلب عليه النزول قبل الهجرة، وبذلك يكون عدد سور القرآن الكريم مائة وأربع عشرة سورة.
والسور المكية نراها فى الأعم الأغلب تفصل الحديث عن الأدلة على وحدانية الله وعلى صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه ،وعلى أن يوم القيامة حق.
أما السور المدنية فنراها فى الأعم الأغلب تفصل الحديث عن الأدلة التى تتعلق بسمو الشريعة الإسلامية، فى معاملاتها ، وفى عباداتها ، وفى تنظيمها للأسرة وللعلاقات بين المسلمين وغيرهم.
ومن المتفق عليه بين المسلمين أن نزول القرآن الكريم على النبى صلى الله عليه وسلم استغرق مدة تزيد على عشرين سنه ، وقد ذكر العلماء
حكما وأسرارا لنزول القرآن مفرقا من أهمها:
1- تثبيت قلب النبى صلى الله عليه وسلم وتسليته عما أصابه من قومه عن طريق قصص الأنبياء السابقين.
2- التدرج فى تربية الأمة دينيا وأخلاقيا وثقافيا واجتماعيا وعقليا.
3- الإجابة على أسئلة السائلين الذين كانوا يسألون النبى صلى الله عليه وسلم أسئلة معينة، فينزل القرآن بالإجابة عليها.
4- لفت أنظار المؤمنين إلى ما وقعوا فيه من أخطاء حتى لا يعودوا إليها مرة أخرى.
5- تيسير حفظ القرآن فقد كان الصحابة كلما نزلت آية أو آيات حفظوها عن النبى صلى الله عليه وسلم.
وأكثر سور القرآن وآياته نزلت للهداية والسعادة الإنسانية فى حاضرها ومستقبلها ،ومنه ما نزل لبيان ما هو حق فى أحداث خاصة حدثت بين المسلمين فيما بينهم ، أو حدثت بينهم وبين غيرهم ، كالآيات التى نزلت فى أعقاب حديث الإفك ، الذى أشاعه المنافقون عن السيدة عائشة رضى الله عنها وكالآيات التى نزلت فى أعقاب ما حدث من حاطب بن أبى بلتعة عندما أخبر أهل مكة بأن المسلمين يعدون العدة لفتح مكة.
والتفسير معناه: التوضيح والتبيين لشىء يحتاج إلى ذلك ، وقد عرف العلماء علم التفسير للقرآن: بأنه علم يبحث فيه عن القرآن الكريم من حيث دلالته على مراد الله تعالى فى كلامه بقدر الطاقة البشرية. ويعد علم التفسيرمن العلوم التى لايستغنى عنها، فعن طريقه يستطيع المسلم أن يعرف ما إشتمل عليه القرآن من هدايات وتوجيهات.
وكتب التفسير للقرآن الكريم كثيرة ومتنوعة، منها القديم ومنها الحديثه ، ومنها الكبير، ومنها المتوسط ، ومنها الوجيز، ومنها التفسير بالمأثور، كتفسير ابن جرير الطبرى المتوفى سنة 310هـ ، وتفسير"الدر المنثور فى
التفسير بالمأثور" للسيوطى المتوفى سنة 911هـ ، ومنها تفسير الإمام ابن كثير المتوفى سنة 774هـ ، ومنها التفسير بالرأى: كتفسير "البيضاوى" وتفسير الفخر الرازى، وتفسير الكشاف ، وتفسير الألوسى وغيرهم. ولكل تفسير من هذه التفاسير مزاياه التى قد لا توجد فى غيره.
أ.د/محمد سيد طنطاوى
__________
مراجع الاستزادة:
1- البرهان فى علوم القرآن للإمام الزركشى.
2- الإتقان فى علوم القرآن للإمام السيوطى.
3- علوم القرآن والتفسير ، د/عبدالله شحاته(1/250)
القصر
لغة: يدور حول معنيين: الحبس ، وألا يبلغ الشىء مداه ونهايته ، كما فى اللسان ، ومن الأول قوله تعالى {وعندهم قاصرات الطرف عين}الصافات:48.
ومن الثانى: قوله تعالى {فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة}النساء:101 ، ودلالة القصر، والحصر، والاختصاص متقاربة.
واصطلاحا: دلالة: قريبة من معنى الحبس اللغوى، لأنه تخصيص شىء بشىء بطريقة مخصوصة.
فجملة القصر المكونة من موصوف وصفة، تنتظم حكمين ، إثبات الحكم للمقصور عليه ، ونفيه عن غيره ، فهى تنحل إلى جملتين فى المعنى، وتغنى غناءهما، وتداخل النفى والإثبات فى القصر، يجعله مركزا ذا إشعاع
وظلال وقوة حسم لأنه من أقوى طرق التوكيد.
وينقسم القصر إلى:
أولا: القصر الحقيقى، والإضافى: وهذا التقسيم راجع إلى اعتقاد المتكلم ، وواقعه النفسى وإلى الواقع الخارجى، فالقصر إثبات شىء لشىء لايتعداه إلى غيره ، وهذا الغير المنفى: إذا كان عاما فى الواقع كان القصر حقيقيا وإن كان خاصا معينا كان قصرا إضافيا.
فالحقيقى كقوله تعالى {والهكم إله واحد لا إله إلا هو}البقرة:163.
بقصر الألوهية على الله تعالى، بمعنى نفى كل فرد من الآلهة ثم حصرذلك المعنى فيه تبارك وتعالى.
والقصر الإضافى: تخصيص شىء بشىء دون غيره أومكانه.
وينقسم الإضافى إلى قصر قلب ، وإفراد وتعيين ، حسب حال المخاطب واعتقاده.
فقصر القلب إنما يكون فى المتقابلات فى الصفات ، والموصوفات: إذا كان المخاطب يعتقد عكس مايثبته المتكلم. كموقف المشركين من القرآن الكريم كما سجل القرآن على ألسنتهم قال تعالى {إن هذا إلا قول البشر}المدثر:25، وقوله: {إن هذا إلا أساطير الأولين}المؤمنون:83 ، وقوله تعالى {إن هذا إلا اختلاق}ص:7، دلالة الحيرة والاضطراب والكذب بأنه غير حق.
أما قصر الإفراد، فالمخاطب يعتقد إشتراك الموصوف فى صفتين أو قيام الصفة بموصوفين ، فيكون أسلوب القصر إفرادا لأحدهما ونفيا للثانى، كقولة تعالى {فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر}الغاشية:21-22 ، والصفة المنفية الإكراه والإجبار.
وقصر التعيين حين يكون عند المخاطب إيهام وتردد كقولنا: إنما التحلل من القيم داء الأمم ، لمن يسوى أو يتردد بين آثار التخلق بالقيم والتحلل منها.
ثانيا: وينقسم باعتبار الطرفين: إلى قصر صفة على موصوف ، وقصر موصوف على صفة، والصفة مطلق المعنى القائم بالغير، وليس الصفة النحوية. والموصوف وما قام بنفسه ، سواء كان ذاتا أو معنى موصوفا.
فمن قصرالصفة على الموصوف قوله تعالى {ياك نعبد وإياك نستعين}الفاتحة:5.
وهو قصر حقيقى إخلاصا فى العبادة، وطلب الإعانة.
ومن قصرالموصوف على الصفة قوله تعالى {وماتسألهم عليه من أجر إن هو إلا ذكر للعالمين}يوسف:104.
وهو قصر إضافى،أما قصر الموصوف على الصفة قصرا حقيقيا، دون غيرها من الصفات ، فقالوا إنه لايكاد يوجد لتعذر الإحاطة بالصفات ، إلا بضرب من المبالغة.
كقولك: ماشوقى إلا شاعر. فقد بلغ فى الشعر المدى حتى كأنه لاصفة له إلا الشعر ، وهذا كثير فى اللغة والاستعمال البليغ وإثبات صفة. دون سواها ، أو موصوف دون غيره فى القصر، إنما هو تحييد وتحديد يلتقط ما له خطر، ويدفع المنفى تمييزا وإظهارا للمعنى.
والطرفان من صفة أو موصوف قد يطول أحدهما استيفاء للمعنى وهو كثير فى القرآن الكريم قال تعالى {وماتكون فى شأن ، وماتتلوا منه من قرآن ولاتعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه}يونس:61.
وهو قصر لهذه الحالات الثلاث على كونها مشهودة مراقبة من الله تعالى غرسا للمراقبة فى أعماق الإنسان.
وطرق القصر كثيرة وهى الوسائل التى تحدث فى الأسلوب هذه الخصوصية ،ومنها: ضمير الفصل كقوله تعالى عن المتقين {أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون}البقرة:5.
ومنها تعريف الطرفين كقوله تعالى {إننى أنا الله لا إله إلا أنا}طه:14.
وأشهر هذه الطرق أربعة:
1- النفى والاستثناء ويكون غالبا فى المقامات القوية الجهيرة، كقوله تعالى {وإن من شىء إلا عندنا خزائنه وماننزله إلا بقدر معلوم}الحجر:21، والمقصور عليه: المؤخر.
2- "إنما" -حملا على النفى والاستثناء- فى المقامات الجلية أو المنزلة منزلتها، وكثيرا ما تفيد التعريض -باقتضاء المقام- كقوله تعالى {إنما يستجيب الذين يسمعون}الأنعام:36 والمقصور عليه المؤخر.
3- تقديم ماحقه التأخيركقول تعالى {لكم دينكم ولى دين}الكافرون:6.
وقوله تعالى {ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا واليك المصير}الممتحنة:4.
والمقصورعليه المقدم.
4- العطف ب "بل" ولكن و "لا"،ويشترط فى بل ولكن تقدم نفى، ومن شواهد هذا الطريق قوله تعالى: {ولا تقولوا لمن يقتل فى سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لاتشعرون}البقرة:154. وقول عز وجل {وماظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون}آل عمران:117 ، والواو لثانية لا تمنع القصر عند كثير من العلماء وتقول فى العطف بلا: شوقى شاعر لاخطيب.
لغة: الجهة، يقال: ما لكلامة قبلة، جهة.
أ.د/صبّاح عبيد دراز
__________
مراجع الاستزادة:
1- أساليب القصر فى القرآن الكريم. د/صباح دراز مطبعة الأمانة القاهرة ط1 ، 1406هـ-1986م.
2- الإيضاح للخطيب القزوينى. دار الكتاب اللبنانى. ط5 ، 1403هـ 1986م.
3- البحر المحيط لأبى حيان الأندلسى. دار الفكر. ط2 ، 1403هـ- 1983م.
4- بغية الإيضاح ، الشيخ عبد المتعال الصعيدى، المطبعة النموذجية.
5- البلاغة تطور وتاريخ ، د/شوقى ضيف. دار المعارف ط3 القاهرة..
6- دلائل الإعجاز. عبد القاهر الجرجانى. تحقيق محمود شاكر. مكتبة الخانجى. القاهرة.
7- شروح التلخيص. ط عيسى الحلبى 1937م.
8- من الإعجاز البلاغى للقرآن د/صباح دراز المكتبة التوفيقية ط1 القاهرة 1991 م.
9- النبأ العظيم ، أ.د/محمد عبدالله دراز، مطبعة السعادة ط1 ، 1960م(1/251)
القضاء
لغة: القطع والفصل ،يقال: قضى يقضى قضاء، فهو قاض إذا حكم وفصل ، كما فى اللسان(1).
واصطلاحا: إلزام من له إلزام بحكم الشرع (2).
وقد ثبتت مشروعية القضاء بالكتاب والسنة والإجماع:
1- قال تعالى: {ياداود إنا جعلناك خليفة فى الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولاتتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله}ص:26.
2- وقد كان النبى صلى الله عليه وسلم متوليا بنفسه أمر ، القضاء بالوحى الإلهى ، لأنه المبلغ عن الله عز وجل ، فكان صلى الله عليه وسلم إذا جلس للقضاء يتمثل العدل فى أسمى وأجمل المظاهر، وكان القضاء منحصرا فيه دون غيره ،ولكن عندما انتشر الإسلام كان مضطرا لتعيين القضاة ، وقد ثبت أنه بعث سيدنا عليا وسيدنا معاذا إلى اليمن قاضيين (رواه أبوداود والترمذى)(3).
3- ولما تولى سيدنا أبوبكر الخلافة تولى بنفسه السلطة الدينية والسياسية، وكان يرجع فى كل أموره إلى كتاب الله أوسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وكان يأخذ بالقياس ، وإذا تعذر عليه الفصل فى المنازعة التى عرضت عليه ،يجع إلى الشورى، وأخذ بها بعد عرض الأمر على أهل العقد والحل ، كذلك كان يفعل عمر، مع تعيين القضاة فى سائر الأمصار الإسلامية لاتساعها، وكان يختار القضاة من حفظة القرآن الكريم ومن المعروفين بالورع والتقوى، ممن ضربوا أروع الأمثله فى العدل (4).
وقد شرع القضاء لأجل الفصل فى الخصومات ، وإحقاق الحق ، وإزهاق الباطل وإقامة العدل بين الناس ، وهو ضرورة من الضروريات التى تحتاج الأمة إليها لعدم الاستغناء عنها ، لأنه الوسيلة الوحيدة لرد النوائب ، وقمع المظالم ، ونصر المظلوم ، وإنهاء الخصومات ، ولذلك قال الفقهاء: يكره نحريما تقلد القضاء لمن يخاف الحيف فيه ، بأن يظن أنه قد يجور فى الحكم ، أو يرى فى نفسه العجز عن سماع دعاوى كل الخصوم ،وهذا إذا لم يتعين عليه ، فإن تعين عليه ، أو من الخوف فلا يكره ، وقالوا كذلك: يحرم على الشخص تولى القضاء إذا كان جاهلا ليس له أهلية القضاء أومن أهل العلم لكنه عاجز عن إقامة وظائفه ، أو كان متلبسا بما يوجب فسقه ، أو كان قصدء الانتقام من أعدائه ، أو أخذ الرشوة أو نحو ذلك (5).
والقضاء فى الإسلام له أهميته ومكانته ،لأنه يقوم على تحقيق العدل بين الناس ورفع الظلم عن المظلومين ، وعدم المحاباة أو المجاملة، وكل هذا نراه فى كتاب سيدنا عمر إلى أبى موسى الأشعرى الذى جاء فيه "إن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة آس بين الناس فى مجلسك ووجهك
وعدلك حتى لايطمع شريف فى حيفك ولايخاف ضعيف من جورك ، والبينة على من ادعى، واليمين على من أنكر ولا يمنعك قضاء قضيته
بالأمس راجعت فيه نفسك وهديت فيه لرشدك أن ترجع عنه ، فإن الحق قديم ، ومراجعة الحق خير من التمادى فى الباطل ، واجعل للمدعى حقا عائنا أوبينة فاضرب له أمدا ينتهى إليه ، فإن أحضر بينته أخدت له بحقه ، وإلا وجهت عليه القضاء، فإن ذلك اتقى للشك ،وأجلى للعمى ثم إياك والقلق والضجر والتأذى بالناس والتنكر بالخصوم فى مواطن الحق التى يوجب بها الأجر ، فإنه من يخلص نيته فيما بينه وبين الله تعالى -ولو على نفسه- يكفيه الله ما بينه وبين الناس، ومن تزين للناس بما يعلم الله خلافه منه ، هتك الله ستره ،وأبدى فعله ، والسلام"(6).
ولهذا رأينا الفقهاء يوجبون على القاضى:
1- عدم الحكم لوالديه أو لأحد أولاده لأجل التهمة، ولكنه يجوز له أن يحكم على أحد أبويه ، أو أحد أبنائه لانتفاء التهمة.
2- عدم الحكم على عدوه ، ويجوز له أن يحكم له.
3- لا يجوز للقاضى أن يفاضل بين الخصوم فى المجلس ، ولا أن يخلو بأحد الخصوم دون الآخر لما فى ترك العدل فى ذلك من كسر قلب الآخر ويؤدى إلى التهمة(7).
4- وعلى القاضى أن ينظم وقته الذى يقضى فيه بين الناس ، ليعطى لنفسه وقتا للراحة.
5- يستحب له أن يتخذ كاتبا يكتب له ،لأن النبى صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ، فقد اتخذ زيد بن ثابت ليكتب له ، لأن القاضى فى الغالب يكون مشغولا بسماع دعوى الخصوم ومتابعة أقوالهم ، ولهذا فإنه يكون محتاجا لكاتب يكتب له الوقائع حتى لا يقع القاضى فى خطأ بسببه النسيان.
6- ينبغى للقاضى أن يتخذ أعوانا يعاونونه فى إحضار الخصوم وتنفيذ أحكامه بشرط أن يكون هؤلاء الأعوان من المعروفين بالتقوى والصلاح والأمانة والبعد عن الطمع (8).
7- ليجوز للقاضى تأخير الحكم فى الخصومة إلا فى ثلاث: الريبة، ولرجاء صلح الأقارب ، وإذا طلب أحد الخصوم مهلة لتقديم ما يؤكد قوله أمام القاضى(9).
8- على القاضى ألا يميز بين مسلم أو غير مسلم فى مجلس القضاء لأن الإسلام هو دين العدالة، والتى كانت سببا فى انتشار الإسلام شرقا وغربا، فهذا هو القاضى شريح الذى كان يقضى بالعدل ، ولا يفرق بين مسلم وغير مسلم ، ولا بين حاكم أو محكوم حينما تخاصم إليه سيدنا على ويهودى فى
رمح ، وادعى سيدنا على أن الرمح رمحه ،وادعى اليهودى أن الرمح رمحه ، عند ذلك
طلب القاضى من سيدنا على -وهو أمير المؤمنين- أن يحضر الشهود على أن الرمح رمحه ، فأحضر ابنه الحسن ، فلم يقبل القاضى شهادة الحسن لأبيه ، وطلب من سيدنا على أن يحضر شاهدا آخر، ولم يجد شاهدا غيره ، فحكم القاضى بأن الرمح لليهودى ، فلما رأى اليهودى ذلك تعجبه مما رأى ، وأعاد لسيدنا على رمحه ، وأعلن إسلامه فى الحال ، بسبب ما رآه من عدل القاضى، الذى لم يفرق بين مسلم وغير مسلم ، ولو كانت الخصومة بين يهودى وبين أمير المؤمنين.
أ.د/صبرى عبدالرؤوف محمد
__________
الهامش:
1- لسان العرب ، لابن منظور، دار صادر، بيروت (قضى) 15 /186-187.
2- حاشية الجمل على شرح المنهح ، طبعة عبدالرحمن محمد، 5 /334.
3- سنن أبى داود، سليمان بن الأشعث بن إسحاق ، السجستانى، أبو داود، 4 /11.
4- أدب القاضى، للماوردى، طبعة الحلبى، القاهرة 1 /137.
5- حاشية ابن عابدين 5 /367.
6- حكمة التشريع وفلسفته ، ليلى أحمد الجرجاوى، طبعة مؤسسة الحلبى، القاهرة 2 /167.
7- مغنى المحتاج ، محمد بن أحمد الشربينى، مكتبة مصطفى الحلبى، القاهرة ، 4 /393.
8- أدب القضاء، لابن أبى الحداد، بيروت ، ص108.
9- تبصرة الحكام ، 1 /77(1/252)
القضية الفلسطينية
فلسطين التى تنسب لها هذه القضية، هى أرض باركها الله سبحانه ،بأن جعل فيها المسجد الأقصى فى بيت المقدس ،وأسرى بعبده محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين إليه من المسجد الحرام وعرج به منه إلى السماء ليرى من آيات ربه الكبرى ، وبارك حوله ، وهى الأرض التى بعت الله فيها عيسى ابن مريم وعددا من النبيين ،وعاش فيها أبو الأنبياء إبراهيم خليل الرحمن ،عليهم جميعا صلوات الله وسلامه. وفلسطين هذه تشكل الشطر الجنوبى الغربى من بلاد الشام وتجاورجزيرة العرب ومصر.
والقضية الفلسطينية مصطلح برز قانونيا منذ عام 1336هـ ، عام 1917 م ، حين احتلت بريطانيا فلسطين ودخل الجنرال اللنبى مدينة القدس يوم 18 /12 /1917 قال كلمته "الآن انتهت الحروب الصليبية". ويدل هذا المصطلح على جميع ما يتصل بفلسطين ، شعبا وارضا، وحضارة وهى تواجه مع وطنها العربى ودائرة حضارتها الإسلامية تحالف قوى الهيمنة الغربية ، القارونيين الجدد ، مع الصهيونية العنصرية فى غروة لها بغية اغتصابها وجعلها "وطنا قوميا لليهود" على حد تعبير تصريح بلفور،وقاعدة استعمارية استيطانية عنصرية للتسلط على الوطن العربى بخاصة والعالم الإسلامى بعامة.
كانت بريطانيا قد ركزت أطماعها على فلسطين والأقطار العربية فى الدولة
العثمانية منذ أوائل القرن الثالث عشر الهجرى مطلع القرن التاسع عشر الميلادى، إثر انتصار بلاد الشام ومصر على الغزوة الفرنسية التى قادها نابليون بونابرت ،وعمدت فى نهاية ذلك القرن إلى تشجيع إقامة الحركة الصهيونيهة عام 1897م ومساعدتها فى تهجير اليهود إلى فلسطين كما قامت عام 1916م/1335هـ ، بإبرام اتفاق سايكس بيكو مع فرنسا لتجزئة بلاد الشام واستعمارها، متنكرة لوعودها للشريف حسين باستقلال بلاد العرب ، ولم تلبث حكومة بريطانيا أن أصدرت يوم 2 /11 /1917 تصريحا بالعمل على جعل فلسطين وطنا قوميا لليهود. وقامت بريطانيا بعد انهيار الدوله العثمانية إثر الحرب العالمية الأولى باستعمار فلسطين تحت اسم "الأنتداب" الذى قررته عصبة الأمم فى 24 /7 /1922م وأقرت له "صكا" لتنفيذ التصريح ، وباشرت بريطانيا استعمارا قمعيا ظالما وحشيا غير إنسانى استهدفت به شعب فلسطين العربى بغالبيتة المسلمة والمسيحية.
القضية الفلسطينية إذا فى ضوء ماسبق هى قضية جهاد الشعب العربى الفلسطينى لتحرير وطنه المحتل ، فلسطين الذى رسم "الانتداب" حدودا سياسية له تفصله عن بقية أقطار بلاد الشام ومصر، وتبلغ مساحته حوالى سبعة وعشرين ألف كيلو مترا مربعا، وقد برزت فيه عوامل دينية وحضارية وقومية واستراتيجية، وأبعاد محلية واقليمية ودولية.
استمر هذا الجهاد طيلة مرحلة الاستعمار البريطانى الذى انتهى يوم 15 /5 /1948م وواجه فيه الشعب العربى الفلسطينى العدو المزدوج بريطانيا والحركة الصهيونية، مدافعا عن بيت المقدس والوطن والعرض والمال وحضارته العربية الإسلامية والدين. واتبع فيه مختلف الوسائل القانونية والسياسية والانتفاضات والثورات التى منها ثورة البراق عام 1348هـ،عام 1929م وثوره القسام بعدها بأربع سنين والثورة العربية الكبرى بين عامى 1335،1337هـ/1936،1938م وقد حظى هذا الجهاد بمساندة أبناء الأمة العربية والعالم الإسلامى الذين أدركوا أن تحالف قوى
الهيمنة الغربية والصهيونية لم يستهدفوا فلسطين لذاتها فحسب ، وإنما للسيطرة على الوطن العربى وديار الإسلام بعامة. وتجلت هذه المساندة فى صور، كان منها إنعقاد المؤتمر الإسلامى فى بيت المقدس عام 1350هـ الموافق 1931م ، وكان منها أيضا مشاركة مجاهديه فى الثورة العربية الكبرى.
وكاد هذا الجهاد أن يحقق بعض أهدافه لولا نشوب الحرب العالمية الثانية عام 1939م ،وبروز قوى الهيمنة الأمريكية التى تبنت الحركة الصهيونية. وكان للولايات المتحدة دور خاص فى صدور قرار الأمم المتحدة الخاص بتقسيم فلسطين يوم 29 /11 /1947م ، ثم فى إقامة "إسرائيل" فى 15 /5 /1948 م ، خدمة للمصالح الأمريكية المتنامية فى الوطن العربى والعالم الإسلامى المتعطلة، للسيطرة على النفط بخاصة.
مرت القضية الفلسطينية بمراحل بعد إقامة دولة إسرائيل ، امتدت واحدة منها بين عامى 1948م و1967م ، وشهدت تدعيم الكيان الصهيونى بالمهجرين اليهود وبالسلاح ، وتوظيف قوى الهيمنة الغربية فى مقاومة ثورة التحرير فى الوطن العربى والعالم الإسلامى، وأحد تجليات ذلك العدوان الثلاثى على مصر عام 1956م الذى دبرته بريطانيا وفرنسا وشاركت إسرائيل فى تنفيذه. كما شهدت هذه المرحلة استمرار جهاد شعب فلسطين العربى للتماسك بعد النكبة التى حلت به عام 1948 م من جهة ولإبراز كيانه من جهة أخرى. وقد قامت منظمة التحرير الفلسطينية تجسيدا لهذا الكيان فى 28 /5 /1964 م بدعم من الدول العربية.
ومرحلة أخرى امتدت منذ نكسة حرب يونيو حزيران عام 1967م حتى زلزال الخليج عام 1991م وبرزت فى هذه المرحلة قضية الأراضى العربية التى احتلتها إسرائيل فى سيناء المصرية والجولان السورية إلى جانب القضية الفلسطينية التى دخل فيها احتلال إسرائيل لبقية فلسطين (الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة).
وشهدت هذه المرحلة حرب رمضان لعام 1493هـ عام 1973م كما شهدت قيام "إسرائيل" باحتلال شريط فى جنوب لبنان عام 1978م وبغزو الجنوب اللبنانى عام 1982م وبرزت منذ ذلك الحين المقاومة اللبنانية المباركة واستمرت الثورة الفلسطينية فى هذه المرحلة، وحدثت الانتفاضة فى آخر عام 1978م وشهدت المرحلة إبرام اتفاق كامب دافيد بين مصر وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية عام 1978 م الذى أوصل إلى إبرام معاهده السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979 م.
المرحلة الراهنة فى القضية الفلسطينية بدأت بعد زلزال الخليج بانعقاد مؤتمر مدريد يوم 30 /10 /1991م الذى باشر ما أسمته الولايات المتحدة الأمريكية "عملية سلام الشرق الأوسط" وشهدت هذه المرحلة اعتراف قيادة منظمة التحرير الفلسطينية "بإسرائيل" فى 9 /9 /1993 وإبرام اتفاقات
أوسلو بإقامة "حكم ذاتى انتقالى فلسطينى محدود فى الضفة الغربية وقطاع غزة" وإبرام الأردن معاهدة سلام مع إسرائيل فى 26 /10 /1994م.
وباتفاقات أوسلو انحصرت القضية الفلسطينية فى مسائل أربع تتعلق بما أسمته الولايات المتحدة الوضع النهائى، هى القدس والمستعمرات الاستيطانية الصهيونية فى الضفة والقطاع واللاجئون والحدود كما شهدت هذه المرحلة المحاولة الأمريكية لإقامة "نظام الشرق الأوسط" فى دائرة الحضارة الإسلامية بقيادة إسرائيل.
دلائل كثيرة تشير إلى أن "عملية سلام الشرق الأوسط" حتى وإن وصلت إلى إبرام إتفاقات بشأن هذه المسائل الأربع ، فإن القضية باقية وتدخل مرحلة جديدة يأخذ فيها الصراع العربى الصهيونى شكلا مختلفا عما كان عليه طوال القرن الأول وذلك لأن "الحل العنصرى" للقضية الذى صممته قوى الهيمنة الأمريكية مع الصهيونية لم يعالج جوانب القضية بل جعلها تتفاقم ، وبخاصة فيما يتعلق ببيت المقدس الذى يستهدف هذا "الحل العنصرى" تهويدها وينذر بوقوع جريمة هدم المسجد الأقصى فيها واقامة هيكل فى موضعه. وهكذا فإن من المتوقع أن تستمر القضية الفلسطينية وتدخل مرحلة أخرى فى صراع النفس الطويل التى تخوضها الأمة العربية والشعوب الإسلامية ضد قوى الهيمنة الغربية والصهيونية العنصرية إلى أن
يتم تحرير فلسطين والقدس وينبذ اليهود الصهيونية فيعيشوا مستأمنين فى ظل الحضاره العربية الإسلامية.
أ.د/أحمد صدقى الدجانى
__________
مراجع الاستزادة:
1- دائرة المعارف الأمريكية Encyclop Edia Americana. ط1995م الجزء الثالث ص612.
2- تاريخ العرب للدكتور فيليب حتى وآخرين ص8.
3- تاريخ الأمة العربية محمد أسعد طلس عصر الانحدار ص9-13 .
4- بروتوكولات حكماء صهيون ترجمه عن الإنجليزية محمد خليفة التونسى، ط دار الكتاب العربى بيروت(1/253)
القنوت
لغة: هو مصدر من باب قعد، وهو العبادة أو الدعاء مطلقا، ويطلق على القيام فى الصلاة وأقنت: أى دعا على عدوه(1).
وشرعا: هو ما اشتمل على دعاء وثناء ولو آية قصده بها(2).
واعلم أنه قد وقع الاتفاق على ترك القنوت فى أربع صلوات من غير سبب ، وهى الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ولم يبق الخلاف إلا فى صلاة الصبح من المكتوبات وفى صلاة الوتر من غيرها(3).
أما عن مشروعية القنوت فى الصبح ، فقد ذهب المالكية والشافعية وابن أبى ليلى والحسن بن صالح والأوزاعى والخلفاء الأربعة ومعهم بعض الصحابة والتابعين ، إلى أن القنوت مشروع فى الركعة الثانية من صلاة الصبح فى جميع الأزمان ، سواء كانت هناك نوازل أم لم تكن ، فهو سنة(4).
بينما ذهب الحنفية والحنابلة والثورى وروى عن ابن عباس وابن عمر وابن مسعود إلى أن القنوت غير مشروع فى صلاة الصبح ،إلا إذا أنزل بالمسلمين نازلة، فالإمام له أن يقنت فى صلاة الصبح (5).
وأما القنوت فى الوتر، فقد ذهب الحنفية، وبعض الشافعية، والمنصوص عن أحمد إلى أن القنوت مسنون فى الوتر فى الركعة الواحدة فى جميع السنة.
بينما ذهب الشافعية فى الراجح عندهم ، ورواية عن الإمام أحمد إلى أن القنوت مسنون فى الوتر فى النصف الأخير من شهر رمضان فقط (6).
وهل يقنت قبل الركوع أو بعده؟ بكلٍّ قيل.
أ.د/على مرعى
__________
الهامش:
1- المصباح المنير للفيومى ، ومختار القاموس مادة "قنت".
2- حاشية قليوبى على شرح الجلال المحلى على المنهاج ، 1 /157 ، ط دار إحياء الكتب العربية لصاحبها عيسى الحلبى.
3- نيل الأوطار للشوكانى 2 /346 ، ط دار الحديث ، حاشية الدسوقى على الشرح الكبير 1 /248 ، ط المطبعة الأزهرية بمصر 1345هـ، 1927م.
4- نيل الأوطار 2 /345 ، قليوبى وعميرة 1 /157 ، الشرح الكبير بهامش حاشية الدسوقى 1 /248 ، المغنى لابن قدامة 2 /154 وما بعدها، ط علم الكتب بيروت.
5- البناية على الهداية لأبى محمد محمود بن أحمد العينى 2 /512 ، ط دار الفكر ، المغنى لابن قدامة 2 /154،155 ، نيل الأوطار 2 /345.
6- البناية على الهداية 2 /504 ، قليوبى وعميرة 1 /213 ، المغنى لابن قدامة 2 /151(1/254)
قول الصحابى
لغة: جمعه صحب وأصحاب وصحابة،والأصل فى هذا الإطلاق لمن حصل له رؤية ومجالسه (لسان العرب)(1).
واصطلاحا: عند جمهور الأصوليين(2): هو من لقى الرسول صلى الله عليه وسلم مؤمنا به ولازمه زمنا طويلا، ومات على إسلامه.
وعند جمهور المحدثين: هو من لقى الرسول صلى الله عليه وسلم مؤمنا به ومات على إسلامه ، سواء طالت صحبته أولم تطل.
وقول الصحابى اصطلاحا: هو مذهبه فى المسألة الفقهية الاجتهادية(2) ،
سواء أكان ما نقل عن الصحابى قولا أم فعلا.
وأعلم أن الصحابه رضى الله عنهم كانوا مرجع الافتاء ومنبع الاجتهاد حينما طرأت حوادث جديدة، ووقعت وقائع لا عهد للمسلمين بها فى حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وكانوا فى الافتاء متفاوتين بتفاوت نضجهم الفقهى، فأثر عن جملة منهم كثير من الفتاوى بحيث يكون جزءا كبيرا منثورا فى بطون الكتب الفقهية.
وقد اتفقت الأئمة من أصحاب المذاهب الفقهية على أنه لا خلاف فى الأخذ بقول الصحابى فيما لا مجال للرأى والاجتهاد فيه ،لأنه من قبيل الخبر التوقيفى عن صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم ، ولاخلاف أيضا فيما أجمع عليه الصحابة صراحة أو كان مما لايعرف له مخالف ، كما فى توريث الجدات السدس.
ولا خلاف أيضا فى أن قول الصحابى المقول باجتهاد ليس بحجة على صحابى آخر، لأن الصحابة اختلفوا فى كثير من المسائل ، ولو كان قول أحدهما حجة على غيره لما وقع منهم هذا الخلاف.
وإنما الخلاف فى فتوى الصحابى بالاجتهاد المحض بالنسبة إلى التابعى ومن بعده ، هل يعتبرحجة شرعية أم لا؟
فذهب جمهور العلماء من الحنفيه والمالكية وبعض الشافعية والحنابلة على أنه حجة شرعية مقدمة على القياس ، والراجح من الشافعية على أنه ليس بحجة، وهناك أقوال أخري لكنها ترجع إلى هذين القولين.
والراجح أن مذهب الصحابى ليس حجة، ولا يكون دليلا شرعيا مستقلا فيما يكون بالاجتهاد المحض ، لان المجتهد يجوز عليه الخطأ، ولم يثبت أن الصحابة ألزموا غيرهم بأقوالهم ، فمرتبة الصحبة وإن كانت شرفا عظيما لا تجعل صاحبها معصوما عن الخطأ (4).
أ.د/على جمعة محمد
__________
الهامش:
1- لسان العرب مادة (صحب) ط دار المعارف ، وكذا المصباح المنير للفيومى المطبعة الأميرية بالقاهرة ، ط7 ، 1928م.
2- فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت 2 /20 مع المستصفى للغزالى دارالفكر ، وشرح المحلى على جمع الجوامع مع حاشية اللبنانى 2 /146 ، مصطفى الحلبى.
3- مذهب الصحابى وأثره فى الفقة الإسلامى د/سعيد مصيلحى، ص26.
4- أصول الفقة الإسلامى د/وهبة الزحيلى 2 /850 ومابعدها ط1 ، دار الفكر 1986 م ، تيسير أصول الفقة ، محمد أنور البدخشانى ، 162 ، ومابعدها. ط كراتشى باكستان 1990م.
مراجع الاستزادة:
1- الاجتهاد فيما لا نص فيه ، د/الطيب خضرى السيد 2 /103 ومابعدها، ط1 مكتبة الحرمين 1983م.
2- البحر المحيط للزركشى 6 /53 وما بعدها ط1 ، وزارة الأوقاف بالكويت 1990م.
3- تشنيف المسامع بجمع الجوامع للزركشى 4 /441 وما بعدها مؤسسة قرطبة ، ط1 1998م.
4- الحاصل من المحصول لتاج الدين الأرموى تحقيق عبدالسلام أبو ناجى 2 /1050 وما بعدها ، ط1 ، جامعة قاريونس بنغازى 1994م(1/255)
القول بالموجَب
لغة: الموجب مأخوذ من: أوجب يوجب ، أى: أتى بموجبه من السيئات أو الحسنات ، وأوجب الرجل: إذاعمل عملا يوجب الجنة أوالنار(1).
واصطلاحا: تسليم ما جعله المستدل موجبا لعلته مع استبقاء الخلاف (2).
ومعنى ذلك: أنما يسلم الخصم الدليل الذى اسستدل به المستدل ، إلا أنه يقول: هذا الدليل ليس فى محل النزاع إنما هو فى غيره ، فيبقى الخلاف بينهما كقول الشافعى: المحرم إذا مات لم يغسل ، ولم يمس بطيب ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فى رجل مات وهو محرم: (لا تمسوه بطيب فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا)(3).
فيقول المالكى: سلمنا ذلك فى لك الرجل ، وإنما النزاع فى غيره ،لأن اللفظ لم يرد و بصيغة العموم (4).
والقول بالموجب من قوادح العلة، والموجب بفتح الجيم أى: القول بما أوجبه دليل المستدل واقتضاه ، أما الموجب بكسرها فهو: الدليل المقتضى للحكم ،وهو غير مختص بالقياس ،ومنه الآيه الكريمة {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل}المنافقون:8 ، فقد ذكرها رأس النفاق ابن سلول وقت أن كان المسلمون فى غزوة بنى المصطلق ، فقال: لئن رجعنا إلى المدينة من هذه الغزوة ليخرجن الأعز -يقصد نفسه- منها الأذل يعنى محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأجابه الله تبارك وتعالى بموجب قوله مع عدم تسليمه له فقال تعالى {ولله العزه ولرسوله وللمؤمنين}المنافقون:8.
فإنه لما ذكر صفة، وهى العزة، وأثبت لها حكما ، وهو الإخراج من المدينة، رد عليه رب العزة تبارك وتعالى بأن هذه الصفة ثابتة لكن لا لمن أراد ثبوتها له ، فإنها ثابتة لغيره باقية على اقتضائها للحكم وهو الإخراج ، فالعزة موجودة لكن لا له بل لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين (5).
وجمهور الأصوليين على أن القول بالموجب قادح فى العلة مفسد لها، ومن صرح بذلك إمام الحرمين ، وابن السمعانى، والفخر الرازى، والآمدى، لأن المعترض إذا قال بموجب العلة أصبحت فى موضع الإجماع ،ولا تكون متناولة لوضع الخلاف ، ولأنه إذا كان تسليم موجب ما ذكره من الدليل لايرفع الخلاف ، علم أن ما ذكره ليس بدليل الحكم الذى أراد إثباته.
ونقل الرركشى عن ظاهر كلام الجدليين أنه ليس من قوادح العلة، لأن القول بموجب الدليل تسليم فكيف يكون مفسدا(6).
أ.د/على جمعه محمد
__________
الهامش:
1- لسان العرب لابن منظور 6 /4766،4767 دار المعارف ، المعجم الوسيط لمجمع اللغة العربية 2 /1012 ، دار المعارف 1972م.
2- الإيضاح لقوانين الاصطلاح فى الجدل والمناظرة الجوزى ص335 تحقيق محمود الدغيم مدبولى 1995م.
3- هذا الحديث متفق عليه: أخرجه البخارى فى كتاب الجنائز رقم (1265) و(1266) و (1267) و(1268) ، مسلم فى كتاب الحج رقم (1206) من رواية ابن عباس.
4- تقريب الوصول إلى علم الأصول لابن جزى الغرناطى تحقيق محمد المختار الشنقيطى ص385 مكتبة ابن تيمية ط1 ، 1414هـ.
5- تشنيف المسامع بجمع الجوامع للزركشى 4 /361 ومابعدها مؤسسة قرطبة طبعة1 ، 1998م شرح المحلى على جمع الجوامع 2 /316 طبعة مصطفى الحلبى غايه الوصول شرح لب الأصول ، للشيخ زكريا الأنصارى ، ص131 طبعة عيسى الحلبى وشركاه.
6- البحر المحيط للزركشى 5 /297 ومابعدها طبعة وزارة الأوقاف بالكويت 1990م ، تقريب الوصول إلى علم الأصول لابن جزى هامش ص385 ، ص386 مكتبه ابن تيمية 1414هـ.
مراجع الاستزادة:
1- الفائق فى أصول الفقه لصفى الدين الهندى تحقيق د/على العميرين 4 /249 وما بعدها طبعة السعودية.
2- إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول تحقيق د/شعبان محمد إسماعيل 2 /222 وما بعدها دار الكتبى طبعة1 ، 1993م.
3- الكافية فى الجدل لأبى المعالى الجوينى تحقيق د/فوقية حسين محمود، ص161 عيسى الحلبى وشركاه 1979م(1/256)
الكتابة كصناعة
لغة: كتب الكتاب كتبا وكتابا وكتابة خطه ، الكتابة: صناعة الكاتب ، كما فى الوسيط(1).
واصطلاحا: الكتابة -كخط- يستخدم فى تسجيل المعلومات قديمة جدا وترجع إلى الألف السادسة قبل الميلاد، وقد بدأت الكتابة بتصويرالأفكار ثم بتصوير الكلمات ثم بترميز الأصوات بالشكل الأبجدى، وإن كانت هناك حتى اليوم كتابات تصويرية بالكلمات.
والكتابة العربية -كخط- اشتقت من الكتابة النبطية فى نحو القرن الثالث الميلادى ودخلت إلى شمالى الجزيرة العربية فى نحو القرن الخامس الميلادى وأوائل السادس الميلادى.
وقد استخدمت الأبجدية العربية كفن زخرفى مع مطلع القرن (الثانى الهجرى، الثامن الميلادى)، وتأنق الخطاطون المسلمون فى ذلك تأنقا شديدا. وتفرع عن الكتابة العربية عشرات من الخطوط والأقلام مع مرورالوقت.
أما الكتابة كصناعة فقد عرفها العرب باسم صناعة الإنشاء. وقد برع العرب
فى تأليف الكتب حول هذه الصناعة وذلك بعد أن انتشر تدوين الكتب فى نهاية القرن الثانى الهجرى. ومن بين الكتب الهامة فى هذا الصدد كتاب ابن جماعة "تذكرة السامع والمتكلم فى أدب العالم والمتعلم" وكتاب القلقشندى "صبح الأعشى فى صناعة الإنشا".
ولقد أجمع العلماء المسلمون على أن صنعة الكتابة فضيلة والاشتغال بها عمل محمود، والنصوص فى هذا الصدد كثيرة.
وقد وضع العلماء المسلمون لصنعة الكتابة ظوابط وقواعد وآداب بعضها قواعد مادية،إبعضها قواعد معنوية. ومن أهم تلك القواعد:
1- إذا كتب الكاتب شيئا من العلوم الشرعية، يجب أن يكون على طهارة مستقبلا القبلة، طاهر البدن والثياب و الحبر والورق ويبتدىء كل كتاب بكتابة البسملة. وإذا فرغ من كتابة الكتاب أوالجزء فليختمه بالحمد له و الصلاة على النبى، وكلما كتب اسم لله تعالى أتبعه بالتعظيم مثل: تعالى، سبحانه ، ويتلفظ بذلك.
وكلما كتب اسم النبى كتب بعده صلى الله عليه وسلم ولا يسأم من تكريرها ولايختصرها، ويجب أن يتلفظ بها وهو يكتبها، وإذا مر بذكر أحد من الصحابة كتب بعده رضى الله عنه أو رضوان الله عليه. أما إذا مر بذكرأحد من الأئمة كتب بعده رحمه الله أو رحمة الله عليه أو تغمده الله برحمته.
2- لايهتم الكاتب بالمبالغة فى حسن الخط وإنما يهتم بصحته وتصحيحه ويتجنب التعليق وهو خلط الحروف التى ينبغى تفرقها والمشق وهو سرعة الكتابة مع بعثرة الحروف. قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه:
شر الكتابة المشق وشر القراءة الهدرمة (التصفح السريع دون تدبر المعنى) وأجود الخط أبينه.
3- يكره فى الكتابة فصل مضاف اسم الله تعالى منه: عبدالله ، عبدالرحمن ، رسول الله ،فلا يكتب عبد أو رسول فى نهاية السطر والله أو الرحمن فى بداية السطر التالى لقبح صورة الكتابة.
4- وإذا كان الكاتب ينسخ كتابا فعليه مقابلة النسخة على أصل موثوق صحيح فالمقابلة متعينة للكتاب الذى يرام به النفع. قال عروة بن الزبير لابنه هشام رضى الله عنهما: كتبت؟ قال: نعم ، قال: عرضت كتابك؟ (أى على أصل صحيح) قال: لا، قال: لم تكتب.
وإذا صحح الكتاب بالمقابلة على أصل صحيح أو على شيخ فينبغى أن يعجم المعجم ،ويشكل المشكل ، ويضبط الملتبس ، ويتفقد مواضع التصحيف.
5- على الكاتب أن يكتب على ماصححه وضبطه فى الكتاب (صح) صغيرة. ويكتب فوق ماوقع فى التصنيف وهو خطأ (كذا) صغيرة أى هكذا رأيته ، ويكتب فى الحاشية (صوابه كذا) إن كان يتحققه أو(لعله كذا) إن غلب على ظنه ، ويكتب على ما أشكل عليه ولم يتبين صحته (ضبة) وهى صورة رأس صاد مهملة مختصرة(ص).
6- لايكتب الكاتب الكتابة الدقيقة لأنه ربما لم ينتفع بها وقت الحاجة من كبر وضعف بصر، ثم محله فيمن عجزعن ثمن ورق أو حمله فى سفر فيكون معه خفيف المحمل فلا كراهة فى ذلك ولا منع للعذر، والكتابة بالحبر أولى من المداد.
7- ينبغى ألا يكون القلم صلبا جدا فيمنع سرعة الجرى، ولا رخوا فيسرع إليه الحض ،وقال البعض إذا أردت أن تجود خطك فأطل جلفتك وأسمتها، وحرف قطتك وأيمنها، ولتكن الساكين حادة جدا لبراية الأقلام وكشط الورق
ولا تستعمل فى غير ذلك. وليكن مايسقط عليه القلم صلبا وهم يحمدون القصب الفارسى جدا والأبنوس الصلب الثقيل.
8- ينصح الكاتب عادة بكتابة الأبواب بالحمرة فإنه أظهر فى البيان وفى فواصل الكلام ، وكذلك لابأس به على أسماء أو مذهب أو أقوال أو طرف أو أنواع أو لغات أو أعداد أو نحو ذلك.
