مطلب الكرامة
في بيان بوائق دعوة
المساواة
تأليف/
محمد بن عبد الله الإمام
دار الحديث بمعبر حرسها الله
المقدمة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه
أما بعد:
لقد أخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بخبر فيه نبأ عظيم، وهو قوله: «لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه. قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟» رواه البخاري رقم (3456) واللفظ له، ومسلم رقم (2669) من حديث أبي سعيد.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلهما، شبراً بشبر وذراعا بذراع. فقيل: يا رسول الله كفارس والروم؟ فقال: ومن الناس إلا أولئك» رواه البخاري رقم (7319)(1/1)
فهذان الحديثان العظيمان فيهما معجزة للرسول - صلى الله عليه وسلم - لأنه أخبر عن شيء سيقع فوقع كما أخبر، فالمشاهد أن كثيراً من المسلمين قد فتنوا بما عند اليهود والنصارى من ضلالات، وقد حصل في النصف الثاني من القرن الرابع عشر توجه بعض أبناء المسلمين إلى الدراسة على أيدي الكفار في بلادهم، وكانت هذه الدراسة الشرارة الأولى لنقل ما عند الكفار من انحلال عقائدي وفساد أخلاقي إلى بلاد المسلمين، فرجع من رجع منهم إلى بلدانهم وهم يحملون الدعوة التي في بلاد الكفار بكل سمومها وآفاتها، مقتنعين بأنها البديلة عما عند المسلمين، فقاموا بتأسيس الأحزاب الإلحادية والعلمانية، وجندوا معهم من قدروا عليه من جهال المسلمين، وأقاموا دعوتهم على طراز الدعوة في بلاد الشرق والغرب إلى الحرية المطلقة، والمساواة العامة، غير مبالين بمنابذتهم الإسلام، ووقوعهم في الانسلاخ منه، ولما رأى أعداء الإسلام من يهود ونصارى أن هذه الأحزاب قد قطعت شوطاً في نشر ما يريدون؛ أعانتها ومدتها بما يزيد في تقوية الباطل ونشره، ولما رأت الدول الغربية أن ممن تتلمذ على أيديهم قد صارت زمام أمور المسلمين بأيديهم كالرؤساء والوزراء؛ جندوهم لفرض قوانينهم على المسلمين، ونشر ما يريدون من فجور وفساد متسلطين عليهم بالترغيب والترهيب، ثم نشطت الدول الغربية فأرسلت بمنظماتها لتباشر الدعوة إلى ما تريد، وكما تريد، وزودت منظماتها بالخطط الإجرامية من تجسس وترقب لأحوال المسلمين وتعرف على الثغرات، ومتابعة حكام المسلمين في تنفيذ ما يطلب منهم، وبهذا قام سوق الدعوة إلى الحرية والمساواة في بلاد المسلمين، فقد صارت تنشر عبر وسائل الإعلام المسموع والمقروء والمرئي، وصارت النساء المخدوعات بهذه الدعوة يدعين إليها كما يدعو الرجال، وأسست الأحزاب والجمعيات النسوية وغير ذلك على غرار ما قد تحقق في بلاد الغرب الكافر، وأوحى أعداء الإسلام إلى هؤلاء النسوة أن المرأة في(1/2)
بلادهم قد نجحت نجاحاً باهراً، وحطمت القيود التي تحُوْل دون المساواة بينها وبين الرجل، ولم يتحقق هذا إلا عندما قامت المرأة بنفسها تدافع وتطالب بالمساواة المذكورة، فإن أردت اللحاق بها فاسلكي سبيلها واقتفي أثرها، فأخذت المرأة المسلمة المفتونة بهذا الباطل تعبر القارات للوصول إلى المؤتمرات العالمية في بلاد الكفار وغيرها، وترجع وقد امتلأت تأثراً وحنقاً على مجتمعها شعباً ودولة، وأولياء وأقرباء ممن يخالفون ما تدعو إليه، ومعلوم أن دعوة المساواة هي إحدى شعارات الديمقراطية، وقد اخترت أن تكون رسالتي هذه فيها لأمور:
1- لذة الأسماع بشعار (المساواة) لأنها كلمة تعطي السامع أنك ستعطى مثل ما أعطي من فاقك بالمال أو الجاه، أو القوة، أو حقوق أخرى، والنفوس تتطلع إلى هذا خصوصاً من كان يريد النكاية بمن فاقه أو الترفع عليه.
2- تحمل دول الغرب لدعوة المساواة مؤخراً دون غيرها، وجعل الأحزاب في بلاد المسلمين خصوصاً النسائية تندفع إلى ذلك أكثر، ولِما للدول الكافرة من منظمات في بلاد المسلمين تدعو إلى ذلك، ولِما لها _ أيضاً _ من هيمنة على حكام المسلمين وعلى الأحزاب العلمانية والأحزاب المبتدعة .
3- تَبَني الدعوة إلى مساواة المرأة بالرجل والعكس _ مطلقاً _ يعد جديداً على العالم، لأن الأمم المتحدة تبنته مؤخراً، وجندت نفسها لتنفيذه.
4- الدعوة إلى الحرية صارت شعاراً بالياً بسبب دعوة الشيوعية إليها، وإعلانها رفض الإسلام ورفض كل القيم، وتحطيم كل خير باسم الحرية، بخلاف المساواة، فلا تزال الدعوة إليها كالبكر، خصوصاً مساواة المرأة بالرجل، فإنها لم تدخل حيز التنفيذ إلا من قبل خمسين سنة تقريباً، منذ أن تبنتها الأمم المتحدة.(1/3)
فهذه البنود جعلتني أختار موضوع (المساواة) وأقدم للقراء الكرام بحثاً فيها، وبيان أبعاد مراميها، وسعة محتواها، فإنها لا تبقي ولا تذر، وقد حرصت في كتابة هذه الرسالة على النقل من الكتب التي نقلت أقوال الغرب وأعمالهم وأحوالهم، لأنها أدل دليل على حقيقة المساواة التي يريدون، وقد حرصت على بيان مفاسد المساواة في كل نوع من أنواعها مما ذكرته، وبيان ما جاءت به الشريعة الإسلامية من المصالح العظيمة والمنافع العميمة مما يخالف ذلك.
وكما هي طريقتي في التأليف: الحرص على الاستدلال بما صح من الأحاديث، وقد أسميت هذه الرسالة (مطلب الكرامة في بيان بوائق دعوة المساواة) وإني لأدعو علماء الإسلام وأتباع سيد الأنام _ عليه الصلاة والسلام _ أن يعطوا موضوع تشبه المسلمين واتباعهم اليهود والنصارى اهتماماً كبيراً، وأن يوضحوا للمسلمين أضرار الدعوات التي يتزعمها الغرب، ويصدرها للمسلمين، كالدعوة إلى حقوق الإنسان، ومساواة المرأة بالرجل، والعكس، وأن يكشفوا عن خبائث هذه الدعوات ومفاسدها الكثيرة، ولعل رسالتي هذه وأمثالها تكون دافعة إلى القيام بهذا.
فالله أسأل أن يرزقني السداد في القول والعمل، وأن ييسر طبعها ونشرها، والانتفاع بها.
ولا أنسى أن أدعو لكل أخ تعاون معي في إعداد وإخراج ونشر هذه الرسالة، فالله أسأل أن يبارك في جهود من تعاون معي فيها، وأن يرزقهم الصلاح في دينهم ودنياهم، وأن يرفع درجاتهم في الآخرة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وشكر الله لمن أهدى إلي عيوبي، وأحسن بي الظن، والتمس لي العذر فيما رأى من تقصير، والله المستعان.
تنبيه: كثيراً ما أعزو في الرسالة إلى كتاب "حقوق الإنسان" والمراد به "حقوق الإنسان بين الشريعة والقانون.. نصاً ومقارنة وتطبيقا" فليتنبه.
وكان الانتهاء من كتابة هذه الرسالة يوم السبت الخامس عشر من شهر ربيع الثاني عام 1427هـ
الفصل الأول:(1/4)
نشأة دعوة المساواة الديمقراطية وانتشارها في العالم
وقبول الدول والأحزاب الإسلامية لها
عقدت هذا الفصل لبيان مراحل وأطوار دعوة المساواة في بلاد الغرب: نشأة، وانتشاراً، وتصديراً إلى بلاد المسلمين.
أول من أسس الدعوة إلى المساواة هم اليهود
أول من دعا إلى المساواة اليهود، وهذا باعترافهم هم، ففي "بروتوكولات حكماء صهيون" ص (111) البروتوكول الأول ما نصه: «إن صيحتنا: الحرية، والمساواة، والإخاء؛ قد جلبت إلى صفوفنا فرقاً كاملة من زوايا العالم الأربع، عن طريق وكلائنا المغفلين، وقد حملت هذه الفرق ألويتنا في نشوة، بينما كانت هذه الكلمات مثل كثير من الديدان تلتهم سعادة المسيحيين، وتحطم سلامهم واستقرارهم ووحدتهم، مدمرة بذلك أسس الدول».
وفي "بروتوكولات حكماء صهيون" ص (110): البروتوكول الأول قالوا: «كنا قديماً أول من صاح في الناس: الحرية، والمساواة، والإخاء».
والدعوة إلى المساواة والحرية والإخاء هي شعار الماسونية العالمية، كما هو معلوم.
الدوافع لتأسيس الدعوة إلى المساواة الديمقراطية
لقد حكم الله في كتابه الكريم على اليهود بالذلة والمسكنة قال تعالى: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} آل عمران.
وقال تعالى مخاطباً اليهود: {اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} البقرة.(1/5)
وسلط الله على اليهود من يسومهم سوء العذاب، قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} الأعراف.
وصدق الله فقد ذاق اليهود ألواناً من العذاب على مر التاريخ، خصوصاً من قِبل أعدائهم النصارى، ومن ذلك ما قام به (لويس التاسع) أحد ملوك فرنسا، فقد أصدر أمراً بإحراق جميع كتبهم وخاصة التلمود، وطردوا جميعاً في عهد (فيليب) ثم عادوا إلى البلاد. وفي عام 1341م هاج الشعب في فرنسا، وذبحوا من اليهود الكثير وطردوهم، ولم تأت سنة 1394م وفي فرنسا يهودي واحد، ثم عاد اليهود إلى فرنسا بعد تشردهم من إسبانيا. نقلا من كتاب "حقيقة العلاقة بين اليهود والنصارى" ص (150).
وذكر صاحب المصدر المذكور ص (148_153) ما قامت به بريطانيا وألمانيا وكثيراً من دول أوروبا من القضاء عليهم.
فهذه الإهانة والإبادة لليهود من النصارى جعلتهم يبحثون عن مكائد يكيدون بها النصارى، فدلهم الشيطان على الدعوة إلى الحرية والمساواة للتخلص من دين الكنيسة، لأنها هي التي كانت تؤلب تلك الدول والشعوب عليهم، وأيضاً للتخلص من تلك الدول القائمة، التي أذاقتهم ألوان العذاب، ورأى اليهود أن الفرصة سانحة لنشر الدعوة إلى الحرية والمساواة، لأن الكنائس آنذاك كانت قد سيطرت على الناس: حاكمهم، ومحكومهم، وضيقت عليهم في دينهم ودنياهم، فصار كثير من النصارى غاضبين على الكنائس، إضافة إلى ما عندها من ارتكاب الفجور والرذائل وسلب الأموال باسم الكنيسة، فنفخوا في النصارى دعوة الحرية والمساواة، فأقبل جماهير النصارى عليها، فاشتغلت تلك الشعوب بهذه الدعوة أيما اشتغال، وصارت مطلبهم الأكبر، مما أدى ذلك إلى قيام الثورات على الكنائس ومن معها من الملوك والدول، وهكذا تقلب الأمم رأساً على عقب بالدعوات المزيفة.
أشهر دعاة المساواة في بلاد الكفار هم الشيوعيون الشرقيون والعلمانيون الغربيون(1/6)
إن الشيوعية هي أجرأ من صرح بالمساواة التي تدعو إليها الديمقراطية؛ فقد دعت إلى إلغاء الإسلام ونبذه، معللة أنه أفيون الشعوب، وأن البقاء عليه تخلف ورجعية، ولا مساواة إلا بتركه، ودعت إلى إلغاء الملكية الفردية لكي تتحقق المساواة، ومن فروع مساواتها: إلغاء الزواج، والاكتفاء بأن تكون المرأة في ملك الجميع، ولا نحتاج إلى نقل لنثبت هذا، لأنه أمر قد ملئت به الأسماع في عالم الجن والإنس، بل قد سحقت بسببه شعوب وأمم، وأبيدت بسببه دول وأحزاب، ولما ظهر للناس حقيقة المساواة التي تنادي بها الشيوعية تنكروا لها غاية التنكر، وضَحَّوا بالغالي والنفيس للخلاص منها، حتى قضوا عليها، بل قضى عليها مؤخراً كثير من روادها.
فلما رأت العلمانية الغربية أن المساواة التي تدعو إليها الشيوعية قد دفعت المخدوعين بها إلى التفاني في حملها ونصرها وسحق دولهم في سبيلها؛ بثت الدعوة إلى المساواة بوجه آخر، فأعطت الفرد كامل حرياته، وجرمت الشيوعية الماركسية حينما صادرت أملاك الأفراد، وقالت في مساواتها: هذه هي المساواة التي ضلت عنها الشيوعية، فأعجب بها الغرب أيما إعجاب، وعظمت الديمقراطية في عيون كثير منهم، لأنها ضد ذلك الشبح الرهيب (الشيوعية).
مع العلم أن المساواة الديمقراطية العلمانية ليست ضد المساواة الشيوعية إلا في قضايا محصورة، أعظمها قضية مصادرة الملكية الفردية، والغربيون بسبب عبادتهم للدنيا اكتفوا بهذه المساواة والحرية التي فيها بقاء أموالهم، وعموا عما في المساواة الديمقراطية العلمانية من أضرار على الفرد وغيره، كما سيأتي إيضاح ذلك.
المساواة الديمقراطية الغربية تستمد قوتها من الشيوعية(1/7)
لقد ظهرت الديمقراطية الغربية نداً للاشتراكية عند المغفلين، وما كان للديمقراطية أن تقبل عالمياً لولا هذه الندية، ولكن لو نظرنا نظرة المتفحص المتتبع للحقيقة لوجدنا أن كليهما: الاشتراكية، والديمقراطية أخوان، لأنهما صنيعة يهودية، ولكن الغرب الكافر استغل فشل الاشتراكية وانهيارها استغلال المنتهز للفرص التي لا تكاد تعوض في نظره؛ فجعل من مصادرة الشيوعية لأملاك الناس حجة له على صحة المساواة التي يدعو إليها، وجعل مصادرة ممتلكات الأفراد جريمة لا تنتهي، وكلما نسي الناس القهر الشيوعي أعاد الغرب ذكره، حتى تمنى من لا يدرك أبعاد المكر والخداع أن يكون غربياً ليعيش في ظل المساواة العادلة الغربية _ كما يزعمون _ وأطلقت المساواة الديمقراطية العنان للفرد في حريته، وسنت القوانين التي تحميه، ولو كان ساعياً إلى كل فساد، ورفع مؤسسو الديمقراطية أصواتهم: أن حرية الأفراد والمساواة بينهم فوق كل شيء، فلا يسمح بالوقوف أمامها، ولا الحد منها، والأفراد في الغرب والشرق كلما سمعوا بهذا التشريع الجديد تذكروا ما عملته الشيوعية، وتخيلوا شبح الفقر الذي ألحقته الشيوعية بالشعوب المستعبدة من قبلها، فيرون أن الديمقراطية الرأسمالية قد أسعدتهم بعد ذلك الشقاء، وأنقذتهم من ذلك العناء.
بل صار الغرب يرى أن الديمقراطية قد أعطته مفاتيح العز ووسائل السعادة بالمساواة، وجعل زمام الحياة بيده، فصار الفرد الذي اختطفته دعوة المساواة الغربية ينظر إلى مصلحته وبما تتحقق، دون أن يعبأ بمصالح الآخرين، وإن بلغ بهم الضرر ما بلغ، فهذه بلية القوم، وصار القوم يؤلهون الديمقراطية بحيث لا يقبل النقاش حولها.(1/8)
قال صاحب كتاب "العلمانية" ص (240): «الناس في الغرب يقبلون الحوار والنقاش حول أي موضوع ماعدا موضوع الديمقراطية، فالديمقراطية بمبادئها _ كالحرية والمساواة وحقوقها وضماناتها كما أسلفنا _ منطقة مقدسة، لا ينبغي أن تكون موضع جدال، ومالها لا تكون كذلك وهم لا يعملون لها بديلاً إلا الديكتاتورية، ذلك الشبح الرهيب».
قلت: مع أن انتقادات العقلاء في الغرب واعتراضاتهم على الديمقراطية كثيرة، ومن جوانب عدة. انظر تفصيل ذلك في كتاب "العلمانية" للحوالي ص (240_252).
وبالجملة: لولا الاشتراكية لما كانت الديمقراطية، فليس للديمقراطية صحة في نفسها، ولا قوة في ذاتها، ولا مبرر لبقائها عند أهلها إلا عدم وجود البديل لهم عنها إلا الشيوعية الحمراء، ولعل الباحثين منهم عن البديل ساعون في ذلك، وسيأتي اليوم الذي تلغى فيه الديمقراطية كما ألغيت الاشتراكية بإذن الله.
الفوارق بين المساواة الشيوعية وبين المساواة الغربية
قبل أن أذكر الفوارق بين المساوتين سأذكر ما يتفقان فيه، وهو الآتي:
1- كلا النظريتين حادثتان، وكلاهما من صنع اليهود.
2- كلا النظريتين مبنيتين على قطع الصلة بالماضي عموماً، ولو كان فيه من المنافع الخيرية والأمور المحمودة ما فيه.
3- النظريتان لا تقبلان الإسلام، بل تحكمان عليه بأنه دين تخلف ورجعية، إلا أن الشيوعية كانت أجرأ بالطعن، بل صرحت بأشد عداء للإسلام حينما قالت فيه: إنه أفيون الشعوب.
4- منطلق النظريتين: الإباحة المطلقة في كل شيء جملة.
5- كلا النظريتين تجعلان المرأة أساساً للمساواة.
وكتابنا هذا وأمثاله خير موضح لهذا.
وأما الفوارق بين المساواتين فأبرزها الآتي:
1- المساواة التي دعا إليها الشيوعيون كانوا أجرأ فيها وأصرح بما يريدون، حتى إن جرأتهم وصراحتهم كانت سبباً في سرعة فهم الناس لفساد مساواتهم، وقد كانت هذه الجرأة درساً لدعاة المساواة الغربيين، حيث استعملوا التدرج في دعوتهم إلى المساواة.(1/9)
2- المساواة الشيوعية ألغت الملكية الفردية، وكان هذا الإلغاء أعظم حجة لدعاة المساواة الديمقراطية في الغرب أن ينزهوا مساواتهم عن المساس بحقوق الأفراد، بل أطلقوا للأفراد حرياتهم كافة، ولو حصل الإضرار بغيرهم.
3- المساواة الشيوعية اقتضت منع إنشاء أحزاب دينية وسياسية، والمساواة الديمقراطية دعت إلى إنشاء أحزاب سياسية لا دينية.
4- المساواة الشيوعية الحكم فيها للفرد فيكثر الاستبداد منه، والمساواة الديمقراطية الحكم فيها عن طريق ممثلي الشعب، شريطة الحكم بالدستور والقوانين الوضعية.
5- وخلاصة النظريتين المذكورتين: أنهما تتفقان في أكبر الأصول في الإلحاد والإباحية، وجعل الإسلام هو عدوهما الأكبر، وتفترقان في بعض الأصول وبعض الفروع.
وإذا أعطى القارئ مسألة المساواة الغربية حقها من الاهتمام بمعرفتها تكشفت له عيوبها الكثيرة، وظهرت له غوائلها المدمرة، وبانت له بوائقها المترامية. فالله الله في الاهتمام بمعرفة ما في المساواة من مكر عظيم، وكيد كبير بالمسلمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أسماء المساواة الديمقراطية
للمساواة الديمقراطية عدة أسماء، أهمها الآتي:
1- الجندر: ومصطلح (الجندر) يراد به: أن كل نوع يكتفي بنوعه، فالرجال يكتفون بنكاح الرجال، والنساء يكتفين بنكاح النساء.
2- العدل: ويقصدون بالعدل: المساواة بين الإنسانية وبين الرجال والنساء على وجه الخصوص.
الحرية: باعتبار أن كل ناس أحرار في شتى حياتهم وآرائهم وعقائدهم وأديانهم، فهم من هذا الباب سواسية.
ظهور الدعوة إلى المساواة الديمقراطية في الوطن العربي
أول ما نشأت دعوة تحرير المرأة ومساواتها بالرجال في الوطن العربي بمصر منتصف القرن الرابع الهجري تقريباً، على أيدي العلمانيين كحزب الوفد المصري، ومن مصر انتشرت دعوة المساواة إلى كافة الدول العربية، وقد أجمل أصحاب الموسوعة الميسرة (1/459_460) حقيقة دعوة المساواة والتحرير، فقالوا هي:(1/10)
_ الدعوة إلى السفور، والقضاء على الحجاب الإسلامي.
_ الدعوة إلى اختلاط الرجال مع النساء في كل المجالات، في المدارس والجامعات والمؤسسات الحكومية والأسواق.
? تقييد الطلاق، والاكتفاء بزوجة واحدة.
? المساواة في الميراث مع الرجال.
? الدعوة العلمانية الغربية، أو اللادينية، بحيث لا يتحكم الدين في مجال الحياة الاجتماعية خاصة.
? المطالبة بالحقوق الاجتماعية والسياسية.
? أوروبا والغرب عامة هم القدوة في كل الأمور التي تتعلق بالحياة الاجتماعية للمرأة، كالعمل والحرية الجنسية، ومجالات الأنشطة الرياضية والثقافية.
والدعوة إلى هذه الانحرافات منتشرة في كل بلاد المسلمين، وغرماء المسلمين والذين جلبوا عليهم هذا الإفساد، ونقلوه إليهم من بلاد الكفار، وأخذوا عليه الأموال الطائلة، وتاجروا بالبلاد والعباد خصوصاً النساء هي الأحزاب العلمانية من اشتراكية وبعثية وناصرية وغيرها ممن سايرهم أو نسق معهم، ففتش عن العلماني المفسد في الأرض. اللهم سلم سلم.
استعانة أمريكا والأمم المتحدة على تنفيذ المساواة في الوطن العربي وغيره بالمنظمات التنصيرية وغيرها(1/11)
من المعلوم أن كثيراً من الدول العربية والإسلامية وقَّعَت على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وهي أخطر اتفاقية متعلقة بالمساواة بين الرجال والنساء، واعتبرت هذه التوقيعات موجبة على الدول العربية والإسلامية القيام بالتنفيذ للمساواة المذكورة، ومن أجل أن يتحقق التنفيذ للاتفاقية المذكورة قامت أمريكا والأمم المتحدة باستخدام المنظمات التنصيرية العاملة في الوطن العربي والإسلامي للمتابعة والإشراف على تنفيذ هذه المساواة الإجرامية، وقد كثرت هذه المنظمات جداً، ومن أشهرها: منظمة اليونسكو، واليونسيف، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية، ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية والتجارة، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة, وهناك صناديق وبرامج ومعاهد ولجان وجامعات ومراكز تابعة للأمم المتحدة تقوم بالدعوة إلى المساواة، وأما البنك الدولي _ دمره الله _ فله ضغوطات على الدول من أجل تنفيذ هذه الاتفاقية. وهناك منظمات وجمعيات غير عالمية، منها الحكومية ومنها غير حكومية تقوم بنفس المهمة. وقد ذكرنا عدداً كبيراً من هذه المنظمات المتواجدة في اليمن وذكرنا مساوئها وشينها في كتابنا "المؤامرة الكبرى على المرأة المسلمة"
وكل هذه الجهات وأمثالها مبثوثة منتشرة في بلاد المسلمين، وعلى وجه الخصوص الوطن العربي، ولا يخفاك أن هذه الجهات _ اللاتي ذكرناها _ جنود مجندة للأمم المتحدة وأمريكا لتنفيذ الدعوة المشؤومة المساواة، اللهم سلم سلم.
وهذه المنظمات تعتبر نفسها خير منقذ للمرأة، فهي في مشاريعها توظف النساء أكثر من الرجال، والشباب والشابات أكثر من غيرهم، وقد أوضحنا في كتابنا "المؤامرة الكبرى على المرأة المسلمة" ماذا يستخدم من المكر والخدع للمرأة اليمنية من قبل هذه المنظمات ومن معها، فإن أردت تفاصيل ذلك فارجع إليه.(1/12)
ومما يدل على التكاتف بين هذه المنظمات ودولها: أننا نجد أن المنظمة إذا صار لها شيء من النفوذ _ في المكان الذي تتواجد فيه في اليمن أو غيره _ استدعت السفراء التابعين لدول الغرب الكافر، بل وفي بعض الأحايين يأتي مسئولون من أمريكا وغيرها زائرين لهذه المنظمات، ومباركين لها بهذا النجاح، وبسط الكلام على بوائق المنظمات التنصيرية في بلاد المسلمين يحتاج إلى مؤلفات، وقد ذكرنا في كتابنا "المؤامرة الكبرى على المرأة المسلمة" بوائق المنظمات التنصيرية في اليمن مما يشيب لها الرأس.
ولنا أيضا رسالة صغيرة بعنوان "الحقائق الكبرى عن منظمتي اليونسكو وأدرى" ذكرنا فيها حقائق عن هاتين المنظمتين، وما تقومان به من أعمال إجرامية وتنصيرية في بلادنا، فارجع إلى الكتاب والرسالة، وهما مطبوعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
إغراء الدول الكافرة دعاة المساواة في بلاد المسلمين بالأموال
لقد أوضحنا في كتابنا "المؤامرة الكبرى على المرأة المسلمة" أن دولاً كثيرة كهولندا وألمانيا وأمريكا وبريطانيا وفرنسا وغيرهن يغدقن بالأموال على القائمين والقائمات بدعوة المساواة.
وللعلم أن المساعدات التي تعطى للدول العربية والإسلامية لهذا الغرض كما أوضح هذا الرئيس اليمني علي بن عبد الله صالح وفقه الله للخير، حيث قال عقب رجوعه من زيارة الصين الشعبية في شهر ربيع الأول 1427هـ ما معناه: «إن الصين تساعد اليمن بدون أن يشترطوا أو يمارسوا أي ضغوطات، ولا يتدخلون في الشؤون الداخلية، بخلاف الغرب _ وللأسف _ فإنهم لا يساعدون إلا بشروط منها: أن تتوسع مشاركة المرأة ...» وقد ذكرت اللجنة الوطنية للمرأة اليمنية عدداً كبيراً من الجهات الممولة لدعوة المساواة بين الرجل والمرأة، انظر ذلك في المجلد الأول من كتابي "المؤامرة الكبرى على المرأة المسلمة".(1/13)
ولا يخفى ما في هذه المساعدات من تمكن وتسلط على المساعَدين، وعلى الشعوب والدول التي تقبلها، ولا يظن أن هذه المساعدات تعطى بطريقة عشوائية بل تقوم على مواثيق والتزامات لتحقيق ما يريده العدو، فكم للأعداء من مصالح عن طريق المساعدات المذكورة أضعاف أضعاف ما يعطونه من فتات للمساعَدين فقد قال الرئيس الأمريكي الأسبق جون كنيدي عام 1961م: «إن المعونة الأجنبية وسيلة يمكن للولايات المتحدة الأمريكية عن طريقها أن تثبت مركز نفوذ وسيطرة حول العالم». وقال الرئيس الأمريكي الأسبق _ أيضاً _ نيكسون خلال حملته الرئاسية عام 1968م: «يجب أن نتذكر أن الغرض الرئيسي للمعونة الأمريكية ليس مساعدة الشعوب، ولكن مساعدة أنفسنا». وقال الرئيس ريتشارد نيكسون: «إن الكونجرس لن يقر المعونة ما لم تحقق مصالحنا بوضوح». نقلا من مقال (المعونات الأجنبية لنا أم علينا؟) المنشور في صحيفة (الشموع) العدد (338) الصادر في 14/جمادى الأولى/1427هـ الموافق 10/6/2006م.
ومعلوم أن المساعدات التي تأتي من قبل الكفار لا تقبل إلا بشروط ومنها:
أ- أن لا تكون رشوة في الدين.
ب- أن لا تكون من أجل الإقرار على باطل.
ج- أن لا تكون سبباً لتقوية الكفار على المسلمين.
أما إذا كان الكفار حربيين فلا يجوز قبول هديتهم على القول الراجح.
ماذا تنتظر أمريكا من المسلمين من وراء المساواة الديمقراطية؟(1/14)
إن مما ينبغي معرفته أن أمريكا _ ومن إليها بما في ذلك الأمم المتحدة _ تسعى من خلال الدعوة إلى المساواة إلى تحقيق مصالحها الوطنية والقومية، وفرض نفوذها وقوتها، وهذه قاعدة عامة في سياسة الدول الكافرة مع غيرها، قال البروفيسور جوزيف في كتابه "العلاقات الدولية": «ينتهي القارئ إلى أن العلاقات الدولية المعاصرة ترتكز أساسا _ إن لم يكن كليا _ على أساسين اثنين: المصلحة الوطنية، والقوة» نقلا من كتاب "القيم الأخلاقية في الصراع الحضاري بين الإسلام والغرب" ص (7). فاجعلوا معشر القراء هاتين القاعدتين منكم على بال، وما سأذكره هاهنا هو تحقيق لهاتين القاعدتين، ومما يدل على ذلك ما قاله وزير الخارجية الأمريكي الأسبق في 4/3/2003م: «إن دفع عجلة قضايا المرأة في جميع أنحاء العالم ليس فقط أمراً متناسقاً مع القيم التي يؤمن بها الشعب الأمريكي إيماناً عميقاً، وإنما هو _ أيضاً _ في مصلحتنا القومية إلى حد كبير».
ومما يدل على أن مرادهم من وراء دعوة المساواة فرض القوة والسيطرة ما قاله الوزير المذكور في التاريخ نفسه: «... وفي الوقت نفسه فإننا لن نتراخى في التزامنا بترويج قضية حقوق الإنسان والديمقراطية، فالعالم الذي يمكن فيه لكل رجل وامرأة _ من كل قارة، وكل ثقافة، وكل معتقد، وكل عرق، وكل ديانة، وكل منطقة _ أن يمارسوا حرياتهم الأساسية، هو عالم لا يمكن للإرهاب أن يروج فيه». نقلا من رسالة "المرأة المسلمة بين... وموجات التغرير" ص (19).
بل إن الدول الداعية إلى المساواة تجعل من المرأة مدخلاً لها للتغيير في ثقافة وسياسة واقتصاد وقيم البلاد المستهدفة باسم المساواة.
ففي مقال لبعض الداعيات إلى المساواة في قناة الجزيرة برنامج (للنساء فقط) قالت فيه: «ولأن المرأة مدخل للتغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والقيمي في كل مجتمع من مجتمعات العالم؛ فهي أول الشرائح والفئات المستهدفة».(1/15)
إضافة إلى ذلك أن المؤتمرات العالمية المثقلة بالمساواة بين الرجل والمرأة تسعى لتحقيق هاتين القاعدتين بصورة ظاهرة أو خفية، ومن ذلك ما جاء في تقرير المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة في بكين عام 1995م ما نصه: «إن المساواة في الحقوق والفرص، والوصول إلى الموارد، واقتسام الرجل والمرأة المسؤوليات عن الأسرة بالتساوي، والشراكة بينهما؛ أمور حاسمة لرفاهيتهما، ورفاهية أسرتهما، وكذلك لتدعيم الديمقراطية».
ومما سبق ذكره يتضح جلياً أن دعوة الأمم المتحدة وأمريكا إلى المساواة ليست رحمة بالناس، ولا إرادة إحسان إليهم، وإنما هي دعوة إلى نشر الفجور والكفر عياذا بالله، بل دعوة إلى الاستسلام للغرب الكافر بزعامة أمريكا، والسيطرة عليه بأساليب مختلفة.(1/16)
وقال صاحب كتاب "حقوق الإنسان" ص (11_12): «إن الدول الكبرى قد أحكمت سيطرتها على الشعوب الفقيرة والضعيفة بواسطة التكنولوجيا المتطورة، وتكنولوجيا الفضاء، وشبكة الجواسيس المحكمة، بحيث وضعت العالم تحت قبضتها، وأحصت جميع انتهاكات حقوق الإنسان في كل بلد من بلدان العالم، بحيث أصبحت قضايا حقوق الإنسان أداة سياسية لإخضاع حكومات العالم لإرادتها، فالحكومة التي تخضع للدول الكبرى المتحكمة وتنفذ رغباتها سواء في السياسة الداخلية أو الخارجية تبارك لها انتهاكاتها لحقوق الإنسان، وتخفى المعلومات عن أعين الإعلام العالمي وعن المنظمات الدولية، والحكومة التي تحاول الخروج على إرادة الدولة الكبرى سواء في السياسة الداخلية أو الخارجية أو الاقتصادية، وحتى في القضايا الاجتماعية، فإنها تشن عليها الحملات الإعلامية لانتهاكاتها لحقوق الإنسان، وتحرك عليها المنظمات الدولية، وتضخم حالات انتهاك حقوق الإنسان، وقد يصل بها الأمر أن تضغط على المنظمات الدولية لتفرض الحصار الاقتصادي على تلك الدولة الخارجة على إرادة الدولة الكبرى، كما حدث للسودان، وكثيراً ما تختلق وقائع عن انتهاكات حقوق الإنسان لا أصل لها ولا وجود، وفجأة تصبح هذه الدولة قد عدلت سياستها، واحترمت حقوق الإنسان بمجرد خضوع تلك الحكومة لإرادة الدولة الكبرى».
تقرير عما تضمنه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والاتفاقيتان الدوليتان المتعلقتان بذلك، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة من الدعوة إلى نبذ الإسلام باسم الحرية والمساواة الديمقراطية(1/17)
لقد كثرت النداءات والصراخ في بلاد الغرب الكافر مطالبة بحقوق الإنسان في مختلف مستوياتهم، ونتج عن ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في يناير 1948م والذي يتألف من ديباجة وثلاثين مادة، وقد نادت الجمعية العامة للأمم المتحدة جميع الشعوب والأمم إلى احترام هذه الحقوق، زعماً منهم أنها المثل الأعلى المشترك الذي يجب أن ترجع إليه جميع الشعوب والأمم فيما يتعلق بحقوق الإنسان، ثم قامت الأمم المتحدة بوضع قواعد هذا الإعلان على شكل معاهدات دولية، وأهم هذا المعاهدات: الاتفاقية الدولية المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية، والاتفاقية الدولية المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويطلق على هاتين الاتفاقيتين (العهدان الدوليان لحقوق الإنسان) قال صاحب كتاب "حقوق الإنسان" (10) وهو يتحدث عن الاتفاقيتين المذكورتين: «إن الاتفاقيتين الدوليتين لحقوق الإنسان واللتين وقعت عليهما جميع حكومات العالم أصبحتا جزءاً من التشريع الداخلي، وصارت أحكامهما مقدمة على القوانين العادية وحتى الدستور، فهل روعيت أحكامهما؟»
وأما اتفاقية (القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة) فقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها (2263) عام 1967م وقد وقعت على هذه الاتفاقية سبعة وتسعون دولة إلى عام 1978م كما في كتاب "حقوق الإنسان" ووصل التوقيع عليها إلى مائة وثلاثة وثلاثين دولة قبل عام 1995م كما في كتاب "العدوان على المرأة" ص (55) ولا يزال التوقيع عليها مستمراً، فقد ذكر بعض الكتاب أن عدد الدول الموقعة على الاتفاقية المذكورة _ مؤخراً _ يزيد على مائة وتسعين دولة، وأصبحت (اتفاقية القضاء...) معاهدة دولية، وهي تتكون من مقدمة وثلاثين مادة.(1/18)
والذي يهمنا هاهنا أن نذكر ما في (الإعلان العالمي الحقوقي) والاتفاقيتين التابعتين له، و(اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة) من مخالفة للإسلام، ومصادرة له، بدعوى الحرية والمساواة.
من المعلوم أن شعار الديمقراطية:
1_ الحرية.
2_ المساواة... وقد رأيت هاهنا أن أذكر نبذة عن الحرية الديمقراطية، لأنها صنو المساواة الديمقراطية.
والحريات التي تدعو إليها الديمقراطية أربع حريات:
1_ حرية الفكر والدين.
2_ حرية الرأي والتعبير.
3_ الحرية الشخصية.
4_ الحرية الاقتصادية.
وهذه الحريات الأربع موجودة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والاتفاقيتين الدوليتين المتعلقتين بذلك، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وهاك بيان ذلك:
ففي مقدمة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: «لكل فرد الحق في الحياة والحرية والأمن الشخصي». "حقوق الإنسان بين الشريعة والقانون" ص (71).
وقد أوضحت المادة (18) من الاتفاقية الدولية المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية ما يلي: «لكل فرد الحق في حرية الفكر والضمير والديانة، ويشمل هذا الحق حريته في الانتماء إلى أحد الأديان والعقائد باختياره، وفي أن يعبر منفرداً أو مع آخرين بشكل علني أو غير علني عن ديانته أو عقيدته، سواء كان ذلك عن طريق العبادة أو التعبير أو الممارسة أو التعليم ...» نقلا من كتاب "حقوق الإنسان بين الشريعة والقانون" ص (72).
وواضح جداً من نص هذه المادة أنها أعطت الناس الحرية في اختيار الدين والعقيدة، وهي بالنسبة للمسلم دعوة له إلى الردة عن الإسلام، وأعطت المادة المذكورة _ لمن قبل حرية الدين والعقيدة _ أن يجهر بذلك، وأن يدعو إليها، ولو كان فيها ما فيها من إلحاد، كسبِّ الله أو دينه أو رسوله، ومنعت المادة المذكورة من محاكمة الجناة، سواء كانت الجناية ردة عن الإسلام أو غير ذلك، إلا إلى القانون، والقانون هو الذي أباح هذه الحريات.(1/19)
أما حرية التعبير والرأي ففي المادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ما نصه: «لكل فرد الحق في حرية الرأي والتعبير التي تنطوي على حقه في عدم إزعاجه بسبب آرائه، وعلى حقه دون اعتبار الحدود الجغرافية في استقاء الأنباء والأفكار وتلقينها وإذاعتها بأية وسيلة كانت من وسائل التعبير» المصدر السابق ص (73).
فحرية التعبير والرأي الذي نصت عليه المادة المذكورة هو فتح باب، بل دعوة إلى محاربة الإسلام والطعن فيه من قبل الكفار والمنافقين، وهذا هو الذي ملئت به الدنيا، وأطلقت المادة المذكورة العنان للأفراد أن يعبروا عن آرائهم بأي وسيلة، ويستخدموا أي طريقة، ولم تقيدهم بقيد، فالأحكام التي جاء بها الإسلام لمعاقبة من يسب الله أو دينه أو رسوله مصادَرة من قبل المادة المذكورة.
وأما الحرية الشخصية ففي الإعلان الحقوقي: «لكل فرد الحق في الحياة والحرية والأمن الشخصي» المصدر السابق ص (71).
والمراد بالحرية الشخصية: تصرف الشخص في شؤون نفسه كيف شاء، فإن اختار الزنا ولو بالمحارم فهو حر، وإن اختار فواحش اللواط فهو حر، وإن اختار السرقة فهو حر، وهلم جرا.
وليس للإسلام وأهله سبيل على صاحب هذه الحرية، لما جاء في المادة (17) من الاتفاقية الدولية في شأن الحقوق المدنية والسياسية وهذا نصه: «لا يجوز التدخل بشكل تعسفي أو غير قانوني في المسائل الخاصة بأحد أو بعائلته أو بيئته أو مراسلاته» المصدر السابق ص (71)
فهذه مصادره لما جاء به الإسلام من أحكام إقامة الحدود على الزناة والسرق والسكارى وقطاع الطرق وأصحاب فواحش اللواط والزنا وغير ذلك.
وأما الحرية الاقتصادية فقد نصت المادة (23) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ما لفظه: «لكل شخص الحق في العمل، وله حرية اختياره بشروط مرضية كما له حق الحماية من البطالة».(1/20)
والمادة (6) من المعاهدة الدولية في شأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تنص على الآتي: «تقر الدول الأطراف في الاتفاقية الحالية بالحق في العمل الذي يتضمن حق كل فرد في أن تكون أمامه فرصة كسب معيشته عن طريق العمل الذي اختاره أو يقبله بحرية، وتتخذ هذه الدول الخطوات المناسبة لتأمين هذا الحق».
وجاء في دستور منظمة العمل الدولية ما نصه: «بأن العمل ليس سلعة، ويؤكد أنه يحق لجميع بني البشر السعي وراء رخائهم المادي، ونموهم الروحي، في ضل الحرية والكرامة والأمن الاقتصادي وتكافؤ الفرص، بغض النظر عن العنصر أو العقيدة أو الجنس» المصدر السابق ص (166_167).
فهذه المواد تَنُص على إطلاق استخدام وسائل الاكتساب باسم الحرية، من أي باب كان أو يكون حلالاً أم حراماً، وفي هذه الحرية دعوة للمسلم أن يكتسب المال من أبواب محرمة مهما كانت مضرة به أو بغيره، كاكتسابه له عن طريق تعاطي السحر والتنجيم، أو عن طريق بيع الخمور ولحم الخنزير، والمتاجرة بأعراض الرجال والنساء والأطفال، أو عن طريق الجاسوسية المحرمة في الإسلام، وتعاطي الربا، وارتكاب الزنا، واستخدام الخدع والغش والكذب، وشهادة الزور وغير ذلك.
والحريات الأربع التي نص عليها الإعلان الإعلامي للحقوق والاتفاقيتان الدوليتان قد نصت عليها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، ففي المادة الأولى من (اتفاقية القضاء...) ما نصه: «يعتبر التميز العنصري بين البشر _ بسبب الأصل أو اللون أو العنصر _ إساءة للكرامة الإنسانية، والحريات الأساسية المعلنة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وعقبة في سبيل العلاقات الودية والسلمية بين الأمم، وواقعاً من شأنه تعكير السلم والأمن بين الشعوب».(1/21)
وفي المادة الثانية منها: (يحظر على أية دولة أو مؤسسة أو جماعة أو أي فرد إجراء أي تمييز أياً كان، متعلقاً بمسائل حقوق الإنسان والحريات الأساسية في معاملة الأشخاص أو جماعات الأشخاص أو المؤسسات، بسبب الأصل أو اللون أو العنصر» المصدر السابق ص (133). فالحريات المذكورة تحارب دين المسلمين من جميع جوانبه، بل تصادره كله.
وأما المساواة التي جاء بها الإعلان العالمي للحقوق والاتفاقيتان الدوليتان واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة فدونك الكلام عليها:
جاء في المادة السابعة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ما نصه: «الكل متساوون أمام القانون، ولهم الحق _ دونما تفريق _ في حماية متساوية منه، ولهم جميعاً الحق في نفس الحماية ضد كل عنصر يخرق هذا الإعلان، وضد كل تحريض على مثل هذا التمييز». وقد نصت على المساواة الاتفاقيتان الدوليتان وفي العهد الدولي الثاني الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في المادة (62) ما نصه: «الكل أمام القانون سواء لهم دون أي تمييز حق متساو في حمايته، وينص قانوناً في هذا الصدد على حظر أي تمييز بسبب العرق، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي، السياسي أو غيره، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة، أو النسب، أو غير ذلك من الأسباب» "حقوق الإنسان بين الشريعة والقانون" ص (119_120).
و(اتفاقية القضاء) جاءت بالمساواة المطلقة بين الرجل والمرأة، ففي مقدمة الاتفاقية _ على وجازتها _ تكرر ذكر المساواة خمس مرات، ومن ذلك قولهم: «وإيماناً منّا بأن إسهام النساء والرجال على السواء أقصى إسهام ممكن في جميع الميادين مطلب لا بد منه للتنمية الكاملة لكل بلد في جميع الميادين، ولخير العالم وقضية السلم، وإذ ترى أن من الضروري كفالة الاعتراف العالمي في القانون وفي الواقع بمبدأ تساوي الرجل والمرأة».(1/22)
فاتضح من هذا النقل أن المساواة بين المرأة والرجل في المصادر المذكورة مساواة مطلقة، فليعلم هذا.
بداية الدعوة إلى مساواة المرأة بالرجل
لقد كانت الدعوة من قبل دعاة المساواة بين المرأة والرجل كثيراً ما تتعلق بالرجال، ثم ظهرت مؤخراً الدعوة إلى المساواة بين المرأة والرجل في الأجور، قال صاحب كتاب "المذاهب الفكرية المعاصرة" 1/107: «أما زعمهم المساواة بين الرجل والمرأة فلها قصة قديمة: وذلك أن المرأة كانت تعمل إلى جانب الرجل ولكنها كانت تأخذ أجراً أقل منه، لضعفها عن الجهد الذي يبذله الرجل، واستمر الحال إلى أن نبهت أو تنبهت المرأة إلى هذا الغبن، فطالبت بمساواتها بالرجل في الأجرة، واستمر الطلب، وقوي مع مرور الوقت، ومن هنا نشأ طلب المساواة بين الرجل والمرأة».
وقال صاحب كتاب "حقوق الإنسان بين الشريعة والقانون" ص (202): «اضطر الغرب لإخراج المرأة من البيت، وانتهز حاجتها، واستغل فرصة زيادة العرض ليرخص من أجورها، واستغنى أصحاب الأعمال بالمرأة الرخيصة الأجر عن العامل الذي يرفع رأسه ويطالب بأجر كريم، وحين طالبت المرأة بالمساواة كانت تعني _ أولاً _ وبالذات المساواة في الأجور لتأكل وتعيش، ولما لم تتمكن من تحقيق هذه المساواة طالبت بحق الانتخاب ليكون لها صوت يحسب حسابه، ثم طالبت بدخول البرلمانات ليكون لها صوت إيجابي في تقرير المساواة، لأن القوانين التي تحكم الجميع يسنها الرجل وحده».
فانظر يا عبد الله كيف تكون الفتنة في بدايتها صغيرة، ثم تتسع دائرتها حتى تهلك الحرث والنسل كما سترى ذلك من خلال البيان والإيضاح لأبعاد المساواة الديمقراطية؟!
تفسير دعاة المساواة للمساواة بين الرجل والمرأة(1/23)
لقد أقيم في كوبنهاجن (الدانمارك) عام 1980م مؤتمر عالمي للمرأة تحت إشراف الأمم المتحدة بعنوان "المساواة والتنمية والسلم" وقام المعنيون بالدعوة إلى المساواة بتفسير مساواة المرأة بالرجل فقالوا: «تفسير المساواة هنا على أنها لا تعني فقط المساواة القانونية، والقضاء على التمييز القانوني، ولكنها تعني _ أيضاً _ المساواة في الحقوق والمسؤوليات، والفرص المتعلقة باشتراك المرأة في التنمية، بوصفها مستفيدة، وبوصفها فاعلة نشطة على حد السواء، وقضية عدم المساواة بوصفها تمس السواد الأعظم من النساء في العالم ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمشكلة التخلف التي يعود وجودها أساساً إلى نظام اقتصادي عالمي مجحف، وتحقيق المساواة يستلزم المساواة في فرص الحصول على الموارد وسلطة الاشتراك على قدم المساواة وبفاعلية في توزيعها وفي اتخاذ القرارات على شتى المستويات، ومن ثم يجب التسليم بأن تحقيق المساواة للنساء اللواتي طالما تضررن قد يتطلب القيام بأنشطة تعويضية لتصحيح المظالم المتراكمة». نقلا من "العدوان على المرأة في المؤتمرات الدولية" ص (88).
فأنت ترى _ أخي القارئ _ أنهم يقصدون بالمساواة: المساواة في كل شيء، وهذا باطل كما سيأتي.
بداية مساواة المرأة بالرجل مطلقا
لقد كانت دعوة المساواة منذ أن ظهرت على لسان اليهود تشمل الرجل والمرأة، وكانت المساواة المذكورة كثيراً ما تظهر في الكفريات والإلحاد، وفي تعاطي الفواحش كالزنا وشرب الخمور وغير ذلك، ومن ثم تطورت بعد ذلك إلى المطالبة بمساواتها في خصوصيات الرجال.(1/24)
قال صاحب كتاب "حقوق الإنسان بين الشريعة والقانون" ص (202_203): «لقد تبين لنا من التطور التاريخي لحقوق المرأة أن الغرب دخل الثورة الصناعية والمرأة مضطهدة، وقد تخلى الرجل عن إعالتها، وحرمت من التعليم ومن حق التصرف في مالها، ومن حق الاختيار في الزواج، وأمام حاجتها لإعالة نفسها وحاجة المصانع الجديدة لأيد عاملة رخيصة؛ اضطر الغرب لإخراج المرأة من البيت، وانتهز حاجتها، واستغل فرصة زيادة العرض ليرخص من أجورها، واستغنى أصحاب الأعمال بالمرأة الرخيصة الأجر عن العامل الذي يرفع رأسه، ويطالب بأجر كريم. وحين طالبت المرأة بالمساواة كانت تعني أولاً وبالذات المساواة في الأجور لتأكل وتعيش، ولما لم تتمكن من تحقيق هذه المساواة طالبت بحق الانتخاب ليكون لها صوت يحسب حسابه، ثم طالبت بدخول البرلمان ليكون لها صوت إيجابي في تقرير المساواة، لأن القوانين التي تحكم الجميع يسنها الرجل وحده. ويجب أن نذكر أن فرنسا حتى عهد الجمهورية الرابعة بعد الحرب العالمية الثانية لا تمنح المرأة حق التصرف في مالها إلا بإذن من وليها، في حين منحتها حق ممارسة الدعارة العلنية».
ثم جاءت الأمم المتحدة وبثت دعوة المساواة بين الرجل والمرأة مطلقاً كما سيأتي.
الأمم المتحدة تحمل الدعوة إلى مساواة المرأة بالرجل والرجل بالمرأة
إن قضية تبني المساواة بين الرجال والنساء كانت دعوى أكثر منها تنفيذاً والتزاماً حتى اتجهت الأمم المتحدة إلى تنفيذ ذلك، ففي ديباجة (ميثاق الأمم المتحدة) ما نصه: «نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان، وبكرامة الفرد وقيمته، وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية» نقلا من كتاب "حقوق الإنسان" (203).(1/25)
وبداية هذا التوجه كان في عام 1946م حين أسست الأمم المتحدة (لجنة مركز المرأة) وهذه اللجنة هي هيئة رسمية دولية، تتألف من خمس وأربعين من دول الأعضاء، وهي تجتمع سنوياً لهدف عمل مسودات وتوصيات وتقارير خاصة بالمرأة. نقلا من كتاب "العدوان على المرأة" (52).
وفي عام 1975م عقدت الأمم المتحدة مؤتمراً في المكسيك دعت فيه إلى حرية الإجهاض للمرأة، وإلى الحرية الجنسية للمراهقين والأطفال، وفي عام 1979م عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤتمراً تحت شعار (القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة) وفي عام 1980م عقدت الأمم المتحدة المؤتمر العالمي... بعنوان (المساواة والتنمية والسلم) وهذا هو المؤتمر الثاني الخاص بالمرأة. انظر كتاب "العدوان على المرأة" (54_55) ثم عقد مؤتمر نيروبي في كينيا عام 1985م بعنوان (استراتيجيات التطلع إلى الأمام من أجل تقدم المرأة) ثم كان بعده مؤتمر القاهرة للسكان والتنمية، في عام 1994م وبعده عقد مؤتمر بكين عام 1995م تحت عنوان (المساواة والتنمية والسلم) وفيه وضعت وثيقة تضمنت فيها الدعوة إلى تمتع الرجل والمرأة بجميع الحقوق على قدم المساواة، وتبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة نشر ما في هذه الوثيقة، وطالبت بعدم التحفظ عما في هذه الوثيقة. وفي عام 2000م عقد اجتماع في نيويورك جرى فيه مناقشة ما تحقق من قضايا المرأة بعد مؤتمر بكين الذي عقد عام 1995م.
