سلسلة جامع المفاتح (3)
مفاتح النصر
على أعداء الله و أعداء رسوله
صلى الله عليه وسلم
? ??????? ?????????? ?????????? ????????????? ?????????? ? ???????????? ???????????? ????????? ???????? ???????????????? ???? ?
[سورة غافر:الآية 51]
محمد بن علي بن عثمان آل مجاهد
حقوق الطبع محفوظة لكل مسلم
الطبعة الأولى
1427هـ ـ 2006م
5
?????????????????????????????????????????
... الحَمْدُ لله عَدَدَ مَا أَحْصى كِتَابُهُ، والحَمْدُ الله عَدَدَ مَا فِي كِتَابِهِ، والحَمْدُ لله عَدَدَ مَا أَحْصى خَلْقُهُ، والحَمْدُ لله مِلْءَ مَا فِي خَلْقِهِ، والحَمْدُ لله مِلْءَ سَمَاوَاتِهِ وَأَرْضِهِ، والحَمْدُ لله عَدَد كُلِّ شَيءٍ، والحَمْدُ لله عَلى كُلِّ شَيءٍ. الحَمْد لله الذي عَلا فَقَهَرَ، وبَطَنَ فَخَبَرَ، ومَلَكَ فَقَدَّرَ، الحَمْدُ لله الذي يُحْيِي وَيُمِيتُ، وهُوَ عَلى كُل شَيءٍ قَدِيرٌ، الحمد لله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار ، الحمد لله حق حمده، الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا أن يحمد وينبغي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم - .
لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ أَعَزَّ جُنْدَهُ ، وَصَدَقَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ ، وَغَلَبَ وهزم الأَحْزَابَ وَحْدَهُ فَلاَ شَيْءَ بَعْدَهُ .
... والصلاة والسلام على خاتم أنبياء الله ، وسيد رسله سيدنا ونبينا محمد النبي الأمين وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته صلاة دائمة بدوام ملك الله أما بعد:(1/1)
تداعت علينا الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها وذلك كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة على قصعتها، قال: قلنا: يا رسول الله ، أمِنْ قلة بنا يومئذٍ؟ قال: أنتم يومئذٍ كثير ولكن تكونون غثاء كغثاء السيل ، ينتزع المهابة من قلوب عدوّكم ، ويجعل في قلوبكم الوهن ، قال : قلنا: وما الوهن؟ قال : حبُّ الحياة، وكراهية الموت ». (1)
... فما المخرج لهذا كيف تستطيع الأمة أن تنهض وتنزع هذا الوهن ؟ والإجابة تجدها عزيزي القارئ عند تصفحك لهذا الكتاب في مفاتح النصر والتي بين أيدينا وما علينا إلا أن نستخدم هذه المفاتح ليتحقق لنا نصر الله والذي وَعَدَّ في كتابه العزيز وفي سنة حبيبه محمد - صلى الله عليه وسلم - .
العبد الفقير إلى الله
خادم القرآن والسنة
محمد علي عثمان مجاهد
ــــــــــــــــ
(1) أخرجه أحمد في المسند حديث رقم :22019، ومن حديث ثوبان مولى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم .
6
المفتح الأول
الإيمان
هذا المفتح أهم مفتح من مفاتح النصر وبدونه لا تعمل بقية المفاتح فمثلاً رجل غير مؤمن وقام مثلاً بأحد أفعال الإيمان وهو إماطة الأذى ، وهو من الأفعال الإيمانية ، وبسببها دخل رجل مؤمن الجنة ، فالرجل الغير مؤمن يصبح رصيده صفر وذلك مع إتيانه بنفس الفعل . وكذلك في بقية الأعمال لا تصلح بغير هذا المفتح الهام وهو سيد المفاتح .
وما من مفتح من مفاتح النصر إلا وهو داخل ضمنه وتحت لواءه.
الدليل من التنز يل:(1/2)
- قال تعالى : ? ?????????? ??????????????? ?????? ?????? ???????????????? ??????????? ??????? ????????? ?????? ?????? ??????????????? ??? ???? ????????? ????????? ?????????? ??????????? ??????? ????????? ?????????????? ????? ????????? ????????? ?????? ?????? ???????????????? ??? ???????????????? ?????????? ?????????? ???? ???????????? ?????? ?????????? ?????????? ????? ??????? ???????? ???? ???????????? ?????????? ????????????? ???????????????? ? ??????? ?????? ???????????????? ??????????????? ????????? ??????? ??????? ???? ??????? ????????????? ???? ?????????? ?????? ???????????? ??????????????? ????????? ???????? ??? ????????? ??????????????? ???????????? ?????????? ? ????????? ???????? ??????? ?????????? ???????????? ???? ??????????? ???????????????? ??????? ????? ?????? ????????? ????????? ????????? ??????????????? ???? ??????????????? ?????????? ?????????? ??????????? ????????? ?????? ????? ?????? ?????? ??????? ????????? ???????????????????? ???? ???????????? ?????? ??????? ?????? ??????????????????? ???????? ????????? ??????? ????????????? ???????????? ????? ?????? ?????????????? ????????? ????????????? ????????????????? ?????????? ??????????? ?????? ??????????? ??????????????? ???????????? ???? ? (1)
- وقال تعالى : ? ??????? ?????????? ?????????? ????????????? ?????????? ? ???????????? ???????????? ????????? ???????? ???????????????? ???? ? (2)
ـــــــــــــــــــــ
(1) [ سورة الصف:8-14]
(2) [ سورة غافر:الآية 51]
7(1/3)
- قال تعالى : ? ???????? ????????????? ??? ?????????? ?????? ??????? ???????????? ????????????? ???????????????????? ???????????????? ???? ?????????? ??????????????? ??????? ??????? ?????????? ??????? ???????????????? ??(1)
- وقال تعالى : ? ? ?????? ?????? ??????????? ???? ?????????? ???????????? ?????? ?????? ??? ???????? ????? ???????? ??????? ???? ??(2)
والإيمان في اللغة : التصديق .
والإيمان في الشرع : هو التصديق بكل ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - مما عُلم مجيئه من الدين بالضرورة .
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « الإيمان بضع وسبعون شعبة ، والحياء شعبة من الإيمان». (2)
والبِضْعُ : في العدد بكسر الباء وبعض العرب يفتحها ما بين الثلاث والتسع.
هذا الحديث من الأحاديث العظيمة والتي عليها مدار الإسلام وقد قام الإمام البيهقي وغيره من الأئمة مثل الإمام أبي حاتم بن حبان ـ رحمهما الله ـ بتتبع هذا الحديث في القرآن والسنة وقال أبو حاتم ـ رحمه الله : والخبر في بضع وسبعين خبر متقصى صحيح لا ارتياب في ثبوته وأما البضع ، فهو اسم يقع على أحد أجزاء الأعداد ، لأن الحساب بناؤه على ثلاثة أشياء :على الأعداد ، والفصول ، والتركيب، فالأعداد من الواحد إلى التسعة ، والفصول هي العشرات والمئات والألوف ، والتركيب ما عدا ما ذكرنا . وقد تتبعت معنى الخبر مدة ، وذلك أنً مذهبنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يتكلم قط إلا بفائدة ، ولا من سنته شيء لا يعلم معناه ، فجعلت أعد الطاعات من الإيمان ، فإذا هي تزيد على هذا العدد شيئاً كثيراً. فرجعت إلى السنن ، فعددت كل طاعة عدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الإيمان ، فإذا هي تنقص من البضع والسبعين ، فرجعت إلى ما بين الدفتين من كلام ربنا،
ــــــــــــــ
(1) [ سورة الروم:الآية 47]
(2) [ سورة الحج:الآية 38]
((1/4)
2) أخرجه مسلم كتاب : الايمان باب : بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها وفضيلة الحياء وكونه من الإيمان رقم الحديث :151 ج2 ص194 واللفظ له ، وأخرجه ابن ماجه في سننه حديث 57 ص22 باب الإيمان وهذا الحديث ورد بألفاظ عدة فمنها :الإيمان بضع وسبعون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شُعبة من الإيمان وخرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة والطبراني في أوسطه ، ومنها : الإيمان بضع وستون شعبة والحياء من الإيمان ،أخرجه البخاري وابن حبان في صحيحيهما ، وقد قال الحفاظ أن الرواية الصحيحة : بضعٌ وسبعون شعبة من غير أو للشك .
8
وتلوته آية آية بالتدبر ، وعددت كل طاعة عدها الله ـ جل وعلا ـ من الإيمان ، فإذا هي تنقص عن البضع والسبعين ، فضممت الكتاب إلى السنن ، وأسقطت المعاد منها فإذا كل شيء عده الله ـ جل وعلا ـ من الإيمان في كتابه ، وكل طاعة جعلها الله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الإيمان في سننه تسع وسبعون شعبة لا يزيد عليها ولا ينقص منها شيء ، فعلمت أن مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في الخبر أن الإيمان بضع وسبعون شعبة في الكتاب والسنن .(1/5)
والدليل على أنً الإيمان أجزاء بشعب ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في خبر عبد الله بن دينار : «الإيمان بضع وسبعون شعبة : أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله » فذكر جزءاً من أجزاء شعبه ، هي كلها فرض على المخاطبين في جميع الأحوال، لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يقل : وأني رسول الله ، والإيمان بملائكته وكتبه ورسله والجنًة والنار وما يشبه هذا من أجزاء هذا الشعبة ، واقتصر على ذكر جزء واحد منها حيث قال : «أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله » فدل هذا على أن سائر الأجزاء من هذه الشعبة كلها من الإيمان ، ثم عطف ، فقال : « وأدناها إماطة الأذى عن الطريق » فذكر جزءاً من أجزاء شعبه هي نفل كلها للمخاطبين في كل الأوقات، فدل ذلك على أن سائر الأجزاء التي هي من هذه الشعبة وكل جزء من أجزاء الشعب التي هي من بين الجزئين المذكورين في هذا الخبر اللذين هما من أعلى الإيمان وأدناه كله من الإيمان . وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - :« الحياء شعبة من الإيمان» ، فهو لفظة أطلقت على شيء بكناية سببه ، وذلك أن الحياء جبلة في الإنسان ، فمن الناس من يكثر فيه ، ومنهم من يقل ذلك فيه ، وهذا دليل صحيح على زيادة الإيمان ونقصانه ، لأن الناس ليسوا كلهم على مرتبة واحدة في الحياء . فلما استحال استواؤهم على مرتبة واحدة فيه ، صح أن من وجد فيه أكثر ، كان إيمانه أزيد ، ومن وجد فيه منه أقل ، كان إيمانه أنقص . والحياء في نفسه : هو الشيء الحائل بين المرء وبين ما يباعده من ربه عن المحظورات ، فكأنه - صلى الله عليه وسلم - ترك المحظورات شعبة من الإيمان بإطلاق اسم الحياء عليه على ما ذكرناه»
9
ولقد عدها الإمام البهيقي ـ رحمه الله ـ سبعاً وسبعين شُعبة وهي:
(1) الإيمان بالله عز وجل.
(2) الإيمان برسل الله ـ صلوات الله عليهم ـ عامة.
(3) الإيمان بالملائكة.
((1/6)
4) الإيمان بالقرآن المنزل على نبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسائر الكتب المنزلة على الأنبياء ـ صلوات الله عليهم ـ أجمعين .
(5) القدر خيره وشره .
(6) الإيمان باليوم الآخر.
(7) الإيمان بالبعث والنشور.
(8) الإيمان بحشر الناس بعدما يبعثون من قبورهم.
(9) الإيمان بأن دار المؤمنين ومأواهم الجنة والكافرين ومأواهم النار.
(10) محبة الله عز وجل .
(11) الخوف من الله تعالى.
(12) الرجاء .
(13) التوكل على الله .
(14) حب النبي ـ صلى الله عليه وسلم .
(15) تعظيم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإجلاله وتوقيره . وهذه منزلة فوق الحب لأنه ليس كل محب معظماً إلا أن الوالد يحب ولده و لكن حبه إياه يدعوه إلى تكريمه ولا يدعوه إلى تعظيمة و الولد محب والده أجمع له بين التكريم و التعظيم و السيد قد يحب ممالكيه و لكن لا يعظمهم والمماليك يحبون ساداتهم و يعظمونهم . فعلمنا بذلك أن التعظيم رتبة فوق المحبة .
(16) شح المرء بدينه حتى يكون القذف في النار أحب إليه من الكفر.
(17) طلب العلم.
10
(18) نشر العلم وعدم كتمانه.
(19) تعظيم القرآن . ومنها تعلمه والمداومة على تلاوته وحضور القلب والتفكر فيه وتحريم ما حرمه الله فيه وإحلال حلاله .
(20) الطهارات ومنها الوضوء.
(21) الصلوات والمحافظة عليها.
(22) الزكاة.
(23) الصوم.
(24) الاعتكاف.
(25) مناسك الحج.
(26) الجهاد.
(27) المرابطة في سبيل الله عز وجل.
(28) الثبات للعدو وترك الفرار من الزحف.
(29) أداء خُمْس المغنم إلى الإمام أو عامله على الفاتحين.
(30) العتق والتقرب إلى الله به.
(31) الكفارات الواجبات بالجنايات. وهي أربعة : كفارة القتل والصوم والظهار وحلف اليمين.
(32) الوفاء بالعقود.
(33) حفظ اللسان.
(34) تعديد نعمة الله ووجوب شكرها.
(35) الأمانات ويجب أداها إلى أهلها.
(36) تحريم النفوس والجنايات عليها.
(37) تحريم الفروج وما يجب من التعفف عنها .
((1/7)
38) قبض اليد عن الأموال المحرمة ويدخل فيه السرقة وقطع الطريق.
11
(39) المطاعم والمشارب وما يجب التورع عنه مثل الدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والخمر والمخدرات بأنواعها.
(40) الملابس والزي والأواني وما يكره منها.
(41) تحريم الملاعب والملاهي يدخل في ذلك الغناء الماجن المثير للشهوات والغرائز ـ والذي انتشر في عصرنا الحالي كما تنتشر النار في الهشيم.
(42) الإقتصاد في النفقة وتحريم أكل المال بالباطل.
(43) الحث على ترك الغل والحسد.
(44) تحريم أعراض الناس ومنها قذف المحصنات الغافلات.
(45) إخلاص العمل لله وترك الرياء.
(46) السرور بالحسنة والاغتمام بالسيئة.
(47) معالجة كل ذنب بالتوبة.
(48) الهدي والأضحية وما يُقَدَمُ من قربات إلى الله تعالى .
(49) طاعة أولي الأمر في غير معصية الخالق.
(50) التمسك بما عليه الجماعة .
(51) الحكم بين الناس بالعدل.
(52) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
(53) التعاون على البر والتقوى وعدم التعاون على الإثم والعدوان.
(54) الحياء.
(55) بر الوالدين.
(56) صلة الأرحام.
(57) حُسن الخُلق.
(58) الإحسان إلى المماليك ويدخل فيه الآن الخادم والخادمة.
(59) حق السادة على المماليك أو من يقوم بخدمتهم.
12
(60) حقوق الأولاد والأهلين وهي قيام الرجل على أهله وولده وتعليمه إياهم أمور دينهم والقيام على ما يحتاجون إليه.
(61) مقاربة أهل الدين وموادتهم وإفشاء السلام بينهم.
(62) رد السلام.
(63) عيادة المريض.
(64) الصلاة على من مات من أهل القبلة.
(65) تشميت العاطس .
(66) مباعدة الكفار والمفسدين والغلظة عليهم.
(67) إكرام الجار .
(68) إكرام الضيف.
(69) الستر على أصحاب القروف.
(70) الصبر على المصائب.
(71) الزهد.
(72) الغيرة.
(73) الإعراض عن اللغو.
(74) الجود والسخاء.
(75) رحم الصغيروتوقير الكبير.
((1/8)
76) الإصلاح بين الناس إذا مرجوا وفسدت ذات بينهم إما لدم أريق وإما لمال أُصيب لبعضهم وإما لتنافس وقع بينهم أو غير ذلك من الأسباب التي تفسد الأخوة وتقطع المودة.
(77) أن يحب الرجل لأخيه المسلم ما يُحِبُ لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه ويدخل فيه إماطة الأذى عن الطريق.
13
لا تؤمنوا حتى تحبوا :
فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : « قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة (1) حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أو لا أدلكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم » (2)
علامة الإيمان:
حُب الأنصار آية الإيمان وبغضهم آية النفاق فعن أنس ـ رضي الله عنه ـ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « آية الإيمان حُب الأنصار وآية النفاق بُغض الأنصار » (3)
فإن من علم ما قامت به الأنصار من نصر الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - من أول الأمر وكان محباً لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - أحبهم قطعاً فيكون حبه لهم علامة الإيمان الذي في قلبه ومن أبغضهم لم يكن في قلبه الإيمان الذي أوجبه الله عليه .
خصال تُكَمِلُ الإيمان:
ولا يكون الإيمان كاملاً إلا بحب الله وحب رسوله - صلى الله عليه وسلم - فعن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يُحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يُقذَفُ في النارِ»(4).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : « أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « فو الذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده» (5)..
الإيمان يزيد وينقص :
وزيادة الإيمان قد نطق بها القرآن في عدة آيات كقوله تعالى :(1/9)
? ????????? ??????????????? ?????????? ?????? ?????? ?????? ???????? ????????????? ???????? ????????? ?????????? ????????????? ???????????? ???????????? ???????? ?????????? ??????????????? ??? ? (6).
ــــــــــــــــ
(1) لا تدخلوا الجنة نفي لا نهي ، أفشوا السلام أي أظهروه والمراد نشر السلام بين الناس .
(2) رواه بن ماجة حديث 68 ج1 ص26 باب الإيمان.
(3) رواه البخاري باب الإيمان.
(4) أخرجه البخاري باب : حلاوة الإيمان الجزء الأول دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ـ لبنان.
(5) أخرجه البخاري باب : حب الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الإيمان.
(6) [ سورة الأنفال :الآية 2].
14
وهذه زيادة إذا تُلِيَت عليهم الآيات أي وقت تلاوتها ليس هو تصديقهم بها عند النزول وهذا أمر يجده المؤمن إذا تُليت عليه الآيات زاد في قلبه بفهم القرآن ومعرفة معانيه من علم الإيمان ما لم يكن حتى أنه لم يسمع الآية إلا حينئذ ويحصل في قلبه من الرغبة في الخير والرهبة من الشر ما لم يكن فزاد علمه بالله ومحبته لطاعته وهذا زيادة الإيمان .
وهناك زيادة أخرى وهي زيادة عند تخويف المؤمنون بالعدو فهذه الزيادة لم تكن عند آية نزلت وإنما كانت يقيناً وتوكلاً على الله وثباتاً على الجهاد وتوحيداً بألا يخافوا المخلوق بل يخافون الخالق وحده قال تعالى : ? ?????????? ?????? ?????? ????????? ?????? ????????? ?????? ????????? ?????? ????????????????? ???????????? ????????????? ???????????? ??????????? ?????? ???????? ??????????? ????? ? (1).(1/10)
وهناك زيادة ليست مجرد التصديق بأن الله أنزلها بل زيادة الإيمان بحسب مُقتضى الآية فإن كانت أمراً بالجهاد أو غيره ازدادوا رغبة وإن كانت نهياً عن شيءٍ انتهوا عنه فكرهوه قال تعالى : ? ???????? ???? ?????????? ??????? ?????????? ???? ???????? ??????????? ?????????? ?????????? ????????????? ?????????? ??????????? ?????????? ??????????????? ???????????? ?????? ????????????????? ????? ? .(2).
كما أن السكينة موجبة لزيادة الإيمان قال تعالى :
? ???? ????????? ???????? ????????????? ? ????????? ??????????????? ??????????????? ???????????? ????? ???????????????? ? (3).
وهذه نزلت لما رجع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من الحديبية فجعل السكينة موجبة لزيادة الإيمان ، والسكينة طمأنينة في القلب غير علم القلب وتصديقه.
ــــــــــــــــ
(1) [ سورة آل عمران:الآية 173]..
(2) [ سورة التوبة:الآية 124].
(3) [ سورة الفتح:من الآية 4]
15
ومن الأحاديث النبوية التي وردت في زيادة ونقص الإيمان الحديث الذي رواه ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : « قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خَلَّص الله المؤمنين من النار وأمنوا فما مجادلة أحدكم لصاحبه في الحق يكون له في الدنيا أشد مجادلة من المؤمنين لربهم في إخوانهم الذين أُدخِلوا النار يقولون: « ربنا إخواننا كانوا يُصلون معنا ويصومون معنا ويحجون معنا فأدخلتهم النار».فيقول : « اذهبوا فأَخْرِجُوا من عرفتم منهم» فيأتونهم فيعرفونهم بصورهم لا تأكل النار صُوَرهم فمنهم من أخذته النار إلى أنصاف ساقيه ومنهم من أخذته إلى كعبيه فيُخْرِجونهم فيقولون : « ربنا أَخْرجنا من قد أمرتنا » ثم يقول : « أخرجوا من كان في قلبه وزن دينار من الإيمان ثم من كان في قلبه نصف دينار ثم من كان في قلبه مثقال حبة من خردل » قال أبو سعيد : « فمن لم يصدق فليقرأ :(1/11)
? ?????? ?????? ??? ????????? ?????????? ???????? ?????? ????? ?????????? ?????????????? ????????? ??? ??????????? ????????? ????????? ???? ? (1). » (2).
وهذه الزيادة أثبتها الصحابة بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - ونزول القرآن كله .
وصح عن عمار بن ياسر - رضي الله عنه - أنه قال : « ثلاث من كن فيه فقد استكمل الإيمان : الإنصاف من نفسه ، والإنفاق من الإقتار وبَذْلك السلام للعالم ». ذكره البخاري في صحيحه.
وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول لأصحابه : « هلموا نزداد إيماناً فيذكرون الله عز وجل وكان ابن مسعود - رضي الله عنه - يقول في دعائه : « اللهم زدنا إيماناً ويقيناً وفقهاً». وعن شريح بن عبيد أن عبد الله بن رواحة - رضي الله عنه - كان يأخذ بيد الرجل من أصحابه فيقول : « قم بنا نؤمن ساعة فنجلس في مجلس ذكر »
ـــــــــــ
(1) [ سورة النساء:الآية40]
(2) أخرجه ابن ماجه باب الإيمان حديث رقم 60 الجزء الأول.
16
وقال أبو عبيد في الغريب في حديث علي - رضي الله عنه - : « إن الإيمان يبدو كلمظة في القلب كلما ازداد الإيمان ازدادت اللمظة »(1)..
واللمظة : مثل النكته أو نحوها .
الإيمان قول وعمل:
ويجب أن يُعْلَمُ أن الإيمان قولٌ وعمل وقال الحسن البصري ـ رحمه الله: « ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكنه ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال»(2)..
vvv
ـــــــــــــــــ
(1) هذه الأثار وغيرها ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ في كتاب الإيمان فصل في الإيمان يزيد وينقص وذكر مصادرها ص167 ، 168. المكتبة القيمة ـ القاهرة.
(2) نفس المرجع السابق..
17
المفتح الثاني
التوحيد
الدليل من التنزيل :(1/12)
? ??????? ?????????? ??????????????? ?????????????? ??????????? ???????? ?????? ?????? ??????????? ????????? ???? ?????????? ???????????? ??? ???????????? ??????????? ????? ???????? ???? ??????????? ?????????? ??????? ????????? ???????? ?????? ?????????? ?????????? ????????? ????????????? ????????? ????????? ??????????? ????????????? ????????? ?????? ??????? ?????? ????????? ?????????????? ?????? ??? ????????????? ?????? ?????? ????????? ??????? ???? ?????????? ???? ???????????????? ? ??????????? ???????????? ????????????? ???????????? ????????????? ???????????? ???????????????? ??????????? ???? ???????????? ????????? ?????????? ??????????? ???? ? (1)
قال العلامة السعدي ـ رحمه الله في تفسيره :
« كان المسلمون في أول الإسلام ، ممنوعين من قتال الكفار، ومأمورين بالصبر عليهم ، لحكمة إلهية. فلما هاجروا إلى المدينة ، وحصل لهم منعة وقوة، أُذن لهم بالقتال ، كما قال تعالى: {??????? ?????????? ??????????????? } يُفْهُمُ منه أنهم كانوا قَبْلَ ممنوعين، فأُذِنَ الله لهم بقتال الذين يقاتلونهم، وإنما أَذن لهم، لأنهم ظلموا، بمنعهم من دينهم، وأذيتهم عليه، وإخراجهم من ديارهم. {???????? ?????? ?????? ??????????? ????????? } فليستنصروه، وليستعينوا به.
ثم ذكر صفة ظلمهم فقال: {?????????? ???????????? ??? ???????????? } أي:أُلْجِؤوا إلى الخروج، بالأذية والفتنة {??????????? ????? ???????? } أن ذنبهم الذي نقم منهم أعداؤهم {? ???? ??????????? ?????????? ??????? } أي: إلا لأنهم وحَّدوا الله ، وعبدوه مخلصين له الدين، فإن كان هذا ذنباً، فهو ذنبهم كقوله تعالى:{ ????? ?????????? ???????? ???????? ???? ???????????? ???????? ??????????? ??????????? } (2).. » (3)(1/13)
وقال الشوكاني ـ رحمه الله ـ في قوله تعالى : { ????????? ???????? ?????? ?????????? } قرأ نافع {????????? دفاع ?????? ?????????? } وقرأ الباقون { ????????? ???????? ??? } والمعنى : لولا ما
ــــــــــــ
(1) [ سورة الحج : الآيات 39-41 ]
(2) [ سورة البروج : الآية 8 ]
(3) تفسير السعدي ، تفسير الآيات 39 : 41 من سورة الحج .
18
شرعه الله للأنبياء والمؤمنين من قتال الأعداء لاستولى أهل الشرك، وذهبت مواضع العبادة من الأرض ، ومعنى { ????????????? } لخربت باستيلاء أهل الشرك على أهل الملل، فالصوامع: هي صوامع الرهبان ؛ وقيل : صوامع الصابئين، والبيع: جمع بيعة ، وهي كنيسة النصارى ، والصلوات هي كنائس اليهود، واسمها بالعبرانية صلوثا بالمثلثة فعربت ، والمساجد هي مساجد المسلمين، وقيل : المعنى لولا هذا الدفع لهدّمت في زمن موسى - عليه السلام - الكنائس ، وفي زمن عيسى - عليه السلام - الصوامع والبيع، وفي زمن محمد - صلى الله عليه وسلم - المساجد . قال ابن عطية : هذا أصوب ما قيل في تأويل الآية.(1/14)
والصوامع : جمع صومعة، وهي بناء مرتفع ، يقال: صمع الثريدة : إذا رفع رأسها ، ورجل أصمع القلب أي : حادّ الفطنة ، والأصمع من الرجال: الحديد القول؛ وقيل: الصغير الأذن . ثم استعمل في المواضع التي يؤذن عليها في الإسلام. وقد ذكر ابن عطية في صلوات تسع قراءات، ووجه تقديم مواضع عبادات أهل الملل على موضع عبادة المسلمين كونها أقدم بناء وأسبق وجوداً. والظاهر من الهدم المذكور معناه الحقيقي كما ذكره الزجاج وغيره، وقيل: المراد به المعنى المجازي، وهو تعطلها من العبادة، وقرىء (لهدّمت) بالتشديد وانتصاب كثيراً في قوله: {????????? ?????? ??????? ?????? ????????? } على أنه صفة لمصدر محذوف أي: ذكراً كثيراً، أو وقتاً كثيراً، والجملة صفة للمساجد ؛ وقيل: لجميع المذكورات {?????????????? ?????? ??? ????????????? } اللام هي جواب لقسم محذوف أي: والله لينصر الله من ينصره، والمراد بمن ينصر الله : من ينصر دينه وأولياءه . (1)
وقال العلامة فخر الدين الرازي ـ رحمه الله : وفي قوله: {?????????????? ?????? ??? ????????????? } وعدٌ بالنصر لمن هذه حاله ونصر الله تعالى للعبد أن يقويه على أعدائه
حتى يكون هو الظافر ويكون قائماً بإيضاح الأدلة والبينات ، ويكون بالإعانة على المعارف والطاعات ، وفيه ترغيب في الجهاد من حيث وعدهم النصر ، ثم بين
ــــــــــــــ
(1) تفسير الشوكاني ، سورة الحج الآيات 41:38. بتصرف.
19(1/15)
تعالى أنه قوي على هذه النصرة التي وعدها المؤمنين ، وأنه لا يجوز عليه المنع وهو معنى قوله {???????} لأن العزيز هو الذي لا يضام ولا يمنع مما يريده . ثم إنه سبحانه وتعالى وصف الذين أذن لهم في القتال في الآية الأولى فقال: {?????????? ???? ???????????????? ? ??????????? } والمراد من هذا التمكن السلطنة ونفاذ القول على الخلق لأن المتبادر إلى الفهم من قوله: {???????????????? ? ??????????? } ليس إلا هذا، ولأنا لو حملناه على أصل القدرة لكان كل العباد كذلك وحينئذ يبطل ترتب الأمور الأربعة المذكورة عليه في معرض الجزاء ، لأنه ليس كل من كان قادراً على الفعل أتى بهذه الأشياء . إذا ثبت هذا فنقول: المراد بذلك هم المهاجرون لأن قوله : {{?????????? ???? ???????????????? } صفة لمن تقدم وهو قوله: {?????????? ???????????? ??? ???????????? } والأنصار ما أخرجوا من ديارهم فيصير معنى الآية أن الله تعالى وصف المهاجرين بأنه إن مكنهم من الأرض وأعطاهم السلطنة ، فإنهم أتوا بالأمور الأربعة، وهي إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن قد ثبت أن الله تعالى مكن الأئمة الأربعة من الأرض وأعطاهم السلطنة عليها فوجب كونهم آتين بهذه الأمور الأربعة. وإذا كانوا آمرين بكل معروف وناهين عن كل منكر وجب أن يكونوا على الحق ، وفي قوله : {????????? ?????????? ??????????? } دلالة على أن الذي تقدم ذكره من سلطنتهم وملكهم كائن لا محالة . ثم إن الأمور ترجع إلى الله تعالى بالعاقبة فإنه سبحانه هو الذي لا يزول ملكه أبداً وهو أيضاً يؤكد ما قلناه. (1)
ونؤكد هنا عموم الآية فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فهي في كل من أخرج من داره بغير حق ظلماً وعدواناً ، إلا أنه رفع راية التوحيد .
الله ـ جل وعلا ـ يغفر الذنوب جميعاً إلا أن يُشرك به :(1/16)
وذلك لأن الله أخبر أنه لا يغفر لمن لم يَتُبْ مِنْهُ قال تعالى : ? ?????? ?????? ??? ?????????? ???? ????????? ????? ????????????? ??? ????? ??????? ????? ????????? ? . (2)
ــــــــــــــــــ
(1) التفسير الكبير للعلامة : فخر الدين الرازي ، رحمه الله ، بتصرف.
(2) [ سورة النساء:من الآية 48]
20
... وعَنْ أَبِي ذَرَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - : « يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْر أَمْثَالِهَا وَأَزِيدُ. وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ، فَجَزَاؤُهُ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا، أَوْ أَغْفِرُ. وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْراً، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعاً. وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعاً، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعاً. وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِي، أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً. وَمَنْ لَقِيَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطِيئَةً لاَ يُشْرِكُ بِي شَيْئاً، لَقِيتُهُ بِمِثْلِهَا مَغْفِرَةً».(1)
دعوة القرآن إلى التوحيد:
قال تعالى: ?? ????????????????? ????????? ???????? ????? ????????? ??????? ???? ?????????????? ??????????? ??(2)
والتوحيد هو : الحكم بأن الله واحد والعلم بأن الشيء واحد أيضاً توحيده يُقال وحدته إذا وصفته بالوحدانية كما يُقال شجعت فلاناً إذا نسبته إلى الشجاعة .
ويُقال في اللغة : وحد فهو واحد ووحيد كما يُقال فرد فهو فارد وفرد وفريد . وأصل أحد : وحد فقلبت الواو همزة والواو المفتوحة قد تُقلب همزة كما تٌقلب المكسورة والمضمومة.
نوعا التوحيد : والتوحيد نوعان : توحيد في المعرفة والإثبات وهو توحيد الربوبية والأسماء والصفات ، وتوحيد في الطلب والقصد وهو توحيد الإلهية والعبادة.(1/17)
قال العلامة ابن القيم ـ رحمه الله : وأما التوحيد الذي دعت إليه الرسل ونزلت به الكتب فهو نوعان : توحيد في المعرفة والإثبات وتوحيد في الطلب والقصد فالأول هو إثبات حقيقة ذات الرب تعالى وصفاته وأفعاله وأسمائه وتكلمه بكتبه وتكليمه لمن شاء من عباده وإثبات عموم قضائه وقَدَره وحكمته وقد أفصح القرآن عن هذا النوع جدَّ الإفصاح كما في أول سورة الحديد وسورة طه ، وأول سورة الحشر ، وأول تنزيل السجدة وأول آل عمران وسورة الإخلاص بكاملها وغير ذلك.
ــــــــــــــــــ
(1) أخرجه مسلم في صحيحه باب : فضل الذكر والدعاء حديث رقم : 6784.
(2) [ سورة البقرة:الآية 163]
21
النوع الثاني : ما تضمنته سورة الكافرون وقوله تعالى من سورة آل عمران:
? ????? ???????????????? ????????????? ???????????? ??????? ???????? ????????? ??????????? ?????????????? ??????? ?????????? ??????? ?????? ????? ?????????? ????? ????????? ????? ?????????? ???????????? ???????? ????????????? ???? ????? ??????? ??????? ???????????? ??????????? ???????????????? ?????????? ??????????? ???? ?? (1)
وأول سورة تنزيل الكتاب ، وآخرها ، وأول سورة الأعراف وآخرها وجملة سورة الأنعام وغالب سور القرآن بل كل سورة في القرآن فهي متضمنة لنوعي التوحيد شاهدة به داعية إليه . (2)
التوحيد طريق الجنة :
وتوحيد الله ـ عز وجل ـ أحد الطرق المؤدية إلى الجنة برحمته ـ عز وجل :
- ?فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - : « عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
« قال موسى : « يارب علِّمني شيئاً أذكرك وأدعوك به »
قال: « قُلْ يا موسى لا إله إلا الله »
قال : « يا رب كُلُّ عبادك يقولون هذا »
قال : « يا موسى لو أن السماوات السَبْعَ وعامِرَهنَّ والأرضين السبعَ في كِفة ولا إله إلا الله في كفةٍ لمالت بهن لا إله إلا الله » (3)(1/18)
- ?وعن أبي ذر? - رضي الله عنه - ? - ??قال?رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة »
قلت : « وإن زنى وإن سرق ؟!»
قال : « وإن زنى وإن سرق »
قلت : « وإن زنى وإن سرق ؟!»
قال : « وإن زنى وإن سرق ثلاثاً ثم قال في الرابعة : « وإن زنى وإن سرق رغم أنف أبي ذر » (4)
ـــــــــــــــــــ
(1) [ سورة آل عمران:الآية 64]
(2) فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ص 15 تأليف الشيخ / عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ راجع حواشيه وصححه وعلق عليه سماحة الشيخ / عبد العزيز عبد الله بن باز الرئيس العام لإدرات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد في المملكة العربية السعودية ـ الطبعة الأولى 1413 هـ ـ 1992 م.
(3) رواه ابن حبان والحاكم وصححه.
(4) متفق عليه.
22
قال الحافظ بن حجر ـ رحمه الله : « والمراد بقول لا إله إلا الله في هذا الحديث وغيره كلمتا الشهادة فلا يُرد إشكال ترك الرسالة ».
وقال ابن المنير: « قول لا إله إلا الله لقب جرى على النطق بالشهادتين شرعاً».
وقول لا إله إلا الله يجب أن تقرن بالقلب مع اللسان يشهد لذلك الحديث الذي رواه أبا هريرة ـ رضي الله عنه ـ وهو حديث طويل وفيه : يقول أبو هريرة - رضي الله عنه - : « فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا أبا هريرة وأعطاني نعليه وقال : « اذهب بنعلي هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد : أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة » (1).(1/19)
قال ابن رجب : « من جاء مع التوحيد بقُراب الأرض خطايا لقيه الله بقرابها مغفرة فإن كمل توحيد العبد وإخلاصه لله تعالى فيه وقام بشروطه بقلبه ولسانه وبجوارحه، أو بقلبه ولسانه عند الموت أوجب ذلك مغفرة ما قد سلف من الذنوب كلها ومنعه من دخول النار بالكلية فمن يتحقق بكلمة التوحيد قلبه أخرجت منه كل ما سوى الله: محبةً وتعظيماً وإجلالاً ومهابة وخشية وتوكلاً ، وحينئذ تُحرق ذنوبه وخطاياه كلها وإن كانت مثل زبد البحر» (2).
وقال العلامة ابن القيم في شرح الحديث المروي عن أنس - رضي الله عنه - :
« .. .. يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيك بقرابها مغفرة .. .. » (3) : « ويُعفى لأهل التوحيد المحض الذي لم يشوبه بالشرك مالا يعفى لمن ليس كذلك فلو لقى الموحد الذي لم يُشرك بالله
ـــــــــــــــــ
(1) رواه مسلم كتاب الإيمان.
(2) فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ص48.
(3) أخرجه الترمذي كتاب : الدعوات عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ باب : في فضل التوبة والاستغفار وما ذكر من رحمة الله لعباده رقم الحديث :3540 ج5 ص512. عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال :
سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : قال الله : يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي . يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي. يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيك بقرابها مغفرة.، وسبق حديث مسلم بمعناه في مقدمة الفصل.
23(1/20)
شيئاً البته ربه بقراب الأرض خطايا أتاه بقرابها مغفرة ، ولا يحصل هذا لمن نقص توحيده فإنَّ التوحيد الخالص الذي لا يشوبه شرك لا يبقى معه ذنب لأنه يتضمن من محبة الله وإجلاله وتعظيمه وخوفه ورجائه وحده ما يوجب غسل الذنوب ولو كانت قراب الأرض فالنجاسة عارضة والدافع لها قوي وفي هذا الحديث كثرة ثواب التوحيد وسعة كرم الله وجَوْده ورحمته والرد على الخوارج الذين يُكْفِرون المُسْلِم بالذنوب وعلى المعتزلة القائلين بالمنزلة بين المنزلتين وهي الفسوق ويقولون ليس بمؤمن ولا كافر ويخلد في النار والصواب هو قول أهل السُنة إنه لا يُسلب عنه إسم الإيمان ولا يُعطاه على الإطلاق ، بل يُقال : هو مؤمن عاص أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرتِه. » (1)
- - -
ـــــــــــــــ
(1) فتح المجيد شرح كتاب التوحيد.
24
المفتح الثالث
الإخلاص
دليله من التنز يل :
- قال تعالى : ? ???? ???????????????????? ? ?????? ?????? ?????????? ???????????? ????????? ?????????????? ???????? ??????????????? ????????? ?????? ??????????? ????? ? (1)
- قال تعالى: ? ???????????? ?????? ??????????? ???? ????????? ?????? ?????? ??????????????? ? (2)
- قال تعالى : ? ??????? ??????????? ?????????? ?????????????? ???????????????? ?????????? ?????????????? ????????? ??????? ????????????????????? ???? ???????????????? ???????? ?????? ?????? ??????????????? ???????? ?????????? ? (3)
- قال تعالى : ? ?????????? ????????????? ????????? ????????????? ??????????? ???????????? ?????? ??????????? ????? ?????????? ??? ? (4)(1/21)
- قال تعالى : ? ????? ?????? ?????????? ?????????? ?????? ?????? ???? ??????????????? ??? ????????? ???? ??????????? ????? ?????? ???????????????? ?????????? ?????????? ???????????? ?????????????? ??????? ??????????????? ?????? ??????? ???? ?????????????? ??????????? ???? ????? ???? ???????????? ???????? ????? ????????? ????? ??????????? ????????? ??????? ?????????? ?????? ????? ??????????? ???????????? ?????????????? ???? ???????????? ?????????????? ?????????????? ???? ?????????????? ??????????????? ?????? ?????? ?????? ?????????????? ??????????? ??????? ???? ? (5)
- قال تعالى : ? ???? ????????? ???? ????????? ??????? ???? ???????????? ??????????? ???? ??????????? ?????????? ??????? ????? ??????????????? ???? ?? (6)
- قال تعالى : ? ?????? ??????????? ??????? ?????????????? ?????? ??????????? ????? ????????? ???????????? ????????????? ???????????? ????????????? ?????????????? ????????? ????? ??????????????? ??? ? (7)
ــــــــــــــ
(1) [ سورة البقرة:الآية 139]
(2) [ سورة غافر:الآية 14]
(3) [ سورة النساء:الآية 146]
(4) [ سورة الزمر:الآية 2]
(5) [ سورة الزمر:الآيات 14-17]
(6) [ سورة غافر:الآية 65]
(7) [ سورة البينة:الآية 5]
25
دليله من السنة النبوية الشريفة :(1/22)
- عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: أَرَأَيْتَ رَجُلاً غَزَا يَلْتَمِسُ الأَجْرَ وَالذِّكْرَ مَا لَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : «لاَ شَيْءَ لَهُ» فَأَعَادَهَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لاَ شَيْءَ لَهُ ثُم قَالَ: «إنَّ اللهَ لاَ يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إلاَّ مَا كَانَ لَهُ خَالِصاً وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ». (1)
- وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : « إِنَّما الأعْمَالُ بالنِّيات ، وإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِىءٍ ما نَوَى: فَمَنْ كانتْ هِجْرَتُه إِلى دُنْيَا يُصِيبُها، أَوْ إِلى امْرَأَةٍ يَنْكِحُها، فَهِجْرَتُه إِلى ما هاجَرَ إِلَيه». (2)
هذا الحديث صحيح متفق على صحته ، مجمع على عظم موقعه وجلالته وهو أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام وكان السَّلَف وتابعوهم من الخَّلَفِ ـ رحمهم الله ـ يستحبون استفتاح المصنفات بهذا الحديث تنبيهاً المطالع على حسن النية واهتمامه بذلك والإعتناء به.
وروى الإمام أبي سعيد : عبد الرحمن بن مهدي ـ رحمه الله تعالى : « من أراد أن يُصنف كتاباً فليبدأ بهذا الحديث»
الإخلاص في اللغة : يُقال خلصته من كذا تخليصاً أي نجيته تنجية فتخلّص ، وتَخلصّه تخلُّصاً كما يُتخلّص الغَزل إذا إلتبس والإخلاص في الطاعة تركُ الرِّياءِ وأَخْلَصَ الشيءَ : اختاره والمُخْلِصين الذين أخلصوا العبادة لله تعالى والمُخْلَصِين الذين أخلصهم الله عزَّ وجل. فالمُخْلَص: الذي أَخْلَصه الله جعله مُختاراً خالصاً من الدنس.
أقوال في الإخلاص:
عن السيد الجليل أبي علي الفضيل بن عياض ـ رحمه الله ـ قال :« ترك العمل لأجل الناس رياء والعمل لأجل الناس شرك والإخلاص أن يعافيك الله منهما »
ــــــــــــــ
((1/23)
1) أخرجه النسائي في الصغرى باب من غزا يلتمش الأجر ، حديث رقم: 3142.
(2) حديث صحيح متفق عليه أخرجه البخاري كتاب : بدء الوحي باب :كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو قول الله جل ذكره : إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده (النساء) رقم الحديث :1جزء 1ص 3 واللفظ له وأيضاً (54, 2392, 3685, 4783, 6311, 6553) وأخرجه مسلم في صحيحه كتاب : الإمارة باب : قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إنما الأعمال بالنية وأنه يدخل فيه الغزو وغيره من الأعمال رقم الحديث :4904 .
26
وقال الإمام الحارث المحاسبي ـ رحمه الله :« الصادق هو الذي لا يُبالي لو خرج كل قدر له في قلوب الخلق من أجل صلاح قلبه ولا يُحب اطلاع الناس على مثاقيل الذر من حسن عمله ولا يكره أن يطلع الناس على السيءِّ من عمله» وقيل الإخلاص : «أن تستوي أفعال العبد في الظاهر والباطن».
وقيل : « إفراد الحق سبحانه وتعالى في الطاعة بالقصد وهو أن يريد أن يتقرب بطاعته إلى الله تعالى دون شيء آخر من تصنع لمخلوق أو اكتساب محمدة عند الناس أو محبة مدح من الخلق أو معنى من المعاني سوى التقرب إلى الله تعالى».
ومن الإخلاص : «التوقي عن ملاحظة الخلق والصدق : التنقي عن مطاوعة النفس فالمخلص لا رياء له والصادق لا إعجاب له ».
وقال السيد الجليل أبو محمد سهل بن عبد الله التُستري ـ رحمه الله : « نظر الأكياس في تفسير الإخلاص فلم يجدوا غير هذا: أن تجعل حركته وسكونه وسره وعلانيته لله تعالى لا يُمازجه نفس ولا هوى ولا دُنيا».
وعن ذي النون المصري ـ رحمه الله ـ قال : « ثلاث من علامات الإخلاص:
استواء المدح والذم في العامة ونسيان رؤية الأعمال في الأعمال واقتضاء ثواب العمل في الآخرة » (1).
كيف كان إخلاص الصحابة ـ رضوان الله عليهم ؟
(1) إخلاص عمرو بن ثابت ـ رضي الله عنه :(1/24)
والمعروف بالأُصيرم من بني عبد الأشهل يأبى الإسلام فلما كان يوم أُحد قذف الله الإسلام في قلبه للحُسنى التي سبقت منه فأسلم وأخذ سيفه ولحق بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فقاتل فأُثبت بالجراح ولم يعلم أحدٌ بأمره فلما انجلت الحرب طاف بنو عبد الأشهل في القتلى يلتمسون قتلاهم فوجدوا الأُصيرم وبه رمقٌ يسير فقالوا : « والله إن هذا الأُصيرم ما جاء به لقد تركناه وإنه لمُنْكِر لهذا الأمر» ثم سألوه : « ما الذي جاء بك؟ أحدبٌ على قومك أم رغبة في الإسلام؟» فقال : « بل رغبةٌ في الإسلام آمنت بالله ورسوله ثم قاتلت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أصابني ما ترون » ومات
ـــــــــــــــ
(1) الأذكار للنووي ص4،5 فصل في الأمر بالإخلاص وحسن النيات في جميع العمال الظاهرات والخفيات من منشورات دار الملاح للطباعة والنشر.
27
من وقته فذكروه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : « هو من أهل الجنة » قال أبو هريرة - رضي الله عنه - : « ولم يُصَّلِ لله صلاة قط » (1).
((1/25)
2) عَنْ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ - رضي الله عنه - : « أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَعْرَابِ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ ثُمّ قَالَ: أُهَاجِرُ مَعَكَ. فَأَوصَى بِهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَعْضَ أَصْحَابِهِ فَلَمَّا كَانَتْ غَزْوَةٌ غَنِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَبْياً فَقَسَمَ وَقَسَمَ لَهُ فَأَعْطَى أَصْحَابَهُ مَا قَسَمَ لَهُ وَكَانَ يَرْعَى ظَهْرَهُم فَلَمَّا جَاءَ دَفَعُوهُ إلَيْهِ فَقَالَ: مَا هذَا؟ قَالُوا: قِسْمٌ قَسَمَهُ لَكَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخَذَهُ فَجَاءَ بِهِ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: مَا هذَا؟ قَالَ: قَسَمْتُهُ لَكَ قَالَ : مَا عَلَى هذَا اتَّبَعْتُكَ وَلكِنِّي اتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أُرْمَى إلَى ههُنَا وَأَشَارَ إلَى حَلْقِهِ بِسَهْمٍ فَأَمُوتَ فَأَدْخُلَ الجَنَّةَ فَقَالَ: إن تَصْدُقِ اللَّهَ يَصْدُقْكَ فَلَبِثُوا قَلِيلاً ثُمَّ نَهَضُوا فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُحْمَلُ قَدْ أَصَابَهُ سَهْمٌ حَيْثُ أَشَارَ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : أَهُوَ هُوَ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: صَدَقَ الله فَصَدَقَهُ ، ثُمَّ كَفَّنَهُ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فِي جُبَّةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قَدَّمَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ فَكَان فِيمَا ظَهَرَ مِنْ صَلاَتِهِ اللَّهُمَّ هذَا عَبْدُكَ خَرَجَ مُهَاجِراً فِي سَبِيلِكَ فَقُتِلَ شَهِيداً أَنَا شَهِيدٌ عَلَى ذلِكَ». (2)
(3) عن أنس - رضي الله عنه - أن رجلاً أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : « يا رسول الله إني رجلٌ أسود قبيح الوجه لا مال لي فإن قاتلت هؤلاء حتى أُقتل أدخل الجنة ؟ » قال : « نعم ».(1/26)
فتقدم فقاتل حتى قُتل فأتى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مقتول فقال : « لقد حسن الله وجهك وطيب ريحك وكثر مالك وقال : « لقد رأيت زوجتيه من الحور العين يتنازعان جبته عليه يدخلان فيما بين جلده وجبته » (3)
ـــــــــــــــــ
(1) أخرجه ابن هشام وأحمد 5/428 ،429 من طريق ابن اسحاق وسنده قوي وذكره ابن قيم الجوزية في زاد المعاد في هدي خير العباد ـ مؤسسة الرسالة الجزء الثالث ص208 ،209.
(2) أخرجه النسائي والطحاوي في شرح معاني الآثار والحاكم والبيهقي وإسناده صحيح.
(3) كذا في البداية الجزء الرابع ص191، وأخرجه الحاكم أيضاً بنحوه ، وقال صحيح على شرط مسلم كما في الترغيب ج2ص447 ، وذكره الكاندهلوي في حياة الصحابة باب الجهاد : إخلاص النية في الجهاد في سبيل الله.
28
(4) إخلاص صهيب بن سنان بن مالك ـ رضي الله عنه ـ :
وهو السابق المُهاجر المُضَحِي بماله من أجل هجرته لله تعالى ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - فاتبعه نفر من قريش ، نزل عن راحلته وانثل ما في كنانته ثم قال : « يا معشر قريش لقد علمتم أني من أرماكم رجلاً وأيم الله لا تصلون إليَّ حتى أرمي بكل سهم معي في كنانتي ثم أضرب بسيفي ما بقى في يدي منه شيء ، افعلوا ما شئتم دللتكم على مالى وثيابي بمكة وخليتم سبيلي؟»
قالوا : « نعم فلما قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة قال : « ربح البيع أبا يحي ، ربح البيع أبا يحي » وفيه نزلت :
? ?????? ?????????? ??? ????????? ???????????? ??????????????? ???????????? ??????? ?(1)الآية» (2)
(5) إخلاص عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ :
فعن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - : قال : « بعث إليَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : «خذ عليك ثيابك وسلاحك ثم ائتني » فأتيته فقال : « إني أُريد ان ابعثك على جيش فيسلمك الله ويغنمك وأرغب لك من المال رغبة صالحة».(1/27)
فقلت : « يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أسلمت من أجل المال بل أسلمت رغبة في الإسلام
قال : « يا عمرو ! نعما بالمال الصالح للمرء الصالح » (3)
ونختم هذا المفتح بالحديث الذي رواه أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «نَضَّرَ الله عَبْداً سَمِعَ مَقَالتي هذِهِ فَحَمَلَها، فَرُبَّ حامِلِ الفِقْهِ فِيهِ غَيْرُ فَقيهٍ، وربَّ حاملِ الفِقْهِ إلى مَنْ هُوَ أُفْقَهُ مِنْهُ، ثلاثٌ لا يغلُّ عَلَيْهِنَّ صَدْرُ مُسْلِمٍ: إخلاصُ العَمَلِ لله عَزَّ وَجَلَّ ، وَمُناصَحَةُ أولي الأمْرِ، وَلُزُومُ جماعَةِ المُسْلِمِينَ، فإنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ» . (4)
ــــــــــــ
(1) [ سورة البقرة:من الآية 207]
(2) أخرجه أبو نعيم في الحلية ص151 الجزء الأول كما في أسباب النزول للنيسابوري.
(3) أخرجه الإمام أحمد بسند حسن كذا في الإصابة ج3 ص3 ، حياة الصحابة الجزء الأول ص481.
(4) أخرجه احمد في المسند في مسند أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ، حديث رقم: 13058.
29
المفتح الرابع
الصلاة
الدليل من التنز يل :
قال تعالى :
- ?? ?????????? ???????????? ?????????????? ????????????? ???????????? ???????? ??????????????? ???????????? ??? ???????????? ???????????? ?????? ???????? ????????? ?????? ???????? ??? ????????? ???????????????? ???? ????????????? ??? ???????????????? ?????? ?????? ???? ???????????? ?????????????????? ???? ???????????????? ??? ? (1)(1/28)
- ? ????????????? ? ?????? ????? ??????????? ???? ??????????????? ????? ?????? ?????????? ? ????????? ???? ??????? ???????? ??????????? ???????????????? ???? ??????????? ??????????????? ??? ??????? ??? ??????? ????????? ??????????? ?????????? ?????????? ?????????????? ?????????? ????? ?????????? ?????????????? ????????????? ?????????? ????????????? ????????????????? ????????? ???? ????????????? ????????? ???????????? ????????? ??????????? ???? ? (2)
- ? ????????????????? ???????????? ??????????????? ???????????? ??????????? ??????? ????? ??????????????? ??(3)
- ? ?????? ??????????? ?????????? ???????????? ???????????????? ?????????????? ???????????? ???????????? ????????????? ?????? ??????????? ????? ?????????? ????? ?????? ?????????? ????? ???? ?????????????? ????? ??(4)
- ? ????????? ?????????????? ? ?????????? ???????? ?????????????????? ??????????? ?????? ???????? ????????? ?????? ???????? ??? ?????????? ???????????????? ?????????????? ???????????????? ????????????? ?????????????????? ????????? ?????????? ????????? ???????????????? ?????????????? ???????? ?????????? ????? ? (5)
الصلاة في اللغة : هي الدُّعاءُ والاستغفار ، وصلاةُ الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - : رحْمَتُه له وحُسْنُ ثنائِه عليه . ومنه قوله ـ عز وجل: ? ?????? ?????? ???????????????????? ???????????? ????? ???????????? ????????????????? ?????????? ??????????? ???????? ????????? ???????????? ???????????? ???? ? (6) فالصَّلاةُ
ـــــــــــــــ
(1) [ سورة البقرة:الآيات 3-5]
(2) [ سورة الحج:الآية 78]
(3) [ سورة البقرة:الآية 45]
(4) [ سورة البقرة:الآية 277]
(5) [ سورة النساء:الآية 162]
((1/29)
6) [ سورة الأحزاب:الآية 56]
30
من الملائكة دُعاءٌ واسْتِغْفارٌ، ومن اللهِ رحمةٌ?، وبه سُمِّيَت الصلاةُ لِما فيها من الدُّعاءِ والاسْتِغفار . ومعناها في اصطلاح الفقهاء ، أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير، مختتمة بالتسليم ، بشرائط مخصوصة .
والصلاة أحد أركان الإسلام الخمسة : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : بُنِيَ الإِسْلامُ عَلى خَمْسٍ: شَهادَةِ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ ». (1)
والصلاة لا تسقط حتى عن المجاهد ، ولا المسافر :(1/30)
قال تعالى : ? ???????? ???????????? ? ??????????? ????????? ?????????? ????????? ???? ????????????? ???? ????????????? ????? ????????? ???? ??????????????? ?????????? ??????????? ?????? ??????????????? ????????? ?????? ???????? ????????? ????? ???????? ????? ??????? ????????????? ?????? ?????????????? ??????????? ?????????????? ????????? ??????? ????????????????? ??????????????? ????????? ????????? ????????????????? ??? ????????????? ??????????? ?????????????? ????????? ???? ???????????? ??????????????? ?????? ???????????????? ?????????? ?????????????????? ????? ?????????? ????????? ???? ??????????????? ???? ??????????????? ????????????????? ?????????????? ????????? ???????????? ?????????? ????? ????????? ?????????? ???? ????? ?????? ?????? ???? ????????? ????? ?????? ?????????? ???? ??????????? ???????????????? ????????? ????????????? ?????? ?????? ?????????? ??????????????? ????????? ??????????? ????? ????????? ???????????? ?????????????? ?????????????? ?????? ????????? ??????????? ???????? ????????????? ????????? ????????????????? ?????????????? ?????????????? ?????? ?????????????? ???????? ????? ??????????????? ?????????? ????????????? ????? ?(2)
فيجب على المسلم الذي يريد أن ينصره الله على أعداء الله وأعداء رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يحرص على أداء الصلاة في أوقاتها مع جماعة المسلمين فعَنْ أَبي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - قالَ:« لَقَدْ هَمَمْتُ أنْ آمُرَ فِتْيَتِي أنْ يَجْمَعُوا حُزَمَ الْحَطَبِ ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلاَةِ فَتُقَامَ ، ثُمَّ أُحَرِّقَ عَلَى أَقْوَامٍ لاَ يَشْهَدُونَ الصَّلاَةَ» .(3)ولا يضيعها فمن
ــــــــــــــــ
((1/31)
1) متفق عليه ، اللؤلؤ والمرجان ، باب : قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم : بني الإسلام على خمس ، وأخرجه البخاري في: 2 كتاب الإيمان: 2 باب دعاؤكم إيمانكم ، عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما .
(2) [ سورة النساء:الآيتان 101-103]
(3) أخرجه الترمذي باب : ما جاء فيمن يسمع النداء ، حديث رقم:217، وقال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح.
31
أضاع الصلاة فهو لغيرها أضيع فإن أول ما يُحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة فإن صلحت صلُحَ العمل كله وإن فسدت فسد العمل ، فعن حريثِ بن قَبيصَةَ ،
قال : قدِمتُ المدينةَ فقلتُ اللهمَّ يسر لي جليساً صالحاً قال فجلستُ إلى أبي هُريرَةَ - رضي الله عنه - فَقُلْتُ : إني سألت الله أن يرزقني جليساً صالحاً فحدثني بحديثٍ سمعتهُ من رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - لعلَّ الله أن ينفعَنِي به ، فقال سمعت رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ :« إنَّ أولَ ما يُحَاسَبُ به العبد يومَ القيامةِ من عملهِ صَلاتُه ، فإن صَلُحَتْ فقد أفلحَ وأنجحَ، وإن فَسَدَتْ فقد خابَ وخسرَ، فإن انتقصَ من فريضةٍ شيئاً قال الرب تبارك وتعالى: أنظروا هل لَعْبْدِيَ منْ تطوعٍ؟ فيُكْمِلُ بها ما انتقص من الفريضةِ، ثم يكونُ سائرُ عملِهِ على ذلك» (1)
وانتظار الصلاة بعد الصلاة من الرباط في سبيل الله :
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو الله بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَع بِهِ الدَّرَجَاتِ؟» قَالُوا: بَلَى. يَا رَسُولَ اللّهِ! قَالَ: «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ علَى الْمَكَارِهِ . وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسْاجِدِ. وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ . فَذلِكُمُ الرِّبَاطُ » (2)(1/32)
وإسباغ الوضوء : قال ابن منظور : سبغ شيء سابِغٌ أَي كامِلٌ وافٍ سَبَغَ الشيءُ يَسْبُغُ سُبُوغاً طالَ إِلى الأَرض واتَّسَعَ وأَسْبَغَه هو سَبَغَ الشعر سُبُوغاً سَبَغَتِ الدِّرْعُ وكلُّ شيءٍ طالَ إِلى الأَرض فهو سابغٌ وقد أَسْبَغَ فلان ثَوْبَه أَي أَوسَعَه سَبَغَتِ النِّعْمةُ تَسْبُغُ بالضم سُبُوغاً اتسعت وإِسْباغُ الوضوءِ المُبالَغةُ فيه وإِتْمامُه ونعمة سابِغةٌ أَسْبَغَ اللَّه عليه النِّعْمةَ : أَكْمَلَها وأَتَمَّها ووسَّعَها.وقال ابن الأثير:السبوغ هو الشمول.
