تابع اليوم الثاني
مظاهر من ريادة الحضارة
الإسلامية في العلوم الكونية
(الطب والصيدلة والفلك والرياضيات نموذجا)
الدكتور إبراهيم بن مراد
1 ـ مدخل: في حركة الإنشاء العلمية العربية:
لقد كانت ثقافة العرب " العلمية " في العصر الجاهلي ثم طيلة النصف الأول من القرن الأول الهجري / النصف الأول وبداية النصف الثاني من القرن السابع الميلادي ثقافة بسيطة. فلقد كانت لهم معارف بحركات النجوم ودوران الفصول. قد دونتها خاصة أقوالهم المأثورة في الأنواء . وبطبيعة البدن وأسباب المرض وطرق العلاج ومنافع الأدوية . وخاصة النباتية . ومبادئ القد , ولكن تلك المعارف كانت قائمة على التجربة الاجتماعية الموروثة وعلى الملاحظة المستقرأة من المحيط الطبيعي القريب, ولم تكن ناتجة عن تفكير نظري واستقراء برهاني واستدلال عقلي , أي لم تكن تطبيقات عملية لمبادئ نظرية عامة. ولقد أشار القدماء إلى وجود بعض العلماء العرب في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم مثل الحارث بن كلدة (ت. 13 هـ / 634 م), وقد "تعلم الطب بناحية فارس وتمرن هناك وعرف الداء وال دواء"; والنضر بن الحارث (ت. 2 هـ / 624 م), وكان قد " حصل من العلوم القديمة أشياء جليلة القدر واطلع على علوم الفلسفة وأجزاء الحكمة وتعلم من أبيه أيضا ما كان يعلمه من الطب وغيره"; وابن أبي رمثه التميمي, وقد كان " عالما بصناعة اليد" أي بالجراحة. لكن العلماء الذين ذكروا قد اختصوا بالطب , ثم إن المصادر القديمة لم تحدثنا عن آثار لهم فيه تدل على تميزهم أو عن تلاميذ قد أخذوا عنهم وكونوا حركة علمية. ويبدو أن ذلك لم يكن ميسورا في بيئة عربية كانت " العقلية الأدبية " غالبة عليها. فلقد كان ل " لكلمة البينة " . ممثلة في الشعر . التأثير العميق, ثم كان ل " لكلمة البينة الطيبة " . ممثلة في القرآن الكريم . تأثير أعمق, وذلك دال على أن "ملكة الكلام" كانت على عقلية العرب .(1/1)
في القرن السابع الميلادي وما قبله . أغلب. وقد كانوا . بوجود كتاب الله بين أيديهم خاصة . يعتقدون أنهم في غنى عما لم يأت به من العلم, وخاصة العلم الذي كان يدرس زمن البعثة النبوية في الاسكندرية وفي مدرسة جنديسابور. (*)
وحتى عندما صرف العرب اهتمامهم إلى التفكير العلمي ـ بما يقتضيه من تحليل وقياس وتنظير وتأليف ـ فإن أول ما عنوا به من العلوم لم يخرج عن دائرة الكتاب والسنة والشعر. فلقد شغلتهم بداية من منتصف القرن الأول الهجري علوم الشريعة فكانت علوم القرآن والحديث ثم علوم اللغة التي قويت في النصف الأول من القرن الثاني الهجري / الثامن الميلادي وكانت منطلقاتها الأولى قراءات القرآن وتفسيره ووصف لغة العرب كما وردت في أشعار القدماء ـ وخاصة الجاهليين ـ وفي القرآن الكريم والحديث النبوي , رغبة في ضبط قواعد استعمالها, ليسهل للمسلمين من غير العرب تعلمها وتعلم الكتاب والسنة بها.
وقد تواصل اقتصار العرب على هذه العلوم حتى أواسط القرن الثاني الهجري, أي طيلة عصر بني أمية تقريبا. ولقد عرفوا خلال هذا العصر بعض "العلوم القديمة "لكن معرفتهم كادت لا تخرج عن علم الطب . على أن الطب الذي عرفوه لم يكن " طبا عربيا ", بل كان طبا أعجميا قائما على الإرث اليوناني, ولم يعن به المسلمون بل عني به بعض النصارى واليهود الذين خدموا بالطب الخلفاء أو الأمراء في دولة بني أمية. ونذكر من أولئك الأطباء ابن آثال وأبا الحكم الد مشقي, وهما نصراني ان, قد خدما بالطب معاوية بن أبي سفيان (41 هـ /661م . 60 هـ /680م), وماسرجويه اليه ودي, وقد كان على صلة بمروان بن الحكم (64 هـ / 684 م . 65 هـ/ 685 م), وتيادوق, وهو نصراني , وقد خدم بالطب الحجاج بن يوسف أثناء ولايته على العراق
((1/2)
75 هـ /694 م .. 95 هـ /714 م). على أن هؤلاء العلماء قد بقوا مجهولين إذ لم تعرف حتى أسماؤهم كاملة. ثم إنهم لم يكونوا ذوي أثر يذكر في تاريخ العلم ما عدا ماسر جويه الذي نقل إلى العربية " كناش" أهرن القس في الطب أيام مروان بن الحكم. وقد نسبت المصادر إلى بعض العرب الاهتمام بالكيمياء في هذا العصر, أي النصف الثاني من القرن الأول الهجري , وتحدثت عن دور خالد بن يزيد (ت. حوالي 90 هـ /709م) في ترجمة العلوم القديمة والتأليف فيها وخاصة في الكيمياء, ولكن صلة خالد بن يزيد بالعلوم القديمة عامة مشكوك فيها, ومن أهم الشكوك ما ذكره ابن خلدون في مقدمته: "وربما نسبوا بعض المذاهب والأقوال فيها [=الكيمياء] لخالد بن يزيد ربيب مروان بن الحكم. ومن المعلوم البين أن خالداً من الجيل العربي , والبداوة إليه أقرب, فهو بعيد عن العلوم والصنائع بالجملة, فكيف له بصناعة غريبة المنحى مبنية على معرفة طبائع المركبات وأمزجتها, وكتب الناظرين في ذلك من الطبيعيات والطب لم تظهر بعد ولم تترجم ?". وحتى إذا صحت نسبة علم الكيمياء إلى خالد فإن ما أحاط به من خرافة يمنعنا من تبين ما كان له من دور حقيقي .(1/3)
وما ذهب إليه ابن خلدون من حكم على خالد بن يزيد مهم جدا في الحديث عن صلة بني أمية بالعلوم القديمة, فقد كانت البداوة إليهم أقرب وكانت عصبي تهم عربية خالصة وما كانوا لذلك يشجعون العجمة أو مخالطة العجم والاستعانة بهم في السياسة أو في العلم. وقد خالفهم في ذلك مخالفة تامة بنو العباس الذين لم تكن عصبيتهم عربية خالصة ولم تستقم لهم دولتهم إلا بإعانة العجم من الفرس الذين أشركوهم في الحكم فكانوا وزراء هم وتشبهوا بهم وأخذوا ببعض عاداتهم في نظام الحكم والسلوك, وأصبحوا يقدمون في بعض الحالات آداب العجم في السلوك مع السلطان على السنة. وقد كان لهذا "التفتح" على العجمة وعلى العجم في الدولة العباسية منذ قيامها أثر حاسم في توجيه الثقافة العربية وتكوين "العقلية العلمية" العربية وتأسيس ما سميناه "حركة إنشاء علمية عربية".(1/4)
وقد كانت بداية الاهتمام الفعلية بعلوم العجم ـ أو العلوم القديمة ـ في أيام أبي جعفر المنصور (136 هـ / 754م ـ 158 هـ /775م). فلقد تواصل في أيامه الاهتمام بالطب فكان الاعتماد لأول مرة على أطباء مدرسة جنديسابور التي سيكون لتأثيرها شأن كبير في ظهور علم الطب علما حقيقيا بين المسلمين, وأول طبيب جنديسابوري استقدم واتخذ طبيب بلاط هو جورجيس بن بختيشوع (ت. 152 هـ / 769 م) الذي استقدمه المنصور سنة 148 هـ /765 م . وقد كان رئيس أطباء جنديسابورـ فخد مه بالطب ـ وقد تتالت دعوات هؤلاء الأطباء فيما بعد وتكون من اجتماعهم في بغداد عاصمة الخلافة اتجاه طبي علمي جديد يمكن أن نسميه الطب الجنديسابوري ; ثم ظهر في أيام المنصور أيضا علم جديد هو "أحكام النجوم" أو "الأحكاميات", وهو علم يلتقي فيه الفلك والرياضيات. فقد كان المنصور يقرب المنجمين . مثلما يقرب الأطباء . ويستشيرهم. ولا نعلم أن كتبا في الطب قد ترجمت في وقته لكننا نعلم أن كتابين على الأقل في أحكام النجوم قد نقلا إلى العربية, أولهما كان له تأثير مباشر وهو كتاب "سند هند". أو "سدهاننتا" (Siddh)nta) . الذي ألفه سنة 628م عالم فلكي رياضي هندي اسمه براهماغبتا (Brahmagupta), وقد حمله إلى المنصور سنة 154 هـ / 771م أو سنة 156 هـ /773م رجل من الهند فكلفه بوضع مختصرله ثم أمر بترجمة المختصر إلى العربية, فنقله إبراهيم الفزاري واعتمده العلماء العرب حتى أيام المأمون; والكتاب الثاني هو " الأربع مقالات" في أحكام النجوم لبطلميوس, وقد نقله أبو يحيى البطريق ـ والد يحيى بن البطريق ـ ولكن لم يستفد من هذه الترجمة فيما يبدو إلا في عصر المأمون, بعد أن أعاد النظر فيها وفسرها أبو حفص عمر بن الفرخان الطبري.(1/5)
ونستنتج مما تقدم أن بداية حركة الإنشاء الحقيقية كانت في أيام أبي جعفر المنصور, فقد تكونت في وقته المبادئ الأساسية لعلمي الطب والفلك. ولكن هذه الحركة لم تصبح حركة علمية بحق إلا في النصف الأول من القرن الثالث الهجري / التاسع الميلادي, أي في عصر المأمون (198 هـ / 813 م . 218 هـ / 833 م) والخلفاء الذين تلوه في القرن الثالث. لكن مد ة حكمه هو كانت الحاسمة في توجيه الحركة وتوضيح دوافعها ومكوناتها ومصادرها.
أ ـ فأما الدوافع فيمكن تبينها من جملة من مظاهر النشاط العلمي , وأهمها أربعة:
الترجمة: وقد رأينا أنها بدأت في زمن أبي جعفر المنصور بنقل بعض المؤلفات الفلكية. وقد اتسع مداها في النصف الأول من القرن الثالث فشملت مختلف مجالات المعرفة وخاصة التي انتقلت من الإرث اليوناني. فقد عرفت في هذا الوقت أسماء كبار المترجمين, مثل حنين بن إسحاق (ت. 260 هـ / 873 م) وثابت ابن قرة الحراني (ت. 288 هـ 901 م) وإسحاق بن حنين (ت. 298 هـ / 910 م) وقسطا بن لوقا البعلبكي (ت. حوالي 300 هـ / 912 م), واشتهرت ترجمات أهم الآثار اليونانية مثل كتب أرسطو في الفلسفة وكتب ابقراط وديوسقريديس وجالينوس في الطب والصيدلة وكتب بطلميوس في الفلك وكتب إقليدس وارشميدس في الهندسة.
(2) بيت الحكمة: وقد أسسه ببغداد المأمون سنة 215 هـ / 830 م, وهو الذي دعم حركة الترجمة وخاصة بالمكتبة التي ألحقت به وجمعت فيها الكتب اليونانية المستجلبة من أصقاع كثيرة سواء من داخل الدولة الإسلامية أو من خارجها مثل بلاد الروم وآسيا الصغرى, وقد أرسلت من أجل ذلك البعثات العلمية.
((1/6)
3) إشراف الدولة على المشروع العلمي : وقد بدأ اهتمام بني العباس كما رأينا بما يمكن تسميته "التحديث العلمي " منذ أيام أبي جعفر المنصور. فكان يكلف العلماء بأعمال الترجمة والتأليف. ولكن تدخل الدولة قد أصبح أقوى في عصر المأمون: فلقد "تمم ما بدأ به جده المنصور فأقبل على طلب العلم في مواضعه واستخرجه من معادنه بفضل همته الشريفة وقوة نفسه الفاضلة فداخل ملوك الروم وأتحفهم بالهدايا الخطيرة وسألهم صلته بما لديهم من كتب الفلاسفة فبعثوا إليه بما حضرهم من كتب أفلاطون وأرسطاطاليس وبقراط وجالينوس وأوقليدس وبطليموس وغيرهم من الفلاسفة, فاستجاد لها مهرة التراجمة وكلفهم بإحكام ترجمتها وترجمت له على غاية ما أمكن ثم حض الناس على قراءتها ورغبهم في تعليمها فنفقت سوق العلم في زمانه وقامت دولة الحكمة في عصره وتنافس أولو النباهة في العلوم لما كانوا يرون من إحصائه لمن تحليها واختصاصه لمتقلديها, فكان يخلو بهم ويأنس بمناظرتهم ويلتذ بمذاكرتهم فينالون عنده المنازل الرفيعة والمراتب السنية". وإذن فإن الدولة . ممثلة في الخليفة . هي التي كانت تشرف على سير الحركة العلمية وتدعمها وتنفق من أجلها المال وتحث الناس على الإفادة منها حتى "قامت دولة الحكمة".
