This file is downloaded from the harunyahya.NET website.
Visit our web site to freely download all the works of Harun Yahya.
www.harunyahya.net
info@harunyahya.net
معجزةالذرةترجمة : أحمد ممتاز سلطان مراجعة:مصطفى الستيتيهارون يحيى
-------إلى القارئالسبب وراء تخصيص فصل خاص لانهيار النظرية الداروينية هو أن هذه النظرية تشكل القاعدة التي يعتمد عليها كل الفلاسفة الملحدين· فمنذ أن أنكرت الداروينية حقيقة الخلق، وبالتالي حقيقة وجود الله، تخلى الكثيرون عن أديانهم أو وقعوا في التشكيك بوجود الخالق خلال المئة والأربعين سنة الأخيرة· لذلك يعتبر دحض هذه النظرية واجباً يحتمه علينا الدين، وتقع مسؤوليته على كل منا· قد لا تسنح الفرصة للقارئ أن يقرأ أكثر من كتاب من كتبنا، لذلك ارتأينا أن نخصص فصلاً نلخص فيه هذا الموضوع·تم شرح جميع الموضوعات الإيمانية التي تناولتها كل هذه الكتب على ضوء الآيات القرآنية وهي تدعو الناس إلى كلام الله والعيش مع معانيه· شرحت كل الموضوعات التي تتعلق بالآيات القرآنية بطريقة لا تدع مكاناً للشك أو التساؤل في ذهن القارئ من خلال الأسلوب السلس والبسيط الذي اعتمده الكاتب في كتبه يمكن للقرّاء في جميع الطبقات الاجتماعية والمستويات التعليمية أن تستفيد منها وتفهمها· هذا الأسلوب الروائي البسيط يمكّن القارئ من قراءة الكتاب في جلسة واحدة، حتى أولئك الذين يرفضون الأمور الروحانية ولا يعتقدون بها، تأثروا بالحقائق التي احتوتها هذه الكتب ولم يتمكنوا من إخفاء اقتناعهم بها·يمكن للقارئ أن يقرأ هذا الكتاب وغيره من كتب المؤلف بشكل منفرد أو يتناوله من خلال مناقشات جماعية· أما أولئك الذين يرغبون في الاستفادة منه فسيجدون المناقشة مفيدة جداً إذ إنهم سيتمكنون من الإدلاء بانطباعاتهم والتحدث عن تجاربهم إلى الآخرين·إضافة إلى أن المساهمة في قراءة وعرض هذه الكتب التي كتبت لوجه الله يعتبر خدمة للدين ·(1/1)
عرضت الحقائق في هذه الكتب بأسلوب غاية في الإقناع، لذلك نقول للذين يريدون نقل الدين إلى الآخرين: إن هذه الكتب تقدم لهم عوناً كبيراً·من المفيد للقارئ أن يطلع على نماذج من هذه الكتب الموجودة في نهاية الكتاب، ليرى التنوع الذي تعرضه هذه المصادر الغنية بالمواد الدينية الممتعة والمفيدة·لن تجد في هذا الكتاب كما في غيره من الكتب، وجهات نظر شخصية للكاتب أو تعليقات تعتمد على كتب التشكيك، أو أسلوب غامض في عرض موضوعات مغرضة أو عروض يائسة تثير الشكوك وتؤدي إلى انحراف في التفكير·----------حول المؤلفولد الكاتب الذي يكتب تحت الاسم المستعار هارون يحيى في أنقرة عام ،1956 بعد أن أنهى تعليمه الابتدائي والثانوي في أنقرة، درس الآداب في جامعة ميمار سنان في جامعة استنبول، وفي الثمانينيات بدأ بإصدار كتبه السياسية والدينية · هارون يحيى كاتب مشهور بكتاباته التي تدحض الداروينية وتعرض لعلاقاتها المباشرة مع الإيديولوجيات الدموية المدمرة·يتكون الاسم القلمي أو المستعار، من اسمي ''هارون'' و''يحيى'' في ذكرى موقرة للنبيَّين اللَّذَين حاربا الكفر والإلحاد، بينما يظهر الخاتم النبوي على الغلاف كرمز لارتباط المعاني التي تحتويها هذه الكتب بمضمون هذا الخاتم· يشير الخاتم النبوي إلى أن القرآن الكريم هو آخر الكتب السماوية، وأن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين· وفي ضوء القرآن والسنة وضع الكاتب هدفه في نسف الأسس الإلحادية والشركية وإبطال كل المزاعم التي تقوم عليها الحركات المعادية للدين، لتكون له كلمة الحق الأخيرة، ويعتبرهذا الخاتم الذي مهر به كتبه بمثابة إعلان عن أهدافه هذه·تدور جميع كتب المؤلف حول هدف واحد وهو نقل الرسالة القرآنية إلى الناس، وتشجيعهم على الإيمان بالله والتفكر بالموضوعات الإيمانية والوجود الإلهي واليوم الآخر·تتمتع كتب هارون يحيى بشعبية كبيرة لشريحة واسعة من القراء تمتد من الهند إلى(1/2)
أمريكا، ومن إنكلترا إلى أندونيسيا وبولندا والبوسنة والبرازيل وإسبانيا؛ وقد ترجمت بعض كتبه إلى الفرنسية والإنكليزية والألمانية والبرتغالية والأردية والعربية والألبانية والروسية والأندونيسية· لقد أثبتت هذه الكتب فائدتها في دعوة غير المؤمنين إلى الإيمان بالله، وتقوية إيمان المؤمنين، فالأسلوب السهل والمقنع الذي تتمتع به هذه الكتب يحقق نتائجاً مضمونة في التأثير السريع والعميق على القارئ· من المستحيل على أي قارئ يقرأ هذه الكتب ويفكر بمحتواها بشكل جدي أن يبقى معتنقاً لأي نوع من أنواع الفلسفة المادية· ولو بقي أحد يحمل لواء الدفاع عنها، فسيكون ذلك من منطلق عاطفي بحت، لأن هذه الكتب تنسف تلك الفلسفات من أساسها· إن جميع الإيديولوجيات التي تقول بنكران وجود الله قد دُحضت اليوم والفضل يعود إلى كتب هارون يحيى·لا شك أن هذه الخصائص مستمدة من حكمة القرآن ووضوحه؛ وهدف الكاتب من وراء نشر هذه الكتب هو خدمة أولئك الذين يبحثون عن الطريق الصحيح للوصول إلى الله، وليس تحقيق السمعة أو الشهرة، علاوة على أنه لا يوجد هدف مادي من وراء نشر كتبه هذه·وعلى ضوء هذه الحقائق، فإن الذين يشجعون الآخرين على قراءة هذه الكتب، التي تفتح أعينهم وقلوبهم وترشدهم إلى طريق العبودية لله، يقدمون خدمة لا تقدر بثمن·من جهة أخرى، يعتبر تناقل الكتب التي تخلق نوعاً من التشويش في ذهن القارئ وتقود الإنسان إلى فوضى إيديولوجية، ولا تؤثر في إزاحة الشكوك من قلوب الناس، مضيعة للوقت والجهد، أما هذه الكتب فمن الواضح أنها لم تكن لتترك هذا الأثر الكبير على القارئ لو كانت تركز على القوة الأدبية للكاتب أكثر من الهدف السامي الذي يسعى إليه، ومن يشك بذلك يمكنه أن يرى أن الهدف الوحيد لكتب هارون يحيى هو هزيمة الكفر وتكريس القيم الإنسانية·لا بد من الإشارة إلى أن الحالة السيئة والصراعات التي يعيشها العالم الإسلامي في يومنا هذا ليست إلا نتيجة(1/3)
الابتعاد عن دين الله الحنيف والتوجه نحو الإيديولوجيات الكافرة، وهذا لن ينتهي إلا بالعودة إلى منهج الإيمان والتخلي عن تلك المناهج المضللة، والتوجه إلى القيم والشرائع القرآنية التي عرضها لنا خالق الكون لتكون لنا دستوراً· وبالنظر إلى حالة العالم المتردية والتي تسير به نحو هاوية الفساد والدمار، هناك واجب لا بد من أدائه وإلا··· قد لا نصل في الوقت المناسب·لا نبالغ إذا قلنا: إن مجموعة هارون يحيى قد أخذت على عاتقها هذا الدور القائد، وبعون الله ستكون هذه الكتب الوسيلة التي ستحقق شعوب القرن العشرين من خلالها السلام والعدل والسعادة التي وعد بها القرآن الكريم·تتضمن أعمال الكاتب: النظام الماسوني الجديد، اليهودية والماسونية، الكوارث التي جرتها الداروينية على العالم، الشيوعية عند الأمبوش، الإيديولوجية الدموية للداروينية: الفاشية، الإسلام يرفض الإرهاب، اليد الخفية في البوسنة، وراء حوادث الإرهاب، وراء حوادث الهولوكوست، قيَم القرآن، الموضوعات 1-2-3, سلاح الشيطان: الرومانسية حقائق 1-،2 الغرب يتجه إلى الله، خدعة التطور، أكاذيب التطور، ، الأمم البائدة، لأولي الألباب، انهيار نظرية التطور في عشرين سؤالاً، إجابات دقيقة على التطوريين، النبي موسى، النبي يوسف، العصر الذهبي، إعجاز الله في الألوان، العظمة في كل مكان، حقيقة حياة هذا العالم، القرآن طريق العلم، التصميم في الطبيعة، بذل النفس ونماذج رائعة من السلوك في عالم الحيوان، السرمدية قد بدأت فعلاً، خلق الكون، لا تتجاهل، الخلود وحقيقة القدر، معجزة الذرة، المعجزة في الخلية، معجزة الجهاز المناعي، المعجزة في العين، معجزة الخلق في النباتات، المعجزة في العنكبوت، المعجزة في البعوضة، المعجزة في نحل العسل، المعجزة في النملة، الأصل الحقيقي للحياة، الشعور في الخلية، سلسلة من المعجزات، بالعقل يُعرف الله، المعجزة الخضراء في التركيب الضوئي، المعجزة في البروتين،(1/4)
أسرار .DNA و كتب الكاتب للأطفال: معجزات خلق الله، رحلة في الكون، رحلة في عالم الحيوان، المخلوقات العجيبة، منهاج الطفل المسلم 1-2, المعجزات في جسم الإنسان، 24 ساعةً في حياة الطفل المسلم، عالم أصدقائك الصغار، النمل، النحل يبنى خليته بإتقان، بناة الجسر المهرة: القنادس·وتتضمن أعمال الكاتب الأخرى التي تتناول موضوعات قرآنية: المفاهيم الأساسية في القرآن، القِيَم الأخلاقية في القرآن، فهم سريع للإيمان 1-2-3, هجر مجتمع الجاهلية، المأوى الحقيقي للمؤمنين: الجنة، القيم الروحانية في القرآن، علوم القرآن، الهجرة في سبيل الله، شخصية المنافقين في القرآن، أسرار المنافق، أسماء الله، تبليغ الرسالة والمجادلة في القرآن، المفاهيم الأساسية في القرآن، إجابات من القرآن، بعث النار، معركة الرسل، عدو الإنسان المُعلن: الشيطان، الوثنية، دين الجاهل، تكبر الشيطان، الصلاة في القرآن، أهمية الوعي في القرآن، يوم البعث، لا تنس أبداً، أحكام القرآن المنسية، شخصية الإنسان في مجتمع الجاهلية، أهمية الصبر في القرآن، معارف عامة من القرآن، حجج الكفر الواهية، الإيمان المتكامل، قبل أن تتوب، تقول رسلنا، رحمة المؤمنين، خشية الله، كابوس الكفر، النبي عيسى آتٍ، الجمال في الحياة في القرآن، مجموعة من جماليات الله 1-2-3, مدرسة يوسف، الافتراءات التي تعرض لها الإسلام عبر التاريخ، أهمية اتباع كلام الله، لماذا تخدع نفسك، كيف يفسر الكون القرآن، بعض أسرار القرآن، الله يتجلى في كل مكان، الصبر والعدل في القرآن، أولئك الذين يستمعون إلى القرآن·----------المحتوياتمقدمة ... 8-1الفصل الأولمغامرة تكوين الذرة10-2الفصل الثانيتركيب الذرة ... 38-3الفصل الثالثالخطوة الثانية في الطريق إلى المادة: الجزيئات 66-4الفصل الرابعالذرات التي تدب فيها الحياة 98-5الفصل الخامسطاقة الذرة ... 102الخاتمة ... 116خديعة التطوّر ... 120---------مقدمة''لماذا؟''بمجرد(1/5)
العثور على إجابة، سيكون هذا السؤال مفتاحا لبوابة تؤدي بالمرء إلى عالم مختلف تماما· ويشكل هذا السؤال، في الوقت نفسه، خيطا رفيعا يفصل أولئك الذين يعلمون عن أولئك الذين لا يعلمون· وفي العالم الذي نعيش فيه، تنشغل البشرية بالبحث المستمر عن إجابات للعديد من الأسئلة مثل ''ماذا؟''، و''كيف؟''، و''بأية طريقة؟''، ولكنها لم تستطعْ أن تحرز سوى قدر ضئيل من التقدم في الإجابة عليها· ومن غير المحتمل أن يصل الإنسان إلى الحقيقة ما لم يسأل نفسه ''لماذا؟'' يوجد كل هذا النظام والتوازن الرائعين اللذين يتفاعل معهما· وفي هذا الكتاب، سوف نتناول موضوع ''الذرة''، أساس كل شيء حي وغير حي· وبعد أن نرى ما يحدث في الذرة والكيفية التي يحدث بها، سوف نبحث عن إجابات للسؤال ''لماذا؟''· وستأخذنا إجابات هذا السؤال إلى الحقيقة التي ننشدها· وسنجد إجابات لهذا السؤال في القرآن الكريم، الهدى الربّاني الذي يحتوي على تفسير لكل شيء· منذ النصف الأول من القرن التاسع عشر، عمل مئات العلماء ليل نهار للكشف عن أسرار الذرة· ولابد من الإشارة هنا إلى أن هذه الدراسات، التي كشفت عن شكل الذرة، وحركتها، وتكوينها، وخواصها الأخرى، قد حطمت الأسس الرئيسة للفيزياء الكلاسيكية التي افترضت أن المادة كيان ليست له أية بداية أو نهاية، ووضعت أسس الفيزياء الحديثة، وأدت أيضا إلى ظهور العديد من الأسئلة· وفي النهاية، اتفق العديد من الباحثين الفيزيائيين على إجابات لتلك الأسئلة، على أن هناك نظاماً مثالياً، وتوازناً تاماً، وتصميماً واعياً في الذرة، كما هو الحال في كل شيء آخر في الكون· وقد ظهرت هذه الحقيقة في القرآن الكريم الذي أنزله الله سبحانه وتعالي قبل أربعة عشر قرنا· وكما هو واضح من آيات القرآن، يعمل الكون بأكمله بنظام مثالي لأن الأرض، والسماء، وكل شيء بينهما من خلق الله الذي يملك قوة وحكمة لا حدود لهما· ولا يوجد بالتأكيد ما يدعو إلى العجب في أن كل(1/6)
شيء خلقه الله يتسم بتميز رائع ويسير بنظام لا عيب فيه· وفي الواقع، فإن ما يدعو إلى الدهشة حقا هو استمرار الإنسان في عدم إحساسه بالمعجزات العديدة التي يقابلها ويراها ويسمعها ويعرفها - بما في ذلك جسمه - ولامبالاته ''بالسبب'' الكامن وراء التركيب المعجز لهذه الموجودات· وعلى الرغم من أن كتاب ''معجزة الذرة '' يبحث في موضوع علمي، فإن الهدف منه يختلف عن الهدف من الكتب العلمية التقليدية· إذ يتناول هذا الكتاب ''الذرة''، التي يتمثل تفردها في كونها وحدة بناء للأشياء الحية وغير الحية على حد سواء، من خلال الأسئلة ''ماذا؟''، و''كيف؟''، و''بأية طريقة؟''، مما يفتح بابا للإجابة على السؤال ''لماذا؟''· وبمجرد أن نتخطى هذا الباب، سوف يتكشف لنا جميعا السمو في حكمة الله، ومعرفته، وخلقه:اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيم.(1/7)
سورة البقرة: 255.--------الفصل الأولمغامرة تكوين الذرةيعمل الكون، الذي تتخطى أبعاده الشاسعة حدود الإدراك الإنساني، دون توقف، ويستند إلى توازنات حساسة في إطار نظام عظيم، وقد ظل على هذه الحال منذ اللحظة الأولى لتكوينه· ولطالما كان الناس بمختلف أعمارهم، وما زالوا، يهتمون بأسئلة مثل: كيف نشأ هذا الكون الهائل؟ وإلى أين يتجه؟ وكيف تعمل القوانين التي تحافظ على النظام والتوازن بداخله؟ لقد أجرى العلماء بحوثا لا حصر لها حول هذه الموضوعات وتوصلوا إلى براهين ونظريات متباينة· وبالنسبة إلى العلماء الذين تدبروا النظام والتصميم الموجودين في الكون باستخدام عقولهم وضمائرهم، فإنهم لم يجدوا صعوبة على الإطلاق في تفسير هذا الكمال· ذلك أن الله، القوي، المهيمن على الكون كله، خلق هذا التصميم الكامل وهذا أمر واضح وجلي لكل من كان قادرا على التفكر والتدبر· ويعلن الله هذه الحقيقة البينة في آيات القرآن الكريم: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ.(1/8)
آل عمران: ·190ومع ذلك، يواجه أولئك العلماء الذين يتجاهلون أدلة الخلق صعوبة كبيرة في الإجابة على هذه الأسئلة التي لا تنتهي· وهم لا يترددون في اللجوء إلى الغوغائية، والنظريات الكاذبة التي لا تستند إلى أي أساس علمي، بل وحتى إلى الخداع، إذا وضعوا في موقف حرج، لكي يدافعوا عن نظريات مناقضة تماما للواقع· ومع ذلك فإن جميع التطورات التي حدثت في دنيا العلوم مؤخرا، حتى بداية القرن الحادي والعشرين، تقودنا إلى حقيقة واحدة هي: لقد تم خلق الكون من العدم بمشيئة الله، الذي يمتلك القدرة السامية والحكمة المطلقة· خلق الكونمضت قرون والناس يبحثون عن إجابة للسؤال التالي: ''كيف نشأ الكون؟''· فقد قُدمت على مدار التاريخ آلاف النماذج لنشأة الكون ووُضعت آلاف النظريات· ومع ذلك، يتبين من استعراض هذه النظريات أنها جميعًا تقوم في جوهرها على أحد نموذجين مختلفين· يدور النموذج الأول حول فكرة الكون اللامحدود الذي لا بداية له، وهو ما لم يعد له أي أساس علمي· في حين يدور النموذج الثاني حول فكرة نشأة الكون من العدم، وهو ما يعترف به المجتمع العلمي حاليا بوصفه ''النموذج المعياري''· لقد دافع النموذج الأول، الذي ثبت عدم قدرته على الصمود، عن الافتراض القائل بأن الكون قد وجد منذ وقت غير محدد وسيظل موجودا على حالته الراهنة إلى ما لا نهاية· ولقد تكونت فكرة الكون اللامحدود هذه في اليونان القديمة، ووصلت إلى العالم الغربي نتيجة للفلسفة المادية التي انتعشت في عصر النهضة· ذلك أن جوهر عصر النهضة يكمن في إعادة البحث في أعمال المفكرين اليونانيين القدماء· ومن ثم، نُفض الغبار عن رفوف التاريخ وأُخذت منها الفلسفة المادية وفكرة الكون اللامحدود - التي تدافع عنها هذه الفلسفة - بسبب اهتمامات فلسفية وأيديولوجية، وقدمت للناس وكأنها حقائق علمية· وقد اعتنق هذه الفكرة بحماس فلاسفة ماديون من أمثال كارل ماركس وفردريك إنجلز، لأنها أعدت أساسا(1/9)
متينا ظاهريا لأيديولوجياتهم المادية، الأمر الذي لعب دورا مهما في تقديم هذا النموذج إلى القرن العشرين· ووفقا لنموذج ''الكون اللامحدود'' الذي حظي بقبول كبير خلال النصف الأول من القرن العشرين، فإنه ليس للكون بداية ولا نهاية، كما أن الكون لم ينشأ من العدم، ولن يفنى أبدا· ووفقا لهذه النظرية، التي شكلت أيضا أساس الفلسفة المادية، يتسم الكون بتركيب سكوني· ولكن فيما بعد، كشفت نتائج البحوث العلمية أن هذه النظرية خاطئة وغير علمية على الإطلاق· فالكون لم يوجد بدون بداية؛ بل كانت له بداية كما أنه نشأ من العدم· ولطالما كانت فكرة الكون اللامحدود، أي الذي ليس له بداية، نقطة بداية للزندقة والأيديولوجيات التي ترتكب خطأ إنكار وجود الله جل جلاله· ذلك أن أصحاب هذه الأيديولوجيات يعتقدون أنه إذا لم يكن للكون بداية، فلن يكون له خالق أيضا· ولكن سرعان ما كشف العلم بأدلة دامغة أن حجج الماديين هذه باطلة وأن الكون قد بدأ بانفجار يعرف بالانفجار العظيم Big Bang. وكان لنشأة الكون من العدم معنى واحد فقط: ''الخلق''، أي أن الله القوي خلق الكون كله· لقد كان الفلكي البريطاني الشهير، سير فريد هويل Sir Fred Hoyle من بين أولئك الذين أزعجتهم هذه الحقيقة· فقد قبل هويل تمدد الكون في نظرية ''الحالة المستقرة'' التي قدمها، ولكنه رأى أن الكون لامحدود في مداه وليست له بداية ولا نهاية· ووفقا لهذا النموذج، كلما تمدد الكون، نشأت المادة تلقائيا وبالكميات المطلوبة· وتجدر الإشارة إلى أن هذه النظرية، التي قامت على فرضيات غير علمية على الإطلاق، وتطورت بسبب الاهتمام بشيء واحد فقط هو دعم فكرة ''الكون اللامحدود الذي ليس له بداية أو نهاية''، ناقضت بشكل مباشر نظرية الانفجار العظيم، التي ثبت علميا من خلال عدد كبير من الملاحظات أنها أقرب إلى الواقع· وظل هويل وآخرون يقاومون هذه الفكرة ولكن جميع التطورات العلمية كانت تعمل ضدهم·تمدد الكون(1/10)
وحقيقة الانفجار العظيملقد تحققت خطوات كبيرة في مجال علم الفلك خلال القرن العشرين· أولا، اكتشف الفيزيائي الروسي ألكسندر فريدمان Alexandre Friedmann في سنة 1922 أن الكون لا يتسم بتركيب سكوني· وانطلاقا من نظرية النسبية التي قدمها أينشتاين ، بينت حسابات فريدمان أنه حتى النبضة الصغيرة يمكن أن تؤدي إلى تمدد الكون أو انكماشه· وكان جورج لومتر Georges Lemaître، أحد أشهر الفلكيين البلجيكيين، أول من أدرك أهمية هذه الحسابات التي أوصلته إلى الاستنتاج بأن الكون له بداية وأنه في حالة تمدد مستمر منذ بدء نشأته· وقد أثار لومتر موضوعا آخر في غاية الأهمية؛ إذ يرى أن من المفترض أن يوجد فائض إشعاعي متبق من الانفجار العظيم وأن هذا الفائض من الممكن تعقب أثره· وكان لومتر واثقا أن تفسيراته صحيحة على الرغم من أنها لم تلق في البداية دعما كبيرا من الأوساط العلمية· وفي غضون ذلك، بدأت تتجمع المزيد من الأدلة على أن الكون يتمدد· وفي ذلك الوقت، استطاع الفلكي الأمريكي إدوين هابل Edwin Hubble، من خلال رصده لعدد من النجوم بواسطة تلسكوبه الضخم، أن يكتشف أن النجوم تصدر انزياحا أحمر يعتمد على بعدها عن الأرض· وبهذا الاكتشاف، الذي توصل إليه هابل في مرصد ماونت ويلسون Mount Wilson Observatory بكاليفورنيا، تحدى جميع العلماء الذين وضعوا نظرية الحالة المستقرة ودافعوا عنها، وهز الأسس الرئيسية لنموذج الكون الذي كان سائدا حتى ذلك الوقت· واعتمدت اكتشافات هابل على القاعدة الفيزيائية التي تقضي بأن أطياف الأشعة الضوئية المتجهة نحو نقطة الرصد تميل نحو اللون البنفسجي في حين أن أطياف الأشعة الضوئية المتجهة بعيدا عن نقطة الرصد تميل نحو اللون الأحمر· وقد بين ذلك أن الأجرام السماوية التي رصدت من مرصد ماونت ويلسون بكاليفورنيا كانت متجهة بعيدا عن الأرض· وكشفت المزيد من عمليات الرصد أن النجوم والمجرات لا تتسابق لتبتعد عنا فحسب، بل(1/11)
تتسابق لتبتعد عن بعضها البعض أيضا· وقد أثبتت حركة الأجرام السماوية هذه مرة أخرى أن الكون يتمدد· وفي كتاب كَوْن ستيفن هوكنج Stephen Hawking's Universe، يروي ديفيد فيلكين David Filkin قصة شائقة عن هذه التطورات: ''في غضون عامين، سمع لومتر أخباراً كان نادراً ما يجرؤ على أن يأمل في سماعها· لقد اكتشف هابل أن انزياح الضوء المنبعث من المجرات كان انزياحاً أحمر، ووفقا لظاهرة دوبلر، كان هذا لا بد أن يعني أن الكون في حالة تمدد· والآن أصبحت المسألة مسألة وقت· فقد كان أينشتاين على أية حال مهتمًّا بعمل هابل وقرر أن يزوره في مرصد ماونت ويلسون· فرتب لومتر لإلقاء محاضرة في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في الوقت نفسه، واستطاع أن يضع أينشتاين وهابل في موقف حرج· فقد ناقش بعناية نظرية ''الذرة الأولية'' التي وضعها، وخطوة خطوة، اقترح أن الكون كله قد نشأ ''في يوم لم يكن له أمس''· واستعرض بكل دقة جميع الحسابات الرياضية· وعندما انتهى من الكلام لم يستطع أن يصدق أذنيه، فقد وقف أينشتاين وأعلن أن ما سمعه لتَوِّه كان حسب تعبيره: ''أجمل التفسيرات التي استمعتُ إليها وأكثرها إقناعاً وأقرَّ أن تعيين ''الثابت الكوني'' كان ''أفدح خطإ'' ارتكبه في حياته''·1 إن الحقيقة التي جعلت أينشتاين، وهو أحد أهم العلماء في التاريخ، يثب واقفاً هي حقيقة أن الكون له بداية· وقد أدت عمليات الرصد التالية لتمدد الكون إلى إفساح المجال لبراهين جديدة· وبدءا من هذه النقطة، توصل العلماء إلى نموذج يجعل الكون أصغر عند العودة بالزمن إلى الوراء، وينتهي بالانكماش والالتقاء عند نقطة واحدة، حسبما يرى لومتر· ويتمثل الاستنتاج الذي يمكن التوصل إليه من خلال هذا النموذج في أنه عند نقطة زمنية معينة، سُحقت جميع المواد الموجودة في الكون مع بعضها البعض في كتلة نقطية واحدة ''منعدمة الحجم'' بسبب قوة جاذبيتها الهائلة· وقد نشأ كوننا نتيجة انفجار هذه الكتلة(1/12)
النقطية عديمة الحجم وأصبح هذا الانفجار يعرف باسم ''الانفجار العظيم''· ويشير الانفجار العظيم إلى أمر آخر وهو أن القول بأن شيئاً عديم الحجم يعادل القول بأنه ''عدم''· ومن ثم، فقد نشأ الكون كله من هذا ''العدم''· وعلاوة على ذلك، توجد بداية لهذا الكون، خلافا لرأي الفلسفة المادية، التي ترى أن ''الكون موجود منذ الأزل''·
الانفجار العظيم بالأدلةبمجرد أن أثبت العلماء حقيقة أن الكون قد بدأ في التكون بعد انفجار عظيم، أعطى ذلك دفعة أخرى لبحوث الفيزيائيين الفلكيين· ووفقاً لجورج جامو George Gamow، إذا كان الكون قد تكون نتيجة انفجار عنيف ومفاجئ، فإنه يُفترض أن توجد كمية محددة من الإشعاع المتبقي من هذا الانفجار ويجب أن تكون هذه الكمية متناثرة في جميع أرجاء الكون· وفي السنوات التالية لهذه الفرضية، توالت نتائج البحوث العلمية، وأكدت جميعها حدوث الانفجار العظيم· وفي سنة ،1965 اكتشف باحثان وهما أرنو بنزِياس Arno Penzias وروبرت ويلسون Robert Wilson بالمصادفة شكلا من أشكال الإشعاع لم تتم ملاحظته حتى ذلك الحين· ويعرف هذا الإشعاع باسم ''إشعاع الخلفية الكونية ''cosmological background radiation''، ولم يكن يشبه أي شيء آت من أي مكان آخر في الكون لأنه كان متماثلا بشكل غير عادي· كما أنه لم يكن مركزا في مكان واحد ولم يعرف له مصدر محدد، وبدلا من ذلك، كان موزعا بالتساوي في كل مكان· وسرعان ما أدرك العلماء أن هذا الإشعاع هو من بقايا الانفجار العظيم، الذي كان لا يزال يتردد صداه منذ اللحظات الأولى لهذا الانفجار العظيم· لقد كان جامو محقا تماما، لأن تردد الإشعاع كان مساويا تقريبا للقيمة التي توقعها العلماء· وقد حصل بنزِياس وويلسون على جائزة نوبل عن اكتشافهما· لقد استغرق جورج سموت George Smoot وفريقه التابع لوكالة ناسا ثماني دقائق فقط لتأكيد مستويات الإشعاع التي وصفها بنزِياس وويلسون، وذلك بفضل القمر الاصطناعي(1/13)
الفضائي كوبي COBE. فقد حققت أجهزة الإحساس الموجودة على متن القمر الاصطناعي نصرا جديدا لنظرية الانفجار العظيم لأنها أثبتت وجود الشكل الحار الكثيف الذي تبقى من اللحظات الأولى للانفجار العظيم، كما سجَّل كوبي بقايا تثبت حدوث الانفجار العظيم، مما اضطر الأوساط العلمية إلى الاعتراف بصحة حدوثه· وكانت هناك أدلة أخرى تتعلق بالكميات النسبية للهيدروجين والهليوم الموجودة في الكون· إذ كشفت الحسابات أن نسبة غازي الهيدروجين والهليوم في الكون تتوافق مع الحسابات النظرية لما يفترض أن يتبقى بعد الانفجار العظيم· وقد أدى اكتشاف أدلة تحتم الاعتراف بنظرية الانفجار العظيم إلى حصول هذه النظرية على موافقة كاملة من الأوساط العلمية· ففي مقال نشر في عدد أكتوبر/ تشرين أول 1994 من مجلة ''العلوم الأمريكية'' Scientific American، أشارت المجلة إلى أن ''نموذج الانفجار العظيم كان النموذج الوحيد المعترف به في القرن العشرين''·وتوالت الاعترافات الواحد تلو الآخر من أسماء دافعت عن فكرة ''الكون اللامحدود'' لسنوات· فقد قام دينيس سكياما Dennis Sciama، المدافع عن نظرية الحالة المستقرة إلى جانب فريد هويل لسنوات، بوصف المأزق الذي وقعا فيه بعد اكتشاف الأدلة المؤيدة لنظرية الانفجار العظيم·لقد ذكر أنه وقف بجانب هويل في بادئ الأمر، ولكن نتيجة لتراكم الأدلة، فقد كان عليه أن يعترف بأن اللعبة قد انتهت، وبأنه يجب التخلي عن نظرية الحالة المستقرة·2 الله خلق الكون من العدمنتيجة للأدلة الوفيرة التي اكتشفها العلماء، ألقيت فرضية ''الكون اللامحدود'' في ركام نفايات تاريخ الأفكار العلمية· ومع ذلك، فقد توالى طرح المزيد من الأسئلة المهمة مثل: ما الذي كان موجودا قبل الانفجار العظيم؟ وما القوة التي استطاعت أن تحدث الانفجار العظيم الذي أدى إلى ظهور كون لم يكن موجودا من قبل؟ توجد إجابة واحدة للسؤال الخاص بما الذي كان موجودا قبل الانفجار(1/14)
العظيم: الله، القادر القوي، الذي خلق الأرض والسماء بنظام عظيم· لقد اضطر العديد من العلماء، سواء كانوا مؤمنين بالله أم غير مؤمنين به، إلى الاعتراف بهذه الحقيقة· وعلى الرغم من أنهم قد يرفضون الاعتراف بهذه الحقيقة على المنابر العلمية، فإن اعترافاتهم الموجودة بين السطور تفضح أمرهم· فقد قال الفيلسوف الملحد المعروف أنطوني فلو :Anthony Flew ''من المعروف أن الاعتراف يفيد الروح، لذا سوف أبدأ بالاعتراف بأن الملحد العنيد يجب أن يربكه الإجماع الكوني المعاصر· إذ يبدو أن علماء الكونيات يقدمون إثباتات علمية على ما رأى القديس توماس أنه لا يمكن إثباته فلسفياً؛ أي، أن للكون بداية· وطالما أمكن التفكير في الكون بشكل مريح بوصفه ليس فقط بدون نهاية ولكنه بدون بداية أيضا، يظل من السهل المجادلة بأن وجوده غير المنطقي، وسماته الأساسية الغالبة أيا كانت، لا بد من قبولها بوصفها التفسير النهائي لوجوده· وعلى الرغم من أنني أؤمن بأن ذلك لا يزال صحيحا، فإنه ليس من السهل بالتأكيد ولا من المريح الاستمرار على هذا الموقف في مواجهة قصة الانفجار العظيم''·3 كما اعترف بعض العلماء من أمثال الفيزيائي المادي البريطاني إتش· بي· ليبسون H. P. Lipson بأنهم مضطرون لقبول نظرية الانفجار العظيم سواء رغبوا في ذلك أم لم يرغبوا: ''إذا لم تنشأ المادة الحية نتيجة تفاعل الذرات، والقوى الطبيعية والإشعاع، فكيف نشأت؟ أنا أعتقد، مع ذلك، أننا ينبغي أن نعترف بأن التفسير الوحيد المقبول هو الخلق· أنا أعلم أن هذا أمر بغيض بالنسبة إلى الفيزيائيين، كما هي الحال بالتأكيد بالنسبة إليّ، ولكننا ينبغي ألا نرفض ما نكرهه إذا أيدته الأدلة التجريبية''·4وفي الختام، يشير العلم إلى حقيقة واحدة سواء شاء الماديون أم أبوا· لقد أوجد المادة والزمن خالق قادر، خلق السماء والأرض وكل ما بينهما؛ وهذا الخالق هو: الله القوي: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ(1/15)
وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا. الطلاق: ·12الإشارات القرآنيةبالإضافة إلى دوره في تفسير الكون، يحمل نموذج الانفجار العظيم مضمونا آخر مهما· فحسبما أشار أنطوني فلو فيما اقتُبس عنه أعلاه، لقد جزم العلم بشيء لم تدعمه حتى الآن سوى المصادر الدينية· وتتمثل الحقيقة التي تدافع عنها المصادر الدينية في واقع الخلق من العدم· وقد ورد ذلك في الكتب المقدسة التي كانت بمثابة المرشد للبشرية على مدى آلاف السنين· وفي جميع الكتب المقدسة مثل العهد القديم والعهد الجديد والقرآن الكريم، ورد أن الكون وكل شيء فيه قد خلقه الله من العدم· وفي الكتاب الوحيد الموحَى من الله، الذي نجا تماما من التحريف، أي القرآن الكريم، ورد ذكر خلق الكون من العدم وكيفية حدوث ذلك، الأمر الذي يشير إلى نظريات القرن العشرين على الرغم من أن القرآن قد نزل قبل أربعة عشر قرنا·في البداية، كشف القرآن الكريم عن ''خلق'' هذا الكون من ''العدم'' على النحو التالي: بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض······ الأنعام: ·101وقد كشف القرآن عن نقطة أخرى مهمة قبل أربعة عشر قرنا من الاكتشاف الحديث للانفجار العظيم والنتائج العلمية المتصلة به وهي أنه عندما خلق الكون، كان يشغل حجماً ضئيلاً جداً:أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ. الأنبياء: ·30ويظهر في هذه الآية اختيار مهم جدا للكلمات· ذلك أن كلمة رَتْق تعني في المعاجم العربية ''مختلط بعضه ببعض أو ممزوج''، وقد استخدمت للإشارة إلى مادتين مختلفتين تكوّنان كلا متكاملا· وفي اللغة العربية، يفهم من الفعل فَتَقَ أن شيئا ما قد نشأ نظراً لحدوث فصل أو(1/16)