وقد ذكرت اللجنة الوطنية للمرأة اليمنية في (اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة) ص (98): «أن الجمعية العامة عقدت (43) دورة في مركز الأمم المتحدة للمرأة، وفي عام 2000م، وعقد مؤتمر بعنوان: (المساواة والتنمية والسلام للجنسين في القرن الحادي والعشرين). إلى جانب هذا تعقد الأمم المتحدة المؤتمرات سنوياً مع الأطراف الحكومية والمنظمات غير الحكومية.(1/26)
وقد أسست الأمم المتحدة الهيئات الكثيرة التي تقوم بمهمة المساواة بين الرجل والمرأة، ومن ذلك:
أ- صندوق الأمم المتحدة للسكان.
ب- صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة.
ج- برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
د- المعهد الدولي للبحث والتدريب من أجل النهوض بالمرأة.
ه- جامعة الأمم المتحدة.
و- معهد الأمم المتحدة لبحوث التنمية الاجتماعية.
ز- معهد الأمم المتحدة اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة.
ح- اللجان الاقتصادية لأفريقيا، وأوروبا، وأمريكا اللاتينية، ومنطقة البحر الكاريبي، واللجان الاقتصادية، والاجتماعية لآسيا، والمحيط الهادئ وغربي آسيا، التابعة للأمم المتحدة.
ط- منظمة الأمم المتحدة للطفولة.
ي- مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية والتجارة.
ك- مركز الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (الموئل).
ل- مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
م- منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية.
ن- منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة.
نقلا من كتاب "العدوان على المرأة" (49_50).
فهذه المعلومات كافية في الدلالة على أن قضية إفساد المرأة عن طريق مساواتها بالرجل صارت قضية تنفذ على يد دول كما سبق، فأنى تكون الأمة الإسلامية بعافية؟
الدولة اليمنية تقبل المساواة الديمقراطية
ذكرت اللجنة الوطنية للمرأة في التقرير الوطني عن مستوى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التميز ضد المرأة ص (5) أن اليمن وقَّعت على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة في 31 مايو 1994م، وبدأ تنفيذها في 29يونيو 1994م.
والناظر في الساحة اليمنية؛ يرى أن السعي في تحقيق المساواة بين المرأة والرجل جارية على قدم وساق، فالمرأة في اليمن الآن صارت جندياً وضابطاً وقاضياً ووزيراً ومرشَحاً... وهانحن نسمع في أيامنا هذه بمطالبة تساوي المرأة بالرجل في الدية والميراث، والأيام حبالى بما عند دعاة المساواة، وستلد يوماً.(1/27)
ومما ينبغي أن يُعلم أن دعاة المساواة في اليمن يتكئون على مادتين في الدستور اليمني ليدخلوا من ورائهما ما يشاءون، الأولى: المادة (40) والتي تنص على: المواطنون جميعهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة. الثانية: المادة (31) والتي تنص على: النساء شقائق الرجال، ولهن من الحقوق وعليهن من الواجبات ما تكفله الشريعة، وينص عليه القانون.
تنبيه: تكلمنا على اللجنة الوطنية للمرأة، وبيان انحرافاتها، وبسطنا القول في ذلك في كتابنا "المؤامرة الكبرى على المرأة المسلمة" الجزء الأول، فارجع إليه.
علماء الرافضة الاثني عشرية يفتون بالإباحية
ومما لفت انتباهي إلى عقد هذا العنوان: هو ما عرف به الرافضة من مشابهة دعاة المساواة في الدعوة إلى الإباحية، فقد انتشرت في أوساط الرافضة الاثني عشرية في إيران وغيرها إباحية الزنا واللواط بسبب فتاوى علمائهم الذين لا حرام عندهم ولا محارم ولا حرمات، وها أنا أنقل للقارئ من فتاواهم التي سطرها علماؤهم في كتبهم، وتداولها الناس في مجتمعهم:(1/28)
قال السيد حسين الموسوي _ من علماء النجف _ في كتابه "كشف الأسرار وتبرئة الأئمة الأطهار" ص (91): «وما زالت الأيادي الخفية تعمل وتبث سمومها؛ فقد أصدرت زعامة الحوزة في يومنا هذا تعليمات بوجوب إكثار الفساد والظلم ونشره بين الناس، لأن كثرة الفساد تعجل في خروج المهدي القائم من سردابه، وقد استجاب كثير من الشيعة لذلك، وطبقوا هذه التعليمات، ومارسوا الفساد بكل ألوانه، وكان السيد البروجردي يشرف على تطبيقها في مدينة الثورة في بغداد، فإذا ما مشى رجل في أحد شوارع الثورة فرأى امرأة أعجبته فإنها تستجيب له بابتسامة منه أو إشارة بطرف عينه، ولم تكتف زعامة الحوزة بذلك، بل أرادت تعميم هذا الفساد ليشمل كل أنحاء العراق، ولهذا قاموا باستئجار باصات نقل كبيرة لغرض السياحة والاصطياد في شمال العراق، وقاموا بترعيب العوائل الساكنة في مدن الجنوب بالسفر إلى الشمال، فترى العوائل المسافرة تتكون كل عائلة منها من رجل عجوز وامرأته الطاعنة في السن بثياب رثة، لا يملك أحدهم ثمن وجبة عشاء فضلاً عن نفقات السياحة والاصطياد، وقد اصطحبت كل عائلة معها عدد من الفتيات الجميلات، فإذا ما وصلت القافلة إلى محافظة من المحافظات التي تمر بها وهي: صلاح الدين، تكريت، الموصل، دهوك، أربيل، كركوك حط المسافرون رحلهم فيها أياماً، ثم تبدأ الفتيات بالنزول إلى أسواق تلك المحافظة، فيعرضن أنفسهن على الشباب لتتم الصفقات المحرمة. وأما فترة بقاء العوائل في المصايف فإني أعجز عن وصف ما يجري، إن الغاية من إصدار هذه التعليمات هي نشر الفساد وتدمير البلاد، وأما خروج الإمام الثاني عشر المعروف بالقائم فأنا واثق بأنهم يدركون أن لا وجود لهذا الإمام، فانظروا إلى هذه الأيدي الخبيثة ماذا فعلت وماذا تفعل؟».(1/29)
قلت: هذه الدعوة إلى ارتكاب الفواحش زيادة على إباحة الزنا عن طريق إباحة المتعة وما أدراك ما المتعة، قال حسين الموسوي في المصدر السابق ص (29) وهو يفضح علماء المتعة: «لقد استغلت المتعة أبشع استغلال، وأهينت المرأة شر إهانة، وصار الكثيرون يشبعون رغباتهم الجنسية تحت ستار المتعة وباسم الدين» وذكر رواياتهم التي ينسبونها إلى آل بيت النبوة الأطهار كالباقر وجعفر الصادق والكاظم وغيرهم، وهي أكاذيب عليهم وأباطيل، وذكر من شنائعهم في المتعة في المصدر نفسه ص (35) قال: «ومن مفاسدها إباحة التمتع بالمرأة المحصنة، أي: المتزوجة رغم أنها في عصمة رجل دون علم زوجها، وفي هذه الحالة لا يأمن الأزواج على زوجاتهم، فقد تتزوج المرأة متعة دون علم زوجها الشرعي ودون رضاه، وهذه مفسدة ما بعدها مفسدة» انظر "فروع الكافي" 5/463 "تهذيب الأحكام" 7/554 "الاستبصار" 3/145 وليت شعري ما رأي الرجل وما شعوره إذا كشف أن امرأته التي في عصمته متزوجة من رجل آخر غيره زواج متعة؟!
ومما يدل على أن المتعة زنا ما قاله الموسوي _ أيضاً _ في المصدر السابق ص (36): «إن المتعة ليس فيها إشهاد ولا إعلان ولا رضا ولي أمر المخطوبة».(1/30)
وقال أيضاً ص (37-39): «وكم من متمتع جمع بين المرأة وأمها، وبين المرأة وأختها، وبين المرأة وعمتها أو خالتها وهو لا يدري... إلى أن قال: إن انتشار العمل المتعة جر إلى إعارة الفرج، وإعارة الفرج معناه: أن يعطي الرجل امرأته أو أمته إلى رجل آخر، فيحل له أن يتمتع بها، أو أن يصنع بها ما يريد، فإذا ما أراد رجل ما أن يسافر أودع امرأته عند جاره أو صديقه، أو أي شخص كان يختاره، فيبيح له أن يصنع بها ما يشاء طيلة مدة سفره، والسبب معلوم: حتى يطمئن الزوج على امرأته، لئلا تزني في غيابه، وهناك طريقة ثانية لإعارة الفرج: إذا نزل أحد ضيفاً عند قوم وأرادوا إكرامه فإن صاحب الدار يعير امرأته للضيف طيلة مدة إقامته عندهم، فيحل له منها كل شيء».
وقال في ص (40-41): «زرنا الحوزة القائمة في إيران فوجدنا السادة هناك يبيحون إعارة الفروج، وممن أفتى بإباحة ذلك: السيد لطف الله الصافي وغيره، ولذا فإن موضوع إعارة الفروج منتشر في عموم إيران، واستمر العمل به حتى بعد الإطاحة بالشاه محمد رضا بهلوي ومجيء آية الله العظمى الإمام الخميني الموسوي، وبعد رحيل الإمام الخميني _ أيضاً _ استمر العمل عليه... ومما يؤسف له أن السادة هنا أفتوا بجواز إعارة الفروج، وهناك كثير من العوائل في جنوب العراق وفي بغداد في منطقة الثورة ممن يمارس هذا الفعل، بناء على فتاوى كثير من السادة، منهم السيستاني، والصدر، والشيرازي، والطباطبائي، والبروجردي وغيرهم، وكثير منهم إذا حل ضيفاً عند أحد منهم استعار منه امرأته إذا رآها جميلة، وتبقى مستعارة عنده حتى مغادرته».(1/31)
وقال في ص (44): «ولم يقتصر الأمر على هذا، بل أباحوا اللواطة بالنساء، ورووا أيضاً روايات نسبوها إلى الأئمة سلام الله عليهم... أن إتيان النساء في أدبارهن لم يقل به إلا الشيعة، وبالذات الإمامية الاثنا عشرية، اعلم أن جميع السادة في حوزة النجف والحوزات الأخرى، بل وفي كل مكان يمارسون هذا الفعل، وكان صديقنا الحجة السيد أحمد الوائلي يقول بأنه منذ أن اطلع على هذه الروايات بدأ ممارسة هذا الفعل، وقليلاً ما يأتي امرأة في قبلها».
ولم يقف الفساد المستطير عند هذا، بل تجاوز علماء الرافضة ذلك إلى إباحة فواحش اللواط بالرجال والولدان والنساء، قال صاحب كتاب "لله ثم للتاريخ" ص (44-45): «ولم يكتفوا بإباحية اللواطة بالنساء، بل أباح كثير منهم حتى اللواطة بالذكور وبالذات المردان... وذكر قصة طويلة وفيها: أن شاباً سأل أحد علماء الشيعة أنه يدرس في لندن، قال: وأنا أبقى سنة كاملة هناك، وفي إجازة شهر والزواج متعذر علي، والزنا أنا مبتعد عنه لأنه حرام، فماذا أفعل؟ فقال له المفتي الكبير السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي: يروى عن الإمام جعفر الصادق أنه قال: إذا طال بك السفر فعليك بنكح الذكر... فهذا جواب سؤالك».
وذكر في المصدر السابق أيضاً ص (45-46): «إن هناك سيد من علماء الحوزة مشهور باللواطة، رأى صبياً يمشي مع سيد آخر من علماء الحوزة أيضاً، فسأله: من هذا الصبي الذي معك؟ فأجابه ساخراً: أيها السافل الحقير، أتريد أن آتيك به لتفعل به كذا وكذا، قال: وليس بغريب ولا عجيب، فإن بعض المنظومات التي كنا نقرؤها تنص على ذلك نصاً لا نتيجة له، ألم يقل الناظم: وجائز نكاح الغلام الأمرد».(1/32)
وقال محب الدين عباس الكاظمي في كتابه "سياحة في عالم التشيع، الحوزة العلمية أسرار وخفايا" ص (102) وهو يتحدث عن اللواط والزنا في داخل الحوزات: «فتحس أن هذه الجرائم والرذائل ممارسات عادية، قد أدمن الناس على فعلها، ويمكن إتيانها أو ارتكابها بلا نكير حتى من العلماء، كل الذي يشغل الفقيه من جريمة مثل اللواطة هو: هل الاغتسال منها واجب أم على الأحوط؟! وينفق الكلام وبإفراط في ذكر أمور حتى يخجل القلم من تسطيرها، مثل اللواط بوالد الزوجة أو أختيها أو عمها أو جدها، أو إتيان أمها وخالتها، ومصائب وبلاوي عمت وطمت».
وأخذ الكاظمي يذكر مسائل من كتبهم متعلقة بالزنا بالنساء وبالمحارم وباللواط ومن ذلك قوله: «مسألة (992): إذا تزوج امرأة ثم لاط بأبيها أو أخيها أو ابنها لم تحرم عليه». المرجع "المسائل المنتخبة" للخوئي ص (300). نقلاً من كتاب "سياحة في عالم التشيع" ص (106).
«مسألة (991): إذا لاط البالغ بغلام حرمت على الواطئ أم الموطوء وأخته وبنته ولا يحرمن عليه مع الشك في الدخول، بل مع الظن به أيضاً، كما لا يحرمن إذا كان اللائط غير بالغ، وكان اللائط به بالغاً». المرجع "المسائل المنتخبة" للخوئي (300)
وقال أيضاً في المصدر المذكور ص (107): «ومما تتحقق به الجنابة: الجماع، ويتحقق بدخول الحشفة في القبل أو الدبر من المرأة، وأما في غيرها فالأحوط لزوماً الجمع بين الغسل والوضوء للواطئ والموطوء فيما إذا كانا محدثين الحدث الأصغر وإلا يكتفي بالغسل فقط» "منهاج الصالحين" للخوئي (1/47) مسألة (172).
قال الكاظمي معلقاً: «يعني: أن اللائط والملوط به إذا لاط أحدهما بالآخر وكانا على وضوء قبل اللواطة فليس عليهما إلا الغسل دون الوضوء، وذلك على الأحوط.
هل تخيلت المسألة؟ لوطي متوضئ!! كأنما قد استعد لأداء الصلاة، لا لفعل أداء ما هو من أشنع الموبقات والمنكرات، هكذا يبارك هؤلاء الفقهاء الأمناء على دين المجتمع الفحشاء والمنكر».(1/33)
انظر إلى هذه التفريعات التي تصور جريمة اللواط كأنها مسألة فقهية، وهذا التفريع يدل على الخيانة الكبرى من قبل هؤلاء العلماء الضلال، حيث يصورون للناس أن المهم هو معرفة حكم الاغتسال حينما يرتكب أحدهم جريمة إتيان الذكور، وأما الجريمة فكأنها مباحة لا غبار على إباحتها، وبهذا أكبر من زنادقة الرافضة حرفت الشريعة الإسلامية، وصار دين الرافضة يتنافى مع دين الإسلام.
وبعد ارتكاب هذه الجرائم كلها يعلن علماء الرافضة الاثني عشرية أن الذنوب كلها مغفورة ما دمت أنك تحب الأئمة قال الكاظمي في المصدر المذكور ص (111): «ومع هذا فإن الذنوب كلها مغفورة مهما عظمت أو كثرت، ولا فرق بين الصغائر والكبائر، ألست تحب الأئمة وتعتقد بهم؟ وهل هذا يكفي في النجاة من الله؟ نعم، فإن الأئمة يشفعون لكل محب مهما كان، ومهما عمل من ذنوب، ولن يتركوه يدخل النار،كيف وهو معتقد بولايتهم، ويدين بحبهم ونصرتهم، أليس الإمام علي قسيم الجنة والنار؟ أليس كل داخل إلى الجنة لا بد له من بطاقة من علي؟ وعلي لن يترك واحداً من شيعته إلا وسيعطيه البطاقة المنجية على ما هو عليه من عمل، وهكذا تحول الدين إلى فكرة مجردة عن السلوك الالتزام... إلى أن قال: حدثني قريبي هذا أنه زار صديقاً له من أصدقائه في الخدمة العسكرية يعمل مدرساً، ومن باب إكرام الضيف عرض هذا المدرس على ضيفه عرضاً اقشعر له جلده، قال له: عندي طالب يعجبك جميل جداً. ماذا تقول؟ إذا كنت خائفاً من الذنب فهذا الحمام حاضر نغتسل ثم نذهب من قريب إلى الإمام نزوره، وينتهي كل شيء» "سياحة في عالم التشيع" ص (114).(1/34)
وبقي من هذه القبائح مما لم أذكره الشيء الكثير، وإنا لنرثي للمسلمين الذين ابتلوا بهؤلاء المحللين لما حرم الله، فإلى متى سيضلون يصدقونهم؟ ونحن نعلم أنه يوجد في وسط الرافضة ناس لا يرتضون بشيء من هذه الرذائل ولا يقبلونها، بل يحاربونها، وأقل ما يفعله الناس مع علمائهم الإباحيين: هجرهم والتحذير من قبول فتاواهم ومن القراءة في كتبهم. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
حزب الإخوان المسلمين يتورط في قبول دعوة المساواة الديمقراطية
من المعلوم أن الديمقراطية تقوم على الحرية والمساواة، كما سبق إيضاح ذلك، فلا ديمقراطية إلا بالحرية والمساواة، ألا وإن حزب الإخوان المسلمين ممن قبل الديمقراطية، فها هو مؤسس حزب الإخوان المسلمين حسن البنا _ رحمه الله _ يعلن في خطاب له قبوله الوثائق والعهود الدولية والديمقراطية، فقد قال: «ونعتمد على هذه العهود والمواثيق التي قطعها الحلفاء على أنفسهم، ومنها ميثاق الأطلنطي، وتلك التصريحات والخطب والكلمات والنشرات التي أعلنوا فيها شعوباً وحكومات أنهم يحاربون في سبيل العدالة التحرير، ويريدون نصرة المظلومين، وإنقاذ البشرية من العبودية والاستبداد، وإنشاء عالم جديد يقوم على التعاون وكفالة الحريات والقانون والإنصاف، ونعتمد كذلك على هذا التطور في التفكير العلمي، وهذه اليقظة في الضمير الإنساني» " حسن البنا.. مبادئ وأصول" ص (23).
وقد قام الإخوان المسلمون آنذاك بقيادة مؤسسهم بتأسيسهم حزباً سياسياً منافساً في الانتخابات والمجالس البرلمانية وغير ذلك، ومن اقتناعهم بالدساتير الديمقراطية ما صرح به حسن البنا حيث قال: «إن مؤاخذتهم على الدستور يمكن تغييرها بالطرق التي وضعها الدستور نفسه». نقلا من كتاب "الحصاد المر للإخوان المسلمون في ستين عاما" ص (117).(1/35)
وجاء بعد البنا خلفاؤه على الجماعة: حسن الهضيبي، وعمر التلمساني، ومن بعدهم، وكانوا أصرح من البنا، وأكثر لهجاً بالدعوة إلى الديمقراطية، فافتتان حزب الإخوان بهذا الانحراف في عقر دارهم (مصر) كان سبباً لتفشي هذا الانحراف في فروع حزبهم خارج مصر، كالسودان والأردن والجزائر واليمن، وفي بداية التسعينات أقيمت الوحدة اليمنية عام 1990م وكان من ضمن الاتفاقية قيام نظام ديمقراطي يسمح بالتعددية السياسية، فما كان من الإخوان في اليمن إلا أن أسسوا حزبهم المسمى بـ (التجمع اليمني للإصلاح) وتتابع أفراد القيادة في التسابق إلى قبول مطالب الأحزاب العلمانية، ومطالب أمريكا دمرها الله، فكثرت تنسيقاتهم مع الأحزاب التي كانوا في الأمس يكفرونها، وصاروا يتفاخرون بالديمقراطية، وكثر مدحهم لها، وتفانيهم في الدفاع عنها، حتى فوجئنا بالتصريح من أحد زعماء حزب الإخوان في اليمن قائلا: «فنحن _ والحمد لله _ قد ظهر لأمريكا ولسفاراتها عندنا أننا بشر لسنا وحوشاً، فرضوا عنا، وصرحوا أن لا مانع عندنا _ يعني: أمريكا _ من تولى الإصلاح لزمام السلطة في اليمن». نقلا من كتاب "إلى أين يتجه الإخوان المسلمون في اليمن" ص (73)
وفي بداية التسعينات عقدت منظمة اليونسكو اجتماعاً ضم قادة الأحزاب اليمنية بما فيهم حزب الإخوان، وطالبتهم بالاهتمام بمشاركة المرأة في الأمور السياسية، فما كان من حزب الإخوان إلا أن قبل ذلك، وتفانى في الدعوة إليه، فهل ظهرت لك المساواة؟
ومن الخطر العظيم أن حزب الإخوان المسلمين اتخذ الإسلام سُلماً للوصول إلى الديمقراطية وغيرها من الضلالات، فما أن دخل حزبهم الديمقراطية إلا وأعلن علماؤه أن الديمقراطية شورى إسلامية، وفي الأمس كانوا يقولون: الديمقراطية كفرية وثنية، وهي كذلك، وهكذا جعلوا الإسلام مطية لهم لتحقيق ما يريدون، وقد فضحوا في اليمن، فقد سار العوام يعرفون منهم هذه التلبيسات، فإنا لله وإنا إليه راجعون.(1/36)
بوائق إلحادية من أقوال المرأة العربية الداعية إلى المساواة.
لقد وجدت من بنات المسلمين من تشربت قلوبهن دعوة ملاحدة اليهود والنصارى المساواة والحرية فصرن يتفوهن بكلمات شنيعة وأقوال فضيعة لا تصدر إلا من غير المسلمين ولست هنا بصدد جمع أقوالهن وإنما سأذكر شيئا من ذلك ليعلم القارئ ماذا عملت دعوة المساواة بمن فتنت بها من النساء.
فهذه نوال السعداوي المصرية تقول كما ذكر ذلك صاحب كتاب "ماذا يريدون من المرأة" ص (22): «لماذا لا يكون الإله امرأة؟» تعالى الله عز وجل.
وقال الدكتور العفاني في كتابه "أعلام وأقزام" 2/17: «نوال السعداوي المحادة لله ورسوله القائلة: كون الإله ذكراً انحياز إلى الرجال ضد النساء... هل بعد هذا ردة وزندقة؟... هذه الطاعنة في كل ثوابت ديننا».
وهي القائلة: «إن الزواج في مجتمعنا أصبح نوعاً من البغاء المقنع، لأن الفتاة لا تتزوج برجل تريده وتحبه، فتكون العلاقة بينهما شريفة» "ماذا يريدون من المرأة؟" ص (103).
ولنوال السعداوي أقوال كفرية كثيرة انظرها في كتاب "أعلام وأقزام" 1/444_460 ومن خلال أقوالها تعلم أنها كانت تنهج النهج الماركسي عياذاً بالله.
ومن أقوال غادة السمان قولها: «في ظروف رسمية واجتماعية وفكرية كهذه _ تعني ما عليه المجتمع _ يستحيل نشوء علاقة إنسانية وبناءه بين رجل وامرأة خارج السرير وداخله». "ماذا يريدون من المرأة؟" ص (21).
ومن هؤلاء النسوة هدى شعراوي رئيسة الاتحاد النسائي في مصر آنذاك، فقد قال عنها محمد بن إسماعيل المقدم في كتابه "عودة الحجاب" 1/114: «وطالبت هدى شعراوي في المؤتمر الثاني عشر للاتحاد النسائي الدولي في مدينة (استانبول) 18 أبريل 1935م بإزالة الفوارق الجنسية والدينية بين الشعوب».(1/37)
وقال المقدم _ أيضاً _ في المصدر المذكور وهو يتحدث عن مؤتمر إتحاد النساء في مصر: «ثم في نهاية القرارات اقتراح تقديم طلب بواسطة رئيسة المؤتمر إلى المجتمع اللغوي في القاهرة، والمجامع العلمية العربية بأن تحذف نون النسوة من اللغة العربية».
ومن أقوال فاطمة المرنيسي: «وحيث يرى الله _ عز وجل _ أن المرأة عنصر هدام فيقتضي الأمر عزلها مكانياً، وإبعادها عن كل الأمور باستثناء تلك الخاصة بالأسرة». نقلاً من كتاب "ماذا يريدون من المرأة؟" ص (58).
وقالت إحداهن: «سأحارب تحت كل سماء، ضد كل الشرائع والتقاليد التي ارتضاها المجتمع، لأنه باسمها أنكر علي حق الحياة تحت سماء بلادي» اهـ نقلاً من كتاب "ماذا يريدون من المرأة" ص (116) لعبد السلام بسيوني.
وقد استنكرت رشيدة بنت مسعود المغربية، وإلهام الفلسطينية على الله _ عز وجل _ ذكره للإناث بصيغة النكرة، والذكور بصيغة المعرفة في الآية الكريمة: {يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور} وكان هذا منهما في المؤتمر الدولي في العاصمة اليمنية صنعاء عام 1999م.
وقالت إحدى هؤلاء الحقوقيات: «بدأت أحلم بعالم آخر لا يشطب فيه أحد على أسماء الأمهات، ولا أحد يسألني من أبوك، وما دينك، وما جنسك، أو جنسيتك؟) "أعلام وأقزام" (1/451).
وقالت إحدى اليمنيات بعدما رجعت من مؤتمر المرأة في بكين: «استفيقوا يا علماءنا، وافتحوا الباب قبل أن ينكسر...» نقلاً من كتاب "إلى أين يتجه الإخوان في اليمن؟" ص (72).
فانظر ماذا صنعت دعوة المساواة والحرية بهؤلاء النسوة وأمثالهن، فمن يأمن على نفسه من غوائل دعوة المساواة؟
وإني لأدعو جميع هؤلاء النساء إلى التوبة إلى الله قبل أن يندمن ولا ينفع الندم، فتكفي الفضائح عليهن في الدنيا، وتسجيل ذلك في التاريخ، ولعذاب الآخرة أخزى.
الفصل الثاني:
أقسام المساواة
القسم الأول: مساواة المؤمنين بالكافرين فيما عليه الكافرون(1/38)
مساواة المؤمنين بالكافرين في الكفر والإلحاد
من المهم أن يُعلم المسلم أن المساواة الديمقراطية تسوية بالعلمانيين، ومعنى عَلمانية بفتح العين: لا دينية. عرفها بذلك أصحاب معاجم اللغة والألقاب. انظر المعجم الوسيط (2/624) والرائد (2/1047).
وقال أصحاب "الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة" (2/689): (العلمانية وترجمتها الصحيحة: اللادينية، أو الدنيوية).
وملة العلمانية الديمقراطية فلا تقوم إلا بها، قال صاحب كتاب "الديمقراطية والعلمانية في التجربة الغربية" ص (74): «فلا ديمقراطية بلا علمانية».
وقال أيضاً في (69_70): «والبعض يقول باستحالة الديمقراطية إلا مقرونة بالعلمانية، فيرون أن الأفكار هي التي جاءت بالديمقراطية، وأن العلمانية هي التي جاءت بالديمقراطية».
ويقول صاحب كتاب "الديمقراطية بين العلمانية والإسلام" ص(25): «فالديمقراطية لا يمكن أن تكون تجربة سياسية دون أساس فلسفي معرفي، يتأسس على علمانية العقل والمجتمع».
وقال صاحب كتاب "الموسوعة الميسرة" (2/689): «ومدلول العلمانية المتفق عليه يعني: عزل الدين عن الدولة، وحياة المجتمع وإبقاءه (أي: الدين) حبيساً في ضمير الفرد».
فالعلمانية لا تقبل دين الإسلام، حتى وإن وضع في دساتير العلمانية (دين الدولة الإسلام) فهو من باب ذر الرماد على العيون، فإذا سنحت الفرصة أُلغيت هذه المادة، وعلى سبيل المثال ما ذكره البسيوني في كتابه "ماذا يريدون من المرأة؟" ص (119) قائلاً: «فقد صدر القانون التركي العلماني يصحح الزواج بين مختلفي الدين رغم اعترافه بأن دين الدولة الرسمي هو الإسلام حتى عام 1924م، ثم ألغي النص على أن الإسلام دين الدولة عام 1928م»
وللعلمانية في بلاد المسلمين قواعد، ومن أشهرها الآتي:
1- فصل الدين عن الدولة، ولقد قال العلماء: «فصل الدين عن السياسة هدم لمعظم حقائق الدين، ولا يقدم عليه المسلمون إلا بعد أن يكونوا غير مسلمين».(1/39)
2- الدين لله والوطن للجميع.
3- الرأي والرأي الآخر.
4- لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين.
5- الحكم للأكثرية.
وقد يغتر من لم يفهم كلام هؤلاء بقولهم: الدين لله، ويظن أنهم يريدون بذلك السماح للمسلمين بإقامة الإسلام، وليس الأمر كذلك، وإنما مرادهم بالدين: الصلاة، والصيام، والحج فقط، فهم يتظاهرون بأنهم لا يمنعون المسلمين من أداء هذه العبادات، وكونهم يتركون المجال للمسلمين يؤدون هذه العبادات؛ ليتدرجوا بدعوتهم المسلمين لما ما هم عليه، لا لأنهم قد قبلوا هذه العبادات وارتضوا ببقائها.(1/40)
وعلى كل: من دعا إلى فصل الإسلام عن الدولة فقد ارتد عن الإسلام، وتبوأ الكفر قال تعالى: {إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً أولئك هم الكافرون حقا} النساء، وقال تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} البقرة، ومقرر _ أيضاً _ في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وفي الاتفاقيات الدولية، وفي اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة: أن الديمقراطية تقوم على حرية الاعتقاد والدين، وليست رغبتهم أبداً في أن يبقى المسلم على إسلامه، فلو كان مرادهم هذا فلم طالبو بفصل الإسلام عن الدولة، ولمَ قالوا بعدم صلاحية شريعة الله لهذا العصر، ولم قالوا: الحدود الشرعية وحشية، والإسلام ظلم المرأة، إلى غير ذلك من بوائقهم الكفرية، فمن خلال هذا الإيضاح يظهر أن المساواة الديمقراطية لا تتحقق في باب الاعتقاد والفكر إلا بالكفر والردة عن الإسلام، فإذا بقي المسلم مسلماً فهو متخلف وشاذ في حكم دعاة المساواة، ولا ريب أن قبول المسلم تسوية المسلم بالكافر والعكس كفر وردة عن الإسلام، لأن الله يقول: {أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون} ويقول سبحانه وتعالى: {أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار} ص.
مساواة المؤمنين بالغرب الكافر في إنشاء الأحزاب العلمانية وغيرها(1/41)
قال صاحب كتاب "قانون حقوق الإنسان" ص (209): «وقد أفرد العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية مادة خاصة للحق في تكوين الجمعيات... ولا شك أن منهج العهد في ذلك راجع إلى أهمية الحق في تكوين الجمعيات بالمفهوم الواسع للكلمة، حيث تشمل الجمعيات ذات النشاط الاجتماعي بشتى صوره، كما تشمل التجمع في صورة أحزاب سياسية، وصحيح أنه لم يرد في الإعلان العالمي أو العهد الدولي تعبير صريح عن الأحزاب السياسية، ولكنه كان مفهوماً عند النص على حرية تكوين الجمعيات أن ذلك يشمل الحق في تشكيل الأحزاب السياسية، باعتباره جمعية ذات طابع سياسي في مجتمع ديمقراطي، وقد اعتبرت المادة (22) من العهد أن إنشاء النقابات صورة من صور إنشاء الجمعيات، فنصت عليها صراحة، واعتبرت إنشاء الأحزاب السياسية داخلاً ضمناً في اصطلاح الجمعية، وهكذا فسر النص. ويعتبر تكوين الجمعيات والأحزاب من أوجه النشاط الهامة في تشكيل المجتمع، وتوجيهه اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، وهذا ما يهم الحكومات».
وقال صاحب كتاب "حقوق الإنسان" (77): «حق تشكيل الأحزاب السياسية... لهذا كانت الأحزاب السياسية من أركان الأنظمة الديمقراطية بالمفهوم الغربي التقليدي، ولا يمكن للديمقراطية أن تتحقق بدون أحزاب سياسية، وذلك لأن الأحزاب السياسية هي التي تقوم بإبراز المبادئ والأهداف الاجتماعية والاقتصادية... وتعد حرية تأليف الأحزاب السياسية من مشتقات حرية الرأي ومن متممات حرية الاجتماع».(1/42)
قلت: ولما كان التحزب ركناً من أركان تنفيذ الديمقراطية بحريتها ومساواتها؛ فرض على الدول الإسلامية أن تنص في دساتيرها على حق تشكيل الأحزاب، وعلى سبيل المثال ما في الدستور اليمني مادة رقم (39): (للمواطنين في عموم الجمهورية... الحق في تنظيم أنفسهم سياسياً ومهنياً ونقابياً، والحق في تكوين المنظمات العلمية والثقافية والاجتماعية، والاتحادات الوطنية، بما يخدم أهداف الدستور، وتضمن الدولة هذا الحق).(1/43)
والشاهد: (الحق في تنظيم أنفسهم سياسياً) وقد بلغت الأحزاب السياسية في اليمن أكثر من أربعين حزباً، ويكفينا من ضرر هذه الأحزاب أنها وأد للأخوة الإسلامية، لأن أفراد الحزب مطالبون أن ينصروا حزبهم، وأن يعادوا من لم يقبل حزبهم، وأيضاً كثيراً ما تعطي هذه الأحزاب ولاءها للغرب، وعلى وجه الخصوص لحامية حمى الديمقراطية (أمريكا) وخطر هذا عليهم عظيم، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم} المائدة، وهذه الأحزاب تقوم سياستها على القوانين الديمقراطية، فهي داخلة في قوله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} والآية الثانية: {فأولئك هم الظالمون} والآية الثالثة: {فأولئك هم الفاسقون} المائدة، وتقوم هذه الأحزاب على أساس التعاون فيما بينها، بغض النظر عن الاختلاف في الدين والعقيدة وغير ذلك، فتلتقي الأحزاب الماركسية الشيوعية وأمثالها مع الأحزاب الإسلامية الضالة جنباً إلى جنب، وهذه الأحزاب تبذل الغالي والنفيس من أجل الوصول إلى سدة الحكم، وتخطب ود من يعينها على ذلك كائناً من كان، وأنا أعتبر هذه الأحزاب بناء دولة داخل دولة، وهي بمثابة ألغام مؤقتة تنفجر في حين من الأحيان، فتصور حال البلاد كيف تكون عند ذلك؟ والمفاسد في هذه الأحزاب كثيرة ليس هذا محل بسطها، ونأسف لما يدندن به بعض الأحزاب الضالة من أن تحزبهم هذا هو من أجل الإسلام، ولا يسعنا إلا أن نقول لهم ما قاله الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «إذا لم تستح فاصنع ما شئت» ولقد بين الله في كتابه تحريم هذه الأحزاب، قال تعالى: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض} الأنعام، وقال تعالى: {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون} الأنعام، فنبرأ إلى الله من(1/44)
التحزبات، وندعو كل مسلم ومسلمة إلى إبعاد نفسه عنها، وندعو إلى إقامة الأخوة الدينية على منهاج النبوة، لأنها أساس جمع كلمة المسلمين بإذن الله.
مساواة المؤمنين بالكافرين في العبادة.
لقد تزعم الدعوة إلى المساواة في العبادة دعاة وحدة الأديان من اليهود والنصارى ومن شاركهم من أئمة الضلال، ومن الأمثلة على هذه المساواة ما حدث في إيطاليا بتاريخ 27/10/1986م أن بابا النصارى صلى بالمسلمين والنصارى صلاة مشتركة، وتكررت الصلاة المشتركة باسم (روح القدس) وكانت هذه أول صلاة يؤم فيها كافر مسلماً وأول صلاة لروح القدس مع الصلاة التي جاء بها الإسلام، وقد أقيمت هذه الصلاة المشتركة في اليابان، وحضرها بعض ممثلي المؤسسات الإسلامية وغيرهم من الأديان، كما أوضحنا هذا في رسالتنا "تبصير الحيارى بمواقف القرضاوي من اليهود والنصارى" ص (44) وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م أقيمت صلاة مشتركة _ أيضاً _ بين النصارى والمسلمين، بدعوى زرع روح التسامح، ونبذ العنف والعنصرية، فإن تهيأت الفرص لإخوان القردة والخنازير توسعوا في المساواة في أداء هذه العبادات، وسعوا إلى أداء غيرها من العبادات، اللهم سلم سلم. وأخشى أن يكون إسلام من صلوا مع النصارى صناعياً.
وعلى كل: الذين صلوا مع النصارى باسم الإسلام أناس جهال لا يعول عليهم.
مساواة القرآن الكريم بالتوراة والإنجيل
مساواة القرآن بالتوراة والإنجيل المحرفتين المنسوختين إحدى الكبر التي يدندن بها دعاة وحدة الأديان من يهود ونصارى ومن وافقهم من ضلال المسلمين، ومن هذه المساواة ما ذكره الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد في كتابه "الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان" ص (30) أنه بتاريخ 10/10/1416هـ أعلن بعضهم عن إصدار كتاب يجمع بين دفتيه القرآن الكريم, والتوراة والإنجيل.(1/45)
وقال صاحب كتاب "دعوة التقريب بين الأديان" (4/1465) وهو يتحدث عن دعاة وحدة الأديان: «وطفقوا يطلقون على التوراة والإنجيل التي بأيدي اليهود والنصارى اليوم مع القرآن العظيم إسم (الكتب السماوية) و(الأسفار المقدسة) و(الوحي) ونحوها من الألقاب والأوصاف التي لا تصدق ولا تنطبق إلا على القرآن» وقال أيضاً (4/1467_1468): «ومن صور مساواة القرآن العظيم بقراطيس أهل الكتاب: الدعوة الظالمة إلى طباعة المصحف الشريف، والعهد القديم، والعهد الجديد في كتاب واحد، بين دفتين، وقد نادى بها _ في أواخر السبعينيات الميلادية مع فكرة مجمع الأديان في سينا _ بعض رواد التقارب والتطبيع مع اليهود، فلم يمهله الله حتى هلك مطلع الثمانينات، ثم أحيا الدعوة إلى طبع القرآن الكريم والتوراة والإنجيل في غلاف واحد».
وقال _ أيضاً _ في المصدر نفسه (4/1470): «من أبشع الصور: التسوية بين كلام الله، وما زعموا أنه من عند الله ما يوجد في بعض محافل التقريب من استهلال الحفل بالقرآن الكريم ثم بالإنجيل، كما جرى في مؤتمر الحوار بين الأديان (سلام للجميع) المنعقد في الخرطوم، في أكتوبر عام 1994م، فقد نص البيان الختامي على استهلال عمل المؤتمر في الجلسة الافتتاحية بتلاوة من القرآن الكريم، وقراءة مباركة من الكتاب المقدس».
وإذا أردت المزيد من هذه الكفريات فارجع إلى المصدر السابق (4/1468_1471).
قلت: هذه الزوبعة لا أثر لها على القرآن الكريم، فهو الكتاب الذي قال الله فيه: {وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} فصلت.
وقال تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} الحجر، ولكن لها أثر الردة عن الإسلام على من اعتقد صحة ذلك.
وقد أوضحنا كثيراً من غوائل الدعوة إلى وحدة الأديان في رسالتنا "تبصير الحيارى بمواقف القرضاوي من اليهود والنصارى" فارجع إليها. والرسالة مطبوعة ومنشورة، والحمد لله.(1/46)
إفساد الكافرين عقول المسلمين مساواة بهم
إن طريقة اليهود والنصارى في إفساد عقول المسلمين متشعبة، والكلام عليها يطول، فقد ادعوا أنهم أوصياء على العالم، خصوصاً العالم الإسلامي، فأصدروا ما يثبت لهم ذلك في نظرهم (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان) فكان هذا الإعلان منطلقاً لدول الغرب الكافر بالدعوة إلى تجميع الشعوب والدول المسلمة والكافرة حولهم باسم الإنسانية، دون اعتبار لأعظم فارق بين إنسانية المسلم وإنسانية الكافر، وأصدرت الأمم المتحدة _ بعد هذا الإعلان _ مواثيق واتفاقيات ومعاهدات دولية كثيرة في ظاهر الأمر أنها تحمي حقوق الإنسان، وأقامت المؤتمرات العالمية المتعلقة بحقوق الإنسان، والمؤتمرات العالمية المعنية بحقوق المرأة، وأسست المنظمات، والهيئات، والوكالات، العالمية والدولية، وفرعوا على الاتفاقيات السابقة اتفاقيات كثيرة، كاتفاقية حقوق الطفل، واتفاقية المساواة في أجور العمال والعقوبات، وتكافؤ الفرص، ووضعت دول الغرب الدساتير الديمقراطية المتضمنة لما في هذه الاتفاقيات والمعاهدات، ومراد الكفار من كل هذه الإعلانات والاتفاقيات والمعاهدات إظهار أنفسهم للناس أنهم هم القائمون بتدبير العالم والمحافظة عليه، وكابروا في دعواهم أنه لم يسبق للعالم بأسره أن تحرر ووصل إلى أعلى مرتقى في التقدم الفكري والعقلي إلا على أيديهم وفي عصرهم، فانغرس _ وللأسف الشديد _ بسبب ذلك في عقول بعض المثقفين المسلمين أن سعادتهم وسعادة العالم مرتبطة ومتحققة بما جاء به الغرب الكافر ودعا إليه، وصار هؤلاء المثقفون يستندون في قضايا المرأة والرجل إلى ما ذكر آنفا، ويطالبون مع شدة إلحاح بالالتزام بالمواثيق والدساتير الغربية, فهذا هو إفساد عقول أبناء المسلمين ممن ارتمى بين أحضانهم، وشرب من مستنقعاتهم، ولا يزال أعداؤنا يواصلون سعيهم في إفساد عقول المسلمين، وذلك عبر بثهم لما يريدون في القنوات والشبكات والإذاعات والتلفزيونات، بل(1/47)
أعدوا لذلك وكالات الأنباء العالمية، ولم يكتفوا بهذا، بل سعت أمريكا إلى فرض الديمقراطية في مناهج التعليم، لغرض أن ينشأ أبناء المسلمين من صغرهم على علوم الغرب، وقد تحقق دمج الديمقراطية في كثير من مناهج الدول الإسلامية، إضافة إلى معاهد اللغات وغيرها، بل هناك سعي من أمريكا إلى إلغاء تعليم الإسلام، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
فقد قال بوش الابن في خطابه الذي ألقاه أمام الكونجرس في 29/1/2003م: «وعلى الرغم من أن الحرب على أفغانستان توشك على نهايتها؛ فإن أمامنا طريقاً طويلاً ينبغي أن نسيره في العديد من الدول العربية والإسلامية، ولن نتوقف إلى أن يصبح كل عربي ومسلم مجرداً من السلاح، وحليق الوجه، وغير متدين، ومسالماً ومحباً لأمريكا، ولا يغطي وجه امرأة» نقلاً من رسالة "تجديد الخطاب الديني بين التأصيل والتحريف" ص (101).
وقال بوش الابن _ أيضاً _ في مفتتح ولايته الثانية أمام مستشاريه: «لا أريد أي حكومة إسلامية في الشرق الأوسط، كفانا ما حل بنا من هذه الحكومات الدكتاتورية التي تستمد بقاءها في الحكم من معاداة أمريكا والدولة الصهيونية، إننا لا يمكن أن نكون أصدقاء لحكومة تحكم باسم الدين الإسلامي، فهم متعصبون ومتزمتون، ويرفضون الانفتاح». "مجلة البيان" عدد (225) الصادر في جمادى الأولى 1427هـ _ يونيو 2006م.
قلت: هذا السعي من بوش وزعماء الغرب يوضح أنهم يحاربون المسلمين انتصاراً للنصرانية، فعلى هذا؛ فدعوتهم الشعوب والدول الإسلامية إلى الحرية والمساواة الديمقراطية ليس إلا شعاراً لهم لجذب المسلمين إلى ما عندهم، فليعلم هذا حكام المسلمين ومحكومهم، وليحافظوا على دينهم، فهم أحق بذلك من محافظة زعماء اليهود والنصارى على يهوديتهم ونصرانيتهم.
المساواة في التعليم(1/48)
يقول المولى تبارك وتعالى: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم} البقرة، ألا وإن مما يريد الأعداء مساواة المسلمين بهم، فهم يحرصون كل الحرص على أن يكون التعليم لأبناء المسلمين على غرار تعليمهم لأبنائهم، إذ أن تعليمهم يقود إلى الإباحية والانحلال عاجلاً وآجلاً. والمساواة في التعليم التي يريدها اليهود والنصارى كالآتي:
1- تقليص المواد الإسلامية عموماً، وحذف المواضيع التي تذم اليهود والنصارى خصوصاً، وإدخال المواد التي تخدمهم ضمن المنهج، كإدخال الديمقراطية وفروعها، وهذا هو الحاصل الآن، ولا حول وقوة إلا بالله العلي العظيم.
ولا تزال أمريكا ساعية إلى تحقيق المساواة المذكورة تحقيقاً شاملاً، بحيث يتساوى التعليم في بلاد المسلمين مع التعليم عندهم أو يقاربه، فقد ذكرت بعض الصحف أن أمريكا قد أعدت لتطوير المناهج ليتحقق لهم ذلك مبلغاً وقدره (270) مليون دولار, وذكر صاحب كتاب "ضحايا بريئة للحرب العالمية على الإرهاب" ص (87) أن صحيفة الوطن القطرية ذكرت أن الولايات المتحدة طلبت إلغاء مناهج التعليم الديني في الوطن العربي، مشيرة إلى أن الطلب الأمريكي يدرس بعناية وجدية في أغلب الدول العربية، وكشفت الصحيفة النقاب عن دراسة أمريكية مطولة قالت: إنها وصلت إلى الجهات المعنية في دول الاتحاد الأوروبي، أعدتها مجموعة من مراكز البحوث التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية، وشارك فيها ثمانية من الباحثين من كبار المتخصصين في دراسات الشرق الأوسط حول الجماعات الإسلامية، ونسبت الصحيفة إلى مصادر أوروبية في العاصمة البريطانية قولها: إن التوصية الرئيسية التي خرجت بها الدراسة تدعو إلى ضرورة إلغاء التعليم الديني في المنطقة العربية، باعتباره الوعاء الذي يتخرج منه الإرهابيون حسب ما أوردته الدراسة بالنص.(1/49)
وهاهي صحيفة الشموع اليمنية في عددها (222) الصادر في 14/2/2004م الموافق 23/12/1424هـ تشير إلى السعي الجاد من قبل أمريكا في إرسال فريق إلى اليمن، من أجل إلغاء ما لا يريدون من التعليم، وهذا نص مقال الصحيفة: «علمت (الشموع) من مصادر مطلعة أن فريقاً أمريكيا سيصل إلى بلادنا في غضون الأيام القادمة، وذلك للإشراف على برنامج لتعديل مناهج التعليم، وخاصة تلك المرتبطة بالمواد الدينية والتربية الوطنية، وقالت هذه المصادر: إن الفريق الأمريكي والذي سيصل إلى بلادنا تحت مسمى (فريق تطوير التعليم) كان قد وضع برنامجاً شاملاً يتضمن مرتكزات إعادة تعديل المناهج والكتب المدرسية، والتي ترى الإدارة الأمريكية أنها تسهم في خلق كراهية لدى المسلمين تجاه اليهود، ويأتي وصول الفريق الأمريكي والذي يعاونه فريق يمني مواز لإنجاز هذه المهمة، بعد أن كانت المرحلة الأولى من البرنامج الذي تم إعداده من قبل خبراء أمريكيين قد تم إنجازها من قبل الفريق اليمني الموازي، والتي شملت _ تحديداً _ كل ما تتضمنه الكتب المدرسية، والتي تدرس في بلادنا للطلاب في مختلف المراحل التعليمية من ما وصف بالشوائب التي تدفع إلى إيجاد مسببات ثقافية وفكرية واعتقادية لدى الطلاب تدفعهم إلى رفض الآخر، وانتهاج سلوك يحض على التطرف والعنف» أ.هـ وقد كان عنوان المقال (للإشراف على تعديل المناهج التعليمية.. فريق أمريكي يصل إلى بلادنا في غضون أيام)(1/50)
وانظر _ أيضاً _ بعض المقولات حول هذا السعي المدمر في كتابنا "المؤامرة الكبرى على المرأة المسلمة " المجلد الأول. وهانحن نسرد بين يدي القارئ مقالاً يثبت حقيقة ما تسنى لهم من إفساد مناهج الدراسة باسم التطوير، قالت مجلة البيان في عددها (211) الصادر في ربيع الأول 1426هـ الموافق إبريل/ مايو 2005م: (أوردت جريدة السياسي القاهرية في عددها 25/5/1993م بعنوان بارز (اليهود والأمريكان.. هل اندسوا في تطوير مناهجنا الدراسي؟) بعض المعلومات البالغة الدلالة، إذ نشرت الفقرات المحذوفة من المناهج، مشيرة إلى أن العملية التطويرية للمناهج التعليمية المصرية قام بها (29) أستاذاً ومستشاراً أمريكياً، بينهم عدد كبير من اليهود، بتمويل من المعونة الأمريكية لمصر) وتطرقت جريدة (السياسي) إلى القول: «إن وزارة التعليم المصرية ألغت كتاب "صور من تاريخ مصر الإسلامية" للصف الخامس الابتدائي، وقررت بدلاً عنه كتاب "تاريخ الفراعنة" بغية غرس القومية الفرعونية عوضاً عن الحضارة العربية الإسلامية، كما ألغي كتاب "الدولة الإسلامية العربية وحضارتها" للصف الثاني الثانوي، وتقرر عوضاً عنه كتاب "تاريخ أوروبا في القرون الوسطى" مع تحريف كتب التاريخ العربي وتاريخ الحضارة الإسلامية، فالله المستعان». وتضيف جريدة (السياسي) قائلة: «هذا، وقد تم حذف اسم (فلسطين) من كافة الكتب التاريخية والجغرافية والمناهج الدراسية في مصر، ليحل محلها اسم (إسرائيل) وفي مادة التاريخ للصف الثاني الإعدادي تم حذف موضوع (الصليبية) وموضوع (جهاد صلاح الدين الأيوبي) و(السلطان قطز ضد المغول والصليبيين) وموضوع (جامعة الدول العربية وقضية فلسطين والصهيونية العالمية) وذلك قبل الامتحان الدراسي بأيام قليلة من عامي 1990_1991م». ثم أضافت المجلة قولها: «ولقد حدثت تعديلات مشابهة في دول عربية أخرى مثل الإمارات والكويت واليمن ولبنان».(1/51)
2- فرض التعليم المختلط على طراز التعليم في أمريكا وغيرها من دول الكفر، وقد مكروا بالمسلمين مكراً كباراً، وجعلوا هذا من أهم ما تقوم به منظماتهم التنصيرية التي تجوب بلاد المسلمين باسم المشاريع، وتتوصل إلى أمور المسلمين الخاصة ناهيك عن العامة، وقد تعاون مع المنظمات ودولها العلمانيون الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، وساعدهم على ذلك من فساق المسلمين من أحزاب ومدرسين ومدرسات. فلا حول ولا قوة إلا بالله».
3- جعل الرجال يُدَرِّسون النساء والنساء يُدرِّسن الرجال، ولا تسأل عما يحصل بسبب ذلك. وخلاصة المساواة في التعليم: أنه إفساد للنشئ الطاهر، وسلخه من الإسلام شيئاً فشيئاً، وذلك بغرس ما يضاد الإسلام، فإذا لم يحافظ المسلمون على هذه الفطر الطاهرة السليمة فعلى ماذا سيحافظون؟! فما أعظم هذا التفريط الذي حذر منه الرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من عبد يسترعيه الله رعيته يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة» رواه البخاري رقم (7150) ومسلم رقم (142) واللفظ له عن معقل بن يسار، ألا فلنستجب للرسول - صلى الله عليه وسلم - حيث يقول: «كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها» رواه البخاري رقم (893) واللفظ له، ومسلم رقم (1829) عن ابن عمر.