... وقوله - صلى الله عليه وسلم - : فذلكم الرباط : الرباط في الأصل: الإقامة على جهاد العدو بالحرب، وارتباط الخيل وإعدادها، فشبَّه به ما ذكر من الأفعال الصالحة والعبادة. قال القُتيبي : أصل المرابطة أن يربِط الفريقان خيولهم في ثغر، كل منهما معدٌّ لصاحبه فسمي المقام في الثغور رباطاً. ومنه قوله « فذلكم الرِّباط » أي أن
ـــــــــــــ
(1) أخرجه الترمذي في سننه باب : ما جاء أول ما يحاسب ، حديث رقم : 410، وقال أبو عيسى: حديثُ أبي هريرةَ حديثٌ حسَنٌ غريبٌ منْ هذا الوجْه.
(2) أخرجه مسلم في صحيحه باب: فضل إسباغ الوضوء، حديث رقم: 540.
32
المواظبة على الطهارة والصلاة والعبادة. كالجهاد في سبيل الله ، فيكون الرباط مصدر رابطت: أي لازمت . وقيل الرباط ها هنا اسم لما يُربَط به الشيء: أي يُشدُّ، يعني أن هذه الخلال تربط صاحبها عن المعاصي وتكُفُّه عن المحارم.
وأحد خصال المنافقين الكبار أنهم يأتوا الصلاة وهم كُسالى ، قال تعالى :(1/33)
? ?????? ?????????????????? ????????????? ?????? ?????? ???????????? ???????? ?????????? ?????? ???????????? ????????? ????????? ??????????? ????????? ????? ??????????? ?????? ??????? ???????? ????? ??????????????? ?????? ??????? ???? ??????? ?????????????? ?????? ??????? ??????????????? ????? ???????? ?????? ?????? ??????? ????? ??????? ????? ? (1)
والصلاة من أهم مكفرات الذنوب :
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ. وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ. وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ. مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ. إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ». (2)
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ أَعْرَابِيا جَاءَ إِلَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الْجنَّةَ. قَالَ «تَعْبُدُ اللهَ لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئا، وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ. وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ. وَتَصُومُ رَمَضَانَ» قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ أَزِيد عَلَى هذَا شَيْئا أَبدا، وَلاَ أَنْقُصُ مِنْهُ. فَلَمَّا وَلَّى، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى هذَا». (3)
- - -
ـــــــــــــــــ
(1) [ سورة النساء:الآيتان 142-143]
(2) أخرجه مسلم في صحيحه باب الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة حديث رقم 505. التجاوز عن المعسر
(3) أخرجه مسلم في صحيحه ، باب بيان الإيمان ، حديث رقم : 73 .
33
المفتح الخامس
الزكاة
الدليل من التنزيل :
قال تعالى :(1/34)
- ? ????????????? ? ?????? ????? ??????????? ???? ??????????????? ????? ?????? ?????????? ? ????????? ???? ??????? ???????? ??????????? ???????????????? ???? ??????????? ??????????????? ??? ??????? ??? ??????? ????????? ??????????? ?????????? ?????????? ?????????????? ?????????? ????? ?????????? ?????????????? ????????????? ?????????? ????????????? ????????????????? ????????? ???? ????????????? ????????? ???????????? ????????? ??????????? ???? ? (1)
- ? ?????????? ???? ???????????????? ? ??????????? ???????????? ????????????? ???????????? ????????????? ???????????? ???????????????? ??????????? ???? ???????????? ????????? ?????????? ??????????? ???? ? (2)
الزكاة لغة : الطهارة والنماء .
وشرعاً تمليك جزء مخصوص من مال مخصوص لشخص مخصوص لله تعالى . والزكاة واجبة على الحر المسلم البالغ العاقل إذا ملك نصاباً ملكاً تاماً وحال عليه الحول وليس على صبيٍ ولا مجنون ولا مكاتب زكاة ومن كان عليه دينٌ يحيط بماله فلا زكاة عليه وإن كان ماله أكثر من الدين زكى الفاضل إذا بلغ نصاباً وليس في دور السكنى وثياب البدن وأثاث المنازل ودواب الركوب وعبيد الخدمة وسلاح الاستعمال زكاة ولا يجوز أداء الزكاة إلا بنية مقارنة للأداء أو مقارنة لعزل مقدار واجب.والزكاة فريضة محكمة ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة وكثيراً من المسلمين اليوم يتهاونون في هذه الشعيرة الكريمة مع أنها أعظم مزايا الإسلام والدالة على أنه دين الحق والإنصاف فإنها مع غيرها من وسائل التكافل تقرب من بعض الطبقات وتغرس في قلوبهم الألفة والمحبة وتدفع الحسد والحقد .
ــــــــــــــــــ
(1) [ سورة الحج:الآية 78]
(2) [ سورة الحج:الآية 41]
34
الزكاة أحد أركان الإسلام الخمسة :(1/35)
الزكاة هي ركن الإسلام الثالث فعَنِ ابْنِ عُمَرَ ـ رضي الله عنهما ـ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسَةٍ. عَلَى أَنْ يُوَحَّدَ الله، وَإِقَام الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ ، وَالْحَجِّ » فَقَالَ رَجُلٌ: الْحَجِّ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ؟ قَالَ : لاَ. صِيَامِ رَمَضَانَ وَالْحَجِّ . هكَذَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - . » (1)
الزكاة قر ينة الصلاة ووجوب قتال من فرق بينهما :
اقترنت الزكاة بالصلاة في القرآن العظيم بالعديد والكثير من الآيات كما اقترنت في الأحاديث النبوية الكثيرة نذكر منها : عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: « أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويُقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله » (2)
قتال أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ مَنْ فرق بين الزكاة والصلاة:
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : « لما توفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان أبو بكر بعده وكفر من كفر من العرب قال عمر : « يا أبا بكر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال : لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله » قال أبو بكر: « والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم عليه » قال عمر : « فو الله ما هو إلا أن رأيت أن الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق» (3)
ـــــــــــــ
(1) أخرجه مسلم في صحيحه باب بيان أركان الإسلام ودعائمه حديث رقم : 77.
((1/36)
2) متفق عليه اللؤلؤ والمرجان ، وأخرجه البخاري في كتاب الإيمان باب : فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم .
(3) رواه أحمد والبخاري في صحيحه كتاب الزكاة باب: وجوب الزكاة ، مسلم ، أبو داود ، الترمذي ، النسائي ، ابن حبان ، البيهقي في سننه وعبد الرزاق في الجامع عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة مثله.
35
الترهيب ممن منع زكاة ماله :
- عن جابر ـ رضي الله عنه ـ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «ما من صاحب إبل لا يفعل فيها حقها إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت قط وقعد لها بقاع قرقر تستن عليه بقوائمها وأخفافها وما من صاحب بقر لا يفعل فيها حقها إلا جاءت يوم القيامة أكثر وقعد لها بقاع قرقر تنطحه بقرونها وتطؤه بقوائمها ولا صاحب غنم لا يفعل فيها حقها إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت وقعد لها بقاع قرقر تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها ليس فيها جماء ولا منكسر قرنها ولا صاحب كنز لا يفعل فيه حقه إلا جاء كنزه يوم القيامة شجاعاً أقرع فاغرُ فَاهُ فإذا أتاه فر منه فيناديه ربه عز وجل: خذ كنزك الذي خبأته فأني أغنى منك فإذا رأى أن لابد له منه سلك يده في فِيهِ فيقضمها قضم الفحل» (1)(1/37)
- عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمى عليها في نار جهنم فيكوي بها جنبه وجبينه وظهره كلما ردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يُقضي بين العباد فيرى سبيله إما إلى جنة وإما إلى نار » قيل : « يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فالإبل » قال : «ولا صاحب إبل يؤدي منها حقها ومن حقها حلبها يوم وردها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر أوفر ما كانت لا يفقد منها فصيلاً واحداً تطؤه بأحقافها وتعضه بأفواهها كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار» قيل: «يا رسول الله فالبقر والغنم » قال : « ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر لا يفقد منها شيئاً ليس منها عقصاء ولا جلحاء ولا عضباء تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يُقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ». (2)
ـــــــــــــ
(1) أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الزكاة باب إثم مانع الزكاة .
(2) أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الزكاة باب إثم مانع الزكاة .
36
عن عطاء بن أبي رباح قال : كنا مع ابن عمر ، فجاء فتى من أهل البصرة فسأله عن شيءٍ فقال :« سأخبرك عن ذلك » قال : « كنت عند رسول - صلى الله عليه وسلم - عاشر عشرة في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وابني مسعود وحذيفة وأبو سعيد الخدري ورجل آخر سماه ، وأنا ، فجاء فتى من الأنصار فسلم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم جلس فقال : « يا رسول الله أي المؤمنين أفضل ؟ »
قال : « أحسنهم خلقاً » قال : « أيُّ المؤمنين أكيس؟ »(1/38)
قال : «أكثرهم للموت ذكراً ، وأكثرهم له استعداداً قبل أن ينزل بهم ـ أو قال : «ينزلَ به » ـ أولئك الأكياس » ثم سكت ، وأقبل علينا النبي - صلى الله عليه وسلم - : « لم تظهر الفاحشة في قوم قط إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم ، ولا نقصوا المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم ، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ، ولولا البهائم لم يمطروا ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عَدُوَّهم فأخذ بعض ما كان في أيديهم ، وإذا لم يحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل بأسهم بينهم .. ..» (1)
- عن أبي هريرةَ - رضي الله عنه - قال: « قال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَن آتاهُ الله مالاً فلم يُؤد زكاتَه مُثِّلَ له ماله شُجاعاً أقرَعَ له زَبيبتان يُطوَّقهُ يومَ القيامة، يأخذُ بلِهْزِمتيهِ ـ يعني بشدِقَيهِ ـ يقول: أنا مالكُ، أنا كَنزُك. ثمَّ تلا هذه الآية {ولا يَحسِبنَّ الذين يَبخلَون بما آتاهُمُ الله من فضلِهِ} (2) إلى آخرِ الآية».(3)
- هلاك مال مانع الزكاة :
عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « لا تخالط الصدقة مالاً إلا أهلكته » (4)
ـــــــــــــــــــ
(1) مجمع الزوائد للهيثمي باب : ما نهي عن قتله من النساء وللحديث بقية رواه البزار بتمامه ورجاله ثقات وبعض منه رواه الحاكم في مستدركه وحديث الحاكم في مستدركه صحيح الإسناد وروى ابن ماجه بعض منه وعند البيهقي مختصراً عن ابن بُريدة عن أبيه باب : الخروج من المظالم .
(2) [ سورة آل عمران:الآية 180]
(3) أخرجه البخاري في صحيحه باب ولا يحسبن الذين يبخلون بما أتاهم الله من فضله ، حديث رقم : 4447.
(4) مسند الشافعي ج1ص99 رقم الحديث 458 الموسوعة الماسية للحديث الإصدار الأول.
37
- إدخال مانع الزكاة النار مع أوائل من يدخلها :(1/39)
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ يقول : « قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « عُرِضَ عليَّ أول ثلاثة يدخلون الجنة وأول ثلاثة يدخلون النار فأما أول ثلاثة يدخلون الجنة فالشهيد وعبد مملوك أحسن عبادة ربه ونصح لسيده وعفيف متعفف ذو عيال ، وأما أول ثلاثة يدخلون النار فأمير مسلط وذو ثروة من مال لا يؤدي حق الله في ماله وفقير فجور » (1)
- ?و قال تعالى :????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????(2)
فضل الزكاة والترغيب فيها
عن الحسن ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « حصنوا أموالكم بالزكاة وداووا مرضاكم بالصدقة واستعينوا على حل البلاء بالدُعاء والتضرع»(3)
طريق الجنة :
- عن أبي أيوب ـ رضي الله عنه ـ قال : « قال رسول - صلى الله عليه وسلم - : « ما من عبد يعبد الله لا يُشرِكُ به شيئاً ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويصوم رمضان ويجتنب الكبائر إلا دخل الجنة » (4)
- عَنْ أَبِي أَيُّوبَ - رضي الله عنه - قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - . فَقَالَ : دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ أَعْمَلُهُ يُدْنِينِي مِنَ الْجَنَّةِ وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ. قَالَ «تَعْبُدُ اللّهِ لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئا، وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ ذَا رَحِمَكَ» فَلَمَّا أَدْبَرَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - «إِنْ تَمَسَّكَ بِمَا أُمِرَ بِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ». وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ «إِنْ تَمَسَّكَ بِهِ».(5)
ـــــــــــــــــ
((1/40)
1) أخرجه الحاكم في المستدرك باب: أول ثلاثة يدخلون الجنة وأول ثلاثة يدخلون النار حديث رقم 1462 .
(2) سورة التوبة الآيات ( 34 :35 )
(3) رواه أبو داود في مراسيله عن الحسن ـ رضي الله عنه .
(4) رواه ابن حبان في صحيحه كتاب الزكاة باب فضل الزكاة جز8 ص39 حديث 3247 الموسوعة الماسية.
(5) أخرجه مسلم في صحيحه ، باب بيان الإيمان ، حديث رقم : 72 .
38
الزكاة تطهر الأموال :
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : « قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :« إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك فيه ومن جمع مالاً من حرام ثم تصدق به ، لم يكن له فيه أجر وكان إصره عليه » (1)
وعن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « إذا أديت زكاة مالك فقد أذهبت عنك شره » (2)
عن نافع أن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ كان يقول:«كل مال تؤدى زكاته فليس بكنز وإن كان مدفوناً وكل مال لا تؤدى زكاته فهو كنز وإن لم يكن مدفوناً»(3)
وفي الصحيح عن خالد بن أسلم قال : «خرجنا مع عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ فقال أعرابي : «أخبرني قول الله : ?????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????»?قال ابن عمر : من كنزها فلم يؤد زكاتها فويلٌ له ، إنما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة فلما أُنزلت جعلها الله طهراً للأموال »?????
أنواع الزكاة :
وهي ثلاثة أنواع زكاة النفس وهي من قوله تعالى :?? ?????????? ????? ??????????? ??? ??????????????? ??????????? ???????????????? ??? ??????????????????????????????????????(5)?
والثانية : زكاة البدن وهي زكاة الفطر وتجب على من مَلَكَ صاعاً وهو أربعة أمداد وهي من قوت البلدة بشرط أن يفضل عن قوته وقوت من يقوته ليلة العيد ويومه .(1/41)
الثالثة : وهي زكاة الأموال وتشمل النعم ، الذهب والفضة ، والزروع والثمار وعروض التجارة والمعدن والركاز . (6)
ـــــــــــــــــ
(1) صحيح ابن حبان كتاب الزكاة باب : جمع المال من حله وما يتعلق بذلك .
(2) رواه الحاكم في مستدركه وقال : حديث صحيح على شرط مسلم ولم يُخرجاه .
(3) مسند الشافعي ( ومن كتاب الزكاة من أوله إلا ما كان معاداً ) ج1 ص87 حديث 394.( الموسوعة الماسية )
(4) صحيح البخاري رقم الحديث 1339 كتاب الزكاة باب من أدى زكاته فليس بكنز(الموسوعة الماسية )
(5) سورة الشمس الآيات (7 : 9)
(6) الركاز : قطع من الذهب والفضة تخرج من الأرض أو المعد ن .
39
مصارف الزكاة :
ويجب صرف الزكاة إلى الموجود من الأصناف الثمانية المذكورة في قوله تعالى : ??????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????(1)?
الفقير : من ليس له مال ولا كسب حلال لائق به ، يقع موقعاً من كفايته ، من مطعم وملبس ومسكن ، وسائر ما لابد منه لنفسه ولمن تلزمه نفقته من غير إسراف ولا تقتير كمن يحتاج إلى عشرة دراهم ولا يجد إلا أربعة أو ثلاثة أو اثنين.
والمسكين : من قدر على مال أو كسب حلال لائق يقع موقعاً من كفايته وكفاية من يعوله . ولكن لا تتم به الكفاية ، كمن يحتاج إلى عشرة فيجد سبعة أو ثمانية ، وإن ملك نصاباً أو نُصباً .
« العاملون عليها »: ويُقصد بهم كل الذين يعملون في الجهاز الإداري لشئون الزكاة من جباة يحصلونها ومن خزنة وحراس يحفظونها ، ومن كتبة وحاسبين يضبطون واردها ومصروفها ومن موزعين يفرقونها على أهلها .(1/42)
والمؤلفة قلوبهم : هم الذين يُراد تأليف قلوبهم بالاستمالة إلى الإسلام أو التثبيت عليه أو بكف شرهم عن المسلمين ، أو رجاء نفعهم في الدفاع عنهم ، أو نصرهم على عدو لهم ، أو نحو ذلك .
« وفي الرقاب » : وهي جمع رقبة والمراد بها في القرآن : العبد أو الأمة ، وهي تذكر في معرض التحرير أو الفك كأن القرآن الكريم يُشير بهذه العبارة المجازية إلى أن الرق للإنسان كالغل في العنق وتحرير العبد من الرق هو فك لرقبته من غلها .
ـــــــــــــــ
(1) سورة التوبة من الآية (60)
40
الغارمون »: جمع غارم : وهو الذي عليه دين .
وفي سبيل الله » : اتفق أصحاب المذاهب الأربعة على :
(1) أن الجهاد داخل في هذا المصرف قطعاً .
(2) مشروعية الصرف من الزكاة لأشخاص المجاهدين ، بخلاف الصرف لمصالح الجهاد ومعداته فقد اختلفوا فيه .
(3) عدم جواز صرف الزكاة في جهات الخير والإصلاح العامة من بناء السدود والقناطر ، وإنشاء المساجد والمدارس ، وإصلاح الطرق وتكفين الموتى ونحو ذلك ، وإنما عبء هذه الأمور على موارد بيت المال الأخرى من الفئ والخراج وغيرها .
مع ملاحظة أن بعض العلماء ـ قديماً وحديثاً ـ من توسع في معنى « في سبيل الله » فلم يُقصره على الجهاد ، وما يتعلق به ، بل فسره بما يشمل سائر المصالح والقربات وأعمال الخير والبر وفقاً للمدلول الأصلي للكلمة وضعاً. (1)
- - -
ـــــــــــــ
(1) ملحوظة : ولمن يريد الاستزادة في مباحث الزكاة المختلفة عليه بالرجوع إلى كتاب العلامة الإمام / يوسف القرضاوي ـ رحمه الله ـ فقه الزكاة وهو من الكتب الجامعة في الزكاة ـ الناشر مكتبة وهبة القاهرة .
41
المفتح السادس
الإنابة إلى الله والإسلام له ( التوبة )
الدليل من التنز يل :
قال تعالى:
- ? ?????????????? ??????? ?????????? ?????????????? ????? ??? ??????? ???? ?????????????? ??????????? ????? ??? ??????????? ???? ? (1)(1/43)
- ?? ???????????? ?????? ?????? ????????? ????????? ??????????????? ??????????? ???????????? ? (2)
التوبة في اللغة : الرجوع من الذنب والتَّوبُ جمع توبةٍ مثل عَزْمة وعَزْمٍ ، وتاب إلى الله يَتُبُ توْباً وتوبةً ومتاباً : أناب ورجع عن المعصية إلى الطاعة وقال أبو منصور : أصل تاب : عاد إلى الله ورَجَعَ وأناب (3) .
أهمية التوبة : التوبة هي بداية العبد ونهايته وحاجته إليها في النهاية ضرورية كما أن حاجته إليها في البداية كذلك .
التوبة شرعاً : هي رجوع العبد إلى الله تعالى ومفارقته لصراط المغضوب عليهم والضالين.
حكمها: واجبةٌ من كل ذنب فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمي فلها ثلاثة شروط :
أحدها : أن يُقلع عن المعصية
الثاني : أن يندم على فعلها.
الثالث : أن يعزم على أن لا يعود إليها أبداً . فإن فقد أحد الثلاثة لم تصح توبته وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فشروطها أربعة : هذه الثلاثة والرابعة أن يبرأ من حق صاحبها فإن كانت مالاً أو نحوه ردَّهُ إليه ، وإن كانت حد قذف ونحوه مَكَّنَهُ منه أو طلب عفوه وإن كانت غيبة استحله منها ، ويجب أن يتوب من جميع الذنوب فإن تاب من بعضها صحت توبته من ذلك الذنب وبقى عليه الباقي . وقد تظاهرت دلائل الكتاب والسنة وإجماع الأمة على وجوب التوبة.
ــــــــــــــــــ
(1) [ سورة الزمر:الآية 54]
(2) [ سورة النور:الآية 31]
(3) لسان العرب لابن منظور دار صادر المجلد الأول ص233.
42
التوبة والاستغفار في كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - :(1/44)
وسيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُعُدُ من غير شك إمام التائبين وسيد المستغفرين حيث كان في جميع أوقاته وكل أحواله مشغولاً بذكر الله واستغفاره وعبادته إلى الحد الذي جعل أُم المؤمنين السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ تسأله أن يخفف من عبادته وذكره واستغفاره مُذَكِرة له بغفران الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر فيكون رده عليها : أفلا أكون عبداً شكوراً فيُعَلِمُنا ـ عليه الصلاة والسلام ـ بذلك أن العبد ينبغي عليه أن يكون دائماً في معية الله وفي حضرته بذكرِهِ له واستغفاره شكراً منه لله تعالى على ما أولى من نعم وليس بلازم أن يكون استغفاراً من ذنوب له مباشرة أو غير مباشرة (1).
وبالتأمل في أحاديثه - صلى الله عليه وسلم - عن التوبة والاستغفار يتبين لنا هذه المواقف :
(1) الوقوع في الذنب من فطرة الله التي خلق الناس عليها:
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « والذي نفسي بيده ! لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ، ولجاء بقوم يذنبون ، فيستغفرون الله ، فيغفر لهم » (2) .
وعن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون» (3) .
(2) ترحيب الله بعبده التائب:
عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ، ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ، ليتوب مسيء الليل ، حتى تطلع الشمس من مغربها » (4) .
- - -
ـــــــــــــــــــ
(1) من أسرار المغفرة والإستغفار في القرآن الكريم للأستاذ الدكتور فتحي فريد ـ مكتبة النهضة المصرية ص15، 1993 م ـ 1413هـ .
(2) أخرجه مسلم في صحيحه حديث رقم6899 كتاب التوبة باب : سقوط الذنب بالإستغفار توبة.
(3) أخرجه الترمذي وابن ماجه والحاكم واللفظ لابن ماجه بني آدم حديث رقم 4251.
((1/45)
4) أخرجه مسلم 2760 كتاب التوبة باب : قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت الذنوب والتوبة.وذكره النووي في رياض الصالحين حديث رقم 16 ص26 بتحقيق الشيخ شعيب الأرنؤوط ـ دار الفيحاء ـ دمشق ـ دار السلام ـ الرياض.
43
وعن أبي حمزة أنس بن مالك الأنصاري خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ـ رضي الله عنه : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة» (1) .
وفي رواية لمسلم :
« لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه مِنْ أحدكم كان عَلَى راحلته بأرض فلاة فانفلتت مِنْه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها وقد أيس مِنْ راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عندهُ، فأخذ بخطامها (2) ثم قال مِنْ شدة الفرح: « اللَّهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ مِنْ شدة الفرح » (3) .
(3) مغفرة الله ذنوب التائبين مهما بلغ عددها ووصل حجمها :(1/46)
وعَنْ أبي سعيد ، سعد بن مالك بن سنان الخدري - رضي الله عنهم - أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال: « كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا، فسأل عَنْ أعلم أهل الأرض فدل عَلَى راهب (4) فأتاه فقال :« إنه قتل تسعة وتسعين نفسا فهل له مِنْ توبة » فقال : «لا»، فقتله فكمل به مائة، ثم سأل عَنْ أعلم أهل الأرض فدل عَلَى رجل عالم فقال : « إنه قتل مائة نفس فهل له مِنْ توبة » فقال: « نعم ومن يحول بينه وبين التوبة انطلق إِلَى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم، ولا ترجع إِلَى أرضك فإنها أرض سوء ». فانطلق حتى إذا نصف الطريق(5) أتاه الموت ، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة : « جاء تائبا مقبلاً بقلبه إِلَى الله تعالى ، وقالت ملائكة العذاب:« إنه لم يعمل خيرا قط ، فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم -أي حَكَمَاً- فقال: « قيسوا ما بين الأرضين فإِلَى أيتهما كان أدنى ؟ فهو له » ، فقاسوا فوجدوه أدنى إِلَى الأرض التي أراد ، فقبضته ملائكة الرحمة» (6).
ــــــــــــ
(1) متفق عليه وذكره النووي في رياض الصالحين ص25 حديث رقم 15.
(2) بخطامها : الخِطام المعجمة : الحبل قاله القرطبي .
(3) الرواية لمسلم 2747 وفي هذا الحديث أن ما يقوله الإنسان من مثل هذا في حال دهشته وذهولع لا يؤاخذ به وفيه ضرب المثل بما يصل إلى الأفهام من الأمور المحسوسة والإرشاد إلى الحض على محاسبة النفس .
(4) راهب : عابد من بني إسرائيل .
(5) نَصَفَ الطريق : بتخفيف الصاد المهملة المفتوحة أي بلغ نصفها وفي الحديث فضل التوبة وفضل العلم على العبادة مع الجهل وفضل العزلة .
(6) متفق عليه .
44
(4) قبول توبة العبد أو عدم قبولها مرده إلى الله وحده.(1/47)
فقد أخرج أبو داود في سننه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : « سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : « كان رجلان في بني إسرائيل متواخيين ، فكان أحدهما يذنب والآخر مجتهد في العبادة فكان لا يزال المجتهد يرى الآخر على الذنب فيقول : «أقصر» ، فوجده يوماً على ذنب فقال له : « أقصر » ، فقال : « خلني وربي ، أبعثت علي رقيباً ؟» فقال : « و الله لا يغفر الله لك أو لا يدخلك الله الجنة » فقبض أرواحهما، فاجتمعا عند رب العالمين ، فقال لهذا المجتهد : « أكنت بي عالماً ؟ أو كنت على ما في يدي قادراً ؟ » وقال للمذنب : « اذهب فادخل الجنة برحمتي »، و قال للآخر : « اذهبوا به إلى النار » قال أبو هريرة - رضي الله عنه - : « و الذي نفسي بيده لَتَكَّلمَ بكلمة أوبقت دنياه وآخرته » (1).
(5) المبادرة والإسراع بالتوبة وترك التسويف والتأخير حذراً من مفاجأة الموت :
فعن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ :
خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : « يا أيها الناس توبوا إلى الله قبل أن تموتوا، وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا ، وصلوا الذي بينكم وبين ربكم بكثرة ذكركم له ، و كثرة الصدقة في السر و العلانية ، و تنصروا وتجبروا ، واعلموا أن الله قد افترض عليكم الجمعة في مقامي هذا ، في يومي هذا في شهري هذا ، من عامي هذا ، إلى يوم القيامة ، فمن تركها في حياتي أو بعدي ، و له إمام عادل أو جائر ، استخفافاً بها أو جحودا لها ، فلا جمع الله له شمله ، و لا بارك له في أمره ، ألا ولا صلاة له ، ولا زكاة له ، و لا حج له ، ولا صوم له ، ولا بر له ، حتى يتوب ، فمن تاب تاب الله عليه ، ألا لا تَؤُمَّنَّ امرأةٌ رجلاً ، و لا يَؤُم أعرابيٌّ مهاجراً ، و لا يَؤُم فاجرٌ مؤمناً إلا أن يقهره بسلطان يخاف سيفه وسَوْطَهُ» (2).
ـــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه أبو داود حديث رقم4901 كتاب الأدب باب في النهي عن البغي.
((1/48)
2) أخرجه ابن ماجه حديث رقم1081 وورد في باب : في فرض الجمعة وهذا الحديث من الزوائد وإسناده ضعيف لضعف علي بن زيد بن جدعان وعبد الله بن محمد العدوي .
45
لا ينزل بلاء إلا بذنب ولا يُكشف إلا بتوبة :
ويروى أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - استسقى بالعباس - رضي الله عنه - ، فلما فرغ عمر - رضي الله عنه - من دعائه قال العباس - رضي الله عنه - : اللهم إنه لم ينزل بلاء من السماء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة وقد توجه بي القوم إليك لمكاني من نبيك ، وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا بالتوبة وأنت الراعي لا تهمل الضالة ولا تدع الكسير بدار مضيعة فقد ضرع الصغير ورق الكبير وارتفعت الأصوات بالشكوى وأنت تعلم السر وأخفى. اللهم فأغثهم بغياثك قبل أن يقنطوا فيهلكوا، فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون. قال: فما تم كلامه حتى ارتفعت السماء مثل الجبال.????
ccc
ــــــــــــــــــ
(1) إحياء علوم الدين للإمام الغزالي ـ رحمه الله ، الباب الثاني في آداب الدعاء وفضله.
46
المفتح السابع
التوكل على الله
الدليل من التنز يل :
قال تعالى:
- ? ?????? ?????????? ??????? ????? ???????????? ??????? ???????? ???????????? ??????? ????????? ????????????????? ??????? ???????? ????? ??????? ???????????? ?????? ???????? ?????? ???? ????????? ??????? ????? ???????? ????????????? ?????? ????? ?????????? ???????????? ????? ? (1)(1/49)
- ? ???????? ???????? ????? ?????? ????? ??????? ?????? ????? ???????? ?????????? ?????????? ????????????? ???? ??????????? ????????? ????????? ?????????????????? ?????? ????????????? ? ???????????? ????????? ????????? ???????????? ????? ??????? ?????? ?????? ???????? ?????????????????? ????? ???? ???????????? ?????? ?????? ???????? ??????? ?????? ?????????????? ?????? ??? ???????? ??????????? ????? ??????????? ??????? ?????? ???????????????? ??????????????? ????? ? (2)
- ? ????? ???????? ??????????????? ???????????????????? ?????? ???????????? ???????????? ????? ??????? ???????? ???????? ??????? ???? ? (3)
- ? ????? ????????? ?????? ????????? ?????? ????????? ??? ????????????? ???? ??????? ??? ?????????????? ????? ???????????? ????? ?????? ??????? ??????????? ?????? ?????? ????????? ??????????? ????? ?????? ?????? ??????? ?????? ???????? ??? ? (4)
- ? ?????????? ?????? ??????? ??????????? ??????????????????? ????????????? ??? ??????????? ????? ????????? ?????? ?????? ????? ???? ????? ???? ????? ??????? ?????? ?????? ????? ??? ????????? ?????????? ?????? ????????? ??? ?????????? ???? ???????? ?????????????? ????? ?????? ??????????????? ????????????? ?????????????? ??????? ????? ????????????????? ???? ?????????? ??? ????? ?????? ????? ???????????? ?????? ??????? ???? ????? ???????????? ????????? ????? ??????????? ?????????? ???? ????? ???????????? ???????????? ????? ???????? ??????? ???????? ???????????? ???????????????????? ???? ? (5)
ــــــــــــــــ
(1) [ سورة التوبة:الآيتان 128-129]
(2) [ سورة آل عمران:الآيتان 159-160]
(3) [ سورة الأحزاب:الآية 48]
((1/50)
4) [ سورة الطلاق:من الآية 2 ، 3]
(5) [ سورة الزمر:الآيات 36-38]
47
- ? ????? ?????? ??????????????? ??????? ???? ?????????? ??????????? ????????????? ??????? ?????? ???????????????? ??????????????? ????? ???????? ??????????? ?????? ???????? ?????????? ???????????? ?????????????? ?????? ??????????? ????????????? ????? ????? ???????? ??????????????? ?????? ????????????? ???? ???????????? ????????? ???????????? ?????????? ????? ??????????????????? ??????????? ????? ????????? ???? ???????????? ????????????? ??????????????? ???? ???????????? ??????? ????????????? ????????? ??????????? ?????????? ????? ??????????????????? ???????????? ????? ????? ???????? ?????? ??????? ?????????? ?????? ???????????????? ???????????? ?????? ????? ?????????? ??????? ???? ????? ?????? ??????????? ??????????? ????? ? (1)
- ?????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????(2)
- ? ?????????? ?????? ?????? ????????? ?????? ????????? ?????? ????????? ?????? ????????????????? ???????????? ????????????? ???????????? ??????????? ?????? ???????? ??????????? ????? ? (3)(1/51)
قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن : قوله تعالى: {???????????? ????????????? } أي فزادهم قولُ الناس إيماناً، أي تصديقاً ويقيناً في دينهم، وإقامةً على نُصرتهم، وقوّةً وجراءة واستعداداً. فزيادة الإيمان على هذا هي في الأعمال. قوله تعالى: {???????????? ??????????? ?????? ???????? ??????????? } أي كافينا الله. وحسب مأخوذ من الإحساب، وهو الكفاية.
الدليل من السنة النبوية الشر يفة :
عنِ ابن عباسٍ ـ رضي الله عنهما : ? ??????????? ?????? ???????? ??????????? ? (4) قالَها إبراهيمُ - عليه السلام - حينَ أُلقِيَ في النار، وقالَها محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - حينَ قالوا: ? ??????? ????????? ?????? ????????? ?????? ????????????????? ???????????? ????????????? ???????????? ??????????? ?????? ???????? ??????????? ? (5)»»(6)
ـــــــــــــــــــ
(1) [ سورة آل عمران:الآيات 122-126]
(2) [ سورة الأنفال:الآيات 2-4]
(3) [ سورة آل عمران:الآية 173]
(4) ، (5) [ سورة آل عمران:الآية 173]
(6) أخرجه البخاري باب : قوله تعالى : {إنَّ الناسَ قد جَمعوا لكم فاخَشوْهم فزادَهم إيماناً.. }، حديث رقم: 4445.
48
والآيات والأحاديث في فضل التوكل كثيرة ومعروفة فما هي حقيقة التوكل على الله ؟
التوكل على الله لغةً : يُقال المتوكل على الله الذي يعلم أن الله كافلٌ رزقه وأمْرُه فيركن إليه وحْدَهُ ولا يتوكل على غيره ، وَكِلَ بالله وتوكل عليه واتَّكَلَ: استسلم إليه ،وفي أسماء الله تعالى الوكيل وهو المقيم الكفيل بأرزاق العباد وحقيقته أنه يستقل بأمر الموكول إليه .
وقيل التوكل: نفي الشكوك والتفويض إلى ملك الملوك ، إنما يكون عن قوة يقين وهو بعيد عن الشك .(1/52)
وقيل التوكل : أن يستوي عندك الإكثار والتقلل وقيل : إستسلام لجريان القضاء والأحكام وقيل : الإكتفاء بالله تعالى مع الاعتماد عليه والتوكل محله القلب والحركة بالظاهر لا تنافي التوكل بالقلب بعدما تحقق العبد أن التقدير من قبل الله تعالى وإن تعسر شيء فبتقديره وإن أنفق شيء فبتيسيره وعلى المتوكل على الله أن يأخذ بالأسباب ثم يتوكل يُدلل على ذلك أنه جاء رجل على ناقة فقال : « يا رسول الله أدعها وأتوكل ؟ » فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «اعقلها وتوكل » وفيه دلالة على أن السبب لكونه فعل الجارحة لا ينافي التوكل لكونه فعل القلب بل قد يجد السبب » (1)
من خصال المتوكل :
عدم التطير أي التشاؤم بالطيور ونحوها ولا يطلب الرقية من غيره ذكرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي بشر به عكاشة بن محصن - رضي الله عنه - بدخوله الجنة بغير حساب ولا عذاب. (2)
ــــــــــــ
(1) الرسالة القشيرية عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ص115، 116.
(2) انظر كتاب هؤلاء مع العشرة المبشرين بالجنة لنفس المؤلف .
49
التوكل على الله أحد مفاتح الرزق :
عن عُمر ـ رضي الله عنه ـ قال : « سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : « لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً » (1)
ومعناه تذهب أول النهار خماصاً أي ضامرة البطون من الجوع وترجع آخر النهار بطاناً أي ممتلئة البطون.
التوكل على الله أحد دروب الجنة :(1/53)
يدخل الجنة من أُمته - صلى الله عليه وسلم - سبعون ألف بغير حساب ولا عذاب فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما قال : « قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « عُرِضَت عَلَيَّ الأمم فرأيت النبي ومعه الرُّهيط (2) والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي وليس معه أحدٌ إذ رفع لي سوادٌ عظيم (3) فظننت أنهم أمتي فقيل لي هذا موسى وقومه ولكن انظر إلى الأُفق فنظرت فإذا سوادٌ عظيم فقيل لي انظر إلى الأفق الآخر فإذا سوادٌ عظيم فقيل لي: « هذه أُمتك ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب » ثم نهض فدخل فخاض الناس في أولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب فقال بعضهم : «فلعلهم الذين صحبوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - » وقال بعضهم : « فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام فلم يُشرِكوا بالله شيئاً » وذكروا أشياء فخرج عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : « ما الذي تخوضون فيه؟ » فأخبروه فقال: « هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون »فقام عًكاشة بن محصن فقال : « ادع الله أن يجعلني منهم » فقال : « أنت منهم »ثم قام رجل آخر فقال: « ادع الله أن يجعلني منهم » فقال : « سبقك بها عُكاشة » (4)
ـــــــــــــــــــ
(1) رواه الترمذي وقال حديثً حسن وأورده الإمام النووي في رياض الصالحين . حديث رقم 79 ص 55 باب اليقين والتوكل .
(2) الرُهيط : بضم الراء تصغير رَهط وهم دون العشرة أنفس .
(3) سوادٌ عظيم : أشخاص كثيرة .
(4) رواه البخاري ومسلم ولفظه مُسلم لا يرقون انفرد بها.
50
المتوكل على الله يُنَّحى عَنْهُ الشيطان :
فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : « قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « من قال ـ يعني إذا خرج من بيته ـ :« بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله يُقال له : هُديت وكُفِيتَ وَوقِيتَ وتَنحى عنه الشيطان » » (1)
وقال تعالى :(1/54)
? ????????? ?????????? ?????????????? ?????????????? ???????? ???? ??????????????? ??????????? ???? ????????? ?????? ????? ?????????? ????? ?????????? ?????????? ???????? ?????????? ???????????????? ???? ????????? ????????????? ????? ??????????? ?????????????????? ???????????? ??? ????? ???????????? ????? ? (2)
من دعاء التوكل على الله :
عند دخول البيت :
عن أبي مالك الأشوري - رضي الله عنه - قال :« قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :«إذا ولج بيته فليقل : « اللهم إني أسألك خير المولج وخير المخرج بسم الله ولجنا وبسم الله خرجنا وعلى الله ربنا توكلنا ، ثم يُسلم على أهله » » (3)
في الصلاة:
عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : « أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل : « «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ. أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ. وَلَكَ الْحَمْدُ. أَنْتَ قَيَّامُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ. وَلَكَ الْحَمْدُ. أَنْتَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ. وَمَنْ فِيهِنَّ. أَنْتَ الْحَقُّ. وَوَعْدُكَ الْحَق . وَقَوْلُكَ الْحَقُّ وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ وَالْجَنَّةُ حَقٌّ. وَالنَّارُ حَقٌّ. وَالسَّاعَةُ حَقٌّ. اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ. وَبِكَ آمَنْتُ. وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ. وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ. وَبِكَ خَاصَمْتُ. وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ. فَاغْفِرْ لِي. مَا قَدَّمْتُ وَأَخَّرْتُ. وَأَسْرَرْتُ وَأَعْلَنْتُ. أَنْتَ إِلهِي لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ». (4)
_____________
(1) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم وأورده الإمام النووي في رياض الصالحين باب اليقين والتوكل وصححه ابن حبان 2375.
(2) [ سورة النحل:الآيات 98-100]
(3) سنن أبي داود باب : ( ما يقول الرجل إذا دخل بيته )
(4) أخرجه مسلم باب : الدعاء في صلاة الليل وقيامه ، حديث رقم: 1758.
51(1/55)
عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، كان يقول : «اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وبِكَ آمَنْتُ ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وإلَيْكَ أَنَبْتُ، وبِكَ خَاصَمْتُ، أعُوذُ بِكَ لا إلهَ إِلا أَنْتَ أَنْ تُضِلَّني، أنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لا يمُوتُ، والْجِنُّ والإِنْسُ يَمُوتُونَ». (1)
عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال : « قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « ما من مسلم يخرج من بيته يريد سفراً أو غيره فقال حين يخرج : « بسم الله آمنت بالله اعتصمت بالله ، توكلت على الله ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، إلا رزق خير ذلك المخرج وصرف عنه شر ذلك المخرج » (2)
عَن أُمِّ سَلَمَةَ ـ رضي الله عنها : « أَنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ قالَ: بِسمِ الله تَوَكّلْتُ عَلَى الله اللّهُم إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ أنْ نَزِلَّ أوْ نَضِلَّ أَوْ نَظْلِمَ أَوْ نُظْلَمَ أوْ نَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيْنَا» . (3)
عن هشام بن عامر الأنصاري - رضي الله عنه - قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :«إِنَّ رَأْسَ الدّجّالِ مِنْ وَرائِهِ حُبك حُبك وَإِنّهُ سَيَقولُ أَنا رَبُّكُمْ فَمَنْ قالَ: أَنْتَ رَبّي افْتَنَنَ، وَمَنْ قالَ: كَذَبْتَ رَبّي الله وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنيبُ فَلا يَضُرُّهُ» ، أو قال: «فَلا فِتْنَة عَلَيْهِ». (4)
دعوة التوكل على الله هي دعوة يوم الفزع الكبر :
عن أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قال: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : «كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الصُّورِ قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ ، وَحَنَى جَبْهَتَهُ يَنْتَظِرُ مَتَى يؤْمَرُ أَنْ يَنْفُخَ »؟ قالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللّهِ فما نَقُولُ يَوْمَئَذٍ؟ قال : « قُولُوا: حَسْبُنَا الّلهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ».(5)
ــــــــــــــــــ
((1/56)
1) أخرجه ابن حبان ، حديث رقم: 874.
(2) مسند الإمام أحمد مسند عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ
(3) رواه الترمذي، باب : ما يقول إذا خرج ، حديث رقم: 3558 ، وقال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح .
(4) أخرجه الحاكم في المستدرك ، حديث رقم : 8600 ، وصححه على شرط الشيخيخن ، ومسند الإمام أحمد حديث هشام بن عامر .
(5) أخرجه ابن حبان في صحيحه ، حديث رقم: 800، وأخرجه الحاكم والترمذي ، باب ما جاء في شأن الصور وحسنه ، حديث رقم2478، وصاحب القرن هو إسرافيل ـ عليه السلام.
52
المفتح الثامن
التقوى
الدليل من التنز يل :
قال تعالى :
- ? ????????????????? ?????????? ?????????? ??????????? ???????????? ???????????? ????????????? ?????? ??????????? ????????????? ????? ? (1)
- ? ?????????????? ?????? ???????????????? ???????????????? ??????????? ???????????? ????? ? (2)
- ? ????????????????? ?????????? ?????????? ????????????? ??????????? ???????????? ????? ???????????? ????????????? ??????? ??????????? ????????????? ?????? ?????? ???? ?????????????? ????? ? (3)
- ? ?????????????? ?????????? ???? ???????? ??????? ??? ????????? ?????????? ????? ?????????? ??????? ?????????? ????? ????????? ??????? ?????? ????? ???? ??????????? ???? ? (4)
- ? ????????????? ????????? ???? ???????? ???????? ??? ????????? ???????????? ????? ????????? ??????? ?????? ????? ??????????????? ?????????? ????? ???? ??????????? ????? ? (5)
- ? ???????? ??????????? ?????? ???????? ?????????? ???????????? ?????????????? ?????? ??????????? ????????????? ????? ? (6)(1/57)
التقوى : هي جماع الخيرات وحقيقة الاتقاء التحرز بطاعة الله عن عقوبته يقال اتقى فلان بترسه وأصل التقوى اتقاء الشرك ثم بعده اتقاء المعاصي والسيئات ثم بعده اتقاء الشبهات ثم تدع بعده الفضلات.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « إنما الدنيا لأربعة نفر : عبدٍ رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتقي ربَّه ويصل به رحمه ويَعْلَمُ لله فيه حقاً فهذا بأفضل المنازل ،
ـــــــــــــــــ
(1) [ سورة آل عمران:الآية 200]
(2) [ سورة المائدة:الآية 100]
(3) [ سورة التوبة:الآية 123]
(4) [ سورة البقرة:الآية 48]
(5) [ سورة البقرة:الآية 123]
(6) [ سورة آل عمران:الآية 123]
53
وعبد رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً فهو صادق النية يقول :لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان فهو بنيته فأجرهما سواءٌ ، وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علماً فهو يُخْبَطُ في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم لله فيه حقاً فهذا بأخبث المنازل ، وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علماً فهو يقول لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فُلان فهو بنيته فوزرهما سواءٌ » (1)
بين لنا رسول الله أن الدنيا لأربعة نفر من الرجال أفضلهم التقي الذي يتقي الله وأخبثهم هو الضد منه الذي لا يتقي الله وفي حديث آخر عن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ قال : قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ? :
« أي الناس أفضل ؟ » قال :« كل مخموم القلب صدوق اللسان قالوا :« صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب ؟ »
قال : « هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غِلَّ ولا حسد» (2)
من فضائل التقوى
المتقين في معية الله :
قال تعالى : ? ??????? ??????????? ?????????? ??????????????? ????????? ???????? ??? ??????????? ??????????? ????????????? ?????? ??????????????? ?????? ?????? ???? ?????????????? ? (3)
التقوى مفتح هام من مفاتح البركة في الرزق :(1/58)
قال تعالى : ? ????? ????????? ?????? ????????? ?????? ????????? ??? ????????????? ???? ??????? ??? ?????????????? ????? ???????????? ????? ?????? ??????? ??????????? ?????? ?????? ????????? ??????????? ????? ?????? ?????? ??????? ?????? ???????? ??? ? (4)
ـــــــــــــــ
(1) أخرجه الترمذي باب : ما جاء مثل الدنيا مثل أربعة نفر.
(2) مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماحه باب: الورع والتقوى وإسناده صحيح ورواه البيهقي في سننه من هذا الوجه .
(3) [ سورة البقرة:الآية 194]
(4) [ سورة الطلاق:من الآية 2، والآية 3 ]
54
الله يحب المتقين :
قال تعالى : ? ??????? ???? ?????????? ??????????? ????????????? ????????? ?????? ???????? ?????????????? ???? ? (1)
التقوى خير زاد :
قال تعالى : ? ?????????????????? ????????? ??????? ????????? ?????????????? ????????????? ?????????????? ???????????????? ? (2)
أكرمكم عند الله أتقاكم :
قال تعالى : ? ???????????????? ????????? ??????? ??????????????? ???? ?????? ?????????? ????????????????? ????????? ????????????? ????????????????? ?????? ????????????? ????? ?????? ???????????????? ?????? ???????? ??????? ??????? ???? ? (3)
يتقبل الله من المتقين :
قال تعالى : ? ? ?????????? ?????????? ???????? ?????????? ??????? ???????????? ????? ?????????? ????????????? ????????????? ???? ???????????? ?????? ???????????? ???? ??????????? ?????? ???????????????????? ?????? ?????????? ???????????? ?????? ???? ??????????????? ???? ? (4)
الدار الآخرة هي دار المتقين :(1/59)
قال تعالى : ? ? ??????? ?????????? ???????????? ??????? ???????? ??????????? ????????? ????????? ??????????? ???????????? ? ???????? ???????????? ????????? ????????? ??????????? ???????? ?????????? ????? ?????????????? ???? ?????????? ?????? ????????????????? ???????? ??? ??????????? ???????????????? ?????? ??????? ??? ????????????? ????????? ???????? ?????? ?????????????? ???? ? (5)
الجنة وعد الله للمتقين :
قال تعالى : ? ??????? ??????????? ???????? ?????? ??????????????? ??????? ???????????? ???? ??????? ????????? ??????? ?????????????? ???? ???????? ????? ???????????? ????????? ?????????????? ????? ?????? ???????? ????????????????? ?????????????? ????? ?????? ??????????? ???????? ?????? ??? ????? ????????????? ?????????????? ???? ???????????? ?????? ???? ???????? ? ????????? ????????? ?????? ??????? ?????????? ??????????????? ???? ? (6)
ــــــــــــــــ
(1) [ سورة آل عمران:من الآية 76]
(2) [ سورة البقرة:من الآية 197]
(3) [ سورة الحجرات:الآية 13]
(4) [ سورة المائدة:الآية 27]
(5) [ سورة النحل:الآيتان 30-31]
(6) [ سورة محمد:الآية 15]
55
من أقوال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في التقوي
- دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - : « اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى » (1)
- عن أبي سعيد الخُدري ـ رضي الله عنه ـ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « إن الدنيا حُلوة خضرة وإن الله مُستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء » (2)(1/60)
- عن أبي أمامة ـ رضي الله عنه ـ يقول : « سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يخطب في حجة الوداع فقال: « اتقوا الله ربكم وصلوا خمسكم وصوموا شهركم وأدوا زكاة أموالكم وأطيعوا ذا أمركم تدخلوا جنة ربكم » (3)
- عن أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قالَ ،: « سُئِلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَكْثَرَ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ، قالَ: تَقْوَى الله وَحُسْنُ الْخُلُقِ ، وَسُئِلَ عَنْ أَكْثَرَ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ، قالَ: الفَمُ وَالْفَرْجُ» (4) .
- عَن الحَسَنِ عَن سَمُرَةَ - رضي الله عنه - عَن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «الحَسَبُ المَالُ ، وَالكَرَمُ التَّقْوَى» (5).
- - -
ــــــــــــــــــ
(1) رواه أحمد في مسنده عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه .
(2) رواه مسلم باب : أكثر أهل الجنة من الفقراء
(3) رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .
(4) أخرجه الترمذي باب ما جاء في حسن الخلق رقم الحديث 2010، وقال أبو عِيسَى: هذا حديثٌ صحيحٌ غريبٌ.
(5) أخرجه الترمذي في سننه باب سورة الحجرات حديث رقم : 3395 ، قال أبو عيسى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. وأخرجه الحاكم في المستدرك وصححه .وابن ماجه باب في التقوى والورع حديث : 4310.
56
المفتح التاسع
الصبر
الدليل من التنز يل :
قال تعالى :
- ? ????????? ?????????? ?????? ???? ?????????? ???????????? ?????? ??? ??????????? ??????????? ???????? ???????????? ???????????? ????? ????????? ????????????? ??????? ????????? ????????? ??? ???????????? ???????????????? ???? ? (1)(1/61)
- ? ????????? ???????? ???????? ????????????? ?????? ?????? ?????? ????????????? ??????????? ?????? ?????? ?????? ????????? ??????? ????? ????? ??????????? ????????????? ???????? ??????? ???? ????????????? ????????????? ?????????? ???????????? ?????? ??????????????? ?????????? ????????? ?????????? ???? ????????????? ?????????? ???????? ????????? ??? ???????? ????? ?????????? ???????????? ????????????? ?????? ??????????? ???????????? ?????????? ????????????? ?????? ??? ???? ??????????? ????????????? ????????? ??????????? ?????????? ??????????? ??????? ??????????? ???? ???????????????? ????? ???????? ?????????? ?????????? ???????????? ????????? ?????????????? ?????????? ?????????? ???????? ?????????? ???????????????? ?????????????? ????? ?????????? ???????????????? ????? ????????????? ??????????? ?????? ?????????? ???????? ???????? ???????????? ?????? ?????????? ?????????????? ???????????? ????????? ???????????? ????????? ??????? ?????? ????????? ?????????? ???????? ??????????? ??????????? ??????????? ?????? ??? ??????? ????? ??????????????? ????? ? (2)
- ? ????????????????? ???????????? ??????????????? ???????????? ??????????? ??????? ????? ??????????????? ???? ? (3)(1/62)
- ? ????? ?????? ??????????????? ??????? ???? ?????????? ??????????? ????????????? ??????? ?????? ???????????????? ??????????????? ????? ???????? ??????????? ?????? ???????? ?????????? ???????????? ?????????????? ?????? ??????????? ????????????? ????? ????? ???????? ??????????????? ?????? ????????????? ???? ???????????? ????????? ???????????? ?????????? ????? ??????????????????? ??????????? ????? ????????? ???? ???????????? ????????????? ??????????????? ???? ???????????? ??????? ????????????? ????????? ??????????? ?????????? ????? ??????????????????? ???????????? ????? ????? ???????? ?????? ??????? ?????????? ?????? ???????????????? ???????????? ?????? ????? ?????????? ??????? ???? ????? ?????? ??????????? ??????????? ????? ? (4)
ــــــــــــــــ
(1) [ سورة الأنعام:الآية 34]
(2) [ سورة البقرة:الآيات 249-251]
(3) [ سورة البقرة:الآية 45]
(4) [ سورة آل عمران:الآيات 122-126]
57
- ? ???? ????????????? ???????? ??????????? ?????? ??????????? ????????????? ?????????????? ?????? ?????? ???????????? ????????????? ??? ???????????? ?????????? ???????????? ?????? ?????? ????? ????????????? ??????? ????? ? (1)(1/63)
- ? ????????????????? ??????????? ?????????? ??????????????? ????? ???????????? ???? ?????? ???????? ????????? ????????????? ????????????? ????????????????? ?????? ?????? ??????? ???????????? ?????????????? ?????????? ????? ??????????? ????????? ????????????? ???????? ???? ????????????? ???? ???????????? ??????? ?????? ??????? ???????? ?????? ??????? ????????? ??????? ?????? ??????? ???????????? ????????? ????????????? ????????????????? ?????? ?????? ???????? ??????? ?????????????? ????????????? ??????????? ??????? ??????????? ???? ??????????????? ???? ? (2)
- ? ???????????? ???? ?????????? ????????? ??????? ????????????? ??????? ?????? ?????????? ?????? ???????????? ? ????????? ?????? ????? ????????? ????? ???????????????? ??????????? ???????? ???????????????? ????? ????? ????? ???????????? ???????? ???? ?????????? ?????????? ????????? ?????? ???????????? ????????????????? ???? ??????????? ?????????? ????????????????? ?????????????? ????? ?????????? ??????????????? ????? ?????????????????? ?????? ??????? ????????????? ???????? ??????? ???????????? ??????????? ???????? ??????????????? ????? ? (3)
الدليل من السنة النبو ية الشر يفة :
النصر مع الصبر :(1/64)
عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه قال : «كنت رديف النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : «يا غُلام ـ أو يا غُليم ـ ألا أُعلمك كلمات ينفعك الله بهن » فقلت « بلى » فقال : « احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده أمامك تعرف إليه في الرخاء يعرفك في الشدة وإذا سألت فسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله قد جف القلم بما هو كائن فلو أن الخلق كلهم جميعاً أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه وإن أرادوا أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه واعلم أن في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً وأن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسراً » (4)
ــــــــــــــــــ
(1) [ سورة آل عمران:الآية 120]
(2) [ سورة الأنفال:الآيتان 65-66]
(3) [ سورة آل عمران:الآيات 146-148]
(4) رواه أحمد في مسنده ، وأخرجه قريباً منه الحاكم في المستدرك وزاد وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَلَمَ قَدْ جَرَى بِما هُوَ كائِن .
58
الصبر مفتح من مفاتح النصر
الأمر الإلهي في سورة آل عمران وما يترتب عليه من فلاح :
بالإضافة لما قدمناه من آيات في بداية هذا المفتح الهام قال تعالى : ? ????????????????? ?????????? ?????????? ??????????? ???????????? ???????????? ????????????? ?????? ??????????? ????????????? ? (1)
{????????????????? ?????????? ?????????? ??????????? } الآية. ختم تعالى سورة آل عمران بما تضمنته هذه الآية من الوصايا التي جمعت الظهور في الدنيا على الأعداء والفوز بنعيم الآخرة؛ فحضّ على الصبر على الطاعات وعن الشهوات، والصبر الحبس ، وأمر بالمصابرة فقيل: معناه مصابرة الأعداء؛ قاله زيد بن أسلم.وقال الحسن: على الصلوات الخمس. وقيل: إدامة مخالفة النفس عن شهواتها فهي تدعو وهو يَنْزَع. وقال عطاء والقرظي: صابروا الوَعْد الذي وُعِدتم. أي لا تيأسوا وانتظروا الفرج؛ قال - صلى الله عليه وسلم - : «انتظار الفرج بالصبر عبادة».(2)
{(1/65)
????????????} فقال جمهور الأمة: رَابِطُوا أعداءكم بالخيل، أي ارتبطوها كما يرتبطها أعداءكم؛ ومنه قوله تعالى : {?????? ????????? ?????????? } (3)
وعن زيد بن أسلم قال: كتب أبو عبيدة بن الجرّاح - رضي الله عنه - إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يذكر له جموعاً من الروم وما يتخَوّف منهم؛ فكتب إليه عمر - رضي الله عنه - : أما بعد، فإنه مهما ينزل بعبد مؤمن من مُنَزّلِ شدّةٍ يجعل الله له بعدها فَرَجاً، وإنه لن يغلِب عسر يُسرين، وإنّ الله تعالى يقول في كتابه : ? ????????????????? ?????????? ?????????? ??????????? ???????????? ???????????? ????????????? ?????? ??????????? ????????????? ?.. .. ».(4)
الصَّبْرُ لغة : نقيض الجزع ، صَبَرَ يَصْبرُ صَبْراً فهو صابرٌ وصَّبارٌ وصَبِير وصَبور والصبر حبس النفس عند الجزع وقد صَبَرَ فلان عند المصيبة يَصبرُ وصَبَرْتُه أنا حبسته وفي أسماء الله الحُسنى : الصبور وهو الذي لا يُعالج العصاة بالانتقام . (5)
ـــــــــــــــ
(1) [ سورة آل عمران:الآية 200]
(2) أخرجه الترمذي عن عبد الله قالَ قالَ رَسُولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم : «سَلُوا الله مِنْ فَضْلِهِ فَإِنَّ الله عز وجلّ يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ وَأَفْضَلُ العِبَادَةِ انْتِظَارُ الفَرَجِ» ، وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ، حديث رقم: 20271، ولفظه : عن أنسٍ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَفْضَلَ العِبَادَةِ انْتِظَارُ الفَرَجِ (مِنَ الله)». وقال الهيثمي : رواه البزار، وفيه: من لم أعرفه.
(3) [ سورة الأنفال:الآية 60]
(4) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي .
(5) لسان العرب ج4 ص 437 ( فصل الصاد المهملة ) بتصرف
59
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في الصبر :(1/66)
والصبرُ من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ، وهو ثلاثةُ أنواع: صبر على فَرائض الله ، فلا يُضيعُهَا، وصبر عن محارمه، فلا يرتكبُهَا، وصبر على أقضيته وأقداره، فلا يتسخطُهَا، ومن استكمل هذه المراتبَ الثلاث، استكمل الصبر، ولذةُ الدنيا والآخرة ونعيمها، والفوزُ والظفرُ فيهما، لا يصل إليه أحدٌ إلا على جسر الصبر، كما لا يصلُ أحد إلى الجنة إلا على الصراط. قال عمرُ بنُ الخطاب - رضي الله عنه - : خيرُ عيش أدركناه بالصبر.
وإذا تأملتَ مراتبَ الكمال المكتسب في العالم ، رأيتها كلها منوطةً الصبر، وإذا تأملتَ النُّقصان الذي يُذَمُّ صاحبه عليه، ويدخل تحتَ قُدرته ، رأيته كله من عدم الصبر، فالشجاعةُ والعفةُ، والجودُ والإيثارُ، كلُّه صبرُ ساعة.