تدمير في بنية الرتق· ويعتبر تبرعم حبة النبات أحد الأشياء التي ينطبق عليها هذا الفعل· والآن، دعونا نلق نظرة أخرى على الآية في ظل ما عرفناه توًّا · سنجد في الآية أن السماء والأرض كانتا في البداية في حالة رتق، ثم تم فتقهما من خلال خروج إحداهما من الأخرى· ومن المثير للاهتمام أن علماء الكونيات يتحدثون عن ''بيضة كونية'' ''cosmic egg'' كانت تتألف من جميع المواد الموجودة في الكون قبل الانفجار العظيم· وفي عبارة أخرى، كانت جميع السماوات والأرض داخل هذه البيضة في حالة الرتق· وقد انفجرت هذه البيضة الكونية بعنف وتسببت في فتق المواد الموجودة داخلها وشكلت في خضم هذا الانفجار بنية الكون بأكمله· وهناك مسألة أخرى في القرآن الكريم يمكن تفسيرها على أنها تشير إلى تمدد الكون، الذي تم اكتشافه في أواخر العشرينيات· فقد ظهر في القرآن اكتشاف >هابل< للانزياح الأحمر الذي يحدث في طيف ضوء النجوم على النحو التالي: وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ وإنَّا لَمُوسِعُونَ. الذاريات: ·47وباختصار، فإن نتائج البحوث العلمية الحديثة تشير، على نحو متزايد إلى الحقيقة الجلية في القرآن الكريم، ولا تدعم عقيدة الماديين· فقد يدعي الماديون أن كل هذا حدث ''مصادفة'' ولكن الحقيقة الواضحة هي أن الكون قد نشأ نتيجة عملية خلق تمت بإرادة الله سبحانه وتعالى· ومن ثم، توجد المعرفة الحقيقية الوحيدة حول أصل الكون في كلمة الله التي كشف لنا عنها·(1/17)
خلق المادة لحظة بلحظةلقد بينت نظرية الانفجار العظيم مرة أخرى أن الله جل جلاله خلق الكون من العدم· ويتضمن هذا الانفجار العظيم العديد من المراحل والتفاصيل الدقيقة، التي تحث المرء على التأمل فيها، وهذه الأمور لا يمكن تفسيرها من خلال المصادفة، إذ ينبغي أن تكون مقادير درجات الحرارة في كل لحظة من لحظات الانفجار وعدد الجسيمات الذرية والقوى ذات الصلة، وشداتها في منتهى الدقة· ذلك أنه لو كان حتى واحد فقط من هذه المقادير غير محدد، لما كان لهذا الكون الذي نعيش فيه اليوم أن يتكوَّن· ولم يكن هناك مفر من هذه النهاية لو انحرف أي من المقادير المذكورة أعلاه بأية قيمة تقترب رياضيا من ''الصفر''· وباختصار، لقد نشأ الكون ووحدات بنائه، أي الذرات، كنتيجة مباشرة للانفجار العظيم بعد انعدام وجودها قبل ذلك، وذلك بفضل التوازنات التي خلقها الله· وقد أجرى العلماء الكثير من البحوث لفهم التسلسل الزمني للأحداث التي وقعت أثناء هذه العملية وترتيب قواعد الفيزياء المؤثرة في كل مرحلة· وتتمثل الحقائق التي يعترف بها جميع علماء الوقت الحاضر الذين بحثوا في هذا الموضوع فيما يلي: اللحظة ''صفر'': هذه ''اللحظة'' التي لم يكن فيها وجود للمادة والزمن، والتي حدث فيها الانفجار، يقبلها العلماء في الفيزياء على اعتبار أن ن (الزمن) = صفر· ويعني ذلك أنه لم يكن هناك وجود لأي شيء عند الزمن ن = صفر· ولكي نتمكن من وصف المرحلة السابقة لنشوء هذه ''اللحظة'' التي بدأ فيها الخلق، ينبغي أن نعرف قواعد الفيزياء التي كانت موجودة آنذاك، لأن قوانين الفيزياء الحالية لا تفسر اللحظات الأولى من الانفجار·وتبدأ الأحداث التي قد تستطيع الفيزياء توضيحها بعد مرور 43-10 من الثانية، التي تعتبر أصغر وحدة زمنية· وتمثل هذه الوحدة إطارا زمنيا لا يستطيع العقل البشري إدراكه· ولكن ماذا حدث في هذه الفترة الزمنية القصيرة التي لا نستطيع حتى إدراكها؟ لم يتمكن(1/18)
الفيزيائيون حتى الآن من وضع نظرية تفسر بتفصيل كامل جميع الأحداث التي وقعت في تلك اللحظة،5 ذلك أن العلماء لا يمتلكون البيانات اللازمة لإجراء الحسابات· إذ يصل نطاق قواعد الرياضيات والفيزياء إلى طريق مسدود عند هذا الحد لأن ما حدث قبل اللحظات الأولى لهذا الانفجار وما حدث في تلك اللحظات، يعتمد في كل تفاصيله على توازنات دقيقة جدا، وله واقع يتخطى حدود العقل البشري والفيزياء· لقد أدى هذا الخلق، الذي بدأ قبل ظهور الزمن، لحظة بلحظة إلى تكوين العالم المادي وقوانين الفيزياء· والآن، دعونا نلق نظرة على الحوادث التي وقعت بدقة متناهية خلال فترة زمنية قصيرة للغاية أثناء هذا الانفجار· كما ذكرنا سابقا، يمكن حساب كل شيء فيزيائيا بدءا من 43-10 من الثانية وما يليها، ولا يمكن تعريف الطاقة والزمن إلا بعد هذه اللحظة· فعند هذه اللحظة من الخلق، كانت درجة الحرارة 1032 (100,000,000,000,000,000,000,000,000,000,000) كلفن· والآن، فلنعقد مقارنة، يتم التعبير عن درجة حرارة الشمس بملايين (810) الدرجات في حين يتم التعبير عن درجة حرارة بعض النجوم التي يفوق حجمها حجم الشمس بكثير ببلايين (1110) الدرجات· وبما أن أعلى درجة حرارة يمكن قياسها في الوقت الحاضر تنحصر في بلايين الدرجات، يتضح لنا مدى ارتفاع درجة الحرارة عند 43-10 من الثانية· وعندما نخطو خطوة أبعد من الفترة البالغة 43-10 من الثانية، نصل إلى اللحظة التي يكون فيها الزمن عند 37-10 من الثانية· وتجدر الإشارة هنا إلى أن الفترة الزمنية بين هاتين المدتين ليست ثانية أو ثانيتين، لأننا نتحدث عن فترة زمنية قصيرة في حدود واحد على كوادريليون مضروبا في كوادريليون من الثانية· وما زالت درجة الحرارة عالية بشكل غير عادي حيث بلغت 1029(100,000,000,000,000,000,000,000,000,000) كلفن· ولم تتكون أية ذرات بعد في هذه المرحلة·6(1/19)
خطوة أخرى وسنجد أنفسنا عند 2-10 من الثانية· تمثل هذه الفترة الزمنية جزءا من مائة جزء من الثانية· وبحلول هذا الوقت، تكون درجة الحرارة قد وصلت إلى 100 بليون درجة· وعند هذه المرحلة، يبدأ ''الكون البدائي'' ''early universe'' في التكوّن، ولكن جسيمات مثل البروتون والنيوترون التي تشكل نواة الذرة لم تظهر بعد· ولا يوجد سوى الإلكترون وجسيمه المضاد، البوزيترون positron (مضاد الإلكترون anti electron)، لأن درجة حرارة الكون وسرعته عند تلك اللحظة لا تسمح إلا بتكون هذه الجسيمات· وفي أقل من ثانية بعد حدوث الانفجار من العدم، تكونت الإلكترونات والبوزيترونات· منذ هذه اللحظة فصاعدا، يحظى توقيت تكون كل جسيم دون ذري sub-atomic particle بأهمية بالغة· ذلك أن كل جسيم يجب أن يظهر في لحظة معينة حتى يتسنى ترسيخ قواعد الفيزياء الحالية· ومن المهم جدا أن نحدد أي الجسيمات تكونت أولا، لأنه حتى أدنى انحراف عن التسلسل أو التوقيت كان من شأنه أن يجعل من المستحيل للكون أن يأخذ شكله الحالي· والآن، دعونا نتوقف ونفكّر قليلاً·تقدم نظرية الانفجار العظيم أدلة على وجود الله لأنها تبين أن كل المواد المؤلفة للكون نتجت من العدم· وقد فعلت النظرية أكثر من ذلك وأظهرت أن وحدات البناء - أي الذرات - نشأت أيضا من العدم بعد أقل من ثانية واحدة على حدوث الانفجار العظيم· وسنجد أن التوازن والنظام الهائلين في هذه الجسيمات جديران بالملاحظة، لأن الكون يدين بحالته الراهنة إلى هذا التوازن الذي سيتم وصفه بمزيد من التفصيل في الصفحات القادمة· إن هذا التوازن مرة أخرى هو الذي يسمح لنا بأن نحيا حياة هادئة· وباختصار، لقد تكون النظام المثالي والقوانين الثابتة، أي قوانين الفيزياء، بعد انفجار يتوقع عادة أن ينشأ عنه اضطراب وفوضى عارمة· ويثبت هذا أن كل لحظة بعد خلق الكون، بما في ذلك الانفجار العظيم، تم تصميمها بشكل مثالي· والآن، دعونا نستأنف تأمل(1/20)
التطورات من حيث توقفنا· الخطوة التالية هي اللحظة التي يكون قد انقضى عندها (1-10) ثانية من الوقت· في هذه اللحظة، تكون درجة الحرارة قد وصلت إلى (30) بليون درجة، ولم تنقضِ ولو ثانية واحدة من اللحظة ن = صفر حتى هذه المرحلة· وبحلول تلك اللحظة، تكون النيوترونات والبروتونات، التي هي جسيمات الذرة الأخرى، قد بدأت في الظهور· لقد خلقت النيوترونات والبروتونات، التي سنحلل تركيبها المثالي في الأقسام التالية، من العدم خلال فترة زمنية تقل حتى عن الثانية الواحدة· دعونا نصل إلى أول ثانية بعد الانفجار· إن الكثافة الضخمة في هذا الوقت تشكل مرة أخرى رقما هائلا· فوفقا للحسابات، يصل مقدار كثافة الكتلة الموجودة في تلك المرحلة إلى 3,8 بليون كيلوجرام لكل لتر· وقد يكون من السهل، حسابيا، التعبير عن هذا الرقم، المشار إليه ببلايين الكيلوجرامات، وكتابته على الورق· ولكن من المستحيل إدراك هذا الرقم بالضبط· ولإعطاء مثال بسيط جدا يعبر عن ضخامة هذا الرقم، يمكننا القول بأنه ''إذا كان لجبل إفرست في الهمالايا هذه الكثافة نفسها، سيكون باستطاعته أن يبتلع عالمنا في لحظة بقوة الجاذبية المتوفرة لديه''·7 تتمثل أكثر السمات تمييزا للحظات التالية في أنه بحلول ذلك الوقت، تكون درجة الحرارة قد وصلت إلى مستوى أقل بدرجة كبيرة· وفي تلك المرحلة، يكون عمر الكون تقريبا 14 ثانية، ودرجة حرارته 3 بلايين درجة، ويستمر في التمدد بسرعة رهيبة· وهذه هي المرحلة التي بدأ فيها تكوين النوى الذرية المستقرة، مثل نوى الهيدروجين والهليوم· عندئذ كانت الظروف مواتية لكي يوجد بروتون واحد مع نيوترون واحد، لأول مرة· لقد بدأ هذان الجسيمان، اللذان تقع كثافتهما عند الخط الفاصل بين الوجود واللاوجود، يقاومان - بسبب قوة الجاذبية - معدل التمدد الهائل· ومن الواضح أننا أمام عملية واعية وموجهة بشكل فائق· فقد أدى انفجار ضخم إلى ظهور توازن هائل ونظام دقيق· وقد بدأ(1/21)
تجمع البروتونات والنيوترونات معا لتكوين الذرة، وحدة بناء المادة· ومن المستحيل بالتأكيد أن تمتلك هذه الجسيمات القوة والوعي الضروريين لتكوين التوازنات الدقيقة اللازمة لتكوين المادة· وأثناء الفترة التالية لتكوين الذرة، انخفضت درجة حرارة الكون إلى بليون درجة· وتعادل درجة الحرارة هذه ستين ضعفا درجة الحرارة الموجودة في قلب شمسنا· ولم يمر سوى 3 دقائق وثانيتين منذ اللحظة الأولى حتى هذه اللحظة· وبحلول ذلك الوقت، أصبحت جسيمات دون ذرية مثل الفوتون photon، والبروتون، ومضاد البروتون anti proton، والنيوترينو neutrino، ومضاد النيوترينو anti neutrino متوافرة بكثرة· وتجدر الإشارة هنا إلى أن كميات جميع الجسيمات الموجودة في هذه المرحلة وتفاعلاتها مع بعضها البعض تقوم بدور حاسم جدا، لدرجة أن أقل تغيير في كمية أي جسيم سيدمر مستوى الطاقة الذي تحدده هذه الجسيمات ويمنع تحول الطاقة إلى مادة· ولنأخذ الإلكترونات والبوزيترونات على سبيل المثال: عندما تتجمع الإلكترونات والبوزيترونات معا، تنتج طاقة· لذا، تحظى أعداد كلا الجسيمين بأهمية بالغة· ولنقل إن 10 وحدات من الإلكترونات اجتمعت مع 8 وحدات من البوزيترونات· في هذه الحالة، تتفاعل 8 وحدات من وحدات الإلكترونات العشر مع 8 وحدات من البوزيترونات وتنتج طاقة· ونتيجة لذلك، تتحرر وحدتان من الإلكترونات· وبما أن الإلكترون هو أحد الجسيمات المكونة للذرة التي تعتبر وحدة بناء الكون، يجب أن يكون الإلكترون متوافرا بالكميات اللازمة في هذه المرحلة كي ينشأ الكون· وفي المثال السابق، إذا كان عدد البوزيترونات أكثر من عدد الإلكترونات، ستتبقى البوزيترونات بدلا من الإلكترونات نتيجة للطاقة المحررة ولم يكن الكون المادي ليتكون مطلقا· وإذا كانت أعداد البوزيترونات والإلكترونات متساوية، فلن ينتج شيء غير الطاقة ولن يتبقى شيء لتكوين الكون المادي· ومع ذلك، فإن هذه الزيادة في عدد(1/22)
الإلكترونات تم ترتيبها بطريقة تضاهي عدد البروتونات في الكون عند الزمن التالي لهذه اللحظة· وسنجد في الذرة، التي ستتكون لاحقا، أن أعداد الإلكترونات والبروتونات متساوية· لقد تحددت أعداد الجسيمات الناتجة عن الانفجار العظيم من خلال حسابات دقيقة، أدت في النهاية إلى تكوين الكون المادي· ويعلق الأستاذ ستيفين وينبيرج Steven Weinberg على الدور الحاسم الذي يقوم به التفاعل بين هذه الجسيمات: ''لو كان الكون في الدقائق الأولى القليلة مؤلفا حقا من أعداد متساوية تماما من الجسيمات والجسيمات المضادة، لكانت كل هذه الأعداد قد دُمرت نتيجة لانخفاض درجة الحرارة إلى أقل من 1,000 مليون درجة، ولما تبقَّى شيء غير الإشعاع· ويوجد دليل مقنع جدا ضد إمكانية حدوث ذلك؛ فنحن موجودون هنا! ولا بد أنه كانت هناك زيادة في عدد الإلكترونات عن البوزيترونات، وفي عدد البروتونات عن مضادات البروتونات، وفي عدد النيوترونات عن مضادات النيوترونات، لكي يتبقى شيء بعد تدمير الجسيمات والجسيمات المضادة يستطيع أن يقدم مادة الكون الحالي''·8لقد مرت 34 دقيقة و40 ثانية في المجمل منذ البداية· إن عمر كوننا الآن نصف ساعة· لقد انخفضت درجة الحرارة من بلايين الدرجات إلى 300 مليون درجة· وما زالت الإلكترونات والبوزيترونات تنتج الطاقة من خلال التصادم ببعضها البعض· وبحلول هذا الوقت، كان قد حدث توازن في كميات جسيمات تكوين الكون بالقدر الذي يسمح بتكون الكون المادي· وبمجرد تباطؤ معدل الانفجار، تبدأ هذه الجسيمات، التي تكاد تكون منعدمة الكتلة، في التفاعل مع بعضها البعض· وتتكون أول ذرة هيدروجين عند استقرار إلكترون واحد في مدار البروتون· ويقودنا هذا التكوين إلى القوى الأساسية التي سنقابلها عادة في الكون· ويستحيل بالتأكيد أن تكون هذه الجسيمات، التي تنتج عن تصميم يفوق الإدراك البشري بكثير وتتسم بتركيبات مميزة تقوم على توازنات غاية في الدقة، قد تجمعت مع(1/23)
بعضها البعض عن طريق المصادفة، وعملت على تحقيق الهدف نفسه· ونتيجة لهذا الكمال، توصل العديد من العلماء الذين يعملون في هذا الموضوع إلى استنتاج مهم جدا وهو: أن هذه العملية هي عملية ''خلق''، تتم تحت إشراف منقطع النظير في كل لحظة· ومن المفترض أن يتكون كل جسيم ينشأ بعد الانفجار في وقت محدد، ودرجة حرارة محددة، وسرعة محددة· ويبدو أن هذا النظام، الذي يعمل تقريبا مثل الساعة ذات الزنبرك المعبأ، قد تمت برمجته بموالفة دقيقة قبل أن يبدأ عمله· ويعني هذا أن الانفجار العظيم والكون المثالي الذي نشأ نتيجة لهذا الانفجار قد تم تصميمه قبل بدء الانفجار ثم بدأ بعد ذلك تنفيذه· إن الإرادة التي ترتب الكون وتصممه وتتحكم فيه هي بالتأكيد إرادة الله سبحانه وتعالى، خالق كل شيء· ويمكن ملاحظة هذا التصميم ليس فقط في الذرة، ولكن في كل شيء في الكون، مهما كبر حجمه أو صغر· وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الجسيمات، التي اندفعت في البداية بعيدا عن بعضها البعض بسرعة الضوء، لم تتسبب في تكوين ذرات الهيدروجين فحسب، بل تسببت أيضا في نشوء جميع النظم الهائلة التي يشتمل عليها الكون اليوم، هذا بالإضافة إلى الذرات والجزيئات والكواكب والشموس والنظم الشمسية والمجرات والكوازارات (نقط إشعاع خارج المجرات)، إلخ، وفقا لخطة رائعة وبنظام وتوازن متقنين· وفي حين يعد من المستحيل أن تتجمع الجسيمات المطلوبة لتكوين الذرة مع بعضها البعض وأن تضع لنفسها التوازنات الدقيقة بالمصادفة، فإن ما يعد أبعدَ كثيرا عن العقل والمنطق الادعاء بأن الكواكب والمجرات، وباختصار جميع النظم التي توفر العوامل المساعدة لتسيير الكون تتكون بالمصادفة، وتضع التوازنات اللازمة بنفسها· ذلك أن الإرادة التي تضع هذا التصميم الفريد هي إرادة الله، خالق الكون كله· لقد تكونت ذرات أخرى بعد ذرة الهيدروجين، التي تعتبر معجزة في حد ذاتها· وفي هذه المرحلة، تطرأ على الذهن أسئلة متنوعة(1/24)
مثل: ''كيف تكونت الذرات الأخرى؟ ولماذا لم تقم كل البروتونات والنيوترونات بتكوين ذرة الهيدروجين فقط؟ وكيف قررت الجسيمات ماهية الذرات التي سوف تكونها وبأية كميات؟'' تقودنا الإجابة على هذه الأسئلة مرة أخرى إلى الاستنتاج نفسه؛ هناك قوة وتحكم وتصميم ضخم في تكوين ذرة الهيدروجين وكل الذرات الأخرى التي تلتها· ويتخطى هذا القدر من التحكم والتصميم طاقة العقل البشري ويشير إلى الحقيقة الواضحة التي تتمثل في أن الكون ''مخلوق''·وتجدر الإشارة هنا إلى أن قوانين الفيزياء التي وضعت نتيجة للانفجار العظيم لم تتغير على الإطلاق خلال السبع عشرة بليون سنة تقريبا التي مرت على نشوء الكون· وعلاوة على ذلك، فإن هذه القوانين مبنية على حسابات دقيقة للغاية حتى إن أدنى انحراف مليمتري عن قيمها الحالية يمكن أن يتسبب في نتائج تفسد التركيب والنظام العامين في الكون بأكمله· وتثير كلمات الفيزيائي الشهير (ستيفان هوكنج) Stephen Hawking حول هذه النقطة قدرا كبيرا من الاهتمام· إذ يرى (هوكنج) في تفسيره لهذه الظواهر أنها تستند إلى حسابات أدق كثيرا مما يمكن أن نتخيل: ''لو كان معدل التمدد بعد ثانية واحدة من الانفجار العظيم أصغر حتى ولو بمقدار جزء واحد من مائة ألف مليون مليون جزء، لانهار الكون قبل أن يصل إلى حجمه الحالي''·9 ويتضح من الانفجار العظيم، المبني على مثل هذه الحسابات الدقيقة، أن الزمان والمكان والمادة لم ينشأوا تلقائيا، بل خلقهم الله سبحانه وتعالى· ومن المستحيل تماما أن تقع الأحداث المذكورة سابقا وأن تؤدي إلى تكوين الذرة، وحدة بناء الكون، نتيجة للمصادفة البحتة· ولا يوجد ما يدعو للدهشة في أن العديد من العلماء الذين يبحثون في هذا الموضوع قد اعترفوا بوجود قوة جبارة لا حدود لها قامت بخلق الكون· ويفسر عالم الفيزياء الفلكية المعروف (هيو روس Hugh Ross (كيف أن خالق الكون يفوق كل الأبعاد: ''إن الزمن، بطبيعة الحال، هو ذلك(1/25)
البعد الذي تحدث فيه ظاهرة السبب والنتيجة· وبدون الزمن، لن يكون هناك سبب ولا نتيجة· وإذا توافقت بداية الزمن مع بداية الكون، وفقا لنظرية الزمان والمكان، ينبغي أن يكون السبب في ظهور الكون كيانا يعمل في بعد زمني مستقل تماما عن البعد الزمني للكون وسابق لوجوده ··· ويخبرنا هذا أن الخالق يعلو فوق الوجود المادي، ويعمل وراء حدود الأبعاد الكونية· ويخبرنا أيضا أن الله ليس الكون نفسه، وأن الله لا يحتويه الكون''· 10ويتمثل أهم جانب من جوانب الانفجار العظيم في أنه يعطي البشرية فرصة أفضل لفهم قوة الله· ويعتبر نشوء الكون من العدم بكل المادة التي يحويها أحد أعظم العلامات الدالة على قدرة الله· كما يعتبر التوازن الدقيق في الطاقة عند لحظة الانفجار علامة كبيرة جدا توجهنا نحو التفكير في علم الله الذي لا حدود له·القوى الأساسية في الكونلقد ذكرنا من قبل أن قوانين الفيزياء في الكون قد نشأت بعد الانفجار العظيم· وتستند هذه القوانين إلى ''القوى الأساسية الأربعة'' المعروفة في الفيزياء الحديثة اليوم· وقد تكونت هذه القوى مع تكون أول جسيمات دون ذرية في أزمنة محددة بدقة بعد الانفجار العظيم مباشرة لكي تشكل كل ترتيبات الكون ونظمه· وتدين الذرات، التي يتألف منها الكون المادي، بوجودها وتوزيعها المنتظم بدقة عبر الكون لتفاعل هذه القوى· وهذه القوى هي: قوة جذب الكتل المعروفة باسم القوة التجاذبية gravitational force، والقوة الكهرومغناطيسية electromagnetic force، والقوة النووية الشديدة strong nuclear force، والقوة النووية الضعيفة weak nuclear force. وتتسم كل واحدة من هذه القوى بشدة مميزة ومجال مؤثر· ولا تعمل القوى النووية الشديدة والضعيفة إلا عند النطاق دون الذري· وتقوم القوتان المتبقيتان - القوة التجاذبية والقوة الكهرومغناطيسية- بالتحكم في تجمعات الذرات، وفي عبارة أخرى في ''المادة''· وقد نتج نظام الأرض الخالي من(1/26)
العيوب عن التناسب بالغ الدقة لهذه القوى· وبإجراء مقارنة بين هذه القوى ستظهر نتيجة مثيرة للغاية، وهي أن كل المادة التي نشأت وتشتتت عبر الكون بعد الانفجار العظيم تشكلت نتيجة لتأثير هذه القوى التي تختلف فيما بينها اختلافات شاسعة· ومبين أدناه، بوحدات القياس المعيارية الدولية، مقادير هذه القوى المختلفة المدهشة: تسمح هذه القوى الأساسية بتكوين العالم المادي من خلال توزيع كامل للقوة· ويرتكز هذا التناسب بين القوى إلى توازن دقيق جدا يمكِّن هذه القوى من تحقيق الأثر اللازم على الجسيمات من خلال هذه النسب المحددة فقط·(1/27)
.1القوة العملاقة في النواة: القوة النووية الشديدةلقد استعرضنا حتى الآن كيفية خلق النواة لحظة بلحظة والتوازنات الدقيقة الفاعلة في هذا الخلق· ورأينا أن كل شيء حولنا، بما في ذلك أنفسنا، يتكون من ذرات، وأن هذه الذرات مؤلفة من جسيمات عديدة· ما هي إذن تلك القوة التي تحافظ على تماسك كل هذه الجسيمات المكونة لنواة الذرة؟ إن هذه القوة، التي تحافظ على النواة سليمة، والتي تعتبر أشد قوة عرفتها قوانين الفيزياء، هي ''القوة النووية الشديدة''· وتضمن هذه القوة بقاء البروتونات والنيوترونات مع بعضها البعض في نواة الذرة دون أن تتطاير بعيدا· وتتكون نواة الذرة بهذه الطريقة· وهذه القوة من الشدة بمكان بحيث إنها تكاد تجعل البروتونات والنيوترونات تلتصق ببعضها البعض داخل النواة· ولهذا السبب يطلق على الجسيمات الدقيقة التي تمتلك هذه القوة اسم ''gluon'' وهي تعني ''اللصق'' باللاتينية· وقد ضبطت قوة الربط هذه بدقة بالغة، إذ تم ترتيب شدة هذه القوة بشكل دقيق للإبقاء على مسافة معينة بين البروتونات والنيوترونات· فلو كانت هذه القوة أشد قليلا، لتصادمت البروتونات والنيوترونات مع بعضها البعض· أما لو كانت هذه القوة أضعف قليلا، لتشتتت البروتونات والنيوترونات· لقد بلغت هذه القوة القدر المناسب اللازم لتكوين نواة الذرة بعد الثواني الأولى من الانفجار العظيم· وتبين لنا تفجيرات هيروشيما وناجازاكي كيف يمكن أن تصبح القوة النووية الشديدة مصدرا للتدمير بمجرد تحريرها· والسبب الوحيد الذي يجعل القنابل الذرية، التي سيتم استعراضها بمزيد من التفصيل في الفصول القادمة، بهذا القدر من الفعالية هو تحرر كميات صغيرة جدا من هذه القوة المختبئة داخل نواة الذرة· ·2 حزام أمان الذرة: القوة النووية الضعيفةإن أحد أهم العوامل في استمرار النظام على الأرض هو التوازن الموجود داخل الذرة· إذ يضمن هذا التوازن عدم انهيار الأشياء فجأة وعدم انبعاث أشعة(1/28)
ضارة منها· وتتحمل ''القوة النووية الضعيفة'' مسؤولية الحفاظ على هذا التوازن بين البروتونات والنيوترونات داخل نواة الذرة· وتؤدي هذه القوة دورا مهما في الحفاظ على توازن النوى التي تحتوي على أعداد عالية من النيوترونات والبروتونات· وإذا تمت المحافظة على هذا التوازن، يمكن أن يتحول النيوترون، إذا لزم الأمر، إلى بروتون· وبما أن عدد البروتونات في النواة يتغير في نهاية هذه العملية، فإن الذرة تتغير معه أيضا وتصبح ذرة مختلفة· وهنا، تكون النتيجة في غاية الأهمية؛ لأن الذرة تتحول إلى ذرة أخرى مختلفة دون أن تتفتت وتستمر في الحفاظ على وجودها· ويحمي حزام الأمان هذا الكائنات الحية من الأخطار التي كانت ستنشأ لولا وجوده من جراء تحرر الجسيمات بشكل غير قابل للسيطرة ومؤذ للبشر· ·3 القوة التي تُبقي الإلكترونات في المدار: القوة الكهرومغناطيسيةلقد بشر اكتشاف هذه القوة بمقدم عصر جديد في عالم الفيزياء· فقد تبين بعد ذلك أن كل جسيم يحمل ''شحنة كهربائية'' وفقا لخصائصه التركيبية، وأن هناك قوة بين هذه الشحنات الكهربائية تجعل الجسيمات ذات الشحنات الكهربائية المتناقضة تنجذب نحو بعضها البعض وتجعل الجسيمات ذات الشحنات المتشابهة تتنافر عن بعضها البعض، ومن ثم يضمن ذلك أن البروتونات الموجودة في نواة الذرة والإلكترونات التي تتحرك في المدارات حولها ستنجذب نحو بعضها البعض· وبهذه الطريقة، تبقى ''النواة'' و''الإلكترونات''، وهما العنصران الأساسيان في الذرة، مع بعضهما البعض· إن أدنى تغيير في شدة هذه القوة من شأنه أن يؤدي إلى انطلاق الإلكترونات بعيدا عن النواة أو إلى وقوعها داخلها· وفي كلتا الحالتين، سيؤدي ذلك إلى استحالة وجود الذرة، وبالتالي، استحالة وجود الكون المادي· ومع ذلك، فمنذ اللحظة الأولى التي تكونت فيها هذه القوة، قامت البروتونات الموجودة داخل النواة بجذب الإلكترونات بالقوة المطلوبة بالضبط لتكوين الذرة بفضل(1/29)
قيمة هذه القوة· ·4 القوة المسؤولة عن تماسك الكون: القوة التجاذبيةعلى الرغم من أن هذه القوة هي القوة الوحيدة التي نستطيع إدراكها عادة، فإنها هي أيضا القوة التي نعرف عنها أقل قدر من المعلومات· وعادة ما نطلق على هذه القوة اسم الجاذبية، في حين أنها تسمى في الواقع ''قوة جذب الكتل'' .''mass attraction force'' وعلى الرغم من أن هذه القوة هي أقل القوى شدة مقارنة بالقوى الأخرى، فإن الكتل الكبيرة جدا تنجذب بواسطتها نحو بعضها البعض· وهذه القوة هي السبب في بقاء المجرات والنجوم الموجودة بالكون في مدارات بعضها البعض· ومرة أخرى، تظل الأرض والكواكب الأخرى تدور في مدار معين حول الشمس بمساعدة هذه القوة التجاذبية· كما أننا نتمكن من المشي على الأرض بسبب هذه القوة· ولو حدث انخفاض في قيمة هذه القوة، لسقطت النجوم، ولانتُزعت الأرض من مدارها، ولتشتتنا نحن عن الأرض في الفضاء· وفي حال حدوث أدنى زيادة في قيمة هذه القوة تتصادم النجوم ببعضها البعض، وتصطدم الأرض بالشمس، وننجذب نحن نحو القشرة الأرضية· وقد يبدو لك أن احتمالات حدوث تلك الأشياء بعيدة جدا الآن، ولكنها ستكون حتمية لو انحرفت هذه القوة عن قيمتها الحالية ولو حتى لفترة قصيرة جدا من الوقت· ويعترف كل العلماء الذين يجرون بحوثا حول هذا الموضوع أن القيم المحددة بدقة لهذه القوى الأساسية تعتبر من العوامل الحاسمة في وجود الكون· وعندما تناول هذه النقطة عالم البيولوجيا الجزيئية الشهير مايكل دنتون Michael Denton، أشار في كتابه ''قدر الطبيعة: كيف تكشف قوانين البيولوجيا الغاية من الكون ''How the Laws of Biology Reveal Purpose in the Universe Nature's Destiny ''(1/30)
إلى أنه: ''لو كانت، على سبيل المثال، القوة التجاذبية أقوى تريليون مرة، لكان الكون أصغر بكثير، ولكان تاريخ حياته أقصر بكثير· ولكانت كتلة أي نجم عادي أقل تريليون مرة من الشمس ولبلغت دورة حياته نحو سنة واحدة· ومن ناحية أخرى، لو كانت الجاذبية أقل قوة، لم تكن أية نجوم أو مجرات لتتكون على الإطلاق· وليست العلاقات والقيم الأخرى أقل خطرا· فلو كانت القوة الشديدة أضعف قليلا، لكان الهيدروجين هو العنصر الوحيد المستقر ولما تمكنت أية ذرات أخرى من الوجود· ولو كانت القوة الشديدة أقوى قليلا مقارنة بالقوة الكهرومغناطيسية، لأصبحت النواة الذرية المكونة من بروتونين فقط سمة ثابتة في الكون - ويعني ذلك انعدام وجود الهيدروجين - وإذا نشأت أية نجوم أو مجرات، ستكون مختلفة جدا عن شكلها الحالي· ومن الواضح أنه لو لم تكن لهذه القوى والثوابت المختلفة قيمها الحالية بالضبط، لما كانت هناك أية نجوم، أو نجوم متفجرة فائقة الوهج supernova، أو كواكب، أو ذرات، أو حياة''·11وقد عبر الفيزيائي المعروف بول ديفيز Paul Davies عن إعجابه بالقيم المقدرة سلفا لقوانين الفيزياء في الكون: ''عندما يلجأ المرء لدراسة علم الكونيات، يزداد لديه الميل إلى الشك· ولكن الاكتشافات الأخيرة فيما يتعلق بالكون البدائي تضطرنا إلى القبول بأن الكون المتمدد قد بدأ في حركته بتعاون يتسم بدقة مثيرة للدهشة''·12 ... ويسود الكون كله تصميم فائق وتنظيم متقن يقومان على أساس توفر هذه القوى الأساسية· ومالك هذا النظام هو، دون شك، الله سبحانه وتعالى، الذي خلق كل شيء من العدم دون أية عيوب· وإذا تأملنا قليلا سنجد أن الله، رب العالمين، يبقي النجوم في مداراتها بأضعف القوى، ويبقي على توازن نواة الذرة الدقيقة بأشد القوى· وتعمل كل القوى وفقا ''للحدود'' التي قدرها الله· وقد أشار الله إلى النظام الموجود في خلق الكون والتوازنات ''المقدرة بمنتهى الدقة'' في إحدى آياته:(1/31)
الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا. الفرقان: ·2الفصل الثانيتركيب الذرةإن الهواء والماء والجبال والحيوانات والنباتات وجسمك والكرسي الذي تجلس عليه، وباختصار، كل شيء تراه، وتلمسه، وتشعر به من أثقل الأشياء إلى أخفها مكون من ذرات· وتشتمل كل صفحة من صفحات الكتاب الذي تمسك به في يدك على بلايين الذرات· والذرات هي جسيمات دقيقة جدا يستحيل أن يراها المرء حتى باستخدام أقوى الميكروسكوبات· ويبلغ قطر الذرة نحو جزء من مليون جزء من المليمتر· ولا يمكن للإنسان أن يتصور هذا الحجم· لذلك، دعونا نحاول أن نفسره بمثال· تخيل أنك تحمل مفتاحا في يدك· لا شك في أنك من المستحيل أن ترى الذرات الموجودة في هذا المفتاح· وإذا قلت إنك ينبغي أن ترى الذرات، فيجب عليك حينئذ أن تكبر المفتاح الموجود في يدك حتى يصل إلى حجم العالم· وبمجرد أن يصبح المفتاح الموجود في يدك بحجم الأرض، تكون كل ذرة من الذرات الموجودة داخل المفتاح بحجم حبة الكرز·13 دعونا نضرب مثالاً آخر لفهم مدى دقة الذرات وكيف أن كل مكان وكل شيء مليء بالذرات: لنفترض أننا نريد أن نحصي جميع الذرات الموجودة في حبة ملح واحدة، ولنفترض أيضا أننا قادرون أن نحصي بليون (1,000,000,000) ذرة في الثانية· على الرغم من مهارتنا الكبيرة، فإننا نحتاج إلى أكثر من خمسمائة سنة لنحصي عدد الذرات الموجودة داخل حبة الملح بالغة الصغر·14 إذن، ماذا يوجد داخل هذه البنية الصغيرة؟ على الرغم من أن حجم الذرة صغير جدا، فإنها تحتوي على نظام فريد ومعقد وخال من الأخطاء يمكن مقارنته من حيث التطور بالنظام الذي نراه في الكون ككل· وتتكون كل ذرة من نواة وعدد من الإلكترونات تتحرك في أغلفة مدارية تبعد مسافة كبيرة جدا عن النواة· وتوجد داخل النواة جسيمات أخرى تسمى البروتونات(1/32)
