بقلم
أبي أنس
ماجد البنكاني
ijk
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا،من يهده الله، فلا مضلَّ له،ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. يَا أَيُّهَا { الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) } (1)
$pkڑ‰r'¯"tƒ { النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) } (2)
$pkڑ‰r'¯"tƒ { الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) } (3)
أما بعد،،
فاعلم أخي أن على المسلم أن يستثمر وقته في طاعة الله تبارك وتعالى لقوله تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) } .(4) ، وأن يغتنم شبابه قبل هرمه وصحته قبل مرضه وفراغه قبل انشغاله كما قال المصطفى - صلى الله عليه وسلم - : "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ".(5)
قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا احجبً } .(6)
__________
(1) سورة آل عمران .
(2) سورة النساء .
(3) سورة الأحزاب .
(4) سورة الذاريات .
(5) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6412).
(6) سورة الأحزاب.(1/1)
وقال تعالى: { وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35) } .(1)
قوله تعالى : وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً : أي أول النهار وآخره .
قال الإمام الطبري رحمه الله : يقول تعالى ذكره يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله اذكروا الله بقلوبكم ، وألسنتكم ، وجوارحكم ذكرا كثيرا فلا تخلو أبدانكم من ذكره في حال من أحوال طاقتكم ذلك ، وسبحوه بكرة .اهـ.(2)
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى : أخبر عن هؤلاء المذكورين كلهم ، أي أن الله تعالى قد أعد لهم ، أي هيأ لهم مغفرة منه لذنوبهم وأجرا عظيما وهو الجنة .(3)
وعن عبد الله بن بسر - رضي الله عنه - قال : جاء اعرابي فقال : يا رسول الله! كثُرت عليَّ خلال الإسلام وشرائعه فأخبرني بأمر جامع يكفيني قال : "عليك بذكر الله تعالى" ، قال : ويكفيني يا رسول الله! قال : "نعم ويفضل عنك". (4)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكر الله تعالى على كل أحيانه.(5)
فعلى المسلم أن لا يغفل عن ذكر الله في أي حال من الأحوال ولا يعيقه شيء عنه، والحديث فيه دلالة على قراءة القرآن وذكر الله للحائض والنفساء لأنهما يدخلان في عموم الذكر.
قال النووي رحمه الله: هذا الحديث أصل في جواز ذكر الله تعالى بالتسبيح والتكبير والتحميد وشبهها من الأذكار وهذا جائز بإجماع المسلمين.
__________
(1) سورة الأحزاب .
(2) تفسير الطبري (22/17) .
(3) تفسير ابن كثير (3/490) .
(4) أخرجه الترمذي (3435 تحفة) وابن ماجة (2793) والحاكم (1/495) وابن حبان (2717 موارد)، وهو صحيح، وصححه الألباني في الترغيب برقم (1491).
(5) أخرجه البخاري في الأذان تعليقا برقم (634) ومسلم في الحيض برقم (824).(1/2)
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟" قالوا: بلى قال: "ذكر الله".(1)
أزكاها: أكثرها ثواباً وأطهرها، وأرفعها: أزيدها.
فيه بيان فضل الذكر وأنه خير من الضرب بالسيف في سبيل الله عز وجل ونفقة الأموال في سبيل الله.
قال ابن حجر رحمه الله : المراد بذكر الله في حديث أبي الدرداء الذكر الكامل وهو ما يجتمع فيه ذكر اللسان والقلب بالتفكر في المعنى واستحضار عظمة الله تعالى وان الذي يحصل له ذلك يكون أفضل ممن يقاتل الكفار مثلا استحضار لذلك وان أفضلية الجهاد انما هي بالنسبة الى ذكر اللسان المجرد فمن اتفق له انه جمع ذلك كمن يذكر الله بلسانه وقلبه واستحضاره وكل ذلك حال صلاته أو في صيامه أو تصدقه أو قتاله الكفار مثلا فهو الذي بلغ الغاية القصوى والعلم ثم الله تعالى ، وأجاب القاضي أبو بكر بن العربي بأنه ما من عمل صالح الا والذكر مشترط في تصحيحه فمن لم يذكر الله بقلبه ثم صدقته أو صيامه مثلا فليس عمله كاملا فصار الذكر أفضل الأعمال من هذه الحيثية ويشير الى ذلك حديث نية المؤمن ابلغ من عمله الحديث الأول .اهـ.(2)
فعليك أخي المسلم أن تتقرب إلى الله تعالى بالأوراد اليومية والتي تنفعك في دنياك وآخرتك ،
أي ذكر الله تعالى ، والمراد بالذكر هنا الإتيان بالألفاظ التي ورد الترغيب في قولها والإكثار منها مثل الباقيات الصالحات وهي :
__________
(1) رواه الترمذي برقم (3377) وابن ماجة برقم (3790) وأحمد (5/195) والحاكم (1/496) وقال : إسناده صحيح ، وصححه شيخنا الألباني في المشكاة برقم (2269)، والكلم (1).
(2) فتح الباري (11/210) .(1/3)
سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، وما يلتحق بها من الحوقلة ، والبسملة ، والحسبلة ، والاستغفار ، ونحو ذلك والدعاء بخيري الدنيا والاخرة ، ويطلق ذكر الله أيضا ، ويراد به المواظبة على العمل بما أوجبه ، أو ندب إليه كتلاوة القرآن ، وقراءة الحديث ، ومدارسة العلم ، والتنفل بالصلاة ، ثم الذكر يقع تارة باللسان ويؤجر عليه الناطق ولا يشترط استحضاره لمعناه ، ولكن يشترط ألا يقصد معناه ولمن إنضاف إلى النطق الذكر بالقلب فهو أكمل ، فإن إنضاف إلى ذلك استحضار معنى الذكر وما اشتمل عليه من تعظيم الله تعالى ونفي النقائص عنه إزداد كمالا فإن وقع ذلك في عمل صالح مهما فرض من صلاة ، أو جهاد ، أو غيرهما إزداد كمالا ، فإن صحح التوبة ، وأخلص لله تعالى في ذلك فهو أبلغ الكمال . اهـ .(1)
فقمت بعمل هذا الكتاب الذي يجمع بين طياته أحاديث زاكيات طاهرات في فضائل الأقوال ألا وهي الأذكار التي خرجت من مشكاة النبوة ومنبع الأصالة؛ من فم المصطفى - صلى الله عليه وسلم - .
فهي بحق كما قال بعض العلماء الصالحين(2): أبرك العلوم وأفضلها وأكثرها نفعاً في الدين والدنيا بعد كتاب الله عزَّ وجلَّ أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، لما فيها من كثرة الصلوات عليه، وإنها كالرياض والبساتين، تجد فيها كل خير وبر وفضل وذكر".
راجياً من الله سبحانه التوفيق والسداد، وأن تكون زاداً لمن أراد أن يغتنم وقته ويتزود للعقبة الكؤود، فإن العمر ساعات تنقضي وأيام تنصرم، والدنيا ملهية مشغلة، ولا يبقى للإنسان إلا عمله الصالح.
__________
(1) تحفة الأحوذي ( 9/222) .
(2) هو الثبت أبو أحمد عبد الله بن بكر بن محمد الزاهد، ترجمه الحافظ أبو القاسم ابن عساكر في (تاريخ دمشق) وروى له هذه الكلمة (ج1/ 9/2).(1/4)
فمن باب الحرص والفائدة والتعاون على البر والتقوى و التعاون على طاعة الله،قمت بجمع هذه الفوائد العظيمة من من معاني الأذكار،وهذا جهد المقل.
والله أسأل أن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم، ولا يجعل لأحد فيه نصيباً، وأن يجعل له القبول في الأرض وأن ينفعني به يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون.
وقد درجت في كتابتي على منهج العلماء في اختيار ما صح من الأحاديث على أصول علماء الحديث والجرح والتعديل، متحرياً تخريجه وتبين حاله على وجه الاختصار إذ لا فرق بين أن يكون الحديث في باب العقائد أو في فضائل الأعمال إذ الكل شرع ووحي من رب العالمين.
ثم اجتهدت في ترتيب الأحاديث كما هو نهج المحدثين على الأبواب الفقهية.
وقد خرجت الأحاديث من كتب العلماء في هذا الشأن .
أسأل الله العظيم أن يجزل لهم المثوبة،وأن يثيبهم على عملهم، وأن يجعل مأواهم الجنة.
هذا وأشكر كل من قدم لي يد المساعدة لإخراج هذا الكتاب لما فيه من المنفعة، وأخص بالذكر الأخ الفاضل جمال الفالوجي لمراجعته الكتاب وتنبيه على بعض الأخطاء فجزاه الله عنا خير الجزاء ، و "لا يشكر الله من لا يشكر الناس"(1) ، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
و قال - صلى الله عليه وسلم - "من صنع إليه معروفاً فقال لفاعله : جزاك الله خيراً ؛ فقد أبلغَ في الثناء" .(2)
__________
(1) صحيح الترمذي رقم (1592)،السلسلة الصحيحة برقم(416)، المشكاة رقم(3025) ، التعليق الرغيب (2/56)، صحيح موارد الظمآن رقم (2070) ، وقد ورد بألفاظ عديدة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - .
(2) صحيح موارد الظمآن برقم (3404) ، والتعليق الرغيب (2/55) .(1/5)
وأسأل الله العظيم أن يجعل عملهم هذا خالصاً لوجهه الكريم ، وأن ينفعنا به { يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) } الشعراء (88-89) إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وكتب
ماجد بن خنجر البنكاني
أبو أنس العراقي/نزيل الإمارات
27/صفر/1424هـ
الموافق 28/4/2003م
الفصل الأول
كتاب
الآداب والإتباع
في الذكر والدعاء
الإتباع في الذكر والدعاء
قال الله تعالى : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) } .(1) بين الله سبحانه وتعالى في هذه الآية أن المحبة هي الإتباع ، فالعبادات توقيفية ولا يحق لنا أن نعبد الله تعالى إلا بما جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - من ربه وبما سن لنا ، وبالكيفيات التي دلنا عليها ، حيث قال - صلى الله عليه وسلم - : "صلوا كما رأيتموني أصلي" . وقال : "خذو عني مناسككم" ، وهكذا في كل العبادات ، ومن أهم هذه العبادات الذكر والدعاء .
وسمى الله سبحانه وتعالى الدعاء بالعبادة ، فقال تعالى : { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60) } .(2) قال القرطبي : فأمر تعالى بالدعاء وحض عليه وسماه عبادة ووعد بأن يستجيب لهم .(3)
__________
(1) سورة آل عمران .
(2) سورة غافر .
(3) تفسير القرطبي (2/309) .(1/6)
فعليك أخي الحبيب أن تعلم أنه على المسلم أن يذكر الله تعالى بما شَرَعْ ، وأن يدعوَ بالأدعية المأثورة ، وأن يتبع النبي - صلى الله عليه وسلم - بما ورد عنه وبالكيفية التي وردت عنه لأن الأدعية من العبادات وهي توقيفية فلا يجوز أن نعتدي في الدعاء ولا أن نخالف نبينا - صلى الله عليه وسلم - ، وكل عمل ليس على طريقة النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو مردود على صاحبه ولا يقبل .
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد".(1)
وفي رواية لمسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ".
وعن عائشة أيضاً : "من صنع أمرا على غير أمرنا فهو رد" .(2)
فعلينا أن نذكر الله تعالى وأن ندعوَهُ بما شَرَعَ لنا وليس كما يفعل بعض الجهلة من القفز والرقص والهرولة في حال الذكر وهذا كله مخالف لما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلاف سنته وابتداع أمرٍ في الدين لم يسبق له مثيل من السلف الصالح رضوان الله عليهم لا من الصحابة الكرام ولا من أئمة الدين. وكل خير في اتباع من سلف .
عن جابر - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتدّ غضبه، كأنه منذر جيش، يقول: صبَّحكم ومسَّاكم، ويقول: "بعثت أنا والساعة كهاتين" ويقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى ويقول: "أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة" ثم يقول: "أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، من ترك مالاً فلأهله، ومن ترك دنيا أو ضياعاً فإليّ و عليّ".(3)
(الضياع) : العيال، والمراد: من ترك أطفالاً وعيالاً ذوي ضياع.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الصلح برقم (2697) ، ومسلم في كتاب الأقضية برقم (1718).
(2) صحيح الجامع حديث رقم (6369) .
(3) رواه مسلم في كتاب الجمعة برقم (867)، وابن ماجة وغيرهما.(1/7)
وزاد النسائي وابن خزيمة : "وكل ضلالة في النار".(1)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من رَغِبَ عن
سنتي فليس مني".(2)
(رغب) الرغبة عن الشيء الإعراض عنه إلى غيره، والمراد: من ترك طريقتي وأخذ طريقة غيري فليس مني.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : والمشروع للإنسان أن يدعوَ بالأدعية المأثورةِ ، فإن الدعاء من أفضل العبادات وقد نهانا الله عن الاعتداء فيه ، فينبغي لنا أن نتبع فيه ما شَرَعَ وسَنَ كما أنه ينبغي لنا ذلك في غيره من العبادات ، والذي يعدل عن الدعاء المشروع إلى غيره وإن كان من أحزاب بعض المشايخ فإن الأحسن له أن لا يفوته الأكمل والأفضل وهى الأدعية النبوية فإنها أفضل وأكمل باتفاق المسلمين من الأدعية التي ليست كذلك وإن قالها بعض الشيوخ فكيف إن كان في عين الأدعية ما هو خطؤٌ أو إثم أو غير ذلك ، ومن أشد الناس عيبا من يتخذ حزبا ليس بمأثور عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن كان حزبا لبعض المشايخ ويدع الأحزاب النبوية التي كان يقولها سيد بنى آدم وإمام الخلق وحجة الله على عباده والله أعلم . اهـ .(3)
وعلى العبد أن يلازم الأذكارَ النبويةَ والأدعيةَ المأثورةَ مع فَهْمِ معانيها وأن يكونَ حاضر القلب غير غافل .
قال ابنُ قيّم الجوزية : وأفضلُ الذكرِ وأنفعهُ ما واطأ فيه القلب اللسان وكان من الأذكار النبوية وشهد الذاكر معانيه ومقاصده .(4)
آداب الذكر والدعاء
__________
(1) رواه النسائي (1/234)، وابن خزيمة في "صحيحه" (3/143/ 1785) وغيرهما، وصححهما الألباني في الترغيب برقم (50).
(2) أخرجه البخاري في كتاب النكاح برقم (5063)، ومسلم في كتاب النكاح برقم (1401)، والحديث قطعه من حديث الرهط الثلاثة الذين سألوا أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - عن عبادته.
(3) مجموع الفتاوى (22/525) .
(4) الفوائد (1/192) .(1/8)
وعلى العبد أن يتحلى بالآداب الكريمة في حال الذكر والدعاء .
قال الله تعالى : { وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (205) } .(1)
احتوت هذه الآية على جملة من الآداب التي ينبغي للذاكر أن يتحلى بها :
أولاً - أن يكون الذكر في نفسه ؛ لأنَّ الإخفاء أدخلُ في الإخلاص ، وأقربُ إلى الإجابة وأبعدُ من الرِّياء .
ثانياً - أن يكون على سبيل التضرُّع ، وهو التذلُّل والخضوع والاعتراف بالتقصير ليتحقق فيه ذِلَّة العبودية ، والانكسار لعظمة الرُّبوبيّة .
ثالثاً - أن يكون على وجه الخفية أي الخوف من المؤاخذة على التقصير في العمل ، والخشية من الرد ، وعدم القبول ، قال الله تعالى في صفة المؤمنين المسارعين في الخيرات ، السّابقين لأرفع الدّرجات : { وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61) } .(2)
وقد ثبت في المسند وغيره عن عائشة رضي الله عنها أنها سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن هؤلاء فقالت : يا رسول الله أهو الرجل يزني ويسرق ويشرب الخمر ويخاف أن يُعذّب؟قال : "لا ، يا ابنة الصديق ، ولكنه الرجل يصلّي ويصوم ويتصدق ويخاف أن لا يقبل منه " .(3)
__________
(1) سورة الأعراف.
(2) سورة المؤمنون .
(3) المسند (6/159،205) .(1/9)
رابعاً : أن يكون دون الجهر ؛ لأنه أقرب إلى حسنِ التفكُّر ، قال ابن كثير رحمه الله :" ولهذا قال : { وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ } وهكذا يُستحبُّ أن يكون الذِّكر ، لا يكون نداءً وجهراً بليغاً"(1) ، وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال : رفع النّاس أصواتهم بالدعاء في بعض الأسفار فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - :" يا أيها الناس أربعوا على أنفسكم ، فإنكم لا تدعون أصمّ ولا غائباً ، إنّ الذي تدعونه سميعٌ قريبٌ أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته " .(2)
خامساً: أن يكون باللسان لا بالقلب وحده ، وهو مستفادٌ من قوله تعالى { وَدُونَ الْجَهْرِ } لأنّ معناه : ومتكلماً كلاماً دون الجهر ، ويكون المراد بالآية الأمر بالجمع في الذكر بين اللسان والقلب ، وقد يقال : هو ذكره في قلبه بلا لسانه بقوله بعد ذلك : { وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ } إلا أنّ الأوّل هو الأصح كما حقّق ذلك شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيره من أهل العلم .
__________
(1) تفسير القرآن العظيم (3/544) .
(2) صحيح البخاري برقم (4205) ، وصحيح مسلم برقم (2704) .(1/10)
وقد نظر له رحمه الله بقوله - صلى الله عليه وسلم - فيما روى عن ربّه أنه قال :" من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم " ، قال : وهذا يدخل فيه ذكره باللسان في نفسه ، فإنَّه جعله قسيمَ الذكر في الملأ وهو نظير قوله : { وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْل } ، والدليل على ذلك أنَّه قال : { بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ } ، ومعلوم أنَّ ذكر الله المشروعَ بالغدوِّ والآصال في الصلاة وخارج الصلاة هو باللسان مع القلب ، مثل صلاتي الفجر والعصر ، والذكر المشروع عقب الصلاتين ، وما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلّمه وفعله من الأذكار والأدعية المأثورة من عمل اليوم والليلة المشروعة طرفي النهار بالغدو والآصال .(1)
سادساً : أن يكون بالغدو والآصال ، أي في البكرة والعشيِّ ، فتدلُّ الآية على مزيَّة هذين الوقتين ، لأنهما وقت سكون ودعة وتعبُّد اجتهاد، وما بينهما الغالبُ فيه الانقطاع إلى أمر المعاش ، وقد ورد أنَّ عمل العبد يصعد أوّل النهار وآخره ، فطلبُ الذكر فيهما ليكون ابتداء عمله واختتامه بالذكر .
ففي صحيح مسلم من حديث أبو هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار يجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم : كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون : تركناهم يصلون وأتينهم وهم يصلون " .(2)
سابعاً : النهي عن الغفلة عن ذكره بقوله { وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ } .(3) أي : من الذين يغفلون عن ذكر الله ويلهون عنه ، وفيه إشعارٌ بطلب دوام ذكره تعالى والاستمرار عليه ، وأحبُّ العمل إلى الله أَدْوَمُه وإن قلّ .
__________
(1) فتاوى ابن تيمية (15/33-36) .
(2) صحيح مسلم برقم (632) .
(3) الأعراف (ا205) .(1/11)
فهذه سبعةُ آداب عظيمة اشتملت عليها هذه الآية الكريمة ، ذكرها القاسمي في كتاب محاسن التأويل (1) .
ثم إنَّ الله تبارك وتعالى لما حثّ على الذكر في هذه الآية ورغّب فيه وحذّر من ضدّه وهو الغفلة ، ذكر عقبها في الآية التي تليها ما يقوي دواعي الذكر وينهض الهمم إليه بمدح الملائكة الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون ، فقال سبحانه : { إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ } .(2)
والمراد بقوله : { إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ } أي : الملائكة ، وقد وصفهم الله في هذه الآية بعدم الاستكبار عن عبادة الله ، وأنهم يسبحونه وله يسجدون، وهذا فيه حث للمؤمنين وترغيبٌ لهم في أن يقتدوا بهم فيما ذكر عنهم ؛ لأنه إذا كان أولئك وهم معصومون من الذنب والخطأ هذه حالهم في التسبيح والذكر والعبادة فكيف ينبغي أن يكون غيرهم .
ولهذا يقول ابن كثير رحمه الله تعالى :" وإنما ذكرهم بهذا ليُتشبَّه بهم في كثرة طاعتهم وعبادتهم ، ولهذا شُرِعَ لنا السجودُ ها هنا لّما ذكر سجودهم لله عز وجل كما جاء في الحديث :" ألا تصفُّون كما تصفُّ الملائكة عند ربها ، يتمّون الصفوف الأُوَل ويتراصّون في الصف"(3) ، وهذه أوّل سجدة في القرآن مما يشرع لتاليها ومستمعيها السجود بالإجماع .(4)
__________
(1) 7/2937،2936) .
(2) لأعراف:206) .
(3) صحيح مسلم برقم (430) .
(4) تفسير القرآن العظيم (3/544) .(1/12)
ويقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله تعالى : "ثم ذكر تعالى أن له عباداً مستديمين لعبادته ملازمين لخدمته وهم الملائكة لتعلموا أنَّ الله لا يريد أن يتكثر بعبادتكم من قلةٍ ، ولا ليتعزّز بها من ذلَّةٍ وإنما يريد نفع أنفسكم وأن تربحوا عليه أضعاف أضعاف مما عملتم فقال - تعالى - : { إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّك } من الملائكة المقرَّبين ، وحملة العرش ، والكروبيين { لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِه } بل يذعنون لها وينقادون لأوامر ربِّهم { وَيُسَبِّحُونَه } الليل والنهار لا يفترون { وَلَه } وحده لا شريك له { يَسْجُدُون } فليقتد العباد بهؤلاء الملائكة الكرام وليداوموا على عبادة الملك العلاّم"(1) . اهـ كلامه رحمه الله .
والمقصود أنَّ الله تبارك وتعالى لما نهى عباده عن أن يكون من الغافلين ذكر بعد ذلك مثالاً من اجتهاد الملائكة لِيُحْتَذّى ولِيَبْعَثَ على الجدِّ في طاعة الله وذكره ، والحمد لله وحده .(2)
مواطن إجابة الدعاء
قال ابن قيم الجوزية : وإذا اجتمع مع الدعاء حضور القلب وجمعيته بكليته على المطلوب، وصادف وقتا من أوقات الإجابة الستة، وهي الثلث الأخير من الليل، وعند الأذان، وبين الأذان والإقامة، وأدبار الصلوات المكتوبات ، وعند صعود الإمام يوم الجمعة على المنبر حتى تقضى الصلاة، وآخر ساعة بعد العصر من ذلك اليوم، وصادف خشوعا في القلب وانكسارا بين يدي الرب وإذلاله وتضرعا ورقة، واستقبل الداعي القبلة، وكان على طهارة ، ورفع يديه إلى الله تعالى وبدأ بحمد الله والثناء عليه ثم ثنى بالصلاة على محمد عبده، ثم قدم بين يدي حاجته التوبة والاستغفار، ثم دخل على الله وألح عليه في المسئلة وتملقه ودعاه رغبة ورهبة وتوسل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده وقدم بين يدي دعائه صدقة، فان هذا الدعاء لا يكاد يرد أبدا ،
__________
(1) تيسير الكريم الرحمن (3/68) .
(2) فقه الأدعية والأذكار (57-61) .(1/13)
ولا سيما إن صادف الأدعية التي أخبر النبي أنها مظنة الإجابة أو أنها متضمنة للاسم الأعظم ... (1)
أركانُ التعبّد القلبيَّة للذكر وغيره من العبادات(2)
إنَّ ذكر الله عز وجل والتقرّب إليه بما يحبّ من صالح الأعمال والأقوال لا يكون مقبولاً عند الله إلا إذا أقامه العابد على أركان ثلاثة ، وهي :
1- الحب .
2- والخوف .
3- والرجاء .
__________
(1) الجواب الكافي (1/5) .
(2) فقه الأدعية والأذكار للشيخ الفاضل عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر .(1/14)
فهذه الأركان الثلاثة هي أركان التعبّد القلبية التي لا قبول لأيِّ عبادة إلا بها فالله جلّ وعلا ، يعبد حبَّا فيه ورجاءً لثوابه وخوفاً من عقابه ، وقد جمع الله تبارك وتعالى بين هذه الأركان الثلاثة في سورة الفاتحة التي هي أفضل سور القرآن ، فقوله سبحانه : { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) } فيه المحبّة ؛ لأنَّ الله منعم ، والمنعم يُحب على قدرة إنعامه ؛ ولأنَّ الحمد هو المدح مع الحبّ للممدوح . وقوله : { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) } فيه الرجاء فالمؤمن يرجو رحمة الله ويطمع في نيلها ، وقولة : { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) } فيه الخوف ، ويوم الدّين هو يوم الجزاء والحساب، ثم قال تعالى: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) } أي أعبدك يا ربّ بما مضى بهذه الثلاث : بمحَبّتك ورجائك وخوفك ، فهذه الثلاث هي أركان العبادة التي عليها قيام { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) } فـ { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } لا تقوم إلا على المحبّة التي دلَّ عليها قوله : { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } والرّجاء الذي دلّ عليه قوله : { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) } والخوف الذي دلّ عليه قوله: { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } وقد جمع الله سبحانه وتعالى أيضاً بين هذه الأركان في قوله تعالى : { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ (57) } .(1)
فإنَّ ابتغاءَ الوسيلة إليه هو التقرب إليه بحبّه وفعل ما يحبّه ، ثم قال: { وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ } .(2) فذكر الحبّ والخوف والرجاء ، وكذلك في قوله : { ُِNكg¯Rخ) كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90) } .(3)
__________
(1) سورة الإسراء .
(2) الإسراء الآية(57) .
(3) سورة الانبياء الآية(90) .(1/15)
ولذا يجب أن يكون العبد في عبادته وذكره لله جامعاً بين هذه الأركان الثلاثة المحبة والخوف والرّجاء ، ولا يجوز له أن يعبد الله بواحد منها دون باقيها ، كأن يعبد الله بالحبّ وحده دون الخوف والرّجاء ، أو يعبد الله بالرّجاء وحده ، أو بالخوف وحده ، ولذا قال بعض أهل العلم : "من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق ، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري ، ومن عبده بالرّجاء وحده فهو مرجىء ، ومن عبده بالحب والخوف والرّجاء فهو مؤمن موحّد" .
وأعظم هذه الأركان الثلاثة وأجلّها هو الحبّ ، حبُّ الله تبارك وتعالى الذي هو أصل دين الإسلام وقطب رحاه ، والمحبّة منزلةٌ شريفةٌ فيها يتنافس المتنافسون ، وإليه شّمر المسابقون ، وهي قوت القلوب ، وغذاء الأرواح ، وقرة العيون ، وروح الإيمان والعمل ، ومن لم يظفر بها في هذه الحياة فحياته كلُّها شقاءٌ وألمٌ .
وقد ذكر الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى أسباباً عظيمة جالبة للمحبّة ، فقال : "إنَّ الأسباب الجالبة للمحبة والموجبة لها وهي عشرة :
أحدها : قراءة القرآن بالتدبّر ، والتفهُّم لمعانيه وما أريد به ، كتدبر الكتاب الذي يحفظه العبد ويشرحه ليتفهم مراد صاحبه منه .
الثاني : التقرُّب إلى الله بالنّوافل بعد الفرائض ، فإنها توصله إلى درجة المحبوبية بعد المحبة .
الثالث : دوام ذكره على كلّ حال باللّسان والقلب والعمل والحال ، فنصيبه من المحبّة على قدر نصيبه من هذا الذكر .
الرابع : إيثار محابّه على محابّك عند غلبات الهوى ، والتسنم إلى محابه ، وإن صعب المرتقى .
الخامس : مطالعة القلب لأسمائه وصفاته ومشاهدتها ومعرفتها وتقلّبه في رياض هذه المعرفة ومباديها ، فمن عرف الله بأسمائه وصفاته وأفعاله أحبه لا محالة ، ولهذا كانت المعطلة والفرعونية والجهمية قطاع الطريق على القلوب بينها وبين الوصول إلى المحبوب .(1/16)
السادس : مشاهدة برّه وإحسانه وآلائه ونعمه الباطنة والظاهرة ، فإنها داعية إلى محبته .
السابع : وهو من أعجبها ، انكسار القلب بكليته بين يدي الله تعالى وليس في التعبير عن هذا المعنى غير الأسماء والعبارات .
الثامن : الخلوة به وقت النزول الإلهي ، لمناجاته وتلاوة كلامه والوقوف بالقلب والتأدب بأدب العبودية بين يديه ثم ختم ذلك بالاستغفار والتوبة .
التاسع : مجالسة المحبّين الصادقين ، والتقاط أطايب ثمرات كلامهم ، كما ينتقى أطايب الثمر ولا تتكلم إلا إذا ترجّحت مصلحة الكلام ، وعلمت أنَّ فيه مزيداً لحالك ومنفعةً لغيرك .
العاشر : مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل .
ثم قال : "فمن هذه الأسباب العشرة وصل المحبّون إلى منازل المحبّة" .
ثم ذكر رحمه الله تعالى بقية الفوائد . (1)
الفصل الثاني
كتاب
فضل الذكر
ثواب ذكر الله تعالى على الإطلاق
وفي كل الأحوال
قال الله تعالى: { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ } .(2)
وقال تعالى: : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا احجبً } .(3)
قوله تعالى : هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ : الصلاة من الله الثناء ، ومن الملائكة الدعاء .
__________
(1) مدارج السالكين (3/17) .
(2) سورة البقرة (152).
(3) سورة الأحزاب.(1/17)
قال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى : أي من رحمته بالمؤمنين ولطفه بهم ، أن جعل من صلاته عليهم وثنائه ، وصلاة ملائكته ودعائهم ، ما يخرجهم من ظلمات الذنوب والجهل ، إلى نور الإيمان والتوفيق والعلم والعمل ، فهذا أعظم نعمة أنعم بها على عباده الطائعين ، تستدعي منهم شكرها ، والإكثار من ذكر الله الذي لطف بهم ورحمهم . اهـ .(1)
فالذكر والشكر جماع السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة.
قال ابن قيم الجوزية في تعليقه على هذه الآية : فهذة الصلاة منه تبارك وتعالى ومن ملائكته إنما هى سبب الإخراج لهم من الظلمات إلى النور ، وإذا حصلت لهم الصلاة من الله تبارك وتعالى وملائكته وأخرجوهم من الظلمات إلى النور فأي خير لم يحصل لهم وأي شر لم يندفع عنهم فيا حسرة الغافلين عن ربهم ماذا حرموا من خيره وفضله وبالله التوفيق . اهـ .(2)
وقال تعالى { وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35) } .(3)
وعن عبد الله بن بسر قال: جاء اعرابي فقال : يا رسول الله! كثُرت عليَّ خلال الإسلام وشرائعه فأخبرني بأمر جامع يكفيني قال: "عليك بذكر الله تعالى" قال : ويكفيني يا رسول الله! قال: "نعم ويفضل عنك".
وفي رواية عنه : "أن رجلاً قال: يا رسول الله! إن أبواب الخير كثيرة ولا أستطيع القيام بكلها فأخبرني بما شئت أتشبث به ولا تكثر علي فأنسى، وفي رواية: إن شرائع الإسلام قد كثرت علي وأنا قد كبرت فأخبرني بشيء أتشبث به: قال: "لا يزال لسانك رطباً بذكر الله تعالى".(4)
__________
(1) تيسير الكريم الرحمن تفسير سورة الأحزاب .
(2) الوابل الصيب (1/100) .
(3) سورة الأحزاب .
(4) أخرجه الترمذي (3435 تحفة)، وابن ماجة (2793)، والحاكم (1/495)، وابن حبان (2317 موارد)،وصححه العلامة الألباني رحمه الله تعالى في الترغيب برقم (1491) ، والكلم (3) ، والمشكاة (2279).(1/18)
قوله : إن شرائع الإسلام : قال الطيبي الشريعة مورد الإبل على الماء الجاري ، والمراد ماشرع الله وأظهره لعباده من الفرائض والسنن .
إن شرائع الإسلام قد كثرت علي : أي غلبت علي بالكثرة حتى عجزت عنها لضعفي فأخبرني بشيء قال الطيبي التنكير في بشيء للتقليل المتضمن لمعنى التعظيم كقوله تعالى ورضوان من الله أكبر ، ومعناه أخبرني بشيء يسير مستجلب لثواب كثير .
أتشبث به : أي أتعلق به وأستمسك ولم يرد أنه يترك شرائع الإسلام رأسا بل طلب ما يتشبث به بعد الفرائض عن سائر ما لم يفترض عليه .
لا يزال لسانك رطباً بذكر الله تعالى : أي طريا مشتغلا قريب العهد منه وهو كناية عن المداومة على الذكر .اهـ .(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يقول الله تبارك وتعالى أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملإٍ ذكرته في ملإٍ خير منهم وإن تقرب إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً وإن تقرب إلي ذراعاً تقربت منه باعاً وإذا آتاني يمشي آتيته هرولة".(2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله عز وجل يقول: أنا مع عبدي إذا هو ذكرني وتحركت بي شفتاه".(3)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكر الله تعالى على كل أحيانه.(4)
__________
(1) تحفة الأحوذي (9/222).
(2) أخرجه البخاري (6970) باب السؤال بأسماء الله تعالى والاستعاذة بها ، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6746).
(3) أخرجه ابن ماجة ، وابن حبان ، المشكاة برقم (2285) ، وصحيح الجامع برقم (1906) .
(4) أخرجه البخاري في كتاب الأذان تعليقا برقم (634) ، ومسلم في كتاب الحيض برقم (824).(1/19)
فعلى المسلم أن لا يغفل عن ذكر الله في أي حال من الأحوال ولا يعيقه شيء عنه، والحديث فيه دلالة على جوازقراءة القرآن وذكر الله للحائض والنفساء لأنهما يدخلان في عموم الذاكرين .
قال النووي رحمه الله : هذا الحديث أصل في جواز ذكر الله تعالى بالتسبيح والتكبير والتحميد وشبهها من الأذكار وهذا جائز بإجماع المسلمين.
التسبيح : هو التنزيه ، عندما أقول : سبحان الله ، أي أنزه الله عن العيب والنقص .
التحميد : الحمد والشكر مُتَقاربان . والحمد أعَمُّها , لأنّك تحمَد الإنسان على صِفاته الذَّاتيّة وعلى عطائه ولا تَشْكُره على صِفاته . هـ ومنه الحديث : الحمدُ رأس الشُّكر ,ما شَكَر اللهَ عبْدٌ لا يَحْمَده كما أنّ كلمة الإخْلاص رأسُ الإيمان . وإنما كان رأسَ الشُّكر لأنّ فيه إظهار النعْمة والإشادة بها , ولأنه أعم منه , فهو شُكْر وزيادة . هـ وفي حديث الدعاء سبحانك اللهمَّ وبحمدك أي وبحمدك أبتْدِىء . وقيل بحمدك سَبَّحت . وقد تحذف الواو وتكون الباء للتَّسْبِيب , أو للمُلاَبسة : أي التَّسبْيح مُسبَّب بالحمد , أو ملابِس له . ومنه حديث : لِوَاء الحمْد بِيَدِى ؛ يُريد به إنْفِرَاده بالحمد يوم القيامة وشُهْرَته به على رءوس الخلق . والعَرَبُ تَضَع اللِّواء مواضع الشُهْرة . ومنه الحديث : وابْعَثْه المقَام المحمود الذي وَعَدْتَه أي الذي يَحمْدَه فيه جميع الخلق لتعْجيل الحساب والإراحة من طُول الوقوف . وقيل هو الشَّفاعة .هـ وفي كتابه - صلى الله عليه وسلم - أمّا بعْدُ فإني أحْمَد إليك اللهَ أي أحْمَدُ معَك , فأقام إلى مُقام مَع . وقيل معناه أحْمَد إليك نِعمة الله بِتَحْدِيثك إيَّاها . هـ ومنه حديث ابن عباس أحْمَد إليكم غَسْل الإحْلِيل أي أرْضاه لكم وأتقَدّم فيه إليكم .ا هـ .(1)
والحمد يكون في السراء والضراء .
__________
(1) النهاية في غريب الحديث (1/437) .(1/20)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : جاء فى الكتاب والسنة : حمد الله على كل حال وذلك يتضمن الرضا بقضائه ، وفى الحديث : "أول من يدعى إلى الجنة الحمادون الذين يحمدون الله فى السراء والضراء"(1) ، وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أنه كان إذا أتاه الأمر يسرُهُ قال : الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات وإذا أتاه الأمر الذى يسوءُهُ قال : الحمد لله على كل حال"(2) ، وفى مسند الإمام أحمد ، عن أبي موسى الأشعرى ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "إذا قبض ولد العبد يقول الله لملائكته أقبضتم ولد عبدى فيقولون نعم فيقول أقبضتم ثمرة فؤاده فيقولون نعم فيقول ماذا قال عبدى فيقولون حمدك واسترجع فيقول ابنوا لعبدى بيتا فى الجنة وسموه بيت الحمد"(3) ، ونبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - هو صاحب لواء الحمد وأمته هم الحمّادون الذين يحمدون الله على السراء والضراء .
والحمد على الضراء يوجبه مشهدان :
أحدهما علم العبد بأن الله سبحانه مستوجب لذلك مستحق له لنفسه فإنه أحسن كل شئ خلقه واتقن كل شئ وهو العليم الحكيم الخبير الرحيم .
__________
(1) ضعفه الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في ضعيف الجامع برقم (2147) ، ولكن الشيخ يصحح حديث : "إن أفضل عباد الله يوم القيامة : الحمادون" .صحيح الجامع برقم (1571) .
(2) صحيح الجامع برقم (4640) .
(3) رواه الترمذي ، وحسنه ابن ماجه ، و كذلك حسنه العلامة الألباني رحمه الله، في صحيح الجامع رقم (807)، والسلسلة الصحيحة رقم (1408) .(1/21)
و الثانى : علمه بأن اختيار الله لعبده المؤمن خير من اختياره لنفسه كما روى مسلم فى صحيحه وغيره عن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال : "والذى نفسى بيده لا يقتضى الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له". فأخبر - صلى الله عليه وسلم - أن كل قضاء يقضيه الله للمؤمن الذى يصبر على البلاء ويشكر على السراء فهو خير له قال تعالى: { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } .(1) ، وذكرهما فى أربعة مواضع من كتابه ، فأما من لايصبر على البلاء ولا يشكر على الرخاء فلا يلزم أن يكون القضاء خيرا له ولهذا أجيب من أورد هذا على ما يقضى على المؤمن من المعاصى بجوابين :
أحدهما : أن هذا إنما يتناول ما أصاب العبد لا ما فعله العبد كما فى قوله تعالى : { مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ } اى من سراء ، { وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } .(2) أي من ضراء وكقوله تعالى : { وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } .(3) ، أى بالسراء والضراء ، كما قال تعالى : { وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَة } .(4) ، وقال تعالى : { إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } .(5) .
فالحسنات والسيئات يراد بها المسار والمضار ويراد بها الطاعات والمعاصى .
__________
(1) سورة ابراهيم الآية (5)
(2) النساء الآية (79)
(3) الأعراف الآية (168)
(4) الأنبياء الآية (35)
(5) آل عمران (120)(1/22)
والجواب الثانى : إن هذا فى حق المؤمن الصبار الشكور والذنوب تنقض الايمان فاذا تاب العبد أحبه الله وقد ترتفع درجته بالتوبة ، قال بعض السلف كان داود بعد التوبة خيرا منه قبل الخطيئة فمن قضى له بالتوبة كان كما قال سعيد بن جبير أن العبد ليعمل الحسنة فيدخل بها النار وان العبد ليعمل السيئة فيدخل بها الجنة وذلك انه يعمل الحسنة فتكون نصب عينه ويعجب بها ويعمل السيئة فتكون نصب عينه فيستفغر الله ويتوب اليه منها ، وقد ثبت فى الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "الاعمال بالخواتيم" . والمؤمن اذا فعل سيئة فان عقوبتها تندفع عنه بعشرة أسباب : أن يتوب فيتوب الله عليه فان التائب من الذنب كمن لاذنب له ، أو يستغفر فيغفر له أو يعمل حسنات تمحوها فإن الحسنات يذهبن السيئات أو يدعو له إخوانه المؤمنون ويستغفرون له حيا وميتا أو يهدون له من ثواب أعمالهم ما ينفعه الله به أو يشفِّع فيه نبيه محمد أو يبتليه الله تعالى فى الدينا بمصائب تكفر عنه أو يبتليه فى البرزخ بالصعقة فيكفر بها عنه أو يبتليه فى عرصات القيامة من أهوالها بما يكفر عنه أو يرحمه أرحم الراحمين فمن أخطأته هذه العشرة فلا يلومن إلا نفسه كما قال تعالى فيما يروى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا عبادى إنما هى أعمالكم أحصيها لكم ثم أو فيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ الا نفسه".اهـ.(1)
__________
(1) مجموع الفتاوى (10/ 43ـ44) .(1/23)
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟" قالوا: بلى ، قال: "ذكر الله".(1)
أزكاها : أكثرها ثواباً وأطهرها، وأرفعها: أزيدها.
فيه بيان فضل الذكر وأنه خير من الضرب بالسيف في سبيل الله عز وجل ونفقة الأموال في سبيل الله.
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سُئل أي العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة؟ قال: "الذاكرون الله كثيراً" قال: قلت: يا رسول الله ومن الغازي في سبيل الله؟ قال: "لو ضرب بسيفه في الكفار والمشركين حتى ينكسر ويختضب دماً لكان الذاكرون لله أفضل درجة".(2)
فيكون أفضل الذكر وأفضل الذاكرين : هو المجاهد الذاكر .
وعن معاذ - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أن رجلاً سأل فقال: أي المجاهدين أعظم أجراً؟ قال: "أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكرا" قال: فأي الصائمين أعظم أجراً" قال: "أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكرا" ثم ذكر الصلاة والزكاة والحج والصدقة كل ذلك ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكرا" فقال أبو بكر لعمر رضي الله عنهما: يا أبا حفص ذهب الذاكرون بكل خير فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أجل".(3)
الذكر يكون على ثلاث حالات :
1 ـ ذكر مع جهاد ، وهذا أفضل الذكر .
__________
(1) رواه الترمذي برقم (3377) وابن ماجة برقم (3790) وأحمد (5/195) والحاكم (1/496) وقال: إسناده صحيح، وصححه شيخنا الألباني في المشكاة (2269)، الكلم (1).
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الدعاء برقم (3376).وضعفه الألباني في سنن الترمذي برقم (3376) ، ذكرته هنا كشاهد للأحاديث الأخرى .
(3) رواه أحمد في المسند (3/169)، والترمذي في كتاب الدعوات.(1/24)
2 ـ جهاد بدون ذكر .
3 ـ ذكر بدون جهاد .
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: فأفضل الذاكرين المجاهدون وأفضل المجاهدين الذاكرون.
وعن الأغر أبي مسلم قال: أشهد على أبي هريرة وأبي سعيد أنهما شهدا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا يقعد قوم في مجلس يذكرون الله فيه إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده".(1)
حفتهم الملائكة : أي يطوفون بهم يدورون حولهم .
وغشيتهم الرحمة : أي علتهم الرحمة .
والسكينة : فعيلة من السكون ، وذكر الصغاني في الذيل أنها بكسر السين وهي على المشهور في الرواية كما في شرح الترمذي للعراقي بالرفع جملة حالية أو السكينة مبتدأ وعليكم خبره ، وفي رواية بالنصب إغراء واكتفى بالسكينة ولم يذكر الوقار للزومه لها أو هي هو فجمعه بينهما في رواية البخاري تأكيد
وحفتهم الملائكة : قال المناوي : أي أحاطت بهم ملائكة الرحمة والبركة إلى سماء الدنيا ورفرفت عليهم الملائكة بأجنحتهم يستمعون الذكر قيل : ويكونون بعدد القراء .
وذكرهم اللّه : أثنى عليهم أو أثابهم .
فيمن عنده : من الأنبياء وكرام الملائكة .
قال النووي : وفيه فضل الاجتماع على تلاوة القرآن حتى بالمسجد .(2)
وعنه أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - وآتاه رجل فقال: يا رسول الله! كيف أقول حين أسأل ربي عز وجل؟ قال: "قل: اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني ويجمع أصابعه إلا الإبهام فإن هؤلاء تجمع دنياك وآخرتك".(3)
اغفر لي : أي استر ذنوبي وتجاوز عن عيوبي ، وأصل الغَفْر التغطية ، والمغفرة : إلباس الله تعالى العفوَ للمذنبين .
وارحمني : الرحمة هي الرقة والعطف .
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم(6795)،والترمذي في كتاب الدعوات برقم(3378).
(2) فيض القدير .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6791).(1/25)
وعافني : الغَفْو هو التجاوزُ عن الذَّنْب وتركُ العِقَاب عليه ، وأصله المَحْوُ والطَّمْسُ ، فالعفو :محو الذنوب ، والعافية : أن تسلم من الأسقام والبلايا .
وارزقني : أي انفعني وهب لي .
وعن أبي موسى، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت".(1)
وعنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت".(2)
قال الحافظ ابن حجر : إن الذي يوصف بالحياة والموت حقيقة هو الساكن لا الموطأ ، وإن إطلاق الحي والميت في وصف البيت إنما يراد به ساكن البيت ، فشبه الذاكر بالحي الذي ظاهره متزين بنور الحياة وباطنة بنور المعرفة وغير الذاكر بالبيت الذي ظاهره عاطل وباطنه باطل ، وقيل موقع التشبيه بالحي والميت لما في الحي من النفع لمن يواليه والضر لمن يعاديه وليس ذلك في الميت . اهـ .(3)
وعن أبي أمامة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ألا أدلك على ماهو أكثر من ذكرك الله الليل مع النهار قول: الحمد لله عدد ما خلق، الحمد لله عدد ما أحصى كتابه والحمد لله على ما أحصى كتابه، والحمد لله عدد كل شيء، وتسبح الله مثلهن تعلمهن وعلمهن عقبك من بعدك".(4)
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات برقم (6407)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1820).
(2) أخرجه البخاري في الدعوات رقم (6407)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1820) .
(3) فتح الباري (11/210) .
(4) رواه الطبراني، وصححه العلامة الألباني في الترغيب.(1/26)
قوله : الحمد لله : قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى : معنى الحمد هو وصف المحمود بالكمال محبةً وتعظيماً ، فإن وصفه بالكمال لا محبةً ولا تعظيماً ولكن خوفاً ورهبةً سُمِّيَ ذلك مدحاً لا حمداً ، فالحمد لا بد أن يكون مقروناً بمحبة المحبوب وتعظيمه . اهـ .(1)
عدد ما خلق : أي ما بين ما ذكر من السماء والأرض من الهواء والطير والسحاب وغيرها عدد ما هو خالق أي خالقه أو خالق له فيم بعد ذلك ، أي ما هو خالق له من الأزل إلى الأبد والمراد الاستمرار .اهـ .(2)
وعن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون، عن زياد بن أبي زياد مولى عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة أنه بلغه عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما عمل أدمي عملاً قط أنجى له من عذاب الله من ذكر الله عز وجل".(3)
فيه أن ذكر الله تعالى من أفضل الأعمال ، وأنه ينجي من عذاب الله تعالى
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسير في طريق مكة فمر على جبل يقال له : جُمْدان ، فقال : سيروا هذا جُمْدانُ سَبقَ المفردون" قيل: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: "الذاكرون الله كثيراً والذاكرات".(4)
قال ابن قتيبة وغيره : وأصل المفردين الذين هلك أقرانهم وأنفردوا عنهم وبقوا يذكرون الله تعالى ، وجاء فى رواية هم الذين اهتزوا فى ذكر الله أى لهجوابه وقال ابن الأعرابي يقال فرد الرجل اذا تفقه واعتزل وخلا بمراعاة الأمر والنهى.اهـ.(5)
__________
(1) شرح المنظومة البيقونية .