فَالصبرُ طلسمٌ عَلَى - كَنز العُلَى - مَن حَل ذَا الطلسم فَازَ بكَنزه
وأكثرُ أسقام البدن والقلب، إنما تنشأ عن عدم الصبر، فما حُفظَت صحةُ القلوب والأبدان والأرواح بمثل الصبر، فهو الفاروق الأكبر، والتريَاق الأعظم، ولو لم يكن فيه إلا معيةُ الله مع أهله، فإن الله مع الصابرين ومحبته لهم، فإن اللهُ يُحب الصابرين، ونصرُهُ لأهله، فإن النصر مع الصبر، وإنه خير لأهله ، وإنه سببُ الفلاح . (1)
من فضائل الصبر
أن الله مع الصابرين :
قال تعالى : ? ????????????????? ?????????? ??????????? ??????????????? ???????????? ?????????????? ?????? ?????? ???? ??????????????? ????? ?(2)
ــــــــــــــــــــــ
(1) زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم الجوزية ـ رحمه الله ، بتصرف .
(2) [ سورة البقرة:الآية 153]
60
الصابرون في المرض ووقت القتال من الصادقين ومن المتقين:(1/67)
قال تعالى : ? ? ???????? ????????? ???? ??????????? ??????????? ?????? ????????????? ????????????????? ??????????? ????????? ???? ??????? ???????? ????????????? ????????? ????????????????????? ??????????????? ??????????????????? ????????? ????????? ?????? ????????? ????? ?????????????? ????????????????? ?????????????????? ????????? ?????????????? ???????????????????? ??? ???????????? ??????????? ????????????? ????????? ????????????? ??????????????? ???????????? ?????? ???????????? ????????????????? ? ???????????????? ??????????????? ??????? ???????????? ???????????????? ?????????? ??????????? ?????????????????? ???? ?????????????? ????? ? (1)
من شروط الإمامة الصبر واليقين :
قال تعالى : ? ???????????? ????????? ??????????? ?????????? ????????????? ?????? ??????????? ??????????? ????????????????? ???????????? ???? ? (2)
الصابرون لهم مغفرة وأجر كبير:
قال تعالى : ? ????????? ???????????????? ??????????? ??????? ??????????? ?????????? ????????????? ?????? ????????????????? ???????? ?????????? ???????? ???????? ???? ??????? ?????????? ?????????? ???????????? ???????????????? ???????????????? ????? ????????????? ?????????? ??????? ???? ? (3)
يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب :
? ????? ???????????? ?????????? ??????????? ??????????? ???????????? ?????????? ????????????? ? ???????? ????????????? ????????? ????????? ?????? ?????????? ?????????? ????????? ??????????????? ?????????? ?????????? ??????? ???? ? (4)
ما أُعطيَّ أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر :(1/68)
عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ - رضي الله عنه - «إنَّ ناساً منَ الأنصارِ سألوا رسولَ - صلى الله عليه وسلم - فأعطاهم، ثمَّ سألوهُ فأعطاهم، ثمَّ سألوه فأعطاهم، حتى نفِدَ ما عندَهُ فقال: ما يكونُ عندي من خيرٍ فلنْ أدَّخِرَهُ عنكم ، ومَن يَستعفِفْ يُعفَّهُ اللهُ ، ومَن يَستغْنِ يُغنِه اللهُ ، ومَن يَتصبَّرْ يُصبِّرْهُ الله، وما أُعطِيَ أحدٌ عطاءً خيراً وأوسعَ منَ الصبر». (5)
ــــــــــــــ
(1) [ سورة البقرة:الآية 177]
(2) [ سورة السجدة:الآية 24]
(3) [ سورة هود:الآيتان 10-11]
(4) [ سورة الزمر:الآية 10]
(5) أخرجه البخاري باب : الاستعفاف عن المسألة ، حديث رقم: 1451.
61
الصبر ضياء :
عن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري ـ رضي الله عنه ـ قال : « قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « الطهور شطر الإيمان (1) والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن ـ أو تملأ ـ ما بين السماوات والأرض والصلاة نورٌ والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حُجة لك أو عليك كل الناس يغدو(2) ، فبائعٌ نفسه فمُعْتْقُها أو موبقها (3) »» (4)
الصبر رزق :
... عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : « ما رزق عبدٌ خيراً له ولا أوسع من الصبر» (5)
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن أهله شكوا إليه الحاجة فخرج إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليسأله لهم شيئاً فوافقه على المنبر يقول :
«أيها الناس قد آن لكم أن تستغنوا عن المسألة فإنه من يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله والذي نفس محمد بيده ما رزق عبد شيئاً أوسع من الصبر ولئن أبيتم إلا أن تسألوني لأعطينكم ما وجدت » (6)
الفقير الصابر يسبق الغني إلى الجنة :(1/69)
جاء ثلاثة نفر إلى عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ فقالوا :« يا أبا محمد إنا والله لا نقدر على شيء لا نفقة ولا دابة ولا متاع» فقال لهم :« ما شئتم إن شئتم رجعتم إلينا فأعطيناكم ما يَسَرَ الله لكم وإن شئتم ذكرنا أمركم للسلطان وإن شئتم صبرتم فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : « إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفاً» قالوا:« فإنا نصبر لا نسأل شيئاً»»(7)
ـــــــــــــ
(1) شطر الإيمان : أي نصفه أي ينتهي تضعيف أجره إلى النصف .
(2) أي حجة على إيمان مؤديها إلى مستحقيها .
(3) أي :كل إنسان يسعى بنفسه ، فمنهم من يبيعها لله بطاعته ومنهم من يبيعها للشيطان والهوى.
(4) رواه مسلم في صحيحه وأورده النووي في رياض الصالحين باب : الصبر ص 54 حديث رقم 1 / 25 .
(5) رواه الحاكم في مستدركه ص 449 ج2 مكتبة الحديث الشريف دار العريس .
(6) رواه ابن حبان في صحيحه ج8 ص 192 باب: ذكر البيان بأن من استغنى بالله ـ جل وعلا ـ عن خلقه أغناه الله عنهم بفضله .
(7) أخرجه مسلم في صحيحه .
62
الصبر نصف الإيمان والصيام نصف الصبر :
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال :« الصبر نصف الإيمان واليقين الإيمان كله » (1)
وعن سعيد بن المسيب عن سلمان ـ رضي الله عنه ـ قال : « خطبنا رسول - صلى الله عليه وسلم - الله في آخر يوم من شعبان فقال : «أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم شهر مبارك شهر فيه ليلة خير من ألف شهر ، جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعاً من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة وشهر المواساة وشهر يزداد فيه رزق المؤمن من فَطَّرَ فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه »» (2)(1/70)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:« أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «الصيام نصف الصبر وأن لكل شيء زكاة وزكاة الجسد الصيام » » (3)
الصبر أحد دروب الجنة :
عن جرير - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قال الله تعالى : « إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه ثم صبر عوضته منهما الجنة » (3) ـ يعني عينيه.
وعن عطاء بن أبي رباح - رضي الله عنه - قال : « قال لي ابن عباس ـ رضي الله عنهما : «ألا أًريك امرأة من أهل الجنة ؟» قلت : «بلى » قال : « هذه السوداء أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت : « إني أُصرع وأتكشف فادع الله لي » قال : «إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله أن يعافيك ؟ »» قالت : « لا بل أصبر فادع الله أن لا أتكشف ـ أو لا ينكشف عني »قال : « فدعا لها » (4)
ــــــــــــــــــــ
(1) رواه الطبراني في الكبير ورواته رواة الصحيح ، أبي نعيم في الحلية ، البيهقي في شعب الإيمان وهو موقوف وقد رفعه بعضهم .
(2) للحديث بقية وفيه من الفضائل العظيمة لشهر رمضان شهر الصبر والحديث أورده ابن خذيمة في صحيحه باب : فضائل شهر رمضان إن صح الخبر .
(3) أخرجه ابن أبي شيبة وابن ماحه والبيهقي عن أبي هريرة وأورده السيوطي ـ رحمه الله في تفسيره ج1 ص483
(4) رواه أحمد ، البخاري عن أنس والطبراني عن جرير .
(5) مسند الإمام أحمد ، مسند عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما .
63
الصبر على موت الأولاد :
عن معاوية بن قرة عن أبيه قال : «كان رجلٌ يختلف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مع بُنيّ له ففقده النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا :« مات يا رسول الله» فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبيه : فقالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لأبيهِ: «أَمَا يَسُرُّكَ أَلا تَأتِيَ باباً مِنْ أبوابِ الجَنَّةِ إلا وَجَدْتَهُ يَنْتَظِرُكَ». (1)(1/71)
والصبر ثلاثة أنواع أولها صبرٌ على المصيبة والثاني الصبر على طاعة الله والثالث الصبر على محارم الله .
والصبر على المصيبة لا يكون إلا عند الصدمة الأولى واشتداد البلاء عن أنس ابن مالك ـ رضي الله عنه ـ يقول : « قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «الصبر عند الصدمة الأولى » ». (2)
ومن آدابه أن يسترجع ويقول: « إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مُصيبتي واخلف لي خيراً منها»
فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ـ رضي الله عنها ـ أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:«مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَة فَيقُولُ: إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْراً مِنْهَا ـ إِلاَّ أَجَرَهُ اللهُ فِي مُصِيبَتِهِ. وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْراً مِنْهَا» (3)
من وصايا الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن لا نتمنى لقاء العدو وإذا لقيناه نصبر :
عن عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى ـ رضي الله عنهما ـ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ ، حِينَ خَرَجَ إِلَى الْحرُورِيَّةِ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا الْعَدُوَّ انْتَظَرَ حَتَّى مَالَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ قَامَ فِي النَّاسِ فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ لاَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَسَلُوا اللهَ الْعَافِيَةَ ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ ، وَهَازِمَ الأَحْزَابِ اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ » (4)
ــــــــــــ
(1) أخرجه ابن حبان في صحيحه باب : ( ذكر ثواب نوال الجنان )
((1/72)
2) من الحديث المتفق عليه أخرجه مسلم في صحيحه باب : ( في الصبر على المصيبة ) ، أخرجه البخاري في: 23 كتاب الجنائز: 32 باب زيارة القبور
(3) أخرجه مسلم في صحيحه باب : ( ما يقال عند المصيبة )
(4) متفق عليه اللؤلؤ والمرجان باب : كراهة تمني لقاء العدو ، وأخرجه البخاري في: 56 كتاب الجهاد: 156 باب لا تمنوا لقاء العدو .
64
... قال الإمام النووي ـ رحمه الله : قوله - صلى الله عليه وسلم - : «لا تمنوا لقاء العدو .. ، وإذا لقيتموهم فاصبروا».
إنما نهى عن تمني لقاء العدو لما فيه من صورة الإعجاب والإتكال على النفس والوثوق بالقوة وهو نوع بغي، وقد ضمن الله تعالى لمن بغى عليه أن ينصره ولأنه يتضمن قلة الإهتمام بالعدو واحتقاره ، وهذا يخالف الاحتياط والحزم، وتأوله بعضهم على النهي عن التمني في صورة خاصة ، وهي إذا شك في المصلحة فيه وحصول ضرر وإلا فالقتال كله فضيلة وطاعة والصحيح الأول، ولهذا تممه - صلى الله عليه وسلم - بقوله - صلى الله عليه وسلم - : «وسلوا الله العافية». وقد كثرت الأحاديث في الأمر بسؤال العافية، وهي من الألفاظ العامة المتناولة لدفع جميع المكروهات في البدن والباطن في الدين والدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العافية العامة لي ولأحبائي ولجميع المسلمين. وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : « فإذا لقيتموهم فاصبروا» فهذا حث على الصبر في القتال وهو آكد أركانه .(1/73)
وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : «واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف» فمعناه ثواب الله والسبب الموصل إلى الجنة عند الضرب بالسيوف في سبيل الله ومشي المجاهدين في سبيل الله فاحضروا فيه بصدق واثبتوا. قوله في هذا الحديث: وقوله : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - انْتَظَرَ حَتَّى مَالَتِ الشَّمْسُ ، وقد جاء في غير هذا الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا لم يقاتل أول النهار انتظر حتى تزول الشمس، قال العلماء: سببه أنه أمكن للقتال فإنه وقت هبوب الريح ونشاط النفوس وكلما طال ازدادوا نشاطاً وإقداماً على عدوهم، وقد جاء في صحيح البخاري: أخر حتى تهب الأرواح وتحضر الصلاة، قالوا: وسببه فضيلة أوقات الصلوات والدعاء عندها. قوله: «ثم قام النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الأَحْزَابِ اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ » فيه استحباب الدعاء عند اللقاء والاستنصار والله أعلم. (1)
ـــــــــــــــــ
(1) شرح النووي لصحيح مسلم بتصرف ج12 ص38.
65
المفتح العاشر
إعداد قدر الاستطاعة من القوة
الدليل من التنز يل :
قال تعالى :
? ??????????????? ????? ???? ??????????????? ???? ???????? ????? ????????? ?????????? ???????????? ????? ??????? ?????? ????????????? ???????????? ??? ????????? ??? ?????????????????? ?????? ??????????????? ????? ???????????? ??? ?????? ? ????????? ?????? ???????? ??????????? ?????????? ??? ?????????????? ???? ? (1)
وقوله سبحانه: « {??????????????? ????? ???? ??????????????? ???? ???????? } المخاطبةُ في هذه الآية لجميع المؤمنين». (2)
«(1/74)
والمراد بالقوة ههنا: ما يكون سبباً لحصول القوة ، روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قرأ هذه الآية على المنبر وقال: «ألا إن القوة الرمي» قالها ثلاثاً. وهذا عام في كل ما يتقوى به على حرب العدو، وكل ما هو آلة للغزو والجهاد فهو من جملة القوة. وقوله - صلى الله عليه وسلم - : «القوة هي الرمي» لا ينفي كون غير الرمي معتبراً ، كما أن قوله - صلى الله عليه وسلم - : «الحج عرفة» و «الندم توبة» لا ينفي اعتبار غيره، بل يدل على أن هذا المذكور جزء شريف من المقصود فكذا ههنا، وهذه الآية تدل على أن الاستعداد للجهاد بالنبل والسلاح وتعليم الفروسية والرمي فريضة، إلا أنه من فروض الكفايات».(3)
وقال السعدي ـ رحمه الله : {???? ??????????????? ???? ???????? } أي: كل ما تقدرون عليه، من القوة العقلية والبدنية ، وأنواع الأسلحة ونحو ذلك، مما يعين على قتالهم. فدخل في ذلك أنواع الصناعات التي تعمل فيها أصناف الأسلحة والآلات من المدافع، والرشاشات، والبنادق، والطيارات الجوية، والمراكب البرية والبحرية، والقلاع، والخنادق، وآلات الدفاع، والرأْي والسياسة التي بها يتقدم المسلمون ويندفع عنهم به شر أعدائهم، وتَعَلُّم الرَّمْي، والشجاعة والتدبير.
ــــــــــــــــــ
(1) [ سورة الأنفال:الآية 60]
(2) تفسير الثعالبي ، تفسير الآية (60 ) من سورة الأنفال .
(3) التفسير الكبير لفخر الدين الرازي تفسير الآية رقم (60) من سورة الأنفال بتصرف .
66
ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «ألا إن القوة الرَّمْيُ» ومن ذلك: الاستعداد بالسفن المحتاج إليها عند القتال، ولهذا قال تعالى: {????? ????????? ?????????? ???????????? ????? ??????? ?????? ????????????? }، وهذه العلة موجودة فيها في ذلك الزمان، وهي إرهاب الأعداء، والحكم يدور مع علّته.(1/75)
... فإذا كان شيء موجوداً أكثر إرهاباً لأعداء الله منها، كالسيارات البرية والمدرعات المعدة للقتال التي تكون النكاية فيها أشد، كنت مأموراً بالاستعداد بها، والسعي لتحصيلها ، حتى إنها إذا لم توجد إلا بتعلُّم الصناعة، وجب ذلك، لأن «ما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب». (1)
و« {???????????}: معناه: تخوِّفون وتفزِّعون، والرهبة: الخَوْف ». (2)
... وذلك أن الكفار إذا علموا كون المسلمين متأهبين للجهاد ومستعدين له مستكملين لجميع الأسلحة والآلات خافوهم، وذلك الخوف يفيد أموراً كثيرة: أولها: أنهم لا يقصدون دخول دار الإسلام. وثانيها : أنه إذا اشتد خوفهم فربما التزموا من عند أنفسهم جزية. وثالثها: أنه ربما صار ذلك داعياً لهم إلى الإيمان. ورابعها: أنهم لا يعينون سائر الكفار. وخامسها: أن يصير ذلك سبباً لمزيد الزينة في دار الإسلام. (3)
... ولابد للإسلام من قوة ينطلق بها في الأرض لتحرير الإنسان وأول ما تصنعه هذه القوة في حقل الدعوة : أن تُؤَمِنَ الذين يختارون هذه العقيدة على حريتهم في اختيارها ؛ فلا يُصدوا عنها ولا يُفتنوا كذلك بعد اعتناقها .. والأمر الثاني : أن ترهب أعداء هذا الدين فلا يُفكروا في الاعتداء على دار الإسلام التي تحميها تلك القوة .. والأمر الثالث : أن يبلغ الرعب بهؤلاء الأعداء أن لا يُفكروا في الوقوف في وجه المد الإسلامي وهو ينطلق لتحرير الإنسان كله في الأرض كلها .. والأمر الرابع : ان تُحَطِمَ هذه القوة كل قوة في الأرض تتخذ لنفسها صفة الألوهية ، فتحكم الناس بشرائعها هي وسلطانها ؛ ولا تعترف بأن الألوهية لله وحده ، ومن ثم فالحاكمية لله وحده .
ــــــــــــــــــ
(1) تفسير السعدي تفسير الآية (60) من سورة الأنفال ، بتصرف .
(2) تفسير الثعالبي ، تفسير الآية (60 ) من سورة الأنفال .
(3) التفسير الكبير لفخر الدين الرازي ، تفسير الآية (60) من سورة الأنفال .
67(1/76)
وقوله تعالى : { ??????????????? ????? ???? ??????????????? ???? ???????? } ، فهي حدود الطاقة إلى أقصاها بحيث لا تقعد العصبة المسلمة عن سبب من أسباب القوة يدخل في طاقتها كذلك يُشير النص إلى الغرض الأول من إعداد القوة :{ ???????????? ????? ??????? ?????? ????????????? ???????????? ??? ????????? ??? ?????????????????? ?????? ??????????????? } فهو إلقاء الرعب والرهبة في قلوب أعداء الله الذين هم أعداء العصبة المسلمة في الأرض. الظاهرين منهم الذين يعلمهم المسلمون ؛ ومن وراءهم ممن لا يعرفونهم أو لم يجهروا لهم بالعداوة ، والله يعلم سرائرهم وحقائقهم . وهؤلاء ترهبهم قوة الإسلام ولو لم تمتد بالفعل إليهم . والمسلمون مُكَلفُون أن يكونوا أقوياء ، وأن يحشدوا ما يستطيعون من أسباب القوة ليكونوا مرهوبين في الأرض ؛ ولتكون كلمة الله هي العليا ، وليكون الدين كله لله .
ولما كان إعداد العدة يقتضي أموالاً ، وكان النظام الإسلامي كله يقوم على أساس التكافل ، فقد اقترنت الدعوة إلى الجهاد بالدعوة إلى إنفاق المال في سبيل الله :
{ ????? ???????????? ??? ?????? ? ????????? ?????? ???????? ??????????? ?????????? ??? ?????????????? } وهكذا يُجَرِدُ الإسلام الجهاد والنفقة في سبيله ، من كل غاية أرضية ، ومن كل دافع شخصي ؛ ومن كل شعور قومي أو طبقي ، ليكون خالصاً لله{ ? ????????? ??????} لتحقيق كلمة الله ، ابتغاء رضوان الله .(1/77)
... ومن ثم ينفي الإسلام من حسابه ـ منذ الوهلة الأولى ـ كل حرب تقوم على أمجاد الأشخاص والدول . وكل حرب تقوم للإستغلال وفتح الأسواق . وكل حرب تقوم على القهر والإذلال . وكل حرب تقوم لتسويد وطن على وطن ، أو قوم على قوم ، أو جنس على جنس ، أو طبقة على طبقة .. ويستبقي نوعاً واحداً من الحركة .. حركة الجهاد في سبيل الله .. والله ـ سبحانه ـ لا يريد تسويد جنس ولا وطن ولا قوم ولا طبقة ولا فرد ولا شعب . إنما يريد أن تسود ألوهيته وسلطانه وحاكميته وهو غني عن العالمين ولكن سيادة ألوهيته هي وحدها التي تكفل الخير والبركة والحرية والكرامة والسلام للعالمين . (1)
ــــــــــــــــــ
(1) في ظلال القرآن للشيخ سيد قطب ـ رحمه الله ، الجزء الثالث ، ص1543: 1544، تفسير سورة الأنفال ، بتصرف.
68
المفتح عشر
الجهاد
الدليل من التنز يل :
قال تعالى :
- ????????? ?????????? ??????????? ???????????? ????????????? ???????????????? ????????????? ? ????????? ?????? ???????????? ???????? ?????????????? ???????????????? ??????????? ????????????????? ???????? ???????????? ?????????? ?????? ????????????? ??? ????? ???? ?????????????? ???? ?????? ??????? ?????????????? ??????? ????????????????? ? ????????? ?????????????? ?????????? ??????? ?????? ??????? ???????????? ????????????? ??????????? ??????????? ????? ????????????? ???????? ???? ???????????? ????????? ??????????? ????????????????? ???????? ??????? ????????????? ?????? ?????????? ? ??????????? ?????????????? ??????? ???? ????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????(1/78)
- ? ????????????????? ??????????? ?????????? ???????????? ?????? ?????????????????? ????????? ??????????????? ????????????? ? ???????????? ??????????? ????????????? ???? ? ????
- ? ????????????????? ??????????? ???????? ???????????? ??????????????????? ????????????? ??????????? ???????????????? ?????????? ????????? ??????????? ???? ????????????? ???????? ??? ????????? ???????? ????????? ???????? ??????????? ??????????? ??????? ??????????????? ?????????? ????? ???? ???????????? ????? ??????????? ???????? ????? ????????????????? ?????? ???????????? ??? ?????????? ?????? ??????????? ????? ???????? ???????? ?????? ????????????? ??????????????? ?????? ????????? ??????????? ? ??????????? ?????????????? ????? ?????? ? ??????????? ??? ??????? ????? ???????? ???? ? ????
- ? ????????????????? ?????????? ?????????? ??? ??????????? ??????? ??? ???????? ????????? ????????? ?????? ????????? ???????????? ?????????????????? ??????????? ????? ??????????????? ?????????? ????? ??????????????? ???????????????? ? ????????? ?????? ????? ???????????? ???????? ?????????? ??????? ??????? ?????? ??????????? ??? ???????????? ??????????? ??????? ??????? ???? ?????????? ??????????? ?????? ???????????? ???????????? ?????????? ?????????? ??????????? ????????????? ????????????? ????????????? ?????? ?????????? ???? ????? ?????????? ?????? ???????????? ???????????? ?????????? ????????? ?????? ?????? ???? ???????????????? ???? ? ????
ـــــــــــــــ
(1) [ سورة الأنفال الآيات:74:72]
(2) [ سورة المائدة:الآية 35]
(3) [ سورة التوبة:الآيتان 73-74]
(4) [ سورة المائدة:الآيات 54-56]
69(1/79)
الدليل من السنة النبوية الشريفة :
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : «تَضَمَّنَ اللهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ، لاَ يُخْرِجُهُ إِلاَّ جهاداً في سَبِيلي ، وَإِيمَاناً بِي، وَتَصْدِيقاً بِرُسُلِي. فَهُوَ عَلَيَّ ضَامِنٌ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ . أَوْ أَرْجِعَهُ إلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ . نَائِلاً مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا مِنْ كَلْمٍ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللهِ، إلاَّ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَهَيْئَتِهِ حِينَ كُلِمَ ، لَوْنُهُ لَوْنُ دَمٍ وَرِيحُهُ مِسْكٌ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْلاَ أَنْ يَشُقَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، مَا قَعَدْتُ خِلاَفَ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللهِ أَبَداً. وَلَكِنْ لاَ أَجِدُ سَعَةً فَأَحْمِلَهُمْ. وَلاَ يَجِدُونَ سَعَةً. وَيَشق عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي أَغْزُو فِي سَبِيلِ الله فَأُقْتَلُ. ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ. ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ»._(1)(1/80)
قال الإمام النووي ـ رحمه الله : قوله - صلى الله عليه وسلم - : « تَضَمَّنَ الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاداً إلى قوله :أن أدخله الجنة» وفي الرواية الأخرى: «تكفل الله» ومعناهما أوجب الله تعالى له الجنة بفضله وكرمه سبحانه وتعالى، وهذا الضمان والكفالة موافق لقوله تعالى: ? ?????? ?????? ??????????? ???? ??????????????? ???????????? ??????????????? ???????? ?????? ???????????? ?(2) الآية. قوله سبحانه وتعالى: {لا يخرجه إلا جهاداً في سبيلي} هكذا هو في جميع النسخ جهاداً بالنصب وكذا قال بعده : {وإيماناً بي وتصديقاً} وهو منصوب على أنه مفعول له، وتقديره لا يخرجه المخرج ويحركه المحرك إلا للجهاد والإيمان والتصديق. قوله: {لا يخرجه إلا جهاداً في سبيلي وإيماناً بي وتصديقاً برسلي} معناه لا يخرجه إلا محض الإيمان والإخلاص لله تعالى.
قوله في الرواية الأخرى : « وتصديق كلمته » أي كلمة الشهادتين وقيل تصديق كلام الله في الأخبار بما للمجاهد من عظيم ثوابه . قوله تعالى: {فهو علي ضامن}
ـــــــــــــــــــ
(1) أخرجه مسلم باب في فضل الجهاد ، حديث رقم 4815.
(2) [ سورة التوبة:من الآية 111]
70
ذكروا في ضامن هنا وجهين: أحدهما: أنه بمعنى مضمون كماء دافق ومدفوق ، والثاني: أنه بمعنى ذو ضمان. قوله تعالى: {أن أدخله الجنة} قال القاضي: يحتمل أن يدخل عند موته كما قال تعالى في الشهداء: ? ???????????? ????? ?????????? ?????????????? ?(1) وفي الحديث: «أرواح الشهداء في الجنة» قال: ويحتمل أن يكون المراد دخوله الجنة عند دخول السابقين والمقربين بلا حساب ولا عذاب ولا مؤاخذة بذنب، وتكون الشهادة مكفرة لذنوبه كما صرح به في الحديث الصحيح.(1/81)
قوله:« أَوْ أَرْجِعَهُ إلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ. نَائِلاً مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ».قالوا معناه ما حصل له من الأجر بلا غنيمة إن لم يغنم، أو من الأجر والغنيمة معاً إن غنموا، وقيل: « أو »هنا بمعنى الواو أي من أجر وغنيمة.
ومعنى الحديث أن الله تعالى ضمن أن الخارج للجهاد ينال خيراً بكل حال ، فإما أن يستشهد فيدخل الجنة، وإما أن يرجع بأجر، وإما أن يرجع بأجر وغنيمة.
قوله - صلى الله عليه وسلم - : « وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا مِنْ كَلْمٍ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللهِ، إلاَّ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَهَيْئَتِهِ حِينَ كُلِمَ، لَوْنُهُ لَوْنُ دَمٍ وَرِيحُهُ مِسْكٌ» أما الكَلْمُ بفتح الكاف وإسكان اللام فهو الجرح، ويكْلم بإسكان الكاف أي يجرح، وفيه دليل على أن الشهيد لا يزول عنه الدم بغسل ولا غيره، والحكمة في مجيئه يوم القيامة على هيئته أن يكون معه شاهد فضيلته وبذله نفسه في طاعة الله تعالى، وفيه دليل على جواز اليمين وانعقادها بقوله: « والذي نفسي بيده» ونحو هذه الصيغة من الحلف بما دل على الذات ولا خلاف في هذا، قال أصحابنا: اليمين تكون بأسماء الله تعالى وصفاته أو ما دل على ذاته. قال القاضي: واليد هنا بمعنى القدرة والملك. قوله - صلى الله عليه وسلم - : « وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْلاَ أَنْ يَشُقَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، مَا قَعَدْتُ خِلاَفَ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللهِ أَبَداً »أي خلفها وبعدها ، وفيه ما كان عليه - صلى الله عليه وسلم - من الشفقة على المسلمين والرأفة بهم ، وأنه كان يترك بعض ما يختاره للرفق
ـــــــــــــ
(1) [ سورة آل عمران:من الآية 169]
71(1/82)
بالمسلمين ، وأنه إذا تعارضت المصالح بدأ بأهمها ، وفيه مراعاة الرفق بالمسلمين والسعي في زوال المكروه والمشقة عنهم. قوله - صلى الله عليه وسلم - :« لَوَدِدْتُ أَنِّي أَغْزُو فِي سَبِيلِ الله فَأُقْتَلُ. ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ. ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ» فيه فضيلة الغزو والشهادة، وفيه تمني الشهادة والخير وتمني ما لا يمكن في العادة من الخيرات، وفيه أن الجهاد فرض كفاية لا فرض عين. (1)
الجهاد في اللغة : يُقال : وجاهَدَ العدوَّ مُجاهَدة وجِهاداً: قاتله وجاهَد في سبيل الله ، وفي الحديث: لا هِجرة بعد الفتح ولكن جِهاد ونِيَّةٌ؛ والجهاد محاربة الأَعداء، وهو المبالغة واستفراغ ما في الوسع والطاقة من قول أَو فعل، و الجِهاد: المبالغة واستفراغ الوسع في الحرب أَو اللسان أَو ما أَطاق من شيء.????
وشرعاً بذل الجهد في قتال الكفار، ويطلق أيضاً على مجاهدة النفس والشيطان والفساق.
الجهاد أنواعه ومراتبه
قسم العلامة ابن قيم الجوزية ـ رحمه الله ـ الجهاد إلى ثلاثة عشر قسماً :
أولاً: جهاد النفس وينقسم إلى أربع مراتب :
(1) أن يجاهدها على تَعَلُّم الهُدى ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به ومتى فاتها عِلمُه شقيت في الدارين .
(2) أن يجاهدها على العمل به بعد علمه ، وإلا فمجرد العلم بلا عمل إن لم يضرها لم ينفعها .
(3) أن يجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه من لا يعلمه وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من الهُدى والبينات ولا ينفعه علمُهُ ولا يُنجيه من عذاب الله .
(4) أن يُجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله وأذى الخلق ويتحمل ذلك كله لله .
ـــــــــــــ
(1) شرح النووي كتاب الإمارة ، باب فضل الجهاد ، ج13 ص18، ولكن يجب أن يُعلم أن هناك حالات يُصبح فيها الجهاد فرض عين على كل مسلم .
(2) لسان العرب لآبن منظور .
72
ثانياً : جهاد الشيطان فمرتبتان :
((1/83)
1) جهاده على دفع ما يُلقي إلى العبد من الشُبهات والشكوك القادحة في الإيمان.
(2) جهاده على دفع ما يُلقي إليه من الإرادات الفاسدة والشهوات فالجهاد الأول يكون بعده اليقين والثاني يكون بعده الصبر قال تعالى : ???????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????? (1) فأخبر أن إمامة الدين إنما تُنال بالصبر واليقين فالصبر يدفع الشهوات والإرادات الفاسدة واليقين يدفع الشكوك والشبهات .
ثالثاُ : جهاد الكفار والمنافقين :
وهو أربع مراتب : بالقلب واللسان والنفس وجهاد الكفار أُخص باليد وجهاد المنافقين أُخص باللسان.
رابعاً : جهاد أرباب الظلم والبدع والمنكرات :
وهو ثلاث مراتب : الأولى باليد إذا قدر فإن عجز ، انتقل إلى اللسان فإن عجز جاهد بقلبه .
فهذه ثلاثة عشر مرتبة للجهاد (2) .
الهجرة و الجهاد وجهان لعملة واحدة :
عن أبي الخير أن جنادة بن أبي أمية حدَّثه «أن رجالاً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال بعضهم: إن الهجرة قد انقطعت، فاختلفوا في ذلك ، قال: فانطلقت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله إن أناساً يقولون إن الهجرة قد انقطعت؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الهجرة لا تنقطع ما كان الجهاد».(1)
فلا يتم الجهاد إلا بهجرة ولا الهجرة والجهاد إلا بالإيمان قال تعالى :
????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????(3)??وبيَّنَّ الحديث أن الهجرة لا تنقطع مادام
ـــــــــــــــــ
(1) سورة السجدة آية (24)
(2) زاد المعاد في هدي خير العباد ج3 ص11:9مؤسسة الرسالة الطبعة السادسة والعشرون 1412 هـ ،1992م
(3) سورة البقرة آية (218)
73(1/84)
هناك جهاد وأصل الهجرة: الهِجْرَةَ والهُجْرةُ بضم الهاء : الخروج من أرض إلى أرض والمهاجرون: الذين ذهبوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصل المُهاجرة عند العرب : خروج البدوي من باديته إلى المُدن وسمي المهاجرون مُهاجرين لأنهم تركوا ديارهم ومساكنهم التي نشأوا بها لله ولحقوا بدار ليس لهم بها أهل ولا مال حين هاجروا إلى المدينة فكل من فارق بلده من بدوي أو حضري أو سكن بلداً آخر فهو مُهاجرٌ.(1)
كذلك الجهاد هو خروج من أرض إلى أرض فهو هجرة ويترك فيه المجاهد مسكنه وماله وعرضه .والجهاد لم ولن ينقطع في الأمة لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ «لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُون عَلَى الْحَقِّ، ظَاهِرِينَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ». (2)
الأمر الإلهي بالجهاد :
قال تعالى :
? ????????????? ? ?????? ????? ??????????? ???? ??????????????? ????? ?????? ?????????? ? ????????? ???? ??????? ???????? ??????????? ???????????????? ???? ??????????? ??????????????? ??? ??????? ??? ??????? ????????? ??????????? ?????????? ?????????? ?????????????? ?????????? ????? ?????????? ?????????????? ????????????? ?????????? ????????????? ????????????????? ????????? ???? ????????????? ????????? ???????????? ????????? ??????????? ???? ? ?3??
قال فضيلة الشيخ السعدي ـ رحمه الله ـ في تفسير الآية السابقة :
{????????????? ? ?????? ????? ??????????? } والجهاد بذل الوسع ، في حصول الغرض المطلوب. فالجهاد في الله حق جهاده ، هو القيام التام بأمر الله ، ودعوة الخلق إلى سبيله بكل طريق موصل إلى ذلك، من نصيحة وتعليم وقتال وأدب وزجر، ووعظ، وغير ذلك.
ـــــــــــــــــ
((1/85)
1) أخرجه أحمد في المسند حديث جنادة بن أمية ، حديث رقم: 16284 ، ورجاله رجال الصحيح.
(2) أخرجه مسلم في صحيحه ، باب قوله لا تزال طائفة من أمتي .. ، حديث رقم: 4910.
(3) [ سورة الحج:الآية 78]
74
وقوله : {???? ??????????????? } أي هو ـ جل شأنه ـ اختاركم لا غيره سبحانه، والجملة مستأنفة لبيان علة الأمر بالجهاد فإن المختار إنما يختار من يقوم بخدمته ومن قَرَبَهُ العظيم يلزمه دفع أعدائه ومجاهدة نفسه بترك ما لا يرضاه ففيها تنبيه على المقتضى للجهاد، وفي قوله تعالى : {????? ?????? ?????????? ? ????????? } أي في جمع أموره ويدخل فيه الجهاد دخولاً أولياً {???? ??????? } أي ضيق بتكليف ما يشتد القيام به عليكم إشارة إلى أنه لا مانع لهم عنه، والحاصل أنه تعالى أمرهم بالجهاد وبين أنه لا عذر لهم في تركه حيث وجد المقتضى وارتفع المانع. ويجوز أن يكون هذا إشارة إلى الرخصة في ترك بعض ما أمرهم سبحانه به حيث شق عليهم لقولهِ - صلى الله عليه وسلم - : «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم» (1) فانتفاء الحرج على هذا بعد ثبوته بالترخيص في الترك بمقتضى الشرع وعلى الأول انتفاء الحرج ابتداء ، وقيل: عدم الحرج بأن جعل لهم من كل ذنب مخرجاً بأن رخص لهم في المضايق وفتح عليهم باب : التوبة وشرع لهم الكفارات في حقوقه والأروش والديات في حقوق العباد ، ولا يخفى أن تعميمه للتوبة ونحوها خلاف الظاهر. وفي«الحواشي الشهابية» أن الظاهر أن حق جهاده تعالى لما كان متعسراً ذيله بهذا ليبين أن المراد ما هو بحسب قدرتهم لا ما يليق به ـ جل وعلا ـ من كل الوجوه. (2)(1/86)
وقول الله ـ عز جل :{???????? ??????????? ???????????????? } نصب على المصدرية بفعل دل عليه ما قبله من نفي الحرج بعد حذف مضاف أي وسع دينكم توسعة ملة أبيكم أو على الاختصاص بتقدير أعني بالدين ونحوه وإليهما ذهب الزمخشري، وقال الحوفي. وأبو البقاء: نصب على الإغراء بتقدير اتبعوا أو الزموا أو نحوه، وقال
الفراء: نصب بنزع الخافض أي كملة أبيكم، والمراد بالملة إما يعم الأصول والفروع أو ما يخص الأصول .
ــــــــــــــــ
(1) من الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه ، باب الإقتداء بسنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ، حديث رقم: 7124.
(2) تفسير السعدي سورة الحج الآيتين 77 : 78.
75
وقوله : {?????????????? ????????????? ?????????? ????????????? } أي فتقربوا إليه تعالى لما خصكم بهذا الفضل والشرف بأنواع الطاعات ، وتخصيص هذين الأمرين بالذكر لأهميتهما وفضلهما {????????????????? ????????? } أي ثقوا به تعالى في جميع أموركم {???? ????????????? } ناصركم ومتولى أموركم {????????? ???????????? ????????? ??????????? } هو إذ لا مثل له تعالى في الولاية والنصرة فإن من تَولاه لم يَضِعْ ومن نَصَرَهُ لم يُخْذَلْ بل لا ولي ولا ناصر في الحقيقة سواه ـ عز وجل . (1)
بر الوالدين نوعٌ من أنواع الجهاد :
عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال : « جاء رجلٌ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستأذنه في الجهاد فقال : « أَحَيٌّ والداك ؟ » قال : « نعم »
قال : « ففيهما فجاهد » (2)
الحج جهاد :
عن عائشة أم المؤمنين ـ رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - :« سأله نساؤه عن الجهاد فقال : « نِعْمَ الجهاد الحج » (3)
من الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر:
- عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قالَ: قالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : «أفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍأوْ أمِيرٍ جَائِرٍ» . (3)(1/87)
وفي رواية الترمذي ،عن أبي سعيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - أَنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: « إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِر » . (4)
«أفضل الجهاد»: أي من أفضله بدليل رواية الترمذي ـ الثانية ـ إن أعظم الجهاد «كلمة عدل» وفي رواية لابن ماجه كلمة حق ، والمراد بالكلمة
ـــــــــــــ
(1) تفسير الألوسي تفسير الآية (78) من سورة الحج، بتصرف.
(2) رواه مسلم في صحيحه باب : بر الوالدين ورواه البخاري ورواه الترمذي بنحوه باب: ما جاء فيمن خرج إلى الغزو وترك والديه وقال : حديثٌ حسنٌ صحيحٌ والنسائي وأحمد وابن حبان في صحيحه والطبراني في الكبير والأوسط.
(3) رواه البخاري باب: جهاد النساء .
(3) أخرجه أبو داود في سننه باب : الأمر والنهي ، حديث رقم :4340.
(4) أخرجه الترمذي في سننه ، باب : أفضل الجهاد كلمة عدل ، وقال أبو عِيسَى: وفي البابِ عن أبي أُمَامَةَ. وهذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ من هذا الْوَجْهِ.
76
ما أفاد أمراً بمعروف أو نهياً عن منكر من لفظ أو ما في معناه ككتابه ونحوها «عند سلطان جائر»: أي ظالم إنما صار ذلك أفضل الجهاد لأن من جاهد العدو كان متردداً بين رجاء وخوف لا يدري هل يَغْلِب أو يُغْلَبُ وصاحب السلطان مقهور في يده ، فهو إذا قال الحق وأمره بالمعروف فقد تعرض للتلف وأهدف نفسه للهلاك فصار ذلك أفضل أنواع الجهاد من أجل الخوف . قاله الخطابي وغيره : «أو أمير جائر»: الظاهر أنه شك من الراوي. (1)
ومن الجهاد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :(1/88)
- عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا مِنْ نَبِيَ بَعَثَهُ الله فِي أُمَّةٍ قَبْلِي ، إِلا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ. ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمِ خُلُوفٌ، يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لاَ يُؤْمَرُونَ. فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ. وَلَيْسَ وَرَاءَ ذلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ». قَالَ أَبُو رَافِعٍ: فَحَدَّثْتُ عَبْدِ اللهِ بْنَ عُمَرَ فَأَنْكَرَهُ عَلَيَّ. فَقَدِمَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَنَزَلَ بِقَنَاةَ. فَاسْتَتْبَعَنِي إِلَيْهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ يَعُودُهُ فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ فَلَمَّا جَلَسْنَا سَأَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ عَنْ هذَا الْحَدِيثِ فَحَدَّثَنِيهِ كَمَا حَدَّثْتُهُ ابْنَ عُمَرَ. (2)
جهاد بالمال ، وبالنفس ، وباللسان :
... عن أنس - رضي الله عنه - أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال:« جاهِدوا الْمُشْرِكينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ»(3)
قوله - صلى الله عليه وسلم - : « جاهدوا المشركين بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ »: قال في السبل: الحديث دليل على وجوب الجهاد بالنفس وهو بالخروج والمباشرة للكفار، وبالمال
ـــــــــــــــــ
(1) عون المعبود ، كتاب الملاحم ، باب : الأمر والنهي ، ج4 ص487
(2) أخرجه مسلم في صحيحه ، كتاب الإيمان ، باب النهي عن المنكر من الجهاد ، حديث رقم: 142.
((1/89)
3) أخرجه الحاكم في المستدرك باب : ذكر ليلة أفضل من ليلة القدر ، حديث رقم :2466، هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، أخرجه أبو داود باب :ترك الغزو، حديث رقم: 2505، والدارمي باب جهاد المشركين باللسان رقم 2433 ، والبيهقي في السنن باب أصل فرض الجهاد .
77
وهو بذله لما يقوم به من النفقة في الجهاد والسلاح ونحوه، وباللسان بإقامة الحجة
عليهم ودعاؤهم إلى الله تعالى والزجر ونحوه من كل ما فيه نكاية للعدو ? ????? ???????????? ???? ??????? ???????? ??????? ?????? ????? ????? ?????? ????????? ? (1) ». (2)
... وهذه الآية فصل الخطاب فيما يقوم به المجاهد من أي عمل جهادي فيه نكاية بالعدو.
الرسول ينهى عن قتل النساء والصبيان
- عن نافعٍ أن عبدَ الله - رضي الله عنه - أخبرَهُ «أنَّ امرأةً وُجِدَت في بعضِ مَغازي النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مقتولةً، فأنكرَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قتلَ النساءِ والصبيان». (3)
قال النووي ـ رحمه الله : أجمع العلماء على العمل بهذا الحديث وتحريم قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا، فإن قاتلوا قال جماهير العلماء: يقتلون. وأما شيوخ الكفار فإن كان فيهم رأي قتلوا ، وفي الرهبان خلاف قال مالك وأبو حنيفة: لا يقتلون والأصح في مذهب الشافعي قتلهم. (4)
من وصايا الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ للمجاهدين(1/90)
عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ - رضي الله عنه - قَالَ كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذَا أَمَّرَ أَميراً عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَريَّةٍ أَوْصَاه في خَاصَّتِهِ بتَقْوَى الله وَمَنْ مَعَهُ منَ الْمُسْلِمينَ خَيْراً ثُمَّ قَالَ اغْزُوا بِاْسمِ الله فِي سَبيلِ الله قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِالله اغْزُوا وَلاَ تَغُلُّوا وَلاَ تَغدِرُوا وَلاَ تَمْثُلُوا وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيداً وَإذا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكينَ فادْعُهُمْ إلَى ثَلاَثِ خِصَالٍ « أَوْ خِلاَلٍ » فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجابُوكَ فَاقْبَل مِنهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إنْ فَعَلُوا ذلِكَ فَلَهُمْ مَا للْمُهَاجِرينَ
ـــــــــــــــــــ
(1) [ سورة التوبة:من الآية 120]
(2) شرح عون المعبود ، كتاب الجهاد ، باب كراهية ترك الغزو ، ج7ص181.
(3) متفق عليه اللؤلؤ والمرجان كتاب الجهاد والسير ، باب تحريم قتل النساء والصبيان ،أخرجه البخاري كتاب الجهاد باب : قتل الصبيان في الحرب ، حديث رقم : 2947.
(4) شرح صحيح مسلم للنووي ، كتاب الجهاد والسير ، باب تحريم قتل النساء والصبيان في القتال .
78(1/91)
وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ فَإنْ أَبَوْا أَن يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ يَجْري عَلَيْهِمْ حُكْمُ الله الَّذِي يجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنينَ وَلاَ يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ إلاَّ أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمينَ فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمُ الْجِزْيَةَ فَإنْ هُمْ أَجَابُوكَ فاقْبَلْ منْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ فَإنْ هُم أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِالله وَقَاتِلْهُمْ وَإذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ وأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّة الله وَذمّة نَبِيِّهِ فَلاَ تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ الله وَلاَ ذِمَّةَ نَبِيِّهِ وَلَكِنِ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكَ فَإنَّكُمْ أَن تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ وَذِمَمَ أَصْحَابِكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُحُفِرُوا ذِمَّةَ الله وَذِمَّةَ رَسُولِهِ وَإذَا حَاصَرْتَ أهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ الله فَلاَ تَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ الله وَلكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ فَإنَّكَ لاَ تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ الله فِيهمْ أَمْ لاَ » (1)
ذكر الإمام النووي ـ رحمه الله ـ في شرحه لهذا الحديث :(1/92)
قوله : «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمر أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله تعالى ومن معه من المسلمين خيراً ثم قال :« اغْزُوا بِاْسمِ الله فِي سَبيلِ الله قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِالله اغْزُوا وَلاَ تَغُلُّوا وَلاَ تَغدِرُوا وَلاَ تَمْثُلُوا وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيداً » أما السرية فهي قطعة من الجيش تخرج منه تغير وترجع إليه ، قال إبراهيم الحربي: هي الخيل تبلغ أربعمائة ونحوها، قالوا: سميت سرية لأنها تسري في الليل ويخفي ذهابها وهي فعيلة بمعنى فاعلة، يقال سرى وأسرى إذا ذهب ليلاً. قوله - صلى الله عليه وسلم - : «ولا تغدروا» بكسر الدال والوليد الصبي، وفي هذه الكلمات من الحديث فوائد مجمع عليها وهي تحريم الغدر وتحريم الغلول وتحريم قتل الصبيان إذا لم يقاتلوا وكراهة المثلة، واستحباب وصية الإمام أمراءه وجيوشه بتقوى الله تعالى والرفق باتباعهم، وتعريفهم ما يحتاجون في غزوهم وما يجب عليهم وما يحل لهم وما يحرم عليهم وما يكره وما يستحب.
قوله - صلى الله عليه وسلم - :« ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين وأخبرهم أنهم إن فعلوا فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين فإن أبوا أن يتحولوا منها
ـــــــــــ
(1) أخرجه مسلم باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث ووصيته إياهم بآداب الغزو وغيرها ، حديث رقم: 4476.
79(1/93)
فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين» معنى هذا الحديث أنهم إذا أسلموا استحب لهم أن يهاجروا إلى المدينة، فإن فعلوا ذلك كانوا كالمهاجرين قبلهم في استحقاق الفيء والغنيمة وغير ذلك، وإلا فهم أعراب كسائر أعراب المسلمين الساكنين في البادية من غير هجرة ولا غزو فتجري عليهم أحكام الإسلام ، ولا حق لهم في الغنيمة والفيء ، وإنما يكون لهم نصيب من الزكاة إن كانوا بصفة استحقاقها. قال الشافعي: الصدقات للمساكين ونحوهم ممن لا حق له في الفيء والفيء للأجناد، قال : ولا يعطى أهل الفيء من الصدقات ولا أهل الصدقات من الفيء واحتج بهذا الحديث. وقال مالك وأبو حنيفة: المالان سواء ويجوز صرف كل واحد منهما إلى النوعين. وقال أبو عبيد: هذا الحديث منسوخ قال: وإنما كان هذا الحكم في أول الإسلام لمن لم يهاجر ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: ? ???????????? ????????????? ??????????? ????????? ???????? ? (1) وهذا الذي ادعاه أبو عبيد لا يسلم له.
قوله - صلى الله عليه وسلم - : «فإن هم أبوا فسلهم الجزية فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم» هذا مما يستدل به مالك والأوزاعي وموافقوهما في جواز أخذ الجزية من كل كافر عربياً كان أو عجمياً كتابياً أو مجوسياً أو غيرهما. وقال أبو حنيفة ـ رحمه الله : تؤخذ الجزية من جميع الكفار إلا مشركي العرب ومجوسهم. وقال الشافعي ـ رحمه الله : لا يقبل إلا من أهل الكتاب والمجوس عرباً كانوا أو عجماً، ويحتج بمفهوم آية الجزية وبحديث: « سنوا بهم سنة أهل الكتاب » ويتأول هذا الحديث،
على أن المراد بأخذ الجزية أهل الكتاب لأن اسم المشرك يطلق على أهل الكتاب وغيرهم وكان تخصيصهم معلوماً عند الصحابة.(1/94)
قوله - صلى الله عليه وسلم - : «وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه فلا تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله - صلى الله عليه وسلم - » قال العلماء: الذمة هنا العهد ، وتُخفروا بضم التاء أخفرت الرجل إذا نقضت عهده
ـــــــــــــــــ
(1) [ سورة الأنفال:من الآية 75]
80
وخفرته أمنته وحميته، قالوا: وهذا نهي تنزيه أي لا تجعل لهم ذمة الله فإنه قد ينقضها من لا يعرف حقها وينتهك حرمتها بعض الأعراب.
قوله - صلى الله عليه وسلم - : «وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا» هذا النهي أيضاً على التنزيه والاحتياط ، وفيه حجة لمن يقول ليس كل مجتهد مصيباً بل المصيب واحد وهو الموافق لحكم الله تعالى في نفس الأمر، وقد يجيب عنه القائلون بأن كل مجتهد مصيب بأن المراد أنك لا تأمن أن ينزل عليَّ وحي بخلاف ما حكمت ، وهذا المعنى منتف بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - . (1)
من ابتغى بجهاده أي عرض من عرض الدنيا فإنه لا ثواب له(1/95)
عن مِكْرَزٍ رَجُلٍ مِن أهل الشام مِن بني عامرِ بنِ لُؤَيِّ بنِ غالبٍ عن أبي هُريرة - رضي الله عنه - أن رجلاً قال: يا رَسُولَ الله رَجُلٌ يُرِيدُ الجِهَادَ في سَبيلِ اللهِ وهو يَبْتَغِي مِنْ عَرَضِ الدنيا قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : «لا أَجْرَ لهُ» فَأَعْظَمَ ذلكَ الناسُ، وقالوا للرجل: عُدْ لِرسُولِ اللهِ ، فَلَعَلَّكَ لَمْ تَفْهَمْهُ، قالَ: فقالَ الرجلُ: يا رَسُول الله: رجلٌ يُرِيدُ الجهادَ في سبيلِ اللهِ وهُوَ يبتغي مِنْ عَرَضِ الدُّنيا؟ قالَ: «لا أَجْرَ لَهُ» فأعظمَ ذلكَ الناسُ، وقالوا للرجلِ: عُدْ لرسولِ اللهِ، فقالَ لَهُ الثالثةَ: رَجُلٌ يريدُ الجهادَ في سبيلِ اللَّهِ وهو يبتغي مِنْ عَرَض الدُّنيا؟ قال: «لا أجرَ لَهُ». (2)
قوله - صلى الله عليه وسلم - : «لا أجرَ لَهُ» الأَجْرُ: الجزاء على العمل ، والمراد أن من ابتغى بجهاده أي عرض من عرض الدنيا فإنه لا ثواب له في الآخرة .
وما يستفاد من الحديث : أن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم.
ـــــــــــــــــــ
(1) شرح النووي لصحيح مسلم ، باب : تأمير الإمام الأمراء على البعوث ووصيته إياهم بآداب الغزو وغيرها ج12 ص31.
(2) أخرجه ابن حبان في صحيحه حديث رقم: 4547.
81
فضل الجهاد
أنه ذروة سنام الإسلام :(1/96)
- عن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ - رضي الله عنه - قَالَ: «كُنْتُ مَعَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في سَفَرٍ فَأَصْبَحْتُ يَوْماً قَرِيباً مِنْهُ وَنَحْنُ نَسِيرُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ الله أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُني الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي عنِ النَّارِ، قَالَ: « لَقَد سَأَلْتَنِي عَنْ عَظِيمٍ وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ الله عَلَيْهِ: تَعْبُدُ الله وَلاَ تُشْرِكْ بِهِ شَيْئَاً، وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ ، ثُمَّ قَالَ: أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الخَيْرِ: الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِىءُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِىءُ المَاءُ النَّارَ، وَصَلاَةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوفِ الَّليْلِ ، قَالَ: ثُمَّ تَلاَ : ? ????????????? ???????????? ???? ????????????? ?????????? ?????????? ?(1)حَتَّى بَلَغَ ? ???????????? ? (2) ثُمَّ قَالَ: أَلاَ أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ كُلِّهِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ : قُلْتُ: بَلَى يا رَسُولَ الله قَالَ: رَأْسُ الأَمْرِ الإسْلاَمُ، وَعُمودُهُ الصَّلاَةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الجِهَادُ . ثمَّ قَالَ: أَلاَ أُخْبِرُكَ بِمِلاَكِ ذَلِكَ كُلِّهِ ، قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ الله ، قَالَ: فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ، قَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا . فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ الله وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أمّك يَامُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ، أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ ، إِلاَ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ».(3)
قال المباركافوري ـ رحمه الله في تحفة الأحوذي :(1/97)
قوله - صلى الله عليه وسلم - «ألا أخبرك برأس الأمر كله» أي بأصل كل أمر «وعموده» بفتح أوله أي ما يقوم ويعتمد عليه «وذِروة سنامه» بكسر الذال وهو الأشهر وبضمها وحكي فتحها أعلى الشيء والسَنام بالفتح ما ارتفع عن ظهر الجمل قريب عنقه «قال رأس الأمر» ـ أي أمر الدين ـ الإسلام» يعني الشهادتين وهو من باب التشبيه المقلوب ، إذ المقصود تشبيه الاسلام برأس الأمر ليشعر بأنه من سائر
ــــــــــــــــ
(1) [ سورة السجدة:من الآية 16]
(2) [ سورة السجدة:من الآية 17]
(3) أخرجه الترمذي باب ما جاء في حرمة الصلاة ، حديث رقم: 2683، وقال أبو عِيسَى: هَذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، وأخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه.
82
الأعمال بمنزلة الرأس من الجسد في احتياجه إليه وعدم بقائه دونه «وعموده الصلاة» يعني الاسلام هو أصل الدين إلا أنه ليس له قوة وكمال، كالبيت الذي ليس له عمود فإذا صلى وداوم قوى دينه ولم يكن له رفعة فإذا جاهد حصل لدينه رفعة وهو معنى قوله: «وذروة سنامه الجهاد» وفيه إشعار إلى صعوبة الجهاد وعلو أمره وتفوقه على سائر الأعمال. (1)
المجاهد في سبيل الله ، الصابر المحتسب الغير مُدبر ، تُكَّفر عنه الخطايا :(1/98)
- عَنْ أَبِي قَتَادَةَ - رضي الله عنه - أَنَّهُ سَمِعَهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَامَ فِيهِمْ فَذَكَرَ لَهُمْ: «أَنَّ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالإِيمَانَ بِاللهِ أَفْضَلُ الأَعْمَالِ» فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ إنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللهِ تُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : «نَعَمْ. إنْ قُتِلْتَ فِي سَبِيلِ اللهِ. وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ» ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : «كَيْفَ قُلْتَ؟» قَالَ : أَرَأَيْتَ إنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَتُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : «نَعَمْ. وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ. إلاَّ الدَّيْنَ. فَإنَّ جِبْرِيلَ - عليه السلام - ، قَالَ لِي ذَلِكَ».(2)
الجهاد في سبيل الله بالنفس والمال دون الرجوع بشيءٍ أفضل أو يساوي العمل الصالح في أيام العشر من ذي الحجة:
- عن ابنِ عبَّاس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : «مَا مِنْ أيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أحَبُّ إلى الله مِنْ هَذهِ الأيَّامِ العَشْرِ» ، فقالُوا يا رسولُ الله: ولا الجِهَادُ في سَبِيلِ الله؟ فقالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - :« ولا الجِهَادُ في سَبِيلِ الله ، إلاّ رَجُلٌ خَرجَ بِنَفْسِهِ ومَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ من ذَلِكَ بِشَيْءٍ» . (3)
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : «ما من أيام» من زائدة «العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر» أي العشر الأول من ذي الحجة . قال الطيبي: العمل مبتدأ وفيهن
ــــــــــــــــ
(1) تحفة الأحوذي للمباركافوري في شرح سنن الترمذي ، كتاب الإيمان ، ج7 ص347.
((1/99)
2) أخرجه مسلم في صحيحه باب من قُتِلَ في سبيل الله ، حديث رقم : 4836.
(3) أخرجه الترمذي باب ما جاء في الأيام العشر من ذي الحجة ، حديث 752.و قال أبو عيسى: حَدِيثُ ابنِ عَبَّاسٍ حديثٌ حسنٌ غريبٌ صحيحٌ.
83
متعلق به والخبر أحب والجملة خبر ما أي واسمها أيام ومن الأولى زائدة والثانية متعلقة بأفعل وفيه حذف، كأنه قيل ليس العمل في أيام سوى العشر أحب إلى الله من العمل في هذه العشر. قال ابن الملك: لأنها أيام زيارة بيت الله والوقت إذا كان أفضل كان العمل الصالح فيه أفضل وذكر السيد اختلف العلماء في هذه العشر، والعشر الأخير من رمضان فقال بعضهم: هذه العشر أفضل لهذا الحديث، وقال بعضهم: عشر رمضان أفضل للصوم والقدر، والمختار أن أيام هذه العشر أفضل ليوم عرفة وليالي عشر رمضان أفضل لليلة القدر، لأن يوم عرفة أفضل أيام السنة، وليلة القدر أفضل ليالي السنة ، ولذا قال ما من أيام ولم يقل من ليال كذا في الأزهار وكذا في المرقاة «ولا الجهاد في سبيل الله» أي أفضل من ذلك «إلا رجل» أي إلا جهاد رجل «لم يرجع من ذلك» أي مما ذكر من نفسه وماله «بشيء» أي صرف ماله ونفسه في سبيل الله فيكون أفضل من العامل في أيام العشر أو مساوياً له. (1)
لغدوة أو روحة في سبيل الله خير مما تطلع عليه الشمس :
- عن أبي هريرةَ - رضي الله عنه - عنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: « لَقابُ قَوسٍ في الجنة خيرٌ مما تطلُعَ عليهِ الشمسُ وتغربُ. وقال: لغَدوةٌ أو رَوحة في سبيلِ الله خير مما تطلُعُ عليهِ الشمسُ وتغربُ». (2)
عن أنسِ بنِ مالكٍ - رضي الله عنه - عنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: « لغَدْوةٌ في سبيلِ الله أو رَوحةٌ خيرٌ منَ الدُّنيا وما فيها» (3)(1/100)
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : « لقاب قوس أحدكم» أي قدره ، وقيل: القاب ما بين مقبض القوس وسيته، وقيل: ما بين الوتر والقوس، وقيل: المراد بالقوس هنا الذراع الذي يقاس به، وكأن المعنى بيان فضل قدر الذراع من الجنة.