والنيوترونات· وفي هذا الفصل، سنلقي نظرة على التركيب غير العادي للذرة التي تمثل أساس كل شيء حي وغير حي، وسنرى كيف تتجمع الذرات لتكون جزيئات وفي النهاية، مادة· القوة الخفية في النواةتوجد النواة في وسط الذرة بالضبط وتتألف من عدد معين من البروتونات والنيوترونات حسب خصائص تلك الذرة· ويبلغ نصف قطر النواة نحو جزء من عشرة آلاف جزء من نصف قطر الذرة· وللتعبير عن ذلك بالأعداد، يبلغ نصف قطر الذرة 8-10 (0,00000001) سم، في حين يبلغ نصف قطر النواة 12-10 (0,000000000001) سم· ومن ثم، يساوي حجم النواة جزءا من عشرة بلايين جزء من حجم الذرة· وبما أننا لا نستطيع أن نتصور هذا الاتساع (من الأفضل أن نقول: الدقة)، دعونا نرجع إلى مثالنا الخاص بحبة الكرز· فلنبحث عن النواة داخل الذرات التي تصورناها في حجم حبة الكرز عندما تم تكبير المفتاح الموجود في يدك حتى أصبح في حجم الأرض· ولكن مثل هذا البحث لن يكون مجديا، لأنه حتى بهذا المقياس، يستحيل علينا تماما أن نرى النواة، التي ما زالت صغيرة جدا· وإذا أردنا حقا أن نراها، يجب علينا أن نغير المقياس مرة أخرى· إذ ينبغي أن تتمدد حبة الكرز التي تمثل ذرتنا مرة أخرى وتصبح في حجم كرة قطرها مائتا متر· وحتى بهذا المقياس الذي لا يصدق، لن يزيد حجم نواة ذرتنا عن حجم حبة غبار صغيرة جدا·15 وعندما نقارن نصف قطر النواة البالغ 12-10 سم بنصف قطر الذرة البالغ 8 10-سم، سنصل إلى النتيجة التالية: إذا افترضنا أن الذرة كرة وأردنا أن نملأ هذه الكرة كلها بالنوى، فسنحتاج إلى 15-10 (0,000000000000001) نواة· 16 ومع ذلك، يوجد شيء آخر أكثر إثارة للدهشة؛ فعلى الرغم من أن حجم النواة يساوي جزءا من عشرة بلايين جزء من حجم الذرة، فإن كتلة النواة تشكل 99,95% من كتلة الذرة· كيف يعقل أن شيئا يكاد يشكل كتلة معينة بأكملها، في حين أنه، من ناحية أخرى، لا يكاد يشغل أي حيز؟السبب يكمن في أن الكثافة المكونة(1/33)
لكتلة الذرة ليست موزعة بالتساوي على الذرة بأكملها، وهو ما يعني أن كتلة الذرة كلها تقريبا مجمعة في النواة· فلنقل أن لديك منزلا مساحته 10 بلايين متر مربع وأنك مضطر لأن تضع جميع أثاث المنزل في غرفة مساحتها متر مربع واحد· هل تستطيع أن تفعل ذلك؟ بالطبع لن تستطيع· ولكن النواة الذرية تستطيع أن تفعل ذلك بفضل قوة هائلة لا تشبه أية قوة أخرى في الكون· وهذه القوة هي ''القوة النووية الشديدة''، إحدى القوى الأساسية الأربع في الكون التي ذكرناها في الفصل السابق· لقد أشرنا إلى أن هذه القوة، أشد القوى في الطبيعة، تحافظ على النواة سليمة وتمنعها من التجزؤ إلى قطع صغيرة· إذ إن جميع البروتونات في النواة شحناتها موجبة، ومن ثم فهي تتنافر عن بعضها البعض بسبب القوة الكهرومغناطيسية· ومع ذلك، تصبح هذه القوة الكهرومغناطيسية بلا فعالية نتيجة للقوة النووية الشديدة، التي هي أقوى 100 مرة من القوة التنافرية بين البروتونات، وهكذا تظل البروتونات متماسكة· ولتلخيص ما سبق، توجد قوتان عظميان تتفاعلان مع بعضهما البعض داخل الذرة التي هي من الصغر بمكان بحيث يتعذر علينا رؤيتها· وتستطيع النواة أن تحافظ على تماسكها ككل بفضل القيم الدقيقة لهاتين القوتين· وعندما نتأمل حجم الذرة وعدد الذرات الموجودة في الكون، يستحيل علينا ألا نلاحظ وجود قدر هائل من التوازن والتصميم الفعالين· ومن الجلي للغاية أن القوى الأساسية في الكون قد خلقت بطريقة خاصة جدا وبقدر عظيم من الحكمة والقوة· ولا يلجأ أولئك الذين يرفضون الإيمان بالله إلى أكثر من الادعاء بأن كل هذه الأشياء قد نشأت نتيجة ''مصادفات''· ومع ذلك، فإن الحسابات العلمية للاحتمالات تضع ''صفرًا'' لاحتمال نشوء التوازنات الموجودة في الكون ''بالمصادفة''· وتعتبر كل هذه الأشياء أدلة واضحة على وجود الله وكمال خلقه· ···وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ. سورة الأنعام: 80(1/34)
الفراغ داخل الذرةكما ذكرنا آنفا، يتكون الجزء العظيم من الذرة من الفراغ· وهذا يدعو الجميع إلى التفكير في السؤال نفسه: لماذا يوجد مثل هذا الفراغ؟ دعونا نفكر· تتكون الذرة، بتعبيرات بسيطة، من نواة تدور حولها إلكترونات، ولا يوجد شيء آخر بين النواة والإلكترونات· وفي الواقع، تعتبر هذه المسافة الميكروسكوبية ''التي لا يوجد فيها شيء'' مسافة كبيرة بالمقياس الذري· ويمكننا أن نضرب مثلا على هذا المقياس على النحو التالي: إذا كانت بِلْية صغيرة قطرها سنتيمتر واحد تمثل الإلكترون الأقرب إلى النواة، ستكون النواة على بعد كيلومتر واحد من هذه البِلْيَة·17 ويمكننا أن نستشهد بالمثال التالي لتوضيح هذا الحجم بشكل أكبر في أذهاننا: ''يوجد فراغ كبير بين الجسيمات الأساسية· وإذا اعتبرتُ بروتون نواة ذرة الأكسجين هو رأس الدبوس الموجود على الطاولة أمامي، فسيرسم الإلكترون الذي يدور حوله دائرة تمر بهولندا وألمانيا وأسبانيا (يعيش كاتب هذه السطور في فرنسا)· ومن ثم، إذا تجمعت كل الذرات المكونة لجسدي معا بحيث أصبحت متقاربة إلى حد تستطيع معه ملامسة بعضها البعض، لن تتمكن من رؤيتي أبدا· وفي الواقع، لن تتمكن أبدا من رؤيتي بالعين المجردة، لأنني سأكون آنذاك في صغر جسيم الغبار الدقيق الذي يبلغ حجمه بضع أجزاء من ألف جزء من المليمتر''·18وعند هذه النقطة، ندرك أن هناك تشابها بين أكبر الفراغات المعروفة في الكون وأصغرها· فعندما ندير أعيننا نحو النجوم، نرى مرة أخرى فراغا مشابها للفراغ الموجود في الذرات، إلا أن الفراغات الموجودة بين النجوم وبين المجرات تبلغ بلايين الكيلومترات· ومع ذلك، يسود في كلا هذين النوعين من الفراغات نظام يتخطى حدود فهم العقل البشري· داخل الذرة: البروتونات والنيوتروناتكان يُعتقد، حتى عام ،1932 أن النواة تتكون فقط من البروتونات والإلكترونات· واكتشف بعد ذلك أن ما يوجد في النواة إلى جانب البروتونات ليس(1/35)
إلكترونات بل نيوترونات· (أثبت العالم الشهير تشادويك Chadwick في عام 1932 وجود النيوترونات داخل النواة وحصل على جائزة نوبل عن اكتشافه هذا)· وهكذا لم تتعرف البشرية على التركيب الحقيقي للذرة حتى هذا التاريخ القريب· لقد ذكرنا من قبل مدى صغر نواة الذرة· ويبلغ حجم البروتون القادر على أن يُوَجد داخل النواة الذرية 15-10 مترا· وقد تعتقد أن مثل هذا الجسيم الصغير ليس له أي مغزى في حياة المرء· ومع ذلك، فإن هذه الجسيمات التي تعد من الصغر بمكان بحيث لا يمكن للعقل البشري أن يدركها هي التي تشكل أساس كل شيء تراه حولك· مصدر التنوع في الكونلقد تم تعيين 109 عناصر حتى الآن· وتجدر الإشارة إلى أن الكون كله، وأرضنا، وجميع الكائنات الحية وغير الحية تتكون نتيجة ترتيب المائة والتسعة عناصر هذه في اتحادات متنوعة· وقد رأينا، حتى هذا الحد، أن جميع العناصر مؤلفة من ذرات تشبه بعضها البعض وتتألف، بدورها من الجسيمات نفسها· ولكن، إذا كانت جميع الذرات التي تتكون منها العناصر مؤلفة من الجسيمات نفسها، فما الذي يجعل العناصر تختلف عن بعضها البعض ويتسبب في تكوين مواد متنوعة لا حدود لها؟ إن عدد البروتونات في نوى الذرات هو الذي يفرق أساسا بين العناصر· إذ يوجد بروتون واحد في ذرة الهيدروجين، أخف العناصر، وبروتونان في ذرة الهليوم، ثاني أخف العناصر، و79 بروتونا في ذرة الذهب، و8 بروتونات في ذرة الأكسجين، و26 بروتونا في ذرة الحديد· ومن ثم، فإن ما يفرق الذهب عن الحديد والحديد عن الأكسجين ببساطة هو اختلاف أعداد البروتونات في ذراتها· ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الهواء الذي نتنفسه وأجسادنا والنباتات والحيوانات والكواكب في الفضاء والأشياء الحية وغير الحية والمر والحلو والصلب والسائل وكل شيء في هذا الكون ··· يتألف في النهاية من بروتونات ونيوترونات وإلكترونات·(1/36)
الخط الفاصل للوجود المادي: الكواركاتحتى 20 عاما مضت، كان الاعتقاد السائد أن أصغر الجسيمات التي تتألف منها الذرات هي البروتونات والنيوترونات· ولكن اكتُشف، في وقت قريب جدا، أن في الذرة جسيمات أصغر بكثير تقوم بتكوين الجسيمات المذكورة آنفا· وقد أدى هذا الاكتشاف إلى ظهور فرع في الفيزياء يسمى ''فيزياء الجسيمات'' ''Particle Physics'' يبحث في ''الجسيمات دون الذرية'' ''sub-particles'' الموجودة داخل الذرة وحركاتها المحددة· وقد كشفت البحوث التي أجريت في فيزياء الجسيمات أن البروتونات والنيوترونات التي تتألف منها الذرة تتكون فعليا من جسيمات دون ذرية تسمى ''الكواركات'' ''quarks''. ولا بد أن نذكر هنا أن أبعاد الكواركات المكونة للبروتون، الذي يتخطى في صغر حجمه كل قدرات العقل البشري على التخيل، تثير قدرا أكبر من الدهشة: 18-10 (0,000000000000000001) متراً· ولا يمكن أبدا للكواركات الموجودة داخل البروتونات أن تنفصل عن بعضها البعض لمسافات كبيرة جدا لأن ''القوة النووية الشديدة'' المسؤولة عن المحافظة على تماسك الجسيمات داخل النواة تمتد فعاليتها إلى هناك أيضا، إذ تعمل هذه القوة كشريط مطاطي بين الكواركات؛ فكلما زادت المسافة بين الكواركات، زادت أيضا هذه القوة بحيث لا يستطيع أي كواركين أن يبتعدا عن بعضهما البعض لأكثر من جزء من كوادريليون جزء من المتر· وتتكون هذه الشرائط المطاطية بين الكواركات بواسطة جلوونات gluons تمتلك القوة النووية الشديدة· ويوجد تفاعل قوي جدا بين الكواركات والجلوونات· ومع ذلك، لم يتمكن العلماء حتى الآن من اكتشاف كيفية حدوث هذا التفاعل· وهناك بحوث يتم إجراؤها حاليا في مجال ''فيزياء الجسيمات'' للكشف عن عالم الجسيمات دون الذرية· ولكن، على الرغم من كل الذكاء، والوعي، والمعرفة الموجودة لدى البشرية، فإننا لم نتمكن إلا مؤخرا من اكتشاف الجسيمات الأساسية الحقيقية التي تكون كل شيء، بما في(1/37)
ذلك أنفسنا· وفضلا عن ذلك، كلما نقبنا في هذه الجسيمات، زادت التفاصيل المرتبطة بهذا الموضوع، مما يضعنا في موقف حرج عند حدود أبعاد الكواركات التي تبلغ 18-10 مترا· إذن، ما الذي يوجد وراء هذه الحدود؟ يقترح العلماء اليوم فرضيات متنوعة لهذا الموضوع، ولكن كما ذكرنا آنفا، يعتبر هذا الحد أبعد مرحلة تم التوصل إليها حتى الآن في الكون المادي· ولا يمكن التعبير عن كل الأشياء الموجودة وراء هذه النقطة إلا بوصفها طاقة، وليست مادة· ولكن النقطة المهمة فعلا هي أن الإنسان يجد، في موقع لم يتمكن من اكتشافه إلا في وقت قريب جدا، رغم كل الوسائل التكنولوجية الموجودة تحت تصرفه، توازنات وقوانين فيزيائية هائلة تعمل فعليا مثل الساعة· وعلاوة على ذلك، يوجد هذا الموقع داخل الذرة، التي تشكل وحدة بناء كل المادة الموجودة في الكون، والبشر كذلك·لقد بدأ الإنسان في وقت قريب جدا في التعرف على الآلية المتقنة التي تعمل دون توقف في أعضاء جسمه وأجهزته· وهو لم يكتشف آليات الخلايا المكونة لهذه التركيبات إلا منذ بضعة عقود فقط· ولكن الخلق الفائق الجلي في الذرات الموجودة في أساس الخلايا، والبروتونات والنيوترونات داخل الذرات، والكواركات داخل هذه الجسيمات يصل إلى درجة من الإتقان تثير ذهول الجميع، سواء كانوا من المؤمنين بالله أم من غير المؤمنين به· وتتمثل النقطة الأساسية التي يجب التأمل فيها هنا في أن كل هذه الآليات المتقنة تعمل بطريقة منتظمة في كل ثانية طوال حياة الإنسان، دون أي تدخل منه، ودون أن تخضع لسيطرته بتاتا· ومن الحقائق البديهية لكل من يستخدم ضميره وحكمته أن كل هذه الآليات قد خلقها الله سبحانه وتعالى، مالك القوة والعلم الفائقين، وأنها خاضعة له: يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ· فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ.
سورة الرحمن: 29-30 .(1/38)
الجانب الآخر من الذرات: الإلكتروناتالإلكترونات هي جسيمات تدور حول نواة الذرة مثلما تدور الأرض حول محورها وحول الشمس أيضا· وتحدث عملية الدوران هذه، الشبيهة بتلك التي تقوم بها الكواكب، بشكل متواصل وبطريقة متقنة في مسارات تسمى المدارات· ولكن التناسب بين حجم الأرض والشمس مختلف تماما عن المقياس الذري· فلنعقد مقارنة بين حجم الإلكترونات وحجم الأرض: إذا قمنا بتكبير الذرة حتى تصل إلى حجم الأرض، سيكون الإلكترون في حجم التفاحة·19 إن عشرات الإلكترونات التي تدور في مساحة من الصغر بمكان بحيث تتعذر رؤيتها حتى باستخدام أقوى الميكروسكوبات تتسبب في حركة مرور معقدة جدا داخل الذرة· ومن أكثر النقاط اللافتة للنظر هنا أن هذه الإلكترونات المحيطة بالذرة مثل درع من الشحنات الكهربائية لا تتعرض ولو لحادثة صغيرة· وفي الواقع، فإن أي حادث صغير داخل الذرة من شأنه أن يتسبب في حدوث كارثة بالنسبة إليها· ومع ذلك، لا يحدث مثل هذا الحادث مطلقا، وتسير العملية بأكملها دون أخطاء· ذلك أن الإلكترونات التي تدور حول النواة بسرعة مربكة للعقل تبلغ 1,000 كم/الثانية لا تتصادم أبدا ببعضها البعض· ومن المدهش حقا أن هذه الإلكترونات، التي لا تختلف عن بعضها البعض في شيء، تدور في مدارات منفصلة، ومن الواضح أن ذلك نتيجة ''خَلْق واع''· فلو كانت لهذه الإلكترونات كتل وسرعات مختلفة، فربما كان من الطبيعي بالنسبة إليها أن تستقر في مدارات مختلفة حول النواة· فعلى سبيل المثال، تسير الكواكب في نظامنا الشمسي وفقا لهذا المنطق، لأن من الطبيعي أن تستقر الكواكب ذات الكتل والسرعات المختلفة تماما في مدارات مختلفة حول الشمس· ولكن وضع الإلكترونات في الذرة مختلف تماما عن وضع تلك الكواكب· فالإلكترونات متشابهة تماماً ولكنها تدور في مدارات مختلفة حول النواة، ولكن كيف تتبع الإلكترونات هذه المسارات دون إخفاق؟ وكيف لا تصطدم ببعضها البعض على الرغم من(1/39)
أبعادها متناهية الصغر وسرعاتها المدهشة التي تتحرك بها؟ وتقودنا هذه الأسئلة إلى نقطة واحدة: تتجسد الحقيقة الوحيدة التي نواجهها في هذا النظام الفريد والتوازن الدقيق في الخلق المتقن الذي أبدعه الله سبحانه وتعالى· هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ . سورة الحشر: 24.
الإلكترونات هي جسيمات صغيرة تبلغ تقريبا جُزأَين من الألف من حجم النيوترونات والبروتونات· وتحتوي الذرة على العدد نفسه من الإلكترونات والبروتونات، ويحمل كل إلكترون شحنة سالبة (-) تساوي الشحنة الموجبة (+) التي يحملها كل بروتون· ويؤدي إجمالي الشحنات الموجبة (+) في النواة وإجمالي الشحنات السالبة (-) في الإلكترونات إلى إلغاء بعضها البعض فتصبح النواة متعادلة الشحنة· وتقوم الشحنة الكهربائية التي تحملها الإلكترونات بإجبارها على اتباع قوانين فيزيائية معينة· ويتمثل أحد القوانين الفيزيائية هذه في أن ''الشحنات الكهربائية المتشابهة تتنافر عن بعضها البعض والشحنات المتضادة تجذب بعضها البعض''·أولاً، في الظروف الاعتيادية، يتوقع من الإلكترونات، سالبة الشحنة، أن تتنافر عن بعضها البعض وفقا لهذه القاعدة وأن تنطلق بعيدا عن النواة· ولكن هذا لا يحدث· ذلك أنه إذا تناثرت الإلكترونات بعيدًا عن النواة، فسيتألف الكون من بروتونات، ونيوترونات، وإلكترونات عاطلة تجوب الفراغ· ثانيا، يتوقع من النواة موجبة الشحنة أن تجذب الإلكترونات سالبة الشحنة، ومن ثم تلتصق الإلكترونات بالنواة· وفي هذه الحالة، ستجذب النواة جميع الإلكترونات وتنفجر الذرة إلى الداخل· ومع ذلك، لا يحدث أي من تلك الأشياء· ذلك أن سرعات الإفلات غير العادية للإلكترونات المذكورة آنفا ( 1,000كم/ الثانية)، والقوة التنافرية التي تؤثر بها على بعضها البعض، وقوة الجذب التي تؤثر بها(1/40)
النواة على الإلكترونات مبنية على قيم دقيقة جدا تؤدي إلى توازن هذه القوى الثلاث المتضادة مع بعضها البعض بشكل متقن· ونتيجة لذلك، يعمل هذا النظام المدهش الموجود داخل الذرة دون أن ينهار· ولو كانت واحدة فقط من هذه القوى المؤثرة في الذرة أشد أو أضعف قليلا مما يجب أن تكون عليه، لما كان للذرة أي وجود·وبالإضافة إلى هذه العوامل، فلو لم يكن هناك وجود للقوى النووية التي تربط البروتونات والنيوترونات ببعضها البعض، لما تسنى حتى للبروتونات التي تحمل شحنات متساوية أن تقترب من بعضها البعض، ناهيك عن الارتباط ببعضها البعض داخل نواة· وبنفس الطريقة، لما تمكنت النيوترونات أبدا من الالتصاق بالنواة· ونتيجة لذلك، لما كانت هناك أية نواة، وبالتالي، أية ذرة· وتشير كل هذه الحسابات الدقيقة إلى أنه حتى الذرة الواحدة ليست عاطلة بل تتصرف تحت سيطرة كاملة من الله سبحانه وتعالى· ولو لم تكن الحال كذلك، لكان من الحتمي أن ينتهي الكون الذي نعيش فيه قبل أن يبدأ· وكانت هذه العملية ستأتي بنتائج عكسية منذ البداية ولم يكن الكون ليتكون· ومع ذلك، فقد وضع الله، خالق كل شيء، المقتدر القوي، توازنات دقيقة جدا داخل الذرة - شأنها شأن كل التوازنات الأخرى في الكون - ما زالت الذرة بفضلها مستمرة في الوجود بنظام متقن· لقد بذل العلماء أقصى جهودهم على مدى السنين لإيجاد حل لسر هذا التوازن الذي وضعه الله، وقد انتهوا إلى مجرد تحديد مسميات معينة لظواهر مرصودة مثل ''القوة الكهرومغناطيسية''، و''القوة النووية الشديدة''، و''القوة النووية الضعيفة''، و''قوة جذب الكتل'' ··· ولكن، كما ورد في مقدمة الكتاب، لم يفكر أي أحد في السؤال ''لماذا؟'' ··· لماذا تعمل هذه القوى عند شِدّات معينة وفقا لقواعد معينة؟ لماذا يوجد كل هذا التوافق الكبير بين هذه المجالات التي تخضع لهذه القوى، وشِدّاتها، والقواعد التي تتبعها؟ لقد أصيب العلماء باليأس في مواجهة كل هذه(1/41)
الأسئلة لأن كل ما يستطيعون فعله هو تخمين الترتيب الذي جرت به هذه الأحداث· ومع ذلك، فقد نشأت عن بحوثهم حقيقة غير قابلة للجدال ألا وهي: إن كل نقطة في الكون تكشف عن تدخل مالك الحكمة والإرادة الذي لا يترك حتى ذرة واحدة عاطلة· وتوجد قوة واحدة تبقي كل القوى مع بعضها البعض في توافق، وهذه القوة هي الله سبحانه وتعالى، مالك كل القدرة والقوة· ويبدي الله قوته أينما يشاء ووقتما يشاء· وهكذا، فإن بقاء الكون كله في الوجود، من أصغر الذرات إلى المجرات اللانهائية، مرهون فقط بمشيئة الله وحفظه· ويقول الله في محكم آياته إنه لا قوة غير قوته، ويبين عقاب أولئك الذين يفترضون، دون إدراك لهذا، أن مخلوقات الله التي لا حول لها ولا قوة (سواء كانت حية أو غير حية) تمتلك من دونه قوة وقدرة ذاتية، وينسبون لها صفات إلهية· وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ . سورة البقرة: 165.وحتى الآن، لم يستطع أي عالم أن يفسر سبب القوى الموجودة في الذرة ومصدرها، ومن ثم تلك الموجودة في الكون، والسبب في أن بعض القوى تعمل في ظروف معينة· ولا يفعل العلم شيئا غير تسجيل الملاحظات، والقياسات، وتعيين ''أسماء'' لها· وتعد مثل هذه ''التسميات'' اكتشافات عظيمة في دنيا العلوم· وفي الواقع، إن ما يقوم به العلماء ليس محاولة لتكوين توازن جديد في الكون أو بناء نظام جديد وإنما هو مجرد جهد لفهم سر التوازن الجلي في الكون وتوضيحه· وإن ما يفعله هؤلاء العلماء في الغالب هو مجرد رصد لواحدة من عجائب خلق الله في الكون، التي لا حصر لها، وتعيين اسم لها· ويحصل العلماء الذين يكتشفون نظاما أو تركيبا فائقا من خلق الله على جوائز علمية متنوعة،(1/42)
ويحظون باحترام الآخرين وإعجابهم· وفي هذه الحالة، فإن من يستحق الاحترام حقا هو، بلا شك، الله الرحمن الرحيم، الذي أوجد هذا النظام حينما كان عدما، وزوده بتوازنات بالغة الدقة، الله الذي يخلق معجزات غير عادية ولا نهاية لها·إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ .
سورة يونس: ·6
مدارات الإلكتروناتإن وجود عشرات الإلكترونات، التي تلف وتدور في منطقة لا يمكن ملاحظتها حتى باستخدام أقوى الميكروسكوبات، ينشأ عنه حركة مرورية معقدة داخل الذرة كما ذكرنا من قبل· ومع ذلك، تسير حركة المرور هذه بنظام بالغ يفوق أكثر حركات المرور نظاما داخل المدن ويجعلها فوق مستوى المقارنة بها· ولا تصطدم الإلكترونات ببعضها البعض أبدا، لأن لكل إلكترون مدارا منفصلا وهذه المدارات لا تلتقي عند نقطة مشتركة أبدا· وتوجد سبعة أغلفة إلكترونية حول نواة الذرة· وقد تم تحديد أعداد الإلكترونات في هذه الأغلفة الإلكترونية السبعة، التي لا تتغير أبدا، بواسطة معادلة رياضية هي: ·2n2 ومن خلال هذه المعادلة، يتحدد الحد الأقصى من الإلكترونات، الذي يمكن أن يوجد في كل غلاف إلكتروني محيط بالذرة· (يوضح الحرف n في المعادلة رقم الغلاف الإلكتروني.(إن الالتزام الدقيق للأعداد اللانهائية للأغلفة الإلكترونية للذرات المكونة للكون بنفس العدد من الإلكترونات وفقا للمعادلة 2n2 يعد دليلا على النظام· كما أن عدم حدوث أي فوضى داخل الذرة على الرغم من حركة الإلكترونات بسرعات لا تصدق يعد دليلا آخر على هذا النظام الفريد· ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يعزى هذا النظام إلى المصادفة· ويتمثل التفسير الوحيد لوجود هذا النظام في أن الله خلق كل شيء بنظام وتوافق لإظهار قدرته كما ورد في القرآن الكريم· ويشير الله جل جلاله في آيات القرآن إلى هذا النظام الذي خلقه: ·····قَدْ جَعَلَ اللَّهُ(1/43)
لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا. سورة الطلاق: 3.·····وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا. سورة الفرقان: 2.·····اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ· عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ. سورة الرعد: 8-9.وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ . سورة الحجر: 19.الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ . سورة الرحمن: 5.وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَان. سورة الرحمن: 7.وكما تكشف الآيات، فإن الله، رب العالمين، هو الذي يخلق كل شيء بنسب، ومقاييس، ونظم متقنة· وتشمل هذه النسب والمقاييس عالم الكائنات كله من أصغر الجسيمات دون الذرية إلى الأجرام السماوية العملاقة في الفضاء: أي النظم الشمسية والمجرات وكل شيء بينهما· وقد نشأ كل ذلك نتيجة لقدرة الله وعلمه وإبداعه وحكمته المطلقة· ويجلِّي الله سبحانه وتعالى صفاته للبشر فيما يخلقه من الكائنات والنظم بمقاييس ونظم وتوازنات متقنة· ويبدي قوته اللانهائية أمام أعيننا· هذه هي الحقيقة التي ينبغي أن يتوصل إليها الإنسان من خلال جميع البحوث والحسابات العلمية· موجة أم جسيم؟عندما اكتشفت الإلكترونات لأول مرة، كان يُعتقد أنها جسيمات مثل البروتونات والنيوترونات الموجودة في النواة· ولكن في التجارب اللاحقة، اكتشف أنها تظهر خصائص موجية مثل الجسيمات الضوئية، أي، الفوتونات photons. وفيما بعد، توصل فيزيائيو الكم إلى استنتاج بأن كل جسيم هو في الوقت نفسه شكل موجي له تردده المميز له· ومن المعروف أن الضوء ينتشر بطريقة شبيهة بانتشار الموجات الصغيرة التي تتكون على سطح الماء عند إلقاء حجر في بحيرة· ومع ذلك، يحمل الضوء أحيانا خصائص جسيم المادة ويظهر في شكل نبضات متفرقة ومتقطعة مثل قطرات المطر الساقطة على(1/44)
زجاج النافذة· وقد لوحظ أن الإلكترون لديه أيضا هذه الطبيعة المزدوجة، مما أدى إلى حدوث ارتباك كبير في دنيا العلوم· وبفضل الكلمات التالية لريتشارد فينمان Richard Feynman، أستاذ الفيزياء النظرية الشهير، اختفى كل هذا الارتباك: ''نحن نعرف الآن كيف تتصرف الإلكترونات والضوء· ولكن ماذا يمكنني أن أسمي ذلك؟ إذا قلت إنهما يتصرفان مثل الجسيمات فسأعطي انطباعا خاطئا؛ وكذلك الحال إذا قلت إنهما يتصرفان مثل الموجات· ذلك أنهما يتصرفان بطريقة فريدة خاصة بهما، يمكن أن تُسمّى تقنيا بالطريقة الكمية الميكانيكية· فهما يتصرفان بطريقة لم يُر مثلها قط ··· فالذرة لا تتصرف مثل ثقل متدل من زنبرك يتذبذب، كما أنها لا تتصرف مثل صورة مصغرة من النظام الشمسي مع وجود كواكب صغيرة تدور في مدارات· وهي أيضا لا تبدو مثل نوع من سحاب أو ضباب يحيط بالنواة· إنها تتصرف بطريقة لم يُر مثلها قط· ويوجد إيضاح واحد لذلك على الأقل، وهو أن الإلكترونات تتصرف في هذا الصدد بالطريقة نفسها التي تتصرف بها الفوتونات بالضبط؛ فكلاهما يتصرف بغرابة، ولكن بنفس الطريقة بالضبط· لذلك، يتطلب إدراك طريقة تصرفهما قدرا كبيرا من التخيل، لأننا سنصف شيئا مختلفا عن أي شيء عرفته في حياتك''·21ونتيجة لعجز العلماء التام عن تفسير سلوك الإلكترونات، فقد أطلقوا، كحل للمعضلة، اسماً جديداً على هذا السلوك هو: ''الحركة الكمية الميكانيكية'' ''Quantum Mechanical Motion''. دعونا نستشهد مرة أخرى بالأستاذ فينمان الذي يوضح في الكلمات التالية الطبيعة غير العادية لهذا السلوك وما يحس به من رهبة تجاه هذا السلوك: ''لا تظل تقول لنفسك، إذا كان باستطاعتك أن تتجنب ذلك، ''ولكن كيف يمكن أن تسير الأمور كذلك؟'' لأنك ''ستضيع وقتك هباء''، وستدخل نفسك في زقاق مظلم لم يفلت منه أحد حتى الآن· لا أحد يعرف كيف يمكن أن تسير الأمور كذلك''·22 ولكن الزقاق المظلم الذي يشير إليه فينمان هنا ليس(1/45)
كذلك في الواقع· إذ يكمن السبب الذي يجعل بعض الأشخاص غير قادرين أبدا على اكتشاف مخرج من هذه الورطة في أنه على الرغم من كثرة الأدلة، فإنهم لا يستطيعون أن يتقبلوا أن هذه النظم والتوازنات المدهشة قد أوجدها الله جل جلاله· والوضع في غاية الوضوح؛ فقد خلق الله سبحانه وتعالى الكون عندما كان عدما، وزوده بتوازنات غير عادية، وأوجده دون أن يستعين بأي مثال سابق· ''كيف يمكن أن تسير الأمور كذلك؟'' ··· تكمن الإجابة على سؤال العلماء هذا، الذي يتعذر حله، وفهمه، في حقيقة أن الله هو خالق كل شيء وأنه لا يمكن أن يوجد أي شيء في الكون إلا بأمره ''كن!''بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ . سورة البقرة: 117.العالم مليء بألوان تفتَحُ الإلكتروناتُ بواباتِهاهل فكرت في أي وقت من الأوقات كيف ستكون الحال لو أنك عشت في عالم بدون ألوان؟ حاول أن تتخيل جسدك، الناس المحيطين بك، البحار، السماء، الأشجار، الزهور، باختصار، كل شيء أسود· إنك لن ترغب أبدا في العيش في عالم كهذا، أليس كذلك؟ ولكن، ما الذي يجعل الأرض غنية بالألوان؟ ما الذي يؤدي إلى نشوء الألوان، التي تضفي على عالمنا جمالا غير عادي؟توجد خصائص معينة في طبيعة المادة تسمح لنا بإدراك الأجسام بالألوان· إذ تتكون الألوان نتيجة طبيعية لحركات معينة للإلكترونات داخل الذرة· وهنا قد تسأل نفسك: ''وما علاقة حركات الإلكترونات بالألوان؟'' دعونا نفسر هذه العلاقة باختصار: لا تدور الإلكترونات في غير أغلفتها الإلكترونية· وقد ذكرنا من قبل أن هناك سبعة أغلفة إلكترونية· ولكل غلاف إلكتروني مستوى محدد من الطاقة، يختلف حسب بُعد الغلاف عن النواة· وكلما اقترب الغلاف الإلكتروني من النواة، قلت طاقة إلكتروناته· وكلما ابتعد الغلاف عن النواة، زادت طاقة إلكتروناته· ولكل غلاف إلكتروني ''أغلفة فرعية'' ''sub-shells''، تتحرك فيما بينها(1/46)
إلكترونات هذا الغلاف باستمرار· ويحتاج الإلكترون إلى طاقة خارجية لكي يستطيع أن ينتقل إلى الخارج بين الأغلفة· ويتمثل مصدر هذه الطاقة في ''الفوتون''· وبعبارات بسيطة، الفوتون هو ''جسيم ضوئي''· وكل نجم في الكون هو مصدر للفوتونات· ويتجسد أهم مصدر للفوتونات في عالمنا، بالطبع، في الشمس· وتنتشر الفوتونات من الشمس في جميع أرجاء الفضاء بسرعة 300,000كم في الثانية· وعندما تصطدم هذه الفوتونات القادمة إلى الأرض من الشمس بذرات الأجسام الموجودة على الأرض، تبدأ إلكترونات الذرات أحيانا في الانتقال· وإذا استطاعت الإلكترونات القادرة على الانتقال بمساعدة هذه الطاقة أن ترتفع إلى غلاف ذي مستوى طاقة أعلى ثم تعود بعد ذلك إلى غلافها الأصلي، عندئذ ينبعث منها فوتون يقوم بتشكيل اللون الذي سيقابل أعيننا· وتجدر الإشارة إلى أن كل عملية من هذه العمليات التي أوجزناها في الجمل القليلة المذكورة آنفاً ظلت مستمرة منذ بدء الخليقة دون انقطاع· وتعمل كل خطوة بانتظام وفقا لخطة عظيمة· وإذا لم يعمل جزء واحد فقط من هذا التفاعل القائم بين الإلكترونات والفوتونات، فسينتج عن ذلك كون مظلم بلا ألوان· دعونا مرة أخرى نعدد هذه الخطوات التي يجب أن تعمل وفقا للخطة الموضوعة حتى يتكون كون مُلوَّن بدلا من كون مظلم· - ينتشر الضوء القادم من الشمس إلى الأرض في شكل جسيمات فوتونية تنتشر حول الأرض وتصطدم بذرات المواد· - لا تستطيع الفوتونات أن تتنقل لمسافة طويلة داخل الذرات، فتصطدم بالإلكترونات التي تدور حول النواة· - تمتص الإلكترونات هذه الفوتونات التي تصطدم بها· - عندما تكتسب الإلكترونات طاقة الفوتونات التي تمتصها، تقفز إلى غلاف آخر ذي مستوى أعلى من الطاقة· - تحاول هذه الإلكترونات أن تعود إلى حالاتها الأصلية· - وأثناء رجوعها إلى أغلفتها الأصلية، تُطلق فوتونات مشحونة بالطاقة· - تحدد هذه الفوتونات التي تُطلقها الإلكترونات لون ذلك الجسم·(1/47)