((1/7)
4) دعم بعض الخواص لعمل الدولة: فإن بعض العائلات كانت ذات دور هي أيضا سواء في جلب العلماء العجم إلى عاصمة الخلافة أو بالإسهام في أعمال الترجمة سواء باستجلاب الكتب أو بالإنفاق على ترجمتها ومراجعتها. ونعرف من تلك العائلات اثنتين: الأولى نشطت في القرن الثاني الهجري / الثامن الميلادي, في عصر الرشيد (170 هـ / 786 م ـ 193 هـ / 809 م), وهي عائلة بني برمك وخاصة يحيى بن خالد (ت. 190 هـ /805 م) وابنيه جعفر (ت. 187 هـ / 803 م) والفضل (ت. 193 هـ /808 م). على أن اهتمام هذه العائلة بحكمة الهند كان أكبر. فإن "الذي عني بأمر الهند في دولة العرب يحيى بن خالد وجماعة البرامكة" فاستحضروا "علماء طبها وحكمائها" واستجلبوا بعض عقاقيرها واس تكتبوا عن عقائدها وأديانها; ونعلم أنهم كانوا يديرون أمر بيماراستان كان يشرف عليه طبيب هندي اسمه ابن دهن, وأن يحيى بن خالد قد أمر بتفسير كتاب سسرد الهندي . وهو في عشر مقالات في الطب . طبيبا هنديا كان يعمل بالبيمارستان اسمه منكه, وأن يحيى هذا كان معدودا من "الفلاسفة الذين تكلموا في الصنعة", وأنه "أول من عني بتفسير [كتاب المجسطى] لبطلميوس وإخراجه إلى العربية ففسره جماعة فلم يتقنوه ولم يرض ذلك. فندب لتفسيره أبا حسان وسلم صاحب بيت الحكمة فأتقناه واجتهدا في تصحيحه بعد أن أحضرا النقلة المجودين فاختبرا نقلهم وأخذا بأفصحه وأصحه", ويعرف هذا النقلب "النقل القديم" لأن الكتاب قد أعيد نقله وشرحه أكثر من مرة في القرن الثالث. لكن ينبغي أن نشير إلى أن دور هذه العائلة لم يكن علميا خالصا بل كانت "منافسة الفرس للعرب" من أهم دوافعه. ولعل ذلك ما يفسر اهتمام البرامكة بثقافة الهند أكثر من اهتمامهم بثقافة اليونان, فإن الأولى كانت إلى الثقافة الفارسية أقرب .(1/8)
والعائلة الثانية هي عائلة بني موسى بن شاكر, وهم محمد وأحمد والحسن, وقد عاصر ثلاثتهم المأمون وتوفي أولهم سنة 259 هـ / 873م, وقد كانوا ـ على خلاف بني برمك . علماء لهم ذكر حسن في علوم الهندسة والفلك والحيل; وقد دفعهم حبهم للعلم وتبرزهم فيه إلى الإسهام في حركة الترجمة بمالهم, فهم "ممن تناهى في طلب العلوم القديمة وبذل فيها الرغائب, وأتعبوا فيها نفوسهم, وأنفذوا إلى بلد الروم من أخرجها إليهم, فأحضروا النقلة من الأصقاع والأماكن بالبذل السيني , فأظهروا عجائب الحكمة". ونعلم أنهم "كانوا يرزقون جماعة من النقلة منهم حنين بن إسحاق وحبيش بن الحسن وثابت بن قرة وغيرهم في الشهر نحو خمسمائة دينار للنقل والملازمة", وأن حنينا بن إسحاق قد نقل لهم جملة من كتب جالينوس في الطب .(1/9)
ب ـ وأما المكو نات فقد مثلها جل العلوم "القديمة " أو " الدخيلة " التي وصلت إلى علم العرب وأمكن لهم نقلها إلى العربية. ويمكن أن نستدل على تنوع المكونات وتعدد المباحث العلمية التي تأسست عليها حركة الإنشاء بالنظر في الإنتاج العلمي الذي وضعه عالم واحد كان أحسن نتاج لتلك الحركة, هو " فيلسوف العرب ". فقد كان عربيا خالصا.أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي (ت. 256 هـ / 870 م). فقد نسبت إليه المصادر القديمة حوالي أربعة ومائتي عنوان بين كتاب ورسالة قد صنفت إلى سبعة عشر علما هي الفلسفة والمنطق والحسابيات والكريات والموسيقى والنجوم والهندسة والفلك والطب والأحكاميات ـ أي أحكام النجوم ـ والجدل والنفس والسياسة والأحداثيات ـ أي في الآثار العلوية ـ والأبعاديات ـ أي الأبعاد والمسافات بين الأقاليم وبين الأجرام ـ والأنواعيات, أي في الكائنات الطبيعية, والتقدميات, أي في الاستدلال. ويلاحظ أن هذه الأنواع السبعة عشر قابلة للحصر أكثر لتصير ثمانية علوم هي (1) الفلسفة ويتبعها المنطق والنفس والسياسة والتقدميات; (2) علم الحساب; (3) الهندسة وتتبعها الكريات; (4) الموسيقى;(5) الفلك وتتبعه النجوم والأحكاميات وجزء من الأبعاديات; (6) الطب ; (7) الطبيعيات وتتبعها الأحداثيات والأنواعيات وجزء من الأبعاديات (8) علم الكلام, وتمثله الجدليات.
ويلاحظ أن ثلاثة من العلوم الثمانية ـ وهي (1) و(4) و (7) ـ تتنزل في " علم الفلسفة " ـ أو الحكمة ـ بمفهومها الارسطاطاليسي الواسع, وأن أربعة من العلوم ـ هي (2) و(3) و(5) و(6) ـ هي علوم يونانية قد كان لنظريات العلماء اليونانيين ـ مثل إقليدس وأرشميدس في الحساب والهندسة, وبطلميوس في الفلك, وإبقراط وجالينوس في الطب ـ الأثر الحاسم في تكوينها. فأما العلم الأخير ـ أي علم الكلام ـ فعلم إسلامي, ولكن تأليف الكندي فيه دال على أن للفلسفة والمنطق أثرا فيه ظاهراً.(1/10)
ج ـ فأما المصادر فيمكن استخلاص القول فيها من الفقرة السابقة. فلقد رأينا في الفقرات السابقة من البحث أن حركة الإنشاء قد أخذت من مصدرين مختلفي التأثير: أولهما يوناني وثانيهما هندي , وقد شغل بنقل الثقافة الهندية الفرس; لغايات لم تكن دائما علمية; وشغل بنقل الثقافة اليونانية المسيحيون السريان الذين تخرجوا في مدرسة جنديسابور بحسب ما أقره فلاسفة اليونان ـ وخاصة أرسطو ـ وعلماؤهم ـ وخاصة إقليدس وبطلميوس وجالينوس ـ للعلم من المبادئ والخصائص.
ونستنتج مما تقدم أن الثقافة العربية الإسلامية كانت في منتصف القرن الثالث الهجري / التاسع الميلادي تقوم على " ثنائية مع رفية" تكون قطبها الأول " علوم إسلامية " قد بدأت في النشوء في أوائل القرن الأول الهجري انطلاقا من الكتاب والسنة, وقد اكتملت أسسها ومبادئها في القرن الثاني الهجري, وتكون قطبها الثاني " علوم العجم " . أو العلوم " القديمة " أو " الدخيلة " ـ التي بدأت تتأسس في منتصف القرن الثاني الهجري ان طلاقا مما اجتلبه السريان الجنديسابوريون من ثقافة وما نقلوه إلى العربية من علوم يونانية وما نقله الفرس من علوم هندية. وقد اكتملت أسس هذه الحركة ومبادؤها واتخذت حيزها في المجتمع العربي الإسلامي واتضحت معالمها وكان لها أثرها الملموس في واقع الناس الاجتماعي إذ كانت ـ ما عدا الفلسفة التي تباينت المواقف منها ـ مرتبطة بمنافع الناس, وخاصة في دنياهم.
2 ـ مرحلة الابتكار العلمي :(1/11)
قد بدأت مرحلة الابتكار العلمي وحركة الإنشاء مازالت قائمة. فإن أوائل المبتكرات العلمية العربية ـ وخاصة في الرياضيات وفي الفلك ـ قد ظهرت في النصف الأول من القرن الثالث الهجري / التاسع الميلادي الذي كان بداية عصر التأليف العلمي في الثقافة العربية. فإن التأليف العلمي في ذلك العصر يمكن أن يصنف إلى صنفين: (1) صنف يغلب عليه ترتيب المعارف العلمية المحصلة وتبويبها ووضع فروعها في مواضعها من العلم وتوضيح القول في الغامض منها. وأهم ممثل لهذا الاتجاه هو الكندي الذي حاول أن يكتب في مجمل فروع الحكمة الأرسطاطاليسية ومباحث العلوم اليونانية الأخرى, ونضيف إليه العلماء المؤلفين في الطب والصيدلة, وخاصة أبا الحسن علي بن ربن الطبري (ت. بعد 240 هـ / 855 م) في كتابه " فردوس الحكمة " الدال دلالة واضحة على أثر الفلسفة في الطب , وحنين بن إسحاق في كتابيه اللذين اشتهرا, وهما "المسائل في الطب للمتعلمين" و "العشر مقالات في العين" المقتبسان من مجمل مؤلفات جالينوس. على أن هذه "التبعية" للنموذج اليوناني ـ وخاصة لجالينوس ـ في الطب لم تمنع ظهور محاولات جريئة في التأليف في القرن الثالث دالة على مذهب ما في الابتكار. ونخص بالذكر منها تأليف يوحنا بن ماسويه (ت. 243 هـ / 857م) كتابا "في الجذام لم يسبقه أحد إلى مثله" وتأليف حنين ابن إسحاق كتابا في "الأغذية على تدبير الصحة لم يسبقه إليه أحد ", وتأليف إسحاق بن عمران (ت. 279 هـ / 892 م) كتابا في "داء الماليخوليا لم يسبق إلى مثله".(1/12)
وإذن فإن الابتكار في التأليف العلمي قد بدأ في القرن الثالث الهجري . ولكن توزعه على فروع العلم كان متفاوتا. فإنه في الرياضيات والفلك كان أظهر. ولكن الابتكار قد أصبح سمة التأليف العلمي العربي بداية من القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي, فكانت به بداية ما يصح أن نصطلح عليه بالمرحلة العربية الإسلامية من تاريخ العلم. ونريد قبل أن نذكر جملة من مظاهر الابتكار في هذه المرحلة, تأكيد جملة من الخصائص الأساسية التي ميزت التفكير العلمي العربي الإسلامي في العلوم الأربعة التي وجه إليها العرب أكبر عنايتهم, أي الطب والصيدلة والرياضيات والفلك.
وأهم الخصائص التي نريد ذكرها ثلاث , هي:
... 2 ـ 1 ـ الشك المنهجي :
فإن علماءنا كانوا لا يأخذون بما يصلهم من العلم أخذا مسلما بل كانوا يقفون منه موقف " الخصم" الطالب للحقيقة الرافض لأن يضلل. وقد نشأ عن هذا المنزع عندهم مانسميه " الشك المنهجي " الذي عرف في العصور الحديثة, وخاصة منذ القرن السابع عشر في كتابات الفيلسوف الفرنسي ديكارت (Descartes). ونحن نجد آثارا لهذا الشك وشواهد عليه ظاهرة في كتابات علمائنا, ونشير من تلك الشواهد إلى اثنين:
(1) الأول من القرن الثالث الهجري, من كتاب الحيوان لأبي عثمان الجاحظ
((1/13)
ت. 255 هـ / 863 م). فلقد ارتقى الجاحظ بالشك إلى أن جعله "علما يتعلم" فقال: "وبعد هذا فأعرف مواضع الشك وحالاتها الموجبة له لتعرف بها مواضع اليقين والحالات الموجبة له, وتعلم الشك في المشكوك فيه تعلما, فلو لم يكن في ذلك إلا تعرف التوقف ثم التثبت, لقد كان ذلك مما يحتاج إليه". وتعلم الشك يعني في الحقيقة تعلم المنهج العلمي القائم على معرفة "طبقات" القوة والضعف في الموضوع المبحوث فيه وتبين مواطن الصحة والخطإ فيه. فليس على العالم إذن أن يكذب تكذيبا مطلقا أو أن يصد ق تصديقا مطلقا بل عليه أن يقف في حالة ثالثة بينهما هي الأخذ بالشك في المواضع الموجبة للشك وباليقين في المواضع الموجبة لليقين قصد الوصول إلى الحقيقة العلمية.
((1/14)
2) والشاهد الثاني من القرن الخامس الهجري / الحادي عشر الميلادي, من كتاب "الشكوك على بطلميوس" للحسن بن الهيثم (ت. 430 هـ / 1060 م). فإن ابن الهيثم يرى أن الله لم يعصم "العلماء من الزلل, ولاحمى علمهم من التقصير والخلل", ولذلك يرى أن على الناظر في كتب المتقدمين طلبا للحق فيها ألا يذهب مذهب التصديق المطلق لما يجده فيها: " فطالب الحق ليس هوالناظر في كتب المتقدمين المسترسل مع طبعه في حسن الظن بهم, بل طالب الحق هو المتهم لظنه فيهم, المتوقف فيما يفهمه عنهم, المتبع الحجة والبرهان, لا قو ل القائل الذي هو إنسان, المخصوص في جبل ته بضروب الخلل والنقصان. والواجب على الناظر في كتب العلوم, إذا كان غرضه معرفة الحقائق أن يجعل نفسه خص م ا لكل ما ينظر فيه, ويجيل فكره في متنه وفي جميع حواشيه, ويخصمه من جميع جهاته ونواحيه, ويتهم أي ضا نفسه عند خصامه, فلا يتحامل عليه ولا يتسم ح فيه. فإنه إذا سلك هذه الطريقة انكشفت له الحقائق, وظهر ما عساه وقع في كلام من تقدمه من التقصير والشبه". ويلاحظ أن ابن الهيثم يدعو الباحث إلى التقي د بالموضوعية العلمية. فإن عليه أن "يت هم نفسه" أي ضا أثناء النظر, فلا يتحامل ولا يتسم ح.
فهذه خصيصة في التفكير العلمي العربي متميزة, ونرى أنها كانت تفرق بين أصناف العلماء من حيث القيمة, فإن من أهم ما يفرق بين العالم المبتكر والعالم المقلد هو الموقف النقدي من المادة العلمية التي تصل اللاحق عن السابق.