ــــــــــــــــ
(1) تحفة الأحوذي أبواب الصوم عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ج3 ص401.
(2) أخرجه البخاري كتاب الجهاد ، باب الغدوة أو الروحة في سبيل الله ، حديث رقم :2733.
(3) أخرجه البخاري كتاب الجهاد ، باب الغدوة أو الروحة في سبيل الله ، حديث رقم :2732.
84
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : « لغَدوةٌ أو رَوحة » والغدوة بالفتح المرة الواحدة من الغدو وهو الخروج في أي وقت كان من أول النهار إلى انتصافه ، والروحة المرة الواحدة من الرواح وهو الخروج في أي وقت كان من زوال الشمس إلى غروبها.
قوله: «في سبيل الله» أي الجهاد. (1)
الجهاد من أفضل الأعمال :
- عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : « سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت :« يارسول الله أي الأعمال أفضل ؟ » قال : « الصلاة لميقاتها » قلت: « ثم ماذا يارسول الله ؟ » قال:« بر الوالدين » قلت : «ثم ماذا يارسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ » قال : « الجهاد في سبيل الله »ثم سكت عني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولو استزدته لزادني» (2)
الجهاد درب من دروب الجنة :
- عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ يقول: « لقيني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ?فقال لي : « يا جابر مالي أراك منكسراً »قلت : « يارسول الله استشهد أبي قتل يوم أحد وترك عيالاً وَديْناً »قال :
قال : « أفلا أُبشرُك بما لقى الله به أباك ؟ »
قال : « بلى يا رسول الله »
قال : « ما كلم أحداً قط إلا من وراء حجابه وأحيا أباك فكلمه كفاحاً فقال: « تمن عليَّ أُعطيك » قال : « يا رب تُحييني فأُقتل فيك ثانية»
قال الرب ـ عز وجل : « إنه سبق مني أنهم لا يرجعون »(1/101)
قال : وأنزلت هذه الآية :???????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????[ سورة آل عمران:169] ». (3)
ـــــــــــــــــــ
(1) فتح الباري ، كتاب الجهاد والسير ، ج6 ص17.
(2) رواه الترمذي وقال هذا الحديث حسنٌ صحيحٌ .
(3) رواه الترمذي باب ومن سورة آل عمران وقال أبو عيسى ـ رحمه الله ـ هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه لا نعرفه إلا من حديث موسى بن إبراهيم ورواه عليٌ بن عبد الله المديني وغير واحد من كبار أهل الحديث هكذا عن موسى بن إبراهيم وقد روى عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر شيئاً من هذا .
85
لا يجتمع على عبد غبار في سبيل الله ودخان جهنم:
- عن أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قال : قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : «لا يَلِجُ النَّارَ رَجُلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ الله حتى يَعُودَ اللَّبنُ في الضَّرْعِ، ولا يَجْتَمِعُ غُبَارٌ في سبيلِ الله وَدُخَانُ جَهَنَّمَ»(1)
قوله - صلى الله عليه وسلم - : «لا يَلِجُ النَّارَ »أي لا يدخلها ، « رَجُلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ الله فإن الغالب من الخشية امتثال الطاعة واجتناب المعصية ،«حتى يَعُودَ اللَّبنُ في الضَّرْعِ» هذا من باب التعليق بالمحال كقوله تعالى : ? ??????? ?????? ?????????? ? ????? ???????????? ? (2) «ولا يجتمع» أي على عبد، كما في رواية غير الترمذي «غبار في سبيل الله ودخان جهنم» فكأنهما ضدان لا يجتمعان، كما أن الدنيا والآخرة نقيضان. (3)
الرباط في سبيل الله من أفضل الجهاد:(1/102)
عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «أَوَّلُ هَذَا الأمْرِ نُبُوَّةٌ وَرَحْمَةٌ ، ثُمَّ يَكُونُ خِلاَفَةً وَرَحْمَةً ، ثُمَّ يَكُونُ مُلْكاً وَرَحْمَةً ، ثُمَّ يَكُونُ إِمَارَةً وَرَحْمَةً ، ثُمَّ يَتَكَادَمُونَ عَلَيْهَا تَكَادُمَ الحَمِيْر فَعَلَيْكُمْ بِالجِهَادِ ، وَإِنَّ أَفْضَلَ جِهَادِكُمْ الرِّبَاطُ ، وَإِنَّ أَفْضَلَ رِبَاطِكُمْ عَسْقَلانُ». (4)
قوله - صلى الله عليه وسلم - : «أَوَّلُ هَذَا الأمْرِ» أي أول العصر النبوي وبدء بعثته - صلى الله عليه وسلم - والكَدْم : تَمَشْمُشُ العَظم وتَعَرُّقُه ، وقيل: هو العَض بأَدنى الفم كما يَكْدُمُ الحمار، وقيل:هوالعَض عامة، كدَمه يَكْدُمُه ويَكْدِمُه كَدْماً، وكذلك إِذا أَثَّرْت فيه بحديدة؛ والكَدْم والكَدَمُ:أَثَرُ العض، وجمعه كُدُوم. و الكَدْم: اسم أَثر الكَدْم. يقال: به كُدُومٌ.(5)
وقوله - صلى الله عليه وسلم - :« فَعَلَيْكُمْ بِالجِهَادِ، وَإِنَّ أَفْضَلَ جِهَادِكُمْ الرِّبَاطُ ، وَإِنَّ أَفْضَلَ رِبَاطِكُمْ عَسْقَلانُ» هي من الوصايا النبوية لأمته - صلى الله عليه وسلم - بالجهاد وبالرباط وأصل المرابطة أن يربِط الفريقان خيولهم في ثغر، كل منهما معدٌّ لصاحبه فسمي المقام في الثغور رباطاً. وعَسْقَلانُ: اسم مدينة وموضع بفلسطين وهي عَرُوس الشَّام.
ـــــــــــــــــــ
(1) أخرجه التِّرمِذِيُّ باب : ما جاء في فضل الغبار في سبيل الله ، حديث رقم: 1635، وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيح.
(2) [ سورة الأعراف:من الآية 40]
(3) تحفة الأحوذي ، أبواب الجهاد ، باب : ما جاء في فضل الغبار في سبيل الله ، ج5 ص209.
(4) أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد باب : كيف بدأت الإمامة ، حديث رقم : 4698، وقال : رواه الطبراني ورجاله ثقات.
(5) لسان العرب باب الكاف ـ كدم.
86
موقف ساعة في سبيل الله خير من قيام ليلة القدر:(1/103)
عن مجاهدٍ عن أبي هُريرة - رضي الله عنه - أنهُ كانَ في الرِّبَاطِ، فَفَزِعُوا إلى السَّاحِلِ، ثُمَّ قيلَ : لا بأسَ، فانصرفَ النَّاسُ وأبو هريرةَ واقفٌ، فمرَّ بهِ إنسانٌ فقالَ: ما يُوقِفُكَ يا أبا هريرةَ، فقالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: «مَوْقِفُ سَاعَةٍ في سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ قِيامِ لَيْلَةِ القَدْرِ عِنْدَ الحَجَرِ الأَسْوَدِ».(1)
في هذا الحديث الذي يوضح فضل الرباط في سبيل الله حتى أن ساعة في سبيل الله خير من قيام ليلة القدر ومعلوم ما في هذه الليلة من خير قال تعالى : « ليلة القدر خير من ألف شهر».
وأخرج الحاكم عن مجاهد أيضاً ، عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما: أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «أَلا أُنَبّئُكُمْ بِلَيْلَةٍ أَفْضَلَ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، حَارِسٌ حَرَسَ في أَرْضِ خَوْفٍ لَعَلَّهُ أَنْ لا يَرْجِعَ إِلى أَهْلِهِ» (2) .
تعريف المرابط عند العلماء :
... والمرابط في سبيل الله عند الفقهاء هو الذي يَشْخَص إلى ثغْر من الثُّغور ليرابط فيه مدةً مَا؛ وأما سُكّان الثّغور دائماً بأهليهم الذين يعمرون ويكتسبون هنالك، فهم وإن كانوا حُماة فليسوا بمرابطين. قاله ابن عطية. وقال ابن خُوَيْزِمَنْدَاد: وللرِّباط حالتان: حالة يكون الثَّغر مأموناً مَنيعاً يجوز سكناه بالأهل والولد. وإن كان غير مأمون جاز أن يرابط فيه بنفسه إذا كان من أهل القتال، ولا ينقل إليه الأهلَ والولدَ لئلا يظهر العدوّ فيَسبِي ويسترِقّ. والله أعلم.
الرِباط بكسر الراء وبالموحدة الخفيفة ملازمة المكان الذي بين المسلمين والكفار لحراسة المسلمين منهم، قال ابن التين: بشرط أن يكون غير الوطن، قاله ابن حبيب عن مالك ، وفيه نظر في إطلاقه فقد يكون وطنه وينوي بالإقامة فيه دفع العدو، ومن ثم اختار كثير من السلف سُكْنَى الثغور، فبين المرابطة والحراسة عموم وخصوص وجهي.
ـــــــــــــــ
((1/104)
1) أخرجه ابن حبان في صحيحه ، حديث رقم :4513، وقال أبو حاتِم: سَمِعَ مجاهدٌ من أبي هُريرة أحاديثَ معلومةً بيَّن سماعهُ فيها عُمَرُ بنُ ذَرَ، وقد وَهِمَ من زعم أنه لم يَسْمَعْ من أبي هريرة شيئاً، لأن أبا هريرة مات سنة ثمانٍ وخمسين في إمارةِ معاوية ، وكان مولدُ مجاهدٍ سنة إحدى وعشرين في خلافةِ عمرَ بنِ الخطاب، ومات مجاهد سنةَ ثلاث ومئَةٍ، فدلَّ هذا على أن مجاهداً سَمِعَ أبا هُريرة.
(2) أخرجه الحاكم في المستدرك ، باب : ذكر ليلة أفضل من ليلة القدر ، حديث رقم : 2464، وقال : هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه .
87
فضل الرباط
... وجاء في فضل الرِّباط أحاديث كثيرة ، منها ما رواه البخاريّ عن سهل بن سَعد السَّاعِديّ - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « رِباطُ يومٍ في سبيل الله خيرٌ عند الله مِن الدنيا وما فيها». وفي صحيح مُسلم عَنْ سَلْمَانَ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْر وَقِيَامِهِ. وَإِنْ مَاتَ، جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَأَمِنَ الْفَتَّانَ».
وروى أبو داود في سُننه عن فَضَالة بن عبيد - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «كلّ مَيِّت يُختم على عمله إلاَّ المرابط فإنه يَنْمو له عمل عمله إلى يوم القيامة ويؤمن من فَتّان القبر». وفي هذه الأحاديث دليل على أن الرباط أفضل الأعمال التي يبقى ثوابها بعد الموت.(1/105)
... كما جاء في حديث العَلاء بن عبد الرّحمن عن أبيه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إنه قال: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عملُه إلاَّ من ثلاثة إلاَّ من صدقةٍ جاريةٍ أو علمٍ يُنتفع به أو ولدٍ صالح يدعو له» وهو حديث صحيح انفرد بإخراجه مسلم؛ فإن الصدقة الجارية والعلم المنتفع به والولد الصالح الذي يدعو لأبويه ينقطع ذلك بنفاد الصدقات وذهابِ العلم وموتِ الولد. والرباط يُضاعف أجرهُ إلى يوم القيامة ؛ لأنه لا معنى للنّماء إلاَّ المضاعفة، وهي غير موقوفة على سبب فتنقطع بانقطاعه ، بل هي فضلٌ دائم من الله تعالى إلى يوم القيامة . وهذا لأن أعمال البِرّ كلّها لا يُتمكنّ منها إلاَّ بالسلامة من العدوّ والتحرُّز منه بحراسة بَيْضَة الدِّين وإقامة شعائر الإسلام. وهذا العمل الذي يجري عليه ثوابه هو ما كان يعمله من الأعمال الصالحة. خرّجه ابن ماجه بإسناد صحيح عن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: « من مات مرابطاً في سبيل الله أَجْرى عليه أجرَ عملهِ الصالِح الذي كان يعمل وأَجْرَى عليه رزقه وأُمِنَ من الفُتّان وبعثه الله يوم القيامة آمناً من الفزع». وفي هذا الحديث قيدٌ ثان وهو الموت حالة الرّباط . والله أعلم. قال القرطبي ـ رحمه الله : وجاء في انتظار الصَّلاة بعد الصَّلاة أنه رِباط؛ فقد يحصل لِمُنْتظِرِ الصلواتِ ذلك الفضل إن شاء الله تعالى. (1)
ــــــــــــــــــ
(1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي بتصرف .
88
كيف سيلقى من لم يجاهد ، الله ـ عز وجل ؟
قال تعالى :(1/106)
? ????????????????? ?????????? ?????????? ??? ?????? ?????? ????? ?????? ?????????? ??? ????????? ?????? ???????????????? ?????? ???????????? ??????????? ?????????????? ????????????? ???? ???????????? ?????? ????????? ???????????? ???????????? ? ??????????? ??????? ???????? ???? ??????? ??????????? ??????????????? ????????? ?????????? ??????????????? ???????? ???????????? ????? ????????????? ??????????? ??????????? ?????? ????? ?????? ???????? ???? ? (1)
قوله تعالى: { ??????? ??????????? } شرط؛ فلذلك حذفت منه النون. والجواب { ???????????????}، {??????????????? ???????? ???????????? } وهذا تهديد شديد ووعيد مؤكد في ترك النفِير.
و المراد بهذه الآية وجوب النفير عند الحاجة وظهورِ الكفرة واشتداد شوكتهم. (2)
من لم يُجاهد لقى الله وفيه ثلمة :
- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « مَنْ لَقِيَ الله بِغَيْرِ أَثَرٍ مِنَ الْجِهَادِ لَقِيَهُ وَفيهِ ثِلْمَةٌ» . (3)
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : « مَنْ لَقِيَ الله » أي من لقي الله يوم القيامة ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - :«بِغَيْرِ أَثَرٍ مِنَ الْجِهَادِ » الأَثر، بالتحريك: بقي من رسم الشيء. والتأْثير: إِبْقَاءُ الأَثر في الشيء. و أَثَّرَ في الشيء: ترك فيه أَثراً. والآثارُ: الأَعْلام وقوله - صلى الله عليه وسلم - : «لَقِيَهُ وَفيهِ ثِلْمَةٌ» تَثَلّم: كسر حَرْفَه. قال ابن السكيت: يقال في الإِناء ثَلْم إِذا انكسر من شَفَتِهِ شيء، وفي السيف ثَلْم. و الثُّلْمة: الموضع الذي قد انْثَلم، وجمعها ثُلَم، وقد انْثَلَم الحائط و تَثَلَّم. (4) وفي حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «نَهى عن الشُّرب من ثُلْمة القَدح» أي مَوْضع الكَسْر منه. (5)
ـــــــــــــــــــ
(1) [ سورة التوبة:الآيتان 38-39]
((1/107)
2) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي تفسير الآية (39 ) من سورة التوبة .
(3) أخرجه الحاكم في المستدرك باب من لقي الله بغير أثر من جهاد، حديث رقم: 2461، وقال : هذا حديث كبير في الباب غير أن الشيخين لم يحتجا بإسماعيل بن رافع، وأخرجه الترمذي،باب في ثواب الشهيد، حديث رقم 1667، وقال أبو عيسى هذا حديثٌ غريبٌ مِنْ حديثِ الوَلِيدِ بن مُسْلِمٍ عن إسماعيلَ بنِ رَافِعٍ. وإسماعيلُ بنُ رَافِعٍ قد ضَعَّفَه وقد رُوِيَ هذا الحديثُ مِنْ غَيْرِ هذا الوجْهِ عن أبي هُرَيْرَةَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وحديثُ سَلْمَانَ إسْنَادُهُ لَيْس بِمُتَّصِلٍ. محمدُ بنُ المُنْكَدِرِ لَمْ يُدْرِكْ سَلْمَانَ الفَارِسِيَّ. وقد رُوِيَ هذا الحديثُ عن أيُّوبَ بنِ مُوسَى عن مَكْحُولٍ عن شُرَحْبِيلَ بنِ السِّمْطِ عن سَلْمَانَ عنِ النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأخرجه ابن ماجه ، باب التغليظ في ترك الجهاد ، حديث رقم: 2834.
(4) لسان العرب لابن منظور.
(5) النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير.
89
مات على شعبة من النفاق :
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدِّثُ بِهِ نَفْسَهُ، مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ». (1)
قَالَ ابْنُ سَهْمٍ : « قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: فَنُرَى أَنَّ ذلِكَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ».
قال النووي ـ رحمه الله في شرحه لصحيح مسلم :
قول عبد الله بن المبارك: فنُرَى أن ذلك كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - » قوله: نرى بضم النون أي نظن وهذا الذي قاله ابن المبارك محتمل، وقد قال غيره إنه عام، والمراد أن من فعل هذا فقد أشبه المنافقين المتخلفين عن الجهاد في هذا الوصف فإن تَرْكَ الجهاد أحد شعب النفاق .(1/108)
قلت : الجهاد لا ينقطع حتى تقوم الساعة فالصحيح أن هذا الحديث عام والله أعلم .
ومن العقوبات الكبرى لترك الجهاد الذل:
- عن ابنِ عُمَرَ ـ رضي الله عنهما ـ قالَ سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إذَا تَبَايَعْتُمْ بالْعِينَةِ وَأخَذْتُمْ أذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ، سَلَّطَ الله عَلَيْكُمْ ذُلاًّ لاَ يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إلَى دِينِكُم». (2)
ولفظ الإمام أحمد ـ رحمه الله :عن شَهْر بن حَوْشَب عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما : ولقد سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لئِنْ أَنتم اتبعتم أَذنابَ البقر، وتبايعتم بالعِينَة، وتركتم الجهاد في سبيل الله ، ليُلزمنَّكُم الله مذلةً في أَعناقكم، ثم لا تُنزَع منكم حتى ترجعوا إِلى ما كنتم عليه، وتتوبوا إِلى الله» (3)
وقوله - صلى الله عليه وسلم - «إذا تبايعتم بالعِينة» قال الجوهري: العين بالكسر السلف.
ـــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه مسلم في صحيحه واللفظ له باب : ذم من مات ولم يغز حديث رقم : 4887. ، مسند أحمد حديث رقم 8801 مسند أبي هريرة ـ رضي الله عنه.واللفظ له ، سنن أبي داود باب كراهية ترك الغزو حديث رقم : 2503،سنن النسائي الصغرى باب : التشديد في ترك الغزو .(3099) ، (4269 )
(2) أخرجه أبو داود في سننه ، باب: في النهي عن العينة ، حديث رقم: 3463، قال المنذري: وفي إسناده إسحاق بن أسيد أبو عبدالرحمن الخراساني نزيل مصر لا يحتج بحديثه. وفيه أيضاً عطاء الخراساني وفيه مقال.هذا ولقد صححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة ، المجلد الأول ، حديث رقم : 11.
(3) أخرجه الإمام احمد في المسند ، في مسند ، عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ، حديث رقم: 5553.
90
وقال في القاموس: وعين أخذ بالعينة بالكسر أي السلف أو أعطى بها. قال والتاجر(1/109)
باع سلعته بثمن إلى أجل ثم اشتراها منه بأقل من ذلك الثمن انتهى. قال الرافعي: وبيع العينة هو أن يبيع شيئاً من غيره بثمن مؤجل ويسلمه إلى المشتري ثم يشتريه قبل قبض الثمن بثمن نقد أقل من ذلك القدر انتهى.
وقد ذهب إلى عدم جواز بيع العينة مالك وأبو حنيفة وأحمد، وجوز ذلك الشافعي وأصحابه ـ كذا في النيل. وقد حقق الإمام ابن القيم عدم جواز العينة ونقل معنى كلامه العلامة الشوكاني في النيل. « وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع» حمل هذا على الاشتغال بالزرع في زمن يتعين فيه الجهاد « وتركتم الجهاد » أي المتعين فعله « سلط الله عليكم ذُلاً» بضم الذال المعجمة وكسرها أي صَغَاراً ومسكنة ومن أنواع الذل الخراج الذي يسلمونه كل سنة لملاك الأرض. وسبب هذا الذل والله أعلم أنهم لما تركوا الجهاد في سبيل الله الذي فيه عز الإسلام وإظهاره على كل دين عاملهم الله بنقيضه وهو إنزال الذلة بهم فصاروا يمشون خلف أذناب البقر بعد أن كانوا يركبون على ظهور الخيل التي هي أعز مكان. (1)
ccc
ـــــــــــــــ
(1) عون المعبود في شرح سنن أبي داود .
91
المفتح الحادي عشر
حب الشهادة
الدليل من التنز يل :
قال تعالى :
- ? ? ?????? ?????? ??????????? ???? ??????????????? ???????????? ??????????????? ???????? ?????? ???????????? ??????????????? ??? ????????? ?????? ???????????????? ?????????????????? ???????? ???????? ??????? ? ??????????????? ?????????????? ????????????????? ?????? ?????????? ??????????? ???? ??????? ??????????????????? ????????????? ???????? ????????????? ?????? ????????? ???? ?????????? ???????????? ????? ?. (1)(1/110)
- ? ????? ???????????? ?????????? ??????????? ? ????????? ?????? ??????????????? ????? ???????????? ????? ?????????? ?????????????? ????? ?????????? ?????? ????????????? ?????? ??? ?????????? ??????????????????? ???????????? ???? ???????????? ????? ????? ?????????? ??????? ??????? ?????????? ????? ???? ?????????????? ????? ? (2)
- ? ????? ??????????????? ??????? ?????????? ??? ??????????? ?????? ?????????? ?????????? ???? ??????? ??????????? ????????? ???? ???????????? ????? ???????????? ??????????? ???? ? (3)
- ? ?????? ?????????? ??? ????????? ???????????? ??????????????? ???????????? ??????? ??????????? ???????? ???????????????? ????? ? (4)
الدليل من السنة النبوية الشريفة:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - «مَنْ طَلَبَ الشَّهَادَةَ صَادِقاً، أُعْطِيَهَا ، وَلَوْ لَمْ تُصِبْهُ ».(5)
الشهيد في اللغة :
الشهيد في الأصل من قُتِلَ مُجَاهِداً في سبيل الله والجمع شهداء ، ثم أُتسع فيه فأطلق على من سماه النبي - صلى الله عليه وسلم - من المبطون والغَرق والحرق وصاحب الهدم وذات الجنب وغيرهم.(6)
ـــــــــــــــــ
(1) [ سورة التوبة:الآية 111]
(2) [ سورة آل عمران:الآيتان 169-170]
(3) [ سورة الأحزاب:الآية 23]
(4) [ سورة البقرة:الآية 207]
(5) أخرجه مسلم باب : استحباب طلب الشهادة ، حديث رقم: 4885.
(6) هؤلاء من الشهداء ، مبحث في الشهيد والشهادة ج1ص7 لنفس المؤلف.
92
من هو الشهيد شرعاً ؟:
هناك عدة أحاديث ذُكرت في تعريف الشهيد شرعاً من أمته - صلى الله عليه وسلم - منها: قوله - صلى الله عليه وسلم - : « الشُّهَدَاءُ خَمْسةٌ: المَطْعُونُ، والمبطُونُ والغَرقُ، وَصَاحبُ الهَدمِ ، والشَّهيدُ في سبيل الله » (1)(1/111)
وفي رواية مالك في الموطأ من حديث جابر بن عتيك - رضي الله عنه - : « .. الشهداء سبعة سوى القتل فى سبيل الله - .. » فذكر المطعون والمبطون والغرق وصاحب الهدم وصاحب ذات الجنب والحرق والمرأة تموت بجمع ، وفى رواية لمسلم : « من قتل فى سبيل الله فهو شهيد ومن مات فى سبيل الله فهو شهيد » وهذا الحديث الذى رواه مالك صحيح بلا خلاف وان كان البخارى ومسلم لم يخرجاه فأما المطعون فهو الذى يموت فى الطاعون كما فى الرواية الأخرى : «الطاعون شهادة لكل مسلم» وأما المبطون فهو صاحب داء البطن وهو الاسهال وقيل هو الذى به الاستسقاء وانتفاخ البطن وقيل هو الذى تشتكى بطنه وقيل هو الذى يموت بداء بطنه مطلقا وأما الغرق فهو الذى يموت غريقا فى الماء ، وصاحب الهدم من يموت تحته ، وصاحب ذات الجنب معروف وهى قرحة تكون فى الجنب باطناً والحريق الذى يموت بحريق النار ، وأما المرأة تموت بجمع فهو بضم الجيم وفتحها وكسرها والضم أشهر قيل : التى تموت حاملا جامعة ولدها فى بطنها ، وقيل هى البكر والصحيح الأول وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : « ومن مات فى سبيل الله فهو شهيد » فمعناه بأى صفة مات ، قال العلماء : « وإنما كان هذه الموتات شهادة بتفضل الله تعالى بسبب شدتها وكثرة ألمها » .
واعلم أن الشهيد ثلاثة أقسام :
أحدها : المقتول فى حرب الكفار بسبب من أسباب القتال فهذا له حكم الشهداء فى ثواب الآخرة وفى أحكام الدنيا وهو أنه لا يُغَسَّل ولا يصلى عليه .
ـــــــــــــــ
((1/112)
1) أخرجه البخاري باب : الشهادة سبع سوى القتل ج3 ص1044 باب فضل التهجير ج1 ص232 حديث 645 ، أحمد ج2 حديث 8257 مسند أبي هريرة ، حديث رقم 10668، سنن النسائي الكبرى في الطاعون ج4 ص363 حديث 7529 ، الترمذي باب ما جاء في الشهداء من هم حديث رقم 1057 ، وقال : وفي الباب عن أنس وصفوان بن أمية وجابر بن عتيك وخالد بن عُرْفطة وسليمان بن صُرد وأبي موسى وعائشة وقال أبو عيسى : حديث أبي هريرة حديثٌ حسنٌ صحيح .
93
الثانى : شهيد فى الثواب دون أحكام الدنيا وهو المبطون والمطعون وصاحب الهدم ومن قتل دون ماله وغيرهم ممن جاءت الأحاديث الصحيحة بتسميته شهيداً
فهذا يُغَسَّل ويُصَّلَى عليه وله فى الآخرة ثواب الشهداء و لا يلزم أن يكون مثل ثواب الأول .
الثالث : من غل فى الغنيمة وشبهه ممن وردت الآثار بنفى تسميته شهيداً إذا قُتِلَ فى حرب الكفار فهذا له حكم الشهداء فى الدنيا ،فلا يغسل ولا يصلى عليه وليس له ثوابهم الكامل فى الآخرة والله أعلم (1) .(1/113)
والسؤال هنا كيف الجمع بين الروايات المختلفة في تعريف الشهيد يقول الحافظ بن حجر ـ رحمه الله ـ في الفتح وقد جاءت ترجمة البخاري ـ رحمه الله ـ للباب الشهادة سبع سوى القتل وذكر البخاري في حديثه الشهداء خمسة : قال الإسماعيلي الترجمة مخالفة للحديث وقال ابن بطال: لا تخرج هذه الترجمة من الحديث أصلاً وهذا يدل على أنه مات قبل أن يُهَذِبَ كتابه وأجاب ابن المنير بأن ظاهر كلام ابن بطال أن البخاري أراد أن يُدْخِلَ حديث جابر بن عتيك - رضي الله عنه - فاعجلته المنية عن ذلك وفيه نظر قال ويحتمل أن يكون أراد التنبيه على أن الشهادة لا تنحصر في القتل بل لها أسباب أُخَر وتلك الأسباب اختلفت الأحاديث في عددها ففي بعضها خمسة وفي بعضها سبعة والذي وافق شرط البخاري الخمسة فنبه بالترجمة على أن العدد الوارد ليس على معنى التحديد انتهى وقال بعض المتأخرين يحتمل أن يكون بعض الرواة يعني رواة الخمسة نسي الباقي وهو احتمال بعيد لكن يقربه ما تقدم من الزيادة في حديث أبي هريرة عند مسلم وكذا وقع لأحمد من وجه آخر عنه والمجنوب شهيد يعني صاحب ذات الجنب والذي يظهر أنه - صلى الله عليه وسلم - أعلم بالأقل ثم أعلم زيادة على ذلك فذكرها في وقت آخر ولم يقصد الحصر في شيء من ذلك .
الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتمنى الشهادة :
عن سعيدُ بنُ المسيَّبِ أن أبا هريرة - رضي الله عنه - قال: «سمعتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقول: والذي نفسي بيده، لولا أنَّ رِجالاً منَ المؤمنينَ لا تَطيبُ أنفُسهُم أن يَتخلفوا عني، ولا أجدُ ما أحملهم عليه، ما تخلَّفتُ عن سَريةٍ تغدو في سَبيل الله ، والذي نفسي بيدِه لوددت أني أُقتَلُ في سبيلِ الله ثمَّ أحيا، ثمَّ أقتل ثُمَّ أحيا، ثمَّ أقتلُ ثمَّ أحيا، ثم أقتل » (2).
ــــــــــ
(1) شرح النووي على صحيح مسلم ج: 13 بتصرف.
(2) أخرجه البخاري في صحيحه باب تمني الشهادة حديث رقم 2737.
94(1/114)
وللشهداء درجات وفضل يتفاوت :
- ومن حديث أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - عن أبي ذر - رضي الله عنه - عندما سأل الرسول - صلى الله عليه وسلم - أي الشهداء أفضل؟ قال : « من سفك وعقر جواده » (1).
- عن عتبةَ بنِ عبدِ السلميّ - رضي الله عنه - قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : «القتَلى ثلاثةٌ، مؤمنٌ جاهدَ بنفسِهِ ومالِهِ في سبيلِ اللَّهِ إذا لقيَ العدوَّ قاتَلَ حتَّى قتلَ » قالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فيهِ: «فذلِكَ الشهيدُ الممتحنُ في خيمةِ اللَّهِ تحتَ عرشِهِ لا يفضلُهُ النبيونَ إلاَّ بدرجةِ النبوةِ، ومؤمنٌ خلطَ عملاً صالحاً وآخرَ سيئاً جاهدَ بنفسِهِ ومالِهِ في سبيلِ اللهِ إذا لقيَ العدوَ قاتلَ حتَّى يُقتلَ». قالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فيه مصمصةٌ محَتْ ذنوبَهُ وخطاياه، إنَّ السيفَ محاءٌ للخطايا وأُدخِلَ الجنةَ من أي أبوابِ الجنةِ شاءَ، ومنافقٌ جاهدَ بنفسِهِ ومالِهِ فإذا لقيَ العدوَ قاتلَ حتى قُتِلَ فذاكَ في النارِ، إنَّ السيفَ لا يمحو النفاق » (2) قالَ عبدُاللهِ يقال للثوبِ إذا غُسِلَ مصمَصَ.
- عن فَضَالَةَ بنَ عُبَيْدٍ يقولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بنَ الْخَطَابَ - رضي الله عنه - ، يقولُ: سَمِعْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: «الشُّهَدَاءُ أرْبَعةٌ : رَجُلٌ مُؤْمِنٌ جَيِّدُ الإيمَانِ لَقِيَ العَدُوَّ فَصَدَقَ الله حتى قُتِلَ، فَذَاكَ الَّذِي يَرْفَعُ الناسُ إليهِ أعْيُنَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ هَكَذَا، وَرَفَعَ رَأْسَهُ حتى وَقَعَتْ قَلَنْسُوَتُهُ ، فلا أدْرِي قَلْنَسُوَةَ عُمَر أرَادَ أَمْ قَلَنْسُوَةَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ». قال : وَرَجُلٌ مُؤْمِنٌ جَيِّدُ الإيْمَانِ لَقِيَ العَدُوّ فَكَأَنَّمَا ضُرِبَ جِلْدُهُ بِشَوْك طَلْحٍ مِنَ الْجُبْنِ أتَاهُ سَهْمٌ(1/115)
غَرْبٌ فَقَتَلَهُ، فَهُوَ في الدَّرَجَةِ الثَّانِية وَرَجُلٌ مُؤْمِنٌ خَلَطَ عَمَلاً صَالِحاً وآخَرَ سَيِّئاً لَقِيَ العَدُوَّ فَصَدَقَ الله حتى قُتِلَ فَذَاكَ في الدَّرَجَةِ الثَّالِثَةِ ، وَرَجُلٌ مُؤْمِنٌ أسْرَفَ على نَفْسِهِ لَقِيَ العَدُوَّ فَصَدَقَ الله حتى قُتِلَ، فَذَاكَ في الدَّرَجَةِ الرَّابِعَةِ » (3)
- عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن أبيه، عن جده - رضي الله عنه - قال: بينما النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بالروحاء إذ هبط عليهم أعرابي من سرف ، فقال من القوم أين تريدون؟ قيل: بدراً مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ما لي أراكم بذة هيئتكم قليلاً سلاحكم ، قالوا:
ـــــــــــــــ
(1) أخرجه أحمد في المسند .
(2) أخرجه الدارمي في سننه باب : في صفة القتل في سبيل الله حديث رقم 2413.
(3) أخرجه الترمذي في سننه باب ما جاء في فضل الشهداء ورقم الحديث 1647. وقال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ غريب وكذلك أخرجه أحمد في المسند حديث 151 ، وأخرجه أبو يعلى في مسنده في مسند عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ ، وأخرجه عبد بن حميد برقم 27 .
95(1/116)
ننتظر إحدى الحسنيين إما أن نُقتل فالجنة ، وإما أن نَغلِب فيجمع الله لنا الظفر والجنة، قال: أين نبيكم؟ قالوا: ها هو ذا، فقال له: يا نبي الله ليست لي مصلحة آخذ مصلحتي، ثم ألحق قال: «اذْهَبْ إِلى أَهْلِكَ فَخُذْ مَصْلَحَتَكَ» ، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدراً وخرج الرجل إلى أهله، حتى فرغ من حاجته، ثم لحق برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببدر وهو يصف الناس للقتال في تعبيتهم، فدخل في الصف معهم ، فاقتتل الناس فكان فيمن استشهده الله ، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد أن هزم الله المشركين وأظفر المؤمنين فمر بين ظهراني الشهداء وعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - معه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «ها يا عُمَرُ إِنَّكَ تُحِبُّ الْحَديثَ ، وَإِنَّ للشّهداءِ سادَةً وَأَشْرافاً وَمُلوكاً، هذا يا عُمَرُ مِنْهُمْ» (1).
للشهداء فضائل وخصال تفردوا بها :
(1) أحياء عند ربهم يرزقون :
قال تعالى : : ? ????? ???????????? ?????????? ??????????? ? ????????? ?????? ??????????????? ????? ???????????? ????? ?????????? ?????????????? ????? ?????????? ?????? ????????????? ?????? ??? ?????????? ??????????????????? ???????????? ???? ???????????? ????? ????? ?????????? ??????? ??????? ?????????? ????? ???? ?????????????? ????? ? (2)
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «الشُّهَدَاءُ عَلى بَارِقٍ، نَهْرٍ بِبَابِ الجَنَّةِ، في قُبَّةٍ خَضْرَاءَ يَخْرُج عَلَيْهِمْ رِزْقُهُمْ مِنَ الجَنَّةِ بُكْرَةً وَعَشِيّاً». (3)
(2) للشهيد عند الله ست خصال :(1/117)
وعن عُبادة بن الصَّامت، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إِنَّ للشَّهِيدِ عِنْدَ الله ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ سِتَّ خِصَالٍ: أَنْ يُغْفَرَ لَهُ في أَوَّلِ دُفْعَةٍ مِنْ دَمِهِ، وَيَرى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ ، وَيُحَلَّى حُلَّةَ الإيْمَانِ ، وَيُزَوَّجَ مِنَ الحُوْرِ العِيْنِ ، وَيُجَارَ مِنْ عَذَابِ
ــــــــــــــــ
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك حديث رقم 2477 ج2 ص85 وقال :هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.
(2) [ سورة آل عمران:الآيتان 169-170]
(3) أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد وقال : رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد ثقات.
96
القَبْرِ، وَيَأْمَنَ مِنَ الفَزَعِ الأكْبَرِ، وَيُوْضَعَ عَلى رَأْسِهِ تاجُ الوَقَارِ اليَاقُوْتَةُ مِنْهُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَما فِيْهَا ، وَيُزَوَّجُ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ زَوْجَةً مِنَ الحُوْرِ العِيْنَ ، وَيُشَفَّعَ في سَبْعِيْنَ إِنْسَاناً مِنْ أَقَارِبِه»(1) .
(3) إثبات الشفاعة للشهيد :
من الحديث السابق وهذه الأحاديث إثبات لهذه الشفاعة :
عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشفع يوم القيامة ثلاثة : الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء ». (2)
وعن نِمرانَ بنِ عُتبة الذِّماري قال : دَخلنا على أمِّ الدرداء ونَحْنُ أيتامٌ صِغَارٌ، فَمَسَحَتْ رؤوسَنا، وقالَتْ: أَبْشِرُوا يا بَنِيَّ، فإنِّي أَرْجُو أنْ تَكُونُوا في شَفَاعَةِ أَبِيكُمْ، فإنِّي سَمِعْتُ أبا الدَّرْدَاءِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «الشَّهِيدُ يَشْفَعُ في سَبْعينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ». (3)
(4) الشهيد يغفر له ذنبه كله عدا الدين :(1/118)
وعن سهل بن حُنيف - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « أَوَّلُ ما يُهْراقُ دَمُ الشَّهِيدِ يُغْفَرُ لَهُ ذَنْبُهُ كُلُّهُ إِلاّ الدَّيْنَ» (4)
(5) أول من يدخل الجنة يوم القيامة ضمن ثلاثة :
عن أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «عُرِضَ عَلَيَّ أوَّلُ ثلاثَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: شَهِيدٌ، وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ، وَعَبْدٌ أحْسَنَ عِبَادَةَ الله وَنَصَحَ لَمَوالِيهِ» (5)
(6) ما يجد الشهيد من مس وعذاب القتل :
عن أبي هُريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : « ما يَجِدُ الشَّهِيدُ مَسَّ القَتْلِ إلا كما يَجِدُ أَحَدُكُمْ مَسَّ القَرْصَةِ» (6)
ــــــــــــــــــ
(1) مجمع الزوائد للهيثمي باب ما جاء في فضل الشهادة وغيرها ، حديث رقم : 6159، رواه أحمد هكذا، قال : مثل ذلك، والبزار والطبراني إلا أنه قال: «سَبْعَ خِصَالٍ» وَهِيَ كذلك، ورجال أحمد والطبراني ثقات ، وأخرجه الترمذي في سننه برقم (1664) ، عن المقدام بن معد يكرب ـ رضي الله عنه ، وقال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح غريب.
(2) أخرجه ابن ماجه باب ذكر الشفاعة حديث رقم 4405 .
(3) أخرجه ابن حبان حديبث رقم 4570.
(4) مجمع الزوائد للهيثمي باب ما جاء في الدين حديث 4366 ، وقال : رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح.
(5) أخرجه الترمذي باب ما جاء في ثواب الشهيد حديث رقم 1645 و قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيح.
(6) أخرجه ابن حبان في صحيحه ذكر وصف ما يجد الشهيد .
97
(7) يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل مرة أخرى لما يرى من فضل وكرامة الشهادة:(1/119)
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من عبدٍ يموتُ لهُ عندَ الله خيرٌ يسرُّهُ أن يرجعَ إلى الدنيا وأنَّ لهُ الدُّنيا وما فيها، إلا الشهيدُ لما يَرى من فضلِ الشهادة، فإنهُ يسرُّهُ أن يرجعَ إلى الدُّنيا فيُقتل مرَّةً أُخرى» (1)
أنسَ بنَ مالكٍ - رضي الله عنه - عنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما أحدٌ يَدخلُ الجنةَ، يُحبُّ أَن يَرجعَ إلى الدُّنيا، وله ما على الأرضِ مِن أن يرجعَ إلى الدُّنيا فيُقتَلَ عشرَ مرات، لما يَرى منَ الكرامةِ» (2)
وذكر في عمدة القاري عن ابن بطال قوله : هذا الحديث أجل ما جاء في فضل الشهادة والله أعلم .
(8) منهم من كلم الله كفاحاً :
وهو عبد الله بن عمرو بن حرام ـ رضي الله عنه ـ والد جابر بن عبد الله .
عن طَلْحَةَ بنَ خِرَاشٍ ، قالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بنَ عَبْدِ الله - رضي الله عنه - يَقُولُ:« لَقِيَنِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لِي : « يَا جَابر ماَلِي أَرَاكَ مُنْكَسِراً ؟ » قُلْتُ يَا رَسُولَ الله اسْتُشْهِدَ أَبي قتل يوم أحد وَتَرَكَ عِيَالاً وَدَيْناً، قالَ: قال: «أَفلاَ أَبَشِّرُكَ بِمَا لَقِيَ الله بِهِ أَبَاكَ؟» قالَ: بَلَى يَا رَسُولَ الله، قَالَ: «مَا كَلَّمَ الله أَحَداً قَطُّ إِلاَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابِهِ وَأَحْيَى أَبَاكَ فَكَلَّمَهُ كِفَاحاً، فَقَالَ: تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِيكَ، قالَ: يَا رَبِّ تُحْيِينِي فَأُقْتَلُ فِيكَ ثَانِيَةً، قالَ الرَّبُ عز وجل إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّي : { أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} قالَ: وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ? ????? ???????????? ?????????? ??????????? ? ????????? ?????? ??????????????? ? الآيَةِ» » (3).
ــــــــــــــــــ
(1) أخرجه البخاري باب الحور العين وصفتهن ص103 ج3 حديث 2735.
(2) أخرجه البخاري في باب تمني المجاهد أن يرجع حديث رقم 2756.
((1/120)
3) أخرجه الترمذي باب ومن سورة آل عمران وقال أبوعيسَى: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ مِنْ هَذَا الْوَجهِ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بنِ إِبْرَاهِيمَ. وَرَوَاهُ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله بنِ المَدِينيِّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ كِبَارِ أَهْلِ الْحَدِيثِ هَكَذَا عن مُوسَى بنُ إبْرَاهِيمَ. وَقدْ رَوَى عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيلٍ عن جَابِرٍ شَيْئاً مِنْ هَذَا ، كما أخرجه ابن حبان في صحيحه حديث 6098 ، وصححه الحاكم وأخرجه في باب وصية أبي جابر قبل الاستشهاد ، حديث رقم 4694، وطلحة ابن خراش وثقه ابن حبان وقال : في الثقات يخطئ .
98
(9) يضحك إليهم ربهم ـ جل وعلا :
وعن نعيم بن همّار - رضي الله عنه - : أن رجلاً سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أيّ الشهداء أفضل؟ قال: «الذينَ إنْ يُلْقَوْا في الصَّفِّ لا يَلْفِتُون وُجُوهَهُمْ حَتَّى يُقْتَلُوا .أَوْلَئِكَ يَنْطَلِقُونَ في الغُرَفِ العُلَى مِنَ الجَنَّةِ، وَيَضْحَكُ إِلَيْهِمْ رَبّك ، وإذا ضَحِكَ رَبُّكَ إِلى عَبْدٍ في الدُّنْيَا فَلا حِسَابَ عَلَيْهِ » (1).
(10 ) سجود الشهيد قبل الملائكة :
وعن عبدِ الله بنِ عمرٍو ـ رضي الله عنهما ـ قالَ: إِذَا قُتِلَ العَبْدُ في سَبيلِ الله فَأوَّلُ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ على الأرْضِ مِنْ دَمِهِ يُكَفِّرُ الله ذُنُوبَهُ كُلَّهَا، ثمَّ يُرْسِلُ لَهُ الله بِرَيْطَةٍ (2)مِنَ الجَنَّةِ فَتُقْبَضُ فِيهَا نَفْسُهُ، وبِجَسَدٍ مَنَ الجَنَّةِ حَتَّى تُرَكَّبَ فِيهِ رُوحُهُ ، ثمَّ(1/121)
يَعْرُجُ معَ المَلائِكَةِ كَأنَّهُ كانَ مَعَهُمْ مُنْذُ خَلَقَهُ الله حتَّى يُؤْتَى بِهِ الرَّحْمنُ ـ عزَّ وجلَّ ـ ويَسْجُدَ قَبْلَ المَلاَئِكَةِ، ثمَّ تَسْجُد المَلاَئِكَةُ بَعْدَهُ، ثمَّ يُغْفَرُ لَه ويُطَهَّرُ، ثمَّ يُؤْمَرُ بِهِ إِلى الشُّهَدَاءِ، فَيَجِدُهُمْ في رِيَاضٍ خُضْر ، وثِيَابٍ مِنْ حَرِيرٍ، عِنْدَهُمْ ثَوْرٌ وحُوتٌ، يُلْغِثَانِهمْ (3)كُلَّ يَوْمٍ بِشَيْءٍ يُلْغَثَاهُ بألامْسِ، يَظَلُّ الحُوتُ في أَنْهَارِ الجَنَّةِ، فَيَْأكُلُ مِنْ كُلِّ رَائِحَةٍ مِنْ أَنْهَارِ الجنَّةِ، فِإذَا أَمْسى وَكَزَهُ الثَّوْرُ بِقَرْنِهِ، فَذَكَّاهُ، فَأكَلُوا مِنْ لَحْمِهِ، فَوَجَدُوا في طَعْمِ لَحْمِهِ كُلَّ رَائِحَةٍ مِنْ أَنْهَارِالجَنَّة ِ، ويَلْبَثُ الثَّوْرُ نَافِشاً في الجنَّةِ يَأكُلُ مِنْ ثَمَرِ الجَنَّةِ ، فِإذَا أَصْبَحَ غَدا عَلَيْهِ الحُوتُ، فَذَكَّاهُ بِذَنَبِهِ، فَأكَلُوا مِنْ لَحْمِهِ فَوَجَدُوا فِي طَعْمِ لحمهِ كُلَّ ثَمَرَةٍ في الجَنَّةِ يَنْظُرُونَ إِلى مَنَازِلِهِمْ يَدْعُونَ الله بِقِيَامِ السَّاعَةِ ، فِإذَا تَوَفَّى الله العَبْدَ المُؤْمِنَ أَرْسَلَ إِليهِ مَلَكَيْن بِخُرْقَةٍ مِنَ الجَنَّةِ، ورَيْحَانٍ مِنْ رَيْحَانِ الجَنَّةِ، فقالَ: أَيَّتُها النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ أُخْرُجِي إِلى رَوْحٍ ورَيْحَانٍ، ورَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانٍ، أُخْرُجِي، فَنِعْمَ ما قَدَّمْتِ، فَتَخْرُجُ كَأطْيَبِ رَائِحَةِ مِسْكٍ وَجَدَهَا أَحَدُكُمْ بَانْفِهِ، وعَلى أَرْجَاءِ السَّماءِ مَلائِكَةٌ يَقُولُونَ: سُبْحانَ الله لَقَدْ جَاءَ مِنَ الارْض اليومَ رُوحٌ طَيِّبَةٌ، فَلا يَمُرُّ بِبَابٍ إِلاَّ فُتِحَ لَهُ، ولا مَلَكٍ إِلاَّ صَلَّى عَلَيْهِ، ويَشْفَعُ، حتَّى يُؤْتى
ـــــــــــــــــ
((1/122)
1) أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد برقم 3159 رواه أحمد وأبو يعلى وقال : عن نعيم بن همار: أنه سمع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجاءه رجل فقال: أي الشهداء أفضل؟ قال: «الذينَ يُلْقَوْنَ في الصَّفِّ الأوَّلِ ..» والباقي بنحوه والطبراني في الكبير والأوسط بنحوه، ورجال أحمد وأبي يعلى ثقات.
(2) الريطة : كلُّ مُلاءَ ةٍ غيرِ ذاتِ لِفْقَيْنِ، كُلُّها نَسْجٌ واحِدٌ، وقِطْعَةٌ واحِدةٌ، أوكلُّ ثوبٍ لَيِّنٍ رَقيقٍ.
(3) اللغِيثُ: الطعام المخلوط بالشعير كالبَغيث، عن ثعلب، وباعَتُه يقال لهم: البُغَّاثُ و اللُّغَّاثُ. وفي حديث أَبي هريرة: وأَنتم تَلْغَثُونها أَي تأْكلونها.
99
بِهِ إِلى الله ـ عزَّ وجلَّ ـ فَتَسْجُدُ المَلائِكَةُ قَبْلَهُ، ثمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا هَذَا عَبْدُكَ فُلانٌ تَوَفَّيْنَاهُ وأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ، فيقولُ: مُرُوهُ بالسُّجودِ ، فَتَسْجُدُ النَّسَمَةُ، ثمَّ يُدْعى مِيكَائِيلُ فيقال : اجْعَلْ هَذهِ النَّسَمَةَ معَ أَنْفُسِ المُؤْمِنِينَ حتَّى أَسْألَكَ عَنْهَا يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيُؤْمَرُ بِجَسَدِهِ فَيُوسَعُ لَهُ طُولُهُ سَبْعُونَ وَعَرْضُهُ سَبْعُونَ، ويُنْبَذُ فِيهِ الرَّيْحَانُ، ويُبْسَطُ لَهُ الحَرِيرُ فِيهِ، وإِنْ كانَ مَعَهُ شَيءٌ مِنَ القُرْآنِ نَوَّرَهُ، وإِلاَّ جَعَلَ لَهُ نُوراً مِثْلَ نُورِ الشَّمْسِ، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلى الجَنَّةِ، فَيَنْظُرُ إِلى مَقْعَدِهِ في الجَنَّةِ بُكْرَةً وعَشِيّاً، وإِذَا تَوَفَّى الله العَبْدَ الكَافِرَ أَرْسَلَ إِليهِ مَلَكَيْنِ، وأَرْسَلَ إِليهِ بِقِطْعَةِ بِجَادٍ ، أَنْتَنَ مِنْ كُلِّ نَتَنٍ، وأَخْشَنَ مِنْ كُلِّ خَشِنٍ ، فقال: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الخَبِيثَةُ، أُخْرُجِي إِلى جَهَنَّمَ، وعَذابٍ أَلِيمٍ ورَبٍّ عَلَيْكِ سَاخِطٍ، أُخْرُجِي ، فَسَاءَ مَا قَدَّمْتِ، فَتَخْرُجُ كَأنْتَنِ جِيفَةٍ وَجَدَهَا أَحَدُكُمْ(1/123)
بَأنْفِهِ قَطُّ ، وعلى أَرْجَاءِ السَّماءِ مَلائِكةٌ يَقُولُونَ: سُبْحَانَ الله، لَقَدْ جَاءَ مِنَ الأرْضِ جِيفَةٌ ونَسَمَةٌ خَبِيثَةٌ ، لا يُفْتَحُ لَهُ بابُ السَّماءِ، فَيُؤْمَرُ بِجَسَدِهِ فَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ في القَبْرِ
ويُمْلأ حَيَّاتٍ مِثْلُ أَعْنَاقِ البُخْتِ، تَأكُلُ لَحْمَهُ، فَلا يَدَعْنَ مِنْ عِظَامِهِ شَيئاً، ثمَّ يُرْسَلُ عَلَيْهِ مَلاَئِكَةٌ صُمٌّ عميٌّ مَعَهُم فَطَاطِيسُ مِنْ حَدِيدٍ، لا يُبْصِرُونَهُ فَيَرْحَمُونَهُ، ولا يَسْمَعُونَ صَوْتَهُ فَيَرْحَمُونَهُ، فَيَضْرِبُونَهُ ويَخْبِطُونَهُ، ويُفْتَحُ لَهُ بَابٌ مِنْ نَارٍ فَيَنْظُرُ إِلى مَقْعَدِهِ مِنَ النَّارِ بُكْرَةً وعَشِيَّةً ، يَسْأَلُ الله أَنْ يُدِيمَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَلا يَصِلْ إِلى مَا وَراءَ ه مِنَ النَّارِ» (1).
(11) أرواحهم في طير خضر :
عن ابن كعب بن مالك عن أبيه - رضي الله عنه - أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ أرْوَاحَ الشُّهَدَاءِ في طَيْرٍ خُضْرٍ تَعْلُقُ مِنْ ثَمَرِ الْجَنَّةِ أو شَجَرِ الْجَنَّةِ» (2).
(12) الشهداء من عباد الله الذين لا يصعقون يوم القيامة :
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أنه سأل جبريل - عليه السلام - عن هذه الآية : ? ????????? ? ????????? ????????? ??? ? ??????????????? ????? ? ??????????? ??????? ??? ?????? ??????? ? ?{ سورة الزمر:من الآية68} ، مَنِ الّذِينَ لَمْ يَشَإِ الله أَنْ يَصْعَقَهُمْ ؟ قال : هم شهداء الله عزّ وجلّ »(3).
ـــــــــــــــــــ
(1) أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد باب في موت المؤمن وغيره ج3 ص68 حديث رقم 2393 ، وقال : رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات .
(2) أخرجه الترمذي باب ما جاء في ثواب الشهداء حديث رقم 1644 وقال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيح .
((1/124)
3) أخرج الحاكم في المستدرك هذا الحديث في كرامة وفضل الشهداء وصححه على شرط البخاري ومسلم .
98
(13) دار الشهداء أفضل دار رآها المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم :
عن جرير بن حازم قال سمعت أبا رجاء العطاردي يحدث عن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى الغداة أقبل علينا بوجهه فقال : «هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا » فسألنا يوما ثم قال : «أريت الليلة رجلين أتياني فأخذا بيدي فصعدا بي في الشجرة فأدخلاني داراً لم أر قط أحسن منها فقال أما هذه الدار فدار الشهداء». (1)
( 14) الشهيد يُبْعَثُ يوم القيامة على هيئته ولكن اللون لون الدم والريح ريح المسك:
عن معاذِ بنِ جَبَلٍ - رضي الله عنه - قالَ: قال رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : «مَنْ جُرِحَ جَرْحاً في سَبِيلِ اللَّه، جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ يَدْمي اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ، والرِّيحُ رِيحُ مِسْكٍ، ومَنْ جُرِحَ في سَبِيلِ اللَّه طُبِعَ بِطَابَعِ الشُّهَدَاء». (2)
في هذا الحديث إثبات الشهادة لمن جرح في سبيل الله ثم عاش وطَبْعِه بخَاتم وطابع الشهداء.
(15) أفضل ما يؤتى الله ـ جل وعلا ـ عباده الصالحين شهادة في سبيله :
عن عامر ابن سعد ابن أبي وقاص عن أبيه سعد - رضي الله عنه - :« أن رجلا جاء إلى الصلاة والنبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي بنا فقال حين انتهى إلى الصف: اللهم ائتني أفضل ما تؤتي عبادك الصالحين. فلما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة قال: من المتكلم آنفا؟ قال الرجل: أنا يا رسول الله فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : إذاً تعقر جوادك وتستشهد في سبيل الله». (3)
قوله - صلى الله عليه وسلم - :« إذاً تعقر جوادك وتستشهد في سبيل الله».وأصلُ العقر: ضَرْب قوائِم البعير أو الشاةِ بالسيفِ وهو قائمٌ .
ــــــــــــــــــ
((1/125)
1) صحيح ابن حبان ج: 10 ص: 516 ذكرمنازل الشهداء في الجنان بثباتهم له في الدنيا حديث رقم 4659 .
(2) أخرجه ابن حبان في صحيحه باب ذكر إثبات الشهادة لمن جرح في سبيل الله حديث رقم 3155.
(3) أخرجه ابن خزيمة في صحيحه باب : عند الانتهاء إلى الصف ، 456.
99
كيف كان حب أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ للشهادة؟
كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الرجال الذين هانت عليهم الدنيا فأتت إليهم طاعة نعرض لعدد من قصص حب الاستشهاد والذي كان يتسابق إليه الأصحاب:
(1) حب النعمان بن مقرن ـ رضي الله عنه ـ للشهادة :(1/126)
عن معقل بن يسار - صلى الله عليه وسلم - أن عمر بن الخطاب - صلى الله عليه وسلم - شاور الهرمزان في أصبهان وفارس وآذربيجان، فقال: يا أمير المؤمنين أصبهان الرأس وفارس وأذربيجان الجناحان ، فإذا قطعت إحدى الجناحين فالرأس بالجناح وإن قطعت الرأس وقع الجناحان فابدىء بأصبهان فدخل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - المسجد، فإذا هو بالنعمان بن مقرن يصلّي، فانتظره حتى قضى صلاته، فقال له: إني مستعملك فقال: أما جابياً فلا وأما غازياً فنعم قال: فإنك غاز فسرحه وبعث إلى أهل الكوفة أن يمدوه ويلحقوا به وفيهم حذيفة بن اليمان والمغيرة بن شعبة والزبير بن العوام والأشعث بن قيس وعمرو بن معد يكرب وعبد الله بن عمرو فأتاهم النعمان وبينه وبينهم نهر فبعث إليهم المغيرة بن شعبة رسولاً وملكهم ذو الحاجبين فاستشار أصحابه، فقال: ما ترون أقعد لهم في هيئة الحرب أو في هيئة الملك وبهجته فجلس في هيئة الملك وبهجته على سريره ووضع التاج على رأسه وحوله سماطين عليهم ثياب الديباج والقرط والأسورة فجاء المغيرة بن شعبة فأخذ بضبعيه وبيده الرمح والترس والناس حوله سماطين على بساط له فجعل يطعنه برمحه فخرقه لكي يتطيروا فقال له ذو الحاجبين : إنكم يا معشر العرب أصابكم جوع شديد وجهد فخرجتم فإن شئتم مرناكم ورجعتم إلى بلادكم فتكلّم المغيرة فحمد الله وأثنى عليه، وقال: إنا كنا معشر العرب نأكل الجيفة والميتة وكان الناس يطؤونا ولا نطأهم فابتعث الله منا رسولاً في شرف منا أوسطنا وأصدقنا حديثاً وإنه قد وعدنا أن ههنا ستفتح علينا وقد وجدنا جميع ما وعدنا حقاً وإني لأرى ههنا بزة وهيئة ما أرى من معي
100(1/127)
بذاهبين حتى يأخذوه، فقال المغيرة: فقالت لي نفسي لو جمعت جراميزك فوثبت وثبة فجلست معه على السرير إذ وجدت غفلة فزجروني وجعلوا يحثونه، فقلت: أرأيتم إن كنت أنا استحمقت فإن هذا لا يفعل بالرسل وإنا لا نفعل هذا برسلكم إذا أتونا، فقال: إن شئتم قطعتم إلينا وإن شئتم قطعنا إليكم، فقلت: بل نقطع إليكم فقطعنا إليهم وصاففناهم فتسلسلوا كل سبعة في سلسلة وخمسة في سلسلة حتى لا يفروا قال فرامونا حتى أسرعوا فينا، فقال المغيرة للنعمان: إن القوم قد أسرعوا فينا فاحمل فقال: إنك ذو مناقب وقد شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكني أنا شهدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا لم يقاتل أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس وتهب الرياح وينزل النصر، فقال النعمان: يا أيها الناس اهتز ثلاث هزات، فأما الهزة الأولى فليقضِ الرجل حاجته، وأما الثانية فلينظر الرجل في سلاحه وسيفه، وأما الثالثة فإني حامل فاحملوا فإن قتل أحد فلا يلوي أحد على أحد وإن قتلت فلا تلووا علي وإني داع الله بدعوة فعزمت على كل امرىء منكم لما أمن عليها، فقال: اللّهمّ ارزق اليوم النعمان شهادة تنصر المسلمين وافتح عليهم فآمن القوم وهزّ لواءه ثلاث مرات ثم حمل فكان أول صريع - رضي الله عنه - فذكرت وصيته فلم ألوِ عليه وأعلمت مكانه فكنا إذا قتلنا رجلاً منهم شغل عنا أصحابه يجرونه ووقع ذو الحاجين من بغلته الشهباء فانشق بطنه وفتح الله على المسلمين فأتيت النعمان وبه رمق فأتيته بماء فجعلت أصبه على وجهه أغسل التراب عن وجهه، فقال: من هذا؟ فقلت: معقل بن يسار، فقال: ما فعل الناس؟ فقلت: فتح الله عليهم، فقال: الحمد لله اكتبوا بذلك إلى عمر وفاضت نفسه فاجتمع الناس إلى الأشعث بن قيس فقال: فأتينا أم ولده فقلنا: هل عهد إليك عهداً قالت: لا إلا سفيط له فيه كتاب فقرأته، فإذا فيه أن قتل فلان ففلان وأن قتل فلان ففلان قال حماد: فحدّثني علي بن زيد، ثنا أبو عثمان(1/128)
النهدي أنه أتى عمر - رضي الله عنه - فقال: ما فعل النعمان بن مقرن؟ فقال: قتل، فقال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ثم قال: ما فعل فلان؟ قلت: قتل يا أمير المؤمنين وآخرين لا نعلمهم، قال: قلت: لا نعلمهم لكن الله يعلمهم. ».(1)
ـــــــــــــــ
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك ، حديث رقم 5329.