المساواة في إفساد اللسان العربي
قال الرئيس الأمريكي الأسبق كلينتون كما في رسالة "هويتنا أو الهاوية" ص (45): «إن أمريكا بأن قيمها صالحة لكل الجنس البشري، وإننا نستشعر أن علينا التزاماً مقدساً لتحويل العالم إلى صورتنا» ألا وإن من أعظم تحويل المسلمين إلى ما عليه الكافرون: نشر تعليم لغتهم لأبناء المسلمين من أجل أن يحولوا إلى ناطقين بلغات الأعداء، وقد عظم الخطب في إفساد ألسنة كثير من أبناء المسلمين بسبب الآتي:(1/52)
1- كثرة المدارس والمعاهد التابعة للكفار في بلاد المسلمين، كالمدارس والمعاهد الأمريكية والفرنسية والبريطانية التي تدرس أبناء المسلمين لغتهم.
2- قيام العلمانيين بالقضاء على اللغة العربية، ومن ذلك أن مصطفى أتاتورك أصدر قراراً عام 1928م باستبدال اللغة العربية بالحروف اللاتينية، بل إن مصطفى كمال أمر بعد ذلك بتصفية اللغة التركية من الكلمات العربية، وعقد لهذا الغرض عدة مؤتمرات، انتهت بإخراج عدد (13.650) كلمة عربية، وحلت محلها بدائل تركية أو أوروبية. "التدابير الواقية من التشبه بالكفار" 1/167
3- محاربة اللغة بالأساليب الآتية:
أ- طرد اللغة العربية في مجال التدريس لأبناء المسلمين، وإحلال لغة الأعداء في مراحل التعليم المختلفة.
ب- التقليل من حصص الدين واللغة العربية في المناهج التعليمية لدى المسلمين.
ج- تفضيل مدرسي لغات الكفار على مدرسي اللغة العربية في الوظائف والمنح والمرتبات.
د- إبعاد مدرس الدين واللغة العربية من المناصب الإدارية والتوجيهية في المدارس. "المصدر السابق" 1/122
ه- إحلال اللغة العامية محل اللغة العربية الفصيحة في التدريس وغيره.
ألا ولتعلموا معشر المسلمين أهمية المحافظة على اللغة العربية تعلماً وتعليماً ونطقاً، قال شيخ الإسلام ابن تيمية _ رحمه الله _ تعالى في "اقتضاء الصراط المستقيم" ص (206_207): «واعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيراً قوياً بيناً, ويؤثر _ أيضاً _ في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين، ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق، وأيضاً فإن نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب، فإن فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب».(1/53)
وقال بكر بن عبد الله أبو زيد في كتابه "المدارس العالمية الأجنبية الاستعمارية" ص (55_56): «فإنه إذا حيل بين المسلم ولغته لغة القرآن تم العزل له بطبيعة الحال عن إسلامه وأمجاده وحضارته، وأول ما ينزع منه اعتقاده في كتاب ربه (القرآن العظيم) الذي نزل بلسان عربي مبين، على خاتم الأنبياء والمرسلين ليكون نذيراً للعالمين».
قلت: ما كان للأعداء أن يتآمروا على اللغة العربية إلا لمعرفتهم بأنها شعار الإسلام والقرآن، وكفى بهذا عظمة لها، واحتياجاً إليها.
مساواة المؤمنين بالكافرين في تبديل الحدود الشرعية بالقوانين الديمقراطية
لقد ألغت الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وكذا القوانين الوضعية والدساتير البشرية إقامة الحدود الشرعية على الجناة، واستبدلتها بعقوبات وضعتها البشرية، منطلقين في ذلك من مبدأ الحرية والمساواة، فجردوا القوانين عن كل ما يمس العقائد والأخلاق والدين، يقول عبد القادر عودة في كتابه "التشريع الجنائي الإسلامي" (1/334): «ولقد أوقع المشرعين الوضعيين في هذا الخطأ الفاحش أنهم أرادوا أن يحققوا المساواة، ويطبقوا مبدأ حرية الاعتقاد، فلم يروا وسيلة لتطبيق هذين المبدأين معاً إلا أن يجردوا القانون من كل ما يمس العقائد والأخلاق والأديان، فأدى بهم هذا التطبيق السيئ إلى هذه النتائج المحزنة».
وهاك من الأدلة الدالة _ من اتفاقياتهم وقوانينهم _ ما يدل على إلغاء هذه الحدود: نصت المادة (15) من الاتفاقية الدولية في شأن الحقوق المدنية والسياسية: (لا يجوز إدانة أحد بجريمة جنائية نتيجة عمل، أو امتناع عن عمل، ما لم يشكل ارتكابه جريمة جنائية بموجب القانون الوطني أو الدولي، كما لا يجوز توقيع عقوبة أشد من العقوبة واجبة التطبيق في وقت ارتكابه الجريمة، ويستفيد المتهم من أي نص قانوني يصدر بعد ارتكابه الجريمة إذا جاء متضمناً لعقوبة أخف». "حقوق الإنسان" ص (34).(1/54)
فالمادة المذكورة قيدت أن لا جريمة إلا إذا حكم القانون بأنها جريمة، وهذا القيد فيه إلغاء العقوبات على كل الجرائم التي جاءت بها الشريعة الإسلامية، بدعوى أن القانون لا يعتبرها جرائم.
ومن الأمثلة الدالة على استبدال الحدود الشرعية بغيرها ما قاله عبد القادر عوده في كتابه "التشريع الجنائي في الإسلام" (1/638_639): «وتعاقب القوانين الوضعية على الزنا بالحبس، وهو عقوبة لا تؤلم الزاني إيلاماً يحمله على هجر اللذة التي يتوقعها من وراء الجريمة، ولا تثير فيه من العوامل النفسية المضادة ما يصرف العوامل النفسية الداعية إلى الجريمة أو يكبتها».
ومن ذلك _ أيضاً _ ما قاله في المصدر السابق (1/653): «وتجعل القوانين الحبس عقوبة للسرقة». فانظر كيف استبدلت عقوبة الزنا من رجم وجلد بالحبس، واستبدلت عقوبة السرقة القطع لليد بالحبس أيضاً.
ولا عقوبة على من ارتد عن الإسلام، لأنه حر في دينه وعقيدته حسب قوانين الديمقراطية كما سبق بيانه، مع العلم أن عقوبة المرتد في الشريعة الإسلامية هي القتل.
ولا يخفاك أن ترك إقامة الحدود الشرعية على أهلها قد صارت في دساتير بعض الدول الإسلامية ويحكم بها، وبهذا تعلم أن الديمقراطية وضعت في بلاد المسلمين بديلة عن الإسلام في كل مجال، ومن ذلك أنها بديلة عنه في القصاص والحدود وغير ذلك.(1/55)
إذاً فحقيقة هذه المساواة والحرية: المحافظة على أرباب الجرائم، حتى لا ينزل بهم ما يستحقونه من العقوبات الشرعية، وبهذه المحافظة عليهم تزيد الجرائم يوماً بعد يوم، ويكثر أهلها، وينتج عن ذلك عصابات الزناة، وعصابات السراق والسكارى والسحرة والمنجمين، والمنسلخين من الإسلام في كل مكان، ولا تسأل بعد وجود هذه العصابات عن حال المجتمعات المسلمة، من انتشار سب الإسلام ومن جاء به، ومن أقامه ودعا إليه، وستسمع الدعوة إلى الانسلاخ منه، والمحاربة لدعاته، ولا تسأل بعد ذلك عن انتهاك الأعراض، وانتشار الزنا واللواط والاغتصاب، والمكر والغدر، والاختطافات وغير ذلك، فلا يبقى أمان لا على الأطفال، ولا على النساء، ولا على الأموال، ولا على الدين، ولا على النفس، وستشاهد المجاهرة بشرب الخمور وبيعها، وتسابق الناس إليها، فهذه يا أخا الإسلام قمة المساواة الديمقراطية التي زينها الشيطان لجنوده، وأغرى بها أتباعه، فما أقبحها من مساواة تعج بالجرائم التي لا تبقي ولا تذر. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان والقرآن وبعثة سيد الأنام، فالشريعة الإسلامية جاءت بالعقوبات على أصحابها حماية لعقيدة المسلمين ودينهم، وصيانة لأموالهم وأعراضهم وأنسابهم، ومحافظة على عقولهم، وتثبيتاً لأمنهم واستقرارهم، وبقاءً لأخوتهم في الدين، وسلامتهم من التناحر والتقاتل، وتقوية لتعاونهم على البر والتقوى، ووقوفهم صفاً واحداً في وجه الفساد، فهل رأيت حياة أزكى وأجمل وأطهر وأنقى وأسلم من الحياة التي جاء بها الإسلام، اللهم عليك بالديمقراطية، اللهم عليك بالديمقراطية. اللهم عليك بالديمقراطية.
المساواة في فاحشة اللواط(1/56)
لقد اشتهر في بلاد الغرب إباحة فواحش اللواط، وهو ما عرف مؤخراً بالشذوذ الجنسي، فقد قالت مجلة المجتمع الكويتية: «الشاذون جنسياً في الغرب باتت لهم مؤسساتهم وجمعياتهم ونواديهم، وعددهم في ازدياد مستمر». نقلا من التحقيق لكتاب الدوري والآجري في ذم اللواط وتحريمه.
وفي المجلة نفسها ما نصه: «الشذوذ الجنسي ينتشر انتشار النار في الهشيم، حتى إنه أصبح أمراً مباحاً قانونياً، ويفتخر به الشاذون جنسياً، في المحافل والمجامع» المصدر السابق ص (18).
ولم يزل الأمر بدعاة فواحش اللواط إلى أن طالبوا بنكاح الرجل بالرجل، كنكاح المرأة، وتحقق لهم ذلك، فقد قامت الدول الغربية المؤيدة نكاح الرجل الرجل بإصدار قوانين تحمي هؤلاء المجرمين.
قال البسيوني في كتابه "ماذا يريدون من المرأة" (36): «اتجهت القوانين أخيراً في الولايات المتحدة وأوربا إلى استباحة تزويج الشواذ بشكل كامل، وتوريثهم، وإقامة النقابات والمؤسسات والنوادي لهم، وبات ذلك مقبولاً بعد تحريم».
وقد صار مأذوناً للرجل أن ينكح الرجل إلى جانب المرأة، وهذا في أمريكا _ دمرها الله _ فقد نشرت بعض الصحف أن هناك (1400) مجموعة تعدد في الزواج بالصورة المذكورة. نقلا من كتاب "ماذا يريدون من المرأة" ص (37).(1/57)
قلت: هذا التحول في هذه الدول هو استجابة لدعوة الحرية والمساواة التي دعت إليها الديمقراطية، ألا ساء ما يعملون. عجباً دعاة المساواة والحرية!! يرون أنهم قد وصلوا بتشريع الحرية والمساواة إلى أعلى ما يرتقي إليه العقل البشري، وأزكى ما يدركه، وهم في الحقيقة في أسفل سافلين، قياساً بمن سبقهم من الأمم الكافرة، لأن لواطة الرجل بالرجل لم تحصل إباحتها في أمة من الأمم، منذ أن وجدت البشرية إلى بعثة سيد الأولين والآخرين محمد - صلى الله عليه وسلم - إلا في قوم لوط، ولم يصل قوم لوط إلى ما وصل إليه دعاة المساواة والحرية، لأن قوم لوط _ عليه السلام _ أخبر الله عنهم بقوله: {أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر} العنكبوت، فأفادت هذه الآية أن قوم لوط لم يكونوا يتناكحون، ويزوج الرجل الرجل، وإنما يجتمعون في مكان معد ليفعلوا المنكر، وأما دعوة الحرية والمساواة فقد شرعت لمرتكبي فواحش اللواط جميع الأحكام المتعلقة بنكاح النساء، من خطبة وعقد ووليمة، والسعي جار في جعل الرجل يحمل كالمرأة، فهذا لم يحصل في أمة قط، إلا في أمة الغرب المنحل في هذا العصر، فهذه حقيقة عقولهم.
والسعي حثيث في بلاد العرب لإقامة هذه الفواحش، بدعوى مساواة العالم العربي والإسلامي بالعالم الغربي المنحل، ومما يدل على السعي في تحقيق ذلك المساواة ما نشر عالمياً عام 1426هـ زواج رجل كويتي بآخر في أحد فنادق القاهرة بمصر، على مرأى ومسمع من الحكومة المصرية. وفي العام المذكور نشرت بعض الصحف أن سته وعشرين شخصاً من الإمارات ألقي القبض عليهم وهم يستعدون لإقامة حفل زواج من بعضهم البعض في أحد الفنادق الإماراتية. فما كان من وزارة الخارجية الأمريكية إلا أن حذرت وهددت من يقوم بعمل ضد المذكورين.
قلت: وهذا الإجرام حقيقة ما يدعو إليه الجندر، وهو مصطلح حادث قريب مضمونه: اكتفاء الرجال بالرجال، والنساء بالنساء.(1/58)
ومن الغريب أن تقام المؤتمرات من أجل هذا الإجرام، فقد أخبرني أحد كبار رجال الدولة في اليمن أنه دعي إلى مؤتمر عقد في مصر، فحضر ممثلاً الدولة اليمنية، فإذا المؤتمر مؤتمر الجندر، قال: فوعدوا بإعطاء الدولة اليمنية مساعدات ضخمة إن قبلت الجندر، فلم تقبل الدولة هذه الدعوة، والحمد لله. فهل أحد يتوقع أن يدار هذا الإجرام بمؤتمراته في دولة عربية؟! كفى الدولة المصرية فضائح، وكفاها مسابقة إلى هذه المخازي التي لا أقبح منها، ولا أفجر ممن يدعون إليها إلا الملاحدة.
ألا وليعلم هؤلاء الأنجاس الأرجاس، الذين انتكست فطرهم، فصاروا أحقر من الحمر والكلاب أنهم ليس لهم في الإسلام إلا القتل والإبادة بأشد أنواعها، قال الله تعالى مبيناً عقوبته لقوم لوط عليه السلام: {فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجين منضود مسومة عند ربك وما هي على الظالمين ببعيد} هود.
وقد أجمع الصحابة على قتل من عمِل عمَل قوم لوط، وللعلماء أقوال في كيفية قتل من ارتكب فاحشة اللواط: فمنهم من قال: يرمى باللوطي من رأس جبل. ومنهم من قال: يسقط عليه جدار. ومنهم من قال: يرمى به من بيت عال. ولقد كان الناس يخافون على بناتهم ونسائهم من الوقوع في الزنا، فيشددون الحراسة عليهن، وأما اليوم فنقول لأولياء الأمور: قوموا _ أيضاً _ بحراسة رجالكم وأبنائكم، وحافظوا عليهم قبل أن تتخطفهم هذه الدعوات الخسيسة، وحذاري من إدخال الدشوش والتلفزيونات إلى البيوت وغيرها، لأنها معدة للدعوة إلى الفواحش، فكم فسد من أناس بسببها.
الدعوة إلى مساواة المؤمنين بالكافرين في استحلال الزنا(1/59)
إباحة الزنا في الغرب يعد من أمهات الحرية والمساواة عندهم، ولهذا ينادون به ليل نهار، في مؤتمراتهم وجرائدهم وصحفهم، ونصوا عليه في دساتيرهم الديمقراطية، حتى صار معلوماً لديهم أن الزنا حرية شخصية، وأهم ما في الأمر التراضي بين الزاني والمزني بها، فإذا حصل التراضي بينهما لم تبق عقوبة عليهما في حكم الديمقراطية.
والزنا بهذه الصورة منتشر في بلاد الغرب، وذائع، ويرونه مفخرة من مفاخرهم، ويسعى زعماء الغرب الكافر _ وعلى وجه الخصوص أمريكا _ إلى التمكين لهذه الرذيلة في بلاد المسلمين، ومساواة الشعوب الإسلامية بشعوبهم المنحلة.
ومما يندى له الجبين أن في دساتير بعض الدول العربية إباحة الزنا بهذه الصورة، قال الدكتور عمر بن سليمان الأشقر في كتابه "الشريعة الإلهية لا القوانين الجاهلية" ص (80): «أما في القوانين الوضعية _ ومنها: قانون العقوبات المصري المأخوذ من القانون الفرنسي، ومن وراءه قانون العقوبات الليبي المأخوذ عن المصري فالفرنسي والإيطالي _ فيجعل الاتصال الجنسي، والمواقعة الفعلية مباحة ما دام لا إكراه فيه، وكان التراضي على اقتراف هذه الجريمة بين ذكر وأنثى».
وقال عبد القادر عوده في كتابه "التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي" (2/346): «ولا يعاقب القانون المصري على الواقع إلا في حالة الاغتصاب، فإن كان بالتراضي فلا عقاب عليه، ما لم يكن الرضا معيباً».
تباً لهذه الدساتير وأهلها، فانظر كيف تمكن اليهود والنصارى من المسلمين؟! حتى بلغت إلى أن يضع حكام المسلمين دساتير تقوم مقام الشريعة، وتبيح ما علم تحريمه بالضرورة من دين المسلمين كالزنا، وهم في هذا تبعاً لليهود والنصارى.
وأما حريتهم هذه فما أتعسها من حرية تهين الأفراد، وتنتهك حقوق الآخرين، فالزناة نالوا أرجس الرذائل، ووصلوا إلى أخبث الخبائث بعد الشرك بالله.(1/60)
وأي حرية هنا وضرر الزنا على المجتمع جسيم؟! فهو يفسد الحياة بأسرها، ويهدمها من أساسها، ألا ترى أن الزنا داع إلى ترك الزواج؟! فإذا حورب الزواج وأهمل ملئت المجتمعات بالرذائل والفضائح، وأيضاً الزنا يفسد النسل بالقتل والإجهاض وغيره، ويفسد الأنساب؛ إذ يوجد أطفال لا يعرفون آباءهم ولا أقرباءهم، ويسبب رفع الأمان والاستقرار، وهو سبب تسلط الأمراض على المجتمعات، وكم في الزنا من عار وشنار وخزي وبوار في الدنيا، ويوم الوقوف بين يدي الجبار، وهو من أعظم أسباب حلول النقم، وزوال النعم، وتسليط الأشرار والكفار على الأخيار، وأي مساواة هنا وأرباب هذه المساواة يرون أن العفاف جريمة، والحياء والشرف منقصة، والطهر والصلاح تخلف وشذوذ؟ فما عند أصحاب هذه المساواة شيء يعتد به، وإنما خسفت بعقولهم ودنست فطرهم، فالله الله في التمسك بالعفاف، والسير على طريق الإصلاح، والبحث عن أسباب الفوز والفلاح.
دعوة المؤمنين إلى مساواة الكافرين في إباحة الخمور
الحرية الديمقراطية لا تعاف الخمر الذي هو أم الكبائر، فهي تدعو إليه باسم أنه شراب روحي وحرية شخصية، وشرب الخمر وبيعه وترويجه في بلاد الكفار أمر معلوم ومشهور، لا يكابر في ذلك أحد، ويباع عندهم كما يباع العصير والماء عندنا، لكن الخطر في سعيهم الحثيث إلى نشر هذه الحرية في بلاد العرب والمسلمين، وصراخهم بمساواة الشعوب العربية والإسلامية بالشعوب الكافرة في شرب الخمر وبيعه وترويجه، بل إن غزو المسلمين بالخمر _ في نظرهم _ أجدى لهم من حربهم بالدبابات والصواريخ والطائرات والمدافع، فقد دعا رئيس التنصير في الوطن العربي المنصرين إلى إفساد العرب قائلا: «كأس وغانية تفعل في الرجل العربي ما لا يفعله ألف مدفع، فأغرقوهم بها» فهذا حلم أعدائنا أن تباح الخمور في بلاد المسلمين كما هي في بلادهم، لتحقق المساواة بهم.(1/61)
ولقد صارت الخمور منتشرة بكثرة في بعض الدول العربية والإسلامية، وبالذات الفنادق وأماكن الرقص والمجون، وأضرب لذلك مثالاً: فقد قال الشيخ أحمد شاكر في كتابه "حكم الجاهلية" ص(50_51): «رأينا في بعض الصحف التي تصف ما لقيت لوكندة (شبرد) من التدمير: أن قبو الفندق كان يحتوي على أكثر من سته وعشرين ألف صندوق من صناديق الويسكي، وقد ضاعت كلها في الحريق، وذلك يعني أن مخزون الويسكي بالفندق زاد على ربع مليون زجاجة، كما يقولون: إن نحو مائة ألف زجاجة شمبانيا قد ذهبت هي الأخرى طعمه للنيران، كما دمرت عدت صناديق من الكونياك المعروف باسم كونياك نابلوين، وعمر الزجاجة الواحدة منه أكثر من سبعين سنة، وكانت إدارة الفندق تحتفظ بهذه الزجاجات، ولا تقدمها إلا لنزلائها من الملوك، فإذا صدق ما قيل من أن المواد الكحولية هي التي ألهبت الحريق، وكانت السبب المباشر للتدمير الشامل؛ فإن ذلك يعني أن حريق (شبرد) قد غذته هذه المشروبات الروحية بأكثر من سبعين ألف جالون من المواد الكحولية الملتهبة». عن جريدة الأساس يوم الأربعاء 17 جمادى الأولى سنة 1371هـ _ 13فبراير 1952م.
قلت: إذا كانت هذه الكمية في فندق واحد فكم ستكون الكميات في الفنادق الأخرى التي ابتليت بهذا المنكر العظيم، وإذا كانت هذه الكميات في الفنادق فما الظن بما عند المستوردين والتجار؟! فكأنما أخذ الموردون للخمور بوصية النصراني المذكورة آنفا.
ومن المعلوم أن الخمور إذا وجدت صاحَبَها الرقص والغناء والزنا، وسب الإسلام، والاعتداء على الأعراض وغير ذلك، فهذه البوائق عند دعاة المساواة من أروع وأرقى المساواة التي يحلمون بها، ومعلوم عند المسلمين تحريم الخمر بالضرورة من الدين، لأنها تفسد العقل الذي هو مناط التكليف، والذي حفظه إحدى الضروريات الخمس، وقد حرم الإسلام الخمر قليلها وكثيرها، حتى لا يتوصل بقليلها إلى كثيرها.(1/62)
مساواة المؤمنين بالكافرين في اكتساب المال بأي طريقة ووسيلة سواء كانت من حرام أم من حلال
من المعلوم أن الديمقراطية تقوم على أربع حريات كما ذكرنا ذلك سابقاً، ومن هذه الحريات: حرية الاقتصاد، فيحق لأي شخص أن يكتسب المال بأي طريقة ووسيلة، سواء كانت من حلال أم من حرام، فالمهم في الديمقراطية أن يكون الفرد رأسمالياً وبرجوازياً كما يقال, هذا هو مفهوم حرية الاقتصاد، فقد جاء في (منظمة العمل الدولية) ما نصه: «بأن العمل ليس سلعة، ويؤكد أنه يحق لجميع بني البشر السعي وراء رخائهم المادي، ونموهم الروحي، في ظل الحرية والكرامة، والأمن الاقتصادي وتكافؤ الفرص، بغض النظر عن العنصر والعقيدة أو الجنس». "حقوق الإنسان بين الشريعة والقانون" ص (166_167).
وإذا نظرت إلى المواد المتعلقة بذلك في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وفي الاتفاقيتين الدوليتين، وفي منظمة العمل الدولية المتعلقة بحقوق العمال؛ وجدتها تطلق للعاملين الحرية والمساواة في اكتساب المال، ولا تقيدها إلا بالقانون، فدل هذا على أن المسلمين مدعوون إلى أن يكتسبوا الأموال ولو من الطرق المحرمة كما يفعل أعداء الله.(1/63)
فهذه هي المساواة التي يريدها لنا الكفار في باب اكتساب الأرزاق، والاكتساب المذكور يجر إلى استخدام كل تصرف مخالف لشرع الله، وعواقب هذا الاكتساب وخيمة جداً في الدنيا والآخرة، بل بعض هذا الحرام كاف في هلاك العباد كما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «إذا ظهر الربا والزنا في قرية فقد حلوا بأنفسهم عذاب الله» رواه الطبراني برقم (460) والحاكم رقم (2316) عن ابن عباس رضي الله عنهما، فكيف إذا تفشّت أبواب الحرام كما يدعو إليه دعاة المساواة؟! فمنهم من سيكتسبه عن طريق تعاطي السحر والتنجيم، وجميع أنواع الدجل والشعوذة، ومنهم من سيكتسبه عن طريق بيع المحرمات كالخمر والخنزير والمخدرات ولعب القمار، ومنهم من سيقبل الوظيفة في الجاسوسية على المسلمين لصالح الكفار، ومنهم من سيقبل مساعدة الكفار المشروط فيها الانحراف عن الإسلام، بل والمحاربة له ولأهله، ومنهم من سيتاجر بأعراض المسلمين، ومنهم من سيقبل القروض الربوية، وأما زيادة سوء المعاملة من بعض المسلمين للبعض الآخر فحدث عنها ولا حرج، وما أكثرها، كأخذ الرشوة، وتعاطي الربا، واستخدام الغش والتزوير والكذب والحلف الكاذب، والسلب والنهب والسرق والاغتصاب وغير ذلك، وكل هذه المذكورات محرمة في ديننا بنص الوحيين.
وقد يقول قائل: هذه المحرمات يتعاطاها عصاة المسلمين من قبل قبولهم دعوة الحرية والمساواة؟(1/64)
أقول: نعم، هذا حاصل، ولكن ليس على جهة الاستباحة لذلك، والدعوة إلى ذلك كما هو حال من قبل دعوة الرأسمالية إلى اكتساب الأموال من كل باب، دون اعتبار لما هو محرم في الإسلام. فيا ويل من تجرهم الرأسمالية الملحدة إلى قبول هذه الطرق المشؤومة، فاتقوا الله معشر المسلمين، فالاكتساب بهذه الطرق والصور من علامات قرب قيام الساعة، فقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بم أخذ المال، أمن حلال أم من حرام» رواه البخاري رقم (2083) وأحمد 2/452 عن أبي هريرة.
مساواة المؤمنين بالكافرين في عدم الختان
الختان مسنون في الشريعة الإسلامية، وقرر غير واحد من العلماء أنه موجود في الديانة اليهودية والنصرانية، إلا أن النصارى تركوه بعد ذلك استجابة لدعوة بولس اليهودي أنه لا ختان عليهم، حتى جاءت المساواة الديمقراطية فتحركت الدعوة إلى تعيير المسلمين بالختان، وجعله جريمة في حقهم، خصوصاً النساء، وطالبوا المسلمين بتركه اقتداءً بهم، واغتر من اغتر بهذه الدعوة ممن يحسبون على الإسلام كنوال السعداوي فقد قالت: «لماذا تحدث عملية ختان الذكور والإناث؟ هل يمكن أن يأمر الله بقطع عضو هو الذي خلقه في جسم المرأة؟ أيمكن أن يقع الله في هذا التناقض، أن يخلق شيئا ثم يأمر بقطعه؟» "أعلام وأقزام" (1/454).
وقالت أيضاً: «أما المشكلات النفسية لختان الذكور فهي متعددة» المصدر السابق (1/455).
والختان في الشريعة الإسلامية من سنن الفطرة، وهو شعار الإسلام، وعنوان الملة، روى البخاري رقم (6297) ومسلم رقم (257) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «الفطرة خمس: الختان...»
ومنافع الختان وفوائده كثيرة، ومنها: عدم تراكم آثار البول الذي يؤدي إلى بطلان الصلاة، ويؤدي عدم الختان طبياً إلى التهاب في الجلد والحشفة.
مساواة المؤمنين بالكافرين في قضايا جزئية مخالفة للشريعة الإسلامية(1/65)
المساواة التي تنادي بها الديمقراطية في دساتيرها وغيرها ليست تاركة شيئاً من الإسلام إلا حاربته، وسعت إلى إلغائه لتحل محله، حتى ولو كانت هذه المسائل جزئية _ كما يقال _ ما دامت من الإسلام، وعلى سبيل المثال:
مساواة المسلم بالكافر في التصويت الانتخابي، فصوت المسلم وصوت الكافر سواء بسواء، وحتى لو كان المسلم في أعلى درجة من الخير كالعلماء والصالحين والدعاة إلى الله فصوتهم متساوي مع أفجر وأظلم كافر في الأرض، فلا فرق بينهما في المساواة الديمقراطية، وشرع الله لا يقبل هذا الظلم العظيم، والمنكر الكبير، قال الله: {أفنجعل المسلمين كالمجرمين مالكم كيف تحكمون} القلم، وهذا عام في المسلمين كافة، فممتنع أن يجعل أي فرد من أفراد المسلمين مساوياً لكفار الأرض جميعاً، بل إن المسلم الواحد أجل عند الله من الكفار جميعاً، فكيف تجعل أصوات من قال الله فيهم: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين} متساوية مع أصوات من يكفرون بالله ورسوله، ويسبونه ويسبون دينه ورسوله؟!
ومن هذه المساواة أيضاً: جعل شهادة المسلم مساوية لشهادة الكافر، ومعلوم في دين الإسلام أنه يشترط في قبول شهادة الشاهد العدالة، والكافر ليس عنده عدالة لبقائه على كفره، بل الإسلام لا يقبل شهادة المسلم الفاسق، فمن باب أولى أن لا يقبل شهادة أفسق الفاسقين، وهم الكفار، قال الله تعالى: {وأشهدوا ذوي عدل منكم} وقال تعالى: {وأقيموا الشهادة بالله} وقال الله تعالى: {ولا تقبلوا لهم شهادة أبد وأولئك هم الفاسقون}النور.
وقد نقل غير واحد من أهل العلم الإجماع على أن شهادة الكافر على المسلم لا تقبل، واستثنى بعض العلماء قبولها منه في السفر إذا مات المسلم ، وليس عنده إلا كافر.
القسم الثاني: مساواة النساء بالرجال في خصائصهم
إن من أعظم ما تقوم عليه وتدعو إليه المساواة الديمقراطية: إعطاء النساء ما خص به الرجال، ومن أجل هذا عقدنا هذا الفصل.(1/66)
مساواة النساء بالرجال في وظائفهم الخاصة بهم
دعوة مساواة النساء بالرجال في وظائفهم الخاصة بهم بلغت عنان السماء، وأقام الأعداء ومن معهم من حمقاء المسلمين الدنيا من أجل ذلك، وهي من جملة المؤامرة الكبرى التي أعدها اليهود لقلب العالم، ومؤخراً تبنتها الأمم المتحدة، وأصدرت قرارها الموجب لذلك عام 1967م، بل أصدرت اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والدعوة إلى مساواة المرأة في أعمال الرجال الخاصة بهم، كالسياسة في الحكم، والقضاء والقيادة والوزارة والرئاسة وغير ذلك، وقد سلك مجرموا المساواة مسلكاً، آخر ألا وهو: أن المرأة تأخذ عمل الرجل، والرجل يأخذ عملها، بحيث يختص الرجال بعمل النساء، والنساء يعملن بعمل الرجال، فالمرأة تعالج الرجال، والرجال يعالجون النساء، والمرأة تعلم الرجال، والرجال يعلمون النساء، والمرأة مديرة للرجال، والرجل مدير للنساء، والرجل قاضي بين النساء، والمرأة قاضية بين الرجال، وهلم جرا.
وعظمت المكابرة في هذه القضية حتى صار إظهار المرأة التي تصل إلى وظيفة تخص الرجال يصرح باسمها، وينشر الخبر في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، ويعلن بأنها قد فازت بكذا وكذا، وتمدح بما لا يجوز أن يمدح به إلا العظماء، وصدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - حينما قال: «إذا لم تستح فاصنع ما شئت» رواه البخاري رقم (3484) وصارت الدول التي تتأخر عن إشراك المرأة ومساواتها بوظائف الرجال الخاصة تحارب بل وتهدد بأنواع من العقوبات من قبل أمريكا وأوروبا والأمم المتحدة.(1/67)
وأعداء الإسلام حينما دعوا إلى هذه المساواة بين الرجال والنساء لم يعتبروا الفوارق الكثيرة الظاهرة بين الجنسين التي تمنع من المساواة كالفوارق من جهة الحمل والولادة والرضاع والحيض والنفاس، والفوارق من جهة الأحوال النفسية والعقلية، فأنى لهم أن يساووا المرأة بالرجل، فهذا كاف في الدلالة على مكابرة الأعداء للحقائق المعلومة لديهم، وعلى عظيم جهلهم بعواقبها، وشناعة ظلمهم للبشرية، ولم ينظروا _ أيضاً _ إلى الأضرار الناجمة بسبب نقل المرأة عن عملها اللائق بها، والذي لا يقدر عليه غيرها إلى عمل آخر لا يتناسب معها، فهي مساواة ضيزى.(1/68)
وأما حكم الإسلام على هذه المساواة وبهذه الطريقة فيحكم عليها بأنها انحراف عن الفطرة، ومكابرة للعقل، ومخالفة لكتاب الله وسنة رسوله فيما جاء به من إعطاء النساء وظائفهن التي بنيت مصالح الأمة عليها، من تربية الأولاد، والمحافظة على البيت، فالدعوة إلى إعطاء النساء الوظائف الخاصة بالرجال لم تتبناها في عصر من العصور منذ أن جاء الإسلام وإلى عصرنا هذا دولة من الدول الإسلامية، ولا حزب من أحزابهم، ولم يكن حاصلاً لا من قبل حكام المسلمين ولا محكومهم، ولا نسائهم القول بأن المرأة المسلمة مظلومة ومحرومة، لأنها لم تصل إلى مشاركة الرجال في وظائفهم، فضلاً عن أن تطلب المرأة المسلمة ذلك، فهذا دليل كاف على أن دعوة مساواة المرأة بالرجل دسيسة على المسلمين، أجنبية عن دينهم، كيف لا؟ ودعوة المساواة لم تلد دعوة وتطبيقاً إلا من قبل الغرب في القرن العشرين الميلادي. وكل ما استدل به دعاة مساواة المرأة بالرجل _ في القضايا المذكورة آنفاً وغيرها _ فهو استدلال خارج عن موطن النزاع، وعن مسلك العلماء والعقلاء في تقرير هذه المسائل، لأن العلماء تكلموا على هذه المسائل بمقتضى الأدلة، لا بمقتضى الفرض الدولي والقهر للشعوب، وجرها إلى الانقياد والخضوع لأعداء الإسلام. فدعوة المساواة لا تطبق الآن من باب الاستجابة فطرياً أو عقلياً أو شرعياً، ولكن من باب الاستجابة دولياً واستعمارياً ومسايرة لإشباع الغرائز الشهوانية من المرأة.
وقد أجبنا عن شبه دعاة المساواة المذكورة في (فصل: الإجابة عن الشبهات).(1/69)
وعلى كل: الدعوة إلى المساواة المذكورة منابذ لأحكام الإسلام المتعلقة بإصلاح أحوال الناس، وهي فتح أبواب الفتن العظيمة المسببة لرفع الأمان والاستقرار، والموقعة في انتهاك الأعراض. ولا يخفاك أن من أعظم أسباب قبول هذه الفتن والسعي في نشرها الجري وراء الدولار واليورو التي يشتري بها أعداؤنا ذمم مروجي هذه الفتن، ولولا هذه الصفقات المالية لما كانت دعوة المساواة ذات شأن.
المساواة في القوامة
ومن الأمور التي تدعو إليها الديمقراطية: مساواة المرأة بالرجل في القوامة، وهذا أمر معلوم في الغرب، ملئت به قوانينهم، قال صاحب كتاب "أحكام الأحوال الشخصية للمسلمين في الغرب" ص (514): «إن الغرب فرغ الزواج من معناه الحقيقي، وجعله رسماً بلا معنى، وصورة بلا روح، وإلا فقولوا لي: بماذا تمتاز الزوجة عن الأجنبية بالنسبة للرجل؟ فالزوجة لا يلزمها في القانون الغربي أن تقدم لزوجها فنجاناً من القهوة، والأجنبية كذلك، ولا يمكن لزوجها أن يجامعها إلا برضاها، والأجنبية كذلك، وليس عليه أن يملي عليها رأيه، والأجنبية كذلك، وليس له أن يمنعها الخروج من البيت، والأجنبية كذلك، وليس له أن يمنعها معاشرة الرجال، والأجنبية كذلك، وليس له أن يمنعها استضافة عشيقها في البيت، والأجنبية كذلك، ولها أن تدعي أن هذا الولد من عشيقها لا من زوجها، فينسب للعشيق، فأين حقوق الزوج في الغرب؟» ثم قال معقباً على هذا: «وكل هذا سببه نظريتهم في المساواة بين الرجل والمرأة، ونظريتهم في احترام الحرية الشخصية».(1/70)
ولا غرابة أن يكون هذا الانحراف في مسألة القوامة في بلاد الغرب، لأنهم قد انحرفوا فيما هو أضر عليهم وأبعد من ذلك، لكن الغريب أن يسلك دعاة المساواة من أبناء المسلمين هذا المسلك، ويهون عليهم ذلك، كما هو حاصل فيهم بكثرة، ومن ذلك ما حصل في اليمن، في المؤتمر الذي عقده مركز البحوث والدراسات النسوية، التابع لكلية الآداب في جامعة صنعاء، وحضره عدد كثير من داخل اليمن وخارجه أن قالت إحدى القائمات على المركز: «نجد القرآن يكرس السلطة للرجل ضد المرأة» تعني بذلك: قوله تعالى:{ الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم } النساء.(1/71)
فدعاة المساواة صوروا أن القوامة التي جاء بها الإسلام استبداد بالمرأة، واستعباد لها وإهانة، وقالوا: لا بد للمرأة أن تحرر من هذا الاستعباد، وكيف تحرر المرأة على حد زعمهم؟ قالوا: بالمساواة بينها وبين زوجها في القوامة. قلنا: لن تتحقق المساواة المزعومة، فإما أن يكون كل واحد له القوامة على الآخر، ويصير حال الزوجين كما قيل: أنت أمير وأنا أمير، وهنا تفسد القوامة، فهي مساواة هدم، وإما أن يترك الرجل القوامة للمرأة، وهنا افتقدت المساواة المطلوبة، وإما أن تبقى القوامة الشرعية التي هي بر ورحمة، وحفظ وعناية بالأسرة، وهذا ما جاء به شرع الله، وصار معلوماً، قال الله تعالى: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} وقال تعالى: {وللرجال عليهن درجة} وجاء من حديث أبي هريرة عند ابن السني في "عمل اليوم والليلة" أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: «كل نفس من بني آدم سيد، فالرجل سيد أهله، والمرأة سيدة بيتها» وجاء عند البخاري برقم (893) واللفظ له ومسلم رقم (1829) من حديث ابن عمر أن رسول الله قال: «كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته... والرجل راع على أهل بيته» إلى غير ذلك من الأدلة، وهذه القوامة مقبولة عقلاً وفطرة، إذ لم يحصل تاريخياً أن النساء رفضن القوامة عليهن من الرجال، وإنما الذي يرفضه الإسلام وترفضه الفطرة والعقل هو استغلال القوامة على المرأة للاعتداء عليها، ولا يجوز أن يكون التقصير في القوامة على المرأة سبيلاً وذريعة إلى إلغاء القوامة التي شرعها العليم الخبير، ودعا إليها من أرسله الله رحمة للعالمين، فقد قال عليه الصلاة والسلام: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» رواه الترمذي رقم (3895) عن عائشة. وقال عليه الصلاة والسلام: «لا يفرك مؤمن مؤمنة؛ إن كره منها خلقاً رضي منها آخر» رواه مسلم (1469) عن أبي هريرة.(1/72)
وروى البخاري رقم (3331) ومسلم رقم (1468) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: «استوصوا بالنساء خيراً ...» وروى ابن ماجه (3678) وابن حبان (1266) والحاكم 1/63 وأحمد 2/439 واللفظ له من حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «اللهم إني أحرج حق الضعيفين: المرأة، واليتيم».
أفبعد هذه الأدلة الدالة على مبلغ الرحمة والبر والإحسان إلى المرأة عن طريق القوامة لها يتجرأ دعاة المساواة من أبناء جلدتنا بإعلان رفضهم القوامة الشرعية، معللين ذلك بأنها استبدادية واستعبادية، قاتلهم الله ما أجرأهم على قلب الحقائق، وما أشنع تعصبهم لما يتلقونه من الغرب، أرأيتم يا معشر دعاة المساواة لو وفقتم ونثرتم الأحاديث السابقة على المجتمع الغربي لغبطوا المرأة المسلمة لما هي عليه من السعادة والتحرر الحقيقي، ولتمنوا أن يكونوا على هذه الحال. وإننا نبرأ إلى الله من أعمال المعتدين على حقوق نسائهم، وكما هو معلوم أن الزوجة لها حقوق كما عليها حقوق، وقد أوضحنا ذلك في كتابنا "المؤامرة الكبرى على المرأة المسلمة" فارجع إليه.
المساواة في ولاية النكاح
نزل في المخطط الدولي في مدونة الأحوال الشخصية إضفاء الاختيارية على حضور ولي أمر المرأة عند الزواج، وقد صار مؤخراًَ سائداً في بلاد الغرب أن ولي المرأة المخطوبة لا يعقد بها، ولكن تذهب المخطوبة إلى المحكمة وتطالب بالزواج بفلان، ويتم العقد لهما بالتراضي بينهما. كما في كتاب "أحكام الأحوال الشخصية" ص (361) فأنت ترى أن دعاة المساواة سعوا إلى إلغاء ولاية النكاح من قبل الأب، أو من يجوز أن تكون له الولاية على المرأة، مساواة بالرجل المريد الزواج، وهذه مصادرة لولاية الأب علانية ومن ينوبه باسم المساواة. وأي مساواة في جعل ولاية النكاح بيد المرأة وسلبها من والدها أو محارمها وأقاربها؟ وقد سرى هذا الداء الخبيث إلى بلاد المسلمين.(1/73)
وعلى كل: يجب على المسلمين أن يحافظوا على ما جاءت به الشريعة الإسلامية من أحكام في ولاية النكاح، فولاية النكاح للرجل دلت عليه الآيات القرآنية والسنة النبوية، روى أحمد (4/413) وأبو داود رقم (2085) والترمذي رقم (1101) وغيرهم عن أبي موسى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «لا نكاح إلا بولي ...» وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل» رواه أحمد (6/66) وأبو داود برقم (2083) والترمذي برقم (1102) وابن ماجه برقم (1879) فهذا الحديث نص في بطلان إنكاح المرأة نفسها بغير إذن وليها.
قال ابن المنذر: «إنه لا يعرف عن الصحابة خلاف ذلك».
قلت: الراجح أنه قول جماهير أهل العلم، وهو الذي صار عليه المسلمون إلى ساعتنا هذه.
المساواة في النسل.
ومن فروع المساواة الديمقراطية: اشتراط توافق الزوجين على حصول النسل، فإذا كانت المرأة لا تريد النسل فليس للزوج عليها إلى ذلك سبيل، بل جعل القانون في الغرب الأمر في النسل بيدها، كما ذكر ذلك صاحب كتاب "أحكام الأحوال الشخصية للمسلمين في الغرب" ص (507).
وهذه المساواة فتحت للنساء باب المحاربة للنسل الذي هو من أعظم مقاصد النكاح، واستمرارية هذه المحاربة تؤدي إلى انقراض البشرية، وهذا ما فوجئ به الغرب، مما حدا بهم إلى تدارك ذلك بالدعوة والتشجيع على كثرة النسل. انظر كتاب "ماذا يريدون من المرأة" (95_100) فقد ذكر حقائق كثيرة حول اهتمام تلك الدول بالنسل. ومن مساوئ جعل النسل بيد المرأة: أن هذا يغرس في قلبها كره النسل، مما قد يؤدي _ لو حصل الحمل _ إلى الإجهاض.
والنسل في دين الإسلام من أعظم مقاصد النكاح، ولهذا حثت السنة المطهرة على الإكثار منه، قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة» عن أنس بن مالك.(1/74)
ولا يجوز تحديد النسل لخوف الجوع والفقر، لأن هذا انحراف في العقيدة، وسوء ظن بالله الرزاق ذي القوة المتين. ويجوز للمرأة أن تستعمل موانع الحمل كالعزل وما ينوب عنه إذا اقتضت الضرورة المعتبرة، وأفتاها أهل العلم بذلك، ويا حبذا _ أيضاً _ لو يستشار ثقات الأطباء والطبيبات من المسلمين في هذا.
المساواة في الطلاق
معنى المساواة في الطلاق: أن يكون الطلاق بيد المرأة كما هو بيد الرجل، بحيث تُطلِّق متى شاءت، إذ أن بقاء الطلاق بيد الرجل في حكم المساواة ظلم وتجبر ضد المرأة، وقد أقرت ذلك المعاهدة الخاصة بالمرأة التي أقرتها الأمم المتحدة عام 1957م بما نصه: (المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق في حالة حل الزواج أو إلغائه أو الانفصال القانوني). نقلا من كتاب "حقوق الإنسان" ص (206) وقد صار هذا معمولا به في بلاد الغرب.
قال صاحب كتاب "أحكام الأحوال الشخصية للمسلمين في الغرب" ص (597): «إن الغرب حسم هذه المسائل، وجعل الطلاق قسماً واحداً، وعلى نمط واحد، سيان فيه رغبة الرجل أم رغبة المرأة، فالطلاق في الغرب لا يقع إلا بقرار من المحكمة بعد طلب يتقدم به أحد الطرفين أو كلاهما، بناء على المادة (1564) من القانون المدني، وهنا قد يظن البعض أن قرار الطلاق قد نزع من يد المرأة كما نزع من يد الرجل ووضع تحت تصرف القاضي، وهذا الظن غير صحيح، فإن الطلاق وضع بيد الرجل والمرأة على السواء، إذ لا يشاء أحد منهما أن يتقدم بطلب للطلاق إلا قبل طلاقه».(1/75)
قلت: لا غريب أن يحصل هذا عند الكفار، فالقوم لا دين لهم يردعهم ولا أخلاق تمنعهم، ولكن الغريب أن هذا الداء يراد استعماله في بلاد العرب والمسلمين، وقد حصل هذا، ففي كتاب "الأخوات المسلمات" ص (83) تقول سيزايا نبراوي: «لما تقدم الفنان/ مصطفى نجيب بالزواج منها قالت: إنها لا تستطيع أن ترتبط بحياة يكون من حق أحد طرفيها فقط أن يتخلى عن التزامه فيها بالطلاق في أي وقت، فتزوجها على أن تكون العصمة في يدها، ولم يدم الزواج أكثر من أربع سنين» والمراد بالعصمة التي تكون بيدها: الطلاق.
وأقول لدعاة المساواة: إن دين الإسلام جعل الطلاق بيد الرجل لحكم عظيمة ليس هذا محل ذكرها أنظرها في كتاب "عودة الحجاب" (2/146_147) للمقدم.
والأدلة على أن الطلاق بيد الرجل كثيرة منها: قوله تعالى: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن} وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن} وجاء من حديث ابن عباس أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنما الطلاق لمن أخذ بالساق» رواه ابن ماجه برقم (2081) وحسنه الألباني. والمسلمون مجمعون على أن الطلاق بيد الرجل، وحتى لو شرطت المرأة حال العقد أن يكون الطلاق بيدها ووافقها الزوج على ذلك؛ فالشرط باطل، روى عبد الرزاق رقم (10508) عن ابن جريج عن عطاء «أن ابن عباس قضى في امرأة أنكحت نفسها رجلاً وأصدقته وشرطت عليه أن الجماع والفرقة بيدها، فقضى لها عليه بالصداق وأن الجماع والفرقة بيده» اهـ. وعن معمر عن الزهري وسئل عن امرأة أنكحت نفسها رجلاً وأصدقت عنه واشترطت عليه أن الفرقة والجماع بيدها فقال: «هذا مردود وهو نكاح لا يحل» ا.هـ رواه عبد الرزاق رقم (10507) وسند الأثرين جيد.
تنبيه: يجوز للرجل أن يخير امرأته في الطلاق بحيث يقول لها: إذا شئت الطلاق فأنت طالق، ويجوز في الإسلام أن المرأة إذا كرهت البقاء مع زوجها أن تخالعه.(1/76)
ولما كانت المساواة في الطلاق تقويض للحياة الزوجية وجد في بلاد الكفار من يدعون إلى عدم الطلاق بالكلية مهما كانت دواعيه، وهذا رد فعل من هؤلاء ضد أولئك، والمسلمون بحمد الله في سلامة من هذا التخبط.
المساواة في الإرث
المساواة التي تدعو إليها الديمقراطية مساواة عامة في كل الأحوال بين الرجل والمرأة، ومن هذه المساواة: المساواة في الإرث، ففي تقرير المؤتمر العالمي عام 1985م المنعقد في نيروبي ما نصه: (ينبغي أن تمنح المرأة الريفية حقوقاً كاملة وفعلية في ملكية الأرض... وينبغي حماية حقوق المرأة العرفية في الأرض والميراث، وينبغي تعديل تنفيذ قوانين المواريث بحيث تستطيع المرأة أن ترث حصة عادلة من المواشي والآلات الزراعية وغيرها من الممتلكات). والشاهد قولهم: (وينبغي تعديل تنفيذ قوانين المواريث بحيث تستطيع المرأة أن ترث حصة عادلة) ولا يزال يقرر هذا ويطالب بتنفيذه. انظر كتاب "العدوان على المرأة" (337).
وقد نصت قوانين الغرب على المساواة في الإرث في مجالات شتى، ومن ذلك الآتي:
فقد نص القانون الفرنسي على توريث الكفار من المسلمين والعكس. انظر كتاب "الميراث العادل في الإسلام" ص (261).
وأجاز القانون الفرنسي توريث أولاد الزنا مع الأولاد الشرعيين بعد رتبتهم. المرجع السابق ص (260)، وقد صار هذا في كثير من قوانين الغرب، انظر كتاب "أحكام الأحوال الشخصية" ص (170).
وذهب القانون الفرنسي إلى توريث ابن الابن مع الابن، وابن الأخ مع الأخ. "الميراث العادل في الإسلام" ص (260).
ومن المساواة _ أيضاً _ المساواة بين الإخوة لأب مع الأشقاء، والإخوة لأم مع الإخوة لأب، قضى بذلك القانون الفرنسي والقانون الروماني. المصدر السابق ص (258).
ومن التسوية في الميراث: التسوية بين الذكور والإناث في القانون الفرنسي أيضاً. المصدر السابق ص (257).(1/77)
وقد حمل الدعوة إلى المساواة في الميراث في بلاد العرب والمسلمين عدد من النصارى ومنهم سلامة موسى. انظر كتاب "المرأة بين الفقه والقانون" ص (219_220).
وقد تكلم أهل العلم على دعوة المساواة في الإرث بين الأولاد الذكور والإناث، وبينوا أنه لا مساواة في ذلك، وأبانوا ضلال من يدعو إلى ذلك، قال العلامة الشنقيطي في "أضواء البيان" (3/309_310): «ومن هدي القرآن للتي هي أقوم تفضيله الذكر على الأنثى في الميراث كما قال تعالى: {وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حض الأنثيين يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم} وقد صرح تعالى في هذه الآية الكريمة أنه يبين لخلقه هذا البيان الذي من جملته تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث لأن لا يضلوا. فمن سوى بينهما فيه فهو ضال قطعاً، ثم بين أنه أعلم بالحكم والمصالح وبكل شيء من خلقه بقوله: {والله بكل شيء عليم}.
ومنهم العلامة أحمد شاكر فقد قال في كتابه "حكم الجاهلية" ص (158): «أما الخارجون على شريعة الله وحدوده، الذين يطالبون بمساواة المرأة بالرجل في الميراث من الجمعيات النسائية الفاجرة المتهتكة، ومن الرجال أو أشباه الرجال الذين يروجون لهذه الدعوة، ويتملقون للنسوة فيما يصدرون ويرددون، فإنما هم خارجون من الإسلام خروج المرتدين، لاتصال ذلك بأصل العقيدة وإنكار التشريع الإسلامي، فيجب على كل مسلم أن يقاومهم ما استطاع وأن يدفع شرهم عن دينه وعن أمته».
تنبيه: توريث الإسلام للنساء ليس على طريق واحد، بل على طرق كثيرة، يُعلم هذا من الآيات والأحاديث الواردة في ذلك، والحكمة من ذلك: مراعاة وضع الوارث، ومدى حاجته، والقرب بينه وبين المورث وغير ذلك، وقد أوضحنا في كتابنا "إعلام النبلاء بأحكام ميراث النساء" ص (51) الحكمة من تضعيف إرث الذكر على الأنثى.(1/78)
تنبيه آخر: قال صاحب كتاب "العدوان على المرأة" ص (418): «إن المرأة في جميع الأمم القديمة قبل الإسلام كانت محرومة من الميراث كلياً إلى أن كانت شريعة الإسلام فقررت للمرأة حقها في الميراث».