(2) تحفة الأحوذي (10/12ـ13) .
(3) رواه الإمام أحمد في مسنده (5/639) وله شاهد من حديث جابر بن عبد الله، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5644).
(4) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6749).
(5) شرح النووي (17/4).(1/27)
وعن الحارث الأشعري، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "إن الله سبحانه وتعالى أمَرَ يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يَعملَ بها ويأمرَ بني إسرائيل أن يعملوا بها وأنه كاد أن يبطئ بها فقال له عيسى عليه السلام إن الله تعالى أمرك بخمس كلمات لتعمل بها وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها فإما أن تأمرهم وإما أن آمُرَهم، فقال يحيى: أخشى إن سبقتني أن يخسف بي وأُعذب، فجمع يحيى الناس في بيت المقدس فامتلأ المسجد وقعدوا على الشرف فقال: إن الله تبارك وتعالى أمرني بخمس كلمات أن أعملهن وآمركم أن تعملوا بهن :
أولهن : أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وإن مثل من اشرك بالله كمثل رجل اشترى عبداً من خالص ماله بذهب أو ورقٍ فقال له: هذه داري وهذا عملي فاعمل وأدِّ إليَّ فكان يعمل ويؤدي إلى غير سيده فأيكم يرضى أن يكون عبده كذلك؟!
وإن الله أمركم بالصلاة فإذا صليتم فلا تلتفتوا فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت.
وآمركم بالصيام فإن مثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرة فيها مسك فكلهم يعجبه ريحه وإن ريح الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك.
وآمركم بالصدقة فإن مثل ذلك مثل رجل أسره العدو فأوثقوا يديه إلى عنقه وقدموه ليضربوا عنقه فقال: أنا أفتدي منكم بالقليل والكثير ففدى نفسه منهم، وآمركم أن تذكروا الله تعالى فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعاً حتى إذا أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله تعالى، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "وأنا آمركم بخمسٍ الله أمرني بهن: السمع والطاعة والجهاد والهجرة والجماعة فإنه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يراجع ومن ادعى دعوى الجاهلية فإنه من جثا جهنم"، فقال رجل: يا رسول الله! وإن صلى وصام؟!(1/28)
قال: "وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم فادعوا بدعوى الله الذي سَّماكم المسلمين المؤمنين عباد الله".(1)
جثا : الشيء المجموع .
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: فقد ذكر - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث العظيم الشأن الذي ينبغي لكل مسلم أن يحفظه وأن يتعقله ما ينجي من الشيطان وما يحصل للعبد به الفوز والنجاة في دنياه وأخراه. أ.هـ.(2)
وقال رحمه الله تعالى: وقوله - صلى الله عليه وسلم - : "وآمركم أن تذكروا الله تعالى فإن مثل ذلك مثل رجل خرج العدو في أثره سراعاً حتى إذا أتى إلى حصن حصين فأحرز نفسه منهم كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله"، فلو لم يكن في الذكر إلا هذه الخصلة الواحدة لكان حقيقاً بالعبد أن لا يفتر لسانه من ذكر الله تعالى وأن لا يزال لهجاً بذكره فإنه لا يحرز نفسه من عدوه إلا بالذكر ولا يدخل عليه العدو إلا من باب الغفلة فهو يرصده فإذا غفل وثب عليه وافترسه وإذا ذكر الله تعالى خنس أي: كف وانقبض. انخس عدو الله وتصاغر وانقمع حتى يكون كالوصع فإذا ذكر الله خنس.
وقال ابن عباس - رضي الله عنه - : الشيطان جاثم على قلب ابن آدم فإذا سها وغفل وسوس فإذا ذكر الله تعالى خنس. أ.هـ. الوابل الطيب
الوصع : طائر أصغر من العصفور.
وعن أنس بن مالك، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا".
__________
(1) أخرجه الترمذي (2863 و 2864) وأحمد (4/202) والحاكم (1/421) وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وابن حبان (6200) والطيالسي (1161) من طريق يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن جده عن ممطور عن الحارث الأشعري، وهذا إسناد صحيح، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح"، وصححه الألباني في الترغيب (870 و 3553) ، وصحيح الجامع برقم (1724) ، والسنة (1036) ، والمشكاة (45 و 3694) ، وابن خزيمة (483 و 930).
(2) الوابل الصيب .(1/29)
قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: "حلق الذكر".(1)
"الرتع" : هو الأكل والشرب في خصب وسعة.
"إذا مررتم برياض الجنة" : قال المناوي في فيض القدير : جمع روضة وهي الموضع المعجب بالزهر سميت به لاستراضة الماء السائل إليها .
"فارتعوا" : أي ارتعوا كيف شئتم وتوسعوا في اقتناص الفوائد قالوا : أي الصحابة أي بعضهم .
"وما رياض الجنة" : أي ما المراد بها "قال حلق الذكر" بكسر ففتح جمع حلقة بفتح فسكون ، وهي جماعة من الناس يستديرون لحلقة الباب وغيره والتحلق تفعل منها وهو أن يتعمد ذلك ، قال الطيبي : أراد بالذكر التسبيح والتحميد ، وشبه الخوض فيه بالرتع في الخصب وذلك لأن أفضل ما أعطاه الله لعباده في الدنيا الذكر وأفضل ما أعطاهم في العقبى النظر إليه سبحانه . فذكر الله في الدنيا كالنظر إليه في الآخرة فالذاكر له بلسانه مع حضور قلبه مشاهد له بسره ناظر إليه بفؤاده ماثل بين يديه ببدنه فكأنه في الجنة يرتع في رياض قال النووي : كما يستحب الذكر يستحب الجلوس في حلق أهله وقد تظاهرت على ذلك الأدلة . اهـ .
"تنبيه" قال بعضهم : الذكر هو التخلص من الغفلة والنسيان بدوام حضور القلب مع اللّه وقيل ترديد اسم المذكور بالقلب واللسان سواء في ذلك ذكر اللّه أو صفة من صفاته أو حكم من أحكامه أو فعل من أفعاله أو استدلال على شيء من ذلك أو دعاء أو ذكر رسله أو أنبيائه وما يقرب من اللّه من فعل أو سبب بنحو قراءة أو ذكر اسمه أو نحو ذلك ، فالمتفقه ذاكر وكذا المفتي والمدرس والواعظ والمتفكر في عظمته تعالى والممتثل ما أمر اللّه به والمنتهي عما نهى عنه . اهـ . فيض القدير .
فضل حلق الذكر والاجتماع عليه
__________
(1) رواه الترمذي وقال : حديث حسن غريب ، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (1511).(1/30)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن لله ملائكة فضلاً عن كتاب الناس يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله تعالى تنادوا: هلموا إلى حاجتكم".
قال: "فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا".
قال: "فيسألهم ربهم تعالى وهو أعلم بهم ما يقول عبادي؟"
قال: "يقولون: يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك".
قال: "فيقول: هل رأوني؟".
قال: "فيقولون: لا والله ما رأوك".
قال: "فيقول: كيف لو رأوني؟"
قال: "فيقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادةً وأشد لك تحميداً وتمجيداً وأكثر لك تسبيحاً".
قال: "فيقول: ما يسألوني؟".
قال: "فيقولون: يسألون الجنة".
قال: "فيقول: وهل رأوها؟".
قال: "فيقولون: لا والله يا رب ما رأوها".
قال: "فيقول: كيف لو أنهم رأوها؟".
قال: "يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصاً وأشد لها طلباً وأعظم فيها رغبةً".
قال: "فيقول: فمم يستعيذون؟".
قال: "فيقولون: من النار".
قال: "فيقول: وهل رأوها؟".
قال: "يقولون: لا والله يا رب! ما رأوها".
قال: "يقول: كيف لو رأوها".
قال: "يقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فراراً وأشد لها مخافةً".
قال: "يقول: فاشهدكم أني قد غفرت لهم".
قال: "فيقول ملك من الملائكة فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجةٍ".
قال: "هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم".(1)
"فضلاً" قال العلماء: أنهم ملائكة زائدون على الحفظة فهؤلاء السيارة لا وظيفة لهم وإنما مقصودهم حلق الذكر.
"ملائكة سيارة" معناه : سياحون في الأرض.
"ويستجيرونك من نارك" أي : يطلبون الأمان منها.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات تعليقاً برقم (6408) ، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6780).(1/31)
وقوله:"هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم" قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى : فهذا من بركتهم على نفوسهم وعلى جليسهم فلهم نصيب من قوله: { وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ } .(1) فهكذا المؤمن مبارك اين حل ، والفاجر مشئوم اين حل ، فمجالس الذكر مجالس الملائكة ، ومجالس الغفلة مجالس الشياطين وكل مضاف الى شكله واشباهه فكل امرئ يصير الى ما يناسبه. اهـ .(2)
فيه من الفوائد : فضيلة الذكر ، وفضيلة مجالسه والجلوس مع أهله وإن لم يشاركهم، وفضيلة مجالسة الصالحين وبركتهم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : فهؤلاء الذين هم من أفضل أولياء الله كان مطلوبهم الجنة ومهربهم من النار . اهـ .(3)
قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: وذكر الله تعالى ضربان :
1- ذكر بالقلب .
2- وذكر باللسان .
وذكر القلب نوعان :
أحدهما : وهو أرفع الأذكار وأجلها : الفكر في عظمة الله تعالى وجلاله وجبروته وملكوته وآياته في سمواته وأرضه ، ومنه الحديث : خير الذكر الخفي(4) والمراد هذا.
والثاني : ذكره بالقلب عند الأمر والنهي فيتمثل ما أمر به ويترك ما نهى عنه ويقف عما أشكل عليه ، وأما ذكر اللسان مجرداً فهو أضعف الأذكار ولكن فيه فضل عظيم كما جاءت به الأحاديث.
وقال رحمه الله تعالى : واختلفوا هل تكتب الملائكة ذكر القلب؟ فقيل: تكتبه ويجعل الله تعالى لهم علامة يعرفونه بها وقيل: لا يكتبونه لأنه لا يطلع عليه غير الله.
قال النووي رحمه الله تعالى : قلت : والصحيح أنهم يكتبونه وأن ذكر اللسان مع حضور القلب أفضل من القلب وحده والله أعلم. أ.هـ.(5)
__________
(1) سورة مريم الآية(31) .
(2) الوابل الصيب (1/101) .
(3) كتاب الزهد والورع والعبادة (1/135) .
(4) ضعفه الشيخ الألباني في ضعيف الجامع برقم (2877) .
(5) شرح مسلم (17/18) .(1/32)
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى : قالوا والعمل على طلب الجنة والنجاة من النار مقصود الشارع من أمته ليكونا دائما على ذكر منهم فلا ينسونهما ، ولأن الإيمان بهما شرط في النجاة ، والعمل على حصول الجنة والنجاة من النار هو محض الإيمان ، قالوا وقد حض النبي عليها أصحابه وأمته فوصفها وجلاها لهم ليخطبوها وقال : "ألا مشمر للجنة فإنها ورب الكعبة نور يتلألأ وريحانة تهتز وزوجة حسناء وفاكهة نضيجة وقصر مشيد ونهر مطرد" الحديث ، فقال الصحابة رضي الله عنهم : يا رسول الله نحن المشمرون لها ، فقال : "قولوا إن شاء الله" .(1)
قالوا : وأيضاً فالله سبحانه يحب من عباده أن يسألوه جنته ويستعيذوا به من ناره فإنه يحب أن يسأل ومن لم يسأله يغضب عليه وأعظم ما سئل الجنة وأعظم ما استعيذ به من النار ، فالعمل لطلب الجنة محبوب للرب مرضي له وطلبها عبودية للرب والقيام بعبوديته كلها أولى من تعطيل بعضها ، قالوا وإذا خلا القلب من ملاحظة الجنة والنار ورجاء هذه والهرب من هذه فترت عزائمه وضعفت همته ووهى باعثه وكلما كان أشد طلبا للجنة وعملا لها كان الباعث له أقوى والهمة أشد والسعي أتم وهذا أمر معلوم بالذوق قالوا ولو لم يكن هذا مطلوبا للشارع لما وصف الجنة للعباد وزينها لهم وعرضها عليهم وأخبرهم عن تفاصيل ما تصل إليه عقولهم منها وما عداه أخبرهم به مجملا كل هذا تشويقا لهم إليها وحثا لهم على السعى لها سعيها . اهـ .(2)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قلت يا رسول الله ما غنيمة مجالس الذكر؟ قال: "غنيمة مجالس الذكر الجنة".(3)
__________
(1) الحديث عن أسامة ، أخرجه البيهقي وابن حبان ، وضعفه الشيخ الألباني في ضعيف الجامع برقم (2180) .
(2) مدارج السالكين (2/ 78ـ79) .
(3) رواه الإمام أحمد (2/177 و 190) ، قال الهيثمي : إسناد أحمد حسن ، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع برقم (3919) .(1/33)
الغنيمة : هو الفوز بالشيء وحيازته ، وهو مافيه من الأجر والثواب .
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما اجتمع قوم على ذكر فتفرقوا عنه إلا قيل
لهم: قوموا مغفوراً لكم".(1)
وعن أنس - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله عز وجل لا يريدون بذلك إلا وجهه إلا ناداهم منادٍ من السماء أن قوموا مغفوراً لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات".(2)
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ليبعثن الله أقواماً يوم القيامة في وجوههم النور على منابر اللؤلؤ يغبطهم الناس ليسوا بأنبياء ولا شهداء"
قال: فجثا أعرابي على ركبتيه فقال: يا رسول الله جلهم لنا نعرفهم قال: هم المتحابون في الله من قبائل شتى وبلاد شتى يجتمعون على ذكر الله".(3)
يغبطهم : الغِبْطَةُ بالكسر أن تتمنى مثل حال المَغْبُوطِ من غير أن تُريد زوالها عنه وليس بحسد .
وعن معاوية - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج على حلقةٍ من أصحابه فقال: "ما أجلسكم" قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومنَّ به علينا.
قال: "آلله ما أجلسكم إلا ذلك" قالوا: آلله ما أجلسنا إلا ذلك قال: "أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة".(4)
__________
(1) رواه الحسن بن سفيان عن سهل ابن الحنظلية، وقد صححه شيخنا العلامة الألباني في صحيح الجامع برقم (5383).
(2) رواه أحمد (3/142)، وقال الهيثمي في المجمع (10/76): (رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني في "الأوسط" وفيه ميمون المرائي وثقه جماعة وفيه ضعف وبقية رجال أحمد رجال الصحيح)، وهو في صحيح الجامع (5486).
(3) صحيح ابن حبان برقم (537) ، موارد الظمآن (2508) ، صحيح موارد الظمآن برقم (2126) بألفاظ متقاربة .
(4) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (2701).(1/34)
قال النووي : قوله : "لم أستحلفكم تهمة لكم" هى بفتح الهاء واسكانها ، وهى فعلة وفعلة من الوهم والتاء بدل من الواو واتهمته به اذا ظننت به ذلك .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله عز وجل يباهى بكم الملائكة" معناه يظهر فضلكم لهم ويريهم حسن عملكم ويثنى عليكم عندهم ، وأصل البهاء الحسن والجمال ، وفلان يباهى بماله أي يفخر ويتجمل به على غيره ويظهر حسنه . اهـ .(1)
وعن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يقعد قوم يذكرون الله عزوجل إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده".(2)
حفتهم الملائكة : يَحْفُّونَهم بأجنِحتهم أي يطوفون بهم ويَدُورُون حولهم .النهاية (1/408) .
وغشيتهم الرحمة : أي غطتهم الرحمة .
السكينة : حالة يطمئن بها القلب فيسكن عن الميل إلى الشهوات وعند الرعب، وغشيتهم: عمتهم.
فيه فضيلة مجالس الذكر وفضله ومجالسة أهله وأن من ذكر الله ذكره الله تعالى.
قال ابن قيم الجوزية : إن للذكر من بين الاعمال لذة لا يشبهها شئ فلو لم يكن للعبد من ثوابه إلا اللذة الحاصلة للذاكر والنعيم الذي يحصل لقلبه لكفي به ولهذا سميت مجالس الذكر رياض الجنة، قال مالك بن دينار : وما تلذذ المتلذذون بمثل ذكر الله عز وجل، فليس شئ من الأعمال أخف مؤنة منه ولا اعظم لذة ولا اكثر فرحة وابتهاجا للقلب.اهـ .(3)
ما يقوله عند القيام من المجلس
__________
(1) شرح النووي (17/23) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6795)، وأخرجه الترمذي في كتاب الدعوات برقم (3378)، وابن ماجة في كتاب الأدب برقم (3791).
(3) الوابل الصيب (1/110) .(1/35)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك".(1)
وعن أبي برزة - رضي الله عنه - واسمه نضلة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول بأخرةٍ إذا أراد أن يقوم من المجلس قال: "سبحانك اللهم وبحمدك أشهد إن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك" فقال رجل: يا رسول الله إنك لتقول قولاً ما كنت تقوله فيما مضى قال: "ذلك كفارة لما يكون في المجلس".(2)
قوله : "بأخرة" هو بالهمز مقصورة مفتوحة وبفتح الخاء ، ومعناه : في آخر الأمر.
سُبْحانك الَّلهُمَّ وبحمدكَ : يريد بُسبْحان الله التِّنْزيه لله والتَّنزيه له من كلِّ ما ينسبُهُ إليه المشَرْكون به جلَّ وعزَّ يقال ، سَبَّح الله إذا نزَّهه وبرَّأَه من من كلّ عيْب . الغريب لابن قتيبة (1/169) .
أستغفرك : أطلب من الله المغفرة ، وغَفَرَ الله ذنوبه، أَي سترها. و غَفَرْتُ المتاع: جعلته في الوعاء .
قال ابن سيده : غَفَرَ المتاعَ في الوعاء يَغْفِرُه غَفْراً و أَغْفَرَه أَدخله وستره وأَوعاه؛ وكذلك غَفَرَ الشَّيْبَ بالخِضاب وأَغْفَره؛ و الغَفْرُ و المَغْفِرةُ: التغطية على الذنوب والعفوُ عنها . لسان العرب (5/26) .
اشتمل هذا الدعاء على ثلاثة أمور: الأول : تنزيه الله عن كل نقص وحمده على كل فعل . الثاني: إثبات الألوهية لله تعالى وحده لا شريك له وذلك من تمام العبادة لله وتمام المدح له.
__________
(1) رواه الترمذي وقال: حديث حسن، وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم (2730).
(2) رواه أبو داود(4759) والدارمي (2658) والنسائي في عمل اليوم والليلة برقم (426) والحاكم (1/537)،صحيح أبي داود(4068)والكلم(801) والإرواء (340)، والطحاوية (179) وصحيح الترغيب (220).(1/36)
الثالث: الرجوع والإستغفار والتوبة لمن ملكها وهو الله تعالى.
وثمرة هذا المدح والإستغفار والتوبة كفارة لمن قالها.
وفي حديث جبير بن مطعم من قال : "سبحان الله و بحمده سبحانك اللهم و بحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك فإن قالها في مجلس ذكر كانت كالطابع يطبع عليه و من قالها في مجلس لغو كانت كفارة له" .(1)
كفارة :مأخوذة من كَفَرْتَ الشيء إذا غطَّيْته وسَتَرْتَه كأنَّها تكفِرُ الذّنوب أي تسترها ، وكذلك الغُفْران والمغفرة الستر تقول غفرت كذا إذا سترته ، ومنه قيل لِجُنَّة الرأس مِغْفَر لأنَّه يغفر الرأس ، ولما كانت كفَّارة الذنب تسقطه وكأنَّ غُفران الذَّنْب هو ألا يُؤاخذ به ، وكان معناهما جميعاً الستر رجونا أن نكون من سَتَر الله عليه في الدنيا لم يؤاخذه في الآخرة إِنْ شاء الله . اهـ .(2)
المجلس الذي لا يذكر الله فيه
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله تعالى فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان ذلك المجلس عليهم حسرة يوم القيامة".(3)
قال المناوي : ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون اللّه تعالى فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار ، أي مثلها في النتن والقذارة والبشاعة لما صدر منهم من رديء الكلام ومذمومه شرعاً إذ المجلس الخالي من ذكر اللّه إنما يعمر بما ذكر ونحوه { فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاّ الضَّلالُ } .(4) ، فحيث لم يختموه بما يكفر لغطه قاموا عن ذلك .
"وكان ذلك المجلس" : أي ما وقع فيه .
"عليهم حسرة يوم القيامة": أي ندامة لازمة لهم من سوء آثار كلامهم فيه .
__________
(1) السلسلة الصحيحة برقم (81) ، وصحيح الجامع برقم (6430) .
(2) الغريب لابن قتيبة (1/212) .
(3) السلسلة الصحيحة برقم (77) ، وصحيح الجامع حديث رقم (5750) و (5508).
(4) يونس الآية (32) .(1/37)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما اجتمع قوم في مجلس فتفرقوا و لم يذكروا الله و يصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم إلا كان مجلسهم ترة عليهم يوم القيامة"(1) .
"ما اجتمع قوم تفرقوا عن غير ذكر اللّه وصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا قاموا عن أنتن من جيفة" :هذا على طريق استقذار مجلسهم العاري عن الذكر والصلاة عليه استقذاراً يبلغ إلى هذه الحالة وما بلغ هذا المبلغ في كراهة الرائحة وجب التفرق عنه والهرب مه .
ثواب التكبير ومكانته من الدين
إن للتكبير منزلة كبيرة في الدين وشأنه عظيم وثوابه جزيل عند الله تعالى وهو من أفضل وأحب الكلام إلى الله تعالى ، وقد تكاثرت النصوص في ذلك وفي الحث عليه .
قال الله تعالى : { وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111) } .(2) قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية : "أي عظِّمه تعظيماً شديداً ، ويظهر تعظيم الله في شدّة المحافظة على امتثال أمره واجتناب نهيه والمسارعة إلى كلِّ ما يرضيه" .(3)
عن رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أفضل الكلام سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر"(4).
__________
(1) صحيح الجامع حديث رقم (5510) .
(2) سورة الاسراء .
(3) أضواء البيان (3/635) .
(4) رواه أحمد، وصححه الألباني في الصحيحة برقم (3/485).(1/38)
وعن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أحب الكلام إلى الله أربع سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر لا يضرك بأيهن بدأت"(1).
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "لقيتُ إبراهيم ليلة أُسري بي فقال: يا محمد أقرئ أُمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء ,إنها قيعان وأن غراسها سُبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر" (2).
وكذلك التكبير يكون في حال الارتفاع كما أن التسبيح يكون في حال الانخفاض .
فعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال : "كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا علونا كبرنا وإذا هبطنا سبحنا فوضعت الصلاة على ذلك" .(3)
التكبير : معناه التعظيم كما مر معنا .
ما جاء في التسبيح وفضله
قال الله تعالى: { فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } (4).
وقال تعالى: { يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ } (5).
والآيات في الباب كثيرة.
معنى التسبيح : التنزيه عما لا يليق به سبحانه وتعالى من الشريك والولد والصاحبة والنقائص وسمات الحدوث مطلقاً.
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الأدب برقم (5566)، والنسائي وزاد "وهن من القرآن"، وأخرجه ابن ماجة في كتاب الأدب برقم (3729)، وأبو داود في كتاب الأدب (4958)، والترمذي في الأدب (2836).
(2) رواه الترمذي (3462)وقال:"حديث حسن"،صحيح الكلم الطيب(ص27)والترغيب(1550)
(3) أخرجه مسلم في صحيحه برقم (2734) .
(4) سورة الصافات: (143).
(5) سورة الأنبياء (20).(1/39)
وعن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السموات والأرض".(1).
الطهور شطر الإيمان : الطهور بالضم هو التطهر ، أي الفعل ، وبالفتح الماء الذي يتطهر .
وعن جابر - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال: سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة"(2).
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: يا رسول الله أي الكلام أحب إلى الله تعالى؟ قال : "ما اصطفى الله تعالى لملائكته : سبحان ربي وبحمده سبحان الله" (3).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قال: سبحان الله وبحمده في يوم مئة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر"(4).
قوله : "حطت خطاياه" أي غفرت ذنوبه .
"وإن كانت مثل زبد البحر" : وهو ما يعلو على وجهه عند هيجانه ،كناية عن المبالغة في الكثرة ، وهذا وأمثاله نحو ما طلعت عليه الشمس كناية عبر بها عن الكثرة عرفاً ، قال ابن بطال : والفضائل الواردة في التسبيح والتحميد ونحو ذلك إنما هي لأهل الشرف في الدين والكمال كالطهارة من الحرام وغير ذلك فلا يظن ظان أن من أد من الذكر وأصر على ما شاء من شهواته وانتهك دين اللّه وحرماته أن يلتحق بالمطهرين المقدسين ويبلغ منازل الكاملين بكلام أجراه على لسانه ليس معه تقوى ولا عمل صالح .
__________
(1) صححه الألباني رحمه الله في الترغيب برقم (184، 379) والإيمان (ص48) والطحاوية (572) ومشكلة الفقر (59) والمشكاة (281).
(2) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن"، صحيح الجامع (6492).
(3) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (2731)، ورواه الترمذي ، وقال : "حديث حسن".
(4) أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق برقم (3293) وفي كتاب الدعوات برقم (6403)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6783).(1/40)
قال عياض : وظاهر قوله : "مثل زبد" مع قوله في حديث التهليل "محيت عنه خطايا مائة سنة" أن التسبيح أفضل لكون عدد الزبد أضعاف المائة لكن قوله في التهليل ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به يقتضي أنه أفضل .(1)
وعن أبي هريرة أيضاً قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم".(2).
حبيبتان إلى الرحمن : تثنية حبيبة وهي المحبوبة لأن فيهما المدح بالصفات السلبية التي يدل عليها التنزيه وبالصفات الثبوتية التي يدل عليها الحمد ، وقيل المراد أن قائلها محبوب الله تعالى ومحبة الله للعبد إرادة إيصال الخير له والتكريم ، وخص الرحمن من الأسماء الحسنى للتنبيه على سعة رحمة الله حيث يجازي على العمل القليل بالثواب الجزيل ،فإن قيل فعيل بمعنى مفعول يستوي المذكر والمؤنث ولا سيما إذا كان موصوفه معه فلم عدل عن التذكير إلى التأنيث ،فالجواب أن ذلك جائز لا واجب وقيل أنث لمناسبة الثقيلتين والخفيفتين سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم هكذا وقع في هذا الكتاب بتقديم سبحان الله العظيم على سبحان الله وبحمده . اهـ. تحفة الأحوذي (9/306) .
وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس"(3).
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ألا أخبرك بأحب الكلام إلى الله؟" قلت: يا رسول الله أخبرني بأحب الكلام إلى الله فقال: "إن أحب الكلام
__________
(1) فيض القدير .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات برقم (6406) وفي كتاب الإيمان والنذر برقم
(7563). وفي كتاب التوحيد برقم (6682)، وأخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6786).
(3) رواه مسلم في صحيحه برقم (2695) و (6787)، والترمذي برقم (3597).(1/41)
إلى الله سبحان الله وبحمده"(1).
وفي رواية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل: أي الكلام أفضل قال: "ما اصطفى الله لملائكته أو لعباده: سبحان الله وبحمده"(2).
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قال: "يصبح على كل سلامي من أحدكم صدقة فكل تسبيحة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى"(3).
"السلامي" بضم السين المهملة وتخفيف اللام وفتح الميم: المفصل.
"على كل سلامى" بضم السين وتخفيف اللام وأصله عظام الأصابع وسائر الكف ثم استعمل في جميع العظام البدن ومفاصله.
وعن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الطهور شطر الإيمان ، والحمد لله تملأ الميزان ، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض ، والصلاة نور ، والصدقة برهان ، والصبر ضياء ، والقرآن حجة لك أو عليك ، كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها"(4).
الطهور : بالفتح الماء ، وبالضم الفعل .
شطر الإيمان : أي نصف الإيمان .
قال النووي رحمه الله تعالى : "والحمد للّه تملأ الميزان" أي ثواب الكلمة يملأها بفرض الجسمية، وقال القزويني : يريد الميزان النظري لأن أنواع الثناء على الحق محصورة في أصلين السلب والإثبات فالتنزيهات إنما تفيد النفي لأنها ليست أموراً وجودية تملأ شيئاً بخلاف الصفات الثبوتية فالحمد للّه ثناء بوصف ثبوتي فيملأ الميزان العقلي وبه يتم البرهان والتعريف .
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم(6863)، والترمذي في كتاب الدعوات برقم (3593).
(2) المصدر السابق.
(3) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1668) وأبو داود في كتاب الصلاة برقم (1285).
(4) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة برقم (533)، وأخرجه الترمذي في كتاب الدعوات برقم (3517).(1/42)
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : "وسبحان الله تملآن أو تملأ ما بين السموات والأرض" وسبب عظم فضلهما ما اشتملتا عليه من التنزيه لله تعالى بقوله: سبحان الله والتفويض والافتقار إلى الله تعالى بقوله: الحمد لله والله أعلم.
"والصلاة نور" : لأنها تمنع عن المعاصي وتنهى عن الفحشاء والمنكر وتهدي إلى الصواب كما أن النور يستضاء به أو لأنها سبب لإشراق أنوار المعارف وانشراح القلب ومكاشفات الحقائق وإقباله إلى الخالق أو لأنها تكون نوراً لصاحبها بالبهاء في الدنيا وبالأنس في القبر ونوراً ظاهراً على وجهه يوم القيامة حتى توصله للجنة { نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } .(1) وهي نور توضيح الطريق إلى الآخرة وتبين سبيل المراشد فهي نور على نور والنور من نار ينور لما فيه من الحركة والاضطراب .
"والصدقة برهان" حجة جليلة على إيمان صاحبها أو أنه على الهدى أو الفلاح أو لكون الصدقة تنجيه عند الحساب كما تنجي الحجة عند المحاكمة وقال القزويني : الصدقة برهان على جزم المتصدق بوجود الآخرة وما تتضمنه من المجازات لأن المال محبوب للنفوس المتصفة بالخواص الطبيعية فلا يقدر على بذل المال ما لم يصدق بانتفاعها فيما بعد بثمرات ما يبذله وفوزها بالعوض وحصول السلامة من ضرر متوقع بسبب فعل قرنت به عقوبة .
__________
(1) التحريم الآية (8) .(1/43)
"والصبر" : الذي هو حبس النفس عما تتمنى أو يشق والمراد المحمود ( ضياء ) أي نور قوي تنكشف به الكربات وتنزاح به غياهب الظلمات فمن صبر على ما أصابه من مكروه علماً بأنه من قضاء اللّه وقدره هان عليه ذلك وكفى عنه شره وادخر له أجره ومن اضطرب فيه وأكثر الجزع والهلع لم ينفعه تعبه ولا يدفع سعيه شيئاً من قدر اللّه بل يتضاعف به همه وينحبط أجره والعبد بالصبر يخرج عن عهدة التكليف ويقوى على مخالفة الشيطان والنفس فيفوز في الدارين فوزاً والضياء النور القوي والإضاءة فرط الإنارة وقال القونوي في توجيه هذه الفقرة : سره أن الصبر حبس النفس عن الشكوى وهو أمر مؤلم للنفس ولا ريب عند المحققين بالتجربة المكررة والعلم المحقق أن الآلام النفسانية تخمد وهج القوى الطبيعية وتنعش القوى الروحانية الموجبة لتنوير الباطن فلهذا جعل الصبر مثمراً للضياء الذي هو امتزاج النور بالظلمة بخلاف الحال في الصلاة التي قال إنها نور من أجل ما تقرر من سر المقابلة والمسامتة والتمثيل بالشمس والقمر فإنه ليس في ذات القمر ما يمزج بالشمس حتى يسمى الناتج بينهما ضياء ولذلك سمى تعالى القمر نوراً دون الشمس المشبهة بالسراج لكونه معدوداً من الشجرة المباركة المنفي عنها الجهات وأنها الحضرة الجامعة للأسماء والصفات والمذكور في شأن الصبر هو نور متحصل وناتج من امتزاج واقع من القوى الطبيعية والقوى والصفات الروحانية وغالبيته ومغلوبيته بينهما .
"والقرآن حجة لك" : يدلك على النجاة إن عملت به . "أو عليك" : إن أعرضت عنه فيدل على سوء عاقبتك . "كل الناس" : أي كل منهم يغدو .
"فبائع نفسه" : أي فهو بائع نفسه والمبتدأ يكثر حذفه بعد فاء الجزاء والغدو ضد الرواح من الغدوة وهو ما بين الصبح والطلوع والبيع المبادلة والمراد هنا صرف الأنفاس في غرض ما يتوجه نحوه .(1/44)
"فمعتقها أو موبقها" : أي مهلكها وهو خبر آخر أو بدل من فبائع فإن عمل خيراً وجد خيراً فيكون معتقها من النار وإن عمل شراً استحق شراً فيكون موبقها أو المراد بالبيع الشراء بقرينة قوله معتقها إذ الإعتاق إنما يصح من المشتري فالمراد من ترك الدنيا وآثر الآخرة اشترى نفسه من ربه بالدنيا فيكون معتقها ومن ترك الآخرة وآثر الدنيا اشترى نفسه بالآخرة فيكون مهلكها والفاء في فبائع تفصيلية وفي معتقها سببية وقال القونوي : في هذا أسرار شريفة منها أن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - نبه على سر هو كالتفسير لقوله تعالى { وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا } .(1) لأنه قال كل الناس يغدو وصدق لأن الاطلاع المحقق أفاد أنه ليس في الموجودات لأحد وقفة بل كل إنسان سائر إلى المرتبة التي قدر الحق أنها غاية من مراتب النقص والشقاء ومراتب السعادة التي هي الكمالات النسبية أو الكمال الحقيقي والفوز بالتجلي الذاتي الأبدي الذي لا حجاب بعده ولا مستقر للكمل دونه وهو الذي ذكره المصطفى صلى اللّه عليه وآله وسلم بقوله أسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم وقوله فبائع نفسه أي الذي يجعله في سيره إلى الغاية هو حاصل قوى روحه ونتيجة زمانه وأحواله وصفاته وأفعاله وتطوراته في نشأته فإن حصل على طائل وانتهى إلى كمال نسبي في بعض درجات السعادة أو إلى الكمال الحقيقي المنبه عليه فقد أعتق نفسه عن الورطات المهلكة وجيوش القيود الإمكانية والحجب الظلمانية فتنور بالعلم المحقق والعمل الصالح المنتج للخيرات الملائمة وإن حرم ما ذكر أوثق نفسه أي أهلكها وأضاع عمره وعمله فخاب وخسر نسأل اللّه العافية فهذا معنى هذا الحديث البديع الجامع .(2)
__________
(1) البقرة الآية (148) .
(2) فيض القدير للمناوي .(1/45)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين الاثنين صدقة وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة والكلمة الطيبة صدقة وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة وتميط الأذى عن الطريق صدقة"(1).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إنه خلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل فمن كبر الله وحمد الله وهلل وسبح الله واستغفر الله وعزل حجراً عن طريق الناس أو شوكة أو عظماً عن طريق الناس أو أمر بمعروف أو نهى عن منكر عدد الستين والثلاثمائة فإنه يمسي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار"(2).
قال ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى: وقلت لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يوماً سئل بعض أهل العلم :أيما أنفع للعبد التسبيح أو الاستغفار؟ فقال: إذا كان الثوب نقياً فالبخور وماء الورد أنفع له وإن كان دنساً فالصابون والماء الحار أنفع له، فقال لي رحمه الله تعالى:فكيف والثياب لا تزال دنسة؟. اهـ.الوابل الصيب .
وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أيعجز أحدكم أن يكسب في كل يوم ألف حسنة!" فسأله سائل من جلسائه: كيف يكسب ألف حسنة؟ قال: "يسبح مائة تسبيحة فيكتب له ألف حسنة أو يحط عنه ألف خطيئة"(3).
__________
(1) أخرجه البخاري في الصلح برقم (2707) وفي كتاب الجهاد والسير برقم (2891) و
(2989)، وأخرجه مسلم في كتاب الزكاة برقم (2332).
(2) أخرجه مسلم برقم (1007).
(3) رواه مسلم في الذكر والدعاء (6792)، والترمذي في الدعوات(3463).(1/46)
وعن رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أفضل الكلام سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر"(1).
وعن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أحب الكلام إلى الله أربع سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر لا يضرك بأيهن بدأت"(2).
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "لقيتُ إبراهيم ليلة أُسري بي فقال: يا محمد أقرئ أُمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء ,إنها قيعان وأن غراسها سُبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر" (3).
"قيعان" جمع قاع وهي الأرض المستوية الخالية من الشجر.
"غراس" جمع غرس وهو : ما يستر الأرض من البذر ونحوه.
ذكر الله سبب لدخول الجنة وكلما أكثر العبد من ذكر الله كثرت غراسه في الجنة.
وعن أبي سلمة راعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : بخٍ بخٍ لخمسٍ ما أثقلهن في الميزان لا إله إلا الله وسبحان الله والحمد لله والله أكبر والولد الصالح يتوفى للمرء المسلم فيحتسبه"(4).
بخٍ بخٍ : بموحدة ثم معجمة مكرر كلمة تعجب ومدح .
قال الجوهري بخ كلمة تقال ثم المدح والرضا بالشيء وتكرر للمبالغة
__________
(1) رواه أحمد، وصححه الألباني في الصحيحة برقم (3/485).
(2) رواه مسلم في كتاب الأدب برقم (5566)، والنسائي وزاد "وهن من القرآن"، وأخرجه ابن ماجة في الأدب برقم (3729)، وأبو داود في الأدب برقم (4958)، والترمذي في الأدب برقم (2836).
(3) رواه الترمذي برقم (3462) وقال: "حديث حسن"، صحيح الكلم الطيب (ص27) وصحيح الترغيب برقم (1550)
(4) رواه النسائي وابن حبان والحاكم وقال: "صحيح الإسناد"، وصححه الألباني رحمه الله تعالى في السلسلة الصحيحة برقم (1204) والسنة (781).(1/47)
فيقال بخ بخ فإن وصلت خففت .(1)
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - ، أن ناساً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم قال: "أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون إن بكل تسبيحة صدقة وكل تكبيرة صدقة وكل تحميدة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن منكرٍ صدقة وفي بضع أحدكم صدقة"، قالوا : يا رسول الله يأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال : "أرأيتم إن وضعها في حرام أكان عليه وزر فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر"(2).
أهل الدثور : أي أهل الأموال والدثور : بضم الدال وجمع دثر بفتحها وهو المال الكثير .
والبضع: هو بضم الباء ويطلق على الجماع ، ويطلق على الفرج نفسه.
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى : قوله - صلى الله عليه وسلم - :" وفي بضع أحدكم صدقة" وفي هذا دليل على أن المباحات تصير طاعات بالنيات الصادقات فالجماع يكون عبادة إذا نوى به قضاء حق الزوجة ومعاشرتها بالمعروف الذي أمر الله تعالى به أو طلب ولد صالح أو إعفاف نفسه أو إعفاف الزوجة ومنعها جميعاً من النظر إلى الحرام أو الفكر فيه أو الهم به أو غير ذلك من المقاصد الصالحة.
__________
(1) عون المعبود (1/199) .
(2) رواه مسلم في كتاب الزكاة برقم (2326).(1/48)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: ذهب أهل الدثور بالدرجات العُلى والنعيم المقيم فقال: "وما ذاك؟" فقالوا: يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون ولا نتصدق ويعتقون ولا نعتق فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" أفلا أعلمكم شيئاً تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم ؟" قالوا: بلى يا رسول الله قال: " تسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين مرة فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثلة ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء" (1).
وعن جويرية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فقال: " ما زلت على الحال التي فأرقتك عليها؟" قالت : نعم ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - " لقد قلت بعدك كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته"(2).
لو وزنت:صيغة المؤنث المجهول لوزنته أي لترجحت تلك الكلمات علىجميع أذكارك وزادت عليهن في الأجر والثواب يقال وازنه فوزنه إذا غلب عليه وزاد في الوزن .
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان برقم (843) ، وفي كتاب الدعوات برقم (6329) ، وأخرجه مسلم في كتاب المساجد برقم (1346).
(2) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6851) والترمذي برقم (3555) والنسائي في كتاب السهو برقم (1351) وابن ماحه في كتاب الأدب باب فضل التسبيح برقم (3808).(1/49)
سبحان الله وبحمده : أي بحمده أحمده عدد خلقه سيما على نزع الخافض أي بعدد كل واحد من مخلوقاته وقال السيوطي نصب على الظرف أي قدر عدد خلقه ورضاء نفسه أي أقول له التسبيح والتحميد بقدر ما يرضيه خالصا مخلصا له ، فالمراد بالنفس ذاته والمعنى ابتغاء وجهه وزنة عرشه : أي أسبحه وأحمده بثقل عرشه أو بمقدار عرشه .
ومداد كلماته : المداد مصدر مثل المدد وهو الزيادة والكثرة أي بمقدار ما يساويها في الكثرة بمعيار أو كيل أو وزن أو ما أشبهه من وجوه الحصر والتقدير وهذا تمثيل يراد به التقريب لأن الكلام لا يدخل في الكيل .
وكلماته تعالى :هو كلامه وصفته لا تعد ولا تنحصر ، فإذاً المراد المجاز مبالغة في الكثرة لأنه ذكر أولا ما يحصره العدد الكثير من عدد الخلق ثم ارتقى إلى ما هو أعظم منه أي ما لا يحصيه عد كما لا تحصى كلمات الله .(1)
وعن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : قال: " إن الله اصطفى من الكلام أربعاً سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فمن قال: سبحان الله كتب له عشرون حسنة وحطت عنه عشرون سيئة ومن قال : الله أكبر فمثل ذلك ومن قال: لا إله إلا الله فمثل ذلك ومن قال الحمد لله ربِّ العالمين من قبل نفسه كتبت له ثلاثون حسنة وحطت عنه ثلاثون سيئة"(2).
فضل التسبيح بالأصابع وأنهن مسؤلات مستنطقات
وأنه أفضل من السبحة
__________
(1) عون المعبود (4/259) .
(2) أخرجه أحمد والنسائي والحاكم بنحوه وقال: "صحيح على شرط مسلم"، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (1718).(1/50)
على المسلم أن يتقيد بالذكر الذي ورد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وبالكيفية التي وردت عنه ، فقد ورد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التسبيح بالأنامل وأرشد إلى ذلك ، وأنه أفضل من السبحة ، فقد روت يسيرة إحدى المهاجرات رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " عليكن بالتسبيح والتهليل والتقديس ولا تغفلن فتنسين الرحمة وأعقدن بالأنامل فإنهن مسؤلات ومستنطقات"(1).
قال المناوي في فيض القدير : "عليكن" أيتها النسوة بالتسبيح أي بقول سبحان اللّه ، والتهليل أي التوحيد والتقديس أي قول سبوح قدوس رب الملائكة والروح قالوا : والفرق بين التسبيح والتقديس أن التسبيح للأسماء والتقديس للآلاء وكلاهما يؤدي إلى العظمة .
واعقدن الأنامل أي اعددن عدد مرات التسبيح بها وهذا ظاهر في عقد كل أصبع على حدته لا ما يعتاده كثير من العد بعقد الأصابع ، فإنهنّ مسؤولات عن عمل صاحبها . مستنطقات للشهادة عليه فأما المؤمن فتنطق عليه بخيره وتسكت عن شره ستراً من اللّه والكافر بالعكس فإن خيره لغير اللّه فهو هباء .
ولا تغفلن بضم الفاء بضبط المؤلف . فتنسين بضم المثناة الفوقية وسكون النون وفتح السين بخطه الرحمة أي لا تتركن الذكر فتنسين منها . اهـ .
هذا وقد اشتهر بين الناس التسبيح بالسبحة بدلاً من الأصابع وهذا خطأ لأن التسبيح بالأصابع أفضل وأكثر أجراً ، كما أرشد النبي - صلى الله عليه وسلم - لذلك حيث قال - صلى الله عليه وسلم - كما في هذا الحديث : وأعقدن بالأنامل فإنهن مسؤلات ومستنطقات" ، أي أن الأصابع تشهد لك بالخير وبالتسبيح بهن ، وهذا غير موجود في السبحة ، فاحرص أخي الكريم على هذا الأجر العظيم .
فوائد الذكر
__________
(1) أخرجه أبو داوود برقم (1501) والترمذي برقم (3653 تحفة ) ، وحسنه الألباني في المشكاة (2316) ، وصحيح الجامع حديث رقم (4087) .(1/51)
قال ابن قيم الجوزية في كتابه الوابل الصيب (1/61) .: في الذكر أكثر من مائة فائدة ، وذكر منها أكثر من سبعين فائدة :
إحداها : أنه يطرد الشيطان ويقمعه ، ويكسره .
الثانية : إنه يرضي الرحمن عز وجل .
الثالثة : إنه يزيل الهم والغم عن القلب .
الرابعة : إنه يجلب للقلب الفرح والسرور والبسط .
الخامسة : إنه يقوي القلب والبدن .
السادسة : إنه ينور الوجه والقلب .
السابعة : إنه يجلب الرزق .
الثامنة : إنه يكسو الذاكر المهابة والحلاوة والنضرة .
التاسعة : إنه يورثه المحبة التي هي روح الإسلام وقطب رحى الدين ومدار السعادة والنجاة وقد جعل الله لكل شئ سببا وجعل سبب المحبة دوام الذكر فمن أراد أن ينال محبة الله عز وجل فليلهج بذكره فإنه الدرس والمذاكرة ، كما أنه باب العلم فالذكر باب المحبة وشارعها الأعظم وصراطها الأقوم .
العاشرة : إنه يورثه المراقبة حتى يدخله في باب الإحسان فيعبد الله كإنه يراه ولا سبيل للغافل عن الذكر إلى مقام الإحسان كما لا سبيل للقاعد إلى الوصول إلى البيت.
الحادية عشرة : إنه يورثه الإنابة وهي الرجوع إلى الله عز وجل فمتى أكثر الرجوع إليه بذكره أورثه ذلك رجوعه بقلبه إليه في كل أحواله فيبقى الله عز وجل مفزعه وملجأه وملاذه ومعاذه وقبلة قلبه ومهربه عند النوازل والبلايا .
الثانية عشرة : إنه يورثه القرب منه فعلى قدر ذكره لله عز وجل يكون قربه منه وعلى قدر غفلته يكون بعده منه .
