مظاهر الإنصاف
في كتاب الإنصاف
حوار مع الشيخ دبيان بن محمد الدبيان
بقلم
عبدالرحمن بن عبدالعزيز الجفن
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :
فإننا مع اشتداد الأزمات ، وتتابع النكبات ، في أشد الحاجة إلى عالم فقيه مطلع ، معالج لأوضاع المسلمين ، متفرغ لنوازلهم وقضاياهم ، مهتم بإصلاح أوضاعهم من خلال أطروحاته وبحوثه .
وإذا كان حاضر العالم الإسلامي يعيش ويلات التضليل وهجمات التغريب .. كان على أهل العلم والدين أن يوسِعوا تلك المنابع تجفيفا وتلك الأزمات تطبيبا .. ولئن رفع أهل العلمنة رؤوسهم لما تَنكّست رؤوس كان على أهل الخير أن يشغلوا أوقاتهم بما هو أهم .
ويحزنك أن تجد بعض المتفرغين للعلم يطرح في بحوثه ما قد يُحدث بعض الخلافات والشقاقات والمنازعات بين المسلمين ، خاصة إذا كان يرى أن تلك البحوث هي من المُباحات التي قد لا يؤجر المرء على فعلها ولا تركها (1)، فكيف إذا كان قد يترتب على إظهارها بعض المفاسد .
هنا ندرك أن الفاضل والمفضول باب واسع ، يدرك سياسته من رزقه الله علماً وفهماً ، وإذا يُسّرت هذه الخصلة مع وجود الإخلاص ، ومع فهم للسياسة الشرعية ، فلا عليك أن تجد الفقيه الحاذق في رأيه وفهمه المشبع في طرحه لنوازل الأمة ..
ثم أما بعد
وقد اطلعت على كتابي الشيخ دبيان بن محمد الدبيان وهما : (الإنصاف في ما جاء في الأخذ من اللحية وتغيير الشيب من الخلاف) ، و : (تعزيز كتاب الإنصاف في بيان أن الأخذ من اللحية ليس فيها خلاف) ، وهذا التعزيز رد على كتاب فضيلة الشيخ عبدالكريم الحميد : (إشعار الحريص على عدم جواز التقصيص ) ، وعلى غيره من طلبة العلم كما في (التعزيز) ص 49 ، لكنه لم يسم إلا الشيخ عبدالكريم ، وكان لي في الحقيقة بعض الملاحظات على هذين الكتابين ، و الباعث على كتابة هذه الملاحظات أسباب :(1/1)
السبب الأول : أن الشيخ دبيان وقع فيما انتقد به الشيخ عبدالكريم الحميد .
السبب الثاني : تضارب تأصيل الشيخ وتفريعه في المسألة .
السبب الثالث : واجب إسداء النصح والتبيين لأخي المسلم .
ونحن هنا لا نريد أن نناقش الشيخ دبيان في ترجيحه جواز أخذ ما زاد على القبضة أو الصبغ بالسواد ، لكننا نريد أن نبين من خلال هذه الرسالة :
هل الشيخ في دعوى إنصافه فعلاً أنصف أم لم ينصف ؟ .
فقد رأيته يمتدح معالم الإنصاف في كتابه الإنصاف ، إذ قال فيه ص144 : (حاولت قدر الإمكان عرض أدلة الفريقين بكل حياد .. ثم قال : لا يجوز إن رجحت قولا أن أغمط أدلة القول الآخر .. ).
والإنصاف يعني : العدل في العرض ، و الاستدلال ، والتصحيح ، و التضعيف ، والمناقشة ، و الترجيح ، وهذا ما سوف يتبين أمره إن شاء الله من خلال ذكر تلك المظاهر .
ولعلنا هنا نستعرض المظاهر العامة في الحوار :
الأول : التناقض في عنواني الكتابين .
الثاني : تخصيص الشيخ عبدالكريم الحميد بالرد دون غيره .
الثالث : تناقض الشيخ دبيان في نفي أقوال السلف وإثباتها في المسألة .
الرابع : الاضطراب في الاستدلال بقول الجمهور .
الخامس : استدلال الشيخ بجزء من حديث ابن عمر وترك الجزء الآخر .
السادس : طي الشيخ لرأي أبي داود والبيهقي في معنى السِّبال ولبعض علل حديث جابر .
السابع : تناقض أخذه بقول عطاء بن أبي رباح في نقل الإجماع .
الثامن : تناقض قوله في نسكيّة الأخذ من اللحية .
التاسع : اضطرابه في أمر أبي الزبير .
العاشر : تعليله لحديث لم يقف على علته .
الحادي عشر : حكمه على حديث أنه إلى الضعف أقرب ويسوقه في مواضع أخرى على أنه صحيح.
الثاني عشر : عدم الدقة في النقل .
الثالث عشر :الشيخ دبيان وقع فيما انتقد به الشيخ عبدالكريم .
الرابع عشر : التقوّل على الشيخ عبدالكريم .
الخامس عشر : وصف الشيخ عبدالكريم بالموبقات .
السادس عشر : وقيعة الشيخ دبيان في الشيخ عبدالكريم .(1/2)
السابع عشر : ثناء الشيخ دبيان على كتابه .
الثامن عشر : الأخطاء النحوية والإملائية :
1- فيما يتعلق بالقران .
2- فيما يتعلق بالحديث .
3- فيما يتعلق بالأخطاء النحوية .
4- فيما يتعلق بالأخطاء اللغوية .
5- فيما يتعلق بالأخطاء الإملائية .
6- فيما يتعلق بالأخطاء المطبعية .
هذا وأسأل الله تعالى أن ينفع بها من كتبها و قرأها وأن ينفع بها الشيخين الحميد والدبيان ، والله الهادي إلى سواء السبيل.
كتبه
عبدالرحمن بن عبدالعزيز الجفن
10 / 3 / 1422
القصيم - بريدة
ص ب 558
المظهر الأول :
التناقض في عنواني الكتابين :
أثبت الشيخ دبيان من خلال عنْونته لكتابه الأول وهو الإنصاف أن مسألة الأخذ من ما زاد على القبضة من اللحية من المسائل الخلافية ، فقال : (الإنصاف في ما جاء في الأخذ من اللحية وتغيير الشيب من الخلاف).
ثم نقض هذا العنوان في كتابه الآخر إذ قال : (تعزيز الإنصاف في بيان أن الأخذ من اللحية ليس فيه خلاف) .
مع العلم أنه في الإنصاف قال ص 4 : (ولا يمكن لأي خلاف محفوظ أن يلْغى هذا الخلاف لسبب أننا رجحنا هذا القول على ذاك ) .
وقال الشيخ في تعزيز الإنصاف عن هذه المسألة ص6: (إنه كالإجماع ) ، والمعنى أنه ليس إجماعاً بل كالإجماع !! .
ثم نقض هذا القول مرة أخرى فأثبته في تعزيز الإنصاف ص39 فقال : (ولم أذكر كلامه ( يعني إجماع الشيخ الألباني ) احتجاجاً .. ).
ثم نقض هذا القول مرة أخرى في التعزيز ص49 وأثبت أن إجماع الألباني رحمه الله حق ، وأن المخالف له خارق للإجماع كما في ص50 من التعزيز .
مع العلم أن الشيخ دبيان قال في تعزيز الإنصاف ص5 : (الحقيقة الأولى : ثبوت الخلاف عند السلف في هذه المسألة .. ثم قال : ( كما حكم أخونا عبدالكريم على الخلاف دون أن يحيط به علماً ..) .
وقال في التعزيز ص60 (وأرى أن كل خلاف - وإن ضعف- فإنه يخرق الإجماع إذا كان المخالف من المسلمين) .(1/3)
وقال في الإنصاف ص63 (والقول بتحريم أخذ ما زاد عن القبضة قول ضعيف).
فالشيخ دبيان حتى الآن لم يحدد لنا رأيه في هذه المسألة ، هل هي مسألة خلافية ، أم هي إجماع ؟فهو قال مرة إنها خلافية ، ومرة إنها إجماع ، ومرة كالإجماع ، ومرة الخلاف ثابت ، ومرة الخلاف ضعيف.
فإن كانت إجماعاً فالواجب أن يكون استدلاله بالإجماع ، فهو أقوى حجة من جميع أدلته ، وإن كانت خلافية فلماذا يطالب بإثبات المخالف؟ .
وهنا يلزم الشيخ نقض أحد العناوين .
المظهر الثاني :
تخصيصه الشيخ عبدالكريم بالرد دون غيره :
من المعلوم لدى الجميع أن الشيخ عبدالكريم الحميد - وفقه الله للخير -لم ينفرد بالرد وحده على كتاب الشيخ دبيان ( الإنصاف ) ، بل أشهر من رد على الشيخ دبيان أربعة من كبار المشايخ في الفتوى التي انتشرت أكثر من انتشار رد الشيخ عبدالكريم .