المساواة في قسمة المال عند الطلاق
المساواة في قسمة المال عند الطلاق مساواة سيئة، لم تعرف في أمة من أمم الكفار من قبل، فضلاً عن المسلمين، فهي حادثة مستجدة على الغرب؛ قال صاحب كتاب "أحكام الأحوال الشخصية" ص(606_607) وهو يتحدث عن الطلاق في الغرب: «فانقلب الزواج من الموسر أو الموسرة إلى تجارة رابحة، فالموسر إن تزوج بامرأة وصارت شريكة له في ماله وثروته قبل الطلاق وبعده، وحتى لو مات ورثت كل ماله دون أهله وسائر أقاربه».
قلت: وتقاسم الممتلكات حال الطلاق في بلاد المسلمين قد نزلت الدعوة إليه في المخطط الدولي (لمدونة الأحوال الشخصية) كما ذكر صاحب رسالة "المرأة بين موجات التغيير" ص (38): ولهذه المساواة مساوئ كثيرة، ومن ذلك ما ذكره صاحب كتاب "أحكام الأحوال الشخصية" ص (606) قال وهو يتحدث عن أحوال المطلقين: «ومنهم من يقل صبره فيقدم على الانتحار، ومنذ شهر واحد حصل في برلين أن صاحب محل تجاري من المسلمين العرب انتحر بسبب الطلاق، إذ فرضت عليه المحكمة أن يدفع أكثر من نصف مدخوله الشهري لمطلقته وأولاده، كما فرضت عليه أن يتخلى عن محله التجاري حتى يباع وتأخذ مطلقته نصيبها، أي: تقسيم ثروته المالية بينه وبينها على السواء، فلم يستطع تحمل هذا الأمر فأقدم على الانتحار».
وأما أحكام الإسلام المتعلقة بالرجل المطلق فهي كالتالي:
1- يعطي لامرأته ما لها عنده من مال كمهر أو غيره في حالة أن المرأة لم تسقطه عنه بطريقة شرعية.
2- لها النفقة عليه حسب أحكام الشريعة.
3- شرع الإسلام التمتيع للمرأة المطلقة، ورغّب في ذلك ولم يوجبه، فهو راجع إلى كرم المطلق وحسن معاملته، وهو من باب تطييب الخاطر للمرأة.(1/79)
4- أما ممتلكاته حال كونه متزوجاً بها ومطلقاً لها فلا تشاركه طليقته في شيء من ذلك.
المساواة في الدية
تقدم أن ذكرنا أن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة أكدت وشددت على مساواة المرأة بالرجل مطلقاً في جميع الحقوق، فانطلق _ على إثر ذلك _ دعاة المساواة يرفعون عقيرتهم بأنه لا بد من مساواتها مع الرجل في الدية، وساعدهم على ذلك بعض ذوي الأهواء بأن أفتوا أن الأحاديث الواردة في ذلك ضعيفة، والإجماع المنصوص عليه في ذلك منقوض، ووصل الشغب ببعضهم إلى تأليف رسائل في ذلك مناصرة لدعوة المساواة، والمسألة مردها إلى شرع الله وإلى العلماء الموثوق بعلمهم. والقائلون بمساواة المرأة بالرجل في الدية مخالفون لشرع الله، فقد روى النسائي في الكبرى برقم (4819) والدار قطني (3/91) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى تبلغ الثلث من ديتها» قال السندي في شرحه لهذا الحديث: «المرأة تساوي الرجل في الدية فيما كان إلى ثلث الدية، فإذا تجاوزت الثلث وبلغ العقل نصف الدية صارت دية المرأة على النصف من دية الرجل» وجاء عن معاذ بن جبل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «دية المرأة على النصف من دية الرجل» رواه البيهقي (8/95) والحديثان صالحان للتحسين.
وجاء عند الشافعي في الأم (15/160) والبيهقي في "السنن الكبرى" (8/95) وابن أبي شيبة (9/149) رقم (27945) أن عمر _ رضي الله عنه _ قضى بدية المرأة نصف دية الرجل. وهذا الأثر صحح إسناده ابن حجر والألباني وغيرهما.
وجاء عن علي بن أبي طالب عند ابن أبي شيبة (9/149) رقم (27949) والبيهقي في "الكبرى" (8/95_96) بلفظ: «جراحات النساء على النصف من دية الرجل ...» وصححه الألباني في "الإرواء" (11/307)
وعن علي _ أيضاً _ أنه قال لأهل امرأة مقتولة: «إن شئتم فأدوا نصف الدية واقتلوه» أخرجه ابن أبي شيبه (9/146) برقم (27932) وهو صحيح.(1/80)
وصح القول بأن دية المرأة نصف دية الرجل عن ابن شهاب ومكحول وعطاء من التابعين.
وقد نقل إجماع العلماء على أن دية المرأة نصف دية الرجل عشرات من أهل العلم، منهم الشافعي في "الأم"، وابن حزم في "مراتب الإجماع"، وابن عبد البر في "الاستذكار"، وابن هبيرة، وابن رشد، وابن المنذر، والنووي، وأما لفظة: «في نفس المؤمنة مائة من الإبل» فلا تصح عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، أما دعواهم أن الإجماع قد نقض بمخالفة الأصم وابن عليه؛ فمردود، لأنهما معتزليان، ومخالفة أهل البدع والضلال للإجماع لا تنقضه، وهذه الدية تتفق مع العدل ولا تختلف، فإنها ليست قيمة للمرأة، ولكنها تعويض، لأن المرأة ليست هي التي تعول _ غالباً _ الأسرة، وأيضاً مما أعفاها الإسلام منه عدم وجوب الدية عليها إن قتلت خطأ، وإنما على عاقلتها، وأيضاً أعفاها الإسلام عن المشاركة للعاقلة في الدية التي على العاقلة، وكأن القائلين بمساواة المرأة للرجل في الإرث نظروا إلى حال المرأة في الغرب الكافر وما تتحمله من أعباء مالية في النفقة وغيرها فأفتوا حسب حالها فضلوا وأضلوا، ولو أنهم بينوا ما جاء به الإسلام في هذه المسألة لكانوا قد هدوا.
المساواة في اللباس
المطالبة بالمساواة في اللباس يتطلب أمرين:
الأول: مساواة المرأة بالرجل في اللباس، أي: أنه يحق للمرأة أن تلبس اللباس الخاص بالرجال.
الثاني: مساواة لباس المرأة المسلمة بلباس المرأة الكافرة وكذا الرجال، وكلا الأمرين يدعوان المرأة المسلمة إلى ترك الحجاب الشرعي.
وممن طالبت بالمساواة في اللباس: زوجة الهالك مصطفى كمال أتاتورك، قال صاحب رسالة "التطرف العلماني في مواجهة الحجاب" ص (26): «وخرجت زوجة أتاتورك سافرة ترتدي مثل ثياب الرجال وتحرض نساء أنقرة على المطالبة بمساواتهن بالجنس الآخر»(1/81)
وعلى هذا؛ فيحق للمرأة أن تخرج بين الناس حاسرة الرأس، بادية العنق وشيء من الصدر والقميص إلى نصف الساق وإلى الركبة، والأكمام إلى العضد، وهذه المساواة قد صارت منتشرة في بلاد المسلمين، ولا ينكر ذلك إلا مكابر.
وفي بعض الأحايين تظهر هذه المساواة جلياً في الأماكن التي لا تزال الحشمة فيها، فعلى سبيل المثال: اللباس الذي لبسته بنات المدارس في حضرموت حين استقبلن بعض كبار مسئولي اليمن، وهن ما بين شابة وقريب من ذلك، فقد ظهرن بأكمام مقطعة إلى القرب من الكتف ونحورهن، وشيء من صدورهن ظاهرة، نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
أما آداب الإسلام في اللباس فهي آداب رفيعة ومهمة، تميز لباس المرأة من لباس الرجل، ولباس المسلم والمسلمة من لباس الكفار والكافرات، ولباس المرأة يشترط فيه عدم التشبه بالرجال، وفاعلة هذا معرضة نفسها للّعن لقول ابن عباس رضي الله عنه: «لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال» رواه البخاري رقم (5885). ناهيك عما في هذا اللباس من زيادة افتتان الرجال بالمرأة وإفسادها لهم، فعلى المرأة المسلمة أن تحافظ على الآداب الإسلامية في اللباس، بدءاً من حجابها، فلباسها خارج بيتها لا بد أن تتوفر فيه الشروط التي يذكرها العلماء عند كلامهم على حجاب المرأة المسلمة، وقد ذكرناها في رسالتنا "الأخطاء المتعددة في حج المرأة المتبرجة" فلتحرص المرأة على الالتزام بها وبغيرها من الآداب الشرعية، والحمد لله على نعمة الإسلام.
المساواة في الخروج من البيت(1/82)
المقصود بالمساواة هنا: أن تخرج المرأة من البيت متى شاءت، وإلى أين شاءت وترجع متى شاءت، ولو في ساعات متأخرة من الليل كشأن الرجل، فدعاة المساواة صوروا للمرأة _ حال كونها في بيتها _ أنها في سجن، وأنها محرومة من الحرية التي يتمتع بها الرجل في الدخول والخروج والذهاب والمجيء، فأتعس بها من مساواة، أليس الأصل أن أعمال الرجال خارج بيوتهم؟ فلهذا أطلق لهم الخروج لتتحقق مصالحهم الكثيرة، بخلاف المرأة؛ فإن الأصل في أعمالها أن تكون داخل البيت، أليس الرجال يخرجون من أجل طلب الأرزاق في التجارة والأعمال والزراعة والإدارة وغير ذلك؟ فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا؟! فعلى المرأة المسلمة أن ترفض هذه المساواة، ولتطع ربها القائل: {وقرن في بيوتكن} ورسولها عليه الصلاة والسلام القائل: «والمرأة راعية في بيت زوجها» والإسلام لا يمنع من خروج المرأة للحاجة والضرورة بالضوابط الشرعية، كما أوضحنا ذلك في كتابنا "المؤامرة الكبرى على المرأة المسلمة".
المساواة في السفر بدون محرم
ومن ترديات حال المرأة في الغرب الكافر: أنها تسافر حيث شاءت بدون محرم، وما هذا منهم إلا استجابة لدعوة المساواة والحرية، وهنالك الكثير من الدول العربية والإسلامية من صارت فتياتها على هذا المنوال، بل إن بعضهن يفتخرن بذلك، قال صاحب رسالة "التطرف العلماني" ص (26) ناقلاً عن إحدى الفتيات التركيات أنها قالت: (إننا نعيش اليوم مثل نسائكم الإنجليزيات... نرقص وندخن ونسافر وننتقل بغير أزواجنا). وهاهي نوال السعداوي تتنكر لما جاءت به الشريعة من وجوب المحرم للمرأة في السفر فقد قالت: (لماذا لا يحق لنا السفر منفردات دون محارم؟) نقلاً من "أعلام وأقزام" (1/451)(1/83)
قال المقدم في "عودة الحجاب" (3/54) متهجنا بالصنف الذي يسمح بسفر المرأة بدون محرم: «فتباً لهؤلاء المستغربين، وسحقاً سحقاً لعبيد المدنية الزائفة، الذين أطلقوا لبناتهم ونسائهم العنان يسافرن دون محرم، ويخلون بالرجال الأجانب، مدعين أن الظروف تغيرت، وأن ما اكتسبته المرأة من التعليم، وما أخذته من الحرية يجعلها موضع ثقة أبيها وزوجها، فما هذا إلا فكر خبيث، دلف إلينا ليفسد حياتنا، وما هي إلا حجج واهية، ينطق بها الشيطان على ألسنة هؤلاء الذين انعدمت عندهم غيرة الرجولة والشهامة، فضلاً عن كرامة المسلم ونخوته».(1/84)
وقد بلغت المحاربة من قبل المنضمات التنصيرية للمحرمية مبلغاً لا يتوقعه المسلم، وحسبي أن أتحدث عما فعلته المنظمات التنصيرية في اليمن، حيث تقوم المنظمات التنصيرية في اليمن بدورات تدريبية للبنات، وتنقلهن من محافظة إلى محافظة أخرى، ويستمر بقاؤهن في الدورة فترات تتعدى الأسبوع والشهر، بل ذهبت بعض المنظمات ببعض البنات إلى خارج اليمن, ومع هذا كله لا تقبل هذه المنظمات وجود محارم مع هؤلاء الفتيات. وقد أوضحنا هذه المسألة في كتابنا "المؤامرة الكبرى على المرأة لمسلمة" و "الحقائق الكبرى عن منظمتي اليونسكو وأدرى" فيا سبحان الله ماذا عملت انحرافات الغرب ببعض المسلمين كهؤلاء الذين يتركون بناتهم سائبات؟ ومعلوم في دين الإسلام أنه لا يجوز للمرأة أن تسافر بدون محرم لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم» رواه البخاري (1088) ومسلم (1339) عن أبي هريرة، ولأهمية وجود محرم مع المرأة في السفر أنه جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إني اكتتبت في غزوة كذا وكذا وامرأتي حاجّة، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : «ارجع فحج مع امرأتك» رواه البخاري برقم (3061) ومسلم رقم (1341) عن ابن عباس، ومقصود الشريعة الإسلامية من إيجاب المحرم في السفر؛ المحافظة على المرأة، لأنها ضعيفة تحتاج إلى حماية.
مساواة المرأة بالرجل في الإمامة وخطبة الجمعة
ومما جنته دعوة المساواة على بعض المنحرفين: المطالبة بأن تكون المرأة إمامة للرجال في الصلاة وخطيبة للجمعة، وقد حدث هذا بطريق المكابرة أن قامت امرأة أمريكية تدعي أنها مسلمة في العام الماضي 1426هـ الموافق 2005م بإلقاء خطبة الجمعة والإمامة في الصلاة، وذلك في إحدى الكنائس بعد أن منعت من المساجد في أمريكا، وكان هذا الفعل جالباً لغضب المسلمين كافة على هذه المرأة ومن يدعو إلى هذا.(1/85)
وأنت تعلم أن المسلمين منذ أن جاء الإسلام إلى يومنا هذا سائرون على أن الإمامة والخطابة من خصائص الرجال، فما أسهل التغيير والتبديل في الإسلام عند دعاة المساواة، ونزع الله منهم الحياء، فلا تتمعر وجوههم، ولا تتكدر ملامحهم حينما تنطق شفاههم بمثل هذه النعرة، فلن يفلح هؤلاء وهم سائرون ضد الإسلام.
المساواة في عدم العدة.
ومما طرأ على الغرب الكافر: إلغاء العدة مطلقاً في الوفاة والطلاق والخلع، وهذا الإلغاء استجابة لدعوة المساواة الظالمة بين الرجال والنساء، وهذا موجود في القانون الألماني، قال صاحب كتاب "أحكام الأحوال الشخصية" ص (603): «وأما في القانون الألماني فالعدة لم يعد لها وجود بعد أن تقرر إلغاؤها».
وقد أفاد صاحب الكتاب المذكور أن غالب القوانين الألمانية معمول بها في بلاد الغرب، وأفاد كلامه _ أيضاً _ أن العدة كانت في الغرب إلى هذا العصر فألغيت، وإلغاؤهم العدة على المرأة هو من باب المساواة لها بالرجل، ولا مساواة هنا، لأن العدة فرضت على المرأة حقاً لزوجها وبراءة لرحمها، والرجل لا رحم له، وشرعت من أجل أن لا يجتمع ماء واطئين فأكثر في رحم واحد فتختلط الأنساب، وهذا لا وجود له عند الرجل، إلى غير ذلك من الفوارق. وإذا أردت المزيد من بيان الحكمة الإلهية في تشريع العدة على النساء دون الرجال فارجع إلى "إعلام الموقعين" (2/66) لابن القيم.(1/86)
واعلم أن العدة على المرأة أوجبها القرآن في غير ما آية، قال تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} البقرة. وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً...} البقرة. وأوجبتها السنة في غير ما حديث، كقوله عليه الصلاة والسلام: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاث إلا على زوج، فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا» رواه البخاري رقم (5335) ومسلم رقم (1487) عن زينب بنت جحش رضي الله عنها. وقد قام إجماع أهل العلم على وجوب العدة، والعدة على ثلاثة أقسام:
1- عدة طلاق. 2- عدة وفاة. 3- عدة فسخ النكاح.
المساواة في الجماع.
ومن مساوئ المساواة الديمقراطية أن الزوج ليس له أن يجامع زوجته إلا برضاها، وهذه المساواة قد ابتلي بها الغرب الكافر، قال صاحب كتاب "أحكام الأحوال الشخصية للمسلمين في الغرب" ص (495) وهو يتحدث عن هذه القضية: «أثرت نظرية الحرية الشخصية، وتركت بصماتها على الأسرة الغربية، ومن تلك البصمات أن الزوج ليس له أن يجامع زوجته إلا برضاها ...».
أما القوانين فيقول الحقوقي Grziwotz: (المعاشرة الجنسية في الحياة الزوجية يجب أن تكون برضى الطرفين، ولا يحق للرجل أن يغصب امرأته على الجماع، فإن تعدى اعتبر فعله اغتصاباً في نظر القانون يعاقب عليه).
ولا يخفى ما في اشتراط رضى المرأة بمجامعة زوجها لها من فتح باب الزنا للطرفين، خصوصاً في البلاد التي تبيح اتخاذ الأخدان والعشاق كالبلدان الغربية. وأيضاً إعطاء المرأة الرضا في الجماع يفتح باب امتناع المرأة من بذل المرأة لزوجها حقه في الجماع لأدنى سبب، مما يؤدي إلى النزاعات والخصومات الأسرية.(1/87)
وقد حسم الرسول - صلى الله عليه وسلم - هذه المسألة فقال: «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء، لعنتها الملائكة حتى تصبح» رواه البخاري رقم (5193) ومسلم رقم (1436) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وروى مسلم في صحيحه رقم (1436) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها».
وجاء من حديث طلق بن علي رضي الله عنه عند ابن حبان رقم (4165) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا دعا الرجل زوجته لحاجته فلتجبه وإن كانت على التنور» وقد ذهب جماهير الفقهاء إلى أن للزوج أن يطالب زوجته بالوطء متى شاء، إلا عند اعتراض أسباب شرعية مانعة منه كالحيض والنفاس والصيام الواجب والإحرام ونحو ذلك، فإن طالبها به وانتفت الموانع الشرعية؛ وجبت عليها الاستجابة له، بغض النظر كانت راغبة وراضية، أم لا. وللزوجين المراعاة فيما بينهما مما يكون من دواعي صلاح الحياة الزوجية بينهما.
المساواة بين الزوجين في النفقة على البيت والأسرة.(1/88)
قال صاحب كتاب "أحكام الأحوال الشخصية" ص (509) وهو يتحدث عن القانون الألماني: «نصت المادة (1360) من القانون المدني على أن الزوجين معا مكلفين بالإنفاق على الأسرة وتأمين احتياجاتها، سواء من خلال عملهما أو أموالهما الخاصة» فالمساواة الديمقراطية أوجبت النفقة على الزوجة مساواة بالزوج، وهذا الذي في ألمانيا حاصل في بلاد الغرب، قال صاحب كتاب "حقوق الإنسان" ص (220): «فلسفة الغربيين في أن البنت متى بلغت سناً معينه وهو الغالب (17) عاماً لا يجب على أبيها أو أقربائها الإنفاق عليها، بل يجب أن تفتش عن عمل لها تعيش منه وتدخر ما تقدمه بائنة (دوطة) لزوجها المرتقب، فإذا تزوجت كان عليها أن تسهم مع زوجها في نفقات البيت والأولاد، فإذا شاخت وكانت لا تزال قادرة على الكسب وجب عليها أن تستمر في العمل لكسب قوتها، ولو كان ابنها من أغنى الناس».
ثم قال صاحب الكتاب المذكور منتقداً هذه الأحوال السيئة: «إن أهم آثار هذه الفلسفة المادية: أنها خالية من كل تقدير رسالة المرأة الخطيرة في الحياة، وأنها تلقى في أتون شهوات الرجال وشرههم الجنسي لقاء لقمة العيش، وأنها ترهق المرأة من أمرها عسراً، فوق إرهاقها الطبيعي بالحمل والولادة، وأنها تؤدي إلى تفكك الأسرة وتشتت شملها ونشوء الأولاد بعيدين عن مراقبة آبائهم وأمهاتهم».
وجاء في تقرير (مؤتمر القمة العالمي للتنمية الاجتماعية) المنعقد في كوبنهاجن 1415هـ 1995م استحداث وسائل مناسبة لتقدير وإبراز النطاق الكامل لعمل المرأة، وجميع مساهماتها في الاقتصاد الوطني، بما في ذلك مساهماتها في القطاعات غير المدفوعة الأجر والمنزلية. انظر "العدوان على المرأة في المؤتمرات الدولية" ص (305_306).(1/89)
وجاء في تقرير المؤتمر العالمي للأمم المتحدة المنعقد عام 1980م ما نصه: (...على الوالدين واجبات ومسئوليات متساوية في تدريب الأطفال وتربيتهم وفي الواجبات المنزلية) "العدوان على المرأة" ص (185) وهذه المساواة باطلة وفاسدة، ومن أعظم مفاسدها: إبطال قوامة الزوج على زوجته وأولاده، فلا يفرح بعض المغفلين من أبناء جلدتنا بتحمل المرأة النفقة على البيت والأولاد، وعلى المسلمين أن يقوموا بما أوجب الله عليهم من النفقة على الزوجات والأولاد، وسواء كانت الزوجة غنية أم فقيرة، مسلمة أم كتابية، قال تعالى: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} وقال تعالى: {لينفق ذو سعة من سعته} وكذا السنة جاءت بوجوب النفقة عليهن، فقد جاءت هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان رضي الله عنهما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تشتكي شحة زوجها في النفقة فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف» وقام على ذلك الإجماع كما نقله ابن المنذر وابن حزم وغيرهما، وهذه النفقة على حسب قدرة الزوج، قال الله تعالى: {لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها} والنفقة تكون واجبة على الزوج للزوجة متى كانت طائعة لا ناشزة، وإن كانت الزوجة ذات مال فلا يجب عليها أن تنفق على نفسها ولا على زوجها وأولادها، فإن فعلت ذلك من باب التعاون على البر والتقوى فأجرها على الله.
مساواة المرأة الرجل في اكتساب المال عن طريق التجارة وغيرها(1/90)
جاء في قرار (المؤتمر العالمي الرابع للمرأة) المنعقد في بكين عام 1995م ما نصه: (ضمان وصول المرأة على قدم المساواة إلى الموارد الاقتصادية، بما في ذلك الأرض والائتمان والأسواق وغير ذلك ...) نقلا من كتاب "العدوان على المرأة" (338) وليست دعوة المرأة في اكتساب المال عن طريق التجارة وغيرها مقصورة على المؤتمر المذكور، بل لقد دعت الأمم المتحدة إلى ذلك في مؤتمرات أخر. انظر المصدر السابق ص (338-345) وجاء في هذه التقارير الدعوة إلى تسهيل القروض الربوية للمرأة، علماً بأن الربا وبال على صاحبه لأنه من كبائر الذنوب، ومن أسباب تعجيل الله الهلاك لأصحابه قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله} البقرة.(1/91)
والذي جعل الغربيين يدعون المرأة إلى التجارة وغيرها لاكتساب المال هو أن المرأة في بلاد الغرب إذا بلغت سن الشباب لم يبق لها قبول عند أهلها، وإن بقيت عندهم فلتدفع حق الأكل والشرب والمبيت واستخدام الهاتف وغير ذلك، وهي التي تدفع حق الزواج حينما تتزوج، ويجب عليها المشاركة في النفقة على الأولاد وغير ذلك مما ابتليت به المرأة هناك، وهذا في حقها ظلم واعتداء وضياع لها، ولا غرابة أن يحصل لها هذا؛ لأنها تعيش مع كفار افتقدوا الرشد والرحمة والتعاون على البر. أما المرأة المسلمة فهي في عافية من هذا كله، لأن الإسلام قد أعطاها حقوقها والحمد لله، فالمرأة المسلمة على المريد زواجها أن يدفع مهرها فرضاً فرضه الله عليه، وعليه أن يهيئ مطالب الزواج من بيت وأثاث وغير ذلك. والمرأة المسلمة ترث بعد ميتها من أقاربها حسب ما جاءت به الشريعة، وأوجب الله على زوجها النفقة عليها وعلى أولادها، فهي _ بحمد الله _ مكفولة أحسن كفالة، ومصانة في غاية من المحافظة عليها. فما البائسة حقيقة إلا المرأة في بلاد الغرب الكافر، فمطالبة دعاة المساواة من أبناء جلدتنا المرأة المسلمة إلى التوجه إلى اكتساب المال عن طريق التجارة والتعامل بالربا استناداً منهم إلى دعوة الغرب الكافر جهل عظيم بما جاءت به الشريعة الإسلامية من بيان وظائف المرأة وأعمالها الخاصة بها التي تشغلها عن المسابقة للرجل في اكتساب المال، ولسنا نحرم على المرأة أن تكتسب المال الذي لا يتنافى مع وظائفها والقيام بواجبها في حق زوجها وأولادها، ولا يتنافى مع الأحكام الشرعية.
مساواة المرأة بالرجل في اصطناع فرج لها كالرجل(1/92)
ومن أقبح ما أثمرته المساواة: فتح الباب للمرأة الوقحة القيام بعملية جراحية، يتم بموجبها تحويل قبلها إلى ذكر، وقد ظهرت هذه الخساسة في بعض بلاد الغرب، وقد فتنت بهذه الخساسة الغارقات في التقليد للكفار، فسعين إلى تحويل أنوثتهن إلى ذكورة، ومن ذلك ما حصل في العام الجاري 1427هـ 2006م أن ذكرت بعض مواقع (شبكة الإنترنت) من أن أربع نسوة من إحدى الدول العربية قمن بالذهاب إلى إحدى الدول الكافرة، ومن ثم قمن بعملية جراحية، تم بموجبها تحويل أنوثتهن إلى ذكورية، وهناك أخبار في بلاد الخليج من مثل هذه.
المساواة في الرياضة
ومن أنجس المساواة التي تنادي بها الديمقراطية: مساواة النساء بالرجال في الرياضة قال صاحب رسالة "رياضيون يحكون قصصهم" ص (49): «وتحت شعار عدم التمييز بين المرأة والرجل دعا مجلس الشيوخ الفرنسي في أحد اجتماعاته إلى انخراط بنات المسلمين في الرياضة مع الشباب».
وقد أسست منظمة يطلق عليها (منظمة تلانتابلس) بدأت منذ سنوات تدعو إلى إفساد المرأة المسلمة تحت ستار (مشاركة المرأة المسلمة في الرياضة الأولمبية) وذلك عبر شعار محاربة التمييز ضد المرأة في البلدان الإسلامية.
وقد استجابت اللجنة الأولمبية لضغوط (تلانتابلس) ودعت الهيئات الرياضية أن تضمن تمثيل النساء فيها بنسبة 10% بحلول عام 2000م تزاد إلى 20% عام 2005م. المصدر السابق.(1/93)
واتجهت اللجنة الأولمبية إلى القيام بمهام الرياضة النسوية، فقد نشرت جريدة الرياضة اليمنية في عددها (605) الصادرة يوم الأحد 5/رمضان/1423هـ الموافق 10/نوفمبر/2002م عن المحاضر المصري محمود بركات محاضر دولي للجنة الأولمبية الدولي قوله: (إن التضامن الأولمبي حريص كل الحرص على الاهتمام الشديد برياضة المرأة، بدليل أنه خصص لهذا الموضوع برنامجاً كبيراً طويلاً يطالب به كل لجنة أولمبية بالاستفادة من هذا البرنامج في المدى القصير والطويل، والذي بموجبه يتم تطوير مشاركة المرأة في الرياضة كلاعبة ومدربة وإدارية، على المستوى المحلي والإقليمي والقاري والعالمي إذا أمكن).
ولنا رسالة في بيان مفاسد الرياضة النسوية والرد على شبههم بعنوان "التعليقات الذهبية في بيان مفاسد الرياضة النسوية" أوضحنا فيها أن هذه الرياضة دولية فرضتها دول لا صلة لها بما يجوز في الإسلام من رياضة المرأة، فحذار حذار أن ينسب إلى الإسلام ما هو أجنبي عنه وعدو له ودسيسة فيه كالرياضة النسوية وغيرها من بوائق المساواة.
القسم الثالث: مساواة الرجال بالنساء بإنزالهم إلى ما هو من خصائص النساء
عندما أطلق أعداء الإسلام مساواة المرأة بالرجل شمل هذا الإطلاق مساواة الرجل بالمرأة وتضمنه، فلهذا عقدنا هذا الفصل.
المساواة في حضانة الأطفال والقيام بأعمال البيت
جاء في تقرير المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة المنعقد في بكين عام 1416هـ الموافق 1995م ما نصه: (تشجيع الرجل على تحمل نصيبه بالتساوي مع المرأة في رعاية الأطفال والعمل داخل البيت). نقلا من كتاب "العدوان على المرأة" ص (188).(1/94)
وجاء في تقرير (المؤتمر العالمي للبيئة والتنمية) المنعقد عام 1412هـ ما نصه: (ينبغي أن تتخذ الحكومات خطوات نشطة لتنفيذ برامج تشجع على تخفيف عبء العمل الثقيل الذي تقوم به النساء في المنزل وخارجه عن طريق إنشاء مزيد من دور الحضانة ورياض الأطفال وتقسيم الأعمال المنزلية بين الرجال والنساء بالتساوي) المصدر السابق ص (191).
وجاء في تقرير (القمة العالمي للتنمية الاجتماعية) المنعقد في كوبنهاجن عام 1415هـ ما لفظه: (تشجيع الرجل على الاضطلاع بدور نشط في جميع مجالات المسؤولية الأسرية والمنزلية، بما في ذلك المشاركة في تربية الأطفال والأعمال المنزلية) المصدر المذكور أيضا ص (191).
قلت: من المعلوم أن عمل المرأة في البيت لا يقدر على أن يقوم به عدد من الرجال، دعك من رجل واحد، وأيضاً من أعمال البيوت أعمال الرجل ليس مهيئاً لها، وكأني بالمرأة المفتونة بدعوة المساواة قائلة لزوجها: اليوم إصلاح الأكل عليك، وتنظيف المنزل، والانتباه على الأطفال، وأنا سأخرج أتمشى، مع أن دين الإسلام لا يمنع الرجل من تعاونه مع زوجته في أعمال البيت وغيرها، فقد روى البخاري رقم (676) عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت عن مهنة الرسول في بيته فقالت: «كان يكون في مهنة أهله» وعند أحمد (6/121) بلفظ: «يخيط ثوبه ويخصف نعله».(1/95)
فهذا التعاون من باب الرفق بالزوجة، وهو تعاون فيما يحسنه الرجل ويسهل عليه، لكن أين هذا مما تفرضه دعوة المساواة على الأزواج، وتقيم من أجل ذلك المؤتمرات، وإذا لم ينفذ ذلك اعتبر انتهاكاً صارخاً لحقوق المرأة. وبمناسبة هذا نذكر ما جرى في إحدى المدن اليمنية من أن شاباً كان يدرس في الجامعة، وكان غير متزوج، وأمه قد صارت عجوزاً، فقالت له: يا بني سأبحث لك عن فتاة طيبة، وأشارت عليه بفتاة حسنة الأخلاق، فقال: يا أمي أنتِ تعرفي أني جامعي، فلابد أن أتزوج فتاة مثقفة مثلي، وفعلاً بحث له عن فتاة جامعية وتزوجها، فوصلت هذه الفتاة إلى البيت، وانكبت على القراءة في الصحف والمجلات، ومرت الأيام وهي على هذا المنوال، وكان يظن الزوج والأم أن هذا منها سينتهي خلال فترة الزواج، ومن ثم تمارس أعمالها المنزلية، ولكنها استمرت على هذا، مما كان يضطر بالأم إلى أن تقوم بأعمال المنزل كافة، من طبخ للأكل وتنظيف للبيت، فتشاور الابن مع أمه كيف الحل؟ وكيف يجعلان المرأة تقوم بأعمالها هي؟ فما كان من الابن إلا أن قال لأمه: أنا سأخرج إلى خارج البيت، وأنت خذي المكنس واكنسي البيت، فإذا دخلت البيت فسأقول: يا أمي أعطيني المكنس أنا سأكنس أنت كبيرة وأم، وهذا يكون أمام الزوجة، فإذا سمعت زوجتي ذلك فستستحي وسترفض أن نقوم بالأعمال المنزلية أنا وأنت، وفعلاً خرج الشاب، ومن ثم رجع وأمه تكنس، وزوجته جالسة على الكرسي تقرأ صحيفة، فما كان منه إلا أن توجه إلى أمه وقال لها: أعطيني المكنس أنت أمي وصرت كبيرة فسأكنس أنا، وأخذا يتجاذبان المكنس _ الأم وولدها _ علهما بهذا يحرجان الزوجة، فعند ذلك رفعت الزوجة رأسها قليلاً وقالت: ما لكما؟ الأمر سهل، فظن الزوج والأم أن هذه الفتاة قد استحت منهما، وأنها ستقوم بالعمل المنزلي، ولكن المفاجأة أن قالت الزوجة: الأمر سهل، يوم عليك ويوم على أمك.
المساواة في عدم تعدد الزوجات(1/96)
ومن المساواة التي يدعى إليها: مساواة الرجل بالمرأة في عدم التعدد، فدعاة المساواة يقولون: لماذا التعدد مشروعاً للرجل، ممنوعاً على المرأة، فليكن هنالك مساواة بين المرأة والرجل في ذلك، وليكتف كل منهما بالآخر، ويصرخون بأن هذا تمييز ضد المرأة، فقد نصت المادة الأولى من إعلان القضاء على التمييز ضد المرأة على التمييز ضد المرأة بإنكاره أو تقييده تساويها في الحقوق مع الرجل يمثل إجحافاً أساسياً، ويكون إهانة للكرامة الإنسانية. فأنت ترى أنهم يدعون إلى مساواتها في الحقوق مع الرجل _ وهذا من ضعفها _ ومما يدل على انتشار هذه المساواة في الغرب ما قاله الفيلسوف الألماني شوبنهور: (إن قوانين الزواج في أوروبا فاسدة المبنى بمساواتها المرأة بالرجل، فقد جعلتنا نقتصر على زوجة واحدة، فأفقدتنا نصف حقوقنا، وضاعفت عليها واجباتنا ...). نقلاً من كتاب "لماذا الهجوم على تعدد الزوجات" ص (30).
وقال آخر كما في المصدر السابق ص (31): (فالواقع يشهد بأن تعدد الزوجات شيء ذائع في سائر أرجاء العالم، وسوف يظل موجوداً ما وجد العالم مهما تشددت القوانين في تحريمه) وقد ظهرت المفاسد للغرب الكافر بسبب عدم تعدد الزوجات.
ولقد أدرك عقلاء الغرب ضرورة تعدد الزوجات حتى قال الدكتور بون: (إن ممارسة تعدد الزوجات ضرورة للحفاظ على الجنس) المصدر السابق ص (31).
وقال الفيلسوف أتيين دينيه: (إن نظرية التوحيد في الزوجة وهي النظرية الآخذة بها المسيحية ظاهراً تنطوي تحتها سيئات متعددة، ظهرت على الأخص في ثلاث نتائج واقعية شديدة الخطر جسيمة البلاء، تلك هي الدعارة والعوانس من النساء والأبناء غير الشرعيين) نقلاً من "لماذا الهجوم على تعدد الزوجات" ص (32).(1/97)
قلت: أوروبا وأمريكا في اشتعال متزايد بسبب هذه المساواة، فقد ذكر صاحب كتاب "من أجل تحرير حقيقي للمرأة" (69_74) تقريرات صادرة عن رواد هذه الدول وفيها (أن عشرة ملايين امرأة فرنسية لا تجد زوجاً لها، وفي أمريكا سبعة ملايين وثمان مائة ألف امرأة، زيادة على عدد الرجال بسبب منع التعدد، وقد دب بلاء منع التعدد إلى بلاد المسلمين، فقبلته بعض الدول، وجعلته ضمن قوانينها كتونس والمغرب وسوريا) انظر كتاب "تعدد الزوجات" ص (75).
والمساواة في منع تعدد الزوجات حرمان من الحلال، فقد حرموا الرجل والمرأة من ذلك، ودعوا إلى فتح باب الزنا باتخاذ العشيقات والعاشقين من قبل الرجل والمرأة، وفي ضمن دعوة منع التعدد دعوة إلى ترك الزواج بالكلية، فهي مساواة إلى جهنم.
وقد شرع الإسلام تعدد الزوجات عند القدرة على ذلك، وحذر من الظلم قال تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى أن لا تعولوا} النساء.
وجاء عند الترمذي برقم (1128) وابن ماجه برقم (1953) واللفظ له عن ابن عمر قال: «أسلم غيلان بن سلمة وتحته عشر نسوة فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : خذ منهن أربعاً».
وقد أجمعت الأمة قولاً وعملاً منذ عهد النبي إلى يومنا هذا على حِل تعدد الزوجات، ولم ينقل عن أحد من الصحابة وأئمة الإسلام وعلماء الأمة وأهل الحديث والتفسير خلاف ذلك، فمن حرم تعدد الزوجات فقد اعتدى على الإسلام، وانتصر للعلمانية الكافرة، فيخشى عليه من خسارة الدنيا والآخرة.
ومما لا يفوتني أن أنبه عليه: أن هنالك مطالب من بعض الحقوقيات بأن يسمح للمرأة أن تتزوج أكثر من واحد اقتداءً بالرجل. وهذا مخالف للدين والفطرة والعقل.
مساواة الرجل بالمرأة في استئصال عضوه الذكر وتحويله إلى أنثى(1/98)
ومما ظهر مؤخراً القيام بإجراء عمليات جراحية للرجال لاستئصال الذكر، وجعل مكانه مهبلاً، بحيث يتحول من ذكر إلى أنثى، ويعمل له هرمونات كي يظهر له ثديان، قال الدكتور محمد علي البار في كتابه "الأمراض الجنسية" ص (37) وهو يتحدث عن الشواذ: «وللأسف لم يكتف هؤلاء بمحاولة تغيير طباعهم إلى طبائع النساء، بل لقد وصل الأمر إلى ما هو أفظع من ذلك بكثير، فقد قام الأطباء بإجراء عمليات جراحية يجبون فيها القضيب والخصيتين، ثم يقومون بعملية تجميلية لإيجاد مهبل من بقايا جلد كيس السفن، ثم يعطى ذلك الشخص هرمونات الأوستروجين الأنوثية حتى تنمو أثداءه».
وهذا الانحلال أول ما ظهر في بلاد الغرب، فقد ذكر البار _ أيضاً _ في كتابه المذكور آنفا ص (37): «إن الصحف عام 1980م نشرت قصة شاب إنجليزي أجريت له عملية مسخ وتحويل إلى امرأة، ثم تزوج أمام إحدى المحاكم الإنجليزية على أحد اللوردات، وبعد عام واحد انتشر السرطان في جسمه، ومات نتيجة لذلك».
وذكر صاحب كتاب "جراحات الذكورة والأنوثة في ضوء الطب والفقه الإسلامي" ص (478) أن بعض الأطباء نقل عن جريدة (الشرق الأوسط) في عددها الصادر في 31/3/1998م أن أكثر من ثلاثمائة شخص في ألمانيا يتقدمون لإجراء هذه الجراحة كل عام.
وذكر أيضاً نقلاً عن عدد 20/4/1999م من نفس الجريدة أن هذه العمليات تجري في إسبانيا مجاناً، حيث تتحمل دائرة الضمان الاجتماعي تكاليفها، وأن مجلس النواب الإسباني قد وافق على إجراء هذه العمليات لمن يرغب فيها.
وقد سرى هذا التخنث إلى بلاد المسلمين، فقد ذكر صاحب كتاب "جراحات الذكورة... والفقه الإسلامي" ص (478) أن هذه العمليات قد تم إجراؤها في بعض دول المغرب العربي، وخاصة تونس على أيدي أطباء غربيين.
قلت: ومما سمعنا _ أيضاً _ أن مثل هذه العمليات حدثت في دولة الكويت، والله أعلم بحقيقة الأمر.(1/99)
وهذا الفعل الشنيع يسمى بالهوية الجندرية، فهو نوع من أنواع الجندرية، التي تعني: اكتفاء الرجال بالرجال والنساء بالنساء. فلما توصل هؤلاء المجرمون إلى نكاح الذكور مال بعضهم إلى أن يكون الذكر قد حولت ذكورته إلى أنوثة.
فما يصنعه هؤلاء فهو عمل شيطاني، من أخبث الأعمال التي أخبر الله أن الشيطان سيزينها لأهلها قال تعالى مخبراً عن الشيطان: {ولأضلنهم ولأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين}.
مساواة الرجل بالمرأة في حلق اللحية والشارب. ...
إن عموم المساواة التي نصت عليها (اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة) يدخل فيها تنازل الرجال عن لحاهم وإزالتها، لأن الأعداء يعتبرون اللحية والشارب من الأشكال الموحشة، فلما رأت النساء التائهات هذا التنكر للحية قمن باشتراط حلقها لمن يتقدم لخطبتهن، ودين الإسلام ينزهه الرجل المسلم عن التشبه بالنساء، والتأنث في المظهر، ولهذا جعل اللحية من خصائص الرجال، قال العلامة ابن القيم _ رحمه الله _ في "مفتاح دار السعادة" (2/215): «ثم تأمل لمَ صارت المرأة والرجل إذا أدركا اشتركاً في نبات العانة، ثم ينفرد الرجل عن المرأة باللحية، فإن الله _ عز وجل _ لما جعل الرجل قيماً على المرأة وجعلها كالخَوَل له والعاني في يديه؛ ميزه عليها بما فيه له المهابة والعز والوقار والجلالة، لكماله وحاجته إلى ذلك، ومنعتها المرأة لكمال الاستمتاع بها والتلذذ، لتبقى نضارة وجهها وحسنه لا يشينه الشعر».(1/100)
والأدلة على وجوب إعفاء اللحى وتحريم حلقها كثيرة، ولما كانت الأدلة كذلك ألفت في ذلك الرسائل والكتب بالعشرات، ولقد صار المسلمون على المحافظة على اللحى، فلا ينتفوها فضلاً عن أن يحلقوها. ونشكو إلى الله من مؤاذاة بعض القادة والضباط اليمنيين للجندي الذي يحافظ على شعار الرجولة (اللحية) وما أكثر القوانين التي تصدرها الدولة ولا تنفذ، ولما صدر قانون حلق اللحى قام من في قلوبهم مرض بتنفيذه من باب الكره للآداب الإسلامية، فليربئوا بأنفسهم وليتوبوا إلى ربهم من هذه المعاملة.
الفصل الثالث:
مفاسد المساواة الديمقراطية
مفاسد دعوة المساواة الديمقراطية كثيرة ومنها:
المفسدة الأولى: دعوة المساواة تسوي بين الخالق والمخلوق في التشريع(1/101)
إن من جرائم المساواة الديمقراطية: أنها تسوي بين الخالق وبين مخلوقه، وهذا هو الشرك الأكبر والكفر الأظهر بعينه، وهذا حال كفار الأرض؛ يساوون بين الخالق والمخلوق، قال الله تعالى مخبراً عنهم يوم القيامة أنهم قالوا: {تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين وما أضلنا إلا المجرمون} الشعراء، وهؤلاء الكفار الذين ذكرهم الله لم يسووا المخلوق بالخالق في الخلق والإيجاد، أو في الملك والتدبير، أو في الإحياء والإماتة، ولكنهم صرفوا بعض العبادات التي اختص الله بها نفسه لغيره، قال العلامة ابن القيم _ رحمه الله تعالى _ في "الجواب الكافي" ص (154): «ومعلوم أنهم ما سووهم به سبحانه في الخلق والرزق والإماتة والإحياء والملك والقدرة، وإنما سووهم في الحب والتأله والخضوع لهم والتذلل، وهذا غاية الجهل والظلم» لكن دعوة المساواة سوَّت بين الخالق والمخلوق حينما أذنت لدعاتها ومروجيها أن يشرعوا للبشر فيما لم يأذن به الله، وصاروا منازعين لله في حكمه وأحكامه، فجعلوا ما خصَّ الله به الرجال أو النساء يشمل الجنسين، وساووا بين المؤمنين والكافرين في كافة المجالات، وتدخلوا في حكمة الله من جعل هذا غنياً وهذا فقيراً، وهذا، وهذا... وقد تقدم ذكر هذا كله، وصاروا كما قال الله تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} الشورى.
المفسدة الثانية: دعوة المساواة منازعة لله واعتراض عليه - سبحانه - في تفضيله من يشاء بما شاء، واعتراض على قضائه وقدره
يقول الله: {قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم} آل عمران، وقال سبحانه: {يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم} آل عمران، وقال سبحانه: {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم} الحديد، وقال سبحانه: {وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون} القصص.(1/102)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في زاد المعاد (1/39) عند قوله تعالى: {وربك يخلق ما يشاء ويختار}: «فكما أنه المنفرد بالخلق فهو المنفرد بالاختيار منه، فليس لأحد أن يخلق ولا أن يختار سواه، فإنه سبحانه أعلم بمواقع اختياره ومحال رضاه، وما يصلح للاختيار مما لا يصلح له، وغيره لا يشاركه في ذلك بوجه».
وقال ابن عاشور في تفسيره (20/165): «أي: كما أن الخلق من خصائصه فكذلك الإختيار».
وقال السعدي ص (572): «هذه الآيات فيها عموم خلقه لسائر المخلوقات، ونفوذ مشيئة بجميع البريات، وانفراده باختيار من يختاره ويختصه من الأشخاص والأوامر والأزمان والأماكن، وأن أحدا ليس له من الأمر والإختيار شيء».
قلت: فمن أقرّ بأن الله منفرد بالخلق والإيجاد؛ فيلزمه إثبات تفرد الله بالتفضيل، ومن أنكر تفضيله بين خلقه وعباده فقد صرف عن الله ما اختص به نفسه من هذا الكمال، فقد قضى سبحانه وقدر التفاضل بين الخلائق عموماً، وبين المسلمين والكافرين خصوصاً، فقد اصطفى المسلمين من بين الكافرين فهداهم ووفقهم ونصرهم، ففضلوا على الكافرين بالإسلام، والإيمان، والصدق، والإخلاص، والحب، والتعظيم، والخشية، والمراقبة، والتقوى، والتوكل، والثقة به سبحانه، والرضا بشرعه، والتسليم لحكمه، فدعوة المساواة حرب على الله، فهي تعترض على القضاء والقدر الإلهي.
فدعوة المساواة ودعاتها يتسخطون على الله، ويعترضون عليه في تفضيله عباده بعضهم على بعض، وإني لأدعو هؤلاء إلى أمور جديرة بالتعرف عليها ومنها:(1/103)
1- تفضيل الله بعض خلقه على بعض صادر عن إحاطة علمه بكل شيء، قال الله: {وقد أحاط الله بكل شيء علما}، وصادر عن كمال حكمته، قال الله: {ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم} الممتحنة، وصادر عن نفاذ قدرته، قال تعالى: {والله على كل شيء قدير}، وصادر عن سعة رحمته، قال سبحانه: {ورحمتي وسعت كل شيء} الأعراف، وصادر عن عظيم قيوميته، قال تعالى: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} البقرة، فما دام هذا التفضيل الرباني صادراً عمن أحاط بكل شيء رحمة وعلماً وقيومية وقدرة وحكمة، فلا يمكن أن يكون الله ظالماً في التفضيل، لا شرعاً ولا عقلاً.
2- تفضيل الله بعض خلقه على بعض ليس لأجل منفعة تعود عليه سبحانه، قال تعالى: {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله غني حميد} وإنما هو من أجل منفعة الخلق وتحقيق مصالحهم، قال الله: {ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا}، بخلاف المخلوق فهو يخترع القوانين ويفرضها على الناس من أجل مصلحته وتحقيق مآربه، ولو أدت إلى الإضرار بالخلق، وهذا يدل على حكمة المولى _ سبحانه وتعالى _ في تفضيله بين عباده.
المفسدة الثالثة: مضمون دعوة المساواة مصادرة الإسلام.(1/104)
من المعلوم عند المسلمين كافة أن الله أرسل نبيه محمداً - صلى الله عليه وسلم - إلى الإنس والجن كافة، فدينه هو الدين الذي أوجبه الله على أهل الأرض أن يدينوا به، ولا دين مقبول عنده سواه، قال الله تعالى: {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} آل عمران، فجاءت دعوة المساواة الديمقراطية، وأطلق عليها أتباعها أنها عالمية على حد زعمهم، فنادوا بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان ودعوا الدول والشعوب كافة إلى قبول ما في وثيقة حقوق الإنسان وتوابعها من اتفاقيات وعهود، وعقدوا المؤتمرات العالمية، ووضعت منظمات دولية عالمية كثيرة، كمنظمة الصحة واليونسكو واليونيسيف، وسعت أمريكا والأمم المتحدة إلى فرض كل هذه على المسلمين بصور شتى، بل وفرضت أمريكا عليهم دساتير الديمقراطية، ولم تعتبر دول الغرب الإسلام في أي مجال، وأجملوا دعوتهم هذه في مسمى واحد، وأطلقوا على ذلك (العالمية) ومرادهم من وراء ذلك إلغاء الإسلام ونسفه.
قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد في كتابه "معجم المناهي اللفظية" ص (370-371): «العالمية: مذهب معاصر يدعو إلى البحث عن الحقيقة الواحدة التي تكمن وراء المظاهر المتعددة في الخلافات المذهبية المتباينة, وهذا المذهب باطل ينسف دين الإسلام بجمعه بين الحق والباطل، أي: بين الإسلام وكافة الأديان، وحقيقته هجمة شرسة على الإسلام... ألا فلنقل: الإسلام والعالمية؛ لنظهر فضل الإسلام، ونحط إلى القاع ما دونه من مذاهب ونحل محاها الإسلام... فكذلك لا يجوز أن نقول: عالمية الإسلام، ديمقراطية الإسلام، اشتراكية الإسلام، وهكذا، فليتنبه»ا.هـ(1/105)
ومما يثبت أن دعوة المساواة مصادرة واضحة للإسلام: أن أمريكا ومن معها تعتبر أي مخالفة من الدول الإسلامية لما تبنته المؤتمرات والقرارات الدولية جريمة، ولو كان هذا القرار يعد خروجاً على الإسلام ومنابذا له في نظر المسلمين. ومفاسد المساواة كثيرة تعرف من مواضيع كتابنا هذا.
المساواة الديمقراطية تجعل الأعلى مساويا للأدنى والشريف مساويا للخسيس
لقد قدس العلمانيون المساواة الديمقراطية، منوهين بعظمتها على _ حد زعمهم _ أنها تساوي بين الناس، وقد بُحَّت أصوات الناعقين بها، ضانين أنها قد جاءتهم بالفرج والمخرج، ففوجئ العقلاء أن المساواة التي تدعو إليها الديمقراطية هي إنزال الشريف إلى مستوى الوضيع، والعاقل إلى مستوى الجاهل، والمصلح الكبير إلى مستوى المفسد الخطير، وإنزال العالم إلى مستوى الساحر والمنجم، فتباً لهذه المساواة.
قال صاحب كتاب "الإنسان ذلك المجهول" ص (307): «ولما كان من المستحيل الارتفاع بالطبقات الدنيا فقد كانت الوسيلة الوحيدة لتحقيق المساواة الديمقراطية بين الناس هي الانخفاض بالجميع إلى المستوى الأدنى، وهكذا اختفت الشخصية».
ويظهر جليا للقارئ أن المساواة كما ذكرنا بمعرفة أمرين اثنين:
الأول: ما قامت به الشيوعية من جعل السيادة بيد الطبقة العاملة، فظن الكادحون أنهم سيسوَّون بالرفعاء والشرفاء والأغنياء، ولكن فوجئوا أن المساواة التي تسعى الشيوعية إلى تحقيقها هي جعل الأغنياء فقراء، والرفعاء وضعاء ليحصل التساوي في الضعة والخسة.
الثاني: المساواة الديمقراطية العلمانية أنزلت المسلمين الذين هم خير البرية إلى مستوى الكفار الذين هم شر البرية، إلى جانب ما فيها من إنزال ما سبق ذكره.