وتلخيصا لما سبق، يتشكل لون الجسم في الواقع من مزيج من هذه الجسيمات الضوئية التي يمتصها هذا الجسم ثم يطلقها وتصل إلى أعيننا· وتجدر الإشارة هنا إلى أن لون الجسم - الذي لا ينبعث منه هو نفسه ضوء بل يعكس الضوء الذي يحصل عليه من الشمس - يعتمد على كل من الضوء الذي يحصل عليه والتغيير الذي يُحدثه في هذا الضوء· وإذا كان الجسم المنار بالضوء الأبيض يظهر ''أحمر'' اللون، فإن ذلك يرجع إلى أنه يمتص جزءا كبيرا من المزيج الذي يصل إليه من أشعة الشمس وينبعث منه اللون الأحمر فقط· وعندما نقول ''يمتص''، فإننا نعني التالي: كما ذكرنا من قبل، فإن كل غلاف إلكتروني تتبعه أغلفة فرعية وإلكترونات تنتقل بين هذه الأغلفة الفرعية· ويقابل كل غلاف مستوى محدد من الطاقة، وتحمل الإلكترونات أقصى قدر من الطاقة يسمح به مستوى طاقة الغلاف الذي تدور فيه· وتتسم الأغلفة الأبعد مسافة عن النواة بمستوى أعلى من الطاقة· وعندما يتوفر حيز لإلكترون واحد في غلاف أعلى، يختفي الإلكترون فجأة، ثم يعاود الظهور مرة أخرى في الغلاف الفرعي الذي يتسم بمستوى أعلى من الطاقة· ولكن لكي يقوم الإلكترون بهذه الخطوة، يجب أن يرفع مستوى طاقته إلى المستوى المطلوب في الغلاف الذي سيقفز إليه· ويزيد الإلكترون من مستوى طاقته عن طريق امتصاص (ابتلاع) الجسيمات الفوتونية القادمة من الشمس· ويمكننا أن نوضح الموقف أكثر بضرب بضعة أمثلة· دعونا نتأمل فراشة مورفو Morpho Butterfly. تقوم الأصباغ الموجودة على الفراشة بامتصاص ضوء الشمس كله ولكنها تعيد إطلاق اللون الأزرق فقط· وعندما تصل جسيمات الضوء الخاصة بهذا اللون المنعكس إلى شبكية العين، تتحول إلى إشارات كهربائية بواسطة الخلايا المخروطية الموجودة في الشبكية بحيث يتم إدراكها بوصفها لونا أزرق ثم تنتقل إلى الدماغ· وفي النهاية، يتكون اللون الأزرق في الدماغ· ويعني هذا أن لون الجسم يتوقف على خصائص الضوء المنبعث من مصدر(1/48)
الضوء وكمية الضوء التي يقوم الجسم موضع البحث بإعادة إطلاقها· فمثلا، لون الفستان يختلف تحت ضوء الشمس عنه في المتجر· وإذا كان دماغنا يدرك جسما بوصفه أسود، فإن هذا يعني أن ذلك الجسم يمتص كل الضوء القادم من الشمس ولا يعكس منه شيئا إلى الخارج· وبنفس الطريقة، إذا عكس الجسم كل الضوء القادم من الشمس ولم يمتص منه أي جزء، يدركه دماغنا بوصفه أبيض· وفي هذه الحالة، تتمثل النقاط التي تحتاج إلى دراسة متأنية فيما يلي: ·1 يتوقف لون الجسم على خصائص الضوء المنبعث من مصدر الضوء··2 يتوقف لون الجسم على رد فعل إلكترونات الجزيئات الموجودة في تركيبه، من حيث نوع الضوء الذي ستمتصه هذه الإلكترونات والنوع الذي لن تمتصه· ·3 يتوقف لون الجسم على كيفية إدراك دماغنا للفوتون الذي يصطدم بالشبكية·دعونا نتوقف هنا ونفكر مرة أخرى· إن الإلكترونات التي تدور بسرعة مدهشة حول نواة الذرة، التي هي عبارة عن مادة أصغر من أن ترى بالعين المجردة، تختفي فجأة من أغلفتها وتقفز إلى مكان آخر يسمى الغلاف الفرعي· ولا بد أيضا من وجود فراغ على الغلاف الفرعي ليستوعب هذه الوثبة· وتحصل الإلكترونات على الطاقة التي تحتاجها أثناء هذه العملية عن طريق امتصاص الفوتونات، ثم تعود مرة أخرى إلى مداراتها الأصلية· وأثناء هذه العملية، تتكون الألوان التي تدركها العين البشرية· وبالإضافة إلى ذلك، فإن الذرات التي يتم التعبير عن أعدادها بآلاف البلايين تظل تقوم بهذه العملية كل لحظة، وبفضل هذه العملية نستطيع أن نرى ''صورة'' غير متقطعة·ولا يمكن مقارنة هذه الآلية الرائعة بطريقة عمل أية آلة من صنع الإنسان· فعلى سبيل المثال، تتميز الساعة في حد ذاتها بآلية معقدة جدا، وينبغي أن توضع كل أجزاء الساعة (التروس، والأقراص، والمسامير الملولبة، والصواميل، إلخ) في الأماكن الصحيحة وبالطريقة الصحيحة لكي تعمل الساعة كما ينبغي· وأصغر مشكلة في هذه الآلية تؤدي إلى إعاقة عمل(1/49)
الساعة· ولكن، عندما نفكر في تركيب الذرة وآلية عمل الإلكترونات المذكورة آنفا، فإننا ندرك بشكل أفضل بساطة تركيب الساعة· وكما قلنا، تتسم آلية الإلكترونات بقدر فائق من التعقيد، والإتقان، والخلو من العيوب بحيث لا يمكن مقارنتها بأي نظام من صنع الإنسان· ولا يوجد أدنى شك في أن وجود نظام بهذا القدر من التعقيد المربك للذهن وعمله بمنتهى الإتقان لم يحدث تلقائيا نتيجة المصادفة، كما يدعي العلماء الماديون· ودعونا الآن نطرح السؤال التالي: إذا رأيت أثناء سيرك في الصحراء ساعة ملقاة تعمل على سطح الأرض، هل ستعتقد أن هذه الساعة قد تكونت من الغبار والرمال والتراب والأحجار بمحض المصادفة؟ لن يعتقد أحد ذلك، لأن دقة التصميم والحكمة المستخدمة في الساعة واضحة جدا· ومع ذلك، فإن التصميم والحكمة الموجودين في ذرة واحدة، كما ذكرنا آنفا، يفوقان على نحو لا يضاهَى نظيريهما في أية آلة من صنع الإنسان· ومالك هذه الحكمة هو الله، صاحب العلم الأعلى، الذي يعلم، ويرى، ويخلق كل شيء· لقد خلق الله في كل ''مكان'' ما يمكن أن نراه وما لا يمكن أن نراه بإبداع فني لا حدود له، ومنَّ علينا بنعم سخرها لخدمتنا، سواء أدركنا وجودها أم لم ندرك· لقد لفت التقدم العلمي انتباهنا إلى موضوع الألوان بكل تفاصيله وتعقيداته التي لم نكن نعرف عنها شيئا من قبل، ولم نشعر بالحاجة لمعرفة شيء عنها· ولا يمكن إنكار أن التقدم والتطور العلميين لا بد أن يقودا كل من يستخدم حكمته وضميره إلى الإيمان بوجود الله· وعلى الرغم من ذلك، فما زال هناك أشخاص ينكرون الحكمة والإبداع الفني الفائق الملاحَظ في كل مكان من الكون· لقد أبدى العالم المعروف، لوي باستور Louis Pasteur، ملاحظة مشوقة حول هذا الموضوع، إذ قال: ''إن قلة العلم تبعدك عن الله ولكن كثرته تجذبك إليه''·23وكلما تعلم الإنسان المزيد عن أمثلة الخلق المحيطة به، أدرك بشكل أفضل أن الله محيط به من كل اتجاه، فالله(1/50)
هو الذي يدبر الأمور في السماء والأرض، ويتحكم في كل شيء· وسيفهم الإنسان أيضا أن حياته إلى نهاية بالتأكيد وأنه سيُسأل عن كل شيء فعَله على هذه الأرض· وكلما ألمَّ المؤمن بالظواهر التي لا حصر لها التي تحدث حوله، ازداد إكباره لعلم الله· ويمثل هذا الإكبار خطوة مهمة جدا على الطريق الذي يجعله يدرك بقدر الإمكان قدرة الله وقوته اللانهائيتين ويخشى الله على النحو المطلوب· وقد ورد ذلك في القرآن الكريم: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ. سورة فاطر: 27-28.----------الفصل الثالثالخطوة الثانية في الطريق إلى المادة: الجزيئاتما الذي يجعل الأشياء التي تراها حولك تختلف عن بعضها البعض؟ ما الذي يميز ألوانها، وأشكالها وروائحها ومذاقاتها؟ لماذا تكون إحدى المواد ناعمة والأخرى صلبة والثالثة سائلة؟ استنادا إلى ما قرأته حتى الآن، فقد تجيب على هذه الأسئلة بقولك: ''إن الاختلافات الموجودة بين ذراتها هي السبب في ذلك''· ولكن هذه الإجابة غير كافية، لأنه لو كانت الذرات هي السبب في تلك الاختلافات، لكان يجب أن تكون هناك بلايين الذرات التي تحمل خواص مختلفة عن بعضها البعض· ومن الناحية العملية، لا تسير الأمور على هذا النحو· إذ إن هناك مواد عديدة تبدو مختلفة وتحمل خواص مختلفة على الرغم من احتوائها على الذرات نفسها· ويرجع السبب في ذلك إلى اختلاف الترابطات الكيميائية التي تكونها الذرات فيما بينها لكي تصبح جزيئات· وتعتبر الجزيئات الخطوة الثانية بعد الذرات في الطريق إلى المادة· وتمثل الجزيئات أصغر الوحدات(1/51)
التي تحدد الخواص الكيميائية للمادة· وتتكون هذه الأجسام الصغيرة من ذرتين أو أكثر، وبعضها يتكون من آلاف المجموعات من الذرات· وتتماسك الذرات ببعضها البعض داخل الجزيئات بواسطة ترابطات كيميائية تحددها قوة الجذب الكهرومغناطيسية، مما يعني أن هذه الترابطات تتكون على أساس الشحنات الكهربائية للذرات· وتتحدد الشحنات الكهربائية للذرات، بدورها، بواسطة الإلكترونات الموجودة على الغلاف الخارجي· ويؤدي ترتيب الجزيئات في اتحادات مختلفة إلى تنوع المادة الذي نراه حولنا· وتبرز عند هذه النقطة بالذات أهمية الترابطات الكيميائية التي تشكل جوهر تنوع المادة·(1/52)
الترابطات الكيميائيةكما فسرنا آنفا، تتكون الترابطات الكيميائية من خلال حركة الإلكترونات في الأغلفة الإلكترونية الخارجية للذرات· وتميل كل ذرة إلى ملء غلافها الخارجي بأقصى عدد من الإلكترونات تستطيع أن تستوعبه· وأقصى عدد من الإلكترونات يمكن أن تحتفظ به الذرة في أغلفتها الخارجية هو (8) إلكترونات· وللوصول إلى هذا العدد، إما أن تستقبل الذرات إلكترونات من ذرات أخرى لتستكمل الثمانية إلكترونات في أغلفتها الخارجية، وإما أن يكون لديها عدد أقل من الإلكترونات في أغلفتها الخارجية، فتعطيها لذرة أخرى، مما يؤدي إلى تكوين غلاف فرعي تم استكماله من قبل في مداراته الخارجية· ويعتبر ميل الذرات إلى تبادل الإلكترونات القوة الأساسية المحرضة على الترابطات الكيميائية التي تكونها فيما بينها·وتجدر الإشارة إلى أن هذه القوة الدافعة - أي هدف الذرات المتمثل في زيادة عدد الإلكترونات في أغلفتها الخارجية إلى الحد الأقصى - تحث الذرة على تكوين ثلاثة أنواع من الترابطات مع الذرات الأخرى، هي: الترابط الأيوني ionic bond، والترابط التساهمي covalent bond، والترابط المعدني metallic bond. وفي العادة، تعمل بين الجزيئات ترابطات خاصة تندرج تحت العنوان العام ''الترابطات الضعيفة weak bonds وتتسم هذه الترابطات بأنها أضعف من الترابطات التي تكونها الذرات من أجل تشكيل الجزيئات، لأن الجزيئات تحتاج إلى مزيد من التركيبات المرنة لتشكيل المادة· دعونا الآن نبحث، باختصار، في خواص هذه الترابطات وكيفية تكونها· الترابطات الأيونيةتقوم الذرات المتحدة بواسطة هذا الترابط بمقايضة الإلكترونات فيما بينها لتصل بعدد الإلكترونات في أغلفتها الخارجية إلى ثمانية إلكترونات· وتقوم الذرات التي لديها ما يصل إلى أربعة إلكترونات في أغلفتها الخارجية بإعطاء هذه الإلكترونات إلى الذرة التي ستتحد معها، أي التي ستترابط معها· في حين تقوم الذرات التي لديها أكثر من(1/53)
أربعة إلكترونات في أغلفتها الخارجية باستقبال الإلكترونات من الذرات التي ستترابط معها· وتتميز الجزيئات التي تتكون نتيجة لهذا النوع من الترابطات بتركيبات بلورية (تكعيبية)· وتجدر الإشارة إلى أن جزيئات ملح الطعام المألوف (كلوريد الصوديوم) هي من بين المواد التي تتكون بواسطة هذه الرابطة· ولكن، ما سبب وجود هذا الميل لدى الذرات؟ وماذا كان يحدث لو لم يكن لديها هذا الميل؟ حتى اليوم، لا يمكن تعريف الترابطات التي تكونها الذرات إلا بعبارات عامة جدا· ولم يُفهم حتى الآن السبب في تقيد الذرات بهذا المبدإ· هل يمكن أن يكون السبب هو أن الذرات قررت بنفسها أن عدد الإلكترونات في أغلفتها الخارجية يجب أن يكون ثمانية؟ بالقطع لا، ذلك أن حدوث سلوك بمثل هذا القدر من الحسم يتخطى قدرات الذرة، لأنها لا تملك أي ذكاء أو إرادة أو وعي· ويعتبر هذا العدد مفتاحا لاتحاد الذرات من أجل تكوين الجزيئات التي تشكل الخطوة الأولى في خلق المادة وخلق الكون في النهاية· ولو لم يكن لدى الذرات مثل هذا الميل وفقا لهذا المبدإ، لما كان هناك وجود للجزيئات، وبالتالي، للمادة· ولكن، منذ اللحظة الأولى لخلق الذرات وهي تعمل بفضل هذا الميل على تكوين الجزيئات والمادة بطريقة متقنة· الترابطات التساهميةواجه العلماء الذين درسوا الترابطات بين الذرات وضعا مشوقا· ففي حين أن بعض الذرات تقايض الإلكترونات من أجل تكوين الترابطات، يتقاسم البعض الآخر الإلكترونات في أغلفته الخارجية· وقد كشف المزيد من البحث أن العديد من الجزيئات التي تحظى بأهمية حاسمة في الحياة تدين بوجودها إلى هذه الترابطات ''التساهمية''· دعونا نعطي مثالا بسيطا لتفسير الترابطات التساهمية بشكل أفضل· كما ذكرنا آنفا في موضوع الأغلفة الإلكترونية، يمكن أن تحمل الذرات إلكترونين بحد أقصى في أغلفتها الإلكترونية الداخلية· وتحتوي ذرة الهيدروجين على إلكترون واحد وتميل إلى زيادة عدد إلكتروناتها(1/54)
إلى اثنين لتصبح ذرة مستقرة· لذلك، تكون ذرة الهيدروجين ترابطا تساهميا مع ذرة هيدروجين ثانية· ويعني ذلك أن ذرتي الهيدروجين تتقاسمان إلكترونهما الوحيد بوصفه إلكترونا ثانيا· وبالتالي، يتكون جزيء (H2)· 26 إذا تجمع عدد كبير من الذرات عن طريق تقاسم الإلكترونات فيما بينها، يسمى ذلك ''بالترابط المعدني''· إن المعادن مثل الحديد والنحاس والزنك والألومنيوم ···إلخ· التي تشكل المادة الخام للعديد من الأدوات والآلات التي نراها حولنا أو نستخدمها في حياتنا اليومية، قد اكتسبت قواماً واقعياً وملموساً نتيجة للترابطات المعدنية التي كونتها الذرات التي تتألف منها· ولا يستطيع العلماء الإجابة على السؤال التالي: لماذا يوجد مثل هذا الميل لدى الإلكترونات الموجودة في أغلفة الذرات؟ إذ تدين الكائنات الحية بوجودها، على نحو مثير جدا، إلى هذا الميل· هل تساءلت عن عدد المركبات المختلفة التي تستطيع هذه الترابطات أن تكونها؟ تنتج في المختبرات مركبات جديدة كل يوم· وفي الوقت الحالي، يمكن التحدث عن نحو مليوني مركب تقريبا· ويمكن أن يكون أبسط مركب كيميائي بالصغر نفسه لجزيء الهيدروجين، في حين توجد مركبات أخرى تتكون من ملايين الذرات·27 ولكن، ما هو الحد الأقصى من المركبات المختلفة الذي يستطيع العنصر أن يكونه؟ إن الإجابة على هذا السؤال مشوقة جدا لأنه، من ناحية، توجد عناصر معينة لا تتفاعل مع أي عناصر أخرى (الغازات الخاملة)، في حين توجد، من ناحية أخرى، ذرة الكربون التي تستطيع أن تكون 1,700,000مركب· وكما ورد آنفاً، يصل إجمالي عدد المركبات إلى نحو مليوني مركب· وتكون 108 عناصر من إجمالي 109 عناصر 300,000مركب· ومع ذلك، يكون الكربون وحده 1,700,000مركب بطريقة مدهشة جداً· وحدة بناء الحياة: ذرة ''الكربون''يعتبر الكربون أكثر العناصر حيوية بالنسبة إلى الكائنات الحية، لأن جميع الكائنات الحية تتركب من مركبات الكربون· ولن تكفي صفحات(1/55)
عديدة لوصف خواص ذرة الكربون، التي تلعب دورا مهما للغاية في وجودنا، كما أن علم الكيمياء لم يتمكن حتى الآن من كشف جميع خواصها· وسنذكر هنا فقط بضعا من خواص الكربون المهمة جداً· تتكون تركيبات متنوعة مثل غشاء الخلية، وقرون ظبي الإلكة، وجذع الشجر الأحمر ,doowdeوعدسة العين وسم العنكبوت من مركبات الكربون· وينتج عن اتحاد الكربون بالهيدروجين والأكسجين والنيتروجين - بكميات وترتيبات هندسية عديدة ومختلفة - تشكيلة ضخمة من المواد التي يوجد اختلاف هائل بين خواصها· إذن، ما هو السبب في قدرة الكربون على تكوين نحو 1,7مليون مركب؟ تتمثل إحدى أهم خواص الكربون في قدرته على تكوين سلاسل كيميائية بسهولة كبيرة من خلال صف ذرات الكربون الواحدة تلو الأخرى· وتتكون أقصر سلسلة كربونية من ذرتي كربون· وعلى الرغم من عدم وجود رقم محدد لعدد الكربونات التي تتألف منها أطول سلسلة كربونية، فيمكننا أن نتحدث عن سلسلة بها سبعون حلقة· وإذا علمنا أن الذرة التي تستطيع أن تكوِّن أطول سلسلة بعد ذرة الكربون هي ذرة السليكون التي تكون ست حلقات، سندرك بشكل أفضل الوضع غير العادي لذرة الكربون·28 ويرجع السبب في قدرة الكربون على تكوين سلاسل متعددة الحلقات إلى أن سلاسله ليست كلها طولية، فقد تكون السلاسل متفرعة، كما يمكن أيضا أن تشكل مضلعات polygons. وعند هذه النقطة، يلعب شكل السلسلة دورا مهما جدا· ففي مركبين من الكربون، على سبيل المثال، إذا كان عدد ذرات الكربون متساويا في كل منهما ولكن الاتحاد تم في سلاسل مختلفة الأشكال، ستتكون مادتان مختلفتان· وتنتج عن خصائص ذرة الكربون المذكورة آنفاً جزيئات تلعب دورا بالغ الأهمية في الحياة· وتتكون بعض جزيئات مركبات الكربون من بضع ذرات فقط؛ في حين تتكون جزيئات أخرى من آلاف بل حتى ملايين الذرات· ولا يوجد كذلك عنصر آخر مثل الكربون تتعدد استخداماته في تكوين جزيئات بمثل هذا القدر من التحمل والاستقرار·(1/56)
وسنستشهد هنا بكلمات ديفيد بيرني David Burnie الواردة في كتابه الذي يحمل عنوان الحياة Life: ''الكربون عنصر غير عادي على الإطلاق· وبدون وجود الكربون وخواصه غير العادية، كان من المستبعد أن توجد حياة على الأرض''·29 وفيما يتعلق بأهمية الكربون بالنسبة إلى الكائنات الحية، كتب الكيميائي البريطاني نيفيل سيدويك Nevil Sidgwick في كتابه العناصر الكيميائية ومركباتها Chemical Elements and Their Compounds ما يلي: ''يعتبر الكربون عنصراً فريداً من بين العناصر من حيث عدد المركبات التي يمكن أن يكونها وتنوعها· فقد تم فعليا فصل أكثر من ربع مليون مركب ووصفها ، ولكن هذا يعطي فكرة ناقصة جدا عن قواه، لأنه يشكل أساسا لكل أشكال المادة الحية''·30ويعرف نوع المركبات المكوَّن فقط من الكربون والهيدروجين باسم ''الهيدروكربونات'' "hydrocarbons". ويشمل هذا النوع عائلة ضخمة من المركبات تتضمن الغاز الطبيعي، والنفط السائل، والكيروسين وزيوت التشحيم· ويشكل اثنان من مركبات الهيدروكربونات هما الإيثيلين والبروبلين أساس الصناعة البتروكيمياوية· وتعتبر بعض الهيدروكربونات مثل البنزين والتولوين والتربنتين مواد مألوفة بالنسبة إلى أي شخص يستخدم الطلاء· ويعتبر النفتالين الذي يحمي ملابسنا من العثة شكلا آخر من أشكال الهيدروكربونات· وتكوِّن الهيدروكربونات التي تتحد مع الكلورين والفلورين مواد التخدير، والمواد الكيميائية المستخدمة في مطافئ الحريق والفريونات المستخدمة في التبريد·وكما وضح الكيميائي سيدويك آنفا، فإن العقل البشري غير قادر على إدراك إمكانيات هذه الذرة المكونة فقط من ستة بروتونات وستة نيوترونات وستة إلكترونات· ومن المستحيل حتى بالنسبة إلى خاصية واحدة من خواص هذه الذرة، التي لا غنى عنها في الحياة، أن تتكون بالمصادفة· فقد خلق الله ذرة الكربون، مثل كل شيء آخر، بطريقة تجعلها قادرة على التكيف المتقن مع أجسام الكائنات(1/57)
الحية، التي يحيط الله بكل ذرة من ذراتها· وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطًا. سورة النساء: 126·الترابطات ما بين الجزيئات:الترابطات الضعيفةتتسم الترابطات التي توجد بين ذرات الجزيئات بقوتها الكبيرة مقارنة بهذه الترابطات الضعيفة ما بين الجزيئات· ولكن هذه الترابطات يمكن أن تساعد في تكوين ملايين، بل بلايين الأنواع من الجزيئات· حسنا، كيف تتحد الجزيئات لتكون المادة؟ وبما أن الجزيئات تستقر بعد تكوينها، فإنها لن تقايض الذرات بعد ذلك· إذن، ما الذي يربطها ببعضها البعض؟ في محاولة للإجابة على هذا السؤال، وضع الكيميائيون نظريات مختلفة· وقد أوضحت البحوث أن الجزيئات تستطيع أن تتحد بطرق مختلفة حسب خواص الذرات التي تتركب منها· وتحظى هذه الترابطات بأهمية بالغة في الكيمياء العضوية، أي كيمياء الكائنات الحية، لأن معظم الجزيئات المهمة لتشكيل الحياة تتكون بسبب قدرة هذه الجزيئات على تكوين هذه الترابطات· دعونا نأخذ مثال البروتينات· سنجد أن البروتينات التي تمثل وحدات بناء الكائنات الحية تتسم بأشكال معقدة ثلاثية الأبعاد، تتكون بسبب هذه الترابطات· ويعني هذا أن الحاجة إلى الترابط الكيميائي الضعيف بين الجزيئات ليست أقل من الحاجة إلى الترابط الكيميائي القوي بين الذرات لتكوين الحياة· ومما لا شك فيه أن قوة هذه الترابطات ينبغي أن تخضع لمعايير معينة· ويمكننا أن نستكمل مثال البروتين· إذ تتحد جزيئات تسمى الأحماض الأمينية amino acids لتكوين البروتينات، التي هي جزيئات أكبر بكثير· وتتحد الذرات المكونة للأحماض الأمينية بواسطة ترابطات تساهمية· وتعمل الترابطات الضعيفة على اتحاد هذه الأحماض الأمينية بطريقة تجعلها تشكل أنماطا ثلاثية الأبعاد· ولا تستطيع البروتينات أن تؤدي وظائفها في الكائنات الحية إلا إذا كانت تتسم بهذه الأنماط ثلاثية الأبعاد· لذلك، لو لم يكن هناك(1/58)
وجود لهذه الترابطات، لما وجدت البروتينات، وبالتالي، لما وجدت الحياة· ويؤدي الترابط ''الهيدروجيني''، الذي هو نوع من الترابطات الضعيفة، دورا رئيسا في تكوين المواد التي تحظى بأهمية بالغة في حياتنا· فمثلا، تتحد الجزيئات المكونة للماء، الذي يشكل أساس الحياة، بواسطة الترابط الهيدروجيني· الجزيء المعجزة: الماءإن السائل الذي اختير دون غيره للحياة - ''الماء'' - يغطي ثلثي أرضنا· وتتكون أجسام كل الكائنات الحية على الأرض من هذا السائل الخاص جدا بنسبة تتراوح بين 50% إلى 95%· ومن البكتيريا التي تعيش في ينابيع تقترب فيها درجة الحرارة من درجة غليان الماء، إلى بعض الطحالب الخاصة التي توجد على أسطح الأنهار الجليدية الذائبة، توجد الحياة في كل مكان يوجد فيه ماء، مهما كانت درجة الحرارة· فحتى في قطيرة الماء المتدلية من ورقة النبات بعد المطر، تظهر آلاف الكائنات الحية المجهرية، وتتكاثر، وتموت·كيف كانت الأرض ستبدو لو لم يكن هناك ماء؟ لا شك في أن الصحاري ستغطي كل مكان في الأرض، وستحل الهاويات والحفر المروعة مكان البحار، وستبدو السماء بلا غيوم وسيكون لونها غريبا· وفي الواقع، من الصعب جدا أن يتكون الماء، أساس الحياة على الأرض· في البداية، دعونا نتخيل أن جزيئي الهيدروجين والأكسجين، المكونين للماء، قد وضعا في آنية زجاجية· ودعونا نتركهما في تلك الآنية لفترة طويلة جدا· قد لا يكوّن الغازان ماء حتى إذا بقيا في الآنية لمئات السنين· وحتى إذا كوَّنا ماء، فلن تتكون سوى كمية صغيرة جدا من الماء في قاع الآنية وسيتم ذلك على نحو بطيء جدا، وربما على مدى آلاف السنين· ويرجع السبب في تكون الماء ببطء شديد في تلك الظروف إلى درجة الحرارة، لأن الأكسجين والهيدروجين يتفاعلان ببطء شديد في درجة حرارة الغرفة· ويوجد الأكسجين والهيدروجين، عندما يكونان طليقين، في شكل جزيئيO2 و H2 ولكي يتحد هذان الجزيئان ويكونان جزيء الماء، ينبغي أن(1/59)
يتصادما· ونتيجة لهذا التصادم، تضعف الترابطات المكونة لجزيئي الهيدروجين والأكسجين، وبذلك يزول أي عائق يعرقل اتحاد ذرات الأكسجين بالهيدروجين· وترفع درجة الحرارة مستوى الطاقة، وبالتالي تزيد من سرعة هذين الجزيئين، مما يؤدي إلى زيادة عدد التصادمات· ومن ثم، تُسرِّع درجة الحرارة عملية التفاعل· ومع ذلك، لا توجد حاليا درجة حرارة عالية بالقدر الكافي لتكوين جزيء الماء على الأرض· فقد توفرت الحرارة اللازمة لتكوين الماء أثناء تكون الأرض، مما أدى إلى ظهور هذا القدر الهائل من الماء الذي يغطى ثلاثة أرباع سطح الأرض· وفي الوقت الحاضر، يتبخر الماء ويرتفع إلى الجو حيث يبرد، ثم يعود إلى الأرض في شكل أمطار· ويعني ذلك أنه لا توجد زيادة في الكمية، وأن ما يحدث هو دورة دائمة· خواص الماء الخارقة يتميز الماء بالعديد من الخواص الكيميائية غير العادية· إذ يتكون كل جزيء من جزيئات الماء نتيجة اتحاد ذرات الهيدروجين بذرات الأكسجين· ومن المثير جدا أن هذين الغازين - اللذين أحدهما مشتعل والآخر قابل للاشتعال - يتحدان ليكوِّنا سائلا، والأكثر إثارة أن هذا السائل هو الماء· والآن، دعونا ندرس باختصار كيفية تكون الماء كيميائياً· إن شحنة الماء الكهربائية تساوي صفراً، أي أن الماء متعادل الشحنة· ولكن نظراً لأحجام ذرات الأكسجين والهيدروجين، تكون شحنة عنصر الأكسجين المكون لجزيء الماء سالبة بدرجة بسيطة، في حين تكون شحنة عنصر الهيدروجين موجبة بدرجة بسيطة· وعندما يتكون أكثر من جزيء واحد من الماء، تنجذب الشحنات الموجبة والسالبة إلى بعضها البعض لتكون ترابطاً شديد الخصوصية يسمى ''الترابط الهيدروجيني''· ويتسم الترابط الهيدروجيني بأنه ترابط ضعيف جدا وقصير الأمد بشكل يفوق الإدراك· إذ يدوم الترابط الهيدروجيني فترة تبلغ جزءاً من مائة بليون جزء من الثانية· ولكن بمجرد أن ينكسر الترابط، يتكون ترابط آخر· وهكذا، تلتحم جزيئات الماء ببعضها(1/60)
البعض بإحكام مع احتفاظها في نفس الوقت بشكلها السائل لأنها متحدة بترابط ضعيف· كما تمنح الترابطات الهيدروجينية الماء أيضا القدرة على مقاومة التغيرات في درجة الحرارة· فحتى إذا ارتفعت درجة حرارة الهواء فجأة، ترتفع درجة حرارة الماء ببطء، وعلى نحو مشابه، إذا انخفضت درجة حرارة الهواء فجأة، تنخفض درجة حرارة الماء ببطء· ولكي تحدث تغيرات جوهرية في درجة حرارة الماء لا بد من حدوث تغيرات كبيرة في درجة الحرارة· وتجدر الإشارة هنا إلى أن الطاقة الحرارية العالية جدا في الماء لها فوائد كبيرة في الحياة· وسنضرب هنا مثالا بسيطا: توجد كمية كبيرة جدا من الماء في أجسامنا· ولو كان الماء يتكيف مع التقلبات المفاجئة في درجة حرارة الجو بالمعدل نفسه، فإننا كنا سنصاب فجأة بالحمى أو التجمد· وللسبب نفسه، يحتاج الماء إلى طاقة حرارية ضخمة لكي يتبخر· وبما أن الماء يستهلك قدرا كبيرا من الطاقة الحرارية أثناء التبخر، فإن درجة حرارته تنخفض· وسنضرب مثالا آخر من جسم الإنسان: إن درجة حرارة الجسم العادية هي 36 درجة مئوية، وأعلى درجة حرارة يمكن أن يتحملها جسمنا هي 42 درجة مئوية· ويعد فاصل الست درجات مئوية هذا فاصلا صغيرا جدا، إذ إن العمل تحت الشمس لبضع ساعات يمكن أن يزيد درجة حرارة الجسم بهذا القدر· ولكن أجسامنا تفقد كمية كبيرة جدا من الطاقة الحرارية من خلال العرق، أي، عن طريق تبخير الماء الذي تحويه، مما يؤدي بدوره إلى خفض درجة حرارة الجسم· ولو لم تمتلك أجسامنا مثل هذه الآلية التلقائية، لكان العمل ولو حتى لبضع ساعات تحت الشمس مميتاً· وفوق ذلك، يزود الترابط الهيدروجيني الماء بخاصية أخرى غير عادية تتمثل في ازدياد لزوجة الماء في حالته السائلة عنها في حالته الصلبة· وفي الواقع، تتسم معظم المواد على الأرض بأنها أكثر لزوجة في حالاتها الصلبة عنها في حالاتها السائلة· ومع ذلك، فإننا نجد أن الماء، على عكس المواد الأخرى، يتمدد(1/61)
عندما يتجمد· ويرجع ذلك إلى أن الترابطات الهيدروجينية تمنع التصاق جزيئات الماء ببعضها البعض بإحكام زائد، وتترك بذلك فجوات عديدة فيما بينها· وتنكسر الترابطات الهيدروجينية عندما يكون الماء في حالته السائلة، مما يجعل ذرات الأكسجين تتقارب من بعضها البعض وتكوِّن تركيباً أكثر لزوجة· ونتيجة لذلك أيضاً يكون الثلج أخف من الماء· وفي العادة، إذا أذبت أي معدن وألقيت فيه بضع قطع صلبة من المعدن نفسه، تهبط هذه القطع مباشرة إلى القاع· ومع ذلك، فالوضع مختلف بالنسبة إلى الماء· ذلك أن الجبال الجليدية التي تزن عشرات الآلاف من الأطنان تطفو على سطح الماء مثل السدادات الفلينية· حسنا، ولكن ما الفائدة التي تعود علينا من خاصية الماء هذه؟ دعونا نجيب على هذا السؤال بالمثال التالي للنهر: عندما يكون الماء باردا جدا، لا يتجمد النهر بأكمله، وإنما يتجمد سطحه فقط· إذ يصل الماء إلى أثقل حالاته عند درجة الحرارة +4 درجة مئوية، وبمجرد وصوله إلى درجة الحرارة هذه، يهبط على الفور إلى القاع· ويتكون الجليد فوق الماء في شكل طبقة، وتحت هذه الطبقة، يظل الماء جارياً· وبما أن الكائنات الحية تستطيع أن تبقى على قيد الحياة عند الدرجة +4 درجة مئوية، تظل الحياة في الماء مستمرة· إن هذه الخواص الفريدة التي وضعها الله في الماء تجعل الحياة على الأرض ممكنة· وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم أهمية هذه النعمة العظيمة التي وهبها للكائنات: هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ· يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ .(1/62)
سورة النحل: 10-11·خاصية مائية مثيرة للدهشةكلنا يعرف أن الماء يغلي عند درجة حرارة 100 درجة مئوية ويتجمد عند درجة حرارة صفر درجة مئوية· وفي الواقع، يفترض، في الظروف العادية، ألا يغلي الماء عند الدرجة 100 درجة مئوية وإنما عند الدرجة +180 درجة مئوية· لماذا؟ في الجدول الدوري للعناصر، تتباين خواص العناصر في المجموعة نفسها على نحو تصاعدي بدءا من العناصر الأخف إلى العناصر الأثقل· ويظهر هذا الترتيب بوضوح شديد في مركبات الهيدروجين· وفي الجدول الدوري، تسمى مركبات العناصر التي تشترك في المجموعة نفسها مع الأكسجين ''بالهيدريدات'' "hydrides". وفي الواقع، فإن الماء هو ''هيدريد الأكسجين''· وتتسم هيدريدات العناصر الأخرى في هذه المجموعة بنفس التركيب الجزيئي لجزيء الماء· وتتباين نقاط غليان هذه المركبات على نحو تصاعدي بدءاً من الكبريت إلى العناصر الأثقل؛ ومع ذلك، فإننا نجد أن نقطة غليان الماء تخالف هذا النمط على نحو غير متوقع· إذ يغلي الماء (هيدريد الأكسجين) عند درجة حرارة تقل 80 درجة مئوية عن درجة الحرارة المفترضة لغليانه· وهناك وضع آخر مفاجئ يتعلق بموضوع تجمد الماء· إذ يفترض مرة أخرى، وفقا لترتيب النظام الدوري، أن يتجمد الماء عند درجة -100 درجة مئوية· ولكن الماء يكسر هذه القاعدة ويتجمد عند درجة صفر مئوية، أي أكثر من درجة الحرارة المفترضة بمقدار 100 درجة مئوية· ونتيجة لما سبق، يثور في الذهن السؤال التالي: لماذا لا يخالف قواعد النظام الدوري أي هيدريد آخر سوى الماء (هيدريد الأكسجين)؟ إن قوانين الفيزياء والكيمياء وغير ذلك من الأشياء التي نطلق عليها قواعد ما هي إلا محاولات لتفسير التوازن غير العادي الموجود في الكون وتفاصيل الخلق· وتوضح جميع البحوث التي أجريت في القرن العشرين أكثر من أي وقت مضى أن جميع التوازنات الفيزيائية في الكون قد وضعت خصيصا من أجل حياة الإنسان· وتكشف البحوث أن جميع قوانين(1/63)
الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا السائدة في الكون وكذلك في الجو والشمس والذرات والجزيئات··· إلخ· مرتبة تماما حسب الحاجة إليها من أجل الإبقاء على حياة الإنسان· ويلائم الماء الحياة، شأنه شأن العناصر الأخرى المذكورة آنفاً، بدرجة لا يمكن معها مقارنته بأي سائل آخر، كما أن الماء يغطى جزءاً كبيراً من الأرض تماماً حسب الكميات الصحيحة اللازمة للحياة· ومن الواضح أن كل هذه الخصائص لا يمكن أن تكون مصادفات وأن الكون يسوده الإتقان في تصميمه ونظامه· وتكشف خواص الماء الفيزيائية والكيميائية المذهلة أن هذا السائل قد خلق خصيصا لحياة الإنسان· فقد وهب الله سبحانه وتعالى الحياة للناس من خلال الماء، ومن خلاله أيضا أخرج من الأرض كل شيء يحتاجونه لكي يعيشوا· ويدعو الله جل جلاله الناس في القرآن الكريم إلى التفكير في هذا الموضوع: وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ .(1/64)