فما بال الشيخ دبيان اقتصر بالرد على الشيخ عبدالكريم دون غيره ؟ لماذا ترك ذلك البيان والكلام فيه ؟
المظهر الثالث :
تناقض الشيخ دبيان في نفي بعض أقوال السلف وإثباتها في المسألة :
ذكر الشيخ دبيان في التعزيز ص8 : (أن تحريم الأخذ من ما زاد على القبضة مطلقاً قول يعتقده بعض المشايخ ولا وجود له في كتب الفقه وعمل السلف ) .
وحينما عرض الشيخ قول المانعين لذلك قال في الإنصاف ص33 : إن ذلك قول للحسن وقتادة .
وقد نقل هذا القول من مجموع النووي ( 1 / 342 ) ثم قال : (ولم يذكر السند عنهما ، والمنقول عن الحسن وقتادة خلاف هذا ). اهـ .
ثم ذكر إسناد قول الحسن المخالف لهذا القول ، أما قول قتادة فاكتفى بالعزو لكتاب التمهيد ( 24 / 146 ) موهماً أنه قال هذا القول المخالف مسنداً ، وبالرجوع إلى التمهيد لم أجد قول قتادة مسنداً !!!.(1/4)
وقد قال عن قول قتادة المخالف لمذهبه : إن المنقول عنه خلاف هذا ، ثم نقل عنه بلا إسناد ، فما الفرق بين النقلين ؟ ولماذا قبل قول قتادة لما وافق مذهبه ، ولم يقبله لما خالفه ، والنقل في الأمرين غير مسند؟.
مع العلم أن الشيخ وفقه الله ذكر ممن يقول بجواز الأخذ منها قول الشعبي في المجموع ( 1 / 342 ) ، ولما رجعت لقول الشعبي لم أجده مسنداً كذلك !!.
فلماذا يرد الشيخ ما ورد في (المجموع) من قول قتادة بكراهة الأخذ من اللحية لعدم ذكر الإسناد ، ويقبل قول الشعبي - في (المجموع) - وقول قتادة - في (التمهيد) - بجواز الأخذ من اللحية وهي بلا إسناد في الكتابين ؟!.
هل نخلص إلى أن قتادة والشعبي قالا بهذه الأقوال أم لا ؟.
فإن قبل قول الشعبي فيلزمه قبول قول قتادة ، وإن لم يقبل قول قتادة لزمه رد قول الشعبي .
وسؤالي : ما هو الأصل الذي تعامل به الشيخ دبيان في قبول قول هذا ورد قول هذا مع اتفاقهما في العلة ؟ .
وقد كان الشيخ دبيان يقول في التعزيز ص7 وهو ينادي بتعظيم النصوص : ( ولا بد من منهج مطرد في هذا ، وإلا كنا نتلاعب بالشرع بحسب أهوائنا وتقديراتنا ) .
المظهر الرابع :
اضطراب الشيخ دبيان في الاستدلال بقول الجمهور:
في المسألتين اللتين بحثهما الشيخ دبيان في كتابه الإنصاف : الأخذ من ما زاد عن القبضة من اللحية ، والصبغ بالسواد ، كان الاتكاء فيهما منه على قول الجمهور ، وفهم فلان وفلان ، وقد كانوا هم سلاحه ضد المنازعين لقوله .
وحينما تحتج عليه بقول أحد العلماء يرد عليك كما في كتاب التعزيز ص 40 قائلاً : (وهل رأي الشيخ يحتج به أو يحتج له ؟) وعند مخالفتك إياه في الرأي يقول في تعزيز الإنصاف ص70 : (أو تريد أن تحجر على فهمي وتلزمني بترجيحك وان أترك فعل السلف وفهمهم .. ؟ )اهـ.(1/5)
وهذا القول حق ، ومن الحق أن يطرد قوله هذا في كل مسألة يقول بها ، ففي حين جعل الجمهور سلاحه في وجه المنازعين في المسألتين السابقتين ، بل وقال في الصبغ بالسواد -معرضاً عن النصوص على صحتها وصراحتها الإنصاف 142 : (والقول بالكراهة أقوى ، وهو قول السواد الأعظم من الأمة ، بل إن التحريم إنما هو وجه عند بعض أصحاب الشافعي فقط ، والوجه الآخر مكروه فحسب ، وما عداهم من المذاهب الأربعة بين مجيز وكاره) ، مع أنه ذكر الروايات في صبغ بعض الصحابة بالسواد -ولم يصح منها إلا حديث واحد فقط هو حديث عقبة بن عامر كما صرح هو- .
وهنا تجد ملحظين على طريقة الشيخ هذه :
الملحظ الأول : أنه قال في المسح على الحائل ص 82 في بيان معنى الجمهور (لكن إذا كان كل مذهب له جمهوره الذين لا يتجاوزون قول إمامهم لم تكن الكثرة مظنة الإصابة) ، فما بالهم صاروا هنا مظنة الإصابة - وهم لا يتجاوزون قول إمامهم أيضاً- ؟.
والملحظ الثاني : أنه حينما خالف قول الجمهور قال كما في كتابه المسح على الحائل ص82 - : (وكم من مسألة فقهية كان فيها قول الجمهور مجانباً للصواب ، ولو بحث فقط في مسائل العبادات التي خالف فيها الجمهور الدليل لوقع ذلك في مجلد ضخم .. ) اهـ.
أما هنا فالشيخ أكثر من بيان أن هذا القول قول الجمهور ، وهو قول فلان وفلان ، كما في كتاب الإنصاف ص 69 بعد ذكر بعض نصوص العلماء في الأخذ من اللحية قال : فقل بالله عليك من العلماء غيرهم ؟ اهـ .
ولعلنا نضرب مثلاً واحداً في مخالفة الشيخ دبيان لقول الجمهور حتى يتبين لنا أن هذا الكلام من الشيخ سلاح له يأخذه متى شاء ، ويتركه متى شاء ، فمن تلك المسائل التي خالف فيها الجمهور
( المسح على النعلين ) ذكر في كتابه المسح على الحائل ص 85 وهو يرجح جواز ذلك أن المذاهب الأربعة لا يجيزونه ، وذكر قول قوم لم يسمهم أنهم يجيزون ذلك ، واختار قول هؤلاء المجهولين !!.(1/6)
فأين طلب الإسناد لقول هؤلاء الذين لم يسمهم ، وقد رد قول قتادة في كراهة الأخذ من اللحية لأنه لم يُسند(1) ؟!!!
المظهر الخامس :
استدلال الشيخ بجزء من حديث ابن عمر وترك الجزء الثاني :
ذكر الشيخ دبيان في ص44 من الإنصاف - الحديث الثاني من أدلته وهو حديث ابن عمر رضي الله عنه وهو ما رواه البخاري عن نافع عن ابن عمر قال : قال عليه الصلاة والسلام ( خالفوا المشركين وفروا اللحى وأحفوا الشوارب ، وكان ابن عمر إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه ) .
وقد ذكر نافع رحمه الله هنا قيدين :
الأول : قيد مكاني : وهو الأخذ مما زاد على القبضة .
والآخر : حالي : وهو كونه في النسك .
فمن أخذ بالأول دون الثاني فقد خالف الرسول عليه الصلاة والسلام ، وخالف ابن عمر :
لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يُذكر عنه هنا إلا الأمر بالإعفاء والتوفير ، وابن عمر أخذ من لحيته مما فوق القبضة وفي النسك .
ونقول : أين الدليل على جواز الأخذ في غير النسك ؟ .
فإن قلت : إن الأخذ منها في النسك لا ينافي دلالة الإعفاء المأمور به فيجوز الأخذ في غير النسك كما قلت ذلك من الإنصاف ص 11 ، 55 .
قيل لك : فالأخذ من عموم اللحية إذا ثبت أنه لا ينافي الإعفاء لا يقيد بما زاد على القبضة فيجوز الأخذ مما دون القبضة كما جاز أخذ ما زاد عليها .
فإن قلت : ما دون القبضة يبقى على عموم الأمر المرفوع بالإعفاء .
قيل لك : وتبقى باقي الأحوال في غير النسك على عموم الأمر المرفوع بالإعفاء ، فكما يلزمك دليل خاص لأخذ ما دون القبضة ، فيلزمك أيضاً دليل خاص في الأخذ في غير النسك .
فإن قلت : إذا جاز في النسك جاز في غيره .
قيل لك : وإذا جاز الأخذ مما فوق القبضة جاز مما دونها ، فلماذا قيدت بالمكان وهو ما زاد عن القبضة دون الحال وهو النسك ؟ .(1/7)
فإن قلت : إن الحال وهو النسك قيد غير مؤثر كما لو قرأ الرسول عليه الصلاة والسلام سورة في الصلاة في سفر فإن ذكر السفر قيد غير مؤثر في استحباب هذه السورة كما قلت ذلك في تعزيز الإنصاف ص 42 .
قيل لك : لم فرّقت فجعلته في النسك قيداً غير مؤثر وكونه فوق القبضة قيداً مؤثراً ؟.