الثالثة عشرة:إنه يفتح له بابا عظيما من أبواب المعرفة وكلما أكثر من الذكر إزداد من المعرفة.الرابعة عشرة:إنه يورث الهيبة لربه عز وجل وإجلاله لشدة استيلائه على قلبه وحضوره مع الله تعالى بخلاف الغافل فإن حجاب الهيبة رقيق في قلبه .(1/52)
الخامسة عشرة : إنه يورثه ذكر الله تعالى له كما قال تعالى : { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ } .(1) ، ولو لم يكن في الذكر إلا هذه وحدها لكفى بها فضلا وشرفا وقال فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى : "من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي" . الوابل الصيب (1/61) .
الفصل الثالث
كتاب
التوحيد
فضل كلمة التوحيد لا إله إلا الله
قال تعالى: { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) } .(2)
قال ابن عباس وغيره : الكلمة الطيبة هي لا إله إلا الله.
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى : فشبه سبحانه وتعالى الكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة، لأن الكلمة الطيبة تثمر العمل الصالح، والشجرة الطيبةتثمر الثمر النافع، وهذا ظاهر على قول جمهور المفسرين الذين يقولون: "الكلمة الطيبة هي شهادة أن لا إله إلا الله" فإنها تثمر جميع الأعمال الصالحة الظاهرة والباطنة، فكل عمل صالح مرضي لله ثمرة هذه الكلمة. أ.هـ(3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أو نفسه".(4)
قوله : قال لقد ظننت أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك : أي أقدم منك ، لما رأيت من حرصك على الحديث
__________
(1) البقرة (152) .
(2) سورة إبراهيم .
(3) أعلام الموقعين (1/166). ط. دار الكتاب العربي.
(4) رواه البخاري في كتاب العلم برقم (99).(1/53)
قال المناوي في فيض القدير : أسعد الناس : أي أحظاهم .
بشفاعتي : من الشفع ، وهو ضم الشيء إلى مثله كأن المشفوع له كان فرداً فجعله الشفيع شفعاً بضم نفسه إليه ، والشفاعة الضم إلى آخر معاوناً له وأكثر ما يستعمل في انضمام الأعلى إلى الأدنى يوم القيامة يوم الجزاء الأعظم ، من قال لا إله إلا الله أي مع محمد رسول الله فجعل جزءاً من كلمة الشهادة شعاراً لمجموعها ، فالمراد الكلمة بتمامها كما تقول قرأت { آلم ذَلِكَ الْكِتَابُ } .(1) أي السورة بتمامها ، والمراد من قال ذلك من إنس وجن وملك ، ولا ينافيه التقيد بالناس لأنه مفهوم لقب ولا حجة فيه عند الجمهور .
خالصاً عن شوب شرك أو نفاق ، فالمراد بالقول النفساني لا الكلامي فقط ، أو ذكر تغليباً إذ الغالب أن من صدق بالقلب قال باللسان مخلصاً من قلبه أو نفسه ، هكذا هو على الشك عند البخاري .
وقوله : مخلصاً تأكيد لخالصاً ، فالمراد الإخلاص المؤكد البالغ غايته ويدل على إرادة تأكيده ذكر القلب إذ الإخلاص معدنه القلب ففائدته التأكيد كما في { فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ } .(2) ، قال في الكشاف : لمن كان آثما مقترناً بالقلب أسند إليه لأن إسناده الفعل إلى الجارحة التي يعمل فيها أبلغ ، ألا تراك إذا أردت التأكيد تقول أبصرته بعيني وسمعته بأذني .
__________
(1) البقرة الآية (1ـ2)
(2) البقرة الآية (283) .(1/54)
وقوله : من قلبه متعلق بمخلصاً أو يقال ، والأولى كما قاله الكرماني الثاني ، ثم إن تعلق يقال فالظرف لغو وإلا فمستقر إذ تقديره ناشئاً عن قلبه . قال البيضاوي . وأسعد بمعنى سعيد إذ لا يسعد بشفاعته من ليس من أهل التوحيد ، أو المراد بمن قال من لا عمل له يستحق به الرحمة ويستوجب به الخلاص من النار لأن احتياجه للشفاعة أكثر والشفاعة بها أوفر ، قال الكرماني : أفعل بمعنى فعيل يعني سعيد الناس كقولهم : الناقص والأشج أعدلا بني مروان أو هو بمعناه الحقيقي المشهور ، والتفضيل بحسب المراتب أي هو أسعد ممن لم يكن في هذه الرتبة .
وقال ابن حجر : أراد بالشفاعة بعض أنواعها وهي إخراج من بقلبه مثقال ذرة من إيمان أما العظمى فأسعد الناس بها السابقون إلى الجنة وهم من يدخل بغير حساب ثم الذين يلونهم ، وأشار بأسعد إلى اختلاف مراتبهم في السبق فهي على بابها لا بمعنى سعيد . والأولى أن يقال كل أحد يحصل له سعادة بسبب شفاعته لكن المؤمن المخلص أكثر سعادة بها فإن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - يشفع في الخلق لاراحتهم من هول الموقف ، ويشفع في بعض الكفار بتخفيف العذاب كأبي طالب ويشفع في قوم من المؤمنين بالخروج من النار بعد دخولها ، وفي بعضهم بعدم الدخول بعد استحقاقه ، وفي بعضهم بدخول الجنة بغير حساب ، وفي بعضهم برفع الدرجات ، فاستبان الإشراك في السعادة بالشفاعة فإن أسعدهم بها المؤمن الخالص المخلص .اهـ.(1)
__________
(1) فتح الباري (11/443) .(1/55)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "قال موسى - صلى الله عليه وسلم - يا رب علمني شيئا أذكرك به قال: قل: لا إله إلا الله، قال: يا رب كل عبادك يقول هذا، قال: قل: لا إله إلا الله، قال: إنما أريد شيئاً تخصني به، قال: يا موسى لو أن السموات السبع والأرضين السبع في كفةٍ ولا إله إلا الله في كفة مالت بهم لا إله إلا الله".(1)
وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل". زاد جُنادَةُ: "من أبواب الجنة الثمانية أيها شاء".(2)
وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه : قال النووي رحمه الله تعالى :
وسمى عيسى عليه السلام كلمة لأنه كان بكلمة كن ، وبدون أب بخلاف غيره من بنى آدم .
وروح منه : أى مخلوقة من عنده ، وعلى هذا يكون إضافتها إليه إضافة تشريف كناقة الله وبيت الله والا فالعالم له سبحانه وتعالى ومن عنده والله أعلم . اهـ .(3)
__________
(1) أخرجه النسائي في (عمل اليوم والليلة) برقم (834) وابن حبان برقم (6218) ، والبيهقي في الكبرى برقم (10670) ، وفي مسند أبي يعلى برقم (1393) ، والحاكم في المستدرك
(1/528) بنحوه وقال: "صحيح الإسناد" ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، كلمة الإخلاص (ص 58).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء برقم (3435)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (139).
(3) شرح النووي على صحيح مسلم (1/277) .(1/56)
وعن عمرو - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد حقاً من قلبه فيموت على ذلك إلا حَرُمَ على النار، لا إله إلا الله".(1)
عن معاذ بن جبل قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "ثم يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد قال الله ورسوله أعلم قال أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا أتدري ما حقهم عليه قال الله ورسوله أعلم قال أن لا يعذبهم".(2)
قال القرطبي : "حق العباد على الله" ما وعدهم به من الثواب والجزاء فحق ذلك ووجب بحكم وعده الصدق ، وقوله الحق الذي لا يجوز عليه الكذب في الخبر ولا الخلف في الوعد فالله سبحانه وتعالى لا يجب عليه شيء بحكم الأمر إذ لا آمر فوقه ولا حكم للعقل لأنه كاشف لا موجب . انتهى.(3)
وعن أنس - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعاذ رديفه على الرحل قال: "يا معاذ بن جبل" قال: لبيك يا رسول الله وسعديك ثلاثاً قال: "ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صادقاً من قلبه إلا حَرَّمه الله على النار".(4)
ومعاذ رديفه : قال النووي : والردف والرديف هو الراكب ، يقال منه ردفته بكسر الدال فى الماضى وفتحها فى المضارع اذا ركبت خلفه .
وقوله : "لبيك وسعديك" الأظهر أن معناها إجابة لك بعد إجابة للتأكيد ، وقيل معناه قربا منك وطاعة لك ، وقيل أنا مقيم على طاعتك ، وقيل محبتى
__________
(1) رواه الحاكم في المستدرك (1/351) وقال: "حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا السياق" ووافقه الذهبي، الجنائز (34).
(2) أخرجه البخاري برقم (6938) ، ومسلم برقم (30)
(3) فتح الباري (11/339) .
(4) رواه البخاري في كتاب اللباس (5967)، وفي كتاب الاستئذان (6267)، وفي كتاب الرقاق برقم (6500)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (142) و (143).(1/57)
لك ذلك ومعنى سعديك أى ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة .اهـ .(1)
قال الحافظ ابن حجر : المراد بتحريمه على النار تحريم خلوده فيها لا أصل دخولها ، ومنها أن المراد النار التي أعدت للكافرين لا الطبقة التي أفردت لعصاة الموحدين ، ومنها أن المراد بتحريمه على النار حرمة جملته لأن النار لا تأكل مواضع السجود من المسلم كما ثبت ، قال في حديث الشفاعة أن ذلك محرم عليها وكذا لسانه الناطق بالتوحيد والعلم . اهـ.(2)
وعن رفاعة الجهني - رضي الله عنه - قال: أقبلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا كنا بالكديد أو بقديد فحمد الله وقال: خيراً، وقال: "أشهد عند الله لا يموت عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله صدقاً من قلبه ثم يُسَدِّدُ إلا سلك في الجنة".(3)
وفي رواية لمسلم: "من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله حرم الله عليه النار".
__________
(1) شرح النووي على صحيح مسلم (1/231) .
(2) فتح الباري (1/226) .
(3) رواه أحمد بإسناد حسن، وقال الهيثمي في المجمع (1/20): "رواه أحمد وعند ابن ماجة بعضه ورجاله موثقون".(1/58)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كنا قعوداً حول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعنا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما في نفر فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بين أظهرنا فأبطأ علينا وخشينا أن يُقْتَطع دوننا ، وفزعنا فقمنا فكنتُ أول من فزع فخرجت أبتغي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أتيتُ حائطاً للأنصار لبني النجار فدرت به هل أجد له باباً ، فلم أجد ، فإذا ربيع يدخل في جوف حائط من بئر خارجةٍ ؛ (والربيع الجدول) فاحتفزت كما يحتفز الثعلب فدخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أبو هريرة؟" قلت: نعم يا رسول الله قال: "ما شأنك؟" قلت: كنت بين أظهرنا فقمت فأبطأت علينا فخشينا أن تقتطع دوننا ففزعنا فكنت أول من فزع فأتيت هذا الحائط فاحتفزت كما يحتفز الثعلب وهؤلاء الناس ورائي فقال: "يا أبا هريرة!" (وأعطاني نعليه) وقال: "اذهب بنعلي هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة".(1/59)
فكان أول من لقيت عمر فقال: ما هاتان النعلان يا أبا هريرة؟ فقلت: هاتين نعلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثني بهما من لقيت يشهد ان لا إله إلا الله مستيقناً بهما قلبه بشرته بالجنة قال: فضرب عمر بيده بين ثدييَّ فخررت لاستي فقال: ارجع يا أبا هريرة فرجعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأجهشت بكاءً، وركبني عمر، وإذا هو على أثري فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "مالك يا ابا هريرة؟" قلت : لقيت عمر فأخبرته بالذي بعثتني به فضرب بين ثدييَّ ضربةً خررت لاستي قال : ارجع ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا عمر! ما حملك على ما فعلت؟" قال: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي أبعثت أبا هريرة بنعليك من لقي يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة؟ قال: "نعم" قال: فلا تفعل فإني أخشى أن يتكل الناس عليها فخلهم يعملون قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "فخلهم".(1)
(وفزعنا فقمنا) قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: الفزع يكون بمعنى الروع وبمعنى الهبوب للشيء والاهتمام به، وبمعنى الإغاثة، قال: فتصح هذه المعاني الثلاثة أي ذعرا لاحتباس النبي - صلى الله عليه وسلم - عنا.
(حائطا): بستاناً وسمي بذلك لأنه حائط لا سقف له.
(الجدول) بفتح الجيم وهو النهر الصغير.
(وخشينا أن يقتطع دوننا) أي: يصاب بمكروه من عدو إما بأسر وإما بغيره.
(فاحتفزت كما يحتفز الثعلب) معناه: تضامت ليسعني المدخل.
وقوله (لاستي) فهو اسم من أسماء الدبر.
فأجهشت: بالجيم والشين المعجمة والهمزة والهاء مفتوحتان قال القاضي عياض رحمه الله: وهو أن يفزع الإنسان إلى غيره وهو متغير الوجه متهيء للبكاء ولما يبك بعد.
قوله (ركبني عمر) فمعناه: تبعني ومشى خلفي في الحال بلا مهلة.
(بأبي أنت وأمي) معناه: أنت مفدي أو أفديك بأبي وأمي.
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (146).(1/60)
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى : واعلم أن حديث أبى هريرة هذا مشتمل على فوائد كثيرة تقدم فى أثناء الكلام منه جمل : ففيه جلوس العالم لأصحابه ولغيرهم من المسفتين وغيرهم يعلمهم ويفيدهم ويفتيهم ، وفيه ما قدمناه أنه اذا أراد ذكر جماعة كثيرة فاقتصر على ذكر بعضهم ذكر أشرافهم أو بعض أشرافهم ثم قال وغيرهم ، وفيه بيان ما كان الصحابة رضى الله عنهم عليه من القيام بحقوق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإكرامه والشفقة عليه والانزعاج البالغ لما يطرقه - صلى الله عليه وسلم - ، وفيه اهتمام الأتباع بحقوق متبوعهم والإعتناء بتحصيل مصالحه ودفع المفاسد عنه ، وفيه جواز دخول الإنسان ملك غيره بغير إذنه إذا علم أنه يرضى ذلك لمودة بينهما ذلك فإن أبا هريرة - رضي الله عنه - دخل الحائط وتركه النبى - صلى الله عليه وسلم - على ذلك ولم ينقل أنه أنكر عليه مختص بدخول الارض بل يجوزله الانتفاع بأدواته وأكل طعامه والحمل من طعامه الى بيته وركوب دابته ونحو ذلك من التصرف الذى يعلم أنه لا يشق على صاحبه هذا هو المذهب الصحيح الذى عليه جماهير السلف والخلف من العلماء رحمة الله عليهم وصرح به أصحابنا ، قال أبو عمر بن عبد البر وأجمعوا على أنه لا يتجاوز الطعام وأشباهه الى الدراهم والدنانير وأشباههما ، وفى ثبوت الاجماع فى حق من يقطع بطيب قلب صاحبه بذلك نظر ، ولعل هذا يكون فى الدراهم الكثيرة التى يشك أو قد يشك فى رضاه بها ، فإنهم اتفقوا على أنه إذا تشكك لا يجوز التصرف مطلقا فيما تشكك فى رضاه به.(1/61)
ثم قال : وفيه إرسال الإمام والمتبوع إلى أتباعه بعلامة يعرفونها ليزدادوا بها طمأنينة وفيه ما قدمناه من الدلالة لمذهب أهل الحق أن الايمان المنجي من الخلود فى النار لا بد فيه من الاعتقاد والنطق وفيه جواز امساك بعض العلوم التى لا حاجة إليها للمصلحة أوخوف المفسدة وفيه إشارة بعض الأتباع على المتبوع بما يراه مصلحة وموافقة المتبوع له اذا رآه مصلحة ورجوعه عما أمر به بسببه ، وفيه جواز قول الرجل للآخر بأبى أنت وأمي . اهـ .(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأتِ أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه".
وقال: "ومن قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حُطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر".(2)
سبحان الله : أي تنزيه الله عما لا يليق به من كل نقص فيلزم نفي الشريك والصاحبة والرذائل ، ويطلق التسبيح ويراد به جميع ألفاظ الذكر ويطلق ويراد به صلاة النافلة .
من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان الله وبحمده مائة مرة متفرقة بعضها أول النهار وبعضها آخره أو متوالية وهو أفضل خصوصا في أوله حطت عنه خطاياه التي بينه وبين الله قال الباجي يريد أنه يكون في ذلك كفارة له كقوله إن الحسنات يذهبن السيئات وإن كانت مثل زبد البحر كناية عن المبالغة في الكثرة نحو ما طلعت عليه الشمس . اهـ .(3)
__________
(1) شرح النووي على صحيح مسلم (1/239) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق (3293) وفي كتاب الدعوات برقم(6403) ، وأخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6783).
(3) شرح الزرقاني (2/36) .(1/62)
بيان فضل التهليل والتسبيح، ذكر الله حصن حصين من وسوسة الشيطان وكيده ومن مكفرات الذنوب وذكر الله قربة عظيمة إلى الله سبحانه وتعالى.
يستحب أن يقول العبد ذلك في أول النهار متوالياً ليكون له حرزاً في جميع نهاره وكذا في أول الليل.
وفي سعة رحمة الله بعباده وتفضله عليهم بجزيل الثواب وغفران الذنوب.
قال القاضي عياض : أن التهليل المذكور أفضل (من التسبيح) ، ويكون ما فيه من زيادة الحسنات ومحو السيئات وما فيه من فضل عتق الرقاب وكونه حرزاً من الشيطان زائداً على فضل التسبيح وتكفير الخطايا لأنه قد ثبت أن من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضواً منه من النار فقد حصل بعتق رقبة واحدة تكفير جميع الخطايا مع ما يبقى له من زيادة عتق الرقاب الزائدة على الواحدة ومع ما فيه من زيادة مائة درجة وكونه حرزاً من الشيطان ويؤيده ما جاء في الحديث بعد هذا: "أن أفضل الذكر التهليل" مع الحديث الآخر: "أفضل ما قلته أنا والنبيون قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له." الحديث وقيل : أنه اسم الله الأعظم وهي كلمة الإخلاص والله أعلم . انتهى .(1)
عن أبي عياش - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "من قال إذا أصبح : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كان له عدل رقبة من ولد إسماعيل عليه السلام وكتب له عشر حسنات وحط عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات وكان في حرز من الشيطان حتى يمسي وإن قالها إذا أمسى كان مثل ذلك حتى يصبح".(2)
قوله : وكان في حرز من الشيطان : الحِرْزُ الموضع الحصين ، يقال هذا حِرْزٌ حَرِيزٌ ، ويسمى التعويذ حِرْزاً و احْتَرَزَ من كذا و تَحَرَّزَ منه أي توقاه .(3)
__________
(1) شرح مسلم (17/21) .
(2) رواه أبو داود، وصححه العلامة الألباني في الترغيب برقم (653)، المشكاة (2395).
(3) مختار الصحاح (1/55) .(1/63)
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما قال عبد لا إله إلا الله قط مخلصاً إلا فتحت له أبواب السماء حتى يُفضي إلى العرش ما اجتنب الكبائر".(1)
فضل من قال لا إله إلا الله عشر مرات
"من قال حين يصبح عشر مرات لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كتب الله له بها عشر حسنات ومحا عنه بها عشر سيئات وكانت كعدل عشر رقاب وأجاره الله يومه من الشيطان الرجيم وإذا أمسى فمثل ذلك حتى يصبح"(2).
فضل من قالها مئة مرة
وقال: "من قال حين يصبح : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في اليوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتب له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عَمِلَ أكثر منه"(3).
وفي رواية عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتب له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد أفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك ومن قال: "سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر"(4).
__________
(1) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب"، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (1524).
(2) رواه البخاري برقم (3293) و (6403)، ومسلم (2691).
(3) رواه البخاري برقم (3293 و 6403)، ومسلم (2691).
(4) أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق برقم (3293) وأخرجه في كتاب الدعوات برقم
(6403)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6783).(1/64)
قال ابن حجر في الفتح : ومع وصف كون الرقبة من بني إسماعيل يكون مقابل العشرة من غيرهم أو أربعة منهم لأنهم أشرف من غيرهم من العرب فضلا عن العجم ، وجمع للقرطبي في المفهم بين الاختلاف على اختلاف أحوال الذاكرين ، فقال إنما يحصل الثواب الجسيم لمن قام بحق هذه الكلمات فاستحضر معانيها بقلبه وتأملها بفهمه ثم لما كان الذاكرون في إدراكاتهم وفهومهم مختلفين كان ثوابهم بحسب ذلك وعلى هذا ينزل اختلاف مقادير الثواب في الأحاديث فان في بعضها ثوابا معينا وتجد ذلك الذكر بعينه في رواية أخرى أكثر أو أقل كما اتفق في حديث أبي هريرة وأبي أيوب ، قلت إذا تعددت مخارج الحديث فلا بأس بهذا الجمع وإذا اتحدت فلا وقد يتعين الجمع الذي قدمته ويحتمل فيما إذا تعددت أيضا أن يختلف المقدار بالزمان كالتقييد بما بعد صلاة الصبح مثلا وعدم التقيد إن لم يجعل المطلق في ذلك على المقيد . ويستفاد منه جواز استرقاق العرب خلافا لمن منع ذلك قال عياض ذكر هذا العدد من المائة دليل على إنها غاية للثواب المذكور . وقال النووي يحتمل ان يكون المراد مطلق الزيادة سواء كانت من التهليل أو غيره وهو الأظهر يشير إلى أن ذلك يختص بالذكر ويؤيده ما تقدم ان ثم النسائي من رواية عمرو بن شعيب إلا من قال أفضل من ذلك ، قال وظاهر إطلاق الحديث إن الأجر يحصل لمن قال هذا التهليل في اليوم متواليا أو متفرقا في مجلس أو مجالس في أول النهار أو آخره ، لكن الأفضل أن يأتي به أول النهار متواليا ليكون له حرزا في جميع نهاره ، وكذا في أول الليل ليكون له حرزا في جميع ليله . اهـ .(1)
__________
(1) فتح الباري (11/205) .(1/65)
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "إن الله يستخلص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاً كل سجل مثل مد البصر ثم يقول : أتنكر من هذا شيئاً ؟ أظلمك كتبتي الحافظون ؟ فيقول: لا يا رب فيقول أفلك عذر؟ فقال: لا يا رب فيقول الله تعالى : بلى إن لك عندنا حسنة فإنه لا ظلم عليك اليوم فيخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فيقول: أحضر وزنك فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات ؟ فقال : فإنك لا تظلم فتوضع السجلات في كفةٍ والبطاقة في كفةٍ فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ولا يثقل مع اسم الله شيء"(1).
وعن أبي أيوب - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كان كعدل محرراً أو محررين"(2).
وعن أبي أيوب - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "من قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل"(3).
__________
(1) رواه الترمذي وحسنه، وابن ماجة والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم"، حديث البطاقة ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (1776 و 8095) .
(2) رواه رواه الطبراني بإسناد جيد، قال في المجمع (10/84): "رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح" .
(3) رواه البخاري في كتاب الدعوات برقم (6404) ومسلم في الذكر والدعاء(6785).(1/66)
وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروحٌ منهُ، والجنة حقٌ، والنارَ حق، أدخله الله الجنة على ما كانَ من العمل"(1).
وكلمته ألقاها إلى مريم : أي هو مكون بكلمة كن فكان بشرا أب والعرب تسمي الشيء باسم الشيء إذا كان صادرا عنه وقيل كلمته بشارة الله تعالى مريم عليها السلام ورسالته إليها على لسان جبريل عليه السلام وذلك قوله إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه وقيل الكلمة ههنا بمعنى الآية . اهـ .(2)
قال القرطبي في المفهم على صحيح مسلم: باب لا يكفي مجرد التلفظ بالشهادتين، بل لا بد من استيقان القلب -هذه الترجمة تنبيه على فساد مذهب غلاة المرجئة، القائلين بأن التلفظ بالشهادتين كاف في الإيمان. وأحاديث هذا الباب تدل على فساده. بل هو مذهب معلوم الفساد من الشريعة لمن وقف عليها. ولأنه يلزم منه تسويغ النفاق، والحكم للمنافق بالإيمان الصحيح. وهو باطل قطعاً. اهـ.
وقال القاضي عياض: ما ورد في حديث عبادة يكون مخصوصاً لمن قال ما ذكره - صلى الله عليه وسلم - وقرن بالشهادتين حقيقة الإيمان والتوحيد الذي ورد في حديثه، فيكون له من الأجر ما يرجح على سيئاته ويوجب له المغفرة والرحمة ودخول الجنة لأول وهلة. أهـ.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء برقم (3435)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم(28).
(2) تفسير القرطبي (6/22) .(1/67)
وعن محمود بن الربيع قال : قدمت المدينة فلقيت عتبان فقلت 0له : حديث بلغني عنك قال: أصابني في بصري بعض الشيء فبعثت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أني أحب أن تأتيني تصلي في منزلي فأتخذه مصلى قال فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن شاء الله من أصحابه فدخل فهو يصلي في منزلي وأصحابه يتحدثون بينهم ثم أسندوا عظم ذلك وكبره إلى مالك بن دخشم قال: ودوا أنه دعا عليه فهلك ودوا أنه أصابه شر فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة وقال: "أليس يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟"قالوا: إنه يقول ذلك وما هو في قلبه، قال "لا يشهد أحد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فيدخل النار أو تطعمه" قال أنس: فأعجبني هذا الحديث فقلت لابني: اكتبه فكتبه(1).
"فخط لي مسجداً" أي : أعلم لي على موضع لأتخذه مسجداً أي موضعاً أجعل صلاتي فيه متبركاً بآثارك والله أعلم.
قال الإمام النووي : وفي حديث عتبان هذا فوائد كثيرة : منها أنه يستحب لمن قال سأفعل كذا أن يقول أن شاء الله للآية والحديث ، ومنها التبرك بالصالحين وآثارهم والصلاة في المواضع التي صلوا بها وطلب التبريك منهم ، ومنها أن فيه زيارة الفاضل المفضول وحضور ضيافته ، وفيه سقوط الجماعة للعذر ، وفيه استصحاب الإمام والعالم ونحوهما بعض أصحابه في ذهابه ، وفيه الاستئذان على الرجل في منزله وإن كان صاحبه .
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة برقم (838) و (840) وأخرجه في كتاب الجماعة والإمامة (667) و (686) وكذلك في كتاب الصلاة برقم (424) و (425) وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان برقم (148).(1/68)
وفيه الابتداء في الأمور بأهمها لأنه - صلى الله عليه وسلم - جاء للصلاة فلم يجلس حتى صلى ، وفيه جواز صلاة النفل جماعة ، وفيه أن الأفضل في صلاة النهار أن تكون مثنى كصلاة الليل وهو مذهبنا ومذهب الجمهور ، وفيه أنه يستحب لأهل المحلة وجيرانهم إذا ورد رجل صالح بعضهم أن يجتمعوا إليه ويحضروا مجلسه لزيارته وإكرامه والاستفادة منه ، وفيه أنه لا بأس بملازمة الصلاة في موضع معين من البيت وإنما جاء في الحديث النهي عن إيطان موضع من المسجد للخوف من الرياء ونحوه ، وفيه الذب عمن ذكر بسوء وهو بريء منه ، وفيه أنه لا يخلد في النار من مات على التوحيد .
وفي الحديث جواز تمني هلاك أهل النفاق والشقاق ووقوع المكروه بهم .(1)
قول الإمام النووي رحمه الله تعالى : وفيه التبرك بآثار الصالحين.
قال العلامة ابن باز رحمه الله تعالى في تعليقه على فتح الباري(552/1) : (هذا فيه نظر - أي كلام النووي- والصواب أن مثل هذا خاص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - لما جعل الله فيه من البركة وغيره لا يقاس عليه لما بينهما من الفرق العظيم ولأن فتح هذا الباب قد يفضي إلى الغلو والشرك كما قد وقع من بعض الناس نسأل الله العافية. أ.هـ.
وعن البراء بن عازب - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من منح منحة وِرِقٍ أو منحة لبن أو هدى زقاقاً فهو كعتاق نسمةٍ ومن قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير فهو كعتق نسمة" (2)
__________
(1) شرح النووي (5/161).
(2) رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح وابن حبان ورواه الترمذي باختصار التهليل، قال في المجمع (10/85): (رواه الترمذي باختصار التهليل وثوابه، رواهما أحمد ورجالهما رجال الصحيحين)، الترغيب (889) المشكاة (1917) ، وصحيح الجامع برقم (6559) .(1/69)
من منح منحة : بكسر الميم ، أي عطية وهي تكون في الحيوان وفي الرقبة والمنفعة والمراد هنا منحة ورق : قال الزمخشري : وهي القرض أي قرض الدراهم أو منحة لبن قال : وهي أن يعيره أخوه ناقته أو شاته فيحلبها مدة ثم يردّها أو هدى زقاقاً : بزاي مضمومة وقاف مكررة الطريق يريد أن من دل ضالاً أو أعمى على طريقه ذكره ابن الأثير ، وقال الطيبي : يروى بتشديد الدال إما للمبالغة من الهداية أو من الهدية أي من تصدق بزقاق من نخل وهو السكة والصف من شجر .
فهو كعتق نسمة :وفي رواية كان له عتق رقبة قال ابن العربي ومن أسلف رجلاً دراهم فهو أيضاً منحة وفي ذلك ثواب كثير لأن عطاء المنفعة مدة كعطاء العين وجعله كعتق رقبة لأن خلصه من أسر الحاجة والضلال كما خلص الرقبة من أصل الرق وللباري أن يجعل القليل من العمل كالكثير لأن الحكم له وهو العليّ الكبير والنسمة كل ذي روح وقيل كل ذي نفس مأخوذ من النسم . اهـ .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأتِ أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك" سبق تخريجه.
حرز : أحرزت الشيء أي حفظتَه وضَمَمْته إليك وصُنته عن الأخذ .
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال في كل يوم حين يصبح وحين يمسي حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم سبع مرات كفاه الله ما أهمه من أمر الدنيا والآخرة"(1).
__________
(1) رواه أبو داود في كتاب الأدب (5081)، وابن السني في (عمل اليوم والليلة) (71).(1/70)
عن علي - رضي الله عنه - قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ألا أعلمك كلمات إذا قلتهن غفر الله لك و إن كنت مغفورا لك ؟ قل : لا إله إلا الله العلي العظيم لا إله إلا الله الحكيم الكريم لا إله إلا الله سبحان الله رب السموات السبع و رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين .(1)
"ألا أعلمك" يا علي "كلمات إذا قلتهن غفر اللّه لك" ، قال المناوي : أي الصغائر .
"وإن كنت مغفوراً لك" الكبائر قال : علمني . قال : "قل لا إله إلا اللّه العلي العظيم ، لا إله إلا اللّه الحليم الكريم ، لا إله إلا اللّه سبحان اللّه رب السماوات السبع ورب العرش العظيم والحمد للّه رب العالمين" ، قال الحكيم :هذه جامعة ؛ وحده أولاً ثم صِفْهُ بالعلو والعظمة ونزهه بهما عن كل سوء منزه منه علا عن شبه المخلوقين وعظمه عن درك المنكرين أن تبلغه قرائهم ثم وحده ثانية ثم وصفه بالحلم والكرم،حلم فوسعهم حلماً وكرم فغمرهم بكرمه عاملوه بما يحبه فعاملهم بما يحبون ثم عفى عنهم وقال في تنزيله : { وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ } .(2) ثم قال : { وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ } .(3)، هذه معاملته ثم تنزه بالتسبيح وختمه بالتحميد . اهـ . فيض القدير .
فضل كلمة لا حول ولا قوة إلا بالله
عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟" فقلت: بلى يا رسول الله قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله".(4)
كنز من كنوز: سمي هذه الكلمة كنزاً لنفاستها وصيانتها، ولا حول ولا قوة إلا بالله من ذخائر الجنة ومحصلات نفائسها ويحصل لقائله ثواباً نفيساً يدخر له في الجنة.
__________
(1) صحيح الجامع حديث رقم (2621).
(2) آل عمران الآية (152) .
(3) آل عمران الآية (152) .
(4) رواه البخاري (4205 و 6384 و 6409 و 6610 و 7386)، ومسلم (2704) و (6802).(1/71)
قال النووي رحمه الله تعالى: قوله - صلى الله عليه وسلم - : "لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة" قال العلماء : سبب ذلك أنها كلمة استسلام وتفويض إلى الله تعالى واعتراف بالإذعان له وأنه لا صانع غيره ولا راد لأمره وأن العبد لا يملك شيئاً من الأمر .
ومعنى الكنز هنا : أنه ثواب مدخر في الجنة وهو ثواب نفيس كما أن الكنز النفيس أموالكم .
لاحَوْلَ ولا قوّةَ إلا بالله : الحَوْل هاهنا الحَركَه. يقال حالَ الشَّخْصُ يحول إذا تَحَرَّك, المَعْنى: لاَحَركة وقوّة إلا بَمِشيئة الله تعالى. وقيل الحَوْل: الحِيله, والأوّل أشْبَه ، ومنه الحديث اللهم بك أصُول وبك أحُول أي اتَحّرك , وقيل أحْتال, وقيل أدْفع وأمنْع, من حالَ بين الشّيئين إذا مَنع أحدَهما عن الآخر . اهـ .(1)
وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألا ادلك على باب من أبواب الجنة" قال: وما هو؟ قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله".(2)
وعن قيس بن سعد بن عبادة، أن أباهُ دفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يخدمه قال: فأتى عليّ النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد صليت ركعتين فضربني برجله، وقال: "ألا أدلك على باب من أبواب الجنة" قلت: بلى، قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله".(3)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : لا حول ولا قوة الا بالله ، فإنها بها تحمل الأثقال ، وتكابد الأهوال ، وينال رفيع الاحوال .(4)
__________
(1) النهاية في غريب الحديث (1/462) .
(2) رواه الطبراني وأحمد، الصحيحة (1746) والترغيب (1581) وقال الألباني: صحيح لغيره .
(3) رواه الحاكم وقال: صحيح على شرطهما ، وصححه الألباني في الترغيب برقم (1582).
(4) مجموع الفتاوى (10/137) .(1/72)
وعن أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أسري به مر على إبراهيم عليه السلام فقال: من معك يا جبريل؟ قال: هذا محمد فقال له إبراهيم عليه السلام: يا محمد مر أمتك فليكثروا من غراس الجنة فإن تربتها طيبة وأرضها واسعة قال: "ما غراس الجنة" قال: لا حول ولا قوة إلا بالله.(1)
غراس الجنة : وهو ما يغرس والغرس إنما يصلح في التربة الطيبة وينمو بالماء العذب سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم أي أعلمهم أن هذه الكلمات تورث قائلها الجنة وأن الساعي في اكتسابها لا يضيع سعيه لأنها المغرس الذي لا يتلف ما استودع فيه قاله التوربشتي . اهـ .(2)
وعن مصعب بن سعد عن أبيه قال: جاء أعرابي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: علمني كلاماً أقوله قال: "قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله رب العالمين لا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم" قال فهؤلاء لربي فمالي؟ قال: "قل اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني".(3)
قال ابن القيم : ويذكر عن ابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من كثرت همومه وغمومه فليكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله" ، وثبت في الصحيحين أنها كنز من كنوز الجنة ، وفي الترمذي أنها باب من أبواب الجنة ، هذه الأدوية تتضمن خمسة عشر نوعا من الدواء فإن لم تقو على إذهاب داء الهم والغم والحزن فهو داء قد استحكم وتمكنت أسبابه ويحتاج إلى استفراغ كلي.
الأول : توحيد الربوبية .
الثاني : توحيد الإلهية .
الثالث : التوحيد العلمي الاعتقادي .
__________
(1) رواه أحمد بإسناد حسن، وابن أبي الدنيا، وابن حبان في "صحيحه"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (1583).
(2) فيض القدير (4/7) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6788).(1/73)
الرابع : تنزيه الرب تعالى عن أن يظلم عبده أو يأخذه بلا سبب من العبد يوجب ذلك .
الخامس : اعتراف العبد بأنه هو الظالم .
السادس : التوسل إلى الرب تعالى بأحب الأشياء وهو اسماؤه وصفاته ومن اجمعها لمعاني الأسماء والصفات الحي القيوم .
السابع : الاستعانة به وحده .
الثامن : إقرار العبد له بالرجاء .
التاسع : تحقيق التوكل عليه والتفويض إليه والإعتراف له بأن ناصيته في يده يصرفه كيف يشاء وأنه ماض فيه حكمه عدل فيه قضاؤه .
العاشر : أن يرتع قلبه في رياض القرآن ويجعله لقلبه كالربيع للحيوان وأن يستضيء به في ظلمات الشبهات والشهوات وأن يتسلى به عن كل فائت ويتعزى به عن كل مصيبة ويستشفى به من أدواء صدره فيكون جلاء حزنه وشفاء همه وغمه .
الحادي عشر : الاستغفار .
الثاني عشر : التوبة .
الثالث عشر : الجهاد .
الرابع عشر : الصلاة .
الخامس عشر : البراءة من الحول والقوة وتفويضها إلى من هما بيده .اهـ .(1)
تنبيه : نجد في هذا الزمان ممن يختصر هذه الكلمة ويقول لا حول الله يارب ، وهذا الكلام لا يجوز وحرام لأن معناها يكون أن الله ليس له حول ولا قوة وهذا يكون كفراً ، ونحن نعلم أن هؤلاء لا يقصدون هذا القول المحرم ونحسب أن قصدهم طيب ولكن نقول لهم غيروا هذه العبارة إلى العبارة الصحيحة وهي لا حول ولا قوة إلا بالله ، لكي لا يقعوا في هذا المحذور الشرعي وكذلك لكي ينالوا هذا الأجر والثواب العظيم .
إن لله تعالى تسعة و تسعين من أحصاها دخل الجنة
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "إن لله تعالى تسعة و تسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة" .(2)
__________
(1) زاد المعاد (4/200) .
(2) 2 (رواه البخاري برقم (2736) ، ومسلم برقم (2677) .(1/74)
من المعلوم أن أسماء الله الحسنى غير محصورة بعدد معين ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : "إن لله تعالى تسعة و تسعين اسما" ، صفة وليس خبراً ، والمعنى أن من أسماء الله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة ، وهذا لا ينافي أن يكون له أسماء غيرها .
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما أصاب أحداً قط همٌّ ولا حَزَن فقال: " اللهم إني عبدك وابن عبدك ، وابن أمتك ، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك ، عدلٌ فيَّ قضاؤك ، أسألك بكلِّ اسمٍ هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري ، وجلاء حزني، وذهاب همي".
إلا أذهب الله عز وجل هَمَّهُ، وأبدَلَهُ مكان حزنِهِ فرحاً" قالوا: يا رسول الله! ينبغي لنا أن نتعلم هؤلاء الكلمات ؟ قال: " أجل : ينبغي لمن سَمِعَهُنَّ أن يتعلمَهُنَّ"(1).
قوله - صلى الله عليه وسلم - : "أو استأثرت به في علم الغيب عندك" دليل واضح بأن أسماء الله سبحانه وتعالى غير محصورة بعدد معين .
وقوله : "من أحصاها دخل الجنة" : أي حفظها ، وفهم معانيها ومدلولاته.
قال ابن قيم الجوزية : فمن أحصى أسماءه كما ينبغي للمخلوق أحصى جميع العلوم إذ إحصاء أسمائه أصل لإحصاء كل معلوم لأن المعلومات هي من مقتضاها ومرتبطة بها .
ثم ذكر ثلاث مراتب بتكميلها وتحقيقها ينال العبدُ ثوابَ الله العظيم المذكور في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتقدم :
المرتبة الأولى : إحصاء ألفاظها وعددها .
المرتبة الثانية : فهم معانيها ومدلولها . المرتبة الثالثة: دعاؤه بها كما قال تعالى : { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } .(2) وهو مرتبتان .
إحداهما : دعاء ثناء وعبادة .
__________
(1) صححه العلامة الألباني في الصحيحة برقم (199) ، والترغيب برقم (1822).
(2) الأعراف الآية (180) .(1/75)
والثاني : دعاء طلب ومسألة فلا يثنى عليه إلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى ، وكذلك لا يسأل إلا بها فلا يقال يا موجود أو يا شيء أو يا ذات اغفر لي وارحمني بل يسأل في كل مطلوب باسم يكون مقتضيا لذلك المطلوب فيكون السائل متوسلا إليه بذلك الإسم . (1) اهـ .
الذكر عند ما يقول ما يسخط ربه عز وجل
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من حلف منكم فقال في حلفه واللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله، ومن قال لصاحبه، تعالَ أقامرك فليتصدق"(2).
اللات : اسْمُ صَنَم كان لِثَقيف بالطَّائف .
والعزى : والعُزَّى أيضا اسم صنم ، وقيل العزى سمرة كانت لغطفان يعبدونها وكانوا بنوا عليها بيتا وأقاموا لها سدنة فبعث إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد فهدم البيت وأحرق السمرة .
فكفارة الشرك التوحيد وهي كلمة "لا إله إلا الله".
قال الخطابي : اليمين إنما تكون بالمعبود المعظم فإذا حلف باللات ونحوها فقد ضاهى الكفار فأمر أن يتدارك بكلمة التوحيد ، وقال بن العربي من حلف بها جادا فهو كافر ومن قالها جاهلا أو ذاهلا يقول لا إله إلا الله يكفر الله عنه ويرد قلبه عن السهو إلى الذكر ولسانه إلى الحق وينفي عنه ما جرى به من اللغو.
قوله : "ومن قال لصاحبه تعال أقامرك فليتصدق" قال الخطابي أي بالمال الذي كان يريد أن يقامر به ، وقيل بصدقة ما لتكفر عنه القول الذي جرى على لسانه ، قال النووي وهذا هو الصواب وعليه يدل ما في رواية مسلم فليتصدق بشيء . اهـ .(3)
ffffff
الفصل الرابع
كتاب
الطهارة
دعاء دخول الخلاء
"بِسْمِ اللهِ ، اللهُمَّ إنِّي أعوذُ بكَ منَ الخبثِ والخبائثِ"(4) .
__________
(1) بدائع الفوائد (1/172) .
(2) رواه البخاري في مناقب الأنصار برقم (3836)، ومسلم في الإيمان برقم (4236).
(3) فتح الباري (8/612) .
(4) أخرجه البخاري (1/45) ، ومسلم (1/283) .(1/76)
أعوذُ بكَ : يقال : عُذْت به أعُوذ عَوْذا وعِياَذاً ومَعاذاً : أي لَجأت إليه . والمَعاذ المصدرُ , والمكان , والزمان : أي لَقد لجَأت إلى مَلْجا ولُذْت بِمَلاذٍ . وبه سُميَّت قُلْ أعوذ بِرَبَ القَلَق و قُل أعوذ برب الناس المُعوِّذَتَين . ومنه الحديث إنَّما تَعَوُّذا أي إنّما أقرّ بالشَّهادة لأجِئاً إليها ومعْتَصِما بها ليَدْفعَ عنه القَتْل,وليس بمُخْلِص في إسْلامه.ومنه الحديث عائذ بالله من النَّار أي أناَ عائِذ ومتَعَوِّذ,كما يُقال مُسْتجِير بالله.اهـ.(1)
اُلخُبث , وهو جمع خبيث . والخَبائث : جمع خَبِيثة , فالمراد شياطين الجنِّ والإنس ذْكرانُهم وإناثهم . اللهم إنى أعوذ بك من الرَّجْس النَّجس الخَبِيث المُخِبث . هو الذي أصحابه وأعوانه خُبَثاء .(2)
وعن أنس - رضي الله عنه - : "كان إذا دخل الكنيف قال : بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث و الخبائث" .(3)
"كان إذا دخل الكنيف" بفتح الكاف وكسر النون موضع قضاء الحاجة سمي به لما فيه من التستر إذ معنى الكنيف الساتر .
"قال بسم اللّه اللّهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث". وخص الخلاء بهذا لن الشياطين يحضرونه لكونه ينحي فيه ذكر اللّه ولا فرق في ندب هذا الذكر بين البنيان والصحراء والتعبير بالدخول غالبي فلا مفهوم له .
وفي رواية عنه : "كان إذا دخل الخلاء قال : اللهم إني أعوذ بك من الخبث و الخبائث" .(4)
قال المناوي في فيض القدير : "اللّهم إني أعوذ" أي ألوذ وألتجئ .
__________
(1) النهاية في غريب الحديث (3/318) .
(2) الفائق (1/348) .
(3) 41) صحيح الجامع حديث رقم (4714) .
(4) صحيح الجامع حديث رقم (4712) .(1/77)
"بك من الخبث" المراد بالخبائث المعاصي أو مطلق الأفعال المذمومة ليحصل التناسب فإن فعلاء المضموم يسكن قياساً والخبائث المعاصي أو لخبث الشيطان والخبائث البول والغائط وأصل الخبث في كلامهم المكروه فإن كان من الكلام فهو الشتم أو من الملل فهو الكفر أو من الطعام فالحرام أو من الشراب فالضار . اهـ .
وفائدة قوله هذا مع كونه معصوماً من الشياطين وغيرهم التشريع لأمته والاستنان بسنته أو لزوم الخضوع لربه وإظهار العبودية له قال الفاكهي : والظاهر أنه كان يجهر بهذه الاستعاذة إذ لو لم يسمع لم ينقل وإخباره عن نفسه بها بعيد ، وفيه استحباب هذا الذكر عند إرادة قضاء الحاجة وهو مجمع عليه كما حكاه النووي .
قال ابن العربي : وإنما شرعت الاستعاذة في هذا المحل لأنه محل خلوة والشيطان يتسلط فيها ما لا يتسلط في غيرها ولأنه موضع قذر ينزه اللّه عن جريان ذكره على اللسان فيه والذكر مبعد للشيطان فإذا انقطع الذكر اغتنم تلك الغفلة فشرع تقديم الاستعاذة للعصمة منه.اهـ.
"وعن زيد بن أرقم : "إن هذه الحشوش محتضرة فإذا أتى أحدكم الخلاء فليقل : أعوذ بالله من الخبث و الخبائث" .(1)
إن هذه الحُشُوشَ مُحْتَضَرةٌ : يعني الكُنُفَ ومَواضع قَضاء الحاجة , الواحد حَشٌّ بالفتح . وأصله من الحَشّ : البُسْتانِ , لأنهم كانوا كثيرا ما يَتَغوّطون في البسَاتِين .
مُحْتَضَرةٌ : أي يَحْضُرُها الجِنُّ والشياطين . وفيه قُولوا بِحَضْرَتِكُم أي ما هُو حاضِر عندكم مَوجُود , ولا تَتَكَلَّفوا غيره .(2)
الخبث و الخبائث :قال أَبو بكر:الخُبْثُ الكُفْرُ؛و الخَبائِثُ: الشياطي .(3)
دعاء الخروج من الخلاء
عن عائشة رضي الله عنها قالت : "كان إذا خرج من الغائط قال : "غُفرانكَ"(4) .
__________
(1) صحيح الجامع حديث رقم (2263) .
(2) النهاية في غريب الحديث (1/390،399) .