سورة الأنعام: ·99السقف الواقي: الأوزونيتكون معظم الهواء الذي نتنفسه، أي الطبقة السفلى من الغلاف الجوي، من غاز الأكسجين O2ونعني بذلك أن كل جزيء أكسجين موجود في الطبقة السفلى من الغلاف الجوي يتكون من ذرتين· ومع ذلك، قد يتكون جزيء الأكسجين أحيانا من ثلاث ذرات· (3(Oوفي هذه الحالة، لا يطلق على هذا الجزيء أكسجين، بل يطلق عليه ''أوزون''، لأن هذين الغازين مختلفان تماما عن بعضهما البعض· ولا بد أن نشير هنا إلى التالي: ما دام الأكسجين يتكون عند اتحاد ذرتين من الأكسجين، لماذا إذن يتكون غاز مختلف يسمى الأوزون عند اتحاد ثلاث ذرات من الأكسجين؟ وفي نهاية الأمر، ألا يتم الاتحاد بين ذرات الأكسجين، سواء كان عددها اثنين أو ثلاث، لتكون الجزيء؟ فلماذا إذن يظهر غازان مختلفان؟ وقبل الإجابة على هذه الأسئلة، فإن من الأفضل أن ندرس ما يميز هذين الغازين عن بعضهما البعض· يوجد الأكسجين (O2) في الطبقة السفلى من الغلاف الجوي ويوفر الحياة لجميع الكائنات الحية من خلال التنفس· أما الأوزون (O3) فهو غاز سام رائحته كريهة جدا ويوجد في أعلى طبقات الغلاف الجوي· وإذا اضطررنا إلى أن نتنفس الأوزون بدلاً من الأكسجين، فلن يظل منا أحد على قيد الحياة· ويوجد الأوزون في الطبقة العليا من الغلاف الجوي لأنه يؤدي هناك وظيفة لا غنى عنها للحياة· إذ يكون طبقة ترتفع بنحو 20 كم عن الغلاف الجوي المحيط بالأرض مثل الحزام، وتمتص الأشعة فوق البنفسجية المنبعثة من الشمس، وتحول دون وصولها إلى الأرض بكامل شدتها· وبما أن الأشعة فوق البنفسجية تحمل طاقة عالية جداً، فإن اتصالها المباشر بالأرض من شأنه أن يؤدي إلى احتراق كل شيء عليها، ولن تسمح مطلقاً بالحياة فيها· ولهذا السبب، تعمل طبقة الأوزون كدرع واق للغلاف الجوي· ولكي توجد حياة على سطح الأرض، ينبغي أن تكون جميع الكائنات الحية قادرة على التنفس ومحمية من أشعة الشمس الضارة· ولا يوجد شك في أن من(1/65)
وضع هذا النظام هو الله جل جلاله، الذي يتحكم في كل ذرة وكل جزيء· وبدون مشيئة الله سبحانه وتعالى، لن تستطيع أية قوة مهما كانت أن تجمع هذه الذرات مع بعضها البعض بنسب مختلفة مثل جزيئات غاز الأكسجين وغاز الأوزون· جزيئات نتذوقها ونشمهاإن حاستي الذوق والشم هما عبارة عن مدركين حسيَّين يزيدان من جمال عالم الإنسان· وقد كانت المتعة المستمدة من هاتين الحاستين موضع اهتمام منذ زمن بعيد ولم يكتشف إلا مؤخرا أن هاتين الحاستين ناتجتان عن تفاعلات جزيئية· إن ''الذوق'' و''الشم'' ما هما إلا مدركان حسيَّان ينشآن عن جزيئات مختلفة في أعضائنا الحسية· فعلى سبيل المثال، تتكون روائح كل الأطعمة والمشروبات أو الفواكه والزهور المتنوعة التي نراها حولنا من جزيئات متطايرة· ولكن، كيف يحدث هذا؟ تصل الجزيئات المتطايرة مثل عبير الونيلية vanilla والوردة إلى المستقبلات الموجودة على الشعيرات الاهتزازية في منطقة الأنف المعروفة باسم الظِّهارة epithelium وتتفاعل مع هذه المستقبلات· وتدرك أدمغتنا هذا التفاعل في شكل رائحة· وحتى الآن، تم تحديد سبعة أنواع من المستقبلات الموجودة في تجويفنا الأنفي المبطن بغشاء للشم تبلغ مساحته 2-3 سم2 .ويتفاعل كل نوع من هذه المستقبلات مع رائحة أساسية· وبنفس الطريقة، توجد أربعة أنواع مختلفة من المستقبلات الكيميائية في الجزء الأمامي من لساننا تتفاعل مع المذاقات المالحة والحلوة والحامضة، والمرة· وتدرك أدمغتنا هذه الجزيئات التي تصل إلى المستقبلات الموجودة في أعضاء الحس لدينا بوصفها إشارات كيميائية· وعلى الرغم من اكتشاف العلماء لكيفية إدراكنا للطعم والرائحة وكيفية تكونهما، فإنهم لم يتمكنوا حتى الآن من الاتفاق على السبب الذي يجعل رائحة بعض المواد قوية والبعض الآخر أقل قوة، وكذلك على السبب في أن بعض المواد مذاقها طيب والبعض الآخر مذاقه سيء·فكَّر لدقيقة· كان من الممكن أن نعيش في عالم خال من أي طعم(1/66)
أو رائحة· وما دمنا ليست لدينا أية فكرة عن مفاهيم الذوق والرائحة، فلم يكن ليخطر لنا حتى تمني الحصول على هذه المدركات الحسية· ومع ذلك، لا تسير الأمور على هذا النحو· إذ تخرج من التربة ذات اللون البني والرائحة الفريدة مئات الأنواع من الفواكه والخضراوات اللذيذة والزهور العطرية بآلاف الألوان والأشكال والروائح· ولكن، لماذا نجد هذه الذرات - التي، من ناحية، تتجمع مع بعضها البعض بطريقة غير عادية لتكون المادة - تتحد وتنتج، من ناحية أخرى، الطعم والرائحة؟ على الرغم من أننا نأخذ هذه الأشياء بوصفها أمورا مسلما بها ولا نتذكر كثيرا كم هي نِعم كبيرة، فإنها تساهم في عالمنا بشكل مبهج باعتبارها منتجات على قدر مدهش من الإبداع الفني· وبالنسبة إلى الكائنات الحية الأخرى، لا يأكل بعضها غير العشب في حين يأكل البعض الآخر مواد غذائية مختلفة· وبالطبع، ليس لأي من هذه المواد رائحة طيبة أو مذاق رائع· وحتى إذا كانت لها رائحة أو طعم طيب، فلن يعني هذا الكثير بالنسبة إلى هذه الكائنات الحية لأنها ليس لديها من الوعي ما لدى البشر· وكان من الممكن أن نتغذى نحن، أيضا، على نوع واحد من الغذاء مثلها· هل فكرت مرة كم ستكون حياتك عادية ولا طعم لها إذا اضطررت إلى أن تأكل نوعًا واحدًا من الطعام وتشرب الماء فقط طوال حياتك؟ لذلك، فإن الذوق والشم، شأنهما شأن كل النعم الأخرى، هما من الأشياء الجميلة المقدَّمة للإنسان دون مقابل من الله، مالك النعم والهبات التي لا حدود لها· وإذا غابت هاتان الحاستان وحدهما سيعيش الإنسان حياة مملة جدا· وفي مقابل كل هذه النعم التي وهبت للإنسان، عليه أن يعمل فقط على إضاء الله تعالى· وكمكافأة على هذا السلوك، يَعِده ربه جل جلاله بحياة خالدة، مليئة بنعم لا حدود لها أعظم بكثير من تلك التي نتمتع بها على الأرض بوصفها نماذج للمباهج القادمة في الآخرة· ومع ذلك، فإن معاقبة من يقضي حياته وهو جاحد لله، وغافل(1/67)
عنه، ومهمل لأوامره، ستكون بالطبع هي الجزاء العادل: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ . سورة إبراهيم: .7كيف ندرك المادة؟لقد تكشَّف لنا مما قلناه حتى الآن أن ما نطلق عليه مادة ليس كيانًا له لون، ورائحة وشكل محدد، كما كنا نعتقد· إن ما نتخيل أنه مادة، أي أجسامنا، وغرفتنا ومنزلنا والعالم، والكون كله بوجه عام، هو في الواقع لا يعدو أن يكون طاقة· إذن، ما الذي يجعل كل شيء حولنا مرئيا وملموسا؟إن السبب في إدراكنا للأشياء الموجودة حولنا بوصفها مادة هو تصادم الإلكترونات في الأغلفة المدارية للذرات مع الفوتونات، وتجاذب الذرات وتنافرها عن بعضها البعض· إنك حتى لا تلمس الكتاب الذي تعتقد أنك تمسكه في يدك الآن ··· وفي الحقيقة، تتنافر ذرات يدك مع ذرات الكتاب فتشعر بإحساس اللمس حسب شدة هذا التنافر· وكما ذكرنا أثناء حديثنا عن تركيب الذرات، فإن أقصى مسافة يمكن أن تقترب فيها الذرات من بعضها البعض تماثل قطر الذرة· وإلى جانب ذلك، فإن الذرات الوحيدة التي يمكن أن تقترب من بعضها البعض بهذا الشكل هي تلك التي تتفاعل مع بعضها البعض· ومن ثم، إذا كان من غير الممكن حتى على ذرات المادة نفسها أن تلامس بعضها البعض بأي حال من الأحوال، فإن من المستحيل أكثر بالنسبة لنا أن نلمس المادة التي نمسك بها، أو نضغط عليها، أو نرفعها بأيدينا· وفي الواقع، إذا استطعنا أن نقترب إلى أقصى حد ممكن من الجسم الموجود في أيدينا، فسندخل في تفاعل كيميائي مع هذا الجسم· وفي هذه الحالة، سيكون من المستحيل على الإنسان أو أي كائن حي آخر أن يبقى على قيد الحياة ولو لثانية واحدة· ذلك أن الكائن الحي سيتفاعل حينذاك مباشرة مع المادة التي داس عليها أو جلس عليها أو اتكأ عليها، وسيتحول إلى شيء آخر· ولا بد أن نشير هنا إلى روعة الصورة النهائية التي تظهر في هذا الوضع: نحن نعيش في عالم(1/68)
يتكون بنسبة99,95 % من فراغ مليء بذرات مؤلفة بالكامل تقريبا من الطاقة·37 نحن لا نلمس في الواقع الأشياء التي نقول ''إننا نلمسها ونمسك بها''· إذن، إلى أي مدى ندرك المادة التي نراها، أو نسمعها أو نشمها؟ وهل هذه المواد هي حقا كما نراها أو نسمعها؟ بالقطع لا· لقد تناولنا هذه النقطة عندما تحدثنا عن الإلكترونات والجزيئات· هل تذكر، إن من المستحيل واقعيا بالنسبة إلينا أن نرى المادة التي نعتقد أنها موجودة وأننا نراها، لأن الظاهرة التي نسميها الرؤية تشمل صورا معينة تتكون في أدمغتنا عن طريق الفوتونات القادمة من الشمس، أو من مصدر ضوئي آخر، التي تسقط على المادة، فتمتص المادة بدورها جزءا معينا من الضوء القادم، وتتخلى عن الباقي، الذي يعاد إطلاقه من المادة لهذا السبب ويصطدم بأعيننا· ويعني ذلك أن المادة التي نراها تتكون فقط من معلومات تحملها الفوتونات المنعكسة إلى أعيننا· إذن، كم من البيانات المتصلة بالمادة ينتقل إلينا من خلال تلك المعلومات؟ ليس لدينا أي دليل على أن الأشكال الأصلية للمواد المحيطة بنا تنعكس إلينا بالكامل· ---------الفصل الرابعالذرات التي تدب فيها الحياةلقد تحدثنا حتى الآن عن الذرات وكيفية تكون المادة من العدم· وقلنا إن الذرات هي وحدات بناء كل شيء سواء كان حيا أم غير حي· ومن المهم أن نشير إلى أن الذرات هي وحدات بناء الكائنات الحية وكذلك الأجسام غير الحية· وبما أن الذرات جسيمات غير حية، فإن من المذهل للغاية أن تكون هي وحدات بناء الكائنات الحية· هذا أيضا أحد الموضوعات التي لا يستطيع دعاة التطور تفسيرها· وكما يستحيل علينا أن نتخيل قطع الأحجار وهي تتجمع مع بعضها البعض لتكوِّن كائنات حية، فإنه يستحيل كذلك علينا أن نتخيل الذرات غير الحية وهي تتجمع من تلقاء نفسها لتكوِّن كائنات حية· فكر في كتلة من الصخر وفراشة؛ أحدهما غير حي، والآخر حي· ولكن، عندما ننقب في جوهر كل منهما، نرى أن كليهما(1/69)
مؤلف من الجسيمات دون الذرية نفسها· وقد يكون المثال التالي أكثر إيضاحا لاستحالة تحول المادة غير الحية من تلقاء نفسها إلى مادة حية: هل يستطيع الألومنيوم أن يطير؟ كلا· وإذا مزجنا الألومنيوم بالبلاستيك والبنزين، هل يستطيع أن يطير؟ لا شك أنه ما زال غير قادر على الطيران· لن تستطيع هذه المواد أن تطير إلا إذا مزجناها بطريقة يمكن أن تكوِّن طائرة· حسنا، ما الذي يجعل الطائرة تطير؟ هل هي الأجنحة؟ المحرك؟ الطيار؟ لا يمكن لأي من هذه العناصر أن يطير من تلقاء نفسه· وفي الواقع، تصنع الطائرة وفقاً لتصميم خاص يتم فيه تجميع قطع مختلفة تفتقر كل منها إلى القدرة على الطيران· ولا تنتج القدرة على الطيران من الألومنيوم ولا من البلاستيك ولا من البنزين· إن مواصفات كل هذه المواد مهمة، ولكن القدرة على الطيران لا يمكن أن تكتسب إلا بتجميع هذه المواد وفقا لتصميم شديد الخصوصية· ولا يختلف الوضع في النظم الحية عن ذلك· إذ تتكون الخلية الحية من خلال ترتيب الذرات غير الحية وفقا لتصميم شديد الخصوصية· وتنتج قدرات الخلايا الحية، مثل النمو والتكاثر وغير ذلك من الأشياء عن تصميم متقن أكثر من كونها ناتجة عن خواص الجزيئات· إن التصميم الذي نجده عند هذه النقطة ما هو إلا تجسيد لإخراج الله للحي من الميت: إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ. سورة الأنعام: .95إن الله وحده، القادر الحكيم، هو الذي يستطيع أن يهب الحياة للمادة غير الحية، أي أن يخلق كائنا حيا· إذ تتميز النظم الحية بتركيبات غاية في التعقيد لم يفهم بعد بالكامل كيفية عملها على الرغم من التسهيلات التكنولوجية المتاحة اليوم· ومع ذلك، توجد حقيقة يمكن إدراكها بمساعدة العلم الذي أحرز تقدما بارزا مصحوبا بتكنولوجيا قوية تقدمت بشكل مذهل في القرن العشرين· وتتمثل هذه(1/70)
الحقيقة في أن الكائنات الحية تتميز بتركيبات غاية في التعقيد· وعندما طرحت نظرية التطور في منتصف القرن التاسع عشر، أحدثت البحوث العلمية التي أجريت بمجاهر بدائية انطباعاً بأن الخلية هي مجرد كتلة بسيطة من المادة· ومع ذلك، ففي القرن العشرين، كشفت الملاحظات والبحوث التي استخدمت فيها الأدوات المتقدمة والمجاهر الإلكترونية أن الخلية، التي هي وحدة بناء الكائنات الحية، تتسم بتركيب غاية في التعقيد لا يمكن أن يكون قد تكوَّن إلا نتيجة لتصميم متقن· وأهم من ذلك، أوضحت هذه البحوث أن من المستحيل تماما أن تنشأ الحياة تلقائيا من المادة غير الحية، أي أن مصدر الحياة هو الحياة وحدها· وتم إثبات هذه الحقيقة تجريبياً، أيضا·38 وهذه مشكلة لن يتمكن دعاة التطور من حلها أبداً· ولهذا السبب، لجأ علماء التطور المشهورون، الذين يواجهون مأزقا كبيرا، إلى سرد حكايات ليست سوى تزييف للحقائق بدلا من تقديم أدلة علمية· فقد قدموا ادعاءات غير منطقية وغير علمية تماماً بأن المادة لديها وعي، وقدرة وإرادة خاصة بها· ومع ذلك، هم أنفسهم لا يصدقون هذه الحكايات السخيفة أيضاً، وهم مضطرون في النهاية للاعتراف بأن الأسئلة الأساسية التي تبحث عن إجابات لا يمكن الإجابة عنها علمياً: ''فيما مضى قبل أن تظهر حياتنا، كانت الأرض قاحلة ومقفرة تماما· ولكن عالمنا الآن يفيض بالحياة· فكيف ظهرت هذه الحياة؟ وكيف تكونت، في غياب الحياة، الجزيئات العضوية التي أساسها الكربون؟ وكيف ظهرت أولى الكائنات الحية؟ وكيف تطورت الحياة بحيث أنتجت كائنات متقنة ومعقدة مثلنا، قادرة على استكشاف لغز ظهورنا؟''39 ''يتجسد اللغز التطوري البارز الآن في كيفية تكون المادة وتطورها، والسبب في اتخاذها لشكلها الحالي الموجود في الكون وعلى الأرض، والسبب في قدرتها على تكوين نفسها في شكل مجموعات معقدة من الجزيئات الحية''·40وكما اعترف العالم الداعي للتطور آنفا، يكمن الهدف الأساسي من(1/71)
نظرية التطور في إنكار خلق الله للكائنات الحية· وعلى الرغم من أن حقيقة الخلق واضحة في كل مكان من الكون وأنه قد ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن كل تفاصيل الكون هي نتاج لتصميم أكثر إتقانا من أن يظهر بالمصادفة، فإن دعاة التطور يغضون الطرف عن هذه الحقيقة ويتخبطون في حلقات فكرية مفرغة.
وقد اعترف أكبر المتحمسين لنظرية التطور في هذا العصر ريتشارد داوكينس أن جميع الحسابات الرياضية تثبت أن الاعتقاد بأن المصادفة غير الواعية هي التي كونت جميع الأشياء خطأ كبير، وأمر غير ممكن على الإطلاق، والاحتمال الوحيد هو أن قوة خارقة هي التي فعلت ذلك: '' إن الاحتمال الرياضي يجعل من الصعب أن تكون الأشياء حدثت عن طريق المصادفة، وإذا لم يلعب الحظ دورا في هذا الأمر فإن الاعتقاد الوحيد هو أن لهذه الأشياء مصمما عاقلا وبارعا''· وبدلاً من أن يؤمن العلماء دعاة التطور بهذه الحقيقة، فإنهم يفضلون الحديث عن مواهب المادة الميتة وكيف أن الأجسام غير الحية قد حولت نفسها إلى كائنات حية· وفي حين يغمض هؤلاء العلماء أعينهم عن الحقيقة، فإنهم يضعون أنفسهم دون إدراك في موقف مخز· ومن الواضح أن الادعاء بأن لدى الذرات موهبة ما وأنها تستخدم هذه الموهبة لتحول نفسها إلى نظم حية لا يمت للعقل بصلة· وبعد أن تقرأ المثال الذي سنستشهد به الآن، ستقرر بنفسك مدى واقعية هذه الحكايات غير المنطقية· هذا هو السيناريو الذي يدعي دعاة التطور أنه يصف تحول الذرات غير الحية وغير المدركة إلى كائنات حية، وأهم من ذلك، إلى أناس يتمتعون بمستويات عالية من الإدراك والذكاء· بعد الانفجار العظيم، ظهرت الذرات بطريقة ما، واحتوت على قوى متوازنة بدقة· وفي حين كوَّنت بعض الذرات - التي يكفي عددها لتكوين الكون بأكمله - النجوم والكواكب، كوَّن البعض الآخر الأرض· وفي البداية قامت بعض الذرات التي تتألف منها الأرض بتكوين اليابسة، ثم قررت فجأة فيما بعد أن تكون الكائنات(1/72)
الحية! وحولت هذه الذرات نفسها أولاً إلى خلايا ذات تركيبات شديدة التعقيد ثم أنتجت نسخا من الخلايا التي كونتها عن طريق الانقسام إلى قسمين، ثم بدأت بعد ذلك تتحدث وتسمع· وفيما بعد، تحولت هذه الذرات إلى أساتذة جامعيين يشاهدون أنفسهم تحت المجهر الإلكتروني ويدعون أنهم نشأوا بالمصادفة· وتجمعت بعض الذرات لتكون مهندسين مدنيين يبنون جسورا وناطحات سحاب، في حين تجمع البعض الآخر ليصنع أقمارا اصطناعية، ومركبات فضاء، وفضلا عن ذلك تخصص البعض في فروع الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا· كما تجمعت ذرات مثل الكربون والمغنيسيوم والفوسفور والبوتاسيوم والحديد لتشكل، بدلا من كتلة مظلمة، أدمغة متقنة تتميز بقدر غير عادي من التعقيد، لم تُكشف أسرارها بالكامل حتى الآن· وبدأت هذه الأدمغة في رؤية الصور ثلاثية الأبعاد بقدرة تبيُّن متقنة لم تحققها مطلقاً أي تكنولوجيا حتى الآن· وكوّنت بعض الذرات ممثلين كوميديين وضحكت من النكات التي يلقونها· ومرة أخرى، قامت بعض الذرات بتأليف الموسيقى وتمتعت بالاستماع إليها· ويمكننا أن نستفيض في هذه القصة ولكن دعونا نتوقف عند هذا الحد ونجري تجربة نثبت من خلالها أن مثل هذه القصة لا يمكن أبدا أن تتحقق· فليضع دعاة التطور في برميل العدد المطلوب من ذرات جميع العناصر المكونة للحياة· وليضيفوا إلى هذا البرميل أي شيء يعتقدون أنه ضروري لكي تتحد هذه الذرات وتكوِّن مادة عضوية، ولينتظروا· فلينتظروا 100 سنة، 1000 سنة، بل 100 مليون سنة، إذا اقتضت الضرورة، ناقلين مسؤولية الانتظار من الأب إلى الابن· هل سينشأ من هذا البرميل أستاذ جامعي في يوم من الأيام؟ بالطبع لا· وبصرف النظر عن المدة التي سينتظرونها، لن يخرج من هذا البرميل أستاذ جامعي· ولن يقتصر الأمر على عدم خروج أستاذ جامعي فحسب، بل لن يخرج من هذا البرميل حتى كائن حي واحد· ولن تخرج من هذا البرميل طيور ولا أسماك ولا فراشات ولا تفاحات ولا أفيال(1/73)
ولا زهور ولا حبات فراولة ولا برتقالات ولا أزهار بنفسج ولا أشجار ولا نمل، ولا نحل عسل ولا حتى بعوضة واحدة، لأنه حتى إذا اجتمعت معا ملايين القطع من المادة العضوية، فإنها لن تكتسب تلقائياً خصائص الكائن الحي· والآن، دعونا نر ما إذا كانت الذرات غير المدركة قادرة تلقائيا على تكوين جزيء الحمض النووي الصبغي DNA، حجر الأساس للحياة، والبروتينات· يحتوي الحمض النووي الصبغي (الحمض النووي الريبي منزوع الأكسجين Deoxyribonucleic Acid، الموجود في نواة الخلية، على شفرات تحمل المعلومات الخاصة بجميع أعضاء الجسم وخصائصه· وهذه الشفرة من التعقيد بحيث لم يتمكن العلماء من تفسيرها إلا في نطاق محدود جدا في أواخر الأربعينيات· ويستطيع أيضا الحمض النووي الصبغي، الذي يحتوي على جميع معلومات الكائن الحي الذي ينتمي إليه، أن ينسخ نفسه· ولكن كيف يمكن لجزيء مكون من مجموعة من الذرات أن يحتوي على معلومات؟ وكيف يتضاعف عن طريق نسخ نفسه؟ ما زالت هذه الأسئلة تبحث لها عن إجابات· البروتينات هي وحدات بناء الكائنات الحية وهي تلعب دورا رئيسا في العديد من الوظائف الحيوية التي تتم في الكائنات· فعلى سبيل المثال، يقوم الهيموجلوبين بنقل الأكسجين إلى جميع أنحاء أجسامنا، كما تحول الأجسام المضادة الميكروبات التي تدخل الجسم إلى أجسام غير مؤذية، وتساعدنا الإنزيمات على هضم الطعام الذي نأكله وتحوله إلى طاقة· ومن خلال الصيغ الموجودة في الحمض النووي الصبغي، يتمكن الجسم من تصنيع (50,000) نوع مختلف من البروتينات· وكما هو واضح، فإن البروتينات من المواد التي لا غنى عنها لبقاء الكائن الحي على قيد الحياة، وغياب بروتين واحد من هذه البروتينات من شأنه أن يؤدي إلى استحالة الحياة· ويستحيل علميا أن يتكون الحمض النووي الصبغي والبروتين، اللذان يتكون كل واحد منهما من جزيء عملاق، بشكل تلقائي نتيجة للمصادفة البحتة· ويتكون الحمض النووي الصبغي من سلسلة(1/74)
من النيوكليدات nucleotides المرتبة بتسلسل خاص· ويتكون البروتين من سلسلة من الأحماض الأمينية المرتبة أيضا بتسلسل خاص· وباديء ذي بدء، يستحيل رياضيا على جزيئات الحمض النووي الصبغي أو جزيئات البروتين التي تتشكل بآلاف الأنواع المختلفة أن تحدد بمحض المصادفة التسلسلات الملائمة الضرورية للحياة· وتكشف حسابات الاحتمالات أن احتمالية وصول حتى أبسط جزيئات البروتين إلى التسلسل الصحيح بمحض المصادفة تبلغ صفرا· (لمزيد من المعلومات، انظر كتاب ''خديعة التطور'' للمؤلف هارون يحيى)· وبالإضافة إلى تلك الاستحالة الرياضية، يوجد أيضا عائق كيميائي مهم يقف في طريق تكوُّن هذه الجزيئات بالمصادفة· لو كانت العلاقة بين الحمض النووي الصبغي والبروتينات ناشئة عن الزمن، والمصادفة، والعمليات الطبيعية، لكان هناك نوع من الميل الكيميائي لتفاعل الحمض النووي الصبغي مع البروتينات، لأن الأحماض والقواعد لديها ميل كبير للتفاعل· وفي هذه الحالة، لو كان للمصادفة دور بالفعل، لتكوَّن حمض السكر وحمض الفوسفات الأمينية، ولحدثت مجموعة كاملة من التفاعلات الكيميائية الطبيعية الأخرى بين أية أجزاء عشوائية من الحمض النووي الصبغي والبروتينات ولما تكونت الكائنات الحية التي نراها اليوم· هل يوحي هذا الميل الطبيعي لدى أجزاء الحمض النووي الصبغي والبروتينات نحو التفاعل الكيميائي بأن الزمن، والمصادفة، وقوانين الكيمياء من شأنها أن تنتج في النهاية حياة من خلال مزج هذه الجزيئات بشكل ما؟ كلا، العكس هو الصحيح· إذ تكمن المشكلة في أن جميع هذه التفاعلات الكيميائية الطبيعية ما هي إلا تفاعلات خاطئة بالنسبة للنظم الحية· ذلك أنه إذا ترك الحمض النووي الصبغي والبروتين للزمن، والمصادفة، وميولهما الكيميائية، فإنهما سيتفاعلان بطرق تدمر النظام الحي وتمنع أي تطور مفترض للحياة·41 وكما رأينا، يستحيل تماما أن يترك الحمض النووي الصبغي والبروتين، اللذان لا يمكن(1/75)
بأي حال من الأحوال أن يتكونا عشوائيا، دون سيطرة ليكوِّنا الحياة بعد تكونهما· وقد تناول جان جيتون Jean Guitton، الفيلسوف المعاصر، هذه الاستحالة في كتابه الذي يحمل عنوان ''الله والعلم'' Dieu et la Science، والذي أوضح فيه أن الحياة لم تكن لتتكون نتيجة مصادفات: ''بعد أية ''صدفة'' اقتربت ذرات معينة من بعضها البعض لتكون أولى جزيئات الأحماض الأمينية؟ ومرة أخرى، بواسطة أية صدفة تجمعت هذه الجزيئات مع بعضها البعض لتكوِّن هذا التركيب شديد التعقيد المسمّى بالحمض النووي الصبغي؟ أنا أسأل هذا السؤال البسيط مثلما سأله عالم البيولوجيا فرانسوا جاكوب: من الذي وضع الخطط لأول جزيء من الحمض النووي الصبغي كي يعطي أول رسالة أدت إلى ميلاد أول خلية حية؟إذا قنع المرء بالافتراضات المتصلة بالمصادفات، ستظل هذه الأسئلة - وأسئلة أخرى عديدة - بدون إجابات؛ لهذا السبب، بدأ البيولوجيون، على مدى السنوات القليلة الماضية، في تغيير آرائهم· ولم يعد كبار الباحثين يقنعون بإعادة ترديد قوانين داروين دون تفكير على طريقة الببغاء؛ لذا، طرحوا نظريات جديدة مدهشة· وتستند هذه النظريات إلى فكرة أن هناك مصدرا منظِّما ضالعاً في العملية، يبدو بوضوح أنه أقوى من المادة·''42وكما أوضح جان جيتون، فقد توصل العلم، في ضوء البحوث والاكتشافات العلمية التي تم التوصل إليها في القرن العشرين، إلى إثبات أن نظرية داروين حول التطور ليس لها أساس من الصحة على الإطلاق· وقد تناول البيولوجي الأمريكي مايكل بيهي Michael Behe هذا في كتابه الشهير صندوق داروين الأسود :Darwin's Black Box ''لقد حقق العلم تقدما هائلا في فهمه لكيفية عمل كيمياء الحياة، ولكن أناقة النظم البيولوجية وتعقيدها على المستوى الجزيئي قد شلاَّ المحاولات العلمية لتفسير أصولها· ولم تجر في الواقع أية محاولات لتفسير أصل بعض النظم الجزيئية الحيوية المعقدة، ناهيك عن إحراز أي تقدم في هذا(1/76)
الصدد· وقد أكد العديد من العلماء بشجاعة أن تفسيرات هذه النظم في متناول اليد، أو أنها ستكون كذلك عاجلا أو آجلا، ولكن لا يمكن العثور على ما يدعم هذه التأكيدات في الأدبيات العلمية المتخصصة· وأهم من ذلك، توجد أسباب تجبرنا، استنادا إلى تركيب النظم ذاتها، على الاعتقاد بأن التفسير الدارويني لآليات الحياة سيظل دائما محيرا''·43 ومثلما خُلق الكون بأكمله من العدم، خُلقت كذلك الكائنات الحية من العدم· ومثلما لا يمكن أن ينشأ مصادفة عن العدم غير العدم، لا يمكن كذلك أن تتحد المادة غير الحية مصادفة لتكون كائنات حية· إن الله وحده، مالك القوة اللامحدودة، والحكمة اللامحدودة، والعلم اللامحدود، هو القادر على فعل كل ذلك:إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ. سورة الأعراف: 54.---------الفصل الخامسطاقة الذرةنحن نعرف الآن كيف تقوم الذرات، وحدات بناء الكون بأكمله وكل شيء فيه، حيا كان أم غير حي، بتكوين المادة بطريقة غير عادية· وكما علمنا من قبل، يوجد داخل هذه الجسيمات بالغة الدقة نظام متقن· ولكن الإعجاز في الذرة لا ينتهي عند هذا الحد؛ لأن الذرة تحتوي أيضا على طاقة هائلة· وتتميز هذه الطاقة المختفية في الذرة بأنها من الضخامة بمكان بحيث مكَّن اكتشافها الإنسان من بناء القنوات الضخمة التي تربط بين المحيطات، والحفْر عبر الجبال، وإنتاج المناخات الصناعية، وإقامة العديد من المشروعات المفيدة المشابهة· ومع ذلك، فعلى الرغم من أن القوة الكامنة في الذرة تخدم الإنسانية من ناحية، إلا إنها تشكل خطرا كبيرا جدا على الإنسانية من ناحية أخرى· ونتيجة لسوء استخدام هذه(1/77)
الطاقة، فقدَ عشرات الآلاف من الأشخاص حياتهم خلال فترة قصيرة جدا - بضع ثوان - في هيروشيما وناجازاكي خلال الحرب العالمية الثانية· وفي السنوات الأخيرة، وقع حادث في منشأة تشرنوبل للطاقة النووية في روسيا تسبب في وفاة أو إصابة عدد كبير من الأشخاص· وقبل أن نعطي معلومات تفصيلية عن الكوارث التي تسببت فيها طاقة الذرة في هيروشيما، وناجازاكي، وتشرنوبل، دعونا نلقي نظرة قصيرة على طبيعة هذه الطاقة الموجودة في الذرة وكيفية تحريرها· الطاقة الكامنة في النواةلقد ذكرنا في الفصل الذي يحمل عنوان ''مغامرة تكوين الذرة'' أن القوة التي تبقي على البروتونات والنيوترونات معا داخل نواة الذرة هي ''القوة النووية الشديدة''· وتظهر قوة الطاقة النووية الهائلة عند تحرير جزء بسيط من هذه القوة الموجودة في النواة· ويتباين مقدار هذه الطاقة حسب نوع العنصر، نظرا لاختلاف عدد البروتونات والنيوترونات في نواة كل عنصر· وكلما كبرت النواة زاد عدد النيوترونات والبروتونات ومقدار القوة التي تربطهما ببعضهما البعض· ومن الصعب للغاية تحرير هذه القوة المسؤولة عن إبقاء البروتونات والنيوترونات مع بعضهما البعض في نواة كبيرة· وكلما ازداد ابتعادها عن بعضها البعض، تحاول هذه الجسيمات، مثل القوس المشدود تماما، أن تقترب من بعضها البعض من خلال قدر أكبر من القوة· وقبل الدخول في تفاصيل هذه القوة، دعونا نتفكر فيها· كيف يمكن لمثل هذه القوة الهائلة أن تتلاءم مع مثل هذا المكان الصغير؟ تجدر الإشارة هنا إلى أن هذه القوة من التعقيد بمكان بحيث تم اكتشافها بعد سنوات من البحوث التي أجراها آلاف العلماء· وإذا لم يتم التدخل في هذه القوة، فهي لا تؤذي أحدا، ولكن، مع تدخل الإنسان، يمكن أن تصبح في أي وقت قوة تفتك بالملايين· ومن خلال عمليتين فنيتين يطلق عليهما ''الانشطار'' "fission" و''الاندماج'' "fusion"، تتحرر هذه الطاقة غير العادية الموجودة في نواة الذرة،(1/78)
مما قد يُعرض حياة ملايين الناس للخطر· وعلى الرغم من أن هذه التفاعلات قد يبدو للوهلة الأولى أنها تحدث في نواة الذرة، فإنها تشمل في الواقع جميع مكونات الذرة· ويُعرف العلماء التفاعل المعروف باسم ''الانشطار'' بوصفه تفاعلا نوويا تتجزأ فيه نواة الذرة إلى شظايا، في حين يعرفون التفاعل المعروف باسم الاندماج بوصفه تجميعا لنواتين باستخدام قوة عظيمة· وفي كلا التفاعلين، يتحرر قدر هائل من الطاقة· الانشطارالانشطار هو تفاعل نووي يجعل نواة الذرة المتماسكة بفضل أشد قوة في الكون، ''القوة النووية الشديدة''، تتجزأ إلى شظايا· وتجدر الإشارة إلى أن المادة الأساسية المستخدمة في تجارب الانشطار هي ''اليورانيوم''، لأن ذرة اليورانيوم واحدة من أثقل الذرات· وفي عبارة أخرى، يوجد عدد وفير من البروتونات والنيوترونات في نواتها· وحينما صوَّب العلماء في التجارب الانشطارية نيوترونا بسرعة كبيرة على نواة اليورانيوم، واجهوا وضعا في غاية الإثارة· فبعد أن امتصت نواة اليورانيوم النيوترون، أصبحت النواة في حالة شديدة من عدم الاستقرار· ويعني ''عدم استقرار'' النواة أن يحدث فرق بين أعداد البروتونات والنيوترونات في النواة يؤدي بدوره إلى عدم التوازن في تركيبها· لذلك، تبدأ النواة تتجزأ إلى شظايا بينما تطلق كمية معينة من الطاقة للتخلص من حالة عدم الاستقرار هذه· وتبدأ النواة، تحت تأثير الطاقة المتحررة، في طرد العناصر التي تحويها بسرعة كبيرة·وبدراسة النتائج التي أسفرت عنها هذه التجارب، تم تسريع النيوترونات وقُذف اليورانيوم بالنيوترونات في بيئات خاصة تسمى ''المفاعلات'' "reactors". ومع ذلك، يتم قذف اليورانيوم بالنيوترونات وفقا لمقاييس دقيقة جدا، وليس على نحو عشوائي، لأن أي نيوترون يقذف ذرة اليورانيوم يجب أن يصدم اليورانيوم مباشرة وعند النقطة المطلوبة· ولهذا السبب يتم إجراء هذه التجارب مع أخذ جميع الاحتمالات في الاعتبار· ويجب أن(1/79)