الدعوة إلى نكاح المحارم أو الزنا بهن(1/106)
ولما توصل دعاة الحرية والمساواة في الغرب إلى نكاح الرجلُ الرجلَ توجهوا بدعوتهم إلى نكاح المحارم والزنا بهن، فها هي بلاد الغرب تصبح بذلك علماً، قال صاحب كتاب "أحكام الأحوال الشخصية للمسلمين في الغرب" ص (364): «وكذا يسمح _ أي القانون _ بالتزاوج بين الأعمام والأخوال، وبين بنات الأخوة والأخوات، فالقانون يعتبر هذه القرابة من الدرجة الثانية، وليست من الدرجة الأولى، بسبب أنها تكونت عن طريق شخص ثالث، ولم تكن مباشرة».
وذكر ص (365) هامش: أنه تم حذف قانون التزوج بين الأصهار عام 1998م.
وقال صاحب كتاب "الاغتصاب والإكراه على الزنا" ص (44): «وأذكر أن القانون الإنكليزي قد أجاز اللواط أخيراً، وسمح لكل اثنين لوطيين بالعيش في منزل واحد، إتماماً لفائدة الحرية الشخصية عندهم، والتعدي الشائن على الذكور، ومضاجعة المحارم، واختطاف الإناث».
وقال صاحب كتاب "حقوق الإنسان بين الشريعة والقانون" ص (8): «لقد انتشرت في الغرب جرائم الزنا بالمحارم، وأصبحنا نسمع أصواتاً تنادي باعتبار العلاقة الجنسية بين الآباء وبناتهم، وبين الأبناء وأمهاتهم، وبين الإخوة وأخواتهم علاقات طبيعية، وإلغاء كل قانون جزائي يعاقب على هذه الصلات الجنسية، ولا تزال تقابل هذه الأصوات صيحات خافتة قليلة تستنكر ذلك، وقد يأتي يوم قريب تختفي فيه هذه الصيحات إذا ما بقي الغرب على ضلاله واستهتاره» ا.هـ(1/107)
وقال الدكتور محمد علي البار في كتابه "عمل المرأة في الميزان" ص (148_149): «وقد نشرت صحيفة الهيرالدتريبيون في عددها الصادر في 29/6/1979م ملخصاً لأبحاث قام بها مجموعة من الأخصائيين من القضاة والأطباء الأمريكيين حول ظاهرة غريبة ابتدأت في الانتشار في المجتمع الأمريكي وفي المجتمعات الغربية بصورة عامة، وهي ظاهرة نكاح المحرمات. ويقول الباحثون: إن هذا الأمر لم يعد نادر الحدوث، وإنما هو منتشر لدرجة يصعب تصديقها، فهناك عائلة من كل عشر عائلات أمريكية يمارس فيها هذا الشذوذ، والأغرب من هذا أن الغالبية العظمى 85% من الذين يمارسون هذه العلاقات الشاذة مع بناتهم وأولادهم، أو بين الأخ وأخته، أو الابن وأمه هم من العائلات المحترمة في المجتمع والناجحة في أعمالها، والتي لا تعاني من أي مرض نفسي، وليسوا من المجرمين ولا من العتاة، وإنما هم في الغالب من رجال الأعمال أو الفنيين الناجحين في أعمالهم وحياتهم».
وقال البار _ أيضاً _ في كتابه "الأمراض الجنسية أسبابها وعلاجها" ص (73): «ونشرت صحيفة الاتحاد الأسبوعي في 12/1/1984م الخبر التالي، نقلاً عن وكالة الأنباء الفرنسية: «... ويقدر عدد الفتيات اللاتي كانت لهن علاقة جنسية بآبائهن بـ(12_15) مليون فتاة، وأن نسبة الفتيات المراهقات اللاتي لهن اتصالات جنسية مع آبائهن تتراوح ما بين (15و34) بالمئة».(1/108)
ولا ننسى أن الكفار يعملون جاهدين لنشر هذه الإباحية في بلاد المسلمين تحت دعوى الحرية الشخصية ومساواة المسلمين بهم، ولا نأمن من انتشار هذه الجريمة عند من استساغ قبول هذه الدعوة، قال العلامة أحمد شاكر: «فانظر ماذا جنت علينا القوانين الوثنية؛ تزوج رجل امرأة شابة، وكان له ابن شاب لا يخاف الله، ولا يرقبه في خلق ولا عرض إلاً ولا ذمة، فزنا بامرأة أبيه، ثم شعر المجرمان بأن الرجل كاد يكشف ما ارتكبا من فجور، فتآمرا وقتلاه، ثبتت هذه الوقائع، وقد استحق هذان الفاجران القتل بجريمة الفجور بين المحارم، واستحقا القتل مرة أخرى بقتل الأب والزوج عمداً. ولكن هذه القوانين أفسدت على الناس عقولهم وفطرتهم الإسلامية، بل فطرتهم الآدمية، فحكمت على هذين الفاسقين القاتلين بالتعزير ببضع سنين من الأشغال الشاقة، دون النظر إلى الجريمة الخلقية البشعة، ودون نظر إلى القتل العمد، وخاصة قتل الأب الوالد».(1/109)
قلت: تحريم نكاح المحارم في الإسلام معلوم من الدين بالضرورة لظهور الأدلة وكثرتها في ذلك، قال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً} النساء، وحرم نكاح النساء اللاتي من الرضاع، روى البخاري رقم (2645) عن ابن عباس ومسلم رقم (1447) عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» وقد نقل ابن قدامة الإجماع على بطلان نكاح المحارم.
وأكثر أهل العلم على أن من تزوج ذات محرم يقتل؛ روى الترمذي رقم (1362) وابن ماجة رقم (2607) وأحمد رقم (4/292) واللفظ له عن البراء بن عازب قال: «مر بي عمي الحارث بن عمرو ومعه لواء قد عقده له النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت له: أي عم، أين بعثك النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال: بعثني إلى رجل تزوج امرأة أبيه فأمرني أن أضرب عنقه».
وجاء بلفظ: «بينا أنا أطوف على إبل لي قد ضلت، إذ أقبل ركب أو فوارس معهم لواء، فجعل الأعراب يطيفون بي لمنزلتي من النبي - صلى الله عليه وسلم - ، إذ أتوا قبة فاستخرجوا منها رجلاً فضربوا عنقه، فسألت عنه، فذكروا أنه أعرس بامرأة أبيه».
وروى ابن ماجة رقم (2608) عن قرة بن إياس المزني قال: «بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رجل تزوج امرأة أبيه أن أضرب عنقه وأصفي ماله».(1/110)
الحرية في تبادل الزوجات
تبادل الأزواج زوجاتهم للزنا بهن يعد نوعاً من أنواع الحرية في نظر الغرب الكافر، قال عبد السلام البسيوني في كتابه "ماذا يريدون من المرأة" ص (33_34): «ظاهرة تبادل الزوجات ظاهرة موجودة في الطبقة الوسطى في أمريكا، وهي شكل من أشكال الحرية الجنسية للمرأة.. ويزعم شارلزفارني أن هذا النوع من العلاقة الجنسية يزيد من الإحساس بالتقارب والحب بين كل من الزوج والزوجة، ويزيد بينهما الثقة، وأشار إلى أن مليونين ونصف مليون من الأزواج الأمريكيين _ 5% من مجموع المتزوجين _ مارسوا تبادل الأزواج بانتظام سنة 1964م، وأن التقديرات الحديثة تقول: إن 2% _ مليوناً كاملاً _ لا يزالون يفعلون هذا».
وقال الثليدي في كتابه "المرأة المتبرجة وأثرها السيء في الأمة" ص (24): «قرأنا في الصحف أن الأوروبيين يتبادلون زوجاتهم فيما بينهم، وما تأتي به الزوجة من هذا التبادل من الأولاد ينسب للزوج الأصلي للمرأة، وإن لم يكن ابنه حقاً».
والأعداء ماداموا يفعلون هذا فلن يألوا جهداً في نشر ذلك بين المسلمين بدعوى الحرية ومساواتهم بهم، وتبادل الزوجات يذكرنا بحال الجاهلية قبل الإسلام، فقد روى البخاري رقم (5127) عن عائشة قالت: «كان النكاح في الجاهلية على أربعة أنحاء: فنكاح منها نكاح الناس اليوم، ونكاح آخر كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها: أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه، ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبداً حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه، فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب، وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد ....»
الدعوة إلى اتخاذ الأخدان والعشاق(1/111)
ومن فجور الحرية والمساواة التي يزعمون: دعوة الزوج والزوجة إلى اتخاذ الأخدان والعشاق، فللزوج أن يتخذ عشيقة ويجلس معها ويبيت إلى جانبها، وللزوجة أن تعشق كما يعشق زوجها, ولها أن تدخل عشيقها بيت زوجها ومع وجود زوجها واطلاعه على ذلك، ولها أن تبيت معه، قال صاحب كتاب "أحكام الأحوال الشخصية للمسلمين في الغرب" ص (496_497): «كما أنه لا يحق للزوج _ في القانون الألماني _ أن يطالب زوجته التي اتخذت عشيقاً بتعويض بسبب جرحها لشعوره، أو إهانتها لكرامته، وأكثر ما يمكن أن يطالب به هو نفقات الولادة في حال حملت امرأته من عشيقها».
ومن المعلوم أن القانون الألماني معمول به في كثير من الدول الغربية.(1/112)
وقال _ أيضاً _ في المصدر المذكور ص (514) وهو يتحدث عن الأحوال الزوجية في الغرب عامة: «وليس له (أي الزوج) أن يمنعها من معاشرة الرجال... وليس له أن يمنعها من استضافة عشيقها في البيت... ولها أن تدعي أن هذا الولد من عشيقها لا من زوجها، فينسب للعشيق» وإليك هذه القصة: فقد قال صاحب الكتاب المذكور ص (497): «اتصل بي شاب ألماني كان كافراً ثم أسلم، وأخبرني أن زوجته اتخذت عشيقاً وأحضرته إلى بيته بمرأى من أولادهما، ولما أراد العشيق معاشرتها داخل البيت غضب الزوج وهجم على العشيق وتضاربا، فجاءت الشرطة وقص الزوج الخبر، مبيناً سبب تضاربهما، وطلب إخراج العشيق من بيته، قال له الشرطي: لا نستطيع أن نفعل لك شيئاً، فهذا ضيف امرأتك، ولا نستطيع إخراجه. وغادرت الشرطة، وخلا العشيق بعشيقته، والزوج حائر لا يدري ماذا يفعل، فلا يحق له ضرب امرأته لأنه اعتداء على إنسانيتها في نظر القانون، ولا منعها من معاشرته لأنه محض حريتها الشخصية، ولا ضرب العشيق لأنه ضيف امرأته، فما عليه إلا أن يترك البيت ويطلب الطلاق، أو يبقى في البيت ويصابر ذله ومهانته». فقبح الله من يدعو إلى هذه الرذائل، وما أظن أن إبليس زين الرذائل لقوم كما زينها لدعاة الحرية والمساواة، فما تركوا رذيلة إلا وأقبلوا على تعاطيها.
دعوة الحرية والمساواة تفتح أبواب الزنا للمراهقين والمراهقات(1/113)
ومن جرائم الحرية والمساواة: ما أصدرته المؤتمرات العالمية المتعلقة بالمرأة والتنمية والسكان التابعة للأمم المتحدة من الدعوة إلى تعليم المراهقين والمراهقات _ ومن دونهم _ الزنا باسم التثقيف الجنسي، فقد جاء في تقرير (المؤتمر الدولي) في المكسيك عام 1984م ما نصه: (تحث الحكومات على أن تكفل حصول المراهقين ذكوراً وإناثاً على حد سواء على التعليم المناسب، بما في ذلك التعليم المتعلق بالحياة الأسرية والجنس». وجاء في تقرير (المؤتمر الدولي للسكان والتنمية) في القاهرة عام 1994م ما نصه: (تحث الحكومات على أن تلبي _ بالتعاون مع المنظمات غير الحكومية _ الحاجات الخاصة للمراهقين، وتنشئ البرامج الملائمة... وينبغي أن تتضمن تلك البرامج آليات دعم لتثقيف المراهقين، وإسداء المشورة لهم في مجالات العلاقات بين الجنسين، والمساواة بينهما، والسلوك الجنسي المسئول والصحة الإنجابية والجنسية، وغيرها من القضايا الجنسية).نقلاً من كتاب "العدوان على المرأة" ص (240) و (244).
ومما نتج عن هذا التثقيف ما قاله صاحب كتاب "أحكام الأحوال الشخصية للمسلمين في الغرب" ص (375) وهو يتحدث عن التمدن الغربي: «فالبنت تصاحب شاباً وتنام معه، ثم تأتي به إلى بيت والدها لتعرفه به، وتقول: هذا صديقي وقد أتزوجه في المستقبل، وليس للأب إلا أن يبارك هذه الصداقة وذاك الزواج, وأما الاعتراض فليس له، لأنها قضية تتعلق بحرية ابنته الشخصية، وليس له أن يتدخل بها لو رأى ابنته تسير في مهاوي الهلاك وتقتحم مفاوز الضياع».(1/114)
ونقل صاحب المصدر المذكور أيضاً ص (176) عن أحد الغربيين قوله: (في الماضي القريب كان الأمر مختلفاً تماماً، فقبل ثلاثين أو أربعين سنة ما كان المواطن المحافظ يسمح لنفسه أبداً أن يعيش مع امرأة بدون عقد زواج، ولو فكر بهذا لما وجد من يعينه على تحقيق رغبته، حتى لا يكاد يجد مسكناً له ولعشيقته، باستثناء طبقة الممثلين والفنانين الذين وضعوا أنفسهم فوق هذه القيود والتقاليد، ولكن في أيامنا هذه تغيرت نظرة الناس لهذه العلاقة، حتى صار من النادر أن تجد أماً أو أباً لا يرضى لابنه أو ابنته هذه العلاقة، أو يقوم بمنعهم من ممارستها».
ومما نتج عن هذا التثقيف ما ذكره صاحب كتاب "تمرد النشئ الجديد" حيث قال فيه: «إن الصبية في أمريكا قد أصبحوا يراهقون قبل الأوان، ومن السن الباكرة جداً يشتد فيهم الشعور الجنسي». نقلا من كتاب "العدوان على المرأة" ص (232).
ومما نتج عن هذا التثقيف _ أيضاً _ أن صار الخاطب يعاشر مخطوبته كما يعاشر الرجل زوجته، وهذا أمر معلوم في الغرب، بل لقد ظهر في بعض البلدان العربية أشنع مما سبق، وهو اللجوء إلى مساكنة الشاب والشابة بديلاً عن الزواج كما حصل في سوريا، ذكرت ذلك صحيفة الدستور الأردنية في عددها (15095) الصادر في 13/جمادى الأولى/1427هـ. ألا وليعلم المسلمون أن أبناءنا مستهدفون بهذه البوائق باسم الحرية والمساواة، فالله الله في المحافظة عليهم والدفاع عنهم.
حرية إتيان الأطفال
لقد أنتن الغرب من كثرة الرذائل والفواحش من الزنا بالمحاوم وغير المحارم، وبالمزوجات والشابات، وبإتيان الرجال الرجال، وبإتيان الكلاب، حتى بلغت المطالبة بحرية إتيان الأطفال من الذكور والإناث، معتبرين ذلك من الحرية التي تسمح بها الديمقراطية، وقد أسست منظمات تسعى إلى سن قوانين تبيح ذلك. فلعنة الله والملائكة والناس أجمعين على هذه الحرية.(1/115)
قال صاحب كتاب "أمريكا.. السقوط والحل" (34_35) وهو يتحدث عن حرية إتيان الأطفال: «وأغرب ما سمعت حول هذا الموضوع: جاء في برنامج بثته محطة (إي بي سي) الذي تضمن مقابلة مع أحد الأشخاص الشاذين جنسياً، وامرأة أخرى لها رأي معارض لأفكاره، والشخص يمثل شركة تنتج أفلام هابطة قذرة في (كاليفورنيا) وقد تمكنت أنا من تسجيل المقابلة على شريط، والمجرم يدعو لممارسات جنسية حرة مع الأطفال الصغار، وكان يدافع عن التصرف، لأن رأيه مبني على نظريات علمية فيها احترام لحرية الاختيار للأطفال، وهاجم الاعتقاد السائد في المجتمع الخاص بحماية الأطفال، واعتبره نوعاً من دكتاتورية فرض الأمر وانتقد الآباء الذين يعاملون أبنائهم بقسوة، وأشار إلى رجال شاذين مستعدين لتقديم كل عطف ورعاية وحب لهؤلاء الأطفال المنكوبين، وعندما أخبره مدير البرنامج والمرأة المضادة له في الرأي بأن الذي يدعو إليه هو مخالف للقانون، أجاب بأن تغيير مثل هذه القوانين المجحفة هو أحد اهتمامات منظمته، ولم يكتف بذلك، بل أشار في نهاية المقابلة بأنه يعرف رجلاً ارتكب الزنا مع مائة طفل وطفلة، تتراوح أعمارهم بين 9 أعوام و19 عاماً، وبإمكانه أن يسمى عشرات الأشخاص الآخرين على شاكلته، وأما المرأة فقد ذكرت بأنها التقت بشخص آخر زنا مع أكثر من 3000 طفل. نعم ثلاثة آلاف طفل».
ونقل الدكتور البار في كتابه "الأمراض الجنسية" ص (47) عن مجلة الريدرزدايجست عدد أغسطس 1983م قولها: «إن استخدام الأطفال جنسياً لم يعد أمراً شاذاً ولا أمراً شخصياً، وإنما أصبح تجارة منظمة، يبلغ دخلها ما بين خمسمائة إلى ألف مليون دولار سنوياً في الولايات المتحدة، ويعمل فيها آلاف المصورين والكتاب، بل والأطباء وعلماء النفس».(1/116)
وعلى كل: لا نعلم أمة من أمم الكفر قد وصل بها الحال إلى هذا الدرك مثلما حصل في دول الكفر في عصرنا، فكفى بأهل الديمقراطية خزياً وعاراً وشناراً عليهم أن ديمقراطيتهم ملجأ لهؤلاء الذين صاروا أسقط وأرذل قوم وجدوا على وجه الأرض.
المساواة بين المسلمين وأهل الذمة
لقد جاءت الشريعة الإسلامية بأحكام تخص أهل الذمة من يهود ونصارى ومجوس، وأطلق عليها العلماء: أحكام أهل الذمة، ولما جاءت دعوة المساواة الديمقراطية قام دعاتها ونادوا بإلغاء أحكام أحكام أهل الذمة، بدعوى أنها تتنافى مع المساواة بين المسلمين والكافرين، وقد وجد دعاة الغرب من ضلال المسلمين من يستجيب لدعوتهم هذه، ويقول بقولهم، ويقرر ما يقررون، ومن هؤلاء: محمد بن حسين فضل الله، ومحمد عمارة، وسعود المولى، وفهمي هويدي، وعبده سلام، ورضوان السيد. انظر كتاب "دعوة التقريب بين الأديان" (2/698) قال عبده بن سلام أمام حشد من النصارى في روما: «والمحاضر يعترف بالقرآن والسنة، وبتأثره بقدوة الخلفاء الراشدين، وبأن هذه المصادر تنادي بالمساواة بين المسلم وغير المسلم» نقلاً من المصدر السابق (2/707)
قلت: كذبت يا عدو الله، فلم تناد المصادر المذكورة بالمساواة المذكورة، وإنما نادت بها الديمقراطية، فهذا المجرم جمع بين الكذب على القرآن والسنة والخلفاء الراشدين، وبين الإنحراف العظيم في الدعوة إلى إلغاء الأحكام الكثيرة المتعلقة بأهل الذمة والدعوة والمساواة المذكورة هي جزء من دعوة وحدة الأديان التي أوضحناها في كتابنا "تبصير الحيارى" فارجع إليه.
دعوة المساواة تجوِّز أن يحكم المسلمين كفار(1/117)
الغلاة في الدعوة إلى المساواة الديمقراطية المطلقة ممن ينتسبون إلى الإسلام يقرون أنه لا مانع من أن يتولى على المسلمين كافر من يهود أو نصارى أو غيرهم وبعضهم يصرح بذلك، ومن هؤلاء الدكتور حسن الترابي، فقد نشرت قناة الجزيرة الفضائية في عامنا هذا (1427هـ) تصريحاً له: «بأنه لا مانع أن يحكم السودان نصراني أو امرأة» والترابي وأمثاله يمثلون الإتجاه الغربي الكافر، كيف لا؟ وقد حصل الترابي على الماجستير من جامعة أكسفورد البريطانية عام 1957م ثم حصل على الدكتوراة من جامعة السوربون بباريس- فرنسا، عام 1964م، ومضمون هذه الولاية حمل المسلمين على الردة عن الإسلام والولوج في ملل الكفر، أليست المقالة المشهورة: الناس على دين ملوكهم، أليس تولي الكافر على المسلمين من أعظم التمكين له للقضاء على الإسلام وأهله، قال الله تعالى: {وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً } [النساء: 141] أليس تولي الكافر على المسلمين من أعظم أسباب فسادهم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً} آل عمران: 118] أليس تولي الكافر على المسلمين من أعظم دواعي الردة عن الإسلام والدخول في الكفر قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ } [آل عمران: 100] ألم يقل الله: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم } [البقرة: 109] ألم يحرم الله تحريماً شديداً موالاة الكافرين، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً } [(1/118)
النساء: 144] وقال تعالى: {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ } [آل عمران: 28] وجعل النصارى حكاماً على المسلمين من أعظم الموالاة لهم.
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ } [النساء: 59] فقوله تعالى: (منكم) دليل على عدم جواز تولي على المسلمين من غيرهم، وقد نقل غير واحد من علماء الإسلام إجماع المسلمين على عدم جواز تولي الكافر على المسلمين وإن إمامته لا تنعقد.
وعلى كل: لا أستطيع أن أتصور أن الحاكم الكافر على المسلمين يقيم الإسلام، وإنما أتصور أنه يقيم الكفر الذين يدين به، فما هذا الذي قال به الترابي وأمثاله؟
المساواة في الاجتهاد في نصوص القرآن والسنة
طرداً لقاعدة المساواة المطلقة بين العالم والجاهل، والصالح والطالح، الحاكم المحكوم، الرجل والمرأة؛ قال الزائغون من أبناء المسلمين: لا فرق بين اجتهاد العلماء وغيرهم، وممن اشتهر عنه هذا القول: الترابي، ففي الموسوعة الميسرة (2/1016) ما نصه: «فتح باب الاجتهاد لكل المسلمين، وإعادة تدوين كتب الفقه على ضوء معارف العصر فيما يسميه الترابي: الفقه الشعبي»(1/119)
والمغزى من وراء هذه المساواة: إسقاط مرجعية علماء الإسلام، لأن أمة الإسلام بعلمائها الربانيين، فهم عصمتها من تخطفات شياطين الجن والإنس، والإسقاط المذكور حلم كل مفسد في الأرض من سابق ومن لاحق، وهيهات، هيهات أن تترك أمة الإسلام علماءها وهي تعلم أن الله قال: { فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } [النحل: 43] وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ } [النساء: 59] قال غير واحد من المفسرين في قوله: (منكم): هم العلماء والأمراء. وقال تعالى: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً } [النساء: 83]
وأهل العلم وضعوا شروطاً للمجتهد معتبرة، ومنها: أن يحيط بمدارك الأحكام، وهي: الكتاب والسنة والإجماع. والمعتبر في ذلك أن يعرف الناسخ والمنسوخ، وأسباب النزول، ومواقع الإجماع والخلاف، وصحيح الحديث وضعيفه، وأن يكون عالماً بلسان العرب، وأن يكون عارفاً بالعام والخاص، والمطلق والمقيد، والنص الظاهر والمؤول، والمجمل والمبين، والمنطوق والمفهوم، والمحكم والمتشابه، والأمر والنهي، وأن يكون لديه معرفة بمقاصد الشريعة.
وهذه الشروط تنافي وترد ما يدعو إليه الترابي من فتح باب الاجتهاد على مصراعيه لمن هب ودب، فأين الترابي وأمثاله من هذه الشروط التي لا يقوم ساق الاجتهاد إلا بها، فدراسة في بلاد الغرب وتخرجه على أيديهم أعماه عن هذه، بل أفقده عن معرفها.
دعوة المساواة بين الرجال والنساء أفقدت كلا حقه(1/120)
ومن عواقب دعوة المساواة أنها أفقدت حقوق الرجال والنساء، وهذا باعتراف أرباب المساواة، فقد قالت رئيسة الجمعية النسائية الفرنسية: (إن المطالبة بالمساواة الكاملة بين الرجل والمرأة تصل بهما إلى مرحلة الضياع، حيث لا يحصل أحد من الطرفين على حقوقه). انظر كتاب "العدوان على المرأة في المؤتمرات الدولية" ص (105).
وقد قامت مجلة (ماري مكير) الباريسية باستفتاء الفتيات الفرنسيات، من جميع الأعمار والمستويات الاجتماعية والثقافية، شمل 2.5 مليون فتاة عن رأيهن في الزواج من العرب، وكانت الإجابة 90% منهن: نعم، والأسباب _ كما أفادتها نتيجة الاستفتاء _ هي: مللت المساواة بالرجل، مللت حالة التوتر الدائم ليل نهار، مللت الاستيقاظ عند الفجر، والجري وراء المترو، مللت الاستيقاظ للعمل حتى السادسة مساء في المكتب والمصنع، مللت الحياة الزوجية التي لا يرى الزوج فيها زوجته إلا عند النوم، مللت الحياة العائلية التي لا ترى الأم فيها أطفالها إلا حول مائدة الطعام، ومن الطريف أن العنوان كان: وداعاً عصر الحرية والمساواة، وأهلا بعصر الحريم). نقلا من كتاب "العدوان على المرأة في المؤتمرات الدولية" ص (105-106.
وقالت زعيمة (حركة كل نساء العالم) أفيسون، ومقرها في الولايات المتحدة الأمريكية: (هناك بعض النساء حطمن حياتهن الزوجية عن طريق إصرارهن على المساواة بالرجل, إن الرجل هو السيد المطاع، ويجب على المرأة أن تعيش في بيت الزوجية، وأن تنسى كل أفكارها حول المساواة) المصدر السابق ص (102). فليأخذ دعاة المساواة من أبناء جلدتنا العبرة من هؤلاء الذين صاروا عبرة لمن اعتبر.
دعوة المساواة تفضل النساء على الرجال(1/121)
لم يكن في الحسبان أن تنطق شفاه بتفضيل المرأة على الرجل، ولكن لما كانت دعوة المساواة طاغية في كل مجال حاول المفسدون للمرأة، المحطمون لحقوقها الحقيقية أن يعلنوا أن المرأة _ بقبولها المساواة _ قد فاقت الرجال وسبقتهم إلى الأفضلية في قيادة الشعوب، ومن تلك التصريحات ما قاله الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان في رسالته بمناسبة اليوم العالمي للمرأة: (إن النساء اللواتي يعرفن جيداً ثمن النزاعات هن غالباً أفضل من الرجال في مجال حدوثها أو حلها).
وأشار عنان إلى أن الأمم المتحدة تبذل جهداً خاصاً من أجل توظيف عدد أكبر من النساء في عملياتها الخاصة لحفظ السلام، أو لإقامة السلام، كما تبذل جهداً لتكون جميع المهمات التي تقوم بها أكثر تفهما لقضية المرأة. نقلا من كتاب "العدوان على المرأة" ص (145).
تأمل ما في هذا المقال من استخدام النساء بطريقة المكر بهن وبالمسلمين باسم حفظ السلام، فأعداؤنا اليهود والنصارى ما عندهم سلام، ما عندهم إلا مؤامرة مستمرة، ومحاربة أبدية للمسلمين، وقد خبرناهم على أنهم إذا دعوا إلى السلام فهم يريدون الفتك بمن يرون من المسلمين، وتفضيل الأعداء النساء على الرجال ليس خاصاً بهم، فقد وجد من بعض الدعاة والمحسوبين على الإسلام تفضيل المرأة على الرجل كطارق السويدان في شريط له بعنوان (إعداد القادة) قال فيه: «هناك بعض النقاط لصالح المرأة، وهناك بعض النقاط لصالح الرجل. تختلف المرأة على الرجل في القيادة:
1- بأن مشاركتها بالرأي لمن حولها أكثر... وعقلية الرجل يفضل الدكتاتورية، فالمرأة من طبيعتها لما تقود تشارك أكثر.
2- أيضاً تعاطفها أظهر، يعني: عندما واحد من أتباعها أو تابعاتها يكون عنده مشكلة تظهر الرحمة وتظهر التعاطف، بينما الرجل لا يظهر العواطف كما تظهرها المرأة.(1/122)
3- دراسات تشير إلى أن إبداعها أخصب (أي الإتيان بجديد).. ثبت علمياً أن النساء أفكارهم الجديدة أكثر من الرجال بنسبة 20%، فعندها قدرة على الإبداع أكثر.
4- تفويضها أوسع، تفوق صلاحية الرجل عنده مركزية أكثر من المرأة.
5- نظرها أبعد، إن كيدهن عظيم.
6- حوارها أطول، الرجل لما يحدث اجتماع يريد يخلص بسرعة، والمرأة ما تريد تخلص بسرعة، تريد تناقش وتحاور.
7- علاقاتها أعمق, لما تحب تحب بشكل أعمق، ولما تكره تكره بشكل أعمق.
8- مزاجيتها أوضح, يعني: تقلباتها، يوم منفعلة، ويوم حزينة، ويوم مبسوطة....
9- حزمها أقل، يعني: لما تحتاج تفصل واحد من العمل تحاول تأخر المسألة، ليس كالرجل عنده قدر على الحزم أكثر».
أقول: لقد تضمنت بنود طارق السويدان _ المذكورة آنفا _ حطاً ظاهراً للرجال ناهيك عن الخفي، ولست بصدد إيضاح هذا كله، ولكن على سبيل المثال:
قوله: (وعقلية الرجل يفضل الدكتاتورية)
أقول: من هو هذا الرجل الذي يفضل الدكتاتورية؟ أهو المسلم التقي أم الكافر الشقي، لا شك أن كلامه هذا يشمل قادة المسلمين من عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولكنه لا ينطبق إلا على الملاحدة والكفار، لا على قادات المسلمين الأخيار، فعلام يدل كلامه هذا في إدخال قادة المسلمين الذين فتحوا الدنيا براً ومرحمة، بدئاً بالصحابة والخلفاء الراشدين مع مجرمي الاشتراكية، والديمقراطية الغربية وأمثالهم، فلا تغفل عن أن هذا الطعن في قادات الإسلام لا تجده إلا في كتب المستشرقين وأذنابهم، فقادات الإسلام ليسوا أصحاب عقول وكفى، ولكنهم أصحاب تقوى وعقول، فعقولهم محكومة بتقواهم، شهد لهم بذلك المنصفون من الأعداء قبل المحبين لهم من الأولياء، فهذا البند تضمن تفضيل قيادة المرأة على قيادة الرجل عموماً، في عصرنا وقبل عصرنا، فلم يستثن طارق عصراً دون عصر.(1/123)
وفي أكثر هذه البنود مدح للمرأة بما هو ذم معروف عند الناس كقوله: (حزمها أقل) وكلامه هذا فيمن تصلح لقيادة العالم، ولتجييش الجيوش، ومنازلة الأعداء.
ولو تمعن القارئ في بنوده كلها لما وجد فيها بنداً واحداً يصلح دليلاً على أن المرأة صالحة لأن تكون قائدة، ولو كان تقياً لقال بقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» ولكن أنى لطارق الصلاح وهو يبطن بالرفض، ومبتلى بالعقلانية، ومفتون بالدعوة الإجرامية المساواة الديمقراطية؟ وكيف لا يكون مفتوناً بها وقد سبق منظمات التنصير وأمريكا والأمم المتحدة في دعواه بأن المرأة قد سبقت الرجل في ميدان القيادة؟ إذاً فما على الرجال إلا أن يلبسوا لباس النساء، وليقعدوا في البيوت لحضانة الأطفال، وطهي الطعام، وعليهم أن يفسحوا الطريق للقيادة النسائية. فسبحان من مسخ عقول هؤلاء حتى أنكروا ما كانوا بالأمس يدعون إليه، وقبلوا ما كانوا في الأمس يستنكرونه، يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك.
انحراف دعاة المساواة عن القرآن والسنة
لقد صار المفتونون من المسلمين بدعوة المساواة لا يكادون أن يعرفوا إلا القوانين، ولا يناشدون إلا بالعمل بما في الاتفاقيات الدولية، وآسف على اللجنة الوطنية للمرأة في اليمن أن وصلت إلى هذا المستوى، فها هي رئيسة اللجنة تقول كما في كتيب صغير لها: (أثبتت الدراسات أن من جملة العوامل الأساسية لدوام الفجوة بين الرجال والنساء في غير مجال: هو عدم إدراك كثير من النساء لحقوقهن القانونية...) فأين هؤلاء من قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه» وقد صرح بعض دعاة المساواة بهذه الحقيقة قائلا: (فلنلق بالنصوص القرآنية التي لا تسوي _ صراحة _ بين الرجل والمرأة في مزبلة الأيديولوجية ...).(1/124)
وكلام هذا المجرم يذكرنا بقول ربنا في كفار قريش، قال تعالى مخبرا عنهم: {وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون} ألا يعلم هؤلاء أن القرآن والسنة محفوظان بحفظ الله إلى قيام الساعة؟ فليموتوا بغيظهم.
تمرد المخدوعات بدعوة المساواة عن المجتمع المسلم.
لقد تعالت أصوات داعيات المساواة المصرحة بمنابذة من يرفض بوائق دعوتهن، بل لقد حكمن على الآباء والأولياء أنهم ديكتاتوريون، وعلى العلماء بأنهم ظلاميون، وعلى الشعوب أنها حجر عثرة أمام المساواة، وعلى الدول أنها متلاعبة بحقوق المساواة. فانظر إلى هذا التحول الرهيب!! مما يدل على ضعف عقول هؤلاء النسوة، وهذا التمرد ظاهر في أقوالهن في وسائل الإعلام، فنقول لهؤلاء المتمردات: لا يعقل أن تكون الأبوة والأمومة والأخوة والقرابة والعلماء والأمناء الناصحون المشفقون على باطل وأنتن ومن دعاكن إلى المساواة من صناديد الكفار على حق وسداد.
وخلاصة القول: أن المرأة المفتونة بالمساواة تنسلخ من التمسك بدينها، ومن الارتباط بمجتمعها شيئاً فشيئاً، فتنطلق كما يريد أعداؤها، وهذا تحقيق لما صرح به قائلهم: متى مدت المرأة يدها إلينا فزنا بالحرام.
الدول الكبرى الكافرة تجعل الداعيات إلى المساواة في بلاد المسلمين حارسات لمبادئها وجاسوسات لها
ألا وإن من شؤم الداعيات إلى المساواة أنهن صرن حرساً لمبادئ الدول الكفرية، بل إنهن يقمن بعمل استخباري لصالح هذه الدول، تحت غطاء رفع التقارير المتعلقة بالمرأة، فكثيراً ما تطالب الهيئات والحركات النسوية برفع تقارير للجهات الكافرة، حتى قالت بعضهن ما نصه: «وبصورة أوضح: هؤلاء يريدون من الحركة النسوية في منطقتنا أن تكون حارساً على سياستهم العدوانية ضد شعوبنا، وحركة تقدم مجتمعاتنا ونهب ثرواتنا». نقلا من موقع (الحركة النسوية العربية).(1/125)
وتقول إحدى الداعيات إلى المساواة: (أنا أعتقد أن هناك قضية مباشرة أخطر من ذلك، وهي: أن هذه المؤسسات تقوم بدور تجسس استخباري سياسي، تؤسس له بأرضية تغيير قيم، يعني: التغيير القيمى مرتبط بالتغيير الثقافي، وهي أرضية للمد الاقتصادي للعولمة الاقتصادية للهيمنة الاقتصادية. أنا جمعت عدداً كبيراً، وليس المجال هنا لتعداد من طلب التقارير من الكتابات والأوراق التي صدرت عن مؤتمرات نسائية، وكل هذه المؤتمرات كانت مطالبة بتقديم تقارير، وهذه التقارير ليست عن وضع المرأة، إنها مسح سكاني للحي الفلاني، مسح حاجات اقتصادية للقرية الفلانية، دراسة الظروف المعيشية للحي الفلاني». نقلا من برنامج (للنساء فقط) قناة الجزيرة.
فهذا المقال يكشف عن حقيقة طالما تكلم بها أهل العلم، ألا وهي: أن النساء التي اجتذبتهن الدعوة الكفرية (الديمقراطية) مستخدمات من قبل الدول الممولة لهذه الاتجاهات، فلا تغتر بدعواهن أنهن غيورات وحريصات على حقوق النساء.
تسلط الداعيات إلى المساواة على حقوق النساء باسم المساواة(1/126)
أردت في هذا الباب أن أوضح قضية مهمة حول الداعيات إلى حقوق المرأة ومساواتها بالرجل، وهي: أن هؤلاء الداعيات قد توصلن إلى تلقي أموال ومساعدات من قبل الدول الكافرة اللاتي لهن مصالح من وراء دعوة المساواة، فما كان من هؤلاء الداعيات إلا أن قمن بإنشاء جمعيات ومؤسسات وهيئات نسوية منهن وإليهن، وما جاء من وقت إلا وهذه الجمعيات والمؤسسات والهيئات في ازدياد، حتى صار هذا أمراً جالباً للشك والريبة، فقد ذكر أحد الكتاب المصريين أن الجمعيات النسوية في مصر بلغت في التسعينات إلى مائتي جمعية، وأفاد بعض الباحثين اليمنيين أن الجمعيات النسوية في اليمن كانت (13) جمعية في عام 1997م، ووصلت إلى (62) جمعية في عام 2000م، ولا يخفى أن هذه الأموال تأتي باسم مناصرة المرأة وقضاياها، لكثرة مناداة الداعيات إلى المساواة بحقوق المرأة، وأنها مظلومة ومهضومة، فلما توصلن إلى المنح والمساعدات قلبن ظهر المجن على بنات جنسهن، فتسلطن على هذه الأموال واستأثرن بها لهن، فأين ذهب التباكي منهن عند الدول الكافرة على بنات جنسهن، ولا تنس أن النساء المتأثرات بدعوة المساواة التي تنادي بها الداعيات إليها قد وعدن بالعطاء والرخاء والرفاهية، شريطة قبولهن ومناصرتهن للداعيات إلى المساواة، فشاركن في الترويج لدعوة المساواة وتنازلن عما تطالبهن به الداعيات إلى المساواة، حسن ظن بهن أنهن صادقات ووفيات، ففوجئن بأنهن جعلن وسيلة دعائية لداعيات المساواة للتوصل إلى الأموال والوظائف، فلما جاءت الأموال إلى الداعيات ونلن الوظائف خصصن أنفسهن بذلك، وذهبت تلك المواعيد، وانطفأت تلك الحرارة على النسوة، واشتغلن بمصالحهن الخاصة، فخسرت النساء المتأثرات بدعوة المساواة أموراً من دينهن ودنياهن، فإلى متى تظل المسلمات تجري وراء الدعوات المبطنة بالمكر والخدع والغدر؟ فلا حول ولا قوة إلا بالله، مع العلم أن هذه المساعدات لا يجوز قبولها، لما علم من أنها تخدم الأعداء(1/127)
وتضر بالمسلمين.
دعوة المساواة إلى إلغاء ولاية الآباء على الأبناء
ومما جاءت به المساواة: الدعوة إلى إلغاء ولاية الآباء والأمهات على الأبناء والبنات، ويُعلم ذلك من خلال القرارات والتوصيات التي تصدرها المؤتمرات المتعلقة بالشباب والشابات من قضايا العشق والزنا والنسل وغير ذلك، ففي تقرير مؤتمر السكان الدولي المنعقد عام 1994م ما نصه: (ينبغي أن تشرك البرامج، وأن تدرب كل من يتسنى لهم توفير التوجيه للمراهقين فيما يتعلق بالسلوك الجنسي والإنجابي المسؤول، وخاصة الوالدين والأسر) نقلا من كتاب "العدوان على المرأة" (195).
وجاء في تقرير المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة في بكين عام 1995م مانصه: «في جميع الأعمال المتعلقة بالطفل ينبغي أن تولي مصالح الطفل اعتباراً رئيسياً، وينبغي تشجيع الثقافة الجنسية المتكاملة للشباب بمؤازرة الآباء وتوجيههم، تأكيداً على مسؤولية الذكور عن سلوكهم في مجال الجنس والخصوبة». نقلا من المصدر المذكور سابقاً ص (197).
فحقيقة هذه المساواة: سلب قوامة الآباء على الأبناء، خصوصاً في مرحلة الشباب، وتحويل الآباء والأمهات إلى خادمين للأبناء والبنات، من خلال ما ذكر آنفا في التوصيات والقرارات الدولية.
وإني لأحمد الله على ما جاءنا به في كتابه، وجاء به رسوله في سنته من فرض طاعة الوالدين في كل الأحوال، ما لم تكن معصية لله، وما ذاك إلا لأن ولاية الآباء والأمهات على الأبناء والبنات مستمرة لا تنتهي ببلوغ الأبناء قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا} وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «... والرجل راع في أهل بيته» رواه البخاري برقم (893) واللفظ له ومسلم برقم (1829) من حديث ابن عمر. وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «أنت ومالك لأبيك» رواه ابن ماجه رقم (2291) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
المساواة في العري والتهتك للعورات(1/128)
الدعوة إلى التهتك والعري نوع من أنواع الحرية في نظر أصحابها، وهذا ما تصبو إليه الفكرة الصهيونية، قال عبد السلام البسيوني في كتابه "ماذا يريدون من المرأة" ص (122): «إن رغبة أخرى تكمن وراء الانشغال بالجنس، كأنما الكاتب يقول: لتنزل كل السراويل والملابس الداخلية، لا شيء ينبغي أن يمنع لننظر إلى جسم الإنسان دون أن تطرف لنا عين» ثم قال معلقاً بعد كلامه هذا: «هذا ما رمى إليه الصهاينة في البروتوكولات؛ أن يخلقوا جيلاً لا يخجل من النظر إلى عورته أو عورة غيره، فلعن الله المستبيحين». والذي يلاحظ عظيم الانحراف الذي وقعت فيه بعض بنات المسلمين بسبب قبول التعري يجد أموراً يشيب لها الرأس، ومن ذلك لبس المرأة (المايوه) ذو القطعة الواحدة، يكشف الفخذ كاملاً، وهذا اللباس تلبسه المرأة للسباحة في البحر، ويغالطن أنفسهن أنهن بين النساء فقط، فوا أسفاه على أعراض المسلمات، وبعضهن تلبس عند السباحة المايوه ذو القطعتين، وهو يكشف كامل الجسم ما عدا الحوض وجزء من النهدين، ومنهن من تلبس ربع بنطلون (شورت) فيبقى معظم الفخذين مكشوفاً، وتخرج به خارج بيتها لتزاول أعمالها بين الرجال، ومنهن من تلبس (موديل بروتل) وهو مفتوح على الصدر والظهر بمستوى واحد، ومعلق بخيطين حمالات على أكتافها، ومفتوح على كامل الظهر إلى الخاصر، وبعضهن تضع قطعة قماش على ثدييها مربوطة من خلف أسفل ظهرها مع ظهور نحرها وصدرها وبطنها، وفساد ملابس النساء في عصرنا لا ينتهي، ولا سلامة من هذا التهتك إلا بمحاربة ما يدعو إليه شياطين الإنس والجن، قال تعالى: {يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون} الأعراف، ويقول تعالى: { يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} الأعراف.(1/129)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «صنفان من أهل النار لم أرهما: رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات» وأيضا الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إحفظ عورتك إلا من زوجتك، أو ما ملكت يمينك» رواه أحمد (5/4) وأبو داود رقم (4017) واللفظ له وهو حديث حسن، وعن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد» رواه مسلم رقم (338).
فليتق الله المسلمون: رجالهم ونساءهم، وشبابهم وشاباتهم بملازمة الدعوة إلى الفضيلة، وتجنب ما يدعو إلى الرذيلة، وليحافظوا على لباسهم الإسلامي.
المساواة بين الشاب والشابة في رتق غشاء البكارة.
لما كثر الزنا بالشابات قبل زواجهن _ خصوصاً في الشعوب الكافرة التي انتشرت فيها الدعوة إلى المساواة والحرية _ عمد بعض الأطباء المنحرفين إلى رتق غشاء البكارة لكي تعود الشابة _ في نظرهم _ بكراً، انظر كتاب "جراحات الذكورة والأنوثة" ص (122). فما أقبحها من مساواة تظهر الزناة بمظهر العفاف، وتظهر المفسد بمظهر المصلح، ويجب أن يعلم أن رتق بكارة الزانية فيه مفاسد عظيمة وأضرار كثيرة، منها:
? أن الرتق غش للزوج وكذب عليه.
? وأيضا: قد تتزوج وهي حامل، فيحصل الاختلاط بين ماء الزوج وماء الزاني، وهذا من المنكر العظيم لما فيه من اختلاط الأنساب.
? وأيضا فيه التعاون على الإثم والعدوان من قبل من يعينها على الرتق. فحذاري حذاري من الاستجابة لهذه المساواة الخسيسة.
تنبيه: قد تذهب بكارة الشابة بأمر طارئ غير الزنا، كالسقوط على الأرض وما شابه ذلك، فليتنبه، فهنا لا ملامة عليها، ولا يجوز في نفس الوقت رتقها.
المساواة في سن الزواج(1/130)
تسعى الديمقراطية إلى التدخل والتحكم في جميع شئون الناس، ومن ذلك تقرير سن الزواج، وجعله محدداً بـ (18) سنة فما فوق، ومراد مشرعي الديمقراطية المحاربة للزواج المبكر، وقد صرحوا بذلك في المؤتمرات الدولية والعالمية، ومنها مؤتمر نيروبي وبكين والمكسيك والقاهرة وغيرها، ومن ذلك قولهم: (وما برح الإنجاب المبكر يشكل عقبة تحول دون تحسين مركز المرأة من النواحي التعليمية والاقتصادية والاجتماعية في جميع أنحاء العالم، وإجمالاً يمكن للزواج المبكر والأمومة المبكرة أن يحدا _ بصورة بالغة _ من فرص التعليم والعمل، ومن المرجح أن ينجم عنهما أثر سلبي طويل الأجل بالنسبة لنوعية حياة الأم وحياة أطفالها). "العدوان على المرأة في المؤتمرات الدولية" ص (176_177) وانظر المصدر نفسه ص (175_178).
وقد تم تنزيل خطة من المخطط الدولي عنوانها (مدونة الأحوال الشخصية) ومما دعت إليه: رفع سن الزواج لدى الشباب والشابات من (15) إلى (18) سنة، ولو أن الأعداء هؤلاء حينما دعوا إلى تقرير الزواج بـ(18) سنة فما فوق حاربوا الزنا واللواط، وحصنوا فيه الشباب والشابات؛ لكان الأمر أهون، ولكنهم في الوقت الذي يحاربون الزواج المبكر يبيحون الزنا للشباب والشابات بكل الوسائل المتاحة لذلك، كما ذكرنا هذا سابقاً. وأعداؤنا يسعون جاهدين إلى نشر ما سبق ذكره في بلاد المسلمين، كي تتحقق لهم مساواة المسلمين بهم فيما يتعلق بما ذكر من أحوال الشباب والشابات.(1/131)
وقد جندت المنظمات التنصيرية في اليمن وغيره نفسها لمحاربة الزواج المبكر، سائرة في ذلك على طريقة المؤتمرات الدولية وغير الدولية الداعية إلى هذا، وتجند المنظمات معها من أبنائنا من يشترى بالمال ومن يخدع بمعسول الكلام، ولا يخفاك أن المسلمين سائرون منذ أن جاء الإسلام في أمر الزواج على التبكير به حسب القدرة والاستطاعة، لما يعلمون من منافع الزواج المبكر في بداية البلوغ من تحصين الشاب والشابة من الفتن والرذائل، والمحافظة على المجتمع من انتشار الفساد، إلى جانب أنه سبب في الغنى، قال الله: {وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} النور، ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «ثلاثة كلهم حق على الله عونه: المجاهد في سبيل الله، والناكح يريد العفاف ...» رواه النسائي برقم (3120) واللفظ له وابن ماجه برقم (2518). ولا خلاف بين أهل العلم على شرعية الزواج عند بلوغ الذكور والإناث.
المساواة بين الأسرة والكلاب(1/132)
الحيوانات _ وفي مقدمتها الكلاب _ تعتبر جزءاً من نظام الأسرة في الغرب في نظر كثير منهم، ومعاملة الغرب للكلاب بالإحسان فاقت حسن معاملتهم للإنسان، قال صاحب كتاب "الفوائد العذاب في ما جاء في الكلاب" ص (235) وهو يتحدث عن مكانة الكلاب عند الغربيين: «فترى للكلب مكاناً في حياتهم يتمناها كثير من الشعوب المقهورة من الذين قهروهم هم أنفسهم، فيا للعجب، فهذه فنادق خاصة للكلاب، وهذه أسواق خاصة لهم، وهذه الألبسة والأمتعة لكلابهم، بل وهذه المستشفيات والمصحات، وهذه الأدوية والعقاقير، وهذه الاحتفالات التي تقام لهم، وأعياد الميلاد الخاصة بهم، وهذا يورث كلبه مليون دولار، وآخر يورث كلبه مزارع ومصانع، إلى آخر هذه الخرافات والسخافات، والتي بلغت عندهم مبلغاً عجيباً، بحيث تمنى بعض الناس منزلة بعض الكلاب».
ومما يدل على حفاوتهم بالكلاب حتى على مستوى زعمائهم ما ذكره ص (237) قائلا: «حلت الكلاب والحمير والدجاج ضيوفاً على قصر الرئاسة في قبرص، مع مطالبة مجيء الحيوانات الحكومية باتخاذ مزيد من الإجراءات لضمان رفاهيتها».(1/133)
ومن ذلك ما قاله العلامة العمراني كما في كتاب "قصص وحكايات من اليمن" ص (95) وهو يتحدث عن سيف الإسلام الحسين بن الإمام يحيى حميد الدين: «وفي أحد الأيام سار سيف الإسلام الحسين مع مرافقه الحاج عزيز في أحد شوارع لندن، فهجم عليهما أحد الكلاب، فما كان من الحاج عزيز إلا أن رفع الجنبية وطعن الكلب بها كعادته إذا هاجمه كلب من كلاب البوادي التي خارج مدينة صنعاء، وفي هذه الأثناء صور الواقعة شرطي، وفي اليوم الثاني وصل إلى الحاج عزيز استدعاء إلى المحكمة، فأنكر طعنه للكلب، فأخرجوا له الصور، فأقر، فحكم القاضي بأن يدفع مصاريف علاج الكلب، وأن يلزم بزيارة الكلب في المستشفى، فلما وصل الحاج عزيز إلى المستشفى لزيارة الكلب، وأبصره الكلب قفز الكلب من على سريرة، وصاح صياحاً مزعجاً، وكأن الكلب تصور أن الحاج عزيز سيكرر الطعنه، فأخرج الحاج عزيز، واكتفوا بذلك».
فمعاملة الغرب للكلاب أحسن بكثير من معاملته للمسلمين، قال صاحب كتاب "القطاع الخير ودعاوى الإرهاب" ص (356) وهو يتحدث عن معاملة أسرى المسلمين في جوانتانامو: «أبدت مفوضية حقوق الإنسان في الأمم المتحدة (ماري روبرتسون) قلقها لطريقة معاملة الأسرى الأفغان في معتقل (جوانتانامو) فيما أكد تقرير لمنظمة العفو الدولية أن الأمريكيين يعاملون السجناء بطريقة سيئة للغاية، لا تليق بالحيوانات، واعتبرت المنظمة أن الكلاب في المجتمعات الغربية لها حقوق أكثر، وتعامل بطريقة أفضل من هؤلاء السجناء، وطالبت المنظمة الولايات المتحدة باعتبار هؤلاء السجناء أسرى حرب ومعاملتهم على هذا الأساس».(1/134)
وفي الوقت الذي يعتني الغرب بالكلاب يضيعون حقوق كبار السن كالآباء والأمهات قال صاحب كتاب "أمريكا السقوط والحل" ص (25_27) وهو يتحدث عن كبار السن في أمريكا: «إن مشكلة رعاية الكبار أصبحت أزمة واضحة مؤثرة في تحلل نظام الأسرة، وفيما يلي بعض الأمثلة الموضحة والأدلة المبينة: ... 40% من الذين يبلغون من العمر (65) عاماً وما فوق يعانون من أمراض جسمية أو عقلية مزمنة، والاتجاه السائد هو تحويل عبء الرعاية الشخصية إلى مراكز رعاية المسنين بدلاً من الأهل والأقارب... زد على ذلك أن مراكز الرعاية لها الحق في اختيار نزلائها، فترفض كبار السن المرضى، أو ناقصي العقل، وتقبل الأصحاء الذين يحتاجون لرعاية أقل».