(3) لسان العرب ج: 2 ص: 142
(4) صحيح الجامع رقم (4707) .(1/78)
كان إذا خرج من الغائط في الأصل الأرض المنخفضة ثم سمي به محل قضاء الحاجة ،قال عقب خروجه بحيث ينسب إليه عرفاً فيما يظهر .
غُفرانكَ : الغُفْرانُ : مصدرٌ، وهو منصوب بإِضمار أَطلُبُ : وهو التوبة من تقصيره في شكر النِّعم التي أَنعم بها عليه بإِطعامه وهضمه وتسهيل مخرجه، فلجأَ إِلى الاستغفار من التقصير وتَرْكِ الاستغفار من ذكر الله تعالى مدة لبثه على الخلاء، فإِنه كان لا يترك ذكر الله بلسانه وقلبه إِلا عند قضاء الحاجة، فكأَنه رأَى ذلك تقصيراً فتداركه بالاستغفار. وقد غَفَرَه يَغْفِرُه غَفْراً: ستره. وكل شيء سترته، فقد غَفَرْته؛ ومنه: غَفَرَ الله ذنوبه، أَي سترها. اهـ .(1)
قال القاضي : غفرانك بمعنى المغفرة ونصبه بأنه مفعول به والتقدير أسألك غفرانك ووجه تعقيب الخروج أنه كان مشغولاً بما يمنعه من الذكر وما هو نتيجة إسراعه إلى الطعام واشتغاله بقضاء الشهوات .
قال النووي : والمراد بغفران الذنب إزالته وإسقاطه فيندب لمن قضى حاجته أن يقول غفرانك سواء كان في صحراء أم بنيان وظاهر الحديث أنه يقوله مرة وقال القاضي وغيره : مرتين وقال المحب الطبري : ثلاثاً
وسر ذلك أن النجو يثقل البدن ويؤذيه باحتباسه والذنوب تثقل القلب وتؤذيه باحتباسها فيه فهما مؤذيان مضران بالبدن والقلب فحمد اللّه عند خروجه لخلاصه من هذه المؤذي لبدنه وخفة البدن وراحته وسأله أن يخلصه من المؤذي الآخر فيريح قلبه منه ويخففه وإسرار كلماته وأدعيته فوق ما يخطر بالبال .(2)
ثواب الطهور
__________
(1) لسان العرب (5/25) .
(2) فيض القدير للمناوي .(1/79)
عن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها"(1).
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى : هذا حديث عظيم أصل من أصول الاسلام قد اشتمل على مهمات من قواعد الاسلام ، فأما الطهور فالمراد به الفعل فهو مضموم الطاء على المختار وقول الأكثرين ويجوز فتحها كما تقدم ، وأصل الشطر النصف واختلف في معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - : "الطهور شطر الايمان" فقيل معناه أن الأجر فيه ينتهى تضعيفه إلى نصف أجر الايمان ، وقيل معناه أن الايمان يجب ما قبله من الخطايا ، وكذلك الوضوء لأن الوضوء لا يصح إلا مع الإيمان فصار لتوقفه على الإيمان في معنى الشطر ، وقيل المراد بالايمان هنا الصلاة كما قال الله تعالى : (وما كان الله ليضيع إيمانكم) والطهارة شرط في صحة الصلاة فصارت كالشطر . اهـ .(2)
وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : "والحمد لله تملأ الميزان" فمعناه عظم أجرها وأنه يملأ الميزان ، وقد تظاهرت نصوص القرآن والسنة على وزن الأعمال وثقل الموازين وخفتها .
أما قوله - صلى الله عليه وسلم - : "وسبحان الله والحمد لله تملان أو تملأ ما بين السموات والأرض" معناه فيحتمل أن يقال لو قدر ثوابهما جسما لملأ ما بين السموات والأرض ، وسبب عظم فضلهما ما اشتملتا عليه من التنزيه لله تعالى بقوله سبحان الله والتفويض والافتقار إلى الله تعالى بقوله الحمد لله والله أعلم .
__________
(1) أخرجه مسلم برقم (223) .
(2) شرح النووي على صحيح مسلم (3/101) .(1/80)
وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : "والصلاة نور" فمعناه أنها تمنع من المعاصي وتنهى عن الفحشاء والمنكر وتهدي إلى الصواب كما أن النور يستضاء به ، وقيل معناه أنه يكون أجرها نورا لصاحبها يوم القيامة ، وقيل لأنها سبب لاشراق أنوار المعارف وانشراح القلب ومكاشفات الحقائق لفراغ القلب فيها واقباله إلى الله تعالى بظاهره وباطنه وقد قال الله تعالى : (واستعينوا بالصبر والصلاة) وقيل معناه أنها تكون نورا ظاهرا على وجهه وجهه يوم القيامة ويكون في الدنيا أيضا على وجهه البهاء بخلاف من لم يصل والله أعلم .
وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : "والصدقة برهان" فقال صاحب التحرير معناه يفزع اليها كما يفزع إلى البراهين كأن العبد إذا سئل يوم القيامة عن مصرف ماله كانت صدقاته براهين في جواب هذا السؤال فيقول تصدقت به قال ويجوز أن يوسم المتصدق بسيماء يعرف بها فيكون برهانا له على حاله ولا يسأل عن مصرف ماله ،قال صاحب التحرير معناه الصدقة حجة على ايمان فاعلها فإن المنافق يمتنع منها لكونه لا يعتقدها فمن تصدق استدل بصدقته على صدق ايمانه والله أعلم .
وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : "والصبر ضياء" فمعناه الصبر المحبوب في الشرع وهو الصبر على طاعة الله تعالى والصبر عن معصيته والصبر أيضا على النائبات وأنواع المكاره في الدنيا ، والمراد أن الصبر محمود لا يزال صاحبه مستضيئا مهتديا مستمرا على الصواب .
وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : "والقرآن حجة لك أو عليك" فمعناه ظاهر أي تنتفع به إن تلوته وعملت به وإلا فهو حجة عليك .
وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : "كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها" فمعناه كل انسان يسعى بنفسه فمنهم من يبيعها لله تعالى بطاعته فيعتقها من العذاب ومنهم من يبيعها للشيطان والهوى باتباعهما فيوبقها أى يهلكها والله أعلم . اهـ .(1)
__________
(1) شرح النووي (3/102) .(1/81)
وعن أبي بكر : "ما من عبد يذنب ذنبا فيتوضأ فيحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ركعتين ثم يستغفر الله بذلك الذنب إلا غفر الله له".(1)
ثواب من حافظ على هؤلاء الكلمات بعد الوضوء
عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من توضأ فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء".(2)
وفي رواية:
"ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ أو يسبغ الوضوء ثم يقول: "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل في أيها شاء".(3)
وزاد الترمذي بعد التشهد : "اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين".(4) وزاد أحمد: "ثم رفع نظره إلى السماء".(5)
وزاد ابن ماجة مع أحمد قول ذلك ثلاث مرات. (6)
المعاني : أشهد : الشهادة هي الإخبار بأمر قاطع وشاهد .
أن لا إله : نفي كل الآله ، أي لايوجد آله حق يعبد من دون الله .
__________
(1) صحيح الجامع حديث رقم (5738) .
(2) رواه مسلم في كتاب الطهارة برقم (234)، وأحمد في مسنده (17316/1).
(3) رواه مسلم في كتاب الطهارة برقم (234)، وابو داود وابن ماجة وقالا: فيحسن الوضوء .
(4) أخرجه الترمذي في الطهارة برقم (55)، وصححه الألباني في سنن الترمذي برقم(55).
(5) في مسنده (17316/6).
(6) في كتاب الطهارة (470). وصححه الألباني في سنن ابن ماجة برقم (470).(1/82)
إلا الله وحده لا شريك له : استثناء ، الله هو الإله الحق ، وهو الذي يُعبد من دون الآله ، وكل الآله باطله سواه سبحانه وتعالى ، وليس معه شريك ، لا نبياً ، ولا ولياً ، كما عبد اليهود عزير وهو بريء منهم ، وكما عبد قوم نوح الرجال الصالحين ، وداً ، وسواعاً ، ويعوق ، ويغوث ، ونسرا ، ولا حجراً ، ولا شجراً ، ولاصنماً ، كما فعل المشركون يعبدون من دون الله اللات ، والعزى ، ومناة ، فنحن نعبد الله لا نشرك به شيئاً ، فنفرد العبادة لله تعالى وحده خالصة .
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله : أي وأشهد بأن محمداً عبد الله ورسوله النبي الذي بعثه الله للجن والأنس كافة ، وهو خاتم النبيين والمرسلين ، وكتابه ناسخ كل الكتب والصحف السابقة ، وكل من سمع به ولم يؤمن به فهو كافر ، فنحن مأمورون باتباعه واتباع ما جاء به من ربه جل وعلا .
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: وأما الأذكار التي يقولها العامة عند كل وضوء فلا أصل لها عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أحد من الصحابة والتابعين ولا الأئمة الأربعة وفيها حديث كذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . أ.هـ. الوابل الطيب
فيبلغ أو يسبغ الوضوء : أي يُحسن الوضوء ، ويأتي به على الوجه الصحيح.
اللهم اجعلني من التوابين : والتواب من الناس التائب من الذنب . قاله ابن حجر في الفتح (8/734) .
واجعلني من المتطهرين : ولما كانت التوبة طهارة الباطن عن أدران الذنوب ، والوضوء طهارة الظاهر عن الأحداث المانعة عن التقرب إليه تعالى ناسب الجمع بينهما .(1)
ffffff
الفصل الخامس
كتاب
الصلاة
ثواب الأذان
__________
(1) تحفة الأحوذي (1/150) .(1/83)
قال الله تعالى : { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) } .(1) قالت عائشة رضي الله عنها : ولهم هذه الآية (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين) قالت فهو المؤذن إذا قال حي على الصلاة فقد دعا إلى الله ، وهكذا قال ابن عمر رضي الله عنهما وعكرمة إنها نزلت في المؤذنين .(2)
وعن أبي سعيد : "إني أراك تحب الغنم و البادية فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت للصلاة فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن و لا إنس و لا حجر و لا شيء إلا شهد له يوم القيامة" .(3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن المؤذن يغفر له مدى صوته و يصدقه كل رطب و يابس سمع صوته و الشاهد عليه خمس و عشرون درجة".(4)
قال ابن مسعود - رضي الله عنه - : لو كنت مؤذنا ما باليت أن لا أحج ولا أعتمر ولا أجاهد ، قال وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : لو كنت مؤذنا لكمل أمري وما باليت أن لا أنتصب لقيام الليل ولا لصيام النهار سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "اللهم اغفر للمؤذنين ثلاثا ، قال فقلت يا رسول الله تركتنا ونحن نجتلد على الأذان بالسيوف ،قال - صلى الله عليه وسلم - :كلا يا عمر إنه سيأتي على الناس زمان يتركون الأذان على ضعفائهم وتلك لحوم حرمها الله عز وجل على النار لحوم المؤذنين" .(5)
وعن البراء : "إن الله و ملائكته يصلون على الصف المقدم ، و المؤذن يغفر له مد صوته و يصدقه من سمعه من رطب و يابس و له مثل أجر من صلى معه" .(6)
__________
(1) سورة فصلت .
(2) تفسير ابن كثير (4/101) .
(3) أخرجه البخاري في صحيحه برقم (584) .
(4) صحيح الجامع حديث رقم (1929) .
(5) تفسير ابن كثير (4/101) .
(6) صحيح الجامع حديث رقم (1841) .(1/84)
الصف المقدم : هو الصف الأول في الصلاة الذي يلي الإمام .
قال القاضي عياض : واعلم أن الأذان كلمة جامعه لعقيدة الإيمان ، مشتمله على نوعية من العقليات والسمعيات ، فأوله إثبات الذات وما يستحقه من الكمال والتنزيه عن أضدادها ، وذلك بقوله الله أكبر وهذه اللفظة مع اختصار لفظها دالة على ما ذكرناه ، ثم صرح بإثبات الوحدانيه ونفى ضدها من الشركة المستحيلة في حقه سبحانه وتعالى ، وهذه عمدة الإيمان والتوحيد المقدمة على كل وظائف الدين ، ثم صرح بإثبات النبوة والشهادة بالرسالة لنبينا - صلى الله عليه وسلم - ، وهي قاعدة عظيمة بعد الشهادة بالوحدانيه وموضعها بعد التوحيد لانها من باب الأفعال الجائزة الوقوع وتلك المقدمات من باب الواجبات وبعد هذه القواعد كملت العقائد العقليات فيما يجب ويستحيل ويجوز في حقه سبحانه وتعالى ، ثم دعا إلى ما دعاهم إليه من العبادات فدعاهم إلى الصلاة وعقبها بعد إثبات النبوة لأن معرفة وجوبها من جهة النبي - صلى الله عليه وسلم - لا من جهة العقل ، ثم دعا الى الفلاح وهوالفوز والبقاء في النعيم المقيم وفيه إشعار بأمور الآخرة من البعث والجزاء وهي آخر تراجم عقائد الإسلام ثم كرر ذلك بإقامة الصلاة للاعلام بالشروع فيها وهومتضمن لتأكيد الإيمان وتكرار ذكره ثم الشروع في العبادة بالقلب واللسان وليدخل المصلي فيها على بينة من أمره وبصيرة من إيمانه ويستشعر عظيم ما دخل فيه وعظمة حق من يعبده وجزيل ثوابه . هذا آخر كلام القاضي وهو من النفائس الجليلة وبالله التوفيق . اهـ .(1)
ثواب الدعاء عند سماع المؤذن
__________
(1) شرح النووي (4/88) .(1/85)
عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"من قال حين يسمع المؤذن : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله ، رضيت بالله رباً وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - رسولاً وبالإسلام ديناً ، غُفِرَ لَهُ ذَنبُهُ"(1).
وفي رواية لمسلم : "غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه".(2)
وفي رواية: "من قال حين يسمع المؤذن: وأنا أشهد".(3)
أشهد : الشَّهادةُ خبر قاطع تقول شَهِدَ على كذا من باب سلم وربما قالوا شَهْدَ الرجل بسكون الهاء تخفيفا وقولهم أشهد بكذا أي أحلف و المُشاهَدةُ المعاينة .
أن لا إله إلا الله : أي لا معبود بحقٍ إلا الله .
والمعنى : أشهد وأقر بأن لا إله إلله ، فكل المعبودات والآله من دون الله فهي باطلة . والإله الحق هو الله وحده .
رضيت بالله رباً وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - رسولاً وبالإسلام ديناً:رضي:الرِّضا، مقصورٌ :ضدُّ السَّخَطِ. وفي حديث الدعاء: اللَّهم إِنِّي أَعوذ برِضاكَ من سَخطِكَ وبمُعافَاتِك من عُقوبَتِكَ . لأَنَّهُ إِذا رَضِيَتْ عنه أَحَبَّتْهُ وأَقْبَلت عليه . اهـ .(4)
وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آتِ محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة".(5)
__________
(1) رواه مسلم في الصلاة برقم (849).
(2) رواه مسلم في الصلاة برقم (849).
(3) المصدر السابق.
(4) لسان العرب (14/324/325).
(5) رواه البخاري في كتاب الأذان برقم (614).(1/86)
الوَسِيلة :هي في الأصْل ما يتوصل به إلى الشيء ويَتَقَرب به وجمعها وسَائِل يقال وَسَل إليه وَسِيلة وَتَوَسل والمُرَاد بِه في الحديث القرب من الله تعالى ، وقيل هي الشَّفاعة يوم القيامة ، وقيل هي منزِلَة من مَنَازل الجَنَّة كما جاء في الحديث . اهـ .(1)
وقال المناوي : الوسيلة أعلى درجات الجنة وهي خاصة به فهي أعلى الفردوس وجمع بأن الفردوس أعلى الجنة وفيه درجات أعلاها الوسيلة .اهـ.(2)
وابْعَثْه المقَام المحمود الذي وَعَدْتَه : أي الذي يَحمْدَه فيه جميع الخلق لتعْجيل الحساب والإراحة من طُول الوقوف . وقيل هو الشَّفاعة . اهـ.(3)
الشَّفْعُ ضد الوتر ، يقال كان وترا فَشَفَعهُ من باب قطع و الشَّفِيعُ صاحب الشفعة وصاحب الشَّفَاعَةُ و الشَّافِعُ الشاة التي معها ولدها ، و اسْتَشْفَعَهُ إلى فلان سأله أن يشفع له إليه و تَشَفَّعَ إليه في فلان فَشَفَّعهُ فيه تَشفيعا .(4)
وعن عبد الله بن عمرو أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجوا أن أكون أنا هو فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له شفاعتي".(5)
من صلى علي صلاة صلى : قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى : هو طلب الثناء عليه من الله تعالى وهذا ما إذا وقعت الصلاة من البشر ، أما إذا وقعت الله تعالى فمعناه : هو ثناء الله تعالى عليه في الملأ الأعلى ، وهذا قول أبي العالية . اهـ . شرح البيقونية (ص8).
__________
(1) النهاية في غريب الحديث (5/184) .
(2) فيض القدير (1/368) .
(3) النهاية (1/437) .
(4) مختار الصحاح (1/144) .
(5) رواه مسلم في كتاب الصلاة برقم (847).(1/87)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عَرَّسَ ذات ليلة، فأذَّن بلال فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قال مثل مقالته وشهد مثل شهادته فله الجنة".(1)
"عرَّس المسافر" بتشديد الراء إذا نزل آخر الليل يستريح.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "سلوا الله لي الوسيلة، فإنه لم يسألها لي عبدٌ في الدنيا إلا كنت له شهيداً أو شفيعاً يوم القيامة".(2)
ثواب الترديد مع المؤذن
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام بلال يُنادي فلما سكت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قال مثل ما قال هذا يقيناً دخل الجنة".(3)
وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قال المؤذن: الله اكبر الله أكبر فقال أحدكم الله أكبر الله أكبر ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله قال: أشهد أن لا إله إلا الله ثم قال: أشهد أن محمداً رسول الله قال: أشهد أن محمداً رسول الله ثم قال: حي على الصلاة قال: لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال: حي على الفلاح قال: لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال: الله أكبر الله أكبر قال: الله أكبر الله أكبر ثم قال: لا إله إلا الله قال: لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة".(4)
__________
(1) رواه أبو يعلى عن يزيد الرقاشي عن أنس،وحسنه الألباني في الترغيب برقم(248).
(2) رواه الطبراني في الأوسط، وقال الألباني: حسن، الترغيب (250).
(3) رواه النسائي وابن حبان والحاكم وقال: صحيح الإسناد، وصححه العلامة الألباني في الترغيب (249)، المشكاة (676).
(4) رواه مسلم في كتاب الصلاة برقم (848) ، وأبو داود في كتاب الصلاة برقم (527).(1/88)
قال النووي رحمه الله تعالى: قال أصحابنا: إنما استحب للمتابع أن يقول مثل المؤذن في غير الحيعلتين فيدل على رضاه به وموافقته على ذلك أما الحيعلة فدعاء إلى الصلاة وهذا لا يليق بغير المؤذن فاستحب للمتابع ذكر آخر فكان لا حول ولا قوة إلا بالله لأنه تفويض محض إلى الله تعالى.
قال القاضي عياض رحمه الله: قوله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم الله أكبر الله أكبر" إلى آخره ثم قال في آخره من قلبه "دخل الجنة" إنما كان كذلك لأن ذلك توحيد وثناء على الله تعالى وانقياد لطاعته وتفويض إليه لقوله: "لا حول ولا قوة إلا بالله" فمن فعل هذا فقد حاز حقيقة الإيمان وكمال الإسلام واستحق بفضل الله تعالى.
وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "من قال حين يسمع المؤذن : و أنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله رضيت بالله ربا و بمحمد رسولا و بالإسلام دينا غفر الله له ما تقدم من ذنبه"(1) .
قال القاضي عياض رحمه الله قوله - صلى الله عليه وسلم - إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر فقال احدكم الله أكبر الله أكبر إلى آخره ثم قال آخره من قلبه دخل الجنة انما كان كذلك لأن ذلك توحيد وثناء على الله تعالى وانقياد لطاعته وتفويض اليه لقوله لا حول ولا قوة إلا بالله فمن حصل هذا فقد حاز حقيقة الايمان وكمال الاسلام واستحق الجنة بفضل الله تعالى وهذا معنى قوله في الرواية الأخرى رضيت بالله ربا وبمحمد رسولا . اهـ .(2)
وعن عائشة : "كان إذا سمع المؤذن يتشهد قال : و أنا و أنا".(3)
__________
(1) أخرجه مسلم في صحيحه برقم (386) .
(2) شرح النووي (4/88) .
(3) صحيح الجامع حديث رقم (4742) .(1/89)
قال المناوي : كان إذا سمع المؤذن يتشهد أي ينطق بالشهادتين في أذانه "قال وأنا وأنا" أي يقول عند شهادة أن لا إله إلا اللّه وأنا ، وعند أشهد أن محمداً رسول اللّه وأنا .
قال الطيبي : وقوله وأنا عطف على قول المؤذن يتشهد على تقدير العامل لا الاستئناف أي وأنا أشهد كما تشهد والتكرير وأنا راجع إلى الشهادتين ،قال : وفيه أنه كان مكلفاً أن يشهد على رسالته كسائر الأمة ، وفيه لو اقتصر عليه حصل له فضل متابعة الأذان كله . اهـ . فيض القدير .
وعن أبي رافع : "كان إذا سمع المؤذن قال مثل ما يقول حتى إذا بلغ : حي على الصلاة،حي على الفلاح قال: لا حول و لا قوة إلا بالله" .(1)
حي على الصلاة ، حي على الفلاح: أي هلموا إليها وأقبلوا وتعالوا مسرعين .
لا حول ولا قوة إلا باللّه : قال ابن الأثير : المراد بهذا ونحوه إظهار الفقر إلى اللّه بطلب المعونة منه على ما يحاول من المور كالصلاة هنا وهو حقيقة العبودية.
ثواب الدعاء بعد الأذان
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رجلاً قال: يا رسول الله! إن المؤذنين يفضلوننا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "قل كما يقولون فإذا انتهيت فسل تُعطه".(2)
"يفضلوننا" بفتح الياء وضم الضاد المعجمة أي يحصل لهم فضل ومزية علينا في الثواب بسبب الأذان.
وقال عليه الصلاة والسلام: "من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة".(3)
قال الإمام النووي : الوسيلة بأنها منزلة في الجنة ، قال أهل اللغة الوسيلة المنزله ثم الملك .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : "حلت له الشفاعه" أي وجبت ، وقيل نالته .
__________
(1) صحيح الجامع حديث رقم (4741) .
(2) صحيح الكلم الطيب (ص 50)، الترغيب (249) وقال الألباني: حسن.
(3) رواه البخاري في كتاب الأذان (614) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه.(1/90)
قوله - صلى الله عليه وسلم - : إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر ، ثم قال أشهد أن لا إله الا الله ، ثم قال أشهد أن محمداً رسول الله ، ثم قال حي على الصلاة إلى آخره معناه قال كل نوع من هذا مثنى كما هو المشروع فاختصر - صلى الله عليه وسلم - من كل نوع شطره تنبيها على باقية .
ومعنى حي على كذا أي تعالوا إليه والفلاح الفوز والنجاة وإصابة الخير ، قالوا وليس في كلام العرب كلمة أجمع للخير من لفظة الفلاح ويقرب منها النصيحة وقد سبق بيان هذا في حديث الدين النصيحة فمعنى حي على الفلاح أي تعالوا الى سبب الفوز والبقاء في الجنة والخلود في النعيم والفلاح والفلح تطلقهما العرب ايضا على البقاء .
وقوله : لاحول ولا قوة الا بالله ،قال الهروي قال ابو الهيثم الحول الحركة أي لا حركة ولا استطاعه الا بمشيئة الله ، وكذا قال ثعلب وآخرون ، وقيل لا حول في دفع شر ولا قوة في تحصيل خير الا بالله ، وقيل لا حول عن معصية الله لا بعصمته ولا قوة على طاعتة الا بمعونته .
ففيه استحباب قول سامع المؤذن مثل ما يقول الا في الحيعلتين فانه يقول لا حول ولا قوة الا بالله وقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي سعيد إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن عام مخصوص لحديث عمر أنه يقول في الحيعلتين لاحول ولا قوة الا بالله .
وفيه استحباب الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد فراغه من متابعة المؤذن واستحباب سؤال الوسيلة له .(1)
وعن أنس - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الدعاء بين الأذان
والإقامة لا يرد".(2)
زاد الترمذي في روايته: قالوا: فما نقول يا رسول الله؟ قال: "سلوا الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة".
__________
(1) شرح النووي (4/88) .
(2) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن خزيمة وابن حبان، الإرواء (244) ، وصحيح الجامع حديث رقم (3408) .(1/91)
العفو : أي عن الذنوب ، والعافية ، وهي السلامة عن جميع الآفات الظاهرة والباطنة ويدخل فيه الإيمان . اهـ.(1)
"الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة" قال ابن القيم : هذا مشروط بما إذا كان للداعي نفس فعالة وهمة مؤثرة فيكون حينئذ من أقوى الأسباب في دفع النوازل والمكاره وحصول المآرب والمطالب لكن قد يتخلف أثره عنه إما لضعف في نفسه بأن يكون دعاء لا يحبه اللّه لم فيه من العدوان وإما لضعف القلب وعدم إقباله على اللّه وجمعيته عليه وقت الدعاء فيكون كالقوس الرخو فإن السهم يخرج منه بضعف وإما لحصول مانع من الإجابة كأكل حرام وظلم ورين ذنوب واستيلاء غفلة وسهو ولهو فيبطل قوته أو يضعفها . اهـ . فيض القدير .
وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ساعتان لا يرد على داع دعوته حين تقام الصلاة وفي الصف في سبيل الله".(2)
الدعاء مستجاب ولا يرد عند إقامة الصلاة وعند القتال في سبيل الله إذا اصطفوا للقتال .
وعن جابر - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا ثوب بالصلاة فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء".(3)
المراد بـ "التثويب" : الإقامة.
ما جاء في الدعاء عند دخول المسجد والخروج منه
عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا دخل المسجد يقول: "أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم" قال: أقط؟ قلت نعم، قال: "فإذا قال ذلك قال الشيطان: حُفِظَ مني سائر اليوم".(4)
قال المناوي رحمه في فيض القدير : كان إذا دخل المسجد قال حال شروعه في دخوله :
__________
(1) شرح سنن ابن ماجه (1/273) .
(2) رواه أبو داود وابن خزيمة وابن حبان ، صحيح الترغيب برقم (254)، (262).
(3) رواه أحمد من رواية ابن لهيعة، وحسنه الألباني في الترغيب برقم(253).
(4) رواه أبو داود،صحيح الكلم الطيب (ص47)،وصحيح الجامع برقم (4715) .(1/92)
أعوذ باللّه العظيم : أي ألوذ بملاذه وألجأ إليه مستجيراً به
وبوجهه الكريم : أي ذاته إذ الوجه يعبر به عن الذات بشهادة { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ } .(1) ، أي ذاته وعن الجهة كما في { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } .(2) ، أي جهته .
وسلطانه القديم : على جميع الخلائق قهراً وغلبة .
من الشيطان الرجيم : أي المرجوم ، وقال يعني الشيطان .
إذا قال ذلك حفظ مني سائر اليوم : أي جميع ذلك اليوم الذي يقول هذا الذكر فيه . اهـ .
ونأخذ من الحديث فائدة عقدية وهي أنه من صفاته سبحانه وتعالى (القديم).
وكذلك فيه إثبات الوجه لله تعالى، يليق بجلاله، بلا تشبيه ولا تعطيل.
دعاء الاستفتاح في الصلاة
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كبر في الصلاة سكت هنية قبل أن يقرأ ، فقلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول ، قال : أقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج ظاهرا والبرد" .(3)
ما جاء في فضل الدعاء عند الرفع
من الركوع وفي الاعتدال
قال رفاعةُ بن رافعٍ: كنا يوماً نصلي وراء النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما رفع رأسه من الركعة قال: "سمع الله لمن حمده" فقال رجل وراءه "ربنا ولك الحمد حمداً كثيرا طيباً مباركاً فيه" فلما انصرف قال: "من المتكلم؟" قال: أنا قال: "رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أول".(4)
__________
(1) القصص الآية(88)
(2) البقرة (115)
(3) أخرجه مسلم برقم (598) ، باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة.
(4) أخرجه البخاري برقم (766) باب فضل اللهم ربنا ولك الحمد .(1/93)
سمع الله لم حمده:أي أجابَ من حمده وتقبَّله . قال النووي : ومعنى سمع الله لمن حمده أي أجاب دعاء من حمده ومعنى يسمع الله لكم يستجيب دعاءكم.
البِضْع : في العدد بالكسر ، وقد يُفتح ، ما بين الثلاث إلى التسع ، وقيل ما بين الواحد إلى العشرة ، لأنه قطعة من العدد .
يبتدرونها أي : يسارعون إلى كتابة هذه الكلمات لعظم قدرها.
وعن أنس، أن رجلاً جاء فدخل الصف وقد حفزه النفس فقال: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاته قال: أيكم المتكلم بالكلمات؟" فأرم القوم، فقال: "أيكم المتكلم بها؟ فإنه لم يقل بأساً" فقال رجل: جئت وقد حفزني النفس فقلتها: فقال: "لقد رأيت اثني عشر ملكاً يبتدرونها أيهم يرفعها".(1)
"حفزه النفس" هو بفتح حروفه وتخفيفها أي ضغطه لسرعته.
"فأرم القوم" هو بفتح الراء وتشديد الميم أي سكنوا، قال القاضي عياض: ورواه بعضهم في غير صحيح مسلم فأزم بالزاي المفتوحة وتخفيف الميم من الأزم وهو الإمساك وهو صحيح المعنى.
فيه دليل على أن بعض الطاعات قد يكتبها غير الحفظة أيضاً.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا : اللهم ربنا لك الحمد فإن من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه".(2)
وفي رواية : "ربنا ولك الحمد" بالواو .
ما يقول من حصلت له وسوسة في الصلاة وغيرها
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خَلق كذا؟ من خلقَ كذا؟ حتى يقول من خلق رَبَّك؟ فإذا بَلَغَهُ فليستعِذْ بالله ولينتَهِ".(3)
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة برقم (600) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان ومسلم في كتاب الصلاة برقم (912).
(3) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق برقم (3276) ، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (134).(1/94)
فليستعذ بالله : أي يلجأ إلى الله وليعتصم به من وسوسة الشيطان .
قال ابن حجر العسقلاني : فليستعذ بالله ولينته : أي عن الاسترسال معه في ذلك بل يلجأ إلى الله في دفعه ويعلم أنه يريد افساد دينه وعقله بهذه الوسوسة فينبغي أن يجتهد في دفعها بالاشتغال بغيرها.(1)
وفي رواية لمسلم : "فليقل آمنت بالله ورسوله".(2)
وعن عثمان بن ابي العاص - رضي الله عنه - ، أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ذاك شيطان يقال له خنزب، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه ، واتفل عن يسارك ثلاثا".
قال: ففعلت ذلك، فأذهبه الله عني. (3)
"يلبسها": أي يخلطها ويشككني فيها، وهو بفتح أوله وكسر ثالثه.
ومعنى حال بيني وبينها : أي نكدني فيها ومنعني لذتها والفراغ للخشوع فيها . شرح النووي (14/190)
ما جاء في الأذكار بعد الصلاة وفضلها
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: ذهب أهل الدثور بالدرجات العُلا والنعيم المقيم يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ولهم فضل من أموال يحجون بها ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون فقال : "ألا أعلمكم شيئاً تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم؟" قالوا: بلى يا رسول الله قال: "تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثاً وثلاثين".(4)
الدثور : هو المال الكثير .تسبحون : أي تنزهون الله عن النقص والعيب .
__________
(1) فتح الباري(6/340) .
(2) صحيح مسلم (1/120).
(3) رواه مسلم في كتاب السلام برقم (2203).
(4) رواه البخاري في كتاب الأذان برقم (843)، ومسلم في المساجد برقم (595).(1/95)
تحمدون:الحمد:هو المدح والوصف بالجميل، ومن أسماء الله الحميد أي المحمود على كل حال ، والحمد والشكر متقاربان ، والحمد أعَمُّها ، والحمد رأس الشكر .
وعن كعب بن عجرة - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "معقبات لا يخيب قائلهن أو فاعلهن دبر كل صلاة مكتوبة ثلاثاً وثلاثين تسبيحة وثلاثاً وثلاثين تحميدة وأربعاً وثلاثين تكبيرة".(1)
قوله: "معقبات" معناه: تسبيحات تفعل أعقاب الصلاة، سُميَّت معقبات لأنها تفعل مرة بعد مرة أخرى .(2)
لا يخيب : الخيبة الحرمان والخسران ، أي لا يحرم ولا يخسر .
وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قرآ آية الكرسي عقب كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت".(3)
يعني لم يكن بينه وبين دخول الجنة إلا أن يموت.
قال التفتازاني : يعني لم يبق من شرائط دخول الجنة إلا الموت وكأن الموت يمنعه ويقول لا بد من حضوري أولاً لتدخل الجنة اهـ قيل دبر الصلاة يحتمل قبل السلام وبعده ورجح ابن تيميةكونه قبله وفيه بعد ودبر الشيء كل شيء منه في دبر كدبر الحيوان .
فائدة : في كتاب الصوم من شرح البخاري للقسطلاني روي أن من أدمن قراءة آية الكرسي عقب كل صلاة فإنه لا يتولى قبض روحه إلا اللّه . قاله المناوي في فيض القدير .
__________
(1) رواه مسلم في كتاب المساجد برقم (596).
(2) شرح النووي (5/95) .
(3) أخرجه النسائي في(عمل اليوم والليلة) برقم(100)وابن السني في (عمل اليوم والليلة) برقم (123)، والطبراني (7532) من طرق عن محمد بن حمير:حدثني محمد بن زياد الألهاني قال: سمعت أبا أمامة وذكره وصححه اللباني في المشكاة (974) الصحيحة(972) تمام المنة (ص227)، صحيح الجامع رقم (6464) .(1/96)
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "خصلتان أو خلتان لا يحافظ عليها عبد مسلم إلا دخل الجنة وهما يسير ومن يعمل بهما قليل: يسبح الله تعالى دبر كل صلاة عشراً ويحمد عشراً ويكبر عشراً فذلك خمسون ومئة باللسان وألف وخمس مئة في الميزان ويكبر أربعاً وثلاثين إذا أخذ مضجعه ويحمد ثلاثاً وثلاثين ويسبح ثلاثاً وثلاثين فذلك مئة باللسان وألف بالميزان" قال: فلقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعقدها بيده، قالوا: يا رسول الله! كيف هما يسير ومن يعمل بها قليل؟ قال: "يأتي أحدكم يعني الشيطان في منامه فينومه قبل أن يقوله ويأتيه في صلاته فيذكره حاجةً قبل أن يقولها".(1)
قال المناوي : خصلتان لا يحافظ عليهما : أي على فعلهما على الدوام عبد مسلم إلا دخل الجنة مع السابقين الأولين أو من غير سبق عذاب ألا حرف تنبيه يؤكد به الجملة ، وهما يسير ومن يعمل بهما قليل : يسبح اللّه تعالى في دبر كل صلاة من المكتوبات وذلك بأن يقول سبحان اللّه عشراً من المرات .
وبحمده : بأن يقول الحمد للّه عشراً من المرات .
ويكبره : بأن يقول اللّه أكبر عشراً من المرات .
فذلك : أي هذه العشرات .
خمسون ومائة : يعني في اليوم والليلة .
باللسان وألف وخمسمائة في الميزان : أي يوم القيامة لأن الحسنة بعشر أمثالها.
ويكبر أربعاً وثلاثين إذا أخذ مضجعه ويحمده ثلاثاً وثلاثين ويسبح ثلاثاً وثلاثين فتلك مائة باللسان وألف في الميزان ، وذلك لأن عدد الكلمات المحصاة خلف كل صلاة ثلاثون وعدد الصلوات خمس في اليوم والليلة فإذا ضرب أحدهما في الآخر بلغ هذا العدد .
__________
(1) رواه أبو داود والترمذي والنسائي ، المشكاة (2406) الكلم (111) الترغيب ، وصحيح الجامع برقم (3230) .(1/97)
فأيكم يعمل في اليوم والليلة ألفين وخمسمائة سيئة : يعني إذا أتى بهؤلاء الكلمات خلف الصلوات وعند الاضطجاع حصل الألف وخمسمائة حسنة فيعفى عنه بعدد كل حسنة سيئة فأيكم يأتي كل يوم وليلة بذلك يعني يصير مغفوراً له ذكره المظهر .
وعن أبي ذر قال : قال رسول الله :
"يا أبا ذر لِلَّهِ ألا أعلمك كلمات تقولهن تلحق من سبقك و لا يدركك إلا من أخذ بعملك ؟ تكبر دبر كل صلاة ثلاثا و ثلاثين و تسبح ثلاثا و ثلاثين و تحمد ثلاثا و ثلاثين و تختم بلا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك و له الحمد و هو على كل شيء قدير من قال ذلك غفرت له ذنوبه و لو كانت مثل زبد البحر"(1) .
الحث على ذكر الله تعالى
بعد صلاة الصبح والمغرب
عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت كأجر حجة وعمرة تامة تامةٍ تامةٍ".(2)
وهذا الأجر من باب الجزاء وليس من باب الإجزاء ، أي الذي يصلي الفجر في جماعة ثم يقعد في مصلاه يذكر الله تعالى حتى تشرق الشمس وترفع ثم يقوم يصلي ركعتين ينال هذا الأجر العظيم ، وهو أجر الحاج والمعتمر ، ولكن لايسقط عنه فرض الحج و العمرة .
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال في دبر صلاةِ الصبح وهو ثان رجليه قبل أن يتكلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، عشر مرات كُتِبَ له عشر حسنات ومحي عنه عشر سئيات ورُفعَ له عشر درجات وكان يومه ذلك في حرز من كل مكروه وحُرِسَ من الشيطان ولم ينبغ لذنب أن يدركه اليوم إلا الشرك بالله تعالى".(3)
حرز : أحرزت الشيء أي حفظتَه وضَمَمْته إليك وصُنته عن الأخذ .
__________
(1) صحيح الجامع حديث رقم (7821) .
(2) صحيح الجامع للشيخ الألباني برقم(6346)، وصحيح الترغيب برقم (461).
(3) تمام المنة (ص 922).(1/98)
وعن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس حَسَناً".(1)
(حَسَناً) بفتح السين وبالتنوين أي طلوعاً حسناً أي: مرتفعة.
وعن عمارة بن شبيب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شيء قدير (عشر مرات) على أثر المغرب بعث الله له مسلحة يحفظونه من الشيطان حتى يصبح، وكتب الله له بها عشر حسنات موجبات ومحا عنه عشر سيئات موبقات، وكانت له بعدل عشر رقباتٍ مؤمناتٍ".(2)
بعث الله له مَسْلَحة يحفَظُونه من الشيطان : المَسْلَحة القومُ الذين يَحفَظُون الثُّغُور من العدوّ ، وسُمُّوا مَسْلحة لأنهم يكونون ذوي سلاح أو لأنهم يسكنون المسَسْلحة ، وهي كالثغر والمَرْقَب يكون فيه أقوام يَرقُبون العدُوَّ لشلا يَطْرُقَهم على غَفْلة فغذا رأوه أعلموا أصحابهم ليتأهُّبُوا له ، وجمعُ المَسْلح مَسالح . اهـ .(3)
وعن أبي أيوب - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "من قال إذا أصبح : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير (عشر مرات) كتب الله له بهن عشر حسنات ومحا بهن عشر سيئات ورفع له بهن عشر درجات وكن له عدل عِتاقةِ أربع رقابٍ وكن له حَرَساً حتى يمسي، ومن قالهن إذا صلى المغرب دُبر صلاته فمثل ذلك حتى يصبح".(4)
وزاد ابن حبان في رواية له: "وكن له عدل عشر رقاب".
(
__________
(1) رواه مسلم في كتاب المساجد برقم (670).
(2) رواه النسائي والترمذي وقال:حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث ليث بن سعد، لا نعرف لعمارة سماعاً من النبي - صلى الله عليه وسلم - ،وحسنه الألباني في الترغيب برقم(469)
(3) النهاية في غريب الحديث (2/388) .
(4) رواه أحمد والنسائي وابن حبان في "صحيحه" وهذا لفظه، وصححه الألباني في الترغيب برقم (470).(1/99)
إذا أصبح) : أي إذا صلى الصبح .
عدل : قال الفراء العَدْلُ بالفتح ما عدل الشيء من غير جنسه ، والعِدْلُ بالكسر المثل تقول عندي عِدْلُ غلامك وعِدْلُ شاتك إذا كان غلاما يعدل غلاما أو شاة تعدل شاة ، فإن أردت قيمته من غير جنسه فتحت العين ، قال وأجمعوا على واحد الأَعْدَالِ أنه عِدْلٌ بالكسر و العَدِيلُ الذي يعادلك في الفوز والقدر . اهـ .(1)
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قال دبر صلاةِ الغداةِ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير، مائة مرة قبل أن يثني رجليه كان يؤمئذ من أفضل أهل الأرض عملاً إلا من قال مثل ما قال، أو زاد على ما قال".(2)
وعن عبد الرحمن بن غنم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من قال قبل أن ينصرف ويثني رجليه من صلاة المغرب والصبح: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير" عشر مرات كتب الله له بكل واحدةٍ عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات ورفع له عشرَ درجات وكانت حِرزاً من كل مكروه وحرزاً من الشيطان الرجيم، ولم يَجلّ الذنبِ أن يُدركه إلا الشرك وكان من أفضل الناس عَمَلاً، إلا رجلاً يفضُلُهُ، يقول أفضل مما قال".(3)
فضل الأذكار بعد صلاة الصبح
__________
(1) مختار الصحاح (1/176) .
(2) رواه الطبراني في الأوسط، ، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (471).
(3) رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، غير شهر بن حوشب، وعبد الرحمن بن غنم مختلف في صحبته، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (472).(1/100)
عن أبي ذر - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال في دبر صلاة الفجر وهو ثان رجليه قبل أن يتكلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير عشر مرات كتب الله له عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، وكان يومه ذلك كله في حرز من كل مكروه، وحُرِس من الشيطان، ولم ينبغ لذنب أن يدركه في ذلك اليوم، إلا الشرك بالله".(1)
ورواه النسائي وزاد فيه: "بيده الخير" وزاد فيه أيضا: "وكان له بكل واحدةٍ قالها عتقُ رقبة مؤمنةٍ".
عتقُ رقبة أو عتق نسمة : النسمة النفس وسميت نسمة لتنسمها الريح فإعتاق النسمة إنما هو إطلاقها من الملك وتخليصها من الرق وأما الفك فإنما هو كالحل والفتح يقال فككت يد الرجل إذا فتحتها عما فيها وسقط فلان فانفكت رجله أي انخلعت من غير أن تبين من المفصل ، فك الرقبة أن تعين في ثمنها أي تعين غيرك فتشاركه فيها ليس بأن تنفرد بها .اهـ.(2)
فضل ذكر الله بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صلى الصبح في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة".
قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "تامة تامة تامة".(3)
__________
(1) رواه الترمذي،وقال:حديث حسن غريب صحيح، وحسنه الألباني في الترغيب(472)
(2) الغريب للخطابي (1/706) .
(3) رواه الترمذي وقال:حديث حسن غريب، صحيح الترغيب برقم (464).(1/101)
وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لأن أقعد مع قوم يذكرون الله، من صلاة الغداة حتى تطلع الشمس أحب إلي من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل، ولأن اقعد مع قوم يذكرون الله من صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس أحب إلي من أن أعتق أربعة".(1)
صلاة الغداة : هي صلاة الفجر .
وعن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال: وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس حسناً" أي طلوعاً حسناً أي مرتفعة".(2)
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لأن أقعد أذكر الله سبحانه وتعالى، وأكبره، وأحمده، وأسبحه، وأهلله، حتى تطلع الشمس، أحب إلي من أن أعتق رقبتين أو أكثر من ولد إسماعيل، ومن بعد العصر حتى تغرب الشمس أحب إلي من أن أعتق أربع رقاب من ولد إسماعيل".(3)
أكبره : الله وأكبر . أحمده : الحمد لله .
أسبحه : سبحان الله . أهلله : لا إله إلا الله .
وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صلى صلاة الغداة في جماعة، ثم جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم قام فصلى ركعتين انقلب بأجر حجةٍ وعمرةٍ".(4)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صلى الصبح، ثم جلس في مجلسهِ حتى تُمِكنَه الصلاةُ، كان بمنزلة عمرةٍ وحجةٍ متقبلتين".(5)
__________
(1) رواه أبو داود، وصححه الألباني في الصحيحة برقم (2916) وصحيح الترغيب برقم (465).
(2) سبق تخريجه.
(3) رواه أحمد بإسناد حسن، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (466).
(4) رواه الطبراني بإسناد جيد، وكذا قال الهيثمي، الصحيحة (3403)، صحيح الترغيب (467).
(5) رواه الطبراني في الأوسط، وقال الألباني: صحيح لغيره، الترغيب (468).(1/102)
وعن عبد الله بن غابر، أن أبا أمامة وعُتبة بن عبدٍ حدثاه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من صلى صلاة الصبح في جماعة ثم ثبت حتى يسبح لله سبحة الضحى، كان له كأجر حاجٍ ومعتمر، تاماً له حجهُ وعمرته".(1)
سبحة الضحى : أي : صلاة الضحى .
عن أبي وائل قال: غدونا على عبد الله بن مسعود يوماً بعدما صلينا الغداةَ، فسلمنا بالباب فأُذِنَ لنا قال: فمكثنا بالباب هُنية قال: فخرجت الجارية فقالت: ألا تدخُلُونَ؟ فدخلنا فإذا هو جالس يُسبِّحُ فقال : ما منعكم أن تدخلوا وقد أُذِنَ لكم؟ فقلنا: لا، إلا أنا ظننا أن بعض أهل البيت نائم، قالَ: ظننتم بآل ابن أم عبد غَفْلَةً؟ قال: ثم أقبل يسبح حتى ظن أن الشمس قد طلعت فقال: يا جارية! انظري هل طلعت؟ قال: فنظرت فإذا هي لم تطلُع، فأقبل يسبح حتى إذا ظن أن الشمس قد طلعت قال: يا جارية! أنظري هل طلعت؟ فنظرت فإذا هي قد طلعت. فقال: الحمد لله الذي أقالنا يومنا هذا، (فقال مهدي وأحسبُهُ قالَ) ولم يُهلكنا بذنوبنا، قال: فقال رجل من القوم: قرأت المفصل البارحة كُلَّهُ قال، فقال عبد الله: هذا كهذا الشعر؟ إنا لقد سمعنا القرائن وإني لأحفظ القرائن التي كان يقرؤُهنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثمانية عشر من المفصلِ وسورتين من آل حم.(2)
ذكر الأبي في شرحه على مسلم في شرح هذا الحديث:
فائدة الحديث قبول خبر الواحد والعمل بالظن مع القدرة على اليقين لأنه اكتفى بخبرها مع قدرته على رؤية طلوعها.