يتم إجراء حسابات دقيقة جدا فيما يتصل بكمية اليورانيوم المطلوبة، وكمية النيوترونات المستخدمة لقذف اليورانيوم، والمدة والسرعة التي ستقذف بها النيوترونات على اليورانيوم· وبعد إجراء جميع هذه الحسابات وتجهيز المحيط الملائم، تُقذف النواة بالنيوترونات بطريقة تجعلها تخترق نوى ذرات اليورانيوم· ويكفي أن تتجزأ نواة ذرة واحدة على الأقل من الذرات الموجودة في هذه الكتلة إلى قسمين· وفي هذا الانقسام، ينبعث في المتوسط نيوترونان أو ثلاثة من كتلة النواة بسرعة كبيرة وطاقة عالية· وتبدأ النيوترونات المتحررة تفاعلاً متسلسلاّ chain reaction من خلال الاصطدام بنوى ذرات اليورانيوم الأخرى داخل الكتلة· وتتصرف كل نواة حديثة التجزؤ مثل نواة اليورانيوم الأولية، وتبدأ بالتالي سلسلة من التفاعلات النووية· ويتجزأ عدد كبير من نوى اليورانيوم إلى شظايا نتيجة لهذه التفاعلات المتسلسلة، مما يؤدي إلى تحرير كمية هائلة من الطاقة· إن هذه الانقسامات النووية هي التي تسببت في كارثتي هيروشيما وناجازاكي، اللتين أدتا إلى وفاة عشرات الآلاف من الأشخاص· فعند لحظة انفجار القنبلة الذرية التي أسقطتها الولايات المتحدة على هيروشيما في عام 1945 أثناء الحرب العالمية الثانية، وفيما نتج عنها، توفي 100,000شخص تقريبا· وقد تسببت قنبلة ذرية أخرى أسقطتها الولايات المتحدة على ناجازاكي بعد ثلاثة أيام من كارثة هيروشيما في وفاة 40,000شخص آخرين عند لحظة الانفجار ذاتها· وفي حين تسببت القوة المتحررة من النوى في وفاة العديد من الأشخاص، فقد دمرت أيضا منطقة سكنية كبيرة جدا، وألحقت بالسكان المتبقين من تلك المنطقة العديد من الاضطرابات الجينية والفسيولوجية غير القابلة للإصلاح، وذلك نتيجة للإشعاع المتحرر الذي ظلّ يؤثر على الأجيال القادمة· وإذا كانت أرضنا، والغلاف الجوي بأكمله، وكل شيء حي وغير حي بما في ذلك نحن أنفسنا، مكوَّنًا من الذرات، فما الذي يمنع(1/80)
الذرات من الدخول في تفاعلات نووية مثل تفاعلات هيروشيما وناجازاكي في أي وقت وأي مكان؟لقد خُلقت النيوترونات بطريقة تجعلها معرضة لانحلال يسمى ''تفتت بيتا'' عندما تكون طليقة في الطبيعة، دون أن ترتبط بنواة· وبسبب هذا التفتت، لا تهيم أية نيوترونات بحُرية في الطبيعة· لذلك، ينبغي استخدام طرق اصطناعية للحصول على النيوترونات المستخدمة في التفاعلات النووية· ويوضح ذلك أن الله، خالق الكون بأكمله، خلق كل شيء بمقاييس دقيقة· ذلك أنه لو لم تتحلل النيوترونات وهي في حالتها الحرة، لما كانت الأرض سوى جرم سماوي كروي غير مأهول تحدث فيه تفاعلات نووية لا نهاية لها· لقد خلق الله جل جلاله الذرة وخلق بداخلها هذه الطاقة الهائلة، وهو يبقي هذه الطاقة تحت السيطرة بشكل خارق للعادة· الاندماجالاندماج النووي، المناقض تماما للانشطار، هو عملية تجميع نواتين خفيفتين لتكوين نواة أثقل، فتتحرر بالتالي طاقة الترابط لكي يتم استخدامها· ومع ذلك، يعتبر تحقيق هذه العملية على نحو خاضع للسيطرة أمرا صعبا للغاية· والسبب في ذلك هو أن النوى تحمل شحنات كهربائية موجبة وتتنافر عن بعضها البعض بقوة إذا أجبرت على التجمع مع بعضها البعض· لذلك، ينبغي استخدام قوة شديدة تكفي للتغلب على القوة التنافرية بينها وإرغامها على الاندماج· وتعادل هذه الطاقة الحركية المطلوبة درجة حرارة قدرها 20-30 مليون درجة·44 وهذه درجة حرارة عالية بشكل غير عادي، ولا يمكن لأي مادة صلبة تستخدم لاحتواء الجسيمات التي ستشترك في تفاعل اندماجي أن تتحمل درجة الحرارة هذه· ويعني ذلك أنه لا توجد آلية على الأرض تستطيع أن تحقق هذا الاندماج باستثناء حرارة القنبلة الذرية· وتحدث التفاعلات الاندماجية في الشمس طوال الوقت· وتتكون الحرارة والضوء القادمان من الشمس نتيجة اندماج الهيدروجين في شكل هليوم وتحرير طاقة لتحل محل المادة المفقودة أثناء هذا التحول· وفي كل ثانية، تحول الشمس 564(1/81)
مليون طن من الهيدروجين إلى 560 مليون طن من الهليوم، وتتحول الأربعة ملايين طن المتبقية من المادة إلى طاقة· وتجدر الإشارة إلى أن هذا الحدث الضخم الذي ينتج الطاقة الشمسية الضرورية للغاية للحياة على كوكبنا، قد استمر لملايين السنين دون توقف· وقد تثير هذه النقطة في أذهاننا السؤال التالي: إذا كانت الشمس تفقد هذه الكمية الكبيرة من المادة التي تصل إلى 4 ملايين طن كل ثانية، فمتى ستستهلك الشمس بالكامل؟ تفقد الشمس 4 ملايين طن من المادة كل ثانية، أي 240 مليون طن كل دقيقة· وإذا افترضنا أن الشمس كانت تنتج الطاقة بهذا المعدل لمدة 3 بلايين سنة، فستبلغ الكتلة التي فقدتها أثناء هذه الفترة 400,000مليون مليون طن، وهو ما يعادل جزءًا من 5000 جزء من إجمالي كتلة الشمس الحالية· وتعادل هذه الكمية جراما واحدا من الرمل يتم فقده من صخرة وزنها 5 كيلوجرامات خلال 3 بلايين سنة· وكما يوضح هذا المثال، فإن كتلة الشمس من الضخامة بحيث أنها لن تنتهي قبل انقضاء فترة طويلة جدا من الزمن· ولم يكتشف الإنسان تركيب الشمس والأحداث التي تجري بداخلها إلا في القرن العشرين· وقبل هذا الوقت، لم يكن أي أحد على الإطلاق يعلم شيئًا عن ظواهر مثل الانفجارات، والانشطارات، والاندماجات النووية· ولم يكن أي أحد يعلم كيف تُنتج الشمس الطاقة· ولكن، بينما لم يكن الإنسان يدرك كل هذه الأشياء، ظلت الشمس على الدوام مصدرا لطاقة الأرض والحياة على مدى ملايين السنين من خلال هذه الآلية التي لا تصدق· والآن، نصل إلى الشيء المثير حقا للفضول وهو أن أرضنا قد وضعت على مسافة صحيحة من الشمس - مصدر الطاقة الذي يحتوي على كتلة هائلة - بحيث لا تتعرض إلى طاقتها المحرقة والمدمرة، ولا تُحرَم طاقتها المفيدة التي تمدها بها· و بالطريقة نفسها، خُلقت الشمس، التي تملك مثل هذه القوة والطاقة الهائلتين، على مسافة، وبقوة، وبحجم يناسب تماما جميع أشكال الحياة على الأرض، وعلى(1/82)
الأخص، الإنسان· ومن الملاحظ أن هذه الكتلة العملاقة والتفاعلات النووية المدهشة التي تحدث بداخلها قد أدتا نشاطاتهما على مدى ملايين السنين بتناغم مثالي مع الأرض وهما خاضعتان لأقصى درجات السيطرة· ولكي تفهم مدى روعة هذا النظام، وخضوعه للسيطرة، وتوازنه، يكفي أن تتذكر أن الإنسان غير قادر على السيطرة ولو على منشأة واحدة بسيطة للطاقة النووية· إذ لم يتمكن أي عالم، ولا أية أداة تكنولوجية، من الحيلولة دون وقوع الحادث النووي الذي حدث في مفاعل تشرنوبل في روسيا عام1986. ويقال إن تأثير هذا الحادث النووي سيدوم لمدة 30-40 سنة· وعلى الرغم من قيام العلماء بتغطية الأماكن المحيطة بأقسام المفاعل الملوثة بطبقة كثيفة جدا من الإسمنت للحيلولة دون وقوع مزيد من الأضرار، فقد أُعلن فيما بعد عن حدوث تسربات من الإسمنت· ولننحِّ جانبا الانفجارات النووية، فإنه حتى التسربات النووية تشكل خطورة بالغة على حياة الإنسان، ولكن العلم عاجز عن مواجهة هذا التهديد· وعند هذه النقطة، نقف وجها لوجه مع قوة الله اللامحدودة، وسلطانه على كل جسيم (ذرة) في الكون وعلى الجسيمات دون الذرية الموجودة داخل هذا الجسيم (البروتونات، والنيوترونات، ···إلخ)· وقد تمت الإشارة إلى قوة الله وسلطانه على الكائنات التي يخلقها في الآية التالية: وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ . سورة يونس: 61.آثار القنبلة الذرية: هيروشيما وناجازاكيفي البداية، نود أن نشير إلى أن القنابل الذرية التي ألقيت في السنة الأخيرة من الحرب العالمية الثانية كشفت للعالم بأسره عن القوة الهائلة الكامنة في الذرة· فقد تسببت(1/83)
كلتا القنبلتين في فقد مئات الآلاف من الأشخاص لحياتهم كما أصابت العديد من الناجين بأضرار جسدية تدوم طوال الحياة· دعونا نر ثانية بثانية كيف تتحرر الطاقة الهائلة الموجودة داخل الذرة، التي تسببت في وفاة مئات الآلاف من الأشخاص خلال بضع ثوان·- لحظة الانفجاردعونا نفترض أن القنبلة الذرية تنفجر عند ارتفاع 2,000متر كما حدث في هيروشيما وناجازاكي· وكما ذكرنا من قبل، فإن النيوترونات التي تقذف اليورانيوم تجزئ الذرات الأولى إلى شظايا تقوم بإحداث تفاعلات متسلسلة داخل الكتلة· وفي عبارة أخرى، تصطدم النيوترونات الخارجة من أول نوى متشظية بنوى أخرى وتجزئ هذه النوى الجديدة أيضا· ومن ثم، تتشظى جميع النوى بسرعة في تفاعل متسلسل ويحدث الانفجار خلال فترة زمنية قصيرة جدا· وتتحرك النيوترونات بسرعة كبيرة جدا بحيث تحرر القنبلة طاقة إجمالية قدرها 1,000 بليون كيلو-سعر حراري خلال جزء من مليون جزء من الثانية· وترتفع درجة حرارة الغاز، الذي تتحول إليه القنبلة على الفور، إلى بضعة ملايين من الدرجات ويرتفع ضغط الغاز إلى مليون وحدة ضغط جوي·- بعد جزء من ألف جزء من الثانية من الانفجار ···يزداد قطر كتلة الغاز المنفجرة وتنبعث أنواع متباينة من الأشعة· وتكوِّن هذه الإشعاعات ''الوميض الأولي'' "initial flash" للانفجار· وقد يتسبب هذا الوميض في إحداث عمى كامل لأي شخص يقف في منطقة يبلغ قطرها عشرات الكيلومترات من موقع الانفجار· وهذا الوميض أقوى مئات المرات من ذلك المنبعث من سطح الشمس (بحساب القيمة لكل وحدة سطحية)· وتجدر الإشارة إلى أن الوقت المنقضي منذ بداية الانفجار قصير جدا لدرجة أن الأشخاص القريبين من موقع الانفجار لا يجدون حتى وقتا لإغلاق أعينهم· ويتسبب ضغط الصدمة في إحداث أضرار ضخمة داخل المباني· وقد دُمرت أيضا أبراج نقل الطاقة، وجسور مكونة من جزأين، وناطحات سحاب مبنية من الزجاج والصلب· وفي المنطقة القريبة من الانفجار،(1/84)
ارتفعت كمية كبيرة جدا من غبار دقيق شبيه بالمسحوق·- بعد ثانيتين من الانفجار ···تكوِّن الكتلة الومّاضة والهواء المحيط بها كرة نارية· وتتسم الحرارة التي تشعها هذه الكرة النارية، التي ما زال سطحها في غاية السخونة ووهجها مثل وهج الشمس بل حتى أكثر منه، بأن بها قوة كافية لإشعال جميع المواد القابلة للاحتراق في منطقة قطرها 4 إلى 5 كيلومترات· وقد يُسبب الإشعاع الصادر عن الكرة النارية أضرارا غير قابلة للإصلاح بحاسة البصر· وفي هذه اللحظة، تنشأ حول الكرة النارية موجة صدمية shock wave تتحرك بسرعة كبيرة جدا·(1/85)
بعد 6 ثوان من الانفجار ···عند هذه النقطة، تصطدم الموجة الصدمية بالأرض وتتسبب في أول ضرر ميكانيكي· إذ تخلق الموجة ضغطا هوائيا قويا، تقل شدته كلما ابتعد المرء عن مركز الانفجار· وحتى على بعد 1,5 كم من هذه النقطة، يكون الضغط المضاف أقوى مرتين من الضغط الجوي العادي· وتبلغ فرصة بقاء الأشخاص على قيد الحياة عند هذا الضغط 1.%- بعد 13 ثانية من الانفجار ···تنتشر الموجة الصدمية على طول سطح الأرض ويليها انفجار ينتج عن تغيير موقع الهواء المنبعث من الكرة النارية· وينتشر هذا الانفجار على طول الأرض بسرعة 300 إلى 400 كم في الساعة· وفي غضون ذلك، تبرد الكرة النارية ويقل حجمها· وبما أنها أخف من الهواء، فستبدأ في الارتفاع إلى أعلى· وتؤدي هذه الحركة العلوية إلى انعكاس اتجاه الرياح على الأرض وتتسبب في نشوء رياح قوية تهب باتجاه مركز الانفجار، على الرغم من أن الرياح كانت تهب في البداية من المركز نحو الخارج· - بعد 30 ثانية من الانفجار ···كلما ارتفعت الكرة النارية إلى أعلى، تشوّه شكلها الكروي واتخذت هيئة فطر عيش الغراب· - بعد دقيقتين من الانفجار ···لقد وصلت الآن السحابة المشابهة لشكل فطر عيش الغراب إلى ارتفاع 12,000متر· وهذا هو الحد السفلي من طبقة الستراتوسفير الجوية· وتؤدي الرياح التي تهب عند هذا الارتفاع إلى تشتيت السحابة المشابهة لشكل الفطر وبعثرة مكوناتها (معظمها من بقايا مشعة) في الغلاف الجوي· وبما أن هذه البقايا المشعة تتكون من جسيمات دقيقة جداً، فإنها قد ترتفع إلى طبقات أعلى في الغلاف الجوي· وقبل أن تسقط هذه البقايا على الأرض، قد تطوف عدة مرات حولها بفعل الرياح التي تهب في الطبقات العليا من الغلاف الجوي· وهكذا، فقد تتشتت البقايا المشعة في جميع أنحاء العالم· الإشعاع المنبعث من الذرةيتكون هذا الإشعاع من أشعة جاما، ونيوترونات وإلكترونات وجسيمات دون ذرية مشابهة تتحرك بسرعات عالية جداً تصل إلى(1/86)
200,000كم في الثانية· وقد تخترق هذه الجسيمات جسم الإنسان بسهولة محدثة ضررا بالخلايا المكونة للجسم· وقد يتسبب هذا الضرر في حدوث سرطان مميت، أو إذا حدث الضرر في الخلايا التناسلية، فقد يؤدي إلى حدوث اضطرابات جينية تؤثر على الأجيال القادمة· لذلك، فإن نتائج اصطدام الجسيمات المشعة بالبشر خطيرة جداً· ويؤثر الإشعاع المتحرر من الانفجارات الذرية على الكائنات الحية سواء كان ذلك بطريقة مباشرة أو من خلال منتجات الانحلال المشع التي تنشأ أثناء الانفجار· وأثناء حركة أحد هذه الجسيمات أو الأشعة بسرعة عالية في المادة، فإنه يصطدم بقوة كبيرة بالذرات أو الجزيئات التي تعترض طريقه· وقد يشكل هذا التصادم كارثة بالنسبة إلى البنية الدقيقة للخلية· فقد تموت الخلية، أو حتى إذا استعادت الحياة، فقد تبدأ في النمو بطريقة خارجة عن السيطرة - هذا هو السرطان - بعد أسابيع، أو شهور، أو سنوات لاحقة· ويشتد الإشعاع للغاية في مساحة قطرها 1,000متر حول مركز الانفجار· ويفقد أولئك الذين ينجون من العوامل الأخرى المميتة، كل الخلايا البيضاء الموجودة في دمهم تقريبا، وتظهر الجروح على جلودهم، ويموتون جميعا بسبب النزيف خلال فترة زمنية قصيرة تتراوح من بضعة أيام إلى أسبوعين أو ثلاثة· ويتباين تأثير الإشعاع على أولئك الذين يتواجدون في أماكن أبعد عن نقطة الانفجار· إذ يعاني أولئك الذين يتعرضون لهذه الأشعة المضرة المنبعثة من الكرة النارية على بعد 13، و16، و22 كم، من حروق من الدرجة الثالثة، والثانية، والأولى على التوالي· كما يعانون بدرجة أقل من مشكلات الهضم والنزيف، ولكن الاضطرابات الحقيقية تظهر فيما بعد مثل: فقدان الشعر، وحروق الجلد، وفقر الدم، والعقم، والإجهاض، وولادة أطفال معاقين أو مشوهين· وفي هذه الحالات، أيضا، يكون الموت محتملا خلال فترة تتراوح من عشرة أيام إلى ثلاثة أشهر· وقد تظهر، حتى بعد سنوات لاحقة، اضطرابات في الإبصار،(1/87)
وسرطان الدم، وسرطان الإشعاع· ويتمثل أحد أكبر الأخطار الناتجة عن انفجارات القنابل الهيدروجينية (نوع آخر من القنابل النووية لديه قدرة هائلة على التدمير ينتج عن اندماج نوى أنواع مختلفة من نظائر الهيدروجين لتكوين نوى الهليوم) في دخول الغبار المشع إلى الجسم من خلال التنفس، والهضم، والجلد· ويسبب هذا الغبار الاضطرابات المذكورة آنفا حسب درجة التلوث· ويحدث كل ذلك بسبب الذرات، التي لا نستطيع حتى أن نراها بأعيننا· ويمكن للذرات أن تكوِّن الحياة، تماما مثلما يمكن أن تدمرها· وتبين لنا خاصية الذرة هذه بوضوح شديد كم نحن عاجزون وكم هي فائقة قدرة الله سبحانه وتعالى· -------الخاتمةمع أن جسمك مُكون من الذرات، فإنك تتنفس الذرات في الهواء، وتأكل الذرات في الطعام، وتشرب ذرات الماء· كما أن ما تراه ليس أكثر من مجرد اصطدام إلكترونات الذرات الموجودة في عينيك بالفوتونات· وماذا عما تشعر به عن طريق اللمس؟ يتكون الإحساس ببساطة نتيجة تنافر ذرات جلدك عن ذرات الأجسام· وفي الواقع، يعرف كل شخص تقريبا اليوم أن جسمه، والكون، والعالم، وباختصار، كل شيء حوله يتكون من الذرات· ولكن ربما لم يفكر معظم الناس مطلقا حتى الآن في نوعية النظام الموجود في الكيان الذي نطلق عليه الذرة· وحتى إذا كانوا قد فكروا في ذلك، فإنهم لم يشعروا بالحاجة إلى البحث في هذا الموضوع، لأنهم طالما اعتقدوا أن هذا موضوع يخص الفيزيائيين وحدهم· ومع ذلك، يعيش الإنسان مندمجاً في هذا النظام المتقن طوال حياته· وهذا النظام من الإتقان بمكان بحيث تسير كل ذرة من تريليونات الذرات المكونة للكرسي ذي الذراعين الذي نجلس عليه وفقا لنظام معين يمكن أن يُؤلف عنه كتاب· ويحتاج الأمر لصفحات للتحدث عن تكوُّن ذرة واحدة، ونظامها، وطاقتها· وكلما تقدمت التكنولوجيا زادت معرفتنا بالكون، وزاد أيضا عدد هذه الصفحات· ولكن، كيف تَكوَّن هذا النظام؟ لا يمكن أن تكون الجسيمات المبعثرة(1/88)
في كل مكان بعد الانفجار العظيم قد كوّنت الذرة بقرار مفاجئ، ثم تكونت بيئة ملائمة بالمصادفة، فتحولت هذه الذرات إلى مادة· إن من المستحيل بالطبع أن نفسر مثل هذا النظام عن طريق ''المصادفة''· ذلك أن كل شيء تراه حولك، وحتى الهواء الذي لا تستطيع رؤيته، يتكون من ذرات، توجد بينها حركة مرور معقدة للغاية· إذن، من الذي يستطيع أن يدير حركة المرور بين الذرات؟ هل يمكن أن تكون أنت؟ وإذا كنت تعتقد أن جسمك مكون من الذرات وحدها، فأية ذرة من ذراتك تدير الذرات الأخرى، وأية ذرة تدير ماذا؟ وهل ذرات دماغك، التي لا تختلف عن بقية الذرات، هي التي تتحكم في الذرات الأخرى؟ وإذا افترضنا أن ذرات دماغك هي المسؤولة عن الإدارة، ينبغي علينا أن نجيب عن الأسئلة التالية: إذا كانت كل الذرات التي تكوِّن الدماغ هي المسؤولة عن الإدارة، فكيف تتخذ قراراتها وعلى أي أساس تتخذها؟ كيف تتعاون تريليونات الذرات التي تكوِّن الدماغ؟ لماذا لا تعترض ولو ذرة واحدة من تريليونات الذرات على قرار متخذ؟ كيف يتم الاتصال بين الذرات؟وبعد التفكير في الأسئلة السابقة، يظهر بوضوح أن من غير المنطقي القول بأن تريليونات الذرات التي تكوِّن الدماغ كلها مسؤولة عن الإدارة· حسناً، هل يصح الاعتقاد بأن ذرة واحدة فقط من بين تريليونات الذرات هذه هي المسؤولة عن الإدارة وأن الذرات الأخرى تابعة لها؟ وإذا صدقنا أن ذرة واحدة هي المسؤولة عن الإدارة، سوف تثور في الذهن الأسئلة التالية: أي الذرات هي المسؤولة عن الإدارة ومن الذي انتخب هذه الذرة؟ في أي مكان من الدماغ توجد هذه الذرة؟ ما الذي يفرق هذه الذرة عن غيرها من الذرات؟ لماذا تطيع الذرات الأخرى هذه الذرة دون شروط؟ قبل أن نجيب عن هذه الأسئلة، دعونا نوضح شيئا آخر: تتكون الذرة المديرة المفترضة من جسيمات أخرى أيضا، فلماذا وتحت أية ذريعة تتجمع هذه الجسيمات معا لتكون هذه الذرة المديرة؟ ومن الذي يتحكم في هذه(1/89)
الجسيمات؟ وبما أن هناك إرادة أخرى تدير هذه الجسيمات، فما مدى صحة الدفاع عن الحجة القائلة بأن هذه الذرة هي المديرة؟ عند هذه النقطة، يتضح لنا أن الادعاء بأن إحدى الذرات المكونة لدماغنا قد تكون الذرة المديرة هو ادعاء باطل لا محالة· فكيف يمكن للذرات التي لا حصر لها في الكون أن تستمر في الوجود بتناغم كامل، في حين أن البشر، والحيوانات، والنباتات، والأرض، والهواء، والماء، والأجسام، والكواكب، والفضاء، وكل شيء آخر يتكون من الذرات؟ وأي من هذه الذرات التي لا حصر لها يمكن أن تكون المديرة في حين أنها هي نفسها مكونة من عدة جسيمات دون ذرية؟ إن الادعاء بذلك، وعزو كل شيء للمصادفة، وإنكار وجود الله جل جلاله، الذي خلق جميع العوالم، إنما ينطبق عليه قول الله تعالى: )وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ···( سورة النمل: ·14فلتفكر قليلاً: إن الإنسان، المكوَّن من ترتيب الذرات في اتحادات متباينة، يولد، ويتغذى على الذرات، وينمو مع الذرات· ثم يقرأ بعد ذلك الكتب المكونة من الذرات في مبنى مكوِّن من الذرات· وفيما بعد، يحصل على شهادة دبلوم مُؤلفة من ذرات مكتوب عليها ''مهندس نووي''· ومع ذلك، ما زال بإمكانه أن يأتي ويلقي خطبا يقول فيها: ''لقد تجمعت هذه الذرات معا نتيجة المصادفة البحتة، وقد تكوَّن النظام غير العادي الموجود بداخلها بالمصادفة''· ولو كان هذا صحيحا، فمن أين يستمد الوعي، والإرادة، والذكاء اللازم لإلقاء هذا الخطاب؟ لقد رأينا مرة بعد مرة في كل صفحة من هذا الكتاب تقريبا أن من المستحيل على الذرة، التي تُكوِّن كل شيء حي أو غير حي في الكون، أن تكون هي ذاتها مُكوَّنة بالمصادفة· إن ما سنقوله لأولئك الذين ما زالوا يعتقدون، على الرغم من كل ما قلناه، أن هذه الظاهرة قد نشأت ''بالمصادفة'' أو اتخذت شكلها الحالي من خلال آلية ''المحاولة والخطأ'' لن يختلف عما قاله نبي الله إبراهيم،(1/90)
عليه السلام، للكافرين: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ .
سورة البقرة: 258.-----خديعة التطوّرإنّ نظرية التّطور أو الدّراوينية هي نظرية ظهرت لتناهض فكرة خلق الأحياء ولكنها لم تتجاوز حد كونها سفسطة لا تمت إلى العلم بأية صلة إضافة إلى كونها نظرية بعيدة عن أي نجاح وانتشار· وتدّعى هذه النظرية أن الحياة نشأت من مواد غير حية نتيجة للمصادفات العمياء، ولكنّ هذا الإدّعاء سرعان ما تهاوى أمام ثبوت خلق الأحياء وغير الأحياء من قبل الله عز وجل· فالذي خلق الكون ووضع فيه الموازين الدقيقة هو بلا شك الخالق الفاطر سبحانه وتعالى· ونظرية التّطور لا يمكن لها أن تكون صائبة طالما تشبثت بفكرة رفض '' خلق الله للكائنات '' وتبني مفهوم ''المصادفة '' بدلا عنها ·وبالفعل عندما نتفحص جوانب هذه النظرية من كافة أبعادها نجد أن الأدلة العلمية تفنّدها الواحد بعد الآخر، فالتصميم الخارق الموجود في الكائنات الحية أكثر تعقيدا منه في الكائنات غير الحية· ومثال على ذلك الذّرات فهي موجودة وفق موازين حساسة للغاية ونستطيع أن نميز هذه الموازين بإجراء الأبحاث المختلفة عليها إلاّ أنّ هذه الذّرات نفسها موجودة في العالم الحي وفق ترتيب آخر أكثر تعقيدا، فهي تعتبر مواد أساسية لتركيب البروتينات والأنزيمات والخلايا وتعمل في وسط له آليات ومعايير حساسة إلى درجة مدهشة· إنّ هذا التصميم الخارق كان سببا رئيسيا لتفنيد مزاعم هذه النظرية بحلول نهايات القرن العشرين · المصاعب التي هدمت الدراوينيةظهرت هذه النّظرية بصورة محددة المعالم في(1/91)
القرن التاسع عشر مستندة إلى التراكمات الفكرية والتي تمتد جذورها إلى الحضارة الإغريقية، ولكنّ الحدث الذي بلور هذه النظرية وجعل لها موطئ قدم في دنيا العلم هو صدور كتاب '' أصل الأنواع '' لمؤلفه تشارلس داروين· ويعارض المؤلف في كتابه عملية خلق الكائنات الحية المختلفة من قبل الله سبحانه وتعالى، وبدلا من ذلك يدعو إلى اعتقاده المبني على نشوء كافة الكائنات الحية من جد واحد، وبمرور الزمن ظهر الاختلاف بين الأحياء نتيجة حدوث التغييرات الطفيفة·إنّ هذا الادعاء الدارويني لم يستند على أي دليل علمي ولم يتجاوز كونه ''جدلا منطقيا'' ليس إلاّ باعترافه هو شخصيا حتى أن الكتاب احتوى على باب باسم ''مصاعب النظرية '' تناول بصورة مطولة اعترافات داروين نفسه بوجود العديد من الأسئلة التي لم تستطع النظرية أن تجد لها الردود المناسبة لتشكل بذلك ثغرات فكرية في بنيان النظرية·وكان يتمنى أن يجد العلم بتطوره الردود المناسبة لهذه الأسئلة ليصبح التطور العلمي مفتاح قوة للنظرية بمرور الزمن· وهذا التمني طالما ذكره في كتابه، ولكن العلم الحديث خيب أمل داروين وفند مزاعمه واحدا بعد الآخر ·ويمكن ذكر ثلاثة عوامل رئيسية أدت إلى انتهاء الداروينية كنظرية علمية وهي:(1 إنّ النظرية تفشل تماما في إيجاد تفسير علمي عن كيفية ظهور الحياة لأول مرة·(2 عدم وجود أي دليل علمي يدعم فكرة وجود ''آليات خاصة للتطور '' كوسيلة للتكيف بين الأحياء·(3 إنّ السّجلات لحفريات المتحجرات تبين لنا وجود مختلف الأحياء دفعة واحدة عكس ما تدعيه نظرية التطور ·وسنشرح بالتفصيل هذه العوامل الثلاثة·أصل الحياة :العائق غير المحلول أبداتدّعي نظرية التّطور أنّ الحياة والكائنات الحية بأكملها نشأت من خلية وحيدة قبل 3,8 مليار سنة· ولكن كيف يمكن لخلية حية واحدة أن تتحول إلى الملايين من أنواع الكائنات الحية المختلفة من حيث الشكل والتركيب؟ و إذا كان هذا التحول قد حدث فعلا(1/92)
فلماذا لم توجد أية متحجرات تثبت ذلك؟· لم تستطع النظرية الإجابة على هذه الأسئلة، وقبل الخوض في هذه التفاصيل يجب التوقف عند الإدعاء الأول والمتمثل في تلك ''الخلية الأم''· ترى كيف ظهرت إلى الوجود؟ تدعي النظرية أن هذه الخلية ظهرت إلى الوجود نتيجة المصادفة وحدها وتحت ظل ظروف الطبيعة دون أن يكون هنالك أي تأثير خارجي أو غير طبيعي أي أنها ترفض فكرة الخلق رفضا قاطعا، بمعنى آخر تدعي النظرية أن هذه الخلية ظهرت بفعل القوانين الطبيعية دون وجود أي تصميم أو تخطيط بل عن طريق المصادفات العشوائية· فحسب هذه النظرية قامت مواد غير حية بإنتاج خلية حية نتيجة المصادفات·ولكن هذا الزعم يتناقض مع أسس القوانين البيولوجية الموجودة·(1/93)
الحياة تنشأ فقط من الحياةلم يتحدث تشارلس داروين أبدا عن أصل الحياة في كتابه المذكور، والسبب يتمثّل في طبيعة المفاهيم العلمية التي كانت سائدة في عصره والتي كانت تتقبل فرضية تكون الأحياء من مواد بسيطة جدا· وكان العلم آنذاك ما يزال تحت تأثير نظرية ''التولد التلقائي'' التي كانت تفرض سيطرتها منذ القرون الوسطى ومفادها أنّ موادا غير حية قد تجمعت بالمصادفة و أنتجت موادا حية· وهناك بعض الحالات اليومية كانت تسوق البعض إلى تبني هذا الاعتقاد مثل تكاثر الحشرات في فضلات الطّعام وتكاثر الفئران في صوامع الحبوب· ولإثبات هذه الادّعاءات الغريبة كانت تجري بعض التجارب مثل وضع حفنة من الحبوب على قطعة بالية ووسخة من قماش وعند الانتظار قليلا ستبدأ الفئران في الظهور حسب اعتقاد الناس في تلك الفترة ·وكانت هناك ظاهرة أخرى وهي تكاثر الدود في اللحم فقد ساقت النّاس إلى هذا الاعتقاد الغريب واتخذت دليلا له ولكن تم إثبات شيء آخر فيما بعد وهو أن الدود يتم جلبه بواسطة الذباب الحامل ليرقاته والذي يحط على اللحم للتغذية عليه· وفي الفترة التي ألف خلالها داروين كتابه ''أصل الأنواع'' كانت الفكرة السائدة عن البكتيريا أنها تنشأ من مواد غير حية، ولكن أثبتت التطورات العلمية بعد خمس سنوات فقط من تأليف الكتاب عدم صحة ما جاء فيه وذلك عن طريق الأبحاث التي أجراها عالم الأحياء الفرنسي لويس باستير، ويلحض باستير نتائج أبحاثه كما يلي: ''لقد أصبح الإدعاء القائل بأن المواد غير الحية تستطيع أن تنشئ الحياة في مهب الريح'' .45 وظل المدافعون عن نظرية التطور يكافحون لمدة طويلة ضد الأدلة العلمية التي توصل إليها باستير، ولكن العلم بتطوره عبر الزمن أثبت التعقيد الذي يتصف به تركيب الخلية، وبالتالي استحالة ظهور مثل هذا التركيب المعقد من تلقاء نفسه ·الجهود المبذولة دون جدوى في القرن العشرينلقد كان الأخصّائي الروسي في علم الأحياء الكسندر(1/94)
أوبارين Alexander Oparin ول من تناول موضوع أصل الحياة في القرن العشرين، وأجرى أبحاثا عديدة في ثلاثينات القرن العشرين لإثبات أن المواد غير الحية تستطيع إيجاد مواد حية عن طريق المصادفة، ولكن أبحاثه باءت بالفشل الذريع واضطر أن يعترف بمرارة قائلا : ''إنّ أصل الخلية يعتبر نقطة سوداء مظلمة في نظرية التطور '' 46 · ولم ييأس باقي العلماء من دعاة التطور واستمروا في الطريق نفسه الذي سلكه أوبارين وأجروا أبحاثهم للتوصل إلى أصل الحياة· وأشهر بحث أجري من قبل الكيميائي الأميركي ستانلي ميللر سنة 1953 حيث افترض وجود مواد ذات غازات معينة في الغلاف الجوي في الماضي البعيد ووضع هذه الغازات مجتمعة في مكان واحد وجهزها بالطاقة، واستطاع أن يحصل على بعض الأحماض الأمينية التي تدخل في تركيب البروتينات ·واعتبرت هذه التجربة في تلك السّنوات خطوة مهمة إلى الأمام ولكن سرعان ما ثبت فشلها لأن المواد المستخدمة في البحث لم تكن تمثل حقيقة المواد التي كانت موجودة في الماضي السحيق، وهذا الفشل ثبت بالتأكيد في السنوات اللاحقة ·47 وبعد فترة صمت طويلة اضطر ميللر نفسه أن يعترف بأن المواد التي استخدمها في إجراء التجربة لم تكن تمثل حقيقة المواد التي كانت توجد في الغلاف الجوي في سالف الزمان· 48وباءت جميع التجارب التي أجراها الداروينيون طيلة القرن العشرين بالفشل، وهذه الحقيقة تناولها جيفري بادا Jeffrey Bada الأخصائي في الكيمياء الجيولوجية في المعهد العالي في سان ديغو سيكربس ضمن مقال نشره سنة 1998 على صفحات مجلة ''الأرض'' ذات التوجه الدارويني و جاء في المقال ما يأتي:'' نحن نودع القرن العشرين و مازلنا كما كنا في بدايته نواجه معضلة لم نجد لها إجابة وهي كيف بدأت الحياة ؟ '' · 49 الآليات الخيالية لنظرية التطورالقضية الثانية التي كانت سببا في نسف نظرية داروين كانت تدور حول '' آليات التطور '' فهذا الإدعاء لم يثبت له أي مكان في(1/95)