ومن أدوات الكتابة عند المسلمين: القلم - المداد - الدواة - المدية - المقط - المفرشة - الممسحة - المقلمة.
وقد تطورت مواد الكتابة عند المسلمين مع مرور الزمن: من مواد طبيعية مثل العسب والكرانيف ، والعظام ، واللخاف ، وقطع الفخار ، إلى مواد مصنعة كالمهارق ، والبردى، والرق ، ثم الورق.
أ.د/شعبان عبدالعزيز خليفه
__________
مراجع الإستزادة:
1- صبح الأعشى للقلقشندى.
2- تذكرة السامع والمتكلم لابن جماعة(1/257)
كُتَّاب الوحى
كتاب: جمع كاتب والكاتب عند العرب العالم ، ومنه قوله تعالى: {أم عندهم الغيب فهم يكتبون}الطور:41(1).
والوحى فى اللغة: إعلام الغير بشىء فى خفاء.
واصطلاحا: إعلام الله تعالى لنبى من أنبيائه ، وهو من خصائص الأنبياء والرسل ، ويكون مباشرة كما فى تكليم الله موسى على الجبل ، أو بواسطة الملائكة الذين يحملون التعاليم الإلهية إلى من اصطفاهم الله من خلقه وهم الرسل ، وقد جاء ذكر الوحى فى الديانات الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام ، ويعتبر القرآن الكريم هو الوحى المنزل على النبى صلى الله عليه وسلم باللفظ المنقول عنه بالتواتر حفظا وكتابة، ويعتبر إعجاز القرآن اثباتا لنبوته عليه السلام(2).
وقد اتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم كتابا للوحى، منهم من كان يكتب فى بعض الأحيان ومنهم من كان منقطعا للكتابة ومتخصصا لها، وكلما نزل شىء من القرآن الكريم أمرهم عليه السلام بكتابته مبالغة فى تسجيله وزيادة فى التوثيق والضبط والاحتياط لكتاب الله تعالى، حتى تظاهر الكتابة الحفظ ويعاضد النقش اللفظ وكان هؤلاء الكتّاب من خيرة الصحابة.
وكان عليه السلام يدلهم على موضع المكتوب من سورته فيكتبونه فيما يسهل عليهم من العسب (جريد النخل) واللخاف (الحجارة الرقيقة) وقطع الأديم (الجلد) والرقاع (من الورق والكاغد) ثم يوضع المكتوب فى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم ينقض العهد النبوى إلا والقرآن مجموع على هذا النمط (3).
وكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم عددا من الكتّاب وصل بهم بعض المؤرخين إلى ستة وعشرون كاتبا ، ووصل بهم البعض الآخر إلى اثنين وأربعين كاتبا منهم فى مكة:
"على بن أبى طالب وعثمان بن غفان. وأبو بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب ، وخالد بن سعيد بن العاص ، وعامر بن فهيرة. والأرقم بن أبى الأرقم ، وأبو سلمة عبدالله بن عبد الأسد المخزومى ، وجعفر بن أبى طالب. وحاطب بن عمرو ، والزبير بن العوام ، وطلحة بن عبيد الله ، وعبدالله بن أبى بكر".
وأضيف إليهم فى المدينة:
"أبو أيوب الأنصارى، وخالد بن زيد. وأُبىُّ ابن كعب ، وزيد بن ثابت ، وعبدالله بن رواحة ، ومعاذ بن جبل ، ومعيقب بن أبى فاطمة الدوسى، وعبدالله بن عبدالله بن أُبّى بن سلول ، وعبدالله بن زيد، ومحمد بن مسلمة،
وبريدة بن الحصيب ، وثابت بن قيس بن شماس ، وحذيفة بن اليمان ، وحنظلة بن الربيع ، وعبدالله بن سعد بن أبى سرج".
وزاد بعد الحديبية:
"أبو سفيان صخر بن حرب ، ويزيد بن أبى سفيان ،ومعاوية بن أبى سفيان ، وخالد بن الوليد ، وجهم بن سعد وجهم بن الصلت بن مخرمة، والحصين بن النمير، وحويطب بن عبد العزى، وعبدالله بن الأرقم ، والعباس بن عبدالمطلب ، وأبان بن سعيد بن العاص ،وسعيد بن سعيد بن العاص ، والمغيرة بن شعبة، وعمرو بن العاص ، وشرحبيل بن حسنة، والعلاء الحضرمى".
هذا وقد أضحى فى المدينة لكل كاتب اختصاص تقريبا، فكان يكتب الوحى على بن أبى طالب وعثمان بن عفان وزيد بن ثابت وأبىّ بن كعب ويكتب للملوك والأمراء زيد بن ثابت ويكتب للمعاهدات على بن أبى طالب ويكتب لحوائج الناس المغيرة بن شعبة ويكتب المدانيات فى المجتمع عبدالله بن الأرقم ويكتب الغنائم معيقب بن أبى فاطمة الدوسى، وعندما كان يغيب أى
كاتبا من هؤلاء، كان يكتب حنظلة بن الربيع ،لذا عرف بالكاتب(4).
أ.د/عبدالله جمال الدين
__________
الهامش:
1- المعجم الوجيز: مجمع اللغة العربية، ص526 ومختار الصحاح ص562.
2- دائرة المعارف الحديثة، أحمد عطية الله ، ص741.
3- القرآن والتفسير، عبدالله شحاته ، ص24،25.
4- التاريخ الإسلامى، محمود شاكر، ص379،380(1/258)
الكذب
الكذب: نقيض الصدق ، والصدق مطابقة الخبر للواقع ولو بحسب اعتقاد
المتكلم فى لسان العرب: كذب يكذب كذبا، تقول: رجل كاذب ، وكذاب ، وفى قوله تعالى: {ليس لوقعتها كاذبة}الواقعة:2.
وجاء فى لغة العرب تَكَذّبوا عليه: زعموا أنه كاذب وتُكذّب فلان: إذا تكلف الكذب ،و الكذابة: ثوب يصبغ بألوان ينقش كأنه موشى.
والكذابان: مسيلمة الحنفى، والأسود العنسى(1).
وللكذب دوافع منها:
1- الاعتزاز بخداع النفس، ومحاولة اجتلاب النفع مع أن فيه الهلكة، قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: لأن يضعنى الصدق ، وقلما يضع ، أحب إلى من أن يرفعنى الكذب وقلما يفعل.
2- أن يؤثر فيكون حديثه مستغربا وكلامه مستطرفا.
3- أن يقصد بالكذب التشفى من عدوه ،فيسمه بقبائح يخترعها عليه.
4- أن يتعود الكذب ، حتى يصير الكذب سجية له.
ولقد حرم الإسلام الكذب لكن السنة المطهرة وردت بإرخاصه فى الحرب
وإصلاح ذات البين على وجه التورية، والتأويل دون التصريح به ، فإن السنة لم ترد بإباحة الكذب على وجه التصريح قط، كما أن من الصدق ما يقوم مقام الكذب فى القبح والمعرة ، كالغيبة والنميمة.
أما الآثار السلبية للكذب على الفرد وعلى الأمة:
1- تضيع به الحقوق ، فمنه شهادة الزور.
2- تفقد به الثقة، فتفقد الطمأنينة إلى الكاذب فيحجم الناس عن التعامل معه.
3- الكذب عنصر إفساد كبير للمجتمعات الإنسانية وسبب هدم لأبنيتها الحضارية ، وتقطيع لروابطها وصلاتها ، ورذيلة من رذائل السلوك ذات الضرر البالغ.
4- إن الكذب طريق إلى النار فيه يخسر الإنسان آخرته بعد خسارة دنياه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالصدق فإن الصدق يهدى إلى البر، وإن البر يهدى إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدى إلى الفجوز وإن الفجور يهدى إلى النار ومايزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا".
ولهذا استحالت صفة الكذب على الرسل ،ووجبت لهم صفة الصدق ، فلو جازت عليهم صفة الكذب ، لما وثق الناس فى أخبارهم فتضيع الفائدة من الرسالة، فكان رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم منذ نعومة أظفاره موصوفا بالصادق الأمين ، بقدر ما أتخذ من الصدق صفة له دليلا لايقبل الجدل لإثبات كونه رسول الله تعالى.
أ.د/عبدالسلام محمد عبده
__________
مراجع الاستزادة:
1- الأخلاق فىالإسلام ، د/عبداللطيف العبد.
2- لسان العرب لابن منظور 5 /3841،3842.
3- تهذيب الأخلاق لمسكويه(1/259)
الكرامة
لغة: تعنى العزازة حيث تقول: فلان كريم على، بمعنى عزيز لدى والمكرمة: فعل الكرم ، والمكرم: الرجل الكريم على كل أحد.
واستكرم الشىء: أى طلبه كريما ،وكريم: ورد فى التنزيل {إنى ألقى إلى كتاب كريم}النمل:29 ، أى حسن معناه ، محمود ما فيه(1).
واصطلاحا: فى منظور رجال التوحيد هى أمر خارق للعادة يظهره الله على يد عبد ظاهر الصلاح ملتزم بمتابعة نبى، كلف بشريعة، مصحوبا بصحيح الاعتقاد ، والعمل الصالح عمل بها أم لم يعمل. والمكرمة سواء
أعلم بها أم لم يعلم لايتحدى بها كالمعجزة.
وفى مسألة وقوع الكرامة من ولى أو عدم ظهورها على يديه مذهبان: المذهب الأول وهو لأهل السنة:
فهم يرون الكرامة جائزة عقلا ، وواقعة فعلا فى الحياة، وبعد الممات ، بل إن بعضهم يذهب إلى أن حدوثها بعد الموت أولى لصفاء النفس حينذاك من الأكدار، ويستندون فيما ذهبوا إليه من جواز وقوعها على أنه لا يلزم من فرض وقوعها محال ، وكل ما كان كذلك يكون جائزا.
ويستدلون على ذلك بما ورد فى القرآن الكريم من قصة مريم حيث أنبتها الله تعالى نباتا حسنا، وكان زكريا (عليه السلام) كلما دخل عليها المحراب وجد عندها رزقا كثيرا.
وقصة أهل الكهف الذين لبثوا فى الغار ثلاثمائة سنين وإزدادوا تسعا دون طعام أو شراب فضرب الله على آذانهم لأن الأذن موطن الإيقاظ فى الإنسان ، والشمس تطهر كهفهم من الأمراض فإذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين.
كذلك ماذكره القرآن عن الذى عنده علم الكتاب الذى أحضر عرش بلقيس من اليمن إلى بلاد الشام فى طرفة عين وغير ذلك.
أما المذهب الثانى للمعتزلة:
وهم يرون عدم جواز الكرامة ولهم على مذهبهم أدلة لديهم فيها:
1- لو ظهرت الكرامة على يد الولى لالتبس بالنبى ويرد هذا بمنع الالتباس ذلك لأن المعجزة مقرونة بدعوى النبوة بخلاف الكرامة.
2- لو ظهرت الكرامة على يد الولى كثرت بكثرتهم فلا تكون خارقة ويرد من لدليل بأن الكثرة لاتؤدى إلى تحويل خارق العادة إلى معتاد ، ويظل الخارق للعادة رغم كثرته خارقا للعادة.
وبناء عليه فيسلم قول جواز وقوع الكرامة للولى تكريما على طاعة الله تعالى.
أ.د/عبدالسلام محمد عبده
__________
مراجع الاستزادة:
1- الكامل فى الاستقصاء فيما بلغنا من كلام القدماء تقى الدين النجرانى تحقيق د/السيد الشاهد ط المجلي الأعلى للشئون الإسلامية سنة 1999م.
2- اللمع: للطوسى تحقيق د/عبدالحليم محمود وطه عبد الباقى سرور، ط المكتبة العلمية.
3- كشف المحجوب للهجويرى ترجمه د/اسعاد قنديل.
4- شرح الأصول الخمسة للقاضى عبدالجبار، تحقيق د/عبدالكريم عثمان(1/260)
الكراهية
الكراهية نقيض الحب فهى شعور الإنسان ببغضه للآخرين ، وحبه لنفسه فقط ، وهى داء وبيل ينجب الكثير من الأمراض الخلقية الخطيرة مثل: الحسد، والبغضاء،والشحناء، والغيبة، والنميمة، وقد لا يكبح جماحها فيكون الظلم والعدوان ، وغيرها من الرذائل.
وقد ذكر الله تعالى الكرة بالفتح والكرة بالضم فى غير موضع من كتابه العزيز {كتب عليكم القتال وهو كره لكم..}البقرة:216. ويقول نافع: إن كره فى القرآن الكريم لم ترد مضمومة الكاف إلا فى هذه الآية.
والكَره ، والكُره لغتان ، فبأى لغة وقع فهو جائز ومعناهما واحد، وهو إجبار النفس على ما لا تهوى، إلا الفراء: فإنه زعم أن الكره بالضم ما أكرهت نفسك عليه ، والكره بالفتح ما أكرهك غيرك عليه.
ويقول ابن سيده: الكرة بالفتح الإباء والمشقة تكلفها فتحتملها، والكرة بالضم
المشقة تحتملها من غير أن تكلفها(1).
ومن ثم كانت للكراهية هذه الآثار السلبية:
1- أنها تشقى صاحبها قبل أن تنال من الآخرين.
2- أنها تجلب القلق والاضطراب إلى قلب صاحبها فتورثه العديد من الأمراض النفسية والجسدية.
3- أنها تبعد بصاحبها عن الإيمان الصحيح ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخية مايحب لنفسه). وقال صلى الله عليه وسلم: والذى نفسى بيده لاتدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شىء إذا فعلتموه تحاببتم ،أفشوا السلام بينكم".
4- الكراهية تهوى بصاحبها إلى أدنى درجات البشر فتثير كراهية الناس له
والكراهية ليست من أخلاق المسلمين الذين يحبون الله وملائكته ثم يوضع لهم القبول فى الأرض ، لكنها قد تكون مطلوبة أحيانا وذلك فيما يلى:
(أ) كره أعداء الله تعالى وأعداء دينه ،وعدم مودتهم.
(ب) كره الشر والرذيلة والفساد والباطل.
(ج) كره النفس الأمارة بالسوء الداعية إلى الفجور فكراهية القبائح والمعاصى والشرور، وأعداء الله تعالى كراهية حكيمة عاقلة.
وأشد أنواع الكراهية جرما كره الله ورسوله ثم كره المسلمين.
أ.د/عبدالسلام محمد عبده
__________
مراجع الاستزادة:
1- لسان العرب لابن منظور (5/ 3864،3866).
2- تهذيب الأخلاق لمسكويه.
3- الأخلاق فى الإسلام د/عبداللطيف العبد ط دار الثقافة العربية 1985م.
4- الذريعة إلى مكارم الشريعة للراغب الاصفهانى تحقيق د/أبواليزيد العجمى ط دار الوفاء(1/261)
الكهانة
لغة: كَهَنَ وكَهُنَ يَكهُنُ ، يَكُهن كهانة،وتكهن تكهنا له: أى قضى له بالغيب وحدثه به.
وكهن كهانة: صار كاهنا، أو صارت الكهانة له طبيعة وغريزة ورجل كاهن من قوم كهنة وكهان: من يدعى معرفة الأسرار أو أحوال الغيب ، وعند اليهود وعبدة الأوثان:
الذى يقدم الذبائح والقرابين ، فقد ورد فى التوراة: "... وتلبس هارون الثياب المقدسة وتمسحه وتقدسه ليكهن لى...." (خروج 40:13).
وعند النصارى: من ارتقى إلى درجة الكهنوت.
ففى الإنجيل: "... فنظر وقال لهم: أذهبوا وأروا أنفسكم للكهنة...." (لوقا 17:14) واللفظ إما من كهن بالعبرانية، أو من كهنا بالسريانية.
والكهانة: حرفة الكاهن ، وهو الذى يتعاطى الخبر عن الكائنات فى مستقبل
الزمان ، ويدعى معرفة الأسرار.
الكهنوت: طبقة الكاهن أو رتبته. وسر الكهنوت: هو أحد أسرار الكنيسة المقدسة السبع ، يتولى به الكاهن أن يقدس جسد المسيح ، ودمه فى تلاوة القداس ، وأن يحل من الخطايا.
كان فى العرب كهنة كشق وسطيح وغيرهما ، فمنهم من كان يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات أسباب ، يستدل بها على مواقعها من كلام من يسأل ، أو فعله ، أو حاله ،وهذا يخصونه باسم العراف.
والكاهن فى كلام العرب: هو الذى يقوم بأمر الرجل ويسعى فى حاجته ، والقيام بأسبابه وأمر حزتته. والكاهنان: حيان ، يقال لقريظة والنضير -وهم أهل كتاب وفهم وعلم- وهما قبيلتان يهوديتان كانتا تسكنان بالمدينة. والعرب تسمى كل من يتعاطى علما دقيقا كاهنا، ومنهم من كان يسمى المنجم والطبيب كاهنا.
ووردت كلمة: الكاهن فى القرآن الكريم مرتين ، فى قوله تعالى: {فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون}الطور:29 ، أى لست بحمد الله بكاهن ، كما تقول الجهلة من قريش. والكاهن الذى يأتيه الرئى من الجن بالكلمة يتلقاها من خبر السماء، كما يعتقد ذلك كثير من الناس. وفى قوله تعالى: {ولابقول كاهن قليلا ما تذكرون}الحاقة:42.
وكانت الكهانة فى العرب على ثلاثة أضرب:
الأول: يكون للإنسان ولى من الجن يخبره بما يسترقه من السمع من السماء،وهذا القسم بطل من حين بعث الله محمد صلى الله عليه وسلم .
الثانى: أن يخبره بما يطرأ، أو يكون فى أقطار الأرض ، وما خفى عنه مما قرب أو بعد، وهذا لا يبعد وجوده ، ونفت المعتزلة وبعض المتكلمين هذين الضربين وأحالوهما (أى جعلاهما مستحيلين).
الثالث: المنجمون ، وأغلبهم كاذب ، ولذا شاع بين الناس هذا المثل: "كذب المنجمون حتى ولو صدقوا" وقد حرم الإسلام إتيان الكاهن لسؤاله عن الغيب لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول ، فقد كفر بما أنزل على محمد" (1).
أ.د/محمد شامة
__________
الهامش:
1- الترمذى: الطهارة، وابن ماجه: كتاب الطهارة.
مراجع الاستزادة:
1- سنن الترمذى الترمذى.
2- لسان العرب ابن منظور.
3- سنن ابن ماجه ، ابن ماجه.
4- الكتاب المقدس: العهد القديم ، والعهد الجديد.
5- الكشاف الزمخشرى(1/262)
الكون
لغة: كَوّنه فتكوّن: أحدثه فحدث ، والكون: الحدث ، والكائنة: الحادثة، والله مكون الأشياء: يخرجها من العدم إلى الوجود كما فى اللسان(1).
واصطلاحا: هو اللفظ المستخدم للدلالة على كل ماحولنا، من النجوم التى
نراها ليلا فى السماء، والتى تتجمع فى مجموعات تعرف بالمجرات ، إلى الفضاء الواقع بين هذه المجرات ، ومايوجد به من غازات وغبار كونى ، بالإضافة إلى أى شىء يقدر له الوجود وراء حدود مانراه.
ولم يشعر الإنسان شعورا حقيقيا بوجود الكون إلا فى نهاية القرن الثامن عشر، عندما اكتشف أنه يسكن على سطح كوكب صغير، فى مجموعة شمسية تمثل جزءا من مجرة تحتوى على ألوف الملايين من النجوم ، وأن
هناك مجرات مشابهة تقع فى الفضاء، الذى يمتد وراء هذه المجرة، والتى عرفت فى ذلك الحين باسم "الجزر الكونية".
ويعرف علماء الفلك اليوم مايزيد على مائة ألف مليون مجرة، تفصل كل مجرة عن الأخرى مساحة هائلة، وأقرب المجرات إلينا مجرة "المرأة المسلسلة" أو "الأندروميدا" وتفصلنا عنها مسافة تقدر مليونى سنة ضوئية، بمعنى: أن الشعاع الصادر منها والمنطلق بسرعة 000 ، 300 كم فى الثانية لا يصل إلينا إلا بعد مليونى سنة، مما يدل على أننا لانعرف شيئا عن هذه المجرة حتى الآن ، فنحن نراها كما كانت فى الماضى، وربما تكون قد انفجرت ، أو اختفت فى الفضاء.
وهذه الحقيقة محيرة إلى حد كبير، فنحن عندما ننظر إلى ماحولنا من نجوم أو مجرات ، إنما نراها كما كانت فى الزمن الماضى، كذلك أقرب نجم إلى مجموعتنا الشمسية ويدعى "ألفاسنتورى" تفصلنا عنه نحو 3، 4 سنة ضوئية، أى تفصلنا عنه ملايين من الكيلومترات ويذكرنا ذلك بالآية الكريمة {فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم}الواقعة:75،76.
وبتقدم العلم والمعرفة توصل الإنسان بفكره إلى نظرية خاصة بنشأة هذا الكون ، وهى تنص على أن كل مايحتويه هذا الكون من مجرات وغازات وسحب الغبار الكونى كانت ملتحمة معا فى زمن مغرق فى القدم على هيئة كتلة مركزية شديدة التماسك والانضغاط ، ثم انفجرت هذه الكتلة، وتناترت
شظاياها فى جميع الاتجاهات ، ثم تحولت بمرور الزمن إلى المجرات الحالية التى يتكون كل منها من ملايين النجوم ، وتعرف هذه النظرية باسم "الانفجار العظيم" وهى تتمشى مع المعنى المفهوم من الآية الكريمة {أو لم ير الدين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شىء حى أفلا يؤمنون}الأنبياء:30.
وتدل هذه النظرية على أن هذا الانفجار العظيم قد حدث منذ نحو 15.000ألف مليون سنه على وجه التقريب ، وأن هذه المجرات مازالت تندفع فى الفضاء بسرعات كبيرة جدا، مما يدل على أن الكون يتمدد ويتسع بمرور الزمن ، وهذا المعنى نفسه الذى ورد فى الآية الكريمة {والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون}الذاريات:47 ، ولكن هل يمتد ويستمرهذا الاتساع الى الأبد، أم هل يتوقف هذا التمدد فى المستقبل عندما تبطىء سرعة المجرات وتبدأ عملية التجاذب بينها، فينكمش الكون مرة أخرى، ويوصف عندئذ بأنه كون مغلق.
ويعتقد بعض العلماء أن الكون يحتوى على قدر كبيرمن المادة، سواء منها المادة المضيئة التى توجد على هيئة سحب من الغازات والغبار الكونى، وهو مايكفى لحدوث التجاذب بين مكوناته وانكماشه مرة أخرى، وسيستمر هذا الانكماش مدة طويلة ، وتقترب المجرات بعضها من بعض لتندمج معا فى نهاية الأمر فى كتلة مركزية واحدة ثم تعود إلى الانفجار مرة أخرى لتكون كونا جديدا ، ويذكرذلك بقوله تعالى: {يوم نطوى السماء كطى السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين}الأنبياء:104.
وقد وضع عالمان هما: "إدوارد نايرون" و "ألكساندر فيلينكين" نظرية تفترض أن الكون عندما ينكمش سيصل إلى حجم متناه فى الصغر، لايزيد على حجم البرتون ، ثم يختفى فجأة فى العدم ، وطبقا لنظرية "ميكانيكا الكم" سيظهر الكون من العدم "Out of nothingness" مرة أخرى ليتمدد بشكل نهائى مدة من الزمن ، ويصعب تصور هذه النظرية، ولكنها تتمشى مع قوله تعالى {بديع السموات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون}البقرة:117.
أ.د/أحمد مدحت إسلام
__________
الهامش:
1- لسان العرب ، ابن منظور، دار صادر، بيروت ، 13 /363،364.
مراجع الاستزادة:
1- هل نحن وحدنا فى هذا الكون ، د/أحمد مدحت إسلام ، مركز الأهرام للترجمة والنشر ، 1410هـ/1990م.
2- Cosmos، Carl sagan؛ Macdonald Futura، publishers، paulton House، shepherdess Walk، London، NI 7LW(1981).
3- Beginnings: The story of origins of Mankind، publishing Graup، 200 Madison Arenue، New york، Ny 10019 (1987)(1/263)
الكونفوشيوسية
لغة: نسبة إلى "كونفوشيوس" ، وهذ الاسم يتألف من لفظين: كونج ، اسم القبيلة التى ينتمى إليها ، وفوتس ، ومعناها: الرئيس ،أو الفيلسوف. فاسم كونفوشيوس يعنى: زئيس كونج ، أو فيلسوفها ، أو حكيمها.
واصطلاحا: تعاليم أخلاقية ودينية ظهرت فى القرن السادس قبل الميلاد على يد رجل يدعى كونفشيوس، صارت فيما بعد مذهبا دينيا، وقد التزمته الصين كدين رسمى للدولة حتى أوائل القرن العشرين.
ولد "كونفوشيوس" فى المقاطعة الصينية التى تسمى اليوم "شانتونج" فى عام 551 ق.م. من أسرة عريقة، إذ كان أبوه ضابطا فى الجيش ، إلا أنه كان فقيرا ، ومات وابنه "كونفوشيوس" فى الثالثة من عمره ، فاضطر الغلام إلى الاشتغال برعى الغنم عند أحد الأمراء. ولما رأى الأمير جدَّه واجتهاده أسند إليه أحدى الوظائف ، فكان يقضى أوقات فراغه فى دراسة الآداب القديمة والفلسفة والموسيقى.
وفى الثانية والعشرين من عمره أنشأ مدرسة ليتلقى فيها الشبان ذوو المواهب الخاصة أصول الفلسفة الأخلاقية والسياسية، وبجانب عمله هذا كان يقوم بوظيفة المستشار السياسى لبعض الأمراء والولاة الذين كانوا ينتفعون بآرانه فى حل ما يصادفهم من مشكلات.
وفى سنة 496ق.م عين رئيسا للوزراء فى ولاية "لو" فأعدم المشاغبين من الوزراء ورجال السياسة، وأدب اللصوص وقطاع الطرق ، كما وضع مراقبة صارمة على التجار ليمنع الغش والاحتكار، ولكن حساده دسوا بينه وبين أمير "لو" فاضطر "كونفوشيوس" إلى ترك هذه الولاية، وأخذ يتنقل من إقليم إلى إقليم يعلم الشبان وينصح الولاة.
ولم يدع "كونفوشيوس"ا أنه نبى يوحى اليه ،فقد كان مصلحا أكثر منه رجل دين. احترم الآلهة، وحرص على إقامة الشعائر والطقوس ،وكانت عنايته متجهة إلى إصلاح النفس الإنسانية، وتكوين مجتمع سليم ، قوامه المحبة والإخاء والعدل.
ويرتكز القانون الأخلاقى عنده على أربع فضائل رئيسية هى:
1- وجوب طاعة الوالد والخضوع له.
2- وجوب طاعة الحاكم والانقياد له.
3- على الأخ الأصغر أن يطيع أخاه الأكبر.
4- على الأصدقاء أن يخلصوا فى معاملة بعضهم بعضا.
وهذه الفضائل فى نظر "الكونفوشيوسيين" خالدة، ويجب على كل فرد فى المجتمع أن يتحلى بها باستمرار لأن الأستمرار فى التحلى بالفضيلة هو نفسه جزء لا يتجزأ من الفضيلة.
التعليم عند "الكونفوشيوسيين" من أهم العوامل التى تجعل الأفراد يفهمون القانون الأخلاقى: ويسيرون عليه. ولذلك يجبط أن يتعلم الأفراد آراء القدماء وحكمهم ، وما ورد عنهم من قصص ، وعليهم كذلك أن يطلعوا على مؤلفات الكونفوشيوسيين ، حتى يلموا إلماما جيدا بآرائهم الفلسفية والدينية والسياسية.
عاش "كونفوشيوس" حوالى ثمانين عاما (توفى 498 ق.م) قضاها فى نشر الفضائل ، ومحاولة إصلاح المجتمع الصينى، ولم يكن له فى حياته تأثير كبير، إذ كان الناس يعتبرونه مصلحا اجتماعيا، لأنه كان ينادى بالتمسك بحكمة القدماء، ويدعو الى إحياء التراث القديم والسير على قواعده ومبادئه وكان يؤلف الكتب فى هذا المجال وينشر تعاليمه متنقلا من ولاية الى آخرى ، حتى أطلق عليه معاصروه اسم: "معلم الجنس البشرى".
وبعد قرون عدة من وفاته أعلنت الدولة -بناء على أسباب سياسية أن تعاليمه مقدسة يجب الالتزام بها، ثم تطور الأمر بعد ذلك إلى عبادته ، فأعلنت الدولة أن "الكونفوشيوسية" هى الدين الرسمى للدولة، فانتشرت دور عبادته فى كل المدن والقرى والنجوع الصينية، وتقدم فيها القرابين له فى صورة أضحية (ثيران ، وأغنام ، وخنازير)، وفى بعض الأحيان يقدم القربان فى صورة أقمشة حريرية.
لم ينفرد "كونفوشيوس" بالعبادة عند العامة، بل يعبدون معه آلهتهم القديمة،فيقدمون القرابين لها ولقديسيهم المنتشرين فى أنحاء الصين.
وتنقسم مصادر "الكونفوشيوسية" إلى قسمين:
القسم الأول: كتب صينية قديمة قام "كونفوشيوس" بنقلها ، ومن أهمها:
1- كتاب الأغانى: ويحتوى على مئات الأغانى والقصائد الدينية.
2- التاريخ: ويشتمل على الوثائق التاريخية لتاريخ الصين القديم.
3- كتاب التغيرات: وهو كتاب يعالج موضوع ظهورالأحداث الإنسانية.
القسم الثانى: مؤلفات "كونفوشيوس"، ومن أهمها:
1- الأخلاق السياسية: وهو يتضمن أقوالا مختلفة لـ "كونفوشيوس" وتلاميذه ، مع شرح لهذه الأقوال.
2- الانسجام المركزى: وهو مأثورات مشروحة.
3- المنتخبات: ويطلق العلماء عليه اسم: "إنجيل كونفوشيوس"، لأنه يتضمن تلخيصا وافيا لأقوال "كونفوشيوس" فى مختلف المناسبات على نحو ما سجلها تلاميذه. وإن كان كثير من الحكم والأمثال التى تضمنها قد وضعت بغير ترتيب أو اقتطعت من المناسبة التى قيلت فيها.
ورغم أن نفوذ "الكونفوشيوسية" خضعت للتغير حسب الظروف المختلفة، إلا أنها احتفضت بقيمتها دائما، ففى عصورها الأولى أنشئت المعابد باسم "كونفوشيوس" كما أنشئت كليات لتدريس مبادئه ، تمنح الدرجات العلمية فيها، واعتبرالحصول على تلك الدرجات شرطا لتولى الوظائف العامة.
وبدأ نجمها فى الأفول من الناحية السياسية والدينية فى أوائل القرن العشرين فألغيت دراستها، ولم تعد شرطا للوظائف -وإن بقيت أساسا للحياة الخلقية- ولاسيما بعد سقوط الإمبراطورية وقيام الجمهورية فى عام 1912م ، ومنذ ذلك الحين فإن الشباب التقدمى فى الصين يرى فى ال "كونفوشيوسية" عقبة فى سبيل التقدم ، لارتباطها بالملكية، وكذلك لما تدعو إليه من تقديس الآباء والمحافظة على التقاليد.
هذا وقد اختفت ال "كونفوشيوسية" فى الصين باستيلاء الشيوعيين على الحكم فى عام 1949م ، وإن كان بعض الباحثين يعتقدون أن روحها الأصيلة فى الشعب الصينى سوف تنجح فى تلوين شيوعية الصين بلونها الخاص ، وتزحزحها عن بعض مبادئها، كما فعلت ذلك فى البوذية.
أ.د/محمد شامة
__________
الهامش:
1- الأديان والمذاهب الشرقية، عثمان عليش ، القاهرة 1966م.
2- ذيل الملل والنحل للشهرستانى، محمد سيد كيلانى ، القاهرة، 1961م.
3- كونفوشيوس النبى الصينى ، حسن شحاته سعفان ، القاهرة، 1956م.
4- أديان العالم الكبرى حبيب سعيد(1/264)
الكيمياء
لغة: اسم صنعة، مثل السيمياء ، قال الجوهرى، هوعربى ، وقال ابن سيده: "أحسبها أعجمية"، كما فى اللسان(1).
واصطلاحا: علم يختص بدراسة خواص المواد وتفاعلاتها.
ويتعذر علينا اليوم أن نسجل البداية الحقيقية لعلم الكيمياء، فقد كانت الكيمياء قديما صنعة يتداولها الناس ، وتقوم أساسا على الخبرة والمران ، ولم تكن علما قائما بذاته ، وقد زاول بعض الناس هذه الصنعة فى بعض الحضارات القديمة مثل حضارة الصين والفرس ومصر القديمة.
وكانت أغلب المحاولات التى قام بها أهل هذه البلاد تتصل بالبحث عما سمى "بحجرالفلاسفة" وكان من المعتقد أن هذا الحجر-إن وجد- له القدرة على تحويل المعادن الخسيسة إلى معادن نبيلة ،مثل الفضة والذهب ، بالإضافة إلى قدرته على شفاء الأمراض والعلل ، ولذلك كان يطلق عليه أحيانا اسم "الاكسير".
ولقد أدت هذه المحاولات إلى اكتشاف بعض أسرار الكيمياء وأساليبها، خاصة فى مصر القديمة، فعرفت بعض طرق الدباغة، وصناعة الأصباغ ومواد التحنيط وغيرها.
وقد كانت أفكار الإغريق فى هذا المجال أفكارا نظرية بحته ، ولكنها اندمجت مع معارف المصريين القدماء فى مدينة الإسكندرية، وعندما فتحها العرب عام 642 ميلادية أطلق على هذه المعارف اسم "الخيميا" وهى اسم مشتق من "ال" العربية و"خيميا Khemia" هو الاسم الإغريقى لمصر.
وقد ساهم علماء العرب والمسلمين مساهمة كبيرة فى علم الكيمياء، وبرز منهم كثيرون مثل: جابربن حيان ، وأبى بكر الرازى وغيرهم ، وترجمت أعمالهم إلى اللغات الأوروبية فى العصور الوسطى، وسمع منها الأوروبيون لأول مرة عن التجارب المقننة، وعن استخدام الميزان ، وعن المنهج العلمى، وعن ابتكار الأنبيق المستخدم فى التقطير والتصعيد.
كما وصف العلماء العرب فى كتبهم ورسائلهم أصنافا متعددة من الأدوات المعملية التى ابتكروها، كما وصفوا عشرات من العمليات الكيميائية مثل: التحليل والتركيب والتنقية والتقطير وقاموا بتحضير الأحماض المعدنية الثلاثة ، وحمض الطرطير، وحمض الأترج ، وغيرها.
وقد تقدم علم الكيمياء بعد ذلك تقدما كبيرا، وأسهمت الكيمياء فى كثير من المجالات ، فازدهرت صناعة الأدوية والأصباغ ، وصناعة الحمضيات الزراعية ، ومبيدات الحشرات ، وابتكرت الألياف الصناعية، وغيرها من المركبات التى ساعدت البشرية، وأدت إلى الوصول إلى المستوى الحضارى الذى نعرفه اليوم.
أ.د/أحمد مدحت إسلام
__________
الهامش:
1- لسان العرب لابن منظور، دار صادر، بيروت ج15 /232.
مراجع الاستزادة:
1- تراث العرب العلمى، د/قدرى طوقان.
2- دائرة المعارف الإسلامية.
3- أساسيات العلوم المعاصرة، د/أحمد فؤاد باشا(1/265)
اللوح
لغة: ما يكتب فيه ، وهو كل صفحة من خشب أوعظم أو ورق أو نحو ذلك ، وجمعه ألواح.
شرعا: هو جسم مخلوق نورانى عظيم ، فوق السماء السابعة، وقد كتب فيه القلم: ما كان ، وما يكون إلى يوم القيامة. وهو اللوح المحفوظ وقد سمى "لوح القدر".
وقد وردت كلمة "لوح" فى القرآن الكريم مرة واحدة فى قوله عز وجل: {بل هو قرآن مجيد. فى لوح محفوظ}البروج:21-22، ومعنى "قرآن مجيد" أى عظيم كريم ، "فى لوح محفوظ": أى هو فى الملأ الأعلى محفوظ من الزيادة والنقص والتحريف والتبديل. ولا يجوز شرعا أن يسمى اللوح المحفوظ "بالنفس الكلية" ولا "بالعقل الأول" وغير ذلك مما هو تابع لفلسفة الفيض ، وهى غير إسلامية، هذا ويجب الإيمان باللوح (المحفوظ) دون الخوض فى تعيين حقيقته دون نص شرعى.
كذلك لا يجوزالاعتقاد بأن اللوح خلق لضبط ما يخاف نسيانه فذلك أليق بالبشر وتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
أ.د/عبداللطيف محمد العبد
__________
مراجع الاستزادة:
1- المعجم الفلسفى. د/جميل صليبا ، ط1 دار الكتاب اللبنانى بيروت 1973م ،2 /293.
2- المعجم الوجيز مجمع اللغة العربية مادة "لاح" ط وزارة التربية والتعليم مصر 1993م.
3- تفسير ابن كثير دار الفكر بيروت 1986م 4 /497-498.
4- اصطلاحات الصوفية للقاشانى تحقيق د/محمد كمال جعفر، ط الهيئة العامة للكتاب ط1981م.
5- التعريفات للجرجانى ط البابى الحلبى القاهرة سنة 1937م ص170(1/266)
اللؤلؤ (الجوهر)
قال تعالى: {يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا}الحج:23. وقد ذكر ، أن المراد ترصيع السوار باللولؤ، ولا يستبعد أن يكون فى الجنة سوار من لؤلؤ مصمت ،وهو ظاهر القرآن بل نصه.
ويطلق البعض على الجوهر اللؤلؤ ، وقيل: إن الكبير من اللؤلؤ يسمى درا والصغير لؤلؤا. ويتكون اللؤلؤ داخل الأصداف.
وتوجد مصائد اللؤلؤ بمحاذاة شواطى الهند وسيلان والخليج العربى والبحر الأحمر ،واليابان واستراليا وأمريكا وبعض جزر المحيط الهادى وغيرها.
ويختلف اللؤلؤمن حيث الشكل والتسمية فمنه المدحرج والمستدير والمستطيل والمخروط وغير ذلك.
وأجود اللآلئ ذات شكل كروى براقة متلونة بألوان قوس قزح وخالية من العيوب وعلى شىء من الشفافية، وغالبا مايكون اللؤلؤ أبيض أو قليل الصفرة أو الزرقة، وقد يكون أصفر أو أحمر أو أخضر، وقد يكون نصف شفاف أو قاتما، ونظرا لنعومته قد يخدش ، وتؤتر الأحماض والعرق على اللؤلؤ ، وقد يتلف لطول الزمن.
وقد مهر اليابانيون فى صناعة تزريع الؤلؤ فى برنس الصدفة، ويكثر التحلى باللؤلؤ المصطنع الذى يصنع من الزجاج.
أ.د/حسن الباشا
__________
مراجع الاستزادة:
1- تفسير القرطبى.
2- الأحجار الكريمة فى الفن والتاريخ عبد الرحمن زكى.
3- لسان العرب ابن منظور(1/267)
اللاهوت
لغة: أله يأله إلاهة، وألوهة، وألوهية: عبد، ومنه قرأ ابن عباس رضى الله عنهما: {ويذرك وإلهتك}الأعراف:127. بكسر الهمزة، أى وعبادتك ومنه قولنا: الله وأصله: إله ، فهو فعال ، بمعنى مفعول ، لأنه مألوه ، أى معبود، وكل ما اتخذ من دونه إله عند متخذه ، والجمع: آلهة، والآلهة: الأصنام سموا بذلك لاعتقاد العابدين أن العبادة تحق لهم ، وأسماؤهم تتبع اعتقاداتهم ، لا ما عليه الشىء فى نفسه.
واصطلاحا: الألوهية، والإ لاهية، والإلهية والألوهية والإلهانية. كون ، أو صفة الذات الإلهية، والإلهيات: علم يبحث عن الله وما يتعلق به تعالى، وهى ترجمة لكلمة "Theologie" ، وهى مأخوذة من الكلمة اليونانية القديمة "Theologia" وهى مركبة من مقطعين "Theo" ومعناها: الله ، و "logia" ومعناها: علم ، فكانت الكلمة بمقطعيها تطلق عند قدماء اليونانيين ويراد بها: علم الآلهة، وما يتعلق بالألوهية، وعندما انتقلت إلى اللغات الأوروبية أصبح معناها: تعاليم الله ، أو علم العقائد الإلهية، ثم ترجمت إلى العربية "اللاهوت" أو "الإلهيات" على غير قياس.
وقد اهتم الإنسان منذ وجوده على سطح الأرض بقضية الألوهية، إذ احتلت المركز الأول فى تفكيره على امتداد التاريخ الإنسانى، فكان الإله شاغله من زوايا متعددة، باعتبار ذاته ، أو باعتبار علاقته بالمخلوقات كخالق ، وكذا باعتبار علاقته بالإنسان ، أو علاقة الإنسان به ، فتصوره بصور شتى ، لأنه لم يره بعينه ، وإنما آمن بوجوده وتوجه إليه بالعبادة بأدلة متنوعة: بباعث الخوف أو الرجاء، أو بالظواهر الكونية والإنسانية، وآمن بمعتقدات متعددة، وصلت إلى حد الاعتقاد بتعدد الآلهة، وأنهم يتوالدون ، ويتناكحون ، وأن أشكالهم وهيئاتهم تشبههم ، وأنهم يرتدون ملابس مثلهم ،ويتحدثون بلغتهم ومن هنا نشأ -فى مجال البحث الفلسفى فى الألوهية- ما أطلق عليه مشكلة تصورالإله فى الدين.
غير أن الأديان السماوية وعلى رأسها الإسلام ، وضحت للإنسان مفهوم "الإله" بأنه: الأول ، والآخر، والخالق.... وغير ذلك من الصفات التى تصور الله غنيا بنفسه ،أبديا واسع القدرة والمعرفة محيطا بكل شىء، وأنه الحق وحده ، وهو المحيى والمميت والمبدئ والمعيد.... إلى غير ذلك من النعوت التى تبين أنه الخالق المطلق ، المدبر الحكيم ،الملك الذى لا قوة ولا سلطان غير سلطانه فى الوجود، ومع ذلك فهو الرحمن الرحيم ، والغافر والغفور والرازق والمعطى... وغير ذلك من الأوصاف التى تدل على أن صلة احتياج تربط العبد بربه ، فالعبد محتاج إلى عفوه وتدبيره ، والله هو الرقيب والحسيب عليه ، المهيمن على عباده جميعا، يعينهم ويهديهم ، فهو مصدر الرزق بأوسع معانيه.
فالله بأوصافه كلها، سواء كانت متعلقة بذاته ، أو بصلته بمخلوقاته ، أو كانت مبنية لعلاقته بالإنسان ، وعلاقة الإنسان به هو موضوع علم "الألوهية" أو علم "اللاهوت" كما جاء فى ترجمة الكلمة اليونانية الأصل:
Theologia ويطلق على هذا العلم فى مجال الدراسات الإسلامية: علم العقيدة أو الإلهيات ، فى مقابل القسمين الآخرين: النبوات والسمعيات التى يتكون منها جميعها -الإلهيات والنبوات والسمعيات- علم التوحيد.
أ.د/محمد شامة
__________
مراجع الاستزادة:
1- الجانب الإلهى من التفكير الإسلامى محمد البهى القاهرة ط5 1972م.
2- رسالة فى اللاهوت والسياسة. سبينوزا ترجمة حسن حنفى القاهرة 1971م.
3- بحوث فى علم الأديان المقارن محمد شامة القاهرة 1972م.
4- لسان العرب لابن منظور(1/268)
المتشابه
لغة: أشبه الشىء الشىء: ماثله ، وشابهه: أشبه ، تشابه الشيئان: أشبه كل منهما الآخر حتى التبسا، والمتشابه: النص القرآنى يحتمل عدة معانى كما فى الوسيط (1).
واصطلاحا: يطلق المتشابه ، ويراد به عدة إطلاقات:
أحدها: وهو ما لم يأت فى القرآن بلفظه البتة ما يقصده علماء القرآن من وقوع النظم الواحد على صور شتى، وتتشابه فى أمور، وتختلف فى أخرى، ومن ثم يطلقون عليه متشابه النظم ، أو متشابه اللفظ ، قال الزركشى: "ويكثر فى إيراد القصص والأنباء، وحكمته التصرف فى الكلام ، وإتيانه على ضروب ، ليعلمهم عجزهم عن جميع طرق ذلك مبتدأ به ومتكرر(3). ومن أمثلة ذلك قوله تعالى {واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل}البقرة:48، مع قوله {واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة}البقرة:123 ، وقد عنى بتوجيه هذا اللون من نظم القرآن قلة من المفسرين فى تفاسيرهم ، ومنهم: شهاب الدين محمود الألوسى فى تفسيره المعروف بروح المعانى، وعلامة المغرب الطاهر بن عاشور فى تفسيره الموسوم بالتحرير والتنوير.
كما أفرده بعض العلماء بالتصنيف ، يقول السيوطى "رحمه الله" أفرده بالتصنيف ،خلق: أولهم -فيما أحسب-: الكسائى، ونظمه على بن عبد الصمد السخاوى المتوفى سنة 643هـ فى كتابه "هداية المرتاب فى المتشابه من الكتاب": وهى منظومة تعرف "بالسخاوية"، وألف فى توجيهه الكرمانى فى كتابه "البرهان فى متشابه القرآن" وأحسن منه "درة التنزيل وغرة التأويل" لأبى عبد الله الرازى... وفى كتاب أسرار التنزيل المسمى."قطف الأزهار فى كشف الأسرار" الجم الغفير(3).
ثانيهما: أن يطلق المتشابه صفة مدح لجميع القرآن ، ولفظ المتشابه بهذا المعنى هو الوارد فى قوله تعالى {الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها}الزمر:23.
أما تبيان كيف أن المتشابه بهذا الإطلاق نعت كمال لجميع القرآن ، فإنه من الجلى أن صوغ مادة التشابه فى هذه الآية على صورة التفاعل يقضى بأن الكتاب الكريم ذو أجزاء كلها يشبه بعضه بعضا على ماهو الكثير الغالب فى صورة التفاعل.