انظر _ أيها العاقل _ إلى دعوى الغرب إلى المساواة والحرية وهم أشد الناس تضييعاً لمن لهم أعظم الحقوق بعد حق الله، وهم الآباء والأمهات، فلم تهدهم عقولهم _ التي يدعون أنها أرقى عقول في العالم _ إلى الرحمة والإحسان إلى آبائهم وأمهاتهم، فأنى لهم أن يهتدوا إلى ما فيه الإحسان إلى البشرية.
المساواة بين المرأة والكلبة في النكاح
إن عفن المساواة والحرية الديمقراطية بلغت بأصحابها مبلغاً عفناً وقبيحاً إلى أن جعلت الكلب والكلبة شريك حياة للرجل والمرأة، فيحق لكل واحد منهما أن ينكح كلباً أو كلبة، بل إن من الغربيين من يعلم الكلب مجامعة زوجته!! قال صاحب كتاب "الفوائد العذاب" ص (235): «والأعجب من ذلك والأخزى تعليم الكلاب الجماع مع نسائهم، بحيث استغنت الشاذات منهم عن الرجال، وألهوا أنفسهم بكلابهم».(1/135)
وهناك الكثير من النساء في الغرب صرن معجبات بالكلاب، فصرن يفضلن الأزواج الذين يتمتعون بصفات الكلاب، فقد ذكرت صحيفة الأسرة اليمنية (ملحق الثورة) في عددها (241) 10/ربيع الأول/1427هـ الموافق 8/إبريل/2006م أن دراسة حديثة أكدت أن الأمريكيات يفضلن لو أن أزواجهن كانت لديهم صفات كتلك التي للكلاب لكانت حياتهن أسعد حالاً، ولتلاشت مشاكل كثيرة تعكر حياتهن. ثم قالت صحيفة الأسرة: «وقد أكدت جريدة (الراية) أنه ورد في استطلاع للرأي أعده أمريكان كينيل كلوب أن 34% من الأمريكيات أكدن بأنه لو كان الكلب رجلاً لما ترددن في جعله بوي فرند (أي زوج) لهن، وقد أفادت 90% من النساء أنهن كن يتمنين لو أن الشريك الآخر (أي: الزوج) يتمتع ببعض ميزات الكلاب، مثل الاحتفاظ بالمزاج الرائق والدائم، والرغبة في قضاء وقت كبير معهن، وغمرهن بالعطف عند الاسترخاء على المقعد».
وإليك هذه القصة التي تدل على سخافة عقول هؤلاء المنحلين من القيم والأخلاق، فقد ذكر الدكتور محمد علي البار في كتابه "عمل المرأة في الميزان" ص (147): «إن إحدى الفنانات قامت على أحد المسارح في الدانمرك، وخلعت ثيابها قطعة قطعة، حتى وقفت عارية تماماً في وسط المسرح، ثم قامت تلك الداعرة العاهرة الفنانة بممارسة الفاحشة مع كلبها أمام الناس، ثم لم تلبث بعد ذلك أن طلبت من الحاضرين متحدية أن يفعلوا مثل ما فعل الكلب».
وقال البار _ أيضاً _ في كتابه "الأمراض الجنسية" ص (73): «وفي المؤتمر الأوروبي لأمراض القلب المنعقد في دوسلدورف بألمانيا الغربية عام 1984م أخبرني أحد الزملاء الأطباء العرب الذين يعملون في ألمانيا بقصة زميل طبيب ألماني حضر إلى قسم الحوادث في الليل مضروب الرأس والدم يسيل منه، فلما سأله عن السبب أخبره أنه وجد زوجته يجامعها كلبها الضخم، فلما قام يضرب الكلب قامت بتهشيم رأسه بالفازة، وقالت له: ألا تعلم أن هذا هو عشيقي الوحيد».(1/136)
وذكر البار _ أيضاً _ في المصدر المذكور ص (73) أن لعق الكلاب فروج النساء أمر غير نادر الحدوث.
فأقول: لقد كلَّ القلم، وطفح الكيل في نقل دياثة الغرب، ولقد كنا في غنى عن نقل هذه القبائح، لكن اضطررنا إلى ذلك بسبب اغترار بعض المسلمين بهؤلاء وإعجابهم بهم.
المساواة في إلحاق المرأة باسم زوجها ...
مما هو حاصل في بلاد الغرب: أن المرأة إذا تزوجت رجلاً ألحق اسمها باسمه كما ذكر ذلك صاحب رسالة "الحضارة الغربية على شفا جرف هار" ص (12) فقد قال: «تطالب المرأة الفرنسية بمساواتها بالمرأة المسلمة من حيث الاحتفاظ باسمها بعد الزواج، وقد بدأت المرأة الفرنسية تطالب بذلك بعد أن صدر أخيراً في الولايات المتحدة قانون يسمح للمرأة الأمريكية بالاحتفاظ باسمها بعد الزواج إذا ما رغبت في ذلك، وترى الجمعيات النسائية وصحف المرأة في باريس أنه ما لم توافق الحكومة الفرنسية على إصدار قانون مما ثل للقانون الأمريكي فلا أقل من أن يكون لها نفس الحق الذي تمتلكه المرأة المسلمة المتمثل في المحافظة على اسمها بعد الزواج».
فأفاد هذا النقل تذمر بعض النساء في الغرب من إلحاق أسمائهن باسم أزواجهن، وما كنا نتوقع أن الداعيات من بنات المسلمين إلى المساواة يقبلن ذلك، ولكن قُبل، فها هي صفية زغلول تلحق اسمها باسم زوجها، قال المقدم في كتابه "عودة الحجاب" (1/105) في بيان اسم صفية الحقيقي: «هي بنت مصطفى فهمي، وقد تسمت باسم زوجها سعد زغلول تشبهاً بالإفرنج في نسبة المرأة إلى زوجها».
وقال في هدى شعراوي في المصدر السابق (1/106): «هي نور الهدى بنت محمد سلطان باشا التي تسمت فيما بعد على الطريقة الأوربية بهدى شعراوي، إلحاقاً لها باسم زوجها علي باشا شعراوي بواسطة حرم حسين باشا رشدي الفرنسية».(1/137)
وقال صاحب كتاب "البنت في الإسلام رعاية ومسؤولية" ص (29): «وما تفعله اليوم بعض المسلمات من تقليد للغربية ومجتمعاتها كأن تجعل نسبها وشخصيتها الذاتية تبع لزوجها، فهو فعل شنيع لا يقبله الإسلام الذي شرع التميز الذاتي للأنثى كما للذكر، ورسم كيانه من جهة التابعية، فتمييزها الذاتي بعد الزواج هو نفسه قبل الزواج دون أي تأثير على هذا الكيان الذاتي، ورسم كيانه من جهة روحية الاسم وأبعاده المعنوية، إنه كان ولا يزال عرف المجتمعات الغربية يعتبر ضرورة ذوبان ذاتية المرأة في ذاتية الرجل الزوج، وكأنه أصلها التي تفرغت عنه، فدعيت بـ(السيدة فلان) وحيث كان اسم زوجها فهو عمود نسبها، وهذا خطأ يرفضه الواقع، لأنه مخالف للحقيقة، وهو متعارض مع الاعتبارات الذاتية».
وقد أوجب الإسلام على المسلمين أن ينسبوا أبناءهم ذكوراً وإناثاً إلى آبائهم قال تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ} الأحزاب، وحرم الرسول - صلى الله عليه وسلم - الانتساب إلى غير الأب، وجعل ذلك من كبائر الذنوب، فقد جاء عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «من انتسب إلى غير أبيه، أو تولى غير مواليه؛ فعليه لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين» رواه ابن ماجة وغيره وهو صحيح.
وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام» متفق عليه
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا ترغبوا عن أبائكم، فمن رغب عن أبيه فهو كفر» متفق عليه.
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر» متفق عليه.(1/138)
والحكمة من تحريم الانتساب إلى غير الأب ما قاله غير واحد من العلماء: قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد في رسالته "تسمية المولود" ص (30) وهو يتحدث عن أسرار التشريع في النسب فقال: «وهذا من أسرار التشريع، إذ النسبة إلى الأب أشد في التعريف وأبلغ في التمييز، لأن الأب هو صاحب القوامة على ولده وأمه، في الدار وخارجها».
الفصل الرابع:
رد المساواة الديمقراطية وإبطالها بالأدلة العقلية والفطرية
والحسية والنقلية والإجماع والتاريخ وغير ذلك
ولما كانت دعوة المساواة مبنية على الإلحاد؛ تنوعت الأدلة الكثيرة الدالة على بطلانها، وأردنا أن نذكر هاهنا هذه الأدلة، فعقدنا هذا الفصل:
تعريف المساواة في اللغة لا يتفق مع المساواة الديمقراطية
قال ابن الأثير في "النهاية" (2/427) في مادة (السين) وهو يتحدث عن المساواة بين الناس: «معناه أنهم (أي: الناس) إنما يتساوون إذا رضوا بالنقص، وتركوا التنافس في طلب الفضائل ودرك المعالي. قال: وقد يكون ذلك خاصاً في الجهل، وذلك أن الناس لا يتساوون في العلم، وإنما يتساوون إذا كانوا كلهم جهالا»
وقال صاحب "لسان العرب" (6/444): «ويقال: ساويت هذا بذلك، إذا رفعته حتى بلغ قدره ومبلغه».
وقال أيضاً: «وتساوت الأمور، واستوت، وساويت بينهما، أي: سويت، واستوى الشيئان، وتساويا: تماثلا، وسويته به».
وقال في "المعجم الوسيط" (1/466): «ساواه: ماثله، وعادله. ويقال: ساوى فلان: قرنه وبه في العلم وغيره لحق به، وهذا بذاك: رفعه حتى بلغ قدره ومبلغه. وبينهما: جعلها يتماثلان ويتعادلان»
وقال الأزهري: كما في "مختار الصحاح" (324): «قولهم: لا يزال الناس بخير ما تباينوا، فإذا تساووا هلكوا، أصله: أن الخير في النادر من الناس، فإذا استووا في الشر ولم يكن فيهم ذو خير كانوا من الهلكى»(1/139)
فهذه التعريفات واضحة أن مساواة الناس لا تتحقق في الخير، لقلة أهل الخير وندوره فيهم، وأيضاً لا تتحقق في المصالح النافعة للعباد ولو كانت دنيوية، ولكن تتحقق في الشر، وهذا ما يرمي إليه دعاة المساواة الديمقراطية، لا كما يتظاهرون، فالمساواة المذكورة لن يتوصل بها إلا إلى الفساد والإلحاد والكفر والعناد والشقاق والابتعاد عن الحق والصواب.
وأعداء الإسلام جعلوا حقيقتها كذلك، لكثرة من يقبل هذا ويسير عليه، مع أن هذه المساواة في الشر ليست على إطلاقها، لتفاوت أصحاب الشر فيها من وجوه كثيرة، فهم ما بين مثقف وجاهل، ومتعمد ومخطئ، وراض ومكره، ومريد لقضاء شهوته ومريد لإفساد أمته، ومعلن بذلك ومتستر، ومن يفعل ذلك بمكر ومؤامرة ومن يفعل ذلك مناصرة للكفار وتنفيذاً لمطالبهم.
تعريف المساواة في الاصطلاح يخالف المساواة الديمقراطية:
قال العلامة ابن الجوزي: «ذكر أهل التفسير أن (السواء) في القرآن على خمسة أوجه:
أحدها: المعادلة والمماثلة، ومنه قوله تعالى في البقرة: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ} وفي الحج: {سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} وفي الروم: {فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء} وفي المنافقين: {سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ}.
الثاني: العدل، ومنه قوله تعالى في آل عمران: {تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} وفي فصلت: {سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ} وفي ص: {وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاء الصِّرَاطِ}.
الثالث: الوسط، ومنه قوله تعالى في الدخان: {خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاء الْجَحِيمِ} وفي الصافات: {فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيمِ}.
الرابع: الأمر البين، ومنه قوله تعالى في الأنفال: {فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء} وفي الأنبياء: {فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنتُكُمْ عَلَى سَوَاء}.(1/140)
الخامس: القصد، ومنه قوله تعالى في المائدة: {وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ} وفي القصص: {عََسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ}».
فهذه الأدلة دالة على أن التسوية على معان متعددة، منها الحق ومنها الباطل، فالمساواة الديمقراطية إما أن تقبل كل هذه الأنواع، وتكون مساواتها قد جمعت بين الحق والباطل بما في ذلك الشرك والكفر بالله، وهذا مرفوض في شرع الله. وإما أن تكون مساواة على الباطل فقط، وهذا هو أساس ما تقوم عليه الديمقراطية، وعليه فهي مساواة في كل باطل من كفر وإلحاد وزندقة وغير ذلك، فرفضها وبطلانها أشد، وردها آكد، ومحاربتها أوجب.
لوازم صحيحة تبطل دعوة المساواة
لقد علم شرعاً وعقلاً أن هنالك فوارق أساسية بين الرجل والمرأة في خلقهما وعقلهما، وهذه الفوارق ظاهرة وواضحة: فعقل الرجل غير عقل المرأة، وقوة الرجل البدنية غير قوتها، وشجاعة الرجل غير شجاعتها، وهيئة الرجل وحركته غير هيئتها وحركتها، فيلزم القائلين بدعوة المساواة أمور:(1/141)
1- يلزمهم عند مساواتهم المرأة بالرجل: أن يكون عند المرأة عقل مثل عقل الرجل، ومعلوم أن المرأة ناقصة عقل، فقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن! قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال - صلى الله عليه وسلم - : أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان عقلها» رواه البخاري رقم (304) واللفظ له، ومسلم رقم (79). وقد ألزم عقلاء الغرب دعاة المساواة بهذا الإلزام، فها هو الفيلسوف الألماني (شوبنهور) يخاطب أوروبا قائلاً: «مادامت أباحت للمرأة حقوقاً مثل الرجل كان من اللازم أن تمنحها _ أيضاً _ عقلاً مثل عقله ...». نقلاً من كتاب "لماذا الهجوم على تعدد الزوجات؟" ص (30). وجميع عقلاء الناس يسلِّمون أن عقل الرجل أكمل من عقل المرأة، فإذا عجز دعاة المساواة عن المساواة في عقلية المرأة مع الرجل فدعوة المساواة المطلقة باطلة.
2- يلزمهم أن يعطوا المرأة قوة بدنية مثل قوة الرجل، قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «يا أنجشة رويدك، سوقك بالقوارير» رواه البخاري رقم (6149)، وقد كان أنجشة حادياً في بعض أسفار النبي - صلى الله عليه وسلم - . قال العلامة المحدث الرامهرمزي: «كنَّى على النساء بالقوارير لرقتهن وضعفهن عن الحركة، والنساء يشبهن بالقوارير في الرقة واللطافة وضعف البنية» "فتح القدير" (10/669).
وقال القرطبي: «شبهن بالقوارير لسرعة تأثرهن، وعدم تجلدهن، فخاف عليهن حثيث السير بسرعة السقوط والتألم من كثرة الحركة والاضطراب الناشئ عن السرعة» المصدر السابق. وقال الشاعر:
إن النساء رياحين خلقن لنا وكلنا يشتهي شم الرياحين
وقالت إحدى النساء لما طلب منها أن تتخاصم مع زوجها: «خلقنا للشم والضم لا للدخول في معارك الرجال».(1/142)
3- يلزمهم أن تكون قوة المرأة القلبية (الشجاعة) مثل قوة الرجل، فأنى للمرأة شجاعة الرجل ومغامراته في الحروب والأسفار وغير ذلك، وهذا معلوم لا يقدر على دفعه أحد، ولو كابر وعاند.
4- هيئة الرجل الحركية والكلامية والنظرية هيئة هيبة ورجولة، والمرأة هيئتها بعكس ذلك، فالمرأة بمجرد رؤية الرجال إليها يتبادر إلى أذهانهم أنوثتها، فإن تحركت رأى الناس تكسرها، فإن تكلمت فتن من فتن بصوتها، فإن تكشفت أغرت الرائي بمفاتنها، فإن لمسها هاجت فيه الشهوة إليها.
قال ابن عاشور في كتابه "أصول النظام الاجتماعي في الإسلام" ص (233): «فيحق أن تعلم أن المساواة التي سعت إليها الشريعة الإسلامية مساواة مقيدة بأحوال يجري فيها التساوي، وليست مطلقة في جميع الأحوال، لأن أصل خلقة البشر جاء على التفاوت في المواهب والأخلاق، وذلك التفاوت يؤثر تمايزاً بين أصحابه متقارباً أو متباعداً في آثار تلك الصفات، بترقب المنافع منهم، وتوقع المضار، فيفضي _ لا محالة _ إلى تفاوت معاملة الناس بعضهم بعضاً بمراتب الإكرام ومراتب ضده».
وقال محمد فريد وجدي في كتابه "المرأة المسلمة ..." ص (91): «وثبت _ باستقراء تاريخ الكون، وقوانين الحياة الإنسانية _ أنه لا توجد المساواة إلا مع تكافؤ القوة».
وعلى كل: هذه اللوازم أسس في عدم المساواة بين الرجل والمرأة، ولمكابرة دعاة المساواة في الغرب لم يعتبروا هذه اللوازم، لأنها تهدم ما يدعون إليه.
الفطرة والعقل يرفضان المساواة
ومما يدل على رد دعوة المساواة: أن الفطرة الإنسانية، والعقل الصحيح يرفضانها كمّاً وكيفاً، فالفطرة تقول: إن الرجل غير المرأة في حالات عديدة، ومجالات كثيرة، في الخَلق والخُلق والعقل والدين، وقد مر معك _ أخي القارئ _ التدليل على هذا الكلام في ثنايا هذه الرسالة.
وأما العقل السليم فهو أشد استنكاراً واستقباحاً لما تدعو إليه المساواة كما سيأتي:(1/143)
قال ابن عاشور في كتابه "أصول النظام الاجتماعي في الإسلام" (232): «قررنا أن الإسلام دين قوامه الفطرة، فكلما شهدت الفطرة بالتساوي فيه بين الناس فالإسلام يرمي فيه إلى المساواة، وكلما شهدت الفطرة بتفاوت المواهب البشرية فيه فالإسلام يعطي ذلك التفاوت حقه بمقدار ما يستحقه».
وقال صاحب كتاب "الفطرة" (585): «وأشرت إلى شواهد عدة تشهد على أن ما خالف الإسلام يخالف الفطرة ...».
قلت: ولما كانت دعوة المساواة ضد الفطرة من حياء وحشمة، وعفاف ورجولة، وقيم وأخلاق؛ كثر الاعتراض عليها وعلى دعاتها من قبل عقلاء الغرب، فضلاً عن المسلمين.
ولما كانت ضد الفطرة؛ نجد أن الذين قبلوها لم يكن قبولهم لها فطرياً، وإنما قبلوها بسبب الانحراف في الفطرة، أضف إلى ذلك: ما يميل إليه الشخص من الحرص على مصالحه الخاصة، من الوصول إلى كثرة المال، ونيل الجاه والشهرة والرفعة، أو المعاندة والانتقام من الآخرين.
وأما استنكار العقل دعوة المساواة ورفضه لها فيظهر جلياً من خلال الآتي:
1- قبيح لدى العقول السليمة أن تكون الشرائع _ التي بعث الله بها الأنبياء والرسل _ خالية من حقوق البشرية كاملة شاملة، لأن العقول تدرك أن الله أعلم وأحكم وأرحم بما هو أصلح لعباده دنيا وأخرى، فمستحيل أن تكون المساواة أنفع لنا مما شرعه الله، وشرعه رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - .
2- العقل يدرك أن الناس متى تباينوا استقامت أمورهم، لأنه يصير فيهم الأمير والمأمور، والعالم والعامي، والقوي والضعيف، والذكي والغبي، والغني والفقير، فالدعوة إلى المساواة تفقدهم التعاون فيما بينهم.(1/144)
3- العقل يرى أن المساواة لا تتحقق إلا بإلغاء التباين بين الرجال والنساء، وهذا الإلغاء لا يقدر عليه أحد من الخلق، فكيف تصح المساواة في أمور متباينة لا يقدر على إزالتها أحد، فلو عقل دعاة المساواة أنها فوق ما يتصورون وأبعد مما يمنون لما دعوا إليها، فالناعقون بها ليسوا على شيء من التعقل، لأن خاصية العقل التأمل فيما ينفع ويضر في الحال والمآل.
مقاصد الشريعة ترفض المساواة
من المعلوم أن الشريعة الإسلامية مبنية على الحكم والمصالح والمقاصد في المعاش والمعاد؛ فكل شيء خرج عن الحكمة والعدل والمصلحة فهو أجنبي عن الشريعة الإسلامية، والمقاصد التي بني عليها الإسلام على قسمين: عامة وخاصة.
أما العامة: فهي التي تراعيها الشريعة في أحكامها التشريعية، وهي المعروفة بالضروريات الخمس وهي:
? حفظ الدين: ويتحقق هذا بالإيمان والإسلام، والقيام بأركانهما، وإقامة الجهاد، ومحاربة الشرك والبدع والمعاصي.
? حفظ النفس: ويكون ذلك بتزكيتها بالقرآن والسنة، وإبعادها عن الرذائل، ويحفظ وجودها بالقصاص على من يستحق ذلك.
? حفظ العقل: ويتحقق بالتفقه في دين الله، والابتعاد عن المسكرات والمخدرات والشبهات.
? حفظ النسل: ويتحقق بالنكاح الشرعي، وضبط النسب، وتحريم الزنا.
? حفظ المال: ويكون بتنميته، وعدم إتلافه، وبإيجاب الضمان، وتحريم السرقة والربا وغير ذلك.
وأما المقاصد الخاصة: فهي المتعلقة بشخص أو أشخاص، كالمقاصد المتعلقة بالأسرة أو القضاء أو الشهادة أو غير ذلك. وهذه المقاصد منتهكة في دعوة المساواة، كما هو معلوم من إباحة المساواة الردة عن الإسلام, وإباحة الزنا والخمور وجميع أنواع المحرمات، وغير ذلك مما مر في ثنايا هذه الرسالة.
إلى جانب هذا نجد أن دعوة المساواة تهدم المقاصد الكلية، وهي التي تتعلق بالخلق كافة، كحفظ القرآن والسنة من التحريف والتبديل، وكإقامة العدل بين الخلق، والسير على الأخلاق الكريمة.(1/145)
إبطال القرآن والسنة دعوة المساواة
وإذا كانت دعوة المساواة مرفوضة فطرياً وعقلياً ولغوياً واصطلاحياً فما ظنك بالقرآن والسنة وفيهما الهدى والنور، أفيقبلانها؟ كلا فربنا يقول: {أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون} الزخرف.
قال العلامة الشنقيطي _ رحمه الله تعالى _ في تفسير هذه الآية: «يعني أنه تعالى لم يفوض إليهم أمر معايشهم، وحظوظهم في الدنيا، بل تولى هو جل وعلا قسمة ذلك بينهم، فجعل هذا غنياً وهذا فقيراً، وهذا رفيعاً وهذا وضيعاً، وهذا خادماً وهذا مخدوماً ونحو ذلك... بل كان تعالى هو المتصرف فيها بما شاء، كيف شاء». "أضواء البيان" (7/243).
وقال في قوله تعالى: {ليتخذ بعضهم بعضا سخريا}: «التحقيق _ إن شاء الله _: أنه من التسخير، ومعنى تسخير بعضهم لبعض: خدمة بعضهم البعض، وعمل بعضهم لبعض، لأن نظام العالم في الدنيا يتوقف قيامه على ذلك، فمن حكمته _ جل وعلا _ أن يجعل هذا فقيراً مع كونه قوياً قادراً على العمل، ويجعل هذا ضعيفاً لا يقدر على العمل بنفسه، ولكنه تعالى يهيء له دراهم يؤجر بها ذلك الفقير القوي، فينتفع القوى بدراهم الضعيف، والضعيف بعمل القوى، فتنتظم المعيشة لكل منهما، وهكذا» "أضواء البيان" (7/243).
وقال عند قوله: {نحن قسمنا بينهم معيشتهم}: «دلت هذه الآيات الكريمة... على أن تفاوت الناس في الأرزاق والحظوظ سنة من سنن الله السماوية الكونية القدرية، لا يستطيع أحد من أهل الأرض البتة تبديلها ولا تحويلها بوجه من الوجوه {فلن تجد لسنة تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا}» "أضواء البيان" (7/246)
وقال الله تعالى: {والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء} النحل.(1/146)
قال العلامة الشنقيطي في "أضواء البيان" (3/315): «وهذه الآية الكريمة نص صريح في إبطال مذهب الاشتراكية، القائل بأنه لا يكون أحد أفضل من أحد في الرزق». وذكر أن هذا قول جمهور العلماء.
وقال الله: {الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر} الرعد، وقال الله سبحانه وتعالى: {ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير} الشورى.
فهذه الآيات الكريمات دالة على أن الخلق متفاوتون في الأرزاق والرفعة وغير ذلك، وأن الله جعلهم كذلك لحكمة منه سبحانه.
وقال الله تعالى: {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض} النساء، والنهي في الآية عام عن تمني ما هو من خصائص الآخرين، فدعاة المساواة خالفوا الآية فيما نهت عنه، فكانت هذه المخالفة كما قال بعض المفسرين: «رأس الأسباب التي أوصلت كثيراً من نساء المسلمين وبناتهم إلى الردة والفجور والفسوق».
وما أعظم وقع هذه الآية في قلوب المؤمنين والمؤمنات في هذا العصر، بسبب مخالفة دعاة المساواة لما نهت عنه، والإصرار منهم على ذلك، وكيف لا يكون وقعها كما ذكرنا؟ وأهل الإيمان يشاهدون ما وصل إليه أهل المساواة من فسوق وفجور، بل بعضهم وصل به الانحراف إلى الردة والإلحاد، وكم أسست مذاهب كفرية وطرق مضلة أدت إلى التسلط على المرأة من قبل الرجل ومن قبل المرأة على الرجل، كلٌ يريد من الآخر ما منعه الله منه، فتعفنت الحياة من كثرة الفواحش والرذائل، وأظلمت الدنيا بسبب الفساد والإفساد, ولو عمل بهذه الآية لما حصل هذا، والمخالفة للنهي في هذه الآية من قبل النساء بكثرة، فمنهن من تتمنى أن تكون رجلاً، ومنهن من تتمنى أن تكون القوامة بيدها، ومنهن من تتمنى أعمال الرجال.(1/147)
وقال تعالى: {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين} وقال الله تعالى: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ} السجدة، وقال تعالى: {أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون} وقال تعالى: {أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار} وقال تعالى: {أم حسب الذين يعملون السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون} وقال تعالى: {لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون} وقال الله تعالى: {قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث} وقال تعالى: {ومن يهن الله فما له من مكرم} فهذه الآيات واضحة المباني، ظاهرة المعاني في الرد على الداعين إلى مساواة المؤمنين بالكافرين، والصالحين بالطالحين، والمتقين بالمفسدين.
وأما إبطال السنة دعوة المساواة: فقد جاء عند البخاري برقم (111) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يقتل مسلم بكافر» وجاء عند البخاري رقم (6764) ومسلم رقم (1614) من حديث أسامة بن زيد أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم».
ونفي المساواة في هذه الآيات صريح، والأحاديث صريحة، أفيجوز بعد هذا لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يدعي صحة المساواة الإلحادية؟ فليربأ دعاة المساواة على أنفسهم، وليتركوا العناد والمكابرة، فلو علمنا أن المساواة التي يدعون إليها جاء بها القرآن والسنة لكنا أسبق إلى ذلك منهم، وأسعد بذلك، ولكن هيهات أن يوجد فيهما شيء من ذلك.
مخالفة المساواة للقواعد الشرعية(1/148)
المساواة الديمقراطية مخالفة لقواعد الإسلام، وشرائعه العامة والخاصة، ومن المخالفة لقواعده العامة: المخالفة لقاعدة: (كل من ابتغى في تكاليف الشريعة غير ما شرعت له فقد ناقض الشريعة، وكل من ناقضها فعمله في المناقضة باطل) وهذه القاعدة ذكرها العلامة الشاطبي في "الموافقات" (2/333) ودعوة المساواة ما تركت باباً من أبواب الإسلام إلا وجاءت بنقضه أو ضده أو بتهميشه، والمساواة التي ذكرناها في هذا الكتاب شاهدة وناطقة على هذا.
وإذا خالفت المساواة الديمقراطية القواعد الشرعية العامة؛ فمن باب أولى أن تخالف القواعد الجزئية، وعلى سبيل المثال: مخالفتها قاعدة: (الأصل في أبضاع النساء التحريم، إلا بعقد أو ملك يمين) فالديمقراطية دعت إلى الحرية الشخصية والمساواة، وبهما فتحت أبواب الزنا على مصراعيه كما سبق بيان ذلك. وقاعدة (أن الأصل في الأموال التحريم على الآخرين، إلا بما أحل به) والديمقراطية جاءت بحرية اكتساب الأموال من كل باب كما تكلمنا على هذا في الفصل الأول.
المساواة التي جاءت بها الشريعة الإسلامية لا صلة لها بالمساواة الديمقراطية.
لقد دلت الأدلة على المساواة بين المسلمين في بعض الأمور الجزئية، ومن الأمثلة على ذلك قوله تعالى: {ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون}.
فالقصاص في قتل العمد يعد مساواة، ومن الأدلة على المساواة في هذه المسألة: قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «المسلمون تتكافأ دماؤهم ...» رواه أحمد (2/192) واللفظ له وأبو داود (2751) عن عبد الله بن عمرو. ومعنى «تتكافأ دماؤهم» أي: تتساوى في القصاص وفي الدية. والقصاص في قتل العمد ليس على إطلاقه، بل قد استثني من القصاص: الأب، والمسلم إذا قتل كافراً فلا يقتل به.
وشرط القصاص: أن يكون القاتل بالغاً، وأن لا يقبل أولياء المقتول أو بعضهم الدية أو الصلح، وامتناعهم عن العفو.(1/149)
ومن الأدلة _ أيضاً _ على جزئية المساواة الشرعية قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم» رواه البخاري رقم (2587) واللفظ له، ومسلم رقم (1623) عن النعمان. والمراد بالعدالة هنا: التسوية، لأنه قد جاء عند أحمد (4/268): بلفظ «فسووا بينهم» وسنده صحيح.
ومن الأدلة _ أيضاً _ على المساواة في بعض المسائل الشرعية: قول الرسول : - صلى الله عليه وسلم - «الأسنان سواء، والأصابع سواء» رواه أحمد (1/289) واللفظ له، وأبو داود رقم (4561) والترمذي رقم (1391) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
ومن ذلك _ أيضاً _ قوله عليه الصلاة والسلام في أكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه: «هم سواء» أي: في الإثم والوزر. رواه مسلم رقم (1598) عن جابر.
وقال _ أيضاً _ في العالم الذي يتمنى أن يكون له مال لينفقه في طاعة الله كما ينفق أهل الأموال في باب الخير: «هما في الخير سوى». وفي الذي يتمنى أن ينفق في باب الشر: «هما في الوزر سوى» رواه ابن ماجة رقم (4228) عن أبي كبشة الأنماري.
فهذه الأدلة وأمثالها تدل على أن المساواة في الشريعة الإسلامية جزئية لا كلية ومقيدة لا مطلقة.
الاشتراك في الحقوق والواجبات والصفات الواردة في الشريعة غير المساواة التي ينادي بها الديمقراطيون
إن الناس كافة _ رجالهم ونساءهم _ يشتركون في أشياء دينية ودنيوية، وفي الذوات والصفات، فالكفار يشتركون في الكفر، قال تعالى مخبراً عما قاله الشيطان لأتباعه وجنوده: {إني كفرت بما أشركتموني من قبل} وقال تعالى مخاطباً الشيطان: {وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلى غرورا} ويتفاوت الكفار في كفرهم قال تعالى: {الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون}.(1/150)
والمؤمنون مشتركون في الإيمان، وهم على درجات متفاوتة تفاوتاً عظيماً كما أوضحنا هذا قريباً، وهكذا أصحاب المعاصي مشتركون في المعاصي، قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «لو أن أهل السماء والأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار» رواه الترمذي برقم (1398) عن أبي سعيد وأبي هريرة، فأهل الخير يشتركون في الخير ولا يتساوون فيه من جميع الوجوه، وأهل الشر يشتركون في الشر مع تفاوتهم فيه، وهذا باب واسع وواضح، فلا نطيل الكلام عليه، فعدم فهم هذا الاشتراك أدى بدعاة المساواة إلى جعل المساواة هي الأصل بين الرجال والنساء عامة في الحقوق والواجبات.
إلغاء الفوارق البشرية لم يحصل في تاريخ الأمم.
إن المؤرخين منذ أرخوا للبشرية على اختلاف مشاربهم _ من مسلمين ونصارى ويهود وفلاسفة اليونان وغيرهم _ لم يذكروا أن أمة من الأمم ألغت الفوارق البشرية، فلا يعلم أن دولة من الدول قامت بإلغاء ذلك، فدعوة المساواة الديمقراطية خارجه عن تاريخ الأمم، ومع هذا تتبجح الدول الكافرة بإصدار إلغاء الفوارق وجهلت أنها عار عليها أمد الآمدين. بل إن علماء الأمم الكافرة قديماً وحديثاً من أطباء وعلماء نفس وفلكيين وغيرهم يقررون ما هو موافق للشريعة الإسلامية من عدم المساواة، قال صاحب كتاب "المرأة المسلمة دراسة نقدية..." ص (47) وهو يرد على دعاة المساواة والحرية: «أما يكفينا أن نرى العلم والحس والعقل وجميع علماء البشر وأكبر عقلائهم قاموا يقررون اليوم ما نصته الشريعة الإسلامية بالحرف الواحد، فنقتدي بما قررته تعاليمها المقدسة لننجو من اللائمة عند الله؟».
كلام أهل العلم على أن المساواة الشرعية مقيدة(1/151)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية _ رحمه الله _ في "منهاج السنة النبوية" (7/124): «وقال تعالى: {ولا تلمزوا أنفسكم} أي: لا يلمز بعضكم بعضاً فيطعن عليه ويعيبه، وهذا نهي لجميع المؤمنين أن لا يفعل بعضهم ببعض هذا الطعن والعيب، مع أنهم غير متساوين، لا في الأحكام، ولا في الفضيلة، ولا الظالم كالمظلوم، ولا الإمام كالمأموم». وقال _ أيضاً _ كما في "مجموع الفتاوى" (24/251): «فإذا كان الشارع قد سوى بين عملين أو عاملين كان تفضيل أحدهما من الظلم العظيم، وإذا فضل بينهما كانت التسوية كذلك، والتفضيل أو التسوية بالظن وهوى النفس من جنس دين الكفار، فإن جميع أهل الملل والنحل يفضل أحدهم دينه، إما ظناً وإما هوى، إما اعتقاداً وإما اقتصاداً، وهو سبب التمسك به وذم غيره».
وقال سلطان العلماء العز بن عبد السلام _ رحمه الله _ في كتابه "مختصر الفوائد في أحكام المقاصد" ص (182-183): «يتساوى المكلفون في أسباب العرفان والاعتقاد في مسائل أصول الدين، ويتفاوتون في غيرهما لتفاوتهم في الصفات المقتضية لتفاوت التكاليف، كالعجز والقدرة، والذكورة والأنوثة، والحضور والغيبة، والرق والحرية، والقوة والضعف، والبعد والقرب، والغنى والفقر، والضرورة والرفاهية، فإن الله _ تعالى _ شرع لكل من هؤلاء أحكاماً تناسب أوصافه وتليق بأحواله».(1/152)
وقال ابن عاشور في كتابه "أصول النظام الاجتماعي في الإسلام" ص (233-234): «وما كان للشريعة الكاملة الحقة أن تدعو إلى مساواة تدحض فيها جميع الفروق والمميزات، والحقوق الكائنة بين البشر، مما له أثر في صلاح العالم _ في أجزائه ومجموعه _ الذي هو منشود الشريعة، على أنها لو دعت إلى ذلك لدعت إلى ما لا يطيقه البشر، ولا تحتمله الأمة بحكم (وتأبى الطباع على الناقل) وذلك مرفوع عن هذه الأمة قال تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} ولحملت الناس على إهمال مواهبهم السامية، وذلك فساد قبيح يؤول إلى اختلاف نظام العالم، في إلغاء المميزات والحقوق المفيدة رفعة وصلاحاً. إن الذين يتطرفون في تنفيذ المساواة على إطلاقها، أو ما يقرب من الإطلاق، ويسيرون غير قليل حتى تجابههم سدود مشمخرة لا يستطيعون اقتحامها».
وقال _ أيضاً _ في المصدر نفسه ص (233): «فيحق أن تعلم أن المساواة التي سعت إليها الشريعة الإسلامية مساواة مقيدة بأحوال يجري فيها التساوي، وليست مطلقة في جميع الأحوال، لأن أصل خلقة البشر جاء على التفاوت في المواهب والأخلاق، وذلك التفاوت يؤثر تمايزاً بين أصحابه، متقارباً أو متباعداً في آثار تلك الصفات، بترقب المنافع منهم وتوقع المضار، فيفضي _ لا محالة _ إلى تفاوت معاملة الناس بعضهم بعضاً بمراتب الإكرام ومراتب ضده».
كلام أهل العلم في إبطال المساواة الديمقراطية
بعدما أوضحنا للقراء الكرام بوائق دعوة المساواة وغوائلها، وكثرة مفاسدها، وتنوع أضرارها، وتشعب طرقها المهلكة؛ رأيت أن أذكر ما تيسر من كلام أهل العلم في رد دعوة المساواة المشؤومة وأصحابها:(1/153)
ومن ذلك قرار هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية/ والمجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي برئاسة العلامة ابن باز _ رحمه الله تعالى_ قال ابن باز رحمه الله: «فقد نشر في وسائل الإعلام خبر انعقاد (المؤتمر الدولي الرابع) المعني بالمرأة من 9إلى20/4/ عام 1416هـ الموافق 15/سبتمبر عام 1995م في بكين عاصمة الصين، واطلعت على الوثيقة المعدة لهذا المؤتمر المتضمنة (362) مادة في (177) صفحة، وعلى ما نشر من عدد من علماء بلدان العالم الإسلامي في بيان مخاطر هذا المؤتمر، وما ينجم عنه من شرور على البشرية عامة وعلى المسلمين خاصة، وتأكد لنا أن هذا المؤتمر من واقع الوثيقة المذكورة هو امتداد لمؤتمر (السكان والتنمية) المنعقد في القاهرة في شهر ربيع الثاني عام 1415هـ، وقد صدر بشأنه قرار هيئة كبار العلماء، وقرار المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي، كلاهما برئاستي واشتراكي، وقد تضمن القراران إدانة المؤتمر المذكور بأنه مناقض لدين الإسلام، ومحاد لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - ، لما فيه من نشر للإباحية، وهتك للحرمات، وتحويل المجتمعات إلى قطعان بهيمية، وأنه تتعين مقاطعته... وقد تبنت مسودة الوثيقة المقدمة للمؤتمر من الأمانة العامة لهيئة الأمم المتحدة على مبادئ كفرية، وأحكام ضالة في سبيل تحقيق ذلك: منها الدعوة إلى إلغاء أي قوانين تميز بين الرجل والمرأة، على أساس الدين والدعوة إلى الإباحية، باسم الممارسة الجنسية المأمونة، وتكوين الأسرة عن طريق الأفراد وتثقيف الشباب والشابات بالأمور الجنسية، ومكافحة التمييز بين الرجل والمرأة، ودعوة الشباب والشابات إلى تحطيم هذه الفوارق القائمة على أساس الدين، وأن الدين عائق دون المساواة، إلى آخر ما تضمنته الوثيقة من الكفر والضلال المبين، والكيد للإسلام وللمسلمين، بل للبشرية بأجمعها، وسلخها من العفة والحياء والكرامة» "مجلة البحوث الإسلامية" عدد (45) ص (335-336).(1/154)
وقال ابن عاشور في تفسيره (2/401): «قوله: {وللرجال عليهن درجة} إثبات لتفضيل الأزواج في حقوق كثيرة على نسائهم، لكيلا يظن أن المساواة المشروعة بقوله: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} مطردة، ولزيادة بيان المراد من قوله {بالمعروف} وهذا التفضيل ثابت على الإجمال لكل رجل، ويظهر أثر هذا التفضيل عند نزول المقتضيات الشرعية والعادية. وقوله: {وللرجال} خبر عن درجة قدم للاهتمام بما تفيده اللام من معنى استحقاقهم تلك الدرجة، كما أشير إلى ذلك الاستحقاق في قوله تعالى: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض} وفي هذا الاهتمام مقصدان: أحدهما: دفع توهم المساواة بين الرجال والنساء في كل الحقوق، توهماً من قوله آنفاً: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} وثانيهما: تحديد إيثار الرجال على النساء بمقدار مخصوص لإبطال إيثارهم المطلق».
وقال الإمام الشنقيطي في "أضواء البيان" 3/312: «واعلم _ وفقني الله وإياك لما يحبه ويرضاه _ أن هذه الفكرة الكافرة الخاطئة الخاسئة، المخالفة للحس والعقل وللوحي السماوي، وتشريع الخالق البارئ من تسوية الأنثى بالذكر في جميع الأحكام والميادين؛ فيها من الفساد والإخلال بنظام المجتمع الإنساني ما لا يخفى على أحد إلا من أعمى الله بصيرته».(1/155)
وقال العلامة ابن عثيمين _ رحمه الله _ في كتابه "شرح العقيدة الواسطية" (1/229-230): «يجب أن ننبه على أن من الناس من يستعمل بدل العدل: المساواة، وهذا خطأ، ولا يقال: مساواة، لأن المساواة قد تقتضي التسوية بين شيئين، الحكمة تقتضي التفريق بينهما، ومن أجل هذه الدعوة الجائرة إلى التسوية صاروا يقولون: أي: فرق بين الذكر والأنثى، سووا بين الذكر والإناث، حتى إن الشيوعية قالت: أي فرق بين الحاكم والمحكوم، لا يمكن أن يكون لأحد سلطة على أحد، حتى بين الوالد والولد، ليس للوالد سلطة على الولد... وهلم جرا، لكن إذا قلنا بالعدل، وهو: إعطاء كل أحد ما يستحقه زال هذا المحذور، وصارت العبارة سليمة، ولهذا لم يأت في القرآن ابداً: إن الله يأمر بالتسوية، ولكن جاء (إن الله يأمر بالعدل) (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) وأخطأ على الإسلام من قال: إن الإسلام دين المساواة. بل دين الإسلام دين العدل، وهو الجمع بين المتساويين، والتفريق بين المتفرقين إلا أن يريد بالمساواة: العدل، فيكون أصاب في المعنى وأخطأ في اللفظ.
ولهذا كان أكثر ما جاء في القرآن نفي المساواة (قل هل يستوي الذي يعلمون والذين لا يعلمون) (هل يستوي الأعمى والبصير، أم هل تستوي الظلمات والنور) ( ولا يستوي منكم من أنفق قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من قبل وقاتلوا) ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدين في سبيل الله)
ولم يأت في حرف واحد في القرآن يأمر بالمساواة أبداً، إنما يأمر بالعدل، وكلمة (العدل) أيضاً تجدونها مقبولة لدى النفوس»(1/156)
وقال العلامة بكر أبو زيد في كتابه "حراسة الفضيلة" ص (163) وهو يتحدث عن المساواة: «إن المطالبات المنحرفة لتحرير المرأة بهذا المفهوم الإلحادي تحت هاتين النظريتين: الحرية، والمساواة، المولودتين في الغرب الكافر، هي العدوى التي نقلها المستغربون إلى العالم الإسلامي، فماذا عن تاريخ هذه البداية المشئومة التي قلبت جل العالم الإسلامي من جماعة مسلمة يحجبون نساءهم ويحمونهن ويقومون على شؤونهن ويقمن هن بما افترضه الله عليهن إلى هذه الحال البائسة من التبرج والانحلال والإباحية».
وقال الشيخ محمد رشيد رضا وهو يبين الحكم على دعاة المساواة: «يجب أن تعلم أن هذه الفتاة هي وأهلها أنها إذا كانت تعتقد ما يعتقده عزمي في هذه المساواة وتنكر حقيقة ما قرره الإسلام وحسنه فهي مرتدة، لا يجوز لمسلم أن يتزوجها، ولا ترث المسلمين ولا يرثونها». نقلا من كتاب "حكم الجاهلية" ص (168-169).
وقال الشيخ أبو بكر الجزائري في كتابه "فصل الخطاب" ص (27-28): «والمطالبة بحقوق المرأة، أم هناك حقوق غير ما ذكرنا، نعم، إنهم يعنون بحقوق المرأة: المساواة، أي: مساواتها للرجل، وفي ماذا؟ في الإرث، وعصمة الزواج، والاختلاط والعمل العام، والوظيفة الخاصة والعامة معاً، ومعنى هذا أنه الكفر بالله ورسوله وشرعه، وهذا الذي تسعى إليه الماسونية اليهودية، وهو هدفها الأكبر الذي لم تبرح على تحقيقه مهما طال العمل وشق... وقولنا فيما يريدون المساواة فيه مع الرجل إنه كفر بالله ورسوله وشرعه، هو كما قلنا، لأن المساواة في الإرث وعصمة الزواج والاختلاط والعمل العام والولاية الخاصة لا تتم إلا بمحو آيات الإرث والنكاح والحجاب من الكتاب الكريم، ومحو آيات قرآنية تمثل حظاً كبيراً من القرآن كفر بإجماع المسلمين».(1/157)
وقال الشيخ محمد بن إسماعيل المقدم في كتابه "عودة الحجاب" (2/126): «ولا ينازع في تفضيل الله الرجل على المرأة في نظام الفطرة إلا جاهل أو كافر، بل إن من استقرأ طباع النساء السليمات الفطرة من جناية سوء التربية وفساد النظام يرى أن هذه الأفضلية ثابتة عندهن، ولا أدل على ذلك من أن السواد الأعظم منهن يفضلن أن يكون مولودهن ذكراً ويتفاخرن بذلك».
وخلاصة أقوال أهل العلم: أن المساواة دعوة إلحادية إباحية، تقضي على الفضائل والمكارم والأخلاق الحميدة، وتحول من قَبِلَها إلى حيوانات بهيمية، ومن خلال إطلاعي على أبعاد المساواة فهي من أوسع الدعوات الكفرية كفراً، فالكفر فيها أنواع كثيرة، وهي أكثر الدعوات على الإطلاق استيعاباً للرذائل، وهي أول دعوة إجرامية غزت العالم النسوي في بلاد المسلمين، فلا نجد مجتمعاً _ ولو صغيراً _ إلا وقد وصلت إليه شظايا هذه الدعوة، فهي خزي وعار وشنار على أصحابها في الدنيا والآخرة إلا من تاب إلى الله، فمن اعتقد صحة دعوة المساواة فهو مرتد عن الإسلام.
الكفار أضل من الأنعام فأنى لهم أن يقدروا على الإتيان بتشريع تتحقق فيه المساواة(1/158)
قال الله تعالى: {ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون} الأعراف، وقال تعال: {أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا} الفرقان، وقال تعالى: {إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم} محمد، وقال الله سبحانه وتعالى: {ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون} البقرة، وقوله تعالى: {إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون} الأنفال، قال النسفي في تفسيره (1/620) عند قوله: {أولئك كالأنعام بل هم أضل} «أي: من الأنعام، لأنهم كابروا العقول، وعاندوا الرسول، وارتكبوا الفضول، فالأنعام تطلب منافعها، وتهرب عن مضارها، وهم لا يعلمون مضارهم حيث اختاروا النار».
وقال ابن كثير: في تفسيره (6/460) عند قوله سبحانه: {أولئك كالأنعام بل هم أضل}: «ولهذا من أطاع الله من البشر كان أشرف من مثله من الملائكة في معاده، ومن كفر به من البشر كانت الدواب أتم منه، فلهذا قال تعالى: {أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون}».
وقال البقاعي في "نظم الدرر" (8/174) عند الآية السابقة: «لأنهم إما معاند، وإما جاهل بما يضره وينفعه».
وعلى هذا فمن ساوى بين المؤمنين والكافرين فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
اليهود والنصارى ما عندهم إلا أهواء(1/159)
معلوم أن اليهود والنصارى ليس عندهم إلا أهواء ملفقة، وآراء مزخرفة، وأقوال مزوقة، وغير ذلك مما أقعدتهم على الكفر، وأبقتهم على الشرك، قال تعالى: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير} البقرة، وقال تعالى: {ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين} البقرة، وقال سبحانه وتعالى: {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون} الجاثية، وقال الله تعالى آمراً نبيه أن يحكم بين أهل الكتاب: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون} المائدة.
وإذا كان الحق ما أخبر الله به عن اليهود والنصارى _ وهو أصدق القائلين _ من أنهم ليس عندهم إلا أهواء، وهذه الأهواء أساس كل شر؛ تبين لنا أن دعوة المساواة _ التي افتعلوها _ من جملة أهوائهم التي انعدمت فيها الرحمة والحكمة، والعلم بالله وبدينه وشرعه، فكيف إذا علم عِلم اليقين أنهم عباد لهذه الأهواء، قال الله تعالى: {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون} الجاثية. ولا تغتر بعلومهم الدنيوية، فإنها علوم متعلقة بالجمادات، فلا تزكي نفساً، ولا تنير عقلاً، ولا تحفظ شرفاً، ولا تقيم أخلاقاً، ولا تعد قيماً، وصدق الله حيث قال: {والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا} وقد حكم الله على علومهم بقوله: {يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون}.
الفصل الخامس:(1/160)
التفاضل في القرآن والسنة
قواعد التفضيل وأسبابه.
لما كان التفصيل واسعاً احتاج أهل العلم إلى وضع قواعده، وضبط متفرقاته، ولم أجزائه، وتقريب معالمه، وقد ذكر القرافي عشرين قاعدة للتفاضل في كتابه "الفروق" (2/211-232) وها أنا أختصرها مع تصرف يسير للحاجة إلى ذلك قال:
القاعدة الأولى: تفضيل المعلوم على غيره بذاته، كتفضيل الله في ذاته وصفاته على مخلوقاته.
القاعدة الثانية: التفضيل بالصفة الحقيقية القائمة بالفضل، كتفضيل العالم على الجاهل بالعلم.
القاعدة الثالثة: التفضيل بطاعة الله كتفضيل المؤمن على الكافر.
القاعدة الرابعة: التفضيل بكثرة الثواب الواقع في العمل المفض.
القاعدة الخامسة: التفضيل بشرف الموصوف، كصفات الرسول على غيره.
القاعدة السادسة: التفضيل بشرف الصدور، كشرف ألفاظ القرآن على غيرها.
القاعدة السابعة: التفضيل بشرف المدلول، كتفضيل الأذكار الدالة على ذات الله وصفاته وأسمائه على غيرها.
القاعدة الثامنة: التفضيل بشرف الدلالة، كشرف الحروف الدالة على الأوصاف الدالة على كلام الله عز وجل.
القاعدة التاسعة: التفضيل بشرف النطق، كتفضيل العلم على الحياة.
القاعدة العاشرة: التفضيل بشرف المنطق، كتفضيل العلم المتعلق بذات الله وصفاته على غيره من العلوم.
القاعدة الحادية عشرة: التفضيل بكثرة التعلق، كتفضيل علم الله على قدرته لكونه متعلقاً بجميع الواجبات والممكنات والمستحيلات.
القاعدة الثانية عشرة: التفضيل بالمجاورة، كتفضيل جلد المصحف على سائر الجلود.
القاعدة الثالثة عشرة: التفضيل بالحلول. قلت: كحال النبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينة.