101
(2) حُب عُمير بن الحمام الأنصاري ـ رضي الله عنه ـ للشهادة :
وأخرج مسلم ـ رحمه الله ـ في صحيحه :
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - بُسَيْسَةَ، عَيْناً يَنْظُرُ مَا صَنَعَتْ عِيرُ أَبِي سُفْيَان فَجَاءَ وَمَا فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: لاَ أَدْرِي مَا اسْتَثْنَى بَعْضَ نِسَائِهِ قَالَ: فَحَدَّثَهُ الْحَدِيثَ. قَالَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَتَكَلَّمَ. فَقَالَ: «إِنَّ لَنَا طَلِبَةً. فَمَنْ كَانَ ظَهرُهُ حَاضِراً فَلْيَرْكَبْ مَعَنَا» فَجَعَلَ رِجَالٌ يَسْتَأْذِنُونَهُ فِي ظُهْرَانِهِمْ فِي عِلْوِ الْمَدِينَةِ. فَقَالَ: «لاَ إلاَّ مَنْ كَانَ ظَهْرُهُ حَاضِراً»
فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ. حَتَّى سَبَقُوا الْمُشْرِكِينَ إلَى بَدْرٍ. وَجَاءَ الْمُشْرِكُونَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : «لاَ يُقَدِّمَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَى شَيْءٍ حَتَّى أَكُونَ أَنَا دُونَهُ» فَدَنَا الْمُشْرِكُونَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : «قُومُوا إلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ» قَالَ: يَقُولُ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الأَنْصَارِيُّ: يَا رَسُولَ اللهِ جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ: بَخْ بَخْ. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : « مَا يَحْمِلُكَ(1/129)
عَلَى قَوْلِكَ بَخْ بَخْ» قَالَ: لاَ وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ إلاَّ رَجَاءة أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا. قَالَ: «فَإنَّك مِنْ أَهْلِهَا» فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرَنِهِ. فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ. ثُمَّ قَالَ: لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ، إنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ. قَالَ فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنَ التَّمْرِ. ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ». (1)
ذكر بن عبد البر في الاستيعاب ما قاله عُمير - رضي الله عنه - عندما كان يقاتل القوم حتى قتل شهيداً فكان يقول :
ركضاً فى الله بغير زاد
إلا التقى وعمل المعاد
والصبر فى الله على الجهاد
وكل زاد عرضة النفاد
غير التقى والبر والرشاد(2)
ــــــــــــــــــ
(1) أخرجه مسلم في صحيحه باب : ثبوت الجنة للشهيد حديث رقم 4871.
(2) الاستيعاب ج: 3 ص: 1214.
102
(3) حب أنس بن النضر ـ رضي الله عنه ـ للشهادة :(1/130)
عن أنَسٍ - رضي الله عنه - قال: «غابَ عَمِّي أنسُ بنُ النَّضْرِعن قِتالِ بَدْرٍ، فقال: يا رسولَ الله، غِبتُ عن أولِ قتالٍ قاتلت المشرِكينَ ، لئن الله أشهَدَني قتالَ المشرِكينَ لَيرَيَنَّ الله ما أصنَعُ ، فلما كانَ يومُ أحُدٍ وانكشَفَ المسلمونَ قال: اللهمَّ إني أعتَذِرُ إليكَ مما صَنعَ هؤلاء ـ يَعني أصحابهُ ـ وأبرَأ إليكَ مما صَنعً هؤلاء ، ـ يعني المشركينَ ـ ثمَّ تقدَّمَ فاستقبلَهُ سعدُ بنُ مُعاذٍ، فقال: يا سعدُ بنَ مُعاذ، الجنَّةَ وربَّ النَّضْرِ، إِني أجِدُ رِيحَها مِن دُونِ أحُدٍ. قال سعدٌ: فما استطَعْتُ يا رسول الله ما صَنعَ. قال أنس: فوَجَدْنا بهِ بضعاً وثمانينَ ضَربةً بالسيفِ أو طَعنةً برُمح أو رميةً بسَهم، ووجَدْنَاهُ قد قُتِلَ وقد مَثَّلَ بهِ المشركون، فما عرفَهُ أحَدٌ إلا أختُهُ ببنانهِ. قال أنسٌ: كنّا نَرى ـ أو نظنُّ ـ أن هذهِ الآيةَ نزَلَت فيهِ وفي أشباهِه : ? ????? ??????????????? ??????? ?????????? ??? ??????????? ?????? ?????????? ? (1) إلى آخرِ الآية».(2)
(4) حب عمر بن الجموح ـ رضي الله عنه ـ للشهادة :
- عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ قال : جاءَ عمرو بنُ الجَمُوحِ إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يَومَ أحُدٍ فقالَ: يا رسولَ الله ، مَنْ قُتِلَ اليومَ دَخَلَ الجنة ؟ قالَ: «نَعَمْ». قالَ: فوالَّذي نفسي بيده ِ، لا أَرجِعُ إلى أهلي حتى أَدْخُلَ الجنةَ، فقالَ لهُ عمرُ بن الخطابِ - رضي الله عنه - : يا عَمْرو ، لا تَألَّ على اللَّهِ ، فقالَ رسولُ الله - رضي الله عنه - ، يَخُوضُ فِي الجَنَّةِ بعَرْجَتِهِ».(3)(1/131)
- عن أبي قتادة - رضي الله عنه - أنه حضر ذلك قال: «أتى عمرو بن الجموح - رضي الله عنه - إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله أرأيت إن قاتلت في سبيل الله حتى أقتل ، أمشي برجلي هذه صحيحة في الجنة ـ وكانت رجله عرجاء ـ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : نعم ، فقتلوا يوم أحد هو وابن أخيه ومولى لهم، فمرَّ عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: كأني أنظر إليك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنة، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهما وبمولاهما فجعلوا في قبر واحد».(4)
ــــــــــــــ
(1) [ سورة الأحزاب :الآية 23]
(2) أخرجه البخاري في صحيحه حديث رقم 2744.
(3) أخرجه ابن حبان في صحيحه ذِكر عمرو بن الجموح ـ رضي الله عنه ـ حديث رقم 6910 .
(4) أخرجه الإمام أحمد حديث أبي قتادة الأنصاري حديث رقم 22175.
103
(5) حب عبد الله بن جحش ـ رضي الله عنه ـ للشهادة :
- عن إسحاق بن سعد بن أبي وقاص ، حدّثني أبي أن عبد الله بن جحش - رضي الله عنه - قال يوم أحد: ألا تأتي ندعو الله، فخلوا في ناحية، فدعا سعد فقال: : يا رب إذا لقينا القوم غداً فلقيني رجلاً شديداً بأسه شديداً حرده ، فأقاتله فيك ويقاتلني ثم ارزقني عليه الظفر حتى أقتله وآخذ سلبه ، فقام عبد الله بن جحش ثم قال: اللهم ارزقني غداً رجلاً شديداً حرده شديداً بأسه أقاتله فيك ، ويقاتلني ثم يأخذني فيجدع أنفي وأذني ، فإذا لقيتك غداً قلت: يا عبد الله فيمَ جدع أنفك وأذنك؟ فأقول : فيك وفي رسولك - صلى الله عليه وسلم - فيقول : صدقت ، قال سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - : يا بني كانت دعوة عبد الله بن جحش خيراً من دعوتي ، لقد رأيته آخر النهار وإن أذنه وأنفه لمعلقان في خيط ».(1)
vvv
ــــــــــــــــــ
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك باب : رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة ج2 ص66 حديث 2450 هذا حديث صحيح على شرط مسلم .(1/132)
104
المفتح الثاني عشر
حب الله وحب رسوله ـ صلى الله عليه وسلم.
الدليل من التنز يل :
قال تعالى :
¼ †WنQSTےKV†H;TTWTے WفےY،PVض@ ... N ... éSقWع ... ƒٍ فWع PVںWTژَ£WTے َطRرقYع فWئ -YمYقےY ًاَéW©WTت ّYژ<K†WTے JًS/@ ... xzَéWحYTٹ َطSنQS‰Y™STے ,ISمWكéQS‰mïmYٌڑWè ]àTPVضY¢VK ... ّVصWئ WـkYقYع`ëSظ<ض@ ... \لPV¥YئVK ... ّVصWئ WفےX£YةHTVر<ض@ ... fûèSںXنHTWTmïmٌ- ء Xش~Y‰fTTھ JًY/@ ... ‚WپWè WـéSTت†WWTے WàWعَéVض &xyMXْ:‚Wپ ًذYض.W¢ SشpµWTت JًY/@ ... Yم~YTpژëSTے فWع &Sٍ:†fTTWTے SJًJًS/@ ... Wè eؤgھ.Wè }y~YصWئ (54) †WظPVTكXM ... SطRرQS~YضWè JًS/@ ... ISمRضéSھWOWè WفےY،PVض@ ... Wè N ... éSقWع ... ƒٍ WفےY،PVض@ ... WـéSظ~YحSTے WلléVصUfT±ض@ ... WـéSTژ`ëSTےWè WلléTV{QW¥ض@ ... َطSهWè WـéSإYز.WO (55) فWعWè QWسWéWچWTے JًW/@ ... ISمVضéSھWOWè WفےY،PVض@ ... Wè N ... éSقWع ... ƒٍ QWـXM†WTت ً‡`¥Yڑ JًY/@ ... ٌySه WـéS‰YصHTWçإ<ض@ ... (56) " (1)
الدليل من السنة النبوية الشريفة :(2/1)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ: "لأُعْطِيَنَّ هذِهِ الرَّايَةَ رَجُلاً يُحِب اللهَ وَرَسُولَهُ. يَفْتَحُ اللهُ عَلَى يَدَيْهِ". قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - : مَا أَحْبَبْتُ الإِمَارَةَ إِلاَّ يَوْمَئِذٍ. قَالَ: فَتَسَاوَرْتُ لَهَا رَجَاءَ أَنْ أُدْعَى لَهَا. قَالَ: فَدَعَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - . فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا. وَقَالَ :"امْشِ. وَلاَ تَلْتَفِتْ. حَتَّى يَفْتَحَ اللهُ عَلَيْكَ". قَالَ: فَسَارَ عَلِيٌّ شَيْئاً ثُمَّ وَقَفَ وَلَمْ يَلْتَفِتْ. فَصَرَخَ: يَا رَسُولَ اللهِ عَلَى مَاذَا أُقَاتِلُ النَّاسَ؟ قَالَ: " قَاتِلْهُمْ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ. فَإِذَا فَعَلُوا ذلِكَ فَقَدْ مَنَعُوا مِنْكَ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ . إِلاَّ بِحَقِّهَا. وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ".(2)
ـــــــــــــــــ
(1)[ سورة المائدة: الآيات 54-56]
(2) أخرجه مسلم ، باب : من فضائل علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ، حديث رقم: 6175.
105
من يُحب الله ـ جل وعلا ـ يتبع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم:
قال تعالى : ¼ `شSTخ ـMX ... `ySچقRز WـéQS‰Y™STژ JًW/@ ... ّYTكéSإY‰PVTژ@†WTت SطRر`‰Y‰`™STے JًS/@ ... َ£YةpTTçإWTےWè `yRرVض p%yRرWٹéSTكS¢ SJًJًS/@ ... Wè cOéSةWTçئ cy~YڑQWO (31) `شSTخ N ... éSإ~Y؛VK ... JًW/@ ... $WسéSھQW£ض@ ... Wè ـXM†WTت N ... َéPVضWéWTژ QWـXM†WTت JًW/@ ... ‚Wپ JٌˆY™STے WفےX£YةHTVر<ض@ ... (32) " (1)
ذكر القرطبي ـ رحمه الله ـ في الجامع لأحكام القرآن :(2/2)
في تفسيره للآيات السابقة : قال ابن عرفة: المحبّة عند العرب إرادةُ الشيء على قصد له. وقال الأزهري: محبة العبد لله ورسوله طاعته لهما واتباعه أمرهما؛ قال الله تعالى : ¼ `شSTخ ـMX ... `ySچقRز WـéQS‰Y™STژ JًW/@ ... ّYTكéSإY‰PVTژ@†WTت " (2)ومحبة الله للعباد إنعامه عليهم بالغفران؛ قال الله تعالى: ¼ QWـXM†WTت JًW/@ ... ‚Wپ JٌˆY™STے WفےX£YةHTVر<ض@ ... " (3)أي لا يغفر لهم. وقال سهل بن عبد الله : علامة حُبِّ الله حب القرآن، وعلامة حب القرآن حب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، وعلامة حب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - حب السنة، وعلامة حب الله وحب القرآن وحب النبيّ وحب السنة حب الآخرة، وعلامة حب الآخرة أن يحب نفسه، وعلامة حب نفسِه أن يبغض الدنيا، وعلامة بغض الدنيا ألا يأخذ منها إلا الزّاد والبُلْغَة. وروى أبو الدرْداء. عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قوله تعالى: ¼ `شSTخ ـMX ... `ySچقRز WـéQS‰Y™STژ JًW/@ ... ّYTكéSإY‰PVTژ@†WTت SطRر`‰Y‰`™STے JًS/@ ... " (4) قال: "على البِر والتقوى والتواضع وذلة النفس" خرّجه أبو عبد الله الترمَذِيّ. وروي عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " من أراد أن يحِبه الله فعليه بصدق الحديث وأداء الأمانة وألاّ يؤذي جاره". (5) وفي الصحيح :
عن أبي هريرةَ - رضي الله عنه - عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال:" إِذا أحَبَّ الله العبدَ نادَى جبريلَ: إِنَّ الله يُحِبُّ فلاناً فأحببْهُ ، فيُحبُّه جبريلُ فينادي جبريلُ في أهل السماء : إِنَّ الله يُحِبُّ فلاناً فأحِبُّوهُ، فيحبُّه أهلُ السماء ثمَّ يُوضعُ له القَبول في الأرض".(6)
ــــــــــــــــــ
(1) [ سورة آل عمران:الآيتان 31-32]
(2) [ سورة آل عمران:من الآية 31]
(3) [ سورة آل عمران:من الآية 32]
(4) [ سورة آل عمران:من الآية 31]
(5) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي.
(6) أخرجه البخاري في صحيحه باب : باب ذكر الملائكة حديث رقم 3139
106(2/3)
المرء مع من أحب يوم القيامة :
عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - :" مَتَى السَّاعَةُ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: مَا أَعْدَدْتَ لَهَا قَالَ: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثِيرِ صَلاَةٍ، وَلاَ صَوْمٍ، وَلاَ صَدَقَةٍ وَلكِنِّي أُحِبُّ اللهَ وَرَسولَه قَالَ: أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ " (1)
هذا ولقد أورد الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ هذا الحديث وترجم له : في بيان علامة حب الله ـ عز وجل ، وفي بعض النسخ: باب علامة الحب في الله تعالى، وقال الكرماني: هذا اللفظ يحتمل أن يراد به محبة الله تعالى للعبد فهو المحب، وأن يراد محبة العبد لله تعالى فهو المحبوب. و هذا الترديد ينشأ من إضافة حب الله ، فإن كانت الإضافة للفاعل والمفعول مطوي فهو المراد الأول، وإن كانت إلى المفعول وذكر الفاعل مطوي فهو المراد الثاني، والمحبة من الله إرادة الثواب ومن العبد إرادة الطاعة، وهنا وجه آخر على ما ذكره الكرماني، وهو أن يراد المحبة بين العباد في ذات الله تعالى، وجهته لا يشوبه الرياء والهوى . لِقَوْلِهِ: ¼¼¼ `شSTخ ـMX ... `ySچقRز WـéQS‰Y™STژ JًW/@ ... ّYTكéSإY‰PVTژ@†WTت SطRر`‰Y‰`™STے JًS/@ ... "" (2)
وأراد البخاري بإيراد هذه الآية الكريمة أن علامة حب الله أن يحبوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا اتبعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شريعته وسنته يحبهم الله عز وجل، فيقع الاستدلال بها في الوجهين المذكورين باعتبار الإضافة في حب الله تعالى . وعن الحسن وابن جريج: زعم أقوام على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنهم يحبون الله، فقالوا: يا محمد، إنا نحب ربنا، فأنزل الله تعالى هذه الآية: ¼¼ `شSTخ " ـ يا محمد ـ ¼ ـMX ... `ySچقRز WـéQS‰Y™STژ JًW/@ ... ّYTكéSإY‰PVTژ@†WTت " ـ فيما آمر وأنهى ¼ SطRر`‰Y‰`™STے JًS/@ ... ".(3)(2/4)
ومما لا شك فيه أن المحب لمن أحب مُطيع فالمحب لله ـ جل وعلا ـ ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - يدفعه هذا الحب إلى السمع والطاعة لكل ما أمر به الله ولكل ما نهى عنه الله كذلك التمسك بسنته - صلى الله عليه وسلم - والتي قال فيها الرسول - صلى الله عليه وسلم - : "إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلوا بَعْدَهُما، كتابَ الله، وَسُنَّتِي، وَلَنْ يَتَفَرَّقا حتّى يَرِدا علي الْحَوْض" (4).
ـــــــــــــــــــــ
(1) متفق عليه ، اللؤلؤ والمرجان باب: المرء مع من أحب ، أخرجه البخاري في: 78 كتاب الأدب: 96 باب علامة حب الله عز وجل.
(2) [ سورة آل عمران:من الآية 31]
(3) عمدة القاري كتاب الأدب باب علامة حب الله تعالى.
(4) أخرجه الحاكم في المستدرك باب : خطبته في حجة الوداع حديث رقم: 324.
107
من شروط تحقق الإيمان الكامل أن يكون الله ورسوله أحب إلى المؤمن مما سواهما
- فعن أَنَس - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : " لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ والِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعينَ "(1).
- عن عبدَ الله بن هشام - رضي الله عنه - قال: "كُنا مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وهو آخذٌ بيد عمرَ بن الخطاب، فقال له عمر: يا رسولَ الله ، لأنت أحبُّ إليَّ من كل شيء إلا من نفسي. فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : لا والذي نفسي بيده، حتى أكونَ أحبَّ إليك من نفسك. فقال له عمر: فإنه الآن واللهِ لأنتَ أحبُّ إليَّ من نفسي. فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : الآنَ يا عمرُ"(2).
وقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : " الآنَ يا عمرُ". يعنى أنه الآن يا عمر أصبح إيمانك إيماناً كاملاً .(2/5)
- وعَن زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ عَن أَبِيهِ عَن عُمَرَ ، " أَنَّهُ فَرَضَ لأُسَامَةَ بن زيد في ثَلاَثَةِ آلافٍ وَخَّمْسِمائَةٍ وَفَرَضَ لِعَبْدِ الله بنِ عُمَرَ في ثَلاَثَةِ آلافٍ فَقَالَ عَبْدُ الله بنِ عُمَرَ لأَبِيهِ لِمَ فَضَّلْتَ أُسَامَة عَلَيَّ فَوَالله مَا سَبَقَنِي إلى مَشْهَدٍ. قالَ : لأِنَّ زَيْداً كَانَ أَحَبَّ إِلى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَبِيكَ وَكانَ أُسَامَةُ أحَبَّ إلى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْكَ فَآثَرْتُ حُبَّ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى حُبِّي" (3).
vvv
ـــــــــــــــــــــ
(1) متفق عليه اللؤلؤ والمرجان ، باب وجوب محبة الله ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أخرجه البخاري في: 2 كتاب الإيمان: 8 باب حب الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الإيمان .
(2) أخرجه البخاري في صحيحه باب كيف كانت يمين النبي ـ صلى الله عليه وسلم ، حديث رقم: 6485.
(3) أخرجه الترمذي باب مناقب زيد بن حارثة ـ رضي الله عنه ، حديث رقم : 3976.
108
المفتح الثالث عشر
الثبات
الدليل من التنز يل :
قال تعالى : ¼ †WنQSTےKV†H;TTWے fغTےY،PVض@ ... vN ... éSقWع ... ƒٍ ... V¢XM ... `ySچ~YحVض _àfTTTTLùYت N ... éSچS‰T<'@†WTت N ... èS£S{<¢@ ... Wè JًW/@ ... ... _OkY'W{ `طRرPVصWإVPض fûéS™YصpTةSTژ (45) N ... éSإ~Y؛VK ... Wè JًW/@ ... ISمVضéSھWOWè ‚WپWè N ... éSئW¥HTWTقWTژ N ... éSTصWpTةWچWTت ًˆWهp،TWTژWè p$yRرmïmSڑXO &Nv ... èSOYip²@ ... Wè QWـMX ... JًW/@ ... WؤWع fغTےXOYiHTTJً±ض@ ... (46) ‚WپWè N ... éSكéRرWTژ WفےY،PVض@†TVز N ... éS-W£W فYع طYهX£HTWTےY ... _£TTV¹Wٹ ƒٍ:†TWLTTْXOWè X†PVقض@ ... fûèQSںS±WTےWè فWئ Xشg~‰WTھ Jً&Y/@ ... SJًJًS/@ ... Wè †WظYٹ WـéSTصWظ`إWے b¸~oYSڑ (47) " (1)(2/6)
... جمعت هذه الآيات الشريفة الكريمة ستة أسباب من مفاتح النصر على أعداء الله وأعداء رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وهي: الثبات عند لقاء العدو ، والاتصال بالله بالذكر، طاعة الله وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، عدم التنازع والتشرذم والتفرق وتجنب الشقاق ، الصبر على تكاليف المعركة ، الإخلاص والحذر من البطر والرئاء والبغي .
وقد تقدم ذكر الصبر والإخلاص وسوف نقوم بذكر من تبقى من مفاتح في هذه الآيات الشريفة تباعاً بعون الله ، فأما الثبات فهو بدء الطريق إلى النصر . فأثبت الفريقين أغلبهما . وما يُدري الذين آمنوا أن عدوهم يعاني مما يُعانون ؛ وأنه يألم كما يألمون ، ولكنه يرجو من الله ما يرجون ؛ فلا مدد له من رجاء في الله يُثبت أقدامه وقلبه ، وأنهم لو ثبتوا لحظة أخرى فسينخذل عدوهم وينهار ؛ وما الذي يزلزل أقدام الذين آمنوا وهم واثقون من إحدى الحسنيين : الشهادة أو النصر ، بينما عدوهم لا يريد إلا الحياة الدنيا ؛ وهو حريص على هذه الحياة التي لا أمل له وراءها ولا حياة له بعدها ، ولا حياة له سواها .
ومما جاء في القرآن الكريم عن الفئة القليلة المؤمنة من بني إسرائيل ، وهي تواجه جالوت وجنوده : ¼ †QWظVضWè N ... èS¦W£WTٹ ًéRض†WoYض -YâY éSقS-Wè N ... éRض†WTخ :†fTTTTTقPVٹWO pçأX£<تKV ... †WقT`~VصWئ ... _O`ifT² pŒQY‰WT'Wè †WقTWع ... WںT`TخKV ... †WTكَ£TS±ك@ ... Wè ّVصWئ YzَéWح<ض@ ... fغTےX£XةHTW|<ض@ ... (250) " (2)
ـــــــــــــــــ
(1) [ سورة الأنفال:الآيات 45-47]
(2) [ سورة البقرة :الآية 250]
109(2/7)
... ومما حكاه القرآن الكريم عن الفئات المؤمنة على مدار التاريخ في مواجهة المعركة : ¼ فQYTےVK†W{Wè فYQع JwّY‰TPVTك WشWچHTWTخ ISمWإWع WـéQST~QXTٹXO cOkY'Vز †WظWTت N ... éSTقWهWè :†WظYض َطSنWٹ†W²VK ... ء Xشg~‰fTTھ JًY/@ ... †WعWè N ... éSةSإW †WعWè %N ... éSTك†VرWچَھ@ ... SJًJًS/@ ... Wè JٌˆY™STے WفےXOYiHTTJً±ض@ ... (146) †WعWè Wـ†Vز `ySنVضَéTWTخ :‚PVپMX ... ـKV ... N ... éSTض†WTخ †WTقQWTٹWO َ£Yة<çئ@ ... †WTقVض †WTقWٹéSTٌك¢ †WTقWTت ... W£َھXM ... Wè ُّYت †WTكX£`عVK ... pŒQY‰TV'Wè †TWقTWع ... WںpTTخKV ... †WTكَ£TS±ك@ ... Wè ّVصWئ YzَéWح<ض@ ... WفےX£YةHTW|<ض@ ... (147) SطSنTHùWTژ†LWTTWTت JًS/@ ... ً‡ ... WéV' †WTp~TJٌكںض@ ... Wفَ©SڑWè g‡ ... WéV' %YلW£Y‚پ@ ... SJًJًS/@ ... Wè JٌˆY™STے WـkYقY©`™Sظ<ض@ ... (148) " (1)
... ولقد استقر هذا التعليم في نفوس العصبة المسلمة ؛ فكان هذا شأنها حيثما واجهت عدواً . وقد حكى الله عن العصبة التي أصابها القرح في أُحد ؛ فلما دعيت إلى الخروج ثاني يوم ، كان هذا التعليم حاضراً في نفوسها : ¼ WفےY،PVض@ ... Wس†WTخ SطSنVض ٌ†PVقض@ ... QWـMX ... ً†PVقض@ ... `ںTWTخ N ... éSإWظW- `طRرVض `طSه`éWpTT@†WTت `طSهW ... W¥WTت †_TTقHTWظےMX ... N ... éSTض†WTخWè †WTقST‰`©Wڑ JًS/@ ... Wط`إYكWè Sش~Y{Wé<ض@ ... (173) " (2)
نصرة الله موجبة لنصر وتثبيت الله ـ جل وعلا:
قال تعالى: ¼ †WنQSTےKV†H;TTWTے WفےY،PVض@ ... Nv ... éTSقWع ... ƒٍ ـMX ... N ... èS£S±قWTژ JًW/@ ... `طS{َ£ٌ±قWے pŒQYT‰WT'SےWè `yRرWع ... Wں<خVK ... " (3)
... قال القرطبي ـ رحمه الله ـ في قوله تعالى: { †WنQSTےKV†H;TTWTے WفےY،PVض@ ... Nv ... éTSقWع ... ƒٍ ـMX ... N ... èS£S±قWTژ JًW/@ ... `طS{َ£ٌ±قWے } أي إن تنصروا دين الله ينصركم على الكفار. { pŒQYT‰WT'SےWè `yRرWع ... Wں<خVK ... } أي عند القتال. وقيل على الإسلام. وقيل على الصراط. وقيل: المراد تثبيت القلوب بالأمن ؛ فيكون تثبيت الأقدام عبارةً عن النصر والمعونة في موطن الحرب. (4)
الثابت عند اللقاء أحد ثلاثة يحبهم الله:(2/8)
هذا الثابت أحد ثلاثة يُحِبَهم الله ـ عز وجل ـ عن زيدِ بن ظَبيان عن أبي ذَرَ - رضي الله عنه - ، عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قال :" ثَلاثةٌ يُحِبُّهُمُ اللهُ ، وثَلاثةٌ يُبْغِضُهُمُ اللهُ: يُحِبُّ
ـــــــــــــــــ
(1) [ سورة آل عمران:الآيات 146-148]
(2) [ سورة آل عمران:من الآية 173] .
(3) [ سورة محمد:الآية 7]
(4) الجامع لأحكام القرآن ، تفسير الآية (7) من سورة محمد .
110
رَجُلاً كانَ في قَوْمٍ ، فَأَتَاهُمْ سَائِلٌ فَسَأَلَهُمْ بِوَجْهِ اللهِ لا يَسْأَلُهُمْ لِقَرَابَةٍ بَيْنَهُمْ وبَيْنَهُ، فَبَخِلُوا فَخَلَفَهُم بِأَعْقَابِهِمْ حَيْثُ لا يراهُ إلا الله ومَنْ أَعْطَاهُ، ورَجُلٌ كَان في كَتِيبَةٍ فانْكَشَفُوا، فَكَبَّرَ فَقَاتَلَ حتى يَفْتَحَ اللهُ عليهِ أو يُقْتَلَ، ورَجُلٌ كانَ في قَوْمٍ فأَدْلَجُوا، فَطَالَتْ دُلْجَتُهُم، فَنَزَلوا والنَّوْمُ أَحَبُّ إليهم مِمّا يُعْدَلُ بهِ، فَنَامُوا وقَامَ يَتْلُو آياتِي ويَتَمَلَّقُني، ويُبْغِضُ الشَّيخَ الزَّاني، والبَخِيلَ المُتَكَبِّرَ" وَذَكَرَ الثَّالثَ. (1)
وعند النسائي في السنن الصغرى ، وَالثَّلاَثَةُ الَّذِينَ يُبْغِضُهُمُ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ الشَّيْخُ الزَّانِي وَالْفَقِيرُ الْمُخْتَالُ وَالْغَنِيُّ الظَّلُومُ".(2)
الذين يثبتون عند لقاء العدو في الصف الأول هم أفضل المجاهدين عند الله ـ عز وجل.
- وعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أَفْضَلُ الجِهَادِ عِنْدَ الله يَوْمَ القِيَامَةِ الذينَ يُلْتَقَوْنَ في الصَّفِّ الأوَّلِ فَلا يَلْفِتُونَ وُجُوهَهُمْ حَتَّى يُقْتَلُوا، أُوْلَئِكَ يَتَلَبَّطُوْنَ في الغُرَفِ العُلى مِنَ الجَنَّةِ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ رَبُّكَ إذا ضَحِكَ إلى قَوْمٍ فَلا حِسَابَ عَلَيْهِمْ". (3)(2/9)
هذا الحديث وغيره يوضح فضلاً للمجاهدين الذين يثبتون ولا يفرون عند لقاء العدو فهم يتلبطون ، و تَلَبَّطَ أَي اضْطَجَعَ وتَمَرَّغَ. و التَّلَبُّط: التَّمرُّغُ. ومعنى قوله - صلى الله عليه وسلم - " أُولئك يَتَلَبَّطُون في الغُرَفِ العُلى مِنَ الجَنَّةِ" أَي يَتَمَرَّغُون ويَضْطَجِعُون ، ويقال: فلان يَتَلَبَّطُ في النَّعيم أَي يتمرَّغُ فيه. (4)
التولي يوم الزحف أحد سبع كبائر من كبريات الذنوب ، وعقوبة الفار من الزحف :
- قال تعالى : ¼ †WنQSTےKV†H;TTWے WفےY،PVض@ ... Nv ... éSقWع ... ƒٍ ... V¢XM ... ٌySچ~YحVض WفےY،PVض@ ... N ... èS£WةVز †_Tة`ڑW¦ ً"TWTت SطSهéPRضWéSTژ WO†fTTTTٹ` VK‚ô@ ... (15) فWعWè `طXنPYضWéSے x،MùWع`éWے ,ISâW£TSٹS ‚PVپMX ... †_TTتQX£fTTT™WTچSع ]س†WچYحPYض `èVK ... ... Z¦QYkTTW™WTچSع uّضXM ... xàWTLùYت `ںTWحWTت ƒٍ:†WTٹ xˆWµWçإYٹ fغYQع JًY/@ ... SمHTْWèK<†WعWè $SطPVقTWنW- ً¨`LùYTٹWè SOkY±Wظ<ض@ ... (16) " (5)
ــــــــــــــــــ
(1) أخرجه ابن حبان ، حديث رقم: 3315.
(2) سنن النسائي الكبرى ، باب : ثواب من يُعطي ، حديث رقم: 2571.
(3) مجمع الزوائد للهيثمي ، باب ما جاء في الشهادة وفضلها ، حديث رقم: 4159، وقال : رواه الطبراني في الأوسط، من طريق عنبسة بن سعيد بن أبان، وثقه الدارقطني كما نقل الذهبي، ولم يضعفه أحد، وبقية رجاله رجال الصحيح.
(4) لسان العرب لابن منظور.
(5) [ سورة الأنفال: الآية 16]
111(2/10)
قوله تعالى: { †_Tة`ڑW¦ } الزحف الدنوّ قليلاً قليلاً. وأصله الاندفاع على الألْيَة؛ ثم سُميّ كل ماشٍ في الحرب إلى آخر زاحفاً. والتزاحف: التداني والتقارب؛ يقال: زحف إلى العدوّ زحفاً. وازدحف القوم ، أي مشى بعضهم إلى بعض. ومنه زِحاف الشعر، وهو أن يسقط بين الحرفين حرف فَيزْحَف أحدهما إلى الآخر. يقول: إذا تدانيتم وتعاينتم فلا تفِرّوا عنهم ولا تعطوهم أدباركم. حرّم الله ذلك على المؤمنين حين فرض عليهم الجهاد وقتال الكفار. قال ابن عطية: والأدبار جمع دُبُر. والعبارة بالدبر في هذه الآية متمكنة الفصاحة؛ لأنها بشعة على الفارّ، ذامّة له.
أمر الله ـ عز وجل ـ في هذه الآية ألا يولي المؤمنون أمام الكفار. وهذا الأمر مقيَّد بالشريطة المنصوصة في مِثْلَي المؤمنين ؛ فإذا لقِيت فئة من المؤمنين فئة هي ضِعف المؤمنين من المشركين فالفرض ألا يفِرّوا أمامهم. فمن فرّ من اثنين فهو فارّ من الزحف. ومن فرّ من ثلاثة فليس بفارّ من الزحف ، ولا يتوجّه عليه الوعيد. والفرار كبيرة مُوبِقة بظاهر القرآن وإجماع الأكثر من الأئمة. وقالت فرقة منهم ابن الماجِشون في الواضحة: إنه يراعى الضعف والقوّة والعدّة؛ فيجوز على قولهم أن يفِرّ مائة فارس من مائة فارس إذا علموا أن ما عند المشركين من النجدة والبسالة ضعفُ ما عندهم. وأما على قول الجمهور فلا يحل فِرار مائة إلا مما زاد على المائتين؛ فمهما كان في مقابلة مسلم أكثر من اثنين فيجوز الانهزام، والصبر أحسن. وقد وقف جيش مُؤْتَة وهم ثلاثة آلاف في مقابلة مائتي ألف، منهم مائة ألف من الروم، ومائة ألف من المستعربة من لَخْم وجُذَام.(2/11)
... ووقع في تاريخ فتح الأندلس ، أن طارقاً مولى موسى بن نصير سار في ألف وسبعمائة رجل إلى الأندلس ، وذلك في رجب سنة ثلاث وتسعين من الهجرة؛ فالتقى ومِلك الأندلس لذريق وكان في سبعين ألف عِنان؛ فزحف إليه طارق وصبر له فهزم الله الطاغية لذريق، وكان الفتح. قال ابن وهب: سمعت مالكاً يسأل عن القوم يلقون العدوّ أو يكونون في محرس يحرسون فيأتيهم العدوّ وهم يسير، أيقاتلون أو ينصرفون فيؤذنون أصحابهم؟ قال: إن كانوا يقوون على قتالهم قاتلوهم، وإلا انصرفوا إلى أصحابهم فآذنوهم.
112
قال ابن القاسم: لا تجوز شهادة من فرّ من الزحف، ولا يجوز لهم الفِرار وإن فرّ إمامهم؛ لقوله ـ عز وجل: { فWعWè `طXنPYضWéSے x،MùWع`éWے ,ISâW£TSٹS } الآية. قال: ويجوز الفِرار من أكثر من ضعفهم ، وهذا ما لم يبلغ عدد المسلمين اثني عشر ألفاً؛ فإن بلغ اثني عشر ألفاً لم يحِل لهم الفِرار وإن زاد عدد المشركين على الضعف ؛ لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" خَيْرُ الصَّحابَةِ أَرْبَعَةٌ، وخَيْرُ السَّرايا أربعُ مئةٍ، وخَيْرُ الجُيوشِ أربعةُ آلافٍ، ولنْ يُغْلَبَ اثنا عشرَ ألفاً مِن قِلَّةٍ"(1) فإن أكثر أهل العلم خصّصوا هذا العدد بهذا الحديث من عموم الآية. (2)
- عن أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقاتِ قَالُوا: يا رَسُولَ اللهِ وَما هُنَّ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللهِ ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبا ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِناتِ الْغافِلاتِ". (3)(2/12)
قوله - صلى الله عليه وسلم - : "اجتنبوا"، أي: ابتعدوا، من الاجتناب من باب الافتعال من الجنب، وهو أبلغ من: أبعدوا واحذروا ، ونحو ذلك قوله تعالى: ¼ ‚WپWè N ... éSTٹW£pTحWTژ uv$ّWTكQX¥ض@ ... " (4) لأن نهي القربان أبلغ من نهي المباشرة. قوله - صلى الله عليه وسلم - : "الموبقات" أي: المهلكات ، وهو جمع موبقة، من أوبق : وبق يبق وبوقاً إذا هلك من ، باب: ضرب يضرب، وجاء أيضاً: وبق يوبق وبقاً، "والتولي يوم الزحف" أي: الفرار عن القتال يوم ازدحام الطائفتين ويقال: التولي الإعراض عن الحرب والفرار من الكفار والزحف الجماعة الذين يزحفون إلى العدو أي يمشون إليهم بمشقة، من زحف الصبي إذا دب على أسته. (5)
- وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرجل طلب منه - صلى الله عليه وسلم - أن يوصيه فكان مما قال له :
" ... وَلا تفُرَّنَّ يَوْمَ الزَّحْفِ فَإِنَّهُ مَنْ فَرَّ يَوْمَ الزَّحْفِ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ الله وَمَأْواهُ جَهَنَّم وَبِئْسَ الْمَصير ... " (6)
ـــــــــــــــــ
(1) أخرجه ابن حبان في صحيحه عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ، حديث رقم: 4627.
(2) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ، تفسير الآيات ، 16:15 من سورة الأنفال .
(3) متفق عليه اللؤلؤ والمرجان باب : بيان الكبائر وأكبرها ، أخرجه البخاري في: 55 كتاب الوصايا: 23 باب قول الله تعالى: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا).
(4) [ سورة الإسراء:من الآية 32]
(5) عمدة القاري ، ج14 ص 60.
(6) أخرجه الحاكم في المستدرك ، باب : وصية النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لرجل ، حديث رقم: 6908.
113
المفتح الرابع عشر
الذكر
الدليل من التنز يل :(2/13)
قال تعالى : ¼ †WنQSTےKV†H;TTWے fغTےY،PVض@ ... vN ... éSقWع ... ƒٍ ... V¢XM ... `ySچ~YحVض _àfTTTTLùYت N ... éSچS‰T<'@†WTت N ... èS£S{<¢@ ... Wè JًW/@ ... ... _OkY'W{ `طRرPVصWإVPض fûéS™YصpTةSTژ (45) N ... éSإ~Y؛VK ... Wè JًW/@ ... ISمVضéSھWOWè ‚WپWè N ... éSئW¥HTWTقWTژ N ... éSTصWpTةWچWTت ًˆWهp،TWTژWè p$yRرmïmSڑXO &Nv ... èSOYip²@ ... Wè QWـMX ... JًW/@ ... WؤWع fغTےXOYiHTTJً±ض@ ... (46) ‚WپWè N ... éSكéRرWTژ WفےY،PVض@†TVز N ... éS-W£W فYع طYهX£HTWTےY ... _£TTV¹Wٹ ƒٍ:†TWLTTْXOWè X†PVقض@ ... fûèQSںS±WTےWè فWئ Xشg~‰WTھ Jً&Y/@ ... SJًJًS/@ ... Wè †WظYٹ WـéSTصWظ`إWے b¸~oYSڑ (47) " (1)
فضل الذكر والذاكرين
- قال تعالى: ¼ S£<زY،VضWè JًY/@ ... S%OWiTT`{KV ... " (1)
وقال تعالى: ¼ :‚WپَéVصWTت ISمPVTكVK ... Wـ†Vز WفYع WـkY™QY‰TW©Sظ<ض@ ... (143) ًگY‰VصVض ء ,-YمYقp¹WTٹ uّVضXM ... Yz`éWTے WـéST'Wإ`T‰STے (144) " (2)
- وقال تعالى: ¼ fغTےX£Y{.PV،ض@ ... Wè JًW/@ ... ... _OkY'Vز g.W£Y{.PV،ض@ ... Wè PVںWTئVK ... JًS/@ ... طSنVض ^لW£YةpTçإWQع ... [£T`-VK ... Wè †_Tظ~Yہ¹Wئ "(3)
ولا يكون ذاكراً الله تعالى كثيراً حتى يذكره قائماً وجالساً ومضجعاً .
- وقال تعالى: ¼ WفےY،PVض@ ... N ... éSقWع ... ƒٍ QSفMXùWظp¹WTژWè ySنSTٹéSTصSTخ X£<زY،YTٹ %JًY/@ ... ‚VپKV ... X£`{Y،YTٹ JًY/@ ... QSفMXùWظp¹WTژ ٌ‡éSTصSح<ض@ ... (28) " (4)
ومعنى تطمئن قلوبهم بذكر الله أي تسكن وتستأنس بتوحيد الله فتطمئن ، وتطمئن قلوبهم على الدوام بذكر الله بألسنتهم.
- وعن أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وفي الحديث القدسي يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي ، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ، ذَكَرْتهُ
ــــــــــــــــــ
(1) [ سورة الأنفال:الآيات 45-47]
(2) [ سورة العنكبوت:45]
(3) [ سورة الصافات:الآيتان : 144:143]
(4) [ سورة الأحزاب:الآية 35]
(5) [ سورة الرعد:الآية 28]
114(2/14)
فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلإٍ ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي، أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ". (1)
- عن سهل بن معاذ ـ رضي الله عنهما ـ عن أبيه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أن رجلاً سأله فقال : " أي الجهاد أعظم أجراً " قال : " أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكراً " قال : " فأي الصائمين أعظم أجراً ؟ "قال : " أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكراً " ثم ذكر الصلاة والزكاة والحج والصدقة كل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكراً " فقال أبو بكر - رضي الله عنه - لعمر - رضي الله عنه - : " يا أبا حفص ذهب الذاكرون بكل خير" قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أجل " (2)
- عن أَبِي مُوسى - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لاَ يَذْكُرُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ ". (3)
- وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - :"أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكاها عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعِها في دَرَجاتِكُمْ وَخَيْر لَكُمْ مِنْ إِعْطاءِ الذَّهَبَ وَالْوَرِقِ وَأَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبوا أَعْنَاقَكُمْ " قالوا : وما ذاك يا رسول الله؟ قال: "ذِكْرُ الله عَزَّ وَجَلَّ" . وقال : معاذ بن جبل - رضي الله عنه - : " ما عمل آدمي من عمل أنجى له من عذاب الله من ذكر الله عزّ وجل". (4)(2/15)
- يُرْزَقُ بحج وعمرة مَنْ ذَكَرَ الله بعد صلاة الفجر وحتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين عن أنس بمن مالك - رضي الله عنه - قال:" قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من صلى الغداة في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر عمرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : تامةٍ تامةٍ تامةٍ " (5)
وفي الحديث ندب القعود في المصلى بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس .
ـــــــــــــــ
(1) متفق عليه اللؤلؤ والمرجان ، باب : الحث على ذكر الله تعالى ، أخرجه البخاري في: 97 كتاب التوحيد: 15 باب قول الله تعالى (ويحذركم الله نفسه) .
(2) رواه أحمد في مسنده .
(3) متفق عليه ، اللؤلؤ والمرجان ، باب استحباب صلاة النافلة في بيته ، أخرجه البخاري في: 80 كتاب الدعوات: 66 باب فضل ذكر الله عز وجل .
(4) أخرجه الحاكم في المستدرك ، باب عمل آدمي من عمل أنجى من ذكر الله ، حديث رقم: 1861، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأخرجه الترمذي : برقم 3058 ، واخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد برقم: 34761وعزاه لأحمد وحسنه.وليس فيه قول معاذ ـ رضي الله عنه.
(5) رواه الترمذي باب : ذكر ما يُستحب من الجلوس في المسجد بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس وقال أبو عيسى : هذا حديث حسنٌ غريب وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي.
115
المعرض عن ذكر الله يحشر يوم القيامة أعمى:
قال تعالى : ¼ َفWعWè ً³W£`ئVK ... فWئ ÷X£<زY¢ QWـXM†WTت ISمTVض ^àW~YإWع †_TTرقW ISâS£S`ًmىڑWè WzَéTWTے YàWظHTW~Yح<ض@ ... uّWظ`ئVK ... (124) " (1)
والضنك من المنازل والأماكن والمعايش : الشديد يقال هذا منزل ضنك إذا كان ضيقاً .
من أنواع الذكر
(1) ذكر باللسان والقلب وهو من صفات المؤمنين :(2/16)
قال تعالى : ¼ WفےY،PVض@ ... N ... éSقWع ... ƒٍ QSفMXùWظp¹TژWè ySنSTٹéSTصSTخ X£<زY،YTٹ %JًY/@ ... ‚VپKV ... X£`{Y،YTٹ JًY/@ ... QفMXùWظp¹WTژ ٌ‡éSTصSح<ض@ ... (28) " (2) ومعنى QSفMXùWظp¹Tژ ¼ ySنSTٹéSTصSTخ X£<زY،YTٹ %JًY/@ ... " أي تسكن وتستأنس بتوحيد الله فتطمئن وتطمئن قلوبهم على الدوام بذكر الله بألسنتهم.
(2) القرآن :
قال تعالى : ¼ †PVTكXM ... Sف`™Wك †WTق<ضQW¥WTك W£T`{PY،ض@ ... †PVTكMX ... Wè ISمWTض WـéRہ¹YةHTTW™Vض (9) " (3) وأفضل الذكر هو القرآن وفي الحديث القدسي : عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - : عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يقول الرب عز وجل : " من شغله قراءة القرآن عن مسألتي وذكري ، أعطيته أفضل ثواب السائلين وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه " (4)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : " من قرأ في ليلة عشر آيات كُتب من الذاكرين ومن قرأ بمائة آية كتب من القانتين ومن قرأ بخمس مائة آية إلى الألف أصبح وله قنطار من الأجر " قيل : "وما القنطار " قال : " ملء مسك الثور ذهباً " (5)
ــــــــــــــــــــ
(1) سورة طه آية (124)
(2) سورة الرعد آية (28)
(3) سورة الحجر آية (9)
(4) رواه الدارمي باب : فضل كلام الله على سائر الكلام .
(5) رواه النسائي باب : ثواب من استيقظ وأيقظ امرأته فصليا .
116
(3) الصلاة ذكر :
عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة ـ رضي الله عنهما ـ قالا: " قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من استيقظ من الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتين جميعاً كُتِبَا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات" " (1)
(4) الإنصات إلى خطبة الجمعة ذكر :(2/17)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّما قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ " (2)
أفضل الذكر:
... عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " أفضل الذكر لا إله إلا الله وافضل الدُعاء الحمد لله " (3)
واعلم أن تلاوة القرآن هي من أفضل الأذكار والمطلوب القراءة بالتدبر وللقراءة آداب ومقاصد وينبغي أن يُحافظ المسلم على تلاوة القرآن ليلاً ونهاراً وسفراً وحضراً وقد كانت للسلف ـ رضي الله عنهم ـ عادات مختلفة في القدر الذي يختمون به فكان جماعة يختمون في كل شهرين ختمة وآخرون في كل شهر ختمة وآخرون كل عشر ليال ختمة وآخرون كل ثمان ليال ختمة وآخرون كل سبع ليال وآخرون كل ست ليال وآخرون في خمس وآخرون في أربع وكثيرون في ثلاث.
وقد كره جماعة من المتقدمين الختم في يوم وليلة ويدل على ذلك ما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث " (4)
ـــــــــــــــ
(1) رواه الدارمي باب: من قرأ مائة آية إلى الألف.
(2) متفق عليه اللؤلؤ والمرجان ، باب : الطيب والسواك يوم الجمعة ، أخرجه البخاري في: 11 كتاب الجمعة: 4 باب فضل الجمعة .
(3) أخرجه الترمذي وقال أبو عيسى هذا حديث حسنٌ غريبٌ .
((2/18)
4) أخرجه الترمذي في سننه حديث رقم : وقال أبو عيسَى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.، وأحمد وأبو داود والنسائي.
117
الأوقات المختارة للقراءة :
يجب أن يُعْلَمُ أن أفضل القراءة ما كان في الصلاة ومذهب الشافعي وآخرين رحمهم الله أن تطويل القيام في الصلاة بالقراءة أفضل من تطويل السجود وغيره وأما القراءة في غير الصلاة فأفضلها قراءة الليل والنصف الأخير منه أفضل من الأول والقراءة بين المغرب والعشاء محبوبة وأما قراءة النهار فأفضلها ما كان بعد صلاة الصبح ولا كراهة في القراءة في وقت من الأوقات ولا في أوقات النهي عن الصلاة .
آداب الختم وما يتعلق به :
الختم للقارئ وحده يستحب أن تكون في صلاة وأما من يختم غير الصلاة كالجماعة الذين يختمون مجتمعين فيُستحب أن يكون ختمهم في أول الليل أو أول النهار .
آداب ينبغي على القارئ الاعتناء بها :
وهي كثيرة جداً نذكر منها أطرافاً فأول ما يؤمر به : الإخلاص في قراءته وأن يريد بها وجه الله ـ سبحانه وتعالى ـ وأن لا يقصد بها توصلاً إلى شيء سوى ذلك وأن يتأدب مع القرآن ويستحضر في ذهنه أنه يناجي الله ـ سبحانه وتعالى ـ ويتلو كتابه فيقرأ على حال من يرى الله فإنه إن لم يره الله فإن الله تعالى يراه، وينبغي إذا أراد القراءة أن يُنظِف فمه بالسواك ، وينبغي للقارئ أن يكون شأنه الخشوع والتدبر والخضوع فهذا هو المقصد المطلوب وبه تنشرح الصدور ، وتستنير به القلوب ودلائله أكثر من أن تُحصر وقد بات جماعة من السلف يتلو الواحد منهم الآية الواحدة ليلة كاملة أو معظم ليله يتدبرها عند القراءة .
ويستحب البكاء والتباكي لمن لا يقدر على البكاء فإن البكاء عند القراءة صفة العارفين وشعار عباد الله الصالحين قال الله تعالى : ¼ WـèQS£YًmïmWè gـ†WTخ<¢VpK"Yض fûéRر`‰WTے `ySهSںےX¥WTےWè †_ئéSS " (109) " (1)
ــــــــــــــ
(1) [ سورة الإسراء:109].
118(2/19)
وقد روى البخاري عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال :
" قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "اقرأ عليَّ" ، قلت : " أقرأ عليك وعليك أُنزل لِلَّهِ " قال:" فإِني أُحبُ أن أسمعه من غيري" فقرأت عليه سورة النساء حتى بلغت ¼ ًب`~VرWTت ... V¢XM ... †WقTT`LùY- فYع QXشSز Y>àTJًTTعRK ... xںTT~XنWYTٹ †WقTT`LùY-Wè ًذYٹ uّVصWئ Yٍ:‚WپSë;HTTWه ... _ں~TTXنW® (41) " (1) قال : " قال : أمسك " فإذا عيناه تذرفان. " (2)
يُستحب تحسين الصوت بالقراءة وتزينها ما لم يخرج عن حد القراءة بالتمطيط فإن أفرط حتى زاد حرفاً أو أخفى حرفاً فهو حرام ويجب أن يعلم أن قراءة القرآن آكد الأذكار فينبغي المداومة عليها فلا يخلى عنها يوماً وليلة ويحصل له أصل القراءة بقراءة الآيات القليلة . (3)
أهمية الذكر عند اللقاء والتحام الجيوش: ...
... فإن ذكر الله عند لقاء العدو يؤدي وظائف شتى : لأنه الاتصال بالقوة التي لا تُغْلَبُ ؛ والثقة بالله الذي ينصر أولياءه ، وهو في الوقت ذاته استحضار حقيقة المعركة وبواعثها وأهدافها ، فهي معركة لله ، لتقرير ألوهيته في الأرض، وطرد الطواغيت المغتصبة لهذه الألوهية ؛ وإذن فهي معركة لتكون كلمة الله هي العليا ؛
لا للسيطرة ، ولا للمغنم ، ولا للاستعلاء الشخصي أو القومي ، كما أنه توكيد لهذا الواجب ـ واجب ذكر الله ـ في أحرج الساعات وأشد المواقف .. وكلها إيحاءات ذات قيمة في المعركة ؛ يحققها هذا التعليم الرباني .
ــــــــــــــــــ
(1) [ سورة النساء:الآية 41]
(2) أخرجه البخاري ، باب : { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً } ، حديث رقم: 4464.
(3) الأذكار النووية بتصرف .
119
المفتح الخامس عشر
طاعة الله وطاعة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم.
الدليل من التنز يل :
قال تعالى :(2/20)
- قال تعالى : ¼ †WنQSTےKV†H;TTWے fغTےY،PVض@ ... vN ... éSقWع ... ƒٍ ... V¢XM ... `ySچ~YحVض _àfTTTTLùYت N ... éSچS‰T<'@†WTت N ... èS£S{<¢@ ... Wè JًW/@ ... ... _OkY'W{ `طRرPVصWإVPض fûéS™YصpTةSTژ (45) N ... éSإ~Y؛VK ... Wè JًW/@ ... ISمVضéSھWOWè ‚WپWè N ... éSئW¥HTWTقWTژ N ... éSTصWpTةWچWTت ًˆWهp،TWTژWè p$yRرmïmSڑXO &Nv ... èSOYip²@ ... Wè QWـMX ... JًW/@ ... WؤWع fغTےXOYiHTTJً±ض@ ... (46) ‚WپWè N ... éSكéRرWTژ WفےY،PVض@†TVز N ... éS-W£W فYع طYهX£HTWTےY ... _£TTV¹Wٹ ƒٍ:†TWLTTْXOWè X†PVقض@ ... fûèQSںS±WTےWè فWئ Xشg~‰WTھ Jً&Y/@ ... SJًJًS/@ ... Wè †WظYٹ WـéSTصWظ`إWے b¸~oYSڑ (47) " (1)
- ¼ WفےY،PVض@ ... †WنQSTےKV†H;TTWے Nv ... éSقWع ... ƒٍ N ... éSإ~Y؛VK ... JًW/@ ... N ... éSإ~Y؛VK ... Wè WسéSھQW£ض@ ... ّYضOèRK ... Wè X£`عKKV‚ô@ ... $`yRرقYع ـXM†WTت `طSTچ`ئW¥HTWTقWTژ ء xٍpّW® SâèPR S£WTت ّVضXM ... JًY/@ ... XسéSھQW£ض@ ... Wè ـMX ... `طSچقRز WـéSقYpعëSTژ YJً/@†Yٹ Yz`éW~ض@ ... Wè &X£Y‚پ@ ... ًذYض.V¢ bO`kTW SفfTT©`ڑVK ... Wè ½"ےXè<K†WTژ (59) " (2)
قال العلامة فخر الدين الرازي ـ رحمه الله ـ في تفسيره الكبير :
اعلم أن هذه الآية الشريفة مشتملة على أكثر علم أصول الفقه، وذلك لأن الفقهاء قالوا أن أصول الشريعة أربع: الكتاب والسنة والإجماع والقياس، وهذه الآية مشتملة على تقرير هذه الأصول الأربعة بهذا الترتيب. أما الكتاب والسنة فقد وقعت الاشارة إليهما بقوله: { N ... éSإ~Y؛VK ... JًW/@ ... N ... éSإ~Y؛VK ... Wè WسéSھQW£ض@ ... } .
فإن قيل: أليس أن طاعة الرسول هي طاعة الله ، فما معنى هذا العطف؟ قلنا: قال القاضي: الفائدة في ذلك بيان الدلالتين، فالكتاب يدل على أمر الله ، ثم نعلم منه أمر الرسول لا محالة، والسنة تدل على أمر الرسول، ثم نعلم منه أمر الله لا محالة، فثبت بما ذكرنا أن قوله: { N ... éSإ~Y؛VK ... JًW/@ ... N ... éSإ~Y؛VK ... Wè WسéSھQW£ض@ ... } يدل على وجوب متابعة الكتاب والسنة.
وقوله: { ّYضOèRK ... Wè X£`عKKV‚ô@ ... $`yRرقYع } يدل عندنا على أن إجماع الأمة حجة.
ــــــــــــــــــ
((2/21)
1) [ سورة الأنفال:الآيات 45-47]
(2) [ سورة النساء:الآية59]
120
و قوله: { ـXM†WTت `طSTچ`ئW¥HTWTقWTژ ء xٍpّW® SâèPR S£WTت ّVضXM ... JًY/@ ... XسéSھQW£ض@ ... Wè } يدل عندنا على أن القياس حجة، والذي يدل على ذلك أن قوله: { ـXM†WTت `طSTچ`ئW¥HTWTقWTژ ء xٍpّW® } إما أن يكون المراد فان اختلفتم في شيء حكمه منصوص عليه في الكتاب أو السنة أو الإجماع، أو المراد فإن اختلفتم في شيء حكمه غير منصوص عليه في شيء من هذه الثلاثة، والأول باطل لأن على ذلك التقدير وجب عليه طاعته فكان ذلك داخلاً تحت قوله : { N ... éSإ~Y؛VK ... JًW/@ ... N ... éSإ~Y؛VK ... Wè WسéSھQW£ض@ ... ّYضOèRK ... Wè X£`عKKV‚ô@ ... $`yRرقYع } وحينئذ يصير قوله: { ـXM†WTت `طSTچ`ئW¥HTWTقWTژ ء xٍpّW® SâèPR S£WTت ّVضXM ... JًY/@ ... XسéSھQW£ض@ ... Wè } إعادة لعين ما مضى، وإنه غير جائز. وإذا بطل هذا القسم تعين الثاني وهو أن المراد: فإن تنازعتم في شيء حكمه غير مذكور في الكتاب والسنة والإجماع، واذا كان كذلك لم يكن المراد من قوله: { SâèPR S£WTت ّVضXM ... JًY/@ ... XسéSھQW£ض@ ... Wè } طلب حكمه من نصوص الكتاب والسنة. فوجب أن يكون المراد رد حكمه إلى الأحكام المنصوصة في الوقائع المشابهة له، وذلك هو القياس ، فثبت أن الآية دالة على الأمر بالقياس.(2/22)
فان قيل: لم لا يجوز أن يكون المراد بقوله: { SâèPR S£WTت ّVضXM ... JًY/@ ... XسéSھQW£ض@ ... Wè } أي فوضوا علمه إلى الله واسكتوا عنه ولا تتعرضوا له؟ وأيضاً فلم لا يجوز أن يكون المراد فردوا غير المنصوص إلى المنصوص في أنه لا يحكم فيه إلا بالنص ؟ وأيضا لم يجوز أن يكون المراد فردوا هذه الأحكام إلى البراءة الأصلية ؟ قلنا: أما الأول فمدفوع، وذلك لأن هذه الآية دلت على أنه تعالى جعل الوقائع قسمين، منها ما يكون حكمها منصوصاً عليه ، ومنها ما لا يكون كذلك، ثم أمر في القسم الأول بالطاعة والانقياد، وأمر في القسم الثاني بالرد إلى الله وإلى الرسول، ولا يجوز أن يكون المراد بهذا الرد السكوت ، لأن الواقعة ربما كانت لا تحتمل ذلك، بل لا بد من قطع الشغب والخصومة فيها بنفي أو إثبات، واذا كان كذلك امتنع حمل الرد إلى الله على السكوت عن تلك الواقعة، وبهذا الجواب يظهر فساد السؤال الأول.