وقد بين المفسرون الكمالات التى تتشابه فيها أبعاض الكتاب العزيز، ومن خير وأسد ما فى المقام من عبارات عبارة الزمخشرى، فقد قال فى تفسيرالآية (ومتشابها) مطلق فى مشابهة بعضه بعضا، فكان متناولا لتشابه معانيه فى الصحة والإحكام والبناء على الحق والصدق ومنفعته الخلق ، وتناسب ألفاظه وتناسقهما فى التخير والإصابة، وتجاوب نظمه ،وتأليفه فى الإعجازوالتبكيت (4).
والتشابه بهذا المعنى الذى يعم جميع القرآن على نحو ما رأينا لا يتنافى بحال مع وصف الإحكام المذكور فى قوله تعالى {كتاب أحكمت آياته...}هود:1 ، والذى يعم هو الآخر القرآن الكريم بأسره ، بل يجب الأخد بكلا الوصفين جميعا فى كتاب الله عز وجل دون أن يأتى كلام الحق فى ذلك باطل من بين يديه أو من خلفه؟ ذلك بأن التناقض إنما يلزم إذا كان بين المادتين فى هاتين الآيتين تقابل التضاد، وكيف وكل منهم صفة مدح لا يمكن أن تدل على ما يضاد الأخرى، وإنما على ما يؤاتيهما ويشد من أزرهما وبانطوائهما معا فى صفته شاهد صدقه وآية تنزيل رب العالمين.
وأما الإحكام فمعناه أن آى القرآن كلها قد نظمت نظما محكما لا يعتريه إخلال من جهة اللفظ ، ولا من جهة المعنى، ولا من جهة الهدف والغاية، أو أنها أحكمت بالحجج والدلائل ، أو جعلت حكمة فنقول حكم إذا صار حكما ، لأنها مشتملة على أمهات الحكم النظرية والعملية(5) وإذن فالقرآن بهذا المعنى محكم فى تشابهه ، متشابه فى إحكامه على نحو ما ألمحت إليه عبارة الزمخشرى السابقة.
ثالثهما: أن يرد لفظ المتشابه فى القرآن مقولا على بعض منه مخصوص ، مقابلا وقسيما للبعض الآخر الذى يقال عليه وصف المحكم ، وبحيث لا يجتمع هذان الوصفان المتقابلان فى شىء واحد ألبتة، وذلك هو ما جاء فى قوله تعالى {هو الذى أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات}آل عمران:7 ، وهذا المعنى هو الذى ينصرف إليه لفظ المتشابه عند الإطلاق والتجرد من القرينة.
وإن الناظر فى هذين الوصفين المتقابلين واللذين لا يصدق واحد منهما على ما يصدق عليه الآخرمن الكتاب المجيد، ليرى اختلافا عظيما بين العلماء فى تبيان هذا المعنى.
وأمثل ما اختاره المحققون فى شرح حقيقة القسمين الكريمين ما أفصحت عنه عبارة الفخر الرازى، إذ يقول: "اللفظ الذى جعل موضوعا لمعنى: إما أن يكون محتملا لغير ذلك المعنى، وإما أن لا يكون. فإذا كان اللفظ موضوعا لمعنى ولا يكون محتملا لغيره فهذا هو النص.
وأما إن كان محتملا لغيره فلا يخلو: إما أن يكون احتماله لأحدهما راجحا على الآخر، وإما أن لا يكون كذلك بل يكون احتماله لهما على السواء، فإن كان احتماله لأحدهما راجحا على الآخر سمى ذلك اللفظ بالنسبة إلى الراجح ظاهرا، وبالنسبة إلى المرجوح مؤولا، وأما إن كان احتماله لهما على السوية كان اللفظ بالنسبة إليهما معا مشتركا ، وبالنسبة لكل واحد منهما على التعيين مجملا.
فقد خرج من التقسيم الذى ذكرناه أن اللفظ إما أن يكون نصا أو ظاهرا أو مؤولا أو مشتركا أو مجملا، أما النص والظاهر فيشتركان فى حصول الترجيح إلا أن النص راجح مانع من الغير، والظاهر راجح غير مانع من الغير، فهذا القدر المشترك هو المسمى بالمحكم.
وأما المجمل والمؤول فهما مشتركان فى أن دلالة اللفظ عليه غير راجحة، فالمجمل إن لم يكن راجحا لكنه غيرمرجوح ، والمؤول مع أنه غير راجح فهو مرجوح لا بحسب الدليل المنفرد، فهذا القدر المشترك هو المسمى بالمتشابه؟ إما لأن الذى لا يعلم يكون النفى فيه مشابها للإثبات فى الذهن ، وإما لأجل أن الذى يحصل فيه التشابه يصير غيرمعلوم ، فأطلق لفظ المتشابه على ما لا يعلم إطلاقا لاسم السبب على المسبب ، فهذا هو الكلام المحصل فى المحكم والمتشابه"(6).
وخلاصة هذا القول أن المحكم ما كان راجح الدلالة على معناه بنفسه (7)، احتمل مرجوحا كالظاهر أو لم يحتمل كالنص ، المتشابه ما ليس كذلك -أى ما كان غير راجح الدلالة بنفسه مرجوحا كان كالمؤول ، أو مستوى الدلالة كالمجمل- وهو كلام سديد، لأن مدار الإحكام على ما تفهمه الآية الكريمة نفسها(8). إنما هو على الوضوح والتعاصى على الزائغ ، وكذلك شأن النص والظاهر اللذين جعل المحكم هو القدر المشترك بينهما، وأن مدار التشابه حسبما صرحته على عون الكلام خفيا ومتبعا للزائغ يبتغى به الفتنة، وإنما يظفر الزائغ بهذه الطلبة فى المجمل والمؤول اللذين جعل المتشابه هو القدر المشترك بينهما كذلك ، ثم إن الناس اختلفت اختلافا عظيما كذلك فى قضية العلم بتأويل المتشابه بهذا الإطلاق هل مقصور على الله تعالى، أو هو بحيث يتأتى للراسخين فى العلم أيضا ، والصواب الثانى ومن أبرز المتشابه بهذا الإطلاق فى القرآن ما يعرف لدى العلماء بآيات الصفات الخبرية، أو متشابه الصفات كالآيات التى جاء فيها ذكر الوجه واليد والجنب والروح والنفس والاستواء والفوقية والرضا والغضب وما إلى ذلك من كل ما فيه نسبة البعض أو العرض إليه تعالى جسمانيا كان ذلك أو نفسانيا.
ومن حكمة ورود المتشابه بهذا الإطلاق فى القرآن والسنة ما ذكره صاحب الكشاف فقال: لو كان كله (يعنى القرآن) محكما لتعلق الناس به لسهولة مأخذه ولا عرضوا عما يحتاجون فيه إلى الفحص والتأمل من النظر والاستدلال. ولو فعلوا ذلك لعطلوا الطريق الذى لا يتوصل إلى معرفة الله وتوحيده إلا به ، ولما فى المتشابه من الابتلاء والتمييز بين الثابت على الحق والممتزلزل فيه ، ولما فى تقادح العلماء، وإتعابهم القرائح فى استخراج معاينة، ورده إلى المحكم من الفوائد الجلية والعلوم الجمة ونيل الدرجات عند الله. ولأن المؤمن المعتقد أن لا مناقضة فى كلام الله ولا اختلاف إذا رأى فيه ما يتناقض فى ظاهره وأهمه طلب ما يوفق بينه ويجريه على سنن واحد ففكر وراجع نفسه وغيره ففتح الله عليه ، وتبين مطابقة المتشابه المحكم ازداد طمأنينة إلى معتقده وقوة فى إيقانه (8).
أ.د/إبراهيم عبد الرحمن محمد خليفة
__________
الهامش:
1- المعجم الوسيط ، مجمع اللغة العربية، دار المعارف ، ط3، 1 /490.
2- البرهان فى علوم القرآن ، الزركشى، 1 /112.
3- الإتقان فى علوم القرآن ، للسيوطى، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم ، 3 /390.
4- الكشاف للزمخشرى 4 /95.
5- تفسير البيضاوى ص247.
6- مفاتيح الغيب للفخر الرازى 7 /168.
7- هذا القيد لإخراج المؤول فإنه راجح الدلالة على معناه ، ولكن ذلك ليس بنفسه ، بل بسبب الموجب للحمل على المعنى المؤول إليه.
8- الكشاف ، 1 /259.
مراجع الاستزادة:
1- رسالة للدكتوراه "المحكم والمتشابه فى القرآن" إبراهيم عبد الرحمن محمد خليفة.
2- مباحث فى علوم القرآن ، مناع القطان(1/269)
المتن
لغة: متن كل شىء، غايته ، وجلد له متن: صلابة وقوة، ومتنت الكبش: إذا شققت جلدة بيضته واستخرجتها ، والمتن: ماصلب وارتفع عن الأرض(1).
واصطلاحا: مرَّ بمرحلتين:
1- الأولى فى بداية القرن الثانى الهجرى، ظهر مصطلح المتن كقسيم للسند فى الصناعة الحديثة، وذلك ضمن كلام لمحمد ابن سيرين المتوفى سنة (110هـ/728م) حين قال: لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة ، قالوا: سموا لنا رجالكم ، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم ، وينظرإلى أهل البدع فلا يؤخد حديثهم (3) وكانوا أحيانا فى تلك الفترة يطلقون على المتن لفظ الخبز والمروى والمتن.
2- وفى القرون المتأخرة فى القرن السابع الهجرى وما بعده ، حاول العلماء أن يضعوا تعريفا محددا للمتن ، ويربطوا بينه وبين المعنى اللغوى، فقال الطيبى المتوفى (743هـ/1343م): المتن: ألفاظ الحديث التى تقوم بها المعانى(3).
وقال ابن جماعة المتوفى سنة (767هـ/1367م): ما ينتهى إليه غاية السند من الكلام (4).
ووجه الترابط بين المعنى الاصطلاحى والمعنى اللغوى السابق ، أنه إما مأخوذ من المماتنة أى المباعدة فى الغاية، لأنه غاية السند، أو من المتن وهو: ما صلب وارتفع من الأرض ، لأن المسند يقويه بالسند ويرفعه إلى قائله ، أو من متنت الكبش إذا شققت جلدة بيضته واستخراجتها، فكأن المسند استخرج المتن بسنده.
ولقد قسم العلماء المتن إلى ثلاثة أقسام:
1- مرفوع: وهو ما أضيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة من قول أو فعل.. مثل: (إنما الأعمال بالنيات)(5)، ويدخل فى المرفوع: المتصل والمنقطع ، والمرسل والمعضل والمعلق.
2- موقوف وهو ما يروى عن الصحابى من أقوال وأفعال وتقريرات ، ونحو ذلك ،فيوقف عليهم لا يتجاوز به إلى الرسول عليه السلام مثل قولى أبى بكر رضى الله عنه عنه (والله لو منعونى عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه)(6).
3- مقطوع وهو ما جاء عن التابعين فمن دونهم ، موقوفا عليهم من أقوالهم وأفعالهم وتقريراتهم مثل قول الحسن البصرى: (رحم الله رجلا لم يغره ما يرى من كثرة الناس ، ابن آدم ، إنك تموت وحدك ،وتدخل القبر وحدك ، وتبعث وحدك. 00)(7).
والفرق بين المقطوع والمنقطع أن المقطوع من أقسام المتن ، والمنقطع من أقسام السند.
أ.د/مصطفى محمد أبو عمارة
__________
الهامش:
1- لسان العرب لابن منظور، طبعة دار المعارف ، تحقيق الأستاذ/عبدالله على الكبير وآخرين ، القاهرة ، 5 /4130.
2- صحيح مسلم ، مسلم بن الحجاج النيسابورى، المطبعة المصرية، المقدمة 1 /84.
3- الخلاصة، للطيبى، مطبعة الإرشاد ، 1391هـ ، بغداد ، ص34.
4- المنهل الروى، لابن جماعة، تحقيق محيى الدين عبد الرحمن ، دار الفكر، ط2 سنة 1406هـ ، ص37.
5- صحيح البخارى، محمد بن إسماعيل البخارى، طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، ط3.
6- صحيح البخارى، محمد بن إسماعيل البخارى، طبعة عيسى الحلبى 13 /311.
7- الحلية لأبى نعيم ، الطبعة الأولى 1409هـ/1988م دار الكتب العلمية، بيروت ، 2 /155.
مراجع الاستزادة:
1- مقدمة ابن الصلاح ، عثمان بن عبد الرحمن بن موسى بن أبى نضر الكردى الشهرزورى.
2- تدريب الراوى، السيوطى، ط3 مكتبة الكوثر الرياضى.
3- فتح المغيث للسخاوى(1/270)
المحاسبة
لغة: العد والتقدير، وحسن التدبير، ويعرف من يقوم بهذه الأعمال بالحسيب أو المحاسب (1) وفى القرآن الكريم {اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا}الإسراء:14 ، أى محاسبا ، {والله سريع الحساب}البقرة:202 ، أى لا يشغله حساب أحد عن محاسبة الآخر كما فى اللسان (2).
واصطلاحا: وينصرف معنى المحاسبة فى الفكر الإسلامى إلى مفهومين:
1- المحاسبة الذاتية المعنوية، وهى: أن يحاسب المرء نفسه ، وهو ما أكد عليه عمر بن الخطاب بقوله (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوها قبل أن توزنوا).
2- المحاسبة المادية، وتعنى المحاسبة على العمليات ذات الصفة العينية والمالية، وتختص بكتابة وقياس الأشياء بغرض الاستفادة منها فى مجالات مختلفة من ضمنها حساب زكوات الأموال.
وقد كانت للدولة الإسلامية فى عصورها الزاهرة نظم محاسبية تساعد المسئولين على إدارة حركة الأموال العامة النقدية والمالية، بحيث تحفظ الأموال وتضبط الغلال فتتحقق رقابة فعالة عليها، وتتم المحاسبة كتابة امتثالا لقوله تعالى {ياأيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه}البقرة:282.
أما المحاسبة فى العصر الحديث فتختص بتحديد وقياس الأنشطة المختلفة وتوصيل معلومات عن نتائج تلك الأنشطة إلى من يهمه الأمر بهدف الاستفادة منها فى اتخاذ القرارات.
وتتمثل إجراءات المحاسبة فى:
1- حصر وتجميع البيانات عن الأنشطة المتعددة.
2- تسجيل وتصنيف وتحليل تلك البيانات فى ضوء مفاهيم وأسس معينة، ووفقا للأهداف المرجوة.
3- توصيل المعلومات الناتجة عن التسجيل والتصنيف والتحليل إلى من يريد معرفتها لاستخدامها فى اتخاذ القرارات (3).
وعن أهمية المحاسبة يقول الحريرى "إن صناعة الحساب موضوعة على التحقيق ، وإن قلم المحاسب ضابط ،وإن الحسبة هم حفظة الأموال ، ولولا قلم الحاسب لاتصل التغابن إلى يوم القيامة، ولكان من نظام المعاملات محلولا، وجرح الظلامات مطلولا، وجيد التناصف مغلولا، وسيف التظالم مسلولا"(4).
مما يعنى أنه لولا المحاسبة على حركة الأموال الواردة والمنصرفة وتسجيلها بواسطة المحاسبين ، لما أمكن معرفة نتيجة النشاط من مكسب أو خسارة، ولما وجدنا نظاما سليما للمعاملات أو لإظهار الحقوق ، أو لمنع الظلم.
أ.د/حمدى عبدالعظيم
__________
الهامش:
1- المعجم الوجيز، مجمع اللغة العربية، دار التحربر للطبع والنشر، 1980م ، القاهرة ، ص149.
2- لسان العرب ، ابن منظور ، الدار المصرية للتأليف والترجمة، القاهرة، 1 /864-865.
3- محاسبة الزكاة مفهوما ونظاما وتطبيقا ، د/حسن شحاته ، الاتحاد الدولى للبنوك الإسلامية ، القاهرة ، ص83-85.
4- نظام المحاسبة لضريبة الزكاة والدفاتر المستعملة فى بيت المال ، شوقى شحاتة ، رسالة ماجستير مقدمة لكلية التجارة ، جامعة فؤاد الأول ص154 سنة 1950م.
مراجع الاستزادة:
1- موسوعة المصطلحات الاقتصادية، د.حسن عمر، دار الفكر العربى القاهرة 1996.
2- المعجم الاقتصادى الإسلامى ، أحمد الشرباصى، دار الجيل ، القاهرة، 1981.
3- قاموس المصطلحات الاقتصادية، د/راشد البراوى، مكتبة النهضة المصرية ، القاهرة(1/271)
المحدث
لغة: اسم فاعل من التحديث مأخوذ من حدث يحدث فهو محدث ، وهو وصف لمن يشتغل بالحديث ويقضى وقته فى دراسته (1).
واصطلاحا: فقد مر هذا المصطلح بعدة مراحل: فكان فى بداية أمره ، وصفا لمن تصدر لرواية الحديث مطلقا،. وفى القرن الثانى الهجرى، ظهر الكلام على رواة الحديث ، وأصبح للحديث الواحد طرق متعددة، واختلفت ألفاظ الحديث الواحد ، تبعا لاختلاف الطرق ، وظهر بين العلماء من يجيد تمييزالطرق ،ونسبة كل لفظ إلى طريقه ، فأمثال هؤلاء جديرون بأن يطلق عليهم لقب "محدث" وقد نالوا احترام الناس الذين يشتغلون بالحديث.. قال الإمام البخارى: ما رأيت أحدا أوقر للمحدثين من يحيى بن معين (2).
وكان بعضهم يطلق لقب "محدث" على الحافظ.
ونسب إلى الزركشى القول بأن الفقهاء، كانوا يطلقون لقب "محدث" على من حفظ الحديث وعلم عدالة رجاله أو جرحهم ، دون المقتصر على السماع (3).
وفى القرن الثامن الهجرى، حاول العلماء أن يضعوا ضوابط للقب "محدث" فقد سئل الشيخ فتح الدين ابن سيد الناس المتوفى سنة (734هـ/1334م) عن المحدث فقال: المحدث فى عصرنا: من اشتغل بالحديث رواية ودراية، وجمع بين رواته ، واطلع على كثير من الرواة والروايات فى عصره ، وتميز فى ذلك ، عرف فيه حفظه ، واشتهر فيه ضبطه (4).
ووصفه بعض العلماء بقوله: إنه الذى قرأ، وكتب ، وسمع ، ووعى، ورحل إلى المدائن والقرى، وحصل أصولا، وعلق فروعا من كتب المسانيد والعلل والتواريخ التى تقرب من ألف تصنيف (5).
ومن ذلك يتبين لنا أن لقب المحدث هو وصف لمن يشتغل بدراسة السنة دراسة علمية دقيقة، وهو ما يعرف اليوم بلغة العصر الحاضر: التخصص الدقيق.
فكل من اهتم بدراسة الأسانيد والعلل ، وأسماء الرجال ، والعالى والنازل من الأسانيد ،وحفظ مع ذلك جملة مستكثرة من المتون ، مع العلم بما يجب كونه عليه من الضبط ، أو التيقظ ، والمعرفة بأداء الحديث وشرائطه ، والتحرز من أن يدخل عليه ما لم يسمعه ، مثل هذا جدير بلقب "محدث" على أن هناك طائفة أخرى توصف بأنها "أهل الحديث" وهم الذين يهتمون بمعرفة دلالات الألفاظ ، وكيفية الاستنباط من النصوص مع تقديمها على الرأى، وإن لم تكن لهم إحاطة بالطرق والرجال.
أ.د/مصطفى محمد أبو عمارة
__________
الهامش:
1- المعجم الوسيط ، مجمع اللغة العربية، ط3 القاهرة 1 /166.
2- صحيح مسلم ، مسلم بن حجاج النيسابورى، طبعة كتاب التحرير ط1 ، 1383هـ ، القاهرة ، ط1.
3- تدريب الراوى، السيوطى، مكتبة الكوثر بالرياض ، 1417هـ ، ط3 ، 9 /58.
4- المرجع السابق 1 /31.
5- مقدمة السيوطى لتدريب الراوى ص37،38.
مراجع الاستزادة:
1- فتح المغيث ، للسخاوى.
2- الجامع لأخلاق الراوى وآداب السامع ، للخطيب البغدادى.
3- نزهة النظر لابن حجر(1/272)
المحراب
لغة: الغرفة، وصدر البيت أو المجلس وأكرم موضع فيه ، والموضع الذى ينفرد فيه الملك فيتباعد عن الناس. (لسان العرب).
وجاءت اللفظة فى القرآن الكريم بصيغة المفرد فى قوله تعالى {كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا}آل عمران:37 ، وكذلك فى (آل عمران:39) (مريم:11)(ص:21).. ومعنى المحراب هنا: الحجرة التى فى مقدمة المعبد.
وجاءت اللفظة بصيغة الجمع (محاريب) فى قوله تعالى {يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب}سبأ:13.
وفسرت المحاريب فى هذه الآية بالقصور، والمساجد يتعبد فيها.
واصطلاحا: علامة القبلة فى جدار المسجد ، وجرت العادة أن تكون فى وسط جدار القبلة.
وكانت القبلة عند بناء مسجد النبى صلى الله عليه وسلم فى المدينة أولا فى الجدار الشمالى نحو المسجد الأقصى ، ثم أمر النبى صلى الله عليه وسلم فى السنة الثامنة من الهجرة أن يولى وجهه شطر المسجد الحرام ، ومن ثم نقلت القبلة من الجدار الشمالى إلى الجدار الجنوبى، وهكذا
صارت قبلة جميع المساجد فى الجدار الموجه نحو المسجد الحرام فى مكة المكرمة، يقول الله تعالى {قد نرى تقلب وجهك فى السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ماكنتم فولوا وجوهكم شطره}البقرة:144.
ولم ليكن المحراب فى مسجد النبى صلى الله عليه وسلم مجوفا بل كان مسطحا تسطح الجدار نفسه ،ولكنه كان محددا ومعلما، وظل فى مكانه بعد توسعة المسجد فى حياة النبى صلى الله عليه وسلم فى السنة السابعة بعد الهجرة، وكان من جراء ذلك أن صار أقرب إلى الجدار الشرقى منه إلى الجدار الغربى ، وذلك لأن توسعة المسجد نحو الغرب كانت أطول من توسعته نحو الشرق.
وفى خلافة عمر بن الخطاب نقل جدار القبلة نحو الجنوب بمقدار خمسة أمتار تقريبا، ومن ثم نقل مكان المحراب إلى الجدار الجديد، ولكن على نفس المحور.
وحدث الشىء نفسه فى خلافة عثمان بن عفان حين نقل جدار القبلة إلى الجنوب نحو خمسة أمتار أخرى، وبذلك صار فى موضعه الحالى. ومع ذلك فقد ظل مكان محراب النبى صلى الله عليه وسلم الأول موضع حفاوة المسلمين الذين يحرصون على الصلاة والدعاء أمامه ، وقد أقيم فى المكان نفسه محراب بعيد عن الجدارالحالى على يد السلطان المملوكى قايتباى.
وقد ظل المحراب مسطحا إلى أن أجرى الوليد بن عبدالملك عمارته فى مسجدالنبى صلى الله عليه وسلم سنة 88هـ ، حين أمر بإعادة بنائه ،وتجديده تجديدا شاملا، ففى هذه العمارة أدخلت فى مسجد النبى صلى الله عليه وسلم وحدة معمارية جديدة هى المحراب المجوف ،وكان ذلك إيذانا بانتشاره بعد ذلك فى المساجد.
وقيل كثيرمن الآراء بشأن الحكمة من المحراب المجوف ،منها: أنه يفيد فى تعيين اتجاه القبلة، وفي تحديد مكان الإمام عند الصلاة، وفى توسيع طاقة المسجد بما يقرب من صف من المصلين فى الصلاة الجامعة، ويساعد على تجميع صوت الإمام وتكبيره ، وإيصاله للمصلين الذين يوليهم ظهره أثناء الصلاة، لا سيما قبل اختراع مكبرات الصوت.
ونال المحراب عناية مؤسسى المساجد الجامعة من حيث العمارة والزخرفة، وإقامة المنبر إلى يمينه ، وتزويده بمقصورة، والحفاوة بالبلاطة التى تليه ، التى عرفت ببلاطة المحراب ، وبالبلاطة المؤدية إليه من الصحن والتى أطلق عليها أحيانا المجاز القاطع.
وكان المحراب فى بعض الأحيان يكتنفه عمودان من الرخام يحملان عقدا ويسقف أعلاه بنصف قبة تعرف بطاقية المحراب كانت تزين بالمقرنصات ، وقد يكسى المحراب ، بالجص المزخرف بالحفر البارز والغائر، أو بالرخام والمرمر، أو ببلاطات القاشانى، أو بالفسيفساء الرخامية أو الخزفية أو الزجاجية المشكلة بالحليات الهندسية والنباتية المحورة، وكان يكرم بالآيات القرآنية المناسبة لوظيفته.
وتتعدد المحاريب فى بعض المساجد، ومن ذلك مسجد أحمد بن طولون بالقاهرة ، إذ يشمل على خمسة محاريب بالإضافة إلى المحراب الرئيسى فى منتصف جدار القبلة، ومن هذه المحاريب أربعة محاريب مسطحة من
الجص على بعض دعائم المسجد فى رواق القبلة.
هذا.. ولم تقتصر المحاريب على المساجد، بل وجدت أيضا فى الخانقاوات والمدارس والأضرحة وغيرها من الأماكن التى تقام بها الصلاة، أو يحتاج فيها إلى تعيين موضع القبلة.
إضافة إلى ذلك عرفت محاريب غير ثابتة يمكن نقلها من مكان إلى آخر عند الضرورة، فمثلا فى فصل الصيف الحار كانت تنقل إلى صحن المسجد، وكانت هذه المحاريب تصنع من الخشب ، وكان يعتنى بزخرفتها، ومن أمثلة هذه المحاريب محراب السيدة رقية بمتحف الفن الإسلامى بالقاهرة 533هـ.
هذا واستخدم شكل المحراب عنصرا زخرفيا فى العمارة الإسلامية ولا سيما فى المقرنصات. وليس من شك فى أن المحاريب تعد من أقيم الآثار الإسلامية سواء من حيث القيمة الروحية، أو من حيث الأهمية المعمارية والزخرفية، ومن المحاريب التى تتمثل فيها أساليب العمارة والزخرفة الإسلامية:
- محراب قبة المنصور قلاوون بشارع المعز لدين الله بالقاهرة.
- محراب الجامع الأزرق بشارع باب الوزير بالقاهرة.
- محراب مسجد ابن طولون بالقاهرة.
- محراب مدرسة قجماس الإسحاقى بشارع الدرب الأحمر بالقاهرة.
- محراب جامع محمد على بقلعة صلاح الدين بالقاهرة.
- محراب مسجد نابين بإيران (من القرن الرابع الهجرى).
- محراب مسجد ميدان فى قاشان بإيران.
- محراب ضريح بابا قاسم فى أصفهان بإيران.
- محراب المسجد الجامع بصنعاء اليمن.
- محراب جامع قرطبة من عهد الخليفة الحكم.
أ.د/حسن الباشا
__________
مراجع الاستزادة:
1- تاريخ المساجد الأثرية. حسن عبد الوهاب.
2- موسوعة العمارة والآثار والفنون الإسلامية أ.د/حسن الباشا(1/273)
المدارس
تعتبر المدارس فى الإسلام امتدادا للمساجد، فكان المسلمون فى عصورهم
الأولى يتوسعون فى مهمة المسجد، فاتخذوه مكانا للعبادة ومعهدا للتعليم ، ودارا للقضاء، وساحة تتجمع فيها الجيوش ، ومنزلا لاستقبال السفراء.
وقد ميز الجامع عن المسجد بأن الجامع هو الذى يجتمع فيه الناس لصلاة الجمعة أو الجماعة، أما المسجد فهو مكان الصلاة ولو كان حجرة خاصة بالمنزل.
وقد اشتهر من بين الجوامع الإسلامية ثلاثة هى:
1- جامع المنصور ببغداد، وقد كان هذا المسجد قبلة أنظار الأساتذة والطلاب ، ومن أشهر العلماء الذين جلسوا للتدريس فيه الخطيب البغدادى والكسائى والفراء(1).
2- جامع دمشق ، وكان للمالكية به زاوية للتدريس فى الجانب الغربى، وللشافعية مدرسة على يمين الخارج من باب البريد، وهناك كذلك مقصورة برسم الحنفية يجتمعون فيها للتدريس وبها يصلون (2).
3- جامع عمرو بن العاص: وقد بنى هذا الجامع سنة 21هـ فهو أقدم جامع فى قارة إفريقية، ومن العلماء الذين جلسوا. للتدريس به سليمان بن عتر التجيبى، وقد سجل المقريزى بعض تفاصيل عن أهم الزوايا العلمية بهذا المسجد، وهى زاوية الإمام الشافعى، والزاوية المجدية والزاوية الصاحبية، ومن أشهر العلماء الذين جلسوا للتدريس فيه الإمام محمد بن جرير الطبرى(3).
أما العلوم التى كانت تدرس فى المسجد فكثيرة أهمها: العلوم الدينية، والعلوم اللغوية، والأدبية، ومبادئ علم الكلام ، والعروض ، وعلم الطب ، والميقات (الفلك).
وقد انتقل التعليم من المساجد إلى المدارس بسبب ما يحدثه التدريس من أصوات ومناقشات تحدت قليلا أو كثيرا من الضوضاء التى تؤثرعلى ما يلزم من وقار الصلاة وخشوعها ، ثم إن العلوم تطورت بتطور الزمن فأصبح الجدل والمناظرة من العلوم المهمة مع ما يحدثه من أصوات تتناقض مع ما يحتاجه المسجد من هدوء وجلال.
وهناك فروق واضحة بين المدرسة والمسجد هى:
1- فى المدرسة يعين المدرس وذلك بخلاف معلمى المساجد.
2- وجود الإيوان بالمدارس وهو الاسم الذى يرادف قاعة المحاضرات ولم يوجد فى المسجد باستثناء المساجد الكبرى التى تهتم بالتعليم.
3- كان عدد التلاميذ محددا فى المدرسة بخلاف حلقة المسجد التى كانت مفتوحة لمن يجلس فيها(4).
أما أقدم المدارس الإسلامية فهى مدارس الوزير العظيم نظام الملك الذى وزر لألب أرسلان وملكشاه ،وسميت هذه المدارس النظامية نسبة لنظام الملك ،وكانت هذه المدارس كثيرة لم تخل منها مدينة أو قرية.
واقتفى نور الدين زنكى أثر نظام الملك فأنشأ المدارس فى الشام. وسار صلاح الدين الأيوبى وأفراد أسرته على هذا النهج فأنشأوا المدارس فى مصر.
أ.د/أحمد شلبى
__________
الهامش:
1- تاريخ بغداد الخطيب البغدادى.
2- معجم الأدباء ياقوت الحموى 1 /255.
3- الخطط والآثار المقريزى 2 /246 وما بعدها.
4- الروضتين فى ذكر أخبار الدولتين أبو شامة 1 /189.
مراجع الاستزادة:
1- تاريخ التربية الإسلامية موسوعة التاريخ الإسلامى أحمد شلبى، ج5(1/274)
المذاهب (الفقهية)
لغة: ذهب مذهب فلان: قصد قصده وطريقته ، وذهب فى الدين مذهبا: أى رأى فيه رأيا (1).
واصطلاحا: لا يخرج المعنى الاصطلاحى عن ذلك المعنى اللغوى.
وحكم الاجتهاد فى الإسلام مشروع ، فقد اجتهد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل ما لم يجدوا فيه نصا، وكذلك اجتهد التابعون ومن بعدهم فى الحوادث التى عرضت لهم مما لم يجدوا فيه نصا من الكتاب أو السنة فنشأ عن هذا الاجتهاد اختلاف فى الرأى، ثم زاد هذا الاختلاف بعد الفتنة التى أدت إلى مقتل سيدنا عثمان ثم الإمام على رضى الله عنهما، فكان أن انقسم المسلمون إلى طوائف ثلاثة: شيعة، وخوارج وأهل السنة.
وكان السبب الرئيسى لاختلافهم هو الخلافة والأحق بها، وما صاحبها من التحكيم فى النزاع بين الإمام على ومعاوية فكان لكل طائفة رأى يخالف رأى غيرها، وحاولت كل فرقة أن تعمل لنصرة مبادئها، فتولد عن ذلك اختلاف آخر فى بعض الأحكام العملية ، مما أدى إلى وجود فقه للخوارج وآخر للشيعة، وثالث لأهل السنة، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تجاوزه إلى وجود اختلاف بين كل طائفة ، فتعددت المذاهب الفقهية.
والمذاهب الفقهية كثيرة ومتعددة منها ما اشتهر وكتب له البقاء، ومنها ما لم تدون فيه مراجع خاصة به كمذهب الإمام الليث بن سعد ، والإمام ابن جرير الطبرى، والإمام الأوزاعى وغيرهم ، أما المذاهب المشهورة والتى لها ذيوع وانتشار فهى ثمانية مذاهب وهى: المذهب الإمامى والمذهب الزيدى وهما لطائفة الشيعة، والمذهب الإباضى وهو لطائفة الخوارج ، والمذهب الظاهرى، ومذاهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وهى لأهل السنة والجماعة. (3).
والمذهب الشيعى الإمامى وهو لبعض الشيعة، وهم الذين يعتقدون أن الرسول أوصى بالخلافة لعلى بالذات ثم من بعده لولده ، وأن الأئمة معصمون من الخطأ... الخ ، فهم يختلفون مع أهل السنة فى كثير من الفروع والأحكام ، فضلا عن إنكارهم القياس وينتشر هذا المذهب فى إيران والعراق ، والهند(4).
والمذهب الشيعى الزيدى: فهو لطائفة ينتسبون إلى زيد بن على زين العابدين بن الحسين ، ومن مبادئهم أن الإمامة لا تكون بالنص عليها -كما يقول الإمامية- وإنما تكون لكل فاطمى عالم زاهد شجاع فى الحق. والزيدية أعدل فرق الشيعة فى تعاليمها ، ومع ذلك فقد خالفوا فقه أهل السنة فى كثيرمن الفروع والأحكام ،ولهم كتب كثيرة منها المجموع المنسوب للإمام زيد ، وشرحه الروض النضير، وأتباع هذا المذهب موجودون الآن فى بلاد اليمن ، وقد تشعب هذا المذهب إلى شعب منها: القاسمية والناصرية والهادويه (5).
والمذهب الإباضى: وهو مذهب طائفة معتدلة فى الخوارج وهو منسوب إلى عبد الله بن إباضى الذى توفى سنة 80هـ ، وهم يرون أن الخلافة تكون بالاختيار الحر من المسلمين ،وهذا المذهب يتفق فى كثيرمن الفروع مع أهل السنة، وإن خالفوهم فى بعض الأحكام ، ومن أهم كتب هذا المذهب كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف بن أطفيش ، وينتشرهذا المذهب فى بعض بلاد المغرب العربى، وكذلك سلطنة عمان (6).
والمذهب الظاهرى: ومؤسسه أبو سليمان داود بن على الأصفهانى، وهذا المذهب يعتمد على ظواهر النصوص من القرآن والسنة، ويترك كل أنواع الرأى والقياس ، ومن علماء هذا المذهب أبو على محمد بن حزم ، والذى له كتاب "المحلى" فى الفقه ، وكتاب "الإحكام فى أصول الأحكام" فى أصول الفقه.(7)
المذهب الحنفى: هو من مذاهب أهل السنة أسسه الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت المتوفى سنة 150هـ ، ويعتمد هذا المذهب على الكتاب والسنة والإجماع ، وقول الصحابى فيما ليس للاجتهاد فيه مجال ثم القياس والاستحسان ، وهذا المذهب له كتب كثيرة مشهورة ومعروفة، وينتشر هذا المذهب فى العراق وسوريا وباكستان وأفغانستان وتركيا ومصر(8).
المذهب المالكى: ومؤسسه إمام دار الهجرة مالك بن أنس الأصبحى المتوفى سنة 179هـ ، ويعتمد هذا المذهب أيضا على الكتاب والسنة والإجماع ، والقياس ، وعمل أهل المدينة، والعمل بالمصالح المرسلة. وهذا المذهب أيضا له كتب كثيرة ومشهورة، وينتشر فى صعيد مصر والسودان والكويت وقطر والبحرين وبلاد المغرب العربى كلها(9).
المذهب الشافعى: وهو من مذاهب أهل السنة أيضا، أسسه الإمام محمد بن إدريس الشافعى المتوفى سنة 204هـ ، ويعتمد هذا المذهب على الكتاب والسنة والإجماع ، فقول الصحابى ثم القياس ، وللإمام الشافعى كتاب فى الفقه وهو "الأم" وكتاب آخر فى الأصول وهو "الرسالة" ويعد به الشافعى أول من دون فى علم الأصول وكتب المذهب كثيرة، وينتشر بالوجه البحرى بمصر وفلسطين وحضرموت وأندونيسيا(10).
المذهب الحنبلى: وهو من مذاهب أهل السنة، أسسه الإمام أحمد بن حنبل الشيبانى المتوفى سنة 241هـ ، ويعتمد هذا المذهب على الكتاب والسنة وفتاوى الصحابة المتفق منها والمختلف ، فالحديث المرسل ،فالقياس ، ولهذا المذهب كتب كثيرة مشهورة وينتشر هذا المذهب فى السعودية.
أ.د/على مرعى
__________
الهامش:
1- المصباح المنير للفيومى مادة (ذهب).
2- المدخل فى التعريف بالفقة الإسلامى أ.د/محمد مصطفى شلبى ، ط1 ، مطبعة دار التأليف سنة 1962م ص121 ، تاريخ الفقه الإسلامى د/محمد أنيس عبادة، ط1 دار الطباعة المحمدية 2 /4 ومابعدها.
3- المدخل فى التعريف د/محمد مصطفى شلبى، من ص121-164.
4- المدخل للفقه الإسلامى د/حسن على الشاذلى ص402 ط1 دار الاتحاد العربى.
5- السابق ص408 وما بعدها ، تاريخ التشريع الإسلامى د/إبراهيم الدسوقى الشهاوى ط1 الطباعة الفنية المتحدة ص226 وما بعدها.
6- المدخل فى التعريف د/محمد مصطفى شلبى، ص123 والسابق ص238 ومابعدها.
7- المدخل للفقه الإسلامى د/حسن على الشاذلى، ص399.
8- الفكر السامى فى تاريخ الفقه الإسلامى لمحمد بن الحسن الحجوى الثعابى ط1 إدارة المعارف الرباط 2 /119 ومابعدها.
9- السابق: 2 /155 ومابعدها.
10- السابق 2 /172 ومابعدها، تاريخ الفقه د/محمد أنيس عبادة ص26 ومابعدها.
11- المدخل فى الفقه الإسلامى د/محمد مصطفى شلبى ص158، ص160 ، المدخل للفقه الإسلامى د/حسن على الشاذلى ص393 ومابعدها(1/275)
المسجد(الجامع)
المسجد مبنى أسس خصيصا لتقام فيه الصلاة، وورد اللفظ بهذه الدلالة فى القرآن الكريم: {لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه}التوبة:108 ، ويقال له أيضا الجامع ، واختص الأزهر بذلك فقيل: الجامع الأزهر.
وعمارة المسجد من أفضل القربات إلى الله ، يقول النبى صلى الله عليه وسلم: (من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا فى الجنة)(1). ولم تقتصر وظيفة المسجد فى أول الأمر على الصلاة بل كان المسجد أيضا مركز الحكم والإدارة والدعوة والتشاور، كما كان محل القضاء والإفتاء والعلم والإعلام ، وغير ذلك من أمور الدين والدولة، ومن ثم علت منزلة المسجد عند المسلمين. وظهرت هذه المهام فى المسجد النبوى الشريف فى المدينة المنورة الذى خطط بحيث يناسب تصميمه إقامة شعائر الصلاة بصفة خاصة ، ومن ثم صار تصميمه أساسا لتصميم المساجد الجامعة التى كانت تقام فيها صلاة الجمعة بالإضافة إلى الصلوات الخمس ولا سيما فى القرون الأربعة الأولى بعد الهجرة، كما صار أهم الطرز المعمارية لبناء المساجد فى العصور والأقطار الإسلامية المختلفة.
ويتألف هذا الطراز بصفة عامة من فناء أو صحن مكشوف ذى تخطيط مربع أو مستطيل تحيط به فى جوانبه الأربعة ظلات اصطلح على تسميتها أحيانا بالأروقة، وأكبرها رواق القبلة، وتقوم الأروقة على أعمدة أو دعائم قد تعلوها عقود، ومن أشهر المساجد التى بنيت حسب هذا الطراز: جامع القيروان ، والمسجد الجامع بقرطبة، ومسجد القرويين بفاس والمسجد الجامع بسامراء، ومسجد ابن طولون بالقاهرة.
ثم ظهر طراز ثان لبناء المساجد ربما تطور عن تصميم المدرسة، وهو يشتمل على صحن أوفناء مربع قد يكون مكشوفا أومسقوفا تحيط به أربعة إيوانات فى شكل متعامد أكبرها إيوان القبلة، وسقف الإيوان عادة على شكل قبوة ترتكز على جدران الإيوان.
ونشأ هدا الطرازفى إيران ، ومن المحتمل أنه تطور عن الطراز الأول الذى كانت المساجد المبكرة فى إيران تشيد على نمطه كما يتضح فى مسجد دمغان الذى يرجع إلى القرن الثانى بعد الهجرة (حوالى منتصف القرن الثامن الميلادى) وكذلك فى جامع نايين الذى شيد فى القرن الرابع الهجرى(10م) ثم تطور هذا الطراز فى إيران ، وذلك بتزويد رواق القبلة بقبة، وظهر ذلك فى جامع أصفهان.
ومن أمثلة المساجد ذات الإيوانات الأربعة فى مصر مسجد آل مالك الجوكندار بالقاهرة (719هـ/1319م)، ومسجد جانى بك الأشرفى بالمغربلين بالقاهرة (830هـ/1426م)، ومسجد القاضى يحيى زين العابدين بشارع الأزهر (848هـ/1444م)، ومسجد قجماس الإسحاقى بالدرب الأحمر بالقاهرة (885هـ/1480م).
وفى العصر العثمانى ظهر طراز جديد لعمارة المساجد مشتق من تصميم أيا صوفيا باستانبول ، ومتأثر فى الوقت نفسه بطراز المساجد السلجوقية فى آسيا الصغرى، وفى هذا الطراز كان المسجد يسقف بقبة كبيرة تحف بها قباب صغيرة أو أنصاف قباب ،ويقام فى كل ركن من أركانه الأربعة مئذنة ممشوقة عالية مسننة القمة، ويتقدمه صحن فسيح مستطيل ربما تحف به أروقة ذات بلاطة واحدة. وانتشر هذا الطراز فى مختلف أنحاء الدولة العثمانية ، ومن نماذجه:
جامع بايزيد ، وجامع سليمان ، والسلطان أحمد فى إستانبول ، ومسجد الملكة صفية ومسجد أبى الذهب ، ومسجد محمد على بالقاهرة.
ويزود المسجد عادة بمئذنة أو أكثر، ومن أهم أثاثاته منبر على يمين المحراب الذى يعين اتجاه القبلة، ودكة المبلغ فى رواق القبلة، وميضأة فى وسط الصحن عادة، وقد يلحق بالمسجد ضريح أو منشآت أخرى، واشتملت بعض المساجد الجامعة التى كان يدرس بها على أروقة لإقامة الطلاب الغرباء مثل الجامع الأزهر.
أ.د/حسن الباشا
__________
الهامش:
1- صحيح البخارى صلاة65.
مراجع الاستزادة:
1- مساجد القاهرة ومدارسها أحمد فكرى.
2- العمارة العربيةفريد شافعى.
3- فنون الترك وعمائرهم ترجمة أحمد عيسى.
4- المساجد الأثرية حسن عبد الوهاب(1/276)
المصالح المرسلة
لغة: المصالح: جمع مصلحة، وهى المنفعة، والمصلحة كالمنفعة وزنا ومعنى، فالمراد بها لغة: جلب المنفعة، ودفع المضرة، والمرسلة: أى المطلقة(1).
واصطلاحا: عبارة عن المصلحة التى قصدها الشارع الحكيم لعباده من حفظ دينهم ، ونفوسهم ، وعقولهم ، ونسلهم ،وأموالهم طبق ترتيب معين فيما بينها(2).
فهذا التعريف صرح بأن المصلحة: هى جلب منفعة مقصودة للشارع الحكيم ،وإن كان لم يصرح بأن دفع الضرر من المصلحة أيضا، إلا أن تعريفه ينوه به ويلزم منه(3).
وقد عرفها الآمدى فقال: هى مصلحة لم يشهد الشرع لها باعتبار ولا إلغاء(4). ولذلك سميت مرسلة.
وتنقسم المصالح من حيث مقصودالشارع إلى ثلاث(5):
1- ضرورية: وهى التى ترجع إلى حفظ النفس ، والعقل ، والما ل ، والدين ، والعرض ،والنسب ،وإذا اختل منها أمر اختلت المعايش به ، وعمت الفوضى.
2- حاجية: وهى الأمور التى تقتضيها سهولة الحياة، أوما أدى إلى حرج كبيرمن غير خوف على فوات ما سبق من المصالح الستة.
3- تحسينية: وهى الأمورالتى تجعل الحياة فى جمال ، ومرجعها إلى تهذيب الأخلاق وتحسين الصورة والمعاملات.
وتنقسم المصالح من حيت اعتبار الشارع لها أو عدمه - أيضا - إلى ثلاث:
1- المصالح المعتبرة شرعا: كما سبق فى المصالح الست الكلية.
2- المصالح الملغاة شرعا: كمصلحة آكل الربا فى زيادة ماله ، ومصلحة المريض أو من ضاقت معيشته فى الانتحار ونحوها.
3- المصالح المرسلة: وهى المقصودة فى هذا البحث ، وهى مصلحة لم يشهد الشرع لها باعتبار ولا بإلغاء.