القاعدة الرابعة عشرة: التفضيل بسبب الإضافة، كقوله تعالى: {أولئك حزب الله} فإضافتهم إليه إضافة تشريف.
القاعدة الخامسة عشرة: التفضيل بالأسباب والأنساب، كتفضيل ذرية الرسول - صلى الله عليه وسلم - على من عداها.(1/161)
القاعدة السادسة عشرة: التفضيل بالثمرة والانتفاع، كتفضيل العالم على العابد.
القاعدة السابعة عشرة: التفضيل بأكثرية الثمرة، كتفضيل الفقه على الهندسة.
القاعدة الثامنة عشرة: التفضيل بالتأثير كتفضيل قدرة الله على العلم والكلام.
القاعدة التاسعة عشرة: التفضيل بجودة البقية، كتفضيل الملائكة على الجان.
القاعدة العشرون: التفضيل باختيار الرب لمن يشاء على من يشاء, ولما يشاء على ما يشاء.
قلت: وأما أسباب التفضيل فقد قال ابن حزم في "الفِصَل" (4/113): «... إن العامل يفضل العامل في عمله بسبعة أوجه لا ثامن لها» ثم ذكرها. فانظرها في المحل المشار إليه.
وقال القرافي في "الفروق" (2/232): «وأسباب التفضيل كثيرة، لا أقدر على إحصائها خشية الإسهاب».
وقال أيضا: «... ومسائل التفضيل كثيرة بين الصحابة وبين الأنبياء وبين الملائكة وهي أشباه بأصول الدين».
قلت: هذه القواعد الكثيرة، وكثرة أسباب التفضيل تدل على عناية الشريعة بهذا الباب، وأنه من مقاصدها الكبيرة، بخلاف المساواة الديمقراطية فإنها مصادرة له.
تفضيل آدم وذريته على كثير من الخلائق في الخلق
قال الله تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا} الإسراء، وهذا التكريم والتفضيل تفضيل في الخلق قال تعالى: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم} التين، وقال تعالى: {خلق السماوات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم} وقال تعالى: {الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم} فهذه الآيات وأمثالها دالة على تفضيل الله بني آدم في الخلق على كثير من مخلوقاته.
تفاوت بني آدم في الخلق(1/162)
روى الإمام أحمد (4/400) واللفظ له، وأبو داود (4693) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إن الله _ عز وجل _ خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، جاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك، والخبيث والطيب، والسهل والحزن وبين ذلك».
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: «فسبحان من أقدرهم وسيرهم وسخرهم وصرفهم في فنون المعايش والمكاسب، وفاوت بينهم في العلوم والفكرة، والحسن والقبح، والغنى والفقر، والسعادة والشقاء». "تفسير ابن كثير" (11/19).
فالدعوة إلى المساواة في الحقوق والواجبات وغيرها يستلزم أن يكون الناس متساوين في الخلق حساً ومعنى، وهذا لا وجود له، فأين يذهب دعاة المساواة؟
التفاضل في الهداية والضلال لبني آدم وهم في صلب أبيهم
لقد فطر الله المخلوق البشري على الإسلام لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه» رواه البخاري رقم (1385) واللفظ له، ومسلم رقم (2658) عن أبي هريرة. وقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن ربه أنه قال: «وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وأنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً...» رواه مسلم رقم (2865) عن عياض بن حمار.
فهذه الفطرة يشترك فيها جميع بني آدم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وأما كونه عالياً على مخلوقاته، بائناً منهم؛ فهذا أمر معلوم بالفطرة الضرورية، التي يشترك فيها جميع بني آدم، وكل من كان بالله أعرف، وله أعبد، ودعاؤه له أكثر، وقلبه له أذكر؛ كان علمه الضروري بذلك أقوى وأكمل، فالفطرة مكملة بالفطرة المنزلة، فإن الفطرة تعلم الأمر مجملاً، والشريعة تفصله وتبينه، وتشهد بما لا تستقل الفطرة به». "مجموع الفتاوى" (4/45). وعامة السلف على أن المراد بالفطرة في الحديث: الإسلام.(1/163)
وقد فضل الله بعض بني آدم على بعض في الهداية والغواية وهم في صلب أبيهم آدم عليه السلام، ومن الأدلة الدالة على ذلك قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «إن الله _ عز وجل _ خلق خلقه في ظلمة، ثم ألقى عليهم من نوره يومئذ، فمن أصابه من نوره يومئذ اهتدى، ومن أخطأه ضل» رواه أحمد (2/176) واللفظ له، والترمذي رقم (2642) والحاكم (1/30) عن عبد الله بن عمرو. والمراد بالخلق هنا: الإنس. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «لما خلق الله آدم مسح ظهره، فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة، وجعل بين عيني كل إنسان منهم وبيص من نور، ثم عرضهم على آدم فقال: أي رب من هؤلاء؟ قال: هؤلاء ذريتك، فرأى رجلاً منهم فأعجبه وبيص ما بين عينه، فقال: أي رب من هذا؟ فقال: هذا رجل من آخر الأمم من ذريتك، يقال له: داود» رواه الترمذي رقم (3076) واللفظ له وابن أبي عاصم رقم (205-206) وابن حبان رقم (6167) والحاكم (2/586) والبيهقي (10/147).
أساس التفاضل عند الله بالإيمان والتقوى
قال الله: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} الحجرات، وقال أيضا: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون} يونس، وقال الله سبحانه وتعالى: { وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون} سبأ، وقال الله سبحانه وتعالى: {ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين} الزخرف.(1/164)
وعن سهل بن سعد قال: مر رجل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «ما تقولون في هذا؟ قالوا: حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع، وإن قال أن يستمع. قال: ثم سكت، فمر رجل من فقراء المسلمين فقال: ما تقولون في هذا؟ قالوا: حري إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يشفع , وإن قال أن لا يستمع. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هذا خير من ملء الأرض مثل هذا» رواه البخاري رقم (5091).
قال الحافظ في "الفتح" عند شرحه هذا الحديث: «وفي الحديث بيان فضل جعيل المذكور، وأن السيادة بمجرد الدنيا لا أثر لها، وإنما الاعتبار في ذلك بالآخرة كما تقدم، إنما العيش عيش الآخرة... تبين من سياق طرق القصة أن جهة تفضيله إنما هي لفضله بالتقوى». فلا قبول لأحد ولا كرامة له عند الله إلا بالإيمان به وبتقواه، فهذا أساس التفاضل، والإيمان والتقوى على مراتب وأهلهما كذلك.
الأنبياء والرسل أفضل البشر
لقد جاءت أدلة كثيرة تدل على أن الأنبياء والرسل أفضل البشر، قال تعالى: { ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا} النساء، وقال سبحانه: {إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين} آل عمران، وقال تعالى: {الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس} وقال في موسى: {إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي} وقال تعالى في عدد من الأنبياء: {وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار}.
وقد أجمع المسلمون على أفضلية الأنبياء والرسل على غيرهم من البشر. قال النووي رحمه الله تعالى: «ولا خلاف بين المسلمين في أن من خالف في رفعة الأنبياء وقدرهم فليس مسلماً». انظر "مباحث في المفاضلة في العقيدة".(1/165)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" (11/221): «وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها وسائر أولياء الله تعالى على أن الأنبياء أفضل من الأولياء الذين ليسوا بأنبياء». وقال أيضا في "منهاج السنة" (2/417): «والأنبياء أفضل الخلق باتفاق المسلمين، وبعدهم الصديقون والشهداء والصالحون».
تفاضل الأنبياء والرسل بعضهم على بعض
لقد فضل الله بعض النبيين على بعض فقال تعالى: {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات} وقال تعالى: {ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبورا} وقال تعالى: {ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين} النمل.
قال الرازي في تفسيره (6/195): «أجمعت الأمة على أن بعض الأنبياء أفضل من بعض، وعلى أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - أفضل من الكل» وذكر الرازي تسعة عشر وجهاً في تفضيل رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - على سائر الأنبياء والمرسلين.
وقال ابن كثير في تفسيره: «لا خلاف أن الرسول أفضل من بقية الأنبياء».
وقال السفاريني في "لوامع الأنوار البهية" (1/49-50): «الرسول أفضل من النبي إجماعاً لتميزه بالرسالة التي هي أفضل من النبوة على الأصح».
قلت: أفضل الأنبياء والمرسلين أولوا العزم، وهم: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم، ونبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - أفضل الرسل والأنبياء على الإطلاق، والأدلة على ذلك كثيرة، وقد أجمعت الأمة على ذلك. انظر كتاب "مباحث المفاضلة في العقيدة" ص (147،157).
ومرادي من طرق موضوع أن الأنبياء أفضل البشر أمور:
الأول: تجديد العلم بهذا.
الثاني: التحذير من قبول انحراف العلمانيين في حق الأنبياء، فقد صرح بعضهم في حقهم بكلمات شنيعة، وأقوال فضيعة، لا تخرج من مسلم.(1/166)
قال محمد بن إسماعيل المقدم في كتابه "عودة الحجاب" (1/114) حاشية: «وذات يوم كان المسمى مصطفى القياتي، وهو من المدرسين في الأزهر، والقائل بأن سعداً أفضل من النبي عليه الصلاة والسلام، وأنه جاء بما لم يأت به النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأنه رسول الوطنية».
وقال محمد خلف الله: (إذا كان القرآن الكريم قد عمل على تحرير العقل البشري من سلطات الإلهة؛ فإنه قد عمل هنا _ أيضاً _ على تحريره من سلطات الأنبياء والمرسلين). نقلا من كتاب "الاتجاهات العقلانية الحديثة" (192-193).
الثالث: الرد على دعاة المساواة، حيث إنهم يصرون على المساواة الإنسانية فقط، ولا يرفعون رأساً لما حبا الله به أنبياءه ورسله من الفضل والتشريف، وإذا كان التفاضل متحققاً بين الأنبياء والرسل _ وهم صفوة الأخيار والأبرار _ فمن باب أولى أن تتفاوت درجات أتباعهم.
فضل أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - على سائر الأمم
لقد دلت الأدلة الكثيرة على فضل أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - على سائر أمم الأنبياء والمرسلين قال تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} آل عمران، وقال تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس} البقرة.
وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «أنتم توفون سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله» رواه أحمد (4/447) واللفظ له، والدارمي برقم (2760) وابن ماجه برقم (4288) عن معاوية بن حيدة.
وقال - صلى الله عليه وسلم - : «نحن الآخرون الأولون يوم القيامة، ونحن أول من يدخل الجنة، بيد أنهم أوتوا الكتاب وأوتيناه من بعدهم» أخرجه مسلم رقم (855). والأمة لم تحصل على قصب السبق إلا بإتباع نبيها محمد - صلى الله عليه وسلم - .(1/167)
قال ابن كثير في تفسيره عند قوله سبحانه: {كنتم خير أمة أخرجت للناس}: «وإنما حازت هذه الأمة قصب السبق إلى الخيرات بنبيها محمد صلوات الله وسلامه عليه، فإنه أشرف خلق الله، وأكرم الرسل على الله، وبعثه الله بشرع كامل عظيم لم يعطه نبي قبله ولا رسول من الرسل، فالعمل على منهاجه وسبيله يقوم القليل منه ما لا يقوم العمل الكثير من أعمال غيرهم مقامه». وإذا كانت أمة الاستجابة لمحمد - صلى الله عليه وسلم - أفضل ممن استجاب لموسى وعيسى _ عليهما السلام _ فكيف تسوى أمة محمد بالكفار من اليهود والنصارى والمجوس؟
تفاضل المؤمنين في الفريضة الواحدة
فرائض الإسلام وشرائعه كثيرة كالصلاة والصيام والزكاة والحج والجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك. وقد فرضها الله على عباده بمقتضى حكمته ورحمته وكمال عدله على حسب الاستطاعة، فأعظم الفروض العملية في اليوم والليلة: الصلاة كما هو معلوم، وهذه العبادة العظيمة لم يأذن الله بتركها لا في السفر ولا في الحضر، ولا في الصحة ولا في المرض، ولا في الأمن ولا في الخوف، ولا عند الأعمال الشاقة، ومع هذا فقد رخص للمسافر في الجمع بين الظهر والعصر/ والمغرب والعشاء/ ويقصر الرباعية إلى ركعتين، ورخص للمريض أن يصلي على أي حال يستطيع، ورخص للخائف من العدو أن يصلي إلى غير القبلة/ وأن يصلي راكباً وماشياً إذا تعذر عليه أن يقف للصلاة، ولم يوجب على أصحاب الأعذار شهود الجماعة، وليس على النساء جمعة ولا جماعة، وصلاتهن في بيوتهن أفضل منها في مساجد الرجال، بل يقف الرجلان في الصف الواحد وبين صلاتهما كما بين السماء والأرض.(1/168)
وليس من حافظ على الجمعة والجماعة كمن لم يؤمر بهما كالمرأة والعبد والمسافر والمريض، فدل هذا على أن التفاضل بين المؤمنين من رجال ونساء يكون في العبادة الواحدة، فمن باب أولى أن يكون تفاضلهم في العبادات، بل بعض العبادات خاصة بالرجال كالجهاد في سبيل الله. فإطلاق المساواة بين المؤمنين والمؤمنات في الواجبات غير سديد.
تفضيل الذكور على الإناث
ومن التفضيل تفضيل الذكر على الأنثى، قال الله وتعالى: {وليس الذكر كالأنثى}. قال العلامة الشنقيطي في "أضواء البيان" (7/633): «فامرأة عمران تقول: {وليس الذكر كالأنثى} وهي صادقة في ذلك بلا شك، والكفرة وأتباعهم يقولون: إن الذكر والأنثى سواء، ولا شك عند كل عاقل في صدق هذه السالبة وكذب هذه الموجبة».
وقال صاحب كتاب "الأساس في التفسير" (2/762) عند قوله: {وليس الذكر كالأنثى}: «قاعدة عظيمة، فالأنثى ليست كالذكر في تركيبها الجسمي، ولا في تركيبها النفسي، ومن ثم فلا بد أن تكون وظيفتها الحياتية تختلف عن وظيفة الذكر، ولا بد أن يترتب على ذلك اختلاف في المسؤوليات، واختلاف في الحقوق والواجبات، ومن أراد المساواة المطلقة بين الرجال والنساء فليسوِّ بينهما في التركيب الجسمي والنفسي».
وقال ابن عاشورا في تفسيره (3/234): «ونفي المشابهة بين الذكر والأنثى يقصد به معنى التفضيل في مثل هذا المقام».(1/169)
وقال الله تعالى: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض} قال العلامة أحمد شاكر في "عمدة التفسير" (1/500): «أما النساء في عصرنا فقد ملأهن الكبر والغرور والطغيان بما بث أعداؤنا المبشرون والمستعمرون في نفوسهن بالتعليم المتهتك الفاسق، فزعمن لأنفسهن حق المساواة بالرجال في كل شيء في ظاهر أمرهن، وهن على الحقيقة مستعليات طاغيات، يردن أن يحكمن الرجال في الدار وخارج الدار، وأن يعتدين على التشريع الإسلامي، حتى فيما كان فيه النصوص الصريحة من الكتاب والسنة، بل يُردن أن يكن حاكمات فعلاً، يتولين من شؤون الرجال ما ليس لهن، وأن يخرجن على ما أمر الله به ورسوله، بل يكفرن بأن الرجال قوامون على النساء، ويكفرن بأنه (لن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة) حتى طمعن في مناصب القضاء وغيرها، وساعدهن الرجال الذين هم أشباه الرجال».
وقال الله سبحانه وتعالى: {ولا تتمنوا ما فضل الله بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما}.
قال صاحب "الأساس في التفسير" (2/1048): «فإذا عرفنا أن تمني ما فضل الله به بعض الناس على بعض، وتمني ما فضل الله به الرجال على النساء هو مرض العصر وأساس الكثير من مذاهبه، وعنه تصدر بعض المذاهب الضالة».(1/170)
وقال تعالى: {وللرجال عليهن درجة} البقرة قال ابن عاشور في تفسيره (2/401): «قوله: {وللرجال عليهن درجة} إثبات لتفضيل الأزواج في حقوق كثيرة على نسائهم، لكيلا يظن أن المساواة المشروعة بقوله: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} مطردة، ولزيادة بيان المراد من قوله {بالمعروف} وهذا التفضيل ثابت على الإجمال لكل رجل، ويظهر أثر هذا التفضيل عند نزول المقتضيات الشرعية والعادية. وقوله {وللرجال} خبر عن (درجة) قُدم للاهتمام بما تفيده اللام من معنى استحقاقهم تلك الدرجة، كما أشير إلى ذلك الاستحقاق في قوله تعالى: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض} وفي هذا الاهتمام مقصدان: أحدهما: دفع توهم المساواة بين الرجال والنساء في كل الحقوق، توهماً من قوله آنفا: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف}. وثانيهما: تحديد إيثار الرجال على النساء بمقدار مخصوص لإبطال إيثارهم المطلق».
وأما تفضيل الذكور على الإناث من السنة النبوية ما رواه أبو سعيد رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «يا معشر النساء تصدقن؛ فإني رأيتكن أكثر أهل النار. فقلن: وبم يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن. قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ قلن: بلى قال: فذلك من نقصان دينها» رواه البخاري رقم (304) ومسلم رقم (80).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: «وأشار بقوله «مثل نصف شهادة الرجل» إلى قوله تعالى: {فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء} لأن الاستظهار بأخرى مؤذن بقلة ضبطها، وهو مشعر بنقص عقلها». "الفتح" (1/527).(1/171)
وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أيما امرئ مسلم أعتق امرأ مسلماً كان فكاكة من النار يجزي كل عضو منهما عضوا منه» رواه الترمذي رقم (1547).
قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى: «وهذا يدل أن عتق العبد أفضل، وأن عتق العبد يعدل عتق أمَتَين، فكان أكثر عتقائه - صلى الله عليه وسلم - من العبيد، وهذا أحد المواضع الخمسة التي تكون فيها الأنثى على النصف من الذكر». "زاد المعاد" (1/160).
وجاء عند الحاكم (4/172) من حديث بريدة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لو كنت آمرا أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها».
وقد قام أخونا الشيخ يحيى الحجوري بكتابة رسالة أبان فيها فضائل وفوارق بين الرجال والنساء، وهذه الفوارق تزيد على مائة وسبعين فارقاً, فالأدلة كثيرة على تفضيل الذكور على الإناث ليس هذا محل بسطها، ولوالدنا العلامة ربيع بن هادي المدخلي في كتابه القيم "الحقوق والواجبات على الرجال والنساء" فصل حول فضل الرجل على المرأة، فارجع إليه.
وتفضيل الرجال على النساء على قسمين:
الأول: تفضيل عموم، وهو تفضيل الذكور على الإناث من جهة الخلق.
الثاني: التفضيل بجنس الأعمال، فأعمال الرجال أفضل من جنس أعمال النساء، وهذا القسم الثاني فيه مجال لسبق بعض النساء في الأفضلية بعض الرجال، فالمرأة الصالحة أفضل من عدد من الرجال الذين ليسوا صالحين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «لأن فضل الجنس لا يستلزم فضل الشخص كما قدمناه، فرب حبشي أفضل عند الله من جمهور قريش» "اقتضاء الصراط المستقيم" (1/453)(1/172)
وزبدة القول: أن هذه الآيات والأحاديث دلت بنصها وصراحتها وعمومها على تفضيل جنس الرجال على جنس النساء، وهي كافية شافية لا يردها إلا معاند مكابر، أو جاحد ملحد، والشرع عندما فضل الذكور على الإناث لا يعني هذا احتقارهن، بل الإناث لهن كمال وفضائل تخصهن وتدل على كمالهن، ليس هذا محل بسطها، فليحرص على تحقيق ذلك.
المرأة تفضل الذكور على الإناث فطريا
وهاك حقيقة لا تنكر: قال العلامة الشوكاني في "فتح القدير" (1/335) عند قوله تعالى مخبراً عن أم مريم: {وليس الذكر كالأنثى}: «من جملة كلامها، ومن تمام تحسرها وتحزنها، أي: ليس الذكر الذي أردت أن يكون خادماً ويصلح للنذر كالأنثى التي لا تصلح لذلك، وكأنها أعذرت إلى ربها من وجودها لها على خلاف ما قصدت».
وقال الألوسي في "روح المعاني" (3/133) عند قوله: {رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني}: «وهذا في الحقيقة استدعاء للولد الذكر لعدم قبول الأنثى، فيكون المعنى: رب إني نذرت لك ما في بطني، فاجعله ذكراً على حد اعتق عبدك عني، وجعله بعض الأئمة تأكيداً لنذرها وإخراجاً له عن صورة التعليق إلى هيئة التنجيز».
وقال أيضا (3/135) عند قول امرأة عمران: {محررا}: «تمن لأن يكون ذكرا» وقال أيضاً عند قولها: {رب إني وضعتها أنثى}: «فإن تحزنها ذلك إنما هو لترجيحها الذكر على الأنثى}».
وقال المقدم في كتابه "عودة الحجاب" (2/126): «ولا ينازع في تفضيل الله الرجل على المرأة في نظام الفطرة إلا جاهل أو كافر، بل إن من استقرأ طباع النساء السليمات الفطرة من جناية سوء التربية وفساد النظام يرى أن هذه الأفضلية ثابتة عندهن، ولا أدل على ذلك من أن السواد الأعظم منهن يفضلن أن يكون مولودهن ذكراً ويتفاخرن بذلك».
الحكمة من عدم مساواة المرأة بالرجل(1/173)
قال العلامة ابن القيم _ رحمه الله _ في "إعلام الموقعين" (2/168-169): «فصل: الحكمة في مساواة المرأة للرجل في بعض الأحكام دون بعض. وأما قوله: وسوى بين الرجل والمرأة في العبادات البدنية والحدود، وجعلها على النصف منه في الدية والشهادة والميراث والعقيقة؛ فهذا _ أيضاً _ من كمال شريعته وحكمتها ولطفها، فإن مصلحة العبادات البدنية ومصلحة العقوبات الرجال والنساء مشتركون فيها، وحاجة أحد الصنفين إليها كحاجة الصنف الآخر، فلا يليق التفريق بينهما، نعم؛ فرقت بينهما في أليق المواضع بالتفريق، وهو الجمعة والجماعة، فخص وجوبها بالرجال دون النساء، لأنهن لسن من أهل البروز ومخالطة الرجال، وكذلك فرقت بينهما في عبادة الجهاد التي ليس الإناث من أهلها, وسوت بينهما في وجوب الحج لاحتياج النوعين إلى مصلحته، وفي وجوب الزكاة والصيام والطهارة، وأما الشهادة فإنما جعلت المرأة فيها على النصف من الرجل لحكمة أشار إليها العزيز الحكيم في كتابه، وهي أن المرأة ضعيفة العقل، قليلة الضبط لا تحفظه، وقد فضل الله الرجال على النساء في العقول والفهم والحفظ والتمييز، فلا تقوم المرأة في ذلك مقام الرجل، وفي منع قبول شهادتها بالكلية إضاعة لكثير من الحقوق وتعطيل لها، فكان من أحسن الأمور وألصقها بالعقول أن ضم إليها في قبول الشهادة نظيرها لتذكرها إذا نسيت، فتقوم شهادة المرأتين مقام شهادة الرجل، ويقع من العلم أو الظن الغالب بشهادتها ما يقع بشهادة الرجل الواحد.(1/174)
وأما الدية: فلما كانت المرأة أنقص من الرجل، والرجل أنفع منها، ويسد ما لا تسده المرأة من المناصب الدينية، والولايات، وحفظ الثغور، والجهاد، وعمارة الأرض، وعمل الصنائع التي لا تتم مصالح العالم إلا بها، والذب عن الدنيا والدين؛ لم تكن قيمتها مع ذلك متساوية، وهي الدية، فإن دية الحر جارية مجرى قيمة العبد وغيره من الأموال، فاقتضت حكمة الشارع أن جعل قيمتها على النصف من قيمته لتفاوت ما بينهما، فإن قيل: لكنكم نقضتم هذا، فجعلتم ديتها سواء فيما دون الثلث؟ قيل: لا ريب أن السنة وردت بذلك، كما رواه النسائي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «عقل المرأة مثل عقل الرجل، حتى تبلغ الثلث من ديتها» وقال سعيد بن المسيب: «إن ذلك من السنة» وإن خالف فيه أبو حنيفة والشافعي والليث والثوري وجماعة وقالوا: هي على النصف في القليل والكثير، ولكن السنة أولى، والفرق فيما دون الثلث وما زاد عليه أن ما دونه قليل، فجبرت مصيبة المرأة فيه بمساواتها للرجل، ولهذا استوى الجنين الذكر والأنثى في الدية لقلة ديته، وهي الغرة، فنزل ما دون الثلث منزلة الجنين.
وأما الميراث فحكمة التفضيل فيه ظاهرة: فإن الذكر أحوج إلى المال من الأنثى، لأن الرجال قوامون على النساء، والذكر أنفع للميت في حياته من الأنثى، وقد أشار سبحانه وتعالى إلى ذلك بقوله بعد أن فرض الفرائض، وفاوت بين مقاديرها: {آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا} وإذا كان الذكر أنفع من الأنثى وأحوج؛ كان أحق بالتفضيل. فإن قيل: فهذا ينتقض بولد الأم؟ قيل: بل طرد هذه التسوية بين ولد الأم: ذكرهم وأنثاهم، فإنهم إنما يرثون بالرحم المجرد، فالقرابة التي يرثون بها قرابة أنثى فقط، وهم فيها سواء، فلا معنى لتفضيل ذكرهم على أنثاهم، بخلاف قرابة الأب.(1/175)
وأما العقيقة فأمر التفضيل فيها تابع لشرف الذكر، وما ميزه الله به على الأنثى، ولما كانت النعمة به على الوالد أتم، والسرور والفرحة به أكمل؛ كان الشكران عليه أكثر، فإنه كلما كثرت النعمة كان شكرها أكثر»ا.هـ
تفاضل النساء المؤمنات
قال تعالى في نساء النبي: {ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما يا نساء النبي لستن كأحد من النساء} إلى قوله: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} الأحزاب، وقال تعالى: {إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما} الأحزاب.
قال ابن عاشور عند كلامه على هذه الآية: «وقد اشتملت هذه الخصال العشر على جوامع فصول الشريعة كلها» "تفسير ابن عاشور" (22/22) وأنت ترى أن المؤمنات يتفاوتن في الاتصاف بهذه الصفات تفاوتاً كبيراً مما يدل على تفاضلهن.
وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم ابنة عمران وآسية امرأة فرعون» رواه البخاري رقم (3769) واللفظ له، ومسلم رقم (2431) عن أبي موسى.
وقد ذكرت السنة النبوية فضائل لخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت رسول، وأنهما مع مريم وآسية سيدات نساء أهل الجنة، وفضائل أخرى لأزواج النبي، ولكثير من نساء الصحابة، وفضلت نساء قريش على غيرهن كما هو معلوم مما يدل على تفاضل النساء فيما بينهن.
فالتفاضل بين المؤمنات دليل على عدم المساواة المطلقة بينهن، ومن سوى بينهن اعتماداً على مساواة الملاحدة فهو من الظالمين المعتدين المكذبين للقرآن والسنة. وإذا تحقق التفاضل بين المؤمنات فإثباته بينهن وبين المؤمنين من باب أولى.
التفضيل المذموم في شرع الله(1/176)
لا يثبت التفضيل لشيء على شيء آخر، ولا لأحد على أحد إلا بما جاء به الله أو ثبت عن رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، فمن فضل أحداً على أحد بغير برهان فدعواه مردودة على قائلها ولا كرامة. ومن التفضيل المذموم: تزكية الشخص نفسه قال تعالى: {فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى} النجم، وقال تعالى: {ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء} وقال سبحانه: {ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم} النور.
وروى البخاري رقم (3414) ومسلم رقم (2373) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تفضلوا بين أنبياء الله» وفي البخاري رقم (3395) واللفظ له ومسلم رقم (2377) عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا ينبغي لعبد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى».
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (24/251): «فإذا كان الشارع قد سوى بين عملين أو عاملين كان تفضيل أحدهما من الظلم العظيم، وإذا فضل بينهما كانت التسوية كذلك، والتفضيل أو التسوية بالظن وهوى النفوس من جنس دين الكفار، فإن جميع أهل الملل والنحل يفضل أحدهم دينه إما ظناً وإما هوى، إما اعتقاداً وإما اقتصاداً، وهو سبب التمسك به وذم غيره».
فقد أفادت الأدلة النهي عن التفضيل المشتمل على:
1- الآراء والتعصب.
2- الازدراء والاحتقار بالمفضول.
3- التفاضل المؤدي إلى التشاجر والتخاصم.
ونحن عند أن نبرهن على التفاضل الذي شرعه الله لا يعني الازدراء والاحتقار للمفضول، وإنما المراد أن يعطى كل ذي حق حقه، وأن يوضع كل في مرتبته التي أنزله الله إياها، وهذا هو العدل الذي به قامت السماوات والأرض.
ومن التفاضل أن حق الأمهات في البر بهن أعظم من حق الآباء(1/177)
لقد اشتهر عند المسلمين الحديث العظيم الذي رواه البخاري رقم (5971) واللفظ له، ومسلم برقم (2548) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك» فجعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أرباع البر والطاعة للأم، والأب الربع الأخير كما هو قول أكثر أهل العلم، والسبب في ذلك: أن الأم تحمل وتلد وترضع، ولا مشقة أعظم من ذلك. وهكذا الأقرباء تتفاضل حقوقهم في الطاعة لهم والاحترام والإكرام والإرث والهبة والصدقة وغير ذلك.
الفصل السادس:
المساواة الديمقراطية ألعوبة على الشعوب والدول
الحقائق تدل على أن المساواة خدع للشعوب، ولعب على عقولها، وسنذكر هاهنا ما تيسر من إثبات ذلك.
اليهود والنصارى يفضلون أنفسهم على غيرهم
سبق أن ذكرنا أن مؤسس الدعوة إلى المساواة الديمقراطية والشيوعية هم اليهود، ثم تبعهم بعد ذلك النصارى، فأما اليهود فمعلوم أنهم يعتقدون أنهم شعب الله المختار، وأن النصارى والعرب عندهم أنجاس، والنصارى أخذوا في الدعوى بالأفضلية لهم كما أخذ اليهود حتى جمع الله بينهم فقال: {وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق}.(1/178)
وقد حصروا الهداية فيهم، قال الله مخبرا عنهم: {وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا} البقرة. وجعلوا الجنة خاصة بهم، قال تعالى مخبراً عنهم: {وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} البقرة. وفي هذه الآيات فضح لليهود والنصارى في دعواهم الانتساب إلى الله، وأحقيتهم بالهداية من الله دون غيرهم، واختصاصهم بالجنة دون غيرهم، فهذا منهم تفضيل لأنفسهم حالاً ومآلاً وخلقاً وعملاً، ولا يزالون على هذه الدعوى البائرة إلى ساعتنا هذه، فها هي أمريكا _ دمرها الله _ حاملة الدعوة إلى المساواة تعلن أن الله قد اختارها من بين شعوب العالم، فقد قال أحد رؤساء أمريكا: (لمواجهة تحديات عصرنا حمل القدر بلدنا مسؤولية قيادة العالم الحر) وقال جورج واشنطن في خطابه الرئاسي عام 1789م: (إنه موكل بمهمة عهدها الله إلى الشعب الأمريكي) وقال توماس جيفرسون في خطابه الرئاسي عام 1081م: (الأمريكيون شعب الله المختار) المقالات الثلاث من كتاب عولمة أم أمركة ص(7-9) وقال الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر: (إن الله أمرني أن أضرب أفغانستان والعراق) كما نشر ذلك في وسائل الإعلام.
وإذا كان هذا لسان الرؤساء فما الظن بمن دونهم، وعلى هذا فدعوة أمريكا والأمم المتحدة إلى المساواة لا يفهم منها أنهم يقبلونها ويرتضونها لأنفسهم، كما يفرضونها على غيرهم، وإنما يتظاهرون بها لتحقيق مآربهم الخطيرة ومخططاتهم الجهنمية. وقد علم أن من يدعو إلى شيء ويعمل بخلافه أنه مخادع للمدعو ماكر به.
لا مساواة عند دول الغرب مع المسلمين حتى في الإنقاذ من الجوع(1/179)
لقد ملأت الدول الكافرة الدنيا ضجيجاً بقضايا حقوق الإنسان كماً وكيفاً، ولا شك أن أعظم حقوق الإنسان المادية الغوث من الجوع، وإنقاذه من المجاعة، وهذا ما أقره مؤتمر الغذاء العالمي الذي عقد في روما عام 1974م، وصار إعلاناً عالمياً ونصه: (إن كل رجل وامرأة وطفل له حق ثابت في التحرر من الجوع وسوء التغذية، حتى يتسنى له أن يشب وينمو بشكل كامل، وأن يحافظ على ملكاته الذهنية وقدراته الجسدية... وأكد المؤتمر على عزم وتصميم الدول المشتركة على الاستفادة بأقصى ما يمكن بمنظومة الأمم المتحدة في تنفيذ هذا الإعلان، ودعا جميع الشعوب التي عبرت عن إرادتها _ كأفراد، أو عن طريق الحكومات، أو المنظمات غير الحكومية _ إلى العمل معاً على وضع نهاية للمشكلة الأبدية (مشكلة الجوع) وقد صدقت الجمعية العامة على البيان). نقلاً من كتاب "حقوق الإنسان بين الشريعة والقانون" ص (172).
واعتبروا أن التحرر من الجوع حق أساسي أول للإنسان، وهو كذلك، ولكن كيف حرروا الجائعين من المسلمين؟ قال صاحب كتاب "احذروا الأساليب الحديثة في مواجهة الإسلام" ص (328-329) وهو يتحدث عن سوء معاملة أمريكا مع دولة بنجلادش المسلمة: «فقد حاولت أمريكا أن تجعل حكومة الشيخ مجيب الرحمن متعاونة (أي: خاضعة للسياسة الأمريكية) فإذا بها تستغل ما حدث في بنجلادش من فيضانات سنة 1973م وتتأخر في تعهداتها العادية من المساعدات الغذائية، وتتدخل المخابرات المركزية، فتمنع وصول شحنتين من الحبوب كان قد تم التعاقد عليها من مصدري الحبوب الأمريكيين، مما أدى إلى المجاعة الكبرى التي مات فيها ما يقرب من مائة ألف، وفي النهاية خضع الشيخ مجيب الرحمن لمتطلبات السياسة الأمريكية، فقام بتشكيل حكومة جديدة كلها من عملاء أمريكا، ثم بعد ذلك جاءت المساعدات والمنح من جديد».(1/180)
فانظر _ أخي القارئ _ كيف استغلت أمريكا المجاعة في هذه الدولة لصالحها القومي، ولغرض سيطرتها وسياستها؟! وأغرب من هذا أن الدول الكافرة عموماً وأمريكا خصوصاً يصنعون الفقر والمجاعة في الشعوب الإسلامية بطرق ملتوية، وعلى سبيل المثال: ما قامت به أمريكا من حصار اقتصادي على الشعب العراقي استمر أكثر من عشر سنوات، أدى إلى موت مئات الآلاف من الأطفال بسبب الجوع والمرض، بدعوى أن الدولة العراقية عندها أسلحة دمار شامل، ولم يكن عندها شيء من ذلك، مع أن دولة اليهود تصنع أسلحة نووية تدمر العالم كله ورغم هذا تمدها أمريكا بالمساعدات والمنح والقروض، مما يدلك على أن القضايا _ في نظر أمريكا ومن إليها _ خاضعة للسياسة والمصالح، لا غير، ولو أن أمريكا وحلفاءها قاموا بإنفاق المليارات _ التي قتلوا بها المسلمين في أفغانستان والعراق وغيرها من الدول _ في محاربة الفقر والجوع والجهل والمرض لما بقي فقير واحد، ولأنقذوا شعوب العالم _ وبالذات أفريقيا _ من خطر المجاعة والجهل والمرض.
وإذا كانت هذه معاملة زعماء الغرب؛ فما الظن بمعاملة دعاة التنصير مع فقراء المسلمين في بعض دول أفريقيا، فقد جعلوا الغذاء والدواء وسيلة للتنصير.
قال السلومي في كتابه "ضحايا بريئة" ص (207): «البعثات المسيحية في أفريقيا لوَّحت مهددة بالشعار الذي يقول: تخلَّ عن الدين الإسلامي وسنحررك من الجوع والفقر والخوف والمرض، جيوش من البعثات التنصيرية عبرت أفريقيا تحمل الطعام في اليد اليسرى والصليب في اليد اليمنى».
أصناف استثنتهم قوانين المساواة الديمقراطية من المساواة
ومما يدل على أن المساواة ألعوبة على الشعوب: أن المتصرفين في وضع قوانين المساواة خصوا أصنافاً من الناس بعدم المساواة وسأذكرهم اختصاراً:(1/181)
الصنف الأول: الرؤساء والملوك، قال خبير القوانين عبد القادر عود في كتابه "التشريع الجنائي في الإسلام" (1/311): «تميز القوانين الوضعية دائماً بين رئيس الدولة الأعلى ملكاً كان أو رئيس جمهورية، وبين باقي الأفراد، فبينما يخضع الأفراد للقانون لا يخضع له رئيس الدولة، بحجة أنه مصدر القانون، وأنه السلطة العليا، فلا يصح أن يخضع لسلطة هي أدنى منه وهو مصدرها».
الصنف الثاني: سفراء الدول، قال عبد القادر في المصدر المذكور (1/313): «تميز رجال السلك السياسي تعفي القوانين الوضعية المفوضين السياسيين الذين يمثلون الدولة الأجنبية من أن يسري عليهم قانون الدولة التي يعملون فيها، ويشمل الإعفاء حاشيتهم وأعضاء أسرهم، وحجة شراع القوانين في هذا الإعفاء أن الممثلين السياسيين يمثلون دولهم أمام الدولة التي يعملون في أرضها، وليس لدولة على أخرى حق العقاب، وأن الإعفاء ضروري لتمكينهم من أداء وظائفهم، وحتى لا تتعطل بتعريضهم للقبض والتفتيش والمحاكمة».
الصنف الثالث: ممثلو الشعوب في المجالس النيابية، قال عبد القادر عودة في المصدر السابق (1/313): «تميز أعضاء الهيئة التشريعية وتعفي القوانين الوضعية ممثل الشعب في البلاد النيابية من العقاب على ما يصدر منهم من الأقوال أثناء تأدية وظائفهم».
الصنف الرابع: الأغنياء، قال عبد القادر عوده في المصدر السابق (1/313-314): «وتميز القوانين الوضعية الأغنياء على الفقراء في كثير من الحالات، من الأمثلة على ذلك في القانون المصري: أن قانون تحقيق الجنايات يوجب على القاضي أن يحكم بالحبس في كثير من الجرائم، على أن يقدر للمحكوم عليه كفالة مالية إذا دفعها أجل تنفيذ الحكم عليه حتى يفصل في الاستئناف، وإن لم يدفعها حبس دون انتظار لنتيجة الاستئناف، وفي هذا خروج ظاهر على مبدأ المساواة».(1/182)
قلت: التعامل المذكور مع هذه الأصناف هو عين المحرم في الإسلام، فقد روى البخاري رقم (3475) واللفظ له، ومسلم رقم (1688) عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأسامة: «أتشفع في حد من حدود الله؟ ثم قام فاختطب ثم قال: إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» .
استغلالهم المرأة باسم المساواة للمتاجرة بها
استغلال الغرب للمرأة باسم المساواة باب واسع، ومن هذا الاستغلال ما يلي:
1- استغلالهم لها لإشباع غرائزهم بالرضا والاغتصاب، وهذا قد شاع وذاع في وسائل الإعلام كافة، بل وألفت في ذلك الكتب ككتاب "الابتزاز الجنسي".
2- استغلالهم لها في الدعاية الإعلانية في مجالات شتى.
3- استغلالهم لها في عرض الأزياء، وما يسمى بالموضة.
4- استغلالهم لها في مشاركة الأسرة في النفقة، وهذا لا يحتاج إلى كثرة نقل لانتشاره، قال صاحب كتاب "العلمانية" ص (434): «وأما المرأة فقد دفع بها الوضع الاجتماعي الذي لا يرحم إلى أن أصبحت تطرد من المنزل بعد سن الثامنة عشرة، لكي تبدأ في الكدح لنيل لقمة العيش، وإذا ما رغبت أو أجبرتها الظروف في البقاء في المنزل مع أسرتها بعد هذه السن فإنها تدفع لوالديها إيجار غرفتها، وثمن طعامها، وغسيل ملابسها، بل تدفع رسماً معيناً مقابل اتصالاتها الهاتفية».
5- استغلالهم لها في العمل لقلة أجرتها.
6- استغلالهم لها في تسيير الدول والتدخل في شؤونها الخاصة باسم الانتصار لحقوق المرأة.(1/183)
وخلاصة القول: أن الرجال المتطلعين إلى مد يد المرأة إليهم نالوا بغيتهم حينما اقتربت منهم واختلطت بهم، فاستغلوها استغلالاً بشعاً، وافترسوها افتراس الوحش، ومكروا بها مكر الثعلب، وواعدوها وأخلفوها، ومنوها ولم يعطوها، وأظهروا حبهم لها وهم يحتقرونها، وتنادوا بحقها وهم يضعونها ويصادرون حقها، وأعلنوا الغيرة عليها وهم يمتهنونها وينتهكون عرضها. فتصور كيف يكون حال المرأة التي تكالبت عليها دول وأحزاب وأفراد وإذا قضوا حاجتهم منها رموا بها كالسلعة الخائسة، وسيأتي يوم يتحول الناعقون بحقوق المرأة إلى دعاة إلى المسك على يد المرأة وكفها عما دعوها اليوم إليه، فلتفهم النساء هذا.
المساواة في استغلال جسد المرأة المسلمة في مجالات كثيرة
لقد استغل دعاة المساواة في بلادهم جسد المرأة استغلالاً بشعاً وواسعاً، حتى جعلوا المرأة غرضاً ودعاية لما يطمعون فيه، ووسيلة لما يلهثون وراءه، حتى ملؤوا الدنيا بصور النساء، وما تحمله تلك الصور من أنواع استخدام جسد المرأة باسم الحرية، وأوسع أنواع استغلال جسد المرأة هو في الإعلانات العامة، وعلى سبيل المثال استغلالها في الإعلانات التلفزيونية، ذكر صاحب رسالة "صورة المرأة في إعلانات التلفزيونات" أنه قام بتحليل (356) إعلاناً تلفزيونياً بلغ إجمالي تكرارها (3409) خلال (90) يوماً، وتوصل في بحثه إلى ما يأتي:
1- استخدمت صورة المرأة في (300) إعلان من (356) إعلاناً، كررت قرابة (3000) مرة في (90) يوماً.
2- اثنان وأربعون في المائة من الإعلانات التي ظهرت فيها المرأة لا تخص المرأة.
3- سن النساء اللاتي ظهرن في الإعلانات في مرحلة الشباب من سن 15-30
4- اعتماد ستة وسبعين في المائة من الإعلانات على مواصفات خاصة في المرأة كالجمال والجاذبية 51% على حركة جسد المرأة و 12.5% استخدمت فيها ألفاظ جنسية.(1/184)
5- إن الصورة التي تقدم للمرأة في الإعلانات منتقاة بعناية وليست عشوائية. نقلاً من كتاب "الإسلام والعولمة" ص (66-67) مع تصرف يسير.
وهذا الاستغلال لجسد المرأة الذي تحقق في بلاد الكفار سعى دعاة المساواة في بلاد المسلمين إلى نشره وتحقيقه، اقتداء بالتجار في أعراض النساء في بلاد الكفار، حتى زين دعاة المساواة من أبناء جلدتنا لكثير من أصحاب الشركات والمصانع وغيرهم أن يصوروا النساء في منتجاتهم وسلعهم، وبعد أن صارت صور النساء أمام الناس وخلفهم وعن يمينهم وعن شمائلهم سعى دعاة المساواة من المنتسبين إلى الإسلام ومن فتن بدعوتهم إلى تواجد المرأة مع الرجال، بحيث لا يفتقدونها لحظة، فأقحمت المخدوعات بدعوة الحرية والمساواة لكي تتساوى مع المرأة هناك، فحصل في بلاد المسلمين من جنس ما حصل في بلاد الكفار من استهلاك المرأة المسلمة فيما لم يكن في الحسبان.
قال صاحب كتاب "ماذا يريدون من المرأة" ص (68): «ففي دراسة إيرل سوليفان التي أجريت نساء النخبة في مصر، حيث تعلو نبرة التحرير الاقتصادي والشخصي للمرأة وجد أنهن يعملن في العلاقات العامة والإعلام والتسويق والمطاعم واستيراد وبيع السلع الاستهلاكية والسياحة ومؤسسات التجميل ووكالات السيارات واستيراد السلع الرأسمالية» فهل هذا هو بناء الأمم!؟ وهل هذا هو التحرير الصحيح: أن تعمل في مطعم أو مضيفة أو مرشدة سياحة أو مندوبة تسويق؟!
وقال الشاعر أبو زيد الحجوري في قصيدة وهو يتحدث عن حال المرأة في اليمن وغيره:
فلهذا تعرض أزياء ولهذا تعرض أدوية
ولهذا تعرض أجهزة ولهذا تعرض أغذية
ولهذا تعرض أفكارا ولهذا تعرض حزبية
ولهذا تعمل بالمافيا ولهذا بالجاسوسية
ولهذا تعرض أفلاما ولهذا تعرض أغنية
ولهذا تعرض فندقة ولهذا العلج إباحية
وتغني وتذيع وصفرا رقصها طبل الحرية(1/185)
وقال صاحب كتاب "مكانة المرأة في المجتمع المسلم" ص (56-58): «الاهتمام بجسد المرأة مظهر من مظاهر حرية هذا العصر... لأن جسد المرأة هو ممثل الجانب الاستهلاكي، وهو الدافع للتجار وأصحاب المصالح المادية في استخدام هذا الجانب لترويج بضائعهم وتحقيق مكاسبهم، لهذا تجد جسد المرأة معروضاً في كل الإعلانات والدعايات جنباً إلى جنب مع كل إعلان تجاري، كما نلاحظ أن اهتمامات النساء تكاد تتوقف عند إظهار مفاتنهن وكشف مواطن الإغراء والزينة في أجسادهن، ولقد لعبت الحرية الغربية المزيفة دوراً هاماً في هذا المجال، لأن تجارة الأعراض كانت إحدى وسائل الكسب والاتجار، كما أنها تعد باتجاهها الاستهلاكي وسيلة هامة للترويج لعدد من السلع التجارية، كالمخدرات وأدوات التجميل والملابس الحديثة... والغريب العجيب أن يتم هذا باسم الحرية، مع أنه لا يخرج عن كونه أسلوباً جديداً وحديثاً للدعارة بدلاً من الأسلوب القديم... تطور هذا الوضع ليصبح أسلوباً متحركاً يجده الرجل وراءه وأمامه، وعن يمينه وعن شماله بسبب التطور الإعلاني والدعائي في هذا العصر، والنتيجة: زيادة مضاعفة في استهلاك الطاقات وتبديدها، لحساب الأطباء وتجارة الأدوية إلى جانب تجار الأعراض والمخدرات وبيوت الأزياء وأدوات التجميل، ومعظمها جهات مشبوهة تعمل على تحقيق مكاسبها المادية من خلال خسارة الشعوب والأمم لأبسط القواعد الإنسانية للحياة البشرية اللائقة بذوي العقول، فمن من العقلاء ينكر أن الفرق بين الإنسان والبهائم هو فرق في السلوك وميزة في النظام».(1/186)
وبلغ استغلال المرأة المسلمة جسدياً إلى أن يجمع الرجال والنساء في محاضرات دينية كما يفعل ذلك الدعاة المعتمدون من قبل الغرب، وفي مقدمتهم عمرو بن خالد وطارق السويدان كما أوضحت هذا في رسالة خاصة بعمرو بن خالد، فلم يكتف هؤلاء السلابون النهابون لجسد المرأة المسلمة بما هو حاصل من المتاجرة بها في مجالات الحياة، حتى أحضروها إلى أماكن إلقاء المحاضرات لينالوا نصيبهم الخاص من هذه الصفقات. اللهم عليك بالمفسدين في الأرض، اللهم عليك بأهل المكر والغدر بالمسلمين. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الفصل السابع:
البديل عن المساواة الديمقراطية
كثيراً ما يردد دعاة المساواة ومن على شاكلتهم: نريد البديل عن المساواة. وما علم هؤلاء المساكين أن الشريعة الإسلامية جاءت بكل خير لدنيانا وأخرانا، فلا يحتاج المسلمون المتعقلون بأذيال المساواة أن يبحثوا عن البديل، لأن الشريعة الإسلامية بين أظهرهم، وفي متناول أيديهم، وهي محفوظة من التغيير والتبديل والتحريف إلى قيام الساعة، ومما جاءت به الآتي:
الأول: العدل الشامل
والعدل قامت به السماوات والأرض، وهو قوام العالمين، وبه صلاح الدنيا وجماع الدين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "الرد على المنطقيين" ص (436): «مبنى الوجود كله على العدل حتى في المطاعم والملابس والأبنية ونحو ذلك». وكيف لا؟ والعدل الذي جاءت به الشريعة: هو وضع كل شيء في موضعه، كما أن الظلم: وضع الشيء في غير موضعه. وقد فرض الله على جميع المسلمين القيام بالعدل قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا}.(1/187)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «فإن العدل واجب لكل أحد على كل أحد في كل حال، والظلم محرم مطلقاً لا يباح قط بحال» "منهاج السنة" (5/126)
وقد كثرت أوامر الله للمسلمين بالعدلـ وتحذيرهم من الجور والظلم في كل الأحوال، فقد أمر الله تعالى بالعدل في الحكم بين الناس، قال الله تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا} النساء.
وأمر الله تعالى بالعدل في الأقوال عموماً فقال: {وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون} الأنعام.
وأوجب تعالى العدل بين الطائفتين المتقاتلتين فقال: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} الحجرات.
ونهى سبحانه عن ظلم النساء حال التعدد، ودعا إلى العدل فقال: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو مما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعدلوا} النساء.
وفرض الله العدل حتى مع الكفار الحربيين قال الله تعالى: {ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله} المائدة.
وللفائدة: المساواة من معاني العدل، فالعدل أعم وأشمل، فقد تقدم أن الإسلام جاء بمساواة جزئية، وهي جزء من معاني العدل، فحرام حرام أن يفرق بين متساويين أو يساوى بين مختلفين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" (24/251): «فإن كان الشارع قد سوى بين عملين أو عاملين كان تفضيل أحدهما من الظلم العظيم، وإذا فضل بينهما كانت التسوية كذلك، والتفضيل أو التسوية بالظن وهوى النفس من جنس دين الكفار».
الثاني: إعطاء كل ذي حق حقه كما جاءت به الشريعة الربانية(1/188)
إن الواجب على كل مسلم أن يبذل الحق الذي لغيره، وأن يوصله إليه على الوجه الذي أوجبه الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ، قال الله تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} النساء، والحقوق التي يجب أداؤها كثيرة، منها ما هو للخالق ومنها ما هو للمخلوق، فقال تعالى آمراً بأداء حقه: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة} البينة. وقال تعالى في أداء حق رسوله - صلى الله عليه وسلم - : {فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون} الأعراف. وقال في أداء حق علماء الكتاب والسنة: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} النحل. وقال تعالى في حق ولاة الأمور: {وأطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم} النساء، وقال الله في أداء حق الوالدين: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا} الإسراء.
وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أداء حق الجار: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» رواه البخاري رقم (6015) ومسلم (2625) عن ابن عمر رضي الله عنهما، وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أداء حق الزوج على زوجته: «لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها» رواه الترمذي رقم (1159) عن أبي هريرة وأحمد عن معاذ.(1/189)
وقال الله في أداء حق الزوجة على زوجها: {وأخذن منكم ميثاقا غليظا} النساء، وقد فسر الميثاق الغليظ بحسن العشرة, وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «أحق الشروط أن توفوا بها ما استحللتم به الفروج» رواه البخاري رقم (2721) واللفظ له ومسلم (1418) عن عقبة بن عامر، وقال الله في حق اليتيم: {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم في الدين والله يعلم المفسد من المصلح} البقرة. وقال الله في أداء حق ذوي القربى والمساكين: {فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه الله} الروم. وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حق الحيوانات وغيرها: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء؛ فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح» رواه مسلم رقم (1955) عن شداد بن أوس.