2 ـ 2 : الموقف النقدي:
وما نبهنا إليه من موقف نقدي ناتج عن اتباع الشك المنهجي في البحث كان السمة الثانية الغالبة على التفكير العلمي العربي الإسلامي في مرحلة الابتكار. فإن علماءنا قد أخضعوا مصادرهم . اليونانية ثم العربية نفسها . للنقد والتمحيص. ولنا على هذه الخصيصة شواهد يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أنواع:
((1/15)
1) ... الأول هو تأليف العلماء المسلمين لما يعرف بكتب الشكوك, وهي كتب مؤلفة في نقد بعض العلماء القدامى من اليونانيين. ونعرف من هذه الكتب أربعة, منها ما وصلنا ومنها ما لا نعرف إلا عنوانه, وهي كتابا "الشكوك على جالينوس" و"الشكوك على برقلس" لأبي بكر الرازي (ت. 313 هـ / 925 م), وكتابا "الشكوك على إقليدس" و "الشكوك على بطلميوس" للحسن بن الهيثم.
(2) ... والثاني هو تأليف العلماء المسلمين أنفسهم كتبا نقدية لمؤلفات بعضهم ونذكر من علم الصيدلة وحده . ممثلا في علم الأدوية المفردة . أربعة كتب: هي (أ) "الاقتصار والإيجاد في خطإ ابن الجزار في الاعتماد", لعبد الرحمان بن إسحاق بن الهيثم القرطبي (من القرن الرابع الهجري), وهو في نقد كتاب "الاعتماد في الأدوية المفردة" لأحمد بن الجزار القيرواني (ت. 369 هـ / 979 ـ 980 م); (ب) "التنبيه على أغلاط الغافقي"(45) لأبي العباس أحمد بن الرومية النباتي (ت. 637 هـ / 1239 م), وهو في نقد كتاب "الأدوية المفردة" لأبي جعفر أحمد الغافقي
(ت. 560 هـ / 1165 م); (ج) "الرد على كتاب التاج البلغاري في الأدوية المفردة" لرشيد الدين ابن الصوري (ت. 639 هـ / 1241 م), وهو في نقد كتاب "الأدوية المفردة" لأبي علي تاج الدين البلغاري (من القرن السابع الهجري ); (د) "الإبانة والإعلام بما في المنهاج من الخلل والأوهام" لأبي محمد عبد الله ابن البيطار (ت. 646 هـ / 1248 م), وهو في نقد كتاب "منهاج البيان فيما يستعمله الإنسان" لأبي علي يحيى بن جزلة البغدادي (ت. 493 هـ/ 1100 م).
((1/16)
3) ... والثالث تمثله النقود الكثيرة المبثوثة في كتب علمائنا, إما للعلماء اليونانيين, وإما لبعضهم بعضا . ونكتفي بالإشارة إلى مثالين من علمي الصيدلة والطب . والأول من كتاب "الاعتماد في الأدوية المفردة" لابن الجزار, في نقد اليونانيين ديوسريقديس وجالينوس, "فإن هذين الرجلين لانهاية وراءهما ولاغاية بعدهما فيما عانياه من هذا الفن , غير أنا وجدنا ماعانيا من ذلك قد لحقه التقصيرعن بلوغ نهاية المدح", ثم يذكر ثلاثة وجوه من التقصير في عملهما في الأدوية المفردة ليست هي من باب الأخطاء العلمية بل من باب التقصير عن استيفاء القول في الأدوية وإهمال الكثير مما يحتاج إلى معرفته عنها; والمثال الثاني هو نقد أبي الحسن علي بن أبي الحزم بن النفيس (ت. 687 هـ / 1288 م) لجالينوس وابن سينا في كتابه " شرح تشريح القانون " الذي خصص لشرح القسم الخاص بالتشريح من كتاب القانون لأبي علي الحسين بن سينا(ت. 428 هـ / 1037 م). ومن أمثلة نقوده لهما نقده لنظريتهما في دور الشرايين والأوردة في حركة الدم بين القلب والرئة, ونقده لنظريتهما . ونظرية أرسطو أيضا.في نبات العروق من الأعضاء مثلما ينشأ النبات من الأرض.
والشواهد التي ذكرنا ـ بأنواعها الثلاثة ـ دالة على أن علماءنا لم يكونوا مجرد نقلة لعلوم السابقين يكتفون بجمعها والاقتباس منها, بل كانوا نقدة ممحصين, اعتقادا بأن العالم ليس براء"مما هو في طبيعة الإنسان من كدر البشرية", كما قال ابن الهيثم.
2 ـ 3 : التجريب والاختبار:(1/17)
وهذه الخصيصة متصلة بالخصيصة السابقة, فإن النقل والتقليد لايدع وان إلى امتحان أقوال العلماء واختبارها, أما النقد والتمحيص فيقتضيان اعتمادهما والمبالغة فيهما لتخليص الحق من شبهات الباطل. على أن العلوم تتفاوت في قابليتها للتجر عامة فإن العلوم النظرية مثل الرياضيات يكون الاختبار فيها عقليا استدلاليا, وتختلف عنها في ذلك العلوم التجريبية مثل الطب والصيدلة أو حتى علم الفلك في مباحثه التي تعتمد فيها آلات الرصد والقيس, أو الطبيعيات في مباحثها التي تعتمد فيها المشاهدة والعيان أو استعمال الآلات في التقدير. ونريد أن نقتصر في الفقرة التالية على التمثيل للتجريب والاختبار في الطب والصيدلة.(1/18)
ومن أهم مجالات الاختبار في الطب التشريح. وقد بلغ مع ابن النفيس في القرن السابع الهجري / الثالث عشر الميلادي مبلغا عظيما, وقد استطاع أن يتبين أخطاء السابقين من القدامى والمحدثين وخاصة جالينوس وابن سينا كما ذكرنا من قبل, وأن يصحح آراء كثيرة وأن يستدل على حقائق جديدة; ومن أهم مجالات الاختبار في الصيدلة تجريب أفعال الأدوية, ومعرفة أحوال النباتات الطبية بالمعاينة والمشاهدة, قصد التدقيق في تحليتها .أي وصفها . وتجنب الخلط بينها وبين غيرها, فلا تنسب منافع دواء ما إلى دواء آخر. ومن تجريب أفعال الأدوية نشير إلى تأكيد الأطباء أو الصيادلة الأطباء تجريبهم الأدوية التي يركبونها بأنفسهم أو التي يأخذون طريقة تركيبها عن غيرهم تجريبا دالا على صحة استعمالها. وقد جعل ابن البيطار من ذلك غرضا من أغراض كتابه " الجامع": " الغرض الثاني صحة النقل فيما أذكره عن الأقدمين وأحرره عن المتأخرين, فما صح عندي بالخبر لا بالخبر ادخرته كنزا سريا, وما كان مخالفا في القوى الكيفية والمشاهدة الحسية والمنفعة والماهية للصواب والتحقيق أو أن ناقله أو قائله عدلا فيه عن سواء الطريق نبذته ظهريا وهجرته مليا وقلت لناقله أو قائله لقد جئت شيئا فريا, ولم أحاب في ذلك قديما لسبقه ولامحدثا اعتمد غيري على صد قه". وقد مكنت هذه النزعة إلى اختبار أفعال الأدوية الأطباء والصيادلة المسلمين من وضع ما سموه "القانون والدستور في تأليف الأدوية", وقد أجمل القول فيه أمية بن أبي الصلت (ت. 529 هـ / 1134م) في مقدمة كتابه "الأدوية المفردة" بعد أن حلل أهم أركانه, وسنرجع إليه للحديث عنه في القسم الثالث من هذا البحث.(1/19)
وأما معرفة أحوال النباتات الطبية بالمعاينة والمشاهدة فقد كانت تسمى التعشيب, وتسمى حسب الاصطلاح الحديث البحث الميداني. وقد كان الأطباء الصيادلة يخرجون إلى ظاهر المدن إما بمفردهم وإما صحبة طلبتهم لدراسة النباتات في مظانها ليتحققوا من ماهياتها ويدققوا حلياتها ويعرفوا أزمنة نباتها ومواضعه ويفرقوا بينها تفريقا يمنع الخلط بينها إذا استعملت. ومن أطرف أمثلة التعشيب في تاريخ علم الصيدلة عند العرب ما كان يقوم به رشيد الدين بن الصوري في النصف الأول من القرن السابع الهجري, فقد سلك في معرفة النبات طريقة فذة صورها لنا ابن أبي أصيبعة بقوله: "وكان يستصحب مصورا ومعه الأصباغ والليق على اختلافها وتنوعها, فكان يتوجه إلى المواضع التي بها النبات مثل جبل لبنان وغيره من المواضع التي قد اختص كل منها بشيء من النبات. فيشاهد النبات ويحققه ويريه للمصور فيعتبر لونه ومقدار ورقه وأغصانه وأصوله ويصور بحسبها ويجتهد في محاكاتها. ثم إنه سلك أيضا في تصوير النبات مسلكا مفيدا وذلك أنه كان يري النبات للمصور في إبان نباته وطراوته فيصوره; ثم يريه إياه أيضا وقت كماله وظهور بزره فيصوره تلو ذلك; ثم يريه إياه أيضا في وقت ذواه ويبسه فيصوره. فيكون الدواء الواحد يشاهده الناظر إليه في الكتاب وهو على أنحاء ما يمكن أن يراه به في الأرض فيكون تحقيقه له أتم ومعرفته له أبين".
فتلك نماذج من الاختبار العلمي دالة على أن العلماء المسلمين كانوا لا يثقون كل الثقة فيما يصلهم من علم القدامى والمحدثين بل كانوا يخضعونه للتجربة والاختبار, وقد مكنتهم التجربة من تصحيح ما استقر من علم سابق واكتشاف الجديد من العلم بحسب ما آتتهم الظروف المحيطة والوسائل المعتمدة, وفي ذلك الجديد الذي اكتشفوا تتمثل مظاهر من ريادتهم في العلم, تضاف إلى الخصائص التي ذكرنا عن مرحلة الابتكار.
3 ـ مظاهر من الريادة العلمية أثناء مرحلة الابتكار:(1/20)
الحديث عن "الريادة العلمية" في الحضارة الإسلامية لا يخلو من المزالق. وأهم مزالقه أن تغلب على الباحث "النزعة الانبهارية" فيتحد ث عن مظاهر قد طواها التاريخ وكأنه يتحدث عن واقع راهن , أو أن تغلب عليه "النزعة الاحتقارية" فيعتبر مرحلة الابتكار العربية نسيا منسيا فيهمل القول فيها إهمالا أو يكتفي منه بصفحة أو صفحتين أو أكثر من ذلك بقليل ضمن كتاب كامل, وقد عرفت من النوع الأول كتابات . منها ما كتبه العرب ومنها ما كتبه المستشرقون تكفي قراءة بعض عناوينها للدلالة على عجز أصحابها عن فهم "الريادة" فهما حقيقيا, ومن أمثلة تلك الكتب كتاب عنوانه "شمس العرب تسطع على الغرب" لكاتبة ألمانية اسمها زيغريد هونكة, وكتاب عنوانه "عبقرية الحضارة العربية, منبع النهضة الأوروبية". ولا نعتقد أن مثل هذه الكتابات قادر على أن ينصف الحضارة العربية الإسلامية ويظهر دورها الحقيقي في تاريخ التقدم البشري . على أن هناك صنفا ثالثا من الكتابات هو الذي نريد أن يتنزل فيه قولنا, تمثله البحوث الموضوعية التي كتبها أصحابها. من العرب والمستشرقين . ليتحدثوا عن المرحلة العربية الإسلامية من تاريخ العلوم, باعتبارها حلقة أساسية من حلقات تقدم الفكر البشري; لكن لا يمكن أن ينظر إليها إلا باعتبارها حلقة من حلقات التاريخ.(1/21)
على أن القيود التي يفرضها الظرف على بحثنا . فهو مجرد بحث مقدم في ندوة علمية تخضع فيها البحوث لمقتضيات منهجية معينة . تضطرنا إلى الاختصار وإجمال القول في مظاهر الريادة في العلوم الأربعة التي سنتحدث فيها, أي الطب والصيدلة والفلك والرياضيات, فإن لكل علم خصائص ومظاهر ريادية قد تتطلب وحدها بحثا مستقلا , ولكن القول في تلك الخصائص والمظاهر مازال صعبا لأن كثيرا من نصوص تراثنا العلمي مازال مخطوطا أو هو مطبوع طبعات تقليدية رديئة, فإن أجل كتب الطب والصيدلة العربية مثلا . مثل كتاب الحاوي للرازي وكتاب الكامل في الصناعة الطبية لعلي بن العباس المجوسي (ت. حوالي 385 هـ / 995 م) والتصريف لمن عجز عن التأليف لأبي القاسم الزهراوي (ت 404 هـ / 1113 م) وكتاب الأدوية المفردة لأبي جعفر أحمد الغافقي وكتابي الجامع لمفردات الأدوية والأغذية والمغنى في الأدوية المفردة لابن البيطار وتذكرة أولى الألباب والجامع للعجب العجاب للشيخ داود الأنطاكي
(ت. 1008 هـ/ 1599م) . مازال جلها مخطوطا أو نشر نشرة غير محققة. ولذلك كله فإننا نريد أن نعنى في الحديث عن الريادة العلمية في الحضارة الإسلامية بالمظاهر التي أصبحت حقائق علمية في مجال البحث في تاريخ العلوم وألا نهتم بالمسائل الجزئية.