ومما ذكره الأصوليون كمثال للمصالح المرسلة: جمع القرآن فى مصحف واحد، والقول بقتل الجماعة بالواحد، وتضمين الصناع ، وضمان الرهن ، واتخاذ السجون ،وغيرها من المسائل التى لا يوجد فيها نص و لا إجماع.
وهى محلها لا تصلح مثالا للمصلحة المرسلة ، لأن الله سبحانه وتعالى لم يترك مصلحة إلا وقد نص عليها جنسا كالكليات الست ، أو على أنواعها أيضا ، ومصالح هذه المسائل المذكورة وغيرها مشروعة جنسا، وليس شىء منها مرسلا.
فجمع القرآن فى مصحف واحد لمصلحة حفظ الدين وهى مشروعة، وقتل الجماعة بالواحد لمصلحة حفظ النفس وهى مشروعة، وتضمين الصناع لمصلحة حفظ الأموال وهى مشروعة، وكذا ضمان الرهن ، والأمثلة الباقية كلها تندرج تحت المصالح المعتبرة شرعا ضرورة أو حاجة أو تحسينا كما سبق ،ولايتصور خروج شىء منها أصلا(6).
ولكن يمكن أن نمثل للمصلحة المرسلة، وهى التى لم يشهد الشرع لها بالاعتبار أو بالإلغاء بجواز الضرب فى التهمة، فقد جوز هذا جماعة من الفقهاء، وهى مصلحة مرسلة عن الدليل الجزئى من الكتاب ، والسنة ، والإجماع ، والقياس ، وكذا مرسلة عن الأصل الكلى، فنصوص الشريعة على إجمالها لا تجوز هتك حرمة المسلم ، بأن تمتهن كرامته ويضرب لمجرد اتهامه فى حادث من الحوادث.
فالمقصود بالمصالح المرسلة هى التى أرسلت عن الدليل الجزئى من الأصول الشرعية المتفق عليها، ومن الدليل الكلى الذى يؤول بدوره إلى مفهوم النص والإجماع ، وعموما فقد اشترط الأصوليون شروطا للمصلحة حتى تقبل ويعمل بها، ومن هذه الشروط(7):
1- أن تكون المصلحة ملائمة لمقاصد الشارع بحيث لا تنافى أصلا من أصوله ولا تعارض نصا أو دليلا من أدلته القطعية.
2- أن تكون معقولة، فى ذاتها ، جرت على الأوصاف المناسبة المعقولة التى يتقبلها العاقل ، بحيث يكون ترتب الحكم عليها مقطوعا لا مظنونا، ولا متوهما.
3- أن تكون تلك المصلحة عامة للناس ،وليس اعتبارها لمصلحة فردية أو طائفية معينة ، لأن أحكام الشريعة للتطبيق على الناس جميعا.
ومن نافلة القول أن أذكر بأن هذه المسألة - المصالح المرسلة - من الأدلة الشرعية المختلف فيها، فقد قال بها جماعة من الأصوليين كالمالكية وغيرهم ، ومنعها جماعة آخرون كالشافمية ومن لف لفهم.
أ.د/على جمعة محمد
__________
الهامش:
1- المعجم الوسيط لمجمع اللغة العربية 1/ 520 لسان العرب لابن منظور 4/ 2479 دار المعارف.
2- المحصول فى علم الأصول للفخر الرازى تحقيق د/طه جابر العلوانى (2/ 220) جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
3- الاجتهاد فيما لا نص فيه د/الطيب خضرى السيد 2/ 53 مكتبة الحرمين بالرياض 1983م.
4- الإحكام فى أصول الأحكام للآمدى 3/ 290 مؤسسة الحلبى 1967م.
5- تيسير الأصول لحافظ ثناء الله الزهدى ص305 ومابعدها دار ابن حزم بيروت ، تيسير أصول الفقة ، لمحمد أنو البدخشانى ، ص156 طبعة كراتشى بباكستان 1990.
6- تيسير الأصول للزاهدى ص306، 307.
7- تيسير الأصول للزاهدى ص307، 308 ، تيسير أصول الفقه للبدخشانى ض 156-157 ، الأصوليون والمصالح المرسلة ، د/محمد إبراهيم الدهشورى ، ص41 وما بعدهاسنة 1996م.
مراجع الاستزادة:
1- المصالح المرسلة د/محمد عبد الكريم حسن دار النهضة الإسلامية بيروت الطبعة الأولى 1995م.
2- إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق فى علم الأصول للإمام الشوكانى تحقيق د/شعبان محمد إسماعيل 2/ 264 وما بعدها دار الكتب الطبعة الأولى 1993م.
3- تقريب الوصول إلى علم الأصول لابن جزى الغرناطى تحقيق د/محمد المختار الشنقيطى ص405 وما بعدها مكتبة ابن تيمية ، الطبعة الأولى 1414هـ(1/277)
المصحف
لغة: أصحف الكتاب: جمعه صحفا(1).
واصطلاحا: عنوان على الطراز المخصوص المتمحض للقرآن الجامع لجميع أطرافه بين دفتيه.
وقد بدأت الكتابة للقرآن مبكرة فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم وبأمر منه فكان له كتاب معروفون ،يأمرهم بكتابة كل ما ينزل عليه من القرآن فيكتبونه بين يديه ، قال الحافظ ابن حجر فى فتح البارى: "وروى أحمد وأصحاب السن الثلاثة وصححه ابن حبان والحكم من حديث عبد الله بن عباس عن عثمان بن عفان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يأتى عليه الزمان ينزل من السور ذوات العدد فكان إذا نزل عليه الشىء يدعو بعض من يكتب عنده فيقول هذا فى السورة التى يذكر فيها كذا"(2).
وكانوا يكتبون على ما اتفق لهم وما تيسر من الحجارة والعظم وجريد النخل وقطع الجلد وما إلى ذلك(3)وكذلك توفرت همم الصحابة رضى الله عنهم على كتابته لأنفسهم ، ومما يجدر التنبيه إليه أن حديث عثمان السابق كما يفيد أنه كان له صلى الله عليه وسلم كتاب يكتبون له ما يتنزل عليه من نجوم القرآن ،فكذلك يفيد أنه كان يأمرهم - عند وقوفه على الترتيب أن يرتبوا النجوم فى مواضعها من السور "بل ذاك صريح الدلالة من منطوقه. وهذا هو عين المقصود أيضا من التأليف فى الرقاع فى قول زيد بن ثابت. قال الزركشى رحمه الله (أسند البيهقى فى كتاب "المدخل" و "الدلائل" عن زيد بن ثابت قال: كنا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن ، زاد فى "الدلائل" نؤلف القرآن فى الرقاع ، قال: وهذا يشبه أن يكون المراد به تأليف ما نزل من الآيات المتفرقة فى سورها وجمعها، وفيها بإشارة النبى صلى الله عليه وسلم وأخرجه الحاكم فى المستدرك وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه".(4).
وبطبيعة الحال لم يكن ممكنا - مع هذا الترتيب للآيات - ترتيب ما كان يكتب فيه عن الأشياء المتنوعة المختلفة حجما وكيفا بحيث يمكن وضعها بين دفتين كأوراق الكتاب الواحد، بل بقيت تلك الأشياء بحكم طبيعتها مفرقة غير مرتبة. وإلى جانب هذه الضرورة التى حالت وقتئذ دون كتابة القرآن فى مصحف واحد جامع لجميع أطرافه ، كانت ضرورة أخرى تمثلت فى أن القرآن قد استمر نزوله نجما فنجما منذ بعثته صلى الله عليه وسلم إلى قريب جدا من ؤفاته. فلم يكن يمكن - والحال هذه - قيام المصحف الجامع ، وضرورة ثالثة تمثلت فيما سبق التنبيه إليه من كتابة نجوم القرآن مرة متفرقة حسب نزولها، ومرة مرتبة عند الوقوف على الترتيب ، ورابعة تتمثل فى احتمال وقوع نسغ فيحتاج الأمر معه إلى محو المنسوغ ، ثم إلى إثبات الناسخ إن كان النسخ إلى بدل.
أما الباعث على كتابة القرآن وقتئذ مع كون النبى صلى الله عليه وسلم بين ظهرانى القوم يحفضه ويدارسه إياه جبريل ، كما حفظه -ولو من حيث الجملة - العدد الكثير من أصحابه ، فهو بذل أقصى العناية فى المحافظة عليه والتوثق لسلامة نصه جملة وتفصيلا من أى تحريف.
لا ثم كان العهد البكرى ومافيه من حروب الردة فخشى عمر رضوان الله عليه أن تفنى تلك الحروب الكثير من قراء القرآن وحفاظه ، فيضيع شىء منه ، أو تذهب الثقة به بانخرام تواتره. ولاسيما مع عسر الرجوع فيه إلى ما كتب عليه من الأشتات المبعثرة التى لا يجمعها جامع فضلا على إمكان ضياع شىء منها، فجاء إلى الصديق وطلب إليه جمع القرآن مرة أخرى. لكن هذه المرة فى صحف من جنس واحد، متماثلة الحجم يمكن جمعها بسهولة برباط واحد، ولم يزل الصديق رضى الله عنه يستنكف مباشرة أمر فى ذلك لم يباشره رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شرح الله صدره لما شرح له صدر عمر. فدعى زيد بن ثابت الشاب العاقل الثقة المتمرس بكتابة الوحى للنبى صلى الله عليه وسلم فأمر بجمع القرآن على النحو الذى أشار به عمر.
وبعد تردد شديد لعين السبب الذى تردد له الصديق شرح الله صدر زيد لما شرح له صدر الشيخين فنهض لهذه المهمة(5) يعاونه الشيخان والأكابر من الصحابة حتى قام بها على خير وجه. وهكذا تم الجمع البكرى لباعثه المذكور، ومن فوائده ما لخصه شيخنا غزلان فقال:
1- البحث عن القطع المختلفة التى كتب فيها القرآن من قبل وجمعها قبل ضياع شىء منها أو تأكل حروفها.
2- تجديد كتابتها فى صحف مجتمعة صالحة للاحتفاظ بها دائما.
3- اتصال السند الكتابى بالأخذ عن الصحف التى كتبت بين يدى النبى صلى الله عليه وسلم كاتصال السند المتواتر فى الرواية والتلقى عن الشيوخ ، فتكون كتابة أبى بكر بمثابة الطبقة الثانية من الشيوخ ، وكتابة عثمان بمثابة الطبقة الثالثة. وهكذا مرات الإنتاج من المصاحف العثمانية، ولا يخفى ما فى ذلك من الاهتمام بشأن القرآن والعناية به.(6) ولقد ظلت الصحف التى فيها جمع القرآن عند أبى بكرحتى مات ، ثم عند عمر حتى مات ،ثم انتقلت إلى حفصة إحدى أمهات المؤمنين.(7).
ثم كان عهد عثمان وفيه من التساهل ما لم يكن فى عهد الشيخين من قبله ، وكانت رقعة الإسلام قد اتسعت بكثرة الفتوح ودخول كثير من أهل الأمصار المفتوحة فى الإسلام ،وتوزع تبعا لذلك الأصحاب على الأمصار ما بين مقيم وغاز، فكانوا يقرؤون القرآن ويقرؤونه للناس ، كل على حسب الحرف الذى سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وربما تساهل البعض منهم فذكر أثناء قراءته تفسيرا لشىء مما يقرأ أو ذكر منسوخا أو دعاء لحصول الأمن من التباس غير القرآن بالقرآن ، كما كان الأمر فى مصاحفهم الخاصة التى كتبوها لأنفسهم ،والتى اشتملت فوق هذا على حذف بعض السور كالفاتحة والمعوذتين ثقة بكمال حفظها وأمنا من نسيانها كما قيل فى شأن مصحف ابن مسعود، أو إدماج سورة فى أخرى دون ذكر البسملة بينهما كسورتى الفيل وقريش حسبما قيل فى مصحف أُبَىٍّ على ما فى الإتقان وغيره.
فكان أهل الأمصار إذا اجتمعوا فى مناسبة من غزو أو حج أو عمرة واختلفوا فى قراءة القرآن تبعا لاختلاف مصادرهم فى القراءة من الصحابة ففضل البعض قراءة نفسه على قراءة غيره ، ويرى أن قراءته مصحوبة بشىء مما قلناه ، خير من الخالية من ذلك ، على حين يرى الآخر أن القراءة المتمحضة للقرآن المتجردة للمقروء منه عن كل ما سواه أفضل. وقد يصل هذا التفضيل إلى حد التضليل والتفسيق ، بل ربما التكفير.
فلما اشتد الخلاف ، وخشيت الفتنة رأى عثمان رضى الله عنه أن يجمع الناس جميعا على قراءة واحدة هى ما تمحضت للقرآن وتجردت من غيره.
حدث أنس بن مالك أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازى أهل الشام فى فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق ، فأفزع حذيفة اختلافهم فى القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أميرالمؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا فى الكتاب اختلاف اليهود والنصارى.
فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلى إلينا بالصحف ننسخها فى المصاحف ، ثم نردها إليك ، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها فى المصاحف ، وقال عثمان للرهط القريشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت فى شىء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم ففعلوا.
حتى إذا نسخوا الصحف فى المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة، فأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن فى كل صحيفة أومصحف أن يحرق(8).
هكذا كان أول العهد بالمصحف الإمام الجامع الذى أجمع عليه الصحابة وصوبوا صنيع عثمان به غاية التصويب(9)، والذى كان الأصل لما نسخ منه من المصاحف إلى يومنا هذا، أما عدد المصاحف التى نسخها عثمان وأرسل بها إلى الأمصار فالمترجح فيه أنه كان بحيث يعم جميع الأقطار التى دخلها الإسلام ، قال صاحب البيان عليه الرحمة بعد ما ذكر الأقوال المختلفة فى عدد المصاحف معزوة إلى مصادرها: فظهر من هذا أن الذين ذكروا هذه الأقوال لم يذكروا منها دليلا يؤيده ، إلا أن العقل والنقل كليهما يؤيدان من يزيد فى عدد المصاحف لا من يقلل منها.
أما العقل فهو أن الغرض من إرسال المصاحف إلى الأمصار هو القضاء على الفتنة التى كانت قائمة حينئذ بسبب اختلاف المسلمين فى القراءة، والمنع من حدوث هذه الفتنة مرة أخرى فى بلد ما من بلاد المسلمين ، وهذا الغرض لا يتحقق بإرسال المصاحف إلى بعض الأمصار دون بعض.
وأما النقل فهو قول أنس بن مالك فى الحديث السابق الذى رواه البخارى أنهم لما نسخوا الصحف فى المصاحف أرسل عثمان إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، فكلمة إلى كل أفق تدل بعمومها على أنه أرسل المصاحف إلى جميع الأمصار لا إلى بعضها دون بعض(10).
أ.د/إبراهيم عبد الرحمن محمد خليفة
__________
الهامش:
1- المعجم الوسيط ، مجمع اللغة العربية، دار المعارف ، ط 32، 1/ 527.
2- فتح البارى شرح صحيح البخارى، ابن حجر العسقلانى، السلفية، ط 2، ، 9/ 22.
3- المصدر السابق 9/ 14.
4- البرهان فى علوم القرآن 1/ 256.
5- انظر تفصيل هذا كله فى حديث زيد بن ثابت من صحيح البخارى، باب سورة براءة من كتاب التفسير ، وباب جمع القرآن من كتاب فضائل القرآن.
6- البيان فى مباحث عن علوم القرآن ، للدكتور عبد الوهاب عبد المجيد غزلان ، ص185.
7- انظر حديث زيد بن ثابت فى تفسير أخر براءة، وفى غير موضع من فضائل القرآن من صحيح البخارى ، وانظر فضائل القرآن لابن كثير ، ص30.
8- البخارى، كتاب فضائل القرآن ، باب جمع القرآن ، وانظر ما ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله فى شرحه من الروايات الكثيرة المصورة لمدى فداحة الخطب. فقح البارى 9/ 18.
9- فضائل القرآن لابن كثير، ص40.
10- البيان فى مباحث من علوم القرآن ، ص209(1/278)
المضاربة
لغة: ضاربه - ولفلان - فى ماله: اتجر له فيه ، أو اتجر فيه على أن له حصة معينة فى ربحه ،كما فى الوسيط(1).
والمضاربة والقراض اسمان لمسمى واحد ، فالقراض لغة أهل الحجاز، والمضاربة لغة أهل العراق.
وشرعا: هى توكيل مالك يجعل ماله بيد آخر ليتجر فيه ، والربح مشترك بينهما(2).
والمضاربة جائزة شرعا ، والأصل فى مشروعيتها عموم قوله تعالى: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم}البقرة:198 ، وفى المضاربة ابتغاء لفضل الله.
وقد روى عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه قسم ربح ابنيه فى المال الذى تسلفاه بالعراق فربحا فيه بالمدينة فجعله قراضا، عندما قال له رجل من أصحابه: لو جعلته قراضا ففعل(3).
وقد قام الإجماع على جواز المضاربة، فيقول الشوكانى بعد نقله لآثار عن الصحابة التى تدل على تعاملهم بالمضاربة: "فهذه الآثار تدل على أن المضاربة كان الصحابة يتعاملون بها من غير نكير، فكان ذلك إجماعا منهم على الجواز(4).
وللمضاربة أركان تقوم عليها، وهى :
1- الصيغة: فلابد من وجود إيجاب وقبول يفصح بهما الطرفان عن رغبتهما فى التعاقد، كأن يقول شخص لآخر ضاربتك أو قارضتك أو عاملتك بألف جنيه على أن يكون الربح بيننا نصفين(5).
2- العاقدان: فالمضاربة لا تتم إلا بتلاقى إرادتين على إنشائه ، وهما المضارب ورب المال ، ويشترط فيهما أن يكون كلا منهما أهلا للتعاقد، وهى أهلية التوكيل والوكالة(6).
3- رأس المال: وهو ما يدفعه رب المال للمضارب ليتجر فيه ، ويشترط فيه أن يكون معلوما، وأن يكون نقدا رائجا، وأن يكون عينا لا دينا، وأن يسلم إلى المضارب(7).
4- العمل: وهو ما يقوم به المضارب من أعمال لتنمية رأس المال ، ويشترط أن يختص المضارب بالعمل ، فينفرد به دون صاحب رأس المال ، فلا يجوز لرب المال أن يشترط عليه العمل معه ، وتفسد المضاربة بهذا الشرط(8).
ويرى الشافعية أن عمل المضارب مقيد بالأعمال التجارية فقط "أى البيع والشراء" فلا يجوزأن يشترط عليه العمل مع التجارة(9).
بينما ذهب الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أن عمل المضارب غير مقيد بالبيع والشراء، فيجوز له أن يستأجر ويغرس وغير ذلك(10).
5- الربح: وهو ما زاد عن رأس مال المضاربة ، نتيجة لعمل المضارب فى ذلك المال واستثماره ، فهو ثمرة لالتقاء رأس المال بالعمل البشرى، لذا كان مشتركا بين العاقدين ، رب المال مقابل ما قدمه من مال تحتاجه المضاربة والمضارب ، لأنه قام بالعمل والاستثمار، والاشتراك فى الربح هو الهدف من المضاربة، لذا فقد اهتم الفقهاء ببيان شروطه ، والتى نوجزها فيما يلى: يشترط فى الربح أن يكون مشتركا بين العاقدين ، وأن يكون مختصا بها، أى قاصرا عليهما لا يعدو الشريكين ، وأن يكون نصيب كل منهما معلوما عند التعاقد، وأن يكون نسبة شائعة من جملة الربح ، كنصف الربح أو ثلثه ، ولا يجوز أن يحدد بمبلغ معين كمائة جنيه مثلا(11).
وللمضارب فى المضاربة خمسة أحوال:
1- فهو أمين كالوديع عند قبضه لرأس المال وقبل التصرف فيه ،لأنه قبضه بإذن المالك لا على وجه البدل والوثيقة.
2- وهو وكيل لرب المال بالتصرف فى مال المضاربة، لأنه يتصرف فى مال الغير بأمره.
3- وهو شريك لرب المال فى الربح عند تحققه.
4- وهو أجير لرب المال إن فسدت ،المضاربة لأى سبب.
5- وهو غاصب لمال المضاربة إن خالف شروط رب المال أوالعمل فى ما لا يملك فعله(12).
وقد اتفق الفقهاءعلى أن المضارب أمين على ما بيده من مال المضاربة، فلا يضمن ما يصيبه من تلف أوخسارة إلابتعديه أو تفريطه ،شأنه شأن الوكيل. فإذا حصل تلف أو خسارة فى رأس المال بسبب تعد أو تفريط من المضارب ، فإنه يكون مسئولا عنه ضامنا له(13).
وذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا يجوز اشتراط الضمان على المضارب ، وإذا اشترط فلا يصح.
ويملك المضارب بمقتضى عقد المضاربة العديد من التصرفات التى تعتبر من ضرورات التجارة أو لواحقها مما جرت به عادة التجارة، كالبيع والشراء والمقايضة، والتعامل بمختلف العملات ، والبيع نسيئة، والإحالة والحوالة ، والرهن والارتهان والاستئجار... إلخ(14).
وتفسد المضاربة إذا فات ركن من أركانها، و تخلف شرط من شروط صحتها،كما أنها تفسد إذا دخلها شرط مفسد، والشروط الفاسدة هى التى تنافى مقتضى العقد، أو تلك التى تعود بجهالة توزيع الربح ، أو أن يشترط ما ليس من مصلحة العقد ولا مقتضاه(15).
أ.د/على مرعى
__________
الهامش:
1- المعجم الوسيط ، مجمع اللغة، دار المعارف ، ط3، مادة (ضرب) 1/ 557.
2- حاشية البيجرمى على شرح الخطيب ط مصطفى الحلبى 3/ 159.
3- تراجع القصة بكاملها فى الموطأ للإمام مالك ط الحلبى 2/ 687.
4- نيل الأوطار للشوكانى 5/ 300 ، ط دار الحديت ، مع الشرح الكبير.
5- بدائع الصنائع 7/ 3446، ط مطبعة الإمام نشر زكريا على يوسف بالقاهرة.
6- بدائع الصنائع 8/ 3563.
7- حاشية ابن عابدين 8/ 281 ط مصطفى الحلبى ط2 سنة 1996م.
8- تكملة حاشية ابن عابدين 8/ 283.
9- أسنى المطالب 2/ 382.
10- البدائع 8/ 3608.
11- البدائع 8/ 3602 ، حاشية الدسوقى 3/ 523 وما بعدها.
12- تكملة شرح فتح القدير لقاضى زاده 8/ 445، ط مصطفى الحلبى ط1 سنة 1970م.
13- حاشية ابن عابدين 5/ 346.
14- البدائع 8/ 3606 وما بعدها.
15- المغنى والشرح الكبير 5/ 186 ، 187(1/279)
معاجم اللغة العربية
لم يسبق العرب فى صناعة المعاجم - من الناحية التاريخية - سوى عدد قليل من الشعوب القديمة ذات التراث الحضارى العريق كالهنود واليونانيين والصينيين والمصريين القدماء.
وإذا كان المعجم العربى - كغيره من سائر فروع الدراسات اللغوية - لم ينشأ إلا بعد ظهور الإسلام ، وباعتباره ثمرة من ثمار الدرس القرآنى، فقد استطاع - منذ ظهوره - أن يشق لنفسه طريقا مستقلا، وأن يحقق من التفوق والتميز ما جعله ينافس معاجم الشعوب الأخرى وقد كان هذا التفوق نتاج عوامل أربعة هى :
1- التفكير المبكر فى عمل معجم حيث ظهر أول معجم كامل فى منتصف القرن الثانى الهجرى (الثامن الميلادى) على يد العالم اللغوى الخليل بن أحمد الفراهيدى (100-175هـ).
2- التفرد بهدف غاب فى معاجم الشعوب الأخرى، وهو تسجيل المادة اللغوية بصورة شاملة، وشرحها بطريقة منظمة، فى حين أن معاجم الشعوب الأخرى مجرد قوائم لشرح الكلمات النادرة أو الصعبة.
3- كثرة ما ظهر من معاجم عربية على امتداد السنوات والقرون حتى إن عدها يكاد يندّ عن الحصر.
4- تنويع أشكال المعاجم العربية بصورة كبيرة، وبشكل يستنفد كل الاحتمالات العقلية الممكنة للترتيب ، كما يبدو من الجدول الآتى:
نوع المعجم ونماذج لكل منهما:
1- معاجم المعانى أو الموضوعات:
أ - الغريب المصنف لأبى عبيد القاسم بن سلام (157-224هـ).
ب - المخصص لابن سيدة (398-458هـ).
2- معاجم الترتيب الصوتى:
أ- العين للخليل بن أحمد (100-175هـ).
ب- تهذيب اللغة للأزهرى (282-370هـ).
3- معاجم الأبنية أو الأوزان:
أ- ديوان الأدب للفارابى (000-350هـ).
ب- شمس العلوم لنشوان بن سعيد الحميرى (467-538).
4- معاجم الترتيب الألفبائى حسب أوائل الكلمات:
أ- الجيم لأبى عمرو الشيبانى (94-206هـ).
ب- أساس البلاغة للزمخشرى (467-538هـ).
ج- المصباح المنير للفيومى (000-770هـ).
5- معاجم الترتيب الألفبائى حسب أواخر الكلمات:
أ- الصحاح للجوهرى (00-393هـ).
ب- لسان العرب لابن منظور (630-711هـ).
(أصدرت دار المعارف المصرية نسخة مرتبة ترتيب الألف باء حسب أوائل الكلمات).
ج- القاموس المحيط للفيروزآبادى (729-817هـ).
احتلت المعاجم العربية مكانا مرموقا بين المعاجم عبر عنه خبير المعاجم الأوروبى Haywood بقوله: "الحقيقة أن العرب فى مجال المعجم يحتلون مكان المركز سواء فى الزمان أو المكان بالنسبة للعالم القديم والحديث وبالنسبة للشرق والغرب".
أ.د/أحمد مختار عمر
__________
الهامش:
1- البحث اللغوى عند العرب دكتور/أحمد مختار عمر عالم الكتب القاهرة ط6 سنة 1988م.
2- صناعة المعجم الحديث دكتور/أحمد مختار عمر عالم الكتب القاهرة الطبعة الأولى 1998م.
3- المعجم العربى دكتور حسين نصار مكتبة مصر بالفجالة الطبعة الثانية سنة 1968م.
4- Arabicl exicogrphy، J.A، Haywood، Leiden 1960(1/280)
المعاصرة
لغة: على وزن مفاعلة من العصر، وللعصر عدة معان أهمها وقت وجوب صلاة العصر وهو الوقت فى آخر النهار إلى احمرار الشمس. وعاصر فلانا لجأ إليه ولاذ به وعاش معه فى عصر واحد (كما فى المعجم الوسيط)(1).
واصطلاحا: ورد لفظ العصر فى القرآن الكريم فى قوله تعالى: {والعصر إن الإنسان لفى خسر. إلا الذين أمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}العصر 1-3.
يقول البيضاوى(2) فى تفسير الآية الأولى من هذه السورة: "أقسم سبحانه بصلاة العصر لفضلها، أو بعصر النبوة، أو بالدهر لاشتماله على الأعاجيب".
والمعاصرة حسب هذا التعريف هى المعايشة بالوجدان والسلوك للحاضر والإفادة من كل منجزاته العلمية والفكرية وتسخيرها لخدمة الإنسان ورقيه.
وتستخدم المعاصرة فى مقابل الأصالة، فيقال مثلا: "الإسلام بين الأصالة والمعاصرة" بمعنى كيفية تمكن الإسلام من مسايرة العصر والوفاء بمتطلباته والتعامل مع مقتضياته المتغيرة بثوابته الأصلية.
والمعروف أن الإسلام يتضمن إلى جانب ثوابته الأصلية التى تتعلق بأصوله ، مناهج تفتح كل الأبواب للتعامل مع كل المستجدات.
فبجانب ثوابت العقيدة التى تصلح بطبيعتها لكل زمان ومكان لأنها متأسسة على الرسالة الخاتمة ومستمدة من فطرة الله التى فطر الناس عليها، هناك مناهج للتشريع تعتمد فى تطبيقاتها على الاجتهاد بإعمال العقل السليم فيما يجلب المصلحة العامة ويدرأ المفسدة ويسد الذرائع ، فهى توجد ، كما يقول الشاطبى(3) "حيث يكون العمل فى الأصل مشروعا لكن ينتهى عندما يؤول إليه من المفسدة" وقد عمل به الإمام مالك فى أكثر أبواب الفقه. ويعتبر الإمام محمد أبو زهرة ذلك توثيقا لمبدأ المصلحة التشريع الإسلامى.(4).
وينبغى أن نفرق بين المعاصرة التى لا تتناقض من وجهة النظر الإسلامية مع الأصالة وبين العصرانية (العلمانية) التى تعتبر العصر وحده مصدرا للتشريع فى الحياة الاجتماعية العامة، وهذا الاتجاه الفكرى يحاول إبعاد الدين عن الحياة العامة واعتباره مجرد مسألة خاصة بكل إنسان ، ويعتبره - فى أحسن الأحوال - مصدرا للمبادىء الخلقية والمعاملات الشخصية.
أما السياسة وكل ما يتصل بالحياة العامة للإنسان لا للدين بها، أى علاقة وهذا مما يتناقض مع مبادىء التصور الإسلامى الصحيح(5).
د/السيد محمد الشاهد
__________
الهامش:
1- المعجم الوسيط مادة (عصر) استانبول تركيا ط2 د.ت.
2- تفسير البيضاوى (أنوار التنزيل وأسرار التأويل) 2/ 620 بيروت لبنان 1988م.
3- الموافقات لأبى إسحاق الشاطبى تحقيق عبدالله دراز 4/ 100 دارالموتة بيروت د-ت.
4- مناهج التشريع الإسلامى محمد البلتاجى جامعة الإمام محمد بن سعود 2/ 637 الرياض 1977م.
5- رحلة الفكر الإسلامى من التأثر إلى التأزم السيد الشاهد دار المنتخب بيروت 1994م(1/281)
المعتزلة
أصلها عزل واعتزل ، وقد وردت هذه الكلمة عشر مرات فى القرآن الكريم كلها تعنى الإبتعاد عن شىء كما فى قوله تعالى: {فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيل}النساء:90.
والمعتزلة هم أول مذهب فى علم الكلام الإسلامى، بدأ فى النصف الأول من القرن الثانى الهجرى،واختلف المؤرخون لهذا المذهب الكلامى فى تحديد اسم مؤسسه ، فذهب معظمهم إلى أنه واصل بن عطاء (ت131هـ/748م) الذى اعتزل مجلس ،الحسن البصرى(110هـ/727م) عندما سئل الحسن البصرى عن مرتكب الكبيرة هل هو مؤمن أم كافر، وقبل أن يجيب الحسن البصرى على السؤال وقف واصل بن عطاء وقال: إنه فى منزلة بين المنزلتين أى بين الإيمان والكفر، بينما كانت الخوارج تذهب إلى تكفيره ، وذهب أهل السنة إلى أنه مؤمن.
وكان الحسن البصرى يذهب إلى أن مرتكب الكبيرة لامؤمن ولا كافر، وإنما يكون "منافقا" ووافقه بداية عمرو بن عبيد (145هـ /762م)، أما واصل بن عطاء فكان يرفض هذه الصفات الثلاث ، فمرتكب الكبيرة عنده لا يكون مؤمنا ولا كافرا ولا منافقا بل يكون "فاسقا" وقد أخذ واصل هذا المذهب عن أبى هاشم عبدالله بن محمد بن الحنفية.
وترجع تسمية واصل بن عطاء وأصحابه بالمعتزلة إلى قول الحسن البصرى بعد أن قام واصل من مجلسه وانتحى لنفسه مكانا آخر: "اعتزلنا واصل".
أما القاضى عبد الجبار فيرجع أصل الاعتزال إلى عمرو بن عبيد، حيث يذكر أنه جرت بين واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد مناظرة فى مسألة مرتكب الكبيرة، فرجع عمرو بن عبيد إلى مذهب واصل وترك مجلس الحسن البصرى، واعتزل جانبا فسموه معتزليا، وهذا أصل تلقيب أهل العدل بالمعتزلة كما يقول القاضى عبد الجبار.
ويذكر ابن المرتضى فى كتابه "المنية والأمل" أن المعتزلة كانوا يسمون أيضا "بالعدلية" لقولهم "بالعدل الإلهى" ، و"الموحدة" لقولهم "لا قديم مع الله"، ويؤكد ذلك جعلهم العدل والتوحيد أول أصلين فى أصولهم الخمسة، حيث يأتى أصل "المنزلة بين المنزلتين" الذى كان سببا فى نشأتهم فى المركز الرابع بعد "الوعد والوعيد" أما الأصل الخامس والأخير فهو "الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر".
انقسم الاعتزال إلى مدرستين متوازيتين الأولى فى البصرة (البصريون) والثانية فى بغداد (البغداديون).
وأهم رجالات مدرسة البصرة هم: واصل ابن عطاء ، وعمرو بن عبيد وأبو الهزيل العلاف (227هـ/842م)، وإبراهيم بن سيار النظام (235هـ/853م)، وعمرو بن بحر الجاحظ ، وأبو على الجبائى (303هـ/924م).وابنه عبد السلام الجبائى (أبو هاشم 321هـ/941م) (أخذ عنهما أبو الحسن الأشعرى (324هـ/944م) الاعتزال فى أول الأمر قبل أن ينقلب على الاعتزال فيما بعد) ثم القاضى عبد الجبار الهمذانى (415هـ/1025م) صاحب موسوعة المغنى فى أبواب التوحيد والعدل ، والمحيط بالتكليف ،وشرح الأصول الخمسة، وغيرها من المؤلفات الكبيرة فى شتى العلوم الشرعية.
ومن تلامذة القاضى عبد الجبار: الحسن بن متويه ، وأبو الحسين البصرى (436هـ/1045م) وأبو رشيد سعيد النيسابورى (460هـ/1067م) صاحب كتاب "المسائل فى الخلاف بين البصريين والبغداديين" ، ثم ركن الدين محمود ابن الملاحمى (536هـ) ومحمود ابن عمر الزمخشرى (538هـ) ثم تقى الدين النجرانى (656هـ) صاحب "الكامل فى الاستقصاء فيما بلغنا من كلام القدماء".
أما أهم أعلام مدرسة بغداد فهم: بشر بن المعتمر (210هـ/825م) وأبو موسى المردار (226هـ/844م) وثمامة بن الأشرسر (213هـ/831م) وأبو الحسين الخياط (190هـ /818م) وأبو جعفر محمد الإسكافى (240هـ/858م) وأبو القاسم الكعبى (319هـ/938م) وأبو بكر الأخشيدى (326هـ/946م).
وقد شهد تاريخ الاعتزال خلافات كثيرة بين مدرستى البصرة وبغداد لخصها أبو رشيد سعيد النيسابورى فى كتابه المعروف:
"المسائل فى الخلاف بين البصريين والبغداديين". إلا أن الاعتماد على العقل فى تفسيرالنصوص الشرعية كان قاسما مشتركا بين المدرستين.
وكان تمادى المعتزلة فى الاعتماد على العقل والمبالغة في التعويل عليه فى تفسير بعض المسائل الحساسة مثل مسألة الصفات ، مما أوقعهم فى مخالفات بل وعداوات مع متكلمى أهل السنة مثل الأشاعرة وغيرهم من السلفيين مثل ابن تيمية (728هـ/1328م)، وكان السبب فى هذا الخلاف حرص المعتزلة على إفراد الله عز وجل بصفة القدم حتى أنهم رفضوا كل ما من شأنه أن يؤدى إلى القول بقدم أى شىء سوى ذاته تعالى.
وقد قسم المعتزلة الصفات إلى قسمين صفات ذات وهى التى لاتنفك عنها الذات مثل: الوجود والحياة والعلم والقدرة والإرادة، ثم صفات أفعال التى ترتبط بالزمان من حيث الوجود والعدم ، وقد ترتب على مذهبهم هذا القول بخلق القرآن ،وأن كلام الله مخلوق ، مما أثارعليهم غضب أهل السنة خاصة بعدما حدثت محنة الإمام أحمد بن حنبل فى عهد المعتصم.
كما اشتهروا بقولهم: إن الإنسان خالق ،لأفعاله على الحقيقة بقدرة خلقها الله فيه. وجعلوا ذلك أساسا للاستحقاق، والذى يعرف حاليا بمشكلة حرية الإرادة فإنسانية، كما عرف عنهم خلافهم مع أهل السنة فى تفسير رؤية البارى عز وجل فى الدار الآخرة وقد أفرد القاضى عبد الجبار مجلدا لهذه المسألة في موسوعة المغنى فى أبواب التوحيد والعدل (المجلد الرابع).
أ.د/السيد محمد الشاهد
__________
مراجع الاستزادة:
1- شرح الأصول الخمسة للقاضى عبد الجبار تحقيق عبد الكريم عثمان القاهرة سنة 1965.
2- المحيط بالتكليف جمع الحسن بن متويه تحقيق عمر السيد عزمى د-ت.
3- المغنى فى أبوإب التوحيد والعدل للقاضى عبد الجبار تحقيق مجموعة من العلماء ، القاهرة 1965.
4- المنية والأمل لأحمد بن يحيى بن المرتضى تحقيق نوما أرنولد بيروت 1316هـ.
5- الكامل فى الاستقصاء فيما بلغنا من كلام القدماء تحقيق د/السيد الشاهد المجلس الأعلى للشئون الإسلامية(1/282)
المعجزة
المعجزة: هى البرهان الذى يثبت صدق أى نبى أو رسول فى دعواه النبوة أو الرسالة، واشتقاق الكلمة من إعجاز الأمر الخارق الذى يقع على يد النبى أو الرسول للبشر أن يأتوا بمثله.
وإنما كانت المعجزة دليلا على صدق النبى صلى الله عليه وسلم فى دعواه أنه مكلف من الله ، ومختار منه بالنبوة والرسالة ، لأن اجتماع المعارضين له على تكذيبه ، وشحذ هممهم وتجميع كل قواهم ، لإثبات بطلان دعواه ، ثم يعجرون عن الإتيان بمثل الفعل الخارق الذى أتى به دليل على أن الفعل الذى جاء به ، أو جرى على يديه خارج عن قدرة البشر فإن معنى ذلك أنه لم يأت بهذا الفعل الخارق من عند نفسه ،لكنه مؤيد من الله ، وأن المعجزة حينئذ تكون - كما قال علماء العقيدة: -بمثابة إعلان الله عز وجل تصديقه لنبيه ، وقائمة مقام قوله "صدق عبدى فيما يبلغ عنى" لأن الذى يستطيع أن يخرق النظام الكونى ، ويعطل قوانينه الثابتة المعتادة، إنما هو خالق النظام الكونى نفسه ، وواضع قوانينه ، لأنه وحده الذى يقدر على ذلك ، ولذلك تعرف المعجزة بأنها: "أمرخارق للعادة يظهره الله على يد مدعى النبوة تصديقا له فى دعواه مقرونة بالتحدى مع عدم المعارضة".
فلكى تعرف المعجزة وتتميز عن غيرها من الأمور- الخارقة ، لابد أن تكون: خارقة للعادة أى خارقة للقوانين الكونية المعتادة، والنواميس الكونية الثابتة كعدم إحراق النار، وإحياء الموتى، وقلب العصا حية تسعى.
- أن تقع على يد نبى أو رسول يعلن دعواه النبوة ة لكى تتميز عن كرامة الأولياء.
- أن تجرى على وفق دعواه ، فتكون تصدلقا له حتى لا تكون إهانة لا معجزة.
- أن تقترن بالتحدى من قبل النبى لقومه ومن قبلهم له.
- أن يعجزوا عن معارضته ، فإذا أتوا بمثلها لا تكون معجزة ، بل تكون حينئذ من قبيل الأمور التى يمكن تعلمها، والإتيان بمثلها كالسحر.
والمعجزة فى حقيقة أمرها رسالة إلى العقل الإنسانى ، لأنها عندما يقبلها العقل يقبل دلالتها على الفور على صدق الرسول، ومن ثم تثبت نبوة النبى أو رسالة الرسول بعد قبول العقل لها، واقتناعه بها.
وإذا كانت تثبت بالتواتر بعد ذلك حين تتناقلها الأجيال جيلا بعد جيل بواسطة عدد من الناس يستحيل عليهم التواطؤ على الكذب وقد قال العلماء فإن العلم بالتواتر هو أحد أقسام الضروريات.
ولما كانت المعجزة تستمد قوتها فى الدلالة على صدق الرسالة من أنها خرق للنظام المعتاد،فإن خرقها لما اعتاده الناس إنما يأتى من تصديق الأئمة الذين بلغوا غاية العلم فيما اعتاده الناس ، لأنهم عجزوا عن الإتيان بمثل المعجزة.
ولذلك جاءت كل معجزة مما برع فيه الناس ،وبلغوا غاية العلم به فى عصره ،فإذا أذعن هؤلاء عرف أن ما أتى به الرسول ليس و من قبيل ما علموه غاية العلم ، وإنما هو من باب آخر غير ما يعلمونه.
ومن ثم جاءت معجزة موسى عليه السلام أشبه بالسحر لكنها ليست منه ، لأن القوم كان قد برعوا فى السحر، فلما انقلبت العصا حية على يد موسى أمام السحرة الذين بلغوا منتهى العلم بالسحرة عرفوا أن ما أتى به موسى ليس سحرا {وألقى السحرة ساجدين}الأعراف:120.
وكذلك جاءت معجزة عيسى عليه السلام أشبه بالطب ، لكنها كانت غيره ،لأن القوم كانوا قد برعوا فى الطب ، فلما أحيا عيسى الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص أمام الذين بلغوا غاية ومنتهى العلم فى الطب ، عرفوا أن ما أتى به عيسى ليس من قبيل الطب ،وإنما هو أمر خارق للنظام العام.
وبالنسبة لمعجزة القرآن فقد جاءت متجاوزة حدود البشرية فى أمرين: اللغة والتشريع.
أما اللغة فقد كان نزول القرآن فى وقت بلغت فيه اللغة العربية منتهى إمكان البشر فى التطور اللغوى فى الفكرة والأساليب ، فلما جاء القرآن الكريم جاء متجاوزا حدود الإمكانات البشرية، وأدرك ذلك أئمة اللغة، وفحول الخطباء والشعراء الذين عجروا عن الإتيان بمثل القرآن ونظمه البلاغى.
وأما فى التشريع ، فقد أثبتت مقارنته بغيره من النظم التشريعية البشرية عبر العصور تفوق التشريع القرآنى بتوازنه العادل فوق كل الأنظمة التى أنتجتها حكمة البشر وقدرتهم التشريعية.
ذلك مما أعطى القرآن صفة المعجزة الدائمة، وهى سمة تتسم بها معجزة القرآن عما سبقها من معجزات الرسل السابقين.
وهناك سمة أخرى تتميز بها المعجزة القرآنية، وهى أن المعجزات السابقة كانت - كما قال ابن رشد - من غير طبيعة الرسالة، لأن الرسول إنما يأتى ليضع النظام الذى يكفل لمن أرسل إليهم خطة الحياة الفاضلة، ولكن معجزة موسى وعيسى عليهما السلام لم تكن من هذا الباب ، وإنما كانت الأولى مما أشبه بالسحر وكانت الثانية مما أشبه الطب.
أما معجزة القرآن فقد جاءت من قبيل تشريع من نفس فعل الرسالة وطبيعتها. مما أعلطاها من القيمة البرهانية على الرسالة
أكثر مما أعطت المعجزات السابقة من البرهنة على رسالاتها إلى درجة جعلت إماما كابن رشد يقلل من القيمة البرهانية للمعجزات السابقة إلى درجة لا نوافق عليها.
فالقرآن الكريم نفسه يقول عن معجزة اليد والعصا: {فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملئه}القصص:32.
على أن القرآن الكريم أعطى للمعجزات السابقة مصداقية حين صدق بها وبدلالاتها، ولولا روايته لها وتصديقه لدلالاتها ، لربما انقطع تواترها ، ولكنه بإيرادها حملها إلى الأجيال بنفس ما هو عليه من درجة الوثوق والمصداقية.
ثم إن هناك وجوها أخرى لإعجاز القرآن أسهبت فى بيانها كتب العقائد والتاريخ والسنن قديما، وكتب العلوم حديثا.
فالقرآن أخبر بوقائع سبقته لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم علم بها وأخبر بوقائع لحقته ،لم يكن له صلى الله عليه وسلم المقدرة على التكهن بها واستنتاجها ، كما أخبر بانتصار الروم على الفرس فى بضع سنين ، مع أن وقائع الأحداث لم تكن تبشر بأدنى شىء من هذا التوقع ، مما جعل المؤرخ الإنجليزى (جيسن) يحدث بأن القرآن لو لم يكن فيه دليل على مصدريته من الله إلا هذا الخبر لكفى.
وكتب العلوم ونظرياتها لم تثبت أى تعارض لمصادر القرآن الكريم ، مما يجعل الثقة قائمة فى أن مصدر القرآن ، ومصدر الحقيقة العلمية عندما تثبت واحد وهو الله ، فخالق الكون ، وواضع سننه وقوانينه هو منزل القرآن.
أما الماديون الذين ينكرون المعجزات فحججهم واهية ، لأنها تقوم على إنكار الوقوع لا على إنكار الإمكان ، لأن إمكانها ضرورى فالذى خلق السموات والأرض وأبدع نظام الكون ، وأقامه على قوانين وسنن قادر على أن يخرق هذه القوانين والسنن ، ويبدلها فى حالة خاصة بقانون خاص.
أما إنكار الوقوع ، وأن المعجزات لم تحدث ،فيقوم عندهم على الطعن فى التواتر أو الطعن فى إفادة التواتر لليقين ، فهى عندهم لا تثبت فى حق الغائبين الذين لم يروها، ويمكن الرد على هؤلاء بأن معجزة القرآن مازالت باقية بين أظهرنا الآن والتحدى بها قائم والعجز عن معارضته مازال مستمرا ، وبالتالى تثبته وقوع المعجزات الأخرى ، لأنه أثبتها.
ومن ناحية أخرى فإن الطعن فى التواتر أو فى إفادة التواتر لليقين طعن فى قانون أساس من قوانين الفكر، فالمتواترات - كما قيل - أحد أقسام الضروريات ولو طعن فى التواتر، وإفادته اليقين لما بقى خير يفيد اليقين إطلاقا، ولم يقل بذلك أحد.