وفيه أن الأوقات المخصوصة بالذكر ثواب الذكر فيها أكثر من ثواب التلاوة،وفيه،ان الكلام بمثل هذا لا يقطع ورد التسبيح والذكر . أ.هـ.(3)
ffffff
الفصل السادس
كتاب الصوم
ما يقول إذا رأى الهلال أو القمر
__________
(1) رواه الطبراني ، وللحديث شواهد كثيرة، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (469).
(2) رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (278).
(3) شرح الأبي على صحيح مسلم (3/174) .(1/103)
عن طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رأى الهلال قال: "اللهم أهلهُ علينا باليُمن -وفي رواية بالأمن- والإيمان والسلامة والإسلام ربي وربُّك الله".(1)
قال المناوي في فيض القدير : قوله : "كان إذا رأى الهلال قال اللّهم أهله": قال الطيبي : روي بالفك والإدغام "علينا باليمن والإيمان والسلام والإسلام" ، وزاد قوله "ربي وربك اللّه"، لأن أهل الجاهلية فيهم من يعبد القمرين فكأنه يناغيه ويخاطبه فيقول أنت مسخر لنا لتضيء لأهل الأرض لعلموا عدد السنين والحساب ، قال القاضي: الإهلال في الأصل رفع الصوت ثم نقل إلى رؤية الهلال لأن الناس يرفعون أصواتهم إذا رأوه بالإخبار عنه ، ولذلك سمي الهلال هلالاً لأنه سبب لرؤيته ومنه إلى إطلاعه وهو في الحديث بهذا المعنى أي أطلعه علينا وأرنا إياه مقترناً باليمن والإيمان انتهى. قال التوربشتي:وقوله ربي وربك اللّه:تنزيه للخالق أن يشاركه في تدبير ما خلق شيء . وفيه رد للأقاويل الداحضة في الآثار العلوية بأوجز لفظ وفيه تنبيه على أن الدعاء مستحب سيما عند ظهور الآيات وتقلب الأحوال النيرات وعلى أن التوجه فيه إلى الرب لا إلى المربوب والالتفات في ذلك إلى صنع الصانع لا إلى المصنوع وقال الطيبي : لما قدم في الدعاء قوله الأمن والإيمان والسلامة والإسلام طلب في كل من الفقرتين دفع ما يؤذيه من المضار وجلب ما يرفقه من المنافع وعبر بالإيمان والإسلام عنها دلالة على أن نعمة الإيمان والإسلام شاملة للنعم كلها ومحتوية على المنافع بأسرها فدل على أن عظم شأن الهلال حيث جعل وسيلة لهذا المطلوب فالتفت إليه قائلاً ربي وربك اللّه مقتدياً بأبيه إبراهيم حيث قال : { لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ } .(2) بعد قوله { هَذَا رَبِّي } .(3)
__________
(1) رواه الترمذي وقال: حديث حسن. صحيح الجامع برقم (4726) .
(2) سورة الأنعام (76) .
(3) سورة الأنعام (77) ..(1/104)
واللطف فيه أن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - جمع بين طلب دفع المضار وجلب المنافع في ألفاظ يجمعها معنى الاشتقاق.اهـ.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي، فإذا القمر حين طلع فقال: "تعوذّي بالله من شر هذا الغاسق إذا وقب" - يعني القمر -.(1)
قوله: "الغاسق" الغسق الظلمة، وسماه غاسقاً لأنه ينكسف ويسودّ ويظلم.
وقوله: "وقب" الوقوب الدخول في الظلمة ونحوها مما يستره من كسوف وغيره.
وقال بعض أهل العلم، التعوذ في الظلمة، لأن أهل الفساد ينتشرون في الظلمة ويتمكنون فيها أكثر مما يتمكنون منه في حال الضياء فيقدمون على العظائم وانتهاك المحارم، فأضاف فعلهم في ذلك الحال إلى القمر لأنهم يتمكنون منه بسببه. والله أعلم.
ما يقول إذا أفطر عند قوم
عن أنس - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاء إلى سعد بن عبادة فجاء بخبز وزيت فأكل، ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلّت عليكم الملائكة".(2)
قوله : "وأكل طعامكم الأبرار" قال المناوي : أي وشرب شرابكم الأبرار صائمين ومفطرين فمفاد هذه الجملة أعم مما قبلها .
"وصلت عليكم الملائكة" ، أي استغفرت لكم ، وهذا قاله لسعد بن معاذ لما أفطر عنده في رمضان ، وقيل بل إنه سعد بن عبادة ولا مانع من التعدد وأرد بالملائكة الموكلين بذلك بخصوصه إن ثبت وإلا فالحفظة أو المعقبات أو رافعي الأفعال أو الكل أو بعض غير ذلك ، وفيه أنه يندب بمن أفطر عند صائم أن يدعو له بذلك بناء على أن الجملة دعائية وهو أقرب من جعلها خبرية(3) وذلك مكافأة له على ضيافته إياه . اهـ .(4)
__________
(1) صحيح الجامع رقم (7916) .
(2) رواه أبو داود ، وأخرجه البيهقي ، وابن حبان عن ابن الزبير ، وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم (1137) .
(3) أي قيلت من باب الدعاء وليس من باب الإخبار بما حدث .
(4) فيض القدير .(1/105)
ماذا يقول من حضر الطعام وهو صائم إذا لم يفطر
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا دُعي أحدكم فليُجِب فإن كان صائماً فليُصلَّ، وإن كان مفطراً فليطعم".(1)
معنى "فليُصلِّ" : فليدعُ .
ومعنى "فليطعم" : فليأكل .
ffffff
كتاب الذكر
طرفي النهار
فضل الذِكر طرفي النهار
وهما بين الصبح وطلوع الشمس وما بين العصر والغروب.
قال سبحانه وتعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) } (2).
و الأصيل قال الجوهري : هو الوقت بعد العصر إلى المغرب وجمعه أصل وآصال وأصائل كأنه جمع أصيلة.
ويجمع أيضاً على أصلان مثل بعير و بعيران .
وقال تعالى { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (55) } (3).
والإبكار : أول النهار، والعشي : آخره .
وقال تعالى: { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) } .سورة ق .
وهو قبل طلوع الشمس وقبل الغروب.
وأن محل هذه الأذكار بعد الصبح وبعد العصر.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده مئة مرة لم يأتِ أحدٌ يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحدٌ قال مثلما قال أو زاد عليه"(4).
وفي رواية أبي داوود "سبحان الله العظيم وبحمده" .
__________
(1) رواه مسلم برقم (1431) ، باب الأمر بإجابة الداعي إلى دعوة .
(2) سورة الأحزاب.
(3) سورة غافر .
(4) رواه البخاري برقم(6405)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6784).(1/106)
قال النووي رحمه الله تعالى : ظاهر إطلاق الحديث أنه يحصل هذا الأجر المذكور في هذا الحديث من قال هذا التهليل مائة مرة في يومه سواء قاله متوالية أو متفرقة في مجالس أو بعضها أول النهار وبعضها آخره لكن الأفضل أن يأتي بها متوالية في أول النهار ليكون حرزاً له في جميع نهاره.
وعن عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" من قال حين يصبح اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك ، لك الحمد والشكر فقد أدى شكر يومه ومن قال مثل ذلك حين يُمسي فقد أدى شكر ليلته"(1).
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من قال في كل يوم حين يصبح وحين يمسي حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو ربُّ العرش العظيم سبع مرات كفاه الله ما أهمه من أمر الدنيا والآخرة "(2).
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله فإنها رأت ملكاً وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان فإنها رأت شيطاناً"(3).
وهذا يكون بالليل دون النهار، لأنها جاءت زيادة من روايات أخرى "من الليل".
__________
(1) أخرجه أبو داود في الأدب برقم (5073)، والنسائي في ( عمل اليوم والليلة ) برقم (7)، وابن حبان (861/1)، والبغوي في شرح السنة رقم (1328) من طرق عن عبد الله بن عنبسة ، وصححه الألباني في الكلم (26) والمشكاة (2407).
(2) أخرجه ابن السُني في (عمل اليوم والليلة) رقم (71)، وأبو داود في الأدب برقم (5081).
(3) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق برقم(3459) و(5102)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6857)، والترمذي في كتاب الدعوات (3459).(1/107)
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى: "قلت : ليس عندهما -أي البخاري ومسلم - قوله "من الليل" وهي زيادة ثابتة من رواية جمع من الثقات في حديث أبي هريرة هذا، وفي حديث جابر المتقدم كما حققته في "الصحيحة" تحقيقاً ربما لا تراه في مكان آخر، ومن الغرائب أن الحافظ لم يشر في الفتح إلى هذه الزيادة الهامة مطلقاً، وتبعه الشارح الجيلاني. أ.هـ.(1)
قال القاضي: سببه رجاء تأمين الملائكة على الدعاء واستغفارهم وشهادتهم بالتضرع والإخلاص .
عن عبد الله بن خبيب - رضي الله عنه - قال : خرجنا في ليلة مطر وظلمة شديدة نطلب النبي - صلى الله عليه وسلم - ليُصلي بنا فأدركناه فقال: " قل " فلم أقل شيئاً ، ثم قال "قل" فلم أقل شيئاً ثم قال "قل" فقلت: يا رسول الله ما أقول؟ قال "قل هو الله أحد" والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء"(2).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من قال حين يمسي ثلاث مرات : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق" لم تضره حُمة تلك الليلة".
قال سُهيل : فكان أهلُنا تعلموها ، فكانوا يقولونها كل ليلة ، فلدغت جارية منهم فلم تجد لها وجعاً(3).
حُمة : الحُمَه بالتخفيف: السَّمُّ, وقد يُشَدّد, وأنكره الازهري , ويُطْلَق على إبْره العَقْرب المُجاوره, لأنّ السَّم منها يَخْرج, وأصلُها حُمَوٌ, أو حُمَىٌ وزن صٌرَد, والهاء فيها عِوَض من الواو المحذوفه أو الياء . ومنه حديث الدجال "وتُنْزَع حُمَة كلِّ دابة" أي سَمّها .(4)
__________
(1) صحيح الأدب المفرد (471) .
(2) رواه أبو داود والترمذي والنسائي ، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (643) والكلم (19) والمشكاة (2163).صحيح الأدب المفرد (471) .
(3) رواه الترمذي، وصححه الألباني في الترغيب برقم (646).
(4) النهاية في غريب الحديث (1/446) .(1/108)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "أما إنك لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك" .(1)
وفي عنه - رضي الله عنه - قال : لدغت عقرب رجلاً فلم ينم ليلة فقيل لرسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - إن فلاناً لدغته عقرب فلم ينم ، فقال: "أما إنه لو قال حين أمسى: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ما ضره لدغ عقرب حتى يصبح" .(2)
لدغت عقرب رجلاً : اللَّدْغُ : عَضُّ الحَيّةِ والعقرب، وقيل : اللَّدْغُ بالفم واللَّسْعُ بالذَّنَب ، قال الليث : اللَّدْغُ بالناب، وفي بعض اللغات : تَلْدَغُ العَقْرَبُ. وقال أَبو وجْزةَ : اللَّدْغَةُ جامِعةٌ لكل هامّةٍ تَلْدَغُ لَدْغاً؛ يقال : لَدَغَتْه تَلْدَغُه لَدْغاً و تَلْداغاً؛ ورجل مَلْدُوغ . اهـ .(3)
أَعوذ بكلمات اللَّه التامَّاتِ : قال ابن الأثير : إنما وصف كلامه بالتمام لأنه لا يجوز أَن يكون في شيء من كلامه نَقْص أَو عَيْبٌ كما يكون في كلام الناس، وقيل : معنى التَّمام ههنا أَنها تنفَع المُتَعَوِّذ بها وتَحْفَظه من الآفات وتَكْفيه. وفي حديث دُعاء الأذان : اللَّهمَّ رَبَّ هذه الدَّعوةُ التَّامَّة؛ وصَفَها بالتَّمام لأنها ذِكْر اللَّه ويُدْعَى بها إلى عِبادته . اهـ .(4)
عن شداد بن أوس - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " سيد الإستغفار اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت إذا قال ذلك حين يمسي فمات دخل الجنة وإذا قال حين يصبح فمات من يومه مثله"(5).
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الدعوات .
(2) صحيح الجامع حديث رقم (1324) .
(3) لسان العرب (8/448) .
(4) لسان العرب (12/67) .
(5) رواه البخاري في الدعوات برقم (6306)(1/109)
وقال - صلى الله عليه وسلم - "من قال حين يصبح وحين يمسي : رضيت بالله ربَّاً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ - صلى الله عليه وسلم - نبياً" كان حقاً على الله أن يرضيه"(1)
وعن العباس بن عبد المطلب أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربّاً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ - صلى الله عليه وسلم - رسولاً"(2)
قال القاضي عياض رحمه الله تعالى : معنى الحديث صح إيمانه واطمأنت به نفسه، وظاهر باطنه لأن رضاه بالمذكورات دليل لثبوت معرفته ونفاذ بصيرته ومخالطته بشاشة قلبه لأن من رضي أمراً سهل عليه فكذا المؤمن إذا دخل قلبه الإيمان سهل عليه طاعات الله تعالى ولذت له والله تعالى أعلم .
وعن ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من قال حين يصبح وحين يمسي : رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ - صلى الله عليه وسلم - نبياً كان حقاً على الله أن يرضيه".(3)
ووقع في رواية أبي داود وغيره " وبمحمد رسولاً" وفي رواية الترمذي " نبياً" فيستحب أن يجمع الإنسان بينهما فيقول " نبياً ورسولاً" ولو اقتصر على أحدهما كان عاملاً بالحديث.
__________
(1) أخرجه أبو داود في الأدب (5088) و(5089) والحاكم في الدعاء (1905/1) والترمذي في الدعوات (3389) ، وصححه الألباني في النقد (ص33) والكلم (24) والمشكاة(2399).
(2) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (150) والترمذي في كتاب الإيمان (2623).
(3) رواه الترمذي (3389) ، والنسائي في (عمل اليوم والليلة ) برقم (4و 565) ، وأبو داود (5072)، وابن ماجه (3870)، والحاكم في المستدرك وابن المسني في (عمل اليوم والليلة ) (68).(1/110)
وكذلك حديث " اللهم إني أصبحت أُشهدك وأُشهد حملة عرشك".(1)
وعن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة : بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات إلا لم يضره شيء".(2)
هذا لفظ الترمذي، وفي رواية أبي داود "لم تصبه فجأة بلاء".
يتحصن العبد المسلم بالله ويمضي في حياته على اسمه وبسم الله يحتمي به العبد من كل سوء من عين أو دابة أو جني أو شيطان لأنه السميع لأحوالهم العليم بها في سائر أزمنتها فلا يقع شيء إلا بإذنه سبحانه وتعالى.
والإتيان بهذا الذكر يوقي بقدر الله جميع البأس والضر.
وجاء في نهاية الحديث:" وكان أبان قد أصابه طرف فالج فجعل الرجل الذي سمع منه الحديث ينظر إليه فقال له : مالك تنظر إلي؟! فوالله ما كذبت على عثمان ولا كذب عثمان على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكن اليوم الذي أصابني فيه ما أصابني غضبت فنسيت أن أقولها.
الغضب آفة تحول بين المرء وعقله ، وفيه الدعاء يرد القضاء .
__________
(1) رواه أبو داود، وحسنه الحافظ ابن حجر، وكذا الشيح ابن باز رحمهما الله في تحفة الأخيار برقم (23)،والبخاري في الأدب المفرد(1201)،وضعفه الشيخ الألباني في ضعيف الجامع رقم(5731)
(2) أخرجه أحمد في مسنده (446- 4747-528/1) والطيالسي (79) والبخاري في الأدب المفرد (660) والترمذي في الدعوات (3388) وابن ماجه في الدعاء(3869) والنسائي في (عمل اليوم والليلة) (346) والحاكم (1/514) وصححه الذهبي وأقره. وصححه الألباني في سنن الترمذي برقم (3388)، وفي الترغيب برقم (649)، والكلم برقم (23)، والمشكاة برقم (2391).(1/111)
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أمسى قال: " أمسينا وأمسى الملك لله والحمد لله لا إله إلا الله وحده لا شريك له "(1)
قال الراوي : أراه قال فيهن: ( له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، رب أسألك خير مافي هذه الليلة وخير ما بعدها ,أعوذ بك من شر ما في هذه الليلة وشر ما بعدها ربَّ أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر ربِّ أعوذ بك من عذاب النار وعذاب القبر وإذا أصبح قال ذلك أيضاً : " أصبحنا وأصبح الملك لله").(2)
عن عبد الله بن خبيب - رضي الله عنه - قال : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "اقرأ : "قل هو الله أحد" والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلا ث مرات تكفيك من كل شيء".(3)
وعن أبي عياش - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال إذا أصبح: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، كان له عدل رقبةٍ من ولد إسماعيل وكتب له عشر حسنات ، وحط عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات وكان في حرز من الشيطان حتى يمسي فإن قالها إذا أمسى كان له مثل ذلك حتى يصبح"(4).
قال حماد فرأى رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يرى النائم فقال: يا رسول الله !إن أبا عياش يحدث عنك بكذا وكذا؟ قال : صدق أبو عياش.
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6845) وأبو داود في كتاب الأدب برقم
(5071) والترمذي في كتاب الدعوات برقم (3390).
(2) المصدر السابق.
(3) رواه أبو داود والترمذي برقم (3575)، وحسنه الألباني في سنن الترمذي برقم (3575).
(4) رواه أبود داود واللفظ له والنسائي وابن ماجه واتفقوا كلهم على المنام، وصححه الألباني في الترغيب (650) ، و(أبو عياش ) قيل اسمه زيد ابن الصامت وقيل : زيد بن النعمان وقيل غير ذلك .(1/112)
"العدل" : بالكسر وفتحه لغة هو المثل ، وقيل بالكسر ما عادل الشيئ من جنسه وبالفتح ما عادله من غير جنسيه.
وقال - صلى الله عليه وسلم - :"من قال" سبحان الله " مائة مرة قبل طلوع الشمس و قبل غروبها كان أفضل من مائةِ بدنةٍ، ومن قال:"الحمد لله " مائة مرة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها،كان أفضل من مائةٍ فرس يُحمَلَ عليها في سبيل الله ومن قال:"الله أكبر" مائة مرة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها كان أفضل من عتق مائة رقبة ومن قال:"لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير " مائة مرة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها لم يجيء يوم القيامة أحد بعملٍ أفضل من عمله إلا من قال مثل قوله أو زاد عليه(1).
وعن أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - أنه قال -وهو في أرض الروم-:إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"من قال غدوة :" لا إله إلا الله وحده لا شريك له،له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير"عشر مرات،كتب الله له عشر حسناتٍ، ومحى عنه عشر سيئات وكن له قدر عشر رقاب وأجاره الله من الشيطان، ومن قالها عشيةً فمثل ذلك"(2).
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله : - صلى الله عليه وسلم - " من صلى عليَّ حين يصبح عشراً وحين يمسي عشراً أدركته شفاعتي يوم القيامةِ"(3).
فضل من تعوذ بكلمات الله التامات
__________
(1) رواه النسائي في (عمل اليوم والليلة )، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (651).
(2) رواه أحمد والنسائي واللفظ له وابن حبان في "صحيحه"،وصححه الألباني في الترغيب برقم(653).
(3) رواه الطبراني بإسنادين أحدهما جيد، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (656).(1/113)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة قال: "أما لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك".(1)
وفي رواية لأبن السني وقال فيه: "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ثلاثاً لم يضره شيء".
قال الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: واعلم أن الأدوية الطبيعية الإلهية تنفع من الداء بعد حصوله وتمنع من وقوعه وإن وقع لم يقع وقوعاً مضراً وإن كان مؤذياً والأدوية الطبيعية إنما تنفع بعد حصول الداء فالتعوذات والأذكار إما أن تنفع وقوع هذه الأسباب وإما أن تحول بينها وبين كمال تأثيرها بحسب كمال التعوذ وقوته وضعفه فالرقى والعوذ تستعمل لحفظ الصحة ولإزالة المرض أما الأول: فكما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها، كان
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا أوى إلى فراشه نفث في كفيه { قل هو الله أحد } والمعوذتين ثم يمسح بهما وجهه وما بلغت يده من جسده. وأما الثاني:فكما تقدم من الرقية بالفاتحة والرقية للعقرب وغيرها مما يأتي.أ.هـ.زاد المعاد(4/145،144) .
وعن خولة بنت حيكم السلمية، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من نزل منزلاً ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك".(2)
أعوذ:أعُوذ عَوْذا وعِياَذاً ومَعاذاً:أي لَجأت إليه.والمَعاذ المصدرُ, والمكان, والزمان:أي لَقد لجَأت إلى مَلْجا ولُذْت بِمَلاذٍ.اهـ.النهاية في غريب الحديث(3/318).
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6818 و 6819).
(2) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6817)،والترمذي في كتاب الدعوات برقم(3437) ، وابن ماجة في كتاب الطب برقم (3547).(1/114)
قوله - صلى الله عليه وسلم - : " بكلمات الله التامات" قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: قيل معناه : الكاملات التي لا يدخل فيها نقص ولا عيب وقيل: النافعة الشافية، وقيل : المراد بالكلمات هنا القرآن، والله أعلم.
دعاء نزول المنزل
ثبت في السنة الصحية أن من نزل منزلاً وتعوذ بكلمات الله لم يضره شيء .
فعن خولة بنت حكيم السلمية رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليه وسلم يقول : "من نزل منزلاً ثم قال : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك(1).
التامات : معناه الكاملات التي لا يدخل فيها نقص ولا عيب، وقيل النافعة الشافية .
قال ابن عبد البر : أن هذا الدعاء يقال عند حلول كل مكان أو النزول فيه وليس مخصوصاً بنزول المسافر من مركوبه، ومنها أن كلام الله منه تبارك اسمه وصفة من صفاته ليس بمخلوق، لأنه محال أن يستعاذ بمخلوق ، وعلى هذا جماعة أهل السنة.أ.هـ. (2).
وقال القرطبي: هذا خبر صحيح وقول صادق علمنا صدقه دليلاً وتجربة، فإني مذ سمعت هذا الخبر عملت عليه فلم يضرني شيء إلى أن تركته ، فلدغتني عقرب بالمهدبة ليلاً، فتفكرت في نفسي فإذا بي قد نسيت أن أتعوذ بتلك الكلمات (3).
ما يقول حال خروجه من بيته
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (2708)، وأحمد برقم (6579) والترمذي برقم (3437)، وابن ماجه برقم (3547)، الدارمي برقم (2680).
(2) التمهيد (24/186).
(3) فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ص(161).(1/115)
عن أنس - رضي الله عنه - قال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قال يعني إذا خرج من بيته بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله يقال له : كُفيتَ ووقيت وهديت وتنحى عنه الشيطان"(1).
وزاد أبو داود في رواية : "فيقول يعني الشيطان لشيطان آخر: كيف لك برجل هُديّ وكُفي ووقي؟".
وعن أم المؤمنين أم سلمة واسمها هند بنت أبي أمية حذيفة المخزومية رضي الله عنها، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خرج من بيته قال: "بسم الله، توكلت على الله، اللهم إني أعوذ بك أن أضِلّ أو أُضَلّ، أو أزِلَّ أو أُزَلّ، أو أظلم أو أُظلم، أو أجهل أو يُجهل عليَّ".(2)
قوله : "اللهم إني أعوذ بك أن أضِلّ" أي : أضل في نفسي.
وقوله : "أُضلَّ" أي : يضلني أحد . "أو أَزلّ" : من الزلل وهو الخطأ .
"أو أظلم" أي : أظلم غيري .
"أو أُظلم" أي : يظلمني غيري . "أو أجهل" أي : أسفه .
"أو يُجهل علي" يسفه علي أحد ويعتدي علي أحد.
ما يقول إذا أراد النوم واضطجع على فراشه
عن علي - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له ولفاطمة رضي الله عنهما: "إذا أويتما إلى فراشكما أو إذا أخذتما مضاجعكما فكبرا ثلاثاً وثلاثين وسبحا ثلاثاً وثلاثين واحمدا ثلاثاً وثلاثين" .
وفي رواية " سبحا أربعاً وثلاثين".
وفي رواية "سبحا أربعاً وثلاثين" وفي رواية "وكبرا أربعاً وثلاثين".
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الأدب برقم(5095)والترمذي برقم(3426)في كتاب الدعوات وقال:"حديث حسن"،وصححه الألباني في المشكاة(2443) والكلم (61)،وصحيح الجامع(4249و 6419).
(2) أخرجه أبو داود واللفظ له، والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، وصحيح الترمذي والمشكاة برقم (2442).(1/116)
قال علي: فما تركته منذ سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قيل له: ولا ليلة صفين، قال: ولا ليلة صفين"(1).
وفي رواية : "أن فاطمة اشتكت ما تلقى من الرحى في يدها" الحديث.
"ليلة صفين" : هي ليلة الحرب المعروفة بصفين وهي موضع بقرب الفرات كانت فيه حرب عظيمة بينه وبين أهل الشام.
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: وقال شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه: بلغنا أنه من حافظ على هذه الكلمات لم يأخذه إعياء فيما يعانيه من شغل وغيره.
وعن البراء بن عازب، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أخذت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل: اللهم إني أسلمت وجهي إليك وفوضت أمري إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت واجعلهن من آخر كلامك فإن مت من ليلتك مت وأنت على الفطرة" واجعلهن آخر ما تتكلم به".
قال: فرددتهن لاستذكرهن فقلت: آمنت برسولك الذي ارسلت قال: "قل: آمنت بنبيك الذي أرسلت" وزاد في حديث حصين: "وإن أصبح أصاب خيراً".
"أسلمت نفسي إليك" أي : توكلت عليك واعتمدتك في أمري كله كما يعتمد الإنسان بظهره إلى ما يسنده.
"رغبة ورهبة" أي طمعاً في ثوابك وخوفا من عذابك.
"مت على الفطرة" أي : الإسلام .
"وإن أصبحت أصبت خيراً" أي : حصل لك ثواب هذه السنن واهتمامك بالخير ومتابعتك أمر الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - .
قال النووي رحمه الله : وفي هذا الحديث ثلاث سنن مهمة مستحبة ليست بواجبة :
__________
(1) رواه البخاري في كتاب فرض الخمس برقم (3113) وفي كتاب فضائل الصحابة برقم
(3705) وفي كتاب النفقات برقم (5360) و (5362) وفي كتاب الدعوات برقم (6318)، وأخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6853 و 6856).(1/117)
إحداها : الوضوء عند إرادة النوم فإن كان متوضأ كفاه ذلك الوضوء لأن المقصود النوم على طهارة مخافة أن يموت في ليلته وليكون أصدق الرؤيا وأبعد من تلعب الشيطان به في منامه وترويعه إياه .
الثانية : النوم على الشق الأيمن لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحب التيامن ولأنه أسرع إلى الانتباه .
الثالثة : ذكر الله تعالى ليكون خاتمة عمله .
قوله - صلى الله عليه وسلم - : "لا، ونبيك الذي ارسلت " قال الألباني رحمه الله تعالى: "فيه تنبيه قوي على أن الأوراد والأذكار توقيفية، وأنه لا يجوز فيها التصرف بزيادة أو نقص، ولو بتغيير لفظ لا يفسد المعنى فإن لفظ "الرسول" أعم من لفظة "النبي" ومع ذلك رده النبي - صلى الله عليه وسلم - ، مع أن البراء رضي الله عنه قاله سهواً لم يتعمده! فأين منه أولئك المبتدعة؟ الذين لا يتحرجون من أي زيادة في الذكر، أو نقص منه ؟! فهل من معتبر؟
وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: خصلتان أو خلتان لا يحافظ عليهما عبد مسلم إلا دخل الجنة ، هما يسير ومن يعمل بهما قليل يسبح في دبر كل صلاة عشراً ، ويحمد عشراً ، فذلك خمسون ومائة باللسان، وألف وخمسائة في الميزان، يكبر أربعاً وثلاثين إذ1 أخذ مضجعه ، ويحمد ثلاثاً وثلاثين، ويسبح ثلاثاً وثلاثين، فتلك مائة باللسان، وألف في الميزان " فلقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعقدها قالوا: يا رسول الله : كيف "هما يسير ، ومن يعمل بهما قليل"؟ قال: " يأتي أحدكم ( يعنى) الشيطان في منامه فينَوِّمُهًُ قبل أن يقوله، يأتيه في صلاته، فيذكره حاجةً قبل أ ن يقولها"(1).
وزاد ابن حبان في " صحيحه" " وألف وخمسمائة في الميزان" قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " وأيكم يعمل في اليوم والليلة ألفين وخمسمائة سيئة؟"
__________
(1) رواه أبو داود، والترمذي وقال:" حديث حسن صحيح" والنسائي،صحيح الترغيب برقم (603).(1/118)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره فإنه لا يدري ما خلفه عليه ثم يقول: باسمك ربّي وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين"(1).
حياة العبد يجب أن تكون مرتبطة بمنهج الله وأعماله قائمة على اسم الله تعالى، والتوفيق أن لا يكلك الله طرفة عين وأن يحفظك ويرعاك برحمته، والخذلان أن يكلك إلى نفسك، ومن حفظ الله حفظه الله ولذلك فالله يحفظ عباده الصالحين في أنفسهم وأموالهم وأبنائهم.
وعن أبي مسعود الأنصاري البدري عقبة بن عمرو - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الآيتان من آخِرِ سورةِ البقرة من قرأ بهما ليلةٍ كفتاه"(2).
قيل كفتاه من الآفات في ليلته.
قال النووي رحمه الله في كتاب الأذكار قلت: ويجوز أن يُراد الأمران.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: وكلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحفظ زكاة رمضان فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام.. . وذكر الحديث وقال في آخره: " إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي لن يزال معك من الله تعالى حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - " صدقك وهو كذوب ذاك شيطان"(3).
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات برقم (6320)، ومسلم برقم (2714) و (6830).
(2) أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن برقم (5008 و5009) و(5040) و (5051).
(3) رواه البخاري (2187) ، باب إذا وكل رجلا فترك الوكيل شيئا فأجازه الموكل فهو جائز وإن أقرضه إلى أجل مسمى جاز ، وبرقم (3101) باب صفة إبليس وجنوده.(1/119)
عن رجل قال: كنت جالساً عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءه رجل من أصحابه فقال: يا رسول الله : لُدغت الليلة فلم أنم حتى أصبحت قال: "ماذا؟" قال: عقرب ، قال: " أما إنك لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضرك شيء إن شاء الله تعالى"(1).
عن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " من أوى إلى فراشه طاهراً وذكر الله عز وجل حتى يدركه النعاس لم ينقلب من الليل يسأل الله عز وجل فيها خيراً من خير الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه"(2).
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أخذ مضجعه نفث في يديه وقرأ بالمعوذات ومسح بهما جسده".
وفي رواية لهما : "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فقرأ فيها : { قل هو الله أحد } و { قل أعوذ برب الفلق } و { قل أعوذ برب الناس } ثم مسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده فعل ذلك ثلاث مرات"(3).
ما يقوله من رأى في منامه ما يكرهه
عن أبي قتادة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " الرؤيا الصالحة من الله ، والحلم من الشيطان فمن رأى رؤيا يكره منها شيئاً فلينفث عن يساره ثلاثاً وليتعوذ بالله من الشيطان فإنها لا تضره ولا يُخبر بها أحداً وإن رأى رؤيا حسنة فليستبشر ولا يخبر بها إلا من يحب"(4).
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - من عُرضت عليه رؤيا فليقل لمن عَرَضَ عليه خيراً(5).
__________
(1) رواه أبو داود وغير، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1318).
(2) صحيح الكلم الطيب للألباني (ص43).
(3) متفق عليه.
(4) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق (3292)، ومسلم في كتاب الرؤيا برقم (2262).
(5) أخرجه الدارمي برقم (2163) عن عائشة رضي الله عنها.(1/120)
وعن جابر - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها، فليبصق عن يسار ه ثلاثاً ، وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثاً، وليتحول عن مكانه الذي كان عليه"(1).
وفي رواية للبخاري ومسلم : "وإذا رأى ما يكرهه فليتعوذ بالله من شرِّها وشرِّ الشيطان، وليتفل عن يساره ثلاثاً ولا يحدث بها أحداً، فإنها لن تضره".
وروياه عن أبي هريرة وفيه: " فمن رأى شيئاً يكرهه ، فلا يقصه على أحد ، وليقم فليصل".(2)
"الحلم" بضم الحاء وسكون اللام وبضمها : هو الرؤيا وبالضم والسكون فقط هو رؤية الجماع في النوم ، وهو المراد هنا .
"فليتفُل" بضم الفاء وكسرها أي : فليبزق .
وقيل: التفل أقل من البزق، والنفث أقل من التفل.
ما يقول إذا استيقظ في الليل وأراد النوم بعده
عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من تعار من الليل فقال:لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، والحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال: اللهم اغفر لي أو دعا استجيب له إن توضأ قبلت صلاته"(3).
"تعار" بتشديد الراء أي استيقظ.
ما يقول إذا كان يفزع من نومه
جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فشكا أنه يفزع في منامه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" إذا أويت إلى فراشك فقل: أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه ومن شر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون"(4).
فقالها فذهب عنه.
قال المناوي في فيض القدير : أعوذ : أي أعتصم .
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الرؤيا برقم (2262) ، وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
(2) فتح الباري كتاب التعبير رقم (7017)، وصحيح مسلم كتاب الرؤيا رقم (2263).
(3) أخرجه البخاري في صحيحه برقم (1103) .
(4) رواه ابن السني، وصححه الألباني في الصحيحة برقم (246) ، وصحيح الجامع برقم (701) .(1/121)
بكلمات الله : كتبه المنزلة على رسله أو صفاته وقد جاءت الاستعاذة بها في خبر أعوذبعزة الله وقدرته والتأنيث للتعظيم .
التامة : الخالية عن التناقض والاختلاف .
من غضبه : سخطه على من عصاه وإعراضه عنه .
وعقابه : عقوبته .
ومن شر عباده :من أهل الأرض وغيرهم .
ومن همزات الشياطين :نزغاتهم ووساوسهم وأصل الهمز الحث ومنه همز الفرس بالمهماز ليعدو وشبه حث الشياطين على الإثم بهمز الراضة الدواب على المشي وجمعها باعتبار المرات أو لتنوع الوسواس أو لتعدد الشياطين .
وأن يحضرون : أي يحومون حولي في شيء من أموري لأنهم إنما يحضرون بسوء وفي القاموس أن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - فسر همزات الشياطين باللموم أي الجنون وفيه ندب التعوذ والذكر عند النوم ، قال بعضهم : ومن فوائد هذه الاستعاذة أن المحافظ عليها لا يلدغه عقرب كما في حديث يأتي وقد أشير إلى بعضها في القرآن بقوله تعالى: { وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ } .(1)الآية.اهـ
ما يقول من استيقظ من منامه
"الحمدُ للهِ الذي أحيانَا بعدَ ما أماتنَا وإليهِ النشُورُ"(2) .
عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من تعار من الليل فقال:لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، والحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال: اللهم اغفر لي أو دعا استجيب له إن توضأ قبلت صلاته"(3).
"تعار" : بتشديد الراء أي استيقظ.
__________
(1) المؤمنون الآية (97) .
(2) صحيح الجامع رقم (4650) .
(3) سبق تخريجه.(1/122)
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من ذكر ولا أُنثى إلا على رأسه جرير معقود حين يرقد بالليل فإن استيقظ فذكر الله انحلت عُقدةٌ فإذا قام فتوضأ وصلى انحلت العُقَدُ، وأصبح خفيفاً طيب النفس، قدأصاب خيراً"(1).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نائم ثلاث عقد يضرب على كل عقدةٍ مكانها عليك ليل طويل فارقد فإن استيقظ وذكر الله تعالى انحلت عقدة فإن توضأ انحلت عقدة فإن صلى انحلت عقده كلها فأصبح نشيطاً طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان"(2).
"على قافية رأس أحدكم" : القافية آخر الرأس وقافية كل شيءٍ آخره ومنه قافية الشعر .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : " فأصبح نشيطاً طيب النفس" معناه: لسروره بما وفقه الله الكريم له من الطاعة ووعده به من ثوابه مع ما يبارك في نفسه وتصرفه في كل أموره مع ما زال عنه من عقد الشيطان وتثبيطه.
"انحلت عقده كلها" :قال الألباني رحمه الله تعالى : قلت في تفسير " العقد" أقوال، والأقرب أنه على حقيقته بمعنى السحر للإنسان ومنعه من القيام، كما يعقد الساحر من سحره، كما أخبر بذلك المولى تعالى ذكره في كتابه الكريم { ومن شر النفاثات في العقد } فالذي خذل يعلم فيه ، والذي وفق يصرف عنه ، ومما يدل على أنه على الحقيقة ما رواه ابن ماجه عن أبي هريرة مرفوعاً " على قافية رأس أحدكم حبل فيه ثلاث عقد" الحديث، وما رواه ابن خزيمة وذكره المصنف في هذا الباب عن جابر - رضي الله عنه - "على رأس جرير معقود" وفسر الجرير بالحبل .أ.هـ.(3)
ما يقول إذا أراد أن يأتي أهله
__________
(1) رواه ابن خزيمة في "صحيحه"وقال الجرير: "الحبل"، وصححه الألباني في الترغيب(608).
(2) سبق تخريجه.
(3) صحيح الترغيب (ص324) .(1/123)
عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لوأن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال: بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبداً".(1)
"لم يضره" : لا يصيبه الشيطان بأذى .
وفيه استحباب التسمية والدعاء والمحافظة على ذلك حتى في حالة الجماع والاعتصام بذكر الله ودعائه من الشيطان والتبرك باسمه والاستعاذة به من جميع الأسماء، وفيه إشارة إلى أن الشيطان ملازم لابن آدم لا يفتر عنه إلا إذا ذكر الله تعالى.
ما يقول إذا لبس ثوباً
عن معاذ بن أنس الجهني الأنصاري - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من لبس ثوباً جديداً فقال: الحمد لله الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حولٍ
مني ولا قوة غفر الله له ما تقدم من ذنبه"(2).
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال : لبس عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثوباً جديداً فقال: الحمد لله الذي كساني ما أُواري به عورتي وأتجمل به في حياتي ثم قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " من لبس ثوباً جديداً فقال: الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمل به في حياتي ثم عمد إلى الثوب الذي أخلق فتصدق به كان في كنف الله وفي حفظ الله وفي ستر الله حياً وميتاً"(3).
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء برقم (141) وأخرجه أيضاً في كتاب بدء الخلق برقم (3271 و3283) وفي كتاب النكاح (5165) ، وفي كتاب الدعوات برقم (6388) وفي كتاب التوحيد برقم (7396) ، وأخرجه مسلم في كتاب النكاح برقم (3519).
(2) صحيح أبي داود (3394) والمشكاة (4374) الترغيب (2042).
(3) أخرجه الترمذي، وابن ماجه، والحاكم، ورواه البيهقي وغيره عن عبيد بن زحر عن على بن يزيد عن القاسم عنه به.(1/124)
عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من لبس ثوباً فقال: الحمد لله الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حولٍ مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر"(1).
دعاء لبس الثوب الجديد
عن أبي سعيد كان إذا استجد ثوبا سماه باسمه قميصا أو عمامة أو رداء ثم يقول : "اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه ، اسألك من خيرهِ وخيرِ ما صُنعَ له، وأعوذُ بكَ من شرهِ وشرِّ ما صُنعَ لهُ"(2) .
كان إذا استجد ثوباً : أي لبس ثوباً جديداً . سماه : أي الثوب . باسمه قميصاً : أي سواء كان قميصاً . أو عمامة أو رداء:بأن يقول رزقني اللّه هذه العمامة.
ثم يقول اللّهم لك الحمد أنت كسوتنيه : قال الطيبي : الضمر راجع إلى المسمى وقال المظهر : يحتمل أن يسميه عند قوله اللّهم لك الحمد كما كسوتني هذه العمامة والأول أوجه لدلالة العطف بثم وفيه ردٌّ ، وقوله كما كسوتنيه مرفوع المحل مبتدأ وخبره .
أسألك من خيره: وهو المشبه أي مثل ما كسوتنيه من غير حول مني ولا قوة .
وخير ما صنع له وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له : وقال ابن العربي: خير ما صنع له استعماله في الطاعة وشر ما صنع له استعماله في المعصية وفيه ندب للذكر المذكور لكل من لبس ثوباً جديداً والظاهر أن ذلك يستحب لمن ابتدأ لبس غير ثوب جديد بأن كان ملبوساً ، ثم رأيت الزين العراقي قال : يستحب عند لبس الجديد وغيره بدليل رواية ابن السني في اليوم .اهـ.فيض القدير .
الدعاء لمن لبس ثوباً جديداً
"تُبلِي ويُخلِفُ اللهُ تعالى". صحيح أبي داود برقم (2/760) .
__________
(1) أخرجه أبو داود برقم (4023) بتمامه من طريق أبي مرحم عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه مرفوعاً. وحسنه الألباني في سنن الترمذي برقم (4023).
(2) مختصر الشمائل للترمذي بتحقيق الألباني (ص47) ، صحيح الجامع رقم (4664).(1/125)
وعن ابن عمر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "البس جديدا و عش حميدا و مت شهيدا و يرزقك الله قرة عين في الدنيا و الآخرة - قاله لعمر بن الخطاب"(1) .
ما يقول إذا وضع ثوبه
"بسم الله"(2) .
عن أنس - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "ستر ما بين أعين الجن و عورات بني آدم إذا وضع أحدهم ثوبه أن يقول : بسم الله"(3) .
قال المناوي : ستر بالكسر الحجاب وبالفتح مصدر سترت الشيء أستره إذا غطيته .
ما بين أعين الجن وبين عورات بني آدم : يعني الشيء الذي يحصل به عدم قدرتهم على النظر إليها .
إذا وضع أحدهم ثوبه : أي نزعه .
أن يقول بسم اللّه : ظاهره أنه لا يزيد الرحمن الرحيم ، قال الحكيم : وإنما يمتنع المؤمن من هذا العدوّ بإسبال هذا الستر فينبغي عدم الغفلة عنه فإن للجن اختلاطاً بالآدميين ومنهم من يتزوج منهم فالإنس يشركون الجن في نسائهم والجن يشركون الإنس في نسائهم فإذا أحب الآدمي أن يطرد الجن عن مشاركته فليقل بسم اللّه فإن اسم اللّه طابع على جميع ما رزق ابن آدم فلا يستطيع الجن فك الطابع . اهـ . فيض القدير .
ما جاء في فضل الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قال الله تعالى { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } (4).
هذه الآية شَرَّفَ الله سبحانه وتعالى بها رسوله - صلى الله عليه وسلم - في حياته وموته وذكر منزلته منه وطهر بها سوء فعل من استصحب في جهته فكرة سوء.
فيستحب أن يكرر الكاتب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - كلما كتب ويكتبها كاملة ولا يقتصرها كما يفعل البعض فيكتبها هكذا (صلعم) أو يكتبها (ص).
__________
(1) صحيح الجامع حديث رقم (1234) .
(2) صحيح الجامع (3/203) .
(3) صحيح الجامع حديث رقم (3610) .
(4) سورة الأحزاب الآية (56).(1/126)
ويستحب إذا صلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجمع بين الصلاة والتسليم ولا يقتصر على أحدهما وهذا ظاهر في الآية.
وذكر ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى : في كتابه العظيم (جلاء الأفهام) تسعاً وتسعين فائدة يحصل عليها المصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - منها:
يصلي الله عليه بكل صلاة عشر صلوات، وترفع له عشر درجات، ويكتب له عشر حسنات، وتمحى عنه عشر سيئات، ويرجى إجابة دعائه إذا بدأه بحمد الله ثم صلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعدها وختم دعاءه بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وسبب لنيل شفاعته - صلى الله عليه وسلم - ، وسبب لغفران الذنب وذهاب الهم والغم وقضاء الحوائج ، وتكون سبب للقرب منه عليه الصلاة والسلام يوم القيامة.
وتكون سبب لطيب المجلس، وسبب لتثبيت القدم على الصراط ونور على الصراط، وبركة على المصلى في عمره وأسباب مصالحه.
وسبب لنيل رحمة الله، وسبب لهداية المصلي عليه وحياة قلبه، ويقول رحمه الله تعالى: (فكلما أكثر العبد من الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - استولت محبته على قلبه حتى لا يبقى في قلبه معارضة شيء من أوامر ولا شك في شيء مما جاء به بل يصير ما جاء به مكتوباً مسطوراً في قلبه ويقتبس الهدى والفلاح وأنواع العلوم منه وكلما ازداد في ذلك بصيرة ومعرفة ازدادت صلاته عليه - صلى الله عليه وسلم - فذكره - صلى الله عليه وسلم - وذكر ما جاء به وحمد الله سبحانه على أنعامه علينا ومنته بإرساله هو حياة الوجود وروحه"أ.هـ.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً"(1).
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الصلاة برقم (284)، وأبو داود والترمذي .(1/127)
فيه الحث على الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما فيها من الأجر العظيم والخير العميم، والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبب في رحمة الله للعبد.
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة"(1).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات وحطّ عنه بها عشر سيئات ورفعه بها عشر درجات"(2).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من أحدٍ يسلم علي إلا ردَّ الله إلي روحى حتى أرد عليه السلام"(3).
وعن مكحول عن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أكثروا عليَّ من الصلاة في يوم الجمعة فإن صلاة أمتي تعرض عليَّ في كل يوم جمعة فمن كان أكثرهم عليَّ صلاة كان أقربهم مني منزلة"(4).
__________
(1) رواه الترمذي برقم (484)، وابن حبان برقم (908) وغيرهما، وفي سنده موسى بن يعقوب الزمعي سيء الحفظ وشيخه عبد الله به كيسان مقبول. المشكاة (923) وقال الشيخ الألباني رحمه الله في الترغيب: (حسن لغيره) (1668) .
(2) رواه أحمد، والنسائي، وابن حبان، والحاكم وقال: (صحيح الإسناد)، وصححه الألباني في، المشكاة (922) وفضل الصلاة (12211)، والترغيب (1657) .
(3) رواه أحمد وأبو داود، المشكاة (625) النقد(47)التوسل(64) الآيات(43، 44)،الترغيب(1666)
(4) رواه البيهقفي في الشعب بإسناد حسن ، وصححه العلامة الألباني في الصحيحة برقم
(1527) ، الإرواء (4)، فضل الصلاة (40). وصحيح الترغيب برقم (1673).(1/128)
وعن محمد بن يحيى بن حبان عن أبيه عن جده: أن رجلاً قال: يا رسول الله! أجعلُ ثلث صلاتي عليك؟ قال: " نعم، إن شئت" ، قال: الثلثين؟ قال: " نعم" قال: فصلاتي كلها؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إذاً يكفيك ما همك من أمر دنياك وآخرتِك"(1).