3 ـ 1 : مظاهر من الريادة في الطب :(1/22)
قد غلب على الأطباء العرب تقسيم الطب إلى كليات وجزئيات, وإلى قسم نظري وقسم عملي. ولم يخرجوا في تصنيف الطب وتجزئته عما انتقل إليهم عن الإسكندرانيين من مذهب يأخذ من جالينوس الكثير ومن إبقراط القليل. بل إن منهم من لم يغفل عن الجمع بين مذهب جالينوس القائم على القياس والتجربة مع تغليب القياس, ومذهب أرسطو في فهم العلم, فذلك ما نجده عند أبي الوليد ابن رشد (ت. 595 هـ / 1198 م) مثلا في كتاب " الكل يات في الطب ". وتشتمل الكليات الطبية على معرفة الأركان والأمزجة والأخلاط والأعضاء وتشريحها, وأسباب الأمراض وعلاماتها; وتشتمل الجزئيات الطبية على الأمراض الجزئية سواء ما اختص منها بعضو أو ما لم يختص بعضو, ثم على المعالجات, وقد اختلف في أمر الأدوية: فهي عند ابن سينا مثلا إما مندرجة في الطب النظري إذا كانت مفردة . فهي إذن من الكليات . وإما مندرجة في الطب العملي إذا كانت مركبة, فهي إذن من الجزئيات, وهي عند ابن رشد مثلا من "الآلات التي تحصل بها الغايات" فهي الوسائل التي تحفظ بها الصحة ويزال المرض , ولا فرق بين الأدوية المفردة والأدوية المركبة في انتمائها إلى " الكليات الطبية ".(1/23)
وقد أخذ الأطباء العرب مجمل آرائهم في القسمين الكلي والجزئي أو النظري والعملي من الطب الإبقراطي والجالينوسي, مع تفاوت في اعتماد المصدرين. لكن من الظلم لهم أن نقول إنهم قد انحصروا في النموذجين الطبيين اللذين ذكرنا وأنهم كانوا يكتفون بالنقل عن الأصول. فإن المبادئ العامة والأسس النظرية كانت يونانية, لكن تناول العلم بالممارسة والتطبيق قد أدى إلى إخراجه من العلم القياسي النظري القائم على الاستدلال والبرهنة العقلية إلى العلم التجريبي القائم على المشاهدة والملاحظة العلمية. وهذا الانتقال هو الذي مكن بعض الأطباء من الخروج عن النموذج الجالينوسي الخالص والإسهام بتصورات جديدة في تطور العلم. ونريد أن نخص من المجالات التي برزت فيها الجدة ثلاثة:
أ ـ في الجراحة:
لم تكن الجراحة ـ عامة ـ من المباحث الأساسية في الطب الجالينوسي على ما أقره الاسكندرانيون على الأقل , فهي من الطب العملي, بل هي في الطب العملي من باب "أعمال اليد" الذي كان يعد من "أعمال الخدام للطبيب", ولذلك قل الاهتمام بمسائل الجراحة في المؤلفات الطبية العامة إذ كاد الذين عنوا بأعمال اليد لا يخرجون عن "جبر الكسور" والفصد والحجامة والكي والبط . ولا شك أن أول من عنى بها عناية حقيقية هو أبو القاسم الزهراوي.
فقد خص الزهراوي الجراحة بمقالة تامة مستقلة هي المقالة الثلاثون من كتابه "التصريف لمن عجز عن التأليف". والمقالة الثلاثون هذه ليست ـ كما يلاحظ ـ كتابا مستقلا بل هي أيضا جزء من كتاب, ولكن جدة القول فيها قد جعلت الزهراوي يخالف سابقيه ـ بل ولاحقيه أيضا من المسلمين القدامى ـ في هذا الباب.(1/24)
والمقالة في ثلاثة أبواب وكل باب في جملة من الفصول. والباب الأول في الكي والثاني في الجراحة ـ أي في البط والشق والفصد والحجامة والجراحات ـ والباب الثالث في الجبر والخلع, وقد اعتمد المؤلف في أعمال الجراحة على ما اطلع عليه من أعمال السلف ـ وخاصة ما كتبه بولس الأجاينطي الاسكندراني الذي عاش في القرن السابع الميلادي ـ ثم على ما انتهى إليه هو بالتجربة. ويهمنا في هذه العجالة مجرباته, ونخص بالذكر منها:
(1) ... تفضيل الكي بالحديد على الكي بالذهب: فإن القدامى قد فضلوا الذهب على الحديد في الكي لأن الذهب معتدل شريف الجوهر ثم لأن موضع الكي به لا يتقيح, وقد خطأ الزهراوي ذلك لأن الذهب "إنما يفعل ذلك في بعض الأبدان دون بعض " ثم إن الذهب قد تؤثر فيه النار إذا احترق فينسبك ويفسد أمر الصانع,"لذلك صار الكي بالحديد عندنا أسرع وأقرب من الصواب للعمل".
(2) ... إخراجه الضفدع المتولد تحت اللسان: فقد انتبه إلى ما يحدث تحت اللسان من ورم يشبه الضفدع الصغير ويمنع اللسان من فعله الطبيعي وربما عظم حتى ملأ الفم, وقد وصف طريقة إزالته وصفا لم يسبقه إليه أحد.
(3) ... اتخاذه طريقة خاصة به في ختان الصبيان سماها " التطهير بالمقص والرباط بالخيط". وقد وصف ما وجد عليه " الجمهور من الصناع والحجامين يستعملون التطهير بالموسي وبالمقص ويستعملون الفلكة والرباط بالخيط والقطع بالظفر, وقد جربت جميع هذه الوجوه فلم أجد أفضل من التطهير بالمقص والرباط بالخيط فالتجربة كشفت لي فضله", وقد انتقد الطرق الأخرى وبين إضرارها بالصبيان ثم بين طريقته.
((1/25)
4) ... حديثه عن علاج "الفتق الذي يكون في الإربية".فإن الفتق قد يعرض في الإربية "فينتو الموضع ولا يتحدر إلى الانثيين شيء من المعاء وإن انحدر كان ذلك يسيرا ويرجع في كل الأوقات ولكن إن طال به الزمان زاد الشق في الصفاق حتى ينحدر المعاء والثرب في الصفن ويعرض ذلك من امتداد الصفاق الذي يكون في الأريبة وذلك أنه يمتد الصفاق ثم يسترخي ويرم الموضع وينتو", وهذا المرض يعرف في العصر الحديث بالفتق الإربي, وقد وصف الزهراوي علاجه الذي اكتفى فيه بدفع الفتق بواسطة المرود إلى الداخل وخياطة ما نتأ منه خياطة تلصق الموضع الناتئ بالآخر.
وفي الكتاب نماذج كثيرة دالة على تجريب الزهراوي أمورا قد خالف بها غيره.
ب ـ في التشريح:
وقد كان التشريح معدودا من الكليات لأن موضوعه الأساسي هو معرفة الأعضاء المكونة للبدن. وقد اعتمد فيه العرب اعتمادا كبيرا على القدامى وخاصة على جالينوس; ولم يسمح لجالينوس مذهبه القياسي أن يتفطن إلى كل العناصر المكونة للبدن والتي يظهرها علم التشريح; ثم إن التشريح في العرف الإسلامي قد ارتبط بالتحريم فكان الأطباء يظهرون الابتعاد عنه إما بصدق وإما تقية. ومن أشهر الأطباء الذين أظهروا التقية في تناولهم التشريح ابن النفيس, ولو لا ممارسته التشريح لما استطاع أن ينتقد أخطاء السابقين . وخاصة جالينوس وابن سينا . وأن يخالفهم فيأتي بالجديد. وقد تتبعنا من قبل هذه المسألة وأظهر لنا البحث جملة من الإضافات المهمة التي اختص بها وخاصة في كتاب "شرح تشريح القانون". ومن ملاحظاته النقدية التي صحح بها آراء غيره نذكر:
(1) إنكاره تحرك الفقرة الأولى في العنق بمفصل بينها وبين الفقرة الثانية.
(2) إنكاره أن تكون الزائدتان المركبتان في طرف العضد السافل متلاصقتين.
((1/26)
3) نقده نظرية ابن سينا في أن الدم الذي يغذوالرئة يأتيها من القلب لأن الدم الذي يأتي الرئة من القلب يكون من الوريد الشرياني, وأما انتقال الدم الأصلي فإنما يكون من الرئة إلى القلب.
(4)على أن أهم نقد وجهه إلى ابن سينا وجالينوس كان حول دور الشرايين والأوردة في حركة الدم بين القلب والرئة, فقد تفطن إلى أن الدم ينفذ من تجويف القلب الأيمن إلى الرئة حيث يخالط الهواء ثم يعود من الرئة عن طريق الشريان الوريدي إلى التجويف الأيسر من القلب. وقد نتج عن هذا النقد اكتشاف ابن النفيس الدورة الدموية الصغرى أو الرئوية وقد كان اكتشافه هذا موضع تنويه كبير.
ج ـ في تشخيص المرض:
والتشخيص قد برع فيه أطباء عرب كثيرون براعة كبيرة, وهم يسمونه "تقدمه المعرفة" ولهم في ذلك وسائل من أهمها "النظر في ماء المريض" أي في بوله. ولكن هناك حالات أخرى دالة على فطنة الطبيب وقوة ملاحظته وقوة خبرته بمعرفة الأمراض وأعراضها وأسبابها, ولذلك كله دور حاسم في معرفة سبل العلاج وشفاء المريض. وفي تراجم الأطباء . وخاصة في عيون الأنباء لابن أبي أصيبعة . كثير من حالات التشخيص التي سماها "نوادر". على أن الأطباء أنفسهم يعدون ضنينين بذكر تجاربهم في التشخيص وكيفيات اكتشافهم للأمراض, فإن الغالب على مؤلفاتهم الاكتفاء إما بذكر ما اعتقدوه حقا مما نقلوه من الطب وقاموا بتجربته, وإما بذكر خلاصات تجاربهم دون أن يحفلوا بذكر الجزئيات والتفاصيل, رغم ما لها من أهمية, ولعل اغفالهم ذلك راجع إلى ملازمة التواضع وكراهة الحديث عن النفس.(1/27)
ومن المؤلفات النادرة التي اشتملت على نماذج من تجارب مؤلفيها كتاب "التيسير في المداواة والتدبير" لأبي مروان عبد الملك ابن زهر (ت. 557 هـ / 1162م). وقد كان أمره فيما يبدو مشهورا في الأندلس, فقد ذكر ابن أبي أصيبعة أنه "لم يكن في زمانه من يماثله في مزاولة أعمال صناعة الطب وله حكايات كثيرة في تأنيه في معرفة الأمراض ومداواتها مما لم يسبقه أحد من الأطباء إلى مثل ذلك". ومن الحالات التي ذكرها ابن زهر في كتاب التيسير نذكر النماذج الثلاثة التالية:
(1) ... تشخيصه مرض التآليل في المعدة. فقد رأى أيام كان سجينا بمراكش رجلا سجينا لا يهضم طعامه. وكانت به حمى تشتد عليه وقتا وتخلف آخر وكان يشكو إسهالا غير قوي ولا يعرف سبب شكواه, وبين ابن زهر كيف عرف مرضه بقوله: " فلما لمست نبضه وجدته منشاريا غير أنه لم يكن عظيما ولا بالسريع ولا بالمتواتر, ودل على أن به ورما في عضو عصبي بمنشاريته وأخل به في أن لم يكن عظيما بحسب الحال ضعف قوته, وشهد ذلك بالثؤلول, وشهد صغره وأنه لم يكن متواترا أن لم يكن به ورم من الأورام الحارة, وكان الرجل في هلاس متصل, فلما نظرت بطنه وجدت أسفل معدته قدر تفاحة صلبة لم تكن تؤلم الرجل, فلما شددت عليها أحس بالألم".
(2) ... مداواته خلطا سميا أصابه من شرب ماء ملوث: فقد اكتشف . وهو في السجن . أن الماء الذي كان يشربه ذو رائحة كريهة, فأدخل في البئر التي يشرب ماءها من يفتشها فأخرج عدة من سام أبرص قد تمزق بعضها, فتداوى من ذلك ولم ينله سوء, لكن خلطا سميا قد أثر فيه من بعد: " ثم بعد ذلك بمدة عرض ليحب كانت تنبت في أنفي واحدة بعد واحدة, فطليت عليها شيئا من الترياق لأني علمت أن ذلك خلط سمي اندفع عن جسمي إلى هنالك أحدثه الماء الذي كنت أشربه وقد تغير بالسام أبرص, وعاودت ذلك نحو أربع مرات, فارتفع ذلك بحمد الله".
((1/28)
3) ... الاستدلال بسواد ثفل البول ورسوبه على حالة المريض الخطرة: فقد ذكر حالة طبيب أتى مراكش من الأندلس لمداواة علي ابن يوسف, فأجهد نفسه في المجيء وهو شيخ فأصابه جهد شديد فعرض على ابن زهر ماءه فرأى فيه ثفلا أسود راسبا فعلم أن ليس به بحران وأن قوته قد عجزت وأن ذلك منذر بموت قريب: "والبحران يكون حقا فيه البول أسود غير أن الثفل لا يكون أسود. فإن سواد البول يدل على أن قو ة البدن دفعت الخلط الممرض الرديء فأنذر ذلك بخير, وسواد الثفل إنما ينذر بشر ويدل على أن القوة قد عجزت عن الانضاج وأن النضج إنما يعيد الثفل أبيض, وإن كان القوة قد عجزت وكان الثفل أسود فهو ينذر بموت عاجل إن كان راسبا" وقد مات الطبيب فعلا بعد ثلاثة أيام من ذلك.
تلك إذن أمثلة من الريادة في الطب العربي الإسلامي. وهي أمثلة محدودة في النوع وفي العدد ولكنها تعد نماذج دالة على مظاهر عامة من جملة مظاهر أخرى قد اختص بها بعض عن بعض من الأطباء. فإن الإضافات في تاريخ العلوم عند العرب لم تكن نابعة من اتجاه فكري ما أو مدرسة من المدارس, بل هي في الغالب نتاج أفراد بأعيانهم قد أكسبتهم الخبرة ما لم يكتسبه غيرهم في المجال الذي أضافوا فيه, ولذلك كان العلماء الثلاثة الذين ذكرنا أعلاما نماذج في المجالات التي ذكروا فيها.