وبذلك لا يبقى للماديين مستند معقول لإنكار المعجزات.
أ.د/عبد المعطى محمد بيومى
__________
مراجع الاستزادة:
1- مقاصد الطالبين فى علم أصول الدين لسعد الدين التفتازانى ج2 طبع المطبعة العاصر ، استانبول 1277هـ.
2- تهافت التهافت ابن رشد دار المعارف بمصر سنة 1971م ط2.
3- مناهج الأدلة فى عقائد الملة (لابن رشد) مع مقدمة فى نقد مدارس علم الكلام تقديم وتحقيق د/محمود قاسم مكتبة الأنجلو المصرية سنة 1964م.
4- دائرة معارف القرن العشرين محمد فريد وجدى ج6 ط3 دار المعرفة بيروت لبنان سنة 1971م.
5- الوحى المحمدى السيد محمد رشيد رضا مطبعة المنار بمصر سنة 1935م(1/283)
المعصية
لغة: الخروج عن الطاعة ومخالفة الأمر(1).
واصطلاحا: ما يثاب على تركه ويعاقب على فعله ، ويرادفها: المحظور والحرام.والذنب (2)، وإذا كانت المعصية عبارة عن مخالفة أمر الله وطاعته مما يوجب سخط الله تعالى ويتوجب العقاب فاعلم أنها تنتج عن مجموعة صفات فى الإنسان كل منها يتعلق به أنواع من المعاصى تختلف عن الأنواع الأخرى وهذه الصفات هى(3):
1- صفات ربوبية: ومنها يحدث الكبر والفخر، وحب المدح والثناء ، والعز، وطلب الإستعلاء ، ونحو ذلك ، وهذه ذنوب مهلكات ،وبعض الناس يغفل عنها فلا يعدها ذنوبا.
2- صفات شيطانية: ومنها يتشعب الحسد ، والبغى، والحيل ، والخداع ، والمكر والغش ، والنفاق ، والأمر بالفساد ، ونحو ذلك.
3- صفات بهيمية: ومنها يتشعب الشر، والحرص على قضاء شهوتى البطن والفرج ، فيتشعب من ذلك الزنا ، واللواط ، والسرقة، وأخذ الحطام لأجل الشهوات.
4- صفات سبعية: ومنها يتشعب الغضب ، والحقد ، والتهجم على الناس بالقتل والضرب ، وأخذ الأموال ، وهذه الصفات لها تدرج فى الفطرة.
فالصفة البهيمية هى التى تغلب أولا، ثم تتلوها الصفة السبعية ثانيا، فإذا اجتمعت هاتان استعملت العقل فى الصفات الشيطانية من المكر والخداع ، ثم تغلب الصفات الربوبية، فهذه أمهات المعاصى ومنابعها ، ثم تنفجر المعاصى من هذه المنابع إلى الجوارح ،فبعضها فى القلب كالكفر، والبدعة والنفاق وإضمار السوء، وبعضها فى العين ، وبعضها فى السمع ، وبعضها فى اللسان ، وبعضها فى البطن والفرج ، وبعضها فى اليدين والرجلين ،وبعضها فى جميع البدن ، وهذا كله واضح لا يحتاج إلى تفصيل.
وقد اختلف الفقهاء فى تصنيف الذنوب والمعاصى على ثلاثة أوجه:
الأول: أنها تنقسم إلى صغائر وكبائر، وهو المشهور بين الفقهاء، ويساعدهم إطلاقات الكتاب والسنة، لقوله تعالى: {وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان}الحجرات: 7 ، فجعل الفسوق وهو الكبائر تلى رتبة الكفر، وجعل الصغائر تلى رتبة الكبائر وقد خصص النبى صلى الله عليه وسلم بعض الذنوب باسم الكبائر.
الثانى: أن الذنوب كلها قسم واحد وهو الكبائر، وهو طريقة جمع عند الأصوليين منهم الأستاذ أبو إسحاق ، ونفى الصغائر، وجرى عليه إمام الحرمين فى الإرشاد، وابن فورك فى كتابه "مشكل القرآن" فقال: المعاصى عندنا كبائر، وإنما يقال لبعضها: صغيرة بالنسبة إلى ما هو أكبر منها كما يقال: الزنا صغيرة بالنسبة إلى الكفر، والقبلة المحرمة صغيرة بالنسبة إلى الزنا، وكلها كبائر.
الثالث: أن المعاصى تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
1- كبيرة: كقتل النفس بغير حق.
2- فاحشة: قتل ذا رحم.
3- صغيرة: سائر الذنوب كالخدشة والضرب مرة أو مرتين.
ويظهر من هذه الأقوال أن الخلاف لفظى، فإن رتبة الكبائر تتفاوت قطعا واختلف العلماء فى تعريف الكبيرة اختلافا كبيرا ، كذلك اختلفوا فى حصرها وعدد أنواعها. لكن الصحيح كما قال الواحدى فى البسيط: إنه ليس للكبائر حد يعرفه العباد،وتتميز به عن الصغائر تمييز إشارة، ولو عرف ذلك لكانت الصغائر مباحة، ولكن الله تعالى أخفى ذلك عن العباد ليجتهد كل واحد فى اجتناب ما نهى عنه ، رجاء أن يكون مجتنبا للكبائر، ونظيره إخفاء الصلاة الوسطى فى الصلوات ، وليلة القدر فى رمضان. هل الإصرار على الصغائر يجعلها فى منزلة الكبائر أم لا؟ نجد عند الأصوليين أن الإصرار له معنيان:
أحدهما: العزم على فعل المعصية بعد الفراغ منها.
والثانى: المداومة على فعل الصغائر.
وحكم الإصرار بالمعنى الأول حكم من كررها فعلا فيتحمل بذلك إثما، وحكم الإصرار بالمعنى الثانى أنه إن كان على نوع واحد من الصغائر غفرت بكثرة الطاعات ،وإن كان الإصرار على أنواع متعددة لا تغفر بكثرة الطاعات بل لابد من التوبة عنها حتى تغفر.
أ.د/على جمعة محمد
__________
الهامش:
1- لسان العرب لابن منظور (4/ 2981) ، دار المعارف.
2- المعجم الوسيط 2/ 606 دار المعارف 1972م.
3- الحدور الأنيقة والتعريفات الدقيقة، للشيخ زكريا الأنصارى، تحقيق د/مازن المبارك ص76 دار الفكر المعاصر بيروت 1991م.
4- مختصر منهاج القاصدين لأبى العباس المقدسى الحنبلى ص257، 258 ، طبعة ابن زيدون بدمشق 1347هـ.
5- البحر المحيط للزركشى 4/ 275 طبعة وزارة الأوقاف بالكويت الأول 1990م.
مراجع الاستزادة:
1- ابن حجر الهيتمى 1/ 5 الزواجر عن اقتراف الكبائر. مطبعة الحلبى وأولاده بمصر الطبعة الثانية 1390هـ.
2- من وصايا الرسول شرح وتعليق طه عبد الله العفيفى (6/ 10) دار الاعتصام الطبعة الثالثة 1397هـ(1/284)
المقاييس
لغة: جمع مقياس وهوالمقدار كما فى الوسيط(1).
واصطلاحا: عبارة عن الوحداته التى تقاس بها الأشياء.
وهى المبادئ الثابتة التى تقاس بها التصرفات الشرعية والمبادئ الأخلاقية.
والمقصود هنا المعنى الأول وهى الواحدات التى تقاس بها الأشياء.
وهده المقاييس تشتمل على نوعين:
1- مقاييس الطول ، وتشمل: الشعيرة ، والأصبع ، والقبضة ، والقدم ، والذراع ، والباع ، والغلوة ، والميل ، والفرسخ ، والبريد.
2- مقاييس المساحة وتشمل: الذراع ،والقصبة،والأشل ، والقفيز، والجريب.
أما مقاييس الحجم فهى المكاييل. انظرالمكاييل.
وتجدر الإشارة إلى أن الأحكام الشرعية المتعلقة بالمقاييس متعلقة أساسا بالأطوال أكثر من تعلقها بالمساحات ،وذلك كمسافة القصر فى الصلاة، وغير ذلك من الأحكام الشرعية الأخرى، أما المساحات فلا يتعلق بها سوى أحكام الخراج ، وليس فى تقويمها بالمقاييس المعاصرة الآن ما يفيدة نظرا لقيام قانون الضرائب مقامها فى هذا العصر.
وقد وردت بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية مشتملة على ذكر بعض المقاييس ، قال تعالى: {والأرض جميعا قبضته يوم القيامة}الزمر:67 ، وقال على لسان السامرى: {فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها}طه:96. بغض النظرعن تفسير القبضة فى كلام البارى وكلام السامرى وموقف العلماء منها.
وقال تعالى: {ثم فى سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه}الحاقة:32. والذراع من المقاييس الطولية، وغيرها من الآيات كثير.
ومن الأحاديث النبوية ما رواه أنس بن مالك عن قصر الصلاة فقال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ صلى ركعتين) فقد ورد فى الحديث ذكر الميل والفرسخ ، وهما من المقاييس التى تهتم بالأطوال وهناك حاديث أخرى عديدة ورد فيها ذكر مجموعة من المقاييس كتقديرات المسافات معينة تخبر وتنبئ عن حقيقة حكم شرعى أو هيئة متعلقة بالنبى صلى الله عليه وسلم.
والمقاييس الشرعية طولية كانت أو مساحية يناط بها كثيرمن الأحكام الفقهية المتعلقة بفعل العبد، وعلاقته بربه ، وقد أفاض الفقهاء رضوان الله عليهم فى هذه المقاييس كمقادير شرعية مهمة تتعلق بتوفرها صحة كثير من العبادات والتكاليف الشرعية.
ومن المسائل الفقهية المهمة التى للمقاييس دور مهم فى صحتها:
- القصر ومسافته فى الصلاة، ومعلوم أنه يتعلق بمقياسين مهمين وهما: الفرسخ والميل.
- ومسافة طلب الماء لأجل التيمم.
- المسافة بين الإمام والمأمومين خلفه ،والتى تتعلق بها صحة المتابعة من عدمها.
- تغريب الزانى، والميقات المكانى وغيرها كثير من الأحكام الشرعية.
وقد حدد الفقهاء وعلماء اللغة بدقة متناهية المقاييس السابقة وأحكامها الفقهية.
أ.د/على جمعه محمد
__________
الهامش:
1- المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية، الطبعة الثالثة، مادة (قيس)، 2/ 800.
مراجع الاستزادة:
1- الأحكام الفقهية المتعلقة بها. كيل - وزن - مقياس منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وتقويمها بالمعاصر ، محمد نجم الدين الكردى ، مطبعة السعادة 1984.
2- معجم لغة الفقهاء. محمد رواس قلعجى، وحامد صادق قيبنى، دار النفائس ، ط1 ، سنة 1985م(1/285)
المقولات العشر
إن كلمة "مقولة" Category ، اشتقت من مصدر "القول" وهي ترجمة للكلمة اليونانية "كاتيجوريا" Catigorie، ومعناها "العلاقة" ، ويقرب من هذا أيضا لفظ "كلى".
وقد دخلت هذه الكلمة بلفظها تقريبا، فى جميع اللغات ، حتى لدى مفكرى الإسلام التى جاءت عندهم بلفظ "قاطيغورياس"، غير أن هؤلاء أيضا سموها "مقولة".
وكان أرسطو (384-322 ق.م) هو الذى درس أهم مظاهر المعرفة فى عصره ، فوجدها تقوم على عشرة أسس ، ينبنى عليها الفكر المستقيم في اتجاهه نحوالتعميم. وقد جمعها أرسطو وشرحها وسماها "المقولات".
وقد تناولها المفكرون من بعده بالعرض والشرح دون أن يملوا منها. كما جعلها مفكروالإسلام أصلا هاما من أصول المنطق الصورى، ولاسيما ما تعلق منها بالجوهر والعرض ، لصلتهما الوثيقة بمباحث التوحيد(2).
واصطلاحا المقولة: هى معنى كلى، يمكن أن تكون محمولا فى قضية ما.
وعليه فالمقولات محمولات ،كما حددها أرسطو من قبل ، وهى عشر، جمعها بعضهم فى بيت واحد هو:
قمر غزير الحسن ألطف مصره * لو قام يكشف غمتى لما انثنى(3).
1- القمر: للجوهر.
2- الغزير: للكم.
3- الحسن: للكيف.
4- ألطف: للإضافة.
5- مصره: للأين.
6- قام: للوضع.
7- يكشف: للفعل.
8- غمتى: للملك.
9- لما: للمتى.
10- انثنى: للانفعال.
وهذه المحمولات موجودة فى الكون(4).
ويلاحظ أن المقولات هى أنواع الصفات أو المحمولات التى نستطيع أن نصف بها فردا معينا كائنا ما كان. فإذا سألت عن أى شىء: ما هو؟ كان حتما أن يقع الجواب تحت واحد منها(5).
ومنها أربع مقولات تقع فيها الحركات وهى: الكم مثل النمو، والكيف مثل السرعة، والوضع مثل حركة الفلك علي نفسه دون انتقال ، والأين مثل النقلة(6)
وإليك التعريف بكل منها باختصار:
أولا: الجوهر: Substance.
هو كل ما له صفة الاستقلال بذاته مثل العناصر(7) كالماء والهواء والنار. وهذا الجوهر هو الأصل ، وما عداه من المقولات التسع أعراض له(8) يقول ابن سينا:
وكل نعت فهو إما جوهر * قوامه بنفسه مقرر(9).
والجوهر أيضا موجود لا فى موضوع ، يقابله العرض: accident بمعنى الموجود فى موضوع ، أى فى محل مقوم لما حل فيه(10).
والجوهر لدى المتكلمين: هو الجوهر الفرد المتميز الذى لا ينقسم ، أما المنقسم فيسمونه جسما لا جوهرا. ولهذا السبب يمتنعون عن إطلاق اسم الجوهر على المبدأ الأول(11).
ومن أهم أحكام الجوهر:
1- أنه قابل للعرض.
2- أنه متحيز، أى تأخذ ذاته قدرا من الفراغ.
3- أنه قابل للبقاء زمانين.
4- أن الجواهر لا تتداخل ، أى لا يدخل جسم فى آخر.
5- أن الجواهر تحدث بجملتها عن عدم سابق.
6- أنها تنعدم كذلك ، خلافا للطبائعيين ، كما يصح انعدام بعضها، خلافا لبعض المعتزلة فى أن الجوهر لا ينعدم إلا جملة.
7- وأنها لا تثبت فى العدم ، لأن المعدوم ليس شيئا، خلافا لبعض المعتزلة(12).
ثانيا: الكم: Quantity.
هو العرض الذى يقبل لذاته: المساواة والتفاوت والتجزؤ(13) ويخرج بذلك: النقطة، والواحدة، أى الشىء الواحد الذى لا تعدد فيه.
فهذه المقولة تخضع للقسمه ، وللقياس فيما له حجم ومقدار كقولنا: هذه خمسة كتب. وينقسم الكم إلى:
1- متصل: وهو الذى يكون بين أجزائه حد مشترك ، كالحال في الزمن بين الماضى والمستقبل.
2- منفصل: وهوالذى لايكون بين أجزائه حد مشترك كالعدد، مثل الأربعة إذا قسمت بين اثنين واثنين(14).
وهناك مايسمى"كمية القضية": والمقصود بها استغراق الموضوع فى المحمول ، وينتج عن ذلك:
(أ) القضية الكلية: وهى التى يقع الحكم فيها على جميع أفراد الموضوع ، مثل: كل إنسان فان.
(ب) القضية الجزئية: وهى التى يقع الحكم فيها على بعض أفراد الموضوع مثل: بعض الإنسان كريم.
(ج) القضية المخصوصة: وهى التى يكون الموضوع فيها واحدا بالعدد، مثل: عمر عادل(15).
ثالثا. الكيف: Quality.
هو هيئة قارة فى الشىء(16)وهو أيضا عرض لا يتوقف تعقله على تعقل الغير(17) ولا يقتضى القسمة في محله اقتضاء أوليا(18).
وللكيف أنواع:
1- كيف الكم: كالزوجية والفردية، و الاستقامة والانحناء ، والطول والعرض.
2- كيف المحسوس:(أ) إما راسخ كحلاوة العسل وحرارة النار(ب) أو غير راسخ:
- سريع الزوال ، يسمى انفعاليا كحمرة الخجل ، وصفرة الوجل.
- بطء الزوال ، كملوحة بعض الماء.
3 - كيف الملكة: وهو نوعان الأول ما يوجب الكمال وهو الناتج عن الاقتدار بلا كلفة، مثل ملكة العلم والكتابة.
والآخر ما لا يوجب الكمال: كاللين المعد أو الموجب للانقسام بسهولة(19).
رابعا: الإضافة: Relation
لغة: نسبة الشىء إلى الشىء مطلقا.
اصطلاحا: هى حال تعرض للجوهر، بسبب كون غيره فى مقابلته(20)، ولا يعقل وجودها إلا بالقياس إلى ذلك الغير، كالأبوة بين الأب وابنه(21) وتسمى مقولة الإضافة "بالنسبة المتكررة" ، أى النسبة التى حصل بها التكرر، ولا تعقل إلا بالقياس إليها.
وقد تكون الإضافة بين:
1- متفقين: كالأخوة، وهى لا تعقل إلا بنسبة أخرى، وهى الأخوة.
2- أو بين مختلفين: كالأبوة، وهى لا تعقل إلا بأخرى وهى البنوة. وكالعمومة، لا تعقل إلا بنسبة أخرى، وهى ولدية الأخ.
وكالزيادة، لا تعقل إلا بنسبة أخرى، وهى النقص فكل إضافة نسبة، ولا عكس.
ويلاحظ أن النسبة مطلقا: أمر اعتبارى، ليس عرضا موجودا. كذلك فإن الكليات هى من مقولة الإضافة فالجيش مثلا، كالحيوان ، نسبة لا تعقل إلا بأخرى، وهو النوع كالإنسان.
وقد تعرض الإضافة للمقولات كلها:
كالأبوة والبنوة، للجوهر. وكالصغر والكبر للكم. وكالعلو والسفل للأين. والأقدمية والأحدثية، للمتى. وكالأسدية: انحناء وانتصابا، للوضع - أسد الشىء: أغلق خلله.
وكالأكسوية والأعروية ، للملك. وكالأقطعية، للفعل (أى تأثير الشىء فى غيره). وكالأشدية تقطعا ، للانفعال (أى كون الشىء متأثرا عن غيره مادام متأثرا)(22).
خامسا: الأين: Place
هو هيئة تعرض للجسم بسبب نسبته إلى المكان وكونه فيه(23) وهو سؤال عن مكان(24). ويسمى "أينا" لوقوعه جوابا لأين؟ كما يسمى "الكون" أيضا(25).
والأين نوعان:
1- أين أول: مثل كون الماء فى الكوب وهو حقيقى.
2- أين ثان: مثل كون محمد فى البيت وهو غير حقيقى.
سادسا: المتى: Time
هو نسبة الشىء إلى الزمان المحدد: الماضى والحاضر والمستقبل ، مثل: أمس الآن وغدا(27).
وسمى بذلك ، لوقوعه جوابا ل "متى"؟.
ولفظة "متى" تصلح لمطلق الزمان ، بخلاف "أيان" فإنها خاصة بالاستقبال.
وينقسم إلى:
1- متى حقيقى: وهوكون الشىء في زمان يطابقه ، ولا يزيد عليه ، كالخسوف فى ساعة كذا.
2- متى مجازى: كالخسوف يوم كذا.
وهما فى الأين أيضا(28).
سابعا: الوضع: Position
هو هيئة تعرض للجسم ، بسبب نسبة أجزائه بعضها إلى بعض ، مثل: القيام ،و القعود، وغير ذلك(29) مثل وصف شخص ما بأنه جالس أو قائم.
ويلاحظ هنا حدوث نسبتين:
الأولى: نسبة أجزاء الجسم بعضها إلى بعض ، والأخرى: نسبة أجزاء الجسم إلى أمر خارجى عنها.
فالقيام هيئة اعتبر فيها نسبة أجزاء الجسم بعضها إلى بعض بالطبع. كما اعتبر منها نسبة مجموع تلك الأجزاء إلى أمور خارجية عنها. ككون رأس الإنسان من فوق ورجليه من أسفل(30).
ثامنا: الملك: Habitus
وهو هيئة حاصلة للشىء بالنسبة لما يحيط به ، وينتقل بانتقاله. وذلك كالتعمم والتقمص والتختم والتسلح. والمراد لبس العمامة والقميص والخاتم والسلاح(31).
والملك يقابله الحرمان(32).
ولمقولة الملك شرطان:
الأول: الإحاطة، إما بالطبع ، كجلد الإنسان وإما بغيره: إما بكل شىء، كحال الهرة عند إرهابها، وهو ذاتى. أو ببعض الشىء كحال الإنسان عند تختمه ، وحال الفرس عند إلجامها وإسراجها ، وهو عرضى.
والثانى: أن ينتقل بانتقاله ، كالأمثلة السابقة.
أما إن وجد أحدهما دون الآخر، فلا يكون ملكا، فوضع القميص على رأسه ، وإن كان ينتقل ،لا يكون ملكا: لعدم الإحاطة.
والحلول فى الخيمة، وإن كان مشتملا على الإحاطة، لا يكون كذلك ، لعدم الانتقال(33).
تاسعا: الفعل: Activity
هو كون الشىء بحيث يؤثر فى غيره تأثيرا غير قار الذات ، مثل التسخين والقطع(34).
فالتسخين فعل ، لكونه تأثيرا من المسخن ،مادام مؤثرا(35) .
عاشرا: الانفعال: Passivity
هو قبول أثر المؤثر مادام مؤثرا ، مثل التسخين والانقطاع(36).
فتأثر الشمع ولينه ، انفعال ، مادام هو يتأثر للطابع ويلين(37).
وهناك ما يسمى سلسلة المحمولات وهى تابعة للمقولات العشر، وهى الكليات الخمس ، التى رتبها المناطقة كما يلى:
1- الجنس: Genus
وهو ما صدق على كثيرين مختلفين بالحقائق ، فى جواب: ما هو؟ مثل الحيوان فى: الإنسان حيوان(38).
2- النوع: Species
وهو ما صدق على كثيرين متفقين بالحقائق. كلفظ إنسان فى: محمد إنسان(39).
وكل واحد من الجنس والنوع إنما يكون مفهوما بالقياس إلى صاحبه(40)
3- الفصل: Difference
هو جزء الماهية، الصادق عليها مثل: الناطق ، باعتبار ماهية الإنسان(41).
4- الخاصة: Property
هى الكلى المقول على أفراد حقيقة واحدة، مثل: الضاحك للإنسان(42).
5- العرض العام: Accident
هو الكلى الخارج عن الماهية، الصادق عليها وعلى غيرها، مثل المتحرك للإنسان(43).
هذا ، ومن الجدير بالذكر، أن المقولات العشر وما يتبعها من الكليات الخمس ، قد أدت خدمات كبيرة جدا فى تطوير الفكر، خلال عشرين قرنا على الأقل. ومازالت أهميتها ماثلة فى المنطق الصورى وفى البحث العلمى، من ناحية التجريد أو التعميم العلمى(44).
ومع هذ الا يجب النظر إلى مقولات أرسطو على أنها شىء مثالى، مثل كل منطقه الصورى(45) بل لابد من عمل حساب طبيعتها الأدائية عبر العصور(46) كما يجب النظر فيها بالإضافة والحذف والتطوير، حتى لا تكون عائقا أمام التقدم والرقى.
أ.د/عبد اللطيف محمد العبد
__________
الهامش:
1- المقولات العشرمحمد الحسنى البليدى من مقدمة د/ممدوح حقى صححه وقدم له د/ممدوح حقى ط1974 دار النجاح بيروت ص12.
2- المقولات ص9 ، 10.
3- التعريفات للجرجانى على بن محمد ص202 ط1357هـ-1938م البابى الحلبى بالقاهرة.
4- المقولات ص23. انظر د/محمد عزيز نظمى سالم ، المنطق الحديث 1983م وفلسفة العلوم والمناهج ص99-100 مؤسسة شباب الجامعة بالإسكندرية.
5- د/زكى نجيب محمودالمنطق الوضعى ص125 ط5، 1973م مكتبة الأنجلو المصرية بالقاهرة.
6- التعريفات ص201-202.
7- التعريفات ص71.
8- د/عبداللطيف محمد العبدالتفكير المنطقى ص43، ط3، 1417هـ-1997م دار الثقافة العربية بالقاهرة.
9- ابن سينا القصيدة المزدوجة في المنطق ص6 (ضمن منطق المشرقيين) ط1328هـ/1910م المكتبة السلفية بالقاهرة.
10- د/جميل صليبا المعجم الفلسفى 424-1، ط1 ، 1917م دار الكتاب اللبنانى بيروت.
11- المعجم الفلسفى 1-427.
12- المقولاتص25-26.
13- التفكير المنطقى ص43.
14- التعريفات ص164.
15- المعجم الفلسفى 2-241 ط1 ، 1973م.
16- التعريفات ص166.
17- المقولات ص41.
18- المعجم الفلسفى 2-251.
19- المقولات ص42-43.
20- التعريفات ص23.
21- التفكير المنطقي ص43.
22- المقولات ص44-45.
23- التعريفات ص35.
24- المعجم الفلسفى 1-187.
25- المقولات ص46.
26- التفكير المنطقى ص43.
27- التعريفات ص175.
28- المقولات ص47.
29- التعريفات ص22.
30- المقولات ص48.
31- التعريفات ص204.
32- المعجم الفلسفى 2-419.
33- المقولات ص50.
34- التفكير المنطقى ص44.
35- المقولات ص51.
36- التفكير المنطقى ص44.
37- المقولات ص52.
38- التعريفات ص69.
39- التعريفات ص221.
40- ابن سينا منطق المشرقيين ص17 ط1328هـ ، 1910م المكتبة السلفية بالقاهرة.
41- التعريفات ص146.
42- التعريفات ص84.
43- التعريفات ص129 وانظر التفكير المنطقى ص46.
44- المقولات-مقدمة د/حقى ص11-12.
45- د/محمود قاسمالمنطق الحديث ومناهج البحث ص27 ط6، 1970م دار المعارف بمصر.
46- جون ديوى المنطق نظرية البحث ص442 ، ترجمة د/زكى نجيب محمود ط2 ، 1969م دار المعارف بمصر(1/286)
المكاييل
لغة: جمع مكيال ، وهوما يكال به ،حديدا كان أو خشبا، كما فى اللسان(1).
واصطلاحا: جاءت من الفعل كال الذى مصدره "كيلا"، والكيل: تقدير الأشياء بحجومها، كما فى معجم لغة الفقهاء(2).
ويكون الكيل للحجم ، أما الوزن فللثقل (انظر الموازين).
وقد عرف العرب قبل الإسلام المكاييل لتنظيم المعاملات التجارية فى شبه الجزيرة العربية وخارجها ، وقد أشار القرآن الكريم فى كثير من آياته إلى أنواع كثيرة من هذه المكاييل فى سورة يوسف حيث وردت الإشارة إلى كيل البعير فى قوله تعالى: {ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير ذلك كيل يسير}يوسف:65 ، وإلى السقاية فى قوله: {جعل السقاية فى رحل أخيه..}يوسف:70 ، وإلى الصاع أى الصواع(3) فى قوله: {قالوا نفقد صواع الملك}يوسف:72.
وقد جاء الحث بضبط المكيال عند البيع و الشراء ، حفاظا على حقوق الأفراد من الضياع من جراء التطفيف والغش فى آيات قرآنية عديدة منها قوله: {أوفوا الكيل إذا كلتم...) الإسراء:35.
وقد حافظت التشريعات الإسلامية على الأنواع المتعددة من المكاييل التى كانت قائمة فى الجزيرة العربية، والتى أوردها لنا أبو عبيد القاسم بن سلام فى كتابه "الأموال" حصرا لها فى ثمانية أصناف هى: الصاع ، والمد ، والفرق ، والقسنط ، والمدى، والمختوم ، والقفيز، والمكوك ، وترتبط تقديرات هذه المكاييل المذكورة بالمد والصاع بوجه خاص ، وهما وحدتا الاكيل الرئيسة التى أقرها الرسول صلى الله عليه وسلم فى المدينة، واتخذها معيارا لتقييم العبادات والكفارات(4).
ومهما تعددت أنواع المكاييل التى أشارت إليها الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وما تعارفت عليه الجماعات والأقطار المختلفة ، فإنه يمكن لنا أن نحدد أن المكاييل منها مكاييل شرعية أشار إليها القاسم بن سلام فى "الأموال"، ومنها مكاييل عرفية إقليمية تعارف عليها أهل الأقاليم المختلفة.
ويمكن الإشارة إلى أشهر المكاييل المتعارف عليها بأنها الأردب ، والويبة، والكيلة، والربع ، والقدح: وله أجزاء وهى: نصف القدح ، الربعة، الثمنة، الخروبة، القيراط ، الملوة، النصاب ، البطة، المكتل ، الرطل ، الكيلجة، العو، الجريب ، الوسق ، الكسر، وذلك بجانب المكاييل الثمانية التى أشار إليها القاسم بن سلام.
وكل هذه مكاييل تستخدمها الجماعات فى تقدير الأشياء، وتتعلق بها كثير من المباحث الفقهية المختلفة، مثل زكاة الزروع والثمار، وصدقة الفطر، وكفارة الجماع فى نهار رمضان وغيرها كثير(5).
أ.د/على جمعة محمد
__________
الهامش:
1- لسان العرب ، ابن منظور، دار المعارف5 /3968.
2- معجم لغة الفقهاء، محمد روس قلعة جى، وحامد صادق قينبى، دار النفائس ط1 1985م ص386.
3- المكاييل فى صدر الإسلام ، د/سامح عبد الرحمن فهمى، الفيصلية بمكة المكرمة 1981م ص23.
4- الأموال ، أبو عبيد القاسم بن سلام ، تحقيق د/محمد عمارة، دار الشروق ط1 ، 1989م ص615.
5- المكاييل فى صدر الإسلام ، د/سامح فهمى ص25.
مراجع الاستزادة:
1- الأحكام الفقهية المتعلقة بها كيل - وزن - مقياس منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وتقويمها بالمعاصر ، محمد بجم الدين الكردى ، مطبعة السعادة 1984م ص161 ومابعدها.
2- المكاييل والأوزان الإسلامية، فالترهنتس، ترجمة عن الألمانية د/كامل العسيلى ، منشورات الجامعة الأردنية 1970م.
3- النقود والموازين ، محمد عبد الرءوف المناوى، تحقيق د/رجاء محمود السامرانى ، منشورات وزارة الثقافة بالجمهورية العراقية 1981م(1/287)
المكتبات
لغة: جمع مكتبة، وهى مكان بيع الكتب والأدوات الكتابية، ومكان جمعها وحفظها كما فى الوسيط(1).
واصطلاحا: هى تلك المؤسسات الفكرية التى تتجمع فيها الكتب أيا كان نوعها وتنظم وتحفظ وتحلل محتوياتها وتيسر الإفادة منها للمستفيدين.
وهى قديمة قدم الفكر الإنسانى نفسه وقد عرفت فى مصر القديمة والعراق القديم وبرجاموم ولدى الصينيين القدماء واليونان والرومان.
ولما كان الإسلام يقدر العلم والعلماء فقد حث على تحصيل العلم وتدوينه ، ورفع شأن المؤلفين ، وعمل على تشجيعهم. وكان من الطبيعى أن يقوم المسلمون بالتأليف والتدوين فى جميع جوانب العلم الدينية والعلمية على السواء. وكانت هناك منذ نهاية القرن الثانى الهجرى حركة تأليف وترجمة ونشر قوية للغاية، وتبع هذه الحركة بالضرورة إنشاء المكتبات التى تسعى إلى جمع وحفظ وتنظيم وتيسير الإفادة من الكتب. وقد عرفت تلك المكتبات عند المسلمين بتسميات شتى من بينها بيت الحكمة، دار العلم ، خزانة الكتب ،دار الكتب.
والدارس لتاريخ الكتب والمكتبات عند المسلمين يعلم أن الأرض الإسلامية قد زرعت مكتبات ، حيث وصفت "زيجريد هونكه" المسلمين بأنهم "شعب يذهب إلى المدرسة" وقد تنوعت المكتبات عند المسلمين تنوعا شديدا ، لدرجة أنه كانت عندهم أنواع منها انقرضت ولا نعرفها الآن فى أى مكان فى العالم مثل مكتبات المقابر ومكتبات التكايا ومكتبات الربط ومكتبات الخانقاوات. ويمكننا أن نعدد أنواع المكتبات عند المسلمين على الوجوه الآتية:
1- المكتبات الخاصة الشخصية.
2- مكتبات الدولة.
3- المكتبات العامة.
4- مكتبات المدارس.
5- مكتبات البلاطات.
6- مكتبات المساجد والجوامع.
7- مكتبات دور الحديث ودور القراءة.
8- مكتبات المستشفيات.
9- مكتبات التربة والمقابر.
10- مكتبات الرباطات.
11- مكتبات الخانقاوات.
12- مكتبات التكايا.
ومن أشهر المكتبات الخاصة مكتبة الصاحب بن عباد الذى كان تلميذا ومصاحبا لابن العميد وكان وزيرا ، وأول من لقب بالصاحب من الوزراء، ويقال: إن مكتبته بلغت حمل أربعمائة جمل أو يزيد. وكان فهرست المكتبة وحده يقع فى عشرة مجلدات. ويقول ول ديورانت عن هذه المكتبة فى قصة الحضارة، وكان عند بعض الأمراء كالصاحب ابن عباد من الكتب بقدر ما فى دورالاكتب الأوريية مجتمعة".
ومن أشهر مكتبات الدولة الإسلامية:
1- مكتبة بيت الحكمة فى بغداد التى بلغت قمة ازدهارها أيام الرشيد وابنه المأمون ، وكان بها عدة أقسام:
- قسم الكتب.
- قسم الترجمة.
- قسم البحث والتأليف.
- قسم المرصد الفلكى.
- قسم النسخ والتجليد.
وكان من بين مديريها سهل بن هارون ،سعيد بن هارون ، سلم الحرانى، أحمد بن محمد ، الحسن بن مراد الضبى. ويقال: إن مجموعاتها قد بلغت أكثر من مليونى مجلد.
2- مكتبة دار العلم بالقاهرة وقد خطط لها الحاكم بأمرالله وافتتحت سنة (395هـ/1005م) وقد قال عنها بابا روما سلفستر الثانى عبارته الشهيرة: "إنه لمن المعلوم تماما أنه لا يوجد أحد فى روما له من العلم ما يؤهله لأن يعمل بوابا لتلك المكتبة، وأنى لنا أن نعلم الناس ونحن فى حاجة لمن يعلمنا ، إن فاقد الشىء لايعطيه". وقد بلغت مجلداتها هى الأخرى نحو مليونى مجلد.
3- مكتبة سابور بن أردشير فى بغداد التى أسسها وأوقفها على الناس سنة 382هـ فى الكرخ فى بغداد وكان أبوالعلاء المعرى من بين المنتفعين بها وبما فيها من ذخائر.
4- مكتبة المدرسة النظامية فى بغداد التى يقال: إن الوزير السلجوقى نظام الملك أسسها فى النصف الثانى من القرن الخامس الهجرى. وهو الوزيرالذى خطط لإنشاء المدارس الرسمية فى الدولة الإسلامية. وقد ضمت هذه المكتبة أكثرمن عشرة آلاف مجلد.
5- مكتبة المدرسة الفاضلية التى أسسها القاضى الفاضل وزير صلاح الدين الأيوبى والتى يقال: إن مجموعاتها بلغت مائة ألف مجلدة تقف شامخة بين المكتبات المدرسية بالقاهرة حيث لم تبلغ مكتبة مدرسية أخرى مكانتها.
6- ومن بين مكتبات البلاطات كانت مكتبات القصورالفاطمية التى وصفت فى المصادر بأنها من عجائب الدنيا وليس فى بلاد الإسلام جميعها دار كتب أعظم منها. وقد بلغت خزائن الكتب فيها أربعين خزانة.
ومن أسف أن مصائر المكتبات الإسلامية كانت مفزعة حيث كانت النهاية الحرق والتخريب والإغراق والسلب والتهريب للخارج ، ولم يصلنا من مقتنياتها أكثر من 5%.
أ.د/شعبان عبد العزيز خليفة
__________
الهامش:
1- المعجم الوسيط ، مجمع اللغة العربية ، ودار المعارف ، ط3، مادة (كتب) 2/ 806.
مراجع الاستزادة:
1- فضل الحضارة الإسلامية والعربية على العالم ، زكريا هاشم زكريا ، دار نهضة مصر.
2- الحياة العلمية فى الدولة الإسلامية، محمد الحسينى عبد العزيز، وكالة المطبوعات الكويت.
3- موسوعة الحضارة الإسلامية د/أحمد شلبى.
4- لمحات من تاريخ الكتب والمكتبات ، د/عبد الستار الحلوجى(1/288)
الملاحظة
لغة: لاحظه ملاحظة ولحاظا: راعاه(1).
وراقبه. ولاحظ عليه كذا: أخذه عليه والملاحظة: النظر بشق العين الذى يلى الصدغ. وتعنى كذلك ما يؤخذ على الرأى أو الكتاب من هنات.
كما أنها تعنى فى مناهج البحث العلمى: مشاهدة يقظة للظواهر كما هى ، دون تغيير أو تبديل.
والملحوظة: كلمة توضع على هامش الكتاب أو غيره عنوانا إلى ما ينبه عليه من خطأ أوسهو أو نقص(2).
هذا ولم ترد كلمة "ملاحظة" ولا مادتها فى القرآن الكريم.
واصطلاحا: هى أن يوجه الباحث عقله وحواسه ، إلى طائفة خاصة من الظواهر، لا لمجرد مشاهدتها بل معرفة صفاتها وخواصها ، سواء أكانت شديدة الظهور أو الخفاء(3).
ويفهم من ذلك أن الملاحظة هى المشاهدة الدقيقة لظاهرة ما، مع الاستعانة بأساليب البحث التى تتلاءم مع تلك الظاهرة.
والملاحظة تطلق أيضا على الحقائق المشاهدة التى يقررها الباحث فى فرع خاص من فروع المعرفة، كأن يقال: ملاحظات طبية، لكن يمكن أن يقال "طب إكلينيكى" وهو الذى يقوم على مجرد الملاحظة، فى مقابل "طب تجريبى" الذى يقوم على التجريب.
والملاحظة هى إحدى صور المعرفة التجريبية، التى تستلزم اليقظة والانتباه.
وهى ليست مجرد عملية حسية فى التفكير بل هى تتضمن تدخلا إيجابيا من جانب العقل ، الذى يقوم بنصيب كبير فى إدراك الصلات الدقيقة بين الظواهر، أو ما يسمى "الحدس بالقانون" ولابد فى كل ملاحظة من التفريق بين الذات المدركة والشىء المدرك. فلولا ذلك لما أمكن الانتقال من الذاتى إلى الموضوعى(4)
والملاحظة نوعان:
أ- ملاحظة فجّة: وهى كل ملاحظة سريعة يقوم بها الإنسان فى ظروف الحياة العادية، مثل ملاحظة الرجل العامى لأطوار القمر هلالا ثم بدرا وغير ذلك. لكن ملاحظته هذه لا تعين له السبب فى اختلاف أوجه القمر، وهى لا تهدف إلى تحقيق غاية نظرية أو الكشف عن حقيقة علمية، لكن بعض الملاحظات السريعة قد تكون سببا فى الكشف عن بعض القوانين الطبيعية الكبرى، مثل كشف نيوتن عن قانون الجاذبية، بعد أن شاهد تفاحة تسقط من شجرتها.
ب - ملاحظة علمية: وهى كل ملاحظة منهجية يقوم بها الباحث فى صبر وأناة، للكشف عن تفاصيل الظواهر وعن العلاقات الخفية التى توجد بين عناصرها، أو بينها وبين ظواهر أخرى.
وهنا يمكن التفريق بين نوعين من الملاحظة العلمية:
1- ملاحظة الكيف: وتستخدم فى العلوم التى تعمل على تصنيف الأشياء إلى أجناس أو أنواع ، كعلوم الحيوان والنبات ،بواسطة تحديد الصفات النوعية.
2- ملاحظة الكم: وهى معرفة العلاقات بين العناصر التى تتألف منها ظاهرة معينة، ومنها الملاحظات الفلكية والكيميائية والفيزيائية. وهى ترمى إلى التعبيرعن العلاقات التى تكشف عنها بنسب عددية ، محاولة الوصول إلى مرحلة الدقة التى وصلت إليها العلوم الرياضية(5)
والملاحظة فى مقابل التجريب EXPERI-MENTATION الذى هو منهج علمى يقوم على الملاحظة والتصنيف ووضع الفروض والتحقق من صحتها(6).
لكن الملاحظة والتجربة تعبران عن مرحلتين متداخلتين من الناحية العلمية(7).
وكثيرا ما تكون التجربة مجرد ملاحظة لتوليد فكرة جديدة فى ذهن العالم ، لا لاختبار فكرة سابقة موجودة لديه(8).
ويمكن الجمع بين الملاحظة والتجربة بشرطين:
1- الموضوعية: بمعنى الدقة التامة مع التجرد من العاطفة.
2- تحقيق بعض الصفات العقلية: كأن يتسم الباحث ملاحظا أم مجربا بروع النقد والتمحيص والفطنة والحذر وعدم التسرع فى التفسير والتأويل(9).
ولا ينبغى أن يغيب عن الباحث ملاحظا أو مجربا أن البحث عن السبب شىء هام جدا، مع التأكيد على أن المسبب هو الثمرة المنشودة ، فتسخين الحديد مثلا سبب ، لكن تشكيله هو المسبب وهو الغاية(10).
وهناك ما يسمى "الملاحظة المنجدة" وهي التى يستعين بها العالم على اختبار فكرته ، مثلما يستعين بالتجربة تماما.
وأشيرا فإن هناك "الملاحظة فى علم الأخلاق" ويقصد بها المراقبة لسلوك ما ، لمعرفة مدى مطابقته للقواعد المرسومة(11).
أ.د/عبد اللطيف محمد العبد
__________
الهامش:
1- مختار الصحاح ،الرازى (محمد بن أبى بكر ت 616هـ) مادة "لحظ"، استانبول تركيا سنة 1408هـ سنة 1987م.
2- المعجم الوجيز مجمع اللغة العربية مادة "لحظ" طبعة وزارة التربية والتعليم بمصر ط سنة 1414هـ سنة 1993م.
3- المنطق الحديث ومناهج البحث د/محمود قاسم دار المعارف بمصر ط6 سنة 1970م ص110.
4- المعجم الفلسفى د/جميل صليبا مادة "ملاحظة" دار الكتاب اللبنانى ط1 سنة 1973م 2/ 416.
5- المنطق الحديث ص112-118.
6- المعجم الفلسفى د/مراد وهبه. مادة "ملاحظة" دار الثقافة الجديدة بالقاهرة ط3 سنة 1979م ص423.
7- المنطق الحديث وفلسفة العلوم والمناهج د/محمد عزيز سالم ط1983م مؤسسة شباب الجامعة بالإسكندرية ص166.
8- المعجم الفلسفى 2/ 416.
9- التفكير المنطقى د/عبد اللطيف العبد دار الثقافة العربية بالقاهرة ط3 سنة 1417هـ سنة 1997م ص156.
10- المنطق نظرية البحث جون ديوى ترجمة د/زكى نجيب محمود، ط1969م دار المعارف بمصر ص705.
11- المعجم الفلسفى 2/ 416(1/289)
الملائكة
لغة: الملك والملاك: جنس نورانى لطيف من خلق الله تعالى(1) وجمعها: ملائكة وملائك(2)، كما أن لفظ ملك يشعر بأنه رسول منفذ لأمر مرسله(3) {لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون}الأنبياء:27.
والملائكة حقيقة مؤكدة من حقائق هذا الكون وقد ورد ذكرهم فى القرآن الكريم ثمانيا وثمانين مرة، لما لهم من دور عظيم فى هذا الكون(4)، حسب المشيئة الإلهية.
والملائكة عالم لطيف غيبى غير محسوس ، خلقهم الله تعالى من نور، فهم من أشرف خلق الله تعالى، وهم عباد مكرمون ، مبرءون من الميول النفسية والأهواء الشخصية، ومطهرون من الشهوات ، ومنزهون عن الخطايا والآثام.
وليسوا كالبشر يأكلون ويشربون وينامون ، وهم أيضا لا يتصفون بذكورة ولا بأنوثة، ولا بأى حالة مادية مما يتصف به البشر.
وللملائكة قدرة على التمثل بصورة بشرية أو غيرها مما يأذن به الله عز وجل.
لقد جاء جبريل إلى مريم متمثلا فى صورة بشرية: {واذكر فى الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا. فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا}مريم:16-17.
وحكم الإيمان بالملائكة: أنه واجب ، لأنه يمثل الركن الثانى بعد الإيمان بالله ، كما قال تعالى: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله}البقرة:285.
فجعل الله سبحانه وتعالى، الإيمان هو الإيمان بهذه الجملة، وسمى من آمن بهذه الجملة: "مؤمنين". كما جعل الكفر بهذه الجملة، فقال عز وجل من قائل: {ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا}النساء:136.
وفى حديث جبريل المتفق على صحته ، حيث سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن الإيمان ، فأجاب بقوله: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره) رواه مسلم(5).
وقد أوجب الله تعالى، الإيمان بالملائكة هكذا، لما لهم من شأن كبيرفى عالم الروح ،ودور إيجابى فى الكون ومخلوقاته ومنها الإنسان. وإن الإيمان بهم يدفع إلى محاولة المعرفة بأوصافهم والتخلق بشمائلهم ، وفى ذلك تطهير للقلب وتصفية للنفس(6)، وهو من علامات البر، ومن دلائل الصدق والتقوى والتعاون على الخير:
{ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين}البقرة:177.
وكما خلق الله الجان من نار، وآدم من طين ، خلق الملائكة من نور فعن عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم)، أى من طين(رواه مسلم عن عائشة)(7).