121
وأما السؤال الثاني: فجوابه أن البراءة الأصلية معلومة بحكم العقل، فلا يكون رد الواقعة اليها رداً إلى الله بوجه من الوجوه ، أما إذا رددنا حكم الواقعة إلى الأحكام المنصوص عليها كان هذا رداً للواقعة على أحكام الله تعالى ، فكان حمل اللفظ على هذا الوجه أولى.(2/23)
هذه الآية دالة على أن الكتاب والسنة مقدمان على القياس مطلقاً، فلا يجوز ترك العمل بهما بسبب القياس ، ولا يجوز تخصيصهما بسبب القياس البتة، سواء كان القياس جلياً أو خفياً ، سواء كان ذلك النص مخصوصاً قبل ذلك أم لا، ويدل عليه أنا بينا أن قوله تعالى: { N ... éSإ~Y؛VK ... JًW/@ ... N ... éSإ~Y؛VK ... Wè WسéSھQW£ض@ ... } أمر بطاعة الكتاب والسنة، وهذا الأمر مطلق، فثبت أن متابعة الكتاب والسنة سواء حصل قياس يعارضهما أو يخصصهما أو لم يوجد واجبة، ومما يؤكد ذلك وجوه أخرى : أحدها: أن كلمة "إن" على قول كثير من الناس للاشتراط ، وعلى هذا المذهب كان قوله: { ـXM†WTت `طSTچ`ئW¥HTWTقWTژ ء xٍpّW® SâèPR S£WTت ّVضXM ... JًY/@ ... XسéSھQW£ض@ ... Wè } صريح في أنه لا يجوز العدول إلى القياس إلا عند فقدان الأصول. الثاني: أنه تعالى أَخَرَ ذكر القياس عن ذكر الأصول الثلاثة، وهذا مشعر بأن العمل به مؤخر عن الأصول الثلاثة. الثالث: أنه - صلى الله عليه وسلم - اعتبر هذا الترتيب في قصة معاذ حيث أخر الاجتهاد عن الكتاب، وعلق جوازه على عدم وجدان الكتاب والسنة بقوله: "فإن لم تجد" .
واعلم أن المنقول عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - إما القول وإما الفعل، أما القول فيجب إطاعته لقوله تعالى: { N ... éSإ~Y؛VK ... JًW/@ ... N ... éSإ~Y؛VK ... Wè WسéSھQW£ض@ ... } وأما الفعل فيجب على الأمة الاقتداء به إلا ما خصه الدليل. وذلك لأنا بينا أن قوله : { N ... éSإ~Y؛VK ... } يدل على أن أوامر الله
للوجوب ثم إنه تعالى قال في آية أخرى في صفة محمد عليه الصلاة والسلام: { فاتبعوه } وهذا أمر، فوجب أن يكون للوجوب، فثبت أن متابعته واجبة، والمتابعة عبارة عن الاتيان بمثل فعل الغير لأجل أن ذلك الغير فعله، فثبت أن قوله { N ... éSإ~Y؛VK ... JًW/@ ... } يوجب الاقتداء بالرسول في كل أفعاله، وقوله: { N ... éSإ~Y؛VK ... Wè WسéSھQW£ض@ ... } يوجب الاقتداء به في جميع أقواله، ولا شك أنهما أصلان معتبران في الشريعة.
122(2/24)
و دلت الآية على أن العبرة بإجماع المؤمنين لأنه تعالى قال في أول الآية:
{ WفےY،PVض@ ... †WنQSTےKV†H;TTWے Nv ... éSقWع ... ƒٍ } ثم قال: { ّYضOèRK ... Wè X£`عKKV‚ô@ ... $`yRرقYع } فدل هذا على أن العبرة بإجماع المؤمنين، فأما سائر الفرق الذين يًشَكُ في إيمانهم فلا عبرة بهم.
{ ـXM†WTت `طSTچ`ئW¥HTWTقWTژ ء xٍpّW® SâèPR S£WTت ّVضXM ... JًY/@ ... XسéSھQW£ض@ ... Wè } يدل على صحة العمل بالقياس، فنقول: كما أن هذه الآية دلت على هذا الأصل، فكذلك دلت على مسائل كثيرة من فروع القول بالقياس، ونحن نذكر بعضها:
الفرع الأول: قد ذكرنا أن قوله: { SâèPR S£WTت ّVضXM ... JًY/@ ... } معناه فردوه إلى واقعة بَيَّنَ الله حكمها، ولا بد وأن يكون المراد فردوها إلى واقعة تشبهها، إذ لو كان المراد بردها ردها إلى واقعة تخالفها الصورة والصفة، فحينئذ لم يكن ردها إلى بعض الصور أولى من ردها إلى الباقي، وحينئذ يتعذر الرد، فعلمنا أنه لا بد وأن يكون المراد: فردوها إلى واقعة تشبهها في الصورة والصفة. ثم إن هذا المعنى الذي قلناه يؤكد بالخبر والأثر، أما الخبر فإنهم لما سألوه - صلى الله عليه وسلم - عن قُبْلَةِ الصائم فقال عليه الصلاة والسلام: "أرأيت لو تمضمضت" (1) يعني المضمضة مقدمة الأكل، كما أن القُبْلَة مقدمة الجماع، فكما أن تلك المضمضة لم تنقض الصوم، فكذا القُبْلة. ولما سألته الخثعمية عن الحج فقالت : يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ فِي الْحَجِّ عَلَى عِبَادِهِ، أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخاً كَبِيراً، لاَ يَسْتَطيعُ أَنْ يَرْكَبَ. أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ فقال - صلى الله عليه وسلم - : " نَعَمْ. فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكَ دَيْنٌ قَضَيْتِهِ؟" (2)(2/25)
وأما الأثر فما روي عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال : اعرف الأشباه والنظائر وقِسْ الأمور برأيك، فدل مجموع ما ذكرناه من دلالة هذه الآية ودلالة الخبر ودلالة الأثر على أن قوله : { âèPR S£WTت } أمر برد الشيء إلى شبيهة، واذا ثبت هذا فقد جعل الله المشابهة
في الصورة والصفة دليلاً على أن الحكم في غير محل النص مشابه للحكم في محل النص، وهذا هو الذي يسميه الشافعي ـ رحمه الله ـ قياس الأشباه، ويسميه أكثر الفقهاء قياس الطرد، ودلت هذه الآية على صحته لأنه لما ثبت بالدليل أن المراد من قوله : { âèPR S£WTت } هو أنه ردوه إلى شبيهه علمنا أن الأصل المعول عليه في باب القياس محض المشابهة، وهذا بحث فيه طول، ومرادنا بيان كيفية استنباط المسائل من الآيات، فأما الاستقصاء فيها فمذكور في سائر الكتب.
ــــــــــــ
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك ، حديث رقم: 1606 ، وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه برقم: 1998.
(2) أخرجه ابن ماجه في سننه ، باب : الحج عن الحي إذا لم يستطيع حديث رقم: 2980.
123
الفرع الثاني: دلت الآية على أن شرط الاستدلال بالقياس في المسألة أن لا يكون فيها نص من الكتاب والسنة لأن قوله: { ـXM†WTت `طSTچ`ئW¥HTWTقWTژ ء xٍpّW® SâèPR S£WTت } مشعر بهذا الاشتراط.
الفرع الثالث: دلت الآية على أنه اذا لم يوجد في الواقعة نص من الكتاب والسنة والإجماع جاز استعمال القياس فيه كيف كان، وبطل به قول من قال: لا يجوز استعمال القياس في الكفارات والحدود وغيرهما؛ لأن قوله: { ـXM†WTت `طSTچ`ئW¥HTWTقWTژ ء xٍpّW® S } عام في كل واقعة لا نص فيها.(2/26)
الفرع الرابع: دلت الآية على أن من أثبت الحكم في صورة بالقياس فلا بد وأن يقيسه على صورة ثبت الحكم فيها بالنص، ولا يجوز أن يقيسه على صورة ثبت الحكم فيها بالقياس لأن قوله : { SâèPR S£WTت ّVضXM ... JًY/@ ... XسéSھQW£ض@ ... Wè } ظاهره مُشْعِرٌ بأنه يجب رده إلى الحكم الذي ثبت بنص الله ونص رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
الفرع الخامس : دلت الآية على أن القياس على الأصل الذي ثبت حكمه بالقرآن، والقياس على الأصل الذي ثبت حكمه بالسنة إذا تعارضا كان القياس على القرآن مقدما على القياس على الخبر لأنه تعالى قدم الكتاب على السنة في قوله: { N ... éSإ~Y؛VK ... JًW/@ ... N ... éSإ~Y؛VK ... Wè WسéSھQW£ض@ ... } وفي قوله: { SâèPR S£WTت ّVضXM ... JًY/@ ... XسéSھQW£ض@ ... Wè } وكذلك في خبر معاذ.
الفرع السادس : دلت الآية على أنه إذا تعارض قياسان أحدهما تأيد بإيماء في كتاب الله والآخر تأيد بإيماء خبر من أخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فإن الأول مقدم على الثاني، يعني كما ذكرناه في الفرع الخامس، فهذه المسائل الأصولية استنبطناها من هذه
الآية ، ولعل الإنسان إذا استعمل الفكر على الاستقصاء أمكنه استنباط أكثر مسائل أصول الفقه من هذه الآية.
وقوله: { ـXM†WTت `طSTچ`ئW¥HTWTقWTژ } قال الزجاج: اختلفتم وقال كل فريق: القول قولي واشتقاق المنازعة من النزع الذي هو الجذب، والمنازعة عبارة عن مجاذبة كل واحد من الخصمين لحجة مصححة لقوله، أو محاولة جذب قوله ونزعه إياه عما يفسده.
ثم قال تعالى: { ـMX ... `طSچقRز WـéSقYpعëSTژ YJً/@†Yٹ Yz`éW~ض@ ... Wè &X£Y‚پ@ ... } وفيه مسألتان:
124
المسألة الأولى: هذا الوعيد يحتمل أن يكون عائدا إلى قوله : { éSإ~Y؛VK ... JًW/@ ... N ... éSإ~Y؛VK ... Wè WسéSھQW£ض@ ... } وإلى قوله: { SâèPR S£WTت ّVضXM ... JًY/@ ... XسéSھQW£ض@ ... Wè } والله أعلم.(2/27)
المسألة الثانية: ظاهر قوله: { ـMX ... `طSچقRز WـéSقYpعëSTژ YJً/@†Yٹ Yz`éW~ض@ ... Wè &X£Y‚پ@ ... } يقتضي أن من لم يطع الله والرسول لا يكون مؤمناً ، ثم قال تعالى : { ًذYض.V¢ bO`kTW SفfTT©`ڑVK ... Wè ½"ےXè<K†WTژ } أي ذلك الذي أمرتكم به في هذه الآية خير لكم وأحسن عاقبة لكم لأن التأويل عبارة عما إليه مآل الشيء ومرجعه وعاقبته. (1)
وقال ابن كثير ـ رحمه الله :
من لم يتحاكم في محل النزاع إلى الكتاب والسنة ولا يرجع إليهما في ذلك فليس مؤمنا بالله ولا باليوم الآخر وقوله { ًذYض.V¢ bO`kTW } أي التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله والرجوع إليهما في فصل النزاع خير وأحسن تأويلاً أي وأحسن عاقبة ومآلاً. (2)
ومن طاعة الله طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما أمر و نهى عنه لأن كل ما أمر و نهى عنه الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو أمر ونهي من الله تعالى :
قال تعالى :
¼ فQWع XؤTYYY¹Sے WسéSھQW£ض@ ... `ںWحWTت Wأ†TTV؛VK ... $JًW/@ ... فWعWè uّPVضWéWTژ :†WظWTت ًذHTWTق<صWھ`OVK ... `طXن`~VصWئ †^Tہ¹~YةWڑ (80) "(3)
وقال تعالى :
¼ :†WعWè SطRرHùWTژ ... ƒٍ SسéSھQW£ض@ ... SâèS،SWTت †WعWè َطRرHùWنWTك SمTT`قWئ &N ... éSنWچك@†WTت N ... éSحPVTژ@ ... Wè Jً$W/@ ... QWـMX ... JًW/@ ... SںےYںW® g‡†WحYإ<ض@ ... " (4)
ذكر القرطبي ـ رحمه الله :
قوله تعالى: { :†WعWè SطRرHùWTژ ... ƒٍ SسéSھQW£ض@ ... SâèS،SWTت †WعWè َطRرHùWنWTك SمTT`قWئ &N ... éSنWچك@†WTت } أي ما أعطاكم من مال الغنيمة فخذوه، وما نهاكم عنه من الأخذ والغلول فانتهوا؛ قاله
ــــــــــــــــــ
(1) التفسير الكبير لفخر الدين الرازي ـ رحمه الله ، تفسير الآية 59 من سورة النساء ، بتصرف .
(2) تفسير ابن كثير ـ رحمه الله ـ ج: 1 ص: 519.
(3) [ سورة النساء:الآية 80 ]
(4) [ سورة الحشر:من الآية 7]
125(2/28)
الحسن وغيره. السدّي: ما أعطاكم من مال الفيء فاقبلوه، وما منعكم منه فلا تطلبوه. وقال ابن جُريج: ما آتاكم من طاعتي فافعلوه، وما نهاكم عنه من معصيتي فاجتنبوه. وقال الماوردي: وقيل إنه محمول على العموم في جميع أوامره ونواهيه؛ لا يأمر إلا بصلاح ولا ينهى إلا عن فساد. وهذا هو معنى القول الذي قبله. فهي ثلاثة أقوال.
... وقال المهدوي: قوله تعالى: { :†WعWè SطRرHùWTژ ... ƒٍ SسéSھQW£ض@ ... SâèS،SWTت †WعWè َطRرHùWنWTك SمTT`قWئ &N ... éSنWچك@†WTت } هذا يوجب أن كل ما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرٌ من الله تعالى. والآية وإن كانت في الغنائم فجميع أوامره - صلى الله عليه وسلم - ونواهيه دخل فيها. (1)
وأخرج البخاريّ ومسلم ، وغيرهما عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : " لَعَنَ اللهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالنَّامِصَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ ،وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ. قَالَ فَبَلَغَ ذلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ. يُقَالُ لَهَا: أُمُّ يَعْقُوبَ. وَكَانَتْ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ. فَأَتَتْهُ فَقَالَتْ : مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ لَعَنْتَ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ . فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: وَمَا لِيَ لاَ أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ(2/29)
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ؟ وَهُوَ فِي كِتَابِ اللهِ. فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ لَوْحَيِ الْمُصْحَفِ فَمَا وَجَدْتُهُ فَقَالَ : لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ. قَالَ الله ـ عَزَّ وَجَلَّ: { :†WعWè SطRرHùWTژ ... ƒٍ SسéSھQW£ض@ ... SâèS،SWTت †WعWè َطRرHùWنWTك SمTT`قWئ &N ... éSنWچك@†WTت } ، فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: فَإِنِّي أَرَى شَيْئاً مِنْ هَذَا عَلَى امْرَأَتِكَ الآنَ. قَالَ: اذْهَبِي فَانْظُرِي. قَالَ : فَدَخَلَتْ عَلَى امْرَأَةِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه - فَلَمْ تَرَ شَيْئاً. فَجَاءَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ: مَا رَأَيْتُ شَيْئاً. فَقَالَ : أَمَا لَوْ كَانَ ذلِكِ، لَمْ نُجَامِعْهَا ".(2)
الفائز من أطاع الله وأطاع رسوله :
- ¼ †WنQSTےKV†H;TTWTے WفےY،PVض@ ... N ... éSقWع ... ƒٍ N ... éSحPVTژ@ ... JًW/@ ... N ... éRضéSTخWè ¾‚پَéTWTخ ... _ںےYںWھ (70) َکYصp±STے َطRرVض `yRرVصHTWظ`ئVK ... َ£YةpTTçإWTےWè `طRرVض %َطRرWTٹéSTكS¢ فWعWè XؤTY¹STے JًW/@ ... ISمVضéSھWOWè `ںWحWTت W¦†WTت ... Z¦َéTWTت †[ظ~Yہ¹Wئ (71) " (3)
ـــــــــــــــــ
(1) متفق عليه ، واللفظ لمسلم ، باب : تحريم فعل الواصلة والمستوشمة ، حديث رقم: 5528، وأخرجه البخاري ، باب : المتنمصات ، حديث رقم: 5802.
(2) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي تفسير الأيتين 6،7 من سورة الحشر .
(3) [ سورة الأحزاب:الآيتان 70-71]
126
- قال تعالى : ¼ †WظPVTكXM ... Wـ†Vز Wس`éWخ WـkYقYع`ëSظ<ض@ ... ... V¢XM ... Nv ... éSئS ّVضXM ... JًY/@ ... -YمYTضéSھWOWè WطRر`™W~Yض `طSنWTق`~WTٹ ـKV ... N ... éSTضéSحWTے †WTق`إYظWھ &†WTقpإً؛KV ... Wè ًذMXù;HTTVضOèKR ... Wè SطSه WـéS™Yص`TةSظ<ض@ ... (51) فWعWè XؤTY¹STے JًW/@ ... ISمVضéSھWOWè W`mïmًWè WJً/@ ... Yم`TحPVچWTےWè ًذTMXùT;HTًTضOèKR†WTت SطSه WـèS¥MXْ:†Wة<ض@ ... (52) " (1)
من يطع الله ورسوله يكون رفيقاً للنبيين والصديقين والشهداء والصالحين :(2/30)
قال تعالى : ¼ فWعWè XؤTY¹Sے JًW/@ ... WسéSھQW£ض@ ... Wè ًذTMXùT;HTًTضOèKR†WTت WؤWع WفےY،PVض@ ... WطWإpTTكVK ... JًS/@ ... طXن`~VصWئ WفYQع WفGJgTT~Y‰PVقض@ ... WـkYحےPYںJg±ض@ ... Wè Yٍ: ... WںWنPRض@ ... Wè &WـkY™YصHTUfT±ض@ ... Wè WفS©WڑWè ًذMXù;HTTVضOèKR ... †_TTح~TTYتWO (69) " (2)
من يطع الله ورسوله يرحمه الله :
قال تعالى : ¼ N ... éSإ~Y؛VK ... Wè JًW/@ ... WسéSھQW£ض@ ... Wè َطS|PVصWإVض fûéSظWڑَ£TSTژ (132) " (3)
أصحاب النار من الذين كفروا يتحسرون يوم القيامة على عدم طاعتهم لله ولرسوله :
قال تعالى : ¼ QWـMX ... JًW/@ ... WفWإVض WفےX£YةHTVر<ض@ ... JًںTWئVK ... Wè َطSنVض ... [OkYإWھ (64) WفےYںYصHTWT :†TWن~Yت $ ... _ںWTٹKV ... ‚PVپ WـèSںYTmïmً- †Q^T~YضWè ‚WپWè ... _OkY±WTك (65) W×َéTWTے ٌˆPVصWحSTژ َطSنSهéS-Sè ء XO†PVقض@ ... WـéSTضéSحSTے :†WقWTچ`~صHTWTے †WTق`إV؛VK ... JًW/@ ... †WTق`إً؛KV ... Wè hً‚پéSھQW£ض@ ... (66) N ... éSTض†WTخWè :†WTقQWTٹWO :†TPVTكXM ... †WTق`إV؛VK ... †WقWTژW †Wھ †WTكƒٍ: ... WOWiTS{Wè †WTكéPRصTWVK†WTت hً"~Y‰Jً©ض@ ... (67) :†WTقQWTٹWO َطXنYژ ... ƒٍ Xـ`kTWة`إY fغYع g‡ ... W،Wإ<ض@ ... َطSن`قTWإ<ض@ ... Wè †_TTق`إVض ... _OkY‰Vز (68) "(4)
- - -
ــــــــــــــــ
(1) [ سورة النور:الآيتان 51-52]
(2) [ سورة النساء:الآية 69]
(3) [ سورة آل عمران:الآية 132]
(4) [ سورة الأحزاب:الآيات 64-68]
127
المفتح السادس عشر
الاعتصام و عدم التنازع والتشرذم والتفرق
الدليل من التنز يل :
قال تعالى :
- ¼ N ... éSظY±WTچpTئ@ ... Wè YJً/@†YTٹ WéSه p$yRرHùVضَéWع Wط`إYقWTت uّVضَéWظ<ض@ ... ًy`إYTكWè SOkg±PVقض@ ... (78) " (1)(2/31)
- ¼ †QWعVK†WTت fغTےY،PVض@ ... N ... éSقWع ... ƒٍ N ... éSTصYظWئWè gŒHTTW™YصHTUfT±ض@ ... pطXن~PYTتWéS~WTت `طSهWOéS-RK ... طSهSںےX¥WTےWè فYQع -$YمYصpµWTت †QWعKV ... Wè fغTےY،PVض@ ... N ... éSةVرقWTچ`ھ@ ... N ... èSOWi<رWTچ`ھ@ ... Wè `ySنSTٹYP،WإS~WTت †[Tٹ ... W،Wئ †_Tظ~YضVK ... ‚WپWè WـèSںmïmYW- طSنVض فYQع XـèS JًY/@ ... †Q^T~YضWè ‚WپWè ... _OkY±WTك (173) †WنQSTےKV†H;TTWے ٌ†QWقض@ ... `ںTWTخ طS{ƒٍ:†W- cفHTWهَ£Sٹ فYQع `طRرTQYTٹQWO :†WTق<ضW¥كKV ... Wè `طS|`~VضMX ... ... _OéSTك †_Tق~Y‰QSع (174) †QWعVK†WTت fغTےY،PVض@ ... N ... éSقWع ... ƒٍ YمPVصض@†Yٹ N ... éSظf±WTچ`ئ@ ... è -YمYٹ `طSنSTصY`ںS~fTT©WTت ء xàWظ`ڑWO Sم`قTYQع wشpµWTتWè `طXنےYں`نWTےWè Yم`~VضMX ... †^؛.W£g² †_Tظ~YحWTچ`©SQع (175) " (2) - ¼ N ... éSإ~Y؛VK ... Wè JًW/@ ... ISمVضéSھWOWè ‚WپWè N ... éSئW¥HTWTقWTژ N ... éSTصWpTةWچWTت ًˆWهp،TWTژWè p$yRرmïmSڑXO &Nv ... èSOYip²@ ... Wè QWـMX ... JًW/@ ... WؤWع fغTےXOYiHTTJً±ض@ ... " (3)
قوله تعالى : { ‚WپWè N ... éSئW¥HTWTقWTژ N ... éSTصWpTةWچWTت ًˆWهp،TWTژWè p$yRرmïmSڑXO } التنازع وهو الاختلاف في الرأي، فإن ذلك يتسبب عنه الفشل، وهو الجبن في الحرب.
قوله: { وتذهب ريحكم } والريح: القوّة والنصر، كما يقال الريح لفلان إذا كان غالباً في الأمر. (4)
... فلا يتنازع الناس إلا حين تتعدد جهات القيادة والتوجيه ؛ وإلا يكون الهوى المُطاع هو الذي يوجه الآراء والأفكار . فإذا استسلم الناس لله ورسوله انتفى السبب الرئيسي للنزاع بينهم ـ مهما اختلفت وجهات النظر في المسألة المعروضة ـ فليس الذي يثير النزاع هو اختلاف وجهات النظر ، إنما هو الهوى الذي يجعل كل صاحب وجهة يصر عليها مهما تبين له وجه الحق فيها وإنما هو وضع الذات في كفة ، والحق في كفة ؛ وترجيح الذات على الحق ابتداء ومن ثم هذا التعليم بطاعة
ـــــــــــــــــ
(1) [ سورة الحج:من الآية 78]
(2) [ سورة النساء:الآيات 173-175]
(3) [ سورة الأنفال:الآية 46]
((2/32)
4) تفسير الشوكاني تفسير الآيات 49:45من سورة الأنفال .
128
الله ورسوله عند المعركة ، إنه من عمليات الضبط التي لابد منها في المعركة ، إنها طاعة القيادة العليا فيها ، التي تنبثق منها طاعة الأمير الذي يقودها . وهي طاعة قلبية عميقة لا مجرد الطاعة التنظيمية في الجيوش التي لا تجاهد لله ، ولا يقوم ولاؤها للقيادة على ولائها لله أصلاً .
- ¼ N ... éSظY±WTچ`ئ@ ... Wè XشTT`‰mîWgڑ JًY/@ ... †_Tإ~YظW- ‚WپWè &N ... éSTخQW£WةWTژ N ... èS£Rز<¢@ ... Wè ًŒWظ`إYك JًY/@ ... َطRر`~VصWئ <¢XM ... َطSچقRز _ٍ: ... Wں`ئVK ... ًبPVضVK†WTت Wـ`kWTٹ َطRرYTٹéSTصSTخ طSچp™W‰p²VK†WTت ,-YمYچWظ`إYقYٹ †_TTك.WépTTXM ... `طSچقS{Wè uّVصWئ †WةW® xلW£pTةSڑ WفYQع YO†PVقض@ ... طS{W،WحكVK†WTت %†Wن`قYQع ًذYض.W،Vز SـPXkW‰STے JًS/@ ... َطRرVض -YمYچHTWTے ... ƒٍ `yRرPVصWإVض WـèSںWTچ`نWTژ (103) فRرWچ<ضWè َطRرقPYع bàTTQWعRK ... WـéSئ`ںWTے ّVضXM ... XO`kTW<ض@ ... WـèS£Sع<K†WTےWè gاèS£`إWظ<ض@†Yٹ WـَéTWن`TقWTےWè XفWئ &X£VرقSظ<ض@ ... ًذMXù;HTTVضOèKR ... Wè SطSه fûéS™YصpTةSظ<ض@ ... (104) ‚WپWè N ... éSTكéRرWTژ WفےY،PVض@†TVز N ... éSTخQW£WةWTژ N ... éSةVصWTpچ@ ... Wè ?فYع Yں`إWTٹ †Wع SطSهƒٍ:†W- &ٌŒHTWTقQYT~W‰<ض@ ... ًذMXù;HTTVضOèKR ... Wè َطSنVض }‡ ... W،Wئ cy~Yہ¹Wئ (105) " (2)(2/33)
... قوله تعالى : { N ... éSظY±WTچ`ئ@ ... Wè XشTT`‰mîWgڑ JًY/@ ... †_Tإ~YظW- } أي استمسكوا وتحصّنوا والحبل ، أصله في اللغة السبب الذي يتوصل به إلى البغية، وهو: إما تمثيل، أو استعارة. أمرهم سبحانه بأن يجتمعوا على التمسك بدين الإسلام، أو بالقرآن، ونهاهم عن التفرق الناشيء عن الاختلاف في الدين ، ثم أمرهم بأن يذكروا نعمة الله عليهم، وبين لهم من هذه النعمة ما يناسب المقام، وهو أنهم كانوا أعداء مختلفين يقتل بعضهم بعضاً ، وينهب بعضهم بعضاً ، فأصبحوا بسبب هذه النعمة إخواناً وكانوا على شفا حفرة من النار بما كانوا عليه من الكفر، فأنقذهم الله من هذه الحفرة بالإسلام. ومعنى قوله: { طSچp™W‰p²VK†WTت } أي صرتم، وليس المراد به معناه الأصلي: وهو الدخول في وقت الصباح، وشفا كل شيء حرفه، وكذلك شفيره، وأشفى على الشيء: أشرف عليه، وهو تمثيل للحالة التي كانوا عليها في الجاهلية. وقوله: { ذYض.W،Vز } إشارة إلى مصدر الفعل الذي بعده أي:مثل ذلك البيان البليغ يبين الله لكم. وقوله: { `yRرPVصWإVض WـèSںWTچ`نWTژ } إرشاد لهم إلى الثبات على الهدى ، والازدياد منه. (2)
ــــــــــــــــ
(1) [ سورة آل عمران:الآيات 103-105]
(2) تفسير الشوكاني ـ رحمه الله .
129(2/34)
- ¼ لِلَّهِ WأW£W® طRرVض WفYQع XفےPYںض@ ... †Wع uّJً²Wè -YمYٹ †_ڑéSTك v÷Y،PVض@ ... Wè :†WTق`T~Wڑ`èVK ... ًذ`T~VضMX ... †WعWè †WTقT`~Jً²Wè ,-YمYٹ Wط~TYه.W£T`TٹXM ... uّWھéSعWè uv$ّW©~YئWè َـKV ... N ... éSظ~TTYخVK ... WفےPYںض@ ... ‚WپWè N ... éSTخQW£WةWچTWژ Y&م~Yت WOSiTVز ّVصWئ WـkYزX£pTSظ<ض@ ... †Wع َطTSهéSئ`ںWژ Y&م`T~VضMX ... JًS/@ ... ُّY‰WچTmïmً`- Yم`T~VضMX ... فWع Sٍ:†TWWے v÷Yں`نWTےWè Yم`~TVضMX ... فWع ٌˆ~YTقSTے (13) †WعWè vN ... éSTخQW£WةWژ ‚PVپMX ... ?فYع Yں`إWٹ †Wع SطSهƒٍ:†W- Sط<صYإ<ض@ ... †?TW~TpTçإWٹ َ&طTSنWTق`~Wٹ ً‚پَéTVضWè bàWظYصVز pŒWحW‰TWھ فYع ًذYQTٹWQO uvّVضXM ... wشW-VK ... ّQ^ظW©QSع ƒّYµSحPVض َ&طSنWTق`~TWٹ QWـMX ... Wè WفےY،PVض@ ... N ... éST'XOèRK ... ًˆHTWTچYر<ض@ ... ?فYع `طYهYں`إWٹ ّYةVض xJذW® Sم`قTYQع xˆےX£Sع (14) " (1)
الخطاب في قوله: ¼ WأW£W® طRرVض WفYQع XفےPYںض@ ... " لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - أي : بَيَّنَ، وأوضح لكم من الدين ¼ †Wع uّJً²Wè -YمYٹ †_ڑéSTك " من التوحيد، ودين الإسلام، وأصول الشرائع التي لم يختلف فيها الرسل، وتوافقت عليها الكتب ¼ v÷Y،PVض@ ... Wè :†WTق`T~Wڑ`èVK ... ًذ`T~VضMX ... " من القرآن، وشرائع الإسلام، والبراءة من الشرك، والتعبير عنه بالموصول لتفخيم شأنه ، وخص ما شرعه لنبينا - صلى الله عليه وسلم - بالإيحاء مع كون ما بعده، وما قبله مذكوراً بالتوصية للتصريح برسالته الكتب ¼ †WعWè †WTقT`~Jً²Wè ,-YمYٹ Wط~TYه.W£T`TٹXM ... uّWھéSعWè uv$ّW©~YئWè " مما تطابقت عليه الشرائع . ثم بيّن ما وصى به هؤلاء ، فقال تعالى : ¼ َـKV ... N ... éSظ~TTYخVK ... WفےPYںض@ ... " أي: توحيد الله ، والإيمان به ، وطاعة رسله،(2/35)
وقبول شرائعه ، وأن : هي المصدرية ، وهي وما بعدها في محل رفع على الخبرية لمبتدأ محذوف ، كأنه قيل: ما ذلك الذي شرعه الله؟ فقيل: هو إقامة الدين ، أو هي: في محل نصب بدلاً من الموصول، أو في محل جرّ بدلاً من الدين، أو هي المفسرة ، لأنه قد تقدمها ما فيه معنى القول . قال مقاتل: يعني أنه شرع لكم، ولمن قبلكم من الأنبياء ديناً واحداً. قال مقاتل: يعني: التوحيد. وقال مجاهد : لم يبعث الله نبياً قط إلاّ وصاه بإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والإقرار لله بالطاعة، فذلك دينه الذي شرع لهم.
ــــــــــــــــ
(1) [ سورة الشورى:الآيتان 13-14]
130
وقال قتادة: يعني: تحليل الحلال، وتحريم الحرام، وخصّ إبراهيم، وموسى، وعيسى بالذكر مع نبينا - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأنهم أرباب الشرائع. ثم لما أمرهم سبحانه بإقامة الدين، نهاهم عن الاختلاف فيه، فقال: ¼ ‚WپWè N ... éSTخQW£WةWچTWژ Y&م~Yت " أي: لا تختلفوا في التوحيد، والإيمان بالله ، وطاعة رسله، وقبول شرائعه، فإن هذه الأمور قد تطابقت عليها الشرائع، وتوافقت فيها الأديان، فلا ينبغي الخلاف في مثلها، وليس من هذا فروع المسائل التي تختلف فيها الأدلة ، وتتعارض فيها الأمارات ، وتتباين فيها الأفهام، فإنها من مطارح الاجتهاد، ومواطن الخلاف. (1)
وقال السعدي ـ رحمه الله ـ في تفسير الآيات :(2/36)
هذه أكبر منة أنعم الله بها على عباده ، أن شرع لهم من الدين خير الأديان وأفضلها، وأزكاها وأطهرها؛ دين الإِسلام، الذي شرعه الله للمصطفين المختارين من عباده. بل شرعه الله لخيار الخيار، وصفة الصفوة وهم أولوا العزم من المرسلين المذكورون في هذه الآية ، أعلى الخلق درجة، وأكملهم من كل وجه. فالدين الذي شرعه الله لهم ، لا بد أن يكون مناسباً لأحوالهم، وموافقاً لكمالهم ، بل إنما كملهم الله واصطفاهم ، بسبب قيامهم به. فلولا الدين الإِسلامي، ما ارتفع أحد من الخلق ، فهو روح السعادة، وقطب رحى الكمال ، وهو ما تضمنه هذا الكتاب الكريم، ودعا إليه من التوحيد والأعمال، والأخلاق، والآداب.
وقال: ¼ َـKV ... N ... éSظ~TTYخVK ... WفےPYںض@ ... " أي: أمركم أن تقيموا جميع شرائع الدين أُصوله وفروعه، تقيمونه بأنفسكم، وتجتهدون في إقامته على غيركم، وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإِثم والعدوان. ¼ ‚WپWè N ... éSTخQW£WةWچTWژ Y&م~Yت " أي: ليحصل منكم اتِّفاق على أُصول الدين وفروعه. واحرصوا علي أن لا تُفَرِقَكُم المسائل، وتُحَزِبَكُم أحزاباً وشيعاً، يعادي بعضكم بعضاً، مع اتفاقكم على أصل دينكم.
ومن أنواع الاجتماع على الدين وعدم التفرق فيه، ما أمر به الشارع من الاجتماعات العامة، كاجتماع الحج والأعياد، والجُمَع، والصلوات الخمس، والجهاد، وغير ذلك ، من العبادات، التي لا تتم ، ولا تكمل إلا بالاجتماع لها وعدم التفرق. (2)
ــــــــــــــــ
(1) تفسير الشوكاني .
(2) تفسير السعدي ، سورة الشورى .
131
- ¼ N ... éSكWè†WإWTژWè ّVصWئ QXOYiT<ض@ ... $uüWépTحPVچض@ ... Wè ً‚پWè N ... éSكWè†WإWTژ ّVصWئ Yy`T'‚XMô@ ... &Xـ.Wè`ںSإ<ض@ ... Wè N ... éRحPVTژ@ ... Wè $JًW/@ ... QWـMX ... JًW/@ ... SںےYںfTT® Y‡†WحYإ<ض@ ... (2) " (1)
قال ابن كثير ـ رحمه الله :(2/37)
... وقوله تعالى : { N ... éSكWè†WإWTژWè ّVصWئ QXOYiT<ض@ ... $uüWépTحPVچض@ ... Wè ً‚پWè N ... éSكWè†WإWTژ ّVصWئ Yy`T'‚XMô@ ... &Xـ.Wè`ںSإ<ض@ ... Wè } يأمر تعالى عباده بالمعاونة على فعل الخيرات وهو البر وترك المنكرات وهو التقوى وينهاهم عن التناصرعلى الباطل والتعاون على المآثم والمحارم قال ابن جرير : الإثم ترك ما أمر الله بفعله ، والعدوان مجاوزة ما فرض الله عليكم في أنفسكم وفي غيركم . (2) وأخرج البخاري عن أَنس - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : " أَنُصر أخاك ظالماً أو مظلوماً. فقال رجل يارسول الله أَنصره إذا كان مظلوماً أَفرأيت إذا كان ظالماً كيف أَنصُرهُ؟ قال: تحجزهُ أَو تمنعهُ من الظلم، فإن ذلك نصرهُ".(3)
... وفي الصحيح قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى ، كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ ، لاَ يَنْقُصُ ذلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً . وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلاَلَةٍ ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ ، لاَ يَنْقُصُ ذلِك مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئَا".(4)
وفي الترهيب من إعانة الظالم على ظلمه وعدوانه أخرج أبو القاسم الطبراني في الكبير : عن أوس بن شُرَحبيل أحد بني أَشْجَع: أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " مَنْ مَشَى مَعَ ظَالِمٍ لِيُعِيْنَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ ظَالِمٌ فَقَدْ خَرَجَ مِنَ الإسْلامِ".(5)
الدليل من التنز يل :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : "إنَّ اللهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاَثاً وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلاَثاً فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً ، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاًوَلاَ تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ. وَإضَاعَةَ الْمَالِ". (6)(2/38)
ــــــــــــــــــ
(1) [ سورة المائدة:من الآية 2 ]
(2) تفسير ابن كثير ج: 2 ص: 7
(3) أخرجه البخاري ، باب يمين الرجل لصاحبه ، حديث رقم: 6801.
(4) أخرجه مسلم في صحيحه ، باب: من سن سنة حسنة أو سيئة ، حديث رقم: 6755.
(5) أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ، باب : فيمن أعان في خصومة ، حديث رقم: 4607 ، وقال : رواه الطبراني في الكبير، وفيه: عياش بن مُؤنس، ولم أجد من ترجمه، وبقية رجاله وثقوا.
(6) أخرجه مسلم في صحيحه ، باب كثرة المسائل ، حديث رقم: 4435.
132
الإسلام دين عالمي يجمع أبنائه تحت راية واحدة وهي راية لا إله إلا الله وأن محمداُ عبد الله ورسوله:
نورد بعض من أحاديث المصطفي - صلى الله عليه وسلم - والتي تُحِث على الوحدة والتعاون فيما بين المسلمين بعضهم بعضاً :
أخرج الشيخان : عن عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ ـ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : "المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ ، لاَ يَظْلِمُهُ، وَلاَ يُسْلِمُهُ. وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ، كَانَ الله فِي حَاجَتِهِ. وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِم كُرْبَةً، فَرَّجَ الله عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ. وَمَنْ سَتَر مُسْلِمًا، سَتَرَهُ الله يَوْمَ القِيَامَة"(1)(2/39)
وأخرج مسلم في صحيحه : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :" لاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَنَاجَشُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَلاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ. وَكُونُوا، عِبَادَ اللهِ إِخْوَاناً. الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ. لاَ يَظْلِمُهُ، وَلاَ يَخْذُلُهُ، وَلاَ يَحْقِرُهُ. التَّقْوَى ههُنَا". وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِه ثَلاَثَ مَرَّاتٍ :" بِحَسْبِ امْرِىءٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِم. كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ. دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ".(2)
وعنِ ابنِ مسعودٍ - رضي الله عنه - قال: "سمعتُ رجُلاً قرأَ آيةً وسمعتُ النبيَّ - رضي الله عنه - يَقرأُ خِلافَها، فجئتُ بهِ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فأخبرَتهُ، فعَرفتُ في وَجههِ الكراهيةَ وقال: كِلاكما مُحسِن، ولا تختَلِفوا، فإن مَن كانَ قبلَكم اختَلَفوا فهلَكوا". (3)
وعن البراء - رضي الله عنه - قال : كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا وَصُدُورَنَا، وَيَقُولُ: "لا تَخْتَلِفُوا، فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُم ، إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصُّفُوفِ المُقَدَّمَةِ".(4)(2/40)
وعَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ ، قَالَ : انْطَلَقْتُ أَنَا وَالأَشْتَرُ إلَى عَلِيَ - رضي الله عنه - فَقُلْنَا هَلْ عَهِدَ إلَيْكَ نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَيْئا لَمْ يَعْهَدْهُ إلَى النَّاسِ عَامَّةً ؟ قَالَ : لاَ إلاَّ مَا كَانَ فِي كِتَابِي هذَا فَأَخْرَجَ كِتَابا مِنْ قِرَابِ سَيْفِهِ فَإذَا فِيهِ : " الْمُؤْمِنُونَ تَكَافَؤ دِمَاؤهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ أَلاَ لاَ يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلاَ ذُو عَهْدٍ بِعَهْدِهِ مَنْ أَحْدَثَ حَدَثاً فَعَلَى نَفْسِهِ أَوْ آوَى مُحْدِثا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ"(5)
ــــــــــــ
(1) متفق عليه اللؤلؤ والمرجان ، باب تحيم الظلم.
(2) أخرجه مسلم ، باب : تحريم ظلم المسلم لأخيه وخذله ، حديث رقم: 6493.
(3) أخرجه البخاري في صحيحه ، باب : حديث الغار ، حديث رقم: 3401.
(4) أخرجه ابن حبان في صحيحه ، حديث رقم : 2068.
(5) أخرجه النسائي في سننه ، باب : القود بين الأحرار، حديث رقم: 4717.
133
التمسك بسنة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ طوق النجاة من الفرقة :(2/41)
عن العِرْبَاضِ بنِ سَارِيَةَ - رضي الله عنه - قالَ: " وَعَظَنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَوْماً بَعْدَ صَلاَةِ الغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقَالَ رُجُلٌ إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَبِمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رسُولَ الله؟ قالَ : أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى الله، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِي فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَ اخْتِلاَفَاً كَثِيراً، وَأَيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فَإِنَّهَا ضَلاَلَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المُهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بالنَّوَاجِذِ".(1)
وصية قيس بن عاصم ـ رضي الله عنه ـ وتعليمه لأولاده أن الإتحاد قوة :(2/42)
عن عبد الملك بن أبي سويد المِنقري قال: شهدت قيس بن عاصم - رضي الله عنه - ، وهو يوصي، فجمع بنيه وهم اثنان وثلاثون ذكراً، فقال: يا بنيَّ إذا أنا مت فسوِّدوا أكبركم، تخلفوا أباكم، ولا تسودوا أصغركم فيزري بكم ذلك عند أكفائكم، ولا تقيموا عليَّ نائحةً فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن النِّياحَةِ، وعليكم بإصلاح المال فإنه مَنْبَهَةٌ للكريمِ ويُسْتَغنى بهِ عَن اللئيم، ولا تُعْطُوا رقاب الإبل إلا في حَقِّها، ولا تمنعوها من حقِّها، وإياكم وكلَّ عِرْقِ سُوْءٍ فمهما يسركم يوماً يسوءكم أكثر، واحذروا أبناءَ أعدَائِكم فإنَّهُمْ لكم أعداء على منهاج آبائِهم، وإذَا أنا مِتَّ فادفنوني في موضع لا يطَّلِعُ عليه هذا الحي من بكر بن وائل ؛ فإنها كانت بيني وبينهم خَمَشات في الجاهلية، فأخاف أن ينبشوني فيُفْسِدوا عليهم دنياهم ويُفسِدوا عليكم آخرتكم، ثم دعا بكِنانَتِه وأمر ابنه الأكبر وكان يدعى عليًّا، فقال: أخرج سهماً من كنانتي، فأخرجه فقال: اكسره، فكسره، فقال: أخرج سهمين ، فأخرجهما، فقال: اكسرهما، فكسرهما، ثم قال: أخرج ثلاثين سهماً، فأخرجهما، فقال: اعصبها بوَتَرٍ، فعصبها، ثم قال: اكسرها، فلم يستطع كسرها، فقال: يا بني هكذا أنتم بالإجتماع، وكذلك أنتم بالفرقة، ثم أنشأ يقول:
إنمَّا المَجْدُ ما بَنى وَالِدُ الصِّدقِ وأَحْيَا فِعَالَهُ المَوْلُودُ
وكفى المَجْدَ والشَّجَاعَةَ والحِلْمَ ... إِذَا زَانَها فِعَالٌ وَجُوْدُ
وثَلاثُونَ يا بَنِيَّ إذَا مَا ... عَقَدَتْهُمْ لِلنَّائِبَاتِ العُهُودُ ...
ـــــــــــــــ
(1) أخرجه الترمذي في سننه ، باب : ما جاء في الأخذ بالسنة ، حديث رقم: 2746، قال أبو عِيسَى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
134
كثَلاثِينَ مِن قِدَاحٍ إِذَا مَا ... شَدَّها للمرادِ عِقْدٌ شَدِيدُ ...
لَمْ تُكَسَّرْ وإِنْ تَبَدَّدَتِ الأسْهُمُ أَودَى بِجَمْعِهَا التَّبْدِيْدُ ...(2/43)
وذَوُوا السِّنِّ والمُرُوْءَ ةِ أَوْلى ... إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ لَهُ ْتَسْوِيدُ ...
وَعَلَيْكُمْ حِفْظَ الأصَاغِرِ حَتَّى يَبْلُغَ الحِنْثَ الأصْغَرُ المَجْهُودُ(1) ...
vvv
ـــــــــــــــــ
(1) مجمع الزوائد للهيثمي ، كتاب الوصايا ، باب وصية قيس بن عاصم ـ رضي الله عنه ،حديث رقم: 1317، رواه هكذا بتمامه الطبراني في الكبير والأوسط، إلا أن البيت الأول في الأوسط [إنما الصدق ما بنى الود. وروى أحمد والبزار منه طرفاً، وفي إسناد الطبراني: العلاء بن الفضل، قال المِزي: ذكره بعضهم في الضعفاء، ورجال أحمد رجال الصحيح غير حكيم بن قيس بن عاصم وقد وثقه ابن حبان.
135
المفتح السابع عشر
قتال المشركين كافة
الدليل من التنز يل :
قال تعالى : ¼ N ... éSTصYچHTWTخWè fûkY{X£pTSظ<ض@ ... ^àPVTت:†W{ †WظW{ َطRرWTكéSTصYچHTWحSTے &_àPVTت:†W{ Nv ... éSظVص`ئ@ ... Wè QWـKV ... JًW/@ ... WؤWع WـkYحPVچSظ<ض@ ... " (1)
... قوله تعالى: "N ... éSTصYچHTWTخWè" أمر بالقتال . و "àPVTت:†W{" معناه جميعاً ، وهو مصدر في موضع الحال . أي محيطين بهم ومجتمعين . قال الزجاج : مثل هذا من المصادر عافاه الله عافية وعاقبه عاقبة. ولا يثنىّ ولا يجمع، وكذا عامّة وخاصّة. قال بعض العلماء: كان الغرض بهذه الآية قد توجّه على الأعيان ثم نسخ ذلك وجعل فرض كفاية. قال ابن عطية؛ وهذا الذي قاله لم يُعلم قطُّ من شرع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه ألزم الأُمة جميعاً النّفْر؛ وإنما معنى هذه الآية الحض على قتالهم والتحزب عليهم وجمع الكلمة. ثم قيدها بقوله: { †WظW{ َطRرWTكéSTصYچHTWحSTے &_àPVTت:†W{ } فبحسب قتالهم واجتماعهم لنا يكون فرض اجتماعنا لهم. والله أعلم. (2)
وقال الألوسي ـ رحمه الله ـ في تفسيره :(2/44)
معنى ¼ N ... éSTصYچHTWTخWè fûkY{X£pTSظ<ض@ ... ^àPVTت:†W{ " : أي لا يتخلف أحد منكم عن قتالهم أو لا تتركوا قتال واحد منهم ، وكذا في جانب المشبه به، واسْتُدِلَ بالآية على الاحتمال الأول على أن القتال فرض عين.
وقيل: وهو كذلك في صدر الإسلام ثم نسخ وأنكره ابن عطية.
¼ Nv ... éSظVص`ئ@ ... Wè QWـKV ... JًW/@ ... WؤWع WـkYحPVچSظ<ض@ ... " بالولاية والنصر فاتقوا لتفوزوا بولايته ونصره سبحانه فهو إرشاد لهم إلى ما ينفعهم في قتالهم بعد أمرهم به، وقيل: المراد أن الله معكم بالنصر والإمداد فيما تباشرونه من القتال . (3)
ــــــــــــــــــــ
(1) [ سورة التوبة:من الآية 36].
(2) الجامع لأحكام القرآن ، تفسير سورة براءة الآية 36.
(3) تفسير الألوسي ، سورة التوبة الآية 36.
136
المفتح الثامن عشر
الذب والدفاع والنصرة للأخوة الإسلامية
الدليل من السنة النبوية :
عن إسْمَاعِيلَ بنَ بَشِيرٍ يَقُولُ سَمِعْتُ جَابِرَ بنَ عَبْدِ الله وَ أَبَا طَلْحَةَ بنَ سَهْلٍ الأنْصَارِيَّ ، يَقُولاَنِ قالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : " مَا مِنْ امْرِىءٍ يَخْذُلُ امْرأً مُسْلِماً في مَوَاقِعٍ يُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُه وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ إِلاَّ خَذَلَهُ الله في مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتُهُ ، وَمَا مِن امْرِىءٍ يَنْصُرُ مُسْلِماً في مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِه وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إِلاَّ نَصَرَهُ الله في مَوْطِنٍ يُحِبُّ نُصْرَتَهُ". (1)(2/45)
قوله - صلى الله عليه وسلم - : " مَا مِنْ امْرِىءٍ يَخْذُلُ امْرأً مُسْلِماً" : يخذل بضم الذال. قال في النهاية: الخذل ترك الإعانة والنصرة " مَوَاقِعٍ يُنْتَهَكُ " : بصيغة المجهول أي يتناول بما لا يحل ، " فيه" : أي في ذلك الموضع ، " حُرْمَتُه " : أي احترامه وبعض إكرامه " وينتقص": بصيغة المجهول من الانتقاص وهو لازم ومتعد " فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ ": بكسر العين وهو محل الذم والمدح من الإنسان.
والمعنى ليس أحد يترك نصرة مسلم مع وجود القدرة عليه بالقول أو الفعل عند حضور غيبته أو إهانته أو ضربه أو قتله أو نحوها " يُحِبُّ": أي ذلك الخاذل " فيه": أي في ذلك الموطن " نُصْرَتَهُ": أي إعانته سبحانه. ويجوز أن تكون إضافته إلى المفعول وذلك شامل لمواطن الدنيا ومواقف الآخرة. (2)
ومن نصر المسلم نصره وهو ظالم بمنعه عن ظلمه : قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : "أَنُصر أخاك ظالماً أو مظلوماً. فقال رجل يارسول الله أَنصره إذا كان مظلوماً أَفرأيت إذا كان ظالماً كيف أَنصُرهُ؟ قال: تحجزهُ أَو تمنعهُ من الظلم، فإن ذلك نصرهُ". (3)
ــــــــــــــــ
(1) أخرجه أبو داود في سننه ، باب : الرجل يذب عن عرض أخيه ، حديث رقم: 4880.
(2) عون المعبود ، ج13 ، ص277.
(3) أخرجه البخاري باب : يمين الرجل لصاحبه ، حديث رقم: 6801.
137
المفتح الثامن عشر
قتال المشركين كافة
الدليل من التنز يل :
قال تعالى : ¼ N ... éSTصYچHTWTخWè fûkY{X£pTSظ<ض@ ... ^àPVTت:†W{ †WظW{ َطRرWTكéSTصYچHTWحSTے &_àPVTت:†W{ Nv ... éSظVص`ئ@ ... Wè QWـKV ... JًW/@ ... WؤWع WـkYحPVچSظ<ض@ ... " (1)(2/46)
... قوله تعالى: "N ... éSTصYچHTWTخWè" أمر بالقتال . و "àPVTت:†W{" معناه جميعاً ، وهو مصدر في موضع الحال . أي محيطين بهم ومجتمعين . قال الزجاج : مثل هذا من المصادر عافاه الله عافية وعاقبه عاقبة. ولا يثنىّ ولا يجمع، وكذا عامّة وخاصّة. قال بعض العلماء: كان الغرض بهذه الآية قد توجّه على الأعيان ثم نسخ ذلك وجعل فرض كفاية. قال ابن عطية؛ وهذا الذي قاله لم يُعلم قطُّ من شرع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه ألزم الأُمة جميعاً النّفْر؛ وإنما معنى هذه الآية الحض على قتالهم والتحزب عليهم وجمع الكلمة. ثم قيدها بقوله: { †WظW{ َطRرWTكéSTصYچHTWحSTے &_àPVTت:†W{ } فبحسب قتالهم واجتماعهم لنا يكون فرض اجتماعنا لهم. والله أعلم. (2)
وقال الألوسي ـ رحمه الله ـ في تفسيره :
معنى ¼ N ... éSTصYچHTWTخWè fûkY{X£pTSظ<ض@ ... ^àPVTت:†W{ " : أي لا يتخلف أحد منكم عن قتالهم أو لا تتركوا قتال واحد منهم ، وكذا في جانب المشبه به، واسْتُدِلَ بالآية على الاحتمال الأول على أن القتال فرض عين.
وقيل: وهو كذلك في صدر الإسلام ثم نسخ وأنكره ابن عطية.
¼ Nv ... éSظVص`ئ@ ... Wè QWـKV ... JًW/@ ... WؤWع WـkYحPVچSظ<ض@ ... " بالولاية والنصر فاتقوا لتفوزوا بولايته ونصره سبحانه فهو إرشاد لهم إلى ما ينفعهم في قتالهم بعد أمرهم به، وقيل: المراد أن الله معكم بالنصر والإمداد فيما تباشرونه من القتال . (3)
ــــــــــــــــــــ
(1) [ سورة التوبة:من الآية 36].
(2) الجامع لأحكام القرآن ، تفسير سورة براءة الآية 36.
(3) تفسير الألوسي ، سورة التوبة الآية 36.
138
المفتح التاسع عشر
الذب والدفاع والنصرة للأخوة الإسلامية
الدليل من السنة النبوية :(2/47)
عن إسْمَاعِيلَ بنَ بَشِيرٍ يَقُولُ سَمِعْتُ جَابِرَ بنَ عَبْدِ الله وَ أَبَا طَلْحَةَ بنَ سَهْلٍ الأنْصَارِيَّ ، يَقُولاَنِ قالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : " مَا مِنْ امْرِىءٍ يَخْذُلُ امْرأً مُسْلِماً في مَوَاقِعٍ يُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُه وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ إِلاَّ خَذَلَهُ الله في مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتُهُ ، وَمَا مِن امْرِىءٍ يَنْصُرُ مُسْلِماً في مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِه وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إِلاَّ نَصَرَهُ الله في مَوْطِنٍ يُحِبُّ نُصْرَتَهُ". (1)
قوله - صلى الله عليه وسلم - : " مَا مِنْ امْرِىءٍ يَخْذُلُ امْرأً مُسْلِماً" : يخذل بضم الذال. قال في النهاية: الخذل ترك الإعانة والنصرة " مَوَاقِعٍ يُنْتَهَكُ " : بصيغة المجهول أي يتناول بما لا يحل ، " فيه" : أي في ذلك الموضع ، " حُرْمَتُه " : أي احترامه وبعض إكرامه " وينتقص": بصيغة المجهول من الانتقاص وهو لازم ومتعد " فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ ": بكسر العين وهو محل الذم والمدح من الإنسان.
والمعنى ليس أحد يترك نصرة مسلم مع وجود القدرة عليه بالقول أو الفعل عند حضور غيبته أو إهانته أو ضربه أو قتله أو نحوها " يُحِبُّ": أي ذلك الخاذل " فيه": أي في ذلك الموطن " نُصْرَتَهُ": أي إعانته سبحانه. ويجوز أن تكون إضافته إلى المفعول وذلك شامل لمواطن الدنيا ومواقف الآخرة. (2) ومن نصر المسلم نصره وهو ظالم بمنعه عن ظلمه : قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : "أَنُصر أخاك ظالماً أو مظلوماً. فقال رجل يارسول الله أَنصره إذا كان مظلوماً أَفرأيت إذا كان ظالماً كيف أَنصُرهُ؟ قال: تحجزهُ أَو تمنعهُ من الظلم، فإن ذلك نصرهُ". (3)
ــــــــــــــــ
(1) أخرجه أبو داود في سننه ، باب : الرجل يذب عن عرض أخيه ، حديث رقم: 4880.
(2) عون المعبود ، ج13 ، ص277.
((2/48)
3) أخرجه البخاري باب : يمين الرجل لصاحبه ، حديث رقم: 6801.
139
ومن نصر المسلم لأخيه الإصلاح بين المتقاتلين :
قال تعالى :
¼ ـMX ... Wè Xـ†WچWةMXْ:†ً؛ WفYع WـkYقYع`ëSظ<ض@ ... N ... éSTصWچTTWچ<خ@ ... N ... éS™Yص`²VK†WTت $†WظSنWTق`~WTٹ ?ـXM†WTت pŒWçإWTٹ †WظSنHTْWں`ڑMX ... ّVصWئ uüW£`KKR‚ô@ ... N ... éSTصYچHTWTحWTت ّYچPVض@ ... ّYçإ`‰WTژ uّPVچWڑ ƒٍvّYةWTژ uvّVضXM ... X£`عKV ... &JًY/@ ... ـXM†WTت pƒٍ:†WTت N ... éS™Yص`²VK†WTت †WظSنWTق`~WTٹ Xس`ںTWTإ<ض@†Yٹ v$N ... éTR¹Y©pTTخVK ... Wè QWـMX ... JًW/@ ... JٌˆY™STے fûkY¹Y©pTحSظ<ض@ ... (9) †WظPVكXM ... WـéSقYع`ëSظ<ض@ ... bلWépTTMX ... N ... éS™Yص`²VK†WTت Wـ`kTWTٹ &`yRر`TےWéWVK ... N ... éSحPVTژ@ ... Wè JًW/@ ... `yRرPVصWإVض WـéSًrَ£STژ (10) " (1)
... هذا متضمن لنهي المؤمنين عن أن يبغي بعضهم على بعض، ويقتل بعضهم بعضاً، وأنه إذا اقتتلت طائفتان من المؤمنين ، فإن على غيرهم من المؤمنين أن يتلافوا هذا الشر الكبير، وبالإِصلاح بينهم ، والتوسط على أكمل وجه يقع به الصلح، ويسلكوا الطرق الموصلة إلى ذلك، فإن صلحتا فبها ونعمت، { ?ـXM†WTت pŒWçإWTٹ †WظSنHTْWں`ڑMX ... ّVصWئ uüW£`KKR‚ô@ ... N ... éSTصYچHTWTحWTت ّYچPVض@ ... ّYçإ`‰WTژ uّPVچWڑ ƒٍvّYةWTژ uvّVضXM ... X£`عKV ... &JًY/@ ... } .
... أي: ترجع إلى ما حَدَّ الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ، من فعل الخير وترك الشر، الذي من أعظمه الاقتتال. وقوله: { ـXM†WTت pƒٍ:†WTت N ... éS™Yص`²VK†WTت †WظSنWTق`~WTٹ Xس`ںTWTإ<ض@†Yٹ } هذا أمر بالصلح، وبالعدل في الصلح ، فإن الصلح قد يوجد ، ولكن لا يكون بالعدل ، بل بالظلم والحيف على أحد الخصمين، فهذا ليس هو الصلح المأمور به، فيجب أن لا يراعى أحدهما لقرابة ، أو وطن ، أو غير ذلك من المقاصد والأغراض، التي توجب العدول عن العدل.