وعن أُبي بن كعب - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ذهب ربع الليل قام فقال: يا أيها الناس اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه " قال أُبي بن كعب: فقلت يا رسول الله : إني أُكثر الصلاة فكم أجعل لك من صلاتي قال: "ما شئت" قلت: الربع؟ قال: "ماشئت وإن زدت فهو خير" قلت: النصف قال: "ما شئت وإن زدت فهو خير" قال: أجعل لك صلاتي كلها قال: " إذاً تكفى همك ويغفر ذنبك"(2).
المراد بالصلاة في هذا الحديث الدعاء.
استحباب كثرة الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في يوم الجمعة وفي ليلته لقوله عليه الصلاة والسلام "أكثروا من الصلاة عليّ يوم الجمعة وليلة الجمعة"(3).
من حديث أنس رضي الله عنه بزيادة "... فمن صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه عشراً". سبق تخريجه.
__________
(1) رواه الطبراني بإسناد حسن، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (1671).
(2) رواه أحمد والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"، الحاكم وقال : "صحيح الإسناد"، وصححه الألباني في الصحيحة (952) المشكاة (5351) وفضل الصلاة (14).
(3) أخرجه البيهقي في الكبرى (3/249).(1/129)
قال ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى: ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيد الأنام ويوم الجمعة سيد الأيام فللصلاة عليه في هذا اليوم مزية ليست لغيره مع حكمة أخرى وهي أن كل خير نالته أمته في الدنيا والآخرة فأما نالته على يده فجمع الله لأمته به بين خيري الدنيا والآخرة فأعظم كرامة تحصل لهم فإنما تحصل يوم الجمعة فإن فيه بعثهم إلى منازلهم وقصورهم في الجنة وهو يوم المزيد له إذا دخلوا الجنة وهو يوم عيد لهم في الدنيا ويوم فيه يسعفهم الله تعالى بطلباتهم وحوائجهم ولا يرد سائلهم وهذا كله إنما عرفوه وحصل لهم بسببه وعلى يده - صلى الله عليه وسلم - فمن شكره وحمده وأداء القليل من حقه - صلى الله عليه وسلم - أن نكثر من الصلاة عليه في هذا اليوم وليلته . أ . هـ .(1)
قال أنس بن مالك قال أبو طلحة : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج عليهم يوما يعرفون البشر في وجهه فقالوا : إنا نعرف الآن في وجهك البشر يا رسول الله! قال : " أجل أتاني الآن آت من ربي فأخبرني أنه لن يصلى علي أحد من أمتي إلا ردها الله عليه عشر أمثالها " (2).
وعن عبد الله ابن أبي طلحة عن أبيه : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاء يوماً والبشر يرى في وجهه فقالوا : يا رسول الله إنا نرى في وجهك بِشراً لم نكن نراه، ، قال : " أجل إنه أتاني ملك فقال: يا محمد إن ربك يقول: أما يرضيك ألا يُصلي عليك أحدٌ من أُمتك إلا صليت عليه عشراً ولا سلم عليك إلا سلمت عليه عشراً"(3).
__________
(1) زاد المعاد (1/283) .
(2) رواه أحمد والنسائي وابن حبان في ( صحيحه ) ، قال العلامة الألباني رحمه الله : "الحديث بمجموع طرقه صحيح"، فضل الصلاة (ص 22 ) والترغيب (1662) .
(3) رواه ابن حبان وصححه (2391)موارد، وصححه الألباني بشواهده، فضل الصلاة
(ص22) والترغيب (1661).(1/130)
وعن عبد الرحمن بن عوف قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ساجد فأطال السجود قال: " أتاني جبريل قال: من صلى عليك صليتَ عليه ومن سلم عليكَ سلمتَ عليه فسجدت لله شكراً"(1).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من صلى عليَّ واحدة صلى الله عليه عشراً"(2).
وقال - صلى الله عليه وسلم - "أتاني آتٍ من عند ربي عز وجل قال: " من صلى عليك مِنْ أُمتك صلاة كتب الله له عشر حسنت ومحا عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات وردَّ عليه مثلها"(3).
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول:" إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا عليَّ فإنه من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً ثم سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة"(4).
وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال :قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من نسيَّ الصلاة عليَّ خطئ طريق الجنة".(5)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من ينسى الصلاة عليَّ خطئ أبواب الجنة".(6)
__________
(1) رواه أحمد والحاكم وقال: "صحيح الإسناد"، وقال الألباني : "الحديث صحيح لطرقه وشواهده"، فضل الصلاة (ص25)والترغيب (1658).
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة برقم (911) وأبو داود في كتاب الصلاة برقم (1530) والترمذي في كتاب الصلاة رقم (485)والنسائي في كتاب السهو برقم (1295).
(3) رواه أحمد ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (57) وفضل الصلاة برقم (13).
(4) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة برقم (847).
(5) قال الألباني: "إسناده مرسل صحيح"، فضل الصلاة (ص43)،صحيح الجامع برقم (6568).
(6) قال الألباني : "إسناده مرسل جيد" فضل الصلاة (41).(1/131)
وعن بكر بن عبد الله المزني قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "حياتي خير لكم تُحدثون ويُحدث لكم فإذا أنا مِتُ كانت وفاتي خيراً لكم تعرض عليَّ أعمالكم فإن رأيت خيراً حمدت الله وإن رأيت غير ذلك استغفرت الله لكم"(1).
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "صلوا في بيوتكم ولا تجعلوا بيوتكم مقابر لعن الله يهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد وصلوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم"(2).
وفي الحديث دليل على عدم جواز الصلاة في المقابر ، ولا في المساجد التي تبنى على القبور .
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أَبخلَ الناس من ذكرت عنده فلم يصلي عليَّ"(3).
وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صلى عليَّ أو سأل لي الوسيلة حقت عليه شفاعتي يوم القيامة"(4).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله ولم يصلوا على نبيهم - صلى الله عليه وسلم - إلا كان مجلسهم
عليهم ترة يوم القيامة إن شاء عفا عنهم وإن شاء أخذهم"(5).
النهي عن استبطاء الإجابة وقوله :
دعوت فلم يستجب لي
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يُستجاب لأحدكُم ما لم يُعجلْ، فيقول: دَعوتُ فلم يُستَجَب لي".(6)
__________
(1) رواه البزار موصولاً من حديث ابن مسعود، وصححه الألباني وقال: "إسناده مرسل صحيح" فضل الصلاة (ص25).
(2) فضل الصلاة (ص30) وقال الألباني: "صحيح".
(3) قال الألباني: "صحيح" فضل الصلاة (ص37)، والترغيب (1684).
(4) وقال الألباني: "صحيح"، فضل الصلاة (ص50).
(5) وقال الألباني: "صحيح"، فضل الصلاة (ص54).
(6) رواه البخاري في كتاب الدعوات برقم (6340)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم
(2735).(1/132)
وفي رواية لمسلم: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يزال يُستجاب للعبد ما لم يدْعُ بإثمٍ أو قطيعة رحمٍ، ما لم يَستَعجل".
قيل: يا رسول الله! ما الاستعجال؟ قال: "يقول: قد دَعَوت، وقد دَعوتُ، فلم يُستَجَب لي، فسَيَتحسر عند ذلك، ويَدَع الدُّعاء".
"فسيتحسر" أي : يملّ ويعي فيترك الدعاء.
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يزال العبد بخير مالم يَستَعجِلُ؟ قال: "يقول قد دعوت ربِّي فلم يَستَجِب لي".(1)
قال النووي: قال أهل اللغة يقال حسر واستحسر اذا أعيا وانقطع عن الشىء والمراد هنا أنه ينقطع عن الدعاء ومنه قوله تعالى لايستكبرون عن عبادته ولايستحسرون أى لاينقطعون عنها ففيه أنه ينبغى إدامة الدعاء ولا يستبطىء. شرح مسلم (17/51) .
قال ابن بطال المعنى انه يسأم فيترك الدعاء فيكون كالمان بدعائه أو انه اتى من الدعاء ما يستحق به الإجابة فيصير كالمبخل للرب الكريم الذي لا تعجزه الإجابة ولا ينقصه العطاء . اهـ . فتح الباري (11/141) .
النهي عن دعاء الانسان على نفسه
وولده وخادمه وماله
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تدعوا على أنفُسِكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعةً يُسأل فيها عطاء، فيستَجيب لكم".(2)
وعن ابي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاث دَعَوات لا شكّ في إجابتهنَّ، دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالِد على وَلَده".(3)
__________
(1) رواه أحمد واللفظ له، وأبو يعلى، وقال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب (1650).
(2) رواه مسلم في كتاب الزهد والرقاق برقم (3009)، وابو داود، وابن خزيمة في "صحيحه" وغيرهم.
(3) رواه الترمذي وحسنه، وقال الألباني: "حسن لغيره" الترغيب (1655).(1/133)
وعن أنس - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يتمنين أحدكم الموت من ضرٍّ أصابه، فإن كان لا بدّ فاعلاً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي".(1)
قال ابن حجر : قوله : "لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه" الخطاب للصحابة ، والمراد هم ومن بعدهم من المسلمين عموما ، وقوله من ضر أصابه حمله جماعة من السلف على الضر الدنيوي فإن وجد الضر الأخروي بأن خشي فتنة في دينه لم يدخل في النهي ويمكن أن يؤخذ ذلك من رواية بن حبان لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به في الدنيا على أن في في هذا الحديث سببية أي بسبب أمر من الدنيا وقد فعل ذلك جماعة من الصحابة ففي الموطأ عن عمر أنه قال اللهم كبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت رعيتي فاقبضني مضيع ولا مفرط . اهـ .(2)
ffffff
الفصل الثامن
كتاب
التوبة والاستغفار
ما جاء في فضل الإستغفار
قال تعالى: { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) } (3).
__________
(1) رواه البخاري برقم ( 5347) ، ومسلم في الذكر والدعاء برقم (2680).
(2) فتح الباري (10/128).
(3) سورة آل عمران .(1/134)
الاستغفار : غفر الغَفُورُ الغَفَّارُ ، جلّ ثناؤه ، وهما من أَبنية المبالغة ، ومعناهما الساتر لذنوب عباده المتجاوز عن خطاياهم وذنوبهم . يقال : اللهمَّ اغفر لنا مَغْفرة و غَفْراً و غُفْراناً، وإِنك أَنت الغَفُور الغَفَّار يا أَهل المَغْفِرة. وأَصل الغَفْرِ التغطية والستر : غَفَرَ الله ذنوبه، أَي سترها. (1)
وقال سبحانه وتعالى عن نبيه نوح : - صلى الله عليه وسلم - { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12) } (2).
رغب الله تعالى بمغفرة الذنوب وما يترتب عليها من الثواب واندفاع العقاب بعد ما يتوبوا ويستغفروا الله تعالى من ذنوبهم.
عن يزيد بن الاصم قال سمع عمر بن الخطاب رجلا يقول استغفر الله وأتوب إليه فقال عمر ويحك اتبعها أختها فاغفر لي وتب علي" .(3)
عن عبدالله بن بسر ، وعن عائشة ، وعن أبي الدرداء موقوفا : "طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارا كثيرا"(4) .
وعن الزبير: "من أحب أن تسره صحيفته فليكثر فيها من الاستغفار"(5) .
قال المناوي في فيض القدير : "من أحب أن تسره صحيفته"، أي صحيفة أعماله إذا رآها يوم القيامة .
__________
(1) لسان العرب (5/25).
(2) سورة نوح .
(3) كتاب الزهد لابن أبي عاصم (1/118) .
(4) صحيح الجامع حديث رقم (3930) .
(5) صحيح الجامع حديث رقم (5955) .(1/135)
"فليكثر فيها من الاستغفار"، فإنها تأتي يوم القيامة تتلألأ نوراً كما في خبر آخر ، قال في الحلبيات: الاستغفار طلب المغفرة إما باللسان أو بالقلب أو بهما، فالأول فيه نفع لأنه خير من السكوت ولأنه يعتاد قول الخير ، والثاني نافع جداً، والثالث أبلغ منه لكن لا يمحصان الذنوب حتى توجد التوبة ، فإن العاصي المصر يطلب المغفرة ولا يستلزم ذلك وجود التوبة منه، قال: وما ذكر من أن معنى الاستغفار غير معنى التوبة هو بحسب وضع اللفظ لكنه غلب عند الناس أن لفظ أستغفر اللّه معناه التوبة فمن اعتقده فهو يريد التوبة لا محالة وذكر بعضهم أن التوبة لا تتم إلا بالاستغفار لآية : { اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ } .(1)،والمشهور عدم الاشتراط.انتهى .
وعن الأغر : "استغفروا ربكم إني استغفر الله و أتوب إليه كل يوم مئة مرة" .(2)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة"(3).
والاستغفار : هو طلب المغفرة وهي الصفح عن الذنب وتبديله.
وتكفير الذنوب على قسمين:
الأول : المحو كما في قوله - صلى الله عليه وسلم - : "واتبع السيئة الحسنة تمحها " وهذا مقام العفو.
الثاني : التبديل كما في قوله تعالى { فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً } (4). وهذا مقام المغفرة.
فالمغفرة فيها زيادة إحسان وتفضل على العفو وكلاهما خير وبشرى .
والتوبة : هي ترك المعصية ، والإقلاع عنها في الحال ، والندم على فعلها ، والعزم على عدم العودة لها ، وإرجاع الحقوق إلى أهلها .
وهذا حضٌ للأمة على الاستغفار والتوبة منه - صلى الله عليه وسلم - مع كونه غفر ما تقدم من ذنبه وما تأخر يستغفر الله ويتوب إليه.
__________
(1) هود الآية (3)
(2) صحيح الجامع حديث رقم (944) .
(3) رواه البخاري (11/101) فتح.
(4) سورة الفرقان الآية (70).(1/136)
وفيه حضٌ للعبد على الإكثار من التوبة والإستغفار لأن العبد لا ينفك عن ذنب أو تقصير وإنه إلى الله المصير كما قال - صلى الله عليه وسلم - " يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإني أتوب في اليوم مائة مرة"(1).
قال النووي رحمه الله تعالى : قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: للتوبة ثلاثة شروط أن يقلع عن المعصية وأن يندم على فعلها وأن يعزم عزماً جازماً أن لا يعود إلى مثلها أبداً ، فإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فلها شرط رابع وهو: ردّ الظلامة إلى صاحبها أو تحصيل البراءة منه والتوبة أهم قواعد الإسلام وهي : أول مقامات سالكي طريق الآخرة.
وعن أبي أيوب أنه قال: حين حضرته الوفاة: كنت كتمت عنكم شيئاً سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " لو لا أنكم تذنبون لخلق الله خلقاً يذنبون فيغفر لهم"(2).
وعنه - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لولا أنكم لم تكن لكم ذنوب يغفرها الله لكم لجاء الله بقوم لهم ذنوب يغفرها لهم"(3).
وعن الأغر المزني وكانت له صحبة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة "(4).
الغين هنا:ما يتغشى القلب قال القاضي : قيل المراد: الفترات والغفلات عن الذكر كان شأنه الدوام عليه فإذا فتر عنه أو غفل عدَّ ذلك ذنباً واستغفر منه .
__________
(1) رواه مسلم عن الأغر بن يسار المزني - رضي الله عنه - برقم (6799).
(2) رواه مسلم في كتاب التوبة برقم (6797)، والترمذي في كتاب الدعوات برقم (3539).
(3) رواه مسلم في كتاب الدعوة برقم (6869)، والترمذي في كتاب الدعوات برقم (3539).
(4) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم( 6768)، وأبو داود في كتاب الصلاة برقم (1515).(1/137)
وعن على بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال : كنت رجلاً إذا سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثاً نفعني الله منه بما شاء أن ينفعني وأذا حدثني من أصحابه استحلفته فإذا حلف صدقته وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " ما من عبد يذنب ذنباً فيُحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر له" ثم قرأ هذه الآية { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم } .(1)
فيُحسن الطهور : أي يتم الوضوء .
وعن أبي مالك عن أبيه ، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأتاه رجل فقال يا رسول الله : كيف أقول حين أسأل ربّي عز وجل ، قال قل " اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني" ويجمع أصابعه إلا الإبهام فإن هؤلاء تجمع لك دنياك وآخرتك"(2).
وعن شداد بن أوس - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "سيد الاستغفار أن يقول العبد : اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت من قالها من النهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة(3).
__________
(1) صحيح الجامع رقم (5738) .
(2) رواه مسلم برقم (6791) في كتاب الذكر والدعاء، وابن ماجه في الدعاء برقم (3845)
(3) أخرجه البخاري (11/97-99).(1/138)
هذا الدعاء جامع لمعاني التوبة كلها مع الإقرار لله بالإلوهية والإعتراف بأنه الخالق والإقرار بالعهد الذي أخذه عليه بما وعده به الاستعاذة من شر النفس وإضافة النعماء إلى موجدها وإضافة الذنب إلى نفسه واعترافه بأنه لا يقدر على ذلك إلا هو كل هذا مسبوك ببديع المعاني وأحسن الألفاظ ولذلك سماه الرسول - صلى الله عليه وسلم - سيد الاستغفار.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - : "إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكته سوداء فإن هو نزع و استغفر و تاب صقل قلبه و إن عاد زيد فيها حتى تعلو على قلبه و هو الران الذي ذكر الله تعالى { كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } .(1) .(2)
قال المناوي في فيض القدير : إن العبد ، في رواية إن المؤمن "إذا أخطأ خطيئة" في رواية "أذنب ذنباً نكتت" بنون مضمومة وكاف مكسورة ومثناة فوقية مفتوحة في قلبه لأن القلب كالكف يقبض منه بكل ذنب أصبع ثم يطبع عليه نكتة أي أثر قليل كنقطة سوداء في صقل كمرآة وسيف ، وأصل النكتة نقطة بياض في سواد وعكسه ، قال (بعض السلف ) : وفي إشعاره إعلام بأن الجزاء لا يتأخر عن الذنب وإنما يخفى لوقوعه في الباطن وتأخره عن معرفة ظهوره في الظاهر .
فإن هو نزع : أي قلع عنه وتركه واستغفر اللّه وتاب إليه توبة صحيحة ونص على الإقلاع والاستغفار مع دخولهما في مسمى التوبة إذ هما من أركانهما اهتماماً بشأنهما .
صقل ، وفي نسخة ، سقل بسين مهملة أي رفع اللّه تلك النكتة فينجلي قلبه بنوره كشمس خرجت عن كسوفها فتجلت .
زيد : بالبناء للمفعول فيها نكتة أخرى وهكذا .
__________
(1) المطففين (14) .
(2) صحيح الجامع حديث رقم (1670) .(1/139)
حتى تعلو على قلبه ، أي تغطيه وتغمره وتستر سائره كمرآة علاها الصدأ فستر سائرها وتصير كمنخل وغربال لا يعي خيراً ولا يثبت فيه خير ومن ثم قال بعض السلف المعاصي بريد الكفر أي رسوله باعتبار أنها إذا أورثت القلب هذا السواد وعمته يصير لا يقبل خيراً قط فيقسو ويخرج منه كل رأفة ورحمة وخوف فيرتكب ما شاء ويفعل ما أراد ويتخذ الشيطان ولياً من دون اللّه فيضله ويغويه ويعده ويمنيه ولا يقنع منه بدون الكفر ما وجد إليه سبيلاً { وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً } .(1)
__________
(1) النساء الآية (119) .(1/140)
وهو الران ، أي الطبع الذي ذكره اللّه تعالى في كتابه بقوله عز قائلاً { كلا بل ران } ، أي غلب واستولى على قلوبهم الصدأ والدنس { ما كانوا يكسبون } من الذنوب ، قال القاضي : المعنى بالقصد الأول في التكليف بالعمل الظاهر والأمر بتحسينه والنهي عن قبيحه هو ما تكتسب النفس منه من الأخلاق الفاضلة والهيئات الذميمة فمن أذنب ذنباً أثر ذلك في نفسه وأورث لها كدورة ، فإن تحقق قبحه وتاب عنه زال الأثر وصارت النفس صقيلة صافية وإن انهمك وأصر زاد الأثر وفشي في النفس واستعلى عليها فصار طبعاً وهو الران ، وأدخل التعريف على الفعل لما قصد به حكاية اللفظ فأجرى مجرى النفس وشبه ثائر النفس باقتراف الذنوب بالنكتة السوداء من حيث كونهما يضادان الجلاء والصفاء وأنث الضمير الذي في كانت العائد لما دل عليه أذنب لتأنيثها على تأول السيئة .(1/141)
إلى هنا كلامه ، قال الطيبي : وروي نكتة بالرفع على أن كان تامة فلا بد من الراجع أي حدث نكتة منه أي من الذنب قال المظهري : وهذه الآية نازلة في حق الكفار لكن ذكرها في الحديث تخويفاً للمؤمنين ليحترزوا عن كثرة الذنوب لأن المؤمن لا يكفر بكثرتها لكن يسود قلبه بها فيشبه الكفار في اسوداده فقط وقال الحكيم : الجوارح مع القلب كالسواقي تصب في بركة وهي توصل إلى القلب ما يجري فيها فإن أجري فيها ماء الطاعة وصل إلى القلب فصفا ، أو ماء المعصية كدر وأسود فلا يسلم القلب إلا بكف الجوارح وأعظمها غض البصر عما حرم ، وقال الغزالي : القلب كالمرآة ومنه الآثار المذمومة كدخان مظلم يتصاعد إلى مرآة القلب فلا يزال يتراكم عليه مرة بعد أخرى حتى يسود ويظلم ويصير محجوباً عن اللّه تعالى وهو الطبع والرين ومهما تراكمت الذنوب طبع على القلب وعند ذلك يعمى عن إدراك الحق وصلاح الدين ويستهين بالآخرة ويستعظم أمر الدنيا ويهتم بها وإذا قرع سمعه أمر الآخرة وأخطارها دخل من أذن وخرج من أخرى ولم يستقر في القلب ولم يحركه إلى التوبة { قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ } .(1)
تنبيه قيل لحكيم:لم لا تعظ فلاناً قال ذاك على قلبه قفل ضاع مفتاحه فلا سبيل لمعالجة فتحه .
فائدة: قال حجة الإسلام: لا يذنب العبد ذنباً إلا ويسود وجه قلبه فإن كان من السعداء ظهر السواد على ظاهره لينزجر وإلا أخفى عنه لينهمك ويستوجب النار.
قال العلقمي هو شيء يعلو على القلب كالغشاء الرقيق حتى يسود ويظلم . اهـ .
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحيَّ القيوم وأتوب إليه غُفرت ذنوبه وإن كان قد فرَّ من الزحف".(2)
تعظيم الإستغفار وأنه يُكفر الكبائر ، فضل المدامومة على الاستغفار.
__________
(1) الممتحنة (13) .
(2) صحيح أبي داود (1343).(1/142)
و قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من عبدٍ يذنب ذنباً فيُحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر له".(1)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا من الدعاء" . (2)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن" . (3)
وعن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هَمّ فرجاً ومن كل ضيقٍ مخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب"(4).
ويذكر ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كثرت همومه وغمومه
فليكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله"(5).
وثبت في الصحيحين : أنها كنز من كنوز الجنة . (6).
وفي الترمذي : "أنها باب من أبواب الجنة"(7).
__________
(1) رواه أبو داود (1343).وصححه الألباني في سنن أبي داود برقم (1521).
(2) رواه مسلم (1/350) .
(3) صحيح أبي داود (3/183) .
(4) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة برقم (1518) ، وابن ماجه في الأدب برقم (3819) وأحمد في مسنده (2234/1)، والطبراني في الدعاء (1774)، والنسائي (456) في (عمل اليوم والليلة)، والحاكم (4/ 262)، والبيهقي (3/351)، وابن السني في (عمل اليوم والليلة) برقم (364)، والمزي في تهذيب الكمال (5/107) ط دار الفكر. وضعفه الألباني في سنن أبي داود برقم (1518).
(5) ذكره البيهقي في الطب النبوي (ص24) والكحال في الأحكام النبوية في الصناعة الطبية (7/179)، وصححه الألباني في الصحيحة (199)، التوسل (ص133) ، المشكاة (2452).
(6) أخرجه البخاري في الدعوات برقم (3592)، ومسلم في الذكر والدعاء برقم (2704).
(7) في الدعوات برقم (3592).(1/143)
قال الإمام ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى: هذه الأدوية تتضمن خمسة عشر نوعاً من الدواء فإن لم تقوَ على إذهاب داء الهم والغم والحزن فهو داء قد استحكم وتمكنت أسبابه ويحتاج إلى استفراغ كلي .
الأول: توحيد الربوبية. الثاني : توحيد الإلوهية.
الثالث: التوحيد العلمي الإعتقادي.
الرابع : تنزيه الربُّ تبارك وتعالى عن أن يظلم عبده أو يأخذه بلا سبب من العبد يوجب ذلك.
الخامس: اعتراف العبد بأنه هو الظالم.
السادس: التوسل إلى الرب تعالى بأحب الأشياء وهو أسماؤه وصفاته ومن أجمعها لمعاني الأسماء والصفات الحيُّ القيوم.
السابع : الإستعانة به وحده .
الثامن : إقرار العبد له بالرجاء .
التاسع : تحقيق التوكل عليه ، والتفويض إليه والإعتراف له بأن ناحيته في يده يصرفه كيف يشاء وأنه ماضٍٍ فيه حكمه عدلٌ فيه قضاؤه .
العاشر : أن يرتع قلبه في رياض القرآن ويجعله لقلبه كالربيع للحيوان وأن يستضيء به في ظلمات الشبهات والشهوات وأن يتسلى به عن كل فائت ويتعزى به عن كل مصيبة ويستشفي به من أدواء صدره فيكون جلاء حزنه وشفاء همه وغمه.
الحادي عشر: الإستغفار. الثاني عشر : التوبة .
الثالث عشر: الجهاد. الرابع عشر : الصلاة .
الخامس عشر البراءة من الحول والقوة وتفويضهما إلى من هما بيده .أ.هـ زاد المعاد (4/159-160)(1/144)
عن أنس - رضي الله عنه - قال:سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "قال الله تعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أُبالي يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة"(1).
فيه بيان سعة رحمة الله سبحانه وتعالى.
والإيمان بالله شرط في مغفرة الذنوب فإن الله لا يغفر أن يشرك به ولا يغفر لمشرك وإذا تاب العبد من ذنوبه توبة نصوحاً غفرها الله له ولو كانت ملئ الأرض أو بلغت عنان السماء.
(عنان السماء) بفتح العين قيل هو السحاب وقيل:هو ما عنَّ لك منها أي ظهر
(قراب الأرض) بفتح القاف وروي بكسرها والضم أشهر وهو ما يقارب ملأها .
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يروى عن الله عز وجل أنه قال: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي و جعلته بينكم محرماً فلا تظالموا ياعبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم يا عبادي كلم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم"(2).الحديث.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقومٍ يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم"(3).
__________
(1) أخرجه الترمذي برقم (3540) وللحديث شاهد من حديث أبي ذر رضي الله عنه، وأخرجه أحمد (5/132) والدارمي (2/322) من طريق غيلان عن شهر بن حوشب عن عمرو بن معد يكرب عنه به، وصححه العلامة الألباني في الصحيحة (ص595)، المشكاة (4336) .
(2) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2577) ، وابن ماجه.
(3) رواه مسلم في كتاب التوبة برقم (6899).(1/145)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لله تسعةٌ وتسعون اسماً من حَفِظَها دخل الجنة وإن الله وتر يحب الوتر"(1).
وفي رواية ابن أبي عمر " من أحصاها"
قال النووي رحمه الله تعالى : قوله - صلى الله عليه وسلم - (من أحصاها دخل الجنة) فاختلفوا في المراد بإحصائها فقال البخاري وغيره من المحققين معناه: حفظها وهذا هو الأظهر لأنه جاء مفسراً في الرواية الأخرى (من حفظها) وقيل : أحصاها عدها والطاعة بكل اسمها والإيمان بها لا يقتضي عملاً وقال بعضهم : المراد حفظ القرآن وتلاوته كله لأنه مستوفٍ لها وهو ضعيف والصحيح الأول.
و قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من مسلم يسأل الله الجنة ثلاثاً إلا قالت الجنة اللهم أدخله الجنة ومن استجار من النار قالت النار اللهم أجره من النار"(2).
ومن استجار من النار : قال أَبو الهيثم : الجارُ و المُجِيرُ والمُعِيذُ واحدٌ. ومن عاذ باللَّه أَي استجار به أَجاره اللَّه، ومن أَجاره اللَّه لم يُوصَلْ إِليه، وهو سبحانه وتعالى يُجِيرُ ولا يُجَارُ عليه ، أَي يعيذ و الجارُ و المُجِيرُ : هو الذي يمنعك و يُجِيرُك. و اسْتَجَارَهُ من فلان فأَجَارَهُ منه. و أَجارَهُ اللَّه من العذاب : أَنقذه .(3)
وقال أبو سعيد - رضي الله عنه - : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتعوذ من الجان وعين الإنسان حتى نزلت المعوذتان فلما نزلتا أخذهما وترك ما سواهما(4).
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الدعوات برقم (6410)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6750).
(2) رواه الترمذي (2575).
(3) لسان العرب (4/155) .
(4) صححه الألباني في الكلم (ص115)(1/146)
و عن رجل قال: كنت رديف النبي - صلى الله عليه وسلم - فعثرت دابته فقلت: تَعِسَ الشيطان فقال: " لا تقل تَعِسَ الشيطان فإنك إذا قلت ذلك تعاظم حتى يكون مثل البيت ويقول: بقوتي، ولكن قل بسم الله فإنك إذا قلت ذلك تصاغر حتى يكون مثل الذباب"(1).
ما جاء في كلمات يقولها المدين
والمهموم والمكروب والمأسور
عن أبي سعيد الخدري قال: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم المسجد فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة فقال: " يا أبا أُمامة مالي أراك جالساً في المسجد في غير وقت الصلاة" ؟ قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله ، قال: " أفلا أُعلمك كلاماً إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل همك وقضى عنك دينك؟" قلت: بلى يا رسول الله ، قال: " قل إذا أصبحت وإذا أمسيت : اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال " قال: فقلتهن، فأذهب الله همي وقضى عني ديني"(2).
وعنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من قال في كل يوم حين يصبح وحين يمسي : حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو ربُّ العرش العظيم سبع مرات كفاه الله ما أهمه من أمر الدنيا والآخرة"(3).
__________
(1) صححه الألباني في الكلم (ص237).
(2) أخرجه أبو داود في آخر كتاب الصلاة برقم (1555) من طريق احمد بن عبيد الله الغداني. وضعفه الألباني في سنن أبي داود برقم (1555).
(3) أخرجه ابن السُني في " عمل اليوم والليلة " برقم (71) من حديث أبي الدرداء - رضي الله عنه - . وأبو داود في الأدب برقم (5081) موقوفاً على أبي الدرداء - رضي الله عنه - .(1/147)
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى : وأما حديث أبي أمامة اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن فقد تضمن الاستعاذة من ثمانية أشياء كل اثنين منها قرينان مزدوجان فالهم والحزن أخوان والعجز الكسل أخوان والجبن والبخل أخوان وضلع الدين وغلبة الرجال أخوان فأن المكروه المؤلم إذا ورد على القلب فإما أن يكون سببه أمرا ماضيا فيوجب له الحزن وإن كان امرا متوقعا في المستقبل أوجب الهم وتخلف العبد عن مصالحه وتفويتها عليها وإما أن يكون من عدم القدرة وهو العجز أو من عدم الإرادة وهو الكسل وحبس خيره ونفعه عن نفسه وعن بني جنسه إما أن يكون منع نفعه ببدنه فهو الجبن أو بماله فهو البخل وقهر الناس له إما بحق فهو ضلع الدين أو بباطل فهو غلبة الرجال فقد تضمن الحديث الاستعاذة من كل شر وأما تأثير الاستغفار في دفع الهم والغم والضيق فلما اشترك في العلم به أهل الملل وعقلاء كل أمة أن المعاصي والفساد توجب الهم والغم والخوف والحزن وضيق الصدر وأمراض القلب حتى إن أهلها إذا قضوا منها أو وطارهم وسئمتها نفوسهم ارتكبوها دفعا لما يجدونه في صدورهم من الضيق والهم والغم كما قال شيخ الفسوق وكأس شربت على لذة وأخرى تداويت منها بها وإذا كان هذا تأثير الذنوب والاثام في القلوب فلا دواء لها إلا التوبة والاستغفار . اهـ . حاشية ابن القيم (1/163) .
وعن علي - رضي الله عنه - ، أن مكاتباً جاءه فقال: إني قد عجزت عن مكاتبتي فإعني . قال : ألا أُعلمك كلماتٍ علمنيهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو كان عليك مثل جبل (صبير) ديناً أداه الله عنك؟ قل: (اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك"(1).
جبل صُبير :هو بالصاد المهملة :اسم جبل باليمن. قاله في "النهاية".
__________
(1) رواه الترمذي واللفظ له، والحاكم وقال : (صحيح الإسناد) ، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (1820) ، وصحيح الجامع برقم (2625) .(1/148)
قال المناوي في فيض القدير : أداه اللّه عنك إلى مستحقه وأنقذك من مذلته قال : بلى قال : قل اللّهم اكفني بحلالك عن حرامك وأغنني بفضلك عمن سواك من الخلق وفيه وفيما قبله وبعده أنه ينبغي للعالم أن يذكر للمتعلم أنه يريد تعليمه وينبهه على ذلك قبل فعله ليكون أوقع في نفسه فيشتد تشوقه إليه وتقبل نفسه عليه فهو مقدمة استرعى بها نفسه لتفهيم ما يسمع ويقع منه بموقع . اهـ .
و عن ابن مسعود - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما أصاب أحداً قط همٌّ ولا حَزَن فقال: " اللهم إني عبدك وابن عبدك ، وابن أمتك ، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك ، عدلٌ فيَّ قضاؤك ، أسألك بكلِّ اسمٍ هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري ، وجلاء حزني، وذهاب همي".
إلا أذهب الله عز وجل هَمَّهُ، وأبدَلَهُ مكان حزنِهِ فرحاً" قالوا: يا رسول الله! ينبغي لنا أن نتعلم هؤلاء الكلمات ؟ قال: " أجل : ينبغي لمن سَمِعَهُنَّ أن يتعلمَهُنَّ"(1).
وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت : " لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" فإنه لم يدعُ بها رجلٌ مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له"(2).
__________
(1) رواه أحمد والبزار وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه، والحاكم ، وصححه الألباني في الصحيحة برقم(199) والترغيب برقم (1822).
(2) رواه الترمذي واللفظ له ، والنسائي والحكم وقال: صحيح الإسناد، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (1826).(1/149)
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى : وأما دعوة ذي النون فإن فيها من كمال التوحيد والتنزية للرب تعالى واعتراف العبد بظلمة وذنبه ما هو من أبلغ أدوية الكرب والهم والغم وأبلغ الوسائل إلى الله سبحانه في قضاء حوائجه ، فإن التوحيد والتنزيه يتضمنان إثبات كل كمال لله وسلب كل نقص وعيب وتمثيل عنه ، والاعتراف بالظلم يتضمن إيمان العبد بالشرع والثواب والعقاب ويوجب انكساره ورجوعه إلى الله واستقالة عثرته والاعتراف بعبوديته وافتقاره إلى ربه ، فمنها أربعة أمور قد وقع التوسل بها التوحيد والتنزيه والعبودية والاعتراف . اهـ.(1)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول عند الكرب: " لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله ربّ العرش العظيم ، لا إله إلا الله ربُّ السماوات والأرض وربّ العرش الكريم"(2).
قال المناوي : كان يدعو عند الكرب ، أي عند حلوله يقول لا إله إلا اللّه العظيم الذي لا شيء يعظم عليه الحليم الذي يؤخر العقوبة مع القدرة لا إله إلا اللّه رب العرش العظيم ، وفي رواية بدل العظيم والكريم المعطي تفضلاً روي برفع العظيم والكريم على أنهما نعتان للرب ، والثابت في رواية الجمهور الجر نعت للعرش .
قال الطيبي : صدر الثناء بذكر الرب ليناسب كشف الكرب لأنه مقتضى التربية
لا إله إلا اللّه رب السماوات السبع ورب الأرض ورب العرش الكريم ، قالوا هذا دعاء جليل ينبغي الاعتناء به والإكثار منه عند العظائم فيه التهليل المشتمل على التوحيد ، وهو أصل التنزيهات الجلاليه والعظمة الدالة على تمام القدرة والحلم الدال على العلم إذ الجاهل لا يتصور منه حلم ولا كرم ، وهما أصل الأوصاف الإكرامية .
__________
(1) حاشية ابن القيم (1/162) .
(2) رواه البخاري في كتاب الدعوات برقم (6346) ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم(2730).(1/150)
قال الإمام ابن جرير : كان السلف يدعون به ويسمونه دعاء الكرب ، وهو وإن كان ذكراً لكنه بمنزلة الدعاء لخبر من شغله ذكري عن مسئلتي . اهـ .
وأشار به إلى رد ما قيل هذا ذكر لا دعاء ولما كان في جواب البعض بأن المراد أنه يفتتح دعاءه به فائدة : قال ابن بطال : عن أبي بكر الرازي كنت بأصبهان عند أبي نعيم وهناك شيخ يسمى أبا بكر عليه مدار الفتيا فسعى به عند السلطان فسجن فرأيت المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في المنام وجبريل عن يمينه يحرك شفتيه بالتسبيح لا يفتر فقال لي المصطفى صلى اللّه تعالى عليه وعلى آله وسلم قل لأبي بكر يدعو بدعاء الكرب الذي في صحيح البخاري حتى يفرج اللّه عنه فأصبحت فأخبرته فدعا به فلم يكن إلا قليلاً حتى أخرج . اهـ .
ffffff
الفصل التاسع
كتاب
القرآن الكريم
ما جاء في فضل قراءة القرآن
قال الله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) } .(1)
وقال تعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) } .(2)
إن من صفات المؤمنين أن يخشعون لذكر الله تعالى ويزدادون إيماناً مع إيمانهم بتلاوة القرآن الكريم وسماع آياته.
وقال تعالى: { اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِن الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45) } .(3)
__________
(1) سورة فاطر .
(2) سورة الأنفال.
(3) سورة العنكبوت .(1/151)
وقال تعالى: { وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (45) } .(1)
وقال تعالى: { وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (82) } (2)
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه".(3)
الله سبحانه وتعالى يُشفِّع القرآن في أصحابه، وأصحاب القرآن هم الذين كانوا يتلونه ويقرؤونه في الدنيا ويعملون به ويكون حجة لمن يقرآه ويعمل به في الدنيا وكذلك يكون حجة على الذين يقرؤونه ولا يعملون به في الدنيا.
وعن النواس بن سمعان - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما".(4)
"تقدمه" : تتقدمه.
تحاجان عن صاحبهما : تجادلان عن التالي لهما العامل بهما.
فالقرآن يكون شفيع لأصحابه يوم القيامة وثواب تلاوة وحفظ سورة البقرة وآل عمران وإنهما تحاجان عن صاحبهما.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول (ألم) حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف".(5)
__________
(1) سورة الإسراء .
(2) سورة الإسراء .
(3) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1871).
(4) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1873) والترمذي في فضائل القرآن برقم (2883).
(5) أخرجه البخاري.(1/152)
وعن ابي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده".(1)
قوله "وغشيتهم الرحمة" : قال شيخ الإسلام : وهى أن تغشاهم كما يغشى اللباس لابسه كما يغشى الرجل المرأة والليل النهار .
وقوله : ونزلت عليهم السكينة : وهو انزالها فى قلوبهم وحفتهم الملائكة أى جلست حولهم .
وذكرهم الله فيمن عنده من الملائكة . اهـ .(2)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه، وهو عليه شاق، له أجران".(3)
الماهر : أي الحاذق ، والمراد هنا جودة التلاوة مع حسن الحفظ.
والمراد بالسفرة : الكتبة. والبررة : أي المطيعين المطهرين من الذنوب.
يتتعتع فيه : أي الذي يتردد في تلاوته لضعف حفظه فله أجران: أجر بالقراءة وأجر بتتعتعه في تلاوته ومشقته.
وليس معناه : الذي يتتعتع عليه له من الأجر أكثر من الماهر به ، بل الماهر أفضل وأكثر أجراً . شرح النووي (6/85)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "لا حسد إلا في اثنين: رجل علمهُ الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، فسمعهُ جارٌ له فقال: ليتني أُوتيتُ مثل ما أُوتي فلان، فعملتُ مثلَ ما يعمل، ورجل آتاه الله مالاً فهو يهلكه في الحق، فقال رجلٌ: ليتني أُوتيتُ مثل ما أُوتيَ فلانٌ، فعمِلتُ مثلَ ما يَعْمَل".(4)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (2699).
(2) مجموع الفتاوى (12/250) .
(3) أخرجه البخاري برقم (7105) ، وأخرجه مسلم برقم (798) .
(4) رواه البخاري في كتاب فضائل القرآن برقم (5026).(1/153)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا قرأ ابن آدم السجدة فسَجَد، اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويله - وفي رواية: يا وَيْلي- أُمِرَ ابنُ آدَمَ بالسُّجُودِ فسَجَد فلَهُ الجنة، وأُمِرتُ بالسُّجود فأبَيْتُ فِلي النّار".(1)
السجدة : يعني : آية السجدة .
وعن جابر - رضي الله عنه - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجمع بين الرجلين من قتلى أُحد (يعني في القبر) ثم يقول: "أيهما أكثر أخذاً للقرآن؟" فإذا أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد".(2)
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا حسد إلا في اثنين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم بها آناء الليل وآناء النهار ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار".(3)
الآناء : الساعات.
قال العلماء : الحسد قسمان حقيقي ومجازي، فالحقيقي تمني زوال النعمة عن صاحبها وهذا حرام بإجماع الأمة مع النصوص الصحيحة، وأما المجازي فهو الغبطة وهو أن يتمنى زوال النعمة التي على غيره من غير زوالها عن صاحبها فإن كانت في أمور الدنيا كانت مباحة وإن كانت طاعة فهي مستحبة والمراد بالحديث: لا غبطة محبوبة إلا في هاتين الخصلتين وما في معناهما.
وعن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه".(4)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (81).
(2) رواه البخاري. برقم (1278) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب العلم برقم (73) وفي كتاب التوحيد برقم (7529)، وأخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1891 و 1892 و 1893).
(4) رواه البخاري في كتاب فضائل القرآن برقم (5027).(1/154)
قال المناوي في فيض القدير : "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" ، أي خير المتعلمين والمعلمين من كان تعلمه وتعليمه في القرآن لا في غيره إذ خير الكلام كلام اللّه فكذا خير الناس بعد النبيين من اشتغل به .
وقال بعض المحققين : والذي يسبق للفهم من تعلم القرآن حفظه وتعلم فقهه فالخيار من جمعهما . قال الطيبي : ولا بد من تقييد التعلم والتعليم بالإخلاص فمن أخلصهما وتخلق بهما دخل في زمرة الأنبياء .اهـ.
وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "القرآن شافع مشفع وماحل مصدق من جعله أمامه قاده إلى
الجنة ومن جعله خلفه ساقه إلى النار".(1)
وعن بريدة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قرأ القرآن وتعمله وعمل به ألبس والداه يوم القيامة تاجاً من نور ضوؤه مثلُ ضوء الشمس ويُكسى والداه حلتين لا تقوم لهما الدنيا فيقولان: بما كسينا هذا؟ فيقال: بأخذ ولدكما القرآن".(2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "من حافظ على هؤلاء الصلوات المكتوبات لم يكتب من الغافلين ومن قرأ في ليلةٍ مائة آية كتب من القانتين".(3)
القانتين : القانِتُ : الذاكر لله تعالى، كما قال عزوجل: أَمَّنْ هو قانِتٌ آناءَ الليلِ ساجداً وقائماً؟ وقيل: القانِتُ العابدُ. و القانِتُ في قوله عز وجل: وكانتْ من القانتين أَي من العابدين. والمشهورُ في اللغة أَن القُنوتَ الدعاءُ. وحقيقة القانتِ أَنه القائمُ بأَمر الله .اهـ. لسان العرب (2/74) .
__________
(1) أخرجه ابن حبان ، والبيهقي في شعب الإيمان عن جابر، صحيح الجامع برقم (4319).
(2) رواه الحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم ورواه أبو داود بالمعنى، المشكاة (2139).
(3) أخرجه ابن خزيمة والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما"، الترغيب (377).(1/155)
وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين".(1)
الله سبحانه وتعالى يرفع ذكر الذين يعملون بالقرآن في الدنيا والذين لا يعملون به يكونون في أدنى المنازل.والله سبحانه من سعة رحمته وكرمه جل وعلا يضاعف الأجر للعباد فضلاً منه ونعمة وأن الأجر يقع على الحرف وأن الحسنات تتضاعف.
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: والصواب أن يقال: إن ثواب قراءة الترتيل والتدبر أجل وأرفع قدراً، وثواب كثرة القراءة أكثر عدداً .
فالأول : كمن تصدق بجوهرة عظيمة أو أعتق عبداً قيمته نفيسه جداً.
والثاني : كمن تصدق بعدد كثير من الدراهم أو أعتق عدداً من العبيد قيمتهم رخيصة وفي صحيح البخاري عن قتادة قال: سألت أنساً عن قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: كان يمد مداً. أ.هـ. زاد المعاد (1/252)
وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة، ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر".(2)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1894) وابن ماجة في المقدمة باب فضل من تعلم القرآن وعلمه برقم (218).
(2) أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن برقم (5020 و 5059 و 7560)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1857).(1/156)
خصت الأترجة بالتمثيل دون غيرها من الفاكهة التي تجمع طيب الطعام والريح كالتفاحة لأنه يتداوى بقشرها وهو مفرح بالخاصية ويستخرج من حبها دهن له منافع وفيها منافع أخرى، وقد ذكر ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى فوائد عديدة للأترج وقال: وحقيق بشيء هذه منافعه أن يشبه به خلاصة الوجود وهو المؤمن الذي يقرأ القرآن وكان بعض السلف يحب النظر إليه لما في منظره من التفريح. أ.هـ. زاد المعاد (4/230)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من سره أن يحب الله ورسوله فليقرأ في المصحف".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أيحب أحدكم إذا رجع إلى أهله أن يجد فيه ثلاث خلفات عظام سمان؟" قلنا نعم قال: "فثلاث آيات يقرأ بهن أحدكم في صلاته خير له من ثلاث خلفاتٍ عظام سمان".(2)
"الخلفات" بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام: الحوامل من الإبل إلى أن يمضي عليها نصف أمدها ثم هي عشار والواحدة خلفة وعشراء.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يجيء صاحب القرآن يوم القيامة فيقول القرآن يا رب حلهِ فيلبس حلة الكرامة ثم يقول: يا رب زده فيلبس تاج الكرامة ثم يقول: يا رب ارض عنه فيرضى عنه فيقال له: اقرأ وارق ويزداد بكل آية حسنة".(3)
__________
(1) رواه البيهقي عن ابن مسعود، وهو في صحيح الجامع برقم (6165).
(2) رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1869) وابن ماجة في كتاب الأدب
برقم (3782).