3 ـ 2 : من مظاهر الريادة في الصيدلة:
كثيرا ما يقترن علم الصيدلة بعلم الطب في تاريخ العلوم عند العرب ويرجع ذلك إلى أسباب أهمها تقليد جالينوس ثم الاسكندرانيين الذين نظموا مادة طبه العلمية; واعتبار الأدوية أو العقاقير وسائل أو آلات لتحقيق الغايات من الطب, فهي لذلك تابعة له مندرجة فيه; وكون الأطباء أنفسهم في أحيان كثيرة صيادلة, لأن علي هم أن يعرفوا قوى الأدوية ومنافعها وطرق تركيبها واستعمالها حتى لا يخطئوا في وصفها للمرضى.(1/29)
على أن الفصل بين العلمين ـ معرفيا ـ ممكن ـ فإن مادة علم الطب الأساسية هي حفظ الصحة وماد ة علم الصيدلة الأساسية هي المادة الدوائية التي تحقق حفظ الصحة. والمادة الدوائية تكون مفردة وموضوعها الأدوية المفردة وتكون مركبة وموضوعها الأدوية المركبة. على أن الأدوية المركبة لا توجد إلا بوجود الأدوية المفردة. ونريد أن نعنى في هذا القسم من البحث ببعض مظاهر الريادة في المبحثين اللذين ذكرنا, أي الأدوية المفردة والأدوية المركبة.
أ ـ في الأدوية المفردة:
الأدوية المفردة مبحث قد استقل عن مباحث الطب العامة منذ القرن الأول الميلادي عندما ألف ديوسقريديس كتاب "المقالات الخمس". ولكن جالينوس من بعده كان يعتبر الطبيب فيلسوفا ويرى في الطب جزءا من الفلسفة وفي الأدوية المفردة والأدوية المركبة جزءا تابعا للطب , ولذلك لم يستقل عنده علم الأدوية .كما نبهنا سابقا .عن علم الطب , وقد أثر هذا في تصور العرب لعلاقة الأدوية بمسائل الطب العام في التأليف, فكان القول فيها في الغالب جزءا من القول العام في الطب , وذلك ما يفسر وجود القول فيها في كتب عامة مثل فردوس الحكمة للطبري والمنصوري للرازي والقانون لابن سينا . وقد عد الأدوية المفردة جزءا من الطب النظري . وابن رشد في كتاب الكليات.
على أن من المسلمين من فصل القول في الأدوية المفردة عن الطب العام فخص الأدوية المفردة أو الأدوية المركبة بكتب مستقلة, وأشهر هذا الصنف من الكتب كتب الأدوية المفردة, وقد ألف فيها أول كتاب مستقل فيما يبدو إسحاق بن عمران
((1/30)
ت. 279 هـ / 892 م) في القيروان, ثم كادت طريقة التأليف هذه تصبح سنة في بلاد المغرب والأندلس من بعده, حتى ظهر علماء كانوا أطباء وصيادلة في الوقت ذاته أو كانوا أطباء لكن الصيدلة كانت عليهم أغلب, ومؤلفات هؤلاء هي التي تمكننا في الحقيقة من الحديث عن الإضافة العربية في مجال علم الصيدلة في باب الأدوية المفردة, سواء من حيث تناول المادة العلمية.أي المفردات الدوائية . أو من حيث اكتشاف أنواع أو ضروب جديدة منها, وخاصة في مجال النبات. فإن الأدوية المفردة تنتمي إلى النبات والحيوان والمعادن, لكن الأدوية النباتية أغلب عددا في المؤلفات القديمة.
ولا يمكن في الحقيقة الإحاطة بكل الإضافات التي ظهرت في كتب الأدوية المفردة في النطاق الضيق المخصص لهذا البحث. لذلك رأينا أن نكتفي بالنظر في أجل كتب الأدوية المفردة العربية على الإطلاق وهو كتاب الجامع لمفردات الأدوية والأغذية لأبي محمد عبد الله ابن البيطار فنتخذه نموذجا. وأهم إضافات ابن البيطار تبرز في مجالين:
((1/31)
1) ... تدقيقه القول في أعيان النبات وأحواله وخصائصه. وأهم ما يعبرعن ذلك عنده نقده لأخطاء العلماء العرب الذين أخذ عنهم وللتراجمة الذين نقلوا كتب الطب والصيدلة إلى العربية. وانتقادات ابن البيطار مهمة لأنها دالة على مدى قدرته على التمييز الصحيح بين أصناف النبات وأنواعه وفصائله, ونكتفي من ذلك بالإشارة إلى ثلاثة أمثلة مما خلط فيه السابقون فأوضح هو أمره وأبرز جليته. وأول الأمثلة هو التمييز بين الأذخر والأسل. وقد خلط بينهما الرازي وابن سينا وابن جزلة. وثاني الأمثلة هو تمييزه بين ثلاثة نباتات يطلق عليها جميعا في اليونانية " لوطوس", وهي بالعربية الحندقوقي البري والحندقوقي البستاني والبشنين, وقد خلط بينها حنين بن إسحاق ثم تواصل الخلط بينها ولم يخلص من الخلط جلة العلماء حتى عصر ابن البيطار; وثالث الأمثلة هو تمييزه بين نباتي الطباق والغافت, وقد خلط بينهما الأطباء والصيادلة في المشرق والمغرب حتى عصر ابن البيطار أيضا; والأمثلة على هذا النوع من الإضافة كثيرة في كتب ابن البيطار, وخاصة في كتاب الإبانة والإعلام بما في المنهاج من الخلل والأوهام الذي تتبع فيه أخطاء ابن جزلة البغدادي وهي في الحقيقة أخطاء قد أوقعه فيها غيره ممن نقل عنهم, وخاصة ابن سينا في كتاب القانون.
(2) ... إضافته نباتات جديدة من محض اكتشافه إلى النباتات التي عرفها العرب في العصور السابقة لعصره, سواء في الترجمات التي وضعوها للمؤلفات اليونانية.والهندية كذلك.أو كانت التجربة قد أوقفتهم عليها. وإضافات ابن البيطار في كتاب الجامع صنفان: أولها تمثله النباتات الجديدة جدة كلية باعتبارها نباتات مستقلة, وثانيهما تمثله أصناف جديدة لنباتات قد عرفت من قبل. أما النباتات التي أضافها ولم يسبق إلى معرفتها فعشرة, وهي "اطريلال" و"أرجان" و"قشرم" و"زلم" و"ششرنب" و"صفيراء" و"عاقر قرحا" (الحقيقية) و"كبسون" و"كتيلة" و"مستعجلة".(1/32)
وأما الأصناف النباتية الجديدة التي أضافها فسبعة عشر صنفا: صنفان للأقحوان وصنف للأنثلة هو الأنتلة البيضاء وصنفان للبثنين وصنف للبلوط هو البهش صنف . غير شائك . للحرشف هو الخريع, وصنف للزقوم, وصنف لشجرة مريم هو العبهر, وصنف للقستوس هو الشقواص, وصنف للغافث هو الغافث العراقي, وصنف للقنب هو القنب الهندي, وصنفان للمخلصة, وصنفان للمشكطرا مشير, وصنف للبيش هوالطوارة.
وهذا باب يمكن في الحقيقة أن يوسع القول فيه. فإن إضافات ابن البيطار التي ذكرنا إنما عدت. إضافات إلى أعمال من تقدمه من المسلمين والعجم الذين سبقوهم إلى العلم. ولورج عنا في التاريخ حتى منصف القرن الثالث الهجري . بداية عصر الابتكار . لوجدنا كل لاحق يضيف إلى السابقينله, وقد بينا من قبل (106) إضافات أحمد ابن الجزار في كتاب الاعتماد وإضافات أحمد الغافقي في كتاب الأدوية المفردة بالنسبة إلى من تقدمهما.
ب ـ في الأدوية المركبة:(1/33)
تتكون الأدوية المركبة من مزج الأدوية المفردة ببعضها. والمركبات الطبية عندهم أنواع كثيرة مثل الترياقات والايارجات والجوار شنات والذرورات والشيافات ...إلخ. وقد كانت لهم طرقهم وآلاتهم في التركيب, و مكاييلهم التي يقيسون بها الأحجام التي ينبغي إدخالها في التركيب. ولكن أهم ما انتهوا إليه في تركيب الأدوية فكان إضافة حقيقية مهمة في تاريخ علم الصيدلة هو ما سموه "القانون" و" الدستور" في تأليف الأدوية, وأدق وصف له وجدناه في مقدمة كتاب"الأدوية المفردة " لأبي الصلت أمية بن عبد العزيز الداني (ت. 529 هـ / 1034 م). فإن على الصيدلاني ـ أو الطبيب الصيدلاني ـ أن يأخذ من كل واحد من الأدوية المفردة التي يريد تأليفها مقدار الشربة التامة ويخلط الجميع خلطا بليغا ويؤخذ من الجملة الجزء السمي لعدد الأدوية, " فما كان ذلك الجزء فهو مقدار الشربة الواحدة. وبين أن نسبة ما يحصل فيها من كل واحد من الأدوية المفردة من الشربة التامة منه كنسبة الشربة الواحدة من الجملة". وقد ضرب لهذا التأليف مثالا: "ومثال ذلك إذا أردنا أن نؤلف دواءا من صبر وغاريقون وشحم حنظل وسقمونيا ـ وهذه أربعة أدوية ـ والشربة التامة من كل واحد من الصبر والغاريقون درهمان ومن شحم الحنظل ثلثا درهم ومن السقمونيا نصف درهم, والجزء السمي للأربعة الذي هو عدد الأدوية ربع, فلنأخذ ربع الخمسة دراهم والسدس, وذلك درهم وثلث بالتقريب, وهو مقدار الشربة الواحدة".(1/34)
ثم حدد مقتضيات التركيب بالنظر في خصائص الأدوية المفردة ذات التأثير في الفعل والنفع:" وبالجملة في كل تركيب إن ننظر إلى كل واحد من الأدوية التي نريد تركيبها. فإنه لا يخلو من أن يكون الدواء حادا قوي الفعل أو ضعيفا لين الفعل أو متوسطا بين ذلك, ولا يخلو أي ضامن أن يكون كثير النفع أو قليل النفع أو متوسطا بين ذلك. فإذا ضوعفت هذه الثلاثة بالثلاثة الأول حصل من تلك تسعة ازدواجات على هذه الصفة: قوي الفعل كثير النفع; قوي الفعل متوسط النفع; قوي الفعل يسير النفع; متوسط الفعل كثير النفع; متوسط الفعل متوسط النفع; متوسط الفعل يسير النفع; ضعيف الفعل كثير النفع; ضعيف الفعل متوسط النفع; ضعيف الفعل يسير النفع. ومن البين أن قوة فعل الدواء وقلة نفعه يقتضيان الإقلال منه, وضعف فعله وكثرة نفعه يقتضيان الإكثار منه, والتوسط يقتضي التوسط. فاجعل هذا لك أصلا واعتبر به كل واحد من الازدواجات تقف على ما يجب أن تفعله فيه".
ويلاحظ إذن أن تركيب الأدوية حسب القانون أو الدستور الذي حلله أبو الصلت أصبح مبحثا كيميائيا يأخذ بمبدأ المقادير الحسابية والنسب التي تكون بين العناصر المكونة لأجزاء الدواء المركب الواحد. وذلك يقتضي المعرفة الدقيقة يقوى الأدوية المفردة وطبائعها .وهي الحرارة والبرودة والييبوسة والرطوبة . ودرجاتها . وهي أربع . من تلك الطبائع, وهذا مبحث آخر كان العرب قد أظهروا تميزهم فيه منذ ألف ابن الجزار في النصف الأول من القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي كتاب الاعتماد في الأدوية المفردة, الذي قسمه إلى أربع مقالات بحسب الدرجات الأربع التي تكون للأدوية.
3 ـ 3 : من مظاهر الريادة في علم الفلك :(1/35)
يشتمل علم الفلك على جملة من المباحث تكون مادته العلمية أهمها أحكام النجوم ـ أو الاحكاميات ـ والأرصاد والأزياج, والمثلثات التي تشاركه فيها الرياضيات. وقد كانت للعرب قبل الإسلام "ثقافة نجومية" يظهرها ما يعرف عندهم بالأنواء, لكنها ثقافة مستمدة من التجربة الجماعية المتوارثة, ثم عرفوا الفلك بعد الإسلام علما له مبادئه وقوانينه بعد أن ترجموا إلى العربية بعض كتب الهند واليونانيين, وأجل تلك الكتب كان كتاب المجسطي لبطلميوس القلوذي. والكتاب في ثلاث عشرة مقالة تغلب على مسائلها المعالجة الرياضية, وقد ترجمت لبطلميوس كتب أخرى إلى العربية لكنها لم تترك من الأثر ما تركه كتاب المجسطي. وقد احتذى العلماء العرب حذوه فعملوا بنظرياته وأسسوا عليه مادة علم الفلك الأساسية. فكان في علم الفلك شبيه ابجالينوس في علم الطب . لكن جالينوس لم يثر من "الشكوك" ما أثاره بطلميوس ونظامه الفلكي. والشكوك دالة على أن العلماء العرب قد وجدوا في نظريته مطاعن تقتضي التوقف ثم التثبت. ومن أهم الشكوك عليه شكوك الحسن بن الهيثم في كتاب "الشكوك على بطلميوس". ووجه اعتراض ابن الهيثم على بطلميوس أن هذا كان يتصور وجود ثلاثة أفلاك, هي (1) الفلك الخارج المركز; (2) فلك التدوير; (3) فلك معدل السير. وسبب هذا المذهب هو أن بطلميوس . مثل غيره من القدامى.كان يرى أن الكواكب تتحرك حركة دائرية منتظمة لكن الرصد قد أظهر في تلك الحركة اختلالا, فحاولوا تفسيره باعتماد الفلكين الأول والثاني, وقد أضاف إليهما بطلميوس الفلك الثالث, وأثار ذلك شكوك ابن الهيثم, وتواصلت هذه الشكوك بعد ابن الهيثم.(1/36)
ويعنينا مما تقدم أن نبين أن العلماء العرب كان لهم استقلالهم الفكري وآراؤهم التي تحصلت لهم من تعميق النظر بحسب ما استقر في ممارستهم للعلم من منهج منبن على الشك المنهجي , وهو منهج لا يقر بالتبعية, وقد ظهر أثر ذلك الاستقلال في أعمال الفلكيين العرب, وخاصة فيما تحقق لهم في بحثهم من نتائج لم تأت بها كتب السابقين. ونريد أن نشير فيما يلي إلى بعض من تلك النتائج التي تمثل بعضا من إسهام العرب في تطوير العلم.