مع أنهما وردا معاً ، ولو أراد أحد أن يعكس الدعوى لانعكست ، ويستدل بنحو استدلالك ، ويقال لك أيضاً : إن القراءة لا اختصاص لها بالسفر إذ إنها وردت في السفر ووردت في الحضر ، فقياسك إياها على الأخذ من اللحية قياس فاسد الاعتبار ، وعموم الأدلة تأمر بالإعفاء والترك وأما الأخذ من اللحية فلم يرد إلا في النسك ، فأين هذا من ذاك ؟.
ويقال لك أيضاً : إن القياس الأقرب أن يقال : الأخذ من اللحية في النسك كالقصر في السفر ، فإن الأدلة العامة المرفوعة تدل على وجوب الإتمام فلما قصر الرسول صلى الله عليه وسلم وعلمنا أنه لم يرد القصر إلا في السفر تبين لنا أن هذا القيد مؤثر ، وكذلك هنا فإن الأدلة العامة المطلقة المرفوعة دلت على وجوب الإعفاء فلما ورد علينا فعل ابن عمر مقيداً بالنسك علما أن هذا القيد مؤثر ، لأنه لم يرد في غير النسك .
ثم يقال لك : إن الأدلة التي استدللت بها (حديث ابن عمر ، وحديث جابر ، وحديث عطاء ، وحديث ابن عباس في تفسير التفث وهو في الحج ) كلها صريحة في أن هذا الأخذ كان في النسك .
بل حديث جابر الذي استدللت به نصه (كنا نعفي سبالنا إلا في حج أو عمرة) ، قد صرح فيه أنهم يعفون لحاهم في غير النسك ، إذن ما فائدة نقلهم لقيد ( في الحج والعمرة ) ؟
وكيف يكون هذا القيد بعد ذلك غير مؤثر؟.
وقول عطاء الذي احتججت به (كانوا يحبون أن يعفوا اللحية إلا في حج أو عمرة) ، تصريح بأنهم يعفون لحاهم في غير النسك ، وتصريح أيضاً أن معنى الإعفاء هو الترك مطلقاً(1) .(1/8)
فمن أخذ من لحيته في غير النسك فقد خالف هدي سيد المرسلين لعموم أدلة الأمر بالإعفاء ، وخالف هدي الصحابة بدليل حديثك الذي حسنته (كنا نعفي سبالنا إلا في حج أو عمرة) ، وحديث عطاء ، وحديث ابن عمر ، وحديث ابن عباس في تفسير التفث ، وهذه عمدتك في الأخذ من اللحية .
فهل من مظاهر الإنصاف :
أن تستدل بجزء من حديث وتترك آخر ؟ وتحاول تضعيف دلالته في الجانب الآخر مع أنهما سواء في الدلالة ؟.
فهذا جابر قال (كنا نعفي سبالنا إلا في حج أو عمرة) :
لماذا لم تأخذ بأول كلامه ، ومعناه : نعفي السبال في جميع الأحوال ؟ بل أخذت بما استثناه ، ثم عممته!!.
وهذا عطاء قال (كانوا يحبون أن يعفوا اللحية إلا في حج أو عمرة) :
لماذا لم تأخذ بما أحبوه من الإعفاء في غير الحج والعمرة ؟ وإنما أخذت المستثنى فعممته على جميع الأحوال ، وليس هذا من الإنصاف .
وجعلت هذا القيد غير مؤثر مع تصريح عطاء بأنهم يحبون الإعفاء في غير النسك، وتصريح جابر بأنهم يعفون في غير النسك .
بل وقلت في الإنصاف ص 8 (وقد وقفت على أن الأخذ من اللحية في النسك هو مذهب الصحابة ) ، فأين الإنصاف هنا عافاك الله ووفقك وهداك ، وجعل الجنة مثوانا ومثواك ؟.
المظهر السادس :
طي الشيخ دبيان لرأي أبي داود والبيهقي في معنى السبال ولبعض علل حديث جابر:
ذكر الشيخ في الإنصاف ص50 حديث جابر رضي الله عنه (كنا نعفي السبال إلا في حج أو عمرة) .
والكلام على مظاهر الإنصاف هنا في عدة أمور :
الأمر الأول :
أن أبا داود ( وهو الراوي لهذا الحديث وقد خرّجه صاحب الإنصاف منه ) قد بوّب عليه باباً سماه (باب في أخذ الشارب) ، وهذا يبين لنا أن أبا داود هذا فهمه للحديث ، وأن المقصود بالسبال هنا هو الشارب ، والكلام هنا في طي الشيخ وفقه الله لهذا التبويب مع اطلاعه عليه !!.(1/9)
مع العلم أنه في التعزيز 69 قال - لما رجّح الشيخ عبدالكريم الحميد أن معنى السبال في حديث جابر هو الشارب- : (وإني أطالب عبدالكريم من أين أخذ هذا الفهم من كلام أهل العلم ) ، ووصف هذا القول : (بأنه فهم لم يسبق إليه) ، وقال : (ولا قائل به إلا في رأسه) ، وقال : (كل هذا مع ما فيه من جرأة على الفتوى دون بحث ، ودون أن يكون لهم إمام في ذلك) ، وقال : (إنه من التأويل المذموم للنصوص المبني على اعتقاد سابق) .
وقد أثبتنا لك أن فتوى الشيخ عبدالكريم - نفع الله بعلمه - ليست جرأة على الفتوى دون بحث ، و أنها من التأويل الصحيح وأنه لا استعجاب منها ، فقوله موافق لتبويب أبي داود رحمه الله في تفسير السبال بالشارب ، وقد قمت - أنت - بتخريج هذا الحديث من سنن أبي داود .
الأمر الثاني :
أن البيهقي ذكر هذا الحديث في سننه (5/33) وبوّب عليه باباً سماه (باب ما جاء في توفير شعر الرأس للحلاق في الاختيار) ، ومع ذلك لم تنقل لنا هذا القول ، ولا هذا التبويب ، ولا هذا التفسير للسبال ، مع أنك يا شيخ - نفع الله بك - كثير الرجوع لسنن البيهقي وقد تكلفت في جمع الأدلة كما يظهر لنا من خلال الكتابين ، علماً أنك نقلت لنا قول ابن حجر رحمه الله في تفسير السبال وهو ما يوافق قولك ، وتركت تلك الأقوال !!
أيضاً : فإن الشيخ اعتمد على تحسين الحديث على رأي ابن حجر - أعني حديث جابر - ، وهذا - فيما يبدو لي - ليس من عادة الشيخ ، بل إن الشيخ يذكر الحديث في أحد الصحيحين أحياناً ويتبع ذلك تخريجه له .
فهل من مظاهر الإنصاف :
أن تتتبع علل الأحاديث التي لا توافق رأيك ، وتترك غيرها ؟ .
الأمر الآخر :
أن هذا الحديث من منكرات عبد الملك بن أبي سليمان ، ساقه ابن عدي (الكامل) 5/302 -في ترجمته- وهو لا يسوق من الأحاديث في ترجمة الراوي إلا المناكير، والذهبي في (ميزان الاعتدال) 2/656 .(1/10)
وقد طواها المصنف وفقه الله ، ولم يذكر هذا ، وهو يكثر من الرجوع للكامل لابن عدي .
فهل هذا من الإنصاف ؟ .
فإن قلت : لعله لم يطلع على ذلك .
قلنا : هاك علة أخرى قد اطلع عليها وطواها :
وهو أنه حسّن هذا الإسناد ، وهو من رواية أبي الزبير عن جابر ، وقد روي بالعنعنة ، وقال بعد تحسينه للحديث (إلا أن من يرى أبا الزبير من المدلسين قد يعله بالعنعنة) ، وذكره بهذه الصيغة التي تدل على عدم موافقته لأنه ذكر حكمه في المتن وكرره مراراً وهو تحسين الحديث ، وقد ذكر الحافظ ابن حجر أبا الزبير في (طبقات المدلسين) في الطبقة الثالثة ، ومع ذلك فقد حسّن المصنف -وفقه الله - هذا الحديث .
فإن قلت : لعل المصنف يخالف ابن حجر في هذه الطبقات ولا يعتمد عليها .
قلنا : لو طرد مذهبه لكان ذاك ، ولكن هاك الجواب من كلام الشيخ نفسه :
فإن مخالفيه في مسألة الخضاب بالسواد لما استدلوا بحديث أسماء (وجنبوه السواد) ، ضعّف هذا الحديث وكان مما قاله في ( الإنصاف ) ص109: (ضعيف فيه المحاربي وهو مدلس وقد عنعن) وقال أيضاً في الحاشية : (المحاربي مدلس ، وقد ذكره الحافظ في المرتبة الثالثة ممن لا تقبل عنعنته) .
فهل من مظاهر الإنصاف :
أن الحديث لما كان في صالحه في الأخذ من اللحية ، كانت عنعنة من هم في المرتبة الثالثة مقبولة ، تحسّن معها الحديث ، ولما كانت في صالح خصمه في تحريم الخضاب بالسواد كانت مردودة ؟
المظهر السابع :
تناقض أخذه بقول عطاء بن أبي رباح في نقل الإجماع:
ذكر أثر عطاء بن أبي رباح في الإنصاف ص 54 ، وهو قوله (كانوا يحبون أن يعفوا اللحية إلا في حج أو عمرة) ، وصحّح الحديث ، وجعل ظاهره فعل من شاهد من الصحابة ، وأنه على أقل الأحوال فعل التابعين وأن التابعين إنما اخذوا من الصحابة .