وخلق الملائكة متقدم على خلق الإنسان ، بدليل أن الله تعالى قد أخبرهم سلفا بأنه سيخلق الإنسان ، ويجعله خليفته فى الأرض: {وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إنى أعلم مالا تعلمون}البقرة:30.
ومسكن الملائكة عليهم السلام السماء، وينزلون منها حسب التوجيه الإلهى. فقد أخرج أحمد والبخارى من حديث ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجبريل: (ما يمنعك أن تزونا أكثر مما تزونا؟) قال: فنزلت: {وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا}مريم:64.
ويرى بعض العلماء أن البشر عموما أفضل من الملائكة بحسب الظاهر. وحجة هؤلاء أن الملائكة عجروا عن الإجابة على الأسماء التى عرضت عليهم ، بينما أجاب عليها آدم ، فشرف بالعلم الذى خصه الله به.
وكدلك فى أمر الله للملائكة بالسجود لآدم ما يفيد تفضيله عليهم (انظرسورة البقرة من الآية 31 إلى 34)، وأيضا فإن طاعة الملائكة جبلية، وتركهم للمعصية لا يحتاج لأدنى مجاهدة، فهم لا شهوة لهم ، بينما الإنسان يحتاج إلى مجاهدة لمصارعة هواه ،وترقية روحه(8).
وينسب إلى أهل السنة تفضيل الأنبياء وصالحى البشر فقط على الملائكة.
كما ينسب إلى المعتزلة تفضيل الملائكة على البشر.
وكذلك ينسب إلى الشيعة تفضيل أئمتهم على جميع الملائكة.
والواجب علينا الإيمان بالملائكة والنبيين ،ولسنا مكلفين بأن نعتقد أى الفريقين أفضل ، وإلا لبينه الكتاب والسنة، مثلما جاء تفضيل بعض الأنبياء والرسل على بعض(9) فى {ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض}الإسراء:55 {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض}البقرة:253.
أما تفاوت الملائكة فيما بينهم فهو حاصل ، سواء في الخلق أم فى الأقدار، فالتفاوت فى الخلق مثل: {الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولى أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد فى الخلق ما يشاء إن الله على كل شىء قدير}فاطر:1 ، أى أن الله خلق الملائكة وجعل لهم أجنحة: فمنهم من له جناحان ، أو ثلاثة، أو أربعة، أو أكثر، فعن ابن مسعود (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى جبريل عليه السلام له ستمائة جناح) (رواه مسلم عن ابن مسعود) وإن كثرة الأجنحة دليل على شدة السرعة فى تنفيذ أوامر الله وتبليغ رسالته: {وما منا إلا له مقام معلوم. وإنا لنحن الصافون. وإنا لنحن المسبحون}الصافات:164-166.
فما من ملك إلا له موضع مخصوص فى السموات ، ومقام فى العبادة لا يتجاوزه ولا يتعداه. كما أنهم يصطفون فيسبحون الرب ويقدسونه وينزهونه ، فهم عبيد له ، فقراء إليه ، خاضعون له.
وفى الملائكة ثلاثة رؤساء مقربين أكثر من سواهم ، وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل قال تعالى: {من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين}البقرة:98. وفى الحديث: (اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السموات والأرض ، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون:
اهدنى لما اختلف فيه من الحق بإذنك ، إنك تهدى من تشاء إلى صراط مستقيم)(رواه مسلم).
وهؤلاء موكلون بالحياة: فميكائيل موكل بالقطر الذى به حياة الأرض والنبات والحيوان ، وإسرافيل موكل بالنفخ فى الصور الذى به حياة الخلق بعد مماته ، أما جبريل عليه السلام فهو موكل بالوحى الذى به حياة القلوب والأرواح: {نزل به الروح الأمين}الشعراء:193. وسمى جبريل روحا ، لأنه حامل الوحى الذى به حياة القلوب ، إلى الرسل من البشر(11) وهو كذلك أمين حق أمين.
وجاء فى وصفه أيضا: {إنه لقول رسول كريم. ذى قوة عند ذى العرش مكين. مطاع ثم أمين}التكوير:19-21.
وقد دل القرآن والسنة، على أصناف الملائكة، وأنهم موكلون بالسموات والأرض: من جبال وسحاب ومطر: {فالمدبرات أمرا}النازعات:5 ، وقد ظن الكفار أن النجوم هى التى تقوم بهذا التدبير.
والملائكة أعظم جنود الله تعالى، وفيهم طوائف وفرق مثل: المرسلات والعاصفات والناشرت والفارقات والملقيات ذكرا(انظر سورة المرسلات 1-4) والنازعات والناشطات والسابحات والسابقات والصافات والزاجرات والتاليت ذكرا (انظر سورة الصافات 1-3).
وكل من هؤلاء له مقام معلوم لايتخطاه ، وعمل قد أمربه ، لا يقصر عنه ولا يتعداه ، وهم رسل الله فى خلقه وأمره ، وسفراء بينه وبين عباده ، وهم لكثرتهم يدخل البيت المعمور منهم كل يوم سبعون ألفا لا يعودون إليه. والله عز وجل يكرمهم ، ويقرن اسمه باسمهم ،وصلاته بصلاتهم ، ويضيفهم إليه فى مواضع التشريف ، ويصفهم بالطهارة والإخلاص: {هو الذى يصلى عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور}الأحزاب:43.
والملائكة موكلون بكتابة أعمال العباد وأقوالهم ، بل نياتهم ، لأنها فعل القلوب فدخلت فى عموم {يعلمون ما تفعلون}الانفطار:12، ومما يشهد لذلك حديث الشيخين وأحمد والترمذى: (إذا هم بسيئة فلا تكتبوها عليه ، فإن عملها فاكتبوها عليه سيئة. وإذا هم عبدى بحسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة، فإن عملها فاكتبوها عشرة).
ولا يمر سلوك للإنسان دون أن يسجله الملاثكة عليهم السلام: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}ق:18.
وهم يسجلون ذلك فى سجل لكل فرد، ثم تعرض يوم القيامة: {وكل إنسان ألزمناه طائره فى عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا. اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا}الإسراء:13-14.
بل إن الملائكة يشهدون على الإنسان يوم العرض بما شاهدوه منه من خيرأو شر: {ونفخ فى الصورذلك يوم الوعيد. وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد. لقد كنت فى غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد}ق:20-22.
وفى الصحيحين عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار يجتمعون فى صلاة الصبح وصلاة العصر. فيصعد الذين كانوا فيكم فيسألهم - والله أعلم بهم - كيف تركتم عبادى؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون ،وفارقناهم وهم يصلون).
والمرء بين أربعة أملاك بالنهار، وأربعة آخرين بالليل بدلا: حافظان: واحد من أمامه ، والآخر من ورائه فإذا جاء قدر الله خلوا عنه. وكاتبان: صاحب اليمين يكتب الحسنات ، وصاحب الشمال يكتب السيئات(12).
ومما يقوم به الملائكة الكرام التسبيح والخضوع التام لله تعالى (الأعراف 206 ، الزمر75)، وحمل العرش (غافر 7)، والتسليم على أهل الجنة (الرعد 23-24)، وتعذيب أهل النار (المدثر 27-31)، وحفظ الإنسان من بعض الحوادث ومن أذى الجن والشياطين ، وطلب المغفرة للتائبين (غافر 7-9) وتأمينهم مع المصلين: (فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفرله ما تقدم من ذنبه)(رواه أحمد وأبو داود والنسائى).
ويحضرون صلاة العصر والفجر {إن قرآن الفجر كان مشهود}الإسراء:78 ، أى صلاة الفجر. وينزلون عند قراءة القرآن ويستمعون إليه ، كما حدث مع أسيد بن حضير، حين كان يقرأ بالليل فرأى مثل الظلة فيها أمثال السرج عرجت فى الجو، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : (تلك الملائكة كانت تسمع لك) رواه الشيخان ، واللفظ لمسلم.
كما أنهم يحضرون مجالس الذكر، كما فى الحديث: (إن لله ملائكة يطوفون فى الطريق يلتمسون أهل الذكر) (رواه البخارى بهذا اللفظ ورواه مسلم بلفظ آخر).
وهم أيضا يصلون على المؤمنين ، ولاسيما أهل العلم منهم: (إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض ليصلون على معلم الناس الخير) (رواه الترمذى، وقال حديث حسن). وفى حديث آخر: (إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع). أبو داود والترمذى.
وقد تحمل الملائكة بشرى إلى شخص صاحب موقف طيب. فقد روى مسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (زار رجل أخا له فى قرية أخرى، قال: أريد أخا لى فى هذه القرية. قال: هل لك عليه من نعمة تربها -أى تصلحها - قال: لا، غير أنى أحببته فى الله عز وجل. قال: فإنى رسول الله إليك بأن الله قد أحبك ،كما أحببته فيه).
ومن تكريم الله عز وجل لملائكته أن يعلمهم بمن يحبه وبمن يبغضه ،كما فى الحديث: (إن الله تعالى إذا أحب عبدا دعا جبريل ، فقال: إنى أحب فلانا فأحبه ، فيحبه جبريل ، ثم ينادى فى السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه ، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول فى الأرض. وإذا أبغض عبدا...). رواه مسلم ومما يقوم به الملائكة من وظائف سامية، أنهم يثبتون المؤمنين بما يلقونه فى قلوبهم من التأييد أثناء الجهاد: {إذ يوحى ربك إلى الملائكة أنى معكم فثبتوا الذين آمنوا}الأنفال:12.
والملائكة أيضا موكلون بقبض الأرواح بقضاء الله وقدره ،فيتولى ملك الموت قبضها واستخراجها ، ثم يتولاها ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب ، وهم أعوانه: {قل يتوفاكم ملك الموت الذى وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون}السجدة:11.
وتقوم الملائكة بتحية الطيبين عند قبض أرواحهم ، ويبشرونهم بالجنة: {الذين تتوفاهم الملائكة طيبين ، يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون}النحل:32.
أ.د/عبد اللطيف محمد العبد
__________
الهامش:
1- المعجم المفرس لألفاظ القرآن الكريم ، محمد فؤاد عبد الباقى، دار الفكر بيروت.
2- المعجم الوجيز مجمع اللغة العربية، وزارة التربية والتعليم بمصر 1414هـ/1993م ، مادة (ملك).
3- مختار الصحاح الرازى ، استانبول تركيا 1408هـ/1987م ، مادة (ملك).
4- شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبى العز الدمشقى، تحقيق: شعيب الأرناؤوط ، دار البيان ط1 دمشق 1401هـ/1981م ص274.
5- صحيح مسلم بشرح النووى، المطبعة المصرية، 1/ 157.
6- العقائد الإسلامية، سيد سابق ، دار الكتاب العربى، بيروت 1406هـ/1985م ص9.
7- صحيح مسلم ، كتاب الزهد.
8- العقائد الإسلامية، ص113.
9- شرح العقيدة الطحاوية، ص275-276.
10- منهاج المسلم ، أبو بكر الجزائرى، دار الشروق ، ط7 1407هـ/1987م ، ص32-35.
11- شرح العقيدة الطحاوية، ص377(1/290)
المِلكيَّة
لغة: مصدر صناعى من المُلك والمِلك والمَلك ، وهو احتواء الشىء والقدرة على التصرف فيه بانفراد، فهو مع القدرة على التصرف(كما فى اللسان) والملك والمالك الحقيقى هو الله تعالى فهو مالك يوم الدين.
واصطلاحا: عند الفقهاء: الاختصاص ، والعلاقة الشرعية بين الإنسان والشىء، التى ترتب له حق التصرف فيه ،وتحجز الغير عن هذا التصرف ، وهو قدرة يثبتها الشرع ابتداء على التصرف إلا لمانع.
وقيل: حكم شرعى يقدر فى عين أو منفعة يقتضى تمكن من ينسب إليه من انتفاعه به ، والعوض عنه من حيث هو كذلك.
- وعند الحكماء: هو هيئة تفرد للشىء بسبب ما يحيط به وينتقل بانتقاله ، ويطلق أيضا على الجدة وعلى القنية.
ويستعمل الملك أيضا فى ملك الرقبة أى ملك الذات ، وملك المنفعة أى الوظيفة، وملك اليمين يغلب استعماله فى الرقيق.
والملك باعتبار صاحبه ثلاثة أنواع:
- ملكية الدولة أو ملكية بيته المال: وتضم كل مال استحقه المسلمون ولم يتعين مالكه ، كبيت مال الزكاة بأنواعها ، وبيت مال المصالح ويضم: الخراج والفىء وخمس الغنائم والجزية والعشور والركاز، وبيت مال الضوائع. ويضم: وارث من لا وارث له ،واللقطة، وديات القتلى الذين لا أولياء لهم ،ويتصرف فيه ناظر بيت المال تصرف الملاك الخاصين فى أملاكهم بما يحقق مصلحة الجماعة المسلمة.
- الملكية العامة أو الجماعية: وهى ملكية مشتركة بين مجموع أفراد الأمة دون أن يختص بها أحد منهم ، إما لتجاوز المنفعة من هذه الأشياء على ما يبذل فى سبيلها من جهد ونفقة، وإما لكون نفعها ضروريا لمجموع الأمة ولا غنى لأفرادها عنها. وتشمل الملكية المشتركة المرافق العامة من أنهار وشوارع وطرقات ومراعى وغابات وغيرها. فقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : "المسلمون شركاء فى ثلاث: فى الماء والكلأ والنار" رواه أحمد.
الحمى: وهى أرض لا يملكها أحد وتخصص لمصلحة عامة، كأن تكون مرعى لإبل الصدقة وخيل الجهاد.
والأراضى الموقوفة لمصلحة المسلمين: كالأراضى التى فتحت عنوة ولم توزع على الغانمين.
والمعادن المستقرة فى الأراضى بخلق الله ظاهرة وباطنة، كالذهب والفضة والنحاس والحديد والبترول.
- الملكية الخاصة: ويكون مستحقها وصاحبها فردا أو جماعة على سبيل الاشتراك ، وتشمل كل الأموال الحلال ، من نقود وعروض قنية وعروض تجارة وأصول ثابتة ووسائل الإنتاج ، والتى لا تقع ضمن الملكية العامة المشتركة للمسلمين أو ملكية بيته مال المسلمين.
والملكية فى الإسلام ذاته سمة فريدة فهى لجميع أنواعها ملكية استخلاف ، حيث إن الملك والملكية لله تعالى، فهو وحده سبحانه: {مالك يوم الدين}الفاتحة:4 ، وهو جل جلاله {مالك الملك}آل عمران:26. وهو سبحانه: {بيده ملكوت كل شىء}المؤمنون:88 ،يس:83 ، وهو المالك الأوحد {ولم يكن له شريك فى الملك}الفرقان:2 ، كما ذكرت آيات القرآن الكريم فى ثمانية عشر موضعا أنه سبحانه وتعالى له ملك السماوات والأرض ، والبشر مستخلفون - فرادى وجماعات - فى الأرض {ليستخلفنهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلهم}النور:55.
وقد قسم العلماء طرق وأسباب اكتساب الملكية إلى أربعة أقسام:
- باعتبار وجود الإرادة وعدمها: إلى أسباب اختيارية كالاستيلاء على المباح بما فى ذلك إحياء الأراضى الموات وسائر- العقود، وأسباب جبرية كما فى الميراث.
- باعتبار الصفة الأصلية إلى أسباب منشئه كالإحياء والصيد ، وأسباب ناقلة كما فى العقود والميراث.
- باعتبارالصيغة إلى أسباب فعلية كالاستيلاء على المباح ،وأسباب قولية كما فى العقود، وأسباب اعتبارية كما فى الميراث.
- باعتبار الشخص الذى تؤول إليه الملكية: إلى ما كان بعمل شرعى من أنواع السعى كالتجارة والصناعة والزراعة والصيد ، وما كان بحكم شرعى كالزكاة والنفقات والإرث والكفارات ، أو ما كان بإرادة الغير كالهبة والصدقة والوقف والإقطاع.
وقد حفظت الشريعة الإسلامية حق الملكية الخاصة والمشتركة وملكية الدولة بتحريم التملك عن طريق وسائل الغش و الخداع كالتلاعب بالأسعار والغرر ، وعن طريق الظلم والاستغلال كالغصب والسرقة و الاختلاس والرشوة والربا والاحتكار، وعن طريق تحديد المصالح التى تبيح تدخل الحاكم لتقييد الملكية الخاصة أو مصادرتها.
كما حفظت الشريعة دور الملكية فى المجتمع عن طريق تحريم التملك لكل ما فيه ضرر عائد على الأفراد أو الجماعات فى أعراضهم وأموالهم وعقولهم ، كالإتجار بالأعراض والخمر والميسر وكافة المحرمات.
كذلك حفظت الشريعة السمحاء التوازن الدقيق بين مصلحة الفرد وحق الجماعة بما حددته من مبادىء تحفظ حق كل من الملكية الخاصة والملكية العامة وملكية الدولة، وكيفية استعمال كل منها، وانتقال الملكية الخاصة من شخص لآخر فى حياته وبعد موته.
أ.د/نعمت عبد اللطيف مشهور
__________
مراجع الاستزادة:
1- شرح الوقاية فى مسائل الهداية لعبيد الله بن مسعود ط. الهند 1326هـ.
2- تاج العروس لمحمد مرتضى الزبيدى، ط بنغازى ليبيا د. ت.
3- الملكية الخاصة فى الشريعة الإسلامية ومقارنتها بالاتجاهات المعاصرة، الاتحاد الدولى للبنوك الإسلامية ، ط القاهرة 1982م.
4- الفروق لشهاب الدين أبو العباس المشهور بالقرافى ، ط. عيسى الحلبى 1346هـ.
5- معجم المصطلحات الاقتصادية فى لغة الفقهاء، نزيه حماد، ط. المعهد العالمى للفكر الإسلامى ، الولايات المتحدة الأمريكية 1414هـ/1993م.
6- قاموس المصطلحات الاقتصادية فى الحضارة الإسلامية د/محمد عمارة ، ط دار الشروق القاهرة 1413هـ/1993م(1/291)
المَهْر
لغة: هو ما يلتزم الزوج بأدائه إلى زوجته حين يتم زواجه بها. كما فى المعجم الوجيز(1).
واصطلاحا: اسم للمال الذى يجب فى عقد النكاح على الزوج فى مقابل البضع ، إما بالتسمية أو بالعقد(2).
وقد أوجبه الشارع الحكيم للزوجة، كحق مقرر لها بعقد النكاح لقول الله تعالى {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة}النساء:4 ، وما رواه سهل الساعدى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمريد الزواج من امرأة: (التمس ولو خاتما من حديد) متفق عليه(3).
والمهر المسمى هو الذى يتفق المتعاقدان على مقداره ، ويذكر أنه عند التعاقد أو بعده ، وهو يجب للمرأة إذا صح عقد نكاحها، وكان المسمى مالا متقوما معلوما.
ومهر المثل: هو الذى يفرض بحسب العادة فى مثل المرأة التى يراد تزوجها إذا حدث أن فسد تسمية المهر، أو لا يسمى للمرأة مهر، أو يتفق المتعاقدان على نفى المهر، أو يحدث الدخول بالمرأة فى نكاح فاسد ، أو الاشتباه فى حل المدخول بها، فيجب للمرأة فى هذه الحالات مهر مثلها من النساء.
وإيجاب الصداق للمرأة على من يريد الزواج بها فيه إعزاز لها، ورفعة لشأنها عنده ،حيث يبذل لها ما يجهد المرء نفسه فى سبيل اكتسابه وما تضن به النفس عادة، وهذا أدعى إلى دوام العشرة بين الزوجين.
وقد تميز التشريع الإسلامى بذلك عن كثير من الشرائع والأعراف التى لا توجب للمرأة هذا الحق على زوجها، بل قد تفرض عليها بذل المال لمن يتزوجها فى مقابل زواجه بها.
أ.د/عبد الفتاح محمود إدريس
__________
الهامش:
1- المعجم الوجيز، مجمع اللغة العربية، طبعة 1411هـ1990م.
2- رد المحتار على الدر المختار، محمد أمين (ابن عابدين)، ط2، 1383هـ/1963م المطبعة الأميرية ، القاهرة 2/ 337.
3- اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان. تحقيق محمد فؤاد عبد الباقى، ط2 1413هـ/1992م نشر دار الصفوة بالغردقة ، 2/ 330.
مراجع الاستزادة:
1- الشرح الصغير، أحمد الدردير، ط2 ، 1383هـ/1963م ، مطبعة المدنى. القاهرة.
2- المغنى، عبد الله أحمد بن قدامة، ط1 ، 1348هـ/1931م ، مطبعة المنار. القاهرة(1/292)
المؤاخاة
لغة: أخا فلانا - أخوة، وإخاوة: اتخذه أخا (آخى فلانا مؤخاة وإخاء: اتخذه أخا) المعجم الوسيط مادة (أخو)(1).
واصطلاحا: الأخوة فى الدين الإسلامى أعلى رباط اجتماعى، ذلك أن الأخوة فى الدين ناتجة عن الإيمان العميق به ، بحيث يخضع لأوامر ربه دون سواه ، ومن ثم تكون هناك عاطفة قوية موحدة تجمع المسلمين جميعا.
وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة فى قوله تعالى: {إنما المؤمنون إخوة}الحجرات:10 ، كما أثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله: (المسلم أخو المسلم) وقوله: (وكونوا عباد الله إخوانا) بمعنى كونوا حريصين على أخوة الدين التى تجمع بينكم.
والحب الذى يجمع بين الأخوة فى الدين ليس حبا ينصب على الذات ، وإنما هو منصب على الإيمان الذى يربط بين المؤمنين ،بحيث يحب المسلم لأخيه ما يحب لنفسه ،فالإيمان هو الرباط الدائم بين إخوة الدين ،وهو الذى يضبط سلوك المؤمنين وعاداتهم.
إذ يقول الله تعالى: {لاتجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ، ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب فى قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه}المجادلة:22.
كذلك يوضح الله نعمته إذ جعل المؤمنين إخوانا يجمعهم الإيمان ، وعظم فضل الأخوة التى ارتبطت بفضل الإيمان ارتباطا وثيقا، إذ يقول تعالى: {واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها}آل عمران:103.
هكذا حرص الإسلام على المؤاخاة بين المسلمين ، حتى فى أكثر الأمور خصوصية مثل الميراث ، إذ كان الميراث فى بداية الإسلام بالأخوة فى الدين لا فى النسب ، ولم يكن المسلمون الأوائل يبخلون بمالهم على إخوانهم المسلمين الفقراء الذين عانوا وطأة الاضطهاد بسبب دينهم.
ولذلك فإن النبى صلى الله عليه وسلم حين رأى مجتمع المدينة ممزقا حينما هاجر إليه بسبب الخلافات بين الأوس والخررج من ناحية، وبسبب فقر معظم المهاجرين وعوزهم من ناحية أخرى، طبق مبدأ أخوة الإسلام بحيث يشعر كل مسلم أنه مكفول كفالة تامة فى المجتمع الإسلامى.
ويقوم مبدأ المؤاخاة الذى طبقه الرسول صلى الله عليه وسلم على أساس أن المسلمين جميعا أخوة، يعطى الغنى منهم فقيرهم بالمعروف ويعين القادر منهم غير القادر، إذ أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يتأخوا فى الله اثنين اثنين ، أو أخوين أخوين ، فقد أخذ بيد على بن أبى طالب وقال: هذا أخى، وكان حمزة بن عبدالمطلب أسد الله ، وزيد بن حارثة مولى النبى أخوين ،وأبو بكر وخارجة بن زيد الخزرجى أخوين.
وهكذا تآخى كل واحد من المهاجرين مع رجل من الأنصار.
كانت المؤاخاة بهذا المفهوم الاقتصادى الاجتماعى درسا فى التنظيم الاجتماعى ولم يكن معناها أبدا أن يركن المهاجرون إلى الدعة، ويتوقفوا عن السعى وراء الرزق بل كان الهدف ترسيخ قيمة التكافل الاجتماعى بين من يشتركون فى أخوة الدين الإسلامى، بحيث يعين المسلم أخاه المسلم في وقت الحاجة الملحة دون تواكل على الغير بدون لببه أو ضرورة، ولذلك اشتغل بعض المهاجرين بالتجارة، على حين عمل البعض الآخر، فى حقول الأنصار ومزارعهم.
ونخلص من هذا كله بأن الأخوة فى الإسلام منَّ بها الله على المؤمنين ، كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - طبقها عمليا فى المؤاخاة التى قام بها بين المهاجرين والأنصار تثبيتا لدعائم المجتمع المسلم ، وترسيخا للأسس التى قامت عليها أمة المسلمين.
أ.د/قاسم عبده قاسم
__________
مراجع الاستزادة:
1- الأخوة فى الإسلام د/عبد الله ناصح علوان.
2- الأخلاق فى الإسلام د/عبد اللطيف العبد ط دار الثقافة العربية.
3- تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق لابن مسكويه(1/293)
الموازين
لغة: جمع ميزان ، وهو الآلة التى توزن بها الأشياء كما فى اللسان(1)، كما تطلق على المقادير القياسية التى توزن تبعا لها الأشياء.
وقد تعامل العرب فى الإسلام وما قبله بالأوزان ، وكانت هذه الأوزان كثيرة، لكن الأساس منها يتمثل فى الدرهم والدينار.
وقد تنوعت الأوزان واختلفت مقاديرها ،ويلاحظ فيها أن الأوزان الصغيرة تستعمل للأشياء الثمينة، والمتوسطة لمتوسطة القيمة،والكبيرة لدنيئة القيمة.
واصطلاحا: الوزن أصل الكيل ، نلاحظ ذلك فى كلام الفقهاء، فإذا عرف الوزن عرف الكيل. ولذا فإنهم يقدرونه بالمد والصاع - وهما من الكيل - بالرطل والدرهم - وهما من الوزن - وقد خلط الفقهاء بين الكيل والوزن ،فجعلوا - مثلا - الرطل والدرهم وهما من الوزن من أجزاء المد والصاع وهما من الأكيال ، فيجب معرفة الدرهم والرطل أولا حتى يسهل معرفة المد والصاع.
وهناك فرق بين الكيل والوزن ، فالكيل للحجم والوزن للثقل ، قال تعالى: {أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين. وزنوا بالقسطاس المستقيم}الشعراء:181-182. ويظهر من الآية أنهما متغايران ، إذالعطف يقتضى المغايرة.
وقد ورد فى القرآن الكريم والسنة الغراء كثير من الأوزان مثل: المثقال ، القسطاس المستقيم ، والذرة، وحبة الخردل ، والقنطار ، والنقير، والأوقية ، والدرهم ، وغيرها.
وهناك أوزان أخرى عرفت فى صدر الإسلام مثل: الطسوج ، والقيراط ، والدانق ،والدرهم ، وهو أنواع مختلفة منها: الدراهم الطبرية ، والدرهم البغلى، والدرهم الحوراقى، والدرهم الجواز، والدينار وله أنواع عدة منها: الدينار الحرقلى الرومى، والدينار الكروى، دينار عبد الملك بن مروان ، وغيرها ، والنواة،والنش ، والرطل ، والمن.
والأوزان لها مكانة عليا فى معاملات الناس ، إذ تعتبر مقياسا مهما لها، وتتعلق بها بعض الأحكام الفقهية التى تسير بها الحياة، ومن المسائل الفقهية المهمة التى يلاحظ أن الموازين لها دخل وحظ عظيم فيها: زكاة النقدين ، ومقدار نصاب السرقة، وأقل المهر فى النكاح ، وكفارة الجماع فى الحيض ، ودية القتل العمد والقتل الخطأ وغيرها كثير(2).
أ.د/على جمعه محمد
__________
الهامش:
1- لسان العرب ، ابن منظور، دار المعارف ، مادة (وزن) 6/ 4828.
2- المقادير الشرعية والأحكام الفقهية المتعلقة بها ، محمد نجم الدين الكردى ، مطبعة السعادة 1984م ، ص25 وما بعدها.
مراجع الاستزادة:
1- المكاييل والأوزان الإسلامية، فالتر هنتس ، ترجمه عن الألمانية، د/كامل العسيلى ، منشورات الجامعة الإردنية 1970م.
2- الأوزان والمقادير، الشيخ إبراهيم سليمان العاملى، ط1-1962م ، مطبعة صور الحديثة بلبنان.
3- الميزان فى الأقيسة والأوزان ، على باشا مبارك ، المطبعة الأميرية الكبرى 1892م(1/294)
المواقيت
لغة: جمع ميقات ، وهو الحد، تقول: وقت الشىء يوقته ، ووقته يقته إذا بين حده ،ثم اتسع فيه ، فأطلق على المكان فقيل للموضع: ميقات ، والميقات بصدد الوقت كما فى اللسان(1).
واصطلاحا: يطلق على الوقت المضروب للشىء، كما يقال للمكان الذى يجعل منه وقت الشىء كميقات الحج(2).
والمواقيت كما يظهر من التعريف زمانية ومكانية، وهى تعتبر حدودا لأداء العبادات سواء كان ذلك فى بدايتها أونهايتها.
والميقات الزمانى له علم خاص به يسمى "بعلم الميقات"(3) وهو علم يعرف به أزمنة الأيام والليالى وأحوالها ، وفائدته تتلخص فى معرفة أوقات العبادات.
ويهتم علم الميقات الزمانى بتحديد أوائل الشهور القمرية ونهايتها حتى تقام العبادات بناء على ذلك ، كما يهتم بالنظر فى الكواكب والبروج من حيث سيرها،وهوعلم له خطر عظيم ، إذ هو وسيلة إلى المقاصد المطلوبة شرعا لمصالح الدين والدنيا، فالجهل بالأوقات سبب للجهل بأمر الصلاة والزكاة.. فقد يضعها الإنسان فى غير محلها، فيصلى فى غيرالوقت ويصوم وقت الإفطار ويفطر وقت الصوم.. وهكذا مما لا يخفى.
وبدرجة أهمية المواقيت الزمانية تكون درجة المواقيت المكانية وأهميتها ،إذ إن الاهتمام بزمن العبادة يتبعه بالتالى الاهتمام بمكانها.
وتظهر الأهمية بالنسبة للمواقيت المكانية مثلا فى الحج ، فالمسلمون يقصدون الأراضى المقدسة لتأدية فريضة الحج من كل فج عميق ، فوقت لهم الشارع الحكيم مواقيت مكانية لا يتعدونها ، وهناك مواقيت خمسة للحاج أن يراعيها:
- ذو الحليفة: وهو ميقات أهل المدينة.
- الجُحفة: وهو ميقاف أهل الشام ، ومصر، والمغرب.
- يلملم: وهو ميقات أهل اليمن.
- قرن: وهو ميقات أهل نجد.
- ذات عرق: وهو ميقات أهل العراق ،وخراسان ، والمشرق.
وهى مواقيت لأهلها، ولمن مر بها من غير أهلها، فمن مر عليها يريد النسك لزمه أن لا يجاوزها حتى يحرم ، فإذا جاوز الميقات يريد النسك ثم أحرم دونه فعليه دم سواء عاد إلى الميقات أو لم يعد(4).
أ.د/على جمعه محمد
__________
الهامش:
1- لسان العرب ، ابن منظور، دار المعارف 6/ 4887.
2- التوقيف على مهام التعاريف ، محمد عبد الرءوف المناوى، تحقيق محمد رضوان ، دار الفكر المعاصر ، ط1 بيروت 1990م ص731.
3- شرح النابلسى المسمى فتح المنان على المنظومة المسماه تحفة الإخوان ، للشيخ أحمد القاسم فى علم الميقات المطبعة الخيرية بجمالية مصر المحمدية ، ط1 ، 1308هـ ، ص5.
4- مثير الغرام الساكن إلى أشرف الأماكن ، أبو الفرابن الجوزى ، تحقيق د/مصطفى محمد حسنين الذهبى ، دار الحديث ط1 ، 1995 القاهرة ، ص146.
مراجع الاستزادة:
1- علم الميقات ، الشيخ أحمد موسى الزرقاوى الفلكى، مطبعة الهلال ، الفجالة، مصر 1912م.
2- معجم لغة الفقهاء، محمد رواس قلعه جى، وحامد قنيبى، دار النفائس ، بيروت 1985م.
3- المعجم الوسيط ، مجمع اللغة العربية، دار المعارف ، القاهرة(1/295)
الميراث
لغة: انتقال الشىء من شخص إلى آخر بعد الوفاة، سواء كان الانتقال إلى وارث موجود، أو فى حكم الموجود كالجنين ، كما فى القاموس(1).
واصطلاحا: استحقاق نصيب فى تركة المتوفى، بسبب قرابة أو زوجية أو ولاء(2).
وأسباب الميراث المتفق عليها هى: القرابة والزوجية، ومن أدلة مشروعية الاستحقاق بسببهما: قول الله تعالى: {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون}النساء:7 ، وقوله سبحانه: {ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد..}النساء:12 ، وما رواه ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقى فهو لأولى رجل ذكر) متفق عليه(3).
ونظام الميراث فى الإسلام نظام إلهى، لا دخل للبشر فى ترتيبه الحقوق فيه ، فهى مترتبة من قبل الشارع لكل من قام به سبب الإرث عند وفاة المورث ، حيثه يعطى كل وارث نصيبه المقدر له إن كان من أصحاب الفروض ، أو يأخذ الباقى من أصحاب الفروض إن كان يرث بالتعصيب.
ولا يحرم من الميراث أحد ممن قام به سبب الإرث ، إلا أن يكون قاتلا لمورثه أو مختلفا معه فى الدين.
ولم يمنع الإسلام المرأة من الإرث كما هو الحال فى الشريعة اليونانية أو اليهودية أو الأعراف القبلية القديمة، ولم يمنع الإسلام الطفل أو حتى الجنين فى الرحم من الإرث ،كما هو الحال فى الأعراف القبلية القديمة، حيث كان لا يعطى من التركة إلا الرجال الأقوياء، ولم يميز الإسلام عند توزيع الأنصبة فى الإرث بين الكبير والصغير، كما فى شريعة اليهود، حيث يعطى فيها الابن الأكبر للمتوفى ضعف ما يعطى الأصغر.
ومن خصائص نظام الميراث الإسلامى:
1- أنه نظام إجبارى فى حق المورث والوارث ، فليس للمورث حرمان أحد من الميراث ، وليس للوارث رد إرثه من قريبه ،خلافا لبعض النظم التى تجعل حق الإرث اختياريا لكليهما.
2- حرصت الشريعة الإسلامية على حفظ حق الورثة فى مال قريبهم قبل موته ، إذا مرض مرضا يسلمه إلى الموت ، حيث منعته من التصرف فى ماله بما يضر بورثته أو يضيع حقوقهم فى ماله ، بعد أن تركت له الحرية المطلقة فى التصرف فى ثلث هذا المال.
3- وقد جعلت الشريعة الإسلامية تركة الميت لأحب الناس إليه ، وأكثرهم صلة به ،وتعاونا معه فى حال حياته.
4- وجعلت التوارث داخل نطاق الأسرة الواحدة، بما يحقق الترابط بين أفرادها.
5- وجعلت أساس تقديم بعض الورثة على بعض: قوة القرابة، وشدة الصلة بالميت ، واتصال المنافع بين الوارث والمورث.
6- اعتبرت الشرعية الإسلامية الحاجة هى أساس التفاضل فى الميراث عند الاتفاق فى سبب الاستحقاق ، ولهذا جعلت نصيب البنت نصف نصيب أخيها الذكر،لأن حاجته إلى المال أشد من حاجتها إليه ، ومطالب الحياه وتبعتها بالنسبة له أكثرمنها.
7- ونظام الميراث فى الإسلام يحول درن جميع الثروة فى يد واحدة على حساب الآخرين ، ويؤدى إلى تفتيت الثروة على أكبر عدد من المستحقين للتركة، فيستفيد من خيرها طائفة كبيرة من أقارب الميت.
أ.د/عبد الفتاح محمود إدريس
__________
الهامش:
1- القاموس المحيط ، لمحمد بن يعقوب الفيررز آبادى، ط2 ، 1371هـ/1952م ، مكتبة مصطفى الحلبى القاهرة 1/ 167.
2- النبراس ، لعبد الفتاح محمود إدريس ، ط1 ، 1416هـ-1995م ، مطبعة الأخوة الأشقاء القاهرة ص184.
3- اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان ، ط2، 1413هـ-1992م ، نشر دار الصفوة ، الغردقة 2/ 395.
مراجع الاستزادة:
1- الميراث والوصية فى الإسلام ، لمحمد زكريا البرديسى، طبعة 1383هـ-1964م ،الدار القومية القاهرة.
2- أحكام التركات والمواريث ، للهادى السيد عرفة، طبعة 1417هـ-1996م ، مكتبة الجلاء الجديدة المنصورة(1/296)
النبوة
لغة: النبوة و النباوة الارتفاع ، أو المكان المرتفع من الأرض. و"النبى": العلم من أعلام الأرض التى يهتدى بها، ومنه اشتقاق "النبى" لأنه أرفع خلق الله ، وذلك لأنه يهتدى به. النبأ: الخبر، يقال: نَبِأ، ونَبأ وأنباء: أخبر، ومنه: النبى ، لأنه أنبأ عن الله.
"النبوءة" و"النبوة": الإخبار عن الغيب ، أو المستقبل بالإلهام ، أو الوحى.
واصطلاحا: عرف الإنسان منذ القدم كلمة: "النبوة"، فقد وجدت فى جميع اللغات واللهجات ، غير أن استعمالاتها تعددت وتنوعت ، ففى اليونانية القديمة كانت تطلق على المتكلم بصوت جهورى، أوعلى من يتحدث في الأمور الشرعية، وعند الفراعنة كانت تطلق علي كهنة آمون ، كما أطلقت على "إيزيس" في مصر القديمة، وعلى زرابيس فى روما، وكلاهما لايخرج عن هذا المعنى.
لم يقتصر الأمر على إطلاقها على من يعمل فى الحقل الدينى، بل أطلقت أيضا على السحرة والمنجمين ، وكذلك على من اختل عقلهم ، وضعف تفكيرهم ، فأتوا من الأعمال ما لايفهمه العقلاء، وقد ذكر علماء مقارنة الأديان عدة أنواع من النبوات ، منها: نبوة السحر، ونبوة الرؤيا والأحلام ، ونبوة الكهانة، ونبوة الجذب ، أوالجنون المقدس ،ونبوة التنجيم.
وكانت كلمة النبوة عند بنى إسرائيل تفيد معنى الإخبار عن الله ، ولذا كانت تطلق على من يتخرجون من المدارس الدينية، حيث كانوا يتعلمون فيها تفسيرشريعتهم ، كما كانوا يدرسون أيضا الموسيقى والشعر، لذا كان منهم شعراء ومغنون وعازفون على آلات الطرب ، وبارعون في كل مايؤثر فى النفس ويحرك الشعور والوجدان ، ويثير رواكد الخيال. ومن المسلم به أن خريجى هذه المدارس لم يكونوا على درجة واحدة من الصفاء الذهنى، والإدراك العقلى، كما لم يكونوا كلهم على درجة واحدة من التقوى والصلاح ، ولذا لم تفرق الكتب المقدسة قبل الإسلام فى حديثها عن الأنبياء بين من يتلقون الوحى من الله ، وبين من يدرسون شريعة الله ويشرحونها للناس ، فجاء حديثها - أحيانا - عن أنبياء كذبة ، إذ نجد فى سفر أشعياء حديثا عن النبى الكذاب ، حيث يقول: "الشيخ المعتبر هو الرأس والنبى الذى يعلم بالكذب هو الذنب (9-15)، ويقول متى: "ويقوم أنبياء كذبة كثيرون ، ويضلون كثيرين" (24-11)، ويقول لوقا: "لأنه هكذا كان يفعل آباؤهم بالأنبياء الكذبة" (6-26)، ويصف يوحنا فى رؤيته خروج الأرواح النجسة من فم النبى الكذاب.
وحين نزل القرآن الكريم على محمد صلى الله عليه وسلم حدد معنى كلمة "النبوة"، فوضح أن النبى هو مانزل عليه وحى الله وأمر بتبليغه للناس ، فهو ليس ساحرا ، لأن الفلاح لايكون حليفه ، يقول تعالى: {ولا يفلح الساحر حيث أتى}طه:69 ، كما أن مايبلغه عن ربه ليس شعرا ، يقول تعالى: {وما هو بقول شاعر قليلا ماتؤمنون}الحاقة:41 ، فلا ينبغى أن يقرن النبى بالشاعر، أو بمن يلقى الكلام بصوت جهورى، كما كان ذلك معروفا عند اليونان ، كما أنه ليس كاهنا كما كان معروفا عند قدماء المصريين ، إذ نص القرآن الكريم عنه هذه الصفة، فقال تعالى: {ولابقول كاهن قليلا ماتذكرون}الحاقة:42.
فإذا بين القرآن الكريم أن النبى ليس شاعرا ولاكاهنا ، فالأولى أن ينفى عنه وصفا كان يطلقه بعض الناس على المشعوذين باسم الدين ، وهو الجنون المقدس ، فقال تعالى: {ما أنت بنعمة ربك بمجنون}القلم:2 ، أى ما أنت بهذا الذى نزل عليك من الله بواحد من هؤلاء الذين كانوا يعرفون بين الناس بأنهم "مجاذيب"، أو لديهم "جنون مقدس". وأخيرا لست ممن يتخذون العرافة
والتنبؤ بالغيب حرفة لهم ، فلا يلتبس ما تبلغه عن الله بكلام من يدعون أنهم يعرفون الغيب ، يقول تعالى: {فقل إنما الغيب لله فانتظروا إنى معكم من المنتظرين}يونس:20 ، ويقول: {وعنده مفاتح الغيب لايعلمها إلاهو}الأنعام:59 ، ويقول: {قل لا أقول لكم عندى خزائن الله ، ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إنى ملك ، إن أتبع إلاما يوحى إلى، قل هل يستوى الأعمى والبصير أفلا تتفكرون}الأنعام:50.
وبهذا فرق الإسلام بين النبوة الإلهية، وبين ملابساتها من الكهانة، والعرافة، والقيافة، والفراسهة، كما أنه حدد استعمالات الكلمة، فلا تطلق إلا على من نزل عليه الوحى من الله ، فلم يعد من المستساغ عقلا، ولا من الجائز شرعا أن تطلق على الكهنة، أو على من يدرسون الشريعة ويعلمونها للناس ، بالتالى لا تطلق على السحرة والمنجمين ، ولاعلى المجانين والمشعوذين فى طريق الدين ،فلم يبق من الاستعمالات القديمة لكلمة "النبوة" إلا إطلاقها على أصحاب الرؤيا الصالحة، التى تكون مقدمة وإرهاصا لنزول الوحى على من اختصه الله بهذه الرؤيا، كما حدث ليوسف عليه السلام ، يقول الله تعالى: {إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إنى رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لى ساجدين}يوسف:4.
أ.د/محمد شامة
__________
مراجع الاستزادة:
1- النبوات ابن تيمية، مكتبة الرياض الحديثة، بدون تاريخ.
2- لسان العرب ابن منظور.
3- فى رحاب القرآن محمد شامة، القاهرة 1988م.
4- Noell، Wilfried. Woerterbuch Der Religionen، Muenchen، Wilhelm Goldmann Verlag 1960.
5- رسالة فى اللاهوت والسياسة سبينوزا ترجمة حسن حنفى القاهرة 1971م(1/297)
النَّذْر
لغة: ما أوجبه الإنسان على نفسه ، كما في القاموس(1).
واصطلاحا: إلزام مكلف مختار نفسه لله تعالى بالقول شيئا غير لازم عليه بأصل الشرع(2).
فالشىء المنذور لم يوجبه الشارع على المكلف ابتداء إلا أن المكلف ألزم نفسه به فصارلازما عليه ، ووجب عليه الوفاء به شرعا، إن كان يمكنه الوفاء به ، كالصيام والصدقة والعمرة والاعتكاف.
وأكثر الفقهاء على أن الالتزام بالنذر مشروع ، ولكن على خلاف بينهم فى صفة مشروعيته فى عدم استحبابه لحديث ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم (إنه لا يأتى بخير؟ إنما يستخرج به من البخل) (رواه البخارى ومسلم عن ابن عمر)(3).
ومن الأدلة على مشروعيته قول الله تعالى: {وليوفوا نذورهم}الحج:29 ، وقوله تعالى سبحانه فى وصف الأبرار {يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا}الإنسان:7 ، وما روته عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه) رواه البخارى عن عائشة(4).
وللنذر أنواع سبعة:
1- نذر اللجاج: وهو الذى يمنع الناذر فيه نفسه من فعل شىء،أويحملها على فعله بالتزام قربة، كقوله: إن كلمت فلانا فعلى صوم.
2- نذر الطاعة وهو الذى يلتزم فيه الناذر بطاعة الله سبحانه ، سواء كانت عبادة كالصدقة، أو قربة غير مقصودة كعيادة المرضى.
3- نذر المعصية وهو الذى يلتزم فيه الناذر معصية الله تعالى، كنذر شرب الخمر.
4- نذر المباح وهو التزام الناذر بما لم يرغب فيه الشارع كنذر النوم.
5- نذر الواجب وهو التزام المكلف بأداء ما أوجبه الشارع عليه عينا كصوم رمضان ، أو أداء ما أوجبه عليه على الكفاية، كتعلم الطب.
6- نذر المستحيل وهو التزام ما يحيل الشرع أو العقل تحققه ، كنذر صيام الليل وهو ما يحيل الشرع ، أو يحيل العقل تحققه كنذر صيام أمس.
7- النذر المبهم وهو الذى لم يسم مخرجه العمل الذى يلتزم به بالنذر كقوله: لله على نذر.
وليس كل نذر ألزم الإنسان نفسه به يجب عليه الوفاء به ، فإن النذر إن كان فى طاعة الله تعالى وأمكنه الوفاء به لزمه ذلك ، وأما إن كان فى معصية فلا يجب الوفاء به ، لأنه لايصح ، لحديث عائشة السابق ، وكذلك إن عجز الناذر عن الوفاء بالنذر لم يلزمه الوفاء به ، بل يكفر عنه ككفارة اليمين ، لما روى عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (من نذر نذرا لم يطقه ، فكفارته كفارة يمين) رواه أبو داود وابن ماجه عن ابن عباس.