(1) ... المثال الأول مشهور, يرجع إلى النصف الأول من القرن الثالث الهجري, في أيام الخليفة المأمون, وهو ما يعرف بقياس محيط الأرض.فقد ذكر نلينو نصا مطولا منقولا من كتاب الزيج الكبير الحاكمي لابن يونس المصري (ت. 399هـ / 1009 م) حول ما قامت به جماعة من الفلكيين من الرصد بأمر من المأمون لقياس قوس من دائرة نصف النهار, وقد تكون فريقان وذهب كل فريق إلى مكان ليستقل برصده عن الآخر. فقاس الفريقان مقدار درجة من أعظم دائرة تمر بسطح الأرض فوجدا قياسا واحدا متفقا وهو سبعة وخمسون ميلا. وقد درس نلينو الميل العربي وقدر قياسه وانتهى إلى أن طول الدرجة عند فلكيي المأمون 111815 مترا وطول جميع محيط الأرض 41248 كيلو مترا, وهو قدر قريب من الحقيقة دال على ما كان للعرب من الباع الطويل في الأرصاد وأعمال المساحة".
(3) ... قانون جابر بن أفلح (ت. حوالي 545 هـ / 1150 م). فلقد ألف هذا الفلكي الأندلسي كتابا في علم الهيئة انتقد فيه بطلميوس وأدخل فيه جزءا خاصا بالمثلثات وجعل قاعدة " الأقدار الأربعة " في الحساب الخاص بالمثلثات الكروية أساسا لاستخلاص قوانينه, وقد " وضع قانونا جديدا لم يسبقه إليه أحد وعرف هذا القانون في أوروبا باسم قانون جابر, وهو جتا ب = جتا ب. حا أ, أي : Cos A = Cos a Sinus B
((1/37)
4) ... وقد كانت للعرب أعمال جيدة تشبه التي ذكرنا, سواء في الأرصاد أو في تحرير الأزياج أو في تقدير الأوقات ووصف حركات الكواكب, وفيما قيل عنهم كثير من الصدق لأن أعمالهم الفلكية لا تقوم على التقليد بل على الملاحظة والقوانين الرياضية الدقيقة. وقد استطاعوا . لذلك . مثلا أن يعرفوا أصول الرسم على سطح الكرة وأن يضبطوا حركة أوج الشمس وأن يدققوا حساب السنة الشمسية, وقد استطاع البتاني أن يضبطها ضبطا محكما وبين أنها 365 يوما وخمس ساعات و46 دقيقة و24 ثانية, وقد أخطأ بدقيقتين و 22 ثانية.
3 ـ 4 : من مظاهر الريادة في الرياضيات :
تكون الرياضيات جملة من العلوم أهمها الحساب والجبر والهندسة والمثلثات التي يشاركها فيها علم الفلك. وقد كانت للعرب قبل الإسلام مبادئ في العد لكن الحساب لم يصبح علما إلا بعد الإسلام وكان للترجمة أثرها في تكوين العلم.وقد بدأ اهتمام العرب بمعالجة قضايا الرياضيات منذ مرحلة الإنشاء, فكان أحد المترجمين.وهو أبو الحسن ثابت بن قرة الحراني (ت. 288 هـ / 901 م) . من أهم الرياضيين في بغداد في القرن الثالث الهجري. وقد شارك في نقل كتب الطب والفلسفة, وألف في الطب, لكن الرياضيات كانت عليه أغلب. وإليه يرجع نقل أهم الكتب اليونانية التي أثرت في المباحث الرياضية عند العرب, مثل كتب أرشميدس وإقليدس وأوطوقيوس وأبلونيوس.(1/38)
على أن النظر المعمق في إسهام العرب في العلوم الرياضية يدل على أن بداية تميزهم سابقة لثابت بن قرة وترجماته. فإن من أهم العلماء الرياضيين العرب الذين أثروا في الثقافة الإنسانية تأثيرا عميقا هو أبو عبد الله محمد بن موسى الخوارزمي (ت. بعد 232 هـ / 846 م) الذي كان كتاباه " الجبر والمقابلة " و " الجمع والتفريق " ـ وقد ترجما إلى اللاتينية في وقت مبكر ـ أساس علم الحساب في أوروبا حتى عصر النهضة الحديثة; على أن الكتاب الأول ـ أي الجبر والمقابلة ـ كان أعمق أثرا, وهو لذلك يستحق أن يتصدر القول في مظاهر ريادة الحضارة الإسلامية في علم الرياضيات.
أ ـ في علم الجبر:
وكتاب "الجبر والمقابلة" للخوارزمي في ثلاثة أقسام: (1) في النظام العشري , والمعادلات التي قدمها الخوارزمي ـ وعددها ست ـ قد حلها هندسيا, وضروب العمليات الحسابية الأساسية وهي الضرب والجمع والطرح أو النقصان والقسمة, ثم المعاملات وقد اهتم فيه الخوارزمي بمسائل الجبر النظري ; (2) في المساحة, ويحتوي هذا القسم على ضروب المساحات كمساحة المثلث والمعين والمعين والدائرة وحجم الهرم الثلاثي والهرم الرباعي والمخروط. وقد ذكر الخوارزمي أنواع المربعات والمثلثات وحدد طريقة الحصول على مساحة كل منها; (3) الوصايا وهو أدخل في باب المواريث أي الفرائض الشرعية. وهذا القسم يعطي الكتاب بعدا اجتماعيا لأنه يصل العلم . بالمصلحة العامة . فإن أثر "المعاملات" في الكتاب ظاهر لكن الخوارزمي قد وجه اهتمامه إلى مسائل الجبر النظرية باعتباره علما قائما على المعادلات.
وقد كانت لهذا الكتاب آثار في تطوير الرياضيات العالمية, وخاصة من حيث:
(1) إدخال الأعداد العربية إلى الغرب الأوروبي قد عوض استعمال الحروف الرومانية في الحساب .
(2) استعمال الصفر مع الأرقام العربية والاقتصار بذلك على عشرة رموز لتمثيل جميع الأعداد .
((1/39)
3) تبسيط استعمال الحساب في معالجة المجاميع المعقدة المجردة.
(4) ... إدخال علم كامل في الدرس الرياضي الأوروبي ـ ثم العالمي ـ هو علم الجبر الذي عرف بالاسم الذي أعطاه الخوارزمي له, في مختلف لغات العالم.
وقد توسع العلماء المسلمون بعد الخوارزمي في علم الجبر وأضافوا إليه إضافات كانت لها أهميتها هي أيضا في التقدم بالعلم وتطوير مباحثه. ومن أهم العلماء المسلمين الرياضيين إضافة أبو الفتح عمر ابن إبراهيم الخيام (ت. 526 هـ / 1132 م) الذي ألف في الجبر مجموعة من الرسائل أهمها "مقالة في الجبر والمقابلة" وقد عني في هذه المقالة بحل أصناف من " مقدمات " الجبر والمقابلة " معتاصة جدا, متعذر حلها على أكثر الناظرين فيها", وقد نبه إلى أن المتقدمين "لم يصل إلينا منهم كلام فيها, لعلهم لم يتفطنوا لها بعد الطلب والنظر أو لم يضطر البحث إي أهم إلى النظر فيها أو لم ينقل إلى لساننا كلامهم فيها", وإذن فهو لم يطلع على حللها في كتب اليونانيين; وأما المتأخرون . أي العلماء المسلمون . ف " ليس لواحد منهم في تعديد أصنافها وتحصيل أنواع كل صنف منها والبرهان عليها كلام يعتد به إلا على صنفين", و"المقدمات" التي ذكر هي معادلات الدرجة الثالثة, وقد حل منها خمسا وعشرين, فانضافت إلى معادلات الدرجة الثانية الست التي كان الخوارزمي قد وضع حلولها في القرن الثالث الهجري . والمعادلات الخمس والعشرون التي حلها الخيام ثلاثة أصناف : (1) معادلات بسيطة وعددها ست , وهي ترد إلى معادلات الدرجة الثانية (2), معادلات مركبة ثلاثية وعددها اثنتا عشرة, وهي مركبة من ثلاثة حدود, (3) معادلات مركبة رباعية وعددها سبع وهي مركبة من أربعة حدود.(1/40)
فتلك إذن خمس وعشرون معادلة مما يعرف بالمعادلات التكعبية (Equations cubiques) . أو معادلات الدرجة الثالثة (Equations degr 3إ) . كانت حلولها "مساهمته التي انفرد بها", وقد أرفق أربع عشرة منها "بطرق جديدة" في التحليل.
ب ـ في علم العدد :
قد بدأ اهتمام العرب بالعدد منذ ترجموا في القرن الثالث الهجري كتاب نيقوماخس الفيثاغوري " المدخل إلى علم العدد", وفي هذا الكتاب آثار للفلسفة قوية, فإن المؤلف يعد من الفلاسفة وقد التقت في كتابه تأثيرات من فيثاغورس وأفلاطون وأرسطو, لكن الاهتمام بالعدد . وخاصة من حيث إفراده وتركيبه وإضافته وتثليثه وتربيعه ونسبته.قد أعطى الكتاب قيمة رياضية كبيرة. وقد مهد لظهور ما يسمى بنظرية "الأعداد المتحابة
(Nombres amiables), وهي نظام من الحساب تستخرج فيه الأعداد بأن " تجمع الواحد والاثنين مع ما يليهما من أعداد زوج الزوج على الولاء إلى أن تجمع منها عددا إن زدت عليه العدد الأخير من أعداد زوج الزوج المجموعة كان عددا أول, وأن ربعث ما بعد الأخير من الأعداد المجموعة وزدت عليه ثمنه ونقصت منه واحدا وكان بعد ذلك عددا أول, فإنك إذا ضربت حينئذ أحد الأولين في الثاني ثم المبلغ في العدد الأخير من أعداد زوج الزوج المجموعة كان من ذلك العدد الزائد من العددين المتحابين, وإذا ضربت العدد الثالث من الأول في العدد الأخير من أعداد زوج الزوج المجموعة, كان المبلغ العدد الناقص من العددين المتحابين, كذلك تستخرج الأعداد المتحابة من أعداد زوج الزوج إلى غير نهاية".(1/41)
وقد اهتم بالأعداد المتحابة جماعة من الرياضيين أهمهم ثابت ابن قرة الحراني, وهذا المبحث يدحض ظن الذين يعتقدون " أن نظرية الأعداد هي أفقر فروع الرياضيات قاطبة" عند العرب. وقد جمع رشدي راشد جملة من النصوص في هذا المبحث وحققها وبين انطلاقا منها أن " نظرية الأعداد لم تقف عند تراث الإسكندرية بل لم تقف حتى عند مازاده ثابت بن قرة . وخاصة نظريته في الأعداد المتحابة.وغيره, فنظرية الأعداد ذهبت إلى أبعد من ذلك بكثير بفضل الجبر, أو على وجه التحديد بفضل تطبيق الوسائل الجبرية التي ابتدعها [محمد ابن الحسن] الكرجي ومدرسته في دراسة الأعداد وخصائصها". وقد ربط الباحث بين هذا التطبيق الجبري وظهور "فصل جديد في نظرية الأعداد لم يكن معروفا من قبل لا بهذا الاتساع ولا بهذه الصورة التي نجده عليها في الرياضيات العربية, فضلا عن أسلوب حديث في النظروالبرهان سيكون هو أسلوب نظرية الأعداد فيما بعد حتى سنة 1640 على الأقل". وقد كان الباعث على هذه الدراسات البحث عن برهان جديد يتجاوز البرهان الذي برهن به ثابت بن قرة على نظريته في الأعداد المتحابة. وقد حقق رشدي راشد خمسة نصوص هي " تذكرة الأحباب في بيان التحاب " لكمال الدين الفارسي وفقرة من "كتاب في علم الحساب" للتنوخي, وفضل في استخراج العددين المتحابين من كتاب "عيون الحساب" لمحمد باقر اليزدي وفصل من كتاب "رفع الحجاب عن أعمال الحساب" لابن البناء المراكشي, ثم فصل من كتاب "التمحيص في شرح التلخيص" لأبي الحسن علي بن هيدور التادلي.
ج ـ في علم المثلثات:(1/42)
علم المثلثات كله علم عربي خالص. والأصل فيه هو البحث عن الأوجه المختلفة التي تنشأ عن النسبة التي تكون بين أضلاع المثلث. وقد اتصل في أول نشأته بعلم الفلك لكنه أخذ يستقل عنه ويختص بمادة بحثه, وقد اخترع العلماء العرب له مفاهيمه فكانت مفاهيم رياضية دون أن تنتفي صلتها بعلم الفلك, وأوجدوا للمفاهيم المصطلحات الدالة عليها فكان الجيب (Sinus) وجيب التمام (Cosinus) والظل (Tangeante). وقد عناهم البحث في المثلثات الكروية خاصة وتوصلوا إلى استخراج القواعد الخاصة بالمثلثات القائمة الزاوية وحل المسائل المتصلة بالمثلثات المائلة الزاوية.
تلك مظاهر أساسية من مظاهر العلوم الرياضية التي كان للعرب المسلمين فيها ريادة; ويمكن أن يتوسع في القول في هذه المظاهر بالحديث في مظاهر علمية أخرى رياضية أو ذات صلة بالرياضيات. ولكننا أردنا أن نكتفي بذكر نماذج صادقة التمثيل لما كان للعلماء المسلمين من اجتهاد في مجال علمهم قد أثر فيمن أتى بعدهم وأثمر الثمار الحسن.