بل ولتعزيز هذا القول عدّد مناقب عطاء ليسلم له الاستدلال بكلامه في تعزيز الإنصاف ص37-38 .(1/11)
ولما استدل مخالفوه في مسألة الخضاب بالسواد بأثر صحيح عن عطاء بن أبي رباح نفسه (ص129) وفيه أنه سئل عن الخضاب بالوسمة وهو السواد ، فقال : (هو مما أحدث الناس ، وقد رأيت نفراً من أصحاب رسول الله ( ، فما رأيت أحداً منهم يختضب بالوسمة ، ما كانوا يخضبون إلا بالحناء والكتم وهذه الصفرة) ، حاول إعلال نقل الإجماع هنا والكلام فيه ، مع أن عطاء هنا أسند ذلك للصحابة صراحة ، دون أثر الأخذ من اللحية فإنه لم يسنده للصحابة.
فالذين أدركهم عطاء هنا هم نفس الصحابة الذين أدركهم هناك ، فإن كان نقله هنا للإجماع ليس صحيحا ً، فكذلك نقله هناك ، وإن كان نقله هناك صحيحاً ، فكذلك هنا ، وإن قدحت بنقله هنا بشيء فإنه يقدح بنقله هناك أيضاً .
فقد قال هناك (كانوا يحبون أن يعفوا اللحية إلا في حج أو عمرة) .
وقال هنا (ما كانوا يخضبون إلا بالحناء والكتم وهذه الصفرة) ، بل وزاد هنا أمرين :
التصريح بأنه محْدث ، والتصريح بأن الذين يقصدهم هم الصحابة .
وقد ذكر المصنف وفقه الله- في (تعزيز الإنصاف) ص 37 عن عطاء : أنه أدرك مائتين من الصحابة .
بل وذكر أيضاً في التعزيز -لتعزيز استدلاله بأثر عطاء في الأخذ من اللحية ص37،38 : وله الفتيا في مكة -يعني عطاء - ، ولم يكن يفتي برأيه ، ثم نقل عنه قوله : إني أستحيي من الله أن يدان في الأرض برأيي .
فهل من مظاهر الإنصاف :
أن يكون النقل الثابت عن التابعي الواحد صحيحاً إذا وافق مذهبه في الأخذ من اللحية ، ومدخولاً إذا خالف مذهبه في الخضاب بالسواد ؟ .
وهل يكون قوله الموافق ليس إفتاء برأيه ، وقوله المخالف إفتاء برأيه؟.
المظهر الثامن
تناقض قوله في نسكيّة الأخذ من اللحية(1/12)
ذكر الشيخ في التعزيز ص 42 قوله : (اللحية لا تعلق بها بالنسك ، وإنما النسك في شعر الرأس خاصة ، وقد بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم النسك من قوله ، ومن فعله ، وقال : خذوا عني مناسككم ، ولم ينقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم في بيان النسك أن اللحية لها تعلق خاص بالنسك) .
فقد صرّح الشيخ هنا - بنفسه- أن اللحية لا تعلق بها بالنسك ، وصرّح بأن هذا لم ينقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم .
وقال أيضاً في الإنصاف 60 (لكن يبعد أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم يفعله ولا ينقل ، في الوقت الذي نقل فيه فعل بعض الصحابة رضوان الله عليهم) .
فقد صرّح هنا أنه لو فعله الرسول صلى الله عليه وسلم لنقل .
ثم إنه قال في الإنصاف ص 8 (وقد وقفت على أن الأخذ من اللحية في النسك هو مذهب الصحابة) وقال في التعزيز 45 (وفي نقل جماعة من السلف عن الصحابة أنهم كانوا يأخذون من لحاهم في النسك) وقال في الإنصاف 11 (وإن كانت معظم النصوص في جواز ذلك في النسك).
فقد صرّح هنا أن فعل الصحابة إنما هو في النسك خاصة .
وفي أدلته - وقد سبق عرضها- تجدها صريحة في هذا :
فحديث ابن عمر (وكان إذا حج أو اعتمر) .
وحديث جابر (كنا نعفي سبالنا إلا في حج أو عمرة) .
وحديث عطاء (كانوا يحبون أن يعفوا لحاهم إلا في حج أو عمرة) .
ولو أراد أحد أن يرد على الاستدلال بهذه الأدلة ما وجد أبلغ من قول الشيخ دبيان السابق :
(اللحية لا تعلق بها بالنسك ، وإنما النسك في شعر الرأس خاصة ، وقد بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم النسك من قوله ، ومن فعله ، وقال : خذوا عني مناسككم ، ولم ينقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم في بيان النسك أن اللحية لها تعلق خاص بالنسك).
فما باله صرّح بأنه لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ثم خالفه؟.
وما باله صرّح بأن أخذ الصحابة كان في النسك ثم خالفهم ؟.(1/13)
كذلك قال في التعزيز ص42 ، وفي الإنصاف في مواضع منه كما في ص11: إن ثبوته في النسك يدل على ثبوته في غير النسك ، والنسك غير مؤثر .
وقال في الإنصاف إنه يجوز الأخذ من اللحية في النسك وفي غير النسك ، ولكن يكون في النسك عبادة ، وفي غير النسك عادة .
فلِم فرقت هنا بين كونه في النسك وكونه في غير النسك مادام تقييده بالنسك غير مؤثر؟.
ولِم جعلت كون الأخذ من اللحية في النسك عبادة ، والأصل في العبادات الوقف ، وقد صرّحت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك ، ولم ينقل عنه شئ في هذا الباب ؟.
المظهر التاسع :
اضطرابه في أمر أبي الزبير :
ذكر الشيخ حديث أبي الزبير عن جابر -الذي في مسلم- ( وجنبوه السواد ) ص 95 من الإنصاف ، وحكم بعدم صحة هذه الكلمة ، مع أنه قد رواها عن أبي الزبير ابن جريج وأيوب ، وذلك لأنه سئل عنها فأنكرها ، ومن المعروف عند المحدثين ( باب من حدث فنسي ) ، خصوصاً إذا كان من الذين أثبتوها عنه أيوب وكفى به ، ولكنه جعل علة هذا من أبي الزبير ، وقال عنه : (إنه ليس بالمتقن ) كما في ص100 !!!.
بينما حسّن الحديث الذي رواه أبو الزبير نفسه عن جابر (كنا نعفي السبال إلا في حج أو عمرة ) مع عدم تصريحه بالتحديث في الإسناد ، وعدم إخراجه في الصحيحين ، ولا في أحدهما ، ومع تبويب أبي داود المخالف لمذهبه ، ومع ذكرهم للحديث من منكرات عبد الملك بن أبي سليمان!!. كما سبق في ص14 .
فمن أي أبواب الإنصاف:
أن يكون الحديث الذي شهد به أيوب وابن جريج على أبي الزبير ، وخرجه مسلم في صحيحه ، حديثاً ضعيفاً بسبب أبي الزبير ، ويعله بعدم إتقانه ، والحديث الذي هو من منكرات عبد الملك بن أبي سليمان ، ومن مدلسات أبي الزبير، يكون حسناً.؟.
فهل أبو الزبير إذا وافق مذهبه في الأخذ من اللحية كان متقناً ، وتدليسه مقبولاً، فلما خالف مذهبه في الخضاب بالسواد كان ليس بالمتقن ؟.
المظهر العاشر :
تعليله لحديث لم يقف على علته :(1/14)
الشيخ دبيان ذكر ص 116 حديث عبد الكريم عن ابن جبير عن ابن عباس مرفوعاً : ( يكون قوم في آخر الزمان يخضبون بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة ) ، ثم قال عنه : (رجاله ثقات إلا أنه اختلف في وقفه ورفعه ).
والإسناد صحيح لا غبار عليه ، ولم يذكر صحته ، بل قال :رجاله ثقات ، ثم إنه قال : اختلف في وقفه ورفعه ، ولم يذكر هذا الاختلاف ، بل نقل كلام ابن حجر في الفتح وفيه : إنه اختلف في رفعه ووقفه ، ثم عقّب عليه بقوله : ولم أقف على الاختلاف في الحديث من مخرج واحد .
وعهدنا بالمصنف أنه لا يقلد أحداً في التصحيح والتعليل كما سبق ، وعرفنا من تصرفه أنه يجعل حكمه الذي انتهى إليه في المتن بين معقوفتين .
والسؤال : لماذا ذكر في المتن في حكمه على الحديث علة للحديث ، وهي : أنه قد اختلف في وقفه ورفعه ، مع أنه لم يقف على هذا الاختلاف؟؟.
لماذا لم يصحح الحديث عندما خفيت عليه العلة؟.
فهل من مظاهر الإنصاف :
أن يذكر علة للحديث لم يقف عليها ، ويكتفي في الحكم على الحديث بالتقليد عندما خالفت مذهبه في الخضاب بالسواد؟ .