{(2/49)
v$N ... éTR¹Y©pTTخVK ... Wè QWـMX ... JًW/@ ... JٌˆY™STے fûkY¹Y©pTحSظ<ض@ ... } ، أي: العادلين في حكمهم بين الناس وفي جميع الولايات التي تولوها ، حتى إنه قد يدخل في ذلك عدل الرجل في أهله وعياله في أداء حقوقهم.
وفي الحديث الصحيح:" المُقْسِطُونَ يومَ القِيامَةِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَن يَمِين الرَّحمن، وكِلْتا يَدَيْه يَمينٌ: المُقْسِطُونَ على أَهلِيهِمْ وأَوْلادِهِمْ وَمَا وَلُوا".(2)
ــــــــــــــــــ
(1) [ سورة الحجرات:الآيات 10:9]
(2) أخرجه ابن حبان في صحيحه ، حديث رقم: 4398 ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما .
140(2/50)
وقوله تعالى : { †WظPVكXM ... WـéSقYع`ëSظ<ض@ ... bلWépTTMX ... } هذا عقد ، عقده الله بين المؤمنين ، أنه إذا وجد من أي شخص كان في مشرق الأرض ومغربها، الإِيمان بالله ، وملائكته، وكتبه ، ورسله، واليوم الآخر، فإنه أخ للمؤمنين، أخوة تُوجِبُ أن يحب له المؤمنون ما يُحِبُوَن لأنفسهم، ويكرهوا له ما يكرهون لأنفسهم ، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - آمراً بالأخوة الإِيمانية: " "لا تحاسدوا ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع أحدكم على بيع أخيه، وكونوا عباد الله إخواناً، المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى ههنا ـ وأشار بيده إلى صدره ثلاث مرات ـ حسب امرء مسلم من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله ، وعرضه".(1) وفيهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضاً" وشبك - صلى الله عليه وسلم - بين أصابعه. (2) ولقد أمر الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - بالقيام بحقوق المؤمنين بعضهم لبعض، ومما يحصل به التآلف والتوادد، والتواصل بينهم، كل هذا تأييد لحقوق بعضهم على بعض ، فمن ذلك ، إذا وقع الاقتتال بينهم، الموجب لتفرق القلوب وتباغضها وتدابرها، فليصلح المؤمنون بين إخوانهم، وليَسْعَوا فيما به يزول شنآنهم.(2/51)
ثم أمر بالتقوى عموماً ، ورتب على القيام بالتقوى وبحقوق المؤمنين، الرحمة، فقال: { `yRرPVصWإVض WـéSًrَ£STژ } ، وإذا حصلت الرحمة ، حصل خير الدنيا والآخرة، ودل ذلك على أن عدم القيام بحقوق المؤمنين ، من أعظم حواجب الرحمة. وفي هاتين الآيتين من الفوائد ، غير ما تقدم : أن الاقتتال بين المؤمنين مناف للأخوة الإِيمانية، ولهذا كان من أكبر الكبائر ، وأن الإِيمان والأخوة الإِيمانية لا يزولان مع وجود الاقتتال كغيره من الذنوب الكبائر، التي دون الشرك، وعلى ذلك مذهب أهل السنة والجماعة. وعلى وجوب الإِصلاح بين المؤمنين بالعدل ، وعلى وجوب قتال البغاة، حتى يرجعوا إلى أمر.الله ، وعلى أنهم لو رجعوا لغير أمر الله، بأن رجعوا على وجه لا يجوز الإِقرار عليه والتزامه، أنه لا يجوز ذلك ، وأن أموالهم معصومة، لأن الله أباح دماءهم وقت استمرارهم على بغيهم خاصة ، دون أموالهم. (3) ـــــــــــــــــــ
(1) أخرجه بهذه الصيغة أحمد في المسند عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ، حديث رقم: 7689.، كما أخرج الشيخان أجزاء منه في عدة أحاديث .
(2) متفق عليه ، باب : تراحم المؤمنين ةتراحمهم وتوادهم ، وأخرجه مسلم ، برقم : 6537 ، والبخاري : 2403 .
(3) تفسير السعدي ، تفسير الأيات 10:9من سورة الحجرات ، وذلك بتصرف وبعد إسناد الأحاديث إلى مصادرها الأصلية .
141
المفتح العشرون
الحذر من البطر والرئاء والبغي
الدليل من التنز يل :
قال تعالى :(2/52)
¼ †WنQSTےKV†H;TTWے fغTےY،PVض@ ... vN ... éSقWع ... ƒٍ ... V¢XM ... `ySچ~YحVض _àfTTTTLùYت N ... éSچS‰T<'@†WTت N ... èS£S{<¢@ ... Wè JًW/@ ... ... _OkY'W{ `طRرPVصWإVPض fûéS™YصpTةSTژ (45) N ... éSإ~Y؛VK ... Wè JًW/@ ... ISمVضéSھWOWè ‚WپWè N ... éSئW¥HTWTقWTژ N ... éSTصWpTةWچWTت ًˆWهp،TWTژWè p$yRرmïmSڑXO &Nv ... èSOYip²@ ... Wè QWـMX ... JًW/@ ... WؤWع fغTےXOYiHTTJً±ض@ ... (46) ‚WپWè N ... éSكéRرWTژ WفےY،PVض@†TVز N ... éS-W£W فYع طYهX£HTWTےY ... _£TTV¹Wٹ ƒٍ:†TWLTTْXOWè X†PVقض@ ... fûèQSںS±WTےWè فWئ Xشg~‰WTھ Jً&Y/@ ... SJًJًS/@ ... Wè †WظYٹ WـéSTصWظ`إWے b¸~oYSڑ (47) "(1)
والبَطَرُ في اللغة: الطُّغيان في النِّعْمَةِ ، وقيل: هو كراهة الشيء من غيرأَن يستحق الكراهية. وفي الحديث: " لا يَنْظُر الله يوم القيامة إلَى مَنْ جرّ إزارَه بَطَراً"؛ وفي الحديث: " الكِبْر بَطَر الحقّ " ؛ هو أَن يجعل ما جعله الله حقّاً من توحيده وعبادته باطلاً. وقيل: هو أَن يتحيرعند الحق فلا يراه حقّاً، وقيل: هو أَن يتكبر من الحق ولا يقبله. (1)
وقال القرطبي : البطر في اللغة: التقوية بنعم الله ـ عز وجل ـ وما ألبسه من العافية على المعاصي. وهو مصدر في موضع الحال. أي خرجوا بَطرِين مُراءين صادّين. وصدُّهم إضلالُ الناس. (2)
تقدم الحديث عن هذه الآيات وما تحمله من مفاتح وبقيَّ المفتح الأخير في هذه الآيات وما فيها من تعليم أخير فقوله : { ‚WپWè N ... éSكéRرWTژ WفےY،PVض@†TVز N ... éS-W£W فYع طYهX£HTWTےY ... _£TTV¹Wٹ ƒٍ:†TWLTTْXOWè X†PVقض@ ... fûèQSںS±WTےWè فWئ Xشg~‰WTھ Jً&Y/@ ... SJًJًS/@ ... Wè †WظYٹ WـéSTصWظ`إWے b¸~oYSڑ } ليبقى هذا التعليم ليحمي العصبة المؤمنة من أن تخرج للقتال متبطرة طاغية تتعاجب بقوتها وتستخدم نعمة القوة التي أعطاها الله لها في غير ما أرادها .. والعصبة
ـــــــــــــــــــ
(1) [ سورة الأنفال:الآيات 45-47]
(2) لسان العرب لابن منظور .
(2) الجامع لأحكام القرآن ج8ص25.
142(2/53)
المؤمنة إنما تخرج للقتال في سبيل الله ؛ تخرج لتقرير ألوهيته سبحانه في حياة
البشر ، وتقرير عبودية العباد لله وحده وتخرج لتحطيم الطواغيت التي تغتصب حق الله في تعبيد العباد له وحده ، والتي تزاول الألوهية في الأرض بمزاولتها للحاكمية ـ بغير إذن الله وشرعه ـ وتخرج لتحرير الإنسان في الأرض من كل عبودية لغير الله تستذل إنسانية الإنسان وكرامته .
وتخرج لحماية حرمات الناس وكراماتهم وحرياتهم ، لا للاستعلاء على الناس واستعبادهم والتبطر بنعمة الله باستخدامها هذا الاستخدام المنكر . وتخرج متجردة من حظ نفسها في المعركة جملة ، فلا يكون لها من النصر والغلب إلا تحقيق طاعة الله في تلبية أمره بالجهاد ؛ وفي إقامة منهجه في الحياة ؛ وفي إعلاء كلمته في الأرض وفي التماس فضله بعد ذلك ورضاه ، حتى الغنائم التي تخلفها المعركة فهي من فضل الله . (1)
- - - -
ــــــــــــــ
(1) في ظلال القرآن بتصرف .
143
المفتح الحادي والعشرون
الدعاء
الدليل من التنزيل:
- قال تعالى :
¼ †QWظVضWè N ... èS¦W£WTٹ ًéRض†WoYض -YâY éSقS-Wè N ... éRض†WTخ :†fTTTTTقPVٹWO pçأX£<تKV ... †WقT`~VصWئ ... _O`ifT² pŒQY‰WT'Wè †WقTWع ... WںT`TخKV ... †WTكَ£TS±ك@ ... Wè ّVصWئ YzَéWح<ض@ ... fغTےX£XةHTW|<ض@ ... (250) طSهéSعW¥WنWTت Xـ<¢XM†TTYٹ JًY/@ ... " (1)(2/54)
قال الإمام العلامة : فخر الدين الرازي ـ رحمه الله ـ في تفسيره للآيات السابقة : لما برز عسكر طالوت إلى عسكر جالوت ورأوا القلة في جانبهم ، والكثرة في جانب عدوهم ، لا جرم اشتغلوا بالدعاء والتضرع ، فقالوا: { :†fTTTTTقPVٹWO pçأX£<تKV ... †WقT`~VصWئ ... _O`ifT² } ونظيره ما حكى الله عن قوم آخرين أنهم قالوا حين الالتقاء مع المشركين: ¼ فQYTےVK†W{Wè فYQع JwّY‰TPVTك WشWچHTWTخ ISمWإWع WـéQST~QXTٹXO cOkY'Vز " (2) إلى قوله: ¼ †WعWè Wـ†Vز `ySنVضَéTWTخ :‚PVپMX ... ـKV ... N ... éSTض†WTخ †WTقQWTٹWO َ£Yة<çئ@ ... †WTقVض †WTقWٹéSTٌك¢ †WTقWTت ... W£َھXM ... Wè ُّYت †WTكX£`عVK ... pŒQY‰TV'Wè †TWقTWع ... WںpTTخKV ... †WTكَ£TS±ك@ ... Wè ّVصWئ YzَéWح<ض@ ... WفےX£YةHTW|<ض@ ... "(3) وهكذا كان يفعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كل المواطن، وروي عنه في قصة بدر أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يزل يصلي ويستنجز من الله وعده.
والإفراغ الصب ، فقوله: { pçأX£<تKV ... †WقT`~VصWئ ... _O`ifT² } يدل على المبالغة في طلب الصبر من وجهين أحدهما: أنه إذا صب الشيء في الشيء فقد أثبت فيه بحيث لا يزول عنه، وهذا يدل على التأكيد والثاني: أن إفراغ الإناء هو إخلاؤه، وذلك يكون بصب كل ما فيه، فمعنى: أفرغ علينا صبراً:أي أصبب علينا أتم صب وأبلغه.
واعلم أن الأمور المطلوبة عند المحاربة مجموع أمور ثلاثة فأولها: أن يكون الإنسان صبوراً على مشاهدة المخاوف والأمور الهائلة، وهذا هو الركن الأعلى للمحارب فإنه إذا كان جباناً لا يحصل منه مقصود أصلاً وثانيها: أن يكون قد وجد من الآلات والأدوات والاتفاقات الحسنة مما يمكنه أن يقف ويثبت ولا يصير ملجأ إلى الفرار وثالثها: أن تزداد قوته على قوة عدوه حتى يمكنه أن يقهر العدو. (4)
ـــــــــــــــــ
(1) [ سورة البقرة:الآيتان 250، 251]
(2) [ سورة آل عمران: من الآية 146]
(3) [ سورة آل عمران:الآية 147]
(4) تفسير الرازي، ج6ص514.
144(2/55)
وقوله: { ŒQY‰TV'Wè †TWقTWع ... WںpTTخKV ... } هذا عبارة، عن القوّة ، وعدم الفشل، يقال: ثبت قدم فلان على كذا إذا استقرّ له، ولم يزل عنه، وثبت قدمه في الحرب إذا كان الغلب له، والنصر معه. قوله: { وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ } هم جالوت، وجنوده. ووضع الظاهر موضع المضمر إظهاراً لما هو العلة الموجبة للنصر عليهم، وهي كفرهم، وذكر النصر بعد سؤال تثبيت الأقدام ، قوله: { طSهéSعW¥WنWTت Xـ<¢XM†TTYٹ JًY/@ ... } الهزم: الكسر: ومنه سقاء منهزم أي: انثنى بعضه على بعض مع الجفاف، ومنه ما قيل في زمزم إنها هزمة جبريل أي: هزمها برجله، فخرج الماء، والهزم: ما يكسر من يابس الحطب، وتقدير الكلام، فأنزل الله عليهم النصر { طSهéSعW¥WنWTت Xـ<¢XM†TTYٹ JًY/@ ... } أي : بأمره وإرادته. (1)
- قال تعالى :
¼ فQYTےVK†W{Wè فYQع JwّY‰TPVTك WشWچHTWTخ ISمWإWع WـéQST~QXTٹXO cOkY'Vز †WظWTت N ... éSTقWهWè :†WظYض َطSنWٹ†W²VK ... ء Xشg~‰fTTھ JًY/@ ... †WعWè N ... éSةSإW †WعWè %N ... éSTك†VرWچَھ@ ... SJًJًS/@ ... Wè JٌˆY™STے WفےXOYiHTTJً±ض@ ... (146) †WعWè Wـ†Vز `ySنVضَéTWTخ :‚PVپMX ... ـKV ... N ... éSTض†WTخ †WTقQWTٹWO َ£Yة<çئ@ ... †WTقVض †WTقWٹéSTٌك¢ †WTقWTت ... W£َھXM ... Wè ُّYت †WTكX£`عVK ... pŒQY‰TV'Wè †TWقTWع ... WںpTTخKV ... †WTكَ£TS±ك@ ... Wè ّVصWئ YzَéWح<ض@ ... WفےX£YةHTW|<ض@ ... (147) SطSنTHùWTژ†LWTTWTت JًS/@ ... ً‡ ... WéV' †WTp~TJٌكںض@ ... Wفَ©SڑWè g‡ ... WéV' %YلW£Y‚پ@ ... SJًJًS/@ ... Wè JٌˆY™STے WـkYقY©`™Sظ<ض@ ... (148) " (2)(2/56)
بَيَّنَ تعالى أنهم كانوا مستعدين عند ذلك التصبر والتجلد بالدعاء والتضرع بطلب الإمداد والإعانة من الله ، والغرض منه أن يقتدى بهم في هذه الطريقة أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فان من عول في تحصيل مهماته على نفسه ذل، ومن اعتصم بالله فاز بالمطلوب، قال القاضي: إنما قدموا قولهم: { †WTقQWTٹWO َ£Yة<çئ@ ... †WTقVض †WTقWٹéSTٌك¢ †WTقWTت ... W£َھXM ... Wè ُّYت †WTكX£`عVK ... } لأنه تعالى لما ضمن النصرة للمؤمنين، فإذا لم تحصل النصرة وظهر أمارات استيلاء العدو، دل ذلك ظاهراً على صدور ذنب وتقصير من المؤمنين؛ فلهذا المعنى يجب عليهم تقديم التوبة والاستغفار على طلب النصرة، فبين تعالى أنهم بدأوا بالتوبة عن كل المعاصي وهو المراد بقوله: { †WTقQWTٹWO َ£Yة<çئ@ ... †WTقVض †WTقWٹéSTٌك¢ } فدخل فيه كل الذنوب ، سواء كانت من الصغائر أو من الكبائر، ثم انهم خصوا
ــــــــــــــــ
(1) تفسير الشوكاني ، تفسير الآية 246 من سورة البقرة .
(2) [ سورة آل عمران:الآيات 146-148]
145
الذنوب العظيمة الكبيرة منها بالذكر بعد ذلك لعظمها وعظم عقابها وهو المراد من قوله: { †WTقWTت ... W£َھXM ... Wè ُّYت †WTكX£`عVK ... } لأن الاسراف في كل شيء هو الإفراط فيه ، ويقال: فلان مسرف اذا كان مكثراً في النفقة وغيرها، ثم انهم لما فرغوا من ذلك سألوا ربهم أن يثبت أقدامهم، وذلك بازالة الخوف عن قلوبهم، وازالة الخواطر الفاسدة عن صدورهم، ثم سألوا بعد ذلك أن ينصرهم على القوم الكافرين، لأن هذه النصرة لا بد فيها من أمور زائدة على ثبات أقدامهم، وهو كالرعب الذي يلقيه في قلوبهم، وإحداث أحوال سماوية أو أرضية توجب انهزامهم، مثل هبوب رياح تثير الغبار في وجوههم، ومثل جريان سيل في موضع وقوفهم، وهذا تأديب من الله تعالى في كيفية الطلب بالأدعية عند النوائب والمحن سواء كان في الجهاد أو غيره. (1)
قال الإمام الشوكاني ـ رحمه الله :(2/57)
والرِبيون بكسر الراء قراءة الجمهور، وقرأ عليّ بضمها، وابن عباس بفتحها، وواحده ربي بالفتح منسوب إلى الرب، والرُبى بضم الراء، وكسرها منسوب إلى الربة بكسر الراء، وضمها، وهي الجماعة، ولهذا، فسرهم جماعة من السلف بالجماعات الكثيرة ، وقيل: هم الأتباع ؛ وقيل: هم العلماء. قال الخليل: الربي الواحد من العباد الذين صبروا مع الأنبياء ، وهم الرَبَانِيون نسبوا إلى التأله، والعبادة، ومعرفة الربوبية. وقال الزجاج: الرُبيون بالضم الجماعات. قوله: { فَمَا ... éSTقWهWè } عطف على قاتل ، والوهن: انكسار الجدّ بالخوف. وقرأ الحسن: "وهنوا" بكسر الهاء، وضمها. قال أبو زيد: لغتان وهن الشيء يهن، وهنا: ضعف، أي: ما وهنوا لقتل نبيهم، أو لقتل من قتل منهم. "†WعWè N ... éSةSإW" أي: عن عدوّهم { †WعWè %N ... éSTك†VرWچَھ@ ... } لما أصابهم في الجهاد. والاستكانة: الذلة، والخضوع ، وفي هذا توبيخ لمن انهزم يوم أُحد، وذلّ، واستكان، وضعف بسبب ذلك الإرجاف الواقع من الشيطان، ولم يصنع ، كما صنع أصحاب من خلا من قبلهم من الرسل .
قوله : { †WعWè Wـ†Vز `ySنVضَéTWTخ } أي : قول أولئك الذين كانوا مع الأنبياء إلا هذا القول، وقولهم منصوب على أنه خبر كان. وقرأ ابن كثير، وعاصم في رواية عنهما برفع
ـــــــــــــــــ
(1) التفسير الكبير للعلامة الإمام فخر الدين الرازي ـ رحمه الله ـ ج9ص381.
146
{(2/58)
قولُهم } . وقوله: { :‚PVپMX ... ـKV ... N ... éSTض†WTخ } استثناء مفرغ : أي: ما كان قولهم عند أن قتل منهم ربانيون، أو قتل نبيهم: { :‚PVپMX ... ـKV ... N ... éSTض†WTخ †WTقQWTٹWO َ£Yة<çئ@ ... †WTقVض †WTقWٹéSTٌك¢ } قيل: هي الصغائر. وقوله : { †WTقWTت ... W£َھXM ... Wè ُّYت †WTكX£`عVK ... } قيل: هي الكبائر، والظاهر أن الذنوب تعم كل ما يسمى ذنباً من صغيرة ، أو كبيرة ، والإسراف ما فيه مجاوزة للحدّ، فهو من عطف الخاص على العام، قالوا ذلك مع كونهم ربانيين هضماً لأنفسهم { pŒQY‰TV'Wè †TWقTWع ... WںpTTخKV ... } في مواطن القتال: { SطSنTHùWTژ†LWTTWTت JًS/@ ... } بسبب ذلك { ً‡ ... WéV' †WTp~TJٌكںض@ ... } من النصر، والغنيمة، والعزة، ونحوها { Wفَ©SڑWè g‡ ... WéV' %YلW£Y‚پ@ ... } من إضافة الصفة إلى الموصوف ، أي : ثواب الآخرة الحسن، وهو نعيم الجنة، جعلنا الله من أهلها. (1)
الدليل من السنة النبوية الشر يفة :(2/59)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رضي الله عنه ـ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللّهِ : ¼ YمPVصPYض †Wع ء g.WéHTWظQW©ض@ ... †WعWè ء %X³`OKKV‚ô@ ... ـMX ... Wè N ... èSں`T‰STژ †Wع ُّYت َطS|Y©SةكKV ... `èVK ... SâéSةpTSTژ طRر`‰Yھ†W™STے YمYٹ $JًS/@ ... S£YةpTçإW~TWTت فWظYض Sٍ:†WWTے ٌ‡PY،WإSTےWè فWع %Sٍ:†WWTے SJًJًS/@ ... Wè uّVصWئ QXشS{ xٍpّTW® e£ےYںWTخ (284) " (1) قَالَ فَاشْتَدَّ ذالِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ فَأَتَوْا رَسُولَ اللّهِ ثُمَّ بَرَكُوا عَلَى الرُّكَبِ. فَقَالُوا: أَيْ رَسُولَ اللهِ! كُلِّفْنَا مِنَ الأَعْمَالِ مَا نُطِيقُ. الصَّلاَةُ وَالصِّيَامُ وَالْجِهَادُ وَالصَّدَقَةُ. وَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيْكَ هذِهِ الآيَةُ. وَلاَ نُطِيقُهَا. قَالَ رَسُولُ اللهِ : "أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْلِكُمْ: سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا؟ بَلْ قُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ" قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ. فَلَمَّا اقْتَرَأَهَا الْقَوْمُ ذَلَّتْ بِهَا أَلْسِنَتُهُمْ. فَأَنْزَلَ الله فِي إِثْرِهَا : ¼ WفWع ... ƒٍ SسéSھQW£ض@ ... :†WظYٹ WسX¥كKR ... Yم`~VضMX ... فYع -YمYQTٹQWO &WـéSقYع`ëSظ<ض@ ... Wè QdشRز WفWع ... ƒٍ YJً/@†Yٹ -YمYچW|XMù;HTVTصWعWè -YمY‰Sچٌ{Wè -YمYصSھSOWè ‚Wپ ٌثQX£WةSTك fû`kWTٹ xںWڑVK ... فYQع -&YمYصSھQSO N ... éRض†WTخWè †WقT`إYظWھ $†WTق`إً؛KV ... Wè ًذWTك ... W£pTةTSçئ †WTقQWTٹWO ًذ`~VضMX ... Wè SOkY±Wظ<ض@ ... (285) " (2)
ـــــــــــــــ
(1) تفسير الشوكاني ، تفسير الآية 137 من سورة آل عمران .
(2) [ سورة البقرة:الآية 284]
(3) [ سورة البقرة:الآية 285]
147(2/60)
فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ نَسَخَهَا الله تَعَالَى ، فَأَنْزَلَ الله ـ عَزَّ وَجَلَّ : ¼ ‚Wپ ٌبPYصVرSTے JًS/@ ... †[©pTةWTك ‚PVپMX ... &†WنWإَھSè †WنVض †Wع pŒW‰W©Vز †Wن`~VصWئWè †Wع %pŒW‰W©WTچ`T{@ ... †WTقQWTٹWO ‚Wپ :†WTك`،Y ... WëSTژ ـMX ... :†Wق~Y©PVTك `èVK ... &†WTكK<†V¹`KV ... " (1)" قَالَ: نَعَمْ " ¼ †WTقQWTٹWO ‚WپWè `شYظ`™WTژ :†WقT`~VصWئ ... _£p²MX ... †WظVز ISمWچ<صWظWڑ ّVصWئ fغTےY،PVض@ ... فYع &†WقYص`‰WTخ " (2) " قَالَ: نَعَمْ " ¼ ‚WپWè †WTق<صYQظW™STژ †Wع ‚Wپ WàWTخ†ً؛ †WTقVض -$YمYٹ " (3) " قَالَ: نَعَمْ " ¼ ٌب`ئ@ ... Wè †PVقWئ َ£TYةpTçئ@ ... Wè †WTقVض &:†WقT`ظWڑ`O@ ... Wè ًŒكKV ... †WقTHùTVضَéTWع †WTكَ£ٌ±ك@†WTت ّVصWئ YzَéWح<ض@ ... fغTےX£YةHTW|<ض@ ... " (4)" قَالَ: نَعَمْ " ". (5)
وفي رواية أخرى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رضي الله عنهما : " ... قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ ...."".(6)
والدُعَاء في اللغة : واحد الأَدْعِيَة ، وأصله دُعَاو، لأنَّه من دَعَوْت ، إلاّ أنّ الواو لمّا جاءت بعد الألف همزت. ودَعَوْت فلانًا، أي صِحْتُ به واسْتَدْعَيْتُهُ، ودَعَوْت اللَّهَ له وعليه دُعَاءً، والدَعْوَة : المرّةُ الواحدة. (7)
وشرعاً :هو العبادة والرغبة إلى الله بالتذلل إليه .
فعن النعمان بن البشير ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "الدعاء هو العبادة "(8)
ومنه قوله تعالى : ¼ QWـMX ... fغTےY،PVض@ ... WـèSOYi<رWچpT©WTے َفWئ ّYTژW †W‰Yئ WـéSTصS`ںW~Wھ WطPVقWنW- WفےX£Y.W (60) " (9) وعبادتي أي دُعائي.
وفي قوله تعالى: ¼ ... V¢XM ... Wè ًذVضKV†Wھ ÷Y †fTT‰Yئ ّPYقWئ ّPYTكMX†WTت $}ˆXے£TWTخ ٌˆ~Y-KR ... WلWé`ئW Xأ ... PVںض@ ... ... V¢XM ... $Xـ†WئW " (10)(2/61)
ذكر القرطبي ـ رحمه الله ـ في تفسيره الجامع لأحكام القرآن : " نقلاً عن خالد الربعي قوله : عجبت لهذه الأُمة في ¼ ُّYTكéSئ` @ ... pˆYoWTچ`ھVK ... p&yRرVض " أمرهم بالدعاء ووعدهم بالإجابة وليس بينهما شرط قال له قائل:" مثل ماذا ؟ " قال مثل قوله :
ــــــــــــــــــــ
(1) (2) (3) (4) [ سورة البقرة:الآية 288]
(5) أخرجه مسلم في صحيحه ، كتاب الإيمان ، حديث رقم: 288.
(6) أخرجه مسلم ، كتاب الإيمان باب : بيان أن الله سبحانه وتعالى لم يكلف إلا ما يُطاق ، حديث رقم:289.
(7) الصحاح للجواهري .
(8) أخرجه الترمذي ، أبو داوود ، ابن ماجه ، وصححه ابن حبان والحافظ بن حجر في الفتح .
(9) سورة غافر آية (60)
(10) سورة البقرة من الآية (186)
148
(1) ¼ X£JTYWTٹWè fغTےY،PVض@ ... N ... éSقWع ... ƒٍ N ... éSTصYظWئWè gŒHTW™YصHTJً±ض@ ... " (1)
(2) X£PYWTٹWè ¼ fغTےY،PVض@ ... Nv ... éTSقWع ... ƒٍ QWـKV ... `ySنVض W×WںWTخ ]ث`ںY² " (2) فليس فيه شرط العمل ومثل قوله : ¼ N ... éSئ` @†WTت JًW/@ ... fûkY±Yص`Sع SمVض WفےPYںض@ ... " (3) فهاهنا شرط وقوله: ¼ ُّYTكéSئ` @ ... pˆYoWTچ`ھVK ... p&yRرVض " (7) ليس فيه شرط " .
فإن قيل : فما للداعي قد يدعو فلا يُجاب له ؟
فالجواب : أن يُعلم أن قوله الحق في الآيتين أُجيب أستجب لا يقتضي الاستجابة مطلقاً لكل داعٍ على التفصيل ولا بكل مطلوب على التفصيل فقد قال ربنا تبارك وتعالى في آية أخرى:
¼ N ... éSئ` @ ... `طRرQWTٹWO †A a a _TئQS£WµWTژ &[àWT~pTةSWè ISمPVكMX ... ‚Wپ JٌˆY™Sے fغTےYںTWچT`إSظ<ض@ ... (55) " (4)
وكل مصر على كبيرة عالماً بها أو جاهلاً فهو معتدٍ وقد أخبر أنه لا يُحب المعتدين فكيف يستجيب له وقال بعض العلماء : " أجيب إن شئت كما قال : ¼ فيكشف ما تدعون إليه إن شاء " (5) فيكون هذا من باب المطلق والمقيد . وقد دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - : في ثلاث فأُعطي اثنتين ومُنعَ واحدة " (6)
آداب الدُعاء .(2/62)
إن للدعاء آداب يجب على الداعي أن يُراعيها منها :
(1) عدم الدعاء بإثم أو قطيعة رحم :
فعن أبي سعيد الخُدري - رضي الله عنه - قال : " قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلاَّ أَعْطَاهُ الله بِهَا إِحْدَى ثَلاثٍ: إِمَّا أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وإِمَّا أَنْ يَدَّخِرُهَا في الآخِرَةِ ، وإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَها" قالوا: إذاً نكثر، قال: "الله أَكْثَرُ". (7)
ـــــــــــــــــ
(1) سورة يونس أية (2)
(2) سورة غافر من الآية (14)
(3) سورة غافر من الآية (60)
(4) سورة الأعراف الآية (55)
(5) سورة الأنعام من الآية (41)
(6) انظر كتاب مائة دعوة مجابة من الدعاء المستجاب لنفس المؤلف.
(7) أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ، كتاب الأدعية ، حديث رقم: 17210، وقال : رواه أحمد وأبو يعلى بنحوه والبزار والطبراني في الأوسط، ورجال أحمد وأبي يعلى وأحد إسنادي البزار رجاله رجال الصحيح غير علي بن علي الرِّفاعي وهو ثقة. (7)
149
(2) عدم الاستعجال :
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " لا يزل يُستجاب للعبد ما لم يَدْعُ بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل " قيل : " يا رسول الله ما الاستعجال ؟ " قال:" يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجيب لي فيستحسر عند ذلك وَيَدَعُ الدُعاء " (1)
وأيضاً عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " يُستجاب لأحدكم ما لم يَعْجَل يقول دعوت فلم يُستَجَب لي " (2)
مما تقدم نرى أنه يمنع من استجابة الدعاء قول الداعي : " قد دعوت فلم يستجب لي " لأن ذلك من باب القنوط وضعف اليقين .
(3) طيب المطعم والمشرب والملبس :(2/63)
يمنع من إجابة الدعاء أيضاً أكل الحرام وما كان في معناه قال - صلى الله عليه وسلم - : ".. الرَّجُلُ يُطِيلُ السَّفَرَ. أَشْعَثَ أَغْبَرَ. يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ. يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ . فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذالِك؟" (3)
(4) الصلاة على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : " كنت أُصلي والنبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر معه فلما جلست بدأت بالثناء على الله ثم الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم دعوت لنفسي فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - سل تعطه سل تعطه " (4)
قال سهل بن عبد الله : " الصلاة على محمد - صلى الله عليه وسلم - أفضل العبادات لأن الله تعالى تولاها هو وملائكته ثم أمر بها المؤمنين وسائر العبادات ليس كذلك وقال أبو سليمان الدارني : " من أراد أن يسأل الله حاجة فليبدأ بالصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم يسأل حاجته ثم يختم بالصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإن الله تعالى يقبل بين الصلاتين وهو أكرم من أن يرد ما بينهما" .
ـــــــــــ
(1) أخرجه مسلم باب بيان يُستجاب للداعي ما لم يستعجل فيقول : دعوت فلم يُستجب لي.
(2) أخرجه البخاري باب : ما يستجاب للعبد ما لم يعجل ، ومسلم باب : بيان أنه يسُتجيب للداعي ما لم يقول دعوت فلم يستجب لي ، وأبو داود باب الدعاء وأحمد مسند أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ ، وابن حبان باب : ذكر الزَجْر عن استعجال المرء ، والترمذي باب : ما جاء فيمن يستعجل في الدعاء وقال : هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
(3) من الحديث الذي أخرجه ، مسلم ، كتاب الزكاة باب : قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها، برقم 2299.
(4) أخرجه الترمذي وقال: حسنٌ صحيح .
150(2/64)
وروى سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال : " الدُعاء يُحجب دون السماء حتى يُصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا جاءت الصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رُفِعَ الدُعاء " (1)
(5) التضرُع والتذلل إلى الله ـ جل وعلا ـ :
قال تعالى : ¼ N ... éSئ` @ ... `طRرQWTٹWO †_TئQS£WµWTژ &[àWT~pTةSWè " (2)
(6) التأدب مع الخالق ـ جل وعلا ـ عند دعائه :
عن أنس بن مالك - صلى الله عليه وسلم - قال : " قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" إذا دعا أحدُكم فلْيَعزم المسألةَ، ولا يَقولنَّ اللهم إن شِئتَ فأعطني، فإنه لا مُستكرِهَ له". (3)
ويجب على الداعي أن يعري سؤاله ودعاءه من لفظ المشيئة تأدباً مع الله جل وعلا ويسأل سؤال من يعلم أنه لا يفعل إلا أن يشاء وأيضاً فإن في قولَه : " إن شئت" نوع من الاستغناء عن مغفرته وعطائه ورحمته كقول القائل إن شئت أن تعطني كذا فافعل لا يستعمل إلا مع الغني عنه وأما المضطر إليه فإنه يعزم في مسألته،ويسأل سؤال فقير مضطر إلى ما سأله وينبغي على المؤمن أن يجتهد في الدعاء ويكون على رجاء الإجابة ولا يقنط من رحمة الله لأنه يدعو كريماً .
(7) تحري أوقات وأماكن الإجابة :
للدعاء أوقات وأحوال يكون الغالب فيها الإجابة وذلك كوقت السَحَرْ ووقت الفطر وما بين الآذان والإقامة ويوم الجمعة وعصرها وما بين الظهر والعصر في يوم الأربعاء ، وأوقات الاضطرار وحالة السفر والمرض وعند نزول المطر والصف في سبيل الله والعشر الأواخر من رمضان وكذلك تحري أماكن الإجابة عند الملتزم ، وعند الصفا والمروة وعند الوقوف بعرفه .
- - - -
ــــــــــــ
(1) تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن آية (56) سورة الأحزاب.
(2) سورة الأعراف من الآية (55)
(3) رواه الأئمة واللفظ للبخاري باب : ليعزم المسألة فإنه لا مُكره له .
151(2/65)
استحباب الدعاء عند لقاء أعداء الله وأعداء رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأنه وقت إجابة للدعاء :
عن سهلُ بنُ سعدٍ - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "ثنتانِ لاَ تردَّانِ" أوْ قالَ: "مَا تُرَدَّانِ الدعاءُ عندَ النداءِ وعندَالبأسِ حينَ يُلْحِمُ بعضُهُ بعضاً".(1)
" ثنتانِ " أي دعوتان ثنتان "لاَ تردَّانِ": بصيغة المجهول "عندَ النداءِ": أي الأذان " وعندَالبأسِ " : أي القتال " حينَ يُلْحِمُ بعضُهُ بعضاً ": قال في مرقاة الصعود: بالحاء المهملة المكسورة وأوله مضموم انتهى. وقال في فتح الودود: من لحم كسمع إذا قتل انتهى. والمعنى حين يشتبك الحرب بينهم ويقتل بعضهم بعضاً. (2)
وأخرج مسلم : عن مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ أَبِي النَّضْرِ(3)، عَنْ كِتَابِ رَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى. فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ، حِينَ سَارَ إِلَى الْحَرُورِيَّةِ، يُخْبِرُهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ، فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا الْعَدُوَّ، يَنْتَظِرُ حَتَّى إِذَا مَالَتِ الشَّمْسُ قَامَ فِيهِمْ فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَاسْأَلُوا اللهَ الْعَافِيَةَ ، فَإذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ". ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ: " اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الأَحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ".(4)(2/66)
قول النبي - صلى الله عليه وسلم - :" اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الأَحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ " فيه استحباب الدعاء عند اللقاء والاستنصار والله أعلم.(5)
ــــــــــــــــــ
(1) أخرجه أبو داوود في سننه ، كتاب الصلاة ، حديث رقم: 1202 ، كما أخرجه الدارمي ، كتاب : الصلاة ، حديث رقم: 1202.
(2) عون المعبود ، ج7ص214.
(3) قال الإمام النووي : عن أبي النضرعن كتاب رجل من الصحابة قال الدارقطني: هو حديث صحيح، قال: واتفاق البخاري ومسلم على روايته حجة في جواز العمل بالمكاتبة والإجازة ، وقد جوزوا العمل بالمكاتبة والإجازة ، وبه قال جماهير العلماء من أهل الحديث والأصول والفقه، ومنعت طائفة الرواية بها وهذا غلط والله أعلم.
(4) متفق عليه ، أخرجه مسلم ، كتاب الجهاد والسير ، حديث رقم: 4496، وأخرجه البخاري ، كتاب الجهاد والسير ، حديث رقم: 4496.
(5) شرح النووي لصحيح مسلم ، باب : كراهة تمني لقاء العدو والأمر بالصبر عند اللقاء.
152
ومن الأدعية النبوية عند القتال : عن أبي بُرْدَةَ بنِ عَبْدِ الله أَنَّ أَبَاهُ ، حَدَّثَهُ: "أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إذَا خَافَ قَوْماً قالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَجْعَلُكَ في نُحُورِهِمْ وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ". (1)
كيف استخدم أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذا المفتح الهام
من مفاتح النصر .
(1) قصة استشهاد النعمان بن مقرن ـ رضي الله عنه :(2/67)
عن معقل بن يسار - رضي الله عنه - أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - شاور الهرمزان في أصبهان وفارس وآذربيجان ، فقال : يا أمير المؤمنين أصبهان الرأس وفارس وآذربيجان الجناحان، فإذا قطعت إحدى الجناحين فالرأس بالجناح وإن قطعت الرأس وقع الجناحان فابدىء بأصبهان فدخل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - المسجد، فإذا هو بالنعمان بن مقرن يصلّي، فانتظره حتى قضى صلاته، فقال له: إني مستعملك فقال: أما جابياً فلا وأما غازياً فنعم قال: فإنك غاز فسرحه وبعث إلى أهل الكوفة أن يمدوه ويلحقوا به وفيهم حذيفة بن اليمان والمغيرة بن شعبة والزبير بن العوام والأشعث بن قيس وعمرو بن معد يكرب وعبد الله بن عمرو فأتاهم النعمان وبينه وبينهم نهر فبعث إليهم المغيرة بن شعبة رسولاً وملكهم ذو الحاجبين فاستشار أصحابه، فقال: ما ترون أقعد لهم في هيئة الحرب أو في هيئة الملك وبهجته فجلس في هيئة الملك وبهجته على سريره ووضع التاج على رأسه وحوله سماطين عليهم ثياب الديباج والقرط والأسورة فجاء المغيرة بن شعبة فأخذ بضبعيه وبيده الرمح والترس والناس حوله سماطين على بساط له فجعل يطعنه برمحه فخرقه لكي يتطيروا فقال له ذو الحاجبين: إنكم يا معشر العرب أصابكم جوع شديد وجهد فخرجتم فإن شئتم مرناكم ورجعتم إلى بلادكم فتكلّم المغيرة فحمد الله وأثنى عليه، وقال: إنا كنا معشر العرب نأكل الجيفة والميتة وكان الناس يطؤونا ولا نطأهم فابتعث الله منا رسولاً في شرف منا أوسطنا وأصدقنا حديثاً وإنه قد وعدنا أن ههنا ستفتح علينا وقد وجدنا جميع ما وعدنا حقاً وإني لأرى ههنا بزة وهيئة ما أرى من معي
ــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه أبو داوود في سننه ، باب : ما يقول غذا خاف قوماً ، حديث رقم: 1538.
153(2/68)
بذاهبين حتى يأخذوه ، فقال المغيرة: فقالت لي نفسي لو جمعت جراميزك فوثبت وثبة فجلست معه على السرير إذ وجدت غفلة فزجروني وجعلوا يحثونه، فقلت: أرأيتم إن كنت أنا استحمقت فإن هذا لا يفعل بالرسل وإنا لا نفعل هذا برسلكم إذا أتونا، فقال: إن شئتم قطعتم إلينا وإن شئتم قطعنا إليكم، فقلت: بل نقطع إليكم فقطعنا إليهم وصاففناهم فتسلسلوا كل سبعة في سلسلة وخمسة في سلسلة حتى لا يفروا قال فرامونا حتى أسرعوا فينا، فقال المغيرة للنعمان: إن القوم قد أسرعوا فينا فاحمل فقال: إنك ذو مناقب وقد شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكني أنا شهدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا لم يقاتل أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس وتهب الرياح وينزل النصر، فقال النعمان: يا أيها الناس اهتز ثلاث هزات، فأما الهزة الأولى فليقضِ الرجل حاجته، وأما الثانية فلينظر الرجل في سلاحه وسيفه، وأما الثالثة فإني حامل فاحملوا فإن قتل أحد فلا يلوي أحد على أحد وإن قتلت فلا تلووا علي وإني داع الله بدعوة فعزمت على كل امرىء منكم لما أمن عليها، فقال: اللّهمّ ارزق اليوم النعمان شهادة تنصر المسلمين وافتح عليهم فآمن القوم وهزّ لواءه ثلاث مرات ثم حمل فكان أول صريع - رضي الله عنه - فذكرت وصيته فلم ألوِ عليه وأعلمت مكانه فكنا إذا قتلنا رجلاً منهم شغل عنا أصحابه يجرونه ووقع ذو الحاجين من بغلته الشهباء فانشق بطنه وفتح الله على المسلمين فأتيت النعمان وبه رمق فأتيته بماء فجعلت أصبه على وجهه أغسل التراب عن وجهه، فقال: من هذا؟ فقلت: معقل بن يسار، فقال: ما فعل الناس؟ فقلت: فتح الله عليهم، فقال: الحمد لله اكتبوا بذلك إلى عمر وفاضت نفسه فاجتمع الناس إلى الأشعث بن قيس فقال: فأتينا أم ولده فقلنا: هل عهد إليك عهداً قالت: لا إلا سفيط له فيه كتاب فقرأته، فإذا فيه أن قتل فلان ففلان وأن قتل فلان ففلان قال حماد: فحدّثني علي بن زيد، ثنا أبو عثمان(2/69)
النهدي أنه أتى عمر - رضي الله عنه - فقال: ما فعل النعمان بن مقرن؟ فقال: قتل، فقال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ثم قال: ما فعل فلان؟ قلت: قتل يا أمير المؤمنين وآخرين لا نعلمهم، قال: قلت: لا نعلمهم لكن الله يعلمهم".(1)
ــــــــــــــــــ
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك ، حديث رقم 5329.
154
(2) موقفين لعمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه :(2/70)
- عن زيدِ بن أَسلمَ - رضي الله عنه - قَالَ : " لَمَّا أَبْطأَ عَلاى عُمَرَ بنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - فَتْحُ مِصْرَ كَتَبَ إِلاى عَمْرِو بنِ الْعَاصِ - رضي الله عنه - ، أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ عَجِبْتُ لإِبْطَائِكُمْ عَنْ فَتْحِ مِصْرَ ، تُقَاتِلُونَهُمْ مُنْذُ سِنِينَ ، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ لِمَا أَحْدَثْتُمْ وَأَحْبَبْتُمْ مِنَ الدُّنْيَا مَا أَحَبَّ عَدُوُّكُمْ ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالاى لاَ يَنْصُرُ قَوْمَاً إِلاَّ بِصِدْقِ نِيَّاتِهِمْ ، وَقَدْ كُنْتُ وَجَّهْتُ إِلَيْكَ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ، وَأَعْلَمْتُكَ أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ مَقَامَ أَلْفِ رَجُلٍ عَلاى مَا أَعْرِفُ ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ غَيَّرَهُمْ مَا غَيَّرَ غَيْرَهُمْ ، فَإِذَا أَتَاكَ كِتَابِي هاذَا فَاخْطُبِ النَّاسَ وَحُضَّهُمْ عَلاى قِتَالِ عَدُوهِمْ ، وَرَغبْهُمْ فِي الصَّبْرِ وَالنيَّةِ ، وَقَدمْ أُولائِكَ الأَرْبَعَةَ فِي صُدُورِ النَّاسِ، وَأْمُرِ النَّاسَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ صَدْمَةٌ كَصَدْمَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ ، وَلْيَكُنْ ذالِكَ عِنْدَ الزَّوَالِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَإِنها سَاعَةٌ تَنْزِلُ فِيهَا الرَّحْمَةُ ، وَوَقْتُ الاْجَابَةِ ، وَلْيَعُجَّ النَّاسُ إِلاى الله وَلْيَسْأَلُوهُ النَّصْرَ عَلاى عَدُوهِمْ ، فَلَمَّا أَتَى عَمْرَو الْكِتَابُ جَمَعَ النَّاسَ وَقَرَأَهُ عَلَيهِمْ ، ثُمَّ دَعَا أُولائِكَ النَّفَرَ فَقَدَّمَهُمْ أَمَامَ النَّاسِ ، وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَيُصَلُّوا رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ يَرْغَبُونَ إِلاى اللَّهِ وَيَسْأَلُونَهُ النَّصْرَ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ".(1)(2/71)
- عن سِماكِ بنِ حَرْب عن عِياضٍ الأَشْعريِّ قَالَ : " شَهِدْتُ اليرموكَ وعليها خمسةُ أمراءَ: أبو عُبَيدةَ بنُ الجَرَّاح، ويزيدُ بنُ أبي سفيان، وشُرَحْبيلُ بن حَسَنَةَ، وخالدُ بنُ الوَليدِ، وعِياضٌ (2) ـ وليسَ عِياضٌ صاحبَ الحَديثِ الَّذي يُحَدِّثُ سِماكٌ عنهُ ـ قالَ عمرُ : إذا كانَ قِتالٌ، فَعَلَيْكُمْ أبو عبيدةَ، قالَ: فكتبنا إليه أنْ قد جَاشَ إلينا المَوْتُ واستمددناهُ، فكتبَ إلينا أنهُ قَدْ جاءَني كتابُكُمْ تستمدُّوني، وإني أَدُلُّكُمْ على ما هُوَ أَعزُّ نَصْراً وأَحْصَنُ جُنْداً، الله ُ، فاستنصِرُوهُ، فإِنَّ محمداً قد نُصِرَ بأقلَّ من عددِكُمْ، فإذا أتاكُمْ كتابي، فقاتلوهم ، ولا تُراجعوني، قالَ: فقاتلناهم فهَزَمْنَاهُمْ، وقتلناهُمْ أربعَ فَراسخَ، وأَصَبْنَا أموالاً، فتشاورُوا، فأشارَ عليهمْ عِياضٌ، عن كلِّ رأسٍ عشرةٌ ، وقالَ أبو عبيدَة : مَنْ يُرَاهِنُني ، فقالَ شابٌّ: أنا إن لم تغضبْ ، قالَ: فَسَبَقه فرأيت عقيصتي أبي عُبيدة تَنْقُزانِ (3) وهو خلفَه على فَرَسٍ عَرَبيَ". (4)
ـــــــــــــــــ
(1) جامع الأحاديث والمراسيل ، حرف الهمزة ج18ص248، حديث رقم: 1391.
(2) عياض بن غَنْم بن زُهير بن أبي شداد، أبو سعد الفِهري. ممن بايع بيعة الرِّضوان. واستخلفه قرابتُه أبو عُبيدة بن الجراح، لما احتُضر، على الشام. وكان خَيِّراً صالحاً زاهداً سخيًّا. وهو الذي افتتح الجزيرةَ صلحاً. أقره عُمرُ على الشام. فعاش بعدُ نحواً من عامين. وقيل: عاش ستِّين سنة، ومات في سنة عشرين بالشام. قال ابنُ سعد: شهد الحُديبية، وكان أَحَدَ الأُمراء الخمسةِ يوم اليرموك. ـ سير أعلام النبلاء ، ج2ص24.
(3) نقز : النَّقَز والنَّقَزَان : كالوَثَبانِ صُعُداً في مكان واحد، ونَقَز : وَثَبَ صُعُداً والتَّنْقِيز : التوثيب.
(4) أخرجه ابن حبان باب: الخروج وكيفية الجهاد ، حديث رقم: 4676، وأخرجه أحمد ، والهيثمي برقم: 96301.(2/72)
155
المفتح الثاني والعشرون
العزة
الدليل من التنز يل :
- قال تعالى :
¼ لِلَّهِ †WنQSTےKV†H;TTWTے WفےY،PVض@ ... N ... éSقWع ... ƒٍ ‚Wپ N ... èٌ،YQWچWTژ لَا éSنW~<ض@ ... uvüW£HTW±QWقض@ ... Wè ƒٍ':†fTTT~Yض`èVK ... َطSنSµ`إWTٹ Sٍ:†fTTTT~Yض`èVK ... &w´`إWTٹ فWعWè طSنPVضWéWچWTے َطRرقPYع ISمPVTكXM†WTت %َطSن`قYع QWـMX ... JًW/@ ... ‚Wپ ÷Yں`نWTے W×َéWح<ض@ ... WـkYظYصHTJًہ¹ض@ ... (51) ÷W£WچWTت WفےY،PVض@ ... ء طXنYTٹéSTصSTخ c³W£QWع fûéSئX£HTW©STے َطXن~Yت WـéSTضéSحWTے uvّWpWTك ـKV ... †WقW‰~Y±STژ &bلW£MXْ: ... W ّW©WإWTت JًS/@ ... ـKV ... WّYژ<K†WTے Xک`چTWة<ض@†YTٹ `èVK ... x£`عKV ... َفYQع -YâYںقYئ N ... éS™Y‰p±S~WTت uّVصWئ :†Wع N ... èQS£WھVK ... ُّYت َطXنY©STةكKV ... fûkYعYںHTWTك (52) SسéSحWTےWè WفےY،PVض@ ... N ... ;éTSقWع ... ƒٍ Yٍ:‚WپSë;HTTWهVK ... WفےY،PVض@ ... N ... éSظfT©<خVK ... YJً/@†YTٹ Wں`نW- َ*طXنYقHTWظ`TےVK ... َطSنPVكXM ... &َطRرWإWظVض pŒً¹Y‰Wڑ َطSنSTصHTWظ`ئVK ... N ... éS™fTT‰p²VK†WTت WفےX£Y©HTW (53) †WنQSTےKV†H;TTWTے WفےY،PVض@ ... N ... éSقWع ... ƒٍ فWع PVںWTژَ£WTے َطRرقYع فWئ -YمYقےY ًاَéW©WTت ّYژ<K†WTے JًS/@ ... xzَéWحYTٹ َطSنQS‰Y™STے ,ISمWكéQS‰mïmYٌڑWè ]àTPVضY¢VK ... ّVصWئ WـkYقYع`ëSظ<ض@ ... \لPV¥YئVK ... ّVصWئ WفےX£YةHTVر<ض@ ... fûèSںXنHTWTmïmٌ- ء Xش~Y‰fTTھ JًY/@ ... ‚WپWè WـéSTت†WWTے WàWعَéVض &xyMXْ:‚Wپ ًذYض.W¢ SشpµWTت JًY/@ ... Yم~YTpژëSTے فWع &Sٍ:†fTTWTے SJًJًS/@ ... Wè eؤgھ.Wè }y~YصWئ (54) †WظPVTكXM ... SطRرQS~YضWè JًS/@ ... ISمRضéSھWOWè WفےY،PVض@ ... Wè N ... éSقWع ... ƒٍ WفےY،PVض@ ... WـéSظ~YحSTے WلléVصUfT±ض@ ... WـéSTژ`ëSTےWè WلléTV{QW¥ض@ ... َطSهWè WـéSإYز.WO (55) فWعWè QWسWéWچWTے JًW/@ ... ISمVضéSھWOWè WفےY،PVض@ ... Wè N ... éSقWع ... ƒٍ QWـXM†WTت ً‡`¥Yڑ JًY/@ ... ٌySه WـéS‰YصHTWçإ<ض@ ... (56) " (1)
- وقال تعالى :(2/73)
¼ فWع Wـ†Vز SںےX£STے WلQW¥Yإ<ض@ ... YمPVصYصWTت SلQW¥Yإ<ض@ ... &†[إ~YظW- Yم`~VضMX ... SںWإp±WTے ٌyYصVر<ض@ ... ٌˆQY~Jً¹ض@ ... SشWظWإض@ ... Wè SکYصHJًT±ض@ ... I&SمSإWTتَ£WTے ًفTےY،PVض@ ... Wè WـèS£S|`ظWTے g†WLTTQY~JًT©ض@ ... َطSنVض t‡ ... W،Wئ c$ںےYںWT® S£`|WعWè ًذMXù;HTTVضOèKR ... WéSه SOéS‰WTے (10) " (2)
- وقال تعالى :
¼ YمPVصYضWè SلPV¥Yإ<ض@ ... -YمYضéSھW£YضWè fûkYقYpعëSظ<صYضè QWفYرHTVضWè fûkYحYةHTWTقSظ<ض@ ... ‚Wپ WـéSظVص`إWے (8) " (3)
ــــــــــــــــــ
(1) [ سورة المائدة:51-56]
(2) [ سورة فاطر:الآية 10]
(3) [ سورة المنافقون:الآية 8]
156
- وقال تعالى :
... ... ¼ X£PYWٹ WـkYحYةHTWTقSظ<ض@ ... QWـKV†Yٹ `طSنVض †[Tٹ ... W،Wئ †[TظT~YضVK ... (138) WفےY،PVض@ ... WـèS،YQWچWTے WفےX£XةHTVر<ض@ ... ƒٍ:†fTTTTTT~Yض`èVK ... فYع XـèS &WـkYقYع`ëSظ<ض@ ... fûéSçإWTچ`‰WTےVK ... SطSهWںقYئ WلPV¥Yإ<ض@ ... QWـXM†WTت WلPV¥Yإ<ض@ ... YمPVصYض †_Tإ~YظW- (139) "(1)
العزة في اللغة :(2/74)
والعِز : خلاف الذُّلِّ. والعِز في الأَصل: القوة والشدة والغلبة. والعِزُّ والعِزَّة : الرفعة والامتناع ، والعِزَّة لله ؛ وفي التنزيل العزيز: ¼ YمPVصYضWè SلPV¥Yإ<ض@ ... -YمYضéSھW£YضWè fûkYقYpعëSظ<صYضè "(2)؛ أَي له العِزَّة والغلبة سبحانه. وفي التنزيل العزيز: ¼ فWع Wـ†Vز SںےX£STے WلQW¥Yإ<ض@ ... YمPVصYصWTت SلQW¥Yإ<ض@ ... &†[إ~YظW- "(3) ؛ أَي من كان يريد بعبادته غير الله فإِنما له العِزَّة في الدنيا ولله العِزَّة جميعاً أَي يجمعها في الدنيا والآخرة بأَن يَنْصُر في الدنيا ويغلب؛ وعَزَّ يَعِز ، بالكسر، عِزَّاً وعِزَّةً وعَزازَة ، ورجل عَزِيز من قوم أَعِزَّة وأَعِزَّاء وعِزاز . وقوله تعالى: ¼ ًاَéW©WTت ّYژ<K†WTے JًS/@ ... xzَéWحYTٹ َطSنQS‰Y™STے ,ISمWكéQS‰mïmYٌڑWè ]àTPVضY¢VK ... ّVصWئ WـkYقYع`ëSظ<ض@ ... \لPV¥YئVK ... ّVصWئ WفےX£YةHTVر<ض@ ... "(4)؛ أَي جانبُهم غليظٌ على الكافرين لَيِّنٌ على المؤمنين؛ وأَعَز الرجلُ يَعِزُّ عِزَّاً وعِزَّة إِذا قوي بعد ذِلَّة وصار عزيزاً. وأَعَزَّه اللَّهُ وعَزَزْت عليه: كَرُمْت عليه. والعَزِيز : من صفات الله ـ عز وجل ـ وأَسمائه الحسنى ؛ قال الزجاج: هو الممتنع فلا يغلبه شيء، وقال غيره: هو القوي الغالب كل شيء، وقيل: هو الذي ليس كمثله شيء. ومن أَسمائه ـ عز وجل ـ المُعِز ، وهو الذي يَهَبُ العِز لمن يشاء من عباده. (5)
ــــــــــــــــ
(1) [ سورة النساء:الآيتان 138-139]
(2) [ سورة المنافقون : من الآية 8 ]
(3) [ سورة فاطر: من الآية 10]
(4) [ سورة المائدة: الآية :54]
(5) لسان العرب.
157
الفرق بين العزة والكِبر :
قال أبو حامد الغزالي ـ رحمه الله ـ في الإحياء :(2/75)
... " العزة تشتبه بالكبر من حيث الصورة ، وتختلف من حيث الحقيقة، كاشتباه التواضع بالضعة، والتواضع محمود والضعة مذمومة، والكبر مذموم والعزة محمودة. قال الله تعالى : ¼ YمPVصYضWè SلPV¥Yإ<ض@ ... -YمYضéSھW£YضWè fûkYقYpعëSظ<صYضè "(1)؛ والعزة غير الكبر ولا يحل لمؤمن أن يذل نفسه فالعزة معرفة الإنسان بحقيقة نفسه. وإكرامها : أن لا يضعها لأغراض عاجلة دنيوية كما أن الكبر جهل الإنسان بنفسه وإنزالها فوق منزلتها . قال بعضهم للحسن: ما أعظمك في نفسك قال: لست بعظيم ولكني عزيز". (2)
وقال ابن القيم ـ رحمه الله : وفى بعض الآثار: إِن الناس يطلبون العزة فى أبواب الملوك ، ولا يجدونها إِلا فى طاعة الله ـ عز وجل. ومن الدعاء : "اللَّهُمَّ أَعِزَّنَا بِطَاعَتِكَ وَلا تُذِلَّنَا بِمعْصِيتكَ" وقال بعضهم: من أَراد عزاً بلا سلطان، وكثرة بلا عشيرة ، وغنى بلا مال، فلينتقل من ذل المعصية إلى عز الطاعة. فالعزة من جنس القدرة والقوة وقد ثبت فى الصحيح عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أَنه قال: "الْمُؤْمِنُ الْقَوِى خَيْر وَأَحَبُّ إِلَى اللهُ مَنَ الْمُؤْمِنِ الضعيف، وفى كل خير".(3)
فالقدرة إن لم يكن معها حكمة بل كان القادر يفعل ما يريده بلا نظر فى العاقبة، ولا حكمة محمودة يطلبها بإرادته ويقصدها بفعله، كان فعلة فساداً. (4)
كيف تكون العزة مفتح من مفاتح النصر :
قال القرطبي ـ رحمه الله : ...
في قوله تعالى : ¼ فWع Wـ†Vز SںےX£STے WلQW¥Yإ<ض@ ... YمPVصYصWTت SلQW¥Yإ<ض@ ... &†[إ~YظW- "(5) التقدير عند الفراء: من كان يريد علم العزة. وكذا قال غيره من أهل العلم . أي من كان يريد
ـــــــــــــــ
(1) [ سورة المنافقون: من الآية 8 ]
(2) إحياء علوم الدين للإمام الغزالي .