4 ـ خاتمة:(1/43)
قد عنينا في فقرات البحث السابقة بالحديث في جملة من الخصائص والمظاهر ميزت إسهام المسلمين في حركة العلم البشري, وخاصة من حيث ابتكاره والإسهام في وضعه, أي من حيث المشاركة في تقدم الحضارة الإنسانية. ولقد كانت ملابسات كثيرة قد أحاطت بالدور العربي الإسلامي في تلك الحركة; فإن الدور العربي لم ينشأ من عدم بل سبقته حركة سميناها حركة إنشائية هي التي أقامت الأسس الحقيقية لحركة الابتكار, وقد أسهم في تكوين حركة النشأة الدولة والعلماء العجم ثم العرب الذين شاركوا جميعا في الترجمة وفهم النصوص المترجمة و"توطين" المفاهيم التي تحملها ثم في التأليف العلمي. وقد امتدت حركة الابتكار قرونا طويلة قد أظهر فيها المسلمون في المشرق وفي المغرب على السواء ضروبا من البراعة في التفكير والتحليل والاستنتاج وصوغ النظريات وتصور التطبيقات لها في العلوم التي تقبل التطبيق, وقد حاولوا في جل الحالات أن يربطوا العلم بالغاية منه فلم يكن عندهم نظريا خالصا بعتنى به من أجل الرياضة الفكرية بل كانت "المنفعة العامة" من أهم أهدافهم. ولكن حركة الابتكار لم تعرف من دعم الدولة ما عرفته حركة الإنشاء, فإن الدولة الإسلامية القوية التي كانت عاصمتها ـ بغداد ـ عاصمة العالم أثناء حركة الإنشاء قد تقطعت أوصالها وتجزأت إلى دويلات تغلب عليها العصبيات الأعجمية وتهددها المطامع الأجنبية وخاصة مطامع الصليبيين, سواء باسم الدين أو باسم العرق والجنس. ولذلك فإن العلماء كانوا يعملون في الغالب بمفردهم أو مع تلاميذهم ولايجدون من الظروف المادية الملائمة ما يجعلهم يصرفون الجهد والوقت للبحث العلمي والمواظبة عليه. ولقد حدثنا عمر الخيام عن شيء من ذلك في عصره حين قال: "ولم أتمكن من التجرد لتحصيل هذا الخير والمواظبة على الفكر فيه لاعتراض ما كان يع وقني عنه من ظروف الزمان.(1/44)
فإننا قد منينا بانقراض أهل العلم, إلا عصابة قليلي العدد كثيري المحن همتهم افتراص غفلات الزمان ليتفرغوا في اثنائها إلى تحقيق واتقان علم". ولا شك أن العلماء المسلمين لوعاشوا في ظل دولة قوية ووجهوا إلى الانشغال بالعلم ضمن مشروع من مشاريع الدولة لكانت ريادتهم أقوى وكانت مناحي إسهامهم في تقدم العلم أوسع.على أن ما أنجزوه قد مثل مرحلة حقيقية من مراحل الفكر البشري المتقدم, وحلقة أساسية من حلقات التقدم العلمي في تاريخ البشرية. فإن فكرهم ونتاج بحثهم قد انتقلا. أو انتقل جلهما . إلى أوروبا بداية من القرن الخامس الهجري / الحادي عشر الميلادي. ذلك أن أوروبا التي كانت العصبية الدينية غالبة عليها فحاربت المسلمين قرونا باسم الدين كانت تخفي أوروبا أخرى متعطشة للعلم وللمعرفة, وأوروبا الثانية هذه التي مثلها العلماء الذين نقلوا العلوم الإسلامية إلى اللغات التي كانت مستعملة في البلاد الأوروبية, وخاصة اللاتينية واليونانية والعبرية.وقد اعتمد نتاج الفكر الإسلامي وطبق في أوروبا طيلة قرون.وخاصة من القرن الحادي عشر إلى القرن السابع عشر الميلاديين.ودرس وفهم وأتخذ منطلقا للابتكار, فشابه الأوروبيون بذلك المسلمين أثناء حركة الإنشاء عندهم. لكن المنشئين الجدد قد خالفوا المسلمين في أمانتهم العلمية, فنقلوا .وهم في أحيان كثيرة .إما غافلون عن ذكر مصادرهم وإظهار مواردهم منها, وإما متعمدون الغفلة والسطو على علم غيرهم; وذلك كان شأن جماعة من علمائهم منذ بداية حركتهم الإنشائية, ولنا في ما قام قنسطنطين الإفريقي مع ابن الجزار القيرواني خير دليل, فقد نقل جل كتبه إلى اللاتينية ونسبها إلى نفسه انتحالا .(1/45)
وهذه قضية أساسية في تاريخ العلوم, وخاصة من حيث علاقة العلوم الحديثة بمراحل الفكر العلمي السابقة, وعلاقة التأثر والتأثير بين مرحلة الابتكار العلمي في الحضارة الإسلامية ومرحلة الإنشاء العلمية في تاريخ الحضارة الغربية الحديث, وأثر تلك العلاقة ذاتها في مرحلة الابتكار العلمي الأوروبي التي يفيد العالم كله اليوم من ثمارها. فإن ذلك الأثر لم يدرس بعد الدراسة المعمقة, ولا شك أن تعميق النظر في دراسته مازال محوجا إلى توفر مواد وآليات بحثيه ما تزال اليوم مفقودة أو ضعيفة, مثل التأكد من أثر عالم إسلامي ما في عالم أوروبي ما, وتبين مسالك التأثير تبينا صادقا.
وقد حاولنا في هذا البحث أن نقف على بعض من مظاهر الريادة العلمية في الحضارة الإسلامية, وسعينا إلى الاقتصار على ذكر ما كان أثره واضحا في مرحلة الإنشاء العلمية الأوروبية. فإن من المؤكد اليوم أن كتب أبي بكر الرازي وابن الجزار القيرواني وأبي القاسم الزهراوي وابن سينا في الطب والصيدلة كان لها أثر عميق, وأن أعمال المسلمين في الأرصاد الفلكية وكتاباتهم في الأزياج كان لها دور في توجيه البحث في علم الفلك, وأن التفكير الرياضي العربي في علوم الجبر والحساب والمثلثات قد أسست الفكر الرياضي الحديث; وتلك كلها دلائل على أن الحضارة الإسلامية كانت لها الريادة وكان لها التأثير أيضا, ولكن مظاهر تلك الريادة مازالت في حاجة إلى الدراسة الموضوعية التفصيلية المعمقة, وأوجه التأثير مازالت في حاجة إلى التتبع المتمحص الدقيق.
الهوامش
1) قد ألفت فيها كتب كثيرة قد ذكر منها فؤاد سزكين تسعة عشر في الجزء الثاني من كتابه قد جمعت كلها في فهرس الكتب فيه ـ ينظر: GAS, Vol. VIII, pp. 344.345 Sezgin:.(1/46)
2) توجد آثار ذلك واضحة فيما يعرف بالطب النبوي , ينظر من كتب الطب النبوي خاصة: الطب النبوي لابن قيم الجوزية, تحقيق عبد الغني عبد الخالق وعادل الأزهري ومحمود فرج العقدة, القاهرة, 1957; وفي كتاب النبات لأبي حنيفة الدينوري اهتمام ظاهر بمنافع النباتات العلاجية في البيئة العربية ـ ينظر: أبو حنيفة الدينوري: كتاب النبات, تحقيق برنهاردلوين ابسالا 1953 ص 103 (الحرمل), 116 (الحماض), 146 (الخروع) الخ.
3) ينظر حوله: ابن جلجل: طبقات الأطباء, ص54; صاعد الأندلسي : طبقات الأمم, ص 47; القفطي: تاريخ الحكماء, ص ص 161 ـ 162; ابن أبي أصيبعة: عيون الأنباء, 1/109 ـ 113.
4) ابن أبي أصيبعة: عيون الأنباء, 1/113.
5) ينظر:ابن جلجل: طبقات الأطباء, ص 57; ابن أبي أصيبعة:عيون الأنباء, 1/ 116.
6) من الشائع بين القدماء أن معجزة الرسول الأساسية كانت القرآن لأن ملكة الكلام كانت على العرب أغلب. ينظر مثلا قول الجاحظ: " كان أغلب الأمورعليهم وأحسنها عندهم وأجلها في صدورهم حسن البيان, ونظم ضروب الكلام, مع علمهم له, وانفرادهم به, فحين استحكمت لفهمهم وشاعت البلاغة فيهم وكثر شعراؤهم وفاق الناس خطباؤهم, بعثه الله عز وجل فتحداهم بما كانوا لا يشك ون أنهم يقدرون على أكثر منه" ـ حجج النبوة,. (ضمن رسائل الجاحظ تحقيق هارون ـ بيروت
1991 3/ 279, وينظر له أيضا مقارنته بين الأمم في ما اختصوا به وتأكيده اختصاص العرب بأشياء يتقدمها " قول الشعر وبلاغة المنطق وتشقيق اللغة وتصاريف الكلام " في رسالة مناقب الترك, ضمن رسائل الجاحظ 1/70
7) ينظر الخبر كله في: القفطي: تاريخ الحكماء, ص 355 ـ 356.(1/47)
8) ينظر مثلا: الجاحظ: البيان والتبيين,تحقيق هارون ط. تونس 1990 1/328, وهو في نظره "أول من ترجم كتب النجوم والطب والكيمياء "; ابن النديم: الفهرست تحقيق تجدد, ص 419, وفيه أنه " أول من ترجم له كتب الطب والنجوم وكتب الكيمياء", وفيه أيضا أن الذي دفعه إلى طلب الصناعة هو فشله في نيل الخلافة; صاعد الأندلسي: طبقات الأمم, ص 48, وفيه أنه " كان بصيرا بالطب والكيمياء, وله في الكيمياء, رسائل وأشعار بارعة دالة على معرفته وبراعته فيها" لكن لم يترجم له ابن جلجل في الطبقات ولا القفطي في التاريخ ولا ابن أبي أصيبعة في العيون.
9) ابن خلدون: المقدمة ط بيروت, 1961 ص 977 ـ 978; وقد اعترض عليه بروكلمان في تاريخ الأدب العربي, 1/263: " وليس ابن خلدون على حق في التشكك في خالد وعلمه", ولكن بروكلمان نفسه يرى أن الرسائل الباقية لخالد يشك في صحتها; وقد آمن بصحة علم خالد أيضا سزكين, ينظر, GAS, IV, pp, 120.126 Sezgin: GAS,:. وقد توسع في مناقشة الآراء حوله.
10) ينظر: أبو حيان التوحيدي: الإمتاع والمؤانسة,2 القاهرة 1939 ـ 1944/76.
11) ينظر القفطي: تاريخ الحكماء, ص ص158 ـ 160.
12) التاريخ الأول ذكره البيروني في كتاب ما للهند من مقولة,(حيدر أباد الدكن 1958) ص 351, وقد أخذ به نلينو في علم الفلك عند العرب, روما, 1911ص 149, والتاريخ الثاني ذكره القفطي في تاريخ الحكماء, ص 270; وليس هو سنة
153 هـ / 770م كما ذكرت يمنى طريف الخولي في فلسفة العلم في القرن العشرين, الكويت2000 ص 42.
13) لم يذكر اسمه أي من المصادر القديمة, ولكن لمعنى طريق الخولي سمته كنكه (فلسفة العلم في القرن العشرين الكويت 2000, ص 42), وهذا وهم خالص لأن كنكه من علماء الهند القدامى الذين عاشوا قبل الإسلام, ينظر مثلا: ابن أبي أصيبعة: عيون الأبناء, 2/32, وفيه أنه " من متقدمي حكماء الهند ".(1/48)
14) الترجمة منسوبة في الفهرست لابن النديم (ص 304, سطر 4 ـ 5, وص 332, سطر 23) وتاريخ الحكماء للقفطي (ص 242) إلى البطريق الأب, لكن بروكلمان في تاريخ الأدب العربي, 4/95, قد نسبها إلى يحيى بن البطريق, أي إلى الابن ولم نجد لذلك مبررا.
15) ينظر: ابن النديم: الفهرست, ص 304.
16) صاعد الأندلسي: طبقات الأمم, ص 48.
17) ابن النديم: الفهرست, ص 409.
18) نفسه, ص 409.
19) نفسه, ص 409.
20) نفسه, ص 305.
21) نفسه, ص 360.
22) نفسه, ص 419.
23) نفسه, ص 327, وينظر أيضا: القفطي: تاريخ الحكماء ص 97 ـ 98.
24) ينظر: تقريظ القفطي فيهم في تاريخ الحكماء.
25) ابن النديم: الفهرست, ص 330ـ331.
26) نفسه, ص 304.
27) ينظر: حنين بن إسحاق: رسالة إلى علي بن يحيى, في ذكر ما ترجم من كتب جالينوس, ليزيغ, 1925ص3 (سطر 4 ـ 5), 4 (س 9), 5 (س 8 ـ 9), 6 (س 5,18), 7 (س 15 ـ 16), 8 (س 11 ـ 12), 9 (س 14 ـ 15), 15 (س 20 ـ21), 16 (س 2 ـ 3, 11 ـ 12) إلخ.
28) ينظر: ابن النديم: الفهرست, ص 315 ـ 320; القفطي: تاريخ الحكماء, ص ص 368 ـ 376; ابن أبي أصيبعة: عيون الأنباء, 1/209 ـ 214.
29) ينظر حول تصنيف العلوم في الثقافة العربية في تلك المرحلة من تاريخ العلم: أبو عبد الله الخوارزمي: مفاتيح العلوم, ط 3 القاهرة, 1981 ص 4, وكتابه في "مقالتين: إحداهما لعلوم الشريعة وما يقترن بها من العلوم العربية, والثانية لعلوم العجم من اليونانيين وغيرهم من الأمم".
30)كنا نود التوسع في الحديث عن بعض سمات هذه الحركة العلمية, مثل عمق صلاتها بواقع الناس في المجتمع الإسلامي ونزعتها الإنسانية الغالبة عليها. لكننا أعرضنا عن ذلك لأنه سيحدث اختلالا في توازن أقسام البحث ويطيل القول في مسائل يحسن أن تخص ببحث مستقل .(1/49)
31) نبه حنين في مقدمة "العشر مقالات في العين القاهرة 1925(ص 71) إلى اعتماده على جالينوس فقال: "وأنا مؤلف لك كتابا كما سألت أجمع لك فيه باختصار جميع ما قدمت ذكره [= مواضيع مقالات الكتاب] على ما بينه وشرحه جالينوس الحكيم"; أما كتاب المسائل فمدخل عام للطب قد بناه حنين على مجمل آراء جالينوس في الكتب التي ترجمها له.