المظهر الحادي عشر :
حكمه على حديث أنه إلى الضعف أقرب ويسوقه على أنه صحيح :
ذكر الشيخ الدليل الأول في مذهبه ص44 من الإنصاف وهو حديث أبي هريرة في أخذه من لحيته ، وهو عند ابن أبي شيبة قال : حدثنا أبو أسامة عن شعبة عن عمرو بن أيوب من ولد جرير عن أبي زرعة قال : (كان أبو هريرة يقبض على لحيته ثم يأخذ ما فضل منه ) وإسناده تالف قائم على مجاهيل ، لا يصححه من شم رائحة الحديث ، ومع ذلك فقد علق بعده قائلا : ( إسناده محتمل للتحسين ، وهو إلى الضعف أقرب) .
والجميع يعلم أن كل حديث ضعيف محتمل للتحسين ، فلماذا لم ينص هنا على ضعفه أو تصحيحه ؟.(1/15)
وقد قال بعد أن ذكر خمسة أدلة على الأخذ من اللحية ، أولها حديث أبي هريرة هذا ، قال ص 55: ( هذه الأدلة الصحيحة ، وأما الأدلة الضعيفة ، نذكرها1 ونبين ضعفها ) فقد جعله مع الأحاديث الصحيحة التي تؤيد مذهبه!!.
وقد أعاد الاستدلال به ص48 على إطلاق الأخذ من اللحية في غير النسك ، وأعاد الاستدلال به أيضاً في ص 54 ، وأعاد الاستدلال به أيضاً في ص 63 ، بل قال : أيظن بأبي هريرة وابن عمر أنهم يجهلون الأمر بإعفاء اللحية؟ .
فهل هذا من مظاهر الإنصاف :
أن يستدل بحديثٍ ، ويكثر من تكراره على أنه صحيح ، مع وصفه له أنه إلى الضعف أقرب ، ولو استدل به منازعه لسعى في إعلاله ؟.
المظهر الثاني عشر :
عدم الدقة في النقل والحكم
1-أكثر الشيخ في مقدمة كتابه الإنصاف ، وفي ثناياه ، وفي خاتمته ، وكذلك في التعزيز كما سبق ، من القول بأن الأخذ من اللحية هو قول الصحابة ، وهو إجماعهم .
و إذا رأيت أدلته لم ينهض منها إلا حديث ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم ، ولا تدل على إجماع ، بل ولا أكثرية ، ومن الإنصاف وزن الكلام عند إطلاقه .
2-ونقل في التعزيز 21 أن شيخ الإسلام يذهب إلى عدم تأثيم المجتهد حتى في القطعيات فضلا عن الظنيات !!!، وقد أحال على ثلاثة مواضع من كتب شيخ الإسلام ، وبالرجوع إليها وجد في الموضعين الأولين الكلام على التفريق بين الأصول والفروع وأنه عن أهل البدع ، وأن العالم إذا استفرغ وسعه في طلب الحق فإنه لا يأثم سواء كان ذلك في المسائل التي يجعلها المتكلمون من الأصول أو الفروع ، ولا يلزم من كون المسألة في الأصول أن تكون قطعية ، ولا من كونها في الفروع أن تكون ظنية ، -كما صرح الشيخ بنفسه في ذلك الموضع- ، ولم يتكلم عن القطعيات والظنيات ، بل للشيخ كلام في الرد على هذا التقسيم في (الاستقامة) 1/43 .
3-قال في التعزيز 7 :(1/16)
(ولا أعرف للأخوة طريقة في هذا : فهم ينادون بتعظيم النصوص الشرعية وعدم معارضتها بالمصالح والمفاسد العقلية )
وقال في كلام الشيخ عبد الكريم على فعل ابن عمر 25:
(وإذا كنا نعيب على أهل البدع تأويل نصوص الصفات ، فكيف نسمح لأنفسنا أن نقبل به هنا؟)
ولو رأيت هذا الأمر الذي جعله معارضة للنصوص وتأويلاً لها لوجدت العكس:
فإن من تعنيهم من الأخوة عظموا النصوص المرفوعة الآمرة بإعفاء اللحية ، وطردوا قولهم ولم يقدموا عليها قول أحد كائناً من كان .
وإذا رأيت كلام الشيخ عبد الكريم في فعل ابن عمر فهو ليس تحريفاً ، بل هو حمل لفعل ابن عمر على أحسن المحامل حتى لا يقال إنه خالف النص المرفوع ، وهذه طريقة علماء الأمة في كل زمان ومكان ، فإنهم إذا وردت نصوص صريحة في أمرٍ ما ، وورد عن بعض الصحابة خلافها تجدهم يبحثون لهم عن مخارج تبعدهم عن تعمد مخالفة النصوص ، وليس هذا من باب التأويل أو التحريف في شئ.
والتأويل هو صرف النص عن ظاهره إلى معنى آخر، والشيخ دبيان وفقه الله هو الذي أول النص فصرفه عن ظاهره الآمر بالإعفاء مطلقاً ، والشيخ عبد الكريم بقي على ظاهر النص .
المظهر الثالث عشر :
الشيخ دبيان وقع فيما انتقد به الشيخ عبدالكريم :
الشيخ دبيان انتقد الشيخ عبدالكريم في وصفه لترجيح القول بالأخذ من ما زاد على القبضة أنه مفتاح لباب ضلاله - كما ذكره الشيخ عبدالكريم في كتابه إشعار الحريص على عدم جواز التقصيص ص 31 -.
ثم وجدت أن الشيخ دبيان وقع بنفس هذا الاتهام في نفس كتابه التعزيز ص35 ، فقد ادعى أن الشيخ عبدالكريم يضلّل ابن عمر ، ويضلل أحمد ويضلل السلف ، حيث قال :(1/17)
(أخي عبد الكريم ، حسبك أن تقول رأي ابن عمر خطأ والصواب خلافه ، أما أن تقول رأي ابن عمر في أخذ ما زاد على القبضة ضلال ، ويفتح باب شهوة ، وأنه قول شاذ وأنه اتباع للهواى ، لالا ، هذا لا يحل لك هذا غير مقبول بالمرة(1) ، وهكذا التعصب يحمل صاحبه في القدح بالسلف كما قدح الكوثري بجماعة من الصحابة والتابعين لأنهم خالفوا في فتاويهم فتوى أبي حنيفة ، قاتل الله التعصب .) اهـ.
وقال في نفس الكتاب ص70 : وهو يوازن بين حسن كتابه وسوء كتاب الشيخ عبدالكريم :
(كتاب يصف فعل ابن عمر وفعل الإمام احمد رحمه الله وفعل جماعة من السلف يصفه بأنه ضلال كما في ص31 .) اهـ
ولما رجعت إلي هذه الصفحة لم أجد هذا الكلام لا عن ابن عمر ولا عن أحمد ولا عن السلف !!.
بل إنني قرأت الرسالة كاملة لم أر الشيخ نسب الضلال لهؤلاء الذين ذكرهم الشيخ دبيان ، وأيضاً فقد اتهم في التعزيز ص 55 الشيخ عبد الكريم : أنه يرمي الدعاة بأنهم من أعظم أسباب انتشار المنكرات وسفور المرأة ، لفهم خاطئ لكلام الشيخ عبدالكريم .
مع العلم أن الشيخ دبيان كان يقول في تعزيز الإنصاف ص21 :
(ولقد كنت أعاني ويعاني غيري من الدعاة من حمل كلامهم على غير وجهه ، وأصبحت وأنت تعيد الكلام ثلاث مرات وتسوق احترازاته وتبدي وتعيد وترجو السامعين أن يفهموا الكلام على وجهه ولا يحملوه على كذا وكذا من المحامل السيئة ومع ذلك تجد الفهم الرديء والنقل المغرض ) الخ كلامك يا شيخ دبيان .
فكيف بإلصاق التهم وتقويل ما لم يقله الشيخ ؟
فأيهما أشد نسبتك أنت إلى الضلالة أم نسبة الصحابة والسلف ؟
ولماذا تحمل كلام الشيخ عبد الكريم على غير وجهه؟
أيضاً : قال الشيخ - في التعزيز ص48 - من جملة إسقاطاته للشيخ عبدالكريم : (إنه يفتي بفناء النار ).
وهذه مسألة فيها قولان للسلف ، وقد أفتى بذلك الشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي في فتوى معروفة منتشرة .(1/18)
ونحن نعرف أن الشيخ دبيان وفقه الله ممن يطالب بقبول الرأي الآخر -كما في التعزيز ص43 - فقد وصف الحجر على رأي طالب العلم أنه نوع وصاية .
والشيخ عبد الكريم له رسالة عنوانها : لما كثر القيل والقال كتبها في ذي القعدة عام 1409 ، مما قاله ص7 :
(وأما مسألة النار فلم آت فيها بجديد ، ومن أراد النظر في ذلك فإنه في حادي الأرواح ، وشفاء العليل ، والصواعق المرسلة اختصار الموصلي لابن القيم ، وإذا لم يعجبه ذلك فليطعن في الصحابة الذين تكلموا فيه وعلى من اقتدى بهم من السلف وعلى رأسهم ابن تيمية وابن القيم ).