دنيا العلم لعدم صحته علميا ولعدم احتوائه على قابلية التطوير الحيوي· وحسب ادعاء داروين فإنّ التطور حدث نتيجة ''الانتخاب الطبيعي'' وأعطى أهمية استثنائية لهذا الإدّعاء حتى أنّ هذا الاهتمام من قبله يتضح من اسم الكتاب الذي أسماه ''أصل الأنواع عن طريق الانتخاب الطبيعي''·إنّ مفهوم الانتخاب الطبيعي يستند إلى مبدأ بقاء الكائنات الحية التي تظهر قوة وملاءمة تجاه الظروف الطبيعية وعدم انقراضها، فعلى سبيل المثال لو هدد قطيع من الإيلة من قبل الحيوانات المفترسة فإن الأيل الأسرع في العدو يستطيع البقاء على قيد الحياة، وهكذا يبقى القطيع متألفا من أفراد أقوياء سريعين في العدو· ولكن هذه الآلية لا تكفي أن تطور الإيلة من شكل إلى آخر، كأن تحولها إلى خيول مثلا· لهذا السّبب لا يمكن تبني ''الانتخاب الطبيعي'' كوسيلة للتطور، و حتى داروين نفسه كان يعلم ذلك وأفاد به ضمن كتابه '' أصل الأنواع '' بما يلي: ''طالما لم تظهر تغييرات إيجابية فإن الانتخاب الطبيعي لا يفي بالغرض المطلوب''· 50 تأثير لاماركوالسؤال الذي يطرح نفسه: كيف كانت ستحدث هذه التغييرات الإيجابية ؟ وأجاب داروين على هذا السؤال استنادا إلى أفكار من سبقوه من رجالات عصره مثل لامارك، و لامارك عالم أحياء فرنسي عاش ومات قبل داروين بسنوات كان يدعي أن الأحياء تعاني تغييرات ظاهرية وتورثها إلى الأجيال اللاّحقة وكلما تراكمت هذه التغييرات جيلا بعد جيل أدّت إلى ظهور أنواع جديدة، وحسب ادعائه فإنّ الزّرافات نشأت من الغزلان نتيجة محاولاتها للتغذي على أوراق الأشجار العالية عبر أحقاب طويلة· وأعطى داروين أمثلة مشابهة في كتابه ''أصل الأنواع'' فقد ادّعى أن الحيتان أصلها قادم من الدببة التي كانت تتغذى على الكائنات المائية مضطرة إلى النزول إلى الماء بين الحين والآخر 51 · إلاّ أن قوانين الوراثة التي اكتشفها مندل والتطور الذي طرأ على علم الجينات في القرن العشرين أدّى(1/96)
إلى نهاية الأسطورة القائلة بانتقال الصفات المكتسبة من جيل إلى آخر، وهكذا ظلت '' آلية الانتخاب الطبيعي'' آلية غير ذات فائدة أو تأثير من وجهة نظر العلم الحديث·الداروينية الحديثة والطفرات الوراثيةقام الدّاروينيون بتجميع جهودهم أمام المعضلات الفكرية التي واجهوها خصوصا في ثلاثينات القرن العشرين وساقوا نظرية جديدة أسموها بـ''النظرية التركيبية الحديثة'' أو ما عرفت بـ''الداروينية الحديثة ''، وحسب هذه النظرية هناك عامل آخر له تأثير تطوري إلى جانب الانتخاب الطبيعي، وهذا العامل يتلخص في حصول طفرات وراثية أو جينية تكفي سببا لحدوث تلك التغييرات الإيجابية المطلوبة، وهذه الطفرات تحدث إمّا بسبب التعرض للإشعاعات أو نتيجة خطأ في الاستنساخ الوراثي للجينات ·وهذه النظرية مازالت تدافع عن التطور لدى الأحياء تحت اسم الداروينية الحديثة، وتدعى هذه النظرية بالتفصيل أن الأعضاء والتراكيب الجسمية الموجودة لدى الأحياء والمعقدة التركيب كالعين والأذن أو الكبد والجناح ···الخ لم تظهر أو تتشكل إلا بتأثير حدوث طفرات وراثية أو حدوث تغييرات في تركيب الجينات، ولكن هذا الإدعاء يواجه مطبّا علميا حقيقيا وهو أن الطفرات الوراثية تشكل على الدوام عامل ضرر على الأحياء ولم تكن ذات فائدة في يوم من الأيام· وسبب ذلك واضح جدا فإنّ جزيئة الـDNA معقدة التركيب للغاية وأي تغيير جزيئي عشوائي مهما كان طفيفا لابد وأن يكون له أثر سلبي، وهذه الحقيقة العلمية يعبر عنها العالم الأمريكي ب·ج·رانكاناثان B.G.Ranganathan الأخصائي في علم الجينات كما يلي: ''إنّ الطفرات الوراثية تتسم بالصغر والعشوائية والضرر ولا تحدث إلا نادرا وتكون غير ذي تأثير في أحسن الأحوال· إنّ هذه الخصائص العامة الثلاث توضح أنّ الطفرات لا يمكن أن تلعب دورا في إحداث التطور خصوصا أنّ أيّ تغيير عشوائي في الجسم المعقد لابدّ له أن يكون إمّا ضارا أو غير مؤثر، فمثلا أيّ تغيير(1/97)
عشوائي في ساعة اليد لا يؤدي إلى تطويرها، فالاحتمال الأكبر أن يؤدي إلى إلحاق الضرر بها أو أن يصبح غير مؤثّر بالمرة ''· 52وهذا ما حصل فعلا لأنّه لم يثبت إلى اليوم وجود طفرة وراثية تؤدّي إيى تحسين البنية الجينية للكائن الحي· والشواهد العلمية أثبتت ضرر جميع الطفرات الحاصلة، وهكذا يتضح أنّ هذه الطفرات التي جعلت سببا لتطور الأحياء من قبل الداروينية الحديثة ما هي إلا وسيلة تخريبية التأثير على الأحياء حيث تتركهم معاقين في أغلب الأحيان ( وأفضل مثال للطفرة الوراثية الحاصلة لجسم الإنسان هو الإصابة بمرض السرطان) ولا يمكن والحال كذلك أن تصبح الطفرات الوراثية ذات التأثير الضار آلية معتمدة علميا لتفسير عملية التّطور· أمّا آلية الانتخاب الطبيعي فهي بدورها لا يمكن أن تكون مؤثرة لوحدها فقط حسب اعترافات داروين نفسه، وبالتالي لا يمكن أن يوجد مفهوم يدعى بـ''التطور''، أي أنّ عملية التطور لدى الأحياء لم تحدث البتة·سجلات المتحجرات : لا أثر للمخلوقات الانتقالية أو الحلقات الوسطىتعتبر سجلاّت المتحجّرات أفضل دليل على عدم حدوث أي من السيناريوهات التي تدّعيها نظرية التطور، فهذه النظرية تدّعي أنّ الكائنات الحيّة من مختلف الأنواع نشأت بعضها من البعض الآخر، فنوع معين من الكائن الحي من الممكن أن يتحول إلى نوع آخر بمرور الزمن وبهذه الوسيلة ظهرت الأنواع المختلفة من الأحياء، وحسب النظرية فإنّ هذا التحول النوعي استغرق مئات الملايين من السنين· واستنادا على هذا الإدعاء ينبغي وجود أنواع انتقالية أو حلقات وسطى طوال فترة حصول التحول النوعي في الأحياء ·على سبيل المثال ينبغي وجود كائنات تحمل صفاتا مشتركة من الزواحف والأسماك لأنها في البداية كانت مخلوقات مائية تعيش في الماء وتحولت بالتدريج إلى زواحف، أو يفترض وجود كائنات ذات صفات مشتركة من الطيور والزواحف لأنها في البداية كانت زواحفا ثم تحولت إلى طيور، ولكون هذه(1/98)
المخلوقات الافتراضية قد عاشت في فترة تحول فلابد أن تكون ذات قصور خلقي أو مصابة بإعاقة أو تشوّه ما، ويطلق دعاة التطور على هذه الكائنات الانتقالية اسم ''الحلقات الوسطى''· ولو فرضنا أن هذه ''الحلقات الوسطى'' قد عاشت فعلا في الأحقاب التاريخية فلا بد أنها وجدت بأعداد كبيرة وبأنواع كثيرة تقدر بالملايين بل بالمليارات، وكان لابد أن تترك أثرا ضمن المتحجرات المكتشفة، ويعبر داروين عن هذه الحقيقة في كتابه: ''إذا صحت نظريتي فلا بد أن تكون هذه الكائنات الحية العجيبة قد عاشت في فترة ما على سطح الأرض ··· وأحسن دليل على وجودها هو اكتشاف متحجرات ضمن الحفريات''·53(1/99)
خيبة آمال داروينأجريت حفريات وتنقيبات كثيرة جدا منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى الآن ولكن لم يعثر على أي أثر لهذه '' الحلقات الوسطى أو الأشكال الانتقالية ''، وقد أثبتت المتحجرات التي تم الحصول عليها نتيجة الحفريات عكس ما كان يتوقعه الداروينيون من أن جميع الأحياء بمختلف أنواعها قد ظهرت إلى الوجود فجأة وعلى أكمل صورة ·وقد اعترف بهذه الحقيقة أحد غلاة الداروينيّة وهو ديريك وايكر W.Ager Derek الأخصائي البريطاني في علم المتحجرات قائلا: إنّ مشكلتنا الحقيقية هي حصولنا على كائنات حية كاملة سواء على مستوى الأنواع أو الأصناف عند تفحصنا للمتحجرات المكتشفة، وهذه الحالة واجهتنا دوما دون العثور على أيّ أثر لتلك المخلوقات المتطورة تدريجيا · 54 أي أن المتحجرات تثبت لنا ظهور الأحياء كافة فجأة دون أي وجود للأشكال الانتقالية· وهذا عكس ما ادعاه داروين طبعا، وهذا تعبير على كون هذه الكائنات الحية مخلوقة لأن التفسير الوحيد لظهور كائن حي فجأة دون أن يكون له جد معين هو أن يكون مخلوقا، وهذه الحقيقة قد قبلها عالم أحياء مشهور مثل دوغلاس فوتويما Douglas Futuyma الذي يقول:إنّ الخلق والتطور مفهومان أو تفسيران سائدان في دنيا العلم لتفسير وجود الأحياء، فالأحياء إمّا وجدت فجأة على وجه البسيطة على أكمل صورة أو لم تكن كذلك، أي أنها ظهرت نتيجة تطورها عن أنواع أو أجداد سبقتها في الوجود، وإن كانت قد ظهرت فجأة وبصورة كاملة الشكل والتكوين فلابد من قوة لاحد لها وعقل محيط بكل شيء توليا إيجاد مثل هذه الكائنات الحية · 55 فالمتحجرات تثبت أن الكائنات الحية قد ظهرت فجأة على وجه الأرض وعلى أحسن شكل وتكوين، أي أن أصل الأنواع هو الخلق وليس التطور كما كان يعتقد داروين ·القصة الملفقة لتطور الإنسانإنّ من أهم المواضيع المطروحة للنقاش ضمن نظرية التطور هو بلاشك أصل الإنسان، وفي هذا الصدد تدعي الداروينية بأن الإنسان الحالي نشأ(1/100)
متطورا من كائنات حية شبيهة بالقرد عاشت في الماضي السحيق، وفترة التطور بدأت قبل 4-5 ملايين سنة وتدعي النظرية وجود بعض الأشكال البينية خلال الفترة المذكورة، وحسب هذا الإدعاء الخيالي هناك أربعة مجاميع رئيسية ضمن عملية تطور الإنسان وهي :-1أوسترالوبيثيكوس ·-2هومو هابيليس ·-3هومو اريكتوس ·-4هومو سابينس ·يطلق دعاة التطور على الجد الأعلى للإنسان الحالي اسم '' أوسترالوسيثيوكس '' أو قرد الجنوب، ولكن هذه المخلوقات ليست سوى نوع منقرض من أنواع القرود المختلفة، وقد أثبتت الأبحاث التي أجراها كلّ من الأمريكي البروفيسور تشارلز أوكسنارد Charles Oxnard والبريطاني اللورد سوللي زاخرمان Solly Zuckermanوكلاهما من أشهر علماء التشريح على قرد الجنوب إن هذا الكائن الحي ماهو إلا نوع منقرض من القرود ولا علاقة له بالمرة بالإنسان · 56 والمرحلة التي تلي قرد الجنوب يطلق عليها من قبل الداروينيين اسم ''هومو'' أو الإنسان، وفي كافة مراحل الـ '' هومو'' أصبح الكائن الحي أكثر تطورا من قرد الجنوب، ويتشبث الداروينيون بوضع المتحجرات الخاصة بهذه الأنواع المنقرضة كدليل على صحة نظريتهم وتأكيدا على وجود مثل هذا الجدول التطوري الخيالي، ونقول خيالي لأنه لم يثبت إلى الآن وجود أي رابط تطوري بين هذه الأنواع المختلفة· و هذه الخيالية في التفكير اعترف بها أحد دعاة نظرية التطور في القرن العشرين وهو أرنست ماير Ernest Mayer قائلا: ''إنّ السلسلة الممتدة إلى هومو سايينس منقطعة الحلقات بل مفقودة ''· 57 وهناك سلسلة يحاول الدراوينيون إثبات صحتها تتكون من قرد الجنوب (أوسترالوبيثيكوس) هوموهابيليس ـ هومواريكتوس ـ هوموسابنيس أي أن أقدمهم يعتبر جدا للّذي يليه، ولكن الاكتشافات التي وجدها علماء المتحجرات أثبتت أن قرد الجنوب و هوموهابيليس و هومواريكتوس قد وجدت في أماكن مختلفة وفي نفس الفترة الزمنية 58 · والأهم من ذلك هو وجود أنواع من هومو(1/101)
أريكتوس قد عاشت حتى فترات حديثة نسبيا ووجدت جنبا إلى جنب مع هومو سايينس نياندرتاليسيسن و هوموسايينس (الإنسان الحالي) · 59 وهذه الاكتشافات أثبتت عدم صحة كون أحدهما جدا للأخر، و أمام هذه المعضلة الفكرية التي واجهتها نظرية داروين في التطور يقول أحد دعاتها وهو ستيفن جي كولد Stephen Jay Gould الأخصائي في علم المتحجرات في جامعة هارفارد ما يأتي: ''إذا كانت ثلاثة أنواع شبيهة بالإنسان قد عاشت في نفس الحقبة الزمنية، إذن ماذا حصل لشجرة أصل الإنسان ؟ الواضح أنه لا أحد من بينها يعتبر جدا للآخر، و الأدهى من ذلك عند إجراء مقارنة بين بعضها البعض لا يتم التوصل من خلالها إلى أية علاقة تطورية فيما بينها ''· 60 وبصريح العبارة أن اختلاق قصة خيالية عن تطور الإنسان والتأكيد عليها إعلاميا وتعليميا والترويج لنوع منقرض من الكائن الحي نصفه قرد ونصفه الآخر إنسان ما هو إلا عمل لا يستند إلى أي دليل علمي· وقد أجرى اللورد سوللي زاخرمان البريطاني أبحاثه على متحجرات قرد الجنوب لمدة 15 سنة متواصلة علما أن له مركزه العلمي كأخصائي في علم المتحجرات وقد توصل إلى عدم وجود أية سلسلة متصلة بين الكائنات الشبيهة بالقرد وبين الإنسان واعترف بهذه النتيجة بالرغم من كونه دارويني التفكير ·قام زاخرمان بتأليف جدول خاص للمعرفة أدرج فيها فروع المعرفة التي يعدها علمية ، وكذلك فروع المعرفة التي يعدها خارج نطاق العلم· وحسب جدول زاخرمان تشمل الفروع العلمية والتي تستند إلى أدلة مادية علمي الكيمياء والفيزياء· ويليهما علم الأحياء فالعلوم الاجتماعية وأخيرا، أي في حافة الجدول تأتي فروع المعرفة الخارجة عن نطاق العلم· ووضع في هذا الجزء من الجدول علم تبادل الخواطر والحاسة السادسة والشعور أو التحسس النائي( التلباثي) وأخيرا علم تطور الإنسان ويضيف زاخرمان تعليقا على هذه المادة الأخيرة في الجدول كما يلي:'' عند انتقالنا من العلوم المادّية إلى(1/102)
الفروع التي تمت بصلة إلى علم الأحياء النائي أو الإستشعار عن بعد وحتى استنباط تاريخ الإنسان بواسطة المتحجرات نجد أنّ كل شيء جائز وممكن خصوصا للمرء المؤمن بنظرية التطور حتى أنه يضطر أن يتقبل الفرضيات المتضادة أو المتضاربة في آن واحد'' ·61 إذن إنّ القصة الملفقة لتطور الإنسان ليست إلاّ إيمان أعمى من قبل بعض الناس بالتأويلات غير المنطقية لأصل بعض المتحجرات المكتشفة ·التقنية الراقية في العين والأذنإنّ نظرية التّطور تعجز تمام العجز عن تفسير أمر آخر وهو كيفية وجود هذا المستوى الراقي من التحسس سواء في العين أو في الأذن· وقبل شرح موضوع العين دعونا نطلع ولو بإيجاز على كيفية أداء العين لوظيفة الإبصار، فالضوء المنعكس من جسم ما يسقط على شبكية العين بصورة مقلوبة، وهذا الضوء يتحول عن طريق الخلايا الموجودة في الشبكية إلى إشارات كهربائية تتدفق إلى مركز الإبصار الموجود في مؤخرة المخ، وبعد سلسلة من التفاعلات يتم تفسير هذه الإِشارات وتحويلها إلى صورة لذلك الجسم من قبل مركز الإبصار· و بعد هذا الاستعراض الموجز لنفكر قليلا وكما يأتي: إنّ المخ يكون بمعزل عن الضوء، أي أن داخله مظلم تماما، والضوء لا يستطيع الولوج داخله، أو بالأحرى لا يستطيع أبدا الوصول إلى مركز الإبصار، وربما كان من أشد الأماكن ظلمة ، ولكن المرء يستطيع الإبصار بواسطة هذا المركز الشديد الظلمة، إضافة إلى كون هذا الإبصار حادا وواضحا إلى درجة مذهلة يعجز عنه العلم المتقدم في القرن الحادي والعشرين أن ينجز مثيلا له، فمثلا انظروا إلى الكتاب الذي بين أيديكم وانظروا ما حولكم هل رأيتم صفاء ووضوحا في الصورة كالتي ترونها الآن؟ إن هذا الصفاء في الصورة لا يمكن أن يرى حتى في أحسن تلفزيون صنع حتى الآن· ومازال المهندسون البارعون يعملون بدأب منذ 100سنة للحصول على صفاء صورة كالتي ترونها الآن بعيونكم، و انظروا مرة أخرى إلى شاشة التلفزيون وتارة أخرى إلى(1/103)
الكتاب الذي بين أيديكم ،هناك فرق شاسع بين الصورتين من ناحية صفاء الصورة ووضوحها، إضافة إلى كون الصورة التلفزيونية ثنائية الأبعاد أماّ الصورة التي ترونها بعيونكم فثلاثية الأبعاد (مجسمة.(وهناك أبحاث ومشاريع تجري منذ سنوات عديدة لإنتاج أجهزة التلفزيون صورتها ثلاثية الأبعاد وتضاهي الصورة التي تتحسسها عين الإنسان، ونجح الإنسان في صنع هذا التلفزيون ولكن لا يمكن مشاهدة الصّور على شاشته إلا باستخدام نظارة خاصة، إضافة إلى كون الصورة ثلاثية الأبعاد صنعية ليس إلا، فخلفية الصورة تبدو مشوشة والواجهة تبدو كأنها قطعة ورق، ولا يمكن أبدا أن تتشكل صورة مضاهية للصورة التي تكونها عين الإنسان، فالصورة التي تكونها الكاميرا أو التلفزيون لابد وأن تكون مشوشة بعض الشيء أو تفقد جزءا من صفائها· هنا يدعي الداروينيون أن هذا الصفاء والحدة في تشكيل الصورة من قبل العين قد اكتسب بالمصادفة، ولو أخبركم أحدهم بأن التلفزيون الموجود في الغرفة قد تشكل مصادفة أي اجتمعت الذرات مع بعضها وألّفت فيما بينها هذا الجهاز المدعو التلفزيون ، كيف تفسرون هذا الخبر؟ كيف تنجح الذرات في عمل شيء يعجز الملايين من البشر ؟إذن فكما أنّ من المستحيل أن يظهر جهاز أقل تعقيدا من العين بالمصادفة كذلك العين نفسها والصورة التي تكونها من المستحيل أن يظهرا هكذا بالمصادفة، ونفس الشيء ممكن بالنسبة إلى الأذن، فالأذن الخارجية تقوم باستقبال الموجات الصوتية وتجمعها بواسطة صيوان الأذن وتنقلها إلى الأذن الوسطى والتي تقوم بدورها بتقوية هذه الموجات ونقلها إلى الأذن الداخلية والتي تقوم بتحويل هذه الموجات الصوتية إلى إشارات كهربائية تنتقل إلى المخ، وهنا يحصل مثلما يحصل أثناء الإبصار، فمركز السمع الموجود في المخ يقوم بتأويل هذه الإشارات الكهربائية إلى صوت مسموع · ويمكن إجراء نفس المناقشة الذهنية أي أن المخّ مقفل أمام الصوت كما هو أمام الضوء، أي أن داخل(1/104)
المخ يكون عديم الصوت مهما كانت الضوضاء عالية في المحيط الخارجي، مع هذا يتم الإحساس بأنقى الأصوات بواسطة المخ، ويمكنكم بمخكم هذا المعزول عن الصوت سماع اوركسترا تعزف سيمفونية، أو سماع ضوضاء الشارع ولكن لو تم قياس مستوى الصوت داخل المخ بواسطة جهاز متقدم عند لحظة الاستماع للموسيقى الصاخبة فمن المؤكد أن نجد الصمت المطلق داخل المخ ·ومثلما استخدمت التكنولوجيا للحصول على أدق الصور وأوضحها فنفس الشيء يذكر بالنسبة للصوت فالمحاولات جارية منذ عشرات السنين للحصول على أوضح الأصوات وأنقاها·إن أجهزة تسجيل الصوت وأجهزة الاستماع الى الموسيقى وأجهزة أخرى إلكترونية حساسة للصوت ليست سوى نتاج لهذه المحاولات الجارية· وبالرغم من وجود كل هؤلاء المهندسين والفنيين البارعين وهذه التكنولوجيا المتقدمة لم يتم التوصل حتى الآن إلى درجة النقاء الصوتي للأذن البشرية· فأجهزة الصوت المصنوعة من قبل أحسن الشركات لابد وأن يكون الصوت الذي تصدره معرضا لشيء من التشويش أو فقدان درجة معينة من الوضوح أما الصوت الذي تستقبله الأذن البشرية فيتميز بغاية الوضوح والنقاء، فالأذن البشرية لا تسلك سلوك أجهزة التسجيل أبدا كأن يكون هناك شيء من الضوضاء أو الأزيز المزعج ،إذ يتم استقبال الصوت كما هو دون تغيير، وهذا الأمر موجود وفعال منذ خلق الإنسان وحتى الآن· ولم يكن أي جهاز صنعه الإنسان صوتيا كان أم مرئيا بدرجة وضوح ودقة العين والأذن البشريتين ولكن هناك حقيقة كبرى تقف خلف حاسة السمع والبصر وتعبر عن نفسها بوضوح· فلنسأل أنفسنا:لمن يعود الشعور الخاص بالسمع والبصر في المخ؟من الذي يوجد داخل المخ ويشاهد هذا العالم الزاهي الألوان من حولنا أو يستمع إلى أصوات الطيور أو الموسيقى السيمفونية المؤثرة أو يشم رائحة الزهور الزكية ؟فالإشارات الكهربائية القادمة من الأعضاء الحية الموجودة في الأنف والأذن والعين تذهب إلى المخ ويمكن للمرء أن يطلع على(1/105)
كيفية تحول الإشارة الكهربائية إلى صورة في المخ عن طريق قراءة كتب علم الأحياء أو علم الفيزياء الحيوية أو الكيمياء الحيوية، ولكن هناك حقيقة تتعلق بهذا الأمر لا يمكن أن تجدوها في أي مصدر، من ذا الذي يشم أو يرى أو يسمع داخل المخ ؟ لأنه يوجد في المخ نظام خاص يستطيع الإبصار والسمع والشم دون الحاجة إلى عين أو أذن أو أنف، لمن يعود هذا النظام المتقدم ؟إن هذا النظام المتقدم ما هو إلا الروح الذي خلقه الله العليم الحكيم، فالروح لا يحتاج إلى العين كي يبصر ولا يحتاج إلى الأذن كي يسمع ولا يحتاج إلى المخ للتفكير فيما هو أبعد من ذلك·حتما أن هذا النظام المتقدم لا يعود إلى المخ المتشكل من الأعصاب أو الخلايا العصبية لذلك يعجز الداروينيون الذين يظنون أن أصل كل شيء هو المادة عن الإجابة على هذه الأسئلة ·فعلى الإنسان أن يفكر مليا أمام هذه الحقيقة العلمية ، فعدة سنتيمترات مكعبة من المخ تستطيع إبصار الكائنات بشكل مجسم ( ثلاثي الأبعاد)، وأزهى الألوان بقدرة العزيز القهار فعلى الإنسان أن يخاف ربه ويشكره ويحمده على هذه النعم ويلتجئ إليه·عقيدة ماديةلقد استعرضنا النظرية الخاصة بالتطور ومدى تناقضها مع الأدلة والشواهد العلمية ومدى تناقض فكرها المتعلق بأصل الحياة مع القواعد العلمية، واستعرضنا أيضا كيفية انعدام التأثير التطوري لكافة آليات التطور التي تدعو إليها هذه النظرية وانعدام وجود أية آثار لمتحجرات تثبت وجود الأشكال الانتقالية أو الحلقات الوسطى للحياة عبر التاريخ، لهذا السبب نتوصل إلى ضرورة التخلي عن التشبث بالنظرية التي تعتبر متناقضة مع قواعد العلم والعقل، ولابد أن تنتهي كما انتهت نظريات أخرى عبر التاريخ والتي ادعت بعضها أن الأرض مركز الكون· ولكن هناك إصرار عجيب على بقاء هذه النظرية في واجهة الأحداث العلمية وهناك البعض يتمادى في تزمته ويتهم أي نقد للنظرية بأنه هجوم على العلم والعلماء ·والسبب يكمن في(1/106)
تبني بعض الجهات لهذه النظرية واعتبارها عقيدة صارمة لا يمكن التخلي عنها، وهذه الجهات يتميز تفكيرها بأنه نابع من المدرسة المادية بل متصلة بالفكر المادي اتصالا أعمى وتعتبر الداروينية التفسير المادي الوحيد للطبيعة· وأحيانا تعترف هذه الجهات بالحقيقة السابقة، كما يقول ريتشار دليونتن Richard Lewontin أشهر الباحثين في علم الجينات والذي يعمل في جامعة هارفارد و هو من المدافعين الشرسين عن نظرية التطور ويعتبر نفسه ماديا ثم رجل علم : ''نحن نؤمن بالمادية، ونؤمن بأشياء مسلم بها سلفا وهذا الإيمان المسبق بالفلسفة المادية وارتباطنا بها هو الذي يجعلنا نضع تفسيرات مادية ومفاهيم مادية لجميع الظاهر في العالم· وليس قواعد العلم ومبادؤه،· وإيماننا المطلق بالمادية هو سبب دعمنا اللامحدود لكل الأبحاث الجارية لإيجاد تفسيرات مادية لكافة الظواهر التي توجد في عالمنا، ولكون المادية صحيحة صحة مطلقة فلا يمكن أبدا أن نسمح للتفسيرات الإلهية أن تقفز إلى واجهة الأحداث''· 62 إن هذه الكلمات تعكس مدى الدوغمائية والارتباط الأعمى بالفلسفة المادية لهؤلاء العلماء ، ويعتبر غلاة أصحاب هذه النظرية أنه لا يوجد هناك شيء غير المادة ، ولهذا السبب يؤمنون بأن المواد غير الحية هي سبب وجود المواد الحية، أي أن الملايين من الأنواع المختلفة كالطيور والأسماء والزرافات والنمور والحشرات والأشجار والزهور والحيتان وحتى الإنسان ليست إلا نتاجا للتحول الداخلي الذي طرأ على المادة بسبب عوامل طبيعية كالمطر المنهمر والرعد والصواعق· والواقع أن هذا الاعتقاد يتعارض تماما مع قواعد العقل والعلم ، إلا أن الداروينيين مازالوا يدافعون عن آرائهم خدمة لأهدافهم ''لا يمكن أبدا أن نسمح للتفسيرات الإلهية أن تقفز إلى واجهة الأحداث''·(1/107)
و كلّ إنسان ينظر إلى قضية أصل الأحياء من وجهة نظر غير مادية لابد له أن يرى الحقيقة الساطعة كالشمس، إنّ كافة الكائنات الحية قد وجدت بتأثير قوة لا متناهية وعقل لا حد له أي خلقت من قبل خالق لها، وهذا الخالق هو الله العلي القدير الذي خلق كل شيء من العدم وقال له كن فيكون ·----------
قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّامَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ البقرة 32·
·1 ديفيد فيلكين،كون ستيفن هوكنج: الكون المفسر، الكتب الأساسية، أكتوبر/ تشرين أول ،1998 الصفحتان 85 و·86 ·2 دليل ستيفن هوكنج للقارئ، مختصر لتاريخ الزمن (نقّحه ستيفن هوكنج؛ وأعدّته جين ستون)، نيويورك، دار بانتام للكتب، ،1982 الصفحتان 62 و·63 ·3 هنري مارجينو وروي إبراهام فارجيس، الكون، والأحياء، والآلهة، لا سالا إل: (دار نشر أوبن كورت)، ،1992 صفحة ·241 ·4 إتش· بي· ليبسون، ''تأملات فيزيائي في التطور''، المجلة الفيزيائية، العدد ،138 ،1980 صفحة ·138 ·5 تاشكين تونا، أسرار الفضاء، بوجازيسي يايينلاري، صفحة ·185 ·6 كولين إيه· رونان، الكون المفسر، دليل قاطني الأرض إلى ألغاز الفضاء، هنري هولت وشركاه، الصفحتان 178 و·179 ·7 تاشكين تونا، أسرار الفضاء، بوجازيسي يايينلاري، صفحة ·186·8 ستي؟ين وينبرج، الدقائق الثلاث الأولى، رؤية عصرية لأصل الكون، الكتب الأساسية، يونيو/ حزيران ،1993 صفحة ·87 ·9 ستيفن دبليو· هوكنج، مختصر لتاريخ الزمن، دار بانتام للكتب، إبريل/ نيسان ،1988 صفحة ·121 ·10 هيو روس، الخالق والكون، كيف تكشف أعظم اكتشافات القرن العلمية عن وجود الله، كولورادو: دار نا؟ للطباعة والنشر، نسخة منقحة، ،1995 صفحة ·76 ·11 مايكل دِنتون، قدَر الطبيعة: كيف تكشف قوانين البيولوجيا عن الغاية من الكون، نيويورك، دار فري للطباعة والنشر، ،1998 الصفحات 12 و·13 ·12 بول دي؟يز، الكون العَرَضي، كامبردج: دار جامعة كامبردج للطباعة(1/108)
والنشر، ،1982 تصدير· ·13 جان جيتون، الله والعلم:نحو ما وراء الحقيقة، باريس: جراسيه، ،1991 صفحة ·62 ·14 جان جيتون، الله والعلم: نحو ما وراء الحقيقة، باريس: جراسيه، ،1991 صفحة ·62·15 جان جيتون، الله والعلم: نحو ما وراء الحقيقة، باريس: جراسيه، ،1991 صفحة ·62·16 ميت شيمشيك، الذرة، يني آسيا ياينلاري، صفحة ·7·17 تاشكين تونا، ما وراء الفضاء، بوجازيسي يايينلاري، ،1995 صفحة ·53·18 جان جيتون، الله والعلم: نحو ما وراء الحقيقة، باريس: جراسيه، ،1991 صفحة ·62·19 تاشكين تونا، ما وراء الفضاء، بوجازيسي يايينلاري، ،1995 صفحة ·52·20 دي؟يد فيلكين، كون ستيفن هوكنج: الكون المفسر، الكتب الأساسية، أكتوبر/ تشرين أول ،1998 الصفحتان 143 و·144·21 ريتشارد فينمان، خصائص القانون الفيزيائي، دار الطباعة والنشر التابعة لمعهد ماساشوستس للتكنولوجيا، مارس/ آذار ،1967 صفحة ·128 ·22 ريتشارد فينمان، خصائص القانون الفيزيائي، دار الطباعة والنشر التابعة لمعهد ماساشوستس للتكنولوجيا، مارس/ آذار ،1967 صفحة ·129 ·23 جان جيتون، الله والعلم: نحو ما وراء الحقيقة، باريس: جراسيه، ،1991 صفحة ·5·24 مارتن شيروود وكريستين سَلْتون، العالم المادي، دار جامعة أكسفورد للطباعة والنشر، ،1988 صفحة ·81 ·25 مارتن شيروود وكريستين سَلْتون، العالم المادي، دار جامعة أكسفورد للطباعة والنشر، ،1988 صفحة ·82 ·26 مارتن شيروود وكريستين سَلْتون، العالم المادي، دار جامعة أكسفورد للطباعة والنشر، ،1988 صفحة ·79·27 إل· ؟لاسو؟ ودي· تريفونو؟، مائة وسبع قصص عن الكيمياء، ،1977 صفحة ·117·28 إل· ؟لاسو؟ ودي· تريفونو؟، مائة وسبع قصص عن الكيمياء، ،1977 صفحة ·118·29 دي؟يد بيرني، الحياة، شاهد عيان علمي، لندن: دورلنج كندرسلي، ،1996 صفحة ·8·30 ن؟يل ؟ي· سيدويك، العناصر الكيميائية ومركباتها، المجلد الأول، أكسفورد: دار جامعة أكسفورد للطباعة والنشر، ،1950 صفحة ·490·31(1/109)
مارتن شيروود وكريستين سَلْتون، العالم المادي، دار جامعة أكسفورد للطباعة والنشر، ،1988 صفحة ·30·32 تركيب المادة، شركة تايم للكتب، ،1992 صفحة ·76·33 بي· دبليو· أتكنز، الجزيئات، مكتبة مجلة العلوم الأمريكية، صفحة ·115·34 بي· دبليو· أتكنز، الجزيئات، مكتبة مجلة العلوم الأمريكية، صفحة ·128·35 بي· دبليو· أتكنز، الجزيئات، مكتبة مجلة العلوم الأمريكية، صفحة ·130·36 بي· دبليو· أتكنز، الجزيئات، مكتبة مجلة العلوم الأمريكية، صفحة ·93·37 تاشكين تونا، ما وراء الفضاء، بوجازيسي يايينلاري، ،1995 صفحة ·166·38 هنري إم· موريس، الأثر رقم ،111 سبتمبر/ أيلول ·1982·39 كارل ساجان، الكون، راندوم هاوس، إبريل/ نيسان ،1983 صفحة ·24 ·40 سي· دي· دارلنجتون، التطور لدى أنصار الطبيعة، (نيويورك، جون وايلي، 1980) صفحة ·15·41 دكتور جاري باركر، الأثر رقم ،62 أغسطس/ آب ·1978·42 جان جيتون، الله والعلم: نحو ما وراء الحقيقة، باريس: جراسيه، ،1991 صفحة ·38·43 مايكل بيهي، صندوق داروين الأسود، دار فري للطباعة والنشر، ،1996 صفحة x. ·44 تيما لاروس، موسوعة العلم والتكنولوجيا، صفحة 300·Sidney Fox45 سيدني فوكس،Klaus Dose كلوس داز Molecular Evolution and the Origin of Life التطور الجزيئي وأصل الحياة، نيويورك: Marcel Dekker 1977ص 2 ··Alexander T.Oparin46 الكسندر ·أ·اوبارين، Original of life أصل الحياة،1936نيويورك، مطبوعات دوفر 1953طبعة مكررة ص196 ··''New Evidence on evolution of early atmosphere and life'' 47 دليل جديد على تطور الغلاف الجوي القديم والحياة، نشرة موجزة صادرة عن جمعية الأنواء الجوية الأميريكية، المجلد 63 نوفمبر 1982 ص 1328-1220 ·· Stanley Miller 48ستانلي ميللر،Moleculer Evolution of life :Current status of the prebiotic synthesis of small Molecules 1998ص40 ·· Jeffrey Bada 49 جيفري بادا ، الأرض Earth فبراير 1998(1/110)
ص40 ··50 تشارلز داروين، أصل الأنواع:نسخة طبق الأصل للطبعة الأولى مطابع جامعة هارفارد 1964ص 189 ··51تشارلز داروين، أصل الأنواع:نسخة طبق الأصل للطبعة الأولى مطابع جامعة هارفارد 1964ص ·184· B.G.Ranganathan52 بي·جي·رانكاناثان· Origins الأصول ؟ بنسلفانيا :مانشيت الحقيقية الموثوقة 1988 ··53 تشارلز داروين، أصل الأنواع:نسخة طبق الأصل للطبعة الأولى مطابع جامعة هارفارد 1964ص 179 ·· Derek A.Ager 54 ديريك·أ·آجر، The Nature of the fossil record كبيعة سجلات الحفريات محاضر الجمعية الجيولوجية البريطانية المجلد 87 1976ص 133 ·· Douglas J.Futuyma 55 دوغلاس·جي·فوتويما، العلم في قفص الإتهام،نيويورك: مطبوعات بانثيون 1982 ص197 ·· Solly Zuckerman56 سوللي زاخرمان Beyond the Ivory tower من خلال البرج العاجي، نيويورك منشورات توبلينغر 1970ص75-،94 Charles E.Oxnard، '' موقع أوسترالو بيثيسنس في السلم التطوري للإنسان :أرضية ملائمة للشكوك '' مجلة 258 ص 289 ·· J.Rennie 57جي رينيه، Darwin's Current bulldog: Ernest Mayr أرنست ماير :سفسطة داروين المستمرة ،المجلة العلمية الأمريكية ديسمبر 1992 · Alan Walker 58 ، العلم العدد 207 1980 ص،1103 A.J.kelso ، الأنثرلوبوجيا الفيزيائية ، الطبعة الأولى نيويورك: شركة J.B.Lipincott 1970ص·،221D.Leakey أولديواي كوركي العدد 3 كمبريدج : مطابع جامعة كمبريدج 1971 ص 272 ··59 مجلة نوفمبر 1996 ··S.J.Gould 60 س·ج·كولد: Natural History التاريخ الطبيعي العدد 85 1976 ص20 ·· Solly Zuckerman61، Beyond The Ivory Tower من خلال البرج العاجي، نيويورك: منشورات توبلينغر 1970ص19 ·· Richard Lewontin62 ريتشارد ليوينتن ، '' The demon-haunted world العالم المثابة الشريرة '' دليل نيويورك للكتب 9يناير 1997ص 28
التعليقات الواردة تحت الصور
صفحة12:
سير فريد هويل
صفحة 13:(1/111)
نشأ الكون من العدم نتيجة لانفجار عظيم. وقد ظهر نظام الكون المتقن الحالي بسبب تناثر جميع الجسيمات والقوى التي تكونت بتوافق ونظام هائلين منذ اللحظة الأولى لهذا الانفجار الكبير.