(3) رواه الترمذي وحسنه وابن خزيمة والحاكم وقال: "صحيح الإسناد"،
صحيح الجامع (8030).(1/157)
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها".(1)
"ارتق" : اصعد في درج الجنة بقدر ما حفظته من آي القرآن.
ومنازل المؤمنين تتفاوت في الجنة حسب أعمالهم واجتهادهم في الدنيا، وفيه فضيلة حفظ القرآن وترتيله وتكون منزلته بقدر ما حفظ من القرآن.
وعن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أبشروا فإن هذا القرآن طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تهلكوا ولن تضلوا بعده أبداً".(2)
وعن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قرأ في يوم وليلة خمسين آية لم يكتب من الغافلين ومن قرأ مئة آية كتب من القانتين ومن قرأ مئتي آية لم يحاجه القرآن يوم القيامة ومن قرأ خمس مئة كتب له قنطار من الأجر".(3)
"لم يحاجه" أي : لم يخاصمه .
والقرآن يخاصم صاحبه من جهتين في التقصير في تعهده لأنه يؤدي النسيان وفي العمل به لأن فيه استهتار بحقه فمن ترك إحداها خوصم بها والله أعلم.
وفي رواية عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قرأ عشر آيات لم يكتب من الغافلين".
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن لله أهلين من الناس" قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته".(4)
__________
(1) رواه أبو داود والترمذي برقم (2914) وابن ماجة (3780) وأحمد (2/192)، المشكاة
(2134)، صفة الصلاة ( ص 125).
(2) أخرجه الطبراني عن جابر، السلسلة الصحيحة (713).
(3) رواه ابن السني، السلسلة الصحيحة (642 - 643 - 757).
(4) رواه النسائي وابن ماجة والحاكم، وصححه الألباني في الترغيب برقم (1432).(1/158)
قال ابن مسعود - رضي الله عنه - : ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذ الناس نائمون، وبنهاره إذ الناس مفطرون، وبحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخوضون، وبخشوعه إذا الناس يختالون، ولا ينبغي أن يكون جافياً ولا غافلاً ولا صخاباً ولا حديداً. (1)
صخاباً: الصخب: شدة الصوت. الحديد: شديد الغضب.
وقال الفضيل رحمه الله: حامل القرآن حامل راية الإسلام، ولا ينبغي أن يلغو مع من يلغو، ولا يسهو مع من يسهو، ولا يلهوا مع من يلهو، تعظيماً لله تعالى.
ولا ينبغي أن يكون له الى أحد حاجة، بل ينبغي أن تكون حوائج الناس إليه".(2)
ما جاء في فضل من تعلم القرآن
وعلمه لوجه الله تعالى
عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "خيركم من تعلم القرآن وعلمه". سبق تخريجه.
فينبغي على كل من تعلم القرآن وكذلك على العالم أن يبذل علمه بعد تعلمه وفيه أجر عظيم أن يتعلم المرء القرآن ويعلمه لغيره ويبلغه.
وفي هذا الحديث تشريف لمن تعلم شيئاً من القرآن وعلمه ورفع منزلته بما تعلم.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يقول الصيام رب إني منعته الطعام والشراب بالنهار فشفعني فيه ويقول القرآن رب إني منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان".(3)
__________
(1) مختصر منهاج القاصدين (ص 51).
(2) المصدر السابق.
(3) رواه أحمد والطبراني والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم"، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/181): (رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجال الطبراني رجال الصحيح)، وقال في(10/381) : رواه أحمد وإسناده حسن على ضعف في ابن لهيعة وقد وثقه. وصححه العالمة الألباني في تمام المنة (ص 94)، والمشكاة (1963)، وصحيح الترغيب (973).(1/159)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران".(1)
السفرة : هم الملائكة الرسل إلى الرسل صلوات الله عليهم، لأنهم يسفرون إلى الناس برسالات الله، وقيل السفرة الكتبة.
والبررة : المطيعون من البر وهو الطاعة.
فالذي يداوم على قراءة القرآن ويحرص عليه أعظم من منزلة من لا يداوم على قراءته ومن يقرأ القرآن وهو شاق عليه فله أجران أجر على قراءته وآخر على مشقته وتعتعته.
قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: يحتمل أن يكون معنى كونه مع الملائكة أن له في الآخرة منازل يكون فيها رفيقاً للملائكة السفرة لإتصافه بصفتهم من حمل كتاب الله تعالى، قال: ويحتمل أن يراد أنه عامل بعملهم وسالك مسلكهم.
وعن عقبة بن عامر قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن في الصُّفةِ فقال: "أيكم يحب أن يغدوا كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم ولا قطع رحم؟" فقلنا: يا رسول الله نحب ذلك قال: "أفلا يغدوا أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين وثلاث خير له من ثلاث واربع خير له من أربع ومن إعدادهن من الإبل؟"(2)
"بطحان" بضم الباء وإسكان الطاء: موضع بقرب المدينة.
والكوما من الإبل بفتح الكاف: العظيمة السنام.
__________
(1) أخرجه البخاري (4937) ومسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1859).
(2) رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1870) ، وابو داود في كتاب الصلاة برقم (1456).(1/160)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده".(1)
فيه الحث على طلب العلم والاجتماع له ومذاكرته، وأشرف العلوم التي تُذاكر وتُدارس هي القرآن كتاب الله تعالى.
ومجالس العلم لها منزلة خاصة عند الله تبارك وتعالى بأن تنزل عليهم السكينة وتغشاهم الرحمة وتحفهم الملائكة، ويتوج ذلك كله بذكر الله لهم فيمن عنده، ولله ملائكة سياحين في الأرض يلتمسون حلق الذكر وهي مجالس العلم.
قال النووي رحمه الله تعالى: وفي هذا دليل لفضل الاجتماع على تلاوة القرآن في المسجد وهو مذهبنا ومذهب الجمهور.
قراءة سورة الفاتحة وفضلها
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6793) ، وأبو داود في كتاب الأدب (4946) وابن ماجة برقم (225).(1/161)
عن أبي سعيد الخدري قال: انطلق نفر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفرةٍ سافروها حتى نزلوا على حي من أحياء العرب فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم فلدغ سيد ذلك الحي فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعلهم أن يكون عند بعضهم شيء فأتوهم فقالوا: يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ وسعينا له بكل شيء لا ينفعه فهل عند أحدٍ منكم من شيء. فقال بعضهم: نعم والله إني لأرقي ولكن استضفناكم فلم تضيفونا فما أنا براق حتى تجعلوا لنا جعلاً فصالحوهم على قطيع من الغنم فانطلق يتفل عليه ويقرأ (الحمد لله رب العالمين) فكأنما أنشط من عقال فانطلق يمشي وما به قلبة قال: فأوفوهم جعلهم الذي صالحهوهم عليه فقال بعضهم: اقسموا فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنذكر له الذي كان فننظر ما يأمرنا فقدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكروا له ذلك فقال: "وما يدريك أنها رقية أصبتم أقسموا واضربوا لي معكم بسهم".(1)
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: وبالجملة فما تضمنته الفاتحة من إخلاص العبودية والثناء على الله وتفويض الأمر كله إليه والاستعانة به والتوكل عليه وسؤاله مجامع النعم كلها وهي الهداية التي تجلب النعم وتدفع النقم من أعظم الأدوية الشافية الكافية. أ.هـ.(2)
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الطب برقم (5749)، ومسلم في كتاب السلام برقم (2201).
(2) زاد المعاد (4/141) .(1/162)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج فهي خداج فهي خداج. قال: يا أبا هريرة إني إحيانا أكون وراء الإمام؟ قال: يا فارسي إقرأ بها في نفسك فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: قال الله عز وجل: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل" إذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين قال الله حمدني عبدي فإذا قال: الرحمن الرحيم قال الله: أثنى علي عبدي فإذا قال: مالك يوم الدين قال الله: مجدني عبدي أو قال: فوض إلي عبدي فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين قال هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل.
قال سفيان: دخلت على العلاء بن عبد الرحمن في بيته وهو مريض فسألته عن هذا الحديث فحدثني به. (1)
عن أبي سعيد بن المعلى - رضي الله عنه - قال: كنت أصلي بالمسجد فدعاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم أجبه ثم أتيته فقلت يا رسول الله إني كنت أصلي فقال:"ألم يقل الله تعالى { اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ } " ثم قال: "لأعلمنك سورة هي أعظم سورةٍ في القرآن قبل أن تخرج من المسجد" فأخذ بيدي فلما أردنا أن نخرج قلت: يا رسول الله إنك قلت: لأعلمنك أعظم سورةٍ في القرآن قال: " { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } " هي السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أوتيتُه".(2)
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة.
(2) رواه البخاري في كتاب التفسير برقم (4474).(1/163)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل -وفي رواية: فنصفها لي ونصفها لعبدي- فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين. قال الله: حمدني عبدي فإذا قال: الرحمن الرحيم قال: أثنى علي عبدي فإذا قال: مالك يوم الدين قال: مجَّدني عبدي، فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سال فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل".(1)
وعن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: بينما جبريل عليه السلام قاعد عند النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع صوتاً نقيضاً من فوقه فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم فسلم وقال: "أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطتيه".(2)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل مثل أم القرآن وهي السبع المثاني وهي مقسومة بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل".(3)
وعن انس - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - في مسير فنزل، ونزل رجل إلى جانبه، قال: فالتفت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ألا أخبرك بأفضل القرآن؟" قال: بلى فقال: "الحمد لله رب العالمين".(4)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الصلاة برقم (395).
(2) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1874) باب فضل الفاتحة، والنسائي في (عمل اليوم والليلة) (ص 438) وفي المجتبي كتاب الافتتاح.
(3) أخرجه الترمذي والنسائي، وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع برقم (5436).
(4) ورواه ابن حبان في "صحيحه" والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم"، وصححه الألباني في الترغيب (1454).(1/164)
قوله : نقيضاً : النقيض : هو الصوت . وقال النووي : أي صوتاً كصوت الباب إذا فتح.شرح النووي (6/91)
قراءة سورة البقرة وفضلها
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تجعلوا بيوتكم مقابر فإن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة".(1)
وعن أبي سعيد الخدري، عن أسيد بن حضير، وكان من الناس صوتاً بالقرآن قال: قرأت الليلة بسورة البقرة وفرسي مربوطة ويحيى ابني مضطجع قريباً مني وهو غلام فجالت جولة فقمت ليس لي هم إلا يحيى ابني فسكنت الفرس ثم قرأت فجالت الفرس فقمت ليس لي هم إلا ابني ثم قرأت فجالت الفرس فرفعت رأسي فإذا بشيء كهيئة المظلة فيها مثل المصابيح مقبل من السماء فهالني فسكنت ، فلما أصبحت غدوت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته ، فقال: اقرأ يا أبا يحيى ، قلت: قد قرأت يا رسول الله فجالت الفرس وليس لي هم إلا ابني فقال: اقرأ يا أبا يحيى قال: قد قرأت فرفعت رأسي فإذا كهيئة المظلة فيها مصابيح فهالني فقال: "ذلك الملائكة دنوا لصوتك ولو قرأت حتى تصبح لأصبح الناس ينظرون إليهم".(2)
وعن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه اقرأوا الزهراوين: البقرة وآل عمران فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيابتان أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما اقرأوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة"(3).
قال معاوية: بلغني أن البطلة السحرة.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1821)، والترمذي في سننه أبواب فضائل القرآن.
(2) أخرجه البخاري في فضائل القرآن برقم (4730) باب نزول السكينة والملائكة ثم قراءة القرآن .
(3) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1871).(1/165)
قال النووي رحمه الله تعالى: سميتا الزهراوين لنورهما وهداتيهما وعظيم أجرها.
"غمامتان" : قال أهل اللغة: الغمامة والغيابة كل شيء أظل الإنسان فوق رأسه من سحابة وغبرة وغيرها.
قال العلماء : المراد أن ثوابهما يأتي كغمامتين.
وعن النواس بن سمعان الكلابي قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تقدمه سورة البقرة وآل عمران".
وضرب لهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أمثال ما نسيتهن بعد قال: "كأنهما غمامتان أو ظلتان سوداوان بينهما شرق أو كأنهما حِزقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما".(1)
"الفرقان" : بكسر الفاء وإسكان الراء.
"الحزقان" : بكسر الحاء المهملة وإسكان الزاي. ومعناهما واحد وهما قطيعان وجماعتان يقال في الواحد فرق وحزق وحزيقة أي جماعة.
"أو ظلتان سوداوان بينهما شرق" بفتح الراء وإسكانها أي: ضياء ونور.
وعن ابن بريدة عن أبيه مرفوعاً: "تعلموا (البقرة) و (آل عمران) فإنهما الزهراوان يظلان صاحبهما يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو غيايتان، أو فرقان من طير صوافَّ".(2)
قراءة آية الكرسي وفضلها
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1873) والترمذي في فضائل القرآن برقم (2883).
(2) رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم" وصححه الألباني في الترغيب (1466).(1/166)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه كان على تمر الصدقة فوجد أثر كف كأنه قد أخذ منه فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال:تريد أن تأخذه؟ قل: من سخرك لمحمد - صلى الله عليه وسلم - قال أبو هريرة: فقلت فإذا جني قائم بين يديّ فأخذته لأذهب به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إنما أخذته لأهل بيت فقراء من الجن ولن أعود قال: فعاد فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: تريد أن تأخذه؟ فقلت: نعم فقال: قل سبحان من سخرك لمحمد - صلى الله عليه وسلم - فقلت فإذا أنا به فأردت أن أذهب به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فعاهدني أن لا يعود فتركته ثم عاد فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: تريد أن تأخذه فقلت: نعم فقال: قل سبحان من سخرك لمحمد - صلى الله عليه وسلم - فقلت فإذا أنا به فقلت: عاهدتني فكذبت وعدت لأذهبن بك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: خل عني أعلمك كلمات إذا قلتهن لم يقربك ذكر ولا أنثى من الجن قلت: وما هؤلاء الكلمات؟! قال: آية الكرسي إقرأها عند كل صباح ومساء قال أبو هريرة: فخليت عنه فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لي: "أو ما علمت أنه كذلك".
وفي رواية فإنه لن يزال عليك من الله حافظا حتى تصبح قال "صدقك وهو كذوب ذاك الشيطان".(1)
وعن أُبي بن كعب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا أبا المنذر! آية من كتاب الله معك أعظم؟" قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: "يا أبا المنذر! أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟" قال: الله لا إله إلا هو الحي القيوم. قال فضرب في صدري وقال: "والله ليهنك العلم أبا المنذر".(2)
__________
(1) رواه الترمذي عن أبي أيوب الأنصاري وقال: "حديث حسن غريب"،صحيح الترغيب برقم(1469)
(2) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1882)، وابو داود في كتاب الصلاة برقم(1460).(1/167)
قال النووي رحمه الله تعالى : إنما تميزت آية الكرسي بكونها أعظم لما جمعت من أصول الأسماء والصفات من الإلهية ، والوحدانية ، والحياة ، والعلم ، والملك ، والقدرة ، والإرادة ،وهذه السبعة أصول الأسماء والصفات والله اعلم. أ.هـ.(1)
قراءة خواتيم سورة البقرة وفضلها
عن أبي مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه".(2)
"كفتاه" : قيل معناه: كفتاه من قيام الليل وقيل من الشيطان وقيل من الآفات ويحتمل من الجميع.
وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعنده جبريل عليه السلام إذ سمع نقيضاً فوقه فرفع جبريل بصره إلى السماء فقال: هذا الباب قد فتح من السماء ما فتح قط قال: فنزل ملك فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ حرفاً منه إلا أعطيته".(3)
وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "فضلنا على الناس بثلاث جعلت الأرض كلها لنا مسجداً وجعلت تربتها لنا طهوراً وجعلت صفوفنا كصفوف الملائكة وأوتيت هؤلاء الآيات آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يُعط منه أحد قبلي ولا يعطي منه أحد بعدي".(4)
__________
(1) شرح مسلم (6/333/334) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن ومسلم في كتاب صلاة المسافرين باب فضل الفاتحة وخواتيم سورة البقرة.
(3) رواه مسلم في صلاة المسافرين والنسائي في(عمل اليوم والليلة) وفي (المجتبى) والحاكم في المستدرك(1/558).
(4) رواه مسلم في أول كتاب المساجد مواضع الصلاة، وأحمد في مسنده برقم (5/383).(1/168)
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله ختم سورة البقرة بآيتين أعطانيهما من كنز الذي تحت العرش فتعلموهن وعلموهن نساءكم وأبناءكم فإنهما صلاة وقرآن".(1)
قراءة سورة الكهف وفضلها
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قرأ الكهف كما أنزلت كانت له نوراً يوم القيامة من مقامه إلى مكة ومن قرأ عشر آيات من آخرها ثم خرج الدجال لم يسلط عليه ومن يتوضأ ثم قال: سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك كتب في رق ثم طبع بطابع فلم يكسر إلى يوم القيامة"(2).
ورواه النسائي وقال في آخره: "ختم عليها بخاتم فوضعت تحت العرش فلم تكسر إلى يوم القيامة".
وعن البراء قال: كان رجل يقرأ بسورة الكهف وعنده فرس مربوط بشطنين فتغشته سحابة فجعلت تدور وتدنوا وجعل فرسه ينفر منها فلما أصبح أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له فقال" "تلك السكينة تنزلت للقرآن"(3)
"شطن" : هو الحبل الطويل المضطرب وشطن تثنية شطنين.
وقال النووي رحمه الله تعالى: وفي هذا الحديث جواز رؤية آحاد الملائكة وفيه فضيلة القراءة وأنها سبب نزل الرحمة وحضور الملائكة وفيه فضيلة استماع القرآن.
__________
(1) أخرجه الحاكم وقال: "صحيح على شرط البخاري"، المشكاة (2173).
(2) أخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، السلسلة الصحيحة (582)، الترغيب (218).
(3) أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن برقم (5011) ومسلم في صلاة المسافرين برقم (1853).(1/169)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين".(1)
نص الشافعي على استحباب قراءة سورة الكهف ليلة الجمعة ويوم الجمعة.
وعن ابي الدرداء - رضي الله عنه - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال".(2)
ومن الأسباب كذلك حفظ أول عشر آيات من أول سورة الكهف، أو آخرها.
فعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال". قال شعبة : "من آخر الكهف" .
وقال همام : "من أول الكهف" كما قال هشام (3) .
وفي حديث النواس بن سمعان ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف"(4) .
وفي رواية لمسلم وأبي داود : "من آخر الكهف" .
قال الإمام النووي : "وقيل سبب ذلك ما في أولها من العجائب والآيات فمن تدبرها لم يفتتن بالدجال وكذا في آخرها قوله تعالى: { أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي } . " (5).
__________
(1) أخرجه النسائي والحاكم وقال: "صحيح الإسناد"، وأخرجه أبو سعيد الدارمي في مسنده موقوفاً على أبي سعيد إلا أنه قال: "من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة اضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق". و صححه العلامة الألباني في صحيح الجامع برقم (6346) والإرواء برقم (619).
(2) رواه مسلم في صلاة المسافرين برقم (1880)، وأبو داود في الملاحم برقم (4323) ، والترمذي في فضائل القرآن برقم(2886)،وأحمد في مسنده(6/446و449)والنسائي في(عمل اليوم والليلة)ص 527.
(3) رواه مسلم في كتاب "صلاة المسافرين" برقم (1342).
(4) أخرجه مسلم في "صحيحه" برقم (2937) .
(5) شرح النووي (6/93) .(1/170)
قيل : لأن في أولها من العجائب والآيات التي تثبت قلب من قرأها بحيث لا يفتن بالدجال ، ولا يستغرب ما جاء به الدجال، ولم يلهه ذلك، ولم يؤثر فيه .
وهذا من فضائل وخصوصيات سورة الكهف ، فقد حثنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - على قراءتها وخاصة في يوم الجمعة .
فعلى المسلم أن يحرص على حفظ هذه السورة وعليه أن يتعاهد قراءتها بين الحين والأخر ، وخاصة في يوم الجمعة .
وفي رواية لمسلم: "من آخرِ سُورةِ الكَهف".(1)
قراءة سورة تبارك وفضلها
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من القرآن سورة ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له وهي تبارك الذي بيده الملك".(2)
فيه فضيلة سورة الملك وأن كتاب الله يشفع لمن يقرأه ويعمل به.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ضرب بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خباءه على قبر وهو لا يحسب أنه قبر فإذا قبر إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: يا رسول الله ضربت خباءي على قبر وأنا لا أحسب أنه قبر فإذا قبر إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "هي المانعة هي المنجية تنجيه من عذاب القبر".(3)
ما جاء في سورة الإخلاص وفضلها
__________
(1) صحيح مسلم (1/556).
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة برقم(2891)، والترمذي في كتاب فضائل القرآن
(2891) وقال : (حديث حسن) ، وأخرجه النسائي في كتاب التفسير من الكبرى(624) وفي (عمل اليوم والليلة) (710) ،وابن ماجة في الأدب(3786)،والحاكم في المستدرك(2/497 - 498) وفيه:(ما هي إلا ثلاثون آية) وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، وحسنه الألباني في الترغيب برقم(1474).
(3) أخرجه الترمذي في كتاب فضائل القرآن (2890) وقال: "هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه". وضعفه الشيخ الألباني في سنن الترمذي برقم (2890).(1/171)
عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن" قالوا: وكيف يقرأ ثلث القرآن؟ قال: "قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن".
وفي رواية "إن الله عز وجل جزأ القرآن بثلاثة أجزاء فجعل (قل هو الله أحد) جزءاً من أجزاء القرآن".(1)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ: (قل هو الله أحد) يرددها فلما أصبح جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له وكان الرجل يتقالها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن".(2)
وعن أنس - رضي الله عنه - أن رجلاً قال: يا رسول الله إني أحب هذه السورة قل هو الله أحد، قال: "إن حبها أدخلك الجنة".(3)
فيه إثبات ثواب وفضل سورة الإخلاص وأنها تعدل ثلث القرآن وأنه يدخل صاحبها الجنة.
قال عبد الله بن خبيب: خرجنا في ليلة مطرٍ و ظلمةٍ شديدة نطلب النبي - صلى الله عليه وسلم - ليصلي لنا فأدركناه فقال: قل فلم أقل شيئاً ثم قال "قل" فلم اقل شيئا قال "قل" قلت يا رسول الله: ما أقول؟ قال: "قل هو الله أحد" والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات يكفيك من كل شيء".(4)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قرأ قل هو الله أحد عشر مرات بنى الله له بيتاً في الجنة".(5)
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (811).
(2) أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن برقم (5013).
(3) أخرجه البخاري تعليقاً ووصله الترمذي (2901) من طريقه عن إسماعيل بن ابي أويس.
(4) صحيح الكلم الطيب (31).
(5) الصحيحة (589)، المشكاة (2185).(1/172)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "احشدوا فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن" فحشد من حشد ثم خرج نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فقرأ: (قل هو الله أحد) ثم دخل فقال بعضنا لبعض: إني أرى هذا خبر جاءه من السماء فذاك الذي أدخله ثم خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إني قلت لكم: سأقرأ عليكم ثلث القرآن إلا أنها تعتدل ثلث القرآن".(1)
قال المازري: قيل معناه: أن القرآن على ثلاثة أنحاء قصص وأحكام وصفات لله تعالى. وقل هو الله أحد متمحضة للصفات فهي ثلث وجزء من ثلاثة أجزاء وقيل: معناه أن ثواب قراءتها يضاعف بقدر ثلث قراءة ثلث القرآن بغير تضعيف.
قوله : "احشدوا" أي : اجتمعوا .
وعن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث رجلاً على سرية وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بـ (قل هو الله أحد) فلما رجعوا ذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "سلوه لأي شيء يصنع ذلك" فسألوه فقال: لأنها صفة الرحمن فأنا أحب أن أقرأ بها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أخبروه أن الله يحبه".(2)
وفي رواية للبخاري من حديث أنس: فقال: يا فلان ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك وما يحملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة فقال: إني أحبها فقال: "حبك إياها أدخلك الجنة".
فضل قراءة الزلزلة وما يذكر معها
__________
(1) رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1885) والترمذي في فضائل القرآن برقم (2900) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد برقم (7375)، ومسلم في صلاة المسافرين برقم(1887).(1/173)
عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " (إذا زلزلت تعدل نصف القرآن") ، و "قل هو الله أحد" تعدل ثلث القرآن، و "قل يا أيها الكافرون" تعدل ربع القرآن".(1)
قال شيخ الإسلام : وأما السؤال عن معنى هذه المعادلة مع الإشتراك فى كون الجميع كلام الله فهذا السؤال يتضمن شيئين أحدهما أن كلام الله هل بعضه أفضل من بعض أم لا ، الثانى ما معنى كون قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن و ما سبب ذلك فنقول : أما الأول فهو مسألة كبيرة و الناس متنازعون فيها نزاعا منتشرا فطوائف يقولون بعض كلام الله أفضل من بعض كما نطقت به النصوص النبوية حيث أخبر عن الفاتحة أنه لم ينزل فى الكتب الثلاثة مثلها وأخبر عن سورة الإخلاص أنها تعدل ثلث القرآن وعدلها لثلثه يمنع مساواتها لمقدارها في الحروف و جعل آية الكرسي أعظم آية فى القرآن كما ثبت ذلك فى الصحيح .(2)
المعوذتان وفضلهما
عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أنزلت عليَّ آيات لم ير مثلهن قط المعوذتين".(3)
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: وفي المعوذتين الإستعاذة من كل مكروه جملة وتفصيلاً فإن الإستعاذة من شر ما خلق تعم لك شر يستعاذ منه سواء كان في الأجسام أو الأرواح.
__________
(1) رواه الترمذي والحاكم كلاهما عن يمان بن المغيرة العنزي،وحسنه الألباني في الترغيب(1477) ، وصحيح الجامع برقم (6466)،ومابين القوسين ضعفه الشيخ الألباني في ضعيف الجامع برقم(5757) .
(2) مجموع الفتاوى (17/10) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين، برقم (1889) وأحمد في مسنده (3/150 و 153) والدارمي في سننه والترمذي في أبواب فضائل القرآن.(1/174)
وقال رحمه الله تعالى: فقد جمعت السورتان الإستعاذة من كل شر ولهما شأن عظيم في الإحتراس والتحصن من الشرور قبل وقوعها ولهذا أوصى النبي - صلى الله عليه وسلم - عقبة بن عامر بقراءتها عقب كل صلاة، ذكره الترمذي في جامعه(1)
وقال في هذا سر عظيم في استدفاع الشرور من الصلاة إلى الصلاة وقال: ما تعوذ المعوذون بمثلهما. أ.هـ.(2)
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "اقرأ يا جابر!" فقلت: وما أقرأ بأبي أنت وأمي؟ قال: (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس).
فقرأتهما فقال : "أقرأ بهما ولن تقرأ بمثلهما".(3)
فضل قراءة سورة (الكهف)
ليلة الجمعة ويوم الجمعة
عن ابي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قرأ سورة (الكهف) في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين".(4)
وفي رواية: "من قرأ سورة (الكهف) ليلة الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق".(5)
فضل صلاة الاستخارة
__________
(1) أخرجه الترمذي في أبواب فضائل القرآن (2912).وضعفه الألباني في سنن الترمذي برقم(2912).
(2) زاد المعاد (4/43) .
(3) رواه النسائي، وابن حبان في "صحيحه"، وقال الألباني: (حسن صحيح) الترغيب (1486).
(4) رواه النسائي في "اليوم الليلة" والبيهقي مرفوعاً، والحاكم مرفوعاً وموقوفاً وقال: "صحيح الإسناد" وصححه الألباني في الترغيب برقم (736) ، وصحيح الجامع برقم (6470) .
(5) رواه الدارمي في "السنن" موقوفاً على أبي سعيد، وقال الألباني: "صحيح" الترغيب (736).(1/175)
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن يقول: "إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل: اللهم إني استخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا اقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال: عاجل أمري وآجله فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال: عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني به. قال: ويسمي حاجته".(1)
الاستخارة : هي طلب خير الأمرين .
وتكون مع الله عز وجل، يستخير الإنسان ربه جل وعلا إذا هم بأمر وهو لا يدري عاقبته ولا يدري مستقبله، فعليه بالاستخارة.
والاستخارة، إما أن ييسر الله هذا الأمر، أو يصرفه عنك ويبدلك خيراً منه، ولا تكون عن طريق الرؤيا أو ما شابه ذلك، ويكون بانشراح الصدر، فإذا انشرح صدره أقبل على الأمر، وإذا تردد أعاد الاستخارة، ومن ثم يشاور أهل العلم. والله أعلم .
الفصل العاشر
كتاب الطعام
فضل التسمية على الطعام
عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأكل طعاماً في ستةٍ من أصحابه فجاء أعرابي فأكله بلقمتين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أما إنه لو سمى لكفاكم"(2).
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الدعوات برقم (6382).
(2) رواه ابن حبان والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"، صححه الألباني في الترغيب برقم (2107) ، وصحيح الجامع برقم (1323) .(1/176)
وعن جابر - رضي الله عنه - أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا دخل الرجل بيته فذكر الله تعالى عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان لا مبيت لكم ولا عشاء" وإذا دخل الرجل فلم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان : أدركتم المبيت وإذا لم يذكر الله عند طعامه قال الشيطان : أدركتم المبيت والعشاء"(1).
كل ما يذكر إسم الله عليه ييأس الشيطان منه فإذا غفل حلَّ فيه غفلته ونال مراده منه، والشيطان يبيت في البيوت التي لم يذكر الله تعالى فيها ويأكل من طعام أهلها إذا لم يذكروا إسم الله عليها.
وعن أمية بن مخشي الصحابي - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالساً ورجل يأكل فلم يُسمِ حتى لم يبقَ من طعامه إلا لقمة فلما رفعها إلى فيه قال: بسم الله أوله وآخره فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: "ما زال الشيطان يأكل معه فلما ذكر اسم الله استقاء ما في بطنه"(2).
الشيطان يشارك في طعام من لم يذكر إسم الله عليه إن ذكر الله على الطعام ولو لم يبق منه إلا جزء يسير يحرم الشيطان من كل ما كان قد أكل قبل.
قال ابن القيم رحمه الله : وللتسمية في أول الطعام والشراب، وحمد الله في آخره تأثيرٌ عجيب في نفعه واستمرائه ، ودفع مضرته. قال الإمام أحمد: إذا جمع الطعام أربعاً فقد كمل: إذا ذكر اسم الله في أوله، وحُمد الله في آخره، وكثرت عليه الأيدي، وكان من حِل"(3).
__________
(1) رواه مسلم وأبو داوود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد (3/346 و 383) والبخاري في الأدب المفرد(1096).
(2) رواه أبو داوود والنسائي ، المشكاة(4203) والكلم (183) ، والرياض (735).
(3) زاد المعاد (4/232).(1/177)
وفائدة التسمية قبل الطعام أنه يحرم الشيطان من المشاركة في الأكل والإصابة منه، فعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: كنا إذا حضرنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيضع يده، وإنا حضرنا معه مرة طعاماً فجاءت جارية كأنها تُدفع فذهبت لتضع يدها في الطعام فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدها، ثم جاء أعرابي كأنما يُدفع فأخذ بيده، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الشيطان يستحلُّ الطعام أن لا يُذكر إسم الله عليه، وإنه جاء بهذه الجارية يستحل بها، فأخذت بيدها. فجاء بهذا الأعرابي يستحلُّ به، فأخذتُ بيده، والذي نفسي بيده إن يده في يدي مع يدها"(1).
ولفظ التسمية أن يقول الآكل : " بسم الله " فعن عمرو بن أبي سلمة رضي الله عنهما، قال: كنتُ غلاماً في حجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "يا غلام سم الله، وكل بيمينك ، وكل مما يليك" فما زالت تلك طِعمتي بعد"(2).
ما يقول إذا فرغ من الطعام
عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله تعالى ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها"(3).
فيه أن الذي يحمد الله بعد الأكل أو الشرب سبب لرضاء الله سبحانه وتعالى وقد جاءت صفة التحميد في البخاري" الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه غير مكفي ولا مودع ولا مستغني عنه ربنا ، وجاء غير ذلك ولو اقتصر على الحمد حصل أصل السنة.
__________
(1) رواه مسلم برقم (2017) وأحمد برقم (22738) أبو داوود برقم (3766).
(2) رواه البخاري برقم(5376) واللفظ له، ومسلم برقم (2022).
(3) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6868)، والترمذي في الأضحية برقم (1816).(1/178)
وعن معاذ بن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أكل طعاماً فقال : الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حولٍ مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه(1).
ما يقوله ويفعله من يأكل ولا يشبع
وما جاء في لعق الأصابع
عن وحشي بن حرب - رضي الله عنه - أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا: يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع قال: "فلعلكم تفترقون" قالوا: نعم. قال: " فاجتمعوا على طعامكم واذكروا إسم الله يُبارك لكم فيه"(2).
الفرقة تسلب البركة والاجتماع يورث الشبع والبركة.
الشيطان قادر على الفرد وإيقاعه في مصايده ومكايده لأنه يأكل من الغنم القاصية وأما الجماعة فهو بعيد من النيل منها لأن يد الله على الجماعة.
وذكر إسم الله عند الأكل واجب وهو محصل للبركة المرجوة بتكثير الطعام .
قيل للإمام أحمد : أيما أحب إليك يعتزل الرجل في الطعام أو يرافق؟ قال: يرافق، هذا أرفق يتعاونون، وإذا كنت وحدك لم يمكنك الطبخ ولا غيره، ولا بأس بالنهد، قد تناهد الصالحون، كان الحسن إذا سافر ألقى معهم، ويزيد أيضاً بقدر ما يلقي، يعني في السر. أ.هـ.(3)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "البركة تنزل وسط الطعام فكلوا من حافتيه ولا تأكلوا من وسطه"(4).
__________
(1) رواه أبو داوود والترمذي وابن ماجه، صحيح أبي داوود(3261).
(2) أخرجه أبو داوود برقم (3764) وابن ماجه برقم (3286) وأحمد (3/501) وغيرهم من طريق الوليد بن مسلم، وقال الألباني: "حسن لغيره"، الترغيب (2128)، المشكاة (4252).
(3) الآداب الشرعية (3/182) .
(4) أخرجه أبو داوود برقم (3772) والترمذي (1805) وابن ماجه (3277) وصححه الألباني في الترغيب برقم (2123).(1/179)
عن جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أمر بلعق الأصابع والصحفة وقال: " إنكم لا تدرون في أيها البركة"(1)
الصحفة : إناء ا يشبه القصعة تشبع الخمسة .
وفي رواية له: "إذا وقعت لقمة أحدكم فليأخذها فليمط ما كان بها من أذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابه فإنه لا يدري في أي طعامه البركة"(2).
وفي رواية "إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه حتى يحضره عند طعامه فإذا سقطت من أحدكم اللقمة فليمط ما كان بها من أذى فليأكلها ولا يدعها للشيطان فإذا فرغ فليلعق أصابعه فإنه لا يدري في أي طعامه تكون البركة" (3).
لعق : لحس .
فليمط: فلينح وليزل .
البركة : الخير الكثير .
من أذى: من غبار أو تراب أو وسخ .
الطعام: الذي يأكله الإنسان فيه بركة ولا يدري أين هي.
ffffff
الفصل الحادي عشر
كتاب الجنائز
وما يتقدمها
باب
ثواب من سأل الله العفو والعافية
عن أبي مالك الأشجعي عن أبيه، أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! كيف أقولُ حيث أسألُ ربِّي؟ قال: "قل: اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني" -ويَجمَعُ أصابِعَهُ إلا الإبهام - "فإن هؤلاءِ تَجمَعُ لك دنياكَ وآخرَتُكَ"(4).
تجمع لك دنياك وآخرتك : أي أمور دنياك وأمور آخرتك بالشروط المقررة فيما قبله . فيض القدير .
باب
ثواب من أحب لقاء الله تعالى
عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه"(5).
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الاشربة برقم (5268).
(2) رواه مسلم في كتاب الأشربة رقم (5269).
(3) رواه مسلم في كتاب الأشربة برقم (5271).
(4) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (2697).
(5) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6507) ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6761).(1/180)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه" فقلت: يا نبي الله أكراهية الموت؟ فكلنا نكره الموت قال: "ليس ذلك ولكن المؤمن إذا بشر برحمةِ الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا بشر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله وكره الله لقاءه"(1).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "قال الله عز وجل: إذا أحب عبدي لقائي أحببت لقاءه وإذا كره لقائي كرهت لقاءه"(2).
قال النووي : ومعنى الحديث أن الكراهة المعتبرة هى التى تكون ثم النزع فى حالة لا تتقبل توبته ولا غيرها فحينئذ يبشر كل إنسان بما هو صائر إليه وما أعدله ويكشف له عن ذلك ، فأهل السعادة يحبون الموت ولقاء الله لينتقلوا إلى ما أعدلهم ويحب الله لقاءهم أى فيجزل لهم العطاء والكرامة وأهل الشقاوة يكرهون لقاءه لما علموا من سوء ما ينتقلون اليه ويكره الله لقاءهم أى يبعدهم عن رحمته وكرامته ولا يريد ذلك بهم ، وهذا معنى كراهته سبحانه لقائهم وليس معنى الحديث أن سبب كراهة الله تعالى لقاءهم كراهتهم ذلك. اهـ .(3)
باب
كلمات يقولهن من آلمه شيء من جسده
عن عثمان بن أبي العاص - رضي الله عنه - ، أنه شكا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعاً يَجدُهُ في جسده منذ أسلمَ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ضع يَدَكَ على الذي تألم من جسدك وقل: بسم الله ثلاثاً وقلْ سبعَ مرات: أعوذ بالله وقدرتِهِ من شَرِّ ما أجِدُ وأحاذِرُ(4).
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6507) ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6763).
(2) أخرجه البخاري ومسلم في كتاب الذكر والدعاء.
(3) شرح النووي على صحيح مسلم ( 17/9) .
(4) رواه مسلم في كتاب السلام برقم (2202)، وأحمد في مسنده (4/21 و 217).(1/181)
قال المناوي : وهذا الأمر على جهة التعليم والإرشاد إلى ما ينفع من وضع يد الراقي على المريض ومسحه بها، ولا ينبغي للراقي العدول عنه للمسح بحديد وملح ولا بغيره،فإنه لم يفعله النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابه ففعله تمويه لا أصل له.
على الذي تألم من جسدك: أي بدنك قال ابن الكمال: والألم إدراك المنافي من حيث إنه منافي ومقابل الشيء هو مقابل ما يلائمه وفائدة قيد الحيثية الاحتراز عن إدراك المنافي لا من حيث منافاته فإنه ليس بألم، وقل بسم اللّه والأكمل إكمال البسملة ، ثلاثاً من المرات.
"وقل سبع مرات أعوذ باللّه وقدرته من شر ما أجد وأحاذر" : هذا العلاج من الطب الإلهي لما فيه من ذكر اللّه والتفويض إليه والاستعاذة بعزته وتكراره يكون أنجع وأبلغ كتكرار الدواء الطبيعي لاستقصاء إخراج المادة وفي السبع خاصية لا توجد لغيرها .اهـ.
باب
ثواب المرض والسقم والبلاء
عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" إذا اشتكى المؤمن أخلصه الله من الذنوب كما يخلص الكير من خبث الحديد" (1).
قال المناوي : "إذا اشتكى المؤمن" : أي أخبر عما يقاسيه من ألم المرض ،هذا أصله والمراد هنا إذا مرض ، سمى المرض شكوى لأنه يشكو منه غالباً إلى غيره .
وقوله : "المؤمن" : إشارة إلى البالغ في الإيمان الذي كملت فيه أخلاقه لأنه الذي يتلقاه بحسن صبر ورضا .
"أخلصه" : ذلك .
"من الذنوب" : أي الصغائر قياساً على النظائر .
__________
(1) رواه ابن أبي الدنيا في كتاب المرض والكفارات والطبراني وابن ماجه، السلسلة الصحيحة (1257)، صحيح الجامع (341).(1/182)
"كما تخلص الكير خبث الحديد" : أي صفاه تألمه بمرضه من ذنوبه كتصفية الكير للحديد من الخبث ، فإسناد التصفية إلى المرض مجازية كأنبت الربيع البقل فإن أسند الفعل إلى الله فهو على الحقيقة قال الحراني : وهذا فيما إذا تلقى العبد المرض على أنه طهرة وكفارة فحينئذ ينشيء الله له التصبر فيعاجله بفضل الله الشفاء ويبدل عوض ما أخذه المرض الصحة المباركة والخلق الأطيب كما يحقق بالتجربة لذوي البصائر ، وقال الحكيم الترمذي : المريض قد توسخ وتدنس وتكدر طيبه فأبى الله أن يضيعه فسلط عليه السقم حتى إذا تمت مدة التمحيص خرج منها كالبردة في الصفاء وفي وجهه طلاوة وحلاوة وقد تقدم أمر الله إلى العباد أن يحفظوا جوارحهم عن الدنس ليصلحوا لجوار القدس فتركوا الرعاية وضيعوا الحفظ فدلهم على أن يتطهروا بالتوبة فلم يفعلوا وأصروا على جهد من نفوسهم الشهوانية ثم دعاهم إلى الفرائض ليتطهروا بها فخلطوها وغشوها وأدّوها على النقصان والوسوسة والمكاسب الرديئة فلم تكن مطهرة لهم إذ لا تطهر النجاسة بالنجاسة ولا ينقى الدنس بالوسخ فلما رأى حالتهم هذه رحمهم فداواهم بالأسقام ليطهرهم فإذا قابل المريض ذلك بالصبر أخرجه صافياً طاهراً . اهـ . فيض القدير .
عن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها"(1).
وعن صهيب الرومي - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"عجباً لأمر المؤمن إن أمر كله خير وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له"(2).
__________
(1) أخرجه مسلم وأحمد والترمذي.
(2) رواه مسلم في كتاب الزهد برقم (2999).(1/183)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " مثل المؤمن كمثل الزرع لا تزال الرياح تفيئه ولا يزال المؤمن يصيبه بلاءٌ ومثل المنافق كمثل شجرة الأرز لا تهتز حتى تستحصد"(1).
تستحصد أي : لا تتغير حتى تنقلع مرة واحدة كالزرع الذي انتهى يبسه
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" من يرد الله به خيراً يصب منه"(2).
يصب منه : أي يوجه إليه مصيبة ويصيبه ببلاء.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :قال الله تعالى :"إذا ابتليت عبدي المؤمن فلم يشكني إلى عواده أطلقته من إساري ثم أبدلته لحماً خيراً من لحمه ودماً خيراً من دمه ثم يستأنف العمل"(3).
قال المناوي في فيض القدير : "قال اللّه تعالى إذا ابتليت عبدي المؤمن" : أي اختبرته وامتحنته .
"فلم يشكني" : أي لم يخبر بما عنده من الألم .
"إلى عوّاده" أي زوّاره في مرضه وكل من أتاك مرة بعد أخرى فهو عائد لكنه اشتهر في عائد المريض كما سبق .
"أطلقته من إساري" : أي من ذلك لمرض .
"ثم أبدلته لحماً خيراً من لحمه" : الذي أذهبه الألم .
"ودماً خيراً من دمه" : الذي أذهبه الألم .
"ثم يستأنف العمل" أي يكفر المرض عمله السيء ويخرج منه كيوم ولدته أمه ثم يستأنف وذلك لأن العبد لما تلطخ بالذنوب ولم يتب طهره من الدنس بتسليط المرض فلما صبر ورضي أطلقه من أسره بعد غفره ما كان من إصره ليصلح لجواره بدار إكرامه فبلاؤه نعمة وسقمه منة وفي إفهامه أنه إذا شكى لم ينل هذه المثوبة .
__________
(1) رواه مسلم في كتاب صفات المنافقين برقم (2809)
(2) رواه البخاري في كتاب المرض برقم (5645)
(3) رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرط البخاري ومسلم" المستدرك (1/348-349) وقال الذهبي على شرطهما وفيه : ولم يشكني بدل فلم يشكي .صحيح الجامع رقم (4301) .(1/184)
وعن شداد بن أوس ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "قال الله تعالى : إذا ابتليت عبدا من عبادي مؤمنا فحمدني و صبر على ما بليته فإنه يقوم من مضجعه ذلك كيوم ولدته أمه من الخطايا و يقول الرب عز و جل للحفظة : إني أنا قيدت عبدي هذا و ابتليته فأجروا له ما كنتم تجرون له قبل ذلك من الأجر و هو صحيح"(1).
قال الغزالي : إنما نال العبد هذه المرتبة لأن كل مؤمن يقدر على الصبر على المحارم وأما الصبر على البلاء فلا يقدر عليه إلا ببضاعة الصديقين فإن ذلك شديد على النفس فلما قاسى مرارة الصبر جوزي بها الجزاء الأوفى اهـ .
وفيه ترغيب في الصبر وتحذير من الشكوى لكن ليس من الشكوى قول المريض إني وجع أو وارأساه إذا اشتد به الوجع ونحو ذلك وقد ترجم البخاري باب ما رخص للمريض أن يقول إني وجع قال الطبري : وقد اختلف في ذلك والتحقيق أن الألم لا يقدر أحد على دفعه والنفوس مجبولة على وجدان ذلك فلا يستطاع تغييرها عما جبلت وإنما كلف العبد أن لا يقع منه حال المرض أو المصيبة ما له سبيل إلى تركه كالمبالغة في التأوّه ومزيد الجزع والضجر وأما مجرد الشكوى فلا . فيض القدير .
باب
ثواب من عاد مريضاً
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادةُ المريض، واتباعُ الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطِس".(2)
التشميت : التبريك ، والعرب تقول "شمتَّه" إذا دعا له بالبركة، وشمَّت عليه إذا برَّك عليه. ويقال: التسميت، بالسين المهملة. وبالمعجمة أعلى، وهو الدعاء للعاطس وهو قولك: يرحمك الله.
"حق المسلم على المسلم" : أي حق الحرمة والصحبة .
"خمس" من الخصال والحق يعم وجوب العين والكفاية والندب .
__________
(1) صحيح الجامع حديث رقم (4300) .
(2) صحيح الجامع رقم (3150) .(1/185)
"رد السلام" : فهو واجب كفاية من جماعة من سلم عليهم لأن السلام معناه الأمان فإذا ابتدأ به أخاه فلم يجبه توهم منه الشر فوجب دفع ذلك التوهم بالرد .
"وعيادة المريض" : المسلم فهي واجبة حيث لا متعهد له فإن كان ندبت .
"واتباع الجنائز" : فإنه فرض كفاية كرد السلام ، قال ابن الكمال : وقد نقل أهل الإجماع أن إيجاب تجهيزه لقضاء حقه فكان على الكفاية لصيرورة حقه مقضياً بفعل البعض .
"وإجابة الدعوة" : بفتح الدال إذا دعى مسلم مسلماً إلى وليمة عرس وجبت أو لغيرها أو لنحو إعانة ندبت .