أيضاً : ذكر الشيخ في التعزيز ص51 قول الشيخ عبد الكريم في كتابه ص3: (قد امتلأت الدنيا اليوم من البحوث الفقهية والتفسير ، فمن تأمل هذا كله لم يجد فيه جديد قد غفل عنه السلف).
ثم علق بقوله : (هذه دعوى من عبد الكريم إلى ترك البحوث الشرعية والسبب أنه لا جديد فيها قد غفل عنه السلف ).
وهذا افتراء على الشيخ ، فإن كتب الشيخ المطبوعة والمخطوطة في البحوث والعلوم الشرعية بلغت أكثر من مائة كتاب ورسالة، بل وهذا الكتاب الذي يقوم فيه بالرد عليه هو بحث في مسألة شرعية.
فلماذا تحمل كلامه على غير وجهه ؟
وقد قرأت فتوى للشيخ عبد الكريم أصدرها عام 1418 يقول فيها :
ولا أحل لأحد أن ينسب إلي ما لم أقل .
وأنت يا شيخ نقلت قول الشاعر في التعزيز ص69 :
والدعاوى إذا لم تقيموا عليها بينات أبناؤها أدعياء
فما جوابك يا أبا عمر ؟
المظهر الرابع عشر
التقوّل على الشيخ عبد الكريم
لما نقل الشيخ عبد الكريم : أن الشيح دبيان قد ترك لحيته ولم يأخذ مما زاد عن القبضة ، وأنه يقول عن تركه الأخذ من ما زاد على القبضة في لحيته إنه يحتمل السنة ، جعل الشيخ دبيان هذا من التقوّل عليه - كما في التعزيز ص62 - وقال :
(أين نقلت عني هذا الكلام ؟ لا بد إما أن يكون ذلك نقلاً عن كتابي الإنصاف ، أو أخذته عني ، أو نقل إليك ).(1/19)
وقال في التعزيز ص63 : (ولا أعرف عبد الكريم ولم أره في حياتي )، وذكر أنه لا يعرف أصحابه ولا يجالسهم ، وحمد الله على ذلك !!!!!.
ونحن نقول إحقاقًا للحق :
لقد تقوّل الشيخ دبيان على الشيخ عبد الكريم بأنه يقول بتحريم الكهرباء ، وتحريم السيارة ، وتحريم الهاتف - كما في التعزيز 48 ، 53 - .
فنقول له كما قال هو :
أين وجدت هذه الأقوال للشيخ عبد الكريم ؟
لا بد أن تكون نقلته من أحد كتبه ، أو أخذته منه ، أو نقل إليك .
فإن كان ذلك في أحد كتبه فهاته .
وإن كنت أخذته منه مباشرة ، أو أخذته من مجموعته -كما تسميهم - فانقض كلامك السابق ، وإن كان نقل إليك فأين التثبت ؟.
ألم تكن كتبه كافيه لمعرفة رأيه ، وشاهداً على كذب الناقل -كما احتججت عليه بذلك في التعزيز ص63 -؟
ولعلي أسوق كلام الشيخ عبد الكريم من كتبه حتى نتبين الأمر .
و الشيخ عبد الكريم وفقه الله في الرسالة السابقة (لما كثر القيل والقال) يقول : إن الكهرباء خوارق ، والخوارق قد تجري على يد المسلم ، ولم يذكر تحريم الكهرباء .
وهؤلاء أصحابه وأقرب الناس إليه يستعملون الكهرباء ، ويركبون السيارات ، ويستخدمون الهاتف ، وهم جيرانه ، بل ويطبع كتبه عن طريق الكهرباء ، فلو كان الأمر كما تذكر لهجرهم ولم يقرهم ، وأنت تعرف الشيخ عبد الكريم في هجره لأصحاب المعاصي الكبيرة ولو كانوا من أقرب الناس إليه .
أما السيارة فقال في نفس الرسالة بالنص ص6 :
(أما القول بأن هذه المراكب حرام فلم أذكر ذلك في شيء من رسائلي .. إلى أن قال :
ولا أقول حرام حيث لم يتضح لي ضابط التشبه ).
فها أنت تقوّلت عليه ، ونسبت إليه ما لم يقل !!!!.
المظهر الخامس عشر
وصف الشيخَ عبد الكريم بالموبقات!!
ذكر الشيخ دبيان عن الشيخ عبد الكريم أنه يكثر من التبديع والتفسيق والسب والشتم في مواضع من كتابه (التعزيز) .(1/20)
وقد وصف الشيخ دبيان الشيخ عبد الكريم وصفاً هو في حقيقته أعظم من التبديع والتفسيق ، إذ لازمه الكفر والخروج عن الملة !!.
فقد ذكر في التعزيز ص 48 عن الشيخ عبد الكريم أنه يقول : إن الكافرين لا يخلدون في النار!!!!.
ومن قال هذا الكلام فهو كافر مرتد خارج عن الملة بإجماع أهل السنة ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وللشيخ عبد الكريم رسالة في الإنكار على من أنكر تأبيد الكافرين في النار عنوانها : الإنكار على من لم يعتقد خلود وتأبيد الكفار في النار ) وهي قريب من 250 صفحة .
وقد جمع الشيخ دبيان في كلامه هذا بين التقوّل ، وبين وصفه بما يلزم منه الكفر والردة والعياذ بالله!!.
وأيضاً فقد ذكر الشيخ دبيان عن الشيخ عبد الكريم ص53 أنه حرّم الحلال المجمع على إباحته!!!.
وهذا أيضاً كفر وردة ، فقد ذكر أهل العلم في أبواب حد الردة أن من أسباب الردة تحريم الحلال المجمع عليه ، أو تحليل الحرام المجمع عليه !!!!.
وقد زعم الشيخ دبيان أن الشيخ عبد الكريم قد جعل ابن عمر يتشبه بالمشركين والمجوس في قص لحيته ، وقال في التعزيز 40 : (وهذا يلزمه حيث جعل الأخذ مما زاد عن القبضة تشبهاً بالمشركين والمجوس).
فقد حكم عليه هنا باللازم .
ولو أردنا أن نحكم على الشيخ دبيان باللازم لقلنا : إنك كفّرت الشيخ عبد الكريم -حماه الله - وأخرجته من الإسلام ، وهذا يلزمك حين ذكرت أنه ينكر خلود الكفار في النار ، وأنه يحرّم الحلال المجمع عليه!!.
وأيضاً فإنه شبّهه في موضعين بأوصاف أقل ما فيها التبديع :
ففي الموضع الأول : شبهه بالكوثري ووقيعته بالسلف -التعزيز 35-.
وفي الموضع الثاني : شبهه بمن وقعوا في أنس وأبي هريرة رضي الله عنهما -التعزيز 78-.
المظهر السادس عشر :
وقيعة الشيخ دبيان في الشيخ عبدالكريم :
نقل الشيخ دبيان كلاماً للشيخ عبد الكريم في عشرة مواضع من كتابه وصفها بأنها سب وشتم في التعزيز 11 ، 12.(1/21)
وانتقد الشيخ دبيان أسلوب الشيخ عبد الكريم هذا في نقده للمخالف ، فقال في التعزيز ص14 :
(إنني اعترف بأنني وإخواني من طلبة العلم لا نحسن ما يحسن الأخ عبدالكريم من السباب والشتم والقذف ).
ونريد أن نرى هنا هل الشيخ دبيان فعلاً لا يحسن السباب والشتم والقذف ؟ وإليك بعضاً مما قاله في التعزيز :
ص3: مع أني أرى أن الأخ عبدالكريم لا في الفقه ولا في الحديث .
ص12 : وصفه بأنه ينتهج أسلوب التبديع والتضليل لمخالفيه.
ص13 : يصف ما في كتبه بالتخبط .
ص 13 : قال عنه : الشيخ لا يترك أخلاقه .
وفي نفس الصفحة وصفه بالعجز عن عرض الحجج والبراهين.
وفي نفس الصفحة وصفه بالتفحش بالقول .
ص14 : يصف الشيخ عبدالكريم بالتعالم وتزكية النفس والبغي والظلم والعدون .
ص21 : وصفه بتحريف الكلام ، والنقل المغرض.
ص25 : وإنما تعرف هذه الطريقة -يعني طريقة الشيخ عبد الكريم - عند أهل البدع الذي يحملهم اعتقادهم على تحريف النصوص لتوافق أهواءهم.
ص 31 قال : وهكذا كان عبدالكريم يتخبط في تفسير موقف ابن عمر .
ص35 : ذكر أن الشيخ عبدالكريم يضلل ابن عمر وأنه يفتح باب شهوة وأنه قول شاذ واتباع للهوى .
وفي نفس الصفحة شبهه بالكوثري !!!.
وفي نفس الصفحة وصفه بالتعصب.
ص38 : ذكر أن الشيخ عبدالكريم يقدح بالسلف وبأقوالهم ويجعلها سببا في ضلال الأمة .