(3) من الحديث الذي أخرجه مسلم ، كتاب القدر ، حديث رقم: 6725.
(4) باب الهجرتين وطريق السعادتين بتصرف .
(5) [ سورة فاطر: من الآية 10]
158(2/76)
علم العزة التي لا ذلة معها؛ لأن العزة إذا كانت تؤدّي إلى ذلة فإنما هي تعرض للذلّة ، والعزةُ التي لا ذُلّ معها لله عز وجل. { &†[إ~YظW- } منصوب على الحال . وقدّر الزجاج معناه : من كان يريد بعبادته الله ـ عز وجل ـ العزّةَ والعزة له سبحانه فإن الله ـ عز وجل ـ يُعِزه في الآخرة والدنيا.
وهذا أحسن ، { YمPVصYصWTت SلQW¥Yإ<ض@ ... &†[إ~YظW- } ظاهر هذا إيئاس السامعين من عزته، وتعريفهم أن ما وجب له من ذلك لا مطمع فيه لغيره؛ فتكون الألف واللام للعهد عند العالمِين به سبحانه وبما وجب له من ذلك، وهو المفهوم من قوله الحق في سورة يونس: ¼ ‚WپWè ًذكS¥mïmً`ڑ p'ySنSTضَéWTخ QWـMX ... WلPV¥Yإ<ض@ ... YمPVصYض &†[Tإ~YظW- " (1). ويحتمل أن يريد سبحانه أن ينبّه ذوي الأقدار والهمم مِن أين تنال العزة ومن أين تُستحق؛ فتكون الألف واللام للاستغراق، وهو المفهوم من آيات هذه السورة. فمن طلب العزة من الله وصدقه في طلبها بافتقار وذل، وسكون وخضوع، وجدها عنده إن شاء الله غير ممنوعة ولا محجوبة عنه؛ قال - صلى الله عليه وسلم - : "من تواضع لله رفعه الله"(2). ومن طلبها من غيره وَكَله إلى من طلبها عنده. وقد ذكر قوماً طلبوا العزة عند من سواه فقال : ¼ WفےY،PVض@ ... WـèS،YQWچWTے WفےX£XةHTVر<ض@ ... ƒٍ:†fTTTTTT~Yض`èVK ... فYع XـèS &WـkYقYع`ëSظ<ض@ ... fûéSçإWTچ`‰WTےVK ... SطSهWںقYئ WلPV¥Yإ<ض@ ... QWـXM†WTت WلPV¥Yإ<ض@ ... YمPVصYض †_Tإ~YظW- (139) "(3) فأنبأك صريحاً لا إشكال فيه أن العزة له يُعِزّ بها من يشاء ويُذِل من يشاء. وقال - صلى الله عليه وسلم - مفسّراً لقوله: ¼ فWع Wـ†Vز SںےX£STے WلQW¥Yإ<ض@ ... YمPVصYصWTت SلQW¥Yإ<ض@ ... &†[إ~YظW- "(4): " من أراد عز الدارين فليطع العزيز". وهذا معنى قول الزجاج. ولقد أحسن من قال:
وإذا تذلّلت الرقاب تواضعاً
منا إليك فعزّها في ذلها(2/77)
فمن كان يريد العزة لينال الفوز الأكبر، ويدخل دار العزة ولله العزة فليقصِد بالعزة الله سبحانه والاعتزازَ به؛فإنه من اعتز بالعبد أذله الله، ومن اعتز بالله أعزه الله.(5)
ــــــــــــــ
(1) [ سورة يونس:من الآية 65]
(2) رواه الطبراني في الأوسط، وفيه: نعيم بن المورِّع العنبري، وقد وثقه ابن حبان، وضعفه غير واحد، وبقية رجاله ثقات.
(3) [ سورة النساء:الآية 139]
(4) من الحديث الذي أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ، كتاب الزهد باب : في عيش رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ، حديث رقم: 18294، وقال : رواه الطبراني في الأوسط، وفيه: نعيم بن المورِّع العنبري، وقد وثقه ابن حبان، وضعفه غير واحد، وبقية رجاله ثقات.
(5) الجامع لأحكام القرآن ج 14ص328.
159
من ابتغى العزة في غير هذا الدين أذله الله :
عن تميم الداري ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " لَيَبْلُغَنَّ هذا الأَمْرُ مَبْلَغَ اللّيْلِ وَالنّهارِ، وَلا يَتْرُكُ الله بَيْتَ مَدَرٍ وَلا وَبَرٍ إِلا أَدْخَلَهُ هاذا الدّينُ بِعَزّ عَزيزِ أَوْ بذُلّ ذَليلِ، يُعَزّ بِعزّ الله في الإِسْلامِ وَيُذَلُّ بِهِ في الْكُفْرِ".
... وكان تميم الداري - رضي الله عنه - يقول: قد عرفت ذلك في أهل بيتي لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز، ولقد أصاب من كان كافراً الذل والصغار والجزية. ".(1)(2/78)
وَعَنْ طَارِقٍ بن شهاب : قَالَ: خَرَجَ عُمَرُ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ إلَى الشَّامِ، ومَعَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ، فَأَتَوْا عَلَى مَخَاضَةٍ(2) ، وَعُمَرُ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ، فَنَزَلَ وخَلَعَ خُفَّيْهِ، فَوَضَعَهُمَا عَلَى عَاتِقِهِ وَأَخَذَ بِزِمَامِ نَاقَتِهِ فَخَاضَ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ أَنْتَ تَفْعَلُ هاذَا! مَا يَسُرُّنِي أَنَّ أَهْلَ الْبَلَدِ اسْتَشْرَفُوكَ، فَقَالَ: أَوَّهُ، وَلَوْ يَقُلْ ذَا غَيْرُكَ أَبَا عُبَيْدَةَ جَعَلْتُهُ نِكَالاً(3) لأُمَّةِ مُحَمَّدٍ. إنَّا كُنَّا أَذَلَّ قَوْمٍ فَأَعَزَّنَا اللَّهُ بالإسْلاَمِ، فَمَهْمَا نَطْلُبُ الْعِزَّ بِغَيْرِ مَا أَعَزَّنَا اللَّه بِهِ أَذَلَّنَا اللَّهُ. ".(4)
- - -
ـــــــــــــــــ
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك ، كتاب : الفتن والملاحم ، حديث رقم: 8377، وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
(2) خوض: خاض الماءَ يَخُوضه خَوْضاً وخِياضاً واخْتاضَ اخْتِياضاً واخْتاضَه وتَخَوَّضَه: مَشَى فيه؛ والخَوْضُ: المَشْيُ في الماء، والموضع مَخاضةٌ وهي ما جازَ الناسُ فيها مُشاةً ورُكْباناً، وجمعها المَخاضُ والمَخاوِضُ أَيضاً ـ لسان العرب .
(3) نَكَّل به تَنْكِيلاً إِذا جعل نَكالاً وعِبْرة لغيره. ويقال: نَكَّلْت بفلان إِذا عاقبته في جُرْم عُقوبة تُنَكِّل غيره عن ارتكاب مثله.
(4) الترغيب والترهيب ، حديث رقم: 4393، وقال : رواه الحاكم، وقال: صحيح على شرطهما ، أخرجه الحاكم في المستدرك ، باب : قصة خروج عمر إلى الشام ، حديث رقم 215، وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين لاحتجاجهما جميعاً بأيوب بن عائذ الطائي وسائر رواته، ولم يخرجاه.
160
المفتح الثالث والعشرون
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
الدليل من التنز يل :(2/79)
قال تعالى : ¼ WفےY،PVض@ ... N ... éS-X£`RK ... فYع طYهX£HTTWےY XO`kTWçإYTٹ Q\جWڑ :‚PVپMX ... ـKV ... N ... éRضéSحWTے †WTقQSTٹWO JًS%/@ ... ً‚پَéVضWè SؤpTTتW JًY/@ ... ً†QWTقض@ ... طSنWµ`إWTٹ w´`إW‰YTٹ pŒWعJYںTSنPVض SؤYع.WéW² cؤW~YTٹWè t.WéVصW²Wè SںYoHTW©TWعWè S£W{<،STے †Wن~Yت SطpTھ@ ... JًY/@ ... % ... _OkY'W{ UfûW£S±قW~VضWè JًS/@ ... فWع ,I%SâS£S±قWTے UfûMX ... JًW/@ ... QdüXéWحVض e¥ےX¥Wئ (40) WفےY،PVض@ ... ـMX ... َطSنHTPVTقPVرQWع ء X³`OKKV‚ô@ ... N ... éSع†WTخVK ... WلléVصUfT±ض@ ... N ... SéWTژ ... ƒٍWè WلléTW{QW¥ض@ ... N ... èS£WعVK ... Wè gاèS£`إWظ<ض@†YTٹ N ... َéWنWTكWè XفWئ X%£VرقSظ<ض@ ... YمPVصYضWè SàW‰YحHTWئ YOéSعRK‚ô@ ... (41) " (1)
الدليل من السنة النبوية الشر يفة :
عن عُروة عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ ، قالت : دَخل عليَّ النبيّ ? ، فعرفتُ في وجهه أَنْ قد حَضَرَهُ شَيءٌ، فتوضَّأَ، وما كلَّم أحداً، ثم خرج، فلصِقْتُ بالحُجْرة أسمَعُ ما يقولُ، فقعدَ على المِنْبَر، فحَمِد الله ، وأثنى عليه، ثم قال: " يا أيُّها النَّاسُ، إنَّ الله، تبارَكَ وتَعالى، يقولُ لكم: مُروا بالمَعْروفِ، وانْهَوا عن المُنْكَر، قَبْلَ أَنْ تَدْعُوني فلا أُجِيبَكم، وتَسْأَلُوني فلا أُعْطيَكُم، وتَسْتَنْصروني فلا أَنْصُرَكُمْ" فما زادَ عليهنَّ حتى نَزَل "(2) .
والمعروف ما عرف في الشرع يعني أمر معروف بين الناس يعرفونه ولا ينكرونه إذا رأوه ، والمنكر أمر لا يعرف في الشرع بل منكر ينكره من رآه كالشخص الذي لا يعرفه الناس وينكرونه إذا رأوه. (3)
وقال الطبري ـ رحمه الله : اختلف السلف في الأمر بالمعروف، فقالت طائفة يجب مطلقاً واحتجوا بحديث طارق بن شهاب رفعه "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر" وبعموم قوله "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده" الحديث.
ــــــــــــــــــــــــ
(1) [ سورة الحج:الآيتان 40-41]
((2/80)
2) أخرجه ابن حبان في صحيحه ، باب : الصدق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، حديث رقم : 289، الترغيب والترهيب ، رقم: 3504، والبيهقي في السنن الكبرى ، حديث رقم: 20642.
(3) عون المعبود كتاب الملاحم ج11ص487.
161
وقال بعضهم : يجب إنكار المنكر، لكن شرطه أن لايلحق المُنْكِرُ بلاء لاقبل له من قتل ونحوه. وقال آخرون: ينكر بقلبه لحديث أم سلمة مرفوعاً "يستعمل عليكم أمراء بعدي، فمن كره فقد برىء ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع" الحديث قال: والصواب اعتبار الشرط المذكور ويدل عليه حديث "لاينبغي لمؤمن أن يذل نفسه" ثم فسره بأن يتعرض من البلاء لما لا يطيق انتهى ملخصاً. وقال غيره: يجب الأمر بالمعروف لمن قدر عليه ولم يخف على نفسه منه ضرراً ولو كان الآمر متلبساً بالمعصية، لأنه في الجملة يؤجرعلى الأمر بالمعروف ولاسيما أن كان مطاعاً، وأما إثمه الخاص به فقد يغفره الله له وقد يؤاخذه به، وأما من قال : لايأمر بالمعروف إلا من ليست فيه وصمة ، فإن أراد أنه الأولى فجيد وإلا فيستلزم سد باب الأمر إذا لم يكن هناك غيره. ثم قال الطبري: فإن قيل كيف صار المأمورون بالمعروف في حديث أسامة المذكورفي النار؟(1)والجواب أنهم لم يمتثلوا ما أمروا به فعذبوا بمعصيتهم وعذب أميرهم بكونه كان يفعل ما ينهاهم عنه . (2)
وقال الإمام النووي ـ رحمه الله ـ في شرحه لصحيح مسلم :
وقد تطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الكتاب والسنة وإجماع الأمة ، وهو أيضاً من النصيحة التي هي الدين ، ولم يخالف في ذلك إلا بعض الرافضة ولا يعتد بخلافهم ، كما قال الإمام أبو المعالي إمام الحرمين : لا يكترث بخلافهم في هذا ، فقد أجمع المسلمون عليه قبل أن ينبغ هؤلاء، ووجوبه
ـــــــــــــــــ
(1) فتح الباري كتاب الفتن ج13 ص53.
((2/81)
2) حديث أسامه بن زيد ـ رضي الله عنهما ـ أخرجه الشيخان :فقِيلَ لَهُ:أَلاَ تَدْخُلُ عَلَى عُثْمَانَ فَتُكَلِّمَهُ؟ فَقَالَ: أَتُرَوْنَ أَنِّي لاَ أُكَلِّمُهُ إِلاَّ أُسْمِعُكُمْ؟ وَاللّهِ لَقَدْ كَلَّمْتُهُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ. مَا دُونَ أَنْ أَفْتَتِحَ أَمْراً لاَ أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ. وَلاَ أَقُولُ لأَحَدٍ، يَكُونُ عَلَيَّ أَمِيراً: إِنَّهُ خَيْرُ النَّاسِ. بَعْدَ مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ يَقُولُ: "يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ. فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ. فَيَدُورُ بِهَا كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِالرَّحَى. فَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ. فَيَقُولُونَ: يَا فُلاَنُ مَا لَكَ؟ أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ؟ فَيَقُولُ: بَلَى. قَدْ كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلاَ آتِيهِ، وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ " ـ متفق عليه ، اللؤلؤ والمرجان ، أخرجه مسلم في كتاب الزهد ، باب : عقوبة من يأمر بالمعروف ولا يفعله ، حديث رقم : 7432 ، وأخرجه البخاري ، أخرجه البخاري في: كتاب بدء الخلق: صفة النار وأنها مخلوقة .
162
بالشرع لا بالعقل خلافاً للمعتزلة. وأما قول الله ـ عز وجل: ¼ †WنQSTےKV†H;TTWTے WفےY،PVض@ ... N ... éSقTWع ... ƒٍ َطRر`~VصWئ $َطRرW©SةكKV ... ‚Wپ طS{QS£ٌµWTے فQWع QWشTW ... V¢XM ... &`yTSچ`TےWںWTچ`ه@ ... " (1) فليس مخالفاً لما(2/82)
ذكرناه، لأن المذهب الصحيح عند المحققين في معنى الآية:أنكم إذا فعلتم ما كلفتم به فلا يضركم تقصير غيركم، مثل قوله تعالى: ¼ ‚WپWè SOX¥WTژ bلWOX¦ ... Wè WO`¦Xè %uüW£`KR ... "(2) وإذا كان كذلك فمما كلف به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا فعله ولم يمتثل المخاطب فلا عتب بعد ذلك على الفاعل لكونه أدى ما عليه، فإنما عليه الأمر والنهي لا القبول، والله أعلم. ثم إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية، إذا قام به بعض الناس سقط الحرج عن الباقين، وإذا تركه الجميع أثم كل من تمكن منه بلا عذر ولا خوف، ثم إنه قد يتعين كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو، أو لا يتمكن من إزالته إلا هو، وكمن يرى زوجته أو ولده أو غلامه على منكر أو تقصير في المعروف. قال العلماء ـ رضي الله عنهم : ولا يسقط عن المكلف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكونه لا يفيد في ظنه ، بل يجب عليه فعله، فإن الذكرى تنفع المؤمنين. وقد قدمنا أن الذي عليه الأمر والنهي لا القبول، وكما قال الله ـ عز وجل: ¼ ûMX ... QWè N ... َéPVضWéWTژ †WظPVكXM†WTت ًذ`~VصWئ %SçؤHTVصWT‰<ض@ ... " (1) ، وقال تعالى: ¼ †QWع ّVصWئ XسéSھQW£ض@ ... ‚PVپMX ... %SçؤHTVصW‰T<ض@ ... "(2) قال العلماء:ولا يشترط في الآمر والناهي أن يكون كامل الحال، ممتثلاً ما يأمر به ، مجتنباً ما ينهى عنه، بل عليه الأمر وإن كان مخلاً بما يأمر به، والنهي وإن كان متلبساً بما ينهى عنه، فإنه يجب عليه شيئان: أن يأمر نفسه وينهاها، ويأمر غيره وينهاه . فإذا أخل بأحدهما كيف يباح له الإخلال بالآخر؟ قال العلماء: ولا يختص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأصحاب الولايات، بل ذلك جائز لآحاد المسلمين. قال إمام الحرمين : والدليل عليه إجماع المسلمين، فإن غير الولاة في الصدر الأول والعصر الذي يليه كانوا يأمرون الولاة بالمعروف وينهونهم عن المنكر، مع تقرير المسلمين إياهم وترك توبيخهم
ــــــــــــــــــــ
((2/83)
1) [ سورة المائدة:الآية 105]
(2) [ سورة الإسراء:الآية 15]
163
على التشاغل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من غير ولاية، والله أعلم.ثم أنه إنما يأمر وينهى من كان عالماً بما يأمر به وينهى عنه، وذلك يختلف باختلاف الشيء، فإن كان من الواجبات الظاهرة والمحرمات المشهورة كالصلاة والصيام والزنا والخمر ونحوها فكل المسلمين علماء بها، وإن كان من دقائق الأفعال والأقوال ومما يتعلق بالاجتهاد لم يكن للعوام مدخل فيه ولا لهم إنكاره بل ذلك للعلماء، ثم العلماء إنما ينكرون ما أجمع عليه، أما المختلف فيه فلا إنكار فيه، لأن على أحد المذهبين كل مجتهد مصيب، وهذا هو المختار عند كثيرين من المحققين أو أكثرهم، وعلى المذهب الآخر المصيب واحد، والمخطىء غير متعين لنا، والإثم مرفوع عنه ، لكن إن ندبه على جهة النصيحة إلى الخروج من الخلاف فهو حسن محبوب مندوب إلى فعله برفق، فإن العلماء متفقون على الحث على الخروج من الخلاف إذا لم يلزم منه إخلال بسنة أو وقوع في خلاف آخر. وذكر أقضى القضاة(2/84)
أبو الحسن الماوردي البصري الشافعي في كتابه الأحكام السلطانية خلافاً بين العلماء في أن من قلده السلطان الحسبة هل له أن يحمل الناس على مذهبه فيما اختلف فيه الفقهاء إذا كان المحتسب من أهل الاجتهاد أم لا يغير ما كان على مذهب غيره؟ والأصح أنه لا يغير لما ذكرناه، ولم يزل الخلاف في الفروع بين الصحابة والتابعين فمن بعدهم رضي الله عنهم أجمعين، ولا ينكر محتسب ولا غيره على غيره، وكذلك قالوا: ليس للمفتي ولا للقاضي أن يعترض على من خالفه إذا لم يخالف نصاً أو إجماعاً أو قياساً جلياً، والله أعلم. واعلم أن هذا الباب أعني باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد ضيع أكثره من أزمان متطاولة، ولم يبق منه في هذه الأزمان إلا رسوم قليلة جداً، وهو باب عظيم به قوام الأمر وملاكه، وإذا كثر الخبث عم العقاب الصالح والطالح، وإذا لم يأخذوا على يد الظالم أو شك أو يعمهم الله تعالى بعقاب فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم، فينبغي لطالب الآخرة والساعي في تحصيل رضا الله ـ عز وجل ـ أن يعتني بهذا الباب فإن نفعه عظيم، لاسيما وقد ذهب معظمه ويخلص
164
نيته، ولا يهابن من ينكر عليه لارتفاع مرتبته، فإن الله تعالى قال: ¼ UfûW£S±قW~VضWè JًS/@ ... فWع %SâS£S±قWTے " (1) وقال تعالى: ¼ فWعWè طY±WTچ`إWTے YJً/@†Yٹ `ںWحWTت ً÷YںSه uّVضXM ... x·.W£g² xط~YحWTچTَ©QSع "(2) وقال تعالى: ¼ WفےY،PVض@ ... Wè N ... èSںWنHTW- †WTق~Yت َطSنPVقWےYں`نWTقVض &†WTقVصS‰TSھ "(3) وقال تعالى: ¼ ًˆY©WڑVK ... ٌ†PVقض@ ... ـKV ... Nv ... éS{W£`TچSTے ـKV ... vN ... éRضéSحWTے †UfTTTTقWع ... ƒٍ َطSهWè ‚Wپ WـéSقTWTpچةSے (2) " (4) ¼ `ںTWحVضWè †QWقTTWچWTت WفےY،PVض@ ... فYع $َطXنYص`‰TWTخ QWفWظVص`إWT~VصWTت JًS/@ ... WفےY،PVض@ ... N ... éSTخWںW² QWفWظVص`إW~VضWè fûkYٹY،HTTVر<ض@ ... (3) " (5)(2/85)
واعلم أن الأجر على قدر النَصَبِ، ولا يتاركه أيضاً لصداقته ومودته ومداهنته وطلب الوجاهة عنده ودوام المنزلة لديه، فإن صداقته ومودته توجب له
حرمة وحقاً، ومن حقه أن ينصحه ويهديه إلى مصالح آخرته وينقذه من مضارها،وصديق الإنسان ومحبه هو من سعى في عمارة آخرته، وإن أدى ذلك إلى نقص في دنياه، وعدوه من يسعى في ذهاب أو نقص آخرته، وإن حصل بسبب ذلك صورة نفع في دنياه، وإنما كان إبليس عدواً لنا لهذا، وكانت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين أولياء للمؤمنين لسعيهم في مصالح آخرتهم وهدايتهم إليها، ونسأل الله الكريم توفيقنا وأحبابنا وسائر المسلمين لمرضاته، وأن يعمنا بجوده ورحمته، والله أعلم. وينبغي للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يرفق ليكون أقرب إلى تحصيل المطلوب، فقد قال الإمام الشافعي ـ رحمه الله: من وعظ أخاه سراً فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه. ومما يتساهل أكثر الناس فيه من هذا الباب ما إذا رأى إنساناً يبيع متاعاً معيباً أو نحوه، فإنهم لا ينكرون ذلك، ولا يعرفون المشتري بعيبه، وهذا خطأ ظاهر، وقد نص العلماء على أنه يجب على من علم ذلك أن ينكر على البائع وأن يعلم المشتري به، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــ
(1) [ سورة الحج:الآية 40]
(2) [ سورة آل عمران:الآية 101]
(3) [ سورة العنكبوت:الآية 69]
(4) [ سورة العنكبوت:الآية 2]
(5) [ سورة العنكبوت:الآية 3]
165(2/86)
وأما صفة النهي ومراتبه فقد قال النبي ? في هذا الحديث الصحيح: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ. فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ. فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ. وَذلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ".(1) فقوله ?: "فبقلبه" معناه فليكرهه بقلبه، وليس ذلك بإزالة وتغيير منه للمنكر، ولكنه هو الذي في وسعه. وقوله ?: "وذلك أضعف الإيمان" معناه والله أعلم أقله ثمرة. قال القاضي عياض ـ رحمه الله : هذا الحديث أصل في صفة التغيير، فحق المغير أن يغيره بكل وجه أمكنه زواله به قولاً كان أو فعلاً، فيكسر آلات الباطل ويريق المسكر بنفسه، أو يأمر من يفعله وينزع الغصوب ويردها إلى أصحابها بنفسه أو بأمره إذا أمكنه، ويرفق في التغيير جهده بالجاهل، وبذي العزة الظالم المخوف شره، إذ ذلك أدعى إلى قبول قوله، كما يستحب أن يكون متولي ذلك من أهل الصلاح والفضل لهذا المعنى، ويغلظ على المتمادي في(2/87)
غيه والمسرف في بطالته إذا أمن أن يؤثر إغلاظه منكراً أشد ما غيره، لكون جانبه محمياً عن سطوة الظالم، فإن غلب على ظنه أن تغييره بيده يسبب منكراً أشد منه من قتله أو قتل غيره بسبب كف يده واقتصر على القول باللسان والوعظ والتخويف، فإن خاف أن يسبب قوله مثل ذلك غير بقلبه وكان في سعة، وهذا هو المراد بالحديث إن شاء الله تعالى، وإن وجد من يستعين به على ذلك استعان ما لم يؤد ذلك إلى إظهار سلاح وحرب، وليرفع ذلك إلى من له الأمر إن كان المنكر من غيره، أو يقتصر على تغييره بقلبه ، هذا هو فقه المسألة وصواب العمل فيها عند العلماء والمحققين، خلافاً لمن رأى الإنكار بالتصريح بكل حال وإن قتل ونيل منه كل أذى، هذا آخر كلام القاضي ـ رحمه الله. قال إمام الحرمين رحمه الله: ويسوغ لآحاد الرعية أن يصد مرتكب الكبيرة إن لم يندفع عنها بقوله ما لم ينته الأمر إلى نصب قتال وشهر سلاح، فإن انتهى الأمر إلى ذلك ربط الأمر بالسلطان. قال: وإذا جار وإلى الوقت وظهر ظلمه وغشمه ولم ينزجر حين زجر عن سوء صنيعه
ــــــــــــــ
(1) من الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه حديث رقم 140، عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ وعن أبيه .
166
بالقول فلأهل الحل والعقد التواطؤ على خلعه ولو بشهر الأسلحة ونصب الحروب. هذا كلام إمام الحرمين ، وهذا الذي ذكره من خلعه غريب، ومع هذا فهو محمول على ما إذا لم يخف منه إثارة مفسدة أعظم منه.
قال: وليس للآمر بالمعروف البحث والتنقير والتجسس واقتحام الدور بالظنون ، بل إن عثر على منكر غيره جهده، هذا كلام إمام الحرمين. وقال أقضى القضاة الماوردي: ليس للمحتسب أن يبحث عما لم يظهر من المحرمات، فإن غلب على الظن استسرار قوم بها لأمارة وآثار ظهرت فذلك ضربان:(2/88)
أحدهما: أن يكون ذلك في انتهاك حرمة يفوت استدراكها مثل أن يخبره من يثق بصدقه أن رجلاً خلا برجل ليقتله ، أو بامرأة ليزني بها، فيجوز له في مثل هذا الحال أن يتجسس ويقدم على الكشف والبحث حذراً من فوات ما لا يستدرك، وكذا لو عرف ذلك غير المحتسب من المتطوعة جاز لهم الإقدام على الكشف والإنكار. الثاني: ما قصر عن هذه الرتبة فلا يجوز التجسس عليه ولا كشف الأستار عنه، فإن سمع أصوات الملاهي المنكرة من دار أنكرها خارج الدار لم يهجم عليها بالدخول لأن المنكر ظاهر، وليس عليه أن يكشف عن الباطن. وقد ذكر الماوردي في آخر الأحكام السلطانية باباً حسناً في الحسبة مشتملاً على جمل من قواعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد أشرنا هنا إلى مقاصدها، وبسطت الكلام في هذا الباب لعظم فائدته وكثرة الحاجة إليه وكونه من أعظم قواعد الإسلام، والله أعلم. (1)
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من علامات الصالحين والمفلحين:
- قال تعالى: ¼ فRرWچ<ضWè َطRرقPYع bàTTQWعRK ... WـéSئ`ںWTے ّVضXM ... XO`kTW<ض@ ... WـèS£Sع<K†WTےWè gاèS£`إWظ<ض@†Yٹ WـَéTWن`TقWTےWè XفWئ &X£VرقSظ<ض@ ... ًذMXù;HTTVضOèKR ... Wè SطSه fûéS™YصpTةSظ<ض@ ... (104) " (2)
ـــــــــــــــــــ
(1) شرح النووي لصحيح مسلم ، كتاب الإيمان ، ج2 ص19.
(2) [ سورة آل عمران:الآية 104]
167
- قال تعالى:¼ َطSچقRز WO`kTW ]àTTPVعRK ... pŒW-X£pTTRK ... X†PVقYصض WـèS£Sع<K†WTژ gاèS£`إWظ<ض@†Yٹ fûَéTWن`قWTژWè XفWئ X£W|قSظ<ض@ ... WـéSقYpعëSTژWè %YJً/@†Yٹ َéVضWè WفWع ... ƒٍ SشTT`هVK ... gˆHTTWچY|<ض@ ... Wـ†VرVض ... _O`kTW &طSنPVض SطSن`قQYع fûéSقYpعëSظ<ض@ ... SطSهS£WT'`{VK ... Wè WـéSحY©HTWTة<ض@ ... (110) " (1)
- وقال تعالى: ¼ fûéSقYpعëSTے YJً/@†Yٹ YzَéW~<ض@ ... Wè X£Y‚پ@ ... fûèS£Sع<K†WTےWè gاèS£`إWظ<ض@†Yٹ WـَéTWن`قWTےWè XفWئ X£VرقSظ<ض@ ... fûéSئX£HTW©STےWè ء g.WO`kW<ض@ ... ًذMXù;HTTVضOèKR ... Wè WفYع WـkY™YصHTUfTT±ض@ ... (114) "(2)(2/89)
- وقال تعالى :¼ WفےY،PVض@ ... WـéSإY‰PVچWTے WسéSھQW£ض@ ... JًّX‰PVقض@ ... JًّQYعRK‚ô@ ... ÷Y،PVض@ ... ISمWTكèSںYoWTے †[TٹéSچ<رWع `طSهWںقYئ ء YàHTْWO`éPVچض@ ... Xش~Yoكوg‚ô@ ... Wè طSهS£SعK<†WTے gاèS£`إWظ<ض@†Yٹ `طSنHùWن`قWTےWè XفWئ X£VرقSظ<ض@ ... QSشmïmSYڑWè ٌySنVض gŒHTW‰QXT~Jً¹ض@ ... S×QX£W™STےWè ٌyXن`~VصWئ ًگMXù;HTTW‰W<ض@ ... SؤWµWTےWè `طSن`قWئ `طSهW£`²MX ... ًشHTVصçT<ئKKV‚ô@ ... Wè ّYچPVض@ ... pŒWTك†Vز &`yن`Y~VصWئ fغTےY،PVض@†WTت N ... éSTقWع ... ƒٍ -YمYٹ SâèSOQW¥WئWè SâèS£f±WTكWè N ... éSإW‰TPVTژ@ ... Wè WOéPRقض@ ... v÷Y،PVض@ ... WسX¥كKR ... ,I*SمWإWع ًذMXù;HTTVضOèKR ... SطSه fûéS™YصpTةSظ<ض@ ... (157) " (3)
- وقال تعالى : ¼ WـéSقYعpëTSظ<ض@ ... Wè ٌŒHTWقYع`ëSظ<ض@ ... Wè َطSنSµ`إWTٹ Sٍ:†WT~Yض`èVK ... &w´`إWTٹ fûèS£Sع<K†WTے YاèS£`إWظ<ض@†Yٹ Wـ`éWن`قWTےWè XفWئ X£VرقSظ<ض@ ... fûéSظ~YحSTےWè WلléVصJً±ض@ ... fûéSTژ`ëSTےWè WلléTW{QW¥ض@ ... fûéSإ~Y¹STےWè JًW/@ ... ,I&SمVضéSھWOWè ًذMXù;HTTVضOèKR ... SطSنSظWڑ`OWkWTھ %JًS/@ ... QWـMX ... JًW/@ ... d¥ےX¥Wئ cy~Y|Wڑ (71) "(4)
- وقال تعالى: ¼ fûéS‰MXù;HTTPVچض@ ... fûèSںY‰HTWإ<ض@ ... fûèSںYظHTW™<ض@ ... fûéS™MXù;HTJً©ض@ ... fûéSإY{.QW£ض@ ... fûèSںYoHTJً©ض@ ... WـèS£Yع‚پ@ ... YاèS£`إWظ<ض@†Yٹ fûéSه†QWقض@ ... Wè XفWئ X£W|قSظ<ض@ ... WـéRہ¹YةHTW™<ض@ ... Wè Y èSںS™Yض %JًY/@ ... X£PYWTٹWè fûkYقYع`ëSظ<ض@ ... (112) "(5)
من خصال المنافقين والكافرين الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف :
- قال تعالى: ¼ fغYإSTض WفےY،PVض@ ... N ... èS£WةW{ ?فYع ُّYقWTٹ WشےYٍ;.W£TTَھMX ... uّVصWئ gـ†fTTTT©Yض لَا ISè ... W ّW©~YئWè Xف`Tٹ@ ... &ًyWTےَ£TWع ًذYض.V¢ †WظYTٹ N ... éW±Wئ N ... éSTك†W{QWè fûèSںWTچ`إWTے (78) N ... éSTك†W{ ‚Wپ fûَéWه†WقWچTTWے فWئ w£W|قTQSع &SâéSTصWإWTت f¨`LùX‰VTض †Wع N ... éSTك†W{ fûéSTصWإpTةWTے (79) "(6)
ـــــــــــــــــــ
(1) [ سورة آل عمران:الآية 110]
(2) [ سورة آل عمران:الآية 114]
(3) [ سورة الأعراف:الآية 157]
((2/90)
4) [ سورة التوبة:الآية 71]
(5) [ سورة التوبة:الآية 112]
(6) [ سورة المائدة:الآيتان 78-79]
168
- وقال تعالى: ¼ WـéSحYةHTTWقSظ<ض@ ... ٌŒHTWحYةHTWقSظ<ض@ ... Wè ySنSµ`إWTٹ ?فYQع &w´`إWTٹ fûèS£Sع<K†WTے X£W|قSظ<ض@†Yٹ fû`éWن`قWTےWè XفWئ YاèS£`إWظ<ض@ ... fûéSµY‰`TحWTےWè &َطSنWTےYں`TےKV ... N ... éS©WTك WJً/@ ... َ%طSنW~Y©WقWTت UfûMX ... fûkYحYةHTWقSظ<ض@ ... SطSه fûéSحY©HTWTة<ض@ ... (67) " (1)
من وصايا لقمان لابنه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
¼ JًّWقTS‰HTWTے gyYخVK ... WلléVTصJً±ض@ ... َ£TSعK< ... Wè YاèS£`إWظ<ض@†Yٹ Wم`Tك@ ... Wè XفWئ X£Vر`قTSظ<ض@ ... `OYip²@ ... Wè uّVصWئ :†Wع ً$ذWٹ†W²VK ... QWـMX ... ًذYض.V¢ َفYع X×َ¥TWئ XOéSعRK‚ô@ ... (17) " (2)
- - - -
ـــــــــــــــــ
(1) [ سورة التوبة:الآية 67]
(2) [ سورة لقمان:الآية 17]
169
المفتح الرابع والعشرون
الشورى
الدليل من التنز يل :
- { وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) } . (1)
- { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160) } . (2)
الدليل من السنة النبوية الشريفة :
استشارة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أصحابه في غزوة بدر :(2/91)
- أخرج الطبري في تاريخه : عن محمد بن إسحاق قال حُدِثْتُ عن رجال من بني سلمة أنهم ذكروا أن الحباب بن المنذر بن الجموح - رضي الله عنه - قال يا رسول الله أرأيت هذا المنزل أمنزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخره أم هو الرأي والحرب والمكيدة قال : بل هو الرأي والحرب والمكيدة فقال : يا رسول الله فإن هذا ليس لك بمنزل فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله ثم تغور ما سواه من القلب ثم نبني عليه حوضا فتملؤه ماء ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لقد أشرت بالرأي" فنهض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن معه من الناس فسار حتى أتى أدنى ماء من القوم فنزل عليه ثم أمر بالقلب فغورت وبنى حوضا على القليب الذي نزل عليه فملىء ماء ثم قذفوا فيه الآنية. (3)
ـــــــــــــــــ
(1) [ سورة الشورى :الآيات 37 : 39]
(2) [ سورة آل عمران : الآيات 195 : 160]
(3) تاريخ الطبري ، ج1ص960.
170(2/92)
- وعن أنس - رضي الله عنه - ، أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - شاوَرَ الناسَ أيامَ بَدْرٍ، فَتَكَلَّمَ أبو بكرٍ، فَضَافَ عنهُ ، ثمَّ تَكَلَّمَ عُمَرُ، فَضَافَ عَنهُ، فقالَ سَعْدُ بن عُبَادَةَ: يا رسولَ اللهِ إيَّانا تُريدُ؟ لو أَمَرْتَنا أنْ نَخوضَ البَحْرَ لَخُضْناهُ أَوْ نَضْرِبَ أَكْبَادَها إلى بَرْكِ الغُِمَادِ، لَفَعلنا (1) فَنَدَبَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أصحابَهُ وانطلقَ إلى بَدْرٍ، فإذا هُم بروايا لقريشٍ فيها عَبْدٌ أسودُ لبني الحَجَّاجِ، فأخذَهُ أَصْحَابُ النبيِّ فَجَعَلُوا يَسْأَلُونَهُ: أينَ أبو سُفيانَ، وأينَ تركتَه؟ فيقولُ: واللهِ ما لي بأبي سُفيانَ عِلْمٌ، هذهِ قُريشٌ: أبو جَهْلِ بنُ هشام، وعُتبةُ بن رَبيعةَ، وشَيبةُ بنُ ربيعة وأميةُ بنُ خَلَفٍ، فإذا قالَ لهم ذالك ضَرَبُوه، فيقولُ: دَعُوني دَعُوني أُخبرْكم، فإذا تركوه، قال: واللهِ ما لي بأبي سُفيانَ مِن علمٍ، ولكنْ هاذه قريشٌ قد أقبلت فيهم أبو جَهْلٍ، وعُتْبةُ وشيبةُ ابنا ربيعةَ وأميةُ بن خلف قَدْ أقبلوا. والنبيُّ يُصَلِّي، فانصرَفَ، فقالَ: " والذي نفسي بيدهِ إنَّكمْ لَتَضْرِبُونهُ إذا صَدَقَكُمْ، وتَدَعُونهُ إذا كَذَبكُمْ، هاذهِ قريشٌ قد أقبلتْ تَمْنَعُ أبا سفيانَ" قالَ: فأومأَ بيدِهِ إلى الأرضِ ، وقالَ: " هاذا مَصْرعُ فُلانٍ غَداً، وهاذا مَصْرَعُ فلانٍ غداً " قالَ أَنَسٌ - رضي الله عنه - : فوَالَّذي نَفْسي بيدهِ ما أماطَ واحدٌ منهمْ عن مَصْرَعِهِ". (2)
استشارة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أصحابه في الحديبية :(2/93)
- عن الزُّهري، قال: أخبرني عُروةُ بنُ الزبير عن المِسور بنِ مخرمة ،ومروان بنِ الحكم يُصَدِّقُ كُلُّ واحدٍ منهما حَدِيثه حَدِيثَ صاحِبه ، قالا: خَرَجَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - زَمَنَ الحُدَيْبِيَة في بِضْعِ عَشَرَ مِئَةٍ مِنْ أصحابِهِ حتَّى إذا كانوا بذي الحُليفةِ، قَلَّدَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وأَشْعَرَ(3)، ثُمَّ أَحْرَمَ بالعُمرةِ وبعثَ بينَ يديهِ عيناً لهُ رجلاً مِنْ خُزَاعَةَ يَجِيئُهُ بخبرِ قريشٍ، وسارَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حتَّى إذا كان بِغَدِيرِ الأَشْطَاطِ قريباً من عُسْفَانَ، أتاهُ عينهُ الخُزاعيُّ، فقالَ: إني تَرَكْتُ كعبَ بن لؤي، وعامِرَ بنَ لؤي قد جَمَعُوا لكَ الأحابيشَ ، وجمعوا لكَ جموعاً كثيرَةً وهمْ مقاتِلوكَ وصَادُّوكَ عن البيتِ الحَرَامِ ،
ــــــــــــــــ
(1) أصحاب السير مثل محمد بن إسحاق يقولون أن الذي قال ذلك هو سعد بن معاذ ـ رضي الله عنه ، فذكر ابن إسحاق في السيرة : قال له سعد بن معاذ : والله لكأنك تريدنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أجل ؛ قال: فقد آمنا بك وصدقناك ، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا ، على السمع والطاعة ، فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك ، فوالذي بعثك بالحق ، لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ، ما تخلف منا رجل واحد ، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا ، إنا لَصُبُرٌ في الحرب ، صُدُق في اللقاء . لعل الله يريك منا ما تقر به عينك ، فسر بنا على بركة الله . ـ سيرة ابن هشام ج2ص188.
(2) أخرجه ابن حبان في صحيحه ، باب الجهاد وكيفية الخروج ، حديث رقم: 4632.
(3) يُقال : أَشْعَر البَدَنَةَ: أَعلمها.
171(2/94)
فقالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : " أشيرُوا عليَّ أَتَرَوْنَ أنْ نَمِيلَ إلى ذَرَارِي هؤلاء الَّذِينَ أعانُوهُمْ فَنُصِيبَهُمْ ، فإن قَعَدُوا، قعدوا موتورِين محزونين، وإن نَجَوْا يكونوا عنقاً قطعها اللهُ،
أمْ تَرَوْنَ أن نَؤُمَّ البَيْتَ ، فمن صدَّنا عنهُ، قاتلناهُ؟ " فقالَ أبو بكرٍ الصِّديقُ - رضي الله عنه - : اللهُ ورسولُهُ أعلمُ، يا نبيَّ اللهِ إنما جِئنا مُعتمرينَ، ولم نجىء لِقِتَالِ أَحَدٍ، ولكِنْ مَنْ حالَ بيننا وبَيْنَ البيتِ قاتلناهُ ، فقالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : " فَرُوحُوا إذاً ".
قال الزهري في حديثه : وكان أبو هريرةَ - رضي الله عنه - يقولُ : ما رأيتُ أحداً أَكْثَرَ مُشَاوَرَةً لأصحابِهِ مِنْ رَسُولِ الله "...."(1)
استشارة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أصحابه ـ في غزوة الخندق:
... وكان سبب غزوة الخندق أن اليهودَ لما رَأوا انتصارَ المشركين على المسلمين يَومَ "أحد"، وعلموا بميعاد أبي سفيان لغزو المسلمين، فخرج لذلك، ثم رجع للعام المقبل؛ خرج أشرافهم، كسلام بن أبي الحقيق، وسلام بن مشكَم، وكنَانة بن الربيع وغيرهم إلى قريش بمكة يحرضونهم عَلَى غَزو رسول الله ، ويؤلبونهم عليه، ووعدوهم من أنفسهم بالنصر لهم، فأجابَتهم قريشٌ، ثم خرجوا إلى غَطَفَان فدعَوهم، فاستجابوا لهم، ثم طافوا في قبائل العرب، يدعونَهم إلى ذلك، فاستجابَ لهم مَن استجاب، فخرجت قريشٌ وقائدهم أبو سفيان في أربعة آلافٍ، ووافَتهم بنو سليم بمَر الظهرَان، وخرجت بنو أسد، وفَزَارَة، وأشجع، وبنو مرةَ، وجاءت غَطَفَان وقائدهم عيينة بن حصنٍ. وكان مَن وافى الخندقَ من الكفار عشرة آلاف.(2/95)
... فلما سَمعَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمسيرهم إليه، استشار الصحابةَ، فأشار عليه سلمان الفارسي - رضي الله عنه - بحفر خندقٍ يحول بين العدو وبينَ المدينة، فأمر به رسول الله ، فبادر إليه المسلمون، وعَملَ بنفسه فيه، وبادروا هجومَ الكفّار عليهم، وكان في حَفره من آيات نبوته ، وأعلام رسالته ما قد تواتر الخبر به، وكان حفر الخندق
ـــــــــــــــــ
(1) من الحديث الذي أخرجه ابن حبان في صحيحه ، حديث رقم: 4780، وأخرجه البخاري باختلاف يسير في بعض الألفاظ ، باب غزوة الحديبة ، كتاب المغازي ، حديث رقم: 4087، ولحديث الزهري عن عروة له بقية عند ابن حبان .
172
أمامَ سَلعٍ، وسَلعٌ: جبل خلفَ ظهور المسلمين، والخندق بينهم وبين الكفار.
وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثلاثة آلاف من المسلمين، فتحصن بالجبل من خلفه، وبالخندق أمامهم. وأمر النبيّ بالنسَاء والذراري، فَجعلوا في آطام المدينة، واستخلف عليها ابنَ أم مكتوم.
وأقام المشركون محاصرينَ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - شهراً. ولم يكن بينهم قتال لأجل ما حال الله به من الخندق بينهم وبين المسلمين، إلا أن فَوارسَ من قريش، منهم عمرو بن عبد ودَ وجماعة معه أقبلوا نحوَ الخندق، فلما وقفوا عليه، قالوا؛ إن هاذه مَكيدةٌ ما كانت العرب تعرفها، ثم تيمموا مكاناً ضيقاً من الخندق، فاقتحموه، وجالت بهم خيلهم في السّبخة بين الخندق وسَلعٍ، وَدَعَوا إلى البرَاز، فانتدب لعمروٍ عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - ، فبارزه ، فقتله الله على يديه، وكان من شجعان المشركين وأبطالهم، وانهزمَ الباقون إلى أصحابهم، وكان شعار المسلمين يومئذ "حم لا ينصَرونَ".(2/96)
... ولما طالت هاذه الحال على المسلمين، أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يصالح عيينةَ بنَ حصنٍ، والحارثَ بنَ عوف رئيسي غَطَفَان، على ثلث ثمار المدينة، وينصرفا بقومهما، وجرت المراوضة على ذلك، فاستشار السعدين(1) في ذلك، فقالا: يا رسولَ الله إن كان الله أمَرَكَ بهذا، فسمعاً وطاعةً، وإن كان شيئاً تصنعه لنا، فلا حاجةَ لنا فيه، لقد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إلا قرىً أو بيعاً، فحين أكرمنا الله بالإسلام، وهدانا له، وأعَزنا بك، نعطيهم أموالَنَا. والله لا نعطيهم إلا السيفَ، فصوبَ رأيَهما، وقال: "إنمَا هوَ شَيء أَصنَعه لَكم لَما رَأَيت العَرَبَ قَد رَمَتكم عَن قَوسٍ وَاحدَةٍ".
ثم إن الله ـ عز وجل ـ ، وله الحمد صنع أمراً من عنده، خَذَلَ به العدو، وهزم جموعَهم، وفَل حدهم. (2)
ــــــــــــــــــــ
(1) السعدين هما : سعد بن معاذ ، وسعد بن عبادة ـ رضي اله عنهما ، سيدا الأوس والخزرج.
(2) زاد المعاد في هدي خير العباد ، بتصرف .
173
اختلاف العلماء هل المشاورة واجبة على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أم كانت سنة في حقه :
... قال النووي : واختلف أصحابنا هل كانت المشاورة واجبة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم كانت سنة في حقه - صلى الله عليه وسلم - كما في حقنا؟ والصحيح عندهم وجوبها وهو المختار. قال الله تعالى: { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ } . والمختار الذي عليه جمهور الفقهاء ومحققوا أهل الأصول أن الأمر للوجوب، وفيه أنه ينبغي للمتشاورين أن يقول كل منهم ما عنده ثم صاحب الأمر يفعل ما ظهرت له مصلحة والله أعلم. (1)
وقال السيوطي في الدر المنثور: أخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن الحسن في قوله : { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ } قال: قد علم الله أنه ما به إليهم من حاجة، ولكن أراد أن يستن به من بعده.(2/97)
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ } قال: أمر الله نبيه أن يشاور أصحابه في الأمور، وهو يأتيه وحي السماء لأنه أطيب لأنفس القوم، وإن القوم إذا شاور بعضهم بعضاً وأرادوا بذلك وجه الله عزم لهم على رشده ".
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم عن الضحاك قال: ما أمر الله نبيه بالمشاورة إلا لما علم ما فيها من الفضل والبركة. قال سفيان: وبلغني أنها نصف العقل. وكان عمر بن الخطاب يشاور حتى المرأة ".
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن قال: ما شاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمورهم".
وأخرج ابن عدي والبيهقي في الشعب بسند حسن عن ابن عباس قال:" لما نزلت: { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ } قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :أما إن الله ورسوله لغنيان عنها، ولكن جعلها الله رحمة لأمتي، فمن استشار منهم لم يعدم رشدا، ومن تركها لم يعدم غيا".
وأخرج الطبراني بسند جيد عن ابن عمرو قال: كتب أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - إلى عمرو : "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يشاور في الحرب فعليك به. ". (2)
ـــــــــــــــ
(1) شرح النووي لصحيح مسلم .
(2) الدر المنثور ج2ص 357.
174
الشورى في اللغة : يُقال : أَشار عليه بأَمْرِ كذا: أَمَرَه به.
وهيَ الشُّورَى والمَشُورَة ، بضم الشين، مَفْعُلَة ولا تكون مَفْعُولة، لأَنها مصدر، والمَصادِر لا تجيء على مثال مَفْعُولة، وإِن جاءت على مِثَال مَفْعُول، وكذلك المَشْورَة ؛ وتقول منه: شَاوَرْتُه في الأَمر واستشرته بمعنى. وفلان خيِّرٌ شَيِّر أَي يصلُح لِلْمُشاورَة . وشاوَرَه مُشاوَرَة وشِوَارا واسْتَشاره : طَلَب منه المشُورَة.(1)
صفة المستشار :
ويجب أن يعلم المستشار أنها أمانة فعن أبي مسعود - رضي الله عنه - : قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "المستشار مؤتمن".(2)(2/98)
وقال المناوي في فيض القدير : "المستشار مؤتمن" أي أمين على ما استشير فيه فمن أفضى إلى أخيه بسره وأمنه على نفسه فقد جعله بمحلها فيجب عليه أن لا يشير عليه إلا بما يراه صواباً فإنه كالإمامة للرجل الذي لا يأمن على إيداع ماله إلا ثقة والسر قد يكون في إذاعته تلف النفس أولى بأن لا يجعل إلا عند موثوق به وفيه حث على ما يحصل به معظم الدين وهو النصح لله ورسوله وعامة المسلمين وبه يحصل التحابب والائتلاف وبضده يكون التباغض والاختلاف "تنبيه" قال بعض الكاملين يحتاج الناصح والمشير إلى علم كبير كثير فإنه يحتاج أولاً إلى علم الشريعة وهو العلم العام المتضمن لأحوال الناس وعلم الزمان وعلم المكان وعلم الترجيح إذا تقابلت هذه الأمور فيكون ما يصلح الزمان يفسد الحال أو المكان وهكذا فينظر في الترجيح فيفعل بحسب الأرجح عنده؛ مثاله أن يضيق الزمن عن فعل أمرين اقتضاهما الحال فيشير بأهمهما وقالوا يحتاج المشير والناصح إلى علم وعقل وفكر صحيح ورؤية حسنة واعتدال مزاج وتؤدة وتأنّ فإن لم تجمع هذه الخصال فخطأه أسرع من إصابته فلا يشير ولا ينصح قالوا وما في مكارم الأخلاق أدق ولا أخفى ولا أعظم من النصيحة" . (3)
ـــــــــــــــ
(1) لسان العرب
(2) مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه ، حديث رقم: 9031 ، هذا إسناد صحيح رجاله ثقات ، ورواه ابن حبان في صحيحه عن الحسن بن سفيان عن أبي بكر بن أبي شيبة به، ورواه الحاكم في المستدرك من طريق العباس بن محمد عن الأسود بن عامر به، ورواه البيهقي في سننه الكبرى عن الحاكم، وله شاهد من حديث أبي هريرة رواه أصحاب السنن الأربعة ورواه الترمذي من حديث أم سلمة.
(3) فيض القدير ج5ص 713 ، بتصرف.
175(2/99)
وقال العلماء: " وِصِفةُ المُستشار إن كان في الأَحْكامِ أن يكون عالِماً دَيِّناً، وقلّما يكونُ ذلك إلاّ في عاقل. قال الحسن: ما كَمُل دِينُ امرىءٍ ما لم يكمل عقُله. فإذا استُشيِر مَن هذه صِفتُهُ واجتهد في الصَّلاحِ وبَذَل جُهدَه فوقعت الإشارةُ خَطَأً فلا غَرَامةَ عليه؛ قاله الخَطّابيُّ وغيرهُ.
وصفةُ المُستشارِ في أُمورِ الدنيا أن يكون عاقلاً مُجرباً وادّاً في المُستَشير. قال:
شاورْ صديقَك في الخفِي المُشْكِل ، وقال آخر:
وإنْ بَابُ أمرٍ عليك الْتَوَى
فَشَاوِر لبيباً ولا تَعْصِهِ
والشُّورى بَرَكَةٌ. وقال - صلى الله عليه وسلم - :" مَا خَابَ مَنِ اسْتَخَارَ، وَلاَ نَدِمَ مَنِ اسْتَشَارَ..". (1)
وروى سهلُ بنُ سعد السّاعِدي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما شَقى قَطُّ عبدٌ بمشورة وما سَعِد باستغناء رأي". (2) وقال بعضهم: شَاوِرْ من جَرّبَ الأُمورَ؛ فإنه يُعطيك من رأيه ما وقع عليه غالياً وأنت تأخذه مجاناً. وقد جعل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الخِلافة ـ وهي أعظم النّوازِلِ ـ شورى.
قال البخاريّ : وكانت الأئمة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - يستَشِيرون الأمناء من أهل العلم في الأُمور المباحة ليأخذوا بأسهلها. وقال سفيان الثورِيّ: " ليكن أهل مشورتك أهل التقوى والأمانة، ومن يخشى الله تعالى". وقال الحسن: " والله ما تشاوَرَ قوم بينهم إلا هداهم لأفضل ما يحضر بهم".
... والشُّورى مبنيّة على اختلاف الآراء، والمستشير ينظر في ذلك الخلاف، وينظر أقرَبها قولاً إلى الكتاب والسنة إن أمكنه ، فإذا أرشده الله تعالى إلى ما شاء منه عزَم عليه وأنفذه متوكّلاً عليه، إذْ هذه غاية الاجتهاد المطلوب؛ وبهذا أمر الله تعالى نبيّه - صلى الله عليه وسلم - : { فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ } (3)".(4)
ـــــــــــــ
((2/100)
1) أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ، عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ ، باب : ما جاء في المشاورة ، كتاب الأدب ، حديث رقم: 13157، وقال : رواه الطبراني في الأوسط والصغير من طريق عبد السلام بن عبد القدوس، وكلاهما ضعيف جداً .
(2) مسند الشهاب ، حديث رقم: 773.
(3) [ سورة الشورى :من الآية : 159]
(4) الجامع لأحكام القرآن ، ج4ص248.
176
فمن أراد أمراً فشاور فيه امرءاً مسلماً وفقه الله تعالى لأرشد أموره فإن المشورة عماد كل صلاح وباب كل فلاح ونجاح لكن ينبغي أن لا يشاور إلا من اجتمع فيه عقل كامل مع تجربة سابقة وذو دين وتقى مأمون السريرة موفق العزيمة ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - حريصاً محافظاً على مشاورة أصحابه.
قال ابنُ عَطِية: " والشُّورَى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام؛ من لا يَسْتشِيرُ أهلَ العِلم والدِّين فَعزْلُهُ واجبٌ. هذا ما لاَ خلاف فيه. وقد مَدَح الله المُؤمنين بقوله: { ِNèdمچّBr&ur 3"u'qن© ِNوhuZ÷ t/ } .(1) قال أَعْرَابيٌ: ما غُبِنْتُ قَطٌّ حتى يُغْبَنَ قومي؛ قيل: وكيف ذلك؟ قال لا أَفْعَل شيئا حتى أُشَاوِرهُم. وقال ابنُ خُوَيْزٍ مَنْدَاد: واجب على الوُلاَةِ مشاورَةُ العلماء فيما لا يَعْلَمُونِ، وفيما أَشْكَل عليهم من أُمور الدِّين، ووُجوه الجَيش فيما يتعَلَّقُ بالحرب، ووجوه الناس فيما يَتَعَلَّقُ بالمصالح، ووُجُوهِ الكُتَّابِ والوزراءِ والعُمَالِ فيما يتعلّقُ بِمصالح البلاد وعِمَارتها. وكان يُقال: من أُعْجبَ برأيهِ ضَلّ". (2)
ويحكي لنا القرآن الكريم قصة بلقيس قبل أن تُُسلم مع سليمان ـ عليه السلام ـ وكيف كانت مشاورتها لقومها فيقول الله ـ جل وعلا ـ مخبراً عنها :
{(2/101)
ôMs9$s% $pkڑ‰r'¯"tƒ (#àsn=yJّ9$# 'خoTخ) u'إ+ّ9é& ¥'n<خ) ز="tGد. îLqجچx. اثزب ¼çm¯Rخ) `دB z`"yJّn=ك™ ¼çm¯Rخ)ur ةOَ،خ0 "!$# ا`"yJômچ9$# ةOٹدmچ9$# اجةب wr& (#qè=÷ès? ¥'n?tم 'خTqè?ù&ur tûüدJخ=َ،مB اجتب ôMs9$s% $pkڑ‰r'¯"tƒ (#àsn=yJّ9$# 'خTqçGّùr& 'خû "جچّBr& $tB àMZà2 ؛pyèدغ$s% #¶گِDr& 4س®Lym بbrك‰uhô±n@ اجثب (#qن9$s% ك`ّtwU (#qن9'ré& ;oqè% (#qن9'ré&ur <¨ù't/ 7‰ƒد‰x© مچّBF{$#ur إ7ّs9خ) "جچفàR$$sù #sŒ$tB tûïجچمBù's? اججب ôMs9$s% ¨bخ) x8qè=كJّ9$# #sŒخ) (#qè=yzyٹ ؛ptƒِچs% $ydrك‰|،ّùr& (# qè=yèy_ur no¢oدمr& !$ygخ=÷dr& \'©!دŒr& y7د9؛xx.ur ڑcqè=yèّےtƒ اجحب 'خoTخ)ur î's#إ™ِچمB Nحkِژs9خ) 7pƒد‰ygخ/ 8otچدك$oYsù zNخ/ كىإ_ِچtƒ tbqè=y™ِچكJّ9$# اجخب } (3)
ــــــــــــــــ
(1) [ سورة الشورى : من الآية: 38]
(2) الجامع لأحكام القرآن ، ج13ص194.
(3) [ سورة النمل من الآيات 29: 35 ]
177
... فالمشاورة من الأمر القديم وخاصة في الحرب؛ فهذه بلقيس امرأة جاهلية كانت تعبد الشمس: { ôMs9$s% $pkڑ‰r'¯"tƒ (#àsn=yJّ9$# 'خTqçGّùr& 'خû "جچّBr& $tB àMZà2 ؛pyèدغ$s% #¶گِDr& 4س®Lym بbrك‰uhô±n@ ب } (1) لتختبر عزمهم على مقاومة عدوهم ، وحزمهم وجِدّهم كان ذلك عوناً لعدوهم عليهم ، وإن لم تختبر ما عندهم، وتعلم قدر عزمهم لم تكن على بصيرة من أمرهم ، وربما كان في استبدادها برأيها وهن في طاعتها، ودخيلة في تقدير أمرهم، وكان في مشاورتهم وأخذ رأيهم عون على ما تريده من قوّة شوكتهم، وشدّة مدافعتهم؛ ألا ترى إلى قولهم في جوابهم:
{ ك`ّtwU (#qن9'ré& ;oqè% (#qن9'ré&ur <¨ù't/ 7‰ƒد‰x© } (2). قال ابن عباس: كان من قوّة أحدهم أنه يَركُض فرسَه حتى إذا احتدّ ضم فخذيه فحبسه بقوّته. (3)
تم بحمد الله الجزء الأول وجاري عمل الجزء الثاني بإذن الله
- - - -
ـــــــــــــــــ
(1) [ سورة النمل من الآية:32 ]
(2) [ سورة النمل من الآية:33 ]
((2/102)
3) الجامع لأحكام القرآن ، ج13ص194.(2/103)