أ.د/عبد الفتاح محمود إدريس
__________
الهامش:
1- القاموس المحيط لمحمد بن يعقوب الفيروز آبادى، ط2 1371هـ/1952م ، مكتبة مصطفى الحلبى القاهرة مادة(نذر) 3/ 145.
2- كشاف القناع لمنصور بن يونس البهوتى مكتبة النصر الحديثة الرياض.
3- صحيح البخارى محمد بن إسماعيل البخارى، مطبعة عيسى الحلبى القاهرة باب الوفاء بالنذر وصحيح مسلم ، مسلم بن حجاج النيسابورى مطبعة عيسى الحلبى القاهرة.
4- صحيح البخارى، لمحمد بن إسماعيل البخارى مطبعة عيسى الحلبى القاهرة 4/ 159.
5- سنن أبى داود لسليمان بن إلأشعت السجستانى. المكتبة العصرية بيروت 3/ 241.
6- سنن ابن ماجه لمحمد بن يزيد القزوينى. دار الفكر العربى بيروت 1/ 687.
مراجع الاستزادة:
1- المغنى لعبد الله بن أحمد بن قدامة. عالم الكتب بيروت.
2- نيل الأوطار لمحمد بن على الشوكانى. دار الجيل بيروت.
3- أحكام النذور فى الفقه الإسلامى لعبد الله محمود إدريس. دار الطباعة المحمدية ط1 القاهرة 1415هـ/1994م(1/298)
النسب
لغة: القرابة، ويختص بالقرابة من جهة الآباء كما فى مقاييس اللغة(1)
واصطلاحا: اتصال شخص بغيره ،لانتهاء أحدهما فى الولادة إلى الآخر، أو لانتهائهما إلى ثالث على الوجه الشرعى(2).
ولقد حرص الإسلام على حفظ الأنساب عن الاختلاط ، وجعله من مقاصد الشارع الضرورية ولهذا حرم الزنا ، لما يترتب عليه من اختلاط ، فقال تعالى: {ولاتقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيل}الإسلراء:32 ، كما حرم انتساب المرء إلى غير أبيه سواء كان بالادعاء أو التبنى أو غيرهما، فقال سبحانه {وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم}الأحزاب:4 ، وقال تعالى {ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم فى الدين ومواليكم}الأحزاب:5.
وروى عن سعد بن أبي وقاص أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (من ادَّعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام) (رواه البخارى ومسلم عن سعد بن أبى وقاص)(3) ورورى عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم ،فليست من الله فى شىء، ولن يدخلها الله جنته ، وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه ، احتجبا الله منه وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين) (رواه ابن حبان عن أبى هريرة)0(4).
ونظرا لاهتمام الإسلام بانتساب كل إنسان إلى من كان سببا فى وجوده ، توسع فقهاء الإسلام فى أسباب ثبوت النسب ، فذكروا أنه يثبت:
1- بولادة الطفل على فراش الزوجية الصحيحة.
2- الإقرار بالبنوة.
3- الشهادة على ذلك.
4- نكول المدعى عليه عن اليمين.
5- اليمين المردودة على المدَّعِى عند نكول المدعى عليه.
6- القيافة، وذ لك بتتبع العلامات الموجودة فى شخصين للوصول إلى إثبات القرابة بينهما.
7- القرعة بين المتنازعين على نسبة مولود لهما عند تساوى بيناتهما بنسبته.
8- يثبت بحكم القاضى إذا ثبت عند نسبة الولد إلى رجل بعينه.
9- التحكيم عند اختلاف المدعين فى هذه النسبة.
وقد جعل الشارع الإنسان إلى من كان سببا فى ولادته من العدل ، لذا يقول الحق سبحانه {ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله}وهو يدل على أن انتساب الإنسان إلى غير أبيه من الجور.
ولقد كان قدماء الرومان يجيزون للرجل الاعتراف بمن يشاء من أولاده ، وإنكار من يشاء حسب رغبته ، وكانوا هم والبيزنطيون والأقباط والروس ينكرون الولد وينفونه ، إذا لم يعجبهم أو لا يشبه أفراد العائلة.
وكان قدماء الرومان واليونان يهدرون نسب المرآة بعد زواجها حيث تلحق بنسب عائلة زوجها ، ومازال هذا معمولا به فى كثير من دول الغرب حتى الآن.
وقد ساد فى الجاهلية انتساب الإنسان إلى غير أبائه ، وذلك بالتبنى أو الاستحاق أو الموالاة، فأبطل الإسلام ذلك كله وحرمه.
وحفظ النسب الذى رسمه الإسلام ، يحقق الانتماء إلى الأسرة، والترابط بين أفرادها.
أ.د/عبد الفتاح محمود إدريس
__________
الهامش:
1- معجم مقاييس اللغة، ابن فارس ، مطبعة عيسى الحلبى القاهرة 5/ 423.
2- مفتاح الكرامة، محمد الجواد بن محمد العاطى ، المطبعة الرضوية طبعة 1323هـ/1982م القاهرة 6/ 8.
3- صحيح البخارى، محمد بن إسماعيل البخارى، مطبعة عيسى الحلبى القاهرة 4/ 170 وصحيح مسلم ، لمسلم بن حجاج النيسابورى ، مطبعة عيسى الحلبى، القاهرة، 1/ 79.
4- الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ، علاء الدين بن بلبان ، دار الكتب العلمية،بيروت ج6/ 163.
5- حقوق الإنسان ص283، 287 ، 297.
مراجع الاستزادة:
1- النسب وآثاره ، محمد يوسف مرسى، دار المعرفة ، ط2 القاهرة.
2- موضوع النسب فى الشريعة والقانون ، أحمد حمد أحمد، دار القلم ، ط1 ، الكويت.
3- أحكام النسب ، على يوسف المحمدى، مكتبة الشريعة طبعة 1406هـ/1986القاهرة(1/299)
النسخ
لغة: الإزالة، يقال: نسخت الشمس الظل، أى أزالته (لسان العرب)(1).
واصطلاحا: عرف النسخ فى اصطلاح الأصوليين بتعريفات كثيرة، فعرفه البيضاوى بأنه: بيان انتهاء حكم شرعى بطريق شرعى متراخ عنه(2).
وعرفه ابن الحاجب بأنه: رفع الحكم الشرعى بدليل شرعى متأخر(3).
ومعنى تعريف البيضاوى:(4) أن الحكم الشرعى مُغيا عندالله تعالى بغاية، أو محدد بوقت معين ، فإذا جاءت هذه الغاية أو حل الوقت المعين انتهى الحكم لذاته.
ومعنى تعريف ابن الحاجب:(5) رفع تعلق الحكم الشرعى بأفعال المكلفين لارفعه هو، فإنه أمر واقع ، والواقع لايرتفع.
وللنسخ فى الشريعة الإسلامية حكمة عظيمة: ففيه حفظ لمصالح العباد فى وقت الرسالة، لانتقال المسلمين من فوضى الجاهلية إلى نظام الإسلام ، فاقتضت حكمة الشارع ألا ينقلهم دفعة واحدة إلى ما يستقر عليه التشريع آخر الأمر، لأنهم لايطيقون ذلك ، بل سلك بهم طريق تشريع الحكم الملائم لحالهم أول الأمر، فإذا أذاقوا بشاشته وألفوا الخروج على ما تعودوه بترويض أنفسهم لذلك جاء حكم آخر.
لذا نجد النسخ قد يكون من الأخف إلى الأشد، وقد يكون من الأشد إلى الأخف ، وهذا تمشيا مع المصلحة، فإذا كانت المصلحة فى تبديل حكم بحكم ، وشريعة بشريعة كان التبديل لمراعاة هذه المصلحة، وعموما ففى النسخ رحمة الله لخلقه بالتخفيف عنهم والتوسعة عليهم(6).
وأركان النسخ أربعة:(7).
1- النسخ: وهى الرواية والمعنى الحاصل بالمصدر "الارتفاع" أى ارتفاع الحكم.
2- الناسخ: وهو الله سبحانه حقيقة، وتسمية الدليل ناسخا مجاز.
3- المنسوخ: وهو الحكم الذى انقطع تعلقه بأفعال المكلفين فيما يستقبل من الزمن.
4- المنسوخ عنه: وهو المكلف الذى رفع عنه التكليف بالحكم المنسوخ ، ووقع عليه بالحكم الناسخ.
وأكثر أهل الفقه والأصول على جواز النسخ عقلا ووقوعه شرعا، إلا ما نقل عن أبى مسلم الأصفهانى فقد منع وقوعه وإن قال بجوازه عقلا. وذهب كثير من المحدثين إلى عدم وقوعه فى القرآن الكريم وإن وقع فى السنة المشرفة(8).
أمر الله تعالى المتوفى عنها زوجها بالاعتداد حولا وذلك فى قوله تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج}البقرة:240. ثم نسخ ذلك بأربعة أشهر وعشر كما فى قوله تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا}البقرة:234 ، قد نسخت هذه الآية الآية المتقدمة.
وللنسخ شروط منها ما هومتفق عليه ،ومنها ما هومختلف فيه(9).
أما الشروط المتفق عليها بين العلماء فهى:
1- أن يكون المنسوخ حكما شرعيا، لأن الأمورالعقلية التى مستندها البراءة الأصلية لم تنسخ ، وإنما ارتفعت بإيجاب العبادات.
2- أن يكون النسخ بخطاب شرعى لا بموت المكلف ،لأن إرتفاع الحكم بالموت سقوط تكليف لانسخ.
3- أن يكون الحكم السابق مقيدا بوقت معين.
4- أن يكون الناسخ متراخيا عن المنسوخ ،فإن المقترن بالشرط والصفة والاستثناء لا يسمى نسخا بل تخصيصا.
وأما الشروط المختلف فيها فكثيرة منها:
1- أن لا ينسخ القرآن إلا بقرآن ، ولا سنة إلا بالسنة.
2- أن يكون الناسخ مثل المنسوخ فى القوة، أو أقوى منه لا دونه ، فلا ينسخ القرآن بالآحاد، لأن الأقوى لا يفسخه ضعيف.
3- أن يكون الفعل المراد نسخه قد دخل وقته وتمكن المكلفون من امتثاله ، فلا يجوز نسخ العقل قبل التمكن من الامتثال.
4- أن يكون الناسخ مقابلا للمنسوخ ،مقابلة الأمر للنهى، والمضيق للموسع.
5- أن يكون الناسخ والمنسوخ نصين قاطعين.
6- أن يكون النسخ ببدل مساو ، أو بما هو أخف منه.
7- أن يكون الخطاب المنسوخ حكمه مما لايدخله الاستثناء والتخصيص.
والراجح أنه لا اعتبار لهذه الشروط ، وإن كان قال بكل واحد منها فريق ، فهناك فريق آخر قال بضده ، ولايحتج بقول على قول ،تعقيب: على أن مسألة النسخ كانت مثار خلاف شديد بين من يثبتونه على ما ورد بصدد هذه الدراسة.
لكن من ينكرونه يستندون إلى ملاحظات جديرة بالاعتبار منها:
1- أن من بعض أوصاف القرآن فى القرآن - آية {كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير}هود:1.
والإحكام ينافى النسخ.
2- أن تفسير"النسخ" قد يوهم ما لا يتفق وإحكام الحق تبارك وتعالى لكتابه ، كما ينافى مما قد يقع فى الوهم منافيا لجلال الله من تردد أو ارتياب فيما يحكم به ، فيكون نسخه وتعديله.
3- بعض العلماء ومنهم الاستاذ الدكتور محمد البهى رحمه الله على ما حدثنى الأستاذ الدكتور محمود حمدى زقزوق وزير الأوقاف من أن الدكتور البهى تتبع لفظ الآية فى القرآن ، فوجد أن كل ما ورد عن الآية فى القرآن جاء بلفظ الجمع (آيات) إلا آية النسخ هذه ، ومن ثم يرجح أن تكون بمعنى العلامة أو لآية كونية(9).
والله أعلم
أ.د/عبد الفتاح محمود إدريس
__________
الهامش:
1- لسان العرب لابن منظور، ط دار المعارف (نسخ) 6/ 4407 المعجم الوسيط دار المعارف 1972م.
2- منهاج الوصول إلى علم الأصول للبيضاوى، تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد ص64 مطبعة السعادة ، ط1 1951م.
3- مختصر المنتهى لابن الحاجب مع شرح العضد 2/ 185 الأميرية الكبرى مصر 1317هـ.
4- النسخ بين الإثبات والنفى د/محمد محمود فرغلى دار الكتاب الجامعى القاهرة ص35.
5- المرجع السابق ص30 ومابعدها.
6- النسخ حقيقته وأحكامه للدكتور/جلال الدين عبدالرحمن جلال ص18-19 ط1 1990م مطبعة الجبلاوى.
7- تيسير الأصول للحافظ ثناء الله الزاهدى، ص210 دار ابن حزم بيروت والنسخ حقيقة وأحكامه للدكتور جلال عبد الرحمن ، ص20-21.
8- النسخ ، د/على جمعة، دار النشار، أحكام النسخ فى الشريعة الإسلامية، د/محمد وفا ص41-42. دار الطباعة المحمدية 1984م.
9- لا نسخ فى القرآن ، للأستاذ عبد المتعال الجبرى.
مراجع الاستزادة:
1- النسخ فى الشريعة الإسلامية للشيخ محمد سعاد جلال مطبعة الأزهر 1961م.
2- البحر المحيط للزركشى طبعة الكويت 1990م 4/ 63.
3- تقريب الوصول إلى علم الأصول لابن حزي الغرناطى، تحقيق محمد المختار الشنقيطى ، ص310 وما بعدها مكتبة ابن تيمية ، ط1 1414هـ.
4- أصول الفقه الإسلامى، وهبة الزحيلى، ط1 ، 2/ 292 ، دار الفكر 1986م.
5- تيسير أصول الفقه لمحمد أنور البدخشانى، ص172 وما بعدها، طبع كراتش ، بباكستان 1990(1/300)
نشأة الرسول
الحديث عن نشأة الرسول صلى الله عليه وسلم يشمل المدة من مطلع حياته حتى زواجه من السيدة خديجة رضى الله عنها وعمره خمس وعشرون سنة،وهى مدة تمتد بالتاريخ و الميلادى من سنة 571م إلى 595م ،وفى هذا النطاق نسجل الأحداث التالية التى تصور بإيجاز هذه النشأة: ولد الرسول صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لاثنتى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول عام الفيل من أبوين كريمين هما عبدالله بن عبدالمطلب ، والسيدة آمنة بنت وهب ، وقد توفى والده ومحمد صلى الله عليه وسلم لايزال جنينا فى بطن أمه. ولما وضعته أمه أرسلت إلى جده عبدالمطلب أن ولد لك غلام (حفيد) فأسرع إلى البيت ، وأخذه و دخل به الكعبة وأخلت يدعو الله ، ويشكرله ما أعطاه ، ومما روى فى ذلك أن عبدالمطلب أنشد أرجوزة مطلعها:
الحمد لله الذى أعطانى هذا الغلام الطيب الأردان وأرضعته امرأة من بنى سعد بن بكر يقال لها حليمة ابنة ذؤيب ،وقد امتلأ ثدياها ، باللبن بعد أخذه ،ونالها خير كثير،وانتقلت حياتها من العسر إلى اليسرويذكرابن إسحاق أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان لايقبل إلا على ثدى واحد، وكأنه فطر على أن يدع الثدى الثانى لأخته من الرضاعة.
لما تمت رضاعته عادت به حليمة إلى أمه ، بعد سنتين ،وبينما كانت تحرص على أن تعود به لمنازل بنى سعد، لمارأت فى وجوده عندها بى من الخير وتقول حليمة: كلمنا أمه ، وقلت لها: لو تركت ابنى عندى حتى يغلظ ، فإنى أخشى عليه واء مكة.. ولم تزل بها حتى ردته معها، حدثت أحداث عند حليمة تتصل بمحمد صلى الله عليه وسلم خافت حليمة عليه وأعادته ، وقد رعى محمد صلى الله عليه وسلم الغنم فى صحبة إخوته من الرضاعة.
توفيت أمه السيدة آمنة وهو فى السادسة من العمر، وكانت وفاتها بالأبواء بين مكة والمدينة، فقد كانت قدمت به على أخوال أبيه من بنى النجار، فماتت وهى راجعة إلى مكة، فتولى جده عبدالمطلب الإشراف عليه ورعايته.
يقول ابن إسحاق: إنه كان لعبد المطلب جد الرسول صلى الله عليه وسلم فراش يوضع له فى ظل الكعبة وكان أبناء عبدالمطلب يتلسون حول هذا الفراش ، ولكن محمدا صلى الله عليه وسلم جلس على وهذا الفراش وهو دون الثامنة، فأراد أعمامه أن يؤخروه ، فقال لهم عبدالمطلب: دعوا ابنى إن له شأنا وأجلسه معه على الفراش.
توفى عبدالمطلب ومحمد صلى الله عليه وسلم فى الثامنة من عمره ، فكفله عمه أبو طالب الذى كان الشقيق الوحيد لعبدالله والد الرسول ، ومع أبي طالب واصل محمد صلى الله عليه وسلم الرعى لغنم عمه ، ولما اشتد عوده عمل فى تجارة عمه.
وكان محمد صلى الله عليه وسلم وهو يرعى الغنم يعنى بأغنامه عناية كبيرة فى مرعاها وسقيها، وإذا ولدت شاة أو مرضت اهتم بها كل الاهتمام ، فكثرت بذلك أغنامه ، حتى كان بعض الناس يطلبون من أبى طالب أن يضموا أغنامهم لأغنامه لتنال عناية محمد صلى الله عليه وسلم ولتنمو وتكثرة ولذلك سمى "الأمين".
وحفظه الله من أى انحراف ، وروى عنه أنه قال: (لقد رأيتنى فى غلمان قريش ننقل الحجارة لبعض مايلعب به الغلمان ، وكلنا قد تعرى وأخذ إزاره ، فجعله على كتفه ورقبته يحمل عليه الحجارة، فإنى لأقبل معهم كذلك وأدبر، إذ لكمنى لاكم - ما أراه لكمة موجعة، وقال: شد عليك إزارك ، قال فأخذته ولبسته. فكنت كذلك بين أصحابى، وحملت الحجازة على كتفى بدون إزار).
رلما اشتغل بتجارة عمه ، كان صادقا فى عرض السلع وقانعا بربح مناسب ولذلك سمى "الصادق" وأصبح معروفا فى قومه بالصادق الأمين.
ووقعت حرب الفجار وعمر الرسول صلى الله عليه وسلم أربع عشرة سنة، وكانت بين قريش ومعها كنانة. وبين قيس عيلان ، وسميت الفجار لحدوثها فى الشهر الحرام مما يعد فجورا ، ويذكر ابن هشام أن حرب الفجار امتدت حتى أصبح الرسول صلى الله عليه وسلم فى العشرين من عمرة\ه وقد شهد الرسول صلى الله عليه وسلم بعض أيامها ويروى عنه قوله (كنت أنبل على أعمامى فى الفجار).
ووصل محمد صلى الله عليه وسلم إلى عهد الشباب ، وكان واضحا أنه لم يعبد صنما قط ، وبغضت له الأوثان ، ودين قومه ، وتنزه عن مذمومات الجاهلية التى كان يغرق فيها شباب العرب فى ذلك العهد.
طلبت السيدة خديجة محمدا صلى الله عليه وسلم ليتاجر فى مالها، فقبل وقبل عمه أبو طالب ، وتهيأ للسيدة خديجة بذلك أن تتعرف إخلاصه وأمانته ، فخطبته لنفسها، وتم زواجه بها، وكان عمره آنذاك خمسا وعشرين سنة، وكانت هى أكبر منه ، وكانت السيدة خديجة تسمى الطاهرة فى الجاهلية والإسلام ،وأنجب منها الرسول صلى الله عليه وسلم كل أولاده الذكور والإناث إلا إبراهيم ، فقد كان ابنه من مارية المصرية.
ولما بلغ صلى الله عليه وسلم مبلغ الرجال كان أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خلقا، وأكرمهم حسبا، وأبرهم جوارا ، وأعظم حلما ، وأصدقهم حديثا ، وأكثرهم أمانة، وأبعدهم عن الفحش وعن الأخلاق التى تدنس الرجال.
ومعرفتنا الدقيقة بمراحل نشأة الرسول صلى الله عليه وسلم تشبه معرفتنا الدقيقة بجميع مراحل حياته ، وهذا الوضوح هو الذى جعل جوستاف ليبون يقول: إذا استثنينا محمدا لانجدنا مطلعين على حياة مؤسس ديانة اطلاعا صحيحا.
أ.د/أحمد شلبى
__________
مراجع الاستزادة:
1- سيرة ابن هشام تحقيق طه عبد الرؤوف ج1 مطبعة الفجالة 1987م.
2- حضارة العرب جوستاف ليبون القدس 1387هـ.
3- سبل الهدى والرشاد فى سيرة خير العباد ، للإمام محمد الصالحى طبع المجلس الأعلى للشئون الاسلامية(1/301)
النفقة
لغة: هي ما ينفقه الإنسان من الأموال كما فى القاموس(1).
واصطلاحا: كفاية من يمونه خبزا وأداما وكسوة ومكسنا وتوابعها(2).
وأسباب النفقة هى:
1- العلاقة الزوجية، فقد أوجب الشارع على الزوج فى جميع الأحوال الإنفاق على زوجته ، غنيا كان أو فقيرا، ولم يوجب الإسلام على الزوجة أن تنفق على نفسها وإن كانت موسرة، أو أن تنفق على زوجها بالأولى من هذا المال وإن كان معسرا ، ولم يوجب عليها أن تتكسب هذه النفقة بالعمل أو نحوه ،فالنفقة حق لها على زوجها بمقتضى عقد النكاح.
ومن أدلة وجوبها قول الله تعالى {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف}البقرة:233 ، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فى خطبة الوداع: (اتقوا الله فى النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله.. ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) (رواه مسلم)(3).
ونفقة الزوجة تشمل الإطعام والكسوة والسكنى، ووسائل النظافة، وتشمل أجر الخادم إن كانت الزوجة ممن تخدم فى بيت أهلها، وكان الزوج موسرا، فيجب لها النفقة فى الوجوه السابقة مقدار كفايتها بالمعروف ،وهذا الحق الذى قرره الإسلام لها، يتحقق به صيانتها وحمايتها من التبذل والامتهان.
بسبب اكتساب أسباب الحياة، حيث كفل الإسلام لها هذه الأسباب فى منزل الزوجية بدون تدخل منها ، لتتفرغ لأداء رسالتها المنوط بها فى الحياة.
2- علاقة القرابة ، فقد أوجب الشارع بها على المرء الإنفاف على والديه ، كما أوجب بها على الوالدين الإنفاق على أولادهما ذكورا أو إناثا ، إذا كان للمنفق مال يمكنه الإنفاق منه ،فاضلا عن نفقته ، ولم يكن للمنفق عليه مال ولاكسب يكتفى به عن نفقة قريبه عليه.
ومن الأدلة علي وجوب نفقة الأصول على فروعهم حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن أطيب ما أكلتم من كسبكم ، وإن أولادكم من كسبكم) (رواه الترمذى عن عائشة وقال: حسن صحيح).
ومن الأدلة على وجوب نفقة الفروع على أصولهم حديث هند زوج أبى سفيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها حين اشتكت إليه بخل أبى سفيان: (خذى من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفى بنيك)متفق عليه(5).
كما أوجب الشارع بمقتضى القرابة نفقة القريب - غير الأصل والفرع - على قريبه بالشروط السابقة فى نفقة الأصول والفروع ، حيث يرى الحنفية وجوب النفقة لكل ذى رحم محرم للمنفق ، ويرى الحنابلة وجوبها لقريبه إن كان يجرى التوارث بينهما، أو كان من ذوى رحمه ، ومن الأدلة على ذلك ماروى عن طارق المحاربى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يد المعطى العليا، وابدأ بمن تعول ،أمك وأباك ، وأخاك ، ثم أدناك أدنك) رواه ابن حبان فى صحيحه(6)حيث بين فى الحديث أن من المعالين الأخوة والأقرب من الأقارب ، فيجب لهم على أقاربهم المأكل والمشرب والملبس والساكنى ونحوها ، بقدر الكفاية، مراعاة فى ذلك العرف وحال المنفق والمنفق عليه ، وظروف الزمان والمكان.
وإيجاب نفقة الأقارب الذين لامال لهم إذا عجزوا عن الكسب - على قريبهم الموسر، يحقق صلة الرحم ، ويقيم العلائق بين أفراد الأسرة على أساس من الترابط والتكافل ،فينصلح حال الأسرة، وينصلح بصلاحها حال
المجتمع بأسره.
أ.د/عبد الفتاح محمود إدريس
__________
الهامش:
1- القاموس المحيط ، لمحمد بن يعتوب الفيروزآبادى، الطبعة الثانية 1371هـ1952م ، مكتبة مصطفى الحلبى القاهرة 3/ 296.
2- كشاف القناع ، منصور بن يونس البهوتى، مكتبة النصر الحديثة الرياض.
3- صحيح مسلم ، مسلم بن حجاج النيسابورى، مطبعة عيسى الحلبى القاهرة 1/ 512.
4- سنن الترمذى، محمد بن عيسى بن سورة(الترمذى)، مطايع الفجر الحديثة حمص ، 3/ 30.
5- اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان ، محمد فؤاد عبدالباقى، الطبعة الثانية 1413هـ 1992م دار الصفوة بالغردقة ، 20/ 426.
6- الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ، علاء الدين بن بلبان ، دار الكتب العلمية ، بيروت 6/ 95.
مراجع الاستزادة:
1- المغنى ، عبدالله بن أحمد بن قدامة، عالم الكتب ، بيروت.
2- قضايا طيبة ، عبدالفتاح محمود إدريس ، الطبعة الأولى 1414هـ-1993م.
3- الفواكه الدوانى، أحمد النفراوى، الطبعة الثانية 1374هـ/1955م مكتبة مصطفى الحلبى القاهرة(1/302)
نقل الأعضاء
لغة: جزء من مجموع الجسد. كاليد والعين والمعدة كما فى المعجم الوجيز(1)
واصطلاحا: اقتطاع جزء من بدن آدمى حى أوميت ، لغرسه فى بدن آدمى حى مريض يحتاج إليه(2).
وهذه الأعضاء المنقولة عن موضعها من بدن الآدمى تسمى بالطعوم ، والطعم جزء من نسيج أو عضو يستعمل كبديل لجزء مماثل ، والنسيج أو العنصرالأصلى إما أن يكون مريضا أومشوها،أوغير قادرعلى أداء وظيفته الطبيعية فى بدن صاحبه ،وأكثر الأنسجة استعمالا لهذا الغرض هى الجلد والعظام والغضاريف والأوردة والشرايين والقرنية.
والطعوم الآدمية نوعان:
1- الطعوم الذاتية: هى ما أخذت من الإنسان لمداواة جزء آخر من بدنه ،ومن أمثلتها أخذ جزء من جلده فى موضع مستتر كالفخذة لترقيع جزء آخر فى موضع ظاهر من بدنه كالوجه ،أوأخذ العظام أو الغضاريف منه ، وغرسها فى موضع آخر.
2- الطعوم الجنسية: وهى ما أخذت من جنس المريض ،أى من آدمى آخر حى أو ميت ، وذلك كنقل الكلى من آدمى أو ميت لغرسها فى بدن آدمى حى آخر، تلفت كليته أو لم تعد صالحة للقيام بوظيفتها، ونقل القرنية أو القلب من بدن آدمى ميت وغرسها فى بدن آدمى مريض مفتقر إليها.
ونقل الأعضاء على هذا النحو لا تمنع منه الشريعة الإسلامية، لأنه من قبيل التداوى الذى حض عليه الشارع ، وهذا النقل وإن كان من مستجدات العصر، إلا أن الشريعة الإسلامية الصالحة لكل زمان ومكان لا تمنعه ، مما يدل على اتساعها لكل قضايا الناس فى دنياهم إلى أن تقوم الساعة.
وقد وضعت الشريعة الإسلامية الضوابط لهذا النقل ، قصد بها مراعاة مصلحة المنقول إليه العضو، وعدم الإضرار بالمنقول منه أو تعريضه للهلاك إذا كان آدميا حيا، وعدم التمثيل بجثته إن كان ميتا ولمجمع البحوث الإسلامية فى هذا الموضوع بيان شاف حدد - بالتفصيل ضوابط هذا النقل وشروطه بحيث المصلحة للمنقول إليه والمنقول منه عن طريق التبرع الذى تختض معه التجارة انتفاء تاما فليرجع إليه.
أ.د/عبد الفتاح محمود إدريس
__________
الهامش:
1- المعجم الوجيز، مجمع اللغة العربية، طبعة 1411هـ-1990م ، القاهرة مادة (عضو) ص423.
2- حكم التداوى بالمحرمات ، عبدالفتاح محمود إدريرس ، الطبعة الأولى 1414هـ 1993م مطبعة النشر الذهبى القاهرة ص291.
مراجع الاستزادة:
1- حكم نقل الأعضاء عقيل بن أحمد العقيلى طبعة 1412هـ-1992م مكتبة الصحابة جدة.
2- حكم التبرع بالأعضاء د/محمد نعيم ياسين مجلة الحقوق كلية الحقوق بالكويت السنة الثانية عشرة ، العدد الثالث 1401هـ 1988م(1/303)
النهى
لغة: المنع كما فى لسان العرب.
واصطلاحا: هو طلب ترك الفعل قولا.
وبعبارة أخرى: هو ما دل على طلب الكف عن الفعل ، فخرج به الأمر لأنه طلب فعل غير كف ، وخرج الالتماس والدعاء ، لأنه لا استعلاء فيهما.
وأساليب النهى مختلفة: فمنها: صيغة النهى المعتادة مثل: قوله تعالى: {ولاتقربوا مال اليتيم إلا بالتى هى أحسن}الإسراء:34 ، وقوله: {ولاتقربوا الزنى}الإسراء:32 ، وقوله: {ولاتقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق}الأنعام:151.
ومنها: صيغة التحريم ، مثل قوله تعالى: {حرمت عليكم أمهاتكم}النساء:23.
وقوله: {حرمت عليكم الميتة}المائدة:3.
ومنها: صيغة النفى، مثل قوله تعالى: {لايحل لكم أن ترثوا النساء كرها}النساء:19.
ومنها: صيغة الأمر الدال على الترك ، مثل: قوله تعالى: {وذروا ظاهرالإثم وباطنه}الانعام:120 ،، وقوله تعالى {فاجتنبوا الرجس من الأوثان}الحج:30.
والنهى عند الجمهور للتحريم ، ولزوم الانتهاء عن مباشرة المنهى عنه ، كما أن موجب الأمر هو الوجوب ، فكون النهى للكراهة، أو الدعاء، أو الإرشاد ، أو التحقير، أوغيرها، إنما يعرف بالقرائن الدالة على تلك المعانى، مثل قوله تعالى: {ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا}آل عمران:8.
وقوله تعالى: {لاتعتذروا اليوم إنما تجزون ماكنتم تعملون}التحريم:7.
فإن الأول للدعاء والثانى لليأس.
والدليل على كون النهى المطلق للتحريم قوله تعالى: {ومانهاكم عنه فانتهوا}الحشر:7 ، أمر الله بالانتهاء عن المنهى عنه ،فيكون الانتهاء واجبا ، وترك الواجب حراما.
وعند الحنفية:النهى إذا كان قطعى الثبوت وقطعى الدلالة فيكون للتحريم ، وإذا لم يكن كذلك فللكراهة التحريمية ، لأن الأمثلة التى تدل على أن النهى للتحريم كلها قطعى الثبوت وقطعى الدلالة من غيرقرينة صارفة عن التحريم إلى غيره من المعانى.
والصحيح الراجح مذهب الجمهورة لأن النهى فى اللغة موضوع للدلالة على طلب الترك على وجه الحتم والإلزام ، فلا يدل عند إطلاقه إلا على التحريم ، ولا يدل على غيره إلا بقرينة، وهذا ما يفهمه العقل من الصيغة المجردة عن القرينة، وهو دليل الحقيقة، وهى أن النهى حقيقة فى التحريم.
أ.د/على جمعة محمد
__________
مراجع الاستزادة:
1- البحر المحيط للزركشى 2/ 426 ومابعدها ، طبعة وزارة الأوقاف بالكويت الأولى 1990م.
2- تقريب الوصول إلى علم الأصول لابن جزى الغرناطى، ص187 ومابعدها ،مكتبة ابن تيمية 1414هـ.
3- تيسير الأصول لحافظ ثناء الله الزاهدى ، ص84 ومابعدها ، دار ابن حزم بيروت الطبعة الثانية 1997م(1/304)
النية
لغة: قصد النفس إلى العمل كما فى المعجم الوجيز(1).
واصطلاحا: اعتقاد القلب فعل الشىء وعزمه عليه من غير تردد(2).
ومحل النية القلب ، والتلفظ بها مباح ،وزمنها أول العبادات ، والمقصود بها تمييز العبادات عن بعضها، وتمييز العبادة عن العادة، كالجلوس فى المسجد الذى يكون اعتكافا تارة، وللاستراحة تارة أخرى.
ومن أدلة اشتراط النيه لصحة العبادات ،ما رواه عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنما الأعمال بالنيات" رواه البخارى(3).
وكيفية النية فى العبادات تختلف بحسب كل عبادة، فالنيه في الطهارة مثلا يقصد بها رفع الحدث ، أو استباحة ما يفتقر إلى طهر كالصلاة والطواف ونحوهما ، أو الاغتسال أو التيمم ، فيقول المتطهر: نويت رفع الحدث ، أواستباحة الصلاة... ، ونية الصلاة: يبين فيها الفعل والصلاة التى تؤدى، ونية الزكاة: يظهر فيها المزكى اعتقاده أن ما يخرجه هو زكاة ماله ، أوبدنه ، أو زكاة من يخرج عنه.
واشتراط النية فى العبادات يقتضى استحضار الذهن عند العزم على العبادة، والتجرد من شواغل الدنيا والإخلاص لله تعالى فيها.
أ.د/عبد الفتاح محمود إدريس
__________
الهامش:
1- المعجم الوجيز، طبعة 1411هـ/1990م ، نشر مجمع اللغة العربية القاهرة مادة(نوى) ص641.
2- المغنى، عبدالله بن أحمد بن قدامة، نشر عالم الكتب ، بيروت 2/ 94.
3- صحيح البخارى، محمد بن إسماعيل البخارى، مطبعة عيسى الحلبى بالقاهرة 1/ 6.
مراجع الاستزادة:
1- المحلى، على بن أحمد بن حزم ، ط1388هـ/1968م مكتبة الجمهورية العربية القاهرة.
2- النفيس فى فقه العبادات ، عبدالفتاح محمود إدريس ، ط1417هـ/1996، الطبعة الأولى ، دار النهضة العربية. القاهرة(1/305)
الهجرة
يقصد بها: الخروج من أرض إلى أرض ، وانتقال الأفراد من مكان إلى آخر سعيا لتحقيق أغراض للمهاجر. ولما كان الانتقال جهدا لأصحابه نفسيا ومادياة حيث يترك أرضه الأولى وماله فيها من ذكريات ومنافع ،إلى أرض أخرى جديدة لا يدري ماذا يحدث له فيها: كان التوجيه القرآنى والترغيب النبوى مصاحبا للمهاجرين الذين اضطهدوا فى أرضهم لإيمانهم بربهم وما اقتضاه إيمانهم من إنتقالهم إلى العبادة الصحيحة والمعاملة الحسنة ومكارم الأخلاق ، فأخرج المؤمنون من ديارهم ، وأوذوا فى سبيل الله ، فكان التوجيه النبوى أن تكون الهجرة لله وحده "فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله" ، يؤجرعليها بما جاء من الوعد الصادق، "ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه"، من أغراض محدودة. قال تعالى فى بيان مكانة المهاجربن فى سبيله: {إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا فى سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله والله غفور رحيم}البقرة:218. وقال سبحانه: {فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا فى سبيلى وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجرى من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب}آل
عمران:195.
وكما أثنى الله على المهاجرين أثنى على من أحسنوا استقبالهم ونصرتهم قال جل شأنه: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصاروالذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجرى تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم}التوبة:100 ، وقال سبحانه: {والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجرإليهم ، ولا يجدون فى صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون}الحشر:6.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار"(1).
وقد هاجر المؤمنون عندما اشتد بهم تعذيب المشركين بمكة المكرمة إلى الحبشة مرتين قال الرسول صلى الله عليه وسلم للمعذبين: "إن بأرض الحبشة ملكا لا يظلم أحد عنده ، فالحقوا ببلاده ، حتى يجعل الله لكم فرجا ومخرجا مما أنتم فيه".
تقول السيدة أم سلمة رضى الله عنها: "فخرجنا إليها أرسالا حتى اجتمعنا بها فنزلنا بخير دار إلى خير جار،أمنا على ديننا ولم نحس منه ظلما)(3). ثم بلغ المهاجرين إلى الحبشة أن أهل مكة أسلموا فرجع بعضهم فلم يجدواالخبر الصحيح فرجعوا إلى الحبشة، وهاجر معهم فى الهجرة الثانية جماعة آخرون.
وكان المهاجرون يعبرون عن دينهم وما دعاهم إليه خير تعبير مما يدعو الآخرين إلى احترامهم وتقديرهم إذ أحسنوا فى عرض عقيدتهم وأخلاقهم ، دون تضليل أو كذب ولو كان فيما يقولون بعض المخالفة لما كان عليه أهل الحبشة من تحريف فى المعتقدات.
وكانت الهجرة الكبرى والتى أذن الله فيها لنبيه صلى الله عليه وسلم بتحقيقها وأراه موضعها - إلى المدينة المنورة، فاتخد الرسول صلى الله عليه وسلم لها أسبابها ، واختار فيها الرفيق ، والدليل الخبير، وأمن مصدر الزاد ، والأخبار والمتابعة، ورد الأمانات إلى أصحابها ، وواجه طغيان المشركين بتدبير محكم ، ومضى فى طريق هجرته ومعه الصديق أبو بكر، وفشلت محاولات المشركين فى تتبعه وإعادته وتجلت عناية الله فى الطريق وشهدت بذلك "أم معبد" كما شهد سراقة حتى وصل إلى المدينة المنورة فاستقبل بفرح المؤمنين ، وأقام مسجدا وحمل فيه الحجارة مع أصحابه ،وآخى بين المهاجرين والأنصار، ووضع ميثاقا عظيما لتنظيم العلاقة بين المقيمين من المهاجرين والأنصار واليهود فى المدينة المنورة وظهرت آثار الهجرة فى مغالات التأسيس للدولة والأمة، وسميت المدينة بدار الهجرة والسنة كما فى صحيح البخارى، وصارت الهجرة إليها من سائر الأنحاء الأخرى التى بلغها الإسلام تقوية للدولة إلى أن قال النبى صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة ودخول الناس فى دين الله أفواجأ: "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية واذا استنفرتم فانفروا"(متفق عليه) وبقى معنى الهجرة فى هجر مانهى الله عنه ،
وبقت تاريخا للأمة.
أ.د/محمد رفعت سعيد
__________
الهامش:
1- صحيح البخارى 4/ 222 ط إستانبول.
2- فتح البارى بشرح صحيح البخارى 7/ 189.
مراجع الاستزادة:
1- السيرة النبوية الصحيحة د/أكرم ضياء العمرى.
2- المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية.
3- سيرة ابن هشام ط دار الكتب العلمية(1/306)
الهندوسية
"الهندوسية" أو "الهندوكية": دين يعتنقه معظم سكان الهند، وقد أطلق عليها ابتداء من القرن الثامن ق.م. اسم: "البرهمية" نسبة إلى "براهما" وهو القوة العظيمة السحرية الكامنة التى تطلب كثيرا من العبادات ، كقراءة الأدعية والأناشيد وتقديم القرابين ، و"البرهميون" أو"البراهمة": هم أصحاب الطبقة الأولى من عبدة "براهما"الذين ولدوا منه ، أو ممن انبثق عنه: "برهمان".
قامت "الهندوسية" على أنقاض "الويدية" ، وتشربت أفكارها، وتسلمت عن طريقها الملامح الهندية القديمة، والأساطير الروحانية المختلفة التى نمت فى الهند قبل دخول الآريين ، ومن أجل هذا عدها الباحثون امتدادا لـ "الويدية" وتطورا لها.
ليس لـ"الهندوسية" مؤسس يمكن الرجوع إليه كمصدر لتعاليمها وأحكامها ، فهى مجموعة من التقاليد والأوضاع تولدت من تنظيم الآريين لحياتهم جيلا بعد جيل بعد ما وردوا على الهند، وتغلبوا على سكانها. ويعتقد الهنود أنها دين أزلى لا بداية له وملهم به قديم قدم الملهم ،ويرى الباحثون الغربيون والمحققون من الهندوس أنه قد نشأ فى قرون عديدة متوالية لا تقل عن عشرين قرنا بدأت قبل الميلاد بزمن طويل وقد أنشأه أجيال من الشعراء، والزعماء الدينيين والحكماء الصوفيين عقبا بعد عقب ، وفق تطورات الظروف ، وتقلبات الشئون ، ف" الهندوسية" أسلوب فى الحياة أكثر مما هى مجموعة من العقائد والمعتقدات ،وتاريخها يوضح استيعابها لشتى المعتقدات والسنن ، وليست لها صيغ محددة المعالم ، ولذا تشمل من العقائد ما يهبط بها إلى عبادة الأحجار والأشجار والحيوان ، وما يرتفع إلى التجريدات الفلسفية الدقيقة.
"الفيدا " هو كتاب "الهندوسية" المقدس ، ويقال: إنه أقدم من التوراة بآلاف السنين ،وإنه دون فى زمن موغل فى القدم ، ربما يرجع إلى ثلاثين ألف سنة مضت ، وتعكس نصوصه حياة الآريين فى الهند فى عهدهم القديم ومقرهم الجديد، ففيه حلهم وترحالهم ، دينهم وسياستهم ، حضارتهم وثقافتهم ، معيشتهم ومعاشرتهم ، مساكنهم وملابسهم ، مطاعمهم ومشاربهم. وترى فيه مدارج الارتقاء للحياة العقلية من سذاجة البدوى إلى شعور فلسفى، فتوجد فيه أدعية بدائية، مثل: "أيتها البقرة المقدسة، لك التمجيد والدعاء، فى كل مظهر تظهرين به.. "ونصوص ترتقى إلى وحدة الوجود، مثل": إنى أنا الله ، نور الشمس ، وضوء القمر وبريق اللهب ،ووميض البرق، وصوت الرياح ، وأنا الرائحة الطيبة التى تنبعث فى أنحاء الكون ، والأصل الأزلى لجميع الكائنات ، وأنا حياة كل موجود، وصلاح الصالح لأنى الأول والآخر والحياة والموت لكل كائن".
بلغ تعدد الآلهة عند الهنود مبلغا كبيرا؛ إذ يوجد لكل ظاهرة طبيعية تنفعهم أو تضرهم إله يعبدونه ، يستنصرون به فى الشدائد ، غير أنهم جمعوا الآلهة فى إله واحد، وأطلقوا عليه ثلاثة أسماء: فهو "براهما" من حيث هو موجد، وهو "فيشنو" من حيث هو حافظ، وهو "سيفا" من حيث هو مهلك.
و"براهما"، هذا عند فلاسفتهم ليس خالقا، فهو فكرة ذهنية أكثر منه إرادة عاملة، فالعالم -حسب تصورهم- خلق على النحو التالى: أخذ "براهما" يتأمل ويفكر، وعن تفكيره هذا نشأت بذرة مخصبة، تطورت إلى بيضة ذهبية، ومن تلك البيضة نشأ العقل الخالق ، يطلقون عليه أيضا "براهما".
من المعتقدات الهندوسية:
1- التناسخ ؛ إذ يعتقد الهنود أن الأرواح جائلة متنقلة فى أطوار شتى من الوجود، تنتقل من جسد إلى آخر، سواء أكان فى الإنسان ، أو فى الحيوان ، حتى تصل إلى هدفها الأخير، وهو استجلاء طلعة "براهما" التى لا تكتسب إلا بالاندماج فيه كما تندمج قطرة الماء فى المحيط.
2- "كارما" وهى متممة لفكرة تجوال الأرواح. وتقوم نظريتها على أساس أن كل عمل يأتيه الانسان له ثمرته حتما، وأن كل شىء يكتسبه الإنسان فى كل طور من أطوار الوجود المتكرر، تحدده الأعمال التى يقوم بها فى الوجود السابق ؛ فأعماله الصالحة ترفع درجته فى الأطوار اللاحقة، حتى إلى النهاية، وهو الاتحاد مع "براهما". والأعمال الشريرة تهبط بدرجته إلى أسفل ، فيظل دائرا فى أطوار الوجود المؤلمة لا يتخلص منها أبدا بل تزداد انحدارا به إلى أسفل طبقات الوجود.
3- نظام الطبقات: يعتبر "البراهمة" رجال الدين أنفسهم من عنصر إلهى ، فهم كهنة الأمة التى لا تجوز الذبائح إلا فى حضرتهم وتحت أيديهم ، لذلك قسموا المجتمع إلى ثلاث طبقات:
(أ) طبقة الكهنة.
(ب) طبقة المحاربين والتجار.
(ج) طبقة الخدم ، فلا يجوز لفرد أن يأكل مع آخر من طبقة أخرى، أو يزاوجه ، أو يختلط به. ولم يظهر هذا النظام إلا فى قوانين "مينو" حوالى القرن السادس قبل الميلاد وهناك طبقة رابعة لم تدخل التقسيم وهى طبقة المنبوذين ؛ إذ هم سكان الهند الأصليون الذين لا يجرى فى عروقهم الدم التوارنى. أو الدم الآرى، ويسمون: "زنوج الهنود"، وقد سلبهم المجتمع الهندوسى حقوقهم الإنسانية، فنزل بهم إلى مستوى أقل -أحيانا- من مستوى الحيوان ، فيعتقد الهندوسى فى أحيان كثيرة أن الدنس والرجس يلحقه ، إذا مر به المنبوذ على بعد بضعة أمتار. ولم ترجع الفلسفة الهندية نشأة نظام الطبقات إلى نزعة الجنس والعنصر، بل ربطته بنص مقدس ،يقول "مينو": "...ثم خلق البرهمى من فمه ،و"الكشتريا" وهم المحاربون التجار من ذراعه، و"الويشا" وهم الخدم من فخذه ، و"السودرا"، وهم المنبوذون من رجله ، فكان لكل من هذه الطبقات منزلة على هذا النحو".