ص40 : وصفه بأنه جنى على ابن عمر .
ص41: وصفه بأنه معاند.
في نفس الصفحة وصفه بأنه لا يتحاكم إلى النصوص.
ص43 : ذكر أنه معجب برأيه .
ص43 : وأنه وصف فعل السلف بالضلال.
ص48 : يقول : وما عبدالكريم الحميد2 ؟.
ص52: وصفه بالتعدي والظلم .
ص53 قال : كأنه يعيش خارج الوقت .
ص53: وصفه بأنه خالف العقل والنقل وجميع الناس.
وفي نفس الصفحة وصفه بالشذوذ مراراً ، وبالغلو ، وبالتناقض.
ص54: وصفه بالتشنج والغضب.
ص 55 : ذكر عنه أن عنده شعور بالمرض ، وأنه شخص عدواني .(1/22)
وفي نفس الصفحة وصفه بالغلو المتعدي ، وتجاوز القصد المأمور به.
ص56 : وصفه بالغلو والشذوذ .
ص57 : قال : وأما الغلو ومجاوزة القصد فعبد الكريم واقع فيه .
وفي نفس الصفحة قال عنه : الناس عنده الأصل فيهم البدعة.
ص59: وصفه بالتلبيس وسوء الفهم.
ص61 : وصفه بالكذب والافتراء.
ص62: وصفه بالظلم والجور ، وبالفهم السقيم.
ص62 أيضاً : وصفه بالكذب والتقوّل.
ص65: وصفه بالتحريف للكلام.
ص69 : قال عنه : ولا قائل به إلا في رأسه .
في نفس الصفحة وصفه بالجرأة على الفتوى ، وبالتأويل المذموم للنصوص.
ص73 : وصفه بتحريف نصوص كثيرة .
ص78 : شبهه بمن قدحوا في أنس بن مالك وأبي هريرة؟؟!!
وفي نفس الصفحة وصفه بالجهل والظلم .
وفي نفس الصفحة وصفه بالبغي والعدوان .
ص79 قال : وعبدالكريم لا من هؤلاء ولا من هؤلاء (يعني لا ينفع ولا ينتفع).
هذا بالإضافة إلى ما سبق ذكره من وصفه إياه بما يلزم منه الكفر كإنكار خلود الكفار في النار ، وتحريم الحلال المجمع عليه .
وهذه أوصاف الشيخ دبيان للشيخ عبد الكريم :
البغي ، والظلم ، والجور ، والعدوان ، والعجز ، والجهل ، والمرض ، والتحريف ، والعناد ، والتشنج ، والغضب ، والتلبيس ، والكذب ، والافتراء ، وسوء الفهم ، والغلو ، ومجاوزة القصد ، والتعصب ، والقدح بالسلف ، والجناية على ابن عمر ، والتخبط ، والتناقض ، والنقل المغرض ، والتبديع ، والتضليل ، والتفسيق ، والتفحش في القول ، ومخالفة العقل والنقل ، والإعجاب برأيه ، والتعالم ، وتزكية النفس ، وعدم التحاكم إلى النصوص ، والشذوذ ، و يعيش خارج الوقت ، وشخص عدواني ، ومن أصحاب التأويل المذموم ، والجرأة على الفتوى ، ولا من أهل الفقه ، ولا من أهل الحديث ، ولا ينفع ، ولا ينتفع به ، ويشبهه بالكوثري ، ويشبهه بالذين قدحوا في أنس وأبي هريرة ...الخ
هذا ما قاله الشيخ دبيان وفقه الله وهو لا يحسن السب والشتم فكيف لو أحسن ؟
المظهر السابع عشر :(1/23)
ثناء الشيخ حفظه الله على كتابه :
الشيخ دبيان طالبَ القارئ أن يوازن بين كتابه الإنصاف وبين كتاب الشيخ عبدالكريم : إشعار الحريص على عدم جواز التقصيص ثم بدأ يثني على كتابه ، فقال في التعزيز :
ص 70 : كتاب يذكر الأقوال مع أدلتها .
ص 71 : كتاب التزم الأدب مع السلف في ذكر أقوالهم وجمعها واحترامها ..
ص 71 : كتاب يستفيد من آراء العلماء والدعاة .
ص 71 : كتاب يرى أن المسألة الفقهية دائرة بين الخطأ والصواب وليست بين الحق والضلال .
ص 72 : كتاب إذا ذكر أدلته الفقهية فإن كان فيها ضعيف بين ضعفه نصحا لله ولرسوله وللأمة فلم يسكت عن حديث ضعيف .
ص 72 : كتاب يرى أن فهمه غير معصوم ويفرق بين النص ودلالته والنص وفهمه .. ثم نقل قوله :
وقد حاولت قدر الإمكان عرض أدلة الفريقين بكل حياد .
ص 73 : كتاب لا يعتمد تأويل النصوص وتحريفها لتوافق معتقده .
ومن الإنصاف أن يجعل الحكم للقارئ لا له .
المظهر الثامن عشر :
الأخطاء النحوية والإملائية :
من البدهي أنك لو بحثت عما في هذا الحوار الذي بين يديك من أخطاء نحوية ، أو إملائية ، لوجدت ذلك .
وليعلم الشيخ دبيان وفقه الله إنني لم أظهر هذه الأخطاء إلا لأثبت خطأ طريقته في نقد الشيخ عبد الكريم نفع الله به .
فمن المظاهر الغريبة التي وجدتها في التعزيز تقصد الشيخ دبيان لأخطاء الشيخ عبدالكريم النحوية والإملائية ، وقد ظهر لي في حاشية صفحة 54 من التعزيز تخطئته الشيخَ عبدالكريم في عدم كسر همزة إن إذا دخلت عليها حيث ، وهذا يدل على حقيقة التقصد ، ولعلي أن اسرد ما وقع فيه الشيخ دبيان من مثل تلك الأخطاء .
أولاً : أخطاء الشيخ فيما يتعلق بالقران :(1/24)
في نقله في الإنصاف ص 145 لقوله تعالى في سورة النحل ( ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب .. ) الآية ، جعل الشيخ حفظه الله قوله تعالى : ( تصف ) : تصفوا ، ثم عزا الآية لسورة الأنعام في موضعين 4، 145، والشيخ حفظه الله هنا أخطأ في سلامة نقل الآية وأخطأ في عزو الآية.
ثانياً : أخطاء الشيخ فيما يتعلق بالحديث :
1- ذكر في الإنصاف في ص120-121 ( هذيل بن شرحبيل) وقد كرره خمس مرات في الصفحتين بهذا الاسم (هذيل) .
والصحيح : أن اسمه هزيل بن شرحبيل - بالزاي لا بالذال-.
2- ذكر في الإنصاف ص 104حديث أنس في قوله : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن شاب إلا يسيرا ، ولكن أبا بكر وعمر بعده خضبا بالحنا والكتم .. الخ . ثم علق عليه في ص 105 بقوله : والحديث في الصحيحين بدون ذكر قصة أبي قحافة فلا أظنها محفوظة من حديث أنس ، ثم ذكر في حاشية 106 قوله : وهذا يجعلني أجزم أن ذكر قصة أبي قحافة في حديث أنس ليست محفوظة ، ثم أكد ذلك في ص 108 في توهيم محمد بن مسلمة أحد رواة الأثر ، فظن ثم جزم في حديث واحد وفي موضع واحد.
3- في الإنصاف ص79 حاشية 1 قال : قال ابن أبي عاصم : إسناده حسن .
وهذا خطأ ، فليس هذا قول ابن أبي عاصم ، بل قول المحقق !!!.
4-في الإنصاف ص128 قال : عن عكرمة ، عن خالد ، قال : أتي بأبي قحافة ...
والصحيح : -كما في الطبقات - ( عكرمة بن خالد ) ، ولولا وجود الفواصل بين الأسماء لقلنا خطأ مطبعي .
ثالثاً : ما يتعلق بالأخطاء النحوية :
1- قال في الإنصاف ص 108 في الحاشية: الطريق الرابع : أبا إياس معاوية بن قرة.
والصحيح : أبو إياس .
2- قال في التعزيز ص75 : فهذا تفسير رجلان من أهل اللغة .
والصحيح : تفسير رجلين .
3- قال في حاشية الإنصاف ص134: وقد توبع أبا الأحوص .
والصحيح : أبو الأحوص .
4- قال في التعزيز ص 21 : ثم يدعي أنه لم يترك لي شبهة أو مستمسك أتمسك به !! .
والصحيح : مستمسكاً .(1/25)
5- قال في الإنصاف في الحاشية ص78: وسألت مالكاً عنه ، فقال نحو مما قلت لك .
والصحيح : فقال نحواً .
6- قال في الإنصاف ص10: هل كان الصحابة لا يعرفون لغة مدلولا كلمة الإعفاء .
والصحيح : مدلول كلمة.
7- قال في الإنصاف ص107: أفيكون محمد بن سلمة مقدم على هؤلاء .
والصحيح : مقدماً .
8- قال في الإنصاف ص 108 في الحاشية: وأعترف أنني لم أتقصاها .