فما من مسلم ولا مسلمة إلا وله حقوق وعليه حقوق، وقد جاء الرسول بقواعد عظيمة لأداء الحقوق، ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» رواه البخاري رقم (13) واللفظ له ومسلم رقم (45) عن أنس رضي الله عنه.
فالله الله في القيام بأداء الحقوق على الوجه الذي يرضي الله، والذي جاء به رسوله، والذي يحب المسلم أن يتعامل به معه. والله أسأل أن يعيننا على ذلك.
من لم يؤد الحقوق في الدنيا عجلت له العقوبة فيها وسيؤديها يوم لقاء الله.
لقد دلت الأدلة على أن المفرط في أداء الحقوق في الدنيا تعجل له العقوبة في الدنيا وتدخر له في الآخرة، روى أبو داود رقم (4902) واللفظ له، وأحمد (5/38) عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة مثل البغي وقطيعة الرحم».(1/190)
وروى مسلم رقم (2582) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء».
وروى البخاري رقم (6534) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها، فإنه ليس ثمَّ دينار ولا درهم، من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه» وفي صحيح مسلم رقم (2581) عن أبي هريرة أيضاً أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أتدرون ما الفلس من أمتي؟ قالوا: المفلس فينا من لا دينار له ولا متاع. قال: المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا ....» فاربأ بنفسك أيها المسلم عن الظلم ومواطنه، فإن عواقبه وخيمة كما رأيت في هذه الأحاديث وغيرها، خصوصاً ظلمك لأقاربك كما قال الشاعر:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند
وأما ظلم الأرحام فأعظم خطراً مما سبق، فأنت لا تطيق أن يأتيك أحد من جيرانك وأصدقائك أو شركائك يوم القيامة يطالبك بحق له، فكيف إذا كان خصومك يوم القيامة أقاربك، من أب وأخ وأم وأخت وبنت وعمة وخالة وزوجة وولد يخاصمونك فيما حرمتهم من حقوقهم ومنعتهم من ذلك، وفيما ألحقته بهم من فساد في دينهم ودنياهم، فاتقوا الله معشر المسلمين وراقبوه، وابذلوا الحق لأهله، ولا تنظروا إلى ضعف المحق من الخلق، ولكن انظروا إلى من ينصره في الدنيا والآخرة، فإن معه الله خير الناصرين قال الله تعالى: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم}.
إكرام الإسلام المرأة(1/191)
لقد جاء الإسلام والمرأة ممتهنة أيما امتهان، ومحتقرة أيما احتقار في الجاهلية، فقد كانوا يدفنونها حية، وإذا مات عنها زوجها ورثها أهله كأنها متاع عندهم، ويتأذى أحدهم إذا ولدت له أنثى، وقبل هذا كانت محتقرة عند اليهود والنصارى، فلما جاء الإسلام أكرمها وأعطاها حقوقها العامة والخاصة, ومظاهر تكريم الإسلام للمرأة كثيرة منها:
o أن الله جعلها آية فقال: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها}.
o أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - جعلها سيدة بيتها، فقد روى ابن السني من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «كل نفس من بني آدم سيد، فالرجل سيد أهله، والمرأة سيدة بيتها».
o أن الله جعل المرأة المسلمة أفضل وأكرم عليه من جميع نساء الكافرين، بل ومن الكافرين أنفسهم فقال: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}.
o أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - جعلها خير متاع الدنيا فقال: «الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة» رواه مسلم برقم (1467) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
o أن الإسلام جعلها أماً للأنبياء والمرسلين والصالحين، وأختاً لهم، وبنتاً لهم وخالة، وعمة، وجدة، وزوجة.
o أن الإسلام جعلها كالريحانة الفواحة، ولهذا قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «حبب إلى من دنياكم الطيب والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة» رواه النسائي في "العشرة" عن أنس.
إلى غير ذلك من التكريم، ومن أراد التوسع والمزيد في بيان إكرام الإسلام المرأة فليرجع إلى كتابنا "المؤامرة الكبرى على المرأة المسلمة" (2/583-598)
المرأة متاع
جاء عند الإمام مسلم برقم (1467) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة».(1/192)
قال العلامة الشنقيطي (3/311): «ومعلوم عند عامة العقلاء أن الأنثى متاع لا بد له ممن يقوم بشؤونها ويحافظ عليه، وقد اختلف العلماء في التمتع بالزوجة، هل هو قوت أو تفكه؟ وأجرى علماء المالكية على هذا الخلاف حكم إلزام الابن بتزويج أبيه الفقير، قالوا: فعلى أن النكاح قوت: فعليه تزويجه، لأنه من جملة القوت الواجب له عليه، وعلى أنه تفكه: لا يجب عليه على قول بعضهم. فانظر شبه النساء بالطعام والفاكهة عند العلماء، وقد جاءت السنة الصحيحة بالنهي عن قتل النساء والصبيان في الجهاد، لأنهما من جملة مال المسلمين الغانمين، بخلاف الرجال فإنهم يقتلون».
وإذا كانت المرأة متاعاً للرجل، فكيف تسوى به؟! وعندما نذكر مثل هذه المواضيع هو لبيان الحقائق، لا لأننا نحتقر المرأة المسلمة، والذي دعانا لإيضاح هذا هو مكابرة دعاة مساواة المرأة بالرجل، بل بعضهم فضلها عليه.
المحافظة على المرأة المسلمة مسؤولية جميع المسلمين(1/193)
أيها المسلمون إن كل امرأة مسلمة لا تخرج عن أن تكون أماً أو أختاً أو بنتاً أو عمة أو خالة لأحدنا، فمن ذا الذي يرضى أن يفرط في واحدة منهن؟ ومن هو الذي يحب أن يتدنس شرف واحدة من هؤلاء؟ وعلى هذا فمن فرط في أي امرأة مسلمة فكأنما فرط في واحدة من أقاربه وأرحامه، ومن عرَّض واحدة من نساء المسلمين لانتهاك حرمتها وإفساد عفتها فكأنما قدم واحدة ممن ذكرنا، وكيف لا والرسول يقرر هذا الذي أشرت إليه، روى الإمام أحمد (5/257) واللفظ له والطبراني في الكبير رقم (7679) عن أبي أمامة قال: «إن فتى شاباً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا: مه مه؟ فقال: أدنه. فدنا منه قريباً، قال: فجلس قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم. قال: فوضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه. قال: فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء». أضف إلى هذا أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» رواه البخاري رقم (13) ومسلم رقم (45) وعند النسائي رقم (5017) زيادة من الخير.(1/194)
فالواجب على كل مسلم ومسلمة أن يسد الثغرة التي تكون باباً من جهته للنيل من المرأة المسلمة والوصول إليها، فعلى العلماء والدعاة وخطباء المساجد أن ينثروا على مسامع المسلمين ما جاءت به الشريعة الإسلامية من حقوق للمرأة، وواجب عليهم أن يكشفوا ما في دعوتي الحرية والمساواة من إجهاز على المرأة المسلمة.
وعلى الدول الإسلامية أن تتقي الله، وأن تبيض وجوهها باتخاذ ما يثبت غيرتها على أعراض المسلمين، وذلك بفتح المجال لمن سبق ذكرهم أن يناشدوا مجتمعاتهم بالتمسك بالعفاف والحشمة، وأن يحافظوا على المرأة، ورد ما يأتي به الأعداء من تلبيسات، وواجب على الدولة أن تقوم بمنع الاختلاط خصوصا في الأعمال الحكومية أيا كانت، فإن قامت بهذا أي دولة فقد رشدت واستحقت أن تكون قدوة حسنة لغيرها، وسيكون هذا من أعظم الثناء الحسن عليها على مر التاريخ، وتنال بهذا الرفعة والنصر والتمكين من الله العزيز الحكيم، وعلى الدول الإسلامية أن لا تخضع لما يريده الغرب الخاسر من إفساد المرأة المسلمة، فعلى الأقل يكون ردها على دعاة الغرب بأن مساواة المرأة بالرجل دعوة قد ظهر فشلها وعظم ضررها في بلادهم، فكيف يطالبوننا بما به يتضررون.
وعلى الآباء وأولياء أمور النساء أن يعلموا أهمية مشاركتهم في هذا الخير العظيم والدفاع الكبير عن حياض الشرف وأماثل العز، فليكونوا مربين للنشء على آداب الإسلام، حراساً للفضائل، حتى لا يقعوا في شيء من الرذائل، وليحافظ الجار على حق جاره، والقريب على حق قريبه، والصديق على حقوق أصدقائه، وليعتبر كل واحد منا محارم المسلمين كمحارمه.
ألا ولنعلم جميعا أن أساس تحقيق هذا الخير يبدأ من عند الأمهات، وقد أحسن القائل:
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق(1/195)
فلتعتن الأم بتربية بناتها ولتسابق أخواتها في حسن التربية، ولا تغفل عن ذلك، ولا تغض طرفها عما يجري من بناتها في لباسهن أو أخلاقهن أو خروجهن. اللهم اجعل أمهات المسلمين مفاتيح خير مغاليق شر، اللهم بارك في أعمارهن في حسن عمل وبذل تربية وإصلاح أمة.
الظلم للمرأة في بلاد الكفار
ومن الظلم العظيم للمرأة في بلاد الكفار الآتي:
أ ضربها، قال صاحب كتاب "من أجل تحرير حقيقي للمرأة" ص (16-17): «دراسة أمريكية جرت في عام 1407هـ/1987م أشارت إلى أن 79% من الرجال يقومون بضرب النساء... وفي دراسة أعدها المكتب الوطني الأمريكي للصحة النفسية جاء أن 17% من النساء اللواتي يدخلن غرف الإسعافات هن ضحايا ضرب الأزواج والأصدقاء... وقالت: جانيس مور: «إننا نقدر بأن عدد النساء اللواتي يضربن في بيوتهن كل عام يصل إلى ستة ملايين امرأة». وذكرت دراسات أخرى حول هذا الظلم على المرأة الأمريكية، وهذه الدراسات دليل على ظهور هذا الاعتداء على المرأة، وهذا الاعتداء كثير منه في المدن، وليس خاصاً بأهل الريف، وهذا _ كما ترى _ في وقت دعوة المساواة وكثرة منظماتها، ومع الأسف يأتي إخوان القردة والخنازير يتباكون على المرأة في بلاد المسلمين باسم الرحمة لحال المرأة المسلمة، وما رحموا أنفسهم، فأنى لهم أن يرحموا أعداءهم المسلمين.
ب سلب أموالهن، وهذا لا يحتاج إلى كثرة نقل لانتشاره، قال صاحب كتاب "العلمانية" ص (434): «وأما المرأة فقد دفع بها الوضع الاجتماعي الذي لا يرحم إلى أن أصبحت تطرد من المنزل بعد سن الثامنة عشرة لكي تبدأ في الكدح لنيل لقمة العيش، وإذا ما رغبت أو أجبرتها الظروف في البقاء في المنزل مع أسرتها بعد هذه السن فإنها تدفع لوالديها إيجار غرفتها وثمن طعامها وغسيل ملابسها، بل تدفع رسماً معينا مقابل اتصالاتها الهاتفية). إلى جانب هذا يجب على الزوجة في بلاد الغرب أن تنفق على البيت مثل زوجها كما سبق ذكره.(1/196)
ت خيانة كثير من الأزواج لزوجاتهم، قال صاحب كتاب "من أجل تحرير حقيقي للمرأة" ص (49): «وحين تقرأ الزوجة الأمريكية أن نسبة الأزواج الخائنين تصل إلى 70% تتعرض إلى صدمة كبيرة... ولا توجد في هذه الحالة أي حماية للزوجة الأمريكية». وقال الدكتور محمد علي البار في كتابه "الأمراض الجنسية" ص (26) عن صحيفة الشرق الأوسط قولها: (إن 75% من الأزواج يخونون زوجاتهم في أوروبا).
ث اغتصابهن، وقد بلغ الاغتصاب لهن عنان السماء كما ذكرنا هذا في غير هذا الموضع.
ج ضياع حقوق كبار السن من آباء وأمهات وأقارب، فقد أصبحت هذه أزمة في بلاد الكفار، حيث إن هذا الصنف يوجه إلى مراكز رعاية المسنين، قال صاحب كتاب "أمريكا السقوط والحل" ص(26-27): «والمشكلة الإضافية: أن الراغبين في الاستفادة من خدمات بيوت رعاية المسنين الجيدة تواجههم قوائم انتظار طويلة، تصل إلى عام أو أكثر، وأما التكلفة فإنها تصل في المتوسط إلى 2000 دولار في الشهر، وبعض إدارات البيوت تطلب دفع تبرعات (غير قانونية) مسبقة تصل لمبلغ عشرة آلاف دولار، ونظراً لأن الحكومة لا تتكفل بتغطية المصاريف فإن كثيرا من المواطنين يفقدون بسرعة كل مدخراتهم، زد على ذلك أن مراكز الرعاية لها الحق في اختيار نزلائها، فترفض كبار السن المرضى، أو ناقصي العقل، وتقبل الأصحاء الذين يحتاجون لرعاية أقل».
المستقبل القريب للإسلام بإذن الله
لقد دلت أدلة متنوعة على أن المستقبل الآتي للإسلام والمسلمين:(1/197)
قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً} الفتح، وقال تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} الصف، وقال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} النور، وقال تعالى: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} غافر
وجاء عند أحمد (4/103) واللفظ له، والحاكم (4/430) من حديث تميم الداري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر».
وجاء عند أحمد (5/134) واللفظ له والحاكم (4/311) من حديث أبي بن كعب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة والدين والنصر والتمكين في الأرض».(1/198)
وجاء عند أحمد (4/273) من حديث حذيفة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً، فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبرية، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج نبوة. ثم سكت».
وقد يقول قائل: أليس قد تحققت في الماضي ما دلت عليه هذه الأدلة؟
الجواب: نعم، قد تحقق جزء مما دلت عليه الأدلة المذكورة وأمثالها، فقد تحقق معظم ذلك في عهد الخلفاء الراشدين، وتحقق جزء من ذلك في فترات تاريخية أخر، مثلما تحقق على يد الدولة العثمانية من انتصاراتها على أوربا، ولا تزال الأدلة المذكورة تدل على استمرارية انتشار الإسلام في أقطار الأرض، وانتصار أهله بإذن الله.
وأما الأدلة الدالة على أن الإدالة في المستقبل للمسلمين على الكافرين فقوله تعالى: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} آل عمران، وروى البخاري رقم (2804) واللفظ له ومسلم رقم (1773) عن ابن عباس أن أبا سفيان أخبره (أن هرقل قال له: سألتك كيف كان قتالكم إياه فزعمت أن الحرب سجال ودول، فكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة).(1/199)
وقد أشار غير واحد من المفسرين العصريين إلى أن الأدلة المرجوة في المستقبل هي للمسلمين، وهي كذلك والتاريخ دال على هذا، فقد تمكن التتار من المسلمين حتى أزالوا الخلافة العباسية، ثم انتصر عليهم المسلمون بعد ذلك، وتمكن النصارى من أخذ بيت المقدس على المسلمين، وبقي بأيديهم قرابة قرن، ثم نصر الله المسلمين على النصارى على يد صلاح الدين الأيوبي، ثم مكن الله الدولة العثمانية تمكيناً عظيماً من أوروبا بما لم يكن في حسبان المسلمين، ودام تمكن الخلافة العثمانية من أوربا قرونا حتى أزيلت في عام 1924م فصارت الغلبة الآن لليهود والنصارى والإدالة لهم على المسلمين، وسنة الله بعد هذا أن المستقبل للإسلام وأهله، بقوة من يقول للشيء: كن فيكون، وعلى هذا؛ فليعلم أن الله ناصر دينه بمن شاء ومتى شاء وكيف شاء، لأن الله له جنود السماوات والأرض، فمن تولى من المسلمين عن القيام بالدفاع عن الإسلام فقد قال الله: {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} محمد، فلتمتلئ قلوب المؤمنين بالثقة أن العاقبة للمتقين، وليبذلوا الأسباب الموصلة إلى نشر الإسلام ودحر الكفر وأهله.
بشائر من واقع المسلمين والكفار في عصرنا تدل على أن المستقبل للإسلام
البشائر المشهودة والمحسوسة في القرن الخامس عشر الهجري الدالة على التحول نحو الإسلام كثيرة، من ذلك الآتي:
1- انتشار الإسلام وازدياده في كل لحظة في بلاد الكفار، بحيث صار المسلمون هناك عشرات الملايين، فقد ذكرت الإحصائيات مؤخراً أن المسلمين في أمريكا يبلغون اثني عشر مليوناً، فهذه الملايين في دولة واحدة كان المسلمون فيها إلى عهد قريب قليلين جداً، وهذا الازدياد فيها مطرد، وقد ذكرت مصادر أن عدد الداخلين في الإسلام في أمريكا تضاعف إلى أربعة أضعاف بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م.(1/200)
2- رجوع كثير من المسلمين إلى التمسك بدينهم، بل هناك رجوع عام في المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وهذا مشهود وملموس، والحمد لله.
3- انتشار منهاج النبوة على يد أهل السنة والجماعة بما لم يكن يعهد من قرون، وانتشار هذه الدعوة له تأثير كبير في التمكين للإسلام وأهله كما هو معلوم على مر التاريخ.
4- سقوط الاتحاد السوفيتي الذي كان يشكل أعظم دولة في آخر القرن الرابع عشر الهجري، والذي كان متكوناً من اتحاد خمس عشرة دولة، فقد تمزق هذا الاتحاد شر ممزق.
5- المعسكر الغربي بقيادة أمريكا هو في طريقه إلى السقوط بإذن الله، قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «... حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه» رواه البخاري رقم (2872) عن أنس، فهذه سنة الله التي لا تتغير ولا تتبدل، قال سبحانه: { فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً} فاطر.
6- شهادة كثير من عقلاء الغرب بأن الإسلام هو النظام المنتظر لقيادة البشرية، قال صاحب كتاب "المستقبل للإسلام في بريطانيا" وهو أحد الاقتصاديين البارزين هناك: «لقد أصبح واضحاً أن النظام الرأسمالي باطل، وأن النظام الاشتراكي باطل، ولا بد للبشرية أن تبحث عن نظام جديد، والمسلمون هم القوة الجديدة القادمة التي تبشر بنظام المستقبل». نقلا من كتاب "الإسلام المعجزة المتجددة في عصرنا" ص (340).
حتى إن بعضهم يعتقد أن القرن الحادي والعشرين قرن الإسلام، قال جون مروان عضو لجنة الكونجرس الأمريكي: «فأنا أعتقد أن القرن الحادي والعشرين سيكون قرن الإسلام، وقرن الثقافة الإسلامية، وستكون بذلك هناك فرصة لإحلال مزيد من السلام والرفاهية في كل بقاع العالم». نقلا من كتاب "الإسلام المعجزة المتجددة في عصرنا" ص (227).(1/201)
وإن شئت المزيد من أقوال هؤلاء فارجع إلى كتاب "قالوا عن الإسلام" و{لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} الروم.
فالله أسأل أن يهيئ لأمة الإسلام أمر رشدها، وأن يختار لها من يأخذ بزمام أمورها إلى العز والنصر والقيام بالإسلام والدفاع عنه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الحق ما شهد به الأعداء
إن مما يزيد أهل الإيمان طمأنينة في قلوبهم، وانشراح صدورهم، وكمال يقينهم، وقوة تمسكهم بدينهم: ما يسمعونه أو يقرؤونه من أقوال عقلاء الغرب ومن اهتدى منهم إلى الإسلام، الدالة على أنه لا حل لمشاكل العالم إلا في الإسلام، ولا خروج من التيه ولا أمان ولا استقرار إلا بالدخول في دين الإسلام، وسأذكر من أقوال عقلاء نساء الغرب ما تحصل به الفائدة، لأن أقوال عقلاء الغرب كثيرة، ولعل في أقوال نسائهم زجراً لفريق النساء المسلمات الداعيات إلى المساواة، قالت ماكلوسكي وهي امرأة ألمانية أسلمت عام 1977م: «في ظل الإسلام استعادت المرأة حريتها واكتسبت مكانة مرموقة، فالإسلام يعتبر النساء شقائق مساوين للرجال، وكلاهما يكمل الآخر» نقلا من كتاب "قالوا عن الإسلام" ص (434).(1/202)
وقالت سالي جان مارش: «... على فرض وجود بعض القيود على المرأة المسلمة في ظل الإسلام؛ فإن هذه القيود ليست إلا ضمانات لمصلحة المرأة المسلمة نفسها، ولخير الأسرة والحفاظ عليها متماسكة قوية، وأخيراً فهي لخير المجتمع الإسلامي بشكل عام» المصدر السابق (433) وكتبت اللادي ماري في تركيا إلى شقيقتها تقول: «يزعمون أن المرأة المسلمة في استعباد وحجر معيب، وهو ما أود تكذيبه، فإن مؤلفي الروايات في أوروبا لا يحاولون الحقيقة، ولا يسعون للبحث عنها، ولولا أنني في تركيا وأنني اجتمعت إلى النساء المسلمات ما كان إلى ذلك سبيل، وأني أستمع إلى أخبارهم وحوادثهم وطرق معيشتهم من سبل شتى لذهبت أصدق ما يكتبه هؤلاء الكتاب، ولكن ما رأيته يكذب كل التكذيب أخبارهم، ولا أبالغ إذا قررت لك أن المرأة المسلمة وكما رأيتها في الأستانة أكثر حرية من زميلاتها في أوروبا، ولعلها المرأة الوحيدة التي لا تعني بغير حياتها البيتية» المصدر السابق (425-426).
وقالت الكاتبة الإنجليزية (أني رود): «أيا ليت بلادنا كبلاد المسلمين حيث فيها الحشمة والعفاف والطهارة رداء الخادمة والرقيق الذين يتنعمان بأرغد عيش ويعاملان معاملة أولاد رب البيت ولا يمس عرضهما بسوء، نعم؛ إنه عار على بلاد الإنكليز أن تجعل بناتها مثلاً للرذائل بكثرة مخالطتهن للرجال، فما بالنا لا نسعى وراء ما يجعل البنت تعمل ما يوافق فطرتها الطبيعية، كما قضت بذلك الديانة السماوية، وترك أعمال الرجال للرجال سلامة لشرفها» كتاب "العلمانية" (419).
وقالت الكاتبة اللادي كوك: «إن الاختلاط يألفه الرجال، ولهذا طمعت المرأة بما يخالف فطرتها، وعلى قدر الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنا، ولا يخفى ما في هذا من البلاء العظيم على المرأة، فيا أيها الآباء لا يغرنكم بعض دريهمات تكسبها بناتكم باشتغالهن في المعامل ونحوها، ومصيرهن إلى ما ذكرنا، فعلموهن الابتعاد عن الرجال» المصدر السابق (419-420).(1/203)
أخي القارئ: رأيت ثمرة الاطلاع والتعرف على الإسلام من قبل من نقلنا كلامهن هاهنا من النساء، وما فيها من دفاع عن الإسلام وبيان عظمته، فعسى أن يكون في مواقف هؤلاء النسوة _ اللاتي ذكرناهن _ زاجر لدعاة المساواة من ضلال المسلمين، وعسى أن يكون في كلام من ذكرنا دافعاً لأبناء جلدتنا إلى التوبة إلى الله قال تعالى: {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى} طه
الأدلة الدالة على انهزام الأحزاب والدول المعادية للإسلام
من المعلوم أن الدول المعادية للإسلام قد تجمعت وتآمرت ووضعت العهود الدولية والمواثيق على القضاء على الإسلام، فقد تحالفت الدول الأوربية الشرقية والغربية وتحالفت أوربا مع أمريكا ومن معها، وتحالف اليهود والنصارى ضد المسلمين، ولكن هذا التجمع سيهزم بإذن الله قال سبحانه: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} القمر، وكيف لا يتحقق هذا وقد هزم المسلمون أعظم دولتين على وجه الأرض آنذاك، وهما: الروم والفرس؟ وقال تعالى: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً} إلى قوله: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً َأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً} الأحزاب، فالله أسأل أن يجعل بأسه بين الدول الكافرة، وأن يذل أعداءه وينصر أولياءه.
من الانتصارات التي ستتحقق للمسلمين على الكافرين في المستقبل بإذن الله
الانتصارات التي ستتحقق على أيدي المسلمين على الكافرين كثيرة، أذكر بعضاً منها مستدلاً بالأحاديث الصحيحة:(1/204)
1- الانتصار على اليهود في الشام، روى البخاري برقم (2925) ومسلم برقم (2921) عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «تقاتلون اليهود حتى يختبئ أحدهم وراء الحجر فيقول: يا عبد الله، هذا يهودي ورائي فاقتله»
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود، حتى يقول الحجر وراءه اليهودي: يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله» رواه البخاري برقم (2926).
2- فتح القسطنطينية، روى مسلم برقم (2920) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب منها في البحر؟ قالوا: نعم يا رسول الله. قال: لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفاً من بني إسحاق، فإذا جاؤوها نزلوا فلم يقاتلوا بسلاح، ولم يرموا بسهم. قالوا: لا إله إلا الله والله أكبر، فيسقط أحد جانبيها. قال ثور: لا أعلمه إلا قال: الذي في البحر. ثم يقولوا الثانية: لا إله إلا الله والله أكبر، فيسقط جانبها الآخر، ثم يقولوا الثالثة: لا إله إلا الله والله أكبر، فيفرج لهم فيدخلوها، فيغنموا، فبينما هم يقتسمون المغانم إذ جاءهم الصريخ، فقال: إن الدجال قد خرج، فيتركون كل شيء ويرجعون» ففتح المسلمين القسطنطينية يدل على انتصارات قبلها، وبسبب الانتصارات هذه وصلوا إلى فتح القسطنطينية، وإن غداً لناظره قريب. وقد تحقق الفتح الأول على يد السلطان محمد الفاتح وسيتحقق الفتح الثاني الذي دل عليه الحديث المذكور.
3- فتح روما، وهي مدينة بابا النصارى.
الحكم بالشريعة الإسلامية تاج المستقبل للمسلمين(1/205)
ومما تواترت فيه الأدلة: انتصار المسلمين وبقاء دينهم وشريعة رسولهم بنزول عيسى بن مريم منفذ لما جاء محمد - صلى الله عليه وسلم - ، روى البخاري برقم (3448) ومسلم برقم (155) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً عدلاً، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خير من الدنيا وما فيها» ثم يقول أبو هريرة: واقرؤوا إن شئتم {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً} النساء.
وجاء عند أحمد (2/406) بسند حسن عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في ابن مريم: «فيدق الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويدعو الناس إلى الإسلام، فيهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام، ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال».
قلت: ليت النصارى يحرصون على فهم الإسلام فهماً سديداً، حتى يسهل عليهم ترك تعصبهم للشرك والخرافة ظانين أنهم ينصرون نبي الله ورسوله عيسى ابن مريم عليهما السلام، فيا ترى ماذا سيصنعون عندما يبطل المسيح ابن مريم _ عليه السلام _ الدين الذي هم عليه، ويأمرهم بدين الإسلام الذي لا يقبل الله ديناً سواه، وإن هذا لمتحقق بإذن الله، ولتعملن نبأه بعد حين.
مناقشة لدعاة المساواة من أبناء المسلمين(1/206)
معشر الدعاة إلى المساواة من أبناء المسلمين إنكم بحاجة إلى أن تفتحوا صدوركم للتخاطب معكم فيما قدمتم عليه، وتحملتموه من دعوة إلى أمر كان لكم فيه أناة لوفقتم إليه، أرأيتم لو أن طبيباً يداوي الناس على مختلف أمراضهم وأحوالهم بدواء واحد، فكيف ستكون النتيجة الضرر أم العافية؟ الجواب: هو الإضرار بكثير من الناس، مما يؤدي إلى بقاء المرض أو زيادته أو هلاك المريض، فإذا تقرر هذا؛ فلا يمكن أن يصلح للمسلمين ما هو مستخدم في بلاد الكفار كعلاج لهم، بسبب الفوارق العظيمة والكثيرة بين المسلمين والكافرين.
فالمؤمن بما عنده من فطرة على الإسلام، وإيمان بالرحمن، واتباع لسيد الأكوان، وخشية من غضب الله المنان، ومحاربة للشيطان، وكره للكفر والعصيان، وتمتع بالعفاف والحياء والإحسان؛ لا يقبل دعوة المساواة، لتنافيها مع هذه المذكورات، فكيف تجاهل هذا دعاة المساواة الديمقراطية من المسلمين؟ وكيف سعوا إلى نشرها بين المسلمين، ومحاولة إقناعهم بصلاحيتها لهم، والإغراء لهم بالمال والجاه؟ حتى يتوصلوا إلى دعوى أن المسلمين قد قبلوا المساواة الديمقراطية. فما أخطره من مكر بالمسلمين، وما أقبحها من خيانة لله ولرسوله وللمؤمنين قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله ورسوله وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون} الأنفال، ثم أرأيتم يا دعاة المساواة لو أن عدداً من المرضى جيء بهم إلى طبيب ليداويهم، فعلموا وشاهدوا أن المرضى السابقين الذين عالجهم هذا الطبيب زاد مرضهم وكثر أنينهم، واشتكوا من ضرر الدواء الذي أعطاهم، فهل سيقبلون علاج هذا الطبيب، ويقبلون دواءه وهم يرون سوء حال من تداووا على يديه قبلهم؟(1/207)
الجواب: سيعتريهم اليأس، ويخالجهم الشك والريب من خبرة هذا الطبيب، ويختارون البقاء على المرض، ويبحثون عن غيره. فكيف استمريتم معشر الدعاة إلى المساواة في الدعوة إليها وقد عظم ضررها بأهلها ومحبيها؟ فهلا رحمتم المسلمين من الضرر والفساد الذي حل بأعدائهم، فذنبكم الثاني أعظم من الأول، لأنكم مصرون عليه، والإصرار على الذنب أعظم من مجرد اقترافه.
معشر دعاة المساواة لقد علمتم بدعاة من الكفار تراجعوا عن دعوتهم إلى المساواة الديمقراطية، فلم لا تعتبرون بهم، وتجتنبون أن تكون سبة وعبرة لمن يأتي بعدكم، فهل ترضون بتسطير خطاياكم هذه في كتب التاريخ؟ وقبل هذا هل تأمنون مكر الله وبطشه وخزيه على من أفسد عباده، وأدخل عليهم الدسائس في دينهم ودنياهم باسم الإصلاح والتقدم، والبعد عن الشذوذ والتطرف؟
يا أصحاب المساواة هل تؤمنون بكمال الشريعة التي جاء بها محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟ فإن كنتم تؤمنون بكمالها وهو الواجب لأن الله يقول: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} فلم قبلتم المساواة وفيها الطعن في الشريعة والرفض لها والحكم بعدم صلاحيتها لأهلها؟ أليس هذا يناقض إيمانكم بكمالها؟ وإن كنتم لا تؤمنون بكمالها وشموليتها أما تخافون على أنفسكم من عواقب هذا الانحراف لما فيه من سوء الظن بالله من أنه سبحانه ظلم العباد وقصر في حقهم وفيما يحتاجون إليه، وحرمهم من منافع كان عليه أن يشرعها لهم، وسوء الظن بالله من صفات المنافقين قال تعالى فيهم: {ويعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا} الفتح, وقال تعالى: {إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم}.(1/208)
أفول دعوة الحرية والمساواة في بلاد الغرب الكافر
لقد انهارت دعوة المساواة الشيوعية على مرأى ومسمع من العالم، والمساواة الغربية هي في طريقها إلى الانهيار بإذن الله، وكيف لا؟! وقد ظهرت مخازيها وبانت عيوبها، وكثر من العقلاء الطعن فيها، قالت خبيرة في شؤون الأسرة الأمريكية: «إن فكرة المساواة بين الرجل والمرأة غير عملية أو منطقية، وأنها ألحقت أضرارا جسيمة بالمرأة والأسرة والمجتمع» "العدوان على المرأة" ص (103).
وهذه عالمة أحياء أمريكية تقول: «إن النساء الأمريكيات أصبحن يصبن بالشيخوخة في سن مبكرة، نتيجة صراعهن لتحقيق المساواة مع الرجال. وتقول: إن هذا الاتجاه نحو الشيخوخة في أوساط النساء يبدو جلياً في كافة أجزاء الولايات المتحدة، إلا أنه يلاحظ بصفة خاصة في المدن، حيث تدخل النساء العاملات في منافسة مباشرة مع الرجال في عالم الأعمال» " المصدر السابق ص (104).
وقالت رئيسة الجمعية النسائية الفرنسية: «إن المطالبة بالمساواة الكاملة بين الرجل والمرأة تصل بهما إلى مرحلة الضياع، حيث لا يحصل أحد من الطرفين على حقوقه» المصدر السابق ص (105).
وأثبتت الجداول الإحصائية التي أصدرتها منظمة اليونسكو _ دمرها الله _ (أن المرأة في الدول غير الإسلامية المتقدمة صناعياً كالولايات المتحدة وكندا واليابان والمملكة المتحدة اتجهت إلى التعليم والتخصصات التي تتوافق مع طبيعتها) المصدر السابق ص (141).
ودعت مديرة كلية (تشليتنهام) للسيدات في بريطانيا بتفضيل التعليم غير المختلط... حيث قالت: «إن على الآباء أن يأخذوا في اعتبارهم التعليم غير المختلط عند إلحاق بناتهم بالدراسة»(1/209)
وأيضاً طالبت الحركة النسائية في ألمانيا الغربية بعودة التعليم غير المختلط، وأجريت دراسات في الولايات المتحدة والسويد وألمانيا تبين أن اللاتي درسن في مدارس غير مختلطة أفضل من اللاتي درسن في مدارس مختلطة. المصدر السابق (238-239). وهاهي رئيسة وزراء بريطانيا السابقة التي كان يطلق عليها (المرأة الحديدية) تقول: «إن المرأة هي الخاسرة وهي تتحمل العبء الثقيل لهذا الانفلات» نقلاً من كتاب "المذاهب الفكرية المعاصرة" (1/133)
وقالت أجاثاكريستي وهي أشهر كاتبة إنجليزية: «إن المرأة الحديثة مغفلة، لأن مركزها في المجتمع يزداد سوءاً يوماً بعد يوم، فنحن النساء نتصرف تصرفاً أحمق، لأننا بذلنا الجهد الكبير في السنين الماضية للحصول على حق العمل والمساواة في العمل مع الرجال، والرجال ليسوا أغبياء، فقد شجعونا على ذلك، معلنين أنه لا مانع مطلقاً من أن تعمل الزوجة وتضاعف دخل الزوج، ومن المحزن أن نجد بعد أن أثبتنا نحن النساء أننا الجنس اللطيف أننا نعود اليوم لنتساوى في الجهد والعرق الذي كان من نصيب الرجل وحده».
وفي استفتاء لمعهد غالوب في أمريكا: (إن المرأة متعبة الآن، ويفضل 65% من نساء أمريكا العودة إلى منازلهن، كانت المرأة تتوهم أنها بلغت أمنية العمل، أما اليوم وقد أدمت عثرات الطريق قدمها واستنزفت الجهود قواها فإنها تود الرجوع إلى عشها لاحتضان فراخها» "العلمانية" ص (434-435).
وقال صاحب كتاب "العدوان على المرأة في المؤتمرات الدولية" ص (105-106): «إن مجلة (ماري مكير) الباريسية قامت باستفتاء الفتيات الفرنسيات من جميع الأعمار والمستويات الاجتماعية والثقافية، شمل 2.5 مليون فتاة عن رأيهن في الزواج من العرب، وكانت إجابة 90% منهن: نعم، والأسباب التي أفادتها نتيجة الاستفتاء هي:
- مللت المساواة بالرجل.
- مللت حالة التوتر الدائم ليل نهار.
- مللت الاستيقاظ عند الفجر، والجري وراء المترو.(1/210)
- مللت الاستيقاظ للعمل حتى السادسة مساء في المكتب والمصنع.
- مللت الحياة الزوجية التي لا يرى الزوج فيها زوجته إلا عند النوم.
- مللت الحياة العائلية التي لا ترى الأم فيها أطفالها إلا حول مائدة الطعام.
ومن الطريف أن العنوان كان (وداعاً عصر الحرية والمساواة، وأهلا بعصر الحريم).
وحينما أنشئت محكمة في بروكسل عاصمة بلجيكا وعاصمة السوق الأوروبية المشتركة؛ أطلق عليها اسم (المحكمة الدولية للنظر في جرائم الرجال ضد النساء) لم يمض على إنشائها أسبوع حتى عقد اجتماع كبير من مجلس وزراء السوق التسع لمناقشة موضوع المساواة بين المرأة الأوروبية والرجل الأوروبي، وكان أبرز ما تناوله الاجتماع: نتائح استطلاع الرأي العام الأوروبي الذي أجري منذ فترة في دول السوق بين الرجال والنساء، وكانت النتيجة أن 48% ممن جرى سؤالهم يعارض بشدة إجراء أي تغييرات في أوضاع المرأة، ومنحها مزيداً من الحقوق، و 18% ذكرن أنه يمكن أجراء بعض التغييرات والإصلاحات ولكن بشكل معتدل، و 24% ذكرن أن هذا الموضوع لا يخطئ باهتماماتهن على الإطلاق. المصدر السابق ص (104).
أخي القارئ: هذه الحقائق عن النساء اللاتي خضن غمار فتنة المساواة فخرجن ساخطات على المساواة المشئومة، معلنات وداعيات إلى التخلي عنها، فإذا كانت دعوة المساواة قد أضرت بالكفار رجالهم ونسائهم بأضرار جسيمة، وهم غارقون في الشرور والأضرار قبل ذلك، ومع هذا أدركوا أضرارها، فما بال منظمة اليونسكو في بلاد المسلمين تدعو إلى المساواة، وتظهرها جدعاً، وهي ممن يشارك الغرب في الدعوة إلى التخلي عنها؟ ألا يدل هذا على أن المنظمات التنصيرية وزعماء الغرب يفرضون على الشعوب والدول الإسلامية ما قد نبذوه، أما كفاهم الفساد الذي أشعلوا به بلادهم وجعلوها ناراً؟ أيريدون أن ينقلوا إلينا تلك الرذائل والعدوى التي صارت عاراً عليهم، وبعد ذلك يقولون إنهم أقل شراً وفساداً من المسلمين؟ ألا ساء ما يمكرون.(1/211)
الفصل الثامن:
الإجابة عن الشبه
لقد أورد دعاة المساواة بين الرجل والمرأة من أبناء جلدتنا شبهاً يجوزون بها المساواة المزعومة، فإليك ذكر شبههم مع الرد عليها:
الشبهة الأولى: استدلوا على المساواة بين المؤمن والمؤمنة في الحقوق السياسية بقوله تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} التوبة.
والجواب: أن تتمة الآية، وهي قوله تعالى: {يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله} تفسير للولاية بين المؤمنين والمؤمنات، وهذا التفسير للولاية اشتمل على اتصاف المؤمنين والمؤمنات بالتمسك بمنهاج النبوة قولاً وعملاً، وتنفيذاً ودعوة ودفاعاً، فإن قوله سبحانه: {ويطيعون الله ورسوله} دليل على عموم أخذهم بمنهاج النبوة، وهو متضمن لعدم تغييرهم وتبديلهم لشيء من الدين، فكيف يستدل بهذه الآية على وجوب تعاون المؤمنين والمؤمنات على ما هو دسيسة على المسلمين الديمقراطية من تحزبات وانتخابات ومساواة بالرجل في وظائفه الخاصة؟! وعلى هذا؛ فالآية تدعو المؤمنين والمؤمنات إلى محاربة ما جاءت به الديمقراطية مما ذكر آنفاً، وغير ذلك.
الشبهة الثانية: استدلوا على المساواة المذكورة بقوله تعالى: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة} النحل، ووجه استدلالهم بالآية: أنها سوَّت بين المؤمنين ولمؤمنات في العمل، فأخذوا من ذلك مساواة المرأة بالرجل في الحقوق والواجبات، وعلى وجه الخصوص الحقوق السياسية.(1/212)
والجواب: أن العمل الصالح يشمل الفرائض، ولا بد وأداء ما تيسر من المستحبات، وترك المحرمات ولا بد، وترك الشبهات كما قال بذلك غير واحد من المفسرين، ولم يستدل دعاة المساواة بالآية على ما تضمنته، وإنما استدلوا بها على وجوب مساواة المرأة بالرجل فيما جاءت به الديمقراطية، واستدلالهم بالآية على هذا ينافي ما تدل عليه، لأن المساواة المذكورة ليست من الأعمال الصالحة، بل هي من أعظم الأعمال الفاسدة، وكأني بهؤلاء كلما رأوا آية فيها ذكر المؤمنين والمؤمنات انتزعوها دليلاً لهم على مساواتهم، دون النظر إلى سياقها وسباقها وما بعدها، ودون الرجوع إلى تفسير المفسرين، وإنما يفسرونها على ما يشتهون فيَضلون ويُضلون.
الشبهة الثالثة: استدلالهم على المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق السياسية بأن ملكة سبأ كانت تحكم اليمن.
والجواب: هذا الاستدلال من باب (المتقلب يتشبث بطحلب) وإلا متى كانت أعمال الكفار حجة على أهل الإسلام؟ ولو عند هؤلاء إنصاف لتركوا الاحتجاج بما فعلته ملكة سبأ حال كفرها لما فعلته بعد إسلامها، فملكة سبأ لما أسلمت على يد نبي الله سليمان عليه السلام لم تعد إلى الملك كما هو ظاهر القرآن الكريم.
الشبهة الرابعة: بأن أروى بنت أحمد الصليحية حكمت اليمن قرابة نصف قرن.
والجواب: لا حجة لهم في ذلك، لأن أروى من الباطنية، والباطنية القرامطة أكفر من اليهود والنصارى كما أجمع على ذلك علماء الإسلام، فكيف يحتج بأعمال من هو خارج عن الإسلام محارب له.
الشبهة الخامسة: استدلوا على المساواة بقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «إنما النساء شقائق الرجال».(1/213)
والجواب: الحديث رواه أحمد (6/256) عن عائشة، وقد جاء عن غيرها وهو حديث حسن، وأما معنى (شقائق الرجال) فهو: المثيل والنظير، كما هو قول أهل اللغة، وبهذا فسره غير واحد من العلماء، قال الخطابي في "معالم السنن" (1/68): «أي: نظائرهم وأمثالهم في الخلق والطباع، فكأنهن شققن من الرجال» وزاد غيره: (لأن حواء خلقت من آدم عليه الصلاة والسلام) فالحديث ليس فيه دلالة على المساواة في الحقوق والواجبات كما يزعم دعاة المساواة، لا من لفظه ولا من معناه: أما لفظه: فواضح عدم وجود لفظ (المساواة) فيه. وأما معناه: فالنظير والمثلية تتحقق في جزء من أجزاء المماثل له، فيقال: فلان مثل فلان، ويقصد بذلك: مثله في الجمال أو الفصاحة أو القوة أو الشر، فإذا أريد المماثلة التامة فيقال: هو مثله في كل شيء. وقد يقول قائل: المساواة تأتي ويراد بها في بعض الأحايين: المساواة الجزئية، أي: المماثلة في بعض الصفات أو الواجبات. قلنا: هذا وارد، ولكن هؤلاء ركبوا الشطط وقالوا: مساواة مطلقة وعامة في كل شيء، فلو قالوا بالمساواة الجزئية الموافقة للإسلام لانتهى الخلاف بيننا وبينهم.
الشبهة السادسة: استدلوا على المساواة بحديث: «الناس كأسنان المشط وإنما يتفاضلون بالعافية ...»
والجواب: الحديث ضعيف جداً، قاله العلامة الألباني في "السلسلة الضعيفة" (2/60) رقم (596). وأيضاً ضعيف متناً لمخالفته الآيات والأحاديث التي تنفي المساواة بين المؤمنين والكافرين، وبين الرجل والمرأة.
الشبهة السابعة: استدلوا بقصة تولية عمر بن الخطاب الشفاء بنت عبد الله على السوق.
والجواب: هذه القصة لا أساس لها من الصحة. قال ابن العربي في "أحكام القرآن" (3/1445): «وقد روي أن عمر قدم امرأة على حسبت السوق، ولم يصح، فلا تلتفتوا إليه، وإنما هو من دسائس المبتدعة في الأحاديث».(1/214)
الشبهة الثامنة: قالوا: إن المساواة التي نفاها القرآن: هي المساواة بين المسلم والكافر كقوله تعالى: {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون} السجدة، والفسق هاهنا: الكفر.
والجواب: قد جاء القرآن بنفي المساواة بين المؤمنين قال تعالى: {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله} التوبة، روى الإمام مسلم رقم (1879) عن النعمان بن بشير قال: «كنت عند منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رجل: ما أبالي ألا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج. وقال آخر: ما أبالي ألا أعمل عملا بعد الإسلام إلا أن أعمر المسجد الحرام. وقال آخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم، فزجرهم عمر وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يوم الجمعة، ولكن إذا صليت الجمعة دخلت فاستفتيته فيم اختلفتم فيه فأنزل الله عز وجل: {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين}»
وقال تعالى: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد الفتح وقاتلوا} الحديد. وجاء أيضاً بنفي المساواة بين الرجل والمرأة عموماً قال تعالى: {وليس الذكر كالأنثى}
الشبهة التاسعة: استدلالهم على المساواة بسبب نزول قوله تعالى: {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض} أن أم سلمة رضي الله عنها قالت: «يا رسول الله يغزو الرجال ولا نغزو، ولنا نصف الميراث».
والجواب: هذه القصة لا تصح لأنها منقطعة، فمجاهد بن جبر لم يسمع من أم سلمة، إضافة إلى ذلك أن القرآن قد نهى عن هذا التمني.(1/215)
ومن سخافة عقول بعض الداعيات إلى المساواة استدلالها على تولي المرأة القضاء بقوله تعالى: {يا ليتها كانت القاضية} والآية الكريمة تتحدث عن أحوال الكفار يوم القيامة، قال تعالى: {وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانية خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراع فاسلكوه إنه كان لا يؤمن بالله العظيم}.
وخلاصة القول: أن دعاة المساواة لم يأتوا بدليل يصلح للاستدلال به على صحة مساواتهم فيما ذكرنا من الشبه، ولن يأتوا بدليل على ذلك مهما لبسوا وتعنتوا وبدلوا وغيروا، فليربؤا بأنفسهم عن سلوك هذا الطريق.
أبيات شعرية في ذم المساواة
لقد واجهت دعوة المساواة رفضاً ونفرة وتنكراً في العالم الإسلامي، وكان استنكار أهل اليمن لها استنكاراً شديداً.
ولما دعت الدولة اليمنية إلى مشاركة النساء في الدخول في العسكرة قال أحد الضباط زاملا باللغة العامية:
لا عادنا جندي ولانا صاعقه ما دامت الرتبه على اكتاف البنات
الجيش طالق والحكومه طالقه والأمن طالق بالثلاث النافذات
وقال آخر:
فتحوا مجال العسكره بالذات مخصوص للمره
هبت علينا المحشره العار يا فندم علي
الغرب ذي ساق الخطط ما يشتوا الإسلام قط
وقال الشاعر أحمد الرداعي:
ادوا لنا دشات لاجل المسلسل يريدون ضياع الدين يشتوا نكاله
حتى النساء اليوم تشتي تديول والزوج با يطحن ويبزي عياله
تشتي لها أموال تضلي تجول ما تشتي الرجال تشتي بداله
وقال شاعر آخر:
سلام يتقسم على روس القمم يا ذي تريدوا مني القول السليم
إذا المرة حطت على الكتف النجم ما عاد بايصلح غداها والعسيم
واهل الوفى والجود واصحاب الكرم ما يرتضوا بالعسكره بين الحريم
وقال آخر:
ألا قاسم محمد قال كلمة (مع) ممنوعه
وكلمة (يا رفيقه شاركيني في العمل) شوعه
وقال آخر:
إذا وفد إلى البلد وافد فقولوا: عفوا الوزير والد(1/216)
يريد أن المرأة لما تكون وزيرة وتكون في حالة الولادة يأتي الناس لقضاء حوائجهم فيخبرون أنها نفاس.
وقال آخر:
قل لي يا علي وايش ترى جابوا لنا الخزي والزرى في وسط المدن والقرى
للنسوان حطوا صور
جابوا لنا المره تنتخب والمجنون جا ينسحب والطفل الذي في اللعب
هو شي حل والا بصر
يا حمى على أذقانكم رسخت بنسوانكم ذا المنتخب هانكم
بعتوا عاركم بالزقر
ظن القبيله مظهره با تصبح تشل المره ديمقراطيه جمهره
بعدها نفع والا ضرر.
وقال الشاعر محمد بن سعيد العيسي الداغية الحدائي:
ها يا دعاة التسوية لا فوارق في شرعكم بين الذكر والحليله
حيضة بحيضة يالرجال الدوانق والمكيجة يا قوم ليلة بليله
ويوم تطلقها ويوم انت طالق من راسها في الحال يا بو جميلة
ويوم عليك البيت صف النمارق غسل ثياب الفندمه والوكيله
وابزه عيالك وانتبه للمغالق واحذر تفك البيت طيع الخليله
وهي عليها الجنز لا كان حازق وتنطلق بين الذياب الرخيله
تذهب جهات الغرب وأرض المشارق وتعلن التحرير ونبذ الفضيله
هذا يصافحها وهذا يعانق بالله عليكم ما تكون الحصيله
شوفوا بلاد الغرب في الشر غارق بين السفايل والأمور الرذيله
فلا تسيروا نحو تلك المزالق وتجعلوا ذاك التقدم وسيله
من أجل زرع الشر بين العواتق وتجعلون الشر يلصي فتيله
فَكَّوا مجال الطايشه والمراهق وصابحو مثل النعاج الهميله
والبعض يجعل مكلفه في المشانق في العسكرة تزحف وتخدم مثيله
هذا ينادمها وهذا يلاحق وذاك يجعلها معاهم زميله
ماشي نساء يتحملين البنادق حمى عليكم يا وجيه القبيله
كف با تكون العاقبة يا الحواذق لا صابحت بين العساكر قتيله
ولا وضايف للنساء يالفواسق مع الأسود الضاريه والهزيله
العار يشمل كل حاضر وسابق ومن لحق فالعار مثله يجيله
والجوهرة تحفظ بوسط الصنادق فلا تصلها يد ولا عين دخيله
تبقى مصانه من جميع العوائق مثل الذهب محفوظ ما احد يشيله
ولا تساوى بيننا قول صادق كلين يعرف مهنته والفصيله(1/217)
ولأبي زيد الحجوري قصائد حول المرأة المخدوعة بالحرية والمساواة اقتطفنا منها هذه الأبيات:
المرأة هم وقضية وحديث الكرة الأرضية
المرأة عالم ألغاز تتخبط فيه البشرية
المرأة ضاعت وأضاعت أجبلا وتظل ضحية
لكن الإسلام رعاها وحماها أما وصبية
ودعانا لندافع عنها ولندرأ عنها التبعية
ولننفق يا صاح عليها كي تبقى في الدار أبية
لم يسمح للمرأة أبدا أن تخرج إلا بمعية
وبغير المحرم يمنعها أن ترحل فتصير سبية
وخروج المرأة كلفنا أضعاف الحرب الذرية
أفسد أجيالا كانت سترد القدس العربية
سبب أعراضا هتكت أحرمنا أمن الزوجية
أنشأ أخلاقا قامت بالدنيا كالمصداقية
أعدمنا ثقة وحياء ووفاء وإبى وحمية
من خرجت عارية تيها وتحد للمسؤولية
وانتصبت لوحة إعلان للتجار بدون روية
فلهذا تعرض أزياء ولهذا تعرض أدوية
ولهذا تعرض أجهزة ولهذا تعرض أغذية
ولهذا تعرض أفكارا ولهذا تعرض حزبية
ولهذا تعمل بالمافيا ولهذا بالجاسوسية
ولهذا تعرض أفلاما ولهذا تعرض أغنية
ولهذا تعرض فندقة ولهذا العلج إباحية
وتغني وتذيع وصفرا رقصها طبل الحرية(1/218)