32) ابن جلجل: طبقات الأطباء, ص 66.
33) نفسه, ص 69.
34) نفسه, ص 85.
35) الجاحظ كتاب الحيون, 6/33.
36) نفسه, 6/37.
37) ابن الهيثم: الشكوك على بطلميوس, القاهرة 1961, ص 3.
38) نفسه, ص 3 . 4.
39) نجد مثل هذه الدعوة إلى الالتزام بالموضوعية في كتاب آخر لابن الهيثم هو كتاب المناظر, فقد جاء في " صدر الكتاب " . وهو الفصل الأول منه . قوله: " ونجعل غرضنا في جميع ما نستقرئه ونتصفحه استعمال العدل لا اتباع الهوى, ونتحرى في سائر ما نميزه وننتقده طلب الحق لا الميل مع الآراء, فلعلنا ننتهي بهذا الطريق إلى الحق الذي به يثلج الصدر, ونصل بالتدرج والتلطف إلى الغاية التي عندها يقع اليقين, وما نحن مع جميع ذلك, برآء مما هو في طبيعة الإنسان من كدر البشرية ولكننا نجتهد بقدر ما هو لنا من القوة الإنسانية " . كتاب المناظر, الكويت, 1983, ص62.
40) ابن النديم: الفهرست, ص 357; القفطي: تاريخ الحكماء, ص 272; ابن أبي أصيبعة: عيون الأنباء, 1/ 318.
41) ابن النديم: الفهرست, ص 358; القفطي: تاريخ الحكماء, ص 275: ابن أبي أصيبعة: عيون الأنباء, 1/318.
42) القفطي: تاريخ الحكماء, ص 272.
43) قد طبع وسبق اعتماده في هذا البحث.
44) ابن أبي أصيبعة: عيون الأنباء, 2/48.
45) ابن عبد الملك المر اكشي: الذيل والتكملة,بيروت, (د.ت), 1/212.
46) ابن أبي أصيبعة: عيون الأنباء, 2/219.
47) ينظر حوله كتابنا: بحوث في تاريخ الطب والصيدلة عند العرب, بيروت, 1991, ص 474 ـ 542.
48) ابن الجزار: كتاب الاعتماد في الأدوية المفردة, 2 ظ ـ 3 و.(1/50)
49) ابن النفيس: شرح تشريح القانون, ص 293 ـ 294, وص ص 387 ـ 390.
50) نفسه, ص 317. وينظر حول نقود ابن النفيس لابن سينا: إبراهيم بن مراد: ابن النفيس الطبيب مقارنة بابن سينا, ص 414 ـ 421.
51) ابن البيطار: الجامع لمفردات الأدوية والأغذية, 1/3
52) أبو الصلت أمية ابن عبد العزيز: الأدوية المفردة, ص 171 ـ 172, وينظر النص محققا في كتابنا بحوث في تاريخ الطب والصيدلة, ص 374 ـ 375.
53) يقصد كتاب الأدوية المفردة لرشيد الدين ابن الصوري.
54) ابن أبي أصيبعة: عيون الأنباء, 2/219.
55) زبغريد هونكة: شمس العرب تسطع على الغرب, ترجمة فاروق بيضون وكمال دسوقي, ط.5, دار الآفاق الجديدة, بيروت, 1981, وفي الكتاب مبالغة وتهويل دلان على جهل بالنصوص العربي ة ذاتها . ينظر نموذج من ذلك في كتابنا بحوث في تاريخ الطب والصيدلة, ص 185, تع (2).
56) ر.ب. ويندر: عبقرية الحضارة العربية منبع النهضة الأوروبية, ترجمة عبد الكريم محفوض, دمشق, 1982, والكتاب مشتمل على مجموعة من المقالات لكتاب مختلفين من المستشرقين والعرب, وقد أفسدت الترجمة كثيرا منه.(1/51)
57) نخص منها بالذكر: Lucien Leclerc: Histoire de la mإdecine arabe, Paris. 1876 (2 vols) (تاريخ الطب العربي للكلرك); كارلونيلنو: علم الفلك, تاريخه عند العرب في القرون الوسطى روما, 1911; Aldo Mieli: La science arabe et son rآle dans l'إvolution scientifique mondiale, Leiden,1966 (العلم العربي ودوره في تطور العلم في العالم لالدومييلي); . Juan Vernet: La Cultura Hispanoarabe en Oriente y Occidente Barcelona, 1976 (الثقافة العربية الأسبانية في الشرق والغرب لخوان بزنيت), محمد سويسي: أدب العلماء, تونس, 1977 ـ 1979 (جزآن); Roshdi Rashed: Entre arithmإtique et algةbre. Recherches sur l’histoire des mathإmatiques arabes, Paris, 1984 (بي ن علم الحساب والجبر بحوث في تاريخ الرياضيات العربية لرشدي راشد); Idem: Optique et mathإmatiques. Recherches sur l’histoire de la pensإe scientifique en arabe Londres, 1992 (علم المناظر والرياضيات بحوث في تاريخ الفكر العلمي العربي لراشد أي ضا); ومن أجل أعمال رشدي راشد أي ضا نشره وترجمته لجملة من أهم النصوص الرياضية العربية في كتاب: " الرياضيات التحليلية بين القرن الثالث والقرن الخامس: Les mathإmatiques infinitإsimales du IX et XIe siةcles. A1 . Furq)n, Londres, 1993.1996 (2 vols), والجزء الأول كله لابن الهيثم.
58) ينظر في كتاب القانون لابن سينا "الكتاب الثاني" (1/222 ـ 470), وموضوعه الأدوية المفردة وقد عد القول فيها من الطب النظري, والكتاب الخامس (3/ 309 ـ 402) وموضوعه الأدوية المركبة, وهي في جزئيات الطب .
59) ابن رشد: الكليات, في الطب, القاهرة 1989, ص 19.(1/52)
60) قد صر ح بذلك عب د الملك ابن زهر في كتاب "التيسير في المداواة والتدبير", فقد قال عند حديثه عن "معالجة" فك المفاصل ": " وأما محاولة ذلك باليد فهو من أعمال بعض الخدمة للطبيب وكذلك الفصد والكي وقطع الشريان وما هو أشرف من هذه رتبة (...). وكلها من أعمال الخدام للطبيب. وأما الطبيب فمن شأنه أن يدبر بالأغذية والأدوية أمر المريض ولا يتناول بيديه شيئا من ذلك ". كتاب التيسير, ط. تونس 1983ص 319. وهو يرى أن " الشق على الحصى"مثلا من "الأعمال المستقذرة القبيحة ". نفسه, ص 320.
61) قد خصها ابن سينا مثلا بفن واحد هو الفن الخامس من الكتاب الرابع, وموضوع هذا الفن "في الجبر": القانون, 3/186 ـ 217; ولم يخصها علي بن ربن الطبري من قبله إلا ببضع فقرات في فردوس الحكمة, ص 331.
62) Abulcasis: On Surergy and Instruments, p. 15.
63) نفسه, ص 15.
64) نفسه, ص 299.
65) نفسه, ص 397.
66) نفسه, ص 399 ـ 401.
67) نفسه, ص 449.
68) ينظر في المرجع نفسه مثلا: ص 179, 305, 559 ـ 561, 579 ـ 581 الخ.
69) إبراهيم بن مراد: ابن النفيس الطبيب مقارنة بابن سينا, ص 413 ـ 421.
70) ابن النفيس: شرح تشريح القانون, ص 102, وكذلك: ص 103.
71) نفسه, ص 129.
72) نفسه, ص 294.
73) نفسه, ص 293 ـ 294, وكذلك ص 287 ـ 290.(1/53)
74) ينظر مثلا: Max Meyerhof: “Ibn an.Nafis und sine Theorie des Lungekreislaufs”, in: QSGNM, 4 (1993), pp:. 37.38 ;dem: Ibn An.Nafs (13éthê cent). and hhis teary of the lesser circulation in: Lsis, 23 (1935), pp. 100.120; Abdul.Karim Chإode: Ibn An.Nafرs et la dإcouverte de la circulation puilmonaire,Damas, 1995, وقد تبي ن أن العالم الإسباني ميشال سرفاي (Michel Servet) الذي عاش في القرن السادس عشر ونسب إليه اكتشاف الدورة الدموية الصغرى كان قد نقل نص ابن النفيس نقلا حرفيا . ينظر: J.Vernet: La cultura hispanoarabe, pp. 268.269, وقد ذكر نص سرفاي (تع 74) الدال على النقل من نص ابن النفيس.
75) ابن أبي أصيبعة: عيون الأنباء, 2/66; وقد أورد له بعض النوادر: ص 6 ـ 67.
76) ابن زهر: التيسير, ص 206.
77) نفسه, ص 347.
78) ينظر حول نقود ابن البيطار لغيره من العلماء: ابراهيم بن مراد: بحوث في تاريخ الطب والصيدلة, ص 283 ـ 285, وفيه الإحالات التامة إلى مواضع انتقاده في كتاب " الجامع " خاصة.
79) ينظر: ابن البيطار: الجامع, 1/16و1/26; والإبانة والإعلام بما في المنهاج من الخلل والأوهام (مخطوطة الحرم المكي الشريف, رقم 36 طب), ص 4 ظ . 5 و.
80) الجامع, 2/40 و4/116, والإبانة والإعلام, ص 26 ظ ـ 29 ظ.
81) الجامع, 2/97 و 3/144, والإبانة والغعلام, ص 57 ظ ـ 58 ظ.
82) الجامع, 1/4.
83) نفسه, 1/22 و4/112.
84) نفسه, 1/ 127.
85) نفسه, 2/166.
86) نفسه, 3/82.
87) نفسه, 3/85.
88) نفسه, 3/115.
89) نفسه 4/50.
90) نفسه, 4/52.
91) نفسه, 4/157.
92) نفسه, 1/48.
93) نفسه, 1/96.
94) نفسه, 1/96.
95) نفسه, 1/122.
96) نفسه, 2/57.
97) نفسه, 2/166.
98) نفسه, 2/55 و 3/116.
99) نفسه, 3/66.
100) نفسه, 3/144.
101)نفسه, 4/39.
102) نفسه, 4/142.
103) نفسه, 1/157.
104) نفسه, 3/105.(1/54)
105)بنظر: إبراهيم بن مراد: بحوث في تاريخ الطب والصيدلة, ص 275 ـ 281.
106) يراجع التعليق 52. وينظر المرجع السابق, ص 365 ـ 378.
107) نفسه, ص 373.
108) نفسه, ص 373 ـ 374.
109) نفسه, ص 374 ـ 376.
110) ينظر: محمد سويسي: أدب العلماء, 2/97 ـ 98.
111) كارلونلينو:علم الفلك, تاريخه عند العرب في القرون الوسطى,ص 281 ـ 284.
112) نفسه, ص 288 ـ 289.
113) ينظر حكمت نجيب عبد الرحمان: دراسات في تاريخ العلوم عند العرب, جامعة الموصل, 1977, ص 171 ـ 172; وينظر أيضا J. Vernet: La Culture Hipanoarabe, pp. 144.145.
114) ينظر: محمد بن موسى الخوارزمي: الجبر والمقابلة, تحقيق علي مصطفى مشرفة ومحمد مرسي أحمد, القاهرة, 1968, ص 16 ـ 54.
115) نفسه, ص 54 ـ 67.
116) نفسه, ص 67 ـ 67.
117) عمر الخيام: مقالة في الجبر والمقابلة, ضمن: رسائل الخيام الجبرية, تحقيق رشدي راشد وأحمد جبار, جامعة حلب, معهد التراث العلمي العربي , حلب, 1981, ص 1.
118) نفسه, ص 1
119) نفسه, ص 2.
120) نفسه ص 13 ـ 23.
121) نفسه, ص 24 ـ 43.
122) نفسه, ص 43 ـ 65. وينظر تحليل هذه المعادلات الخمس والعشرين في: محمد سويسي: أدب العلماء, 1/139 ـ 144.
123) ينظر: جون ماكليش: العدد من الحضارات القديمة حتى عصر الكمبيوتر, ترجمة خضر الأحمد وموفق دعبول, المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب, الكويت, 1999, ص 181.
124) نفسه, ص 171. وينظر فيه تحليل لنماذج من حلول الخيام للمعادلات باستعمال أشكال هندسية مثل القطع المكافئ والقطع الزائد والدائرة, ص 181 ـ 185.
125) زين الدين التنوخي: كتاب في علم الحساب . ضمن: رشدي راشد: نصوص لتأريخ الأعداد المتحابة وحساب المتوافقات, في: مجلة تاريخ العلوم العربية, 6/1 .2 (1982), (ص 3 ـ 68) ص 53.
126) رشدي راشد: نصوص لتأريخ الأعداد المتحابة: ص 3.
127) نفسه, ص 15 . 68.
128) نفسه, ص 3.
129) نفسه, ص 3.
130) نفسه, ص 15 ـ 52.(1/55)
131) نفسه, ص 53 ـ 54.
132) نفسه, ص 55 ـ 59.
133) نفسه, ص 60 ـ 63.
134) نفسه ص 64 ـ 68.
135) ينظر حول علم المثلثات عند العرب: كارلونيلنو: علم الفلك, تاريخه عند العرب في القرون الوسطى, ص 238 ـ 249.
136) عمر الخيام: مقالة في الجبر والمقابلة: ص 2.
كلمة رئيس الجلسة الدكتورعمار الطالبي: بسم الله الرحمن الرحيم... بعدما استمعنا إلى المحاضرة التي ألقاها الأستاذ الدكتور إبراهيم بن مراد ننتقل الآن إلى المحاضرة الثانية في هذه الجلسة المسائية وهي محاضرة الدكتور يوسف يعقوب السلطان ونحن نطيع السلطان, ولكن نرجو ألا ينزعج الإخوة المحاضرون إذا ما كتبنا إليهم بأن الوقت قارب على النهاية ونرجو أن يساعدونا على تنظيم الوقت والالتزام به, وكذلك الأخوة المعقبون, والمتكلمون عموما, نرجو منهم أن يساعدوا الرئاسة على تننظيم الوقت شاكرا لكم.(1/56)