والصحيح : لم أتقصها .
9- قال في الإنصاف في الحاشية ص119: أو يقال : إنه موقوف عليه ، وفرقاً بينه وبين الصحابي
والصحيح : وفرقٌ .
10- قال في الإنصاف في الحاشية ص 120: كونه مرسل .
والصحيح : كونه مرسلاً .
11- قال في الإنصاف ص 124: غاية ما فيه أن في آخر الزمان قوم لا يريحون .
والصحيح : قوماً .
12- قال في الإنصاف ص 130: لم يكن قول عطاء بأن الصبغ به حدث دليل.
والصحيح : دليلاً .
13-قال في الإنصاف ص104: الوجه الثاني : قال : أن الحسن والحسين .
والصحيح : قال : إن(1) الحسن .
14- قال في الإنصاف ص55 : وأما الأدلة الضعيفة نذكرها .
والصحيح : فنذكرها.
15- قال في الإنصاف 118-119 : وأما ما رواه ابن أبي شيبة ...وهذا إسناد ضعيف جداً.
والصحيح : فهذا إسناد.
رابعاً : ما يتعلق بالأخطاء اللغوية :
1- قال في التعزيز ص 49: حاسبتوني ، وبعدها بعدّة كلمات قال : ودعوتوني .
والصحيح : حاسبتموني ، ودعوتموني .
2-وقال في ص20 من التعزيز: ومنها المصلون في القبلة .
والصحيح : إلى القبلة .
3- وقال في ص25 منه: وتارة يصر أخونا عبد الكريم أن الصحابة قد خالفوا ابن عمر.
والصحيح : يصرّ ..على أن الصحابة .
4-وقال في التعزيز ص78: وإنني أعترف بهذا الكتاب الفضل للأخوة الذين أقنعوني.
والصحيح : وإنني أعترف ...بالفضل .
5-وقال في الإنصاف ص5: فلا نشغل ذمم الناس إلا ما يكون الدليل فيه واضحاً.
والصحيح : إلا بما يكون .
6- وقال في الإنصاف ص6: أو كان من خريج المدارس الإسلامية .
والصحيح : من خريجي .(1/26)
7- وقال في التعزيز ص 23 : لقد أكثر عبد الكريم على أن ...
والصحيح : من أن .
8-وقال في ص 24 : أكثر الأخ عبد الكريم في كتابه بأن ...
والصحيح : من أن .
9- وقال في ص26 : أطالبهم في توثيق هذه الدعوى من كتب السنة.
والصحيح : أطالبهم بتوثيق.
خامساً : ما يتعلق بالأخطاء الإملائية :
1- قال في الإنصاف في ص 46 ويكره الشهرة وتعضيمها .
والصحيح : وتعظيمها.
2- وقال في التعزيز ص22: وقد وافق مجاهد ومحمد بن كعب القرضي .
والصحيح : القرظي .
وقد وقع الشيخ نفع الله بعلمه في نفس هذا الخطأ في ص36 وفي ص39 من التعزيز .
3- قال ص 23 من التعزيز: وعدم التعرض للحية .
والصحيح لللحية .
ووقع أيضاً في نفس هذا الخطأ في نفس الصفحة مرة أخرى ، وكرر هذا الخطأ في ص59 .
4- وفي ص 31 من نفس المصدر قال : وإنما فعلها اتفاقاً مثل وضوءه .
والصحيح : وضوئه .
5- وفي ص 29 من نفس المصدر قال : ولعل ما حمل عائشة على التثبت أن عبدالله وقعة في يده.
والصحيح : وقعت .
6-وقال في ص34 منه : لقد نفع الله بإختلاف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .
والصحيح : باختلاف .
وقد تكرر نفس الخطأ في نفس الصفحة .
7- وقال في ص43 منه: أرأيت أيه الأخ الكريم .
والصحيح : أيها .
8- وفي ص53 منه قلت : فلما هذا التناقض ؟.
والصحيح : فلمَ .
9- و قال في ص51 من التعزيز: بل لو أدعى صاحبها .
والصحيح : لو ادعى .
10- وقال في 50 منه : حاولت أن اختصر الكتاب .
والصحيح : أختصر.
11- وقال في الإنصاف ص88 : لأنه فيه إمتثال الأمر .
والصحيح : امتثال الأمر.
12- وقال في الإنصاف في الحاشية ص102: واختلف متقدموا الأصحاب .
والصحيح : متقدمو .
13-وقال في الإنصاف 103 : وسلّم للدارقطني وغيره بعض الإعتراضات .
والصحيح : الاعتراضات.
14- وقال في الإنصاف ص10: والإقتداء بهم .
والصحيح : والاقتداء بهم.
15 - وقال الإنصاف ص7: ممن أرتكب ذنبين .
والصحيح : ارتكب.(1/27)
16- وقال في التعزيز 17 : ويقوم إعوجاجنا.
والصحيح : اعوجاجنا.
سادساً : ما يتعلق بالأخطاء المطبعية :
وهي بالعشرات ، وقد أعرضت عنها لعدم تحميل الشيخ خطأها .
وختاما :
اعلم يا شيخ دبيان أنني لست متحيزا للشيخ عبدالكريم الحميد ، و أنني أكن لك وللشيخ الفاضل عبدالكريم كل تقدير ، ولكن حسبي أنني رأيت في التعزيز ظلماً ظاهراً ، وخلطاً عجيباً ، وخطأ بيناً لا يقارن بما في إشعار الحريص ، جعلني أراجع قراءة كتاب الإنصاف مرة أخرى ، فظهر لي بعد ذلك أنه لا يحل لي أن أسكت عنه وأنا أعلمه وقد انتشر بين الناس .
وليعلم الشيخ أبو عمر أنه لم يصب من أقنعه بطبع الكتاب .
وقد تعاملت مع الإنصاف وتعزيزه بنفس ما تعامل به مع إشعار الحريص ، علما أن الشيخ دبيان هداه الله لم يعرض عما لاكته بعض الألسن ، وإن كان الشيخ عبدالكريم وفقه الله أخطأ في أمرٍ ما وهو بشر كغيره معرّض للخطأ والصواب فهذا لا يجعلني أقره ، بل أنكره ولا أقبله .
ولما قلت في مؤخرة التعزيز :
فإن الحامل على الرد هو الدفاع عن رأي السلف ولا حاجة لي بإقناع صاحبنا .
وإني بهذا أحذو حذوك .
واعلم يا شيخ وفقنا الله وإياك لطاعته أنه ليس كل من ادعى الإنصاف وفق له .
وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يمن علينا وعليك بالتوفيق والهداية وحسن التعامل مع المخالفين ، وأن يجعلنا من أهل الدين وخاصته .
اللهم صلى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..
كتبه
عبدالرحمن بن عبدالعزيز الجفن
القصيم - بريدة
10 / 3 / 1422
Malk30@hotmail.com
(1) كحال بحث الشيخ دبيان في الأخذ من اللحية أو صبغها بالسواد ، فإنه يرى أن ذلك مباح ، لو سكت عليه لسلم ، وقد قال في تعزيز الإنصاف ص63 : فالمباح يستوي فيه الطرفان الأخذ والترك ..ثم قال : وإذا كان المباح لا يعين على طاعة لم يكن الإنسان مأجوراً في فعله أو تركه . اهـ.(1/28)
(1) مع ملاحظة أن الشيخ نفع الله بعلمه ذكر في الإنصاف في الحاشية ص33 في مسألة الأخذ من اللحية قول الجمهور الآخر وهو ما نقله العراقي ، حيث قال : وقال العراقي في طرح التثريب ( 2/83): واستدل الجمهور على أن الأَولى ترك اللحية على حالها ، وأن لا يقطع منها شيء ، وهو قول الشافعي وأصحابه .
(1) فقد ذكر عطاء هنا أنهم يحبون أن يعفوا لحاهم إلا في حج أو عمرة ، وفي حديث جابر كذلك (كنا نعفي سبالنا في الحج والعمرة ) ، فجعلوا فعلهم في الحج والعمرة مخالفاً للإعفاء ، وإلا ما كان للاستثناء معنى ، وهذا بيان أن أخذ ما زاد عن القبضة لا يسمى إعفاء بنصوص هذه الأحاديث التي استدللت بها.
1 * الصواب (فنذكرها) لأنها واقعة في جواب (أما) والفاء تلزم جوابها دائماً .
(1) كذا في (التعزيز)...وأظنها عامية.
2 يقول الشاعر : وليس قولك من هذا بضائره العُرْب تعرف من أنكرت والعجم .
مع العلم أن الشيخ عبدالكريم من أهل السنة والجماعة ومع ذلك ترى البعض يطبق في التعامل معه ما يطبقه أهل السنة في باب هجر المبتدع ، ولو ذكّرت البعض بهجر بعض المبتدعة لقال لك : مذهب أهل السنة أشمل .
(1) وأجمع النحاة على وجوب كسر همزة ( إن ) بعد القول .. قال ابن مالك : أو حكيت بالقول ..
??
??
??
??
17(1/29)