ومن ثم اتجه المنبوذون فى تدينهم إلى الأمور البدائية، فأصبح دينهم أشبه بعبادة الأزوات التى اعتصمت بها الأقوام الفطرية الساذجة ، فأعظم الآلهة عندهم يظهر فى شكل كومة من الآجر، أو فى هيئة أخرى ساذجة. وهذا الإله هو الذى يمنح الخصب للعواقر، ويحمى المحصول من الآفات ، ويرعاهم برعايته وعنايته ، ولكل مدينة إلهها.
أ.د/محمد شامة
__________
مراجع الاستزادة:
1- أديان الهند الكبرى، أحمد شلبى، القاهرة 1966م.
2- ذيل الملل والنحل ، للشهر ستانى، تحقيق محمد سيد كيلانى القاهرة 1961م.
3- الأديان والمذاهب الشرقية عثمان عيش ، القاهرة 1966م.
4- الديانات القديمة، محمد أبو زهرة، القاهرة 1965م.
5- أديان العالم الكبرى، حبيب سعيد(1/307)
الوتر
لغة: الفرد أو ما لم يتشفع من العدد، كما فى القاموس(1).
واصطلاحا: عبادة زائدة شرعت لنا لا علينا(2).
والوتر صلاة مسنونة، لا أذان لها ولا إقامة ، ولا جماعة فيها،ويجوزأن تؤدى على الراحلة، ووقتها بين العشاء وطلوع الفجر، يدل على مشروعيتها ماروى عن خارجة بن حذافة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قد أمدكم الله بصلاة هى خير لكم من حصر النعم وهى الوتر، فجعلها لكم فيما بين العشاء والآخر إلى طلوع الفجر)(رواه الحاكم وصححه عن حذاقة)(3) و وأقل الوتر ركعة، لما روى عن ابن عمرأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الوترركعة من آخر الليل) (رواه مسلم عن أبن عمر)(4)إلا أنه يجوز الزيادة عليها: فتصلى ثلاث ركعات بتسليمه وأحدة،لحديثه عائشة(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث لايسلم إلا فى آخرهن) (رواه الحاكم وصححه عن عائشة)(5).
وأجاز بعض الفقهاء أن يصلى ثلاث عشرة ركعة، أو إحدى عشرة ركعة، أو تسع ركعات ، أو سبعا، أو خمسا، ويسلم فيها بعد كل ركعتين ، ويوتر بواحدة أو ثلاث أو خمس من الثلاث عشرة أو الإحدج عشرة، وله أن يوتر بثلاث من التسع والسبع ، فإن أوتر بخمس لم يجلس إلا فى آخرهن ، وقد ثبت ذلك بنصوص صحيحة عن عائشة، منها قولها (كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بالليل إحدى عشرة ركعة، يوترمنها واحدة) وقولها: (كان يصلى من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك خمس لا يجلس إلا فى آخرها)، وحديثها (ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد فى رمضان ولا فى غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلى أربعا، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلى أربعا، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ،ثم يصلى ثلاثا) (رواه مسلم عن عائشة).
وروى عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خفت الصبح فاوتر بواحدة) متفق عليه(7).
أ.د/عبد الفتاح محمود إدريس
__________
الهامش:
1- القاموس المحيط ، لمحمد بن يعقوب الفيروز آبادى، مكتبة مصطفى الحلبى ط2 1371هـ/1952م القاهرة ص157.
2- رد المحتار، لمحمد أمين (ابن عابدين)، دار الكتب العلمية بيروت 10/ 445.
3- رواه الحاكم وصححه.
4- صحيح مسلم لمسلم بن حجاج النيسابورى مطبعة عيسى الحلبى القاهرة 1/ 302.
5- المستدرك ، للحاكم.
6- صحيح مسلم 1/ 296-297.
7- اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان دار الصفوة ، الغردقة الطبعة الثانية 1413هـ/1992م 1/ 144.
مراجع الاستزادة:
1- المغنى، لعبد الله بن احمد بن قدامة، عالم الكتب بيروت.
2- نيل الأوطار، لمحمد بن على الشوكانى، المكتبة التوفيقية القاهرة(1/308)
وحدة الوجود
لغة: الوحدة مصدر الفعل "وحد" أى بنفسه. فهى ضد الكثرة(1). ويقال: كل شىء انفرد على حدة: أى متميز عن غيره(2).
والخلاصة أن مادة "وحد" تشير إلى الانفراد والتميز، كما أنها تدل على التقدم فى علم أو بأس(3).
واصطلاحا: تعنى أن الكائن الممكن يستلزم كائنا آخر واجبه الوجود بذاته، ليمنحه الوجود، ويفيض عليه بالخير والابداع. وذلك الكائن الواجب الوجود هو الله جل شأنه ، لأنه موجود أولا بنفسه ، ودون حاجة إلى أى موجد آخر؛ كيلا تمتد السلسلة إلى ما لانهاية.
وأن الكائنات الأخرى جميعها مظاهر لعلمه وإرادته ، ومنه تستمد الحياة والوجود ؛ ولهذا كان وجودها عرضا وبالتبع.
وبناء على هذا ، فليس ثمة إلا كائن واحد موجود حقيقة وضرورة، بل هو الوجود كله ، ولا تسمى الكائنات الأخرى موجودات ، إلا بضربا من التوسع والمجاز(4) هذه هى النظرية التى تدعى "وحدة الوجود". وقد اعتنقها جماعة من الصوفية بعد أن أخذت الدراسات الفلسفية فى الإسلام تضمحل وتتوارى.
وقد تكونته هذه الفكرة فى أوائل القرن الثانى عشر الميلادى. وشاع أمرها فى بلاد الأندلس والمشرق ، بعد ان اختلط فيها وجود التصوف بالفلسفة اختلاطا كبيرا.
وكان من أكبر أنصارها: ابن عربى (ت 638) وجلال الدين الرومى.
وربما دل ظاهر هذا الاتجاه ، على أن مشايعيه قد يلتمسون عذرا للكفار من أمثال فرعون وقوم نوح وغيرهم من المشركين الذين عبدوا الأصنام ، واليهود الذين عبدوا العجل.
ويدعى أنصارمذهب وحدة الوجود، أن هؤلاء الكفار ما عبدوا غيرالله ، وأن خطأهم يكمن فى أنهم خصصوا شيئا دون شىء بالعبادة، وكان الأصل أن يعبدوا كل شىء. لأنه لا شىء موجود على الحقيقة إلا الله.
وحين آمن فلاسفة المتصوفة بوحدة الوجود؛ فإنهم فى نفس الوقت آمنوا بفكرة أخرى هى ما أسموه "وحدة الأديان".
فلذلك يقرون بأن المشركين والوثنيين جميعا على حق ، بحجة أن الله هو كل شىء.
فمن عبد صنما أو حجرا أو شجرا أو إنسان أو كوكبا، فقد عبد الله. لكن يجب أن نفو فى هذا المجال بين وحدة الوجود، وبين وحدة الشهود. فوحدة الوجود نظرية باطلة تنافى التوحيد الصحيح. أما وحدة الشهود فهى حق.
مثال هذا: لو قال شخص إنه يرى الله في كل شىء، فإن كان يعنى أنه يرى آثارة وشواهده ، فتعبيره صحيح. وإن كان يعنى وحدة الخالق والمخلوق ، فالتعبير باطل واعتقاده كفرة لأنه تسليم بوحدة الوجود(5).
ولم تكن فكرة وحدة الوجود من ابتكار غلاة فلاسفة الصوفية كابن عربى والحلاج والرومى، بل كان لها جذورها لدى فلاسفة اليونان القدماء، من أمثال طاليس وهيراقليطس والرواقيين ، ثم أصحاب مذهب الفيض فى الأفلاطونية المحدثة(6).
ولقد سرت عدوى وحدة الوجود ، إلى بعض فلاسفة الغرب ، مثل بعض الفلاسفة الفرنسيين الماديين ومنهم "ديدرو" (1713م-1784م) وإلى الفيلسوف الهولندى "سبينوزا" فى القرن الثامن عشر.
كما تأثر بها بعض أدباء أوروبا الغربية، ولاسيما أصحاب النزعة الرومانتيكية، الذين اتخذوا الطبيعة موضوعا للتأمل فى أدبهم(7).
والخلاصة أن وحدة الوجود فكرة خاطئة،لا يقرها عقل سليم ولا دين منزل. وأخطر ما فيها: أنها تنافى التوحيد الصحيح ، وتؤدى إلى القول بوحدة الأديان ، واسقاط التكاليف ،وإلغاء المسئولية والالتزام الأخلاقى ، انطلاقا من فكرة الجبر كما أنها تنبثق منها اعتقادات غير صحيحة مثل "النور المحمدى"، و"الحقيقة المحمدية".و"الإنسان الكامل". وكل ذلك ينكره الإسلام.
أ.د/عبداللطيف محمد العبد
__________
الهامش:
1- المنجد فى الغة مادة "وَحَدَ".
2- المصباح المنير"وَحَدَ".
3- القاموس المحيط "وَحَدَ".
4- فى الفلسفة الإسلامية منهج وتطبيقه د/إبراهيم مدكور دار المعارف بمصر ط2/ 1968م - 1/ 56-57.
5- شبهات التصوف د/عمر عبد العزيز قريش ط1214هـ-1992م ص37 ، 40 ، 58 ، 64.
7- الموسوعة الميسرة بإشراف د/مانع بن حماد الجهنى، إصدار دار الندوة العربية بالرياض ط3 ، 1418هـ ، 2/ 1178-1179.
7- معجم المصطلحات العربية فى اللغة والأدب مجدى وهبة، وكامل المهندس مكتبة لبنان ط2 ، 1948م ، ص432(1/309)
الوَحْى
لغة: الكتاب. وجمعه وُحيٌّ ، مثل: حلى وهو أيضا: الكتابة والإشارة والرسالة والإلهام والكلام الخفى ، وكل ما ألقيته إلى غيرك(1).
ويقال: أوحى إليه وله: كلمه بكلام يخفى على غيره.
ويعلم من هذا، أن كلمة "الوحى" فى اللغة تعنى السرعة والخفاء، أى الإعلام السريع الخفى.
شرعا: هو إعلام الله تعالى لنبى من أنبيائه بحكم شرعى ونحوه ، بواسطة أو غير واسطة(3).
فالوحى إذن: نقل مافى عالم الربوبية إلى نبى أو رسول عن طريق الملائكة ، ليبلغه إلى الناس ،مع ملاحظة أن علم الله ثابت فى اللوح المحفوظ ، وينزل الوحى طبقا لما هو مدون فيه(4).
والوحى أمرهام وجوهرى فى النبوات والأديان ، فهو مثل المعجزة قطب الرحى ، وبدونهما لاتكون نبوة أو رسالة.
ولهذا جاءت مادة "و.ح.ى" في القرآن الكريم وحده ثمانيا وسبعين مرة(5) وفيه دلالة على أن للوحى حقيقة، وأنه أمر ضرورى للديانات السماوية.
والإيمان بالوحى حق وواجب على كل مسلم ومسلمة ، لارتباط ذلك الإيمان بجميع ما أنزل الله من كتاب ، وما آتى بعض رسله من صحف. وكل ذلك وحى من الله تعالى {وإنه لتنزيل رب العالمين. نزل به الروح الأمين. على قلبك لتكون من المنذرين}الشعراء:192-194.
وإن نزول الوحى على هيئة كتب وصحف سماوية، لهو شىء ضرورى لحياة البشر، كى تبقى للأنبياء والرسل آثارهم ، ولاسيما ذلك الأثر الباقى إلى يوم القيامة، والذى كان من أعظم نعم الله تعالى على خلقه ،(6) ألاوهو القرآن الكريم.
{إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهرون وسليمان وآتينا داود زبورا}النساء:163.
وملل الوحى هو جبريل عليه الصلاة والسلام.
وقد جاء أسمه نصا فى قوله تعالى: {قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه}البقرة:97.
ويفهم من الآية الكريمة وجوب محبة جبريل عليه السلام وتعظيم دوره على البشرية إلى يوم القيامه.
كما سماه القرآن "الروح الأمين" فى قوله تعالى: {وإنه لتنزيل رب العالمين. نزل به الروح الأمين}الشعراء:192-193.
كما سماه "روح القدس" فى قوله تعالى: {قل نزله روح القدس من ربك بالحق}النحل:102.
ويسمى"الناموس" كما جاء على لسان ورقة بن نوفل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فى أول عهده بالوحى: لقد جاءك الناموس الذى نزل الله على موسى(7).
وفى آية واحدة أشار القرآن الكريم إلى ثلاثة مقامات للوحى،(8) فى قوله عز وجل: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا، أو من وراء حجاب ، أو يرسل رسولا فيوحى بإذنه مايشاء، إنه على حكيم}الشورى:51.
الأول: "وحيا" أى إلقاء المعنى في القلب.
ومعناه أن الله تبارك وتعالى يقذف فى روع النبى صلى الله وسلم شيئا لايمارى فيه أنه من الله عز وجل ،كما جاء فى صحيح ابن حبان عن ابن مسعود، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن روح القدس نفث فى روعى أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها ، فاتقوا الله واجملوا فى الطلب".
الثانى: "من وراء حجاب ، أى بالتكليم ، كما كلم الله موسى عليه الصلاة والسلام فلما سأل الرؤية بعد التكليم حجب عنها، لكنه سمع النداء من وراء الشجرة: {نودى من شاطىء الواد الأيمن فى البقعة المباركة من الشجرة أن ياموسى إنى أنا الله رب العالمين}القصص:130.
الثالث: نزول أمين الوحى جبريل على نبينا وعلى الأنبياء من قبله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. فقد روى البخارى، عن عائشة رضى الله عنها، أن الحارث بن هشام رضى الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: يارسول الله: كيف يأتيك الوحى؟ فقال: "أحيانا يأتينى مثل صلصلة الجرس ، وهو أشده على، فيفصم عنى -أى يقلع - وقد وعيت عنه ماقال - أى حفظت.
وأحيانا يتمثل لى الملك رجلا فيكلمنى فاعى مايقول".
قالت عائشة رضى الله عنها: "ولقد رايته ينزل عليه الوحى فى اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه ،وإن جبينه ليتفصد عرقا".
وإنما كانت حالة الصلصلة أشد؛ لأنها انسلاخ من البشرية واتصال بالروحانية. وكانت الثانية أخف ؛ لأنها انتقال ملك الوحى من الروحانية إلى البشرية بسهولة ويسر، بإذن من الله تعالى. وقد نزل القرآن الكريم بأكمل صورة للوحى، بواسطة إلقاء جبريل عليه السلام.
وروى الشيخان عن أبى هريرة، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "ما من الأنبياء نبى إلا أعطى ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذى أوتيته وحيا أوحاه الله إلى، فارجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة".
وما نطق به صريح الكتاب والسنة، من إثبات حقيقة الوحى ومقاماته ، يبطل رأى كل مبطل مرتاب ، يدعى أن الوحى نوع من الصرع ؛ نتيجة مس الشيطان أو مرض فى المخ ، أو تخيل إله ، أو توهم جنة ونار(9). أو كما زعم البراهمة من أن العقل يغنى عن الوحى، أو كما يدعى بعض غلاة الصوفية من أن الوحى نوع من الكشف أو الفيض(10).
ولو رجعنا إلى تعاليم الإسلام ، لوجدنا فكرة الوحى أسهل من كل هذا الهراء، وأضبط من جميع ألوان الافتراء على الله وعلى رسله. ومن هنا يجب الحذرمن الفكر الدخيل ،(11) ومن كل غلو فى دين الله.
أ.د/عبد اللطيف محمد العبد
__________
الهامش:
1- مختار الصحاح "وحى".
2- المعجم الوجيز لمجمع اللغة العربية "وحى".
3- النبوة بين الفلسفة والتصوف ، د/عبدالفتاح أحمد الفاوى مكتبة الزهراء القاهرة ط1 1416هـ/1996م ص113.
4- الفارابى الموفق والشارح ، د/محمد البهى مكقبة وهبة بالقاهرة ط1 1401هـ/1981م ص24.
5- المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم ، لمحمد فؤاد عبدالباقى "وحى" ، جاءت المادة بلفظ المصدر:6 مرات وبلفظ الماضى:44 مرة ، وبلفظ المضارع:28 مرة.
6- منهاج المسلم ، أبو بكر الجزائرى دار الشروق جدة ط7 1407هـ-1987م ص38.
7- العقائد الإسلامية، السيد سابق دار الكتاب العربى ببيروت 1406هـ 1985م ص118.
8- تفسير ابن كثير تفسير الآية51 من سورة الشورى.
9- شرح العقيدة الطحاوية ابن أبى العز تحقيق: شعيب الأرنؤوط دار البيان دمشق ط1 1401هـ-1981م ص530.
10- الموسوعة الميسرةإشراف د/مانع بن حماد الجهنى نشر دار الندوة العالمية بالرياض ط3 ، 1418هـ-2/ 1180.
11- فى الفلسفة الإسلامية منهج وتطبيق د/إبراهيم مدكور دار المعارف بمصر ط2 1968م 1/ 77-78(1/310)
الوديعة
لغة: هى ما يتركه الانسان عند غيره ، يقال: أودعه مالا إذا دفعه إليه ؛ ليكون عنده وديعة، أو قبله منه وديعة، كما فى المختار(1).
واصطلاحا: توكيل فى حفظ مال مملوك(2).
والوديعة قد تكون نقدا أوعينا لها قيمة مالية، يبيح الشارع حيازتها، وهى لاتتصور إلا فيما ينقل ويحول عن موضعه إلى موضع آخر.
وترك المالك ماله عند غيره ليحفظه له أمرمشروع ، وقبول الغيرحفظ هذه الوديعة مستحب ، إذا كان قادرا على الحفظ ورد الوديعة إلى صاحبها عند طلبها.
ومن الأدلة على مشروعية الايداع ، وقبول الودائع قول الله تعالى: {إن الله يأمركم اًن تؤدوا الأمانات إلى أهلها}النساء:58 ، وما روى عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أد الأمانة إلى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك) (رواه أبو داود والترمذى والحاكم والدار قطنى والطبرانى وصححه السيوطى)(3).
وترغيب الشارع فى حفظ مال الغير بالإيداع ، يحقق مصلحة ضرورية، قصد إليها من تشريع الأحكام ، وهى حفظ المال ، فإن صاحب المال قد يعجزعن حفظه أو يعنُّ له ما لايتمكن معه من حفظه بنفسه كسفر أوتعرض للمخاطر، فلو لم يشرع إيداعه لدى الغير لضاع على مالكه.
أ.د/عبد الفتاح محمود إدريس
__________
الهامش:
1- مختار الصحاح ، محمد بن أبى بكر الرازى، ط عيسى الحلبى القاهرة مادة (ودع).
2- مغنى المحتاج ، محمد بن أحمد الشربينى، ط1377هـ/1958م ، مكتبة مصطفى الحلبى القاهرة 3/ 79.
3- الجامع الصغير، جلال الدين عبدالرحمن بن أبى بكر السيوطى، ط الخامسة مكتبة مصطفى الحلبى القاهرة 1/ 14.
مراجع الاستزادة:
1- المغنى ، عبدالله أحمد بن قدامة ، عالم الكتب ، بيروت.
2- المعاملات فى الفقه الإسلامى، عبدالحكيم المغربى، ط الثانية 1402هـ/1982م(1/311)
وفاة الرسول
الوفاة: الموت ، فإذا أضيف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه قد جرى على النبى صلى الله عليه وسلم مايجرى على الناس فى قوله تعالى: {إنك ميت وإنهم ميتون}الزمر:30 ، وماذكر به أبو بكر رضى الله عنه المؤمنين الذين اشتد بهم الحزن بموت الرسول صلى الله عليه وسلم : أما بعد، من كان منكم يعبد محمدا فإن محمد قد مات ، ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حى لايموت. قال الله تعالى{ومامحمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفئن ماتا أو قتل انقلبتم على أعقابكم ، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرالله شيئا وسيجزى الله الشاكرين}آل عمران:144 ، ومع هذه الحقيقة فإن الحزن الشديد قد أخذ بالناس كل مأخذ لحبهم الشديد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، والذى عبر فيه آنس رضى الله عنه بقوله: "لما قدم الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء فيها كل شئ ،ولما مات أظلم منها كل شىء" ولذلك وجدنا عمر رضى الله عنه مع قوته وشدته يكلم الناس قبل أبى بكر رضى الله عنه منكرا موت الرسول صلى الله عليه وسلم ، وبعد أن سمع تذكير أبى بكر بالقرآن جلس على الأرض لاتحمله قدماه ، وكأنهم لم يسمعوا الآية إلا تلك الساعة(1).
والسيدة فاطمة رضى الله عنها قالت وهو فى مرض الوفاة: واكرب أباه ، فقال لها: ليس على أبيك كربا بعد اليوم (2) فقالت بعد الوفاة: يا ابتاه. أجابا ربا دعاه ، يا أبتاه فى جنة الفردوس ماواه ، ياأبتاه إلى جبريل ننعاه(3).
وسبق موت النبى صلى الله عليه وسلم الاطمئنان على أمته بعد أن أكمل الله الدين ، وأتم النعمة حيث كشف فى صلاة الفجر يوم وفاته ستر حجرة السيدة عائشة رضي الله عنها ونظر إلى المسلمين وهم فى صفوف الصلاة ثم تبسم وضحك وكأنه يودعهم ، وهم المسلمون أن يعبروا عن فرحتهم بخروجه ، وتأخر أبو بكر رضى الله عنه حيث ظن أن الرسول صلى الله عليه وسلم يريد الخروج للصلاة فأشار الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم بيده أن أتموا صلاتكم ، ثم دخل الحجرة وأرخى الستر.
وكان عندما حضره الموت مستندا إلى صدر أم المؤمنين عائشة، وكان يدخل يده فى إناء الماء كى يمسح وجهه ويقول: لآ إله إلا الله ، إن للموت سكرات ، وأخذته بحة وهو يقول: {مع الذين أنعم الله عليهم} ويقول: "اللهم فى الرفيق الأعلى" فعرفت السيدة عائشة أنه يخير، وأنه يختار الرفيق الأعلى(4).
ولحق الرسول صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى وترك للناس ما إن تمسكوا به لن يضلوا أبدا، كتاب الله وسنة نبيه.
أ.د/محمد رأفت سعيد
__________
الهامش:
1- فتح البارى 8/ 145.
2- فتح البارى 8/ 149.
3- المرجع السابق.
4- سيرة ابن هشام 4/ 329 ، وفتح البارى 8/ 136.
مراجع الاستزادة:
1- فتح البارى بشرح صحيح البخارى لابن حجر.
2- السيرة النبوية الصحيحة د/أكرم ضياء العمرى.
3- المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية(1/312)
الوقت عند الصوفية
الوقت عند الصوفية
لغة: وقت العمل جعل له وقتا يؤدى فيه.والوقت: مقدار من الزمان قدر لأمر ما ،وجمعه أوقات(1).
وقوله تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا}النساء:103،أى مفروضات فى الأوقات(2).
والله عز وجل هو الذى يخلق الوقت أو الزمان ويحدده. وكثيرا ما يتحدد بالليلة لارتباطه بالهلال أول الشهر. والوقت يحكم الإنسان ، ولايحكم الله عز وجل(3).
واصطلاحا: الوقت عند الصوفية عبارة عن العبد(4) فى زمان الحال (5) أى عندما يتصل وارد من الحق بقلبه ، ويجعل سره مجتمعا فيه ، بحيث لايذكر في كشفه الماضى ولا المستقبل(6) ويشير القاشانى (ت 735هـ) إلى أن ما حضر العبد في الحال: إن كان من تصريف الحق ، فعلى العبد الرضا والاستسلام.
وإن كان مما يتعلق بكسبه ، فليلزم ما أهمه فيه بعيدا عن الماضى والمستقبل ، فإن تدارك الماضى تضييع للوقت الحاضر.
كذلك الفكر فيما يستقبل ، فعساه ألا يبلغه ، وقد فاته الوقت ، ولهذا قال أهل التحقيق: "الصوفى ابن الوقت" أى إنه مشتغل بما هو أولى به في الحال.
ويشير أبو على الدقاق إلى أن الوقت عند الصوفية ماكان هو الغالب: إن كنت بالدنيا فوقتك الدنيا ، وإن كنت بالعقبى فوقتك العقبى، وإن كنت بالسرور فوقتك السرور،وإن كنت بالحزن فوقتك الحزن.
وقد يريدون بالوقت: ما يصادف الصوفى من تصريف الحق له دون ما يختاره لنفسه ويقولون: "فلان بحكم الوقت" أى إنه مستسلم لما يبدو له من الغيب ، من غير اختيار له.
وهذا فيما ليس لله تعالى عليه فيه أمر أو اقتضاء بحق الشرع ؛ لأن التضييع لما أمربه ،وإحالة الأمر فيه على التقدير، وترك المبالاة بما يحصل منه من التقصير: خروج عن روح الدين.
ويشير الصوفية كذلك إلى أن "الوقت سيف" أى كما أن السيف قاطع ، فالوقت غالب بما يمضيه الحق.
وقيل: "السيف ليّن مسّه ، قاطع حدّه" فمن لاينه سلم ، ومن خاشنه اصطلم. كذلك الوقت بمفهوم الصوفية: من استسلم لحكمه نجا، ومن عارضه انتكس وتردّى، وأنشدوا:
وكالسيف إن لاينته لان مسه * وحدّاه إن خاشنته خشنان فالصحبة مع السيف خطر: "إما ملك وإما هلك"، ولو حمله صاحبه ألف سنة فلن يفرق فى حال القطع بين رقبة صاحبه ورقبة غيره ، لأن صفته القهر.
وقيل أيضا: من ساعده الوقت فالوقت له وقت ، ومن ناكده الوقت فعليه مقت. وسمع القشيرى أبا على الدقاق يقول: "الوقت مبرد يسحقك ولايمحقك": أى يأخذ من العبد، دون أن يمحوه بالكلية. وكان الدقاق ينشد:
كل يوم يمر يأخذ بعضى * يورث القلب حسرة ثم يمضى
وأنشد أيضا:
كأهل النار إن نضجت جلود * أعيدت للشقاء لهم جلود
وهو فى معنى:
ليس من مات فاستراح بميت * إنما الميت ميت الأحياء
ويرى القشيرى أن الكيس هو: من كان بحكم وقته:
(أ) إن كان وقته الصحو، فقيامه بالشريعة.
(ب) وإن كان وقته المحو، فالغالب عليه أحكام الحقيقة(8).
ويرى علماء الصوفية،أن الخلق تتفاوت قدراتهم وأحوالهم فى مسألة "الوقت"، لكن الصوفية يصرحون بأنهم يعيشون فى الوقت سرورا مع الحق ، فإذا انشغل الواحد منهم بالغد، أوقلب التفكير فى الأمس ، حجب عن الوقت ، والحجاب تشتت.
ويقول أبو سعيد الخراز "لاتشغل وقتك العزيز إلا بأعز الأشياء، وأعز أشياء العبد شغله بين الماضى والمستقبل.
ولهم فى ذلك أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم حين عرض عليه فى ليلة المعراج زينة ملك الأرض والسماء، فلم ينظر إلى أى شىء؛ لقوله تعالى: {ما زاغ البصروماطغى}النجم:17، لأنه كان عزيزا ، ولايشغل العزيز إلا بالعزيز، ولم يتجاوز ما أمر به.
ويشير الهجويرى (ت 465هـ) إلى أن أوقاف الموحد وقتان: أحدهما فى حال الفقد، والثانى في حال الوجد، وفى كلا الوقتين يكون الموحد مقهورا ؛ لأنه فى حال الوصل يكون وصله بالحق ، وفى الفصل يكون فصله بالحق.
ويحكى الجنيد أنه رأى درويشا فى البادية يجلس تحت شجرة ذات شوك ، وظل هكذا منذ اثنتى عشرة سنة ، لأنه كان يتوجع على وقت ضاع له فى ذلك المكان. فمضى الجنيد إلى الحج ودعا له فاستجيبت دعوته ، ومع هذا أصر الدرويش على البقاء في نفس المكان الصعب حتى يموت ويخلط ترابه بتراب ذلك الموضع ، ويرفع رأسه يوم القيامة من هذا التراب الذى صار محل أنسه وسروره(9).
وقد اهتم الصوفية بالتفريق بين الوقت والحال:
فالحال هو الذى يرد على القلب من غير تعمد ولا اجتلاب ، ومن شرطه أن يزول ويعقبه المثل ؛(10) فالحال وارد على الوقت ، يزينه مثل الروح والجسد والوقت لامحالة يحتاج إلى الحال ؛ لأن صفاء الوقت يكون بالحال ، كذلك فإن الغفلة تجوزعلى صاحب الوقت ،ولاتجوزعلى صاحب الحال(11).
وأخيرا فإن الصوفية لديهم مايسمى الوقت الدائم" أو "الآن الدائم"،(12) وهم بهذا يشيرون إلى حقيقة الزمن بالنسبة لله عز وجل ، حيث لاينقسم الزمن هناك ، ولايتميز إلى ماض وحاضر ومستقبل.
أ.د/عبداللطيف محمد العبد
__________
الهامش:
1- مجمع اللغة العربية المعجم الوجيز مادة "وقت" طبع وزارة التربية والتعليم بمصر.
2- محمد بن أبى بكر الرازى مختار الصحاح 666هـ مادة (و-ق-ت) ط استانبول تركيا 1408هـ/1987م.
3- الفتاوى الكبرى الشيخ محمد متولى الشعراوى حوار لأحمد زين ، مكتبة التراث الإسلامى بالقاهرة 1407هـ/1987م ص80 ، 261 ، 601.
4- التعريفات الجرجانى البابى الحلبى بالقاهرة 1357هـ/1938م ص227.
5- رسالة فى اصطلاحات الصوفية (ضمن التعريفات للجرجانى) ابن عربى، ط البابى الحلبى بالقاهرة 1357هـ/1938م ص234.
6- كشف المحجوب ،الهجويرى دراسة وترجمة وتعليق دكتورة/إسعاد عبدالهادى قنديل المجلي الأعلى للشئون الإسلامية بالقاهرة. 1395هـ/1975م.
7- اصطلاحات الصوفية، القاشانى تحقيق وتعليق د/محمد كمال جعفرالهيئة المصرية العامة للكتاب بمصر 1981م ص53.
8- الرسالة القشيرية القشيرى مكتبة صبيح بالقاهرة 1386هـ/1966م ص53.
9- كشف المحجوب ، الهجويرى 2-614.
10- رسالة فى اصطلاحات الصوفية، ابن عربى ص234.
11- كشف المحجوب 2-615.
12- اصطلاحات الصوفية، القاشانى ص54 من تعليق د/كمال جعفر(1/313)
الوهابية
تنسب الوهابية إلى الشيخ محمد بن عبدالوهاب بن سليمان بن على الذى ولد فى العيينة بمنطقة نجد بالجزيرة العربية (1115هـ/1703م) والمقصود بالوهابية مجموعة المبادىء التى جهر بها الشيخ ، وتتلخص فى:
1- التوحيد ، والعودة إلى أصول الإسلام الصحيحة.
2- الجهاد فى سبيل ذلك ، وجواز قتال مانعى الزكاة وتاركى الصلاة.
3- ترك زيارة القبورة لأن الميت بعد الدفن أحوج إلى الدعاء، لا أن يدعى به. ويضاف إلى هذا منع اتخاذ التمائم ، والتبرك بالشجر والحجر، والذبح لغير الله ، والنذر لغير الله ، والاستعاذة بغير الله ، والعبادة عند القبور.
وهى أمور موافقة لمبادىء الاسلام ، مؤكدة له ، وغير جديدة. أما تجديد الدعوة آنذاك إلى التمسك بها فيعنى أن المجتمع الذى نشأ فيه الشيخ كان قد خرج عليها، أو أنه لم يعد متمسكا بها. وفى هذا يقول معاصروه الذين ترجموا له إن "دعوته" جاءت بعد أن قرأ العلم ورأى "كثرة جهل الناس بدين نبيهم" وأنه رأى الناس فى العراق "مفتونون فى حب الدنيا، ورآهم فى المدينة مفتونون فى عبادة الأوثان. وعندما وصلت أنباء دعوته إلى المدينة المنورة قال أستاذه الشيخ محمد بن سليمان الكردى"أنه شاذ عن السواد الأعظم". وكان أسلوبه في الدعوة يقوم على أخذ العهود والمواثيق علي الناس لإقامة الدين.
ويذهب بعض الدارسين إلى القول بأن "الوهابية" تتشابه مع ما سبق أن نادى به ابن تيمية فى بلاد الشام قبل ذلك بأربعة قرون (الشيخ تقى الدين أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام بن تيمية الحرانى (661-728هـ/1263-1328م) الذى قال: إن الشهادتين وحدهما لا تكفيان ما لم يلتزم قائلهما بالشرائع والواجبات ، واعترض على المقامات والأنصاب ، وعلى زيارة قبور الأنبياء والصالحين. وقد أثارت أراء ابن تيمية قلقا فى نفوس العلماء والحكام فى مصر والشام والعراق تحت حكم المماليك وانتهى أمره بالسجن حتى وفاته.
أما الشيخ محمد بن عبدالوهاب فلم يواجه حكومة مركزية شأن ابن تيمية،فالجزيرة العربية آنذاك كانت مجموعة من الإمارات المتناثرة ولا تخضع لسلطة مركزية.
وكانت الإحساء والمناطق الشرقية من الجزيرة ميدانا مثاليا لنشر أفكاره ، فأهل السنة فيها يشكلون أقلية، ويشكل الشيعة والخوارج أغلبية، فضلا عن الإباضية في عمان ، والنجديون حنابلة، وبالتالى كان أولئك جميعا أقرب من غيرهم إلى أراء الشيخ.
وأما أهل الحجاز فهم من الشوافع الذين يرون فى أنفسهم أكثر تفهما للدين وأقدر على تفسير أحكامه.
ولقد واجه الشيخ محمد بن عبدالوهاب مصاعب فى نشرأفكاره فى حريملاء التى كان بها عند وفاة والده ، وفى العيينة التى اضطر أميرها عثمان بن معمر إلى إخراجه منها امتثالا لأمير الإحساء (سليمان بن محمد) الذى هدده بقطع الخراج عنه.
وذهب لاجئا إلى الدرعية فى ضيافة الأمير محمد ابن سعود، وسرعان ما تفاهما، إذ قال الأمير للشيخ "أبشر ببلاد خير من بلادك وأبشر بالعزة والمنعة". وقال الشيخ للأمير "وأنا أبشرك بالعزة والتمكين". وأصبحت الدرعية دار هجرة لأتباع الشيخ الذين هاجروا إليها. وقبل الشيخ بسلطة الأمير، واحتفظ لنفسه بمقام دينى، وأعطاه حق تقديم نصائح ملزمة للأمير الحاكم ، حتى بدا أن سلطة الشيخ تعلو سلطة الأمير. وهكذا نشأ الإطار السياسى للوهابية. وقد أوفى آل سعود بالعهد لآل الشيخ ولم يتغير تقديرهم لهم على مر السنين إذ احتل آل الشيخ المراكز الرئيسية فى الإفتاء والتعليم فضلا عن رابطة النسب فيما بينهم.
وقد كان الأمير عبدالعزيز بن محمد آل سعود -الحاكم الثانى للدولة السعودية الأولى (1158-1233هـ/1745-1818م)- أقرب آل سعود إلى قلب الشيخ ، وأكثرهم تمسكا بمبادئه وتقيدا بنصائحه ، وهو الذى جعل للشيخ المقام الأول فى الدولة. وعلى هذا نشأ تلازم بين "الوهابية" و"السعودية"، وأصبح المصطلحان وجهين لعملة واحدة، فبفضل الوهابية أقام آل سعود دولتهم الأولى التى شملت جبال شمر (1790م) ، والإحساء (1791م)، وساحل عمان وقطر والبحرين (1799م)، والحجاز وعسير(1802م) وهددت المناطق الجنوبية فى بلاد الشام حتى حوران ، والمناطق الجنوبية الشرقية من العراق. ومن هنا بدأ العالم خارج الجزيرة العربية يسمع عن "الوهابية"، وصار التدخل العثمانى أمرا محتوما فكان ما كان من حملة محمد على باشا والى مصر العثمانى التى حطمت الدرعية وأخرجت آل سعود من أغلب الحجاز (1811-1818م).
ثم أعيدت دولة آل سعود مرة ثانية ثم مرة ثالثة على يد الملك عبدالعزيز فى ثلاثينات القرن العشرين.
ولما كانت "الوهابية" تمثل مرجعية لشرعية وجود آل سعود فى الحكم ، فقد حافظوا عليها ، واندفعوا بها ، وحددوا علاقاتهم بالآخرين على أساسها حتى ولو اضطروا لاستخدام العنف فى سبيل إقرارها. وهو أمر صدم ضمير عامة المسلمين الذين يعتبرون أنفسهم "حسنى الإسلام"، إذ حمل الوهابيون أكثر الأمور الدينية على ظاهرها، فبدا المذهب وكأنه حركة للاحتجاج والإثارة لا للهداية والتقويم.
أ.د/عاصم أحمد الدسوقى
__________
مراجع الاستزادة:
1- ابن بشر (عثمان)، عنوان المجد فى تاريخ نجد، ط1 ، القاهرة 1373هـ.
2- تاريخ بعض الحوادث الواقعة فى نجد لابن عيسى، إبراهيم بن صالح 700هـ/1300-1340هـ/1918 (والمنشور خاص بالقرن التاسع عشر).
3- روضة الأفكار والأفهام لمرتاد حال الإمام وتعداد غزوات ذوى الإسلام ، ابن غنام (حسين) جزأن ، القاهرة 1949.
4- كيف كان ظهور شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب ، مؤلف مجهول ، حقق المخطوط ونشره د/عبد الله صالح العيثمين ، دار الملك عبد العزيز ، الرياض 1403هـ/1983م.
5- لمع الشهاب فى سيرة محمد بن عبدالوهاب ، مؤلف مجهول ، نشره د/أحمد أبو حاكمة ، بيروت 1967م.
6- الدولة السعودية الأولى، عبد الرحيم عبد الرحمن ، 1745-1818م ، القاهرة 1969.
7- عبدالله على القصيم ، الثورة الوهابية، القاهرة 1936م.
8- آثار الدعوة الوهابية فى الإصلاح الدينى والعمرانى فى جزيرة العرب ، محمد حامد الفقى ، القاهرة 1354هـ.
9- الوهابيون والحجاز، محمد رشيد رضا ، القاهرة 1925م(1/314)
اليهودية
ينسب اليهود إلى يهوذا، أحد أولاد يعقوب الاثنى عشر (الأسباط فى القرآن الكريم) ويعقوب هو إسرائيل. ثم أصبحت كلمة يهودى تطلق على كل من يدين باليهودية.
وكان يعقوب (إسرائيل) قد هاجر هو وعشيرته من أرض كنعان (فلسطين وما إليها) إلى مصر حوألى القرن 17 ق.م ، وكان عددهم سبعين نفسا، تحت ضغط المجاعة والجفاف (سفر التكوين ، إصحاح 46 فقرة 27) واستقبلهم يوسف أحد أبنائه وكان "وزيرا" لدى فرعون مصر، فأكرم وفادتهم ،وأقاموا فى ناحية جاسان (وادى الطميلات بالشرقية) (التكوين ، إصحاح 47 فقرة 11). وخلال ما يقرب من أربعة قرون من إقامتهم فى مصر انقسم بنو إسرائيل (يعقوب) إلى اثنتى عشرة قبيلة كل منها نسبة إلى واحد من الأسباط الاثنا عشر. وعندما بعث موسى برسالة التوحيد إلى بنى إسرائيل وفرعون مصر وقومه ق 14-13 قبل الميلاد تقريبا، آمن بها إسرائيل إلا قليلا منهم. وهنا نشأت الديانة اليهودية. وكان لابد من الصدام مع فرعون وقومه ، فخرج بنو إسرائيل من مصر (البقرة 49،50) ، (طه 77-88) (إصحاح 13-14 من سفرالخروج) حوالي 1280 ق.م فى عهد فرعون مصر رمسيس الثانى على ما يرجح.
وبعد خروج اليهود من مصر الفرعونية إلى الصحراء (سيناء)، أغاروا بقيادة يوشع (خليفة موسى) على أرض كنعان ، واستقروا بها. وبعد وفاة سليمان انقسمت مملكة داود (أسسها عام 990 ق.م) إلى مملكتين: إسرائيل فى الشمال ، ومملكة يهودا فى الجنوب (922 ق.م)، ونشبت بينهما حروب طويلة إلى أن دهمهم بختنصر ملك بابل حين أغار على فلسطين مرتين فى 596، 587 ق.م ، وأخذ عددا كبيرا منهم إلي بابل ، وظلوا هناك حوالى خمسين عاما تعرف فى تاريخ اليهود بالأسر البابلى. فلما تغلب كورش ملك الفرس على البابليين (538ق.م)، أطلق سراح الأسرى الذين عادوا إلى فلسطين ولكن دون دولة، إذ خضعوا للفرس ، ومن بعدهم لخلفاء الإسكندر المقدونى (انطيوخوس)، ثم إلي الرومان. وفى تلك الأثناء ترك عدد منهم فلسطين إلى جهات مختلفة فى آسيا وأوربا.
وفى عام 135م أخمد الرومان فى عهد الإمبراطور هدريان ثورة قام بها اليهود فى فلسطين هدم على أثرها هيكل سليمان ،وأخرج اليهود من فلسطين وكان عددهم حوالى خمسين ألفا ، وبدأت رحلة الشتات الكبير Diaspora.
وقبل الشتات الكبير كان اليهود الذين غادروا فلسطين إلى أوروبا استوطنوا حوض نهر الراين الشمالى والأوسط ، واجتهدوا فى نشر اليهودية بين الوثنيين هناك بين الجرمان والسلاف. وبعد الشتات انتشروا فى افاق كثيرة بين أجناس مختلفة فى فارس وتركستان والهند والصين عن طريق القوقاز، وفى العراق ومصر وبرقة وشمال إفريقية، وشبه جزيرة إيبريا (اسبانيا والبرتغال) والجزيرة العربية حتى اليمن ، والحبشة، وفيما بعد فى أجزاء من إفريقيا السوداء.
وقد أدى هذا إلى اعتناق عناصر وسلالات بشرية كثيرة لليهودية. وهذا التعدد العنصرى فى حد ذاته ينفى مقولة: إن اليهودية قومية،كما ينفى أيضا مقولة "معاداة السامية" التى يشهرها اليهود كلما وقعوا فى كارثة، لأن انتشار اليهودية على ذلك النحو أوجد أجيالا تدين باليهودية ولكن ليسوا من الساميين أصلا.
وفى المجتمعات التى عاش فيها اليهود قبل الشتات الكبير وبعده ، كانوا على هامش المجتمع بسبب اختلاف عقيدتهم عن الآخرين ، ومن هنا كانوا دوما أقلية منعزلة ذاتيا تعيش فى مكان خاص (حارة-جيتو)، ولم يتبوأوا مراكز الحكم ،فانصرفوا إلى النشاط الاقتصادى وسيطروا على أسواق المال والتجارة. ولما بدأ عصر الدولة القومية فى القرن التاسع عشر، بدأ يهود القارة الأوروبية التفكير فى وطن خاص يجمعهم وينقلهم من هامش المجتمعات التى يعيشون فيها ليصبحوا قوة مركزية، وهو الأمرالذى تم فى عام 1948 بعد تكوين المنظمة الصهيونية العالمية بمقتضى مؤتمر بازل فى 1897.
ولليهود تسع وثلاثون سفرا من أسفارهم معتمدة يطلق عليه "العهد القديم" وهى أربعة أقسام: (1) التكوين ويختص بتاريخ العالم ، (2) والخروج ويختص ببنى إسرائيل فى مصروخروجهم منها،(3)والتثنية ويختص بأحكام الشريعة اليهودية، وسفر اللاويين ويختص بشؤون العبادات ، (4)
وسفر العدد ويختص بإحصاء اليهود لقبائلهم وجيوشهم وأموالهم. أما القسم الثانى من العهد القديم فيتكون من اثنى عشر سفرا خاصة بتاريخ بنى إسرائيل بعد استيلائهم على أرض كنعان ، والقسم الثالث من خمسة أسفار تختص بالأناشيد والعظات ، والرابع من سبعة عشرسفرا كل منها يختص بتاريخ نبى من أنبيائهم بعد موسى. أما التلمود فهو مجموعة شروح للشرائع المنقولة شفاهة عن موسى وتلمودان: واحد تم تدوينه فى فلسطين ، والثانى كتب فى بابل.
وأنقسم اليهود إلى أكثرمن فرقة اختلفت فيما بينها حول الأخذ بأسفار العهد القديم والأحاديث الشفوية لموسى أوإنكار بعضها.
وأهم هذه الفرق خمس فرق: الفريسيون (الربانيون)، الصدوقيون ، والسامريون ،و الحسديون (المشفقون) ، والقراءون (الكتابيون المتمسكون بالأسفار ويعرفون أيضا بالعنانيين نسبة إلى مؤسسها عنان بن داود). ولم يبق من هذه الفرق إلا الربانيون و القراءون وبينهما اختلافات شديدة حول الطقوس والشرائع والمعاملات. أما اليهود المعاصرون فينقسمون بين سفارديم وهم اليهود الشرقيون بما فيهم ذوى الأصول العربية والأسبان والبلقان ،و أشكنازيم وهم اليهود الغربيون.
أ.د/عاصم أحمد الدسوقى
__________
مراجع الاستزادة:
1- مقارنة الأديان (اليهودية) أحمد شلبى، القاهرة 1982م.
2- اليهود انثروبولوجيا د/جمال حمدان ، القاهرة 1967م.
3- الفكر الدينى الإسرائيلى. حسن ظاظا ، القاهرة 1971م.
4- اليهودية واليهود ، على عبد الواحد وافى، القاهرة 1981م.
5- الاستعمار والمذاهب الاستعمارية محمد عوض محمد ط4 القاهرة 1957م(1/315)