"وتشميت العاطس" : أي الدعاء له بالرحمة والبركة إذا حمد اللّه ، قال الطيبي : يجوز عطف السنة على الواجب إن دلت عليه قرينة كصوم رمضان وستة من شوال ، قال البغوي : وهذه كلها يستوي فيها جميع المسلمين برهم وفاجرهم غير أنه يختص البر بنحو بشاشة ومساءلة ومصافحة دون المظهر للفجور .
وفي رواية عنه : "خمس تجب للمسلم على أخيه : رد السلام و تشميت العاطس و إجابة الدعوة و عيادة المريض و اتباع الجنازة "(1).
وعن أبي هريرة أيضاً : "ثلاث كلهن حق على كل مسلم : عيادة المريض و شهود الجنازة و تشميت العاطس إذا حمد الله"(2) .
وعنه أيضاً:"خمس من حق المسلم على المسلم: رد التحية و إجابة الدعوة و شهود الجنازة و عيادة المريض و تشميت العاطس إذا حمد الله"(3) .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "من عاد مريضاً لم يحضر أجله فقال عند سبع مرات أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك إلا عافاه الله من ذلك المرض".(4)
__________
(1) صحيح الجامع حديث رقم (3241) .
(2) صحيح الجامع حديث رقم (3035) .
(3) صحيح الجامع حديث رقم (3251) .
(4) رواه أبو داود والترمذي وحسنه وابن حبان والحاكم وقال: "صحيح على شرط البخاري"، المشكاة (1553)، الكلم (149) ، وصحيح الجامع رقم (6388) .(1/186)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا
ترد دعوة المريض حتى يبرأ".(1)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من رأى مبتلى فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا لم يصبه ذلك البلاء".(2)
وفي رواية عنه - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "إذا رأى أحدكم مبتلى فقال : الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به و فضلني عليك و على كثير من عباده تفضيلا كان شكر تلك النعمة"(3) .
قال المناوي : قوله : إذا رأى أحدكم مبتلى فقال الحمد لله الذي عافاني : أي نجاني وسلمني ، قال في الصحاح : العافية دفاع الله عن العبد. مما ابتلاك به : قال الطيبي : فيه إشعار بأن الكلام ليس في مبتلى بنحو مرض أو نقص خلقة بل لكونه عاصياً متخلفاً خلع العذار ولذلك اطبه بقوله مما ابتلاك به ولو كان المراد المريض لم يحسن الخطاب بقوله "وفضلني عليك" أي صيرني أفضل منك أي أكثر خيراً أو أحسن حالاً ، وفي الصحاح فضله على غيره : حكم له بذلك أو صيره كذلك .
وعلى كثير من عباده : مصدر مؤكد لما قبله كان شكر تلك النعمة أي كان قوله ما ذكر قياماً بشكر تلك النعمة المنعم بها عليه ، وهي معافاته من ذلك البلاء،والخطاب في قوله: ابتلاك،وعليك :يؤذن بأن يظهر له ذلك ويسمعه إياه،وموضعه ما إذا لم يخف فتنته. اهـ.
باب
ما يقول إذا رأى مبتلى بمرض أو غيره
__________
(1) أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب المرض والكفارات.
(2) رواه الترمذي، المشكاة (3668)، الإرواء (2453)،وصحيح الجامع حديث رقم (6248) .
(3) صحيح الجامع حديث رقم (555) .(1/187)
عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من رأى صاحب بلاء فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثيرٍ ممن خلق تفضيلاً، إلا عوفي من ذلك البلاء كائناً ما كان ما عاش".
وفي رواية: "لم يصبه ذلك البلاء".(1)
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى : قال العلماء من أصحابنا وغيرهم: ينبغي أن يقول هذا الذكر سراً بحيث يسمع نفسه ولا يسمعه المبتلي لئلا يتألم قلبه بذلك إلا أن تكون بليته معصية فلا بأس أن يسمعه ذلك إن لم يخف من ذلك مفسدة والله أعلم. أ. هـ.(2)
باب
ثواب الرقى وفضلها وما يقال عند المريض من الدعاء ونحوه
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رجلاً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - رقى لديغاً بفاتحة الكتاب فجعل يتفل عليه ويقرأ " الحمد لله رب العالمين " فكأنما نشط من عقال فانطلق يمشي وما به قَلَبة(3)... الحديث
لديغاً : اللَّدِيغُ . ويقال : أَلْدَغْتُ الرجل إِذا أَرْسَلْتَ إِليه حَيْةً تَلْدَغُه . وفي الحديث : وأَعوذُ بك أَن أَمُوتَ لَدِيغاً ؛ اللَّدِيغُ : المَلْدُوغُ ، فَعِيلٌ بمعنى مَفْعُولٍ . و لَدَغَه بكلمة يَلْدَغُه لَدْغاً : نَزَغَه بها ، ورجل مِلْدَغٌ: يفعل ذلك بالناس، وأَصابه منه ذُبابٌ لادِغٌ أَي شرٌّ .(4)
نشِط من عِقال : أي حُلَّ ، يقال نَشَطتُ العقْدة إذا عَقَدتَها وأنشَطتُها وانتَشَطتُها إذا حلَلتَها ، يقال نَشَطتُ الدَّلو من البئر أنشُطُها نشطاً إذا جَذبتَها ورَفعتَها إليك . اهـ .(5)
وما به قَلَبة : أي مابه علة .
__________
(1) صحيح الترمذي (2728) والصحيحة (602)، وصحيح الترغيب (3392).
(2) الأذكار (ص48) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الإجارة برقم (2276) وفي كتاب الطب برقم(5749) ، ومسلم في كتاب السلام برقم (5697).
(4) لسان العرب (8/449) .
(5) النهاية (5/56).(1/188)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من عاد مريضا لم يحضر أجَلَهُ فقال عنده، سبع مرات: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك ويعافيك إلا عافاه الله تعالى".(1)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على أعرابي يعوده، قال وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل على مريض يعوده قال: "لا بأس، طهورٌ إن شاء الله. فقال له: لا بأس طهور إن شاء الله. قال: قلت طهورٌ؟ كلا، بل هي حمى تفور -أو تثور- على شيخٍ كبيرٍ، تُزيره القبور. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - فنعم إذاً"(2)
قوله "لا بأس" أي : أن المرض يكفر الخطايا ، فإن حصلت العافية فقد حصلت الفائدتان ، وإلا حصل ربح التكفي .
وقوله :"طهور" قال ابن حجر : هو خبر مبتدأ محذوف أي هو طهور لك من ذنوبك أي مطهرة.(3)
وفي حديث سعد بن أبي وقاص ، عندما عاده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه، وفيه: "ثم وضع يده على جبهته، ثم مسح يده على وجهي وبطني، ثم قال: اللهم اشف سعدا... الحديث".
وعند مسلم: "اللهم اشف سعداً، اللهم اشف سعداً ثلاث مرات".(4)
قال ابن الجوزي : وفي قوله "اللهم اشف سعدا" دليل على استحباب الدعاء للمريض بالعافية".(5)
وعن عائشة رضي الله عنها، "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أتى مريضاً أو أُتي به إليه قال: "أذهب البأس، رب الناس، اشف وأنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما".
__________
(1) أخرجه أبو داود برقم (3106) والترمذي (2083) والحاكم (1/342) من طريق يزيد أبو خالد عن المنهال بن عمرو عن سعيد عن ابن عباس وذكره، المشكاة (1553) والكلم (149).
(2) رواه البخاري برقم (3616).
(3) فتح (10/124) .
(4) رواه البخاري برقم (5659) ومسلم برقم (1628).
(5) كشف المشكل من حديث الصحيحين (1/233) رقم (164).(1/189)
وعند مسلم : "كان إذا اشتكى منا إنسان مسحه بيمينه ثم قال :
اذهب الباس رب الناس".. الحديث(1)
وعند مسلم أيضاً : عن عائشة : "كان إذا اشتكى رقاه جبريل قال : بسم الله يبريك من داء يشفيك و من شر حاسد إذا حسد و شر كل ذي عين" .
قال المناوي في فيض القدير : "كان إذا اشتكى" : أي مرض ، والشكاية كما قال الزركشي المرض .
"ورقاه جبريل قال بسم اللّه يبريك" : الاسم هنا يراد به المسمى فكأنه قال اللّه يبريك من قبيل { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } .(2)ولفظ الاسم عبارة عن الكلمة الدالة على المسمى والمسمى هو مدلولها لكن قال : يتوسع فيوضع الاسم موضع المسمى مسامحة ذكره القرطبي .
"من كل داء يشفيك ومن شر حاسد إذا حسد" خصه بعد التعميم لخفاء شره .
__________
(1) رواه البخاري برقم (5675) ومسلم برقم (2191).
(2) الأعلى الآية (1) .(1/190)
"وشر كل ذي عين" : من عطف الخاص على العام لأن كل عائن حاسد ولا عكس فلما كان الحاسد أعم كان تقديم الاستعاذة منه أهم وهي سهام تخرج من نفس الحاسد والعائن نحو المحسود والمعيون تصيبه تارة وتخطئه أخرى ، فإن صادفته مكشوفاً لا وقاية عليه أثرت فيه ولا بد وإن صادفته حذراً شاكي السلاح لا منفذ فيه للسهام خابت فهو بمنزلة الرمي الحسي لكن هذا من النفوس والأرواح وذلك من الأجسام والأشباح ، ولهذا قال ابن القيم : استعاذ من الحاسد لأن روحه مؤذية للمحسود مؤثرة فيه أثراً بيناً لا ينكره إلا من هو خارج عن حقيقة الإنسانية وهو أصل الإصابة بالعين فإن النفس الخبيثة الحاسدة تتكيف بكيفية خبيثة تقابل المحسود فتؤثر فيه بتلك الخاصة والتأثير كما يكون بالاتصال قد يكون بالمقابلة وبالرؤية وبتوجه الروح وبالأدعية والرقى والتعوذات وبالوهم والتخييل وغير ذلك ، وفيه ندب الرقية بأسماء اللّه وبالعوذ الصحيحة من كل مرض وقع أو يتوقع وأنه لا ينافي التوكل ولا ينقصه ، وإلا لكان المصطفى - صلى الله عليه وسلم - أحق الناس بتحاشيه فإن اللّه لم يزل يرقى نبيه في المقامات الشريفة والدرجات الرفيعة إلى أن قبضه وقد رقى في أمراضه حتى مرض موته فقد رقته عائشة في مرض موته ومسحته بيدها ويده وأقر ذلك . اهـ .
هوعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، "أن جبريل أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا محمد اشتكيت؟ فقال: نعم . قال :بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك،
من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك، باسم الله أرقيك "(1)
وعن عائشة رضي الله عنها : "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول للمريض بسم الله تربة أرضنا بريقة بعضنا يشفى سقيمنا بإذن ربنا ".
__________
(1) رواه مسلم برقم (2186)، وأحمد برقم (1140)، والترمذي برقم (972)، وابن ماجة برقم (3523).(1/191)
ولفظ مسلم : "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا اشتكى الإنسان الشيء منه، أو كانت به قرحةٌ أو جرح ". قال النبي - صلى الله عليه وسلم - بإصبعه هكذا ووضع سفيان سبابته على الأرض ثم رفعها " بسم الله تربة أرضنا بريقة بعضنا . ليُشفى سقيمنا. بإذن ربنا "(1)
قال النووي : ومعنى الحديث : أنه يأخذ من ريق نفسه على أصبعه السبابة، ثم يضعها على التراب فيعلق بها منه شيء فيمسح به على الموضع الجريح أو العليل ويقول هذا الكلام في حال المسح والله أعلم أ. هـ(2)
باب
ثواب الصبر على البلاء
قال الله تعالى: { وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ تاخخب الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) } (3)
__________
(1) رواه البخاري برقم (5745) ومسلم برقم (2194).
(2) شرح مسلم (14/151).
(3) سورة البقرة .(1/192)
وقال تعالى: { وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) } .(1) وقال تعالى: { وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ } .(2) وقال تعالى: { وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (59) } .(3)
وقال تعالى { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) } (4)
وقال تعالى { الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) } (5)
الصبر لغة : الحبس
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: "الصبر شرعاً هو: حبس النفس على ثلاثة أمور : الأول : طاعة الله
والثاني : عن محارم الله
والثالث : على أقدار الله المؤلمة
فهذه أنواع الصبر التي ذكرها أهل العلم .أ.هـ.(6)
__________
(1) سورة الرعد.
(2) سورة الحج الآية (34-35).
(3) سورة العنكبوت.
(4) سورة الزمر .
(5) سورة العنكبوت .
(6) شرح رياض الصالحين (1/119) .(1/193)
وقال رحمه الله تعالى : الإنسان عند حلول المصيبة له أربع حالات :
الحالة الأولى : أن يتسخط
والحالة الثانية : أن يصبر
والحالة الثالثة : أن يرضى
والحالة الرابعة : أن يشكر
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ومن يتصبر يصبره الله وما أُعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر"(1)
قال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: وأما من وفقه الله تعالى للصبر عند وجود هذه المصائب فحبس نفسه عن التسخط قولاً وفعلاً واحتسب أجرها عند الله وعلم أن ما يدركه من الأجر بصبره أعظم من المصيبة التي حصلت له ، بل المصيبة تكون نعمة في حقه لأنها صارت طريقاً لحصول ما هو خير له وأنفع منها فقد امتثل أمر الله وفاز بالثواب. فلهذا قال الله تعالى : { وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ تاخخب } . أي بشرهم بأنهم يوفون أجورهم بغير حساب فالصابرين هم الذين فازوا بالبشارة العظيمة والمنحة الجسيمة .أ.هـ .(2)
قال - صلى الله عليه وسلم - : "إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصيبته بي ، فإنها أعظم المصائب"(3)
قال المناوي: "إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر" : أي يتذكر "مصيبته بي" : أي بفقدي من بين أظهر هذه الأمة وانقطاع الوحي والإمداد السماوي .
"فإنها من أعظم" : وفي رواية من أشد .
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) تيسير الكريم الرحمن (1/100) .
(3) صحيح الجامع رقم (347) .(1/194)
"المصائب" : بل هي أعظمها بدليل خبر ابن ماجه إن أحداً من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشد ليه من مصيبتي وكونها من أعظم لا ينافي كونها أعظم إذ بعض الأعظم قد يكون أعظم بقية أفراده . ألا ترى إلى قول أنس - رضي الله عنه - : "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - من أحسن الناس خلقاً" مع كونه أحسنهم خلقاً إجماعاً ولم ينتبه لهذا من تكلف وزعم زيادة من وإنما كانت أعظم المصائب لانقطاع الوحي وظهور الشر بارتداد العرب وتحزب المنافقين وكان موته أول نقصان الخير قال أنس - رضي الله عنه - ما نفضنا أيدينا من التراب من دفنه حتى أنكرنا قلوبنا ومن أحسن ما كتب بعضهم لأخيه يعزيه بابنه ويسليه قوله : اصبر لكل ملمة وتجلد ، واعلم بأن المرء غير مخلد وإذا ذكرت محمداً ومصابه فاذكر مصابك بالنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - ، مقصود الحديث أن يذكر المصاب وقوع المصيبة العظمى العامة بفقد المصطفى - صلى الله عليه وسلم - يهون عليه ويسليه ، فلا ينافي ذلك الخبر الآتي إن الله إذا أراد رحمة أمة قبض نبيها قبلها لاختلاف الاعتبار . اهـ .
وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته قبضتم عبدي ؟ فيقولون : نعم فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده ؟ فيقولون : نعم فيقول: فماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد"(1)
قال المناوي في فيض القدير : "إذا مات ولد العبد" : أي الإنسان ولو أثنى .
"قال الله لملائكته":الموكلين بقبض الأرواح. "قبضتم ولد عبدي": أي روحه .
"فيقولون نعم فيقول قبضتم ثمرة قؤاده":أي نتيجته كالثمرة تنتجها الشجرة .
__________
(1) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن"، صحيح الجامع رقم (795) .(1/195)
"فيقولون نعم فيقول ماذا قال عبدي فيقولون حمدك واستجع" : أي قال إنا لله وإنا إليه راجعون.قال الطيبي : رجع السؤال إلى تنبيه الملائكة على ما أراد اله من التفضل على عبده الحامد لأجل تصبره على المصائب وعدم تشكيه بل إعداده إياها من النعم الموجبة للشكر ثم استرجاعه وأن نفسه ملك لله وإليه المصير ، وقال أولاً : ولد عبدي : أي فرع شجرته ثم ترقى إلى ثمرة فؤاده أي نقاوة خلاصته فإن خلاصة المرء الفؤاد إنما يعتد به لمكان اللطيفة التي خلق لها فحقيق لمن فقد تلك النعمة فتلقاها بالحمد أن يكون هو محموداً حتى المكان الذي يسكنه ولذلك قال :
"فيقول الله تعالى لملائكته ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة" : يسكنه في الآخرة "وسموه بيت الحمد" : أخذ من تسميته به أن الأسقام والمصائب لا يثاب عليها لأنها ليست بفعل اختياري بل هو على الصبر وهو ما عليه ابن السلام وابن القيم قالا : فهو إنما نال ذلك البيت بحمده واسترجاعه لا بمصيبته ، وإنما ثواب المصيبة يكفر الخطايا لكن الأصح خلافه . اهـ .
وعن صهيب الرومي - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك إلا للمؤمن إذا أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإذا أصابته ضراء صبر فكان خيراً له "(1)
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق برقم (2999).(1/196)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : فالمؤمن إذا كان صبورا شكورا يكون ما يقضى عليه من المصائب خيرا له و إذا كان آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر مجاهدا في سبيله كان ما قدر له من كفر الكفار سبب للخير فى حقه و كذلك إذا دعاه الشيطان و الهوى كان ذلك سببا لما حصل له من الخير فيكون ما يقدر من الشر إذا نازعه و دافعه كما أمره الله و رسوله سببا لما يحصل له من البر و التقوي و حصول الخير و الثواب و ارتفاع الدرجات فهذا و أمثاله مما يبين معنى هذا الكلام والله أعلم.اهـ.(1)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط"(2).
فيه الحث للعبد على الصبر على المصائب حتى يكتب له الرضى من الله عز وجل والثواب الكامل بإذن الله تعالى.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما يزا ل البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه من خطيئة"(3).
وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال : قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاءً قال: " الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يُبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان دينه صلباً اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلاه الله على حسب دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة"(4).
__________
(1) مجموع الفتاوى (8/549).
(2) أخرجه الترمذي برقم (2396) في كتاب الزهد، صحيح الجامع (308) والصحيحة (146) عن أنس رضي الله عنه.
(3) أخرجه الترمذي في كتاب الزهد برقم (2399)، وأحمد في مسنده (2/287، 450) وقال الترمذي: "حسن صحيح"، صحيح الجامع (5815).
(4) رواه ابن ماجه والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح" وابن حبان ، وصححه العلامة الألباني رحمه الله في الصحيحة(143)(1/197)
وفي الصحيحين مرفوعاً: "الصبر عند الصدمة الأولى"(1).
وقال ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى: ومن علاج المصيبة :أن يوازن بين أعظم اللذتين والتمتعين، و أدومهما لذة تمتعه بما أُصيب به ولذةِ توفيقه ، وإن آثر المرجوح من كل وجه فليعلم أن مصيبته في عقله وقلبه ودينه أعظم من مصيبته التي أُصيب بها في دنياه.أ.هـ.(2)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال : مرَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بامرأة تبكي عند قبر فقال: " اتقي الله واصبري فقالت: إليك عني فإنك لم تُصب بمصيبتي ولم تعرفه فقيل لها: إنه النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم تجد عنده بوابين فقالت: لم أعرفك يا رسول الله فقال: " إنما الصبر عند الصدمة الأولى"(3).
وفي رواية لمسلم: "تبكي علي صبي لها".
الصبر الذي يثاب الإنسان عليه هو أن يصبر أول ما تصيبه المصيبة ويحتسب عند الله الأجر والثواب هذا هو الصبر.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : من فوائد هذا الحديث أن الصبر الذي يُحمد فاعله الصبر عند الصدمة الأولى: يصبر الإنسان ويحتسب ويعلم أن لله ما أخذ وله ما أعطى وأن كل شيء عنده بأجل مسمى. أ.هـ.(4) وفي الحديث القدسي ، قال الله عز وجل: "ابن آدم إن صبرت عند الصدمة الأولى لم أرض لك ثواباً دون الجنة"(5).
باب
استحباب التبشير
قال الله تعالى : { فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } .(6)
__________
(1) البخاري في كتاب الجنائز برقم (1302) ومسلم في كتاب الجنائز برقم (926).
(2) زاد المعاد (4/153) .
(3) أخرجه البخاري في الجنائز برقم(1283) ومسلم في كتاب الجنائز برقم (926)، واللفظ للبخاري.
(4) شرح رياض الصالحين (1/169) .
(5) رواه ابن ماجه.
(6) سورة الزمر الآية (17-18).(1/198)
وقال تعالى: { يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) } .(1)
و عن أبي سعيد الخدري ، وأبي هريرة رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:" من قال: لا إله إلا الله و الله أكبر صدَّقة ربَّه فقال: لا إله إلا أنا وأنا أكبر وإذا قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قال: يقول لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي، وإذا قال: لا إله إلا الله له الملك وله الحمد قال لا إله إلا أنا لي المُلك ولي الحمد وإذا قال: لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله قال: لا إله إلا أنا ولا حول ولا قوة إلا بي".
وكان يقول " من قالها في مرضه ثم مات لم تطعمه النار"(2).
باب
ثواب من كان آخر كلامه لا إله إلا الله
عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة"(3).
قال المناوي في فيض القدير : من كان آخر كلامه : في الدنيا.
لا إله إلا اللّه : قال أبو البقاء : آخر بالرفع اسم كان ولا إله إلا اللّه في موضع نصب خبر كان ويجوز عكسه اهـ
__________
(1) سورة التوبة .
(2) صحيح الترمذي (2727) ، صحيح الجامع رقم (713) .
(3) رواه أبو داود والحاكم وقال: "صحيح الإسناد"، وصححه العلامة الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (6479)، الإرواء (679).(1/199)
دخل الجنة : لأنها شهادة شهد بها عند الموت وقد ماتت شهواته وذهلت نفسه لما حل به من هول الموت وذهب حرصه ورغبته وسكنت أخلاقه السيئة وذل وانقاد لربه فاستوى ظاهره بباطنه فغفر له بهذه الشهادة لصدقه ، وقائلها في الصحة قلبه مشحون بالشهوات والغي ونفسه شرهة بطرة ميتة على الدنيا عشقاً وحرصاً فلا يستوجب بذلك القول مغفرة بخلاف قائلها عند الموت، ومثل من قالها في الصحة بعد رياضة نفسه وموت شهواته وصفائه عن التخليط قاله الغزالي ، فنسأل اللّه أن يجعلنا في الخاتمة من أهل لا إله إلا اللّه حالاً ومقالاً وظاهراً وباطناً حتى نودع الدنيا غير ملتفتين إليها بل متبرمين منها ومحبين للقاء اللّه . اهـ .
باب
ثواب تغسيل الميت وكتم ما يرى من مكروه
عن أبي رافع عن أسلم مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:" من غَسَّلَ ميتاً فكتم عليه غفر الله له أربعين مرة، ومن كفن ميتاً كساه الله من سندس واستبرق في الجنة ، ومن حفر لميت قبراً فأجنه فيه أجرى اللهله من الأجر كأجر مسكنٍ أسكنه إلى يوم القيامة"(1).
"فكتم عليه" أي : كتم عليه ما قد يرى في بعض الأموات من سواد الوجه وتغير الخلقة ونحو ذلك.
باب
ثواب ما يقول من مات له ميت
قال الله تعالى: { الذين إذا أصابتهم مصيبةٌ قالوا إنّأ لله وإنّا إليه راجعون أولئك عليهم صلواتٌ من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون } (2).
__________
(1) رواه الحاكم (354 و362) والبيهقي (3/395)،وصححه الألباني، الجنائز (ص51)، الترغيب برقم (3492).
(2) سورة البقرة الآية (156)(1/200)
وعن ابن موسى - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته قبضتم ولد عبدي ؟ فيقولون نعم فيقول:قبضتم ثمرة فؤاده ؟ فيقولون : نعم فيقول : فماذا قال عبدي ؟ فيقولون حمدك واسترجع فيقول الله تعالى : ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد. (1).
قال شيخ الإسلام : ونبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - هو صاحب لواء الحمد وأمته هم الحمادون الذين يحمدون الله على السراء والضراء والحمد على الضراء يوجبه مشهدان :
أحدهما : علم العبد بأن الله سبحانه مستوجب لذلك مستحق له لنفسه فإنه أحسن كل شئ خلقه واتقن كل شئ وهو العليم الحكيم الخبير الرحيم .
__________
(1) رواه الترمذي و حسنه ابن ماجه، وحسنه العلامة الألباني رحمه الله، صحيح الجامع(807)، السلسلة الصحيحة(1408).(1/201)
و الثانى :علمه بأن اختيار الله لعبده المؤمن خير من اختياره لنفسه كما روى مسلم فى صحيحه وغيره عن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال : "والذى نفسى بيده لا يقتضى الله للمؤمن قضاء الا كان خيرا له وليس ذلك لأحد الا للمؤمن ان اصابته سراء شكر فكان خيرا له وان اصابته ضراء صبر فكان خيرا له" ، فأخبر النبى - صلى الله عليه وسلم - أن كل قضاء يقضيه الله للمؤمن الذى يصبر على البلاء ويشكر على السراء فهو خير له . قال تعالى : ان فى ذلك لايات لكل صبار شكور وذكرهما فى اربعة مواضع من كتابه ، فأما من لايصبر على البلاء ولا يشكر على الرخاء فلا يلزم ان يكون القضاء خيرا له ولهذا اجيب من اورد هذا على ما يقضى على المؤمن من المعاصى بجوابين : احدهما ان هذا انما يتناول ما اصاب العبد لا ما فعله العبد كما فى قوله تعالى ما اصابك من حسنة فمن الله اى من سراء وما اصابك من سيئة فمن نفسك اى من ضراء وكقوله تعالى وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون اى بالسراء والضراء كما قال تعالى ونبلوكم بالشر والخير فتنة وقال تعالى ان تمسسكم حسنة تسؤهم وان تصبكم سيئة يفرحوا بها فالحسنات والسيئات يراد بها المسار والمضار ويراد بها الطاعات والمعاصى .(1/202)
والجواب الثانى : ان هذا فى حق المؤمن الصبار الشكور والذنوب تنقض الايمان ، فاذا تاب العبد أحبه الله وقد ترتفع درجته بالتوبة قال بعض السلف كان داود بعد التوبة خيرا منه قبل الخطيئة فمن قضى له بالتوبة كان كما قال سعيد بن جبير أن العبد ليعمل الحسنة فيدخل بها النار وان العبد ليعمل السيئة فيدخل بها الجنة وذلك انه يعمل الحسنة فتكون نصب عينه ويعجب بها ويعمل السيئة فتكون نصب عينه فيستفغر الله ويتوب اليه منها وقد ثبت فى الصحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم انه قال الاعمال بالخواتيم والمؤمن اذا فعل سيئة فان عقوبتها تندفع عنه أن يتوب فيتوب الله عليه فان التائب من الذنب كمن لاذنب له او يستغفر فيغفرا له او يعمل حسنات تمحوها فان الحسنات يذهبن السيئات او يدعو له اخوانه المؤمنون ويستغفرون له حيا وميتا او يهدون له من ثواب أعمالهم ما ينفعه الله به او يشفع فيه نبيه محمد او يبتليه الله تعالى فى الدينا بمصائب تكفر عنه او يبتليه فى البرزخ بالصعقة فيكفر بها عنه او يبتليه فى عرصات القيامة من اهوالها بما يكفر عنه او يرحمه ارحم الراحمين . اهـ .(1)
وعن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ورضي الله تعالى عنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أؤجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيراً منها" قالت:فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خيرٌُ من أبي سلمة أول بيتٍ هاجر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم إني قلتها فأخلف الله خيراً منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "(2).
__________
(1) مجموع الفتاوى (10/43) .
(2) رواه مسلم في كتاب الجنائز برقم (918)(1/203)
وفي رواية لمسلم : عن أم سلمة رضي الله عنها قالت:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيراً، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون" قالت: فلما مات أبو سلمة أتيت النبي صلىالله فقلت يا رسول الله إن أبا سلمة قد مات، قال: "قولي :اللهم اغفر لي وله، واعقبني منه عُقبى حسنة" فقلت، فأعقبني الله مَنْ هو خيرٌ لي منه محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - (1).
قال القاضي قوله : "أجرني" بالقصر والمد حكاهما صاحب الأفعال، وقال الأصمعي : وأكثر أهل اللغة هو مقصور لا يمد .
ومعنى أجره الله أعطاه أجره وجزاء صبره وهمه في مصيبته .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : "وأخلف لي" هو فتكون الهمزة وكسر اللام ، قال أهل اللغة يقال لمن ذهب له مال أو ولد أو قريب أو شيء يتوقع حصول مثله أخلف الله عليك أي رد عليك مثله ، فإن ذهب ما لا يتوقع مثله بأن ذهب والد أو عم أو أخ لمن لا جد له ولا والد له قيل خلف الله عليك بغير ألف أي كان الله .اهـ.(2)
باب
ما يقوله إذا أصابه هَمٌّ أو حزن
عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من أصابه هَمّ أو حزن فليدعُ بهذه الكلمات يقول: اللهم أنا عبدك ابن عبدك ابن أمتك في قبضتك ناصيتي بيدك ماضٍ في حكمك عدلٌ فيَّ قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن نور صدري وربيع قلبي وجلاء حزني وذهاب همي"إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرجاً"
__________
(1) صحيح مسلم ، كتاب الجنائز رقم (919)
(2) شرح النووي على (6/220).(1/204)
فقال رجل من القوم : يا رسول الله إن المغبون لمن غُبٍنَ هؤلاء الكلمات فقال: " أجل فقولوهن وعلموهن فإنه من قالهن التماس ما فيهن أذهب الله تعالى حزنه وأطال فرحه"(1).
وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "دعوة ذي النون إذا دعا بها وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له"(2).
"دعوة ذي النون" : أي صاحب الحوت وهو يونس . "إذا" : أي حين .
"دعى بها وهو في بطن الحوت لا إله إلا أنت" : أي إنك الذي تقدر على حفظ الإنسان حياً في باطن الحوت ولا قدرة لغيرك على هذه الحالة ثم أردف ذلك بقوله : "سبحانك إني كنت من الظالمين" : تصريحا بالعجز والانكسار وإظهار الذلة والافتقار ، قال الحسن: ما نجا إلا بإقراره على نفسه بالظلم وإنما قبل منه ولم يقبل من فرعون حين قال { لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ } .(3) لأن يونس ذكرها في الحضور والشهود وفرعون ذكرها في الغيبة تقليداً لبني إسرائيل ذكره الإمام الرازي .
"لم يدع بها رجل مسلم في شيء" بنية صادقة صالحة إلا استجاب اللّه له لأنها لما كانت مسبوقة بالعجز والانكسار ملحوقة بهما صارت مقبولة { أمّن يجيب المضطر إذا دعاه } .اهـ.(4)
__________
(1) رواه أحمد(4318/2) وابن السني انظر الفتوحات (4/13)، صحيح الكلم الطيب(ص72)
(2) أخرجه الترمذي في الدعوات برقم (3516) وأحمد في مسنده (1462/1) والنسائي في "عمل اليوم والليلة" برقم (661) والحاكم في التفسير (3444/2) وفي الدعاء برقم (1822/1) والطبراني في الدعاء (124) والبزار (3150) والبيهقي في شعب الإيمان (620) وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (11176/7) ط دار الفكر، صحيح الكلم الطيب (79، 122)،وصحيح الجامع رقم (3383).
(3) يونس الآية (90) .
(4) فيض القدير.(1/205)
وسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد فقال - صلى الله عليه وسلم - : "والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى"(1).
عن أبي أمامة. - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب في ثلاث سور من القرآن في البقرة و آل عمران و طه".(2)
اسم الله الأعظم" : قيل الأعظم بمعنى العظيم ، وليس أفعل للتفضيل لأن كل اسم من أسمائه عظيم وليس بعضها أعظم من بعض .
"الذي إذا دعى به أجاب" : بمعنى أنه يعطى عين المسؤول بخلاف الدعاء بغيره فإنه وإن كان لا يرد لكونه بين إحدى ثلاث : إعطاء المسؤول في الدنيا أو تأخيره للآخرة أو التعويض بالأحسن في ثلاث سور من القرآن:في البقرة وآل عمران وطه قال أبو شامة: فالتمستها فوجدت في البقرة في آية الكرسي : الله لا إله إلا هو الحي القيوم ،وفي آل عمران: الله لا إله إلا هو الحي القيوم، وفي طه: وعنت الوجوه للحي القيوم ، كذا في الفردوس . اهـ . فيض القدير .
باب
ثواب من أثنى عليه الناس بعد موته خيراً
__________
(1) رواه أحمد، . صفة الصلاة (ص 203) والتوسل (ص 33-35).
(2) صحيح الجامع حديث رقم (979) .(1/206)
عن أنس - رضي الله عنه - قال : مُرَّ بجنازة فأُثني عليها خير فقال نبي الله: - صلى الله عليه وسلم - " وجبت وجبت وجبت" ومُرَّ بجنازةٍ فأُثني عليها شر فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "وجبت وجبت وجبت" فقال عمر: فداك أبي وأُمي مُرَّ بجنازة فأُثني عليها خيرُ فقلت: "وجبت وجبت وجبت" ومُرَّ بجنازة فأُثني عليها شر فقلت: "وجبت وجبت وجبت" فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أثنيتم عليه خيراً وجبت له الجنة ومن أثنيتم عليه شراً وجبت له النار أنتم شهداء الله في الأرض أنتم شهداء الله في الأرض أنتم شهداء الله في الأرض"(1).
وعن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أيما مسلم شهد له أربعة نفر بخير أدخله الله الجنة" قال: فقلنا وثلاثة؟ قال: "وثلاثة" فقلنا: واثنان؟ قال: "واثنان" ثم لم نسأل عن الواحد(2).
وعن أنس - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من مسلم يموت فيشهد له أربعة أبيات من جيرانه الأدنين أنهم لا يعلمون إلا خيراً إلا قال الله: قد قبلت علمكم فيه وغفرت له ما لا تعلمون".رواه ابن حبان في صحيحه، أحكام الجنائز (ص45).
الخاتمة
نسأل الله حسنها
أخي المسلم أختي المسلمة بعد أن تعرفنا على هذه الفوائد الجليلة التي تترتب عليها الأجور العظيمة، فإني أُخاطبكم من القلب إلى القلب، بأن تغتنموا أوقاتكم الثمينة في الأعمال الصالحة التي تنفعكم بعد الممات عند ربكم سبحانه وتعالى، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "اغتنم خمسا قبل خمس : حياتك قبل موتك و صحتك قبل سقمك و فراغك قبل شغلك و شبابك قبل هرمك و غناك قبل فقرك"(3).
__________
(1) رواه البخاري برقم (1301) ، ومسلم في كتاب الجنائز برقم (2197).
(2) رواه البخاري برقم (1302) .
(3) صحيح الجامع حديث رقم (1077).(1/207)
واعلم أن ما من ساعة تمر على ابن آدم غفل ولم يذكر الله تعالى فيها إلا وكانت حسرة عليه وندم ندماً شديداً عند لقاء ربه يوم القيامة .
فعن عائشة رضي الله عنها ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من ساعة تمرُّ بابن آدم لا يذكر الله تعالى فيها إلا تحسّر عليها يوم القيامة"(1)
واعلم أخي الحبيب أن أيامك بعضك كلما انقضى منها يوم فقد خسرت يوماً من عمرك ، واقتربت يوماً من القبر .
فينبغي للإنسان أن يأخذ من حياته - ما دام للوقت متسع - لموته إذا عجز عن العمل، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له"(2) فخذ من حياتك لموتك، ومن صحتك لفراغك .
والحمد لله رب العالمين، وأُصلي وأُسلم على المبعوث رحمة للعالمين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه
العبد الفقير الراجي عفو ربه
ماجد بن خنجر البنكاني
أبو أنس العراقي
فهرس المراجع
1- القرآن الكريم .
2- تفسير القرآن العظيم لابن كثير .
3- تفسير القرطبي .
4- أضواء البيان للشنقيطي .
5- تيسير الكريم الرحمن .
6- موطأ الإمام مالك .
7- مسند الإمام أحمد .
8- صحيح البخاري .
9- صحيح مسلم .
10- فتح الباري .
11- شرح صحيح مسلم للنووي .
12- شرح رياض الصالحين لابن عثيمين .
13- الكلم الطيب . تحقيق الألباني .
14- فقه الأدعية والأذكار .
15- مجمع الزوائد للهيثمي .
16- مستدرك الحاكم .
17- موارد الظمآن .
18- فيض القدير .
19- العقيدة الطحاوية .
20- مسند أبي يعلى .
21- سنن ابن ماجة .
22- سنن الدارمي .
23- سنن النسائي .
24- سنن أبي داود .
25- السنن الكبرى للبيهقي .
26- مجموع الفتاوى .
27- الذرية الطاهرة .
28- جمهرة أنساب العرب .
29- السلسلة الصحيحة .
30- صحيح الجامع للألباني .
31- ضعيف الجامع .
32- صحيح الترغيب .
__________
(1) صحيح الجامع حديث رقم (5720)
(2) رواه مسلم برقم (1631) .(1/208)
33- صحيح الترمذي .
34- صحيح أبي داود .
35- صحيح ابن ماجة .
36- صحيح ابن خزيمة .
37- صحيح موارد الظمآن .
38- صحيح الأدب المفرد .
39- مشكاة المصابيح .
40- مشكلة الفقر .
41- التوسل .
42- مختصر الشمائل للترمذي بتحقيق الألباني .
43- فضل الصلاة .
44- الجنائز .
45- شرح سنن النسائي .
46- شرح السنة .
47- شعب الإيمان للبيهقي .
48- تحفة الأحوذي .
49- شرح الزرقاني .
50- سير أعلام النبلاء .
51- الإصابة .
52- التمهيد لابن عبد البر .
53- أعلام الموقعين .
54- زاد المعاد .
55- مدارج السالكين .
56- الجواب الكافي .
57- الفوائد .
58- بدائع الفوائد .
59- الوابل الصيب .
60- حاشية ابن القيم .
61- عمل اليوم والليلة لابن السني .
62- الزهد لابن أبي عاصم .
63- المرض والكفارات لابن أبي الدنيا .
64- كشف المشكل من حديث الصحيحين .
65- شرح المنظومة البيقونية للشيخ ابن عثيمين.
66- الزهد والورع والعبادة .
67- فتح المجيد شرح كتب التوحيد .
68- صفة الصفوة .
69- كتاب الإيمان لشيخ الإسلام تحقيق الألباني ..
70- مختصر منهاج القاصدين.
71- أسد الغابة .
72- دلائل النبوة للبيهقي .
73- عون المعبود .
74- تهذيب الكمال .
75- معرفة الصحابة .
76- الأعلام .
77- لسان العرب .
78- مختار الصحاح .
79- معجم البلدان .
80- الفائق .
81- النهاية في غريب الحديث .
82- الغريب للخطابي .
فهرس المواضيع
المادة ... الصفحة
المقدمة ............ ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 3
الفصل الأول ... 11
الآداب والإتباع في الذكر والدعاء
الإتباع في الذكر والدعاء ... ... ... ... ... ... ... ... ... 13
آداب الذكر الدعاء ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 16
مواطن إجابة الدعاء .................................... ... 20
أركانُ التعبّد القلبيَّة للذكر وغيره من العبادات ... ... ... .. ... 21
الفصل الثاني فضل الذكر ... 25
ثواب ذكر الله تعالى على الإطلاق وفي كل الأحوال ... .. ... 27
الذكر يكون على ثلاث حالات ......................... ... 36(1/209)
فضل حلق الذكر والاجتماع عليه ... ... ... ... ... ... ... 44
ما يقوله عند القيام من المجلس ... ... ... ... ... ... ... ... 52
المجلس الذي لا يذكر الله فيه ... ... ... ... ... ... ... . ... 54
ثواب التكبير ومكانته من الدين ... ... ... ... ... ... ... ... 55
ما جاء في التسبيح وفضله ... ... ... ... ... ... ... ... . ... 57
فضل التسبيح بالأصابع وأنهن مسؤلات مستنطقات وأنه أفضل من السبحة ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 70
فوائد الذكر ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 71
الفصل الثالث كتاب التوحيد ... 73
فضل كلمة التوحيد لا إله إلا الله ... ... ... ... ... ... . ... 75
فضل من قال لا إله إلا الله عشر مرات ... ... ... ... ... ... 86
فضل من قالها مئة مرة ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 86
فضل كلمة لا حول ولا قوة إلا بالله ... ... ... ... ... .. ... 94
إن لله تعالى تسعة و تسعين من أحصاها دخل الجنة ... ... ... 97
الذكر عند ما يقول ما يسخط ربه عز وجل ... ... ... .. ... 99
الفصل الرابع كتاب الطهارة ... 101
دعاء دخول الخلاء ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 103
دعاء الخروج من الخلاء ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 105
ثواب الطهور ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... . ... 107
ثواب من حافظ على هؤلاء الكلمات بعد الوضوء ... ... ... 109
الفصل الخامس كتاب الصلاة ... 113
ثواب الأذان ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 115
ثواب الدعاء عند سماع المؤذن ... ... ... ... ... ... ... ... 117
ثواب الترديد مع المؤذن ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 120
ثواب الدعاء بعد الأذان ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 122
ما جاء في الدعاء عند دخول المسجد والخروج منه ... ... ... 125
ما جاء في فضل الدعاء عند الرفع من الركوع وفي الاعتدال ... 126
ما يقول من حصلت له وسوسة في الصلاة وغيرها ... ... ... 127
ما جاء في الأذكار بعد الصلاة وفضلها ... ... ... ... ... ... 128
الحث على ذكر الله تعالى بعد صلاة الصبح والمغرب ... ... ... 129
فضل الأذكار بعد صلاة الصبح ... ... ... ... ... ... ... ... 136
فضل ذكر الله بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس ... ... ... 137
الفصل السادس كتاب الصوم ... 141
ما يقول إذا رأى الهلال أو القمر ... ... ... ... ... ... ... ... 143
ما يقول إذا أفطر عند قوم ... ... ... ... ... ... ... ... . ... 144
ماذا يقول من حضر الطعام وهو صائم إذا لم يفطر ... ... ... 145
الفصل السابع كتاب الذكر طرفي النهار ... 147
فضل الذِكر طرفي النهار ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 149
فضل من تعوذ بكلمات الله التامات ... ... ... ... ... ... ... 157(1/210)
دعاء نزول المنزل ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 158
ما يقول حال خروجه من بيته ... ... ... ... ... ... ... ... 159
ما يقول إذا أراد النوم واضطجع على فراشه ... ... ... ... ... 160
ما يقوله من رأى في منامه ما يكرهه ... ... ... ... ... ... ... 65
ما يقول إذا استيقظ في الليل وأراد النوم بعده ... ... ... .. ... 166
ما يقول إذا كان يفزع من نومه ... ... ... ... ... ... ... ... 166
ما يقول من استيقظ من منامه ... ... ... ... ... ... ... . ... 167
ما يقول إذا أراد أن يأتي أهله ... ... ... ... ... ... ... .. ... 169
ما يقول إذا لبس ثوباً ... ... ... ... ... ... ... ... ... .. ... 169
دعاء لبس الثوب الجديد ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 170
الدعاء لمن لبس ثوباً جديداً ... ... ... ... ... ... ... ... ... 171
ما يقول إذا وضع ثوبه ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 172
ما جاء في فضل الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... ... ... ... ... 173
النهي عن استبطاء الإجابة وقوله : دعوت فلم يستجب لي ... 179
النهي عن دعاء الانسان على نفسه وولده وخادمه وماله .. ... 180
الفصل الثامن ... 183
كتاب التوبة والاستغفار
ما جاء في فضل الإستغفار ... ... ... ... ... ... ... ... ... 185
ما جاء في كلمات يقولها في قضاء الديَّن والمهموم والمكروب والمأسور ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 198
الفصل التاسع ... 203
كتاب القرآن
ما جاء في فضل قراءة القرآن ... ... ... ... ... ... ... .. ... 205
ما جاء في فضل من تعلم القرآن وعلمه لوجه الله تعالى ... ... 214
قراءة سورة الفاتحة وفضلها ... ... ... ... ... ... ... ... ... 216
قراءة سورة البقرة وفضلها ... ... ... ... ... ... ... ... ... 219
قراءة آية الكرسي وفضلها ... ... ... ... ... ... ... ... ... 222
قراءة خواتيم سورة البقرة وفضلها ... ... ... ... ... ... ... 223
قراءة سورة الكهف وفضلها ... ... ... ... ... ... ... ... ... 224
قراءة سورة تبارك وفضلها ... ... ... ... ... ... ... ... ... 227
ما جاء في سورة الإخلاص وفضلها ... ... ... ... ... ... ... 230
فضل قراءة الزلزلة وما يذكر معها ... ... ... ... ... ... . ... 231
المعوذتان وفضلهما ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 231
فضل قراءة سورة (الكهف) ليلة الجمعة ويوم الجمعة ... .. ... 231
فضل صلاة الاستخارة ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 231
الفصل العاشر ... 233
كتاب الطعام
فضل التسمية على الطعام ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 235
ما يقول إذا فرغ من الطعام ... ... ... ... ... ... ... ... ... 237
ما يقوله ويفعله من يأكل ولا يشبع وما جاء في لعق الأصابع ... 237
الفصل الحادي عشر ... 241(1/211)
كتاب الجنائز وما يتقدمها
باب ثواب من سأل الله العفو والعافية ... ... ... ... ... ... 243
باب ثواب من أحب لقاء الله تعالى ... ... ... ... ... ... ... 243
باب كلمات يقولهن من آلمه شيء من جسده ... ... ... ... ... 244
باب ثواب المرض والسقم والبلاء ... ... ... ... ... ... ... ... 245
باب ثواب من عاد مريضاً ... ... ... ... ... ... ... ... .. ... 249
باب ما يقول إذا رأى مبتلى بمرض أو غيره ... ... ... ... ... 252
باب ثواب الرقى وفضلها وما يقال عند المريض من الدعاء ونحوه ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 253
باب ثواب الصبر على البلاء ... ... ... ... ... ... ... ... ... 258
باب استحباب التبشير ... ... ... ... ... ... ... ... ... . ... 265
باب ثواب من كان آخر كلامه لا إله إلا الله ... ... ... ... ... 266
باب ثواب تغسيل الميت وكتم ما يرى من مكروه ... ... .. ... 267
باب ثواب ما يقول من مات له ميت ... ... ... ... ... ... ... 267
باب ما يقوله إذا أصابه هَمٌّ أو حزن ... ... ... ... ... ... ... 270
باب ثواب من أثنى عليه الناس بعد موته خيراً ... ... ... .. ... 273
الخاتمة نسأل الله حسنها ... ... ... ... ... ... .. ... 275
الفهارس ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 279
فهرس المراجع ....................................... ... 281
فهرس المواضيع .................................. ... 285(1/212)