صفحة 14:
جورج لومتر (في الأعلى)
أدوين هوبل (في الأسفل)
صفحة 14:
أظهر تحليل الضوء القادم من نجمي الكوكبة الجنوبية ألفا Alpha Centaurus على مدى فترة من الزمن وجود سلسلة من التغيرات في طيفيهما. وقد كشفت الطريقة التي تتغير بها الإزاحتان الحمراء والزرقاء عن صورة لنجمين يكمِّلان مدارات حول بعضهما البعض مرة كل 80 سنة.
صفحة 15:
ألبرت أينشتاين خلال زيارة لمرصد ويلسون، حيث أجرى إدوين هابل عمليات الرصد الخاصة به.
صفحة 16: وفقا لظاهرة دوبلر، إذا ظلت مجرة على مسافة ثابتة من الأرض، يظهر طيف الموجات الضوئية في الوضع "القياسي" “standard” (الشكل العلوي). ولكن إذا كانت المجرة تبتعد عنا، تبدو الموجات ممدودة ومنزاحة انزياحا أحمر (الشكل الأوسط). وإذا كانت المجرة متجهة نحونا، تبدو الموجات محشورة ومنزاحة انزياحا أزرق (الشكل السفلي).
- جورج كموف
صفحة 17:
الهوائي القَرْني العملاق بمختبرات بيل Bell حيث اكتشف أرنو بنزياس وروبرت ويلسون إشعاع الخلفية الكونية. وقد مُنح بنزياس وويلسون جائزة نوبل عن هذا الاكتشاف عام 1978.
-جورج سموت
صفحة 18:
قدّم إطلاق القمر الاصطناعي "كوبي" أدلة إضافية على أن الكون قد تكوَّن نتيجة انفجار عظيم.
صفحة 24:
بعد اللحظة "صفر" عندما لم تكن هناك أية مادة أو زمن وعندما حدث الانفجار، نشأ الكون ووحدات بنائه، الذرات، من العدم في إطار مخطط عظيم.
صفحة رقم 25:
Arabic ... English
إلكترونات أسيرة ... Electrons captured
إلكترون ... Electron
نيوترينو ... Neutrino
نواة الهليوم ... Helium nucleus
نيوترون ... Neutron
نواة الديوتريوم (الهيدروجين الثقيل) ... Deuterium nucleus
بروتون ... Proton
كوارك ... Quark(1/112)
مضاد الكوارك ... Antiquark
قوة كهربائية ضعيفة ... Electroweak force
جسم وحيد ... Singularity
قوة موحدة ... Unified force
ثلاثيات الكواركات تكوِّن هادرونات ... Triples of quarks form hadrons
جاذبية ... Gravity
قوة كهرومغناطيسية ... Electromagnetic force
قوة ضعيفة ... Weak force
قوة شديدة ... Strong force
ضباب عالي الطاقة من المادة والإشعاع ... High energy fog of matter and radiation
يصبح الكون شفافا ... Universe becomes transparent
10-43 ثانية: زمن بلانك ... 10-43 Seconds: Planck time
10-35 إلى 10-32 ثانية: فترة التضخم ... 10-35 to 10-32 Seconds:Inflation period
10-6 ثانية: إبادة المادة ومضاد المادة ... 10-6 Seconds: Annihilation of matter and antimatter
ثانية واحدة: الكواركات تكوِّن هادرونات، وإلكترونات، ونيوترنات ... 1 Second: Quarks form hadrons, ,electrons and neutrinos
ثلاث دقائق: البروتونات والنيوترونات تكوِّن نواة الذرة ... 3 minutes: Protons and neutrons form atomic nuclei
صفحة 26:
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) (سورة الحج: 18).
صفحة 28:
ستيفن وينبرغ
صفحة 29:
ذرة الهيدروجين،
- ذرة الهيليوم
صفحة 31:
(وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (سورة النحل: 12).
صفحة 32: القوة النووية الشديدة : 15
القوة النووية الضعيفة : 7.03 × -310
القوة التجاذبية : 5.90 ×-39 10(1/113)
القوة الكهرومغناطيسية : 3.05 ×-12 10
صفحة 35:
لا يستطيع المرء أن يظل في بيئة خالية من الجاذبية إلا لفترة معينة وباستخدام معدات خاصة. ولا تستطيع الكائنات الحية أن تعيش إلا في كون به جاذبية.
صفحة 36:
يسود الكون بأكمله تصميم فائق ونظام متقن تحكمه هذه القوى الأساسية. ومالك هذا النظام هو، بلا شك، الله سبحانه وتعالى، الذي خلق كل شيء من العدم بدون أية عيوب. ولا بد أن نذكر هنا إلى أن إسحاق نيوتن (1642-1727)، وهو أبو الفيزياء الحديثة والميكانيكا الفلكية، الذي يشار إليه بوصفه "أحد أعظم العلماء في التاريخ على الإطلاق" قد لفت الانتباه إلى هذه الحقيقة:
" لا يمكن أن ينشأ هذا النظام فائق الجمال المؤلف من الشمس، والكواكب، والمذنبات إلا نتيجة لتخطيط وسلطان كيان حكيم ومقتدر. ويسيطر هذا الكيان بسلطانه على كل شيء، ليس بوصفه روح العالم، ولكن بوصفه رب كل شيء. ويُطلق على هذا الكيان عادة الله الرب، حاكم الكون".
صفحة 40:
مجموعة من ثلاثة كواركات – تكوِّن بروتوناً- في قلبها أوتار.
صفحة 41:
تتكون البروتونات والإلكترونات من مجموعات ثلاثية الكواركات.
- ذرة
صفحة 42:
إن المسافة الفاصلة بين البروتونات والإلكترونات في الذرة تماثل في اتساعها المساحة الموضحة على الخريطة أعلاه.
صفحة 43:
كاربون- 14
6 بروتون، 8 نوترون
نوترون
إلكترون
بروتون
نوترينو
فوتون
نيتروجين -14
7بروتون ، 7 نوترون
صفحة 45:
ينشأ الاختلاف بين العناصر بسبب عدد البروتونات في نوى الذرات. وهذا الاختلاف هو الذي يجعل المواد المبيّنة أعلاه تبدو مختلفةً جداً عن بعضها البعض.
البيريت ... Pyrite
التيتانيوم ... Titanium
حجر الجير ... Limestone
الياقوت الأصفر ... Yellow sapphire
حجر الصنفرة ... Emery stone
الفلوريد ... Fluoride
الفحم ... Coal
كبريتات الباريوم ... Barium sulfate
الفلسبار (سليكات الألومنيوم) ... Feldspar
ملح الصخور ... Rock salt(1/114)
الكوارتز ... Quartz
الذهب ... Gold
الأباتيت ... Apatite
الغليون ... Galleon
الطلْق ... Talc
الياقوت الأزرق ... Blue sapphire
الحديد ... Iron
الكالسيت ... Calcite
التوباز ... Topaz
النحاس ... Copper
الماس ... diamond
صفحة 46:
تتكون البروتونات والنيوترونات في نواة الذرة من جسيمات أصغر تسمى الكواركات.
صفحة 47:
من بنية الذرة إلى بنية الكوارك، يمكن تحليل أصغر الجسيمات المكوِّنة للذرة باستخدام المسرِّعات accelerators الحديثة. ويوضِّح الرسم البياني أعلاه هذه العلاقة على نحو تصاعدي.
10-9
جزيء
10-10
ذرة
10-14
نواة ذرية
10-15
بروتون
10-18
كوارك
10-18
إلكترون
صفحة 48:
في الرسم البياني على الجهة اليسرى، ترى أربعة أنواع مختلفة من مدارات الإلكترونات، حسب الحركة الموجية. وتتحرك الإلكترونات في المدارات بالطريقة نفسها تقريبا التي تتحرك بها الكواكب حول الشمس حسب خواص جسيماتها. وتحول حركات الإلكترونات المختلفة هذه دون رؤيتها بوضوح.
صفحة 50:
تدور الإلكترونات حول النواة بتوازن دقيق للغاية، تماما كما تدور الكواكب حول الشمس.
صفحة 51:
(إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ) (سورة يونس: 6).
صفحة 52:
الجسيمات المسرَّعة
المسرِّعات وأجهزة التصادم
يمكن دراسة الجسيمات التي هي وحدات بناء المادة من خلال البحث في الجسيمات التي تصغر الذرة بملايين المرات. ولا يمكن إجراء البحوث على هذه الجسيمات بالغة الصغر إلا باستخدام أدوات تجريبية في غاية الضخامة والتعقيد خاصة بفيزياء الجسيمات. ولا يمكن التحكم في مثل هذه التجارب شديدة التعقيد إلا من خلال الاستخدام المكثف لأجهزة الكمبيوتر.(1/115)
ويجب أن نشير هنا إلى أن فيزياء الجسيمات عالية الطاقة هي مجال من المجالات العلمية التي تدرس وحدات بناء المادة والتفاعلات التي تحدث بينها. وتمكننا التجارب الأخيرة التي أُجريت باستخدام التكنولوجيا الحديثة المتقدمة من الإسراع في توسيع معارفنا حول تركيب المادة. وتجرَى بحوث فيزياء الجسيمات في مختبرات مسرِّعات الجسيمات التي يبلغ قطرها عدة كيلومترات. وفي مسرِّعات الجسيمات، تُسرَّع الجسيمات المشحونة - معظمها من البروتونات والإلكترونات - لتصل إلى سرعات كبيرة جدا في مجال كهرومغناطيسي ثم تُوجَّه إلى حجرة غيمية cloud chamber. وبعد ذلك، تجبَر الجسيمات المسرَّعة على الاصطدام إما بأهداف ثابتة أو ببعضها البعض. وتتم دراسة الجسيمات المبعثرة الناتجة عن هذه التصادمات باستخدام نظم كشف متنوعة.(1/116)
ومن خلال تكنولوجيات المسرِّعات ونظم الكشف، التي تطورت كثيرا بدءاً من خمسينيات القرن العشرين وما بعدها، أصبحت التصادمات عالية الطاقة ممكنة. ولا شك في أن دراسة هذه التصادمات بنظم الكشف المتقدمة قد مهدت الطريق لاكتشاف حقيقة أن البروتونات والنيوترونات، المعروف عنها أنها أساس المادة، تحتوي على تركيبات دون ذرية مؤلفة من جسيمات تسمى الكواركات. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن القياسات التي أُجريت عند مستويات الطاقة العالية أتاحت الفرصة للعلماء لكي يدرسوا تركيب المادة عند مسافات تصل في صغرها إلى جزء من مائة جزء من نصف قطر البروتون. ولا توجد مختبرات المسرِّعات إلا في بضع مراكز عالمية، لأن تكلفة إنشائها وتشغيلها باهظة جداً. وأهم هذه المختبرات هي: مختبر سيرن CERN (جنيف)، ومختبر ديسي DESY (هامبورج)، ومختبر فيرميلاب- فنال Fermilab-FNAL (شيكاغو)، ومختبر إس. إل. سي SLC (كاليفورنيا). وتشارك في هذه المراكز مجموعات كبيرة من فيزيائيي الطاقة العالية لإجراء دراسات تجريبية لمعرفة أسرار الذرة. ومن بين هذه المختبرات، يوجد مختبر إس. إل. سي الذي يبلغ قطره 35 كم ومختبر سيرن الذي يبلغ قطره 27 كم. ومع ذلك، فإن البطل الحقيقي في مسابقة الحجم هذه هو المشروع الأمريكي إس. إس. سي SSC الذي يجري إنشاؤه في قلب تكساس بالولايات المتحدة، والذي يبلغ محيط قطره نحو 85 كم. وتزداد تكلفة المعدات بتناسب مباشر مع الحجم (بالنسبة إلى مختبر إس. إس. سي، سيصل هذا الرقم إلى نحو 6 بلايين دولار تقريباً). (1)
صفحة 53:
يستخدم مختبر سيرن لفيزياء الجسيمات أنبوبا طوله 100 متر يمتد تحت الأرض في دائرة قطرها 27 كيلومترا. ويتم في البداية تسريع الجسيمات داخل هذا الأنبوب الطويل، ثم تجبَر بعد ذلك على الاصطدام ببعضها البعض.(1/117)
إن مختبر سيرن لفيزياء الجسيمات هو مركز بحوث دولي يقع على الحدود السويسرية – الفرنسية، وقد أنشئ هذا المختبر بعضوية 19 دولة أوروبية. ويدور موضوع البحث الرئيسي لهذا المختبر حول التركيب الأساسي للمادة والجسيمات الرئيسية المكونة لهذا التركيب. ويعمل في هذا المختبر نحو 3000 فيزيائي، ومهندس، وفني، وإداري، ويزوره أكثر من 6000 فيزيائي لأغراض بحثية.
صفحة 54:
الإ لكترونات في خدمة البشرية
تشكل الكهرباء أحد أهم أجزاء حياتنا. ويبدو واضحا أننا لا نستطيع أن نفعل أي شيء بدونها. إذ ترتبط حياتنا بالكهرباء عندما نأكل ونشاهد التلفاز وننتقل من مكان إلى آخر، وننظف. ويكفي أن نضغط على زر واحد لكي يضيء كل شيء حولنا. وإذا ضغطنا على زر آخر تبدأ كل الأجهزة الكهربائية في العمل. وهذا الشكل من الكهرباء الذي نستخدمه في كل لحظة من لحظات حياتنا يسمى التيار الكهربائي. وما يجعل هذا التيار ممكنا هو الإلكترونات التي ظللنا نستعرضها منذ بداية الكتاب. ذلك أن الكهرباء هي تيار الشحنات الناتج عن حركة الإلكترونات سالبة (-) الشحنة والأيونات. وفي الاستخدام العادي، تسحب أجهزة مثل التلفاز والثلاجة 1-2 أمبير. ولكن ماذا تعني هذه الكمية؟
يعني تيار شدته أمبير واحد نقل 6 بلايين بلايين من الإلكترونات عبر مقطع معين في ثانية واحدة. ويكون هذا الرقم أكبر بمليون ضعف في حالة الصاعقة.
صفحة 55:
تدور الإلكترونات في مدار معقد للغاية داخل الذرة. وعلى الرغم من أن هذا المكان الصغير تتشكل فيه بيئة أكثر ازدحاما بكثير من حركة المرور بالمدينة، فإنه لا يقع فيه أي حادث على الإطلاق.
صفحة 56:
إشارات من القرآن الكريم(1/118)
عند دراسة موضوع الأغلفة الإلكترونية، ينبغي أن يتفكر المرء في آية قرآنية تشير إلى هذا الموضوع. إذ توجد 7 أغلفة إلكترونية حول نواة الذرة، وفي كل غلاف يوجد عدد ثابت من الإلكترونات. فهل يمكن لتعبير "سبع سماوات" المستخدم في القرآن الكريم أن يكون وصفا للطبقات التي تكوِّن السماء وإشارة أيضا إلى مدارات الأغلفة الإلكترونية بوصفها سماوات الذرة؟
الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ. سورة الملك: 3.
هذا الرقم لا يتغير أبدا، فهو لا يصبح أبدا 6 أو 8. والشيء المعجز حقا هو أن الرقم "سبعة" الذي يشير إلى عدد الأغلفة الإلكترونية ينسجم تماما مع الآية.
صفحة 61:
70% من الأشعة التي تصل إلى أرضنا من الشمس تلائم تماما وجود حياة على الأرض.
صفحة 62:
تصل إلى الأرض من الشمس تشكيلة كبيرة جدا من الأشعة. وكما هو مبين في الطيف الكهرومغناطيسي بالجهة اليسرى، نحن لا ندرك سوى نسبة صغيرة جدا من هذه الأشعة.
صفحة 63:
يقودنا التصميم الفائق في تكوين الألوان إلى حقيقة واحدة: لقد خُلق الكون بانسجام ونظام عظيمين بدءا من أصغر جسيماته إلى أكبرها. ويعتبر الإبداع الفني الموجود في الألوان إحدى العلامات الدالة على خلق الله المتقن.
صفحة 64:
تتيح لنا الفوتونات القادمة من الشمس رؤية عالم مليء بالألوان من خلال اصطدامها ببنية الأجسام الموجودة على الأرض.
صفحة 68:
تعطي ذرة الصوديوم إلكترونها الخارجي لذرة الكلور فتصبح موجبة الشحنة. وبعد أن تحصل ذرة الكلور على الإلكترون، تصبح سالبة الشحنة. وتكوِّن الذرتان رابطة أيونية من خلال انجذاب هاتين الشحنتين المتضادتين نحو بعضهما البعض.24
جزيء كلوريد الصوديوم (NaCI)
ذرة صوديوم ... ذرة كلور ... أيون صوديوم ... أيون كلور
صفحة 69:
الرسم العلوي:
الرسم العلوي:
ذرة فلورين ... ... ... ... جزيء فلورين (F2)(1/119)
ذرة هيدروجين ... ... ذرة أوكسجين ... ... جزيء ماء (H2O)
تكوِّن بعض الذرات جزيئات جديدة من خلال الترابط التساهمي الذي تتقاسم فيه إلكترونات مداراتها الخارجية.
الرسم السفلي:
ترابط معدني
إلكترون
أيون ألومنيوم
تختلف الترابطات القائمة بين ذرات المعادن اختلافا كبيرا عن أشكال الترابطات الكيميائية الأخرى، إذ تسهم كل ذرة معدن بإلكتروناتها الخارجية في مجموعة مشتركة. ويفسر "هذا البحر من الإلكترونات" خاصية أساسية في المعادن، ألا وهي قدرتها على توصيل الكهرباء.25
صفحة 71:
أتموسفير
هيدروسفير
ليتوسفير
المواد الخام في الكون والجدول الدوري: يوجد 92 عنصراً حراً في الطبيعة و17 عنصرا تتكون صناعيا في المختبرات أو في التفاعلات النووية، ويتم ترتيب هذه العناصر وفقا لعدد بروتوناتها في جدول يسمى "الجدول الدوري". وللوهلة الأولى، قد يبدو أن الجدول الدوري مجموعة مربعات تحوي حرفا أو حرفين بالإضافة إلى أعداد في الزوايا العليا والسفلى. ومع ذلك، فإن ما يثير الاهتمام حقا هو أن هذا الجدول يستوعب عناصر الكون بأكمله بما في ذلك الهواء الذي نتنفسه، وأجسامنا كذلك.
ذرة الكاربون
صفحة 72:
ثلاثة جزيئات متشابهة
النتيجة: ثلاث مواد شديدة الاختلاف
يؤدي أي اختلاف في بضع ذرات بين الجزيئات إلى نتائج مختلفة للغاية. تمعن مثلا، في الجزيئين المكتوبين أدناه. يبدو كلاهما مشابها جدا للآخر باستثناء اختلافات صغيرة للغاية في عنصري الكربون والهيدروجين في كل منهما. وتكون النتيجة مادتين متضادتين تماما:
C19H28O2 و C18H24O2
هل تستطيع أن تخمن ماهية هذين الجزيئين؟ دعنا نخبرك على الفور: الأول هو الإستروجين والآخر هو التستوستيرون. ويعني ذلك أن الأول هو الهرمون المسؤول عن خصائص الأنوثة وأن الثاني هو الهرمون المسؤول عن خصائص الذكورة. والأمر المثير للاهتمام هنا هو أنه حتى وجود اختلاف واحد في بضع ذرات يمكن أن يسبب اختلافات جنسية.(1/120)
والآن إلقِ نظرة على الصيغة الموضحة أدناه
C6H12O2
ألا يبدو هذا الجزيء شديد الشبه بجزيئات هرموني الإستروجين والتستوستيرون؟ ولكن، ما هو هذا الجزيء؟ هل هو هرمون آخر؟ دعنا نجيب في الحال: هذا هو جزيء السكر.
ومن خلال أمثلة الجزيئات الثلاثة السابقة المكونة من عناصر من ذات النوع، يظهر بوضوح شديد كم هي متنوعة المواد التي يمكن أن تنتج عن الاختلاف في عدد الذرات. فمن ناحية، توجد الهرمونات المسؤولة عن الخصائص الجنسية، ومن ناحية أخرى، يوجد السكر، وهو طعام أساسي.
صفحة 75:
الماس حجر ثمين للغاية، وهو أحد مشتقات الكربون الذي يوجد عادة في الطبيعة في غير ذلك من الأحوال في شكل جرافيت.
صفحة 76:
ماذا سيحدث إذا تفاعلت على الفور كل ذرة موجودة على مقربة من ذرة أخرى؟
لقد قلنا للتو إن الكون كله يتكون من تفاعل ذرات 109 عناصر مختلفة. وهنا، لابد أن نذكر نقطة معينة، ألا وهي أن هناك شرطاً مهماً جداً ينبغي استيفاؤه لكي يبدأ التفاعل.
فعلى سبيل المثال، لايتكون الماء كلما اجتمع الأكسجين مع الهيدروجين، ولا يصدأ الحديد بمجرد أن يلامس الهواء. ذلك أنه لو سارت الأمور على هذا النحو، لَتحول الحديد، هذا المعدن الصلب واللامع، خلال بضع دقائق إلى أكسيد الحديدوز، وهو مسحوق ناعم، ولما بقي على الأرض أي شيء يمكن أن يطلق عليه معدن ولاختل نظام العالم اختلالاً كبيراً. ولو كانت الذرات الموضوعة على مقربة من بعضها البعض على بعد مسافة معينة تتحد على الفور دون أن تستوفي شروطاً معينة، لتفاعلت ذرات أي مادتين مختلفتين في الحال. وفي تلك الحالة، سيستحيل عليك حتى أن تجلس على كرسي، لأن الذرات المكونة للكرسي ستتفاعل فورا مع الذرات المكونة لجسمك وسوف تصبح كياناً بين الكرسي والإنسان (!). ولاشك في أن الحياة في مثل هذا العالم ستكون مستحيلة. ولكن، كيف يمكن تفادي هذه النهاية؟(1/121)
فلنضرب مثالاً: تتفاعل جزيئات الهيدروجين والأكسجين ببطء شديد عند درجة حرارة الغرفة، مما يعني أن الماء يتكون ببطء شديد عند درجة حرارة الغرفة. ولكن كلما ارتفعت درجة حرارة الغرفة ازدادت أيضا طاقات الجزيئات وتسارع التفاعل، وبالتالي تكوَّن الماء بسرعة أكبر.
ويطلق على الحد الأدنى من الطاقة اللازم لتفاعل الجزيئات مع بعضها البعض "طاقة التنشيط" "energy activation". وعلى سبيل المثال، لكي تتفاعل جزيئات الهيدروجين والأكسجين مع بعضها البعض لتكوِّن الماء، يجب أن تكون طاقاتها أعلى من طاقة التنشيط.
فكر قليلا. لو كانت درجة الحرارة على الأرض أعلى قليلا، لتفاعلت الذرات بسرعة كبيرة جدا، مما يعني تدمير التوازن الموجود في الطبيعة. ولو كان العكس صحيحا، أي كانت درجة الحرارة على الأرض أقل بعض الشيء، لتفاعلت الذرات ببطء شديد، مما يعني الإخلال أيضا بالتوازن الموجود في الطبيعة. ويتضح مما سبق أن المسافة الفاصلة بين الأرض والشمس ملائمة تماماً لإبقاء الحياة على الأرض. وبالطبع، لا تنتهي التوازنات الدقيقة اللازمة للحياة عند هذا الحد. ذلك أن ميل محور الأرض، وكتلتها، ومساحة سطحها، ونسب الغازات الموجودة في غلافها الجوي، والمسافة بين الأرض والقمر الذي يدور حولها، وعوامل عديدة أخرى يجب أن تكون مماثلة لمقاديرها الحالية بالضبط حتى تتمكن الكائنات الحية من البقاء على قيد الحياة. ويشير هذا إلى حقيقة أن كل هذه العوامل لا يمكن أن تكون قد تشكلت تدريجيا بمحض المصادفة وأنها جميعا من خلق الله، مالك القوة الفائقة، الذي يعرف كل خواص الكائنات الحية.(1/122)
وكما هو معتاد، فخلال تلك العمليات، لا يتعدى دور العلم تسمية القوانين الفيزيائية التي يلاحظها. وكما شرحنا في البداية، ففي حالة هذه الظواهر، تصبح أسئلة مثل "ماذا؟"، و"كيف؟"، و"بأية طريقة؟" غير ذات أهمية. إذ إن ما يمكننا أن نتوصل إليه من خلال تلك الأسئلة ينحصر فقط حول تفاصيل قانون موجود بالفعل. أما الأسئلة الأساسية التي يجب أن تطرح فهي: "لماذا؟" و"من الذي ابتكر هذا القانون؟" وما زالت إجابة هذه الأسئلة تشكل لغزا بالنسبة إلى العلماء الذين يلتزمون بشكل أعمى بعقائدهم المادية.
وعند هذه النقطة، حيث يصل الماديون إلى طريق مسدود، تصبح الصورة واضحة جدا بالنسبة إلى الشخص الذي يتأمل الأحداث بعقله وضميره. ذلك أن التوازنات الموجودة في الكون التي لا تشوبها شائبة، والتي لا يمكن أن يتم تفسيرها من خلال المصادفات، نشأت بأمر من عقل وإرادة فائقة، كما ورد في الآية التالية، {... إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا}[سورة النساء: 86]، وأنه قد خلق كل شيء وفقا لحسابات، وترتيبات، وتوازنات دقيقة جدا.
صفحة 75:
ينبغي أن يكون للبروتينات شكل خاص ثلاثي الأبعاد حتى تؤدي أدوارها الحيوية في أجسامنا. وتكوِّن الترابطات الضعيفة بين الجزيئات هذه التركيبات.
صفحة 76:
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ}[سورة الحج: 63].
صفحة:77
جزيئة الماء=water molecule
الاوكسيجينoxygen=
الهيدروجينhydrogen
صفحة 81:
لو لم يكن لدى الماء خاصية التجمد من السطح إلى أسفل، لتجمدت نسبة كبيرة من البحار في غضون عام ولتعرضت الحياة البحرية للخطر.
صفحة 82:
نظرا إلى أن كثافة الماء المتجمد أقل من كثافة الماء في حالته السائلة، يطفو الثلج على سطح الماء.
صفحة 81:(1/123)
تشعر الجزيئات الموجودة على سطح سائل بقوة تسحبها نحو الداخل. وهذا هو توتر السطح الذي يوفر قوة تماسكية بين جزيئات السطح، تكفي للحيلولة دون تحطم أرجل حشرة المويجة ripple bug . ويشكل توتر السطح العالي في الماء أمرا حيويا للعمليات الفسيولوجية. 31
صفحة 82:
{اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ. وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ. وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَت اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}[سورة إبراهيم: 32-34].
صفحة 83:
كيف يدمر الكلور غاز الأوزون؟
يتفاعل الكلور مع الأوزون فينتج جزيء أكسجين وأيون هيبوكلوريت hypochlorite ion (OCI-) (1). ويتفاعل الأيون مع ذرة الأكسجين (2) لتحرير الكلور الطليق (3)، الذي يمكن أن يتفاعل مع جزيء أوزون آخر ويدمره.(1)
صفحة 85:
الببرين PIPERINE
الببرين هو المكوِّن الفعّال في الفلفل الأبيض والأسود (ثمار نبات Piper nigrum الاستوائي). ويتم الحصول على الفلفل الأسود من خلال السماح للثمرة غير الناضجة بالتخمر ثم يتم تجفيفها. ويتم الحصول على الفلفل الأبيض من خلال إزالة القشور واللب من الثمار الناضجة وتجفيف حبوبها.(2)
بارا- هيدروكسيفينول –2- البيوتانون والأيونون
Para-HYDROXYPHENOL -2- BUTANONE and IONONE(1/124)
ينتج عن مزيج هذين الجزيئين شذا جميل جداً. والبيوتانون هو الجزيء المسؤول في المقام الأول عن رائحة توت العليق raspberries الناضج. ويعزى جزء من الرائحة الجديدة المنعشة للثمرة حديثة القطف إلى الأيونون، المسؤول أيضا عن روائح التبن المجفف في الشمس وزهور البنفسج. والأيونون هو المكوِّن العطري في زيت البنفسج.(1)
صفحة 86:
فيوريميثانثيول FURYMETHANETHIOL
هذا الجزيء هو أحد الجزيئات المسؤولة عن نكهة القهوة. ويعزى التأثير المنبه للقهوة إلى الكافيين. كما يعزى لون حبات القهوة المُحمّصة جهة اليسار، بصفة أساسية، إلى تفاعل التسمير browning reaction الذي يحدث عند تسخين المواد العضوية المحتوية على نيتروجين. وسنجد أن الجزيئات المسؤولة عن النكهة والتنبيه تبقى محاصرة مؤقتا داخل الحبات.(2)
بي-كيراتين b-KERATIN
الحرير، هو الاسم الشائع لـ "بي- كيراتين"، وهو السائل المتصلب الذي يفرزه عدد من الحشرات والعناكب، ولكن أكثر هذه السوائل قيمة هو ما تفرزه دودة الحرير، أي يرقة فراشة الحرير. والبي – كيراتين هو عديد ببتيدpolypeptide يتكون عموما من الجلايسين، والألانين، وكميات أصغر من أحماض أمينية أخرى. ولا تكوِّن جزيئات البي- كيراتين شكلاً حلزونيا، وتتراص بدلا من ذلك فوق بعضها البعض مكوِّنة صفائح مُضلّعة من الأحماض الأمينية المترابطة، مع ظهور الجلايسين على جانب واحد من الصفائح. ثم تتكوم الصفائح الواحدة فوق الأخرى. ويمكنك أن تشعر بهذه البنية المسطحة عندما تلمس سطح الحرير الأملس. (3)
صفحة 87:
تخص الصورة الموضحة أعلاه جزيئا كريه الرائحة بينما تخص الصورة اليسرى جزيئا عطريا. وكما نرى، فإن ما يفرق الرائحة الكريهة عن الرائحة العطرة هو هذه الاختلافات الصغيرة في كون صغير للغاية غير مرئي بالنسبة لنا.
صفحة 92:(1/125)
هل يمكن لمواد – مثل البلاستيك، والألومنيوم، والصلب الموضحة أعلاه – أن تطير؟ كلا، لا يمكنها أن تطير حتى إذا تجمعت كلها في مكان واحد. وتُصنع الطائرة وفقا لتصميم خاص تُجمَّع فيه قطع مختلفة، ليس لدى أي منها قدرة على الطيران،. ولا تنشأ القدرة على الطيران من الألومنيوم، ولا من البلاستيك، ولا من البنزين. وعلى الرغم من أهمية مواصفات هذه المواد، فإن القدرة على الطيران لا تستمد إلا من تجميع هذه المواد مع بعضها البعض وفقا لتصميم خاص جدا. ولا يختلف الوضع بالنسبة للنظم الحية، إذ تتكون الخلية الحية من ترتيب ذرات غير حية وفقا لتصميم خاص جداً.
صفحة 93:
{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [سورة البقرة: 28].
صفحة 96
يبدو واضحا كم هو بلا معنًى الرسم التخطيطي المبيّن أعلاه. إذ يعرف الجميع اليوم أن الأحجار أو الحصى الموجود في الطبيعة لا يتحول تلقائيا إلى ضفادع أو أسماك. ولا يوجد شك في استحالة تكوّن الحياة من مادة غير حية، مما يدحض نظرية التطور من العدم التي تدعي أن الحياة نشأت من مادة غير حية بالمصادفة.
صفحة 95:
عندما تدرس الذرات الذرات
وفقا للادعاءات التطورية، تحولت الذرات التي تكونت بالمصادفة إلى أساتذة جامعيين يشاهدون أنفسهم تحت المجاهر الإلكترونية، مدعين أنهم تكوّنوا بالمصادفة. ولا شك في أن مثل هذا الادعاء لا يقنع حتى طفلا صغيرا.
صفحة 98:
إن جزيء الحمض النووي الصبغي الذي يحتوي على المعلومات الكاملة عن الخلايا الحية وفقا لنظام تشفير متقن يتميز بتركيب غاية في التعقيد. كما أن تركيب هذا الجزيء الخالي من العيوب يبطل تماما ادعاء دعاة التطور بأنه تكوَّن صدفة.(1/126)
صفحة 99: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
[سورة الحديد: 1-2].
صفحة 100:
{وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلآئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ. يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}
[سورة النحل: 49-50].
صفحة 104:
الباريوم 142
نيوترون
الكرِبتون 91
نيوترون
الانشطار هو تفاعل تتجزأ فيه النوى الذرية إلى شظايا. وكما هو مبيّن في الصورة، تتجزأ ذرة اليوارنيوم 235 التي تجبَر على التصادم بالنيوترون لتكوِّن ذرة الكريبتون 92 وذرة الباريوم 142. ونتيجة لهذا التصادم، تتحرر أيضا أشعة جاما في شكل طاقة.
صفحة 105:
نيوترون
اليورانيوم 235
صفحة 108:
ديوتريوم + ديوتريوم هليوم 3 + نيوترون ... + ... طاقة
ديوتريوم + ديوتريوم تريتيوم + بروتون ... + ... طاقة
ديوتريوم + تريتيوم هليوم 4 + نيوترون ... + ... طاقة
ينتج عن التفاعلات الاندماجية الثلاثة المختلفة الموضحة في الرسم البياني تحرر طاقة وجسيمات.
صفحة 109:
نيوترينو
بوزترون ... ...
تفاعل بروتون ...
الهليوم3
الهليوم4
الهليوم3
الديوتريوم
الهليوم 4 ...
الهليوم 3 ...
(الهيدروجين الثقيل) ...
بروتون ... ...
بوزترون
الاندماج النووي، وهو معاكس تماما للانشطار النووي، هو عملية تجميع نواتين خفيفتين لتكوين نواة أثقل والاستفادة من طاقة الترابط التي تتحرر. ويحدث اندماج بين نوى النجوم عندما تتصادم، فتكوِّن بالتالي نوى جديدة، وتتحرر نيوترينوات، وبوزترونات، ونيوترونات، وبروتونات، وجسيمات أخرى دون ذرية في شكل طاقة. إن مصدر الطاقة الكبيرة الموجودة في النجوم هي هذه الاندماجات النووية.
صفحة 110(1/127)
فقد مئات الآلاف من الناس حياتهم خلال بضع ثوان نتيجة لتحرير الطاقة الهائلة الخفية في نواة الذرة.
صفحة 111:
- خلَّف الانفجار وراءه آثارا دائمة.
- كان للحادث النووي الذي وقع في مفاعل تشرنوبل في روسيا في عام 1986 آثار دائمة على البشر وكل الكائنات الحية الأخرى. ويقول العلماء إن هذه الآثار ستستمر لمدة 30-40 سنة أخرى، ولم تُفد التدابير التي اتخذت لمنع التسربات النووية. ويجري العمل حاليا في دراسة تهدف إلى التخلص من الآثار الضارة للإشعاع.
صفحة 113:
لقد دُمرت الحياة تماما بعد القنبلة التي ألقيت على هيروشيما، والتي خلَّفت وراءها كمية ضخمة من الحطام.
صفحة 112:
انتشر الحطام الإشعاعي فوق مساحة واسعة جدا نتيجة للرياح القوية التي تكوّنت بعد الانفجار، وخلَّف وراءه صورة يبدو فيها كل شيء وكأنه مغطى بطبقة من الرماد.
صفحة 114 :
تفقد إلكترونا
إشعاع
أيون موجب
أيون سالب ... ...
تكتسب إلكترونا
صفحة 114 :
قد تنتج عن الإشعاع أضرار خطيرة جدا، لأنه يكوِّن أيونات موجبة عندما يصطدم بالإلكترونات ويزيلها عن السطح الخارجي للذرة. وتكوِّن الإلكترونات أيونات سالبة عن طريق ارتباطها بذرات أخرى متعادلة.
صفحة 115: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ}[سورة سبأ: 3].
صفحة 119 : {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَلَهُ الْكِبْرِيَاء فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[سورة الجاثية: 36-37].
صفحة 137: {قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [سورة البقرة: 32].(1/128)